الاهل وغيرهم في جواز أخذ الزكاة والمنع عنه، فمن كان من أهلها إذا كان محتاجا إليها للتدريس والحفظ والتصحيح فإنه لا يخربها عن الفقر، فله أخذ الزكاة إن كانت فقها أو حديثا أو تفسيرا ولم يفضل عن حاجته نسخ تساوي نصابا، كأن يكون عنده من كل تصنيف نسختان، وقيل ثلاث لان النسختين يحتاج إليهما لتصحيح كل من الاخرى، والمختار الاول: أي كون الزائد على الواحدة فاضلا عن الحاجة، وأما غير الاهل فإنهم يحرمون بالكتب من أخذ الزكاة لتعلق الحرمان بملك قدر نصاب غير محتاج إليه وإن لم يكن ناميا.
وأما كتب الطب والنحو والنجوم فمعتبرة في المنع مطلقا.
ونص في الخلاصة على أن كتب الادب والمصحف الواحد ككتب الفقه، لكن اضطرب كلامه في كتب الادب، فصرح في باب صدقة الفطر بأنها كالتعبير والطب والنجوم.
والذي يقتضيه النظر أن نسخة من النحو أو نسختين على الخلاف لا تعتبر من النصاب.
وكذا من أصول الفقه والكلام غير المخلوط بالآراء، بل مقصور على تحقيق الحق من مذهب أهل السنة، إلا أن لا يوجد غير المخلوط لان هذه من الحوائج الاصلية.
أفاده في فتح القدير.
قلت: والذي يقتضيه النظر أيضا أنه إن أريد بالادب الظرافة كما في القاموس وذلك ككتب الشعر والعروض والتاريخ ونحوه تمنع الاخذ، وإن أريد به آداب النفس كما في المغرب وهو المسمى بعلم الاخلاق كالاحياء للغزالي ونحوه فهو كالفقه لا يمنع، وإن كتب الطب لطبيب يحتاج إلى مطالعتها ومراجعتها لا تمنع لانها من الحوائج الاصلية كآلات المحترفين، وإن الاهل إذا كان غير محتاج إليها فهو كغير الاهل كما يعلم مما مر، وكذا حافظ قرآن له مصحف لا يحتاجه لان المناط هو الحاجة.
قوله: (أو تزيد على نسختين) صوابه على نسخة، لان المختار هو كون الزائد على
نسخة واحدة فاضلا عن الحاجة كما قدمناه عن الفتح ومثله في النهر.
قوله: (وكذلك آلات المحترفين) أي سواء كانت مما لا تستهلك عينه في الانتفاع كالقدوم والمبرد أو تستهلك، لكن هذا منه ما لا يبقى أثر عينه، كصابون وجرض الغسال، ومنه ما يبقى كعصفر وزعفران لصباغ ودهن وعفص لدباغ فلا زكاة في الاولين، لان ما يأخذه من الاجرة بمقابلة العمل.
وفي الاخير الزكاة إذا حال عليه الحول، لان المأخوذ بمقابلة العين كما في الفتح پ قال: وقوارير العطارين ولحم الخيل والحمير المشتراة للتجارة ومقاودها وجلالها إن كان من غرض المشتري بيعها بها ففيها الزكاة وإلا فلا.
قوله: (كالعصفر الاولى كالعفص كما في بعض النسخ لانه المناسب لقوله: لدبغ الجلد.
قوله: (وإن حال الحول) أي ولم ينو بها التجارة، بل أمسكه لحرفته.
قوله: (فتباع له) أي يجبره القاضي على بيعها لقضاء الدين، وإن أبى باعها عليه.
قوله: (ولا في مال مفقود الخ) شروع في مسألة مال الضمار كما يأتي.
قوله: (بعدما) أي بعد سنين.
قوله: (فلو له بينة لما مضى) أي تجب الزكاة بعد قبضه من الغاصب لممضى من السنين.
قال ح: وينبغي أن يجري هنا ما يأتي مصححا عن محمد من أنه لا زكاة فيه، لان البينة قد لا تقبل فيه اه.
قال ط: والظاهر على القول(2/288)
بالوجو ب أن حكمه حكم الدين القول اه: أي فتجب عند قبض أربعين درهما.
قوله: (فلا تجب لعدم تحقق الاسامة ط.
قوله: (عند غير معارفه) أي عند الاجانب، فلو عند معرفه تجب الزكاة لتفريطه بالنسيان في غير محله.
بحر.
قوله: (في حرز) كداره أو دار غيره.
بحر.
وقيل إذا كانت الدار عظيمة فلها حكم الصحراء.
إسماعيل عن البرجندي.
قوله: (واختلف في المدفون الخ) فقيل بالوجوب لامكان الوصول، وقيل لا، لانها غير حرز.
بحر.
قوله: (ولا بينة له عليه) هذا على أحد القولين المصححين كما يأتي.
قوله: (ثم صارت) أي البينة.
قوله: (بعدها) أي السنين.
قوله: (وقيده الخ) أي قيد عدم الوجوب في المجحود عند عدم البينة بما إذا حلفه عند القاضي فحلف، إما قبله لاحتمال نكوله، وهذا نقله في غرر الاذكار بلفظ: وعن أبي يوسف، ثم لا يخفى أنه على التصحيح الآتي من عدم الوجوب، ولو مع البينة يقتضي أن لا تجب قبل التحليف بالاولى كما
أفاده ط: عن أبي السعود.
قوله: (وما أخذ مصادره) المصادرة: أن يأمره بأن يأتي بالمال، والغصب: أخذ المال مباشرة على وجه القهر، فلا يتكرر هذا مع قوله: ومغصوب لا بينة عليه أفاده ح.
قوله: (ثم وصل إليه) أي المال في جميع هذه الصور.
قوله: (لعدم النمو) علة لقوله: ولا في مال مفقود الخ أفاد به من محترزات قوله نام ولو تقديرا لانه غير متمكن من الزيادة لعدم كونه في يده أو يد نائبه.
قوله: (حديث علي) كذا عزاه في الهداية إلى علي وليس بمعروف، وإنما ذكره سبط ابن الجوزي في آثار الانصاف عن عثمان وابن عمر، كذا في شرح النقابة لمنلا علي القاري.
قوله: (لا زكاة في مال الضمار) الضمار بالضاد المعجمة بوزن حمار.
قال في البحر: وهو في اللغة الغائب الذي لا يرجى، فإذا رجي فليس بضمار، وأصله الاضمار وهو التغييب والاخفاء، ومنه أضمر في قلبه شيئا.
قوله: (ملئ) فعيل بمعنى فاعل هو الغني ط.
وفي المحيط، عن المنتقى عن محمد: لو كان له دين على وال، وهو مقر به إلا أنه لا يعطيه وقد طالبه بباب الخليفة فلم يعطه فلا زكاة فيه، ولو هرب غريمه وهو يقدر على طلبه أو التوكيل بذلك فعليه الزكاة، وإن لم يقدر على ذلك فلا زكاة عليه اه.
قوله: (أو على معسر) الاصوب إسقاط على لانه عطف على ملئ نعت لمقر أيضا لا مقابل له، لانه لو كان غير مقر فهو المسألة المتقدمة.
والاخصر قول الدرر: على مقر ولو معسرا.
قوله: (أي محكوم بإفلاسه) أفاد أن قوله: مفلس مشدد اللام، وقيد به لانه محل الخلاف، لان الحكم به لا يصح عند أبي حنيفة فكان وجوده كعدمه فهو معسر، ومر حكمه، ولو لم يفلسه القاضي وجبت الزكاة بالاتفاق كما في العناية وغيرها، لان المال غاد ورائح.
قوله: (وعن محمد لا زكاة) أي وإن كان له بينة.
بحر.
قوله: (وهو الصحيح) صححه في التحفة كما في غاية(2/289)
البيان، وصححه في الخانية أيضا وعزاه إلى السرخسي.
بحر.
وفي باب المصرف من النهر عن عقد افرائد: ينبغي أن يعول عليه.
قلت: ونقل الباقاني تصحيح الوجوب عن الكافي، قال: وهو المعتمد، وإليه مال فخر الاسلام اه.
ولذا جزم به في الهداية والغرر والملتقى والمصنف.
والحاصل أن فيه
اختلاف التصحيح، ويأتي تمامه في باب المصرف.
قوله: (لان البينة الخ) ولان القاضي قد لا يعدل، وقد لا يظفر بالخصومة بين يديه لمانع فيكون: أي الدين في حكم الهالك.
بحر.
قوله: (سيجيئ) أي في كتاب القضاء ط.
قوله: (عدم القضاء) أي عدم صحة قضاء القاضي اعتمادا على علمه، فلو علم بالمجحود وقضى به لم يصح، ولا يجب أن يزكي لما مضى.
قوله: (فوصل إلى ملكه) أقول: من ذلك ما في المحيط: له ألف على معسر فاشترى منه بالالف دينارا ثم وهب منه الدينار فعليه زكاة الالف لانه صار قابضا لها بالدينار اه.
ومنه ما في الولوالجية: وهب دينه من رجل وولكه بقبضه فوجبت فيه الزكاة، ثم قبضه الموهوب له فالزكاة على الواهب لان القابض وكيل عنه بالقبض له أو لا.
وأقول أيضا: الوصول إلى ملكه غير قيد، لانه لو أبرأ مديونه الموسر تلزمه الزكاة لانه استهلاك، كما ذكره عند تفصيل الدين قبيل باب العاشر، وسيأتي الكلام فيه.
قوله: (وسنفصل الدين) أي إلى قوي ووسط وضعيف والاخير لا يزكيه لما مضى أصلا، وفي الاولين تفصيل سيأتي، ففيه إشارة إلى أن ما هنا ليس على إطلاقه.
قوله: (وسبب الخ) هذا هو السبب الحقيقي، وما تقدم من قوله: وسببه ملك نصاب الخ وهو السبب الظاهري كالزوال للظهر ط.
قوله: (توجه الخطاب) أي الخطاب المتوجه إلى المكلفين بالامر بالاداء ط.
قوله: (وشرطه الخ) ما تقدم في قول المصنف وشرط افتراضها عقل الخ شروط في رب المال، وما هنا شروط في نفس المال المزكى ط.
قوله: (وهو في ملكه) أي والحال أن نصاب المال في ملكه التام كما مر، والشرط تمام النصاب في طرفي الحول كما سيأتي، وقدمنا أن الحول لا يشترط في زكاة الزروع والثمار.
قوله: (ولو للنفقة) تقدم الكلام في ذلك فلا تغفل.
قوله: (بقيدها الآتي) هو الاكتفاء بالرعي في أكبر السنة بقصد الدر والنسل، وأنث الضمير إشارة إلى أن المراد بالسوم الاسامة إذ لا بد فيه من نيتها، لان السائمة تصلح لغير الدر والنسل كالحمل والركوب، ولا تعتبر هذه النية ما لم تتصل بفعل الاسامة كما في البحر.
قوله: (كما سيجئ) أي في آخر هذا الباب، ويأتي بيانه.
قوله: (أو يؤاجر داره الخ) قال في البحر: لكن ذكر في البدائع الاختلاف في بدل منافع عين معدة للتجارة.
ففي كتاب زكاة الاصل(2/290)
أنه للتجارة بلا نية.
وفي الجامع ما يدل على التوقف على النية، وصحح مشايخ بلخ رواية الجامع، لان العين وإن كانت للتجار لكن قد يقصد ببدل منافعها المنفعة، فتؤجر الدابة لينفق عليها والدار للعمارة فلا تصير للتجارة مع التردد إلا بالنية اه.
وقيد بقوله: التي للتجارة إذ لو كانت للسكنى مثلا لا يصير بدلها للتجارة بدون النية، فإذا نوى يصح ويكون من قسم الصريح.
قوله: (واستثنوا الخ) ذكر في النهر أنه ينبغي جعله من النية دلالة فلا حاجة إلى الاستثناء.
قوله: (مطلقا) أي وإن لم ينوها أو نوى الشراء للنفقة، حتى لو اشترى عبيدا بمال المضاربة ثم اشترى لهم كسوة وطعاما للنفقة كان الكل للتجارة، وتجب الزكاة في الكل بدائع.
قوله: (لانه لا يملك بمالها غيرها) أي بمال التجارة غير التجارة، بخلاف المالك إذا اشترى لهم طعاما وثيابا للنفقة لا يكون للتجارة لانه يملك الشراء لغير التجارة.
بدائع.
قوله: (ولا تصح نية التجارة الخ) لانها لا تصح إلا عند عقد التجارة، فلا تصح فيما ملكه بغير عقد كإرث ونحوه كما سيأتي، ومثله الخارج من أرضه، لان الملك يثبت فيه بالنيات ولا اختيار له فيه، ولذا قال في البحر: وخرج: أي بقيد العقد ما إذا دخل من أرضه حنطة تبلغ قيمتها نصابا ونوى أن يمسكها ويبيعها فأمسكها حولا: لا تجب فيها الزكاة كما في الميراث، وكذا لو اشترى بذر التجارة وزرعها في أرض عشر استأجرها كان فيها العشر لا غير، كما لو اشترى أرض خراج أو عشر للتجارة لم يكن عليه زكاة التجارة إنما عليه حق الارض من العشر أو الخراج.
قوله: (أو المستأجرة أو المستعارة) يعني وكانت الارض عشرية، فإن العشر على المستعير اتفاقا وعلى المستأجر على قولهما المأخوذ به، وأما إذا كانتا خراجتين فإن الخراج على سب الارض فإذا نوى المستعير أو المستأجر في الخارج منهما التجارة يصح لعدم اجتماع الحقين، أفاده ح.
قلت: يتعين فرض المسألة فيما إذا اشترى بذرا للتجارة وزرعه ليصح التعليل بعدم اجتماع الحقين، أما لو نوى التجارة فيما خرج من أرضه، فقد علمت أنها لا تصح بعدم العقد فلم يصر الخارج مال تجارة فلا زكاة فيه، فافهم.
قوله: (لئلا يجتمع الحقان) علمت ما فيه.
قوله: (وشرط صحة أدائها الخ) قد علم اشتراط النية من قوله أولا لله تعالى، لكن ذكرت هنا لبيان تفاصيلها، أفاده
في البحر.
قوله: (نية) أشار إلى أنه لا اعتبار للتسمية، فلو سماها هبة أو قرضا تجزيه في الاصح، وإلى أنه لو نوى الزكاة والتطوع وقع عنها عند الثاني، لان نية الفرض أقوى، وعند الثالث يقع عنه، وإلى أنه ليس للفقير أخذها بلا علمه إلا إذا لم يكن في قرابته أو قبيلته منه فيضمن حكما لا ديانة، وإلى أن الساعي لو أخذها منه كرها لا يسقط الفرض عنه في الاموال الباطنة، بخلاف الظاهرة، هو المفتى به، وإلى أنها لا تؤخذ من تركته لفقد النية إلا إذا أوصى فتعتبر من الثالث، وتمامه في البحر.
زاد في الجوهرة: أو تبرع ورثته.
قلت: ولعل وجهه أنهم قائمون مقامه فتكفي نيتهم، فتأمل.
قوله: (مقارنة) هو الاصل كما في سائر العبادات، وإنما اكتفي بالنية عند العزل كما سيأتي، لان الدفع يتفرق فيتحرج باستحضار النية(2/291)
عند كل دفع فاكتفي بذلك للحرج.
بحر والمراد مقارنتها للدفع إلى الفقير، وأما المقارنة للدفع إلى الوكيل فهي من الحكمية كما يأتي ط.
قوله: (والمال قائم في يد الفقير) بخلاف ما إذا نوى بعد هلاكه.
بحر.
وظاهره أن المراد بقيامه في يد الفقير بقاؤه في ملكه لا اليد الحقيقية، وأن النية تجزيه ما دام في ملك الفقير ولو بعد أيام.
قوله: (أو دفعها لذمي) نبه على الفرق بين الزكاة والحج، لان الزكاة عبادة مالية محضة، فتصح فيها إنابة الذمي وإن لم يكن من أهل النية، لان الشرط فيها نية الامر، بخلاف الحج لانه عبادة مركبة من المال والبدن فتشترط فيه أهلية المأمور للنية.
قوله: (لان المعتبر نية الآمر) علة للمسألتين.
قوله: (ولذا) أي لكون المعتبر نية الآمر.
قوله: (لو قال) أي عند الدفع إلى الوكيل.
قوله: (ثم نواه عن الزكاة) أي ولم يعلم الوكيل بذلك، بل دفع إلى الفقير بنية التطوع أو الكفارة.
قوله: (ضمن وكان متبرعا) لانه ملكه بالخلط وصار مؤديا مال نفسه.
قال في التاترخانية: إلا إذا وجد الاذن أو أجاز المالكان اه: أي أجاز قبل الدفع إلى الفقير، لما في البحر: لو أدى زكاة غيره بغير أمره فبلغه فأجاز لم يجز لانها وجدت نفاذا على المتصدق لانها ملكه ولم يصر نائبا عن غيره فنفذت عليه اه.
لكن قد يقال: تجزي عن الآمر مطلقا لبقاء الاذن بالدفع.
قال في البحر: ولو تصدق عنه بأمره جاز، ويرجع بما دفع عند أبي يوسف.
وعند محمد، لا يرجع
إلا بشرط الرجوع اه تأمل.
ثم قال في التاترخانية: أو وجدت دلالة الاذن بالخلط كما جرت العادة بالاذن من أرباب الحنطة بخلط ثمن الغلات، وكذلك المتولي إذا كان في يده أوقات مختلفة وخلط غلاتها ضمن، وكذلك إذا خلط الاثمان أو البياع إذا خلط الامتعة يضمن اه.
قال في التجنيس: ولا عرف في حق السماسرة والبياعين بخلط ثمن الغلات والامتعة اه.
ويتصل بهذا العالم إذا سأل للفقراء شيئا وخلط يضمن.
قلت: ومقتضاه أنه لو وجد العرف فلا ضمان لوجود الاذن حينئذ دلالة.
والظاهر أنه لا بد من علم المالك بهذا العرف ليكون إذنا منه دلالة.
قوله: (إذا وكله الفقراء) لانه كلما قبض شيئا ملكوه وصار خالطا مالهم بعضهم ببعض، ووقع زكاة عن الدافع، لكن بشرط أن لا يبلغ المال الذي بيده الوكيل نصابا، فلو بلغه وعلم به الدافع لم يجزه إذا كان الآخذ وكيلا عن الفقير كما في البحر عن الظهيرية.
قلت: وهذا إذا كان الفقير واحدا، فلو كانوا متعددين لا بد أن يبلغ لكل واحد نصابا، لان ما في يد الوكيل مشترك بينهم، فإذا كانوا ثلاثة وما في يد الوكيل بلغ نصابين لم يصيروا أغنياء فتجري الزكاة عن الدافع بعده إلى أن يبلغ ثلاثة أنصباء، إلا إذا كان وكيلا عن كل واحد بانفراده، فحينئذ يعتبر لكل واحد نصابه على حدة، وليس له الخلط بلا إذنهم، فلو خلط أجزأ عن الدافعين وضمن للموكلين.
وأما إذا لم يكن الآخذ وكيلا عنهم فتجزي وإن بلغ المقبوض نصبا كثيرة لانهم لم يملكوا شيئا مما في يده.
قوله: (لولده الفقير) وإذا كان ولدا صغيرا فلا بد من كونه هو فقيرا أيضا، لان الصغير يعد غنيا بغنى أبيه.
أفاده ط عن أبي السعود.
وهذا حيث لم يأمره بالدفع إلى معين، إذ لو(2/292)
خالف ففيه قولان حكاهما في القنية.
وذكر في البحر أن القواعد تشهد للقول بأنه لا يضمن لقولهم: لو نذر التصدق على فلان له أن يتصدق على غيره اه.
أقول: وفيه نظر، لان تعيين الزمان والمكان والدرهم والفقير غير معتبر في النذر، لان الداخل تحته ما هو قربة وهو أصل التصدق دون التعيين فيبطل وتلزم القربة كما صرحوا به، وهنا:
الوكيل إنما يستفيد التصرف من الموكل وقد أمره بالدفع إلى فلان فلا يملك الدفع إلى غيره، كما لو أوصى لزيد بكذا ليس للوصي الدفع إلى غيره، فتأمل.
قوله: (وزوجته) أي الفقيرة.
قوله: (ولو تصدق الخ) أي الوكيل بدفع الزكاة إذا أمسك دراهم الموكل ودفع من ماله ليرجع ببدلها في دارهم الموكل صح، بخلاف ما إذا أنفقها أولا على نفسه مثلا، ثم دفع من ماله فهو متبرع، وعلى هذا التفصيل الوكيل بالانفاق أو بقضاء الدين أو الشراء كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الوكالة.
وفيه إشارة إلى أنه لا يشترط الدفع من عين مال الزكاة، ولذا لو أمر غيره بالدفع عنه جاز كما قدمناه، لكن اختلف فيما إذا دفع من مال آخر خبيث.
قال في البحر: وظاهر القنية ترجيح الاجزاء استدلالا بقولهم: مسلم له خمر فوكل ذميا فباعها من ذمي فللمسلم صرف ثمنها عن زكاة ماله.
فرع: للوكيل بدفع الزكاة أن يوكل غيره بلا إذن.
بحر عن الخانية.
وسيأتي متنا في الوكالة.
قوله: (بعزل ما وجب) في نسخة لعزل باللام وهي أحسن ليوافق المعطوف عليه.
قوله: (ولا يخرج عن العهدة بالعزل) فلو ضاعت لا تسقط عنه الزكاة، ولو مات كانت ميراثا عنه، بخلاف ما إذا ضاعت في يد الساعي لان يده كيد الفقراء.
بحر عن المحيط.
قوله: (أو تصدق بكله) بالرفع عطفا على قوله نية وأفاد به سقوط الزكاة، ولو نوى نفلا أو لم ينو أصلا لان الواجب جزء منه، وإنما تشترط النية لدفع المزاحم، فلما أدى الكل زالت المزاحمة.
بحر.
قوله: (إلا إذا نوى الخ) في التعبير بالتصدق إيماء إلى هذا الاستثناء كما في النهر.
قوله: (فيصح) أي عما نوى.
قوله: (لا تسقط حصته) أي لا تسقط زكاة ما يصدق به فتجب زكاته وزكاة الباقي.
قوله: (خلافا للثالث) أشار بذلك تبعا لمتن الملتقى إلى اعتماد قول أبي يوسف ولذا قدمه قاضيخان، وقد أخره في الهداية مع دليله وعادته تأخير المختار عنده على عكس عادة قاضيخان وصاحب الملتقى، فافهم.
قوله: (وأطلقه) أي أطلق التصدق.
قوله: (حتى الخ) تفريع على شموله الدين ح.
وقيد بالفقير، لانه لو كان غنيا فوهبه بعد الحول ففيه روايتان: أصحهما الضمان.
بحر عن المحيط: أي ضمان زكاة ما وهبه لانه استهلكه بعد الوجوب.
قوله: (صح وسقط عنه) أي صح الابراء وسقط عنه زكاته، نوى(2/293)
الزكاة أو لا، لما مر، ولو أبرأه عن البعض سقط زكاته دون الباقي، ولو نوى به الاداء عن الباقي.
بحر.
قوله: (واعلم الخ) المراد بالدين ما كان ثابتا في الذمة من مال الزكاة، وبالعين ما كان قائما في ملكه من نقود وعروض والقسمة رباعية، لان الزكاة إما أن تكون دينا أو عينا، والمال المزكى كذلك، لكن الدين إما أن يسقط بالزكاة أو يبقى مستحق القبض بعدها، فتصير خمسة، فيجوز الاداء في ثلاثة.
الاولى: أداء الدين عن دين سقط بها كما مثل من إبراء الفقير عن كل النصاب.
الثانية: أداء العين عن العين كنقد حاضر عن نقد أو عرض حاضر.
الثالثة: أداء العين عن الدين كنقد حاضر عن نصاب دين.
وفي صورتين لا يجوز: الاولى: أداء العين عن العين كجعله ما في ذمة مديونه زكاة لماله الحاضر.
بخلاف ما إذا أمر فقيرا بقبض دين له على آخر عن زكاة عين عنده فإنه يجوز لانه عند قبض الفقير يصير عينا فكان عينا عن عين.
الثانية: أداء دين عن دين سيقبض كما تقدعن البحر، وهو ما لو أبرأ الفقير عن بعض النصاب ناويا به الاداء عن الباقي، وعلله بأن الباقي يصير عينا بالقبض فيصير مؤديا بالدين عن العين اه، ولذا أطلق الشارح الدين أولا عن التقييد بالسقوط، ولقوله بعده سيقبض.
قوله: (وحيلة الجواز) أي فيما إذا كان له دين على معسر وأراد أن يجعله زكاة عن عين عنده أو عن دين له على آخر سيقبض.
قوله: (أن يعطي مديونه الخ) قال في الاشباه: وهو أفضل من غيره: أي لانه يصير وسيلة إلى براءة ذمة المديون.
قوله: (لكونه ظفر بجنس حقه) نقل العلامة البيري في آخر شرح الاشباه أن الدراهم والدنانير جنس واحد في مسألة الظفر.
قوله: (فإن مانع الخ) والحلية إذا خاف ذلك ما في الاشباه، وهو أن يوكل المديون خادم الدائن بقبض الزكاة ثم بقضاء دينه، فبقبض الوكيل صار ملكا للموكل، ولا يسلم المال للوكيل إلا في غيبة المديون لاحتمال أن يعزله عن وكالة قضاء دينه حال القبض قبل الدفع اه.
وفيها: وإن كان الدائن شريك في الدين يخاف أن يشاركه في المقبوض، فالحيلة أن يتصدق الدائن بالدين ويهب المديون ما قبضه للدائن فلا مشاركة.
قوله: (ثم هو) أي الفقير يكفن.
والظاهر له أن يخالف أمره لانه مقتضى صحة التملك كما سيأتي في باب(2/294)
المصرف بحثا.
قوله: (فيكون الثواب لهما) أي ثواب الزكاة للمزكي وثواب التكفين للفقير.
وقد يقال: إن ثواب التكفين يثبت للمزكي أيضا، لان الدال على الخير كفاعله وإن اختلف اثواب كما وكيفا ط.
قلت: وأخرج السيوطي في الجامع الصغير لو مرت الصدقة على يدي مائة لكان لهم من الاجر مثل أجر المبتدئ من غير أن ينقص من أجره شئ.
قوله: (وكذا) الاشارة إلى الحلية.
قوله: (وتمامه الخ) هو ما قدمناه عن الاشباه.
قوله: (وافتراضها عمري) قال في البدائع: وعليه عامة المشايخ، ففي أي وقت أدى يكون مؤديا للواجب ويتعين ذلك الوقت للوجوب، وإذا لم يؤد إلى آخر عمره يتضيق عليه الوجوب، حتى لو لم يؤد حتى مات يأثم، واستدل الجصاص له بمن عليه الزكاة إذا هلك نصابه بعد تمام الحول والتمكن من الاداء أنه لا يضمن، ولو كانت على الفور يضمن، كمن أخر صوم شهر رمضان عن وقته فإن عليه القضاء.
قوله: (وصححه الباقاني وغيره) نقل تصحيحه في التاترخانية أيضا.
قوله: (أي واجب على الفور) هذا ساقط من بعض النسخ، وفيه ركاكة لانه يؤول إلى قولنا: افتراضها واجب على الفور، مع أنها فريضة محكمة بالدلائل القطعية.
وقد يقال: إن قوله افتراضها على تقدير مضاف: أي افتراض أدائها، وهو من إضافة الصفة إلى موصوفها، فيصير المعنى أداؤها المفترض واجب على الفور: أي أن أصل الاداء فرض، وكونه على الفور واجب، وهذا ما حققه في فتح القدير من أن المختار في الاصول أن مطلق الامر لا يقتضي الفور ولا التراخي بل مجرد الطلب فيجوز للمكلف كل منهما لكن الامر هنا معه قرينة الفور الخ ما يأتي.
قوله: (فيأثم بتأخيرها الخ) ظاهره الاثم بالتأخير ولو قل كيوم أو يومين، لانهم فسروا الفور بأول أوقات الامكان.
وقد يقال: المراد أن لا يؤخر إلى العام القابل لما في البدائع عن المنتقى ب النون إذا لم يؤد حتى مضى حولان فقد أساء وأثم اه.
فتأمل.
قوله: (وهي) أي القرينة أنه أي الامر بالصرف.
قوله: (وهي معجلة) كذا عبارة الفتح.
أي حاجة الفقير معجلة أي حاصلة.
قوله: (وتمامه في الفتح) حيث قال بعد ما مر: فتكون الزكاة فريضة وفوريتها واجبة، فيلزم
بتأخيره من غير ضرورة الاثم كما صرح به الكرخي والحاكم الشهيد في المنتقى، وهو عين ما ذكره الامام أبو جعفر عن أبي حنيفة أنه يكره، فإن كراهة التحريم هي المحمل عند أطلاق اسمها، وقد ثبت عن أئمتنا الثلاثة وجوب فوريتها، وما نقله ابن شجاع عنهم من أنها على التراخي فهو بالنظر إلى دليل الافتراض: أي دليل الافتراض لا يوجبها، وهو لا ينفي وجود دليل الايجاب.
وعلى هذا قولهم: إذا شك: هل زكى أو لا؟ يجب عليه أن يزكي، لان وقتها العمر، كالشك حينئذ بالشك في الصلاة في الوقت اه ملخصا.
تتمة: في الفتح أيضا: إذا أخر حتى مرض يؤدي سرا من الورثة، ولو لم يكن عنده مال فأراد(2/295)
أن يستقرض لاداء الزكاة: إن كان أكبر رأيه أنه يقدر على قضائه فالافضل الاستقراض، وإلا فلا، لان خصومة صاحب الدين أشد اه.
قوله: (أي عبد) خصه بالذكر ليناسب قوله: فنوى خدمته، وأشار بقوله مثلا إلى أن العبد غيقيد، لكن الاولى أن يقول بعده: فنوى استعماله ليعم مثل الثوب والدابة، ولا بدمن تخصيصه بما تصح فيه نية التجارة ليخرج ما لو اشترى أرضا خراجية أو عشرية ليتجر فيها فإنها لا تجب فيها زكاة التجارة كما يأتي، ونبه عليه في الفتح.
قوله: (فنوى بعد ذلك خدمته) أي وأن لا يبقى للتجارة لما في الخانية عبد التجارة: إذا أراد أن يستخدمه سنتين فاستخدمه فهو للتجارة على حاله، إلا أن ينوي أن يخرجه من التجارة ويجعله للخدمة اه.
قوله: (ما لم يبعه) أي أو يؤجره كما في النهر وغيره، وبدله من قسم الذين الوسط فيعتبر ما مضى أو يعتبر الحول بعد قبضه على الخلاف الآتي في بيان أقسام الديون.
قوله: (بجنس ما فيه الزكاة) فلو دفعه لامرأته في مهرها أو دفعه بصلح عن قود أو دفعته لخلع زوجها لا زكاة، لان هذه الاشياء لم تكن جنس ما فيه الزكاة ط.
قوله: (والفرق) أي بين التجارة حيث لا تتحقق بالفعل وبين عدمها، بأن نواه للخدمة حيث تحقق بمجرد النية ط.
قوله: (فيتم بها) لان التروك كلها يكتفى فيها بالنية ط.
ونظير ذلك المقيم والصائم والكافر والعلوفة والسائمة، حيث لا يكون مسافرا ولا مفطرا ولا مسلما ولا سائمة ولا علوفة بمجرد النية، وتثبت أضدادها بمجرد النية.
زيلعي.
لكن صرح في النهاية والفتح بأن
العلوفة لا تصير سائمة بمجرد النية، بخلاف العكس.
ووفق في البحر بحمل الاول على ما إذا نوى أن تكون السائمة علوفة وهي باقية في المرعى، إلا بد من العمل وهو إخراجها من المرعى لا العلف، وحمل الثاني على ما إذا نوى بعد إخراجها منه.
قوله: (كان لها الخ) لان الشرط في التجارة مقارنتها لعقدها وهو كسب المال بالمال بعقد شراء أو إجارة أو استقراض حيث لا مانع على ما يأتي في الشرح مع بيان المحترزات، ثم إن نية التجارة قد تكون صريحا وقد تكون دلالة، فالاول ما ذكرنا، والثاني ما تقدم في الشرح عند قول المصنف أو نية التجار.
قوله: (لا ما ورثه) قال في النهر: ويلحق بالارث ما دخله من حبوب أرضه فنوى إمساكها للتجارة فلا تجب لو باعها بعد حول اه.
قوله: (أي ناويا) قال في النهر: يعني نوى وقت البيع مثلا أن يكون بدله للتجارة ولا تكفيه النية السابقة كما هو ظاهر ما في البحر اه.
قوله: (فتجب الزكاة) أي إذا حال الحول على البدل ط.
قوله: (نواه أو لا) أي نوى السوم أو لا، لانها كانت سائمة فبقيت على ما كانت وإن لم ينو.
خانية.
قوله: (وما ملكه بصنعه الخ) أي ما كان متوقفا على قبوله وليس مبادلة مال بمال، كهذه العقود إذا نوى عند العقد كونه للتجارة لا يصير لها، على الاصح، لان الهبة والصدقة والوصية ليست بمبادلة أصلا، والمهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد مبادلة مال بغير مال كما في البدائع.(2/296)
قال في فتح القدير: والحاصل أن نية التجارة فيما يشتريه تصح بالاجماع، وفيما يرثه لا بالاجماع، وفيما يملكه بقبول عقد مما ذكر خلاف اه.
قوله: (أو نكاح أو خلع) أي لو تزوجها على عبد مثلا فنوت كونه للتجارة أو خالعته عليه فنوى كذلك.
قوله: (أو صلح عن قود) أي إذا نوى عند عقد الصلح التجارة بالبدل.
وفي الخانية: لو كان عبدا للتجارة فقتله عن عمدا فصولح من القصاص على القاتل لم يكن القاتل للتجارة لانه بدل عن القصاص لا عن المقتول اه.
قوله: (كان المدفوع للتجارة) أي بلا نية ح، وذلك لانه بدل عن المقتول، وقد كان المقتول للتجارة فكذا بدله، فكان مبادلة مال بمال، ومثله فيما يظهر لو اختار سيد الجاني الفداء بعرض لما قلنا، ولا ينافيه ما يأتي عن الاشباه، فافهم.
قوله: (فإنه يكون لها) لان حكم البدل حكم الاصل.
خانية.
وسيأتي تمام
الكلام على استبدال مال التجارة في باب زكاة الغنم.
قوله: (كما مر) أي في شرح قوله أو نية التجارة ح.
قوله: (والاصح أنه لا يكون لها) لان التجارة كسب المال ببدل هو مال، والقبول اكتساب بغير بدل أصلا، فلم تكن النية مقارنة عمل التجارة.
بدائع.
قوله: (وفي أول الاشباه) أتى به تأييدا للاصح ط.
قوله: (والجواهر) كاللؤلؤ والياقوت والزمرد وأمثالها.
درر عن الكافي.
قوله: (وإن ساوت ألفا) في نسخة ألوفا.
قوله: (ما عدا الحجرين) هذا علم بالغلبة على الذهب والفضة ط.
وقوله: والسوائم بالنصب عطفا على الحجرين وما عدا ما ذكر كالجواهر والعقارات والمواشي العلوفة والعبيد والثياب والامتعة ونحو ذلك من العروض.
قوله: (المؤدي إلى الشئ) هذا وصف في معنى العلة: أي لا زكاة فيما نواه للتجارة من نحو أرض عشرية أو خراجية لئلا يؤدي إلى تكرار الزكاة، لان العشر أو الخراج زكاة أيضا، والثني بكسر الثاء المثلثة وفتح النون في آخره ألف مقصورة: وهو أخذ الصدقة مرتين في عام كما في القاموس، ومنه كما في المغرب قوله (ص): لا ثني في الصدقة.
قوله (وشرط مقارنتها) بالجر عطفا على شرط الاول، ومن المقارنة ما ورثه ناويا لها ثم تصرف فيه ناويا أيضا، لان المعتبر هو النية المقارنة للتصرف بالبيع مثلا كما، فيكون بدله الذي نوى به التجارة مقارنا لعقد الشراء، فافهم.
قوله: (أو إجارة) كأن أجر داره بعروض ناويا بها التجارة، ولو كانت الدار للتجارة يصير بدلها للتجارة بلا نية لوجود التجارة دلالة كما مر، وفيه خلاف قدمناه.
قوله: (أو استقراض) لان القرض ينقلب معاوضة المال بالمال في العاقبة، وهذا قول بعض المشايخ، وإليه أشار في الجامع أن من كان له مائتا درهم لا مال له غيرها فاستقرض من رجل قبل حولان الحول خمسة أقفزة لغير التجارة ولم يستهلك الاقفزة حتى حال الحول لا زكاة عليه، ويصرف الدين إلى مال الزكاة دون الجنس الذي ليس بمال الزكاة، فقوله: لغير التجارة دليل أنه لو استقرض للتجارة يصير لها.
وقال بعضهم: لا وإن نوى، لان القرض إعارة وهو تبرع ولا تجارة.(2/297)
بدائع.
وعلى الاول مشى في البحر والنهر والمنح وتبعهم الشارح، لكن ذكر في الذخيرة عن شرح الجامع لشيخ الاسلام أن الاصح الثاني، ومن معنى قول محمد في الجامع: لغير التجارة، أنها كانت
عند المقرض لغير التجارة، وفائدته: أنها إذا ردت عليه عادت لغير التجارة، وأنها لو كانت عند التجارة فردت عليه عادت للتجارة اه.
والظاهر أن الثاني مبني على قول أبي يوسف: إن المستقرض لا يملك ما استقرضه إلا بالتصرف وعندهما يملكه بالقبض، حتى لو كان قائما في يده فباعه من المقرض يصح عنده لا عندهما، ولو باعه من أجنبي يصح اتفاقا كما سيأتي تحريره في بابه إن شاء الله تعالى، وعلى قولهما فالوجه للاول، تأمل.
لا يقال: يشكل الاول بأن المستقرض صار مديونا بنظير ما استقرضه، والمديون لا زكاة عليه بقدر دينه، فما فائدة صحة نية التجارة فيه؟ لانا نقول: فائدتها ضم قيمته إلى النصاب الذي معه، لما سيأتي أن قيمة عروض التجارة تضم إلى النقدين، فإذا كان له مائتا درهم فقط واستقرض خمسة أقفزة للتجارة قيمتها خمسة دراهم مثلا كان مديونا بقدرها وبقي لها نصاب تام فيزكيه، بخلاف ما إذا لم تكن للتجارة فإنه لا زكاة عليه أصلا، لان الدين يصر ف إلى مال الزكاة دون غيره كما مر، فينقص نصاب الدراهم الذي معه فلا يزكيه ولا يزكي الاقفزة، فافهم.
قوله: (ولو نوى الخ) محترز قوله: وشرط مقارنتها لعقد التجارة ح.
قوله: (كما لو نوى الخ) خرج باشتراط عقد التجارة، وهذا ملحق بالميراث كما مر عن النهر، فلا يصح تعليله باجتماع الحقين كما قدمناه، فافهم.
قوله: (كما مر) قبيل قوله: وشرط صحة أدائها ح.
قوله: (وكما لو شرى الخ) محترز قوله: بشرط عدم المانع الخ.
قوله: (وزرعها) قيد للعشرية لتعلق العشر بالخارج، بخلاف الخراج إلا إذا كان خراج مقاسمة لا موظفا.
ومفهومه أنه إذا لم يزرعها تجب زكاة التجارة فيها لعدم وجوب العشر فلم يوجد المانع، أما الخراجية فالمانع موجود وهو الثني وإن عطلت.
قوله: (لقيام المانع) وهو الثني.
ومفاد التعليل أنه لو زرع البذر في أرضه المملوكة تجب فيه الزكاة، ويخالفه ما في البحر حيث قال في باب زكاة المال: لو اشترى بذرا للتجارة وزرعه فإنه لا زكاة فيه، وإنما فيه العشر لان بذره في الارض أبطل كونه للتجارة، فكان ذلك كنية الخدمة في عبد التجارة بل أولى، ولو لم يزرعه تجب اه.
فإن مفاده سقوط الزكاة عن البذر بالزراعة مطلقا أفاده ط.
تنبيه: ما ذكره الشارح من عدم وجوب الزكاة في الارض المشرية للتجارة، وإنما فيها العشر
أو الخراج للمانع المذكور.
قال في البدائع: هو الرواية المشهور عن أصحابنا.
وعن محمد أنه تجب الزكاة أيضا، لان زكاة التجارة تجب في الارض والعشر يجب في الخارج وهما مختلفان، فلا يجتمع الحقان في مال واحد.
ووجه ظاهر الرواية أن سبب الوجوب في الكل واحد لانه يضاف إليها، فيقال عشر الارض وخراجها وزكاتها، والكل حق الله تعالى وحقوقه تعالى المتعلقة بالاموال النامية لا يجب فيها حقان منها بسبب مال واحد، كزكاة السائمة مع التجارة اه.
فافهم.(2/298)
باب السائمة بالاضافة أو بالتنوين على أنه مبتدأ وخبر، فهو لبيان حقيقتها وما بعده لبيان حكمها، ولذا لم يقدر مضافا: أي صدقة السائمة.
قال في النهر: وبدأ محمد في تفصيل أموال الزكاة بالسوائم اقتداء بكتبه عليه الصلاة والسلام، وكانت كذلك لانها إلى العرب، وكان جل أموالهم السوائم والابل أنفسها عندهم فبدأ بها.
قوله: (هي الراعية) أي لغة، يقال سامت الماشية: رعت، وأسامها ربها إسامة، كذا في المغرب، سميت بذلك لانها تسم الارض: أي تعلمها.
ومنه: * (شجر فيه تسيمون) * (النحل: 01) وفي ضياء الحلوم: السائمة: المال الراعي.
نهر.
قوله: (وشرعا المكتفية بالرعي الخ) أطلقها فشمل المتولدة من أهلي ووحشي، لكن بعد كون الام أهلية كالمتولدة من شاة وظبي وبقر وحشي وأهلي فتجب الزكاة بها ويكمل بها النصاب عندنا، خلافا للشافعي.
بدائع.
قوله: (بالرعي) بفتح الراء مصدر، وبكسرها الكلا نفسه، والمناسب الاول، إذ لو حمل الكلا إليها في البيت لا تكون سائمة.
بحر.
قال في النهر: وأقول: الكسر هو المتداول على الالسنة، ولا يلزم عليه أن تكون سائمة لو حمله إليها إلا لو أطلق الكلا على المنفصل.
ولقائل منعه، بل ظاهر قول المغرب: الكلا هو كل ما رعته الدواب من الرطب واليابس، يفيد اختصاصه بالقائم في معدنه ولم تكن به سائمة لانه ملكه بالحوز، فتدبره اه.
قلت: لكن في القاموس: الكلا كجبل العشب رطبه ويابسه، فلم يقيده بالمرعى.
قوله: (ذكره الشمني) أي ذكر التقييد بالمباح.
قال في البحر والنهر: ولا بد منه، لان الكلا يشمل غير
المباح ولا تكون سائمة به، لكن قال المقدسي: وفيه نظر.
قلت: لعل وجهه منع شموله لغير المباح، لحديث أحمد: المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء، والكلا، والنار فهو مباح ولو في أرض مملوكة كما سيأتي في فصل الشرب إن شاء الله تعالى.
قوله: (ذكره الزيلعي) أي ذكر قوله: لقصد الدر والنسل تبعا لصاحب النهاية.
قوله: (والسمن) عطف تفسير ط.
قوله: (ليعم الذكور) لان الدر والنسل لا يظهر فيها ط.
قوله: (فقط) أي الذكور المحضة، وليس المراد أنه يعم الذكور ولا يعم غيرها اه ح.
وحاصله أنه قيد للذكور لا ليعم.
قوله: (لكن في البدائع الخ) استدراك على ما في المحيط من اعتبار السمن.
والجواب أن مراد المحيط أن السمن لا لاجل اللحم بل لغرض آخر مثل أن لا تموت في الشتاء من البرد، فلا تناقض بين كلامي البدائع والمحيط اه ح.
أو يحمل على اختلاف الرواية أو المشايخ ط.
وبه جزم الرحمتي.(2/299)
أقول: عبارة البدائع هكذا: نصاب السائمة له صفات: منها كونمعدا للاسامة للدر والنسل لما ذكرنا أن مال الزكاة هو المال النامي، والمال النامي في الحيوان بالاسامة إذ به يحصل النسل فيزداد المال، فإن أسيمت للحمل والركوب أو اللحم فلا زكاة فيها اه.
فقد أفاد أن الزكاة منوطة بالاسامة لاجل النمو: أي الزيادة، فيشمل الاسامة لاجل السمن لانه زيادة فيها، ثم تفريعه على ذلك بإخراج ما إذا أسيمت للحمل والركوب أو للحم يعلم منه أنه لم يرد باللحم السمن وإلا كان كلاما متناقضا لان اللحم زيادة، ولا يتوهم أحد أن ذلك مبني على رواية أخرى لانه في صدد كلام واحد، فتعين أن المراد باللحم الاكل: أي إذا أسامها لاجل أن يأكل لحمها هو وأضيافه، فهو كما لو أسامها للحمل والركوب، إذ لا بد من قصد الاسامة للزيادة والنمو، هذا ما ظهر لي.
ثم رأيت في المعراج ما نصه: له غنم للتجارة نوى أن تكون للحم فذبح كل يوم شاة أو سائمة نواها للحمولة فهي للحم والحملة عند محمد اه.
وفيه لف ونشر مرتب، والله تعالى أعلم.
قوله: (كما لو أسامها وللحمل والركوب) لانه تصير كثياب البدن وعبيد الخدمة.
قوله: (ولعلهم تركوا ذلك) أي ترك أصحاب المتون من تعريف السائمة ما زاده المصنف تبعا للزيلعي والمحيط لتصريحهم: أي
تصريح التاركين لذلك بالحكمين: أي بحكم ما نوى به التجارة من العروض الشاملة للحيوانات وبحكم المسامة للحمل والركوب، وهو وجوب زكاة التجارة في الاول وعدمه في الثاني، فلا يرد على تعريفهم بأنها المكتفية بالرعي في أكثر العام أنه تعريف بالاعم، أفاده في البحر.
وحاصله أن القيدين المذكورين في الزيلعي والمحيط ملحوظان في التعريف المذكور بقرينة التصريح المزبور، فلا يكون تعريفا بالاعم، على أن التعريف بالاعم إنما لا يصح على رأي المتأخرين من علماء الميزان، وإلا فالمتقدمون وأهل اللغة على جوازه، وبه اندفع قول النهر: إن هذا غير دافع، إذ التعريف بالاعم لا يصح ولا ينفع فيه ذكر الحكمين بعده اه.
تأمل.
قوله: (للشك في الموجب) بكسر الجيم وهو كونها سائمة، فإنه شرط لكونها سببا للوجوب.
قال في فتح القدير: العلف اليسير لا يزول به اسم السوم المستلزم للحكم، وإذا كان مقابله كثيرا بالنسبة كان هو يسيرا، والنصف ليس بالنسبة إلى النصف كثيرا، ولانه يقع الشك في ثبوت سبب الايجاب، فافهم.
قوله: (مختلفان قدرا وسببا) لان القدرة في مال التجارة ربع العشر، وفي السوائم ما يأتي بيانه، والسبب فيهما هو المال النامي، لكن بشرط نية التجارة في الاول ونية الاسامة للدر والنسل في(2/300)
الثاني، فالاختلاف في الحقيقة في القدر والشرط، لكن لما كانت السببية لا تتم إلا بشرطها جعله من الاختلاف في السبب، فافهم.
قوله: (فلو اشترى) تفريع على البطلان.
قوله: (كما لو باع السائمة) قيد بها لان عروض التجارة إذا استبدلت لا ينقطع الحول.
قلت: ومثل العروض الدراهم والدنانير عندنا، خلافا للشافعي فلا زكاة على الصيرفي في قياس قوله كما في البدائع.
قوله: (في وسط الحول) بسكون السين وهو أفيد، لانه اسم لجزء مبهم بين طرفي الشئ، بخلاف محركها فإنه اسم لجزء تساوى بعده عن طرفي الشئ فيكون جزءا معينا من الحول، وليس بمراد اه ح.
قوله: (أو قبله) أي قبل الحول على تقدير مضاف: أي قبل انتهائه بيوم، والمراد به مطلق الزمان ولو ساعة، وهو من عطف الخاص على العام فإنه قد يكون ب أو كما في الحديث: ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها وفائدته مع أنه داخل في الوسط التنبيه على بطلان الحول بالبيع وإن مضى معظمه، ودفع توهم أن المراد بالوسط الجزء
المعين، فافهم.
قوله: (ولا نقد عنده) أما لو كان عنده نصابا فإنه يضم إليه ويزكيه معه بلا استقبال حول، وكان الاولى أن يقول: ولا نصاب عنده، ليشمل ما إذا باعها بجنسها أو بغيره، ففي الجوهرة: ولو باع الماشية قبل الحول بدراهم أو بماشية ضم الثمن إلى جنسه بالاجماع: أي يضم الدراهم إلى الدراهم والماشية إلى الماشية.
قوله: (المسبلة) أي المجعولة ليغازي عليها في سبيل الله تعالى بوقف أو وصية، وهذا التفصيل عند الامام، أما عندهما فلا شئ في الخيل مطلقا ط.
بزيادة.
قوله: (ولا في المواشي العمي) نقل في الظهيرية في العمى روايتين.
وعندهما تجب، كما لو كان فيها عمى.
نهر.
وجزم في البحر في الباب الآتي بالوجوب فيها، والذي يظهر أنه إن تحقق فيها السوم وجبت، وإلا فلا بدليل التعليل، والله أعلم.
باب بالتنوين مبتدأ حذف خبره، أو بالعكس، ونصاب مبتدأ وخمس خبره، والذي في المنح: نصاب الابل بغير باب ط.
قوله: (نصاب الابل) أطلقه فشمل الذكور، والاناث ولو أبوه وحشيا بعد أن كانت الام أهلية، وشمل الصغار بشرط أن لا تكون كلها كذلك لما سيصرح به.
فالصغار تبع للكبار، وشمل الاعمى والمريض والاعرج، لكن لا يؤخذ في الصدقة، وشمل السمان والعجاف، لكن تجب شاة بقدر العجاف، وبيانه في البحر.
قوله: (مؤنثه) قال في ذيل المغرب: كل جمع مؤنث إلا ما صح بالواو والنون فيمن يعلم، تقول: جاء الرجال والنساء وجاءت الرجال والنساء، وأسماء الجموع مؤنثه نحو الابل والذود والخيل والغنم والوحش والعرب والعجم، وكذا كل ما يفرق بينه وبين واحدة بالتاء أو ياء النسب كتمر ونخل ورومي وروم وبختي وبخت اه.
فافهم.
قوله: (بفتح(2/301)
الباء) كقولهم في النسبة إلى سلمة: أي بكسر اللام سلمى بالفتح لتوالي الكسرات مع الياء.
بحر.
قوله: (لانها تبول أفخاذها) فيه إشارة إلى أن بينهما اشتقاقا أكبر، وهو اشتراك الكلمتين في أكثر الحروف مع التناسب في المعنى كما هنا، فإن الابل مهموز وبال أجوف ح.
قوله: (وبخت) بالجر بدل منقوله: إلى خمس وعشرين والاولى نصبه على التمييز.
ط وهو كذلك في بعض
النسخ.
قوله: (بخنتصر) بضم الباء وسكون الخاء المعجمة وفتح التاء المثناة فوق والنون والصاد المهملة المشددة في آخره راء: علم مركب تركيب مزج على ملك ح.
وفي القاموس: بخنتصر بالتشديد، أصله بوخت ومعناه: ابن، ونصر كبقم: ضم، وكان وجد عند الصنم ولو يعرف له أب فنسب إليه، خرب القدس اه.
قوله: (أو عراب) جمع عربي للبهائم وللاناسي عرب، ففرقوا بينهما في الجمع.
بحر.
قوله: (شاة) ذكرا كان أو أنثى.
بحر.
وفي الشرنبلالية عن الجوهرة قال الخجندي: لا يجوز في الزكاة إلا الثني من الغنم فصاعدا، وهو ما أتى عليه حول.
ولا يؤخذ الجذع: وهو الذي أتى عليه ستة أشهر وإن كان يجزئ في الاضحية اه.
قوله: (عفو) مصدر بمعنى اسم المفعول: أي عفا الشارع عنه فلم يوجب فيه شيئا ط.
قوله: (بنت مخاض) قيد بها لانها لا يجوز دفع الذكور فيها إلا بطريق القيمة كما يأتي، والواجب في المأخوذ الوسط كما سيجئ في باب الغنم.
قوله: (سميت به الخ) قال في المغرب: مخضت الحامل مخضا: ومخاضا: أخذها وجع الولادة، ومنه: * (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة) * (مريم: 32) والمخاض أيضا: النوق الحوامل الواحدة خلفه، ويقال لولدها إذا استكمل سنة ودخل في الثانية ابن مخاض، لان أمه لحقت بالمخاض من النوق اه.
ومثله في القاموس، فافهم.
قوله: (غالبا) لانها قد لا تحمل، وأشار إلى أن المراد ببنت مخاض وكذا بنت لبون السن، لا أن تكون أمها مخاضا أو لبونا، فهو مخرج مخرج العادة لا مخرج الشرط كما في البحر عن الزيلعي في فصل محرمات النكاح وهذا مع ما مر عن المغرب يدل على أن هذا معنى لغوي أيضا لا شرعي فقط كما فهمه في البحر من عبارة الزيلعي المذكورة، فافهم.
قوله: (وهي التي طعنت في الثالثة) أي ولو بزمن يسير كيوم، فلا يخالف ما في القهستاني من أنها التي أتى عليها سنتان.
أفاده ط.
قوله: (لاخرى) أي لبنت أخرى ط.
قوله: (وحق ركوبها) بيان لعلة التسمية كما في القاموس.
قوله: (كذا كتب رسول الله (ص)) كتب مبتدأ مضاف، وكذا خبره(2/302)
وأبي بكر عطف على المضاف إليه ح.
وفي عامة النسخ: إلى أبي بكر: أي الواصلة إليه، ففي الفتح عن رواية الزهري أنه (ص) قد كتبت الصدقة ولم يخرجها إلا عماله، حتى توفي فأخرجها أبو
بكر من بعده، فعمل بها حتى قبض، ثم أخرجها عمر فعمل بها الخ.
قلت: وإنما ذكر الشارح هذه الجملة ولم يؤخرها إلى آخر الكلام لوقوع الخلاف لاختلاف الروايات فيما بعد المائة والخمسين كما أشار إليه بقوله الآتي: عندنا أما ما دونها فلا خلاف فيه، إلا ما ورد عن علي أنه قال: في خمس وعشرين من الابل خمس شياه، وتمامه في الزيلعي.
قوله: (عندنا) وقال الشافعي وأحمد: إذا زادت على مائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون، إلا مائة وثلاثين ففيها حقه وبنتا لبون، ثم في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.
وعن مالك قولان: أحدهما كمذهبنا، والآخر كمذهب الشافعي.
إسماعيل.
قوله: (ثم في كل مائة وخمس وأربعين) الاصول إسقاط كل ليوافق ما في المنح والدرر وغيرهما، ولايهامه أنه إن تكرر هذا العدد مرتين تكرر هذا الواجب مرتين، وإن تكرر ثلاثا فثلاث وليس ذلك بمراد.
والاصوب أيضا العطف بالواو بدل ثم لان هذا ليس استئنافا آخر بل هو من جملة الاستئناف الذي قبله.
قوله: (بنت مخاض وحقتان) فالحقتان في المائة والعشرين وبنت مخاض في الخمسة والعشرين الزائدة عليها.
قوله: (ثم في كل مائة وخمسين) الاصوب إسقاط كل لما مر، وعطفه بثم لا بالواو، لان مقتضى الاستئناف فيما بعد المائة والعشرين أن يجب في ست وثلاثين بعدها بنت لبون مع الحقتين، لكن ليس في هذا الاستئناف بنت لبون، بخلاف الاستئنافين اللذين بعده.
قوله: (ثم في كل خمس وعشرين) أي بعد المائة والخمسين، والاصوب أيضا إسقاط كل والعطف فيه وفيما بعده بالواو بدل ثم لما مر.
قوله: (أربع حقاق) منها ثلاث وجبت في المائة والخمسين، والرابعة وجبت في الست والاربعين الزائدة عليها، وإلى هنا انتهى حكم الاستئناف الثاني فلا تجب فيه جذعة.
قوله: (إلى مائتين) وهو في المائتين بالخيار، إن شاء دفع أربع حقاق من كل خمسين حقة أو خمس بنات لبون من كل أربعين بنت لبون كما في المحيط والمبسوط والخانية.
إسماعيل.
قوله: (كما تستأنف في الخمسين التي بعد المائة والخمسين) قيد به احترازا عن الاستئناف الاول: يعني الذي بعد المائة والعشرين، إذ ليس فيه إيجاب بنت لبون كما قدمناه، ولا إيجاب حقاق لعدم نصابهما، لانه لما زاد خمس وعشرون على المائة والعشرين صار كل النصاب مائة وخمسة وأربعين، فهو نصاب بنت
المخاض مع الحقتين، فلما زاد عليها وصار مائة وخمسين وجب ثلاث حقاق.
درر.
قوله:(2/303)
(حتى يجب في كل خمسين حقة) كذا في صدر الشريعة والدرر، والمراد في كل ست وأربعين إلى الخمسين كما عبر به في النقاية.
قال في البحر: فإذا زاد على المائتين خمس شياه ففيها شاة مع الاربع حقاق أو الخمس بنات لبون، وفي عشر شاتان معها، وفي خمس عشرة ثلاث شياه معها، وفي عشرين أربع معها، فإذا بلغت مائتين وخمسا وعشرين ففيها بنت مخاض معها إلى ست وثلاثين، فبنت لبون معها إلى ست وأربعين ومائتين ففيها خمس حقاق إلى مائتين وخمسين، ثم تستأنف كذلك، ففي مائتين وست وتسعين ست حقاق إلى ثلاثمائة وهكذا اه.
قوله: (للاناث) نعت للقيمة: أي القيمة الكائنة للاناث ح.
قوله: (فإن المالك مخير) لعدم فضل الانوثة فيهما على الذكورة ط.
باب زكاة البقر قدمت على الغنم لقربها من الابل في الضخامة حتى شملها اسم البدنة.
بحر.
قوله: (كالثور الخ) هو ذكر البقر.
قاموس: أي كما سمي الثور ثورا لانه يثير الارض: أي يحرثها.
قال في المغرب: * (وأثاروا الارض) * (الروم: 9) حرثوها وزرعوها، وسميت البقرة المثيرة لانها تثير الارض اه.
قوله: (والتاء للوحدة) أي لا للتأنيث فيشمل الذكر والانثى كما في البحر.
قوله: (والجاموس) هو نوع من البقر كما في المغرب، فهو مثل البقر في الزكاة والاضحية والربا، ويكمل به نصاب البقر، وتؤخذ الزكاة من أغلبها، وعند الاستواء يؤخذ أعلى الادنى وأدنى الاعلى.
نهر.
وعلى هذا الحكم البخت والعراب والضأن والمعز.
ابن ملك.
قوله: (بخلاف عكسه) أي المتولد من أهلي ووحشية، لان المعتبر الام.
قوله: (ووحشي) بالجر عطفا على عكسه.
قوله: (فإنه لا يعد في النصاب) لانه ملحق، بخلاف الجنس كالحمار الوحشي، وإن ألف فيما بيننا لا يلحق بالاهلي حتى يبقى حلال الاكل.
بحر.
قوله: (ثلاثون) ذكورا كانت أو إناثا، وكذا الجواميس كما في البرجندي إسماعيل.
قوله: (سائمة) نعت لثلاثون فهو مرفوع، ويجوز النصب على التمييز ح.
فلو علوفة فلا زكاة فيها إلا إذا كانت للتجارة، فلا يعتبر فيها العدد بل القيمة.
قوله: (غير مشتركة) فلو مشتركة لا تزكى
لنقصان نصيب كل منهما عن النصاب وإن صحت الخلطة فيه كما سيأتي بيانه في باب زكاة المال.
قوله: (وفيها تبيع) نص على الذكر لئلا يتوهم اختصاصه بالانثى كما في الابل.
قوله: (كاملة) قيد به ليوافق قول غيره، وطعن في الثانية لانه إذا تمت السنة لزم طعنه في الثانية فلا مخالفة.
أفاده الشيخ إسماعيل.
قوله: (مسن) بضم الميم وكسر السين مأخوذ من الاسنان: وهو طلوع السن في هذه السنة لا الكبر.
قهستاني عن ابن الاثير ط.
قوله: (بحسابه) أي لا يكون عفوا بل يحسب إلى ستين،(2/304)
ففي الواحدة الزائدة ربع عشر مسنة، وفي الثنتين نصف عشر مسنة.
درر.
قوله: (بحر عن الينابيع) عزاه في البحر إلى الاسبيجابي وتصحيح القدوري وليس فيه ذكر الينابيع.
وفي النهر: وهي أعدل كما في المحيط، وفي جوامع الفقه: المختار قولهما، وفي الينابيع والاسبيجابي: وعليه الفتوى اه.
قوله: (ثم في كل ثلاثين الخ) فيتغير الواجب بكل عشرة، ففي سبعين تبيع ومسنة، وفي ثماني مسنتان، وفي تسعين ثلاث أتبعة، وفي مائة تبيعاومسنة، فعلى ما ذكروه مدار الحساب على الثلاثينات والاربعينات.
ط عن القهستاني.
قوله: (إلا إذا تداخلا) أي التبيعات والمسنات بأن كان العدد يصح أن يعطى فيه من هذه أو هذه ط.
قوله: (وهكذا) أي الحكم على هذا المنوال، ففي مائتين وأربعين ثمانية أتبعة أو ست مسنات.
باب زكاة الغنم الغنم محركة: الشاء لا واحد لها من لفظها، الواحدة شاة، وهو اسم مؤنث للجنس يقع على الذكور والاناث.
قاموس.
وفيه الشاة الواحدة من الغنم للذكر والانثى، وتكون من الضأن والمعز والظباء والبقر والنعام وحمر الوحش والمرأة، جمعه شاء وشياه وشواه إلخ.
قوله: (مشتق من الغنيمة) أي بينهما اشتقاق أكبر كما مر في الابل، فافهم، وذكر الضمير وإن كانت الغنم مؤنثة كما علمت، لان المراد هنا اللفظ.
قوله: (لانه الخ) علة مقدمة على معلولها، وقوله: آلة الدفاع أي الدفع عن نفسها، ولا ينافي وجود آلة لها غير دافعة كقرونها ط.
قوله: (ضأنا أو معزا) بسكون الهمزة والعين وفتحهما جمع ضأن، كذا في القاموس والكشاف، وهو مذب الاخفش.
والصحيح مذهب سيبويه
أن كلا منهما اسم جنس يقع على القليل والكثير والذكر والانثى، والضأن: ما كان من ذوات الصفوف والمعز من ذوات الشعر.
قهستاني ط.
قوله: (فإنهما سواء) لان النص ورد باسم الشاة والغنم وهو شامل لهما.
نهر قوله: (في تكميل النصاب) فإن نقص نصاب الظأن وعنده من المعز ما يكمله أو بالعكس وجبت فيه الزكاة، وكذا لو كان المعز تاما يجب فيه.
قوله: (والاضحية) أي تجزئ منهما، إلا أنها يجوز بالجذع، وأما أخذه في الزكاة ففيه الخلاف الآتي.
قوله: (والربا) فلا يجوز بيع لحم الضأن بلحم المعز متفاضلا ح.
قوله: (لا في أداء الواجب) لان النصاب إذا كان ضأنا يؤخذ الواجب من الضأن، ولو معزا فمن المعز، ولو منهما فمن الغالب، ولو سواء فمن أيهما شاء.
جوهرة: أي فيعطي أدنى الاعلى أو أعلى الادنى كما قدمناه في الباب السابق.
قوله: (والايمان) فإن من حلف لا يأكل لحم الضأن لا يحنث بأكل لحم المعز للعرف ح: أي فإن الضأن(2/305)
غير المعز في العرف.
قوله: (وما بينهما عفو) أي ما بين كل نصاب ونصاب فوقه عفو لا شئ فيه زائدا، فما زاد على أربعين شاة مثلا إلى المائة و العشرين لا شئ فيه إذا اتحد المالك، فلو مشتركة بين ثلاثة أثلاثا فعلى كل شاة.
قال في البحر: ولو كانت لرجل فليس للساعي أن يفرقها ويجعلها أربعين أربعين فيأخذ ثلاث شياه لانه باتحاد المالك صار الكل نصابا، ولو كان بين رجلين أربعون شاة لا تجب على واحد منهما الزكاة، وليس للساعي أن يجمعها ويجعلها نصابا ويأخذ الزكاة منها، لان ملك كل واحد منهما قاصر عن النصاب اه.
قوله: (وهو ما تمت له سنة) أي ودخل في الثانية، كما في الهداية وسائر كتب الفقه.
والمذكور في الصحاح والمغرب وغيرهما من كتب اللغة أنه من الغنم ما دخل في السنة الثالثة، كذا في البرجندي، ولذا قال الزيلعي: هذا على تفسير الفقهاء.
وعند أهل اللغة: ما طعن في الثالثة.
إسماعيل.
قوله: (لا الجذع) بالتحريك.
قاموس.
قوله: (وهو ما أتى عليه أكثرها) كذا في الهداية والكافي والدرر، وقيل ما له ثمانية أشهر، وقيل سبعة، وذكر الاقطع أنه عند الفقهاء ما تم له ستة أشهر.
قال في البحر: وهو الظاهر.
قوله: (على الظاهر) راجع إلى قوله: لا الجذع فإن عدم إجزائه هو ظاهر الرواية، صرح به في البحر ح.
قوله: (من الضأن)
قيد به لان المعز لا خلاف أنه لا يؤخذ فيه إلا الثني.
بحر عن الخانية.
قوله: (ذكره الكمال) وأقره في النهر، لكن جزم في البحر وغيره بظاهر الرواية، وفي الاختيار أنه الصحيح.
قوله: (والجذع من البقر الخ) وأما الجذع من المعز فقال في البحر: لم أره عند الفقهاء، وإنما نقلوا عن الازهري أنه ما تم له سنة اه.
قلت: لكن لا يصح أن يكون مراد الفقهاء، لانه بهذا المعنى ثني عندهم كما تقدم في كلام الشارح، فالظاهر أنه لافرق عندهم في الجذع بين الغنم والمعز.
قوله: (ولا شئ في خيل سائمة) في المغرب: الخيل اسم جمع للعراب، والبراذين ذكورهما وإناثهما اه.
وقيد بالسائمة لانها محل الخلاف، أما التي نوى بها التجارة فتجب فيها زكاة التجارة اتفاقا كما يأتي.
قوله: (عندهما) لما في الكتب الستة من قوله عليه الصلاة والسلام: ليس على المسلم في عبده وفرسه صدقة زاد مسلم إلا صدقة الفطر.
وقال الامام: إن كانت سائمة للدر والنسل ذكورا وإناثا وحال عليها الحول وجب فيها الزكاة، غير أنها إن كانت من أفراس العرب خير بين أن يدفع عن كل واحدة دينارا وبين أن يقومها ويعطي عن كل مائتي درهم خمسة دراهم، وإن كانت من أفرا س غيرهم قومها لا غير، وإن كانت ذكورا أو إناثا فروايتان: أشهر عدم الوجوب، كذا في المحيط.
وفي الفتح: الراجح في الذكور عدمه، وفي الاناث الوجوب، وأجمعوا أنها لو كانت للحمل والركوب أو علوفة فلا شئ فيها، وأن الامام لا يأخذها جبرا.
نهر.
قوله: (وعليه الفتوى) قال الطحاوي: هذا أحب القولين(2/306)
إلينا، ورجحه القاضي أبو زيد في الاسرار.
وفي الينابيع، وعليه الفتوى.
وفي الجواهر: والفتوى على قولهما.
وفي الكافي: هو المختار للفتوى، وتبعه الزيلعي والبزازي تبعا للخلاصة.
وفي الخانية قالوا: الفتوى على قولهما.
تصحيح العلامة قاسم.
قلت: وبه جزم في الكنز، لكن رجح قول الامام في الفتح.
وأجاب عن دليلهما المار تبعا للهداية بأن المراد فيه فرس الغازي، وحقق ذلك بما لا مزيد عليه، واستدل للامام بالادلة الواضحة، ولذا قال تلميذه العلامة قاسم: وفي التحفة الصحيح قوله، ورجحه الامام السرخسي في المبسوط،
والقدوري في التجريد، وأجاب عماعساه يورد على دليله، وصاحب البدائع وصاحب الهداية، وهذا القول أقوى حجة علما شهد به التجريد والمبسوط وشرح شيخنا اه.
قوله: (الاصح لا) وقيل ثلاث وقيل خمس.
قهستاني.
قوله: (ليست للتجارة) أي هذه الثلاثة.
قوله: (فلا كلام) أي لا كلام يتعلق بنفي زكاة التجارة موجود اه ح.
قوله: (ولا في عوامل) أي التي أعدت للعمل كإثارة الارض بالحراثة، وكالسقي ونحوه.
زاد في الدر الحوامل وهي التي أعدت لحمل الاثقال، وكأن المصنف نظر إلى أن العوامل تشملها.
قوله: (وعلوفة) بالفتح: ما يعلف من الغنم وغيرها، الواحد والجمع سواء.
مغرب.
قال في البحر: وقدمنا عن القنية أنه لو كان له إبل عوامل يعمل بها في السنة أربعة أشهر ويسميها في الباقي ينبغي أن لا تجب فيها زكاة اه.
قوله: (ما لم تكن العلوفة للتجارة) قيد بالعلوفة لان العومل لا تكون للتجارة وإن نواها لها، كما في النهر: أي لانها مشغولة بالحاجة الاصلية.
قوله: (وحمل وفصيل وعجول) في النهر: الحمل ولد الشاة في السنة الاولى، والفصيل: ولد الناقة قبل أن يصير ابن مخاض.
والعجول: ولد البقرة حين تضعه أمه إلى شهر كما في المغرب.
قوله: (وصورته الخ) أي إذا كانت له سوائم كبار وهي نصاب فمضت ستة أشهر مثلا فولدت أولادا ثم ماتت وتم الحول على الصغار لا تجب الزكاة فيها عندهما، وعند الثاني تجب واحدة منها، والمراد من النصاب خمس وعشرون إبلا وثلاثون بقرا وأربعون غنما، وأما ما دون خمس وعشرين إبلا فلا شئ فيه اتفاقا، لان الثاني أوجب واحدة منها، ولا يتصور فيما دون المقدار، وتمامه في الاختيار.
وفي القهستاني عن التحفة: الصحيح قولهما.
قوله: (إلا تبعا لكبير) قال في النهر: والخلاف، أي المذكور آنفا مقيد بما إذا لم يكن فيه كبار، فإن كان كما إذا له، مع تسع وثلاثين حملا مسن وكذلك في الابل والبقر كانت الصغار تبعاف للكبير ووجب إجماعا، كذا في الدراية اه.
قوله: (ويجب ذلك الواحد ولو ناقصا، فلو جيدا يلزم الوسط) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها ويجب ذلك الواحد ما لم يكن جيدا فيلزم الوسط وهذه النسخة أحسن.
قوله: (وهلاكه يسقطها) أي لو هلك الكبير بعد الحول بطل الواجب عندهما، وعند الثاني يجب في الباقي تسعة وثلاثون جزءا من أربعين جزءا من حمل.
نهر ولو هلك الحملان وبقي الكبير يؤخذ جزء من(2/307)
أربعين جزءا منه.
بدائع.
قوله: ولو تعدد الواجب الخ) بيانه إذا كان له مسنتان ومائة وتسعة عشر حملا فإنه يجب مسنتان في قولهم: أما لو كان له مسنة ومائة وعشرون حملا وجبت مسنة واحدة عندهما.
وقال الثاني: مسنة وحمل، وعلى هذا لو كان له تسعة وخمسون عجولا وتبيع.
نهر عن غاية البيان.
قوله: (ولا في عفو) هذا قولهما، وهو أن الواجب في النصاب لا في العفو.
وقال محمد وزفر: الواجب عن الكل، وأثر الخلاف يظهر فيمن ملك تسعا من الابل فهلك بعد الحول منها أربعة لم يسقط شئ على الاول، ويسقط على الثاني أربعة أتساع شاة، وكذا لو كان له مائة وعشرون شاة فهلك منها ثمانون يسقط على الثاني ثلثا شاة منها، وتمامه في الزيلعي.
قوله: (وخصاه بالسوائم) أي خص الصاحبان العفو بها دون النقود.
لان ما زاد على مائتي درهم لا عفو فيه عندهما، بل يجب فيما زاد بحسابه، أما عند أبي حنيفة فإن الزائد عليها عفو ما لم يبلغ أربعين درهما ففيها درهم آخر كما سيأتي.
قوله: (ولا في هالك الخ) أي لا تجب الزكاة في نصاب هالك بعد الوجوب: أي بعد مضي الحول بل تسقط، وإن طلبها الساعي منه فامتنع حتى هلك النصاب على الصحيح.
وفي الفتح أنه الاشبه بالفقه، لان للمالك رأيا في اختيار محل الاداء بين العين والقيمة، والرأي يستدعي زمانا.
قوله: (ومنع الساعي) عطف على وجوبها ح.
قوله: (لتعلقها بالعين) لان الواجب جزء من النصاب فيسقط بهلاك محله، كدفع العبد بالجناية يسقط بهلاكه.
هداية.
قوله: (وإن هلك بعضه) أي بعض النصاب سقط حظه: أي حظ الهالك: أي سقط من الواجب فيه بقدر ما هلك منه.
قوله: (ويصرف الهالك إلى العفو الخ) أقول: أي لو كان عنده ثلاث نصب مثلا وشئ زائد مما لا يبلغ نصابا رابعا فهلك بعض ذلك يصرف الهالك إلى العفو أولا، فإن كان الهالك يقدر العفو يبقى الواجب عليه في الثلاث نصب بتمامه، وإن زاد يصرف الهالك إلى نصاب يليه: أي إلى النصاب الثالث ويزكي عن النصابين، فإن زاد الهالك على النصاب الثالث يصرف الزائد إلى النصاب الثاني، وهكذا إلى أن ينتهي إلى الاول ومقتضى ما مر أنه إذا نقص النصاب يسقط عنه حظه ويزكي عن الباقي بقدره.
تأمل.
ثم إن هذا قول الامام رضي الله عنه.
وعند أبي يوسف: يصرف
الهالك بعد العفو الاول إلى النصب شائعا.
وعند محمد: إلى العفو والنصب لما مر من تعلق الزكاة بهما عنده.
قال في الملتقى وشرحه للشارح: فلو هلك بعد الحول أربعون من ثمانين شاة تجب شاة كاملة عندهما، وعند محمد: نصف شاة.
ولو هلك خمسة عشر من أربعين بعيرا: تجب بنت مخاض، لما مر أن الامام يصرف الهالك إلى العفو ثم إلى نصاب يليه ثم وثم.
وعند أبي يوسف خمسة وعشرون جزءا من ستة وثلاثين جزءا مبنت مخاض لما مر أنه يصرف الهالك بعد العفو الاول إلى النصب.
وعند محمد: نصف بنت لبون وثمنها، لما مر أنه يعلق الزكاة بالنصاب والعفو اه.
وفي البحر: ظاهر الرواية عن أبي يوسف كقول الامام.
قوله: (بخلاف المستهلك) أي بفعل رب(2/308)
المال مثلا ط.
قوله: (بعد الحول) أما قبله لو استهلكه قبل تمام الحول فلا زكاة عليه لعدم الشرط، وإذا فعله حيلة لدفع الوجوب، كأن استبدل نصاب السائمة بآخر أو أخرجه عن ملكه ثم أدخله فيه، قال أبو يوسف: لا يكره لانه امتناع عن الوجوب، لا إبطال حق الغير.
وفي المحيط أنه الاصح.
وقال محمد: يكره، واختار الشيخ حميد الدين الضرير، لان فيه إضرارا بالفقراء وإبطال حقهم مآلا، وكذا الخلاف في حيلة دفع الشفعة قبل وجوبها.
وقيل الفتوى في الشفعة على قول أبي يوسف، وفي الزكاة على قول محمد، وهذا تفصيل حسن.
شرح درر البحار.
قلت: وعلى هذا التفصيل مشى المصنف في كتاب الشفعة، وعزاه الشارح هناك إلى الجوهرة، وأقره، وقال: ومثل الزكاة الحج وآية السجدة.
قوله: (لوجود التعدي) علة لقوله بخلاف المستهلك فإنه بمعنى تجب فيه الزكاة.
قوله: (ومنه الخ) أي من الاستهلاك المفهوم من المستهلك.
قال في النهر: وهو أحد قولين.
والقول الآخر أنه لا يضمن، لانه لو فعل ذلك في الوديعة لا يضمن، فكذا هنا.
والذي يقع في نفسي ترجيح الاول، ثم رأيته في البدائع جزم له ولم يحك غيره اه.
قلت: ومن الاستهلاك ما لو أبرأ مديونه الموسر، بخلاف المعسر على ما سيأتي قبيل باب العاشر.
قوله: (والتوي) بالقصر: أي الهلاك مبتدأ خبره هلاك.
قوله: (بعد القروض والاعارة)
الاصوب الاقراض.
قال في الفتح: وإقراض النصاب الدراهم بعد الحول ليس باستهلاك، فلو ترى المال على المستقرض لا تجب: أي الزكاة، ومثله إعارة ثوب التجارة اه.
والتوى هنا: أن يجحد ولا بينة عليه، أو يموت المستقرض لا عن تركة.
قوله: (واستبدال) بالجر عطفا على القرض اه ح.
لان المعنى أنه لو استبدل مال التجارة بمال التجارة ثم هلك البدل لا تجب الزكاة لانه ليس باستهلاك، فعلى هذا لا يصح كونه مرفوعا عطفا على التوى لاستلزامه أن يكون نفس الاستبدال هلاكا، وليس كذلك لقيام البدل مقام الاصل، وما عزي إلى النهر من أنه هلاك لم أره فيه، بل المصرح به فيه وفي غيره أنه ليس باستهلاك، ولا يلزم منه أن يكون هلاكا.
قال في البدائع: وإذا حال الحول على مال التجارة فأخرجه عن ملكه بالدراهم أو الدنانير أو بعرض التجارة بمثل قيمته لا يضمن الزكاة، لانه ما أتلف الواجب بل نقله من محل إلى مثله، إذ المعتبر في مال التجارة هو المعنى، وهو المالية لا الصورة، فكان الاول قائما معنى فيبقى الواجب ببقائه ويسقط بهلاكه، وأما إذا باعه وحابى بيسير فكذلك، لانه مما لا يمكن التحرز عنه فكان عفوا وإن حابى بما لا يتغابن الناس فيه ضمن قدر زكاة المحاباة، وزكاة ما بقي تتحول إلى العين فتبقى ببقائه وتسقط بهلاكه انتهى.
والاستبدال قبل الحول كذلك.
ففي البدائع أيضا: لو استبدل مال التجارة بمال التجارة وهي العروض قبل تمام الحول لا يبطل حكم الحول، سواء استبدلها بجنسها أو بخلافه بلا خلاف لتعلق وجوب زكاتها بمعنى المال وهو المالية والقيمة وهو باق، وكذا الدراهم أو الدنانير إذا باعها بجنسها أو بخلافه كدراهم أو بدنانير.
وقال الشافعي: ينقطع حكم الحول، فعلى قياس قوله لا تجب الزكاة في مال الصيارفة(2/309)
كما إذا باع السائمة بالسائمة.
ولناما قلنا: إن الوجوب في الدراهم تعلق بالمعنى لا بالعين، والمعنى قائم بعد الاستبدال فلا يبطل حكم الحول، بخلاف استبدال السائمة بالسائمة، فإن الحكم فيها يتعلق بالعين فيبطل الحول المنعقد على الاول ويستأنف للثاني حولا اه.
فافهم.
قوله: (هلاك) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها يعد هلاكا.
قوله: (وبغير مال التجارة) متعلق بمبتدأ محذوف دل عليه
المذكور: أي واستبدال مال التجارة بغير مال التجارة استهلاك فيضمن زكاته.
قال في النهر: وقيده في الفتح بما إذا نوى في البدل عدم التجارة عند الاستبدال، أما إذا لم ينو: وقع البدل للتجارة اه.
قلت: أي وإذا وقع البدل للتجارة فلا يكون الاستبدال استهلاكا، فلا يضمن زكاة الاصل لو كان بعد تمام الحول، ولا ينقطع حكم الحول لو كان الاستبدال قبل تمامه، بل يتحول الوجوب إلى البدل فيبقى ببقائه ويسقط بهلاكه كما نقلناه صريحا عن البدائع، فما قيل من أنه لا تجب زكاة البدل بهذا الاستبدال بل يعتبر له حول جديد: خطأ صريح، فافهم.
تنبيه: شمل قوله وبغير مال التجارة ما لو استبدله بعوض ليس بمال أصلا، بأن تزوج عليه امرأة، أو صالح به عن دم العمد، أو اختلعت به المرأة، أو بعوض هو مال لكنه ليس مال الزكاة بأن باعه بعبد الخدمة أو ثياب البذلة أو استأجر به عينا، فيضمن الزكاة في ذلك كله لانه استهلاك، وكذا لو باع مال التجارة بالسوائم على أن يتركها سائمة لاختلاف الواجب فكان استهلاكا، وتمامه في البدائع.
تتمة: حكم النقود مثل مال التجارة، ففي الفتح: رجل له ألف حال حولها فاشترى بها عبدا للتجارة فمات أو عروضا للتجارة فهلكت، بطلت عنه زكاالالف، ولو كان العبد للخدمة لم تسقط بموته، وتمامه فيه.
قوله: (والسائمة بالسائمة) الاول إسقاط قوله بالسائمة ليشمل استبدالها بغير سائمة.
قال في فتح القدير: واستبدال السائمة استهلاك مطلقا سواء استبدلها بسائمة من جنسها أو من غيره، أو بغير سائمة دراهم أو عروض لتلقي الزكاة بالعين أو لا وبالذات وقد تبدلت، فإذا هلكت سائمة البدل تجب الزكاة، ولا يخفى أن هذا إذا استبدل بها بعد الحول، أما إذا باعها قبله فلا، حتى لا تجب الزكاة في البدل إلا بحول جديد أو يكون له دراهم وقد باعها بأحد النقدين اه: أي فحينئذ يضم ثمنها إلى ما عنده من الدراهم ويزكيه معه بلا استقبال حول جديد، وكذا لو باعها بسائمة وعنده سائمة فإنه يضمها إليها كما قدمناه في فصل السائمة عن الجوهرة.
قوله: (وجاز دفع القيمة) أي ولو مع وجود المنصوص عليه.
معراج.
فلو أدى ثلاث شياه سمان عن أربع وسط أو بعض بنت لبون عن بنت مخاض جاز.
وتمامه في الفتح.
ثم إن هذا مقيد بغير المثلى، فلا تعتبر القيمة في نصاب
كيلي أو وزني، فإذا أدى أربعة مكاييل أو دراهم جيدة عن خمسة رديئة أو زيوف لا يجوز عند علمائنا الثلاثة إلا عن أربعة، وعليه كيل أو درهم آخر خلافا لزفر، وهذا إذا أدى من جنسه.
وإلا فالمعتبر هو القيمة اتفاقا لتقوم الجودة في المال الربوي عند المقابلة، بخلاف جنسه.
ثم إن المعتبر عند محمد الانفع للفقير من القدر والقيمة.
وعندهما القدر، فإذا أدى خمسة أقفزة رديئة عن خمسة جيدة لم يجز عنده حتى يؤدي تمام قيمة الواجب وجاز عندهما، وهذا إذا كان المال(2/310)
جيدا وأدى من جنسه رديئا، أما إذا أدى من خلا ف جنسه فالقيمة معتبرة اتفاقا.
وإذا أدى خمسة جيدة عن خمسة رديئة جاز اتفاقا على اختلاف التخريج، وتمامه في شرح درر البحار وشرح المجمع.
قوله: (في زكاة الخ) قيد بالمذكورات لانه لا يجوز دفع القيمة في الضحايا والهدايا والعتق، لان معنى القربة إراقة الدم، وفي العتق نفي الرق وذلك لا يتقوم.
بحر عن غاية البيان ثقال: ولا يخفى أنه مقيد ببقاء أيام النحر، أما بعدها فيجوز دفع القيمة كما عر ف الاضحية اه.
قوله: (وخراج) ذكره في الشرنبلالية بحثا، لكن نقله الشيخ إسماعيل عن الخلاصة.
قوله: (ونذر) كأن نذر أن يتصدق بهذا الدينار فتصدق بقدره دراهم، أو بهذا الخبز فتصدق بقيمته، جاز عندنا، كذا في فتح القدير.
وفيه: لو نذر أن يهدي شاتين أو يعتق عبدين وسطين فأهدى شاة أو أعتق عبدا يساوي كل منهما وسطين لا يجوز، لان القربة في الاراقة والتحرير وقد التزم إراقتين وتحريرين فلا يخرج عن العهدة بواحد، بخلاف النذر بالتصدق بشاتين وسطين فتصدق بشاة بقدرهما جاز، لان المقصود إغناء الفقير وبه تحصل القربة وهو يحصل بالقيمة، ولو نذر أن يتصدق بقفيز دقل فتصدق بنصفه جيدا يساوي تمامه لا يجزيه، لان الجودة لا قيمة لها هنا للربوية وللمقابلة بالجنس، بخلاف جنس آخر لو تصدق بنصف قفيز منه يساوية جاز اه.
قوله: (وكفارة) بالتنوين وغير الاعتاق نعته، ولم يذكر هندا الاستثناء في الهداية والكنز والتبيين والكافي، وذكره في غاية البيان لما قدمنا معللا بأن معنى القربة فيه إتلاف الملك ونفي الرق وذلك لا يتقوم.
شرنبلالية.
قلت: وينبغي استثناء الكسوة أيضا لما في البحر عن الفتح، بخلاف ما لو كان كسوة بأن أدى
ثوبا يعدل ثوبين لم يجز إلا عن ثوب واحد، لان المنصوص عليه في الكفارة مطلق الثوب لا بقيد الوسط، فكان الاعلى وغيره داخلا تحت النص اه.
قوله: (وهو الاصح) أي كون المعتبر في السوائم يوم الاداء إجماعا هو الاصح فإنه ذكر في البدائع أنه قيل: إن المعتبر عنده فيها يوم الوجوب، وقيل يوم الاداء اه.
وفي المحيط: يعتبر يوم الاداء بالاجماع وهو الاصح اه.
فهو تصحيح للقول الثاني الموافق لقولهما، وعليه فاعتبار يوم الاداء يكون متفقا عليه عنده وعندهما.
قوله: (ويقوم في البلد الذي المال فيه) فلو بعث عبدا للتجارة في بلد آخر يقوم في البلد الذي فيه العبد.
بحر.
قوله: (ففي أقرب الامصار إليه) أي إلى المفازة، وذكر الضمير باعتبار الموضع.
وعبارة الفتح إلى ذلك الموضع قال في البحر في الباب الآتي: وهذا أولى مما في التبيين من أنه إذا كان في المفازة يقوم في المصر الذي يصير إليه.
قوله: (والمصدق) بتخفيف الصاد وكسر الدال المشددة: هو الساعي آخذ الصدقة، وأما المالك فالمشهور فيه تشديدهما وكسر الدال، وقيل بتخفيف الصاد.
شرنبلالية عن العناية.
قوله: (لا يأخذ إلا الوسط) أي من السن الذي وجب، فلو وجب بنت لبون لا يأخذ خيار بنت لبون ولا رديئها، بل يأخذ الوسط، لقوله (ص) لمعاذ حين بعثه إلى اليمن إياك وكرائم أموالهم(2/311)
رواه الجماعة، ولان فأخذ الوسط نظرا للفقراء ولرب المال.
منلا علي القارئ.
وفي الخانية: ولا تؤخذ الربي والاكيلة والماخض وفحل الغنم لانها من الكرائم اه.
والربى بضم الراء المشددة وتشديد الباء مقصورة، وهي التي تربي ولدها.
مغرب.
وفي البدائع قال محمد: الربى: هي التي تربي ولدها.
والاكيلة: التي تسمن للاكل.
والماخض: هي التي في بطنها ولد، ومن الناس من طعن فيه وزعم أن الربى هي المرباة والاكيلة المأكولة، وطعنه مردود عليه، وكان عليه تقليد محمد إذ هو إمام في اللغة أيضا واجب التقليد فيا كأبي عبيد والاصمعي والخليل والكسائي والفراء وغيرهم، وقد قلده أبو عبيد مع جلالة قدره واحتج بقوله، وكذا أبو العباس.
مطلب: محمد إمام في اللغة واجب القليد فيها من أقران سيبويه وكان ثعلب يقول: محمد عندنا من أقران سيبويه، فكان قوله حجة في اللغة اه.
وتمامه فيها.
قوله: (ولو كله جيدا فجيد) في الظهيرية، بل نخيل تمر برني ودقل.
قال الامام: يؤخذ من كل نخلة حصتها من التمر.
وقال محمد: يؤخذ من الوسط إذا كانت أصنافا ثلاثة: جيد، ووسط، وردئ اه.
وهذا يقتضي أن أخذ الوسط إنما هو فيما إذا اشتمل المال على جيد ووسط وردئ أو على صنفين منها، أما لو كان المال كله جيدا كأربعين شاة أكولة تجب شاة من الكرائم لا شاة وسط عند الامام، خلافا لمحمد كما لا يخفى.
بحر.
وفي النهر عن المعراج: وإن لم يكن فيها وسط يعتبر أفضلها ليكون الواجب بقدره.
قوله: (كذا نقله الشافعية) وعللوه بأن الحامل حيوانان كما في شرح ابن حجر.
قوله: (فليراجع) لا يقال: تقدم أنه لا تؤخذ الماخض، لان المراد هنا ما إذا كان النصاب كله كذلك، ولا يقال: صرحوا بأنه لا زكاة في العوامل والحوامل لان المراد بها المعدة للحمل على ظهرها، والمراد هنا ما في بطنها ولد، لكن إذا كان النصاب كله كذلك، فما المانع من أخذها وإن كانت حيوانين؟ كما لو كانت كلها أكولة فإنها تؤخذ مع كونها من الكرائم المنهي عن أخذها.
وقول البحر المار آنفا: تجب شاة من الكرائم يشمل الحامل، فتأمل.
قوله: (فالقيد اتفاقي) كذا في البحر ودرر البحار وغيرهما، لكن ظاهر ما في البحر عن المعراج أنه اتفاقي بالنسبة إلى أداء القيمة، فإنه قال: وأداء القيمة مع وجود المنصوص عليه جائز عندنا اه، فتأمل.
قوله: (من ذات سن) أشار بتقدير المضاف تبعا للنهر إلى أن المراد بالسن معناها الحقيقي واحدة الاسنان لكن قال في المغرب: السن هي المعروفة، ثم سمي بها صاحبها كالناب للمسنة من النوق، ثم استعيرت لغيره كابن المخاض وابن اللبون اه.
زاد في الدرر: وذلك إنما يكون في الدواب دون الانسان لانها تعرف بالسن اه: أي سميت بذلك لان عمرها يعرف بالسن، بخلاف الآدمي، ومقتضاه أنه مجاز في اللغة من إطلاق اسم البعض على الكل كالرقبة على المملوك، فلا حاجة إلى تقدير مضاف إلى أن يريد الاشارة إلى تجويز كونه من مجاز الحذف.
تأمل.
قوله: (الادنى) أي وصفا أو سنا، وكذا(2/312)
قوله: أو الاعلى.
قوله: (مع الفضل) أي ما يزيد من قيمة الواجب على المدفوع.
قوله: (لانه دفع بالقيمة) أي لا يبيع حتى ينافي الجبر.
قوله: (ورد الفضل) أي استرده، ولم يقدروه عندنا بشئ لانه
يختلف بحسب الاوقات غلاء ورخصا.
وقدرة الشافعي بشاتين أو عشرين درهما كما بسطه في العناية وغيرها.
إسماعيل.
قوله: (بلا جبر) كذا في الهداية، وبه جزم الكمال والزيلعي.
وفي النهر عن الصيرفي أنه الصحيح، وقيل الخيار للساعي ذكره محمد في الاصل، وجرى عليه القدوري، واختاره الاسبيجابي، وقيل للمالك في الصورتين، وهو ظاهر المتن ك الكنز والدرر والملتقى، وصححه في الاختيار.
وذكر في النهاية والمعراج أنه الصواب، ومشى عليه في البحر، وعزاه إلى المبسوط وانتصر في النهر للاول فلذا جزم به الشارح.
قوله: (جاز) أي بخلاف المثلي كما قدمناه موضحا.
قوله: (والمستفاد) السين والتاء زائدتان: أي المال المفاد ط.
قوله: (ولو بهبة أو إرث) أدخل فيه المفاد بشراء أو ميراث أو وصية، وما كان حاصلا من الاصل كالاولاد والربح كما في النهر.
قوله: (إلى نصاب) قيد به لانه لو كان النصاب ناقصا وكمل بالمستفاد فإن الحول ينعقد عليه عند الكمال، بخلاف ما لو هلك بعض النصاب في أثناء الحول فاستفاد ما يكمله فإنه يضم عندنا، وأشار إلى أنه لا بد من بقاء الاصل، حتى لو ضاع استأنف للمستفاد حولا منذ ملكه، فإن وجد منه شيئا قبل الحول ولو بيوم ضمه وزكى الكل، وكذا لو وهب له ألف فاستفاد مثلها في الحول ثم رجع الواهب بقضاء استأنف حولا للفائدة، وشمل كلامه ما لو كان النصاب دينا، فاستفاد مائة فإنها تضم إجماعا، غير أنه لو تم حول الدين، فعند الامام لا يلزمه الاداء من المستفاد ما لم يقبض أربعين درهما، فلو مات المديون مفلسا سقط عنه زكاة المستفاد، وعندهما يجب اه من البحر والنهر.
قوله: (من جنسه) سيأتي: أن أحد النقدين يضم إلى الآخر، وأن عروض التجارة تضم إلى النقدين للجنسية باعتبار قيمتها، واحترز عن المستفاد من خلاف جنسه كالابل مع الشياه فلا تضم.
بحر.
قوله: (ولو أدى الخ) هذا بمنزلة الاستثناء مما في المتن كأنه قال: يضم المستفاد إلى جنسه ما لم يمنع منه مانع وهو الثني المنفي بقوله عليه الصلاة والسلام: لا ثني في الصدقة.
قوله: (لا تضم) أي إلى سائمة عنده من جنس السائمة التي اشتراها بذلك النقد المزكى: أي لا يزكيها عند تمام حول السائمة الاصلية عند الامام للمانع المذكور، وعندهما يضم، وكذا الخلاف لو باع السائمة المزكاة بنقد، بخلاف ما لو أدى عشر طعام أو أرض أو صدقة فطر عبد ثم باع حيث تضم أثمانها إجماعا.
والفرق للامام أن ثمن
السائمة بدل مال الزكاة، وللبدل حكم المبدل منه، فلو ضم لادى إلى الثني، وكذا جعل السائمة علوفة بعد ما زكاها ثم باعها، أو جعل عبد التجارة المؤدي زكاته للخدمة ثم باعه ضم لخروجه عن مال الزكاة فصار كمال آخر، وتمامه في البحر.
قوله: (كثمن سائمة مزكاة) أي وكالفرع المذكور قبله، ففيه لو ورث سائمة من جنس السائمتين تضم الى أقربهما أيضا.
قوله: (ضمت) أي الالف الموروثة إلى أقربهما: أي الاقرب الالفين الاولين حولا.
قال في البحر: لانهما استويا في علة الضم(2/313)
وترجح أحدهما باعتبار القرب لانه أنفع للفقراء.
قوله: (وربح كل الخ) قال في البحر: ولو كان المستفاد ربحا أو ولدا ضمه إلى أصله وإن كان أبعد حولا لانه ترجح باعتبار التفرع والتولد، لانه تبع وحكم التبع لا يقطع عن الاصل.
قوله: (أخذ البغاة) الاخذ ليس قيدا احترازيا حتى لو لم يأخذوا منه ذلك سنين وهو عندهم لم يؤخذ منه شئ أيضا، كما في البحر والشرح نبلالية عن الزيلعي.
والبغاة: قوم مسلمون خرجوا عن طاعة الامام الحق بأن ظهروا فأخذوا ذلك.
نهر.
ويظهر لي أن أهل الحرب لو غلبوا على بلدة من بلادنا كذلك لتعليلهم أصل المسألة بأن الامام لم يحمهم والجباية بالحماية.
وفي البحر وغيره: لو أسلم الحربي في دار الحرب وأقام فيها سنين ثم خرج إلينا لم يأخذ منه الامام الزكاة لعدم الحماية، ونفتيه بأدائها إكان عالما بوجوبها، وإلا فلا زكاة عليه، لان الخطاب لم يبلغه وهو شرط الوجوب اه.
وسيأتي متنا في باب العاشر أنه لو مر على عاشر الخوارج فعشروه ثم مر على عاشر أهل العدل أخذ منه ثانيا: أي لتقصيره بمروره بهم.
قوله: (والخراج) أي خراالارض كما في غاية البيان.
والظاهر أن خراج الرؤوس كذلك.
نهر.
قلت: ما استظهره صرح به في المعراج.
قوله: (الآتي ذكره) أي في باب المصرف.
قوله (فعليهم الخ) أي ديانة كما في بعض النسخ.
قال في الهداية: وأفتوا بأن يعيدوها دون الخراج اه.
لكن هذا فيما أخذه البغاة لتعليلهم بأن البغاة لا يأخذون بطريق الصدقة بل بطريق الاستحلال فلا
يصرفونها إلى مصارفها اه.
أما السلطان الجائر فله ولاية أخذها، وبه يفتي كما نذكره قريبا عن أبي جعفر، نعم ذكر في المعراج عن كثير من مشايخ بلخ أنه كالبغاة لانه لا يصرفه إلى مصارفه.
وفي الهداية أنه الاحوط.
قوله: (إعادة غير الخراج) موافق لما نقلناه عن الهداية.
قال في الشرنبلالية: وعليه اقتصر في الكافي، وذكر الزيلعي ما يفيد ضعفه حيث قال: وقيل لا نفتيهم بإعادة الخراج.
قوله: (لانهم مصارفه) علة لمحذوف تقديره: أما الخراج فلا يفتون بإعادته لانهم مصارفه، إذ أهل البغي يقاتلون أهل الحرب والخراج حق المقاتلة.
شرح الملتقى ط.
قوله: (واختلف في الاموال الباطنة) هي النقود وعروض التجارة إذا لم يمر على العاشر، لانها بالاخراج تلتحق بالاموال الظاهرة كما يأتي في بابه، والاموال الظاهرة هي التي يأخذ زكاتها الامام وهي السوائم وما فيه العشر والخراج وما يمر به على العاشر، ويفهم من كلام الشارح أنه لا خلاف فيه الاموال الظاهرة مع أن فيها خلافا أيضا.(2/314)
مطلب: فيما لو صادر السلطان رجلا فنوى بذلك أداء الزكاة إليه قال في التجنيس والولوالجية: السلطان الجائر إذا أخذ الصدقات: قيل إن نوى بأدائها إليه الصدقة عليه لا يؤمر بالاداء ثانيا لانه فقير حقيقة، ومنهم من قال: الاحوط أن يفتي بالاداء ثانيا كما لو لم ينو لانعدام الاختيار الصحيح، وإذا لم ينو: منهم من قال: يؤمر بالاداء ثانيا، وقال أبو جعفر: لا لكون السلطان له ولاية الاخذ فيسقط عن أرباب الصدقة، فإن لم يضعها موضعها لا يبطل أخذه، وبه يفتى، وهذا في صدقات الاموال الظاهرة.
أما لو أخذ منه السلطان أموالا مصادرة ونوى أداء الزكاة إليه، فعلى قول المشايخ المتأخرين يجوز.
والصحيح أنه لا يجوز، وبه يفتى، لانه ليس للظالم ولاية أخذ الزكاة من الاموال الباطنة اه.
أقول: يعني وإذا لم يكن له ولاية أخذها لم يصح الدفع إليه وإن نوى الدافع به التصدق عليه لانعدام الاختيار الصحيح، بخلاف الاموال الظاهرة، لانه لما كان له ولاية أخذ زكاتها لم يضر انعدام الاختيار، ولذا تجزيه سواء نوى التصدق عليه أو لا.
هذا، وفي مختارات النوازل: السلطان الجائر إذا أخذ الخراج يجوز.
ولو أخذ الصدقات أو الجبايات أو أخذ مالا مصادرة: إن نوى الصدقة عند الدفع قيل يجوز أيضا، وبه يفتى، وكذا إذا دفع إلى كل جائر بنية الصدقة لانهم بما عليهم من التبعات صاروا فقراء، والاحوط الاعادة اه.
وهذا موافق لما صححه في المبسوط، وتبعه في الفتح، فقد اختلف التصحيح والافتاء في الاموال الباطنة إذا نوى التصدق بها على الجائر وعلمت ما هو الاحوط.
قلت: وشمل ذلك ما يأخذه المكاس، لانه وإن كان في الاصل هو العاشر الذي ينصبه الامام، لكن اليوم لا ينصب لاخذ الصدقات بل لسلب أموال الناس ظلما بدون حماية، فلا تسقط الزكاة بأخذه كما صرح به في البزازية، فإذا نوى التصدق عليه كان على الخلاف المذكور.
قوله: (لانهم بما عليهم الخ) علة لقوله قبله الاصح الصحة وقوله بما عليهم متعلق بقوله: فقراء.
قوله: (حتى أفتى) بالبناء للمجهول، والمفتي بذلك محمد بن سلمة، وأمير بلخ هو موسى بن عيسى بن ماهان والي خراسان، سأله عن كفارة يمينه فأفتاه بذلك، فجعل يبكي ويقول لحشمه: إنهم يقولون لي ما عليك من التبعات فوق مالك من المال فكفارتك كفارة يمين من لا يملك شيئا.
قال في الفتح: وعلى هذا لو أوصى بثلث ماله للفقراء فدفع إلى السلطان الجائر سقط.
ذكره قاضيخان في الجامع الصغير.
وعلى هذا فإنكارهم على يحيى بن يحيى تلميذ مالك حيث أفتى بعض ملوك المغاربة في كفارة عليه بالصوم غير لازم، لجواز أن يكون للاعتبار المذكور لا لكون الصوم أشق عليه من الاعتاق، وكون ما أخذه خلطه بماله بحيث لا يمكن تمييزه فيملكه عند الامام غير مضر لاشتغال ذمته بمثله، والمديون بقدر ما في يده فقير اه ملخصا.
قلت: وإفتاء ابن سلمة مبني على ما صححه في التقرير من أن الدين لا يمنع التكفير(2/315)
بالمال، أما على ما صححه في الكشف الكبير وجرى عليه الشارح فيما مر تبعا للبحر والنهر فلا.
قوله: (لم تقع زكاة) في بعض النسخ: لم تصح زكاة، وعزا هذا في البحر إلى المحيط.
ثم قال: وفي مختصر الكرخي إذا أخذها الامام كرها فوضعها موضعها أجزأ، لان ولاية أخذ الصدقات فقام أخذه مقام دفع المالك.
وفي القنية: فيه إشكال، لان النية فيه شرط ولم توجد منه اه.
قلت: قول الكرخي: فقام أخذه الخ، يصلح للجواب.
تأمل.
ثم قال في البحر: والمفتى به التفصيل إن كان في الاموال الظاهرة يسقط الفرض، لان للسلطان أو نائبه ولاية أخذها، وإن لم يضعها موضعها لا يبطل أخذه، وإن كان في الباطنة فلا اه.
قوله: (وفي التجنيس) في بعض النسخ لكن بدل الواو وهو استدراك على ما في المبسوط، وقد أسمعناك آنفا ما في التجنيس.
وقد يدعى عدم المخالفة بينهما بحمل ما في التجنيس على ما إذا دفع إلى السلطان مال المكس أو المصادرة ونوى به كونه زكاة ليصرفه السلطان في مصارفه ولم ينو بذلك التصدق به على السلطان، ويؤيد هذا الحمل قوله: لانه ليس له ولاية أخذ الزكاة من الاموال الباطنة، فلا ينافي ذلك قول المبسوط: الاصح أن ما يأخذه ظلمة زماننا من الجبايات والمصادرات يسقط عن أرباب الاموال إذا نووا عند الدفع التصدق عليهم لانهم بما عليهم من التبعات فقراء، فليتأمل.
قوله: (بماله) متعلق بخلط، وأما لو خلطه بمغصوب آخر فلا زكاة فيه كما يذكره في قوله: كما لو كان الكل خبيثا.
قوله: (لان الخلط استهلاك) أي بمنزلته من حيث أن حق يتعلق بالذمة لا بالاعيان ط.
قوله: (عند أبي حنيفة) أما على قولهما فلا ضمان، وحينئذ فلا يثبت الملك لانه فرع الضمان، ولا يورث عنه لانه مال مشترك، وإنما يورث عنه حصة الميت منه.
فتح.
قوله: (وهذا الخ) الاشارة إلى وجوب الزكاة الذي تضمنه قوله فتجب الزكاة فيه.
قوله: (منفصل عنه) الذي في النهر عن الحواشي: محل ما ذكروه ما إذا كان له مال غير ما استهلكه بالخلط يفضل عنه فلا يحيط الدين بماله اه: أي بفضل عنه بما يبلغ نصابا.
قوله: (كما لو كان الكل خبيثا) في القنية: ولو كان الخبيث نصابا لا يلزمه الزكاة، لان الكل واجب التصدق عليه فلا يفيد إيجاب التصدق ببعضه اه.
ومثله في البزازية.
قوله: (كما في النهر) أي أول كتاب الزكاة عند قول الكنز: وملك نصاب حولي، ومثله في الشرنبلالية، وذكره في شرح الوهبانية بحثا.
وفي الفصل العاشر من التاترخانية عن فتاوى الحجة: من ملك أموالا غير طيبة أو غصب أموالا وخلطها ملكها بالخلط ويصير ضامنا، وإن لم يكن له سواها نصاب فلا زكاة عليه فيها وإن بلغت نصابا، لانه مديون ومال المديون لا ينعقد سببا لوجوب الزكاة عندنا اه.
فأفاد بقوله: وإن لم يكن له سواها نصاب الخ، أن وجوب الزكاة مقيد بما إذا كان له نصاب سواها،
وبه يندفع ما استشكله في البحر من أنه وإن ملكه بالخلط فهو مشغول بالدين فينبغي أن لا تجب الزكاة اه.
لكن لا يخفى أن الزكاة حينئذ إنما تجب فيما زاد عليها لا فيها.(2/316)
لا يقال: يمكن أن يكون له مال سواها مما لا زكاة فيه كدور السكنى وثياب البذلة مما يبلغ مقدار ما عليه أو يزيد فتجب الزكاة فيها من غير أن يكون لنصاب آخر سواها.
لانا نقول: إنه لما خلطها ملكها وصار مثلها دينا في ذمته لا عينها، وقدمنا أن الدين يصرف أولا إلى مال الزكاة دون غيره، حتى لو تزوج على خادم بغير عينه وله مائتا درهم وخدام صرف دين المهر إلى المائتين دون الخادم: أي فلو حال الحول على المائتين لا زكاة عليه لاشتغالها بالدين مع وجود ما يفي به من جنسه وهو الخادم، وهنا كذلك ما لم يملك نصابا زائدا، نعم تظهر الثمرة فيما إذا أبرأه المغصوب منهم كما نقله في البحر عن المبتغى بالغين المعجمة، وقال: وهو قيد حسن يجب حفظه اه.
أو إذا صالح غرماءه على عقار مثلا فيبقى ما غصبه سالما عن الدين فتجب زكاته.
وقد يجاب عن الاشكال كما أفاده شيخنا بأن المراد ما إذا لم يعلم أصحاب المال المغصوب، لان الدين إنما يمنع وجوب الزكاة إذا كان له مطالب من جهة العباد ويجهل أصحابه لا يبقى له مطالب فلا يمنع وجوبها.
قلت: لكن قدمنا عن القنية والبزازية أن ما وجب التصدق بكله لا يفيد التصدق ببعضه، لان المغصوب إن علمت أصحابه أو ورثتهم وجب رده عليهم، وإلا وجب التصدق به.
وأيضا فقد مر أن الامراء فقراء بما عليهم من التبعات، ولا شك أن غالب غرمائهم مجهولون، وتقدم أيضا أن الموصى به للفقراء لو دفعه إلى السلطان الجائر سقط، فجواز أخذه الزكاة لفقره ينافي وجوبها عليه، وإن جاز أخذه لها مع وجوبها عليه لعلة أخرى كعدم وصوله إلى ماله كابن السبيل ومن له دين مؤجل.
تأمل.
مطلب: في التصدق من المال الحرام قوله: (وفي شر الوهبانية الخ) فيه دفع لما عسى يورد على قول المتن: فتجب الزكاة فيه
من أنه مال خبيث فكيف يزكي منه؟ لكن علمت أنه لا تجب زكاته إلا إذا استبرأ من صاحبه أو صالح عنه فيزول خبثه نعم لو أخرج زكاة المال الحلال من مال حرام: ذكر في الوهبانية أنه يجزئ عند البعض، ونقل القولين في القنية.
وقال في البزازية: ولو نوى في المال الخبيث الذي وجبت صدقته أن يقع عن الزكاة وقع عنها اه: أي نوى في الذي وجب التصدق ب لجهل أربابه، وفيه تقييد لقول الظهيرية: رجل دفع إلى فقير من المال الحرام شيئا يرجو به الثواب يكفر، ولو علم الفقير بذلك فدعا له وأمن المعطى كفرا جميعا.
ونظمه في الوهبانية وفي شرحها: ينبغي أن يكون كذلك لو كان المؤمن أجنبيا غير المعطي والقابض، وكثير من الناس عنه غافلون ومن الجهال فيه واقعون اه.
قلت: الدفع إلى الفقير غير قيد، بل مثله فيما يظهر لو بنى من الحرام بعينه مسجدا ونحوه مما يرجو به التقرب لان العلة رجاء الثواب فيما فيه العقاب، ولا يكون ذلك إلا باعتقاد حله.
قوله: (إذا تصدق بالحرام القطعي) أي مع رجاء الثواب الناشئ عن استحلاله كما مر، فافهم.
قوله: (لا يكفر) اقتصر على نفي الكفر لان التصرف به قبل أداء بدله لا يحل وإن ملكه بالخلط كما علمته.
وفي حاشية الحموي عن الذخيرة: سئل الفقيه أبو جعفر عمن اكتسب ماله من أمراء السلطان وجمع المال(2/317)
من أخذ الغرامات المحرمات وغير ذلك هل يحل لمن عرف ذلك أن يأكل من طعامه؟ قال: أحب إلي أن لا يأكل منه ويسعه حكما أن يأكله إن كان ذلك الطعام لم يكن في يد المطعم غصبا أو رشوة اه: أي إن لم يكن عين الغصب أو الرشوة لانه لم يملكه فهو نفس الحرام فلا يحل له ولا لغيره.
وذكر في البزازية هنا أن من لا يحل له أخذ الصدقة فالافضل له أن لا يأخذ جائزة السلطان.
ثم قال: وكان العلامة بخوارزم لا يأكل من طعامهم ويأخذ جوائزهم، فقيل له فيه، فقال تقديم الطعام يكون إباحة، والمباح له يتلفه على ملك المبيح فيكون آكلا طعام الظالم، والجائزة تمليك فيتصرف في ملك نفسه اه.
قلت: ولعله مبني على القول بأن الحرام لا يتعدى إلى ذمتين، وسيأتي تحقيق خلافه في البيع الفاسد والحظر والاباحة.
قوله: (لانه ليس بحرام بعينه الخ) يوهم أنه قبل الخلط حرام لعينه مع أن
المصرح به في كتب الاصول أن مال الغير حرام لغيره لا لعينه، بخلاف لحم الميتة وإن كانت حرمته قطعية، إلا أن يجاب بأن المراد ليس هو نفس الحرام لانه ملكه بالخلط، وإنما الحرام التصرف فيه قبل أداء بدله.
ففي البزازية قبيل كتاب الزكاة: ما يأخذه من المال ظلما ويخلطه بماله وبمال مظلوم آخر يصير ملكا له وينقطع حق الاول فلا يكون أخذه عندنا حراما محضا، نعم لا يباح الانتفاع به قبل أداء البدل في الصحيح من المذهب اه.
مطلب: استحلال المعصية القطعية كفر لكن في شرح العقائد النسفية: استحلال المعصية كفر إذا ثبت كونها معصية بدليل قطعي، وعلى هذا تفرع ما ذكر في الفتاوى من أنه إذا اعتقد الحرام حلالا، فإن كان حرمته لعينه وقد ثبت بدليل قطعي يكفر، وإلا فلا بأن تكون حرمته لغيره أو ثبت بدليل ظني.
وبعضهم لم يفرق بين الحرام لعينه ولغيره وقال: من استحل حراما قد علم في دين النبي عليه الصلاة والسلام تحريمه كنكاح المحارم فكافر اه.
قال شارحه المحقق ابن الغرس: وهو التحقيق.
وفائدة الخلاف تظهر في أكل مال الغير ظلما فإنه يكفر مستحله على أحد القولين اه.
وحاصله أن شرط الكفر على القول الاول شيئان: قطعية الدليل، وكونه حراما لعينه.
وعلى الثاني يشترط الشرط الاول فقط وعلمت ترجيحه، وما في البزازية مبني عليه.
قوله: (ولو عجل ذو نصاب) قيد بكونه ذا نصاب، لانه لو ملك أقل منه فعجل خمسة عن مائتين ثم تم الحول على مائتين لا يجوز، وفيه شرطان آخران: أن لا ينقطع النصاب في أثناء الحول، فلو عجل خمسة من مائتين ثم هلك ما فيه يده إلا رهما ثم استفاد فتم الحول على مائتين جاز ما عجل، بخلاف ما لو هلك الكل.
وأن يكون النصاب كاملا في آخر الحول، فلو عجل شاة من أربعين وحال الحول وعنده تسعة وثلاثون، فإن كان دفعها للفقير وقعت نفلا، وإن كانت قائمة في يد الساعي فالمختار كما في الخلاصة وقوعها زكاة، وتمامه في النهر والبحر.
قوله: (لسنين) بأن كان له ثلاثمائة درهم دفع منها مائة درهم عن المائتين عشرين سنة، وقوله: أو لنصب صورته: أن يدفع المائة المذكور عن(2/318)
المائتين وعن تسعة عشر نصابا ستحدث فحدثت له في ذلك العام صح، وإن حدثت في عام آخر فلا بد لها من زكاة على حدة كما صرح به في البحر ح لكن المائة التي عجلها تقع زكاة عن المائتين عشرين سنة ويكون من المسألة الاولى، فقد قال في النهر: وعلى هذا تفرع ما في الخانية: لو كان له خمس من الابل الحوامل فعجل شاتين عنها وعما في بطونها ثم نتجت خمسا قبل الحول أجزأه، وإن عجل عما تحمل في السنة الثانية لا يجوز اه.
وذلك لانه لما عجل عما تحمله في السنة الثانية لم يوجد المعجل عنه في سنة التعجيل فلم يجز عما نوى التعجيل عنه، وهذا أراد، لا نفي الجواز مطلقا لانه يقع عما في ملكه في الحول الثاني فيكون من المسألة الاولى، لان التعيين في الجنس الواحد لغو.
وفي الولوالجية: لو كان عنده أربعمائة درهم فأدى زكاة خمسمائة ظانا أنها كذلك كان له أن يحسب الزيادة للسنة الثانية، لانه أمكن أن يجعل الزيادة تعجيلا اه.
وقيد في البحر بكون الجنس متحدا قال: لانه لو كان له خمس من الابل وأربعون من الغنم فعجل شاة عن أحد الصنفين ثم هلك لا يكون عن الآخر، ولو كان له عين ودين فعجل عن العين فهلكت قبل الحول جاز عن الدين، ولو بعده فلا، والدراهم والدنانير وعروض التجارة جنس واحد اه.
قوله: (لوجوب السبب) أي سبب الوجوب وهو ملك النصاب النامي فيجوز التعجيل لسنة وأكثر كما إذا كفر بعد الجرح، وكذا النصب لان النصاب الاول هو الاصل في السببية والزائد عليه تابع له.
قال في البحر: ولا يخفى أن الافضل عدم التعجيل للاختلاف فيه عند العلماء، ولم أره منقولا.
قوله: (وكذا لو عجل) التشبيه راجع إلى المسألة الاولى وهي التعجيل لسنة أو سنين، لانه إذا ملك نصابا وأخرج زكاته قبل أن يحول الحول كان ذلك تعجيلا بعد وجود السبب لكونه أداء قبل وقت وجوبه، وهنا كذلك لان وقت أداء العشر وقت الادراك، فإذا أدى قبله يكون تعجيلا عن وقت الاداء بعد وجود السبب وهو الارض النامية بالخارج حقيقة، ولا يصح إرجاعه إلى المسألة الثانية، لان صورتها أي يؤدي زكاة نصب ستحدث له في عامه زائدة على ما في ملكه وقت الاداء، والمراد هنا أداء عشر ما خرج في ملكه وقت الاداء
قبل وقته لا عشر ما سيحدث له بعد الخروج، وقوله: بعد الخروج قبل الادراك دليل على ما قلنا، وليس في البحر ما يفيد خلاف ذلك فضلا عن التصريح به، فافهم.
قوله: (بعد الخروج) أي خروج الزرع أو الثمرة.
قوله: (قبل الادراك) أي إدراك الزرع أو الثمرة الذي هو وقت أداء العشر، لكن ذكر في البحر في باب العشر أن وقته وقت خروج الزرع وظهور الثمرة عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف وقت الادراك.
وعند محمد: عند التنقية والجذاذ اه.
وعليه فيتحقق التعجيل على قولهما لا على قول الامام.
ثم رأيت ابن الهمام نبه على ذلك هناك.
قوله: (واختلف فيه قبل النبات وخروج الثمرة) الاخضر أن يقول: واختلف فيه قبل الخروج: أي خروج النبات والثمرة، وأفاد أن التعجيل قبل الزرع أو قبل الغرس لا يجوز اتفاقا لانه قبل وجود السبب، كما لو عجل زكاة المال قبل ملك النصاب.
قوله: (والاظهر الجواز) في نسخة عدم الجواز وهي الصواب.
قال في النهر: والاظهر أنه لا يجوز في الزرع قبل النبات وكذا قبل طلوع الثمر في ظاهر الرواية اه.
قوله: (وكذا لو عجل خراج رأسه) هذا التشبيه أيضا راجع إلى المسألة الاولى.
قال ح: فإن من عجل خراج رأسه(2/319)
لسنين صح كما سيأتي في باب الجزية، وذلك لوجود السبب وهو رأسه، وكذا لو عجل خراج أرضه عن سنين جاز كما ذكره القهستاني في باب العشر والخراج، وعلله بوجود السبب وهو الارض النامية، لكن يجب حمل كلامه على الموظف لتعلقه بالقدرة على النماء فيكون سببه الارض النامية بإمكان النماء، لا بحقيقته كالعشر وخراج المقاسمة.
تأمل.
قوله: (وتمامه في النهر) حيث قال: ولو نذر صوم يوم معين فعجله جاز عند الثاني، خلافا لمحمد.
وعلى هذا الخلاف الصلاة والاعتكاف، ولو نذر حج سنة كذا فأتى به قبلها جاز عندهما، خلافا لمحمد، كذا في السراج اه ح.
قوله: (قبل تمام الحول) أي أو قبل ملك النصب التي عجل زكاتها في المسألة الثانية كما يؤخذ من التعليل.
قوله: (لان المعتبر كونه مصرفا وقت الصرف إليه) فصح الاداء إليه ولا ينتقض بهذه العوارض.
بحر.
قوله: (ولو غرس الخ) هذه المسألة اسطردها، ومحلها العشر والخراج ط.
قوله: (فما لم يتم) أي يثمر، وبه عبر في بعض النسخ.
قوله: (كان عليه خراج الزرع) لان في غرسه الكرم تعطيل الارض.
ومن عطل أرض الخراج يجب عليه خراجها، وقد كانت صالحة للزرع فيؤدي خراجه، حتى يثمر الكرم فعليه خراج الكرم ويسقط عنه خراج الزرع لوجود خلفه، فخراج الزرع صاع ودرهم في كل جريب فيؤديه إلى أن يتم الكرم فيؤدي عشرة دراهم.
رحمتي.
قوله: (ولا شئ في مال صبي تغلبي) أي في مال الزكاة، بخلاف الخارج في أرضه العشرية من الزروع والثمار ففيه ضعف العشر، كما يجب العشر في أرض الصبي المسلم كما يأتي في بابه.
قوله: (لبني تغلب) الاولى حذف بني فإن النسبة لتغلب وهو أبو القبيلة كما في المنح ط.
وقد يقال: لا مانع من النسبة إلى القبيلة المنسوبة إلى أبيها.
قوله: (قوم الخ) قال في الفتح: بنو تغلب: عرب نصارى هم عمر رضي الله عنه أن يضرب عليهم الجزية فأبوا وقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم، ولكن خذ منا ما يأخذ بعضكم من بعض: يعنون الصدقة، فقال عمر: لا، هذه فرض المسلمين، فقالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية، ففعل وتراضي هو وهم أن يضعف عليهم الصدقة.
وفي بعض طرقه: هي جزية سموها ما شئتم اه.
قوله: (ما على الرجل منهم) وهو نصل العشر ح.
قوله: (ويؤخذ الوسط) مكرر مع قوله فما تقدم والمصدق يأخذ الوسط ح.
قوله: (إلا أن يجيز الورثة) أي إذا أوصى بها وزادت على الثلث يؤخذ الزائد، إلا أن يجيز الورثة.
فرع: لو زادت على الثلث وأراد أن يؤديها في مرضه يؤديها سرا من ورثته، وإن لم يكن عنده مال استقرض من آخر وأدى الزكاة إن كان أكبر رأيه أنه يقدر على قضائه، فإن اجتهد ولم يقدر حتى مات فهو معذور، كذا في مختارات النوازل وغيرها.
وظاهر قولهم سرا أن الورثة إن علموا بذلك(2/320)
كان لهم أخذ الزائد قضاء، وأن ما فعله المورث جائز ديانة لكونه مضطرا إلى أداء الفرض كما علل به في شرح الكافي قائلا: وهو الصحيح.
قال في شرح الوهبانية: ويمكن التوفيق بين القولين بالقضاء والديانة: أي بحمل القول باعتبارها من الثلث المقابل للصحيح على أنه في القضاء والاول على الديانة، وهو مؤيد لما قلنا.
قوله: (وسيجئ الفرق في العنين) عبارته مع المتن: وأجل سنة قمرية بالاهلة على المذهب وهي ثلاثمائة وأربع وخمسون وبعض يوم، وقيل شمسية بالايام وهي أزيد بأحد
عشر يوما اه.
ثم إن هذا إنما يظهر إذا كان الملك في ابتداء الاهلة، فلو ملكه في أثناء الشهر، قيل يعتبر بالايام، وقيل يكمل الاول من الاخير ويعتبر ما بينهما بالاهلة نظير ما قالوه في العدة ط.
قوله: (لان وقتها العمر) قال في البحر عن الواقعات: فرق بين هذا وبين ما إذا شك في الصلاة بعد ذهاب الوقت أصلاها أم لا؟ والفرق أن العمر كله وقت لاداء الزكاة، فصار هذا بمنزلة شك وقع في أداء الصلاة في وقتها، ولو كان كذلك يعيد اه.
قال في البحر: وقعت حادثة هي أن من شك هل أدى جميع ما عليه من الزكاة أم لا بأن كان يؤدي متفرقا ولا يضبطه هل يلزمه إعادتها؟ ومقتضى ما ذكرنا لزوم الاعادة حيث لم يغلب على ظنه دفع قدر معين لانه ثابت في ذمته بيقين فلا يخرج عن العهدة بالشك اه.
قلت: وحاصله أن يتحرى في مقدار المؤدى: كما لو شك في عدد الركعات، فما غلب على ظنه أنه أداه سقط عنه وأدى الباقي، وإن لم يغلب على ظنه شئ أدى الكل، والله تعالى أعلم.
باب زكاة المال قوله: (أل فيه للمعهود الخ) جواب عما يقال: إن المال اسم لما يتمو فيتناول السوائم أيضا، قال في النهر: وبهذا الجواب استغني عما قيل: المال في عرفنا يتبادر إلى النقد والعروض اه.
أقول: والجواب الاول ذكره الزيلعي وتبعه في الدرر، والثاني ذكره في الفتح وتبعه في البحر، ويظهر لي أنه أحسن، لان تبادر الذهن إلى المعهود في العرف أقرب من تبادره إلى المذكور في الحديث.
تأمل.
قوله: (غير مقدرة به) أي بربع العشر.
قوله: (عشرون مثقالا) فما دون ذلك لا زكاة فيه ولو كان نقصانا يسيرا يدخل بين الوزنين، لانه وقع الشك في كمال النصاب فلا يحكم بكماله مع الشك، بحر عن البدائع.
والمثقال لغة: ما يوزن به قليلا كان أو كثيرا.
وعرفا: ما يأتي ط.
قوله: (كل عشرة دراهم وزن سبعة مثاقيل) اعلم أن الدراهم كانت في عهد عمر رضي الله عنه مختلفة، فمنها عشرة دراهم على وزن عشرة مثاقيل، وعشرة على ستة مثاقيل، وعشرة على خمسة مثاقيل، فأخذ عمر رضي الله تعالى عنه من كل نوع ثلثا كي لا تظهر الخصومة في الاخذ والعطاء(2/321)
، فثلث عشرة ثلاثة وثلث، وثلث ستة اثنان، وثلث الخمسة درهم وثلثان، فالمجموع سبعة، وإن شئت فاجمع المجموع فيكون إحدى وعشرين، فثلث المجموع سبعة، ولذا كانت الدراهم العشرة وزن سبعة، وهذا يجري في كل شئ حتى في الزكاة ونصاب السرقة والمهر وتقدير الديات.
ط عن المنح.
لكن قوله تبع للدرر: وثل ث الخمسة درهم وثلثان، صوابه: مثقال وثلثان.
قوله: (والدينار) أي الذي هو المثقال كما في الزيلعي وغيره.
قال في الفتح: والظاهر أن المثقال اسم للمقدار المقدر به، والدينار اسم للمقدر به بقيد ذهبيته اه.
وحاصله أن الدينار اسم للقطعة من الذهب المضروبة المقدرة بالمثقال، فاتحادهما من حيث الوزن.
قوله: (والدرهم أربعة عشر قيراطا) فتكون المائتان ألفي قيراط وثمانمائة قيراط.
واعلم أن هذا هو الدرهم الشرعي، والدرهم المتعارف ستة قيراطا، وزنة الريال الفرنجي بالدراهم المتعارفة تسعة دراهم وقيراط، وبالدراهم الشرعية عشرة دراهم وخمسة قراريط، وذلك مائة وخمسة وأربعون قيراطا، فيكون النصاب من الريال تسعة عشر يالا وثلاثة دراهم وثلاثة قراريط اه ط مع بعض زيادة وتصحيح غلط وقع في عبارته، فافهم، ومقتضاه أن الدراهم المتعارف أكبر من الشرعي، وبه صرح الامام السروجي في الغاية بقوله: درهم مصر أربع وستون حبة، وهو أكبر من درهم الزكاة، فالنصاب منه مائة وثمانون وحبتان اه.
لكن نظر فيه صاحب الفتح بأنه أصغر لا أكبر، لان درهم الزكاة سبعون شعيرة، ودرهم مصر لا يزيد على أربعة وستين شعيرة، لان ربعه مقدر بأربع خرانيب والخرنوبة أربع قمحات وسط اه.
قلت: والظاهر أن كلام السروجي مبني على تقدير القيراط بأربع حبات كما هو المعروف الآن، فإذا كان الدرهم الشرعي أربعة عشر قيراطا يكون ستة وخمسين حبة، فيكون الدرهم العرفي أكبر منه، لكن المعتبر في قيراط الدرهم الشرعي خمس حبات، بخلاف قيراط الدرهم العرفي.
قال بعض المحشين: الدرهم الآن المعروف بمكة والمدينة وأرض الحجاز هو المسمى في عرفنا بالقفلة بالقاف والفاء على وزن تمرة، وهو ست عشرة خرنوبة، كل خرنوبة أربع شعيرات أو أربع قمحات،
لانا اختبرنا الشعيرة المتوسطة مع القمحة المتوسطة فوجدناهما متساويتين، والقيراط في عرفنا الآن هو الخرنوبة، فيكون الدرهم العرفي أربعا وستين شعيرة وهو ينقص عن الشرعي بست شعيرات، والمثقال المعروف الآن أربع وعشرون خرنوبة فهو ست وستعون شعيرة فينقص عن الشرعي بأربع شعيرات، فالمائتان من الدراهم الشرعية مائتا قفلة وثلاثة أرباع قفلة، وزكاتها خمسة دراهم عرفية وسبعة خرانيب ونصف خرنوبة، والعشرون مثقالا الشرعية أحد وعشرون مثقالا عرفية إلا أربع خرانيب، وزكاتها اثنتا عشرة خرنوبة ونصف خرنوبة اه.
وما ذكره من أن المثقال العرفي ست وتسعون شعيرة موافق لما نقله الشارح في شرح الملتقى عن شرح الترتيب من أنه بمصر الآن درهم ونصف.
وذكر الرحمتي عن السيد محمد أسعد مفتي المدينة المنورة أنه وقف على عدة دنانير قديمة، منها ما هو مضروب في خلافة بني أمية، ومنها في خلافة بني العباس سنة 97 وفي خلافة عبد(2/322)
الملك بن مروان سنة 38 وفي خلافة الرشيد سنة 181، ومنها سنة 371، ومنها في زمن المأمون، ودنانير أخر متقدمة ومتأخرة وكلها متساوية الوزن، كدينار درهم وربع بدراهم المدينة المنورة، كل درهم منها ستة عشر قيراطا، والقيراط أربع حبات حنطة اه.
قلت: وهذا موافق لما ذكره الشارح من كون الدينار الشرعي عشرين قيراطا، لكن يخالفه من حيث اقتضاؤه أن القيراط أربع حبات، والمثقال ثمانون حبة، والمذكور في كتب الشافعية والحنابلة أن درهم الزكاة ستة دوانق، والدانق ثمان حبات شعير وخمسا حبة، فالدرهم خمسون حبة وخمسا حبة، والمثقال اثنان وسبعون شعيرة معتدلة لم تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال وهو لم يتغير جاهلية ولا إسلاما، ومتى نقص منه ثلاثة أعشاره كان درهما، ومتى زيد على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا اه.
قلت: وعليه فالدرهم اثنا عشر قيراطا، كل قيراط نصف دانق أربع حبات وخمس حبة، والمثقال سبعة عشر قيراطا وحبتان، وذلك لان ثلاثة أسباع الدرهم على تقديرهم أحد وعشرون حبة
وثلاثة أخماس حبة، فإذا زيد ذلك على الدرهم وهو خمسون حبة وخمسا حبة بلغ اثنين وسبعين حبة.
وقد ذكر في سكب الانهر أقوالا كثيرة في تحديد القيراط والدرهم بناء على اختلاف الاصطلاحات، والمقصود تحديد الدرهم الشرعي.
وقد سمعت ما فيه من الاضطراب، والمشهور عندنا ما ذكره الشارح.
ثم اعلم أن الدراهم والدنانير المتعامل بها في هذا الزمان أنواع كثيرة مختلفة الوزن والقيمة، ويتعامل بها الناس عددا بدون معرفة وزنها، ويخرجون زكاتها عددا أيضا لعسر ضبطها بالوزن ولا سيما لمن كان له ديون، فإنه إن قدرها بالاثقل وزنا بلغت مقدارا، وإن قدرها بالاخف بلغت دونه، فيخرجون عن كل أربعين قرشا منها قرشا، وعن كل مائتين خمسة وهكذا، مع أن الواجب فيها الوزن كما مر ويأتي، فينبغي أن يكون ما يخرجه من جنس القروش الثقيلة أو الذهب الثقيل حتى لا ينقص ما يخرجه بالعدد عن ربع الشعر فتبرأ ذمته بيقين، بخلاف ما إذا أخرج من الخفيف فقط أو منه ومن الثقيل، فإنه قد لا يبلغ ربع عشر ماله إلا إذا كان جميع ماله من جنس الخفيف، وغالب أصحاب الاموال عن هذا غافلون، فليتنبه له.
قوله: (وقيل يفتي في كل بلد بوزنهم) جزم به في الولوالجية، وعزاه في الخلاصة إلى ابن الفضل، وبه أخذ السرخسي، واختاره في المجتبى وجمع النوازل والعيون والمعراج والخانية والفتح، وقال بعده: إلا أني أقول: ينبغي أن يقيد بما إذا كانت لا تنقص عن أقل وزن كان في زمنه (ص) وهي ما تكون العشرة وزن خمسة اه بحر ملخصا.
زاد في النهر عن السراج: إلا أن كون الدرهم أربعة عشر قيراطا عليه الجم الغير والجمهور الكثير وإطباق كتب المتقدمين والمتأخرين.
قوله: (وسنحققه الخ) الذي حققه هناك لا يتعلق بالزكاة بالعقود، فإذا أطلق اسم الدرهم في العقد انصرف إلى المتعارف، وكذلك إذا أطلقه الواقف ح.
قوله: (والمعتبر وزنهما أداء) أي من حيث الاداء: يعني يعتبر أن يكون المؤدى قدر الواجب وزنا عند الامام والثاني.
وقال زفر: تعتبر القيمة.
واعتبر محمد الانفع للفقراء.
فلو أدى عن خمسة جيدة خمسة زيوفا قيمتها أربعة جيدة جاز عندهما وكره.
وقال محمد وزفر: لا يجوز حتى يؤدي الفضل، ولو أربعة جيدة قيمتها خمسة رديئة لم يجز إلا عند زفر.
ولو كان له إبريق فضة وزنه مائتان وقيمته ثلاثمائة إن أدى خمسة من(2/323)
عينه فلا كلام، أو من غيره جاز عندهما، خلافا لمحمد وزفر إلا أن يؤدي الفضل.
وأجمعوا أنه لو أدى من خلاف جنسه اعتبرت القيمة، حتى لو أدى من الذهب ما تبلغ قيمته خمسة دراهم من غير الاناء لم يجز في قولهم لتقوم الجودة عند المقابلة، بخلاف الجنس، فإن أدى القيمة وقعت عن القدر المستحق، كذا في المعراج.
نهر.
قوله: (وجوبا) أي من حيث الوجوب، يعني يعتبر في الوجوب أن يبلغ وزنهما نصابا.
نهر.
حتى لو كان له إبريق ذهب أو فضة وزنه عشرة مثاقيل أو مائة درهم وقيمته لصياغته عشرون أو مائتان لم يجب فيه شئ إجماعا.
قهستاني.
قوله: (لا قيمتها) نفي لقول زفر باعتبار القيمة في الاداء، وهذا إن لم يؤد من خلاف الجنس، وإلا اعتبرت القيمة إجماعا كما علمت، وكان على الشارح أن يزيد: ولا الانفع نفيا لقول محمد رحمه الله اه ح.
قوله: (مضروب كل منهما) أي ما جعل دراهم يتعامل بها أو دنانير ط.
قوله: (ومعموله) أي ما يعمل من نحو حلية سيف أو منطقة أو لجام أو سرج أو الكواكب في المصاحف والاواني وغيرها إذا كانت تخلص بالاذابة.
بحر.
قوله: (ولو تبرأ) التبر: الذهب والفضة قبل أن يصاغا.
بحر عن ضياء الحلوم.
ولذا قال ح: لا يصح الاتيان به هنا، لانه لا يصدق عليه المضروب ولا المعمول، بل كان عليه أن يقول بعد قوله: مطلقا وتبره، بخلاف عبارة الكنز حيث قال: يجب في مائتي درهم وعشرين دينارا ربع العشر ولم تبرأ فإنه داخل فيما قبله.
قوله: (أو حليا) بضم الحاء وكسرها وتشديد الياء جمع حلي بفتح الحاء وإسكان اللام: ما تتحلى به المرأة من ذهب أو فضة.
نهر.
قلت: ولا يتعين ضبط المتن بصيغة الجمع فإنه يحتمل المفرد، بل هو الانسب بقول الشارح مباح الاستعمال حيث ذكر الضمير، إلا أن يقال: إنه عائد إلى المذكور من المعمول والحلي.
قوله: (أو لا) كخاتم الذهب للرجال والاواني مطلقا ولو من فضة.
قوله: (ولو للتجمل) أي التزين بهما في البيوت من غير استعمال ط.
قوله: (والنفقة) فيه منافاة لقول ابن الملك: إذا كانت مشغولة بحوائجه فلا زكاة فيها كما قدمناه في أول كتاب الزكاة، فارجع إليه ح.
قوله: (وهو هنا من ليس بنقد) كذا فسره في المغرب، ونقله في البحر عن ضياء الحلوم.
وفي الدرر: العرض بسكون الراء:
متاع لا يدخله كيل ولا وزن ولا يكون حيوانا ولا عقارا، كذا في الصحاح.
وأما بفتحها فمتاع الدنيا، ويتناول جميع الاموال، ولا وجه له ها هنا لجعله مقابلا للذهب والفضة اه: أي مفتوح الراء غير مراد هنا لتناوله جميع الاموال، مع أن النقدين غير داخلين فيه هنا بقرينة المقابلة، فيتعين إرادة ساكن الراء، لكن على ما في الصحاح يخرج عنه الدواب والمكيلات والموزونات مع أنها من عروض التجارة إذا نواها فيها، فلذا قال الشارح: هو هنا ما ليس بنقد: أي إن المناسب للمراد هنا الاقتصار على تفسيره بذلك ليدخل فيه ما ذكر.
قوله: (وأما عدم صحة النية الخ) جواب عما أورده الزيلعي من أن الارض الخراجية لا يجب فيها الزكاة وإن نوى عند شرائها التجارة مع أنها من العروض، والجواب ما تقدم قبيل باب السائمة من قوله: والاصل أن ما عدا الحجرين والسوائم إنما يزكى بنية التجارة بشرط عدم المانع المؤدي إلى الثني.
قوله: (لا لان الارض الخ) رد على ما في(2/324)
الدرر حيث أجاب عما أورده الزيلعي بأن الارض ليست من العرض بناء على ما نقله عن الصحاح.
قال في البحر: وهو مردود لما علمت من أن الصواب تفسيره هنا بما ليس بنقد اه.
وقد أورد الزيلعي أيضا ما إذا اشترى أرض عشر وزرعها أو اشترى بدرا للتجارة وزرعه فإنه يجب فيه العشر، ولا تجب فيه الزكاة لانهما لا يجتمعان اه.
ويجاب عنه بما ذكره الشارح من قيام المانع.
وأجاب في الدرر وتبعه في البحر بأن عدم وجوب الزكاة في البذر إنما حدث بعد الزراعة، وذلك لا يضر، ون مجرد نية الخدمة إذا أسقط وجوب الزكاة في العبد المشتري للتجارة، كما مر فلان يسقطه التصرف الاقوى من النية أولى اه.
قوله: (من ذهب أو ورق) بيان لقوله: نصاب وأشار بأو إلى أنه مخير، إن شاء قومها بالفضة، وإن شاء بالذهب، لان الثمنين في تقدير قيم الاشياء بهما سواء.
بحر.
لكن التخيير ليس على إطلاقه كما يأتي.
قوله: (فأفاد) تفريع على تفسير الورق بالفضة المضروبة ط.
قوله: (قوله بالمسكوك) بالسين المهملة: أي المضروب على السكة، وهي حديدة منقوشة يضرب عليها الدراهم.
قاموس.
ووجه الافادة ظاهر من الورق، أما الذهب فلا، كما لا يخفى، إلا أن يقال: لما اقترن بالمضروب من الفضة كان المراد به المضرو ب اه ح.
قوله: (عملا
بالعرف) فإن العرف التقويم بالمسكوك.
بحر.
وهو علة لقوله: أفاد.
قوله: (مقوما بأحدهما) تكرار مع قوله: من ذهب أو ورق لان معناهما التخيير، ومحل التخيير إذا استويا فقط، أما إذا اختلفا قوم بالانفع اه ح.
وقدم الشارح عند قوله: وجاز دفع القيمة أنها تعتبر يوم الوجوب، وقالا: يوم الاداء كما في السوائم، ويقوم في البلد الذي المال فيه الخ.
قوله: (تعين التقويم به) أي إذا كان يبلغ به نصابا، لما في النهر عن الفتح: يتعين ما يبلغ نصابا دون ما لا يبلغ، فإن بلغ بكل منهما وأحدهما أروج تعين التقويم بالاروج.
قوله: (ولو بلغ بأحدهما نصابا وخمسا الخ) بيانه ما في النهر عن السراج: لو كان بحيث لو قومها بالدراهم بلغت مائتين وأربعين وبالدنانير ثلاثا وعشرين قومها بالدراهم لوجوب ستة فيها بخلاف الدنانير فإنه يجب فيها نصف دينار فإنه يجب فيه نصف دينار وقيمته خمسة، ولو بلغت بالدنانير أربعة وعشرين وبالدراهم مائة وستة وثلاثين قومها بالدنانير اه.
وفي الهداية: كل دينار عشرة دراهم في الشرع.
قال في الفتح: أي يقوم في الشرع بعشرة، كذا كان في الابتداء.
قوله: (وفي كل خمس بحسابه) أي ما زاد على النصاب عفو إلى أن يبلغ خمس نصاب، ثم كل ما زاد على الخمس عفو إلى أن يبلغ خمسا آخر.
قوله: (وقالا ما زاد بحسابه) يظهر أثر الخلاف فيما لو كان له مائتان وخمسة دراهم مضى عليها عامان.
قال الامام: يلزمه عشرة.
وقالا: خمسة لانه وجب عليه في العام الاول خمسة وثمن، فبقي السالم من الدين في الثاني نصاب إلا ثمن.
وعنده: لا زكاة في الكسور فبقي النصاب في الثاني كاملا، وفيما إذا كان له ألف حال عليها ثلاثة أحوال كان عليه في الثاني أربعة وعشرون وفي الثالث ثلاثة وعشرون عنده.
وقالا: يجب مع الاربعة والعشرين ثلاثة أثمان(2/325)
درهم، ومع الثلاثة والعشرين نصف وربع ثمن درهم، ولا خلاف أنه يجب في الاول خمسة وعشرون، كذا في السراج.
نهر.
أقول: قوله: وثمن درهم، كذا وجدته أيضا في السراج، وصوابه: وثمن ثمن درهم كما لا يخفى على الحاسب.
تنبيه: يظهر أثر الخلاف أيضا فيما ذكره في البحر والنهر عن المحيط من أنه لا تضم إحدى الزيادتين إلى الاخرى: أي الزيادة على نصاب الفضة لا تضم إلى الزيادة على نصاب الذهب ليتم
أربعين أو أربعة مثاقيل عند الامام، لانه لا زكاة في الكسور عنده.
وعندهما تضم لوجوبها في الكسور اه موضحا، لكن توقف الرحمتي في فائدة الضم عندهما بعد قولهما بوجوب الزكاة في الكسور عن هذا، والله أعلم.
نقل بعض محشي الكتاب عن شيخه محمد أمين ميرغني أن السروجي نقل عن المحيط الخلاف بالعكس وأن ما في البحر والنهر غلط اه.
قلت: وقد راجعت المحيط فرأيته مثل ما نقله السروجي وصرح به في البدائع أيضا.
قوله: (وهي مسألة الكسور) أي التي يقال فيها: لا زكاة في الكسور عنده ما لم تبلغ الخمس أخذا من حديث: لا تأخذ من الكسور شيئا سميت كسورا باعتبار ما يجب فيها.
قوله: (وغالب الفضة الخ) لان الدراهم لا تخلو عن قليل غش لانها لا تنطبع إلا به، فجعلت الغلبة فاصلة.
قوله: (نهر).
ومثلها الذهب ط.
قوله: (فضة وذهب) لف ونشر مرتب: أي فتجب زكاتهما لا زكاة العروض وإن أعدها للتجارة كما أفاده في النهر.
قوله: (ويشترط فيه النية) أي تعتبر قيمته إن نوى فيه التجارة.
نهر.
وتقدم قبيل باب السائمة شرط نية التجارة.
قوله: (إلا إذا الخ) استثناء من اشتراط النية.
قوله: (وعنده ما يتم به) أي من عروض تجارة أو أحد النقدين، وهو مرتبط بقوله أو أقل ط.
قوله: (وبلغت) أي بالقيمة كما في البحر.
قوله: (من أدنى الخ) فسر الادنى في البدائع بالتي يغلب عليها الفضة، وقلت: ينبغي تفسيرها بالمساوي على ما اختاره المصنف من وجوبها فيه كما يذكره قريبا.
قوله: (فتجب) أي فيما غلب غشه إذا نوى فيه التجارة أو لم ينو، ولكن يخلص منه ما يبلغ نصابا أو لم يخلص، ولكن كان أثمانا رائجة وبلغت قيمته نصابا، وقوله وإلا فلا أي وإن لم يوجد شئ من ذلك فلا تجب الزكاة.
وحاصله أن ما يخلص منه نصاب أو كان ثمنا رائجا تجب زكاته سواء نوى التجارة أو لا،(2/326)
لانه إذا كان يخلص منه نصاب تجب زكاة الخالص كما صرح به في الجوهرة، وعين النقدين لا يحتاج إلى نية التجار كما في الشمني وغيره، وكذا ما كان ثمنا رائجا، فبقي اشتراط النية لما سوى ذلك، هذا ما يعطيه كلام الشارح ومثله في البحر والنهر، لكن في الزيلعي أن الغالب غشه، إن نواه للتجارة
تعتبر قيمته مطلقا وإلا فإن كانت فضة تخلص تجب فيها الزكاة إن بلغت نصابا وحدها أو بالضم إلى غيرها اه.
ومفاده اعتبار القيمة فيما نواه للتجارة وإن تخلص منه ما يبلغ نصابا، ويظهر لي عدم المنافاة لانه إذا كان يخلص منه ما يبلغ نصابا تجب زكاة ذلك الخالص وحده كما مر عن الجوهرة، إلا إذا نوى التجارة فتجب الزكاة فيه كله باعتبار القيمة، وإذا تأملت كلام الزيلعي تراه كالصريح فيما ذكرته، فافهم.
فرع: في الشرنبلالية: الفلوس إن كانت أثمانا رائجة أو سلعا للتجارة تجب الزكاة في قيمتها، وإلا فلا اه.
قوله: (والمختار لزومها) أي الزكاة: أي ولو من غير نية التجارة، وقيل لا تجب.
نهر.
قال في الشرنبلالية عن البرهان: والاظهر عدم الوجوب لعدم الغلبة المشروطة للوجوب، وقيل يجب درهمان ونصف نظرا إلى وجهي الوجوب وعدمه اه.
وظاهر الدرر اختيار الاول تبعا للخانية والخلاصة.
قال العلامة نوح: وهو اختياري، لان الاحتياط في العبادة واجب كما صرحوا به في كثير من المسائل: منها ما إذا استوى الدم والبزاق ينقض الوضوء احتياطا اه.
تأمل.
قوله: (ولذا) أي للاحتياط.
وفي نسخة: وكذا بالكاف، وبها عبر في البحر والمنح، وقوله: لا تباع إلا وزنا أي للتحرز عن الربا اه ط.
قوله: (وأما الذهب الخ) محترز قوله: وغالب الفضة الخ فإن ذلك مفروض فيما إذا كان المخالط غشا ط.
قوله: (فإن غلب الذهب الخ) اعلم أن الذهب إذا خلط بالفضة، فإما أن يكون غالبا أو مغلوبا أو مساويا.
وعلى كل إما أن يبلغ كل منهما نصابا أو الذهب فقط أو الفضة فقط أو لا ولا، فهي اثنتا عشرة صورة، منها صورتان غقليتان فقط، وهما أن تبلغ الفضة وحدها نصابا والذهب غالب عليها أو مساو لها والعشرة خارجية.
إذا عرفت هذا فقوله: فإن غلب الذهب فذهب فيه أربع صور: بلوغ كل منهما نصابه، وعده، وبلوغ الذهب فقط، وبلوغ الفضة فقط، لكن الرابعة ممتنعة كما علمت، لانه متى غلب الذهب على الفضة البالغة نصابا لزم بلوغه نصابا بل نصبا، وبين حكم الثلاثة الباقية بقوله: فذهب.
أما الاولى والثالثة فظاهر، لان الذهب فيهما بلغ بانفراده نصابا فكانت الفضة تبعا له، سواء بلغت نصابا أيضا كما في الاولى أو لا كما في الثالثة فتزكى بزكاته، وكذلك الثانية، لان الذهب متى
غلب كان هو المعتبر لانه أعز وأغلى كما يأتي، فإذا بلغ مجموعها نصابا زكي زكاة الذهب.
وقوله: وإلا أي وإن لم يغلب الذهب بأن غلبت الفضة أو تساويا فيه ثمانية صور: بلوغ كل منهما نصابه وعدمه وبلوغ الذهب فقط أو الفضة فقط مع غلبة الفضة أو التساوي، لكن بلوغ الفضة فقط مع(2/327)
التساوي ممتنعة كما علمت فبقي سبعة، وتقييده ببلوغ الذهب أو الفضة نصابه مخرج لصورتين منها، وهما ما إذا لم يبلغ كل منهما نصابه مع غلبة الفضة أو التساوي وسنذكر حكمهما، فبقي خمس صور: ثنتان في التساوي، وثلاثة في غلبة الفضة.
وقوله: فإن بلغ الذهب أي بلغ نصابا وحده أو مع الفضة عند غلبة الفضة أو التساوي، فهذه أربع صور.
وقوله: أو الفضة أو بلغت الفضة وحدها نصابا عند غلبتها على الذهب فهذه الخامسة.
وقوله: وجبت أي زكاة البالغ النصاب، فإن بلغه الذهب وجبت زكاة الذهب في الصور الاربع المذكورة، لانه لما بلغ النصاب وجب اعتباره لانه أعز وأغلى وتصير الفضة تبعا له، ولو بلغت نصابمعه وإن كان البالغ هو الفضة الغالبة عليه دونه وجبت زكاة الفضة ترجيحا لها ببلوغ النصاب فيجعل كله فضة، لكن على تفصيل فيه سنذكره، وقد علم حكم ما ذكرنا في تقرير كلام الشارح في الصور الثلاث الاول والخمس الاخر من عبارة الشمني.
وعبارة الزيلعي: أما عبارة الشمني فهي قوله: ولو سبك الذهب مع الفضة، فإن بلغ الذهب نصابا زكي الجميع زكاة الذهب سواء كان غالبا أو مغلوبا لانه أعز، وإن لم يبلغ الذهب نصابه، فإن بلغت الفضة نصابها زكي الجميع زكاة الفضة اه.
وأما عبارة الزيلعي فهي قوله: وللذهب المخلوط بالفضة إن بلغ الذهب نصاب الذهب وجبت فيه زكاة الذهب، وإن بلغت الفضة نصاب الفضة وجبت فيه زكاة الفضة، وهذا إذا كانت الفضة غالبة، وأما إذا كانت مغلوبة فهو كله ذهب لانه أعز وأغلى قيمة اه.
وكل من هاتين العبارتين مؤداهما واحد، وما قررناه في كلام الشارح من أحكام الصور السبع يؤخذ منهما، فقول الشمني: سواء كان غالبا أو مغلوبا يشمل ما إذا بلغت الفضة نصابها أو لا بدليل قوله بعده: وإن لم يبلغ الذهب نصابه، فإن بلغت الفضة الخ، فإنه لم يعتبر زكاة الجميع زكاة الفضة إلا إذا لم يبلغ الذهب نصابه، فأفاد أن قوله قبله: فإن بلغ الذهب نصابه الخ، أنه يجعل الكل ذهبا إذا بلغ الذهب
نصابه سواء بلغته أيضا أو لا، وكذا قول الزيلعي: وإن بلغت الفضة الخ: أي ولم يبلغ الذهب نصابه بدليل المقابلة، فإنه اعتبر أولا الكل ذهبا حيث بلغ الذهب نصابه، وأطلقه فشمل ما إذا بلغت الفضة أيضا نصابا أولا، فعلم أنه لا يعتبر الكل فضة إلا إذا لم يبلغ الذهب نصابه، فإن بلغ كان الكل ذهبا فيزكى زكاة الذهب لانه أعز وأغلى قيمة، وكذا لو غلب الذهب وبلغ بضم الفضة إليه نصابا كما علم من قوله: وأما إذا كانت مغلوبة فهو كله ذهب الخ، وهذا ما عبر عنه الشارح بقوله: فإن غلب الذهب فذهب ودخل في قول الشمني: سواء كان غالبا أو مغلوبا حكم المساواة بالاولى، وهو مفهوم أيضا من إطلاق الزيلعي قوله: إن بلغ الذهب نصاب الذهب الخ، فقد ظهر أنه لا تخالف بين العبارتين ولا بينهما وبين عبارة الشارح، لكن قول الزيلعي: وهذا إذا كانت الفضة غالبة لا حاجة إليه، لان الفضة إذا بلغت وحدها نصابا لا بد أن تكون غالبة على الذهب الذي لم يبلغ نصابا، ولذا لم يذكره الشمني، وكأن الزيلعي ذكره ليبني عليه قوله: وأما إذا كانت مغلوبة، هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل، والله أعلم، فافهم.
تنبيه: قال في التاترخانية: وإذا كانت الفضة غالبة والذهب مغلوبا مثل أن يكون الثلثان فضة أو أكثر لا يجعل كله فضة، لان الذهب أكثر قيمة فلا يجوز جعله تبعا لما هو دونه، بخلاف ما إذا كان الذهب غالبا اه.
ومفاده أن ما مر من أنه إذا بلغت الفضة نصابا ولم يبلغ الذهب نصابه تجب زكاة الفضة مقيد بما إذا لم يكن الذهب الذي خالطها أكثر قيمة منها، وإلا كان الكل ذهبا، وهذا التفصيل(2/328)
الموعود بذكره، وفي عبارة الزيلعي المارة إشارة إليه.
ويؤخذ منه حكم الصورتين الباقيتين من السبع: وهما ما إذا لم يبلغ كل منهما نصابه مع غلبة الفضة أو التساوي، وعلى هذا فيمكن دخولهما في قول الشارح: فإن غلب الذهب فذهب بأن يراد غلبته على ما معه من الفضة وزنا أو قيمة، لكن في المحيط والبدائع: الدنانير الغالب عليها الذهب كالمحمودية حكمها حكم الذهب، والغالب عليها الفضة كالهروية والمروية إن كانت ثمنا رائجا أو للتجارة تعتبر قيمتها، وإلا يعتبر قدر ما فيها من الذهب والفضة وزنا، لان كل واحد منهما يخل ص بالاذابة اه.
وهذا كالصريح
في أن الدنانير المسكوكة المخلوطة بالفضة حكمها كحكم الفضة المخلوطة بالغش، فإذا كان الذهب فيها غالبا كانت ذهبا كالفضة الغالبة على الغش، وإذا كانت الفضة غالبة عليها كانت كالفضة المغلوبة بالغش فتقوم، فإن بلغت قيمتها نصابا زكاها إن كانت أثمانا رائجة أو نوى فيها التجارة، وإلا اعتبر ما فيها وزنا، فإن بلغ ما فيها نصابا أو كان عنده ما تتم به نصابا زكاة وإلا فلا، فعلم أن ما ذكره الشارح تبعا للزيلعي والشمني في غير الدنانير المسكوكة أو المسكوكة التي ليست للتجارة ولا أثمانا رائجة، أو هو قول آخر، فليتأمل، والله تعالى أعلم.
قوله: (وشرط كمال النصاب الخ) أي ولو حكما، لما في البحر والنهر: لو كان له غنم للتجارة تساوي نصابا فماتت قبل الحول فدبغ جلودها وتم الحول عليها كان عليه الزكاة إن بلغت نصابا، ولو تخمر عصيره الذي للتجارة قبل الحول ثم صار خلا وتم الحول عليه وهو كذلك لا زكاة عليه، لان النصاب في الاول باق لبقاء الجلد لتقومه، بخلافه في الثاني.
وروى ابن سماعة أنه عليه الزكاة في الثاني أيضا.
قوله: (للانعقاد) أي انعقاد السبب: أي تحققه بتملك النصاب ط.
قوله: (للوجوب) أي لتحقق الوجوب عليه ط.
قوله: (فلو هلك كله) أي في أثناء الحول بطل الحول، حتى لو استفاد فيه غيره استأنف له حولا جديدا أو تقدم حكم هلاكه بعد تمام الحول في زكاة الغنم.
قال في النهر: ومنه أن من الهلاك ما لو جعل السائمة علوفة، لان زوال الوصف كزوال العين.
قوله: (وأما الدين الخ) قدم الشارح عند قول المصنف فلا زكاة على مكاتب ومديون للعبد بقدر دينه أن عروض الدين كالهلاك عند محمد ورجحه في البحر اه.
وقدمنا هناك ترجيح ما هنا فراجعه، والخلاف في الدين المستغرق للنصاب كما هو صريح ما في الجوهرة، فلا يمكن التوفيق بحمل ما في البحر على غير المستغرق فافهم.
قوله: (وقيمة العرض الخ) تقدم قريبا تقويم العرض إذا بلغ نصابا، وما هنا في بيان ما إذا لم يبلغ.
وعنده من الثمنين ما يتم به النصاب.
وفي النهر قال الزاهدي: وله أن يقوم أحد النقدين ويضمه إلى قيمة العروض عند الامام.
وقالا: لا يقوم النقدين بل العروض ويضمها.
وفائدته تظهر فيمن له حنطة للتجارة قيمتها مائة درهم وله خمسة دنانير قيمتها مائة تجب الزكاة عنده، خلافا لهما.
قوله: (وضعا) راجع للثمنين، وقوله:
وجعلا راجع للعرض.
والمعنى: أن الله تعالى خلق الثمنين ووضعهما للتجارة والعبد يجعل العرض للتجارة اه ح: أي لانه لا يكون للتجارة إلا إذا نوى به العبد التجارة، بخلاف النقود.
قوله: (ويضم الخ) إلى عند الاجتماع.
أما عند انفراد أحدهما فلا تعتبر القيمة إجماعا.
بدائع.
لان المعتبر(2/329)
وزنه أداء ووجوبا كما مر.
وفي البدائع أيضا أن ما ذكر من وجوب الضم إذا لم يكن كل واحد منهما نصابا بأن كان أقل، فلو كان كل منهما نصابا تاما بدون زيادة لا يجب الضم، بل ينبغي أن يؤدي من كل واحد زكاته، فلو ضم حتى يؤدي كلمن الذهب أو الفضة فلا بأس به عندنا، ولكن يجب أن يكون التقويم بما هو أنفع للفقراء رواجا، وإلا يؤدي من كل منهما ربع عشره.
قوله: (وعكسه) وهو ضم الفضة إلى الذهب، وكذا يصح العكس في قوله: وقيمة العرض تضم إلى الثمنين عند الامام كما مر عن الزاهدي، وصرح به في المحيط أيضا، ولو أسقط قوله: بجامع الثمنية لصح رجوع الضمير في عكسه إلى المذكور من المسألتين.
ويمكن إرجاعه إليه، ولا يضره بيان في العلة في أحدهما.
قوله: (قيمة) أي من جهة القيمة، فمن له مائة درهم وخمسة مثاقيل قيمتها مائة عليه زكاتها خلافا لهما، ولو له إبريق فضة وزنمائة وقيمته بصياغته مائتان لا تجب الزكاة باعتبار القيمة لان الجودة والصنعة في أموال الربا لا قيمة لها عند انفرادها، ولا عد المقابلة بجنسها، ثم لا فرق بين ضم الاقل إلى الاكثر كما مر، وعكسه كما لو كان له مائة وخمسون درهما وخمسة دنانير لا تساوي خمسين درهما تجب على الصحيح عنده، ويضم الاكثر إلى الاقل، لان المائة والخمسين بخمسة عشر دينارا، وهذا دليل على أنه لا اعتبار بتكامل الاجزاء عنده، وإنما يضم أحد النقدين إلى الآخر قيمة ط عن البحر.
قلت: ومن ضم الاكثر إلى الاقل ما في البدائع أنه روي عن الامام أنه قال: إذا كان لرجل خمسة وتسعون درهما ودينار يساوي خمسة دراهم أنه تجب الزكاة، وذلك بأن تقوم الفضة بالذهب كل خمسة منها بدينار.
قوله: (وقالا بالاجزاء) فإن كان من هذا ثلاثة أرباع نصاب ومن الآخر ربع ضم، أو النصف من كل أو الثلث من أحدهما والثلثان من الآخر، فيخرج من كل جزء بحسابه، حتى أنه
في صورة الشارح يخرج من كل نصف ربع عشره كما ذكره صاحب البحر.
قوله: (وخمسة عندهما) تبع فيه صاحب النهر.
وفيه نظر، لانه إذا اعتبر عندهما الضم بالاجزاء يجب في كل نصف ربع عشره كما مر عن البحر، وعزاه إلى المحيط، وحينئذ فيخرج عن العشرة الدنانير التي قيمتها مائة وأربعون، ربع دينار منها قيمته ثلاثة دراهم ونصف، فإذا أراد دفع قيمته يكون الواجب ستة دراهم عندهما أيضا.
لا يقال: إن اعتبار الضم بالاجزاء: أي بالوزن عندهما مبني على أنه لا اعتبار للجودة لعدم تقومها شرعا، فلا تعتبر القيمة بل الوزن.
والدينار في الشرع بعشر دراهم كما قدمناه، وزيادة قيمته هنا للجودة فلا تعتبر.
لانا نقول: إن عدم اعتبار الجودة إنما هو عند المقابلة بالجنس، أما عند المقابلة بخلافه فتعتبر اتفاقا كما قدمناه عند قوله والمعتبر وزنهما فتأمل.
قوله: (فافهم) أشار به إلى رد ما قاله صاحب الكافي من أنه عند تكامل الاجزاء، كما لو كان له مائة درهم وعشرة دنانير قيمتها أقل من مائة درهم لا تعتبر القيمة عند ظنا أن إيجاب الزكاة فيها لتكامل الاجزاء لا باعتبار القيمة، وليس كما ظن بل الايجاب باعتبار القيمة من جهة كل من النقدين لا من جهة أحدهما، فإنه إن لم يتم باعتبار قيمة الذهب بالفضة يتم باعتبار قيمة الفضة بالذهب والمائة درهم في المسألة مقومة بعشرة دنانير فتجب فيها الزكاة لهذا التقويم ط.
وتمام بيانه في البحر وفتح القدير.
قوله: (في نصاب(2/330)
مشترك) المراد أن يكون بلوغه النصاب بسبب الاشتراك وضم أحد المالين إلى الآخر بحيث لا يبلغ مال كل منهما بانفراده نصابا.
قوله: (وإن صحت الخلطة فيه) أي في النصاب المذكور، وأشار بذلك إلى خلاف سيدنا الامام الشافعي رضي الله عنه، فإنها تجب عنده إذا صحت الخلطة، وصحتها عنده بالشروط التسعة الآتية، ولذا قيده الشارح بقوله باتحاد الخ فأفاد أنه إذا لم توجد هذه الشروط لا تجب عندنا بالاولى، وسماها أسبابا مع أنها شروط إطلاقا لاسم السبب على الشرط كما أطلق بالعكس، وقدمنا وجهه أول الباب عند قوله: ملك نصاب فافهم.
قوله: (أوص من يشفع) فالهمزة لاهلية كل منهما لوجوب الزكاة، والواو لوجود الاختلاط في أول السنة، والصاد لقصد الاختلاط،
والميم لاتحاد المسرح بأن يكون ذهابهما إلى المرعى من مكان واحد، والنون لاتحاد الاناء الذي يحلب فيه، والياء لاتحاد الراعي، والشين المعجمة لاتحاد المشرع: أي موضع الشرب، والفاء لاتحاد الفحل، والعين لاتحاد المرعى، وهذه شروط الخلطة في السائمة.
وأما شروطها في مال التجارة فمذكورة في كتب الشافعية: منها أن لا يتميز الدكان والحارث ومكان الحفظ كخزانة.
قوله: (وإن تعدد النصاب) أي بحيث يبلغ قبل الضم مال كل واحد بانفراده نصابا، فإنه يجب حينئذ على كل منهما زكاة نصابه، فإذا أخذ الساعي زكاة النصابين من المالين: فإن تساويا فلا رجوع لاحدهما على الآخر، كما لو كان ثمانين شاة لكل منهما أربعون وأخذ الساعي منهما شاتين، وإلا تراجعا كما يأتي بيانه، وهذا مقابل قوله: في نصاب.
قوله: (وبيانه في الحاوي) بينه قاضيخان بأتم مما في الحاوي حيث قال: صورته أن يكون لهما مائة وثلاثة وعشرون شاة لاحدهما الثلثان وللآخر الثلث، فالواجب شاتان، فيأخذ من كل منهما شاة، فيرجع صاحب الثلثين بالثلين من الشاة التي دفعها صاحب الثلث، ويرجع صاحب الثلث بالثلث من شاة دفعها صاحب الثلثين، فيقام ثلثه في مقام الثلث من الثلثين المطالب بهما ويبقى ثلث شاة، فيطالب به صاحب ثلثي المال اه ط.
وبه ظهر أن التراجع من الجانبين فالتفاعل على بابه، فافهم.
قوله: (فإن بلغ الخ) كما لو كانت ثمانون شاة بين رجلين أثلاثا فأخذ المصدق منها شاة لزكاة صاحب الثلثين فلصاحب الثلث أن يرجع عليه بقيمة الثلث لانه لا زكاة عليه.
محيط.
قوله: (ولو بينه الخ) في التجنيس: ثمانون شاة بين أربعين رجلا لرجل واحد من كل شاة نصفها والنصف الآخر للباقين ليس على صاحب الاربعين صدقة عند أبي حنيفة، وهو قول محمد، ولو كانت بين رجلين تجب على كل واحد منهما، شاة، لانه مما يقسم في هذه الحالة، وفي الاولى لا يقسم اه: أي لان قسمة كل شاة بينه وبين من شاركه فيها لا تمكن إلا بإتلافها، بخلاف قسمة الثمانين نصفين.
قوله: (عند الامام) وعندهما: الديون كلها سواء تجب زكاتها، ويؤدي متى قبض شيئا قليلا أو كثيرا إلا دين الكتابة والسعاية والدية في رواية.
بحر.
قوله: (إذا تم نصابا) الضمير في تم يعود للدين المفهوم من الديون، والمراد إذا بلغ نصابا بنفسه أو بما عنده مما يتم(2/331)
به النصاب.
قوله: (وحال الحول) أي ولو قبل قبضه في القوي والمتوسط وبعده في الضعيف ط.
قوله: (عند قبض أربعة درهما) قال في المحيط: لان الزكاة لا تجب في الكسور من النصاب الثاني عنده ما لم يبلغ أربعين للحرج، فكذلك لا يجب الاداء ما لم يبلغ أربعين للحرج.
وذكر في المنتقى: رجل له ثلاثمائة درهم دين حال عليها ثلاثة أحوال فقبض مائتين، فعند أبي حنيفة: يزكي للسنة الاولى خمسة وللثانية والثالثة أربعة أربعة من مائة وستين، ولا شئ عليه في الفضل لانه دون الاربعين اه.
مطلب: في وجوب الزكاة في دين المرصد قوله: (كقرض) قلت: الظاهر أن منه مال المرصد المشهور في ديارنا، لانه إذا أنفق المستأجر لدار الوقف على عمارتها الضرورية بأمر القاضي للضرورة الداعية إليه يكون بمنزلة استقراض المتولي من المتسأجر فإذا قبض ذلك كله أو أربعين درهما منه ولو باقتطاع ذلك من أجرة الدار تجب زكاته لما مضى من السنين والناس عنه غافلون.
قوله: (فكلما قبض أربعين درهما يلزمه درهم) وهو معنى قول الفتح والبحر: ويتراخى الاداء إلى أن يقبض أربعين درهما ففيها درهم، وكذا فيما زاد فبحسابه اه: أي فيما زاد على الاربعين من أربعين ثانية وثالثة إلى أيبلغ مائتين ففيها خمسة دراهم، ولذا عبر الشارح بقوله: فكلما الخ وليس المراد ما زاد على الاربعين من درهم أو أكثر كما توهمه عبارة بعض المحشين حيث زاد بعد عبارة الشارح: وفيما زاد بحسابه، لانه يوهم أن المراد مطلق الزيادة في الكسور، وهو خلاف مذهب الامام كما علمته مما نقلناه آنفا عن المحيط، فافهم.
قوله: (أي من بدل مال لغير تجارة) أشار إلى أن الضمير في قول المصنف منه عائد إلى بدل وفي لغيرها إلى التجارة، ومثل بدل التجارة القرض.
قوله: (كثمن سائمة) جعلها من الدين المتوسط تبعا للفتح والبحر والنهر لتعريفهم له بما هو بدل ما ليس للتجارة، وجعلها ابن ملك في شرح المجمع من القوي، ومثله في شرح درر البحار، وهو مناسب لما في غاية البيان، حيث جعل الدين الذي هو بدل عن مال قسمين: إما أن يكون ذلك المال لو بقي في يده تجب زكاته، أو لا يكون كذلك اه.
فبدل القسم الاول هو الدين القوي، ويدخل فيه ثمن السائمة، لانها لو بقيت في يده بجب زكاتها، وكذا قوله في
المحيط: الدين القوي ما يملكه بدلا عن مال الزكاة، تأمل.
قوله: (بحوائجه الاصلية) قيد به اعتبارا بما هو الاحرى بالعاقل أن لا يكون عنده سوى ما هو مشغول بحوائجه، وإلا فما ليس للتجارة يدخل فيه ما لا يحتاج إليه كما أفاده بما بعده.
قوله: (وأملاك) من عطف العام على الخاص لانه جمع ملك بكسر الميم بمعنى مملوك، هذا بالنظر إلى اللغة، أما في العرف فخاصة بالعقار فيكون عطف مباين اه ح.
وهو معطوف على طعام أو على ما في قوله مما هو.
قوله: (ويعتبر ما مضى من الحول) أي في الدين المتوسط، لان الخلاف فيه، أما القوي فلا خلاف فيه لما في المحيط من أنه تجب الزكاة فيه بحول الاصل، لكن لا يلزمه الاداء حتى يقبض منه أربعين درهما، وأما المتوسط ففيه(2/332)
روايتان: في رواية الاصل تجب الزكاة فيه ولا يلزمه الاداء حتى يقبض مائتي درهم فيزكيها.
و رواية ابن سماعة عن أبي حنيفة: لا زكاة فيه حتى يقبض ويحول عليه الحول، لانه صار مال الزكاة الآن فصار كالحادث ابتداء.
ووجه ظاهر الرواية أنه بالاقدام على البيع صيره للتجارة فصار مال الزكاة قبيل البيع اه.
ملخصا.
والحاصل أن مبنى الاختلاف في الدين المتوسط على أنه: هل يكون مال زكاة بعد القبض أو قبله؟ فعلى الاول لا بد من مضي حول بعد قبض النصاب.
وعلى الثاني ابتداء الحول من وقت البيع، فلو له ألف من دين متوسط مضى عليها حول ونصف فقبضها يزكيها عن الحول الماضي على رواية الاصل، فإذا مضى نصف حول بعد القبض زكاها أيضا.
وعلى رواية ابن سماعة لا يزكيها عن الماضي ولا عن الحال إلا بمضي حول جديد بعد القبض.
وأما إذا كانت الالف من دين قوي كبدل عروض تجارة، فإن ابتداء الحول هو حول الاصل لا من حين البيع ولا من حين القبض، فإذا قبض منه نصابا أو أربعين درهما زكاه عما مضى بانيا على حول الاصل، فلو ملك عرضا للتجارة ثم بعد نصف حول باعه ثم بعد حول ونصف قبض ثمنه فقد تم عليه حولان فيزكيهما وقت القبض بلا خلاف، كما يعلم مما نقلناه عن المحيط وغيره، فما وقع للمحشين هنا من التسوية بين الدين القوي والمتوسط وأنه على الرواية الثانية لا يزكي الالف ثانيا إلا إذا مضى حول من وقت القبض فهو
خطأ، لما علمت من أن الرواية الثانية لا يزكي في المتوسط فقط، ولانه عليها لا يزكي أولا للحول الماضي خلافا لما يفهمه لفظ ثانيا، فافهم.
قوله: (في الاصح) قد علمت أنه ظاهر الرواية وعبارة الفتح والبحر.
في صحيح الرواية.
قلت: لكن قال في البدائع: إن رواية ابن سماعة أنه لا زكاة فيه حتى يقبض المائتين ويحول الحول من وقت القبض هي الاصح من الروايتين عن أبي حنيفة اه.
ومثله في غاية البيان.
وعليه فحكمه حكم الدين الضعيف الآتي.
قوله: (ومثله ما لو ورث دينا على رجل) أي مثل الدين المتوسط فيما مر ونصابه من حين ورثه.
رحمتي.
وروي أنه كالضعيف.
فتح وبحر.
والاول ظاهر الرواية، وشمل ما إذا وجب الدين في حق المورث بدلا عما هو مال التجارة أو بدلا عما ليس لها.
تاترخانية.
لان الوارث يقوم مقام المورث في حق الملك لا في حق التجارة، فأشبه بدل مال لم يكن للتجارة، محيط.
وفيه: وأما الدين الموصى به فلا يكون نصابا قبل القبض، لان الموصى له ملكه ابتداء من غير عوض ولا قائم مقام الموصى في الملك فصار كما لو ملكه بهبة اه: أي فهو كالدين الضعيف.
تنبيه: مقتضى ما مر أن الدين القوي والمتوسط لا يجب.
أداء زكاته إلا بعد القبض أن المورث لو مات بعد سنين قبل قبضه لا يلزمه الايصار بإخراج زكاته عند قبضه لانه لم يجب عليه(2/333)
الاداء في حياته ولا على الوارث أيضا لانه لم يملكه إلا بعد موت مورثه، فابتداء حوله من وقت الموت.
قوله: (إلا إذا كان عنده ما يضم إلى الدين الضعيف) استثناء من اشتراط حولان الحول بعد القبض.
والاولى أن يقول: ما يضم الدين الضعيف إليه كما أفاده ح.
والحاصل أنه إذا قبض منه شيئا وعنده نصاب يضم المقبوض إلى النصاب ويزكيه بحوله، ولا يشترط له حول بعض القبض.
ثم اعلم أن التقييد بالضعيف عزاه في البحر إلى الولوالجية، والظاهر أنه اتفاقي، إذ لا فرق يظهر بينه وبين غيره كما يقتضيه إطلاق قولهم: والمستفاد في أثناء الحول يضم إلى نصاب من
جنسه، ويدل على ذلك أنه في البدائع قسم الدين إلى ثلاثة، ثم ذكر أنه لا زكاة في المقبوض عند الامام ما لم يكن أربعين درهما، ثم قال: وقال الكرخي: إن هذا إذا لم يكن له مال سوى الدين وإلا فما قبض منه فهو بمنزلة المستفاد فيضم إلى ما عنده اه.
وكذلك في المحيط، فإنه ذكر الديون الثلاثة وفرع عليها فروعا آخرها أجرة دار أو عبد للتجارة، قال إن فيها روايتين: في رواية لا زكاة فيها حتى تقبض ويحول الحول، لان المنفعة ليست بمال حقيقة فصار كالمهر.
وفي ظاهر الرواية تجب الزكاة ويجب الاداء إذا قبض نصابا لان المنافع مال حقيقة، لكنها ليست بمحل لوجوب الزكاة لانها لا تصلح نصابا إذ لا تبقى سنة، ثم قال: وهذا كله إذا لم يكن له مال غير الدين، فإن كان له غير ما قبض فهو كالفائدة فيضم إليه اه.
فهذا كالصريح في شموله لاقسام الدين الثلاثة، ولعل التقييد بالضعف ليدل على غيره بالاولى، لان المقبوض منه يشترط فيه كونه نصابا مع حولان الحول بعد القبض، فإذا كان يضم إلى ما عنده ويسقط اشتراط الحول الجديد، فما لا يشترط فيه ذلك يضم بالاولى.
تأمل.
تنبيه: ما ذكرناه عن المحيط صريح في أن أجرة عبد التجارة أو دار التجارة على الرواية الاولى من الدين الضعيف، وعلى ظاهر الرواية من المتوسط.
ووقع في البحر عن الفتح أنه كالقوي في صحيح الرواية ثم رأيت في الولوالجية التصريح بأن فيه ثلاث روايات.
قوله: (كما مر) أي في قوله: والمستفاد في وسط الحول يضم إلى نصاب من جنسه.
والمراد أن ما هنا من أراد تلك القاعدة يعلم حكمه منها، وإلا فلم يصرح به هناك.
قوله: (وقيده) أي قيد عدم الزكاة فيما إذا أبرأ الدائن المديون ط.
قوله: (بالمعسر) أي بالمديون المعسر، فكان الابراء بمنزلة الهلاك ط.
قوله: (فهو استهلاك) أي فتجب زكاته ط.
قوله: (وهذا ظاهر الخ) أي قول البحر، وقيده الخ، ظاهر في أن مراده أنه تقييد للاطلاق المذكور في قوله سواء كان الدين قويا أو لا الشامل لاقسام الدين الثلاثة: أي أن سقوط الزكاة بإبراء الموسر عنه بعد الحول في الديون الثلاثة مقيد بالمعسر احترازا عن الموسر، فإن المديون إذا كان موسرا وأبرأه الدائن لا تسقط الزكاة لانه استهلاك، هذا غير صحيح في الدين الضعيف لانه لا تجب زكاته إلا بعد قبض نصاب وحولان الحول عليه بعد القبض،
فقبله لا تجب، فيكون إبراؤه استهلاكا قبل الوجوب فلا يضمن زكاته ومثله الدين المتوسط على ما(2/334)
قدمناه من تصحيح البدائع وغاية البيان.
وكان الاوضح في التعبير أن يقول: وهذا ظاهر في أن إبراء المديون الموسر استهلاك مطلقا، وهو غير صحيح الخ.
ثم إن عبارة المحيط لا غبار عليها لانها في الدين القوي.
ونصها: ولو باع عرض التجارة بعد الحول بالدراهم ثم أبرأه من ثمنه والمشتري موسى يضمن الزكاة لانه صار مستهلكا، وإن كان معسرا أو لا يدري فلا زكا عليه لانه صار دينا عليه وهو فقير فصار كأنه وهبه منه، ولو وهب الدين ممن عليه وهو فقير تسقط عنه الزكاة اه.
وفيه: ولو كان له ألف على معسر فاشترى منه بهدينارا ثم وهبه منه فعليه زكاة الالف لانه صار قابضا لها بالدينار.
قوله: (ويجب عليها الخ) صورتها: تزوج امرأة بألف وقبضتها وحال الحول ثم طلقها قبل الدخول فعليها رد نصفها اتفاقا، لكن زكاة النصف المردود لا تسقط عنها خلافا لزفر.
شرح المجمع.
قوله: (من نقد) هو الذهب أو الفضة احترازا كما لو كان المهر سائمة أو عرضا ففي المحيط أنها تزكى النصف لانه استحق عليها نصف عين النصاب والاستحقاق بمنزلة الهلاك اه.
وكان الاولى بالشارح إسقاطه، لانه يغني عنه قول المصنف من ألف.
قوله: (من ألف) متعلق بقوله نصف مهر على أنه صفته وقوله: ثم ردت النصف لا حاجة إليه بعد قوله: مردود وقوله لطلاق متعلق بقوله مردود نظرا للمتن ط.
قوله: (لا تتعين الخ) أي فلم يجب عليها أن ترد نصف ما قبضته بعينه بل مثله، والدين بعد الحول لا يسقط الواجب.
والولوالجية ثم قال: ولا يزكي الزوج شيئا لان ملكه الآن عاد اه.
قلت: بقي ما إذا لم تقبض المرأة شيئا وحال الحول عليه في يد الزوج ثم طلقها قبل الدخول، ولم أر من صرح به، والظاهر أن لا زكاة على أحد، أما الزوج فلانه مديون بقدر ما في يده ودين العباد مانع كما مر، واستحقاقه لنصفه إنما هو بسبب عارض وهو الطلاق بعد الحول فصار بمنزلة ملك جديد، وأما المرأو للان مهرها على الزوج دين ضعيف، وقد استحق الزوج نصفه قبل القبض فلا زكاة عليها ما لم يمض حول جديد بعض القبض للباقي.
تأمل.
قوله: (في
العقود والفسوخ) أي عقود المعاوضات من بيع وإجازة وعقد النكاح، وفي الفسوخ كفسخ النكاح بالطلاق قبل الدخول ونحوه، وتمامه في أحكام النقد من الاشباه.
قوله: (لورود الاستحقاق الخ) لان الرجوع في الهبة فسخ من وجه ولو بغير قضاء، والدراهم مما تتعين في الهبة فاستحق عين مال الزكاة من غير اختباره، فصار كما لو هلك.
والولوالجية وبه ظهر الفرق بين الهبة والمهر.
قوله:(2/335)
(فيد به) أي بقوله: عن موهوب له.
قوله: (اتفاقا لعدم الملك) لان ملك الواهب انقطع بالهبة، وأشار بقوله: اتفاقا إلى أن في سقوطها عن الموهوب له خلافا، لان زفر يقول بعدمه إن رجع الواهب بلا قضاء، لانه لما أبطل ملكه باختياره صار ذلك كهبة جديدة وكمستهلك.
قلنا: بل هو غير مختار، لانه لو امتنع عن الرد أجبر بالقضاء فصار كأنه هلك.
شرح درر البحار.
قوله: (وهي من الحيل) أي هذه المسألة من حيل إسقاط الزكاة بأن يهب النصاب قبل الحول بيوم مثلا ثم يرجع في هبته بعد تمام الحول، والظاهر أنه لو رجع قبل تمام الحول تسقط عنه الزكاة أيضا لبطلان الحول بزوال الملك.
تأمل.
وقدمنا الاختلاف في كراهة الحيلة عند قوله: ولا في هالك بعد وجوبها بخلاف المستهلك.
قوله: (ومنها الخ) لكن لا يمكنه الرجوع في هذه الهبة لكنها لذي رحم محرم منه، نعم إن احتاج إليه فله الانفاق منه على نفسه بالمعروف، والله أعلم.
باب العاشر ألحقه بالزكاة اتباعا للمبسوط وغيره، لان بعض ما يؤخذ زكاة وليس متحمضا، فلذا أخره عما تمحض وقدمه على الركاز لما فيه من معنى العبادة، مأخوذ من عشرت القوم أعشرهم عشرا بالضم فيهما إذا أخذت عشر أموالهم.
نهر.
قوله: (ذكره سعدي) أي في حاشية العناية حيث قال: المأخوذ هو ربع العشر لا العشر، إلا أن يقال: أطلق العشر وأراد به ربعه مجازا، من باب الكل وإرادة جزئه، أو يقال: العشر صار علما لما يأخذه العاشر سواء كان المأخوذ عشرا لغويا أو ربعه أو نصفه، فلا حاجة إلى أن يقال: العاشر تسمية الشئ باعتبار بعض أحواله كما لا يخفى اه.
وفسره الشارح تبعا للنهر بالعلم الجنسي، إذ لا شك أنه ليس علم شخص، والاقرب كونه اسم جنس شرعي، إذ لا دليل على علميته، لان العلماء لما رأوا العرب فرقت بين أسامة وأسد الموضوعين لماهية الحيوان المفترس بإجرائهم أحكام الاعلام على الاول من نحو منع الصرف، وجواز مجئ الحال منه، وعدم دخول أل عليه، حكموا على الاول بالعلمية الجنسية دون الثاني، وفرقوا بينهما بقيد الاستحضار عند الوضع وعدمه، كما بين في محله، وليس هنا ما يقتضي علمية العشر حتى يعدل عن تنكيره الاصلي، على أن ادعاء التصرف والنقل في العشر ليس بأولى من ادعائه في العاشر، بل المتبادر من قول الكنز وغيره هو من نصبه الامام ليأخذ الصدقات من التجار، وأن العاشر اسم لذلك نقل شرعا إليه، إذ لو كان التصرف وقع في العشر لكان حقه بيان معنى العشر المنقول إليه لا بيان العاشر، أو يبين كلا منهما فيقول: هو من نصبه الامام ليأخذ العشر الشامل لربعه ونصفه، وأيضا فالمتعارف إطلاق العاشر على من يأخذ العشر وغيره دون إطلاق العشر على(2/336)
نصفه وربعه، فتأمل.
وأجاب في النهاية وتبعه في الفتح والبحر بأنه لما كان يأخذ العشر أو نصفه أو ربعه سمي عاشر الدور، إن اسم العشر في متعلق أخذه، وهذا مؤيدلما قلنا، والله أعلم.
مطلب: لا يجوز اتخاذ الكافر في ولاية قوله: (هو حرمسلم) فلا يصح أن يكون عبدا لعدم الولاية، ولا يصح أن يكون كافرا لانه لا يلي على المسلم بالآية.
بحر عن الغاية.
والمراد بالآية قوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (النساء: 141).
قوله: (بهذا الخ) أي باشتراط الاسلام للآية المذكورة، زاد في البحر: ولا شك في حرمة ذلك أيضا اه: أي لان في ذلك تعظيمه، وقد نصبوا على حرمة تعظيمه، بل قال في الشرنبلالية: وما ورد من ذمه: أي العاشر فمحمول على من يظلم كزماننا، وعلم مما ذكرناه حرمة تولية الفسقة فضلا عن اليهود والكفرة اه.
قلت: وذكر في شرح السير الكبير أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص: ولا تتخذ أحدا من المشركين كاتبا على المسلمين، فإنهم يأخذون الرشوة في دينهم ولا رشوة في دين الله تعالى.
قال:
وبه نأخذ، فإن الوالي ممنوع من أن يتخذ كاتبا من غير المسلمين لقوله تعالى: * (لا تتخذوا بطانة من دونكم) * (آل عمران: 811) اه.
قوله: (لما فيه من شبهة الزكاة) أي وهو من جملة المصارف، فيعطي كفايته منه نظير عمله، ولذا لو هلك ما جمعه لا شئ له كما صرح به في الزيلعي، فكان فيه شبه الاجرة وشبه الصدقة.
ثم اعلم أن هذا الشرط: أعني كونه غير هاشمي عزاه في البحر إلى الغاية، ولم أر من ذكره غيره وهو مخالف لما ذكره في النهاية وغيرها في باب المصرف من أنه إذا استعمل الهاشمي على الصدقة لا ينبغي له الاخذ منها، ولو عمل ورزق من غيرها فلا بأس به اه.
ومراه بلا ينبغي: لا يحل كما عبر الزيلعي هناك، وهذا كالصريح في جواز نصبه عاملا فيحمل ما هنا على أنه شرط لحل أخذه من الصدقة، ويدل عليه تعليل صاحب الغاية بقوله: لما فيه من شبهة الزكاة، فإن مفاده أنه يجوز كونه هاشميا إذا جعل له الامام شيئا من بيت المال، أو كان لا يأخذ شيئا مما يأخذه من المسلمين، وسنذكر في باب المصرف تمامه.
قوله: (لان الجباية بالحماية) أي جباية الامام هذا المأخوذ بسبب حمايته للاموال، ولذا لو غلب الخوارج على مصر أو قرية وأخذوا منهم الصدقات لا شئ عليهم إلا إعادة الخراج كما مر.
قوله: (للمسافرين) أطريق السفر لاجل الحماية، ولذا قال في الشرنبلالية: أشار بقوله: ليأمنوا من اللصوص إلى قيد لا بد منه.
ذكره في المبسوط.
وهو أن يأمن به التجارة من اللصوص ويحميهم منه.
قوله: (خرج الساعي) في البحر عن البدائع.(2/337)
والمصدق بتخفيف الصاد وتشديد الدال اسم جنس لهما.
قوله: (تغليبا الخ) دفع لما يقال: إن ما يأخذه من الكافر ليس بصدقة.
قوله: (الظاهرة والباطنة) فإن مال الزكاة نوعان: ظاهر، وهو المواشي، وما يمر به التاجر على العاشر، وباطن: وهو الذهب والفضة، وأموال التجارة في مواضعها.
بحر.
ومراده هنا بالباطنة ما عدا المواشي، بقرينة قوله: المارين بأموالهم وإلا فكل ما مر به على العاشر فهو من نوع الظاهر، وسماها باطنة باعتبار ما كان قبل المرور، أما الباطنة التي في بيته لو أخبر بها العاشر فلا يأخذ منها كما سرح به في البحر، وسيأتي متنا أيضا، وأشار بهذا التعميم
إلى رد ما في العناية وغيرها من أن المراد هنا الاموال الباطنة، لان الظاهرة: وهي السوائم لا يحتاج العاشر فيها إلى مور صاحب المال عليه، فإنه يأخذ عشرها وإن لم يمر صاحب المال عليه اه.
فأنه كما في النهر مبني على عدم التفرقة بين العاشر والساعي، وقد علمت التفرقة بينهما بما مر، وهي مذكورة في البدائع.
مطلب: ما ورد في ذم العشار قوله: (وما ورد من ذم العشار الخ) من ذلك ما رواه الطبراني إن الله تعالى يدنو من خلقه: [ أي برحمته وجوده وفضله ] فيغفر لمن شاء إلا لبغي بفرجها أو عشار وما رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله (ص) يقول: لا يدخل صاحب مكس الجنة قال يزيد بن هارون يعني: العشار.
وقال البغوي: يريد بصاحب المكس الذي يأخذ من التجار إذا مروا عليه مكسا باسم العشر: أي الزكاة.
قال الحافظ المنذري: أما الآن فإنهم يأخذونه مكسا باسم العشر، ومكسا آخر ليس له اسم، بل شئ يأخذونه حراما وسحتا، ويأكلونه في بطونهم نارا، حجتهم فيه داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد، كذا في الزواجر لابن حجر.
مطلب: لا تسقط الزكاة بالدفع إلى العاشر في زماننا ثم قال: واعلم أن بعض فسقة التجار يظن أن ما يؤخذ من المكس يحسب عنه إذا نوى به الزكاة، وهذا ظن باطل لا مستند له في مذهب الشافعي، لان الامام لا ينصب المكاسين لقبض الزكاة، بل لاخذ عشورات مال وجدوه قل أو كثر، وجبت فيه الزكاة أو لا اه.
وتمامه هناك.
قلت: على أنه اليوم صار المكاس يقاطع الامام بشئ يدفعه إليه ويصير يأخذ ما يأخذه لنفسه ظلما وعدوانا، ويأخذ ذلك، ولو مر التاجر عليه أو على مكاس آخر في العام الواحد مرارا متعددة، ولو كان لا تجب عليه الزكاة، فعلم أيضا أنه لا يحسب من الزكاة عندنا لانه ليس هو العاشر الذي ينصبه الامام على الطريق ليأخذ الصدقات من المارين، وقد مر أيضا أنه لا بد من شرط: أن يأمن به التجار من اللصوص، ويحميهم منهم وهذا يعقد على أبواب البلدة، ويؤذي البحار أكثر من اللصوص وقطاع الطريق ويأخذه منهم قهرا، ولذا قال في البزازية: إذا نوى أن يكون المكس زكاة
فالصحيح أنه لا يقع عن الزكاة، كذا قال الامام السرخسي اه.
وأشار بالصحيح إلى القول بأنه إذا نوى عند الدفع التصدق على المكاس جاز، لانه فقير بما عليه من التبعات، وقد مر الكلام عليه.(2/338)
قوله: (فمن أنكر تمام الحول) أي على ما في يده وعلى ما في بيته، فلو كان في بيته مال آخر قد حال عليه الحول وما مر به لم يحل عليه الحول واتحد الجنس، فإن العاشر لا يلتفت إليه لوجوب الضم في متحد الجنس إلا لمانع.
بحر.
قوله: (أو قال لم أنو التجارة) أو قال: ليس هذا المال لي بل هو وديعة أو بضاعة أو مضاربة، أو أنا أجير فيه أو مكاتب أو عبد مأذون.
زيلعي.
وكذا لو قال: ليس في هذا المال صدقة فإنه يصدق مع يمينه كما في المبسوط، وإن لم يبين سبب النفي.
بحر.
قوله: (أو على دين) أي دين له مطالب من جهة العباد لانه المانع من وجوب النصاب كما مر.
قال في البحر: وقدمنا أن منه دين الزكاة.
قوله: (لان ما يأخذه زكاة) أي فلا فرق في ذلك بين كونه الدين محيطا أو منقصا للنصاب، والمراد ما يأخذه منا أما ما يأخذه من الذمي والحربي فيعطى حكم الزكاة هنا وإن كان جزية ويصرف في مصارفها كما يأتي.
قوله: (وهو الحق) أي ما ذكر من تعميم الدين بقوله: محيط أو منقص لان المنقص للنصاب مانع من الوجوب، فلا فرق كما في المعراج.
بحر.
وهو رد على ما في الخبازية، وغاية البيان من التقييد ب المحيط، والظاهر أنهما أرادا به الاحتراز عما لا يفضل عنه نصاب لا عن المنقص أيضا، فلا ينافي إطلاق الكنز كإطلاق المصنف، ولا ما صرح به في المعراج من عدم الفرق، وما في الشرنبلالية من أن المنطوق لا يعارضه المفهوم فيه نظر لما علمت من التصريح في المعراج، بخلاف هذا المنطوق ومن تأويله بما ذكرنا، فتدبر.
قوله: (محقق) فلو لم يدر هل هناك عاشر أم لا لم يصدق كما في السراج لان الاصل عدمه.
نهر.
والمراد بالعاشر هنا عاشر أهل العدل، فلو مر على عاشر الخوارج عشر ثانيا كما سيأتي.
قوله: (أو قال أديت إلى الفقراء في المصر) لان الاداء كان مفوضا إليه فيه.
بحر.
قوله: (لا بعد الخروج) أي لو قال: أديت زكاتها بعد ما أخرجتها من المدينة، لا يصدق لانها بالاخراج التحقت بالاموال الظاهرة، فكان الاخذ فيها إلى الامام.
زيلعي.
وفي شرح الجامع لقاضيخان:
وإنما تثبت ولاية المطالبة للامام بعد الاخراج إلى المفازة إذا لم يكن أدى بنفسه، فإذا ادعى ذلك فقد أنكر ثبوت حق المطالبة فكان القول قوله مع اليمين اه.
قوله: (لما يأتي) أي قريبا في قوله: بعد إخراجها.
قوله: (وحلف) القياس أن لا يمين عليه لانها عبادة، ولا يمين فيها، وجه الاستحسان أنه منكر وله مكذب، وهو العاشر فهو مدعى عليه معنى، لو أقر به لزمه، فيحلف لرجاء النكول، بخلاف باقي العبادات لانه لا مكذب له.
نهر.
قوله: (في الكل) أي في إنكار تمام الحول، وما ذكره بعده.
قوله: (في الاصح) كذا في الكافي وهو ظاهر الرواية كما في البدائع، وشرط إخراجها رواية الاصل.
واختلف في اشتراط اليمين معها كما في المعراج.
قوله: (لاشتباه الخط) لان الخط يشبه الخط، وقد يزور وقد لا يأخذ البراءة غفلة منه، وقد تضل بعد الاخذ فلا(2/339)
يمكن أن تجعل حكما فيعتبر قوله مع يمينه.
كافي.
قوله: (وعدت عدما) قد يقال: إنه دليل كذبه، وهو نظير ما لو ذكر الحد الرابع وغلط فيه، فإنه لا تسمع الدعوى، وإن جاز تركه إلا أن يقال: إنها عبادة، بخلاف حقوق العباد المحضة.
بحر وتمامه في النهر.
قوله: (أخذت منه) لان حق الاخذ ثابت فلا يسقط باليمين الكاذبة.
بحر.
وهذا في غير الحربي، أما فيه فسيأتي أنه إذا دخل دار الحرب ثم خرج لا يؤخذ منه لما مضى اه ح.
قوله: (إلا في السوائم الخ) استثناء من تصديقه في قوله: أديت إلى الفقراء أي فلا يصدق في قوله: أديت زكاتها بنفسي إلى الفقراء في المصر، لان حق الاخذ للسلطان فلا يملك إبطاله، بخلاف الاموال الباطنة.
بحر.
قلت: ومقتضاه أنه لو ادعى الاداء إلى الساعي يصدق.
قوله: (والاموال الباطنة) أي وإلا في الاموال الباطنة، وقوله: بعد إخراجها أي إخراج الاموال الباطنة متعلق بأديت المقدر المدلول عليه بالاستثناء.
والمعنى: لو ادعى أنه أدى زكاة الاموال الباطنة بنفسه بعد إخراجها من البلد لا يصدق، ولا يصح تعلقه بالاموال الباطنة تعلقا نحويا كما هو ظاهر، ولا معنويا على أنه صفة أو حال لايهامه أنه لا يصدق بعد إخراجها، سواء قال: أديت قبل الاخراج أو بعده، مع أنه بعد مرور بها على العاشر لو قال: أديت إلى الفقراء في المصر يصدق كما مر في المتن، فافهم.
قوله: (فكان الاخذ فيها
للامام) كما في الاموال الظاهرة وهي السوائم.
قوله: (والاول ينقلب نفلا) هو الصحيح، وقيل الثاني سياسة، وهذا لا ينافي انفساخ الاول ووقوع الثاني سياسة بأدنى تأمل.
كذا في الفتح.
ولو لم يأخذ منه ثانيا لعلمه بأدائه ففي براءة ذمته اختلاف المشايخ.
وفي جامع أبي اليسر: لو أجاز إعطاءه فلا بأس به، لانه لو أذن له في الدفع جاز، وكذا إذا أجاز دفعه.
نهر.
قوله: (ويأخذها منه بقوله) أي يأخذ منه العاشر الصدقة بقوله.
قال في البحر عن المبسوط إذا أخبر التاجر العاشر أن متاعه مروي أو هروي واتهمه العاشر فيه وفيه ضرر عليه حلفه وأخذ منه الصدقة على قوله، لانه ليس له ولاية الإضرار به، وقد نقل عن عمر أنه قال لعماله: ولا تفتشوا على الناس متاعهم اه.
قوله: (لا تنبشوا) النبش: إبراز المستور وكشف الشئ عن الشئ.
قاموس.
وبابه نصر، كذا في جامع اللغة ح.
والذي قدمناه عن البحر: لا تفتشوا بالفاء، وهو قريب منه.
قوله: (وكل ما صدق) في بعض النسخ وكل مال والمناسب هو الاول لان ما غير واقعة على المال ولذا بينها بقوله مما مر أي من إنكار الحول وما بعده.
قوله: (لان لهم ما لنا) أي فيراعى في حقهم تلك الشرائط من الحول والنصاب، والفراغ من الدين، وكونه للتجارة.
فإن قيل: إذا ألحقوا بالمسلمين وجب أن يؤخذ منهم ربع العشر كالمسلمين.
قلنا: المأخوذ منا زكاة حقيقة، والمأخوذ منهم كالجزية حتى يصرف إلى مصارفها: لا زكاة، لانها طهرة وليسوا من أهلها.
وتمامه في الكفاية.
قوله: (لعدم ولاية ذلك) فإن ما يؤخذ منه جزية(2/340)
وفيها لا يصدق إذا قال أديتها، لان فقراء أهل الذمة ليسوا مصرفا لها، وليس له ولاية الصرف إلى مستحقها وهو مصالح المسلمين.
زيلعي.
وفي البحر أنه ليس بجزية، بل في حكمها لصرفه في مصارفها حتى لا تسقط جزية رأسه تلك السنة كما نص عليه الاسبيجابي اه.
قلت: صرح في شرح درر البحار بأنه جزية حقيقة، والظاهر أنه أراد أنها جزية في ماله كما يسمى خراج أرضه جزية.
وعليه فالجزية أنواع: جزية مال، وجزية أرض، وجزية رأس، ولا يلزم من أخذ بعضها سقوط باقيها كما لا يخفى، إلا في بني تغلب، لان المأخوذ في مالهم هو جزية
رؤوسهم، ولذا قال في البحر: إذا أخذ العاشر ما عليهم سقطت عنهم الجزية، لان عمر صالحهم من الجزية على الصدقة المضاعفة.
قوله: (لا يصدق حربي) أي لا يلتفت إلى قوله، ولو ثبت صدقه ببينة عادلة.
أفاده الكمال ط.
قوله: (في شئ) بيان للمستثنى منه المحذوف.
ط عن الحموي: أي في شئ مما مر لعدم الفائدة في تصديقه لانه لو قال: لم يتم الحول، ففي الاخذ منه لا يعتبر الحول، لان اعتباره لتمام الحماية ليحصل النماء وحماية الحربي تتم بالامان من السبي، إن قال: علي دين، فما عليه في داره لا يطالب به في دارنا، وإن قال: المال بضاعة، فلا حرمة لصاحبها ولا أمان، وإن قال: ليس للتجارة، كذبه الظاهر، وإن قال: أديتها أنا، كذبه اعتقاده، وتمامه في العناية.
قوله: (إلا في أم ولده الخ) فإنه يصدق في دعواه أن الجارية التي معه أم ولده لان إقراره بنسب من في يده صحيح، فكذا بأمومية الولد.
نهر.
وعبارة الجامع الصغير والهداية: إلا في الجواري يقول هن أمهات أولادي.
وفي البحر: فلو أقر بتدبير عبده لا يصدق، لان التدبير في دار الحرب لا يصح.
قوله: (لغلام) أي ليس بثابت النسب من غيره ولا يكذبه على قياس ما ذكروا في ثبوت النسب ط.
قوله: (هذا ولدي) فلو قال أخي لا يصدق لانه إقرا بنسبه على الاب وثبوته يتوقف على تصديق الاب فيؤخذ عشره، كذا ظهر لي، ولم أره صريحا، نعم رأيت في شرح السير الكبير: لو مر برقيق فقال هؤلاء أحرار لم يعشر، لانه إن كان صادقا فهم أحرار، وإلا فقد صاروا أحرارا بقوله.
قوله: (لفقد المالية) علة للمسألتين: أي والاخذ لا يجب إلا من المال ط عن النهر.
مطلب: ما يؤخذ من النصارى لزيارة بيت المقدس حرام قال الخير الرملي: أقول: منه يعلم حرمه ما يفعله العمال اليوم من الاخذ على رأس الحربي والذمي خارجا عن الجزية حتى يمكن من زيارة بيت المقدس.
قوله: (وعشر) بالتخفيف: أي أخذ عشره.
قوله: (لانه أقر بالعتق) لان قوله: هذا ولدي للاكبر منه سنا مجاز عن هو حر عند أبي حنيفة.
قوله: (فلا يصدق في حق غيره) أي في إبطال حق العاشر، وهو أخذ العشر لبقاء المالية في حقه حكما.
قوله: (لئلا يؤدي إلى استئصال المال) علة للاستثناء: أي لانه لو لم يصدق في ذلك لزم أنه كلما مر على عاشر أخذ منه العشر فيؤدي إلى استئصال ماله: أي أخذه من أصله.
قوله:
(جزم به منلا خسرو) كذا في بعض نسخ البحر بزيادة قوله: في شرح الدرر وفي نسخة أخرى: منلا(2/341)
شيخ في شرح الدرر وهي الصواب.
فإن عبارة منلا خسرو كعبارة الكنز الآتية، والعبارة التي ذكرها الشارح للامام محمد بن محمد بن محمود البخاري الشهير بمنلا شيخ في كتابه المسمى غرر الاذكار وشرح درر البحار للامام محمد بن يوسف القوني.
قوله: (والغاية) يعني غاية البيان للاتقاني، وإلا فالغاية للسروجي وهي شرح الهداية أيضا.
قوله: (ورجحه في النهر) أي بقوله: إلا أن كلام أهل المذهب أحق ما إليه يذهب اه: أي لانه هو مقتضى حصر صاحب الكنز بقوله: لا الحربي إلا في أم ولده، وكذا عبارة الدرر والجامع الصغير لمحرر المذهب الامام محمد.
وعبارة الهداية كما قدمناه، فالمراد بأهل المذهب الناقلون لكلام صاحب المذهب، وأما السروجي ومن تبعه كالعيني والزيلعي وشارح درر البحار فقد ذكروا ذلك بطريق البحث كما يشعر به لفظ ينبغي فافهم، نعم قد يقال: إن ما ذكره السروجي وغيره يعلم حكمه مما ذكره غيرهم أيضا وهو ما سيأتي من أنه إذا أخذ من الحربي مرة لا يؤخذ منه ثانيا الخ، وكذا قال الزيلعي، فإنه لو لم يصدق فيه يؤدي إلى استئصال المال وهو لا يجوز على ما يجئ اه.
فالحصر في كلام الهداية عن الكنز وغيرهما إضافي، صرح فيه بأحذ المستثنيين وسكت عن الآخر اعتمادا على ما صرحوا به بعد، وكم له من نظير، فلم يكن كلام السروجي ومن تبعه مخالفا للمذهب، بل هو تحقيق له على ما هو عادة الشراح من تقييد المطلق وبيان المجمل وإظهار الخفي ونحو ذلك.
وأما ما ذكره في العناية وغاية البيان فهو جري على ظاهر عبارة الهداية، فإن كان صريحه منقولا عن صاحب المذهب فلا كلام، وإلا فالتحقيق خلافه فافهم، والله تعالى أعلم.
قوله: (وأخذ منا الخ) بالبناء للمجهول كما يدل عليه آخر العبارة ط.
والمأخوذ من المسلم زكاة، ومن غيره جزية يصرف في مصارفها، ولكن تراعى فيه شروط الزكاة من الحول ونحوه كما قدمنا.
قوله: (بذلك) أي بهذه الاقسام الثلاثة أمر عمر سعاته ط.
قوله: (لان ما دونه عفو) أما في المسلم والذمي فظاهر، وأما في الحربي فلعدم احتياجه إلى الحماية لقلته.
نهر.
قوله: (وبشرط جهلنا الخ) هذا
خاص بالحربي فقط بقرينة قوله: ما أخذوا منا أي أهل الحرب كما هو ظاهر، فليس في عطفه على ما يعم الثلاثة إبهام أصلا، فافهم.
قوله: (قدر ما أخذوا منا) قال البرجندي: ظاهر العبارة يدل على أن الاخذ معلوم والمأخوذ مجهول، ويفهم من ذلك أنه لو لم يكن أصل الاخذ معلوما لا يؤخذ منه شئ اه.
قال الشيخ إسماعيل: لكن المفهوم من إناطة صاحب الفتح وغيره عدم الاخذ منهم بمعرفة(2/342)
عدم الاخذ منا أنه يؤخذ منهم عند عدم العلم بأصل الاخذ، فليتأمل اه.
وهو الظاهر كما يظهر قريبا.
قوله: (مجازاة) أي الاخذ بكمية خاصة بطريق المجازاة، لا أصل الاخذ فإنه حق منا وباطل منهم.
فالحاصل أن دخوله في الحماية أوجب حق الاخذ منهم، ثم إن عرف كمية ما يأخذون منا أخذنا منهم مثله مجازاة، إلا إذا عرف أخذهم الكل، وإن لم يعرف كمية ما يأخذون فالعشر، لانه قد ثبت حق الاخذ بالحماية وتعذر اعتبار المجازاة فقدر بضعف ما يؤخذ من الذمي لانه أحوج إلى الحماية منه، وتمامه في الفتح.
قلت: ويعلم من قوله: لانه قد ثبت الخ، أنه لو لم يعلم أصل أخذ شئ منا أنه يؤخذ منهم العشر لتحقق سببه، ولان أخذ غيره إنما هو بطريق المجازاة، ومع عدم العلم أصلا لا مجازاة، ولان عدم الاخذ منهم أصلا عند العلم بعدم أخذ شئ إنما هو ليستمروا عليه، ولانا أحق بالمكارم كما يأتي، وهو في الحقيقة بمعنى المجازاة حيث تركناهم كما تركونا، وليس مثله عدم العلم بأصل الاخذ لتحقق سبب أخذ العشر وهو دخوله في الحماية وعدم تحقق المانع، بخلاف قصد المجازاة فإنه مانع من إيجاب العشر بعد تحقق سببه، فقد تأيد ما ذكره الشيخ إسماعيل، فتدبر.
قوله: (ولا نأخذ منهم شيئا الخ) تصريح بمفهوم قوله: بشرط كون المال نصابا ح.
قوله: (لانه ظلم) فيه أن جميع ما يأخذونه منا ظلم، إلا أن يقال: إن الاخذ من القليل ظلم يعرفه كل ذي عقل، لان القليل معد للنفقة غالبا، والاخذ منه مخالف لمقتضى الامان الواجب الوفاء به حتى عندهم مثل ما لو أخذوا الكل.
قوله: (ليستمروا عليه أي على عدم الاخذ منا ح.
قوله: (لا يؤخذ منه ثانيا) لان حكم
الامان الاول باق، والاخذ في كل مرة استئصال.
نهر.
قوله: (بلا تجدد حول أو عهد) لكن لا يمكن من المقام في دارنا حولا كاملا، بل يقول له الامام حين دخوله: إن أقمت ضربت عليك الجزية، فإن أقام ضربها، ثم لا يمكن من العود، غير أنه إن مر عليه بعد الحول ولم يكن له علم بمقامه حولا عشرة ثانيا زجرا له ويرده إلى دارنا.
فتح.
قوله: (حتى دخل دار الحرب) أي بعد أن دخل دار الاسلام وخرج منها ط.
قوله: (بخلاف المسلم والذمي) أي إذا مرا ولم يعلم بهما العاشر حيث يؤخذ منهما.
نهر.
قوله: (من قيمة خمر) بجر خمر بلا تنوين لاضافته إلى كافر على حد قول الشاعر:(2/343)
بين ذراعي وجبهة الاسد قال في البحر: وفي الغاية: تعرف قيمة الخمر بقول فاسقين تابا أو ذميين أسلما.
وفي الكافي: يعرف ذلك بالرجوع إلى أهل الذمة اه.
وفي حاشية نوح عن شرح المجمع أن الاول أولى.
قوله: (وجلود ميتة كافر) كذا في المعراج عن المحبوبي أنه ذكره أبو الليث رواية عن الكرخي، وعلله بأنه كانت مالا في الابتداء، وتصير مالا في الانتهاء بالدبغ فكانت كالخمر اه.
ونقله في البحر وأقره.
واستشكله ح بأن الجلد قيمي وسيأتي أنأخذ قيمة القيمي كأخذ عينه، وكونه مالا في الابتداء ويصير مالا في الانتهاء مما لا تأثير له في الحكم، لانهم لم يجعلوا ذلك علة عشر الخمر، وإنما جعلوا العلة كونه مثليا اه.
وأجاب الرحمتي بأن الجلد مثلي لا قيمي، بدليل جواز السلم فيه، فكان كالخنزير لا كالخمر.
قلت: سيأتي في الغضب التنصيص على أنه قيمي، وجواز السلم لا يدل على أنه مثلي لجوازه في غيره.
وأجاب ط بأنه في البحر علل للخمر بعلة ثانية، وهي أن حق الاخذ منها للحماية فيقال مثله في جلود الميتة.
قلت: لكن هذا لا يدفع الاشكال بأن أخذ قيمة القيمي كأخذ عينه.
وقد يجاب بالفرق بين قيمة مالا يتمول أصلا وهو نجس العين كالخنزير وقيمة ما هو قابل للتمول والانتفاع كجلود الميتة، ولذا قالوا: فكانت كالخمر.
تأمل.
قوله: (كذا أقر المصنف متنه في شرحه) اعلم أن المتن المذكور في
شرح المصنف هكذا: ويؤخذ نصف عشر من قيمة خمر كافر للتجارة لا من خنزيه، فيكون قوله: ويؤخذ عشر القيمة من حربي من كلام الشارح، وكتابتها بالاحمر في بع ض النسخ غلط.
ورأيت في متن مجرد ما نصه: ويؤخذ نصف عشر من قيمة خمر ذمي وعشر قيمته من حربي للتجارة من خنزيه، وكل مما أقره ورجع عنه خطأ، أما ما أقره فلانه بإطلاقه الكافر صريح في أن المأخوذ من الذمي والحربي نصف عشر، وأنه يشترط نية التجارة في حق كل منهما، مع أن المأخوذ من الحربي عشر، ولا يشترط في حقه نية التجارة، وأما ما رجع عنه فلانه يقتضي اشتراط نية التجارة في حق الحربي، ولذلك حمل الشارح الكافر على الذمي فصار المصنف ساكتا عن الحربي، فذكره الشارح بقوله: ويؤخذ عشر القيمة من حربي الخ اه ط.
قوله: (وبلغ نصابا) أي وحده أو بالضم إلى مال آخر معه، ولكن لما كان ظاهر المتن أنه ليس معه غيره وأنه بعشره مطلقا أطلق العبارة ولم يكتف بما مر من قوله: ولا نأخذ منهم شيئا إذا لم يبلغ مالهم نصابا هذا ما ظهر لي.
قوله: (لا من خنزيره) أي الكافر ح.
قوله: (مطلقا) أي سواء مر به وحده أو مع الخمر عندهما.
وقال الثاني: إن(2/344)
مر بهما عشر فكأنه جعله تبعا للخمر ولم يعكسه لانها أطهر مالية إذ هي قبل التخمر مال، وكذا بعد بتقدير التخلل، وليس الخنزير كذلك.
نهر.
قوله: (فأخذ قيمته كعينه) أي كأخذ عينه، لان قيمة الحيوان لها حكم عينه، ولهذا لو تزوج امرأة على حيوان في الذمة إن شاء دفع عينه وإن شاء دفع قيمته، أما قيمة الخمر فليس لها حكم عين الخمر، ولهذا لو تزوج الذمي امرأة على خمر فأتاها بقيمتها لا تجبر على القبول، فأمكن أخذ العشر من قيمتها لا من عينها، لان المسلم ممنوع عن تملكها، شرح الجامع لقاضيخان.
قوله: (بخلاف الشفعة الخ) جواب عما قيل: إن القيمة ليس لها حكم العين، بدليل أن الذمي لو باع داره من ذمي بالخنزير وشفيعها مسلم يأخذها بقيمة الخنزير.
وحاصل الجواب: أن الجواز هنا ضرورة حق العبد لاحتياجه، ولا ضرورة في حق الشرع لاستغنائه كما بسطه في المعراج عن الكافي.
وأجاب في النهر نقلا عن العناية بأن القيمة لم تأخذ حكم العين في الاعطاء، لانه موضع إزالة وتبعيد.
قلت: وحاصله الفرق بين أخذها ودفعها، وفيه نظر، فإن في دفعها للذمي تمليكها، والمسلم منهي عن تملكها وتمليكها.
قوله: (في بيته) الضمير يرجع إلى من مر على العاشر مسلما أو ذميا أو حربيا كما صرح به الشارح في قوله: مطلقا ح.
قوله: (ولا من مال بضاعة) هي لغة: القطعة من المال.
واصطلاحا: ما يدفعه المالك لانسان يبيع فيه ويتجر ليكون الربح للمالك ولا شئ للعامل.
بحر عن المغرب.
ولو عبر المصنف بالامانة كصدر الشريعة لاغناه عما بعده.
قوله: (إلا أن تكون لحربي) الاولى تأخير هذا الاستثناء عن المضاربة لقول الزيلعي: وإن ادعى بضاعة أو نحوها فلا حرمة لصاحبها ولا أمان، وإنما الامان للذي في يده اه.
ويظهر من هذا أن المال لحربي، وذو اليد حربي أيضا فيعشر باعتبار الامان لذي اليد وإن لم يحتجه المالك باعتبار كونه في بلد الحرب.
والظاهر أن ذا اليد لو كان مسلما والمالك حربي لا يعشر، لانه لا أمان للمالك ولا لذي اليد، ولو كان بالعكس فكذلك فيما يظهر، لان ذا اليد غير مالك وما في يده مال مسلم لا يحتاج لامان، فليتأمل.
قوله: (بماله ورقبته) إنما قيد به لانه محل الخلاف بين الامام وصاحبيه، فعنده لا يملك مولاه ما في يده من كسبه، وعندهما يملك كما يملك رقبته بلا خلاف، فلم ينفذ عتقه عبدا من كسب المأذون عنده، وعندهما ينفذ كما سيأتي في كتاب المأذون، فإذا مر على العاشر والحالة هذه لا يؤخذ منه سواء كان معه مولاه أو لا، أما إذا كان مولاه فلانعدام ملك المولى عنده وللشغل بالدين عندهما كما في البحر، وأما إذا لم يكن معه فظاهر اه ح مع تغيير، فافهم.
قوله: (أو مأذون غير مديون) أو مديون بغير محيط، بل هو أولى أفاده ح.
قوله: (ليس معه مولاه) أما لو كان معه ولم يكن عليه دين أو عليه دين لم يحط بكسبه عشر الفاضل من الدين إذا بلغ نصابا كما في المعراج.(2/345)
والحاصل كما قال ط أن المعأذون إما أن يكون مديونا بمحيط أو بغير محيط أو غير مديون أصلا، وفي كل إما أن يكون معه مولاه أو لا، ففي الاول لا شئ عليه مطلقا، وكذا في الاخيرين إن لم يكن معه مولاه وإن كان عشر حيث بقي بعد وفاء الدين نصاب.
قوله: (على الصحيح في
الثلاثة) كذا في البحر: وقال في المعراج: وذكر فخر الاسلام في جامعه بعد ذكر المضارب والمستبضع والعبد لا يؤخذ من هؤلاء جميعا هو الصحيح لانعدام الملك اه ونحوه في الزيلعي لكنه ذكر أولا أن أبا حنيفة كان يقول بعشر المضاربة وكسب المأذون، ثم رجع فيهما على الصحيح لعدم الملك، وظاهره أنه لا خلاف في البضاعة.
قوله: (لعدم ملكهم) أي الثلاثة، وهم المضارب والمستبضع والعبد.
قال في المعراج: وفي الايضاح يشترط للاخذ حضور المالك والملك جميعا، فلو مر مالك بلا مال لا يأخذ، ولو مر مال بلا مالك لم يأخذ أيضا.
قوله: (ولا من عبد) هذه مسألة المأذون المتقدم.
رحمتي.
قوله: (ومكاتب).
قوله: (ومكاتب) لانه لا ملك له تام، إذ يجوز أن يعجز نفسه فيكون ما بيده للمولى ط.
قوله: (بخلاف ما لو غلبوا على بلد) تقدمت المسألة في باب زكاة الغنم، والظاهر أن مثله ما لو اضطر إلى المرور عليهم، فليراجع.
قوله: (مر بنصاب رطاب) أي مما لا يبقى حولا.
قال في الشرنبلالية: صورة المسألة أن يشتري بنصاب قرب مضي الحول عليه شيئا من هذه الخضروات للتجارة فتم عليه الحول، فعنده لا يأخذ الزكاة لكن يأمر المالك بأدائها بنفسه، وقالا: يأخذ من جنسه لدخوله تحت حماية الامام، كذا في البرهان.
وقال الكمال في تعليل قول الامام لا يؤخذ منها: أنها تفسد بالاستبقاء وليس عند العامل فقراء في البر ليدفع لهم، فإذا بقيت ليجدهم فسدت فيفوت المقصود، فلو كان عنده أو أخذ ليصرف إلى عمالته كان له ذلك اه.
قوله: (نهر بحثا) ليس في عبارة النهر ما يشعر بأنه بحث، على أنه مذكور في كلام الكمال كما علمت، وليس في عبارة الكمال أيضا ما يشعر بالبحث، على أن ما ذكره الكمال مذكور في شرح المنظومة، مع زيادة أنه لو رضي أن يعطيه القيمة أخذها.
وفي العناية من باب العشر: إذا مر بالخضروات على العاشر وأراد العاشر أن يأخذ من عينها لاجل الفقراء عند إباء المالك عن دفع القيمة لا يأخذ، وإنما قلنا لاجل الفقراء، لانه لو أخذ من عينها ليصرف إلى عمالته جاز، وإنما قلنا عند إباء المالك عن دفع القيمة لانه إذا أعطى القيمة لا كلام في جواز أخذه اه.
ومثله في النهاية فافهم والله أعلم.
باب الركاز قوله: (ألحقوه الخ) جواب سؤال تقدير: كان حق هذا الباب أن يذكر في السير، لان(2/346)
المأخوذ فيه ليس زكاة وإنما يصرف مصارف الغنيمة كما في النهر ح.
وقدمه على العشر لان العشر مؤنة فيها معنى القربة، والركاز قربة محضة ط.
قوله: (منه من الركز) أي مأخوذ لا مشتق لان أسماء الاعيان جامدة ط.
قوله: (بمعنى المركوز خبر بعد خبر للضمير: أي هو مشتق من الركز، وهو بمعنى المركوز، وليس نعتا للاثبات كما لا يخفي ح.
قلت: ويحتمل كونه حالا من الركز: يعني أنه مأخوذ من الركز مرادا به اسم المفعول، وهذا أولى بناء على أن الركاز اسم جامد لا مصدر.
قوله: (وشرعا الخ) ظاهره أنه ليس معنى لغويا.
وفي المنح عن المغرب: هو المعدن أو الكنز، لان كلا منهما مركوز في الارض إن اختلف الراكز اه.
وظاهره أنه حقيقة فيهما مشترك اشتراكا معنويا وليس خاصا بالدفين اه.
قال في النهر: وعلى هذا فيكون متواطئا، وهذا هو الملائم لترجمة المصننف، ولا يجوز أن يكون حقيقة في المعدن مجازا في الكنز لامتناع الجمع بينهما بلفظ واحد والباب معقود لهما اه ط قوله: (فلذا) أي لاجل عمومه ط.
قوله: (من معدن) بفتح الميم وكسر الدال وفتحها.
إسماعيل عن النووي.
من العدن: وهو الاقامة، وأصل المعدن المكان بقيد الاستقرار فيه، ثم اشتهر في نفس الاجزاء المستقرة التي ركبها الله تعالى في الارض يوم خلق الارض حتى صار الانتقال من اللفظ إليه ابتداء فلا قرينة.
فتح.
قوله: (خلقي) بكسر الخاء أو فتحها نسبة إلى الخلقة أو الخلق ح.
قوله: (وكنز) من كنز المال كنزا من باب ضرب جمعه تسمية بالمصدر كما في المغرب.
قوله: (لانه الذي يخمس) يعني أن الكنز في الاصل اسم للمثبت في الارض بفعل إنسان كما في الفتح وغيره، والانسان يشمل المؤمن أيضا لكن خصه الشارح بالكافر لان كنزه هو الذي يخمس، أما كنز المسلم فلقطة كما يأتي.
قوله: (وجد مسلم أو ذم) خرج الحربي وسيأتي حكمه متنا.
قوله: (ولو قنا صغيرا أنثى) لما في النهر وغيره أنه يعم ما إذا كان الواجد حرا أو لا، بالغا أو لا، ذكرا أو لا، مسلما أو لا.
قوله: (نقد) أي ذهب أو فضة.
بحر.
قوله: (ونحو حديد) أي حديد ونحوه، وهو من عطف العام على الخاص ح.
قوله: (وهو) أي نحو الحديد كل جامد ينطبع: أي يلين بالنار.
قوله: (ومنه الزيبق) بالياء وقد تهمز، ومنهم حينئذ ميكسر الموحدة بعد الهمزة، كذا في الفتح، وهو ظاهر في أنها إذا لم تهمز فتحت، ثم هذا قول الامام آخر وقول محمد، وكان أولا يقول: لا شئ عليه، وبه قال الثاني آخرا لانهم بمنزلة القبر، والنفط: يعني المياه ولا خمس فيها.
ولهما أنه يستخرج بالعلاج عن عينه وينطبع مع غيره فكان كالفضة.
نهر: أي فإن الفضة لا تنطبع ما لم يخالطها شئ، فتح قال في النهر والخلاف في المصاف في معدنه، أما الموجود في خزائن الكفار ففيه الخمس اتفاقا.
قوله: (فخرج المائع) أي بالتقييد بجامد، وقوله: وغير المنطبع أي بالتقييد بينطبع فلا يخمس شئ من هذين القسمين وبه ظهر أن المعدن كما في القهستاني وغيره ثلاثة أقسام: منطبع(2/347)
كالذهب والفضة والرصاص والنحاس والحديد.
ومائع كالماء والملح والقير والنفط.
وما ليس شيئا منهما كاللؤلؤ والفيروزج والكحل والزاج وغيرها كما في المبسوط والتحفة وغيرهما.
لكن المطرزي خصه بالحجرين، والظاهر أنه في الاصل اسم لمركز كل شئ اه.
قوله: (كنفط) بكسر النون وقد تفتح.
قاموس.
وهو دهن يعلو الماء كما سيذكره الشارح في با ب العشر ح.
قوله: (وقار) القار والقير والزفت: شئ يطلى به السفن.
قوله: (كمعادن الاحجار) كالجص والنورة، والجواهر كاليواقيت والفيروزج والزمرد فلا شئفيها.
بحر.
قوله: (في أرض خراجية أو عشرية) متعلق بوجد، وسيأتي بيانهما في باب العشر والخراج من كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى.
قال ح: واعلم أن الارض على أربعة أقسام: مباحة، ومملوكة لجميع المسلمين، ومملوكة لمعين، ووقف.
فالاول لا يكون عشريا ولا خراجيا.
وكذا الثاني كأراضي مصر الغير الموقوفة فإنها وإن كانت خراجية الاصل إلا أنها آلت إلى بيت المال لموت المالك من غير وارث كما صرح به صاحب البحر في التحفة المرضية في الاراضي المصرية والثالث والرابع إما عشري أو خراجي.
ثم إن الخمس في المباحة لبيت المال والباقي للواجد.
وأما الثاني وهو المملوكة لغير معين فلم أر حكمه.
والذي يظهر لي أن الكل لبيت المال، أما الخمس فظاهر، وأما الباقي فلوجود المالك وهو جميع المسلمين فيأخذه وكيلهم وهو السلطان، وأما الثالث وهو المملوكة لمعين
فالخمس فيه لبيت المال والباقي للمالك.
وأما الرابع وهو الوقف فالخمس فيه لبيت المال أيضا كما نقله الحموي عن البرجندي ولم يعلم من عبارته حكم باقيه، والذي يظهر لي أنه للواجد كما في الاول لعدم المالك، فليحرر اه.
قلت: وفيه بحث من وجوه: أما أولا فقوله: إن المباح لا يكون عشريا ولا خراجيا، فيه نظر لما صرح به في الخانية والخلاصة وغيرهما من أن أرض الجبل الذي لا يصل إليه الماء عشرية.
وأما ثانيا فإن قوله: والثالث والرابع إما عشري أو خراجي فيه نظر، فقد ذكر الشارح في باب العشر والخراج أن الارض المشتراة من بيت المال إذا وقفها مشتريها أو لم يوقفها فلا عشر فيها ولا خراج، لكن فيه كلام نذكره في الباب الآتي.
وأما ثالثا فجعله الموقوفة كالمباحة في كون الباقي عن الخمس للواجد فيه نظر أيضا لان الوقف هو حبس العين على ملك الواقف عند الامام أو على حكم ملك الله تعالى عندهما والتصدق بالمنفعة، وليس المعدن منفعة بل هو من أجزاء الارض التي كانت ملكا للواقف، ثم حبسها فهو بمنزلة نقض الوقف.
وقد صرحوا بأن النقض يصرف إلى عمارة الوقف إن احتاج، وإلا حفظه للاحتياج، ولا يصرف بين المستحقين لان حقهم في المنافع لا في العين، فإذا لم يكن فيه حق للمستحقين فكيف يملكه الاجنبي، إلا أن يدعي الفرق بين المعدن والنقض، فليتأمل.
وأما رابعا فإن إيجابه الخمس في المملوكة لمعين مخالف لما مشى عليه المصنف من أنه لا شئ في الارض المملوكة كما يأتي.
تنبيه: قال في فتح القدير: قيد بالخراجية والعشرية ليخرج الدار فإنه لا شئ فيها، لكن ورد عليه الارض التي لا وظيفة فيها كالمفازة، إذ يقضي أنه لا شئ في المأخوذ منها وليس كذلك، فالصواب أن لا يجعل ذلك لقصد الاحتراز بل للتنصيص على أن وظيفتهما المستمرة لا تمنع الاخذ مما(2/348)
يوجد فيهما اه.
وأجاب في النهر بما يشير إليه الشارح، وهو أنه يصح جعله للاحتراز عن الدار ويعلم حكم المفازة بالاولى، لانه إذا وجب في الارض مع الوظيفة فلان يحب لا في الخالية عنها أولى اه.
وأقول: يمكن الجواب بأن المراد بالعشرية والخراجية ما تكون وظيفتها العشر أو الخراج سواء كانت بيد أحد أو لا، فشمل المفازة وغيرها بدليل ما قدمناه عن الخانية من أن أرض الجبل عشرية، فيكون المراد الاحتراز بها عن دار الحرب، ويدل عليه أنه في متن درر البحار عبر بمعدن غير الحرب، فعلم أنالمراد معدن أرضنا، ولهذا قال القهستاني بعد قوله في أرض خراج أو عشر الاخضر في أرضنا سواء كانت جبلا أو سهلا مواتا أو ملكا، واحترز به عن داره وأرضه وأرض الحرب اه.
ثم رأيع عين ما قلته في شرح الشيخ إسماعيل حيث قال: ويحتمل أن يكون احترازا عما وجد في دار الحرب، فإن أرضها ليست أرض خراج أو عشر، والمراد بأرض الخراج أو العشر أعم من أن تكون مملوكة لاحد أو لا، صالحة للزراعة أو لا، فيدخل فيه المفاوز وأرض الموات، فإنها إذا جعلت صالحة للزراعة كانت عشرية أو خراجية اه.
قلت: وعلى هذا فيدخل في الخراجية والعشرية جميع أقسام الارض المارة فإن في معدنها الخمس، لكن سيصرح المصنف بإخراج الموجود في داره أو أرضه فإنه لا خمس فيه، فافهم.
قوله: (خرج الدار لا المفازة الخ) إشارة إلى ما قدمناه آنفا عن النهر.
وعلى ما قررناه لا حاجة إلى دعوى الاولوية ولا إلى التعرض لاخراج الدار، لان المصنف سينبه على إخراجها.
على أنه كان عليه حيث تعرض للدار أن يتعرض للارض، فإنها وإن كانت مملوكة تكون خراجية أو عشرية، مع أنه لا خمس في معدنها كما يأتي إلا أن يقال: تركه لان فيها روايتين.
تأمل.
قوله: (خمس) مبني للمجهول من خمس القوم: إذا أخذ خمس أموالهم من باب طلب.
بحر عن المغرب.
قوله: (مخففا) لان التشديد غير سديد، إذ لا معنى لكونه يجعله خمسة أخماس فقط.
نهر: أي لان المراد أخذ الخمس من المعدن لا مجرد جعله أخماسا.
قوله: (لحديث الخ) أي قوله عليه الصلاة والسلام: العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس أخرجه الستة، كذا في الفتح.
وقال في بيان دلالته على المطلوب: إن الركاز يعم المعدن والكنز على ما حققناه فكان إيجابا فيهما، ولا يتوهم عدم إرادة المعدن بسبب عطفه عليه بعد إفادة أنه جبار: أي هدر لا شئ فيه للتناقض، فإن الحكم المعلق بالمعدن ليس هو المعلق به في ضمن الركاز ليختلف بالسلب والايجاب، إذ المراد به أن
هلاكه أو الهلاك به للاجير الحافر له غير مضمون، لا أنه لا شئ فيه نفسه، وإلا لم يجب شئ أصلا وهو خلاف المتفق عليه.
فحاصله أنه أثبت للمعدن بخصوصه حكما، فنص على خصوص اسمه، ثم أثبت له حكما(2/349)
آخر مع غيره، فعبر بالاسم الذي يعمهما ليثبت فيهما اه ملخصا.
ونقله في النهر أيضا، فافهم.
قوله: (قوله وباقيه لمالكها الخ) كذا في الملتقى والوقاية والنقاية والدرر والاصلاح، ولم يذكره في الهداية وشروحها وفي الكنز وشروحه ولا في درر البحار والمواهب والاختيار والجامع الصغير، وهذا هو الظاهر، فإن من ذكر هذه العبارة قال بعدها: وفي أرضه روايتان: أي في وجوب الخمس، فهذا يدل على أن المراد بالخراجية والعشرية غير المملوكة، وأغرب من ذلك أن المصنف اقتصر على رواية عدم الوجوب فقال: ولا شئ فيه إن وجده في داره وأرضه، فناقض أول كلامه آخر، فإن أرضه لا تخرج عن كونها عشرية أو خراجية كما يأتي، وقد جزم أولا بوجوب الخمس فيها.
والحاصل: أن معدن الارض المملوكة جميعه للمالك، سواء كان هو الواجد أو غيره، وهذا رواية الاصل الآتية.
وفي رواية الجامع: يجب فيه الخمس وباقيه للمالك مطلقا، فقوله: ولا شئ في أرضه ينافي قوله: وباقيه لمالكه فلذا قال الرحمتي: إن صدر كلامه مبني على إحدى الروايتين وآخره على الاخرى.
قلت: وذكر نحو القهستاني، ورأيت في حاشية السيد محمد أبي السعود أن الصواب حمل المملوكة هنا على المملوكة لغير الواجد، فلا ينافي ما بعده، لان المراد به الارض المملوكة للواجد اه.
قلت: يؤيد هذا تعبير المصنف كصاحب الكنز بأرضه، فإنه يفيد أن المراد أرض الواجد، لكن ينافيه أن صاحب البدائع لم يعبر بالخراجية والعشرية، بل قال ابتداء، فإن وجده في دار الاسلام في أرض غير مملوكة يجب فيه الخمس، وإن وجده في دار الاسلام في أرض مملوكة أو دار أو منزل أو حانوت فلا خلاف في أن أربعة الاخماس لصاحب الملك وحده، هو أو غيره لان المعدن من توابع
الارض لانه من أجزائها، وإذا ملكها المختلط له بتمليك الامام ملكها بجميع أجزائها، فتنتقل عنه إلى غيره بتوابعها أيضا.
واختلف في وجوب الخمس الخ فقوله: فلا خلاف الخ صريح في أنه لا فرق فيه بين المملوكة للواجد أو غيره، فإن قوله: هو أو غيره يرجع إلى الواجد، فكل من الخلاف في وجوب الخمس، والاتفاق على أن الباقي للمالك إنما هو في المملوكة للواجد أو غيره، ولا وجه لوجوب الخمس إذا كان الواجد غير المالك، وعدمه إذا كان هو المالك لاتحاد العلة فيهما، وهي كون المالك ملكها بجميع أجزائها ووقع التعبير بقوله هو أو غيره في عبارة البحر أيضا، وسنذكر في توجيه الروايتين ما هو كالصريح في عدل الفرق، والله تعالى أعلم.
قوله: (وإلا كجبل ومفازة) جعله ذلك مما صدقات الارض العشرية والخراجية يصح على جوابنا السابق بأنه أراد بها ما تكون وظيفتها العشر أو الخراج إذا استعملت، فافهم.
قوله: (والمعدن) قيد به احترازا عن الكنز، فإنه يخمس ولو في أرض مملوكة لاحد أو في داره لانه ليس من أجزائها كما في البدائع، ويأتي.
قوله: (في داره وحانوته) أي عند أبي حنيفة خلافا لهما ملتقى.
قوله: (في رواية الاصل الخ) راجع لقوله: وأرضه قال في غاية البيان: وفي الارض المملوكة روايتان عن أبي حنيفة: فعلى رواية الاصل لا فرق بين الارض والدار حيث لا شئ فيهما، لان الارض لما انتقلت إليه انتقلت بجميع أجزائها، والمعدن من(2/350)
تربة الارض فلم يجب فيه الخمس لما ملكه كالغنيمة إذا باعها الامام من إنسان سقط عنها حق سائر الناس لانه ملكها ببدل، كذا قال في الجصاص.
وعلى رواية الجامع الصغير بينهما فرق، ووجهه أن الدار لا مؤنة فيها أصلا فلم تخمس فصار الكل للواجد، بخلاف الارض، فإن فيها مؤنة الخراج والعشر فتخمس اه.
قوله: (واختارها في الكنز) أي حيث اقتصر عليها كالمصنف وأراد بذلك بيان أنها الارجح، لكن في الهداية قال: عن أبي حنيفة روايتان، ثم ذكر وجه الفرق بين الارض والدار على رواية الجامع الصغير ولم يذكر وجه رواية الاصل، وربما يشعر هذا باختيار رواية الجامع.
وفي حاشية العلامة نوح أن القياس يقتضي ترجيحها لامرين: الاول أن رواية الجامع الصغير تقدم على غيرها عند المعارضة.
الثاني أنها موافقة لقول الصاحبين، والاخذ بالمتفق عليه في الرواية أولى.
والحاصل: أن الامام فرق في وجوب الخمس بين المعدن والكنز، وبين المفازة والدار، وبين الارض المباحة والمملوكة، وهما لم يفرقا بين ذلك في الوجوب.
قوله: (وزمرد) بالضمات وتشديد الراء وبالذال المعجمة آخره: الزبرجد كما في القاموس.
قوله: (وفيروزج) معرب فيروز، أجوده الازرق الصافي اللون لم ير قطفي يد قتيل، وتمامه في إسماعيل.
قوله: (ونحوها) أي من الاحجار التي لا تنطبع.
قوله: (أي في معادنها) أي الموجودة فيها بأصل الخلقة، فالجبل غير قيد قوله: (ولو وجدت) محترز قوله: في معادنها وقوله: دفين حال بمعنى مدفون، واحترز بدفين الجاهلية عن دفين الاسلام.
وقوله: أي كنز أشار به إلى أن حكمه ما يأتي في الكنوز.
قوله: (لكونه غنيمة) فإنه كان في أيدي الكفار وحوته أيدينا.
بحر.
قوله: (كيف كان) أي سواء كان من جنس الارض أو لا بعد أن كان مالا متقوما.
بحر ويستثنى مه كنز البحر كما يأتي.
قوله: (إن كان ينطبع) أما المائع وما لا ينطبع من الاحجار فلا يخمس كما مر.
قوله: (هو مطر الربيع) أي أصله منه، قال القهستاني: هو وجهر مضئ يخلقه الله تعالى من مطر الربيع الواقع في الصدف الذي قيل إنه حيوان من جنس السمك يخلق الله تعالى اللؤلؤ كما في الكرماني.
قوله: (حشيش الخ) قال الشيخ داود الانطاكي في تذكرته: الصحيح أنه عيون بقعر البحر تقذف دهنية، فإذا فارت على وجه الماء جمدت فيلقيها البحر على الساحل اه.
قوله: (ولو ذهبا) لو وصلية، وقوله كان كنزا نعت لقوله ذهبا أي ولو كان ما يستخرج من البحر ذهبا مكنوزا بصنع العباد في قعر البحر فإنه لا خمس فيه وكله للواجد، والظاهر أن هذا مخصوص فيما ليس عليه علامة الاسلام ولم أره، فتأمل.
قوله: (لانه لم يرد عليه القهر الخ) حاصله: أن محل الخمس الغنيمة، والغنيمة ما كانت للكفرة ثم تصير للمسلمين بحكم القهر والغلبة، وباطن البحر لم يرد عليه هو فلم يكن غنيمة.
قاضيخان.
قوله: (سمة الاسلام) بالكسر وهي في الاصل أثر الكي، والمراد بها العلامة، وذلك كتابة كلمة الشهادة أو نقش آخر معروف للمسلمين.
قوله: (نقدا أو غيره) أي من السلاح والآلات وأثاث المنازل(2/351)
والفصوص والقماش.
بحر.
قوله: (فلقطة) لان مال المسلمين لا يغنم.
بدائع.
قوله: (سيجئ
حكمها) وهو أنه ينادي عليها في أبواب المساجد والاسواق إلى أن يظن عدم الطلب، ثم يصرفها إلى نفسه إن فقيرا، وإلا فإلى فقير آخر بشرط الضمان ح.
قوله: (سمة الكفر) كنقش صنم أو اسم ملك من ملوكهم المعروفين.
بحر.
قوله: (خمس) أي سواء كان في أرضه أو أرض غيره أو أرض مباحة.
كفاية.
قال قاضيخان: وهذا بلا خلاف، لان الكنز ليس من أجزاء الدار فأمكن إيجاب الخمس فيه، بخلاف المعدن.
قوله: (أول الفتح) ظرف للمالك: أي المختلط له وهو من خصه الامام بتمليك الارض حين فتح البلد.
قوله: (على الاوجه) قال في النهر: فإن لم يعرفوا: أي الورثة، قال السرخسي: هو لاقصى مالك للارض أو لورثته، وقال أبو اليسر: يوضع في بيت المال، قال في الفتح: وهذا أوجه للمتأمل اه.
وذلك لما في البحر من أن الكنز مودع في الارض، فلما ملكها الاول ملك ما فيها ولا يخرج ما فيها عن ملكه ببيعها كالسمكة في جوفها درة.
قوله: (وهذا إن ملكت أرضه) الاشارة إلى قوله: وباقية للمالك وهذا قولهما، وظاهر الهداية وغيرها ترجيحه، لكن في السراج: وقال أبو يوسف: الباقي للواجد كما في أرض غير مملوكة وعليه الفتوى اه.
قلت: وهو حسن في زماننا لعدم انتظام بيت المال، بل قال ط: إن الظاهر أن يقال: أي على قولهما إن للواجد صرفه حينئذ إلى نفسه إن كان فقيرا، كما لو قالوا في بنت المعتق إنها تقدم عليه ولو رضاعا ويدل عليه ما في البحر عن المبسوط: ومن أصاب ركازا وسعه أن يتصدق بخمسه على المساكين، وإذا طلع الامام على ذلك أمضى له ما صنع لان الخمس حق للفقراء وقد أوصله إلى مستحقه، وهو في إصابة الركاز غير محتاج إلى الحماية فهو كزكاة الاموال الباطنة اه.
تنبيه: في البحر عن المعراج أن محل الخلاف ما إذا لم يدعه مالك الارض، فإن ادعى أنه ملكه فالقول له اتفاقا.
قوله: (وإلا للواجد) أي وإن لم تكن مملوكة كالجبال والمفازة فهو كالمعدن يجب خمسه وباقيه للواجد مطلقا.
بحر.
قوله: (لانهم من أهل الغنيمة) لان الامام يرضخ لهم.
رحمتي.
قوله: (في المفاوز) فلو في أرض مملوكة فالباقي للمختلط له على ما مر من الخلاف.
أفاده إسماعيل.
قوله: (فهو واجد) ظاهره أنه لا شئ عليه للآخر، وهذا ظاهر فيما إذا حفر أحدهما
مثلا، ثم جاء آخر وأتم الحفر واستخرج الركاز، أما لو اشتركا في طلب ذلك فسيذكر في باب الشركة الفاسدة أنها لا تصح في احتشاش واصطياد واستقاء وسائر مباحات كاجتناء ثمار من جبال(2/352)
وطلب معدن من كنز وطبخ آجر من طين مباح لتضمنها الوكالة، والتوكيل في أخذ المباح لا يصح، وما حصله أحدهما فله، وما حصلاه معا فلهما نصفين إن لم يعلم ما لكل، وما حصله أحدهما بإعانة صاحبه فله، ولصاحبه أجر مثله بالغا عند محمد، وعند أبي يوسف: لا يجاوز به نصف ثمن ذلك اه.
قوله: (فهو للمستأجر) سيذكر المصنف في باب الاجارة الفاسدة: استأجر ليصيد له أو يحتطب، فإن وقت لذلك وقتا جاز، وإلا لا، إلا إذا عين الحطب وهو ملكه اه.
وكتب ط هناك على قوله: وإلا لا: أن الحطب للعامل.
قلت: ومقتضاه أن الركاز هنا للعامل أيضا إذا لم يوقتا، لانه إذا فسد الاستئجار بقي مجرد التوكيل، وعلمت أن التوكيل في أخذ المباح لا يصح، بخلاف ما إذا حصله أحدهما بإعانة الآخر كما مر فإن للمعين أجر مثله لانه عمل له غير متبرع، هذا ما ظهر لي، فتأمله.
قوله: (ذكره الزيلعي) ومثله في الهداية.
قوله: (لانه الغالب) لان الكفار هم الذين يحرصون على جمع الدنيا وادخارها ط.
قوله: (وقيل كاللقطة) عبارة الهداية: وقيل يجعل إسلاميا في زماننا لتقادم العهد اه: أي فالظاهر أنه لم يبق شئ من آثار الجاهلية، ويجب البقاء مع الظاهر ما لم يتحقق خلافه، والحق منع هذا الظاهر، بل دفينهم إلى اليوم يوجد بديارنا مرة أخرى، كذا في فتح القدير: أي وإذا علم أن دفينهم باق إلى اليوم انتفى ذلك الظاهر.
قلت: بقي أن كثيرا من النقود التي عليها علامة أهل الحرب يتعامل بها المسلمون، والظاهر أنها من قسم المشتبه، إلا إذا علم أنها من ضرب الجاهلية الذين كانوا قبل فتح البلدة.
تأمل.
ثم رأيت في شرح النقاية لمنلا علي القارئ، قال: وأما مع اختلاط دراهم الكفار مع دراهم المسلمين كالمشخص المستعمل في زماننا فلا ينبغي أن يكون خلاف في كون إسلاميا اه.
قوله: (معدنا كان أو كنزا) وتقييد القدوري بالكنز لكون الخلاف فيه، فإن شيخ الاسلام أوجب فيه الخمس فيعلم حكم المعدن بالاولى بعدم الخلاف فيه كما في البحر عن المعراج.
قوله: (لانه كالمتلصص) قال
في الهداية: فهو له لانه: أي ما في صحرائهم ليس في يد أحد على الخصوص، فلا يعد غدرا ولا شئ فيه لانه بمنزلة متلصص.
قوله: (ولذا) الاشارة لما أفهمه.
قوله: (لانه كالمتلصص) من أنه لا يخمس إلا إذا كان بالقهر والغلبة كما صرح به بعده بقوله: لكونه غنيمة.
قوله: (وإن وجده الخ) حاصله أنه إن وجده في أرضهم الغير المملوكة فالكل للواجد بلا فرق بين المستأمن وغيره، وهذا ما مر، أما لو وجده في المملوكة فإن كان غير مستأمن: فالكل له أيضا، وإلا وجب رده للمالك.
قوله: (أي الركاز) يعم الكنز والمعدن وما في البرجندي من تقييد بالكنز، فكأنه مبني على ما مر عن القدوري.
تأمل.
قوله: (لكن لا يطيب للمشتري) بخلا ف ما إذا اشترى رجل شيئا شراء فاسدا(2/353)
ثم باعه فإنه يطيب للمشتري الثاني لامتناع الفسخ حينئذ ح عن البحر، فليتأمل.
قوله: (ولا يخمس) إلا إذا كانوا جماعة ذوي منعة لكونه غنيمة كما تقدم ويأتي.
قوله: (قوله لما مر) أي من أنه كالمتلصص كما في الدرر عن غاية البيان.
قوله: (وما في النقاية) أي لمحقق صدر الشريعة، وكذا في الوقاية لجده تاج الشريعة، وعبارة الوقاية: وإن وجد ركاز متاعهم في أرض منها لم تملك خمس اه.
قال في الدرر: إنه غير صحيح لما صرح به شراح الهداية وغيرهم: إن الخمس إنما يجب فيما يكون في معنى الغنيمة، وهو ما كان في يد أهل الحرب وقع في يد المسلمين بإيجاف الخيل، والمذكور في الوقاية ليس كذلك، لان المستأمن كالمتلصص، والارض من دار الحرب لم تقع في أيدي المسلمين، فالصواب أن يقطع لفظ وجد عما قبله ويقرأ على البناء للمفعول ويترك لفظ منها وتضاف الارض إلى المسلمين اه.
وأجاب في الشرنبلالية بأن وجد مبني للمفعول ونائب فاعله محذوف: أي ذوو منعة لا المستأمن، والتقييد بقوله: لم تملك يعلم منه المملوكة بالاولى اه.
قوله: (إلا أن يحمل الخ) هذا الحمل صحيح في عبارة قوله: (النقاية)، لانه ليس فيها لفظة منها: أي من دار الحرب، بخلاف عبارة الوقاية إلا بما مر عن الشرنبلالية.
والحاصل: أن المسألة في عبارة الوقاية مفروضة فيما إذا كان المتاع في أرض غير مملوكة من دار الحرب والواجد ذو منعة فيجب الخمس، وفي عبارة النقاية: فيما إذا كانت الارض من دار
الاسلام والواجد رجل منا ولا يصح أن يكون فاعل وجد المستأمن، لان مستأمنهم لا يستحق شيئا إلا بالشرط كما مر، والمسلم لا يكون مستأمنا في دار الاسلام، ثم إن هذه المسألة على العبارتين قد علمت مما مر، وفائدة ذكرها ما أشار إليه الشارح أولا وصرح به في العناية وغيرها، وهو أن وجوب الخمس لا يتفاوت بين أن يكون الركاز من النقدين أو غيرهما كالمتاع، وهو كما في اليعقوبية ما يتمتع به في البيت من الرصاص والنحاس وغيرهما.
قوله: (لنفسه) أي إن كان محتاجا ولا تغنيه الاربعة الاخماس بأن كان دون المائتين، أما إذا بلغ مائتين فلا يجوز له تنازل الخمس.
بحر عن البدائع.
قلت: لكن فيه أنه قد يبلغ مائتين فأكثر، ولا يغنيه كمديون بمائتين مثلا، فالاولى الاقتصار على الحاجة.
وفي كافي الحاكم: ومن أصاب ركازا وسعه أن يتصدق بخمسه على المساكين، فإذا اطلع الامام على ذلك أمضى له ما صنع، وإن كان محتاجا إلى جميع ذلك وسعه أن يمسكه لنفسه، وإن تصدق بالخمس على أهل الحاجة من آبائه وأولاده جاز ذلك، وليس هذا بمنزلة عشر الخارج من الارض اه.(2/354)
باب العشر هو واحد الاجزاء العشرة، والمراد به هنا ما ينسب إليه لتشمل الترجمة نصف العشر، وضعفه حموي وذكره في الزكاة لانه منها.
قال في الفتح: قيل إن تسميته زكاة على قولهما لاشتراطهما النصاب والبقاء، بخلاف قوله وليس بشئ، إذ لا شك أنه زكاة حتى يصرف مصافرها، واختلافهم في إثبات بعض شروط لبعض أنواع الزكاة ونفيها لا يخرجه عن كونه زكاة اه.
واستظهر في النهر قول العناية: إن تسميته زكاة مجاز، وأيد الشيخ إسماعيل الاول بأنه يجب فيما لا يؤخذ منه سواه، ولا يجامع الزكاة، وبتسميته في الحديث صدقة واختلافهم في وجوبه على الفور أو التراخي كما في الزكاة اه والكلام هنا في عشرة مواضع بسطها في البحر.
قوله: (يجب العشر) ثبت ذلك بالكتاب والسنة والاجماع والمعقول: أي يفترض لقوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * فإن عامة المفسرين على أنه العشر أو نصفه، وهو مجمل بينه قوله (ص): ما سقت السماء ففيه العشر، وما سقي بغرب أو
دالية ففيه نصف العشر واليوم ظرف للحق لا للايتاء، فلا يرد أنه لو كان المراد ذلك فزكاة الحبوب لا تخرج يوم الحصاب بل بعد التنقية والكيل ليظهر مقدارها، على أنه عند أبي حنيفة يجب العشر في الخضروات، ويخرج حقها يوم الحصاد: أي القطع.
بدائع ملخصا.
قوله: (في عسل) بغير تنوين، فإن قوله: وإن قل معترض بين المضاف والمضاف إليه ولا حاجة إليه، فإن قوله، بلا شرط نصاب مغن عنه كما نبه عليه بقوله راجع للكل ح.
وصرح بالعسل إشارة إلى خلاف مالك والشافعي حيث قالا ليس فيه شئ لانه متولد من حيوان فأشبه الابريسم، ودليلنا مبسوط في الفتح.
قوله: (أرض غير الخراج) أشار إلى أن المانع من وجوبه كون الارض خراجية، لانه لا يجتمع العشر والخراج فشمل العشرية، وما ليست بعشرة ولا خراجية كالجبل والمفازة، لكن قدمنا عن الخانية وغيرها، أن الجبل عشري، وقدمنا أيضا أن المراد أنه لو استعمل فهو عشري، هذا وقيد الخير الرملي الارض الخراجية بالخراج الموظف لانه المراد عند الاطلاق.
قال: فلو وجد في أرض خراج المقاسمة ففيه مثل ما في التمر الموجود فيها اه.
لكن الكلام هنا في نفي وجوب العشر، وهو غير واجب في الخراجية مطلقا كما أفاده الرحمتي.
واستفيد أن الخراج قسمان خراج مقاسمة، وهو ما وضعه الامام على أرض فتحها ومن على أهلها بها من نصف الخارج أو ثلثه أو ربعه، وخراج وظيفة مثل الذي وظفه عمر رضي الله تعالى عنه على أرض السواد لكل جريب يبلغه الماء صاع بر أشعير كما سيأتي تفصيله في الجهاد إن شاء الله تعالى، ويأتي هنا بعض أحكامها.
قوله: (في ثمرة جبل) يدخل فيه القطن، لان الثمر اسم لشئ متفرع من أصل يصلح للاكل واللباس كما في الكرماني.
وفي القاموس إنه اسم لحمل الشجر، والمشهور ما في المفردات أنه اسم لكل ما يستطعم من أحمال الشجر، ويجب العشر، ولو كان الشجر غير مملوك ولم يعالجه أحد وخرج ثمرة شجر في دار رجل، ولو بستانا في داره لانه للدار، كذا في الخانية.
ط عن القهستاني.
قوله: (إن حماه الامام) الضمير عائد إلى المذكور وهو(2/355)
العسل والثمرة، والظاهر أن المراد الحماية من أهل الحرب والبغاة وقطاع الطريق، لا عن كل أحد،
فإن ثمر الجبال مباح لا يجوز منع المسلمين عنه، وقال أبو يوسف: لا شئ فيما يوجد في الجبال، لان الارض ليست مملوكة، ولهما أن المقصود من ملكها النماء وقد حصل اه ح.
قوله: (لانه مال مقصود) أي مقصود للامام بالحفظ اه ط.
أو مقصود بالاخذ فلذا تشترط حمايته حتى يجب فيه العشر لان الجباية بالحماية، فهو علة لاشتراط الجباية أو من جنس ما يقصد به استغلال الارض فهو علة للوجوب.
تأمل.
قوله: (أي مطر) سمي بذلك مجازا، من تسمية الشئ باسم ما يجاوره أو يحل فيه.
بهر.
قوله: (وسيح) بالسين والحاء المهملتين بينهما مثناة تحتية.
قال في المغرب: ساح الماء سيحا: جرى على وجه الارض، ومنه ما سقي سيحا: يعني ماء الانهار والاودية اه.
قوله: (بلا شرط نصاب) فيجب فيما دون النصاب بشرط أن يبلغ صاعا، وقيل نصفه، وفي الخضروات التي لا تبقى وهذا قول الامام، وهو الصحيح كما في التحفة، وقالا: لا يجب إلا فيما له ثمرة باقية حولا بشرط أن يبلغ خمسة أوسق إن كان مما يوسق، والوسق ستون صاعا كل صاع أربعة أمناء، وإلا فحتى يبلغ قيمة نصاب من أدنى الموسوق عند الثاني، واعتبر الثالث خمسة أمثال مما يقدر به نوعه، ففي القطن خمسة أحمال، وفي العسل أفراق، وفي السكر أمناء.
وتمامه في النهر.
قوله: (وحولان حول) حتى لو أخرجت الارض مرارا وجب في كل مرة، لاطلاق النصوص عن قيد الحول، ولان العشر في الخارج حقيقة فيتكرر بتكرره، وكذا خراج المقاسمة لانه في الخارج، فأما خراج الوظيفة فلا يجب في السنة إلا مرة، لانه ليس في الخارج بل في الذمة.
بدائع.
قوله: (لان فيه معنى المؤنة) أي في العشر، معنى مؤنة الارض: أي أجرتها فليس بعبادة محضة ط.
قوله: (أخذه جبرا) ويسقط عن صاحب الارض كما لو أدى بنفسه، إلا أنه إذا أدى بنفسه يثاب ثواب العبادة، وإذا أخذه الامام يكون له ثواب ذهاب ما له في وجه الله تعالى.
قوله: (وفي أرض صغير ومجنون ومكاتب) من مدخول العلة فلا يشترط في وجوبه العقل والبلوغ والحرية.
قوله: (ووقف) أفاد أن ملك الارض ليس بشرط لوجوب العشر، وإنما الشرط ملك الخارج، لانه يجب في الخارج لا في الارض، فكان ملكه لها وعدمه سواء.
بدائع.
مطلب مهم في حكم أراضي مصر والشام السلطانية
قلت: هذا ظاهر فيما إذا زرعها أهل الوقف، أما إذا زرعها غيرهم بالاجرة فيجري فيه الخلاف الآتي في الارض المستأجرة، وفي حكم ذلك أراضي مصر والشام السلطانية، فإنها في الاصل كانت خراجية أما الآن فلا، فقد صرفي فتح القدير في أرض مصر بأن المأخوذ الآن منها أجرة لا خراج.
قال: ألا ترى أنها ليست مملوكة للزراع كأنه لموت المالكين بلا وارث فصارت لبيت المال اه.
وكذا أراضي الشام كما في جهاد شرح الملتقى، لكن في كونها كلها صارت لبيت المال بحث سنذكره في باب العشر والخراج إن شاء الله تعالى، وحيث صارت لبيت المال سقط عنها الخراج لعدم من يجب عليه، وهل على زراعها عشر أم لا؟ سنتكلم عليه في هذا الباب.(2/356)
ثم اعلم أنه إذا باعها الامام بشرطه لم يجب على المشتري خراج، لانه بعد أخذ الثمن لبيت المال لا يمكن أن تكون المنفعة كلها له أو بعضها، ولان المسلم لا يجوز وضع الخراج عليه ابتداء وإن جاز بقاء، ولان الساقط لا يعود، كذا قاله ابن نجيم في التحفة المرضية، وقال أيضا: إنه لا يجب فيها العشر أيضا، قال: لاني لم أر نقلا في ذلك.
قلت: وفيه نظر لما علمت أن الشرط ملك الخارج، لانه يجب فيه لا في الارض حتى وجب في الخارج من أرض الصغير والمجنون والمكاتب والوقف، ولان سببه الارض النامية بالخارج تحقيقا، ولا يلزم من سقوط الخراج المتعلق بالارض سقوط العشر المتعلق بالخارج، والثمن المأخوذ لبيت المال هو بدل الارض لا بدل الخارج، على أنه قد ينازع في سقوط الخراج حيث كانت من أرض الخراج، أو سقيت بمائة بدليل أن الغازي الذي اختط له الامام دارا لا شئ عليه فيها، فإذا جعلها بستانا وسقاها بماء العشر، فعليه العشر أو بماء الخراج، فعليه الخراج كما يأتي، فإن وضع الخراج عليه ابتداء بالتزامه جائز ولا يلزم من سقوطه حين صارت لبيت المال لعدم من يجب عليه أن لا يجب حين وجد التزام المشتري بسقيه ما اشتراه بماء الخراج، لان ذلك بسبب حادث، كما آجر داره لرجل مدة ثم انقضت المدة فإن أجرتها تسقط لعدم من تجب عليه، فإذا آجرها لآخر تجب الاجرة ثانيا، وعلى فرض سقوط الخراج لا يسقط العشر، فإن الارض المعدة للاستغلال
لا تخلو من أحدى الوظيفتين لما ذكرنا من مسألة الدار، وحيث تحقق السبب والشرط مع قيام ما قدمناه من ثبوته بالكتاب والسنة والاجماع، وهو دليل الوجوب الشامل للارض المشتراة المذكور، ومع إطلاق قول الفقهاء يجب العشر في مسقى سماء وسيح، ونصفه في مسقى غرب ودالية، فلا حاجة إلى نقل في خصوص ذلك حيث تحقق ما ذكرنا فيه، بل القول بعدم الوجوب يحتاج إلى نقل صريح.
وسيأتي تمام الكلام على ذلك في باب العشر والخراج من كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى.
قوله: مجازا (تقدم الكلام فيه).
قوله: (إلا فيما لا يقصد الخ) أشار إلى أن ما اقتصر عليه المصنف كالكنز وغيره ليس المراد به ذاته بل لكونه من جنس ما لا يقصد به استغلال الارض غالبا، وأن المدار على القصد حتى لو قصد بذلك وجب العشر كما صرح به بعده (قوله وقصب) هو كل نبات يكون ساقه أنابيب وكعوبا، والكعوب: العقد، والانبوب: ما بين الكعبين، واحترز بالفارسي عن قصب السكر وقصب الذريرة، وهو قصب السنبل ففيهما العشر كما في الجوهرة.
وفي المعراج: قصب العسل يجب العشر في عسله دون خشبه.
شرنبلالية.
قوله: (وتبن) بالباء الموحدة، قال في الفتح: غير أنه لو فصله قبل انعقاد الحب وجب العشر فيه لانه صار هو المقصود، وعن محمد: في التبن إذا يبس العشر.
قوله: (وسعف) بفتح السين والعين المهملتين: ورق جريد النخل الذي يتخذ منه الزنبيل والمراوح، وقد يقال للجريد نفسه، والواحدة سعفة.
مغرب.
قوله: (وقطران) بفتح(2/357)
القاف أو كسرها مع سكون الطاء المهملة، وبفتح القاف وكسر الطاء: عصارة الارز ونحوه، والارز بفتح الهمزة وتضم: شجر الصنوبر، وبالتحريك: شجر الارزن.
قاموس.
قوله: (وخطمي) نبت طيب الريح يخرج بالعراق ط.
قوله: (وأشنان) بضم الهمزة وكسرها.
قاموس.
قوله: (وشجر وقطن) أما القطن نفسه ففيه العشر كما مر ط.
قوله: (وباذنجان) عطف على قطن فلا يجب في شجره، ويجب في الخارج منه ط.
قوله: (وبزر بطيخ وقثاء) أي كل حب لا يصلح للزراعة كبزر البطيخ والقثاء، لكونها غير مقصودة في نفسها.
بحر: أي لانه لا يقصد زراعة الحب لذاته، بل لما يخرج منه وهو الخضروات، وفيها العشر كما مر، قال في البدائع: الخضروات كالبقول والرطاب والخيار
والبصل والثوم ونحوها اه.
وفي البحر: ويجب في العصفر والكتاب وبزره لان كل واحد منها مقصود فيه.
قوله: (وأدوية) في الخانية: ولا يجب العشر فيما كان من الادوية كالموز والهليلج، ولا في الكندر اه.
قوله: (كحلبة) بضم الحاء، وشونيز بضم الشين: الحبة السوداء.
قاموس.
قوله: (حتى لو أشغل أرضه بها يجب العشر) فلو استمنى أرضه بقوائم الخلاف وما أشبهه أو بالقصب أو الحشيش وكان يقطع ذلك ويبيعه كان فيه العشر.
غاية البيان، ومثله في البدائع وغيرها.
قال في الشرنبلالية: وبيع ما يقطعه ليس بقيد، ولذا أطلقه قاضيخان اه.
قال الشيخ إسماعيل: ومثل الخلاف الحور بالمهملتين والصفصاف في بلادنا اه.
والخلاف ككتا ب وتشديده لحن: صنف من الصفصاف وليس به.
قاموس.
قوله: (غرب) بفتح المعجمة وسكون الراء.
قوله: (ودالية) بالدال المهملة.
قوله: (أي دولاب) في المغرب الدولاب بالفتح: المنجنون التي تديرها الدابة، والناعورة: ما يديرها الماء، والدالية: جذع طويل يركب تركيب مداق الارز، وفي رأسه مغرفة كبيرة يستقي بها اه.
وفي القاموس: الدالية المنجنون، والناعورة: شئ يتخذ من خوص يشد في رأس جذع طويل، والمنجنون الدولاب يستقى عليه اه.
قوله: (لكثرة المؤنة) علة لوجوب نصف العشر فيما ذكر.
قوله: (وقواعدنا لا تأباه) كذا نقله الباقاني في شرح الملتقى عن شيخه البهنسي، لان العلة في العدول عن العشر إن نصفه في مستقى غرب ودالية هي زيادة الكلفة كما علمت، وهي موجودة في شراء الماء، ولعلهم لم يذكروا ذلك، لان المعتمد عندا أن شراء الشرب لا يصح، وقيل إن تعارفوه صح وهل يقال عدم شرائه يوجب عدم اعتباره أم لا؟ تأمل.
نعم لو كان محرزا فإنه يملك، فلو اشترى ماء بالقرب أو في حوض ينبغي أن يقال: بنصف العشر لان كلفته ربما تزيد على السقي بغرب أو دالية.
قوله: (اعتبر الغالب) أي أكثر السنة كما مر في السائمة والعلوفة زيلعي: أي إذا(2/358)
أسامها في بعض السنة وعلفها في بعضها يعتبر الاكثر.
قوله: (ولو استويا فنصفه) كذا في القهستاني عن الاختيار، لانه وقع الشك في الزيادة على النصف فلا تجب الزيادة بالشك.
قوله (وقيل ثلاثة
أرباعه) قال في الغابة: قال به الائمة الثلاثة، فيؤخذ نصف كل واحد من الوظيفتين ولا نعلم فيه خلافا اه: أي لان نصفه مسقي سيح ونصفه مسقي غرب، فيجب نصف العشر ونصف نصفه، ورجح الزيلعي الاول قياسا على السائمة إذا علفها نصف الحول فإنه تردد بين الوجوب وعدمه فلا يجب بالشك.
قال في اليعقوبية: وفيه كلام، وهو أن الفرق بينهما ظاهر، لان في الاصل: أي المقيس عليه سبب الوجوب ليس بثابت يقينا، وهنا سببه ثابت يقينا، والشك في نقصان الواجب وزيادته باعتبار كثرة الم ئنة وقلتها، فاعتبر الشبهان: شبه القليل وشبه الكثير، فليتأمل اه.
قلت: فيه نظر، لان سبب الوجوب في السائمة موجود أيضا وهملك نصابها، وإنما الشك في الاسامة وهو شرط الوجوب لا سببه كما مر أول كتا ب الزكاة، وهنا أيضا وقع الشك في شرط وجوب الزيادة على النصف مع تحقق سبب أصل الوجوب وهو الارض النامية بالخارج تحقيقا، فتدبر.
قوله: (بلا رفع مؤن) أي يجب العشر في الاول ونصفه في الثاني بلا ربع أجرة العمال ونفقة البقر وكرى الانها وأجرة الحافظ ونحو ذلك.
درر.
قال في الفتح: يعني لا يقال بعدم وجوب العشر في قدر الخارج الذي بمقابلة المؤنة، بل يجب العشر في الكل لانه عليه الصلاة والسلام حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤنة، ولو رفعت المؤنة كان الواجب واحدا وهو العشر دائما في الباقي، لانه لم ينزل إلى نصفه إلا للمؤنة والباقي بعد رفع المؤنة لا مؤنة فيه، فكان الواجب دائما العشر، لكن الواجب قد تفاوت شرعا فعلمنا أنه لم يعتبر شرعا عدم عشر بعض الخارج وهو القدر المساوي للمؤنة أصلا اه.
وتمامه فيه.
قوله: (وبلا إخراج البذر الخ) قيل: هذا زاده صاحب الدرر على ما في المعتبرات، وفيه نظر اه.
وجوابه أنه داخل في قولهم ونحو ذلك الذي تقدم عن الدرر، وفي النهر وظاهر قول الكنز، ولا ترفع المؤن أنه لا فرق بين كون المؤنة عين الخارج أو لا.
قال الصيرفي: ويظهر أنها إذا كانت جزءا من الطعام أن تجعل كالهالك، ويجب العشر في الباقي لانه لا يقدر أن يتولى ذلك بنفسه فهو مضطر إلى إخراجه، لكن ظاهر كلامه الاطلاق اه.
قوله: (لتصريحهم بالعشر) أي وبنصفه وضعفه ط.
قوله: (ويجب ضعفه) أي ضعف العشر وهو الخمس.
نهر.
لان بني تغلب قوم من العرب نصارى تصالح عمر رضي الله عنه معهم على أن يأخذ منهم ضعف ما يؤخذ مناكما قدمناه قبيل باب زكاة المال.
قال ط: ولم يفصلوا بين كون الارض مسقية
بغرب أو سيح، ومقتضى الصلح الواقع أن يؤخذ منهم ضعف المأخوذ منا مطلقا.
قلت: ويؤيده قول الامام قاضيخان في شرحه على الجامع الصغير في تعليل المسألة، لان يؤخذ من المسلم يؤخذ من التغلبي ضعفه.
قوله: (وإن كان طفلا أو أنثى) بيان للاطلاق، لان العشر يؤخذ من أراضي أطفالنا ونسائنا فيؤخذ ضعفه من أراضي أطفالهم ونسائهم اه نوح.
قال ح: وسواء كانت الارض للتغلبي أصالة أو موروثة أو تداولتها الايدي من تغلبي إلى تغلبي.
قوله: (أو أسلم) أي(2/359)
التغلبي وفي ملكه أرض تضعيفية فإنها تبقي وظيفتها عندهما، وعند أبي يوسف تعود إلى عشر واحد لزوال الداعي إلى التضعيف وهو الكفر اه ح.
ومثله يقال فيما إذا ابتاعها منه مسلم ط.
قوله: (أو ابتاعها من مسلم) أي إذا اشترى التغلبي أرضا عشرية من مسلم تصير تضعيفية عندهما، وعند محمد تبقى عشرية لان الوظيفة لا تتغير بتغير المالك اه ح.
قوله: (أو ذمي) أي إذا اشترى الذمي أرضا تضعيفية من التغلبي تبقى تضعيفية اتفاقا ح.
تنبيه: تخصيص الشراء بالذكر مبني على الغالب، وإلا فكل ما فيه انتقال الملك فكذلك في الحكم.
إسماعيل عن البرجندي.
قوله: (فلا يتبدل) هذا في الخراج مطلقا اتفاقا، وفي التضعيف كذلك إلا عند أبي يوسف فيما إذا اشتراها المسلم أو أسلم فإنها تعود عشرية لفقد الداعي كما قدمناه ح.
قوله: (وأخذ الخراج الخ) حاصل هذه المسائل كما في البحر أن الارض إما عشرية أو خراجية أو تضعيفية والمشترون مسلم وذمي وتغلبي، فالمسلم إذا اشترى العشرية أو الخراجية بقيت على حالها أو التضعيفية، فكذلك عندهما، وقال أبو يوسف: ترجع إلى عشر واحد.
وإذا اشترى التغلبي الخراجية بقيت خارجية، أو التضعيفية فهي تضعيفية، أو العشرية من مسلم ضوعف عليه العشر عندهما، خلافا لمحمد.
وإذا اشترى ذمي غير تغلبي خراجية أو تضعيفية بقيت على حالها، أو عشرية صارت خراجية إن استقرت في ملكه عنده اه ط.
قوله: (من ذمي) أي عندهما، أما عند محمد فتبقى عشرية لان الوظيفة لا تتغير عنده بتغير المالك كما قدمناه ح.
قوله: (غير تغلبي) قيد به لان العشرية تضعف عليه عندهما، خلافا لمحمد ط.
قوله: (وقبضها منه) قيد به لان الخراج
لا يجب إلا بالتمكن من الزراعة وذلك بالقبض.
بحر.
قوله: (للتنافي) علة لقوله وأخذ الخراج يعني إنما وجب الخراج لا العشر، لان في العشر معنى العبادة والكفر ينافيها ح.
قوله: (لتحول الصفقة إليه) أي إلى الشفيع فكأنه اشتراها من المسلم.
بحر وغيره.
واعترض بأنه لو كان كذلك لما رجع الشفيع بالعيب على المشتري إذا قبضها منه.
وأجيب بأن الرجوع عليه لوجود القبض منه كما في الوكيل بالبيع حتى لو كان قبضها من البائع يرجع عليه لا على المشتري.
إسماعيل.
واستشكله أيضا الخير الرملي بأنهم صرحوا بأن الاخذ بالشفعة شراء من المشتري لولا الاخذ بعد القبض وإلا فمن البائع، والكلام هنا بعد القبض فهو شرا من الذمي.
قال: ويمكن الجواب بما في النهاية عن نوادر زكاة المبسوط: لو اشترى كافر عشرية فعلية الخراج في قول الامام، ولكن هذا بعد ما انقطع حق المسلم عنها من كل وجه، حتى لو استحقها مسلم أو أخذها مسلم بالشفعة كانت عشرية على حالها ولو وضع عليها الخراج لانه لم ينقطع حق المسلم عنها اه.
قوله: (أو ردت عليه) معطوف على أخذها أي إذا اشتراها الذمي من مسلم شراء فاسدا فردت عليه لفساد البيع فهي عشرية على حالها قال في البحر: لانه بالرد والفسخ جعل البيع كأن لم يكن، لان حق المسلم وهو البائع لم ينقطع بهذا البيع لكونه مستحق الرد.
قوله: (أو بخيار شرط) أي للبائع كما قيده به قاضيخان في شرح الجامع، وقال: لان خيار البائع يمنع زوال(2/360)
ملكه.
قوله: (أو رؤية) لانه فسخ فصار البيع كأن لم يكن كما مر.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان بقضاء أو لا.
وفيه رد على ظاهر عبارة الدرر حيث علق قوله الآتي: بقضاء بقوله: ردت.
قوله: (لان إقالة) أي لان الرد بغير قضاء إقالة، وهي فسخ من حق المتعاقدين، بيع جديد في حق غيرهما، وهو مستحق الخراج فصار شراء المسلم من الذمي بعد ما صارت خراجية، فتبقى على حالها كما في الفتح.
قال في البحر: واستفيد من وضع المسألة أن للذمي أن يردها بعيب قديم، ولا يكون وجوب الخراج عليها عيبا حادثا لانه يرتفع بالفسخ بالقضاء فلا يمنع الرد.
قوله: (جعلت بستانا هو أرض يحوط عليها حائط وفيها إشجار متفرقة، كذا في المعراج)، قيد بجعلها بستانا، لانه لو لم
يجعلها بستانا وفيها نخل تغل أكرارا لا شئ فيها.
بحر.
وكذلك ثمر بستان الدار لانه تابع لها كما في قاضيخان قهستاني.
قوله: (مطلقا) أي سواء سقاها بماء العشر أو الخراج لانه أهل للخراج لا للعشر.
بحر.
قوله: (بمائه) أي ماء الخراج وهو ماء أنهار حفرتها العجم، وكذا سيحون وجيحون ودجلة والفرات، خلافا لمحمد، وماء العشر هو ماء السماء والبئر والعين والبحر الذي لا يدخل تحت ولاية أحد، كذا في الملتقى وشرحه.
والحاصل أن ماء الخراج ما كان للكفرة يد عليه ثم حويناه قهرا، وما سواه عشري لعدم ثبوت اليد عليه فلم يكن غنيمة، وأورد أن هذا ظاهر في ماء البحار والامطار.
أما الآبار والعيون فهي خراجية لانها غنيمة حيث حويناها قهرا منهم.
وأجاب في الفتح بأنه لا يلزم ذلك في كل عين وبئر، فإن أكثر ما كان من حفر الكفرة قد دثر، وما نراه الآن إما معلوم الحدوث بعد الاسلام أو مجهول الحال، فيجب الحكم فيه بأنه إسلامي إضافي للحادث إلى أقرب وقتيه الممكنين اه.
قوله: (لرضاه) جواب عما استشكله العتابي من أن فيه وجوب الخراج على المسلم ابتداء، حتى نقل في غاية البيان أن الامام السرخسي ذكر في كتاب الجامع أن عليه العشر بكل حال، لانه أحق بالعشر من الخراج وهو الاظهر اه.
وجوابه أن الممنوع وضع الخراج ابتداء جبرا، أما باختياره فيجوز، وقد اختاره هنا حيث سقاه بماء الخراج، فهو كما إذا أحيا أرضا ميتة بإذن الامام وسقاها بماء الخراج فإنه يجب عليه الخراج.
بحر.
وأجاب في الفتح بأن المسلم إذا سقى بالماء الخراجي ينتقل الماء بوظيفته إلى الارض، فليس فيه وضع الخراج عليه ابتداء بل هو انتقال ما وظيفته الخراج إليه بوظيفته، كما لو اشترى أرضا خراجية اه.
وأصله للزيلعي.
تنبيه: مقتضى تعليقهم الحكم بالماء أنه لا اعتبار بكونها في أرض عشر أو خراج، وهو خلاف ما مشى عليه في الخانية ومثله لو أحيا أرضا مواتا فإن المعتبر الماء دون الارض على خلاف فيه سيأتي تحريره إن شاء الله تعالى في باب العشر والخراج من كتاب الجهاد.
قوله: (بمائه) أي ماء العشر، وقوله: أو بهما أي بماء العشر والخراج.
قال ط: ظاهره ولو كان ماء الخراج أكثر.
قوله: (لانه أليق به) أي لان العشر أنسب بحال المسلم لما فيه من معنى العبادة.
قوله: (ولا شئ في دار)
لان عمر رضي الله عنه جعل المساكن عفوا، وعليه إجماع الصحابة ولانها لا تستمنى، ووجوب(2/361)
الخراج باعتباره، وعلى هذا المقابر.
زيلعي.
وظاهر التعليل أنه لا فرق بين القديمة والحديث لكن صرحوا بأن أرض الخراج لو عطلها صاحبها عليه الخراج.
وفي الخانية: اشترى أرض خراج فجعلها دارا وبنى فيها بناء كان عليه خراج الارض كما لو عطلها اه.
وذكر مثله في الذخيرة ثم قال: وفي فتاوى أبي الليث إذا جعل أرضه الخراجية مقبرة أو خانا للغلة أو مسكنا للفقراء سقط الخراج اه.
ويمكن بناء الثاني على أن فيه منفعة عامة، فليتأمل.
قوله: (ولو لذمي) دخل المسلم بالاولى، وعبر في الهداية بالمجوسي، لانه أبعد من الذمي عن الاسلام لحرمة مناكحته وذبيحته، فلو عبر الشارح به لكان أولى.
قوله: (ولا في عين قير) لانه ليس من إنزال الارض وإنما هو عين فوارة كعين الماء، فلا عشر فيها ولا خراج.
بحر.
قوله: (ونفط) بالفتح والكسر وهو أفصح.
بحر.
وكذا الملح كما في الكافي والنهاية.
إسماعيل.
قوله: (في حريمها) حريم الدار: ما يضاف إليها من حقوقها ومرافقها.
قاموس.
قوله: (لا فيها) أي لا في نفس العين.
وقال بعض المشايخ: يجب فيها، وهو ظاهر الكنز كما في البحر.
قوله: (لتعلق الخراج بالتمكن) علة لقوله: الصالح لها وهذا إنما يظهر في الخراج الموظف، وأما خراج المقاسمة فحكمه كالعشر ط.
قوله: (لتعلقه بالخارج) فلا يكفي لوجوبه التمكن من الزراعة ط.
قوله: (ويؤخذ العشر الخ) قال في الجوهرة: واختلفوا في وقت العشر في الثمار والزرع.
فقال أبو حنيفة وزفر: يجب عند ظهور الثمرة والامن عليها من الفساد، وإن لم يستحق الحصاد إذا بلغت حدا ينتفع بها.
وقال أبو يوسف: عند استحقاق الحصاد.
وقال محمد: إذا حصدت وصارت في الجرين، وفائدته فيما إذا أكل منه بعد ما صار جهيشا أو أطعم غيره منه بالمعروف فإنه يضمن عشر ما أكل وأطعم عند أبي حنيفة وزفر.
وقال أبو يوسف ومحمد: لا يضمن ويحتسب به في تكميل الاوسق، ولا يحتسب به في الوجوب: يعني إذا بلغ المأكور مع الباقي خمسة أوسق وجب العشر في الباقي لا غير.
وإن أكل منها بعد ما بلغت الحصاد قبل أن تحصد ضمن عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ولم يضمن عند محمد.
وإن أكل بعد ما صارت
في الجرين ضمن إجماعا، وما تلف بغير صنعه بعد حصاده أو سرق وجب العشر في الباقي لا غير اه.
والكلام في العشر ومثله فيما يظهر خراج المقاسمة لانه جزء من الخارج، أما خراج الوظيفة فهو في الذمة لا في الخارج فلا يختلف حكمه بالاكل وعدمه.
تأمل.
قوله: (ولا يحل لصاحب أرض خراجية) قيل المراد به خراج المقاسمة فقط، لان خراج الوظيفة يجب في الذمة لا تعلق له بالمحل.
وقيل إن خراج الوظيفة كذلك، لان للامام حق حبس الخارج للخراج، ففي أكله(2/362)
إبطال حقه، كذا في الذخيرة فافهم.
قال ط: وفي الواقعات عن البزازية لا يحل الاكل من الغلة قبل أداء الخراج، وكذا قبل أداء العشر إلا إذا كان المالك عازما على أداء العشر اه.
وهو تقييد حسن، ومنه يعلم أخذ الفريك من الزرع قبل أداء ما عليه فلا يجوز.
قوله: (ولا يأكل الخ لو قال أو عشرية بعد قوله: خراجية لاستغنى عن هذه الجملة، فإنه في كل من العشر وخراج المقاسمة لا يحل الاكل، ولو أكل ضمن اه ح.
وفي شرح الملتقى عن المضمرات: إذا أكل قليلا بالمعروف لا شئ عليه.
قال الفقيه: وبه نأخذ ط.
قوله: (للخراج) أي الموظف لثبوته في الذمة فيستعين على أخذه بإمساك الخارج، بخلاف خراج المقاسمة فإنه ثابت في العين كالعشر، وإذا كان العشر يؤخذ جبرا كما تقدم أول الباب لما فيه من معنى المؤنة فخراج المقاسمة أولى ح بزيادة.
قلت: وفي البدائع أن الواجب في الخراج جزء من الخارج لانه عشر الخارج أو نصف عشره وذلك جزؤه، إلا أنه واجب من حيث إن مال لا من حيث إنه جزء عندنا حتى يجوز أداء قيمته اه.
والمتبادر منه أن المراد خراج المقاسمة، فإذا كان له أداء القيمة لا يكون للامام الاخذ من عين الخارج جبرا فينبغي تعميم الخراج في عبارة الشارح.
قوله: (ومن منع الخراج سنين الخ) ذكر المسألة المصنف في كتاب الجهاد في باب الجزية أيضا فقال: ويسقط الخراج بالتداخل، وقيل لا.
وقال الشارح هناك: وقيل لا يسقط كالعشر وينبغي ترجيح الاول لان الخراج عقوبة، بخلاف العشر.
بحر.
قال المصنف: أي في المنح عزاه في الخانية لصاحب المذهب، فكان هو المذهب اه ما ذكره الشارح هناك.
وأقول: هذا موافق لما ذكره صاحب الخانية في هذا الباب ومثله في الذخيرة وأما ما ذكره في كتاب الجهاد من الخانية في باب خراج الارض فنصه هكذا: فإن اجتمع الخراج فلم يؤد سنين عند أبي حنيفة يؤخذ بخراج هذه السنة ولا يؤخذ بخراج السنة الاولى ويسقط ذلك عنه كما في الجزية، ومنهم من قال: لا يسقط الخراج بالاجماع، بخلاف الجزية، وهذا إذا عجز عن الزراعة، فإن لم يعجز يؤخذ بالخراج عند الكل اه.
أقول: جزم بالقول الثاني في الملتقى في باب الجزية، والظاهر أن قول الخانية: وهذا إذا عجز الخ، توفيق بين القولين، وجعل الخلا ف لفظيا بحمل الاول على ما إذا عجز عن الزراعة والثاني على ما إذا لم يعجز إذ لا يخفي أن الخراج لا يجب إلا بالتمكن من الزراعة كما هو منصوص عليه في بابه، فلا يصح إرجاع اسم الاشارة إلى القول الثاني فقط، بل هو راجع إلى(2/363)
القولين توفيقا بينهما كما قلنا، فقد ظهر أن ما عزاه الشارح هنا إلى الخانية محمول على حالة العجز بدليل عبارة الخانية الثانية، هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم.
وسيأتي تمام تحقيق ذلك في باب الجزية وأن المعتمد عدم السقوط.
قوله: (والاول ظاهر الرواية) أقول: قال في الذخيرة: ولا يسقط العشر بموت من عليه في ظاهر الرواية.
وروى ابن المبارك عن أبي حنيفة أنه يسقط، ثم قال بعد ورقتين: ويسقط خراج الارض بموت من عليه إذا كان خراج وظيفة في ظاهر الرواية.
وروى ابن المبارك أنه لا يسقط فوقع الفرق بين الخراج والعشر على الروايتين اه.
ويظهر من تقييده السقوط بخراج الوظيفة أن خراج المقاسمة لا يسقط كالعشر في ظاهر الرواية، فافهم.
قوله: (وجب الخراج أي الموظف.
أما خراج المقاسمة فلا يجب كما سيذكره المصنف في باب العشر والخراج: أي لتعلقه بالخارج كما قدمناه.
قوله: (ويسقطان) أي العشر وخراج المقاسمة لتعلقهما بعين الخارج، أما الموظف فإن هلك الخارج قبل الحصار يسقط وبعده لا.
ح عن الهندية عن السراج والخانية.
وفي البزازية: هلاك الخارج بعد الحصاد لا يسقطه، وقبله يسقط لو بآفة لا تدفع كالغرق والحرق وأكل الجراد والحر والبرد، أما إذا أكلته الدابة فلا إمكان الحفظ عنها غالبا.
هذا إذا هلك الكل،
أما إذا بقي البعض إن مقدار قفيزين ودرهمن وجب قفيز ودرهم، وإن أقل يجب نصفه، وإنما يسقط إذا لم يبق من السنة ما يتمكن فيه من زراعة ما اه: أي من زراعة أي شئ كان قمحا أو شعيرا أو غيرهما.
قوله: (والخراج على الغاصب) قال في الخانية: أرض خراجها وظيفة اغتصبها غاصب جاحدا، ولا بينة للمالك إن لم يزعها الغاسب، فلا خراج على أحد، وإن زرعها الغاصب ولم تنقصها الزراعة فالخراج على الغاصب، وإن كان الغاصب مقرا بالغصب أو كان للمالك بينة ولم تنقصها الزراعة فالخراج على رب الارض اه.
قلت: وفي الذخيرة: قال بعض المشايخ: على المالك، وقال بعضهم: على الغاصب على كل حال اه.
ثم قال في الخانية: وإن نقصتها الزراعة عند أبي حنيفة على رب الارض قل النقصان أو كثر، كأنه آجرها من الغاصب بضمان النقصان.
وعند محمد: على الغاصب، فإن زاد النقصان على الخراج يدفع الفضل إلى المالك، وإن غصب عشرية فزرعها إن لم تنقصها الزراعة فلا عشر على المالك، وإن نقصتها فالعشر على المالك كأنه آجرها بالنقصان اه.
قا ح: وظاهر أن حكم دات خراج المقاسمة كالعشرية.
قوله: (في بيع الوفاء) هو المسمى بيع الطاعة وهو المشروط فيه رجوع المبيع للبائع متى رد الثمن على المشتري، وسيأتي مع الاقوال فيه آخر البيوع قبيل كتاب الكفالة إن شاء الله تعالى.
قوله: (على البائع إن بقي في يده) أما إذا قبضه المشتري وزرع فيه وأخذ الغلة فالخراج عليه، لانه في الحقيقة رهن فيصير بالزراعة غاصبا، إذ ليس للمرتهن الانتفاع بالرهن فيكون(2/364)
كمسألة الغصب على السواء، ويكون في وجوبه على البائع أو المشتري الخلاف المذكور في الغصب، كذا في الذخيرة.
وفي البزازية بعد التقابض: إن لم تنقصها الزراعة فالعشر على المشتري، وإن نقصتها فعلى البائع الخراج والعشر لانه بمنزلة الرهن والمرتهن لا يملك الزراعة فأشبه الغصب، ولا يتفاوت ما إذا كان الخارج أقل أو أكثر كما جاء في الاجارة اه.
قوله: (ولو باع الزرع الخ) الظاهر أن حكم خراج المقاسمة كالعشر كما يعلم مما مر ح.
ثم هذا إذا باع الزرع وحده وشمل ما إذا باعه وتركه المشتري بإذن البائع حتى أدرك فعندهما عشره على المشتري، وعند أبي يوسف عشر
قيمة القصيل على البائع، والباقي على المشتري كما في الفتح، وبقي ما لو باع الارض مع الزرع أو بدونه، قال في البزازية: باع الارض وسلمها للمشتري إن بقي مدة يتمكن المشتري فيها من الزراعة، فالخراج عليه، وإلا فعلى البائع، والفتوى على تقرير المدة بثلاثة أشهر هذا لو باعها فارغة، ولو فيها زرع لم يبلغ فعلى المشتري بكل حال.
وقال أبو الليث: إن باعها بزرع انعقد حبه وبلغ ولم تبق مدة يتمكن المشتري من الزرع فالخراج على البائع، ولو باع من آخر والمشتري من آخر وآخر حتى مضى وقت التمكن لا يجب الخراج على أحد اه ملخصا: أي بأن لم تبق في يد أحد من المشترين مدة يتمكن فيها من الزراعة قبل دخول السنة الثانية.
قوله: (والعشر على المؤجر) أي لو أجر الارض العشرية فالعشر عليه من الاجرة كما في التاترخانية، وعندهما على المستأجر.
قال في فتح القدير: لهما أن العشر منوط بالخارج وهو للمستأجر، ولأنها كما تستنمي بالزراعة تستنمي بالاجارة فكانت الاجرة مقصودة كالثمرة فكان النماء له معنى مع ملكه فكان أولى بالايجاب عليه اه.
قوله: (كخراج موظف) فإنه على المؤجر اتفاقا لتعلقه بتمكن الزراعة لا بحقيقة الخارج، وأما خراج المقاسمة وهو كون الواجب جزءا شائعا من الخارج كثلث وسدس ونحوهما فعلى الخلاف، كذا في شرح درر البحار، وكذا الخراج الموظف على المعير.
ذخيرة: أي اتفاقا.
بدائع.
أما العشر فعلى المستعير كما يأتي.
تنبيه: قال في الخانية: وإن استأجر أو استعار أرضا تصلح للزراعة فغرس فيها كرما أو فحرر طابا فالخراج على المستأجر والمستعير في قول أبي حنيفة ومحمد لانها صارت كرما فخراجها على من جعلها كرما اه.
قال الرملي: مفاده اشتراط كونه ملتف الاشجار بحيث لا يصلح ما بين الاشجار للزراعة، فإن صلح فالخراج على المالك اه.
والحاصل: أنه يجب الخراج على المؤجر والمعير إن بقيت الارض صالحة للزراعة، وإلا فعلى المستأجر والمستعير.
قوله: (كمستعير مسلم) وأوجبه زفر على المعير، لانه لما أقام المستعير مقامه لزمه كالمؤجر.
قلنا: حصل للمؤجر الاجر الذي هو كالخارج معنى، بخلاف المعير، وقيد بالمسلم لانه لو
استعارها ذمي فالعشر على المعير اتفاقا لتفويته حق الفقراء بالاعارة من الكافر، كذا في شرح درر البحار: أي لكونه ليس أهلا للعشر، لكن في البدائع: لو استعارها كافر فعندهما العشر عليه وعن الامام روايتان في رواية كذلك وفي رواية عن المالك اه.
تأمل.
قوله: (وفي الحاوي) أي القدسي ح.
قوله: (وبقولهما نأخذ) قلت: لكن أفتى بقول الامام جماعة من المتأخرين كالخير الرملي(2/365)
في فتاواه، وكذا تلميذ الشارح الشيخ إسماعيل الحائك مفتي دمشق وقال: حتى تفسد الاجارة باشتراط خراجها أو عشرها على المتأجر كما في الاشباه، وكذا حامد أفندي العمادي، وقال في فتاواه قلت: عبارة الحاوي القدسي لا تعارض عبارة غيره، فإن قاضيخان من أهل الترجيح، فإن من عادته تقديم الاظهر والاشهر وقد قدم قول الامام فكان هو المعتمد، وأفتى به غير واحد منهم زكريا أفندي شيخ الاسلام وعطاء الله أفندي شيخ الاسلام، وقد اقتصر عليه في الاسعاد والخصاف اه.
قلت: لكن في زماننا عامة الاوقاف من القرى والمزارع لرضا المستأجر بتحمل غراماتها ومؤنها يستأجرها بدون أجر المثل بحيث لا تفي الاجرة، ولا أضعافها بالعشر أو خراج المقاسمة، فلا ينبغي العدول عن الافتاء بقولهما في ذلك لانهم في زماننا يقدرون أجرة المثل بناء على أن الاجرة سالمة لجهة الوقف ولا شئ عليه من عشر وغيره، أما لو اعتبر دفع العشر من جهة الوقف وأن المستأجر ليس عليه سوى الاجرة فإن أجرة المثل تزيد أضعافا كثيرة كما لا يخفى، فإن أمكن أخذ الاجرة كاملة يفتى بقول الامام، وإلا فبقولهما لما يلزم عليه من الضرر الواضح الذي لا يقول به أحد، والله تعالى أعلم.
مطلب: هل يجب العشر على المزارعين في الاراضي السلطانية تتمة: في التاترخانية: السلطان إذا دفع أراضي لا مالك لها وهي التي تسمى الاراضي المملكة إلى قوم ليعطوا الخراج جاز، وطريق الجواز أحد شيئين.
إما إقامتهم مقام الملاك في الزراعة وإعطاء الخراج إو الاجارة بقدر الخراج ويكون المأخوذ منهم خراجا في حق الامام أجرة في حقهم اه.
ومن هذا القبيل الاراضي المصرية والشامية كما قدمناه.
ويؤخذ من هذا أنه لا عشر على المزارعين
في بلادنا إذا كانت أراضيهم غير مملوكة لهم، لان ما يؤخذه منهم نائب السلطان وهو المسمى بالزعيم أو التيماري إن كان عشرا فلا شئ عليهم غيره، وإن كان خراجا فكذلك لانه لا يجتمع مع العشر، وإن كان أجرة فكذلك على قول الامام من أنه لا عشر على المستأجر، وأما على قولهما فالظهر أنه كذلك لما علمت من أن المأخوذ ليس أجرة من كل وجه لانه خراج في حق الامام.
تأمل.
قوله: (وفي المزارعة الخ) قال في النهر: ولو دفع الارض العشرية مزارعة إن البذر من قبل العامل فعلى رب الارض في قياس قوله لفسادها، وقالا في الزرع لصحتها، وقد اشتهر أن الفتوى على الصحة وإن من قبل رب الارض كان عليه إجماعا اه.
ومثله في الخانية والفتح.
والحاصل أن العشر عند الامام على رب الارض مطلقا، وعندهما كذلك لو البذر منه ولو من العامل فعليهما، وبه ظهر أن ما ذكره الشارح هو قولهما اقتصر عليه لما علمت من أن الفتوى على قولهما بصحة المزارعة، فافهم.
لكن ما ذكر من التفصيل يخالفه ما في البحر و المجتبى والمعراج والسراج والحقائق والظهيرية وغيرهما من أن العشر على رب الارض عنده عليهما عندهما من غير ذكر هذا التفصيل وهو الظاهر، لما في البدائع من أن المزارعة جائرة عندهما، والعشر يجب في الخارج، والخارج بينهما فيجب العشر عليهما اه.
وفي شرح درر البحار: عشر جميع الخارج على رب الارض عنده، لان المزارعة فاسدة عنده، فالخارج له إما تحقيقا أو تقديرا، لان البذر إن كان من قبله فجميع الخارج له وللمزارع(2/366)
أجر مثل عمله، وإن كان من قبل الزارع فالخارج لولرب الارض أجر مثل أرضه الذي هو بمنزلة الخارج، إلا أن عشر حصته في عين الخارج وعشر حصة المزارع في ذمة رب الارض.
وفائدة ذلك السقوط بالهلاك إذا نيط بالعين، وعدمه إذا نيط بالذمة وأوجبا ومعهما أحد العشر عليهما بالحصص لسلامة الخارج لهما حقيقة اه.
فكان ينبغي للشارح متابعة ما في أكثر الكتب.
ثم اعلم أن هذا كله في العشر، أما الخراج فعلى رب الارض إجماعا كما في البدائع.
قوله: (ومن له حظ) أي نصيب في بيت المال في أي بيت من البيوع الاربعة الآتية مع بيان مستحقيها في النظم ط.
قلت: وهذه المسألة ذكرها المصنف متنا في مسائل شتى آخر الكتاب، ونظمها ابن وهبان في منظومته، وقال ابن الشحنة في شرحها: ومن له الحظ هم القضاة والعمال والعلماء والمقاتلة وذراريهم، والقدر الذي يجوز لهم أخذه كفايتهم.
قال المصنف: وكذلك طالب العلم والواعظ الذي يعظ الناس بالحق والذي علمهم اه.
قلت: لكن هؤلاء لهم حظ في أحد بيوت المال وهو بيت الخراج والجزية كما يأتي قريبا، وظاهر كلامه أن لاحدهم الاخذ من أي شئ وجده، وإن لم يكن من مال البيت المعد لهم، وهو خلاف الظاهر من كلامهم وإلا لم تبق فائدة لجعل البيوت أربعة، نعم يأتي أنه للامام أن يستقرض من أحد البيوت ليصرفه للآخر ثم يرد ما استقرض فإنه يقتضي جواز الدفع من بيت آخر للضرورة.
ففي مسألتنا إن كان يمكنه الوصول إلى حقه ليس له الاخذ من غير بيته الذي يستحق هو منه، وإلا كما فزماننا يجوز للضرورة، إذ لو لم يجز أخذه إلا من بيته لزم أن لا يبقى حق لاحد زماننا لعدم إفراز كل بيت على حدة، بل يخلطون المال كله، ولو لم يأخذ ما ظفر به لا يمكنه الوصول إلى شئ، فليتأمل.
قوله: (بما هو موجه له) أي بشئ يتوجه لبيت المال: أي يستحق له، والذي في شرح الوهبانية عن القنية عن الامام: لو بري من له حظ في بيت المال ظفر بمال وجه لبيت المال فله أن يأخذه ديانة، وللامام الخيار في المنع والاعطاء في الحكم أي في القضاء اه.
قلت: أي في الخيار في إعطاء ذلك للواجد إذا علم به ليعطيه حقه من غيره، إذ ليس له الخيار في منع حقه من بيت المال مطلقا كما لا يخفى.
قوله: (وللمودع الخ) قال في شرح الوهبانية وفي البزازية: قال الامام الحلواني: إذا كان عنده وديعة فمات المودع بلا وارث له أن يصرف الوديعة إلى نفسه في زماننا هذا، لانه لو أعطاها لبيت المال لضاع لانهم لا يصرفون مصارفه، فإذا كان من أهله صرفه إلى نفسه، وإن لم يكن من المصارف صرفه إلى المصرف اه.
وقوله وإن لم يكن من المصارف يؤيد ما قلنا آنفا، حيث أطلق المصارف ولم يقيدها بمصارف هذا المال فشمل مصارف البيوت الاربعة.
تأمل.
قوله: (دفع النائبة والظلم عن نفسه أولى الخ) النائبة: ما ينوبه من
جهة السلطان من حق أو باطل أو غيره كما في القنية عن البزدوي والمراد دفع ما كانت بغير حق، ولذا عطف الظلم تفسيرا، وفيها عن شمس الائمة السرخسي توجه على جماعة جباية بغير حق فلبعضهم دفعها عن نفسه إذا لم يحمل حصته على الباقين، وإلا فالاولى أن لا يدفعها عن نفسه،(2/367)
ثم نقل صاحب القنية عن شيخه بديع أن فيه إشكالا، لان إعطاءه إعانة للظالم على ظلمه، فإن أكثر النوائب في زماننا بطريق الظلم، فمن تمكن من دفع الظلم عن نفسه فذلك خير له اه ملخصا.
وعليه مشى ابن وهبان في منظومته، وأجاب ابن الشحنة بأن الاشكال مدفوع بما فيه من أنواع الظلم على الضعيف العاجز بواسطة دفعه عن نفسه اه.
قلت: فيه نظر، فإن ما حرم أخذه حرم إعطاءه كما في الاشباه: أي إلا لضرورة، فإذا كان الظالم لا بد من أخذه المال على كل حال لا يكون العاجز عن الدفع عن نفسه آثما بالاعطاء، بخلاف القادر فإنه بإعطائه ما يحرم أخذه يكون معينا على الظلم باختياره.
تأمل.
قوله: (حصته) مفعول تحمل وباقيهم فاعله: أي باقي جماعته.
قوله: (وتصح الكفالة بها) أي بالنائبة سواء كانت بحق ككرى النهر المشترك للعامة، وأجرة الحارس للمحلة المسمى بديار مصر الخفير، وما وظف للامام ليجهز به الجيوش وفداء الاسارى بأن احتاج إلى ذلك ولم يكن في بيت المال شئ فوظف على الناس ذلك والكفالة به جائزة اتفاقا، أو كانت بغير حق كجبايات زماننا فإنها في المطالبة كالديون بل فوقها، حتى لو أخذت من الاكار، فله الرجوع على مالك الارض، وعليه الفتوى.
وقيده شمس الائمة بما إذا أمره به طائعا، فلو مكرها في الامر لم يعتبر أمره بالرجوع.
ذكره الشارح وصاحب النهر في الكفالة ط.
قلت: ومعنى صحة الكفالة بالنائبة التي بغير حق أن الكفيل إذا كفل غيره بها بأمره كان له الرجوع عليه بما أخذه الظالم منه، لا بمعنى أنه يثبت للظالم حق المطالبة على الكفيل، فلا يرد ما قيل: إن الظلم يجب إعدامه فكيف تصح الكفالة به؟ كما سنحققه في محله إن شاء الله تعالى.
قوله: (ويؤجر من قام بتوزيعها بالعدل) أي بالمعادلة كما عبر في القنية: أي بأن يحمل كل واحد بقدر
طاقته، لانه لو ترك توزيعها إلى الظالم ربما يحمل بعضهم ما لا يطيق فيصير ظلما على ظلم، ففي قيام العارف بتوزيعها بالعدل تقليل للظلم فلذا يؤجر، وهذا اليوم كالكبريت الاحمر، بل هو أندر.
قوله: (وهذا يعرف الخ) المشار إليه غير مذكور في كلامه، وأصله في القنية حيث قال: وقال أبو جعفر البلخي: ما يضر به السلطان على الرعية مصلحة لهم يصير دينا واجبا وحقا مستحقا كالخراج، وقال مشايخنا: وكل ما يضر به الامام عليهم لمصلحة لهم فالجواب هكذا، حتى أجره الحراسين لحفظ الطريق واللصوص ونصب الدروب وأبواب السكك، وهذا يعرف ولا يعرف خوف الفتنة: ثم قال: فعلى هذا ما يؤخذ في خوارزم من العامة لاصلاح مسناة الجيحون أو الربض ونحوه من مصالح العامة دين واجب لا يجوز الامتناع عنه، وليس بظلم، ولكن يعلم هذا الجواب للعمل به، وكف اللسان عن السلطان وسعاته، فيه لا للتشهير حتى لا يتجاسروا في الزيادة على القدر المستحق اه.
قلت: وينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يوجد في بيت المال ما يكفي لذلك لما سيأتي في الجهاد من أنه يكره الجعل إن وجد فئ.
قوله: (يجوز تر ك الخراج للمالك الخ) سيأتي في الجهاد متنا وشرحا ما نصه: ترك السلطان أو نائبه الخراج لرب الارض أو وهبه ولو بشفاعة جاز عند(2/368)
الثاني وحل له لو مصرفا وإلا تصدق به، به يفتي.
وما في الحاوي من ترجيح حله لغير المصرف خلاف المشهول، ولو ترك العشر لا يجوز إجماعا ويخرجه بنفسه للفقراء.
سراج.
خلافا لما في قاعدة تصرف الامام منوط بالمصلحة من الاشباه معزيا للبزازية فتنبه اه.
قلت: والذي في الاشباه عن البزازية: إذا ترك العشرش لمن عليه جاز غنيا كان أو فقيرا، لكن إذا كان المتروك له فقيرا فلا ضمان على السلطان، وإن كان غنيا ضمن السلطان العشر للفقراء من بيت مال الخراج لبيت مال الصدقة اه.
قلت: وما في الاشباه ذكر مثله في الذخيرة عن شيخ الاسلام بقوله: لو غنيا كان له جائزة من السلطان، ويضمن مثله من بيت الخراج لبيت الصدقة، ولو فقيرا كان صدقة عليه فيجوز كما لو
أخذه منه ثم صرفه إليه، ولذا قالوا بأن السلطان إذا أخذ الزكاة من صاحب المال فافتقر قبل صرفها للفقراء كان له أن يصرفها إليه كما يصرفها إلى غيره.
قوله: (ونظمها ابن الشحنة) هو محمد والد شارح المنظومة عبد البر، والنظم من بحر الوافر.
مطلب: في بيان بيوت المال ومصارفها قوله: (بيوت المال أربعة) سيأتي في آخر فصل الجزية عن الزيلعي أن على الامام أن يجعل لكل نوع بيتا يخصه، وله أن يستقرض من أحدها ليصرفه للآخر ويعطي بقدر الحاجة والفقه والفضل، فإن قصر كان الله تعالى عليه حسيبا اه.
وقال الشرنبلالي في رسالته: ذكروا أنه يجب عليه أن يجعل لكل نوع منها بيتا يخصه، ولا يخلط بعضه ببعض، وأنه إذا احتاج إلى مصرف خزانة وليس فيها ما يفي به يستقرض من خزانة غيرها، ثم إذا حصل للتي استقرض لها مال يرد إلى المستقرض منها، إلا أن يكون المصروف من الصدقات أو خمس الغنائم على أهل الخراج وهم فقراء فإنه لا يرد شيئا لاستحقاقهم للصدقات بالفقر، وكذا في غيره إذا صرفه إلى المستحق اه.
قوله: (لكل مصارف) أي لكل بيت محلات يصرف إليها.
قوله: (فأولها الغنائم الخ) أي أول الاربعة بيت أموال الغنائم فهو على حذف مضافين، وكذا يقال فيما بعده ط.
ويسمى هذا بيت مال الخمس: أي خمس الغنائم والمعادن والركاز كما في التاترخانية فقوله: الركاز وفي نسخة: ركاز منونا من عطف العام بحذف حرف العطف.
قوله: (وبعدها المتصدقونا) مبتدأ وخبر، والاولى وبعده بالتذكير: أي بعد الاول، إلا أن يقال: إن أولها اكتسب التأنيث من المضاف إليه أو أعاد الضمير على الغنائم وما عطف عليها لانها نفس الاول: أي وثاينها بيت أموال المتصدقين: أي زكاة السوائم وعشور الاراضي وما أخذه العاشر من تجار المسلمين المارين عليه كما في البدائع.(2/369)
قوله: (وثالثها الخ) قال في البدائع: الثالث: خراج الاراضي وجزية الرؤوس وما صولح عليه بنو نجران من الحلل وبنو تغلب من الصدقة المضاعفة، وما أخذ العشار من تجار أهل الذمة والمستأمنين من أهل الحرب اه.
زاد الشرنبلالي في رسالته عن الزيلعي: وهدية أهل الحرب، وما
أخذ منهم بغير قتال وما صولحوا عليه لترك القتال قبل نزول العسكر بساحتهم، فقوله: مع عشور المراد به ما يأخذه العاشر من أهل الذمة والمستأمنين فقط بقرينة ذكره مع الخراج لانه في حكمه، أو هو خراج حقيقة كما قدمناه في بابه، بخلاف ما يأخذه منا فإنه زكاة حقيقة أدخله في قوله: المتصدقون كما مر فافهم، وقوله: وجالية هم أهل الذمة، لان عمر رضي الله تعالى عنه أجلاهم من أرض العرب كما في القاموس: أي أخرجهم منها ثم صار يستعمل حقيقة عرفية في الجزية التي يليها العاملون: أي يلي أمرها عمال الامام، وكأن الناظم أدخل فيها ما يؤخذ من بني نجران وبني تغلب وما أخذ من أهل الحرب من هدية أو صلح لانها في معنى جزية رؤوسهم.
قوله: (الضوائع) جمع ضائعة أي اللقطات، وقوله: مثل مالا الخ أي مثل تركة لا وارث لها أصلا، ولها وارث لا يرد عليه كأحد الزوجين، والاظهر جعله معطوفا على الضوائع بإسقاط العاطف، لان من هذا النوع ما نقله الشرنبلالي دية مقتول لا ولي له، لكن الدية من جملة تركة المقتول ولذا نقضي منها ديونه كما صرحوا به.
تأمل.
قوله: (فمصروف الاولين الخ) بنقل حركة الهمزة إلى اللام لضرورة الوزن: أي بيت الخمس وربيت الصدقات، والنصفي الاول قوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم) * (الانفال: 14) الآية - وسيأتي بيانه في الجهاد إن شاء الله تعالى، وفي الثاني قوله تعالى: * (إنما الصدقات للفقراء) * (التوبة: 06) الآية - ويأتي بيانه قريبا.
قوله: (وثالثها حواه مقاتلونا) الذي في الهداية وعامة الكتب المعتبرة أنه يصرف في مصالحنا كسد الثغور وبناء القناطر والجسور وكفاية العلماء والقضاة والعمال ورزق المقاتلة وذراريهم اه: أي ذراري الجميع كما سيأتي في الجهاد إن شاء الله تعالى.
قوله: (ورابعها فمصرفه جهات الخ) موافق لما نقله ابن الضياء في شرح الغزنوية عن البزدوي من أنه يصرف إلى المرضي والزمني واللقيط وعمارة القناطر والرباطات والثغور والمساجد وما أشبه ذلك اه.
ولكنه مخالف لما في الهداية والزيلعي.
أفاده الشرنبلالي: أي فإن الذي في الهداية وعامة الكتب أن الذي يصرف في مصالح المسلمين هو الثالث كما مر، وأما الرابع فمصرفه المشهور هو اللقيط الفقير والفقراء الذين لا أولياء لهم، فيعطي منه نفقتهم وأدويتهم وكفنهم وعل جنايتهم كما في الزيلعي وغيره.
وحاصله أن مصرفه العاجزون الفقراء، فلو ذكر الناظم الرابع مكان الثالث ثم قال: وثالثها حواه عاجزونا، ورابعها فمصرفه الخ لوافق ما في عامة الكتب.
قوله: (تساوى) فعل ماضي والنفع منصوب على التمييز كطبت النفس: أي تساوى المسلمون فيها من جهة النفع اه ح.
والله تعالى أعلم.(2/370)
باب المصرف قوله: (أي مصرف الزكاة والعشر) يشير إلى وجه مناسبته هنا، والمراد بالعشر ما ينسب إليه كما مر، فيشمل العشر ونصفه المأخوذين من أر ض المسلم وربعه المأخوذ منه إذا مر على العاشر، أفاده ح.
وهو مصرف أيضا لصدقة الفطر والكفارة والنذر وغير ذلك من الصدقات الواجبة كما في القهستاني.
قوله: (وأما خمس المعدن) بيان لوجه اقتصاره على الزكاة والعشر، وأنه لا يناسب ذكره معهما وإن ذكره في العناية والمعراج، والاولى كما قال ح: وأما خمس الركاز ليشمل الكنز لانه كالمعدن في المصرف.
قوله: (هو فقير) قدمه تبعا للآية، ولان الفقر شرط في جميع الاصناف إلا العامل والمكاتب وابن السبيل ط.
قوله: (قوله أدنى شئ) المراد بالشئ: النصاب النامي، وبأدنى: ما دونه، فأفعل التفضيل ليس على بابه كما أشار إليه الشارح.
والاظهر أن يقول: من لا يملك نصابا ناميا ليدخل فيه ما ذكره الشارح.
وقد يقال: إن المراد التمييز بين الفقير والمسكين لرد ما قيل إنهما صنف واحد لا بينهما وبين الغني للعلم بتحقق عدم الغنى فيهما: أي عدم ملك النصاب النامي، فذكر أن المسكين من لا شئ له أصلا، والفقير من يملك شيئا وإن قل، فاقتصاره على الادنى لانه غاية ما يحصل به التمييز.
والحاصل أن المراد هنا الفقير المقابل للمسكين لا للغني.
قوله: (أي دون نصاب) أي نام فاضل عن الدين، فلو مديونا فهو مصرف كما يأتي.
قوله: (مستغرق في الحاجة) كدار السكني وعبيد الخدمة وثياب البذلة وآلات الحرفة وكتب العلم للمحتاج إليها تدريسا أو حفظا أو تصحيحا كما مر أول الزكاة.
والحاصل أن النصاب قسمان: موجب للزكاة وهو النامي الخالي عن الدين.
وغير موجب لها
وهو غيره، فإن كان مستغرقا بالحاجة لمالكه أباح أخذها، وإلا حرمه وأوجب غيرها من صدقة الفطر والاضحية ونفقة القريب المحرم كما في البحر وغيره.
قوله: (من لا شئ له) فيحتاج إلى المسألة لقوته وما يواري بدنه ويحل له ذلك، بخلاف الاول، ويحل صرف الزكاة لمن لا تحل له المسألة بعد كونه فقيرا.
فتح.
قوله: (على المذهب) من أنه أسوأ حالا من الفقير، وقيل على العكس، والاول أصح.
البحر.
وهو قول عامة السلف.
إسماعيل.
وأفهم بالعطف أنهما صنفان وهو قول الامام، وقال: الثاني صنف واحد، وأثر الخلاف يظهر فيما إذا أوصى بثلث ماله لزيد والفقراء والمساكين أو وقف كذلك كان لزيد الثلث ولكل صنف ثلث عنده، وقال: الثاني لزيد النصف ولهما النصف، وتمامه في النهر.
قوله: (لقوله تعالى: * (أو مسكينا ذا متربة) * (البلد: 61) أي ألصق جلده بالتراب محتفرا حفرة جعلها إزاره لعدم ما يواريه أو ألحصق بطنه من الجوع، وتمام الاستدلال به موقوف على أن الصفة كاشفة، والاكثر خلافه فيحمل عليه، تمامه في الفتح.
قوله: (وآية السفينة للترحم) جواب عما استدل به القائل بأن الفقير أسوأ حالا من المسكين حيث أثبت للمساكين سفينة.
والجوا ب أنه قيل لهم مساكين ترحما.
وأجيب أيضا بأنها لم تكن لهم بل هم أجراء فيها أو عارية لهم.
فتح: أي فاللام في - كانت لمساكين -(2/371)
للاختصاص لا للملك.
قوله: (يعم الساعي) هو من يسعى في القبائل لجمع صدقة السوائم والعاشر من نصبه الامام على الطرق ليأخذ العشر ونحوه في المارة.
قوله: (لانه فرغ نفسه) أي فهو يستحقه عمالة، ألا ترى أن أصحاب الاموال لو حملوا الزكاة إلى الامام لا يستحق شيئا، ولو هلك ما جمعه من الزكاة لم يستحق شيئا كالمضارب إذا هلك مال المضاربة، إلا أن فيه شبهة الصدقة بدليل سقوط الزكاة عن أرباب الاموال فلا تحل للعامل الهاشمي تنزيها لقرابة النبي (ص) عن شبهة الوسخ، وتحل للغني لانه لا يوازي الهاشمي في استحقاق الكرامة فلا تعتبر الشبهة في حقه.
زيلعي.
على أن منع العامل الهاشمي من الاخذ صريح في السنة كما بسطه في الفتح.
قال في النهر: وفي النهاية: استعمل الهاشمي على الصدقة فأجري له منها رزق لا ينبغي له أخذه، ولو عمل ورزق من غيرها فلا بأس به.
قال في البحر: وهذا لا يفيد صحة توليته، وأن أخذه منها مكروه لا حرام اه.
والمراد كراهة التحريم
لقولهم: لا يحل، لكن ما مر من أن شرائط الساعي أن لا يكون هاشميا يعارضه، وهذا الذي ينبغي يعول عليه اه ما في النهر.
أقول: الظاهر أن الاشارة في قوله، وهذا إلى ما ذكر هنا من صحة توليته.
ووجهه أن ما ذكروه هنا صريح في عدم حل الاخذ مما جمعه من الصدقة لا من غيره، فلا دليل حينئذ على عدم صحة توليته عاملا إذا رزق من غيرها، وقدمنا أن اشتراط أن لا يكون هاشميا نقله في البحر عن الغاية، ولم أره لغيره، على أنه في الغاية علل ذلك بقوله: لما فيه من شبهة الزكاة، كما عللوا به هنا، فعلم أن ذلك شرط لحل الاخذ من الصدقة لا لصحة التولية، فلا يعارض ما هنا كما قدمناه هناك، والله تعالى أعلم.
قوله: (فيحتاج إلى الكفاية) لكن لا يزاد على نصف ما قبضه كما يأتي، ولا يستحق لو هلك ما جمعه، لان ما يستحقه منه أجرة عمالته من وجه كما مر.
قال في المعراج: لان عمالته في معنى الاجرة وأنه يتعلق بالمحل الذي عمل فيه.
فإذا هلك سقط حقه كالمضارب اه.
قلت: وهذا مفاد التفريع على قوله: لانه فرغ نفسه لهذا العمل فإنه يفيد أن ما يأخذه ليس صدقة من كل وجه بل في مقابلة عمله، فلا ينافي ما مر من أن له شبهين، فافهم.
قوله: (ما نسب للواقعات) ذكر المصنف أنه رآه بخط ثقة معزيا إليها.
قلت: ورأيته في جامع الفتاوى ونصه: وفي المبسوط لا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصابا إلا إلى طالب العلم والغازي ومنقطع الحج لقوله عليه الصلاة والسلام: (يجوز دفع الزكاة لطالب العلم وإن كان له نفقة أربعين سنة) اه.
قوله: (من أن طالب العلم) أي الشرعي.
قوله: (إذا فرغ نفسه) أي عن الاكتساب.
قال ط: المراد أنه لا تعلق له بغير ذلك، فنحو البطالات المعلومة وما يجلب له النشاط من مذهبات الهموم لا ينافي التفرع، بل هو سعي في أسباب التحصيل.
قوله: (واستفادته) لعل الواو بمعنى أو المانعة الخلو ط.
قوله: (لعجزه) علة لجواز الاخذ ط.
قوله: (والحاجة داعية الخ) الواو للحال.(2/372)
والمعنى أن الانسان يحتاج إلى أشياء لا غنى له عنها، فحينئذ إذا لم يجز له قبول الزكاة مع عدم اكتسابه أنفق ما عنده ومكث محتاجا فينقطع عن الافادة والاستفادة فيضعف الدين لعدم من يتحمله، وهذا الفرع مخالف لاطلاقهم الحرمة في الغنى، ولم يعتمده أحد.
قلت: وهو كذلك.
والاوجه تقييده بالفقير، ويكون طلب العلم مرخصا لجواز سؤاله من الزكاة وغيرها وإن كان قادرا على الكسب إذ بدونه لا يحل له السؤال كما سيأتي.
ومذهب الشافعية والحنابلة أن القدرة على الاكتساب تمنع الفقر فلا يحل له الاخذ فضلا عن السؤال، إلا إذا اشتغل عنه بالعلم الشرعي.
قوله: (ما يكفيه وأعوانه) بيان لقوله: بقدر عمله وقدمنا أنه يعطي ما لم يهلك المال وإلا بطلت عمالته، ولا يعطي من بيت المال شيئا كما في البحر.
وفي البزازية: أخذ عمالته قبل الوجوب أو القاضي رزقه قبل المدة جاز، والافضل عدم التعجيل لاحتمال أن لا يعيش إلى المدة اه.
قال في النهر: ولم أر ما لو هلك المال في يده وقد تعجل عمالته، والظاهر أنه لا يسترد.
قوله: (بالوسط) فيحرم أن يتبع شهوته في المأكل والمشرب لانه إسراف محض، وعلى الامام أن يبعث من يرضى بالوسط.
بحر.
قوله: (لكن الخ) أي لو استغرقت كفايته الزكاة لا يزاد عى النصف، لان التنصيف عين الانصاف.
بحر.
قوله: (ومكاتب) هذا هو المعني بقوله تعالى: * (وفي الرقاب) * (التوبة: 06) في قول أكثر أهل العلم، وهو المروي عن الحسن البصري أطلقه فعم مكاتب الغني أيضا، وقيده الحدادي بالكبير أما الصغير فلا يجوز، وفيه نظر إذ صرحوا بأن المكاتب يملك المدفوع إليه، وهذا بإطلاقه يعم الصغير أيضا نهر.
قلت: قد يجاب بأن مراد الحدادي بالصغير من لا يعقل، لان كتابته استقلالا غير صحيحة، أو لانه لا يصح قبضه.
تأمل.
ثم قال في النهر: وعلى هذا فالعدول فيه وفيما بعده عن اللام إلى في للدلالة على أن الاستحقاق للجهة لا للرقبة، أو للايذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم من غيرهم، لا لانهم لا يملكون شيئا كما ظن، إلا أن يراد لا يملكونه ملكا مستقرا، وهل يجوز للمكاتب صرف المدفوع إليه في غير ذلك الوجه؟ لم أره لهم اه.
والضمير في لهم لائمتنا،
وأصل التوقف لصاحب البحر، فإنه نقل عن الطيبي من الشافعية ما يفيد أن المكاتب ومن بعده ليس لهم صرف المال في غير الجهة التي أخذوا لاجلها لانهم لا يملكونه.
ثم قال: وفي البدائع: إنصما جاز دفع الزكاة إلى المكاتب لانه تمليك، وهو ظاهر في أن الملك يقع للمكاتب، فبقية الاربعة بالطريق الاولى، لكن بقي هل لهم على هذا الصرف إلى غير الجهة؟ اه.
قال الخير الرملي: والذي يقتضيه نظر الفقيه الجواز اه.
قلت: وبه جزم العلامة المقدسي في شرح نظم الكنز.
فرع: ذكر الزيلعي في كتاب المكاتب عند قوله: ولو اشترى أباه أو ابنه فكاتب عليه أن للمكاتب كسبا وليس له ملك حقيقة لوجود ما ينافيه وهو الرق، ولهذا اشترى زوجته لا يفسد نكاحه، ويجوز دفع الزكاة إليه ولو وجد كنزا اه.
كذا في شرح الكنز للعلامة ابن الشلبي شيخ صاحب البحر.(2/373)
قلت: وهو صريح في جواز دفع الزكاة إليه وإن ملك نصابا زائدا على بدل الكتابة وسنذكر عن القهستاني ما يفيده.
قوله: (لغير هاشمي) لانه إذا لم يجز دفعها لمعتق الهاشمي الذي صار حرا يدا ورقبة، فمكاتبه الذي بقي مملوكا رقبة بالاولى.
وفي البحر عن المحيط: وقد قالوا: إنه لا يجوز لمكاتب هاشمي لان الملك يقع للمولى من وجه والشبهة ملحقة بالحقيقة في حقهم اه: أي إن المكاتب وإن صار حرا يدا حتى يملك ما يدفع إليه لكنه مملوك رقبففيه شبهة وقوع الملك لمولاه الهاشمي، والشبهة معتبرة في حقه لكرامته، بخلا ف الغني كما مر في العامل، فلذا قيد بقوله في حقهم: أي حق بني هاشم.
وأنت خبيبأن ما ذكر من التعليل مسوق في كلام البحر لعدم الجواز لمكاتب الهاشمي لا لمنع تصرف المكاتب في المسألة التي توقف في حكمها أو لا، بل لا يفيد التعليل المذكور ذلك أصلا، فافهم.
قوله: (حل لمولاه) لانه انتقل إليه بملك حادث بعد ما ملكه المكاتب لانه حر يدا، وتبدل الملك بمنزلة تبدل العين، وفي الحديث الصحيح هو لها صدقة ولنا هدية.
قوله: (كفقير استغنى) أي وفضل معه شئ مما أخذه حالة الفقر، لان المعتبر في كونه
مصرفا هو وقت الدفع، وكذا يقال في ابن السبيل.
قوله: (وسكت عن المؤلفة قلوبهم) كانوا ثلاثة أقسام: قسم كفار كان عليه الصلاة والسلام يعطيهم ليتألفهم على الاسلام.
وقسم كان يعطيهم ليدفع شرهم.
وقسم أسلموا وفيهم ضعف في الاسلام، فكان يتألفهم ليثبتوا، وكان ذلك حكما مشروعا ثابتا بالنص، فلا حاجة إلى الجواب عما يقال: كيف يجوز صرفها إلى الكفار بأنه كان من جهاد الفقراء في ذلك الوقت أو من الجهاد، لانه تارة بالسنان وتارة بالاحسان.
أفاده في الفتح.
قوله: (لسقوطهم) أي في خلافة الصديق لما منعهم عمر رضي الله تعالى عنهما وانعقد عليه إجماع الصحابة، نعم على القول بأنه لا إجماع إلا عن مستند يجب علمهم بدليل أفاد نسخ ذلك قبل وفاته (ص) أو تقييد الحكم بحياته أو كونه حكما مغيا بانتهاء علته وقد اتفق انتهاؤها بعد وفاته.
وتمامه في الفتح، لكن لا يجب علمنا نحن بدليل الاجماع كما هو مقرر في محله.
قوله: (إما بزوال العلة) هي إعزاز الدين، فهو من قبيل انتهاء الحكم لانتهاء علته الغائية التي كان لاجلها الدفع، فإن الدفع كان للاعزاز، وقد أعز الله الاسلام وأغنى عنهم.
بحر.
لكن مجرد التعليل بكونه معللا بعلة انتهت لا يصلح دليلا على نفي الحكم المعلل، لان الحكم لا يحتاج في بقائه إلى بقاء علته، لاستغنائه في البقاء عنها لما علم في الرق والاضطباع والرمل، فلا بد من دليل يدل على أن هذا الحكم مما شرع مقيدا بقاؤه ببقائها، لكن لا يلزمنا تعيينه في محل الاجماع فنحكم بثبوت الدليل وإن لم يظهر لنا، على أن الآية التي ذكرها عمر تصلح لذلك، وهي قوله تعالى: * (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن(2/374)
ومن شاء فليكفر) * (الكهف: 92) وتمامه في الفتح.
قوله: (أو نسخ بقوله (ص) الخ) أي هو مستند الاجماع، فالنسخ في حياته (ص) بالحديث المذكور الذي سمعه أهل الاجماع من النبي (ص)، فكان قطعيا بالنسبة إليهم، فيصح نسخه للكتاب.
وجعل في البحر مستند الاجماع الآية التي ذكرها عمر رضي الله تعالى عنه، وإنما لم يجعل الاجماع ناسخا لانه خلاف الصحيح، لان النسخ لا يكون إلا في حياته (ص)، والاجماع لا يكون إلا بعده كما أوضحه المصنف في المنح.
قوله: (وردها في فقرائهم) في نسخة على فقرائهم ولفظ الحديث على ما في الفتح من رواية أصحاب الكتب الستة: إنك
ستأتي قوما أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم الخ اه.
وأما باللفظ الذي ذكر الشارح تبعا للهداية ففي حاشية نوح عن الحافظ ابن حجر أنه لم يره في شئ من المسانيد اه.
وضمير فقرائهم للمسلمين، فلا تدفع إلى من كان من المؤلفة كافرا أو غنيا، وتدفع إلى من كان منهم مسلما فقيرا بوصف الفقر لا لكونه من المؤلفة، فالنسخ للعموم أو لخصوص الجهة.
تأمل.
قوله: (ومديون) هو المراد بالغارم في الآية.
وذكر في الفتح ما يقتضي أنه يطلق على رب الدين أيضا فإنه قال: والغارم من لزمه دين أو له دين على الناس لا يقدر على أخذه وليس عنده نصاب، وفيه نظر لما قال القتبي: الغارم من عليه الدين ولا يجد وفاء.
وأما في الصحاح من أن الغريم قد يطلق على رب الدين فليس مما الكلام فيه، لان الكلام في الغارم الاخص لا في الغريم.
وأما ما زاده في الفتح فإنما جاز الدفع إليه لانه فقير يدا كابن السبيل كما علل به في المحيط لا لانه غارم.
وأما قول الزيلعي: والغارم من لزمه دين، ولا يملك نصابا فاضلا عن دينه أو كان له مال على الناس ولا يمكنه أخذه اه.
فليس فيه إطلاق الغارم على رب الدين كما لا يخفى، لان قوله: أو كان له مال معطوف على قوله: ولا يملك نصابا فافهم، وكلام النهر هنا غير محرر فتدبر.
قوله: (لا يملك نصابا) قيد به لان الفقر شرط في الاصناف كلها، إلا العامل وابن السبيل إذا كان له في وطنه مال بمنزلة الفقير.
بحر.
ونقل ط عن الحموي أنه يشترط أن لا يكون هاشميا.
قوله: (أولى منه للفقير) أي أولى من الدفع للفقير الغير المديون لزيادة احتياجه.
قوله: (وهو منقطع الغزاة) أي الذين عجزوا عن اللحوق بجيش الاسلام لفقرهم بهلاك النفقة أو الدابة أو غيرهما فتحل لهم الصدقة وإن كانوا كاسبين، إذ الكسب يقعدهم عن الجهاد.
قهستاني.
قوله: (وقيل الحاج) أي منقطع الحاج.
قال في المغرب: الحاج بمعنى الحجاج كالسامر بمعنى السمار في قوله تعالى: * (سامرا تهجرون)(2/375)
* (المؤمنون: 76) وهذا قول محمد، والاول قول أبي يوسف اختاره المصنف تبعا للكنز.
قال في النهر:
وفي غاية البيان إنه الاظهر، وفي الاسبيجابي أنه الصحيح.
قوله: (وقيل طلبة العلم) كذا في الظهيرية والمرغيناني واستبعده السروجي بأن الآية نزلت وليس هناك قوم يقال لهم طلبة علم.
قال في الشرنبلالية: واستبعاده بعيد لان طلب العلم ليس إلا استفادة الاحكام، وهل يبلغ طالب رتبة من لازم صحبة النبي (ص) لتلقي الاحكام عنه كأصحاب الصفة؟ فالتفسير بطالب العلم وجيه خصوصا وقد قال في البدائع: في سبيل الله جميع القرب، فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجا اه.
قوله: (وثمرة الاختلاف الخ) يشير إلى أن هذا الاختلاف إنما هو في تفسير المراد بالآية لا في الحكم، ولذا قال في النهر: والخلف لفظي للاتفاق على أن الاصناف كلهم سوى العامل يعطون بشرط الفقر، فمنقطع الحاج: أي وكذا من ذكر بعده يعطي اتفاقا، وعن هذا قال في السراج وغيره: فائدة الخلاف تظهر في الوصية: يعني ونحوها كالاوقاف والنذور على ما مر اه: أي تظهر فيما لو قال الموصي ونحوه: في سبيل الله.
وفي البحر عن النهاية، فإن قلت: منقطع الغزاة أو الحج إن لم يكن في وطنه مال فهو فقير، وإلا فهو ابن السبيل، فكيف تكون الاقسام سبعة؟ قلت: هو فقير إلا أنه زاد عليه بالانقطاع في عبادة الله تعالى فكان مغايرا للفقير المطلق الخالي عن هذا القيد.
قوله: (وابن السبيل) هو المسافر، سمي به للزومه الطريق.
زيلعي.
قوله: (من له مال لا معه) أي واء كان هو في غير وطنه أو في وطنه وله ديون لا يقدر على أخذها كما في النهر عن النقاية، لكن الزيلعي جعل الثاني ملحقا به حيث قال: وألحق به كل من هو غائب عن ماله وإن كان في بلده، لان الحاجة هي المعتبرة وقد وجدت، لانه فقير يدا وإن كان غنيا ظاهرا اه.
وتبعه في الدرر والفتح وهو ظاهر كلام الشارح.
وقال في الفتح أيضا: ولا يحل له: أي لابن السبيل أن يأخذ أكثر من حاجته، والاولى له أن يستقرض إن قدر، ولا يلزمه ذلك لجواز عجزه عن الاداء، ولا يلزمه التصدق بما فضل في يد عند قدرته على ماله، كالفقير إذا استغنى والمكاتب إذا عجز.
وعندها من مال الزكاة لا يلزمهما التصدق اه.
قلت: وهذا بخلاف الفقير، فإنه يحل له أن يأخذ أكثر من حاجته، وبهذ فارق ابن السبيل كما
أفاده في الذخيرة.
قوله: (ومنه ما لو كان ماله مؤجلا) أي إذا احتاج إلى النفقة يجوز له أخذ الزكاة قدر كفايته إلى حلول الاجل.
نهر عن الخانية.
قوله: (أو على غائب) أي ولو كان حالا لعدم تمكنه من أخذه ط.
قوله: (أو معسر) فيجوز له الاخذ في أصح الاقاويل لانه بمنزلة ابن السبيل، ولو موسرا معترفا لا يجوز كما في الخانية، وفي الفتح: دفع إلى فقيرة لها مهر دين على زوجها يبلغ نصابا وهو موسر بحيث لو طلبت أعطاها: لا يجوز، وإن كان لا يعطي لو طلبت جاز.
قال في البحر: المراد من المهر ما تعورف تعجيله، وإلا فهو دين مؤجل لا يمنع، وهذا مقيد لعموم ما في الخانية ويكون عدم إعطائه بمنزلة إعساره، ويفرق بينه وبين سائر الديون بأن رفع الزوج للقاضي مما لا ينبغي للمرأة، بخلاف غيره، لكن في البزازية: إن موسرا والمعجل قدر النصاب لا يجوز عندهما،(2/376)
وبه يفتى احتياطا.
وعند الامام: يجوز مطلقا اه.
قال السراج: والخلاف مبني على أ المهر في الذمة ليس بنصاب عنده، وعندهما نصاب اه نهر.
قلت: ولعل وجه الاول كون دين المهر دينا ضعيفا، لانه ليس بدل مال، ولهذا لا تجب زكاته حتى يقبض ويحول عليه حول جديد، فهو قبل القبض لم ينعقد نصابا في حق الوجوب، فكذا في حق جواز الاخذ، لكن يلزم من هذا عدم الفرق بين معجله ومؤجله، فتأمل.
قوله: (ولو لو بينة في الاصح) نقل في النهر عن الخانية أنه لو كان جاحدا وللدائن بينة عادلة لا يحل له أخذ الزكاة، وكذا إن لم تكن البينة عادلة ما لم يحلفه القاضي، ثم قال: ولم يجعل في الاصل الدين المجحود، ولم يفصل بين ما إذا كان له بينة عادلة أو لا.
قال السرخسي: والصحيح جواب الكتاب: أي الاصل إذ ليس كل قاض يعدل، ولا كل بينة تقبل، والجثو بين يدي القاضي ذل، وكل أحد لا يختار ذلك، وينبغي أن يعول على هذا كما في عقد الفرائد اه.
قلت: وقدمنا أول الزكاة اختلاف التصحيح فيه، ومال الرحمتي إلى هذا وقال: بل في زماننا يقر المديون بالدين وبملاءته، ولا يقدر الدائن عل تخليصه منه فهو بمنزلة العدم.
قوله: (لان أل الجنسية) أي الدالة على الجنس: أي الحقيقة.
قال ح: وهذا تعليل لجواز الاقتصار على فرد من
كل صنف من الاصناف السبعة، وأما جواز الاقتصار على بعض الاصناف فعلته أن المراد بالآية بيان الاصناف التي يجوز الدفع إليهم لا تعيين الدفع لهم.
بحر اه ط.
وبيان الاستدلال على ذلك مبسوط في الفتح وغيره.
قوله: (تمليكا) فلا يكفي فيها الاطعام إلا بطريق التمليك، ولو أطعمه عنده ناويا الزكاة لا تكفي ط.
وفي التمليك إشارة إلى أنه لا يصرف إلى مجنون وصبي غير مراهق، إلا إذا قبض لهما من يجوز له قبضه كالاب والوصي وغيرهما، ويصرف إلى مراهق يعقل الاخذ كما في المحيط.
قهستاني.
وتقدم تمام الكلام على ذلك أو الزكاة.
قوله: (كما مر) أي في أول كتاب الزكاة ط.
قوله: (نحو مسجد) كبناء القناطر والسقايات وإصلاح الطرقات وكرى الانهار والحج والجهاد وكل ما لا تمليك فيه.
زيلعي.
قوله: (قوله ولا إلى كفن ميت) لعدم صحة التمليك منه، ألا ترى أنه لو افترسه سبع كان الكفن للمتبرع لا للورثة.
نهر.
قوله: (وقضاء دينه) لان قضاء دين الحي لا يقتضي التمليك من الديون، بدليل أنهما لو تصادقا: أي الدائن والمديون على أن لا دين عليه يسترده الدافع، وليس للمديون أن يأخذه.
زيلعي: أي وقضاء دين الميت بالاولى، وإنما يسترد الدافع ما دفعه في مسألة التصادق، لانه ظهر به أن لا دين للدائن فقد قبض ما لا حق له به لانه قبض عن ذمة مديونه، وقوله: وليس للمديون أن يأخذه: أي لانه لم يملكه أيضا، وقيده في البحر بما إذا كان الدفع بغير أمر المديون، فلو بأمره فهو تمليك من المديون فيرجع عليه لاعلى الدائن اه: أي لان من قضى دين غيره بأمره له أن يرجع عليه بلا شرط الرجوع في الصحيح فيكون تمليكا من المديون على سبيل القرض، ثم هذا إذا لم ينو بالدفع الزكاة على المديون، وإلا فلا رجوع له على(2/377)
أحد كما نذكر قريبا، فافهم.
قوله: (فيجوز لو بأمره) أي يجوز عن الزكاة على أنه تمليك منه والدائن يقبضه لحكم النيابة عنه ثم يصير قابضا لنفسه.
فتح.
قوله: (فإطلاق الكتاب) يعني الهداية أو القدوري حيث أطلقا دين الميت عن التقييد بالامر، وأصل البحث لابن الهمام في شرح الهداية حيث قال: وفي الغاية عن المحيط والمفيد لو قضى بها دين حي أو ميت بأمره جاز، وظاهر الخانية يوافقه، لكن ظاهر أطلاق الكتاب يفيد عدم الجواز في الميت مطلقا، وهو ظاهر الخلاصة أيضا
حيث قال: لو قضى دين حي أو ميت بغير إذن الحي لا يجوز فقيد الحي وأطلق الميت اه.
قوله: (وهو الوجه) لانه لا بد من كونه تمليكا، وهو لا يقع عند أمره بل عند أداء المأمور وقبض النائب، وحينئذ لم يكن المديون أهلا للتملك لموته، وعلى هذا فإطلاق مسألة التصادق السابقة محمول على ما إذا كان الوفاء بغير أمر المديون، أما لو كان بأمره فينبغي أن يرجع على المديون، إذ غاية الامر أنه ملك فقيرا على ظن أنه مديون وظهور عدمه لا يؤثر عدم التمليك بعد وقوعه لله تعالى، كذا في النهر وهو ملخص من كلام الفتح، لكن قوله: فينبغي أن يرجع على المديون ليس في عبارة الفتح، وهو سبق قلم لان هذا فيما إذا لم ينو بالدفع الزكاة كما قدمناه، والكلام الآن فيما إذا نواها بدليل التعليل، وحينئذ لا رجوع له على أحد لوقوعه زكاة، نعم ينبغي أن يرجع به المديون على دائنه لان الدائن قبضه نيابة عنه ثم لنفسه، وقد تبين بالتصادق عدم صحة قبضه لنفسه فبقي على ملك المديون، ثم رأيت العلامة المقدسي اعترض ما بحثه في الفتح بأن الدفع وقع نيابة عن المديون لوفاء دينه وإذا لم يكن دين لم يعتبر ذلك التوكيل الضمني في القبض لانه ثبت ضرورة للدين، ولا دين فلا قبض فلا ملك للفقير اه.
قلت: وفيه نظر لان أمره بالدفع إلى دائنه لم يبطل بظهور عدم الدين كما لو أمره بالدفع إلى أجنبي فيكون وكيلا بالقبض قصدا لا ضمنا.
تأمل.
قوله: (يعتق) أي يعتقه الذي اشتراه بزكاة ماله، أو يعتق عليه بأن اشترى بها أباه مثلا.
قوله: (لعدم التمليك) علة للجميع.
قوله: (وهو الركن) أي ركن الزكاة بالمعنى المصدري لانها كما مر تمليك المال من فقير مسلم الخ، وتسميته ركنا تبعا للهداية وغيرها ظاهر، بخلاف ما في الدرر من تسميته شرطا، قوله: (وقدمنا) أي قبيل قوله: وافتراضها عمري.
قوله: (إن الحيلة) أي في الدفع إلى هذه الاشياء مع صحة الزكاة.
قوله: (ثم يأمره الخ) ويكون له ثواب الزكاة وللفقير ثواب هذه القرب.
بحر.
وفي التعبير بثم إشارة إلى أنه لو أمره أولا: لا يجزي، لانه يكون وكيلا عنه في ذلك، وفيه نظر لان المعتبر نية الدافع ولذا جازت وإن سماها قرضا أو هبة في الاصح كما قدمناه، فافهم.
قوله: (والظاهر نعم) البحث لصاحب النهر، وقال: لانه مقتضى صحة التمليك.
قال الرحمتي: والظاهر أنه لا شبهة فيه لانه ملكه إياه عن(2/378)
زكاة ماله وشرط عليه شرطا فاسدا، والهبة والصدقة لا يفسدان بالشرط الفاسد.
قوله: (وإلى من بينهما ولاد) أي بينه وبين المدفوع إليه، لان منافع الاملاك بينهم متصلة فلا يتحقق التمليك على الكمال.
هداية.
والولاد بالكسر مصدر ولدت المرأة ولادة وولادا.
مغرب: أي أصله وإن علا كأبويه وأجداده وجداته من قبلهما وفرعه وإن سفل بفتح الفاء من باب طلب، والضم خطأ لانه من السفالة وهي الخساسة.
مغرب.
كأولاد الاولاد، وشمل الولاد بالنكاح والسفاح فلا يدفع إلى ولده من الزنا ولا إلى من نفاه كما سيأتي، وكذا كل صدقة واجبة كالفطرة والنذر والكفارات، أما التطوع فيجوز، بل هو أولى كما في البدائع، وكذا يجوز خمس المعادن لان له حبسه لنفسه إذا لم تغنه الاربعة الاخماس كما في البحر عن الاسيبجابي، وقيد بالولاد لجوازه لبقية الاقارب كالاخوة والاعمام والاخوال الفقراء، بل هم أولى لانه صلة وصدقة.
وفي الظهيرية: ويبدأ في الصدقات بالاقارب، ثم الموالي ثم الجيران، ولو دفع زكاته إلى من نفقته واجبة عليه من الاقارب جاز إذا لم يحسبها من النفقة.
بحر.
وقدمناه موضحا أول الزكاة..ويجوز دفعها لزوجة أبيه وابنه وزوج ابنته.
تاترخانية.
وفي القنية: اختلف في المريض إذا دفع زكاته إلى أخيه وهو وارثه: قيل يصح، وقيل لا، كمن أوصى بالحج ليس للوصي أن يدفعه إلى قريب الميت لانه وصية، وقيل للورثة الرد باعتبارها اه.
وظاهر كلامهم يشهد للاول.
نهر.
وكذا استظهره في البحر.
قلت: ويظهر لي الاخير، وهو أنه يقع زكاة فيما بينه وبين الله تعالى، وللورثة إن علموا به الرد باعتبار أنها في حكم الوصية للوارث، ويشهد له ما قدممناه قبيل باب زكاة المال عن المختارات وغيرها من أنها لو زادت على الثلث وأراد أن يؤديها في مرضه يؤديها سرا من الورثة، وقدمنا أن ظاهر قولهم سرا أن الورثة لو علموا بذلك لهم أخذ ما زاد على الثلث.
وقد يفرق بين المسألتين بأن المريض هناك مضطر إلى أداء الزائد على الثلث للخروج عن عهدتها، بخلاف أدائه إلى وارثه.
تأمل.
فرع: يكره أن يحتال في صرف الزكاة إلى والديه المعسرين بأن تصدق بها على فقير ثم صرفها الفقير إليهما كما في القنية.
قال في شرح الوهبانية: وهي شهيرة مذكورة في غالب الكتب.
قوله: (ولو مملوكا لفقير) قد راجعت كثيرا فلم أر من ذكر ذلك، وهو مشكل، فإن الملك يقع للمولى الفقير، ثم رأيت الرحمتي قال: حكاه الشلبي في حاشية التبيين بقيل فقال: وقيل في الولد الرقيق والزوجة كذلك اه: أي لا تدفع لهم الزكاة اه.
ثم رأيت عبارة الشلبي بعينها في المعراج ومقتضى التعبير بقيل ضعفه لما قلنا، والله أعلم.
قوله: (ولو مبانة) أي في العدة ولو بثلاث.
نهر عن معراج الدراية.
قوله: (ولا إلى مملوك المزكي) وكذا مملوك من بينه وبينه قرابة ولاد أو زوجية لما قال في البحر والفتح: إن الدفع لمكاتب الولد غير جائز كالدفع لابنه.
شرنبلالية.
قوله: (ولو مكاتبا أو مدبرا) لعدم التمليك في العبد والمدبر، ولان له في كسب مكاتبه حقا.
زيلعي.
واعترض(2/379)
الشرنبلالي جعله المملوك شاملا للمكاتب بأنهم صرحوا بأنه لو قال: كل مملوك لي حر لا يتناول المكاتب، لانه ليس بمملوك مطلقا لانه مالك يدا.
قلت: وقد يجاب بأنه لم يتناوله هناك لشبهة انصراف المطلق إلى الكامل فلم يعتق، لان الشبهة تصلح للدفع لا للاثبات، ولا مقتضى هنا لمراعاة هذه الشبهة.
قوله: (أعتق المزكي بعضه) اعلم أن حكم معتق البعض عند الامام أن العبد إن كان كله للمعتق عتق بقدر ما أعتق، وله استسعاؤه في قيمة الباقي أو تحريره وإن كان مشتركا، فإن كان المعتق موسرا فلشريكه استسعاء العبد في قيمة حصته أو تضمين المعتق، ويرجع بما ضمن على العبد أو يعتق باقيه، وإن كان معسرا استسعى العبد لا غير.
وعندهما إن أعتق بعض عبده عتق كله ولا يسعى، وإن أعتق بعض المشترك فليس للآخر إلا الضمان مع اليسار والسعاية مع الاعسار ولا يرجع المعتق على العبد، وسيأتي تمام الاحكام في بابه.
قوله: (معسرا) حال من الاب وليس بقيد احترازي.
قوله: (لا يدفع له) ذكره ليعلل له، وإلا فيغني عنه قول المصنف: ولا إلى عبده ط.
قوله: (لانه مكاتبه أو مكاتب ابنه) لانه على تقدير أن يكون كله له أو يكون بينه وبين ابنه وكان موسرا، واختار الابن تضمينه ورجع الاب على العبد بما
ضمن فهو مكاتبه، وإن كان معسرا أو كان موسرا واختار الابن الاستسعاء فهو مكاتب ابنه، ومكاتب الابن لا يجوز دفع الزكاة إليه كما لا يجوز دفعها إلى الابن، فافهم.
وبما قررنا ظهر أن قوله معسرا ليس بقيد احترازي كما قلنا، ولعل فائدته رجوع شقى التعليل إلى المسألتين على سبيل اللف والنشر المرتب، ثم إنه سماه مكاتبا لانه يشبهه في السعاية وإن خالفه من بعض الاوجه كعدم الرد إلى الرق.
قوله: (وأما المشترك الخ) قال في البحر: ولو كان بين اثنين أجنبيين فأعتق أحدهما حصته وهو معسر واختار الساكت الاستسعاء فللمعتق الدفع لانه مكاتب لشريكه، وليس للساكت الدفع لانه مكاتبه، وإن كان المعتق موسرا واختار الساكت تضمينه فللساكت الدفع إلى العبد لانه أجنبي عنه، وليس للمعتق الدفع إذا اختار بعد تضمينه استسعاءه اه.
قوله: (لانه إما مكاتب نفسه) أي فيما إذا كان المزكي هو الساكت المستسعى وكان المعتق معسرا، أو كان المزكي هو المعتق الموسر واستسعى العبد بعد أن ضمنه الساكت، وقوله: أو غيره أي فيما إذا كان المزكي هو المعتق في الصورة الاولى أو الساكت في الثانية كما علم مما ذكرناه آنفا عن البحر، ففي المسألتين الاوليين لا يجوز الدفع إليه لانه مكاتب نفسه كما علم من قوله ولا إلى مملوك المزكي ولو مكاتبا وفي الاخيرتين يجوز لانه مكاتب غيره كما علم من قول المتن سابقا ومكاتب فقوله لانه الخ تعليل لقوله فحكمه علم مما مر وهو ظاهر، فافهم.
قال في النهر: فإن قلت: كيف يتصور دفع الزكاة من المعسر؟ قلت: يتصور بأن يكون زكاة مال مستهلك قبل الاعتاق ويكون وقت الاعتاق فقيرا.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان المعتق موسرا أو معسرا والعبد كله له أو مشترك بينه وبين ابنه أو أجنبي.
قوله: (لانه حر كله) أي غير مديون، وهو فيما إذا كان كل العبد للمعتق أو بعضه وهو موسر وضمنه الساكت.
قوله: (أو حر مديون) أي فيما(2/380)
إذا كان المعتق معسرا فإن العبد يسعى للساكت وهو حر.
قوله: (فافهم) أشار به إلى أنه حرر المراد على وجه لا يرد عليه ما أورده في الدرر حر.
قوله: (فافهم) أشار به إلى أنه حرر المراد على وجه لا يرد عليه ما أورده في الدرر على عبارة الهداية وإن تكلف شراحها إلى تأويلها كما يعلم بمراجعة ذلك.
قوله: (ولا إلى غني) استثنى منه القهستاني المكاتب وابن السبيل والعامل، ومقتضاه
جواز الدفع إلى المكاتب وإن حصل نصابا زائدا على بدل الكتابة، وقدمنا نحوه عن شرح ابن الشلبي، وأما دفعها إلى السلطان فتقدم الكلام عليه أو الزكاة، وكذا لو جمع رجل لفقير زكاة من جماعة.
قوله: (فارغ عن حاجته) قال في البدائع: قدر الحاجة هو ما ذكره الكرخي في مختصره: لا بأس أن يعطى من الزكاة من له مسكين، وما يتأثث به في منزله وخادم وفرس وسلاح وثياب البدن وكتب العلم إن كان من أهله، فإن كان له فضل عن ذلك تبلغ قيمته مائتي درهم حرم عليه أخذ الصدقة، لما روي عن الحسن البصري قال: كانوا: يعني الصحابة يعطون من الزكاة لمن يملك عشرة آلاف درهم من السلاح والفرس والدار والخدم، وهذا لان هذه الاشياء من الحوائج اللازمة التي لا بد للانسان منها.
وذكر في الفتاوى فيمن له حوانيت ودور للغلة لكن غلتها لا تكفيه وعياله أنه فقير ويحل له أخذ الصدقة عند محمد، وعند أبي يوسف: لا يحل، وكذا لو له كرم لا تكفيه غلته، ولو عنده طعام للقوت يساوي مائتي درهم، فإن كان كفاية شهر يحل أو كفاية سنة قيل لا يحل، وقيل يحل لانه مستحق الصرف إلى الكفاية فيلحق بالعدم، وقد ادخر عليه الصلاة والسلام لنسائه قوت سنة، ولو له كسوة الشتاء وهو لا يحتاج إليها في الصيف يحل، ذكر هذه الجملة في الفتاوى اه.
وظاهر تعليله للقول الثاني في مسألة الطعام اعتماده.
وفي التاترخانية عن التهذيب أنه الصحيح، وفيها عن الصغرى له دار يسكنها لكن تزيد على حاجته بأن لا يسكن الكل يحل له أخذ الصدقة في الصحيح، وفيها سئل محمد عمن له أرض يزرعها أو حانوت يستغلها أو دار غلتها ثلاثة آلاف ولا تكفي لنفقته ونفقة عياله سنة؟ يحل له أخذ الزكاة وإن كانت قيمتها تبلغ ألوفا، وعليه الفتوى، وعندهما لا يحل اه ملخصا.
مطلب: في جهاالمرأة هل تصير به غنية؟ قلت: وسئلت عن المرأة هل تصير غنية بالجهاز الذي تزف به إلى بيت زوجها؟ والذي يظهر مما مر أن ما كان من أثاث المنزل وثياب البدن وأواني الاستعمال مما لا بد لامثالها منه فهو من الحاجة الاصلية، وما زاد على ذلك من الحلي والاواني والامتعة التي يقصد بها الزينة إذا بلغ نصابا تصير به غنية، ثم رأيت في التاترخانية في باب صدقة الفطر: سئل الحسن بن علي عمن لها جواهر
ولآلي تلبسها في الاعياد وتتزين بها للزوج وليست للتجارة، هل عليها صدقة الفطر؟ قال: نعم إذا بلغت نصابا.
وسئل عنها عمر الحافظ فقال: لا يجب عليها شئ اه.
مطلب: في الحوائج الاصلية وحاصله ثبوت الخلاف من أن الحلي غير النقدين من الحوائج الاصلية، والله تعالى أعلم.
قوله: (كما جزم به في البحر) حيث قال: ودخل تحت النصاب النامي الخمس من الابل، فإن ملكها أو نصابا من السوائم من أي مال كان لا يجوز دفع الزكاة له سواء كان يساوي مائتي دراهم أو لا، وقد(2/381)
صرح به شراح الهداية عند قوله من أي مال كان اه.
قوله: (ما في الوهبانية) أي في آخرها عند ذكر الالغاز.
قوله: (لكن اعتمد في الشرنبلالية الخ) حيث قال: وما وقع في البحر خلاف هذا فهو وهم فليتنبه له، وقد ذكر خلافه في ألغاز الاشباه والنظائر فقد ناقض نفسه، ولم أر أحدا من شراح الهداية صرح بما ادعاه بل عبارتهم تفيد خلافه، غير أنه قال في العناية: ولا يجوز دفع الزكاة إلى من ملك نصابا سواء كان من النقود أو السوائم أو العروض اه.
فأوهم ما في البحر وهو مدفوع، لان قول العناية سواء كان الخ مفيد تقدير النصاب بالقيمة سواء كان من العروض أو السوائم لما أن العروض ليس نصابها إلا ما يبلغ قيمته مائتي درهم، وقد صرح بأن المعتبر مقدار النصاب في التبيين وغيره واستدل له في الكافي بقوله (ص): من سأل وله ما يغنيه فقد سأل الناس إلحافا، قيل: وما الذي يغنيه؟ قال: مائتا درهم أو عدلها اه.
فقد شمل الحديث اعتبار السائمة بالقيمة لاطلاقه، وقد نص على اعتبار قيمة السوائم في عدة كتب من غير خلاف في الاشباه والسراج والوهبانية وشرحيها والذخائر الاشرفية وفي الجوهرة.
قال المرغيناني: إذا كان له خمس من الابل قيمتها أقل من مائتي درهم تحل له الزكاة وتجب عليه، وبهذا ظهر أن المعتبر نصاب النقد من أي مال كان، بلغ نصابا من جنسه أو لم يبلغ اه ما نقله عن المرغيناني اه ما في الشرنبلالية ملخصا.
ووفق ط بأنه روي عن محمد روايتان في النصاب المحرم للزكاة هلى المعتبر فيه القيمة أو الوزن؟ ففي المحيط عنه الاول، وفي الظهيرية عنه الثاني.
وتظهر
الثمرة فيمن له تسعة عشر دينارا قيمتها ثلثمائة درهم مثلا فيحرم أخذ الزكاة على الاول لا على الثاني.
وتظهر الثمرة فيمن له تسعة عشر دينارا قيمتها ثلثمائة درهم مثلا فيحرم أخذ الزكاة على الاول لا على الثاني.
والظاهر أن اعتبار الوزن في الموزون لتأتيه فيه، أما لمعدود كالسائمة فيعتبر فيها العدد على الرواية الثانية، وعليها يحمل ما في البحر، وعلى رواية المحيط من اعتبار القيمة يحمل ما في الشرنبلالية وغيرها، وبه يندفع التنافي بين كلامهم اه.
أقول: وفيه نظر، فإن قوله: أما لمعدود كالسائمة فيعتبر فيها العدد وهو مسلم في حق وجوب الزكاة، أما في حق حرمة أخذها فهو محل النزاع.
فقد يقال: إذا كان اختلاف الرواية في الموزون يكون المعدود معتبرا بالقيمة بلا اختلاف كما تعتبر القيمة اتفاقا في العروض، وقد علمت أن ما ذكره في البحر لم يصرح به شراح الهداية.
وإنما صرحوا بما مر عن العناية، وقد علمت تأويله مع تصريح المرغيناني بما يزيل الشبهة من أصلها، فلم يحصل التنافي بين كلامهم حتى يقتحم التوفيق البعيد، وإنما حصل التنافي بين ما فهمه في البحر وبين ما صرح به غيره، والواجب الرجوع إلى ما صرحوا به حتى يرى تصريح آخر منهم، بخلافه يحصل به التنافي فحينئذ يطلب منه التوفيق، فافهم.
قوله: (أي الغني) احترز به عن مملوك الفقير فيجوز دفعها إليه كما في منية المفتي ط.
قوله: (ولو مدبرا) مثله أم الولد كما في البحر.
قوله: (أو زمنا الخ) أي ولا يجد ما ينفقه كما في الذخيرة.
قوله: (على المذهب) أي حيث أطلق فيه العبد وهذا راجع إلى قوله: أو زمنا قال في الذخيرة: وروى عن أبي يوسف جواز الدفع إليه اه.(2/382)
قال في الفتح: وفيه نظر، لانه لا ينتفي وقوع الملك لمولاه بهذا العارض وهو المانع، وغاية ما فيه وجوب كفايته على السيد وتأثيمه بتركه واستحباب الصدقة النافلة عليه.
وقد يجاب بأنه عند غيبة مولاه الغني وعدم قدرته على الكسب لا ينزل عن حال ابن السبيل اه.
قال في البحر: وقد يقال: إن الملك هنا يقع للمولى وليس بمصرف، وأما ابن السبيل فمصرف، فالاولى الاطلاق كما هو المذهب اه.
قلت: مراد صاحب الفتح إلحاقه بابن السبيل في جواز الدفع إليه، للعجز مع قيام المانع كما ألحق به من له مال لا يقدر عليه كما مر، فإذا جاز فيه مع تحقق غناه ففي العبد العاجز من كل وجه أولى، لكن قد ينازع في صحة الالحاق بأن الزكاة لا بد فيها من التمليك، والعبد لا يملك، وإن ملك ففي ابن السبيل ونحوه وقع الملك في محل العجز فجاز الدفع، والعبد لا يملك، وإن ملك ففي ابن السبيل ونحوه ونحوه وقع الملك في محل العجز فجاز الدفع، وفي العبد وقع في غير محل العجز، لان الملك يقع للمولى إلا أن يدعي وقوعه للعبد هنا إحياء لمهجته حيث لم يجد متبرعا.
قوله: (غير المكاتب) أي مكاتب الغني.
قوله: (بمحيط) أي بدين محيط: أي مستغرق لرقبته ولما في يده.
قوله: (فيجوز) جواب لشرط مقدر: أي أما المكاتب والمأذون المذكور فيجوز دفع الزكاة إليها، أما المكاتب فقد مر، وأما المأذون فلعدم ملك المولى إكسابه في هذه الحالة عند الامام خلافا لهما كما في البحر.
قوله: (قوله ولا إلى طفله) أي الغني فيصرف إلى البالغ ولو ذكرا صحيحا.
قهستاني.
فأفاد أن المراد بالطفل غير البالغ ذكرا كان أو أنثى في عيال أبيه أو لا على الاصح لما أنه يعد غنيا بغناه.
نهر.
قوله: (بخلاف ولده الكبير) أي البالغ كما مر ولو زمنا قبل فرض نفقته إجماعا وبعده عند محمد خلافا للثاني، وعلى هذا بقية الاقارب، وفي بنت الغني ذات الزوج خلاف.
والاصح الجواز وهو قولهما: ورواية عن الثاني.
نهر.
قوله: (وطفل الغنية) أي ولو لم يكن له أب.
بحر عن القنية.
قوله: (لانتفاء المانع) علة للجميع، والمانع أن الطفل يعد غنيا بغنى أبيه، بخلاف الكبير فإنه لا يعد غنيا بغنى أبيه ولا الاب بغنى ابنه الزوجة بغنى زوجها ولا الطفل بغنى أمه ح عن البحر.
قوله: (وبني هاشم الخ) اعلم أن عبد مناف وهو الاب الرابع للنبي (ص) أعقب أربعة وهم: هاشم، والمطلب، ونوفل، وعبد شمس.
ثم هاشم أعقب أربعة انقطع نسل الكل، إلا عبد المطلب فإنه أعقب اثنى عشر، تصرف الزكاة إلى أولاد كل إذا كانوا مسلمين فقراء، إلا أولاد عباس وحارث وأولاد أبي طالب من علي وجعفر وعقيل.
قهستاني.
وبه علم أن إطلاق بني هاشم مما لا ينبغي، إذ لا تحرم عليهم كلهم بل على بعضهم ولهذا قال في الحواشي السعدية: إن آل أبي لهب ينسبون أيضا إلى هاشم وتحل لهم الصدقة اه.
وأجاب في النهر بقوله: وأقل قال في النافع بعد ذكر بني هاشم: إلا من أبطل النص قرابته:
يعني به قوله (ص): لا قرابة بيني وبين أبي لهب، فإنه آثر علينا الافجرين وهذا صريح في انقطاع نسبته عن هاشم، وبه ظهر أن في اقتصار المصنف على بني هاشم كفاية، فإن من أسلم من أولاد أبي لهب غير داخل لعدم قرابته، وهذا حسن جدا لم أر من نحا نحوه فتدبره اه.
قوله: (بنو لهب)(2/383)
في بعض النسخ: بنو أبي لهب وهي أصوب.
قوله: (فتحل لهم) هذا ما جرى عليه جمهور الشارحين خلافا لما في غاية البيان كما في البحر والنهر.
قوله: (لبني المطلب) أي لمن أسلم منهم وهو أخو هاشم كما مر.
قوله: (إطلاق المنع الخ) يعني سواء في ذلك كل الازمان وسواء في ذلك دفع بعضهم لبعض ودفع غيرهم لهم.
وروى أبو عصمة عن الامام أنه يجوز الدفع إلى بني هاشم في زمانه، لان عوضها وهو خمس الخمس لم يصل إليهم لاهمال الناس أمر الغنائم وإيصالها إلى مستحقيها.
وإذا لم يصل إليهم العوض عادوا إلى المعوض كذا في البحر.
وقال في النهر: وجوز أبو يوسف دفع بعضهم إلى بعض، وهو رواية عن الامام، وقول العيني والهاشمي: يجوز له أن يدفع زكاته إلى هاشمي مثله عند أبي حنيفة خلافا لابي يوسف، صوابه، لا يجزي ولا يصح حمله على اختيار الرواية السابقة عن الامام لمن تأمل اه.
ووجهه أنه لو اختار تلك الرواية ما صح قوله خلافا لابي يوسف، لما علمت من أنه موافق لها، وفي اختصار الشارح بعض إيهام اهح.
قوله: (فأرقاؤهم أولى) أي بالمنع لان تمليك الرقيق يقع لمولاه، بخلاف العتيق.
قال في النهر: قيد بمواليهم لان مولى الغني يجوز الدفع إليه.
قوله: (لحديث مولى القوم منهم) رواه أبو داود والترمذي والنسائي بلفظ: مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة قال الترمذي: حسن صحيح، وكذا صححه الحاكم.
فتح.
وهذا في حق حل الصدقة وحرمتها لا في جميع الوجوه، ألا ترى أنه ليس بكف ء لهم، وأن مولى المسلم إذا كان كافرا تؤخذ منه الجزية ومولى التغلبي لا تؤخذ منه المضاعفة بل الجزية.
نهر.
قلت: سيأتي في باب الكفاءة في النكاح أن معتق الوضيع ليس بكف ء لمعتقه الشريف.
قوله: (لسائر الانبياء) أي لباقيهم.
قوله: (واعتمد في النهر الخ) هو اعتماد لثاني القولين الآتي نقلهما عن
المبسوط في حواشي مسكين عن الحموي عن شرح البخاري لابن بطال: اتفق الفقهاء على أن أزواجه (ص) لا يدخلن في الذين حرمت عليهم الصدقة.
ثم قال الحموي: وفي المغني عن عائشة رضي الله عنها: أنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة قال: فهذا يدل على تحريمها عليهن اه.
تأمل.
قوله: (وجازت التطوات الخ) قيد بها ليخرج بقية الواجبة كالنذر والعشر والكفارات وجزاء الصيد، إلا خمس الركاز فإنه يجوز صرفه إليهم كما في النهر عن السراج.
قوله: (كما حققه في الفتح) أقول: نقل في البحر عن عدة كتب أن النفل جائز لهم إجماعا، وذكر أنه المذهب، وأنه لا فرق بين التطوع والوقف كما في المحيط وكافي النسفي، وأن الزيلعي أثبت الخلاف على وجه يشعر بحرمة التطوع عليهم، وقواه في الفتح من جهة الدليل اه.(2/384)
قلت: وذكر في الفتح أن الحق إجراء الوقف مجرى النافلة، لان الواقف متبرع، ووجوب الدفع على الناظر لوجوب اتباعه لشرط الواقف لا يصير به واجبا على الواقف، ونقل ح عبارته بطولها.
وحاصلها ترجيح منع الوقف عليهم كالنافلة، وبه يظهر ما في كلام الشارح، فإن مفاده أن كلام الفتح في الوقف فقط وأنه يحل لهم، لكن وقع في نسخة كتب عليها ح بزيادة: وقيل لا مطلقا قبل قوله: على ما هو الحق وبها يصح الكلام، وسقطت هذه الزيادة وما بعدها في بعض النسخ إلى قوله: ولا تدفع إلى ذمي.
قوله: (لكن في السراج وغيره) عزاه في البحر إلى شرح الطحاوي وغيره.
قوله: (وجعله محشي الاشباه) أي الشيخ صالح الغزي ابن المصنف، وكذا البيري شارح الاشباه، والضمير إلى ما في السراج وغيره ط.
قوله: (محمل القولين) أي محمل القول بالجواز على ما إذا سماهم، وبعدمه على ما إذا لم يسمهم، كما إذا وقف على الفقراء، ولعل وجهه أنه حينئذ يكون صدقة من كل وجه، فلا يجوز الدفع إلى فقرائهم، بخلاف ما إذا سماهم لانه يكون تبرعا وصلة لا صدقة، فهو كما لو وقف على جماعة أغنياء ثم على الفقراء، ويؤيده ما في خزانة المفتين: لو قال مالي لاهل بيت النبي (ص) وهم يحصون جاز، لان هذه وصية وليست بصدقة، ويصرف إلى أولاد فاطمة رضي الله عنها اه.
قوله: (ثم نقل عن صاحب البحر الخ) هذا موجود في بعض النسخ،
والاصوب إسقاطه لتكرره بقوله المار: وهل كانت تحل الخ.
قوله: (لحديث معاذ) أي المار عند قوله: ومكاتب إذ لا خلاف أن الضمير في أغنيائهم يرجع للمسلمين فكذا في فقرائهم.
معراج.
قوله: (غير العشر) فإنه ملحق بالزكاة ولذا سموه زكاة الزرع، وأما الخراج فليس من الصدقات التي الكلام فيها، ومصرفه مصالح المسلمين كما مر، ولذا لم يستثن في الكنز والهداية إلا الزكاة.
قوله: (خلافا للثاني) حيث قال: إن دفع سائر الصدقات الواجبة إليه لا يجوز اعتبارا بالزكاة، وصرح في الهداية وغيرها بأن هذا رواية عن الثاني، وظاهره أن قوله المشهور كقولهما.
قوله: (وبقوله يفتى) الذي في حاشية الخير الرملي عن الحاوي وبقوله نأخذ.
قلت: لكن كلام الهداية وغيرها يفيد ترجيح قولهما وعليه المتون.
قوله: (وأما الحربي) محترز الذمي.
قوله: (عن الغاية) أي غاية البيان، وقوله: وغيرها أي النهاية، فافهم.
قوله: (لكن جزم الزيلعي بجواز التطوع له) أي للمستأمن كما تفيده عبارة النهر، ثم إن هذا لم أره في الزيلعي، وكذا(2/385)
قال أبو السعود وغيره مع أنه مخالف لدعوى الاتفاق، لكن رأيت في المحيط من كتاب الكسب: ذكر محمد في السير الكبير: لا بأس للمسلم أن يعطي كافرا حربيا أو ذميا، وأن يقبل الهدية منه، لما روي: أن النبي (ص) بعث خمسمائة دينار إلى مكة حين قحطوا وأمر بدفعها إلى أبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية ليفرقا على فقراء أهل مكة ولان صلة الرحم محمودة في كل دين، والاهداء إلى الغير من مكارم الاخلاق الخ، وسنذكر تمام الكلام على ذلك في أول كتاب الوصايا.
قوله: (دفع بتحر) أي اجتهاد، وهو لغة: الطلب والابتغاء، ويرادفه التوخي، إلا أن الاول يستعمل في المعاملات، والثاني في العبادات.
وعرفا: طلب الشئ بغالب الظن عند عدم الوقوف على حقيقته.
نهر.
قوله: (لمن يظنه مصرفا) أما لو تحرى فدفع لمن ظنه غير مصرف أو شك ولم يتحر لم يجز حتى يظهر أنه مصرف فيجزيه في الصحيح، خلافا لمن ظن عدمه، وتمامه في النهر.
وفيه: واعلم أن المدفوع إليه لو كان جالسا في صف الفقراء يصنع صنعهم أو كان عليه زيهم أو سأله فأعطاه كانت هذه الاسباب بمنزلة التحري، وكذا في المبسوط حتى لو ظهر غناه لم يعد.
قوله: (فبان أنه عبده) أي ولو مدبرا أو أم ولد.
نهر وجوهرة.
وهو مفاد من مقابلته بالمكاتب، وإنما لم يجز لانه لم يخرج المدفوع عن ملكه، والتمليك ركن.
قوله: (أو مكاتبه) لان له في كسبه حقا فلم يتم التميك.
زيلعي.
والمستسعي كالمكاتب عنده، وعندهما حر مديون.
بحر عن البدائع.
قوله: (أو حربي) قال في البحر: وأطلق: أي في الكنز الكافر فشمل الذمي والحربي، وقد صرح بهما في المبتغى.
وفي المحيط: في الحربي روايتان، والفرق على إحداهما أنه لم توجد صفة القربة أصلا والحق المنع.
ففي غاية البيان عن التحفة أجمعوا أنه إذا ظهر أنه حربي ولو مستأممنا لا يجوز، وكذا في المعراج معللا بأن صلته لا تكون برا شرعا، ولذا لم يجز التطوع إليه فلم يقع قربة اه.
أقول: ينافيه ما قدمناه قريبا عن المحيط عن السير الكبير من أنه لا بأس أن يعطي حربيا، إلا أن يقال: إن معناه لا يحرم بل تركه أولى فلا يكون قربة، فتأمل.
وفي شرح الكنز لابن الشلبي قال في كفاية البيهقي: دفع إلى حربي خطأ ثم تبين جاز على رواية الاصل.
وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه لا يجوز، وهو قوله اه.
قال الاقطع وقال أبو يوسف: لا يجوز، وهو أحد قولي الشافعي، وقوله الآخر مثل قول أبي حنيفة.
قال في مشكلات جواهر زاده: الاجماع منعقد أنه لو كان متسأمنا أو حربيا تجب الاعادة اه.
ونص في المختار على الجواز وإطلاق الكنز يدل عليه.
اه كلام ابن الشلبي.
قلت: وكذا إطلاق الهداية والملتقى الكافر يدل على الجواز، وما نقله عن الاقطع يدل على أنه قول إما المذهب فحكاية الاجماع على خلافه في غير محلها.
قوله: (لما مر) أي في قوله فجميع الصدقات لا تجوز له اتفاقا.
قوله: (أو كونه ذميا) عدل عن تعبير الهداية وغيرها بالكافر بناء على ما مر.
قوله: (لا يعيد) أي خلافا لابي يوسف.
قوله: (لانه أتى بما في وسعه) أي أتى بالتمليك الذي هو الركن على قدر وسعه، إذ ليس مكلفا إذا دفع في ظلمة مثلا بأن يسأل عن(2/386)
القابض من أنت؟ وبقولنا أتى بالتمليك يندفع ما قد يقال: إنه لو دفع إلى عبده أو مكاتبه يكون آتيا بما في وسعه، لكن يرد عليه الحربي لحصول التمليك، وهذا يؤيد ما مر من عدم وجوب الاعادة
فيه، والتعليل بعدم وجود صفة القربة محل نظر، فتدبر.
قوله: (ولو دفع بلا تحر) أي ولا شك كما في الفتح.
وفي القهستاني بأن لم يخطر بباله أنه مصر ف أو لا، وقوله: لم يجز إن أخطأ: أي إن تبين له أنه غير مصرف، فلو لم يظهر له شئ فهو على الجواز، وقدمنا ما لو شك فلم يتحر أو تحرى وغلب على ظنه أنه غير مصرف.
تنبيه: في القهستاني عن الزاهدي: ولا يسترد منه لو ظهر أنه عبد أو حربي.
وفي الهاشمي روايتان ولا يسترد في الولد والغني، وهل يطلب له؟ فيه خلاف وإذا لم يطلب قيل يتصدق، وقيل يرد على المعطي اه.
قوله: (وكره إعطاء فقير نصابا أو أكثر) وعن أبي يوسف: لا بأس بإعطاء قدر النصاب، وكره الاكثر لان جزءا من النصاب مستحق لحاجته للحال والباقي دونه.
معراج.
وبه ظهر وجه ما في الظهيرية وغيرها عن هشام قال: سألت أبا يوسف عن رجل له مائة وتسعة وتسعون درهما فتصدق عليه بدرهمين، قال: يأخذ واحدا ويرد واحدا اه.
فما في البحر والنهر هنا غير محرر فتدبر، وبه ظهر أيضا أن دفع ما يكمل النصاب كدفع النصاب.
قال في النهر: والظاهر أنه لا فرق بين كون النصاب ناميا أو لا حتى لو أعطاه عروضا تبلغ نصابا فكذلك ولا بين كونه من النقود أو من الحيوانات حتى لو أعطاه خمسا من الابل لم تبلغ قيمتها نصابا كره لما مر اه.
وفي بعض النسخ: تبلغ بدون لم، والانسب الاول.
قوله: (بحيث لو فرقه عليهم) أي على العيال، فهو راجع إلى قوله أو كان صاحب عيال قال في المعراج: لان التصدق عليه في المعنى تصدق على عياله، وقوله: أو لا يفضل معطوف على قوله: لو فرقه وهو راجع إلى قوله مديونا ففيه لف ونشر غير مرتب.
وقوله: نصاب تنازع فيه يخص ويفضل، فافهم.
قوله: (وكره نقلها) أي من بلد إلى بلد آخر، لان فيه رعاية حق الجوار فكان أولى.
زيلعي.
والمتبادر منه أن الكراهة تنزيهية.
تأمل.
فلو نقلها جاز لان المصرف مطلق الفقراء.
درر.
ويعتبر في الزكاة مكان المال في الروايات كلها.
واختلف في صدقة الفطر كما يأتي.
قوله: (بل في الظهيرية الخ) إضراب انتقالي عن عدم كراهة نقلها إلى القرابة إلى تعيين النقل إليهم، وهذا نقله في مجمع الفوائد معزيا للاوسط عن أبي هريرة مرفوعا إلى النبي (ص) أنه قال: يا أمة محمد، والذي بعثني بالحق لا يقبل الله صدقة من رجل وله قرابة محتاجون
إلى صلته ويصرفها إلى غيرهم، والذي نفسي بيده لا ينظر الله إليه يوم القيامة اه رحمتي.
والمراد بعدم القبول عدم الاثابة عليها وإن سقط بها الفرض، لان المقصود منها سد خلة المحتاج، وفي القريب جمع بين الصلة والصدقة.
وفي القهستاني: والافضل إخوته وأخواته ثم أولادهم ثم أعمامه وعماته ثم أخواله وخالاته ثم ذوو أرحامه ثم جيرانه ثم أهل سكته ثم أهل بلده كما في النظم اه.(2/387)
قلت: ونظم ذلك المقدسي في شرحه.
قوله: (أو من دار الحرب الخ) لان فقراء المسلمين الذي في دار الاسلام أفضل من فقراء دار الحرب.
بحر.
قلت: ينبغي استثناء أسارى المسلمين إذا كان في دفعها إعانة على فك رقابهم من الاسر.
تأمل.
قوله: (وفي المعراج الخ) تمام عبارته: وكذا على المديون المحتاج.
قوله: (أفضل) أي من الجاهل الفقير.
قهستاني.
قوله: (خلاصة) عبارتها كما في البحر: لا يكره أن ينقل زكاة ماله المعجلة قبل الحول لفقير غير أحوج ومديون.
قوله: (ولا يجوز صرفها لاهل البدع) عبارة البزازية: ولا يجوز صرفها للكرامية الخ.
فالمراد هنا بالبدع المكفرات.
تأمل.
قوله: (كالكرامية) بالفت والتشديد، وقيل بالتخفيف، والاول الصحيح المشهور: فرقة من المشبهة نسبت إلى عبد الله محمد بن كرام وهو الذي نص على أن معبوده على العرش استقرارا وأطلق اسم الجوهر عليه، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا.
مغرب.
قوله: (وكذا المشبهة في الصفات) هم الذين يجوزون قيام الحوادث به تعالى، فيجعلون بعض صفاته حادثة كصفات الحوادث ط.
قوله: (لان مفوت المعرفة الخ) العبارة مقلوبة، وعبارة البزازية وغيرهم أي غير الكرامية من المشبهة في الصفات أقل حالا منهم لانهم مشبهة في الصفات، والمختار أنه لا يجوز الصرف إليهم لان مفوت المعرفة من جهة الصفة ملحق بمفوت المعرفة من جهة الذات.
قوله: (كما لا يجوز دفع زكاة الخ) مثل الزكاة كل صدقة واجبة إلا خمس الركاز ط حاشية الاشباه لابي السعود.
قوله: (وكذا الذي نفاه) كولد أم الولد إذا نفاه، كذا في البحر، ومثله في المنفي باللعان كما يأتي في بابه، وهل مثله ولد قنته إذا سكت عنه أو نفاه؟ فليراجع ح.
قوله: (احتياطا) علة لقوله لا يجوز.
قوله: (إلا إذا كان الولد الخ) علله في العمادية بأن النسب يثبت من الناكح.
وقد ذكر في الصيرفية: جاءت بولد من الزنى يثبت النسب من الزوج لا من الزاني في الصحيح فلو دفع صاحب الفراض زكاته إلى هذا الولد يجوز، ولو دفع الزاني لا يجوز عندنا، خلافا للشافعي اه.
فقد صرح بعدم جواز الدفع إلى ولده من الزنى وإن كان لها زوج معروف، رحمتي عن الحموي.
وهذا مخالف لما ذكره المصنف.
وتصوير المسألة بالزنى مع العلم بأنها ذات زوج ليخرج ما إذا لم يعلم ذلك لكون الوطئ حينئذ وطئ شبهة لا زنى، ولذا قال في البحر: وخرج ولد المنعي إليها زوجها إذا تزوجت، ثم ولدت ثم جاء الاول حيا فإن على قول الامام المرجوع عنه الاولاد للاول، ومع هذا يجوز دفع زكاته إليهم وشهادتهم له، وكذا في المعراج لعدم الفرعية ظاهرا، وعليه فينبغي أن لا يجوز ذلك للثاني لوجود الفرعية حقيقة وإن لم يثبت النسب منه، لكن المنقول في(2/388)
الولوالجية جواز ذلك له على قول الامام، وروى رجوعه وعليه الفتوى، وعليه فللاول الدفع إليهم دون الثاني اه.
قوله: (والكل) أي كل الفروع المذكورة من قوله: ولا يجوز دفعها لاهل البدع إلى هنا.
قوله: (ولا يحل أن يسأل الخ) قيد بالسؤال لان بدونه لا يحرم.
بحر.
وقيد بقوله: شيئا من القوت لان له سؤال ما هو محتاج إليه غير القوت كثوب.
شرنبلالية.
وإذا كان له دار يسكنها ولا يقدر على الكسب قال ظهير الدين: لا يحل له السؤال إذا كان يكفيه ما دونها.
معراج.
ثم نقل ما يدل على الجواز وقال: وهو أوسع، وبه يفتى.
قوله: (كالصحيح المكتسب) لانه قادر بصحته واكتسابه على قوت اليوم.
بحر.
قوله: (ويأثم معطيه الخ) قال الاكمل في شرح المشارق: وأما الدفع إلى مثل هذا السائل عالما بحاله فحكمه في القياس الاثم به لانه إعانة على الحرم، لكنه يجعل هبة وبالهبة للغني أو لمن لا يكون محتاجا إليه لا يكون آثما اه.
أي لان الصدقة على الغني هبة، كما أن الهبة للفقير صدقة، لكن فيه أن المراد بالغني من يملك نصابا، أما الغني بقوت يومه فلا تكون الصدقة عليه هبة بل صدقة، فما فر وقع فيه.
أفاده في النهر.
وقال في البحر: لكن يمكن دفع القياس الآمذكور بأن الدفع ليس إعانة على المحرم، لان الحرمة في الابتداء إنما هي بالسؤال وهو متقدم على الدفع، ولا يكون الدفع إعانة إلا لو كان الاخذ هو المحرم فقط، فليتأمل اه.
قال
المقدسي في شرحه: وأنت خبير بأن الظاهر أن مرادهم أن الدفع إلى مثل هذا يدعو إلى السؤال على الوجه المذكور، وبالمنع ربما يتوب عن مثل ذلك، فليتأمل اه.
قوله: (للكسوة) ومثلها أجرة المسكن ومرمة البيت الضرورية، لا ما يشترى به بيتا فيما يظهر.
قوله: (أو لاشتغاله عن الكسب بالجهاد) أشار إلى أن له السؤال وإن كان مكتسبا كما صرح به في البحر عن غاية البيان.
قوله: (أو طلب العلم) ذكره في البحر بحثا بقوله: وينبغي أن يلحق به: أي بالغازي طالب العلم لاشتغاله عن الكسب بالعلم، ولهذا قالوا: إن نفقته على أبيه وإن كان صحيحا مكتسبا كما لو كان زمنا.
قوله: (واعتبار حاله الخ) أشار إلى أنه ليس المراد دفع ما يغنيه في ذلك اليوم عن سؤال القوت فقط، بل عن سؤال جميع ما يحتاجه فيه لنفسه وعياله.
وأصل العبارة للشرنبلالي حيث قال: قوله وندب دفع ما يغنيه عن سؤال يوم ظاهره تعلق الاغناء بسؤال القوت، والاوجه أن ينظر إلى ما يقتضيه الحال في كل فقير من عيال وحاجة أخرى كدهن وثوب وكراء منزل وغير ذلك كما في الفتح اه.
وتمامه فيها فافهم.
قوله: (والمعتبر في الزكاة فقراء مكان المال) أي لامكا المزكي، حتى لو كان هو في بلد وماله في آخر يفرق في موضع المال.
ابن كمال: أي في جميع الروايات.
بحر.
وظاهره أنه لو فرق في مكانه نفسه يكره كما في المسألة نقلها إلى مكان آخر.
بقي هنا شئ لم أره وهو أنه لو كان له مال مع مضارب مثلا في بلدة وحال عليه الحول هناك ثم جاء المضارب بالمال إلى بلدة رب المال وكان لم يخرج زكاته فهل يخرجها إلى فقراء بلدته أو إلى فقراء البلدة التي كان فيها المال؟(2/389)
فليراجع.
قوله: (وفي الوصية مكان الموصي) أقول: كذا في الجوهرة عن الفتاوى، لكن ذكر في وصايا شرح الوهبانية عن الخلاصة: أوصى بأن يتصدق بثلث ماله في فقراء بلخ، الافضل أن يصرف إليهم وإن أعطى غيرهم جاز، وهذا قول أبي يوسف، وبه يفتى.
وقال محمد: لا يجوز اه.
قوله: (مكان المؤدي) أي لا مكان الرأس الذي يؤدي عنه.
قوله: (وهو الاصح) بل صرح في النهاية والعناية بأنه ظاهر الرواية كما في الشرنبلالية وهو المذهب كما في البحر، فكان أولى مما في الفتح من تصحيح قولهما باعتبار مكان المؤدي عنه.
قال الرحمتي: وقال في المنح في آخر باب صدقة
الفطر: الافضل أن يؤدي عن عبيده وأولاده وحشمه حيث هم عند أبي يوسف، وعليه الفتوى، وعند محمد: حيث هو اه تأمل.
قلت: لكن في التاترخانية: يؤدي عنهم حيث هو، وعلي الفتوى وهو قول محمد، ومثله قول أبي حنيفة وهو الصحيح.
قوله: (إلى صبيان أقاربه) أي العقلاء، وإلا فلا يصح إلا بالدفع إلى ولي الصغير.
قوله: (برسم عيد) أي عادة عيد ح.
قوله: (أو مهدي الباكورة) هي الثمرة التي تدرك أولا.
قاموس.
وقيده في التاترخانية بالتي لا تساوي شيئا، ومفهومه أنها لو لها قيمة لم يصح عن الزكاة، لان المهدي لم يدفعها إلا للعوض فلا يجوز إلا بدفع ما يرضى به المهدي والزائد عليه يصح عن الزكاة.
ثم رأيت ط ذكر مثله وزاد: إلا أن ينزل المهدي منزلة الواهب اه، أي لانه لم يقصد بها أخذ العوض وإنما جعلها وسيلة للصدقة فهو متبرع بما دفع، ولذا لا يعد ما يأخذه عوضا عنها بل صدقة، لكن الآخذ لو لم يعطه شيئا لا يرضى بتركها له فلا يحل له أخذها، والذي يظهر أنه لو نوى بما دفعه الزكاة صحت نيته ولا تبقى ذمته مشغولة بقدر قيمتها أو أكثر إذا كان لها قيمة، لان المهدي وصل إلى غرضه من الهدية، سواء كان ما أخذه زكاة أو صدقة نافلة ويكون حينئذ راضيا بترك الهدية، فليتأمل.
قوله: (إلا إذا نص على التعويض) ينبغي أن يكون مبنيا على القول بأنه إذا سمى الزكاة قرضا لا تصح، وتقدم أن المعتمد خلافة، وعليه فينبغي أنه إذا نواها صحت وإن نص على التعويض، إلا أن يقال: إذا نص على التعويض يصير عقمعاوضة، والملحوظ إليه في العقود هو الالفاظ دون النية المجردة، والصدقة تسمى قرضا مجازا مشهورا في القرآن العظيم فيصح إطلاقه عليها، بخلاف لفظ العوض إذ عمل للنية المجردة مع اللفظ الغير الصالح لها، ولذا فصل بعضهم فقال: إن تأول القرض بالزكاة جاز، وإلا فلا.
تأمل.
قوله: (ولو دفعها لاخته الخ) قدمنا الكلام عليها عند قوله: وابن السبيل.
قوله: (وإلا لا) أي لان المدفوع يكون بمنزلة العوض ط.
وفيه أن(2/390)
المدفوع إلى مهدي الباكورة كذلك فينبغي اعتبار النية، ونظيره ما مر في أول في كتاب الزكاة فيما لو دفع إلى من قضى عليه بنفقته من أنه لا يجزيه عن الزكاة إن احتسبه من النفقة، وإن احتسبه من الزكاة
يجزيه، وقيل لا كما في التاترخانية، لكن فيها أيضا قال محمد: إذا هلكت الوديعة في يد المودع وأدى إلى صاحبها ضمانها ونوى عن زكاة ماله قال: إن أدى لدفع الخصومة لا تجزيه عن الزكاة اه فتأمل.
وفيها من صدقة الفطر لو دفعها إلى الطبال الذي يوقظهم في السحر يجوز لان ذلك غير واجب عليه، وقد قال مشايخنا: الاحوط والابعد عن الشبهة أن يقدم إليه أولا ما يكون هدية ثم يدفع إليه الحنطة.
قوله: (جاز) ويكون تمليكا لهم والنية سابقة عند العزل، وكذا إذا لم ينو ثم نوى بعد انتهابه وهو قائم في يد الفقراء كما تقدم نظيره.
قلت: وينبغي تقييده بما إذا كان الانتهاب برضاه لاشراط اختياره الدفع في الاموال الباطنة كما مر في مسألة البغاة، ويدل عليه المسألة الآتية.
قوله: (إن كان يعرفه) أي يعرف شخصه لئلا يكون تمليكا لمجهول، لانه إذا لم يعرفه بأن جاء إلى موضع المال فلم يجده وأخبره أحد بأنه رفعه فقير لا يعرفه ورضى المالك بذلك لم يصح، لانه يكون إباحة والشرط في الزكاة التمليك.
تأمل.
قوله: (والمال قائم) لانه لو رضي بذلك بعد ما استهلك الفقير المال لم تصح نيته كما مر.
مطلب: الافضل على أن ينوي بالصدقة جميع المؤمنين والمؤمنات خاتمة: اعلم أن الصدقة تستحب بفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه، وإن تصدق بما ينقص مؤنة من يمونه إثم، ومن أراد التصدق بماله كله وهو يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة فله ذلك، وإلا فلا يجوز، ويكره لمن لا صبر له على الضيق أن ينقص نفقة نفسه عن الكفاية التامة، كذا في شرح درر البحار.
وفي التاترخانية عن المحيط: الافضل لمن يتصدق نفلا أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات لانها تصل إليهم ولا ينقص من أجره شئ اه.
والله تعالى أعلم.
باب صدقة الفطر وجه مناسبتها بالزكاة أن كلا منهما من الوظائف المالية، وأوردها في المبسوط بعد الصوم باعتبار ترتيب الوجود، وأوردها المصنف هنا رعاية لجانب الصدقة، ورجحه لان المقصود من الكلام المضاف لا المضاف إليه خصوصا إذا كان المضاف إليه شرطا، وحقها أن تقدم على العشر لانه مؤنة فيها معنى العبادة وهذه بالعكس، إلا أنه ثبت بالكتاب وهي بخبر الواحد مع أنه من أنواع
الزكاة، والمراد بالفطر: يومه لا الفطر اللغوي لانه يكون في كل ليلة من رمضان، وسميت صدقة وهي العطية التي يراد بها المثوبة من الله تعالى لانها تظهر صدق الرجل كالصداق يظهر صدق الرجل في المرأة.
معراج.
قوله: (من إضافة الحكم لشرطه) المراد بالحكم وجوب الصدقة لانه الحكم الشرعي فيكون على حذف مضاف، والمراد بالوجوب وجوب الاداء لانه الذي شرطه الفطر(2/391)
لا نفس الوجوب الذي مناطه وجود السبب وهو الرأس ح.
وفي البحر: والاضافة فيها من إضافة الشئ إلى شرطه، وهو مجاز لان الحقيقة إضافة الحكم إلى سببه وهو الرأس اه: أي لانها على الاول لادنى مناسبة مثل كوكب الخرقاء، وعلى الثاني بمعنى اللام الاختصاصية.
قوله: (والفطر لفظ إسلامي) اصطلح عليه الفقهاء كأنه من الفطرة بمعنى الخلقة، كذا في البحر تبعا للزيلعي.
والظاهر أن مراده أن الفطر المضاف إليه الصدقة الذي هو اسم لليوم المخصوص لفظ شرعي: أي إطلاقه على ذلك اليوم بخصوصه اصطلاح شرعي، إذ لا شك أن الفطر الذي هو ضد الصوم لغوي مستعمل قبل الشرع، أو مراده لفظ الفطرة بالتاء بقرينة التعليل.
ففي النهر عن شرح الوقاية أن لفظ الفطرة الواقع في كلام الفقهاء وغيرهم مولد، حتى عده بعضهم من لحن العامة اه: أي إن الفطرة المراد بها الصدقة غير لغوية لانها لم تأت بهذا المعنى، وأما ما في القاموس من أن الفطرة بالكسر صدقة الفطر والخلقة فاعترضه بعض المحققين بأن الاول غير صحيح، لان ذلك المخرج لم يعلم إلا من الشارع، وقد عد من غلط القاموس ما يقع كثيرا فيه مخلط الحقائق الشرعية باللغوية اه.
لكن في المغرب.
وأما قوله في المختصر: الفطرة نصف صاع من بر، فمعناها: صدقة الفطر، وقد جاءت في عبارات الشافعي وغيره، وهي صحيحة من طريق اللغة وإن لم أجدها فيما عندي من الاصول اه.
وفي تحرير النووي: هي اسم مولد ولعلها من الفطرة التي هي الخلقة.
قال أبو محمد الابهري: معناها زكاة الخلقة كأنها زكاة البدن اه.
وفي المصباح: وقولهم: تجب الفطرة، الاصل تجب زكاة الفطرة وهي البدن، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه واستغنى به في الاستعمال لفهم المعنى اه.
ومشى عليه القهستاني، ولهذا نقل بعضهم أنها تسمى صدقة الرأس وزكاة البدن.
والحاصل: أن لفظ الفطرة بالتاء لاشك في لغويته ومعناه: الخلقة، وإنما الكلام في إطلاقه مرادا به المخرج، فإن أطلق عليه بدون تقدير فهو اصطلاح شرعي مولد، وأما مع تقدير المضاف فالمراد بها المعنى اللغوي، ولعل هذا وجه الصحة الذي أراده صاحب المغرب، وأما لفظ الفطر بدون تاء فلا كلام في أنه معنى لغوي، وبهذا تعلم ما في كلام الشارح تبعا للنهر، فافهم.
قوله: (وأمر بها) أي بإخراجها.
وفي حاشية نوح: والحاصل أن فرض صيام رمضان في شعبان بعد ما حولت القبلة إلى الكعبة وأمر النبي (ص) بزكاة الفطر قبل العيد بيومين وذلك قبل أن تفرض زكاة الاموال، وهذا هو الصحيح، ولهذا قيل: إنها منسوخة بالزكاة وإن كان الصحيح خلافه اه.
قوله: (وكان عليه الصلاة والسلام الخ) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن عبد الله بن ثعلبة، قال خطب(2/392)
رسول الله (ص) قبل يوم الفطر بيوم أو يومين فقال: أدوا صاعا من بر أو قمح بين اثنين، أو صاعا من تمر أو شعير عن كل حر أو عبد صغير أو كبير فتح.
قال ط: وبهذا يتقوى ما بحثه صاحب البحر سابقا في باب صلاة العيدين من أنه ينبغي أن يقدم أحكام صدقة الفطر في خطبة قبل يوم العيد لاجل أن يتمكنوا من إخراجها قبل الذهاب إلى المصلى.
قوله: (وحديث فرض الخ) جواب عما استدل به الشافعي رحمه الله على فرضيتها من حديث عمر في الصحيحين أن رسول الله (ص) فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد ذكر أو أنثى من المسلمين فتح.
قوله: (معناه قدر الخ) أي فإنه أحد معاني الفرض كقوله تعالى: * (فنصف ما فرضتم) * ويقال: فرض القاضي النفقة، وهذا الجواب ذكره في البدائع.
وأجاب في الفتح بأن الثابت بظني يفيد الوجوب، وأنه لا خلاف في المعنى لان الافتراض الذي يثبته الشافعية ليس على وجه يكفر جاحده، فهو معنى الوجوب عندنا، غاية الامر أن الفرض في اصطلاحهم أعم من الواجب في عرفنا فأطلقوه على أحد جزأيه، والاجماع على الوجوب لا يدل على أن المراد بالفر ض ما هو عرفنا: أي ما يكفر جاحده، لان ذاك إذا نقل الاجماع تواترا ليكون قطعيا أكان من ضروريات الدين كالخميس لا إذا كان ظنيا، وقد صرحوا بأن منكر وجوبها لا يكفر، فكان المتيقن الوجوب بالمعنى
العرفي عندنا اه ملخصا.
قلت: وقد يجاب بأن قول الصحابي فرض يراد به المعنى المصطلح عندنا للقطع به بالنسبة إلى من سمعه من النبي (ص)، بخلاف غيره ما لم يصل إليه بطريق قطعي فيكون مثله، ولهذا قالوا: إن الواجب لم يكن في عصره (ص)، كما أوضحناه في حواشي شرح المنار.
قوله: (وهو الصحيح) هو ما عليه المتون بقولهم: وصح لو قدم أو أخر.
قوله: (مطلق) أي عن الوقت فتجب في مطلق الوقت، وإنما يتعين بتعيينه فعلا أو آخر العمر، ففي أي وقت أدى كان مؤديا لا قاضيا كما في سائر الواجبات الموسعة، غير أن المستحب قبل الخروج إلى المصلى لقوله عليه الصلاة والسلام: أغنوهم عنه المسألة في هذا اليوم بدائع.
قوله: (كما مر) عند قول المتن: وافترضها عمري الخ.
قوله: (جاز) في الجوهرة: إذا مات من عليه زكاة أو فطرة أو كفارة أو نذر لم تؤخذ من تركته عندنا، إلا أن يتبرع ورثته بذلك وهم من أه التبرع ولم يجبروا عليه، وإن أوصى تنفذ من الثلث اه.
قوله: (وقيل مضيقا) مقابل الصحيح وهو قول الحسن بن زياد: وقت أدائها يوم الفطر من أوله إلى آخره، فإذا لم يؤدها حتى مضى اليوم سقطت كالاضحية.
بدائع.
ومثله في شروح الهدايا وغيرها، ورجح المحقق ابن الهمام في التحرير أنها من قبيل المقيد بالموقت المطلق لقوله عليه الصلاة والسلام: أغنوهم في هذا اليوم عن المسألة فيعده قضاء، وتبعه العلامة ابن نجيم في بحره، لكنه قال في شرحه على المنار، إنه ترجيح لما قابل الصحيح اه.
قلت: والظاهر أن هذا قول ثالث خارج عن المذهب، لان وقوعها قضاء بمضي يومها غير(2/393)
القول بسقوطها به.
وقد رده العلامة المقدسي بأنهم كانوا يعجلون في زمنه (ص)، وأنه كان بإذنه وعلمه (ص) كما قاله ابن الهمام نفسه، فدل ذلك على عدم التقييد باليوم، إذ لو تقيد به لم يصح قبله كما في الصلاة وصوم رمضان والاضحية اه.
وما قيل في الجواب: إنه تعجيل بعد وجوب السبب فيجوز كتعجيل الزكاة بعد ملك النصاب، فهو مؤكد للاعتراض لدلالته على جواز التعجيل وعلى عدم التوقيت، إذ لو كان مؤقتا لم يجز تعجيله
قبل وقته وإن وجد سببه، لان الوقت شرطه، كما لا يجوز تعجيل الحج قبل وقته وإن وجد سببه وهو البيت، على أن قياس تعجيل الفطرة على الزكاة لا يصح، لان حكم الاصل مخالف للقياس كما سنذكره عن الفتح، فافهم.
والامر في حديث أغنوهم محمول على الاستحباب كما يشير إليه ما قدمناه عن البدائع، وصرح في الظهيرية بعدم كراهة التأخير: أي تحريما كما في النهر، وسيأتي لقوله (ص): من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات رواه أبو داود وغيره لنقصان ثوابها فصارت كغيرها من الصدقات كما في الفتح.
وأفاد أيضا أن هذا لا يدل على قول الحسن بن زيادة بسقوطها، لان اعتبار ظاهره يؤدي إلى سقوطها بعد الصلاة، وإن كان الاداء في باقي اليوم، وليس هذا قوله فهو مصروف عنه عنده: أي لانه يقول بسقوطها بمضي اليوم لا بمضي الصلاة كا مر.
قوله: (فبعده يكون قضاء) قد علمت أن المراد بالتضييق هو قول الحسن بسقوطها بمضي اليوم كما أشار إليه في الهداية، وصرح به شراحها وغيرهم، وأن هذا قول ثالث لم أر من قال به سوى ابن الهمام وعلمت ما فيه، ففي هذا التفريع نظر.
قوله: (على كل حر مسلم) فلا تجب على رقيق لعدم تحقق التمليك منه، ولا على كافر لانها قربة، والكفر ينافيها.
نهر.
ولا تجب على الكافر ولو له عبد مسلم أو ولد مسلم.
بحر.
قوله: (ولو صغيرا مجنونا) في بعض النسخ أو مجنونا بالعطف بأو، وفي بعضها بالواو، وهذا لو كان لهما مال.
قال في البدائع: وأما العقل والبلوغ فليسا من شرائط الوجوب في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، حتى تجب على الصبي والمجنون إذا كان لهما مال ويخرجها الولي من مالهما، وقال محموزفر: لا تجب فيضمنها الاب والوصي لو أدياها من مالهما اه.
وكما تجب فطرتهم تجب فطرة رقيقهما من مالهما، كما في الهندية والبحر عن الظهيرية.
قوله: (حتى لو لم يخرجها وليهما) أي من مالهما.
ففي البدائع أن الصبي الغني إذا لم يخرج وليه عنه فعلى أصل أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يلزمه الاداء لانه يقدر عليه بعد البلوغ اه.
قلت: فلو كانا فقيرين لم تجب عليهما، بل على من يمونهما كما يأتي.
والظاهر أنه لو لم يؤدها عنهما من ماله لا يلزمهما الاداء بعد البلوغ والافاقة لعدم الوجوب عليهما.
قوله: (بعد البلوغ)
أي وبعد الافاقة في المجنون ح.
قوله: (وإن لم ينم) يقال نمى ينمي وينمو، كذا في الاسقاطي فهو مجزوم بحذف الياء أو الواو ط.
قوله: (كما مر) أي في قوله: وغني يملك قدر نصاب وقدمنا بيانه ثمة.
قوله: (تحرم الصدقة) أي الواجبة، أما النافلة فإنما يحرم عليه سؤالها، وإذا كان النصاب(2/394)
المذكور مستغرقا بحاجته، فلا تحرم عليه الصدق ولا يجب به ما بعدها.
قوله: (كما مر) أي في قوله أيضا وغنى.
قوله: (ونفقة المحارم) أي الفقراء العاجزين عن الكسب أو الاناث إذا كن فقيرات، وقيد بهم لاخراج الابوين الفقيرين، فإن المختار أن يدخلهما في نفقته إذا كان كسوبا.
قوله: (هي ما يجب بمجرد التمكن من الفعل) اعترض بأن هذا تعريف للواجب المشروط بالقدرة الممكنة بكسر الكاف المشددة، وعرفها في التوضيح بأدنى ما يتمكن به المأمور من أداء ما لزمه من غير خرج غالبا، ثم فسرها بسلامة الاسباب والآلات، وقيد بقوله من غير حرج غالبا لانهم جعلوا منها الزاد والراحلة في الحج، فإنهما من الآلات التي هي وسائط في حصول المطلوب، مع أنه يتمكن من الحج بدونهما، لكن بحرج عظيم في الغالب كما في التلويح، وكذا النصاب الغير النامي في الفطرة فإنه يتمكن من إخراجها بدونه، لكن بحرج في الغالب.
قال في التلويح: وهذه القدرة شرط لاداء كل واجب فضلا من الله تعالى، لان القدرة التي يمتنع التكليف بدونها هي ما يكون عند مباشرة الفعل، فاشتراط سلامة الاسباب والآلات قبل الفعل يكون فضلا منه تعالى.
قوله: (فلا يشترط بقاؤها) أي بقاء هذه القدرة وهي النصاب هنا حتى لو هلك بعد فجر يوم النحر لا تسقط الفطرة، وكذا هلاك المال في الحج كما يأتي.
قوله: (لانها شرط محض) أي ليس فيه معنى العلة المؤثرة، بخلاف القدرة الميسرة كما يأتي.
قوله: (ميسرة) بضم الميم وكسر السين المشددة.
قوله: (هي ما يجب الخ) فيه ما تقدم من الاعتراض، وهي كما في التلويح ما يوجب يسر الاداء على العبد ما ثبت الامكان بالقدرة الممكنة، فهي كرامة من الله تعالى في الدرجة الثانية من القدرة الممكنة، ولهذا شرطت في أكثر الواجبات المالية التي أداؤها أشق على النفس عند العامة، وذلك كالنماء في الزكاة، فإن الاداء ممكن بدونه إلا أنه يصير به أيسر، حيث لا ينقص أصل المال وإنما يفوت بعض
النماء.
ثم القدرة الممكنة لما كانت شرطا للتمكن من الفعل وإحداثه كانت شرطا محضا ليس فيه معنى العلة فلم يشترط بقاؤها لبقاء الواجب، إذ البقاء غير الوجود، وشرط الوجود لا يلزم أن يكون شرطا للبقاء كالشهود في النكاح شرط للانعقاد دون البقاء.
بخلاف الميسرة فإنها شرط فيه معنى العلة لانها غرت صفة الواجب من العسر إلى اليسر، إذا جاز أن يجب بمجرد القدرة الممكنة لكن بصفة العسر، فأثرت فيه القدرة الميسرة وأوجبته بصفة اليسر، فيشترط دوامها نظرا إلى معنى العلية، لان هذه العلة مما لا يمكن بقاء الحكم بدونها، إذ لا يتصور اليسر بدون القدرة الميسرة، والواجب لا يبقى بدون صفة اليسر، لانه لم يشرع إلا بتلك الصفة، فلهذا اشترط بقاء القدرة الميسرة دون الممكنة، مع أن ظاهر النظر يقتضي أن يكون الامر بالعكس، إذ الفعل لا يتصور بدون الامكان ويتصور بدون اليسر اه.
قوله: (فغيرته الخ) أي باعتبار أنه كان يجوز أن يجب بصفة العسر: أي بمجرد القدرة الممكنة كما مر، فلما وجب بالقدرة الميسرة فكأنه تغير من العسر إلى اليسر.
قوله: (لانها شرط في معنى العلة) أي والحكم يدور مع علته وجودا وعدما ط.
قوله: (ثم فرع عليه) أي(2/395)
على ما ذكر من القدرتين.
قوله: (فلا تسقط الفطرة) لانها لم تجب بالميسرة بل بالممكنة كما مر.
قوله: (وكذا الحج.
) لان شرطه وهو الزاد والراحلة قدرة ممكنة، إذ الميسرة لا تحصل إلا بمراكب وأعوان وخدم، وليست شرطا بالاجماع ط.
قوله: (كما لا يبطل النكاح الخ) أشار إلى ما قدمناه عن التلويح من أن الممكنة شرط لا للبقاء كالشهود في النكاح، فلا يسقط الواجب بزوالها، بخلاف الميسرة.
قوله: (بخلاف الزكاة) فإنها تسقط بهلاك المال بعد الحول: يعني سواء تمكن من الاداء أم لا؟ لان الشرع علق الوجوب بقدرة ميسرة، والمعلق بقدرة ميسرة لا يبقى بدونها.
ط عن الحموي.
والقدرة الميسرة هنا هي وصف النماء لا النصاب، وقيد بالهلاك لانها لا تسقط بالاستهلاك وإن انتفت القدرة الميسرة لبقائها تقديرا: زجرا له عن التعدي ونظرا للفقراء كما في التلويح.
قوله: (والخراج) أي خراج المقاسمة فهو كالعشر، لان شرطه الارض النامية تحقيقا،
بخلاف الخراج الموظف فإنه يجب بمجرد التمكن من الزراعة ولا يهلك بهلاك الخارج لوجوبه في الذمة لا في الخارج، بخلافهما كما مر بيانه في بابه.
قوله: (لاشتراط بقاء الميسرة) وهي وصف النماء، وهذا علة للثلاثة.
قوله: (عن نفسه الخ) بيان للسبب، والاصل فيه رأسه ولا شك أنه يموت ويلي عليه فيلحق به ما هو في معناه ممن يمونه ويلي عليه، وتمامه في النهر.
قوله: (وإن لم يصم لعذر) الظاهر أنه قيد به بناء على ما هو حال المسلم من عدم تركه الصوم إلا بعذر كما تقدم نظيره في باب قضاء الفوائت، حيث لم يقل المتروكات ظنا بالمسلم خيرا، فحينئذ تجب الفطرة وإن أفطر عامدا لوجود السبب وهو الرأس الذي يمونه ويلي عليه ولو لم يصم كالطفل الصغير والعبد الكافر.
ثم رأيت في البدائع ما يشعر بذلك حيث قال: وكذا وجود الصوم في شهر رمضان ليس بشرط لوجوب الفطرة، حتى أن من أفطر لكبر أو مرض أو سفر يلزمه صدقة الفطر، لان الامر بأدائها مطلق عن هذا الشرط اه فافهم.
قوله: (وطفله) احترز به عن الجنين فإنه لا يسمصأ طفلا كذا في البرجندي، إذ الطفل هو الصبي حين يسقط من بطن أمه إلى أن يحتلم، وجارية طفل وطفلة، كذا في المغرب.
إسماعيل فافهم.
وأشار إلى إن الام لا يجب عليها صدقة أولادها الصغار كما في منية المفتي.
قوله: (الفقير) قيد به لان الغني تجب صدقة فطره في ماله عل ما مر لعدم وجوب نفقته.
نهر.
قوله: (والكبير المجنون) أي الفقير، أما الغني ففي ماله عندهما كما مر، وفي التاترخانية عن المحيط أن المعتوه والمجنون بمنزلة الصغير، سواء كان الجنون أصليا بأن بلغ مجنونا أو عارضا، هو الظاهر من المذهب اه.
قوله: (ولو تعدد الآباء) كما لو ادعى رجلان لقيطا أو ولد أمة مشتركة بينهما.
قوله: (فعلى كل فطرة) أي كاملة عند أبي يوسف، لان النبوة ثابتة من كل منهما كملا، وثبوت النسب لا يتجزأ، وكذا لو مات أحدهما كان ولدا للباقي منهما، وقال محمد: عليهما صدقة واحدة لان الولاية لهما والمؤنة، فكذا الصدقة لانها قابلة للتجزي كالمؤنة، ولو كان أحدهما معسرا فعلى الموسر صدقة تامة عندهما.
فتح.
قوله: (قوله ولو زوج طفلته) أي الفقيرة إذ صدقة الغنية في مالها تزوجت أو لا ح.
قوله: (الصالحة لخدمة الزوج) كذا في النهر عن القنية، وفيه عن الخلاصة:(2/396)
الصغيرة لو سلمت لزوجها لا تجب فطرتها على أبيها لعدم المؤنة اه.
فأفاد تقييد المسألة بقيدين: صلاحيتها للخدمة، وتسليهما للزوج، ولذا قال الشارح في باب النفقة فيمن تجب نفقتها على الزوج: وكذا صغيرة تصلح للخدمة أو للاستئناس إن أمسكها في بيته عند الثاني، واختاره في التحفة اه.
وهو صريح بأنها لو لم تصلح لذلك لا تجب نفقتها على الزوج، وظاهره لو أمسكها في بيته فتجب على أبيها، فافهم.
قوله: (فلا فطرة) أما عليها فلفقرها، وأما على زوجها فلما سيأتي في قوله: لا عن زوجته وأما على أبيها فلانه لا يمونها وإن ولى عليها ح.
قوله: (كما اختاره في الاختيار) هذا رواية الحسن، وهو خلاف ظاهر الرواية من أن الجد كالاب إلا في مسائل ستأتي آخر الكتاب منها هذه، واختاره أيضا في فتح القدير لتحقق وجود السبب وهو الرأس الذي يمونه ويلي عليه ولاية مطلقة.
ورد ما قيل: من أن الولاية غير تامة لانتقالها إليه من الاب فكانت كولاية الوصي، بأنه غير سديد لان الوصي لا يمونه من ماله، بخلاف الجد إذا لم يكن للصغير مال فإنه يمونه من ماله كالاب، ونازعه في البحر بما رده عليه المقدسي وصاحب النهر فلذا اختار الشارح رواية الحسن.
قلت: لكن في الخانية: ليس على الجد أن يؤدي الصدقة عن أولاد ابنه المعسر إذا كان الاب حيا باتفاق الروايات، وكذا لو كان الاب ميتا في ظاهر الرواية اه.
فعلم أن رواية الحسن فيما إذا كان الاب ميتا، لكن مقتضى كلام البدائع أن الخلاف في المسألتين، نعم تعليل الفتح لا يظهر إلا في الميت.
تأمل.
قوله: (وعبده لخدمته) احتراز عن عبد التجارة فإنها لا تجب كي لا يؤدي إلى الثني.
زيلعي: أي تعدد الوجوب المالي في مال واحد، وفي النهاية له: عبد للتجارة لا يساوي نصابا وليس له مال الزكاة لا تجب صدقة فطر العبد وإن لم يؤدى إلى الثنى، لان سبب وجوب الزكاة فيه موجود والمعتبر سبب الحكم لا الحكم.
اه بحر.
قوله: (ولو مديونا) أي بدين مستغرق.
بدائع.
قوله: (أو مستأجرا) أي آجره للغير.
قوله: (إذا كان عنده) أي الراهن وفاء بالدين: أي وفضل بعد الدين نصاب، كما في الهندية: والمراد نصاب غير العبد لانه من حوائجه الاصلية حيث كان للخدمة.
شرنبلالية: إذا لم يكن كذلك لا يلزم أحدا فطرته لان المرتهن أحق به حتى إذا هلك هلك بدينه، والفرق بين المديون والمرهون حيث لا يشترط في المديون أن يكون عند المولى وفاء
بالدين: أن الدين على العبد وفي المرهون على السيد.
ح عن الزيلعي.
قوله: (كالعبد العارية والوديعة) فإن صدقته على المالك.
قوله: (والجاني) أي عمدا أو خطأ، لان ملك المالك إنما يزول بالدفع إلى المجني عليه مقصورا على الحال لا قبله خانية.
قوله: (وقول الزيلعي) راجع(2/397)
إلى قوله: وأما الموصى بخدمته وعبارة الزيلعي: والعبد الموصى برقبته لانسان لا تجب فطرته اه.
ط.
قوله: (سبق قلم) يمكن حمل كلامه على نفي الوجوب عن الانسان الموصى له بخدمة العبد فلا ينافي الوجوب على مالك الرقبة، ثم رأيت ط ذكره وقال: وحمله الشلبي محشي الزيلعي على ما إذا مات السيد الموصي ولم يقبل الموصى له ولم يرد اه.
تأمل.
قوله: (ولو كان عبده كافرا) المراد بالعبد ما يشمل المدبر ذكرا أو أنثى وأم الولد لصحة استيلاء الكافرة ولو غير كتابية، لان عدم حل وطئ المجوسية لا يستلزم عدم صحة استيلادها كالامة المشتركة فليراجع، أفاده ح.
قوله: (وهو رأس يمونه) أي مؤنة واجبة كاملة مطلقة، فخرج بالاول مؤنة الاجنبي لوجه الله تعالى، وبالثاني العبد المشترك، وبالثالث الزوجة فإنه ضرورية لاجل انتظام مصالح النكاح، ولهذا لا تجب عليه غير الرواتب نحو الادوية كما في الزيلعي.
أفاده ح.
قوله: (ويلي عليه) أي ولاية مال لا إنكاح، فلا يرد ابن العم إذا كان زوجا لان ولايته ولاية إنكاح اه.
ح.
قوله: (لا عن زوجته) لقصور المؤنة والولاية، إذ لا يلي عليها في غير حقوق الزوجية، ولا يجب عليه أن يمونها في غير الرواتب كالمداواة.
نهر.
قوله: (وولده الكبير العاقل) أي ولو زمنا في عياله لانعدام الولاية.
جوهرة.
واحترز بالعاقل عن المعتوه والمجنون فحكمه كالصغير ولو جنونه عارضا في ظاهر الرواية كما مر، خلافا لما عن محمد في العارض بعد البلوغ من أنه كالكبير العاقل لزوال الولاية بالبلوغ، وأشار إلى أنها لا تجب أيضا على الابن عن أبيه، ولو في عياله إلا إذا كان فقيرا مجنونا كما في البحر والنهر، وعبر عنه في الجوهرة بقيل، وعزاه في الخانية إلى الشافعي، لكن حكى في جامع الصفار الاجماع على الوجوب معللا بوجود الولاية والمؤنة جميعا اه.
وهو ظاهر.
قوله: (ولو أدى عنهما) أي عن الزوجة والولد الكبير، وقال في البحر: وظاهر الظهيرية أنه لو أدى عمن في عياله بغير أمره جاز
مطلقا بغير تقييد بالزوجة والولد اه.
قوله: (أجزأ استحسانا) وعليه الفتوى.
خانية.
وأفاد بقوله للاذن عادة إلى وجود النية حكما، وإلا فقد صرح في البدائع بأن الفطرة لا تتأدى بدون النية.
تأمل.
قوله: (أي لو في عياله) انظر هل المراد من تلزمه نفقته أو أعم؟ ظاهر ما مر عن البحر الثاني، وهو مفاد التعليل أيضا.
تأمل.
قوله: (وعبده الآبق) لعدم الولاية القائمة ط قوله: (والمأسور) لخروجه عن يده وتصرفه فأشبه المكاتب.
بحر.
قلت: ولو كان قناملكه أهل الحرب ويخرج عن ملكه، بخلاف المدبر وأم الولد.
قوله: (إن لم تكن عليه بينة) مقتضى التصحيح الذي مر في الزكاة أن لا تجب ولو كانت عليه بينة لانه ليس كل قاض يعدل ولا كل بينة تقبل ط.
قوله: (إلا بعد عوده) راجع إلى الآبق كما في النهر والمنح، وإلى المغصوب أيضا كما في البحر.
قال ح: والظاهر أن المأسور كذلك ولذا قدره الشارح معطيا حكم قرينيه.
قلت: هذا إذا لم يملكه أهل الحرب.
قوله: (فيجب لما مضى) أي من السنين.
قهستاني.
قال الرحمتي: وليوجبوا الزكاة لما مضى في مال الضمار كما(2/398)
تقدم فلينظر الفرق.
قوله: (لان ما فيده لمولاه) إذ لا ملك له حقيقة لانه عبد ما بقي عليه درهم والعبد مملوك فلا يكون مالكا.
بدائع.
قوله: (وعبيد مشتركة) لقصور الولاية والمؤنة في حق كل واحد من الشريكين، وهذا قول الامام.
وقالا: على كل واحد ما يخصه من الرؤوس دون الاشقاص كما في الهداية، فلو كانوا أربعة أعبد يجب على كل واحد عن اثنين، ولو ثلاثة تجب عن اثنين دون الثالث.
وفي المحيط: ذكر أبا يوسف مع أبي حنيفة وهو الاصح كما في الحقائق والفتح، وفي المصفى: هذا في عبيد الخدمة ولا تجب في عبيد التجارة اتفاقا اه إسماعيل: أي لئلا يجتمع الحقان في مال واحد.
قوله: (ووجد الوقت) أي وقت الوجوب وهو طلوع فجر يوم الفطر.
قوله: (فتجب في قول) أي ضعيف كما في بعض النسخ لمخالفته لعموم إطلاق المتون والشروح.
رحمتي.
قلت: وهذا الفرع نقله في شرح المجمع وشرح درر البحار عن الحقائق، ووجه ضعفه قصور الولاية بدليل أن أحدهما لا يملك تزويجه وقصور المؤنة أيضا فإن نفقته عليهما، وسيأتي في كتاب
القسمة: لو اتفقا على أن نفقة كل عبد على الذين يخدمه جاز استحسانا بخلاف الكسوة اه: أي للمسامحة في الطعام عادة دون الكسوة.
قوله: (وتوقف الخ) لان الملك والولاية موقوفان، فكذا ما يبتني عليهما.
بحر.
قوله: (بخيار) أي للبائع أو للمشتري أو لهما لان الملك متزلزل، فإن لم يكن خيار وقبضه بعد يوم الفطر وجبت على المشتري، وإن مات قبل القبض لم تجب على أحد، وإن رد قبل القبض بخيار عيب أو رؤية فعلى البائع، وإن بعده فعلى المشتري.
خانية وتمامه في البحر.
قوله: (فإذا مر يوم الفطر) أو رد عليه أن مضيه ليس بلازم بل وجود الخيار وقت طلوع الفجر كاف على ما بين في الكفاية، ولذا قال في العناية: هذا من قبيل إطلاق الكل وإرادة البعض، وما قيل هذا لا يرد على من قال مر بل على من قال مضى كالدرر، لان المضي قتضي الانقضاء، بخلاف المرور ففيه نظر لما في القاموس: مر: أي جاز وذهب.
قوله: (على من يصير له) أي يستقر ملكه ليشمل البائع إذا كان الخيار له، واختار الفسخ لان ملكه لم يزل.
قوله: (أو دقيقه أو سويقه) الاولى أن يراعي فيهما القدر والقيمة احتياطا وإن نص على الدقيق في بعض الاخبار، هداية، لان في إسناده سليمان بن أرقم وهو متروك الحديث، فوجب الاحتياط بأن يعطي نصف صاع دقيق بر أو صاع دقيق شعير يساويان نصف صاع بر وصاع شعير، لا أقل من نصف يساوي نصف صاع بر أو أقل من صاع يساوي صاع شعير، ولا نصف لا يساوي نصف صاع بر أو صاع لا يساوي صاع شعير.
فتح.
وقوله فوجب الاحتياط مخالف لتعبير الهداية والكافي بالاولى إلا أن يحمل أحدهما على الآخر.
تأمل.
قوله: (وجعلاه كالتمر) أي في أنه يجب صاع منه.
قوله: (وهو رواية) أي أبي حنيفة كما في بعض النسح.
قوله: (وصححها البهنسي) أي في شرحه على الملتقى، والمراد(2/399)
عن أنه حكى تصيحها وإلا فهو ليس من أصحاب التصحيح.
قال في البحر: وصححها أبو اليسر ورجحها المحقق في فتح القدير من جهة الدليل، وفشرح النقاية: والاولى أن يراعي في الزبيب القدر والقيمة اه: أي بأن يكون نصف الصاع منه يساوي قيمة نصف صاع بر حتى إذا لم يصح من حيث القدر يصح من حيث قيمة البر، لكن فيه أن الصاع من الزبيب منصوص عليه في الحديث
الصحيح، فلاتعتبر فيه القيمة كما تأتي، تأمل.
قوله: (أو شعير) ودقيقه وسويقه مثله.
نهر.
قوله: (ولو رديئا) قال في البحر: وأطلق نصف الصاع والصاع، ولم يقيده بالجيد لانه لو أدى نصف صاع ردئ جاز، وإن أدى عفنا أو به عيب أدى النقصان وإن أدى قيمة الردئ أدى الفضل، كذا في الظهيرية اه.
ونقل بعض المحشين عن حاشية الزيلعي عن كفاية الشعبي لو كانت الحنطة مخلوطة بالشعير فلو الغلبة للشعير فعليه صاع، ولو بالعكس فنصف صاع.
قوله: (وما لم ينص عليه الخ) قال في البدائع: ولا يجوز أداء المنصوص عليه بعضه عن بعض باعتبار القيمة، سواء كان الذي أدى عنه من جنسه أو من خلاف جنسه بعد أن كان من المنصوص عليه، فكما لا يجوز إخراج الحنطة عن الحنطة باعتبار القيمة بأن أدى نصف صاع من حنطة جيدة عن صاع من حنطة وسط لا يجوز إخراج غير الحنطة عن الحنطة باعتبار القيمة بأن أدى نصف صاع تمر تبلغ قيمته قيمة نصف صاع من حنطة عن الحنطة بل يقع عن نفسه وعليه تكميل الباقي، لان القيمة إنما تعتبر في غير المنصوص عليه اه.
تنبيه: يجوز عندنا تكميل جنس من جنس آخر من المنصوص عليه.
ففي البحر عن النظم: لو أدى نصف صاع شعير ونصف صاع تمر أو نصف ساع تمر ومنا واحدا من الحنطة أو نصب صاع شعير وربع صاع حنطة جاز، خلافا للشافعي.
قوله: (وخبز) عدم جواز دفعه إلا باعتبار القيمة هو الصحيح لعدم ورود النص به، فكان كالذرة وغيرها من الحبوب التي لم يرد بها نص وكالاقط.
بحر.
مطلب في تحرير الصاع والمد والمن والرطل قوله: (وهو أي الصاع الخ) اعلم أن الصاع أربعة أمداد، والمد رطلان، والرطل نصف من، والمن بالدراهم مائتان وستون درهما، وبالاستار أربعون، والاستار بكسر الهمزة بالدراهم، ستة ونصف وبالمثاقيل، قيل أربعة ونصف، كذا في شرح درر البحار.
فالمد والمن سواء كل منهما ربع صاع مائة وثلاثون درهما، وفي الزيلعي والفتح: اختلف في الصاع فقال الطرفان: ثمانية أرطال بالعراقي، وقال الثاني: خمسة أرطال وثلث، وقيل لا خلاف لان الثاني قدره برطل المدينة لانه ثلاثون إستارا والعراقي عشرون، وإذا قابلت ثمانية بالعراقي بخمسة وثلث بالمديني وجدتهما سواء، وهذا هو
الاشبه لان محمدا لم يذكر خلاف أبي يوسف، ولو كان لذكره لانه أعرف بمذهبه اه.
وتمامه في الفتح.
ثم اعلم أن الدرهم الشرعي أربعة عشر قيراطا والمتعارف الآن ستة عشر، فإذا كان الصاع ألفا وأربعين درهما شرعيا يكون بالدرهم المتعارف تسعمائة وعشرة، وقد صرح الشارح في شرحه على(2/400)
الملتقى في باب زكاة الخارج بأن الرطل الشامي ستمائة درهم، وأن المد الشامي صاعان، وعليه فالصاع بالرطل الشامي رطل ونصف، والمد ثلاثة أرطال، ويكون نصف الصاع من البر ربع مد شامي، فالمد الشامي يجزي عن أربع، وهكذا رأيته أيضا محررا بخط شيخ مشايخنا إبراهيم السائحاني وشيخ مشايخنا منلا علي التركماني وكفى بهما قدوة، لكني حررت نصف الصاع في عام ست وعشرين بعد المائتين فوجدته ثمنية ونحو ثلثي ثمنية، فهو تقريبا رد مد ممسوحا من غير تكويم، ولا يخالف ذلك ما مر، لان المدفي زماننا أكبر من المد السابق، وكذا الرطل في زماننا أكبر من المد السابق، وكذا الرطل في زماننا فإنه الآن يزيد على سبعمائة درهم، وهذا بناء على تقدير الصاع بالماش أو العدس، أما على تقديره بالحنطة أو الشعير، وهو الاحوط كما يأتي قريبا فيزيد نصف الصاع على ذلك، فالاحوط إخراج ربع مد شامي على التمام من الحنطة الجيدة، والله تعالى أعلم.
قال ط: وقدر بعض مشايخي نصف الصاع بقدح وسدس بالمصري، وعن الدفري تقديره بقدح وثلث، وعليه فالربع المصري يكفي عن ثلاث.
قوله: (إنما قدر بهما) أي قدر الصاع بما يسع الوزن المذكور منهما: أي من مجموعها: أي من أي نوع منهما، لان كل واحد منهما يتساوى كيله ووزنه، إذ لا تختلف أفراده ثقلا وكبرا، فإذا ملات إناء من ماش وزنه ألف وأربعون درهما ثم ملاته من ماش آخر يكون وزنه مثل وزن الاول لعدم التفاوت بين ماش وماش آخر، وكذا لو فعلت بالعدس كذلك، بخلاف غيرهما كالبر مثلا فإن بعض البر قد يكون أثقل من البعض فيختلف كيله ووزنه فلذا قدر الصاع بالماش أو العدس فيكون مكيالا محررا يكال به ما يراد إخراجه من الاشياء المنصوصة بلا اعتبار، وزن، لانك لو كلت به شعيرا مثلا ثم وزنته لم يبلغ وزنه ألفا وأربعين درهما، ولو اعتبر الوزن لكان ما يسع ألفا وأربعين درهما من الشعير أكبر من
الصاع الذي يسع هذا القدر من الماش أو العدس وقد اعتبروا الصاع بهما، فعلم أنه لا اعتبار بالوزن أصلا في غيرهما، ويدل على ذلك أيضا قول الذخيرة: قال الطحاوي: الصاع ثمانية أرطال مما يستوي كيله ووزنه، ومعناه أن العدس والماش يستوي كيله ووزنه، حتى لو وزن من ذلك ثمانية أرطال ووضع في الصاع لا يزيد ولا ينقص، وما سوى ذلك تارة يكون الوزن أكثر من الكيل كالشعير وتارة بالعكس كالملح، فإذا كان المكيال يسع ثمانية أرطال من العدس والماش فهو الصاع الذي يكال به الشعير والتمر والحنطة اه.
وذكر نحوه في الفتح ثم قال: وبهذا يرتفع الخلاف في تقدير الصاع كيلا أو وزنا ومراده بالخلاف ما ذكره قبله حيث قال: ثم يعتبر نصف صاع من بر من حيث الوزن عند أبي حنيفة: لانهم لما اختلفوا في أن الصاع ثمانية أرطال أو خمسة وثلث كان إجماعا منهم أنه يعتبر بالوزن.
وروى ابن رستم عن محمد أنه إنما يعتبر بالكيل حتى لو دفع أربعة أرطال لا يجزيه لجواز كون الحنطة ثقيلة لا تبلغ نصف صاع اه.
وفي ارتفاع الخلاف بما ذكر تأمل، فإن المتبادر من اعتبار نصف الصاع بالوزن عند أبي حنيفة اعتبار وزن البر ونحوه مما يريد إخراجه لاعتباره بالماش والعدس.
والظاهر أن اعتباره بهما مبني على رواية محمد، وأن الخلاف متحقق، وعن هذا ذكر صدر الشريعة في شرح الوقاية أن الاحوط تقدير الصاع بثمانية أرطال من الحنطة الجيدة لانه إن قدر الماش يكون أصغر ولا يسع ثمانية أرطال من الحنطة لانه أثقل منها وهي أثقل من الشعير، فالمكيال الذي يملا بثمانية أرطال من الماش يملا بأقل من ثمانية أرطال من الحنطة الجيدة المكتنزة اه.(2/401)
مطلب في مقدار الفطرة بالمد الشامي قلت: وبهذا يخرج عن العهدة بيقين على روايتي تقدير الصاع كيلا أو وزنا فلذا كان أحوط، ولكن على هذا الاحوط تقديره بالشعير، ولهذا نقل بعض المحشين عن حاشية الزيلعي للسيد محمد أمين ميرغني أن الذي عليه مشايخنا بالحرم الشريف المكي ومن قبلهم من مشايخهم وبه كانوا يفتون تقديره بثمانية أرطال من الشعير، ولعل ذلك ليحتاطوا في الخروج عن الواجب بيقين لما في مبسوط السرخسي من أن الاخذ بالاحتياط في باب العبادات واجب اه.
فإذا قدر بذلك فهو يسع ثمانية
أرطال من العدس ومن الحنطة، ويزيد عليها ألبتة، بخلاف العكس، فلذا كان تقدير الصاع بالشعير أحوط اه.
ولهذا قدمنا أن الاحوط في زماننا إخراج ربع شامي تام.
قوله: (ودفع القيمة) أطلقها فشمل قيمة الحنطة وغيرها خلافا لمحمد.
قال في التاترخانية عن المحيط: وإذا أراد أن يعطي قيمة الحنطة أو الشعير أو التمر يؤدي قيمة، أي الثلاث شاء عندهما.
وقال محمد: يؤدي قيمة الحنطة.
قوله: (أي الدراهم) ربما يشعر أنها المرادة بالقيمة مع أن القيمة تكون أيضا من الفلوس والعروض كما في البدائع والجوهرة، ولعله اقتصر على الدراهم تبعا للزيلعي لبيان أنها الافضل عند إرادة دفع القيمة، لان العلة في أفضلية القيمة كونها أعون على دفع حاجة الفقير لاحتمال أنه يحتاج غير الحنطة مثلا من ثياب ونحوها، بخلاف دفع العروض، وعلى هذا فالمراد بالدراهم ما يشمل الدنانير.
تأمل.
قوله: (على المذهب المفتى به) مقابله ما في المضمرات من أن دفع الحنطة أفضل في الاحوال كلها، سواء كانت أيام شدة أم لا، لان في هذا موافقة السنة، وعليه الفتوى.
منح.
فقد اختلف الافتاء ط.
قوله: (وهذا) أي كون دفع القيمة أفضل.
قوله: (كما لا يخفى) يوهم أنه بحث منه مع أنه عزاه في التاترخانية إلى محمد بن سلمة.
وقال في النهر: وهو حسن.
قوله: (بطلوع الفجر) أي الفجر الثاني، وعند الشافعي بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان.
بدائع.
قوله: (متعلق بيجب) أي المذكور أول الباب.
قوله: (لا تجب عليه) لانه وقت الوجوب ليس بأهل.
نهر.
وكذا لو افتقر قبله أو أيسره بعده كما في الهندية.
قوله: (عملا بأمره وفعله عليه الصلاة والسلام) رواه الحاكم من حديث ابن عمر كما بسطه في الفتح.
قوله: (أو أخره) قدمنا الكلام عليه أول الباب.
قوله: (اعتبارا بالزكاة) أي قياسا عليها.
واعترضه في الفتح بأن حكم الاصل على خلاف القياس فلا يقاس عليه، لان التقديم وإن كان بعد السبب هو قبل الوجوب.
وأجاب في البحر بأنها كالزكاة بمعنى أنه لا فارق، لا أنه قياس اه.
وفيه نظر، والاولى الاستدلال بحديث البخاري، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين.
قال في الفتح: وهذا مما لا يخفى على النبي (ص)، بل لا بد من كونه بإذن(2/402)
سابق، فإن الاسقاط قبل الوجوب مما لا يعقل فلم يكونوا يقدموا عليه إلا بسمع اه.
قوله: فكان
هو المذهب) نقل في البحر اختلاف التصحيح، ثم قال: لكن تأيد التقييد بدخول الشهر بأن الفتوى عليه فليكن العمل عليه، وخالفه في النهر بقوله: واتباع الهداية أولى.
قال في الشرنبلالية: قلت: ويعضده أن العمل بما عليه الشروح والمتون، وقد ذكر مثل تصحيح الهداية في الكافي والتبيين وشروح الهداية.
وفي البرهان وابن كمال باشا وفي البزازية: الصحيح جواز التعجيل لسنين، رواه الحسن عن الامام اه.
وكذا في المحيط اه.
قلت: وحيث كان في المسألة قولان مصححان تخير المفتي بالعمل بأيهما، إلا إذا كان لاحدهما رجح ككونه ظاهر الرواية أو مشى عليه أصحاب المتون والشروح أو أكثر المشايخ كما بسطناه أول الكتاب، وقد اجتمعت هذه المرجحات هنا للقول بالاطلاق فلا يعدل عنه، فافهم.
قوله: (إلى مسكين) يغني عنه ما بعده لفهمه بالاولى ط.
قوله: (فكان هو المذهب) كذا قال في البحر ردا على ظاهر ما في الزيلعي هنا والفتح من أن المذهب المنع، وأن القائل بالجواز إنما هو الكرخي اه.
وكذا رده العلامة نوح بأن الامر بالعكس، فإن المانعين جمع يسير والمجوزين جم غفير، والاعتماد على ما عليه الجم الكثير.
قوله: (والامر في حديث أغنوهم) هو ما خرجه الدارقطني وابن عدي والحاكم في علوم الحديث عن ابن عمر بلفظ: أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم نوح.
وهذا الجواب عما يقال إن الاغناء لا يحصل إلا بدفعها جملة فيجب عملا بالامر.
والجواب أن الامر للندب وإلا لم يجز التقديم والتأخير، وقد مر الدليل على جوازهما أول الباب، وذلك قرينة على أن الامر هنا للندب، فخلافه لا يكره تحريما بل تنزيها.
ويتحصل من هذا الجواب أن الدفع إلى متعدد مكروه تنزيها ككراهة التأخير، إلا أن يفرق بأنه لو أخر الناس عن اليوم لم يحصل الاغناء أصلا، بخلاف ما لو فرقوا لحصول الاغناء بالمجموع كما علل به الكرخي فلم يكن مخالفا لامر الندب لانه أمر للمجموع لا للافراد، بقرينة أن ذا العيال لا يستغني بفطرة شخص واحد ولا يؤمر ذلك الواحد بإغنائه.
تأمل.
وما في البحر من أن التحقيق أنه بالتأخير يكون قاضيا لا مؤديا فيأثم للحديث: تبع فيه صاحب الفتح وقدمنا أول الباب ترجيح خلافه، فافهم.
قوله: (يعتد به) تصحيح لنفي المصنف الخلاف تبعبا البحر بأن المراد نفي خلاف
خاص، لانه قد صرح في مواهب الرحمن بالخلاف في المسألتين بقوله: ويجوز أخذ واحد من جمع ودفع واحدة لجمع على الصحيح فيهما اه.
قلت: ولعل محل الخلاف هنا ما إذا خلط الجماعة صدقاتهم ودفعوها لواحد، أما لو دفع كل(2/403)
واحد بانفراده للواحد فيبعد جريان الخلاف في الجواز وعدمه، فليتأمل.
قوله: (أمرها زوجها) أفاد أنها إن أدت عنه بدون إذنه لم يجزه.
ط عن أبي السعود.
قوله: (بغير إذن الزوج) أما لو بإذنه لا تملكه بالخلط فيجزئ عنه ط.
قوله: (لا عنه) لانه أمرها بالدفع من ماله وقد ملكته بالخلط بدون إذنه فكانت متبرعة ولزمها ضمان حنطته.
قلت: وينبغي تقييده بما إذا لم يجز الزوج ما فعلت أو لم توجد دلالة الاذن لما في الفصل التاسع من زكاة التاترخانية: دفع رجلان لرجل دراهم يتصدق بها عن زكاتهما فخلطها ثم دفعها ضمن، إلا إذا جدد الاذن أو أجاز المالكن أو وجد دلالة الاذن بالخلط كما جرت العادة بالاذن من أرباب الحنطة بخلط ثمن الغلات، وكذا الطحان ضمن إذا خلط حنطة الناس إلا في موضع يكون مأذونا بالخلط عرفا اه ملخصا.
قوله: (لما مر) أي قبيل باب زكاة المال.
قوله: (فيجوز إن أجاز الزوج) أي يجوز عنه أيضا، ولا حاجة إلى التقييد بالاجازة بعد قوله أولا أمرها زوجها إلا أن يقال: إنه إشارة إلى الجواز وإن لم يوجد الامر ابتداء، لكن لا بد في جواز الاجازة من كون الحنطة قائمة في يد الفقير.
ففي التاترخانية سئل البقالي عمن تصدق بطعام الغير عن صدقة الفطر، قال: توقفت على إجازة المالك فتعتبر شرائطها من قيام العين ونحوه فإن لم يجز ضمن اه.
وفيها من الفصل التاسع أيضا عن شرح الطحاوي: تصدق بماله عن رجل بلا أمره جاز عن نفسه وإن أجازه الرجل ولو بمال الرجل، فإن أجازه والمال قائم جاز عنه، ولو هالكا جاز عن المتطوع.
قوله: (ولو بالعكس) بأن أمرته بأداء فطرتها فخلط حنطتها بحنطته ط.
وقوله: (مقتضى ما مر) أي قوله: ولو أدى عنها بلا إذن أجزأ استحسانا للاذن عادة فإنه يدل على جواز أدائه عنها من ماله، وإذا خلط حنطتها بحنطته في مسألتنا صارت ملكه فيجوز عنه وعنها.
ومثله في التاترخانية وغيرها: رجل له أولاد وامرأة كال الحنطة لاجل كل واحد منهم حتى يعطي صدقة
الفطر ثم جمع ودفع إلى الفقير بنيتهم يجوز عنهم اه.
قلت: لكن قد يقال: إن دفعها الحنطة إليه من مالها قرينة على أنها أرادت أداء الفطر من مالها لتنال فضيلة صدقة، وذلك ينافي إذنها له عادة بالدفع من ماله فينبغي عدم الجواز حيث أرادت ذلك.
تنبيه: ما نقلناه عن التاترخانية دليل على جواز الجمع، وأنه لا يلزمه إفراز كل فطرة عن غيرها عند الدفع، ولكن لينظر أن الافراز أولا شرط أم لا؟ بل يكفيه دفع مد شامي مثلا جملة واحدة عن أربعة، ويكون قوله: كال الحنطة الخ بيانا للواقع: لم أه، وينبغي الثاني لحصول المقصود، ومثله يقال فيما لو أراد دفع قيمة الحنطة وعن عياله، والاحوط إفراز كل واحدة حتى يرى نقل صريح في المسألة، والله أعلم.
قوله: (ولا يبعث الخ) في الحديث الصحيح أنه جعل أبا هريرة على صدقة الفطر، فكان يقبل من جاءه بصدقته من غير أن يذهب إليهم.
رحمتي.
قلت: فالمراد أنه لا يبعث عاملا كعامل الزكاة يذهب إلى القبائل بنفسه فلا ينافي ما في(2/404)
الحديث.
تأمل.
قوله: (في المصارف) أي المذكورة في آية الصدقات إلا العامل الغني فيما يظهر، ولا تصح إلى من بينهما أولاد أو زوجية، ولا إلى غني أو هاشمي ونحوهم ممن مر في باب المصرف، وقدمنا بيان الافضل في المتصدق عليه.
قوله: (وفي كل حال) ليس المراد تعميم الاحول مطلقا من كل وجه، فإن لكل شروطا ليست للاخرى، لانه يشترط في الزكاة الحول والنصاب النامي والعقل والبلوغ وليس شئ من ذلك شرطا هنا، بل المراد في أحوال الدفع إلى المصارف من اشتراط النية واشتراط التمليك فلا تكفي الاباحة كما في البدائع، هذا ما ظهر لي.
تأمل.
فرع: قدمنا في المصرف عن التاترخانية: لو دفع الفطرة إلى الطبال الذي يوقظهم وقت السحر جاز، إلا أن الاحوط والابعد عن الشبهة أن يقدم إليه قرصات هدية ثم يعطيه الحنطة اه.
قوله: (إلا في جواز الدفع إلى الذمي) في الخانية جاز ويكره، وعند الشافعي وإحدى الروايتين عن أبي
يوسف: لا يجوز تاترخانية.
وقدم عن الحاوي أن الفتوى على قول أبي يوسف، ومر الكلام فيه.
تنبيه: ينبغي استثناء العامل كما قلنا آنفا لانها ليست من عمالته.
قوله: (وقد مر) كل من المسألتين: أما الاولى ففي باب المصرف، وأما الثانية ففي هذا الباب ح.
قوله: (وإن كانت نفقتها عليه) أي على الدافع باعتبار التزامه بذلك تبرعا وجعله إياها من جملة عياله، وإلا فنفقتها على زوجها ولذا لها بيعه بها، وقد يقال: إنها على السيد حكما لان العبد ملكه، فإذا كان لها بيعه بها صارت كأنها واجبه في ماله، ويحتمل إرجاع الضمير إلى العبد ووجه المبالغة أنها إذا كانت نفقتها عليه وهو ملك لسيده ربما يتوهم عدم الجواز، فافهم.
قوله: (واجبات الاسلام سبعة) عزاه صاحب الجوهرة إلى الامام المحبوبي، وقد تقرر في الاصول أن العدد لا مفهوم له، أو يقال إن واجبات خبر مقدم وسبعة مبتدأ مؤخر.
والمعنى: أن هذه السبعة من واجبات الاسلام، ولعل لها خصوصية اشتركت فيها من بين سائر الواجبات فلا يرد ما في ط من أنه إن أراد المشتهر منها فغير مسلم لانه فاته صلاة العيدين والجماعة وغيرهما وإن أراد مطلق واجب ففي الصلاة والحج وغيرهما واجبات لا تحصى، ومراده بالواجب ما يعم الواجب ديانة كخدمة المرأة لزوجها والفرض العملي كالوتر، وعد العمرة منها بناء على القول بوجوبها، وسيأتي اختلاف التصحيح فيه، والله تعالى أعلم.(2/405)
كتاب الصوم قال في الايضاح: اعلم أن الصوم من أعظم أركان الدين وأوثق قوانين الشرع المتين، به قهر النفس الامارة بالسوء، وأنه مركب من أعمال القلب، ومن المنع عن المآكل والمشارب والمناكح عامة، يومه، وهو أجمل الخصال، غير أنه أشق التكاليف على النفوس، فاقتضت الحكمة الالهية أن يبدأ في التكاليف بالاخف، وهو الصلاة تمرينا للمكلف ورياضة له، ثم يثني بالوسط هو الزكاة، ويثلث بالاشق وهو الصوم، وإليه وقعت الاشارة في مقام المدح والترتيب.
* (والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات) * وفي ذكر مباني الاسلام وإقامة الصلاة وإيتاء
الزكاة وصوم شهر رمضان فاقتدت أئمة الشريعة في مصنفاتهم بذلك اه.
كذا في شرح ابن الشلبي.
قوله: (قيل) قائله صاحب البحر.
قوله: (لما في الظهيرية الخ) وجه الاستشهاد أن هذا الفرع يدل على أن الصيام جمع أقله ثلاثة أيام كما في الآية، فإن فدية اليمين صوم ثلاثة أيام، فكان التعبير به أولى لدلالته على التعدد فإن الترجمة لانواع الصيام الثلاثة: أعني الفرض والواجب والنفل.
قوله: وتعقب الخ) المتعقب صاحب النهر.
وحاصل كلام الشارح أن الصوم اسم جنس له أنواع وهي الثلاثة المذكورة، فحيث عبر عنه بالصوم أو الصيام يراد منه أنواعه المترجم لها، لا ثلاثة أيام فأكثر.
قال في المغرب: يقالص صام صوما وصياما فهوصائم وهو صوم وصيام اه.
فأفاد أن مدلول كل من الصوم والصيام واحد، ولا دلالة في واحد منهما على التعدد، ولذا قال القاضي في تفسير قوله تعالى: * (ففدية من صيام) * أنه بيان لجنس الفدية، وأما قدرها فبينه عليه الصلاة والسلام في حديث كعب اه.
نعم يأتي الصيام جمعا لصائم كما علمته، لكن لا تصح إرادته هنا ولا في الآية كما لا يخفى، ولو سلم أن الصيام جمع لافراد الصوم فلا أولوية في العدول إليه، لان أل الجنسية تبطل معنى الجمعية فيتساوى التعبير بالصوم وبالصيام، هذا تقرير الشارح على وفق ما في النهر، فافهم، وعلى هذا فيشكل ما مر عن الظهيرية، وإن قال في النهر: لعل وجهه أنه أريد بلفظ صيام في لسان الشارع ثلاثة أيام، فكذا في النذر خروجا عن العهدة، بخلاف صوم اه: يعني أن لفظ صيام وإن لم يكن جمعا لكنه لما أطلق في آية الفدية مرادا به ثلاثة أيام كما بين إجماله الحديث فيراد في كلام الناذر كذلك احتياطا، فتأمل.
قوله: (والاصح الخ) قال بعضهم: الصحيح ما رواه محمد عن مجاهد ولم يحك خلافه أنه كره أن يقال: جاء رمضان، وذهب رمضان، لانه اسم من أسمائه تعالى، وعامة المشايخ أنه لا يكره لمجيئه في الاحاديث الصحيحة كقوله (ص): من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، وعمرة في رمضان تعدل حجة ولم يثبت في المشاهير كونه من أسمائه تعالى، ولئن ثبت فهو من الاسماء المشتركة كالحكيم، كذا في الدراية.(2/406)
واعلم أنهم أطبقوا على أن العلم في ثلاثة أشهر هو مجموع المضاف والمضاف إليه شهر رمضان وربيع الاول والآخر فحذف شهر هنا من قبيل حذف بعض الكلمة، وإلا أنهم جوزوه لانهم أجروا مثل هذا العلم مجرى المضاف والمضاف إليه حيث أعربوا الجزأين، كذا في شرح الكشاف للسعد.
نهر.
ومقتضاه أن رجب ليس منها خلافا للصلاح الصفدي، وتبعه من قال: ولا تضف شهرا للفظ شهر إلا الذي أوله الرا فادر ولذا زاد بعضهم قوله: واستثن من رجبا فيمتنع لانه فيما رووه ما سمع قوله: (إمساك مطلقا) أي عن طعام أو كلام، وظاهره أنه حقيقة لغوية في الجميع وهو ما يفيده عبارة الصحاح، وفي المغرب: هو إمساك الانسان عن الاكل والشرب، ومن مجازه: صام الفرس إذا لم يعتلف، وقول النابغة: خيل صيام وخيل غير صائمة نهر.
قوله: (عن المفطرات الآتية) أشار بالآتية إلى أن للعهد، وأن المراد الاشياء المعدودة المعلومة في باب مفسدات الصوم فلا تتوقف معرفتها على معرفته فلا دور، فافهم.
قوله: (فإنه ممسك حكما) لحكم الشارع بعدم اعتبار ذلك الاكل مثلا.
قوله: (وهو اليوم) أي اليوم الشرعي من طلوع الفجر إلى الغروب، وهل المراد أول زمان الطلوع أو انتشار الضوء؟ فيه خلاف كالخلاف في الصلاة، والاول أحوط والثاني أوسع كما قال الحلواني كما في المحيط، والمراد بالغروب: زمان غيبوبة جرم الشمس بحيث تظهر الظلمة في جهة الشرق، قال (ص): إذا أقبل الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم أي إذا وجدت الظلمة حسا في جهة المشرق فقد ظهر وقت الفطر أو صار مفطرا في الحكم، لان الليل ليس ظرفا للصوم، وإنما أدى بصورة الخبر ترغيبا في تعجيل الافطار كما في فتح الباري.
قهستاني.
قوله: (مسلم الخ) بيان للشخص المخصوص.
قوله: (كائن في دارنا الخ) أنت خبير بأن الكلام في بيان حقيقة الصوم شرعا: أي ما يمكن أن يتحقق به، ولا يخفى أن الصوم الذي هو الامساك عن المفطرات نهارا بنيته يتحقق من المسلم الخالي عن حيض ونفاس، سواء كان في
دار الاسلام أو دار الحرب، علم بالوجوب أولا، على أن الكلام في تعريف الصوم فرضا أو غيره، والعلم بالوجوب أو الكون في دار الاسلام إنما هو شرط لوجوب رمضان كالعقل والبلوغ لا شرط للصحة، فالمناسب الاقتصار على قوله: طاهر الخ ثم رأيت الرحمتي ذكر نحو ما قلته، فافهم.
قوله: (أو عالم بالوجوب) أي أو كائن في غير دارنا عالم بالوجوب فالكون بدار الاسلام موجب للصوم، وإن لم يعلم بوجوبه، إذ لا يعذر بالجهل في دار الاسلام، بخلاف من أسلم في دار(2/407)
الحرب ولم يعلم به فإنه لا يجب عليه ما لم يعلم، فإذا علم ليس عليه قضاء ما مضى، إذ لا تكليف بدون العلم ثمة للعذر بالجهل، وإنما يحصل له العلم الموجب بإخبار رجلين أو رجل وامرأتين مستورتين أو واحد عدل، وعندهما لا تشترط العدالة ولا البلوغ والحرية كما في إمداد الفتاح.
قوله: (طاهر عن حيض أو نفاس) أي خال عنهما، وإلا فالطهارة عن حدثهما غير شرط.
قوله: (المعهودة) هي نية الشخص المذكور الصوم في وقتها الآتي بيانه.
قوله: (وأما البلوغ والافاقة الخ) جواب عما قد يقال: لم لم تقيد الشخص المخصوص بالبلوغ والافاقة من الجنون أو الاغماء أو النوم؟ وبيان الجواب: أن الكلام في تعريف الصوم الشرعي وذلك بذكر ركنه، وهو الامساك المذكور وذكر ما تتوقف عليه صحته وهي ثلاثة: الاسلام، والطهارة عن الحيض والنفاس، والنية كما في البدائع، ولم يذكر في الفتح الاسلام لاغناء النية عنه، إذ لا تصح بدونه، وليس البلوغ والافاقة من شروط الصحة لصحته بدونهما كما ذكره، نعم هما من شروط وجوب رمضان وهي أربعة ثالثها الاسلام ورابعها العلم بالوجوب أو الكون في دارنا فلا محل للتقييد بهما.
على أن الكلام في تعريف مطلق الصوم لا خصوص صوم رمضان كما مر، ولذا لم يذكر شروط وجوب أدائه، وهي ثلاثة: الصحة والاقامة والخلو من حيض ونفاس.
قوله: (وحكمه) أي الاخروي، أما حكمه الدنيوي فهو سقوط الواجب إن كان صوما لازما.
بحر.
قوله: (ولو منهيا عنه) كصوم الايام الخمسة إذ النهي لمعنى مجاور وهو الاعراض عن ضيافة الله تعالى، وهو يفيد أن في صومها ثوابا كالصلاة في الارض المغصوبة.
ذكر في النهر ردا على البحر قوله: إنه لا ثواب في صوم الايام المنهية، فكلام الشارح بحث لصاحب النهر ط.
قلت: صرح في التلويح بأن الخلاف بيننا وبين الشافعي في أن النهي يقتضي الصحة عندنا بمعنى استحقاق الثواب وسقوط القضاء وموافقة أمر الشارع، ثم نقل عن الطريقة المعينة ما حاصله أن الصوم في هذه الايام ترك للمفطرات الثلاث وإعراض عن الضيافة، فمن حيث الاول يكون عبادة مستحسنة، ومن حيث الثاني يكون منهيا، لكن الاول بمنزلة الاصل والثاني بمنزلة التابع فبقي مشروعا بأصله غير مشروع بوصفه اه.
لكن بحث محشيه الفنري في إرادة استحقاق الثواب: بل المراد ما سواها، والصحة لا تقتضي الثواب كالوضوء بلا نية والصلاة مع الرياء اه.
قلت: ويؤيده وجوب الفطر بعد الشروع وتصريحهم بأنه معصية.
قوله: (ويلغو التعيين) من هذا يؤخذ أنه لو نذر صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع يصح صوم غيرهما عنهما ط.
قلت: وهذا في غير النذر المعلق لما سيأتي قبيل الاعتككاف من قوله: والنذر غير المعلق لا يختص بزمان ومكان ودرهم وفقير، بخلاف المعلق فإنه لا يجوز تعجيله قبل وجود الشرط اه: أي لان المعلق على شرط لا ينعقد سببا للحال، وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة هناك قوله: (والكفارات) أي سبب صومها الحنث والتقل: أي قتل النفس خطأ أو قتل الصيد محرما، والاولى(2/408)
قول الفتح، وسبب صوم الكفارات أسبابها من الحنث والقتل اه.
لان منها العزم على العود في الظاهر والافطار في فطر رمضان والحلق في حلق المحرم لعذر.
قوله: (على المختار) اختاره السرخسي بحر.
قوله: (وغيره) كالامام الدبوسي وأبي اليسر.
بحر.
قوله: (الذي يمكن إنشاء الصوم فيه) وهو ماكان من طلوع الفجر الصادق إلى قبيل الضحوة الكبرى، أما الليل والضحوة وما بعدها فلا يمكن إنشاء الصوم فيهما، والموجود في الليل مجرد النية لا إنشاء الصوم ط.
لكن صرح في البحر بأن السبب هو الجزء الذي لا يتجزأ من كل يوم فيجب مقارنا إياه اه.
وهذا يقتضي أنه الجزء الاول من كل يوم كما صرح به غيره أيضا، وصرح به هو في فصل العوارض عند قول الكنز: ولو بلغ صبي أو أسلم كافر الخ، ودفع ما أورده ابن الهمام من أنه يلزم مقارنة السبب للوجوب أو تقدم الوجوب على السبب بأنه يجومقارنته له للضرورة، كما لو شرع في الصلاة في أول جزء من
الوقت فإنه يسقط اشتراط تقدم السبب على الوجوب المسبب للضرورة كما صرح به في الكشف الكبير، وتمام الكلام هناك فتأمل.
قوله: (حتى لو أفاق المجنون في ليلة) أي من أول الشهر أو وسطه ثم جن قبل أن يصبح ومضى الشهر وهو مجنون.
بحر.
وقوله: أو في آخر أيامه بعد الزوال كذا وقع في البحر وغيره، والاحسن قول الامداد: وفيما بعد الزوال من يوم منه، ومثله في شرح التحرير.
وفي نور الايضاح، ولا يلزمه قضاؤه بإفاقته ليلا أو نهارا بعد فوات وقت النية في الصحيح.
قلت: ولعل التقييد بآخر يوم منه مبني على أن المراد الافاقة التي لم يعقبها جنون، فإنها إذا كانت في وسطه لا شك في وجوب القضاء، والمراد بما بعد الزوال ما بعد نصف النهار الشرعي: أي ما بعد الضحوة الكبرى كما مر آنفا، أو هو مبني على قول القدوري كما يأتي تحريره، فافهم.
تنبيه: تفريع هذه المسألة على ما ذكره من الاختلاف في السبب يخالفه ما في الهداية حيث جمع بين القولين بأنه لا منافاة، فشهود جزء منه سبب لكله، ثم كل يوم سبب وجوب أدائه، غاية الامر أنه تكرر سبب وجوب صوم اليوم باعتبار خصوصه ودخوله في ضمن غيره كما في الفتح، ويؤيد ما قلناه قول ابن نجيم في شرح المنار: ولم أر من ذكر لهذا الخلاف ثمرة في الفروع اه.
تأمل.
قوله: (كما في المجتبى) ونصه: ولو أفاق أول ليلة من رمضان ثم أصبح مجنونا واستوعب كل الشهر اختلف أئمة بخارى فيه، والفتوى على أنه لا يلزمه القضاء لان الليلة لا يصام فيها، وكذا إن أفاق في ليلة من وسطه أو في آخر يوم من رمضان بعد الزوال وقبل الزوال يلزمه.
قوله: (وصححه غير واحد) كصاحب النهاية والظهيرية.
بحر وقضيخان والعناية شرنبلالية.
ومشى عليه الاسبيجابي وحميد الدين الضرير من غير حكاية خلاف شرح التحرير، ومشى عليه في نور الايضاح.
قلت: وكذا نقل تصحيحه في الذخيرة، لكن نقل أيضا تصحيح لزوم القضاء، ومشى عليه في الفتح قائلا: لا فرق بين إفاقته وقت النية أو بعده، وفي شرح الملتقى للبهنسي أنه ظاهر الرواية.(2/409)
قلت: ومثله في شرح التحرير عن الكشف، وعزاه في البدائع إلى أصحابنا ولم يحك غيره،
وكذا في السراج، وجزم به الزيلعي، وهو ظاهر القدوري والكنز والهداية حيث أطلقوا لزوم القضاء بإفاقة بعض الشهر، وكذا في الجامع الصغير قال: وإن أفاق شيئا منه قضاه، وعبر في الملتقى بإفاقة ساعة، وفي المعراج: لو كان مفيقا في أول ليلة منه ثم جن وأصبح مجنونا إلى آخر الشهر قضاه كله بالاتفاق غير يوم تلك الليلة، ثم نقل عبارة المجتبى المارة.
والحاصل أنهما قولان مصححان، وأن المعتمد الثاني لكونه ظاهر الرواية والمتون.
قوله: (وهو أقسام ثمانية) فرض معين وغير معين وواجب كذلك، ونفل مسنون أو مستحب ومكرو تتنزيها أو تحريما.
قوله: (معين) أي له وقت خاص.
قوله: (لكنه) أي صوم الكفارات.
قوله: (تبعا لابن الكمال) حيث قال في إيضاح الاصلاح: وصوم النذر والكفارة واجب لم ينعقد الاجماع على فرضية واحد منهما، بل على وجوبه: أي ثبوته عملا لا علما ولهذا لا يكفر جاحده اه.
وحاصله أنه وإن ثبت لزوم كل منهما عملا بالكتاب والاجماع لكن لم يثبت لزومهما علما بحيث يكفر جاحد فرضيتهما كما هو شأن الفروض القطعية كرمضان ونحوه، وعلى هذا فكان المناسب ذكر الكفارات في قسم الواجب كما فعل ابن الكمال، لان الفرض العملي الذي هو أعلى قسمي الواجب ما يفوت الجواز بفوته كالوتر وهذا ليس منه.
قوله: (كالنذر المعين) أي بوقت خاص كنذر صوم يوم الخميس مثلا، وغير المعين كنذر صوم يوم مثلا، ومن الواجب صوم التطوع بعد الشروع فيه وصوم قضائه عند الافساد وصوم الاعتكاف.
قوله: (وأما قوله تعالى الخ) أي أن مقتضى ثبوت الامر به في الآية القطعية كونه فرضا والجواب أنه خص منها النذر بالمعصية بالاجماع فصارت ظنية الدلالة فتفيد الوجوب، وفيه بحث لصاحب العناية مذكور مع جوابه في النهر.
قوله: (قائله الاكمل) فيه أن الاكمل قرر في العناية الوجوب، إلا أن يكون وقع له في غير هذا الموضع، والذي في البحر وغيره أن قائله الكمال، فلعله سبق قلم الشارح لتشابه اللفظين.
أفاده ح.
وكلام الكمال في الفتح حاصله أن الفرضية مستفادة من الاجماع على اللزوم لا من الآية لتخصصها كما علمت.
قوله: (لكن تعقبه سعدي الخ) أي في حاشية العناية، فإنه نقل عبارة الفتح ثم اعترضه بأنه ليس على ما ينبغي لما في أوائل كتاب السير من المحيط البرهاني والذخيرة: الفرق
بين الفريضة والواجب ظاهر نظرا إلى الاحكام، حتى إن الصلاة المنذورة لا تؤدي بعد صلاة العصر وتقضي الفوائت بعد صلاة للعصر اه.
وحاصله: أن ما ذكر صريح في أن المنذور واجب لافرض.
قوله: (يعني عملا) هذا صلح(2/410)
بما لا يرتضيه الخصمان، فإن المستدل على فرضيته بالآية أراد به أنه فرض قطعي كما صرح به في الدرر لا ظني، ولذا اعترض في الفتح الاستدلال بالآية بأنها لا تفيد الفرضية لما مر من تخصيصها، وعدل عنه كصدر الشريعة إلى الاستدلال بالاجماع.
قوله: (كما بسطه خسرو) أي في الدرر حيث أجاب عن قول صدر الشريعة: إن المنذور فرض لان لزومه ثابت بالاجماع، فيكون قطعي الثبوت بأن المراد بالفرض هاهنا الفرض الاعتقادي الذي يكفر جاحده كما تدل عليه عبارة الهداية، والفرضية بهذا المعنى لا تثبت بمطلق الاجماع، بل بالاجماع على الفرضية المنقول بالتواتر كما في صوم رمضان، ولما لم يثبت في المنذور نقل الاجماع على فرضيته بالتواتر بقي في الوجوب، فإن الاجماع المنقول بطريق الشهرة أو الآحاد يفيد الوجوب دون الفرضية بهذا المعنى اه.
قلت: وظاهر كلامه وجود الاجماع على فرضية المنذور، لكن لما لم ينقل متواترا بل بطريق الشهرة أو الآحاد أفاد الوجوب، والاظهر ما مر عن ابن الكمال من أن الاجماع على ثبوته عملا لا علما.
والحاصل أن العلماء أجمعوا على لزوم الكفارات والمنذورات الشرعية، ولا يلزم من ذلك الفرضية القطعية اللازمة منها إكفار الجاحد لها.
تنبيه: في شرح الشيخ إسماعيل عن ذخيرة العقبي: اعلم أنه قد اضطرب كلام المؤلفين في كل من النذور والكفارات.
فصاحب الهداية والوقاية فرض، وصدر الشريعة واجب، والزيلعي الاول واجب والثاني فرض، وابن ملك بالعكس، وتوجيه كل ظاهر إلا الاخير.
قوله: (ونفل) أراد به المعنى الغوى وهو الزيادة لا الشرعي وهو زيادة عبادة شرعية لنا لا علينا، لانه أدخل فيه المكروه بقسميه.
وقد يقال: إن المراد المعنى الشرعي لما قدمناه من أن الصوم في الايام المكروهة من حيث
نفسه عبادة مستحسنة، ومن حيث تضمنه الاعراض عن الضيافة يكون منهيا فبقي مشروعا بأصله دون وصفه.
تأمل.
قوله: (يعم السنة) قدمنا في بحث سنن الوضوء تحقيق الفرق بين السنة والمندوب.
وأن السنة ما واظب عليها النبي (ص) أو خلفاؤه من بعده، وهي قسمان: سنة الهدى وتركها يوجب الاساءة والكراهة كالجماعة والاذان، وسنة الزوائد كسير النبي (ص) في لباسه وقيامه وقعوده، ولا يوجب تركها كراهة.
والظاهر أن صوم عاشوراء من القسم الثاني، بل سماه في الخانية مستحبا فقال: ويستحب أن يصوم يوم عاشوراء بصوم يوم قبله أو يوم بعده ليكون مخالفا لاهل الكتاب، ونحوه في البدائع، بل مقتضى ما ورد من أن صومه كفارة للسنة الماضية وصوم عرفة كفارة للماضية والمستقبلة كون صوم عرفة آكد منه، وإلا لزم كون المستحب أفضل من السنة، وهو خلاف الاصل.
تأمل.
قوله: (والمندوب) بالنصب عطف على السنة، ولم يذكر المستحب لعدم الفرق بينه وبين المندوب عند الاصوليين، وهو ما لم يواظب عليه (ص) وإن لم يفعله بعد ما رغب إليه كما في التحرير.
وعند الفقهاء: المستحب ما فعله (ص) مرة وتركه أخرى، والمندوب: ما فعله مرة أو مرتين تعليما للجواز، وعكس في المحيط.
وقول الاصوليين أولى لشموله ما رغب فيه ولم يفعله كما(2/411)
ذكره في البحر من كتاب الطهارة لكنه فرق بينهما هنا فقال: ينبغي أن يكون كل صوم رغب فيه الشارع (ص) بخصوصه مستحبا وما سواه مما لم تثبت كراهته يكون مندوبا لا نفلا لان الشارع قد رغب في مطلق الصوم فترتب على فعله الثواب، بخلاف النفلية المقابلة للندبية فإن ظاهره يقتضي عدم الثواب فيه، وإلا فهو مندوب كما لا يخفى اه.
قلت: وهذا وارد على ما في الفتح حيث جعل النفل مقابلا للمندوب والمكروه.
قوله: (كأيام البيض) أي أيام الليالي البيض وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، سميت بذلك لتكامل ضوء الهلال وشدة البياض فيها.
من كل شهر ويندب كئونها البيض قوله: (ويوم الجمعة ولو منفردا) صرح به في النهر وكذا في البحر، فقال: إن صومه بانفراده مستحب عند العامة كالاثنين والخميس، وكره الكل بعضهم اه.
ومثله في المحيط معللا بأن لهذه الايام فضيلة ولم يكن في صومها تشبه بغير أهل القبلة كما في الاشباه، وتبعه في نور الايضاح من كراهة إفراده بالصوم قول البعض.
وفي الخانية: ولا بأس بصوم يوم الجمعة عند أبي حنيفة ومحمد لما روي، عن ابن عباس أنه كان يصومه ولا يفطر اه.
وظاهر الاستشهاد بالاثر أن المراد بلا بأس الاستحباب.
وفي التجنيس قال أبو يوسف: جاء حديث في كراهته أن يصوم قبله أو بعده، فكان الاحتياط أن يضم إليه يوما آخر اه.
قال ط: قلت: ثبت بالسنة طلبه والنهي عنه، والآخر منهما النهي كما أوضحه شراح الجامع الصغير لان فيه وظائف، فلعله إذا صام ضعف عن فعلها.
قوله: (لم يضعفه) صفة لحاج: أي إن كان لا يضعفه عن الوقوف بعرفات ولا يخل بالدعوات.
محيط.
فلو أضعفه كره.
قوله: (والمكروه) بالنصب عطفا على السنة أو بالرفع على الابتداء، وخبره قوله: كالعيدين وحينئذ لا يحتاج إلى التكلف المار في وجه إدخاله في النفل، على أن صوم العيدين مكروه تحريما ولو كان الصوم واجبا.
قوله: (كالعيدين) أي وأيام التشريق.
نهر.
قوله: (وعاشوراء وحده) أي مفردا عن التاسع أو عن الحادي عشر.
إمداد.
لانه تشبه باليهود.
محيط.
قوله: (وسبت وحده) للتشبه باليهود.
بحر.
وهذه العلة تفيد كراهة التحريم، إلا أن يقال: إنما تثبت بقصد التشبه كما مر نظيره ط.
قلت: وفي بعض النسخ وأحد بدل قوله وحده وبه صرح في التاترخانية فقال: ويكرم صوم النيروز والمهرجان إذا تعمده ولم يوافق يوما كان يصومه قبل ذلك، وهكذا قيل في يوم السبت والاحد اه: أي يكره تعمد صومه إلا إذا وافق يوما كان يصومه، قبل كما لو كان يصوم يوما ويفطر يوما، أو كان يصوم أول الشهر مثلا فوافق يوما من هذه الايام.
وأفاد قوله وحده أنه لو صام معه يوما آخر فلا كراهة، لان الكراهة في تخصيصه بالصوم للتشبه.
وهل إذا صام السبت مع الاحد تزول الكراهة؟ محل تردد، لانه قد يقال: إن كل يوم منهما معظم عند طائفة من أهل الكتاب، ففي صوم كل واحد منهما تشبه بطائفة منهم.
وقد يقال: إن صومهما معاليس فيه تشبه، لانه لم تتفق طائفة(2/412)
منهم على تعظيمهما معا، ويظهر لي الثاني بدليل أنه لو صام الاحد مع الاثنين تزول الكراهة لانه لم
يعظم أحد منهم هذين اليومين معا، وإن عظمت النصارى الاحد، وكذا لو صام مع عاشوراء يوما قبله أو بعده مع أن اليهود تعظمه.
ويظهر من هذا أنه لو جاء عاشوراء يوم الاحد أو الجمعة لا يكره صوم السبت معه، وكذا لو كان قبله أو بعده يوم المهرجان أو النيروز لعدم تعمد صومه بخصوصه، والله تعالى أعلم.
قوله: (ونيروز) بفتح النون وسكون الياء وضم الراء معرب نوروز، ومعناه اليوم الجديد، فنو معنى الجديد، وروز بمعنى اليوم، والمراد منه يوم تحل فيه الشمس برج الحمل.
ومهرجان: معرب مهر كان، والمراد منه أول حلول الشمس في الميزان، وهذان اليومان عيدان للفرس اه ح.
قوله: (إن تعمده) كذا في المحيط، ثم قال: والمختار أنه إن كان يصوم قبله فالافضل له أن يصوم، وإلا فالافضل أن لا يصوم لانه يشبه تعظيم هذا اليوم وأنه حرام.
قوله: (وصوم صمت) وهو أن لا يتكلم فيه لانه تشبه بالمجوس فإنهم يفعلون هكذا.
محيط.
قال في الامداد: فعليه أن يتكلم بخير وبحاجة دعت إليه.
قوله: (ووصال) فسره أبو يوسف ومحمد بصوم يومين لا فطر بينهما.
بحر.
وفسره في الخانية بأن يصوم السنة ولا يفطر في الايام المنهية.
وفي الخلاصة: إذا أفطر في الايام المنهية المختار أنه لا بأس به.
قوله: (وإن أفطر الايام الخمسة) أي العيدين وأيام التشريق.
قوله: (وهذا عند أبي يوسف) ظاهره أن صاحبيه يقولان بخلافه، وظاهر البدائع أن المخالف من غير أهل المذهب فإنه قال: وقال بعض الفقهاء: من صام سائر الدهر وأفطر يوم الفطر والاضحى وأيام التشريق لا يدخل تحت نهي الوصال، ورد عليه أبو يوسف فقال: وليس هذا عندي كما قال هذا قد صام الدهر، كأنأشار إلى أن النهي عن صوم الدهر ليس الصوم هذه الايام بل لما يضعفه عن الفرائض والواجبات والكسب الذي لا بد له منه اه.
قوله: (فهي خمسة عشر) تفريع على قله يعم السنة والمندوب والمكروه: أي فصار جملة ما دخل في قوله: ونفل خمسة عشر بجعل العيدين اثنين، وجعل يوم الاحد منها على ما في كثير من النسخ، فافهم.
لكن بقي عليه من المكروه تحريما أيام التشريق وصوم يوم الشك على ما يأتي تفصيله، ومن المكروه أيضا صوم المرأة والعبد والاجير بلا إذن الزوج والمولى والمستأجر، وسيأتي بيانه قبيل قول المتن: ولو نوى مسافر الفطر ومن المندوب صوم الاثنين والخميس وصوم داود عليه السلام
والست من شوال على ما يأتي قبيل الاعتكاف.
قوله: (وأنواعه) أي أنواع الصيام اللازم.
قوله: (سبعة متتابعة) عدها في البحر سبعة أيضا، لكن أسقط صوم الاعتكاف وذكر بدله صوم اليمين المعين، كأن يقول: والله لاصومن رجبا مثلا، وكأن الشارح أدخله تحت النذر المعين بجامع الايجاب قولا.
ثم قال في البحر: ويلحق به النذر المطلق إذا ذكر فيه التتابع أو نواه، وذكر أنه إذا أفطر يوما فيما يجب فيه التتابع لا يلزمه الاستقبال إن كان التتابع مأمورا به لاجل الوقت وهو رمضان ووالنذر المعين واليمين بصوم معين وإن كان مأمورا به لاجل الفعل وهو الصوم يلزمه الاستقبال كالستة الباقية.(2/413)
قلت: ومن الاول ما زاده الشارح وهو صوم الاعتكاف.
تأمل.
قوله: (وستة يخير فيها) كذا عدها في البحر ستة أيضا، لكن أسقط النفل لان الكلام في أنواع الصيام اللازم وذكر بدله صوم اليمين المطلق مثل: والله لاصومن شهرا، وكان الشارح أدخله تحت النذر المطلق نظير ما مر.
قوله: (وصوم متعة) أي وقران إذا لم يجد ما يذبح لهما فإنه يصوم ثلاثا قبل الحج وسبعا إذا رجع ط.
قوله: (وفدية حلق وجزاء صيد) أي إذا اختار الصيام فيهما ط.
قوله: (ونذر مطلق) أي عن التقييد بشهر كذا، وعن ذكر التتابع أو نيته.
قوله: (فيصح أداء صوم رمضان الخ) قيد بالاداء لان قضاء رمضان وقضاء النذر المعين أو النفل الذي أفسده يشترطه فيه التبييت والتعيين كما يأتي في قول المصنف: والشرط للباقي الخ.
قوله: (والندر المعين) فهو في حكم رمضان لتعين الوقت فيهما.
قوله: (والنفل) المراد به ما عدا الفرض والواجب أعم من أن يكون سنة أو مندوبا أو مكروها.
بحر ونهر.
قوله: (بنية) قال في الاختيار: النية شرط في الصوم، وهي أن يعلم بقلبه أنه يصوم، ولا يخلو مسلم عن هذا في ليالي شهر رمضان، وليست النية باللسان شرطا، ولا خلاف في أول وقتها وهو غروب الشمس، واختلفوا في آخره كما يأتي اه.
وسيأتي بيان ما يبطلها.
وفي البحر عن الظهيرية أن التسحر نية.
قوله: (فلا تصح قبل الغروب) فلو نوى قبل أن تغيب الشمس أن يكون صائما غدا ثم نام أو أغمي عليه أو غفل حتى زالت الشمس من الغد لم يجز، وإن نوى بعد غروب
الشمس جاز.
خانية.
وفيها: وإن نوى مع طلوع الفجر جاز، لان الواجب قران النية بالصوم لا تقدمها.
قوله: (إلى الضحوة الكبرى) المراد بها نصف النهار الشرعي، والنهار الشرعي من استطارة الضوء في أفق المشرق إلى غروب الشمس، والغاية غير داخلة في المغيا كما أشار إليه المصنف بقوله: لا عندها اه ح.
وعدل عن تعبير القدوري والمجمع وغيرهما بالزوال لضعفه، لان الزوال نصف النهار من طلوع الشمس، ووقت الصوم من طلوع الفجر كما في البحر عن المبسوط.
قال في الهداية وفي الجامع الصغير: قبل نصف النهار، وهو الاصح لانه لا بد من وجود النية في أكثر النهار، ونصفه من وقت طلوع الفجر إلى وقت الضحوة الكبرى لا وقت الزوال، فتشترط النية قبلها لتتحقق في الاكثر اه.
وفي شرح الشيخ إسماعيل: وممن صرح بأنه الاصح في العتابية والوقاية، وعزاه في المحيط إلى السرخسي وهو الصحيح كما في الكافي والتبيين اه.
وتظهر ثمرة الاختلاف فيما إذا نوى عند قرب الزوال كما في التاترخانية، المحيط، وبه ظهر أن قول البحر: والظاهر أن الاختلاف في العبارة لا في الحكم غير ظاهر.
تنبيه: قد علمت أن النهار الشرعي من طلوع الفجر إلى الغروب.
واعلم أن كل قطر نصف نهاره قبل زواله بنصف حصة فجره، فمتى كان الباقي للزوال أكثر من هذا النصف صح، وإلا فلا تصح النية في مصر والشام قبل الزوال بخمس عشرة درجة لوجود النية في أكثر النهار، لان نصف حصة الفجر لا تزيد على ثلاث عشرة درجة في مصر وأربع عشرة ونصف في الشام، فإذا كان الباقي(2/414)
إلى الزوال أكثر من نصف هذه الحصة ولو بنصف درجة صح الصوم، كذا حرره شيخ مشايخنا السائحاني رحمه الله تعالى.
تتمة: قال في السراج: وإذا نوى الصوم من النهار ينوي أنه صائم من أوله، حتى لو نوى قبل الزوال أنه صائم من حين نوى لا من أوله لا يصير صائما.
قوله: (وبمطلق النية) أي من غير تقييد بوصف الفرض أو الواجب أو السنة: لان رمضان معيار لم يشرع فيه صوم آخر فكان متعينا للفرض، والمتعين لا يحتاج إلى التعيين، والنذر المعين معتبر بإيجاب الله تعالى فيصام كل بمطلق النية.
إمداد.
قوله: (فأل بدل عن المضاف إليه) كذا في بعض النسخ، قال ط: فلا يقال إن مطلق النية يصدق بنية: أي عباد كانت كما توهمه البعض فاعترض.
قوله: (لعدم المزاحم) إشارة إلى ما ذكرناه عن الامداد.
قوله: (وبخطأ في وصف) كذا وقع في عباراتهم أصولا وفروعا أن رمضان يصح مع الخطأ في الوصف: فذهب جماعة من المشايخ إلى أن نية النفل فيه مصورة في يوم الشك، بأن شرع بهذه النية ثم ظهر أنه من رمضان ليكون هذا الظن معفوا وإلا يخشى عليه الكفر، كذا في التقرير، وفي النهاية ما يرده، وهو أنه لما لغانية النفل لم تتحقق نية الاعراض.
والحاصل أنه لا ملازمة بين نية النفل، واعتقاد عدم الفرضية أو ظنه إلا إذا انضم إليها اعتقادا النفلية فيكفر أو ظنها فيخشى عليه الكفر.
بحر ملخصا.
وبهذا ظهر لك أن المراد بالخطأ بالوصف وصف رمضان بنية نفل أو واجب آخر خطأ لانه يبعد من المسلم أن يتعمده، وليس المراد به نية الواجب فقط، فقول المصنف تبعا للدرر: وبنية نفل وبخطأ في وصف، فيه نظر، فإنه كان عليه الاقتصار على الثاني أو إبداله بواجب آخر، لان فائدة للتعبير بالخطأ في الوصف التباعد عن تعمد نية النفل، وبعد التصريح بقوله وبنية نفل لم تبق فائدة للتعبير بالخطأ في الوصف وإن أريد به الواجب كما فسره الشارح، هذا ما ظهر لي ولم أر من نبه عليه.
قوله: (فقط) أي دون النفل والنذر المعين فلا يصحان بنية واجب آخر بل يقع عما نوى كما يأتي ط.
قوله: (بتعيين الشارع) أي في قوله عليه الصلاة والسلام: إذا انسلخ شعبان فلا صوم إلا رمضان بخلاف النذر، فإنما جعل بولاية الناذر، وله إبطال صلاحية ماله.
ط عن المنح.
قوله: (إلا إذا وقعت النية) أي نية النفل أو الواجب الآخر في رمضان فهو استثناء من قوله: بنية نفل وخطأ في وصف.
قوله: (حيث يحتاج) أي المريض أو المسافر، وأفرد الضمير للعطف بأو التي لاحد الشيئين أو الضمير للصوم، ويؤيده عود الضمير عليه في قوله: تعينه وفي يقع.
قوله: (لعدم تلينه في حقهما) لانه لما سقط عنهما وجوب الاداء صار رمضان في حق الاداء كشعبان.
قوله: (من نفل أو واجب) أما لو أطلقا النية كان عن رمضان على جميع الروايات.
ح عن الامداد.
قوله: (على ما عليه الاكثر).
بحر أقول: الذي في البحر نسبة ذلك إلى الاكثر في حق المريض، وهو أحد ثلاثة أقوال كما يأتي، أما في حق المسافر
فإن نوى واجبا آخر يقع عنه عند الامام.
وإن نوى النفل أو أطلق فعنه روايتان: أصحهما وقوعه عن(2/415)
رمضان، لان فائدة النفل الثواب وهو في فرض الوقت أكثر.
وقال: وينبغي وقوعه من المريض عن رمضان في النفل على الصحيح كالمسافر اه.
وحاصله أن المريض والمسافر لو نويا واجبا آخر وقع عنه، ولو نويا نفلا أو أطلقا فعن رمضان، نعم في السراج صحح رواية وقوعه عن النفل فيهما، وعليه يتمشى كلام المصنف والدرر.
قوله: (الصحيح وقوع الكل عن رمضان الخ) المراد بالكل هو ما إذا نوى المريض النفل أو أطلق أو نوى واجبا آخر، وما إذا نوى المسافر كذلك، إلا إذا نوى واجبا آخر فإنه يقع عنه لاعن رمضان، لان المسافر له أن لا يصوم فله أن يصرفه إلى واجب آخر، لان الرخصة متعلقة بمظنة العجز وهو السفر وذلك موجود بخلاف المريض فإنها متعلقة بحقيقة العجز، فإذا صام تبين أنه غير عاجز.
واستشكله صدر الشريعة في التوضيح بأن المرخص هو المرض الذي يزداد بالصوم، لا المرض الذي لا يقدر به على الصوم، فلا نسلم أنه إذا صام ظهر فوات شرط الرخصة.
قال في التلويح: وجوابه أن الكلام في المريض لا يطيق الصوم، وتتعلق الرخصة بحقيقة العجز، وأما الذي يخاف فيه ازدياد المرض فهو كالمسافر بلا خلاف على ما يشعر به كلام شمس الائمة في المبسوط من أن قول الكرخي بعدم الفرق بين المسافر والمريض سهو، أو مؤول بالمريض الذي يطيط الصوم وكان منه ازدياد المرض اه.
تنبيه: تلخص من كلام البحر أن في المريض ثلاث أقوال: أحدها ما في الاشباه المذكور هنا واختار فخر الاسلام وشمس الائمة وجمع وصححه في المجمع.
ثانيها: ما مر في المتن أنه يقع عما نوى، واختاره في الهداية وأكثر المشايخ، وقيل إنه ظاهر الرواية، وينبغي وقوعه عن رمضان في النفل كالمسافر كما مر.
ثالثها: التفصيل بين أن يضره الصوم فتتعلق الرخصة بخوف الزيادة فيصير كالمسافر يقع عما نوى بين أن لا يضره الصوم كفساد الهضم فتتعلق الرخصة بحقيقته فيقع عن فرض الوقت، واختاره في الكشف والتحرير اه.
وهذا القول هو ما مر عن التلويح وجعله في شرح التحرير محمل القولين وقال: إنه تحقيق يحصل به التوفيق بحمل ما اختاره فخر الاسلام وغيره على من
لا يضره الصوم، وحمل ما اختاره في الهداية على من يضره، وتعقب الاكمل في التقرير هذا القول بأن من لا يضره الصوم لا يرخص له الفطر لانه صحيح، وليس الكلام فيه.
قلت: وأجبت عنه فيما علقته على البحر بما حاصله: أن الصوم تارة يزداد به المرض مع القدرة عليه كمرض العين مثلا، وتارة لا يضره كمريض بفساد الهضم فإن الصوم لا يضره بل ينفعه، فالاول تتعلق الرخصة فيه بخوف الزيادة، والثاني بحقيقة العجز بأن يصل إلى حالة لا يمكنه معها الصوم، فإذا صام ظهر عدم عجزه فيقع عن رمضان وإن نوى غيره، لانه إذا قدر عليه مع كونه لا يضره لا يقول عاقل بأنه يرخص له الفطر هذا ما ظهر لي والله أعلم.
قوله: (والنذر المعين الخ) تصريح بما فهم من قوله: في رمضان فقط.
قوله: (بنية واجب آخر) كقضاء رمضان أو الكفارة، أما لو نوى النفل فإنه يقع عن النذر المعين.
سراج.
ثم نقل عن الكرخي أن محمدا قال: يقع عن النفل(2/416)
وأبا يوسف عن النذر.
قوله: (يقع عن واجب نواه مطلقا) أي سواء كان صحيحا أو مريضا مقيما أو مسافرا، وإذا وقع عما نوى وجب عليه قضاء المنذور في الاصح كما في البحر عن الظهيرية.
قوله: (ولو لجهله) زاد لفظة ولو ليدخل غير الجاهل، لكن الاولى إسقاطها لان العالم تقدم قريبا في قوله: وبخطأ في وصف ط.
وأفاد أن الصوم واقع في رمضان ولم يذكر ما إذا جهل شهر رمضان كالاسير في دار الحرب فتحرى وصام عنه شهرا، وبيانه في البحر.
وفيه أيضا: لو صام بالتحري سنين كثيرة ثم تبين أنه صام في كل سنة قبل شهر رمضان فهل يجوز صومه في الثانية عن الاولى وفي الثالثة عن الثانية وهكذا، قيل يجوز، وقيل لا.
وصحح في المحيط أنه إن نوى صوم رمضان مبهما يجوز عن القضاء، وإن نوى عن السنة الثانية مفسرا لا يجوز اه.
قوله: (فلا صوم إلا عن رمضان) أي لا يتحقق فيه صوم غيره، ومحله فيمن تعين عليه فلا يرد المسافر إذا نوى واجبا آخر ط.
قوله: (في العادة) أي عادة الامساك حمية أو لعذر ط.
قوله: (وقال زفر ومالك تكفي نية واحدة) أي عن الشهر كله.
وروي عن زفر أن المقيم لا يحتاج إلى النية ولو مسافرا لم يجز حتى ينوي من الليل، وعند علمائنا الثلاثة: لا يجوز إلا بنية جديدة لكل يوم من الليل أو قبل الزوال مقيما أو مسافرا.
سراج.
قوله: (قلنا الخ) أي في جواب قياسه الصوم على الصلاة أن صوم كل يوم عبادة بنفسه، بدليل أن فساد البعض لا يوجب فساد الكل، بخلاف الصلاة.
قوله: (والشرط الباقي من الصيام) أي من أنواعه: أي الباقي منها بعد الثلاثة المتقدمة في المتن وهو قضاء رمضان والنذر المطلق وقضاء النذر المعين والنفل بعد إفساده والكفارات السبع وما أحلق بها من جزاء الصيد والحلق والمتعة.
نهر.
وقوله: السبع، صوابه الاربع، وهي كفارة الظهار، والقتل، واليمين، والافطار.
قوله: (للفجر) أي لاول جزء منه ط.
قوله: (ولو حكما الخ) جعل في البحر القران في حكم التبييت، وأنت خبير بأن الانسب ما سلكه الشارح من العكس، إذ القران هو الاصل، وفي التبييت قران حكما كما في النهر.
قوله: (وهو) الضمير راجع إلى القران الحكمي ح.
قوله: (تبييت النية) فلو نوى تلك الصيامات نهارا كان تطوعا وإتمامه مستحب، ولا قضاء بإفطاره، والتبييت في الاصل كل فعل دبر ليلا ط، عن القهستاني.
قوله: (للضرورة) علة للاكتفاء بالقران الحكمي، إذ تحرى وقت الفجر مما يشق والحجر مدفوع اه ح.
قوله: (وتعيينها) هو بالنظر إلى مجرد معطوف على تبييت، وبالنظر إلى عبارة الشرح معطوف على قران كما لا يخفى، والمراد بتعيينها تعيين المنوي بها، فهو مصدر مضاف إلى فاعله المجازي.
قوله: (لعدم تعين الوقت) أي لهذه الصيامات، بخلاف أداء رمضان والنذر المعين فإن الوقت فيهما متعين، وكذا النفل لان جميع الايام سوى شهر رمضان وقت له.
قوله: (والشرط فيها الخ) أي في النية المعينة لا مطلقا، لان ما لا يشترط له التعيين يكفيه أن(2/417)
يعلم بقلبه أن يصوم فلا منافاة بين ما هنا وما قدمناه عن الاختيار.
وأفاد ح: أن العلم لازم للنية التي هي نوع من الارادة، إذ لا يمكن إرادة شئ إلا بعد العلم به.
قوله: (والسنة) أي سنة المشايخ، لا النبي (ص) لعدم ورود النطق بها عنه ح.
قوله: (أن يتلفظ بها) فيقول: نويت أصوم غدا أو هذا اليوم إن نوى نهارا لله عزوجل من فرض رمضان.
سراج.
قوله: (ولا تبطل بالمشيئة) أي استحسانا، وهو الصحيح لانها ليست في معنى حقيقة الاستثناء بل للاستعانة وطلب التوفيق، حتى لو أراد حقيقة الاستثناء لا يصير صائما كما في التاترخانية.
قوله: (بأن يعز ليلا على الفطر) فلو عزم عليه ثم
أصبح وأمسك ولم ينو الصوم لا يصير صائما تاترخانية.
قوله: (ونية الصائم الفطر لغو) أي نيته ذلك نهارا وهذا تصريح بمفهوم قوله: بأن يعزم ليلا وفي التاترخانية: نوى القضاء فلما أصبح جعله تطوعا، لا يصح.
قوله: (لان الجهل الخ) جواب عما في الفتح من قوله: قيل هذا: أي لزوم القضاء إذا علم أن صومه عن القضاء، لم تصح نيته من النهار، أما إذا لم يعلم فلا يلزم بالشروع كالمظنون.
قال في البحر: وتبعه في النهر الذي يظهر ترجيح الاطلاق، فإن الجهل بالاحكام في دار الاسلام ليس بمعتبر، خصوصا أن عدم جواز القضاء بنيته نهارا متفق عليه فيما يظهر فليس كالمظنون اه.
وما قدمناه عن القهستاني مبني على هذا القيل.
قوله: (فلم يكن كالمظنون) إذ المظنون أن يظن أنه عليه قضاء يوم فشرع فيبشروطه، ثم تبين أن لا صوم عليه فإنه لا يلزمه إتمامه، لانه شرع فيه مسقطا لا ملتزما، وهو معذر بالنسيان، فلو أفسده فورا لا قضاء عليه وإن كان الافضل إتمامه، بخلاف ما لو مضى فيه بعد علمه فإنه يصير ملتزما فلا يجوز قطعه، فلو قطعه لزمه قضاؤه، وأما من نوى القضاء بعد الفجر فإن ما نواه عليه لكنه جهل لزوم التبييت فلم يعذر وصح شروعه، فلو قطعه لزمه قضاؤه.
رحمتي.
قوله: (ولا يصام يوم الشك) هو استواء طرفي الادراك من النفي والاثبات.
بحر.
قوله: (هو يوم الثلاثين مشعبان) الاولى قول نور الايضاح: هو ما يلي التاسع والعشرين من شعبان: أي لانه لا يعلم كونه يوم الثلاثين لاحتمال كونه أول شهر رمضان، ويمكن أن يكون المراد أنه يوم الثلاثين من ابتداء شعبان، فمن ابتدائية لا تبعيضية.
تأمل.
[ مب ] مبحث في صوم يوم الشك [ / مب ] تنبيه: في الفيض وغيره: لو وقع الشك في أن اليوم يوم عرفة أو يوم النحر فالافضل فيه الصوم، فافهم.
قوله: (وإن لم يكن علة الخ) قال في شرحه على الملتقى: وبه اندفع كلام القهستاني وغيره اه: أي حيث قيده بما إذا غم هلال شعبان فلم يعلم أنه الثلاثون من شعبان أو الحادي والثلاثون، أو غم هلال رمضان فلم يعلم أنه الاول منه أو الثلاثون من شعبان، أو رآه واحد أو فاسقان فردت شهادتهم، فلو كانت السماء مصحية ولم يره أحد فليس بيوم الشك اه.
ومثله في المعراج عن المجتبى بزيادة: ولا يجوز صومه ابتداء لا فرضا ولا نفلا، وكلامهم مبني على القول
باعتبار اختلاف المطالع كما أفاده كلام الشارح هنا.
قوله: (بعدم اعتبار اختلاف المطالع) سقط من(2/418)
أكثر النسخ لفظ اعتبار ولا بد من تقديره لانه لا كلام في اختلاف المطالع، وإنما الكلام في اعتباره وعدمه كما يأتي بيانه.
قوله: (لجواز الخ) أي فيلزم البلدة التي لم ير فيها الهلال.
قوله: (ولا يصام أصلا) أي ابتداء لا فرضا ولا نفلا كما قدمناه آنفا عن المجتبى، لانه لا احتياط في صومه للخواص، بخلاف يوم الشك، نعم لو وافق صوما يعتاده فالافضل صومه كما أفاده في المجتبى بقوله: ابتداء فافهم.
قوله: (إلا نفلا) في نسخة تطوعا.
قوله: (ويكره غيره) أي من فرض أو واجب بنية معينة أو مترددة، وكذا إطلاق النية لان المطلق شامل للمقادير كما في المعراج.
قوله: (لواجب آخر) كنذر وكفارة وقضاء.
سراج.
قوله: (كره تنزيها) سنذكر وجهه.
قوله: (كره تحريما) للتشبيه بأهل الكتاب لانهم زادوا في صومهم، وعليه حمل حديث النهي عن التقدم بصوم يوم أو يومين.
بحر.
قوله: (ويقع عنه) أي عن الواجب، وقيل يكون تطوعا.
هداية.
قوله: (إن لم تظهر رمضانيته) في السراج: إذا صامه بنية واجب آخر لا يسقط لجواز أن يكون من رمضان فلا يكون قضاء بالشك اه.
فأفاد أنه لو لم يظهر الحال لا يكفي عما نوى، فكان على المصنف أن يقول كما قال في الهداية: إن ظهر أنه من شعبان أجزأه عما نوى في الاصح، وإن ظهر أنه في رمضان يجزيه لوجود أصل النية اه.
قوله: (فعنه) أي عن رمضان.
قوله: (لو مقيما) قيد لقوله كره تنزيها ولقوله: فعنه قال في السراج: ولو كان مسافرا فنوى فيه واجبا آخر لم يكره، لان أداء رمضان غير واجب عليه فلم يشبه صومه الزيادة ويقع عما نوى، وإن بان أنه من رمضان، وعندهما يكره كالمقيم ويجزى عن رمضان إن بان أنه منه.
قوله: (وإن وافق صوما يعتاده) كما لو كان عادته أن يصوم يوم الخميس أو الاثنين فوافق ذلك يوم الشك سراج.
وهل تثبت العادة بمرة كما في الحيض؟ تردد فيه بعض الشافعية.
قلت: الظاهر نعم إذا فعل ذلك مرة وعزم على مثله بعدها فوافق يوم الشك، لان الاعتياد يشعر بالتكرار، لانه من العود مرة بعد أخرى، وبالعزم المذكور يحصل العود حكما، أما بدونه فلا.
تأمل.
قوله: (لحديث الخ) هو ما في الكتب الستة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي (ص) أنه قال: لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه والمراد به غير التطوع حتى لا يزاد على صوم رمضان كما زاد أهل الكتاب على صومهم، توفيقا بينه وبين ما أخرجه الشيخان عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله (ص) لرجل: هل صمت من سرر شعبان؟ قال: لا، قال: إذا أفطرت فصم يوما مكانه سرر الشهر بفتح السين المهملة وكسرها: آخرها كذا قال أبو عبيد وجمهور أهل اللغة لاسترار القمر فيه: أي اختفائه، وربما كان ليلة أو ليلتين، كذا أفاده نوح في حاشية الدرر.
واستدل أحمد بحديث السرر على وجوب صوم يوم الشك، وهو عندنا محمول على الاستحباب لانه معارض بحديث التقدم توفيقا بين الادلة ما أمكن كما أوضحه في الفتح.
هذا وقد صرح في(2/419)
الهداية وشروحها وغيرها بأن المنهي عنه هو التقدم على رمضان بصوم رمضان، ووجه تخصيصه بيوم أو يومين أن صومه عن رمضان إنما يكون غالبا عند توهم النقصان في شهر أو شهرين، فيصوم يوما أو يومين عن رمضان على ظن أن ذلك احتياط كما أفاده في الامداد والسعدية.
وقال في الفتح: وعليه فلا يكره صوم واجب آخر في يوم الشك.
وقال: وهو ظاهر كلام التحفة حيث قال: وقد قام الدليل على أن الصوم فيه عن واجب آخر، وعن التطوع مطلقا لا يكره، فثبت أن المكروه ما قلنا: يعني صوم رمضان، وهو غير بعيد من كلام الشارحين والكافي وغيرهم حيث ذكروا أن المراد من حديث التقدم هو التقدم بصوم رمضان، قالوا: ومقتضاه أن لا يكره واجب آخر أصلا، وإنما كره لصورة النهي في حديث العصيان الآتي، وتصحيح هذا الكلام أن يكون معناه: يترك صومه عن واجب آخر تورعا، وإلا فبعد وجوب كون المراد من النهي عن التقدم صوم رمضان كيف يوجب حديث العصيان منع غيره مع أنه يجب أن يحمل على ما حمل عليه حديث التقدم، إذ لا فرق بينهما اه ما في الفتح ملخصا.
وفي التاترخانية تصحيح عدم الكراهة: أي التحريمية، فلا ينافي أن التورع تركه تنزيها، وفي المحيط: كان ينبغي أن لا يكره بنية واجب آخر، إلا أنه وصف بنو كراهة
احتياطا فلا يؤثر في نقصان الثواب كالصلاة في الارض المغصوبة اه.
قوله: (فلا أصل له) كذا قال الزيلعي، ثم قال: ويروى موقوفا على عمار بن ياسر وهو في مثله كالمرفوع اه.
قلت: وينبغي حمل نفي الاصلية على الرفع كما حمل بعضهم قول النووي في حديث صلاة النهار عجماء إنه لا أصل له، على أن المراد لا أصل لرفعه، وإلا فقد ورد موقوفا على مجاهد وأبي عبيدة، وكذا هذا أورده البخاري معلقا بقوله: وقال صلة عن عمار من صام الخ قال في الفتح وأخرجه أصحاب السنن الاربعة وغيرهم، وصححه الترمذي عن صلة بن زفر قال: كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه، فأتي بشاة مصلية فتنحى بعض القوم، فقال عمار من صام اليوم فقد عصى أبا القاسم.
قال في الفتح وكأنه فهم من الرجل المتنحي أنه قصد صومه عن رمضان فلا يعارض ما مر، وهذا بعد حمله على السماع من النبي (ص، والله سبحانه أعلم.
قوله: (وإلا يصومه الخواص) أي وإن لم يوافق صوما يعتادة ولا صام من آخر شعبان ثلاثة فأكثر استحب صومه للخواص، قال في الفتح: وقيده في التحفة بكونه على وجه لا يعلم ذلك كي لا يعتادوا صومه فيظنه الجهال زيادة على رمضان، ويدل عليه قصة أبي يوسف المذكورة في الامداد وغيره.
حاصلها أن أسد بن عمرو سأله: هل أنت مفطر؟ فقال له في أذنه: أنا صائم.
وفي قومه يصومه الخواص إشارة إلى أنهم يصبحون صائمين لا متلومين، بخلاف العوام، لكن في الظهيرية: الافضل أن يتلوم غير آكل ولا شارب ما لم يتقارب انتصاف النهار، فإن تقارب فعامة المشايخ على أنه ينبغي للقضاة والمفتين أن يصوموا تطوعا ويفتوا بذلك خاصتهم ويفتوا العامة الافطار، وهذا يفيد أن التلوم أفضل في حق الكل كما في النهر، لكن في الهداية والمحيط والخانية وغيرها أن المختار أن يصوم المفتي بنفسه أخذا بالاحتياط، ويفتي العامة بالتلوم إلى وقت الزوال ثم بالافطار، والتلوم: الانتظار كما في المغرب.
قوله: (بعد الزوال) في العزمية عن خط بعض العلماء في هامش الهداية: إنما لم يقل بعد الضحوة الكبرى مع أنه مختاره سابقا لان الاحتياط هنا التوسعة.
قوله: (نفيا لتهمة(2/420)
النهي) أي حديث لا تقدموا رمضان في شرحه على الملتقى، فهو علة لقوله: ويفطر
غيرهم.
قوله: (والنية الخ) بيان للكيفية.
قوله: (فحكمه مر) أي في قوله: والصوم أحب إن وافق صوما يعتاده.
قوله: (ولا يخطر بباله الخ) معطوف على قوله: ينوي وهو تفسير لقوله: على سبيل الجزم والمراد أن لا يردد في النية بين كونه نفلا إن كان من شعبان، وفرضا إن كان من رمضان، بل يجزم بنيته نفلا محضا، ولا يضره خطورة احتمال كونه من رمضان بعد جزمه بنية النفل لانه يصوم احتياطا لذلك الاحتمال، قال في غاية البيا: وإنما فرق بين المفتي والعامة: لان المفتي يعلم أن الزيادة على رمضان لا تجوز، فلذا يصوم احتياطا احترازا عن وقوع الفطر في رمضان، بخلاف العامة فإنه قد يقع في وهمهم الزيادة فلذا كان فطرهم أفضل بعد التلوم.
قوله: (ذكره أخي زاده) أي في حاشيته على صدر الشريعة، وذكره أيضا المحقق في فتح القدير، وكذا في المعراج وغيره.
قوله: (وليس بصائم الخ) تكميل لاقسام المسألة المذكورة في الهداية، وهم خمسة تقدم: منها ثلاثة: وهي الجزم بنية النفل، أو بنية واجب، أو بنية رمضان، وعلمت أحكامها، والرابع الاضجاع في أصل النية، والخامس الاضجاع في وصفها.
قال في المغرب: التضجيع في النية هو التردد فيها، وأن لا يبيتها من ضجع في الامر إذ وهن فيه وقصر، وأصله من الضجوع.
قوله: (لعدم الجزم) في العزم فقد فات ركن النية، لكن هذا إذا لم يجدد النية قبل نصف النهار، فإن وجدها عازما على الصوم جاز كما رأيته بخط بعض العلماء على هامش الهداية، وهو ظاهر.
قوله: (كما أنه الخ) تنظير لتلك المسألة بهذه، وعبارة الهداية: فصار كما إذا نوى الخ.
قوله: (غداء) بالغين المعجمة والدال المهملة ممدودا.
قوله: (ويصير صائما) أي لجزمه بنية الصوم، وإن ردد في وصفه بين فرض وواجب آخر أوو فرض ونفل.
قوله: (مع الكراهة) أي التنزيهية، لان كراهة التحريم لا تثبت إلا إذا جزم أنه عن رمضان كما أفاده الشارح سابقا ط.
قوله: (للتردد الخ) علة للكراهة في المسألتين على طريق اللف والنشر المرتب، ففي الاولى الترديد بين مكروهين وهما الفرض والواجب، وفي الثانية بين مكروه وغيره وهما الفرض والنفل.
قوله: (فعنه) أي فيقع عن رمضان لوجود أصل النية وهو كاف في رمضان لعدم لزوم التعيين فيه، بخلاف الواجب الآخر كما مر.
قوله: (غير مضمون بالقضاء) بنصب غير على الحالية: أي لا يلزمه قضاؤه لو أفسده.
قوله: (لعدم التنفل قصدا) لانه قاسد للاسقاط من
وجه وهو نية الفرض، فصار كالمظنون بجامع أنه شرع فيه مسقطا لا ملتزما كما مر.
قوله: (أكل المتلوم) أي المنتظر إلى نصف النهار في يوم الشك.
قوله: (كأكله بعدها) فلو ظهرت رمضانيته(2/421)
ونوى الصوم بعد الاكل جاز، لان أكل الناسي لا يفطره.
وقيل: لا يجوز كما في القنية، وبه جزم في السراج والشرنبلالية، وسيأتي تمام الكلام عليه في أول الباب الآتي.
قوله: (رأى مكلف) أي مسلم بالغ عاقل ولو فاسقا كما في البحر عن الظهيرية، فلا يجب عليه لو صبيا أو مجنونا، وشمل ما لو كان الرائي إماما فلا يأمر الناس بالصوم، ولا بالفطر إذا رآه وحده ويصوم هو كما في الامداد وأفاد الخير الرملي أنه لو كانوا جماعة وردت شهادتهم لعدم تكامل الجمع العظيم فالحكم فيهم كذلك.
قوله: (بدليل شرعي) هو إما فسقه أو غلطه.
نهر.
وفي القهستاني: بفسقه لو السماء متغيمة أو تفرده لو كانت مصحية.
قوله: (صام) أي صوما شرعيا لانه المراد حيث أطلق شرعا، ويدل عليه ما بعده، وفيه إشارة إلى رد قول الفقيه أبي جعفر إن معناه في هلال الفطر لا يؤكل ولا يشرب، ولكن ينبغي أن يفسده لانه يوم عيد عنده، وإلى رد قول بعض مشايخنا من أنه يفطر فيه سرا كما في البحر، وإليه أشار الشارح بقوله مطلقا أي في هلال رمضان والفطر.
تنبيه: لو صام رائي هلال رمضان وأكمل العدة لم يفطر إلا مع الامام، لقوله عليه الصلاة والسلام: صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون رواه الترمذي وغيره.
والناس لم يفطروا في مثل هذا اليوم فوجب أن لا يفطر.
نهر.
قوله: (وجوبا وقيل ندبا) قال في البدائع: المحققون قالوا: لا رواية في وجوب الصوم عليه.
وإنما الرواية أنه يصوم، وهو محمول على الندب احتياطا اه.
قال في التحفة: يجب عليه الصوم.
وفي المبسوط: عليه صوم ذلك اليوم، وهو ظاهر استدلالهم في هلال رمضان بقوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * - وفي العيد بالاحتياط.
نهر.
وما في البدائع مخالف لما في أكثر المعتبرات من التصريح بالوجوب.
نوح.
قلت: والظاهر أن المراد بالوجو ب المصطلح لا الفرض، لان كونه من رمضان ليس قطعيا، ولذا ساغ القول بندب صومه وسقطت الكفارة بفطره، ولو كان قطعيا للزم الناس صومه، على أن
الحسن وابن سيرين وعطاء قالوا: لا يصوم إلا مع الامام كما نقله في البحر، فافهم.
قوله: (قضى فقط) أي بلا كفارة.
قوله: (لشبهة الرد) علة لما تضمنه قوله فقط من عدم لزوم الكفارة: أي أن القاضي لما رد قوله: بدليل شرعي أورث شبهة، وهذه الكفارة تندرئ بالشبهات.
هداية.
ولا يخفى أن هذه علة لسقوط الكفارة في هلال رمضان، أما في هلال الفطر فلكونه يوم عيد عنده.
كما في النهر وغيره، وكأنه تركه لظهوره.
قوله: (قبل الرد لشهادته) وكذا لو لم يشهد عند الامام وصام ثم أفطر كما في السراج.
قوله: (لان ما رآه الخ) يروى أن عمر رضي الله عنه أمر الذي قال: رأيت الهلال، أن يمسح حاجبيه بالماء، ثم قال له: أين الهلال؟ فقال: فقدته، فقال شعرة: قامت بين حاجبيك فحسبتها هلالا.
سراج.
قال ح: وهذا إنما يصلح تعليلا لعدم الكفارة في هلال رمضان، أما في هلال شوال فإنما لا يجب لانه يوم عيد عنده على نسق ما تقدم.
قوله:(2/422)
(وأما بعد قبوله) أي في هلال رمضان ط.
قوله: (في الاصح) لانه يوم صوم الناس، فلو كان عدلا ينبغي أن لا يكون في وجوب الكفارة خلاف، لان وجه نفيها كونه ممن لا يجوز القضاء بشهادت، وهو منتف.
بحر عن الفتح.
وقوله: ممن لا يجوز: أي لا يحل، لان القضاء بشهادة الفاسق صحيح وإن أثم القاضي.
قوله: (وقبل الخ) هذا أولى من قول الكنز: ويثبت رمضان لما في البحر من أن الصوم لا يتوقف على الثبوت، وليس يلزم من رؤيته ثبوته لان مجيئه لايدخل تحت الحكم.
وفي الجوهرة: لو شهد عند الحاكم رجل ظاهره العدالة وسمعه رجل وجب عليه الصوم لانه قد وجد الخبر الصحيح.
قلت: وأما قوله فيما سيأتي: وطريق إثبات رمضان الخ فالمراد إثباته ضمنا لاجل أن يثبت ما علق عليه من الزكاة، ولذا يلزم فيه الدعوى والحكم والمنفي دخوله تحت الحكم قصدا، وكم من شئ يثبت ضمنا لا قصدا كما في بيع الشرب والطريق فليس إثباته لاجل صومه كما وهم.
قوله: (لانه خبر لا شهادة) قال في الهداية: لانه أمر ديني فأشبه رواية الاخبار.
قوله: (خبر عدل) العدالة ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة والشرط أدناها وهو ترك الكبائر والاصرار على الصغائر وما يخل بالمروءة، ويلزم أن يكون مسلما عاقلا بالغا.
بحر.
قوله: (على ما صححه البزازي) وكذا
صححه في المعارج والتجنيس.
وقال في الفتح وهو رواية الحسن، وبه أخذ الحلواني ومشى عليه في نور الايضاح.
وأقول: إنه ظاهر الرواية أيضا، فقد قال الحاكم الشهيد في الكافي، الذي هو جمع كلام محمد في كتبه التي هي ظاهر الرواية ما نصه: وتقبل شهادة المسلم والمسلمة عدلا كان الشاهد أو غير عدل اه.
والمراد بغير العدل المستور كما سيأتي قريبا.
قوله: (لا فاسق اتفاقا) لان قوله في الديانات غير مقبول: أي في التي يتيسر تلقيها من العدول كرواية الاخبار، بخلاف الاخبار بطهارة المال ونجاسته ونحوه، حيث يتحرى في خبره فيه إذ قد لا يقدر على تلقيها من جهة العدول.
وقول الطحاوي: أو غير عدل، محمول على المستور كما هو رواية الحسن، لان المراد بالعدل من ثبتت عدالته ولا ثبوت في المستور، أما مع تبين الفسق فلا قائل به عندنا، وعليه تفرع ما لو شهدوا في آخر رمضان برؤية هلاله قبل صومهم بيوم إن كانوا في المصر ردت لتركهم الحسبة، وإن جاؤوا من خارج قبلت من الفتح ملخصا.
قوله: (وهل له أن يشد الخ) قال الحلواني: يلزم العدل ولو أمة أو مخدرة أن يشهد في ليلته كي لا يصبحوا مفطرين، وهي من فروض العين، وأما الفاسق إن علم أن الحاكم يميل إلى قول الطحاوي، ويقبل قوله يجب عليه وأما المستور ففيه شبهة الروايتين.
معراج.
قلت: وقوله إن علم الخ مبني على ظاهر قول الطحاوي من قبول ظاهر الفسق، فإذا كان اعتقاد القاضي ذلك يجب أن يشهد، وقول الشارح وهل له يفيد عدم الوجوب بناء على عدم علمه باعتقاد القاضي كما هو مفاد التعليل بقوله: لان القاضي ربما قبله تأمل.
قوله: (على المذهب)(2/423)
خلافا للامام الفضلي حيث قال: إنما يقبل الواحد العدل إذا فسر وقال: رأيته خارج البلد في الصحراء، أو يقول: رأيته في البلدة من بين خلل السحاب، أما بدون هذا التفسير فلا يقبل، كذا في الظهيرية.
بحر.
قوله: (وتقبل شهادة واحد على آخر) بخلاف الشهادة على الشهادة في سائر الاحكام، حيث لا تقبل ما لم يشهد على شهادة كل رجل رجلان أو رجل وامرأتان ح.
قوله: (كعبد وأنثى) أي كما تقبل شهادة عبد أو أنثى.
قوله: (ولو على مثلها) أفاد بهذا التعميم قول شهادتهما
على شهادة حر أو ذكر، وهو بحث لصاحب النهر وقال: ولم أره.
قوله: (ويجب على الجارية المخدرة) أي التي لا تخالط الرجال، وكذا يجب على الحرة أن تخرج بلا إذن زوجها، وكذا غير المخدرة والمزوجة بالاولى.
قال ط: والظاهر أن محل ذلك عند توقف إثبات الرؤية عليها، وإلا فلا.
قوله: (في ليلتها) أي لييلة الرؤية.
قوله: (مع العلة) أي من غيم وغبار ودخان.
قوله: (نصاب الشهادة) أي على الاموال، وهو رجلان أو رجل وامرأتان.
قوله: (لتعلق نفع العبد) علة لاشتراط ما ذكر في الشهادة على هلال الفطر، بخلاف هلال الصوم لان الصوم أمر ديني، فلم يشترط فيه ذلك، أما الفطر فهو نفع دنيوي للعباد فأشبه سائر حقوقهم فيشترط فيه ما يشترط فيها.
قوله: (لكن لا تشترط الدعوى الخ) قال في الفتح عن الخانية: وأما الدعوى فينبغي أن لا يشترط كما في عتق الامة، وطلاق الحرة عند الكل، وعتق العبد في قولهما.
وأما على قياس قوله فينبغي أن لا تشترط الدعوى في الهلالين اه: أي قياس قول الامام باشتراط الدعوى في عتق العبد اشتراطها أيضا في الهلالين، لكن جزم في الخانية بعدم اشتراطها في هلال رمضان، ثم ذكر هذا البحث، وفيه نظر لان اشتراط الدعوى عنده في عتق العبد لانه حق عبد، بخلاف الامة فإن فيه مع حق العبد حق الله تعالى وهو صيانة فرجها، والفطر وإن كان فيه حق عبد لكن فيه حق الله تعالى لحرمة صومه ووجوب صلاة العبد فهو يعتق الامة أشبه فلا تشترط فيه الدعوى، ولذا جزم به الشارح تبعا لغيره.
أفاده الرحمتي.
قوله: (وطلاق الحرة) مفهومه أن الزوجة الرقيقة يشترط فيها الدعوى، والذي في جامع الفصولين الاطلاق لكنه هنا يتشرط حضور الزوج والسيد في العتق ط.
قوله: (ببلدة) أي أو قرية.
قال في السراج: ولو تفرد واحد برؤيته في قرية ليس فيها وال ولم يأت مصرا ليشهد وهو ثقة يصومون بقوله اه.
قلت: والظاهر أنه يلزم أهل القرى الصوم بسماع المدافع أو رؤية القناديل من المصر لانه علامة ظاهرة تفيد غلب الظن، وغلبة الظن حجة موجبة للعمل كما صرحوا به، واحتمال كون ذلك لغير رمضان بعيد، إذ لا يفعل مثل ذلك عادة في ليلة إلا لثبوت رمضان.
قوله: (لا حاكم فيها) أي لا قاضي ولا والي كما في الفتح.
قوله: (قوله صاموا بقول ثقة) أي افتراضا لقول المصنف في
شرحه وعليهم أن يصوموا بقوله إذا كان عدلا اه ط.
قوله: (وأفطروا الخ) عبارة غيره: لا بأس(2/424)
أن يفطروا، والظاهر أن المراد به الوجو ب أيضا، والتعبير بنفي البأس لانه مظنة الحرمة كما في نفي الجناح في قوله تعالى * (فلا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة) * (النساء: 101) ومثله كثير في كلامهم، فافهم.
قوله: (مع العلة) قيد لقوله: صاموا وأفطروا.
قوله: (للضرورة) أي ضرورة عدم وجود حاكم يشهد عنده.
قوله: (بين نصب شاهد) أي يحمله شهادته أفاده ح.
لكن عبارة الجوهرة: بين أن ينصب من يشهد عنده الخ.
والظاهر أن المعنى: أن الحاكم ينصب رجلا نائبا عنه ليشهد عند ذلك النائب كما قالوا فيما لو وقعت للحاكم خصومة مع آخر ينصب نائبا ليتحاكما عنده، إذ لا يصح حكمه لنفسه، ويدل على ذلك أنه وقع في بعض النسخ نائب بدل شاهد.
قوله: (بخلاف العيد) أي هلال العيد إذ لا يكفي فيه الواحد.
مطلب: لا عبرة بقول المؤقتين في الصوم قوله: (ولا عبرة بقول المؤقتين) أي في وجوب الصوم على الناس بل في المعراج لا يعتبر قولهم بالاجماع ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه، وفي النهر فلا يلزم بقول المؤقتين إنه: أي الهلاك يكون في السماء ليلة كذا وإن كانوا عدولا في الصحيح كما في الايضاح وللامام السبكي الشافعي تأليف مال فيه إلى اعتماد قولهم لان الحساب قطعي اه ومثله في شرح الوهبانية.
مطلب: ما قاله السبكي من الاعتماد على الحساب مردود قلت: ما قاله السبكي رده متأخرو أهل مذهبه، منهم ابن حجر والرملي في شرحي المنهاج.
وفي فتاوى الشهاب الرملي الكبير الشافعي: سئل عن قول السبكي: لو شهدت بينة برؤية الهلال ليلة الثلاثين من الشهر وقال الحساب بعدم إمكان الرؤية تلك الليلة عمل بقول أهل الحساب، لان الحساب قطعي والشهادة ظنية، وأطال في ذلك فهل يعمل بما قاله أم لا؟ وفيما إذا رؤي الهلال نهارا قبل طلوع الشمس يوم التاسع والعشرين من الشهر، وشهدت بينة برؤية هلال رمضان ليلة
الثلاثين من شعبان، فهل تقبل الشهادة أم لا؟ لان الهلال إذا كان الشهر كاملا يغيب ليلتين أو ناقصا يغيب ليلة، أو غاب الهلال الليلة الثالثة قبل دخول وقت العشاء، لان (ص) كان يصلي العشاء لسقوط القمر، الثالث هل يعمل بالشهادة أم لا؟.
فأجاب: بأن المعمول به في المسائل الثلاث ما شهدت به البينة، لان الشهادة نزلها الشارع منزلة اليقين، وما قاله السبكي مردود رده عليه جماعة من المتأخرين، وليس في العمل بالبينة مخالفة لصلاته (ص).
ووجه ما قلناه أن الشارع لم يعتمد الحساب، بل ألغاه بالكلية بقوله: نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر وهكذا وهكذا، وقال ابن دقيق العيد: الحساب لا يجوز الاعتماد عليه في الصلاة انتهى.
والاحتمالات التي ذكرها السبكي بقوله: ولان الشاهد قد يشتبه عليه الخ، لا أثر لها(2/425)
شرعا لامكان وجودها في غيرها من الشهادات اه.
قوله: (وقيل نعم الخ) يوهم أنه قيل بأنه موجب للعمل، وليس كذلك، بل الخلاف في جواز الاعتماد عليهم، وقد حكي في القنية الاقوال الثلاثة: فنقل أولا عن القاضي عبد الجبار وصاحب جمع العلوم أنه لا بأس بالاعتماد على قولهم، ونقل عن ابن مقاتل أنه كان يسألهم ويعتمد على قولهم إذا اتفق عليه جماعة منهم، ثم نقل عن شرح السرخسي أنه بعيد.
وعن شمس الائمة الحلواني: أن الشرط في وجوب الصوم والافطار الرؤية، ولا يؤخذ فيه بقولهم، ثم نقل عن مجد الائمة الترجماني أنه اتفق أصحاب أبي حنيفة إلا النادر والشافعي أنه لا اعتماد على قولهم.
قوله: (وقيل بلا علة) أي إن شرط القبول عند عدم علة في السماء لهلال الصوم أو الفطر أو غيرهما كما في الامداد، وسيأتي تمام الكلام عليه إخبار جمع عظيم، فلا يقبل خبر الواحد لان التفرد من بين الجم الغفير بالرؤية مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه مع فرض عدم المانع، وسلامة الابصار وإن تفاوتت في الحدة ظاهر في غلطه.
بحر.
قال ح: ولا يشترط فيهم الاسلام ولا العدالة كما في إمداد الفتاح، ولا الحرية ولا الدعوى كما في القهستاني اه.
قلت: ما عزاه إلى الامداد لم أره فيه، وفي عدم اشتراط الاسلام نظر لانه ليس المراد هنا بالجمع العظيم ما يبلغ مبلغ التواتر الموجب للعلم القطعي، حتى لا يشترط له ذلك بل ما يوجب غلبة
الظن كما يأتي، وعدم اشتراط الاسلام له لا بد له من نقل صريح.
قوله: (يقع العلم الشرعي) أي المصطلح عليه في الاصول فيشمل غالب الظن، وإلا فالعلم في فن التوحيد أيضا شرعي، ولا عبرة بالظن هناك ح.
قوله: (وهو غلبة الظن) لانه العلم الموجب للعمل لا العلم بمعنى اليقين، نص عليه في المنافع وغاية البيان ابن كمال، ومثله في البحر عن الفتح وكذا في المعراج.
قال القهستاني: قلا يشترط خبر اليقين الناشئ من التواتر كما أشير به في المضمرات، لكن كلام الشارح مشير إليه اه.
ومراده شرح صدر الشريعة فإنه قال: الجمع العظيم جمع يقع العلم بخبرهم ويحكم العقل بعدم تواطئهم على الكذب اه.
وتبعه في الدرر ورده ابن كمال حيث ذكر في منهواته: أخطأ صدر الشريعة حيث زعم أن المعتبر ها هنا العلم بمعنى اليقين.
قوله: (وهو مفوض الخ) قال في السراج: لم يقدر لهذا الجمع تقدير في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف: خمسون رجلا كالقسامة، وقيل أكثر أهل المحلة، وقيل من كل مسجد واحد أو اثنان، وقال خلف بن أيوب: خمسمائة ببلخ قليل، والصحيح من هذا كله أنه مفوض إلى رأي الامام إن وقع في قلبه صحة ما شهدوا به وكثرت الشهود أمره بالصوم اه.
وكذا صححه في المواهب وتبعه الشرنبلالي.
وفي البحر عن الفتح: والحق ما روي عن محمد وأبي يوسف أيضا أن العبرة بمجئ الخبر وتواتره من كل جانب اه.
وفي النهر أنه موافق لما صححه في السراج.
تأمل.
قوله: (واختاره في البحر) حيث قال: وينبغي العمل على هذه الرواية في زماننا، لان الناس تكاسلت عن ترائي الاهلة، فانتفى قولهم مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه، فكان التفرد غير ظاهر في الغلط، ثم أيد ذلك بأن ظاهر الولوالجية والظهيرية يدل على أن ظاهر الرواية هو اشتراط العدد لا الجمع العظيم والعدد يصدق باثنين اه.
وأقره في النهر والمنح ونازعه محشيه الرملي بأن ظاهر المذهب اشتراط الجمع العظيم، فيتعين العمل به لغلبة الفسق والاقتراء على الشهر الخ.(2/426)
أقول: أنت خبير بأن كثيرا من الاحكام تغيرت لتغير الازمان، ولو اشترط في زماننا الجمع العظيم لزم أن لا يصوم الناس إلا بعد ليلتين أو ثلاث لما هو مشاهد من تكاسل الناس، بل كثيرا ما رأيناهم يشتمون من يشهد بالشهر ويؤذونه، وحينئذ فليس في شهادة الاثنين تفرد بين الجمع الغفير
حتى يظهر غلط الشاهد فانتفت علة ظاهر الرواية فتعين الافتاء بالرواية الاخرى.
قوله: (وصحح في الاقضية الخ) هو اسم كتاب، واعتمده في الفتاوى الصغرى أيضا وهو قول الطحاوي، وأشار إليه الامام محمد في كتاب الاستحسان من الاصل، لكن في الخلاصة: ظاهر الرواية أنه لا فرق بين المصر وخارجه.
معراج غيره.
قلت: لكن قال في النهاية عند قوله: ومن رأى هلال رمضان وحده صام الخ: وفي المبسوط وإنما يرد الامام شهادته إذا كانت السماء مصحية، وهو من أهل المصر، فأما إذ كانت متغيمة أو جاء من خارج المصر أو كان في موضع مرتفع فإنه يقبل عندنا اه.
فقوله عندنا يدل على أنه قول أئمتنا الثلاثة، وقد جزم به في المحيط وعبر عن مقابله بقيل.
ثم قال: وجه ظاهر الرواية أن الرؤية تختلف باختلاف صفو الهواء وكدرته وباختلاف انهباط المكان وارتفاعه، فإن هواء الصحراء أصفى من هواء المصر، وقد يرى الهلال من أعلى الاماكن ما لا يرى من الاسفل، فلا يكون تفرده بالرؤية خلا ف الظاهر بل على موافقة الظاهر اه.
ففيه التصريح بأنه ظاهر الرواية، وهو كذلك لان المبسوط من كتب ظاهر الرواية أيضا، فقد ثبت أن كلا من الروايتين ظاهر الرواية، ثم رأيته أيضا في كافي الحاكم الذي هو جمع كلام محمد في كتبه ظاهر الرواية.
ونصه: ويقبل شهادة المسلم والمسلمة عدلا كان الشاهد أو غير عدل بعد أن يشهد أنه رأى خارج المصر أو أنه رآه في المصر وفي المصر علة تمنع العامة من التساوي في رؤيته، وإن كان ذلك في مصر ولا علة في السماء لم يقبل في ذلك إلا الجماعة اه.
ويظهر لي أنه لا منافاة بينهما، لان رواية اشتراط الجمع العظيم التي عليها صحاب المتون محمولة على ما إذا كان الشاهد من المصر في مكان غير مرتفع فتكون الرواية الثانية مقيدة لاطلاق الرواية الاولى، بدليل أن الرواية الاولى علل فيها رد الشهادة بأن التفرد ظاهر في الغلط.
وعلى ما في الرواية الثانية لم توجد علة الرد ولهذا قال في المحيط: فلا يكون تفرده بالرؤية خلاف الظاهر الخ.
وعلى هذا فما في الخلاصة وغيرها من أنه لا فرق بين المصر وخارجه مبني على ما هو المتبادر من إطلاق الرواية الاولى، والله تعالى أعلم.
قوله: (أن يدعي) بالبناء للمجهول أو للمعلوم، وفاعل ضمير المدعي المفهوم من فعله: أي بأن يدعي مدع على شخص حاضر بأن فلانا الغائب له عليك كذا من الدين
وقد قال لي: إذا دخل رمضان فأنت وكيلي يقبض هذا الدين، ومثل ذلك ما لو ادعى على آخر بدين له عليه مؤجل إلى دخول رمضان فيقر بالدين وينكر الدخول، قوله.
قوله: (فيقر) أي الحاضر بالدين والوكالة.
واستشكله الخير الرملي بأن هذا إقرار على الغائب بقبض المدعي دينه فلا ينفذ.
وأقول: لا إشكال لان الديون تقضى بأمثالها فقد أقر بثبوت حق القبض له في ملك نفسه،(2/427)
بخلاف ما لو كانت الدعوى بعين كوديعة، لان إقراره بها إقرار بثبوت حق القبض للوكيل في ملك الموكل فلا يصح، وبخلاف ما أقر بالوكالة وجحد الدين فإنه لا يصير خصما بإقراره حتى يقيم الوكيل البينة على وكالته كما في شرح أدب القضاء للخصاف.
قوله: (فيقضي عليه به) أي بثبوت حق القبض.
قوله: (ويثبت دخوله الشهر ضمنا) لانه من ضروريات صحة الحكم بقبض الدين، فقد ثبت في ضمن إثبات حق العبد لا قصدا، ولهذا قال في البحر عن الخلاصة بعدما ذكره الشارح هنا: لان إثبات مجئ رمضان لا يدخل تحت الحكم، حتى لو أخبر رجل عدل القاضي بمجئ رمضان يقبل ويأمر الناس بالصوم: يعني في يوم الغيم، ولا يشترط لفظة الشهادة وشرائط القضاء، أما في العيد فيشترط لفظ الشهادة، وهو يدخل تحت الحكم لانه من حقوق العباد اه.
قلت: والحاصل أن رمضان يجب صومه بلا ثبوت، بل بمجرد الاخبار لانه من الديانات، ولا يلزم من وجوب صومه ثبوته كما مر، وحينئذ ففائدة إثباته على الطريق المذكور عدم توقفه على الجمع العظيم لو كانت السماء مصحية، لان الشهادة هنا على حلول الوكالة بدخول الشهر لا على رؤية الهلال، ولا شك أن حلول الوكالة يكتفى فيها بشاهدين لانها مجرد حق عبد، ولا تثبت إلا بثبوت الدخول وإذا ثبت دخوله ضمنا وجب صومه، ونظيره ما سنذكره فيما لو تم عدد رمضان ولم ير هلال الفطر للعلة يحل الفطر، وإن ثبت رمضان بشهادة واحد لثبوت الفطر تبعا وإن كان لا يثبت قصدا إلا بالعدد والعدالة، هذا ما ظهر لي.
قوله: (شهدوا) منم إطلاق الجمع على ما فوق الواحد.
وفي بعض النسخ شهدا بضمير التثنية وهو أولى.
قوله: (شاهدان) أي بناء على أنه كان بالسماء علة، أو كان القاضي يرى ذلك فارتفع بحكمه الخلاف، أو على الرواية التي اختارها في البحر كما
مر.
قوله: (في ليلة كذا) لا بد منه ليتأتى الالزام بصوم يومها ط.
قوله: (وقضى) أي وأنه قضى فهو عطف على شهد.
قوله: (ووجد استجماع شرائط الدعوى) هكذا في الذخيرة عن مجموع النوازل، وكأنه مبني على ما قدمناه عن الخانية من بحث اشتراط الدعوى على قياس قول الامام، أو ليكون شهادة على القضاء بدليل التعليل بقوله: لان قضاء القاضي حجة لانه لا يكون قضاء إلا عند ذلك.
والظاهر أن المراد من القضاء به القضاء ضمنا كما تقدم طريقه، وإلا فقد علمت أن الشهر لا يدخل تحت الحكم.
قوله: (أي جاز) الظاهر أن المراد بالجواز الصحة فلا ينافي الوجوب.
تأمل قوله.
قوله: (لانه حكاية) فإنهم لم يشهدوا بالرؤية ولا على شهادة غيرهم، وإنما حكوا رؤية غيرهم، كذا في فتح القدير، قلت: وكذا لو شهدوا برؤية غيرهم وأن قاضي تلك المصر أمر الناس بصوم رمضان، لانه حكاية لفعل القاضي أيضا وليس بحجة، بخلاف قضائه، ولذا قيد بقوله ووجد استجماع شرائط الدعوى كما قلنا.
فتأمل.
قوله: (نعم الخ) في الذخيرة قال شمس الائمة الحلواني: الصحيح من مذهب أصحابنا أن الخبر إذا استفاض وتحقق فيما بين أهل البلدة الاخرى يلزمهم حكم هذه البلدة اه.
ومثله في الشرنبلالية عن المغني.(2/428)
قلت: ووجه الاستدراك أن هذه الاستفاضة ليس فيها شهادة على قضاء قاض ولا على شهادة لكن لما كانت بمنزلة الخبر المتواتر، وقد ثبت بها أن أهل تلك البلدة صاموا يوم كذا لزم العمل بها، لان البلدة لا تخلو عن حاكم شرعي عادة فلا بد من أن يكون صومهم مبنيا على حكم حاكمهم الشرعي، فكانت تلك الاستفاضة بمعنى نقل الحكم المذكور، وهي أقوى من الشهادة بأن أهل تلك البلدة رأوا الهلال وصاموا لانها لا تفيد اليقين، فلذا لم تقبل إلا إذا كانت على الحكم أو على شهادة غيرهم لتكون شهادة معتبرة، وإلا فهي مجرد إخبار، بخلاف الاستفاضة فإنها تفيد اليقين فلا ينافي ما قبله، هذا ما ظهر لي.
تأمل.
تنبيه: قال الرحمتي: معنى الاستفاضة أن تأتي من تلك البلدة جماعات متعددون كل منهم يخبر
عن أهل تلك البلدة أنهم صاموا عن رؤية لا مجرد الشيوع من غير علم بمن أشاعه، كما قد تشيع أخبار يتحدث بها سائر أهل البلدة ولا يعلم من أشاعها كما ورد: أن في آخر الزمان يجلس الشيطان بين الجماعة فيتكلم بالكلمة فيتحدثون بها ويقولون لا ندري من قالها، فمثل هذا لا ينبغي أن يسمع فضلا عن أن يثبت به حكم اه.
قلت: وهو كلام حسن ويشير إليه قول الذخيرة: إذا استفاض وتحقق فإن التحقق لا يوجد بمجرد الشيوع.
قوله: (حل الفطر) أي اتفاقا إن كانت ليلة الحادي والثلاثين متغيمة، وكذا لو مصحية على ما صححه في الدراية والخلاصة والبزازية، وصحح عدمه في مجموع النوازل والسيد الامام الاجل ناصر الدين كما في الامداد، ونقل العلامة نوح الاتفاق على حل الفطر في الثانية أيضا عن البدائع والسراج والجوهرة.
قال: والمراد اتفاق أئمتنا الثلاثة، وما حكي فيها من الخلاف إنما هو لبعض المشايخ.
قلت: وفي الفيض: الفتوى على حل الفطر.
ووفق المحقق ابن الهمام كما نقله عنه في الامداد بأنه لا يبعد لو قال قائل إن قبلهما في الصحو: أي في هلال رمضان وتم العدد لا يفطرون، وإن قبلهما في غيم أفطروا لتحقق زيادة القوة في الثبوت في الثاني والاشتراك في عدم الثبوت أصلا في الاول فصار كشهادة الواحد اه.
قال: والحاصل: أنه إذا غم شوال أفطروا اتفاقا إذا ثبت رمضان بشهادة عدلين في الغيم أو الصحو، وإن لم يغم فقيل يفطرون مطلقا، وقيل لا مطلقا، وقيل يفطرون إن غم رمضان أيضا، وإلا لا.
قوله: (حيث يجوز) حيثية تقييد أي بأن قبله القاضي في الغيم أو في الصحو وهو ممن يرى ذلك، فتح: أي بأن كان شافيا أو يرى قول الطحاوي بقبول شهادته في الصحو إذا جاء من الصحراء أو كان على مكان مرتفع في المصر، وقدمنا ترجيحه، وما هنا يرجحه أيضا، فقد قال في الفتح في قول الهداية: إذا قبل الامام شهادة الواحد وصاموا الخ، هكذا الرواية على الاطلاق.
قوله: (وغم هلال الفطر) الجملة حالية قيد بها لانها محل الخلاف على ما ذكره المصنف.
قوله: (لا يحل) أي الفطر إذا لم ير الهلال.
قال في الدرر: ويعزز ذلك الشاهد: أي لظهور كذبه.
قوله: (لكن(2/429)
الخ) استدراك على ما ذكره المصنف من أن خلاف محمد فيما إذا غم الفطر بأن المصرح به في الذخيرة، وكذا في المعراج عن المجتبى أن حل الفطر هنا محل وفاق، وإنما الخلاف فيما إذا لم يغم ولم ير الهلال، فعندهما لا يحل الفطر، وعند محمد يحل كما قاله شمس الائمة الحلواني، وحرره الشرنبلالي في الامداد.
قال في غاية البيان: وجه قول محمد: وهو الاصح، أن الفطر ما ثبت بقول الواحد ابتداء بل بناء وتبعا، فكم من شئ ضمنا ولا يثب قصدا.
وسئل عنه محمد فقال: ثبت الفطر بحكم القاضي لا بقول الواحد: يعني لما حكم في هلال رمضان بقول الواحد ثبت الفطر بناء على ذلك بعد تمام الثلاثين.
قال شمس الائمة في شرح الكافي: وهو نظير شهادة القابلة على النسب فإنها تقبل، ثم يفضي ذلك إلى استحقاق الميراث، والميراث لا يثبت بشهادة القابلة ابتداء اه.
قوله: (وفي الزيلعي الخ) نقله لبيان فائدة لم تعلم من كلام الذخيرة، وهي ترجيح عدم حل الفطر إن لم يغم شوال لظهور غلط الشاهد، لانه الاشبه من ألفاظ الترجيح، لكنه مخالف لما علمته من تصحيح غاية البيان لقول محمل بالحل، نعم حمل في الامداد ما في غاية البيان على قول محمد بالحل إذا غم شوال بناء على تحقق الخلاف الذي نقله المصنف وقد علمت عدمه، وحينئذ فما في غاية البيان في غير محله لانه ترجيح لما هو متفق عليه.
تأمل.
قوله: (والاضحى كالفطر) أي ذو الحجة كشوال، فلا يثبت بالغيم إلا برجلين أو رجل وامرأتين، وفي الصحو لا بد من زيادة العدد على ما قدمناه، وفي النوادر عن الامام أنه كرمضان، وصححه في التحفة، والاول ظاهر المذهب، وصححه في الهداية وشروحها والتبيين، فاختلف التصحيح، وتأيد الاول بأنه المذهب.
بحر.
قوله: (وبقية الاشهر التسعة) فلا يقبل فيها إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين عدول أحرار غير محدودين كما في سائر الاحكام.
بحر عن شرح مختصر الطحاوي للامام الاسبيجابي.
وذكر في الامداد أنها في الصحو كرمضان والفطر: أي فلا بد من الجمع العظيم، ولم يعزه لاحد، لكن قال الخير الرملي: الظاهر أنه في الاهلة التسعة لا فرق بين الغيم والصحو في قبول الرجلين لفقد العلة الموجبة لاشتراط الجمع الكثير، وهي توجه الكل طالبين، ويؤيده قوله في سائر الاحكام، فلو شهدا في الصحو بهلال
شعبان وثبت بشروط الثبوت الشرعي يثبت رمضان بعد ثلاثين يوما من شعبان، وإن كان رمضان في الصحو لا يثبت بخبرهما، لان ثبوته حينئذ ضمني، ويغتفر في الضمنيات ما لا يغتفر في القصديات اه.
مطلب في رؤية الهلال نهارا قوله: (ورؤيته بالنهار لليلة الآتية مطلقا) أي سواء رئي قبل الزوال أو بعده، وقوله على المذهب: أي الذي هو قول أبي حنيفة ومحمد.
قال في البدائع: فلا يكون ذلك اليوم من رمضان عندهما.
وقال أبو يوسف: إن كان بعد الزوال فكذلك، وإن كان قبله فهو لليلة الماضية ويكون اليوم من رمضان، وعلى هذا الخلاف هلال شوال: فعندهما يكون للمستقبلة مطلقا، ويكون اليوم من رمضان، وعنده لو قبل الزوال يكون للماضية ويكون اليوم يوم الفطر، لانه لا يرى قبل الزوال عادة إلا أن يكون لليلتين، فيجيب في هلال رمضان كون اليوم من رمضان، وفي هلال شوال كونه يوم الفطر، والاصل عندهما أنه لا تعتبر رؤيته نهارا، وإنما العبرة لرؤيته بعد غروب الشمس لقوله (ص):(2/430)
صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته أمر بالصوم والفطر بعد الرؤية، ففيما قاله أبو يوسف مخاالفة النص اه ملخحصا وفي الفتح: أوجب الحديث سبق الرؤية عن الصوم والفطر والمفهوم المتبادر منه الرؤية عند عشية آخر كل شهر عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بخلاف ما قبل الزوال من الثلاثين والمختار قولهما اه.
قلت: والحاصل إذا رئي الهلال يوم الجمعة مثلا قبل الزوال: فعند أبي يوسف هو لليلة الماضية، بمعنى أنه يعتبر أن الهلال قد وجد في الافق ليلة الجمعة فغاب ثم ظهر نهارا فظهوره في النهار في حكم ظهوره في ليلة ثانية من ابتداء الشهر، لانه لو لم يكن قبل ليلة لم يمكن رؤيته نهارا لانه لا يرى قبل الزوال إلا أن يكون لليلتين، فلا منافاة بيكونه لليلة الماضية وكونه لليلتين، لان النهار صار بمنزلة ليلة ثانية، وإذا كان لليلة الماضية يكون يوم الجمعة المذكور أو الشهر، فيجب
صومه إن كان رمضان، ويجب فطره إن كان شوالا.
وأما عندهما فلا يكون للماضية مطلقا بل هو للمستقبلة، وليس كونه للمستقبلة ثابتا برؤيته نهارا لانه لا عبرة عندهما برؤيته نهارا وإنما ثبت بإكمال العدة، لان الخلاف على ما صرح به في البدائع والفتح إنما هو في رؤيته يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان أو من رمضان.
فإذا كان يوم الجمعة المذكور يوم الثلاثين من الشهر ورئي فيه الهلال نهارا: فعند أبي يوسف ذلك اليوم أول الشهر، وعندهما لا عبرة لهذه الرؤية ويكون أول الشهر يوم السبت، سواء وجدت هذه الرؤية أو لا، لان الشهر لا يزيد على الثلاثين فلم تفد هذه الرؤية شيئا، وحينئذ فقولهم هو لليلة المستقبلة عندهما بيان للواقع، وتصريح بمخالفة القول بأنه للماضية، فلا منافاة حينئذ بين قولهم هو للمستقبلة عندهما، وقولهم لا عبرة برؤيته نهارا عندهما، وإنما كان الخلاف في رؤيته يوم الشك، وهو يوم الثلاثين لان رؤيته يوم التاسع والعشرين لم يقل أحد فيها إنه للماضية لئلا يلزم أن يكون الشهر ثمانية وعشرين كما نص عليه بعض المحققين، وشمل قولهم لا عبرة برؤيته نهارا، وأما إذا رئي يوم التاسع والعشرين قبل الشمس ثم رئي ليلة الثلاثين بعد الغروب وشهدت بينة شرعية بذلك، فإن الحاكم يحكم برؤيته ليلا كما هو نص الحديث، ولا يلتفت إلى قول المنجمين: إنه لا يمكن رؤيته صباحا ثم مساء في يوم واحد كما قدمناه عن فتاوى شمس الرملي الشافعي.
وكذا لو ثبتت رؤيته ليلا ثم زعم زاعم أنه رآه صبيحتها فإن القاضي لا يلتفت إلى كلامه.
كيف وقد صرحت أئمة المذاهب الاربعة بأن الصحيح أنه لا عبرة برؤية الهلال نهارا وإنما المعتبر رؤيته ليلا، وأنه لا عبرة بقول المنجمين.
ومن عجائب الدهر ما وقع في زماننا سنة أربعين بعد المائتين والالف وهو أنه ثبت رمضان تلك السنة ليلة الاثنتين التالية لتسع وعشرين من شعبان بشهادة جماعة رأوه من منارة جامع دمشق وكانت السماء متغيمة، فأثبت القاضي الشهر بشهادتهم بعد الدعوى الشرعية، فزعم بعض الشافعية أن هذا الاثبات مخالف للعقل وأنه غير صحيح، لانه أخبره بعض الناس بأنه رأى الهلال نهار الاثنين المذكور، ثم تعاهد جماعة من أهل مذهبه على نقد هذا الحكم فلم يقدروا وأوقعوا التشكيك في قلوب العوام، ثم صاموا يوم عيد الناس وعيدوا في اليوم الثاني حتى خطأهم بعض علمائهم وأظهر لهم النقول الصريحة من مذهبهم، فاعتذر(2/431)
بعضهم بأنهم فعلوا كذلك مراعاة لمذهب الحنفية وأن الحنفية لم يفهموا مذهبهم، ولا يخفى أن هذا العذر أقبح من الذنب، فإن فيه الافتراء على أئمة الدين لترويج الخطأ الصريح، فعند ذلك بادرت إلى كتابة رسالة سميتها: تنبيه الغافل والوسنان على أحكام هلال رمضان جمعت فيها نصوص المذاهب الاربعة الدالة على أن الخطأ الصريح هو الذي ارتكبوه، وأن الحق الصحيح هو الذي اجتنبوه.
مطلب في اختلاف المطالع قوله: (واختلاف المطالع) جمع مطلع بكسر اللام موضع الطلوع، بحر، عن ضياء الحلوم.
قوله: (ورؤيته نهارا الخ) مرفوع عطفا على اختلاف، ومعنى عدم اعتبارها أنه لا يثبت بها حكم من وجوب صوم أو فطر، فلذا قال في الخانية: فلا يصام له ولا يفطر وأعاده وإن علم مما قبله ليفيد أن قوله لليلة الآتية لم يثبت بهذه الرؤية، بل ثبت ضرورة إكمال العدة كما قررناه، فافهم.
قوله: (على ظاهر المذهب) اعلم أن نفس اختلاف المطالع لا نزاع فيه، بمعنى أنه قد يكون بين البلدتين بعد بحيث يطلع الهلال ليلة كذا في إحدى البلدتين دون الاخرى، وكذا مطالع الشمس لان انفصال الهلال عن شعاع الشمس يختلف باختلاف الاقطار، حتى إذا زالت الشمس في المشرق لا يلزم أن تزول في المغرب وكذا طلوع الفجر وغروب الشمس، بل كلما تحركت الشمس درجة فتلك طلوع فجر لقوم وطلوع شمس لآخرين، وغروب لبعض ونصف ليل لغيرهم كما في الزيلعي.
وقدر البعد الذي تختلف فيه المطالع مسيرة شهر فأكثر على ما في القهستاني عن الجواهر اعتبارا بقصة سليمان عليه السلام، فإنه قد انتقل كل غدو ورواح من إقليم إلى إقليم وبينما شهر اه.
ولا يخفى ما في هذا الاستدلال، وفي شراح المنهاج للرملي: وقد نبه التاج التبريزي على أن اختلاف المطالع لا يمكن في أقل من أربعة وعشرين فرسخا، وأفتى به الوالد، والاوجه أنها تحديدية كما أفتى به أيضا اه.
فليحفظ، وإنما الخلاف في اعتبار اختلاف المطالع بمعنى أنه هل يجب على كل قوم اعتبار مطلعهم، ولا يلزم أحدا العمل بمطلع غيره، أم لا يعتبر اختلافها بل يجب العمل بالاسبق رؤية حتى لو رئي في المشرق ليلة الجمعة، وفي المغرب ليلة السبت وجب على أهل المغرب العمل
بما رآه أهل المشرق؟ فقيل بالاول، واعتمده الزيلعي وصاحب الفيض، وهو الصحيح عند الشافعية لان كل قوم مخاطبون بما عندهم، كما في أوقات الصلاة، وأيده في الدرر بما مر من عدم وجوب العشاء والوتر على فاقد وقتها، وظاهر الرواية الثاني، وهو المعتمد عندنا وعند المالكية والحنابلة لتعلق الخطاب عاما بمطلق الرؤية في حديث: صوموا لرؤيته بخلاف أوقات الصلوات، وتمام تقريره في رسالتنا المذكورة.
تنبيه: يفهم من كلامهم في كتاب الحج أن اختلاف المطالع فيه معتبر، فلا يلزمهم شئ لو ظهر أنه رئي في بلدة أخرى قبلهم بيوم، وهل يقال كذلك في حق الاضحية لغير الحجاج؟ لم أره، والظاهر نعم لان اختلاف المطالع إنما لم يعتبر في الصوم لتعلقه بمطلق الرؤية.
وهذا بخلاف الاضحية فالظاهر أنها كأوقات الصلوات يلزم كل قوم العمل بما عندهم، فتجزئ الاضحية في اليوم(2/432)
الثالث عشر وإن كان على رؤيا غيرهم هو الرابع عشر والله أعلم.
قوله: (فيلزم) فاعله ضمير يعود إلى ثبوت الهلال: أي هلال الصوم أو الفطر وأهل المشرق مفعوله ح.
أو يلزم بضم الياء من الالزام مبني للمجهول، وأهل المشرق نائب الفاعل، وبرؤيته متعلق بيلزم.
قوله: (بطريق موجب) كأن يتحمل اثنان الشهادة أو يشهدا على حكم القاضي أو يستفيض الخبر، بخلاف ما إذا أخبرا أن أهل بلدة كذا رأوه لانه حكاية ح.
قوله: (كما مر) أي عند قوله شهد أنه شهد ح.
قوله: (يكره) ظاهره ولو بقصد دلالة من لم يره، وظاهر العلة أن الكراهة تنزيهية ط.
والله أعلم.
باب ما يفسد الصوم وما لا يفسده المفسد هنا قسمان: ما يوجب القضاء فقط، أو مع الكفار، وغير المفسد قسمان أيضا: ما يباح فعله، أو يكره.
قوله: (الفساد والبطلان في العبادات سيان) أما في المعاملات فإن لم يترتب أثر المعاملة عليها فهو البطلان، وإن ترتب فإن كان المطلوب التفاسخ شرعا فهو الفساد، وإلا فهو الصحة.
ح عن البحر.
بيانه: لو باع ميتة فإن أثر المعاملة هنا وهو الملك غير مترتب عليها، ولو باع عبدا بشرط فاسد وسلمه ملكه المشتري فاسدا وهو واجب التفاسخ ولو بدون شرط ملكه
صحيحا.
قوله: (إذا أكل) شرط جوابه قوله الآتي: لم يفطر كما سينبه عليه الشارح.
قوله: (ناسيا) أي لصومه لانه ذاكر للاكل والشرب والجماع.
معراج.
قوله: (في الفرض) ولو قضاء أو كفارة.
قوله: (قبل النية أو بعدها) قدم الشارح هذه المسألة عن شرح الوهبانية قبيل قوله: رأى مكلف هلال رمضان الخ وصوروها في المتلوم تبعا للوهبانية وشرحها لكونه في معنى الصائم إذا ظهرت رمضانية اليوم بعدما أكل ناسيا ثم نوى فيتصور منه النسيان: أي نسيان تلومه لاجل الصوم، بخلاف المتنفل فإنه لو أكل قبل النية لا يسمى ناسيا، وكذا في صوم القضاء والكفارة نعم يتصور النسيان في أداء رمضان والمنذور المعين.
قوله: (على الصحيح) متصل بقوله: قبل النية وقد نقل تصحيحه أيضا في التاترخانية عن العتابية، وقيل إذا ظهرت رمضانيته لا يجزيه، وبه جزم في السراج وتبعه في الشرنبلالية، ونظم ابن وهبان القولين مع حكاية التصحيح للاول، وأقره في البحر والنهر فكان هو(2/433)
المعتمد، فافهم.
قوله: (إلا أن يذكر فلم يتذكر) أي إذا أكل ناسيا فذكره إنسان بالصوم لم يتذكر فأكل فسد صومه في الصحيح خلافا لبعضهم.
ظهيرية.
لان خبر الواحد في الديانات مقبول، فكان يجب أن يلتفت إلى تأمل الحال لوجود المذكر.
بحر.
قلت: لكن لا كفارة عليه وهو المختار كما في التاترخانية عن النصاب، وقد نسبوا هذه المسألة إلى أبي يوسف، ونسب إليه القهستاني فساد الصوم بالنسيان مطلقا ولم أره لغيره، وسيأتي ما يرده.
قوله: (ويذكره) أي لزوما كما في الولوالجية فيكره تركه تحريما.
بحر.
وقوله: لو قويا أي له قوة على إتمام الصوم، بلا ضعف، وإذا كان يضعف بالصوم ولو أكل يتقوى على سائر الطاعة يسعه أن لا يخبره.
فتح.
وعبارة غيره: الاولى أن لا يخبره، وتعبير الزيلعي بالشاب والشيخ جرى على الغالب، ثم هذا التفصيل جرى عليه غير واحد.
وفي السراج عن الواقعات: المختار أنه يذكره مطلقا.
نهر.
مطلب: يكره السهرإذا خاف فوت الصبح قال ح عن شيخه: ومثل أكل الناسي النوم عن صلاة، لان كلامنهما معصية في نفسه كما
صرحوا أنه يكره السهر إذا خاف فوت الصبح، لكن الناسي أو النائم غير قادر فسقط الاثم عنهما، لكن وجب على من يعلم حالهما تذكير الناسي وإيقاظ النائم إلا في حق الضيف عن الصوم مرحمة له اه.
قوله: (وليس) أي النسيان عذرا في حقوق العباد: أي من حيث ترتب الحكم على فعله، فلو أكل الوديعة ناسيا ضمنها، أما من حيث المؤاخذة في الآخرة فهو عذر مسقط للاثم كما في حقوقه تعالى، وأما من حيث الحكم في حقوقه تعالى، فإن كان في موضع ولا داعي إليه كأكل المصلي لم يسقط لتقصيره، فإن حالة المصلي مذكرة وطول الوقت الداعي إلى الاكل غير موجود، بخلاف سلامه في القعدة الاولى وأكل الصائم فإنه ساقط لوجود الداعي، وهو كون القعدة محل السلام، وطول الوقت الداعي إلى الطعام مع عدم المذكر، وبخلاف ترك الذابح التسمية فإن حالة الذبح منفرة لا مذكرة مع عدم الداعي فتسقط أيضا.
من البحر مع زيادة.
قوله: (استحسانا) وفي القياس يفسد: أي بدخول الذباب لوصول المفطر إلى جوفه وإن كان لا يتغذى به كالتراب والحصاة.
هداية.
قوله: (لعدم إمكان التحرز عنه) فأشبه الغبار والدخان لدخولهما من الانف إذا أطبق الفم كما في الفتح، وهذا يفيد أنه إذا وجد بدا من تعاطي ما يدخل غباره في حلقه أفسد لو فعل.
شرنبلالية.
قوله: (ومفاده) أي مفاد قوله: دخل أي بنفسه بلا صنع منه.
قوله: (إنه لو أدخل حلقه الدخان) أي بأي صورة كان الادخال، حتى لو تبخر بخور فآواه إلى نفسه واشتمه ذاكرا لصومه أفطر لامكان التحرز عنه، وهذا مما يغفل عنه كثير من الناس، ولا يتوهم أنه كشم الورد ومائه والمسك، لوضوح الفرق بين هواء تطيب بريح المسك وشبهه وبين جوهر دخان وصل إلى جوفه بفعله.
إمداد.
وبه علم حكم شرب الدخان، ونظمه الشرنبلالي في شرحه على الوهبانية بقوله: ويمنع من بيع الدخان وشربه وشاربه في الصوم لا شك يفطر ويلزمه التكفير لو ظن نافعا كذا دافعا شهوات بطن فقرروا(2/434)
قوله: (وإن وجد طعمه في حلقه) أي طعم الكحل أو الدهن كما في السراج، وكذا لو بزق فوجد لونه في الاصح.
بحر.
قال في النهر: لان الموجود في حلقه أثر داخل من المسام الذي هو
خلل البدن، والمفطر إنما هو الداخل من المنافذ، للاتفاق على أن من اغتسل في ماء فوجد برده في باطنه أنه لا يفطر، وإنما كره الامام الدخول في الماء والتلفف بالثوب المبلول لما فيه من إظهار الضجر في إقامة العبادة لا لانه مفطر اه.
وسيأتي أن كلا من الكحل والدهن غير مكروه، وكذا الحجامة إلا إذا كانت تضعفه عن الصوم.
قوله: (أو بفكر) عطف على قوله: بنظر.
قوله: (أو بقي بلل في فيه بعد المضمضة) جعله في الفتح و البدائع شبيه دخول الدخان والغبار، ومقتضاه أن العلة فيه عدم إمكان التحرز عنه، وينبغي اشتراط البصق بعد مج الماء لاختلاط الماء بالبصاق، فلا يخرج بمجرد المج، نعم لا يشترط المبالغة في البصق بعده مجرد بلل ورطوبة لا يمكن التحر منه وعلى ما قلنا ينبغي أن يحمل قوله في البزازية: إذا بقي بعد المضمضة ماء فابتلعه بالبزاق لم يفطر لتعذر الاحتراز، فتأمل.
قوله: (كطعم أدوية) أي لو دق دواء فوجد طعمه في حلقه زيلعي وغيره.
وفي القهستاني: طعم الادوية وريح العطر إذا وجد في حلقه لم يفطر كما في المحيط.
قوله: (ومص إهليلج) أي بأن مضغها فدخل البصاق حلقه ولا يدخل من عينها في جوفه لا يفسد صومه كما في التاترخانية وغيرها.
وفي المغرب: الهليلج معروف عن الليث، وكذا في القانون.
وعن أبي عبيد: الاهليلجة بكسر اللام الاخيرة ولا تقل هليلجة، وكذا قال الفراء اه.
قوله: (وإن كان بفعله) اختاره في الهداية والتبيين وصححه في المحيط.
وفي الولوالجية أنه المختار، وفصل في الخانية بأنه إن دخل لا يفسد، وإن أدخله يفسد في الصحيح لانه وصل إلى الجوف بفعله فلا يعتبر فيه صلاح البدن، ومثله في البزازية، واستظهره في الفتح والبرهان.
شرنبلالية ملخصا.
والحاصل الاتفاق على الفطر بصب الدهن وعلى عدمه بدخول الماء.
واختلف التصحيح في إدخاله.
نوح.
قوله: (كما لو حك أذنه إلخ) جعله مشبها به لما في البزازية أنه لا يفسد بالاجماع، والظاهر أن المراد بإجماع أهل المدهب لانه عند الشافعية مفسد.
قوله: (لانه تبع لريقه) عبارة البحر: لانه قليل لا يمكن الاحتراز عنه، فجعل بمنزلة الريق.
قوله: (كما سيجئ) أي قبيل قوله: وكره له ذوق شئ ويأتي تفاصيل المسألة هناك.
قوله: (يعني ولم يصل إلى جوفه) ظاهر إطلاق المتن أنه لا يفطر وإن كان الدم غالبا على الريق، وصححه في الوجيز كما في السراج وقال: ووجهه أنه لا
يمكن الاحتراز عنه عادة فصار بمنزلة ما بين أسنانه وما يبقى من أثر المضمضة، كذا في إيضاح الصيرفي اه.
ولما كان هذا القول خلاف ما عليه الاكثر من التفصيل حاول الشارح تبعا للمصنف في شرحه بحمل كلام المتن على ما إذا لم يصل إلى جوفه، لئلا يخالف ما عليه الاكثر.(2/435)
قلت: ومن هذا يعلم حكم من قلع ضرسه في رمضان ودخل الدم إلى جوفه في النهار ولو نائما فيجب عليه القضاء، إلا أن يفرق بعدم إمكان التحرز عنه فيكون كالقئ الذي عاد بنفسه.
فليراجع.
قوله: (واستحسنه المصنف) تبعا لشرح الوهبانية حيث قال فيه وفي البزازية: قيد عدم الفساد في صورة غلبة البصاق بما إذا لم يجد طعمه، وهو حسن اه.
قوله: (هو ما عليه الاكثر) أي ما ذكر من التفصيل بين ما إذا غلب الدم أو تساويا أو غلب البصاق هو ما عليه أكثر المشايخ كما في النهر.
قوله: (وسيجئ) أي ما استحسنه المصنف حيث يقول: وأكل مثل سمسمة من خارج يفطر إلا إذا مضغ بحيث تلاشت في فمه إلا أن يجد الطعم في حلقه اه.
ولا يخفى ما في كلامه من تشتيت الضمائر كما علمت.
قوله: (وإن بقي في جوفه) أي بقي زجه، وهذا ما صححه جماعة منهم قاضيخان في شرحه على الجامع الصغير حيث قال: وإن بقي الزج في جوفه لم يذكر في الكتاب واختلفوا فيه.
قال بعضهم: يفسده كما لو أدخل خشبة في دبره وغيبها.
قال بعضهم لا يفسد، وهو الصحيح لانه لم يوجد منه الفعل ولم يصل إليه ما فيه صلاحه اه.
وحاصله أن الافساد منوط بما إذا كان بفعله أو فيه بدنه، ويشترط أيضا استقراره داخل الجوف فيفسد بالخشبة إذا غيبها لوجود الفعل مع الاستقرار، وإن لم يغيبها فلا لعدم الاستقرار، ويفسد أيضا فيما لو أوجر مكرها أو نائما كما سيأتي لان فيه صلاحه.
قوله: (كما لو بقي ألقي حجر) أي ألقاه غيره فلا يفسد لكونه بغير فعله وليس فيه صلاحه، بخلاف ما لوداوى الجائفة كما سيأتي.
قوله: (ولو بقي النصل في جوفه فسد) هذا على أحد القولين، إذ لا فرق بين نصل السهم ونصل الرمح، فقد صرح في فتح القدير بأن الخلاف جاز فيهما، وبأن عدم الافطار صححه جماعة اه وقد جزم الزيعلي وبه علم ما في كلام الشارح حيث جرى أولا على الصحيح، وثانيا
على مقابله، فافهم.
قوله: (وإن غيبه) أي غيب الطرفين أو العود بحيث لم يبق منه شئ في الخارج.
قوله: (وكذا لو ابتلع خشبة) أي عودا من خشب إن غاب في حلقه أفطر، وإلا فلا.
قوله: (مفاده) أي مفاد ما ذكر متنا وشرحا، وهو أن ما دخل في الجوف إن غاب فيه فسد، وهو المراد بالاستقرار وإن لم يغب بل بقي طرف منه في الخارج أو كان متصلا بشئ خارج لا يفسد لعدم استقراره.
قوله: (أي دبره أو فرجها) أشار إلى أن تذكير الضمير العائد إلى المقعدة لكونها في معنى الدبر ونحوه، وإلى أن فاعل أدخل ضمير عائد على الشخص الصائم الصادق بالذكر والانثى.
قوله: (ولو مبتلة فسد) لبقاء شئ من البلة في الداخل، وهذا لو أدخل الاصبع إلى موضع المحقنة كما يعلم مما بعده.
قال ط: ومحله إذا كان ذاكرا للصوم وإلا فلا فساد كما في الهندية عن الزاهدي اه.(2/436)
وفي الفتح: خرج سرمه فغسله، فإن قام قبل أن ينشفه فسد صومه، وإلا فلا، لان الماء اتصل بظاهره ثم زال قبل أن يصل إلى الباطن بعود المقعدة.
قوله: (حتى بلغ موضع الحقنة) هي دواء يجعل في خريطة من أدم يقال لها المحقنة.
مغرب.
ثم في بعض النسخ: المحقنة بالميم وهي أولى.
قال في الفتح: والحد الذي يتعلق بالوصول إليه لفساد قدر المحقنة اه: أي قدر ما يصل إليه رأس المحقنة التي هي آلة الاحتقان.
وعلى الاول فالمراد الموضع الذي ينصب منه الدواء إلى الامعاء.
قوله: (عند ذكره) بالضم ويكسر بمعنى التذكير.
قاموس.
قوله: (وكذا عند طلوع الفجر) أي وكذا لا يفطر لو جامع عامدا قبل الفجر ونزع في الحال عند طلوعه.
قوله: (ولو مكث) أي في مسألة التذكر ومسألة الطلوع.
قوله: (حتى أمني) هذا غير شرط في الافساد، وإنما ذكره لبيان حكم الكفارة.
إمداد.
قوله: (وإن حرك نفسه قضى وكفر) أي إذا أمنى كما هو فرض المسألة، وقد علمت أن تقييده بالامناء لاجل الكفارة، لكن جزم هنا بوجوب الكفارة مع أنه في الفتح وغيره حكي قولين بدون ترجيح لاحدهما، وقد اعترضه ح بأن وجوبها مخالف لما سيأتي من أنه إذا أكل أو جامع ناسيا فأكل عمدا لا كفارة عليه على المذهب لشبهة خلاف مالك، لانه يقول بفساد الصوم إذا أكل أو جامع ناسيا اه.
قلت: ووجه المخالفة أنه إذا لم تجب الكفارة في الاكل عمدا بعد الجماع ناسيا يلزم منه أن
لا تجب بالاولى فيما إذا جامع ناسيا فتذكر ومكث وحرك نفسه، لان الفساد بالتحريك إنما هو لكون التحريك بمنزلة ابتداء جماع، والجماع كالاكل، وإذا أكل أو جامع عمدا بعد جماعه ناسيا لا تجب الكفارة، فكذا لا تجب إذا حرك نفسه بالاولى، لكن هذا لا يخالف مسألة الطلوع، نعم يؤيد عدم الوجوب فيها أيضا إطلاق ما في البدائع حيث قال: هذا: أي عدم الفساد إذا نزع بعد التذكر أو بعد طلوع الفجر، أما إذا لم ينزع وبقي فعليه القضاء ولا كفارة عليه في ظاهر الرواية.
وروي عن أبي يوسف وجوب الكفارة في الطلوع فقط، لان ابتداء الجماع كان عمدا وهو واحد ابتداء وانتهاء، والجماع العمد يوجبها، وفي التذكر لا كفارة، ووجه الظاهر أن الكفارة إنما تجب بإفساد الصوم وذلك بعد وجوده، وبقاؤه في الجماع يمنع وجود الصوم فاستحال إفساده فلا كفارة اه.
فهذه يدل على أن عدم وجوبها في التذكر متفق عليه، لان ابتداءه لم يكن عمدا وهو فعل واحد فدخلت في الشبهة، ولان فيه شبهة خلاف مالك كما علمت، وإنما الخلاف في الطلوع وما وجه به ظاهر الرواية يدل على عدم الفرق بين تحريك نفسه وعدمه.
وهذا وفي نقل الهندية عبارة البدائع سقط.
فافهم.
قوله: (كما لو نزع ثم أولج) أي في المسألتين لما في الخلاصة: ولو نزع حين تذكر ثم عاد تجب الكفارة، وكذا في مسألة الصبح اه.
لكن في مسألة التذكر ينبغي عدم الكفارة لما علمت من شبهة خلاف مالك، ولعل ما هنا مبني على القول الآخر بعدم اعتبار هذه الشبهة.
تأمل.
قوله: (وبعده لا) أي لاستقذارها، وهذا هو الاصح كما في شرح الوهبانية عن المحيط، وفيه عن الظهيرية: إن قبل أن تبرد كفر وبعده لا.
وعن ابن الفضل: إن كانت لقمة نفسه كفر، وإلا فلا اه.(2/437)
مطلب مهم المفتي في الوقائع لا بد له من ضرب اجتهاد ومعرفة بأحوال الناس قلت: والتعليل للاصح بالاستقذار يدل على تقييده بأن تبرد فيتحد مع القول الثاني لقولهم: إن اللقمة الحارة يخرجها، ثم يأكلها عادة ولا يعافها، لكن هذا مبني على أن الفداء الموجب للكفارة ما يميل الطبع، وتنقضي به شهوة البطن لا ما يعود نفعه إلى صلاح البدن، والشارح فيما سيأتي اعتمد الثاني وسيأتي الكلام فيه.
وذكر في الفتح فيما لو أكل لحما بين أسنانه قدر الحمصة فأكثر
عليه الكفارة عند زفر لا عند أبي يوسف لانه يعافه الطبع فصار بمنزلة التراب، فقال: والتحقيق أن المفتي في الوقائع لا بد له من ضرب اجتهاده ومعرفة بأحوال الناس، وقد عرف أن الكفارة تفتقر إلى كمال الجناية فينظر في صاحب الواقعة إن كان مما يعاف طبعه ذلك أخذ بقول أبي يوسف، وإلا أخذ بقول زفر.
قوله: (ولم ينزل) أما لو أنزل قضى فقط كما سيذكره المصنف: أي بلا كفارة.
قال في الفتح وعمل المرأتين كعمل الرجال جماع أيضا فيما دون الفرج لا قضاء على واحدة منهما إلا إذا أنزلت ولا كفارة مع الانزال اه.
قوله: (يعني في غير السبيلين) أشار لما في الفتح حيث قال: أراد بالفرج كلا من القبل والدبر، فما دونه حينئذ التفخيذ والتبطين اه: أي لان الفرج لا يشمل الدبر لغة وإن شمله حكما.
قال في المغرب: الفرج: قبل الرجل والمرأة باتفاق أهل اللغة، ثم قال: وقوله الدبر كلاهما فرج: يعني في الحكم اه.
مطلب في حكم الاستمناء بالكف قوله: (وكذا الاستمناء بالكف) أي في كونه لا يفسد، لكن هذا إذا لم ينزل، أما إذا أنزل فعليه القضاء كما سيصرح به وهو المختار كما يأتي، لكن المتبادر من كلامه الانزال بقرينة ما بعده فيكون على خلاف المختار.
قوله: (ولو خاف الزنى الخ) الظاهر أنه غير قيد، بل لو تعين الخلاص من الزنى به وجب لانه أخف.
وعبارة الفتح: فإن غلبته الشهوة ففعل إرادة تسكينها به فالرجاء أن لا يعاقب اه.
زاد في معراج الدراية وعن أحمد والشافعي في القديم الترخص فيه، وفي الجديد يحرم، ويجوز أن يستمني زوجته وخادمته اه.
وسيذكر الشارح في الحدود عن الجوهرة أنه يكره، ولعل المراد به كراهة التنزيه، فلا ينافي قول المعراج.
تأمل.
وفي السراج: إن أراد بذلك تسكين الشهوة المفرطة الشاغلة للقلب وكان عزبا لا زوجة له ولا أمة، أو كان إلا أنه لا يقدر على الوصول إليها لعذر قال أبو الليث: أرجو أن لا وبال عليه، وأما إذا فعله لاستحلاب الشهوة فهو آثم اه.
بقي هنا شئ، وهو أن علة الاثم هل هي كون ذلك استمتاعا بالجزء كما يفيد الحديث وتقييدهم كونه بالكف ويلحق به ما لو أدخل ذكره بين فخذيه مثلا حتى أمنى، أم هي سفح الماء وتهييج الشهوة في غير محلها بغير عذر كما يفيده قوله: وأما إذا فعله لاستجلاب الشهوة الخ؟ لم أر
من صرح بشئ من ذلك، والظاهر الاخير لان فعله بيد زوجته ونحوها فيه سفح الماء لكن بالاستمتاء بجزء مباح، كما لو أنزل بتفخيذ أو تبطين بخلاف ما إذا كان بكفه ونحوه، وعلى هذا فلو أدخل ذكره في حائط أو نحو حتى أمنى أو استمنى بكفه بحائل يمنع الحرارة يأثم أيضا، ويدل أيضا على ما قلنا في الزيلعي حيث استدل على عدم حله بالكف بقوله تعالى: * (والذين هم لفروجهم حافظون) * الآية.
وقال: فلم يبح الاستمتاع إلا بهما: أي بالزوجة والامة اه.
فأفاد عدم(2/438)
حل الاستمتاع: أي قضاء الشهوة بغيرهما، هذا ما ظهر لي والله سبحانه أعلم.
قوله: (من غير إنزال) أما به فعليه القضاء فقط كما سيأتي.
قوله: (أو قبلها) عطف على مس فهو فعل ماض من التقبيل.
قوله: (فأنزل) وكذا لا يفسد صومه بدون إنزال بالاولى.
ونقل في البحر وكذا الزيلعي وغيره الاجماع على عدم الافساد مع الانزال، واستشكله في الامداد بمسألة الاستمناء بالكف.
قلت: والفرق أن هناك إنزالا مع مباشرة بالفرج وهنا بدونها، وعلى هذا فالاصل أن الجماع المفسد للصوم هو الجماع صورة وهو ظاهر، أو معنى فقط وهو الانزال عن مباشرة بفرجه لا في فرج أو في فرج غير مشتهى عادة أو عن مباشرة بغير فرجه في محل مشتهى عادة، ففي الانزال بالكف أو بتفخيذ أو تبطين وجدت المباشرة بفرجه لا في فرج، وكذا الانزال بعمل المرأتين فإنها مباشرة فرج بفرج لا في فرج، وفي الانزال بوطئ ميتة أو بهيمة وجدت المباشرة بفرجه في فرج غير مشتهى عادة، وفي الانزال بمس آدمي أو تقبيله وجدت المباشرة بغير فرجه في محل مشتهى، أما الانزال بمس أو تقبيل بهيمة فإنه لم يوجد فيه شئ من معنى الجماع فصار كالانزال بنظر أو تفكر فلذا لم يفسد الصوم إجماعا.
هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم.
قوله: (على المذهب) أي قول أبي حنيفة ومحمد معه في الاظهر.
وقال أبو يوسف: يفطر، والاختلاف مبني على أنه هل بين المثانة والجوف منفذ أو لا، وهو ليس باختلاف على التحقيق، والاظهر أنه لا منفذ له وإنا يجتمع البول فيها بالترشيح، كذا يقول الاطباء.
زيلعي.
وأفاد أنه لو بقي في قصبة الذكر لا يفسد اتفاقا، ولا شك في ذلك، وبه بطل ما نقل عن خزانة الاكمل لو حشا ذكره بقطنه فغيبها أنه يفسد، لان العلة من
الجانبين الوصول إلى الجوف وعدمه، بناء على وجود المنفذ وعدمه، لكن هذا يقتضي عدم الفساد في حشو الدبر وفرجها الداخل، ولا مخلص إلا بإثبات أن المدخل فيهما تجذبه الطبيعة فلا يعود إلا مع الخارج المعتاد، وتمامه في الفتح.
قلت: الاقرب التخلص بأن الدبر والفرج الداخل من الجوف إذلا حاجز بينهما وبينه فهما في حكمه، والفم والانف وإن لم يكن بينهما وبين الجوف حاجز إلا أن الشارع اعتبرهما في الصوم من الخارج، وهذا بخلاف قصبة الذكر فإن المثانة لا منفذ لها على قولهما، وعلى قول أبي يوسف: وإن كان لها منفذ إلى الجوف إلا أن المنفذ الآخر المتصل بالقصبة منطبق لا ينفتح إلا عند خروج البول فلم يعط للقصبة حكم الجوف.
تأمل.
قوله: (فمفسد إجماعا) وقيل على الخلاف، والاول أصح.
فتح عن المبسوط.
قوله: (أو دخل أنفه) الاولى أو نزل إلى أنفه.
قوله: (وإن نزل لرأس أنفه) ذكره في الشرنبلالية أخذا من إطلاقهم، ومن قولهم بعدم الفطر ببزاق امتد ولم ينقطع من فمه إلى ذقنه ثم ابتلعه بجذبه، ومن قول الظهيرية: وكذا المخاط والبزاق يخرج من فيه وأنفه فاستشمه واستنشقه لا يفسد صومه اه.
ثم قال: لكن يخالفه ما في القنية: نزل المخاط إلى رأس أنفه لكن لم يظهر ثم جذبه فوصل إلى جوفه لم يفسد اه.
حيث قيد بعدم الظهور.
قوله: (فاستنشقه) الاولى(2/439)
فجذبه، لان الاستمشاق بالانف.
وفي نسخ فاستشفه بتاء فوقية وفاء: أي جذبه بشفتيه، وهو ظاهر ط.
قوله: (فينبغي الاحتياط) لان مراعاة الخلاف مندوبة، وهذه الفائدة نبه عليها ابن الشحنة، ومفاده أنه لو ابتلع البلغم بعد ما تخلص بالتنحنح من حلقه إلى فمه لا يفطر عندنا.
قال في الشرنبلالية: ولم أره، ولعله كالمخاط.
قال: ثم وجدتها في التاترخانية: سئل إبراهيم عمن ابتلع بلغما، قال: إن كان أقل من مل ء فيه لا ينقض إجماعا، وإن كان مل ء فيه ينقض صومه عند أبي يوسف، وعند أبي حنيفة لا ينقض اه.
وسيذكر الشارح ذلك أيضا في بحث القئ.
قوله: (وإن كره) أي لعذر كما يأتي ط.
قوله: (وكذا لو فتل الخيط ببزاقه مرارا الخ) يعني إذا أراد فتل الخيط وبله ببزاقه وأدخله في فمه مرارا لا يفسد صومه وإن بقي في الخيط عقد البزاق.
وفي النظم
للزندويستي أنه يفسد، كذا في القنية، وحكى الاول في الظهيرية عن شمس الائمة الحلواني ثم قال، وذكر الزندويستي إذا فتل السلكة وبلها بريقه ثم أمرها ثانيا في فيه ثم ابتلع ذلك البزاق فسد صومه اه.
ثم لا يخفى أن المحكي عن شمس الائمة مقيد بما إذا ابتلع البزاق، وإلا فلا فائدة في التنبيه على أنه لا يفسد صومه، فهو محمول على ما صرح به في النظم، فكان مراد صاحب الظهيرية أن ذلك المطلق محمول على هذا المقيد فهما مسألة واحدة، خلافا لما استظهره في شرح الوهبانية من أنهما مسألتان: بحمل الاولى على ما إذا لم يبتلع البزاق، والثاني على ما إذا ابتلعه، إذ لا يبقى خلاف حينئذ أصلا كما لا يخفى، وهو خلاف المفهوم من القنية والظهيرية.
قوله: (مكرر) مبتدأ، وقوله: بالريق متعلق ببل، وقوله: بإدخاله متعلق بخبر المبتدأ الذي هو قوله: لا يتضرر ووجهه أنه بمنزلة الريق على فمه إذا لم يتقطع كما في شرح الشرنبلالي ط.
قوله: (بعد ذا) أي بعد تكرار إدخاله في فيه.
قوله: (يضر) أي الصوم ويفسده، لان إخراجه بمنزلة انقطاع البزاق المتدلي، كذا في شرح الشرنبلالي ط.
قوله: (كصبغ) أي كما يضر ابتلاع الصبغ، وهذا مما لا خلاف فيه.
وقوله: لونه أي الصبغ، وفيه: أي الريق متعلق بيظهر ط.
قوله: (وإن أفطر خطأ) شرط جوابه قوله الآتي قضى فقط وهذا شروع في القسم الثاني وهو ما يوجب القضادون الكفارة بعد فراغه مما لا يوجب شيئا، والمراد بالمخطئ من فسد صومه بفعله المقصود دون قصد الفساد.
نهر عن الفتح.
قوله: (فسبقه الماء) أي يفسد صومه ان كان ذاكرا له، وإلا فلا، لانه لو شرب حينئذ لم يفسد فهذا أولى.
وقيل إن تمضمض ثلاثا لم يفسد، وإن زاد فسد.
بدائع.
قوله: (أو شرب نائما) فيه أن النائم غير مخطئ لعدم قصده الفعل؟ نعم صرح في النهر بأن المكره والنائم كالمخطئ اه.
وليس هو كالناسي(2/440)
لان النائم أو ذاهب العقل لم تؤكل ذبيحته وتؤكل ذبيحة من نسي التسمية.
بحر عن الخانية.
قال الرحمتي ومعناه: أن النسيان اعتبر عذرا في ترك التسمية، بخلاف النوم والجنون، فكذا يعتبر عذرا في تناول المفطر، لان النسيان غير نادر الوقوع، وأما الذبح وتناول المفطر في حال النوم والجنون
فنادر فلم يلحق بالنسيان.
قوله: (أو تسحر أو جامع الخ) أفاد أن الجماع قد يكون خطأ، وبه صرح في السراج فقال: ولو جامع على ظن أنه بليل ثم علم أنه بعد الفجر فنزع من ساعته فصومه فاسد لانه مخطئ، ولا كفارة عليه لعدم قصد الافساد اه.
وبه يستغنى عن التكلف بتصوير الخطأ في الجماع بما إذا باشرها مباشرة فاحشة فتوارث حشفته.
أفاده في النهر فافهم.
ومسألة التسحر ستأتي مفصلة.
قوله: (أو أوجر مكرها) أي صب في حلقه شئ والايجار غير قيد، فلو أسقط قوله أوجر وأبقى قول المتن: أو مكرها معطوفا على قوله: خطأ لكان أولى، ليشمل ما لو أكل أو شرب بنفسه مكرها فإنه يفسد صومه، خلافا لزفر والشافعي، كما في البدائع، وليشمل الافطار بالاكراه على الجماع.
قال في الفتح: واعلم أن أبا حنيفة كان يقول أولا في المكره على الجماع: عليه القضاء والكفارة، لانه لا يكون إلا بانتشار الآلة، ذلك أمارة الاختيار ثم رجع وقال: لا كفارة عليه، وهو قولهما لان فساد الصوم يتحقق بالايلاج وهو مكره فيه، مع أنه ليس كل من انتشرت آلته يجامع اه: أي مثل الصغير والنائم.
قوله: (أو نائما) هو في حكم المكره كما في الفتح وسيأتي ما لو جومعت نائمة أو مجنونة.
قوله: (وأما حديث الخ) وهو قوله (ص): رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وهذا جواب عن استدلال الشافعي على أنه لا يفطر لو كان مخطئا أو مكرها، لان التقدير رفع حكم الخطأ الخ، لان نفس الخطأ لم يرفعه.
والحكم نوعان: دنيوي وهو الفساد، وأخروي وهو الاثم فيتناولهما.
والجواب: أنه حيث قدر الحكم لتصحيح الكلام كان ذلك مقتضى بالفتح وهو لا عموم له، والاثم مراد من الحكم بالاجماع فلا تصح إرادة الآخر، وإنما لم تفسد صوم الناسي مع أن القياس أيضا الفساد لوصول المفطر إلى الجوف لقوله (ص): من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه وتمام تقريره في المطولات.
قوله: (جائزة) أي عقلا كما في شرح التحرير.
قوله: فأكل عمدا وكذا لو جامع عمدا كما في نور الايضاح، فالمراد بالاكل الافطار.
قوله: (للشبهة) علة للكل.
قال في البحر: وإنما لم تجب الكفارة بإفطاره عمدا بعد أكله أو شربه جماعه ناسيا لانه ظن في موضع الاشتباه بالنظير، وهو الاكل عمدا، لان الاكل مضاد للصوم ساهيا أو عامدا فأورث شبهة، وكذا فبه شبهة اختلاف العلماء، فإن مالكا يقول بفساد صوم من أكل ناسيا،
وأطلقه فشمل ما لو علم أنه لم يفطره بأن بلغه الحديث أو الفتوى أو لا، وهو قول أبي حنيفة، وهو الصحيح.
وكذا لو ذرعه القئ وظن أنه يفطره فأفطر، فلا كفارة عليه لوجود شبهة الاشتباه بالنظير، فإن القئ والاستقاء متشابهان لان مخرجهما من الفم.
وكذا لو احتلم للتشابه في قضاء الشهوة وإن علم أن ذلك لا يفطره فعليه الكفارة، لانه لو توجد شبهة الاشتباه ولا شبهة الاختلاف اه.
قوله: (إلا(2/441)
في مسألة المتن) وهي ما لو أكل، وكذا لو جامع أو شرب، لان عليه عدم الكفارة خلاف مالك، وخلافه في الاكل والشرب والجماع كما في الزيلعي والهداية وغيرهما ح.
قوله: (مطلقا) أي علم عدم فطره أولا.
قوله: خلافا لهما) فعندهما عليه الكفارة إذا علم بعدم فطره في مسألة المتن.
قلت: وهذا يرد ما نقله ح عن القهستاني أول الباب من أن من أفطر ناسيا يفسد صومه، إذ لو فسد لم تلزمه الكفارة إذا أكل بعده عامدا، ولم أر من ذكر هذا غيره، وكذا يردع ما نقلناه عن البدائع عند قوله وإن حرك نفسه، نعم نقلوا عن أبي يوسف ما تقدم من أنه لو ذكر فلم يتذكر فسد صومه وكان هذا الوهم، فافهم.
قوله: (فقيد الظن) أي في قول المتن فظن أنه أفطر إنما هو لبيان محل الاتفاق على عدم لزوم الكفارة لا للاحتراز عن العلم.
قوله: (أو احتقن أو استعط) كلاهما بالبناء للفاعل من حقن المريض دواءه بالحقنة، واحتقن بالضم غير جائز وإنما الصواب حقن أو عولج بالحقنة، والسعوط: الدواء الذي صب في الانف، وأسعطه إياه، ولا يقااستعط مبنيا للمفعول.
معراج.
وعدم وجوب الكفارة في ذلك هو الاصح لانها موجب الافطار صورة ومعنى، والصورة الابتلاع كما في الكافي وهي منعدمة، والنفع المجرد عنها يوجب القضاء فقط.
إمداد.
قوله: (أو أقطر) في المغرب: قطر الماء صبه تقطيرا، وقطره مثله قطرا وأقطره لغة اه.
وعلى هذه اللغة يتخرج كلامهم هنا، وحينئذ فيصح بناؤه للفاعل، وهو الاولى لتتفق الافعال وتنتظم الضمائر في سلك واحد، ويصح بناؤه للمفعول ونائب الفاعل قوله: في أذنه نهر.
ويتعين الاول في عبارة المصنف على الافصح المفعول الصريح وهو قوله: دهنا منصوبا.
قوله: (دهنا) قيد به لانه لا خلاف في فساد الصوم به، ولانه مشى أولا على أن الماء لا يفسد وإن كان يصنعه، ومر الكلام
عليه.
قوله: (أو داوى جائفة أو آمة) الجائفة: الطعنة التي بلغت الجوف أو نفذته، والآمة من أممته بالعصا أما: من باب طلب إذا ضربت أم رأسه وهي الجلدة التي تجمع الدماغ، وقيل لها آمة: أي بالمد، ومأمومة على معنى ذات أم كعيشة راضية وليلة مزؤودة وجمعها أو أم ومأمومات، مغرب.
قوله: (فوصل الدواء حقيقة) أشار إلى أن ما وقع في ظاهر الرواية من تقييد الافساد بالدواء الرطب مبني على العادة من أنه يصل، وإلا فالمعتبر حقيقة الوصول، حتى لو علم وصول اليابس أفسد أو عدم وصول الطري لم يفسد، وإنما الخلاف إذا لم يعلم يقينا فأفسد بالطري حكما بالوصول نظرا إلى العادة ونفياه، كذا أفاده في الفتح.
قلت: ولم يقيدوا الاحتقان والاستعاط والاقطار بالوصول إلى الجوف لظهوره فيها، وإلا فلا بد منه حتى لو بقي السعوط في الانف ولم يصل إلى الرأس لا يفطر، ويمكن أن يكون الدواء راجعا إلى الكل.
تأمل.
قوله: (إلى جوفه ودماغه) لف ونشر مرتب.
قال في البحر: والتحقيق أن بين جوف الرأس وجوف المعدة منفذا أصليا.
فما وصل إلى جوف الرأس يصل إلى جوف البطن اه ط.
قوله: (أو ابتلع حصاة الخ) أي فيجب القضاء لوجود صورة(2/442)
الفطر، ولا كفارة لعدم وجود معناه وهو إيصال ما فيه نفع البدن إلى الجوف، سواء كان مما يتغذى به أو يتداوى، فقصرت الجناية فانتفت الكفارة، وتمامه في النهر، وسيأتي الخلاف في معنى التغذي قوله: (أو يستقذره) الاستقذار سبب الاعافة فمآلهما واحد، ولذا اقتصر في النظم على المستقذر ط.
ومنه أكل اللقمة بعد إخراجها على ما هو الاصح كما مر.
قوله: (ففي) الفاء زائدة والجار والمجرور متعلق بقوله: يهجر والتكفير مبتدأ خبره الجملة بعده، والجملة خبر المبتدأ الذي هو مستقذر وجاز الابتداء به مع أنه نكرة لقصد التعميم، ويهجر مرادف ليلغى: أي لا تجب فيه كفارة ط.
قوله: (مع الامساك) قيد به ليغاير المسألة التي بعده.
قوله: (لشبهة خلاف زفر) فإن الصوم عنده يتأدى من الصحيح المقيم بمجرد الامساك، ولو بلانية حتى لو أفطر متعمدا لزمته الكفارة عنده كما صرح به في البدائع، وأما عندنا فلا بد من النية، لان الواجب الامساك بجهة العبادة، ولا عبادة بدون نية، أمسك بدونها لا يكون صائما ويلزمه القضاء دون الكفارة.
أما لزوم
القضاء فلعدم تحقق الصوم لفقد شرطه، وأما عدم الكفارة فلانه عند كفر صائم لم يوجد منه ما يفطر فتسقط عنه الكفارة لشبهة الخلاف وإن كان عندنا يسمى مفطرا شرعا، والاولى التعليل بعدم تحقق الصوم لان الكفارة إنما تجب على من أفسد صومه، والصوم هنا معد وإفساد المعدون مستحيل، وإنما يحسن التمسك للشبهة بعد تحقق الاصل كما في المسألة الآتية، بل الاولى عدم التعرض للكفارة أصلا، ولذا اقتصر في الكنز وغير على بيان وجوب القضاء كالاغماء والجنون الغير الممتد.
هذا وقد استشكل بعض شراح الهداية وجوب القضاء هنا بأن المغمى عليه لا يقضي اليوم الذي حدث الاغماء في ليلته لوجود النية منه ظاهرا، فلا بد من التقييد هنا بأن يكون مريضا أو مسافرا ينوي شيئا أو متهتكا اعتاد الاكل في رمضان فلم يكن حاله دليلا على عزيمة الصوم.
ورده في الفتح بأنه تكلف مستغنى عنه.
لان الكلام عند عدم النية ابتداء لا بأمر يوجب النسيان، ولا شك أنه أدرى بحاله، بخلاف من أغمي عليه فإن الاغماء قد يوجب نسيانه حال نفسه بعد الافاقة فبنى الامر فيه على الظاهر من حاله وهو وجود النية.
قوله: (قبل الزوال) هذا عند أبي حنيفة، وعندهما كذلك إن أكل بعد الزوال، وإن كان قبل الزوال تجب الكفارة لانه فوت إمكان التحصيل فصار كغاصب الغاصب.
بحر: أي لانه قبل الزوال كان يمكنه إنشاء النية وقد فوته بالاكل، بخلاف ما بعد الزوال، والاول ظاهر الرواية كما في البدائع، ثم المراد بالزوال نصف النهار الشرعي وهو الضحوة الكبرى، أو هو على القول الضعيف من اعتبار الزوال كما مر بيانه.
قوله: (لشبهة خلاف الشافعي) فإن الصوم لا يصح عنده بنية النهار كما لا يصح بمطلق النية اه ح.
وهذا تعليل لوجوب القضاء دون الكفارة إذا أكل بعد النية، أما لو أكل قبلها فالكلام فيه ما علمته في المسألة المارة.
قوله: (ومفاده الخ) نقله في البحر عن الظهيرية بلفظ ينبغي أن لا تلزمه الكفارة لمكان الشبهة، ومثل(2/443)
ما ذكر إذا نوى نية مخالفة فيما يظهر ط.
قوله: (مطر أو ثلج) فيفسد فإي الصحيح ولو بقطرة، وقيل لا يفسد في المطر ويفسد في الثلج، وقيل بالعكس: بزازية.
قوله: (بنفسه) أي بأن سبق إلى حلقه
بذاته ولم يبتلعه بصنعه.
إمداد.
قوله: (والقطرتين) معطوف على الغبار: أي وبخلاف نحو القطرتين فأكثر مما لا يجد ملوحته في جميع فمه.
قوله: (فإن وجد الملوحة في جميع فمه الخ) بهذا دفع في النهر ما بحثه في الفتح من أن القطرة يجد ملوحتها، فالاولى الاعتبار بوجدان الملوحة لصحيح الحس، إذ لا ضرورة في أكثر من ذلك، ولذا اعتبر في الخانية الوصول إلى الحلق، ووجه الدفع ما قاله في النهر من أن كلام الخلاصة ظاهر في تعليق الفطر على وجدان الملوحة في جميع الفم، ولا شك أن القطرة والقطرتين ليستا كذلك.
وعليه يحمل ما في الخانية اه.
وفي الامداد عن خط المقدسي أن القطرة لقلتها لا يجد طعمها في الحلق لتلاشيها قبل الوصول، ويشهد لذلك ما في الواقعات للصدر الشهيد: إذا دخل الدمع في فم الصائم إن كان قليلا نحو القطرة أو القطرتين لا يفسد صومه لان التحرز عنه غير ممكن، وإن كان كثيرا حتى وجد ملوحته في جميع فمه وابتلعه فسد صومه، وكذا الجواب في عرق الوجه اه.
ملخصا.
وبالتعليل بعدم إمكان التحرز يظهر الفرق بين الدمع والمطر كما أشار إليه الشارح فتدبر، ثم في التعبير بالقطرة إشارة إلى أن المراد الدمع النازل من ظاهر العين، أما الواصل إلى الحلق من المسام فالظاهر أنه مثل الريق فلا يفطر وإن وجد طعمه في جميع فمه.
تأمل.
قوله: (أو وطئ امرأة الخ) إنما لم تجب الكفارة فيه وفيما بعده، لان المحل لا بد أن يكون مشتهي على الكمال.
بحر.
قوله: (أو صغيرة لا تشتهى) حكي في القنية خلافا في وجوب الكفارة بوطئها، وقيل: لا تجب بالاجماع وهو الوجه كما في النهر: قال الرملي: وقالوا في الغسل إن الصحيح أنه متى أمكن وطؤها من غير إفضاء فهو ممن بجامع مثلها، وإلا فلا.
قوله: (أو قبل) قيد بكونه قبلها لانها لو قبلته ووجدت لذة الانزال ولم تر بللا فسد صومها عند أبي يوسف، خلافا لمحمد، وكذا في وجوب الغسل.
بحر عن المعراج.
قوله: (ولو قبلة فاحشة) ففي غير الفاحشة مع الانزال لا تجب الكفارة بالاولى.
قوله: (بأن يدغدغ) لعل المراد به عض الشفة ونحوها أو تقبيل الفرج.
وفي القاموس: الدغدغة: حركة وانفعال في نحو الابط والبضع والاخمص.
قوله: (أو لمس) أي لمس آدميا لما مر أنه لو مس فرج بهيمة فأنزل لا يفسد صومه، وقدمنا أنه بالاتفاق.
وفي البحر عن المعراج: ولو مست زوجها فأنزل لم يفسد صومه، وقيل إن تكلف له فسد اه.
قال الرملي: ينبغي ترجيح هذا لانه ادعى في سببية الانزال.
تأمل.
قوله: (ولو بحائل لا يمنع
الحرارة) نقيض ما بعد لو وهو عدم الحائل المذكور أولى بالحكم وهو وجوب القضاء، لكن لا تظهر الاولوية بالنظر إلى عدم الكفارة مع أن الكلام فيما يوجب القضاء دون الكفارة، وقيد الحائل بكونه لا يمنع الحرارة لما في البحر لمسها وراء الثياب فأمنى، فإن وجد حرارة جلدها فسد، وإلا فلا.
قوله: (بكفه) أو بكف امرأته.
سراج.
قوله: (أو بمباشرة فاحشة) هي ما تكون بتماس(2/444)
الفرجين، والظاهر أنه غير قيد هنا لان الانزال مع المس مطلقا بدون حائل يمنع الحرارة موجب للافساد كما علمته، وإنما يظهر تقييدها بالفاحشة لاجل كراهتها كما يأتي تفصيله تأمل.
قوله: (ولو بين المرأتين) وكذا المجبوب مع المرأة.
رملي.
قوله: (كما مر) أي عند قوله: أو جامع فيما دون الفرج ولم ينزل الخ.
قوله: (أو أفسد) أي ولو بأكل أو جماع.
قوله: (غير صوم رمضان) صفة لموصوف محذوف دل عليه المقام: أي صوما غير صوم رمضان فلا يشمل ما لو أفسد صلاة أو حجا، وعبارة الكنز صوم غير رمضان وهي أولى، أفاده ح.
قوله: (أداء) حال من صوم وقيد به لافادة نفي الكفارة بإفساد قضاء رمضان لا لنفي القضاء أيضا بإفساد.
قوله: (لاختصاصها) أي الكفارة، وهو علة للتقييد بالغيرية وبالاداء، وقوله: بهتك رمضان أي بخرق حرمة شهر رمضان فلا تجب بإفساد قضائه أو إفساد أو صوم غيره، لان الافطار في رمضان إبلغ في الجناية فلا يلحق به غيره، لورودها فيه على خلاف القياس.
قوله: (أو وطئت الخ) هذا بالنظر إليها، وأما الواطئ فعليه القضاء والكفارة، إذ لا فرق بين وطئه عاقلة أو غيرها كما في الاشباه وغيرها.
قوله: (بأن أصبحت صائمة فجنت) جواب عن سؤال حاصله: أن الجنون ينافي الصوم فلا يصح تصوير هذا الفرع.
وحاصل الجواب: أن الجنون لا ينافي الصوم إنما ينافي شرطه: أعني النية، وهي قد وجدت في هذه الصورة ط.
قال ح: ومثلها ما إذا نوت فجنت بالليل فجامعها نهارا كما في النهر، وكذا لو نوت نهارا قبل الضحوة الكبرى فجنت فجامعها اه.
قوله: (أو تسحر الخ) أي يجب عليه القضاء دون الكفارة لان الجناية قاصرة وهي جناية عدم التثبيت لا جناية الافطار لانه لم يقصده، ولهذا
صرحوا بعدم الاثم عليه كما قالوا في القتل الخطأ: لا إثم فيه، والمراد إثم القتل، وصرحوا بأن فيه إثم ترك العزيمة والمبالغة في التثبيت حالة الرمي.
بحر عن الفتح.
قلت: لكن الظاهر عدم الاثم هنا أصلا بدليل عدم وجوب الكفارة هنا ووجوبها في القتل والخطأ لوجود الاثم فيه، لانها مكفرة للاثم.
قوله: (أي الوقت الخ) إطلاق اليوم على مطلق الوقت الشامل لليل مجاز مشهور مثل: ركب يوم يأتي العدو، والداعي إليه هنا قوله: أو تسحر.
قوله: (ليلا) ليس بقيد لانه لو ظن الطلوع وأكل مع ذلك ثم تبين صحة ظنه، فعليه القضاء، ولا كفارة لانه بنى الامر على الاصل فلم تكمل الجناية، فلو قال: ظنه ليلا أو نهارا لكان أولى، وليس له أن يأكل لان غلبة الظن كاليقين.
بحر.
وأجاب في النهر بأنه قيد بالليل ليطابق قوله أو تسحر اه.
قلت: مراد البحر أنه غير قيد من حيث الحكم والتسحر، وإن كان الاكل في السحر، لكن سمي به باعتبار احتمال وقوعه فيه، وإلا لزم أن لا يصح التعبير به، ولو ظن بقاء الليل لان فرض المسألة وقوعه بعد الطلوع والاكل بعد الطلوع لا يسمى سحورا، فلولا الاعتبار المذكور لم يصح قوله: أو تسحر فتدبر.
قوله: (لف ونشر) أي مرتب كما في بعض النسخ.
قوله: (ويكفي) أي لاسقاط الكفارة الشك في الاول: أي في التسحر، لان الاصل بقاء الليل، فلا يخرج بالشك.
إمداد.(2/445)
فكان على المتن أن يعبر هنا بالشك كما قال في نور الايضاح: أو تسحر أو جامع شاكا في طلوع الفجر وهو طالع، ثم يقول: أو ظن الغروب قال في النهر: ولا يصح أن يراد بالظن هنا ما يعم الشك كما زعم في البحر لعدم صحته في الشق الثاني، فإنه لا يكفي فيه الشك، فالصواب إبقاء الظن على بابه، غاية الامر أن يكون المتن ساكتا عن الشك ولا ضير فيه اه ح.
أقول: في وجوب الكفارة مع الشك في الغروب اختلاف المشايخ كما نقله في البحر عن شرح الطحاوي، ونقل أيضا عن البدائع تصحيح عدم الوجوب فيما إذا غلب على رأيه عدم الغروب، لان احتمال الغروب قائم فكان شبهة، والكفارة لا تجب مع الشبهة اه.
ولا يخفى أن هذا يقتضي تصحيح القول بعدم الوجوب عند الشك في الغروب بالاولى، لكن
ذكر في الفتح: أن مختار الفقيه أبي جعفر لزوم الكفارة عند الشك، لان الثابت حال غلبة الظن بالغروب شبهة الاباحة لا حقيقتها، ففي حال الشك دون ذلك، وهو شبهة الشبهة وهي لا تسقط العقوبات، ثم قال في الفتح: هذا إذا لم يتبين الحال، فإن ظهر أنه أكل قبل الغروب فعليه الكفارة، ولا أعلم فيه خلافا اه.
ولا يخفى أن كلامنا في الثانوبه تأيد ما في النهر، ثم إن شبهة الشبهة إذا لم تعتبر عند الشك في الغروب يلزم عدم اعتبارها عند غلبة الظن بعدمه بالاولى، وبه يضعف ما في البدائع من تصيح عدم الوجوب، ولذا جزم الزيلعي بلزوم القضاء والكفارة، وكذا في النهاية.
قوله: (عملا بالاصل فيهما) أي في الاول والثاني فإن الاصل في الاول بقاء الليل فلاتجب الكفارة، وفي الثاني بقاء النهار فتجب على إحدى الروايتين كما علمت.
قوله: (ولم يتبين الحال) أي فيما لو ظن بقاء الليل أو شك فتسحر، وهذا مقابل قوله: والحال أن الفجر طالع، فإن المراد به التيقن حتى لو غلب على ظنه أنه أكل بعد طلوع الفجر لا قضاء عليه في أشهر الروايات.
بحر.
فهذا داخل في عدم التبين.
قوله: (لم يقض) أي في مسألة الظن أو الشك في بقاء الليل، لان الاصل بقاؤه فلا يخرج بالشك.
بحر.
وأما مسألة الظن أو الشك في الغروب مع التبييه أو عدمه فسنذكرها.
قوله: (في ظاهر الرواية) فيه أنه ذكره الزيلعي وصاحب البحر بلا حكاية خلاف، وهذا وهم سرى إليه من مسألة ذكرها الزيلعي وهي: ما إذا غلب على ظنه طلوع الفجر فأكل ثم لم يتبين شئ، فإنه لا شئ عليه في ظاهر الرواية، وقيل يقضي احتياطا.
أفاده ح.
قوله: (تتفرع إلى ستة وثلاثين) هذا على ما في النهر، قال: لانه إما أن يغلب على ظنه أو يظن أو يشك، وكل من الثلاثة إما أن يكون في وجود المبيح أو قيام المحرم فهي ستة، وكل منها على ثلاثة، إما أن يتبين له صحة ما بدا له أو بطلانه أولا ولا، وكل من الثمانية عشر إما أن يكون في ابتداء الصوم أو في انتهائه فتلك ستة وثلاثون اه.
وفيه نظر لانه فرق في التقسيم الاول بين الظن وغلبته، ولا فائدة له لاتحادهما حكما وإن اختلفا مفهوما، فإن مجرد ترجح أحد طرفي الحكم عند العقل هو أصل الظن، فإن زاد ذلك الترجح حتى قرب من اليقين سمي غلبة الظن وأكبر الرأي فلذا جعلها في البحر أربعة وعشرين.
ويرد عليهما أنه لا وجه لجعل الشك تارة في وجود المبيح وتارة في وجود المحرم، لان(2/446)
الشك في أحدهما شك في الآخر لاستواء الطرفين في الشك، بخلاف الظن فإنه إنما صح تعلقه بالمبيح تارة وبالمحرم أخرى لان له نسبة مخصوصة إلى أحد الطرفين، فإذا تعلق الظن بوجود الليل لا يكون متعلقا بوجود النهار وبالعكس.
فالحق في التقسيم أن يقال: إما أن يظن وجود المبيح أو وجود المحرم، أو يشك وكل من الثلاثة إما أن يكون في ابتداء الصوم أو انتهائه، وفي كل من الستة إما أن يتبين وجود المبيح أو وجود المحرم أو لا يتبين، فهي ثمانية عشر تسعة في ابتداء الصوم وتسعة في انتهائه، ويشهد لذلك أن الزيلعي لم يذكر غير ثمانية عشر وذكر أحكامها، وهي أنه إن تسحر على ظن بقاء الليل: فإن تبين بقاؤه أو لم يتبين شئ فلا شئ عليه، وإن تبين طلوع الفجر فعليه القضاء فقط، ومثله الشك في الطلوع.
وإن تسحر على ظن طلوع الفجر: فإن تبين الطلوع فعليه القضاء فقط، وإن لم يتبين شئ فلا شئ عليه في ظاهر الرواية.
وقيل يقضي فقط، وإن تبين بقاء الليل فلا شئ عليه فهذه تسعة في الابتداء.
وإن ظن غروب الشمس: فإن تبين عدمه فعليه القضاء فقط، وإن تبين الغروب أو لم يتبين شئ فلا شئ عليه، وإن شك فيه فإن لم يتبين شئ فعليه القضاء.
وفي الكفارة روايتان.
وإن تبين عدمه فعليه القضاء والكفارة، وإن تبين الغروب فلا شئ عليه، وإن ظن عدمه: فإن تبين عدمه أو لم يتبين شئ فعليه القضاء والكفارة، وإن تبين الغروب فلا شئ عليه، وهذه تسعة في الانتهاء.
والحاصل: أنه لا يجب شئفي عشر صور، ويجب القضاء فقط في أربع، والقضاء والكفارة في أربع.
أفاده ح.
قوله: (في الصور كلها) أي المذكور وتحت قوله: وإن أفطر خطأ الخ لا صور التفريع.
قوله: (فقط) أي بدون كفارة.
قوله: (كما لو شهدا الخ) أي فلا كفارة لعدم الجناية، لانه اعتمد على شهادة الاثبات ط.
قوله: (لان شهادة النفي لا تعارض الاثبات) لان البينات للاثبات لا للنفي فتقبل شهادة المثبت لا النافي.
بحر: أي لان المثبت معه زيادة علم، وإذا لغت النافية
بقية المثبتة فتوجب الظن، وبه اندفع ما أورد أن تعارضهما يوجب الشك، وإذا شك في الغروب ثم ظهر عدمه تجب الكفارة كما مر، لكن قال في الفتح: وفي النفس منه شئ يظهر بأدنى تأمل.
قلت: ولعل وجهه أن شهادة النفي إنما لم تقبل في الحقوق لان الاصل العدم فلم تفد شيئا زائدا، بخلاف المثبتة، لكن هنا النافية تورث شبهة فينبغي أن تسقط بها الكفارة.
وفي البزازية: ولو شهد واحد على الطلوع وآخران على عدمه لا كفارة اه.
تأمل.
مطلب في جواز الافطار بالتحري تتمة: في تعبير المنصف كغيره بالظن إشارة إلى جواز التسحر والافطار بالتحري، وقيل لا يتحرى في الافطار وإلى أنه يتسحر بقول عدل، وكذا بضرب الطبول، واختلف في الديك.
وأما الافطار فلا يجوز بقول الواحد بل بالمثنى.
وظاهر الجواب أنه لا بأس به إذا كان عدلا صدقه كما في الزاهدي، وإلى أنه لو أفطر أهل الرستاق بصوت الطبل يوم الثلاثين ظانين أنه يوم العيد وهو لغيره لم يكفروا كما في المنية.
قهستاني.
قلت: ومقتضى قوله لا بأس بالفطر بقول عد صدقه أنه لا يجوز إذا لم يصدقه، ولا بقول(2/447)
المستور مطلقا، وبالاولى سماع الطبل أو المدفع الحادث في زماننا لاحتمال كونه لغيره، ولان الغالب كون الضارب غير عدل فلا بد حينئذ من التحري فيجوز، لان ظاهر مذهب أصحابنا جواز الافطار بالتحري كما نقله في المعراج عن شمس الائمة السرخسي، لان التحري يفيد غلبة الظن، وهي كاليقين كما تقدم، فلو لم يتحر لا يحل له الفطر لما في السراج وغيره: لو شك في الغروب لا يحل له الفطر، لان الاصل بقاء النهار اه.
وفي البحر عن البزازية: ولا يفطر ما لم يغلب على ظنه الغروب وإن أذن المؤذن اه.
وقد يقال: إن المدفع في زماننا يفيد غلبة الظن وإن كان ضاربه فاسقا، لان العادة الموقت يذهب إلى دار الحكم آخر النهار فيعين له وقت ضربه ويعينه أيضا للوزير وغيره، وإذا ضربه يكون ذلك بمراقبة الوزير وأعوانه للوقت المعين، فيغلب على الظن بهذه القرائن عدم الخطأ وعدم قصد الافساد، وإلا لزم تأثيم الناس وإيجا ب قضاء الشهر بتمامه عليهم، فإن غالبهم يفطر بمجرد سماع المدفع من غير تحر ولا غلب ظن، والله تعالى أعلم.
قوله: (مرة بعد أخرى
الخ) ظاهره أنه بالمرة الثانية تجب عليه الكفارة ولو حصل فاصل بأيام، وأنه إذا لم يقصد المعصية وهي الافطار لا تجب ط.
قوله: (والاخيران) أي من تسحر وأفطر يظن الوقت ليلا الخ.
وقد تبع المصنف بذلك صاحب الدرر، ولا وجه لتخصيصه كما أشار إليه الشارح فيما يأتي.
قوله: (قوله على الاصح) وقيل يتحسب.
فتح.
وأجمعوا على أنه لا يجب على الحائض والنفساء والمريض والمسافر، وعلى لزومه لمن أفطر خطأ أو عمدا أو يوم الشك ثم تبين أنه رمضان.
ذكره قاضيخان شرنبلالية.
قوله: (لان الفطر) أي تناول صورة المفطر، وإلا فالصوم فاسد قبله، وأشار إلى قياس من الشكل الاول ذكر فيه مقدمتا القياس وطويت فيه النتيجة وتقريره هكذا: الفطر قبيح شرعا وكل قبيح شرعا تركه واجب، فالفطر تركه واجب، فافهم.
قوله: (كمسافر أقام) أي بعد نصف النهار أو قبله بعد الاكل، أما قبلهما فيجب عليه الصوم وإن كان نوى الفطر كما سيأتي متنا في الفصل الآتي، والاصل في هذه المسائل أن كل من صار في آخر النهار بصفة لو كان في أول النهار عليها للزمه الصوم فعليه الامساك كما في الخلاصة والنهاية والعناية، لكنه غير جامع إذ لا يدخل فيه من أكل في رمضان عمدا، لان الصيرورة للتحول ولو لامتناع ما يليه، ولا يتحقق المفاد بهما فيه.
نهر أي لانه لم يتجدد له حالة بعد فطره لم يكن عليها قبله، وكذا لا يدخل فيه من أصبح يوم الشك مفطرا أو تسحر على ظن الليل أو أفطر كذلك، ولذا ذكر في البدائع الاصل المذكور ثم قال: وكذا كل من وجب عليه الصوم لوجود سبب الوجوب والاهلية ثم تعذر عليه المضي بأن أفطر متعمدا أو أصبح يوم الشك مفطرا ثم تبين أنه من رمضان أو تسحر على ظن أن الفجر لم يطلع ثم تبين طلوعه، إنه يجب عليه الامساك تشبها اه.
فقد جعل لوجوب الامساك أصلين تتفرع عليهما الفروع، وقد حاول(2/448)
في تصحيح الاصل الاول فأبدل صار بتحقق لكنه أتى بلو الامتناعية فلم يتم له ما أراده كما أفاده في البحر والنهر.
قوله: (طهرتا) أي بعد الفجر أو معه.
فتح.
قوله (ومجنون أفاق) أي بعد الاكل أو بعد فوات وقت النية، وإلا فإذا نوى صح صومه كما يأتي، والظاهر وجوبه عليه كالمسافر.
قوله: (ومفطر) عبر به إشارة إلى أنه لا فرق بين مفطر ومفطر وأنه لا وجه لقول المصنف
والاخيران يمسكان كما مر.
أفاده ح.
قوله: (وإن أفطرا) أخذه من قول البحر: سواء أفطرا في ذلك اليوم أو صاماه، لكن لا يخفى أن صوم الكافر لا يصح لفقد شرطه وهو النية المشروطة بالاسلام، فالمراد صومه بعد إسلامه إذا أسلم في وقت النية.
قوله: (لعدم أهليتهما) أي لاصل الوجوب، بخلاف الحائض فإنها أهل له، وإنما سقط عنها وجوب الاداء فلذا وجب عليها القضاء، ومثلها المسافر والمريض والمجنون.
قوله: (وهو السبب في الصوم) أي السبب لصوم كل يوم، وهذا على خلاف ما اختاره السرخسي ومشى عليه المصنف أول الكتاب من أنه شهود جزء من الشهر من ليل أو نهار، وقيد بالصوم لان السبب في الصلاة الجزء المتصل بالاداء، ولهذا لو بلغ أو أسلم في أثناء الوقت وجبت عليه لوجود الاهلية عند السبب وهي معدومة في أول جزء من اليوم، فلذا لم يجب صومه خلافا لزفر، وأورد في الفتح أنه لو كان السبب فيه هو الجزء الاول لزم أن لا يجب الامساك فيه، لانه لا بد أن يتقدم السبب على الوجوب، وإلا لزم سبق الوجوب على السبب.
وأجاب في البحر بأن اشتراط التقدم هنا سقط للضرورة وتمام تحقيقه فيه، وقدمنا شيئا منه أول الكتاب.
قوله: (لكن لو نويا الخ) أي الاخيران، وهو استدراك على ما فهم من إمساكهما وهو أنه لا يصح صومهما، فأفاد أنه لا يصح عن الفرض في ظاهر الرواية، خلافا لابي يوسف، ويصح نفلا لو نويا قبل الزوال حتى لو أفسداه وجب قضاؤه، وجه ظاهر الرواية ما في الهداية من أن الصوم لا يتجزى وجوبا، وأهلية الوجوب معدومة في أوله اه.
ثم إن صحة نية النفل خصها في البحر عن الظهيرية بالصبي، بخلاف الكافر لانه ليس أهلا للتطوع والصبي أهل له.
وذكر في الفتح أن أكثر المشايخ على هذا الفرق، ومثله في النهاية، فما هنا قول البعض.
قوله: (قبل الزوال) المراد به نصف النهار، وهذه العبارة وقعت في أغلب الكتب في كثير من المواضع تسامحا أو على القول الضعيف.
قوله: (صح عن الفرض) لان الجنون الغير المستوعب بمنزلة المرض لا يمنع الوجوب.
شرنبلالية.
وكل من المسافر والمريض أهل للوجوب في أول الوقت وإن سقط عنهما وجوب الاداء، بخلاف من بلغ أو أسلم كما قدمناه.
قوله: (ولو نوى الحائض والنفساء) قبل نصف النهار إذا طهرتا فيه.
قوله: (لم يصح أصلا) أي لا فرضا ولا نفلا.
شرنبلالية.
قوله: (للمنافي الخ)
أي فإن كلا من الحيض والنفاس مناف لصحة الصوم مطلقا، لان فقدهما شرط لصحته، ولا صوم عبادة واحدة لا يتجزى، فإذا وجد المنافي في أوله تحقق حكمه في باقيه، وإنما صح النفل ممن بلغ(2/449)
أو من أسلم على قول بعض المشايخ لان الصبا غير مناف أصلا للصوم، والكفر وإن كان منافيا لكن يمكن رفعه، بخلاف الحيض والنفاس.
هذا ما ظهر لي، وعلى قول أكثر المشايخ لا يحتاج إلى الفرق.
قوله: (ويؤمر الصبي) أي يأمره وليه أو وصيه والظاهر منه الوجوب، وكذا ينهى عن المنكرات ليألف الخير ويترك الشر.
ط.
قوله: (إذا أطاقه) يقال أطاقه وطاقه طوقا: إذا قدر عليه، والاسم الطاقة كما في القاموس.
قال ط: وقدر بسبع، والمشاهد في صبيان زماننا عدم إطاقتهم الصوم في هذا السن اه.
قلت يختلف ذلك باختلاف الجسم واختلاف الوقت صيفا وشتاء، والظاهر أنه يؤرمبقدر الاطاقة إذا لم يطق جميع الشهر.
قوله: (ويضرب) أي بيد لا بخشبة، ولا يجاوز الثلاث، كما قيل به في الصلاة وفي أحكام الاتسروشني الصبي إذا أفسد صومه لا يقضي لانه يلحقه في ذلك مشقة بخلاف الصلاة فإنه يؤمر بالاعادة لانه لا يلحقه مشقة.
قوله: (وإن جامع الخ) شروع في القسم الثالث وهو ما يوجب القضاء والكفارة، ووجوبها بما يأتي من كونه عمدا لا مكرها ولم يطرأ مبيح للفطر كحيض ومرض بغير صنعه، وبما إذا نوى ليلا.
قوله: (المكلف) خرج الصبي والمجنون لعدم خطابهما.
قوله: (آدميا) خرج الجني أبو السعود، والظاهر وجوب القضاء بالانزال وإلا فلا، كما لا يجب الغسل بدونه.
قوله: (مشتهى) أي على الكمال فلا كفارة بجماع بهيمة أو ميتة ولو أنزل.
بحر.
بل ولا قضاء ما لم ينزل كما مر.
وفي الصغير خلا ف، وقيل: لا تجب الكفارة بالاجماع، وقدمنا أنه الاوجه.
قوله: (في رمضان) أي نهارا، وفيه إشارة إلى أنه لو طلع الفجر وهو مواقع فنزع لم يكفر كما لو جامع ناسيا.
وعن أبي يوسف: إن بقي بعد الطلوع كفر، وإن بقي الذكر لا، وعليه القضاء.
قسهتاني.
وقدمناه مفصلا.
قوله: (أداء) يغني عنه قوله: في رمضان لان المراد به الشهر، وكأنه أراد به الصوم ليشمل القضاء ويحتاج إلى إخراجه.
تأمل.
قوله: (لما مر) أي من أن الكفارة إنما وجبت لهتك حرمة شهر رمضان، فلا تجب بإفساد قضائه ولا بإفساد صوم غيره.
قوله:
(أو جومع) يشمل ما لو جامعها زوجها الصغير كما في مقتضى إطلاقهم، ولتصريحهم بوجوب الغسل عليها دونه.
أفاده الرملي.
وفي القهستاني: الرجل بجماع المشتهاة يكفر كالمرأة بالصبي والمجنون، وفي الصورتين اختلاف المشايخ كما في التمرتاشي اه.
قوله: (وتوارت الحشفة) أي غابت، وهذا بيان لحقيقة الجماع لانه لا يكون إلا بذلك ط.
قوله: (في أحد السبيلين) أي القبل أو الدبر، وهو الصحيح في الدبر، والمختار أنه بالاتفاق.
ولوالجية.
لتكامل الجناية لقضاء الشهوة.
بحر.
قوله: (أنزل أولا) فإن الانزال شبع، وقضاء الشهوة يتحقق بدونه، وقد وجب به الحد وهو عقوبة محضة، فالكفارة التي فيها معنى العبادة أولى.
بحر.
قوله: (ما يتغذى به) أي ما من شأنه ذلك كالحنطة والخبز واللحم، وإنما عد الماء منه وهو لا يغذو لبساطته لانه معين للغذاء.
قهستاني.
قوله: (وما نقله الشرنبلالي) حيث قال في حاشيته: اختلفوا فمعنى التغذي، قال بعضهم: إن يميل الطبع إلى أكله وتنقضي شهوة البطن به، وقال بعضهم: هو ما يعود نفعه إلى صلاح البدن وفائدته(2/450)
فيما إذا مضغ لقمة ثم أخرجها ثم ابتلعها، فعلى الثاني يكفر لا على الاول، وبالعكس في الحشيشة لانه لا نفع فيها للبدن، وربما تنقص عقله ويميل إليها الطبع وتنقضي بها شهوة البطن اه.
ملخصا.
وقال في النهر: إنه بعيد عن التحقيق، إذ بتقديره يكون قولهم أو دواء حشوا، والذي ذكره المحققون أن معنى الفطر وصول ما فيه صلاح البدن إلى الجوف أعم من كونه غذاء أو دواء يقابل القول الاول، هذا هو المناسب في تحقيق محل الخلاف اه.
أقول: وحاصله أن الخلاف في معنى الفطر لا التغذي، لكن ما نقله عن المحققين لا يلزم منه عدم وقوع الخلاف في معنى التغذي، ولكن التحقيق أنه لا خلاف فيه ولا في معنى الفطر، لانهم ذكروا أن الكفارة لا تجب إلا بالفطر صورة ومعنى، ففي الاكل: الفطر صورة هو الابتلاع، والمعنى: كونه مما يصلح به البدن من غذاء أو دواء، فلا تجب في ابتلاع نحو الحصاة لوجود الصورة فقط، ولا في نحو الاحتقان لوجود المعنى فقط كما علله في الهداية وغيرها، وذكر في البدائع أنها تجب بإيصال ما يقصد به التغذي أو التداوي إلى جوفه من الفم بخلاف غيره، فلا تجب في ابتلاع
الجوزة أو اللوزة الصحيحة اليابسة لوجود الاكل صورة لا معنى، لانه لا يعتاد أكله فصار كالحصاة والنواة، ولا في أكل عجين أو دقيق لانه لا يقصد به التغذي والتداوي، ولو أكل ورق شجر إن كان مما يؤكل عادة وجبت إلا وجب القضاء فقط وكذا لو خرج البزاق من فمه ثم ابتلعه، وكذا بزاق غيره لانه مما يعاف منه، ولو بزاق حبيبه أو صديقه وجبت كما ذكره الحلواني لانه لا يعافه.
ولو أخرج لقمة ثم أعادها، قال أبو الليث: الاصح أنه لا كفارة لانها صارت بحال يعاف منها اه ملخصا.
ويظهر من ذلك أن مرادهم بما يتغذى به ما يكون فيه صلاح البدن بأن كان مما يؤكل عادة على قصد التغذي أو التداوي أو التلذذ فالعجين والدقيق وإن كان فيه صلاح البدن والغذاء لكنه لا يقصد لذلك، واللقمة المخرجة كذلك لانها لعيافتها خرجت عن الصلاحية حكماكما قالوا فيما لو ذرعه القئ وعاد بنفسه لا يفطر، لانه ليس مما يتغذى به عادة لعيافته، بخلاف ريق الحبيب لانه يتلذذ به كما قاله في أواخر الكنز فصار ملحق بما فيه صلاح البدن، ومثله الحشيشة المسكرة، ويؤيد ما قلنا أيضا ما في المحيحيث ذكر أن الاصل أن الكفارة تجب متى أفطر بما يتغذى به لانها للزجر، وإنما يحتاج للزجر عما يؤكل عادة، بخلاف غيره لان الامتناع عنه ثابت طبيعة كشرب الخمر يجب فيه الحد لانه محتاج إلى الزجر، بخلاف شرب البول والدم، ثم كل ما يؤكل عادة مقصودا أو تبعا لغيره فهو مما يتغذى به، وأما غيره فملحق بما لا يتغذى به وإن كان في نفسه مغذيا والدواء ملحق بما يتغذى به لما فيه من صلاح البدن.
ثم ذكر الفروع إلى أن قال في اللقمة: وإن أخرجها ثم أعادها فلا كفارة وهو الاصح، لانها صارت بحال تستقذر ويعاف منها، فدخل القصور في معنى الغذاء اه ملخصا.
ولكن يشكل على ذلك وجوب الكفارة بأكل اللحم النئ ولو من ميتة، إلا إذا أنتن ودودفإني لم أر من ذكر فيه خلافا مع أنه أشد عيافة من اللقمة المخرجة، اللهم إلا يقال: اللحم في ذاته مما يقصد به التغذي وصلاح البدن، بخلاف اللقمة المذكورة والعجين، وبخلاف ما إذا دود لانه يؤذي البدن، فلا يحصل به صلاحه، هذا ما ظهر لي في تحرير هذا المحل، والله تعالى أعلم.
قوله: (عمدا) خرج المخطئ والمكره.
بحر.
قلت: وكذا الناسي لان المراد تعمد الافطار، والناسي وإن تعمد استعمال المفطر لم يتعمد(2/451)
الافطار.
قوله: (راجع للكل) أي كل ما ذكر من الجماع والاكل والشرب.
قوله: (أي فعل الخ) أشار إلى أن الحكم ليس قاصرا على الحجامة ط.
واحترز به عما لو فعل ما يظن الفطر به كما لو أكل أو جامع ناسيا أو احتلم أو أنزل بنظر أو ذرعه القئ فظن أنه أفطر فأكل عمدا فلا كفارة للشبهة كما مر.
قوله: (بلا إنزال) أما لو أنزل فلا كفارة عليه بأكله عمدا لانه أكل وهو مفطر ط.
قوله: (أو إدخال أصبع) أي يابسة كما تقدم ح فلو مبتلة فلا كفارة لاكله بعد تحقق الافطار بالبلة ط.
قوله: (ونحو ذلك) كأكله بعد قبلة بشهوة أو مضاجعة ومباشرة فاحشة بلا إنزال.
إمداد.
قوله: (في الصور كلها) أي المذكورة في قوله: وإن جامع الخ.
قوله: (وكفر) ترك بيان وقت وجوب القضاء والكفارة إشعارا بأنه على التراخي كما قال محمد.
وقال أبو يوسف: إنه على الفور.
وعن أبي حنيفة روايتان كما في التمرتاشي، وقيل بين رمضانين.
وقال الكرخي: والاول الصحيح، وكذا لا يكره نفله كما في الزاهدي، وإنما قدم القضاء إشعارا بأنه ينبغي أن يقدمه على الكفارة ويستحب التتابع كما في الهداية.
قهستاني.
قوله: (لانه الخ) علة لقوله أو احتجم الخ.
قوله: (حتى الخ) تفريع على مفهوم قوله لانه ظن في غير محله أي فلو كان الظن في محله فلا كفارة حتى لو أفتاه الخ ط.
قوله: (يعتمد على قوله) كحنبلي يرى الحجامة مفطرة.
إمداد.
قال في البحر: لان العامي يجب عليه تقليد العالم إذا كان يعتمد على فتواه، ثم قال: وقد علم من هذا أن مذهب العامي فتوى مفتية من غير تقييد بمذهب.
ولهذا قال في الفتح: الحكم في حق العامي فتوى مفتية.
وفي النهاية: ويشترط أن يكون المفتي ممن يؤخذ منه الفقه ويعتمد على فتواه في البلدة، وحينئذ تصير فتواه شبهة ولا معتبر بغيره اه.
وبه يظهر أن يعتمد مبني للمجهول فلا يكفي اعتماد المستفتي وحده، فافهم.
قوله: (أو سمع حديثا) كقوله (ص): أفطر الحاجم والمحجوم وهذا عند محمد لان قول الرسول ص) أقوى من قول المفتي، فأولى أن يورث شبهة، وعن أبي يوسف خلافه، لان على العامي الاقتداء بالفقهاء لعدم الاهتداء في حقه إلى معرفة الاحاديث.
زيلعي.
قوله: (ولم يعلم تأويله) أما إن علم تأوله ثم أكل تجب الكفارة لانتفاء الشبهة، وقول الاوزاعي: إنه يفطر، لا يورث شبهة لمخالفته
القياس مع فرض علم الآكل كون الحديث مؤولا، ثم تأويله أنه منسوخ أو أن اللذين قال فيهما (ص) ذلك كانا يغتابان، وتمامه في الفتح.
وعلى الثاني فالمراد ذهاب الثواب كما يأتي.
قوله: (ولم يثبت الاثر) عطف على أخطأ المفتي: أي وإن لم يثبت الاثر اه ح.
والمراد غير حديث الحاجم والمحجوم فإنه ثابت صحيح، وأما أحاديث فطر المغتاب فكلها مدخولة كما في الفتح.
وفيه عن البدائع: ولو لمس أو قبل امرأة بشهوة أو ضاجعها ولم ينزل فظن أنه أفطر فأكل عمدا كان عليه(2/452)
كفارة، إلا إذا تأول حديثا أو استفتى فقيها فأفطر فلا كفارة عليه، وأن أخطأ الفقيه ولم يثبت الحديث، لان ظاهر الفتوى والحديث يعتبر شبهة اه.
قوله: (إلا في الادهان) استثناء من قوله: لم يكفر يعني إن أدهن ثم أكل كفر لانه معتمد، ولم يستند إلى دليل شرعي لانه لا يعتد بفتوى الفقيه أو بتأويله الحديث هنا، لان هذا مما لا يشتبه على من له سمة من الفقه.
نقله الكمال عن البدائع.
لكن يخالفه ما في الخانية من أن الذي اكتحل ودهن نفسه أو شاربه ثم أكل متعمدا عليه الكفارة إلا إذا كان جاهلا فأفتى له الفطر اه.
قال في الامداد: فعلى هذا يكون قولنا: إلا إذا أفتاه فقيه، شاملا لمسألة دهن الشارب اه.
وهو كما ترى مرجح لعدم الاستثناء فالاولى للشارح تركه ح.
قلت: لكن ما نذكره عن الخانية وغيرها في الغيبة يؤيد ما في البدائع.
قوله: (وكذا الغيبة) لان الفطرة بها يخالف القياس والحديث، وهو قوله (ص): ثلاث تفطر الصائم مؤول بالاجماع بذهاب الثواب، بخلاف حديث الحجامة فإن بعض العلماء أخذ بظاهره مثل الاوزاعي وأحمد.
إمداد.
ولم يعتد بخلاف الظاهرية في الغيبة لانه حدث بعد ما مضى السلف على تأويله بما قلنا.
فتح.
وفي الخانية: قال بعضهم: هذوالحجامة سواء.
وعامة المشايخ قالوا: عليه الكفارة على كل حال، لان العلماء أجمعوا على ترك العمل بظاهر الحديث وقالوا: أراد به ثواب الآخرة، وليس في هذا قول معتبر، فهذا ظن ما استند إلى دليل فلا يورث شبهة اه.
ونحوه في السراج، وكذا في الفتح عن البدائع، وجزم به في الهداية أيضا وشروحها.
قال الرحمتي: وإذا لم يعد الحديث والفتوى شبهة في الغيبة فعدهن الشارب أولى اه.
قلت: ولذا سوى بينهما في الفتح عن البدائع، وكذا في المعراج عن المبسوط.
قوله: (للشبهة) قد علمت أن ما خالف الاجماع لا يورث شبهة، والعمل على ما عليه الاكثر، والله تعالى أعلم.
مطلب في الكفارة قوله: (ككفارة المظاهر) مرتبط بقوله: وكفر أي مثلها في الترتيب فيعتق أولا، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا لحديث الاعرابي المعروف في الكتب الستة، فلو أفطر وللعذر استأنف إلا لعذر الحيض وكفارة القتل يشرط في صومها التتابع أيضا، وهكذا كل كفارة شرع فيها العتق.
نهر.
وتمام فروع المسألة في البحر، وفيه أيضا: ولا فرق في وجوب الكفارة بين الذكر والانثى والحر والعبد والسلطان وغيره، ولهذا صرح في البزازية بالوجوب على الجارية فيما لو أخبرت سيدها بعدم طلوع الفجر عالمة بطلوعه فجامعها مع عدم الوجوب عليه وبأنه إذا لزمت السلطان، وهو موسر بماله الحلال وليس عليه تبعة لاحد يفتي بإعتاق الرقبة.
وقال أبو نصر محمد بن سلام: يفتى بصيام شهرين، لان المقصود من الكفارة الانزجار ويسهل عليه إفطار شهر وإعتاق رقبة فلا يحصل الزجر اه.
قوله: (ومن ثم) أي من أجل ثبوت كفارة الظهار بالكتاب وثبت كفارة الافطار بالسنة، شبهوا الثانية لكونها أدنى حالا بالاولى لقوتها بثبوتها بالكتاب ط.
ومقتضاه الاكفار بإنكارها دون الاولى، يؤيده أنه في الفتح ذكر أن سعيد بن جبير ذهب إلى أنها منسوخة.(2/453)
تنبيه: في التشبيه إشارة إلى أنه لا يلزم كونها مثلها من كل وجه، فإن المسيس في أثنائها يقطع التتابع في كفارة الظهار مطلقا عمدا أو نسيانا ليلا أو نهارا للآية، بخلاف كفارة الصوم والقتل فيه فإنه لا يقطعه فيهما إلا الفطر بعذر أو بغير عذر، فتأمل، فقد زلت بعض الاقدام في هذا المقام.
رملي ونحوه القهستاني.
وأراد بغير العذر ما سوى الحيض.
والحاصل: أنه لا يقطع التتابع هنا الوطئ ليلا عمدا أو نهارا ناسيا، بخلاف كفارة الظهار.
قوله: (إن نوى ليلا) أي بنية معينة لما مر من خلاف الشافعي فيهما فكان شبهة لسقوط الكفارة.
قوله: (ولم يكن مكرها) أي ولو على الجماع كما مر، ولو كانت هي المكرهة لزوجها عليه، وعليه الفتوى كما في الظهيرية خلافا لما في الاختيار من وجوبها عليهما لو الاكراه منها كما في بعض نسخ البحر.
قوله: (ولم يطرأ) أي بعد إفطاره عمدا مقيما ناويا ليلا فتجب الكفارة لولا المسقط.
قوله: (مسقط) أي سماوي لا صنع له فيه ولا في سببه.
رحمتي.
قوله: (كمرض) أي مبيح للافطار.
قوله: (والمعتمد لزومها) أي بعد ذلك لانه فعل عبد، والاولى أن يقول: عدم سقوطها لانها كانت لازمة والخلاف في سقوطها، وقيد بالسفر مكرها إذ لو سافر طائعا بعدما أفطر اتفقت الروايات على عدم سقوطها، أما لو أفطر بعدما سافر لم تجب.
نهر: أي وإن حرم عليه لو سافر بعد الفجر كما يأتي.
قوله: (وفي المعتاد) عطف على قوله فيما وهو اسم مفعول فيه ضمير هو نائب الفاعل عائد على الموصوف: أي الشخص العتاد.
وحمى بغير تنوين مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على ألف التأنيث المقصورة، وحيضا معطوف عليه: أي واختلف في الشخص الذي اعتاد حمى وحيضا، والواو بمعنى أو.
وفي بعض النسخ وحيض فيحتمل أنه مرفوع أو مجرور، لكن الجر غير جائز لان إضافة الوصف المفرد إلى معموله المجرد من أل لا تجوز، وأما الرفع فعلى إسناد المعتاد إلى الحمى والحيض: أي الذي اعتاده حمى وحيض والاصوب النصب.
وقوله: والمتيقن اسم فاعل مجرور بالعطف على معتاد وقتال مفعول.
قوله: (لو أفطر) أي كل من المعتاد والمتيقن.
قوله: (والمعتمد سقوطها) كذا صححه في البزازية وقاضيخان في شرح الجامع الصغير في المعتاد حمى وحيضا، وشبهه بمن أفطر على ظن الغروب، ثم ظهر عدمه، وعليه مشى الشرنبلالي، وهو مخالف لما في البحر حيث قال: وإذا أفطرت على ظن أنه يوم حيضها فلم تحض الاظهر وجوب الكفارة، كما لو أفطر على ظن أنه يوم مرضه اه.
وكتبت فيما علقته عليه جعل الثانية مشبها بها لانها بالاجماع، بخلاف مسألة الحيض فإن فيها اختلاف المشايخ، والصحيح الوجوب كما نص على ذلك في التاترخانية اه.
ولذا جزم بالوجوب في المسألتين في السراج والفيض.(2/454)
والحاصل: اختلاف التصحيح فيهما، ولم أر من ذكر خلافا في سقوطها عمن تيقن قتال عدو والفرق كما في جامع الفضولين أن القتال يحتاج إلى تقديم الافطار ليتقوى، بخلاف المرض.
قوله: (ولم يكفر للاول) أما لو كفر فعليه أخرى في ظاهر الرواية للعلم بأن الزجر لم يحصل بالاولى.
بحر.
قوله: (وعليه الاعتماد) نقله في البحر عن الاسرار، ونقل قبله عن الجوهرة لو جامع في رمضانين فعليه كفارتان وإن لم يكفر للاولى في ظاهر الرواية وهو الصحيح اه.
قلت: فقد اختلف الترجيح كما ترى، ويتقوى الثاني بأنه ظاهر الرواية.
قوله: (إن الفطر) إن شرطيه ح.
قوله: (وإلا لا) أي وإن كان الفطر المتكرر في يومين بجماع لا تتداخل الكفارة وإن لم يكفر للاول لعظم الجناية، ولذا أوجب الشافعي الكفارة به دون الاكل والشرب.
قوله: (وتمامه في شرح الوهبانية) قال في الوهبانية: ولو أكل الانسان عمدا وشهوة ولا عذر فيه قيل بالقتل يؤمر قال الشرنبلالي: صورتها: تعمد من لا عذر له الاكل جهارا يقتل لانه مستهزئ بالدين أو منكر لما ثبت منه بالضرورة، ولا خلاف في حل قتله والامر به، فتعبير المؤلف بقيل ليس بلازم الضعف اه ح.
قوله: (وإن ذرعه القئ) أي غلبه وسبقه.
قاموس.
والمسألة تتفرع إلى أربع وعشرين صورة، لانه إما أن يقئ أو يستقئ وفي كل إما أن يملا الفم أو دونه، وكل من الاربعة إما إن خرج أو عاد أو أعاده، وكل إما ذاكر لصومه أو لا، ولا فطر في الكل على الاصح إلا في الاعادة والاستقاء بشرط المل ء مع التذكر شرح المنتقى.
قوله: (ولو هو مل ء الفم) أتى بلو مع أن ما دون مل ء الفم مفهوم بالاولى لاجل التنصيص عليه، لان المعطوف عليه في حكم المذكور فافهم.
وأطلق لو مل ء الفم فشمل ما لو كان متفرقا في موضع واحد بحيث لو جمع ملا الفم كما في السراج.
قوله: (لا يفسد) أي عند محمد، وهو الصحيح لعدم وجود الصنع ولعد وجود صورة الفطر وهو الابتلاع، وكذا معناه لا يتغذى به بل النفس تعافه بحر.
قوله: (وإن أعاده) أي أعاد ما قاءه الذي هو مل ء الفم.
قوله: (أو قدر حمصة منفأكثر) أشار إلى أنه لا فرق بين إعادة كله أو بعضه إذا كان أصله مل ء الفم.
قال الحدادي في السراج: مبني الخلاف أن أبا يوسف يعتبر مل ء الفم، ومحمدا
يعتبر الصنع، ثم مل ء الفم له حكم الخارج، وما دونه ليس بخارج لانه يمكن ضبطه.
وفائدته تظهر في أربع مسائل: إحداها إذا كان أقل من مل ء الفم وعاد أو شئ منه قدر الحمصة لم يفطر إجماعا، أما عند أبي يوسف فإنه ليس بخارج لانه أقل من المل ء، وعند محمد لا صنع له في الادخال.
والثانية: إن كان مل ء الفم وأعاده أو شيئا منه قدر الحمصة فصاعدا أفطر إجماعا لانه خارج أدخله جوفه ولوجود الصنع.
والثالثة: إذا كان أقل من مل ء الفم وأعاده أو شيئا منه أفطر عند محمد للصنع لا عند أبي يوسف لعدم المل ء.
والرابعة: إذا كان مل ء الفم وعاد بنفسه أو شئ منه كالحمصة فصاعدا أفطر عند أبي يوسف لوجود المل ء لا عند محمد لعدم الصنع وهو(2/455)
الصحيح اه.
فمسألتنا الاعادة وهما الثانية والثالثة أولاهما إجماعية وهي التي ذكرها المصنف بقوله: وإن أعاده الخ والاخرى خلافية وهي التي ذكرها المصنف بقوله: وإلا لا ولا فرق فيهما بين إعادة الكل أو البعض، فافهم.
قوله: (إن ملا الفم) قيد لافطاره إجماعا بالاعادة لكله أو لقدر حمصة منه.
قوله: (وإلا لا) أي وأن لم يملا القئ الفم وأعاده كله أو بعضه لا يفسد صومه عند أبي يوسف، ولا ينافي ما قدممن أنه لو أعاد قدر حمصة منه أفطر إجماعا، لان ذاك فيما إذا كان القئ مل ء الفم لانه صار في حكم الخارج، لان الفم لا ينضبط عليه، وما كان في حكم الخارج لا فرق بين إعادة كله أو بعضه بصنعه، بخلاف ما دونه لانه في حكم الداخل، فلا يفسد إلا إذا أعاده ولو قدر الحمصة منه بصنعه، وبه علم أن كلام الشارح صواب لا خطأ فيه بوجه من الوجوه، فافهم.
قوله: (هو المختار) وفي الخانية: هو الصحيح وصححه كثير من العلماء.
رملي.
قوله: (قوله أي متذكرا لصومه) أشار به إلى أن الرد على صاحب غاية البيان حيث قال: إن ذكر العمد مع الاستقاء تأكيد لانه لا يكون إلا مع العمد.
وحاصل الرد أن المراد بالعمد تذكر الصوم لا تعمد القئ، فهو مخرج لما إذا فعل ذلك ناسيا فإنه لا يفطر.
أفاده في البحر ط.
وحاصله أن ذكر العمد لبيان تعمد الفطر بكونه ذاكرا لصومه، والاستقاء لا يفيد ذلك بل يفيد
تعمد القئ.
قوله: (مطلقا) أي سواء عاد أو أعاده، أو لا ولا ح.
قال في الفتح: ولا يتأتى فيه تفريع العود والاعادة لانه أفطر بمجرد القئ قبلهما.
قوله: (وإن أقل لا) أي إن لم يعد ولم يعده بدليل قوله: فإن عاد بنفسه الخ ح.
قوله: (وهو الصحيح) قال في الفتح: صححه في شرح الكنز: أي للزيلعي، وهو قول أبي يوسف.
قوله: (لم يفطر) أي عند أبي يوسف لعدم الخروج، فلا يتحقق الدخول.
فتح: أي لان ما دون مل ء الفم ليس في حكم الخارج كما مر.
قوله: (ففيه روايتان) أي وعن أبي يوسف، وعند محمد: لا يتأتى التفريع لما مر.
تنبيه: لو استقاء مرارا في مجلس مل ء فمه أفطر، لا إن كان في مجالس أو غدوة ثم نصف النهار ثم عشية، كذا في الخزانة، وتقدم في الطهارة أن محمدا يعتبر اتحاد السبب لا المجلس، لكن لا يتأتى هذا على قوله هنا خلافا لما في البحر لانه يفطر عنده بما دون مل ء الفم، فما في الخزانة على قول أبي يوسف.
أفاده في النهر.
قوله: (وهذا كله) أي التفصيل المتقدم ط.
قوله: (أو مرة) بالكسر والتشديد وهي الصفراء أحد الطبائع الاربع كما مر في الطهارة.
قوله: (أو دم) الظاهر أن المراد به الجامد، وإلا فما الفرق بينه وبين الخارج من الاسنان إذا بلعه حيث يفطر لو غلب على(2/456)
البزاق أو ساواه أو وجد طعمه كما مر في أول الباب.
قوله: (فإن كان بلغما) أي صاعدا من الجوف، أما إذا كان نازلا من الرأس، فلا خلاف في عدم إفساده الصوم كما لا خلا ف في عدم نقضه الطهارة.
كذا في الشرنبلالية.
ومقتضى إطلاقه أنه لا ينقض سواء كان مل ء الفم أو دونه، وسواء عاد أو أعاده، أو لا ولا، والله أعلم بصحة هذا الاطلاق وبصحة قياسه على الطهارة فليراجع ح.
قوله: (مطلقا) أي سواء قاء واستقاء وسواء كان مل ء الفم أو دونه وسواء عاد أو أعاده أو لا ولا.
وفي هذا الاطلاق أيضا تأمل ح.
قوله: (خلافا للثاني) فإنه قال: إن استقاء مل ء الفم فسد ح.
قوله: (واستحسنه الكمال) حيث قال: وقول أبي يوسف هنا أحسن، وقولهما بعدم النقض به أحسن لان الفطر إنما نيط بما يدخل أو بالقئ عمدا من غير نظر إلى طهارة ونجاسة، فلا فرق بين البلغم وغيره، بخلاف نقض الطهارة اه.
وأقره في البحر والنهر والشرح نبلالية، وهو مراد الشارح بقوله: وغيره فإنهم لما أقروه فقد
استحسنوه، وقول ابن الهمام: لان الفطر إنما نيط بما يدخل أو بالقئ عمدا الخ، يؤيد النظر الذي قدمناه في إطلاق الشرنبلالية وإطلاق الشارح، فليتأمل بعد الاحاطة بتعليل الهداية.
قوله: (إن مثل حمصة) هذا ما اختاره الصدر الشهيد، واختاره الدبوسي تقديره بما يمكن أن يبتلعه من غير استعانة بريق، واستحسنه الكمال لان المانع من الافطار ما لا يسهل الاحتراز عنه، وذلك فيما يجري بنفسه مع الريق لا فيما يتعمد في إدخاله اه.
قوله: (لان النفس تعافه) فهو كاللقمة المخرجة، وقدمنا عن الكمال أن التحقيق تقييد ذلك بكونه ممن يعاف ذلك.
قوله: (إلا إذا مضغ الخ) لانها تلتصق بأسنانه فلا يصل إلى جوفه شئ ويصير تابعا لريقه.
معراج.
قوله: (كما مر) أي عند قوله: أو خرج دم بين أسنانه.
قوله: (وهو) أي وجود الطعم في الحلق.
قوله: (في كل قليل) في بعض النسخ في كل شئ والاولى أولى وهو الموافقة لعبارة الكمال.
مطلب فيما يكره للصائم قوله: (وكره الخ) الظاهر أن الكراهة في هذه الاشياء تنزيهية.
رملي.
قوله: (قاله العيني) وتبعه في النهر، وقال: وجعل الزيلعي قيدا في الثاني فقط، والاولى أولى اه.
قوله: (قوله ككون زوجها الخ) بيان للعذر في الاول، قال في النهر: ومن العذر في الثاني أن لا تجد من يمضغ لصبيها من حائض أو نفساء أو غيرهما ممن لا يصوم ولم تجد طبيخا.
قوله: (ووفق في النهر) عبارته: وينبغي حمل الاول: أي القول بالكراهة على ما إذا وجد بدا، والثاني على ما إذا لم يجده وقد خشي الغبن اه.
فقد قيد الكراهة بأن يجد بدا من شرائه: أي سواء خاف الغبن أو لا، فقول الشارح: ولم يخف غبنا مخالف لما في النهر، وقوله: وإلا لا أي وإن لم يجد بدا وخاف غبنا لا يكره في موافق(2/457)
للنهر، فافهم.
ومفهومه: أنه إذا لم يجد بدا ولم يخف غبنا يكره وهو ظاهر.
قوله: (وهذا) أي الحكم بكراهة الذوق أو المضغ بلا عذر ط.
قوله: (وإلا النفل) لانه يباح فيه الفطر بالعذر اتفاقا، وبلا عذر في رواية الحسن: والثاني فالذوق أولى بعدم الكراهة لانه ليس بإفطار، بل يحتمل أن يصير إياه، فتح، وغيره.
قوله: (وفيه كلامه) أي لصاحب البحر.
وحاصله: أن الكلام على ظاهر الرواية من عدم حل الفطر عند عدم العذر، فما كان تعريضا له للفطر يكره، أما على تلك الرواية فمسلم، وسيأتي أنها شاذة اه.
وأجاب في النهر بأنه يمكن أن يقال: إنما لم يكره في النفل وكره في الفرض إظهارا لتفاوت الرتبتين اه.
وأجاب الرملي أيضا بأنه يكره في الفرض لقوته فيجب حفظه وعدم تعريضه للفساد، فكره فيه ما يخشى منه الافضاء إليه، ولم يكره في النفل وإن لم تخل حقيقة الفطر فيه لانه في أصله محض تطوع، والمتطوع أمير نفسه ابتداء، فهبطت مرتبته عن الفرض بعدم كراهة فعل ربما أفضى إلى الظفر من غير غلبة ظن فيه.
قال: وهذا أولى مما في النهر، لان هذا يبطل العلة المذكورة لهم، فتأمل اه.
قوله: (وكره مضغ علك) نص عليه مع دخوله في قوله: وكره ذوق شئ ومضغه بلا عذر لان العذر فيه لا يتضح، فذكر مطلقا بلا عذر اهتماما.
رملي.
قلت: ولان العادة مضغه خصوصا للنساء لانه سواكهن كما يأتي فكان مظنة عدم الكراهة في الصيام لتوهم أن ذلك عذر.
قوله: (أبيض الخ) قيده بذلك، لان الاسود وغير الممضوغ وغير الملتئم، يصل منه شئ إلى الجوف.
وأطلق محمد المسألة وحملها الكمال تبعا للمتأخرين على ذلك، قال: للقطع بأنه معلل بعدم الوصول، فإن كان مما يصل عادة حكم بالفساد لانه كالمتيقن.
قوله: (وكره للمضطرين) لان الدليل: أعني التشبه بالنساء، يقتضي الكراهة في حقهم خاليا عن المعارض.
فتح.
وظاهره أنها تحريمية ط.
قوله: (إلا في الخلوة بعذر) كذا في المعراج عن البزودي والمحبوبي.
قوله: (وقيل يباح) هو قول فخر الاسلام حيث قال: وفي كلام محمد إشارة إلى أنه لا يكره لغير الصائم، ولكن يستحب للرجال تركه إلا لعذر مثل أن يكون في فمه بخر اه.
قوله: (لانه سواكهن) لان بنيتهن ضعيفة قد لا تحتمل السواك فيخشى على اللثة والسن منه.
فتح.
قوله: (وكره قبلة الخ) جزم في السراج بأن القبلة الفاحشة بأن يمضع شفتيها تكره على الاطلاق: أي سواء أمن أو لا.
قال في النهر: والمعانقة على التفصيل في المشهور، وكذا المباشرة الفاحشة في ظاهر الرواية.
وعن محمد كراهتها مطلقا وهو رواية الحسن، وقيل وهو الصحيح اه.
واختار الكراهة في الفتح، وجزم بها في الولوالجية بلا ذكر خلاف، وهي أن يعانقها وهما
متجردان ويمس فرجه فرجها، بل قال في الذخيرة: إن هذا مكروه بلا خلاف لانه يفضي إلى الجماع(2/458)
غالبا اه.
وبه علم أن رواية محمد بيان لكون ما في ظاهر الرواية من كراهة المباشرة ليس على إطلاقه، بهو محمول على غير الفاحشة، ولذا قال في الهداية: والمباشرة مثل التقبيل في ظاهر الرواية، وعن محمد أنه كره المباشرة الفاحشة اه.
وبه ظهر أن ما مر عن النهر من إجراء الخلاف في الفاحشة ليس مما ينبغي، ثم رأيت في التاترخانية عن المحيط: التصريح بما ذكرته من التوفيق بين الروايتين، وأنه لا فرق بينهما ولله الحمد.
قوله: (إن لم يأمن المفسد) أي الانزال أو الجماع.
إمداد.
قوله: (وإن أمن لا بأس) ظاهره أن الاولى عدمها، لكن قال في الفتح: وفي الصحيحين: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبل ويباشر وهو صائم.
وروى أبو داود بإسناد جيد عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام سأله رجل عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب اه.
قوله: (لا دهن شارب وكحل) بفتح الفاء مصدرين وبضمها اسمين، وعلى الثاني فالمعنى: لا يكره استعمالها، إلا أن الرواية هو الاول وتمامه في النهر.
وذكر في الامداد أو الباب أنه يؤخذ من هذا أنه لا يكره للصائم شم رائحة المسك والورد ونحوه مما لا يكون جوهرا متصلا كالدخان فإنهم قالوا: لا يكره الاكتحال بحال، وهو شامل للمطيب وغيره، ولم يخصوه بنوع منه، وكذا دهن الشارب اه.
مطلب في الفرق بين قصد الجمال وقصد الزينة قوله: (إذا لم يقصد الزينة) اعلم أنه لا تلازم بين قصد الجمال وقصد الزينة، فالقصد الاول لدفع الشين وإقامة ما به الوقار النعمة شكرا لا فخرا، وهو أثر أدب النفس وشهامتها، والثاني أثر ضعفها، وقالوا بالخضاب وردت السنة ولم يكن لقصد الزينة، ثم بعد ذلك إن حصلت زينة فقد حصلت في ضمن قصد مطلوب فلا يضره إذا لم يكن ملتفتا إليه.
فتح.
ولهذا قال في الولوالجية: لبس الثياب الجميلة مباح إذا كان لا يتكبر لان التكبر حرام، وتفسيره أن يكون معها كما كان قبلها اه.
بحر.
قوله: (أو تطويل اللحية) أي بالدهن.
قوله: (وصرح في النهاية) الخ حيث قال: ما
وراء ذلك يجب قطعه، هكذا عن رسول الله (ص): أنه كان يأخذ من اللحية من طولها وعرضها أورده أبو عيسى: يعني الترمذي في جامعه اه.
ومثله في المعراج، وقد نقله عنها في الفتح وأقره.
قال في النهر: وسمعت من بعض أعزاء الموالي أن قول النهاية يحب بالحاء المهملة، ولا بأس به اه.
قال الشيح إسماعيل: ولكنه خلاف الظاهر واستعمالهم في مثله يستحب.
قوله: (إلا أن يحمل الوجوب على الثبوت) يؤيده أن ما استدل به صاحب النهاية لا يدل على الوجوب، لما صرح به في البحر وغيره: إن كان بفعل لا يقتضي التكرار والدوام، ولذا حذف الزيلعي لفظ يجب وقال: وما زاد يقص.
وفي شرح الشيخ إسماعيل: لا بأس بأن يقبض على لحيته، فإذا زاد على قبضته شئ جزه كما في المنية، وهو سنة كما في المبتغى.
وفي المجتبى والينابيع وغيرهما: لا بأس بأخذ أطراف اللحية إذا طالت، ولا بنتف الشيب إلا على وجه التزيين، ولا بالاخذ من حاجبه وشعر وجهه ما لم يشبه فعل المخنثين، ولا يحلق شعر حلقه.
وعن أبي يوسف: لا بأس به اه.(2/459)
مطلب في الاخذ من اللحية قوله: (وأما الاخذ منها الخ) بهذا وفق في الفتح بين ما مر وبين ما في الصحيحين عن ابن عمر عنه (ص): أحفوا الشوارب واعفوا اللحى قال: لانه صح عن ابن عمر راوي هذا الحديث أنه كان يأخذ الفاضل عن القبضة، فإن لم يحمل على النسخ كما هو أصلنا في عمل الراوي على خلاف مرويه مع أنه من غير الراوي، وعن النبي (ص) يحمل الاعفاء على إعفائها عن أن يأخذ غالبها أو كلها كما هو فعل مجوس الاعاجم من حلق لحاهم، ويؤيده ما في مسلم عن أبي هريرة عنه (ص): جزوا الشورب واعفوا اللحى، خالفوا المجوس فهذه الجملة واقعة موقع التعليل، وأما الاخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة، ومخنثه الرجال فلم يبحه أحد اه ملخصا.
مطلب في حديث التوسعة على العيال والاكتحال يوم عاشوراء قوله: (وحديث التوسعة الخ) وهو: من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه السنة كلها قال جابر: جربته أربعين عاما فلم يتخلف ط.
وحديث الاكتحال هو ما رواه البيهقي وضعفه:
من اكتحل بالاثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا ورواه ابن الجوزي في الموضوعات: من اكتحل يوم عاشوراء لم ترحد عينه تلك السنة فتح.
قلت: ومناسبة ذكر هذا هنا أن صاحب الهداية استدل على عدم كراهة الاكتحال للصائم بأنه عليه الصلاة والسلام قد ندب إليه يوم عاشوراء وإلى الصوم فيه.
قال في النهر: وتعقبه ابن العز بأنه لم يصح عنه (ص) في يوم عاشوراء غير صومه، وإنما الروافض لما ابتدعوا إقامة المأتم وإظهار الحزن يوم عاشوراء لكون الحسين قتل فيه ابتدع جهلة أهل السنة إظهار السرور واتخاذ الحبوب والاطعمة والاكتحال، ورووا أحاديث موضوعة في الاكتحال وفي التوسعة فيه على العيال اه.
وهو مردود بأن أحاديث الاكتحال فيه ضعيفة لا موضوعة، كيف وقد خرجها في الفتح.
ثم قال: فهذه عدة طرق إن لم يحتج بواحد منها، فالمجموع يحتج به لتعدد الطرق، وأما حديث التوسعة فرواه الثقاة، وقد أفرده ابن القرافي في جزء خرجه فيه اه.
ما في النهر.
وهو مأخوذ من الحواشي السعدية، لكنه زاد عليه ما ذكره في أحاديث الاكتحال وما ذكره عن الفتح، وفيه نظر، فإنه في الفتح ذكر أحاديث الاكتحال للصائم من طرق متعددة بعضها مقيد بعاشوراء، وهو ما قدمناه عنه، وبعضها مطلق، فمراده الاحتجاج بمجموع أحاديث الاكتحال للصائم، ولا يلزم منه الاحتجاج بحديث الاكتحال يوم عاشوراء، كيف وقد جزم بوضعه الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة وتبعه غيره منهم منلا علي القاري في كتاب الموضوعات، ونقل السيوطي في الدرر المنتثرة عن الحاكم أنه منكر.
وقال الجراحي في كشف الخفا ومزيل الالباس: قال الحاكم أيضا: الاكتحال يوم عاشوراء لم يرد عن النبي (ص) فيه أثر، وهو بدعة، نعم حديث التوسعة ثابت صحيح كما قال الحافظ السيوطي في الدرر.
قوله: (كما زعمه ابن عبد العزيز) الذي في النهر والحواشي السعدية ابن العز.
قلت: وهو صاحب النكت على مشكلات الهداية كما ذكره في السعدية في غير هذا المحل.
قوله: (ولا سواك بل يسن للصائم كغيره، صرح به في النهاية لعموم قوله (ص): لولا أن أشق على(2/460)
أمتي لامرتهم بالسواك عند كل وضوء وعند كل صلاة لتناوله الظهر والعصر والمغرب، وقد تقدم
أحكامه في الطهارة.
بحر.
قوله: (ولو عشيا) أي بعد الزوال.
قوله: (على المذهب) وكره الثاني المبلول بالماء لما فيه من إدخاله فمه من غير ضرورة، ورد بأنه ليس بأقوى من المضمضة، أما الرطب الاخضر فلا بأس به اتفاقا، كذا في الخلاصة.
نهر.
قوله: (وكذا لا تكره حجامة) أي الحجامة التي لا تضعفه عن الصوم، وينبغي له أن يؤخرها إلى وقت الغروب، والفصد كالحجامة، وذكر شيخ الاسلام أن شرط الكراهة ضعف يحتاج فيه إلى الفطر كما في التاترخانية.
إمداد.
وقال قبله: وكره له فعل ما ظن أنه يضعفه عن الصوم كالفصد والحجامة والعمل الشاق لما فيه من تعريضه للافساد اه.
قلت: ويلحق به إطالة المكث في الحمام في الصيف كما في ظاهر.
قوله: (ومضمضة أو استنشاق) أي لغير وضوء أو اغتسال.
نور الايضاح.
قوله: (للتبرد) راجع لقوله وتلفف وما بعده.
قوله: (وبه يفتى) لان النبي (ص) صب على رأسه الماء، وهو صائم من العطش أو من الحر.
رواه أبو داود.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يبل الثوب ويلفه عليه وهو صائم.
ولاهذه الاشياء فيها عون على العبادة ودفع الضجر الطبيعي، وكرهها أبو حنيفة لما فيها من إظهار الضجر في العبادة، كما في البرهان.
إمداد قوله: (ويستحب السحور) لما رواه الجماعة إلا أبا داود عن أنس قال: قال رسول الله (ص): تسحروا فإن السحور بركة قيل المراد بالبركة: حصول التقوي على صوم الغد أو زيادة الثواب.
وقوله في النهاية: إنه على حذف مضاف: أي في أكل السحور مبني على ضبطه بالضم جمع سحر، والاعرف في الرواية لفتح، وهو اسم للمأكول في السحر وهو السدس الاخير من الليل، كالوضوء بالفتح ما يتوضأ به، وقيل يتعين الضم لان البركة ونيل الثواب إنما يحصل بالفعل لا بنفس المأكول.
فتح ملخصا.
قال في البحر: ولم أر صريحا في كلامهم أنه يحصل السنة بالماء وحده، وظاهر الحديث يفيده، وهو ما رواه أحمد: السحور كله بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين.
قوله: (وتأخيره) لان معنى الاستعانة فيه أبلغ.
بدائع.
ومحل الاستحباب ما إذا لم يشك في بقاء الليل، فإن شك كره الاكل في الصحيح، كما في البدائع أيضا.
قوله: (وتعجيل الفطر) أي إفي يوم غيم، ولا يفطر ما لم يغلب على ظنه غروب الشمس وإن أذن المؤذن.
بحر عن البزازية.
وفيه عن شرح الجامع لقاضيخان:
التعجيل المستحب قبل اشتباك النجوم.
تنبيه: قال في الفيض: ومن كان على مكان مرتفع كمنارة اسكندرية لا يفطر ما لم تغرب الشمس عنده، ولاهل البلدة الفطر إن غربت عندهم قبله، وكذا العبرة في الطلوع في حق صلاة الفجر أو السحور.
قوله: (لحديث الخ) كذا أورد الحديث في الهداية، قال في الفتح: وهو على هذا الوجه الله أعلم به.
والذي في معجم الطبراني ثلاث من أخلاق المرسلين: تعجيل الافطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة اه.
واستشكل بأنه كيف يكون من أخلاق المرسلين ولم يكن في ملتهم حل أكل السحور؟ وأجيب بمنع أنه لم يكن في ملتهم وإن لم نعلمه، ولو سلم فلا(2/461)
يلزم اجتماع الخصال الثلاث فيهم اه من المعراج ملخصا.
قوله: (لا يجوز الخ) عزاه في البحر إلى القنية.
وقال في التاترخانية: وفي الفتاوى سئل علي بن أحمد عن المحترف إذا كان يعلم أنه لو اشتغل بحرفته مرض يبيح الفطر وهو محتاج للنفقة، هل يباح له الاكل قبل أن يمرض؟ فمنع من ذلك أشد المنع، وهكذا حكاه عن أستاذه الوبري.
وفيها سألت أبا حامد عن خباز يضعف في آخر النهار هل له أن يعمل هذا العمل؟ قال: لا، ولكن يخبز نصف النهار ويستريح في الباقي، فإن قال: لا يكفيه، كذب بأيام الشتاء فإنها أقصر فما يفعله فيها يفعله اليوم اه ملخصا.
وقال الرملي: وفي جامع الفتاوى: ولو ضعف عن الصوم لاشتغاله بالمعيشة فله أن يفطر ويطعم لكل يوم نصف صاع اه: أي إذا لم يدرك عدة من أيام أخر يمكنه الصوم فيها وإلا وجب عليه القضاء وعلى هذا الحصاد إذا لم يقدر عليه مع الصوم ويهلك الزرع بالتأخير لا شك في جواز الفطر والقضاء، وكذا الخباز.
وقوله: كذب الخ فيه نظر، فإن طول النهار وقصره لا دخل له في الكفاية، فقد يظهر صدقه في قوله: لا يكفيني فيفوض إليه حملا لحاله على الصلاح.
تأمل اه كلام الرملي: أي لان الحاجة تختلف صيفا وشتاء وغلاء ورخصا وقلة عيال وضدها، ولكن ما نقله عن جامع الفتاوى صوره في نور الايضاح وغيره بمن نذر صوم الابد، ويؤيده إطلاق قوله: يفطر ويطعم، وكلامنا في
صوم رمضان.
والذي ينبغي في مسألة المحترف حيث كان الظاهر أن ما مر من تفقهات المشايخ لا من منقول المذهب أن يقال: إذا كان عنده ما يكفيه وعياله لا يحل له الفطر، لانه يحرم عليه السؤال من الناس فالفطر أولى، وإلا فله العمل بقدر ما يكفيه، ولو أداه إلى الفطر يحل له إذا لم يمكنه العمل في غير ذلك مما لا يؤديه إلى الفطر، وكذا لو خاف هلاك زرعه أو سرقته ولم يجد من يعمل له بأجرة المثل، وهو يقدر عليها، لان له قطع الصلاة لاقل من ذلك، لكن لو كان آجر نفسه في العمل مدة معلومة فجاء رمضان فالظاهر أن له الفطر، وإن كان عنده ما يكفيه إذا لم يرض المستأجر بفسخ الاجازة كما في الظئر، فإنه يجب عليها الارضاع بالعقد، ويحل لها الافطار إذا خافت على الولد، فيكون خوفه على نفسه أولى.
تأمل.
هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم.
قوله: (فإن أجهد الحر الخ) قال في الوهبانية: فإن أجهد الانسان بالشغل نفسه فأفطر في التكفير قولين سطروا قال الشرنبلالي: صورته: صائم أتعب نفسه في عمل حتى أجهده العطش فأفطر، لزمته الكفارة، وقيل لا وبه أفتى البقالي، وهذا بخلاف الامة إذا أجهدت نفسها لانها معذورة تحت قهر المولى، ولها أن تمتنع من ذلك، وكذا العبد اه ح.
وظاهره، وهو الذي في الشرنبلالية عن المنتقى: ترجيح وجوب الكفارة ط.
قلت: مقتضى قوله ولها أن تمتنع لزوم الكفارة عليها أيضا لو فعلت مختارة، فيكون ما قبله محمولا على ما إذا كان بغير اختيارها بدليل التعليل، والله أعلم.(2/462)
فصل في العوارض جمع عارض، والمراد به هنا ما يحدث للانسان مما يبيح له عدم الصوم كما يشير إليه كلام الشارح.
قوله: (المبيحة لعدم الصوم) عدل عن قول البدائع المسقطة لما أورد عليه في النهر من أنه لا يشمل السفر فإنه لا يبيح الفطر وإنما يبيح عدم الشروع في الصوم، وكذا إباحة الفطر لعروض الكبر في الصوم فيه ما لا يخفى.
قوله: (خمسة) هي السفر والحبل والارضاع والمرض والكبر، وهي تسع نظمتها بقوله:
وعوارض الصوم التي قد يغتفر للمرء فيها الفطر تسع تستطر حبل وإرضاع وإكراه سفر مرض جهادق جوعه عطش كبر قوله: (وبقي الاكراه) ذكر في كتاب الاكراه أنه لو أكره على أكل ميتة أو دم أو لحم خنزير أو شرب خمر بغير ملجئ كحبس أو ضرب، أو قيد لم يحل وإن بملجئ كقتل أو قطع عضو أو ضرب مبرح حل، فإن صبر فقتل أثم، وإن أكره على الكفر بملجئ رخص له إظهاره وقلبه مطمئن بالايمان، ويؤجر لو صبر، ومثله سائر حقوقه تعالى كإفساد صوم وصلاة وقتل صيد حرم أو في إحرام وكل ما ثبتت فرضيته بالكتاب اه.
وإنما أثم لم صبر في الاول لان تلك الاشياء مستثناة عن الحرمة في حال الضرورة، والاستثناء عن الحرمة حل، بخلاف إجراء كلمة الكفر فإن حرمته لم ترتفع، وإنما رخص فيه لسقوط الاثم فقط، ولهذا نقل هنا في البحر عن البدائع الفرق بين ما إذا كان المكره على الفطر مريضا أو مسافرا وبين ما إذا كان صحيحا مقيما، بأنه لو امتنع حتى قتل أثم في الاول دون الثاني.
قوله: (وخوف هلاك الخ) كالامة إذا ضعفت عن العمل وخشيت الهلاك بالصوم، وكذا الذي ذهب به متوكل السلطان إلى العمارة في الايام الحارة والعمل خثيث إذا خشي الهلاك أو نقصان العقل.
وفي الخلاصة: الغازي إذا كان يعلم يقينا أنه يقاتل العدو في رمضان ويخاف الضعف إن لم يفطر أفطر.
نهر.
قوله: (ولسعة حية) عطف على العطش المتعلق بقوله: وخوف هلاك ح: أي فله شرب دواء ينفعه.
قوله: (لمسافر) خبر عن قوله الآتي: الفطر وأشار باللام إلى أنه مخير ولكن الصوم أفضل إن لم يضره كما سيأتي.
قوله: (سفرا شرعيا) أي مقدرا في الشرع لقصر الصلاة ونحوه وهو ثلاثة أيام ولياليها، وليس المراد كون السفر مشروعا بأصله ووصفه بقرينة ما بعده.
قوله: (ولو بمعصية) لان القبح المجاور لا يعدم المشروعية كما قدمه(2/463)
الشارح في صلاة المسافر ط.
قوله: (أو حامل) هي المرأة التي في بطنها حمل بفتح الحاء: أي ولد، والحاملة التي على ظهرها أو رأسها حمل بكسر الحاء.
نهر.
قوله: (أو مرضع) هي التي شأنها الارضاع وإن لم تباشره، والمرضعة هي التي في حال الارضاع ملقمة ثديها الصبي.
نهر عن
الكشاف.
قوله: (أما إذا كانت أو ظئرا) أما الظئر فلان الارضاع واجب عليها بالعقد، وأما الام فلوجوبه ديانة مطلقا وقضاء إذا كان الاب معسرا أو كان الولد لا يرضع من غيرها، وبهذا اندفع ما في الذخيرة، من أن المراد بالمرضع الظئر لا الام، فإن الاب يستأجر غيرها.
بحر ونحوه في الفتح.
وقد رد الزيلعي أيضا ما في الذخيرة بقول القدوري وغيره: إذا خافتا على نفسهما أو ولدهما إذ لا ولد للمستأجرة، وما قيل إنه ولدها من الرضاع رده في النهر بأنه يتم أن لو أرضعته، والحكم أعم من ذلك فإنها بمجرد العقد لو خافت عليه جاز لها الفطر اه.
وأفاد أبو السعود أنه يحل لها الافطار ولو كان العقد في رمضان كما في البرجندي، خلافا لما في صدر الشريعة ممن تقييد حله بما إذا صدر العقد قبل رمضان اه.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية ط.
قوله: (بغلبة الظن) يأتي بيانه قريبا.
قوله: (أو ولدها) المتبادر منه كما عرفته أن المراد بالمرضع الام أنه ولدها حقيقة، والارضاع واجب عليها ديانة كما في الفتح: أي عند عدم تعينها وإلا وجب قضاء أيضا كما مر، وعليه فيكون شموله للظئر بطريق الالحاق لوجوبه عليها بالعقد.
قوله: (وقيده البهنسي الخ) هذا مبني على ما مر عن الذخيرة، لان حاصله أن المراد بالمرضع الظئر لوجوبه عليها، ومثلها الام إذا تعينت بأن لم يأخذ ثدي غيرها أو كان الاب معسرا لانه حينئذ واجب عليها، وقد علمت أن ظاهر الرواية خلافه وأنه يجب عليها ديانة وإن لم تتعين.
تأمل.
قوله: (خاف الزيادة) أو إبطاء البرء أو فساد عضو.
بحر.
أو وجع العين أو جراحة أو صداعا أو غيره، ومثله ما إذا كان يمرض المرضى.
قهستاني ط: أي بأن يعولهم ويلزم من صومه ضياعهم وهلاكهم لضعفه عن القيام بهم إذا صام.
قوله: (وصحيح خاف المرض) أي بغلبة الظن كما يأتي، فما في شرح المجمع من أنه لا يفطر، محمول على أن المراد بالخوف مجرد الوهم كما في البحر والشرح نبلالية.
قوله: (وخادمة) في القهستاني عن الخزانة ما نصه: إن الحر الخادم أو العبد أو الذاهب لسد النهر أو كريه إذا اشتد الحر وخاف الهلاك فله الافطار كحرة أو أمة ضعفت للطبخ أو غسل الثوب اه.
ط.
قوله: (بغلبة الظن) تنازعه خاف الذي في المتن وخاف وخافت اللتان في الشرح ط.
قوله: (بأمارة) أي علامة.
قوله: (أو تجربة) ولو كانت من غير المريض عند اتحاد المرض ط عن أبي السعود.
قوله: (حاذق)
أي له معرفة تامة في الطب، فلا يجوز تقليد من له أدنى معرفة فيه ط.
قوله: (مسلم) أما الكافر فلا يعتمد على قوله لاحتمال أن غرضه إفساد العبادة كمسلم شرع في الصلاة بالتيمم فوعده بإعطاء الماء فإنه لا يقطع الصلاة لما قلنا.
بحر.
قوله: (مستور) وقيل عدالته شرط، وجزم به الزيلعي، وظاهر ما في البحر والنهر ضعفه ط.
قلت: وإذا أخذ بقول طبيب ليس فيه هذه الشروط وأفطر فالظاهر لزوم فالظاهر لزوم الكفارة، كما لو أفطر(2/464)
بدون أمارة ولا تجربة لعدم غلبة الظن والناس عنه غافلون.
قوله: (وأفاد في النهر) أخذا من تعليل المسألة السابقة باحتمال أن يكون غرض الكافر إفساد العبادة.
وعبارة البحر: وفيه إشارة إلى أن المريض يجوز له أن يتسطب بالكافر فيما عدا إبطال العبادة ط.
قوله: (فإني) أي فكيف يتطبب بها وهو استفهام بمعنى النفي.
قال ح: أيد ذلك شيخنا بما نقله عن الدر المنثور للعلامة السيوطي من قوله (ص): ما خلا كافر بمسلم إلا عزم على قتله.
قوله: (للامة أن تمتنع) أي لا يجب عليها امتثال أمره في ذلك، كما لو ضاق وقت الصلاة فتقدم طاعة الله تعالى، ومقتضى ذلك أنها لو أطاعته حتى أفطرت لزمتها الكفارة، ويفيده ما ذكره الشارح من التعليل وقدمنا نحوه قبيل الفصل.
قوله: (إلا السفر) استثناء من عموم العذر، فإن السفر لا يبيح الفطر يوم العذر.
قوله: (كما سيجئ) أي في قول المتن يجب على مقيم إتمام يوم منه سافر فيه ح.
قوله: (وقضوا) أي من تقدم حتى الحامل والمرضع.
وغلب الذكور فأتى بضميرهم ط.
قوله: (بلا فدية) أشار إلى خلاف الامام الشافعي رحمه الله تعالى حيث قال: بوجوب القضاء والفدية لكل يوم مد حنطة كما في البدائع.
قوله: (وبلا ولاء) بكسر الواو: أي موالاة بمعنى المتابعة لاطلاق قوله تعالى: * (فعدة من أيام أخر) * (البقرة: 481) ولا خلاف في وجوب التتابع في أداء رمضان، كما لا خلاف في ندب التتابع فيما لم يشترط فيه، وتمامه في النهر.
قوله: (لانه) أي قضاء الصوم المفهوم من قضوا، وهذا علة لما فهم من قوله بلا ولاء من عدم وجوب الفور.
قوله: (جاز التطوع قبله) ولو كان الوجوب على الفور لكره، لانه يكون تأخيرا للواجب عن وقته المضيق.
بحر.
قوله: (بخلاف قضاء الصلاة) أي فإنه على الفور
لقوله (ص): من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لان جزاء الشرط لا يتأخر عنه.
أبو السعود.
وظاهره أنه يكره التنفل بالصلاة لمن عليه الفوائت ولم أره.
نهر.
قلت: قدمنا في قضاء الفوائت كراهته إلا في الرواتب والرغائب فليراجع ط.
قوله: (قدم الاداء على القضاء) أي ينبغي له، وإلا فلو قدم القضاء وقع عن الاداء كما مر.
نهر.
قلت: بل الظاهر الوجوب لما مر من أول الصوم من أنه لو نوى النفل أو واجبا آخر يخشى عليه الكفر.
تأمل.
قوله: (لما مر) أي من أنه على التراخي.
قوله: (خلافا للشافعي) حيث وجب مع القضاء لكل يوم إطعام مسكين ح.
قوله: (لا أفعل تفضيل) لاقتضائه أن الافطار فيه خير مع أنه مباح.
وفيه أنه وردإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ومحبة الله تعالى ترجع إلى الاثابة، فيفيد أن رخصة الافطار فيها ثواب لكن العزيمة أكثر ثوابا، ويمكن حمل الحديث على من أبت نفسه الرخصة ط.
قوله: (إن لم يضره) أي بما ليس فيه خلاف هلاك وإلا وجب الفطر.(2/465)
بحر.
قوله: (فإن شق عليه الخ) أشار إلى أن المراد بالضرر مطلق المشقة لا خصوص ضرر البدن.
قوله: (أو على رفيقه) اسم جنس يشمل الواحد والاكثر.
وفي بعض النسخ فقته فإذا كان رفقته أو عامتهم مفطرين والنفقة مشتركة فإن الفطر أفضل كما في الخلاصة وغيرها.
قوله: (لموافقة الجماعة) لانهم يشق عليهم قسمة حصته من النفقة أو عدم موافقته لهم.
قوله: (فإن ماتوا الخ) ظاهر في رجوعه إلى جميع ما تقدم حتى الحامل والمرضع، وقضية صنيع غيره من المتون اختصاص هذا الحكم بالمريض والمسافر.
وقال في البحر: ولم أر من صرح بأن الحامل والمرضع كذلك، لكن يتناولهما عموم قوله في البدائع: من شرائط القضاء القدرة على القضاء، فعلى هذا إذا زال الخوف أياما لزمهما بقدره، بل ولا خصوصية، فإن كل من أفطر بعذر ومات قبل زواله لا يلزمه شئ فيدخل المكره والاقسام الثمانية اه ملخصا من الرحمتي.
قوله: (أي في ذلك العذر) على تقدير مضاف: أي في مدته.
قوله: (لعدم إدراكهم الخ) أي فلم يلزمهم القضاء، ووجوب الوصية فرع لزوم القضاء، وإنما تجب الوصية إذا كان له مال كما في شرح الملتقى ط قوله: (بقدر إدراكهم الخ) ينبغي أن
يستثني الايام المنهية لما سيأتي أن أداء الواجب لم يجز فيها.
قهستاني: وقد يقال: لا حاجة إلى الاستثناء لانه ليس بقادرفيها على القضاء شرعا، بل هو أعجز فيها من أيام السفر والمرض، لانه لو صام فيها أجزأه، ولو صام في الايام المنهية لم يجزه رحمتي.
قوله: (فوجوبها عليها بالاولى) رد لما في القهستاني من أن التقييد بالعذر يفيد عدما لاجزاء، لكن ذكر بعده أن في ديباجه المستصفى دلالة على الاجزاء.
قلت: ووجه الاولوية أنه إذا أفطر لعذر وقد وجبت عليه الوصية ولم يترك هملا فوجوبها عند عدم العذر أولى، فافهم.
قال الرحمتي: ولا يشترط له إدراك زمان يقضي فيه لانه كان يمكنه الاداء وقد فوته بدون عذر.
قوله: (وفدى عنه وليه) ولم يقل عنهم وليهم، وإن كان ظاهر السياق إشارة إلى أن المراد بقوله: فإن ماتوا موت أحدهم أيا كان لا موتهم جملة.
قوله: (لزوما) أي فداء لازما فهو مفعول مطلق: أي يلزم الولي الفداء عنه من الثلث إذا أوصى، وإلا فلا يلزم بل يجوز.
قال في السراج: وعلى هذا: الزكاة لا يلزم الوارث إخراجها عنه إلا إذا أوصى، إلا أن يتبرع الوارث بإخراجها.
قوله: (الذي يتصرف في ماله) أشارة به إلى أن المراد ما يشمل الوصي كما في البحر ح.
قوله: (قدرا) أي التشبيه بالفطرة من حيث القدر، إذ لا يشترط التمليك هنا، بل تكفي الاباحة، بخلاف الفطرة، وكذا هي مثل الفطرة من حيث الجنس وجواز أداء القيمة، وقال القهستاني: وإطلاق كلامه يدل على أنه لو دفع إلى فقير جملة جاز، ولم يشترط العدد ولا المقدار، لكن لو دفع إليه أقل من نصف صاع لم يعتد به، وبه يفتى اه: أي بخلاف الفطرة على قول كما مر.
قوله: (بعد قدرته) أي الميت، وقوله وفوته مصدر معطوف على قدرته، والظرف متعلق بقوله وفدى.(2/466)
والمعنى أنه إنما يلزمه الفداء إذا مات بعد قدرته على القضاء وفوته بالموت.
قوله: (فلوفاته الخ) تفريع على قوله: بقدر إدراكهم أو على قوله: بعد قدرته عليه فإنه يشير إلى أنه إنما يفدي عما أدركه وفوته دون ما لم يدركه، وأشار به إلى رد قول الطحاوي: إن هذا قول محمد، وعندهما تجب
الوصية والفداء عن جميع الشهر بالقدرة على يوم، فإن الخلاف في النذر فقط كما يأتي بيانه آخر الباب، أما هنا فلا خلا ف في أن الوجوب بقدر القدرة فقط، كما نبه عليه في الهداية وغيرها.
قوله: (من الثلث) أي ثلث ماله بعد تجهيزه وإيفاء ديون العباد، فلو زادت الفدية على الثلث لا يجب الزائد إلا بإجازة الوارث.
قوله: (وهذا) أي إخراجها من الثلث فقط، لو له وارث لم يرض بالزائد.
قوله: (وإلا) أي بأن لم يكن له وارث فتخرج من كل: أي لو بلغت كل المال تخرج من الكل، لان منع الزيادة لحق الوارث، فحيث لا وارث فلا منع كما لو كان وأجاز، وكذا لو كان له وارث ممن لا يرد عليه كأحد الزوجين، فتنفذ الزيادة على الثلث بعد أخذ الوارث فرضه كما سيأتي بيانه آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
قوله: (جاز) إن أريد بالجواز أنها صدقة واقعة موقعها فحسن، وإن أريد سقوط واجب الايصاء عن الميت مع موته مصرا على التقصير فلا وجه له، والاخبار الواردة فيه مؤولة.
إسماعيل عن المجتبى.
أقول: لامانع من كون المراد به سقوط المطالبة عن الميت بالصوم في الآخرة وإن بقي عليه إثم التأخير، كما لو كان عليه دين عبد وماطله به، حتى مات فأوفاه عنه وصيه أو غيره، ويؤيده تعليق الجواز بالمشيئة كما نقرره، وكذا قول المصنف كغيره، وإن صام أو صلى عنه لا، فإن معناه لا يجوز قضاء عما على الميت، وإلا فلو جعل له ثواب الصوم والصلاة يجوز كما نذكره، فعلم أن قوله: جاز أي عما على الميت لتحسن المقابلة.
قوله: (إن شاء الله) قيل المشيئة لا ترجع للجواز بل للقبول كسائر العبادات، وليس كذلك، فقد جزم محمد رحمه الله في فدية الشيح الكبير وعلق بالمشيئة فيمن ألحق به، كمن أفطر بعذر أو غيره حتى صار فانيا، وكذا من مات وعليه قضاء رمضان وقد أفطر بعذر إلا أنه فرط في القضاء، وإنما علق لان النص لم يرد بهذا كما قاله الاتقاني، وكذا علق في فدية الصلاة لذلك، قال في الفتح: والصلاة كالصوم باستحسان المشايخ.
ووجهه أن المماثلة قد ثبتت شرعا بين الصوم والاطعام، والمماثلة بين الصلاة والصوم ثابتة، ومثل مثل الشئ جاز أن يكون مثلا لذلك الشئ، وعلى تقدير ذلك يجب الاطعام، وعلى تقدير عدمها لا يجب، فالاحتياط في الايجاب، فإن كان الواقع ثبوت المماثلة حصل المقصود الذي هو السقوط، وإلا كان
برا مبتدأ يصلح ماحيا للسيئات، ولذا قال محمد فيه: يجزيه إن شاء الله تعالى من غير جزم، كما قال في تبرع الوارث بالاطعام، بخلاف إيصائه بعن عن الصوم فإنه جزم بالاجزاء اه.
قوله: (ويكون الثواب للولي.
اختيار) أقول: الذي رأيته في الاختيار هكذا: وإن لم يوص لا يجب على الورثة الاطعام لانها عبادة فلا تؤدى إلا بأمره، وإن فعلوا ذلك جاز ويكون له ثواب اه.
ولا شبهة في أن الضمير في له للميت، وهذا هو الظاهر، لان الوصي إنما تصدق عن الميت لا عن نفسه، فيكون الثواب للميت لما صرح به في الهداية من أن للانسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوما أو(2/467)
صدقة أو غيرها كما سيأتي في باب الحج عن الغير، وقدمنا الكلام على ذلك في الجنائز قبيل باب التشهد فتذكره بالمراجعة، نعم ذكرنا هنا ك أنه لو تصدق عن غيره لا ينقص من أجره شئ.
قوله: (لحديث النسائي الخ) هو موقوف على ابن عباس، وأما في الصحيحين عن ابن عباس أيضا أنه قال جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحق فهو منسوخ، لان فتوى الراوي على خلاف مرويه بمنزلة روايته للناسخ.
وقال مالك: ولم أسمع عن أحد من الصحابة ولا من التابعين بالمدينة أن أحدا منهم أمر أحدا يصوم عن أحد ولا يصلي عن أحد، وهذا مما يؤيد النسخ وأنه الامر الذي استقر الشرع عليه، وتمامه في الفتح وشرح النقاية للقاري.
قوله: (بكفارة يمين أو قتل الخ) كذا في الزيلعي والدرر والبحر والنهر.
قال في الشرنبلالية: أقول: لا يصح تبرع الوارث في كفارة القتل بشئ لان الواجب فيها ابتداء عتق رقبة مؤمنة، ولا يصح إعتاق الورث عنه كما ذكره، والصوم فيها بدل عن الاعتاق لا تصح فيه الفدية كما سيأتي، وليس في كفارة القتل إطعام ولا كسوة فجعلها مشاركة لكفارة اليمين فيهما سهو اه.
ومثله في العزمية.
وأجاب العلامة الاقصرائي كما نقله أبو السعود في حاشية مسكين بأن مرادهم بالقتل: قتل الصيد لا قتل النفس، لانه ليس فيه إطعام اه.
قلت: ويرد عليه أيضا أن الصوم في قتل الصيد ليس أصلا، بل هو بدل لان الواجب فيه أن
يشتري بقيمته هدى يذبح في الحرم، أو طعام يتصدق به على فقير نصف صاع، أو يصوم عن كل نصف صاع يوما، فافهم.
قلت: وقد يفرق بين الفدية في الحياة وبعد الموت بدليل ما في الكافي النسفي عن معسر كفارة يمين أو قتل وعجز عن الصوم لم تجزي الفدية كمتمتع عجز عن الدم والصوم، لان الصوم هنا بدل ولا بدل للبدل فإن مات وأوصى بالتكفير صح من ثلثه، وصح التبرع في الكسوة والاطعام، لان الاعتاق بلا إيصا إلزام الولاء على الميت، وإلا إلزام في الكسوة والاطعام اه.
فقوله فإن مات وأوصى بالتكفير صح، ظاهر في الفرق المذكور، وبه يتخصص ما سيأتي من أنه لا تصح الفدية عن صوم هو بدل من غيره.
ثم إن قوله وأوصى بالتكفير، شامل لكفارة اليمين والقتل لصحة الوصية بالاعتاق، بخلاف التبرع به، ولذا قيد صحة التبرع بالكسوة والاطعام، وصرح بعدم صحة الاعتاق فيه، وهذا قرينة ظاهرة على أن المراد التبرع بكفارة اليمين فقط، لان كفارة اقتل ليس فيها كسوة ولا إطعام.
فتلخص من كلام الكافي أن العاجز عن صوم هو بدل عن غيره كما في كفارة اليمين والقتل لو فدى عن نفسه في حياته بأن كان شيخا فانيا لا يصح في الكفارتين.
ولو أوصى بالفدية يصح فيهما،(2/468)
ولو تبرع فيه وليه لا يصح في كفارة القتل لان الواجب فيها العتق ولا يصح التبرع به، ويصح في كفارة اليمين لكن في الكسوة والاطعام دون الاعتاق لما قلنا، هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام فاغتنمه فقد زلت فيه أقدام الافهام.
قوله: (لما فيه الخ) أي لان الولاء لحمة كلحمة النسب على أن ذلك ليس نفعا محضا لان المولى يصير عاقلة عتيقة، وكذا عصباته بعد موته.
ولا يرد ما مر عن الهداية من أن للانسان أن يجعل ثواب عمله.
لغيره وهو شامل للعتق، لان المراد هنا إعاقته على وجه النيابة عن الميت بدلا عن صيامه، بخلاف ما لو أعتق عبده وجعل ثوابه للميت، فإن الاعتاق يقع عن نفسه أصالة ويكون الولاء له، وإنما جعل الثواب للميت، وبخلاف التبرع عنه بالكسوة والاطعام فإنه يصح بطريق النيابة لعدم الالزام.
قوله: (كما مر الخ) تقدم هناك بيان ما إذا لم يكن
للميت مال أو كان الثلث لا يفي بما عليه مع بيان كيفية فعلها.
قوله: (على المذهب) وما روي عن محمد بن مقاتل أولا من أنه يطعم عنه لصلوات كل يوم نصف صاع كصومه رجع عنه وقال: كل صلاة فرض كصوم قوم وهو الصحيح سراج.
قوله: (وكذا الفطرة) أي فطرة الشهر بتمامه كفدية صوم يوم، وفيه أن هذا علم من قوله أولا كالفطرة ويمكن عود التشبيه إلى مسألة التبرع.
وقال ح: قوله وكذا الفطرة أي يخرجها الولي بوصيته.
قوله: (يطعم عنه) أي من الثلث لزوما إن أوصى وإلا جوازا، وكذا يقال فيما بعده.
وفي القهستاني أن الزكاة والحج والكفارة من الوارث تجزيه بلا خلاف اه: أي ولو بدووصيته كما هو المتبادر من كلامه، أما الزكاة فقد نقلناه قبله عن السراج، وأما الحج فمقتضي ما سيأتي في كتاب الحج عن الفتح أنه يقع عن الفاعل وللميت الثواب فقط، وأما الكفارة فقد مرت متنا.
قوله: (والمالية) الاولى أو مالية وكذا قوله والمركب الاولى أو مركبة.
قوله: (وللشيخ الفاني) أي الذي فنيت قوته أو أشرف على الفناء، ولذا عرفوه بأنه الذي كل يوم في نقص إلى أن يموت.
نهر.
ومثله ما في القهستاني عن الكرماني: المريض إذا تحقق اليأس من الصحة فعليه الفدية لكل يوم من المرض اه.
وكذا في البحر: لو نذر صوم الابد فضعف عن الصوم لاشتغاله بالمعيشة له أن يطعم ويفطر لانه استيقن أنه لا يقدر على القضاء.
قوله: (العاجز عن الصوم) أي عجزا مستمرا كما يأتي، أما لو لم يقدر عليه لشدة الحر كان له أن يفطر ويقضيه في الشتاء.
فتح.
قوله: (ويفدي وجوبا) لان عذره ليس بعرضي للزوال حتى يصير إلى القضاء فوجبت الفدية.
نهر.
ثم عبارة الكنز: وهو يفدي، إشارة إلى أنه ليس على غيره الفداء، لان نحو المرض والسفر في عرضة الزوال فيجب القضاء، وعند العجز بالموت تجب الوصية بالفدية.
قوله: (ولو في أول الشهر) أي يخير بين دفعها في أوله أو آخره كما في البحر.
قوله: (وبلا تعدد فقير) أي بخلاف(2/469)
نحو كفارة اليمين للنص فيها على التعدد، فلو أعطي هنا مسكينا صاعا عن يومين جاز، لكن في البحر عن القنية أن عن أبي يوسف فيه روايتان، وعند أبي حنيفة لا يجزيه كما في كفارة اليمين، وعن أبي يوسف: لو أعطى نصف صاع مبرج عن يوم واحد لمساكين يجوز.
قال الحسن: وبه
نأخذ اه.
ومثله في القهستاني.
قوله: (لو موسرا) قيد لقوله: يفدي وجوبا.
قوله: (وإلا فيستغفر الله) هذا ذكره في الفتح والبحر عقيب مسألة نذر الابد إذا اشتغل عن الصوم بالمعيشة فالظاهر أنه راجع إليها دون ما قبلها من مسألة الشيخ الفاني لانه لا تقصير منه بوجه، بخلاف الناذر لانه باشتغاله بالمعيشة عن الصوم ربما حصل منه نوع تقصير وإن كان اشتغاله بها واجبا لما فيه من ترجيح حظ نفسه، فليتأمل.
قوله: (هذا) أوجوب الفدية على الشيخ الفاني ونحوه.
قوله: (أصلا بنفسه) كرمضان وقضائه والنذر كما مر فيمن نذر صوم الابد، وكذا لو نذر صوما معينا فلم يصم حتى صار فانيا جازت له الفدية.
بحر.
قوله: (حتى لو لزمه الصوم الخ) تفريع على مفهوم قوله: أصلا بنفسه وقيد بكفارة اليمين والقتل احترازا عن كفارة الظهار والافطار إذا عجز عن الاعتاق لاعساره وعن الصوم لكبره فله أن يطعم ستين مسكينا، لان هذا صار بدلا عن الصيام بالنص، والاطعام في كفارة اليمين ليس ببدل عن الصيام بالصيام بدل عنه.
سراج.
وفي البحر عن الخانية وغاية البيان: وكذا لو حلق رأسه وهو محرم عن أذى ولم يجد نسكا يذبحه ولا ثلاثة آصع حنطة يفرقها على ستة مساكين وهو فان لا يستطيع الصيام فأطعم عن الصيام لم يجز لانه بدل.
قوله: (لم تجز الفدية) أي في حال حياته، بخلاف ما لو أوصى بها كما مر تحريره.
قوله: (ولو كان) أي العاجز عن الصوم، وهذا تفريع على مفهوم قوله: وخوطب بأدائه.
قوله: (لم يجب الايصاء) عبر عنه الشرح بقولهم: قيل لم يجب لان الفاني يخالف غيره في التخفيف لا في التغليظ، وذكر في البحر أن الاولى الجزم به لاستفادته، من قولهم: إن المسافر إذا لم يدرك عدة فلا شئ عليه إذا مات، ولعلها ليست صريحة في كلام أهل المذهب فلم يجزموا بها اه.
قوله: (ومتى قدر) أي الفاني الذي أفطر وفدى.
قوله: (شرط الخلفية) أي في الصوم: أي كون الفدية خلفا عنه.
قال في البحر: وإنما قيدنا بالصوم ليخرج المتيمم إذا قدر على الماء لا تبطل الصلاة المؤداة بالتميمم، لان خلفية مشروطة بمجرد العجز عن الماء لا بقيد دوامه، وكذا خلفية الاشهر عن الاقراء في الاعتداد مشروطة بانقطاع الدم مع سن اليأس لا بشرط دوامه، حتى لا تبطل الانكحة الماضية بعود الدم على ما قدمناه في الحيض.
قوله: (المشهور نعم) فإن ما ورد بلفظ الاطعام جاز فيه الاباحة والتمليك، بخلاف ما بلفظ الاداء والايتاء
فإنه للتمليك كما في المضمرات وغيره.
قهستاني.
قوله: (فلا قضاء) يرد عليه ما لو نوى صوم القضاء نهارا فإنه يصير متنفلا وإن أفطر يلزمه القضاء كما إذا نوى الصوم ابتداء، وقدم جوابه قبيل قول المتن: ولا يصام يوم الشك فافهم.
قوله: (تجنيس) نص عبارته: إذا دخل الرجل في الصوم(2/470)
على ظن أنه عليه ثم تبين أنه ليس عليه فلم يفطر، ولكن مضى عليه ساعة ثم أفطر، فعليه القضاء، لانه لما مضى عليه ساعة صار كأنه نوى في هذه الساعة، فإذا كان قبل الزوال صار شارعا في صوم التطوع فيجب عليه اه.
والظاهر أن ضمير مضى للصائم وضمير عليه للصوم وأن ساعة منصوب على الظرفية: أي إذا تذكر ومضى هو على صومه ساعة بأن لم يتناول مفطرا ولا عزم على الفطر صار كأنه نوى الصوم فيصير شاعرا إذا كان ذلك في وقت النية، ولو كان ساعة بالرفع على أنه فاعل مضى كما هو ظاهر تقرير الشارح يلزم أنه لو مضت الساعة يصير شارعا، وإن عزم وقت التذكر على الفطر مع أن عزمه على الفطر ينافي كونه في معنى الناوي للصوم وإن كان لا ينافي الصوم، لان الصائم إذا نوى الفطر لا يفطر، لكن الكلام في جعله شارعا في صوم مبتدا لا في إبقائه على صومه السابق، ولذا اشترط كون ذلك في وقت النية، هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم، فافهم.
قوله: (أي يجب إتمامه) تفسير لقوله لزم ولقوله أداء ط.
قوله: (ولو بعروض حيض) أي لا فرق في وجوب القضاء بين ما إذا أفسده قصدا، ولا خلاف فيه أو بلا قصد في أصح الروايتين كما في النهاية، وهذا يعكر على ما في الفتح من نقله عدم الخلاف فيه.
قوله: (وجب القضاء) أي في غير الايام الخمسة الآتية، وهذا راجع إلى قوله قضاء ط.
قوله: (فلا يلزم) أي لاأداء ولا قضاء إذا أفسده.
قوله: (فيصير مرتبكا للنهي) فلا تجب صيانته بل يجب إبطاله، ووجوب القضاء ينبني على وجوب الصيانة فلم يجب قضاء كما لم يجب أداء، بخلاف ما إذا نذر صيام هذه الايام فإنه يلزمه ويقضيه في غيرها، لانه لم يصر بنفس النذر مرتكبا للنهي وإنما التزم طاعة الله تعالى والمعصية بالفعل، فكانت من ضرورات المباشرة لا من ضرورات إيجاب المباشرة.
منح مع زيادة ط.
قوله: (أما الصلاة) جواب عن سؤال.
حاصله أنه ينبغي أن لا تجب الصلاة بالشروع في الاوقات المكروهة، كما لا يجب الصوم في هذه الايام.
وحاصل الجواب: أنا لا نسلم هذا القياس فإنه لا يكون مباشرا للمعصية بمجرد الشروع فيها بل إلى أن يسجد، بدليل من حلف أنه لا يصلي فإنه لا يحنث ما لم يسجد، بخلاف الصوم في تلك الايام فيباشر المعصية بمجرد الشروع فيها.
منح.
وفيه أنهم عدوه شارعا فيها بمجرد الاحرام، حتى لو أفسده حينئذ وجب قضاؤه فقد تحققت بمجرد الشروع، وأما مسألة اليمين فهي مبنية على العرف ط.
قلت: صحة الشروع لا تستلزم تحقيق الحقيقة المركبة من عدة أشياء، فقد صرحوا بأن المركب قد يكون جزؤه كالكل في الاسم كالماء وقد لا يكون كالحيوان، والصوم من القسم الاول لانه مركب من إمساكات متفقة الحقيقة كل منها صوم، بخلاف الصلاة فإن أبعاضها من القيام والركوع والسجود والقعود لا تسمى صلاة ما لم تجتمع وذلك بأن يسجد لها، فما انعقد قبل ذلك طاعة محضة، وما بعده له جهتان، وتمام تقرير هذا المحل يطلب من التلويح في أول فصل النهي، وأما بناء مسألة اليمين على العرف فيحتاج إلى إثبات العرف في ذلك.
قوله: (وهي الصحيحة) وهي(2/471)
ظاهر الرواية كما في المنح وغيرها، فلا يحسن أن يعبر عنها برواية بالتنكير لاشعاره بجهالتها، وكان حق العبارة أن يقول: ألا في رواية، فيقرر ظاهر الرواية ثم يحكي غيره بلفظ التنكير كما يفيده قول الكنز: وللمتطوع الفطر بغير عذر في رواية، فأفاد أن ظاهر الراية غيرها.
رحمتي.
قوله: واختارها الكمال) وقال: إن الادلة تظافرت عليها، وهي أوجه.
قوله: (وتاج الشريعة) هو جد صدر الشريعة، وقوله وصدرها أي صدر الشريعة معطوف عليه، وقوله في الوقاية وشرحها: لف ونشر مرتب، لان الوقاية لتاج الشريعة، واختصرها صدر الشريعة وسماه.
نقاية الوقاية ثم شرحه، فالوقاية لجده لا له فافهم، والشرح وإن كان للنقاية لكن لما كانت مختصرة من الوقاية صح جعله شرحا لها، ثم إن الشارح قد تابع في هذه العبارة صاحب النهر.
وقد أورد عليه أن ما نسبه إلى الوقاية وشرحها لم يوجد فيهما، فإن الذي في الوقاية: ولا يفطر بلا عذر في رواية، وقال في شرحها: أي
إذا شرع في صوم التطوع لا يجوز له الافطار بلا عذر لانه إبطال العمل، وفي رواية أخرى: يجوز لان القضاء خلفه اه.
قلت: وقد يجاب بأن قوله في رواية يفهم أن معظم الروايات على خلافها وأنها رواية شاذة وأن مختاره خلافها لاشعار هذا اللفظ بما ذكرنا، ولو كانت هي مختارة له لجزم بها ولم يقل في رواية، ولما تبعه صدر الشريعة في النقاية على ذلك أيضا وقرر كلامه في الشرح، ولم يتعقبه بشئ علم أنه اختارها أيضا.
قوله: (والضيافة عذر) بيان لبعض ما دخل في قوله: (ولا يفطر الشارع) في نفل بلا عذر، وأفاد تقييده بالنفل أنها ليست بعذر في الفرض والواجب.
قوله: (للضيف والمضيف) كذا في البحر عن شرح الوقاية، ونقله عن القهستاني أيضا ثم قال: لكن لم توجد رواية المضيف.
قلت: لكن جزم بها في الدرر أيضا، ويشهد لها قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه، والضيف في الاصل مصدر ضفته أضيفه ضيفا وضيافة والمضيف بضم الميم من أضاف غيره أو بفتحها وأصله مضيوف.
قوله: (إن كان صاحبها) أي صاحب الضيافة، وكذا إذا كان الضيف لا يرضى إلا بأكله معه ويتأذى بتقديم الطعام إليه وحده.
رحمتي.
قوله: (هو الصحيح من المذهب) وقيل هي عذر قبل الزوال لا بعده، وقيل عذر إن وثق من نفسه بالقضاء دفعا للاذى عن أخيه المسلم وإلا فلا.
قال شمس الائمة الحلواني: وهو أحسن ما قيل في هذا الباب، وفي مسألة اليمين يجب أن يكون الجواب على هذا التفصيل اه بحر.
قلت: ويتعين تقييد القول الصحيح بهذا الاخير، إذ لا شك أنه إذا لم يثق من نفسه بالقضاء يكون منع نفسه عن الوقوع في الاثم أولى من مراعاة جانب صاحبه، وأفاد الشارح بقوله الآتي هذا إذا كان قبل الزوال الخ تقييد الصحيح بالقول الآخر أيضا، وبه حصل الجمع بين الاقوال الثلاثة.
تأمل.
قوله: (ولو حلف) بأن قال: امرأته طالق إن لم تفطر، كذا في السراج، وكذا قوله: علي الطلاق لتفطرن فإنه في معنى تعليق الطلاق كما سيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى.
قوله: (أفطر) أي المحذوف عليه ندبا دفعا لتأذي أخيه المسلم.
قوله: (ولا يحنثه) أفاد أنه لو لم يفطر يحنث(2/472)
الحالف ولا يبر بمجرد قوله أفطر، سواء كان حلفه بالتعليق كما مر، أو بنحو قوله: والله لتفطرن، وأما ما صرحوا به من التفصيل، والفرق بين ما يملك وما لا يملك، فذاك فيما إذا قال: لا أتركه يفعل كذا، كما لو حلف لا يترك فلانا يدخل هذه الدار فإن لم تكن الدار ملك الحالف يبر منعه بالقول، ولو ملكه: أي متصرفا فيها فلا بد من منعه بالفعل واليمين فيهما على العلم حتى لو لم يعلم لا يحنث مطلقا، وأما لو قال: إن دخل داري، فهو على الدخول علم أو لا، تركه أو لا، وكذا لو قال: إن تركت امرأتي تدخل داري أو دار فلان فهو على العلم، فإن علم وتركها حنث وإلا فلا، ولو قال: إن دخلت فهو على الدخول كما يظهر ذلك لمن يراجع أيمان البحر وغيره، نعم وقع في كلام الشارح في أواخر كتاب الايمان عبارة موهمة خلاف ما صرحوا به كما سيأتي تحريره هناك إن شاء الله تعالى، فافهم.
قوله: (بزازية) عبارتها: إن نفلا أفطر، وإن قضاء لا، والاعتماد أنه يفطر فيهما ولا يحنثه اه.
وقد نقلها في النهر أيضا بهذا اللفظ، فافهم.
قوله: (وفي النهر عن الذخيرة الخ) أقول: ذكر في الذخيرة مسألة الضيافة ومسألة الحلف وما فيهما من الاقوال، ثم قال: وهذا كله إذا كان الافطار قبل الزوال الخ، وبه علم أنه جاز على الاقوال كلها لا قول مخالف لها، فتأيد ما قلناه من حصول الجمع، فافهم.
قوله: (قبل الزوال) قد ذكرنا أن هذه العبارة واقعة في أكثر الكتب، والمراد بها ما قبل نصف النهار أو على أحد القولين، فافهم.
قوله: (إلى العصر لا بعده) هذه الغاية عزاها في النهر إلى السراج ولعل وجهها أن قرب وقت الافطار يرفع ضرر الانتظار، وظاهر قوله لا بعده أن الغاية داخلة، لكنه في السراج لم يقل لا بعده.
قوله: (لو صائما غير قضاء رمضان) أما هو فيكره فطره لان له حكم رمضان كما في الظهيرية، وظاهر اقتصاره عليه أنه لا يكره له الفطر في صوم الكفارة والنذر بعذر الضيافة، وهو رواية عن أبي يوسف لكنه لم يستثن قضاء رمضاء.
قال القهستاني عند قول المتن: ويفطر في النفل بعذر الضيافة في الكلام إشارة إلى أنه في غير النفل لا يفطر كما في المحيط، وعن أبي يوسف أنه في صوم القضاء والكفارة والنذر يفطر اه.
فأنت تره لم يستثن قضاء رمضان، والظاهر من المصنف أنه جرى على رواية أبي يوسف فكان ينبغي له أن لا يستثنى قضاء رمضان.
حموي على الاشباه بتصرف ط.
قوله: (ولا تصوم المرأة نفلا الخ) أي يكره
لها ذلك كما في السراج.
والظاهر أن لها الافطار بعد الشروع رفعا للمعصية فهو عذر، وبه تظهر مناسبة هذه المسائل هنا تأمل، وأطلق النفل فشمل ما أصله نفل ولكن وجب بعارض، ولذا قال في البحر عن القنية: للزوج أن يمنع زوجته عن كل ما كان الايجاب من جهتها كالتطوع والنذر واليمين دون ما كان من جهته تعالى كقضاء رمضان، وكذا العبد إلا إذا ظاهر من امرأته لا يمنعه من كفارة الظهار بالصوم لتعلق حق المرأة به اه.
قوله: (إلا عند عدم الضرر به) بأن كان مريضا أو مسافرا أو محرما يحج أو عمرة فليس له منعها من صوم التطوع، ولها أن تصوم وإن نهاها، لانه إنما يمنعها لاستيفاء حقه في الوطئ، وأما في هذه الحالة فصومها لا يضره فلا معنى للمنع.
سراج.
وأطلق في الظهيرية المنع، واستظهره في البحر لان الصوم يهزلها وإن لم يكن الزوج يطؤها الآن.
قال في النهر: وعندي أن إحالة المنع على الضرر وعدمه على عدمه أولى للقطع بأن صوم يوم لا يهزلها فلم(2/473)
يبق إلا منعه عن وطئها وذلك إضرار به، فإن انتفى بأن كان مريضا أو مسافرا جاز اه قوله: (ولو فطرها الخ) أفاد أن له ذلك كما مر، وكذا في العبد.
وفي البحر عن الخانية: وإن أحرمت المرأة تطوعا: أي بالحج بلا إذن الزوج له أن يحللها وكذا في الصلوات.
قوله: (أو بعد البينونة) أي الصغرى أو الكبرى، ومفهومه أنها لا تقضي في الرجعى، ولو فصل هنا كما فصل في الحداد من كون الرجعة مرجوة أو لا لكان حسنا ط.
قوله: (وما في حكمه) كالامة والمدبر والمدبرة وأم الولد.
بدائع.
قوله: (لم يجز) أي يكره، قال في الخانية: إلا إذا كان المولى غائبا ولا ضرر له في ذلك اه: أي فهو كالمرأة، لكن في المحيط وغيره وإن لم يضره لان منافعهم مملوكة للمولى، بخلاف المرأة فإن منافعها غير مملوكة للزوج وإنما له حق الاستمتاع بها اه.
واستظهره في البحر لان العبد لم يبق على أصل الحرية في العبادات إلا في الفرائض، وأما في النوافل فلا اه.
ولم يذكر الاجير.
وفي السراج: إن كان صومه يضر بالمستأجر بنقص الخدمة فليس له أن يصوم تطوعا إلا بإذنه، وإلا فله لان حقه في المنفعة، فإذا لم تنتقص لم يكن له منعه، وأما بنت الرجل وأمه وأخته فيتطوعن بلا إذنه لا حق له في منافعهن اه.
قلت: وينبغي أن أحد الوالدين إذا نهى الولد عن الصوم خوفا عليه من المرض أن يكون الافضل إطاعته أخذ من مسألة الحلف عليه بالافطار، فتأمل.
قوله: (أو لم ينو) أشار إلى أن قول المصنف كغيره نوى الفطر غير قيد، وإنما هو إشارة إلى أنه لو لم ينو الفطر في وقت النية قبل الاكل فالحكم كذلك بالاولى، لانه إذا صح مع نية المنافي فمع عدمها أولى كما في البحر، ولان نية الافطار لا عبر بها كما أفاده بقوله الآتي ولو نوالصائم الفطر الخ؟.
قوله: (قبل الزوال) أي نصف النهار وقبل الاكل.
قوله: (صح) لان السفر لا ينافي أهلية الوجوب ولا صحة الشروع.
بحر.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان نفلا أو نذرا معينا أو أداء رمضان ح.
وبه علم أن محل ذلك في صوم لا يشترط فيه التبييت، فلو نوى ما يشترط فيه التبييت وقع نفلا كما تقدم ما يفيده ط.
وإن أريد بقوله صح صحة الصوم لا بقيد كونه عما نواه فالمراد بالاطلاق ما يشمل الجميع.
قوله: (ويجب عليه الصوم) أي إنشاؤه حيث صح منه بأن كان في وقت النية ولم يوجد ما ينافيه وإلا وجب عليه الامساك كحائض طهرت ومجنون أفاق كما مر.
قوله: (كما يجب على مقيم الخ) لما قدمناه أول الفصل أن السفر لا يبيح الفطر، وإنما يبيح عدم الشروع في الصوم، فلو سافر بعد الفجر لا يحل الفطر.
قال في البحر: وكذا لو نوى المسافر الصوم ليلا وأصبح من غير أن ينقض عزيمته قبل الفجر ثم أصبح صائما لا يحل فطره في ذلك اليوم، ولو أفطر لا كفارة عليه اه.
قلت: وكذا لا كفارة عليه بالاولى لو نوى نهارا، فقوله: ليلا غير قيد.
قوله: (فيهما) أي في مسألة المسافر إذ أقام ومسألة المقيم إذا سافر كما في الكافي النسفي، وصرح في الاختيار بلزوم(2/474)
الكفارة في الثانية.
قال ابن الشلبي في شرح الكنز: وينبغي التعويل على ما في الكافي: أي من عدمه فيهما.
قلت: بل عزاه في الشرنبلالية إلى الهداية والعناية والفتح أيضا.
قوله: (للشبهة في أوله وآخره) أي في أول الوقت في المسألة الاولى وآخره في الثانية فهو لف ونشر مرتب.
مطلب يقدم هنا القياس على الاستحسان قوله: (فإنه يكفر) أي قياسا لانه مقيم عند الاكل حيث رفض سفره بالعود إلى منزله وبالقياس
نأخذ اه خانية.
فتزاد هذه على المسائل التي قدم فيها القياس على الاستحسان.
حموي.
وقد مر أنه لو أكل المقيم ثم سافر أو سوفر به مكرها لا تسقط الكفارة، والظاهر أنه لو أكل بعدما جاوز بيوت مصره ثم رجع فأكل لا كفارة عليه، وإن عزم على عدم السفر أصلا بعد أكله وقع في موضع الترخص، نعم يجب عليه الامساك.
هذا وفي البدائع من صلاة المسافر: لو أحدث في صلاته فلم يجد الماء فنوى أن يدخل مصره وهو قريب صار مقيما من ساعته وإن لم يدخل، فلو وجد ماء قبل دخوله صلى أربعا لانه بالنية صار مقيما اه.
قلت: ومقتضاه أنه لو أفطر بعد النية قبل الدخول يكفر أيضا.
تأمل.
تنبيه: المسافر إذا نوى الاقامة في مصر أقل من نصف شهر هل يحل له الفطر في هذه المدة كما يحل له قصر الصلاة؟ سئلت عنه، ولم أره صريحا، وإنما رأيت في البدائع وغيرها: لو أراد المسافر دخول مصره أو مصر آخر ينوي فيه الاقامة يكره له أن يفطر في ذلك اليوم وإن كان مسافرا في أوله لانه اجتمع المحرم للفطر، وهو الاقامة والمبيح أو المرخص وهو السفر في يوم واحد فكان الترجيح للمحرم احتياطا، وإن كان أكبر رأيه أنه لا يتفق دخوله المصر حتى تغيب الشمس فلا بأس بفطر فيه اه.
فتقييده بنية الاقامة يفهم أنه بدونها يباح له الفطر في يوم دخوله ولو كان أول النهار لعدم المحرم وهو الاقامة الشرعية، وكذا في اليوم الثاني مثلا.
والحاصل أن مقتضى القواعد الجواز ما لم يوجد نقل صريح بخلافه.
تأمل.
: كما مر أي قبيل قوله: ولا يصام الشك إلا تطوعا ح.
قوله: (قال وفيه خلاف الشافعي) ضمير، قال لابن الشحنة.
واستشكل بأن الكلام ناسيا لا يفسد الصلاة عند الشافعي، فكيف يفسدها مجرنية الكلام؟ قلت: فرق بين الكلام ناسيا ونية الكلام العمد، فإن العمد قاطع للصلاة.
ثم رأيت ط أجاب بما ذكرته من الفرق ثم قال: والمعتمد من مذهبه عدم الفساد.
قوله: (لندرة امتداده) لان بقاء الحياة عند امتداده طويلا بل أكل ولا شرب نادر ولا حرج في النوادر كما في الزيلعي.
قوله: (فلا يقضيه) لان الظاهر من حاله أن ينوي الصوم ليلا حملا على الاكمل، ولو حدث له ذلك نهارا أمكن حمله كذلك بالاولى، حتى لو كان متهتكا يعتاد الاكل في رمضان أو مسافرا قضى الكل، كذا قالوا:
وينبغي أن يقيد بمسافر يضره الصوم.
أما من لا يضره فلا يقضي ذلك اليوم حملا لامره على الصلاح لما مر أن صومه أفضل، وقول بعضهم: إن قصد صوم الغد في الليالي من المسافر ليس بظاهر ممنوع فيما إذا كان لا يضره.
نهر.(2/475)
قلت: هذا المنع غير ظاهر، خصوصا فيمن كان يفطر في سفره قبل حدوث الاغماء، نعم هو ظاهر فيمن كان يصوم قبله أو كان عادته في أسفاره.
تأمل.
قوله: (إلا إذا علم الخ) قال الشمني: وهذا إذا لم يذكر أنه نوى أو لا، إذا علم أنه نوى فلا شك في الصحة، وإن علم أنه لم ينو فلا شك في عدمها، وكلامه ظاهر في أن فرض المسألة في رمضان، فلو حدث له ذلك في شعبان قضى الكل.
نهر: أي لان شعبان لا تصح عنه نية رمضان.
قوله: (وفي الجنون) متعلق بقضى الآتي.
قوله: (لجميع ما يمكنه إنشاء الصوم فيه) هو ما بين طلوع الفجر إلى نصف النهار من كل يوم، فالافاقة بعد هذا الوقت إلى قبيل طلوع الفجر ولو من كل يوم لا تعتبر ط: أي لانها وإن كانت وقت النية لكن إنشاء الصوم بالفعل لا يصح في الليل، ولا بعد نصف النهار، ثم هذا خلاف إطلاق المصنف الاستيعاب، فإنه يقتضي أنه لو أفاق ساعة منه ولو ليلا أو بعد نصف النهار أنه يقضي وإلا فلا، وقدمنا أول كتاب الصوم تحرير الخلاف في ذلك، وأنهما قولان مصححان، وأن المعتمد الثاني لكونه ظاهر الرواية والمتون.
قوله: (على ما مر) أي عند قوله: وسبب صوم رمضان شهود جزء من الشهر ح.
قوله: (لا يقضي مطلقا) أي سواء كان الجنون أصليا أو عارضا بعد البلوغ، قيل هذا ظاهر الرواية.
وعند محمد أنه فرق بينهما، لانه إذا بلغ مجنونا التحق بالصبي فانعدم الخطاب، بخلاف ما إذا بلغ عاقلا فجن، وهذا مختار بعض المتأخرين.
هداية.
قال في العناية: منهم أبو عبد الله الجرجاني والامام الرستغفني والزاهد الصفار اه.
وفي الشرنبلالية عن البرهان عن المبسوط: ليس على المجنون الاصلي قضاء ما مضى في الاصح اه: أي ما مضى من الايام قبل إفاقته.
تنبيه: لا يخفى أنه إذا استوعب الجنون الشهر كله لا يقضي بلا خلاف مطلقا، وإلا ففيه الخلاف المذكور، فقوله مطلقا هنا تبعا للدرر في غير محله، وكان عليه أن يذكره عقب قوله: إن لم
يستوعب قضى ما قضى، ليكون إشارة إلى الخلاف المذكور.
فتنبه.
مطلب في الكلام على النذر قوله: (ولو نذر الخ) شروع فيما يوجبه العبد على نفسه بعد ذكر ما أوجب الله تعالى عليه.
قال في شرح الملتقى: والنذر عمل اللسان، وشرط صحته أن لا يكون معصية كشرب الخمر، ولا واجبا عليه في الحال كأن نذر صوما أو صلاة وجبتا عليه، ولا في المآل كصوم وصلاة سيجبان عليه، وأن يكون من جنسه واجب لعينه مقصود، ولا مدخل فيه لقضاء القاضي اه.
وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام على ذلك مع بقية أبحاث النذر في كتاب الايمان.
قوله: (أو صوم هذه السنة) أشار به إلى أنه لا فرق بين أن يذكر المنهي عنه صريحا كيوم النحر مثلا، أو تبعا كصوم غد فإذا هو يوم النحر، أو هذه السنة أو سنة متتابعة، أو أبدا كما في ح عن القهستاني.
قوله (صح مطلقا) أي سواء صرح بذكر المنهي عنه أو لا كما في البحر، وهو ما قدمناه عن القهستاني.
وسواء قصد ما تلفظ به أو لا، ولهذا قال في الولوالجية: رجل أراد أيقول: لله علي صوم فجرى على لسانه صوم شهر، كان عليه صوم شهر.
بحر اه ح وكذا لو أراد أن يقول كلاما فجرى على لسانه النذر لزمه، لان هزل النذر كالجد كالطلاق.
فتح.
قوله: (على المختار) وروى الثاني عن الامام(2/476)
عدم الصحة، وبه قال زفر.
وروى الحسن عنه أنه إن عين لم يصح، وإن قال غدا فوافق يوم النحر صح قياسا على ما لو نذرت يوم حيضها حيث لا يصح، فلو قالت غدا فوافق يوم حيضها صح.
وقد صرحوا بأن ظاهر الرواية أنه لا فرق بين أن يصرح بذكر المنهي عنه أو لا.
ولاتنافي بين الصحة ليظهر أثرها في وجوب القضاء والحرمة للاعراض عن الضيافة.
نهر.
قوله: (بأن نفس الشروط معصية) لانه يصير صائما بنفس الشروع كما قدمنا تقريره، فيجب تركه لكونه معصية فلا يجب قضاؤه، وأما نفس النذر فهو طاعة.
قوله: (فصح الاولى فلزم لان هذا الفرق بين لزومه بالنذر، وعدم لزومه بالشروع، أما نفس الصحة فهي ثابتة فيهما، ولذا لو صامه فيهما أجزأه، ولو لم يصح لم يجزه.
أفاده الرحمتي.
قوله: (وجوبا) وقوله في النهاية: الافضل الفطر تساهل.
بحر.
قوله:
(تحاميا عن المعصية) أي المجاورة وهي الاعراض عن إجابة دعوة الله تعالى ط.
قوله: (وقضاها الخ) روى مسلم من حديث زياد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: إني نذرت أن أصوم يوما فوافق يوم أضحى أو أفطر، فقال ابن عمر: أمر الله بوفاء النذر، ونهى رسول الله (ص) عن صيام هذا اليوم، والمعنى: أنه يمكن قضاؤه فيخرج به عن عهدة الامر والنهي.
شرح الوقاية للقاري.
قوله: (خرج عن العهدة) لانه أداه كما التزم.
بحر.
قوله: (وهذا) أي قضاء الايام المنهية في صورة نذر صوم السنة المعينة ط.
قوله: (فلو بعدها) بأن وقع النذر منه ليلة الرابع عشر من ذي الحجة مثلا، فافهم.
قوله: (باقي السنة) وهو تمام ذي الحجة.
قوله: (على ما هو الصواب) وهو الذي حققه في الفتح، فإن صاحب الغاية لما قال يلزمه ما بقي، قال الزيلعي: هذا سهو، لان هذه السنة عبارة عن اثني عشر شهرا من وقت النذر إلى وقت النذر.
ورده في الفتح بأنه هو السهو، لان المسألة كما في الغاية منقولة في الخلاصة والخانية في هذه السنة وهذا الشهر، وهذا لان كل سنة عربية معينة عبارة عن مدة معينة، فإذا قال هذه فإنما تفيد الاشارة إلى التي هو فيها، فحقيقة كلامه أنه نذر المدة الماضية والمستقبلة، فيلغو في حق الماضي، كما يلغو في قوله: لله علي صوم أمس، كذا في النهر ح.
قوله: (وكذا الحكم) الاشارة إلى ما في المتن من حكم السنة المعينة.
قوله: (فيفطرها) أي الايام المنهية، قال ح: وإن صامها خرج عن العهدة لانه أداها كما التزمها.
قوله: (لكنه يقضيها هنا متتابعة) أي موصولة بآخر السنة من غير فاضل تحقيقا للتتابع بقدر الامكان ح عن البحر.
وأشار إلى أنه لا يجب عليه قضاء شهر عن رمضان كما لا يجب في المعينة، لانه لما أدركه لم يصح نذره إذ هو مستحق عليه بإيجاب الله تعالى فلم يقدر على صرفه إلى غيره، بخلاف ما إذا أوجبه ومات قبل أن يدركه حيث يجب عليه أن يوصي بإطعام شهر لانه لما لم يدركه صار كإيجاب شهر غيره.
سراج.
قوله: (ويعيد لو أفطر يوما) أي يعيد الايام التي صامها قبل اليوم الذي أفطر فيه ح: أي ولو كان آخر الايام ط.
قوله: (بخلاف المعينة) أي فإنه لا يجب عليه قضاء الايام المنهية فيها متتابعة، لان التتابع فيها ضرورة تعين الوقت ح، ولذا لو أفطر يوما فيها لا يلزمه إلا(2/477)
قضاؤه ط.
قوله: (ولو لم يشترط) أي في المنكرة.
قوله: (يقضي خمسة وثلاثين) هي رمضان والخمسة المنهية ح: أي لان صومه في الخمسة ناقص فلا يجزيه عن الكامل، وشهر رمضان لا يكون إلا عنه، فيجب القضاء بقدرة.
وينبغي أن يصل ذلك بما مضى وإن لم يصل يخرج عن العهدة على الصحيح.
بحر.
قوله: (في هذه الصورة) أي بخلاف المعنية أو المنكرة المشروط فيها التتباع، لانها لا تخلو عن الايام الخمسة فيكون ناذرا صومها: أما المنكرة بلا شرط تتابع فإنها اسم لايام معدودة، ويمكن فصل المعدودة عن رمضان وعن تلك الايام كما أفاده في السراج.
قوله: (تحتمل اليمين) أي مصاحبة للنذر ومنفردة عنه ط.
قوله: (بنذره) أي بالصيغة الدالة عليه ط.
قوله: (فقط) أي من غير تعرض لليمين نفيا وإثباتا، وهو المراد بقوله دون اليمين بخلاف المسألة التي بعدها فإنه تعرض لنفي اليمين ط.
قوله: (عملا بالصيغة) التي في الوجه الاول، وكذا في الثاني والثالث بالاولى لتأكد النذر بالعزيمة ما في الثالث من زيادة نفي غيره.
قوله: (عملا بتعيينه) لان قوله: لله علي كذا يدل على الالتزام، وهو صريح في النذر فيحمل عليه بلا نية، وكذا معها بالاولى، لكنه إذا نوى أن لا يكون نذرا كان يمينا من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم، لانه يلزم من إيجاب ما ليس بواجب تحريم تركه وتحريم المباح يمين.
قوله: (عملا بعموم المجاز) وهو الوجوب وهذا جواب عن قول الثاني: أي أبي يوسف أنه يكون نذرا في الاول يمينا في الثاني، لان النذر في هذا اللفظ حقيقة واليمين مجاز، حتى لا يتوقف الاول على النية ويتوقف الثاني فلا ينتظمهما، ثم المجاز يتعين بنية وعند نيتهما تترجح الحقيقة.
ولهما أنه لا تنافي بين الجهتين: أي جهتي النذر واليمين، لانهما يقتضيان الوجوب، إلا أن النذر يقتضيه لعينه واليمين لغيره: أي لصيانة اسمه تعالى، فجمعنا بينهما عملا بالدليلين كما جمعنا بين جهتي التبرع والمعاوضة في الهبة بشرط العوض، كذا في الهداية، وتمام الكلام على هذا الدليل في الفتح وكتب الاصول.
مطلب في صوم الستة من شوال قوله: (وندب الخ) ذكر هذه المسألة بين مسائل النذر غير مناسب وإن تبع فيه صاحب الدرر.
قوله: (على المختار) قال صاحب الهداية في كتابه التجنيس: إن صوم الستة بعد الفطر متتابعة، منهم
من كرهه، والمختار أنه لا بأس لان الكراهة إنما كانت لانه لا يؤمن من أن يعد ذلك من رمضان فيكون تشبها بالنصارى، والآن زال ذاك المعنى اه.
ومثله في كتا ب النوازل لابي الليث والواقعات للحسام الشهيد والمحيط البرهاني والذخيرة، وفي الغاية عن الحسن بن زياد أنه كان لا يرى بصومها(2/478)
بأسا ويقول: كفى بيوم الفطر مفرقا بينهن وبين رمضان اه.
وفيها أيضا عامة المتأخرين لم يروا به بأسا.
واختلفوا هل الافضل التفريق أو التتابع؟ اه.
وفي الحقائق: صومها متصلا بيوم الفطر يكره عند مالك، وعندنا لا يكره وإن اختلف مشايخنا في الافضل.
وعن أبي يوسف أنه كرهه متتابعا، والمختار لا بأس به اه.
وفي الوافي والكافية و المصفى: يكره عند مالك، وعندنا لا يكره، وتمام ذلك في رسالة تحرير الاقوال في صوم الست من شوال للعلامة قاسم.
وقد رد فيها على ما في منظومة التباني وشرحها من عزوه الكراهة مطلقا إلى أبي حنيفة وأنه الاصح بأنه على غير رواية الاصول، وأنه صحح ما لم يسبقه أحد إلى تصحيحه، وأنه صحح الضعيف وعمد إلى تعطيل ما فيه الثواب الجزيل بدعوى كاذبة بلا دليل، ثم ساق كثيرا من نصوص كتب المذهب فراجعها فافهم.
قوله: (والاتباع المكروه الخ) العبارة لصاحب البدائع، وهذا تأويل لما روي عن أبي يوسف على خلاف ما فهمه صاحب الحقائق كما في رسالة العلامة قاسم، لكن ما مر عن الحسن بن زياد يشير إلى أن المكروه عند أبي يوسف تتابعها، وإن فصل بيوم الفطر فهو مؤيد لما فهمه في الحقائق.
تأمل.
قوله: (ولو نذر صوم شهر الخ) ويلزمه صومه بالعدد لا هلاليا.
والشهر المعين هلالي كما سيجئ عن الفتح من نظائره ط.
قوله: (متتابعا) أفاد لزوم التتابع إن صرح به، وكذا إذا نواه، أما إذا لم يذكره ولم ينو إن شاء تابع وإن شاء فرق، وهذا في المطلق.
أما صوم شهر بعينه أو أيام بعينها فيلزمه التتابع وإن لم يذكره سراج.
وفي البحر: لو أوجب على نفسه صوما متتابعا فصامه متفرقا لم يجز وعلى عكسه جاز اه.
وفي المنح: ولو قال: لله علي صوم مثل شهر رمضان، إن أراد مثله في الوجوب، فله أن يفرق، وإن أراد مثله في التتابع فعليه أن يتابع، وإن لم يكن له نية فله أن يصوم متفرقا اه ط.
قوله: (فأفطر) عطف على محذوف: أي فصامه وأفطر يوما ط.
قوله: (لانه أخل بالوصف) وهو التتابع ط.
قوله: (مع خلو
شهر عن أيام نهي) جواب عما يقال: إنه لو كان من الايام المنهية فالفطر ضروري لوجوبه فينبغي أن لا يستقبل بل يقضيه عقبه كما مر فيما لو نكر السنة وشرط التتابع.
والجواب أن السنة لا تخلو عن أيام منهية، بخلاف الشهر، وعلى هذا مال في السرج من أن المرأة إذا كان طهرها شهرا فأكثر فإنها تصوم في أول طهرها، فلو صامت في أثنائه فحاضت استقبلت، ولو كان حيضها أقل من شهر تقضي أيام حيضها متصلة.
قوله: (لئلا يقع كله في غير الوقت) لانه وإن كان لا يتعين بالتعيين كما يأتي إلا أن وقوعه بعد وقته يكون قضاء، ولذا يشترط له تبييت النية كما مر، والاداء خير من القضاء، ثم تقييده بقوله كله إنما يظهر كما قال ط فيما إذا أفطر اليوم الاخير من الشهر، أما لو أفطر العاشر منه مثلا فلا: أي لانه لو استقبل الصوم من الحادي عشر وأتم شهرا لزم وقوع بعضه في الوقت وبعضه خارجه.
قوله: (ولو معينا) أي بواحد من الاربعة الآتية فغير المعين لا يختص بواحد منها بالاولى، كما لو نذر التصدق بدرهم منكر وأطلق.
قوله: (فلو نذر الخ) مثال للتعيين في الكل على النشر المرتب ط.
قوله: (فخالف) أي في بعضها(2/479)
أو كلها بأن تصدق في غير يوم الجمعة ببلد آخر على شخص آخر، وإنما جاز لان الداخل تحت النذر ما هو قربة، وهو أصل التصدق دون التعيين، فبطل التعيين، ولزمته القربة كما في الدرر وفي المعراج، ولو نذر صوم غد فأخره إلى ما بعد الغد جاز، فينبغي أن لا يكون مسيئا كمن نذر أن يتصدق بدرهم الساعة فتصدق بعد ساعة اه.
تنبيه: ذكر العلامة ابن نجيم في رسالته في النذر بالصدقة أنه ذكر في الخانية أنه لو عين التصدق بدراهم فهلكت سقط النذر، قال: وهذا يدل على أن قولهم وألغينا الدينار والدرهم ليس على إطلاقه، فيقال: إلا في هذه، فإنا لو ألغيناه مطلقا لكان الواجب في ذمته فإن هلك المعنين لم يسقط الواجب وكذا قولهم ألغينا تعيين الفقير، ليس على إطلاقه لما في البدائع: لو قال: لله علي أن أطعم هذا المسكين شيئا سماه ولم يعينه فلا بد أن يعطيه للذي سمى، لانه إذا لم يعين المنذور صار تعيين الفقير مقصودا فلا يجوز أن يعطي غيره اه.
هذا، وفي الحموي عن العمادية: لو أمر رجلا وقال تصدق بهذا المال على مساكين أهل الكوفة، فتصدق على مساكين أهل البصرة لم يجز، وكان ضامنا، وفي المنتقى: لو أوصى لفقراء أهل الكوفة بكذا فأعطى الوصي فقراء أهل البصرة جاز عند أبي يوسف وقال محمد: يضمن الوصي اه.
قلت: ووجهه أن الوكيل يضمن بمخالفة الآمر، وأن الوصي هل هو بمنزلة الاصيل أو الوكيل؟ تأمل.
قوله: (وكذا لو عجل قبله) هذا داخل تحت قوله فخالف.
قوله: (صح) أي خلافا لمحمد وزفر، غير أن محمدا لا يجيز التعجيل مطلقا، وزفر إذا كان الزمان المعجل فيه أقل فضيلة كما في الفتح.
فرع: نذر صوم رجب فصام قبله تسعة وعشرين يوما وجاء رجب كذلك ينبغي أن لا يجب القضاء، وهو الاصح كما في السراج، أما لو جاء ثلاثين يقضي يوما.
قوله: (أو صلاة) بالتنوين ويوم منصوب على الظرفية ح.
ولو أضافه لزمه مثل صلاة اليوم غير أنه يتم المغرب والوتر أربعا، وقد تقدمت ط.
قوله: (لانه تعجيل بعد وجوب السبب) أي فيجوز كما يجوز في الزكاة خلافا لمحمد وزفر.
فتح.
قوله: (فيلغو التعيين) بناء على لزوم المنذور بما هو قربة فقط.
فتح.
وقدمناه عن الدرر: أي لان التعيين ليس قربة مقصورة حتى يلزم بالنذر.
قوله: (بخلاف النذر المعلق) أي سواء علقه على شرط يريده مثل إن قدم غائبي أو شفي مريضي، أو لا يريده مثل: إن زينت فلله علي كذا، لكن إذ وجد الشرط في الاول وجب أن يوفي بنذره، وفي الثاني يخير بينه وبين كفارة يمين على المذهب لانه نذر بظاهره يمين بمعناه كما سيأتي في الايمان إن شاء الله تعالى.
قوله: (فإنه لا يجوز تعجيله الخ) لان المعلق على شرط لا ينعقد سببا للحال بل عند وجود شرطه كما تقرر في الاصول، فلو جاز تعجيله لزم وقوعه قبل وجود سببه فلا يصح، ويظهر من هذا(2/480)
أن المعلق يتعين فيه الزمان بالنظر إلى التعجيل، أما تأخيره فيصح لانعقاد السبب قبله، وكذا يظهر منه أنه لا يتعين فيه المكان والدرهم والفقير لان التعليق إنما أثر في تأخير السببية فقط فامتنع التعجيل،
أما المكان والدرهم والفقير فهي باقية على الاصل من عدم التعيين لعدم تأثير التعليق في شئ منها، فلذا اقتصر كغيره في بيان وجه المخالفة بين المعلق وغيره على قوله: فإنه لا يجوز تعجيله فأفاد صحة التأخير وتبديل المكان والدرهم والفقير كما في غير المعلق، وكأنه لظهور ما قررناه لم ينصوا عليه وهذا مما لا شبهة فيه لمن وقف على التوجيه، فافهم.
قوله: (ولم يصمه) أما لو صامه فيأتي قريبا.
قوله: (على الصحيح) هو قولهما.
وقال محمد: لزمه الوصية بقدر ما فاته كما في قضاء رمضان، وأوضحه في السراج حيث قال: إذا نذر شهرا غير معين ثم أقام بعد النذر يوما أو أكثر يقدر على الصيام فلم يصم، فعندهما يلزمه الايصاء بالاطعام لجميع الشهر، ووجهه على طريقة الحاكم أن ما أدركه صالح لصوم كل يوم من أيام النذر، فإذا لم يصم جعل كالقادر على الكل فوجب الايصاء كما لو بقي شهرا صحيحا ولم يصم.
وعلى طريقة الفتاوى: النذر ملزم في الذمة الساعة ولا يشترط إمكان الاداء.
وثمرة الخلاف فيما إذا صام ما أدركه على الاول لا يجب عليه الايصار بالباقي، وعلى الثاني يجب، وكذا فيما إذا نذر ليلا ومات في الليلة لا يجب على الاول لعدم الادراك، ويجب على الثاني الايصاء بالكل اه ملخصا.
واقتصر في البدائع وغيره على طريقة الحاكم.
ثم اعلم أن هذا كله في النذر المطلق.
أما المعين ففي السراج أيضا: ولو أوجب على نفسه صوم رجب، ثم أقام يوما أو أكثر ومات ومات ولم يصم: ففي الكرخي: إن مات قبل رجب لا شئ عليه، وهو قول محمد خاصة، لان المعين لا يكون سببا قبل وقته، وعندهما على طريقة الحاكم: يوصي بقدر ما قدر، لان النذر سبب ملزم في الحال إلا أنه لا بد من التمكن، وعلى طريق الفتاوى: يوصي بالكل لان النذر ملزم بلا شرط، لان اللزوم إذا لم يظهر في حق الاداء يظهر في خلفه وهو الاطعام.
وأما إن صام ما أدركه أو مات عقيب النذر: فعلى الاول لا يجب الايصاء بشئ، وعلى الثاني يجب الايصاء بالباقي.
ولو دخل رجب وهو مريض ثم صح بعده يوما مثلا فلم يصم ثم مات فعليه الايصاء بالكل، أما على الثاني فظاهر، وكذا على الاول لان بخروج الشهر المعين وصحته بعده يوما مثلا وجب عليه صوم شهر مطلق، فإذا لم يصم فيه وجب لايصاء بالكل، كما في النذر المطلق إذا بقي يوما أو أكثر وقدر على الصوم ولم يصم اه ملخصا.
قوله: (ومات
قبل تمام الشهر) أي ولم يصم في ذلك.
وعبارة غيره: ومات بعد يوم وبقي ما إذا صام ما أدركه فهل يلزمه الوصية في الباقي أم لا؟ ينبغي أن يكون على الطريقتين المذكورتين في المريض، وصرح باللزوم في بعض نسخ البحر، لكن نسخ البحر في هذا المحل مضطربة محرفة تحريفا فاحشا، فافهم.
قوله: (بخلاف القضاء) أي فيما إذا فاته رمضان لعذر، ثم أدرك بعض العدة ولم يصمه لزمه الايصاء بقدر ما فاته اتفاقا على الصحيح، خلافا لما زعمه الطحاوي أن الخلاف في هذه المسألة ح.
قوله: (بخلاف القضاء) جواب عن قياس محمد النذر على القضاء.
وبيانه: أن النذر سبب ملزم في الحال كما مر، أما القضاء فإن سببه أدراك للعدة ولم يوجد فلا(2/481)
تجب الوصية ألا بقدر ما أدرك.
واعترض بأن القضاء يجب بما يجب به الاداء عند المحققين، وسبب الاداء شهود الشهر، فكذا القضاء.
وأجيب بما فيه خفاء، فانظر النهر.
قوله: (بل إن صام حنث) لان المضارع المثبت لا يكون جواب القسم إمؤكدا بالنون، فإن لم توجد وجب تقدير النفي اه ح.
لكن سيذكر في الايمان عن العلامة المقدسي أن هذا قبل تغير اللغة، أما الآن فالعوام لا يفرقون بين الاثبات والنفي إلا بوجود لا وعدمها، فهو كاصطلاح لغة الفرس وغيرها في الايمان.
قوله: (كرمضان) أي بوصل أو فصل.
درر.
قوله: (أو صوم) عطف على صوم رجب ح.
قوله: (وكفر) أي فدي.
قوله: (كما مر) أي في الشيخ الفاني من أنه يطعم كالفطرة.
قوله: (أو الزوال) يعني نصف النهار كما مر مرارا.
قوله: (قضي عند الثاني) قلت: كذا في الفتح، لكن في السراج: ولو قال لله علي صوم اليوم الذي يقدم فلان فيه أبدا، فقدم في يوم قد أكل فيه لم يلزمه صومه، ويلزم صوم كل يوم فيما يستقبل، لان الناذر عند وجود الشرط يصير كالمتكلم بالجواب فيصير كأنه قال: لله علي صوم هذا اليوم وقد أكل فيه فلا يلزمه قضاؤه.
وقال زفر: عليه قضاؤه اه.
ونحوه في البحر بلا حكاية خلاف، وهو مخالف لما هنا.
وأما قوله: ويلزمه صوم كل يوم الخ، فهو من قوله أبدا.
قوله: (خلافا للثالث) قال في النهر: ولو قدم بعد الزوال: قال محمد: لا شئ عليه ولا رواية فيه عن غيره.
قال السرخسي: والاظهر التسوية بينهما اه: أي بين القدوم
بعد الاكل والقدوم بعد الزوال، فالشارح جرى في الفرع الثاني على ذلك الاستظهار ط.
قوله: (فلا قضاء اتفاقا) لانه تبين أن نذره وقع على رمضان، ومن نذر رمضان فلا شئ عليه ح: أي لا شئ عليه إذا أدركه كما قدمناه عن السراج.
قوله: (كفر فقط) أقول: لا وجه له، وما قيل في توجيهه لانه صامه عن رمضان لا عن يمينه لا وجه له أيضا، لان النية في فعل المحلوف عليه غير شرط لما صرحوا به من أن فعله مكرها أو ناسيا سواء، والمحلوف عليه الصوم وقد وجد، ثم ظهر أن في عبار الشارح اختصارا مخلا تبع فيه النهر.
وأصل المسألة ما في الفتح وغيره: لو قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان شكرا لله تعالى وأراد به اليمين فقدم فلان في يوم رمضان كان عليه كفارة يمين، ولا قضاء عليه لانه لم يوجد شرط البر وهو الصوم بنية الشكر، ولو قدم قبل أن ينوي فنوى به الشكر لا عن رمضان بر بالنية وأجزأه عن رمضان ولا قضاء عليه اه.
وبيتضح بقية كلامه، فافهم.
قوله: (لزمه كاملا) ويفتتحه متى شاء بالعدد لا هلاليا، والشهر المعين هلالي، كذا في اعتكاف فتح القدير ح.
قوله: (فبقيته) أي بقية الشهر الذي هو فيه لانه ذكره معرفا فينصرف إلى المعهود بالحضور، فإن نوى شهرا فعلى ما نوى لانه محتمل كلامه فتح عن التجنيس، وتقدم الكلام في ذلك.
قوله: (إلا أن ينوي اليوم) أفاد أن لزوم الاسبوع يكون فيما إذا نوى أيام جمعة أو لينو شيئا، لان الجمعة يذكر ويراد به يوم الجمعة وأيام الجمعة، لكن الايام أغلب فانصرف المطلق إليه،(2/482)
تجنيس.
قال ح: وينبغي أنه لو عرف الجمعة أن يلزمه بقيتها على قياس السنة والشهر، فإن مبدأها الاحد وآخرها السبت فليراجع اه قلت: في البحر: ولو قال صوم أيام الجمعة فعليه سبعة أيام اه.
فتأمل.
قوله: (بخلاف الاول) أي فإن السبت يتكرر فيه فأريد المتكرر في العدد المذكور كأنه قال: السبت الكائن في ثمانية أيام وهو سبتان.
قال في المنح: ولا يخفى أن هذا إذا لم تكن له نية، أما إذا وجدت لزمه ما نوى اه ط.
مطلب في النذر الذي يقع للاموات من أكثر العوام من شمع أو زيت أو نحوه
قوله: (تقربا إليهم) كأن يقول: يا سيدي فلان إن رد غائبي أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي فلك من الذهب أو الفضة أو الطعم أو الشمع أو الزيت، كذا بحر.
قوله: (باطل وحرام) لوجوه: منها أنه نذر لمخلوق والنذر للمخلوق لا يجوز لانه عبادة والعبادة لا تكون لمخلوق، ومنها: أن المنذور له ميت والميت لا يملك.
ومنها: أنه إن ظن أن الميت يتصرف في الامور دون الله تعالى واعتقاده ذلك كفر، اللهم إلا إن قال: يا الله إني نذرت لك إن شفيت مريضي أو رددت غائبي أو قضيت حاجتي أن أطعم الفقراء الذين بباب السيدة نفيسة أو الامام الشافعي أو الامام الليث أو أشتري حصرا لمساجدهم أو زيتا لوقودها أو دراهم لمن يقوم بشعائرها إلى غير ذلك مما يكون فيه نفع للفقراء والنذر لله عزوجل، وذكر الشيخ إنما هو محمل لصرف النذر لمستحقيقه القاطنين برباطه أو مسجد فيجوز بهذا الاعتبار، ولا يجوز أن يصرف ذلك لغني ولا لشريف منصب أو ذي نسب أو علم، ما لم يكن فقيرا، ولم يثبت في الشرع جواز الصرف للاغنياء للاجماع على حرمة النذر للمخلوق، ولا ينعقد ولا تشتغل الذمة به، ولانه حرام بل سحت، ولا يجوز لخادم الشيخ أخذه إلا أن يكون فقيرا أو له عيال فقراء عاجزون فيأخذونه على سبيل الصدقة المبتدأة، وأخذه أيضا مكروه ما لم يقصد الناذر التقرب إلى الله تعالى وصرفه إلى الفقراء، ويقطع النظر عن نذر الشيخ.
بحر ملخصا عن شرح العلامة قاسم.
قوله: (ما لم يقصدوا الخ) أي بأن تكون صيغة النذر لله تعالى للتقرب إليه ويكون ذكر الشيخ مرادا به فقراؤه كما مر، ولا يخفى أن له الصرف إلى غيرهم كما مر سابقا، ولا بد أن يكون المنذور مما يصح به النذر كالصدقة بالدراهم ونحوها، أما لو نذر زيتا لايقاد قنديل فوق ضريح الشيخ أو في المنارة كما يفعل النساء من نذر الزيت لسيدي عبد القادر ويوقد في المنارة جهة المشرق فهو باطل، وأقبح منه النذر بقراءة المولد في المناير ومع اشتماله على الغناء واللعب وإيهاب ثواب ذلك إلى حضرة المصطفى (ص).
ولا سيما في هذه الاعصار ولا سيما في مولد السيد أحمد البدوي.
نهر.
قوله: (ولقد قال الخ) ذكر ذلك هنا في النهر، ويخفي على ذوي الافهام أن مراد الامام بهذا الكلام إنما هو ذم العوام والتباعد عن نسبتهم إليه بأي وجه يرام،(2/483)
ولو بإسقاط الولاء الثابت الانبهام، وذلك بسبب جهلهم العام وتغييرهم لكثير من الاحكام، وتقربهم بما هو باطل وحرام، فهم كالانعام يتعير بهم الاعلام، ويتبرؤون من شنائعهم العظام كما هو أدب الانبياء الكرام حيث يتبرؤون من الابعاد والارحام بمخالفتهم الملك العلام، فافهم ما ذكرناه والسلام.
باب الاعتكاف قوله: (وجه المناسبة له والتأخير) أي وجه مناسبة الاعتكاف للصوم حيث ذكر معه، ووجه تأخيره عنه أن الصوم شرط في بعض أنواع الاعتكاف وهو الواجب والشرط يتقدم على المشروط، وإن الاعتكاف يطلب مؤكدا في العشر الاخير من رمضان فيختم الصوم به فناسب ختم كتاب الصوم بذكر مسائله.
قوله: (هو لغة اللبث) أي المكث في أي موضع كان وحبس النفس فيه.
قال في البحر: هو لغة افتعال من عكف إذا دام من باب طلب، وعكفه حبسه، ومنه - والهدى معكوفا - سمي به هذا النوع من العبادة لانه إقامة في المسجد مع شرائط.
مغرب.
وفي النهاية: مصدر المتعدي العكف، ومنه الاعتكاف في المسجد واللازم العكوف، ومنه: * (يعكفون على أصنام لهم) * (الاعراف: 138).
قوله: (ذكر) قيد به وإن تحقق اعتكاف المرأة في المسجد ميلا إلى تعريف الاعتكاف المطلوب، لان اعتكاف المرأة فيه مكروه كما يأتي، بل ظاهر ما في غاية البيان أن ظاهر الرواية عدم صحته، لكن صرح في غاية البيان بأنه صحيح بلا خلاف كما في البحر، وقد يقال: قيد به نظرا إلى شرطية مسجد الجماعة فإنه شرط لاعتكاف الرجل فقط، والاول أولى لقوله بعده أو امرأة في مسجد بيتها تأمل.
قوله: (ولو مميزا) فالبلوغ ليس بشرط كما في البحر عن البدائع وشمل العبد فيصح اعتكافه بإذن المولى، ولو نذره فللمولى منعه ويقضيه بعد العتق، وكذا المرأة لكن ليس له منعها بعد الاذن، بخلاف العبد لانه ليس من أهل الملك، وأما المكاتب فليس للمولى منعه ولو تطوعا، وتمامه في البحر.
قوله: (أديت فيه الخمس أو لا) صرح بهذا الاطلاق في العناية، وكذا في النهر، وعزاه الشيخ إسماعيل إلى الفيض والبزازية وخزانة الفتاوي والخلاصة وغيرها، ويفهم أيضا وإن لم يصرح به من تعقيبه بالقول الثاني هنا تبعا للهداية، فافهم.
قوله: (وصححه بعضهم) نقل تصحيحه في البحر عن ابن الهمام.
قوله: (وصححه السروجي) وهو اختيار الطحاوي.
قال
الخير الرملي: وهو أيسر خصوصا في زماننا فينبغي أن يعول عليه، والله تعالى أعلم.
قوله: (وأما الجامع) لما كان المسجد يشمل الخاص كمسجد المحلة العام، وهو الجامع كأموي دمشق مثلا أخرجه من عمومه تبعا للكافي وغيره لعدم الخلاف فيه.
قوله: (مطلقا) أي وإن لم يصلوا فيه الصلوات كلها.
ح عن البحر.
وفي الخلاصة وغيرها: وإن لم يكن ثمة جماعة.(2/484)
تنبيه: هذا كله لبيان الصحة.
قال في النهر والفتح: وأما أفضل الاعتكاف ففي المسجد الحرام، ثم في مسجده (ص)، ثم في المسجد الاقصى، ثم في الجامع.
قيل إذا كان يصلي فيه بجماعة فإن لم يكن ففي مسجده أفضل لئلا يحتاج إلى الخروج، ثم ما كان أهله أكثر اه.
قوله: (في مسجد بيتها) وهو المعد لصلاتها الذي يندب لها، ولكل أحد اتخاذه كما في البزازية.
نهر.
ومقتضاه أنه يندب للرجل أيضا أن يخصص موضعا من بيته لصلاته النافلة.
أما الفريضة والاعتكاف فهو في المسجد كما لا يخفى.
قال في السراج: وليس لزوجها أيطأها إذا أذن لها لانه ملكها منافعها، فإن منعها بعد الاذن لا يصح منعه، ولا ينبغي لها الاعتكاف بلا إذنه، وأما الامة فإن أذن لها كره له الركوع لانه يخلف وعده، وجاز لانها لا تملك منافعها.
قوله: (ويكره في المسجد) أي تنزيها كما هو ظاهر النهاية.
نهر.
وصرح في البدائع بأنه خلاف الافضل.
قوله: (كما إذا لم يكن فيه مسجد) أي مسجد بيت، وينبغي أنه لو أعدته للصلاة عن إرادة الاعتكاف أن يصح.
قوله: (وهل يصح الخ) البحث لصاحب النهر ح.
قوله: (والظاهر لا) لانه على تقدير أنوثته يصح في المسجد مع الكراهة، وعلى تقدير ذكورته في البيت بوجح.
قلت: لكن صرحوا بأن ما تردد بين الواجب والبدعة يأتي به احتياطا، وما تردد بين السنة والبدعة يتركه، ألا أن يقال: المراد بالبدعة المكروه تحريما، وهذا ليس كذلك ولا سيما إذا كان الاعتكاف منذورا.
قوله: (فاللبث هو الركن) فيه أن هذا حقيقته اللغوية، أما حقيقته الشرعية فهي اللبث المخصوص: أي في المسجد.
تأمل.
قوله: (من مسلم عاقل) لان النية لا تصح بدون الاسلام والعقل فهما شرطان لها، وبه يستغني عن جعلهما شرطين للاعتكاف المشروط بالنية كما
أفاده في البحر.
قوله: (طاهر من جنابة الخ) جعل في البدائع الطهارة من هذه الثلاثة شرطا للاعتكاف قال في النهر: وينبغي أن يكون اشتراط الطهارة من الحيض والنفاس فيه على رواية اشتراط الصوم في نفله، أما على عدمه، فينبغي أن يكون من شرائط الحل فقط كالطهارة من الجنابة، ولم أر من تعرض لهذا اه.
والحاصل: أن الطهارة من الثلاثة شرط للحل، ومن الاولين شرط للصحة أيضا في المنذور، وكذا في النفل على رواية اشتراط الصوم فيه.
بخلاف الجنابة لصحة الصوم معها، وبحث فيه الرحمتي بما صرحوا به من أن المقصد الاصلي من شرعية الاعتكاف انتظار الصلاة بالجماعة، والحائض والنفساء ليسا بأهل للصلاة: أي فلا يصح اعتكافهما، لخلاف الجنب إذ يمكنه الطهارة والصلاة اه.
ويلزمه أن الجنب لو لم يتطهر ويصلي لا يصح منه، ويلزمه أيضا أن يكون من شروط صحته الصلاة بالجماعة ولم يقل به أحد.
تأمل.
قوله: (شرطان) خبر المبتدأ وهو الكون وما عطف عليه.
قوله: (بلسانه) فلا يكفي لايجابه النية.
منح عن شمس الائمة.
قوله: (وبالشروع) نقله في البحر عن البدائع، ثم قال: ولا يخفى أنه مفرع على ضعيف وهو اشتراط زمن للتطوع، وأما على المذهب(2/485)
من أن أقل النفل ساعة فلا اه.
وسيأتي قريبا أيضا مع جوابه.
قوله: (وبالتعليق) عطف على قوله: بالنذر وهذا قرينة على أنه أراد بالنذر: النذر المطلق كما قيد به في البدائع لا يرد أن صورة التعليق نذر أيضا وأن مقتضى العطف خلافه، نعم الاظهر أن يقول: واجب بالنذر منجزا أو معلقا كما عبر في البحر والامداد، فافهم.
قوله: (أي سنة كفاية) نظيرها إقامة التراويح بالجماعة، فإذا قام بها البعض سقط الطلب عن الباقين فلم يأثموا بالمواظبة على الترك لا عذر، ولو كان سنة عين لاثموا بترك السنة المؤكدة إثما دون إثم ترك الواجب كما مر بيانه في كتاب الطهارة.
قوله: (لاقترانها الخ) جواب عما أورد على قوله في الهداية، والصحيح أنه سنة مؤكدة لان النبي (ص) واظب عليه في العشر الاواخر من رمضان، والمواظبة دليل السنة اه: من أن المواظبة بلا ترك دليل الوجوب، والجواب كما في العناية أنه عليه الصلاة والسلام لم ينكر على من تركه واجبا لانكر اه.
وحاصله: أن المواظبة إنما تفيد الوجوب إذا اقترنت بالانكار على التارك.
قوله: (هو بمعنى غير المؤكدة) مقتضاه أنه يسمي سنة أيضا، ويدل عليه أنه وقع في كلام الهداية في باب الوتر إطلاق السنة على المستحب.
قوله: (وشرط الصوم لصحة الاول) أي النذر حتى لو قال: لله علي أن أعتكف شهرا بغير صوم فعليه أيعتكف ويصوم.
بحر عن الظهيرية.
قوله: (على المذهب) راجع لقوله فقط وهو رواية الاصل، ومقابله رواية الحسن أنه شرط للتطوع أيضا، وهو مبني على اختلاف الرواية في أن التطوع مقدر بيوم أو لا، ففي رواية الاصل غير مقدر، فلم يكن الصوم شرطا له، وعلى رواية تقديره بيوم وهي رواية الحسن أيضا يكون الصوم شرطا له كما في البدائع وغيرها.
قلت: ومقتضى ذلك أن الصوم شرطا أيضا في الاعتكاف المسنون لانه مقدر بالعشر الاخير حتى لو اعتكفه بلا صوم لمرض أو سفر، ينبغي أن لا يصح عنه بل يكون نفلا فلا تحصل به إقامة سنة الكفاية، ويؤيده قول الكنز: سن لبث في مسجد بصوم ونية فإنه لا يمكن حمله على المنذور لتصريحه بالسنية، ولا على التطوع لقوله بعده: وأقله نفلا ساعة، فتعين حمله على المسنون سنة مؤكدة، فيدل على اشتراط الصوم فيه، وقوله في البحر: لا يمكن حمله عليه لتصريحهم بأن الصوم إنما هو شرط في المنذور فقط دون غيره، فيه نظر، لانهم إنما صرحوا بكونه شرطا في المنذور غير شرط في التطوع، وسكتوا عن بيان حكم المسنون لظهور أنه لا يكون إلا بالصوم عادة، ولهذا قسم في متن الدرر الاعتكاف إلى الاقسام الثلاثة: المنذور، والمسنون، والتطوع، ثم قال: والصوم شرط لصحة الاول لا الثالث، ولم يتعرض للثاني لما قلنا، ولو كان مرادهم بالتطوع ما يشمل المسنون لكان عليه أن يقول: شرط لصحة الاول فقط كما قال المصنف، فعبارة صاحب الدرر أحسن من عبارة المصنف لما علمته، هذا ما ظهر لي.
قوله: (وإن نوى معها اليوم) أما لو نذر اعتكاف اليوم ونوى الليلة معه لزماه كما في البحر.
قوله: (والفرق لا يخفى) وهو أنه في الاولى لما جعل اليوم(2/486)
تبعا ليلة، وقد بطل نذره في المتبوع وهو الليلة: بطل في التابع وهو اليوم، وفي الثانية أطلق الليلة وأراد اليوم مجازا مرسلا بمرتبتين، حيث استعمل المقيد وهو في الليلة مطلق الزمن، ثم استعمل هذا
المطلق في المقيد وهو اليوم فكان اليوم مقصودا اه ح.
قلت: لكن هذا الفرع مشكل، فإن الجائز هو إطلاق النهار على مطلق الزمان دون إطلاق الليل، ولو ساغ الاطلاق المذكور بعلاقة الاطلاق والتقييد أو غيرها لساغ إطلاق السماء على الارض أو النخلة على شئ طويل غير الانسان، مع أن المصرح به في كتب الاصول عدمه، وأيضا صرحوا بأنه إذا نوى بالعتق الطلاق صح، لان العتق وضع لازالة ملك الرقبة والطلاق لازالة ملك المتعة، والاولى سبب للثانية فصح المجاز، بخلاف ما لو نوى بالطلاق العتق فإنه لا يصح مع أنه لا يمكن فيه ادعاء الاطلاق والتقييد، فليتأمل.
قوله: (لانه يدخل الليل تبعا) ولا يشترط للتبع ما يشترط للاصل.
بحر.
قوله: (لا إيجاده للمشروط قصدا) أي لا يشترط إيقاعه مقصودا لاجل الاعتكاف المشروط، كما لا يشترط إيقاع الطهارة قصدا لاجل الصلاة، بل إذا حضرت الصلاة وكان متوضئا قبلها لغيرها ولو للتبرد يكفيه لها.
قوله: (فلو نذر اعتكاف شهر رمضان) الظاهر أن مثله ما إذا نذر صوم شهر معين ثم نذر اعتكاف ذلك الشهر، أو نذر صوم الابد ثم نذر اعتكافا، فليتأمل ويراجع اه ح.
قلت: وجه التأمل ما ذكروا من أن الصوم المقصود للاعتكاف إنما سقط في رمضان لشرف الوقت كما يأتي تقريره، والشرف غير موجود في الصوم المنذور.
قوله: (لكن قالوا الخ) قال في الفتح: ومن التفريعات أنه لو أصبح صائما متطوعا أو غيرناو للصوم، ثم قال: لله علي أن أعتكف هذا اليوم لا يصح، وإن كان في وقت تصح منه نية الصوم لعدم استيعاب النهار.
وعند أبي يوسف: أقله أكثر النهار، فإن كان قاله قبل نصف النهار لزمه، فإن لم يعتكفه قضاه اه.
وقد ظهر أن علة عدم الصحة عدم استيعاب الاعتكاف للنهار لا تعذر جعل التطوع واجبا، وأنه لا محل للاستدراك المفاد بلكن، بل هي مسألة مستقلة لا تعلق لها بما في المتن اه ح.
قلت: ما علل به الشارح علل به في التاترخانية والتجنيس والولوالجية والمعراج وشرح درر البحار، فيكون ذلك علة أخرى لعدم صحة النذر، وبه يصح الاستدراك على قوله: الشرط وجوده لا إيجاده فإن الشرط هنا وهو الصوم موجود مع أنه لم يصح النذر بالاعتكاف.
والحاصل: أنه لم يصح لعدم استيعاب النهار بالاعتكاف، وعدم استيعابه بالصوم الواجب، وبه علم أن الشرط واجب بنذر الاعتكاف أو بغيره كرمضان، ويمكن دفع الاستدراك بهذا، فافهم.
قوله: (قضى شهرا غيره) أي متتابعا لانه التزم الاعتكاف في شهر بعينه وقد فاته فيقضيه متتابعا، كما(2/487)
إذا أوجب اعتكاف رجب ولم يعتكف فيه.
بدائع.
قوله: (سوء قضاء رمضان الاول) أما قضاء رمضان الاول فإنه إن قضاه متتابعا واعتكف فيه جاز لان الصوم الذي وجب فيه الاعتكاف باق فيقضيهما بصوم شهر متتابعا.
بدائع: أي لان القضاء خلف عن الاداء فأعطى حكمه كما أشار إليه الشارح.
قوله: (وتحقيقه في الاصول) وهو أن النذر كان موجبا للصوم المقصود، ولكن سقط لشرف الوقت، ولما لم يعتكف في الوقت صار ذلك النذر بمنزلة مطلق عن الوقت فعاد شرطه إلى الكمال بأن واجب الاعتكاف بصوم مقصود لزوال المانع وهو رمضان.
فإن قلت: على هذا كان ينبغي أن لا يتأدى ذلك الاعتكاف في صوم قضاء ذلك الشهر كما لو نذر مطلقا.
قلت: العلة الاتصال بصوم الشهر مطلقا وهو موجود.
فإن قلت: الشرط يراعى وجوده، ويجب كونه مقصودا، كما لو توضأ للتبرد تجوز به الصلاة، ورمضان الثاني على هذه الصفة.
قلت: حدوث صفة الكمال منع الشرط عن مقتضاه، فلا بد أن يكون مقصودا اهح عن شرح المنار لابن ملك.
تنبيه: في البدائع: لو أوجب اعتكاف شهر بعينه فاعتكف شهرا قبله أجزأه عند أبي يوسف لا عند محمد، وهو على الاختلاف في النذر بصوم شهر معين فصام قبله اه: أي بناء على أن النذر غير المعلق لا يختص بزمان ولامكان كما مر، بخلاف المعلق، وقدمنا أن الخلاف في صحة التقديم لا التأخير، والظاهر أنه لا فرق بين نذر اعتكاف رمضان أو شهر معين غيره فيصح اعتكافه قبله وبعده في القضاء وغيره سوى رمضان آخر، غير أنه إن فعله في غير رمضان الاول أو قضائه لا بد له من
صوم مقصود كما هو صريح المتن، وليس في كلامهم ما يدل على أنه لا يصح في غيرهما مطلقا، وإنما فيه فرق بينهما وبين غيرهما بأنه لو فعله فيهما أغنى عن صوم مقصود للاعتكاف بسبب شرف الوقت وخلفه، وفي غيرهما لا بد من صوم مقصود له، وهذا ظاهر لا خفاء فيه، فافهم.
قوله: (ثم قطعه) الاولى ثم تركه ولكن سماه قطعا نظرا إلى رواية الحسن بتقديره بيوم.
قوله: (لانه لا يشترط له الصوم) الاولى التعليل بأنه غير مقدر بمدة لما علمته مما مر أن الاختلاف في اشتراط الصوم له وعدمه مبني على الاختلاف في تقديره بيوم وعدمه، وكلامه يفيد العكس.
تأمل.
قوله: (وما في بعض المعتبرات) كالبدائع، وتبعه ابن كمال كما نقله الشارح عنه فيما مر.
قوله: (مفرع على الضعيف) أي على رواية الحسن أنه مقدر بيوم.
أقول: لكن بعد ما صرح صاحب البدائع بلزومه بالشروع ذكر رواية الحسن، ووجهها وهو أن(2/488)
الشروع في التطوع موجب للاتمام على أصل أصحابنا صيانة للمؤدي عن البطلان، ثم ذكر رواية الاصل أنه غير مقدر بيوم، وأجاب عن وجه رواية الحسن بقوله: وقوله الشروع فيه موجب مسلم، لكن بقدر ما اتصل به الاداء ولما خرج فما وجب إلا ذلك القدر فلا يلزمه أكثر من ذلك اه.
فعلم أن قول البدائع أولا أنه يلزم بالشروع مراده به لزوم ما اتصل به الاداء لا لزوم يوم فهو مفرع على رواية الاصل التي هي ظاهر الرواية، فافهم.
قوله: (وحرم الخ) لانه إبطال للعبادة، وهو حرام لقوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * (محمد: 33) بدائع.
قوله: (أما النفل) أي الشامل للسنة المؤكدة ح.
قلت: قدمنا ما يفيد اشتراط الصوم فيها بناء على أنها مقدرة بالعشر الاخيرة، ومفاد التقدير أيضا اللزوم بالشروع.
تأمل.
ثم رأيت المحقق ابن الهمام قال: ومقتضى النظر لو شرع في المسنون: أعني العشر الاواخر بنيته ثم أفسده أن يجب قضاؤه تخريجا على قول أبي يوسف في الشروع في نفل الصلاة ناويا أربعا لا على قولهما اه: أي يلزمه قضاء العشر كله لو أفسد بعضه كما يلزمه قضاء أربع لو شرع في نفل ثم أفسد الشفع الاول عند أبي يوسف، لكن صحح في الخلاصة أنه لا يقضي إلا ركعتين كقولهما، نعم اختار في شرح المنية قضاء الاربع اتفاقا في الراتبة كالاربع قبل الظهر والجمعة، وهو اختيار
الفضلى، وصححه في النصاب، وتقدم تمامه في النوافل، وظاهر الرواية خلافه، وعلى كل فيظهر من بحث ابن الهمام لزوم الاعتكاف المسنون بالشروع، وإن لزم قضاء جميعه أو باقيه مخرج على قول أبي يوسف، أما على قول غيره فيقضي اليوم الذي أفسده لاستقلال كل يوم بنفسه، وإنما قلنا: أي باقية بناء على أن الشروع ملزم كالنذر وهو لو نذر العشر يلزمه كله متتابعا، ولو أفسد بعضه قضى باقيه على ما مر في نذر صوم شهر معين.
والحاصل أن الوجه يقتضي لزوم كل يوم شرع فيما عندهما بناء على لزوم صومه، بخلاف الباقي لان كل يوم بمنزلة شفع من النافلة الرباعية وإن كان المسنون هو اعتكاف العشر بتمامه.
تأمل.
قوله: (لانه منه) اسم فاعل من أنهى اه ح: أي متمم للنفل.
قوله: (كما مر) أي من قول المصنف وأقله نفلا ساعة.
قوله: (الخروج) أي من معتكفه ولو مسجد البيت في حق المرأة ط.
فلو خرجت منه ولو إلى بيتها بطل اعتكافها لو واجبا وانتهى لو نفلا.
بحر.
قوله: (إلا لحاجة الانسان الخ) ولا يمكث بعد فراغه من الطهور ولا يلزمه أن يأتي بيت صديقه القريب.
واختلف فيما لو كان له بيتان فأتى البعيد منهما قيل فسد وقيل: لا، وينبغي أن يخرج على القولين ما لو ترك بيت الخلاء للمسجد القريب وأتى بيته.
نهر.
ولا يبعد الفرق بين الخلافية وهذه، لان الانسان قد لا يألف غير بيته.
رحمتي: أي فإذا كان لا يألف غيره بأن لا يتيسر له إلا في بيته فلا يبعد الجواز بلا خلاف، وليس كالمكث بعدها ما لو خرج لها ثم ذهب لعيادة مريض أو صلاة جنازة من غير أن يكون خرج لذلك قصدا فإنه جائز كما في البحر عن البدائع.
قوله: (طبيعية) حال أو خبر لكان محذوفة: أي سواء كانت طبيعية أو شرعية، وفسر ابن الشلبي الطبيعية بما لا بد منها وما لا يقضى في المسجد.
قوله: (وغسل) عده من الطبيعية تبعا للاختيار و النهر وغيرهما، وهو موافق لما علمته من تفسيرها، وعن هذا اعترض بعض الشراح تفسير الكنز لها بالبول والغائط بأن الاولى تفسيرها بالطهارة ومقدماتها ليدخل الاستنجاء والوضوء والغسل لمشاركتها لهما في الاحتياج(2/489)
وعدم الجواز في المسجد اه.
فافهم.
قوله: (ولا يمكنه الخ) فلو أمكنه من غير أن يتلوث المسجد
فلا بأس به.
بدائع: أي بأن كان فيه بركة ماء أو موضع معد للطهارة اغتسل في إناء بحيث لا يصيب المسجد المستعمل، قال في البدائع: فإن كان بحيث يتلوث بالماء المستعمل يمنع منه لان تنظيف المسجد واجب اه.
والتقييد بعدم الامكان يفيد أنه لو أمكن كما قلنا فخرج أنه يفسد، وهل يجري فيه الخلاف المار فيما لو كان له بيتان فأتى البعيد منهما؟ محل نظر، لان ذاك بعد الخروج، وفرق بينه وبين ما قبله بدليل ما مر، من أنه بعده له الذهاب لعيادة مريض، لكن قول البدائع لا بأس به ربما يفيد الجواز، فتأمل.
قوله: (أو شرعية) عطف على طبيعية، ولفظة أو من المتن والواو في والجمعة من الشرح اه ح.
قوله: (وعيد) أفاد صحة النذر بالاعتكاف في الايام الخمسة المنهية، وفيه الاختلاف السابق في نذر صومها، لان الصوم من لوازم الاعتكاف الواجب، فعلى رواية محمد عن الامام: يصح، لكن يقال له: اقض في وقت آخر ويكفر اليمين إن أراد، وإن اعتكف فيها صح، وعلى رواية أبي يوسف عنه: لا يصح نذره كالنذر بالصوم فيها.
بدائع.
قوله: (لو مؤذنا) هذا قول ضعيف، والصحيح أنه لا فرق بين المؤذن وغيره كما في البحر والامداد.
قوله: (وباب المنارة خارج المسجد) أما إذا كان داخله فكذلك بالاولى.
قال في البحر: وصعود المأذنة إن كان بابها في المسجد لا يفسد، وإلا فكذلك في ظاهر الرواية اه ولو قال الشارح: وأذان ولو غير مؤذن وباب المنارة خارج المسجد لكان أولى ح.
قلت: بل ظاهر البدائع أن لاذان أيضا غير شرط، فإنه قال: ولو صعد المنارة لم يفسد بلا خلاف وإن كان بابها خارج المسجد لانها منه، لانه يمنع فيها كل ما يمنع فيه من البول ونحوه فأشبه زاوية من زوايا المسجد اه.
لكن ينبغي فيما إذا كان بابها خارج المسجد أن يقيد بما إذا خرج للاذان، لان المنارة وإن كانت من المسجد لكن خروجه إلى بابها لا للاذان خروج منه بلا عذر، وبهذا لا يكون كلام الشارح مفرعا على الضعيف، ويكون قوله وباب المنارة الخ جملة حالية معتبرة المفهوم، فافهم.
قوله: (مع سنتها) أي ومع الخطبة كما في البدائع، ولم يذكره للعلم به لان السنة تكون قبل خروج الخطيب، ولم يذكر تحية المسجد أيضا مع ذكرهم لها هنا لانه ضعيف إذ صرحوا بأنه إذا شرع في الفريضة حين دخل المسجد أجزأه عن تحية المسجد لحصولها بذلك فلا حاجة إلى
تحية غيرها، وكذا لو شرع في السنة كذا في البحر تبعا للفتح، لكن نقل الخير الرملي عن خط العلامة المقدسي أنه لا شك أن صلاة التحية بالاستقلال أفضل من الاتيان بها في ضمن الفريضة، ولا يخفى أن من يعتكف ويلازم باب الكريم إنما يروم ما يوجب له مزيد التفضيل والتكريم اه.
فافهم.
قوله: (على الخلاف) أي أربعا عنده وستا عندهما.
بدائع قال في البحر: وقد ظهر بهذا أن الاربع التي تصلى بعد الجمعة بنية آخر ظهر عليه لا أصل لها في المذهب لنصهم هنا على أنه لا يصلي إلا السنة البعدية، ولان من اختارها من المتأخرين اختارها للشك في سبق جمعته بناء على(2/490)
عدم جواز تعددها في مصر، وقد نص الامام السرخسي على أن الصحيح من المذهب الجواز، فلا ينبغي الافتاء بها في زماننا لانهم تطرقوا منها إلى التكاسل عن الجمعة وظن أنها غير فرض، وأن الظهر كاف عنها، واعتقاد ذلك كفر اه.
ملخصا.
قلت: وفي هذا الظهور خفاء، لان الاصل عدم تعدد الجمعة، وليس في كل البلاد فليكن اقتصارهم على بيان السنة مبنيا على ذلك، ولان المعتكف لا يلزم أن يأتي بها في مسجد الجمعة بل يأتي بها في معتكفه.
وكون الصحيح جواز التعدد لا ينافي استحباب تلك الاربع خروجا من الخلاف القوي الواقع في مذهبنا ومذهب الغير، وقدمنا في باب الجمعة التصريح عن النهر وغيره بأنه لا شك في استحبابها وكون الاولى أن لا يفتى بها في زماننا لما ذكره لا يلزمه منه عدم الاتيان بها ممن لا يخشى منه ذلك كما مر هناك مبسوطا عن المقدسي وغيره فتذكره بالمراجعة، فافهم.
قوله: (ولو مكث أكثر) كيوم وليلة أو أتم اعتكافه فيه.
سراج.
قوله: (لانه محل له) أي مسجد الجمعة محل للاعتكاف، وفيه إشارة إل الفرق بين هذا وبين ما لو خرج لبول أو غائط ودخل منزله ومكث فيه حيث يفسد كما مر.
وفي البدائع: وما روي عنه (ص) من الرخصة في عيادة المريض وصلاة الجنازة فقد قال أبو يوسف: ذلك محمول على اعتكاف التطوع، ويجوز حمل الرخصة على ما لو خرج لوجه مباح كحاجة الانسان أو الجمعة وعاد مريضا أو صلى على جنازة من غير أن يخرج لذلك قصدا وذلك جائز اه.
وبه علم أنه بعد الخروج لوجه مباح إنما يضر المكث لو في غير مسجد لغير
عيادة.
قوله: (لمخالفة ما التزمه) أي من الاعتكاف في المسجد الاول، لانه لما ابتدأ الاعتكاف فيه فكأنه عينه لذلك فيكره تحوله عنه مع إمكان الاتمام فيه.
بدائع.
قلت: ولعله لم يتعين بناء على أنه لا يتعين الزمان والمكان في النذر كما مر، وعدم جواز الخروج منه بلا عذر لا لتعينه، بل لان الخروج مضاد لحقيقة الاعتكاف الذي هو اللبث والاقامة.
تتمة: لم يذكر جواز خروجه لجماعة، وقدمنا عن النهر والفتح ما يفيده، ويأتي في كلامه ما يفيده أيضا، وفي البحر عن البدائع: لو أحرم بحج أو عمرة أقام في اعتكافه إلى فراغه منه، فإن خاف فوت الحج يحج ثم يستقبل الاعتكاف لان الحج أهم، وإنما يستقبله لان هذا الخروج وإن وجب شرعا فإنما وجب بعقده وعقده لم يكن معلوم الوقوع فلا يصير مستثنى في الاعتكاف اه.
قوله: (فيقضيه) أي لو واجبا بالنذر أما التطوع لو قطعه قبل تمام اليوم فلا، إلا في رواية الحسن كما مر، ويقضي المنذور مع الصوم، غير أنه لو كان شهرا معينا يقضي قدر ما فسد، وإلا استقبله لانه لزمه متتابعا، ولا فرق بين فساده بصنعه بلا عذر كالجماع مثلا إلا الردة، أو لعذر كخروجه لمرض، أو بغير صنعه أصلا كحيض وجنون وإغماء طويل.
وأما حكمه إذا فات عن وقته المعين: فإن فات بعضه قضاه لا غير ولا يجب الاستقبال، أو كله قضى الكل متتابعا، فإن قدر ولم يقض حتى مات أوصى لكل يوم بطعام مسكين، وإن قدر على البعض فكذلك إن كان صحيحا وقت النذر، وإلا فإن صح يوما فعلى الاختلاف المار في الصوم، وإلا فلاشئ عليه.
بدائع ملخصا.
قوله: (إلا إذا أفسده بالردة) لانها تسقط ما وجب علي قبلها بإيجاب الله تعالى أو إيجابه والنذر من إيجابه اه ح: أي وليس سببه باقيا لانه النذر، وقد قال في الفتح: إن نفس النذر بالقربة قربة فيبطل بالردة كسائر(2/491)
القرب اه.
وإذا بطل سببه لم يجب قضاؤه، بخلاف الحج والصلاة الوقتية لبقاء سببهما.
قوله: (قالوا وهو الاستحسان) لان في القليل ضرورة، كذا فالهداية بدون لفظة قالوا المشعرة بالخلاف والضعف، ولكنه أتى بها ميلا إلى ميحثه الكمال.
قوله: (وبحث فيه الكمال) حيث قال قوله وهو استحسان يقتضي ترجيحه، لانه ليس من المواضع المعدودة التي رجح فيها القياس على
الاستحسان، ثم منع كونه استحسانا بالضرورة بأن الضرورة التي يناط بها التخفيف هي الضرورة اللازمة أو الغالبة الوقوع مع أنهما: أي الامامين يجيزان الخرووج بغير ضرورة أصلا، لان فرض المسألة في خروجه أقل من نصف يوم لحاجة لا بل للعب، وأنا لا أشك في أن خرج المسجد إلى السوق للعب واللهو والقمار إلى ما قبل نصف النهار ثم قال يارسول الله أنا معتكف قال ما أبعدك عن المعتكفين اه ملخصا.
وقد أطال في تحقيق ذلك كما هو دأبه في التحقيق رحمه الله تعالى، وبه علم أنه لم يسلم كونه استحسانا حتى يكون مما رجع فيه القياس على الاستحسان كما أفاده الرحمتي، فافهم.
قوله: (وهو ما مر) أي من الحاجة الطبيعية والشرعية.
قوله: (وإلا لكان النسيان أولى الخ) لانه عذر ثبت اعتبارا الصحة معه في بعض الاحكام.
فتح: أي كما في أكل الصائم ناسيا وصحة الوقتية عند نسيان الفائتة.
قوله: (كما حققه الكمال) حيث قال: والذي في الخانية والخلاصة أنه لو خرج ناسيا أو مكرها أو لبول فحبسه الغريم ساعة أو لمرض فسد عنده، وعلل في الخانية المرض بأنه لا يغلب وقوعه فلم يصر مستثنى عن الايجاب فأفاد الفساد في الكل، وعلى هذا يفسد لو لاعادة مريض أو شهود جنازة وإن تعينت عليه، إلا أنه لا يأثم كما في المرض بل يجب كما في الجمعة، لا يفسد بها لانها معلوم وقوعها فكانت مستثناة، وعلى هذا خرج لانقاذ غريق أو حريق أو جهاد عم نفيره فسد ولا يأثم، وكذا إذا انهدم المسجد، ونص عليه في الخانية وغيرها، وكذا تفرق أهله وانقطاع الجماعة منه، ونص الحاكم في الكافي فقال: وأما قول أبي حنيفة: فاعتكافه فاسد، إذا خرج ساعة لغير غائط أو بول أو جمعة اه ملخصا.
قوله: (خلافا لما فصله الزيلعي) حيث جعل الخروج لعيادة المريض والجنازة وصلاتها وإنجاء الغريق والحريق والجهاد إذا كان النفير عاما، وأداء الشهادة مفسدا، بخلاف خروجه إلى مسجد آخر بانهدام المسجد أو تفرق أهله لعدم صلوات الخمس فيه، وإخرج ظالم كرها، وخوفا على نفسه أو ماله من المكابرين.
ومشى في نور الايضاح على هذا التفصيل لا على ما يأتي عن النهر، فافهم.
قوله: (لكن في النهر) حيث قال: صرح في البدائع وغيرها بأن عد الفساد في الانهدام والاكراه استحسان، لانه مضطر إليه لما بعد الانهدام خرج من أن يكون معتكفا لانه لا يصلي بالجماعة الصلوات الخمس، وهذا يفيد عدم الفساد بتفريق أهله اه.
وفي
الشرنبلالية: إنه نص على الاستحسان في ذلك في المحيط والمبتغي والجوهرة.
قلت: وكذا في المجتبى والسراج والتاترخانية، وبهذا سقط ما ذكره أبو السعود في محشى مسكين من أن ما في البدائع وغيرها قول الصاحبين، وأن الزيلعي ومسكينا والشرنبلالي وغيرهم(2/492)
خلطوا أحد القولين بالآخر، وأطال فيه بما لا يجدي، إذ لو كان قول الصاحبين فما معنى الاستحسان في بعض الاعذار دون بعض وهما يقولان بعدم الفساد بالخروج أقل من نصف نهار بلا عذر أصلا؟ وأيضا لو كان ذلك قولهما لنقله واحد منهم، بل صرح في البدائع في مسألتي الانهدام والاكراه بأنه لا يفسد إذا دخل مسجدا آخر من ساعته استحسانا، فقوله: من ساعته.
صريح في أنه على قول الامام.
والحاصل: أن مذهب الامام الفساد بالخروج إلا لبول أو غائط أو جمعة، كما مر التصريح به عن كافي الحاكم، وعليه ما مر عن الخانية والخلاصة والفتح، وأن بعض المشايخ استحسن عدمه في بعض المسائل، وكأنه في الخانية لم ير هذا الاستحسان وجيها لان انهدام المسجد لا يخرجه عن كونه معتكفا بناء على القول بأن إقامة الخمس فيه بالجماعة غير شرط كما مر أول الباب، ولان الخروج لمرض وحيض ونسيان إذا كان مفسدا مع أنه من قبل من له الحق سبحانه وتعالى فيكون للاكراه الذي هو قبل العبد مفسدا بالاول، ولعل المحقق ابن الهمام نظر إلى هذا فتبع المنقول في كافي الحاكم الذي هو تلخيص كتب ظاهر الرواية وفي الخانية وغيرها، وتبعه صاحب البحر واعتمده صاحب البرهان حيث اقتصر عليه في متنه مواهب الرحمن وتبعهم المصنف أيضا، وكذا العلامة المقدسي في شرحه وإن خالف فيه الشرنبلالي، فافهم.
قوله: (وفي التاترخانية) ومثله في القهستاني.
قوله: (لو شرط) فيه إيماء إلى عدم الاكتفاء بالنية.
أبو السعود.
قوله: (جاز ذلك) قلت: يشير إليه قوله في الهداية وغيرها عند قوله: ولا يخرج إلا لحاجة الانسان، لانه معلوم وقوعها، فلا بد من الخروج فيصير مستثنى اه.
والحاصل أن ما يغلب وقوعه يصير مستثنى حكما وإن لم يشترطه، وما لا فلا، إلا إذا
شرطه.
قوله: (وخص المعتكف بأكل الخ) أي في المسجد والباء داخلة على المقصور عليه، بمعنى أن المعتكف مقصور على الاكل ونحوه في المسجد لا يحل له في غيره، ولو كانت داخلة على المقصور كما هو المتبادر يرد عليه أن النكاح والرجعة غير مقصورين عليه لعدم كراهتهما لغيره في المسجد.
واعلم: أنه كما لا يكره الاكل ونحوه في الاعتكاف الواجب فكذلك في التطوع كما في كراهية جامع الفتاوى، ونصه: يكره النوم والاكل في المسجد لغير المعتكف، وإذا أراد ذلك ينبغي أن ينوي الاعتكاف فيدخل فيذكر الله تعالى بقدر ما نوى أو يصلي ثم يفعل ما شاء اه.
قوله: (فلو لتجارة كره) أي وإن لم يحضر السلعة واختاره قاضيخان ورجحه الزيلعي لانه منقطع إلى الله تعالى فلا ينبغي له أن يشتغل بأمور الدنيا.
بحر.
قوله: (ورجعة) معطوف على أكل لا على بيع إلا بتأويل العقد بما يشملها.
قوله: (لعدم الضرورة) أي إلى الخروج حيث جازت في المسجد وفي الظهيرية، وقيل يخرج بعد الغروب للاكل والشرب اه.
وينبغي حمله علما إذا لم يجد من يأتي له به فحينئذ يكون من الحوائج الضرورية كالبول.
بحر.
قوله: (إحضار مبيع فيه) لان المسجد محرز عن(2/493)
حقوق العباد، وفيه شغله بها، ودل تعليلهم أن المبيع لو لم يشغل البقعة لا يكره إحضاره كدراهم يسيرة أو كتاب ونحوه.
بحر.
لكن مقتضى التعليل الاول الكراهة وإن لم يشتغل.
نهر.
قلت: التعليل واحد، ومعناه أنه محرز عن شغله بحقوق العباد، وقولهم: وفيه شغله بها نتيجة التعليل ولذا أبدله في المعراج بقوله: فيكره شغله بها، فافهم.
وفي البحر: وأفاد إطلاقه أن إحضار ما يشتريه ليأكله مكروه، وينبغي عدم الكراهة كما لا يخفى اه: أي لان إحضاره ضروري لاجل الاكل، ولانه لا شغل به لانه يسير.
وقال أبو السعود: نقل الحموي عن البرجندي أن إحضار الثمن والمبيع الذي لا يشغل المسجد جائز اه.
قوله: (مطلقا) أي سواء احتاج إليه لنفسه أو عياله أو كان للتجارة أحضره أو لا كما يعلم مما قبله ومن الزيلعي والبحر.
قوله: (للنهي) ما رواه أصحاب السنن الاربعة وحسنه الترمذي أن رسول الله (ص) نهى عن الشراء والبيع في
المسجد، وأن ينشد فيه ضالة، أو ينشد فيه شعر، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة فتح.
قوله: (وكذا أكله) أي غير المعتكف قوله: (لكن الخ) استدراك على ما في الاشباه، وعبارة ابن الكمال عن جامع الاسبيجابي: لغير المعتكف أن ينام في المسجد مقيما كان أو غريبا أو مضطجعا أو متكئا رجلاه إلى القبلة أو إلى غيرها، فالمعتكف أولى اه.
ونقله أيضا في المعراج، وبه يعلم تفسير الاطلاق.
قال ط: لكن قوله: رجلاه إلى القبلة، غير مسلم لما نصوا عليه من الكراهة اه.
ومفاد كلام الشارح ترجيح هذا الاستدراك، والظاهر أن مثل النوم الاكل والشرب إذا لم يشغل المسجد ولم يلوثه، لان تنظيفه واجب كما مر، لكن قال في متن الوقاية: ويأكل: أي المعتكف ويشرب وينام ويبيع ويشتري فيه لا غيره.
قال منلا علي في شرحه: أي لا يفعل غير المعتكف شيئا من هذه الامور في المسجد اه.
ومثله في القهستاني ثم نقل ما مر عن المجتبى.
قوله: (وصمت) عدل عن السكوت للفرق بينهما، وذلك أن السكوت ضم الشفتين، فإن طال سمي صمتا.
نهر.
وإنما كره لانه ليس في شريعتنا لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى الليل رواه أبو داود وأسند أبو حنيفة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي (ص) نهى عن صوم الوصال وعن صوم الصمت فتح.
قوله: (ويجب) لم يقل يفترض ليشمل الواجب، فإن الكلام قد يكون حراما كالغيبة مثلا، وقد يكره كإنشاد شعر قبيح، وكذا كره لترويج سلعة، فالصمت عن الاول فرض وعن الثاني واجب، فافهم.
قوله: (وتكلم إلا بخير) فيه التفريع في الايجاب، إلا أن يقال: إنه نفى معنى.
ط عن الحموي: أي لان كره بمعنى لا يفعل كما قيل في قوله تعالى: * (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) * (التوبة: 23) وقوله: * (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) * (البقرة: 54) لانه بمعنى لا يريد، ومعنى لا تسهل كما ذكره ابن هشام في آخر المغني، ويحتمل كون إلا بمعنى غير كما في: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (الانبياء: 22) ولم يدخل عليها حرف الجر، بل تخطاها لما بعدها لانها على صورة الحرفية، والاولى جعل الجار متعلقا بمحذوف، والاستثناء من تكلم المذكور.
والمعنى: وكره تكلم إلا تكلما بخير، فحذف المتعلق الخاص(2/494)
للقرينة، فيكون الاستثناء من كلام تام موجب.
تأمل.
قوله: (ومنه المباح الخ) أي مما لا إثم فيه، وهذا ما استظهر في النهر أخذا من العناية، وبه رد على ما في البحر من أن الاولى تفسير الخير بما فيه ثواب، فيكره للمعتكف التكلم بالمباح، بخلاف غيره: أي غير المعتكف اه.
بأنه لا شك في عدم استغنائه عن المباح عند الحاجة إليه فكيف يكره له مطلقا؟ اهوالمراد ما يحتاج إليه من أمر الدنيا إذا لم يقصد به القربة، وإلا ففيه ثواب.
قوله: (وهو) أي المباح عند عدم الاحتياج إليه ط.
قوله: (إنه مكروه) أي إذا جلس له كما قيده في الظهيرية ذكره في البحر قبيل الوتر.
وفي المعراج عن شرح الارشاد: لا بأس بالحديث في المسجد إذا كان قليلا، فأما أن يقصد المسجد للحديث فيه فلا اه.
وظاهر الوعيد أن الكراهة فيه تحريمية.
قوله: (في فرج) أي قبل أو دبر.
قوله: (ولو كان وطؤه خارج المسجد) عممه تبعا للدرر إشارة إلى رد ما في العناية وغيرها من أن المعتكف إنما يكون في المسجد، فلا يتهيأ له الوطئ.
ثم قال: وأولوه بأنه جاز له الخروج للحاجة الانسانية، فعند ذلك يحرم عليه الوطئ.
وذكر في شرح التأويلات أنهم كانوا يخرجون ويقضون حاجتهم في الجماع ثم يغتسلون فيرجعون إلى معتكفهم، فنزل قوله تعالى: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * (البقرة: 781) اه.
قال الشيخ إسماعيل: وفيه نظر لامكان الوطئ في المسجد، وإن كان فيه حرمة من جهة أخرى وهي حلول الجنب فيه على أنه يحتمل أن تكون الزوجة معتكفة في مسجد بيتها فيأتيها فيه زوجها فيبطل اعتكافها اه.
قوله: (في الاصح) قال في الشرنبلالية: ولم يفسده الشافعي بالوطئ ناسيا، وهو رواية ابن سماعة عن أصحابنا اعتبارا له بالصوم، كذا في البرهان اه.
قوله: (حالته مذكرة) تعليل للاصح ببيان الفرق بينه وبين الصوم بأن المعتكف له حالة تذكره، فلا يغتفر نسيانه كالمحرم والمصلي، بخلاف الصائم.
قوله: (وبطل بإنزال الخ) لانه بالانزال صار في معنى الجماع.
نهر.
قوله: (لم يبطل لعدم معنى الجماع) ولذا لم يفسد به الصوم.
قوله: (وإن حرم الكل) أي كل ما ذكر من دواعي الوطئ.
إذ لا يلزم من عدم البطلان بها حلها لعدم الحرج.
قال في شرح المجمع: فإن قلت: لم لم تحرم الدواعي في الصوم وحالة الحيض كما حرم الوطئ؟ قلت: لان الصوم والحيض يكثر وجودهما، فلو حرم الدواعي فيهما لوقعوا في الحرج
وذلك مدفوع شرعا.
قوله: (ولا بأكل ناسيا الخ) والاصل أن ما كان من محظورات الاعتكاف وهو ما منع منه لاجل الاعتكاف لا لاجل الصوم لا يختلف فيه العمد والسهو والنهار والليل، كالجماع والخروج من المسجد وما كان من محظورات الصوم، وهو ما منع منه لاجل الصوم يختلف فيه العمد والسهو والليل والنهار كالاكل والشرب.
بدائع.
قوله: (وردته) وإذا بطل بها لم يجب قضاؤه كما(2/495)
تقدم.
قوله: (إن داما أياما) المراد بالايام أن يفوته صوم بسبب عدم إمكان النية ح.
ويقضيه في الاغماء كالجنون ط.
قوله: (سنة) عبارة البدائع: وغيرها سنين، والمراد المبالغة فيقضي في الاقل بالاولى.
قوله: (استحسانا) والقياس لا يقضي كما في صوم رمضان.
وجه الاستحسان: أن سقوط القضاء في صوم رمضان إنما كان لدفع الحرج، رمضان فيحرج في قضائه لا يتحقق في الاعتكاف.
فتح.
قوله: (ولزمه الليالي) أي اعتكافها مع الايام.
قوله: (بلسانه) فلا يكمجرد نية القلب.
فتح.
وقد مر.
قوله: (اعتكاف أيام) كعشرة مثلا.
قوله: ولاء) حال من الليالي، والاصل أنه متى دخل الليل والنهار في اعتكافه فإنه يلزمه متتابعا، ولا يجزيه لو فرق.
بحر.
وكذا لو نذر اعتكاف شهر غير معين لزمه اعتكاف شهر: أي شهر كان، متتابعا في الليل والنهار، بخلاف ما إذا نذر صوم شهر ولم يذكر التتابع ولا نواه فإنه يخير، إن شاء فرق لان الاعتكاف عبادة دائمة ومبناها على الاتصال لانه لبث وإقامة، والليالي قابلة لذلك، بخلاف الصوم.
وتمامه في البدائع.
قوله: (كعكسه) وهو نذر اعتكاف الليالي فتلزمه الايام ط.
قوله: (بلفظ الجمع) كثلاثين يوما أو ليلة، وكذا ثلاثة أيام فإنه في حكم الجمع، ولذا يتبع به الجمع كرجال ثلاثة، وإن أراد بالعددين المعدودين، يكون التمييز في المثال الاول في حكم الجمع لوقوعه تمييزا وبيانا لذات الجمع: أعني الثلاثين.
فافهم.
قوله: (وكذا التثنية) فإنها في حكم الجمع فيلزمه اعتكاف يومين بليلتهما، وهذا عندهما.
وقال أبو يوسف: لا تدخل الليلة الاولى.
بدائع.
وأفاد أن المفرد لا تدخل فيه الليلة كما يأتي قوله: يتناول الآخر أي بحكم العرف والعادة، تقول: كنا عند فلان ثلاثة أيام، وتريد ثلاثة أيام وما بإزائها من الليالي، وقال تعالى: * (ثلاث ليال
سويا) * (مريم: 01) و * (ثلاثة أيام إلا رمزا) * (آل عمران: 14) فعبر في موضع باسم الليالي وفي موضع باسم الايام، والقصة واحدة، فالمراد من كل واحد منهما ما هو بإزاء صاحبه، حتى إنه في الموضع الذي لم تكن الايام فيه على عدد اليالي أفرد كل واحد منهما بالذكر كقوله * (سبع ليال وثمانية أيام حسوما) * كما في البدائع.
قوله: (فلو نوى الخ) لما ذكر لزوم الليالي تبعا للايام ولم يقيد ذلك بنيتهما أو عدمها علم أنه لا فرق، ثم فرع عليه ما لو نوى أحدهما خاصة حيث كان في الكلام السابق إشارة إلى مخالفة حكمه لفصح التفريع، فافهم.
قوله: (النهار) أي جنسه.
وفي بعض النسخ: النهي بصيغة الجمع، وقيل لا يجمع كالعذاب والسراب كما في القاموس.
قوله: (صحت نيته) فيلزمه الايام بغير ليل، وله خيار التفريق لان القربة تعلقت بالايام، وهي متفرقة، فلا يلزمه التتابع إلا بالشرط كما في الصوم، ويدخل المسجد كل يوم قبل طلوع الفجر، ويخرج بعد غروب الشمس، بدائع.
قوله: (لنيته الحقيقة) أي اللغوية، أما العرفية، فتشمل الليالي كما قدمناه، وإذا كان للفظ حقيقة لغوية وحقيقة عرفية ينصرف عند الاطلاق عند أهل العرف إلى العرفية كما نصوا عليه فلذا احتاج إلى النية إذا أريد به الحقيقة اللغوية، وبه اندفع ما أورد من أن الحقيقة لا تحتاج إلى قرينة ونية، وأفاد في البدائع أن العرف أيضا في استعمال اللغوية باق فصحت نيته اه.
فكان العرف مشتركا، والظاهر أن(2/496)
الاكثر استعمالا خلاف اللغوي، فلذا انصرف إليه عند الاطلاق واحتاج اللغوي إلى النية.
قوله: (لا) أي لا تصح نيته لانه نوى ما لا يحتمله كلامه.
بحر.
والحاصل أنه إما أن يأتي بلفظ المفرد، أو المثنى، أو المجموع، وكل من الثلاثة إما أن يكون اليوم أو الليل، وكل من السنة إما أن ينوي الحقيقة أو المجاز أو ينويهما أو لم تكن له نية فهي أربعة وعشرون.
وعلمت حكم المثنى والمجموع بأقسامهما، بقي المفرد، فلو نذر اعتكاف يوم لزمه فقط نواه أو لم ينو، وإن نوى الليلة معه لزماه، ولو نذر اعتكاف ليلة لم يصح ما لم ينو بها اليوم كما مر، وتمامه في البحر.
قوله: (اعتكاف شهر) أي بأن أتى بلفظة شهر، أما لو قال ثلاثين يوما فهو ما مر.
قوله: (لما مر) أي أول الباب من قوله: لعدم محليتها ح: أي فإن الباقي بعد استثناء الايام هو
الليالي المجردة، فلا يصح اعتكاف المنذور فيها لمنافاتها شرطه وهو الصوم.
قوله: (واعلم أن الليالي تابعة للايام) أي كل ليلة تتبع اليوم الذي بعدها، ألا ترى أنه يصلي التراويح في أول ليلة من رمضان دون أول ليلة من شوال، فعلى هذا إذا ذكر المثنى أو المجموع يدخل المسجد قبل الغروب، ويخرج بعد الغروب من آخر يوم نذره كما صرح به في الخانية، وصرح بأنه إذا قال أياما يبدأ بالنهار فيدخل المسجد قبل طلوع الفجر اه.
فعلى هذا لا يدخل الليل في نذر الايام إلا إذا ذكر له عددا معينا.
بحر.
قوله: (إلا ليلة عرفة الخ) عبارة البحر عن المحيط: إلا في الحج فإنها في حكم الايام الماضية، فليلة عرفة تابعة ليوم التروية، وليلة النحر تابعه ليوم عرفة اه.
ونقل قبله عن أضحية الولوالجية: الليلة في كل وقت تبلنهار يأتي، إلا في أيام الاضحى فتبع لنهار ماض رفقا بالناس اه.
قلت: وفي حج الولوالجية أيضا: الليل في باب المناسك تبع للنهار الذي تقدم، ولهذا لو وقف بعرفة ليلة النحر قبل الطلوع أجزأه اه.
والحاصل: أن ليلة عرفة تابعة لما قبلها في الحكم حتى صح الوقوف فيها، وكذا ليلة النحر والتي تليه والتي بعدها، حتى صح النحر في الليالي وجاز الرمي فيها: والمراد أن الافعال التي تفعل في النهار من نحر أو وقوف أو نحو ذلك من أفعال المناسك يصح فعلها في الليلة التي تلي ذلك النهار رفقا بالناس، وبسبب ذلك أطلق على تلك الليلة أنها تبع لليوم الذي قبلها: أي تبع له في الحكم لا حقيقة، وإلا فكل ليلة تبع لليوم الذي بعدها، ولذا يقال: ليلة النحر لليلة التي يليها يوم النحر، ولو كانت لليوم الذي قبلها لصارت اسما لليلة عرفة، ولا يسوغ ذلك لا لغة ولا شرعا.
وحينئذ فلا يصح ما قيل إن اليوم الثالث من أيام النحر لا ليلة له وليوم التروية ليلتان، إلا أن يريد من حيث الحكم، وإلا لزم أنه لو نذر اعتكاف يوم التروية ويوم عرفة يجب عليه اعتكاف اليومين وثلاث ليال، والظاهر أنه لا يقول به أحد، فافهم.
مطلب في ليلة القدر(2/497)
قوله: (دائرة في رمضان اتفاقا) أي دائرة معه، بمعنى أنها توجد كلما وجد، فهي مختصة به عند الامام وصاحبيه، لكنها عندهما في ليلة معينة منه، وعنده لا تتعين، ويشير إلى ما قلنا في تفسير الدوران ما في البحر عن الكافي: ليلة القدر في رمضان دائرة لكنها تتقدم وتتأخر.
وعندهما: تكون في رمضان ولا تتقدم ولا تتأخر اه.
فافهم.
قوله: (لجواز كونها في الاول) أي في رمضان الاول: في الاولى: أي في الليلة الاولى منه، وفي رمضان الآتي في الليلة الاخيرة منه، فإذا انسلخ رمضان الاول لا يقع للاحتمال الاول، وإذا لم ينسلخ الآتي لا يقع أيضا للاحتمال الثاني، فإذا انسلخ الآتي تحقق وجودها في أحدهما فحينئذ.
قوله: (إذا مضى الخ) يعني إذا كانت هي الليلة الاولى فقد وقع بأول ليلة من القابل، وإن كانت الثانية، أو الثالثة الخ فقد وجدت في الماضي، فيتحقق عندهما وجودها قطعا بأول ليلة من القابل.
رملي.
قوله: (لكن قيده الخ) أي قيد صاحب المحيط الافتاء بقول الامام يكون الحالف فقيها: أي عالما باختلاف العلماء فيها، وإلا فلو كان عاميا فهي ليلة السابع والعشرين لان يسمونها ليلة القدر، فينصرف حلفه إلى ما تعارف عنده كما هو أحد الاقوال فيها، وله أدلة من الاحاديث، وأجاب عنها الامام بأن ذلك كان في ذلك العام.
تتمة: ما ذكره عن الامام هو قول له، وذكر في البحر عن الخانية أن المشهور عن الامام أنها تدور: أي في السنة كلها، قد تكون في رمضان وقد تكون في غيره اه.
قلت: ويؤيده ما ذكره سلطان العارفين سيدي محي الدين بن عربي في فتوحاته المكية بقوله: واختلف الناس في ليلة القدر: أعني في زمانها، فمنهم من قال: هي في السنة كلها تدور، وبه أول.
فإني رأيتها في شعبان، وفي شهر ربيع، وفي شهر رمضان، وأكثر ما رأيتها في شهر رمضان وفي العشر الآخر منه، ورأيتها مرة في العشر الوسط من رمضان في غير ليلة وتر وفي الوتر منها، فأنا على يقين من أنها تدور في السنة في وتر وشفع من الشهر اه.
وفيها للعلماء أقوال أخر بلغت ستة وأربعين.
خاتمة: قال في معراج الدراية: اعلم أن ليلة القدر ليلة فاضلة يستحب طلبها، وهي أفضل ليالي السنة، وكل عمل خير فيها يعدل ألف عمل في غيرها.
وعن ابن المسيب: من شهد العشاء ليلة القدر فقد أخذ نصيبه منها، وعن الشافعي: العشاء والصبح، ويراها من المؤمنين من شاء الله
تعالى.
وعن المهلب من المالكية: لا تمكن رؤيتها على الحقيقة، وهو غلط، وينبغي لمن يراها أن يكتمها ويدعو الله تعالى بالاخلاص اه.
اللهم إنا نسألك الاخلاص في القول والعمل وحسن الختام عند انتهاء الاجل، والعون على الاتمام يا ذا الجلال والاكرام، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(2/498)
كتاب الحج لما كان مركبا من المال والبدن وكان واجبا في العمر مرة ومؤخرا في حديث: بني الاسلام على خمس أخره وختم به العبادات: أي الخالصة، وإلا فنحو النكاح والعتاق والوقف يكون عبادة عند النية، لكنه لم يشرع لقصد التعبد فقط، ولذا صح بلا نية، بخلاف أركان الاسلام الاربعة فإنها لا تكون إلا عبادة لاشتراط النية فيها، هذا ما ظهر لي.
وأورد في النهر على قولهم مركب: إنه عبادة بدنية محضة، والمال إنما هو شرط في وجوده لا أنه جزء مفهومه اه.
وفيه أن كونه عبادة مركبه مما اتفقت عليه كلمتهم أصولا وفروعا حتى أوجبوا الحج عن الميت وإن فات عمل البدن لبقاء الجزء الآخر وهو المال كما سيجئ تقريره، وليس قولهم إنه مركب تعريفا له لبيان ماهيته حتى يقال: إن المال شرط فيه لا جزء مفهومه، بل المراد بيان أن التعبد به لا يتوصل إليه غالبا إلا بأعمال البدن وإنفاق المال لاجله، والصلاة والصوم وإن كانتا لا بد لهما من مال كثوب يستر عورته وطعام يقيم بنيته فإن ذلك ليس لاجلهما، بمعنى أنه لولاهما لم يفعله، ولذا لم يجعل المال من شروطهما، وجعل من شروطه، وأيضا فإن المال فيهما يسير لا مشقة في إنفاقه، بخلاف المال في حج الآفاقي، فإنه كثير فناسب أن يكون مقصودا في العبادة ولذا وجب دفعه إلى النائب عند العجز الدائم عن الافعال، ولم يجب الحج على الفقير القادر على المشي، ووجبت الصلاة والصوم على العاجز عن الساتر والسحور، هذا ما ظهر لي، فافهم.
قوله: (بفتح الحاء وكسرها) بهما قرئ في السبع، وقيل الاول الاسم والثاني المصدر، ط على المنح والنهر.
قوله:
(كما ظنه بعضهم) هو الزيلعي تبعا لاطلاق كثير منكتب اللغة، ونقل في الفتح تقييده بالمعظم عن ابن السكيت، وكذا قيده به السيد الشريف في تعريفاته، وكذا في الاختيار.
قوله: (وشرعا زيارة الخ) اعلم أنهم عرفوه بأنه قصد البيت لاداء ركن من أركان الدين ففيه معنى اللغة، واعترضهم في الفتح بأن أركانه الطواف، والوقوف، ولا وجود للمتشخص إلا بأجزائه المشخصة، وماهيته الكلية منتزعة منها، وتعريفه بالقصد لاجل الاعمال مخرج لها عن المفهوم، اللهم إلا أن يكون تعريفا اسميا غير حقيقي فهو تعريف لمفهوم الاسم عرفا، لكن فيه أن المتبادر من الاسم عند الاطلاق هو الاعمال المخصوصة لا نفس القصد المخرج لها عن المفهوم مع أنه فاسد في نفسه، فإنه لا يشمل الحج النفل، والتعريف إنما هو للحج مطلقا كتعريف الصلاة والصوم وغيرهما، لا للفرض فقط، ولانه حينئذ يخالف سائر أسماء العبادات فإنها أسماء للافعال كالصلاة للقيام، والقراءة الخ، والصوم للامساك الخ، والزكاة لاداء المال، فليكن الحج أيضا عبارة عن الافعال الكائنة عند البيت وغيره كعرفة اه.
ملخصا.
فعدل الشارح عن تفسير الزيلعي الزيارة بالقصد إلى تفسيرها بالطواف والوقوف تبعا للبحر ليكون اسما للافعال كسائر أسماء العبادات، ولما ورد عليه أن يكون قوله: بفعل مخصوص حشوا، إذ المراد به كما قالوا هو الطواف والوقوف تخلص عنه بتفسيره بأن يكون محرما الخ.
قيل: ولا يخفى ما فيه لانه يلزم عليه إدخال الشرط: أي الاحرام في التعريف، فلو أبقى الزيارة على معناها اللغوي وهو الذهاب وفسر الفعل المخصوص بالطواف والوقوف لكان أولى اه.(2/499)
وفيه أن الزيارة أيضا ليست ماهيته الحقيقية فيرد ما مر في تفسيره بالقصد على أن الاحرام وإن كان شرطا ابتداء فهو في حكم الركن انتهاء كما سيصرح به الشارح، ولو سلم فذكر الشرط لا يخل بالتعريف بل لا بد منه لانه لا يتحقق المعنى الشرعي بدونه كمن صلى بلا طهارة ولذا ذكروا النية في تعريف الزكاة والصوم، فافهم.
والتحقق أن تفسيره بالقصد لا يخرجه عن نظائره من أسماء العبادة، لان المراد بالقصد هنا الاحرام، وهو عمل القلب واللسان بالنية والتلبية، أو ما يقوم مقام التلبية من تقليد البدنة مع السوق
كما سيأتي، فيكون عمل الجوارح أيضا، ولان قوله: بفعل مخصوص الباء فيه للملابسة، والمراد به الطواف والوقوف، فهو قصد مقترن بهذه الافعال لا مجرد القصد، فلم يخرج عن كونه فعلا مخصوصا كسائر أسماء العبادات، نعم فرقوا بين الحج وسائر أسماء العبادات حيث جعلوا القصد فيه أصلا والفعل تبعا، وعكسوا في غيره لان الشائع في المعاني الاصطلاحية المنقولة عن المعاني اللغوية أن تكون أخص من اللغوية لا مباينة لها.
ولما كان الحج لغة هو مطلق القصد إلى معظم خصصوه بكونه قصدا إلى معظم معين بأفعال معينة، ولو جعل اسما للافعال المعينة أصالة لباين المعنى اللغوي المنقول عنه، بخلاف نحو الصوم، فإنه في اللغة مطلق الامساك، فخصصوه، بكونه إمساكا عن المفطرات، بنية من الليل.
وكذا في الزكاة في اللغة: الطهارة، وتزكية الشئ: تطهيره.
وتزكية المال المسماة زكاة شرعا: تمليك جزء منه، فإنه طهارة له لقوله تعالى: * (تطهرهم وتزكيهم بها) * (التوبة: 301) فهي تطهير مخصوص بفعل مخصوص، وهو التمليك، فلهذا جعل القصد أصلا في تعريف الحج شرعا دون غيره وإن كان القصد شرطا في الكل، وكذا جعل أصلا في تعريف التيمم، فإنه في اللغة مطلق القصد.
وعرفوه شرعا بأنه قصد الصعيد الطاهر على وجه مخصوص، وهو الضربتان، فهو قصد مقترن بفعل فلم يخرج عن كونه اسما لفعل العبد، وهذا معنى قول الزيلعي: جعل الحج اسما لقصد خاص مع زيادة وصف كالتيمم اسم لمطلق القصد، ثم جعل في الشرع اسما لقصد خاص زيادة وصف اه.
هذا ما ظهر لي في تحقق هذا المحل.
قوله: (سابقا) أي على الوقوف والطواف، أما كونه من الميقات فواجب ط.
قوله: (لعذر) إما لان الآية نزلت بعد فوات الوقت، أو لخوف من المشركين على أهل المدينة، أو خوفه على نفسه (ص)، أو كره مخالطة المشركين في نسكهم إذ كان لهم عهد في ذلك الوقت.
زيلعي.
وقدم الاول لما في حاشيته للشلبي عن الهدي لابن القيم أن الصحيح أن الحج فرض في أواخر سنة تسع.
وأن آية فرضه هي قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * (آل عمران: 79) وهي نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع، وأنه (ص) لم يؤخر الحج بعد فرضه عاما واحدا، وهذا هو اللائق بهديه وحاله (ص)، وليس بيد من ادعى تقدم فرض الحج سنة ست أو سبع أو ثمان أو تسع دليل واحد، وغاية ما احتج به من قال سنة
ست، أن فيها نزل قوله تعالى: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * (البقرة: 691) وهذا ليس فيه ابتداء فرض الحج وإنما فيه الامر بإتمامه إذا شرع فيه، فأين هذا من وجوب ابتدائه؟ اه.
قوله: (مع علمه الخ) جواب آخر غير متوقف على وجود العذر.(2/500)
وحاصله أن وجوبه على الفور للاحتياط، فإن في تأخيره تعريضا للفوات، وهو منتف في حقه (ص) لانه كان يعلم بقاء حياته إلى أن يعلم الناس مناسكهم تكميلا للتبليغ لقوله تعالى: * (لقد صدق الله رسوله الرؤيا) * الآية، فهذا أرقي في التعليل، ولذا جعل الاول تابعا له فهو كقولك: أكرم زيدا لانه محسن إليك مع أنه أبوك.
قوله: (لان سببه البيت) بدليل الاضافة في قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * (آل عمران: 79) فإن الاصل إضافة الاحكام إلى أسبابها كما تقرر في الاصول، ولا يتكرر الواجب إذا لم يتكرر سببه ولحديث مسلم يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله اه؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله (ص): لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم قال في النهر: والآية وإن كانت كافية في الاستدلال على نفي التكرار لان الامر لا يحتمله إلا أن إثبات النفي بمقتضى النفي أولى.
قوله: (وقد يجب) أي الحج، وهذا عطف على قوله فرض.
قوله: (كما إذا جاوز الميقات بلا إحرام) أي فإنه يجب عليه أن يعود إلى الميقات ويلبي منه، وكذا يجب عليه قبل المجاوزة.
قال في الهداية: ثم الآفاقي إذا انتهى إلى المواقيت على قصد دخول مكة عليه أن يحرم قصد الحج أو العمرة عندنا أو لم يقصد، لقوله (ص): لا يجاوز أحد الميقات إلا محرما ولو لتجارة ولان وجوب الاحرام لتعظيم هذه البقعة الشريفة، فيستوي فيه التاجر والمعتمر وغيرهما اه.
قال ح: فتحصل من هذا أن الحج والعمرة لا يكونان نفلا من الآفاقي، وإنما يكونان نفلا من البستاني والحرمي اه.
قلت: وفيه نظر، فإن حرمة مجاوزته بدون إحرام لا تدل على أن الاحرام لا يكون إلا واجبا من الآفاقي لان الواجب كونه متلبسا بالاحرام وقت المجاوزة، سواء كان الاحرام بحج نفل أو غيره،
لان الاحرام شرط لحل المجاوزة، والشرط لا يلزم تحصيله مقصودا كما مر في الاعتكاف، ونظيره أيضا أن الجنب لا يحل له دخول المسجد حتى يغتسل، فإذا اغتسل لسنة الجمعة مثلا ثم دخل جاز، مع أنه إنما نوى الغسل المسنون وإنما يجب إذا أراد الدخول، ولم يغتسل لغيره، وهنا إذا أراد مجاوزة الميقات وكان قاصدا للنسك وأحرم بنسك فرض أو منذور أو نفل كفاه لحصول المقصود في تعظيم البقعة، فإن لم يكن قاصدا لذلك بأن قصد الدخول لتجارة مثلا فحينئذ يكون إحرامه واجبا، ونظيره تحية المسجد تندرج في أي صلاة صلاها، فإن لم يصل فلا بد في تحصيل السنة من صلاتها على الخصوص، هذا ما ظهر لي، وعن هذا والله تعالى أعلم فرض الشارح تبعا للبحر والنهر تصوير الوجوب بما إذا جاوز الميقات بلا إحرام فإنه يجب عليه العود إلى الميقات ويلبي منه، ويكون إحرامه حينئذ واجبا إذا كان لاجل المجاوزة، أما لو أحرم قبلها بنسك فرض، أو نذر أو نفل فهو على ما نوى من فرض أو غيره، ولا يجب عليه إحرام خاص لاجل المجاوزة، وحينئذ فلا حزازة في عبارته، فافهم.
قوله: (كما سيجئ) أي قبيل فصل الاحرام وكذا قبيل فصل الاحصار.
قوله: (فإن اختار الحج اتصف بالوجوب) فيكون من قبيل الواجب المخير: أي وإن اختار العمرة اتصفت بالوجوب، وإنما تركه لعدم اقتضاء المقام إياه اه ح.(2/501)
مطلب فيمن حج بمال حرام قوله: (كالحج بمال حرام) كذا في البحر، والاولى التمثيل بالحج رياء وسمعة، فقد يقال: إن الحج نفسه الذي هو زيارة مكان مخصوص الخ ليس حراما، بل الحرام هو إنفاق المال الحرام، ولا تلازم بينهما، كما أن الصلاة في الارض المغصوبة تقع فرضا، وإنما الحرام شغل المكان المغصوب لا من حيث كون الفعل صلاة.
لان الفرض لا يمكن اتصافه بالحرمة، وهنا كذلك فإن الحج في نفسه مأمور به، وإنما يحرم من حيث الانفاق، وكأنه أطلق عليه الحرمة لان للمال دخلا فيه، فإن الحج عبادة مركبة من عمل البدن والمال كما قدمناه، ولذا قال في البحر: ويجتهد في تحصيل نفقة حلال، فإنه لا يقبل بالنفقة الحرام كما ورد في الحديث، مع أنه يسقط
الفرض عنه معها ولا تنافي بين سقوطه وعدم قبوله، فلا يثاب لعدم القبول، ولا يعاقب عقاب تارك الحج اه.
أي لان عدم الترك يبتني على الصحة: وهي الاتيان بالشرائط، والاركان، والقبول المترتب عليه الثواب يبتني على أشياء كحل المال والاخلاص، كما لو صلى مرائيا أو صام واغتاب فإن الفعل صحيح لكنه بلا ثواب، والله تعالى أعلم.
قوله: (ممن يجب استئذانه) كأحد أبويه المحتاج إلى خدمته، والاجداد والجدات كالابوين عند فقدهما، وكذا الغريم لمديون لا مال له يقضي به، والكفيل لو بالاذن، فيكره خروجه بلا إذنهم كما في الفتح، وظاهره أن الكراهة تحريمية ولذا عبر الشارح بالوجوب، وزاد في البحر عن السير: وكذا إن كرهت خروجه زوجته ومن عليه نفقته اه.
والظاهر أن هذا إذا لم يكن له ما يدفعه للنفقة في غيبته قال في البحر: وهذا كله في حج الفرض، أما حج النفل فطاعة الوالدين أولى مطلقا كما صرح به الملتقط.
قوله: (حتى يلتحي) وإن كان الطريق مخوفا لا يخرج وإن التحى.
بحر عن النوازل.
قوله: (على الفور) هو الاتيان به في أول أوقات الامكان، ويقابله قول محمد: إنه على التراخي، وليس معناه تعين التأخير بل بمعنى عدم لزوم الفور.
قوله: (وأصح الروايتين) لا يصلح عطفه على الثاني، فهو خبر مبتدأ محذوف، وقوله: عند الثاني خبر مبتدأ محذوف أي هذا عند الثاني، فقوله وأصح عطف عليه، فافهم.
قوله: (ومالك وأحمد) عطف على الامام فيفيد اختلاف الرواية عنهما أيضا، وعبارة شرح درر البحار تفيده أيضا حيث قال: وهو أصح الروايات عن أبي حنيفة ومالك وأحمد، فافهم.
قوله: (أي سنينا الخ) ذكره في البحر بحثا، وأتى بسنين منونا لانه قد يجري مجرى حين، وهو عند قوم مطرد.
قوله: (إلا بالاصرار) أي لكن بالاصرار، فهو استثناء منقطع لعدم دخول الاصرار تحت المرة ح.
ثم لا يخفى أنه لا يلزم من عدم الفسق عدم الاثم فإنه يأثم ولو بمرة.
وفي شرح المنار لابن نجيم عن التقرير للاكمل أن حد الاصرار إن تتكرر منه تكررا يشعر بقلة المبالاة بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك اه.
ومقتضاه أنه غير مقدر بعدد بل مفوض إلى الرأي والعرف، والظاهر أنه بمرتين لا يكون إصرارا ولذا قال: أي سنينا، فقوله في شرح الملتقى: فيفسق وترد شهادته بالتأخير عن العام الاول بلا عذر غير محرر، لان مقتضاه حصوله بمرة واحدة فضلا عن المرتين، فافهم.
قوله: (ووجهه الخ) أي وجه كون التأخير(2/502)
صغيرة أن الفورية واجبة لانها ظنية لظنية دليلها وهو الاحتياط، لان في تأخيره تعريضا له للفوات، وهو غير قطعي فيكون التأخير مكروها تحريما لا حراما، لان الحرمة لا تثبت إلا بقطعي كمقابلها، وهو الفرضية وما ذكره مبني على ما قاله صاحب البحر في رسالته المؤلفة في بيان المعاصي أن كل ما كره عندنا تحريما فهو من الصغائر، لكنه عد فيها من الصغائر ما هو ثابت بقطعي كوطئ المظاهر منها قبل التكفير والبيع عند أذان الجمعة.
تأمل.
قوله: (كاأداء) أي ويسقط عنه الاثم اتفاقا كما في البحر، قيل: المراد إثم تفويت الحج إثم التأخير.
قلت: لا يخفى ما فيه، بل الظاهر أن الصواب إثم التأخير إذ بعد الاداء لا تفويت.
وفي الفتح: ويأثم بالتأخير عن أول سني الامكان، فلو حج بعده ارتفع الاثم اه.
وفي القهستاني: فيأثم عند الشيخين بالتأخير إلى غيره بلا عذر إلا إذا أدى ولو في آخر عمره فإنه رافع للاثم بلا خلاف.
قوله: (وإن أثم بموته قبله) أي بالاجماع كما في الزيلعي، أما على قولهما فظاهر، وأما على قول محمد فإنه وإن لم يأثم بالتأخير عنده لكن بشرط الاداء قبل الموت فإذا مات قبله ظهر أنه آثم، قيل من السنة الاولى، وقيل من الاخيرة من سنة رأى في نفسه الضعف، وقيل يأثم في الجملة غير محكوم بمعين بل علمه إلى الله تعالى كما في الفتح.
قوله: (وسعه أن يستقرض الخ) أي جاز له ذلك، وقيل يلزمه الاستقراض كما في لباب المناسك.
قال منلا علي القاري في شرحه عليه: وهو رواية عن أبي يوسف، وضعفه ظاهر فإن تحمل حقوق الله تعالى أخف من ثقل حقوق العباد اه.
قلت: وهذا يرد على القول الاول أيضا إن كان المراد بقوله: ولو غير قادر على وفائه أن يعلم أنه ليس له جهة وفاء أصلا، أما لو علم أنه غير قادر في الحال وغلب على ظنه أنه لو اجتهد قدر على الوفاء فلا يرد.
والظاهر أن هذا هو المراد أخذا مما ذكره في الظهيرية أيضا في الزكاة حيث قال: إن لم يكن عنده مال وأراد أن يستقرض لاداء الزكاة: فإن كان في أكبر رأيه أنه إذا اجتهد بقضاء دينه قدر كان الافضل أن يستقرض، فإن استقرض وأدى ولم يقدر على قضائه حتى مات يرجى أن يقضي الله تبارك وتعالى دينه في الآخرة، وإن كان أكبر رأيه أنه لو استقرض لا يقدر على
قضائه كان الافضل له عدمه اه.
وإذا كان هذا في الزكاة المتعلق بها حق الفقراء ففي الحج أولى.
قوله: (على مسلم الخ) شروع في بيان شروط الحج، وجعلها في اللباب أربعة أنواع.
الاول: شروط الوجوب، وهي التي إذا وجدت بتمامها وجب الحج وإلا فلا، وهي سبعة: الاسلام، والعلم بالوجوب لمن في دارا لحرب، والبلوغ، والعقل، والحرية، والاستطاعه، والوقت: أي القدرة في أشهر الحج أو في وقت خروج أهل بلده على ما يأتي.
والنوع الثاني: شروط الاداء، وهي التي إن وجدت بتمامها مع شروط الوجوب، وجب أداؤه بنفسه، وإن فقد بعضها مع تحقق شروط الوجوب، فلا يجب الاداء بل عليه الاحجاج أو الايصاء عند الموت وهي خمسة: سلامة البدن، وأمن الطريق، وعدم الحبس.
والمحرم أن الزوج للمرأة، وعدم العدة لها.(2/503)
النوع الثالث: شرائط صحة الاداء، وهي تسعة: الاسلام، والاحرام، والزمان، والمكان، والتمييز والعقل، ومباشرة الافعال إلا بعذر، وعدم الجماع، والاداء من عام الاحرام.
النوع الرابع: شرائط وقوع الحج عن الفرض، وهي تسعة: الاسلام، وبقاؤه إلى الموت، والعقل، والحرية، والبلوغ، ولاداء بنفسه إن قدر، وعدم نية النفل، وعدم الافساد، وعدم النية عن الغير.
قوله: (على مسلم) فلو ملك الكافر ما به الاستطاعة ثم أسلم بعد ما افتقر لا يجب عليه شئ بتلك الاستطاعة، بخلاف ما لو ملكه مسلما فلم يحج حتى افتقر حيث يتقرر وجوبه دينا في ذمته، فتح، وهو ظاهر على القول بالفورية لا التراخي.
نهر.
قلت: وفيه نظر، لان على القول بالتراخي يتحقق الوجوب من أول سني الامكان، ولكنه يتخير في أدائه فيه أو بعده كما في الصلاة تجب بأول الوقت موسعا وإلا لزم أن لا يتحقق الوجوب إلا قبيل الموت، وأن لا يجب الاحجاج على من كان صحيحا ثم مرض أو عمي، وأن لا يأثم المفرط بالتأخير إذا مات قبل الاداء، وكل ذلك خلاف الاجماع، فتدبر.
قوله: (وقد حققناه الخ) حاصل ما ذكره هناك: أن في تكليفه بالعبادات ثلاثة مذاهب: مذهب السمرقنديين غير مخاطب بها
أداء واعتقادا، والبخاريين مخاطب اعتقادا فقط، والعراقيين مخاطب بهما فيعاقب عليهما.
قال: وهو المعتمد كما حرره ابن نجيم، لان ظاهر النصوص يشهد لهم وخلافه تأويل، ولم ينقل عن أبي حنيفة وأصحابه شئ ليرجع إليه اه.
ولا يخفى أن قوله: في حق الاداء يفهم أنه مخاطب بها اعتقادا فقد كما هو مذهب البخاريين وهو ما صححه صاحب المنار، لكن ليس في كلام الشارح أن ما هنا هو ما اعتمده هناك، وما قيل إن ما هنا خلاف المذهب فيه نظر لما علمت من أنه لا نص عن أصحاب المذهب، فافهم.
قوله: (حر) فلا يجب على عبد مدبرا كان أو مكاتبا أو مبعضا أو مؤذونا به ولو بمكة، أو كانت أم ولد لعدم أهليته لملك الزاد والراحلة، ولذا لم يجب على عبيد أهل مكة، بخلاف اشتراط الزاد والراحلة في حق الفقير، فإنه للتيسير لا للاهلية، فوجب على فقراء مكة.
وبهذا التقرير ظهر الفرق بين وجوب الصلاة والصوم على العبد دون الحج.
نهر.
وهو وجود الاهلية فيهما لا فيه، والمراد أهلية الوجوب وإلا فالعبد أهل للاداء فيقع لنفلا كما سيأتي.
قوله: (مكلف) أي بالغ عاقل فلا يجب على صبي ولا مجنون.
وفي المعتوه خلاف في الاصول: فذهب فخر الاسلام إلى أنه يوضع الخطاب عنه كالصبي، فيجب عليه شئ من العبادات.
وذهب الدبوسي إلى أنه مخاطب بها احتياطا بحر.
وقدمنا الكلام على المعتوه.
في أول الزكاة فراجعه.
تنبيه: ذكر في البدائع أنه لا يجوز أداء الحج من مجنون وصبي لا يعقل كما لا يجب عليهما اه.
ونقل غيره صحة حجمها.
ووفق في شرح اللباب بالفرق بين من له بعض إدراك وغيره.
قلت: وفيه نظر، بل التوفيق بحمل الاول على أدائهما بنفسهما، والثاني على فعل الولي.
ففي الولوالجية وغيرها: الصبي يحج به أبوه، وكذا المجنون لان إحرامه عنهما وهما عاجزان كإحرامهما بنفسهما اه.
وسيأتي تمامه.
قوله: (إما بالكون في دارنا) سواء سلم بالفرضية أم لا، نشأ على الاسلام فيها أم لا.
بحر.
وقوله: أو بإخبار عدل إلخ هذا لمن أسلم في دار الحرب، فلا(2/504)
يجب عليه قبل العلم بالوجوب.
بقي لو أدى قبله: ذكر القطبي في مناسكه بحثا أنه لا يجزيه عن الفرض، ونوزع بأن العلم ليس من شروط وقوع الحج عن الفرض كما علم مما مر، وبأن الحج
يصح بمطلق النية بلا تعيين الفرضية، بخلاف الصلاة، وبأنه يصح مما نشأ في دارنا وإن لم يعلم بالفرضية علته.
قوله: (أو مستورين) أفاد أن الشرط أحد شطري الشهادة العدد أو العدالة كما في النهر.
قوله: (صحيح البدن) أي سالم عن الآفات المانعة عن القيام بما لا بد منه في السفر، فلا يجب على مقعد ومفلوج وشيخ كبير لا يثبت على الراحلة بنفسه وأعمى، وإن وجد قائدا، ومحبوس وخائف من سلطان، لا بأنفسهم ولا بالنيابة في ظاهر المذهب عن الامام وهو رواية عنهما، وظاهر الرواية عنهما وجوب الاحجاج عليهم، ويجزيهم إن دام العجز، وإن زال أعادوا بأنفسهم.
والحاصل: أنه من شرائط الوجوب عنده، ومن شرائط وجوب الاداء عندهما، وثمرة الخلاف تظهر في وجوب الاحجاج والايصاء كما ذكرنا، وهو مقيد بما إذا لم يقدر على الحج وهو صحيح، فإن قدر ثم عجز قبل الخروج إلى الحج تقرر دينا في ذمته، فيلزمه الاحجاج، فلو خرج ومات في الطريق لم يجب الايصاء لانه لم يؤخر بعد الايجاب، ولو تكلفوا الحج بأنفسهم سقط عنهم، وظاهر التحفة اختيار قولهما، وكذا الاسبيجابي، وقواه في الفتح ومشى على أن الصحة من شرائط وجوب الاداء اه من البحر والنهر.
وحكي في اللباب اختلاف التصحيح، وفي شرحه أنه مشى على الاول في النهاية.
وقال في البحر العميق: إنه المذهب الصحيح، وإن الثاني صححه قاضيخان في شرح الجامع واختاره كثير من المشايخ ومنهم ابن الهمام.
قوله: (بصير) فيه الخلاف المار كما علمته.
قوله: (غير محبوس) هذا من شروط الاداء كما مر، والظاهر أنه لو كان حبسه لمنعه حقا قادرا على أدائه لا يسقط عنه وجوب الاداء.
تنبيه: ذكر في شرح اللباب عن شمس الاسلام أن السلطان ومن بمعناه من الامراء ملحق بالمحبوس فيجب الحج في ماله الخالي عن حقوق العباد، وتمامه فيه.
ولا يخفى أن هذا إن دام عجزه إلى الموت.
وإلا فيجب عليه الحج بنفسه بعد زوال عذره، وهو مقيد أيضا بما إذا كان قادرا على الحج ثم عجز، وإلا فلا يلزمه الاحجاج على الخلاف المذكور آنفا.
قوله: (يمنع منه) أي من الحج: أي الخروج إليه ط.
قوله: (ذي زاد وراحلة) أفاد أنه لا يجب إلا بملك الزاد وملك أجره الراحلة، فلا يجب بالاباحة أو العارية كما في البحر، وسيشير إليه.
قوله: (مختصة به) فلا يكفي لو
قدر على راحلة مشتركة يركبها مع غيره بالمعاقبة.
شرح اللباب.
قوله: (وهو المسمى بالمقتب) بضم الميم اسم مفعول: أي ذو القتب، وهو كما في القاموس: الاكاف الصغير حول السنام ح.
وذكر ضمير الراحلة باعتبار كونها مركوبا.
قوله: (وإلا) أي إن لم يقدر على ركوب المقتب.
قوله: (على المحارة) هي شبه الهودج.
قاموس: أي على شق منها بشرط أن يجد له معادلا كما صرح به في الشافعية، وما في البحر من أنه يمكنه أن يضع في الشق الآخر أمتعته، رده الخير الرملي وفي(2/505)
شرح اللباب: إما بركوب زاملة: أي مقتب، أو بشق محمل.
وأما المحفة فمن مبتدعات المترفهة فليس لها عبرة اه.
والظاهر أن المراد بالمحفة: التخت المعروف في زماننا المحمول بين جملين أو بغلين، لكن اعترضه الشيخ عبد الله العفيف في شرح منسكه بأنه منابذ لما قرروه من أنه يعتبر في كل ما يليق بحاله عادة وعرفا، فمن لا يقدر إلا عليها اعتبر في حقه بلا ارتياب، وإن قدر بالمحمل أو المقتب فلا يعذر ولو كان شريفا أو ذا ثروة اه.
قوله: (للآفاقي) مرتبط بقوله وراحلة لا بقوله فتشترط لايهامه أن غير الآفاقي يشترط له المقتب فلا يناسب قوله لا لمكي يستطيع المشي.
والحاصل: أن الزاد لا بد منه ولو لمكي كما صرح به غير واحد كصاحب الينابيع والسراج، وما في الخانية والنهاية من أن المكي يلزمه الحج ولو فقيرا لا زاد له، نظر فيه ابن الهمام، إلا أنه يراد ما إذا كان يمكنه الاكتساب في الطريق، وأما الراحلة فشرط للآفاقي دون المكي القادر على المشي، وقيل شرط مطلقا لان ما بين مكة وعرفات أربع فراسخ، ولا يقدر كل أحد على مشيها كما في المحيط، وصحح صاحب اللباب في منسكه الكبير الاول، ونظر فيه شارحه القاري بأن القادر نادر ومبنى الاحكام على الغالب، وحد المكي عندنا من كان داخل المواقيت إلى الحرم كما ذكره الكرماني، وهو بعيد جدا، بل الظاهر ما في السراج وغيره أنه من بينه وبين مكة أقل من ثلاثة أيام.
وفي البحر الزاخر: واشترط الراحلة في حق من بينه وبين مكثلاثة أيام فصاعدا، أما ما دونه فلا إذا كان قادرا على المشي، وتمامه في شرح اللباب.
تنبيه: في اللباب: الفقير الآفاقي إذا وصل إلى ميقات فهو كالمكي.
قال شارحه: أي حيث
لا يشترط في حقه إلا الزاد والراحلة إن لم يكن عاجزا عن المشي، وينبغي أن يكون الغني الآفاقي كذلك إذا عدم الركوب بعد وصوله إلى أحد المواقيت، فالتقييد بالفقير لظهور عجزه عن المركب، وليفيد أنه يتعين عليه أن لا ينوي نفلا على زعم أنه لا يجب عليه لفقره لانه ما كان واجبا وهو آفاقي فلما صار كالمكي وجب عليه، فلو نواه نفلا لزمه الحج ثانيا اه ملخصا.
ونظيره ما سنذكره في باب الحج عن الغير من أن المأمور بالحج إذا واصل إلى مكة لزمه أن يمكث ليحج حج الفرض عن نفسه، لكونه صار قادرا على ما فيه كما ستعلمه إن شاء الله تعالى.
قوله: (لشبهه بالسعي إلى الجمعة) أي في عدم اشتراط الراحلة فيه.
قوله: (وأفاد) أي حيث عبر بالراحلة وهيمن الابل خاصة، وهو الموافق للهداية وشروحها، ولما في كتب اللغة من أنها المركب من الابل ذكرا كان أو أنثى، وما في القهستاني ومن تفسيرها بأنها ما يحمله ويحمل ما يحتاجه من طعام وغيره، وأنها في الاصل البعير القوي على الاسفار والاحمال اه.
لا يخالف ذلك لان غير البعير لا يحمل الانسان مع ما يحتاجه في المسافة البعيدة.
وقد صرح في المجتبى عن شرح الصباغي بأنه لو ملك كرى حمار فهو عاجز عن النفقة اه.
والذي ينبغي ما قاله الامام الاذرعي من الشافعية من اعتبار القدرة على(2/506)
البغل والحمار فيمن بينه وبين مكة مراحل يسيرة دون البعيدة، لان غير الابل لا يقوى عليها.
قال السندي في منسكه الكبير: وهو تفصيل حسن جدا، ولم أر في كلام أصحابنا ما يخالفه بل ينبغي أن يكون هذا التفصيل مرادهم اه.
فافهم.
قوله: (وإنما صرحوا بالكراهة) أي التنزيهية كما استظهره صاحب البحر بدليل أفضلية مقابلة ط.
قوله: (به يفتى) لعل وجهه أن فيه زيادة النفقة، وهي مقصودة في الحج، ولذا اشترط في الحج عن الغير أن يحج راكبا إذا اتسعت النفقة، حتى لو حج ماشيا ولو بأمره ضمن كما صرح به في اللباب، لكن سيأتي آخر كتاب الحج أن من نذر حجا ماشيا وجب عليه المشي في الاصح وعليه المتون، وعلله في الهداية وغيرها بأنه التزم القربة بصفة الكمال لقوله (ص): من حج ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة من حسنات الحرم، قيل: وما حسنات الحرم؟ قال: كل حسنة بسبعمائة ولانه أشق على البدن فكان أفضل، وتمامه في شرح الجامع
الخاني.
وقال في الفتح: إن قيل كره أبو حنيفة الحج ماشيا فكيف يكون صفة كمال؟ قلنا: إنما كرهه إذا كان مظنة سوء الخلق، كأن يكون صائما مع المشي أو لا يطيقه، وإلا فلا شك أن المشي أفضل في نفسه لانه أقرب إلى التواضع والتذلل، ثم ذكر الحديث المار وغيره.
قلت: وأما مسألة الحج عن الغير فلعل وجهها أن الميت لما عجز عن إحدى المشقتين وهي مشقة البدن، ولم يقدر إلا على الاخرى وهي مشقة المال صارت كأنها هي المقصود فلزم الاتيان بها كاملة، ولذا وجب الاحجاج من منزل الآمر والانفاق من ماله، ولم يجزه تبرع غيره عنه لعدم حصول مقصوده، فليتأمل.
قوله: (والمقتب أفضل من المحارة) لانه (ص) حج كذلك، ولانه أبعد من الرياء والسمعة وأخف على الحيوان.
قوله: (وفي إجارة الخلاصة الخ) قال الخير الرملي: نقله في الخلاصة عن الفتاوى الصغرى، ولعمري هذا إحجاف على الحمار وإنصاف في حق الجمل، فتأمل.
وذكر في الجوهرة أن المن ستة وعشرون أوقية، والاوقية سبعة مثاقيل وهي عشرة دراهم، والمائتان وأربعون منا هي الوسق، وهي قنطار دمشقي تقريبا.
قوله: (فظاهره أن البغل كالحمار) كذا في النهر، وكأنه أراد الحمار القوي المعد لحمل الاثقال في الاسفار فإنه كالبغل، وإلا فأكثر الحمير دون البغال بكثير، فافهم.
قوله: (ولو وهب الاب لابنه الخ) وكذا عكسه، وحيث لا يجب قبوله مع أنه لا يمن أحدهما على الآخر يعلم حكم الاجنبي بالاولى، ومراده إفادة أن القدرة على الزاد والراحلة لا بد فيها من الملك دون الاباحة والعارية كما قدمناه.
قوله: (وهذا) أي المذكور وهو القدرة على الزاد والراحلة.
قوله: (خلافا للاصوليين) حيث قالوا: إنها من شروط وجوب الاداء، وتمامه في البحر وفيما علقناه عليه.
قوله: (كما مر في الزكاة) أي من بيان مالا بد منه من الحوائج الاصلية كفرسه وسلاحه وثيابه وعبيد خدمته وآلات حرفته وأثاثه وقضاء ديونه وأصدقته ولو مؤجلة كما في اللباب وغيره، والمراد قضاء ديون العباد، ولذا قال في اللباب أيضا: وإن وجد مالا وعليه حج وزكاة يحج به، قيل: إلا أن يكون المال من جنيس ما تجب فيه الزكاة فيصرف إليها اه.(2/507)
تنبيه: ليس من الحوائج الاصلية ما جرت به العادة المحدثة برسم الهدية للاقارب
والاصاب، فلا يعذر بترك الحج لعجزه عن ذلك كما نبه عليه العمادي في منسكه، وأقره الشيخ إسماعيل وعزاه بعضهم إلى منسك المحقق ابن أمير حاج، وعزاه السيد أبو السعود إلى مناسك الكرماني.
قوله: (ومنه المسكن) أي الذي يسكنه هو أو من يجب عليه مسكنه، بخلاف الفاضل عنه من مسكن أو عبد أو متاع أو كتب شرعية أو آلية كعربية، أو نحو الطب والنجوم وأمثالها من الكتب الرياضية فتثبت بها الاستطاعة وإن احتاج إليها كما في شرح اللباب عن التاترخانية.
قوله: (فإنه لا يلزمه بيع الزائد) لانه لا يعتبر في الحاجة قدر ما لا بد منه ولو كان عنده طعام سنة، ولو أكثر لزمه بيع الزائد إن كان فيه وفاء كما في اللباب وشرحه.
قوله: (والاكتفاء) بالجر عطفا على بيع.
قوله: (لا يلزمه) تبع في عزو ذلك إلى الخلاصة ما في البحر والنهر، والذي رأيته في الخلاصة هكذا: وإن لم يكن له مسكن ولا شئ من ذلك وعنده دراهم تبلغ به الحج وتبلغ ثمن مسكن وخادم وطعام وقوت وجب عليه الحج، وإن جعلها في غيره أثم اه.
لكن هذا إذا كان وقت خروج أهل بلده كما صرح به في اللباب، أما قبله فيشتري به ما شاء لانه قبل الوجوب كما في مسألة التزوج الآتية، وعليه يحمل كلام الشارح فتدبر.
قوله: (يشترط بقاء رأس مال لحرفته) كتاجر ودهقان ومزارع كما في الخلاصة، ورأس المال يختلف باختلاف الناس.
بحر.
قلت: والمراد ما يمكنه الاكتساب به قدر كفايته وكفاية عياله لا أكثر لانه لا نهاية له.
قوله: (وفي الاشباه) المسألة منقولة عن أبي حنيفة في تقديم الحج على التزوج، والتفصيل المذكور ذكره صاحب الهداية في التجنيس، وذكرها في الهداية مطلقة، واستشهد بها على أن الحج على الفور عنده، ومقتضاه تقديم الحج على التزوج، وإن كان واجبا عند التوقان وهو صريح ما في العناية مع أنه حينئذ من الحوائج الاصلية، ولذا اعترضه ابن كمال باشا في شرحه على الهداية بأنه حال التوقان مقدم على الحج اتفاقا، لان في تركه أمرين: ترك الفرض، والوقوع في الزنا.
وجواب أبي حنيفة في غير حال التوقان اه: أي في غير حال تحققه الزنا، لانه لو تحققه فرض التزوج، أما لو خافه فالتزوج واجب لا فرض فيقدم الحج الفرض عليه فافهم.
قوله: (وفضلا عن نفقة عياله) هذا داخل تحت ما لا بد منه، فهو من عطف الخاص على العام اهتماما بشأنه.
نهر.
والنفقة تشمل الطعام
والكسوة والسكنى، ويعتبر في نفقته ونفقة عياله الوسط من غير تبذير ولا تقتير.
بحر: أي الوسط من حاله المعهود، ولذا أعقبه من غير تبذير الخ لا ما بين نفقة الغني والفقير، فلا يرد ما في البحر من أن اعتبار الوسط في نفقة الزوجة خلاف المفتى به، والفتوى على اعتبار حالهما كما سيأتي إن شاء الله تعالى اه.
لان المراد بالوسط هناك المعنى الثاني، والمراد هنا الاول، فافهم.(2/508)
مطلب في قولهم: يقدم حق العبد على حق الشرع قوله: (لتقدم حق العبد) أي على حق الشرع لا تهاونا بحق الشرع، بل لحاجة العبد وعدم حاجة الشرع، ألا ترى أنه إذا اجتمعت الحدود وفيها حق العبد، يبدأ بحق العبد لما قلنا، ولانه ما من شئ إلا ولله تعالى في حق، فلو قدم حق الشرع عند الاجتماع بطل حقوق العباد، كذا في شرح الجامع الصغير لقاضيخان.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام فدين الله أحق فظاهر أنه أحق من جهة التعظيم، لا من جهة التقديم، ولذا قلنا: لا يستقرض ليحج إلا إذا قدر على الوفاء كما مر، وكذا جاز قطع الصلاة أو تأخيرها لخوفه على نفسه أو ماله أو نفس غيره أو ماله كخوف القابلة على الولد والخوف من تردي أعمى وخوف الراعي من الذئب وأمثال ذلك كإفطار الضيف.
قوله: (إلى حين عوده) متعلق بقوله: فضلا أو بما لا بد منه لانه بمعنى ما يحتاج أو بنفقة: أي فلا يشترط بقاء نفقة لما بعد عوده، وهذا ظاهر الرواية.
قوله: (مع أمن الطريق) أي وقت خروج أهل بلده وإن كان مخيفا في غيره.
بحر.
وقدمنا عن اللباب أنه من شروط وجوب الاداء، وفي شرحه أنه الاصح، ورجحه في الفتح.
وروي عن الامام أنه شرط وجوب، فعلى الاول تجب الوصية به إذا مات قبل أمن الطريق، أما بعده فتجب اتفاقا.
بحر.
قوله: (بغلبة السلامة) كذا اختاره الفقيه أبو الليث وعليه الاعتماد.
واختلف في سقوطه إذا لم يكن بد من ركوب البحر، فقيل: يسقط، وقال الكرماني: إن كان الغالب فيه السلامة من موضع جرت العادة بركوبه يجب وإلا فلا، وهو الاصح.
بحر قال في الفتح: والذي يظهر أنه يعتبر مع غلبة السلامة عدم غلبة الخوف، حتى لو غلب لوقوع النهب والغلبة
من المحاربين مرارا أو سمعوا أن طائفة تعرضت للطريق ولها شوكة والناس يستضعفون أنفسهم عنهم، لا يجب، وما أفتى به الرازي من سقوطه عن أهل بغداد وقول الاسكاف في سنة ست وثلاثين وستمائة: لا أقول إنه فرض في زماننا، وقول الثلجي: ليس على أهل خراسان منذ كذا كذا سنة حج، إنما كان وقت غلبة النهب والخوف في الطريف ثم زال ولله المنة.
قوله: (على ما حققه الكمال) حيث قال: وقول الصفار: لا أرى الحج فرضا منذ عشرين سنة من حين خرجت القرامطة لانه لا يتوصل إليه إلا بإرشائهم، فتكون الطاعة سبب المعصية، فيه نظر، لان هذا لم يكن من شأنهم، إنما شأنهم استحلال قتل الانفس وأخذ الاموال، وكانوا يغلبون على أماكن يترصدون فيها للحجاج، وقد هجموا عليهم مرة في مكة فقتلوا خلقا في الحرم، وقد سئل الكرخي عمن لا يحج خوفا منهم، فقال: ما سلمت البادية من الآفات: أي لا تخلو عنها لقلة الماء وهيجان السموم، وهذا إيجاب منه رحمه الله تعالى، ومحمله أنه رأى أن الغالب اندفاع شرهم عن الحاج، وبتقديره فالاثم في مثله على الآخذ على ما عرف من تقسيم الرشوة في كتاب القضاء اه.
ملخصا.
واعترضه ابن كمال باشا في شرحه على الهداية بأن ما ذكر في القضاء ليس على إطلاقه، بل فيما إذا كان المعطي مضطرا بأن لزمه الاعطاء ضرورة عن نفسه أو ماله، أما إذا كان بالالتزام منه فبالاعطاء أيضا يأثم، وما نحن فيه من هذا القبيل اه.
وأقره في النهر.
وأجاب السيد أبو السعود بأنه مضطر لاسقاط الفرض عن نفسه.(2/509)
قلت: ويؤيده ما يأتي عن القنية والمجتبى، فإن المكس والخفارة رشوة، ونقل ح عن البحر أن الرشوة في مقل هذا جائزة، ولم أره فيه فليراجع.
قوله: (إن قتل بعض الحجاج) أي في كل عام أو في غالب الاعوام، وحينئذ فلا تكون السلامة غالبة اه ح.
قلت: فيه نظر، فإن غلبة السلامة ليس المراد بها لكل أحد بل للمجموع، وهي إلا تنتفي إلا بقتل الاكثر أو الكثير، أما قتل اللصوص لبعض قليل مع جمع كثير سيما إذا كان بتفريطه بنفسه وخروجه من بينهم فالسلامة فيه غالبة، نعم إذا كان القتل بمحاربة القطاع مع الحجاج فهو عذر إذا
غلب الخوف، لما مر عن الفتح من أنه يشترط عدم غلبة الخوف الخ، على أنك قد سمعت آنفا جواب الكرخي في شأن القرامطة المستحلين لقتل الحجاج، وأيضا فإن ما يحصل من الموت بقلة الماء وهيجان السموم أكثر مما يحصل بالقتل بأضعاف كثيرة، فلو كان عذرا لزم أن لا يجب الحج إلا على القريب من مكفي أوقات خاصة، مع الله تعالى أوجبه على أهل الآفاق من كل فج عميق، مع العلم بأن سفره لا يخلو عما يكون في غيره من الاسفار من موت وقتل وسرقة، فافهم.
قوله: (من المكس والخفارة) المكس: ما يأخذه العشار، والخفارة: ما يأخذه الخفير، وهو المجير، ومثله ما يأخذه الاعراب في زماننا من الصر المعين من جهة السلطان نصره الله تعالى لدفع شرهم.
قوله: (والمعتمد لا) وعليه الفتوى شرح اللباب عن المنهاج.
قوله: (وعليه) أي على كون المعتمد عدم كونه عذرا فيحتسب الخ ح.
قوله: (كما في مناسك الطرابلسي) وعزاه في شرح اللباب إلى الكرماني.
قوله: (ومع زوج أو محرم) هذا وقوله ومع عدم عدة عليها شرطان مختصان بالمرأة فلذا قال: لا مرأة وما قبلهما من الشروط مشترك، والمحرم من لا يجوز له مناكحتها على التأبيد بقرابة أو رضاع أو صهرية كما في التحفة، وأدخل في الظهيرية بنت موطوءته من الزنى حيث يكون محرما لها، وفيه دليل على ثبوتها بالوطئ الحرام، وبما تثبت به حرمة المصاهرة كذا في الخانية.
نهر.
لكن قال في شرح اللباب: ذكر قوام الدين شارح الهداية أنه إذا كان محرما بالزنى فلا تسافر معه عند بعضهم، وإليه ذهب القدوري وبه نأخذ اه.
وهو الاحوط في الدين والابعد عن التهمة اه.
قوله: (ولو عبدا) راجع لكل من الزوج والمحرم.
وقوله: أو ذميا أو برضاع يختص بالمحرم كما لا يخفى ح.
لكن نقل السيد أبو السعود عن نفقات البزازية: لا تسافر بأخيها رضاعا في زماننا اه: أي لغلبة الفساد.
قلت: ويؤيده كراهة الخلوة بها كالصهرة الشابة، فينبغي استثناء الصهرة الشابة هنا أيضا لان السفر كالخلوة.
قوله: (كما في النهر بحثا) حيث قال: وينبغي أن يشترط في الزوج ما يشترط في المحرم، وقد اشترط في المحرم العقل والبلوغ اه.
لكن كان على الشارح أن يؤخره عن قوله: عاقل وهذا البحث نقله القهستاني عن شرح الطهاوي ح.
قوله: (والمراهق كبالغ) اعتراض بين النعوت ح.
قوله: (غير مجوسي) مختص بالمحرم، إذ لا يتصور في زوج الحاجة أن يكون مجوسيا
ح.
قوله: (ولا فاسق) يعم الزوج والمحرم ح، وقيده في شرح اللباب بكونه ماجنا لا يبالي.
قوله:(2/510)
(لعدم حفظهما) لمعد لان المجوسي يخشى عليها منه لاعتقاده حل نكاح محرمه، والفاسق الذي لا مروءة له كذلك ولو زوجا، وترك المصنف تقييد المحرم بكونه مأمونا لاغناء ما ذكره عنه، فافهم.
قوله: (مع وجوب النفقة الخ) أي فيشترط أن تكون قادرة على نفقتها ونفقته.
قوله: (لمحرمها) قيد به لانه لو خرج معها زوجها فلا نفقة له عليها بل هي لها عليه النفقة، وإن لم يخرج معها فكذلك عند أبي يوسف، وقال محمد: لا نفقة لها لانها مانعة نفسها بفعلها.
سراج.
قوله: (لانه محبوس عليها) أي حبس نفسه لاجلها، ومن حبس نفسه لغيره فنفقته عليه.
قوله: (لامرأة) متعلق بمحذوف صفة لزوج أو محرم أو متعلق بفرض.
قوله: (حرة) مستدرك لان الكلام فيمن يجب عليه الحج، وقد مر اشتراط الحرية فيه، لكن أشابه إلى أن ما استفيد من المقام من عدم جواز السفر للمرأة إلا بزوج أو محرم خاص بالحرة، فيجوز للامة والمكاتبة والمدبرة وأم الولد السفر بدونه كما في السراج، لكن في شرح اللباب والفتوى: على أنه يكره في زماننا.
قوله: (ولو عجوزا) أي لاطلاق النصوص.
بحر.
قال الشاعر: لكل ساقطة في الحي لاقطة وكل كاسدة يوما لها سوق قوله: (في سفر) هو ثلاثة أيام ولياليها فيباح لها الخروج إلى ما دونه لحاجة بغير محرم.
بحر.
وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهة خروجها وحدها مسيرة يوم واحد، وينبغي أن يكون الفتوى عليه لفساد الزمان.
شرح اللباب.
ويؤيده حديث الصحيحين: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها وفي لفظ لمسلم: مسيرة ليلة وفي لفط يوم لكن قال في الفتح: ثم إذا كان المذهب الاول فليس للزوج منعها إذا كان بينها وبين مكة أقل من ثلاثة أيام.
قوله: (قولان) هما مبنيان على أن وجود الزوج أو المحرم شرط وجوب أم شرط وجوب أداء، والذي اختاره في الفتح أنه مع الصحة وأمن الطريق شرط وجوب الاداء فيجب الايصاء إن منع المرض، وخوف الطريق أو لم يوجد زوج، ولا محرم، ويجب عليها التزوج عند فقد
المحرم، وعلى الاول لا يجب شئ من ذلك كما في البحر ح وفي النهر وصحح الاول في البدائع، ورجح الثاني في النهاية تبعا لقاضيخان، واختاره في الفتح اه.
قلت: لكن جزم في الباب بأنه لا يجب عليها التزوج مع أنه مشى على جعل المحرم أو الزوج شرط أداء، ورجح هذا في الجوهرة وابن أمير حاج في المناسك، كما قاله المصنف في منحه قال: ووجهه أنه لا يحصل غرضها بالتزوج، لان الزوج له أن يمتنع من الخروج معها، بعد أن يملكها ولا تقدر على الخلاص منه، وربما لا يوافقها فتتضرر منه، بخلاف المحرم، فإنه إن وافقها أنفقت عليه، وإن امتنع أمسكت نفقتها وتركت الحج اه.
فافهم.
قوله: (وليس عبدها بمحرم لها) أي ولو مجبوبا أو خصيا، لانه لا يحرم نكاحها عليه على التأييد بل ما دام مملوكا لها.
قوله: (وليس لزوجها منعها) أي إذا كان معها محرم وإلا فله منعها كما يمنعها من غير حجة الاسلام، ولو واجبة بصنعها كالمنذورة، والتي أحرمت بها ففاتتها وتحللت منها بعمرة فلا تقضيها إلا بإذنه، وكذا لو دخلت مكة بعد مجاوزة الميقات غير محرمة لان حق الزوج لا تقدر على منعه بفعلها بل بإيجاب الله تعالى في حجة الاسلام.
رحمتي.
وإذا منعها زوجها فيما يملكه تصير محصرة كما سيأتي في بابه إن(2/511)
شاء الله تعالى.
قوله: (مع الكراهة) أي التحريمية للنهي في حديث الصحيحين: لا تسافر امرأة ثلاثا إلا ومعها محرم زاد مسلم في رواية: أو زوج ط قوله: (ومع عدم عدة الخ) أي فلا يجب عليها الحج إذا وجدت كما في شرح المجمع واللباب، قال شارحه: وهو مشعر بأنه شرط الوجوب، وذكر ابن أمير حاج أنه شرط الاداء وهو الاظهر.
قوله: (أية عدة كانت) أي سواء كانت عدة وفاة أو طلاق بائن أو رجعين ح.
قوله: (المانعة من سفرها) أما الواقعة في السفر: فإن كان الطلاق رجعيا لا يفارقها زوجها، أو بائنا فإن كان إلى كل من بلدها ومكة أقل من مدة السفر تخيرت، أو إلى أحدهما سفر دون الآخر تعين أن تصير إلى الآخر، أو كل منهما سفر، فإن كانت في مصر قرت فيه إلى أن تنقضي عدتها، ولا تخرج وإن وجدت محرما خلافا لهما وإن كانت في قرية أو مفازة لا تأمن على نفسها فلها أن تمضي إلى موضع أمن، ولا تخرج منه حتى تمضي عدتها، وإن وجدت محرما عنده
خلافا لهما، كذا في فتح القدير.
قوله: (وقت) ظرف متعلق بمحذوف خبر العبرة: أي ثابتة وقت خروج أهل بلدها، ولو قبل أشهر الحج لبعد المسافة ط.
قوله: (وكذا سائر الشرائط) أي يعتبر وجودها في ذلك الوقت.
تتمة: ذكر صاحب اللباب في منسكه الكبير أن من الشرائط إمكان السير، وهو أن يبقى وقت يمكنه الذهاب فيه إلى الحج على السير المعتادة، فإن احتاج إلى أن يقطع كل يوم أو في بعض الايام أكثر من مرحلة لا يجب الحج اه.
وذكر شاحر اللباب أن منها أن يتمكن من أداء المكتوبات في أوقاتها.
قال الكرماني: لانه لا يليق بالحكمة إيجاب فرض على وجه يفوت به فرض آخر اه.
وتمامه هناك.
قوله: (فلو أحرم صبي الخ) تفريع على اشتراط البلوغ والحرية.
قوله: (أو أحرم عنه أبوه) المراد من كان أقرب إليه بالنسب، فلو اجتمع والد وأخ يحرم الولد كما في الخانية، والظاهر أنه شرط الاولوية.
لباب وشرحه.
قوله: (وينبغي الخ) قال في اللباب وشرحه: وينبغي لولية أن يجنبه من محظورات الاحرام كلبس المخيط والطيب، وإن ارتكابها الصبي لا شئ عليهما.
قوله: (وظاهره) أي ظاهر قول المبسوط: أو أحرم عنه أبوه بإعادة الضمير إلى الصبي العاقل، لكن تأمله مع قول اللباب: وكل ما قدر الصبي عليه بنفسه لا تجوز فيه النيابة اه.
وكذا ما في جامع الاستروشني عن الذخيرة قال محمد في الاصل: والابي الذي يحج له أبوه يقضي المناسك ويرمي الجمار، وأنه على وجهين: الاول إذا كان صبيا لا يعقل الاداء بنفسه، وفي هذا الوجه إذا أحرم عنه أبوه جاز، وإن كان يعقل الاداء بنفسه يقضي المناسك كلها، يفعل مثل ما يفعله البائع اه.
فهو كالصريح في أن إحرامه عنه إنما يصح إذا كان لا يعقل.
قوله: (قبل الوقوف) وكذا بعده بالاولى، وهو راجع لقوله: بلغ وعتق.
قوله: (لانعقاده نفلا) وكان القياس أن يصح فرضا لو نوى حجة الاسلام حال وقوفه، لان الاحرام شرط، كما أن الصبي إذا تطهر ثم بلغ فإنه يصح أداء فرضه بتلك الطهارة، إلا أن الاحرام له شبه بالركن لاشتماله على النية فحيث لم يعده لم يصح، كما لو(2/512)
شرع في صلاة ثم بلغ بالسن فإن جدد إحرامها ونوى بها الفرض يقع عنه، وإلا فلا.
شرح اللباب.
قوله: (فلو جدد الخ) بأن يرجع إلى ميقات من المواقيت ويجدد التلبية بالحج كما في شرح الملتقى.
قلت: والظاهر أن الرجوع ليس بلازم، لان إنشاء الاحرام من الميقات واجب فقط كما يأتي ط.
قوله: (قبل وقوفه بعرفة) قيل عبارة المبتغى: ولو أحرم الصبي أو المجنون أو الكافر ثم بلغ أو أفاق ووقت الحج باق فإن جددوا الاحرام يجزيهم عن حجة الاسلام اه.
مقتضاه أن المراد بما قبل الوقوف قبل فوت وقته كما عبر به منلا علي القاري في شرحه على الوقاية واللباب، لكن نقل القاضي عيد في شرحه على اللباب عن شيخه العلامة الشيخ حسن العجيمي المكي أن المراد به الكينونة بعرفة حتى لو وقف بها بعد الزوال لحظة فبلغ ليس له التجديد، وإن بقي وقت الوقوف، وأيده الشيخ عبد الله العفيف في شرح منسكه بقول (ص): من وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقال: وقد وقع الاختلاف في هذه المسألة في زماننا، فمنهم من أفتى بصحة تجديده الاحرام بعد ابتداء الوقوف، ومنهم من أفتى بعدمها، ولم نر فيها نصا صريحا اه ملخصا.
قلت: وظاهر قول المصنف تبعا للدرر قبل وقوفه أن المراد حقيقة الوقوف لا وقته، فهو مؤيد لكلام العجيمي.
قوله: (لم تجزه) أي عن حجة الاسلام ط.
قوله: (لانعقاده) أي إحرام العبد نفلا لازما، فلا يمكنه الخروج عنه.
بحر ط.
قوله: (بخلاف الصبي) لان إحرامه غير لازم لعدم أهلية اللزوم عليه، ولذا لو أحصر وتحلل لا دم عليه ولا قضاء ولا جزاء عليه لارتكاب المحظورات، فتح.
قوله: (والكافر) أي لو أحرم فأسلم فجدد الاحرام لحجة الاسلام أجزأه لعدم انعقاد إحرامه الاول لعدم الاهلية ط عن البدائع.
قوله: (والمجنون) أي لو أحرم عنه وليه، ثم أفاق فجدد الاحرام قبل الوقوف أجزأه عن حجة الاسلام.
شرح اللباب، وفي الذخيرة: قال في الاصل: وكل جواب عرفته في الصبي يحرم عنه الاب فهو الجواب في المجنون اه.
وفي الولوالجية: قبيل الاحصار، وكذا الصبي يحج به أبوه، وكذا المجنون يقضي المناسك ويرمي الجمار لان إحرام الاب عنهما وهما عاجزانن كإحرامهما بنفسهما اه.
وفي شرح المقدسي عن البحر العميق: لا حج على مجنون مسلم، ولا يصح منه إذا حجر بنفسه ولكن يحرم عنه وليه اه.
فهذه النقول صريحة في أن المجنون يحرم عنه وليه كالصبي، وبه اندفع ما في البحر من قوله: كيف يتصور إحرام المجنون بنفسه، وكون وليه أحرم عنه يحتاج إلى نقل صريح يفيد أنه كالصبي اه.
مطلب في فروض الحج وواجباته قوله: (فرضه) عبر به ليشمل الشرط والركن ط.
قوله: (الاحرام) هو النية والتلبية أو ما يقوم مقامها: أي مقام التلبية من الذكر أو تقليد البدنة مع السوق.
لباب وشرحه.
قوله: (وهو شرط ابتداء حتى صح تقديمه على أشهر الحج وإن كره كما سيأتي ح.
قوله: (حتى لم يجز الخ) تفريع على شبهه بالركن: يعني أن فائت الحج لا يجوز له استدامة الاحرام، بل عليه التحلل بعمرة والقضاء من قابل كما يأتي، ولو كان شرطا محضا لجازت الاستدامة اه ح.
ويتفرع عليه أيضا ما في شرح(2/513)
اللباب من أنه لو أحرم ثم ارتد والعياذ بالله تعالى بطل أحرامه، وإلا فالردة لا تبطل الشرط الحقيقي كالطهارة للصلاة اه.
وكذا ما قدمناه من اشتراط النية فيه، والشرط المحض لا يحتاج إلى نية، وكذا ما مر من عدم سقوط الفرض عن صبي أو عبد أحرم فبلغ أو عتق ما لم يجدده اصبي.
قوله: (ليقضي من قابل) أي بهذا الاحرام السابق المستدام ط.
قوله: (في أوانه) وهو من زوال يوم عرفة إلى قبيل طلوع فجر النحر ط.
قوله: (ومعظم طواف الزيارة) وهو أربعة أشواط وباقيه واجب كما يأتي ط.
قوله: (وهما ركنان) يشكل عليه ما قالوا: إن المأمور بالحج إذا مات بعد الوقوف بعرفة، قبل طواف الزيارة فإنه يكون مجزئا، بخلاف ما إذا رجع قبله فإنه لا وجود للحج إلا بوجود ركنيه ولم يوجدا، فينبغي أن لا يجزى الآمر سواء مات المأمور أو رجع.
بحر.
قال العلامة المقدسي: يمكن الجواب بأن الموت من قبل من له الحق وقد أتى بوسعه، وقد ورد الحج عرفة بخلاف من رجع اه.
وأما الحاج عن نفسه فسنذكر عن اللباب أنه إذا أوصى بإتمام الحج تجب بدنة.
تأمل.
تتمة: بقي من فرائض الحج: نية الطواف، والترتيب بين الفرائض، الاحرام: ثم الوقوف، ثم الطواف وأداء كل: فرض في وقته.
فالوقوف من زوال عرفة إلى فجر النحر، والطواف بعده إلى آخر العمر، وماكنه: أي من أرض عرفات للوقوف ونفس المسجد للطواف، وألحق بها ترك الجماع قبل الوقوف.
لباب وشرحه.
قوله: (وواجبه) اسم جنس مضاف فيعم، وسيأتي حكم الواجب.
قوله: (نيف وعشرون) أي اثنان وعشرون هنا بما زاده الشارح أو أربعة وعشرون إن اعتبر الاخير،
وهو المحظور ثلاثة، وأوصلها في اللباب إلى خمسة وثلاثين، فزاد أحد عشر أخر وهي: الوقوف بعرفة جزءا من الليل، ومتابعة الامام في الافاضة: أي بأن لا يخرج من أرض عرفة إلا بعد شروع الامام في الافاضة، وتأخير المغرب والعشاء إلى المزلفة، والاتيان بما زاد على الاكثر في طواف الزيارة، قيل وبيتوتة جزء من الليل فيها، وعدم تأخير رمي كل يوم إلى ثانيه، ورمي القارن والمتمتع قبل الذبح، والهدي عليهما، وذبحهما قبل الحلق وفي أيام النحر، قيل وطواف القدوم اه.
قلت: لكن واجبات الحج في الحقيقة الخمسة الاول المذكورة في المتن والذبح، أما الباقي فهي واجبات له بواسطة لانها واجبات الطواف ونحوه.
قوله: (وقوف جمع) بفتح فسكون: أي الوقوف فيه ولو ساعة بعد الفجر كما في شرح اللباب.
قوله: (سميت بذلك) أي بجمع وبمزدلفة، فقد يشار بذا إلى ما فوق الواحد كقوله تعالى: * (عوان بين ذلك) * (البقرة: 86) فافهم.
قوله: (لكل من حج) أي آفاقيا أو غيره قارنا أو متمتعا أو مفردا وهو راجع لجميع ما قبله، وإنما ذكره لئلا يتوهم رجوع قوله: لآفاقي إلى الجميع، وإلا فكثير من الواجبات الآتية لكل من حج.
قوله: (وطواف الصدر) بفتحتين بمعنى الرجوع ومنه قوله تعالى: * (يومئذ يصدر الناس أشتاتا * ولذا يسمى طواف الوداع بفتح الواو وتكسر لموادعته البيت.
شرح اللباب.
فقول الشارح: أي الوداع على حذف مضاف: أي طواف الوداع فهو تفسير لطواف الصدر لا تفسير للصدر إلا باعتبار اللزوم، لان الوداع بمعنى الترك(2/514)
لازم للصدر بمعنى الرجوع.
تأمل.
قوله: (للآفاقي) اعترض النووي في التهذيب على الفقهاء في ذلك بأن الآفاق: النواحي، واحده أفق بضمتين، وبإسكان الفاء والنسبة إليه أفقي، لان الجمع إذا لم يسم به فالنسبة إلى واحده.
وأجاب في كشف الكشاف بأنه صحيح لانه أريد به الخارجي: أي خارج المواقيت فكان بمنزلة الانصار.
وتمامه في شرح ابن كمال والقهستاني.
قوله: (غير الحائض) لان الحائض يسقط عنها كما سيأتي.
قوله: (والحلق أو التقصير) أي أحدهما، والحلق أفضل للرجل، وفيه أن هذا شرط للخروج من الاحرام والشرط لا يكون ألا فرضا، وأجاب في شرح اللباب بأن وجوبه من حيث إيقاعه في الوقت المشروع، وهو ما بعد الرمي في الحج، وبعد
السعي في العمرة.
قلت: وفيه أن هذا واجب آخر سيأتي، فالاحسن الجواب بأنه لا يلزم من توقف الخروج من الاحرام عليه أن يكون فرضا قطعيا، فقد يكون واجبا كتوقف الخروج الواجب من الصلاة على واجب السلام.
تأمل.
ثم رأيت في الفتح قال: إن الحلق عند الشافعي غير واجب، وهو عندنا واجب لان التحلل الواجب لا يكون إلا به، ثم قال بعد كلام: غير أن هذا التأويل ظني فيثبت به الوجوب لا القطع.
قوله: (من الميقات) يشمل الحرم المكي ونحوه كمتمتع لم يسق الهدي ط.
والتقييد به للاحتراز عما بعده، وإلا فيجوز قبله بل هو أفضل بشروطه كما في شرح اللباب.
قوله: (إلى الغروب) لم يقل من الزوال، لان ابتداءه من الزوال غير واجب، وإنما الواجب أن يمده بعد تحققه مطلقا إلى الغروب كما أفاده في شرح اللباب.
قوله: (إن وقف نهارا) أما إذا وقف ليلا فلا واجب في حقه، حتى لو وقف ساعة لا يلزمه شئ كما في شرح اللباب، نعم يكون تاركا واجب الوقوف نهارا إلى الغروب.
قوله: (على الاشبه) ذكر في المطلب الفائق شرح الكنز أن الاصح أنه شرط، لكن ظاهر الرواية أنه سنة يكره تركها، وعليه عامة المشايخ، وصححه في اللباب، وذكر ابن الهمام أنه لو قيل: إنه واجب، لا يبعد لان المواظبة من غير ترك مرة دليل الوجوب اه.
وبه صرح في المنهاج عن الوجيز وهو الاشبه والاعدل فينبغي أن يكون عليه المعول اه من شرح اللباب.
قوله: (والتيامن فيه) وهو أخذ الطائف عن يمين نفسه وجعله البيت عن يساره.
لباب.
قوله: (في الاصح) صرح به الجمهور، وقيل أنه سنة، وقيل فرض شرح اللباب.
قوله: (والمشي فيه الخ) فلو تركه بلا عذر أعاده، وإلا فعليه دم لان المشي واجب عندنا على هذا نص المشايخ وهو كلام محمد، وما في الخانية من أنه أفضل تساهل أو محمول على النافلة لا يقال، بل ينبغي في النافلة أن تجب صدقة لانه إذا شرع فيه وجب فوجب المشي، لان الفرض أن شروعه لم يكن بصفة المشي، والشروع إنما يوجب ما شرع فيه، كذا في الفتح پ قوله: (لزمه ماشيا) قال صاحب اللباب في منسكه الكبير: ثم إن طافه زحفا أعاده، كذا في الاصل، وذكر القاضي في شرح مختصر الطحاوي أنه يجزيه لانه أدى ما أوجب على نفسه، وتمامه في شرح اللباب.
قوله: (فمشيه أفضل)(2/515)
أشار إلى أن الزحف يجزيه، ولا دم عليه، لكن يحتاج إلى الفرق بين وجوبه بالشروع، ووجوبه بالنذر على رواية الاصل، ولعله أن الايجاب بالقو أقوى منه بالفعل فيجب بالقول كاملا لئلا يكون نذرا بمعصية، كما لو نذر اعتكافا بدون صوم لزمه به، ويلغو وصفه له بالنقصان، والواجب بالشروع هو ما شرع فيه، وقد شرع فيه زحفا فلا يجب عليه غيره، وإلا وجب بغير موجب.
تأمل.
قوله: (من النجاسة الحكمية) أي الحدث الاكبر والاصغر وإن اختلفا في الاثم والكفارة.
قوله (على المذهب) وهو الصحيح وقال ابن شجاع: إنها سنة.
شرح اللباب للقاري.
قوله: (من ثوب) الاولى لثوب أو في ثوب ط.
قوله: (ومكان طواف) لم ينقل في شرح اللباب التصريح بالقول بوجوبه، وإنما قال: وأما طهارة المكان فذكر العز بن جماعة عن صاحب الغاية أنه لو كان في مكان طوافه نجاسة لا يبطل طوافه، وهذا يفيد نفي الشرط والفرضية واحتمال ثبوت الوجوب والسنية اه.
قوله: (والاكثر على أنه) أي هذا النوع من الطهارة في الثوب والبدن سنة مؤكدة.
شرح اللباب.
بل قال في الفتح: وما في بعض الكتب من أن بنجاسة الثوب كله يجب الدم لا أصل له في الرواية اه.
وفي البدائع: إنه سنة، فلو طاف وعلى ثوبه نجاسة أكثر من الدرهم لا يلزمه شئ، بل يكره لادخال النجاسة المسجد اه.
قوله: (وستر العورة فيه) أي في الطواف، وفائدة عده واجبا هنا مع أنه فرض مطلقا لزوم الدم به، كما عد من سنن الخطبة في الجمعة بمعنى أنه لا يلزم بتركه فسادها، وإلا فالسنة تباين الفرض لعدم الاثم بتركها مرة، هذا ما ظهر لي وقدمناه في الجمعة.
قوله: (فأكثر) أي من الربع، فلو أقل لا يمنع، ويجمع المتفرق.
لباب.
قوله: (كما في الصلاة) أي كما هو القدر المانع في الصلاة.
قوله: (يجب الدم) أي إن لم يعده وإلا سقط، وهذا في الطواف الواجب، وإلا تجب الصدقة.
قوله: (في الاصح) مقابله ما قاله الكرماني إنه يعتد به، لكنه يكره لترك السنة، وتستحب إعادة ذلك الشوط، لتكون البداءة على وجه السنة، ومشى في اللباب على أنه شرط لصحة السعي، فعدم الاعتداد بالشوط الاول يتفرع عليه، وعلى القول بالوجوب لان المراد بعدم الاعتداد به لزوم إعادته أو لزوم الجزاء على تقدير عدمها، وإنما الفرق
من حيث إنه إذا لم يعد الشوط الاول يلزمه الجزاء لترك السعي على القول بالشرطية، لانه لا صحة للمشروط بدون شرطه، ولترك الشوط الاول على القول بالوجوب الذي هو الاعدل المختار من حيث الدليل، كما في شرح اللباب.
وقد يقال: إنه إذا لم يعتد بالاول حصل البداءة بالصفا بالثاني فقد وجد الشرط، ولا يتصور تركه وإنما يكون تاركا لآخر الاشواط إلا إذا أعاد الاول، وكون ذلك شرطا لا ينافي الوجوب، إذ لا يلزم من كون الشئ شرطا لآخر تتوقف عليه صحته أن يكون ذلك الشئ فرضا، كما قدمناه في الحلق خلافا لما فهمه في شرح اللباب هنا.
وفي الحلق ولو كان فرضا لزم فرضية السعي، أو فرضية بعضه ووجوب باقيه مع أنه كله واجب يجبر بدم وحينئذ تعين القول بالوجوب، إذ لا ثمرة تظهر على القول بالشرطية كما نص عليه في المنسك الكبير وإن(2/516)
استغربه القاري في شرح اللباب، والله تعالى أعلم بالصواب.
قوله: (كما مر) أي في الطواف.
قوله: (قيل نعم) ضعفه هنا وإن جزم به في شرحه على الملتقى لانه جزم بخلافه صاحب اللباب فقال: ولا تختص: أي هذه الصلاة بزمان ولا بمكان: أي باعتبار الجواز والصحة، ولا تفوت: أي إلا بالموت، ولو تركها لم تجبر بدم: أي إنه لا يجب عليه الايصار بالكفارة.
وذكر شارحه أن المسألة خلافية، ففي البحر العميق: لا يجب الدم، وفي الجوهرة والبحر الزاخر: يجب، وفي بعض المناسك: الاكثر على أنه لا يجب، وبه قال في الشافعية، وقيل يلزم.
قوله: (والترتيب الآتي بيانه الخ) أي في باب الجنايات حيث قال هناك: يجب في يوم النحر أربعة أشياء: الرمي، ثم الذبح لغير المفرد، ثم الحلق، ثم الطواف لكن لا شئ على من طاف قبل الرمي والحلق، نعم يكره.
لباب.
كما لا شئ على المفرد إلا إذا حلق قبل الرمي لان ذبحه لا يجب اه.
وبه علم أنه كان ينبغي للمصنف هنا تقديم الذبح على الحلق في الذكر ليوافق ما بينهما من الترتيب في نفس الامر، وأن الطواف لا يلزم تقديمه على الذبح أيضا، لانه إذا جاز تقديمه على الرمي المتقدم على الذبح جاز تقديمه على الذبح بالاولى كما قاله ح.
والحاصل أن الطواف لا يجب ترتيبه على شئ من الثلاثة ولذا لم يذكره هنا وإنما يجب
ترتيب الثلاثة: الرمي ثم الذبح ثم الحلق، لكن المفرد لا ذبح عليه فبقي الترتيب بين الرمي والحلق.
قوله: (في يوم) تقدم في الاعتكاف أن الليالي تبع للايام في المناسك.
قوله: (وراء الحطيم) لان بعضه من البيت كما يأتي بيانه.
قوله: (وكون السعي بعد طواف معتد به) وهو أن يكون أربعة أشواط فأكثر، سواء طافه طاهرا أو محدثا أو جنبا، وإعادة الطواف بعد السعي فيما إذا فعله محدثا أو جنبا لجبر النقصان لا لانفساخ الاول.
ح عن البحر.
ثم إن كون هذا واجبا لا ينافي ما في اللباب من عده شرطا لصحة السعي كما علمته سابقا.
قوله: (بالمكان) أي الحرم ولو في غير منى، والزمان: أي أيام النحر، وهذا في الحاج، وأما المعتمر فلا يتوقف حقه بالزمان كما سيأتي في الجنايات.
قوله: (وترك المحذور) قال في شرح اللباب: فيه أن الاجتناب عن المحرمات فرض، وإنما الواجب هو الاجتناب عن المكروهات التحريمية كما حققه ابن الهمام، إلا أن فعل المحظورات وترك الواجبات لما اشتركا في لزوم الجزاء ألحقت بها في هذا المعنى.
قوله: (كالجماع بعد الوقوف الخ) تمثيل للمحظورات، وقيد به بعد الوقوف لانه قبله مفسد، والمراد هنا غير المفسد.
تأمل.
قوله: (والضابط الخ) لما لم يستوف الواجبات كما علمته مما زدناه عن اللباب ذكر هذا الضابط، وليفيد بعكس القضية حكم الواجب، لكنها تنعكس عكسا منطقيا لا لغويا فيقال: بعض ما هو واجب يجب بتركه دم لا كل ما هو واجب، لان ركعتي الطواف لا يجب بتركهما الدم وكذا ترك الواجب بعذر على ما سنذكره في أول الجنايات، لكن في الاول خلاف تقدم، فعلى(2/517)
القول بوجوب الدم فيه مع تقييد الترك بلا عذر يصح العكس كليا.
قوله: (وغيرها الخ) فيه أنه لم يستوف الواجبات، وإن كان مراده أن غير الفرائض والواجبات سنن وآداب فغير مفيد.
قوله: (كأن يتوسع في النفقة إلخ) أفاد بالكاف أنه بقي منها أشياء لم يذكرها لانها ستأتي، كطواف القدوم للآفاقي، والابتداء من الحجر الاسود على أحد الاقوال، والخطب الثلاث، والخروج يوم التروية وغيرها مما سيعلم.
قوله: (وعلى صون لسانه) أي عن المباح والمكروه تنزيها وإلافهو واجب.
قوله: (ويستأذن أبويه الخ) أي إذا لم يكونا محتاجين إليه، وإلا فيكره، وكذا يكره بلا إذن دائنه
وكفيله، والظاهر أنها تحريمية لاطلاقهم الكراهة، ويدل عليه قوله فيما مر في تمثيله للحج المكروه كالحج بلا إذن مما يجب استئذانه فلا ينبغي عده ذلك من السنن والآداب.
قوله: (بفتح القاف وتكسر) أي مع سكون العين وحكى الفتح مع كسر العين.
قوله: (وتفتح) عزاه الشيخ إسماعيل إلى تحرير الامام النووي، وقال خلافا لما في شرح الشمني من أنه لم يسمع إلا الكسر.
قوله: (وعند الشافعي ليس منها يوم النحر) هو رواية عن أبي يوسف أيضا كما في النهر وغيره، وظاهر المتن يوافقه لانه ذكر العدد فكان المراد عشر ليال، لكن إذا حذف التمييز جاز التذكير فيكون المعنى عشرة أيام.
أفاده ح عن القهستاني.
وقيل إن العشر اسم لهذه الايام العشرة فليس المراد به اسم العدد حتى يعتبر فيه التذكير مع المؤنث والعكس.
تأمل.
قوله: (ذو الحجة كله) مبتدأ محذوف الخبر تقديره منها ح.
قوله: (عملا بالآية) أي قوله تعالى: * (الحج أشهر معلومات) *.
قوله: (قلنا اسم الجمع الخ) الاضافة بيانية: أي اسم هو جمع، وإلا فأشهر صيغة حقيقة، وهذا أحد جوابين للزمخشري.
حاصله: أنه تجوز في إطلاق صيغة الجمع على ما فوق الواحد لعلاقة معنى الاجتماع والتعدد.
ثانيهما أن التجوز في جعل بعض الشهر شهرا فالاشهر على الحقيقة، واعترض الاول بأن فيه إخراج العشر عن الارادة لخروجه عن الشهرين، وأجيب بأنه داخل فيما فوق الواحد، وهذا كله على تقدير الحج ذو أشهر، أما على تقدير الحج في أشهر، فلا حاجة إلى التجوز، لان الظرفية لا تقتضي الاستيعاب، لكن بين المراد الحديث الوارد في تفسير الآية بأنها شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة.
قوله: (وفائدة التأقيت الخ) جواب عن إشكال تقريره أن التوقيت بها إن اعتبر للفوات: أي أن أفعال الحج لو أخرت عن هذا الوقت يفوت الحج لفوته بتأخير الوقوف عن طلوع فجر العاشر يلزم أن لا يصح طواف الركن بعده، وإن خصص الفوات بفوات معظم أركانه، وهو الوقوف، يلزم(2/518)
أن لا يكون العاشر منها كما هو رواية عن أبي يوسف، وإن اعتبر التوقيت المذكور لاداء الاركان في الجملة يلزم أن يكون ثاني النحر وثالثه منها: لجواز الطواف فيهما، وأجاب الشارح تبعا للبحر وغيره بما يفيد اختيار الاخير، وذلك بأن فائدته أن شيئا من أفعال الحج لا يجوز إلا فيها، حتى لو
صام المتمتع أو القارن ثلاثة أيام قبل أشهر الحج لا يجوز، وكذا السعي عقب طواف القدوم لا يقع عن سعي الحج إلا فيها، حتى لو فعله في رمضان لم يجز، ولو اشتبه عليهم يوم عرفة فوقفوا فإذا هو يوم النحر جاز لوقوعه في زمانه، ولو ظهر أنه الحادي عشر لم يجز كما في اللباب وغيره.
قال القهستاني: ولا ينافيه إجزاء الاحرام قبلها ولا إجزاء الرمي والحلق وطواف الزيارة وغيرها بعدها لان ذلك محرم فيه اه.
قلت: فيه نظر، لان طواف الزيارة يجوز في يومين بعد عشر ذي الحجة كما علمته وإن كان في أوله أفضل، فالمناسب الجواب عن الاشكال بأن فائدة التوقيت ابتداء عدم جواز الافعال قبله وانتهاء الفوات بفوت معظم أركانه وهو الوقوف، ولا يلزم خروج اليوم العاشر لما علمته من جوازه فيه عند الاشتباه، بخلاف الحادي عشر، هذا ما ظهر لي فافهم.
قوله: (وأنه يكره الاحرام الخ) عطف على قوله: أنه لو فعل وهو ظاهر في أنه أراد بأفعال الحج غير الاحرام، فلا ينافي إجزاء الاحرام مع الكراهة، فقوله: لا يجزيه واقع في محزه، فافهم، نعم في كون الكراهة فائدة التوقيت خفاء، ولعل وجهه كون الاحرام شبيها بالركن.
تأمل.
قوله: (قبلها) أفاد أنه لو أحرم فيها بحج ولو لعام قابل لا يكره، ولذا قال في الذخيرة: لا يكره الاحرام بالحج يوم النحر، ويكره قبل أشهر الحج.
قال في النهر: وينبغي أن يكون مكروها حيث لم يأمن على نفسه وإن كان في أشهر الحج.
قوله: (لشبهه بالركن) علة لقوله: يكره أي ولو كان ركنا حقيقة لم يصح قبلها، فإذا كان شبيها به كره قبلها لشبهه وقربه من عدم الصحة.
بحر.
قوله: (كما مر) أي عند قوله فرضه الاحرام.
قوله: (وإطلاقها) أي الكراهة يفيد التحريم، وبه قيدها القهستاني، ونقل عن التحفة الاجماع على الكراهة، وبه صرح في البحر من غير تفصيل بين خوف الوقوع في محظور أو لا.
قال: ومن فصل كصاحب الظهيرية قياسا على الميقات المكاني فقد أخطأ، لكن نقل القهستاني أيضا عن المحيط التفصيل ثم قال: وفي النظم عنه أنه يكره إلا عند أبي يوسف.
مطلب أحكام العمرة قوله: (والعمرة في العمر مرة سنة مؤكدة) أي إذا أتى بها مرة فقد أقام السنة غير مقيد بوقت
غير ما ثبت النهي عنها فيه إلا أنها في رمضان أفضل، هذا إذا أفردها فلا ينافيه أن القران أفضل، لان ذلك أمر يرجع إلى الحج لا العمرة.
فالحاصل: أن من أراد الاتيان بالعمرة على وجه أفضل فيه فبأن يقرن معه عمرة.
فتح.
فلا يكره الاكثار منها خلافا لمالك، بل يستحب على ما عليه الجمهور، وقد قيل سبع أسابيع من الاطوفة كعمرة.
شرح اللباب.
قوله: (وصحح في الجوهرة وجوبها) قال في البحر: واختاره في(2/519)
البدائع وقال: إنه مذهب أصحابنا، ومنهم من أطلق اسم السنة، وهذا لا ينافي الوجوب اه.
والظاهر من الرواية السنية، فإن محمدا نص على أن العمرة تطوع اه.
ومال إلى ذلك في الفتح وقال بعد سوق الادلة تعارض مقتضيات الوجوب والنفل، فلا تثبت ويبقى مجرد فعله عليه الصلاة والسلام وأصحابه والتابعين، وذلك يوجب السنة فقلنا بها.
قوله: (قلنا المأمور الخ) جواب عن سؤال مقدر أورده في غاية البيان دليلا على الوجوب، ثم أجاب عنه بما ذكره الشارح، ثم هذا مبني على أن المراد بالاتمام تتميم ذاتهما: أي تتميم أفعالهما، أما إذا أريد به إكمال الوصف وعليه ما نقله في البحر من أن الصحابة فسرت الاتمام بأن يحرم بهما من دويرة أهله، ومن الاماكن القاصية فلا حاجة إلى الجواب للاتفاق على أن الاتمام بهذا المعنى غير واجب فالامر فيه للندب إجماعا فلا يدل على وجوب العمرة، فافهم.
قوله: (وحلق أو تقصير) لم يذكره المصنف لانه محلل مخرج منها.
بحر.
قوله: (وغيرهما واجب) أراد بالغير من المذكورات هنا، وذلك أقل أشواط الطواف والسعي والحلق أو التقصير، وإلا فلها سنن ومحرمات من غير المذكور هنا فافهم، وأشار بقوله: هو المختار إلى ما في التحفة حيث جعل السعي ركنا كالطواف.
قال في شرح اللباب: وهو غير مشهور في المذهب.
قوله: (ويفعل فيها كفعل الحاج) قال في اللباب: وأحكام إحرامها كإحرام الحج من جميع الوجوه، وكذا حكم فرائضها وواجباتها وسننها ومحرماتها ومفسدها ومكروهاتها وإحصارها وجمعها: أي بين عمرتين، وإضافتها: أي إلى غيرها في النية ورفضها كحكمها في الحج: وهي لا تخالفه إلا في أمور، منها: أنها ليست بفرض، وأنها لا وقت لها معين، ولا تفوت، وليس فيها وقوف بعرفة ولا
مزدلفة، ولا رمي فيها، ولا جمع: أي بين صلاتين، ولا خطبة، ولا طواف قدوم، ولا صدر، ولا تجب بدنة بإفسادها ولا بطوافها جنبا: أي بل شاة، وأن ميقاتها الحل لجميع الناس، بخلاف الحج فإن ميقاته للمكي الحرم اه.
قوله: (وجازت) أي صحت.
قوله: (وندبت في رمضان) أي إذا أفردها كما مر عن الفتح، ثم الندب باعتبار الزمان لانها باعتبار ذاتها سنة مؤكدة أو واجبة كما مر: أي إنها فيه أفضل منها في غيره، واستدل له في الفتح بما عن ابن عباس: عمرة في رمضان تعدل حجة وفي طريق لمسلم: تقتضي حجة أو حجة معي.
قال: وكان السلف رحمنا الله تعالى بهم يسمونها الحج الاصغر، وقد اعتمر (ص) أربع عمرات كلهن بعد الهجرة في ذي القعدة على ما هو الحق وتمامه فيه.
تنبيه: نقل بعضهم عن المنلا علي في رسالته المسماة: الادب في رجب أن كون العمرة في رجب سنة بأن فعلها عليه الصلاة والسلام أو أمر بها لم يثبت، نعم روي أن ابن الزبير لما فرغ من تجديد بناء الكعبة قبيل سبعة وعشرين من رجب نحر إبلا وذبح قرابين وأمر أهل مكة أن يعتمروا حينئذ شكر الله تعالى على ذلك، ولا شك أن فعل الصحابة حجة وما رآه المسملون حسنا فهو عند الله حسن، فهذا وجه تحصيص أهل مكة العمرة بشهر رجب اه ملخصا.
قوله: (تحريما) صرح به في الفتح واللباب.
قوله: (يوم عرفة) أي قبل الزوال وبعده وهو المذهب، خلافا لما مر عن أبي يوسف(2/520)
أنها لا تكره فيه قبل الزوال.
بحر.
قوله: (وأربعة) بالنصب والتنوين، والاصل أربعة أيام بعدها: أي بعد عرفة: أي بعد يومها.
تنبيه: يزاد على الايام الخمسة ما في اللباب وغيره من كراهة فعلها في أشهر الحج لاهل مكة، ومن بمعناهم: أي من المقيمين، ومن في داخل الميقات لان الغالب عليهم أن يحجوا في سنتهم، فيكونوا متمتعين، وهم عن التمتع ممنوعون، وإلا فلا منع للمكي عن العمرة المفردة في أشهر الحج، إذا لم يحج في تلك السنة، ومن خالف فعليه البيان.
شرح اللباب، ومثله في البحر.
وهو رد على ما اختاره في الفتح من كراهتها للمكي، وإن لم يحج ونقل عن القاضي عيد فشرح
المنسك أن ما في الفتح: قال العلامة قاسم: إنه ليس بمذهب لعلمائنا ولا للائمة الاربعة، ولا خلاف في عدم كراهتها لاهل مكة اه.
قلت: وسيأتي تمام الكلام عليه في باب التمتع إن شاء الله تعالى، هذا وما نقله ح عن الشرنبلالية من تقييده كراهة العمرة في الايام الخمسة بقوله: أي في حق المحرم أو مريد الحج يقتضي أنه لا يكره في حق غيرهما، ولم أر من صرح به فليراجع.
قوله: (أي كره إنشاؤها بالاحرام) أي كره إنشاء الاحرام لها في هذه الايام ح.
قوله: (حتى يلزمه دم وإن كان رفضها) وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في آخر باب الجناية.
قوله: (لا أدواؤها) عطف على إنشاؤها ح.
قوله: (كقارن فاته الحج) لو قال كما في المعراج: كفائت الحج، لشمل المتمتع.
قوله: (وعليه) أي على ما ذكر من أن المكروه الانشاء لا الاداء بإحرام سابق.
قوله: (فاستثناء الخانية الخ) حيث قال: تكره العمرة في خمسة أيام لغير القارن اه.
ووجه الانقطاع ما علمته من أن المكروه إنشاء العمر في هذه الايام، والقارن أحرم بها بإحرام سابق على هذه الايام فهو غير داخل فيما قبله فاستثناؤه منقطع فافهم.
قوله: (فلا يختص الخ) تفريع على قوله: منقطع لان حاصله أنه لما لم يكن منشئا للاحرام فيها لم يكن داخلا فيما تكره عمرته فيها، وحينئذ فلا يختص جواز عمرته بيوم عرفة، فافهم.
قوله: (كما توهمه في البحر) حيث قال بعد قول الخانية لغير القارن ما نصه: وهو تقييد حسن، وينبغي أن يكون راجعا إلى يوم عرفة لا إلى الخمسة كما لا يخفى، وأن يلحق المتمتع بالقارن اه.
قال في النهر: هذا ظاهر في أنه فهم أن معنى ما في الخانية من استثناء القارن أنه لا بد له من العمرة ليبني عليها أفعال الحج، ومن ثم خصه بيوم عرفة وهو غفلة معن كلامهم، فقد قال في السراج: وتكره العمرة في هذه الايام: أي يكره إنشاؤها بالاحرام أما إذا أداها بإحرام سابق، كما إذا كان قارنا ففاته الحج وأدى العمرة في هذه الايام لا يكره، وعلى هذا فالاستثناء الواقع في الخانية منقطع ولا اختصاص ليوم عرفة اه.
أقول: لا يخفى عليك أن المتبادر من القارن في كلام الخانية المدرك لا فائت الحج، بخلاف ما في السراج، وحينئذ فلا شك أن عمرته لا تكون بعد يوم عرفة، لانها تبطل الولي بالوقوف كما
سيأتي في بابه، وليس في كلام البحر تعرض لمن فاته الحج، ولا لان الاستثناء متصل أو منقطع، فمن أين جاءت الغفلة؟ فتنبه وافهم.(2/521)
مطلب في المواقيت قوله: (والمواقيت) جمع ميقات بمعنى الوقت المحدود، واستعير للمكان: أعني مكان الاحرام كما استعير للوقت في قوله تعالى: * (هنالك ابتلي المؤمنون) * (الاحزاب: 11) ولا ينافيه قول الجوهري: الميقات موضع الاحرام، لانه ليس من رأيه التفرقة بين الحقيقة والمجاز، وكأنه في البحر استند إلى ظاهر ما في الصحاح، فزعم أنه مشترك بين الوقت والمكان المعين، والمراد هنا الثاني، وأعرض عن كلامهم السابق وقد علمت ما هو الواقع.
نهر.
ثم اعلم أن الميقات المكاني يختلف باختلاف الناس، فإنهم ثلاثة أصناف: آفاقي، وحلي: أي من كان داخل المواقيت، وحرمي، وذكرهم المصنف على هذا الترتيب.
قوله: (مريد مكة) أي ولو لغير نسك كتجارة ونحوها كما يأتي.
قوله: (لا محرما) أي بحج أو عمرة.
قوله: (بضم ففتح) أي وسكون الياء مصغرا لحلقة بالفتح اسم نبت في الماء معروف.
قوله: (على ستة أميال من المدينة) وقيل سبعة، وقيل أربعة.
قال العلامة القطبي في منسكه: والمحرر من ذلك ما قاله السيد نور الدين علي السمهودي في تاريخه: قد اختبرت ذلك فكان من عتبة باب المسجد النبوي المعروف بباب السلام إلى عتبة مسجد الشجرة بذي الحليفة تسعة عشر ألف ذراع بتقديم المثناة الفوقية وسبعمائة ذراع بتقديم السين واثنين وثلاثين ذراعا ونصف ذراع بذراع اليد اه.
قلت: وذلك دون خمسة أميال، فإن الميل عندنا أربعة آلاف بذراع الحديد المستعمل الآن، والله أعلم اه.
قوله: (وعشر مراحل) أو تسع كما في البحر.
قوله: (وهو كذب) ذكره في البحر عن مناسك المحقق ابن أمير حاج الحلبي.
قوله: (وذات عرق في منسك القطبي: سميت بذلك لان فيها عرقا وهو الجبل، وهي قرية قد خربت الآن، وعرق هو الجبل المشرف على العقيق، والعقيق واد يسيل ماؤه إلى غوري تهامة قاله الازهري اه.
ولهذا قال في اللباب:
والافضل أن يحرم من العقيق وهو قبل ذات عرق بمرحلة أو مرحلتين.
قوله: (على مرحلتين) وقيل ثلاث، وجمع بأن الاول نظر إلى المراحل العرفية، والثاني إلى الشرعية.
قوله: (وجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، سميت بذلك لان السيل نزل بها وجحف أهلها: أي استأصلهم، واسمها في الاصل مهيعة، لكن قيل إنها قد ذهبت أعلامها ولم يبق بها إلا رسوم خفية لا يكاد يعرفها إلا سكان بعض البوادي، فلذا والله تعالى أعلم اختار الناس الاحرام احتياطا من المكان المسمى برابض، وبعضهم يجعله بالغين لانه قبل الجحفة بنصف مرحلة أو قريب من ذلك.
بحر.
وقال القطبي: ولقد سأل جماعة ممن له خبرة من عربانها عنها فأوروني أكمة بعدما رحلنا من رابغ إلى مكة على جهة اليمين على مقدار ميل من رابغ تقريبا.
قوله: (وقرن) بفتح القاف وسكون الراء: جبل مطل على عرفات لا خلاف في ضبطه بهذا بين رواة الحديث واللغة والفقه وأصحاب الاخبار وغيرهم: نهر عن تهذيب الاسماء واللغات.
قوله: (وفتح الراء خطأ الخ) قال في القاموس: وغلط(2/522)
الجوهري في تحريكه، وفي نسبة أويس القرني إليه، لانه منسوب إلى قرن بن رومان بن ناجية بن مراد أحد أجداده.
قوله: (ويلملم) بفتح المثنا التحتية واللامين وإسكان الميم، ويقال لها ألملم بالهمزة وهو الاصل والياء تسهيل لها.
قوله: (جبل) أي من جبال تهامة مشهور في زماننا بالسعدية، قاله بعض شراح المناسك.
قال في البحر: وهذه المواقيت ما عدا ذات عرق ثابتة في الصحيحين، وذات عرق في صحيح مسلم وسنن أبي داود.
قوله: (والعراقي) أي أهل البصرة والكوفة، وهم أهل العراقين، وكذا سائر أهل المشرق، وقوله والشامي مثله المصري والمغربي من طريق تبوك.
لباب وشرحه.
قوله: (الغير المارين بالمدينة) يعني أن كون ذات عرق للعراقي، وجحفة للشامي إذا كانا غير ارين بالمدينة، أما لو مرا بها فميقاتهم ميقاتها: أعني ذا الحليفة، وهذا بيان للافضل لانه لا يجب عليهما الاحرام من ذي الحليفة كالمدني كما يأتي تحريره، فافهم.
قوله: (بقرينة ما يأتي) أي في قوله: وكذا هي لمن مر بها من غير أهلها ح.
قوله: (والنجدي) أي نجد اليمن ونجد الحجاز ونجد تهامة.
لباب.
قوله: (واليمني) أي باقي أهل اليمن وتهامة.
لباب.
قوله: (ويجمعها الخ) جمعها
أيضا الشيخ أبو البقاء في البحر العميق بقوله: مواقيت آفاق يمان ونجدة عراق وشام والمدينة فاعلم يلملم قرن ذات عرق وجحفة حليفة ميقات النبي المكرم قوله: (وكذا هي) أي هذه المواقيت الخمسة.
قوله: (قال النووي والشافعي وغيره) سقطت هذه الجملة من بعض النسخ، وهو الحق لان المسألة مصرح بها في كتب المذهب متونا وشروحا، فلا معنى لنقلها عن النووي رحمه الله تعالى ح.
قوله: (وإجيب بأنه يشير إلى أنها اتفاقية.
قوله: (وقالوا) أي علماؤنا الحنفية.
قوله: (ولو مر بميقاتين) كالمدني يمر بذي الحليفة ثم بالجحفة فإحرامه من الابعد أفضل: أي الابعد عن مكة، وهو ذو الحليفة، لكن ذكر في شرح اللباب عن ابن أمير حاج أن الافضل تأخير الاحرام، ثم وفق بينهما بأن أفضلية الاول لما فيه من الخروج عن الخلاف وسرعة المسارعة إلى الطاعة، والثاني لما فيه من الامن من قلة الوقوع في المحظورات لفساد الزمان بكثرة العصيان، فلا ينافي ما مر ولا ما في البدائع من قوله: من جاوز ميقاتا بلا إحرام إلى آخر جاز، إلا أن المستحب أن يحرم من الاول، كذا روي عن أبي حنيفة أنه قال في غير أهل المدينة: إذا مروا بها فجاوزوها إلى الجحفة فلا بأس بذلك، وأحب إلي أن يحرموا من ذي الحليفة لانهم لما وصلوا الى(2/523)
الميقات الاول لزومهم محافظة حرمته، فيكره لهم تركها اه.
وذكر مثله القدوري في شرحه، إلا أن في قول الامام: في غير أهل المدينة، إشارة إلى أن المدني ليس كذلك، وبه يجمع بين الروايتين عن الامام بوجوب الدم وعدمه، بحمل رواية الوجوب على المدني وعدمه على غيره اه.
قلت: لكن نقل في الفتح أن المدني إذا جاوز إلى الجحفة فأحرم عندها فلا بأس به، والافضل أن يحرم ممن ذي الحليفة، ونقل قبله عن كافي الحاكم الذي هو جمع كلام محمد في كتب ظاهر الرواية: ومن جاوز وقته غير محرم ثم أتى وقتا آخر فأحرم منه أجزأه، ولو كان أحرم من وقته كان أحب إلي اه.
فالاول صريح، والثاني ظاهر في المدني أنه لا شئ عليه.
فعلم أن قول الامام المار في غير أهل المدينة اتفاقي لا احترازي، وأنه لا فرق في ظاهر
الرواية بين المدني وغيره، وأما قول الهداية وفائدة التأقيت: أي المواقيت الخمسة المنع عن تأخير الاحرام عنها لانه يجوز التقديم بالاجماع فاعترضه في الفتح بأنه يلزم عليه أنه لا يجوز تأخير المدني الاحرام عن ذي الحليفة والمسطور خلافه، نعم روي عن الامام أن عليه دما لكن الظاهر عنه هو الاول.
قال في النهر: والجواب أن المنع من التأخير مقيد بالميقات الاخير، وتمامه فيه.
قوله: (على المذهب) مقابلة رواية وجوب الدم.
قوله: (وعبارة اللباب سقط عنه الدم) مقتضاها وجوبه بالمجاوزة ثم سقوطه بالاحرام من الاخير وهو مخالف للمسطور كما علمته، والظاهر أنه مبني على الرواية الثانية.
قوله: (ولو لم يمر بها الخ) كذا في الفتح.
ومفاده أن وجوب الاحرام بالمحاذاة إنما يعتبر عند عدم المرور على المواقيت، أما لو مر عليها فلا يجوز له مجاوزة آخر ما يمر عليه منها وإن كان يحاذي بعده ميقاتا آخر، وبذلك أجاب صاحب البحر عما أورده عليه العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي حين اجتماعه به في مكة من أنه ينبغي على مدعاكم أن لا يلزم الشامي والمصري الاحرام من رابغ، بل من خليص لمحاذاته لآخر المواقيت، وهو قرن المنازل.
وأجابه بجواب آخر وهو أن مرادهم المحاذاة القريبة، ومحاذاة المارين بقرن بعيدة لان بينهم وبينه بعض جبال، لكن نازعه في النهر بأنه لا فرق بين القريبة والبعيدة.
قوله: (تحرى) أي غلب على ظنه مكان المحاذاة وأحرم منه إن لم يجد عالما به يسأله.
قوله: (إذا حاذى أحدهما) في بعض النسخ إذا حاذاه أحدها.
قوله: (وأبعدها) أي عن مكة.
قوله: (فإن لم يكن الخ) كذا في الفتح، لكن الاصوب قول اللباب: فإن لم يعلم المحاذاة لما قال شارحه إنه لا يتصور عدم المحاذاة اه.
أي لان المواقيت تعم جهات مكة كلها فلا بد من محاذاة أحدها.
قوله: (فعلى مرحلتين) أي من مكة فتح، ووجهه أن المرحلتين أوسط المسافات، وإلا فالاحتياط الزيادة.
مقدسي.
قوله: (وحرم الخ) فعليه العود إلى ميقات منها وإن لم يكن ميقاته ليحرم منه، وإلا فعليه دم سيأتي بيانه في الجنايات.
قوله: (كلها) زاده لاجل دفع ما أورد على عبارة الهداية كما قدمناه آنفا.
قوله: (أي لآفاقي) أي ومن ألحق به كالحرمي والحلي إذا خرجا إلى الميقات كما يأتي فتقييد بالآفاقي للاحتراز عما لو بقيا في مكانهما، فلا يحرم كما يأتي.
قوله: (يعني الحرم) أي الآتي تحديده قريبا لا خصوص مكة، وإنصما قيد بها لان الغالب قصد(2/524)
دخولها.
قوله: (غير الحج) كمجرد الرؤية والنزهة أو التجارة.
فتح.
قوله: (أما لو قصد موضعا من الحل) أي مما بين الميقات والحرم، والمعتبر القصد عند المجاوزة لا عند الخروج من بيته كما سيأتي في الجنايات: أي قصدا أوليا كي إذا قصده لبيع أو شراء، وأنه إذا فرغ يدخل مكة ثانيا إذ لو كان قصده الاولى دخول مكة، ومن ضرورته أن يمر في الحل فلا يحل له.
قوله: (فله دخول مكة بلا إحرام) أي ما لم يرد نسكا كما يأتي قريبا.
قوله: (وهو الحيلة الخ) أي القصد المذكور ه الحيلة لمن أراد دخول مكة بلا إحرام، لكن لا تتم الحيلة إلا إذا كان قصده لموضع من الحل قصدا أوليا كما قررناه ولم يرد النسك عند دخول مكة كما يأتي قريبا، وسيأتي تمام الكلام على ذلك في أواخر الجنايات إن شاء الله تعالى.
قوله: (إلا لمأمور بالحج للمخالفة) ذكره في البحر بحثا بقوله: وينبغي أن لا تجوز هذه الحيلة للمأمور بالحج لانه حينئذ لم يكن سفره للحج، ولانه مأمور بحجة آفاقية، وإذا دخل مكة بغير إحرام صارت حجته مكية فكان مخالفا، وهذه المسألة يكثر وقوعها فيمن يسافر في البحر الملح وهو مأمور بالحج ويكون ذلك في وسط السنة، فهل له أن يقصد البندر المعروف بجدة ليدخل مكة بغير إحرام حتى لا يطول الاحرام عليه؟ لو أحرم بالحج فإن المأمور بالحج ليس له أن يحرم بالعمرة اه: أي لانه إذا اعتمر ثم أحرم بالحج من مكة يصير مخالفا في قولهم كما في التاترخانية عن المحيط، وهل مخالفته لكونه جعل سفره لغير الحج المأمور به، أو لكونه لم يجعل حجته آفاقية.
وعلى الثاني لو اعتمر أو فعل الحيلة بأن قصد البندر، ثم دحل مكة ثم خرج وقت الحج إلى الميقات فأحرم منه لم يكن مخالفا لان حجته صارت آفاقية، أما على الاول فهو مخالف، ويحتمل أن المخالفة لكل من العلتين كما يفيده أول عبارة البحر المذكور فتتحقق المخالفة بالعلة الاولى، لكن ذكر العلامة القاري في بعض رسائله مسألة اضطرب فيها فقهاء عصره وهي: أن الآفاقي الحاج عن الغير إذا جاوز الميقات بلا إحرام للحج، ثم عاد إلى الميقات، وأحرم هل يصح عن الآمر؟ قيل: لا، وقيل: نعم، ومال هو إلى الثاني.
قال: وأفتى به الشيخ قطب الدين وشيخنا سنان الرومي
في منسكه والشيخ علي المقدسي.
قلت: وهذا يفيد جواز الحيلة المذكورة له إذا عاد إلى الميقات، وأحرم، والجواب عن قوله: لان سفره حينئذ لم يكن للحج، أنه إذا قصد البندر عند المجاوزة ليقيم به أياما لبيع أو شراء مثلا ثم يدخل مكة لم يخرج عن أن يكون سفره للحج كما لو قصد مكانا آخر في طريقه، ثم النقلة عنه والله تعالى أعلم، فافهم.
وأما لو أحرم بالحج من الميقات وأقام بمكة حراما فإنه لا يحتاج إلى هذه الحيلة، لكنه يكره تقديم الاحرام على أشهر الحج: أي يحرم كما قدمناه قبيل أحكام العمرة.
قوله: (بل هو الافضل) قدمنا تفسير الصحابة الاتمام بالاحرام من دويرة أهله ومن الاماكن القاصية.
قال في فتح القدير: وإنما كان التقديم على المواقيت أفضل، لانه أكثر تعظيما وأوفر مشقة والاجر على قدر المشقة، ولذا كانوا يستحبون الاحرام بهما من الاماكن القاصية.
روي عن ابن عمر: أنه أحرم من بيت المقدس وعمران بن الحصين من البصرة، وعن ابن عباس أنه أحرم من(2/525)
الشأم وابن مسعود من القادسية.
وقال عليه الصلاة والسلام: من أهل من المسجد الاقصى بعمرة أو حجة غفر الله له ما تقدم من ذنبه رواه أحمد وأبو داود بنحوه اه.
قوله: (إن في أشهر الحج) أما قبلها فيكره وإن أمن على نفسه الوقوع في المحظورات لشبه الاحرام بالركن كما مر.
قوله: (وأمن على نفسه) وإلا فالاحرام من الميقات أفضل بل تأخيره إلى آخر المواقيت على ما اختاره ابن أمير حاج كما قدمناه.
قوله: (وحل لاهل داخلها) شروع في الصنف الثاني من المواقيت، والمراد بالداخل غير الخارج، فيشمل من فيها نفسها ومن بعدها، فإنه لافرق بينهما في المنصوص من الرواية، كما صرح به في الفتح والبحر وغيرهما، وينبغي أن يراد داخل جميعها ليخرج من كان بين ميقاتين، كمن كان بين ذي الحليفة والجحفة لانه بالنظر إلى الجحفة خارج الميقات، فلا يحل له دخول الحرم بلا إحرام.
تأمل.
قوله: (يعني لكل الخ) أشار إلى أن المراد بالاهل ما يشمل من قصدهم من غيرهم كما أفاده قبله بقوله: أما لو قصد موضعا من الحل الخ.
قوله: (غير محرم) حال من أهل، ولم يجمعه نظرا إلى لفظ أهل فإنه مفرد وإن كان معناه جمعا ح.
قوله: (ما لم يرد نسكا)
أما إن أراده وجب عليه الاحرام قبل دخوله أرض الحرم فميقاته كل الحل إلى الحرم.
فتح.
وعن هذا قال القطبي في منسكه: ومما يجب التيقظ له سكان جدة بالجيم، وأهل حدة بالمهملة، وأهل الاودية القريبة من مكة فإنهم غالبا ما يأتون مكة في سادس أو سابع ذي الحجة بلا إحرام، ويحرمون للحج من مكة فعليهم دم لمجاوزة الميقات بلا إحرام، لكن بعد توجههم إلى عرفة ينبغي سقوطه عنهم بوصولهم إلى أول الحل ملبين، إلا أن يقال: إن هذا لا يعد عودا إلى الميقات لعدم قصدهم العود لتلافي ما لزمهم بالمجازة بل قصدوا التوجه إلى عرفة اه.
وقال القاضي محمد عيد في شرح منسكه: والظاهر السقوط لان العود إلى الميقات مع التلبية مسقط لدم المجاوزة وإن لم يقصده لحصول المقصود وهو التعظيم.
قوله: (للحرج) علة لقوله: وحل الخ.
قوله: (كما لو جاوزها الخ) يحتمل عود الهاء إلى مكة فتكون الكاف للتمثيل، لان المكي إذا خرج إلى الحل الذي في داخل الميقات التحق بأهله كما مر آنفا، بشرط أن لا يجاوز ميقات الآفاقي، وإلا فهو كالآفاقي لا يحل له دخوله بلا إحرام، كما ذكره في البحر، ويحتمل عودها إلى المواقيت، فالكاف للتنظير للمنفي في قوله: ما لم يرد نسكا فإن من أراده من أهل الحل لا يدخل مكة بلا إحرام، ونظيره المكي إذا خرج منها وجاوز الواقيت لا يحل له العود بلا إحرام لكن إحرامه من الميقات، بخلاف مريد النسك فإنه من الحل كما علمته.
قوله: (فهذا) الاشارة إلى أهل داخلها بالمعنى الذي ذكرناه، فالحرم حد في حقه كالميقات للآفاقي فلا يدخل الحرم إن قصد النسك إلا محرما.
بحر.
قوله: (يعني الخ) أشار إلى ما في البحر من قوله: والمراد بالمكي من كان داخل الحرم سواء كان بمكة أو لا، وسواء كان من أهلها أو لا اه.
فيشمل الآفاقي المفرد بالعمرة والمتمتع والحلال من أهل الحل إذا دخل الحرم لحاجة كما في اللباب.
قوله: (ليتحقق نوع سفر) لان أداء الحج في عرفة، وهي في الحل فيكون إحرام المكي بالحج من الحرم، ليتحقق له نوع(2/526)
سفر بتبدل المكان، وأداء العمرة في الحرم فيكون إحرامه بها من الحل ليتحقق له نوع من السفر.
شرح النقاية للقارى.
فلو عكس فأحرم للحج من الحل أو للعمرة من الحرم لزمه دم إلا إذا عاد ملبيا
إلى الميقات المشروع له كما في اللباب وغيره.
قوله: (والتنعيم أفضله) هو موضع قريب من مكة عند مسجد عائشة، وهو أقرب موضع من الحل ط: أي الاحرام منه للعمرة أفضل من الاحرام لها من الجعرانة وغيرها من الحل عندنا، وإن كان (ص) أحرم منها، لامره عليه الصلاة والسلام عبد الرحمن بأن يذهب بأخته عائشة إلى التنعيم لتحرم منه، والدليل القولي مقدم عندنا على الفعلي، وعند الشافعي بالعكس.
قوله: (ونظم حدود الحرم ابن الملقن) هو من علماء الشافعية.
ونقل عن شرح المهذب للنووي أن ناظم الابيات المذكور القاضي أبو الفضل النويري: أن على الحرم علامات منصوبة في جميع جوانبه نصبها إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وكان جبريل يريه مواضعها، ثم أمر النبي (ص) بتجديدها، ثم عمر ثم عثمان ثم معاوية، وهي إلى الآن ثابتة في جميع جوانبه إلا من جهة جدة وجهة الجعرانة فإنها ليس فيها أنصاب اه ملخصا.
قوله: (وسبعة أميال الخ) لو قال: ئ ومن يمن سبع عراق وطائف لاستوفى واستغنى عن البيت الثالث المذكور في البحر وهو: ومن يمن سبع بتقديم سينهاوقد كملت فاشكر لربك إحسانه أفاده ح عن الشرنبلالية.
قوله: (جعرانة) بكسر العين وتشديد الراء، والافصح إسكان العين وتخفيف الراء، وتمامه في ط.
فصل في الاحرام مناسبة ذكره بعد ذكر المواقيت التي لا يجوز للانسان أن يجاوزها إلا محرما واضحة.
وهو لغة: مصدر أحرم إذا دخل في حرمة لا تنتهك، ورجل حرام: أي محرم كذا في الصحاح.
وشرعا: الدخول في حرمات مخصوصة: أي التزامها، غير أنه لا يتحقق شرعا إلا بالنية مع الذكر أو الخصوصية، كذا في الفتح، فهما شرطان في تحققه لا جزء ماهيته كما توهمه في البحر حيث عرفه بنية النسك من الحج والعمرة مع الذكر أو الخصوصية.
نهر.
والمراد بالذكر التلبية ونحوها، وبالخصوصية ما يقوم مقامها من سوق الهدي أو تقليد البدن، فلا بد من التلبية أو ما يقوم مقامها، فلو نوى ولم يلب أو بالعكس لا يصير محرما، وهل يصير محرما بالنية والتلبية أو بأحدهما
بشرط الآخر، المعتمد ما ذكره الحسام الشهيد أنه بالنية لكن عند التلبية، كما يصير شارعا في الصلاة بالنية لكن بشرط التكبير لا بالتكبير كما في شرح اللباب، ولا يشترط لصحته زمان ولا مكان ولا هيئة ولا حالة، فلو أحرم لابسا للمخيط أو مجامعا انعقد في الاول صحيحا وفي الثاني فاسدا كما(2/527)
في اللباب.
قوله: (وصفة المفرد بالحج) أي والاوصاف التي يفعلها الحاج المفرد بعد تحقق دخوله فيه الاحرام، فهو عطف مغاير فافهم، وقدم الكلام في المفرد على القارن والمتمتع لانه بمنزلة المفرد من المركب.
قوله: (النسك) أي العبادة، ثم غلب على عبادة الحج أو العمرة.
قوله: (كتكبيرة الافتتاح) المراد بها الذكر الخالي عن الدعاء لان لفظ التكبير واجب لا شرط.
قوله: (فالصلاة الخ) زاد في التفريع قوله: وتحليل لتأكيد المشابهة وتحليل الصلاة بالسلام ونحوه وتحليل الحج بالحلق والطواف على ما سيأتي.
قوله: (ثم الحج أقوى) أي من الصلاة ولم يقل أفضل لما قدمناه أول كتاب الزكاة عن التحرير وشرحه من أن الافضل الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج ثم العمرة والجهاد والاعتكاف.
قوله: (من وجهين الخ) الاولى تقديم الثاني على الاول كما فعل في البحر.
قوله: (ولو مظنونا) بيان للاطلاق، فلو أحرم بالحج على ظن أنه عليه، ثم ظهر خلافه وجب المضي فيه والقضاء إن أبطله، بخلاف المظنون في الصلاة، فإنه لا قضاء لو أفسده.
بحر.
واختلفوا في وجوب قضائه على المحصر، والاصح الوجوب أيضا كما سنذكره في بابه.
قوله: (لا يخرج عنه الخ) بخلاف الصلاة، فإنه يخرج عنها بكل ما ينافيها، وأنه يحرم عليه المضي في فاسدها.
وأما الحج، فيجب المضي في فاسده.
بجماع قبل الوقوف كصحيحه.
قوله: (إلا بعمل) استثناء من مقدر والاصل لا يخرج عنه في حالة من الاحوال بعمل من الاعمال إلا بعمل الخ.
وقوله: إلا في الفوات، وإلا الاحصار استثناء من حالة القدرة: فالاستثناء الاول من أعم الظروف، والثاني من أعم الاحوال، فافهم.
قوله: (فبعمل العمرة) أي يتحلل عنه بعمرة لفوات الوقت وعليه الحج من قابل.
قوله: (فبذبح الهدي) أي يتحلل عنه بعد ذبح هدي في الحرم.
قوله: (وغسله أحب) لانه سنة مؤكدة والوضوء يقوم مقامه في حق إقامة السنة المستحبة لا الفضيلة: أي لا فضيلة السنة المؤكدة.
لباب وشرحه، لكن في القهستاني عن الاختيار والمحيط: إنهما مستحبان.
قوله: (وهو أي الغسل كما هو المتبادر وصريح كلام غير واحد.
قوله: (فيجب) أي يطلب استحبابا، وهذا يؤيد ما في القهستاني إلا أن يفرق بين الحائض والنفساء وغيرهما، أو يكون المراد بيحب يسن لان المسنون محبوب للشارع.
تأمل.
قوله: (في حق حائض ونفساء) أي قبل انقطاع دمهما بقرينة التفريع، إذ بعد الانقطاع يكون طهارة ونظافة، والمراد من التفريع بيان صورة لا توجد فيها الطهارة ليعلم أنه لم يشرع لاجلها فقط.
قوله: (وصبي) صرح به في الفتح وغيره، لكن الصبي إن كان عاقلا يكون غسله طهارة، لانه ليس المراد بها طهارة الجنابة بل طهارة الصلاة، فإن غسل الجمعة والعيدين للطهارة والنظافة معا كما في النهر مع أنه يسن لغير الجنب، وحينئذ فعطف الصبي على الحائض يوهم أن غسله لا يكون إلا للنظافة فيتعين أن يراد به غير العاقل هنا فيكون ذكره إشارة لقول النهر: واعلم أنه ينبغي أن يندب الغسل أيضا لمن أهل عنه رفيقه أو أبوه لصغره لقولهم: إن الاحرام قائم بالمغمى(2/528)
عليه والصغير، لا بمن أتى به لجوازه مع إحرامه عن نفسه وقد استقر ندبه لكل محرم اه فافهم.
قوله: (ليس بمشروع) جزم به غير واحد كالزيلعي والبحر والنهر والفتح، وفيه رد على ما في مناسك العماد من أنه إن عجز عنهما تيمم إلا أن يحمل ما إذا أراد صلاة الاحرام.
قوله: (بخلاف الجمعة والعيد) قال في البحر: يعني أن الغسل فيهما للطهارة لا للتنظيف، ولهذا يشرع التيمم لهما عند العجز.
قوله: (لكن سوى) أي في عدم مشروعية التيمم.
قوله: (ورجحه في النهر) حيث قال: إنه التحقيق، كذا اعترض في البحر علي الزيلعي بأن التيمم لم يشرع لهما عند العجز إذا كان طاهرا عن الجنابة ونحوها، والكلام فيه لانه ملوث ومغبر، لكن جعل طهارة ضرورة أداء الصلاة ولا ضرورة فيهما، ولهذا سوى المصنف في الكافي بين الاحرام وبين الجمعة والعيدين اه.
قوله: (وشرط الخ) بالبناء للمجهول: أي لانه إنما شرع للاحرام حتى لو اغتسل فأحدث ثم أحرم فتوضأ لم ينل فضله، كذا في البناية معزيا إلى جوامع الفقه.
نهر.
قوله: (وكذا يستحب الخ) أي قبل الغسل كما في القهستاني واللباب والسراج، وفي الزيلعي، عقيب الغسل.
تأمل.
والازالة شاملة
لقص الاظفار والشارب وحلق العانة أو نتفها أو استعمال النورة، وكذا نتف الابط.
والعانة: الشعر القريب من فرج الرجل والمرأة، ومثلها شعر الدبر بل هو أولى بالازالة لئلا يتعلق به شئ من الخارج عند الاستنجاء بالحجر.
قوله: (وحلق رأسه إن اعتاده) كذا في البحر والنهر وغيرهما، خلافا لما في شرح اللباب حيث جعله من فعل العامة.
قوله: (ولا مانع) الواو للحال.
قوله: (ولبس إزار) بالاضافة.
وفي بعض نسخ إزارا بالنصب على أن لبس فعل ماضي ثم هذا في حق الرجل.
قوله: (من السرة إلى الركبة) بيان لتفسير الازار والغاية داخله لان الركبة من العورة.
قوله: (على ظهره) بيان لتفسير الرداء.
قال في البحر: والرداء على الظهر والكتفين والصدر.
قوله: (فإن زرره الخ) وكذا لو شده بحبل ونحوه لشبهه حينئذ بالمخيط من جهة أنه لا يحتاج إلى حفظه، بخلاف شد الهميان فوسطه لانه يشد تحت الازار عادة.
أفاده في فتح القدير: أي فلم يكن القصد منه حفظ الازار وإن شده فوقه.
قوله: (ويسن أن يدخله الخ) هذا يسمى اضطباعا وهو مخالف لقول البحر والرداء على الظهر والكتفين والصدر، وما هنا عزاه القهستاني للنهاية، وعزاه في شرح اللباب للبرجندي عن الخزانة، ثم قال: وهو موهم أن الاضطباع يستحب من أول أحوال الاحرام وعليه العوام، وليس كذلك فإن محله المسنون قبيل الطواف إلى انتهائه لا غير اه.
قال بعض المحشين: وفي شرح المرشدي على مناسك الكنز أنه الاصح وأنه السنة، ونقله في المنسك الكبير للسندي عن الغاية ومناسك الطرابلسي والفتح.
وقال: إن أكثر كتب المذهب ناطقة بأن الاضطجاع يسن في الطواف لا قبله في الاحرام، وعليه تدل الاحاديث وبه قال الشافعي اه وكذا نقل القهستاني عن عدة المناسك لصاحب الهداية أن عدمه أولى.
قوله: (جديدين) أشار بتقديمه إلى أفضليته، وكونه أبيض أفضل من غيره وفي عدم غسل العتيق ترك المستحب.
بحر.
قوله: (ككفن(2/529)
الكفاية) التشبيه في العدد والصفة ط.
قوله: (وهذا) أي لبس الازار والرداء على هذه الصفة بيان للسنة، وإلا فساتر العورة كاف يجوز في ثوب واحد وأكثر من ثوبين وفي أسودين أو قطع خرق مخيطة: أي المسماة مرقعة، والافضل أن لا يكون فيها خياطة.
لباب.
بل لو لم يتجرد عن المخيط
أصلا ينعقد إحرامه، كما قدمناه عن اللباب أيضا، وإن لزمه دم ولو لعذر إذا مضى عليه يوم وليلة وإلا فصدقة كما يأتي في الجنايات.
قوله: (وطيب بدنه) أي استحبابا عند الاحرام.
زيلعي.
ولو بما تبقى عينه كالمسك والغالية هو المشهور.
نهر.
قوله: (إن كان عنده) أفاد أنه لو لم يكن عنده لا يطلبه كما في العناية وأنه من سنن الزوائد لا الهدي كما في السراج.
نهر.
قوله: (بما تبقى عينه) والفرق بين الثواب والبدن أنه اعتبر في البدن تابعا والمتصل بالثوب منفصل عنه، وأيضا المقصود من استنانه وهو حصول الارتفاق حالة المنع منه حاصل بما في البدن فأغنى عن تجويزه في الثوب.
نهر.
قوله: (ندبا) وفي الغاية أنها سنة.
نهر.
وبه جزم في البحر والسراج.
قوله: (بعد ذلك) أي بعد اللبس والتطييب.
بحر.
قوله: (يعني ركعتين) يشير إلى أن الاولى التعبير بهما كما فعل في الكنز، لان الشفع يشمل الاربع.
قوله: (وتجزيه المكتوبة) كذا في الزيلعي والفتح والنهر واللباب وغيرها وشبهوها بتحية المسجد.
وفي شرح اللباب أنه قياس مع الفارق لان صلاة الاحرام سنة مستقلة كصلاة الاستخارة وغيرها مما لا تنوب الفريضة منابها، بخلاف تحية المسجد وشكر الوضوء، فإنه ليس لهما صلاة على حدة كما حققه في فتاوي الحجة، فتتأدى في ضمن غيرها أيضا اه.
ونقل بعضهم أنه رد عليه الشيخ حنيف الدين المرشدي.
قوله: (بلسانه مطبقا لجنانه) أي لقلبه: يعني أن دعاءه يطلب التيسير والتقبل لا بد أن يكون مقرونا بصدق التوجه إلى الله تعالى، لان الدعاء بمجرد اللسان عن قلب غافل لا يفيد، وليس هذا بنية للحج كما نذكره قريبا، فافهم.
قوله: (لمشقته الخ) لان أداءه في أزمنة متفرقة وأمكنة متباينة، فلا يعرى عن المشقة غالبا فيسأل الله تعالى التيسير لانه الميسر كل عسير.
زيلعي.
قوله: (لقول إبراهيم وإسماعيل) عليهما السلام تعليل لقوله تقبله مني لانهما لما طلبا ذلك في بناء البيت ناسب طلبه في قصده للحج إليه فإن العبادة في المساجد عمارة لها، فافهم.
قوله: (وكذا المعتمر) لوجود المشقة في العمرة وإن كانت أدنى من مشقة الحج.
قوله: (والقارن) فيقول: اللهم إني أريد الحج والعمرة الخ.
قال ح: وترك المتمتع لانه يفرد الاحرام بالحج ويفرده بالعمرة فهو داخل فيما قبله.
قوله: (وقيل) عزاه في التحفة والقنية إلى محمد كما في النهر.
قوله: (وما في الهداية أولى) كذا في النهر.
قال الرحمتي: ولكن ما أعظم الصلاة وما أصعب
أداءها على وجهها وما أحرى طلب تيسيرها من الله تعالى، فلذا عممه الزيلعي تبعا لغيره من الائمة.
قوله: (ناويا بها الحج) قال في النهر: فيه إيماء إلى أنها غير حاصلة بقوله: اللهم إني أريد الحج(2/530)
الخ، لان النية أمر آخر وراء الارادة وهو العزم على الشئ كما قال البزازي، وقد أفصح عن ذلك ما قاله الراغب: إن دواعي الانسان للفعل على مراتب: السانح ثم الخاطر، ثم الفكر، ثم الارادة، ثم الهمة، ثم العزم.
ولو قال بلسانه: نويت الحج وأحرمت به لبيك الخ كان حسنا ليجتمع القلب واللسان، كذا في الزيلعي.
قال في الفتح: وعلى قياس ما قدمناه في شروط الصلاة إنما يحسن إذا لم تجتمع عزيمته لا إذا اجتمعت، ولم نعلم أن أحدا من الرواة لنسكه (ص) روى أنه سمعه يقول: نويت العمرة ولا الحج، ولهذا قال مشايخنا: إن الذكر باللسان حسن ليطابق القلب اه.
قال في البحر: فالحاصل أن التلفظ باللسان بالنية بدعة مطلقا في جميع العبادات اه.
لكن اعترضه الرحمتي بما في صحيح البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه: سمعتهم يصرخون بهما جميعا.
وعنه: ثم أهل بحج وعمرة، وأهل الناس بهما، إلى غير ذلك مما هو مصرح بالنطق بما يفيد معنى النية، ولم يقل أحد إن النية تتعين بلفظ مخصوص، لا وجوبا ولا ندبا، فكيف يقال إنها لم توجد في كلام أحد من الرواة؟ فتأمل اه.
قلت: قد يجاب بأن المراد نفي التصريح بلفظ نويت الحج، وإن ما ورد من الاهلال المذكور هو ما في ضمن الدعاء بالتيسير والتقبل، وقد علمت أن هذا ليس بنية، وإنما النية في وقت التلبية كما أشار إليه المصنف كغيره بقوله ناويا أو هو ما يذكره في التلبية.
ففي اللباب وشرحه: ويستحب أن يذكر في إهلاله: أي في رفع صوته بالتلبية ما أحرم به من حج أو عمرة فيقول: لبيك بحجة، ومثله في البدائع.
تأمل.
قوله: (بيان للاكمل) راجع إلى قوله: تنوي بها الحج كما في البحر.
قوله: (بمطلق النية) من إضافة الصفة للموصوف: أي بالنية المطلقة عن التقييد بالحج بأن نوى النسك من غير تعيين حج أو عمرة، ثم إن عين قبل الطواف فيها وإلا صرف للعمرة كما يأتي.
قال في اللباب: وتعيين النسك ليس بشرط فصح مبهما وبما أحرم به الغير.
ثم قال في موضع آخر:
ولو أحرم بما أحرم به غيره فهو مبهم فيلزمه حجة أو عمرة، وقيده شارحه بما إذا لم يعلم بما أحرم به غيره اه وكذا لو أطلق نية الحج صرف للفرض، ويأتي تمامه قريبا قبيل قوله: ولو أشعرها.
قوله: (ولو بقلبه) لان ذكر ما يحرم به في الحج أو العمرة باللسان ليس بشرط كما في الصلاة زيلعي.
قوله: (بذكر يقصد به التعظيم) أي ولو مشوبا بالدعاء على الصحيح.
شرح اللباب.
وفي الخانية: ولو قال اللهم ولم يزد، قال الامام ابن الفضل: هو على الاختلاف الذي ذكرناه في الشروع في الصلاة.
والحاصل أن اقتران النية بخصوص التلبية ليس بشرط، بل هو السنة، وإنما الشرط اقترانها بأي ذكر كان، وإذا لبى فلا بد أن تكون باللسان.
قال في اللباب: فلو ذكرها بقلبه لم يعتد بها، والاخرس يلزمه تحريك لسانه، وقيل لا، بل يستحب اه.
ومال شارحه إلى الثاني، لان الاصح أنه لا يلزمه التحريك في القراءة للصلاة، فهذا أولى لان الحج أوسع، ولان القراءة فرض قطعي متفق عليه، بخلاف التلبية.
قوله: (ولو بالفارسية) أي أو غيرها كالتركية والهندية كما في اللباب وأشار(2/531)
إلى أن العربية أفضل كما في الخانية.
قوله: (وإن أحسن العربية والتلبية) أي بخلاف الصلاة لان باب الحج أوسع، حتى قام غير الذكر مقامه كتقليد البدن.
ح عن الشرنبلالية: وفيه أن الشروع في الصلاة يتحقق بالفارسية ولو مع القدرة على العربية، وقدمه الشارح هناك ونبه على ما وقع للشرنبلالي وغيره من الاشتباه حيث جعلوا الشروع كالقراءة ط.
قوله: (وهي لبيك اللهم لبيك) أي أقمت ببابك إقامة بعد أخرى وأجبت نداءبك إجابة بعد أخرى، وجملة اللهم بمعنى يا الله معترضة بين المؤكد والمؤكد.
شرح اللباب.
فالتثنية لافادة التكرار كما في * (فارجع البصر كرتين) * أي كرات كثيرة، وتكرار اللفظ لتوكيد، ذلك، ويوجد في بعض النسخ بعد اللهم لبيك: لبيك مرتين، وهو الموافق لما في الكنز والهداية والجوهرة واللباب وغيرها فتكون إعادته ثالثا لمبالغة التأكيد، قال بعض المحشين: وقد استحسن الشافعية الوقف على لبيك الثالثة ولم أره لائمتنا، فراجعه اه.
قلت: مقتضى ما في القهستاني الوقف على الثانية، فإنه تكلم على قوله: لبيك اللهم لبيك،
ثم قال: لبيك لا شريك لك، استئناف، فإن مفاده أن الاستئناف بقوله: لبيك الثالثة لا بقوله: لا شريك لك، وهو مفاد ما في شرح اللباب أيضا.
قوله: (بكسر الهمزة وتفتح) والاول أفضل.
قال في المحيط: لانه عليه الصلاة والسلام فعله، ورده في البناية بأنه لم يعرف، نعم علل أكثرهم الافضلية بأنه استئناف للثناء فتكون التلبية للذات، بخلاف الفتح فإنه تعليل للتلبية: أي لبيك لان الحمد لك والنعمة والملك، أو تعليق الاجابة التي لا نهاية لها بالذات أولى منه باعتبار صفة.
واعترض بأن الكسر يجوز أن يكون تعليلا مستأنفا أيضا ومنه: * (وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) * (التوبة: 301) * (إنه ليس من أهلك) * (هود: 64) ومنه: علم ابنك العلم إن العلم نافعه، وأجيب بأنه وإن جاز فيه كل منهما إلا أنه يحمل هنا على الاستئناف لاولويته، بخلاف الفتح إذ ليس فيه سوى التعليل، وحكى الشراح عن الامام الفتح وعن محمد والكسائي والفراء الكسر، إلا أن المذكور في الكشاف أن اختيار الامام الكسر والشافعي الفتح وهو الذي يعطيه ظاهر كلامهم.
نهر.
قوله: (بالفتح) الاصوب بالنصب لانه معرب لا مبني، وعبارة النهر بالنصب على المشهور، ويجوز الرفع الخ.
قوله: (أو مبتدأ) وخبره لك وعليه فخبر إن محذوف لدلالة ما بعده عليه، والاولى جعل لك خبر إن وخبر المتبدإ محذوف كما قرروا الوجهين في قوله تعالى: * (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصاري من آمن) * (البقرة: 26) الآية، فافهم.
قوله: (والملك) بالنصب وجوز الرفع، وعلى كل فالخبر محذوف، واستحسن الوقف عليه لئلا يتوهم أن ما بعده خبره.
شرح اللباب.
ونقل بعضهم أنه مستحب عند الائمة الاربعة.
تنبيه: في اللباب وشرحه: ويستحب أن يرفع صوته بالتلبية ثم يخفضه ويصلي على النبي (ص)، ثم يدعو بما شاء، ومن المأثور اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من غضبك والنار وفيه أيضا وتكرارها سنة في المجلس الاول وكذا في غيره، وعند تغير الحالات مستحب مؤكدا، والاكثار مطلقا مندوب، ويستحب أن يكررها كلما شرع فيها ثلاثا على الولاء ولا يقطعها بكلام.
قوله: (وزد فيها) ولا تستحب الزيادة من غير المأثور كما في العناية خلافا لما مر في النهر، فافهم، نعم في شرح اللباب ما وقع مأثورا يستحب، بأن يقول: لبيك وسعديك والخير كله بيديك(2/532)
والرغباء إليك، إله الخلق لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا، لبيك إن العيش عيش الآخرة وما ليس مرويا فجائز أو حسن.
قوله: (أي عليها) فالظرف بمعنى على كما أفاده الزيلعي.
قال في النهر: فافهم لان الزيادة إنما تكون بعد الاتيان بها لا في خلالها كما في السراج اه.
فما مر من لبيك وسعديك الخ، ونقله في النهر عن ابن عمر: يأتي به بعد التلبية لا في أثنائها، فافهم.
قوله: (تحريما لقوله إنها مرة شرط) تبع فيه النهر مخالفا للبحر، ولا يخفى ما فيه، فإنه إن أراد أن الشرط خصوص الصيغة المارة ففيه أن ظاهر المذهب كما في الفتح أنه يصير محرما بكل ثناء وتسبيح وقد مر، وإن أراد بها مطلق الذكر فلا يفيد مدعاه وهو كراهة نقص هذه الصيغة تحريما، فالحق ما في البحر من أن خصوص التلبية سنة، فإذا تركها أصلا ارتكب كراهة التنزيه، فإذا نقص عنها فكذلك بالاولى، وأن قول الكافي النسفي: لا يجوز، فيه نظر ظاهر، وقول من قال: إنها شرط، مراده ذكر، يقصد به التعظيم لا خصوصها اه.
قوله: (والزيادة سنة) أي تكرارها كما قدمناه عن اللباب، وأما الزيادة على الصيغة المارة فقدمر أنها مندوبة، وهو معنى ما في الكافي وغيره أنها مستحبة، فافهم.
قوله: (وبترك رفع الصوت بها) أي بالتلبية، ومقتضاه أن الرفع سنة، وبه صرح في النهر عن المحيط، وهو خلاف ما قدمناه، وصرح به في البحر والفتح من أنه مستحب، لكن ذكر في البحر في غير هذا الموضع أن الاساءة دون الكراهة فلا يلزم من قول الشارح تبعا للمحيط أنه يكون مسيئا بتركه أن يكون سنة مؤكدة.
تأمل.
مطلب فيما يصير به محرما قوله: (وإذا لبى ناويا) قيل الاولى أن يقول: وإذا نوى ملبيا، لان عبارته تفيد أنه يصير شارعا بالتلبية بشرط النية والواقع عكسه اه: أي على ما هقول الحسام الشهيد كما مر أول الباب، والجواب كما في الفتح تبعا للزيلعي أهذه العبارة لا يستفاد منها إلا أنه يصير محرما عند النية والتلبية، أما إن الاحرام بهما أو بأحدهما بشرط الآخر فلا، فالعبارتان على حد سواء كما ذكره في النهر، فافهم.
قوله: (نسكا) أي معينا كحج أو عمرة أو مبهما لما مر، ويأتي أيضا أن صحة الاحرام
لا تتوقف على نية النسك: أي على تعيينه، وليس المراد أنها لا تتوقف على نية نسك أصلا، فافهم.
قوله: (أو ساق الهدي الخ) بيان لما يقوم مقام التلبية من الافعال كما يأتي، لكن لو حذف هذا واقتصر على قوله: أو قلد بدنة الخ كما فعل في الكنز لكان أخصر وأظهر، لان الهدى يشمل الغنم، بخلاف البدنة، فإنها تخص الابل والبقر، وإذا قلد شاة لم يكن محرما وإن ساقها كما صرح به في البحر وسيأتي، ولذا اعترض في شرح اللباب على قوله: ويقوم تقليد الهدي مقام التلبية: كان حقه أن يعبر بالبدنة بدل الهدي.
وحاصل المسألة كما في شرح اللباب إن قامة البدن مقام التلبية شرائط.
فمنها النية، ومنها سوق البدنة والتوجه معها أو الادراك والسوق إن بعث بها ولم يتوجه معها إلا في بدنة المتعة والقران، فلو قلد هديه ولم يسق، أو ساق ولم يتوجه معه ثم توجه بعد ذلك يريد النسك: فإن كانت البدنة لغير المتعة والقران لا يصير محرما حتى يلحقها، فإذا أدركها وساقها صار محرما.(2/533)
قوله: (أي ربط الخ) وكيفيته أن يفتل خيطا من صوف أو شعر ويربط به نعلا أو عروة مزادة وهي السفرة من جلد أو لحاء شجرة: أي قشرها أو نحو ذلك مما يكون علامة على أنه هدي لئلا يتعرض أحد له ولئلا يأكل منه غني إذا عطب وذبح.
قوله: (أو في إحرام سابق) قيد به لان هذا الاحرام لا يتم شروعه فيه إلا بهذا التقليد ط.
قوله: (ونحوه) أي نحو جزاء الصيد من الدماء الواجبة.
قوله: (كجناية) أي في السنة الماضية.
درر.
قوله: (وتوجه معها) أي سائقالها.
قال الكرماني: ويستحب أن يكبر عند التوجه مع سوق الهدي ويقول: الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
شرح اللباب.
قوله: (يريد الحج) إذ لا بد مع ذلك من النية على الصواب كما صرح به الاصحاب.
شرح اللباب.
قوله: (ينبغي نعم) البحث للشرنبلالي، وعبارة شرح اللباب: ناويا الاحرام بأحد النسكين صريحة في ذلك.
قوله: (أو بعثها ثم توجه) عطف على قوله: وتوجه معها فأفاد أن الشرط أحد الشيئين إما أن يسوقها ويتوجه معها.
وإما أن يبعثها ثم يلحقها ويتوجه معها.
وهذا الشرط لغير المتعة والقران، فلا يشترط فيهما التوجه معها ولا لحاقها كما أفاده بقولهم بعده أو بعثها لمتعة الخ
فافهم.
قوله: (ولحقها) اقتصر على ذكر اللحوق لانه شرط بالاتفاق.
وأما السوق بعده فمختلف فيه: ففي الجامع الصغير لم يشترطه، واشترطه في الاصل فقال: يسوقه ويتوجه معه.
قال فخر الاسلام: ذلك أمر اتفاقي، وإنما الشرط أن يلحقه.
وفي الكافي: قال شمس الائمة السرخسي في المبسوط اختلف الصحابة في هذه المسألة: فمنهم من يقول: إذا قلدها صار محرما، ومنهم، من يقول: إذا توجه في أثرها صار محرما، ومنهم من يقول: إذا أدركها فساقها صار محرما، فأخذنا بالمتيقن من ذلك، وقلنا: إذا أدركها وساقها صار محرما لاتفاق الصحابة على ذلك.
شرح اللباب قوله: (لزمه الاحرام بالتلبية الخ) لانه حين وصل إلى الميقات لم يكن محرما بالتقليد، لعدم لحاق الهدي، ولا يجوز له المجاوزة بدون الاحرام فلزم الاحرام بالتلبية رحمتي.
قوله: (أو لقران) صرح به لزيادة الايضاح، وإلا فقول المصنف لمتعة يشمل التمتع العرفي والقران كما أوضحه في البحر.
قوله: (والتوجه) أشار به إلى أن الاولى للمصنف تأخير قوله: في أشهره عن قوله: وتوجه بنية الاحرام ط.
قوله: (في إشهره الخ) لان تقليد الهدى في غير أشهر الحج لا يعتد به لانه فعل من أفعال المتعة، وأفعال المتعة قبل أشهر الحج لا يعتد بها فيكون تطوعا، وفي هدي التطوع، ما لم يدرك أو يسر معه لا يصير محرما، كذا في شرح الجامع الإصغير لقاضيخان.
زيلعي.
قوله: (وإلا لم يصر الخ) أي بأن لم يوجد البعث والتوجه في الاشهر أو وجد التوجه دون البعث، وقوله: حتى لا يلحقها أي قبل الميقات ط.
قوله: (وتوجه بنية الاحرام) أفاد أن هذه الاشياء إنما قامت مقام الذكر دون النية ط.
قوله: (فقد أحرم) جواب قوله: وإذا لبى ناويا الخ.
قوله: (مختص بالاحرام) احترز به عما لو أشعرها أو جللها إلى آخر ما يأتي.
قوله: (لا تتوقف على نية نسك) أي(2/534)
معين.
قال في البحر: وإذا أبهم الاحرام بأن لم يعين ما أحرم به جاز، وعليه التعيين قبل أن يشرع في الافعال، فإن لم يعين وطاف شوطا كان للعمرة، وكذا إذا أحصر قبل الافعال فتحلل بدم تعين للعمرة فيجب قضاؤها لاقضاء حجة، وكذا إذا جامع فأفسد وجب المضي في عمرة.
قوله: (صرف للعمرة) أما الحج فلا يصرف إليه إلا إذا عينه قبل أن يشرع في الافعال كما في البحر،
لكن في اللباب وشرحه: لو وقف بعرفة قبل الطواف تعين إحرامه للحجة ولو لم يقصد الحج في وقوفه.
قوله: (ولو أطلق نية الحج) بأن نوى الحج ولم يعين فرضا ولا نفلا.
قوله: (ولو عين نفلا فنفل) وكذا لو نوى الحج عن الغير أو النذر كان عما نوى وإن لم يحج للفرض، كذا ذكره غير واحد، وهو الصحيح المعتمد المنقول الصريح عن أبي حنيفة وأبي يوسف من أنه لا يتأدى الفرض بنية النفل.
وروي عن الثاني وهو مذهب الشافعي وقوعه عن حجة الاسلام، وكأنه قاسه على الصيام، لكن الفرق أن رمضان معيار لصوم الفرض، بخلاف وقت الحج فإنه موسع إلى آخر العمر، ونظيره وقت الصلاة.
شرح اللباب، نعم وقت الحج له شبه بالمعيار باعتبار عدم صحة حجتين فيه فلذا يتأدى بمطلق النية، بخلاف فرض الظهر مثلا فإن وقته ظرف من كل وجه.
قوله: (بجرح سنامها) الباء للتصوير وهو مكروه عند الامام لان كل أحد لا يحسنه فيلحق الحيوان به تعذيب ط.
وأشار المصنف إلى أن الاشعار خاص بالابل.
قوله: (بوضع الجل) أي على ظهرها وهو بالضم والفتح ما تلبسه الفرس لتصان به.
قاموس.
قوله: (لا لمتعة وقران) وكذا لو لهما قبل أشهر الحج.
رحمتي.
قوله: (كما مر) أي لحوقا كاللحوق الذي مر، وهو كونه قبل الميقات، وهذا محترز قوله: ولحقها ط.
قوله: (أو قلد شاة) محترز قوله: بدنة ط.
قوله: (لعدم اختصاصه بالنسك) لان الاشعار قد يكون للمداواة والحل لدفع الحر والبرد والاذى، ولانه إذا لم يكن بين يديه هدي يسوقه عند التوجه لم يوجد إلا مجرد النية وبه لا يصير محرما، وتقليد الشاة ليس بمتعارف ولا سنة.
رحمتي.
قوله: (بلا مهلة) يشير إلى أن الاصوب أن يقول فيتقي بالفاء كما في القدوري والكنز.
مطلب من حج فلم يرفث الخ أي من وقت الاحرام هذا وفي النهر: واعلم أنه يؤخذ ممن كلامه ما قاله بعضهم في قوله (ص): من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه إن ذلك من ابتداء الاحرام لانه لا يسمى حاجا قبله اه.
مطلب فيما يحرم بالاحرام وما لا يحرم قوله: (أي الجماع) هو قول الجمهور وشرح اللباب لقوله تعالى: * (أحل لكم ليلة الصيام
الرفث إلى نسائكم) * (البقرة: 781) بحر.
قوله: (أو ذكره بحضرة النساء) هو قول ابن عباس، وقيل ذكره ودواعيه مطلقا، قيل: وهو الاصح.
شرح اللباب.
وظاهر صنيع غير واحد ترجيح ما عن ابن عباس نهر.(2/535)
قلت: والظاهر شمول النساء للحلائل لانه من دواعي الجماع.
تأمل.
قوله: (أي الخروج) إشارة إلى أن الفسوق مصدر لا جمع فسق، كعلم وعلوم كما أشعر به تفسيرهم له بالمعاصي، واختاره لمناسبته للرفث والجدال، لان المنهي عنه مطلق الفسق مفردا أو جمعا.
أفاده في النهر.
قوله: (والجدال) أي الخصومة مع الرفقاء والخدم والمكارين.
بحر.
وماعن الاعمش أن من تمام الحج ضرب الجمال فقيل في تأويله: إنه مصدر مضاف لفاعله، لكن في شرح النقاية ورد أن الصديق رضي الله عنه ضرب جماله لتقصيره في الطريق قلت: وحينئذ فضربه لا للجدال بل لتأديبه وإرشاده إلى مراعاة الحفظ اه والعمل الواجب عليه، حيث لم ينزجر بالكلام وبذلك يصح كونه من تمام الحج لكونه أمرا بمعروف ونهيا عن منكر.
تأمل.
قوله: (فإنه) أي ما ذكر من الثلاثة.
وفيه إشارة إلى وجه التنصيص عليها هنا تبعا للآية، كلبس الحرير فإنه حرام مطلقا وفي الصلاة أشنع.
قوله: (وقتل صيد البر) أي مصيده إذ لو أريد به المصدر وهو الاصطياد لما صح إسناد القتل إليه.
بحر.
وعبر بالقتل دون الذبح لاستعماله في المحرم غالبا، وهذا كذلك حتى لو ذكاه كان ميتة.
قوله: (لا البحر) ولو غير مأكول لقوله تعالى: * (أحل لكم صيد البحر) * (المائدة: 69) الآية.
قوله: (والدلالة) بالكسر في المحسوسات وبالفتح في المعقولات وهو الفصيح.
رملي.
قوله: (في الغائب) أفاد به وبقوله: في الحاضر الفرق بين الاشارة والدلالة.
قلت: والفرق أيضا أن الاولى باليد ونحوها والثانية باللسان ونحوه كالذهاب إليه.
قوله: (إذا لم يعلم المحرم) كذا في النهر، والمراد به المدلول، والاصوب التعبير به.
قال في السراج: ثم الدلالة إنما تعمل إذا اتصل بها القبض وأن لا يكون المدلول عالما بمكان الصيد وأن يصدقه في
دلالته ويتبعه في أثرها، أما إذا كذبه ولم يتبع أثره حتى دله آخر وصدقه واتبع أثره فقتله فلا جزاء على الدال اه.
تتمة: في حكم الدلالة الاعانة عليه كإعارة سكين ومناولة رمح وسوط وكذا تنفيره وكسر بيضه وقوائمه وجناحه وحلبه وبيعه وشراؤه وأكله وقتل القملة ورميها ودفعها لغيره والامر بقتلها والاشارة إليها إن قتلها المشار إليه وإلقاء ثوبه في الشمس وغسله لهلاكها.
لباب.
قوله: (وإن لم يقصده) قيل عليه التطيب معمول لقوله يتبقى ولا معنى لامر غير غير القاصد بلاتقاء فيجاب بأن المراد غير قاصد للتطيب بل قاصد للتداوي، ومع ذلك يكون محظورا عليه فعليه اتقاؤه.
رحمتي.
قوله: (وكر شمه) أي فقط فلا شئ عليه به كما في الخانية، وبهذا يشير إلى أن المراد بالتطيب استعماله في الثوب والبدن، وقالوا: لو لبس إزارا مبخرا لا شئ عليه، لانه ليس بمستعمل لجزء من الطيب وإنما حصل مجرد الرائحة، ومن ثم قال في الخانية: لو دخل بيتا قد بخر فيه واتصل بثوبه شئ منه لم يكن عليه شئ.
نهر.
قوله: (وقلم الظفر) أي قطعه ولو واحدا بنفسه أو غيره بأمره أو قلم ظفر غيره إلا إذا انكسر بحيث لا ينمو فلا بأس به.
عن القهستاني.
قوله: (كله أو بعضه) لكن في تغطية(2/536)
كل الوجه أو الرأس يوما أو ليلة دم الربع منهما كالكل، وفي الاقل من يوم أو من الربع صدقة كما في اللباب وأطلقه فشمل المرأة لما في البحر عن غاية ممن أنها لا تغطي وجهها إجماعا اه: أي وإنما تستر وجهها عن الاجانب بإسدال شئ متجاف لا يمس الوجه كما سيأتي آخر هذا الباب، وأما ما في شرح الهداية لابن الكمال من أنها لهاستره بملحفة وخمار وإنما المنهي عنه ستره بشئ فصل على قدره كالنقاب والبرقع فهبحث عجيب أو نقل غريب مخالف لما سمعته من الاجماع، ولما في البحر وغيره في آخر هذا الباب، ثم رأيت بخط بعض العلماء في هامش ذلك الشرح أن هذا مما انفرد به المؤلف، والمحفوظ عن علمائنا خلافه وهو وجوب عدم مماسة شئ لوجهها اه.
ثم رأيت نحو ذلك نقلا عن منسك القطبي، فافهم.
قوله: (نعم في الخانية الخ) استدراك على قوله أو بعضه لانه يوهم أن هذا محظور مع أنه عده في اللباب من مباحات الاحرام، وأما كلمة لا بأس فإنها لا
تدل على الكراهة دائما، ومنه قوله الآتي قريبا كره وإلا فلا بأس به فافهم.
قوله: (والرأس) أي رأس الرجل أما المرأة فتستره كما سيأتي.
قوله: (بخلاف الميت) يعني إذا مات محرما حيث يغطي رأسه ووجهه لبطلان إحرامه لموته لقوله (ص): إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث والاحرام عمل فهو منقطع ولهذا لا يبني المأمور بالحج على إحرام الميت اتفاقا، وأما الاعرابي الذي وقصته ناقته فقال (ص): لا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا فهو مخصوص من ذلك بإخبار النبي (ص) ببقاء إحرامه، وهو مفقود في غيره فقلنا بانقطاعه بالموت.
أفاده في البحر وغيره وبه يحصل الجمع بين الحديثين، ويؤيده أن قوله: فإنه يبعث الخ واقعة حال ولا عموم لها كما تقرر في الاصول، فلا يدل على أن غير الاعرابي مثله في ذلك.
قوله: (وبقية البدن) بالجر عطفا على الميت: أي وبخلاف ستر بقية البدن سوى الرأس والوجه فإنه لا شئ عليه لو عصبه، ويكره إن كان بغير عذر.
لباب.
وفي شرحه: وينبغي استثناء الكفين لمنعه من لبس القفازين.
اه.
قلت: وكذا القدمين مما فوق معقد الشراك لمنعه من لبس الجوربين كما يأتي، إلا أن يكون مراده بالستر التغطية، بما لا يكون لبسا فستر اليدين أو الرجلين بالقفازين أو الجوربين لبس، فتأمل.
قوله: (ما لم يمتد يوما وليلة الخ) الواو بمعنى أو لان لبس المعتاد يوما أو ليلة موجب للدم، فغير المعتاد كذلك موجب للصدقة.
ط.
قلت: لكن لينظر من أين أخذ الشارح ما ذكره، فإن الذي رأيته في عدة كتب أنه لو غطى رأسه بغير معتاد كالعدل ونحوه لا يلزمه شئ فقد أطلقوا عدم اللزوم، وقد عد ذلك في اللباب من مباحات الاحرام، نعم في النهر عن الخانية: لو حمل المحرم على رأسه شيئا يلبسه الناس يكون لابسا، وإن كان لا يلبسه الناس كالاجانة ونحوها فلا، ويكره له تعصيب رأسه، ولو فعل ذلك يوما وليلة كان عليه صدقة اه.
والظاهر أن الاشارة للتعصيب وكأن الشارح أرجعها للحمل أيضا.
تأمل.
قوله: (وقالوا الخ) نص عليه في اللباب وغيره، وكذا نص على أنه يكره كب وجهه على وسادة، بخلاف خديه.
قال شارحه: وكذا وضع رأسه عليها، فإنه وإن لزم منه تغطية بعض وجهه أو رأسه إلا أنه الهيئة المستحبة في النوم، بخلاف كب الوجه اه.
قوله: (كره) ظاهر إطلاقه إنها تحريمية ط.(2/537)
حاشية رد المحتار - ابن عابدين ج 3
حاشية رد المحتار
ابن عابدين ج 3(3/)
حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بإبن عابدين ويليه تكملة إبن عابدين لنجل المؤلف طبعة جديدة منقحة مصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات الجزء الثالث دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(3/1)
جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر 1415 ه / 1995 م دار الفكر بيروت - لبنان دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فكس - تلكس: 41391 فكر ص.
ب 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962 فاكس: 2124187875 - 001(3/2)
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب النكاح ليس لنا عبادة شرعت من عهد آدم إلى الآن ثم تستمر في الجنة إلا النكاح والايمان (هو) عند الفقهاء (عقديفيد ملك المتعد) أي جل استمتاع الرجل كتاب النكاح ذكره عقب البعادات الأربع أركان الدين لأنه بالنسبة إليها كالبسيط إلى المركب، لأنه عبادة من وجه معاملة من وجه.
وقة مه على الجهاد وإن اشتركا في أن كلا منهما سبب لوجود المسلم والإسلام، لأن ما يحصل بأنكحة أفراد المسلمين أضعاف ما يحصل بالقتال، فإن الغالب في الجهاد حصول القتل والذمة، على أن في كونه سببا لوجود المسلم تسامحا نظرا إلى أن تجدد الصغد بمننزلة تحدد الذات، وكذا على العتق والوقف والأضحية وإن كانت عبادات أيضا، لأنه أقرب إلى الأركان الأربع، حتى قالوا: إن الاشتعال به أفضل من التخلي لنوافل العبادات أي الاشتغال به، وما يشتمل عليه من القيام بمصالحه وإعفاف النفس عن الحرام وتربية الولد ونحو ذلك.
قوله: (ليس لنا عبادة الخ كذا في الأشباه، وفيه نظر.
أما أولا فإن كونه عبادة في الدنيا إنما هو لكونه سببا لكثرة المسلمين، ولما فيه من الإعفاف ونحو مما ذكرناه وهذا مفقود في الجنة بل ورد " أن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد لكن ورد في حديت آخر المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنة في ساعة واحدة كما سشتهي وهذا أولى لقول الترمذي إنه حديث حسن غريب.
و.
ما ثانيا فلأن الذكر والشكر في الجنة أكثر منهما في الدنيا، لأن حال العبد يصير كحال الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، غايته أن هذه العبادة ليست بتكليف بل هي مقتضى الزبع لأن خدمة الملوك لذة وشرف وتزداد بالقرب وتمامه في حاشية الحموي على الأشباه.
قوله (عقد) القعد: مجموع إيجاب أحد المتكلمين مع قبول الآخر أو كللم الواحد القائم مقامهما أعني متولي الطرفين بحر، وفيه كلام يأتي.
قوله: (أي حل استمتاع الرجل) أي المراد أنه عقد يفيد حكمه بحسب الوضع الشرعي.
وفي البدائع: أن من أحكامه ملك المتعة، وهو اختصاص الزوج بمنافع بعضها وسائر أعضهائها استمتاعا، أو ملك الذات والنفس في حق التمتع على اختلاف مشايخنا في
ذلك ا ه...بحر.
وعزا الدبوسي المعنى الأول إلى الشافعي، لكن كلام المصنف كالكنز صريح في اختياره.
على أن الظاهر كما في النهر أن الخلف لفغظي، لقول الدبوسي: إن هذا الملك ليس حقيقيا، بل في حكمه في حق تحليل الوطء دون ما سواه من الأحكام التي لا تتصل بحق الزوجية ا ه.
فعلى القول الذي عزاه الدبوسي إلى أصحابنا من أنه ملك الذات ليس ملكا للذات حقيقة بل ملك التمتع بها: أي اختصاص الزوج به كما عبر به في البدائع أولى من تفسيره بالحل تبعا للبحر، لأن الاختصاص أقرب إلى معنى الملك لأن الملك نوع منه بخلاف الحل لأنه(3/3)
من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي، فخرج الذكر والخنثى المشكل والوثنية لجواز ذكورته، والمحارم، والجنية، وإنسان الماء لاختلاف الجنس، لازم لملك المتعة وهو لازم لاختصاصها بالزوج شرعا أيضا، على أن ملك كل شئ بحسبه، فملك الزوج المتعمة بالعقد ملك شرعي كملك المستأجر المنفعة بمن استأجره للخدمة مثلا، ولا يرد عليه قوله في البحر: إن المراد بالملك الحل لا الملك الشرعي: لأن المنكوحة لو وطئت بشبهة فمهرها ملكه البدل، وإنما يستلزمه ملك نفس البضع كما لو طئت أمته كما لو وطئت أمته فإن العقد له لملكه نفس البضع، بخلاف الزوج، فافهم.
تنبيه: كلام الشارح والبدائع يشير إلى أن الحق في للرجل لا للمرأة، كما ذكره السيد أبو السعود في حواشي مسكين، قال: يتفرع عليه ما ذكره الأبياري شارح الكنز في شرحه للجامع أن للزوج أن ينظر إلى فرج زوجه وحلقه دبرها بخلافها حيث لا تنظر إليه إذا منعها من النظر اه.
ونقله ط وأقره.
والظاهر أن المراد ليس لها إجبار على ذلك لا بمعنى أنه لا يحل لها إذا منعها منه، لأن من أحكام النكاح حل استمتاع كل منها بالآخر، نعم له وطؤها جبرا إذا امتنعت بلا مانع شرعي، وليس لها إجباره على الوطء بعد ما وطئها مرة وإن وجب عليه ديانة أحيانا على ما سيأتي.
وتأمل.
قوله (من امرأة الخ) من ابتدائية، والأولى أن يقول بامرأة والمراد بها المحققة أنوثتها بقرينة الاحتراز بها عن الخنثى، وهذا بيان لمحلية العقد.
قال في البحر بعد نقله عن الفتح: العناية محله امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي فخرج الذكر للذكر والخنثى مطلقا والجنية
للإني، ما كان من النساء محرما على التأبيد كالمحارم ا ه.
وبه ظهر أن المراد بالنكاح في قوله لم يمنع من نحكاحها العقد لا الوطء، لأن المراد بيان محلية العقد، ولذا احتراز بالمانع الشرعي عن المحارم، فالمراد منه المحرمية بنسب أو سبب كالمصاهرة والرضاع، وأما نحو الحيص والنفاس والإحرام والظهار قبل التكفير فهو مانع من حل الوطء لا من محلية العقد، فالهم.
قوله: (فخرج الذكر والخنثى المشكل) أي أن إيراد العد عليهما لا يفيد ملك استمتاع الرجل بهما لعدم محليتهما له، وكذا على الخنثى لا مرأة أو لمثله، فقي لابحر عن الزيلعي في كتاب الخنثي: لو زوجه أبوه أو مولاه امرأة أو رجلا لا يحكم بصحته حتى يتبين حاله أن رجل أو امرأة، فإذا ظهر أنه خلاف ما زوج به تبين أن العقد كان صحيحا وإلا فباطل لعدم مصادقة الحمل، وكذا إذا زوج خنثى من خنثى آخر لا يحكم بصحة النكاح حتى يظهر أن أحد هما ذكر والآخر أنثى ا ه.
فلو قال الشارع والخنثى المشكل مطلقا لشمل الصور الثلاث، لكنه اقتصر على إفادة بعض أحكامه، ولى فيه إجمال، فافهم.
قوله: (والو ثنية) ساقط من بعض النسخ، ووجد في بعضها قبل قوله والخنثى الأولى ذكرها بعده لخروجها بالمانع الشرعي، وعبر بها تبعا لتعبير المصنف في فصل المحرومات الأولى التعبير بالمشركة كما عبر به الشارع هناك.
قوله (والمحارم) هذا خارج بالمانع اشرعي أيضا، وكذا قوله والجنية وإنسان الماء بقرينة التعليل باختلاف الجنس، لأن قول تعالى (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا) بين المراد من قوله (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وهو الأنثى من بنات آدم،(3/4)
وأجاز الحسن نكاح الجنية بشهود.
فنية (قصدا) خرج ما يفيد الحل ضمنا كشراء أمة للتسري (و) عند أهل الأصول واللغة (هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد) فيحيث جاء في الكتاب أو السنة مجردا عن القوائن يراد به الوطء كما في (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) النساء: 22 فتحرم مزنية الأب على الابن، بخلاف (حتى تنكح زوجا غيره) النساء 230 فلا يثبت حل غيرها بلا دليل غيرها بلا دلل ولأن الجن يتشكلون بصور شتى، فقد يكون ذكرا تشكل بشكل أنثى.
وما قيل من أن من سأل عن جواز التزوج بها يصفح لجهلة وحماقته لعدم تصور ذلك بعيد، لأن التصور ممكن أن تشكلهم ثابت بالأحاديث والآثار و الحكايات الكثيرة، ولذا ثبت لنهي عن قتل
بعض الحيات كما مر في مكروهات الصلاة على أن عدم تصور ذلك لا يدل على حماقة السائل كما بعض الحيات كما مر في مكروهات الصلاة على أن عدم تصور ذلك لا يدل على حماقة السائل كما قاله في الأشباه.
وقال ألا ترى أن أبا الليث ذك رفي فتاويه أن الكفارة لو تترسوا بنبي من الأنبياء هل يرمي؟ فقال: يسئل ذلك النبي ولا يتصور ذلك بعد رسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن أجاب على تقدير التصور كذا هذا ا ه.
وتمام ذلك في رسالتنا المسماة (سل الحسام الهندي لنصرة سيدنا خالد النقشبندي) تنبيه: في الأشباه في الأشباه عن السراجية لا تجوز المناكحة بين بني آدم والجن وإنسان الماء لا ختلاف الجنسن اه.
ومقاد المفاعلة أن لا يجوز للجني أن يتزوج إنسية أيضا، وهو مفاد التعليل أيضا.
قوله: (وأجاز الحسن) أي البصري رضي الله عنه، كما في البحر، والأولى التقييد به لإخراج الحسن بن زياد تلميد الإمام رضي الله عنه، لأنه يتو هم من إطلاقه هنا أن رواية في المذهب وليس كذلك ط، لكنه نقل بعده عن شرح المنتثقى عن زواهر الجواهر: الأصح أن لا يصح نكاح آدمي، جنية، كعكسه لا ختلاف الجنس، كاهوا كبقية الحيوانات ا ه.
ويحتمل أن يكون مقابل الأصح قوله الحسن لاختلاف الجنس، فكانوا كبقية الحيوانات اه.
ويحتمل أن يكون مقابل الأصح قول الحسن المذكور.
تأمل.
قوله (قصدا) حال من ضمير يفيد ووقوع المصدر حالا وإن كثر سماعي ط.
قوله: (كشراء أمة) فإن المقصود فيه ملك الرقبة وحل الاستمتاع ضمني، ولذا تخلف في شراء المحرمة نسبا أو رضاعا أو اشتراكا ح.
قوله (للتسري) خصه بالذكر لأنه لو اشتراها لا للتسري كان حل الاستمتاع ضمنيا بالأولى، ولو قال ولو للتسري لكان أظهر، وكلام البحر يدل عليه حيث قال: وملك المتعة ثابت ضمنا وإغ قصده المشتري ح.
قوله: (وعند أهل الأصول واللغة الخ) حاصله: إن ما قدمه المصنف معنى عرفي للفقهاء وما ركره معناه شرعا ولغة، لأن أهل الأصول بيحثون عن معنى النصوص الشرعية، فلا تنافى بين كلامي المصنف.
قال في البحر: قد تساوى في هذا المعنى اللغة والشرع.
أفاده ط.
قوله: (مجازا في العقد) وقيل بالعكس ونسبه الأصوليون إلى الشافعي رضي الله عنه، وقيل مشترك لفظي فيهما، وقيل موضوع للضم الصادق بالعقد والوطء فهو مشترك معنوي، وبه صرح مشايخنا أيضا.
بحر اه.
والصحيح أن حقيقة في الوطء كما في شرح
التحرير.
قوله: (مجردا عن القرائن) أي محتملا للمعنى الحقيقي والمجازي بلا مرجع خارج، وقوله: يراد الوطء أي لأن المجاز خلف عن الحقيقة فتترجع عليه في نفسها.
قوله (فتحرم مزينة الأب على الابن) أي على فروعه فتكون حرمتها عليهم ثابته بالنص، وأما حرمة التي عقد عليها عقدا صحيحا عليهم، قبالإجماع ولو بالعقد، بخلاف الأجنبية فيتعلق بالعقد، لأن لأن وطأها لما حرم عليه شرعا كانت الحقيقية مهجورة فتعين المجاز، كذا في والتحرير وشرحه.
قوله: (بخلاف) حال(3/5)
لإسناه إليها والمتصور منها العقد لا الوطء إلا مجازا (ويكون واجبا عند التوقان) فإن تيقن الزنا إلا به فرض.
نهاية.
وهذا إن ملك المهر والنفقة، وإلا فلا إثم بتركه.
بدائع (و) يكون من ما الموصولة في قوله كما وقال ح: (ولا تنكحوا) النساء 22 أي حال كون مخالفا لقوله تعالى (حتى تنكح) البقرة 230 حيث لم يرد به الوطء بل أريد القعد لعد تجرده عن القرائن، بل وجدت فيه قرينة وهي استحالة الوطء منها لأن الوطء فعل وهي منفعلة لا فاعلة وهو معن قوله والمتصور الخ.
قوله (لإستاده إليها) علة لما استفيد من المقام من أن المراد العقد، وأما اشتراط وطء المحل فمأخوذ من حديث العسيلة ط.
قوله (إلا مجاز) قد يقال: إذا كان لا انفكاح في عن المجاز على التقديرين فما المرحج لأحد هما على الآخر؟ اه.
ح: يعني أنه إن أريد بالنكاح في الآية الوطء كان مجازا عقليا لعدم تصور الفعل منها، وإن أريد به القعد كان مجازا لغويا لأنه حقيقة الوطء فحمل الآية على أحد هما ترجيح بلا مرجح، بل قد يقال: إن حملها على الوطء أنسب بالواقع، فإن المطلقة ثلاثا لا تحل بدون وطء المحلل، اللهم إلا أن يقال: المرجح كثرة الاستعمال ط.
أقول: الظاهر أنه لا مانع هنا من إرادة كل منهما، لكن لما كان النزاع في أن النكاح حقيقة في الوطئ أو في العقد وكان الراجح عندنا الاول قالوا: إنه في هذه الآية مجاز لغوي، بمعنى العقد لكونه أصرح في الرد على القائل بأنه حقيقة فيه، ولو قيل: إنه مجاز عقلي في الاسناد لصح أيضا، كما يصح في قولك جرى النهر أن تجعله من المجاز في الاسناد، ولكن المشهور أنه مجاز لغوي بعلاقة الحالية والمحلية، على أنه ليس في كلام الشارح ما يمنع ذلك، لان قوله: والمتصور منها العقد
لا الوطئ إلا مجازا يمكن حمله أيضا على أنه مجاز في الاسناد بقرينة قوله: لاسناده إليها أي إنه من إسناد الشئ إلى غير من هو له، وقوله: والمتصور الخ بيان لكون إسناده إليها غير حقيقي، فافهم.
قوله: (عند التوقان) مصدر تاقت نفسه إلى كذا: إذا اشتاقت من باب طلب.
بحر عن المغرب.
وهو بالفتحات الثلاث كالميلان والسيلان، والمراد شدة الاشتياق كما في الزيلعي: أي بحيث يخاف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج، إذ لا يلزم من الاشتياق إلى الجماع الخوف المذكور.
بحر.
قلت: وكذا فيما يظهر لو كان لا يمكنه منع نفسه عن النظر المحرم أو عن الاستمناء بالكف، فيجب التزوج وإن لم يخف الوقوع في الزنا.
قوله: (فإن تيقن الزنا إلا به فرض) أي بأن كان لا يمكنه الاحتراز عن الزنا إلا به، لان ما لا يتوصل إلى ترك الحرام إلا به يكون فرضا.
بحر.
وفيه نظر، إذ الترك قد يكون بغير النكاح وهو التسري، وحينئذ فلا يلزم وجوبه إلا لو فرضنا المسألة بأنه ليس قادرا عليه.
نهر.
لكن قوله: لا يمكنه الاحتراز عنه إلا به، ظاهر في فرض المسألة في عدم قدرته على التسري، وكذا في عدم قدرته على الصوم المانع من الوقوع في الزنا، فلو قدر على شئ من ذلك لم يبق النكاح فرضا أو واجبا عينا، بل هو أو غيره مما يمنعه عن الوقوع في المحرم.
قوله: (وهذا إن ملك المهر والنفقة) هذا الشرط راجع إلى القسمين: أعني الواجب والفرض، وزاد في البحر شرطا آخر فيهما وهو عدم خوف الجور: أي الظلم.
قال: فإن تعارض خوف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج وخوف الجور لو تزوج قدم الثاني فلا افتراض، بل يكره.
أفاده الكمال في الفتح، ولعله لان الجور معصية متعلقة بالعباد، والمنع من الزنا من حقوق الله تعالى، وحق العبد مقدم عند التعارض لاحتياجه وغنى المولى تعالى اه.
قلت: ومقتضاه الكراهة أيضا عند عدم ملك المهر والنفقة لانهما حق العبد أيضا وإن خاف(3/6)
الزنا، لكن يأتي أنه يندب الاستدانة له.
قال في البحر: فإن الله ضامن له الاداء فلا يخاف الفقر إذا كان من نيته التحصين والتعفف اه.
ومقتضاه أنه يجب إذا خاف الزنا وإن لم يملك المهر إذا قدر على استدانته، وهذا مناف للاشتراط المذكور، إلا أن يقال: الشرط ملك كل من المهر والنفقة ولو
بالاستدانة، أو يقال: هذا في العاجز عن الكسب ومن ليس له جهة وفاء.
وقدم الشارح في أول الحج أنه لو لم يحج حتى أتلف ماله وسعه أن يستقرض ويحج ولو غير قادر على وفائه، ويرجى أن لا يؤاخذه الله تعالى بذلك: أي لو ناويا وفاءه لو قدر كما قيده في الظهيرية اه.
وقدمنا أن المراد عدم قدرته على الوفاء في الحال مع غلبة ظنه لو اجتهد قدر، وإلا فالافضل عدمه، وينبغي حمل ما ذكر من ندب الاستدانة على ما ذكرنا من ظنه القدرة على الوفاء، وحينئذ فإذا كانت مندوبة عند أمنه من الوقوع في الزنا ينبغي وجوبها عند تيقن الزنا، بل ينبغي وجوبها حينئذ وإن لم يغلب على ظنه قدرة الوفاء.
تأمل.
مطلب: كثيرا ما يتساهل في إطلاق المستحب على السنة قوله: (سنة مؤكدة في الاصح) وهو محمل القول بالاستحباب، وكثيرا ما يستاهل في إطلاق المستحب على السنة.
وقيل: فرض كفاية، وقيل واجب كفاية وتمامه في الفتح، وقيل واجب عينا ورجحه في النهر كما يأتي.
قال في البحر ودليل السنية حال الاعتدال، الاقتداء بحاله (ص) في نفسه ورده على من أراد من أمته التخلي للعبادة كما في الصحيحين ردا بليغا بقوله: فمن رغب عن سنتي فليس مني كما أوضحه في الفتح اه.
وهو أفضل من الاشتغال بتعلم وتعليم كما في درر البحار، وقدمنا أنه أفضل من التخلي للنوافل.
قوله: (فيأثم بتركه) لان الصحيح أن ترك المؤكدة مؤثم كما علم في الصلاة.
بحر.
وقدمنا في سنن الصلاة أن اللاحق بتركها إثم يسير، وأن المراد الترك مع الاصرار، وبهذا فارقت المؤكدة الواجب، وإن كان مقتضى كلام البدائع في الامامة أنه لا فرق بينهما إلا في العبارة.
قوله: (ويثاب إن نوى تحصينا) أي منع نفسه ونفسها عن الحرام، وكذا لو نوى مجرد الاتباع وامتثال الامر، بخلاف ما لو نوى مجرد قضاء الشهوة واللذة.
قوله: (أي القدرة على وطئ) أي الاعتدال في التوقان أن لا يكون بالمعنى المار في الواجب والفرض وهو شدة الاشتياق، وأن لا يكون في غاية الفتور كالعنين، ولذا فسره في شرحه على الملتقى بأن يكون بين الفتور والشوق، وزاد المهر والنفقة لان العجز عنهما يسقط الفرض فيسقط السنية بالاولى، وفي البحر: والمراد حالة القدرة على الوطئ والمهر والنفقة مع عدم الخوف من الزنا والجور وترك
الفرائض والسنن، فلو لم يقدر على واحد من الثلاثة أو خاف واحدا من الثلاثة: أي الاخيرة فليس معتدلا فلا يكون سنة في حقه، كما أفاده في البدائع اه.
قوله: (للمواظبة عليه والانكار الخ) فإن المواظبة المقترنة بالانكار على الترك دليل الوجوب، وأجاب الرحمتي بأن الحديث ليس فيه الانكار على التارك بل على الراغب عنه، ولا شك أن الراغب عن السنة محل الانكار.
قوله: (ومكروها) أي تحريما.
بحر.
قوله: (فإن تيقنه) أي تيقن الجور حرم، لان النكاح إنما شرع لمصلحة تحصين(3/7)
النفس، وتحصيل الثواب، وبالجور يأثم ويرتكب المحرمات فتنعدم المصالح لرجحان هذه المفاسد.
بحر.
وترك الشارح قسما سادسا ذكره في البحر عن المجتبى وهو الاباحة إن خاف العجز عن الايفاء بموجبه اه.
أي خوفا غير راجح، وإلا كان مكروها تحريما، لان عدم الجور من مواجبه، والظاهر أنه إذا لم يقصد إقامة السنة بل قصد مجرد التوصل إلى قضاء الشهوة ولم يخف شيئا لم يثب عليه، إذ لا ثواب إلا بالنية فيكون مباحا أيضا كالوطئ لقضاء الشهوة، لكن لما قيل له (ص): إن أحدنا يقضي شهوته فكيف يثاب؟ فقال (ص) ما معناه: أرأيت لو وضعها في محرم أما كان يعاقب فيفيد الثواب مطلقا، إلا أن يقال: المراد في الحديث قضاء الشهوة لاجل تحصين النفس، وقد صرح في الاشباه بأن النكاح سنة مؤكدة، فيحتاج إلى النية، وأشار بالفاء إلى توقف كونه سنة على النية، ثم قال: وأما المباحات فتختلف صفتها باعتبار ما قصدت لاجله، فإذا قصد بها التقوى على الطاعات أو التوصل إليها كانت عبادة كالاكل والنوم واكتساب المال والوطئ اه.
ثم رأيت في الفتح قال: وقد ذكرنا أنه إذا لم يقترن بنية كان مباحا، لان المقصود منه حينئذ مجرد قضاء الشهوة ومبنى العبادة على خلافه.
وأقول: بل فيه فضل من جهة أنه كان متمكنا من قضائها بغير الطريق المشروع، فالعدول إليه مع ما يعلمه من أنه قد يستلزم إثقالا فيه قصد ترك المعصية اه.
قوله: (ويندب إعلانه أي إظهاره، والضمير راجع إلى النكاح بمعنى العقد، لحديث الترمذي: أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف فتح.
قوله: (وتقديم خطبة) بضم الخاء ما يذكر قبل إجراء العقد من
الحمد والتشهد، وأما بكسرها فهي طلب التزوج، وأطلق الخطبة فأفاد أنها لا تتعين بألفاظ مخصوصة، وإن خطب بما ورد فهو أحسن، ومنه ما ذكره ط عن صاحب الحصن الحصين من لفظه عليه الصلاة والسلام وهو الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، * () * * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) *.
* (إلى قوله:) * اه.
قوله: (في مسجد) للامر به في الحديث ط.
قوله: (يوم جمعة) أي وكونه يوم جمعة.
فتح.
تنبيه: قافي البزازية: والبناء والنكاح بين العيدين جائز وكره الزفاف، والمختار أنه يكره لانه عليه الصلاة والسلام تزوج بالصديقة في شوال وبنى بها فيه، وتأويل قوله عليه الصلاة والسلام: لا نكاح بين العيدين إن صح أنه عليه الصلاة والسلام كان رجع عن صلاة العيد في أقصر أيام الشتاء يوم الجمعة، فقاله حتى لا يفوته الرواح في الوقت الافضل إلى الجمعة اه.
قوله: (بعاقد رشيد وشهود عدول) فلا ينبغي أن يعقد مع المرأة بلا أحد من عصبتها، ولا مع عصبة فاسق، ولا عند شهود غير عدول خروجا من خلاف الامام الشافعي.
قوله: (والاستدانة له) لان ضمان ذلك على الله تعالى، فقد روى الترمذي والنسائي وابن ماجه: ثلاث حق على الله تعالى عونهم: المكاتب الذي يريد الاداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله تعالى ذكره بعض المحشين(3/8)
وتقدم تمام الكلام على ذلك.
قوله: (والنظر إليها قبله) أي وإن خاف الشهوة كما صرحوا به في الحظر والاباحة، وهذا إذا علم أنه يجاب في نكاحها.
قوله: (دونه سنا) لئلا يسرع عقمها فلا تلد.
قوله: (وحسبا) هو ما تعده من مفاخر آبائك.
ح عن القاموس: أي بأن يكون الاصول أصحاب شرف وكرم وديانة، لانها إذا كانت دونه في ذلك، وكذا في العز: أي الجاه والرفعة، وفي المال تنقاد له، ولا تحتقره وإلا ترفعت عليه.
وفي الفتح: روى الطبراني عن أنس عنه (ص): من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلا، ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقرا، ومن تزوجها لحسبها لم يزده
الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها وبارك لها فيه.
تتمة: زاد في البحر: ويختار أيسر النساء خطبة ومؤنة، ونكاح البكر أحسن للحديث: عليكم بالابكار فإنهن أعذب أفواها، وأنقى أرحاما، وأرضى باليسير ولا يتزوج طويلة مهزولة، ولا قصيرة دميمة، ولا مكثرة، ولا سيئة الخلق، ولا ذات الولد، ولا مسنة للحديث: سوداء ولود خير من حسناء عقيم ولا يتزوج الامة مع طول الحرة ولا زانية، والمرأة تختار الزوج الدين الحسن الخلق الجواد الموسر، ولا تتزوج فاسقا، ولا يزوج ابنته الشابة شيخا كبيرا ولا رجلا دميما ويزوجها كفؤا، فإن خطبها الكف ء لا يؤخرها، وهو كل مسلم تقي، وتحلية البنات بالحلي والحلل ليرغب فيهن الرجال سنة، ولا يخطب مخطوبة غيره لانه جفاء وخيانة اه.
قوله: (وهل يكره الزفاف) هو بالكسر ككتاب إهداء المرأة إلى زوجها.
قاموس.
والمراد به هنا اجتماع النساء لذلك لانه لازم له عرفا: أفاده الرحمتي.
قوله: (المختار لا الخ) كذا في الفتح مستدلا له بما مر من حديث الترمذي وما رواه البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: زففنا امرأة إلى رجل من الانصار، فقال النبي (ص): أما يكون معهم لهو، فإن الانصار يعجبهم اللهو وروى الترمذي والنسائي عنه (ص): فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت وقال الفقهاء: المراد بالدف ما لا جلاجل له اه.
وفي البحر عن الذخيرة: ضرب الدف في العرس مختلف فيه.
وكذا اختلفوا في الغناء في العرس والوليمة، فمنهم من قال بعدم كراهته كضرب الدف اه.
قوله: (وينعقد) قال في شرح الوقاية: العقد ربط أجزاء التصرف: أي الايجاب والقبول شرعا، لكن هنا أريد بالعقد الحاصل بالمصدر، وهو الارتباط، لكن النكاح الايجاب والقبول مع ذلك الارتباط، إنما قلنا هذا لان الشرع يعتبر الايجاب والقبول أركان عقد النكاح، لا أمورا خارجية كالشرائط، وقد ذكرت في شرح التنقيح في فصل النهي أن الشرع يحكم بأن الايجاب والقبول الموجودين حسا يرتبطان ارتباطا حكميا، فيحصل معنى شرعي يكون ملك المشتري أثرا له فذلك المعنى هو البيع، فالمراد بذلك المعنى: المجموع المركب من الايجاب والقبول مع ذلك الارتباط للشئ، لا أن البيع مجرد ذلك المعنى الشرعي والايجاب والقبول
آلة له كما توهم البعض، لان كونهما أركانا ينافي ذلك اه: أي ينافي كونهما آلة، وأشار الشارح إلى ذلك حيث جعل الباء للملابسة كما في بنيت البيت بالحجر لا للاستعانة، كما في كتبت بالقلم.
والحاصل أن النكاح والبيع ونحوهما وإن كانت توجد حسا بالايجاب والقبول، لكن وصفها بكونها عقودا مخصوصة بأركان وشرائط يترتب عليها أحكام، وتنتفي تلك العقود بانتفائها وجود(3/9)
شرعي زائد على الحسي، فليس العقد الشرعي مجرد الايجاب والقبول ولا الارتباط وحده بل هو مجموع الثلاثة، وعليه فقوله: وينعقد أي النكاح: أي يثبت ويحصل انعقاده بالايجاب والقبول.
قوله: (من أحدهما) أشار إلى أن المتقدم من كلام العاقدين إيجاب سواء كان المتقدم كلام الزوج، أو كلام الزوجة المتأخر قبول.
ح عن المنح فلا يتصور تقديم القبول، فقوله تزوجت ابنتك: إيجاب، وقول الآخر زوجتكها: قبول، خلافا لمن قال: إنه من تقديم القبول على الايجاب، وتمام تحقيقه في الفتح.
قوله: (لان الماضي الخ) قال في البحر: وإنما اختير لفظ الماضي لان واضع اللغة لم يضع للانشاء لفظا خاصا، وإنما عرف الانشاء بالشرع، واختيار لفظ الماضي لدلالته على التحقيق والثبوت دون المستقبل اه.
وقوله على التحقيق أي تحقيق وقوع الحدث.
قوله: (كزوجت نفسي الخ) أشار إلى عدم الفرق بين أن يكون الموجب أصيلا أو وليا أو وكيلا، وقوله منك بفتح الكاف، وليس مراده استقصاء الالفاظ التي تصلح للايجاب، حتى يرد عليه أن مثل بنتي ابني، ومثل موكلتي موكلي، وأنه كان عليه أن يقول بعد قوله منك بفتح الكاف وكسرها: أو من موليتك أو من موكلتك بفتح الكاف وكسرها أيضا ليعم الاحتمالات، فافهم.
قوله: (ويقول الآخر تزوجت) أي أو قبلت لنفسي أو لموكلي أو ابني أو موكلتي ط.
قوله: (فالاول) أي الموضع للاستقبال.
قوله: نفسك بكسر الكاف مفعول زوجيني أو بفتحها مفعول زوجني ففيه حذف مفعول أحد الفعلين، ولو حذفه لشمل الولي والوكيل أيضا.
أفاده ح.
قوله: (أو كوني امرأتي) ومثله كوني امرأة ابني أو امرأة موكلي، وكذا كن زوجي أو كن زوج ابنتي أو زوج موكلتي.
أفاده ح.
قوله: (فإنه ليس بإيجاب) الفاء فصيحة: أي إذا عرفت أن قوله بما وضع معطوف على قوله بإيجاب وقبول وعرفت
أيضا أن العطف يقتضي المغايرة عرفت أن لفظ الامر ليس بإيجاب، لكن هذا يقتضي أن قول الآخر زوجت في هذه الصورة ليس بقبول، وهو كذلك: أي ليس بقبول محض، بل هو لفظ قام مقام الايجاب والقبول كما ذكره الشارح.
ويرد عليه أن عطف الحال على الاستقبال يقتضي أن نحو قوله أتزوجك ليس بإيجاب، وأن قولها قبلت مجيبة له ليس بقبول مع أنهما إيجاب وقبول قطعا ح.
قوله: (بل هو توكيل ضمني) أي إن قوله زوجني توكيل بالنكاح للمأمور معنى، ولو صرح بالتوكيل وقال: وكلتك بأن تزوجني نفسك مني، فقالت زوجت، صح النكاح فكذا هنا غاية البيان، وأشار بقوله ضمني إلى الجواب عما أورد عليه من أنه لو كان توكيلا لما اقتصر على المجلس، مع أنه يقتصر.
وتوضيح الجواب كما أفاده الرحمتي: أن المتضمن بالفتح لا تعتبر شروطه، بل شروط المتضمن بالكسر والامر طلب للنكاح فيشترط فيه شروط النكاح من اتحاد المجلس في ركنيه لا شروط ما في ضمنه من الوكالة، كما في أعتق عبدك عني بألف لما كان البيع فيه ضمنيا لم يشترط فيه الايجاب والقبول لعدم اشتراطهما في العتق، لان الملك في الاعتاق شرط، وهو تبع للمقتضي وهو العتق، إذ الشرط اتباع، فلذا ثبت البيع المقتضي بالفتح بشروط المقتضي بالكسر، وهو(3/10)
العتق، لا بشروط نفسه إظهارا للتبعية فسقط القبول الذي هو ركن البيع، ولا يثبت فيه خيار الرؤية والعيب، ولا يشترط كونه مقدور التسليم كما ذكره في المنح في آخر نكاح الرقيق.
قوله: (فإذا قال) أي المأمور بالتزويج.
قوله: (أو بالسمع والطاعة) متعلق بمحذوف دل عليه المذكور: أي زوجت أو قبلت ملتبسا بالسمع والطاعة لامرك، ولا يحصل السمع والطاعة لامره إلا بتقدير الجواب ماضيا مرادا به الانشاء ليتم شرط العقد بكون أحدهما للمضي.
قوله: (بزازية) نص عبارتها: قال زوجي نفسك مني فقالت: بالسمع والطاعة صح اه.
ونقل هذا الفرع في البحر عن النوازل، ونقله في موضع آخر عن الخلاصة، فافهم.
قوله: (وقيل هو إيجاب) مقابل القول الاول بأنه توكيل، ومشى على الاول في الهداية والمجمع ونسبه في الفتح إلى المحققين، وعلى الثاني ظاهر الكنز، واعترضه في الدرر
بأنه مخالف لكلامهم.
وأجاب في البحر والنهر بأنه صرح به في الخلاصة والخانية.
قال في الخانية: ولفظ الامر في النكاح إيجاب، وكذا في الخلع والطلاق والكفالة والهبة اه.
قال في الفتح: وهو أحسن لان الايجاب ليس إلا اللفظ المفيد قصد تحقق المعنى أو لا، وهو صادق على لفظ الامر، ثم قال: والظاهر أنه لا بد من اعتبار كونه توكيلا، وإلا بقي طلب الفرق بين النكاح والبيع حيث لا يتم بقوله بعنيه بكذا فيقول بعت بلا جواب، لكن ذكر في البحر عن بيوع الفتح الفرق بأن النكاح لا يدخله المساومة، لانه لا يكون إلا بعد مقدمات ومراجعات، فكان للتحقيق بخلاف البيع.
وأورد في البحر على كونه إيجابا ما في الخلاصة: لو قال الوكيل بالنكاح: هب ابنتك لفلان فقال الاب: وهبت لا ينعقد النكاح ما لم يقل الوكيل بعده قبلت، لان الوكيل لا يملك التوكيل، وما في الظهيرية لو قال: هب ابنتك لابني، فقال وهبت، لم يصح ما لم يقل أبو الصبي قبلت، ثم أجاب بقوله إلا أن يقال بأنه مفرع على القول بأنه توكيل لا إيجاب، وحينئذ تظهر ثمرة الاختلاف بين القولين لكنه متوقف على النقل.
وصرح في الفتح بأنه على القول بأن الامر توكيل يكون تمام العقد بالمجيب، وعلى القول بأنه إيجاب يكون تمام العقد قائما بهما اه.
أي فلا يلزم على القول بأنه توكيل قول الآمر قبلت، فهذا مخالف للجواب المذكور، وكذا يخالفه تعليل الخلاصة بأنه ليس للوكيل أن يوكل، نعم ما في الظهيرية مؤيد للجواب، لكن قال في النهر: إن ما في الظهيرية مشكل، إذ لا يصح تفريعه على أن الامر إيجاب كما هو ظاهر، ولا على أنه توكيل لما أنه يجوز للاب أن يوكل بنكاح ابنه الصغير، إذ بتقديره يكون تمام العقد بالمجيب غير متوقف على قبول الاب، وبه اندفع ما في البحر من أنه مفرع على أنه توكيل اه.
لكن قال العلامة المقدسي في شرحه: إنما توقف الانعقاد على القبول في قول الاب أو الوكيل: هب ابنتك لفلان أو لابني أو أعطها مثلا، لانه ظاهر في الطلب وأنه مستقبل لم يرد به الحال والتحقيق، فلم يتم له العقد، بخلاف زوجني ابنتك بكذا بعد الخطبة ونحوها فإنه ظاهر في التحقيق والاثبات الذي هو معنى الايجاب ا ه.
فتأمل هذا وفي البحر أنه يبتنى على القول بأنه توكيل أنه لا يشترط سماع الشاهدين للامر، لانه لا يشترط الاشهاد على التوكيل، وعلى القول الآخر يشترط.
ثم ذكر عن المعراج ما يفيد الاشتراط مطلقا وهو إن زوجني وإن كان
توكيلا، لكن لما لم يعمل زوجت بدونه نزل منزلة شرط العقد.
ثم ذكر عن الظهيرية ما يدل على خلافه، وهو ما يذكره الشارع قريبا من مسألة العقد بالكتابة، ويأتي بيانه.
قوله: (والثاني) أي ما(3/11)
وضع للحال المضارع وهو الاصح عندنا، ففي قوله كل مملوك أملكه فهو حر يعتق ما في ملكه في الحال، لا ما يملكه بعد إلا بالنية، وعلى القول بأنه حقيقة في الاستقبال، فقوله أتزوجك ينعقد به النكاح أيضا لانه يحتمل الحال كما في كلمة الشهادة، وقد أراد به التحقيق لا المساومة بدلالة الخطبة والمقدمات، بخلاف البيع كما في البحر عن المحيط.
والحاصل أنه إذا كان حقيقة في الحال فلا كلام في صحة الانعقاد به، وكذا إذا كان حقيقة في الاستقبال لقيام القرينة على إرادة الحال، ومقتضاه أنه لو ادعى إرادة لاستقبال والوعد لا يصدق بعد تمام العقد بالقبول، ويأتي قريبا ما يؤيده.
قوله: (المبدوء بهمزة) كأتزوجك بفتح الكاف وكسرها ح.
قوله: (أو نون) ذكره في النهر) بحثا حيث قال: ولم يذكروا المضارع المبدوء بالنون كنتزوجك أو نزوجك من ابني وينبغي أن يكون كالمبدوء بالهمزة ا ه.
قوله: (كتزوجيني) بضم التاء ونفسك بكسر الكاف، ومثله تزوجني نفسك بضم التاء خطابا للمذكر فالكاف مفتوحة.
قوله: (إذا لم ينو الاستقبال) أي الاستيعاد: أي طلب الوعد، وهذا قيد في الاخير فقط كما في البحر وغيره.
وعبارة الفتح: لما علمنا أن الملاحظة من جهة الشرع في ثبوت الانعقاد ولزوم حكمه جانب الرضا عدينا حكمه إلى كل لفظ يفيد ذلك بلا احتمال مساو للطرف الآخر فقلنا: لو قال بالمضارع ذي الهمزة أتزوجك فقالت: زوجت نفسي انعقد، وفي المبدوء بالتاء تزوجني بنتك فقال فعلت عند عدم قصد الاستيعاد لانه يتحقق فيه هذا الاحتمال، بخلاف الاول لانه لا يستخبر نفسه عن الوعد، وإذا كان كذلك والنكاح مما لا يجري فيه المساومة كان للتحقيق في الحال فانعقد به لا باعتبار وضعه للانشاء، بل باعتبار استعماله في غرض تحقيقه، واستفادة الرضا منه حتى قلنا: لو صرح بالاستفهام اعتبر فهم الحال.
قال في شرح الطحاوي: لو قال هل أعطيتنيها فقال: أعطيت إن كان المجلس للوعد فوعد وإن كان للعقد فنكاح ا ه.
قال الرحمتي: فعلمنا أن العبرة لما
يظهر من كلامهما لا لنيتهما، ألا ترى أنه ينعقد مع الهزل والهازل لم ينو النكاح، وإنما صحت نية الاستقبال في المبدوء بالتاء لان تقدير حرف الاستفهام فيه شائع كثير في العربية ا ه.
وبه علم أن المبدوء بالهمزة كما لا يصح فيه الاستيعاد لا يصح فيه الوعد بالتزوج في المستقبل عند قيام القرينة على قصد التحقيق والرضا كما قلناه آنفا، فافهم.
قوله: وكذا أنا متزوجك) ذكره في الفتح بحثا حيث قال: والانعقاد بقوله أنا متزوجك ينبغي أن يكون كالمضارع المبدوء بالهمزة سواء ا ه.
قال ح: لان متزوج اسم فاعل وهو موضوع لذات قام بها الحدث وتحقق في وقت التكلم فكان دالا على الحال وإن كانت دلالته عليه التزامية.
قوله: (أو جئتك خاطبا) قال في الفتح: ولو قال باسم الفاعل كجئتك خاطبا بابنتك أو لتزوجني ابنتك فقال الاب زوجتك فالنكاح لازم، وليس للخاطب أن لا يقبل لعدم جريان المساومة فيه ا ه.
قال ح: فإن قلت: إن الايجاب والقبول في هذا ماضيان فلا معنى لذكره هنا: قلت: المعتبر قوله خاطبا لا قوله جئتك لانه لا ينعقد به النكاح ولا دخل له فيه.
قوله: (لعدم جريان المساومة في النكاح) احترز به عن البيع، فلو قال أنا مشتر أو جئتك مشتريا لا ينعقد البيع لجريان المساومة فيه ط.
قوله: (أن المجلس للنكاح) أي لانشاء عقده لانه يفهم منه التحقيق في الحال،(3/12)
فإذا قال الآخر أعطيتكها أو فعلت لزم وليس للاول أن لا يقبل.
قوله: (انعقد على المذهب) صوابه لم ينعقد، فقد صرح في البحر عن الصيرفية بأن الانعقاد خلاف ظاهر الرواية، ومثله في النهر، وكذا في شرح المقدسي عن فوائد تاج الشريعة.
وفي التاترخانية قال لامرأة بمحضر من الرجال: يا عروسي قالت: لبيك فنكاح، قال القاضي بديع الدين: إنه خلاف ظاهر الرواية.
قوله: (فلا ينعقد الخ) تفريع على ما تقدم من انعقاده بلفظين الخ ح.
قوله: (كقبض مهر) قال في البحر): وهل يكون القبول بالفعل كالقبول باللفظ كما في البيع؟ قال في البزازية: أجاب صاحب البداية في امرأة زوجت نفسها بألف من رجل عند الشهود، فلم يقل الزوج شيئا لكن أعطاها المهر في المجلس أنه يكون قبولا، وأنكره صاحب المحيط، وقال الامام ما لم يقل بلسانه قبلت
بخلاف البيع لانه ينعقد بالتعاطي والنكاح لخطره لا ينعقد حتى يتوقف على الشهود، وبخلاف إجازة نكاح الفضولي بالفعل لوجود القول ثمة ا ه.
ح.
قوله: (ولا بتعاط) تكرار مع قوله بالفعل كقبض مهر وكل منهما تكرار مع قول المتن الآتي ولا بتعاط فإن مسألة قبض المهر التي قدمنا نقلها عن البحر بعينها شرح بها المصنف قوله ولا بتعاط ح.
مطلب: التزوج بإرسال كتاب قوله: (ولا بكتابة حاضر) فلو كتب تزوجتك فكتبت قبلت لم ينعقد.
بحر.
والاظهر أن يقول: فقالت قبلت الخ، إذ الكتابة من الطرفين بلا قول لا تكفي ولو في الغيبة.
تأمل.
قوله: (بل غائب) الظاهر أن المراد به الغائب عن المجلس وإن كان حاضرا في البلد ط.
قوله: (فتح) فإنه قال: ينعقد النكاح بالكتاب كما ينعقد بالخطاب.
وصورته: أن يكتب إليها يخطبها، فإذا بلغها الكتاب أحضرت الشهود وقرأته عليهم وقالت: زوجت نفسي منه، أو تقول إن فلانا كتب إلي يخطبني فاشهدوا أني زوجت نفسي منه، أما لو لم تقل بحضرتهم سوى زوجت نفسي من فلان لا ينعقد، لان سماع الشطرين شرط صحة النكاح، وبإسماعهم الكتاب أو التعبير عنه منها قد سمعوا الشطرين، بخلاف ما إذا انتفيا.
قال في المصفى: هذا: أي الخلاف إذا كان الكتاب بلفظ التزوج، أما إذا كان بلفظ الامر كقوله زوجي نفسك مني لا يشترط إعلامها الشهود بما في الكتاب لانها تتولى طرفي العقد بحكم الوكالة، ونقله عن الكامل، وما نقله من نفي الخلاف في صورة الامر لا شبهة فيه على قول المصنف والمحققين، أما على قول من جعل لفظة الامر إيجابا كقاضيخان على ما نقلناه عنه فيجب إعلامها إياهم ما في الكتاب ا ه.
وقوله: لا شبهة فيه الخ، قال الرحمتي: فيه مناقشة لما تقدم أن من قال: إنه توكيل يقول توكيل ضمني فيثبت بشروط ما تضمنه وهو الايجاب كما قدمناه، ومن شروطه سماع الشهود فينبغي اشتراط السماع هنا على القولين، إلا أن يقال: قد وجد النص هنا على أنه لا يجب فيرجع إليه ا ه.
تنبيه: لو جاء الزوج بالكتاب إلى الشهود مختوما فقال: هذا كتابي إلى فلانة فاشهدوا على ذلك لم يجز في قول أبي حنيفة حتى يعلم الشهود ما فيه، وعند أبي يوسف: يجوز، وفائدة هذا(3/13)
الخلاف فيما إذا جحد الزوج الكتاب بعد العقد فشهدوا بأنه كتابه ولم يشهدوا بها فيه لا تقبل ولا يقضى بالنكاح.
وعند أبي يوسف: تقبل ويقضى به.
أما الكتاب فصحيح بلا إشهاد، وإنما الاشهاد لتمكن المرأة من إثبات الكتاب إذا جحده الزوج كما في الفتح عن مبسوط شيخ الاسلام.
قوله: (ولا بالاقرار) لا ينافيه ما صرحوا به أن النكاح يثبت بالتصادق، لان المراد هنا أن الاقرار لا يكون من صيغ العقد، والمراد من قولهم: إنه يثبت بالتصادق، أن القاضي يثبته به: أي بالتصادق ويحكم به أبو السعود عن الحانوتي.
قوله: (كما يصح بلفظ الجعل) أي بأن قال الشهود: جعلتما هذا نكاحا، فقالا: نعم، فينعقد لان النكاح ينعقد بالجعل، حتى لو قالت: جعلت نفسي زوجة لك فقبل تم.
فتح.
ومقتضى التشبيه في عبارة الشارح أن هذا صحيح على القولين، وهو ظاهر.
قوله: (وجعل) ماض مبني للمجهول معطوف على صح.
قوله: (ذخيرة) فإنه قال: ذكر في صلح الاصل: ادعى رجل قبل امرأة نكاحا فجحدت فصالحها على مائة على أن تقر بذلك فأقرت فهذا الاقرار منها جائز والمال لازم، وهذا الاقرار بمنزلة إنشاء النكاح لانه مقرون بالعوض، فهو عبارة عن تمليك مبتدأ في الحال، فأن كان بمحضر من الشهود صح النكاح، وإلا فلا في الاصح ا ه ملخصا.
وقال في الفتح: قال قاضيخان: وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إن أقرا بعقد ماض ولم يكن بينهما عقد لا يكون نكاحا، وإن أقر الرجل أنه زوجها وهي أنها زوجته يكون إنكاحا ويتضمن إقرارهما الانشاء، بخلاف إقرارهما بماض لانه كذب، وهو كما قال أبو حنيفة: إذا قال لامرأته لست لي امرأة ونوى به الطلاق يقع، كأنه قال: لاني طلقتك، ولو قال: لم أكن تزوجتها ونوى الطلاق لا يقع، لانه كذب محض ا ه: يعني إذا لم تقل الشهود جعلتما هذا نكاحا فالحق هذا التفصيل ا ه.
قوله: (احتياطا) قال في البحر: وقولهم إن ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله كطلاق نصفها يقتضي الصحة، وقد ذكر في المبسوط في موضع جوازه إلا أن يقال: إن الفروج يحتاط فيها، فلا يكفي ذكر البعض لاجتماع ما يوجب الحل والحرمة في ذات واحدة فترجح الحرمة، كذا في الخانية ا ه.
وما صححه في الخانية صححه في الظهيرية أيضا ونصه: ولو أضاف النكاح إلى نصف المرأة فيه روايتان، والصحيح أنه لا
يصح ا ه.
ثم راجعت نسخة أخرى من الظهيرية فرأيتها كذلك، فمن قال: إنه في الظهيرية صحح الصحة فكأنه سقط من نسخته لا النافية، فافهم.
قوله: (أو ما يعبر به عن الكل) كالرأس والرقبة.
بحر.
قوله: (ورجحوا في الطلاق خلافه) قال في البحر: وقالوا الاصح أنه لو أضاف الطلاق إلى ظهرها وبطنها لا يقع، وكذا العتق، فلو أضاف النكاح إلى ظهرها وبطنها ذكر الحلواني: قال مشايخنا: الاشبه من مذهب أصحابنا أنه ينعقد النكاح، وذكر ركن الاسلام والسرخسي ما يدل على أنه لا ينعقد النكاح، كذا في الذخيرة ا ه.
أقول: وقال في الذخيرة أيضا في كتاب الطلاق: وإن قال ظهرك طالق أو بطنك، قال السرخسي في شرحه: الاصح أن لا يقع، واستدل بمسألة ذكرها في الاصل إذا قال: ظهرك علي(3/14)
كظهر أمي، أو بطنك علي كبطن أمي أنه لا يصير مظاهرا، وذكر الحلواني في شرحه الاشبه بمذهب أصحابنا أنه يقع الطلاق قال: وهو نظير ما قال مشايخنا فيما إذا أضيف عقد النكاح إلى ظهر المرأة أو إلى بطنها أن الاشبه بمذهب أصحابنا أنه ينعقد النكاح ا ه.
قوله: (فيحتاج للفرق) كذا قال في النهر، لكن قد علمت مما نقلناه عن الذخيرة أولا وثانيا أن الحلواني الذي صحح انعقاد النكاح صحح وقوع الطلاق، وأن السرخسي الذي لم يصحح الانعقاد لم يصحح الوقوع بل صحح عدمه، على هذا فلا حاجة للفرق، وبه ظهر أن ما ذكره في البحر وتبعه الشارح قول ثالث ملفق عن القولين ولا يظهر وجهه.
قوله: (كان) أي التسمية، وكذا ضمير قبله ح: أي وتذكير الضمير باعتبار المذكور، أو لان المراد بالتسمية المسمى: أي المهر.
قوله: (فلو قبل الخ) قال في الفتح كامرأة قالت لرجل زوجت نفسي منك بمائة دينار فقبل أن تقول بمائة دينار قبل الزوج لا ينعقد، لان أول الكلام يتوقف على آخره إذا كان في آخره ما يغير أوله، وهنا كذلك فإن مجرد زوجت ينعقد بمهر المثل، وذكر المسمى معه يغير ذلك إلى تعين المذكور فلا يعمل قول الزوج قبله.
قوله: (اتحاد المجلس) قال في البحر: فلو اختلف المجلس لم ينعقد، فلو أوجب أحدهما فقام الآخر أو اشتغل بعمل آخر بطل الايجاب، لان شرط الارتباط اتحاد الزمان، فجعل المجلس جامعا تيسيرا، وأما الفور فليس من شرطه، ولو
عقدا وهما يمشيان أو يسيران على الدابة لا يجوز، وإن كان على سفينة سائرة جاز اه: أي لان السفينة في حكم مكان واحد.
فرع: قال في المنية: قال زوجتك بنتي فسكت الخاطب فقال الصهر: أي أبو البنت: ادفع المهر فقال نعم فهو قبول، وقيل لا ط ا ه.
وهذا يوهم أن عندنا قولا باشتراط الفور، وأن المختار عدمه.
وأجاب في الفتح بأنه قد يكون منشأ هذا القول من جهة أنه كان متصفا بكونه خاطبا، فحيث سكت ولم يجب على الفور كان ظاهرا في رجوعه، فقوله نعم بعده لا يفيد بمفرده، لا لان الفور شرط مطلقا، والله سبحانه أعلم ا ه.
قوله: (لو حاضرين) احترز به عن كتابة الغائب لما في البحر عن المحيط: الفرق بين الكتاب والخطاب أن في الخطاب لو قال: قبلت في مجلس آخر لم يجز، وفي الكتاب يجوز لان الكلام كما وجد تلاشى فلم يتصل الايجاب بالقبول في مجلس آخر.
فأما الكتاب فقائم في مجلس آخر وقراءته بمنزلة خطاب الحاضر فاتصل الايجاب بالقبول فصح ا ه.
ومقتضاه أن قراءة الكتاب في مجلس الآخر لا بد منها ليحصل الاتصال بين الايجاب والقبول، وحينئذ فاتحاد المجلس شرط في الكتاب أيضا، وإنما الفرق هو قيام الكتاب وإمكان قراءته ثانيا، فلو حذف قوله حاضرين كالنهر لكان أولى، والظاهر أنه لو كان مكان الكتاب رسول بالايجاب فلم تقبل المرأة ثم أعاد الرسول الايجاب في مجلس آخر فقبلت لم يصح، لان رسالته انتهت أولا، بخلاف الكتابة لبقائها.
أفاده الرحمتي ا ه.
قوله: (كقبلت النكاح لا المهر) تمثيل للمنفي: أي إذا قال تزوجتك بألف فقالت قبلت النكاح ولا أقبل المهر لا يصح، وإن كانت التسمية ليست من شروط صحة النكاح، لانه إنما أوجب النكاح بذلك القدر المسمى، فلو صححنا قبولها يلزمه مهر(3/15)
المثل ولم يرض به بل بما سمى فيلزمه ما لم يلتزمه، بخلاف ما إذا لم يسم من الاصل لان غرضه النكاح بمهر المثل حيث سكت عنه، ولو قالت قبلت ولم تزد على ذلك صح النكاح بما سمى، وتمامه في الفتح.
قوله: (نعم يصح الحط الخ) أي إذا قال تزوجتك بألف فقلت قبلت بخمسمائة يصح، ويجعل كأنها قبلت الالف وحطت عنه خمسمائة.
بحر.
ولا يحتاج إلى القبول منه لان هذا
إسقاط وإبراء بخلاف الزيادة كما لو قالت: زوجت نفسي منك بألف فقال الزوج قبلت بألفين صح النكاح بألف، إلا إن قبلت في المجلس فيصح بألفين على المفتى به كما في البحر، فصورة الحط من المرأة والزيادة من الزوج كما علمت، وهو كذلك في الذخيرة والخلاصة.
وقال في النهر: بخلاف ما إذا زوجت نفسها منه بألف فقبله بألفين أو بخمسمائة صح، وتوقف قبول الزيادة على قبولها في المجلس على ما عليه الفتوى ا ه.
وظاهره أنها أوجبت بألف وقبل الزوج بخمسمائة، وهو مشكل، فإن الحط ممن له الحق وهو المرأة لا ممن عليه، فالظاهر أنه مما خالف فيه القبول الايجاب فلا يصح.
يحرر أفاده الرحمتي.
قوله: (وأن لا يكون مضافا) كتزوجتك غدا ولا معلقا: أي على غير كائن، كتزوجتك إن قدم زيد، وقوله كما سيجئ أي الكلام على المضاف والمعلق قبيل باب الولي.
قوله: (ولا المنكوحة مجهولة) فلو زوج بنته منه وله بنتان لا يصح إلا إذا كانت إحداهما متزوجة، فينصرف إلى الفارغة كما في البزازية نهر.
وفي معناه ما إذا كانت إحداهما محرمة عليه فليراجع.
رحمتي.
وإطلاق قوله لا يصح دال على عدم الصحة، ولو جرت مقدمات الخطبة على واحدة منهما بعينها لتتميز المنكوحة عند الشهود فإنه لا بد منه.
رملي.
قلت: وظاهره أنها لو جرت المقدمات على معينة وتميزت عند الشهود أيضا يصح العقد، وهي واقعة الفتوى، لان المقصود نفي الجهالة، وذلك حاصل بتعينها عند العاقدين والشهود وإن لم يصرح باسمها، كما إذا كانت إحداهما متزوجة، ويؤيده ما سيأتي من أنها لو كانت غائبة وزوجها وكيلها: فإن عرفها الشهود وعلموا أنه أرادها كفى ذكر اسمها، وإلا لا بد من ذكر الاب والجد أيضا، ولا يخفى أن قوله زوجت بنتي وله بنتان أقل إبهاما من قول الوكيل زوجت فاطمة، ويأتي تمام ذلك عند قوله وحضور شاهدين حرين وعند قوله غلط وكيلها الخ.
تنبيه: لم يذكر اشتراط تمييز الرجل من المرأة وقت العقد للخلاف، لما في النوازل في صغيرين قال أبو أحدهما زوجت بنتي هذه من ابنك هذا وقبل ثم ظهر الجارية غلاما والغلام جارية جاز ذلك، وقال العتابي: لا يجوز.
بحر.
قال الرملي: والاكثر على الاول.
قلت: وبه علم أن زوجت وتزوجت يصلح من الجانبين، وبه صرح في الفتح عن المنية ومثله
في البحر.
قوله: (ولا يشترط الخ) أي فيما كان بلفظ تزويج ونكاح، بخلاف ما كان كناية لما يأتي من أنه لا بد فيه من نية أو قرينة وفهم الشهود، لكن قيد في الدرر عدم الاشتراط بما إذا علما أن هذا اللفظ ينعقد به النكاح: أي وإن لم يعلما حقيقة معناه.
قال في الفتح: لو لقنت المرأة زوجت نفسي بالعربية ولا تعلم معناه وقبل والشهود يعلمون ذلك أو لا يعلمون صح كالطلاق، وقيل لا كالبيع، كذا في الخلاصة.
ومثل هذا في جانب الرجل إذا لقنه ولا يعلم معناه، وهذه من جملة مسائل الطلاق، والعتاق، والتدبير، والنكاح، والخلع.
فالثلاثة الاول واقعة في الحكم، ذكره في(3/16)
عتاق الاصل في باب التدبير.
وإذا عرف الجواب قال قاضيخان: ينبغي أن يكون النكاح كذلك، لان العلم بمضمون اللفظ إنما يعتبر لاجل القصد، فلا يشترط فيما يستوي فيه الجد والهزل، بخلاف البيع ونحوه.
وأما في الخلع إذا لقنت اختلعت نفسي منك بمهري ونفقة عدتي فقالته ولا تعلم معناه ولا أنه لفظ خلع اختلفوا فيه: قيل لا يصح وهو الصحيح، قال القاضي: وينبغي أن يقع الطلاق ولا يسقط المهر ولا النفقة، وكذا لو لقنت أن تبرئه، وكذا المديون إذا لقن رب الدين لفظ الابراء لا يبرأ ا ه.
قلت: وفي فهم الشهود اختلاف تصحيح كما سيأتي بيانه.
قوله: (إذ لم يحتج لنية) بسكون ذال، إذ فالجملة تعليل لما قبلها وضمير يحتج لما.
قوله: (به يفتى) صرح به في البزازية.
وفي البحر أن ظاهر كلام التجنيس يفيد ترجيحه.
قلت: وهو مقتضى كلام الفتح المار، وبه جزم في متن الملتقى والدرر والوقاية.
وذكر الشارح في شرحه على الملتقى أنه اختلف التصحيح فيه.
قوله: (وإنما يصح الخ) اعلم أن الصريح ينعقد به النكاح بلا خلاف وغيره على أربعة أقسام: قسم لا خلاف في الانعقاد به عندنا، بل الخلاف في خارج المذهب.
وقسم فيه خلاف عندنا، والصحيح الانعقاد.
وقسم فيه خلاف، والصحيح عدمه.
وقسم لا خلاف في عدم الانعقاد به.
فالاول ما سوى لفظي النكاح والتزويج من لفظ الهبة والصدقة والتمليك والجعل نحو جعلت بنتي لك بألف، والثاني نحو بعت نفسي منك
بكذا أو ابنتي أو اشتريتك بكذا فقالت نعم، ونحو السلم والصرف والقرض والصلح.
والثالث كالاجارة والوصية.
والرابع كالاباحة والاحلال والاعارة والرهن والتمتع والاقالة والخلع.
أفاده في الفتح.
قوله: (وما عداهما كناية الخ) في هذا التركيب إخراج المتن عن مدلوله من التصريح بجوازه بهذه الالفاظ.
وأورد عليه كيف صح بالكناية مع اشتراط الشهادة فيه والكناية لا بد فيها من النية، ولا اطلاع للشهود عليها.
قال الزيلعي: قلنا ليست بشرط مع ذكر المهر، وذكر السرخسي أنها ليست بشرط مطلقا لعدم اللبس، ولان كلامنا فيما إذا صرحا به ولم يبق احتمال ا ه.
وللمحقق ابن الهمام فيه بحث طويل يأتي بعضه قريبا.
قوله: (هو كل لفظ الخ) أورد عليه في البحر أنه ينعقد بألفاظ غير ما ذكر مثل كوني امرأتي، وقولها عرستك نفسي، وقوله لمبانته راجعتك بكذا، وقولها له رددت نفسي عليك وقوله صرت لي أو صرت لك، وقوله ثبت حقي في منافع بضعك، وذكر ألفاظا أخر، وأنه ينعقد في الكل مع القبول، ثم أجاب بأن العبرة في العقود للمعاني حتى في النكاح كما صرحوا به، وهذه الالفاظ تؤدي معنى النكاح.
وحاصله أن هذه الالفاظ داخلة في النكاح، لان المراد لفظه أو ما يؤدي معناه.
تأمل.
قوله: (وضع لتمليك عين) خرج ما لا يفيد التمليك أصلا كالرهن والوديعة، وما يفيد تمليك المنفعة كالاجارة والاعارة كما يأتي.
قوله: (كاملة) صرح بمفهومه بقوله فلا يصح بالشركة قال في غاية البيان: وكذا: أي لا ينعقد بلفظ الشركة لانه يفيد التمليك في البعض دون الكل، ولهذا لا يصح النكاح إذا قال زوجتك نصف جاريتي.
قوله: (خرج الوصية غير المقيدة بالحال) بأن كانت مطلقة أو مضافة إلى ما بعد الموت.
أما المقيدة بالحال نحو أوصيت لك ببضع ابنتي للحال بألف درهم(3/17)
فجائز كما حققه في الفتح، وتبعه في المهر قائلا وارتضاه غير واحد.
وخالفهم في البحر بأن المعتمد ما أطلقه الشارحون من عدم الجواز، لان الوصية مجاز عن التمليك، فلو انعقد بها لكان مجازا عن النكاح، والمجاز لا مجاز له كما في بيوع العناية ا ه.
ونقل الرملي عن المقدسي أن قوله: إن المجاز لا مجاز له، مردود يعرف ذلك من طالع أساس البلاغة ا ه: أي كما قرروه في رأيت مشفر زيد من أنه
مجاز بمرتبتين، وكذا في * (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) *.
قلت: لكن قول المصنف كغيره، وما وضع لتمليك العين في الحال لا يشمل الوصية، لانها موضوعة لتمليك العين بعد الموت، فإذا استعملت في تمليك العين في الحال كانت مجازا فلم يصح بها النكاح بناء على أنها لم توضع للتمليك في الحال لا بناء على أنها مجاز المجاز، اللهم إلا أن يجاب بأن قولهم وضع بمعنى استعمل فيشمل الحقيقة والمجاز، أو هو مبني على أن المجاز موضوع بالوضع النوعي كما أوضحه شارح التحرير في أول الفصل الخامس فتأمل.
قوله: (كهبة) أي إذا كانت على وجه النكاح.
واعلم أن المنكوحة إما أمة أو حرة، فإذا أضاف الهبة إلى الامة بأن قال لرجل وهبت أمتي هذه منك: فإن كان الحال يدل على النكاح من إحضار شهود وتسمية المهر معجلا ومؤجلا ونحو ذلك ينصرف إلى النكاح، وإن لم يكن الحال دليلا على النكاح: فإن نوى النكاح وصدقه الموهوب له فكذلك ينصرف إلى النكاح بقرينة النية، وإن لم ينو ينصرف إلى ملك الرقبة، وإن أضيفت إلى الحرة فإنه ينعقد من غير هذه القرينة لان عدم قبول المحل للمعنى الحقيقي، وهو الملك للحرة، يوجب الحمل على المجاز فهو القرينة، فإن قامت القرينة على عدمه لا ينعقد، فلو طلب من امرأة الزنى فقالت وهبت نفسي منك فقال الرجل قبلت لا يكون نكاحا، كقول أبي البنت وهبتها لك لتخدمك فقال قبلت، إلا إذا أراد به النكاح، كذا في البحر ط.
قوله: (وقرض الخ) قال في النهر: وفي الصرف والقرض والصلح والرهن قولان، وينبغي ترجيح انعقاده بالصرف عملا بالكلية لما أنه يفيد ملك العين في الجملة وبه يترجح ما في الصيرفية من تصحيح انعقاده بالقرض، وإن رجح في الكشف وغيره عدمه، وجزم السرخسي بانعقاده بالصلح والعطية ولم يحك الاتقاني غيره ا ه.
وسيأتي الكلام على الرهن لكن قوله ولم يحك الاتقاني غيره سبق قلم، فإن الذي ذكره الاتقاني في غاية البيان أنه لا ينعقد بالصلح، وهكذا نقله عنه في البحر، وعزاه في الفتح إلى الاجناس ثم نقل كلام السرخسي.
قلت: وينبغي التفصيل والتوفيق بأن يقال: إن جعلت المرأة بدل الصلح مثل أن يقول أبو
البنت لدائنه مثلا صالحتك عن ألفك التي لك علي ببنتي هذه، وإن جعلت مصالحا عنها بأن قال: صالحتك عن بنتي بألف لا يصح، وعليه يحمل كلام غاية البيان بدليل أنه علله بقوله: لان الصلح حطيطة وإسقاط للحق ا ه.
ولا يخفى أن الاسقاط إنما هو بالنسبة للمصالح عنه، والمقصود ملك المتعة من المرأة لا إسقاطه، فلذا لم يصح.
أما بدل الصلح فالمقصود ملكه أيضا فيصح به ملك(3/18)
المتعة.
هذا، ولم أر من تعرض للخلاف في العطية مثل قوله: هي لك عطية بكذا لانه بمنزلة الهبة، وقد أفتى به في الخيرية.
وأما لفظ أعطيتك بنتي بكذا كما هو الشائع عند الاعراب والفلاحين فيصح به العقد كما قدمناه عن الفتح عن شرح الطحاوي، ويقع كثيرا أنه يقول: جئتك خاطبا بنتك لنفسي فيقول أبوها هي جارية في مطبخك، فينبغي أن يصح إذا قصد العقد دون الوعد أخذا مما قدمناه آنفا عن البحر في وهبتها لك لتخدمك، ويؤيده ما في الذخيرة إذا قال: جعلت ابنتي هذه لك بألف صح، لانه أتى بمعنى النكاح، والعبرة في العقود للمعاني دون الالفاظ ا ه.
قوله: (وسلم واستئجار) هذا إذا جعلت المرأة رأس مال السلم أو جعلت أجرة فينعقد إجماعا، أما إن جعلت مسلما فيها فقيل لا ينعقد، لان السلم في الحيوان لا يصح، وقيل ينعقد لانه لو اتصل به القبض يفيد ملك الرقبة ملكا فاسدا، وليس كل ما يفسد الحقيقي يفسد مجازيه، ورجحه في الفتح، وهو مقتضى ما في المتون، وإن لم تجعل أجرة كقوله أجرتك ابنتي بكذا فالصحيح أنه لا ينعقد لانها لا تغير ملك العين.
أفاده في البحر.
قوله: (وكل ما تملك به الرقاب) كالجعل والبيع والشراء فإنه ينعقد بها كما مر.
قوله: (بشرط نية أو قرينة الخ) هذا ما حققه في الفتح ردا على ما قدمناه عن الزيلعي، حيث لم يجعل النية شرطا عند ذكر المهر، وعلى السرخسي حيث لم يجعلها شرطا مطلقا.
وحاصل الرد أن المختار أنه لا بد من فهم الشهود المراد، فإن حكم السامع بأن المتكلم أراد من اللفظ ما لم يوضع له لا بد له من قرينة على إرادته ذلك فإن لم تكن فلا بد من إعلام الشهود بمراده، ولذا قال في الدراية في تصوير الانعقاد بلفظ الاجارة عند من يجيزه أن يقول: أجرت ابنتي ونوى به النكاح وأعلم الشهود ا ه.
بخلاف قوله بعتك بنتي، فإن عدم قبول المحل للبيع يوجب
الحمل على المجازي، فهو قرينة يكتفي بها الشهود حتى لو كانت المعقود عليها أمة لا بد من قرينة زائدة تدل على النكاح من إحضار الشهود وذكر المهر مؤجلا أو معجلا، وإلا فإن نوى وصدقه الموهوب له صح، وإن لم ينو انصرف إلى ملك الرقبة كما في البدائع.
والظاهر أنه لا بد مع النية من إعلام الشهود، وقد رجع شمس الائمة إلى التحقيق حيث قال: ولان كلامنا فيما إذا صرحا به ولم يبق احتمال ا ه.
هذا حاصل ما في الفتح، وملخصه أنه لا بد في كنايات النكاح من النية مع قرينة أو تصديق القابل للموجب وفهم الشهود المراد أو إعلامهم به.
قوله: (بلفظ إجارة) أي في الاصح كآجرتك نفسي بكذا، بخلاف لفظ الاستئجار بأن جعلت المرأة بدلا مثل استأجرت دارك بنفسي أو ببنتي عند قصد النكاح كما مر بيانه، وعبر هناك بالاستئجار وهنا بالاجارة إشارة للفرق المذكور فلا تكرار، فافهم.
قوله: (ووصية) أي غير مقيدة بالحال كما مر.
قوله: (ورهن) فيه اختلاف المشايكما في البناية، ورجح في الولوالجية ما هنا من عدم الصحة، ولعل ابن الهمام لم يعتبر القول الآخر لعدم ظهور وجهه، فعد الرهن من قسم ما لا خلاف في عدم الصحة به لانه لا يفيد الملك أصلا.
قوله: (ونحوها) كإباحة وإحلال وتمتع وإقالة وخلع كما قدمناه عن الفتح، لكن ذكر في النهر أنه ينبغي أن يقيد الاخير بما إذا لم تجعل بدل الخلع، فإن جعلت كما إذا قال أجنبي اخلع زوجتك ببنتي هذه فقبل صح أخذا من مسألة الاجارة.
قوله: (لكن تثبت به) أي بنحو(3/19)
المذكورات.
قوله: (وكذا تثبت بكل لفظ لا ينعقد به النكاح) هذا ساقط من بعض النسخ وهو الاحسن، ولذا قال ح: إنه مكرر مع قوله لكن تثبت به الشبهة مع أن قوله بكل لفظ لا ينعقد به النكاح شامل اللفظ لا دخل له أصلا كقوله لها أنت صديقتي فقلت نعم فإنه يصدق عليه أنه لفظ لا ينعقد به النكاح، ومع ذلك لا تثبت به الشبهة، بخلاف العبارة الاولى فإنها وقعت بيانا لنحو المذكورات في المتن فتختص بكل لفظ يفيد الملك ولا ينعقد به النكاح ا ه.
مطلب: هل ينعقد النكاح بالالفاظ المصحفة نحو تجوزت؟ قوله: (وألفاظ مصحفة) من التصحيف، وهو تغيير اللفظ حتى يتغير المعنى المقصود من
الوضع كما في الصحاح، وفي المغرب: التصحيف أن يقرأ الشئ على خلاف ما أراده كاتبه أو على غير ما اصطلحوا عليه.
قوله: (كتجوزت) أي بتقديم الجيم على الزاي.
قال في المغرب: جاز المكان وأجازه وجاوزه وتجاوزه: إذا سار فيه وخلفه، وحقيقته قطع جوزه: أي وسطه، ومنه جاز البيع أو النكاح إذا نفذه وأجازه القاضي إذا نفذه وحكم به، ومنه المجيز الوكيل والوصي لتنفيذه ما أمر به، وجوز الحكم رآه جائزا، وتجويز الضراب الدراهم أن جعلها رائجة جائزة، وأجازه بجائزة سنية إذا أعطاه عطية، ومنها جوائز الوفود للتحف واللطف، وتجاوز عن المسئ وتجوز عنه أغضى عنه وعفا، وتجوز في الصلاة ترخص فيها وتساهل، ومنه تجوز في أخذ الدراهم ا ه ملخصا.
قوله: (لصدوره لا عن قصد صحيح) أشار به إلى الفرق بينه وبين انعقاده بلفظ أعجمي بأن اللغة الاعجمية تصدر عمن تكلم بها عن قصد صحيح، بخلاف لفظ التجويز فإنه يصدر لا عن قصد صحيح، بل عن تحريف وتصحيف، فلا يكون حقيقة ولا مجازا.
منح ملخصا.
والتحريف التغيير وهو المراد بالتصحيف كما مر.
قوله: (تلويح) ليس مراده عزو المسألة إلى التلويح، بل عزو مضمون التعليل لانها غير مذكورة فيه ولا في غيره من الكتب المتقدمة، وإنما ذكرها المصنف في متنه.
وذكر في شرحه المنح أنه كثر الاستفتاء عنها في عامة الامصار، وأنه كتب فيها رسالة حاصلها اعتماد عدم الانعقاد بهذا اللفظ لانه لم يوضع لتمليك العين للحال، وليس لفظ نكاح ولا تزويج، وليس بينه وبين ألفاظ النكاح علاقة مصححة للمجازية عنها كما استعير لفظ الهبة والبيع للنكاح، ومن ثم صرحوا بأنه لا ينعقد بلفظ الاحلال والاجارة والوصية لعدم صحة الاستعارة، ولا يصح قياس ذلك على اللغة الاعجمية لعدم القصد الصحيح كما مر، ثم استشهد لذلك بما ذكره المحقق السعد التفتازاني في بحث الحقيقة والمجاز من التلويح، وهو أن اللفظ المستعمل استعمالا صحيحا جاريا على القانون إما حقيقة أو مجازا، لانه إن استعمل فيما وضع له فحقيقة، وإن استعمل في غيره: فإن كان لعلاقة بينه وبين الموضوع له فمجاز، وإلا فمرتجل، وهو أيضا من قسم الحقيقة، لان الاستعمال الصحيح في الغير بلا علاقة وضع جديد، فيكون اللفظ مستعملا فيما وضع له فيكون حقيقة، وقيدنا الاستعمال بالصحيح احترازا عن الغلط مثل استعمال لفظ الارض في السماء من غير قصد إلى وضع جديد ا ه.
قوله: (نعم الخ) هذا ذكره المصنف أيضا حيث قال عقب عبادة التلويح المذكورة: نعم لو اتفق قوم(3/20)
على النطق بهذه الغلطة بحيث إنهم يطلبون بها الدلالة على حل الاستمتاع وتصدر عن قصد واختيار منهم، فللقول بانعقاد النكاح بها وجه ظاهر، لانه والحالة هذه يكون وضعا جديدا منهم، وبانعقاده بين قوم اتفقت كلمتهم على هذه الغلطة أفتى شيخ الاسلام أبو السعود مفتي الديار الرومية، وأما صدورها لا عن قصد إلى وضع جديد كما يقع من بعض الجهلة الاغمار فلا اعتبار به، فقد قال في التلويح: إن استعمال اللفظ في الموضوع له أو لغيره طلب دلالته عليه وإرادته منه، فمجرد الذكر لا يكون استعمالا صحيحا فلا يكون وضعا جديدا ا ه.
وحاصل كلام المصنف: أنه إن اتفقوا على استعمال التجويز في النكاح بوضع جديد قصدا يكون حقيقة عرفية مثل الحقائق المرتجلة.
ومثل الالفاظ الاعجمية الموضوعة للنكاح، فيصح به العقد لوجود طلب الدلالة على المعنى المراد وإرادته من اللفظ قصدا، وإلا فذكر هذا اللفظ بدون ما ذكر لا يكون حقيقة لعدم الوضع ولا مجازا لعدم العلاقة، فلا يصح به العقد لكون غلطا كما أفتى به المصنف تبعا لشيخه العلامة ابن نجيم ومعاصريه، لكن أفتى بخلافه العلامة الخير الرملي في الفتاوى الخيرية، ونازع المصنف فيما استشهد به، وكذا نازعه في حاشيته عن المنح، بأنه لا دخل لبحث الحقيقة والمجاز المرتب على عدم العلاقة، وقد أقر المصنف بأنه تصحيف فكيف يتجه ذكر نفي العلاقة؟ بل نسلم كونه تصحيفا بإبدال حرف فلو صدر من عارف لا ينعقد به، وهو محل فتوى الشيخ زين بن نجيم ومعاصريه فيقع الدليل في محله ح.
والمسألة لم توجد فيها نقل بخصوصها عن المشايخ، فصارت حادثة الفتوى.
وقد صرح الشافعية بأنه لا يضر من عامي إبدال الزاي جيما وعكسه مع تشديدهم في النكاح بحيث لم يجوزوه إلا بلفظ الانكاح والتزويج والافتاء بحسب الانهاء.
فإذا سئل المفتي هل ينعقد بلفظ التجويز؟ يجيب بلا لعدم التعرض لذكر التصحيف، والاصل عدمه، وإذا سئل في عامي قدم الجيم على الزاي بلا قصد استعارة لعدم علمه بها بل قصد حل الاستمتاع باللفظ الوارد شرعا فوقع
له ما ذكر ينبغي فيه موافقة الشافعية، وبالاولى فيما إذا اتفقت كلمتهم على هذه الغلطة كما قطع به أبو السعود، وقد صرحوا بعدم اعتبار الغلط والتصحيف في مواضع، فأوقعوا الطلاق بالالفاظ المصحفة مع اشتراك الطلاق والنكاح في أن جدهما جد وهزلهما جد، وخطر الفروج، وأفتوا بالوقوع في علي الطلاق وأنه تعليق يقع به الطلاق عند وقوع الشرط لانه صار بمنزلة إن فعلت فأنت كذا، ومثله الطلاق يلزمني لا أفعل كذا مع كونه غلطا ظاهرا لغة وشرعا لعدم وجود ركنه وعدم محلية الرجل للطلاق، وقول أبي السعود: إنه أي هذا الطلاق ليس بصريح ولا كناية نظرا لمجرد اللفظ لا إلى الاستعمال الفاشي لعدم وجوده في بلاده، فإذا لم نعتبر هذا الغلط الفاحش لزمنا أن لا نعتبره فيما نحن فيه مع فشو استعماله وكثرة دورانه في ألسنة أهل القرى والامصار، بحيث لو لقن أحدهم التزويج لعسر عليه النطق به، فلا شك أنهم لا يلمحون استعارة لنرد ملمحهم بعدم العلاقة، بل هو تصحيف عليها فشا في لسانهم.
وقد استحسن بعض المشايخ عدم فساد الصلاة بإبدال بعض الحروف وإن لم يتقارب المخرج لان فيه بلوى العامة، فكيف فيما نحن فيه ا ه ملخصا.
قوله: (وأما الطلاق فيقع بها الخ) أي بالالفاظ المصحفة كتلاق وتلاك وطلاك وطلاغ وتلاغ.
قال في البحر: فيقع قضاء ولا يصدق إلا إذا(3/21)
أشهد على ذلك قبل التكلم بأن قال امرأتي تطلب مني الطلاق وأنا لا أطلق فأقول هذا، ولا فرق بين العالم والجاهل، وعليه الفتوى ا ه.
ثم إنه لا فرق يظهر بين النكاح والطلاق وقد استدل الخير الرملي على ذلك بما قدمناه من قول قاضيخان: إنه ينبغي أن يكون النكاح كالطلاق والعتاق في أنه لا يشترط العلم بمعناه، لان العلم بمضمون اللفظ إنما يعتبر لاجل القصد فلا يشترط فيما يستوي فيه الجد والهزل ا ه.
قال: فإذا علمنا أن الطلاق واقع مع التصحيف فينبغي أن يكون النكاح نافذا معه أيضا ا ه.
قلت: وأما الجواب بأن وقوع الطلاق للاحتياط في الفروج فهو مشترك الالزام، على أنه لا احتياط في التفريق بعد تحقق الزوجية بمجرد التلفظ بلفظ مصحف أو مهمل لا معنى له، بل
الاحتياط من بقاء الزوجية حتى يتحقق المزيل، فلو لا أنهم اعتبروا القصد بهذا اللفظ المصحف بدون وضع جديد ولا علاقة لم يوقعوا به الطلاق، لان الغلط الخارج عن الحقيقة والمجاز لا معنى له، فعلم أنهم اعتبروا المعنى الحقيقي المراد ولم يعتبروا تحريف اللفظ، بل قولهم يقع بها قضاء يفيد أنه يقضى عليه بالوقوع، وإن قال: لم أرد بها الطلاق حملا على أنها من أقسام الصريح ولذا قيد تصديقه بالاشهاد فبالاولى إذا قال العامي جوزت بتقديم الجيم أو زوزت بالزاي بدل الجيم قاصدا به معنى النكاح يصح، ويدل عليه أيضا ما قدمناه عن الذخيرة من أنه إذا قال: جعلت بنتي هذه لك بألف صح لانه أتى بمعنى النكاح، والعبرة في العقود للمعاني دون الالفاظ، فهذا التعليل يدل على أن كل ما أفاد معنى النكاح يعطى حكمه، لكن إذا كان بلفظ نكاح أو تزويج أو ما وضع لتمليك العين للحال، ولا شك أن لفظ جوزت أو زوزت لا يفهم منه العاقدان والشهود إلا أنه عبارة عن التزويج، ولا يقصد منه إلا ذلك المعنى بحسب العرف، وقد صرحوا بأنه يحمل كلام كل عاقد وحالف وواقف على عرفه، وإذا وقع الطلاق بالالفاظ المصحفة ولو من عالم كما مر وإن لم تكن متعارفة كما هو ظاهر إطلاقهم فيها يصح النكاح من العوام بالمصحفة المتعارفة بالاولى، والله تعالى أعلم.
تنبيه: علم مما قررناه جواز العقد بلفظ أزوجت بالهمزة في أوله خلافا لما ذكره السيد محمد أبو السعود في حاشية مسكين عن شيخه من عدم الجواز، معللا بأنه لم يجده في كتب اللغة فكان تحريفا وغلطا.
قوله: (احتراما للفروج) أي لخطر أمرها وشدة حرمتها، فلا يصح العقد عليها إلا بل فصريح أو كناية.
قوله: (سماع كل) أي ولو حكما كالكتاب إلى غائبه لان قراء ته قائمة مقام الخطاب كما مر.
وفي الفتح ينعقد النكاح من الاخرس إذا كانت لإشارة معلومة.
قوله: (ليتحقق رضاهما) أي ليصدر منهما ما من شأنه أن يدل على الرضا، إذ حقيقة الرضا غير مشروطة في النكاح لصحته مع الاكراه والهزل.
رحمتي وذكر السيد أبو السعود أن الرضا شرط من جانبها لا من جانب الرجل، واستدل لذلك بما صرح به القهستاني في المهر من فساد العقد إذا كان الاكراه من جهتها.
وأقول: فيه نظر، فإنه ذكر في النقاية أن في النكاح الفاسد لا يجب شئ إن لم يطأها، وإن وطئها وجب مهر المثل، فقال
القهستاني عند قوله في النكاح الفاسد: أي الباطل كالنكاح للمحارم المؤبدة أو المؤقتة أو بإكراه من جهتها الخ، فقوله من جهتها معناه: أنها إذا أكرهت الزوج على التزوج بها لا يجب لها عليه شئ،(3/22)
لان الاكراه جاء من جهتها فكان في حكم الباطل لا باطلا حقيقة، وليس معناه أن أحدا أكرهها على التزوج، ونظير هذه المسألة ما قالوه في كتاب الاكراه من أنه لو أكره على طلاق زوجته قبل الدخول بها لزمه نصف المهر، ويرجع به على المكره إن كان المكره له أجنبيا، فلو كانت الزوجة هي التي أكرهته على الطلاق لم يجب لها شئ، نص عليه القهستاني هناك أيضا.
وأما ما ذكر من أن نكاح المكره صحيح إن كان هو الرجل، وإن كان والمرأة فهو فاسد فلم أر من ذكره، وإن أوهم كلام القهستاني السابق ذلك، بل عبارتهم مطلقة في أن نكاح المكره صحيح كطلاقه وعتقه مما يصح مع الهزل، ولفظ المكره شامل للرجل والمرأة، فمن ادعى التخصيص فعليه إثباته بالنقل الصريح، نعم فرقوا بأن الرجل والمرأة في الاكراه على الزنا في إحدى الروايتين، ثم رأيت في إكراه الكافي للحاكم الشهيد ما هو صريح في الجواز فإنه قال: ولو أكرهت على أن تزوجته بألف ومهر مثلها عشرة آلاف زوجها أولياؤها مكرهين فالنكاح جائز ويقول القاضي للزوج: إن شئت أتمم لها مهر مثلها وهي امرأتك إن كان كفؤا لها، وإلا فرق بينهما ولا شئ لها الخ، فافهم.
قوله: (وشرط حضور شاهدين) أي يشهدان على العقد، أما الشهادة على التوكيل بالنكاح فليست بشرط لصحته كما قدمناه عن البحر، وإنما فائدتها الاثبات عند جحود التوكيل.
وفي البحر قيدنا الاشهاد بأنه خاص بالنكاح لقول الاسبيجابي: وأما سائر العقود فتنفذ بغير شهود، ولكن الاشهاد عليه مستحب للآية ا ه.
وفي الواقعات أنه واجب في المداينات، وأما الكتابة ففي عتق المحيط يستحب أن يكتب للعتق كتابا ويشهد عليه صيانة عن التجاحد كما في المداينة، بخلاف سائر التجارات للحرج، لانها مما يكثر وقوعها ا ه.
وينبغي أن يكون النكاح كالعتق، لانه لا حرج فيه ا ه.
مطلب: الخصاف كبير في العلم يجوز الاقتداء به تنبيه: أشار بقوله فيما مر ولا المنكوحة مجهولة إلى ما ذكره في البحر هنا بقوله: ولا بد من
تمييز المنكوحة عند الشاهدين لتنتفي الجهالة، فإن كانت حاضرة منتقبة كفى الاشارة إليها، والاحتياط كشف وجهها، فإن لم يروا شخصها وسمعوا كلامها من البيت: إن كانت وحدها فيه جاز، ولو معها أخرى فلا لعدم زوال الجهالة، وكذا إذا وكلت بالتزويج فهو على هذا ا ه: أي إن رأوها أو كانت وحدها في البيت يجوز أن يشهدوا عليها بالتوكيل إذا جحدته، وإلا فلا لاحتمال أن الموكل المرأة الاخرى، وليس معناه أنه لا يصح التوكيل بدون ذلك وأنه يصير العقد عقد فضولي فيصح بالاجارة بعده قولا أو فعلا لما علمته آنفا، فافهم.
ثم قال في البحر: وإن كانت غائبة ولم يسمعوا كلامها بأن عقد لها وكيلها: فإن كان الشهود يعرفونها كفى ذكر اسمها إذا علموا أنه أرادها، وإن لم يعرفوها لا بد من ذكر اسمها واسم أبيها وجدها.
وجوز الخصاف النكاح مطلقا، حتى لو وكلته فقال بحضرتهما زوجت نفسي من موكلتي أو من امرأة جعلت أمرها بيدي فإنه يصح عنده.
قال قاضيخان: والخصاف كان كبيرا في العلم يجوز الاقتداء به، وذكر الحاكم الشهيد في المنتقى كما قال الخصاف ا ه.
قلت: في التاترخانية عن المضمرات أن الاول هو الصحيح، وعليه الفتوى، وكذا قال في البحر في فصل الوكيل والفضولي أن المختار في المذهب خلاف ما قاله الخصاف وإن كان الخصاف كبيرا ا ه.
وما ذكروه في المرأة يجري مثله في الرجل.
ففي الخانية قال الامام ابن الفضل:(3/23)
إن كان الزوج حاضرا مشارا إليه جاز، ولو غائبا فلا ما لم يذكر اسمه واسم أبيه وجده، قال: والاحتياط أن ينسب إلى المحلة أيضا، قيل له فإن كان الغائب معروفا عند الشهود؟ قال: وإن كان معروفا لا بد عن إضافة العقد إليه، وقد ذكرنا عن غيره في الغائبة إذا ذكر اسمها لا غير وهي معروفة عند الشهود وعلم الشهود أنه أراد تلك المرأة يجوز النكاح ا ه.
والحاصل أن الغائبة لا بد من ذكر اسمها واسم أبيها وجدها وإن كانت معروفة عند الشهود على قول ابن الفضل، وعلى قول غيره: يكفي ذكر اسمها إن كانت معروفة عندهم، وإلا فلا، وبه جزم صاحب الهداية في التجنيس وقال: لان المقصود من التسمية التعريف وقد حصل، وأقره في
الفتح والبحر.
وعلى قول الخصاف يكفي مطلقا، ولا يخفى أنه إذا كان الشهود كثيرين لا يلزم معرفة الكل، بل إذا ذكر اسمها وعرفها اثنان منهم كفى، والظاهر أن المراد بالمعرفة أن يعرفها أن المعقود عليها هي فلانة بنت فلان الفلاني لا معرفة شخصها، وأن ذكر الاسم غير شرط، بل المراد الاسم أو ما يعينها مما يقوم مقامه لما في البحر: لو زوجه بنته ولم يسمها وله بنتان لم يصح للجهالة، بخلاف ما إذا كانت له بنت واحدة إلا إذا سماها بغير اسمها ولم يشر إليها فإنه لا يصح كما في التجنيس ا ه.
وفيه عن الذخيرة: إذا كان للمزوج ابنة واحدة وللقابل ابن واحد فقال زوجت ابنتي من ابنك يجوز النكاح، وإن كان للقابل ابنان فإن سمى أحدهما باسمه صح الخ.
وفيه عن الخلاصة: إذا زوجها أخوها فقال زوجت أختي ولم يسمها جاز أن كانت له أخت واحدة، وانظر ما قدمناه عند قوله: ولا المنكوحة مجهولة.
قوله: (حرين الخ) قال في البحر: وشرط في الشهود: الحرية، والعقل، والبلوغ، والاسلام فلا ينعقد بحضرة العبيد والمجانين والصبيان والكفار في نكاح المسلمين، لانه لا ولاية لهؤلاء، ولا فرق في العبد بين القن والمدبر والمكاتب، فلو عتق العبيد أو بلغ الصبيان بعد التحمل ثم شهدوا: إن كان معهم غيرهم وقت العقد فمن ينعقد بحضورهم جازت شهادتهم لانهم أهل للتحمل، وقد انعقد العقد بغيرهم، وإلا فلا كما في الخلاصة وغيرها.
قوله: (أو حر وحرتين) كذا في الكنز، وقد نسيه المصنف فذكره الشارح لدفع إيهام اختصاص الذكورة في شهادة النكاح كما نبه عليه الخير الرملي.
قوله: (سامعين قولهما معا) فلا ينعقد بحضرة النائمين والاصمين وهو قول العامة، وتصحيح الزيلعي الانعقاد بحضرة النائمين دون الاصمين ضعيف، رواه في الفتح والبحر.
وأجاب في النهر بحمل النائمين على الوسنانين السامعين.
واعترض بأنه حينئذ يكون محل وفاق لا خلاف.
ثم قال في النهر: وينبغي أن لا يختلف في انعقاده بالاصمين إذا كان كل من الزوج والزوجة أخرس، لان نكاحه كما قالوا ينعقد بالاشارة حيث كانت معلومة ا ه.
قال في الفتح: ومن اشتراط السماع ما قدمناه في التزوج بالكتاب من أنه لا بد من سماع الشهود ما في الكتاب المشتمل على الخطبة بأن تقرأه المرأة عليهم أو سماعهم العبارة عنه بأن تقول إن فلانا كتب إلي يخطبني ثم تشهدهم أنها زوجته نفسها ا ه.
لكن إذا كان الكتاب بلفظ الامر بأن
كتب زوجي نفسك مني لا يشترط سماع الشاهدين، لما فيه بناء على أن صيغة الامر توكيل لانه لا يشترط الاشهاد على التوكيل، أما القول بأنه إيجاب فيشترط كما في البحر وقدمنا بيانه فيما مر، وخرج بقوله معا ما لو سمعا متفرقين بأن حضر أحدهما العقد ثم غاب وأعيد بحضرة الآخر، أو سمع أحدهما فقط العقد فأعيد فسمعه الآخر دون الاول، أو سمع أحدهما الايجاب والآخر القبول ثم(3/24)
أعيد فسمع كل وحده ما لم يسمعه أولا، لان في هذه الصورة وجد عقدان لم يحضر كل واحد منهما شاهدان كما في شرح النقاية.
قوله: (على الاصح) راجع لقوله سامعين وقوله معا ومقابل الاول القول بالاكتفاء بمجرد حضورهما، ومقابل الثاني ما عن أبي يوسف من أنه إن اتحد المجلس جاز استحسانا كما في الفتح.
قوله: (فاهمين الخ) قال في البحر: جزم في التبيين بأنه لو عقدا بحضرة هنديين لم يفهما كلامهما لم يجز، وصححه في الجوهرة.
وقال في الظهيرية: والظاهر أنه يشترط فهم أنه نكاح، واختاره في الخانية فكان هو المذهب.
لكن في الخلاصة: لو يحسنان العربية فعقدا بها والشهود لا يعرفونها اختلف المشايخ فيه، والاصح أنه ينعقد ا ه.
لقد اختلف التصحيح في اشتراط الفهم ا ه.
وحمل في النهر ما في الخلاصة على القول باشتراط الحضور بلا سماع ولا فهم: أي وهو خلاف الاصح كما مر.
ووفق الرحمتي بحمل القول بالاشتراط على اشتراط فهم أنه عقد نكاح والقول بعدمه على عدم اشتراط فهم معاني الالفاظ بعد فهم أن المراد عقد النكاح.
قوله: (لنكاح مسلمة) قيد لقوله مسلمين احترازا عن نكاح الذمية، فإنه لو تزوجها مسلم عند ذميين صح كما يأتي لكنه يوهم أن ما قبله من الشروط يشترط في أنكحة الكفار أيضا مع أنها تصح بغير شهود إذا كانوا يدينون ذلك كما سيأتي في بابه، ولدفع ذلك قال في الهداية: ولا ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور شاهدين حرين الخ.
وقد يجاب بأن الكلام في نكاح المسلمين بدليل أنه سيعقد لنكاح الكافر بابا على حدة.
ولما كان تزوج المسلم ذمية لا يشترط فيه إسلام الشاهدين احترز عنه، بقوله لنكاح مسلمة.
قوله: (ولو فاسقين الخ) اعلم أن النكاح له حكمان: حكم الانعقاد، وحكم الاظهار، فالاول ما ذكره، والثاني إنما يكون عند التجاحد، فلا يقبل في الاظهار إلا شهادة من تقبل شهادته
في سائر الاحكام كما في شرح الطحاوي، فلذا انعقد بحضور الفاسقين والاعميين والمحدودين في قذف وإن لم يتوبا، وابني العاقدين وإن لم يقبل أداؤهم عند القاضي كانعقاده بحضرة العدوين.
بحر.
مطلب في عطف الخاص على العام قوله: (أو محدودين في قذف) أي وقد تابا.
قال في النهر: وهذا القيد لا بد منه وإلالزم التكرار ا ه.
واعترض بأن المقصود من إطلاق المصنف الاشارة إلى خلاف الشافعفي الفاسق المعلن والمحدود قبل التوية أما المستور والمحدود التائب فلا خلاف له فيهما، كما في شرح المجمع والحقائق، وأيضا فالمحدود أخص مطلقا من الفاسق، وذكر الاخص بعد الاعم واقع في أفصح الكلام.
على أنهم صرحوا بأنه إذا قوبل الخاص بالعام يراد به ما عدا الخاص، لكن في المغني أن عطف الخاص على العام مما تفردت به الواو وحتى، لكن الفقهاء يتسامحون في عطفه بأو.
قلت: وصرح بعضهم بجوازه بثم وبأو كما في حديث ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها.
قوله: (أو أعميين) كذا في الهداية والكنز والوقاية والمختار والاصلاح والجوهرة وشرح النقاية والفتح والخلاصة، وهو مخالف لقوله في الخانية ولا تقبل شهادة الاعمى عندنا لانه لا يقدر على التمييز بين المدعي والمدعى عليه والاشارة إليهما، فلا يكون كلامه شهادة ولا ينعقد(3/25)
النكاح بحضرته ا ه.
و (المختار) ما عليه الاكثرون.
نوح.
قوله: (وإن لم يثبت النكاح بهما) أي بالابنين: أي بشهادتهما، فقوله: بالابنين بدل من الضمير المجرور، وفي نسخة لهما أي للزوجين وقد أشار إلى ما قدمناه من الفرق بين حكم الانعقاد، وحكم الاظهار: أي ينعقد النكاح بشهادتهما، وإن لم يثبت بها عند التجاحد، وليس هذا خاص بالابنين كما قدمناه.
قوله: (إن ادعى القريب) أي لو كانا ابنيه وحده أو ابنيها وحدها فادعى أحدهما النكاح وجحده الآخر لا تقبل شهادة ابني المدعي له بل تقبل عليه، ولو كانا ابنيهما لا تقبل شهادتهما للمدعي ولا عليه لانها لا تخلو عن شهادتهما
لاصلهما، وكذا لو كان أحدهما ابنها والآخر ابنه لا تقبل أصلا كما في البحر.
قوله: (كما صح الخ) لان الشهادة إنما شرطت في النكاح لما فيه من إثبات ملك المتعة له عليها تعظيم لجزء الآدمي لا لثبوت ملك المهر لها عليه، لان وجوب المال لا تشترط فيه الشهادة كالبيع وغيره، وللذمي شهادة على مثله لولايته عليه، وهذا عندهما.
وقال محمد وزفر: لا يصح وتمامه في الفتح وغيره، وأراد بالذمية الكتابية كما في القهستاني.
قال ح: فخرج غير الكتابية كما سيأتي في فصل المحرمات ودخل الحربية الكتابية وإن كره نكاحها في دار الحرب كما ذكره الشارح في محرمات شر الملتقى ا ه.
قوله: (ولو مخالفين لدينها) كما لو كانا نصرانيين وهي يهودية، وشمل إطلاقه الذميين غير الكتابيين كمجوسيين، والظاهر أنه احترز بهما عن الحربيين لقول الزيلعي: وللذمي شهادة على مثله، فأفاد أن شهادة الحربي على الذمي لا تقبل والمستأمن حربي.
أفاده السيد أبو السعود.
قوله: (مع إنكاره) أي إنكار المسلم العقد على الذمية، أما عند إنكارها فمقبول عندهما مطلقا.
وقال محمد: إن قالا كان معنا مسلمان وقت العقد قبل وإلا لا، وعلى هذا الخلاف لو أسلما وأديا.
نهر.
قوله: (والاصل عندنا الخ) عبارة النهر.
قال الاسبيجابي: والاصل أن كل من صلح أن يكون وليا فيه بولاية نفسه صلح أن يكون شاهدا فيه، وقولنا بولاية نفسه لاخراج المكاتب فإنه وإن ملك تزويج أمته لكن لا بولاية نفسه بل بما استفاده من المولى ا ه.
وهذا يقتضي عدم انعقاده بالمحجور عليه ولم أره ا ه.
قوله: (أمر الاب رجلا) أي وكله والضمير البارز في صغيرته للاب والمستتر في زوجها للرجل المأمور، وكونه رجلا مثال، فلو كان امرأة صح، لكن اشترط أن يكون معها رجلا أو رجل وامرأة، كما أفاده في البحر.
قوله: (لانه يجعل عاقدا حكما) لان الوكيل في النكاح سفير ومعبر ينقل عبارة الموكل، فإذا كان الموكل حاضرا كان مباشرا لان العبارة تنتقل إليه وهو في المجلس، وليس المباشر سوى هذا، بخلاف ما إذا كان غائبا، لان المباشر مأخوذ في مفهومه الحضور، فظهر أن إنزال الحاضر مباشرا جبري، فاندفع ما أورده في النهاية من أنه تكلف غير محتاج إليه فإن الاب يصلح شاهدا، فلا حاجة إلى اعتباره مباشرا إلا في مسألة البنت البالغة.
فتح ملخصا.
وتمامه في البحر.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يكن حاضرا لا يصح لان انتقال العبارة إليه حال عدم الحضور لا
يصير به مباشرا.
قوله: (ولو زوج بنته البالغة العاقلة) كونها بنته غير قيد، فإنها لو وكلت رجلا غيره(3/26)
فكذلك كما في الهندية، وقيد بالبالغة لانها لو كانت صغيرة لا يكون الولي شاهدا لان العقد لا يمكن نقله إليها.
بحر، وبالعاقلة لان المجنونة كالصغيرة.
أفاده ط.
قوله: (لانها تجعل عاقدة) لانتقال عبارة الوكيل إليها، وهي في المجلس فكانت مباشرة ضرورة، ولانه لا يمكن جعلها شاهدة على نفسها.
قوله: (وإلا لا) أي لم تكن حاضرة لا يكون العقد نافذا بل موقوفا على إجازتها كما في الحموي، لانه لا يكون أدنى حالا من الفضولي، وعقد الفضولي ليس بباطل.
ط عن أبي السعود.
قوله: (جعل مباشرا) لانه إذا كان في المجلس تنتقل العبارة إليه كما قدمناه.
قوله: (ثم إنما تقبل شهادة المأمور) يعني عند التجاحد وإرادة الاظهار، أما من حيث الانعقاد الذي الكلام فيه فهي مقبولة مطلقا كما لا يخفى، وأشار إلى أنه يجوز له أن يشهد إذا تولى العقد ومات الزوج وأنكرت ورثته كما حكي عن الصفار.
قال: وينبغي أن يذكر العقد لا غير فيقول هذه منكوحته، وكذلك قالوا في الاخوين إذا زوجا أختهما ثم أرادا أن يشهدا على النكاح ينبغي أن يقولا هذه منكوحته.
بحر عن الذخيرة.
قوله: (لئلا يشهد على فعل نفسه) يرد عليه شهادة نحو القباني والقاسم، لانه يقبل مع بيانه أنه فعله.
شرنبلالية.
أقول: لا يخفى أن العقد إنما لزم بفعل العاقد فشهادته على فعل نفسه شهادة على أنه هو الذي ألزم موجبات العقد فتلغو، بخلاف القباني والقاسم فإن فعلهما غير ملزم.
أما القباني فظاهر، وأما القاسم فلما في شهادات البزازية من أن وجه القبول أن الملك لا يثبت بالقسمة بل بالتراضي أو باستعمال القرعة ثم التراضي عليه ا ه، فافهم.
قوله: (ولو زوج المولى عبده) أي وأمته كما في الفتح، وقوله بحضرته أي العبد، وقوله وواحد بالجر عطفا على هذا الضمير، وقوله: لم يجز على الظاهر ذكره في النهر، ونقله السيد أبو السعود عن الدراية فيما لو زوج أمه، ولا فرق بينهما وبين العبد.
وذكر في البحر أنه رجحه في الفتح بأن مباشرة السيد ليس فكا للحجر عنهما في التزوج مطلقا، وإلا لصح في مسألة وكيله: أي فيما لو زوج وكيل السيد العبد بحضوره مع آخر فإنه لا
يصح قوله: (صح) وقيل: لا يصح لانتقاله إلى السيد لان العبد وكيل عنه.
قال الفتح: الاصح الجواز بناء على منع كونهما: أي العبد والامة وكيلين، لان الاذن فك الحجر عنهما، فيتصرفان بعده وبأهليتهما لا بطريق النيابة.
قوله: (والفرق لا يخفى) هو ما ذكرناه عن الفتح من أن مباشرة السيد العقد ليس فكا للحجر عن العبد في التزوج، فلا ينتقل العقد إليه، بل يبقى السيد هو العاقد ولا يصلح شاهدا، بخلاف إذنه له به فإن العبد ممنوع عن النكاح لحق السيد لا لعدم أهليته، فبالاذن يصير أصيلا لا نائبا فلا ينتقل العقد إلى السيد ويصلح شاهدا فيصح بحضرته.
قوله: (ما لم يقل الموجب بعده) أي بعد قول الآخر.
زوجت أو نعم، لان قول الآخر ذلك يكون إيجابا فيحتاج إلى قول الاول قبلت، وسماه موجبا نظرا إلى الصورة.
قوله: (لان زوجتني استخبار)(3/27)
المسألة من الخانية، وتقدم أنه لو صرح بالاستفهام فقال هل أعطيتنيها فقال أعطيتكها، وكان المجلس للنكاح ينعقد فهذا أولى بالانعقاد، فإما أن يكون في المسألة روايتان أو يحمل هذا على أن المجلس لعقد النكاح.
وقال في كافي الحاكم: وإذا قال رجل لامرأة أتزوجك بكذا أم كذا، فقالت: قد فعلت، فهو بمنزلة قوله: قد تزوجتك، وليس يحتاج في هذا إلى أن يقول الزوج قد قبلت، وكذلك إذا قال قد خطبتك إلى نفسي بألف درهم فقالت قد زوجتك نفسي، هذا كله جائز إذا كان عليه شهود، لان هذا كلام الناس وليس بقياس ا ه رحمتي.
قوله: (لانه توكيل) أي فيكون كلام الثاني قائما مقام الطرفين، وقيل إنه إيجاب ومر ما فيه ط.
قوله: (لم يصح) لان الغائبة يشترط ذكر اسمها واسم أبيها وجدها، وتقدم أنه إذا عرفها الشهود يكفي ذكر اسمها فقط، خلافا لابن الفضل، وعند الخصاف يكفي مطلقا.
والظاهر أنه في مسألتنا لا يصح عند الكل، لان ذكر الاسم وحده لا يصرفها عن المراد إلى غيره، بخلاف ذكر الاسم منسوبا إلى أب آخر، فإن فاطمة بنت أحمد لا تصدق على فاطمة بنت محمد.
تأمل.
وكذا يقال فيما لو غلط في اسمها.
قوله: (إلا إذا كانت حاضرة الخ) راجع إلى المسألتين: أي فإنها لو كانت مشارا إليها وغلط في اسم أبيها أو اسمها لا يضر، لان تعريف الاشارة
الحسية أقوى من التسمية، لما في التسمية من الاشتراك لعارض فتلغو التسمية عندها، كما لو قال اقتديت بزيد هذا فإذا هو عمرو فإنه يصح.
قوله: (ولو له بنتان الخ) أي بأن كان اسم الكبرى مثلا عائشة والصغرى فاطمة.
فقال زوجتك بنتي الكبرى فاطمة وقيل صح العقد عليها وإن كانت عائشة هي المرادة، وهذا إذا لم يصفها بالكبرى، أما لو قال زوجتك بنتي الكبرى فاطمة ففي الولوالجية: يجب أن لا ينعقد العقد على إحداهما لانه ليس له ابنة كبرى بهذا الاسم ا ه.
ونحوه في الفتح عن الخانية، ولا تنفع النية هنا ولا معرفة الشهود بعد صرف اللفط عن المراد كما قلنا.
ونظير هذا ما في البحر عن الظهيرية: لو قال أبو الصغيرة لابي الصغير زوجت ابنتي ولم يزد عليه شيئا فقال أبو الصغير قبلت يقع النكاح للاب هو الصحيح، ويجب أن يحتاط فيه فيقول قبلت لابني ا ه.
وقال في الفتح بعد أن ذكر المسألة بالفارسية: يجوز النكاح على الاب وإن جرى بينهما مقدمات النكاح للابن هو المختار، لان الاب أضافه إلى نفسه، بخلاف ما لو قال أبو الصغيرة زوجت بنتي من ابنك فقال أبو الابن قبلت ولم يقل لابني يجوز النكاح للابن لاضافة المزوج النكاح إلى الابن بيقين وقول القابل جواب له، والجواب يتقيد بالاول فصار كما لو قال قبلت لابني ا ه.
قلت: وبه يعلم بالاولى حكم ما يكثر وقوعه حيث يقول زوج ابنتك لابني، فيقول له زوجتك، فيقول الاول قبلت فيقع العقد للاب والناس عنه غافلون، وقد سئلت عنه فأجبت بذلك، وبأنه لا يمكن للاب تطليقها وعقده للابن ثانيا لحرمتها على الابن مؤبدا، ومثله ما يقع كثيرا أيضا حيث يقول زوجتني بنتك لابني، فيقول زوجتك، فإن قال الاول قبلت انعقد النكاح لنفسه، وإلا لم ينعقد أصلا لا له ولا لابنه كما أفتى به في الخيرية، وبقي ما إذا قال زوج ابنتك من ابني فقال وهبتها(3/28)
لك أو زوجتها لك، فيصح للابن، بخلاف ما مر عن الظهيرية لانه ليس فيه إلا الخطبة، أما هنا فقوله زوج ابنتك من ابني توكيل، حتى لم يحتج بعده إلى قبول فيصير قول الآخر وهبتها لك معناه زوجتها لابنك لاجلك، ولا فرق في العرف بين زوجتها لك ووهبتها لك، كذا حرره في الفتاوى الخيرية.
والظاهر أنه لو قال: زوجتك لا يصح لاحد إلا إذا قال الآخر قبلت فيصح له.
وبقي أيضا
قولهم زوجتك بنتي لابنك فيقول قبلت، ويظهر لي أنه ينعقد للاب لاسناد التزويج، وقول أبي البنت لابنك معناه لاجل ابنك فلا يفيد، وكذا لو قال الآخر قبلت لابني لا يفيد أيضا، نعم لو قال أعطيتك بنتي لابنك فيقول قبلت فالظاهر أنه ينعقد للابن، لان قوله أعطيتك بنتي لابنك معناه في العرف أعطيتك بنتي زوجة لابنك، وهذا المعنى وإن كان هو المراد عرفا من قولهم زوجتك بنتي لابنك، لكنه لا يساعده اللفظ كما علمت، والنية وحدها لا تنفع كما مر، والله سبحانه أعلم.
وأما ما في الخيرية فيمن خطب لابنه بنت أخيه فقال أبوها زوجتك بنتي فلانة لابنك وقال الآخر تزوجت، أجاب لا ينعقد لان التزوج غير التزويج ا ه.
ففيه نظر.
بل لم ينعقد للابن لقول أبي البنت زوجتك بكاف الخطاب، ولا لابيه لكونه عم البنت، حتى لو كان أجنبيا عنها انعقد النكاح له، بل هو أولى بالانعقاد من المسألة المارة عن الظهيرية لحصول الاضافة له في الايجاب والقبول، بخلاف ما في الظهيرية، وكون مصدر زوجتك التزويج، ومصدر تزوجت التزوج لا يظهر وجها إذ لا يلزم اتحاد المادة في الايجاب والقبول فضلا عن اتحاد الصيغة، فلو قال زوجتك فقال قبلت أو رضيت جاز، فتأمل.
قوله: (صح الخ) في الفتح عن الفتاوى قيل لا يصح وإن قبل عن الزوج إنسان واحد لانه نكاح بغير شهود، لان القوم كلهم خاطبون من تكلم ومن لا، لان التعارف هكذا أن يتكلم واحد ويسكت الباقون والخاطب لا يصير شاهدا، وقيل يصح وهو الصحيح، وعليه الفتوى لانه ضرورة في جعل الكل خاطبا فيجعل المتكلم فقط والباقي شهود ا ه.
ونقل بعده في البحر عن الخلاصة أن المختار عدم الجواز ا ه.
ولا يخفى أن لفظ الفتوى آكد ألفاظ التصحيح، ووفق بعضهم بحمل ما في الخلاصة على ما إذا قبلوا جميعا.
وأقول: ينافيه قول الخلاصة: وقيل واحد من القوم، ومثله ما مر عن الفتح: وإن قبل عن الزوج إنسان واحد، فافهم.
قوله: (لم يكن له الامر الخ) ذكر الشارح في آخر باب الامر باليد نكحها على أن أمرها بيدها صح ا ه.
لكن ذكر في البحر هناك أن هذا لو ابتدأت المرأة فقالت زوجت نفسي على أن أمري بيدي أطلق نفسي كلما أريد، أو على أني طالق فقال قبلت وقع الطلاق وصار الامر بيدها، أما لو بدأ هو لا تطلق ولا يصير الامر بيدها ا ه.
قوله: (بقي الخيار) أي
للموكل.
قوله: (ولها الاقل) أي إذا اختار الفسخ، فإن كان المسمى أقل من مهر مثلها فهو لها لانها رضيت به فكانت مسقطة ما زاد عنه إلى مهر المثل وإن كان مهر المثل أقل فهو لها، لان الزيادة(3/29)
عليه لم تلزم إلا بالتسمية في ضمن العقد، فإذا فسد العقد فسد ما في ضمنه، ولما كان العقد هنا موقوفا لا فاسدا أجاب بقوله: لان الموقوف كالفاسد.
أفاده الرحمتي.
وبه ظهر أن المراد بالمسمى ما سماه الوكيل لها لا ما سماه الموكل للوكيل فإنه لا وجه له، فافهم.
قوله: (قيل يكفر) لانه اعتقد أن رسول الله (ص) عالم الغيب.
قال في التاترخانية: وفي الحجة ذكر في الملتقط أنه لا يكفر لان الاشسياء تعرض على روح النبي (ص)، وأن الرسل يعرفون بعض الغيب، قال تعالى: * (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) * ا ه.
قلت: بل ذكروا في كتب العقائد أن جملة كرامات الاولياء الاطلاع على بعض المغيبات، وردوا على المعتزلة المستدلين بهذه الآية على نفيها بأن المراد الاظهار بلا واسطة، والمراد من الرسول الملك: أي لا يظهر على غيبه بلا واسطة إلا الملك، أما النبي والاولياء فيظهرهم عليه بواسطة الملك أو غيره، وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في رسالتنا المسماة (سل الحسام الهندي لنصرة سيدنا خالد النقشبندي) فراجعها فإن فيها فوائد نفيسة، والله تعالى أعلم.
فصل في المحرمات شروع في بيان شرط النكاح أيضا، فإن منه كون المرأة محللة لتصير محلا له، وأفرد بفضل على حدة لكثرة شعبه.
بحر.
قوله: (قرابة) كفروعه وهم بناته وبنات أولاده وإن سفلن، وأصوله وهم أمهاته وأمهات وآبائه وإن علون، وفروع أبويه وإن نزلن، فتحرم بنات الاخوة والاخوات وبنات أولاد الاخوة والاخوات وإن نزلن، وفروع أجداده وجداته ببطن واحد، فلهذا تحرم العمات والخالات وتحل بنات العمات والاعمام والخالات والاخوال.
فتح.
قوله: (مصاهرة) كفروع نسائه المدخول بهن وإن نزلن، وأمهات الزوجات وجداتهن بعقد صحيح وإن علون وإن لم يدخل بالزوجات.
وتحرم موطوءات آبائه وأجداده وإن علوا ولو بزنى، والمعقودات لهم عليهن بعقد صحيح، وموطوءات
أبنائه وأبناء أولاده وإن سفلوا ولو بزنى، والمعقودات لهم عليهن بعقد صحيح.
فتح.
وكذا المقبلات أو الملموسات بشهوة لاصوله أو فروعه، أو من قبل أو لمس أصولهن أو فروعهن.
قوله: (رضاع) فيحرم به ما يحرم من النسب، إلا ما استثنى كما سيأتي في بابه، وهذه الثلاثة محرمة على التأبيد.
قوله: (جمع) أي بين المحارم كأختين ونحوهما أو بين الاجنبيات زيادة على أربع.
قوله: (ملك) كنكاح السيد أمته والسيدة عبدها.
فتح.
وعبر بدالملك بالتنافي: أي لان المالكية تنافي المملوكية كما سيأتي بيانه، وشمل ملكه لبعضها أو ملكها لبعضه.
قوله: (شرك) عبارة الفتح عدم الدين السماوي: كالمجوسية والمشركة ا ه.
وتشمل أيضا المرتدة ونافية الصانع تعالى.
قوله: (إدخال أمة على حرة) أدخله الزيلعي في حرمة الجمع فقال: وحرمة الجمع بين الحرة والامة والحرة متقدمة وهو الانسب.
بحر: أي للضبط وتقلل الاقسام، وكذا فعل في الفتح، لكن الاولى(3/30)
أن يقال: والحرة غير متأخرة ليشمل ما لو تزوجهما في عقد واحد، ففي الزيلعي صح نكاح الحرة وبطل نكاح الامة.
قوله: (وبقي الخ) زاد في شرحه على الملتقي اثنين آخرين أيضا حيث قال: قلت: وبقي من المحرمات الخنثى المشكل لجواز ذكورته، والجنية وإنسان الماء لاختلاف الجنس ا ه.
قلت: وكأنه استغنى هنا عن ذكرهما بما قدمه أول النكاح، ويزاد خامس سيذكره في بابه وهو حرمة اللعان، وقد نظمت السبعة مع الخمسة المزيدة بقولي: أنواع تحريم النكاح سبع قرابة ملك رضاع جمع كذاك شرك نسبة المصاهرة وأمة عن حرة مؤخره وزيد خمسة أتتك بالبيان تطليقه لها ثلاثا واللعان تعلق بحق غير من نكاح أو عدة خنوثة بلا اتضاح وآخر الكل اختلاف الجنس كالجن والمائي لنوع الانس قوله: (حرم على المتزوج) أي مريد التزوج، وقوله ذكرا كان أو أنثى بيان لفائدة إرجاع
الضمير إلى المتزوج الشامل لهما لا إلى الرجل، فإن ما يحرم على الرجل يحرم على الانثى إلا ما يختص بأحد الفريقين بدليله، فالمراد هنا أن الرجل كما يحرم عليه تزوج أصله أو فرعه كذلك يحرم على المرأة تزوج أصلها أو فرعها، وكما يحرم عليه تزوج بنت أخيه يحرم عليها تزوج ابن أخيها وهكذا، فيؤخذ في جانب المرأة نظير ما يؤخذ في جانب الرجل لا عينه، وهذا معنى قوله في المنح: كما يحرم على الرجل أن يتزوج بمن ذكر يحرم على المرأة أن تتزوج بنظير من ذكر ا ه.
فلا يقال: إنه يلزم أن يصير المعنى يحرم على المرأة أن تتزوج بنت أخيها، لان نظير بنت الاخ في جانب الرجل ابن الاخ في جانب المرأة.
ولا يرد أيضا أنه يلزم من حرمة تزوج الرجل بأصله كأمه حرمة تزوجها بفرعها، لان التصريح باللازم غير معيب، فافهم.
قوله: (علا أو نزل) نشر على ترتيب اللف، وتفكيك الضمائر إذا ظهر المراد يقع في الكلام الفصيح، فافهم.
قوله: (وأخته) عطف على بنت لا على أخيه بقرينة قوله وبنتها لكنه مجرور بالنظر للشروح مرفوع بالنظر للمتن ح.
لان المضاف وهو نكاح الداخل على قوله أصله من كلام الشارح.
قوله: (ولو من زنى) أي بأن يزني الزاني ببكر ويمسكها حتى تلد بنتا.
بحر عن الفتح.
قال الحانوتي: ولا يتصور كونها ابنته من الزنى إلا بذلك، إذ لا يعلم كون الولد منه إلا به ا ه: أي لانه لو لم يمسكها يحتمل أن غيره زنى بها لعدم الفراش النافي لذلك الاحتمال.
قال ح: قوله ولو من زنى تعميم بالنظر إلى كل ما قبله: أي لا فرق في أصله أو فرعه أو أخته أن يكون من الزنى أو لا، وكذا إذا كان له أخ من الزنى له بنت من النكاح، أو من النكاح له بنت من الزنى، وعلى قياسه قوله وبنتها وعمته وخالته أي أخته من النكاح لها بنت من الزنى، أو من الزنى لها بنت من النكاح، أو من الزنى لها بنت من الزنى، وكذا أبوه من النكاح له أخت من الزنى، أو من الزنى له أخت من النكاح، ومن الزنى له أخت من الزنى، وكذا أمه من النكاح لها أخت من الزنى، أو من الزنى لها أخت من النكاح، أو من الزنى لها أخت من الزنى.(3/31)
إذا عرفت هذا فكان ينبغي أن يؤخر التعميم عن قوله وخالته اه.
قلت: لكن ما ذكره الشارح أحوط: لانه اقتصر على ما رآه منقولا في البحر عن الفتح حيث
قال: ودخل في البنت بنته من الزنى فتحرم عليه بصريح النص لانها بنته لغة، والخطاب إنما هو باللغة العربية ما لم يثبت نقل كلفظ الصلاة ونحوه فيصير منقولا شرعيا، وكذا أخته من الزنى وبنت أخته وبنت أخيه أو ابنه منه ا ه.
فلو أخر التعميم عن الكل كان غير مصيب في اتباع النقل، على أن ما ذكره في البحر هنا مخالف لما ذكره نفسه في كتاب الرضاع من أن البنت من الزنى لا تحرم على عم الزاني وخاله لانه لم يثبت نسبها من الزاني حتى يظهر فيها حكم القرابة، وأما التحريم على آباء الزاني وأولاده فلاعتبار الجزئية ولا جزئية بينها وبين العم والخال ا ه.
ومثله في الفتح هناك عن التجنيس، وسنذكر عبارة التجنيس قريبا، فافهم.
تنبيه: ذكر في البحر أنه دخل بنت الملاعنة أيضا فلها حكم البنت هنا، لانه بسبيل من أن يكذب نفسه ويدعيها فيثبت نسبها منه كما في الفتح.
قال: وقدمنا في باب المصرف عن المعراج أن ولد أم الولد الذي نفاه لا يجوز دفع الزكاة إليه، ومقتضاه ثبوت البنتية فيما يبنى على الاحتياط، فلا يجوز لولده أن يتزوجها لانها أخته احتياطا ويتوقف على نقل، ويمكن أن يقال في بنت الملاعنة: إنها تحرم باعتبار أنها ربيبة وقد دخل بأمها، لا لما تكلفه في الفتح كما لا يخفى انتهى.
لكن ثبوت اللعان لا يتوقف على الدخول بأمها وحينئذ فلا يلزم أن تكون ربيبته.
نهر.
قوله: (فهذه السبعة الخ) لكن اختلف في توجيه حرمة الجدات وبنات البنات، فقيل بوضع اللفظ وحقيقته، لان الام في اللغة الاصل والبنت الفرع، فيكون الاسم حينئذ من قبيل المشكك، وقيل بعموم المجاز، وقيل بدلالة النص، والكل صحيح وتمامه في البحر.
وأفاد أن حرمة البنت من الزنى بصريح النص المذكور كما تقدم.
قوله: (ويدخل عمة جده وجدته) أي في قول المتن وعمته كما دخلت في قوله تعالى: * (وعماتكم) * ومثله قوله وخالتهما كما في الزيلعي ح.
قوله: (الاشقاء وغيرهن) لا يختص هذا التعميم بالعمة والخالة، فإن جميع ما تقدم سوى الاصل والفرع كذلك كما أفاده الاطلاق، لكن فائدة التصريح به هنا التنبيه على مخالفته لما بعده كما تعرفه، فافهم.
قوله: (وأما عمة عمة أمه الخ) قال في النهر: وأما عمة العمة وخالة الخالة فإن كانت العمة القربى لامه لا تحرم، وإلا حرمت، وإن كانت الخالة القربى لابيه لا تحرم، وإلا حرمت، لان أبا العمة حينئذ يكون زوج أم
أبيه، فعمتهما أخت زوج الجدة ثم الاب وأخت زوج الام لا تحرم فأخت زوج الجدة بالاولى، وأم الخالة القربى تكون امرأة الجد أبي الام فأختها أخت امرأة أبي الام وأخت امرأة الجد لا تحرم ا ه.
والمراد من قوله لامه أن تكون العمة أخت أبيه لام احترازا عما إذا كانت أخت أبيه لاب أو لاب وأم، فإن عمة هذه العمة لا تحل لانها تكون أخت الجد أبي الاب.
والمراد من قوله وإن كانت الخالة القربى لابيه أن تكون أخت أمه لابيها احترازا عما إذا كانت أختها لامها أو شقيقة، فإن خالة هذه الخالة تكون أخت جدته أم أمه، فلا تحل، وكأن الشارح فهم من قول النهر لامه، وقوله لابيه إن الضمير فيهما راجع إلى مريد النكاح كما هو المتبادر منه فقال ما قال وليس كذلك لما علمته فكان عليه أن يقول: وأما عمة العمة لام وخالة الخالة لاب.
ويمكن تصحيح كلامه بأن تقيد العمة(3/32)
القربى بكونها أخت الجد لامه والخالة القربى بكونها أخت الجدة لابيها كما أوضحه المحشي، وأما على إطلاقه فغير صحيح.
قوله: (بنت زوجته الموطوءة) أي سواء كانت في حجره: أي كنفه ونفقته أو لا، ذكر الحجر في الآية خرج مخرج العادة أو ذكر للتشنيع عليهم كما في البحر.
واحترز بالموطوءة عن غيرها، فلا تحرم بنتها بمجرد العقد.
وفي ح عن الهندية أن الخلوة بالزوجة لا تقوم مقام الوطئ في تحريم بنتها ا ه.
قلت: لكن في التجنيس عن أجناس الناطفي قال في نوادر أبي يوسف: إذا خلا بها في صوم رمضان أو حال إحرامه لم يحل له أن يتزوج بنتها.
وقال محمد: يحل، فإن الزوج لم يجعل واطئا حتى كان لها نصف المهر ا ه.
وظاهره أن الخلاف في الخلوة الفاسدة، أما الصحيحة فلا خلاف في أنها تحرم البنت.
تأمل.
وسيأتي تمام الكلام عليه في باب المهر عند ذكر أحكام الخلوة.
ويشترط وطؤها في حال كونها مشتهاة، أما لو دخل بها صغيرة لا تشتهى فطلقها فاعتدت بالاشهر ثم تزوجت بغيره فجاءت ببنت حل لواطئ أمها قبل الاشتهاء التزوج بها كما يأتي متنا، وكذا يشترط فيه أن يكون في حال الوطئ مشتهى كما نذكره هناك.
قوله: (وأم زوجته) خرج أم أمته فلا تحرم إلا بالوطئ أو دواعيه، لان لفظ النساء إذا أضيف الازواج كان المراد منه الحرائر كما في الظهار والايلاء بحر وأراد
بالحرائر النساء المعقود عليهن ولو أمة لغيره، كما أفاده الرحمتي وأبو السعود.
قوله: (وجداتها مطلقا) أي من قبل أبيها وأمها وإن علون.
بحر.
قوله: (بمجرد العقد الصحيح) يفسره قوله وإن لم توطأ ح قوله: (الصحيح) احتراز عن النكاح الفاسد فإنه لا يوجب بمجرده حرمة المصاهرة بل بالوطئ أو ما يقوم مقامه من المس بشهوة والنظر بشهوة، لان الاضافة لا تثبت إلا بالعقد الصحيح.
بحر: أي الاضافة إلى الضمير في قوله تعالى: * (وأمهات نسائكم) * أوفي قوله وأم زوجته، ويوجد في بعض النسخ زيادة قوله فالفاسد لا يحرم إلا بمس شهوة ونحوه.
قوله: (الزوجة) أبدله في الدرر بالام، وهو سبق قلم.
قوله: (ويدخل) أي في قوله: وبنت زوجته بنات الربيبة والربيب وثبتت حرمتهن بالاجماع، وقوله تعالى: * (وربائبكم) * بحر.
قوله: (وفي الكشاف الخ) تبع في النقل عنه صاحب البحر، ولا يخفى أن المتون طافحة بأن اللمس ونحوه كالوطئ في إيجابه حرمة المصاهرة من غير اختصاص بموضع دون موضع، لكن لما كانت الآية مصرحة بحرمة الربائب بقيد الدخول وبعدمها عند عدمه كان ذلك مظنة أن يتوهم أن خصوص الدخول هنا لا بد منه، وأن تصريحهم بأن اللمس ونحوه يوجب حرمة المصاهرة مخصوص بما عدا الربائب لظاهر الآية، فنقل التصريح عن أبي حنيفة بأنه قائم مقام الوطئ هنا لدفع ذلك الوهم، ولبيان أنه ليس من تخريجات المشايخ وكأنه لم يجد التصريح به هنا عن أبي حنيفة إلا في الكشاف فنقل ذلك عنه، لان الزمخشري من مشايخ المذهب وهو حجة في النقل، ولكون الموضع موضع خفاء أكد ذلك بقوله وأقره المصنف فافهم.
قوله: (وزوجة أصله وفرعه) لقوله تعالى: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) * وقوله تعالى: * (وحلائل(3/33)
أبنائكم الذين من أصلابكم) * والحليلة الزوجة، وأما حرمة الموطوءة بغير عقد فبدليل آخر، وذكر الاصلاب لاسقاطه حليلة الابن المتبنى لا لاحلال حليلة الابن رضاعا فإنها تحرم كالنسب.
بحر وغيره.
قوله: (ولو بعيدا الخ) بيان للاطلاق: أي ولو كان الاصل أو الفرع بعيدا كالجد وإن علا وابن الابن وإن سفل.
وتحرم زوجة الاصل والفرع بمجرد العقد دخل بها أو لا.
قوله: (وأما بنت زوجة أبيه أو ابنه فحلال) وكذا بنت ابنها.
بحر.
قال الخير الرملي: ولا تحرم بنت
زوج الام ولا أمه ولا أم زوجة الاب ولا بنتها ولا أم زوجة ابن ولا بنتها ولا زوجة الربيب ولا زوجة الراب ا ه.
قوله: (نسبا) تمييز عن نسبة تحريم للضمير المضاف إليه، وكذا قوله مصاهرة وقوله رضاعا تمييز عن نسبة تحريم إلى الكل: يعني يحرم من الرضاع أصوله وفروعه وفروع أبويه وفروعهم، وكذا فروع أجداده وجداته الصلبيون، وفروع زوجته وأصولها وفروع زوجها وأصوله وحلائل أصوله وفروعه، وقوله: إلا ما استثني أي استثناء منقطعا، وهو تسع صور تصل بالبسط إلى مائة وثمانية كما سنحققه ح.
تنبيه: مقتضى قوله والكل رضاعا مع قوله سابقا ولو من زنى حرمة فرع المزنية وأصلها رضاعا، وفي القهستاني عن شر الطحاوي عدم الرحمة، ثم قال: لكن في النظم وغيره أنه يحرم كل من الزاني والمزنية على أصل الآخر وفرعه رضاعا ا ه.
ومقتضى تقييده بالفرع والاصل أنه لا خلاف في عدم الحرمة على غيرهما من الحواشي كالاخ والعم.
وفي التجنيس: زنى بامرأة فولدت فأرضعت بهذا اللبن صبية لا يجوز لهذا الزاني تزوجها ولا لاصوله وفروعه، ولعم الزاني التزوج بها، كما لو كانت ولدت له من الزنى، والخال مثله لانه لم يثبت نسبها من الزاني، حتى يظهر فيها حكم القرابة والتحريم على أبي الزاني وأولاده وأولادهم لاعتبار الجزئية ولا جزئية بينها وبين العم، وإذا ثبت ذلك في المتولدة من الزنى فكذا في المرضعة بلبن الزنى ا ه.
قلت: وهذا مخالف لما مر من التعميم في قول الشارح ولو من زنى كما نبهنا عليه هناك.
قوله: (تقع مغلطة) كمفعلة محل الغلط، أو بتشديد اللام المكسورة وضم الميم: أي مسألة تغلط من يجيب عنها بلا تأمل فيها.
قوله: (ولها منه لبن) أي نزل منها بسبب ولادتها منه قوله: (فحرمت عليه) لكونها صارت أمه رضاعا قوله: (فدخل بها) قيد به ليمكن توهم إحلالها للاول والصغير لا يمكن منه الدخول.
قوله: (بواحدة أم بثلاث) الاول بناء على القول بأن الزوج الثاني لا يهدم ما دون الثلاث، والثاني بناء على القول بأنه يهدمه كما سيأتي في بابه.
قوله: (لصيرورتها حليلة ابنه رضاعا) لان ثبوت البنوة بالارضاع مقارن للزوجية، فيصح وصفها بكونها زوجة ابنه وابنها رضاعا، وكذا إن قلنا: إن ثبوت البنوة عارض على الزوجية ومعاقب لها، لانه لا يلزم اجتماع الوصفين في وقت
واحد، ولذا تحرم عليه ربيبته المولودة بعد طلاقه أمها وزوجة أبيه من الرضاع المطلقة قبل ارتضاعه،(3/34)
فافهم.
قوله: (إن علم أنه وطئها) فإن علم عدم الوطئ أو شك تحل اه ح.
والمراد بالعلم ما يشمل غلبة الظن، إذ حصول العلم اليقيني في ذلك نادر، ومنه إخبار الاب بأنه وطئها وهي في ملكه.
ففي البحر عن المحيط: رجل له جارية فقال قد وطئتها لا تحل لابنه، وإن كانت في غير ملكه فقال: قد وطئتها يحل لابنه أن يكذبه ويطأها لان الظاهر يشهد له ا ه: أي يشهد للابن، والظاهر أن المراد الاخبار بأن الوطئ كان في غير ملكه، أما لو كانت في ملكه ثم باعها ثم أخبر بأنه وطئها حين كانت في ملكه لا تحل لابنه.
تأمل.
قوله: (فوجدها ثيبا) أي حين أراد جماعها كما في البحر والمنح وذلك بإخبارها أو بأمر غير الحماع، أما لو جامعها فوجدها ثيبا وجب عليه مهر مثلها لوطئ الشبهة، والوطئ في دار الاسلام لا يخلو عن عقر أو عقر.
رحمتي.
قوله: (وحرم أيضا بالصهرية أصل مزيته) قال في البحر: أراد بحرمة المصاهرة الحرمات الاربع: حرمة المرأة على أصول الزاني وفروعه نسبا ورضاعا، وحرمة أصولها وفروعها على الزاني نسبا ورضاعا كما في الوطئ الحلال، ويحل لاصول الزاني وفروعه أصول المزني بها وفروعها ا ه.
ومثله ما قدمناه قريبا عن القهستاني عن النظم وغيره، وقوله: ويحل الخ: أي كما يحل ذلك بالوطئ الحلال وتقييده بالحرمات الاربع مخرج لما عداها وتقدم آنفا الكلام عليه.
قوله: (أراد بالزنى الوطئ الحرام) لان الزنى وطئ مكلف في فرج مشتهاة ولو ماضيا خال عن الملك وشبهته، وكذا تثبت حرمة المصاهرة لو وطئ المنكوحة فاسدا أو المشتراة فاسدا أو الجارية المشتركة أو المكاتبة أو المصاهرة منها أو الامة المجوسية أو زوجته الحائض أو النفساء أو كان محرما أو صائما، وإنما قيد بالزنى لان فيه خلاف الشافعي، وليفيد أنها لا تثبت بالوطئ بالدبر كما يأتي، خلافا للاوزاعي وأحمد.
قال في الفتح: وبقولنا قال مالك في رواية وأحمد، وهو قول عمر وابن مسعود وابن عباس في الاصح وعمران ابن الحصين وجابر وأبي عائشة وجمهور التابعين كالبصري والشعبي والنخعي والاوزاعي وطاوس ومجاهد وعطاء وابن المسيب وسليمان بن يسار وحماد والثوري وابن راهويه، وتمامه مع بسط الدليل فيه.
قوله: (وأصل ممسوسته
الخ)، لان المس والنظر سبب داع إلى الوطئ فيقام مقامه في موضع الاحتياط.
هداية، واستدل لذلك في الفتح بالاحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين.
قوله: (بشهوة) أي ولو من أحدهما كما سيأتي.
قوله: (ولو لشعر على الرأس) خرج به المسترسل، وظاهر ما في الخانية ترجيح أن مس الشعر غير محرم، وجزم في المحيط بخلافه ورجحه في البحر، وفصل في الخلاصة فخص التحريم بما على الرأس دون المسترسل، وجزم به في الجوهرة وجعله في النهر محمل القولين، وهو ظاهر فلذا جزم به في الشارح.
قوله: (بحائل لا يمنع الحرارة) أي ولو بحائل الخ، فلو كان مانعا لا تثبت الحرمة، كذا في أكثر الكتب، وكذا لو جامعها بخرقة على ذكره، فما في الذخيرة من أن الامام ظهير الدين يفتي بالحرمة في القبلة على الفم والذقن والخد والرأس وإن كان على المقنعة محمول على ما إذا كانت رقيقة تصل الحرارة معها.
بحر.
قوله: (وأصل ماسته) أي بشهوة.
قال في الفتح: وثبوت الحرمة بلمسها مشروط بأن يصدقها، ويقع في أكبر رأيه صدقها، وعلى هذا ينبغي أن يقال في مسه(3/35)
إياها: لا تحرم على أبيه وابنه إلا أن يصدقاه أو يغلب على ظنهما صدقه، ثم رأيت عن أبي يوسف ما يفيد ذلك ا ه.
قوله: (وناظرة) أي بشهوة.
قوله: (والمنظور إلى فرجها) قيد الفرج لان ظاهر الذخيرة وغيرها أنهم اتفقوا على أن النظر بشهوة إلى سائر أعضائها لا عبرة به ما عدا الفرج، وحينئذ فإطلاق الكنز في محل التقييد.
بحر.
قوله: (المدور الداخل) اختاره في الهداية وصححه في المحيط والذخيرة.
وفي الخانية: وعليه الفتوى، وفي الفتح: وهو ظاهر الرواية، لان هذا حكم تعلق بالفرج، والداخل فرج من كل وجه.
والخارج فرج من وجه، والاحتزاز عن الخارج متعذر، فسقط اعتباره، ولا يتحقق ذلك إلا إذا كانت متكئة.
بحر.
فلو كانت قائمة أو جالسة غير مستندة لا تثبت الحرمة.
إسماعيل.
وقيل: تثبت بالنظر إلى منابت الشعر، وقيل إلى الشق، وصححه في الخلاصة: بحر.
قوله: (أو ماء هي فيه) احتراز عما إذا كانت فوق الماء فرآه من الماء كما يأتي.
قوله: (وفروعهن) بالرفع عطفا على أصل مزيته وفيه تغليب المؤنث على المذكر بالنسبة إلى قوله وناظرة إلى ذكره.
قوله: (مطلقا) يرجع إلى الاصول والفروع: أي وإن علون وإن سفلن ط.
قوله: (والعبرة
الخ) قال في الفتح: وقوله بشهوة في موضع الحال، فيفيد اشتراط الشهوة حال المس، فلو مس بغير شهوة ثم اشتهى عن ذلك المس لا تحرم عليه ا ه.
وكذلك في النظر كما في البحر، فلو اشتهى بعد ما غض بصره لا تحرم.
قلت: ويشترط وقوع الشهوة عليها لا على غيرها، لما في الفيض: لو نظر إلى فرج بنته بلا شهوة فتمنى جارية مثلها فوقعت له الشهوة على البنت تثبت الحرمة، وإن وقعت على من تمناها فلا.
قوله: (وحدها فيهما) أي حد الشهوة في المس والنظر ح.
قوله: (أو زيادته) أي زيادة التحرك إن كان موجودا قبلهما.
قوله: (به يفتى) وقيل حدها أن يشتهي بقلبه إن لم يكن مشتهيا، أو يزداد إن كان مشتهيا، ولا يشترط تحرك الآلة، وصححه في المحيط والتحفة وفي غاية البيان وعليه الاعتماد، والمذهب الاول.
بحر.
قال في الفتح: وفرع عليه ما لو انتشر وطلب امرأة فأولج بين فخذي بنتها خطأ لا تحرم أمها ما لم يزدد الانتشار.
قوله: (وفي امرأة ونحو شيخ الخ) قال في الفتح: ثم هذا الحد في حق الشاب، أما الشيخ والعنين فحدهما تحرك قلبه أو زيادته إن كان متحركا لا مجرد ميلان النفس، فإنه يوجد فيمن لا شهوة له أصلا كالشيخ الفاني، ثم قال: ولم يحدوا الحد المحرم منها: أي من المرأة وأقله تحرك القلب على وجه يشوش الخاطر.
قال ط: ولم أر حكم الخنثى المشكل في الشهوة، ومقتضى معاملته بالاضر أن يجري عليه حكم المرأة.
قوله: (وفي الجوهرة الخ) كذا في النهر، وعلى هذا ينبغي أن يكون مس الفرج كذلك، بل أولى لان تأثير المس فوق تأثير النظر بدليل إيجايه حرمة المصاهرة في غير الفرج إذا كان بشهوة، بخلاف النظر ح.
قلت: ويمكن أن يكون ما في الجوهرة مفرعا على القول الآخر في حد الشهوة، فلا يكون للنظر احترازا عن مس الفرج ولا عن مس غيره.
تأمل.
قوله: (فلا حرمة) لانه بالانزال تبين أنه غير مفض إلى الوطئ.
هداية.(3/36)
قال في العناية: ومعنى قولهم: إنه لا يوجب الحرمة بالانزال، أن الحرمة عند ابتداء المس بشهوة كان حكمها موقوفا إلى أن يتبين بالانزال، فإن أنزل لم تثبت، وإلا ثبت، لا أنها تثبت بالمس
ثم بالانزال تسقط لان حرمة المصاهرة إذا ثبتت لا تسقط أبدا.
قوله: (وفي الخلاصة الخ) هذا محترز التقييد بالاصول والفروع، وقوله لا تحرم أي لا تثبت حرمة المصاهرة، فالمعنى: لا تحرم حرمة مؤبدة، وإلا فتحرم إلى انقضاء عدة الموطوءة لو بشبهة.
قال في البحر: لو وطئ أخت امرأته بشبهة تحرم امرأته ما لم تنقض عدة ذات الشبهة.
وفي الدراية عن الكامل: لو زنى بإحدى الاختين لا يقرب الاخرى حتى تحيض الاخرى حيضة، واستشكله في الفتح، ووجهه أنه لا اعتبار لماء الزاني، ولذا لو زنت امرأة رجل لم تحرم عليه، وجاز له وطؤها عقب الزنا ا ه.
قوله: (لا تحرم المنظور إلى فرجها الخ) تبع في هذا التعبير صاحب الدرر، واعترضه الشرنبلالي بأنه لا يصح إلا بتقدير مضاف: أي لا يحرم أصل وفرع المنظور إلى فرجها، لما أنه لا يحرم نفس المنظور إلى فرجها.
وأجيب بأن المراد لا تحرم على أصول الناظر وفروعه، وفيه أن الكلام في الحرمة وعدمها بالنسبة إلى أصولها وفروعها، فالاولى إسقاط لفظ تحرم وإبقاء المتن على حاله، فيكون قوله لا المنظور معطوفا على قوله والمنظور والمعنى: لا يحرم أصلها وفرعها، ويعلم منه عدم حرمتها عليه وعلى أصوله وفروعه بالاولى، فافهم.
قوله: (إذا رآه) لا حاجة إليه لصحة تعلق الجار بقوله المنظور ط.
قوله: (لان المرئي مثاله الخ) يشير إلى ما في الفتح من الفرق بين الرؤية من الزجاج والمرآة، وبين الرؤية في الماء ومن الماء حيث قال: كأن العلة والله سبحانه وتعالى أعلم أن المرئي في المرآة مثاله لا هو، وبهذا عللوا الحنث فيما إذا حلف لا ينظر إلى وجه فلان فنظره في المرآة أو الماء، وعلى هذا فالتحريم به من وراء الزجاج، بناى على نفوذ البصر منه فيرى نفس المرئي بخلاف المرآة ومن الماء، وهذا ينفي كون الابصار من المرآة والماء بواسطة انعكاس الاشعة، وإلا لرآه بعينه بل بانطباع مثل الصورة فيهما، بخلاف المرئي في الماء لان البصر ينفذ فيه إذا كان صافيا فيرى نفس ما فيه، وإن كان لا يراه على الوجه الذي هو عليه، ولهذا كان له الخيار إذا اشترى سمكة رآها في ماء بحيث تؤخذ منه بلا حيلة ا ه.
وبه يظهر فائدة قول الشارح مثاله لا يناسب قول المصنف تبعا للدرر بالانعكاس ولهذا قال في الفتح: وهذا ينفي الخ، وقد يجاب بأنه ليس مراد المصنف بالانعكاس البناء على
القول بأن الشعاع الخارج من الحدقة الواقع على سطح الصقيل كالمرآة والماء ينعكس من سطح الصقيل إلى المرئي، حتى يلزم أنه يكون المرئي حينئذ حقيقته لامثاله، وإنما أراد به انعكاس نفس المرئي، وهو المراد بالمثال فيكون مبنيا على القول الآخر، ويعبرون عنه بالانطباع وهو أن المقابل للصقيل تنطبع صورته ومثاله فيه لا عينه، ويدل عليه تعبير قاضيخان بقوله: لانه لم ير فرجها، وإنما رأى عكس فرجها، فافهم.
قوله: (هذا) أي جميع ما ذكر في مسائل المصاهرة.
قوله: (مشتهاة)(3/37)
سيأتي تعريفها بأنها بنت تسع فأكثر.
قوله: (ولو ماضيا) كعجوز شوهاء لانها دخلت تحت الحرمة، فلا تخرج، ولجواز وقوع الولد منها كما وقع لزوجتي إبراهيم وزكريا عليهما الصلاة والسلام قوله: (فلا تثبت الحرمة بها) أي بوطئها أو لمسها أو النظر إلى فرجها.
وقوله: أصلا أي سواء كان بشهوة أو لا، وسواء أنزل أو لا.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان بصبي أو امرأة كما في غاية البيان، وعليه الفتوى كما في الواقعات.
ح عن البحر.
في الولوالجية: أتى رجل رجلا له أن يتزوج ابنته، لان هذا الفعل لو كان في الاناث لا يوجب حرمة المصاهرة، ففي الذكر أولى.
قوله: (لعدم تيقن كونه في الفرج) علة لعدم إيجاب وطئ المفضاة المصاهرة فقط، وأما العلة في عدم إيجاب وطئ الدبر المصاهرة فالتيقن بعدم كون الوطئ في الفرج الذي هو محل الحرث، وإنما تركها لانفهامها بالاولى.
قال في البحر: وأورد عليهما: أي على المسألتين أن الوطئ فيهما وإن لم يكن سببا للحرمة، فالمس بشهوة سبب لها بل الموجود فيهما أقوى، وأجيب بأن العلة هي الوطئ السبب للولد وثبوت الحرمة بالمس ليس إلا لكونه سببا لهذا الوطئ، ولم يتحقق في الصورتين ا ه.
وبه علم أنه لا فرق في المسألتين بين الانزال وعدمه ح.
قوله: (ما لم تحبل منه) زاد في الفتح: وعلم كونه منه: أي بإمساكها عنده حتى تلد كما قدمناه، وهذا في الزنا لا في النكاح كما لا يخفى.
قوله: (بلا فرق بين زنا ونكاح) راجع لاشتراط كونها مشتهاة لثبوت الحرمة كما في البحر مفرعا عليه قوله فلو تزوج صغيرة الخ.
قوله: (جاز له التزوج ببنتها) أما أمها فحرمت عليه بمجرد العقد ط.
قوله: (فلو جامع غير مراهق الخ) الذي في الفتح: حتى لو جامع ابن أربع سنين زوجه أبيه لا تثبت الحرمة:
قال في البحر: وظاهره اعتبار السن الآتي في حد المشتهاة: أعني تسع سنين.
قال في النهر وأقول: التعليل بعدم الاشتهاء يفيد أن من لا يشتهي لا تثبت الحرمة بجماعه، ولا خفاء أن ابن تسع عار من هذا، بل لا بد أن يكون مراهقا، ثم رأيته في الخانية قال: الصبي الذي يجامع مثله كالبالغ، قالوا: وهو أن يجامع ويشتهي، وتستحيي النساء من مثله، وهو ظاهر في اعتبار كونه مراهقا لا ابن تسع، ويدل عليه ما في الفتح: مس المراهق كالبالغ، وفي البزازية: المراهق كالبالغ حتى لو جامع امرأته أو لمس بشهوة تثبت حرمة المصاهرة ا ه.
وبه ظهر أن ما عزاه الشارح إلى الفتح وإن لم يكن صريح كلامه لكنه مراده.
فتحصل من هذا: أنه لا بد في كل منهما من سن المراهقة، وأقله للانثى تسع وللذكر اثنا عشر، لان ذلك أقل مدة يمكن فيها البلوغ كما صرحوا به في باب بلوغ الغلام، وهذا يوافق ما مر من أن العلة هي الوطئ الذي يكون سببا للولد أو المس الذي يكون سببا لهذا الوطئ، ولا يخفى(3/38)
أن غير المراهق منهما لا يتأتى منه الولد.
قوله: (ولا فرق فيما ذكر) أي من التحريم، وقوله: بين اللمس والنظر صوابه في اللمس والنظر وعبارة (الفتح): ولا فرق في ثبوت الحرمة بالمس بين كونه عامدا أو ناسيا أو مكرها أو مخطئا الخ.
أفاده ح.
قال الرحمتي: وإذا علم ذلك في المس والنظر علم في الجماع بالاولى.
قوله: (فلو أيقظ الخ) تفريع على الخطأ ط.
قوله: (أو يدها ابنه) أي المراهق كما علم مما مر، وأما تقييد الفتح بكونه ابنه من غيرها فقال في النهر: ليعلم ما إذا كان ابنه منها بالاولى، ولا بد من التقييد بالشهوة أو ازديادها في الموضعين.
قوله: (قبل أم امرأته الخ) قال في الذخيرة: وإذا قبلها أو لمسها أو نظر إلى فرجها ثم قال: لم يكن عن شهوة، ذكر الصدر الشهيد أنه في القبلة يفتى بالحرمة، ما لم يتبين أنه بلا شهوة، وفي المس والنظر لا، إلا إن تبين أنه بشهوة، لان الاصل في التقبيل الشهوة، بخلاف المس والنظر، وفي بيوع العيون خلاف، هذا إذا اشترى جارية على أنه بالخيار وقبلها أو نظر إلى فرجها ثم قال: لم يكن عن شهوة وأراد ردها صدق، ولو كانت مباشرة لم يصدق.
ومنهم من فصل في القبلة فقال: إن كانت على الفم يفتى بالحرمة، ولا
يصدق أنه بلا شهوة، وإن كانت على الرأس أو الذقن أو الخد فلا، إلا إذا تبين أنه بشهوة.
وكان الامام ظهير الدين يفتي بالحرمة في القبلة مطلقا، ويقول: لا يصدق في أنه لم يكن بشهوة.
وظاهر إطلاق بيوع العيون يدل على أنه يصدق في القبلة على الفم أو غيره.
وفي البقالي: إذا أنكر الشهوة في المس يصدق، إلا أن يقوم إليها منتشرا فيعانقها، وكذا قال في المجردة: وانتشاره دليل شهوته ا ه.
قوله: (على الصحيح جوهرة) الذي في الجوهرة للحدادي خلاف هذا، فإنه قال: لو مس أو قبل، وقال لم أشته صدق، إلا إذا كان المس على الفرج والتقبيل في الفم ا ه وهذا هو الموافق لمسينقله الشارح عن الحدادي، ولما نقله عنه في البحر قائلا: ورجحه في فتح القدير وألحق الخد بالفم ا ه.
وقال في الفيض: ولو قام إليها وعانقها منتشرا أو قبلها وقال لم يكن عن شهوة لا يصدق، ولا قبل ولم تنتشر آلته وقال كان عن غير شهوة يصدق، وقيل لا يصدق لو قبلها على الفم، وبه يفتى ا ه.
فهذا كما ترى صريح في ترجيح التفصيل.
وأما تصحيح الاطلاق الذي ذكره الشارح، فلم أره لغيره، نعم قال القهستاني: وفي القبلة يفتى بها: أي بالحرمة ما لم يتبين أنه بلا شهوة، ويستوي أن يقبل الفم أو الذقن أو الخد أو الرأس.
وقيل إن قبل الفم يفتى بها وإن ادعى أنه بلا شهوة، وإن قبل غيره لا يفتى بها إلا إذا ثبتت الشهوة ا ه.
وظاهره ترجيح الاطلاق في التقبيل، لكن علمت التصريح بترجيح التفصيل.
تأمل.
قوله: (حرمت عليه امرأته الخ) أي يفتى بالحرمة إذا سئل عنها، ولا يصدق إذا ادعى عدم الشهوة إلا إذا ظهر عدمها بقرينة الحال، وهذا موافق لما تقدم عن القهستاني والشهيد، ومخالف لما نقلناه عن الجوهرة ورجحه في الفتح، وعلى هذا فكان الاولى أن يقول: لا تحرم ما لم تعلم الشهوة: أي بأن قبلها منتشرا، أو على الفم فيوافق ما نقلناه عن الفيض، ولما سيأتي أيضا، وحينئذ فلا فرق بين التقبيل والمس.
قوله: (ولو على الفم) مبالغة على المنفي لا على النفي.(3/39)
والمعنى: حرمت امرأته إذا لم يظهر عدم اشتهاء، وهو صادق بظهور الشهوة وبالشك فيها، أما إذا ظهر عدم الشهوة فلا تحرم ولو كانت القبلة على الفم ا ه.
ح.
قوله: (كما فهمه في الذخيرة) أي
فهمه من عبارة العيون حيث قال: وظاهر ما أطلق في بيوع العيون إلى آخر ما مر، وأنت خبير بأن كلام المصنف مبني على أن الاصل في القبلة الشهوة، وأنه لا يصدق في دعوى عدمها، وهذا خلاف ما في العيون.
تأمل.
قوله: (وكذا القرص والعض بشهوة) ينبغي ترك قوله بشهوة كما فعل المصنف في المعانقة، لان المقصود تشبيه هذه الامور بالتقبيل في التفصيل المتقدم، فلا معنى للتقييد ا ه ح.
قوله: (ولو لاجنبية) أي لا فرق بين أن تكون زوجة أو أجنبية، أما الاجنبية فصورتها ظاهرة، وأما الزوجة فكما إذا تزوج امرأة فقرصها أو عضها أو قبلها أو عانقها ثم طلقها قبل الدخول حرمت عليه بنتها.
واعلم أن هذا التعميم لا يخص ما نحن فيه، فإن جميع ما قبله كذلك ح، وخص البنت لان الام تحرم بمجرد العقد.
قوله: (وتكفي الشهوة من إحداهما) هذا إنما يظهر في المس، أما في النظر فتعتبر الشهوة من الناظر، سواء وجدت من الآخر أم لا ا ه ط.
وهكذا بحث الخير الرملي أخذا من ذكرهم ذلك في بحث المس فقط قال: والفرق اشتراكهما في لذة المس كالمشتركين في لذة الجماع، بخلاف النظر.
قوله: (كبالغ) أي في ثبوت حرمة المصاهرة بالوطئ.
أو المس أو النظر، ولو تمم المقابلات بأن قال: كبالغ عاقل صاح لكان أولى ط.
وفي الفتح: لو مس المراهق وأقر بشهوة تثبت الحرمة عليه.
قوله: (بزازية) لم أر فيها إلا المراهق دون المجنون والسكران، نعم رأيتهما في حاوي الزاهدي.
قوله: (تحرم الام) كذا يوجد في بعض النسخ، وفي عامتها بدون الام، فهو من باب الحذف والايصال كما قال ح.
وعبارة القنية هكذا: قبل المجنون أم امرأته بشهوة أو السكران بنته تحرم اه: أي تحرم امرأته.
قوله: (وبحرمة المصاهرة الخ) قال في الذخيرة: ذكر محمد في نكاح الاصل أن النكاح لا يرتفع بحرمة المصاهرة والرضاع، بل يفسد حتى لو وطئها الزوج قبل التفريق لا يجب عليه الحد، اشتبه عليه أو لم يشتبه عليه ا ه.
قوله: (إلا بعد المتاركة) أي وإن مضى عليها سنون كما في (البزازية).
وعبارة الحاوي: إلا بعد تفريق القاضي أو بعد المتاركة ا ه.
وقد علمت أن النكاح لا يرتفع بل يفسد، وقد صرحوا في النكاح الفاسد بأن المتاركة لا تتحقق إلا بالقول، إن كانت مدخولا بها كتركتك أو خليت سبيلك، وأما غير المدخول بها فقيل تكون بالقول وبالترك على
قصد عدم العود إليها، وقيل لا تكون إلا بالقول فيهما، حتى لو تركها ومضى على عدتها سنون لم يكن لها أن تتزوج بآخر، فافهم.
قوله: (والوطئ بها الخ) أي الوطئ الكائن في هذا لحرمة قبل التفريق والمتاركة لا يكون زنا.
قال في الحاوي: والوطئ فيها لا يكون زنا لانه مختلف فيه، وعليه مهر المثل بوطئها بعد والحرمة ولا حد عليه ويثبت النسب ا ه.
قوله: (وفي الخانية إلخ) مستغنى(3/40)
عنه بما تقدم ح.
قوله: (فدخلت فراش أبيها) كنى به عن المس، وإلا فمجرد الدخول بغير مس لا يعتبر ط.
قوله: (ليست بمشتهاة به يفتى) كذا في البحر عن الخانية، ثم قال: فأفاد أنه لا فرق بين أن تكون سمينة أو لا، ولذا قال في المعراج: بنت خمس لا تكون مشتهاة اتفاقا وبنت تسع فصاعدا مشتهاة اتفاقا، وفيما بين الخمس والتسع اختلاف الرواية والمشايخ، والاصح أنها لا تثبت الحرمة ا ه.
قوله: (وإن ادعت الشهوة في تقبيله) أي ادعت الزوجة أنه قبل أحد أصولها أو فروعها بشهوة، أو أن أحد أصولها أو فروعها قبله بشهوة، فهو مصدر مضاف إلى فاعله أو مفعوله، وكذا قوله أو تقبيلها ابنه فإن كانت إضافته إلى المفعول فابنه فاعل، والانسب لنظم الكلام إضافة الاول لفاعله والثاني لمفعوله، ليكون فاعل يقوم الرجل أو ابنه كما أفاده ح.
قوله: (فهو مصدق) لان ينكر ثبوت الحرمة والقول للمنكر، وهذا ذكره في الذخيرة في المس لا في التقبيل كما فعل الشارح، فإنه مخالف لما مشى عليه المصنف أولا من أنه في التقبيل يفتى بالحرمة ما لم يظهر عدم الشهوة، وقدمنا عن الذخيرة نقل الخلاف في ذلك فما هنا مبني على ما في بيوع العيون.
قوله: (آلته) بالرفع فاعل منتشرا ط.
قوله: (أو يركب معها) أي على دابة، بخلاف ما إذا ركبت على ظهره وعبر الماء حيث يصدق في أنه لا عن شهوة.
بزازية.
قوله: (وفي الفتح إلخ) قال فيه: والحاصل: أنه إذا أقر بالنظر وأنكر الشهوة صدق بلا خلاف، وفي المباشرة لا يصدق بلا خلاف فيما أعلم.
وفي التقبيل اختلف فيه: قيل لا يصدق لانه لا يكون إلا عن شهوة غالبا، فلا يقبل إلا أن يظهر خلافه بالانتشار ونحوه، وقيل يقبل، وقيل بالتفصيل بين كونه على الرأس والجبهة والخد فيصدق، أو على الفم فلا، والارجح هذا إلا أن الخد يتراءى إلحاقه بالفم ا ه.
وقوله: إلا أن يظهر إلخ حقه أن يذكر بعد قوله:
وقيل يقبل كما لا يخفى ولم يذكر المس.
وقدمنا عن الذخيرة أن الاصل فيه عدم الشهوة مثل النظر، فيصدق إذا أنكر الشهوة إلا أن يقوم إليها منتشرا: أي لان الانتشار دليل الشهوة، وكذا إذا كان المس على الفرج كما مر عن الحدادي، لانه دليل الشهوة غالبا، وما ذكره في الفتح بحثا من إلحاق تقبيل الخد بالفم: أي بخلاف الرأس والجبهة غير ما تقدم في كلام الذخيرة عن الامام ظهير الدين، فإن ذاك لم يفصل، فافهم.
قوله: (ولا يصدق أنه كذب إلخ) أي عند القاضي، أما بينه وبين الله تعالى إن كان كاذبا فيما أقر لم تثبت الحرمة، وكذا إذا أقر بجماع أمها قبل التزوج لا يصدق في حقها، فيجب كمال المسمى لو بعد الدخول ونصفه لو قبله.
بحر.
قوله: (تجنيس) كذا عزاه إليه في البحر، وكذا رأيته فيه أيضا، ونص عبارته: المختار أنه تقبل إليه، أشار محمد في الجامع، وإليه ذهب فخر الاسلام علي البزدوي، لان الشهوة مما يوقف عليه بتحرك العضو ممن يتحرك عضوه، أو(3/41)
بآثار أخر ممن لا يتحرك عضوه ا ه.
فما ذكره من التعليل من كلام التجنيس أيضا، وبه ظهر أن ما في النهر من عزوه إلى التجنيس أن المختار عدم القبول سبق قلم.
قوله: (بين المحارم) الاولى حذفه، لان قول المصنف بين امرأتين يغني عنه، ولئلا يتوهم اختصاص الثاني بالجمع وطأ بملك يمين، ولا يصح إعرابه بدلا منه بدل مفصل من مجمل، لان الشارح ذكر له عاملا يخصه وهو قوله وحرم الجمع فافهم.
وأراد بالمحارم ما يشمل النسب والرضاع.
فلو كان له زوجتان رضيعتان أرضعتهما أجنبية فسد نكاحهما كما في البحر.
قوله: (أي عقدا صحيحا) الانسب حذف قوله صحيحا كما فعل في البحر والنهر، ولذا قال ح: لا ثمرة لهذا القيد فيما إذا تزوجهما في عقد واحد فإنه لا يكون صحيحا قطعا، ولا فيما إذا تزوجهما على التعاقب وكان نكاح الاولى صحيحا فإن نكاح الثانية والحالة هذه باطل قطعا، نعم له ثمرة فيما إذا تزوج الاولى فاسدا فإن له حينئذ أن يعقد على الثانية ويصدق عليه أنه جمع بينهما نكاحا، ونكاح الاولى وإن كان فاسدا يسمى نكاحا كما شاع في عباراتهم ا ه.
قوله: (وعدة) معطوف على نكاحا منصوب مثله على التمييز.
قوله: (ولو من طلاق بائن) شمل العدة من الرجعي، أو من اعتاق أم ولد خلافا لهما، أو من تفريق بعد نكاح فاسد،
وأشار إلى أن من طلق الاربع لا يجوز له أن يتزوج امرأة قبل انقضاء عدتهن، فإن انقضت عدة الكل معا جاز له تزوج أربع، وإن واحدة فواحدة.
بحر.
فرع: ماتت امرأته له التزوج بأختها بعد يوم من موتها كما في الخلاصة عن الاصل، وكذا في المبسوط لصدر الاسلام والمحيط والسرخسي والبحر والتاترخانية وغيرها من الكتب المعتمدة، وأما ما عزي إلى النتف من وجوب العدة فلا يعتمد عليه، وتمامه في كتابنا تنقيح الفتاوى الحامدية.
قوله: (بملك يمين) متعلق بوطئ، واحترز بالجمع وطأ عن الجمع ملكا من غير وطئ فإنه جائز كما في البحر ط.
قوله: (بين امرأتين) يرجع إلى الجمع نكاحا وعدة ووطأة بملك يمين ط.
أي في عبارة المصنف، أما على عبارة الشرح فهو متعلق بالاخير.
قوله: رأيتهما فرضت إلخ أي أية واحدة منهما فرضت ذكرا لم يحل للاخرى، كالجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، والجمع بين الام والبنت نسبا أو رضاعا، وكالجمع بين عمتين أو خالتين، كأن يتزوج كل من رجلين أم الآخر، فيولد لكل منهما بنت فيكون كل من البنتين عمة الاخرى.
أو يتزوج كل منهما بنت الآخر ويولد لهما بنتان، فكل من البنتين خالة الاخرى كما في البحر.
قوله: (أبدا) قيد به تبعا البحر وغيره لاخراج ما لو تزوج أمة ثم سيدتها فإنه يجوز، لانه إذا فرضت الامة ذكرا لا يصح له إيراد العقد على سيدته ولو فرضت السيدة ذكرا لا يحل له إيراد العقد على أمته إلا في موضع الاحتياط كما يأتي، لكن هذه الحرمة من الجانبين مؤقتة إلى زوال ملك اليمين، فإذا زال فأيتهما فرضت ذكرا صح إيراد العقد منه على الاخرى، فلذا جاز الجمع بينهما، واحتيج إلى إخراج هذه الصورة من القاعدة المذكورة بقيد الابدية، لكن هذا بناء على أن المراد من عدم الحل في قوله: أيتهما فرضت ذكرا لم تحل للاخرى عدم حل إيراد العقد، أما لو أريد به عدم حل الوطئ لا يحتاج في إخراجها إلى قيد الابدية لانها خارجة بدونه فإنه لو فرضت السيدة ذكرا يحل له وطئ أمته.
أفاده ح.
قوله: (لا تنكح المرأة على(3/42)
عمتها) تمامه ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها.
قوله: (وهو مشهور) فإنه ثابت في صحيحي مسلم وابن حبان، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي، وتلقاه الصدر الاول
بالقبول من الصحابة والتابعين، ورواه الجم الغفير: منهم أبو هريرة، وجابر، وابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، وأبو سعيد الخدري، فيصلح مخصصا لعموم قوله تعالى: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * مع أن العموم المذكور مخصوص بالمشركة والمجوسية وبناته من الرضاعة، فلو كان من أخبار الآحاد جاز التخصيص به غير متوقف على كونه مشهورا، والظاهر أنه لا بد من ادعاء الشهرة لان الحديث موقعه النسخ لا التخصص، لان * (ولا تنكحوا المشركات) * ناسخ لعموم * (وأحل لكم) * إذا لو تقدم لزم نسخه بالآية فلزم حل المشركات، وهو منتف، أو تكرار النسخ وهو خلاف الاصل بيان الملازمة أنه يكون السابق حرمة المشركات، ثم ينسخ بالعام، وهو * (أحل لكم ما وراء ذلكم) * (سورة النساء: الآية 42) ثم يجب تقدير ناسخ آخر لان الثابت الآن الحرمة، فتح.
وبه اندفع ما في العناية من أن شرط التخصيص المقارنة عندنا وليست معلومة.
تنبيه: ما ذكره من الدليل لا يكفي لاثبات عموم القاعدة من حرمة الجمع بين جميع المحارم، فإن الجمع بينهن حرام لافضائه إلى قطع الرحم لوقوع التشاجر عادة بين الضرتين، والدليل على اعتباره ما ثبت في الحديث برواية الطبراني، وهو قوله (ص) فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم وتمامه في الفتح.
تتمة: عن هذا أجاب الرملي الشافعي عن الجمع بين الاختين في الجنة بأنه لا مانع منه، لان الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما، وعلة التباغض وقطيعة الرحم منتفية في الجنة، إلا الام والبنت ا ه.
أي لعلة الجزئية فيهما وهي موجودة في الجنة أيضا، بخلاف نحو الاختين.
قوله: (أو أمة ثم سيدتها) الاولى عدم ذكر هذه الصورة لما علمت من أن إخراجها من القاعدة يقيد الابدية مبني على أن المراد من عدم الحل عدم حل إيراد العقد، وهو ثابت من الطرفين كما قررناه، فينافي قوله الآتي لم يحرم ولو أريد بعدم الحل عدم حل الوطئ صح قوله لم يحرم لكنه يستغني عن قيد الابدية، ولعله أشار إلى أن جواز الجمع بينهما ثابت على كل من التقديرين، فافهم.
قال ح: وأشار بثم إلى أنه لو تزوجهما في عقدة لم يصح نكاح واحدة ولو تزوجهما في عقدتين والسيدة مقدمة لم يصح نكاح الامة كما قدمناه أول الفصل.
قوله: (لم يحرم) أي التزوج في الصور الثلاث، لان الذكر
المفروض في الاولى يصير متزوجا بنت الزوج وهي بنت رجل أجنبي، وفي الثانية يصير متزوجا امرأة أجنبية، وفي الثالثة يصير واطئا لامته.
قوله: (بخلاف عكسه) هو ما إذا فرضت بنت الزوج أو أم الزوج أو الامة ذكرا حيث تحرم الاخرى، لانه في الاولى يصير ابن الزوج فلا تحل له موطوءة أبيه، وفي الثانية يصير أبا الزوج فلا تحل له امرأة ابنه، وفي الثالثة يصير عبدا فلا تحل له سيدته.
قوله: (وإن تزوج إلخ) قيد بالتزوج، لانه لو اشترى أخت أمته الموطوءة جاز له وطئ الاولى وليس له وطئ الثانية ما لم يحرم الاولى على نفسه، ولو وطئها أثم ثم لا يحل له وطئ واحدة منهما حتى يحرم الاخرى، ويكون النكاح صحيحا، لانه لو كان فاسدا لا تحرم عليه الموطوءة ما لم يدخل بالمنكوحة(3/43)
لوجود الجمع حقيقة، وأطلق في الاخت المتزوجة فشمل الحرة والامة، وأطلق في الامة فشمل أم الولد وقيد بكونها موطوءة لان بدونه يجوز له وطئ المنكوحة كما يأتي، لان الموقوفة ليست بموطوءة حكما فلم يصر جامعا بينهما وطأ لا حقيقة ولا حكما، وأثار إلى أنه لو لم يدخل بالمنكوحة حتى اشترى أختها لا يطأ المشتراة، لان المنكوحة موطوءة حكما، كذا أفاده في البحر.
وأراد بأخت الامة من ليس بينهما جزئية احترازا عن أمها أو بنتها، لان وطئ إحداهما يحرم الاخرى أبدا.
قوله: (حتى يحرم) أي على نفسه كما وقع في عبارتهم، والمتبادر منه أنه بالضم والتشديد من المزيد، ويعلم منه دلالة حكم الحرمة بدون فعله كموت إحداهما أو ردتها لحصول المقصود، ولو قرئ بالفتح والتخفيف صح وشمل ذلك منطوقا، ولكنه غير لازم لما علمت، فافهم قوله: (حل استمتاع) من إضافة الصفة إلى الموصوف: أي يحرم الاستمتاع الحلال.
أفاده ط.
أو الاضافة بيانية: أي يحرم شيئا حلالا هو استمتاع.
أفاده الرحمتي.
وبه اندفع أن الحل والحرمة من صفات فعل المكلف كالاستمتاع فلا يصح وصف إحدهما بالآخر، فافهم.
قوله: (بسبب ما) فتحريم المنكوحة بالطلاق والخلع والردة مع انقضاء العدة.
قهستاني.
والمملوكة يبيعها كلا أو بعضا، وإعتاقها كذلك وهبتها مع التسليم، وكتابتها وتزويجها بنكاح صحيح، بخلاف الفاسد، إلا إذا دخل بها الزوج فإنها لوجوب العدة عليها منه تحرم على المالك فتحل له حينئذ المنكوحة، ولا يؤثر الاحرام والحيض والنفاس والصوم
والرهن والاجارة والتدبير، لان فرجها لا يحرم بهذه الاسباب.
بحر قال في النهر: ولم أر في كلامهم ما لو باعها بيعا فاسدا أو وهبها كذلك وقبضت، والظاهر أنه يحل وطئ المنكوحة ا ه.
أي لان المبيع فاسدا يملك بالقبض، وكذا الموهوب فاسدا على المفتى به، خلافا كما صححه في العمادية كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
تنبيه: قال في البحر: فإن عادت الموطوءة إلى ملكه بعد الاخراج سواء كان بفسخ أو بشراء جديد لم يحل وطئ واحد منهما حتى يحرم الامة على نفسه بسبب كما كان أولا.
قوله: (لان للعقد حكم الوطئ) أورد عليه أنه لو كان كذلك يجب أن لا يصح هذا النكاح كما قاله بعض المالكية، وإلا لزم أن يصير جامعا بينهما وطأ حكما، لان الوطئ السابق قائم حكما أيضا بدليل أنه لو أراد بيعها يستحب له استبراؤها، وهذا اللازم باطل فيلزم بطلان ملزومه وهو صحة العقد وأجاب عنه في الفتح بأنه لازم مفارق لان بيده إزالته فلا يضر بالصحة.
قوله: (ولو لم يكن إلخ) محترز قوله قد وطئها ح.
قوله: (وطئ المنكوحة) فإن وطئ المنكوحة حرمت المملوكة حتى يفارق المنكوحة، كذا في الاختيار قوله: (ودواعي الوطئ كالوطئ) حتى لو كان قبل أمته أو مسها بشهوة أو هي فعلت به ذلك، ثم تزوج أختها لا تحل له واحدة منهما حتى يحرم الاخرى.
رحمتي.
قوله: (أو من بمعناهما) هو كل امرأتين أيتهما فرضت ذكرا لم تحل للاخرى ح.
ولا حاجة إلى هذه الزيادة للاستغناء عنها بقول المصنف بعد، وكذا الحكم في كل ما جمعهما من المحارم.
قوله: (ونسي الاول) فلو علم فهو الصحيح والثاني باطل، وله وطئ الاولى إلا أن يطأ الثانية فتحرم الاولى إلى انقضاء عدة الثانية، كما(3/44)
لو وطئ أخت امرأته بشبهة حيث تحرم امرأته ما لم تنقض عدة ذات الشبهة.
ح عن البحر.
وقال في شرح درر البحار: قيد بالنسيان، إذ الزوج لو عين إحداهما بالفعل بدخوله بها أو ببيان أنها سابقة قضى بنكاحها لتصادقهما، وفرق بينه وبين الاخرى، ولو دخل بإحداهما، ثم بين أن الاخرى سابقة يعتبر البيان، إذ الدلالة لا تعارض الصريح ا ه.
ومثله في الشرنبلالية عن شرح المجمع.
قوله: (فرق القاضي بينه وبينهما) يعني يفترض عليه أن يفارقهما، فإن لم يفارقهما وجب على القاضي إن علم
أن يفرق بينه وبينهما دفعا للمعصية.
بحر.
لكن في الفتاوى الهندية عن شرح الطحاوي: ولو تزوجهما في عقدين ولا يدري أيتهما أسبق فإنه يؤمر الزوج بالبيان، فإن بين فعلى ما بين، وإن لم يبين فإنه لا يتحرى في ذلك، ويفرق بينه وبينهما ا ه ح.
قلت: لا منافاة بينهما لان بيان الزوج مبني على علمه بالاسبق لما ذكرناه عن شرح الدرر، ولقوله لا يتحرى.
تأمل.
وفي النهر: وينبغي أن يكون معنى التفريق من الزوج أنه يطلقهما، ولم أره ا ه.
قوله: (ويكون طلاقا) أي تفريق القاضي المذكور، وظاهر كلام الفتح أنه بحث منه، فإنه قال: والظاهر أنه طلاق حتى ينقص من طلاق كل منهما طلقة لو تزوجها بعد ذلك، وأقره في البحر والنهر.
ويؤيده أن الزيلعي عبر عن التفريق المذكور بالطلاق، وكذا قال الاتقاني في غاية البيان: وتفريق القاضي كالطلاق من الزوج، ثم قال في الفتح: فإن وقع التفريق قبل الدخول فله أن يتزوج أيتهما شاء للحال، وإن بعده فليس له التزوج بواحدة منهما حتى تنقضي عدتهما، وإن انقضت عدة إحداهما دون الاخرى فله تزوج التي لم تنقض عدتها دون الاخرى كي لا يصير جامعا، وإن وقع بعد الدخول بإحداهما فله أن يتزوجها في الحال دون الاخرى فإن عدتها تمنع من تزوج أختها ا ه.
قوله: (يعني في مسألة النسيان) تقييد لقوله ويكون طلاقا ولقول المصنف ولهما نصف المهر إذ التفريق في الباطل لا يكون طلاقا، فافهم.
قوله: (إذ الحكم إلخ) بيان للفرق بين المسألتين، وذلك أن في مسألة النسيان صح نكاح السابقة دون اللاحقة وتعين التفريق بينهما للجهل، والتي صح نكاحها يجب لها نصف المهر بالتفريق قبل الدخول، ولما جهلت وجب لهما.
أما في مسألة تزوجهما معا في عقد واحد فالباطل نكاح كل منهما يقينا، فإذا كان التفريق قبل الدخول فلا مهر لهما ولا عدة عليهما، وإن دخل بهما وجب لكل الاقل من المسمى ومن مهر المثل كما هو حكم النكاح الفاسد، وعليهما العدة.
بحر.
قال: وقيد بطلانهما في المحيط بأن لا تكون إحداهما مشغولة بنكاح الغير أو عدته، فإن كانت كذلك صح نكاح الفارغة لعدم تحقق الجمع بينهما، كما لو تزوجت امرأة زوجين في عقد واحد وأحدهما متزوج بأربع نسوة، فإنها تكون زوجة للآخر لانه لم يتحقق الجمع بين رجلين إذا كانت هي لا تحل لاحدهما ا ه.
قوله: (وهذا) أي وجوب نصف المهر لهما في مسألة النسيان.
قوله:
(متساويين قدرا وجنسا) كما إذا كان كل منهما ألف درهم ح.
قوله: (وهو مسمى) الضمير راجع إلى المهرين بتأويل المذكور ح.
قوله: (وادعى كل منهما أنها الاولى) أما إذا قالتا: لا ندري أي النكاحين أول، لا يقضى لهما شئ لان المقضي له مجهول وهو يمنع صحة القضاء، كمن قال لرجلين:(3/45)
لاحدهما علي ألف، لا يقضى لاحدهما شئ إلا أن يصطلحا بأن يتفقا على أخذ نصف المهر، فيقضى لهما به، وهذا القيد: أي دعوى كل منهما، زاد أبو جعفر الهندواني، وظاهر الهداية تضعيفه لكنه حسن.
بحر.
وتمامه فيه: قوله: (ولا بينة لهما) مثله ما لو كان لكل منهما بينة على السبق كما في الفتح وغيره: أي لتهاترهما: قال ح: فلو أقامت إحداهما البينة على السبق فنكاحها هو الصحيح، والثاني باطل نظير ما قدمنا في قوله ونسي الاول.
قوله: (فإن اختلف مهراهما) محترز قوله متساويين قدرا وجنسا وهو صادق باختلافهما قدرا فقط، كأن يكون مهر إحداهما وزن ألف درهم من الفضة والاخرى وزن ألفين منها، وجنسا فقط كأن يكون مهر إحداهما وزن ألف درهم من الفضة والاخرى وزن ألف درهم من الذهب وقدرا وجنسا كأن يكون مهر إحداهما وزن ألف درهم من الفضة والاخرى وزن ألف درهم من الذهب.
قوله: (فإن علما إلخ) اعلم أن التفصيل مأخوذ من الدرر.
واعترضه محشوه بأنه لم يوجد لغيره، والذي وجد في أكثر الكتب أن المسمى لهما إن كان مختلفا يقضى لكل واحدة منهما بربع مهرها المسمى، والذي وجد في بعضها أنه يقضى لهما بالاقل من نصفي المهرين المسمين، فلو كان مهر إحداهما مائة درهم والاخرى ثمانين يقضي على القول الاول للاولى بخمسة وعشرين درهما وللثانية بعشرين، وعلى الثاني بنصف أقل المهرين المسمين وهو أربعون ثم ينصف بينهما، فيكون لكل منهما عشرون درهما، كذا في حاشيته لنوح أفندي، وفي شرحه للشيخ إسماعيل: أن الاحتياط الثاني وهو الموجود في الكافي والكفاية، معللا بأن فيه يقينا.
والظاهر أن المصنف: أي صاحب الدرر أراد أن يوفق بين القولين: بأن الاول فيما إذا كان ما سمي لكل واحدة منهما بعينها معلوما كالخمسمائة لفاطمة والالف لزاهدة، والثاني فيما إذا لم يكن معلوما
كذلك بأن يعلم أنه سمى لواحدة منهما خمسمائة وللاخرى ألف، إلا أنه نسي تعيين كل منهما، لكن سياق ما في الكافي والكفاية لا يؤدي انحصاره في ذلك، ولذا قيل: لو حمل على اختلاف الرواية كان أولى.
إذا تقرر ذلك علمت أن قول الشارح تبعا للدرر، وإلا فلكل نصف أقل المسميين غير صحيح، كما نبه عليه في الشرنبلالية وغيرها لاقتضائه أن تأخذ مهرا كاملا مع أن الواجب عليه نصف مهر، فالصواب ما في بعض نسخ الشرح، وهو وإلا فنصف أقل المسميين لهما وهذا بناء على ما في الدرر من التوفيق وقد علمت ما فيه.
قوله: (وإن لم يكن مسمى) أي وإن لم يكن واحد من المهرين مسمى فالواجب متعة، وإذا سمى لاحداهما دون الاخرى فلمن لها المسمى أخذ ربعه، والتي لم يسم لها تأخذ نصف المتعة ح.
ومثله في شرح الشيخ إسماعيل.
قوله: (وجب لكل واحدة مهر كامل) قال في الفتح فلو كان التفريق بعد الدخول وجب لكل منهما مهرها كاملا وفي النكاح الفاسد يقضى بمهر كامل وعقر كامل، وجب حمله على ما إذا اتحد المسمى لهما قدرا وجنسا، أما إذا اختلفا فيتعذر إيجاب عقر، إذ ليست إحداهما أولى بجعلها ذات العقر من الاخرى لانه فرع الحكم بأنها الموطوءة في النكاح الفاسد، هذا مع أن الفاسد ليس حكم الوطئ فيه إذا سمى العقر، بل الاقل من المسمى ومهر المثل ا ه.
ومثله في البحر سوى قوله: مع أن الفاسد إلخ، والظاهر أن(3/46)
صاحب الفتح عبر أو بأنه يجب لكل مهر كامل، ثم بالعقر تبعا كما وقع في كلام غيره، ثم حقق أن الواجب في النكاح الفاسد بعد الوطئ هو الاقل من المسمى ومهر المثل، فعلم أنه المراد بالعقر.
وفي المغرب: العقر صداق المرأة إذا وطئت بشبهة ا ه.
ولا يخفى أن الوطئ في النكاح الفاسد وطئ بشبهة، وقد صرح في الكنز وغيره بأن الواجب في النكاح الفاسد الاقل من المسمى ومهر المثل، فعلم أن اقتصار البحر على التعبير بالعقر صحيح، فافهم.
والحاصل أنك قد علمت أن أحد النكاحين في مسألة النسيان صحيح والآخر فاسد، وبعد الدخول يجب في الصحيح المسمى، وفي الفاسد العقر: أي الاقل من المسمى ومهر المثل، وحيث لم تعلم صاحبة الصحيح من الفاسد يقسم المهران بالوصف المذكور بينهما، فيكون لكل واحدة
مهر كامل.
ثم اعلم أن الصور أربع: لانه إما أن يتحد المسمى لهما أو يختلف، وعلى كل إما أن يتحد مهر مثلهما أيضا أو يختلف، فإن اتحد المسميان والمهران فلا شبهة في أنه يجب لكل منهما مهرها كاملا، وأما إذا اتحد المسميان، واختلف المهران كأن سمى لهند مائة ومهر مثلها تسعون، ولاختها دعد مائة أيضا ومهر مثلها ثمانون، فالواجب لذات النكاح الصحيح المسمى وهو مائة ولذات الفاسدة العقر، وهو متردد هنا بين التسعين والثمانين، ويتعذر إيجاب أحدهما إذ ليست إحداهما أولى بكونها ذات العقر، فلذا قيد المحشي قول الفتح: ويجب حمله: أي حمل وجوب المهر كاملا لكل منهما على ما إذا اتحد المسمى لهما بما إذا اتحد مثلهما أيضا، وأما قول الفتح: وأما إذا اختلفا: أي المسميان فيتعذر إيجاب العقر، ففي إطلاقه نظر لانه ظاهر فيما إذا اختلف المهران أيضا، كأن سمى لهند مائة ومهر مثلها ثمانون ولدعد تسعين ومهر مثلها ستون مثلا، فهناك تعذر إيجاب العقر، وتعذر أيضا إيجاب المسمى، لان إحداهما ليست بأولى من الاخرى بكونها ذات النكاح الصحيح أو ذات النكاح الفاسد حتى نوجب لهما أحد المسميين بعينه، وأحد العقرين بعينه لاختلاف كل منهما.
وأما إذا اختلف المسميان واتحد المهران كأن سمى لهند مائة ولدعد تسعين ومهر مثل كل منهما ثمانون فلا يتعذر إيجاب العقر لانه ثمانون على كل حال، سواء كانت ذات النكاح الفاسد هندا أو دعدا، بل يتعذر إيجاب المسمى، ثم إنه لم يعلم من كلام الفتح الحكم في الصور الثلاث.
وقال ط: والظاهر أنه عند تعذر إيجاب العقر يجب لكل الاقل من المسمى ومهر مثلها.
قلت: وفيه نظر لان ذلك تنقيص لحقهما وترك لبعض المتيقن، إذ لا شك أن فيهما ذات نكاح صحيح ولها المسمى كاملا ولا سيما إذا اتحد المسميان، على أنه لم يعلم منه حكم ما إذا لم يتعذر إيجاب العقر، بل الذي يظهر ما قرره شيخنا حفظه الله تعالى، وهو أنه حيث جهل ذات الصحيح منهما وذات الفاسد وكان لاحداهما المسمى وللاخرى العقر أن يأخذ المتيقن ويقتسماه بينهما في الصور الاربع، فإذا اتحد كل من المسمين والمهرين يعطيان أحد المسميين وأحد المهرين، وإذا اتحد الاولان فقط يعطيان أحد المسميين وأقل المهرين، وإذا اختلف الاولان فقط
يعطيان أقل المسمين وأحد المهرين، وإذا اختلف الاولان والاخيران يعطيان أقل المسميين وأقل المهرين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: (ومنه يعلم حكم دخوله بواحدة) يعني أن المدخول بها يجب لها نصف المسمى ونصف الاقل من مهر المثل والمسمى، لانها إن كانت سابقة وجب لها جميع(3/47)
المسمى، وإن كانت متأخرة وجب لها الاقل من مهر المثل والمسمى، فتأخذ نصف كل منهما غير المدخول بها يجب لها ربع المسمى، لانها إن كانت سابقة وجب لها نصف المسمى، وإن كانت متأخرة لا يجب لها شئ فينتصف النصف ا ه ح.
قلت: وهذا الذي ذكره الشارح مأخوذ من قوله: الشرنبلالية، ويجب تقييده بما إذا دخل بإحداهما مع إقراره بأنه لا يعلم أيهما أسبق نكاحا.
أما لو دخل بإحداهما على وجه البيان فإنه يقضى بنكاحها، كما قدمناه عن شرح درر البحار وغيره، وحينئذ فيجب لها جميع المسمى لها ويفرق بينه وبين الاخرى ولا شئ لها، لانه ظهر أنها المتأخرة فيكون نكاحها باطلا، وقد مر أن الباطل لا يجب فيه المهر إلا بالدخول.
قوله: (وكذا الخ) الاحسن قول الزيلعي: وكل ما ذكرنا من الاحكام بين الاختين فهو الحكم بين كل من لا يجوز جمعه من المحارم.
قوله: (وحرم نكاح المولى أمته الخ) أي ولو ملك بعضها، وكذا المرأة لو لم تملك سوى سهم واحد منه.
فتح.
زاد في الجوهرة: وكذا إذا ملك أحدهما صاحبه أو بعضها فسد النكاح، وأما المأذون والمدبر إذا اشتريا زوجتهما لم يفسد النكاح لانهما لا يملكانها بالعقد، وكذا المكاتب لانه لا يملكها بالعقد وإنما يثبت له فيها حق الملك، وكذا قال أبو حنيفة فيمن اشترى زوجته، وهو فيها بالخيار لم يفسد نكاحها على أصله أن خيار المشتري لا يدخل المبيع في ملكه ا ه.
قوله: (لان المملوكية الخ) علة للمسألتين.
قال في الفتح: لان النكاح ما شرع إلا مثمرا ثمرات مشتركة في الملك بين المتناكحين، ومنها ما تختص هي بملكه كالنفقة والسكنى والقسم والمنع من العزل إلا بإذن.
ومنها: ما يختص هو بملكه كوجوب التمكين والقرار في المنزل والتحصن عن غيره.
ومنها: ما يكون الملك في كل منها مشتركا كالاستمتاع مجامعة ومباشرة والولد في حق الاضافة، والمملوكية تنافي المالكية فقد نافت لازم عقد
النكاح، ومنافي اللازم مناف للملزوم، وبه سقط ما قيل: يجوز كونها مملوكة من وجه الرق مالكة من جهة النكاح، لان الفرض أن لازم النكاح ملك كل واحد لما ذكرنا على الخلوص والرق يمنعه.
قوله: (نعم لو فعله الخ) يشير إلى أن المراد بالحرمة في قوله وحرم مطلق المنع لا خصوص ما يتبادر منها من المنع على وجه يترتب عليه الاثم، وإلا امتنع فعل الحرام للتنزه عن أمر موهوم في تزوج السيد أمته، أو المراد بها نفي وجود العقد الشرعي المثمر لثمراته كما يشير إليه ما مر عن الفتح، وهذا معنى ما في الجوهرة، وكذا في البحر عن المضمرات: المراد به في أحكام النكاح من ثبوت المهر في ذمة المولى وبقاء النكاح بعد الاعتاق، ووقوع الطلاق عليها وغير ذلك.
أما إذا تزوجها متنزها عن وطئها حراما على سبيل الاحتمال فهو حسن، لاحتمال أن تكون حرة أو معتقة الغير أو محلوفا عليها بعتقها، وقد حنث الحالف وكثيرا ما يقع لا سيما إذا تداولتها الايدي ا ه.
مطلب مهم في وطئ السرار اللاتي يؤخذن غنيمة في زماننا قلت: ولا سيما السراري اللاتي يؤخذن غنيمة في زماننا للتيقن بعدم قسمة الغنيمة، فيبقى فيهن حق أصحاب الخمس وبقية الغانمين، وما ذكره الشارح في الجهاد عن المفتى أبي السعود من أنه في زمانه وقع من السلطان التنفيل العام فبعد إعطاء الخمس لا تبقى شبهة في حل وطئهن اه.
فهو غير مفيد.
أما أولا فلان التنفيل العام غير صحيح، سواء شرط فيه السلطان أخذ الخمس أو لا،(3/48)
لان فيه إبطال السهام المقدرة كما نص على ذلك الامام السرخسي في شرح السير الكبير.
وأما ثانيا: فلان تنفيل سلطان زمانه لا يبقى إلى زماننا.
وأما ثالثا فلانه نفى الشبهة بإعطاء الخمس.
ومن المعلوم في زماننا أن كل من وصلت يده من العسكر إلى شئ يأخذه ولا يعطي خمسه، فينبغي أن يكون العقد واجبا إذا علم أنها مأخوذة من الغنيمة، ولذا قال بعض الشافعية: إن وطئ السراري اللاتي يجلبن اليوم من الروم والهند والترك حرام، وأما قوله في الاشباه بعد نقله ذلك عن في قاعدة الاصل في الابضاع التحريم أن هذا ورع لا حكم لازم، فإن الجارية المجهولة الحال المرجع فيها إلى صاحب اليد إن كانت صغيرة، وإلى إقرارها إن كانت كبيرة، وإن علم حالها فلا إشكال ا ه.
فهذا إنما هو في غير ما علم أنها أخذت من الغنيمة، أما ما علم فيها ذلك ففيها ما ذكرناه، لكن قد يقال: إنه يحتمل أن يكون باعها الامام أو أحد من العسكر وأجاز الامام بيعه، أما بدون ذلك فقد نص في شرح السير الكبير على أن بيع الغازي سهمه قبل القسمة باطل كإعتاقه، لكن العقد عليها لا يرفع الشبهة لانها إذا كانت غنيمة تكون مشتركة بين الغانمين وأصحاب الخمس فلا يصح تزويجها نفسها، بل الرافع للشبهة شراؤها من وكيل بيت المال أو التصدق بها على فقير ثم شراؤها منه.
وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام تحرير هذه المسألة في الجهاد.
قوله: (وفيه الخ) هذا مأخوذ من الشرنبلالية.
وقوله ونحوه أي كعدم القسم لها وعدم إيقاع الطلاق عليها، وعدم ثبوت نسب ولدها بلا دعوى لكن لا يخفى أن الاحتياط في العقد عليها إنما هو عند احتمال عدم صحة الملك احتمالاقويا ليقع الوطئ حلالا بلا شبهة، ولا يلزم من العقد عليها لذلك أن لا يعدها على نفسه خامسة ونحوه، بل نقول: ينبغي له الاحتياط في ذلك أيضا.
قوله: (وحرم نكاح الوثنية) نسبة إلى عبادة الوثن، هو ما له جثة: أي صورة إنسان من خشب أو حجر أو فضة أو جوهر تنحت، والجمع أوثان، والصنم صورة بلا جثة، هكذا فرق بينهما كثير من أهل اللغة.
وقيل لا فرق، وقيل يطلق الوثن على غير الصورة، كذا في البناية.
نهر.
وفي الفتح: ويدخل في عبدة الاوثان عبدة الشمس والنجوم والصور التي استحسنوها والمعطلة والزنادقة والباطنية والاباحية.
وفي شرح الوجيز: وكل مذهب يكفر به معتقده ا ه.
قلت: وشمل ذلك الدروز والنصيرية والتيامنة، فلا تحل مناكحتهم، ولا تؤكل ذبيحتهم لانهم ليس لهم كتاب سماوي.
وأفاد بحرمة النكاح حرمة الوطئ بملك اليمين كما يأتي، والمراد الحرمة على المسلم لما في الخانية: وتحل المجوسية والوثنية لكل كافر إلا المرتد.
قوله: (كتابية) أطلقه فشمل الحربية والذمية والحرة والامة.
ح عن البحر.
قوله: (وإن كره تنزيها) أي سواء كانت ذمية أو حربية فإن صاحب لبحر استظهر أن الكراهة في الكتابية الحربية تنزيهية، فالذمية أولى ا ه ح.
قلت: علل ذلك في البحر بأن التحريمية لا بد لهامن نهي أو ما في معناه، لانها في رتبة الواجب ا ه.
وفيه أن إطلاقهم الكراهة في الحربية يفيد أنها تحريمية، والدليل عند المجتهد على أن
التعليل يفيد ذلك، ففي الفتح: ويجوز تزوج الكتابيات، والاولى أن لا يفعل، ولا يأكل ذبيحتهم إلا لضرورة، وتكره الكتابية الحربية إجماعا لافتتاح باب الفتنة من إمكان التعلق المستدعي للمقام معها في دار الحرب، وتعريض الولد على التخلق بأخلاق أهل الكفر وعلى الرق بأن تسبى وهي حبلى(3/49)
فيولد رقيقا وإن كان مسلما ا ه.
فقوله: والاولى أن لا يفعل، يفيد كراهة التنزيه في غير الحربية، وما بعده يفيد كراهة التحريم في الحربية.
تأمل.
قوله: (مؤمنة بنبي) تفسير للكتابية لا تقييد ط.
قوله: (مقرة بكتاب) في النهر عن الزيلعي: واعلم أن من اعتقد دينا سماويا وله كتاب منزل كصحف إبراهيم وشيت وزبور داود فهو من أهل الكتاب فتجوز مناكحتهم وأكل ذبائحهم.
قوله: (على المذهب) أي خلافا لما في المستصفى من تقييد الحل بأن لا يعتقدوا ذلك.
ويوافقه ما في مبسوط شيخ الاسلام: يجب أن لا يأكلوا ذبائح أهل الكتاب إذا اعتقدوا أن المسيح إله وأن عزيرا إله، ولا يتزوجوا نساءهم.
قيل وعليه الفتوى.
ولكن بالنظر إلى الدليل ينبغي أنه يجوز الاكل والتزوج ا ه.
قال في البحر: وحاصله أن المذهب الاطلاق لما ذكر شمس الائمة في المبسوط من أن ذبيحة النصراني حلال مطلقا، سواء قال بثالث ثلاثة أو لاطلاق الكتاب هنا والدليل، ورجحه في فتح القدير بأن القائل بذلك طائفتان من اليهود والنصارى انقرضوا لاكلهم، مع أن مطلق لفظ الشرك إذا ذكر في لسان الشرع لا ينصرف إلى أهل الكتاب، وإن صح لغة في طائفة أو طوائف لما عهد من إرادته به من عبد مع الله تعالى غيره ممن لا يدعي اتباع نبي وكتاب، إلى آخر ما ذكره ا ه.
قوله: (وفي النهر الخ) مأخوذ من الفتح حيث قال: وأما المعتزلة فمقتضى الوجه حل مناكحتهم، لان الحق عدم تكفير أهل القبلة وإن وقع إلزاما في المباحث، بخلاف من خالف القواطع المعلومة بالضرورة من الدين مثل القائم بقدم العالم ونفي العلم بالجزئيات على ما صرح به المحققون.
وأقول: وكذا القول بلايجاب بالذات ونفي الاختيار ا ه.
وقوله وإن وقع إلزاما في المباحث معناه: وإن وقع التصريح بكفر المعتزلة ونحوهم عند البحث معهم في رد مذهبهم بأنه كفر: أي يلزم من قولهم بكذا الكفر، ولا يقتضي ذلك كفرهم، لان لازم المذهب ليس بمذهب.
وأيضا فإنهم ما
قالوا ذلك إلا لشبهة دليل شرعي على زعمهم وأن أخطأوا فيه ولزمهم المحذور، على أنهم ليسوا بأدنى حالا من أهل الكتاب، بل هم مقرون بأشرف الكتب، ولعل القائل بعدم حل مناكحتهم يحكم بردتهم بما اعتقدوه وهو بعيد، لان ذلك أصل اعتقادهم فإن سلم أنه كفر لا يكون ردة قال في البحر: وينبغي أن من اعتقد مذهبا يكفر به: إن كان قبل تقدم الاعتقاد الصحيح فهو مشرك، وإن طرأ عليه فهو مرتد ا ه.
وبهذا ظهر أن الرافضي إن كان ممن يعتقد الالوهية في علي، أو أن جبريل غلط في الوحي.
أو كان ينكر صحبة الصديق، أو يقذف السيدة الصديقة فهو كافر لمخالفته القواطع المعلومة من الدين بالضرورة، بخلاف ما إذا كان يفضل عليا أو يسب الصحابة فإنه مبتدع لا كافر، كما أوضحته في كتابي تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الانام أو أحد أصابه الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام.
تنبيه: قيل: لا تجوز كمناكحة من يقول أنا مؤمن إن شاء الله تعالى لانه كافر.
قال في البحر: أنه محمول على من يقول شكا في إيمانه، والشافعية لا يقولون بذلك فتجوز المناكحة بيننا وبينهم بلا شبهة ا ه.
وحقق ذلك في الفتح بأن الشافعية يريدون به إيمان الموافاة كما صرحوا به، وهو الذي يقبض عليه العبد، وهو إخبار عن نفسه بفعل في المستقبل أو استصحابه إليه فيتعلق به قوله تعالى: * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * (سورة الكهف: الآية 32) غير أنه عندنا خلاف الاولى،(3/50)
لان تعويد النفس بالجزم في مثله ليصير ملكة خير من إدخال أداة التردد في أنه هل يكون مؤمنا عند الموافاة أو لا ا ه.
قوله: (لا عابدة كوكب لا كتاب لها) هذا معنى الصائبة المذكورة في المتون على أحد التفسيرين فيها.
قال في الهداية: ويجوز تزوج الصابئات إن كانوا يؤمنون بدين نبي ويقرون بكتاب لانهم من أهل الكتاب، وإن كانوا يعبدون الكواكب ولا كتاب لهم لم تجز مناكحتهم لانهم مشركون، والخلاف المنقول فيه محمول على اشتباه مذهبهم فكل أجاب على ما وقع عنده، وعلى هذا حال ذبيحتهم ا ه، أي الخلاف بين الامام القائل بالحل، بناء على تفسيره بأن لهم كتابا ولكنهم يعظمون الكواكب كتعظيم المسلم الكعبة، وبين صاحبيه القائلين بعدم الحل بناء على أنهم يعبدون
الكواكب.
قال في الفتح: فلو اتفق على تفسيرهم اتفق على الحكم فيهم.
قال في البحر: وظاهر الهداية أن منع مناكحتهم مقيد بقيدين: عبادة الكواكب، وعدم الكتاب، فلو كانوا يعبدون الكواكب ولهم كتاب تجوز مناكحتهم، وهو قول بعض المشايخ زعموا أن عبادة الكواكب لا تخرجهم عن كونهم أهل كتاب، والصحيح أنهم أن كانوا يعبدونها حقيقة فليسوا أهل كتاب، وإن كانوا يعظمونها كتعظيم المسلمين للكعبة فهم أهل كتاب، كذا في المجتبى ا ه.
فعلى هذا فقول المصنف لا كتاب لها مفهوم له، لكن ما مر من حل النصرانية وإن اعتقدت المسيح إلها يؤيد قول بعض المشايخ، أفاده في النهر.
قوله: (والمجوسية) نسبة إلى مجوس وهم عبدة النار، وعدم جواز نكاحهم ولو بملك يمين مجمع عليه عند الائمة الاربعة، خلافا لداود بناء على أنه كان لهم كتاب ورفع، وتمامه في الفتح.
قوله: (هذا ساقط الخ) فيه اعتذار عن تكرار الوثنية ودفع إيهام العطف في المحرمة.
قوله: (ولو بمحرم) المناسب لمحرم باللام، لان النكاح المقدر في المعطوف عليه لا يتعدى بالباء إلا أن يدعي تضمنه معنى التزوج فإنه يتعدى بالباء في لغة قليلة.
قوله: (أو مع طول الحرة) أي مع القدرة على مهرها ونفقتها، وهو بالفتح في الاصل الفضل، ويعدى بعلى وإلى، فطول الحرة متسع فيه بحذف الصلة، ثم الاضافة إلى المفعول على ما أشار إليه المطرزي.
قهستاني.
قوله: (الاصل الخ) قد يناقش فيه بالامة المملوكة بعد الحرة فإنه يجوز وطؤها ملكا، ولا يجوز أن ينكح الامة على الحرة ط.
قوله: (تحريما في المحرمة وتنزيها في الامة) أما الثاني فهو ما استظهره في البحر من كلام البدائع، ومثله في القهستاني وأيده بقول المبسوط: والاولى أن لا يفعل.
وأما الاول فهو ما فهمه في النهر من كلام الفتح، وهو فهم في غير محله، فإنه في الفتح ذكر دليل المسألة لنا، وهو ما أخرجه الستة عن ابن عباس تزوج رسول الله (ص) ميمونة وهو محرم، وبنى بها وهو حلال وذكر دليل الائمة الثلاثة، وهو ما أخرجه الجماعة إلا البخاري من قوله (ص): لا ينكح المحرم ولا ينكح أي بفتح الياء في الاول وضمها في الثاني مع كسر الكاف، ومن فتحها في الثاني فقد صحف.
بحر.
زاد مسلم ولا يخطب ثم أجاب بترجيح الاول من وجوه.
ثم أجاب على تسليم(3/51)
التعارض بحمل الثاني: إما على نهي التحريم والنكاح فيه للوطئ، أو على نهي الكراهية جمعا بين الدلائل، وذلك لان المحرم في شغل عن مباشرة عقود الانكحة، لان ذلك يوجب شغل قلبه عن إحسان العبادة لما فيه من خطبة ومراودات ودعوة واجتماعات، ويتضمن تنبيه النفس بطلب الجماع، وهذا محمل قوله ولا يخطب ولا يلزم كونه (ص) باشر المكروه لان المعنى المنوط به الكراهة هو عليه الصلاة والسلام منزه عنه، ولا بعد في اختلاف حكم في حقنا وحقه لاختلاف المناط فينا وفيه كالوصال نهانا عنه وفعله ا ه.
وحاصله أن لا ينكح إن كان المراد به الوطئ، فالنهي للتحريم، وهذا قطعي لا شبهة فيه، أو العقد فالنهي للكراهية، وما ذكره من الوجه لا يقتضي كراهة التحريم، وإلا حرم تجارة المحرم في الاماء، فإن فيه أيضا شغل القلب وتنبيه النفس للجماع، ويؤيده قوله: وهذا محمل قوله ولا يخطب على أنه قد صرح في شرح درر البحار بأن النهي للتنزيه.
وقول الكنز: وحل تزوج الكتابية والصابئة والمحرمة صريح في ذلك، فإن المكروه تحريما لا يحل، فافهم.
قوله: (لا يصح عكسه) أي ولا جمعهما في عقد واحد بل يصح في الجمع نكاح الحرة لا الامة كما صرح به الزيلعي وغيره.
وما في الاشباه في قاعدة إذا اجتمع الحلال والحرام، ومن أنه يبطل فيهما سبق قلم.
هذا وحرمة إدخال الامة على الحرة إذا كان نكاح الحرة صحيحا، فلو دخل بالحرة بنكاح فاسد لا يمنع الامة.
شرنبلالية.
فرع: تزوج أمة بلا إذن مولاها ولم يدخل حتى تزوج حرة ثم أجاز المولى لم يجز، لان الحل إنما يثبت عند الاجازة فكانت في حكم الانشاء، فيصير متزوجا أمة على حرة، ولو تزوج ابنتها الحرة قبل الاجارة جاز، لان النكاح الموقوف عدم في حق الحل فلا يمنع نكاح غيرها.
بحر عن المحيط ملخصا.
قوله: (ولو أم ولد) شمل المدبرة والمكاتبة كما في البحر.
قوله: (في عدة حرة) من مدخول المبالغة: أي ولو في عدة حرة.
قوله: (ولو من بائن) أشار به إلى خلاف قولهما بجوازه، واتفقوا على المنع في الرجعي.
قوله: (لبقاء الملك) أي ملك نكاح الامة لانها لم تخرج بالطلاق الرجعي عن النكاح، فالحرة هي الداخلة على الامة.
قوله: (في عقد واحد) أي على
التسع ح.
قوله: (لبطلان الخمس) مفاده أنه لو كانت الحرائر أربعا صح فيهن وبطل في الاماء، كما في جمع الحرة مع الامة بعقد واحد، يوضحه ما نقله الرحمتي عن كافي الحاكم أن أصل ذلك أنه ينظر في نكاح الحرائر فإن كان جائزا لو كن وحدهن أجزته وأبطلت نكاح الاماء، وإن كان غير جائز أبطلته وأجزت نكاح الاماء إن كان يجوز لوكن وحدهن ا ه.
قلت: ويستفاد منه ما لو كان جملة الحرائر والاماء لم تزد على أربع فإنه يجوز في الحرائر فقط، وهو صريح ما ذكرناه آنفا عند قوله لا يصح عكسه فقوله: (سرية) نسبة إلى السر وهو النكاح، والتزم ضم السين كضم الدال في دهرية نسية إلى الدهر، أو إلى السرور لحصوله بها ط.(3/52)
قوله: (خيف عليه الكفر) لقوله تعالى: * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) * (سورة المؤمنون: الآية 6) بزازية.
ومقتضاه أن مثله لو لامه على التزوج على امرأته وما فرق به في البحر من أن في الجمع بين الحرائر مشقة بسبب وجوب العدل بينهما، بخلاف الجمع بين السراري فإنه لا قسم بينهن مما لا أثر له مع النص.
نهر: أي لان النص نفي اللوم عن الجهتين.
وقد يقال: إن المتبادر من اللوم على التسري هو اللوم على أصل الفعل، بخلاف اللوم على تزوج أخرى، فإن المتبادر منه اللوم على ما يلحقه من خوف الجور لا على أصل الفعل، فيكون عملا بقوله تعالى: * (فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة) * (سورة النساء: الآية 3) فهذا وجه ما فرق به في البحر أخذ من تنصيصهم على اللوم على التسري فقط.
والتحقيق أنه إن أراد اللوم على أصل الفعل بمعنى أنك فعلت أمرا قبيحا فهو كافر في الموضعين، وإن كان بمعنى أنك فعلت ما تركه لك أولى لما يلحقك من التعب في النفقة وكثرة العيال وإضرار الزوجة بالتسري أو بالتزوج عليها ونحو ذلك فلا كفر في الموضعين، وإن لم يلاحظ شيئا من المعنيين فلا كفر في الموضعين أيضا، لكن قالوا: يخشى عليه الكفر في الاول لان المتبادر منه اللوم على أصل الفعل دون الثاني لتبادر خلافه كما قلنا، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم، فافهم.
قوله: (لحديث من رق لامتي) أي رحمها رق الله له أي أثابه وأحسن إليه ط.
قوله: (ولو مدبرا) مثله المكاتب وابن أم الذي من غير مولاها كما في الغاية ط.
قوله: (ويمتنع عليه) أي على العبد ولو مكاتبا كما في البحر.
قوله: (أصلا) أي وإن أذن له به المولى.
قوله: (لانه لا يملك) أي في هذا الباب إلا الطلاق، فلا ينافي أنه يملك غيره كالاقرار على نفسه ونحوه.
قوله: (وصح نكاح حبلى من زنى) أي عندهما.
وقال أبو يوسف: لا يصح، والفتوى على قولهما، كما في القهستاني عن المحيط.
وذكر التمرتاشي أنهالا نفقة لها، وقيل لها ذلك، والاول أرجح لان المانع من الوطئ من جهتها، بخلاف الحيض لانه سماوي.
بحر عن الفتح.
قوله: (حبلى من غير الخ) شمل الحبلى من نكاح صحيح أو فاسد أو وطئ شبهة أو ملك يمين وما لو كان الحبل من مسلم أو ذمي أحربي.
قوله: (لثبوت نسبه) فهي في العدة ونكاح المعتدة لا يصح ط.
قوله: (ولو من حربي) كالمهاجرة والمسبية.
وعن أبي حنيفة أنه يصح، وصحح الزيلعي المنع وهو المعتمد.
وفي الفتح أنه ظاهر المذهب.
بحر.
قوله: (المقربه) بكسر القاف أشار به إلى أن ما في الهداية من قوله: ولو زوج أم ولده وهي حامل منه فالنكاح باطل، محمول على ما إذا أقر به لقوله: وهي حامل منه.
قال في النهر: قال في التوشيح: فعلى هذا ينبغي أنه لو زوجها بعد العلم قبل اعترافه به أنه لا يجوز النكاح ويكون نفيا.
أقول: ومن هنا قد علمت أنه لو زوج غير أم ولده وهي حامل يجوز لانه كان نفيا فيما لا يتوقف على الدعوى ففيما يتوقف عليها أولى ا ه.
قوله: (ودواعيه) قال في البحر: وحكم الدواعي على قولها كالوطئ كما في النهاية ا ه.
قال ح: والذي في نفقات البحر جواز الدواعي، فليحرر اه.(3/53)
قلت: والذي في النفقات أن زوجة الصغير لو أنفق عليها أبوه ثم ولدت واعترفت أنها حبلى من الزنى لا ترد شيئا من النفقة، لان الحبلى من الزنى إن منع الوطئ لا يمنع من دواعيه اه.
فيمكن الفرق بأن ما هنا فيمن كانت حبلى من الزنى ثم تزوجها، وما في النفقات في الزوجة إذا حبلت من الزنى، فتأمل.
ولا يمكن الجواب بأن ما في النفقات على قول الامام بدليل قول البحر هنا على قولهما، لان الضمير في قولهما يعود إلى أبي حنيفة ومحمد القائلين بصحة النكاح، وأما أبو يوسف فلا يقول بصحته من أصله فافهم.
قوله: (متصل بالمسألة الاولى) الضمير في متصل عائد على قول
المصنف وإن حرم وطؤها حتى تضع فافهم.
قوله: (إذ الشعر ينبت منه) المراد ازدياد نبات الشعر لا أصل نباته، ولذا قال في التبيين والكافي: لان به يزداد سمعه وبصره حدة كما جاء في الخبر ا ه.
وهذه حكمته، وإلا فالمراد المنع من الوطئ لما في الفتح، قال رسول الله (ص): لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماؤه زرع غيره يعني إتيان الحبلى.
رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن ا ه شرنبلالية.
قوله: (اتفاقا) أي منهما ومن أبي يوسف، فالخلاف السابق في غير الزاني كما في الفتح وغيره.
قوله: (والولد له) أي إن جاءت بعد النكاح لستة أشهر.
مختارات النوازل، فلو لاقل من ستة أشهر من وقت النكاح لا يثبت النسب، ولا يرث منه إلا أن يقول: هذا الولد مني، ولا يقول من الزنى.
خانية.
والظاهر أن هذا من حيث القضاء، أما من حيث الديانة فلا يجوز له أن يدعيه، لان الشرع قطع نسبه منه، فلا يحل له استلحاقه به.
ولذا لو صرح بأنه من الزنى لا يثبت قضاء أيضا، وإنما يثبت لو لم يصرح لاحتمال كونه بعقد سابق أو بشبهة حملا لحال المسلم على الصلاح، وكذا ثبوته مطلقا إذا جاءت به لستة أشهر من النكاح لاحتمال علوقه بعد العقد، وأن ما قبل العقد كان انتفاخا لا حملا، ويحتاط في إثبات النسب ما أمكن.
مطلب فيما لو زوج المولى أمته قوله: (ولو زوج أمته الخ) هذا محترز قوله: المقر به كما أوضحناه قبل.
قوله: (ولا يستبرئها زوجها) أي استحبابا ولا وجوبا عندهما.
وقال محمد: لا أحب أن يطأها قبل أن يستبرئها، لانه احتمل الشغل بماء المولى فوجب التنزه كما في الشراء.
هداية.
وقال أبو الليث: قوله أقرب إلى الاحتياط وبه نأخذ.
بناية.
ووفق في النهاية بأن محمدا إنما نفى الاستحباب، وهما أثبتا الجواز بدونه فلا معارضة.
واعترضه في البحر بأنه خلاف ما في الهداية، لكن استحسنه في النهر بأنه لا ينبغي التردد في نفس الاستبراء على قول.
قال: وبه يستغني عن ترجيح قول محمد.
قلت: إذا كان الصحيح وجوب الاستبراء على المولى يسوغ نفي استحبابه عن الزوج لحصول المقصود، نعم لو علم أن المولى لم يستبرئها لا ينبغي التردد في استحبابه للزوج، بل لو قيل بوجوبه لم يبعد، ويقربه أنه في الفتح حمل قول محمد: لا أحب، على أنه يجب لتعليه باحتمال
الشغل بماء المولى فإنه يدل على الوجوب.
وقال: فإن المتقدمين كثيرا ما يطلقون أكره هذا في التحريم أو كراهة التحريم، وأحب في مقابله ا ه.(3/54)
قلت: وأصرح من ذلك قول الهداية: لانه احتمل الشغل بماء المولى فوجب التنزه كما في الشراء اه.
ومثله في مختارات النوازل.
قوله: (بل سيدها) أي بل يستبرئها سيدها وجوبا في الصحيح، وإليه مال السرخسي، وهذا إذا أراد أن يزوجها وكان يطؤها، فلو أراد يعها يستحب، والفرق أنه في البيع يجب على المشتري فيحصل المقصود فلا معنى لايجابه على البائع.
وفي المنتقى عن أبي حنيفة: أكره أن يبيع من كان يطؤها حتى يستبرئها.
ذخيرة.
قوله: (وله وطؤها بلا استبراء) أي عندهما.
وقال محمد: لا أحب له أن يطأها ما لم يستبرئها.
هداية والظاهر أن الترجيح المار يأتي هنا أيضا، ولذا جزم في النهر هنا بالندب، إلا أن يفرق بأن ماء الزنى لا اعتبار له.
بقي لو ظهر بها حمل يكون من الزوج لان الفراش له، فلا يقال: إنه يكون ساقيا زرع غيره، لكن هذا ما لم تلده لاقل من ستة أشهر من وقت العقد، فلو ولدته لاقل لم يصح العقد كما صرحوا به: أي لاحتمال علوقه من غير الزنى بأن يكون بشبهة فلا يرد صحة تزوج الحبلى من زنى.
تأمل.
قوله: (فمنسوخ بآية فانكحوا الخ) قال في البحر: بدليل الحديث إن رجلا أتى النبي (ص) فقال: يا رسول الله إن امرأتي لا تدفع يد لامس، فقال عليه الصلاة والسلام: طلقها، فقال: إني أحبها وهي جميلة، فقال عليه الصلاة والسلام: استمتع بها.
قوله: (تطليق الفاجرة) الفجور: العصيان كما في المغرب.
قوله: (ولا عليها) أي بأن تسئ عشرته أو تبذل له مالا ليخالعها.
قوله: (إلا إذا خافا) استثناء منقطع، لان التفريق حينئذ مندوب بقرينة قوله: فلا بأس لكن سيأتي أول الطلاق أنه يستحب لو مؤذية أو تاركة صلاة، ويجب لو فات الامساك بالمعروف، فالظاهر أنه استعمل لا بأس هنا للوجوب اقتداء بقوله تعالى: * (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما أفتدت به) * (سورة البقرة: الآية 922) فإن نفي البأس في معنى نفي الجناح، فافهم.
قوله: (فما في الوهبانية الخ) تفريع على قوله: وله وطؤها بلا استبراء.
قال المصنف في المنح: فإن قلت: يشكل على ما تقدم ما في شرح لنظم الوهباني من أنه لو زنت زوجته لا يقربها حتى تحيض لاحتمال علوقها من الزنى فلا يسقي ماؤه زرع غيره، وصرح الناظم بحرمة وطئها حتى تحيض وتطهر، وهو يمنع من حمله على قول محمد فإنه إنما يقول بالاستحباب.
قلت: ما ذكره في شرح النظم ذكره في النتف وهو ضعيف.
قال في البحر: لو تزوج بامرأة الغير عالما بذلك ودخل بها لا تجب العدة عليها حتى لا يحرم على الزوج وطؤها، وبه يفتى، لانه زنى والمزني بها لا تحرم على زوجها، نعم لو وطئها بشبهة وجب عليها العدة وحرم على الزوج وطؤها، ويمكن حمل ما في النتف على هذا ا ه.
قوله: (والمضمومة إلى محرمة) بالتشديد كأن تزوج امرأتين في عقد واحد: إحداهما محل، والاخرى غير محل لكونها محرما أو ذات زوج أو مشركة، لان المبطل في إحداهما فيتقدر بقدره، بخلاف ما إذا جمع بين حر وعبد وباعهما صفقة واحدة حيث يبطل(3/55)
البيع في الكل لما أنه يبطل بالشروط الفاسدة بخلاف النكاح.
نهر.
قوله: (والمسمى كله لها) أي للمحللة عند الامام نظرا إلى أن ضم المحرمة في عقد النكاح لغو كضم الجدار لعدم المحلية، والانقسام من حكم المساواة في الدخول في العقد، ولم يجب الحد بوطئ المحرمة، لان سقوطه من حكم صورة العقد لا من حكم انعقاده، فليس قوله بعد الانقسام بناء على عدم الدخول في العقد منافيا لقوله بسقوط الحد لوجود صورة العقد كما توهم.
وعندهما يقسم مهر مثليهما، وتمامه في البحر.
قوله: (فلها مهر المثل) أي بالغا ما بلغ كما في المبسوط وهو الاصح، وما ذكره في الزيادات من أنه لا يجاوز المسمى فهو قولهما كما في التبيين، وإنما وجب بالغا ما بلغ على ما في المبسوط، لانها لم تدخل في العقد كما قدمناه عن البحر، فلا اعتبار للتسمية أصلا.
فإن قلت: ما الفرق بينهما وبين ما إذا تزوج أختين في عقدة واحدة ودخل بهما حيث أوجبتم لكل منهما الاقل من مهر المثل والمسمى؟.
قلت: هو أن كل واحدة منهما محل لايراد العقد عليها، وإنما الممتنع الجمع بينهما، فلذلك
قلنا بدخولهما في العقد، بخلاف ما هنا فإن المحرمة ليست محلا أصلا، والله تعالى الموفق ح.
قوله: (وبطل نكاح متعة ومؤقت) قال في الفتح: قال شيخ الاسلام: في الفرق بينهما أن يذكر الوقت بلفظ النكاح والتزويج، وفي المتعة أتمتع أو أستمتع ا ه: يعني ما اشتمل على مادة متعة.
والذي يظهر مع ذلك عدم اشتراط الشهود في المتعة وتعيين المدة، وفي المؤقت الشهود وتعيينها، ولا شك أنه لا دليل لهم على تعيين كون المتعة الذي أبيح ثم حرم هو ما اجتمع فيه مادة م ت ع للقطع من الآثار بأنه كان أذن لهم في المتعة، وليس معناه أن من باشر هذا يلزمه أن يخاطبها بلفظ أتمتع ونحوه، لما عرف أن اللفظ يطلق ويراد معناه، فإذا قيل تمتعوا فمعناه: أوجدوا معنى هذا اللفظ، ومعناه المشهور أن يوجد عقدا على امرأة لا يراد به مقاصد عقد النكاح من القرار للولد وتربيته، بل إلى مدة معينة ينتهي العقد بانتهائها، أو غير معينة بمعنى بقاء العقد ما دام معها إلى أن ينصرف عنها فلا عقد، فيدخل فيه بمادة المتعة والنكاح المؤقت أيضا فيكون من أفراد المتعة، وإن عقد بلفظ التزويج وأحضر الشهود ا ه ملخصا.
وتبعه في البحر والنهر.
ثم ذكر في الفتح أدلة تحريم المتعة، وأنه كان في حجة الوداع، وكان تحريم تأبيد لا خلاف فيه بين الائمة وعلماء الامصار إلا طائفة من الشيعة، ونسبة الجواز إلى مالك كما وقع في الهداية غلط.
ثم رجح قول زفر بصحة المؤقت على معنى أنه ينعقد مؤبدا ويلغو التوقيت، لان غاية الامر أن المؤقت متعة وهو منسوخ، لكن المنسوخ معناها الذي كانت الشريعة عليه وهو ما ينتهي العقد فيه بانتهار المدة، فإلغاء شرط التوقيت أثر النسخ، وأقرب نظير إليه نكاح الشغار وهو أن يجعل بضع كل من المرأتين مهرا للاخرى، فإنه صح النهي عنه، وقلنا يصح موجبا لمهر المثل لكل منهما فلم يلزمنا النهي، بخلاف ما لو عقد بلفظ المتعة وأراد النكاح الصحيح المؤبد فإنه لا ينعقد وإن حضره الشهود، لانه لا يفيد ملك المتعة كلفظ الاحلال، فإن من أحل لغيره طعاما لا يملكه فلم يصلح مجازا عن معنى النكاح كما مر ا ه ملخصا.
قوله: (وإن جهلت المدة) كأن يتزوجها إلى أن ينصرف عنها كما تقدم ح.
قوله: (أو طالت في الاصح) كأن يتزوجها إلى مائتي سنة، وهو ظاهر المذهب، وهو الصحيح كما في المعراج، لان(3/56)
التأقيت هو المعين لجهة المتعة.
بحر.
قوله: (وليس منه الخ) لان اشتراط القاطع يدل على انعقاده مؤيدا وبطل الشرط.
بحر.
قوله: (أو نوى الخ) لان التوقيت إنما يكون باللفظ.
بحر.
قوله: (ولا بأس بتزوج النهار يات) وهو أن يتزوجها على أن يكون عندها نهارا دون الليل.
فتح.
قال في البحر: وينبغي أن لا يكون هذا الشرط لازما عليها، ولها أن تطلب المبيت عندها ليلا لما عرف في باب القسم ا ه: أي إذا كان لها ضرة غيرها، وشرط أن يكون في النهار عندها وفي الليل عند ضرتها، أما لو لا ضرة لها فالظاهر أنه ليس لها الطلب، خصوصا إذا كانت صنعته في الليل كالحارس، بل سيأتي في القسم عن الشافعية أن نحو الحارس يقسم بين الزوجات نهارا، واستحسنه في النهر.
قوله: (ويحل له الخ) وكذا يحل لها تمكينه من الوطئ، نعم الاثم في الاقدام على الدعوى الباطلة كما في البحر، وثبوت الحل مبني على قول الامام بنفوذ القضاء بهذا النكاح باطنا، وكذا ينفذ ظاهرا اتفاقا فتجب النفقة والقسم وغير ذلك.
قوله: (عند فاض) هل المحكم مثله؟ ليحرر ط.
قلت: الظاهر نعم، لانهم إنما فرقوا بينهما في أنه لا يحكم بقصاص وحدودية على عاقلة.
قوله: (بنكاح صحيح) احترز به عن الفاسد لانه لا يفيد حل الوطئ ولو صدر حقيقة ط.
قوله: (خالية عن الموانع) تفسير لكونها محلا للانشاء والموانع مثل كونها مشركة أو محرما له أو زوجة الغير أو معتدته ح.
قوله: (وقضى القاضي بنكاحها) ويشترط لنفاذ القضاء باطنا عند الامام حضور شهود عند قوله قضيت، وبه أخذ عامة المشايخ، وقيل: لا لان العقد ثبت مقتضى صحة قضا ئه في الباطن، وما ثبت مقتضى صحة الغير لا يثبت بشرائطه كالبيع في قوله أعتق عبدك عني بألف.
وفي الفتح أنه الاوجه، ويدل عليه إطلاق المتون.
بحر.
قلت: لكن ذكر في البحر في كتاب القاضي إلى القاضي أن المعتمد الاول.
قوله: (ولم يكن الخ) الجملة حالية.
قوله: (خلاف لهما) راجع للمسألتين، وهذا بناء على أنه لا ينفذ القضاء باطنا عندهما بشهادة الزور ولو في العقود والفسوخ، لان القاضي أخطأ الحجة إذ الشهود كذبة، وله أن الشهود صدقة عنده، وهو الحجة لتعذر الوقوف على حقيقة الصدق، وأمكن تنفيذ القضاء باطنا بتقديم النكاح فينفذ قطعا المنازعة وطعن فيه بعض المغاربة بأنه يمكنه قطع المنازعة بالطلاق، فأجابه الاكمل بأنك إن أردت الطلاق غير المشروع فلا
يعتبر، أو المشروع ثبت المطلوب، إذ لا يتحقق إلا في نكاح صحيح.
وتعقبه تلميذه قارئ الهداية بأن له أن يريد غير المشروع ليكون طريقا لقطع المنازعة.
وتعقبهما تلميذه ابن الهمام بأن الحق التفصيل وهو أنه يصلح لقطع المنازعة إن كانت هي المدعية.
أما لو كان هو المدعي فلا يمكنها التخلص منه إلا بالنفاذ باطنا مع أن الحكم أعم من دعواها أو دعواه.
قوله: (وبقولهما يفتى) قال الكمال: وقول الامام أوجه.
واستدل له بدلالة الاجماع على أن من اشترى جارية ثم ادعى فسخ بيعها كذبا وبرهن فقضى به حل للبائع وطؤها واستخدامها مع علمه بكذب دعوى المشتري مع أنه يمكنه التخلص بالعتق وإن كان فيه إتلاف ماله، فإنه ابتلي ببليتين، فعليه أن يختار أهونهما، وذلك ما يسلم(3/57)
له فيه دينه ا ه.
وللعلامة قاسم رسالة في هذه المسألة أطال فيها الاستدلال لقول الامام، فراجعها.
قلت: وحيث كان الاوجه قول الامام من حيث الدليل على ما حققه في الفتح وفي تلك الرسالة فلا يعدل عنه لما تقرر أنه لا يعدل عن قول الامام لضرورة أو ضعف دليله كما أوضحناه في منظومة رسم المفتي وشرحها.
قوله: (وحل للشاهد) وكذا لغيره بالاولى لعدم علمه بحقيقة الحال.
قوله: (لا تحل لهما) أي للزوج المقضي عليه والزوج الثاني، أما الثاني فظاهر بناء على أن القضاء بالزور لا ينفذ باطنا عندهما.
وأما الاول فلان الفرقة وإن لم تقع باطنا لكن قول أبي حنيفة أورث شبهة، ولانه لو فعل ذلك كان زانيا عند الناس فيحدونه، كذا في رسالة العلامة قاسم.
قوله: (ما لم يدخل الثاني) فإذا دخل بها حرمت على الاول لوجوب العدة كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة بحر.
قوله: (وهي) أي هذه المسائل الثلاث.
قوله: (كما سيجئ) أي في كتاب القضاء.
قوله: (والنكاح لا يصح تعليقه بالشرط) المراد أن النكاح المعلق بالشرط لا يصح، لا ما يوهمه ظاهر العبارة من أن التعليق يلغو ويبقى العقد صحيحا كما في المسألة الآتية، وهذا منشأ توهم الدرر الآتي.
قوله: (لتعليقه بالخطر) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة ما يكون معدوما يتوقع وجوده ا ه ح.
قوله: (فما في الدرر) حيث قال: لا يصح تعليق النكاح بالشرط مثل أن يقول لبنته إن دخلت الدار زوجتك فلانا وقال فلان تزوجتها فإن التعليق لا يصح وإن صح النكاح.
قوله: (فيه نظر) لانه صرح بعدم
صحة النكاح المعلق في الفتح والخلاصة والبزازية عن الاصل والخانية والتاترخانية وفتاوى أبي الليث وجامع الفصولين والقنية.
ولعله اشتبه عليه النكاح المعلق على شرط بالنكاح المشروط معه شرط فاسد وبينهما فرق واضح.
شرنبلالية.
قوله: (كتزوجتك) بفتح كاف الخطاب.
قوله: (لم يصح) كلام المتن غني عنه.
قوله: (ولكن لا يبطل الخ) لما كان يتوهم أنه لا فرق بين النكاح المعلق بالشرط الفاسد والمقرون بالشرط الفاسد، كما وقع لصاحب الدرر أتى بالاستدراك وإن كان الثاني مسألة مستقلة، ولذا قال الشارح بعده بخلاف ما لو عقله بالشرط وفيه تنبيه على منشأ وهم الدرر، فافهم.
قوله: (يعني لو عقد) أتى بالعناية لايهام كلام المصنف أن هذا من تتمة المسألة الاولى مع أنه مسألة مستقلة، وإنما أتى في أولها بالاستدراك للتنبيه المار.
قوله: (مع شرط فاسد) كما إذا قال تزوجتك على أن لا يكون لك مهر فيصح النكاح ويفسد الشرط ويجب مهر المثل.
قوله: (إلا أن يعلقه) استثناء من قوله: لا يصح تعليقه بالشرط.
قوله: (ماض) أي مستمر إلى الحال، وقيد به احترازا عن تعليقه بمستقبل كائن لا محالة كمجئ الغد، وقوله: كائن وإن كان اسم فاعل وهو حقيقة في المتلبس بالفعل في الحال لكنه يستعمل بالمعنى الثاني، فافهم.
قوله:(3/58)
(وكذا الخ) عطف على قوله: إلا أن يعلقه ومثاله ما في المنح عن الفصول العمادية: لو قال تزوجتك بألف درهم إن رضي فلان اليوم: فإن كان فلان حاضرا فقال رضيت جاز النكاح استحسانا، وإن كان غير حاضر لم يجز ا ه.
قوله: وعممه المصنف بحثا) حيث قال بعد نقل كلام العمادية: وينبغي أن يجري هذا التفصيل في مسألة التعليق برضا الاب، إذ لا فرق بينهما فيما يظهر ا ه: أي لا فرق بين إن رضي أبي أو إن رضي فلان في التفصيل فيهما.
قلت: بل إذا جاز التعليق برضا فلان الاجنبي الحاضر يجوز تعليقه برضا الاب بالاولى، لان الاب له ولاية في الجملة وله حق الاعتراض لو الزوج غير كف ء، وله كمال الشفقة فيختار لها المناسب فكيف يقال بالجواز في الاجنبي دون الاب، على أنه قد نص على هذا التفصيل في مسألة الاب أيضا في الظهيرية حيث قال: لو كان الاب حاضرا في المجلس فقبل جاز، فما بحثه المصنف
موافق للمنقول.
قوله: (لكن في النهر) استدراك على ما بحثه المصنف.
وعبارة النهر بعد أن ذكر كلام الظهيرية: وهو مشكل، والحق ما في الخانية ا ه.
والذي في الخانية هو قوله: تزوجتك إن أجاز أبي أو رضي فقالت: قبلت لا يصح، لانه تعليق والنكاح لا يحتمل التعليق ا ه.
قلت: الظاهر حمل ما في الخانية على ما إذا كان الاب غير حاضر في المجلس، أو على أن ذلك هو القياس، لانه في الخانية ذكر بعد ذلك مسألة التعليق برضا فلان فقال: إن كان فلان حاضرا في المجلس ورضي جاز استحسانا، وإلا فلا وإن رضي ا ه.
وبما قلنا يحصل التوفيق بين كلاميه ما لم يثبت الفرق بين الاب وغيره، وقد علمت من عبارة الظهيرية عدمه، وأن الجواز في الاب ثابت بالاولى، ولم نر أحدا صرح بتصحيح خلاف هذا حتى يتبع، فافهم.
باب الولي لما ذكر النكاح وألفاظه ومحله شرع في بيان عاقده، وأخره لانه ليس من شروط صحته في جميع الصور، والولي فعيل بمعنى فاعل ط.
قوله: (وعرفا) أي في عرف أهل أصول الدين.
قال في البحر: وفي أصول الدين هو العارف بالله تعالى بأسمائه وصفاته حسبما يمكن المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصي الغير المنهمك في الشهوات واللذات كما في شرح العقائد ح.
قوله: (الوارث) كذا في الفتح وغيره.
قال الرملي: وذكره مما لا ينبغي، إذ الحاكم ولي وليس بوارث ا ه.
قلت: وكذا سيد العبد فالتعريف خاص بالولي من جهة القرابة.
قوله: (على المذهب) وما في البزازية من أن الاب أو الجد إذا كان فاسقا، فللقاضي أن يزوج من الكف ء.
قال في الفتح: إنه غير معروف في المذهب.
قوله: (ما لم يكن متهتكا) في القاموس: رجل منهتك ومتهتك ومستهتك: لا(3/59)
يبالي أن يهتك ستره ا ه.
قال في الفتح عقب ما نقلنا عنه آنفا: نعم إذا كان متهتكا لا ينفذ تزويجه إياها بنقص عن مهر المثل ومن غير كف ء، وسيأتي هذا ا ه.
وحاصله أن الفسق وإن كان لا يسلب الاهلية عندنا، لكن إذا كان الاب متهتكا لا ينفذ تزويجه
إلا بشرط المصلحة، ومثله ما سيأتي من قول المصنف ولزم ولو بغبن فاحش أو بغير كف ء إن كان الولي أبا أو جدا لم يعرف منهما سوء الاختيار وإن عرف لا ا ه.
وبه ظهر أن الفاسق المتهتك وهو بمعنى سيئ الاختيار لا تسقط ولايته مطلقا، لانه لو زوج من كف ء بمهر المثل صح كما سيأتي بيانه، وهذا خلاف ما مر عن البزازية، ولا يمكن التوفيق بحمل ما مر على هذا لان قوله فللقاضي أن يزوج من الكف ء يقتضي سقوط ولاية الاب أصلا، فافهم.
قوله: (نحو صبي) أي كمجنون ومعتوه، غير أن الصبي خرج بقوله البالغ والمجنون والمعتوه بالعاقل ط.
قوله: (ووصي) أي ونحو وصي ممن ليس بوارث كعبد وككافر له بنت مسلمة ومسلم له بنت كافرة كما سيأتي، نعم لو كان الوصي قريبا أو حاكما يملك التزويج بالولاية كما سيأتي في الشرح عند بيان الاولياء.
قوله: (مطلقا على المذهب) أي سواء أوصى إليه الاب بذلك أم لا، وفي رواية يجوز، وكذا سواء عين له الموصي رجفي حياته أو لا، خلافا لما في فتح القدير كما سيأتي.
قوله: (والولاية الخ) بفتح الواو، وما ذكره تعريفها الفقهي كما في البحر، وإلا فمعناها اللغوي المحبة والنصرة كما في المغرب، لكن ما ذكره تعريف لاحد نوعيها، وهو ولاية الاجبار بقرينة قوله: وهي هنا نوعان.
وأفاد أن المذكور في المتن غير خاص بهذا الباب، بل منه ولاية الوصي وقيم الوقف وولاية وجوب صدقة الفطر بناء على أن المراد بتنفيذ القول ما يكون في النفس أو في المال أو فيهما معا، والمراد في هذا الباب ما يشمل الاول والثالث دون الثاني.
قوله: (تثبت) أي الولاية المذكورة، والمراد هنا ولاية الاجبار في هذا الباب فقط ففيه شبهة الاستخدام، وإلا فالولاية المعرفة أعم كما علمت، وحيث كانت أعم فليس المراد بها الثابتة لخصوص الولي المعروف بالبالغ العاقل الوارث حتى يرد أنه ليس في الملك والامامة إرث، وحينئذ فلا حاجة إلى التكلف في الجواب بأن المراد بالارث المأخوذ في تعريف الولي هو أخذ المال بعد الموت من باب عموم المجاز، فالامام يأخذ مال من لا وارث له ليضعه في بيت المال، والولي يأخذ كسب عبده المأذون في التجارة بعد موته، وإن لم يكن ذلك إرثا حقيقة فإنه كما قال ط: لا دليل على هذا المجاز، والتعريف يصان عن مثل هذا، فافهم.
قوله: (قرابة) دخل فيها العصبات والارحام.
قوله: (وملك) أي ملك السيد لعبده أو أمته.
قوله: (وولاء)
أي ولاء العتاقة والموالاة كما سيأتي.
قوله: (وإمامة) دخل فيها القاضي المأذون بالتزويج، لانه نائب عن الامام.
قوله: (شاء أو أبى) احترز به عن ولاية الوكيل.
قوله: (وهي هنا) فيه شبهة الاستخدام، لان الولاية المعرفة خاصة بولاية الاجبار، وقيد بقوله: هنا احتراز عن الولاية في غير النكاح كما قدمناه.
قوله: (ولاية ندب) أي يستحب للمرأة تفويض أمرها إلى وليها كي لا تنسب إلى الوقاحة.
بحر.
وللخروج من خلاف الشافعي في البكر، وهذه في الحقيقة ولاية وكالة.
قوله: (على المكلفة) أي البالغة العاقلة.
قوله: (ولو بكرا) الاولى أن يقول: ولو ثيبا ليفيد أن تفويض البكر(3/60)
إلى وليها يندب بالاولى لما علمته من علة الندب، إلا أن يكون مراده الاشارة إلى خلاف الشافعي بقرينة ما بعده: أي أنها تندب لا تجب ولو بكرا عندنا خلافا له.
قوله: (ولو ثيبا) أشار إلى خلاف الشافعي فإنه يقول: إن ولاية الاجبار منوطة بالبكارة فيزوجها بلا إذنها ولو بالغا، لا إن كانت ثيبا ولو صغيرة، فالثيب الصغيرة لا تزوج عنده ما لم تبلغ لسقوط ولاية الاب.
قوله: (ومعتوهة ومرقوقة) بالجر فيهما عطفا على قوله: الصغيرة لعدم تقييدهما بالصغر، والاولى تعريفهما بأل لئلا يتوهم عطفهما على ثيبا.
قوله: (صغير الخ) الموصوف محذوف: أي شخص صغير الخ، فيشمل الذكر والانثى.
قوله: (لا مكلفة) الاولى زيادة حرة ليقابل الرقيق ط.
وهذا تصريح بمفهوم المتن ذكره ليفيد أن قوله: فنفذ مفرع عليه.
قوله: (فنفذ الخ) أراد بالنفاذ الصحة، وترتب الاحكام من طلاق وتوارث وغيرهما لا اللزوم، إذ هو أخص منها لانه ما لا يمكن نقضه، وهذا يمكن رفعه إذا كان من غير كف ء، فقوله في الشرنبلالية: أي ينعقد لازما في إطلاقه نظر.
واحترز بالحرة عن المرقوقة ولو مكاتبة أو أم ولد وبالمكلفة عن الصغيرة والمجنونة، فلا يصح إلا بولي كما قدمه، وأما حديث أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل وحسنه الترمذي، وحديث لا نكاح إلا بولي رواه أبو داود وغيره، فمعارض بقوله (ص) الايم: أحق بنفسها من وليها رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ، والايم من لا زوج لها بكرا أو لا، فإنه ليس للولي إلا مباشرة العقد إذا رضيت، وقد جعلها أحق منه به، ويترجح هذا بقوة السند
والاتفاق على صحته، بخلاف الحديثين الاولين فإنهما ضعيفان أو حسنان، أو يجمع بالتخصيص، أو بأن النفي للكمال، أو بأن يراد بالولي من يتوقف على إذنه: أي لا نكاح إلا بمن له ولاية لينفي نكاح الكافر للمسلمة والمعتوهة والعبد والامة، والمراد بالباطل حقيقته على قول من لم يصحح ما باشرته من غير كف ء، أو حكمه على قول من يصححه: أي للولي أن يبطله وكل ذلك سائغ في إطلاقات النصوص ويجب ارتكابه لدفع المعارضة وتمام الكلام على ذلك مبسوط في الفتح: قوله: (والاصل الخ) عبارة البحر: والاصل هنا أن كل من يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه الخ فإنه يخرج الصبي المأذون، فإنه وإن جاز تصرفه في ماله لكن لا بولاية نفسه، لكن يرد على العكس المحجورة فإنها تملك النكاح وإن لم تملك التصرف في مالها على قولهما بالحجر على الحر فالاصل مبني على قول الامام.
تأمل.
قوله: (إذا كان عصبة) أي بنفسه، فلا يرد العصبة بالغير كالبنت مع الابن، ولا العصبة مع الغير كالاخت مع البنت كما في البحر ح.
قوله: (في غير الكف ء) أي في تزويجها نفسها من غير كف ء، وكذا له الاعتراض في تزويجها نفسها بأقل من مهر مثلها، حتى يتم مهر المثل أو يفرق القاضي كما سيذكره المصنف في باب الكفاءة.
قوله: (فيفسخه القاضي) فلا تثبت هذه الفرقة إلا بالقضاء لانه مجتهد فيه، وكل من الخصمين يتشبث بدليل، فلا ينقطع النكاح إلا بفعل القاضي، والنكاح قبله صحيح يتوارثان به إذا مات أحدهما قبل القضاء، وهذه(3/61)
الفرقة فسخ لا تنقص عدد الطلاق، ولا يجب عندها شئ من المهر إن وقعت قبل الدخول وبعده لها المسمى، وكذا بعد الخلوة الصحيحة، وعليها العدة ولها نفقة العدة لانها كانت واجبة.
فتح.
ولها أن لا تمكنه من الوطئ حتى يرضى الولي كما اختاره الفقيه أبو الليث، لان الولي عسى أن يفرق فيصير وطئ شبهة، وأما على المفتى به الآتي فهو حرام لعدم الانعقاد.
أفاده في البحر.
قوله: (ويتجدد) أي اعتراض الولي بتجدد النكاح، كما لو زوجها الولي بإذنها من غير كف ء فطلقها ثم زوجت نفسها منه ثانيا كان لذلك الولي التفريق، ولايكون الرضا بالاول رضا بالثاني.
فتح.
وقيد بتجديد النكاح لانه لو طلقها رجعيا ثم راجعها في العدة ليس للولي الاعتراض كما ذكره في
الذخيرة.
قوله: (ما لم يسكت حتى تلد) زاد لفظ يسكت للاشارة إلى أن سكوته قبل الولادة لا يكون رضا، وأن هذه ليست من المسائل التي نزل فيها السكوت منزلة القول كما ستأتي الاشارة إليها، ويفهم منه أنه لو لم يسكت بل خاصم حين علم فكذلك بالاولى، فافهم، لكن يبقى الكلام فيما لو لم يعلم أصلا حتى ولدت فهل له حق الاعتراض؟ ظاهر المتن لا، وظاهر الشرح نعم.
تأمل.
قوله: (لئلا يضيع الولد) أي بالتفريق بين أبويه، فإن بقاءهما مجتمعين على تربيته أحفظ له بلا شبهة، فافهم.
قوله: (وينبغي الخ) البحث لصاحب البحر ح.
قوله: (ويفتى في غير الكف ء الخ) قيد بذلك لئلا يتوهم عوده إلى قوله: فينفذ نكاح الخ وللاحتراز عما لو تزوجت بدون مهر المثل، فقد علمت أن للولي الاعتراض أيضا، والظاهر أنه لا خلاف في صحة العقد، وأن هذا القول المفتى به خاص بغير الكف ء كما أشار إليه الشارح، ولم أر من أجرى هذا القول في المسألتين، والفرق إمكان الاستدراك بإتمام مهر المثل، فلذا قالوا له الاعتراض حتى يتم مهر المثل أو يفرق القاضي، فإذا أتم المهر زال سبب الاعتراض، بخلاف عدم الكفاءة، هذا ما ظهر لي، فافهم.
قوله: (بعدم جوازه أصلا) هذه رواية الحسن عن أبي حنيفة، وهذا إذا كان لها ولي لم يرض به قبل العقد فلا يفيد الرضا بعده.
بحر.
وأما إذا لم يكن لها ولي فهو صحيح نافذ مطلقا اتفاقا كما يأتي، لان وجه عدم الصحة على هذه الرواية دفع الضرر عن الاولياء، أما هي فقد رضيت بإسقاط حقها.
فتح.
وقول البحر: لم يرض به يشمل ما إذا لم يعلم أصلا فلا يلزم التصريح بعدم الرضا بل السكوت منه لا يكون رضا كما ذكرنا.
فلا بد حينئذ لصحة العقد من رضاه صريحا، وعليه فلو سكت قبله ثم رضي بعده لا يفيد، فليتأمل.
قوله: (وهو المختار للفتوى) وقال شمس الائمة: وهذا أقرب إلى الاحتياط، كذا في تصحيح العلامة قاسم، لانه ليس كل ولي يحسن المرافعة والخصومة، ولا كل قاض يعدل، ولو أحسن الولي وعدل القاضي فقد يترك أنفة للتردد على أبواب الحكام، واستثقالا لنفس الخصومات فيتقرر الضرر فكان منعه دفعا له.
فتح.
قوله: (نكحت) نعت لمطلقة، وقوله: بلا رضا متعلق بنكحت، وقوله بعد ظرف للرضا، والضمير في معرفته للولي وفي إياه لغير الكف ء، وقوله: بلا رضا نفي منصب على المقيد الذي هو رضا الولي والقيد الذي هو بعد معرفته
إياه، فيصدق بنفي الرضا بعد المعرفة وبعدمها وبوجود الرضا مع عدم المعرفة، ففي هذه الصور الثلاثة لا تحل وإنما تحل في الصورة الرابعة وهي رضا الولي بغير الكف ء مع علمه بأنه كذلك ا ه ح.(3/62)
قلت: والانسب أن يقول مع علمه به عينا لما في البحر: لو قال الولي: رضيت بتزوجهامن غير كف ء، ولم يعلم بالزوج عينا هل يكفي؟ صارت حادثة الفتوى.
وينبغي لا يكفي لان الرضا بالمجهول لا يصح كما ذكره في الخانية فيما إذا استأذنها الولي ولم يسم الزوج فقال لان الرضا بالمجهول لا يتحقق، ولم أره منقولا ا ه.
وأقره في النهر لكن ليس على عمومه، لما سيأتي في كلام الشارح أنها لو فوضت الامر إليه يصح كقولها زوجني ممن تختاره ونحوه.
قال الخير الرملي: ومقتضاه أن الولي لو قال لها أنا راض بما تفعلين أو زوجي نفسك ممن تختارين ونحوه أنه يكفي، وهو ظاهر لانه فوض الامر إليها ولانه من باب الاسقاط ا ه.
قوله: (فليحفظ) قال في الحقائق شرح المنظومة النسفية: وهذا مما يجب حفظه لكثرة وقوعه ا ه.
وقال الكمال: لان المحلل في الغالب يكون غير كف ء، وأما لو باشر الولي عقد المحلل فإنها تحل للاول ا ه وفي البحر: وهذا كله إذا كان لها ولي، وإلا فهو صحيح مطلقا اتفاقا.
قوله: (وهو ظاهر الرواية) وبه أفتى كثير من المشايخ، فقد اختلف الافتاء.
بحر.
لكن علمت أن الثاني أقرب إلى الاحتياط.
قوله: (قبل العقد أو بعده) فيه أن الرضا قبل العقد يصح على كل من الاول والثاني، وأما المبني على الاول فقط فهو الرضا بعد العقد، فإنه يصح عليه لا على الثاني المفتى به كما قدمنا، عن البحر، وكلام المتن يوهم أنه على الثاني لا يكون رضا البعض كالكل، ولا وجه له، ولعل الشارح قصد بما ذكره دفع هذا الايهام.
تأمل.
قوله: (لثبوته لكل كملا) لانه حق واحد لا يتجزأ، لانه ثبت بسبب لا يتجزأ.
بحر.
قوله: (كولاية أمان وقود) فإذا أمن مسلم حربيا ليس لمسلم آخر أن يتعرض للحربي أو لماله، وإذا عفا أحد أولياء القصاص ليس لولي آخر طلبه ح.
قوله: (وسنحققه في الوقف) حيث زاد على ما هنا مما يقوم فيه البعض مقام الكل بعض مستحقي الوقف ينتصب خصما عن الكل، وكذا بعض الورثة، وكذا إثبات الاعسار في وجه أحد الغرماء، وولاية المطالبة بإزالة الضرر العام عن طريق المسلمين.
(ولا الخ) أي وإن لم يستووا في الدرجة، وقد رضي الابعد فللاقرب الاعتراض.
بحر عن قوله: (الفتح) وغيره.
قوله: (وإن لم يكن لها ولي الخ) أي عصبة كما مر، والاولى التعبير به، وهذا الذي ذكره المصنف من الحكم ذكره في الفتح بحثا بصيغة: ينبغي أخذا من التعليل بدفع الضرر عن الاولياء، وأنها رضيت بإسقاط حقها، وجزم به في البحر فتبعه المصنف، والظاهر أنه لو كان لها عصبة صغير فهو بمنزلة من لا ولي لها لانه لا ولاية له، وكذا لو كان عبدا أو كافرا كما سيشير إليه الشارح عند قوله الولي في النكاح العصبة الخ كما سنبينه هناك، وعلى هذا فلو بلغ أو عتق أو أسلم لا يتجدد له حق الاعتراض.
وأما لو كان لها عصبة غائب فهو كالحاضر، لان ولايته لا تنقطع، بدليل أنه لو زوج الصغيرة حيث هو صح، وإن كان لها ولي آخر حاضر على ما فيه من الخلاف كما سيأتي، والظاهر أيضا أن هذا في البالغة، أما الصغيرة فلا يصح لانها لم ترض بإسقاط حقها، ألا ترى أنها لو كان لها عصبة فزوجها غير كف ء لم يصح، فكذا إذا لم يكن لها عصبة، هذا كله ما ظهر لي تفقها من كلامهم ولم أره صريحا.
قوله: (مطلقا) أي سواء نكحت كفؤا أو غيره ح.
قوله: (اتفاقا) أي من القائلين برواية ظاهر المذهب والقائلين برواية الحسن المفتى بها.
قوله: (أي(3/63)
ولي له حق الاعتراض) يوهم أن الولي في قوله: وإن لم يكن لها ولي المراد به ما يشمل الارحام وليس كذلك كما علمت، فالمناسب ذكر هذا التفسير هناك ليعلم المراد في الموضعين، ويرتفع الايهام المذكور.
قوله: (ونحوه) بالرفع عطفا على قبضه أي ونحو قبض المهر كقبض النفقة، أو المخاصمة في أحدهما وإن لم يقبض، وكالتجهيز ونحوه.
فتح.
قوله: (إن كان الخ) كذا ذكره في الذخيرة، وأقره في البحر والنهر والشرح نبلالية وشرح المقدسي، وظاهره أن هذا شرط في الرضا دلالة فقط، وأن مجرد العلم بعدم الكفاءة لا يكفي هنا، بخلاف الرضا الصريح حيث يكفي فيه العلم فقط، لكن هذا مخالف لاطلاق المتون، ولم يذكره في الفتح ولا في كافي الحاكم الذي جمع كتب ظاهر الرواية، وأيضا فوجهه غير ظاهر، إلا أن يكون الفرق انحطاط رتبة الدلالة عن الصريح، فليتأمل.
وصورة المسألة: أن تكون هذه المرأة تزوجت غير كف ء فخاصم الولي وأثبت عند القاضي
عدم الكفاءة، فقبض الولي المهر قبل التفريق أو فرض القاضي بينهما ثم تزوجته ثانيا بلا إذن الولي فقبض المهر.
قوله: (كما لا يكون الخ) مكرر بقوله المار ما لم يسكت حتى تلد.
قوله: (وأما تصديقه الخ) قال في البحر: قيد بالرضا لان التصديق بأنه كف ء من البعض لا يسقط حق من أنكرها.
قال في المبسوط: لو ادعى أحد الاولياء أن الزوج كف ء وأثبت الآخر أنه ليس بكف ء يكون له أن يطالبه بالتفريق، لان المصدق ينكر سبب الوجو ب، وإنكار سبب الشئ لا يكون إسقاطا له ا ه.
وفي الفوائد التاجية: أقام وليها شاهدين بعدم الكفاءة وأقام زوجها بالكفاءة، لا يشترط لفظ الشهادة لانه إخبار ا ه.
قوله: (ولا تجبر البالغة) ولا الحر البالغ والمكاتب والمكاتبة ولو صغيرين.
ح عن القهستاني.
قوله: (البكر) أطلقها فشمل ما إذا كانت تزوجت قبل ذلك، وطلقت قبل زوال البكارة فتزوج كما تزوج الابكار، نص عليه في الاصل.
بحر.
قوله: (وهو السنة) بأن يقول لها قبل النكاح فلان يخطبك أو يذكرك فسكتت، وإن زوجها بغير استئمار فقد أخطأ السنة وتوقف على رضاها.
بحر عن المحيط.
واستحسن الرحمتي ما ذكره الشافعية من أن السنة في الاستئذان أن يرسل إليها نسوة ثقات ينظرن ما في نفسها، والام بذلك أولى لانها تطلع على ما لا يطلع عليه غيرها ا ه.
قوله: (أو وكيله أو رسوله) الاول أن يقول: وكلتك تستأذن لي فلانة في كذا والثاني أن يقول: اذهب إلى فلانة وقل لها إن أخاك فلانا يستأذنك في كذا.
قوله: (وأخبرها رسوله الخ) أفاد أن قول المصنف أو زوجها محمول على ما إذا زوجها في غيبتها، وهذا وإن كان خلاف المتبادر منه، لكن يرجحه دفع التكرار مع قوله الآتي وكذا إذا زوجها عندها فسكتت.
وفي البحر: واختلف فيما إذا زوجها غير كف ء فبلغها فسكتت، فقالا لا يكون رضا.
وقيل في قول أبي حنيفة: يكون رضا، إكان المزوج أبا أو جدا، وإن كان غيرهما فلا، كما في الخانية أخذا من مسألة الصغيرة المزوجة من غير كف ء اه.
قال في النهر: وجزم في الدراية بالاول بلفظ(3/64)
قالوا: قوله: (أو فضولي عدل) الشرط في الفضولي العدالة أو العدد، فيكفي إخبار واحد عدل أو
مستورين عند أبي حنيفة، ولا يكفي إخبار واحد غير عدل، ولها نظائر ستأتي في متفرقات القضاء.
قوله: (فسكتت) أي البكر البالغة، بخلاف الابن الكبير فلا يكون سكوته رضا حتى يرضى بالكلام.
كافي الحاكم.
قوله: (عن رده) قيد به إذ ليس المراد مطلق السكوت، لانها لو بلغها الخبر فتكلمت بأجنبي فهو سكوت هنا فيكون إجازة، فلو قالت الحمد لله اخترت نفسي، أو قالت: هو دباغ لا أريده، فهذا كلام واحد فهو رد.
بحر.
قوله: (مختارة) أما لو أخذها عطاس، أو سعال حين أخبرت، فلما ذهب قالت لا أرضى، أو أخذ فمها ثم ترك فقالت ذلك، صح ردها لان سكوتها كان عن اضطرار.
بحر.
قوله: (غير مستهزئة) وضحك الاستهزاء لا يخفى على من يحضره، لان الضحك إنما جعل إذنا لدلالته على الرضا، فإذا لم يدل على الرضا لم يكن إذنا.
بحر وغيره.
قوله: (أو بكت بلا صوت) هو المختار للفتوى لانه حزن على مفارقة أهلها.
بحر: أي وإنما يكون ذلك عند الاجاز.
معراج.
قوله: (فما في الوقاية والملتقى) أي من أنه هو والبكاء بلا صوت إذن ومعه رد.
قوله: (فيه نظر) أي لمخالفته لما في المعراج، ولا يخفى ما فيه، فإن ما في الوقاية والملتقى ذكر مثله في النقاية والاصلاح والمتون مقدمة على الشروح.
وفي الشارح الجامع الصغير لقاضيخان: وإن بكت كان ردا في إحدى الروايتين عن أبي يوسف، وعنه في رواية: يكون رضا.
قالوا: إن كان البكاء عن صوت وويل لا يكون رضا، وإن كان عن سكوت فهو رضا ا ه.
وبه ظهر أن أصل الخلاف في أن البكاء هل هو رد أو لا، وقوله قالوا الخ توفيق بين الروايتين، فمعنى لا يكون رضا أنه يكون ردا كما فهمه صاحب الوقاية وغيره، وصرح به أيضا في الذخيرة حيث قال بعد حكاية الروايتين: وبعضهم قالوا إن كان مع الصياح والصوت فهو رد، وإلا فهو رضا، وهو الاوجه وعليه الفتوى ا ه.
كيف والبكاء بالصوت والويل قرينة على الرد وعدم الرضا، وعن هذا قال في الفتح بعد حكاية الروايتين: والمعول اعتبار قرائن الاحوال في البكاء والضحك، فإن تعارضت أو أشكل احتيط ا ه.
فقد ظهر لك أن ما في المعراج ضعيف لا يعول عليه.
قوله: (فهو إذن) أي وإن لم تعلم أنه إذن كما في الفتح.
قوله: (أي توكيل في الاول) أي فيما إذا استأذنها قبل العقد حتى لو قالت بعد ذلك لا أرضى ولم يعلم به الولي فزوجها صح كما في
الظهيرية، لان الوكيل لا ينعزل حتى يعلم.
بحر.
قوله: (فلو تعدد المزوج الخ) عبارة البحر: ولو زوجها وليان متساويان كل واحد منهما من رجل فأجازتهما معا بطلا لعدم الاولوية، وإن سكتت بقيا موقوفين حتى تجيز أحدهما بالقول أو بالفعل، وهو ظاهر الجواب كما في البدائع ا ه.
ولا يخفى أن هذا في الاجازة والكلام الآن في التوكيل: أي الاذن قبل العقد، لكن الظاهر أن الحكم لا يختلف في الموضعين إن زوجاها معا بعد الاستئذان، أما لو استأذناها فسكتت فزوجاها متعاقبا من رجلين ينبغي أن يصح السابق منهما لعدم المزاحم، فافهم.
قوله: (وإجازة) عطف على توكيل، وقوله في الثاني أي فيما استأذنها بعد العقد، وهذا هو الاصح.
وفي رواية: لا يكون(3/65)
السكوت بعد العقد رضا كما بسطه في الفتح، وقدمنا الخلاف أيضا فيما إذا زوجها غير كف ء فبلغها فسكتت.
قوله: (لا لو بطل بموته) لان الاجازة شرطها قيام العقد.
بحر.
قوله: (فالقول لها) لان الاصل أن المسلم المكلف لا يعقد إلا العقد الصحيح النافذ.
قوله: (فالقول لهم) لانها أقرت أن العقد وقع غير تام، ثم ادعت النفاذ بعد ذلك فلا يقبل منها لمكان التهمة.
بحر.
وحينئذ فلا ترث وهل تعتد؟ فإن كانت صادقة في نفس الامر، فلا شك في وجوب العدة عليها ديانة وإلا فلا، نعم لو أرادت أن تتزوج تمنع مؤاخذة لها بقولها، وأما لو تزوجت ففي الذخيرة: لو تزوجت المرأة ثم ادعت العدة فقال الزوج: تزوجتك بعدها فالقول قوله لانه يدعي الصحة ا ه.
فلعله يقال هنا كذلك، لان أقرارها السابق لم يثبت من كل وجه، هذا ما ظهر لي.
قوله: (وقولها غيره) أي غير هذا الزوج.
قوله: (رد قبل العقد لا بعده) فرقوا بينهما بأنه يحتمل الاذن وعدمه فقبل النكاح لم يكن النكاح، فلا يجوز بالشك، وبعده كان فلا يبطل بالشك، كذا في الظهيرية وهو مشكل، لانه لا يكون نكاحا إلا بعد الصحة، وهي بعد الاذن فالظاهر أنه ليس بإذن فيهما.
بحر.
وأصل الاشكال لصاحب الفتح.
وأجاب عنه المقدسي بأن العقد إذا وقع ثم ورد بعده ما يحتمل كونه تقريرا له وكونه ردا ترجح بوقوعه احتمال التقرير، وإذا ورد قبله ما يحتمل الاذن وعدمه ترجح الرد لعدم وقوعه فيمنع من إيقاعه لعدم تحقق الاذن فيه.
قوله: (ولو زوجها لنفسه الخ) محترز قول المصنف أو زوجها أي
أن الولي لو تزوجها كابن العم إذا تزوج بنت عمه البكر البالغ بغير إذنها فبلغها فسكتت لا يكون رضا، لانه كان أصيلا في نفسه فضوليا في جانب المرأة فلم يتم العقد في قول أبي حنيفة ومحمد فلا يعمل الرضا، ولو استأمرها في التزويج من نفسه فسكتت، جاز إجماعا.
بحر عن الخانية.
والحاصل: أن الفضولي ولو من جانب إذا تولى طرفي العقد لا يتوقف عقده على الاجازة عندهما بل يقع باطلا، بخلاف ما لو باشر العقد مع غيره من أصيل أو ولي أو وكيل أو فضولي آخر فإنه يتوقف اتفاقا كما سيأتي في آخر باب الكفاءة.
قوله: (فسكتت) أما لو قالت حين بلغها قد كنت قلت إني لاأريد فلانا ولم تزد على هذا، لم يجز النكاح لانها أخبرت أنها على إبائها الاول.
ذخيرة.
قوله: (بخلاف ما لو بلغها الخ) لان نفاذ التزويج كان موقوفا على الاجازة، وقد بطل بالرد، والرد في الاول كان للاستئذان لا للتزوج العارض بعده، لكن قال في الفتح: الاوجه عدم الصحة، لان ذلك الرد الصريح يضعف كون ذلك السكوت دلالة الرضا ا ه.
وأقره في بحر.
وقد يقال: إنه قد تكون علمت بعد ذلك بحسن حاله، وقد يكون ردها الاول حياء لما علمته من أن الغالب إظهار النفرة عند فجأة السماع، ولو كانت على امتناعها الاول صرحت بالرد كما صرحت به أولا ولم تستح منه.
قوله: (إن عرف) بالبناء للمجهول ونائب الفاعل ضمير المرأة والذي في البحر: إن عرفت.(3/66)
قوله: (والمهر) ينبغي أن يكون على الخلاف كما في مسألة المتن الآتية ح.
قوله: (واستشكله في البحر الخ) يؤيده ما قدمناه أول النكاح في أن قوله: زوجني توكيل أو إيجاب.
عن الخلاصة: لو قال الوكيل هب ابنتك لفلان فقال وهبت لا ينعقد ما لم يقل الوكيل بعده قبلت، لان الوكيل لا يملك التوكيل ا ه.
فهذا يدل على أن الوكيل ليس له التوكيل في النكاح، وأنه ليس من المسائل التي استثنوها من هذه القاعدة.
وقال الرحمتي هناك وفي حاشية الحموي على الاشباه عن كلام محمد في الاصل: إن مباشرة وكيل الوكيل بحضرة الوكيل في النكاح لا تكون كمباشرة الوكيل بنفسه، بخلافه في البيع.
وفي مختصر عصام أنه جعله كالبيع، فمباشرته بحضرته كمباشرته بنفسه ا ه.
فيمكن أن يكون ما في القنية مفرعا على رواية عصام، لكن الاصل وهو المبسوط من كتب ظاهر الرواية
فالظاهر عدم الجواز، فافهم.
قوله: (ولو في ضمن العام) وكذا لو سمى لها فلانا أو فلانا فسكتت فله أن يزوجها من أيهما شاء، بحر.
قوله: (لو يحصرن) عبارة الفتح: وهم محصورون معروفون لها ا ه.
ومقتضاها أنها لو لم تعرفهم لم يصح وإن كانوا محصورون.
قوله: (وإلا لا) كقوله أزوجك من رجل أو من بني تميم.
بحر.
قوله: (ما لم تفوض له الامر) أما إذا قالت أنا راضية بما تفعله أنت بعد قوله إن أقواما يخطبونك أو زوجني ممن تختاره ونحوه، فهو استئذان صحيح كما في الظهيرية وليس له بهذه المقالة أن يزوجها من رجل ردت نكاحه أولا، لان المراد بهذا العموم غيره كالتوكيل بتزويج امرأة ليس للوكيل أن يزوجه مطلقته إذا كان الزوج شكا منها للوكيل وأعلمه بطلاقها، كما في الظهيرية.
بحر.
قوله: (لا العلم بالمهر) أشار بتقدير العلم إلى أن المصنف راعى المعنى في عطفه المهر على التزوج، وأصل التركيب بشرط العلم بالزوج لا المهر ح.
قوله: (وقيل يشترط) أشار إلى ضعفه، وإن قال في الفتح: إنه الاوجه، لان صاحب الهداية صحح الاول، وقال في البحر: إنه المذهب لقول الذخيرة: إن إشارات كتب محمد تدل عليه ا ه.
قلت: وعلى القول باشتراط تسميته يشترط كونه مهر المثل، فلا يكون السكوت رضا بدونه كما في البحر عن الزيلعي.
وبقي على القول بعدم الاشتراط، فهل يشترط أن يزوجها بمهر المثل؟ حتى لو نقص عنه لم يصح العقد إلا برضاها صارت حادثة الفتوى.
ورأيت في الحادي عشر من البزازية: وإن لم يذكر المهر فزوج الوكيل بأكثر من مهر المثل بما لا يتغابن الناس فيه أو بأقل من المثل بما لا يتغابن فيه الناس صح عنده خلافا لهما.
لكن للاولياء حق الاعتراض في جانب المرأة دفعا للعار عنهم ا ه.
أي إذا رضيت بذلك، ومقتضاه أنه إذا كان الوكيل هو الولي كما في حادثتنا ورضيت به صح وإلا فلا.
تأمل.
قوله: (وما صححه في الدرر) أي من التفصيل، وهو أن الولي إن كان أبا أو جدا فذكر الزوج يكفي، لان الاب لو نقص عن مهر المثل لا يكون إلا لمصلحة تزيد عليه، وإن كان غيرهما فلا بد من تسمية الزوج والمهر.
قوله: (عن الكافي) أي ناقتصحيحه عن الكافي، فافهم.
قوله: (رده الكمال) بقوله: وما ذكر من التفصيل ليس بشئ، لان ذلك في تزويجه الصغيرة بحكم الجبر، والكلام في الكبيرة التي وجف(3/67)
مشاورته لها.
والاب في ذلك كالاجنبي.
قوله: (إن علمته) أي الزوج، وأما المهر ففيه ما مر آنفا كما نبه عليه في البحر قوله: (في سبع وثلاثين مسألة مذكورة في الاشباه) أي في قاعدة لا ينسب إلى ساكت قول.
ذكر المحشي عبارته بتمامها، وزاد عليها ط عن الحموي مسائل أخر سيذكرها الشارح في الفوائد التذكرها بين كتاب الوقف وكتاب البيوع، وسيأتي الكلام عليها كلها هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (كأجنبي) المراد به من ليس له ولاية، فشمل الاب إذا كان كافرا أو عبدا أو مكاتبا، لكن رسول الولي قائم مقامه فيكون سكوتها رضا عند استئذانه كما في الفتح، والوكيل كذلك كما في البحر عن القنية قوله: (أو ولي بعيد) كالاخ مع الاب إذا لم يكن الاب غائبا غيبة منقطعة كما في الخانية.
قوله: (فلا عبرة لسكوتها) عن الكرخي يكفي سكوتها.
فتح.
قوله: (كالثيب البالغة) أما الصغيرة فلا استئذان في حقها، كالبكر الصغيرة.
فتح.
قوله: (إلا في السكوت) حيث يكون سكوت البكر البالغة إذنا في حق الولي الاقرب، ولا يكون إذنا في الثيب البالغة مطلقا، والاستثناء منقطع، لان قول المصنف كالثيب تشبيه بالبكر التي استأذنها غير الاقرب، وهذه لا فرق بينها وبين الثيب البالغة في السكوت.
قوله: (لان رضاهما يكون بالدلالة الخ) أشار إلى ما أورده الزيلعي على الكنز وغيره، من أن رضاهما لا يقتصر على القول، فإنه لا فرق بينهما في اشتراط الاستئذان والرضا، وفي أن رضاهما قد يكون صريحا وقد يكون دلالة، غير أن سكوت البكر رضا دلالة لحيائها دون الثيب، لان حياءها قد قل بالممارسة فتخلص المصنف عن ذلك بزيادة قوله أو ما هو في معناه الخ لكن أجاب في الفتح بأن الحق أن الكل من قبيل القول، إلا التمكين فيثبت دلالة لانه فوق القول: أي لانه إذا ثبت الرضا بالقوم يثبت بالتمكين من الوطئ بالاولى لانه أدل على الرضا واعترضه في البحر بأن قبول التهنئة ليس بقول بل سكوت، زاد في النهر: ولهذا عدوه في مسائل السكوت.
قلت: وفيه نظر لان مقتضى كلام الفتح أن المراد بقبول التهنئة ما يكون قولا باللسان لا مجرد السكوت، لان مراده إدخال الجميع تحت القول، ولذا لم يستثن إلا التمكين.
ولا ينافيه قوله من
قبيل القول، لان مراده أنه من قبيل القول الصريح بالرضا مثل قولها رضيت ونحوه، بدليل أنه قال قبله: إنه يكون إما بالقول كنعم ورضيت وبارك الله لنا وأحسنت، أو بالدلالة كطلب المهر أو النفقة الخ.
ثم قال: والحق أن الكل من قبيل القول: أي من قبيل القول الذي ذكره، وأما قوله في النهر: ولهذا الخ، ففيه أن المذكور في مسائل السكوت قولهم إذا سكت الاب ولم ينف الولد مدة التهنئة لزمه ومعناه سكت عن نفي الولد لا عن جواب التهنئة.
وما الجواب عن اعتراض البحر بأن قول الفتح: إنه من قبيل القول: أي لا من القول حقيقة بل هو منزل منزلته، فلا يرد السكوت عند التهنئة، ففيه أنه لو كان مراده ذلك لم يحتج إلى استثناء التمكين ولم يكن دفع لما أورده الزيلعي، لان الزيلعي يقول: إن الدلالة بمنزلة القول في الالزام، فافهم، نعم الذي يظهر ما قاله الزيلعي، لان الظاهر أن طلب المهر ونحوه لا يلزم أن يكون بالقول، ولذا عبر الشارح بقوله: من فعل يدل على الرضا، ومقتضاه أن قبض المهر ونحوه رضا كما مر من(3/68)
جعله رضا دلالة في حق الولي، وبه صرح في الخانية بقوله: الولي إذا زوج الثيب فرضيت بقلبها ولم تظهر الرضا بلسانها، كان لها أن ترد لان المعتبر فيها الرضا باللسان أو الفعل الذي يدل على الرضا نحو التمكين من الوطئ وطلب المهر وقبول المهر دون قبول الهدية، وكذا في حق الغلام ا ه.
قوله: (ودخوله بها الخ) هذا مكرر، والظاهر أنه تحريف والاصل وخلوته بها فإن الذي في البحر عن الظهيرية: ولو خلا بها برضاها هل يكون إجازة؟ لا رواية لهذه المسألة، وعندي أن هذا إجازة ا ه.
وفي البزازية: الظاهرة أنه إجازة قوله: (والضحك سرورا) احتراز عن الضحك استهزاء.
قال في البحر: وأما الضحك فذكر في فتح القدير أولا أنه كالسكوت لا يكفي، وسلم هنا أنه يكفي وجعلمن قبيل القول لانه حروف ا ه.
قلت: وما هنا هو الموافق لما صرح به الزيلعي وغيره.
قوله: (ونحو ذلك) كقبول المهر كما مر عن الخانية، والظاهر أن مثله قبول النفقة.
قوله: (بخلاف خدمته) أي إن كانت تخدمه من قبل، ففي البحر عن المحيط والظهيرية: ولو أكلت من طعامه أو خدمته كما كانت فليس برضا دلالة.
قوله: (أي نطة) هي من فوق إلى أسفل، والطفرة عكسها.
قوله: (أي كبر) أي بلا تزويج في النهر عن الصحاح، يقال: عنست الجارية تعنس بضم النون عنوسا وعناسا فهي عانس: إذا طال مكثها بعد إدراكها في منزل أهلها حتى خرجت عن عداد الابكار.
قوله: (بكر حقيقة) خبر من وفي الظهيرية: البكر اسم لامرأة لم تجامع بنكاح ولا غيره ا ه.
لان مصيبها أول مصيب لها، ومنه الباكورة لاول الثمار، والبكرة بضم الباء لاول النهار، وحاصل كلامهم أن الزائل في هذه المسائل العذرة: أي الجلدة التي على المحل لا البكارة فكانت بكرا حقيقة وحكما، ولذا تدخل في الوصية لابكار بني فلان، ولا يرد الجارية لو شريت على أنها بكر، فوجدت زائلة العذرة بشئ من ذلك له ردها، لان المتعارف من اشتراط البكارة صفة العذرة.
أفاده في البحر.
قوله: (كتفريق بجب) أي كذات تفريق الخ ط.
وهو تنظير في كونها بكرا حقيقة وحكما لا تمثيل، فلا يرد أن هذه ما زالت عذرتها، فكيف يشبهها بمن زالت عذرتها؟ ح.
قوله: (أو طلاق) عطف على تفريق لا على جب ح.
قوله: (بعد خلوة) يصلح ظرفا للتفريق والطلاق والموت، لكن لما كان قوله قبل الوطئ ظرفا للاخيرين فقط، لعدم إمكان الوطئ في الاول: أما في الجب فظاهر، وأما في العنة فلان الوطئ يمنع التفريق كان الانسب تعلقه بالاخيرين فقط، وفهم من قوله بعد خلوة أنه لو وقع الطلاق أو الموت قبل الخلوة كانت بكرا حقيقة وحكما بالاولى، وقيد بقوله: قبل وطئ لانها بعد الوطئ ثيب حقيقة وحكما ا ه ح.
قوله: (وهذه فقطبكر حكما) أراد بالحكمي ما ليس بحقيقي بدلالة المقابلة، كما هو المتبادر، ولذا حاول الشارح في عبارة المصنف فقدر خبرا لمن ومبتدأ لبكر، وإلا فعبارة المصنف في نفسها صحيحة، لان الحقيقي حكمي أيضا، والحكمي أعم لانه قد يكون غير حقيقي، ولكن لما كان المتبادر من إطلاق الحكمي إرادة ما ليس بحقيقي أول عبارة المصنف ولم يقل بكر حكما فقط لما قلنا، فافهم.
قوله: (إن لم يتكرر ولم تحد به) هذا معنى قولهم: إن لم يشتهر زناها يكتفى(3/69)
بسكوتها، لان الناس عرفوهابكرا، فيعيبونها بالنطق، فيكتفى بسكوتها كي لا تتعطل عليها مصالحها، وقد ندب الشارع إلى ستر الزنى فكانت بكرا شرعا، بخلاف ما إذا اشتهر زناها.
قوله:
(وإلا) صادق بثلاث صور: ما إذا تكرر منها الزنا ولم تحد، أو حدت ولم يتكرر، أو تكرر وحدت ح.
قوله: (كموطوءة بشبهة) أي فإنها تثيب حقيقة وحكما ح.
قوله: (أو نكاح فاسد) عطف على بشبهة أي وكموطوءة بنكاح فاسد، فافهم.
أما إذا لم توطأ فيه فهي بكر حقيقية وحكما كما في النكاح الصحيح ط.
قوله: (وقالت رددت) أي ولم يوجد منها ما يدل على الرضا كما في الشرنبلالية ط.
قوله: (ولابينة لهما) قيد به لان أيهما أقام البينة قبلت بينته.
بحر.
وإن أقاماها فيأت في قوله ولو برهنا.
قوله: (ولم يكن دخل بها طوعا) بأن لم يدخل أو دخل كرها، واحترز به عما إذا دخل بها طوعا حيث لا تصدق في دعوى الرد في الاصح، لان التمكين من الوطئ كالاقرار، وعن هذا صحيح في الولوالجية أنها لو أقامت بعد الدخول البينة على الرد لم تقبل، لكن في حاشية الغزي على الاشباه أنه وقع اختلاف التصحيح في قبول بينتها بعد الدخول على أنها كانت ردت النكاح قبل الاجازة، ففي البزازية أن المذكور في الكتب أنها تقبل، وصحح في الواقعات عدمه لتناقضها في الدعوى، والصحيح القبول لانه وإن بطلت الدعوى فالبينة لا تبطل لقيامها على تحريم الفرج، والبرهان عليه مقبول بلا دعوى.
قال الغزي: وقد ألف شيخنا العلامة علي المقدسي فيها رسالة اعتمد فيها تصحيح القبول.
قوله: (فالقول قولها) لانه يدعي لزوم العقد وملك البضع والمرأة تدفعه، فكانت منكرة، ولا يقبل قول وليها عليها بالرضا لانه يقر عليها بثبوت الملك، وإقراره عليها بالنكاح بعد بلوغها غير صحيح، كذا في الفتح، وينبغي أن لا تقبل شهادته لو شهد مع آخر بالرضا لكونه ساعيا في إتمام ما صدر منه فهو متهم ولم أره منقولا.
بحر.
قلت: وفي الكافي للحاكم الشهيد: وإذا زوج الرجل ابنته فأنكرت الرضا فشهد عليها أبوها وأخوها لم يجز ا ه.
فتأمل.
ثم اعلم أنه ذكر في البحر في باب المهر عند الكلام على النكاح الفاسد ما نصه: وإذا دعت فساده وهو صحته فالقول له، وعلى عكسه فرق بينهم وعليها العدة ولها نصف المهر إن لم يدخل، والكل إن دخل، كذا في الخانية.
وينبغي أن يستثنى منه ما ذكره الحاكم الشهيد في الكافي من أنه لو ادعى أحدهما أن النكاح كان في صغره فالقول قوله، ولا نكاح بينهما، ولا مهر لها إن لم يكن
دخل بها قبل الادراك ا ه ما في البحر.
قلت: وقد علل الاخيرة في البزازية عن المحيط بقوله: لاختلافهما في وجود العقد، وعللها في الذخيرة بقوله: لان النكاح في حالة الصغر قبل إجازة الولي ليس بنكاح معنى الخ، وذكر قبله أن الاختلاف لو في الصحة والفساد فالقول لمدعي الصحة بشهادة الظاهر، ولو في أصل وجود العقد فالقول لمكنر الوجود.
قلت: وعلى هذا فلا استثناء، لان ما في الخانية من الاول، وما في الكافي من الثاني، ولعل وجه قوله في الخانية: وعلى عكسه فرق بينهما الخ، كونه مؤاخذا بإقراره فيسري عليه، ولذا كان لها المهر.
ثم إن الظاهر أن ما نحن فيمن قبيل الاختلاف في أصل وجود العقد، لان الرد صير(3/70)
الايجاب بلا قبول، وكذا المسألة الآتية، هذا ما ظهر لي.
قوله: (على المفتى به) وهو قولهما وعنده لا يمين عليها، كما سيأتي في الدعوى في الاشياء الستة.
بحر.
قوله: (لانه وجودي الخ) جواب عما يقال: إن بينته على سكوتها بينة على النفي، وهي غير مقبولة، فأجاب بأن السكوت وجودي لانه عبارة عن ضم الشفتين ويلزم منه عدم الكلام، كما في المعراج.
زاد في البحر: أو هو نفي يحيط به علم الشاهد فيقبل، كما لو ادعت أزوجها تكلم مما هو ردة في مجلس، فبرهن على عدم التكلم فيه تقبل، وكذا إذا قال الشهود كنا عندها ولم نسمعها تتكلم ثبت سكوتها كما في الجوامع ا ه.
ولا يخفى أالجواب الاول مبني على المنع، والثاني على التسليم، وبحث في الاول في السعدية بما في شرح العقائد، من أن السكوت ترك الكلام، وأقره عليه في النهر.
قلت: ويمكن الجواب بأن هذا تفسير باللازم، وبحث في الثاني أيضا بأنه مخالف لما في أيمان الهداية من باب اليمين في الحج والصلاة، من أن الشهادة على النفي غير مقبولة مطلقا، أحاط به علم الشاهد أو لا ا ه.
وكذا قال في البحر هناك.
الحاصل: أن الشهادة على النفي المقصود لا تقبل، سواء كان نفيا صورة أو معنى، وسواء أحاط به علم الشاهد أو لا ا ه.
قلت: وهذا في غير الشروط، فلو قال: إن لم أدخل الدار اليوم فكذا فشهدا أنه دخلها، تقبل.
قوله: (فبينتها أولى) لاثبات الزيادة: أعني الرد فإنه زائد على السكوت.
بحر.
قوله: (إلا أن يبرهن على رضاها أو إجازتها) أي فتترجح بينته لاستوائهما في الاثبات وزيادة بينته بإثبات اللزوم، كذا في الشروح، وعزاه في النهاية للتمرتاشي، وكذا هو في غير كتاب من الفقه، لكن في الخلاصة عن أدب القاضي للخصاف أن بينتها أولى، ففي هذه الصورة اختلاف المشايخ، ولعل وجهه أن السكوت لما كان مما تتحقق الاجازة به لم يلزم من الشهادة بالاجازة كونها بأمر زاد على السكوت ما لم يصرحوا بذلك، كذا في الفتح وتبعه في البحر، واستفيد منه التوفيق بين القولين بحمل الاول على ما إذا صرح الشهود بأنها قالت: أجزت أو رضيت، وحمل الثاني على ما إذا شهدوا بأنها أجازت أو رضيت لاحتمال إجازتها بالسكوت، فافهم.
قوله: (كما لو زوجها الخ) أي أن الاختلاف في البلوغ كالاختلاف في السكوت كما في النهر قوله: (مثلا) فالمراد الولي المجبر قوله: (فإن القول لها) لانها إذا كانت مراهقة كان المخبر به يحتمل الثبوت فيقبل خبر ها لانها منكرة وقوع الملك عليها.
عن البحر.
قوله: (إن ثبت أن سنها تسع) تفسير للمراهقة كما يدل عليه كلام المنح ح.
قوله: (وكذا لو ادعى المراهق بلوغه) بأن باع أبوه ماله فقال الابن أنا بالغ ولم يصح البيع وقال المشتري والاب إنه صغير، فالقول للابن لانه ينكر زوال ملكه، وقد قيبخلافه، والاول أصح.
بحر عن الذخيرة.
قوله: (ولو برهنا الخ) ذكره في البزازية عقب المسألة الاولى، وكأن الشارح أخره ليفيد أن الحكم كذلك في المسألتين، فافهم.
استشكل بعض المحشين تصور البرهان على البلوغ.(3/71)
قلت: وهو ممكن بالحبل أو الاحبال أو سن البلوغ أو رؤية الدم أو المني كما في الشهادة على الزنى.
قوله: (على الاصح) راجع لمسألة المراهقة والمراهق، فقد نقل التصحيح فيهما في البحر عن الذخيرة.
قوله: (بخلاف قول الصغيرة) أي التي زوجها غير الاب والجد، أما من زوجاها فلا خيار لها ط.
قوله: (ردت حين بلغت الخ) أي قالت بعدما بلغت: رددت النكاح واخترت نفسي، حين أدركت، لم يقبل قولها لان الملك ثابت عليها، وتريد بذلك إبطال الثابت عليها كما في
الذخيرة، فافهم وبهذا علم أن قولها ذلك بعد البلوغ، وكأنه سماها صغيرة باعتبار ما كان زمن العقد: أي المتحقق صغرها وقته، بخلاف المراهقة المحتمل بلوغها وقته.
قوله: (ولو حالة البلوغ) بأن قالت عند القاضي أو الشهود: أدركت الآن وفسخت فإنه يصح كما يأتي بيانه.
قوله: (وللولي الآتي بيانه) أي في قوله الولي في النكاح العصبة بنفسه الخ واحترز به عن الولي الذي له حق الاعتراض فإنه يخص العصبة كما مر، وعن الوصي غير القريب كما مر ويأتي أيضا.
قوله: (إنكاح الصغير والصغيرة) قيد بالانكاح لان إقراره به عليهما لا يصح إلا بشهود، أو بتصديقهما بعد البلوغ كما سيذكره المصنف آخر الباب ولو قال: وللولي إنكاح غير المكلف والرقيق لشمل المعتوه ونحوه.
تتمة: ليس لغير الاب والجد أن يسلم الصغيرة قبل قبض ما تعورف قبضه من المهر، ولو سلمها الاب له أن يمنعها.
أفاده ط.
وتمامه في البحر.
قلت: وليس له تسليمها للدخول بها قبل إطاقة الوطئ ولا عبرة للسن كما سيذكره الشارح في آخر باب المهر.
قوله: (ولو ثيبا) صرح به لخلاف الشافعي، فإن علة الاجبار عنده البكارة، وعندنا العجز بعدم العقل أو نقصانه وتوضيحه في كتب الاصول.
قوله: (كمعتوه ومجنون) أي ولو كبيرين، والمراد كشخص معتوه الخ، فيشمل الذكر والانثى.
قال في النهر: فللولي إنكاحهما إذا كان الجنون مطبقا وهو شهر على ما عليه الفتوى، وفي منية المفتي: بلغ مجنونا أو معتوها تبقى ولاية الاب كما كانت، فلو جن أو عته بعد البلوغ تعود في الاصح.
وفي الخانية زوج ابنه البالغ بلا إذنه فجن، قالوا: ينبغي للاب أن يقول أجزت النكاح على ابني لانه يملك إنشاءه بعد الجنون.
قوله: (ولزم النكاح) أي بلا توقف على إجازة أحد وبلا ثبوت خيار في تزويج الاب والجد والمولى، وكذا الابن على ما يأتي.
قوله: (ولو بغبن فاحش) هو ما لا يتغابن الناس فيه: أي لا يتحملون الغبن فيه احترازا عن الغبن اليسير، وهو ما يتغابنون فيه: أي يتحملونه.
قال في الجوهرة: والذي يتغابن فيه الناس ما دون نصف المهر، كذا قاله شيخنا موفق الدين.
وقيل ما دون العشر ا ه.
فعلى الاول الغبن الفاحش هو النصف فما فوقه، وعلى الثاني العشر فما فوقه.
تأمل.
قوله: (بنقص) الباء لتصوير
الغبن: أي أن الغبن يتصور في جانب الصغيرة بالنقص عن مهر المثل، وفي جانب الصغير بالزيادة.
قوله: (أو زوجها بغير كف ء) بأن زوج ابنه أمة أو ابنته عبدا، وهذا عند الامام.
وقالا: لا يجوز أن يزوجها غير كف ء، ولا يجوز الحط ولا الزيادة إلا بما يتغابن الناس.
ح عن المنح.
ولا ينبغي ذكر(3/72)
المثال الاول لان الكفاءة غير معتبرة في جانب المرأة للرجل.
أفاده في الشرنبلالية، ونحوه في ط.
قلت: وعن هذا قال الشارح: أو زوجها مضافا إلى ضمير المؤنثة مع تعميمه في الغبن الفاحش بقوله: بنقص مهرها وزيادة مهره فلله دره ما أمهره، فافهم، لكن في هذا كلام نذكره قريبا.
قوله: (المزوج بنفسه) احترز به عما إذا وكل وكيلا بتزويجها، وسيأتي بيانه قريبا ح.
قوله: (بغبن) كان عليه أن يقول أو بغير كف ء ولو قال المزوج بنفسه على الوجه المذكور كما قال في المنح لسلم من هذا ح.
قوله: (وكذا المولى) أي إذا زوج الصغير أو الصغيرة المرقوقين ثم أعتقهما ثم بلغا، فإن نكاحهما لازم ولو من غير كف ء أو بغير مهر المثل، ولا يثبت لهما خيار البلوغ لكمال ولاية المولى فهو أقوى من الاب والجد، ولان خيار العتق يغني عنه ط.
وهذا هو الصواب في التصوير.
وأما تصوير المسألة بما إذا كان الاعتاق قبل التزويج، فغير صحيح، لانه في هذه الصورة يثبت لهما خيار البلوغ كما سنذكره، والكلام في اللزوم بلا خيار كما في الاب والجد، فافهم.
قوله: (وابن المجنونة) ومثلها المجنون.
قال في البحر: المجنون والمجنونة إذا زوجهما الابن ثم أفاقا لا خيار لهما.
قوله: (لم يعرف منهما الخ) أي من الاب والجد، وينبغي أن يكون الابن كذلك، بخلاف المولى فإنه يتصرف في ملكه، فينبغي نفوذ تصرفه مطلقا كتصرفه في سائر أمواله.
رحمتي.
فافهم.
قوله: (مجانة وفسقا) نصب على التمييز.
وفي المغرب: الماجن الذي لا يبالي ما يصنع وما قيل له، ومصدره المجون والمجانة اسم منه، والفعل من باب طلب ا ه.
وفي شرح المجمع: حتى لو عرف من الاب سوء الاختيار لسفهه أو لطمعه لا يجوز عقده إجماعا ا ه.
قوله: (وإن عرف لا يصح النكاح) استشكل ذلك في فتحر القدير بما في النوازل: لو زوج بنته الصغيرة ممن ينكر أنه يشرب المسكر، فإذا هو مدمن له وقالت لا أرضى بالنكاح: أي ما بعد ما كبرت إن لم يكن
يعرفه الاب بشربه وكان غلبة أهل بيته صاحلين فالنكاح باطل، لانه إنما زوج على ظن أنه كف ء ا ه.
قال: إذ يقتضي أنه لو عرف الاب بشربه فالنكاح نافذ، مع أن من زوج بنته الصغيرة القابلة للتخلق بالخير والشر ممن يعلم أنه شريب فاسق فسوء اختياره ظاهر.
ثم أجاب بأنه لا يلزم من تحقق سوء اختياره بذلك أن يكون معروفا به، فلا يلزم بطلان النكاح عند تحقق سوء الاختيار مع أنه لم يتحقق للناس كونه معروفا بمثل ذلك ا ه.
والحاصل: أن المانع هو كون الاب مشهورا بسوء الاختيار قبل العقد، فإذا لم يكن مشهورا بذلك ثم زوج بنته من فاسق صح، وإن تحقق بذلك أنه سيئ الاختيار واشتهر به عند الناس، فلو زوج بنتا أخرى من فاسق لم يصح الثاني لانه كان مشهورا بسوء الاختيار قبله، بخلاف العقد الاول لعدم وجود المانع قبله، ولو كان المانع مجرد تحقق سوء الاختيار بدون الاشتهار لزم إحالة المسألة: أعني قولهم ولزم النكاح ولو بغبن فاحش أو بغير كف ء إن كان الولي أبا أو جدا.
ثم علم أن ما مر عن النوازل من أن النكاح باطل معناه أنه سيبطل كما في الذخيرة، لان المسألة مفروضة فيما إذا لم ترض البنت بعد ما كبرت كما صرح به في الخانية والذخيرة وغيرهما، وعليه يحمل ما في القنية: زوج بنته الصغيرة من رجل ظنه حر الاصل وكان معتقا فهو باطل بالاتفاق ا ه.(3/73)
وعلم من عبارة القنية أنه لا فرق في عدم الكفاءة بين كونه بسبب الفسق أو غيره، حتى لو زوجها من فقير أو ذي حرفة دنية ولم يكن كفؤا لها لم يصح، فقصر ابن الهمام كلامهم على الفاسق مما لا ينبغي كما أفاده في البحر، وما ذكرنا من ثبوت الخيار للبيت إذا بلغت إنما هو في الصغيرة، أما لو زوج الاولياء الكبيرة بإذنها ولم يعلموا عدم الكفاءة ثم ظهر عدمها فلا خيار لاحد كما سيذكره الشارح أول الباب الآتي، ويأتي تمام الكلام عليه هناك.
قوله: (فزوجها من فاسق الخ) وكذا لو زوجها بغين فاحش في المهر لا يجوز إجماعا، والصاحي يجوز، لان الظاهر من حال السكران أنه لا يتأمل، إذ ليس له رأي كامل، فبقي النقصان ضررا محضا، والظاهر من حال الصاحي أنه يتأمل.
بحر
عن الذخيرة.
ثم قال: وكذا السكران لو زوج من غير الكف ء كما في الخانية، وبه علم، أن المراد بالاب من ليس بسكران ولا عرف بسوء الاختيار ا ه.
قلت: ومقتضى التعليل أن السكران أو المعروف بسوء الاختيار لو زوجها من كف ء بمهر المثل صح لعدم الضرر المحض، ومعنى قوله: والظاهر من حال الصاحي أنه يتأمل: أي أنه لوفور شفقته بالابوة لا يزوج بنته من غير كف ء أو بغبن فاحش إلا لمصلحة يزيد على هذا الضرر، كعلمه بحسن العشرة معها وقلة الاذى ونحو ذلك، وهذا مفقود في السكران وسيئ الاختيار إذا خالف لظهور عدم رأيه وسوء اختياره في ذلك.
قوله: (أي غير الاب وأبيه) الاولى أن يزيد والابن والمولى لما مر.
قوله: (ولو الام أو القاضي) هو الاصح لان ولايتهما متأخرة عن ولاية الاخ والعم فإذا ثبت الخيار في الحاجب ففي المحجوب أولى بحر.
ولقصور الرأي في الام ونقصان الشفقة في القاضي.
ذخيرة.
لكن سنذكر في مسألة عضل الاقرب أن تزويج القاضي نيابة عنه فليس لها الخيار، ويأتي تمامه هناك.
قوله: (لو عين لوكيله القدر) أي الذي هو غبن فاحش.
نهر.
وكذا لو عين له رجلا غير كف ء كما بحثه العلامة المقدسي.
مطلب مهم: هل للعصبة تزويج الصغير امرأة غير كف ء له تنبيه: ذكر في شرح المجمع أن تزويج الاب الصغير والصغيرة من غير كف ء أو بغبن فاحش جائز عنده لا عندهما، ثم قال: وفي المحيط: الوكيل بالنكاح إذا زاد أو نقص عن مهر المثل فعلى هذا الاختلاف ا ه.
وهذا خلاف ما ذكره الشارح تبعا لما في البحر عن القنية.
وقد يجاب بأن الوكيل في عبارة شرح المجمع، ليس المراد به وكيل الاب، بل وكيل الزوج أو الزوجة البالغين بقرينة ما في البدائع حيث ذكر الخلاف السابق، ثم قال: وعلى هذا الخلاف التوكيل بأن وكل رجل رجلا بأن يزوجه امرأة فزوجه بأكثر من مهر مثلها مقدار ما لا يتغابن الناس في مثله، أو وكلت امرأة رجلا بأن يزوجها من رجل فزوجها بدون صداق مثلها أو من غير كف ء ا ه.
وقدمناه أيضا عن البزازية، وعليه فلا منافاة، فتدبر.
قوله: (لا يصح النكاح من غير كف ء) مثله قول الكنز: ولو زوج طفلة غير كف ء أو بغبن فاحش صح، ولا يجز ذلك لغير الاب والجد، ومقتضاه أن الاخ لو زوج أخاه الصغير امرأة
أدنى منه لا يصح، وفيه ما مر عن الشرنبلالية من أن الكفاءة لا تعتبر للزوج كما سيأتي في بابها أيضا.
وقدمنا أن الشارح أشار إلى ذلك أيضا، وقد راجعت كثيرا فلم أر شيئا صريحا في ذلك، نعم(3/74)
رأيت في البدائع مثل ما في الكنز حيث قال: وأما إنكاح الاب والجد الصغير الصغيرة فالكفاءة فيه ليست بشرط عند أبي حنيفة لصدوره ممن له كمال النظر لكمال الشفقة، بخلاف إنكاح الاخ والعم من غير كف ء فإنه لا يجوز بالاجماع لانه ضرر محض ا ه.
فقوله: بخلاف الخ ظاهر في رجوعه إلى كل من الصغير والصغيرة، وعلى هذا فمعنى عدم اعتبار الكفاءة للزوج أن الرجل لو زوج نفسه من امرأة أدنى منه ليس لعصباته حق الاعتراض، بخلاف الزوجة، وبخلاف الصغيرين إذا زوجهما غير الاب والجد، هذا ما ظهر لي، وسنذكر في أول باب الكفاءة ما يؤيده، والله أعلم.
قوله: (أصلا) أي لا لازما ولا موقوفا على الرضا بعد البلوغ، قال في فتح القدير: وعلى هذا ابتني الفرع المعروف: لو زوج العم الصغيرة حرة الجد من معتق الجد فكبرت وأجازت لا يصح، لانه لم يكن عقدا موقوفا إذا لا مجيز له، فإن العم ونحوه لم يصح منهم التزويج بغير الكف ء ا ه.
قال في البحر: ولذا ذكر في الخانية وغيرها أن غير الاب والجد إ ذا زوج الصغيرة فالاحوط أن يزوجها مرتين: مرة بمهر مسمى ومرة بغير التسمية، لانه لو كان في التسمية نقصان فاحش ولم يصح النكاح الاول يصح الثاني ا ه.
وليس للتزويج من غير كف ء حيلة كما لا يخفى ا ه.
قوله: (صح ولهما فسخه) أي بعد بلوغهما، والجملة قصد بها لفظها مرفوعة المحل على أنها بدل من ما أو محكية بقول محذوف: أي قائلا: وقوله: وهم خبر عن ما وعبارة صدر الشريعة في متنه: وصح إنكاح الاب والجد الصغير والصغيرة بغبن فاحش ومن غير كف ء لا غيرهما.
وقال في شرحه: أي لو فعل الاب أو الجد عند عدم الاب لا يكون للصغير والصغيرة حق الفسخ بعد البلوغ، وإن فعل غيرهما فلهما أن يفسخا بعد البلوغ ا ه.
ولا يخفى أن الوهم في عبارة الشرح، وقد نبه على وهمه ابن الكمال، وكذا المحقق التفتازاني في التلويح في بحث العوارض، وذكر أنه لا يوجد له رواية أصلا، وأجاب القهستاني بأن صحته بالغبن الفاحش نقلها في الجواهر عن بعضهم، وبغير كف ء نقلها في الجامع عن بعضهم.
قال: وهذا يدل على وجود الرواية ا ه.
قلت: وفيه نظر، فإن ما كان قولا لبعض المشايخ لا يلزم أن يكون فيه رواية عن أئمة المذهب، ولا سيما إذا كان قولا ضعيفا مخالفا لما في مشاهير كتب المذهب المعتمدة.
قوله: (ولكن لهما خيار البلوغ) دفع به توهم اللزوم المتبادر من الصحة ط.
وأطلق فشمل الذميين والمسلمين وما إذا زوجت الصغيرة نفسها فأجاز الولي، لان الجواز ثبت بإجازة الولي فالتحق بنكاح باشره.
بحر عن المحيط.
قوله: (وملحق بهما) كالمجنون والمجنونة إذا كان المزوج لهما غير الاب والجد والابن بأن كان أخا أو عما مثلا.
قال في الفتح بعد أن ذكر العصبات: وكل هؤلاء يثبت لهم ولاية الاجبار على البنت والذكر في حال صغرهما أو كبرهما إذا جنا مثلا غلام بلغ عاقلا ثم جن فزوجه أبوه وهو رجل جاز إذا كان مطبقا، فإذا أفاق فلا خيار له، وإن زوجه أخوه فأفاق فله الخيار ا ه.
قوله: (بالبلوغ) أي إذا علما قبله أو عنده.
قهستاني.
قوله: (أو العلم بالنكاح بعده) أي(3/75)
بعد البلوغ بأن بلغا ولم يعلما به ثم علما بعده.
قوله: (لقصور الشفقة) أي ولقصور الرأي في الام، وهذا جواب عن قول أبي يوسف: إنه لا خيار لهما اعتبارا بما لو زوجهما الاب أو الجد.
قوله: (ويغني عنه خيار العتق) اعلم أن خيار العتق لا يثبت للذكر بل للانثى فقط صغيرة أو كبيرة، فإذا زوجها مولاها ثم أعتقها فلها الخيار، لانه كان يزول ملك الزوج عليها بطلقتين فصار لا يزول إلا بثلاث، لكن لو صغيرة لا تخير ما لم تبلغ، فإذا بلغت خيرها القاضي خيار العتق لا خيار البلوغ، وإن ثبت لها أيضا لان الاول أعم فينتظم الثاني تحته، وقيل لا يثبت لها خيار البلوغ وهو الاصح، وهكذا ذكره محمد في الجامع لان ولاية المولى ولاية كاملة لانها بسبب الملك، فلا يثبت خيار البلوغ كما في الاب والجد، ولو زوج عبده الصغير حرة ثم أعتقه، ثم بلغ فليس له خيار بلوغ ولا خيار عتق، لان إنكاح المولى باعتبار الملك لا بطريق النظر له، بخلاف ما ما إذا زوجه بعد العتق وهو صغير لانه بطريق النظر.
هذا خلاصة ما في الذخيرة من الفصل السابع عشر، ونحوه في جامع الصفار للامام الاسروشني، وفي البحر عن الاسبيجابي: لو أعتق أمته الصغيرة أولا ثم زوجها ثم
بلغت فإن لها خيار البلوغ ا ه: أي لما مر من أن ولايته عليها بطريق النظر، ولانها ولاية إعتاق وهي متأخرة عن جميع العصبات فلها خيار البلوغ كما في ولاية الاخ والعم، بل أولى، بخلاف ما لو زوجها قبل الاعتاق، ثم بلغت فإنه ليس لها خيار البلوغ كما مر، لان ولاية الملك أقوى من ولاية الاب والجد.
والحاصل: أن خيار العتق لا يثبت للذكر الرقيق صغيرا أو كبيرا، ويثبت للانثى مطلقا إذا زوجها حالة الرق، وأن خيار البلوغ يثبت للصغير والصغيرة إذا زوجهما بعد العتق، وأنه لا يثبت لهما إذا زوجهما قبله لا استقلالا ولا تبعا لخيار العتق للصغيرة على الصحيح، فقوله: ويغني عنه خيار العتق مبني على الضعيف.
قوله: (بحضرة أبيه أو وصيه) فإن لم يوجد أحدهما ينصب القاضي وصيا يخاصم فيحضره ويطلب منه حجة للصغير تبطل دعوى الفرقة من بينة على رضاها بالنكاح بعد البلوغ أو تأخيرها طلب الفرقة وإلا يحلفها الخصم، فإن حلفت يفرق بينهما الحاكم بحضرة الخصم بلا انتظار إلى بلوغ الصبي.
دأب الاوصياء عن جامع الفصولين.
قلت: والظاهر أن وصي الاب مقدم على الجد كما صرحوا به في بابه ثم رأيته هنا في جامع الصفار قال في امرأة الصبي: لو وجدته مجبوبا فالقاضي يفرق بينهما بخصومتها، ولو وجدته عنينا ينتظر بلوغه، ثم قال: فإن لم يكن له أب ولا وصي فالجد أو وصيه خصم فيه، فإن لم يكن نصب القاضي عنه خصما الخ، فافهم.
قوله: (بشرط القضاء) أي لان في أصله ضعفا فيتوقف عليه كالرجوع في الهبة، وفيه إيماء إلى أن الزوج لو كان غائبا لم يفرق بينهما ما لم يحضر للزوم القضاء على الغائب.
نهر.
قلت: وبه صرح الاسروشني في جامعه.
قوله: (للفسخ) أي هذا الشرط إنما هو للفسخ لا لثبوت الاختيار.
وحاصله أنه إذا كان المزوج للصغير والصغيرة غير الاب والجد، فلهما الخيار بالبلوغ أو العلم به، فإن اختار الفسخ لا يثبت الفسخ إلا بشرط القضاء، فلذا فرع عليه بقوله فيتوارثان فيه أي في هذا النكاح قبل ثبوت فسخه.
قوله: (ويلزم كل المهر) لان المهر كما يلزم جميعه بالدخول ولا حكما(3/76)
كالخلوة الصحيحة، كذلك يلزم بموت أحدهما قبل الدخول، أما بدون ذلك فيسقط ولو الخيار منه، لان الفرقة بالخيار فسخ للعقد، والعقد إذا انفسخ يجعل كأنه لم يكن كما في النهر.
قوله: (إن من قبلها) أي وليست بسبب من الزوج، كذا في النهر.
واحترز به عن التخيير والامر باليد، فإن الفرقة فيهما وإن كانت من قبلها لكن لما كانت بسبب من الزوج كانت طلاقا ح.
قوله: (لا ينقص عدد طلاق) فلو جدد العقد بعده ملك الثلاث كما في الفتح.
قوله: (ولا يلحقها طلاق) أي لا يلحق المعتدة بعده الفسخ في العدة ثم طلاق ولو صريحا ح.
وإنما تلزمها العدة إذا كان الفسخ بعد الدخول، وما ذكره الشارح نقله في البحر عن النهاية على خلاف ما بحثه في الفتح، وقيد بعده الفسخ لما في الفتح من أن كل فرقة بطلاق يلحقها الطلاق في العدة، إلا في اللعان لانه يوجب حرمة مؤبدة ا ه.
وسيأتي بيان ذلك مستوفى إن شاء الله تعالى قبيل باب تفويض الطلاق.
قوله: (إلا في الردة) يعني أن الطلاق الصريح يلحق المرتدة في عدتها وإن كانت فرقتها فسخا، لان الحرمة بالردة غير متأبدة لارتفاعها بالاسلام فيقع طلاقه عليها في العدة مستتبعا فائدته من حرمتها عليها بعد الثلاث حرمة مغياة بوطئ زوج آخر، كذا في الفتح.
واعترضه في النهر بأنه يقتضي قصر عدم الوقوع في العدة على ما إذا كانت الفرقة بما يوجب حرمة مؤبدة كالتقبيل والارضاع، وفيه مخالفة ظاهرة لظاهر كلامهم عرف ذلك من تصحفه ا ه: أي لتصريحهم بعدم اللحاق في عدة خيار: العتق، والبلوغ، وعدم الكفاءة، ونقصان المهر والسبي، والمهاجرة، والاباء، والارتداد.
ويمكن الجواب عن الفتح بأن مراده بالتأييد ما كان من جهة الفسخ.
وذكر في أول طلاق البحر أن الطلاق لا يقع في عدة الفسخ إلا في ارتداد أحدهما وتفريق القاضي بإباء أحدهما عن الاسلام، لكن الشارح قبيل باب تفويض الطلاق قال تبعا للمنح لا يلحق الطلاق، وعدة الردة مع اللحاق، فيقيد كلام البحر هنا بعدم اللحاق كما لا يخفى، وقد نظمت ذلك بقولي: ويلحق الطلاق فرقة الطلاق أو الابا أوردة بلا لحاق
قال ح: وسيأتي هناك أيضا أن الفرقة بالاسلام لا يلحق الطلاق عدتها، فتأمل وراجع ا ه.
قلت: ما ذكره آخرا قال الخير الرملي: إنه في طلاق أهل الحرب: أي فيما لو هاجر أحدهما مسلما لانه لا عدة عليها، وسيأتي تمامه هناك، وفي باب نكاح الكافر إن شاء الله تعالى.
قوله: (وإن من قبله فطلاق) فيه نظر فإنه يقتضي أن يكون التباين والتقبيل والسبي والاسلام وخيار البلوغ والردة والملك طلاقا وإن كانت من قبله، وليس كذلك كما ستراه، واستثناؤه الملك والردة وخيار العتق لا يجدي نفعا لبقاء الاربعة الاخر.
فالصواب أن يقال: وإن كانت الفرقة من قبله ولا يمكن أن تكون من قبلها فطلاق كما أفاده شيخنا طيب الله تعالى ثراه، وإليه أشار في البحر حيث قال: وإنما عبر بالفسخ ليفيد أن هذه الفرقة فسخ لا طلاق، فلا تنقص عدده لانه يصح من الانثى ولا طلاق إليها ا ه.
ومثله في الفتاوى الهندية وعبارته: ثم الفرقة بخيار البلوغ ليست بطلاق، لانها فرقة يشترك في سببها المرأة والرجل، وحينئذ يقال في الاول: ثم إن كانت الفرقة من قبلها لا بسبب منه أو من قبله ويمكن أن تكون منها ففسخ فاشدد يديك عليه فإنه أجدى من تفاريق العصي ا ه ح.(3/77)
قلت: لكن يرد عليه إباء الزوج عن الاسلام فإنه طلاق مع أنه يمكن أن يكون منها،.
وكذا اللعان فإنه من كل منهما وهو طلاق.
وقد يجاب عن الاول بأنه على قول أبي يوسف: إن الاباء فسخ ولو كان من الزوج، وعن الثاني بأن اللعان لما كان ابتداؤه منه صار كأنه من قبله وحده، فليتأمل.
قوله: (أو خيار عتق) يقتضي أن للعبد خيار عتق، وهو سهو منه، فإنا قدمنا عن البحر وفتح القدير أن خيار العتق يختص بالانثى، وسيصرح به الشارح في باب نكاح الرقيق حيث يقول: ولا يثبت لغلام ح.
قوله: (وليس لنا فرقة منه) أي قبل الدخول ح.
قوله: (إلا إذا اختار نفسه بخيار عتق) صوابه بخيار بلوغ ويدل عليه قول البحر: وليس لنا فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول ولا مهر عليه إلا هذه، فإنه راجع إلى خيار البلوغ، لان كلامه فيه لا في خيار العتق كما تعلمه بمراجعة، ثم قال: وهذا الحصر غير صحيح لما في الذخيرة قبيل كتاب النفقات: حر تزوج مكاتبة بإذن سيدها على جارية بعينها فلم تقبض المكاتبة الجارية، حتى زوجتها من زوجها على مائة درهم
جاز النكاحان، فإن طلق الزوج المكاتبة أولا ثم طلق الامة وقع الطلاق على المكاتبة ولا يقع على الامة، لان بطلاق المكاتبة تتصف الامة وعاد نصفها إلى الزوج بنفس الطلاق فيفسد نكاح الامة قبل ورود الطلاق عليها فلم يعمل طلاقها، ويبطل جميع مهر الامة عن الزوج مع أنها فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول بها، لان الفرقة إذا كانت من قبل الزوج إنما لا تسقط كل المهر إذا كانت طلاقا، وأما إذا كانت من قبله قبل الدخول وكانت فسخا من كل وجه توجب سقوط كل الصداق كالصغير إذا بلغ.
وأيضا لو اشترى منكوحته قبل الدخول بها فإنه يسقط كل الصداق مع أن الفرقة جاءت من قبله لان فساد النكاح حكم معلق بالملك، وكل حكم تعلق بالملك فإنه يحال به على قبول المشتري لا على إيجاب البائع، وإنما سقط كل الصداق لانه فسخ من كل وجه ا ه بلفظه.
ويرد على صاحب الذخيرة: إذا ارتد الزوج قبل الدخول فإنها فرقة هي فسخ من كل وجه مع أنه لم يسقط كل المهر بل يجب عليه نصفه، فالحق أن لا يجعل لهذه المسألة ضابط، بل يحكم في كل فرد بما أفاده الدليل ا ه كلام البحر.
قال في النهر: أقول في دعوى كون الفرقة من قبله فيما إذا ملكها أو بعضها نظر.
ففي البدائع: الفرقة الواقعة بملكه إياها أو شقصا منها فرقة بغير طلاق، لانها فرقة حصلت بسبب لا من قبل الزوج فلا يمكن أن تجعل طلاقا فتجعل فسخا ا ه: وسيأتي إيضاحه في محله ا ه كلام النهر ح.
قوله: (إلا ثمانية) لانها تبتنى على سبب جلي، بخلاف غيرها فإنه يبتنى على سبب خفي، لان الكفاءة شئ لا يعرف بالحس وأسبابها مختلفة، وكذا بنقصان مهر المثل وخيار البلوغ مبني على قصور الشفقة وهو أمر باطني، والاباء ربما يوجد وربما لا يوجد.
كذا في البحر ح.
مطلب في فرق النكاح ح.
قوله: (فرق النكاح) هذا الشطر الاول من بحر الكامل، وما عداه من البسيط، وهو لا يجوز وقد غيرته إلى قولي: إن النكاح له في قولهم فرق ح.
قوله: (فسخ الطلاق) بدل من فرق بدل مفصل والخبر قوله أتتك أو خبر بعد خبر ط.(3/78)
قوله: (وهذا الدر) اسم الاشارة مبتدأ والدر بدل منه أو عطف بيان، والمراد به النظم المذكور شبهه بالدر لنفاسته، وجملة يحكيها: أي يذكرها خبر.
قوله: (تباين الدار) حقيقة وحكما، كما إذا خرج أحد الزوجين الحربيين إلى دار الاسلام غير مستأمن بأن خرج إلينا مسلما أو ذميا أو أسلم، أو صار ذمة في دارنا خلاف ما إذا خرج مستأمنا لتباين الدار حقيقة فقط، وبخلاف ما إذا تزوج مسلم أو ذمي حربية ثمة لتباين الدار حكما فقط.
ح بزيادة.
قوله: (مع نقصان مهر) بتسكين عين.
مع وهو لغة، وكسر راء مهر بلا تنوين للضرروة: يعني إذا نكحت بأقل من مهرها وفرق الولي بينهما فهي فسخ، لكن إن كان ذلك قبل الدخول فلا مهر لها، وإن كان بعده فلها المسمى كما يأتي ط.
قوله: (كذا فساد عقد) كأن نكح أمة على حرة ط أو تزوج بغير شهود قوله: (وفقد الكف ء) أي إذا نكحت غير الكف ء فللاولياء حق الفسخ، وهذا على ظاهر الرواية، أما على رواية الحسن فالعقد فاسد ط.
وتقدم أنها المفتى بها.
قوله: (ينعيها) النعي: هو الاخبار بالموت، وهو تكملة أشار به إلى أن من نكحت غير كف ء فكأنها ماتت ط.
قوله: (تقبيل) بالرفع من غير تنوين للضرورة: أي فعله ما يوجب حرمة المصاهرة بفروعها الاناث وأصولها، أو فعلها ذلك بفروعه الذكور وأصوله ط.
قوله: (سبي) فيه نظر لما في باب نكاح الكافر: والمرأة تبين بتباين الدارين لا بالسبي، ولئن كان المراد السبي مع التباين فالتباين مغن عنه ح.
قوله: (وإسلام المحارب) أي لو أسلم أحد المجوسيين في دار الحرب بانت منه بمضي ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر قبل إسلام الآخر إقامة لشرط الفرقة، وهو مضي الحيض أو الاشهر مقام السبب، وهو الاباء لتعذر العرض بانعدام الولاية، فيصير مضي ذلك بمنزلة تفريق القاضي، وهذه الفرقة طلاق عندهما فسخ عند أبي يوسف.
قال في البحر في باب نكاح الكافر: ينبغي أن يقال إنها طلاق في إسلامها، لانه هو الآبي حكما فسخ في إسلامه: قوله: (أو إرضاع ضرتها) أي إذا أرضعت الكبيرة ضرتها الصغيرة في أثناء الحولين ينفسخ النكاح، كما يأتي في باب الرضاع لكونه يصير جامعا بين الام وبنتها ط.
والضرة غير قيد، فإن منه ما مثل به في البدائع: لو أرضعت الصغير أم زوجها أو أرضعت زوجتيه الصغيرتين امرأة أجنبية.
قوله: (خيار عتق) قد
علمت أنه لا يكون إلا من جهتها، بخلاف ما بعده ح.
قوله: (بلوغ) بالجر عطفا على عتق بإسقاط العاطف ط.
قوله: (ردة) بالرفع عطفا على تباين بحذف العاطف ط.
والمراد ردة أحدهما فقط، بخلاف ما لو ارتدا معا فإنهما لو أسلما معا يبقى النكاح.
قوله: (ملك لبعض) أفاد أن ملك الكل كذلك بدلالة الاولى ح.
قوله: (وتلك الفسخ يحصيها) أي يجمعها ويتحقق في كل منها، والاشارة إلى الاثني عشر المتقدمة وقد علمت سقوط السبي، واكن يبنغي أن يذكر بدله ما في البدائع: تزوج مسلم كتابية يهودية أو نصرانية فتجمست تثبت الفرقة بينهما، لان المجوسية لا تصلح لنكاح المسلم، ثم لو كانت قبل الدخول فلا مهر لها ولا نفقة لا نها فرقة بغير طلاق فكانت فسخا، ولو بعد الدخول فلها المهر دون النفقة لانها جاءت من قبلها ا ه.
وقد غيرت البيت الذي قبل هذا وأسقطت منه السبي، وزدت هذه المسألة فقلت إرضاع اسلام حربي تمجس نصرانية قبلة قد عد ذا فيها(3/79)
وقد علمت أن كون إسلام الحرب فسخا مفرع على قول الثاني أو على ما بحثه في البحر.
قوله: (أما الطلاق الخ) أي أمر الفرقة التي هي طلاق فهي الفرقة بالجب، والعنة، والايلاء، واللعان، وبقي خامس ذكره في الفتح وهو: إباء الزوج عن الاسلام: أي لو أسلمت زوجة الذمي وأبى عن الاسلام فإنه طلاق، بخلاف عكسه، فإنها لو أبت يبقى النكاح، وقد غيرت البيت إلى قولي: أما الالاق فجب عنة وإباء الزوج إيلاؤه واللعن يتلوها وكذا إسلام أحد الحربيين فرقة بطلاق على قولهما، لكن لما مشى على كونه فسخا لم تذكره.
تتمة: قدمنا عن الفتح أن كل فرقة بطلاق يلحق الطلاق عدتها إلا اللعان لانه حرمة مؤبدة.
قوله: (خلا ملك الخ) أراد بالملك ملك أحدهما للآخر أو لبعضه، وبالعتق خيار الامة إذا أعتقها مولاها بعد ما زوجها، بخلاف العبد، وبالاسلام إسلام أحد الحربيين، وبالتقبيل فعل ما يوجب
حرمة المصاهرة فإنه لا يرتفع النكاح بمجرد ذلك، بعد المتاركة أو تفريق القاضي كما مر في المحرمات، فلم يتعين التفريق، وقد علمت أن ذكر السبي لا محل له.
وحاصل ما ذكره مما لا يحتاج إلى القضاء ثمانية، ويرد عليه الفرقة بالردة، فسيأتي أن ارتداد أحدهما فسخ في الحال، وقد غيرت البيت الاخير إلى قولي: البسيط إيلاؤه ردة أيضا مصاهرة تباين مع فساد العقد يدنيها قوله: (وبطل خيار البكر) أي من بلغت وهي بكر.
قوله: (لو مختارة) أما لو بلغها الخبر فأخذها العطاس أو السعال، فلما ذهب عنها قالت لا أرضى، جاز الرد إذا قالته متصلا، وكذا إذا أخذ فمها فترك فقالت لا أرضى، جاز الرد، ط عن الهندية.
قوله: (عالمة بأصل النكاح) فلا يشترط علمها بثبوت الخيار لها، أو أنه لا يمتد إلى آخر المجلس كما في شرح الملتقى، وفي جامع الفصولين: لو بلغت وقالت الحمد لله اخترت نفسي، فهي على خيارها، وينبغي أن تقول في فور البلوغ: اخترت نفسي ونقضت النكاح، فبعده لا يبطل حقها بالتأخير حتى يوجد التمكين ا ه.
قوله: (فلو سألت الخ) لا محل لهذا التفريع بل المقام مقام الاستدراك، لان بطلان الخيار بعلمها بأصل النكاح يقتضي بطلانه بالاولى في هذه المسائل المذكورة لا عدم بطلانه، لانها إنما تكون بعد العلم بأصل النكاح.
ولو فرض وجودها قبله لم يحصل نزاع في عدم بطلان الخيار بها مع أن النزاع قائم كما تراه قريبا.
قوله: (نهر بحثا) أي على خلاف ما هو المنقول في الزيلعي والمحيط والذخيرة، وأصل البحث للمحقق ابن الهمام حيث قال: وما قيل لو سألت عن اسم الزوج أو عن المهرأو سلمت على الشهود بطل خيارها، تعسف لا دليل عليه، وغاية الامر كون هذه الحالة كحالة ابتداء النكاح، ولو سألت البكر عن اسم الزوج لا ينفذ عليها، وكذاعن المهر، وكذا السلام على القادم لا(3/80)
يدل على الرضا، كيف وإنما أرسلت لغرض لاشهاد على الفسخ ا ه ملخصا.
ونازعه في البحر في السلام بأن خيار البكر يبطل بمجرد السكوت، ولا شك أن الاشتغال بالسلام فرق السكوت.
قال في النهر: وأقول: ممنوع، فقد نقلوا في الشفعة أن سلامه على المشتري لا يبطلها،
لانه (ص) قال: السلام قبل الكلام ولا شك أن طلب المواثبة بعد العلم بالبيع يبطل بالسكوت كخيار البلوغ ولو كان السلام فوقه لبطلت، وقالوا: لو قال من اشتراها وبكم اشتراها لا تبطل شفعته كما في البزازية، وهذا يؤيد ما في فتح القدير، نعم ما وجه به في المهر إنما يتم إذا لم يخل بها، أما إذا خلا بها خلوة صحيحة فالوقوف على كميته اشتغال بما لا يفيد لوجوبه بها فإطلاق عدم سقوطه مما لا ينبغي ا ه كلام النهر.
وعن هذا الاخير قال الشارح: قبل الخلوة.
والحاصل أن المنقول في هذه المسائل الثلاث بطلان الخيار، وبحث في الفتح عدمه فيها، ونازعه في البحر في مسألة السلام فقط، وانتصر في النهر للفتح في الكل، وكذا المحقق المقدسي والشرنبلالي، وكأن أصل الحكم مذكور بطريق التخريج والاستنباط من بعض مشايخ المذهب، فنازعهم في الفتح في صحة هذا التخريج، فإنه وإن كان من أهل الترجيح كما ذكره في قضاء: البحر بل بلغ رتبة الاجتهاد كما ذكره المقدسي في باب نكاح العبد، لكنه لا يتابع فيما يخالف المذهب، فلو كان هذا الحكم منقولا عن أحد أئمتنا الثلاثة لما ساغ لهؤلاء اتباع بحثه المخالف لمنقول المذهب، ومما يؤيد أنه قول لبعض المشايخ لا نص مذهبي قول المحقق وما قيل الخ فافهم.
قوله: (ولا يمتد إلى آخر المجلس) أي مجلس بلوغها أو علمها بالنكاح كما في قوله: (الفتح): أي إذا بلغت وهي عالمة بالنكاح أو علمت به بعد بلوغها فلا بد من الفسخ في حال البلوغ أو العلم، فلو سكتت ولو قليلا بطل خيارها ولو قبل تبدل المجلس، قوله: (لانه كالشفعة) أي في أنه يشترط لثبوتها أن يطلبها الشفيع فور علمه في ظاهر الرواية حتى لو سكت لحظة أو تكلم بكلام لغو بطلت، وما صححه الشارح في بابها من أنها تمتد إلى آخر المجلس ضعيف كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولو اجتمعت معه) أي الشفعة مع خيار البلوغ ح.
قوله: (ثم تبدأ بخيار البلوغ) هذا قول، وقيل بالشفعة، وفي شفعة البزازية له حق خيار البلوغ والشفعة فقال: طلبتها واخترت نفسي يبطل المؤخر ويثبت المقدم، لانه يمكنه أن يقول طلبتهما، أو أجزتهما، أو اخترتهما جميعا نفسي والشفعة.
قال القاضي أبو جعفر: يقدم خيار البلوغ لان في خيار الشفعة ضرب سعة لما مر أنه لو قال من اشترى وبكم اشترى لا نبطل، وقيل يقول طلبت الحقين اللذين ثبتا لي الشفعة ورد النكاح ا ه.
وتوقف
الخير الرملي في وجه التعيين، واستبعد الخلاف فيه لان الظاهر أن بعض المتقدمين قال على سبيل التمثيل: طلبتهما نفسي والشفعة، وبعضهم قال: الشفعة ونفسي، فظن بعض المتأخرين أن ذلك حتم، وليس كذلك لان طلب الحقين جملة هو المانع من السقوط، فحيث ثبت ذلك بالاجمال المتقدم لا يضر في البيان تقديم أحدهما على الآخر، بل لو قيل لا حاجة إلى التفسير لكان له وجه وجيه ا ه ملخصا، فتأمل.
قلت: وأما الثيب فتبدأ بالشفعة بلا خلاف لان خيارها يمتد كما يأتي.
قوله: (وتشهد الخ) قال في البزازية: وإن أدركت بالحيض تختار عند رؤية الدم، ولو في الليل تختار في تلك الساعة، ثم(3/81)
تشهد في الصبح وتقول: رأيت الدم الآن، لانها لو أسندت أفسدت، وليس هذا بكذب محض بل من قبيل المعاريض المسوغة لاحياء الحق، لان الفعل الممتد لدوامه حكم الابتداء والضرورة داعية إلى هذا لا إلى غيره ا ه.
وحاصله: أنها تعني بقولها بلغت الآن: إني الآن بالغة، لئلا يكون كذبا صريحا لانه حيث أمكن إحياء الحق بالتعريض، وهو أن يريد المتكلم ما هو خلاف المتبادر من كلامه كان أولى من الكذب الصريح، فافهم.
وفي جامع الفصولين: فإن قالوا متى بلغت تقول كما بلغت نقضته، لا تزيد على هذا، فإنها لو قالت بلغت قبل هذا ونقضته حين بلغت لا تصدق والاشهاد لا يشترط لاختيارها نفسها، لكن شرط لاثباته ببينة ليسقط اليمين عنها، وتحليفها على اختيارها نفسها كتحليف الشفيع على الشفعة، فإن قالت للقاضي: اخترت نفسي حين بلغت صدقت مع اليمين، ولو قالت: بلغت أمس وطلبت الفرقة لا يقبل وتحتاج إلى البينة.
وكذا الشفيع لو قال: طلبت حين علمت فالقول له، ولو قال: علمت أمس وطلبت لا يقبل بلا بينة ا ه.
قلت: وتحصل من مجموع ذلك أنها لو قالت: بلغت الآن وفسخت تصدق بلا بينة ولا يمين، ولو قالت: فسخت حين بلغت تصدق بالبينة أو اليمين، ولو قالت: بلغت أمس وفسخت، فلا بد من البينة لانها لا تملك إنشاء الفسخ في الحال، بخلاف الصورة الثانية، حيث لم تسنده إلى الماضي
فقد حكت ما تملك استئنافه، فقد ظهر الفرق بين الصورتين وإن خفي على صاحب الفصولين كما أفاده في نور العين.
قوله: (وإن جهلت به) أي بأن لها خيار البلوغ أو بأنه لا يمتد.
قال القهستاني: وهذا عند الشيخين.
وقال محمد: إن خيارها يمتد إلى أن تعلم أن لها خيارا كما في النتف.
قوله: (لتفرغها للعلم) أي لانها تتفرغ لمعرفة أحكام الشرع، والدار دار العلم فلم تعذر بالجهل.
بحر: أي أنها يمكنها التفرغ للتعلم لفقد ما يمنعها منه، وإن لم تكلف به قبل بلوغها.
قوله: (بخلاف خيار المعتقة فإنه يمتد) أي يمتد إلى آخر المجلس ويبطل بالقيام عنه كما في الفتح، فافهم.
وكذا لا يحتاج إلى القضاء، بخلاف خيار البكر على ما مر.
والحاصل كما في النهر: أن خيار العتق خالف خيار البلوغ في خمسة: ثبوته للانثى فقط، وعدم بطلانه بالسكوت في المجلس، وعدم اشتراط القضاء فيه، وكون الجهل عذرا، وفي بطلانه بما يدل على الاعراض، وهذا الاخير بخلاف خيار الثيب والغلام على ما يأتي ا ه.
وأراد بالمعتقة التي زوجها مولاها قبل العتق صغيرة أو كبيرة، فيثبت لها خيار العتق لا خيار البلوغ لو صغيرة، إلا إذا زوجها بعد العتق فيثبت لها وللعبد الصغير أيضا، بخلاف خيار العتق فإنه لا يثبت له لو زوجه قبل العتق صغيرا أو كبيرا كما حررناه سابقا.
قوله: (والثيب) شمل ما لو كانت ثيبا في الاصل أو كانت بكرا ثم دخل بها ثم بلغت كما في البحر وغيره.
قوله: (أو دلالة) عطف على صريح وضمير عليه للرضا ط.
قوله: (ودفع مهر) حملة في قوله: الفتح على ما إذا كان قبل الدخول، أما لو دخل بها قبل بلوغه، ينبغي أن لا يكون دفع المهر بعد بلوغه رضا، لانه لا بد منه أقام أو فسخ ا ه بحر.
ومثله يقال في قبولها في المهر بعد الدخول بها أو الخلوة.
أفاده ط.
ومن الرضا(3/82)
دلالة في جانبها تمكينه من الوطئ وطلب الواجب من النفقة، بخلاف الاكل من طعامه وخدمته.
نهر عن الخلاصة.
وتقدم في استئذان البالغة تقييد الخدمة بما إذا كانت تخدمه من قبل، والظاهر جريانه هنا.
قوله: (لان وقته العمر الخ) على هذا تظافرت كلمتهم كما في غاية البيان، فما نقل عن الطحاوي من أنه يبطل بصريح الابطال، أو بما يدل عليه إذا اشتغلت بشئ آخر مشكل، إذ
يقتضي تقيده بالمجلس.
فتح.
والجواب: أن مراده بالشئ الآخر عمل يدل على الرضا كالتمكين ونحوه، لتصريحه بأنه لا يبطل بالقيام عن المجلس بحر.
قوله: (صدقت) أي لان الظاهر يصدقها.
فتح.
قوله: (ومفاده الخ) قال في المنح: وهذا الفرع يدل على ما نقله البزازي وأفتى به مولانا صاحب البحر من أن القول قول مدعي الاكراه إذا كان في حبس الوالي ح.
قوله: (لا المال) فإنه الولي فيه الاب ووصيه والجد ووصيه والقاضي ونائبه فقط ح.
ثم لا يخفى أن قوله لا المال على معنى فقط: أي المراد بالولي هنا الولي في النكاح، سواء كان له ولاية في المال أيضا كالاب والجد والقاضي، أو لا كالاخ لا الولي في المال فقط، وبه اندفع ما في الشرنبلالية من أن فيه تدافعا بالنسبة إلى الاب والجد لان لهما ولاية في المال أيضا.
قوله: (العصبة بنفسه) خرج به العصبة بالغير كالبنت تصير عصبة بالابن، ولاولاية لها على أمها المجنونة، وكذا العصبة مع الغير كالاخوات مع البنات، ولا ولاية للاخت على أختها المجنونة كما في المنح والبحر.
والمراد خروجهما من رتبة التقديم، وإلا فلهما ولاية في الجملة، يدل عليه قول المصنف بعد فإن لهم يكن عصبة الخ.
والحاصل أن ولاية من ذكر بالرحم لا بالتعصيب، وإن كانت في حال عصوبتها كالبنت مع الابن الصغير فإنها تزوج أمها المجنونة بالرحم لا بكونها عصبة مع الابن.
قوله: (وهو من يتصل بالميت) الضمير للعصبة المذكور المراد به المعهود في باب الارث بقرينة قوله: على ترتيب الارث والحجب فيكون تعريفه ما عرفوه به في باب الارث.
فلا يرد ما قيل: إنه لا ميت هنا، فالاولى أن يقال: وهو من يتصل بغير المكلف، فافهم.
هذا وفي النهر: هو من يأخذ كل المال إذا انفرد والباقي مع ذي سهم، وهذا أولى من تعريفه بذكر يتصل بلا واسطة أنثى إذ المعتقة لها ولاية الانكاح على معتقها الصغير حيث لا أقرب منها ا ه.
فعبر الشارح بمن يدل ذكر لادخال المعتقة فيندفع اعتراض النهر، لكن يرد عليه كما قال الرحمتي: عصبات المعتقة، فإن لم ولاية بعدها مع أنهم متصلون بواسطة أنثى ا ه.
فالاولى تعريف النهر، ولا يرد عليه أن العصبة هنا لا يأخذ كل المال ولا شيئا منه لما قلنا آنفا، ونظيره قولهم في نفقة الارحام: تجب النفقة على الوارث بقدر إرثه، مع أن الكلام في النفقة على الحي، أو
يقال: المراد من يسمي عصبة ولو فرض المقصود تزويجه ميتا، وعلى كل فتكلف التأويل عند ظهور المعنى غير لازم، والاعتراض بما لا يخطر بالبال غير وارد، بل ربما يعاب على فاعله كما عيب على من أورد على تعريفهم الماء الجاري بأنه ما يذهب بتبنة أنه يصدق على الحمار مثلا أنه يذهب بها.
قوله: (بيان لما قبله) أي لقوله العصبة بنفسه لانه لا يكون إلا بلا توسط أنثى: يعني إذا كان من جهة النسب، أما من السبب فقد يكون كعصبة المعتقة، ولا يخفى أنه بيان بالنسبة لكلام المتن.
أما(3/83)
في كلام الشارح فهو جزء من التعريف لانه أفاد إخراج من يتصل بالميت بواسطة أنثى كالجد لام مثلا.
قوله: (فيقدم ابن المجنونة على أبيها) هذا عندهما خلافا لمحمد، حيث قدم الاب، وفي الهندية عن الطحاوي أن الافضل أن يأمر الاب الابن با لنكاح حتى يجوز بلا خلاف ا ه.
وابن الابن كالابن، ثم يقدم الاب، ثم أبوه، ثم الاخ الشقيق، ثم الاب.
وذكر الكرخي أن تقديم الجد على الاخ قول الامام، وعندهما يشتركان، والاصح أنه قول الكل.
ثم ابن الاخ الشقيق، ثم لاب، ثم العم الشقيق، ثم الاب، ثم ابنه كذلك، ثم عم الاب كذلك، ثم ابنه كذلك، ثم عم الجد كذلك، ثم ابنه كذلك.
كل هؤلاء لهم إجبار الصغيرين، وكذا الكبيرين إذا جنا، ثم المعتق ولو أنثى، ثم ابنه وإن سفل، ثم عصبته من النسب على ترتيبهم.
بحر عن الفتح وغيره.
تنبيه: يشترط في المعتق أن يكون الولاء له ليخرج من كانت أمها حرة الاصل وأبوها معتق فإنه لا ولاية لمعتق الاب عليها، ولا يرثها، فلا يلي إنكاحها كما نبه عليه صاحب الدرر في كتاب الولاء.
فلو لم يوجد لها سوى الام ومعتق الاب فالولاية للام دونه، ولم أر من نبه عليه هنا.
أفاده السيد أبو السعود عن شيخه.
قوله: (لانه يحجبه حجب نقصان) فيه أن الاب لا يرث بالفرضية أكثر من السدس، وذلك مع الابن وابنه، ومع البنت يرثه بالفرض، والباقي بالتعصيب، وعند عدم الولد بالتعصيب فقط، وليس ما يرثه بالتعصيب، مقدرا حتى ينقص منه، فالاولى التعليل بأنه لا يكون عصبة مع الابن.
تأمل.
قوله: (بشرط حرية الخ) قلت: وبشرط عدم ظهور كون الاب أو الجد سيئ الاختيار مجانة وفسقا إذا زوج الصغير أو الصغيرة بغير كف ء أو بغبن فاحش، وكونه غير سكران
أيضا كما مر بيانه، واحترز بالحرية عن العبد فلا ولاية له على ولده ولو مكاتبا إلا على أمته دون عبده لنقصه بالمهر والنفقة كما سيأتي في بابه، وبالتكليف عن الصغيرة والمجنونة، فلا يزوج في حال جنونه مطبقا أو غير مطبق، ويزوج حال إفاقته عن المجنون بقسميه، لكن إن كان مطبقا تسلب ولايته فلا تنتظر إفاقته، وغير المطبق الولاية ثابتة له فتنتظر إفاقته كالنائم، ومقتضى النظر أن الكف ء الخاطب إذا فات بانتظار إفاقته تزوج موليته، وإن لم يكن مطبقا، وإلا انتظر على ما اختاره المتأخرون في غيبة لولي الاقرب على ما سنذكره.
فتح.
وتبعه في البحر والنهر، والمطبق شهر، وعليه الفتوى.
بحر.
مطلب: لا يصح تولية الصغير شيخا على خيرات تنبيه: علل الزيلعي عدم الولاية لمن ذكر بأنهم لا ولاية لهم على أنفسهم، فأولى أن لا يكون لهم ولاية على غيرهم، لان الولاية على الغير فرع الولادية على النفس.
وذكر السيد أبو السعود عن شيخه أن هذا نص في جواب حادثة سئل عنها هي: أن الحاكم قرر طفلا في مشيخة على خيرات يقبض غلاتهم وتوزيع الخبز عليهم والنظر في مصالحهم، فأجاب ببطلان التولية أخذا مما ذكر، قوله: (في حق مسلمة) قيد في قوله وإسلام.
قوله: (تريد التزوج) أشار إلى أن المراد بالمسلمة البالغة، حيث أسند التزوج إليها لئلا يتكرر مع قوله وولد مسلم فإن الولد يشمل الذكر والانثى، وحينئذ فليس في كلامه ما يقتضى أن للكافر التصرف في مال بنته الصغيرة المسلمة، فافهم، وعلى ما قلنا فإذا زوجت المسلمة نفسها وكان لها أخ أو عم كافر، فليس له حق الاعتراض لانه لا ولاية(3/84)
له، وقد مر أول الباب أن من لا ولي لها فنكاحها صحيح نافذ مطلقا: أي ولو من غير كف ء، أو بدون مهر المثل، وإذا سقطت ولاية الاب الكافر على ولده المسلم، فبالاولى سقوط حق الاعتراض على أخته المسلمة أو بنت أخيه، ويؤخذ من هذا أيضا أنه لو كان لها عصبة رقيق أو صغير فهي بمنزلة من لا عصبة لها، لانه لا ولاية لهما كما علمته وقدمنا ذلك أول الباب.
قوله: (لعدم الولاية) تعليل للمفهوم: يعني أن الكافر لا يلي على المسلمة وولده المسلم لقوله تعالى:
* (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (سورة النساء: الآية 141) ح.
قوله: (وكذا لخ) عطف على المفهوم الذي قلناه، والمسألة مذكورة في الفتح والبحر.
قوله: (المسلم على كافرة) لقوله تعالى: * (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) * (سورة الانفال: الآية 37).
قوله: (إلا بالسبب العام الخ) قالوا: وينبغي أن يقال: إلا أن يكون المسلم سيد أمة كافرة أو سلطانا قال السروجي: لم أر هذا الاستثناء في كتاب أصحابنا، وإنما هو منسوب إلى الشافعي ومالك.
قال في المعراج: وينبغي أن يكون مرادا، ورأيت في موضع معزوا إلى المبسوط الولاية بالسبب العام تثبت للمسلم على الكافر كولاية السلطنة والشهادة، فقد ذكر معنى ذلك الاستثناء ا ه بحر وفتح ومقدسي.
وذكره الزيلعي أيضا بصيغة وينبغي، وتبعه في الدرر والعيني وغيره، فحيث عبروا كلهم عنه بصيغة ينبغي كان المناسب للمصنف أن يتابعهم لئلا يومهم أنه منقول في كتاب المذهب صريحا، وقول المعراج: ورأيت في موضع الخ، لا يكفي في النقل لجهالته، فافهم.
قوله: (أو نائبه) أي كالقاضي، فله تزويج اليتيمة الكافرة حيث لا ولي لها وكان ذلك في منشوره.
نهر.
قوله: (فإن لم يكن عصبة) أي لا نسبية ولا سببية كالعتق ولو أنثى وعصباته كما مر فيقدمان على الام.
بحر.
قوله: (فالولاية للام الخ) أي عند الامام ومعه أبو يوسف في الاصح.
وقال محمد: ليس لغير العصبات ولاية، وإنما هي للحاكم، والاول الاستحسان والعمل عليه، إلا في مسائل ليست هذه منها، فما قيل من أن الفتوى على الثاني غريب لمخالفته المتون الموضوعة لبيان الفتوى من البحر والنهر.
قوله: (وفي القنية عكسه) أي حيث قال فيها: أم الاب أولى في الترجيح من الام.
قال في النهر: وحكي عن خواهر زاده وعمر النسفي تقديم الاخت على الام لانها من قوم الاب، وينبغي أن يخرج ما في القنية على هذا القول ا ه: أي فيكون من اعتبر ترجيح الجدة قوم الاب يرجح الاب والاخت على الام، لكن المتون على ذكر الام عقب العصبات، وعلى ترجيحها على الاخت، وصرح في الجوهرة بتقديم الجدة على الاخت فقال: وأولاهم الام، ثم الجدة ثم الاخت لاب وأم.
ونقل ذلك الشرنبلالي في رسالة عن شرح النقاية للعلامة قاسم وقال: ولم يقيد الجدة بكونها لام أو لاب، غير أن السياق يقتضي أنها الجدة لام، وهل تقدم أم الاب عليها أو تتأخر عنها أو تزاحمها؟ كلام القنية يدل على الاول، وسياق
كلام الشيخ قاسم يدل على الثاني، وقد يقال بالمزاحمة لعدم المرجح وقد يقال: قرابة الاب لها حكم العصبة فتقدم أم الاب، فليتأمل ا ه ملخصا.
قلت: وجز الخير الرملي بهذا الاخير فقال: قيد في القنية بالام لان الجدة لاب أولى من الجدة لام قولا واحدا، فتحصل بعد الام أو الاب ثم أم الام ثم الجد الفاسد.
تأمل ا ه.
وما جزم به(3/85)
الرملي أفتى به في الحامدية، ثم هذا في الجدة الصحيحة، أما الفاسدة فهي كالجد الفاسد كما يأتي قريبا.
قوله: (ثم للبنت) إلى قوله وهكذا ذكر ذلك في أحكام الصغار عقب الام، وكذا في فتح القدير والبحر، وقول الكنز: وإن لم تكن عصبة فالولاية للام، ثم للاخت الخ يخالفه، لكن اعتذر عنه في البحر بأنه لم يذكره في الكنز بعد الام لانه خاص بالمجنون والمجنونة.
قوله: (وهكذا) أي إلى آخر الفروع وإن سفلوا ط.
قوله: (ثم للجد الفاسد) قال في البحر: وظاهر كلام المصنف أن الجد الفاسد مؤخر عن الاخت لانه من ذوي الارحام، وذكر المصنف في المستصفى أنه أولى منها عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف الولاية لهما كما في الميراث وفي فتح القدير: وقياس ما صحح في الجد والاخ من تقدم الجد تقدم الجد الفاسد على الاخت ا ه.
فثبت بهذا أن المذهب أن الجد الفاسد بعد الام قبل الاخت ا ه.
كلام البحر: أي بعد الام في غير المجنون والمجنونة ولا فالبنت مقدمة عليه كما علمت.
قلت: ووجه القياس أنهم ذكروا أن الاصح أن الجد أبا الاب مقدم على الاخ عند الكل وإن اشترك مع لاخ في الميراث عندهما، لان الولاية تبتنى على الشفقة وشفقة الجد فوق شفقة الاخ، وحينئذ يقاس عليه الجد الفاسد مع الاخت فإن شفقته أقوى منها، ومقتضى هذا أن الجدة الفاسدة كذلك، ويؤيد هذا أن من أخر الجد الفاسد عن الاخت ذكر معه الجدة الفاسدة، وهو ما مشى عليه في شرح درر البحار حيث قال: وعند أبي حنيفة الام، ثم الجدة الصحيحة، ثم الاخت لابوين، ثم لاب، ثم الاخ، أو الاخت لام، وبعد هؤلاء ذوو الارحام كجد وجدة فاسدين، ثم ولد أخت لابوين أو لاب، ثم ولد أخ لام، ثم العمة، ثم الخال، ثم الخالة، ثم بنت العم، وهكذا الاقرب
فالاقرب ا ه.
قوله: (الذكر والانثى سواء) لان لفظ الولد يشملهما، ومقتضاه أنهما في رتبة واحدة، ومقتضى تقديم الأخوال على الخالات كما يأتي أن يقدم الذكر هنا.
تأمل.
قوله: (ثم لاولادهم) أي أولاد الاخت الشقيقة، وما عطف عليها على هذا الترتيب كما علمته مما نقلناه عن شرح درر البحار، وهذا يغني عنه ما بعده.
قوله: (وبهذا الترتيب أولادهم) فيقدم أولاد العمات، ثم أولاد الاخوال ثم أولاد الخالات، ثم أولاد بنات الاعمام ط.
قوله: (ثم مولى الموالاة) هو الذي أسلم على يده أبو الصغيرة، ووالاه لانه يرث له ولاية التزويج.
فتح: أي إذا كان الاب مجهول النسب ووالاه على أنه إن جنى يعقل عنه، وإن مات يرثه، وقد تكون الموالاة من الطرفين كما سيأتي في بابها، وشمل المولى الانثى كما في شرح الملتقى.
قوله: (ثم لقاض) نقل القهستاني عن النظم أنه مقدم على الام.
قلت: وهو خلاف ما في المتون وغيرها.
قوله: (نص له عليه في منشوره) أي على تزويج الصغار، والمنشور ما كتب فيه السلطان: إني جعلت فلانا قاضيا ببلدة كذا، وإنما سمي به لان القاضي ينشره وقت قراءته على الناس.
(قهستاني).
وسنذكر في مسألة عضل الاقرب أنه تثبت الولاية فيها للقاضي وإن لم يكن في منشوره: أي لان ثبوت الولاية له فيها بطريق النيابة عن الاب أو الجد الفاضل دفعا لظلمه، فيحمل ما هنا على ما إذا ثبتت له الولاية لا بطريق النيابة.
تأمل.
قوله: (أن(3/86)
فوض له ذلك وإلا فلا) أي وإن لم يفوض للقاضي التزويج فليس لنائبه ذلك لما في المجتبى، ثم للقاضي ونوابه إذا شرط في عهده تزويج الصغار والصغائر وإلا فلا ا ه.
قال في البحر: هذا بناء على أن هذا الشرط إنما هو في حق القاضي دون نوابه، ويحتمل أن يكون شرطا فيهما، فإذا كتب في منشور قاضي القضاة، فإن كان ذلك في عقد نائبه منه ملكه النائب وإلا فلا، ولم أر فيه منقولا صريحا ا ه.
وحاصله: أن القاضي إذا كان مأذونا بالتزويج، فهل يكفي ذلك لنائبه أم لا بد أن ينص القاضي لنائبه على الاذن؟ وعبارة المجتبى محتملة والمتبادر منها الاول، وما في النهر من أن ما في المجتبى لا يفيد عدم اشتراط تفويض الاصيل للنائب كما توهمه في البحر رده الرملي بأن كيف لا يفيد مع
إطلاقه في نوابه والمطلق يجري على إطلاقه، ووجهه أنه لما فوض لهم ما له ولايته التي من جملتها التزويج صار ذلك من جملة ما فوض إليهم، وقد تقرر أنهم نواب السلطان حيث أذن له بالاستنابة عنه فيما فوضه إليه ا ه.
فافهم.
قلت: لكن قال في أنفع الوسائل: الظاهر أن النائب الذي لم ينص له القاضي على تزويج الصغائر لا يملكه، لانه إن كان فوض إليه الحكم بين الناس فهذا مخصوص بالرافعات، فلا يتعدى إلى التزويج، وكذا لو قال: استنبتك في الحكم، أما لو قال له: استنبتك في جميع ما فوض إلى السلطان فيملكه حيث عمم له ا ه.
ثم استظهر في أنفع الوسائل أنه إذا ملك التزويج ليس له أن يأذن به لغيره، لانه بمنزلة الوكيل عن القاضي، وليس للوكايل أن يوكل إلا بإذن ا ه.
قوله: (وليس للوصي) أي وصي الصغير والصغيرة، بحر واليتيم بوزن فعيل يشملهما.
قوله: (من حيث هو وصي) احترز به عن قوله الآتي نعم لو كان قريبا أو حاكما يملكه الخ قوله: (على المذهب) لانه المذكور في كافي الحاكم مطلقا، حيث قال: والوصي ليس بولي، وزاد في الذخيرة: سواء أوصى إليه الاب بالنكاح أو لا، نعم في الخانية وغيرها: أنه روى هشام في نوادره عن أبي حنيفة أنه له ذلك إن أوصى إليه، به، وعليه مشى الزيلعي.
قال في البحر وهي رواية ضعيفة.
استثني في الفتح ما لو عين له الموصي في حياته رجلا، واعترضه في البحر بأنه إن زوجها من المعين في حياة الموصي فهو وكيل لا وصي وإن بعد موته، فقد بطلت الوكالة وانتقلت الولاية للحاكم عند عدم قريب.
قوله: (يملكه) أي التزويج إن لم يكن أحد أولى منه.
قوله: (ولا ممن لا تقبل شهادته له) كأصوله وإن علوا وفروعه وإن سفلوا ط.
قوله: (علم أن فعله حكم) أي وليس له أن يحكم لنفسه لانه في حق نفسه رعية، وكذا السلطان.
ح عن الهندية.
تنبيه: أفتى ابن نجيم بأن القاضي إذا زوج يتيمة ارتفع الخلاف، فليس لغيره نقضه، أي لما علمت من أن ذلك حكم منه، ثرأيت ما أفتى به في أنفع الوسائل.
قوله: (وإن عري عن الدعوى) وأما قولهم: شرط نفاذ القضاء في المجتهدات أن يصير الحكم حادثة تجري فيه خصومة صحيحة(3/87)
عند القاضي من خصم على خصم، فالظاهر أنه محمول على الحكم القولي، أما الفعلي فلا يشترط فيه ذلك توفيقا بين كلامهم.
نهر.
قلت: وكذا القضاء الضمني لا تشترط له الدعوى والخصومة، كما إذا شهدا على خصم بحق وذكرا اسمه واسم أبيه وجده وقضى بذلك الحق كان قضاء بنسبه ضمنا وإن لم يكن في حادثة النسب، وكذا لو شهدا بأن فلانة زوجة فلان وكلت زوجها فلانا في كذا على خصم منكر وقضى بتوكيلها كان قضاء بالزوجية بينهما، ونظيره الحكم بثبوت الرمضانية في ضمن دعوى الوكالة، وتمامه في قضاء الاشباه.
قوله: (صغيرة زوجت نفسها) أي من كف ء بمهر المثل، وإلا لم يتوقف، لان الحاكم لا يملك العقد عليها بذلك فلا يملك إجازته، فكان عقدا بلا مجيز، نعم لو كان لها أب أو جد وزوجت نفسها كذلك توقف، لان له مجيزا وقت العقد، لان الاب والجد يملكان العقد بذلك، والصغيرة كالصغير لما في الخانية من أن الصغير لو تزوج بالغة ثم غاب فتزوجت آخر وكان الصبي أجاز بعد بلوغه العقد الذي باشره في صغره: فإن كانت الاجازة بعد العقد الثاني جاز الثاني لانها تملك الفسخ قبل إجازته، وإن كانت قبله.
فإن كان الاول بمهر المثل أو بغبن فاحش وللصغير أب أو جد نفذ بإجازة الصبي بعد بلوغه، وإلا فيجوز الثاني.
قوله: (ولاحاكم ثمة) أي في موضع العقد.
توقف الخ هذا قول بعض المتأخرين، ففي أحكام الصغار: فإن كانت في موضع لم يكن فيه قاض: إن كان ذلك الموضع تحت ولاية قاضي تلك البلدة ينعقد، ويتوقف على إجازة ذلك القاضي، وإلا فلا ينعقد.
وقال بعض المتأخرين: ينعقد ويتوقف على إجازتها بعد البلوغ ا ه.
واستشكله في البحر بأنهم قالوا: كل عقد لا مجيز له حال صدوره فهو باطل لا يتوقف.
ثم قال: التوقف فيه باعتبار أن مجيزه السلطان كما لا يخفى ا ه.
وهذا مبني على كفاية كون ذلك المكان تحت ولاية السلطان وإن لم يكن تحت ولاية قاض، وعليه فبطلان العقد يتصور فيما إذا كان في دار الحرب أو البحر أو المفازة ونحو ذلك، بخلاف القرى والامصار، ويدل عليه ما في الفتح في فصل الوكالة بالنكاح حيث قال: وما لا مجيز له: أي ما ليس له من يقدر على الاجازة يبطل كما إذا كانت تحته حرة فزوجه الفضولي أمة أو أخت امرأته أو خامسة أو زوجه معتدة أو مجنونة أو
صغيرة يتيمة في دار الحرب أو إذا لم يكن سلطان ولا قاض لعدم من يقدر على الامضاء حالة العقد فوقع باطلا ا ه.
وسيأتي تمامه في آخر الباب الآتي.
وقد أطلنا الكلام في تحريره هذه المسألة في تنقيح الفتاوى الحامدية من كتاب المأذون.
قوله: (وليان مستويان) كأخوين شقيقين، فلو أحد الوليين أقرب من الآخر: فلا ولاية للابعد مع الاقرب إلا إذا غاب غيبة منقطعة، فنكاح الابعد يجوز إذا وقع قبل عقد الاقرب.
بحر: أي يجوز على أحد القولين، وفيه كلام يأتي قريبا.
قوله: (فإن لم يدر) ينبغي أنها لو بلغت وادعت أن أحد هما هو الاول يقبل لما في الفتح، ولو زوجها أبوها وهي بكر بالغة بأمرها وزوجت هي نفسها من آخر فإيهما قالت هو الاول فالقول لها وهو الزوج، لانها أقرت بملك النكاح له على نفسها، وإقرارها حجة تامة عليها وإن قالت: لا أدري الاول ولا يعلم من غيرها فرق بينهما، وكذا لو زوجها وليان بأمرها ا ه.
قوله: (وللولي الابعد الخ) المراد بالابعد(3/88)
من يلي الغائب في القرب كما عبر به في كافي الحاكم، وعليه فلو كان الغائب أباها ولها جد وعم، فالولاية للجد لا للعم.
قال في الاختيار: ولا تنتقل إلى السلطان لان السلطان ولي من لا ولي له، وهذه لها أولياء إذ الكلام فيه ا ه.
ومثله في الفتح وغيره، وبه علم أنه ليس المراد بالابعد هنا القاضي، وما في الشرنبلالية من أن المراد به القاضي دون غيره لان هذا من باب دفع الظلم ا ه إنما قاله في المسألة الآتية: أي مسألة عضل الاقرب كما يأتي بيانه، ويدل عليه التعليل بدفع الظلم فإنه لا ظلم في الغيبة، بخلاف العضل فالاعتراض على الشرنبلالية بمخالفتها لاطلاق المتون ناشئ عن اشتباه إحدى المسألتين بالاخرى، فافهم.
قوله: (حال قيام الاقرب) أي حضوره وهو من أهل الولاية، أما لو كان صغيرا أو مجنونا جاز نكاح الابعد.
ذخيرة.
قوله: (توقف على إجارته) تقدم أن البالغة لو زوجت نفسها غير كف ء، فللولي الاعتراض ما لم يرض صريحا أو دلالة كقبض المهر ونحوه، فلم يجعلوا سكوته إجازة، والظاهر أن سكوته هنا كذلك فلا يكون سكوته إجازة لنكاح الابعد وإن كان حاضرا في مجلس العقد ما لم يرض صريحا أو دلالة.
تأمل.
قوله: (ولو تحولت الولاية إليه) أي إلى الابعد بموت الاقرب أو غيبته غيبة منقطعة ط.
قوله: (مسافة القصر
الخ) اختلف في حد الغيبة، فاختار المصنف تبعا للكنز أنها مسافة القصر، ونسبه في الهداية لبعض المتأخرين والزيلعي لاكثرهم، قال: وعليه الفتوى ا ه.
وقال في الذخيرة: الاصح أنه إذا كان في موضع لو انتظر حضوره أو استطلاع رأيه فات الكف ء الذي حضر فالغيبة منقطعة، وإليه أشار في الكتاب ا ه.
وفي البحر عن المجتبى والمبسوط: أنه الا صح، وفي النهاية: واختاره أكثر المشايخ وصححه ابن المفضل، وفي الهداية أنه أقرب إلى الفقه.
وفي الفتح أنه الاشبه بالفقه، وأنه لا تعارض بين أكثر المتأخرين وأكثر المشايخ: أي لان المراد من المشايخ المتقدمون، وفي شرح الملتقى عن الحقائق أنه أصح الاقاويل، وعليه الفتوى ا ه.
وعليه مشى في الاختيار والنقاية، ويشير كلام النهر إلى اختياره، وفي البحر: والاحسن الافتاء بما عليه أكثر المشايخ.
قوله: (هل تكون غيبة منقطعة) أي فعلى الاول لا، وعلى الثاني نعم لانه لم يعتبر مسافة السفر.
قلت: لكن فيه أن الثاني اعتبر فوات الكف ء الذي حضر، فينبغي أن ينظر هنا إلى الكف ء إن رضي بالانتظار مدة يرجى فيها ظهور الاقرب المختفي لم يجز نكاح الابعد، وإلا جاز، ولعله بناه على أن الغالب عدم الانتظار.
تأمل.
قوله: (جاز على الظاهر) أي بناء على أن ولاية الاقرب باقية مع الغيبة.
وذكر في قوله: (البدائع) اختلاف المشايخ فيه.
وذكر أن الاصح القول بزوالها وانتقالها للابعد.
قال في المعراج وفي المحيط: لا رواية فيه، وينبغي أن لا يجوز لانقطاع ولايته، وفي المبسوط: لا يجوز، ولئن سلم فلانها انتفعت برأيه، ولكن هذه منفعة حصلت لها اتفاقا فلا يبنى الحكم عليها ا ه.
وكذا ذكر في الهداية المنع ثم التسليم بقوله، ولو سلم قال في الفتح: وهذا تنزل، وأيد الزيلعي المنع من حيث الرواية والمنقول، وكذا البدائع وبه علم أن قوله على الظاهر ليس المراد به(3/89)
ظاهر الرواية لما علمت من أنه لا رواية فيه، وإنما هو استظهار لاحد القولين، وقد علمت ما فيه من تصحيح خلافه ومنعه في أكثر الكتب.
أقول: ويؤخذ من هذا بالاولى أو الوليين لو كانا في درجة واحدة كأخوين غاب أحدهما فزوج
فمكانه لا يصح، لانه إذا لم يصح تزويج الاقرب الغائب مع حضور الابعد، فعدم صحة العقد من الغائب مع حضور المساوي له في الدرجة بالاولى، فتأمل.
قوله: (من أو لياء النسب) احتراز عن القاضي.
قوله: (لكن في القهستاني الخ) استدراك على ما في شرح الوهبانية، فإنه لم يستند فيه إلى نقل صريح، وهذا منقول، وقد أيده أيضا العلامة الشرنبلالي في رسالة سماها كشف المعضل فيمن عضل بأنه ذكر في أنفع الوسائل عن المنتقى: إذا كان للصغيرة أب امتنع عن تزويجها لا تنتقل الولاية إلى الجد بل يزوجها القاضي، ونقل مثله ابن الشحنة عن الغاية عن روضة الناطفي، وكذا المقدسي عن الغاية والنهر عن المحيط والفيض عن المنتقى، وأشار إليه الزيلعي حيث قال في مسألة تزويج الابعد بغيبة الاقرب: وقال الشافعي: بل يزوجها الحاكم اعتبارا بعضله، وكذا قال في البدائع: إن نقل الولاية إلى السلطان: أي حال غيبة الاقرب باطل، لانه ولي من لا ولي له، وها هنا لها ولي أو وليان، فلا تثبت الولاية للسلطان إلا عند العضل من الولي ولم يوجد، وكذا فرق في التسهيل بين الغيبة والعضل، بأن العاضل ظالم بالامتناع فقام السلطان مقامه في دفع الظلم، بخلاف الغائب خصوصا للحج ونحوه في شرح المجمع الملكي، وبه أفتى العلامة ابن الشلبي، فهذه النقول تفيد الاتفاق عندنا على ثبوتها بعضل الاقرب للقاضي فقط.
وأما ما في الخلاصة والبزازية من أنها تنتقل إلى الابعد بعضل الاقرب إجماعا، فالمراد بالابعد القاضي لانه آخر الاولياء، فالتفضل على بابه، وحمله في البحر على الابعد من الاولياء ثم ناقض نفسه بعد سطرين بقوله: قالوا وإذا خطبها كف ء وعضلها الولي تثبت الولاية للقاضي نيابة عن العاضل فله التزويج وإن لم يكن في منشوره ا ه.
هذا خلاصة ما في الرسالة، ثم ذكر فيها عن شرح المنظومة الوهبانية عن المنتقى ثبوت الخيار لها بالبلوغ إذا زوجها القاضي بعضل الاقرب، وعن المجرد عدم ثبوته، والاول على أن تزويجه بطريق الولاية، والثاني على أنه طريق النيابة عن العاضل، رجحه الشرنبلالي دفعا للتعارض في كلامهم.
قلت: ويؤيده ما مر عن التسهيل، وكذا قولهم فله التزويج وإن لم يكن في منشوره، ويجب حمل ما في المجرد على ما إذا كان العاضل الاب أو الجد لثبوت الخيار لها عند تزويج غيرهما فكذا عند تزويج القاضي نيابة عنه.
عند فوت الكف ء، أي خوف فوته.
قوله: (أي بامتناعه عن
التزويج) أي من كف ء بمهر المثل، أما لو امتنع عن غير الكف ء، أو لكون المهر أقل من مهر المثل، فليس بعاضل ط.
وإذا امتنع عن تزويجها من هذا الخاطب الكف ء ليزوجها من كف ء غيره استظهر في البحر أنه يكون عاضلا.
قال: ولم أره، وتبعه المقدسي والشرنبلالي، واعترضه الرملي بأن الولاية بالعضل تنتقل إلى القاضي نيابة لدفع الاضرار بها ولا يوجد مع إرادة التزويج بكف ء غيره ا ه.
قلت: وفيه نظر لانه متى حضر الكف ء الخاطب لا ينتظر غيره خوفا من فوته، ولذا تنتقل(3/90)
الولاية إلى الابعد عند غيبة الاقرب كما مر، نعم لو كان الكف ء الآخر حاضرا أيضا وامتنع الولي الاقرب من تزويجها من الكف ء الاول لا يكون عاضلا، لان الظاهر من شفقته على الصغيرة أنه اختار لها الانفع لتفاوت الاكفاء أخلاقا وأوصافا، فيتعين العمل بهذا التفصيل والله أعلم.
قوله: (ولا يبطل تزويجه) يعني تزويج الابعد حال غيبة الاقرب، وكان الاولى ذكر هذه الجملة بعد قوله: وللولي الابعد التزويج بغيبة الاقرب ط.
قوله: (السابق) أي المتحقق سبقه احترازا عما لو زوجها الغائب الاقرب قبل الحاضر الابعد، فإنه يغلو المتأخر وعما لو جهل التاريخ، فإنه يبطل كل منهما بناء على بقاء ولاية الغائب، أما على ما قدمناه من انقطاع ولايته فالعبرة لعقد الحاضر مطلقا.
قوله: (وولي المجنون والمجنون) أي جنونا مطبقا وهو شهر كما مر، وتقدم أيضا أن المعتوه كذلك.
قوله: (ولو عارضا) أو ولو كان جنونهما عارضا بعد البلوغ، خلافا لزفر.
قوله: (اتفاقا) أي بخلاف الولاية في النكاح ففيها خلاف محمد فهي عنده للاب أيضا وعندهما للابن.
قوله: (دون أبيها) أي أو جدها، والمراد أنه إذا اجتمع في المجنونة أبوها أو جدها مع ابنها، فالولاية للابن عندهما دون الاب أو الجد كما في الفتح، وكذا الباقي العصبات تزويجها على الترتيب المار فيهم كما قدمناه عن الفتح.
قوله: (ولو أقر الخ) قال الحاكم الشهيد في الكافي الجامع لكتب ظاهر الرواية: وإذا أقر الاب أو غيره من الاولياء على الصغير أو الصغيرة بالنكاح أمس لم يصدق على ذلك إلا بشهود أو تصديق منهما بعد الادراك في قول أبي حنيفة، وكذلك إقرار المولى على عبده، وأما إقراره على أمته بمثل
ذلك فجائز مقبول.
وقال أبو يوسف ومحمد: الاقرار من هؤلاء في جميع ذلك جائز، وكذلك إقرار الوكيل على موكله على هذا الاختلاف ا ه.
ونقل في الفتح عن المصفى عن أستاذه الشيخ حميد الدين: أن الخلاف فيما إذا أقر الولي في صغرهما، وإليه أشار في المبسوط وغيره قال: وهو الصحيح، وقيل فيما إذا بلغها وأنكرا فأقر الولي، أما لو أقر في صغرهما يصح اتفاقا، واستظهره في الفتح، وقد علمت أن الاول ظاهر الرواية وأنه الصحيح.
قوله: (بخلاف مولى الامة) أي إذا ادعى رجل نكاحها فأقر له مولاها يقضي به بلا بينة، وتصديق.
درر: أي لو عتقت لا يحتاج إلى تصديقها، ومقتضى تعليل الشارح أنه لا يصح إقراره عليها بعد العتق.
قوله: (بأن ينصب القاضي الخ) أي لان الاب مقر، والصغير لا يصح إنكاره، ولا بد في الدعوى من خصم فينصب عنه خصما حتى ينكر فقام عليه البينة، فيثبت النكاح على الصغير.
أفاده في الفتح.
قوله: (أي الولي المقر) بالنصب تفسيرا للضمير المنصوب.
أو يصدق بالنصب عطفا على يدرك، وقوله: الموكل أو العدل مرفوعان على الفاعلية والمفعول محذوف: أي يصدق الموكل الوكيل أو العبد المولى.
قوله: (وقالا يصدق في ذلك) أي بصدق المقر في جميع فروع هذه المسألة السابقة مثل إقرار المولى على أمته(3/91)
كما سمعت التصريح به في عبارة الكافي، ومثله في البدائع، فافهم.
قوله: (وهذه المسألة) أي مسألة عدم قبول الاقرار من ولي الصغير أو الصغيرة، ومن الوكيل ومولى العبد مخرجة: أي مستثناة على قول الامام من قاعدة من ملك إنشاء عقد مالك الاقرار به، كالمولى إذا أقر بالفئ في مدة الايلاء وزوج المعتدة إذا قال في العدة راجعتك، وهو وجه قولهما بالقبول هنا كما في إقرار بتزويج أمته، ووجه قول الامام حديث: لا نكاح إلا بشهود وأنه إقرار على الغير فيما لا يملكه، وتمامه في البدائع وعلى ما استظهره في الفتح في مسألة الصغيرين، فهي داخلة في مفهوم القاعد، على قول الامام لانه لا يملك الانشاء حال بلوغهما فلا يملك الاقرار، وعلى قولهما تكون خارجة عن القاعدة.
قوله: (ملك الاقرار به) الاولى حذف به لعدم مرجع الضمير وإن علم من المقام، لان المعنى من ملك إنشاء شئ ملك الاقرار به ط.
قوله: (ولها نظائر) كإقرار الوصي بالاستدانة على
اليتيم لا يصح، وإن ملك إنشاء الاستدانة.
بحر عن المبسوط.
وكما لو وكله بعتق عبد بعينه فقال الوكيل: أعتقته أمس وقد وكله قبل الامس لا يصدق بلا بينة، وتمامه في حواشي الاشباه للحموي من الاقرار.
قوله: (هل لولي مجنون الخ) البحث لصاحب النهر، والظاهر أن الصبي في حكم من ذكر ط.
قوله: (ومنعه الشافعي) لا ندفاع الضرورة بالواحدة.
نهر.
قوله: (وجوزه) أي تزويج أكثر من واحدة.
باب الكفاءة لما كانت شرط اللزوم على الولي إذا عقدت المرأة بنفسها حتى كان له الفسخ عند عدمها، كانت فرع وجود الولي.
وهو بثبوت الولاية فقدم بيان الاولياء، ومن تثبت له ثم أعقبه فصل الكفاءة.
فتح.
قوله: (أو كون المرأة أدنى) اعترضه الخير الرملي بما ملخصه أن كون المرأة أدنى ليس بكفاءة، غير أن الكفاءة من جانب المرأة غير معتبرة.
قوله: (الكفاءة معتبرة) قالوا: معناه معتبرة في اللزوم على الاولياء، حتى أن عند عدمها جاز للولي الفسخ ا ه فتح.
وهذا بناء على ظاهر الرواية من أن العقد صحيح وللولي الاعتراض.
أما على رواية الحسن المختارة للفتوى من أنه لا يصح، فالمعنى معتبرة في الصحة، وكذا لو كانت الزوجة صغيرة والعاقد غير الاب والجد، فقد مر أن العقد لا يصح.
قوله: (في ابتداء النكاح) يغني عنه قول المصنف الآتي واعتبارها عند ابتداء العقد الخ وكأنه أشار إلى أن الاولى ذكره هنا.
قوله: (للزوجه أو لصحته) الاول بناء على ظاهر الرواية، والثاني على رواية الحسن، وقدمنا أول الباب السابق اختلاف الافتاء فيهما، وأن رواية الحسن أحوط.
قوله: (من جانبه الخ) أي يعتبر أن يكون الرجل مكافئا لها في الاوصاف الآتية بأن لا يكون دونها فيها، ولا تعتبر من جانبها بأن تكون مكافئة له فيها، بل يجوز أن تكون دونه فيها.
قوله: (ولذا لا تعتبر) تعليل(3/92)
للمفهوم، وهو أن الشريف لا يأبى أن يكون مستفرشا للدنيئة كالامة والكتابية، لان ذلك لا يعد عارا في حقه بل في حقها، لان النكاح رق للمرأة والزوج مالك.
تنبيه: تقدم أن غير الاب والجد لو زوج الصغير أو الصغيرة غير كف ء لا يصح، ومقتضاه أن
الكفاءة للزوج معتبرة أيضا، وقدمنا أن هذا في الزوج الصغير لان ذلك ضرر عليه، فما هنا محمول على الكبير، ويشير إليه ما قدمناه آنفا عن الفتح من أن معنى اعتبار الكفاءة اعتبارها في اللزوم على الاولياء الخ.
فإن حاصله: أن المرأة إذ زوجت نفسها من كف ء لزم على الاولياء، وإن زوجت من غير كف ء لا يلزم أو لا يصح، بخلاف جانب الرجل فإنه إذا تزوج بنفسه مكافئة له أو لا فإنه صحيح لازم.
وقال القهستاني: الكفارة لغة: المساواة، وشرعا: مساواة الرجل للمرأة في الامور الآتية، وفيه إشعار بأن نكاح الشريف الوضعية لازم فلا اعتراض للولي، بخلاف العكس ا ه.
فقد أفاد أن لزومه في جانب الزوج إذا زوج نفسه كبيرا لا إذا زوجه الولي صغيرا، كما أن الكلام في الزوجة إذا زوجت نفسها كبيرة فثبت اعتبار الكفاءة من الجانبين في الصغيرين عند عدم الاب والجد كما حررناه فيما تقدم، والله تعالى أعلم.
قوله: (لكن في الظهيرية الخ) لا وجه للاستدراك بعد ذكره الصحيح، فإنه حيث ذكر القولين كان حق التركيب تقديم الضعيف والاستدراك عليه بالصحيح، كما فعل في البحر وذكر أن ما في الظهيرية غريب، ورده أيضا في البدائع كما بسطه في النهر.
قوله: (هي حق الولي لا حقها) كذا قال في البحر، واستشهد له بما ذكره الشارح عن الولوالجية، وفيه نظر، بل هي حق لها أيضا بدليل أن الولي لو زوج الصغيرة غير كف ء لا يصح، ما لم يكن أبا أو جدا غير ظاهر الفسق، ولما في الذخيرة قبيل الفصل السادس، من أن الحق في إتمام مهر المثل عند أبي حنيفة للمرأة وللاولياء حق الكفاءة، وعندهما للمرأة لا غير ا ه.
وظاهر قوله: كحق الكفاءة الاتفاق، على أنه حق لكل منهما، وكذا ما في البحر عن الظهيرية: لو انتسب الزوج لها نسبا غير نسبه، فإن ظهر دونه وهو ليس بكف ء فحق الفسخ ثابت للكل، وإن كان كفؤا فحق الفسخ لها دون الاولياء، وإن كان ما ظهر فوق ما أخبر فلا فسخ أحد، وعن الثاني أن لها الفسخ لانها عسى تعجز عن المقام معه ا ه.
ومن هذا القبيل ما سيذكره الشارح قبيل باب العدة لو تزوجته على أنه حر أو سني أو قادر على المهر والنفقة فبان بخلافه، أو على أنه فلان ابن فلان فإذا هو لقيط أو ابن زنا لها الخيار ا ه.
ويأتي تمام الكلام على ذلك هناك.
زاد في البدائع على ما مر عن الظهيرية: وإن فعلت المرأة ذلك
فتزوجها، ثم ظهر بخلاف ما أظهرت فلا خيار للزوج سواء تبين أنها حرة أو أمة لان الكفاءة في جانب النساء غير معتبرة ا ه.
وقد يجاب بأن الكلام كما مر فيما إذا زوجت نفسها بلا إذن الولي وحينئذ لم يبق لها حق في الكفاءة لرضاها بإسقاطها فبقي الحق للولي فقط فله الفسخ.
قوله: (فلو نكحت الخ) تفريع على قوله: لا حقها وفيه أن التقصير جاء من قبلها حيث لم تبحث عن حاله كما جاء من قبلها وقبل الاولياء فيما لو زوجوها برضاها، ولم يعلموا بعدم الكفاءة ثم علموا.
رحمتي.
وفي كلام لولوالجية ما يفيده كما يأتي قريبا وعلى ما ذكرناه من الجواب فالتفريع صحيح، لان سقوط حقها إذا رضيت ولو من وجه، وهنا كذلك، ولذا لو شرطت الكفاءة بقي حقها.
قوله: (لا(3/93)
خيار لاحد) هذا في الكبير كما هو فرض المسألة بدليل قوله: نكحت رجلا وقوله: برضا فلا يخالف ما قدمناه في الباب المار عن النوازل: لو زوج بنته الصغيرة ممن ينكر أنه يشرب المسكر، فإذا هو مدمن له وقالت بعد ما كبرت: لا أرضى بالنكاح، إن لم يكن يعرفه الاب بشربه وكان غلبة أهل بيته صالحين فالنكاح باطل، لانه إنما زوج على ظن أنه كف ء ا ه.
خلافا لما ظنه المقدسي من إثبات المخالفة بينهما كما نبه عليه الخير الرملي.
قلت: ولعل وجه الفرق أن الاب يصح تزويجه الصغيرة من غير الكف ء لمزيد شفقته، وأنه إنما فوت الكفاءة لمصلحة تزيد عليها، وهذا إنما يصح إذا علمه غير كف ء، أما إذا لم يعلمه فلم يظهر منه أنه زوجها للمصلحة المذكورة كما إذا كان الاب ماجنا أو سكران، لكن كان الظاهر أن يقال: لا يصح العقد أصلا كما في الاب الماجن والسكران، مع أن المصرح به أن لها إبطاله بعد البلوغ وهو فرع صحته، فليتأمل.
قوله: (كان لهم الخيار) لانه إذا لم يشترط الكفاءة كان عدم الرضا بعدم الكفاءة من الولي.
ومنها: ثابتا من وجه دون وجه لما ذكرنا أن حال الزوج محتمل بين أن يكون كفؤا وأن لا يكون.
والنص إنما أثبت حق الفسخ بسبب عدم الكفاءة حال عدم الرضا بعدم الكفاءة من كل وجه، فلا يثبت حال وجود الرضا بعدم الكفاءة من وجه.
بحر عن الولوالجية.
قوله: (للزوم النكاح) أي على ظاهر الرواية، ولصحته على رواية الحسن المختارة للفتوى.
قوله: (خلافا لمالك) في
اعتبار الكفاءة خلاف مالك والثوري والكرخي من مشايخنا، كذا في فتح القدير، فكان الاولى ذكر الكرخي، وفي حاشية الدرر للعلامة نوح أن الامام أبا الحسن الكرخي، والامام أبا بكر الجصاص وهما من كبار علماء العراق، ومن تبعهما من مشايخ العراق لم يعتبروا الكفاءة في النكاح، ولو لم تثبت عندهم هذه الرواية عن أبي حنيفة لما اختاروها.
وذهب جمهور مشايخنا إلى أنها معتبرة فيه.
ولقاضي القضاة سراج الدين الهندي مؤلف مستقل في الكفاءة ذكر فيه القولين على التفصيل، وبين ما لكل منهما من السند والدليل ا ه.
قوله: (نسبا) أي من جهة النسب، ونظم العلامة الحموي ما تعتبر فيه الكفاءة فقال: إن الكفاءة في النكاح تكون في ست لها بيت بديع قد ضبط نسب وإسلام كذلك حرفة حرية وديانة مال فقط قلت: وفي الفتاوى الحامدية من واقعات قدري أفندي عن القاعدية غير الاب والجد من الاولياء لو زوج الصغيرة من عنين معروف لم يجز، لان القدرة على الجماع شرط الكفاءة كالقدرة على المهر والنفقة بل أولى ا ه.
وأما الكبيرة فسنذكر عن البحر أنه لو زوجها الوكيل غنيا مجبوبا جاز وإن كان لها التفريق بعد.
قوله: (فقريش الخ) القرشيان من جمعهما أب هو النضر بن كنانة فمن دونه، ومن لم ينتسب إلا لاب فوقه فهو عربي غير قرشي، والنضر هو الجد الثاني عشر للنبي (ص)،(3/94)
فإنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان، على هذا اقتصر البخاري والخلفاء الاربعة كلهم من قريش، وتمامه في البحر.
قوله: (بعضهم أكفاء بعض) أشار به إلى أنه لا تفاضل فيما بينهم من الهاشمي والنوفلي والتيمي والعدوي وغيرهم، ولهذا زوج علي وهو هاشمي أم كلثوم بنت فاطمة لعمر وهو عدوي.
قهستاني.
فلو تزوجت هاشمية قرشيا غير هاشمي لم يرد عقدها وإن تزوجت عربيا غير قرشي لهم
رده كتزويج العربية عجميا.
بحر.
وقوله لم يرد عقدها ذكر مثله في التبيين، وكثير من شروح الكنز والهداية وغالب المعتبرات، فقوله في الفيض القرشي: لا يكون كفؤا للهاشمي كلمة لا فيه من تحريف النساخ.
رملي.
قوله: وبقية العرب أكفاء العرب صنفان: عرب عارية: وهم أولاد قحطان، ومستعربة: وهم أولاد إسماعيل، والعجم: أولاد فروخ أخي إسماعيل وهم الموالي والعتقاء، والمراد بهم غير العرب وإن لم يمسهم رق، سموا بذلك: إما لان العرب لما افتتحت بلادهم وتركتهم أحرارا بعد أن كان لهؤلاء الاسترقاق فكأنهم أعتقوهم، أو لانهم نصروا العرب على قتل الكفار، والناصر يسمى مولى.
نهر.
قوله: (بني باهلة) قال في البحر: باهلة في الاصل اسم امرأة من همدان كانت تحت معن بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان، فنسب ولده إليها، وهم معروفون بالخساسة.
قيل كانوا يأكلون بقية الطعام مرة ثانية، وكانوا يأخذون عظام الميتة يطحنونها ويأخذون دسومتها، ولذا قيل: ولا ينفع الاصل من هاشم إذا كانت النفس من باهله وقيل: إذا قيل للكلب يا باهلي عوى الكلب من شؤم هذا النسب قوله: والحق الاطلاق) فإن النص لم يفصل مع أنه (ص) كان أعلم بقبائل العرب وأخلاقهم وقد أطلق، وليس كل باهلي كذلك، بل فيهم الاجواد، وكون فصيلة منهم أو بطن صعاليك فعلوا ذلك لا يسري في حق الكل.
فتح.
قوله: (ويعضده) أي يقويه.
قلت: يعضده أيضا إطلاق محمد، ففي كافي الحاكم: قريش بعضها أكفاء لبعض، والعرب بعضهم أكفاء لبعض، وليسوا بأكفاء لقريش، ومن كان له من الموالي أبوان أو ثلاثة في الاسلام فبعضهم أكفاء لبعض، وليسوا أكفاء للعرب ا ه.
والحاصل: أنه كما لا يعتبر التفاوت في قريش حتى أن أفضلهم بني هاشم أكفاء لغيرهم منهم، فكذلك في بقية العرب بلا استثناء.
ويؤخذ من هذا أن من كانت أمها علوية مثلا وأبوها عجمي يكون العجمي كفؤا لها، وإن كان لها شرف ما، لان النسب للآباء، ولهذا جاز دفع الزكاة(3/95)
إليها فلا يعتبر التفاوت بينهما من جهة شرف الام، ولم أر من صرح بهذا، والله أعلم.
قوله: (وهذا في العرب) أي اعتبار النسب إنما يكون في العرب، فلا يعتبر فيهم الاسلام كما في المحيط والنهاية وغيرهما، ولا الديانة كما في النظم، ولا الحرفة كما في المضمرات، لان العرب لا يتخذون هذه الصنائع حرفا، وأما الباقي: أي الحرية والمال فالظاهر من عباراتهم أنه معتبر.
قهستاني.
لكن فيه كلام ستعرفه في مواضعه.
قوله: (وأما في العجم) المراد بهم من لم ينتسب إلى إحدى قبائل العرب، ويسمون الموالي والعتقاء كما مر، وعامة أهل الامصار والقرى في زماننا منهم، سواء تكلموا بالعربية أو غيرها، إلا من كان له منهم نسب معروف كالمنتسبين إلى أحد الخلفاء الاربعة، أو إلى الانصار ونحوهم.
قوله: (فتعتبر حرية وإسلاما) أفاد أن الاسلام لا يكون معتبرا في حق العرب كما اتفق عليه أبو حنيفة وصاحباه لانهم يتفاخرون به، وإنما يتفاخرون بالنسب فعربي له أب كافر يكون كفؤا لعربية لها آباء في الاسلام، وأما الحرية فهي لازمة للعرب لانه لا يجوز استرقاقهم، نعم الاسلام معتبر في العرب بالنظر إلى نفس الزوج لا إلى أبيه وجده، فعلى هذا فالنسب معتبر في العرب فقط، وإسلام الاب والجد في العجم فقط، والحرية في العرب والعجم، وكذا إسلام نفس الزوج.
هذا حاصل ما في البحر.
قوله: (لمن أبوها مسلم) راجع إلى قوله مسلم بنفسه ح.
قوله: (أو حر أو معتق) كل منهما راجع لقوله أو معتق ح.
قوله: (وأمها حرة الاصل) لان الزوج المعتق فيه أثر الرق وهو الولاء، والمرأة لما كانت أمها حرة الاصل كانت هي حرة الاصل.
بحر عن التجنيس.
أما لو كانت أمها رقيقة فهي تبع لامها في الرق فيكون المعتق كفؤا لها.
بخلاف ما لو كانت أمها معتقة لان لها أبا في الحرية لقوله في البحر: والحرية نظير الاسلام.
أفاده ط.
قوله: (لذات أبوين) أي في الاسلام والحرية ط.
قوله: (وأبوان فيهما كالآباء) أي فمن له أب وجد في الاسلام أو الحرية كف ء لمن له آباء.
قال في فتح القدير: وألحق أبو يوسف الواحد بالمثنى كما هو مذهبه في التعريف: أي في الشهادات والدعوى.
قيل كان أبو يوسف إنما قال ذلك في موضع يعد كفر الجد عيبا بعد أن كان الاب مسلما، وهما قالاه في موضع يعد عيبا، والدليل على ذلك أنهم قالوا جميعا: إن ذلك ليس عيبا في حق العرب لانهم لا يعيرون في ذلك، وهذا حسن
وبه ينتفي الخلاف ا ه.
وتبعه في النهر.
قوله: (ولا يبعد الخ) ظاهره أنه قاله تفقها، وقد رأيته في الذخيرة ونصفه: ذكر ابن سماعة في الرجل يسلم والمرأة معتقة أنه كف ء لها ا ه.
ووجهه: أنه إذا أسلم وهو حر وعتقت وهي مسلمة يكون فيه أثر الكفر وفيها أثر الرق وهما منقصان، وفيه شرف حرية الاصل وفيها شرف إسلام الاصل وهما مكملان فتساويا.
بقي ما لو كان بالعكس بأن أسلمت المرأة وعتق الرجل فالظاهر أن الحكم كذلك بشرط أن لا يكون إسلامه طارئا وإلا ففيه أثر الكفر وأثر الرق معا، فلا يكون كفؤا لمن فيها أثر الكفر فقط.
تأمل.
قوله: (وأما معتق الوضيع الخ) عزاه في البحر إلى المجتبى، ومثله في البدائع قال: حتى لا يكون مولى العرب كفؤا لمولاة بني هاشم، حتى لو زوجت مولاة بني هاشم نفسها من مولى العرب كان لمعتقها حق(3/96)
الاعتراض، لان الولاء بمنزلة النسب.
قال النبي (ص): الولاء لحمة كلحمة النسب ا ه.
ومثله في الذخيرة.
وذكر الشارح في كتاب الولاء: الكفاءة تعتبر في ولاء العتاقة، فمعتقة التاجر كف ء لمعتق العطار دون الدباغ ا ه.
ويشكل عليه ما ذكره في البدائع أيضا قبل ما قدمناه حيث قال: وموالي العرب أكفاء لموالي قريش لعموم قوله (ص): والموالي بعضهم أكفاء لبعض اه.
فتأمل تنبيه: مولى الموالاة لا يكافئ مولاة العتاقة.
قال في الذخيرة: روى المعلى عن أبي يوسف أن من أسلم على يدي إنسان لا يكون كفؤا لموالي العتاقة.
وفي شرالطحاوي: معتقة أشرف القوم تكون كفؤا للموالي، لان لها شرف الولاء للوموالي شرف إسلام الآباء ا ه.
قوله: (وأما مرتد أسلم الخ) نقله في البحر عن القنية، وسكت عليه، وكأنه محمول على مرتد لم يطل زمن ردته، ولذا لم يقيده باللحاق بدار الحرب، لان المرتد في دار الاسلام يقتل إن لم يسلم، أما من ارتد وطال زمن ردته حتى اشتهر بذلك ولحق أولا ثم أسلم فينبغي أن لا يكون كفؤا لمن لم ترتد، فإن العار الذي يلحقها بهذا أعظم من العار بكافر أصلي أسلم بنفسه، فليتأمل.
قوله: (إلا لفتنة) أي لدفعها.
قال في الفتح عن الاصل: إلا أن يكون نسبا مشهورا كبنت ملك من ملوكهم خدعها حائك أو سائس فإنه يفرق بينهم لا لعدم الكفاءة بل لتسكين الفتنة، والقاضي مأمور بتسكينها بينهم كما بين
المسلمين ا ه.
قوله: (وتعتبر في العرب والعجم الخ) قال في البحر: وظاهر كلامهم أن الفتوى معتبرة في حق العرب والعجم، فلا يكون العربي الفاسق كفؤا لصالحة عربية كانت أو عجمية ا ه.
قال النهر: وصرح بهذا في إيضاح الاصلاح على أنه المذهب ا ه.
وذكر في البحر أيضا أن ظاهر كلامهم اعتبار الكفاءة مالا فيهما أيضا.
قلت: وكذا حرفة كما يظهر مما نذكر عن البدائع.
قوله: (ديانة) أي عندهما وهو الصحيح.
وقال محمد: لا تعتبر إلا إذ كان يصفع ويسخر منه، أو يخرج إلى الاسواق سكران، ويلعب به الصبيان لانه مستخف به.
هداية.
ونقل في الفتح عن المحيط: أن الفتوى على قول محمد، لكن الذي في التاترخانية عن المحيط قبل وعليه الفتوى وكذا في المقدسي عن المحيط البرهاني ومثله في الذخيرة: قال في البحر: وهو موافق لما صححه في المبسوط، وتصحيح الهداية معارض له، فالافتاء بما في المتون أولى ا ه.
قوله: (فليس فاسق الخ) اعلم أنه قال في البحر: ووقع لي تردد فيما إذا كانت صالحة دون أبيها أو كانت أبوها صالحا دونها هل يكون الفاسق كفؤا لها أو لا؟ فظاهرها كلام الشارحين أن العبرة لصلاح أبيها وجدها، فإنهم قالوا: لا يكون الفاسق كفؤا لبنت الصالحين، واعتبر في المجمع صلاحها فقال: فلا يكون الفاسق كفؤا للصالحة.
وفي الخانية: لا يكون الفاسق كفؤا للصالحة بنت الصالحين، فاعتبر صلاح الكل.
والظاهر أن الصلاح منها أو من آبائها كاف لعدم كون الفاسق كفؤا لها، ولم أره صريحا ا ه.
ونازعه في النهر بأن قول الخانية أيضا: إذا كان الفاسق محترا معظما عند الناس كأعوان السلطان يكون كفؤا لبنات الصالحين.
وقال بعض مشايخ بلخ: لا يكون معلنا كان أو لا، وهو اختيار ابن الفضل ا ه يقتضي اعتبار الصلاح من حيث الآباء فقط، وهذا هو الظاهر، وحينئذ فلا اعتبار بفسقها ا ه: أي إذا كانت فاسقة بنت صالح لا يكون الفاسق كفؤا لها، لان العبرة لصلاح الاب، فلا يعتبر فسقها، ويؤيده أن الكفاءة حق الاولياء إذا أسقطتها هي، لان(3/97)
الصالح يعير بمصاهرة الفاسق، لكن ما نقله في البحر عن الخانية يقتضي اعتبار صلاحها أيضا كما مر، وحينئذ فيكن حمل كلام الخانية الثاني عليه بناء على أن بنت الصالح صالحة غالبا.
قال في
الحواشي اليعقوبية: قوله: فليس فاسق كف ء بنت صالح فيه كلام، وهو أن بنت الصالح يحتمل أن تكون فاسقة فيكون كفؤا كما صرحوا به، والاولى ما في المجمع وهو أن الفاسق ليس كفؤا للصالحة، إلا أن يقال: الغالب أن بنت الصالح صالحة، وكلام المصنف بناء على الغالب ا ه.
ومثله قول القهستاني: أي وهي صالحة، وإنما لم يذكر لان الغالب أن تكون البنت صالحة بصلاحه ا ه.
وكذا قال المقدسي.
قلت: اقتصارهم بناء على أن صلاحها يعرف بصلاحهم، لخفاء حال المرأة غالبا لا سيما الابكار والصغائر ا ه.
وفي الذخيرة: ذكر شيخ الاسلام أن الفاسق لا يكون كفؤا للعدل عند أبي حنيفة، وعن أبي يوسف ومحمد أن الذي يسكر إن كان يسر ذلك ولا يخرج سكران كان كفؤا لامرأة صالحة من أهل البيوتات، وإن كان يعلن ذلك فلا.
قيل وعليه الفتوى ا ه.
قلت: والحاصل: أن المفهوم من كلامهم اعتبار صلاح الكل، وإن من اقتصر على صلاحها أو صلاح آبائها نظر إلى الغالب من أن صلاح الولد والوالد متلازما، فعلى هذا فالفاسق لا يكون كفؤا لصالحة بنت صالح، بل يكون كفؤا لفاسقة بنت فاسق، وكذا لفاسقة بنت صالح كما نقله في اليعقوبية، فليس لابيها حق الاعتراض لان ما يلحقه من العار ببنته أكبر من العار بصهره.
وأما إذا كانت صالحة بنت فاسق فزوجت نفسها من فاسق فليس لابيها حق الاعتراض، لانه مثله وهي قد رضيت به.
وأما إذا كانت صغيرة فزوجها أبوها من فاسق: فإن كان عالما بفسقه صح العقد، ولا خيار لها إذا كبرت، لان الاب له ذلك ما لم يكن ماجنا كما مر في الباب السابق، وأما إذا كان الاب صالحا وظن لزوج صالحا فلا يصح.
قال في البزازية: زوج بنته من رجل ظنه مصلحا لا يشرب مسكرا فإذا هو مدمن فقالت بعد الكبر: لا أرضى بالنكاح: إن لم يكن أبوها يشرب المسكر، ولا عرف به وغلبة أهل بيتها مصلحون فالنكاح باطل بالاتفاق ا ه.
فاغتنم هذا التحرير فإنه مفرد.
قوله: (بنت صالح) نعت لكل من قوله: صالحة وفاسقة وأفرده للعطف بأو فرجع إلى أن المعتبر صلاح الآباء فقط، وأنه لا عبرة بفسقها بعد كونها من بنات الصالحين، و هذا هو الذي نقلناه عن النهر، فافهم، نعم هو خلاف ما نقلناه عن اليعقوبية.
قوله: (معلنا كان أو لا) أما إذا كان معلنا فظاهر، وأما
غير المعلن فهو بأن يشهد عليه أنه فعل كذا من المفسقات وهو لا يجهر به فيفرق بينهما بطلب الاولياء ط.
قوله: (على الظاهر) هذا استظهار من صاحب النهر لا كما يتوهم من أنه ظاهر الرواية، فإنه قد صرح في الخانية عن السرخسي بأنه لم ينقل عن أبي حنيفة في ظاهر الرواية في هذا شئ، والصحيح عنده أن الفسق لا يمنع الكفاءة ا ه.
وقدمنا أن تصحيح الهداية معارض لهذا التصحيح.
قوله: (ومالا) أي في حق العربي والعجمي كما مر عن البحر، لان التفاخر بالمال أكثر من التفاخر بغيره عادة وخصوصا في زماننا هذا.
بدائع.
قوله: (بأن يقدر على المعجل الخ) أي على ما تعارفوا تعجيله من المهر، وإن كان كله حالا.
فتح.
فلا تشترط القدرة على الكل، ولا أن يساويها في الغنى في ظاهر الرواية وهو الصحيح.
زيلعي.
ولو صبيا فهو غني بغنى أبيه أو أمه أو جده كما يأتي، وشمل ما لو كان عليه دين بقدر المهر، فإنه كف ء لان له أن يقضي أي الدينين شاء كما في(3/98)
الولوالجية، وما لو كانت فقيرة بنت فقراء كما صرح به في الواقعات معللا بأن المهر والنفقة عليه فيعتبر هذا الوصف في حقه، وما لو كان ذا جاه كالسلطان والعالم.
قال الزيلعي: وقيل يكون كفؤا وإن لم يملك إلا النفقة لان الخلل ينجبر به، ومن ثم قالوا: الفقيه العجمي كف ء للعربي الجاهل.
قوله: (ونفقة شهر) صححه في التجنيس وصحح، في المجتبى الاكتفاء بالقدرة عليها بالكسب، فقد اختلف التصحيح، واستظهر في البحر الثاني، ووفق في النهر بينهما بما ذكره الشارح، وقال: إنه أشار إليه في الخانية.
قوله: (لو تطيق الجماع) فلو صغيرة لا تطيقه فهو كف ء وإن لم يقدر على النفقة لانه لا نفقة لها.
فتح.
ومثله في الذخيرة.
قوله: (وحرفة) ذكر الكرخي أن الكفاءة فيها معتبرة عند أبي يوسف، وأن أبا حنيفة بنى الامر فيها على عادة العرب أن مواليهم يعملون هذه الاعمال لا يقصدون بها الحرف فلا يعيرون بها: وأجاب أبو يوسف على عادة أهل البلاد، وأنهم يتخذون ذلك حرفة، فيعيرون بالدني منها، فلا يكون بينهما خلاف في الحقيقة.
بدائع.
فعلى هذا لو كان من العرب من أهل البلاد من يحترف بنفسه تعتبر فيهم الكفاءة فيها، وحينئذ فتكون معتبرة بين العرب والعجم.
قوله: (فمثل حائك الخ) قال في الملتقى وشرحه: فحائك أو حجام أو كناس أو دباغ أو
حلاق أو بيطار أو حداد أو صفار غير كف ء لسائر الحرف كعطار أو بزاز أو صواف، وفيه إشارة إلى أن الحرف جنسان ليس أحدهما كفؤا للآخر، لكن أفراد كل منها كف ء لجنسها، وبه يفتى.
زاهدي ا ه: أي إن الحرف إذا تباعدت لا يكون أفراد إحداها كفؤا لافراد الاخرى، بل أفراد كل واحدة أكفاء بعضهم لبعض، وأفاد كما في البحر أنه لا يلزم اتحادهما في الحرفة، بل التقارب كاف، فالحائف كف ء لحجام، والدباغ كف ء لكناس، والصفار كف ء لحداد، والعطار كف ء لبزاز.
قال الحلواني: وعليه الفتوى.
وفي الفتح: أن الموجب هو استنقاص أهل العرف فيدور معه، وعلى هذا ينبغي أن يكون الحائك كفؤا للعطار بالاسكندرية لما هناك من حسن اعتبارها وعدم عدها نقصا البتة، اللهم إلا أن يقترن بها خساسة غيرها ا ه.
فأفاد أن الحرف إذا تقاربت أو اتحدت يجب اعتبار التكافؤ من بقية الجهات، فالعطار العجمي غير كف ء لعطار أو بزاز عربي أو عالم.
بقي النظر في نحو دباغ أو حلاق عربي، هل يكون كفؤا لعطار أو بزاز عجمي؟ والذي يظهر لي أن شرف النسب أو العلم يجبر نقص الحرفة، بل يفوق سائر الحرف، فلا يكون نحو العطار العجمي الجاهل كفؤا لنحو حلاق عربي أو عالم، ويؤيده ما في الفتح أنه روي عن أبي يوسف أن الذي أسلم بنفسه أو عتق إذا أحرز من الفضائل ما يقابل نسب الآخر كان كفؤا له ا ه.
فليتأمل.
قوله: (لبزاز) قال في القاموس: البز: الثياب أو متاع البيت من الثياب ونحوها، وبائعه: البزاز، وحرفته البزازة ا ه ط.
قوله: (ولا هما لعالم وقاض) قال في النهر: وفي البناية عن الغاية: الكناس والحجام والدباغ والحارس والسائس والراعي والقيم: أي البلان في الحمام ليس كفؤا لبنت الخياط، ولا الخياط لبنت البزاز والتاجر، ولا هما لبنت عالم وقاض، والحائك ليس كفؤا لبنت الدهقان وإن كانت فقيرة، وقيل هو كف ء ا ه.
وقد غلب اسم الدهقان على ذي العقار الكثير كما في المغرب ا ه.
قلت: والظاهر أن نحو الخياط إذا كان أستاذا يتقبل الاعمال وله أجراء يعلمون له يكون كفؤا(3/99)
لبنت البزاز والتاجر في زماننا كما يعلم من كلام الفتح المار، إذ لا يعد في العرف ذلك نقصا
.
تأمل.
وما في شرح الملتقى عن الكافي من أن الخفاف ليس بكف ء للبزاز والعطار فالظاهر أن المراد به من يعمل الاخفاف أو النعال بيده، أما لو كان أستاذا له أجراء أو يشتريها ويبيعها في حانوته فليس في زماننا أنقص من البزاز والعطار.
قال ط: وأطلقوا في العالم والقاضي ولم يقيدوا العالم بذي العمل، ولا القاضي بمن لا يقبل الرشوة، والظاهر التقييد لان القاضي حينئذ ظالم، ونحوه العالم غير العالم، وليحرر ا ه.
قلت: لعلهم أطلقوا ذلك لعلمه من ذكرهم الكفاءة في الديانة، فالظاهر حينئذ أن العالم والقاضي الفاسقين لا يكونان كفأين لصالحة بنت صالحين، لان شرف الصلاح فوق شرف العلم والقضاء مع الفسق.
قوله: (فأخس من الكل) أي وإن كان ذا مروءة وأموال كثيرة لانه من آكلي دماء الناس وأموالهم كما في المحيط، نعم بعضهم أكفاء بعض.
شرح الملتقى.
وفي النهر عن البناية في مصر جنس هو أخس من كل جنس، وهم الطائفة الذين يسمون بالسراباتية ا ه.
قلت: مفهوم التقييد بالاتباع أن المتبوع كأمير وسلطان ليس كذلك، لانه أشرف من التاجر عرفا كما يفيده ما يأتي في الشارح عن البحر، وقد علمت أن الموجب هو استنقاص أهل العرف فيدور معه، فعلى هذا من كان أميرا أو تابعا له وكان ذا مال ومروءة وحشمة بين الناس لا شك أن المرأة لا تتعير به في العرف كتعيرها بدباغ وحائك ونحوهما، فضلا عن سراباتي ينزل كل يوم إلى الكنيف، وينقل نجاسته في بيت مسلم وكافر، وإن كان قاصدا بذلك تنظيف الناس أو المساجد من النجاسات وكان الامير أو تابعه آكلا أموال الناس، لان المدار هنا على النقص والرفعة في الدنيا، ولهذا لما قال محمد: لا تعتبر الكفاءة في الديانة لانها من أحكام الآخرة فلا تبنى عليها أحكام الدنيا، قالوا في الجواب عنه: إن المعتبر في كل موضع ما اقتضاه الدليل من البناء على أحكام الآخرة وعدمه، بل اعتبار الديانة مبني على أمر دنيوي وهو تعيير بنت الصالحين بفسق الزوج.
قلت: ولعل ما تقدم عن المحيط من أن تابع الظالم أخس من الكل كان في زمنهم الذي الغالب فيه التفاخر بالدين والتقوى دون زماننا الغالب فيه التفاخر بالدنيا، فافهم والله أعلم.
قوله: (وأما الوظائف) أي في الاوقاف.
بحر.
قوله: (فمن الحرف) لانها صارت طريقا للاكتساب في مصر
كالصنائع.
بحر.
قوله: (لو غير دنيئة) أي عرفا كبوابة وسواقة وفراشة ووقادة.
بحر.
قوله: (فذو تدريس) أي في علم شرعي.
قوله: (أو نظر) هو بحث لصاحب البحر، لكنه الآن ليس بشريف، بل هو كآحاد الناس، وقد يكون عتيقا زنجيا، وربما أكل مال الوقف وصرفه في المنكرات فكيف يكون كفؤا لمن ذكر، اللهم إلا أن يقيد بالناظر ذي المروءة وبناظر نحو مسجد، بخلاف ناظر وقف أهلي بشرط الواقف، فإنه لا يزداد رفعة بذلك ط.
قوله: (كف ء لبنت الامير بمصر).
لا يخفى أن تخصيص بنت الامير بالذكر للمبالغة: أي فيكون كفؤا لبنت التاجر بالاولى، فيفيد أن الامير أشرف من التاجر كما هو العرف، وهذا مؤيد لبحثنا السابق كما نبهنا عليه.
قوله: (اعتبارها عند ابتداء العقد) قلت: يرد عليه ما في الذخيرة: حجام تزوج امرأة مجهولة النسب ثم ادعاها قرشي وأثبت أنها بنته له أن يفرق بينهما، وأما لو أقرت بالرق لرجل لم يكن له إبطال النكاح ا ه.
وقد يجاب بأن ثبوت النسب(3/100)
لما وقع مستندا إلى وقت العلوق كان عدم الكفاءة موجودا وقت العقد، لا أنها كانت موجودة ثم زالت حتى ينافي كون العبرة لوقت العقد.
وأما مسألة الاقرار فلان إقرارها يقتصر عليها، فلا يلزم الزوج بموجبه لما تقرر أن الاقرار حجة قاصرة على المقر.
قوله: (ثم فجر) الاولى أن يقول: ثم زالت كفاءته لان الفجور يقابل الديانة وهي إحدى ما يعتبر في الكفاءة ط.
قوله: (وأما لو كان دباغا الخ) هذا فرعه صاحب البحر على ما تقدم بأنه ينبغي أن يكون كفؤا، ثم استدرك عليه بمخالفته لقولهم: إن الصنعة وإن أمكن تركها يبقى عارها، ووفي في النهر بقوله: ولو قيل إنه إن بقي عارها لم يكن كفؤا وإن تناسى أمرها لتقادم زمانها كان كفؤا لكان حسنا ا ه.
قوله: (لكن في النهر الخ) حيث قال: ودل كلامه على أن غير العربي لا يكافئ العربي، وإن كان حسيبا، لكن في جامع قاضيخان قالوا: الحسيب يكون كفؤا للنسيب، فالعالم العجمي يكون كفؤا للجاهل العربي والعلوية، لان شرف العلم فوق شرف النسب، وارتضاه في فتح القدير، وجزم به الزازي وزاد: والعالم الفقير يكون كفؤا للغني الجاهل، والوجه فيه ظاهر لان شرف العلم فوق شرف النسب فشرف المال أولى، نعم الحسب قد يراد به المنصب والجاه كما فسره به في المحيط عن صدر الاسلام، وهذا
ليس كفؤا للعربية كما في الينابيع ا ه.
كلام النهر ملخصا.
أقول: حيث كان ما في الينابيع من تصحيح عدم كفاءة الحسيب للعربية مبنيا على تفسير الحسيب بذي المنصب والجاه لم يصح ما ذكره المصنف من تصحيح عدم الكفاءة في العالم، وعزوه في شرحه إلى الينابيع، وذكر الخير الرملي عن مجمع الفتاوى: العالم يكون كفؤا للعلوية لان شرف الحسب أقوى من شرف النسب، وعن هذا قيل: إن عائشة أفضل من فاطمة، لان لعائشة شرف العلم، كذا في المحيط.
وذكر أيضا أنه جزم به في المحيط والبزازية والفيض وجامع الفتاوى وصاحب الدرر، ثم نقل عبارة المصنف هنا ثم قال: فتحرر أن فيه اختلافا، ولكن حيث صح أن ظاهر الرواية أنه لا يكافئها فهو المذهب، خصوصا وقد نص في الينابيع أنه الاصح ا ه.
أقول: قد علمت أن ما صححه في الينابيع غير ما مشى عليه المصنف، وأما ما ذكره من ظاهر الرواية فقد تبع فيه البحر، وقول الشارح وادعى في البحر الخ يفيد أن كونه ظاهر الرواية مجرد دعوى لا دليل عليها سوى قولهم في المتون وغيرها: والعرب أكفاء: أي فلا يكافئهم غيرهم، ولا يخفى أن هذا وإن كان ظاهره الاطلاق، ولكن قيده المشايخ بغير العالم، وكم له من نظير، فإن شأن مشايخ المذهب إفادة قيود وشرائط لعبارات مطلقة استنباطا من قواعد كلية أو مسائل فرعية أو أدلة نقلية وهنا كذلك، فقد ذكر في آخر التفاوى الخيرية في قرشي جاهل تقدم في المجلس على عالم أنه يحرم عليه، إذ كتب العلماء طافحة بتقدم العالم على القرشي، ولم يفرق سبحانه بين القرشي وغيره في قوله: * (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * (سورة الزمر: الآية 9) إلى آخر ما أطال به، فراجعه فحيث كان شرف العلم أقوى من شرف النسب بدلالة الآية، وتسريحهم بذلك اقتضى تقييد ما أطلقوه هنا اعتمادا على فهمه من محل آخر، فلم يكن ما ذكره المشايخ مخالفا لظاهر الرواية،(3/101)
وكيف يصح لاحد أن يقول: إن مثل أبي حنيفة أو الحسن البصري وغيرهما ممن ليس بعربي أنه لا يكون كفؤا لبنت قرشي جاهل، أو لبنت عربي بوال على عقبية؟ فلا جرم إنه جزم بما قاله المشايخ صاحب المحيط وغيره كما علمت، وارتضاه المحقق ابن الهمام وصاحب النهر، وتبعهم الشارح
فافهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: (ولذا قيل الخ) أي لكون شرف العلم أقوى.
قيل إن عائشة أفضل لكثرة علمها، وظاهره أنه لا يقال: إن فاطمة أفضل من جهة النسب، لان الكلام مسوق لبيان أن شرف العلم أقوى من شرف النسب، لكن قد يقال بإخراج فاطمة رضي الله عنها من ذلك لتحقق البضعية فيها بلا واسطة، ولذا قال الامام مالك: إنها بضعة منه (ص)، ولا أفضل على بضعة منه أحدا.
ولا يلزم من هذا إطلاق أنها أفضل، وإلا لزم تفضيل سائر بناته (ص) على عائشة، بل على الخلفاء الاربعة، وهو خلاف الاجماع كما بسطه ابن حجر في الفتاوى الحديثية، وحينئذ فما نقل عن أكثر العلماء من تفضيل عائشة محمول على بعض الجهات كالعلم، وكونها في الجنة مع النبي (ص) وفاطمة مع علي رضي الله عنهما، ولهذا قال في بدء الامالي: وللصديقة الرجحان فاعلم على الزهراء في بعض الخلال وقيل: إن فاطمة أفضل، ويمكن إرجاعه إلى الاول.
وقيل: بالتوقف لتعارض الادلة.
واختاره الاستروشني من الحنفية وبعض الشافعية كما أوضحه منلا على القاري في شرح الفقه الاكبر وشرح بدء الامالي.
قوله: (والحنفي كف ء لبنت الشافعي الخ) المراد بالكفاءة هنا صحة العقد، يعني لو تزوج حنفي بنت شافعي نحكم بصحة العقد، وإن كان في مذهب أبيها أنه لا يصح العقد إذا كانت بكرا إلا بمباشرة وليها، لانا نحكم بما نعتقد صحته في مذهبنا.
قال في البزازية: وسئل: أي شيخ الاسلام عن بكر بالغة شافعية زوجت نفسها من حنفي أو شافعي بلا رضا الاب، هل يصح؟ أجاب نعم، وإكانا يعتقد ان عدم الصحة لانا نجيب بمذهبنا لا بمذهب الخصم لاعتقادنا أنه خطأ يحتمل الصواب.
وإن سئلنا كيف مذهب الشافعي فيه؟ لا نجيب بمذهبه ا ه.
وقوله: لاعتقادنا الخ مبني على القول بأن المقلد يلزمه تقليد الافضل ليعتقد أرجحية مذهبه، والمعتمد عند الاصوليين خلافه كما بسطناه في صدر الكتاب، ثم لا يخفى مما ذكرنا أنه لا منا سبة لذكر هذا الفرع في الكفاءة.
تأمل.
قوله: (القروي) بفتح القاف نسبة إلى القرية.
قوله: (فلا عبرة بالبلد) أي بعد وجود ما مر من أنواع الكفاءة.
قال في البحر: فالتاجر في القرى كف ء لبنت التاجر في المصر للتقارب.
قوله: (كما لا عبرة بالجمال) لكن النصيحة أن يراعي الاولياء المجانسة في الحسن والجمال.
هندية عن
التاترخانية ط.
قوله: (ولا بالعقل) قال قاضيخان في شرح الجامع: وأما العقل فلا رواية فيه عن أصحابنا المتقدمين واختلف فيه المتأخرون ا ه: أي في أنه هل يعتبر في الكفاءة أو لا.
قوله: (ولا بعيوب الخ) أي ولا يعتبر في الكفاءة السلامة من العيوب التي يفسخ بها البيع كالجذام والجنون والبرص والبخر والدفر.
بحر.
قوله: (خلافا للشافعي) وكذا لمحمد في الثلاثة الاول إذا كان بحال(3/102)
لا تطيق المقام معه إلا أن التفريق أو الفسخ للزوجة لا للولي كما في الفتح.
قوله: (ليس بكف ء للعاقلة) قال في النهر: لانه يفوت مقاصد النكاح.
فكان أشد من الفقر ودناءة الحرفة، وينبغي اعتماده لان الناس يعيرون بتزويج المجنون أكثر من ذي الحرفة الدنيئة.
قوله: (أو أمه أو جده) عزاه في النهر إلى المحيط، وزاد في الفتح الجدة، لكن فيه أن اعتباره كفؤا بغنى أبيه مبني على ما ذكر من العادة بتحمل المهر، وهذا مسلم في الام والجد، أما الجدة فلم تجر العادة بتحملها وإن وجد في بعض الاوقات.
تأمل.
قوله: (كما مر) أي عند قول المصنف ومالا.
قوله: (لان العادة الخ) مقتضاه أنه لو جرت العادة بتحمل النفقة أيضا عن الابن الصغير كما في زماننا أنه يكون كفؤا، بل في زماننا يتحملها عن ابنه الكبير الذي في حجره، والظاهر أنه يكون كفؤا بذلك لان المقصود حصول النفقة من جهة الزوج بملك أو كسب أو غيره، ويؤيده أن المتبادر من كلام الهداية وغيرها أن الكلام في مطلق الزوج صغيرا أو كبيرا، فإنه قال: وعن أبي يوسف أنه اعتبر القدرة على النفقة دون المهر لانه تجري المساهلة في المهر وبعد المرء قادرا عليه بيسار أبيه ا ه، نعم زاد في البدائع أن ظاهر الرواية عدم الفرق بين النفقة والمهر، لكن ما مشى عليه المصنف نقل في البحر تصحيحه عن المجتبى، ومقتضى تخصيصه بالصبي أن الكبير ليس كذلك، ووجهه أن الصغير غني بغنى أبيه في باب الزكاة، بخلاف الكبير، لكن إذا كان المناط جريان العادة بتحمل الاب لا يظهر الفرق بينهما ولا بين المهر والنفقة فيهما حيث تعورف ذلك، والله تعالى أعلم.
قوله: (بأقل الخ) أي بحيث لا يتغابن فيه وقدمنا تفسيره في الباب السابق.
قوله: (فللولي العصبة) أي لا غيره من الاقارب ولا القاضي لو كانت سفيهة، كما في الذخيرة.
نهر.
والذي في الذخيرة من الحجر المحجور عليها إذا تزوجت بأقل
من مهر مثلها ليس للقاضي الاعتراض عليها، لان الحجر في المال لا في النفس ا ه.
بحر.
قلت: لكن في حجر الظهيرية: إن لم يدخل بها الزوج قيل له أتم مهر مثلها، فإن رضي وإلا فرق بينهما، وإن دخل فعليه إتمامه ولا يفرق بينهما لان التفريق كان للنقصان عن مهر المثل وقد انعدم حين قضى لها بمهر مثلها بالدخول ا ه.
قوله: (الاعتراض) أفاد أن العقد صحيح، وتقدم أنها لو تزوجت غير كف ء فالمختار للفتوى رواية الحسن أنه لا يصح العقد، ولم أرن ذكر مثل هذه الرواية هنا، ومقتضاه أنه لا خلاف في صحة العقد، ولعل وجهه أنه يمكن الاستدراك هنا بإتمام مهر المثل، بخلاف عدم الكفاءة والله تعالى أعلم.
قوله: (أو يفرق القاضي) في الهندية عن السراج: ولا تكون هذه الفرقة إلا عند القاضي، وما لم يقض القاضي بالفرقة بينهما فحكم الطلاق والظهار والايلاء والميراث باق ا ه.
قوله: (دفعا للعار) أشار إلى الجواب عن قولهما ليس للولي الاعتراض لان ما زاد على عشرة دراهم حقها، ومن أسقط حقه لا يعترض عليه، ولابي حنيفة أن الاولياء يفتخرو بغلاء المهور ويتعيرون بنقصانها فأشبه الكفاءة.
بحر.
والمتون على قول الامام.
قوله: (فلها نصف المسمى) أي وليس لهم طلب التكميل، لانه عند بقاء النكاح وقد زال.
قوله: فلا مهر(3/103)
لها لان الفرقة جاءت من قبل من له الحق وهي فسخ.
ط عن شرح الملتقى.
قوله: (فلها المسمى) هذا في غير السفيهة، وفيها لا تفريق بعد الدخول، ولزم مهر المثل كما علمته.
قوله (لانتهاء النكاح بالموت) فلا يمكن الولي طلب الفسخ، فلا يلزم الاتمام لانه إنما يلتزمه الزوج لخوف الفسخ وقد زال النكاح بالموت ط.
مطلب في الوكيل والفضولي في النكاح قوله: (أمره بتزويج الخ) شروع في بعض مسائل الوكيل والفضولي، وذكرها في باب الولي لان الوكالة نوع من الولاية.
لنفاذ تصرفه على الموكل ونفاذ عقد الفضولي بالاجازة يجعله في حكم الوكيل، وعقد ذلك في الكنز وغيره فصلا على حدة.
واعلم أنه لا تشترط الشهادة على الوكالة بالنكاح بل على عقد الوكيل، وإنما ينبغي أن يشهد
على الوكالة إذا خيفجحد الموكل إياها.
فتح.
قوله: (بتزويج امرأة) أي منكرة، ويأتي محترزه، وأطلق في الامة فشمل المكاتبة وأم الولد بشرط أن لا تكون للوكيل للتهمة، وما لو كانت عمياء أو مقطوعة اليدين أو مفلوجة أو مجنونة خلافا لهما، أو صغيرة لا تجامع اتفاقا، وقيل على الخلاف.
فتح.
زاد في البحر: أو كتابية أو من حلف بطلاقها أو آلى منها أو في عدة الموكل أو بغبن فاحش في المهر.
قوله: (جاز) في بعض النسخ نفذ وهي أنسب، لان الكلام في النفاذ لا في الجواز ح.
قوله: (و قالا: لا يصح) أي إذا رده الآمر، والاولى التعبير بلا ينفذ ليفيد أنه موقوف.
و وجه قول الامام أن هذا رجوع إلى إطلاق اللفظ، وعدم التهمة.
ووجه قولهما: إن لمطلق ينصرف إلى المتعارف وهو التزوج بالاكفاء، وجوابه أن العرف مشترك في تزوج المكافئات وغيرهن، وتمامه في الفتح.
قوله: (وهو استحسان) قال في الهداية: وذكر في الوكالة أن اعتبار الكفاءة في هذا استحسان عندهما، لان كل أحد لا يعجز عن التزوج بمطلق الزوجة فكانت الاستعانة في التزوج بالكف ء ا ه.
قال في الفتح: وفيه إشارة إلى اختيار قولهما: لان الاستحسان مقدم على غيره إلا في المسائل المعلومة، والحق أن قول الامام ليس قياسا لانه أخذ بنفس اللفظ المنصوص، فكان النظر في أي الاستحسانين أولى ا ه.
والمراد باللفظ المنصوص) لفظ الموكل.
قوله: (بنته الصغيرة) فلو كبيرة برضاها لا يجوز عنده خلافا لهما، ولو زوجه أخته الكبيرة برضاها جاز اتفاقا.
بحر.
ومثله في الذخيرة.
قوله: (أو موليته) بتشديد الياء كمرمية اسم مفعول: أي اليت هي مولى عليها من جهته: أي له عليها الولاية، وهذا عطف عام على خاص، وذلك كبنت أخيه الصغيرة.
قوله: (كما لو أمره بمعينة) محترز قول المتن امرأة بالتنكير ومثله ما لو عين المهر كألف فزوجه بأكثر: فإن دخل بها غير عالم فهو على خياره، فإن فارقها فلها الاقل من المسمى ومهر المثل، ولو هي الموكلة وسمت له ألفا فزوجها ثم قال الزوج ولو بعد الدخول: تزوجتك بدينار وصدقة الوكيل: إن أقر الزوج أنها لم(3/104)
توكل بدينار فهي ب الخيار فإن ردت فلها مهر المثل بالغا ما بلغ، ولا نفقة عدة لها لان بالرد تبين أن الدخول حصل في نكاح موقوف فيوجب مهر المثل دون نفقة العدة، وإن كذبها الزوج فالقول لها مع
يمينها، فإن ردت فباقي الجواب بحاله ويجب الاحتياط فهذا، فإنه ربما يحصل لها منه أولاد ثم تنكر قدر ما زوجها به الوكيل، ويكون القول قولها فترد النكاح.
فتح ملخصا.
قال في البزازية: وهذا إن ذكر المهر، وإن لم يذكر فزوجه بأكثر من مهر المثل بما لا يتغابن فيه الناس أو زوجها بأقل منه، كذلك صح عنده خلافا لهما، لكن للاولياء حق الاعتراض في جانب المرأة دفعا للعار عنهم ا ه.
وانظر ما قدمناه في باب الولي.
قوله: (لم يجز اتفاقا) لان الكفاءة معتبرة في حقها، فلو كان كفؤا إلا أنه أعمى أو مقعد أو صبي أو معتوه، فهو جائز، وكذا لو كان خصيا أو عنينا، وإن كان لها التفريق بعد ذلك.
بحر.
ثم قال: ولو زوجها من أبيه أو ابنه لم يجز عنده، وفي كل موضع لا ينفذ فعل الوكيل، فالعقد موقوف على إجازة الموكل، وحكم الرسول كحكم الوكيل في جميع ما ذكرناه، وتوكيل المرأة المتزوجة بالتزويج إذا طلقت وانقضت عدتها صحيح كتوكيله أن يزوجه المتزوجة فطلقت وحلت فزوجها فإنه صحيح.
قوله: (بنكاح امرأة) نكرها دلالة على أنه لو عينها فزوجها مع أخرى لا يكون مخالفا، بل ينفذ عليه في المعنية.
وفي الخانية: وكله بأن يزوجه فلانة أو فلانة فأيهما زوجه جاز، ولا يبطل التوكيل بهذه الجهالة.
نهر.
قوله: (للمخالفة) تعليل قاصر.
وعبارة الهداية: لانه لا وجه إلى تنفيذهما للمخالفة ولا إلى التنفيذ في إحداهما غير عين للجهالة ولا إلى التعيين لعدم الاولوية، فتعين التفريق ا ه.
قوله: (وله أن يجيزهما أو إحداهما) اعترض الزيلعي بهذا على قول الهداية فتعين التفريق، وأجاب في البحر بأن مراده عند عدم الاجازة، فإن أجاز نكاحهما أو إحداهما نفذ.
قوله: (وتوقف الثاني) لانه فضولي فيه ط.
قوله: (إلا إذا قال الخ) في غاية البيان: أمره بامرأتين في عقدة، فزوجه واحدة جاز، إلا إذا قال: لا تزوجني إلا امرأتين في عقدة فلا يجوز ا ه: أي لا يجوز أن يزوجه واحدة، فلو زوجه ثنتين في عقدتين فالظاهر عدم الجواز، لان قوله في عقدة داخل تحت الحصر، وهو المفهوم من كلام الشارح.
وفي المحيط: أمره بامرأتين في عقدة فزوجهما في عقدتين جاز، وفي لا تزوجني امرأتين إلا في عقدتين فزوجهما في عقدة لا يجوز.
والفرق أنه في الاول أثبت الوكالة حالة الجمع، ولم ينفها حالة التفرد نصا، بل سكت، والتنصيص على الجمع لا ينفي ما عداه، وفي الثاني نفاها حالة التفرد
والنفي مفيد لما في الجمع من تعجيل مقصوده فلم يصر وكيلا حالة الانفراد ا ه.
والظاهر أن في صورة النفي هذه لو زوجه امرأة يصح، ولا يتوقف على تزويج الثانية في عقد آخر، وكذا في صورة النفي في كلام الشارح، وهي لا تزوجني إلا امرأتين في عقدتين، وهو خلاف المفهوم من كلامه، فتأمل.
قوله: (على قبول غائب) أي شخص غائب، فإذا أوجب الحاضر، وهو فضولي من جانب أو من الجانبين لا يتوقف على قبول الغائب، بل يبطل وإن قبل العاقد الحاضر بأن تكلم بكلامين(3/105)
كما يأتي، وقيد بالغائب لانه لو كان حاضرا فتارة يتوقف كالفضوليين، وتارة ينفذ بأن لم يكن فضوليا ولو من جانب كما في الصور الخمس الآتية.
قوله: (في سائر العقود) قال المصنف في المنح: هو أولى مما وقع في الكنز من قوله: على قبول ناكح غائب، لانه ربما أفهم الاختصاص بالنكاح وليس كذلك.
قوله: (بل يبطل) لما كان يتوهم من عدم التوقف أنه تام اكتفاء بالايجاب وحده دفع هذا الايهام بالاضراب، محل البطلان إذا لم يقبل فضولي عن الغائب، أما إذا قبل عنه توقف على الاجازة ط.
قوله: (ولا تلحقه الاجازة) يعني أنه إذا بلغ الآخر الايجاب فقيل لا يصح العقد لان الباطل لا يجاز ط.
قوله: (يقوم مقام القبول) كقوله مثلا: زوجت فلانة من نفسي، فإنه يتضمن الشطرين، فلا يحتاج إلى القبول بعده، وقيل يشترط ذكر لفظ هو أصيل فيه كتزوجت فلانة، بخلاف ما هو نائب فيه كزوجتها من نفسي، وكلام الهداية صريح في خلافه كما في البحر عن الفتح.
قوله: (وليا أو وكيلا من الجانبين) كزوجت ابني بنت أخي أو زوجت موكلي فلانا موكلتي فلانة.
قال ط: يكفي شاهدان على وكالته ووكالتها وعلى العقد، لان الشاهد يتحمل الشهادات العديدة ا ه.
وقدمنا أن الشهادة على الوكالة لا تلزم إلا عند الجحود.
قوله: (ووكيلا أو وليا من آخر) كما لو وكلته امرأته أن يزوجها من نفسه، أو كانت له بنت عم صغيرة لا ولي لها أقرب منه فقال تزوجت موكلتي أو بنت عمي.
قوله: (كزوجت بنتي من موكلي) مثال للصورة الخامسة، ولا بد من التعريف بالاسم والنسب، وإنما لم يذكره لانه مر بيانه.
قوله: (ليس ذلك الواحد) أي المتولي للطرفين بفضولي كما في الخمس المارة.
قوله: (ولو من جانب) أي سواء كان فضوليا من جانب
واحد، أو من جانبين: أي جانب الزوج والزوجة، فإذا كافضوليا منهما أو كان فضوليا من أحدهما، وكان من الآخر أصيلا أو كيلا أو وليا ففي هذه الاربع لا يتوقف، بل يبطل عندهما خلافا للثاني، حيث قال إنه يتوقف على قبول الغائب، كما يتوقف اتفاقا لو قبل عنه فضولي آخر، والخمسة السابقة نافذة اتفاقا، وبقي صورة عاشرة عقلية وهي الاصيل من الجانبين لم يذكرها لاستحالتها قوله: (وإن تكلم بكلامين) أي بإيجاب وقبول كزوجت فلانا وقبلت عنه، وهذه مبالغة على المفهوم، وهو أو الواحد لا يتولى طرفي النكاح عندهما إذا كان فضوليا، ولو من جانب سواء تكلم بكلام واحد أو بكلامين، خلافا لما في حواشي الهداية وشرح الكافي من أنه يبطل عندهما إذا تكلم بكلام واحد، أما لو تكلم بكلامين فإنه لا يبطل، بل يتوقف على قبول الغائب اتفاقا، ورده في الفتح بأن الحق خلافه، وأنه لا وجود لهذا القيد في كلام أصحاب المذهب، وإنما المنقول أن الفضولي الواحد يتولى الطرفين عندهما وهو مطلق.
قوله: (لان قبوله) أي الفضولي المتولي الطرفين.
قوله: (لما تقرر الخ) حاصله: أن الايجاب لما صدر من الفضولي وليس له قابل في المجلس ولو فضوليا آخر صدر باطلا غير متوقف على قبول الغائب، فلا يفيد قبول العاقد بعده، ولم يخرج بذلك عن كونه فضوليا من الجانبين.
قال في الفتح: إن كون كلامي الواحد عقدا تاما هو(3/106)
أثر كونه مأمورا من الطرفين أو من طرف وله ولاية الطرف الآخر.
قوله: (ونكاح عبد) أي ولو مدبرا أو مكاتبا.
نهر.
قوله: (وأمة) أي ولو أم ولد.
نهر.
قوله: (على الاجازة) أي إجازة السيد أو إجازة العبد بعد الاذن المتأخر عن العقد لما في البحر عن التجنيس: لو تزوج بغير إذن السيد ثم أذن لا ينفذ، لان الاذن ليس بإجازة فلا بد من إجازة العبد العاقد وإن صدر العقد منه ا ه.
قوله: (كنكاح الفضولي) أي الذي باشره مع آخر أصيل أو ولي أو وكيل أو فضولي، أما لو تولى طرفي العقد، وهو فضولي من الجانبين أو أحدهما فإنه لا يتوقف خلافا لابي يوسف كما مر.
قال في البحر: الفضولي من يتصرف لغيره بغير ولاية وكالة أو لنفسه، وليس أهلا، وإنما زدناه: أي قوله أو لنفسه ليدخل نكاح العبد بلا إذن إن قلنا إنه فضولي، وإلا فهو ملحق به في
أحكامه ا ه.
والصبي كالعبد وإنما قال: من يتصرف لا من يعقد ليدخل اليمين، كما لو علق طلاق زوجة غيره على دخول الدار مثلا، فإنه يتوقف على إجازة الزوج، فإن أجاز تعلق، فتطلق بالدخول بعد الاجازة لا قبلها، ما لم يقل الزوج أجزت الطلاق علي، ولو قال: أجزت هذا اليمين علي، لزمته اليمين، ولا يقع الطلاق ما لم تدخل بعد الاجازة كما في الفتح: عن الجامع والمنتقى.
قوله: (إن لها مجيز الخ) فسر المجيز في النهاية: بقابل يقبل الايجاب، سواء كان فضوليا أو وكيلا أو أصيلا، وقال فيها في فصل بيع الفضولي: لو باع الصبي ما له أو اشترى أو تزوج أو زوج أمه أو كاتب عبده ونحوه توقف عن إجازة الولي، فلو بلغ هو فأجاز نفذ، ولو طلق أو خلع أو أعتق عن مال أو بدونه أو وهب أو تصدق أو زوج عبده أو باع ماله بمحاباة فاحشة أو اشترى بغبن فاحشة أو غير ذلك مما لو فعله وليه لا ينفذ، كان باطلا لعدم المجيز وقت العقد إلا إذا كان لفظ الاجازة يصلح لابتداء العقد، فيصح على وجه الانشاء كأن يقول بعد البلوغ: أوقعت ذلك الطلاق أو العتاق ا ه.
قال في الفتح: وهذا يوجب أن يفسر المجيز هنا بمن يقدر على إمضاء العقد لا بالقابل مطلقا ولا بالولي، إذ لا يتوقف في هذه الصور، وإن قبل فضولي آخر أو ولي لعدم قدرة الولي على إمضائها فعلى هذا فما لا مجيز له: أي ما ليس له من يقدر على الاجازة يبطل كما إذا كان تحته حرة فزوجه الفضولي أمة أو أوخت امرأته أو خامسة أو معتدة أو مجنونة أو صغيرة يتيمة في دار الحرب، أو إذا لم يكن سلطان ولا قاض لعدم من يقدر على الامضاء في حالة العقد، فوقع باطلا حتى لو زال المانع بموت امرأته السابقة، وانقضاء عدة المعتدة فأجاز لا ينفذ، وأما إذا كان فيجب أن يتوقف لوجود من يقدر على الامضاء ا ه ملخصا.
وقوله: وإما إذا كان: أي وجد سلطان أو قاض في مكان عقد الفضولي عن المجنونة أو اليتيمة، فيتوقف، أي ويفذ بإجازتها بعد عقلها أو بلوغها لان وجود المجيز حالة العقد، لا يلزم كونه من أولياء النسب كما تقدم في الباب السابق قبل قوله: وللولي إلا بعد التزويج بغيبة الاقرب.
قوله: (ولابن العم الخ) هذه من فروع قوله: ويتولى طرفي النكاح واحد ليس بفضولي من جانب، فيتولاه هنا بالاصالة من جانبه والولاية من جانبها، ومثل الصغيرة المعتوهة والمجنونة، ولا يخفى أن المراد حيث لا ولي أقرب منه.
قوله: (فلابد من الاستئذان) أي
إذا زوجها لنفسه لابد من استئذانها قبل العقد.
قوله: (لا يجوز عندهما) لانه تولى طرفي النكاح،(3/107)
وهو فضولي من جانبها فلم يتوقف عندهما بل بطل ما مر، وإذا لم يتوقف لا ينفذ بالاجازة بعده بالسكوت أو الافصاح، وهذا إذا زوجها لنفسه كما قلنا، أما لو زوجها لغيره وبلا استئذان سابق، فسكتت بكرا أو أفصحت بالرضا ثيبا يكون إجازة، لانه نعقد موقوفا لكونه لم يتول الطرفين بنفسه، بل باشر العقد مع غيره من أصيل، أو ولي أو وكيل أو فضولي فتكون المسألة حينئذ من فروع قوله: كنكاح فضولي.
قوله: (جوهرة) جميع ما تقدم من قوله: ولابن العم إلى قوله: السلطان عبارة الجوهرة ح.
قوله: (يعني بخلاف الصغيرة الخ) توضيحه أن قول الجوهرة: وكذا المولى الخ، إشارة إلى أن ذكر ابن العم أولا غير قيد، بل المراد به من له ولاية التزوج والتزويج، وظاهره أن هذا التعميم جاز في الصغيرة والكبيرة: أي يزوج الولي الصغيرة من نفسه، وكذا الكبيرة لكن بالاستئذان، وهذا صحيح في الكبيرة، أما الصغيرة فلا لانه ليس للحاكم والسلطان أن يتزوجا صغيرة لا ولي لها غيرهما، لان فعلهما حكم فيتعين أن يكون قول الجوهرة: وكذا الخ، راجعا إلى قوله: فلو كبيرة لبيان تعميم الولي فيها فقط، وهذا معنى قول الشارح بخلاف الصغير كما مر: أي في الفروع من الباب السابق، في قوله: ليس للقاضي تزويج الصغيرة من نفسه الخ لكن بعد حمل كلام الجوهرة على هذا يبقى فيه إشكال آخر، وهو أن الحاكم والسلطان لا يزوجان الصغيرة لنفسهما، لان فعلهما حكم كما مر، وهذا لا يظهر في المولى المعتق فقرانه معهما في الذكر، وإن ظهر بالنسبة إلى الكبيرة لكنه يظهر بالنسبة إلى الصغيرة المفهومة من التقييد بالكبيرة، فلذا قال: فليحرر فافهم.
والذي يظهر أنه لا مانع من تزوج المولى المعتق معتقته الصغيرة لنفسه حيث الاولى أقرب منه، لانه حينئذ هو الولي المجبر فيكون أصيلا من جانبه وليا من جانبها كابن العم، فيكون داخلا تحت قولهم: يتولى طرفي النكاح واحد ليس بفضولي من جانب، ولا يعارض ذلك عبارة الجوهرة التي هي غير محررة، إذ لولا وجود المانع في الحاكم، وهو أن فعله حكم لكان داخلا تحت هذه
القاعدة، ولا مانع في المولى، فيبقى داخلا تحتها، وأيضا لو كان المولى كالحاكم يلزم أن لا يملك تزويجها من ابنه ونحوه ممن لا تقبل شهادته له، ويخالفه ما في الفتح عن التجنيس: لو زوج القاضي الصغيرة التي هو وليها من ابنه لا يجوز كالوكيل، بخلاف سائر الاولياء لان تصرف القاضي حكم وحكمه لابنه لا يجوز، بخلاف تصرف الولي ا ه.
فقوله بخلاف سائر الاولياء، يشمل المولى المعتق، فهذا صريح في أنه ليس كالقاضي.
تنبيه: تقدم أن المعتق آخر العصبات وأن له ولاية التزويج، ولو كان امرأة ثم بنوه وإن سفلوا ثم عصبته من النسب على ترتيبهم كما في الفتح، وحيث علمت أن له تزويج الصغيرة لنفسه، فكذا بنوه وعصباته، وكذا لو كان امرأة تزوج معتقها الصغير لنفسها، والله تعالى أعلم.
قوله: (من نفسه) في المغرب: زوجته امرأة وتزوجت امرأة، وليس في كلامهم تزوجت بامرأة ولا زوجت منه امرأة.
قوله: (فإن له ذلك) أي تزويجها لنفسه بشرط أن يعرفها الشهود، أو يذكر اسمها واسم أبيها وجدها أو تكون حاضرة متنقبة، فتكفي الاشارة إليها.
وعند الخصاف: لا يشترط كل ذلك، بل يكفي(3/108)
قوله: زوجت نفسي من موكلتي، كما بسطه في الفتح والبحر، وقدمنا الكلام عليه عند قوله: وبشرط حضور شاهدين ثم إن قول الشارح: فإن له إخراج إعراب المتن عن أصله ولا يضر ذلك لانه لم يغير اللفظ، وإنما زاده لاصلاح المتن، فإن قول المصنف كما للوكيل الكاف فيه للتشبيه بمسألة ابن العم، وما مصدرية أو كافة، وللوكيل خبر مقدم، والمصدر المنسبك من أن وصلتها مبتدأ مؤخر، واسم الاشارة بدل منه.
وفيه أمران: الاول: إطلاق الوكيل مع أن المراد منه وكيل مقيد بأن يزوجها من نفسه.
والثاني: إنه لا حاجة إلى زيادة اسم الاشارة فأصلح الشارح الاول بزيادة قوله: الذي وكلته.
والثاني بزيادة قوله: فإن له وحينئذ فقوله: للوكيل خبر لمبتدإ محذوف تقديره: أن يزوج من نفسه، ولم يصرح به لدلالته التشبيه عليه، وقوله: الذي وكلته الخ نعت للوكيل، ولا يخفى حسن هذا السبك، نعم يمكن إصلاح كلام المتن بدونه بجعل اسم الاشارة مبتدأ، وللوكيل خبره له: إن يزوجها على تقدير الباء الجارة متعلق بالوكيل، وهذا وإن صح
لكنه غير متبادر من هذا اللفظ، وعلى كل فلا خلل في كلام الشارح، فافهم.
قوله: (من رجل) أي غير معين، وكذا المعين بالاولى.
وفي الهندية عن المحيط: رجل وكل امرأة أن تزوجه فزوجت نفسها منه لا يجوز ا ه.
قوله: (فزوجها من نفسه) وكذا لو زوجها من أبيه أو ابنه عند أبي حنيفة كما قدمناه عن البحر، لان الوكيل لا يعقد مع من لا تقبل شهادته له للتهمة.
قوله: (لانها الخ) يوهم الجواز لو زوجها من أبيه أو ابنه، وقد علمت أنه لا يجوز.
قوله: (أو وكلته أن يتصرف في أمرها) لانه لو أمرته بتزويجها لا يملك أن يزوجها من نفسه، فهذا أولى، هندية عن التجنيس.
قلت: ومقتضى التعليل صحة تزويجها من غيره، وينبغي تقييده بالقرينة، وينبغي أنه لو قامت قرينة على إرادة تزويجها منه أنه يصح كما لو خطبها لنفسه فقالت: أنت وكيل في أموري.
قوله: (أو قالت له) في غالب النسخ بأو، وفي بعضها بالواو، والاول هو الموافق لما في البحر وغيره، فهي مسألة ثانية.
ونقل المصنف في المنح عن جواهر الفتاوى أنه يصح.
قال البزدوي: لعل هذا القائل ذهب إلى أنها علمت من الوكيل أنه يريد تزويجها فحينئذ يجوز.
قوله: (لم يصح) أي لم ينفذ بل يتوقف على إجازتها لانه صار فضوليا من جانبها قوله: (والاصل الخ) بيانه أن قولها: وكلتك أن تزوجني من رجل، الكاف فيه للخطاب، فصار الوكيل معرفة وقد ذكرت رجلا منكرا والمعرف غيره، وكذا قولها: ممن شئت، فإنه بمعنى: أي رجل شئته.
قوله: (وأحد العاقدين) هو العاقد لنفسه كما في البحر: أي سواء كان أصيلا أو وليا أو وكيلا فإنه عاقد لنفسه، بمعنى أنه غير فضولي.
تأمل: وانظر ما لو كان فضوليا بأن كان كل من العاقدين فضوليين، والظاهر أن الشرط قيام المعقود لهما فقط.
قوله: (أربعة أشياء) وهم العاقدان، والمبيع وصاحبه، ويزاد الثمن إن كان عرضا كما في البحر، فافهم.
قوله: (كما سيجئ) أي في 0 البيوع، قوله: (لا يملك نقص النكاح) أي لا قولا ولا(3/109)
فعلا.
قال في الخانية: العاقدون في الفسخ أربعة: عاقد لا يملك الفسخ قولا وفعلا وهو الفضولي، حتى لو زوج رجلا امرأة بلا إذنه ثم قال قبل إجازته فسخت لا ينفسخ، وكذا لو زوجه أختها يتوقف الثاني، ولا يكون فسخا للاول، وعاقد يفسخ بالقول فقط، وهو الوكيل بنكاح معينة إذا خاطب عنها
فضولي، فهذا الوكيل يملك الفسخ بالقول، ولو زوجه أختها لا ينفسخ الاول.
وعاقد يفسخ بالفعل فقط وهو الفضولي إذا زوج رجلا امرأة بلا إذنه ثم وكله الرجل أن يزوجه امرأة غير معينة فزوجه أخت الاول ينفسخ نكاح الاولى، ولو فسخه بالقول لا يصح.
وعاقد يفسخ بهما وهو الوكيل بتزويج امرأة بعينها إذا زوجه امرأة خاطب عنها فضولي، فإن فسخه الوكيل أو زوجه أختها انفسخ.
قوله: (بخلاف البيع) والفرق أنه بالبيع تلحقه العهدة، فله الرجوع كي لا يتضرر بخلاف النكاح فإن الحقوق ترجع إلى المعقود له.
عمادية.
قوله: (موافقته في المهر المسمى) قدمنا الكلام عليه عند قوله: بمعينة.
قوله: (وحكم رسول كوكيل) قال في الفتح: ذكر في الرسول من مسائل أصل المبسوط قال: إذا أرسل إلى المرأة رسولا حراأو عبدا صغيرا أو كبيرا فقال إن فلانا يسألك أن تزوجيه نفسك، فأشهدت أنها زوجته وسمع اليهود كلامهما: أي كلامها وكلام الرسول، فإن ذلك جائز إذا أقر الزوج بالرسالة أو قامت عليه بينة، فإن لم يكن أحدهما، فلا نكاح بينهما لان الرسالة لما لم تثبت كان الآخر فضوليا، ولم يرض الزوج بصنعه.
ولا يخفى أن مثل هذا بعينه في الوكيل، ثم ذكر فروعا كلها تجري في الوكيل ا ه.
وقدمنا أول النكاح أحكام التزوج بإرسال الكتاب، والله تعالى أعلم.
باب المهر لما فرغ من بيان ركن النكاح وشرطه شرع في بيان حكمه، وهو المهر، فإن مهر المثل يجب بالعقد فكان حكما، كذا في العناية، واعترضه في السعدية بأن المسمى من أحكامه أيضا.
وأجاب في النهر بأنه إنما خص مهر المثل لان حكم الشئ هو أثره الثابت به، والواجب بالعقد إنما هو مهر المثل، ولذا قالوا: إنه الموجب الاصلي في باب النكاح، وأما المسمى، فإنما قام مقامه للتراضي به، ثم عرف المهر في العناية بأنه اسم للمال الذي يجب في عقد النكاح على الزوج في مقابلة البضع، إما بالنسبة أو بالعقد، واعترض بعد شموله للواجب بالوطئ بشبهة، ومن ثم عرفه بعضهم بأنه اسم لما تستحقه المرأة بعقد النكاح أو الوطئ.
وأجاب في النهر بأن المعروف مهر هو حكم النكاح بالعقد.
تأمل.
قوله: (ومن أسمائه الخ) أفاد أن له أسماء غيرها كالاجر والعلائق والحباء.
قال في النهر: وقد جمعها بعضهم بقوله: صداق ومهر نحلة وفريضة حباء وأجر ثم عقر علائق لكنه لم يذكر العطية والصدقة.
قوله: (وفي استيلاد الجوهرة) أي في باب الاستيلاد من الجوهرة نقلا عن الامام السرخسي.
قوله: (في الحرائر مهر المثل) سيأتي تفسيره وتفصيله.
قوله: (وفي الاماء الخ) أي عشر قيمة الامة إن كانت بكرا ونصف عشر قيمتها إن كانت ثيبا، والظاهر أنه(3/110)
يشترط عدم نقصان العشر أو نصفه عن عشرة دراهم، فإن نقص وجب تكميله إلى العشرة لان المهر لا ينقص عن عشرة، سواء كان مهر المثل أو مسمى ح.
قلت: وقال في الفيض بعد نقله ما ذكره الشارح عن بعض المحققين: وقيل في الجواري ينظر إلى مثل تلك الجارية جمالا ومولى بكم تتزوج، فيعتبر بذلك وهو المختار ا ه.
والظاهر أن هذا هو المراد من قوله الآتي عند ذكر مهر المثل أن مهر الامة بقدر الرغية فيها وفي باب نكاح الرقيق من الفتح: العقر هو مهر مثلها في الجمال: أي ما يرغب به في مثلها جمالا فقط.
وأما ما قيل: ما يستأجر به مثلها للزنى لو جاز فليس معناه، بل العادة أن ما يعطى لذلك أقل مما يعطى مهرا، لان الثاني للبقاء بخلاف الاول.
قوله: (لحديث البيهقي وغيره) رواه البيهقي بسند ضعيف، ورواه ابن أبي حاتم.
وقال الحافظ ابن حجر: إنه بهذا الاسناد حسن كما في فتح القدير في باب الكفاءة.
قوله: (ورواية الاقل الخ) أي ما يدل بحسب الظاهر من الاحاديث المروية على جواز التقدير بأقل من عشرة، وكلها مضعفة إلا حديث التمس ولو خاتما من حديد يجب حملها على أنه المعجل، وذلك لان العادة عندهم تعجيل بعض المهر قبل الدخول، حتى ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يدخل بها حتى يقدم شيئا لها تمسكا بمنعه (ص) عليا أن يدخل بفاطمة رضي الله تعالى عنهما حتى يعطيها شيئا، فقال: يا رسول الله ليس لي شئ، فقال: أعطها درعك، فأعطاها درعه رواه أبو داود والنسائي، ومعلوم أن الصداق كان أربعمائة درهم وهي فضة، لكن المختار الجواز قبله لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: أمرني رسول الله (ص) أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها
شيئا رواه أبو داود.
فيحمل المنع المذكور على الندب: أي ندب تقديم شئ إدخالا للمسرة عليها تألفا لقلبها، وإذا كان ذلك معهودا وجب حمل ما خالف مارويناه عليه جمعا بين الاحاديث، وهذا وإن قيل إنه خلاف الظاهر في حديث التمس ولو خاتما من حديد لكن يجب المصير إليه، لانه قال فيه بعده زوجتكها بما معك من القرآن فإن حمل على تعليمه إياها ما معه أو نفى المهر بالكلية عارض كتاب الله تعالى وهو قوله تعالى: * (أن تبتغوا بأموالكم) * (سورة النساء: الآية 41) فقيد الاحلال بالابتغاء بالمال، فوجب كون الخبر غير مخالف له، وإلا لم يقبل لانه خبر واحد، وهو لا ينسخ القطعي في الدلالة.
وتمام ذلك مبسوط في الفتح.
قوله: (فضة) تمييز منصوب أو مجرور، فدراهم تمييز لعشرة وفضة تمييز لدراهم على أن المراد بها آلة الوزن.
قوله: (وزن) بالرفع صفة عشرة، وبالنصب حال على تقدير ذات وزن ط.
قوله: (سبعة مثاقيل) هو أن يكون كل درهم أربعة عشر قيراطا.
شرنبلالية.
قوله: (مضروبة كانت أو لا) فلو سمى عشرة تبرا أو عرصا قيمته عشرة تبرا لا مضروبة صح، وإنما تشترط المصكوكة في نصاب السرقة للقطع تقليلا لوجود الحد.
بحر.
قوله: (ولو دينا) أي في ذمتها أو في ذمة غيرها.
أما الاول فظاهر، وأما الثاني فكما لو تزوجها على عشرة له على زيد فإنه يصح، وتأخذها من أيهما شاءت، فإن ابتعت المديون أجبر الزوج على أن يوكلها بالقبض منه كما في النهر: أي لئلا يلزم تمليك الدين من غير من عليه الدين ا ه ح.
لكن إذا أضيف النكاح إلى دراهم في ذمتها تعلق بالعين لا بالمثل، بخلاف ما إذا كان في ذمة غيرها فإنه يتعلق بالمثل لئلا يكون تمليك الدين من غير من عليه الدين، وبيان ذلك في الذخيرة.
قوله: (أو عرضا) وكذا لو(3/111)
منفعة كسكنى داره، وركوب دابته وزراعة أرضع حيث علمت المدة كما في الهندية.
قلت: ولا بد من كونها مما يستحق المال بمقابلتها ليخرج ما يأتي من عدم صحة التسمية في خدمة الزوج الحر لها وتعليم القرآن.
قوله: (قيمته عشرة وقت العقد) أي وإن صارت يوم التسليم ثمانية، فليس لها إلا هو، ولو كان على عكسه لها العرض المسمى ودرهمان، ولا فرق في ذلك بين الثوب والمكيل والموزون، لان ما جعل مهرا لم يتغير في نفسه، وإنما التغير في رغبات الناس.
بحر عن البدائع.
قوله: (أما في ضمانها الخ) يعني أما الحكم في ضمانها الخ، وذلك كما لو تزوجها على ثوب وقيمته عشرة فقبضته وقيمته عشرون، وطلقها قبل الدخول والثوب مستهلك ردت عشرة، لانه إنما دخل في ضمانها بالقبض فتعتبر قيمته يوم القبض.
بحر عن المحيط.
والهلاك كالاستهلاك، لانها إذا لم تؤاخذ بما زاد في قيمته بعد القبض في الاستهلاك، ففي الهلاك بالاولى، وأفاد أنه لو قائما تعتبر قيمته يوم الطلاق لا يوم القبض، وأنه ليس له أخذه منها ليعطيها نصف قيمته، بل إن كان مما لا يتعيب بالقسمة كمكيل وموزون أخذ نصفه، وإلا بقي مشتركا بعد القضاء أو الرضا، لما سيأتي من أنه لو كان مسلما لها لم يبطل ملكها، ويتوقف عوده إلى ملكه على القضاء أو الرضا حتى ينفذ تصرفها فيه قبل ذلك لا تصرفه، كذا أفاده السيد محمد أبو السعود، وأفاد أيضا أنها لو أرادت أن تعطيه نصف قيمته، فالظاهر أنه يجبر على القبول.
قلت: وفيه نظر لانه قبل القضاء أو الرضا لا وجه لاجباره، لان له ترك المطالبة بالكلية، وكذا بعده إذا صار مشتركا لاوجه لاجباره على قبول قيمة حصته، فافهم.
قوله: (وتجب العشرة إن سماها الخ) هذا إن لم تكسد الدراهم المسماة، فلو كسدت وصار النقد غيرها فعليه قيمتها يوم كسدت على المختار، بخلاف البيع حيث يبطل بكساد الثمن.
فتح.
قوله: (ويجب الاكثر) أي بالغا ما بلغ، فالتقدير بالعشرة لمنع النقصان (ويتأكد) أي الواجب من العشرة أو الاكثر، وأفاد أن المهر وجب بنفس العقد لكن مع احتمال سقوطه بردتها أو تقبيلها ابنه أو تنصفه بطلاقها قبل الدخول، وإنما يتأكد لزوم تمامه بالوطئ ونحوه، وبه ظهر أن ما في الدرر من أن قوله: عند وطئ متعلق بالوجوب غير مسلم، كما أفاده في الشرنبلالية.
قال في البدائع: وإذا تأكد المهر بما ذكر لا يسقط بعد ذلك، وإن كانت الفرقة من قبلها لان البدل بعد تأكده لا يحتمل السقوط إلا بالابراء، كالثمن إذا تأكد بقبض المبيع ا ه.
قوله: (صحت) احتراز عن الخلوة الفاسدة كما سيأتي بيانها.
قوله: (من الزوج) متعلق بقوله: وطئ أو خلوة على التنازع لا بقوله: صحت حتى يرد أن شروط الصحة ليست من جانبه فقط، فافهم.
قوله: (أو تزوج ثانيا) هذا مؤكد رابع زاده في البحر بحثا بقوله: وينبغي أن لا يزاد رابع، وهو وجوب العدة عليها منه فيما لو طلقها بائنا بعد الدخول، ثم تزوجها
في العدة وجب كمال المهر الثاني بدون الخلوة والدخول، لان وجوب العدة عليها فوق الخلوة ا ه.
وأقره في النهر، وفيه بحث فإنه يمكن إدخاله فيما قبله، وهو الوطئ لما سيأتي في باب العدة من أنه في هذه الصورة يجب عليه مهر تام، وعليها عدة مبتدأة لانها مقبوضة في يده بالوطئ الاول لبقاء أثره وهو العدة، وهذه إحدى المسائل العشرة المبنية على أن الدخول في النكاح الاول(3/112)
دخول في الثاني.
قوله: (أو إزالة بكارتها الخ) هذا مؤكد خامس زاده في البحر أيضا حيث قال: ينبغي أن يزاد خامس وهو مالو أزال بكارتها بحجر ونحوه فإن لها كمال المهر كما صرحوا به، بخلاف ما إذا أزالها بدفعة فإنه يجب النصف لو طلقها قبل الدخول، ولو دفعها أجنبي فزالت بكارتها وطلقت قبل الدخول وجب نصف المسمى على الزوج، وعلى الاجنبي نصف صداق مثلها ا ه.
وأقره في النهر أيضا، وفيه بحث أيضا، فإن الذي يظهر لي دخول هذا فيما قبله وهو الخلوة، لان العادة أن إزالة البكارة بحجر ونحوه كأصبع إنما تكون في الخلوة، فلذا وجب كل المهر، بخلاف إزالتها بدفعة، فإن المراد حصولها في غير خلوة، ثم رأيت ما يفيد ذلك في جنايات الفتاوى الهندية عن المحيط حيث قال: ولو دفع امرأته ولم يدخل بها فذهبت عذرتها ثم طلقها فعليه نصف المهر، ولو دفع امرأة الغير وذهبت عذرتها ثم تزوجها ودخل وجب لها مهران ا ه: أي مهر بالدخول بحكم النكاح ومهر بإزالة العذرة بالدفع كما في جنايات الخانية، فقوله: ولو دفع امرأته ولم يدخل بها ذكر مثله في جنايات الخانية، ومثله في الفتح هنا، وهو صريح فيما قلناه في مسألة الدفع ومشير إلى أن مسألة الحجر في الخلوة، إذ لا يظهر الفرق بين مجرد إزالتها بحجر أو دفعة، ويدل عليه أن المفاد من إيجاب نصف المهر في مسألة الدفع أن الزوج لا ضمان عليه في إزالة بكارة الزوجة بأي سبب كان، لان وجوب نصف المهر عليه إنما هو بحكم الطلاق قبل الدخول، وإلا لوجب عليها مهر آخر لازالتها بالدفع كما في مسألة امرأة الغير.
وبه علم أن لزوم كمال المهر فيما لو أزالها بحجر إنما هو بحكم الطلاق بعد الخلوة لا بسبب إزالتها بالحجر، وإلا لكان الواجب عليه مهرين، حتى لو كان قد ضربها بحجر بدون خلوة فأزال بكارتها لا يلزمه شئ لازالة البكارة، فإذا طلقها قبل الخلوة
أيضا فعليه نصف المهر بحكم الطلاق كما في مسألة الدفع.
ويدل أيضا على ما قلنا من عدم الفرق بين إزالتها بحجر أو دفع أنه صرح في الخانية بأنه لو دفع بكرا أجنبية صغيرة أو كبيرة فذهبت عذرتها لزمه المهر وذكر مثله فيما لو أزالها حجر أو نحوه، فلم يفرق بين الدفع والحجر في الاجنبية، فعلم أن الفرق بينهما في الزوجة من حيث الخلوة وعدمها إذ لا شئ على الزوج في مجرد إزالتها بالدفع لملكه ذلك بالعقد فلا وجه لضمانه به، بخلاف الاجنبي، وحيث لم يلزمه شئ بمجرد الدفع لا يلزمه شئ أيضا بمجرد إزالتها بالحجر ونحوه، إذ لا فرق بين آلة وآلة في هذه الازالة فالدفع غير قيد.
ثم رأيت في جنايات أحكام الصغار صحر بأن الزوج لو أزال عذرتها بالاصبع لا يضمن ويعزر ا ه.
ومقتضاه أنه مكروه فقط، وهل تنتفي الكراهة بسبب العجز عن الوصول إليها بكرا؟ الظاهر لا، فإنه يكن عنينا بذلك، ويكون لها حق التفريق، ولو جاز ذلك لما ثبتت عنته بذلك العجز والله أعلم، فافهم.
قوله: (فعلى الاجنبي أيضا) أي كما أن على الزوج نصف المسمى كما مر عن البحر.
قوله: (إن طلقت) أي طلقها زوجها.
قوله: (نهر بحثا) راجع إلى قوله: وإلا فكله وذلك حيث قال: وفي جامع الفصولين تدافعت جارية مع أخرى فزالت بكارتها وجب عليه مهر المثل ا ه.
وهو بإطلاقه يعم لو كانت المدفوعة متزوجة فيستفاد منه وجوبه على الاجنبي كاملا فيما إذا لم يطلقها الزوج قبل الدخول فتدبره.
انتهى كلام النهر.
وفيه: أن عبارة جامع الفصولين(3/113)
تدل على وجوب كمال مهر المثل مطلقا من غير تفصيل بين ما إذا طلقها قبل الدخول أو لم يطلقها كما لا يخفى، وحينئذ يعارض إيجابهم نصف مهر المثل على الاجنبي فيما إذا طلقها الزوج قبل الدخول ا ه ح.
وما في جامع الفصولين هو المذكور في الخانية والبزازية وغيرهما وهو الوجه لما علمت من أن إزالة البكارة من أجنبي غير الزوج توجب مهر المثل على المزيل، سواء كانت بدفع أو حجر، وذلك لا ينافي وجوب نصف المسمى على الزوج بطلاقها قبل الدخول، لاختلاف السبب.
فإن سبب إيجاب المهر كاملا على الدافع الجناية، وسبب إيجاب النصف على الزوج الطلاق، ولو كان ما وجب على الزوج منقصا للجناية، حتى أوجب النصف على الجاني لزم أن لا يجب على
الجاني شئ إذا طلقها الزوج بعد الخلوة الصحيحة لوجوب المهر كاملا على الزوج.
هذا، وفي المنح عن جواهر الفتاوى: ولو افتض مجنون بكارة امرأة بأصبع، فقد أشار في المبسوط والجامع الصغير: إذا افتضها كرها بأصبع أو حجر أو آلة مخصوصة حتى أفضاها فعليه المهر، ولكن مشايخنا يذكرون أن هذا وقع سهوا، فلا يجب إلا بالآلة الموضوعة لقضاء الشهوة والوطئ، ويجب الارش في ماله ا ه.
قلت: وهذا مشكل فإن الافتضاض: إزالة البكارة، والافضاء خلط مسلكي البول والغائط والمشهور في الكتب المعتمدة المتداولة أن موجب الاول مهر المثل، ولو بغير آلة الوطئ كما علمته مما قدمناه، وموجب الثاني الدية كاملة إن لم تستمسك البول، وإلا فثلثها لانها جراحة جائفة، وهذا لو من أجنبي، فلو من الزوج لم يجب في الاول ضمان كما مر، وكذا في الثاني عندهما خلافا لابي يوسف حيث جعل الزوج فيه كأجنبي، واعتمده ابن وهبان لتصريحهم بين الواجب في سلس البول الدية، ورده الشرنبلالي في شرح الوهبانية بأن هذا في غير الزوج، وأطال في ذلك، والله تعالى أعلم.
قوله: (ويجب نصفه) أي نصف المهر المذكور، وهو العشرة أن سماها أو دونها، أو الاكثر منها إن سماه، والمتبادر التسمية وقت العقد، فخرج ما فرض أو زيد بعد العقد فإنه لا ينصف كالمتعة كما سيأتي.
وفي البدائع: ولو شرط مع المسمى ما ليس بمال بأن تزوجها على ألف درهم وعلى أن يطلق امرأته الاخرى أو على أن لا يخرجها من بلدها ثم طلقها قبل الدخول فلها نصف المسمى، وسقط الشرط لانه إذا لم يف به يجب تمام مهر المثل ومهر المثل لا يثبت بالطلاق قبل الدخول فسقط اعتباره فلم يبق إلا المسمى فينتصف، وكذلك إن شرط مع المسمى شيئا مجهولا كأن يهدي لها هدية، ثم طلقها قبل الدخول فلها نصف المسمى، لانه إذا لم يف بالهدية يجب مهر المثل، ولا مدخل لمهر المثل في الطلاق قبل الدخول فيسقط اعتبار هذا الشرط، وكذا لو تزوجها على ألف أو على ألفين حتى وجب مهر المثل انتهى.
قوله: (بطلاق) الباء للمصاحبة لا للسببية، لما مر من أن الوجوب بالعقد.
أفاده في الشرنبلالية، ولو قال بكل فرقة من قبله لشمل مثل ردته وزناه وتقبيله
ومعانقته لام امرأته وبنتها قبل الخلوة.
قهستاني عن النظم.
قوله: (قبل وطئ أو خلوة) هو معنى قول الكنز: قلب الدخول، فإن الدخول يشمل الخلوة أيضا، لانها دخول حكما كما في البحر عن المجتبى، وسيأتي متنا أن القول لها لوادعت الدخول وأنكره لانها تنكر سقوط النصف.
قوله: (فلو كان نكحها الخ) تفريع على قوله: ويجب نصفه الشامل للعشر فيما لو سمى ما دونها كما قررناه،(3/114)
فافهم.
قوله: (ودرهمان ونصف) لانه لما سمى ما قيمته دون العشرة لزم خمسة أخرى تكملة العشرة لما طلقها قبل الدخول كان لها نصف المسمى ونصف التكملة.
قوله: (وعاد النصف إلى ملك الزوج) أي لو كان تبرع به عنه آخر، وإذا كانت الفرقة قبل الدخول من قبلها عاد إليه الكل.
قال في البحر عن القنية: لو تبرع بالمهر عن الزوج ثم طلقها قبل الدخول، أو جاءت الفرقة من قبلها يعرف نصف المهر في الاول والكل في الثاني إلى ملك الزوج، بخلاف المتبرع بقضاء الدين إذا ارتفع السبب يعود إلى ملك القاضي إن كان بغير أمره قوله: (بمجرد الطلاق) أي بالطلاق المجرد عن القضاء والرضا.
قوله: (إذا لم يكن مسلما لها) وكذا إذ كان دينا لم تقبضه، فإنه يسقط نصف المسمى بالطلاق، ويبقى النصف كما في البدائع.
قوله: (بل توقف عوده) أي عود النصف إلى ملكه، لان العقد وإن انفسخ بالطلاق فقد بقي القبض بالتسليط الحاصل بالعقد، وأنه من أسباب الملك، فلا يزوال الملك إلا بالفسخ من القاضي، لانه فسخ لسبب الملك أو بتسليمها، لانه نقض للقبض حقيقة.
بدائع.
قوله: (عبدا لمهر) مفعول لعتق والمراد نصفه، وكذا كله بالاولى، إذ لا حق له في النصف الآخر.
قوله: (بعد طلاقها قبله) الظرفان متعلقان بعتق.
قوله: (ونحوه) المراد به الرضا ا ه ح.
قوله: (لعدم ملكه قبله) أي قبل القضاء ونحوه، حتى لو قضى القاضي بعد العتق بالنصف له لا ينفذ ذلك العتق، لانه عتق سبق ملكه كالمقبوض بشراء فاسد إذا أعقته البائع، ثم رد عليه لا ينفذ ذلك العتق الذي كان قبل الرد.
فتح.
قوله: (ونفذ تصرف المرأة) من جملة المفرغ على قوله: بل توقف الخ ط.
وشمل التصرف العتق والبيع والهبة، وقوله قبله: أي قبل القضاء ونحوه.
قوله: (وعليها صنف قيمة الاصل الخ) لانه إذا نفذ تصرفها فقد تعذر عليها رد النصف بعد
وجوبه فتضمن نصف قيمته للزوج يوم قبضت.
بحر: أي لانه بالقبض دخل في ضمانها.
قوله: (لان زيادة المهر) تعليل لما استفيد من التقييد بالاصل، وهو أن المهر لو زاد بعد القبض لا تضمن الزيادة، لكن في المسألة تفصيل، لان الزيادة في المهر إما متصلة متولدة من الاصل كسمن الجارية وجمالها وأثمار الشجر، أو غير متولدة كصبغ الثوب والبناء في الدار، أو منفصلة متولدة كالولد والثمر إذ جذ أو غير متولدة كالكسب والغلة، وكل إما أن يكون قبل القبض فينتصف إلا الغير المتولدة بقسميها، أو بعده فلا يتنصف، فالاقسام ثمانية كما في النهر وغيره.
والحاصل أن الزيادة لا تنتصف، بل تسلم للزوجة إذا حدثت بعد القبض مطلقا أو قبله إن كانت غير متولدة متصلة ومنفصلة، فكان الاولى للشارح أن يقول: لان الزيادة المتولدة قبل القبض تنتصف دون غيرها.
ثم اعلم أن هذا كله إذا حدثت الزيادة قبل الطلاق، فلو بعده، فإن كانت قبل القبض تنصفت كالاصل، وإن بعد القبض، فإن كان بعد القضاء للزوج بالنصف فكذلك، وإلا فالمهر في يدها(3/115)
كالمقبوض بعقد فاسد لانه فسد ملكها النصف بالطلاق كما في البدائع.
وبقي مسائل نقصان المهر، وهو خمس وعشرون صورة مذكورة في البحر والنهر.
قوله: (قبل القبض) ظرف لقوله: تتنصف والواقع في النهر وغيره جعله ظرفا للزيادة، فإن المؤدى واحد ط.
قلت: ويصح جعل الظرف متعلقا بمحذوف حال من زيادة، فتتحد العبارتان.
مطلب: نكاح الشغار قوله: (في الشغار) بكسر الشين مصدر شاغر ا ه ح.
قوله: (هو أن يزوجه الخ) قال في النهر: وهو أن يشاغر الرجل: أي يزوجه حريمته على أن يزوجه الآخر حريمته ولا مهر إلا هذا، كذا في المغرب: أي على أن يكون بضع كل صداقا عن الآخر، وهذا القيد لابد منه في مسمى الشغار، حتى لو لم يقل ذلك ولا معناه بل قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك فقبل، أو على أن يكون بضع بنتي صداقا لبنتك فلم يقبل الآخر بل زوجه بنته ولم يجعلها صداقا لم يكن شغارا بل نكاحا
صحيحا اتفاقا، وإن وجب مهر المثل في الكل، لما أنه سمى مالا يصلح صداقا.
وأصل الشغور: الخلو، يقال بلدة شاغرة: إذا خلت عن السكان، والمراد هنا الخلو عن المهر، لانهما بهذا الشرط كأنهما أخليا البضع عنه.
نهر.
قوله: (معاوضة بالعقدين) المراد بالعقد المعقود عليه وهو البضع كما في الحواشي السعدية: أي على أن يكون كل بضع عوض الآخر مع القبول من العاقد الآخر كما يشير إليه لفظ المفاعلة، فاحترز عما إذا لم يصرح بكون كل بضع عوض البضع للآخر، أو صرح به أحدهما وقال الآخر زوجتك بنتي كما مر.
قوله: (وهو منهى عنه لخلوه عن المهر الخ) جواب عما أورده الشافعي من حديث الكتب الستة مرفوعا من النهي عن نكاح الشغار، والنهي يقتضي فساد المنهى عنه.
والجواب أن متعلق النهي مسمى الشغار المأخوذ في مفهومه خلوه عن المهر وكون البضع صداقا، ونحن قائلون بنفي هذه الماهية وما يصدق عليها شرعا، فلا نثبت النكاح كذلك بل نبطله، فيبقى نكاحا مسمى فيه ما لا يصلح مهرا فينعقد موجبا لمهر المثل كالمسمى فيه خمر أو خنزير، فما هو متعلق النهي لم نثبته، وما أثبتناه لم يتعلق به، بل اقتضت العمومات صحته، وتمامه في الفتح.
زاد الزيلعي: أو هو: أي النهي محمول على الكراهة ا ه: أي والكراهة لا توجب الفساد.
وحاصله أنه مع إيجاب مهر المثل لم يبق شغارا حقيقة، وإن سلم فالنهي على معنى الكراهة، فيكون الشرع أوجب فيه أمرين: الكراهة، ومهر المثل، فالاول مأخوذ من النهي، والثاني من الادلة الدالة على أن ما سمي فيه ما لا يصلح مهرا ينعقد موجبالمهر المثل، وهذا الثاني دليل على حمل النهي على الكراهة دون الفساد، وبهذا التقرير اندفع ما أورد من أن حمله على الكراهة يقتضي أن الشغار الآن غير منهي عنه لايجابنا فيه مهر المثل.
وجه الدفع أنه إذا حمل النهي على معنى الفساد فكونه غير منهي الآن.
أي بعد إيجاب مهر المثل مسلم.
وإن حمل على معنى الكراهة فالنهي باق، فافهم.
قوله: (وفي خدمة زوج حر) أي يجب مهر المثل عندهما في جعله المهر خدمته إياها سنة.
وقال محمد: لها قيمة الخدمة قيد(3/116)
بالخدمة، لانه لو تزوجها على سكنى داره أو ركوب دابته أو الحمل عليها أو على أن تزرع أرضه
ونحو ذلك من منافع الاعيان مدة معلومة صحت التسمية، لان هذه المنافع مال أو ألحقت به للحاجة.
نهر عن البدائع.
واحترز بالحر عن العبد كما يأتي في قوله: ولها خدمته لو عبدا وزاد قوله: أو أمة لقول النهر: إن الظاهر من كلامهم أنه لا فرق بينها وبين الحرة، بل التنافي المعلل به أقوى في الامة منه في الحرة.
قوله: (سنة) إنما ذكره لتوهم صحة التسمية بتعيين المدة، فإذا لم تصح في المعينة ففي المجهولة بالاولى ط.
قوله: (لان فيه قلب الموضوع) لان موضوع الزوجية أن تكون هي خادمة له لا بالعكس، فإنه حرام لما فيه من الاهانة والاذلال كما يأتي، فقد سمى ما لا يصلح مهرا فصح العقد ووجب مهر المثل.
قال في النهر: واختلفت الروايات في رعي غنمها وزراعة أرضها للتردد في تمحضها خدمة وعدمه، فعلى رواية الاصل والجامع: لا يجوز، وهو الاصح.
وروى ابن سماعة أنه يجوز، ألا ترى أن الابن لو استأجر أباه للخدمة لا يجوز، ولو استأجره للرعي والزراعة يصح، كذا في الدراية، وهذا شاهد قوي، ومن هنا قال المصنف في كافيه بعد ذكر رواية الاصل: الصواب أن يسلم لها إجماعا ا ه.
قوله: (كذا قالوا) الاولى إسقاطه لان عادتهم في مثل هذه العبارة تضعيف القول والتبري عنه، وهو غير مراد هنا.
تأمل.
قوله: (ومفاده الخ) البحث لصاحب النهر.
قال الرحمتي: والظاهر أن وليها يضمن لها حينئذ قيمة الخدمة، بخلاف سيدها لانه المستحق لمهر أمته.
والظاهر هنا الاتفاق على صحة التزويج بخلاف خدمته لها ا ه.
قلت: لكن في البحر عن الظهيرية، لو تزوجها على أن يهب لابيها ألف درهم لها مهر المثل وهب له أو لا، فإن وهب كان له أن يرجع في هبته ا ه.
ومقتضاه وجوب مهر المثل في خدمة وليها وعدم لزوم الخدمة، وكذا في مثل قضة شعيب عليه السلام، ولو فعل الزوج ما سمى ينبغي أن يجب له أجر المثل على وليها، كما قالوا فيما لو قال له اعمل معي في كرمي لا زوجك ابنتي فعمل ولم يزوجه: له أجر المثل.
تأمل.
قوله: (كقصة شعيب) فإنه زوج موسى عليهما السلام بنته على أن يرعى له غنمه ثماني سنين، وقد قصه الله تعالى علينا بلا إنكار، فكان شرعا لنا.
وقد استدل بهذه القصة على ترجيح ما مر من رواية الجواز في رعي غنمها.
ورده في الفتح بأنه إنما يلزم لو كانت
الغنم ملك البنت دون شعيب وهو منتف ا ه.
وتبعه في البحر.
ومفاده صحة الاستدلال بها على الجواز في رعي غنم الاب.
قوله: (على خدمة عبده) أي عبد الزوج: أي خدمة عبده إياها، فالمصدر مضاف لفاعله، وكذا ما بعده.
قوله: (أو حر آخر برضاه) في الغاية عن المحيط: لو تزوجها على خدمة حر آخر فالصحيح صحته، وترجع على الزوج بقيمة خدمته ا ه.
قال في الفتح: وهذا يشير إلى أنه لا يخدمها، فإما لانه أجنبي لا يؤمن الانكشاف عليه مع مخالطته للخدمة، وإما أن يكون مراده إذا كان بغير أمر ذلك الحر، ثم قال بعد كلام: ويجب أن ينظر، فإن لم يكن بأمره ولم يجزه وجب قيمة الخدمة، وإن بأمره فإن كانت خدمة معينة تستدعي مخالطة لا يؤمن معها الانكشاف والفتنة وجب أن تمنع وتعطي هي قيمتها، أو لا تستدعي ذلك وجب تسليمها وإن كانت غير معينة(3/117)
بل تزوجها على منافع ذلك الحر حتى تصير أحق بها لانه أجير وحد، فإن صرفته في الاول فكالاول، أو في الثاني فكالثاني ا ه: أي إن صرفته واستخدمته في النوع الاول وهو ما يستدعي المخالطة فكالاول من المنع وإعطاء قيمة الخدمة، وإن استخدمته بما لا يستدعي ذلك فحكمه كالثاني من وجوب تسليم الخدمة.
قوله: (وفي تعليم القرآن) أي يجب مهر المثل فيما لو تزوجها على أن يعلمها القرآن أو نحوه من الطاعات، لان المسمى ليس بمال.
بدائع: أي لعدم صحة الاستئجار عليها عند أئمتنا الثلاثة.
قوله: (وباء زوجتك بما معك) أي الوارد في حديث سهل بن سعد الساعدي من قوله (ص): التمس ولو خاتما من حديد، فالتمس فلم ير شيئا، فقال عليه الصلاة والسلام: هل معك شئ من القرآن؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا، السور سماها، فقال عليه الصلاة والسلام: قد ملكتكها بما معك من القرآن ويروي أنكحتكها وزوجتكها ح عن الزيلعي.
قوله: (للسببية أو للتعليل) أي بسبب لاجل أنك من أهل القرآن، فليست الباء متعينة للعوض.
قوله: (لكن في النهر) أصله لصاحب البحر حيث قال: وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الاجارات أن الفتوى على جواز الاستئجار لتعليم القرآن والفقه، فينبغي أن يصح تسميته مهرا، لان ما جاز أخذ الاجرة في مقابلته من المنافع جاز تسميته صداقا كما قدمنا، نقله عن البدائع، ولهذا
ذكر في فتح القدير هنا أنه لما جوز الشافعي أخذ الاجر على تعليم القرآن صحح تسميته مهرا، فكذا نقول: يلزم على المفتى به صحة تسميته صداقا، ولم أرمن تعرض له، والله الموفق للصواب ا ه.
واعترضه المقدسي بأنه لا ضرورة تلجئ إلى الصحة تسميته، بل تسمية غيره تغني، بخلاف الحاجة إلى تعليمك القرآن فإنها تحققت للتكاسل عن الخيرات في هذا الزمان ا ه.
وفيه أن المتأخرين أفتوا بجواز الاستئجار على التعليم للضرورة كما صرحوا به، ولهذا لم يجز على ما لا ضرورة فيه كالتلاوة ونحوها، ثم الضرورة إنما هي علة لاصل جواز الاستئجار، ولا يلزم وجودها في كل فرد من أفراده، وحيث جاز على التعليم للضرروة صحت تسميته مهرا لان منفعته تقابل بالمال كسكنى الدار، ولم يشترط أحد وجود الضرورة في المسمى، إذ يلزم أن يقال مثله في تسمية السكنى، مثلا أن تسمية غيرها تغني عنها، مع أن الزوجة قد تكون محتاجة إلى التعليم دون السكنى والمال.
واعترض أيضا في الشرنبلالية بأنه لا يصح تسمية التعليم لانه خدمة لها وليست من مشترك مصالحهما: أي بخلاف رعي غنمها وزراعة أرضها، فإن وإن كان خدمة لها لكنه من المصالح المشتركة بينه وبينها وأجاب تلميذه الشيخ عبد الحي بأن الظاهر عدم تسليم كون التعليم خدمة لها فليس كل خدمة لا تجوز، وإنما يمتنع لو كانت الخدمة للترذيل.
قال ط: وهو حسن، لان معلم القرآن لا يعد خادما للمتعلم شرعا ولا عرفا ا ه.
قلت: ويؤيده أنهم لم يجعلوا استئجار الابن أباه لرعي الغنم والزراعة خدمة، ولو كان رعى(3/118)
الغنم خدمة أرذيلة لم يفعله نبينا وموسى عليهما الصلاة والسلام، بل هو حرفة كباقي الحرف الغير المسترذلة يقصد بها الاكتساب، فكذا التعليم لا يسمى خدمة بالاولى.
تنبيه: قال في النهر: والظاهر أنه يلزمه تعليم كل القرآن إلا إذا قامت قرينة على إرادة البعض، والحفظ ليس من مفهومه كما لا يخفى ا ه: أي فلا يلزمه تعليمه على وجه الحفظ عن ظهر قلبها.
قوله: (ولها خدمته) لان الخدمة إذا كانت بإذن المولى صار كأنه يخدم المولى حقيقة.
بحر.
فليس فيه قلب الموضوع ا ه ح ولان استخدام زوجته إياه ليس بحرام، لانه عرضة للاستخدام والابتذال
لكونه مملوكا ملحقا بالبهائم.
بدائع.
قوله: (مأذونا في ذلك) أي في التزوج على خدمته، فلو بلا إذن مولاه لم يصح العقد.
قوله: (أما الحر) أي الزوج الحر.
قوله: (فخدمته لها حرام) أي إذا خدمها فيما يخصها على الظاهر ولو من غير استخدام، يدل على ذلك عطف الاستخدام عليه ط.
قوله: (وكذا استخدامه) صرح به في البدائع أيضا.
وقال: ولهذا لا يجوز للابن أن يستأجر أباه للخدمة.
قال في البحر: وحاصله أنه يحرم عليها الاستخدام، ويحرم عليه الخدمة.
قوله: (فيما إذا لم يسم مهرا) أي لم يسمه تسمية صحيحة أو سكت عنه نهر، فدخل فيه ما لو سمى غير مال كخمر ونحوه، أو مجهول الجنس كدابة وثوب.
قال في البحر: ومن صور ذلك ما إذا تزوجها على ألف على أن ترد إليه ألفا، أو تزوجها على عبدها أو قالت زوجتك نفسي بخمسين دينارا وأبرأتك منها فقبل، أو تزوجها على حكمها أو حكمه أو حكم رجل آخر، أو على ما في بطن جاريته أو أغنامه، أو على أن يهب لابيها ألف درهم، أو على تأخير الدين عنها سنة والتأخير باطل، أو على إبراء فلان من الدين، أو على عتق أخيها أو طلاق ضرتها، وليس منه ما لو تزوجها على عبد الغير لوجوب قيمته إذا لم يجز مالكه، أو على حجة لوجوب قيمة حجة وسط، لا مهر المثل والوسط بركوب الراحلة، أو على عتق أخيها عنها لثبوت الملك لها في الاخ اقتضاء، أو تزوجته بمثل مهر أمها وهو لا يعلمه لانه جائز بمقداره، وله الخيار إذا علم ا ه ملخصا باختصار.
قوله: (أو نفى) بأن تزوجها على أن لا مهر لها ط.
قوله: (إن وطئ الزوج) أي ولو حكما.
قوله: (نهر): أي بالخلوة الصحيحة فإنها كالوطئ في تأكد المهر كما سيأتي.
قوله: (أو مات عنها) قال في البحر: لو قال أو مات أحدهما لكان أولى، لان موتها كموته كما في التبيين ا ه.
واعلم أنه إذا ماتا جميعا فعنده لا يقضي بشئ، وعندهما يقضي بمهر المثل.
قال السرخسي: هذا إذا تقدم العهد بحيث يتعذر على القاضي الوقوف على مهر المثل، أما إذا لم يتقادم يقضي بمهر المثل عنده أيضا.
حموي عن البرجندي أبو السعود.
تنبيه: استفتى الشيخ صالح ابن المصنف من الخير الرملي عما لو طلبت المرأة مهر مثلها قبل
الوطئ أو الموت هل لها ذلك أم لا؟ فأجابه بما في الزيلعي من أن مهر المثل يجب بالعقد، ولهذا كان لها أن تطالبه به قبل الدخول، فيتأكد ويتقرر بموت أحدهما أو بالدخول على ما مر في المهر(3/119)
المسمى في العقد ا ه.
وبه صرح الكمال وابن ملك وغيرهما، وقد بسط ذلك في الخيرية فراجعها.
قوله: (إذا لم يتراضيا) أي بعد العقد.
قوله: (وإلا) بأن تراضيا على شئ فهو الواجب بالوطئ أو الموت، أما لو طلقها قبل الدخول فتجب المتعة كما يأتي في قوله: وما فرض بعد العقد أو زيد لا يتنصف.
قوله: (أو سمى خمرا أو خنزيرا) أي سمى لمسلم لان الكلام فيه، أما غير المسلم فسيأتي في بابه، وكذا الميتة والدم والاولى لانه ليس بمال أصلا، وشمل ما لو كانت الزوجة ذمية لانه لا يمكن إيجاب الخمر على المسلم، لانها ليست بمال في حقه، وخرج ما لو سمى عشرة دراهم ورطل خمر فلها المسمى ولا يكمل مهر المثل.
بحر ملخصا.
قوله: (أو هذا الخل وهو خمر الخ) أي يجب مهر المثل إذا سمى حلالا وأشار إلى حرام عند أبي حنيفة، فلو بالعكس كهذا الحر فإذا هو عبد لها العبد المشار إليه في الاصح، وأشار إلى وجوب مهر المثل بالاولى لو كانا حرامين، ولو كانا حلالين وقد اختلفا جنسا كما إذا قال على هذا الدن من الخل فإذا هو زيت، وعلى هذا العبد فإذا هو جارية، كان لها مثل الدن خلا وعبد بقيمة الجارية كما في الدخيرة، إلا أن الذين في الخانية أن لها مثل ذلك المسمى، ومقتضاه وجوب عبد وسط أو قيمته ولا ينظر إلى قيمة الجارية.
بحر ونهر ملخصا.
قال في البحر: فصار الحاصل أن القسمة رباعية، لانهما إما أن يكونا حرامين أو حلالين أو مختلفين فيجب مهر المثل فيما إذا كانا حرامين أو المشار إليه حراما، وتصح التسمية في الباقيين.
قال: وأشار المصنف بوجوب مهر المثل عينا إلى أن المشار إليه لو كان حرا حربيا فاسترق وملكه الزوج لا يلزمه تسليمه.
وفي الاسرار أنه متفق عليه، وكذا الخمر لو تخللت لم يجب تسليمها.
قوله: (أو دابة أو ثوبا) لان الثياب أجناس كالحيوان والدابة، فليس البعض أولى من البعض بالارادة فصارت الجهالة فاحشة.
بحر.
ثم ذكر تعريف الجنس عند الفقهاء، وسيأتي الكلام عليه عند قول
المصنف: ولو تزوجها على فرس فالواجب الوسط أو قيمته.
مطلب في أحكام المتعة قوله: (وتجب متعة لمفوضة) بكسر الواو، من فوضت أمرها لوليها وزوجها بلا مهر، وبفتحها من فوضها وليها إلى الزوج بلا مهر.
واعلم أن الطلاق الذي تجب فيه المتعة ما يكون قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه، سواء فرض بعذه أو لا، أو كانت التسمية فيه فاسدة كما في البدائع، قال في البحر: وإنما تجب فيما لم تصح فيه التسمية من كل وجه، فلو صحت من وجه دون وجه لا تجب المتعة وإن وجب مهر المثل بالدخول، كما إذا تزوجها على ألف درهم وكرامتها أو على ألف وأن يهدي لها هدية، فإذا طلقها قبل الدخول كان لها نصف الالف لا المتعة، مع أنه لو دخل بها وجب مهر المثل لا ينقص عن الالف كما في غاية البيان، لان المسمى لم يفسد من كل وجه لانه على تقدير كرامتها والاهداء يجب الالف لا مهر المثل ا ه.
وقدمنا عن البدائع في تعليل ذلك أنه لا مدخل لمهر المثل في الطلاق قبل(3/120)
الدخول.
قوله: (طلقت قبل الوطئ) أي والخلوة.
بحر.
وقد مر أنها وطئ حكما، والمراد بالطلاق فرقة جاءت من قبل الزوج ولم يشاركه صاحب المهر في سببها طلاقا كانت أو فسخا: كالطلاق والفرقة بالايلاء واللعان، والجب والعنة والردة: وإبائه الاسلام وتقبيله ابنتها أو أمها بشهوة، فلو جاءت من قبلها: كردتها وإبائها الاسلام، وتقلبها ابنه بشهوة والرضاع، وخيار البلوغ والعتق، وعدم الكفاءة، فإنه لا متعة لها لا وجوبا ولا استحبابا كما في الفتح، كما لا يجب نصف المسمى لو كان، وخرما لو اشترى هو أو وكيله منكوحته من المولى فإن مالك المهر يشارك الزوج في السبب وهو الملك فلذا لا تجب المتعة ولا نصف المسمى، بخلاف ما لو باعها المولى من رجل ثم اشتراها الزوج منه فإنها واجبة كما في التبيين.
بحر.
قوله: (وهي درع الخ) الدرع: بكسر المهملة ما تلبسه المرأة فوق القميص كما في المغرب، ولم يذكره في الذخيرة وإنما ذكر القميص وهو الظاهر.
بحر.
وأقول: درع المرأة قميصها والجمع أدرع، وعليه جرى العيني، وعزاه في البناية لابن الاثير، فكونه في الذخيرة لم يذكره مبني على تفسير المغرب، والخمار: ما تغطي به المرأة رأسها.
والملحفة: بكسر الميم ما تلتحف به المرأة من قرنها إلى قدمها.
قال فخر الاسلام: هذا في ديارهم، أما في ديارنا فيزاد على هذا إزار ومكعب، كذا في الدراية، ولا يخفى إغناء الملحفة عن الازار، إذ هي بهذا التفسير إزار إلا أن يتعارف تغايرهما كما في مكة المشرفة، ولو دفع قيمتها أجبرت على القبول كما في البدائع.
نهر وما ذكر من الاثواب الثلاثة أدنى المتعة..شرنبلالية عن الكمال.
وفي البدائع: وأدنى ما تكتسي به المرأة وتستر به عند الخروج ثلاثة أثواب ا ه.
قلت: ومقتضى هذا مع ما مر عن فخر الاسلام من أن هذا في ديارهم الخ، أن يعتبر عرف كل بلدة لاهلها فيها تكتسي به المرأة عند الخروج.
تأمل.
ثم رأيت بعض المحشين قال: وفي البرجندي قالوا: هذا في ديارهم، أما في ديارنا فينبغي أن يجب أكثر من ذلك، لان النساء في ديارنا تلبس أكثر من ثلاثة أثواب فيزاد على ذلك إزار ومكعب ا ه.
وفي القاموس: المكعب الموشى من البرود والاثواب ا ه: أي المنقوش.
قوله: (لا تزيد على نصفه الخ) في الفتح عن الاصل والمبسوط: المتعة لا تزيد على نصف مهر المثل لانها خلفه، فإن كانا سواء فالواجب المتعة لانها الفريضة بالكتاب العزيز، وإن كان النصف أقل منها فالواجب الاقل، إلا أن ينقص عن خمسة فيكمل لها الخمسة ا ه.
وقول الشارح أولا: لو الزوج غنيا وثانيا: لو فقيرا لم يظهر لي وجهه، بل الظاهر أنه مبني على القول باعتبار حال الزوج في المتعة، وهو خلاف ما بعده، فليتأمل.
قوله: (وتعتبر المتعة بحالهما) أي فإن كانا غنيين فلها الاعلى من الثياب، أو فقيرين فالادنى، أو مختلفين فالوسط، وما ذكره قول الخصاف.
وفي الفتح: إنه الاشبه بالفقه.
والكرخي: اعتبر حالها، واختاره القدوري، والامام السرخسي: اعتبر حاله، وصححه في الهداية.
قال في البحر: فقد اختلف الترجيح.
والارجح قول الخصاف، لان الولوالجي صححه.(3/121)
وقال: وعليه الفتوى، كما أفتوا به في النفقة، وظاهر كلامهم أن ملاحظة الامرين: أي أنها لا تزاد على نصف مهر المثل ولا تنقص عن خمسة دراهم معتبرة على جميع الاقوال كما هو صريح الاصل والمبسوط ا ه.
وذكر في الذخيرة اعتبار كون المتعة وسطا، لا بغاية الجودة ولا بغاية الرداءة.
واعترضه في الفتح بأنه لا يوافق رأيا من الثلاثة.
وأجاب في البحر بأنه موافق للكل، فعلى القول باعتبار حالها لو فقيرة لها كرباس وسط، ولو متوسطة فقز وسط، ولو مرتفعة فإبريسم وسط، وكذا يقال على القول باعتبار حاله، وكذا على قول من اعتبر حالهما لو فقيرين فلها كرباس وسط، أو غينيين فإبريسم وسط، أو مختلفين فقز وسط ا ه.
وفي النهر: إن حمل ما في الذخيرة على هذا ممكن.
واعتراض الفتح عليه وارد من حيث الاطلاق فإنه يفيد أنه يجب من القز أبدا.
قوله: (أي المفوضة) تفسير للضمير المجرور في سواها، وإنما أخرجها لان متعتها واجبة كما علمت.
قوله: (إلا من سمى لها مهر الخ) هذا على ما في بعض نسخ القدوري، ومشى عليه صاحب الدرر، لكن مشى في الكنز والملتقى على أنها تستحب لها، ومثله في المبسوط والمحيط، وهو رواية التأويلات وصاحب التيسير والكشاف والمختلف كما في البحر.
قلت: وصرح به أيضا في البدائع، وعزاه في المعراج إلى زاد الفقهاء وجامع الاسبيجابي.
وعن هذا قال في شرح الملتقى: إنه المشهور.
وقال الخير الرملي: إن ما في بعض نسخ القدوري لا يصادم ما في المبسوط والمحيط.
قلت: فكيف مع ما ذكر في هذه الكتب؟ وعليه فكان ينبغي للمصنف إسقاط هذا الاستثناء.
وفي البحر: وقدمنا أن الفرقة إذا كانت من قبلها قبل الدخول لا تستحب لها المتعة أيضا لانها الجانية.
قوله: (بل للموطوءة الخ) أي بل يستحب لها.
قال في البدائع: وكل فرقة جاءت من قبل الزوج بعد الدخول تستحب فيها المتعة، إلا أن يرتد أو يأتي الاسلام، لان الاستحباب طلب الفضيلة والكافر ليس من أهلها.
قوله: (فالمطلقات أربع) أي مطلقة قبل الوطئ أو بعده سمى لها أو لا.
فالمطلقة قبله إن لم يسم لها فمتعتها واجبة، وإن سمى فغير واجبة ولا مستحبة أيضا على ما هنا.
والمطلقة بعده متعتها مستحبة، سمى لها أو لا.
قوله: (أو بفرض قاض مهر المثل) بنصب مهر مفعول فرض.
قال في البدائع: لو تزوجها على أن لا مهر لها وجب مهر المثل بنفس العقد عندنا، بدليل أنها لو طلبت الفرض من الزوج يجب عليه الفرض، حتى لو امتنع يجبره القاضي عليه، ولو لم يفعل ناب منابه في الفرض، وهذا دليل الوجوب قبل الفرض قوله: (فإنها تلزمه) أي الزيادة إن وطئ أو مات عنها، وهذا التفريع مستفاد من مفهوم قوله: لا ينصف أي بالطلاق قبل الدخول فيفيد لزومه وتأكده بالدخول، ومثله الموت.
قوله: (بشرط قبولها الخ) أفاد أنها صحيحة ولو بلا شهود، أو بعد هبة المهر والابراء منه، وهي من جنس المهر أو من غير جنسه.
بحر.
وسواء كانت من(3/122)
الزوج أو ولي، فقد صرحوا بأن الاب والجد لو زوج ابنه ثم زاد في المهر صح.
نهر.
وفي أنفع الوسائل: ولا يشترط فيها لفظ الزيادة بل تصح بلفظها، وبقوله راجعتك بكذا إن قبلت وإن لم يكن بلفظ زدتك في مهرك، وكذا بتجديد النكاح وإن لم يكن بلفظ الزيادة على خلاف فيه، وكذا لو أقر لزوجته بمهر وكانت قد وهبته له فإنه يصح إن قبلت في مجلس الاقرار وإن لم يكن بلفظ الزيادة.
قوله: (ومعرفة قدرها) أي الزيادة، فلو قال زدتك في مهرك ولم يعين لم تصح الزيادة للجهالة كما في الوقعان.
بحر.
قوله: (وبقاء الزوجية الخ) أي الذي في البحر أن الزيادة بعد موتها صحيحة إذا قبلت الورثة عند أبي حنيفة خلافا لهما كما في التبيين من البيوع ا ه.
وعزاه في أنفع الوسائل إلى القدوري، ثم قال: ولم يذكر الزيادة بعد الطلاق البائن وانقضاء العدة في الرجعي.
والظاهر أنه يجوز عنده بالاولى، لانه بالموت انقطع النكاح وفات محل التمليك، وبعد الطلاق المحل باق، وقد ثبت لها ذلك عنده في الموت، ففي الطلاق أولى، وما ذكره في البحر المحيط من رواية بشر عن أبي يوسف من أن الزيادة بعد الفرقة باطلة، يحمل على أنه قول أبي يوسف وحده، لانه خالف أبا حنيفة في الزيادة بعد الموت فيكون قد مشى على أصله، ولم ينقل عن الامام في الزيادة بعد البينونة شئ، فيحمل الجواب فيه على ما نقل عنه في الزيادة بعد الموت ا ه.
وتبعه في البحر.
قال في النهر: والظاهر عدم الجواز بعد الموت والبينونة، وإليه يرشد تقييد المحيط بحال قيام النكاح، إذ
نقلوا أن ظاهر الرواية أن الزيادة بعد هلاك المبيع لا تصح، وفي رواية النوادر: تصح، ومن ثم جزم في المعراج وغيره بأن شرطها بقاء الزوجية، حتى لو زادها بعد موتها لم تصح، والالتحاق بأصل العقد وإن كان يقع مستندا إلا أنه لا بد أن يثبت أولا في الحال ثم يستند، وثبوته متعذر لانتفاء المحل فتعذر استناده، وما ذكره القدوري وافق لرواية النوادر ا ه.
قال ط: والذي يظهر أن ما في المحيط والمعراج مخرج على قولهما فلا ينافي ما في التبيين، وكون ظاهر الرواية عدم صحة الزيادة بعد هلاك المبيع لا يقتضي أن يكون ظاهر الرواية هنا لفرق بين الفصلين قام عند المجتهد، فإنه في النكاح أمر الله تعالى بعدم نسيان الفضل بين الزوجين، وهذه الزيادة من مراعاة الفضل، يؤيده مشروعية المتعة فيه، بخلاف البيع ا ه.
قوله: (وفي الكافي الخ) حاصل عبارة الكافي: تزوجها في السر بألف ثم في العلانية بألفين ظاهر المنصوص في الاصل أنه يلزم عنده الالفان ويكون زيادة في المهر، وعنه أبي يوسف المهر هو الاول، لان العقد الثاني لغو، فيلغو ما فيه.
وعند الامام أن الثاني وإن لغا لا يلغو ما فيه من الزيادة، كمن قال لعبده الاكبر سنا منه هذا ابني ما لغا عندهما لم يعتق العبد.
وعنده وإن لغا في حكم النسب يعتبر في حق العتق، كذا في المبسوط.
وذكر في الفتح أن هذا إذا لم يشهدا على أن الثاني هزل، وإلا فلا خلاف في اعتبار الاول، فلو ادعى الهزل لم يقبل بلا بينة، ثم ذكر أن بعضهم اعتبر ما في العقد الثاني فقط بناء على أن المقصود تغيير الاول إلى الثاني، وبعضهم أوجب كلا المهرين، لان الاول ثبت ثبوتا لا مرد له والثاني زيادة عليه، فيجب بكماله.
ثم ذكر أن قاضيخان أفتى بأنه لا يجب بالعقد الثاني شئ ما لم يقصد به الزيادة في المهر، ثم وفق بينه وبين إطلاق الجمهور اللزوم بحمل كلامه على أنه لا يلزم عند الله تعالى في نفس الامر إلا(3/123)
بقصد الزيادة وإن لزم في حكم الحاكم لانه يؤاخذه بظاهر لفظه إلا أن يشهد على الهزل، وأطال الكلام فراجعه.
أقول: بقي ما إذا جدد بمثل المهر الاول، ومقتضى ما مر من القول باعتبار تغيير الاول إلى
الثاني أنه لا يجب بالثاني شئ هنا، إذ لا زيادة فيه، وعلى القول الثاني يجب المهران.
تنبيه: في القنية: جدد للحلال نكاحا بمهر يلزم إن جدده لاجل الزيادة لا احتياطا ا ه: أي لو جدده لاجل الاحتياط لا تلزمه الزيادة بلا نزاع كما في البزازية.
وينبغي أن يحمل على ما إذا صدقته الزوجة أو أشهد، وإلا فلا يصدق في إرادته الاحتياط كما مر عن الجمهور، أو يحمل على ما عند الله تعالى، وسيأتي تمام الكلام على مسألة مهر السر والعلانية في آخر هذا الباب.
قوله: (ويحمل على الزيادة) لوجوب تصحيح التصرف ما أمكن، واشترط القبول لان الزيادة في المهر لا تصح إلا به.
فتح عن التجنيس.
قوله: (وفي البزازية) استدراك على ما في الخانية، وأقره في النهر، لكن ارتضى في الفتح ما في الخانية، وهو الاوجه لانه حيث ثبت جواز الزيادة في المهر يحمل كلامه عليها بقرينة الهبة الدالة على إرادة الزيادة على ماكان عليه لقصد التعويض عنه، فلا يصدق في أنه لم يرد الزيادة.
تأمل.
قوله: (لا ينصف) أي بالطلاق قبل الدخول.
بحر.
وهذا خبر قوله: وما فرض الخ قوله: (بالمفروض) متعلق باختصاص، وقوله: في العقد متعلق بالمفروض، وقوله: بالنص أي قوله تعالى: * (فنصف ما فرضتم) * متعلق باختصاص: أي وما فرض بعد العقد أو زيد بعده ليس مفروضا في العقد.
قوله: (بل تجب المتعة في الاول) أي فيما لو فرض بعد العقد، لان هذا الفرض تعيين للواجب العقد وهو مهر المثل وذلك لا يتنصف، فكذا ما نزل منزلته.
نهر.
وعند أبي يوسف: لها نصف ما فرض، والاول أصح كما في شرح الملتقى.
قوله: (ونصف الاصل في الثاني) أي فيما لوزاد بعد العقد.
مطلب في حط المهر والابراء منه قوله: (وصح حطها) الحط: الاسقاط كما في المغرب، وقيد بحطها لان حط أبيها غير صحيح لو صغيرة، ولو كبيرة توقف عن إجازتها، ولا بد من رضاها.
ففي هبة الخلاصة: خوفها الضرب حتى وهبت مهرها لم يصح لو قادرا على الضرب ا ه.
ولو اختلفا فالقول لمدعي الاكراه، ولو برهنا فبينة الطوع أولى.
قنية.
وأن لا تكون مريضة مرض الموت.
ولو اختلف مع ورثتها فالقول للزوج أنه كان في الصحة لانه ينكر المهر.
خلاصة.
ولو
وهبته في مرضها فمات قبلها فلا دعوى لها بل لورثتها بعد موتها، وتمام الفروع في البحر.
قوله: (لكله أو بعضه) قيده في البدائع بما إذا كان المهر دينا: أي دراهم أو دنانير لان الحط في الاعيان لا يصح.
بحر.
ومعنى عدم صحته أن لها أن تأخذه منه مادام قائما فلو هلك في يده سقط المهر عنه لما في البزازية: أبرأتك عن هذا العبد يبقى العبد وديعة عنده ا ه.
نهر.
قوله: (ويرتد بالرد) أي كهبة(3/124)
الدين ممن عليه الدين، ذكره في أنفع الوسائل بحثا وقال: لم أره.
واستدل له في البحر بما في مداينات القنية، قالت لزوجها أبرأتك ولم يقل قبلت، أو كان غائبا فقالت أبرأت زوجي يبرأ إلا إذا رده ا ه.
قال في النهر: ولا يخفى أن المدعي إنما هو رد الحط، وكأنه نظر إلى أن الحط إبراء معنى.
قوله: (كمرض لاحدهما يمنع الوط) أي أو يلحقه به ضرر.
قال الزيلعي: وقيل هذا التفصيل في مرضها، وأما مرضه فمانع مطلقا لانه لا يعري عن تكسر وفتور عادة وهو الصحيح ا ه.
ومثله في الفتح والبحر والنهر.
قلت: إن كان التكسر والفتور منه مانعا من الوطئ أو مضرا له كان مثل المرأة في اشتراط المنع أو الضرر، وإلا فهو كالصحيح، فما وجه كون مرضه مانعا من صحة الخلوة، إلا أن يقال: المراد أن مرضه في العادة يكون مانعا من وطئه فلا فائدة في ذكر التفصيل فيه، بخلاف مرضها فتأمل.
مطلب في أحكام الخلوة قوله: (وجعله في الاسرار من الحسي) قلت: وجعله في البحر مانعا لتحقق الخلوة حيث ذكر أن لاقامة الخلوة مقام الوطئ شروطا أربعة: الخلوة الحقيقية، وعدم المانع الحسي أو الطبعي أو الشرعي، فالاول للاحتراز عما إذا كان هناك ثالث فليست بخلوة، وعن مكان لا يصلح للخلوة كالمسجد والطريق العام والحمام الخ.
ثم ذكر عن الاسرار أن هذين من المانع الحسي، وعليه فالمانع الحسي ما يمنعها من أصلها أو ما يمنع صحتها بعد تحققها كالمرض، فافهم.
قوله: (فليس للطبعي مثال مستقل) فإنهم مثلوا
للطبعي بوجود ثالث وبالحيض أو النفاس، مع أن الاولى منهي شرعا وينفر الطبع عنه، فهو مانع حسي طبعي شرعي، والثاني طبعي شرعي، نعم سيأتي عن السرخسي أن جارية أحدهما تمنع بناء على أنه يمتنع من وطئ الزوجة بحضرتها طبعا مع أنه لا بأس به شرعا، فهو مانع طبعي لا شرعي، لكنه حسي أيضا، فافهم.
قوله: (كإحرام لفرض أو نفل) لحج أو عمرة قبل وقوف عرفة أو بعده قبل طواف.
وأطلق في إحرام النفل فعم ما إذا كان بإذنه أو بغير إذنه، وقد نصوا على أنه له أن يحللها إذا كان بغير إذنه ط.
قلت: فالظاهر أن التعميم الاخير غير مراد لان العلة الحرمة وهي مفقودة.
قوله: (ومن الحسي الخ) لما كان ظاهر العطف يقتضي أن الرتق وما عطف عليه يخرج عن الموانع الثلاثة مع أنها من الحسي قدره الشارح ط.
قوله: (بالسكون) نقل الخير الرملي عن شرح الروض للقاضي زكريا أن القرن بفتح رائه أرجح من إسكانها.
قوله: (عظم) في البحر عن المغرب: القرن في الفرج: مانع يمنع من سلوك الذكر فيه، إما غدة غليظة أو لحم أو عظم، وامرأة رتقاء بها ذلك ا ه.
ومقتضاه ترادف القرن والرتق.
قوله: (وعفل) بالعين المهملة والفاء، وقوله: غدة بالغين المعجمة أي في(3/125)
خارج الفرج.
ففي القاموس أنه شئ يخرج من قبل المرأة شبيه بالادرة للرجال.
قوله: (ولو بزوج) الباء للمصاحبة: أي ولو كان الصغر مصاحب الزوج، يعني لا فرق بين أن يكون الزوج أو الزوجة أو كل منهما صغيرا ا ه.
قال في البحر: وفي خلوة الصغير الذي لا يقدر على الجماع قولان، وجزم قاضيخان بعدم الصحة فكان هو المعتمد، ولذا قيد في الذخيرة بالمراهق ا ه.
وتجب العدة بخلوته وإن كانت فاسدة، لان تصريحهم بوجوبها بالخلوة الفاسدة شامل لخلوة الصبي، كذا في البحر من باب العدة.
قوله: (لا يطاق معه الجماع) وقدرت الاطاقة بالبلوغ، وقيل بالتسع، والاولى عدم التقدير كما قدمناه.
ولو قال الزوج تطيقه وأراد الدخول وأنكر الاب فالقاضي يريها لنساء ولم يعتبر السن، كذا في الخلاصة.
بحر.
قوله: (وبلا وجود ثالث) قدر قوله: بلا ليكون عطفا على قوله: بلا مانع حسي بناء على أنه طبعي فقط، لكن علمت ما فيه.
قال ط: ولا يتكرر مع ما تقدم لان
ذاك تمثيل من الشارح، وهذا من المصنف تقييد.
قوله: (ولو نائما أو أعمى) لان الاعمى يحس والنائم يستيقظ ويتناوم.
فتح.
ودخل فيه الزوجة الاخرى وهو المذهب، بناء على كراهة وطئها بحضرة ضرتها.
بحر.
قلت: وفي البزازية من الحظر والاباحة.
ولا بأس بأن يجامع زوجته وأمته بحضرة النائمين إذا كانوا لا يعلمون به، فإن علموا كره ا ه.
ومقتضاه صحة الخلوة عند تحقق النوم.
تأمل.
وفي البحر: وفصل في المبتغى في الاعمى، فإن لم يقف على حالة تصح، وإن كان أصم إن كان نهارا لا تصح، وإن كان ليلا تصح ا ه.
قلت: الظاهر أنه أراد بالاصم غير الاعمى، أما لو كان أعمى أيضا فلا فرق في حقه بين النهار والليل.
تأمل.
قوله: (والمجنون والمغمى عليه) وقيل يمنعان فتح.
قلت: يظهر لي المنع في المجنون لانه أقوى حالا من الكلب العقور.
تأمل.
قوله: (وكذا الاعمى) قد علمت ما فيه من أنه لا يظهر الفرق بين الليل والنهار في حقه.
تأمل.
قوله: (به يفتى) زاد في البحر عن الخلاصة أنه المختار.
ثم قال: وجزم الامام السرخسي في المبسوط بأن كلا منهما يمنع، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه لانه يمتنع من غشيانها بين يدي أمته طبعا ا ه: أي وكذا بين يدي أمتها بالاولى لانها أجنبية لا تحل له.
قلت: وجزم به أيضا الامام قاضيخان في شرح الجامع.
وفي البدائع: لو كان الثالث جارية له، روى أن محمدا كان يقول أولا: تصح خلوته، ثم رجع وقال: لا تصح ا ه.
ولعل وجه الاول ما صرحوا به من أنه لا بأس بوطئ المنكوحة بمعاينة الامة دون عكسه، لكن هذا يظهر في أمته دون أمتها، على أن نفي البأس شرعا لا يلزم منه عدم نفرة الطباع السليمة عنه، وحيث كان هو المنقول عن أئمتنا الثلاثة كما مر، وعزاه أيضا في الفتاوى الهندية إلى الذخيرة والمحيط.
والخانية: لا ينبغي العدول عنه لموافقته الدراية والرواية، ولذا قال الرحمتي: العجب كيف يجعل المذهب(3/126)
المفتى به ما هو خلاف قول الامام وصاحبيه مع عدم اتجاهه في المعنى!.
قوله: (إن كان عقورا مطلقا) أي سواء كان كلبه أو كلبها.
قوله: (لا يمنع مطلقا) أي عقورا أو لا، وعلله في الفتح بقوله:
لان الكلب قط لا يعتدي على سيده ولا على من يمنعه سيده عنه ا ه.
وحينئذ فلو رآه الكلب فوقها يكون سيده في صورة الغالب لها فلا يعدو عليها، وكذا لو أمرها الزوج أن تكون فوقه لانها وإن كانت في صورة الغالبة له وأمكن أن يعدو عليها الكلب لكن يمنعه سيده عنها فتصح الخلوة، فافهم.
قوله: (أو كان للزوجة) أي أو كان غير عقور وكان للزوجة فإنه يكون مانعا، لكن مقتضى ما علل به في الفتح أنه لا فرق بين كلبه وكلبها، لان كلبها وإن رآها تحت الزوج يمكن أن تمنعه عنه فلا يعدو عليه فتصح الخلوة.
تأمل.
قوله: (وكان له) بالواو.
وفي بعض النسخ بأو وهو تحريف ا ه ح.
أي لان الصور أربع: عقور له أو لها، وغير عقور كذلك، فذكر أولا أن المانع ثلاث صور: عقور مطلقا، وغير عقور هو لها، وبقي غير مانع.
الصورة الرابعة هي أن يكون غير عقور وكان له.
قوله: (وبقي الخ) وبقي أيضا من المانع الشرعي أن يعلق طلاقها بخلوتها، فإذا خلا بها طلقت فيجب نصف المهر لحرمته وطئها.
بحر عن الواقعات.
قال: وزاد في البزازية والخلاصة أنه لا تجب العدة في هذا الطلاق لانه يتمكن من الوطئ، وسيأتي وجوبها في الخلوة الفاسدة على الصحيح فتجب العدة هنا احتياطا ا ه.
ومشى الشارح فيما سيأتي بعد صفحة على ما في البزازية، ويأتي تمام الكلام فيه، وسيأتي أيضا عند قوله: ولو افترقا أن امتناعها من تمكينه في الخلوة يمنع صحتها لو كانت ثيبا لا لو بكرا.
قوله: (عدم صلاحية المكان) أي للخلوة وصلاحيته، بأن يأمنا فيه اطلاع غيرهما عليهما كا لدار والبيت ولو لم يكن له سقف، وكذا المحل الذي عليه قبة مضروبة والبستان الذي له باب مغلق، بخلاف ما ليس له باب وإن لم يكن هناك أحد.
بحر.
ولو كانا في مخزن من خان يسكنه الناس فرد الباب ولم يغلق والناس قعود في وسطه غير مترصدين لنظرهما صحت، وإن كانوا مترصدين فلا.
فتح.
قوله: (كمسجد وطريق) لان المسجد مجمع الناس فلا يأمن الدخول عليه ساعة فساعة، وكان الوطئ فيه حرام.
قال تعالى: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المسجد) * (سورة البقرة: الآية 781) والطريق ممر الناس عادة وذلك يوجب الانقباض فيمنع الوطئ.
بدائع.
قلت: ويؤخذ من قوله: وكذا الوطئ فيه حرام الخ أنه مانع وإن كان خاليا وبابه مغلق، فتأمل.
وفي الفتح: ولو سافر بها فعدل عن الجادة بها إلى مكان خال فهي صحيحة.
قوله: (وحمام)
أي بابه مفتوح، أما لو كان مقفولا عليهما وحدهما فلا مانع من صحتها كما لا يخفى، فافهم.
قوله: (وسطح) أي ليس على جوانبه ستر، وكذا إذا كان الستر رقيقا أو قصيرا بحيث لو قام إنسان يطلع عليهما.
فتح.
وفيه: ولا تصح في المسجد والحمام.
قال شداد: إن كانت ظلمة شديدة صحت لانها كالساتر.
وعلى قياس قوله تصح على سطح لا ساتر له إذا كانت ظلمة شديدة.
والاوجه أن لا تصح، لان المانع الاحساس ولا يختص بالبصر، ألا ترى إلى الامتناع لوجود الاعمى ولا إصار للاحسان ا ه(3/127)
قلت: الاحساس إنما يمكن إذا كان معهما أحد على السطح، أما لو كانا فوقه وحدهما وأمنا من صعود أحد إليهما لم يبق الاحساس إلا بالبصر والظلمة الشديدة تمنعه كما لا يخفي.
تأمل.
قوله: (وبيت بابه مفتوح) أي بحيث لو نظر إنسان رآهما، وفيه خلاف.
ففي مجموع النوازل: إن كان لا يدخل عليهما أحد إلا بإذن فهي خلوة.
واختار في الذخيرة أنه مانع وهو الظاهر.
بحر.
ووجهه أن إمكان النظر مانع بلا توقف على الدخول، فلا فائدة في الاذن وعدمه.
قوله: (وما إذا لم يعرفها) لان التمكن لا يحصل بدون المعرفة، بخلاف ما إذا لم تعرفه.
والفرق أنه متمكن من وطئها إذا عرفها ولم تعرفه، بخلاف عكسه فإنه يحرم عليه، كذا في البحر.
وفيه أنه إذا لم تعرفه يحرم عليها تمكينه منها، فالظاهر أنها تمنعه من وطئها بناء على ذلك، فينبغي أن يكون مانعا، فتأمل ح.
قلت: إن هذا المانع بيده إزالته، بأن يخبرها أنه زوجها فلما جاء التقصير من جهته يحكم بصحة الخلوة فيلزم المهر ط.
قوله: (في الاصح) أي أصح الروايتين، لكن صرح شراح الهداية بأن رواية المنع في التطوع شاذة، ويشير إليه قول الخانية: وفي صوم القضاء والكفارات والمنذورات روايتان.
والاصح أنه لا يمنع الخلوة، وصوم التطوع لا يمنعها في ظاهر الرواية، وقيل يمنع ا ه.
وقول الكنز: وصوم الفرض يدخل فيه القضاء والكفارات المنذورات فيكون اختيارا منه لرواية المنع في غير التطوع، لان الافطار فيه بغير عذر جائز فرواية، ويؤيد ما في الكنز تعبير الخانية
بالاصح، فإنه يفيد أن مقابله صحيح، وكذا قول الهداية: وصوم القضاء والمنذور كالتطوع في رواية فإنه يفيد أن رواية كونهما كصوم رمضان أقوى، وبهذا يتأيد ما بحثه في البحر بقوله: وينبغي أن يكون صوم الفرض ولو منذورا مانعا اتفاقا، لانه يحرم إفساده، وإن كان لا كفارة فيه فهو مانع شرعي ا ه.
قوله: (إن تصح) أي الخلوة، لسقوط الكفارة بشبهة، خلاف الامام مالك رحمه الله فإنه يرى فطره بأكله ناسيا ولا كفارة ط.
قوله: (وكذا كل ما أسقط الكفارة) كشرب وجماع ناسيا ونية نهارا ونية نفلا ط.
قوله: (وصلاة الفرض فقط) قال في البحر: لا شك أن إفساد الصلاة لغير عذر حرام فرضا كانت أو نفلا، فينبغي أن تمنع مطلقا، مع أنهم قالوا: إن الصلاة الواجبة لا تمنع كالنفل مع أنه يأثم بتركها.
وأغرب منه ما في المحيط أن صلاة التطوع لا تمنع إلا الاربع قبل الظهر لانها سنة مؤكدة، فلا يجوز تركها بمثل هذا العذر ا ه.
فإنه يقتضي عدم الفرق بين السنن المؤكدة وأن الواجبة تمنع بالاولى اه.
قلت: والحاصل أنهم لم يفرقوا في إحرام الحج بين فرضه ونفله، لاشتراكهما في لزوم القضاء والدم.
وفرقو بينهما في الصوم والصلاة.
أما الصوم فظاهر للزوم القضاء والكفارة في فرضه، بخلاف نفله وما ألحق به، لان الضرر فيه بالفطر يسير، لانه لا يلزم إلا القضاء لا غير كما في الجوهرة.
وأما في الصلاة فالفرق بينهما مشكل، إذ ليس في فرضها ضرر زائد على الاثم ولزوم(3/128)
القضاء، وهذا موجود في نفلها وواجبها، نعم الاثم في الفرض أعظم وفي كونه مناطا لمنع صحة الخلوة خفاء، وإلا لزم أن يكون قضاء رمضان والكفارات كالنفل، ولعل هذا وجه اختيار الكنز إطلاق فرض الصوم كما قدمناه، فكذا الصلاة ينبغي أن يكون فرضها ونفلها كفرض الصوم، بخلاف نفله لانه أوسع بدليل أنه يجوز إفطاره بلا عذر في رواية، ونفل الصلاة لا يجوز قطعه بلا عذر في جميع الروايات فكان كفرضها، ولعل المجتهد قام عنده فرق بينهما لم يظهر لنا، والله تعالى أعلم.
قوله: (فيما يجئ) أي من الاحكام ط.
قوله: (ولو مجبوبا) أي مقطوع الذكر والخصيتين، من الجب: وهو القطع.
قال في الغاية: والظاهر أن قطع الخصيتين ليس بشرط في قوله: (المجبوب)، ولذا
اقتصر الاسبيجابي على قطع الذكر.
ح عن النهر.
قوله: (أو خصيا) بفتح الخاء المعجمة فعيل بمعنى معول، وهو من سلت خصيتاه وبقي ذكره ح.
قوله: (إن ظهر حاله) أي إن ظهر قبل الخلوة أن هذا الزوج والخنثى رجل وظهر أن نكاحه صحيح فإن وطأه حينئذ جائز فتكون الخلوة كالوطئ.
وإن لم يظهر فالنكاح موقوف لا يبيح الوطئ فلا تكون خلوته كالوطئ، فافهم.
قوله: (وما في البحر) حيث أطلق صحة خلوته ولم يقيد بظهور حاله، وما في الاشباه ستعرفه.
قوله: (في النهر) عبارته، ويجب أن يراد به من ظهر أحكامه أما المشكل فنكاحه موقوف إلى أن يتبين حاله، ولهذا لا يزوجه وليه من تختنه.
لان النكاح الموقوف لا يفيد إباحة النظر كذا في النهاية ا ه: أي فلا يبيح الوطئ بالاولى فلا تصح خلوته كالخلوة بالحائض بل أولى، لانه قبل التبين بمنزلة الاجنبي.
ثم قال في النهر: وأفاد في المبسوط أن حاله يتبين بالبلوغ، فإن ظهرت فيه علامة الرجل وقد زوجه أبوه امرأة حكم بصحة نكاحه من حين عقد الاب، فإن لم يصل إليها أجل كالعنين، وإن زوج رجلا تبين بطلانه، وهذا صريح في عدم صحة خلوته قبل ذلك.
وبهذا التقرير علمت أن ما نقله في الاشباه عن الاصل: لو زوجه أبوه رجلا فوصل إليه جاز، وإلا فلا علم لي بذلك، أو امرأة فبلغ فوصل إليها جاز، وإلا أحل كالعنين ليس على ظاهره، والله الموفق ا ه: أي أن ظاهر ما في الاشباه أنه بمجرد وصول الرجل إليه: أي وطئه له أو بوصوله إلى المرأة يصح النكاح ولو قبل البلوغ وظهور علامة فيه، وأن الوطئ يحل قبل التبين، وأن الخلوة به صحيحة، وأنه بعد البلوغ قد يتبين حاله وقد لا يتبين، مع أنه في المبسوط جزم بتبين حاله بالبلوغ، وأنه قبل التبين يكون نكاحه موقوفا، فهو صريح في عدم صحة الخلوة قبل التبين لعدم حل الوطئ، وفيه نظر، فإن قوله جاز معناه: جاز العقد لتبين حاله بذلك، فقد صرحوا بأن ذلك رافع لاشكاله ولا يلزم منه حل الوطئ، وقوله وإلا فلا علم لي بذلك: أي إن لم تظهر فيه هذه العلامة لا أحكم بصحة العقد ولا بعدمها، بل يتوقف ذلك على ظهور علامة أخرى، وقول المبسوط: إن حاله يتبين بالبلوغ مبني على الغالب، وإلا فقد صرحوا بأنه قد يبقى حاله مشكلا بعده، كما إذا حاض من فرج النساء وأمنى من فرج الرجال، وقد يتبين حاله قبل البلوغ كأن يبول من أحد الفرجين دون الآخر فتصح خلوته.
والحاصل أن تقييد صحة
الخلوة بتبين حاله ظاهر لعدم حل الوطئ قبله.
قوله: (لمرض الخ) وكذا السحر، ويسمى المعقود(3/129)
كما سيأتي في بابه عن الوهبانية قوله: (في ثبوت النسب الخ) الذي حققه في البحر بحثا، ثم رآه منقولا عن الخصاف أن الخلوة لم تقم مقام الوطئ إلا في حق تكميل المهر ووجوب العدة.
قال: وما سواه فهو من أحكام العدة كالنسب: أي فإنه يثبت وإن لم توجد خلوة أصح، كما في تزوج مشرقي مغربية، أو من أحكام العدة كالبقية والعجب من صاحب النهر حيث تابع أخاه في هذا التحقيق ثم خالفه في النظم الآتي.
وما ذكره في البحر سبقه إليه ابن الشحنة في عقد الفرائد، لكنه أفاد أن المطلقة قبل الدخول لو ولدت لاقل من ستة أشهر من حين الطلاق ثبت نسبة للتيقن بأن العلوق قبل الطلاق وأن الطلاق بعد الدخول ولو ولدته لاكثر لا يثبت لعدم العدة، ولو اختلى بها فطلقها يثبت وإن جاءت به لاكثر من ستة أشهر.
قال: ففي هذه الصورة تكون الخصوصية للخلوة.
قوله: (ولو من المجبوب) لامكان إنزاله بالسحاق، وسيأتي في باب العنين أنه يثبت نسبه إذا خلا بها ثم فرق بينهما ولو جاءت به لسنتين.
قوله: (وفي تأكد المهر) أي في خلوة النكاح الصحيح، أما الفاسد فيجب فيه مهر المثل بالوطئ لا بالخلوة كما سيذكره المصنف في هذا الباب لحرمة الوطئ فيه، فكان كالخلوة بالحائض.
قوله: (والعدة) وجوبها من أحكام الخلوة سواء كانت صحيحة أم لا ط.
أي إذا كانت في نكاح صحيح، أما الفاسد فتجب فيه العدة بالوطئ كما سيأتي.
قوله: (في عدتها) متعلق بنكاح، والاولى تأخيره بعد قوله: وحرمة نكاح الامة أي لو طلق الحرة بعد الخلوة بها لا يصح تزوجه أمة ما دامت الحرة في العدولو الطلاق بائنا.
قوله: (ومراعاة وقت الطلاق في حقها) بيانه أن الموطوءة طلاقها في الحيض بدعي فلا يحل بل يطلقها واحدة في طهر لا وطئ فيه وهو أحسن، أو ثلاثة متفرقة في ثلاثة أطهار لا وطئ فيها وهو حسن، بخلاف غير الموطوءة فإن طلاقها واحدة ولو في الحيض حسن، وإذا كانت المختلى بها كالموطوءة توقت طلاقها بالطهر فلا يحل في مدة الحيض، فافهم.
قوله: (وكذا في وقوع طلاق بائن آخر الخ) في البزازية: والمختار أنه
يقع عليها طلاق آخر في عدة الخلوة، وقيل لا ا ه.
وفي الذخيرة: وأما وقوع طلاق آخر في هذه العدة فقد قيل لا يقع وقيل يقع، وهو أقرب إلى الصواب، لان الاحكام لما اختلفت يجب القول با لوقوع احتياطا ثم هذا الطلاق يكون رجعيا أو بائنا، ذكر شيخ الاسلام أنه يكون بائنا ا ه.
ومثله في الوهبانية وشرحها.
والحاصل أنه إذا خلا بها خلوة صحيحة ثم طلقها طلقة واحدة فلا شبهة في وقوعها، فإذا طلقها في العدة طلقة أخرى فمقتضى كونها مطلقة قبل الدخول أن لا تقع عليها الثانية، لكن لما اختلفت الاحكام في الخلوة أنها تارة تكون كالوطئ وتارة لا تكون جعلناها كالوطئ في هذا، فقلنا بوقوع الثانية احتياطا لوجودها في العدة، والمطلقة قبل الدخول لا يلحقها طلاق آخر إذا لم تكن معتدة، بخلاف هذه.
والظاهر أن وجه كون الطلاق الثاني بائنا هو الاحتياط أيضا، ولم يتعرضوا للطلاق الاول(3/130)
وأفاد الرحمتي أنه بائن أيضا لانه طلاق قبل الدخول غير موجب للعدة، لان العدة إنما وجبت لجعلنا الخلوة كالوطئ احتياطا، فإن الظاهر وجود الوطئ في الخلوة الصحيحة، ولان الرجعة حق الزوج وإقراره بأنه طلق قبل الوطئ ينفذ عليه فيقع بائنا، وإذا كان الاول لا تعقبه الرجعة يلزم كون الثاني مثله ا ه.
ويشير إلى هذا قول الشارح طلاق بائن آخر فإنه يفيد أن الاول بائن أيضا، ويدل عليه ما يأتي قريبا من أنه لا رجعة بعده، وسيأتي التصريح به في باب الرجعة، وقد علمت مما قررناه أن المذكور في الذخيرة هو الطلاق الثاني دون الاول، فافهم.
ثم ظاهر إطلاقهم وقوع البائن أولا وثانيا كان بصريح الطلاق، وطلاق الموطوءة ليس كذلك فيخالف الخلوة الوطئ في ذلك.
وأجاب ح: بأن المراد التشبيه من بعض الوجوه وهو أن في كل منهما وقوع طلاق بعد آخر ا ه.
وأما الجواب بأن البائن قد يلحق البائن في الموطوءة فلا يدفع لمخالفة المذكورة، فافهم.
قوله: (كالغسل) أي لا يجب الغسل على واحد منهما بمجرد الخلوة، بخلاف الوطئ.
قوله: (والاحصان) فلو زنى بعد الخلوة الصحيحة لا يلزمه الرجم لفقد شرط الاحصان وهو الوطئ.
قال
في عقد الفرائد وهذا إن لم يفهم أنه خاص بالرجل فهو ساكت عن ثبوت الاحصان لها بذلك.
والذي يظهر لي أنه لا فرق بينه وبينها فيه، ولم أقف على نقل فيه صريح، والله أعلم.
قلت في البحر: ولم يقيموها مقام الوطئ في حق الاحصان إن تصادقا على عدم الدخول، وإن أقرا به لزمهما حكمه، وإن أقر به أحدهما صدق في حق نفسه دون صاحبه كما في المبسوط ا ه.
قوله: (وحرمة البنات) أي لم يقيموا الخلوة مقام الوطئ في ذلك، فلو خلا بزوجته بدون وطئ ولا مس بشهوة لم تحرم عليه بناتها، بخلاف الوطئ والكلام في الخلوة الصحيحة كما صرح به في التبيين والفتح وغيرهما، فما حرره في عقد الفرائد مما حاصله أن حرمة البنات بالخلوة الصحيحة لا خلاف فيها بين الصاحبين، والخلاف في الفاسدة.
قال الثاني: تحرم، وقال محمد: لا تحرم، فهو ضعيف، وما ادعاه من عدم الخلاف ممنوع كما بسطه في النهر.
قوله: (وحلها للاول) أي لا تحل مطلقة الثلاث للزوج الاول بمجرد خلوة الثاني بل لا بد من وطئه لحديث العسيلة قوله: (والرجعة) أي لا يصير مراجعا بالخلوة ولا رجعة له بعد الطلاق الصريح بعد الخلوة.
بحر: أي لوقوع الطلاق بائنا كما قدمناه.
قوله: (والميراث) أي لو طلقها ومات وهي في عدة الخلوة لا ترث بزازية.
ومثله في البحر عن المجتبى.
وحكى ابن الشحنة في عقد الفرائد قولا آخر: إنها ترث وإن تصادقا على عدم الدخول بعد الخلوة.
قال الرحمتي: وعلى هذا: أي ما في الشرح لو طلقها في مرضه بعد الخلوة الصحيحة قبل الوطئ ومات في عدتها لا ترث، وبه جزم الطواقي فيما كتبه على هذا الشرح، وأقره عليه تلميذه حامد أفندي العمادي مفتى دمشق ا ه.
قوله: (وتزويجها كالابكار) كان عليه أن يقول: كالثيبات، ليوافق ما قبله من المعطوفات، فإنها من خواص الوطئ دون الخلوة فالمعنى أنها ليست كالوطئ في تزويجها كالثيبات بل تزوج كا لابكار.
أفاده ط.
قوله: (على المختار) وما في المجتبى من أنها تزوج كما تزوج الثيب ضعيف كما في البحر.
قوله: (وغير ذلك) أي غير السبعة المذكورة من زيادة أربعة أخرى في النظم المذكور، وهي: سقوط الوطئ، والفئ، والتكفير، وعدم فساد العبادة.(3/131)
وبقي مسألتان أيضا لم يذكرهما لعدم تسليمهما، وهما أن الخلوة لا تكون إجازة للنكاح الموقوف عند بعضهم، وأن المرأة لا تمنع نفسها للمهر بعدها عندهما.
أما عند أبي حنيفة فلها المنع بعد حقيقة الوطئ كما أفاده في البحر، وزاد في الوهبانية أيضا بقاء عنة العنين، ويمكن دخولها في النظام كما يأتي.
قوله: (وغيره) بالرفع عطفا على مثل، والضمير للوطئ ح: أي ومغايرة للوطئ في إحدى عشرة مسألة.
قوله: (وبهذا العقد تحصيل) جملة من مبتدأ وخبر، والعقد بكسر العين شبه الشعر المنظوم بعقد الدر المنظوم.
قوله: (تكميل مهر الخ) بيان لصور المماثلة.
قوله: (وإعداد) بالكسر، والمراد به العدة.
قوله: (وأربع) بالجر عطفا على الاخت.
قوله: (الاما) جمع أمة، وقصره للضرورة، ولو أسقط لام ولقد استغنى عن قصره.
قوله: (فراق فيه ترحيل) المراد به الطلاق ا ه ح.
وأما الترحيل، فهو من ترحل القوم من المكان: انتقلوا: أي طلاق فيه نقل الزوجة من بيته أو من عصمته، فافهم.
قوله: (وأوقعوا فيه) أي في الاعداد بمعنى العدة ا ه ح.
فالضمير عائد على مذكور وهو الاعداد المذكور في البيت الثاني فافهم.
قوله: (إذا لحقا) الضمير للتطليق والالف للاطلاق اه ح.
والمراد بلحقاه وقوعه في العدة بعد طلاق سابق عليه.
قوله: (القيل) بدل من الاول ح.
قوله: (ورجعة) أي في صورتين كما قدمناه في قوله: والرجعة.
قوله: (سقوط وطئ) أي ما يلزمه فيه الوطئ لا يسقط بالخلوة، فحق الزوجة في القضاء الوطئ مرة واحدة، ولا يسقط عنه بالخلوة، وكذا العنين إذا اختلى بها لا يسقط عنه الوطئ بها، فللزوجة طلب التفريق، وعلى هذا الحل يستغنى عن ذكر بقاء العنة المذكورة في قوله: (الوهبانية)، لكن يستغني به أيضا عن ذكر الفئ الآتي، فكان الاولى ذكرهما معا أو إسقاطهما معا.
تأمل.
قوله: (كذلك الفئ) يعني إن آلى منها ثم وطئها في المدة كان فيئا، إن خلا بها لا ا ه ح.
قوله: (التكفير) يعني إو وطئ في نهار رمضان فعليه الكفارة، وإن خلا بها لااه ح.
وفي النهر: وعد التكفير هنا مما لا ينبغي، إذ الكلام في الخلوة الصحيحة وصوم الاداء يفسدها كما مر ط.
قوله: (ما فسدت عبادة) ما نافيه، يعني إن وطئها في عبادة يفسدها الوطئ فسدت، وإن خلا بها لا ا ه ح.
ويرد عليه ما ورد على سابقه، فإن ما يفسد بالوطئ كالاحرام والصوم والصلاة والاعتكاف
المنذور يفسد الخلوة والكلام في الصحيحة، إلا أن يمثل بما لا يفسد الخلوة على أحد القولين كصوم غير الاداء وصلاة النافلة.
تأمل.
والحاصل أنه ينبغي إسقاط التكفير وفساد العبادة وزيادة فقد العنة، فتصير الاحكام التي خالفت الخلوة فيها الوطئ عشرة، وقد نظمتها في بيتين مقتصرا عليها للعلم بأن ما سواها لا يخالف فيها الخلوة الوطئ فقلت:(3/132)
وخلوته كالوطئ في غير عشرة طالبة بالوطئ إحصان تحليل وفئ وإرث رجعة فقد عنة وتحريم بنت عقد بكر وتغسيل قوله: (فقالت بعد الدخول) يطلق الدخول على الوطئ وعلى الخلوة المجردة، والمتبادر منه الاول، والمراد هنا الاختلاف في الخلوة مع الوطئ، أو في الخلوة المجردة لا في الوطئ مع الاتفاق على الخلوة، لان الخلوة مؤكدة لتمام المهر، فلو كان الاختلاف بينهما في الوطئ مع الاتفاق على الخلوة لم تظهر ثمرة للاختلاف.
قوله: (فالقول لها لانكارها سقوط نصف المهر) كذا في القنية للزاهدي.
ونظمه ابن وهبان وقال في شرحه: إنه تتبع هذا الفرع فما ظفر به ولا وجد ما يناقضه، ووجهه ماش على القواعد لان القول للمنكر اه.
قلت: رأيته في حاوي الزاهدي أيضا، وحكى فيه قولين، فذكر ما مر معزيا إلى المحيط وكتاب آخر، ثم عزا إلى الاسرار أن القول قوله، لانه ينكر وجوب الزيادة على النصف ا ه.
ويظهر لي أرجحية القول الاول، ولذا جزم به المصنف، وذلك أن المهر يجب بنفس العقد والدخول أو الموت مؤكد له، والطلاق قبلهما منصف له، فسبب وجوب الكل متحقق والمنصف له عارض، والمرأة تنكر العارض وتتمسك بالسبب المحقق الموجب للكل، ولذا تثبت لها المطالبة بتمام المهر قبل الدخول، ولا يعود نصف المهر المقبوض إلى ملكه بالطلاق قبل الدخول إلا بالقضاء أو الرضا، ولا ينفذ تصرفه فيه قبل ذلك، وينفذ تصرف المرأة فيه، والزوج وإن أنكر الزيادة على النصف لكنه مقر بسببها، كما لو أقر بالغصب وادعى الرد وكذبه المالك فدعواه الرد إنكار للضمان بعد الاقرار
بسببه فلا يقبل.
تأمل.
قوله: (وإن أنكر الوطئ) كذا في كثير من النسخ، وكان المناسب أن يقول: وإن أنكر الدخول لما قررناه من أن الاختلاف بينهما ليس في الوطئ مع الاتفاق على الخلوة، وليكون إشارة إلى رد ما قاله في الاسرار: أي أن إنكاره لا يعتبر لانه في الحقيقة مدع لسقوط النصف بالعارض على السبب الموجب للكل فكان إنكارها هو المعتبر.
وفي بعض النسخ وإن أنكرت بالتاء، والمعنى: أن القول لها وإن أنكرت أنه لم يطأها في هذا الدخول الذي ادعته، لكن الاولى أن يقول: وإن اعترفت بعدم الوطئ لانه لم يدع الوطئ حتى يقابل بإنكارها له.
قوله: (إنما توطأ كرها) لانها تستحي بالطبع، فلم تكن بالامتناع مختارة لعدم تأكد المهر، بخلاف الثيب لان امتناعها يدل على اختيارها لعدم تأكد المهر.
قوله: (كما بحثه الطرطوسي) أي في أنفع الوسائل، والبحث في التفصيل المذكور، فإن الطرسوسي نقل أولا عن الذخيرة: إذا خلا بها ولم تمكنه من نفسها اختلف المتأخرون فيه.
قال: وفي طلاق النوازل عليه نصف المهر، ثم ذكر هذا التفصيل وقال: قلته على وجه التفقه ولم أظفر فيه بنقل.
والظاهر أنه أراد به التوفيق بين القولين، وذكر أيضا أن هذا إذا صدقته في ذلك، فلو كذبته فالقول قولها بيمينها لانها منكرة.
قوله: (وأقره المصنف) أي تبعا لشيخه صاحب البحر.
فخلا بها أي خلوة صحيحة لانها المتبادر من لفظ الخلوة ا ه ح: أي في قول الحالف إن خلوت بك، فيراد بها الخالية عما يمنعها أو يفسدها مما مر، والمراد ما(3/133)
يفسدها من غير التعليق، لما مر عن البحر من أن هذا التعليق مفسد لها فهو نظير قولهم: الخلوة الصحيحة في النكاح الفاسد كالخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح، مع أنها في النكاح الفاسد فاسدة كما ذكره في البحر، فالمراد بالصحيحة فيه الخالية عما يفسدها سوى فساد النكاح، فافهم.
قوله: (بائنا) لتصريحهم بأن الطلاق الواقع بعد الخلوة الصحيحة يكون بائنا.
منح: أي فهنا أولى لعدم صحتها فإنها لا تماثل الوطئ إلا في وجوب العدة ط.
قوله: (لوجود الشرط) علة لطلقت، وأما علة كونه بائنا فهي ما قدمناه عن المنح أفاده ح.
قوله: (ووجب نصف المهر) في بعض النسخ بعد هذا زيادة وهي لعدم الخلوة الممكنة من الوطئ ا ه.
أي لانها بانت بمجرد الخلوة فكان غير متمكن من
الوطئ شرعا.
قوله: (ولا عدة عليها) قال في البحر: وسيأتي وجوبها في الخلوة الفاسدة على الصحيح فتجب العدة في هذه الصورة احتياطا ا ه.
واعترضه الخير الرملي بقوله: كيف القطع بوجوبها مع مصادمته للنقل، على أن هذه مطلقة قبل الدخول فهي أجنبية والخلوة بالاجنبية لا توجب العدة فليست من قسم الخلوة الصحيحة ولا الفاسدة، فتأمل، وانظر إلى قولهم: إنما تقام مقام الوطئ إذا تحقق التسليم ا ه.
أقول: التسليم منها موجود، ولكن عاقه مانع من جهته وهو التعليق كالعنين، وكما لو دخل عليها فأحرم بالحج أو بالصلاة، وكونها خلوة بأجنبية ممنوع لان الخلوة شرط الطلاق، وإنما يقع بعد وجود شرطه، كما لو قال لاجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق، فوقوع الطلاق دليل تحقق الخلوة، إذ لولاها لم يقع، غير أنه وجد بعد تحققها مانع من جهته كما ذكرنا، وتصريحهم بوجوب العدة بالخلوة الفاسدة على الصحيح شامل لهذه الصورة، فقول البزازية: لا عدة عليها مبني على خلاف الصحيح، فهو مصادمة نقل بنقل أصح منه، فافهم.
قوله: (وتجب العدة) ظاهره الوجوب قضاء وديانة.
وفي الفتح قال العتابي: تكلم مشايخنا في العدة الواجبة بالخلوة الصحيحة أنها واجبة ظاهرا أو حقيقة، فقيل لو تزوجت وهي متيقنة بعدم الدخول حل لها ديانة لا قضاء.
قوله: (في الكل الخ) هذا في النكاح الصحيح، أما النكاح الفاسد لا تجب العدة في الخلوة فيه بل بحقيقة الدخول.
فتح.
قوله: (لتوهم الشغل) أي شغل الرحم نظرا إلى التمكن الحقيقي، وكذا في المجبوب لقيام احتمال الشغل بالسحق وهي حق الشرع وحق الولد، ولذا لا تسقط لو إسقطاها، ولا يحل لها الخروج ولو أذن لها الزوج، وتتداخل العدتان ولا يتداخل حق العبد.
فتح.
وتمامه في المعراج.
قوله: (واختاره التمرتاشي الخ) وجزم به في البدائع.
قال في الفتح: ويؤيده ما ذكره العتابي.
قوله: (تجب العدة) لثبوت التمكن حقيقة.
فتح.
قوله: (كصغر ومرض مدنف) قال في الفتح: الاوجه على هذا القول أن يخص الصغر بغير القادر والمرض بالمدنف لثبوت التمكن حقيقة في غيرهما ا ه.
قلت: ونص على التقييد بالمدنف في جامع الفصولين.
وفي القاموس: دنف المريض كفرح: ثقل.
قوله: (لانه نص محمد) أي في كتابة الجامع الصغير الذي روى مسائله عن أبي يوسف(3/134)
عن الامام صاحب المذهب.
قوله: (قال المصنف) أي تبعا لشيخه في البحر، وأقره في النهر والشرح نبلالية.
قوله: (الموت أيضا) أي كما أن الخلوة كالوطئ فيهما، والمراد الموت قبل الدخول: أي موت الرجل بالنسبة للعدة، وموت أيهما كان بالنسبة للمهر كما أفاده ح.
قوله: (في حق العدة والمهر) أي إذا مات عنها لزمها عدة الوفاة واستحقت جميع المهر كالموطوءة.
قوله: (فقط) هو معنى قول المجتبى: وفيما سواهما كالعدم.
قلت: ولا يقال: إنه يعطى حكمه أيضا في الارث، لان الارث من أحكام العقد فلذا تحقق قبل الخلوة التي هي دون الوطئ، فافهم.
قوله: (حلت بنتها) أي كما تحل بعد الخلوة الصحيحة، فلا تحرم إلا بحقيقة الوطئ على ما مر قوله: (فوهبته له) ذكر الضمير لان الالف مذكر لا يجوز تأنيثه كما في ط عن المصباح، وكذا لو وهبت نصفه.
فتح.
قوله: (قبل وطئ) أي وخلوة.
نهر.
وهي حكما لما مر.
قوله: (لعدم تعين النقود في العقود) ولذا لو أشار في النكاح إلى دراهم كان له أن يمسكها ويدفع مثلها جنسا ونوعا وقدرا وصفة، ولو لم تهب شيئا وطلقت قبل الدخول كان لها إمساك المقبوض ودفع غيره، ولذا تزكي الكل، وتمامه في النهر.
والحاصل أنه لم يصل إليه بالهبة عين ما يستحقه بالطلاق قبل الدخول وهو نصف المهر.
منح.
قوله: (أو قبضت نصفه) احتراز عما لو قبضت أكثر من النصف فإنه ترد عليه ما زاد على النصف، بخلاف ما لو قبضت الاقل ووهبته الباقي فهو معلوم بالاولى.
بحر.
أي لا يرجع عليها بشئ.
قوله: (في صورة الاولى) الانسب أي يقول في الصورتين: فيكون قوله أو الباقي إشارة إلى أن هبة الالف ليس بقيد في الثانية كما نص عليه في البحر.
قال في النهر: ومعنى هبة الالف بعد قبض النصف أنها وهبت له المقبوض وغيره.
قوله: (أو وهبت عرض المهر) أشار إلى أنه لم يتعيب، إذ لو وهبته بعد ما تعيب فاحشا يرجع بنصف قيمته يوم قبضت لانه صار كأنها وهبته عينا أخرى، أما العيب اليسير فكالعدم لما سيأتي أنه في المهر متحمل، وقيد بالهبة لانها لو باعته منه يرجع بالنصف: أي نصف قيمته لا نصف الثمن المدفوع فيما يظهر، ولو وهبته أقل من نصفه ترد ما
زاد على النصف، ولو وهبته الاكثر أو النصف فلا رجوع له.
بحر.
قوله: (أو في الذمة) أشار إلى أنه لا فرق بين العرض المعين وغيره، وهو من خصوص النكاح، فإن العرض فيه يثبت في الذمة، لان المال فيه ليس بمقصود فيتسامح فيه.
بخلاف البيع.
بحر.
قوله: (لحصول المقصود) لانه وصل إليه عين ما يستحقه بالطلاق قبل الدخول لتعينه في الفسخ كتعينه في العقد بدليل أنه ليس لواحد منهما دفع بدله، حتى لو تعيب فاحشا فوهبته له رجع بنصف قيمته كما مر.
نهر.(3/135)
تتمة: حكم الموزون غير المعين، وهو ما كان في الذمة حكم النقد، أما المعين منه فكالعرض، واختلف في التبر والنقرة من الذهب والفضة، ففي رواية كالعرض، وفي أخرى كالمضروب، كذا في البدائع.
نهر.
تنبيه: قال في البحر: وقد ظهر لي أن هذه المسألة على ستين وجها، لان المهر إما ذهب أو فضة أو مثلي غيرهما أو قيمي، فالاول على عشرين وجها، لان الموهوب إما الكل أو النصف، وكل منهما إما أن يكون قبل القبض أو بعده، أو بعد قبض النصف أو أقل منه أو أكثر فهي عشرة، وكل منها إما أن يكون مضروبا أو تبرا فهي عشرون، والعشرة الاولى في المثلي، وكل منها إما أن يكون معينا أو لا، وكذا في القيمي، والاحكام مذكورة ا ه.
وتبعه في النهر.
قلت: ويزاد مثلها فتصير مائة وعشرين، بأن يقال: إن الموهوب إما الكل أو النصف أو الاكثر من النصف أو الاقل، فهي أربعة تضرب في الخمسة المارة تبلغ عشرين، وكل منها إما أن يكون مضروبا أو تبرا فهي أربعون، وكذا في كل من المثلي والقيمي أربعون، وقد مر حكم هبة الاكثر من النصف أو الاقل.
قوله: (فإن وفى) بتشديد الفاء ماضي يوفى توفية، لا بالتخفيف من وفى يفي وفاء بقرينة.
قوله: وإلا يوف.
أفادة ح.
قوله: (وأقام بها) إنما ذكر التوفية في الاولى دون هذه، لانه في الاولى جعل المسمى مالا وغير مال وهو ما شرطه لها ووعدها به من عدم إخراجها أو عدم التزوج عليها، أما هنا فالمسمى مال فقط ردد فيه بين القليل على تقدير والكثير على تقدير كما أشار إليه الشارح، فليس هنا في المسمى وعد بشئ ليناسبه التعبير بالتوفية، يوضحه أنه قد يردد فيه بين كونها
ثيبا أو بكرا كما يأتي، فافهم.
قوله: (الاولى الخ) ضابطها أن يسمى لها قدرا ومهر مثلها أكثر منه ويشترط منفعة لها أو لابيها أو لذي رحم محرم منها وكانت المنفعة مباحة الانتفاع متوقفة على فعل الزوج لا حاصلة بمجرد العقد ولم يشترط عليها رد شئ له، وذلك كأن تزوجها بألف على أن لا يخرجها من البلد، أو على أن يكرمها أو يهدي لها هدية، أو على أن يزوج أباها ابنته، أو على أن يعتق أخاها، أو على أن يطلق ضرتها، فلو المنفعة لاجنبي ولم يوف فليس لها إلا المسمى لانها ليست منفعة مقصودة لاحد المتعاقدين.
ومثله بالاولى لو شرط ما يضرها كالتزوج عليها، وكذا لو كان المسمى مهر المثل أو أكثر منه، ولو كان المشروط غير مباح كخمر وخنزير، فلو المسمى عشرة فأكثر وجب لها وبطل المشروط ولا يكمل مهر المثل، لان المسلم لا ينتفع بالحرام فلا يجب عوض بفواته، ولو تزوجها على ألف وعتق أخيها أو طلاق ضرتها بلفظ المصدر لا المضارع عتق الاخ وطلقت الضرة بنفس العقد طلقة رجعية لمقابلتها بغير متقوم وهو البضع وللزوجة المسمى فقط والولاء له، إلا إذا قال: وعتق أخيها عنها فهو لها، ولو تزوجها على ألف وعلى أن يطلق امرأته فلانة، وعلى أن ترد عليه عبدا ينقسم الالف على مهر مثلها، وعلى قيمة العبد: فإن كانا سواء صار نصف الالف ثمنا للعبد والنصف صداقا، فإذا طلقها قبل الدخول فلها نصف ذلك وإن بعده نظر، وإن كان مهر مثلها خمسمائة أو أقل فليس لها إلا ذلك، وإن أكثر فإن وفى بالشرط فكذلك، وإلا فمهر المثل.
وتمامه في المحيط والفتح عن المبسوط، وفي اشتراط الكرامة والهدية كلام سيأتي.(3/136)
حاصل المسألة على وجوه، لان الشرط إما نافع لها أو لاجنبي أو ضار، وكل إما حاصل بمجرد النكاح أو متوقف على فعل الزوج، وعلى كل من الستة إما أن يكون مهر المثل أكثر من المسمى أو أقل أو مساويا، وكل أما أن يكون قبل الدخول أو بعده، وكل إما أن يباح الانتفاع بالشرط أو لا، وكل إما أن يشترط عليها رد شئ أو لا، وكل أما أن يحصل الوفاء بالشرط أو لا، فهي مائتان وثمانية وثمانون، هذا خلاصة ما في البحر.
قوله: (والثانية الخ) قال في الفتح: وأما الثانية فكأن يتزوجها على ألف إن أقام بها أو أن لا يتسرى عليها أو أن يطلق ضرتها أو إن كانت
مولاة أو إن كانت أعجمية أو ثيبا وعلى ألفين إن كان أضدادها.
قوله: (بفوات النفع) الباء للسببية، لانه في الاولى سمى لها مالها فيه نفع وهو عدم إخراجها وعدم التزوج عليها ونحوه، فإذا وفى فلها المسمى لانه صلح مهرا وقد تم رضاها به، وعند فواته ينعدم رضاها بالمسمى فيكمل مهر مثلها، وفي الثانية سمى تسميتين ثانيتهما غير صحيحة للجهالة كما يأتي فوجب فيها مهر المثل.
قوله: (في المسألة الاخيرة) قيد في قوله: ولا يزاد على ألفين فقط ح.
وفي بعض النسخ في الصورة الثانية ذات التقديرين.
قوله: (ولا ينقص عن ألف) أي في المسألتين.
قوله: (لاتفاقهما على ذلك) أي لو زاد مهر مثلها في المسألة الاخيرة على ألفين ليس لها أكثر من ألفين لانها رضيت معه بهما لترد يده لها بين الالف والالفين، بخلاف المسألة الاولى، فإنه لو زاد على ألف لها مهر المثل بالغا ما بلغ، لانها لم ترض بالالف وحده بل مع الوصف النافع ولم يحصل لها.
ولو نقص عن ألف في المسألتين فلها الالف لانه رضي به.
قوله: (لسقوط الشرط) لانه إذا لم يف يجب تمام مهر المثل، ومهر المثل لا يثبت في الطلاق قبل الدخول فسقط اعتباره، فلم يبق إلا المسمى فينتصف.
بدائع.
قوله: (وقالا الشرطان صحيحان) أي في المسألة الاخيرة.
قال في الهداية: حتى كان لها الالف إن أقام بها والالفان إن أخرجها.
وقال زفر: الشرطان فاسدان ولها مهر مثلها لا ينقص من الالف ولا يزاد على ألفين.
وأصل المسألة في الاجارات في قوله: إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم ا ه.
قوله: (في الاصح) مقابله ما في نوادر ابن سماعة عن محمد أنها على الخلاف، وضعفه في البحر.
قوله: (لقلة الجهالة) جواب عما يرد على قول الامام حيث أفسد الشرط الثاني في المسألة المتقدمة، وهي ما إذا تزوجها على ألف إن أقام بها وألفين إن أخرجها، وفي هذه الصورة صحح الشرطين مع أن الترديد موجود في الصورتين.
وأجاب في الغاية بأنه في المتقدمة دخلت المخاطرة على التسمية الثانية، لان الزوج لا يعرف هل يخرجها أو لا، أما هنا فالمرأة على صفة واحدة من الحسن أو القبح وجهالة الزوج بصفتها لا توجب خطرا.
ورده الزيلعي بأن من صور المسألة المتقدمة ما لو تزوجها على ألفين إن كانت حرة أو إن كانت له امرأة، وعلى ألف إن كانت مولاة أو لم تكن له امرأة مع أنه لا مخاطرة ولكن جهل الحال.
وأجاب في البحر بأن المرأة وإن كانت في الكل على صفة واحدة لكن الجهالة قوية في الحرية(3/137)
وعدمها لانها ليست أمرا مشاهدا، ولذالو وقع التنازع احتيج لى إثباتها فكان فيها مخاطرة معنى، بخلاف الجمال والقبح فأنه أمر مشاهد فجهالته يسيرة لزوالها بلا مشقة.
واعترضه في النهر بأنه على هذا ينبغي الصحة فيما لو تزوجها على ألفين إن كانت له امرأة وعلى ألف إن لم تكن لان النكاح يثبت بالتسامع فلا يحتاج إلى إثبات عند المنازعة.
قلت: ولا يخفى ما فيه، فإن إثباته بالتسامع إنما هو عند الاحتياج إلى إثباته على أنه قد تكون له امرأة غائبة في بلدة أخرى لا يعلم بها أحد، بخلاف الجمال والقبح، فلذا اتبع الشارح ما في البحر ولم يلتفت لما في النهر.
قوله: (بخلاف ما لو ردد الخ) هذا أيضا من صورة المسألة المتقدمة التي ذكر أنها مخالفة لمسألة الترديد للقبح والجمال، فلا حاجة إلى إعاداته.
والحاصل أن ترديد المهر بين القلة والكثرة إن وجد فيه شرط الاقل لزمه الاقل، وإلا فلا يلزمه الاكثر بل مهر المثل، خلافا لهما، إلا في مسألة القبح والجمال فإنه يجب المسمى في أي شرط وجد اتفاقا، والفرق للامام ما مر.
قوله: (ولو شرط الخ) هذه مسألة استطرادية ليست من جنس ما قبلها، ومناسبتها تعليق المسمى على وصف مرغوب له.
قوله: (لزمه الكل) لان المهر إنما شرع لمجرد الاستمتاع دون البكارة.
ح عن مجمع الانهر.
قوله: (ورجحه في البزازية) أقول: عبارتها تزوجها على أنها بكر فإذا هي ليست كذلك، يجب كل المهر حملا لامرها على الصلاح بأن زالت بوثبة، فإن تزوجها بأزيد من مهر مثلها على أنها بكر فإذا هي غير بكر لا تجب الزيادة، والتوفيق واضح للمتأمل ا ه.
ووجه التوفيق ما ذكره في العمادية عن فوائد المحيط في تعليل المسألة الثانية أنه قابل الزيادة بما هو مرغوب وقد فات فلا يجب ما قوبل به، وأنت خبير بأن كلام البزازية ليس فيه ترجيح للزوم الكل مطلقا بل فيه ترجيح للتفصيل، والفرق بين التزوج بمهر المثل وبأزيد منه، نعم قال في البزازية بعد ذلك: وإن أعطاها زيادة على المعجل على أنها بكر فإذا هي ثيب قيل ترد الزائد.
وعلى قياس
مختار مشايخ بخارى فيما إذا أعطاها المال الكثير بجهة المعجل على أن يجهزوها بجهاز عظيم ولم تأت به رجع بما زاد على معجل مثلها، وكذا أفتى أئمة خوارزم: ينبغي أن يرجع الزيادة، ولكن صرح في فوائد الامام ظهير الدين أنه لا يرجع في كلتا الصورتين ا ه.
أي في صورة الزيادة على مهر المثل وصورة الزيادة على المعجل كما يعلم من مراجعة الفصول العمادية، فقول البزازية تبعا للعمادية: ولكن صرح الخ، يفيد ترجيح عدم الرجوع، وأنه يلزم كل المهر، ولذا نظم المسألة في الوهبانية وعبر عن عدم وجوب الزيادة بقيل، فأفاد أيضا ترجيح لزوم الكل كما هو مقتضى إطلاق صاحب الدرر والوقاية والملتقى.
قوله: (ولو تزوجها الخ) حاصل هذه المسألة أن يسمى شيئين مختلفي القيمة اتحد الجنس أو اختلف.
نهر.
قوله: (أو الالفين) فائدة في ذكره بعد الالف للعلم قطعا بأن الالف غير قيد، فالاولى قول البحر: أو على هذا الالف أو الالفين، فهو مثال آخر مثل(3/138)
الذي بعده مما الاختلاف فيه قيمة مع اتحاد الجنس، ويمكن عطف قوله أو الالفين على مجموع قوله: على هذا العبد أو على هذا الالف بأن يعطف على كل واحد بانفراده كأن يقول الزوج: تزوجتك على هذا العبد أو هذين الالفين.
أو يقول: على هذا الالف أو هذين الالفين.
تأمل.
قوله: (أو على أحد هذين) أي أنه لا فرق بين كلمة أو ولفظ أحدهما فإن الحكم فيه كذلك كما صرح به في المحيط.
بحر.
قوله: (وأحدهما أوكس) الجملة في موضع الحال.
في القاموس: الوكس كالوعد: النقص، والتنقيص لازم ومتعد ا ه.
وقيد به لانهما لو تساويا قيمة صحت التسمية اتفاقا.
بحر عن الفتح.
وقال قبله: لو كانا سواء فلا تحكيم ولها الخيار في أخذ أيهما شاءت.
قوله: (حكم مهر المثل) هذا قوله، وعندهما: لها الاقل، والمتون على الاول، ورجح في التحرير قولهما، والخلاف مبني على أن مهر المثل أصل عنده والمسمى خلف عنده إن صحت التسمية، وقد فسدت هنا للجهالة فيصار إلى الاصل.
وعندهما بالعكس، ومحله إذا لم يصرح بالخيار لها أو له، فلو قال على أنها بالخيار تأخذ أيهما شاءت، أو على أني بالخيار أعطيك أيهما شئت فإنه يصح اتفاقا لانتفاء المنازعة، وقيد با لنكاح لان الخلع على أحد شيئين مختلفين أو الاعتاق عليه يوجب الاقل اتفاقا، لانه
ليس له موجب أصلي يصار إليه عند فساد التسمية فوجب الاقل، وكذا في الاقرار، وتمامه في البحر.
قوله: (فلها الا رفع) لانها رضيت بالحط.
هداية.
قوله: (فلها الاوكس) لان الزوج رضي بالزيادة.
هداية.
قوله: (وإلا) أي بأن كان بين الا رفع والاوكس.
قوله: (لانها الاصل) أي في الطلاق قبل الدخول، كما أن الاصل مهر المثل قبل الطلاق.
بحر.
قوله: (وجبت المتعة) أشار به إلى أن ما وقع في الدرر تبعا للوقاية والهداية من أنه يجب نصف الاوكس اتفاقا مبني على الغالب أن المتعة لا تزيد على نصف الاوكس كما علل به في الهداية، حتى لو زادت وجبت كما صرح به في الخانية والدراية.
وقال في الفتح: التحقيق أن المحكم المتعة أفاد أنها لو كانت أزيد من نصف الاعلى لا يزاد على نصفه لرضاها به.
رحمتي.
قوله: (ولو تزوجها على فرس الخ) شروع في مسألة أخرى، موضوعها أنه تزوجها على ما هو معلوم الجنس دون الوصف كما في الهداية، وقوله فالواجب الوسط أو قيمته يفيد صحة التسمية، لان الجنس المعلوم مشتمل على الجيد والردئ والوسط ذو حظ منهما، بخلاف مجهول الجنس لانه لا وسط له لاختلاف معاني الاجناس، وإنما تخير الزوج بين دفع الوسط أو قيمته لان الوسط لا يعرف إلا بالقيمة فصارت أصلا في حق الايفاء، وقيد بالمبهم لانه في المعين بإشارة كهذا العبد أو الفرس يثبت الملك لها بمجرد القبول إن كان مملوكا له، وإلا فلها أن تأخذ الزوج بشرائه لها، فإن عجز لزمه قيمته، وكذا بإضافة إلى نفسه كعبدي، فلا تجبر على قبول القيمة، لان الاضافة إلى نفسه من أسباب التعريف كالاشارة، لكن في هذا إذا كان له أعبد ثبت(3/139)
ملكها في واحد منهم وسط وعليه تعيينه.
وقوله في البحر: إنه يتوقف ملكها له على تعيينه غير صحيح، لانه يلزم كون الاضافة كالابهام، فإنه في الابهام لو عين لها وسطا أجبرت على قبوله، وتمامه في النهر.
قوله: (في كل جنس له وسط) قصد بهذا التعميم أن هذا الحكم لا يخص الفرس والعبد وما عطف عليهما، بل يعم كل جنس له وسط معلوم ح.
قوله: (وكل ما لم يجز السلم فيه الخ) فإذا وصف الثوب كهروي خير الزوج بين دفع الوسط أو قيمته كما مر، وكذا لو بالغ في وصفه، بأن قال طوله كذا في ظاهر الرواية، نعم لو ذكر الاجل مع هذه المبالغة كان لها أن لا تقبل
القيمة، لان صحة السلم في الثياب موقوفة على ذكر الاجل، وفي المكيل والموزون إذا ذكر صفته كجيدة خالية من الشعير صعيدية أو بحرية يتعين المسمى، وإن لم يذكر الاجل لان الموصوف فيها يثبت في الذمة، وإن لم يكن مؤجلا كما في النهر والبحر، فمعنى كون الخيار للمرأة أن لها أن لا تقبل القيمة إذا أراد إجبارها عليها لا بمعنى أن لها أن تجبره على القيمة إذا أراد دفع العين، لانه إذا صح السلم تعين حقها في العين.
هذا، وفي الفتح التصريح بأن قول الهداية في ظاهر الرواية، احترازا عما روى عن أبي حنيفة أن الزوج يجبر على دفع عين الوسط، وهو قول زفر، وعن قول أبي يوسف أنه لو ذكر الاجل مع المبالغة في وصف الثوب بالطول والعرض والرقة تعين الثوب، وذكر مثله عن المبسوط، ثم رجح رواية زفر، وصرح في المجمع بأنها الاصح، وكذا في درر البحار، وأقره في غرر الاذكار وابن ملك.
ثم لا يخفى أنه وإن لم يتعين فلا بد في عين الوسط أو قيمته من اعتبار الاوصاف التي ذكرها الزوج.
قوله: (وكذا الحكم في كل حيوان الخ) فذكر الفرس ليس قيدا، ولو قال أولا: ولو تزوجها على معلوم جنس وجب الوسط أو قيمته لكان أخصر وأشمل، فإنه يعم نحو العبد والثوب الهروي.
أفاده ح.
قوله: (هو عند الفقهاء الخ) أما عند المناطقة فهو المقول على كثيرين مختلفين في الحقائق في جواب ما هو، والنوع المقول على كثيرين مختلفين في العدد.
قوله: (مختلفين في الاحكام) كإنسان فإنه مقول على الذكر والانثى، وأحكامهما مختلفة.
قال في البحر: ولا شك أن الثوب تحته الكتان والقطن والحرير، والاحكام مختلفة، فإن الثوب الحرير لا يحل لبسه وغيره يحل، فهو جنس عندهم، وكذا الحيوان تحته الفرس والحمار، وأما الدار فتحتها ما يختلف اختلافا فاحشا بالبلدان ولمحال والسعة والضيق وكثرة المرافق وقلتها.
قوله: (متفقين فيها) أي في الاحكام مثل له الاصوليون في بحث الخاص بالرجل.
وأورد عليهم أنه يشمل الحر والعبد والعاقل والمجنون وأحكامهم مختلفة.
فأجابوا بأن اختلاف الاحكام بالعرض لا بالاصالة، بخلاف الذكر والانثى فإن اختلاف أحكامهما بالاصالة.
بحر.
تنبيه: علم مما ذكرنا أن نحو الحيوان والدابة والمملوك والثوب جنس، وأن نحو الفرس والحمار والعبد والثوب الهروي أو الكتان أو القطن نوع، وأن الذي تصح تسميته ويجب فيه الوسط(3/140)
أو قيمته الثاني، فكان على المصنف أن يقول: وكذا الحكم في كل حيوان ذكر نوعه دون وصفه كما قال في متن المختار: تزوجها على حيوان، فإن سمى نوعه كالفرس جاز، وإن لم يصفه.
وقال في شرحه الاختيار: ثم الجهالة أنواع: جهالة النوع والوصف كقوله ثوب أو دابة أو دار فلا تصح التسمية هذه.
ومنها ما هو معلوم النوع مجهول الصفة كقوله عبد أو فرس أو بقرة أو شاة أو ثوب هروي فإنه تصح التسمية ويجب الوسط الخ، فقد جعل الدابة والثوب معلوم الجنس مجهول النوع والوصف، وجعل العبد والفرس والثوب الهروي معلوم الجنس والنوع مجهول الوصف، وهذا موافق لما مر في تعريف الجنس والنوع عند الفقهاء.
فإن قلت: قال في الهداية.
معنى هذه المسألة أن يسمى جنس الحيوان دون الوصف بأن تزوجها على فرس أو حمار.
أما إذا لم يسم الجنس بأن تزوجها على دابة لا تجوز التسمية ويجب مهر المثل ا ه.
فقد جعل الفرس والحمار جنسا.
قلت: أراد بالجنس النوع كما صرح به في غاية البيان، ولذا قابله بالوصف.
وأما قول البحر: لا حاجة إلى حمل الجنس على النوع لان الجنس عند الفقهاء هو المقول على كثيرين الخ، ففيه أنه لا يصح حمل الجنس في كلام الهداية: على الجنس الفقهي كما لا يخفى، بل يتعين حمله على النوع، وكذا قال في الهداية: ولو سمى جنسا بأن قال هروي تصح التسمية ويخير الزوج، فقد سمى الهروي جنسا وليس هو جنسا بالمعنى المار، ولو تبع المصنف الهداية فقال ذكر جنسه دون وصفه بدل قوله دون نوعه لصح كلامه، بأن يراد بالجنس النوع لمقابلته له بالوصف، أما مع مقابلته بالنوع فلا يصح، هذا ما ظهر لي.
قوله: (بخلاف مجهول الجنس) أي ما ذكر جنسه بلا تقييد بنوع كثوب ودابة فإنه لا تصح تسميته، فلا يجب الوسط أو قيمته بل يجب مهر المثل.
تنبيه: حاصل هذه المسألة أن المسمى إذا كان من غير النقود بأن كان عرضا أو حيوانا: إما أن
يكون معينا بإشارة أو إضافة فيجب بعينه، أو لا يكون معينا، فإن كان غير مكيل وموزون: فإن جهل نوعه كدابة أو ثوب فسدت التسمية ووجب مهر المثل، وإن علم نوعه وجهل وصفه كفرس أو ثوب هروي أو عبد صحت التسمية وتخير بين الوسط أو قيمته، وكذلك لو علم وصف الثوب على ظاهر الرواية.
وعلى ما مر أنه الاصح يتعين الوسط لانه يجب في الذمة كالسلم بخلاف الحيوان فإنه لا يجب في الذمة في السلم، وإن كان مكيلا أو موزونا: فإن علم نوعه ووصفه كأردب قمح جيد خال من الشعير صعيدي تعين المسمى وصار كالعرض المشار إليه لانه يثبت في الذمة حالا كالقرض ومؤجلا كالسلم، وإن لم يعلم وصفه تخير الزوج بين الوسط أو قيمته كما في ذكر الفرس أو الحمار، هذا خلاصة ما في الاختيار والفت والبحر.
مطلب: تزوجها على عشرة دراهم وثوب لكن يشكل ما في الخانية: لو تزوجها على عشرة دراهم وثوب ولم يصفه كان لها عشرة دراهم، ولو طلقها قبل الدخول بها كان لها خمسة دراهم، إلا أن تكون متعتها أكثر من ذلك ا ه.
قال في البحر: وبهذا علم أن وجوب مهر المثل فيما إذ سمى مجهول الجنس إنما هو فيما إذا لم يكن معه مسمى معلوم، لكن ينبغي على هذا أن لا ينظر إلى المتعة أصلا، لان المسمى هنا عشرة فقط وذكر الثوب لغو بدليل أنه لم يكمل لها مهر المثل قبل الطلاق ا ه.(3/141)
وأجاب الخير الرملي بأن الثوب محمول على العدة والتبرع كما جرت به العادة غير داخل في التسمية، إذ لو دخل لاوجب فسادها لفحش الجهالة.
وقال في فتاواه الخيرية إنه زاغ فهم صاحب البحر وأخيه في جعل الثوب لغوا ولا حول ولا قوة إلا بالله ا ه.
قلت: حمله على العدة والتبرع هو بمعنى إلغائه في التسمية.
ووجه إشكال هذا الفرع أن الثوب إن لم يدخل في التسمية لزم أن يجب لها نصف المسمى بالطلاق قبل الدخول بلا نظر إلى المتعة لصحة تسمية العشرة، وإن دخل فيها ينبغي أن يعطى حكم ما لو تزوجها على ألف وكرامتها أو يهدي لها هدية، فقد صرح في النهر بأنه في المبسوط بعد أن
ذكر عبارة محمد: لو تزوجها على ألف وكرامتها أو يهدي لها هدية فلها مهر مثلها لا ينقص عن الالف.
قال: هذه المسألة على وجهين: إن أكرمها وأهدى لها هدية فلها المسمى، وإلا فمهر المثل ا ه.
قلت: فهو مثل ما لو تزوجها بألف على أن لا يخرجها، أو لا يتزوج عليها كما قدمناه، وبه صرح في الهداية وغاية البيان.
وفي البدائع: لو شرط مع المسمى شيئا مجهولا كأن تزوجها على ألف درهم وأن يهدي لها هدية ثم طلقها قبل الدخول فلها نصف المسمى، لانه إذا لم يف بالكرامة والهدية يجب تمام مهر المثل ومهر المثل لا مدخل له في الطلاق قبل الدخول ا ه.
لكن قال في الاختيار: ولو تزوجها على ألف وكرامتها فلها مهر المثل لا ينقص عن ألف، لانه رضي بها، وإن طلقها قبل الدخول لها نصف الالف لان أكثر من المتعة ا ه.
ونقل نحوه في البحر عن الولوالجية والمحيط.
واعتراض به على ما مر من إيجاب المسمى بأن الهدية والاكرام مجهولتان، ولا يمكن الوفاء بالمجهول بل تفسد التسمية فيجب مهر المثل.
وقد أجبت عنه فيما علقته على البحر بما حاصله: أنه يمكن حمل ما في الاختيار على ما إذا لم يكرمها، أما إذا أكرمها فلها المسمى، وهذا عين ما حمل عليه في المبسوط كلام محمد، ومشى عليه في الهداية وغاية البيان والبدائع كما مر، وجهالة الهداية والاكرام ترتفع بعد وجودها والظاهر كما في النهر أنه يكفي هنا أدنى ما يعد إكراما وهدية ا ه.
فإذا لم يكرمها بشئ بقيت التسمية مجهولة لعدم رضا المرأة بالالف وحده فيجب مهر المثل، وكذا إذا طلقها قبل الدخول تقرر الفساد فوجبت المتعة كما هو الحكم عند عدم التسمية أو عند فسادها، وإنما أطلق في البدائع لزوم نصف الالف لانه في العادة أكثر من المتعة كما علمته من كلام الاختيار، وهو نظير ما مر في مسألة الاوكس، فقد حصل بما ذكرنا التوفيق بين كلامهم، ويتعين حمل ما في الخانية عليه أيضا، وذلك بأن يقيد بما إذا كان مهر مثلها عشرة دراهم ولم يدفع لها ثوبا فحينئذ تجب لها العشرة لانها مهر المثل وهو الواجب عند فساد التسمية وتجب المتعة بالطلاق قبل الدخول.
وأما دعوى الرملي إلغاء ذكر الثوب لجهالته فلا تصح، لان جهالة الاكرام والهداية أفحش من جهالة الثوب، لان الاكرام
تحته أجناس الثياب والحيوان والعروض والعقار والنقود والمكيل والموزون ومع هذا لم يلغوه، فعدم إلغاء الثوب بالاولى.
وأيضا يشكل على إلغائه اعتبار المتعة، وعلى ما قررناه لا إشكال، والله أعلم بحقيقة الحال.(3/142)
مطلب: مسألة دراهم النقش والحمام ولفافة الكتاب ونحوها ونظير ما في الخانية ما هو معروف بين الناس في زماننا من أن البكر لها أشياء زائدة على المهر.
منها: ما يدفع قبل الدخول كدراهم للنقش والحمام وثوب يسمى لفافة الكتاب وأثواب أخر يرسلها الزوج ليدفعها أهل الزوج إلى القابلة وبلانة الحمام ونحوها.
ومنها: ما يدفع بعد الدخول كالازار والخف والمكعب وأثواب الحمام، وهذه مألوفة معروفة بمنزلة المشروط عرفا، حتى لو أراد الزوج أن يدفع ذلك يشترط نفيه وقت العقد أو يسمى في مقابلته دراهم معلومة يضمها إلى المهر المسمى في العقد.
وقد سئل عنها في الخيرية فأجاب بما حاصله أن المقرر في الكتب من أن المعروف كالمشروط يوجب إلحاق ما ذكر بالمشروط، فإن علم قدره لزم كالمهر، وإلا وجب مهر المثل لفساد التسمية إن ذكر أنه من المهر، وإن ذكر على سبيل العدة فهو غير لازم بالكلية، والذي يظهر الاخير، وما في الخانية صريح فيه، ثم ذكر عبارة الخانية المارة وما تقدم من اعتراضه على البحر.
وأنت خبير بأن هذه المذكورات تعتبر في العرف على وجه اللزوم على أنها من جملة المهر، غير أن المهر منه ما يصرح بكونه مهرا، ومنه ما يسكت عنه بناء على أنه معروف لا بد من تسليمه، بدليل أنه عند عدم إرادة تسليمه لا بد من اشتراط نفيه أو تسمية ما يقابله كما مر، فهو بمنزلة المشروط لفظا فلا يصح جعله عدة وتبرعا، وكون كلام الخانية صريحا قد علمت ما يناقضه وينافيه.
وقد رأيت في الملتقط التصريح بلزومه كما قلنا حيث ذكر في مسألة منع المرأة نفسها حتى تقبض المهر فقال ثم إن شرط لها شيئا معلوما من المهر معجلا فأوفاها ذلك ليس لها أن تمنع نفسها، وكذلك المشروط عادة كالخف والمكعب وديباج اللفافة ودراهم السكر على ما هو عادة
أهل سمرقند، وإن شرطوا أن لا يدفع شئ من ذلك لا يجب، وإن سكتوا لا يجب، إلا من صدق العرف من غير تردد في الاعطاء لمثلها من مثله، والعرف الضعيف لا يلحق المسكوت عنه بالمشروط ا ه.
ثم رأيت المصنف أفتى به في فتاويه.
وحاصله أن ذلك إن صرح باشتراطه لزم تسليمه، وكذا إن سكت عنه وكان العرف به مشهورا معلوما عند الزوج.
ولا يخفى أن هذا لو كان تبرعا وعدة لم يكن لها منع نفسها لقبضه ولا المطالبة به، وكذا لو كان لازما مفسدا للتسمية، بل ينبغي أن يقال: إنه بمنزلة اشتراط الهدية والاكرام ترتفع الجهالة بدفعه فيجب المسمى دون مهر المثل.
أو يقال وهو الاقرب: إن ذلك من قبيل معلوم النوع مجهول الوصف كالفرس والعبد، فإن التفاوت في ذلك يسير في العرف، فمثل اللفافة يعرف نوعها أنها من القصب والحرير أو من القطن والحرير باعتبار الفقر والغنى وقلة المهر وكثرته، وكذا باقي المذكورات، فيعتبر الوسط من كل نوع منها، فهذا ما تحرر لي في هذا المقام الذي كثرت فيه الاوهام وزلت الاقدام، فاحفظه فإنه مهم والسلام.
قوله: (ووسط العبيد في زماننا الحبشي) وأما أعلاه فالرومي وأدناه الزنجي، كذا في البحر والمنح.
ذكروا أن ذلك عرف القاهرة.
وذكر السيد أبو السعود أن الحبشي في عرفنا لا يجب إلا(3/143)
بالتنصيص، لان العبد متى أطلق لا ينصرف إلا للاسود، فإذا اقتصر على ذكر العبد وجب الوسط من السودان ا ه.
قلت: والعبد في عرف الشام لا يشمل الرومي لانه يسمى مملوكا بل يشمل الحبشي والزنجي، وكذا الجارية والرومية تسمى سرية، وعليه فالوسط أعلى الزنجي.
قوله: (وإن أمهرها العبدين الخ) أراد بالعبدين الشيئين الحلالين، وبالحر أن يكون أحدهما حرام فدخل فيه ما إذا تزوجها على هذا العبد وهذا البيت فإذا العبد حر، أو على مذبوحتين فإذا أحدهما ميتة كما في شرح الطحاوي.
بحر.
قوله: (أقله) أي أقل المهر.
قوله: (يمنع مهر المثل) جواب عن قول محمد وهو رواية عن الامام، لها العبد الباقي وتمام مهر مثلها إن كان مهر مثلها أكثر منه.
قوله: (لها قيمة الحر لو عبدا) أي لها
مع العبد الباقي قيمة الحر لو فرض كونه عبدا.
قوله: (ورجحه الكمال) والمتون على قول الامام.
وفي القهستاني عن الخانية أنه ظاهر الرواية: قوله: (كما لو استحق أحدهما) أي أحد العبدين المسميين، فإن لها الباقي وقيمة المستحق، ولو استحقا جيمعا فلها قيمتهما، وهذا بالاجماع كما شرح الطحاوي.
بحر.
مطلب في النكاح الفاسد قوله: (في نكاح فاسد) وحكم الدخول في النكاح الموقوف كالدخول في الفاسد، فيسقط الحد ويثبت النسب، ويجب الاقل من المسمى ومن مهر المثل، خلافا لما في الاختيار من كتاب العدة، وتمامه في البحر وسنذكر في العدة التوفيق بين ما في الاختيار وغيره.
قوله: (وهو الذي الخ) بخلاف ما لو شرط شرطا فاسدا كما لو تزوجته على أن لا يطأها فإنه يصح النكاح ويفسد الشرط.
رحمتي.
قوله: كشهود ومثله تزوج الاختين معا، ونكاح الاخت في عدة الاخت، ونكاح المعتدة، والخامسة في عدة الرابعة، والامة على الحرة.
وفي المحيط: تزوج ذمي مسلمة فرق بينهما لانه وقع فاسدا ا ه.
فظاهره أنهما لا يحدان، وأن النسب يثبت فيه والعدة إن دخل.
بحر.
قلت: لكن سيذكر الشارح في آخر فصل في ثبوت النسب عن مجمع الفتاوى: نكح كافر مسلمة فولدت منه لا يثبت النسب منه ولا تجب العدة لانه نكاح باطل ا ه.
وهذا صريح فيقدم على المفهوم، فافهم.
ومقتضاه الفرق بين الفاسد والباطل في النكاح، لكن في الفتح قبيل التكلم على نكاح المتعة أنه لا فرق بينهما في النكاح، بخلاف البيع، نعم في البزازية حكاية قولين في أن نكاح المحارم باطل أو فاسد، والظاهر أن المراد بالباطل ما وجوده كعدمه، ولذا لا يثبت النسب ولا العدة في نكاح المحارم أيضا كما يعلم مما سيأتي في الحدود.
وفسر القهستاني هنا الفاسد بالباطل، ومثله بنكاح المحارم وبإكراه من جهتها أو بغير شهود الخ، وتقييده الاكراه بكونه من جهتها قدمنا الكلام عليه أول النكاح قبيل قوله: وشرط حصول شاهدين وسيأتي في باب العدة أنه لا عدة في نكاح باطل وذكر في البحر هناك عن المجتبى أن كل نكاح اختلف العلماء في جوازه كالنكاح بلا شهود فالدخول فيه موجب للعدة.(3/144)
أما نكاح منكوحة الغير ومعتدته فالدخول فيه لا يوجب العدة إن علم أنها للغير، لانه لم يقل أحد بجوازه فلم ينعقد أصلا.
قال: فعلى هذا يفرق بين فاسده وباطله في العدة، ولهذا يجب الحد مع العلم بالحرمة لانه زنى كما في القنية وغيرها ا ه.
والحاصل أنه لا فرق بينهما في غير العدة، أما فيها فالفرق ثابت، وعلى هذا فيقيد قول البحر هنا: ونكاح المعتدة بما إذا لم يعلم بأنها معتدة، لكن يرد على ما في المجتبى مثل نكاح الاختين معا، فإن الظاهر أنه لم يقل أحد بجوازه، ولكن لينظر وجه التقييد بالمعية.
والظاهر أن المعية في العقد لا في ملك المتعة، إذ لو تأخر أحدهما عن الآخر فالمتأخر باطل قطعا.
قوله: (في القبل) فلو في الدبر لا يلزمه مهر، لانه ليس بمحل النسل كما في الخلاصة والقنية، فلا يجب بالمس والتقبيل بشهوة شئ بالاولى كما صرحوا به أيضا.
بحر قوله: (كالخلوة) أفاد أنه لا يجب المهر بمجرد العقد الفاسد بالاولى.
لحرمة وطئها أي فلم يثبت بها التمكن من الوطئ فهي غير صحيحة كالخلوة بالحائض فلا تقام مقام الوطئ، وهذا معنى قول المشايخ: الخلوة الصحيحة في النكاح الفاسد كالخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح، كذا في الجوهرة، وفيه مسامحة لفساد الخلوة.
بحر.
والظاهر أنهم أرادوا بالصحيحة هنا الخالية عما يمنعها أو يفسدها من وجود ثالث أو صوم أو صلاة أو حيض ونحوه مما سوى فساد العقد لظهور أنه غير مراد وهذا سبب المسامحة، وفيه مسامحة أخرى، وهي أن الخلوة في النكاح الفاسد لا توجب العدة كما قدمنها عن الفتح، مع أن الفاسدة في النكاح الصحيح توجبها كما مر أنه المذهب.
قوله: (ولم يزد مهر المثل الخ) المراد بمهر المثل ما يأتي في المتن، بخلاف مهر المثل الواجب بالوطئ بشبهة بغير عقد، فإن المراد به غيره كما نص عليه في البحر، ويأتي بيانه، فافهم.
هذا، وفي الخانية: لو تزوج محرمه لا حد عليه عند الامام وعليه مهر مثلها بالغا ما بلغ ا ه.
فهي مستثناة إلا أن يقال: إن نكاح المحارم باطل لا فاسد على ما مر من الخلاف، ويكون ذلك ثمرة الاختلاف وبيانا لوجه الفرق بينهما كما أشار إليه في البحر.
قوله: (لرضاها بالحط) لانها لما لم تسم الزيادة كانت راضية بالحط مسقطة حقها فيها، لا لاجل أن التسمية صحيحة من وجه، لان الحق أنها فاسدة من كل وجه لوقوعها في عقد فاسد، ولهذا لو كان مهر المثل أقل من المسمى
وجب مهر المثل فقط، وظاهر كلامهم أن مهر المثل لو كان أقل من العشرة فليس لها غيره، بخلاف النكاح الصحيح إذا وجب فيه مهر المثل فإنه لا ينقص عن عشرة.
بحر.
ومثله في النهر، وفيه نظر، فإن مهر مثلها المعتبر بقوم أبيها كيف يكون أقل من العشرة مع أن العشرة أقل الواجب في المهر شرعا، فتأمل.
قوله: (في الاصح) وقيل بعد الدخول: ليس لاحدهما فسخه إلا بحضرة الآخر كما في النهر وغيره ح.
قوله: (فلا ينافي وجوبه) قال في النهر: وقول الزيلعي ولكل منهما فسخة بغير محضر من صاحبه لا يريد به عدم الوجوب، إذ لا شك في أنه خروج من المعصية والخروج منها(3/145)
واجب، بل إفادة أنه أمر ثابت له وحده ا ه ح.
وضمير ينافي لتعبير المصنف باللام في قوله: ولكل وضمير وحده لكل: أي يثبت لكل منهما وحده.
قوله: (بل يجب على القاضي) أي إن لم يتفرقا.
قوله: (وتجب العدة) ظاهر كلامهم وجوبها من وقت التفريق قضاء وديانة.
وفي الفتح: يجب أن يكون هذا في القضاء.
أما إذا علمت أنها حاضت بعد آخر وطئ ثلاثا ينبغي أن يحل لها التزوج فيما بينها وبين الله تعالى على قياس ما قدمنا من نقل العتابي ا ه.
ومحله فيما إذا فرق بينهما.
أما إذا حاضت ثلاثة من آخر وطئ ولم يفارقها فليس لها التزوج اتفاقا كما أشار إليه في غاية البيان، وظاهر الزيلعي يوهم خلافه.
بحر.
قوله: (بعد الوطئ لا الخلوة) أي لا تجب بعد الخلوة المجردة عن وطئ، ووجوب العدة بعد الخلوة ولو فاسدة إنما هو في النكاح الصحيح، وفي البحر عن الذخيرة: ولو اختلفا في الدخول فالقول له فلا يثبت شئ من هذه الاحكام ا ه.
وفيه عن الفتح: ولو كانت هذه المرأة الموطوءة أخت امرأته حرمت عليه امرأته إلى انقضاء عدتها.
قوله: (للطلاق) متعلق بمحذوف حال من العدة وقوله: لا للموت عطف عليه، والمراد أن الموطوءة بنكاح فاسد سواء فارقها أو مات عنها تجب عليها العدة التي هي عدة طلاق وهي ثلاث حيض، لا عدة موت وهي أربعة أشهر وعشر، وهذا معنى قول المنح والبحر: والمراد بالعدة هنا عدة الطلاق.
وأما عدة الوفاة فلا تجب عليها من النكاح الفاسدة ا ه.
ولا يصح تعلق قوله: للطلاق بقوله: تجب لان الطلاق لا يتحقق في النكاح الفاسد بل هو متاركة كما في البحر وكذا لا يصح أن يراد بقوله: لا للموت
موت الرجل قبل الوطئ، ليفيد أنه لو مات بعده تجب عدة الموت، لما علمت من إطلاق عبارة البحر والمنح أنها لا تجب في النكاح الفاسد، ولما سيأتي في باب العدة من أنها تجب بثلاث حيض كوامل في الموطوءة بشبهة أو نكاح فاسد في الموت والفرقة ا ه.
أي إن كانت تحيض وإلا فثلاثة أشهر أو وضع الحمل، فافهم.
قوله: (من وقت التفريق) أي تفريق القاضي، ومثله التفرق وهو فسخهما أو فسخ أحدهما ح، وهو متعلق بتجب: أي لا من آخر الوطآت خلافا لزفر، وهو الصحيح كما في الهداية، وأقره شراحها كالفتح والمعراج وغاية البيان، وكذا صححه في الملتقى والجوهرة والبحر.
ولا يخفى تقديم ما في هذه المعتبرات على ما في مجمع الانهر من تصحيح قول زفر وعبارة المواهب: واعتبرنا العدة من وقت التفريق لا من آخر الوطآت، فافهم.
قوله: (أو متاركة الزوج) في البزازية: المتاركة في الفاسد بعد الدخول لا تكون إلا بالقول، كخليت سبيلك أو تركتك، ومجرد إنكار النكاح لا يكون متاركة.
أما لو أنكر وقال: اذهبي وتزوجي، كان متاركة والطلاق فيه متاركة، لكن لا ينقص به عدد الطلاق، وعدم مجئ أحدهما إلى الآخر بعد الدخول ليس متاركة لانها لا تحصل إلا بالقول.
وقال صاحب المحيط: وقبل الدخول أيضا لا يتحقق إلا بالقول ا ه.
وخص الشارح المتاركة بالزوج كما فعل الزيلعي، لان ظاهر كلامهم أن لا تكون من المرأة أصلا، مع أن فسخ هذا النكاح يصح من كل منهما بمحضر الآخر اتفاقا، والفرق بين المتاركة والفسخ بعيد، كذا في البحر.
وفرق في النهر بأن المتاركة في معنى الطلاق فيختص به الزوج.
أما الفسخ فرفع العقد فلا يختص به وإن كان في معنى المتاركة.
ورده الخير الرملي بأن الطلاق لا يتحقق في الفاسد، فكيف(3/146)
يقال: إن المتاركة في معنى الطلاق؟ فالحق عدم الفرق، ولذا جزم به المقدسي في شرح نظم الكنز الخ، وتمامه فيما علقناه على البحر، وسيأتي قبيل باب الطلاق قبل الدخول عن الجوهرة طلق المنكوحة فاسدا ثلاثا له تزوجها بلا محلل، قال ولم يحك خلافا، فهذا أيضا مؤيد لكون الطلاق لا يتحقق في الفاسد، ولذا كان غير منقص للعدد بل هو متاركة كما علمت، جتى لو طلقها واحدة ثم
تزوجها صحيحا عادت إليه بثلاث طلقات.
قوله: (في الاصح) هذا أحد قولين مصححين، ورجحه في البحر وقال: إنه اقتصر عليه الزيلعي، والآخر أنه شرط، حتى لو لم يعلمها بها لا تنقضي عدتها.
قوله: (ويثبت النسب) أما الارث فلا يثبت فيه، وكذا النكاح الموقوف ط.
عن أبي السعود.
قوله: (احتياطا) أي في إثباته لاحياء الولد ط.
قوله: (وتعتبر مدته) أي ابتداء مدته التي يثبت فيها.
قوله: (وهي ستة أشهر) أي فأكثر.
قوله: (من الوطئ) أي إذا لم تقع الفرقة كما يأتي بيانه.
قوله: (يعني ستة أشهر فأكثر) أشار إلى أن التقدير بأقل مدة الحمل إنما هو للاحتراز عما دونه لا عما زاد، لانها لو ولدته لاكثر من سنتين من وقت العقد أو الدخول ولم يفارقها فإنه يثبت نسبه اتفاقا.
بحر.
قوله: (وقال الخ) تظهر فائدة الخلاف فيما إذا أتت بولد لستة أشهر من وقت العقد ولاقل منها من وقت الدخول فإنه لا يثبت نسبه على المفتي به.
بحر.
تنبيه: ذكر في الفتح أنه يعتبر ابتداء المدة من وقت التفريق إذا وقعت فرقة، وإلا فمن وقت النكاح والدخول على الخلاف.
واعترضه في البحر بأنه يقتضي أنها لو أتت بعد التفريق لاكثر من ستة أشهر من وقت العقد أو الدخول ولاقل منها من وقت التفريق أنه لا يثبت نسبه مع أنه يثبت.
وأجاب في النهر بأن اعتبار ابتداء المدة من وقت النكاح أو الدخول معناه نفي الاقل كما مر، واعتبارها من وقت التفريق معناه نفي الاكثر، حتى لو جاءت به لاكثر من سنتين من وقت التفريق لا يثبت النسب ا ه.
ومثله في شرح المقدسي.
والحاصل أنه قبل التفريق يثبت النسب ولو ولدته بعد العقد أو الدخول لاكثر من سنتين كما مر، أما بعد التفريق فلا يثبت إلا إذا كان أقل من سنتين من حين التفريق، بشرط أن لا يكون بين الولادة والعقد أو الدخول أقل من ستة أشهر.
قوله: (ورجحه في النهر) ترجيحه لا يعارض قول صاحب الهداية وغيره: إن الفتوى على قول محمد.
مطلب: التصرفات الفاسدة قوله: (وذكر من التصرفات الفاسدة) أي التي تفسد إذا فقد منها شرط من شروط الصحة.
قوله: (وحكم هذا) أي حكم الاجارة الفاسدة بشرط فاسد كحرمة دار، أو بجهالة المسمى، أو بعدم(3/147)
التسمية، أو بتسمة نحو خمر.
والاجر خبر حكم، والمراد به أجر المثل، أو المسمى في الصورة الاولى.
وأجر المثل بالغا ما بلغ في الثلاثة الاخيرة، وقد فصل ذلك بقوله: وجوب أدنى مثل الخ فأدنى إما مضاف والاضافة بيانية أو غير مضاف، ومثل بدل منه كما لا يخفى ح.
قوله: (والواجب الاكثر الخ) يعني أن الكتابة الفاسدة كما إذا كاتبه على عين معينة لغيره يجب على المكاتب الاكثر من قيمته، والمسمى وتاء الكتابة والقيمة مجروران، ولا يوقف عليهما بالهاء لئلا تختلف القافية ح.
قوله: (في النكاح) أي الفاسد بعدم الشهود مثلا مهر المثل: أي بالغا ما بلغ إن لم يسم ما يصلح مهرا، وإلا فالاقل من مهر المثل أو المسمى ح.
قوله: (إن يكن دخل) أما إذا لم يدخل لا يجب شئ ح.
قوله: (وخارج البذر) يعني أن المزارعة الفاسدة كما إذا شرط فيها قفزان معينة لاحدهما يكون الخارج فيها لصاحب البذر.
ثم إن كانت الارض له فعليه مثل أجر العامل، وإذا كان البذر من العامل فعليه أجر مثل الارض ح.
قوله: (أجل) تكملة بمعنى نعم ح.
قوله: (والصلح والرهن) أي الصلح الفاسد بنحو جهالة البدل المصالح عليه، والرهن الفاسد كرهن المشاع لكل من المتعاقدين نقضه ح.
قوله: (أمانة) خبر مبتدأ محذوف عائد على كل من بدل الصلح والمرهون اللذين دل عليهما الصلح والرهن أي حينئذ يكون مفي يد المصالح أمانة، وكذلك المصالح عليه في يد من هو في يده، وكذلك الرهن في يد المرتهن لان كلا قبض مال صاحبه بإذنه، لكنه قبضه لنفسه لا لمالكه فينبغي أن يكون مضمونا عليه، وهو ما أشار إليه بقوله: أو كالصحيح حكمه وحكم الصحيح في الصلح أنه مضمون عليه ببدل الصلح وصحيح الرهن مضمون بالاقل من قيمته ومن الدين، وينبغي أن يكون هذا هو المعتمد.
رحمتي.
قلت: وسيأتي في كتاب الرهن التوفيق بأن فاسد الرهن كصحيحه إذا كان سابقا على الدين وإلا فلا ويأتي تمامه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (ثم الهبة) بسكون الهاء للضرورة، يعني أن الموهوب مضمون على الموهوب له بالقيمة يوم القبض في الهبة الفاسدة كهبة مشاع يقسم ح، لانه
قبضه لنفسه، ومن قبض لنفسه ولو بإذن مالكه كان قبضه قبض ضمان.
رحمتي.
قوله: (وصح بيعه) أي بيع المستقرض واللام لتعدية البيع وقوله: اقترض نعت لعبد وفاعله مستتر عائد على المستقرض، ومفعوله محذوف عائد على العبد.
يعني إذا استقرض عبدا كان قرضا فاسدا لانه قيمي يفيد الملك فيصح بيعه ح.
وقال ط: اللافي لعبد زائدة.
قوله: (مضاربه) بسكون الهاء للضرورة: يعني أن المضارية الفاسدة بنحو اشتراط عمل رب المال حكمها الامانة: أي يكون مال المضاربة في يد المضارب أمانة ح: أي لانه قبضها لمالكها بإذنه، وما كان كذلك فهو أمانة، ولانه لما فسدت صار المضارب أجيرا والمال في يد الاجير أمانة.
رحمتي.
قوله: (والمثل في البيع) أي الواجب في البيع الفاسد بنحو شرط لا يقتضيه العقد ضمان مثل المقبوض الهالك إن كان مثليا وقيمته إن كان قيميا، وتاء الامانة والقيمة مرفوعان ولا يوقف عليهما بالسكون لما مر ح.(3/148)
وأما بقية الاحدى والعشرين فقال في النهر: وبقي من التصرفات الفاسدة: الصدقة والخلع والشركة والسلم والكفالة والوكالة والاقالة والصرف والوصية والقسمة.
أما الصدقة، ففي جامع الفصولين أنها كالهبة الفاسدة مضمونة بالقبض، وأما الخلع، فحكمه أنه إذا بطل العوض فيه وقع بائنا، وذلك كالخلع على خمر أو خنزير أو ميتة.
وأما الشركة، وهي المفقود منها شرطها، مثل أن يجعل الربح فيها على قدر المال كما في المجمع، ولاضمان عليه لو هلك المال في يده كما في جامع الفصولين.
وأما السلم، وهو ما فقد فيه شرط من شرائط الصحة فحكم رأس المال فيه كالمغصوب فيصح فيه أن يأخذ به مابدا له يدا بيد، كذا في الفصول، وأما الكفالة، كما إذا جهل المكفول عنه مثلا كقوله: ما بايعت أحدا فعلي، فحكمها عدم الوجوب عليه ورجع بما أداه حيث كان الضمان فاسدا، كذا في الفصول أيضا.
وأما الوكالة والوقف والاقالة والصرف والوصية، فالظاهر أنهم لم يفرقوا بين فاسدها وباطلها، وصرحوا بأن الاقالة كالنكاح لا يبطلها الشرط الفاسد، وقد عرف أنه لا فرق بين فاسده وباطله، وقالوا: لو وقعت الاقالة بعد القبض بعد ما ولدت الجارية فهي باطلة ا ه.
أقول: وما عزاه إلى المجمع في قوله: وأما الشركة الخ فغير موجود فيه، ولم نر أحدا قاله، بل تجوز الشركة مع التساوي في الربح وعدمه، فالصواب أن يمثل بالتي شرط فيها دراهم مسماة لاحدهما فإنه مفسد لها، وحكم الفاسدة أن يجعل الربح فيها على قدر المال وإن شرط التفاضل، وهذا هو الذي في المجمع وغيره، فافهم.
وذكر القسمة ولم يتعرض لحكمها، وسيذكر المصنف والشارح في بابها أن المقبوض بالقسمة الفاسدة كقسمة على شرط هبة أو صدقة أو بيع من المقسوم أو غيره يثبت الملك فيه، ويفيد جواز التصرف فيه لقابضه ويضمنه بالقيمة كالمقبوض بالشراء الفاسد.
وقيل لا يثبت، وجزم بالقيل في الاشباه، وبالاول في البزازية والقنية ا ه.
وما ذكره في النكاح عن عدم الفرق بين فاسده وباطله قد علمت ما فيه.
هذا، وقد زادالرحمتي الحوالة، ونظم حكمها مع حكم ما زاد على العشرة تكميلا لنظم النهر على الترتيب المذكور فقال: صدقة كهبة سواءوالخلع بائن ولا جزاء إن شرط الخمر أو الخنزير أولميتة بدله كذا رأوا بقدر مال ربح شركة فسد كان لقطع شركة الربح قصد وضمان بهلاك المال في يده حزت ذرا المعالي وسلم بعض شروطه فقد ففاسد كما من الفقه شهد ورأس مال فيه كالمغصوب عد فخذ به ما شئت إن يدا بيد كفالة المجهول مفسد لها فارجع بما أديت إن خب ء دهى إذا بنى الدفع على الكفالة ولا رجوع إن يرد وفا له وفاسد القسمة إن شرط نمى لا يقتضيه العقد يا هذا الكمى فيملك المقسوم بالقيمة إن يقبض وقيل لا فقد فاز الفطن(3/149)
وكالة وصاية والوقف إقالة يا صاح ثم الصرف
لا فرق فيها بين ما قد فسدا وبين باطل هديت الرشدا حوالة بشرط أن يؤدى من بيع دار للمحيل يردى فإن يؤدى المال فهو راجع على المحيل أو محال خاشع وقوله: فخذ به ما شئت الخ أي له أن يستبدل برأس مال السلم الفاسد بخلاف الصحيح، لكن بشرط أن يكون يدا بيد لئلا ينفصل عن دين بدين، وقوله: إذا بنى الدفع على الكفالة الخ أي لو ظن لزومها له فأداه عما كفله وقال هذا ما كفلت لك به رجع عليه، لانه أداه ما ليس بلازم عليه على زعم لزومه كما لو قضاه دينه ثم تبين أن لادين عليه، وأما إذا قال: خذ هذا وفاء عما لك في ذمته فلا يرجع عليه، لان من قضى دين غيره بلا أمره لا رجوع له على أحد.
قوله: (والحرة) احترز بها عن الامة كما يأتي.
مطلب في بيان مهر المثل قوله: (مهر مثلها) مبتدأ خبره قوله: مهر مثلها ولا يلزم الاخبار عن الشئ بنفسه لما أشار إليه من اختلافهما شرعا ولغة، ولا الثاني مقيد بقوله: من قوم أبيها.
ثم اعلم أن اعتبار مهر المثل المذكور حكم حكم كل نكاح صحيح لا تسمية فيه أصلا، أو سمى فيه ما هو مجهول، أو مالا يحل شرعا، وحكم كل نكاح فاسد بعد الوطئ سمي فيه مهر أو لا.
وأما المواضع التي يجب فيها المهر بسبب الوطئ بشبهة فليس المراد بالمهر فيها مهر المثل المذكور هنا، لما في الخلاصة أن المراد به العقر، وفسره الاسبيجابي بأنه ينظر بكم تستأجر للزنى لو كان حلالا يجب ذلك القدر، وكذا نقل عن مشايخنا في شرح الاصل للسرخسي ا ه.
وظاهره أنه لا فرق بين الحرة والامة ويخالفه ما في المحيط: لو زفت إليه غير امرأته فوطئها لزمه مهر مثلها، إلا أن يحمل على العقد المذكور توفيقا.
بحر.
قوله: (لا أمها) المقصود أنه لا اعتبار للام وقومها مع قوم الاب، لا أنها لا تعتبر أصلا حتى تكون أدنى حالا من الاجانب.
ط عن البرجندي.
قلت: لكن الام قد تكون من قبيلة لا تماثل قبيلة الاب، والمعتبر من الاجانب من كانت من قبيلة تماثل قبيلة الاب على ميأتي، فمن كانت كذلك فهي أعلى حالا من الام، فافهم.
قوله:
(كبنت عمه) مثال للمنفى ح: أي المنفى في قوله: إن لم تكن من قومه والضمير فيهما للاب فالام إذا كانت بنت عم الاب كانت من قوم الاب، وقول الدرر: كبنت عمها، سبق فلم أو مجاز.
قوله: (ومفاده اعتبار الترتيب) كذا في البحر والنهر.
لكن قال في البحر بعده: وظاهر كلامهم خلافه ا ه.
قلت: وتظهر الثمرة فيما لو ساوتها أختها وبنت عمها مثلا في الصفات المذكورة واختلف مهراهما، فعلى ما في الخلاصة تعتبر الاخت.
وأما على ظاهر كلامهم فيشكل.(3/150)
وقد قال في البحر: ولم أرحكم ما إذا ساوت المرأة امرأتين من أقارب أبيها مع اختلاف مهرهما، هل يعتبر المهر الاقل أو الاكثر؟ وينبغي أن كل مهر اعتبره القاضي وحكم به فإنه يصح لقلة التفاوت ا ه.
وفيه أنه قد يكون التفاوت كثيرا.
وقال الخير الرملي: نص علماؤنا على أن التفويض لقضاة العهد فساد.
والذي يقتضيه نظم الفقيه اعتبار الاقل للتيقن به ا ه.
قلت: ويظهر لي أنه ينظر في مهر كل من هاتين المرأتين، فمن وافق مهرها مهر مثلها تعتبر، إذ يمكن أن يكون حصل في مهر إحداهما محاباة من الزوج أو الزوجة تأمل.
قوله: (في الاوصاف) الاولى حذفه لاغناء قوله: سنا الخ عنه مع احتياجه مع تكلف في الاعراب.
قوله: (وقت العقد) ظرف لمثلها الثانية بالنظر للمتن، ولتعتبر بالنظر للشارح ا ه.
ح.
والمعنى أنه إذا أردنا أن نعرف مهر مثل امرأة تزوجت بلا تسمية مثلا ننظر إلى صفاتها وقت تزوجها من سن وجمال الخ، وإلى امرأة من قوم أبيها كانت حين تزوجت في السن والجمال الخ مثل الاولى، ولا عبرة بما حدث بعد ذلك في واحدة منهما من زيادة وجمال ونحوه أو نقص.
أفاده الرحمتي.
قوله: (سنا) أراد به الصغر أو الكبر.
بحر.
ومثله في غاية البيان.
وظاهره أنه ليس المراد تحديد السن بالعدد كعشرين سنة مثلا، بل مطلق الصغر أو الكبر فيما لا يعتبر فيه التفاوت عرفا فبنت عشرين مثل بنت ثلاثين، ولذا قال في المعراج: لان مهر المثل يختلف باختلاف هذه الاوصاف، فإن
الغنية تنكح بأكثر ما تنكح به الفقيرة، وكذا الشابة مع العجوز، والحسناء مع الشوهاء ا ه.
وظاهره أن بقية الصفات كذلك، فيعتبر المماثلة في أصل الصفة احترازا عن ضدها لا عن الزيادة فيها.
قوله: (وجمالا) وقيل لا يعتبر الجمال في بيت الحسب والشرف بل في أوساط الناس، وهذا جيد فتح، والظاهر اعتباره مطلقا.
بحر.
وكذا رده في النهر بإطلاق عبارة الكنز وغيره.
قلت: ووجهه أن الكلام فيمن كانت من قوم أبيها، فإذا ساوت إحداهما الاخرى في الحسب والشرف وزادت عليها في الجمال كانت الرغبة فيها أكثر.
قوله: (وبلدا وعصرا) فلو كانت من قوم أبيها لكن اختلف مكانهما أو زمانهما لا يعتبر بمهرها، لان البلدين تختلف عادة أهلهما في غلاء المهر ورخصه، فلو زوجت في غير البلد الذي زوج فيه أقاربها لا تعتبر بمهورهن.
فتح.
ومثله في كافي الحاكم الذي هو جمع كتب محمد، حيث قال: ولا ينظر إلى نسائها إذا كن من غير أهل بلدها، لان مهور البلدان مختلفة ا ه.
ومقتضى هذا أنه لابد من اعتبار الزمان والمكان وإن قلنا بالاكتفاء ببعض هذه الصفات على ما يأتي.
فافهم.
قوله: (وعقلا) هو قوة مميزة بين الامور الحسنة والقبيحة، أو هيئة محمودة للانسان في مثل حركاته وسكناته كما في كتب الاصول، وهو بهذا المعنى شامل لما شرطه في النتف من العلم والادب والتقوى والعفة وكمال الخلق قهستاني.
قوله: (ودينا) أي ديانة وصلاحا.
قهستاني.
قوله: (وعدم ولد) أي إن كان من اعتبر لها المهر كذلك، وإن كان لها ولد اعتبر مهر مثلها بمهر من لها ولد ط.
قوله: (ذكره الكمال) أي نقلا عن المشايخ، وفسره بأن يكون(3/151)
زوج هذه كأزواج أمثالها من نسائها في المال والحسب وعدمها ا ه: أي وكذا في بقية الصفات، فإن الشاب والملتقى مثلا يزوج بأرخص من الشيخ والفاسق كما في البحر والنهر.
قوله: (ومهر الامة الخ) قدمنا الكلام عليه أول الباب.
قال ح: دخل في إطلاقه ما إذا كان لها قوم أب، كما إذا تزوج حر أمة رجل ولم يشترط الحرية فبنته أمة، وإن كانت من قوم أبيها لكن خالفتهم في الحرية لم تحصل المماثلة.
قوله: (أي في ثبوت مهر المثل) أشار إلى أن ضمير فيه عائد إلى مهر المثل بتقدير مضاف وهو ثبوت.
قوله: لما ذكر علة لثبوت مهر المثل، والمراد بما ذكر المماثلة سنا
وما عطف عليه، وأشار به إلى أنه لا بد من الشهادة على الامرين: المماثلة بينهما، وأن مهر الاولى كان كذا ح.
وفي بعض النسخ: بما ذكر، فالباء للسببية: أي لثبوته بسبب ما ذكر من المماثلة في الاوصاف.
قوله: (شهود عدول) أشار إلى اشتراط العدالة مع العدد، لان المقصود إثبات المال والشرط فيه ذلك.
قوله: (فالقول للزوج) لانه منكر للزيادة التي تدعيها المرأة.
قوله: (وما في المحيط الخ) جواب عما ذكره في البحر من المخالفة بين ما في الخلاصة والمنتقى، وهو ما مر من اشتراط الشهادة المذكورة، وبين ما في المحيط حيث قال: فإن فرض القاضي أو الزوج بعد العقد جاز، لانه يجري ذلك مجرى التقدير، لما وجب بالعقد من مهر المثل زاد أو نقص، لان الزيادة على الواجب صحيحة والحط عنه جائز ا ه.
ووجه المخالفة أن ظاهر ما مر أنه لا يصح القضاء بمهر المثل بدون الشهادة أو الاقرار من الزوج.
وأجاب في النهر بأن ما في المحيط ينبغي أن يحمل على ما إذا رضيا بذلك، وإلا فالزيادة على مهر المثل عند إبائه والنقص عنه عند إبائها لا يجوز ا ه.
أقول: قدمنا عن البدائع عند قول المصنف: وما فرض بعد العقد أو زيد لا ينصف أن مهر المثل يجب بنفس العقد، بدليل أنها لو طلبت الفرض من الزوج يلزمه، ولو امتنع يجبره القاضي عليه، ولو لم يفعل ناب منابه في الفرض ا ه.
فهذا صريح في أن المراد فرض مهر المثل وإن فرض القاضي عند عدم التراضي، فلا يصح حمل ما في المحيط على ما ذكره في النهر.
وأما قول المحيط: زاد أو نقص الخ، فينبغي حمله على صورة فرض الزوج إذا رضيت بها.
وبيان ذلك على وجه تندفع به المخالفة أنك قد علمت أن مهر المثل إنما يجب بالنظر إلى من يساويها من قوم أبيها، وقد علمت أيضا أنه لا يثبت إلا بشاهدين، فإذا تزوجت بلا مهر وطلبت من الزوج أن يفرض لها مهر مثلها فامتنع ورافعته إلى القاضي وأتت بشاهدين شهدا بأن فلانة من قوم أبيها تساويها في الصفات المذكورة وأنها تزوجت بكذا يحكم لها القاضي بمثل مهر فلانة المذكورة بلا زيادة ولا نقص، وإنما يمكن الزيادة والنقص عند فرض الزوج بالتراضي كما قلنا وإذا كان فرض القاضي مبنيا على ما قلنا من الشهادة المذكورة تندفع المخالفة التي ادعاها في
البحر، لانه لا مسوغ لحمل ما في المحيط، على أن القاضي يفرض لها مهرا برأيه ويلزم أحدهما بالزيادة أو النقص بلا رضاه مع إمكان المصير إلى الواجب لها شرعا عند وجود من يساويها في الصفات من قوم أبيها، وإن كان المراد حمل كلام المحيط على حكم القاضي عند عدم وجود من يساويها من(3/152)
قوم أبيها ومن الاجانب فلا يخالف ما في الخلاصة والمنتقى أيضا، لان كلامهما في مهر المثل وهو لا يكون إلا عند وجود المماثل، فيتوقف ثبوته على الشهادة أو الاقرار.
أما عند عدم المماثل يكون تقديريا لمهر المثل جاريا مجراه لا عينه، فينظر فيه القاضي نظر تأمل واجتهاد، فيحكم به بدون شهود وإقرار من الزوج، فموضوع الكلامين مختلف كمالا يخفى.
وعلى هذا لا يتأتى أيضا فيه زيادة أو نقصان، إذ لا يمكن ذلك إلا عند وجود المماثل، ولكن حمل كلام المحيط على ما ذكر ينافيه ما قدمناه عن البدائع من أن المراد حكم بمهر المثل، وكذا ما نذكره قريبا عن الصيرفية من أنه عدم المماثل لا يعطي لها شئ، ولا يمكن حمله على حالة التراضي، لما علمت من كلام البدائع، ولانه عند وجود التراضي يستغنى عن الترافع إلى القاضي وعند عدم وجود الشاهدين، فالقول للزوج بيمينه كما مر ويأتي، فيحكم لها القاضي بما يحلف عليه، فاغتنم هذا التحرير والله الموفق.
قوله: (فإن لم يوجد) أي من يماثلها في الاوصاف المذكورة كلها أو بعضها.
بحر.
ومقتضاه الاكتفاء ببعض هذه الاوصاف، وبه صرح في الاختيار بقوله: فإن لم يوجد ذلك كله فالذي يوجد منه لانه يتعذر اجتماع هذه الاوصاف في امرأتين، فيعتبر بالموجود منها لانها مثلها ا ه.
ومثله في شرح المجمع لابن ملك وغرر الاذكار، وهو موجود في بعض نسخ الملتقى.
قلت: لكن يشكل عليه اتفاق المتون على ذكر معظم هذه الاوصاف، وتصريح الهداية بأن مهر المثل يختلف باختلاف هذه الاوصاف، وكذا يختلف باختلاف الدار والعصر ا ه.
إذ لا شك أن الرغبة في البكر الشابة الجميلة الغنية أكثر من الثيب العجوز الشوهاء الفقيرة، وإن تساوتا في العقل والدين والعلم والادب وغيرها من الاوصاف، فكيف يقدر مهر إحداهما بمهر الاخرى مع هذا التفاوت؟ وقولهم: لانه يتعذر اجتماع هذه الاوصاف في امرأتين، مسلم لو التزمنا اعتبارها في قوم الاب فقط.
أما عند اعتبارها من الاجانب أيضا فلا، على أنه لو فرض عدم الوجود يكون القول للزوج كما ذكره المصنف بعد، وإن امتنع يرفع الامر للقاضي ليقدر لها مهرا على ما مر، لكن في البحر عن الصيرفية: مات في غربة وخلف زوجتين غريبتين تدعيان المهر ولا بينة لهما وليس لهما أخوات في الغربة، قال: يحكم بجمالهما بكم ينكح مثلهما؟ قيل له: يختلف بالبلدان، قال: إن وجد في بلدهما يسأل، وإلا فلا يعطى لهما شئ ا ه: أي لعدم إمكان الحلف بعد الموت، لكن فيه أن ورثة الزوج تقوم مقامه، فتأمل.
تنبيه: جرى العرف في كثير من قرى دمشق بتقدير المهر بمقدار معين لجميع نساء أهل القرية بلا تفاوت، فينبغي أن يكون ذلك عند السكوت عنه بمنزلة المذكور المسمى وقت العقد، لان المعروف مطلب في ضمان الولي المهر كالمشروط، وحينئذ فلا يسأل عن مهر المثل، والله أعلم قوله: (وصح ضمان الولي مهرها) أي سواء كان ولي الزوج أو الزوجة صغيرين كانا أو(3/153)
كبيرين، أما ضمان ولي الكبير منهما فظاهر، لانه كالاجنبي.
ثم إن كان بأمره رجع وإلا لا.
وأما ولي الصغيرين فلانه سفير ومعبر، فإذا مات كان لها أن ترجع في تركته، ولباقي الورثة الرجوع في نصيب الصغير، خلافا لزفر، لان الكفالة صدرت بأمر معتبر من المكفول عنه لثبوت ولاية الاب عليه، فإذن الاب إذن منه معتبر، وإقدامه على الكفالة دلالة ذلك من جهته.
نهر عن الفتح.
قوله: (ولو عاقدا) أي ولو كان هو الذي باشر عقد النكاح بالولاية عليها أو عليه أو عليهما، فافهم.
قوله: (لانه سفير) تعليل لقوله: صح بالنسبة لما إذا كانا صغيرين أو أحدهما، ويصلح جوابا عما يقال: لو كان الضامن ولي الصغير يلزم أن يكون مطالبا ومطالبا، لان حق المطالبة له، ولذا لو باع شيئا ثم ضمن الثمن عن المشتري لم يصح.
والجواب أنه في النكاح سفير ومعبر عنها فلا ترجع الحقوق إليه، وفي البيع أصيل وولاية قبض المهر له بحكم الابوة لا باعتبار أنه عاقد، ولذا لا يملك قبضه بعد بلوغها وإذا نهته، بخلاف البيع، وتمامه في الفتح.
قوله: (لكن) استدراك على قوله: وصح.
قوله: (بشرط صحته) أي
الولي قوله: (وهو) أي المكفول عنه والمكفول له ط.
قوله: (وارثه) أي وارث الولي كأن يكون الولي أبا الزوج أو أبا الزوجة.
قوله: (لم يصح) لانه تبرع لوارثه في مرض موته.
فتح.
زاد في البحر عن الذخيرة: وكذا كل دني ضمنه عن وارثه أو لوارثه ا ه: أي لانه بمنزلة الوصية لوارثه.
لا يقال: إنه لا يتبرع من الكفيل بشئ، فإنه لو مات قبل الاداء ترجع المرأة في تركته ويرجع باقي الورثة في نصيب الابن لو كفله الاب بأمره أو كان صغيرا كما قدمناه.
لانا نقول: رجوع باقي الورثة على المكفول عنه لا يخرج الكفالة عن كونها تبرعا ابتداء، لانه قد يهلك نصيبه وهو مفلس، أو قد لا يمكنهم الرجوع، ويدل على ذلك أيضا أن كفالة المريض لاجنبي تعتبر من الثلث، ولو لم تكن تبرعا لصحت من كل المال كباقي تبرعاته، بل أبلغ من هذا أنه لو باع وارثه شيئا من ملكه بمثل القيمة أو أقل أو أكثر فالبيع باطل حتى لا تثبت به الشفعة، خلافا لهما كما في المجمع، فافهم.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن المكفول له أو عنه وارث الولي الكافل، بأن كان ابن ابنه الحي أو بنت عمه ط.
قوله: (صح) أي الضمان من الثلث كما صرحوا به في ضمان الاجنبي.
بحر: أي إن كان مال الكفالة قدر ثلث تركته صح، وإن كان أكثر منه صح بقدر الثلث، لان الكفالة تبرع ابتداء كما قلنا.
قوله: (وقبول المرأة) عطف على صحته، وهذا إذا كانت المرأة بالغة ح.
قوله: (أو غيرها) وهو وليها أو فضولي غيره كما سيأتي في كتاب الكفالة، ولذا قال في البحر: ولا بد من قبولها أو قبول قابل في المجلس، فافهم.
قال ح: وهذا فيما إذا كانت صغيرة والكفيل ولي الزوج، أما إذا كان وليها فإيجابه يقوم مقام القبول كما في النهر.
قوله: (في مجلس الضمان) لان شطر العقد لا يتوقف على قبول غائب على المذهب ط.
قوله: (أو الولي الضامن) سواء كان وليه أو وليها ح، وقيد بالضامن لان الكلام فيه، ولانه لا يطالب بلا ضمان على ما يذكره قريبا.
قوله: (إن أمر) أي إن أمر الزوج بالكفالة.
وأفاد أنه لو ضمن عن ابنه الصغير وأدى لا يرجع عليه للعرف بتحمل مهور(3/154)
الصغار، إلا أن يشهد في أصل الضمان أنه دفع ليرجع.
فتح.
ويأتي تمامه.
قوله: (بمهر ابنه) أي مهر زوجة ابنه أو المهر الواجب على ابنه.
قوله: (إذا زوجه امرأة) مرتبط بقوله: ولا يطالب الاب
الخ لان المهر مال يلزم ذمة الزوج ولا يلزم الاب بالعقد، إذ لو لزمه لما أفاد الضمان شيئا.
بحر.
قوله: (على المعتمد) مقابله ما في شرح الطحاوي: والتتمة أن لها مطالبة أبي الصغير ضمن أو لم يضمن.
قال في الفتح: والمذكور في المنظومة أن هذا قول مالك ونحن نخالفه: ثم قال في الفتح: وهذا هو المعول عليه.
قلت: ومثل ما في المنظومة في المجمع ودرر للبحار وشروحهما.
وفي مواهب الرحمن: لو زوج طفله الفقير لا يلزمه المهر عندنا.
وأجاب في البحر عما ذكره شارح الطحاوي بحمله على ما إذا كان للصغير مال بدليل أنه في المعراج ذكر ما في شرح الطحاوي.
ثم ذكر أن المهر لا يلزم أبا الفقير بلا ضمان، فتعين كون الاول في الغني.
قلت: وأصرح من هذا ما في العناية حيث قال ناقلا عن شرح الطحاوي: إن الاب إذا زوج الصغير امرأة فللمرأة أن تطلب المهر من أبي الزوج، فيؤدي الاب من مال ابنه الصغير وإن لم يضمن الخ.
وعلى هذا فقول الشارح على المعتمد لا محل له.
قوله: (كما في النفقة) أي أنه لا يؤاخذ أبو الصغير بالنفقة إلا إذا ضمن، كذا ذكره المصنف في المنح عن الخلاصة.
وفي الخانية: وإن كانت كبيرة وليس للصغير مال لا تجب على الاب نفقتها، ويستدين الاب عليه ثم يرجع على الابن إذا أيسر ا ه.
وفي كافي الحاكم: فإن كان صغيرا لا مال له لم يؤاخذ أبوه بنفقة زوجته إلا أن يكون ضمنها ا ه.
ومثله في الزيلعي وغيره.
قلت: وهو مخالف لما سيذكره الشارح في باب النفقة في الفروع حيث قال: وفي المختار والملتقى: ونفقة زوجة الابن على أبيه إن كان صغيرا فقيرا أو زمنا ا ه.
اللهم إلا أن يحمل ما سيأتي على أنه يؤمر بالانفاق ليرجع بما أنفقه على الابن إذا أيسر، كما قالوا في الابن الموسر إذا كانت أمه وزوجها معسرين يؤمر بالانفاق على أمه ويرجع بها على زوجها إذا أيسر، ويؤيده عبارة الخانية المذكورة، فليتأمل.
قوله: (ولا رجوع للاب الخ) أي لو أدى الاب المهر من مال نفسه لا رجوع له على ابنه الصغير، قيل لان الكفيل لا رجوع له إلا بالامر ولم يوجد، لكن قدمنا أن إقدامه على
كفالته بمنزلة الامر لثبوت ولايته عليه، ولهذا لو ضمنه أجنبي بإذن الاب يرجع، فكذا الاب، نعم ذكر في غاية البيان رجوع الاب لما ذكر.
وفي الاستحسان: لا رجوع له لتحمله عنه عادة بلا طمع في الرجوع، والثابت بالعرف كالثابت بالنص، إلا إذا شرط الرجوع في أصل الضمان فيرجع، لان الصريح يفوق الدلالة.
أعني العرف، بخلاف الوصي فإنه يرجع لعدم العادة في تبرعه، فصار كبقية الاولياء غير الاب ا ه.
فعدم الرجوع بلا إشهاد مخصوص بالاب، ومقتضى هذا رجوع الام أيضا حيث لا عرف إذا كانت وصية وكفلته، أما بدون ذلك فقد صار حادثة الفتوى في صبي زوجه وليه(3/155)
ودفعت أمه عنه المهر وهي غير وصية عليه ثم بلغ فأرادت الرجوع عليه، وينبغي في هذه الحادثة عد الرجوع لايفائها دين الصبي بلا إذن ولا ولاية، ولا سيما على القول الآتي من اشتراط الاشهاد في غير الاب.
أيضا تأمل.
وفي البزازية: إذا أشهد: أي الاب عند الاداء أنه أدى ليرجع رجع وإن لم يشهد عند الضمان ا ه.
والحاصل أن الاشهاد عند الضمان أو الاداء شرط الرجوع كما في البحر.
وقيده في الفتح بما إذا كان الصغير فقيرا، واعترضه في النهر بما مر عن غاية البيان: أي من حيث إنه مطلق مع عموم التعليل بالعرف.
وقد يقال: إن ما في الفتح مبني على عدم اطراد العرف إذا كان الصغير غنيا فله الرجوع وإن لم يشهد ولا سيما لو كان الاب فقيرا، فتأمل.
وبقي ما لو دفع بلا ضمان، ومقتضى التعليل بالعادة أنه لا فرق، فيرجع إن أشهد وإلا لا، وسيذكر الشارح في آخر باب الوصي.
ولو اشترى لطفله ثوبا أو طعاما وأشهد أنه يرجع به عليه، يرجع به لو له مال، وإلا لا لوجوبها عليه ح.
ومثله لو اشترى له دارا أو عبدا يرجع سواء كان له مال أو لا، وإن لم يشهد لا يرجع، كذا عن أبي يوسف وهو حسن يجب حفظه ا ه.
قلت: وحاصله الفرق بين الطعام والكسوة وبين غيرهما، ففي غيرهما لا يرجع إلا إذا أشهد،
سواء كان الصغير فقيرا أولا، وكذا فيهما إن كان الصغير غنيا.
أما لو فقيرا فلا رجوع له وإن أشهد لوجوبهما عليه بخلاف نحو الدار والعبد، ومقتضى هذا أن المهر بلا ضمان كالدار والعبد لعدم وجوبه عليه، فله الرجوع عليه إن أشهد ولو فقيرا، وإلا فلا، وهذا يؤيد ما في النهر، فتدبر.
هذا وسنذكر هناك اختلاف القولين في أن الوصي لو أنفق من ماله على قصد الرجوع هل يشترط الاشهاد أم لا؟ والاستحسان الاول.
وعليه فلا فرق بينه وبين الاب، فما مر عن غاية البيان من قوله بخلاف الوصي مبني على القول الآخر، والله تعالى أعلم وشمل الرجوع بعد الاشهاد ما لو أدى بعد بلوغ الابن كما في الفيض.
وفيه أن هذا: أي اشتراط الاشهاد إذا لم يكن للصبي دين على أبيه، فلو على الاب دين له فأدى مهر امرأته ولم يشهد ثم ادعى أنه أداه من دينه الذي عليه صدق، ولو كان الابن كبيرا فهو متبرع لانه لا يملك الاداء بلا أمره ا ه.
تنبيه: اشتراط الاشهاد لرجوع الاب لا ينافيه ما قدمانه، من أنه لو مات وأخذت الزوجة مهرها من تركته فلباقي الورثة الرجوع في نصيب الصغير، لما علمت من أنه صار كفيلا بالامر دلالة، والكفيل بأمر المكفول عنه يرجع بما أدى، وإنما لم يرجع لو أدى بنفسه بلا إشهاد للعادة بأنه يؤدي تبرعا.
أما إذا لم يدفع بنفسه وأخذت الزوجة من تركته لم يوجد التبرع منه، فلذا يرجع باقي الورثة في نصيب الصغير من التركة.
فرع: في الفيض: ولو أعطى ضيعة بمهر امرأة ابنه ولم تقبضها حتى مات الاب فباعتها المرأة لم يصح إذا ضمن الاب المهر ثم أعطى الضيعة به فحينئذ لا حاجة إلى القبض.(3/156)
مطلب في منع الزوجة نفسها لقبض المهر قوله: (ولها منعه الخ) وكذا لولي الصغيرة المنع المذكور حتى يقبض مهرها وتسليمها نفسها غير صحيح فله استردادها، وليس لغير الاب والجد تسليمها قبل قبض المهر ممن له ولاية قبضه، فإن سلمها فهو فاسد، وأشار إلى أنه لا يحل له وطؤها على كره منها إن كان امتناعها لطلب المهر
عنده، وعندهما يحل كما في المحيط.
بحر.
وينبغي تقييد الخلاف بما إذا كان وطئها أو لا برضاها، أما إذا لم يطأها ولم يخل بها كذلك فلا يحل اتفاقا.
نهر قوله: (ودواعيه الخ) لم يصرح به في شرح المجمع، وإنما قال: لها أن تمنعه من الاستمتاع بها، فقال في النهر: إنه يعم الدواعي ط.
قوله: (والسفر) الاولى للتعبير بالاخراج كما عبر في الكنز ليعم الاخراج من بيتها كما قاله شارحوه ط.
قوله: (وخلوة) يعلم حكمها من الوطئ بالاولى، وإنما تظهر فائدة ذكرها على قولهما الآتي.
قوله: (رضيتهما) وكذا لو كانت مكرهة أو صغيرة أو مجنونة بالاولى وهو بالاتفاق.
أما مع الرضا، فعندهما ليس لها المنع وتكون به ناشزة لا نفقة لها: أي إلا أن تمنعه من الوطئ وهي في بيته.
بحر.
بحثا، أخذا مما صرحوا به في النفقات أن ذلك ليس بنشوز بعد أخذ المهر.
قوله: (لاخذ ما بين تعجيله) علة لقوله: ولها منعه أو غاية له، واللام بمعنى إلى، فلو أعطاها المهر إلا درهما واحدا فلها المنع، وليس له استرجاع ما قبضت.
هندية عن السراج.
وفي البحر عن المحيط: لو أحالت به رجلا على زوجها لها الامتناع إلى أن يقبض المحتال لا لو أحالها به الزوج ا ه.
وأشار إلى أن تسليم المهر مقدم سواء كان عينا أو دينا، بخلاف البيع والثمن عين فإنهما يسلمان معا، لان القبض والتسليم معا متعذر هنا، بخلاف البيع كما في النهر عن البدائع، وتمامه فيه، لكن في الفيض: لو خاف الزوج أن يأخذ الاب المهر ولا يسلم البنت يؤمر الاب بجعلها مهيأة للتسليم ثم يقبض المهر.
قوله: (أو أخذ قدر ما يعجل لمثلها عرفا) أي إن لم يبين تعجيله أو تعجيل بعضه فلها المنع لاخذ ما يعجل لها منه عرفا.
وفي الصيرفية: الفتوى على اعتبار عرف بلدهما من غير اعتبار الثلث أو النصف.
وفي الخانية: يعتبر التعارف لان الثابت عرفا كالثابت شرطا.
قلت: والمتعارف في زماننا في مصر والشام تعجيل الثلثين وتأجيل الثلث، ولا تنس ما قدمناه عن الملتقط من أن لها المنع أيضا للمشروط عادة كالخف والمكعب وديباج اللفافة ودراهم السكر كما هو عادة سمرقند، فإنه يلزم دفعه على من صدق العرف من غير تردد في إعطاء مثلها من مثله ما لم يشرطا عدم دفعه، والعرف الضعيف لا يلحق المسكوت به بالمشروط.
قوله: (إن لم يؤجل)
شرط في قوله: أو أخذ قدر ما يعجل لمثلها يعني أن محل ذلك إذا لم يشترطا تأجيل الكل أو تعجيله ط.
وكذا البعض كما قدمه في قوله: كلا أو بعضا.
وفي الفتح: حكم التأجيل بعد العقد كحكمه فيه.
قوله: (فكما شرطا) جواب شرط محذوف تقديره: فإن أجل كله أو عجل كله.
وفي(3/157)