قوله: (وبقر) لم أر من ذكره عندنا، نعم ذكر بعض الشافعية أن نحو البقر كالغنم، وخالفه بعضهم.
قوله: (ومرابط دواب الخ) ذكر هذه السبعة في الحاوي القدسي.
قوله: (وإصطبل) موضع الخيل، وعطفه على ما قبله من عطف الخاص على العام ط.
قوله: (وطاحون) لعل وجهه شغل البال بصوتها، تأمل.
قوله: (وسطوحها) يحتمل عود الضمير على الاربعة المذكورة أو على الكنيف وحده، وأنثه باعتبار البقعة المعدة لقضاء الحاجة، ولعل وجهه أن السطوح له حكم ما تحته من بعض الجهات كسطوح المسجد.
قوله: (ومسيل واد) يغني عنه قوله وبطن واد لان المسيل يكون في بطن الوادي غالبا ط.
مطلب في الصلاة في الارض المغصوبة ودخول البساتين وبناء المسجد في أرض الغصب قوله: (وأرض مغصوبة أو للغير) لا حاجة إلى قوله أو للغير إذ الغصب يستلزمه، اللهم إلا
أن يراد الصلاة بغير الاذن وإن كان غير غاصب أفاده أبو السعود ط.
وعبارة الحاوي القدسي: والارض المغصوبة، فإن اضطر بين أرض مسلم وكافر يصلي في أرض المسلم إذا لم تكن مزروعة، فلو مزروعة أو لكافر يصلي في الطريق ا ه: أي لان له في الطريق حقا كما في مختارات النوازل، وفيها: تكره في أرض الغير لو مزروعة أو مكروبة، إلا إذا كانت بينهما صداقة أو رأى صاحبها لا يكرهه فلا بأس ا ه.
تنبيه: نقل سيدي عبد الغني عن الاحكام لوالده الشيخ إسماعيل أن النزول في أرض الغير، إن كان لها حائط أو حائل يمنع منه وإلا فلا، والمعتبر فيه العرف ا ه.
قال: يعني عرف الناس بالرضا وعدمه، فلا يجوز الدخول في أيام الربيع إلى بساتين الوادي بدمشق إلا بإذن أصحابها، فما يفعله العامة من هدم الجدران وخرج السياج فهو أمر منكر حرام.
ثم قال: وفي شرح المنية للحلبي: بنى مسجدا في أرض غصب لا بأس بالصلاة فيه.
وفي الواقعات، بنى مسجدا على سور المدينة لا ينبغي أن يصلي فيه لانه حق العامة فلم يخلص لله تعالى كالمبني في أرض مغصوبة ا ه.
ثم قال: ومدرسة السليمانية في دمشق مبنية في أرض المرجة التي وقفها السلطان نور الدين الشهيد على أبناء السبيل بشهادة عامة أهل دمشق والوقف يثبت بالشهرة، فتلك المدرسة خولف في بنائها شرط وقف الارض الذي هو كنص الشارع، فالصلاة فيها مكروهة تحريما في قول، وغير صحيحة له في قول آخر كما نقله في جامع الفتاوى، وكذا ماؤها مأخوذ من نهر مملوك، ومن هذا القبيل حجرة اليمانيين في الجامع الاموي، ولا حول ولا قوة إلا بالله ا ه.
قوله: (فلا سترة لمار) أي ساتر يستر المار عن المصلي، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى في باب ما يفسد الصلاة وما يكره ح.
قوله: (ويكره النوم إلخ) قدمنا الكلام عليه.
قوله: (إلى ارتفاعها) أي قدر رمح أو رمحين.
قوله: (وما رواه) أي من الاحاديث الدالة على التأخير كحديث أن أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء وعن ابن مسعود مثله.(1/411)
ومن الاحاديث الدالة على التقديم وليس فيها صريح سوى حديث أبي الطفيل عن معاذ أنه
عليه الصلاة والسلام كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر إلى العصر فيصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب.
قوله: (محمول إلخ) أي ما رواه مما يدل على التأخير محمول على الجمع فعلا لا وقتا: أي فعل الاولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها ويحمل تصريح الراوي بخروج وقت الاولى على التجوز، كقوله تعالى - فإذا بلغن أجلهن - أي قاربن بلوغ الاجل أو على أنه ظن، ويدل على هذا التأويل ما صح عن ابن عمر أنه نزل في آخر الشفق فصلى المغرب ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به السير صنع هكذا وفي رواية ثم انتظر حتى غاب الشفق وصلى العشاء كيف وقد قال ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، بأن تؤخر صلاة إلى وقت الاخرى رواه مسلم، وهذا قاله وهو في السفر.
وروى مسلم أيضا عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، لئلا يحرج أمته وفي رواية ولا سفر والشافعي لا يرى الجمع بلا عذر، فما كان جوابه عن هذا الحديث فهو جوابنا، وأما حديث أبي الطفيل الدال على التقديم فقال الترمذي فيه: إنه غريب، وقال الحاكم: إنه موضوع، وقال أبو داود: ليس في تقديم الوقت حديث قائم، وقد أنكرت عائشة على من يقول بالجمع في وقت واحد.
وفي الصحيحين عن ابن مسعود والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا لوقتها، إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بجمع ويكفي في ذلك النصوص الواردة بتعيين الاوقات من الآيات والاخبار، وتمام ذلك في المطولات كالزيلعي وشرح المنية.
وقال سلطان العرافين سيدي محيي الدين نفعنا الله به: والذي أذهب إليه أنه لا يجوز الجمع في غير عرفة ومزدلفة، لان أوقات الصلاة قد تثبت بلا خلاف، ولا يجوز إخراج صلاة عن وقتها إلا بنص محتمل، إذ لا ينبغي أن يخرج عن أمر ثابت بأمر محتمل هذا لا يقول به من شم رائحة العلم، وكل حديث ورد في ذلك فمحتمل أنه يتكلم فيه مع احتمال أنه صحيح، لكنه ليس بنص اه.
كذا نقله
عنه سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه (الكبريت الاحمر في بيان علوم الشيخ الاكبر).
قوله: (فإن جمع إلخ) تفصيل أجمله أولا بقوله: ولا جمع الصادق بالفساد أو الحرمة فقط ط.
قوله: (إلا لحاج) استثناء من قوله ولا جمع ط.
قوله: (بعرفة) بشرط الاحرام والسلطان أو نائبه والجماعة في الصلاتين، ولا يشترط كل ذلك في جمع المزدلفة ط.
قلت: إلا الاحرام على أحد القولين فيه.
قوله: (عند الضرورة) ظاهره أنه عند عدمها لا يجوز، وهو أحد قولين.
والمختار جوازه مطلقا ولو بعد الوقوع كما قدمناه في الخطبة ط.
وأيضا عند الضرورة لا حاجة إلى التقليد كما قال بعضهم مستندا لما في المضمرات: المسافر إذا خاف اللصوص أو قطاع الطريق ولا ينتظر الرفقة جاز له(1/412)
تأخير الصلاة لانه يعذر، ولو صلى بهذا العذر بالايماء وهو يسير جاز ا ه.
لكن الظاهر أنه أراد بالضرورة ما فيه نوع مشقة.
تأمل.
قوله: (لكن بشرط إلخ) فقد شرط الشافعي لجمع التقديم ثلاثة شروط: تقديم الاولى، ونية الجمع قبل الفراغ منها، وعدم الفصل بينهما بما يعد فاصلا عرفا ولم يشترط في جمع التأخير سوى نية الجمع قبل خروج الاولى.
نهر.
ويشترط أيضا أن يقرأ الفاتحة في الصلاة ولو مقتديا، وأن يعيد الوضوء من مس فرجه أو أجنبية ذلك من الشروط والاركان المتعلقة بذلك الفعل، والله تعالى أعلم.
باب الاذان لما كان الوقت سببا كما مر قدمه، وذكر الاذان بعده لانه إعلام بدخوله.
قوله: (هو لغة الاعلام) قال في القاموس: آذنه الامر وبه: أعلمه، وأذن تأذينا: أكثر الاعلام ا ه.
فالاذان اسم مصدر، لان الماضي هنا أذن المضاعف ومصدره التأذين ح.
قوله: (وشرعا إعلام مخصوص) أي إعلام بالصلاة.
قال في الدرر: ويطلق على الالفاظ المخصوصة ا ه: أي التي يحصل بها الاعلام، من إطلاق اسم المسبب على السبب.
إسماعيل، وإنما لم يعرفه بالالفاظ المخصوصة، لان المراد الاذان للصلاة، ولو عرف بها لدخل الاذان للمولود ونحوه على ما يأتي.
قوله: (ليعم الفائتة الخ) أي ليعم الاذان أذان الفائتة والاذان بين يدي الخطيب، وليعلم أيضا الاذان في آخر ظهر الصيف، أفاده ح: أي
لان العلم بالوقت فيها سابق عليه.
ولقائل أن يقول: لو صرح كغيره بالوقت لم يرد ما ذكر، لان الاصل في مشروعية الاذان الاعلام بدخول الوقت كما يعلم مما يأتي، فيكون التعريف بناء على ما هو الاصل فيه، وإلا لزم أنه لو أذن لنفسه أو بين جماعة مخصوصين أرادوا الصلاة عالمين بدخول الوقت لا يسمى أذانا شرعا لعدم الاعلام أصلا مع أنه مشروع، فتدبر.
قوله: (على وجه مخصوص) أي من الترسل والاستدارة والالتفاف وعدم الترجيع واللحن ونحو ذلك من أحكامه الآتية.
قوله: (بألفاظ كذلك) أشار إلى أنه لا يصح بالفارسية وإن علم أنه أذان وهو الاظهر.
والاصح كما في السراج.
قوله: (أذان جبريل الخ) في حاشية الشبراملسي على شرح المنهاج للرملي عن شرح البخاري لابن حجر أنه وردت أحاديث تدل على أن الاذان شرع بمكة قبل الهجرة: منها للطبراني أنه لما أسري بالنبي (ص) أوحي إليه الاذان فنزل به فعلمه بلالا وللدارقطني في الافراد من حديث أنس أن جبريل أمر النبي (ص) بالاذان حين فرضت الصلاة وللبزار وغيره من حديث علي قال: لما أراد الله أن يعلم رسوله الاذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها فقال: الله أكبر الله أكبر وفي آخره: ثم أخذ الملك بيده فأم أهل السماء.
والحق أنه لا يصح شئ من هذه الاحاديث ا ه.
وذكر في فتح القدير حديث البزار ثم قال: وهو غريب ومعارض للخبر الصحيح أن بدء الاذان كان بالمدينة على ما في مسلم كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون ويتحينون الصلاة وليس پينادي لها أحد، فتكلموا في ذلك فقال بعضهم: ننصب راية الحديث - قوله: (ثم رؤيا عبد الله بن زيد(1/413)
الخ) ذكر القصة بتمامها ح عن السراج وساقها في الفتح بأسانيدها.
وفي هذه القصة أن عمر رضي الله عنه رأى تلك الليلة مثل ما رأى عبد الله بن زيد.
واستشكل إثباته بالرؤيا بأن رؤيا غير الانبياء لا ينبني عليها حكم شرعي.
وأجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك.
قام في حاشية المنهاج عن الحافظ ابن حجر: ويؤيده ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل أن عمر لما رأى الاذان جاء ليخبر النبي (ص) فوجد الوحي قد ورد بذلك، فما راعه إلا أذان بلال، فقال له النبي (ص): سبقك بذلك الوحي ثم قال: وعلى تقدير صحة حديث:
إن جبريل حين أراد أن يعلمه الاذان أتاه بالبراق الخ، فيمكن أنه علمه ليأتي له في ذلك الموطن، ولا يلزم مشروعيته لاهل الارض ا ه.
وأجاب ح بأنه ظن أنه من خصوصيات تلك الصلاة، وهو قريب من الاول.
قوله: (وسببه بقاء) تمييز محول عن المضاف إليه: أي سبب بقائه واستمراره ط: أي الذي يتجدد طلب الاذان عند تجدده.
قوله: (للرجال) أما النساء فيكره لهن الاذان وكذا الاقامة، لما روي عن أنس وابن عمر من كراهتهما لهن، ولان مبنى حالهن على الستر ورفع صوتهن حرام.
إمداد.
ثم الظاهر أنه يسن للصبى إذا أراد الصلاة كما يسن للبالغ، وإن كان في كراهة أذانه لغيره كلام كما سيأتي: فافهم.
قوله: (في مكان عال) في القنية: ويسن الاذان في موضع عال والاقامة على الارض، وفي أذان المغرب اختلاف المشايخ، والظاهر أنه يسن المكان العالي في المغرب أيضا كما سيأتي.
وفي السراج: وينبغي للمؤذن أن يؤذن في موضع يكون أسمع للجيران، ويرفع صوته، ولا يجهد نفسه، لانه يتضرر ا ه بحر.
قلت: والظاهر أهذا في مؤذن الحي، أما من أذن لنفسه أو لجماعة حاضرين: فالظاهر أنه لا يسن له المكان العالي لعدم الحاجة.
تأمل.
قوله: (هي كالواجب) بل أطلق بعضهم اسم الواجب عليه، لقول محمد: لو اجتمع أهل بلدة على تركه قاتلتهم عليه، ولو تركه واحد ضربته وحبسته.
وعامة المشايخ على الاول والقتال عليه، لما أنه من أعلام الدين في تركه استخفاف ظاهر به.
قال في المعراج وغيره: والقولان متقاربان، لان المؤكدة في حكم الواجب في لحوق الاثم بالترك: يعني وإن كان مقولا بالتشكيك.
نهر.
واستدل في الفتح على الوجوب بأن عدم الترك مرة دليل الوجوب.
قال: ولا يظهر كونه على الكفاية وإلا لم يأثم أهل بلدة بالاجتماع على تركه إذا قام به غيرهم: أي من أهل بلدة أخرى.
واستظهر في البحر كونه سنة على الكفاية بالنسبة إلى كل أهل بلدة، بمعنى أنه إذا فعل في بلدة سقطت المقاتلة عن أهلها.
قال: ولو لم يكن على الكفاية بهذا المعنى لكان سنة في حق كل أحد وليس كذلك، إذ أذان الحي يكفينا كما سيأتي ا ه.
قال في النهر: ولم أر حكم البلدة الواحدة إذا اتسعت أطرافها كمصر.
والظاهر أن أهل كل محلة سمعوا الاذان ولو من محلة أخرى يسقط عنهم، لا إن لم يسمعوا ا ه.
قوله: (للفرائض الخمس الخ) دخلت
الجمعة.
بحر.
وشمل حالة السفر والحضر والانفراد والجماعة.
قال في مواهب الرحمن ونور الايضاح: ولو منفردا أداء أو قضاء سفرا أو حضرا ا ه.
لكن لا يكره تركه لمصلي في بيته في المصر، لان أذان الحي يكفيه كما سيأتي.
وفي الامداد أنه يأتي به ندبا.
وسيأتي تمامه فافهم، ويستثنى ظهر يوم الجمعة في المصر لمعذور وما يقضى من الفوائت في مسجد كما سيذكره.
قوله:(1/414)
(ولو قضاء) قال في الدرر: لانه وقت القضاء وإن فات وقت الاداء لقوله (ص): فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها أي وقت قضائها اه.
وهذا إذا لم يقضها في المسجد على ما سيأتي.
قوله: (لانه الخ) تعليل لشمول القضاء، ويظهر منه أن المراد من وقتها وقت فعلها، وبه صرح القهستاني، لكن في التاترخانية: ينبغي أن يؤذن في أول الوقت ويقيم في وسطه حتى يفر المتوضئ من وضوئه والمصلي من صلاته والمعتصر من قضاء حاجته ا ه.
والظاهر أنه أراد أول الوقت المستحب لما يأتي قريبا.
قوله: (حتى يبرد به) بالبناء للمجهول، وأشمل منه قوله المار في الاوقات، وحكم الاذان كالصلاة تعجيلا وتأخيرا.
قال نوح أفندي وفي المجتبى عن المجرد قال أبو حنيفة: ويؤذن للفجر بعد طلوعه، وفي الظهر في الشتاء حين تزول الشمس، وفي الصيف يبرد، وفي العصر يؤخر ما لم يخف تغير الشمس، وفي العشاء يؤخر قليلا بعد ذهاب البياض ا ه.
قال القهستاني بعده: ولعل المراد بيان الاستحباب، وإلا فوقت الجواز جميع الوقت ا ه.
وحاصله أنه لا يلزم الموالاة بين الاذان والصلاة بل هي الافضل، فلو أذن أوله وصلى آخره أتى بالسنة.
تأمل.
مطلب: في المواضع التي يندب لها الاذان في غير الصلاة قوله: (لا يسن لغيرها) أي في الصلوات وإلا فيندب للمولود.
وفي حاشية البحر للخير الرملي: رأيت في كتب الشافعية أنه قد يسن الاذان لغير الصلاة، كما في أذن المولود، والمهموم، والمصروع، والغضبان، ومن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة، وعند مزدحم الجيش، وعند الحريق، قيل وعند إنزال الميت القبر قياسا على أول خروجه للدنيا، لكن رده ابن حجر في شرح العباب،
وعند تغول الغيلان، أي عند تمرد الجن لخبر صحيح فيه.
أقول، ولا بعد فيه عندنا ا ه: أي لان ما صح فيه الخبر بلا معارض فهو مذهب للمجتهد وإن لم ينص عليه، لما قدمناه في الخطبة عن الحافظ ابن عبد البر، والعارف الشعراني عن كل من الائمة الاربعة أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، على أنه في فضائل الاعمال يجوز العمل بالحديث الضعيف كما مر أول كتاب الطهارة، هذا، وزاد ابن حجر في التحفة الاذان والاقامة خلف المسافر.
قال المدني: أقول: وزاد في شرعة الاسلام لمن ضل الطريق في أرض قفر: أي خالية من الناس.
وقال المنلا علي في شرح المشكاة: قالوا: يسن للمهموم أن يأمر غيره أن يؤذن في أذنه فإنه يزيل الهم، كذا عن علي رضي الله عنه، ونقل الاحاديث الواردة في ذلك فراجعه ا ه.
قوله: (كعيد) أي ووتر وجنازة وكسوف واستسقاء وتراويح وسنن رواتب لانها اتباع للفرائض، والوتر وإن كان واجبا عنده لكنه يؤدى في وقت العشاء، فاكتفى بأذانه لا لكون الاذان لهما على الصحيح كما ذكره الزيلعي ا ه بحر فافهم.
لكن في التعليل(1/415)
قصور لاقتضائه سنية الاذان لما ليس تبعا الفرائض كالعيد ونحوه، فالمناسب التعليل بعدم وروده في السنة.
تأمل.
قوله: (وقع بعضه) وكذا كله بالاولى، ولو لم يذكر البعض لتوهم خروجه فقصد بذكره التعميم لا التخصيص.
قوله: (كالاقامة) أي، في أنها تعاد إذا وقعت قبل الوقت، أما بعده فلا تعاد ما لم يبطل الفصل أو يوجد قاطع كأكل على ما سيذكره في الفروع.
قوله: (خلافا للثاني هذا راجع إلى الاذان فقط، فإن أبا يوسف يجوز الاذان قبل الفجر بعد نصف الليل ح.
قوله: (وعن الثاني ثنتين) أي روي عن أبي يوسف أنه يكبر في ابتدائه تكبيرتين كبقية كلماته، فيكون الاذان عنده ثلاث عشرة كلمة، وهي رواية عن محمد والحسن.
قهستاني عن الزاهدي، ونقل عن مالك أيضا.
قوله: (وبفتح راء أكبر، إلى قوله: ولا ترجيع) نقل أنه ملحق بخط الشارح على هامش نسخة الاولى، وفي مجموعة الحفيد الهروي ما نصه: فائدة: في روضة العلماء قال ابن الانباري: عوام الناس يضمون الراء في أكبر، وكان المبرد يقول: الاذان سمع موقوفا في مقاطيعه، والاصل في أكبر تسكين الراء فحولت حركة ألف اسم الله إلى الراء كما في الم الله وفي المغني: حركة الراء فتحة وإن
وصل بنية الوقف، ثم قيل هي حركة الساكنين ولم يكسر حفظا لتفخيم الله، وقيل نقلت حركة الهمزة وكل هذا خروج عن الظاهر، والصواب أن حركة الراء ضمة إعراب، وليس لهمزة الوصل ثبوت في الدرج فتنقل حركتها، وبالجملة الفرق بين الاذان وبين الم الله ظاهر فإنه ليس ل ألم الله حركة إعراب أصلا، وقد كانت لكلمات الاذان إعرابا إلا أنه سمعت موقوفة ا ه.
مطلب: في الكلام على حديث الاذان جزم وفي الامداد: ويجزم الراء: أي يسكنها في التكبير، قال الزيلعي: يعني على الوقف، لكن في الاذان حقيقة، وفي الاقامة ينوي الوقف ا ه: أي للحدر.
وروي ذلك عن النخعي موقوفا عليه، ومرفوعا إلى النبي (ص) قال: الاذان جزم، والاقالة جزم، والتكبير جزم ا ه.
قلت: والحاصل أن التكبيرة الثانية في الاذان ساكنة الراء للوقف حقيقة، ورفعها خطأ، وأما التكبيرة الاولى من كل تكبيرتين منه وجميع تكبيرات الاقامة، فقيل محركة الراء بالفتحة على نية الوقف، وقيل بالضمة إعرابا، وقيل ساكنة بلا حركة على ما هو ظاهر كلام الامداد والزيلعي والبدائع وجماعة من الشافعية والذي يظهر الاعراب لما ذكره الشارح عن الطلبة، ولما قدمناه، ولما في الاحاديث المشتهرة للجراحي أنه سئل السيوطي عن هذا الحديث، فقال: هو غير ثابت كما قال الحافظ ابن حجر، وإنما هو من قول إبراهيم النخعي، ومعناه كما قال جماعة منهم الرافعي وابن الاثير إنه لا يمد.
وأغرب المحب الطبري فقال: معناه لا يمد ولا يعرب آخره، وهذا الثاني مردود بوجوه: أحدها: مخالفته لتفسير الراوي عن النخعي، والرجوع إلى تفسيره أولى كما تقرر في الاصول.
ثانيها: مخالفته لما فسره به أهل الحديث والفقه.
ثالثها: إطلاق الجزم على حذف الحركة الاعرابية، ولم يكن معهودا في الصدر الاول، وإنما هو اصطلاح حادث فلا يصح الحمل عليه ا ه.
وتمام الكلام عليه هناك فراجعه، على أن الجزم في(1/416)
الاصطلاح الحادث عند النحويين حذف حركة الاعراب للجازم فقط لا مطلقا، ثم رأيت لسيدي عبد
الغني رسالة في هذه المسألة سماها (تصديق من أخبر بفتح راء الله أكبر) أكثر فيها النقل.
وحاصلها أن السنة أن يسكن الراء من الله أكبر الاول أو يصلها بالله أكبر الثانية، فإن سكنها كفى وإن وصلها نوى السكون فحرك الراء بالفتحة، فإن ضمها خالف السنة، لان طلب الوقف على أكبر الاول صيره كالساكن أصالة فحرك بالفتح.
قوله: (ولا ترجيع) الترجيع: أن يخفض صوته بالشهادتين ثم يرجع فيرفعه بهما لاتفاق الروايات على أن بلالا لم يكن يرجع، وما قيل إنه: رجع لم يصح، ولانه ليس في أذان الملك النازل بجميع طرقه، ولما في أبي داود عن ابن عمر قال: إنما كان الاذان على عهد رسول الله (ص) مرتين، والاقامة مرة مرة الحديث.
ورواه ابن خزيمة وابن حبان.
قال ابن الجوزي: وإسناده صحيح.
وما روي من الترجيع في أذان أبي محذورة يعارضه ما رواه الطبراني عنه أنه قال ألقى علي رسول الله (ص) الاذان حرفا حرفا: الله أكبر الله أكبر الخ ولم يذكر ترجيعا وبقي ما قدمناه بلا معارض، وتمامه في الفتح وغيره.
قوله: (فإنه مكروه ملتقى) ومثله في القهستاني، خلافا لما في البحر من أن ظاهر كلامهم أنه مباح لا سنة ولا مكروه.
قال في النهر: ويظهر أنه خلاف الاولى وأما الترجيع بمعنى التغني فلا يحل فيه ا ه.
وحينئذ فالكراهة المذكورة تنزيهية.
قوله (أي تغني) لا يجوز أن يكون مبنيا على الفتح، لان ما بعد أي التفسيرية عطف بيان، وعطف البيان لا يجوز بناؤه على الفتح تركيبا مع اسم لا بل يجوز فيه الرفع اتباعا لمحل لا مع اسمها والنصب اتباعا لمحل اسمها، لكن يمنع هنا من النصب مانع وهو عدم رسمه بالالف، فتعين الرفع مع ما فيه من إثبات الياء الذي هو مرجوح، فإن المنقوص المجرد عن أل يترجح حذف يائه في الرسم كالوقف إذا كان مرفوعا أو مجرورا، وفي المحلى بها بالعكس ا ه ح.
قلت: ويمنع أيضا من بنائه على الفتح وجود الفاصل، وهو أي، وقد عللوا امتناع الفتح في عطف النسق في نحو: لا رجل وامرأة بوجود الفاصل وهو الواو، فافهم.
قوله: (بغير كلماته) أي بزيادة حركة أو حرف أو مد أو غيرها في الاوائل والاواخر.
قهستاني.
قوله: (وبلا تغيير حسن) أي والتغني بلا تغيير حسن، فإن تحسين الصوت مطلوب، ولا تلازم بينهما، بحر وفتح.
قوله: (وقيل) أي قال الحلواني: لا بأس بإدخال المد في الحيعلتين لانهما غير ذكر، وتعبيره بلا بأس يدل على أن الاولى
عدمه.
قوله: (ويترسل) أي يتمهل.
قوله: (بسكتة) أي تسع الاجابة، مدني عن منلا علي القاري، وهذه السكتة بعد كل تكبيرتين لا بينهما كما أفاده في الامداد أخذا من الحديث، وبه صرح في التاترخانية، قوله: (وتندب إعادته) أي لو ترك الترسل.
قوله: (ويلتفت) أي يحول وجهه لا صدره.
قهستاني.
ولا قدميه نهر.
قوله: (وكذا فيها مطلقا) أي في الاقامة سواء كان المحل متسعا أو لا.
قوله: (لئلا يستدبر) تعليل لقوله: فقط أي انته عن القول بالالتفات خلفا لئلا يستدبر المؤذن أو المقيم القبلة ح.
قوله: (بصلاة وفلاح) لف ونشر مرتب: يعني يلتفت فيهما يمينا بالصلاة ويسارا بالفلاح، وهو(1/417)
الاصح كما في القهستاني عن المنية، وهو الصحيح كما في البحر والتبيين.
وقال مشايخ مرو: يمنة ويسرة في كل، كذا في القهستاني ح.
قال في الفتح: والثاني أوجه.
ورده الرملي بأنه خلاف الصحيح المنقول عن السلف.
قوله: (ولو وحده الخ) أشار به إلى رد قول الحلواني: إنه لا يلتفت، لعدم الحاجة إليه ح.
وفي البحر عن السراج أنه من سنن الاذان، فلا يخل المنفرد بشئ منها، حتى قالوا في الذي يؤذن للمولود ينبغي أن يحول.
قوله: (مطلقا) للمنفرد وغيره المولود وغيره ط.
قوله: (ويستدير في المنارة) يعني إن لم يتم الاعلام بتحويل وجهه مع ثبات قدميه، ولم تكن في زمنه (ص) مئذنة.
بحر.
مطلب: في أول من بنى المنائر للاذان قلت: وفي شرح الشيخ إسماعيل عن الاوائل للسيوطي: أن أول من رقي منارة مصر للاذان شرحبيل بن عامر المرادي، وبنى سلمة المنابر للاذان بأمر معاوية ولم تكن قبل ذلك.
وقال ابن سعد بالسند إلى أم زيد بن ثابت: كان بيتي أطول بيت حول المسجد، فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله (ص) مسجده فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد، وقد رفع له شئ فوق ظهر.
قوله: (ويخرج رأسه منها) أي من كوتها اليمنى آتيا بالصلاة، ثم يذهب ويخرج رأسه من الكوة اليسرى آتيا بالفلاح.
درر وغيرها.
وهذا إذا كانت بكوات، أما منارات الروم ونحوها فالجانب كالكوة.
إسماعيل.
قوله: (بعد فلاح الخ) فيه رد على من يقول: إن محله بعد الاذان بتمامه، وهو اختيار الفضلي.
بحر عن المستصفى.
قوله: (الصلاة خير من النوم) إنما كان النوم مشاركا للصلاة في أصل
الخيرية، لانه قد يكون عبادة، كما إذا كان وسيلة إلى تحصيل طاعة أو ترك معصية، أو لان النوم راحة في الدنيا والصلاة راحة في الآخرة، فتكون أفضل.
بحر.
قوله: (لانه وقت نوم) أي فخص بزيادة إعلام دون العشاء، فإن النوم قبلها مكروه ونادر ط.
قوله: (ويجعل أصبعيه الخ) لقوله (ص) لبلال رضي الله عنه اجعل أصبعيك في أذنيك، فإنه أرفع لصوتك وإن جعل يديه على أذنيه فحسن، لان أبا محذورة رضي الله عنه ضم أصابعه الاربعة ووضعها على أذنيه، وكذا إحدى يديه على ماروي عن الامام.
إمداد وقهستاني عن التحفة: قوله: (فأذانه) تفريع على قوله: ندبا قال في البحر: والامر: أي في الحديث المذكور للندب بقرينة التعليل فلذا لو لم يفعل كان حسنا.
فإن قيل: ترك السنة كيف يكون حسنا؟ قلنا: إن الاذان معه أحسن، فإذا تركه بقي الاذان حسنا، كذا في الكافي ا ه فافهم.
قوله: (فيما مر) قيد به لئلا يرد عليه أن ترك الاقامة يكره للمسافر دون الاذان، وأن المرأة تقيم ولا تؤذن، وأن الاذان آكد في السنية منها كما يأتي، وأراد بما مر أحكام الاذان العشرة المذكورة في المتن، وهي أنه سنة للفرائض، وأنه يعاد إن قدم على الوقت، وأنه يبدأ بأربع تكبيرات، وعدم الترجيع، وعدم اللحن والترسل والالتفات والاستدارة، وزيادة: الصلاة خير من النوم في أذان الفجر، وجعل أصبعيه في أذنيه، ثم استثنى من العشرة ثلاثة أحكام لا تكون في الاقامة: فأبدل الترس بالحدر، والصلاة خير من النوم بقد قامت الصلاة،.
وذكر أنه لا يضع أصبعيه في أذنيه، فبقيت الاحكام السبعة مشتركة.
ويرد عليه الاستدارة في المنارة فإنها لا تكون في المنارة، فكان عليه أن يتعرض لذلك ا ه ح.(1/418)
والحاصل أن الاقامة تخالف الاذان في الاربعة مما مر، وتخالفه أيضا في مواضع ستأتي مفرقة قوله: (لكن هي أفضل منه) نقله في البحر عن الخلاصة بلا ذكر خلاف.
وذكر في الفتح أيضا أنه صرح ظهير الدين في الحواشي نقلا عن المبسوط بأنها آكد من الاذان: أي لانه يسقط في مواضع دون الاقامة كما في حق المسافر وما بعد أولى الفوائت وثانية الصلاتين بعرفة، وقوله: وكذا الامامة، علله في الفتح بقوله: لمواظبته (ص) وكذا الخلفا الراشدون، وقول عمر: لولا الخليفي
لاذنت، لا يستلزم تفضيله عليها، بل مراده لاذنت مع الامامة لا مع تركها، فيفيد أن الافضل كون الامام هو المؤذن، وهذا مذهبنا وعليه كان أبو حنيفة ا ه.
أقول: وهو أحد قولين مصححين عند الشافعية، والثاني أن الاذان أفضل، وبقي قول بتساويهما، وقد حكى الثلاثة في السراج، ثم إن ما استدل به على أفضلية الامامة على الاذان يدل على أفضليتها أيضا على الاقامة، لان السنة أن يقيم المؤذن، فافهم.
تنبيه: مقتضى أفضلية الاقامة على الاذان كونها واجبة عند من يقول بوجوبه، ولم أر من صرح به، إلا أن يقال: إن القول بوجوبه لما أنه من الشعائر بخلافها، على أن السنة قد تفضل الواجب كما مر أول كتاب الطهارة فتأمل.
ثم رأيت صاحب البدائع عد من واجبات الصلاة الاذان والاقامة.
قوله: (المقيم) أي الذي يقيم الصلاة.
قوله: (لم يعدها في الاصح) بخلاف ما لو حدر في الاذان حيث تندب إعادته كما مر، لان تكرار الاذان مشروع: أي كما في يوم الجمعة، بخلاف الاقامة.
وعليه فما في الخانية من أنه يعيد الاقامة مبني على خلاف الاصح، وتمامه في النهر.
قوله: (مرتين) راجع إلى: قد قامت، وإلى الفلاح ط.
قوله: (وعند الثلاثة هي فرادى) أي الاقامة، والاولى ذكره عند قوله: وهي كالاذان ح.
ودليل الائمة الثلاثة ما رواه البخاري أمر بلال أن يشفع الاذان ويوتر الاقامة وهو محمول عندنا على إيتار صوتها بأن يحدر فيها توفيقا بينه وبين النصوص الغير المحتملة.
وقد قال الطحاوي: تواترت الآثار عن بلال أنه كان يثني الاقامة حتى مات، وتمامه في البحر وغيره.
قوله: (غير الراكب) عبارة الامداد: إلا أن يكون راكبا مسافرا لضرورة السير، لان بلالا أذن وهو راكب ثم نزل وأقام على الارض.
ويكره الاذان راكبا في الحضر في ظاهر الرواية.
وعن أبي يوسف: لا بأس به كما في البدائع ا ه.
قوله: (بهما) أي بالاذان والاقامة، لكن مع الالتفات بصلاة وفلاح كما مر.
قوله: (تنزيها) لقول المحيط: الاحسن أن يستقبل.
بحر ونهر.
قوله: (أعاد ما قدم فقط) كما لو قدم الفلاح على الصلاة يعيده فقط: أي ولا يستأنف الاذان من أوله.
قوله: (ولو رد سلام) أو تشميت عاطس أو نحوهما لا في نفسه، ولا بعد الفراغ على الصحيح.
سراج وغيره.
قال في النهر: ومنه التنحنح إلا لتحسين صوته.
قوله: (استأنفه)
إلا إذا كان الكلام يسيرا.
خانية.
قوله: (ويثوب) التثويب: العود إلى الاعلام بعد الاعلام.
درر.
وقيد بتثويب المؤذن لما في القنية عن الملتقط: لا ينبغي لاحد أن يقول لمن فوقه في العلم والجاه حان وقت الصلاة سوى المؤذن، لانه استفضال لنفسه ا ه بحر.
قلت: وهذا خاص بالتثويب للامير(1/419)
ونحوه على قول أبي يوسف، فافهم.
قوله: (بين الاذان والاقامة) فسره في رواية الحسن بأن يمكث بعد الاذان قدر عشرين آية ثم يثوب ثم يمكث كذلك ثم يقيم.
بحر.
قوله: (في الكل) أي كل الصلوات لظهور التواني في الامور الدينية.
قال في العناية: أحدث المتأخرون التثويب بين الاذان والاقامة على حسب ما تعارفوه في جميع الصلوات سوى المغرب مع إبقاء الاول: يعني الاصل وهو تثويب الفجر، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ا ه.
قوله: (للكل) أي كل أحد، وخصه أبو يوسف بمن يشتغل بمصالح العامة كالقاضي والمفتي والمدرس، واختاره قاضيخان وغيره.
نهر.
قوله: (بما تعارفوه) كتنحنح، أو قامت قامت، أو الصلاة الصلاة، ولو أحدثوا إعلاما مخالفا لذلك جاز.
نهر عن المجتبى.
قوله: (ويجلس بينهما) لو قدمه على التثويب لكان أولى، لئلا يوهم أن الجلوس بعده.
نهر.
قوله: (إلا في المغرب) قال في الدرر: هذا استثناء من يثوب ويجلس، لان التثويب لاعلام الجماعة وهم في المغرب حاضرون لضيق الوقت ا ه.
واعترضه في النهر بأنه مناف لقول الكل في الكل.
قال الشيخ إسماعيل: وليس كذلك، لما مر عن العناية من استثناء المغرب في التثويب، وبه جزم في غرر الاذكار والنهاية والبرجندي وابن ملك وغيرها ا ه.
قلت: قد يقال: ما في الدرر مبني على رواية الحسن من أنه يمكث قدر عشرين آية ثم يثوب كما قدمناه، أما لو ثوب في المغرب بلا فاصل فالظاهر أنه لا مانع منه، وعليه يحمل ما في النهر، فتدبر.
قوله: (فيسكت قائما) هذا عنده، وعندهما يفصل بجلسة كجلسة الخطيب، والخلاف في الافضلية، فلو جلس لا يكره عنده، ويستحب التحول للاقامة إلى غير موضع الاذان، وهو متفق عليه، وتمامه في البحر.
قوله: (سنة 187) كذا في النهر عن حسن المحاضرة للسيوطي.
ثم نقل عن القول البديع للسخاوي أنه في سنة 197، وأن ابتداؤه كان في أيام السلطان الناصر صلاح الدين
بأمره.
قوله: (ثم فيها مرتين) أي في المغرب كما صرح به الخزائن، لكن لم ينقله في النهر، ولم أره في غيره، وكأن ذلك كان موجودا في زمن الشارح، أو المراد به ما يفعل عقب أذان المغرب ثم بعده بين العشاءين ليلة الجمعة والاثنين، وهو المسمى في دمشق تذكيرا كالذي يفعل قبل أذان الظهر يوم الجمعة، ولم أر من ذكره أيضا.
قوله: (وهو بدعة حسنة) قال في النهر عن القول البديع: والصواب من الاقوال أنها بدعة حسنة.
وحكى بعض المالكية الخلاف أيضا في تسبيح المؤذنين في الثلث الاخير من الليل وأن بعضهم منع من ذلك، وفيه نظر ا ه ملخصا.
مطلب في أذان الجوق فائدة أخرى: ذكر السيوطي أن أول من أحدث أذان اثنين معا بنو أمية ا ه.
قال الرملي في حاشية البحر: ولم أر نصا صريحا في جماعة الاذان المسمى في ديارنا بأذان الجوق هل هو بدعة حسنة أو سيئة؟ وذكره الشافعية بين يدي الخطيب.
واختلفوا في استحبابه وكراهيته.
وأما الاذان الاول فقد صرح في النهاية بأنه المتوارث حيث قال في شرح قوله: وإذا أذن المؤذنون الاذان الاول(1/420)
ترك الناس البيع، ذكر المؤذنين بلفظ الجمع إخراجا للكلام مخرج العادة، لان المتوارث فيه اجتماعهم لتبلغ أصواتهم إلى أطراف المصر الجامع ا ه.
ففيه دليل على أنه غير مكروه، لان المتوارث لا يكون مكروها، وكذلك نقول في الاذان بين يدي الخطيب فيكون بدعة حسنة إذ ما رآه المؤمنون حسنا فهو حسن ا ه ملخصا.
أقول: وقد ذكر سيدي عبد الغني المسألة كذلك أخذا من كلام النهاية المذكور، ثم قال: ولا خصوصية للجمعة إذ الفروض الخمسة تحتاج للاعلام.
قوله: (لو بجماعة الخ) أي في غير المسجد بقرينة ما يذكره قريبا من أنه لا يؤذن فيه للفائتة، ثم هذا قيد لقوله رافعا صوته وقد ذكره في البحر بحثا وقال: ولم أره في كلام ائمتنا.
واستدل لرفع المنفرد في الصحراء بحديث الصحيح إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة ا ه وأقره في النهر.
أقول: يخالفه ما في القهستاني من أنه يجب: يعني يلزم الجهر بالاذان لاعلام الناس، فلو أذن لنفسه خافت لانه الاصل في الشرع كما في كشف المنار ا ه.
على أن ما استدل به يفيد رفع الصوت للمنفرد في بيته أيضا لتكثير الشهود يوم القيامة، إلا أن يقال: المراد المبالغة في رفع الصوت، والمؤذن في بيته يرفع دون ذلك فوق ما يسمع نفسه، وعليه يحمل ما في القهستاني، فليتأمل.
قوله:) لا لفاسدة) أي إذا أعيدت في الوقت، وإلا كانت فائتة ط.
وفي المجتبى، قوم ذكروا فساد صلاة صلوها في المسجد في الوقت قضوها بجماعة فيه ولا يعيدون الاذان والاقامة، وإن قضوها بعد الوقت قضوها في غير ذلك المسجد بأذان وإقامة ا ه.
لكن سيأتي أن الاقامة تعاد لو طال الفصل.
قوله: (فيه) أي في الاذان.
قوله: (لو في مجلس) أما لو في مجالس، فإن صلى في مجلس أكثر من واحدة فكذلك وإلا أذن وأقام لها.
قوله: (وفعله أولى) لانه اختلفت الروايات في قضائه (ص) ما فاته يوم الخندق، ففي بعضها أنه أمر بلالا فأذن وأقام للكل، وفي بعضها أنه اقتصر على الاقامة فيما بعد الاولى، فالاخذ بالزيادة أولى خصوصا في باب العبادات، وتمامه في الامداد.
قوله: (ويقيم للكل) أي لا يخير في الاقامة للباقي، بل يكره تركها كما في نور الايضاح.
تتمة: يأتي في صلاتي الجمع بعرفة بأذان واحد وإقامتين وبمزدلفة بأذان وإقامة، واختار الطحاوي أنه كعرفة، ورجحه ابن الهمام كما سيأتي في بابه إن شاء الله، وبقي لو جمع بين فائتة ومؤداة لم أره، ويظهر لي أنه يأتي بأذانين وإقامتين، والفرق بينه وبين الجمع بمزدلفة لا يخفى.
قوله: (ولا يسن ذلك) أي الاذان والاقامة، وأفرد الضمير على تأويل المذكور ح، وأراد ينفي السنية الكراهة في المواضع الثلاثة المذكورة كما يعلم من الامداد.
قوله: (ولو جماعة) أخذه من قول الفتح، لان عائشة أمتهن بغير أذان ولا إقامة حين كانت جماعتهن مشروعة، وهذا يقتضي أن المنفردة أيضا كذلك، لان تركهما لما كان هو السنة حال شرعية الجماعة كان حال الانفراد أولى ا ه.
قلت: وهو ظاهر ما في السراج أيضا، وكان الاولى للشارح أن يقول: ولو منفردة، لان جماعتهن الآن غير مشروعة فتفطن.
قوله: (كجماعة صبيان وعبيد) لانها غير مشروعة، فلا يشرعان فيها كتكبير التشريق(1/421)
عقبها، بحر عن الزيلعي.
قوله: (في مصر) شمل المعذور وغيره.
زيلعي.
وفي القرى: لا يكره بكل حال.
ظهيرية: أي لا قبل أداء الجمعة في غيرها ولا بعده، لقوله وقيل: بعد أداء الجمعة لا يكره في المصر.
قوله: (لان فيه تشويشا الخ) إنما يظهر أن لو كان الاذان لجماعة، أما إذا كان منفردا ويؤذن بقدر ما يسمع نفسه فلا ط.
وفي الامداد أنه إذا كان التفويت لامر عام فالاذان في المسجد لا يكره لانتفاء العلة كفعله (ص) ليلة التعريس ا ه، لكن ليلة التعريس كانت في الصحراء لا في المسجد.
قوله: (لان التأخير معصية) إنما يظهر أيضا في الجماعة لا المنفرد.
ط: أي لان المنفرد يخافت في أذانه كما قدمناه عن القهستاني: على أنه إذا كان التفويت لامر عام لا يكره ذلك للجماعة أيضا، لان هذا التأخير غير معصية.
هذا، ويظهر من التعليل أن المكروه قضاؤها مع الاطلاع عليها ولو في غير المسجد كما أفاده في المنح في باب قضاء الفوات.
قوله: (بلا كراهة) أي تحريمية، لان التنزيهية ثابتة لما في البحر عن الخلاصة أن غيرهم أولى منهم ا ه ح.
أقول: وقدمنا أول كتاب الطهارة الكلام في أن خلاف الاولى مكروه أو لا فراجعه.
قوله: (صبي مراهق) المراد به العاقل وإن لم يراهق كما هو ظا هر البحر وغيره، وقيل يكره لكنه خلاف ظاهر الرواية كما في الامداد وغيره، وعلى هذا يصح تقريره في وظيفة الاذان.
بحر.
قوله: (وعبد وأعمى الخ) إنما لم يكره أذانهم، لان قولهم مقبول في الامور الدينية فيكون ملزما فيحصل به الاعلام، بخلاف الفاسق ا ه.
زيلعي.
قلت: يرد عليه الصبي، فإن قوله غير مقبول في الامور الدينية في الاصح كما قدمناه قبل الباب، ومقتضاه أن لا يحصل به الاعلام كالفاسق تأمل.
ويأتي.
تمام الكلام في ذلك.
قوله: (ولا يحل إلا بإذن) ذكره في البحر بحثا فقال: وينبغي أن العبد إن أذن لنفسه لا يحتاج إلى إذن سيده، وإن أراد أن يكون مؤذنا للجماعة لم يجز إلا بإذن سيده، لان فيه إضرارا بخدمته لانه يحتاج إلى مراعاة الاوقات، ولم أره في كلامهم ا ه.
قوله: (كأجير خاص) هو بحث لصاحب النهر، حيث قال: وينبغي أن يكون الاجير الخاص كذلك لا يحل أذانه إلا بإذن مستأجره ا ه.
قلت: بل صرحوا بأنه ليس له أن يؤدي النوافل اتفاقا.
واختلفوا في السنن كما سنذكره في الاجارات إن شاء الله تعالى، وهذا مؤيد لبحث البحر أيضا، فإن العبد مملوك المنافع والرقبة أيضا بخلاف الاجير.
قوله: (وأعمى) لا يرد عليه أذان ابن أم مكتوم الاعمى، فإنه كان معه من يحفظ عليه أوقات الصلاة ومتى كان ذلك يكون تأذينه وتأذين البصير سواء، ذكره شيخ الاسلام.
معراج.
وهذا بناء على ثبوت الكراهة فيه، وقد مر الكلام فيه وإلا فلا ورود.
قوله: (عالما بالسنة والاوقات) أي سنة الاذان وأوقاته المطلوبة على ما مر بيانه.
مطلب في المؤذن إذا كان غير محتسب في أذانه قوله: (ولو غير محتسب) رد على ما في الفتح حيث قال: لو لم يكن عالما بأوقات الصلاة لم(1/422)
يستحق ثواب المؤذنين كما في الخانية، ففي أخذ الاجرة أولى، ورده في النهر تبعا للبحر بأن في أذان الجاهل جهالة موقعة في الغرر، بخلاف غير المحتسب، على أن عدم حل أخذ الاجرة على الاذان والامامة رأي المتقدمين، والمتأخرون يجوزون ذلك على ما سيأتي في الاجارات ا ه.
أقول: لا يلزم من حل الاجرة المعلل بالضرورة حصول الثواب، ولا سيما إذا كان لولا الاجرة لا يؤذن فإنه يكون عمله للدنيا وهو رياء، لانه لم يحتسب عمله لوجه الله تعالى، فهو كمهاجر أم قيس، وإذا كان الجاهل المحتسب لا ينال ذلك الاجر فهذا بالاولى.
كيف وقد ورد في عدة أحاديث التقييد بالمحتسب: منها ما رواه الطبراني في الكبير كما في الفتح ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة، لا يهولهم الفزع الاكبر، ولا يفزعون حين يفزع الناس: رجل علم القرآن فقام به يطلب وجه الله وما عنده ومملوك لم يمنعه رق الدنيا عن طاعة ربه نعم قد يقال: إن كان قصده وجه الله تعالى لكنه بمراعاته للاوقات والاشتغال به يقل اكتسابه عما يكفيه لنفسه وعياله، فيأخذ الاجرة لئلا ليمنعه الاكتساب عن إقامة هذه الوظيفة الشريفة، ولولا ذلك لم يأخذ أجرا فله الثواب المذكور، بل يكون جمع بين عبادتين: وهما الاذان، والسعي على العيال، وإنما الاعمال بالنيات.
قوله: (ويكره أذان جنب) لانه
يصير داعيا إلى ما لا يجيب إليه، وإقامته أولى بالكراهة.
وصرح في الخانية بأنه تجب الطهارة فيه عن أغلظ الحدثين.
وظاهره أن الكراهة تحريمية.
بحر.
قوله: (على المذهب) راجع لقوله وإقامة محدث لا أذانه وأما الجنب فيكرهان منه رواية واحدة كما في البحر ح.
قوله: (بإمامة وأذان) الاول منصوص عليه، والثاني ألحقه به في النهر بحثا.
قوله: (من جاهل تقي) أي حيث لم يوجد عالم تقي.
قوله: (ولو بمباح) كشربه الخمر لاساغة لقمة، وأشار إلى أنه لا يلزم من السكر الفسق فلا تكرار، قوله: (كمعتوه) ومثله المجنون ح.
قوله: (ويعاد أذان جنب الخ) زاد القهستاني: والفاجر والراكب والقاعد والماشي والمنحرف عن القبلة.
وعلل الوجوب في الكل بأنه غير معتد به، والندب بأنه معتد به إلا أنه ناقص، قال وهو الاصح كما في التمرتاشي.
قوله: (لما مر) أي من قوله المشروعية تكراره.
قوله: (لموت مؤذن) لم يقل ومقيم، لان المؤذن هو المقيم شرعا كما يأتي، فافهم قوله: (وغشيه) بضم الغين وسكون الشين المعجمتين: تعطل القوى المحركة والحاسة لضعف القلب من الجوع وغيره كما قدمناه في الوضوء عن القهستاني ح.
قوله: (وحصره) مصدر من باب فرح: العي في المنطق ح عن القاموس.
قوله: (ولا ملقن) الواو للحال ح.
قوله: (وذهابه للوضوء) لكن الاولى أن يتممهما ثم يتوضأ، لان ابتداءهما مع الحدث جائز فالبناء أولى.
بدائع.
قوله: (خلاصة) ونحوه في الخانية.
قال في الفتح: فإن حمل الوجوب على ظاهره احتيج إلى الفرق بين نفس الاذان فإنه سنة وبين استقباله بعد الشروع فيه.(1/423)
وقد يقال فيه: إذا شرع فيه ثم قطع تبادر إلى ظن السامعين أن قطعه للخطأ فينتظرون الاذان الحق وقد تفوت بذلك الصلاة، إلا أن هذا يقتضي وجوب الاعادة فيمن مر أنه يعاد أذانهم إلا الجنب: أي لعدم الاعتماد على قولهم، ولو قال قائل فيهم: إن علم الناس حالهم وجبت ولا استحبت ليقع فعل الاذان معتبرا وعلى وجه السنة لم يبعد، وعكسه في الخمسة المذكورة في الخلاصة ا ه.
أقول: يظهر لي أن المراد بالوجوب اللزوم في تحصيل سنة الاذان، وأن المراد أنه إذا عرض
للمؤذن ما يمنعه عن الاتمام وأراد آخر أن يؤذن يلزمه استقبال الاذان من أوله إن أراد إقامة سنة الاذان، فلو بنى على ما مضى من أذان الاول لم يصح، فلذا قال في الخانية: لو عجز عن الاتمام استقبل غيره ا: أي لئلا يكون آتيا ببعض الاذان.
قوله: (وجزم المصنف الخ) أي حيث قال فيما مر قيدنا بالمراهق لان أذان الصبي الذي لا يعقل غير صحيح كالمجنون والمعتوه اه فافهم، وهذا ذكره في البحر بحثا فترجح عند المصنف فجزم به، ويؤيده ما في شرالمنية من أنه يجب إعادة أذان السكران والمجنون والصبي غير العاقل، لعدم حصول المقصود، لعدم الاعتماد على قولهم ا ه.
قوله: (قلت وكافر وفاسق) ذكر الفاسق هنا غير مناسب، لان صاحب البحر جعل العقل والاسلام شرط صحة، والعدالة والذكورة والطهارة شرط كمال.
وقال: فأذان الفاسق والمرأة والجنب صحيح، ثم قال: وينبغي أن لا يصح أذان الفاسق بالنسبة إلى قبول خبره والاعتماد عليه: أي لانه لا يقبل قوله في الامور الدينية فلم يوجد الاعلام كما ذكره الزيلعي.
وحاصله أنه يصح أذان الفاسق وإن لم يحصل به الاعلام: أي الاعتماد على قبول قوله في دخول الوقت، بخلاف الكافر وغير العاقل فلا يصح أصلا، فتسوية الشارح بين الكافر والفاسق غير مناسبة.
ثم اعلم أنه ذكر في الحاوي القدسي من سنن المؤذن: كونه رجلا عاقلا، صالحا عالما بالسنن والاوقات، مواظبا عليه، محتسبا، ثقة متطهرا مستقبلا، وذكر نحوه في الامداد، ومقتضاه أن العقل غير شرط لصحة الاذان فيصح أذان غير العاقل كالمجنون والمعتوه والسكران، كما يصح أذان الفاسق والمرأة والجنب، ويدل عليه ما في البدائع من أنه يكره أذان المجنون والسكران، وأن الاحب إعادته في ظاهر الرواية، وأنه يكره أذان المرأة والصبي العاقل، ويجزي حتى لا يعاد لحصول المقصود وهو الاعلام، وروي عن الامام أنه تستحب إعادة أذان المرأة ا ه.
وعلى هذه الرواية مشى الزيلعي.
وذكر في البدائع أيضا أن أذان الصبي الذي لا يعقل لا يجزي ويعاد، لان ما يصدر لا عن عقل لا يعتد به كصوت الطيور ا ه.
فحصلت المنافاة بين ما جزم به المصنف تبعا للبحر، وكذا ما قدمناه عن شرح المنية من عدم صحة أذان غير العاقل كالمجنون والمعتوه والسكران، وبين ما في
الحاوي والبدائع من صحة أذان الكل سوى صبي لا يعقل.
والذي يظهر لي في التوفيق: هو أن المقصود الاصلي من الاذان في الشرع الاعلام بدخول أوقات الصلاة ثم صار من شعار الاسلام في كل بلدة أو ناحية من البلاد الواسعة على ما مر، فمن حيث الاعلام بدخول الوقت وقبول قوله لابد من الاسلام والعقل والبلوغ والعدالة، وقدمنا قبل هذا(1/424)
الباب عن (معين الحكام) ما نصه: المؤذن يكفي إخباره بدخول الوقت إذا كان بالغا عاقلا عالما بالاوقات مسلما ذكرا ويعتمد على قوله ا ه.
والظاهر أن قوله ذكرا غير قيد لقبول خير المرأة.
فحينئذ يقال: إذا اتصف المؤذن بهذه الصفات يصح أذانه، وإلا فلا يصح من حيث الاعتماد عليه في دخول الوقت، وقدمنا أيضا قبل هذا الباب أنه في الفاسق والمستور يحكم رأيه في صدقه وكذبه ويعمل به، بخلاف الكافر والصبي والمعتوه فإنه لا يقبل أصلا.
وأما من حيث إقامة الشعار النافية للاثم عن أهل البلدة فيصح أذان الكل سوى الصبي الذي لا يعقل، لان من سمعه لا يعلم أنه مؤذن بل يظن يلعب، بخلاف الصبي العاقل لانه قريب من الرجال، ولذا عبر عنه الشارح بالمراهق، وكذا المرأة فإن بعض الرجال قد يشبه صوته صوت المراهق والمرأة، فإذا أذن المراهق أو المرأة وسمعه السامع يعتد به.
وكذا المجنون أو المعتوه أو السكران فإنه رجل من الرجال، فإذا أذن على الكيفية المشروعة قامت به الشعيرة، لانه إذا سمعه غير العالم بحاله يعده مؤذنا، وكذا الكافر فباعتبار هذه الحيثية صارت الشروط المذكورة كلها شروط كمال، لان المؤذن الكامل هو الذي تقام بأذانه الشعيرة ويحصل به الاعلام، فيعاد أذان الكل ندبا على الاصح كما قدمناه عن القهستاني.
ثم الظاهر أن الاعادة إنما هي في المؤذن الراتب، أما لو حضر جماعة عالمون بدخول الوقت وأذن لهم فاسق أو صبي يعقل لا يكره ولا يعاد أصلا لحصول المقصود.
تأمل.
تنبيه: يؤخذ مما قدمناه من أنه لا يحصل الاعلام من غير العدل ولا يقبل قوله.
أنه لا يجوز الاعتماد على المبلغ الفاسق خلف الامام كما نبه عليه بعض الشافعية، فتنبه لهذه الدقيقة، والله أعلم.
قوله: (لمسافر) أي سفرا لغويا أو شرعيا كما في أبي السعود ط.
قوله: (ولو منفردا) لانه إن
أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه، رواه عبد الرزاق.
وبهذا ونحوه عرف أن المقصود من الاذان لم ينحصر في الاعلام، بل كل منه ومن الاعلان بهذا الذكر نشرا لذكر الله ودينه في أرضه، وتذكيرا لعباده من الجن والانس الذين لا يرى شخصهم في الفلوات.
فتح.
وفي تعبير الشارح بالمنفرد إشارة إلى أنه لا يعطى له حكم الامام من كل وجه، ولذا قال في التاتخرانية عن الفتاوى والعتابية: ولو أذن وأقام في الصحراء وهو منفرد فحكمه حكم المنفرد في أنه يجمع بين التسميع والتحميد، وكذا في الجهر والمخافتة ا ه.
قوله: (لا تركه) الظاهر أن المراد نفي الكراهة الموجبة للاساءة، وإلا فقد صرح في الكنز بعد ذلك بندبه للمسافر وللمصلي في بيته في المصر، قال في البحر: ليكون الاداء على هيئة الجماعة ا ه.
ولما علمت من أنه ليس المقصود منه الاعلام فقط قوله: (لحضور الرفقة) أي إن كان ثم جماعة، وإلا فالامر أظهر.
قوله: (ولو بجماعة) وعن أبي حنيفة: لو اكتفوا بأذان الناس أجزأهم وقد أساؤوا، ففرق بين الواحد والجماعة في هذه الرواية.
بحر.
قوله: (في بيته) أي فيما يتعلق بالبلد من الدار والكرم وغيرهما.
قهستاني.
وفي التفاريق: وإن كان في كرم أو ضيعة يكتفي بأذان القرية أو البلدة إن كان قريبا وإلا فلا.
وحد القرب أن يبلغ الاذان إليه منها ا ه إسماعيل.
والظاهر أنه لا يشترط سماعه بالفعل.
تأمل قوله: (لها مسجد) أي فيه أذان وإقامة، وإلا فحكمه كالمسافر.
صدر الشريعة.
قوله: (إذ أذان الحي يكفيه) لان أذان المحلة وإقامتها كأذانه وإقامته، لان المؤذن نائب أهل المصر كلهم كما يشير إليه ابن مسعود حين صلى(1/425)
بعلقمة والاسود بغير أذان ولا إقامة، حيث قال: أذان الحي يكفينا، وممن رواه سبط ابن الجوزي.
فتح: أي فيكون قد صلى بهما حكما، بخلاف المسافر فإنه صلى بدونهما حقيقة وحكما لان المكان الذي هو فيه لم يأذن فيه أصلا لتلك الصلاة.
كافي.
وظاهره أنه يكفيه أذان الحي وإقامته وإن كانت صلاته في آخر الوقت: تأمل.
وقد علمت تصريح الكنز بندبه للمسافر وللمصلي في بيته في المصر، فالمقصود من كفاية أذان الحي نفي الكراهة المؤثمة.
قال في البحر: ومفهومه أنه لو لم يؤذنوا في الحي يكره تركهما للمصلي في بيته، وبه صرح في المجتبى، وأنه لو أذن بعض
المسافرين سقط عن الباقين كما لا يخفى قوله: (وتكرار الجماعة) لما روى عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من بيته ليصلح بين الانصار فرجع وقد صلى في المسجد بجماعة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل بعض أهله فجمع أهله فصلى بهم جماعة ولو لم يكره تكرار الجماعة في المسجد لصلى فيه.
وروي عن أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا فاتتهم الجماعة في المسجد صلوا في المسجد فرادى ولان التكرار يؤدي إلى تقليل الجماعة، لان الناس إذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة يتعجلون فتكثر وإلا تأخروا ا ه بدائع.
وحينئذ فلو دخل جماعة المسجد بعدما صلى أهله فيه فإنهم يصلون وحدانا، وهو ظاهر الرواية.
ظهيرية.
وفي آخر شرح المنية: وعن أبي حنيفة لو كانت الجماعة أكثر من ثلاثة يكره التكرار، وإلا فلا.
وعن أبي يوسف: إذا لم تكن على الهيئة الاولى لا تكره، وإلا تكره وهو الصحيح، وبالعدول عن المحراب تختلف الهيئة، كذا في البزازية ا ه.
وفي التاترخانية عن الولوالجية: وبه نأخذ، وسيأتي في باب الامامة إن شاء الله تعالى لهذه المسألة زيادة كلام.
قوله: (إلا في مسجد على طريق) هو ما ليس له إمام ومؤذن راتب فلا يكره التكرار فيه بأذان وإقامة، بل هو الافضل.
خانية.
قوله: (فلا بأس بذلك) الاولى حذفه لما علمت أنه الافضل، فافهم.
قوله: (جوهرة) لم أره فيها وإنما ذكره في السراج.
قوله: (مطلقا) أي لحقه وحشة أو لا قوله: (كره إن لحقه وحشة) أي بأن لم يرض به، وهذا اختيار خواهر زاده، ومشى عليه في الدرر والخانية، لكن في الخلاصة: إن لم يرض به يكره، وجواب الرواية أنه لا بأس به مطلقا ا ه.
قلت: وبه صرح الامام الطحاوي في مجمع الآثار معزيا إلى أئمتنا الثلاثة.
وقال في البحر: ويدل عليه إطلاق قول المجمع: ولا نكرهها من غيره، فما في شرحه لابن ملك من أنه لو حضر ولم يرض يكره اتفاقا فيه نظر ا ه.
وكذا يدل عليه إطلاق الكافي معللا بأن كل واحد ذكر، فلا بأس بأن يأتي بكل واحد رجل آخر، ولكن الافضل أن يكون المؤذن هو المقيم ا ه: أي لحديث من أذن فهو يقيم وتمامه في حاشية نوح.
قوله: (كما كره الخ) ذكره في روضة الناطفي.
واختلفوا عند إتمامها: أي عند: قد قامت الصلاة، فقيل يتمها ماشيا، وقيل في مكانه إماما
كان المؤذن أو غيره، وهو الاصح كما في البدائع.
وقصر في السراج الخلاف على ما إذا كان إماما، فلو غيره يتمها في موضع البداءة بلا خلاف.
نهر.
قوله: (وقال الحلواني ندبا الخ) أي قال الحلواني إن الاجابة باللسان مندوبة والواجبة هي الاجابة بالقدم.
قال في النهر: وقوله بوجوب(1/426)
الاجابة بالقدم مشكل، لانه يلزم عليه وجوب الاداء في أول الوقت وفي المسجد، إذ لا معنى لايجاب الذهاب دون الصلاة، وما في شهادات المجتبى: سمع الاذان وانتظر الاقامة في بيته لا تقبل شهادته مخرج على قوله كما لا يخفى، وقد سألت شيخنا الاخ عن هذا فلم يبد جوابا ا ه.
مطلب في كراهة تكرار الجماعة في المسجد أقول وبالله التوفيق: ما قاله الامام الحلواني مبني على ما كان في زمن السلف من صلاة الجماعة مرة واحدة وعدم تكرارها كما هو في زمنه (ص) وزمن الخلفاء بعده، وقد علمت أن تكرارها مكروه في ظاهر الرواية إلا في رواية عن الامام ورواية عن أبي يوسف كما قدمناه قريبا، وسيأتي أن الراجح عند أهل المذهب وجوب الجماعة وأنه يأثم بتفويتها اتفاقا.
وحينئذ يجب السعي بالقدم لا لاجل الاداء في أول الوقت أو في المسجد، بل لاجل إقامة الجماعة، وإلا لزم فوتها أصلا أو تكرارها في مسجد إن وجد جماعة أخرى، وكل منهما مكروه فلذا قال بوجوب الاجابة بالقدم.
لا يقال: يمكنه أن يجمع بأهله في بيته: فلا يلزم شئ من المحذورين.
لانا نقول: إن مذهب الامام الحلواني أنه بذلك لا ينال ثواب الجماعة وأنه يكون بدعة ومكروها بلا عذر، نعم قد علمت أن الصحيح أنه لا يكره تكرار الجماعة إذا لم تكن على الهيئة الاولى، وسيأتي في الامامة أن الاصح أنه لو جمع بأهله لا يكره وينال فضيلة الجماعة لكن جماعة المسجد أفضل، فاغتنم هذا التحرير الفريد، ويأتي له قريبا بعض مزيد.
قوله: (من سمع الاذان) يفهم منه أنه لو لم يسمع لصمم أو لبعد أنه لا يجيب، وهو ظاهر الحديث الآتي إذا سمعتم الاذان حيث علق على السماع، وقد صرح بعض الشافعية بأنه الظاهر، وبأنه يجيب في جميعه إذا لم يسمع إلا بعضه.
قوله: (ولو جنبا) لان إجابة المؤذن ليست بأذان.
بحر عن الخلاصة.
قوله: (لا حائضا ونفساء) لانهما ليسا من أهل
الاجابة بالفعل فكذا بالقول إمداد: أبخلاف الجنب فإنه مخاطب بالصلاة، ولان حدثه أخف من الحيض والنفاس لامكان إزالته سريعا.
قوله: (وسامع خطبة) أي خطبة كانت ط، وهذا وما بعده معطوف على قوله حائضا.
قوله: (وفي صلاة جنازة) سقط من بعض النسخ لفظ صلاة موافقا لما في البحر عن المجتبى، وعبارة الامداد: وصلاة ولو جنازة.
قوله: (ومستراح) أي بيت الخلاء.
قوله: (وتعليم علم) أي شرعي فيما يظهر، ولذا عبر في الجوهرة بقراءة الفقه.
قوله: (بخلاف قرآن) لانه لا يفوت.
جوهرة.
ولعله لان تكرار القراءة إنما هو للاجر فلا يفوت بالاجابة، بخلاف التعلم، فعلى هذا لو يقرأ تعليما أو تعلما لا يقطع.
سائحاني.
تنبيه: هل يجيب بعد الفراغ من هذه المذكورات أم لا؟ ينبغي أنه إن لم يطل الفصل فنعم، وإن طال فلا، أخذا مما يأتي، لكن صرح في الفيض بأنه لو سلم على المؤذن أو المصلي أو القارئ أو الخطيب فعن أبي حنيفة لا يلزمه الرد بعد الفراغ، بل يرد في نفسه.
وعن محمد: يرد بعده.
وعن أبي يوسف: لا يرد مطلقا، هو الصحيح.
وأجمعوا أن المتغوط لا يلزمه مطلقا اه تأمل.
قوله: (كمقالته) أي مثلها في القول لا في الصفة من رفع صوت ونحوه قوله: (إن سمع المسنون(1/427)
منه) الظاهر أن المراد ما كان مسنونا جميعه، فمن لبيان الجنس لا للتبعيض، فلو كان بعض كلماته غير عربي أو ملحونا لا تجب عليه الاجابة في الباقي، لانه حينئذ ليس أذانا مسنونا، كما لو كان كله كذلك، أو كان قبل الوقت، أو من جنب أو امرأة.
ويحتمل أن المراد ما كان مسنونا من أفراد كلماته، فيجيب المسنون منها دون غيره، وهو بعيد.
تأمل.
لانه يستلزم استماعه والاصغاء إليه.
وقد ذكر في البحر أنهم صرحوا بأنه لا يحل سماع المؤذن إذ الحن كالقارئ، وقدمنا أنه لا يصح بالفارسية وإن علم أنه أذان في الاصح.
بقي هل يجيب أذان غير الصلاة كالاذان للمولود؟ لم أره لائمتنا، والظاهر نعم، ولذا يلتفت في حيعلتيه كما مر، وهو ظاهر الحديث، إلا أن يقال: إن أل فيه للعهد: وهل يجيب الترجيع إذا سمعه من شافعي بناء على اعتقاده أنه سنة؟ محل تردد كما تردد بعض الشافعية فيمن سمع الاقامة من
حنفي يثنيها، واستوجه بعضهم أنه لا يجيب في الزيادة كما لو زاد في الاذان تكبيرا، لكن قياسه على الزيادة فيه نظر، لانه قائل بها، بخلاف ما نحن فيه فإنه مجتهد فيه.
تأمل.
قوله: (ولو تكرر) أي بأن أذن واحد بعد واحد، أما لو سمعهم في آن واحد من جهات فسيأتي.
قوله: (أجاب الاول) سواء كان مؤذن مسجده أو غيره.
بحر عن الفتح بحثا.
ويفيده ما في البحر أيضا عن التفاريق: إذا كان في المسجد أكثر من مؤذن أذنوا واحدا بعد واحد، فالحرمة للاول ا ه.
لكنه يحتمل أن يكون مبنيا على أن الاجابة بالقدم، أو على أن تكراره في مسجد واحد يوجب أن يكون الثاني غير مسنون، بخلاف ما إذا كان من محلات مختلفة.
تأمل.
ويظهر لي إجابة الكل بالقول لتعدد السبب وهو السماع كما اعتمده بعض الشافعية.
قوله: (فيحوقل) أي يقول لا حول ولا قوة إلا بالله وزاد في عمدة المفتي ما شاء الله كان وخير بينهما في الكافي.
وفصل في المحيط بأن يأتي بالحوقلة مكان الصلاة، وبالمشيئة مكان الفلاح.
إسماعيل.
والمختار الاول نوح أفندي.
ثم إن الاتيان بالحوقلة وإن خالف ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام فقولوا مثل ما يقول لكنه ورد فيه حديث مفسر لذلك رواه مسلم، واختار في الفتح الجمع بينهما عملا بالاحاديث، قال: فإنه ورد في بعضها صريحا إذا قال حي على الصلاة قال حي على الصلاة إلخ وقولهم إنه يشبه الاستهزاء لا يتم، إذ لا مانع من اعتباره مجيببهما داعيا نفسه مخاطبا لها، وقد رأينا من مشايخ السلوك من كان يجمع بينهما فيدعو نفسه ثم يتبرأ من الحول والقوة ليعمل بالحديثين، وقد أطال في ذلك وأقره في البحر والنهر وغيرهما.
قلت: وهو مذهب سلطان العارفين سيدي محيي الدين، نص عليه في الفتوحات المكية.
(فيقول صدقت وبررت) بكسر الراء الاولى وحكي فتحها أي صرت دابر: أي خير كثير، قيل يقوله للمناسبة، ولورود خبر فيه.
ورد بأنه غير معروف.
وأجيب بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ.
ونقل الشيخ إسماعيل عن شرح الطحاوي زيادة وبالحق نطقت.
قوله: (بزازية) كذا نقله في النهر ولم أره فيها.
فلتراجع نسخة أخرى، نعم رأيت فيها سمع وهو يمشي، فالافضل أن يقف للاجابة ليكون في مكان واحد ا ه.
قوله: (ولم يذكر الخ) هو لصاحب النهر.
قلت: ويحتمل أن يرد بالقيام الاجابة بالقدم.
وقد أخرج السيوطي عن أبي نعيم في الحلية(1/428)
بسند فيه مقال إذا سمعتم النداء فقوموا فإنها عزمة من الله قال شارحه المناوي: أي اسعوا إلى الصلاة، أو المراد بالنداء الاقامة.
والعزمة بالفتح: الامر.
قوله: (لم أره الخ) البحث لصاحب البحر، وصرح به ابن حجر في شرح المنهاج، حيث قال: فلو سكت حتى فرغ كل الاذان ثم أجاب قبل فاصل طويل كفى في أصل سنة الاجابة كما هو ظاهر ا ه.
واستفيد من هذا أن المجيب لا يسبق المؤذن بل يعقب كل جملة منه بجملة منه.
قال في الفتح: وفي حديث عمر بن أبي أمامة التنصيص على ذلك ا ه.
قلت: وظاهره أنه لا تكفي المقارنة، لان الجواب يعقب الكلام، بخلاف متابعة المقتدي للامام الخ.
قوله: (ويدعو إلخ) أي بعد أن يصلي على النبي (ص)، لما رواه مسلم وغيره إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تبتغى إلا لعبد مؤمن من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة.
وروى البخاري وغيره من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة وزاد البيهقي في آخره إنك لا تخلف الميعاد وتمامه في الامداد والفتح.
قال ابن حجر في شرح المنهاج: وزيادة: والدرجة الرفيعة، وختمه: بيا أرحم الراحمين، لا أصل لهما ا ه.
تتمة: يستحب أن يقال عند سماع الاولى من الشهادة: صلى الله عليك يا رسول الله، وعند الثانية منها: قرت عيني بك يا رسول الله، ثم يقول: اللهم متعني بالسمع والبصر بعد وضع ظفري الابهامين على العينين فإنه عليه السلام يكون قائدا له إلى الجنة، كذا في كنز العباد ا ه قهستاني: ونحوه في الفتاوى الصوفية.
وفي كتاب الفردوس من قبل ظفري إبهامه عند سماع أشهد أن محمدا رسول الله في الاذان أنا قائده ومدخله في صفوف الجنة وتمامه في حواشي البحر للرملي عن المقاصد الحسنة للسخاوي، وذكر ذلك الجراحي وأطال، ثم قال: ولم يصح في المرفوع من كل
هذا شئ.
ونقل بعضهم أن القهستاني كتب على هامش نسخته أن هذا مختص بالاذان، وأما في الاقامة فلم يوجد بعد الاستقصاء التام والتتبع.
قوله: (ولو كان في المسجد الخ) هو مقابل قوله بأن يقول كمقالته ط.
قوله: (أجاب بالمشي إليه) أي لئلا تفوته الجماعة فيأثم كما قررناه آنفا.
فافهم قوله: (وهذا) راجع إلى قوله ولو كان في المسجد الخ ح.
قوله: (المطلوبة) أي طلب إيجاب كما قدمه.
قوله: (لا بلسانه) أي لان الاجابة به مندوبة على هذا القول كما مر.
قوله: (فيقطع قراءة القرآن) الظاهر أن المراد المسارعة للاجابة وعدم القعود لاجل القراءة لاخلال القعود بالسعي الواجب، وإلا فلا مانع من القراءة ماشيا، إلا أن يراد يقطعها ندبا للاجابة باللسان أيضا، لكن لا يناسبه التفريع ولا قوله ولو بمسجد لا لما علمت من أن الحلواني قائل بندبها باللسان، فافهم(1/429)
قوله: (ويجيب) أي بالقدم.
قوله: (ولو أذان مسجده كما يأتي) أي عن التاترخانية، وهذا ساقط من بعض النسخ.
قوله: (ولو بمسجد لا) أي لا يجيب قطعها بالمعنى الذي ذكرناه آنفا، فلا ينافي ما قدمه من أن إجابة اللسان مندوبة عند الحلواني، فافهم.
قوله: (وهذا متفرع على قول الحلواني) تكرار محض مع قوله وعليه فيقطع الخ ط.
قوله: (والظاهر وجوبها باللسان الخ) كذا قاله في فتح القدير معللا بأنه لم تظهر قرينة تصرف الامر عن الوجوب.
ونازعه في شرح المنية بما في آخر الحديث، من قوله عليه الصلاة والسلام ثم صلوا لي فإن من صلى علي الخ لان مثله من الترغيبات في الثواب يستعمل في المستحب غالبا ا ه.
أقول: فيه نظر، لان ما ذكر إنما هو للصلاة وسؤال الوسيلة لاجابة المدعي وجوبها، والقرآن في النظم لا يوجب القرآن في الحكم كما تقرر في الاصول، نعم أخرج الامام أبو جعفر الطحاوي في كتاب (شرح الآثار) بسنده إلى عبد الله رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسمع مناديا وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال صلى الله عليه وسلم: على الفطرة، فقال أشهد أن لا إله إلا الله، فقال صلى الله عليه وسلم: خرج من النار فابتدرناه فإذا صاحب ماشية أدركته الصلاة فنادى بها، قا أبو جعفر: فهذا رسول الله قال غير
ما قال المنادي فدل أن الامر للاستحباب والندب كأمره بالدعاء في أدبار الصلوات ونحوه ا ه.
فهذه قرينة صارفة للامر عن الوجوب، وبه تأيد ما صرح به جماعة من أصحابنا، من عدم وجوب الاجابة باللسان وأنها مستحبة.
وهذا ظاهر في ترجيح قول الحلواني، وعليه مشى في الخانية والفيض، وبدل عليه قوله (ص) إذا سمعت النداء فأجب داعي الله وفي رواية فأجب وعليك السكينة ويكفي في ترجيحه الادلة على وجوب الجماعة، فإنك علمت أن قول الحلواني مبني على أن الاجابة لقصد الجماعة.
والذي ينبغي تحريره في هذا المحل أن الاجابة باللسان مستحبة، وأن الاجابة بالقدم واجبة إن لزم من تركها تفويت الجماعة، وإلابأن أمكنه إقامتها بجماعة ثانية في المسجد أو بيته لا تجب، بل تستحب مراعاة لاول الوقت والجماعة الكثيرة في المسجد بلا تكرار، هذا ما ظهر لي.
قوله: بأنه) متعلق بقواه، ولو قال: وفرع عليه في النهر بأنه على الاول الخ لكان أول ط.
أقول: نعم قواه في النهر بما أورده على قول الحلواني من الاشكال بلزوم الاداء في أول الوقت وفي المسجد، وقد علمت اندفاعه.
قوله: (على الاول) أي القول بوجوب الاجابة باللسان.
قوله: (لا يرد السلام) لم أره في النهر، وإنما رأيته في البحر.
وقال في المعراج: وفي التحفة: وينبغي للسامع أن لا يتكلم ولا يشتغل بشئ في حالة الاذان والاقامة ولا يرد السلام أيضا، لان الكل يخل بالنظم ا ه.
أقول: يظهر من هذا أن قوله لا يرد السلام ليس للوجوب، وأنه يتفرع على القولين،(1/430)
وإلا لزم وجوب ذلك في الاقامة مع أن أصل إجابة الاقامة مستحبة كما يأتي فضلا عن وجوب ما ذكر فيها، لانه لا ينافي الاجابة، فإنه يمكن أن يجيب ثم يرد السلام، أو يسلم مثلا عند سكتات المؤذن، لكنه لا ينبغي لانه يخل بالنظم، لان المشروع إجابة لا حشو فيها، ولعله، إنما لم يجب رد السلام وإن قلنا إنه لا ينافي الاجابة أو قلنا بعدم وجوبها، لان السلام عليه في هذه الحالة غير مشروع كالسلام على القارئ والمؤذن، فلذا لم يجب رده كما قدمناه.
قوله: (قال) أي في النهر.
قوله: (إنما يجيب أذان مسجده) أي بالقدم، وهو متفرع على قول الحلواني كما أشار إليه الشارح سابقا بقوله كما يأتي ط.
قوله: (قال إجابة أذان مسجده بالفعل) قال في الفتح: وهذا ليس مما نحن فيه، إذ مقصود السائل، أي مؤذن يجيب باللسان استحبابا أو وجوبا، والذي ينبغي إجابة الاول سواء كان مؤذن مسجده أو غيره، فإن سمعهم معا أجاب معتبرا كون إجابته لمؤذن مسجده، ولو لم يعتبر ذلك جاز، وإنما فيه مخالفة الاولى ا ه ملخصا.
أقول: والظاهر أن عدول الامام ظهير الدين إلى ما قال من باب أسلوب الحكيم ميلا منه إلى مذهب الحلواني، ثم رأيت الرحمتي أجاب بذلك.
قوله: (إجماعا) قيد لقوله ندبا أي إن القائلين بإجابتها أجمعوا على الندب ولم يقل أحد منهم بالوجوب كما قيل في الاذان، فلا ينافي قوله وقيل لا فافهم.
قوله (ويقول الخ) أي كما رواه أبو داود بزيادة ما دامت السموات والارض وجعلني من صالحي أهلها.
قوله: (وبه جزم الشمني) حيث قال: ومن سمع الامامة لا يجيب، ولا بأس أن يشتغل بالدعاء ا ه.
ويمكن حمله على نفي الوجوب بدليل قول الخلاصة: ليس عليه جواب الاقامة أو المراد إذا سمع قد قامت الصلاة لا يجيب بلفظها، أفاده الشيخ إسماعيل.
قوله: (وينبغي) البحث لصاحب النهر.
أقول: قال في آخر شرح المنية: أقام المؤذن ولم يصل الامام ركعتي الفجر يصليهما ولا تعاد الاقامة، لان تكرارها غير مشروع إذا لم يقطعها قاطع من كلام كثير أو عمل كثير مما يقطع المجلس في سجدة التلاوة ا ه.
قوله: (قعد) ويكره له الانتظار قائما، ولكن يقعد ثم يقوم إذا بلغ المؤذن حي على الفلاح انتهى هندية عن المضمرات.
قوله: (في مسجدين) لانه إذا صلى في المسجد الاول يكون متنفلا بالاذان في المسجد الثاني، والتنفل بالاذان غير مشروع، ولان الاذان للمكتوبة وهو في المسجد الثاني يصلي النافلة، فلا ينبغي أن يدعو الناس إلى المكتوبة وهو لا يساعدهم فيها ا ه(1/431)
بدائع.
قوله: (مطلقا) أي عدلا أو لا.
وفي الاشباه: ولد الباني وعشيرته أولى من غيرهم ا ه، وسيجئ في الوقف أن القوم إذا عينوا مؤذنا وإماما وكان أصلح مما نصبه الباني فهو أولى، وذكره في
الفتح عن النوازل وأقره اه مدني.
مطلب: هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الاذان بنفسه؟ قوله: (الافضل الخ) أي لقول عمر رضي الله عنه: لولا الخليفي لاذنت: أي مع الامامة كما قدمناه.
وفي السراج أن أبا حنيفة كان يباشر الاذان والاقامة بنفسه.
قوله: (وقد حققناه في الخزائن) حيث قال بعد ما هنا: هذا، وفي شرح البخاري لابن حجر ومميكثر السؤال عنه: هل باشر النبي (ص) الاذان بنفسه؟ وقد أخرج الترمذي أنه عليه الصلاة والسلام أذن في سفر وصلى بأصحابه وجزم به النووي وقواه، ولكن وجد في مسند أحمد من هذا الوجه فأمر بلالا فأذن فعلم أن في رواية الترمذي اختصارا، وأن معنى قوله، أذن: أمر بلالا، كما يقال: أعطى الخليفة العالم الفلاني كذا، وأنما باشر العطاء غيره ا ه.
باب شروط الصلاة أي شروط جوازها وصحتها، لا شروط الوجو ب: كالتكليف والقدرة والوقت، ولا شرط الوجود كالقدرة المقارنة للفعل، والمراد أيضا الشروط الشرعية لا العقلية، كالحياة للعلم ولا الجعلية كدخول الدار المعلق به الطلاق قوله: (هي ثلاثة أنواع الخ) كذا قرره في السراج.
وبيان ذلك أن شرط الانعقاد ما يشترط وجوده في ابتداء الصلاة متقدما عليها أو مقارنا لها سواء استمر إلى آخرها، أم لا، فالوقت والخطبة متقدمان عليها، والنية والتحريمة مقارنان لها.
وأما شرط الدوام فهو ما يشترط وجوده في ابتداء الصلاة مستمرا إلى آخرها.
وأما شرط البقاء فقد فسره في السراج بما يشترط وجوده حالة البقاء ولا يشترط فيه التقدم ولا المقارنة ا ه، أي فقد يوجد فيه التقدم والمقارنة، وقد لا يوجد.
ولا يخفى أن هذه الاقسام متداخلة وبينها عموم وخصوص مطلق، تجتمع في الطهارة والستر والاستقبال، فإنها من حيث اشتراط وجودها في ابتداء الصلاة شرط انعقاد، ومن حيث اشتراط دوامها أيضا شرط دام، ومن حيث اشتراط وجودها في حالة البقاء شرط بقاء وتجتمع أيضا في الوقت بالنسبة إلى صلاة الصبح والجمعة والعيدين فإنه يشترط فابتدائها وانتهائها وحالة البقاء،
حتى لو خرج قبل تمامها بطلت.
وينفرد شرط الانعقاد عن شرط الدوام وعن شرط البقاء في الوقت بالنسبة إلى بقية الصلوات فإنه شرط انعقاد فقط، إذ لا يشترط دوامه ولا وجوده حالة البقاء، وينفرد شرط البقاء في القراءة فإنه يحدث في أثنائها ويستمر إلى انتهائها، ومثلها رعاية الترتيب في فعل غير مكرر كالقعدة الاخيرة، حتى لو تذكر سجدة صلبية أو تلاوية فأتى بها بعد القعدة لزمه إعادتها.
قوله:(1/432)
(فإنه ركن في نفسه الخ) كذا في القهستاني.
واعترض بأن الركن ما كان داخل الماهية.
والشرط ما كان خارجها عنها وبينهما تناف، ولا وجه لتخصيص كونه شرطا في غيره بسبب وجوده في كل الاركان تقديرا، لان كل ركن كذلك، نعم قسموا الركن إلى أصلي وزائد، وهو ما قد يسقط بلا ضرورة، ومثلوا له بالقراءة فإنها تسقط عن المقتدي فسميت ركنا في حالة، وزائدا في حالة أخرى، لان الصلاة ماهية اعتبارية فيجوز أن يعتبرها الشارع تارة بأركان أخرى بأقل منها.
قوله: (لوجوده) أي القراءة وذكر باعتبار الشرط، وهو علة لكونه شرطا ط.
قوله: (لم يجز استخلاف الامي) أي ولو في التشهد لعدم وجود الشرط فيه.
ولا يقال: إنه مفقود في المأموم، لانه موجود حكما، لان قراءة، الامام له قراءة ط.
قوله: (ثم الشرط الخ) أي بالسكون وجمعه شروط، وأما بالفتح فجمعه أشراط ومنه.
فقد جاء أشراطها.
وقد فسر الاول في القاموس بإلزام الشئ والتزامه في البيع ونحوه، والثاني بالعلامة، ومقتضاه أن الاول لا يفسر لغة بالعلامة وهو ظاهر الصحاح أيضا، والمنقول في كتب الفقه عن اللغة خلافه، ولعل الفقهاء وقفوا على تفسيره بذلك، وبعضهم عبر بالشرائط، واعترض بأنه جمع شريطة: وهي مشقوقة الاذن.
ووقع في النهر هنا وهم فاجتنبه.
قوله: (ولا يدخل فيه) اعلم أن المتعلق بالشئ إما أن يكون داخلا في ماهيته فيسمى ركنا كالركوع في الصلاة، أو خارجا عنه، فإما أن يؤثر فيه كعقد النكاح للحل فيسمى علة، أو لا يؤثر، فإما أن يكون موصلا إليه في الجملة كالوقت فيسمى سببا، أو لا يوصل إليه، فإما أن يتوقف الشئ عليه كالوضوء للصلاة فيسمى شرطا، أو لا يتوقف كالاذان فيسمى علامة كما بسطه البرجندي، فكان عليه أن يزيد ولا يؤثر فيه ولا يوصل إليه في الجملة.
إسماعيل.
قوله: (هي ستة) ذكر القهستاني أنها أكثر من عشرة: فإن منها القراءة على ما مر،
وتقديمها على الركوع، والركوع على السجود، ومراعاة مقام الامام والمقتدي، وعدم تذكر الفائتة لذي ترتيب، وعدم محاذاة امرأة ا ه.
قلت: وكذا منها الوقت كما مر.
قال في الامداد: وقد ترك ذكره في عدة من المعتبرات كالقدوري والمختار والهداية والكنز مع ذكرهم له أول كتاب الصلاة، وكان ينبغي لهم ذكره هنا ليتنبه المتعلم على أنه من الشروط كما في مقدمة أبي الليث ومنية المصلي، وكذا يشترط اعتقاد دخوله، فلو شك لم تصح صلاته وإن ظهر أنه قد دخل ا ه.
قوله: (لدخول الاطراف الخ) علة لتفسير البدن بالجسد تفسير مراد، لان البدن اسم لما سوى الرأس والاطراف كاليدين والرجلين.
قوله: (لانه أغلظ) لانه ليس له قليل يعفي عنه بخلاف الخبث.
قال ط: وإنما صرف الماء الكافي لاحدهما للخبث لاجل تحصيل الطهارتين: المائية في الخبث، والترابية في الحدث.
قوله: (كذلك) أي بنوعيه: وهما الغليظة والخفيفة ح.
قوله: (وثوبه) أراد ما لابس البدن، فدخل القلنسوة والخف والنعل ط عن الحموي.
قوله: (وكذا ما) أي شئ متصل به يتحرك بحركته كمنديل طرفه على عنقه وفي الآخر نجاسة مانعة إن تحرك(1/433)
موضع النجاسة بحركات الصلاة منع وإلا لا، بخلاف ما لم يتصل كبساط طرفه نجس وموضع الوقوف والجبهة فلا يمنع مطلقا، فأفاده ح عن الشرنبلالي.
قوله: (كصبي) أي وكسقف وظلة وخيمة نجسة تصيب رأسه إذا وقف.
قوله: (إن لم يستمسك) الاولى حذف إن وجوابها لانه تمثيل للمحمول، فحق التعبير أن يقول: كصبي عليه نجس لا يستمسك بنفسه ط.
قوله: (وإلا لا) أي وإن كان يستمسك بنفسه لا يمنع، لان حمل النجاسة حينئذ ينسب إليه لا إلى المصلي.
قوله: (كجنب) تنظير لا تمثيل، أي فإن الجنابة أيضا تنسب إلى المحمول لا إلى المصلي، ولو كان تمثيلا للزم اشتراط أن يكون الجنب مستمسكا بنفسه بأن لا يكون زمنا مثلا مع أنه غير نجس حقيقة، فلو حمل المصلي جنبا لا يمنع صلاته مطلقا، لان نجاسته حكمية فافهم.
قوله: (وكلب إن شد فمه) لو قال: وكلب إن لم يسل منه ما يمنع الصلاة لكان أولى، لان لو علم عدم السيلان أو سال منه دون القدر المانع لا يبطل الصلاة وإن لم يشد فمه، أفاده ح، وقدمنا نحوه قبيل فصل البئر عن الحلية، ويؤيد ما في البحر عن الظهيرية: لو
جلس على المصلى صبي ثوبه نجس وهو يستمسك بنفسه أو حمام نجس جازت صلاته، لان الذي على المصلى مستعمل للنجس، فلم يصر المصلي حاملا النجاسة ا ه.
أقول: والظاهر أن مسألة الكلب مبنية على أرجح التصحيحين، من أنه ليس بنجس العين، بل هو طاهر الظاهر كغيره من الحيوانات، سوى الخنزير فلا ينجس إلا بالموت، ونجاسة باطنه في معدنها فلا يظهر حكمها كنجاسة باطن المصلي، كما لو صلى حاملا بيضة مذرة صار محها دما جاز، لانه في معدنه، والشئ ما دام في معدنه لا يعطى له حكم النجاسة، بخلاف ما لو حمل قارورة مضمومة فيها بول فلا تجوز صلاته لانه في غير معدنه كما في البحر عن المحيط.
قوله: (في الاصح) رد لمن يقول بمنع الصلاة مطلقا كما في البحر، وكأنه مبني على نجاسة عينه ا ه ح.
قوله: (ومكانه) فلا تمنع النجاسة في طرف البساط ولو صغيرا في الاصح: ولو كان رقيقا وبسطه على موضع نجس، إن صلح ساترا للعورة تجوز الصلاة كما في البحر عن الخلاصة.
وفي القنية: لو صلى على زجاج يصف ما تحته قالوا جميعا يجوز ا ه.
وأما لو صلى على لبنة أو آجرة أو خشبة غليظة أو ثوب مخيط مضرب أو غير مضرب فسيأتي الكلام عليه في باب مفسدات الصلاة إن شاء الله تعالى.
قوله: (أي موضع قدميه) هذا باتفاق الروايات.
بحر.
وأفاد أنه لو كانت تقع ثيابه على أرض نجسة عند السجود لا يضر.
قوله: (إن رفع الاخرى) أي التي تحتها نجاسة مانعة.
قوله: (اتفاقا في الاصح) وفي رواية عن الامام: لا يشترط طهارة موضع السجود ا ه.
ح: أي بناء على رواية جواز الاقتصار على الانف في السجود، فلا يشترط طهارة موضع الانف، لانه أقل من الدرهم كما في شرح المنية، لكن لو سجد على نجس.
فعندهما تفسد الصلاة، وعند أبي يوسف تفسد السجدة، فإذا أعادها على طاهر صحت عنده لا عندهما، والاولى ظاهر الرواية كما في(1/434)
الحلية.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية كما في البحر، لكن قال في منية المصلي: قال في العيون: هذه رواية شاذة ا ه.
وفي البحر: واختار أبو الليث أن صلاته تفسد، وصححه في العيون ا ه.
وفي النهر: وهو المناسب لاطلاق عامة المتون، وأيده بكلام الخانية.
قلت: وصححه
في متن المواهب ونور الايضاح والمنية وغيرها، فكان عليه المعول.
وقال في شرح المنية: وهو الصحيح لان اتصال العضو بالنجاسة بمنزلة حملها وإن كان وضع ذلك العضو ليس بفرض.
قوله: (إلا إذا سجد على كفه) فيشترط طهارة ما تحته لانه موضع يده، بل لانه موضع السجود ط: أي كما إذا سجد على كمه وتحته نجاسة.
قوله: (كما سيجئ) أي في سنن الصلاة ح.
قوله: (من الثاني) زيادة توضيح.
قال في النهر: ولم يذكره في الكنز، لان طهارة الثوب والمكان من حدث لا يخطر ببال، ولذا قدم قوله من حدث وخبث إذ لو أخره لاقتضى أن يكون قيدا في الكل ا ه.
قوله: (لانهما ألزم) أي أشد ملازمة للمصلي من الثوب، لانه يمكن أن يصلي بدونه.
مطلب في ستر العورة قوله: (والرابع ستر عورته) أي ولو بما لا يحل لبسه كثوب حرير وإن أثم بلا عذر، كالصلاة في الارض المغصوبة، وسيذكر شروط الستر والساتر.
قوله: (ووجوبه عام) أي في الصلاة وخارجها.
قوله: (ولو في الخلوة) أي إذا كان خارج الصلاة يجب الستر بحضرة الناس إجماعا وفي الخلوة على الصحيح.
وأما لو صلى في الخلوة عريانا ولو في بيت مظلم وله ثوب طاهر لا يجوز إجماعا كما في البحر.
ثم إن الظاهر أن المراد بما يجب ستره في الخلوة خارج الصلاة هو ما بين السرة والركبة فقط، حتى أن المرأة لا يجب عليها ستر ما عدا ذلك وإن كان عورة، يدل عليه ما في باب الكراهية من القنية، حيث قال: وفي غريب الرواية يرخص للمرأة كشف الرأس في منزلها وحدها، فأولى لها لبس خمار رقيق يصف ما تحته عند محارمها ا ه.
لكن هذا ظاهر فيما يحل نظره للمحارم، أما غيره كبطنها وظهرها هل يجب ستره في الخلوة؟ محل نظر، وظاهر الاطلاق نعم، فتأمل قوله: (على الصحيح) لانه تعالى وإن كان يرى المستور كما يرى المكشوف لكنه يرى المكشوف تاركا للادب والمستور متأدبا، وهذا الادب واجب مراعاته عند القدرة عليه.
هذا، وما ذكره الزيلعي من أن عامتهم لم يشترطوا الستر عن نفسه فذاك في الصلاة كما يأتي بيانه عند ذكر المصنف له، فليس فيه تصحيح لخلاف ما هنا، فافهم.
قوله: (إلا لغرض صحيح) كتغوط واستنجاء.
وحكي في القنية أقوالا إلا في تجرده للاغتسال منفردا: منها أنه يكره، ومنها أنه يعذر إن شاء الله، ومنها لا بأس به، ومنها يجوز في
المدة اليسيرة، ومنها يجوز في بيت الحمام الصغير.
قوله: (وله لبس ثوب نجس إلخ) نقله في البحر عن المبسوط، ثم ذكر أنه في البغية تلخيص القنية ذكر فيه خلافا.
قال ط: ولم يتعرض لحكم تلويثه بالنجاسة.
والظاهر أنه مكروه لانه اشتغال بما لا يفيد، وإذا كان مفسدا للثوب حرم، وما في ح لا يعول عليه ا ه.
وقد مر في الاستنجاء كراهته بخرقة متقومة فبالثوب أولى، فتلويثه بلا حاجة أشد في الاولوية.
قوله: (للرجل) احتراز عن المرأة الامة والحرة، وعن الصبي كما سيأتي.
قوله: (ما تحت سرته) هو ما تحت الخط الذي يمر بالسرة ويدور على محيط بدنه بحيث يكون بعده عن مواقعه في جميع(1/435)
جوانبه على السواء، كذا في البرجندي ا ه.
إسماعيل، فالسرة ليست من العورة.
درر.
قوله: (إلى ما تحت ركبته) نادما، لما قيل: إن تحت من الظروف التي لا تتصرف حموي، فالركبة من العورة لرواية الدارقطني، ما تحت السرة إلى الركبة من العورة لكنه محتمل، والاحتياط في دخول الركبة، ولحديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): الركبة من العورة وتمامه في شرح المينة.
قوله: (وشرط أحمد إلخ) هو شرط عنده في صلاة الفرض لرواية الصحيحين لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ وعندنا ستر المنكبين مستحب.
قوله: (ولو خنثى) قال في النهر: الخنثى المشكل الرقيق كالامة، والحر كالحرة.
قوله: (أو مكاتبة) ومثلها المستسعاة التي أعتق بعضها عند الامام ح.
قوله: (مع ظهرها وبطنها) البطن: ما لان من القدم، والظهر: ما يقابله من المؤخر، كذا في الخزائن.
وقال الرحمتي: الظهر: ما قابل البطن من تحت الصدر إلى السرة.
جوهرة: أي فما حاذى الصدر ليس من الظهر الذي هو عورة ا ه.
ومقتضى هذا أن الصدر وما قابله من الخلف ليس من العورة، وأن الثدي أيضا غير عورة، وسيأتي في الحظر والاباحة أنه يجوز أن ينظر من أمة غيره ما ينظر من محرمة، ولا شبهة أنه يجوز النظر إلى صدر محرمة وثديها، فلا يكون عورة منها ولا من الامة، ومقتضى ذلك أنه لا يكون عورة في الصلاة أيضا، لكن في التاترخانية: لو صلت الامة ورأسها مكشوف جازت بالاتفاق، ولو صلت وصدرها وثديها مكشوف لا يجوز عند أكثر مشايخنا ا ه، وقد يقال: إن صدر الامة عورة في الصلاة لا خارجها، لكنه مخالف للمذكور في عامة الكتب من الاقتصار
على ذكر البطن والظهر.
وقد مر تفسيرهما، ولا يخفى أن الصدر غيرهما فينبغي أن يكون المعتمد أنه ليس بعورة مطلقا.
قوله: (وأما جنبها) مجرور في المتن، فجعله الشارح بإدخال أما مرفوعا على أنه مبتدأ وحينئذ فهو مفرد لا مثنى كما في بعض النسخ، وإلا لقال الشارح: وأما جنباها ا ه ح.
قوله: (فتبع لهما) قال في القنية: الجنب تبع البطن، ثم رمز وقال: الاوجه أن ما يلي البطن تبع له، وما يلي الظهر تبع له ا ه.
وقصد الشارح إصلاح عبارة المتن، فإن ظاهرها يشعر بأن الجنب عضو مستقل مع أنه تبع لغيره وتظهر ثمرة ذلك فيما يأتي، لكن ذكر في القنية أيضا قبل ما مر: لو رفعت يديها للشروع في الصلاة فانكشف من كميها ربع بطنها أو جنبها لا يصح شروعها ا ه.
ومقتضاه أن الجنب عضو مستقل، فهو قول آخر إلا أن تكون أو بمعنى الواو.
تأمل.
قوله: (كما قدرت) أي فورا قبل أداء ركن بعمل قليل، وقيد بالقدرة، إذ لو عجزت عن الستر لم تبطل صلاتها كما في البحر.
قوله: (وإلا) بأن سترت بعمل كثير أو بعد ركن لا تصح صلاتها.
بحر.
قوله: (على المذهب) رد على الزيلعي تبعا للظهيرية حيث قيد الفساد بأداء ركن بعد العلم بالعتق، فإن كثيرا من فروع المذهب من نظائر هذه المسألة تدل على عدم اشتراط العلم كما بسطه في البحر.
قوله: (ينبغي الخ) أصل البحث لصاحب البحر، وأقره عليه أخوه صاحب النهر.
قوله: (كما رجحوه في الطلاق الدوري) وهو أن يقول لامرأته: إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا، فإذا نجز عليها طلاقا فقد وجد الشرط فيقع الثلاث قبله،(1/436)
ووقوعها قبله يقتضي عدم وقوعه، فالقول بوقوعه باطل، فإذا ألغينا القبلية صار كأنه قال: إن طلقتك فأنت طالق ثلاثا، فإذا طلق وقع عليها واحدة بتنجيزه وثنتان من الثلاث بتعليقه ح.
قوله: (حتى شعرها) بالرفع عطفا على جميع ح.
قوله: (النازل) أي عن الرأس، بأن جاوز الاذن، وقيد به إذ لا خلاف فيما على الرأس.
قوله: (في الاصح) صححه في الهداية والمحيط والكافي وغيرها، وصحح في الخانية خلافه مع تصحيحه لحرمة النظر إليه، وهو رواية المنتقى، واختاره الصدر الشهيد، والاول أصح وأحوط كما في الحلية عن شرح الجامع لفخر الاسلام، وعليه الفتوى كما في المعراج.
قوله: (فظهر الكف عورة) قال في معراج الدراية ما نصه: اعترض بأن استثناء الكف لا يدل
على أن ظهر الكف عورة، لان الكف لغة يتناول الظاهر والباطن، ولهذا يقال: ظهر الكف وأجيب بأن الكف عرفا واستعمالا لا يتناول ظهره ا ه، فظهر أن التفريع مبني على الاستعمال العرفي لا اللغوي، فافهم.
قوله: (على المذهب) أي ظاهر الرواية.
وفي مخلفات قاضيخان وغيرها أنه ليس بعورة.
وأيده في شرح المنية بثلاثة أوجه، وقال: فكان هو الاصح وإن كان غير ظاهر الرواية.
وكذا أيده في الحلية، وقال: مشى عليه في المحيط وشرح الجامع لقاضيخان ا ه.
واعتمده الشرنبلالي في الامداد، قوله: (على المعتمد) أي من أقوال ثلاثة مصححة، ثانيها عورة مطلقا، ثالثها عورة خارج الصلاة لا فيها.
أقول: ولم يتعرض لظهر القدم.
وفي القهستاني عن الخلاصة: اختلفت الروايات في بطن القدم ا ه.
وظاهره أنه لا خلاف في ظاهره.
ثم رأيت في مقدمة المحقق ابن الهمام المسماة بزاد الفقير قال بعد تصحيح إن انكشاف ربع القدم مانع: ولو انكشف ظهر قدمها لم تفسد، وعزاه المصنف التمرتاشي في شرحه المسمى إعانة الحقير إلى الخلاصة.
ثم نقل عن الخلاصة عن المحيط أن في باطن القدم روايتين، وأن الاصح أنه عورة، ثم قال: أقول: فاستفيد من كلام الخلاصة أن الخلاف إنما هو في باطن القدم، وأما ظاهره فليس بعورة بلا خلاف، ولهذا جزم المصنف بعدم الفساد بانكشافه، لكن في كلام العلامة قاسم إشارة إلى أن الخلاف ثابت فيه أيضا، فإنه قال بعد نقله: إن الصحيح أن انكشاف ربع القدم يمنع الصلاة، قال: لان ظهر القدم محل الزينة المنهي عن إبدائها، قال تعالى: * (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) * (النور: 13) ا ه كلام المصنف.
قوله: (وصوتها) معطوف على المستثنى: يعني أنه ليس بعورة ح.
قوله: (على الراجح) عبارة البحر عن الحلية أنه الاشبه.
وفي النهر: وهو الذي ينبغي اعتماده.
ومقابله ما في النوال: نغمة المرأة عورة، وتعلمها القرآن من المرأة أحب.
قال عليه الصلاة والسلام التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء فلا يحسن أن يسمعها الرجل ا ه.
وفي الكافي: ولا تلبي جهرا لان صوتها عورة، ومشى عليه في المحيط في باب الاذان.
بحر.
قال في الفتح: وعلى هذا لو قيل إذا جهرت بالقراءة في الصلاة فسدت كان متجها، ولهذا منعها عليه الصلاة والسلام من التسبيح بالصوت لاعلام الامام بسهوه إلى التصفيق ا ه.
وأقره البرهان الحلبي في شرح المنية الكبير، وكذا في الامداد، ثم نقل عن
خط العلامة المقدسي: ذكر الامام أبو العباس القرطبي في كتابه في السماع: ولا يظن من لا فطنة(1/437)
عنده أنا إذا قلنا صوت المرأة عورة أنا نريد بذلك كلامها، لان ذلك ليس بصحيح، فإنا نجيز الكلام مع النساء للاجانب ومحاورتهن عند الحاجة إلى ذلك، ولا نجيز لهن رفع أصواتهن ولا تمطيطها ولا تليينها وتقطيعها، لما في ذلك من استمالة الرجال إليهن وتحريك الشهوات منهم، ومن هذا لم يجز أن تؤذن المرأة ا ه.
قلت: ويشير إلى هذا تعبير النوازل بالنغمة.
قوله: (وذراعيها) معطوف على المستثنى ح.
قوله: (على المرجوح) قال في المعراج عن المبسوط: وفي الذراع روايتان، والاصح أنها عورة ا ه.
قال في البحر: وصحح بعضهم أنه عورة في الصلاة لا خارجها والمذهب ما في المتون لانه ظاهر الرواية.
قوله: (وتمنع المرأة الخ) أي تنهى عنه وإن لم يكن عورة.
قوله: (بل لخوف الفتنة) أي الفجور بها.
قاموس.
أو الشهوة.
والمعنى تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة، لانه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة.
قوله: (كمسه) أي كما يمنع الرجل من مس وجهها وكفها وإن أمن الشهوة الخ.
قال الشارح في الحظر والاباحة: وهذا في الشابة، أما العجوز التي لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها إن أمن ا ه.
ثم كان المناسب في التعبير ذكر مسألة المس بعد مسألة النظر، بأن يقول: ولا يجوز النظر إليه بشهوة كمسه وإن أمن الشهوة الخ، لان كلا من النظر والمس مما يمنع الرجل عنه، والكلام فيما تمنع هي عنه.
قوله: (لانه أغلظ) أي من النظر، وهو علة لمنع المس عند أمن الشهوة: أي بخلاف النظر فإنه عند الامن لا يمنع ط.
قوله: (ثبت به) أي بالمس المقارن الشهوة، بخلاف النظر لغير الفرج الداخل، فلا تثبت به حرمة المصاهرة مطلقا ط.
قوله: (ولا يجوز النظر إليه بشهوة) أي إلا لحاجة كقاض أو شاهد بحكم أو يشهد عليها لا لتحتمل الشهادة، وكخاطب يريد نكاحها فينظر ولو عن شهوة بنية السنة لا قضاء الشهوة، وكذا مريد شرائها أو مداواتها إلى موضع المرض بقدر الضرورة كما سيأتي في الحظر، والتقييد بالشهوة يفيد جوازه بدونها، لكن سيأتي في الحظر تقييده بالضرورة، وظاهره الكراهة بلا حاجة داعية.
قال في التاترخانية: وفي شرح الكرخي النظر إلى وجه الاجنبية الحرة ليس بحرام، ولكنه يكره لغير
حاجة ا ه.
قوله: (بشهوة) لم أر تفسيرها هنا، والمذكور في المصاهرة أنه فيمن ينتشر بالانتشار أو زيادته إن كان موجودا، وفي المرأة والفاني بميل القلب.
والذي تفيده عبارة مسكين في الحظر أنها ميل القلب مطلقا، ولعله الانسب هنا ا ه.
قلت: يؤيده ما في القول المعتبر في بيان النظر لسيدي عبد الغني: بيان الشهوة التي هنا مناط الحرمة أن يتحرك قلب الانسان ويميل بطبعه إلى اللذة، وربما انتشرت آلته إن كثر ذلك الميلان، وعدم الشهوة أن لا يتحرك قلبه إلى شئ من ذلك بمنزلة من نظر إلى ابنة الصبيح الوجه وابنته الحسناء ا ه.
وسيأتي تمام الكلام على ذلك في كتاب الحظر والاباحة.
مطلب في النظر إلى وجه الامرد قوله: (كوجه أمرد) هو الشاب الذي طر شاربه ولم تنبت لحيته.
قاموس.
قال في الملتقط: الغلام إذا بلغ مبلغ الرجال ولم يكن صبيحا فحكمه حكم الرجال، وإن كان صبيحا فحكمه حكم النساء، وهو عورة من فرقه إلى قدمه.
قال السيد الامام أبو القاسم: يعني لا يحل النظر إليه عن شهوة، وأما الخلوة والنظر إليه لا عن شهوة لا بأس به، ولهذا لم يؤمر بالنقاب ا ه.(1/438)
أقول: وهذا شامل لمن نبت عذاره، بل بعض الفسقة يفضله على الامرد خالي العذار، والظاهر أن طرور الشارب وبلوغه مبلغ الرجال غير قيد، بل هو بيان لغايته وأن ابتداءه من حين بلوغه سنا تشتهيه النساء، أو لو كان صغيرة لاشتهيت فيه للرجال، والمراد من كونه صبيحا أن يكون جميلا بحسب طبع الناظر ولو كان أسود، لان الحسن يختلف باختلاف الطبائع.
ويستفاد من تشبيه وجه المرأة بوجه الامرد أن حرمة النظر إليه بشهوة أعظم إثما لان خشية الفتنة به أعظم منها، ولانه لا يحل بحال، بخلاف المرأة كما قالوا في الزنى واللواطة، ولذا بالغ السلف في التنفير منهم وسموهم الانتان لاستقذارهم شرعا.
قال بعضهم: قال ابن القطان: أجمعوا على أنه يحرم النظر إلى غير الملتحي بقصد التلذذ بالنظر وتمتع البصر بمحاسنه، وأجمعوا على جوازه بغير قصد اللذة والناظر مع ذلك آمن الفتنة.
قوله: (فإنه يحرم إلخ) أتى بالفاء لانه دليل على المتن، لانه إذا حرم مع الشك
في وجودها ففي وجودها بالفعل أولى ح.
قوله: (كما اعتمده الكمال) أي بناء على ما يظهر من عبارته المنقولة عقب هذا بقوله قال إلخ وكان المناسب أن ء يقول: حيث قال.
قوله: (لا عورة للصغير جدا) وكذا الصغيرة كما في السراج، فيباح النظر والمس كما في المعراج.
قال ح: وفسره شيخنا بابن أربع فما دونها، ولم أدر لمن عزاه ا ه.
أقول: قد يؤخذ مما في جنائز الشرنبلالية ونصه: وإذا لم يبلغ الصغير والصغيرة حد الشهوة يغسلهما الرجال والنساء، وقدره في الاصل بأن يكون قبل أن يتكلم ا ه.
قوله: (ثم تغلظ) قيل المراد أنه يعتبر الدبر وما حوله من الاليتين، والقبل وما حوله: يعني أنه يعتبر في عورته ما غلظ من الكبير، ويحتمل أنهما قبل ذلك من المخفف فالنظر إليهما عند عدم الاشتهاء أخف إليهما من النظر بعد، وليحرر.
ط.
قوله: (ثم كبالغ) أي عورته تكون بعد العشرة كعورة البالغين.
وفي النهر: كان ينبغي اعتبار السبع لامرهما بالصلاة إذا بلغا هذا السن ا ه ط.
أقول: سيأتي في الحظر أن الامة إذا بلغت حد الشهوة لا تعرض على البيت في إزار واحد يستر ما بين السرة والركبة لان ظهرها وبطنها عورة ا ه.
فقد أعطوها حكم البالغة من حين بلوغ حد الشهوة.
واختلفوا في تقدير حد الشهوة: فقيل سبع، وقيل تسع، وسيأتي في باب الامامة تصحيح عدم اعتباره بالسن، بل المعتبر أن تصلح للجماع، بأن تكون عبلة ضخمة، وهذا هو المناسب اعتباره هنا، فتدبر.
قوله: (إلى خمسة عشر) صوابه خمس عشرة، لان المعدود مؤنث مذكور ا ه ح.
ولا يخفى أن الغاية غير داخلة وإلا فهو بالغ بالسن فلا يحل له النظر والدخول لانه مكلف، كما لو بلغ بالاحتلام ولو فيما قبل ذلك.
تتمة: سيأتي في الحظر أن الذمية كالرجل الاجنبي في الاصح، فلا تنظر إلى بدن المسلمة، وإن كل عضو لا يجوز النظر إليه قبل الانفصال لا يجوز بعده كشعر عانته وشعر رأسها، وعظم ذراع(1/439)
حرة ميتة، وساقها وقلامة ظفر رجلها دون يدها، وأن النظر إلى ملاءة الاجنبية بشهوة حرام، وسيأتي
تمام الفوائد المتعلقة بذلك هناك.
قوله: (ويمنع إلخ) هذا تفصيل ما أجمله بقوله وستر عورته ح.
قوله: (حتى انعقادها) منصوب عطفا على محذوف: أي ويمنع صحة الصلاة حتى انعقادها.
والحاصل أنه يمنع الصلاة في الابتداء ويرفعها في البقاء ح.
قوله: (قدر أداء ركن) أي بسنته منية.
قال شارحها: وذلك قدر ثلاث تسبيحات ا ه.
وكأنه قيد بذلك حملا للركن على القصير منه للاحتياط، وإلا فالقعود الاخير والقيام المشتمل على القراءة المسنونة أكثر من ذلك، ثم ما ذكره الشارح قول أبي يوسف.
واعتبر محمد أداء الركن حقيقة، والاول المختار للاحتياط كما في شرح المنية، واحترز عما إذا انكشف ربع عضو أقل من قدر أداء ركن فلا يفسد اتفاقا، لان الانكشاف الكثير من الزمان القليل عفو كالانكشاف القليل في الزمن الكثير، وعما إذا أدى مع الانكشاف ركنا فإنها تفسد اتفاقا، قال ح: واعلم أن هذا التفصيل في الانكشاف الحادث في أثناء الصلاة، أما المقارن لابتدائها فإنه يمنع انعقادها مطلقا اتفاقا بعد أن يكون المكشوف ربع العضو، وكلام الشارح يوهم أن قوله قدر أداء ركن قيد في منع الانعقاد أيضا ا ه.
قوله: (بلا صنعه) فلو به فسدت في الحال عندهم قنية.
قال ح: أي وإن كان أقل من أداء ركن ا ه.
وفي الخانية: إذا طرح المقتدي في الزحمة أمام الامام، أو في صف النساء أو مكان نجس، أو حولوه عن القبلة، أو طرحوا إزاره، أو سقط عنه ثوبه، أو انكشفت عورته، ففيما إذا تعمد ذلك فسدت صلاته وإن قل، وإلا فإن أدى ركنا فكذلك، وإلافإن مكث بعذر لا تفسد في قولهم، وإلا ففي ظاهر الرواية عن محمد تفسد ا ه.
لكن في الخانية أيضا ما يدل على عدم اشتراط قوله بلا صنع فإنه قال: لو تحول إلى مكان نجس، إن لم يمكث على النجاسة قدر أدنى ركن جازت صلاته وإلا فلا وكذا في منية المصلي.
قال: وكذا إن رفع نعليه وعليهما قذر مانع إن أدى معهما ركنا فسدت وذكر نحو ذلك في الحلية عن الذخيرة والبدائع وغيرهما.
ثم قال: والاشبه الفساد مع التعمد إلا لحاجة كرفع نعله لخوف الضياع ما لم يؤد ركنا كما في الخلاصة، وتمامه فيما علقناه على البحر.
قوله: (على المعتمد) رد على الكرخي حيث قال: المانع في الغليظ ما زاد على الدرهم قياسا على النجاسة المغلظة، كذا في البحر.
قوله: (على المعتمد) رد على الكرخي حيث قال: المانع في الغليظة ما زاد على الدرهم قياسا على النجاسة المغلظة، كذا في البحر.
قوله:
(والغليظة إلخ) لا يظهر فرق بينها وبين الخفيفة إلا من حيث إن حرمة النظر إليها أشد.
وفي الظهيرية: حكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ، فلو رأى غيره مكشوف الركبة ينكر عليه برفق ولا ينازعه إن لج.
وفي الفخذ بعنف ولا يضربه إن لج.
وفي السوأة يؤدبه على ذلك إن لج ا ه.
قال في البحر: وهو يفيد أن لكل مسلم التعزير بالضرب فإنه لم يقيده بالقاضي.
قوله: (ما عدا ذلك) أفرد اسم الاشارة وإن تعدد المشار إليه بتأويل المذكور.
تتمة: أعضاء عورة الرجل ثمانية: الاول: الذكر وما حوله.
الثاني: الانثيان وما حولهما.
الثالث: الدبر وما حوله.
الرابع، والخامس: الاليتان.
السادس، والسابع: الفخذان مع الركبتين.
الثامن: ما بين السرة إلى العانة مع ما يحاذي ذلك من الجنبين والظهر والبطن.
وفي الامة ثمانية أيضا: الفخذان مع الركبتين، والاليتان والقبل مع ما حوله، والدبر كذلك، والبطن والظهر مع ما يليهما من الجنبين.(1/440)
وفي الحرة هذه الثمانية، ويزاد فيها ستة عشر: الساقان مع الكعبين، والثديان المنكسران، والاذنان، والعضدان مع المرفقين، والذراعان مع الرسغين والصدر، والرأس، والشعر، والعنق، وظهر الكفين، وينبغي أن يزاد فيها أيضا الكتفان، ولا يجعلان مع الظهر عضوا واحدا، بدليل أنهم جعلوا ظهر الامة عورة دون كتفيها، وكذلك بطنا القدمين عورة في رواية: أي وهي الاصح كما قدمناه عن إعانة الحقير للمصنف، فتصير ثمانية وعشرين، كذا حرره ح.
قلت: وقدمنا عن التاترخانية أن صدر الامة وثدييها عورة، وقدمنا أيضا عن القنية أن جنبيها عورة مستقلة على أحد قولين، وعليه فتزاد الامة خمسة على الثمانية المارة فتصير أعضاؤها ثلاثة عشر، والله تعالى أعلم.
قوله: (بالاجزاء) المراد بها الكسور المصطلح عليها في الحساب وهي النصف والربع والثلث الخ.
مثاله: انكشف ثمن فخذه من موضع وثمن ذلك الفخذ من موضع آخر يجمع الثمن إلى الثمن حسابا فيكون ربعا فيمنع، ولو انكشف ثمن من موضع من فخذه ونصف ثمن ذلك الفخذ من موضع آخر لا يمنع ح.
قوله: (وإلا فبالقدر) أي المساحة، فإن بلغ المجموع
بالمساحة ربع أدناها: أي أدنى الاعضاء المنكشف بعضها، كما لو انكشف نصف ثمن الفخذ ونصف ثمن الاذن من المرأة فإن مجموعهما بالمساحة أكثر من ربع الاذن التي هي أدنى العضوين المنكشفين، وهذا التفصيل ذكره ابن ملك في شرح المجمع موافقا لما في الزيادات، وقوله في البحر إنه تفصيل، لا دليل عليه ممنوع كما حققه في النهر ح.
قلت: وعلى هذا التفصيل: أعني اعتبار ربع أدنى الاعضاء المنكشفة لا ربع مجموعها، مشى في القنية والحلية وشرح الوهبانية والامداد وشرح زاد الفقير للمصنف.
خلافا للزيلعي وإن تبعه في الفتح والبحر فتدبر، وقد أوضحنا ذلك فيما علقناه على البحر.
قوله: (عن غيره) أي عن رؤية غيره من الجوانب لامن الاسفل، وقوله: ولو حكما أي ولو كانت الرؤية حكمية، كما في المكان المظلم أو المكان الخالي فإن العورة فيها مرئية حكما، فيشترط فيها سترها فيه، ولا يصح كون المعنى ولو كان الستر حكما لانه يصير المعنى يشترط ستر العورة ولو كان ذلك الستر المشروط حكما، وإذا ستر العورة في الظلمة بثوب كان ذلك سترا حقيقة وحكما لا في حكم الشرع فقط، فافهم.
قوله: (به يفتى) لانه روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف نصا أنه لا تفسد صلاته كما في المنية وغيرها.
قوله: (فلو رآها من زيقه) أي ولو حكما بأن كان بحيث لو نظر رآها كما في البحر.
وزيق القميص بالكسر: ما أحاط بالعنق منه.
قاموس.
قوله: (وإن كره) لقوله في السراج: فعليه أن يزره، لما روى عن سلمة بن الاكوع قال كنت يا رسول الله أصلي في قميص واحد، فقال: زره عليك ولو بشوكة بحر.
ومفاده الوجوب المستلزم تركه للكراهة، ولا ينافيه ما مر من نصهما على أنها لا تفسد، فكان هذا هو المختار، كما في شرح المنية، وتمامه فيما علقناه على البحر.
قوله: (لا يصف ما تحته) بأن لا يرى منه لون البشرة احترازا عن الرقيق ونحو الزجاج.
قوله: (ولا يضر التصاقه) أي بالالية مثلا، وقوله وتشكله من عطف المسيب على السبب وعبارة شرح المنية: أمالو كان غليظا لا يرى منه لون البشرة إلا أنه التصق بالعضو وتشكل بشكله فصار شكل العضو مرئيا فينبغي أن لا يمنع جواز الصلاة لحصول الستر ا ه.
قال ط: وانظر(1/441)
هل يحرم النظر إلى ذلك المتشكل مطلقا أو حيث وجدت الشهوة؟ ا ه.
قلت: سنتكلم على ذلك في
كتاب الحظر، والذي يظهر من كلامهم هناك هو الاول.
قوله: (ولو حريرا) تعميم للساتر.
قال في الامداد: لان فرض الستر أقوى من منع لبس الحرير في هذه الحالة.
قوله: (أو ماء كدرا) أي بحيث لا ترى منه العورة.
قوله: (إن وجد غيره) قيد في عدم إجزاء الستر بالصافي ومفهومه أنه إن لم يجد غيره وجب الستر به، وكأنه لان فيه تقليل الانكشاف ا ه ح.
قلت: ومفهومه أيضا كما اقتضاه سياق الكلام في عادم الساتر أنه لا يجوز في الماء الكدر إذا وجد ساترا مع أن كلام السراج والبحر يفيد الجواز مطلقا، ثم رأيت صاحب النهر صرح بذلك حيث قال: إن الفرق بين الصافي وغيره يؤذن بأن له ثوبا، إذ العادم له يستوي في حقه الصافي وغيره ا ه.
لكن قوله: يستوي فيه الصافي وغيره، وفيه نظر، لانه إذا جاز الستر بالماء الكدر مع القدرة على ساتر غيره صار ساترا حقيقة فيتعين عن العجز عن ساتر غيره، لان الماء الصافي غير ساتر، وإلا لجاز عند عدم العجز.
هذا، وذكر في البحر أنه لا يصح تصوير الصلاة في الماء إلا في صلاة الجنازة، وعلله في النهر بأنه إذا كان له ثوب وصلى في الماء الكدر لا يجوز له الايماء للفرض: أي لقدرته على أن يصلي خارج الماء بالثوب بركوع وسجود، لكن قال الشيخ إسماعيل: ولي في الكلامين نظر، لامكان تصوير ركوعه وسجوده في الماء الكدر بحيث لا يظهر من بدنه شئإذا سد منافذه، بل ما يفعله الغطاس في استخراج الغريق أبلغ من ذلك ا ه.
أقول: إن فرض إمكان ذلك فقد يقال: لا يبقى ذلك ساترا، لانه حين سجوده وارتفاع الماء فوقه لا يصير مستورا، ويصير كما لو صلى عريانا تحت خيمة مستورة الجوانب كلها أو في مكان مظلم، أو كما لو دخل في كيس مثلا وصلى فيه، فإن الظاهر أنه لا تصح صلاته، بخلاف ما لو أخرج رأسه من الكيس وصلى لانه يصير مستورا، كما لو وقف في الماء الكدر ورأسه خارج وصلى على الجنازة.
ثم رأيت في الحاوي والزاهدي من كتاب الكراهية والاستحسان ما نصه والمريض إذا لم يخرج رأسه من اللحاف لا تجوز صلاته لانه كالعاري ا ه: أي إذا صلى تحت اللحاف وهو مكشوف العورة بالايماء لا تصح لانه غير مستور العورة، وهذا يؤيد ما بحثناه في مسألة الكيس، ولله الحمد.
والحاصل أن الشرط هو ستر عورة المصلي لا ستر ذات المصلي، فمن اختفى في خلوة أو
ظلمة أو خيمة وهو عريان فذاته مستورة وعورته مكشوفة، وذلك لا يسمى ساترا، ومثله لو غطس في ماء كدر، فتأمل.
قوله: (وهل تكفيه الظلمة الخ) لا يظهر لهذا الكلام ثمرة لانه حيث فقد الساتر صلى كيف كان: أي في ظلمة أو في ضوء، ولعل مراده ما ذكره في البحر.
وعبارته: والافضل أن يصلي قاعدا ببيت أو صحراء في ليل أو نهار.
قال: ومن المشايخ من خصه بالنهار، أما بالليل فيصلي قائما، لان ظلمة الليل تستر عورته ورد بأنه لا عبرة بها.
ورد بالفرق بين حالة الاختيار والاضطرار ا ه ط.
قوله: (في مجمع الانهر) هو شرح الملتقى لشيخي زاده ح.
قوله: (كما في الصلاة) كذا قاله في منية المصلي.
قال في البحر: فعليه يختلف في الرجل والمرأة، فهو يفترش وهي تتورك.
قوله: (وقيل مادا رجليه) أي ويضع يديه على عورته الغليظة، والاول أولى لانه أكثر(1/442)
سترا مع ما في هذا من مد الرجلين إلى القبلة.
بحر وحلية.
لكن في شرح المنية الكبير: أن الثاني أولى لزيادة الستر فيه وهو المذكور في شروح الهداية وغيرها ا ه.
قلت: وهو الصواب لان من جعل مقعدته على رجليه كما في تشهد الصلاة تظهر عورته الغليظة حالة الايماء للركوع والسجود أكثر ممن جعل مقعدته على الارض كما هو محسوس مشاهد، ولو جلس متربعا يظهر منه القبل فلذا اغتفروا مد رجليه نحو القبلة، فلا جرم أنه مشى عليه شراح الهداية وغيرهم كصاحب الذخيرة والسراج والدرر والتبيين ونور الايضاح والخلاف في الاولوية كما لا يخفى، ونبه عليه في النهر.
قوله: (وقائما بإيماء) كذا في القهستاني عن الزاهدي، ونقله في البحر عن ملتقى البحار.
وقال: وظاهر الهداية أنه لا يجوز، ثم ذكر بعد نحو ورقة بحثا رجح به ما في الهداية، والبحث مأخوذ من الحلية فراجعه.
وقال في البحر أيضا: وينبغي أن يكون هذا دون الرابع في الفضل: أي دون القيام بركوع وسجود للاختلاف في صحته وإن كان ستر العورة في الرابع أكثر اه.
قلت: فكان الاولى للشارح تأخيره عن الرابع ليكون الذكر في الاربعة على وفق الترتيب في الافضلية.
قوله: (لان الستر أهم الخ) أي لانه فرض في الصلاة وخارجها، والاركان فرائض الصلاة لا
غير وقد أتى ببدلها، وإنما جاز القيام لانه وإن ترك فرض الستر فقد كمل الاركان الثلاثة.
بدائع.
وأراد بالاركان الثلاثة القيام والركوع والسجود، وظاهره أنه لا يجوز الايماء قائما، لان فيه ترك فرض الستر بلا تكميل للثلاثة، ومن هنا نشأ ترجيح صاحب البحر والحلية لظاهر ما مر عن الهداية.
قوله: (ولو أبيح له ثوب الخ) في التاترخانية: ولو كان بحضرته من له ثوب يسأله، فإن لم يعطه صلى عريانا، ولو وجد في خلال صلاته ثوبا استقبل ا ه.
وظاهره لزوم السؤال، لكن ينبغي تقييده بما إذا غلب على ظنه عدم المنع كما في المتيمم.
قوله: (هو الاظهر) كذا في شرح المنية الصغير وقدمنا في التيمم عن الفتح وغيره أنه لو وعد بدلو أو ثوب يستحب له التأخير ما لم يخف فوت الوقت عنده.
وعندهما يجب وإن خاف فوته: كما لو وعد بالماء فإنه ينتظر اتفاقا: وقدمنا أن ظاهر كلامهم ترجيح قول الامام وبه جزم في المنية، وتقدم أيضا أنه يند ب لراجي الماء أن يؤخر إلى آخر الوقت المستحب.
قوله: (كراجي ماء) أي كمن رجحصول الماء فإنه يندب له أن يؤخر إلى آخر الوقت المستحب كما مر في التيمم، وهذا تنظير لا قياس، حتى يرد أن الظاهر قياس مسألة الثوب على الماء الموعود فيجب الانتظار وإن فات الوقت، فافهم.
قوله: (وثوب ومكان) فإنه إذا رجاء وجود الثوب يؤخر ما لم يخلف فوت الوقت كطهارة المكان.
قنية: أي كما إذا كان محبوسا مثلا في مكا ن نجس ويرجو رجاء قويا الخروج منه فإنه يؤخر ما لم يخف الفوت، والظاهر أن هذا التأخير مستحب أيضا كنظائره المارة، قوله: (وينبغي ذلك) أي قياسا على الماء، والبحث للبحر وتبعه في النهر وقال: ولم يذكروه.
وأقول: قدمنا المسألة منقولة عن السراج وأن فيها قولين.
وفي تيمم مواهب(1/443)
الرحمن: ويجب أن يشتري الماء والثوب بمثل الثمن إن فضل عن نفقته لا بزيادة غبن فاحش، ولله الحمد.
قوله: (ليس بأصلي الخ) أي ليس بأصلي النجاسة، وإنما المراد ما نجاسته عارضة كالبول والدم كما في النهر، لكن في كون جلد الميتة نجس الاصل نظر، لان نجاسته عارضة بالموت.
تأمل.
قوله: (فإنه لا يستر به فيها) لانجاسته أغلظ لعدم زوالها بالماء.
بحر.
قوله: (بل خارجها) ظاهره وجوب الستر به حيث لم يجد غيره، وقد مر أول الباب أن له لبس ثوب نجس في غير صلاة.
قوله: (ندب صلاته فيه) أي بالقيام والركوع والسجود ح.
قوله: (وجاز الايماء كما مر) أي عاريا بأن فعل إحدى الصور الاربع السابقة، ولو قال: وجاز أن يفعل كما مر لكان أولى ط: أي لان بعض تلك الصور لا إيماء فيها.
قوله: (واستحسنه في الاسرار) لكن نازعه في الفتح.
قوله: (إذ الربع كالكل) أي يقوم مقامه في موضع كما في حلق المحرم ربع رأسه، وكما في كشف العورة.
قوله: (وهذا إذا لم يجد الخ) فإن وجد في الصورتين وجب استعماله كما في البحر.
قوله: (فيتحتم لبس أقل ثوبيه نجاسة) تبع فيه صاحب النهر: وليس على إطلاقه لما في الحلية إن كانت النجاسة في كل منهما غليظة فقالوا: إن لم تبلغ في كل منهما الربع تخير، والمستحب الصلاة في أقلهما نجاسة، وإن بلغت الربع في أحدهما فقط تعين الآخر، وإن زاد عليه في كل منهما ولم تبلغ ثلاثة أرباع تخير، وإن بلغتها في أحدهما واستوعبت الآخر تعين ما ربعه طاهر، وإن كانت النجاسة خفيفة لم أره، ومقضتى التخريج على ما مر أن يتخير ما لم تزد في أحدهما على ثلاثة أرباعه أو تستوعبه، وإلا تعين ما ربعه فصاعدا طاهر ا ه.
وذكر نحوه ح عن الهندية والزيلعي والخلاصة.
قوله: (ببليتين) أي بفعل إحداهما غير عين لا بفعلهما معا، قوله: (فإن تساويا) أي من حيث المنع من الصلاة بلا مرجح معتبر، وإن لم يستويا في قدر النجاسة، وقوله: أو اختلفا أي بأن كان ما في أحدهما مانعا دون ما في الآخر، أو كان ما في كل منهما مانعا لكن وجد في أحدهما مرجح يقيمه مقام الكل كطهارة الربع أو نجاسته، وبهذا التقرير ينطبق الضابط على ما ذكرناه من الفروع، فإذا كانت النجاسة في كل منهما أكثر من قدر الدرهم لكن لم تبلغ الربع تخير، وإن كانت في أحدهما أكثر من الآخر لتساويها في المنع بلا مرجح، بخلاف ما إذا بلغت ربع أحدهما لترجحه بإقامتهم الربع مقام الكل، وتقرير الباقي ظاهر مما قلنا، فافهم.
قوله: (اختار الاخف) نظيره جريح لو سجد سال جرحه، وإلا لا، فإنه يصلي قاعدا موميا لان ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث لجواز تركه اختيارا في التنفل على الدابة، زيلعي.
قوله: (لانه لما سقط الخ) الاولى التعليل بقوله عليه الصلاة والسلام لا تصلي حائض بغير قناع لان تعليله يفهم أن كل ما سقط ستره بعذر الرق كالكتفين(1/444)
والساقين يسقط بالصبا وليس كذلك، أفاده ح تأمل.
وفي أحكام الصغار للاسروشني: وجواز صلاة الصغيرة بغير قناع استحسان لانه لا خطاب مع الصبا.
والاحسن أن تصلي بقناع، لانها إنما تؤمر بالصلاة للتعود، فتؤمر على وجه يجوز أداؤها بعد البلوغ، ثم قال: المراهقة إذا صلت بغير قناع لا تؤمر بالاعادة استحسانا، وإن صلت بغير وضوء تؤمر، ولو صلت عريانة تعيد، وفي كل موضع تعيد البالغة الصلاة، فهي تعيد على سبيل الاعتياد ا ه.
قوله: (لا يجب) لان ما دون الربع لا يعطى له حكم الكل، والستر أفضل تقليلا للانكشاف.
زيلعي.
ومثله في الحلية عن المحيط والخلاصة والكافي.
قوله: (زاد الحلبي) أي في شرحه الصغير ح.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان يستر الربع أو الاقل ط.
قوله: (فتأمل) أشار إلى إمكان الجواب بحمل كلام الكمال على غير الرأس لانه أخف بدليل صحة صلاة المراهقة مع كشف الرأس غيره، أفاده ح.
أقول: والاحسن الجواب بحمل أل في العورة على جنس الافراد لا جنس الاجزاء: أي إذا وجد ما يستر بعض أفراد العورة، بأن كان يستر أصغرها كالقبل أو الدبر دون أكبرها وجب استعماله بدليل قوله بعده: ويستر القبل والدبر، وقوله في المعراج: ولو وجد ما يستر به بعض العورة ستر القبل والدبر بالاتفاق ا ه.
وهو معنى ما في البحر عن المبتغى: إن كان عنده قطعة يستر بها أصغر العورات فسدت وإلا فلا ا ه، وحينئذ فلا منافاة بين كلامهم، إذ ليس فيه على هذا الحمل ما يقتضي وجوب ستر ما دون ربع عضو من العورة حتى يخالف ما قدمناه عن الزيلعي والمحيط والخلاصة والكافي من أن ما دون الربع لا يعطى له حكم الكل، وأما قول الحلبي وإن قل فيحتاج لنقل، وإلا فلا يعارض كلام أئمة المذهب اللهم إلا أن يراد ما يستر عضوا كاملا كالدبر مثلا، وإلا فلو وجدت المرأة ما ستر ما بين السرة والركبة وعندها خرقة قدر الظفر مثلا يبعد كل البعد إلزامها بالستر بها، هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم.
قوله: (وقيل القبل) لانه يستقبل به القبلة ولانه لا يستر بغيره والدبر يستر بالاليتين.
بحر عن السراج.
قوله: (والتعليل) أي للقول الاول بأنه أفحش الخ وهو مراد صاحب النهر بقوله: والتعليل الثاني، لان ما ذكره الشارح أولا ذكره في النهر ثانيا، فافهم.
قوله: (بالايماء) عبارة النهر: قاعدا بالايماء.
قوله: (تعين ستر القبل) لعدم العلة، وهي زيادة الفحش
في الركوع والسجود.
أقول: وهذا إنما يظهر لو قعد متربعا، أما لو قعد مادا رجليه إلى القبلة أو قعد كالمتشهد كما مشى عليه فيما مر يتعين ستر الدبر، لانه يمكنه جعل الذكر والخصيتين تحت الفخذين.
وأما الدبر فإنه ينكشف حالة الايماء فيتعين ستره، تأمل.
قوله: (ثم فخذه) بالنصب عطفا على قول المتن القبل والدبر وعبارة شرح المنية: ويقدم في الستر ما هو أغلظ كالسوأتين ثم الفخذ ثم الركبة.
وفي المرأة بعد الفخذ البطن والظهر ثم الركبة ثم الباقي على السواء ا ه.
وأفاده بقوله كالسوأتين إن(1/445)
ستر نحو الالية والعانة مثلهما، فيقدم على الفخذ، فافهم، قوله: (أو يقللها) كذا في شرح المنية، والظاهر تقييده بما يقللها عن الدرهم أو عن ربع الثوب، وإلا فلو كانت أكثر من الدرهم ودون الربع وإذا قللها تبقى أكثر من الدرهم لا يجب التقليل، لما مر عن الحلية وغيرها من أنه لو له ثوبان لم تبلغ نجاسة كل الربع يتخير، فتدبر.
قوله: (لبعده ميلا) صرح به في السراج، وأشار به إلى أن عدم الوجود يكون حقيقة وحكما.
قوله: (أو لعطش) أي خوفه حالا أو مآلا على نفسه أو على من تلزمه مؤنته فإنه لا يلزمه إزالة تلك النجاسة.
شراح المنية.
ومثله خوف العدو وعدم وجود ثمنه ونحو ذلك كما في الاحكام عن البرجندي.
قوله: (صلى معها أو عاريا) أي إن كان الطاهر أقل من ربع الثوب وإلا تعينت صلاته به كا مر.
قوله: (ولا إعادة عليه) أي إذا وجد المزيل وإن بقي الوقت.
قهستاني.
قوله: (وينبغي) البحث لصاحب الحلية، وقال: ولعلهم لم يذكروه هنا للعلم به مما مر في التيمم، وتبعه في البحر وغيره، فافهم.
قوله: (عن مزيل) أي للنجاسة في مسألتنا، وقول: وعن ساتر أي للعورة في المسألة التي قبلها.
قوله: (كما مر) أي نظير ما مر في باب التيمم مما ذكروه من التفصيل في عدم القدرة على الماء، فافهم.
قوله: (ثم هذا للمسافر) الاولى أن يقول: وقيدنا بالمسافر، وكأنه يشير بهذا إلى رد ما في شرح المنية من أن التقييد بالمسافر باعتبار الغالب، إذ لا فرق بينه وبين غيره.
قوله: (لان للمقيم الخ) اسم أن ضمير الشأن محذوف، وللمقيم يتعلق بيشترط، والجملة خبر أن، وضمير يملكه للساتر.
وعبارة القهستاني هكذا: والتقييد بالمسافر لان
للمقيم اشتراط طهارة ما يستر العورة وإن لم يملكه كما في النظم وغيره ا ه ح.
قلت: فأسقط الشارح لفظ طهارة.
وحاصل المعنى أنه لا يصح صلاة المقيم بساتر نجس وإن لم يملك الطاهر بناء على أن المقيم لا يتحقق عجزه عن الماء أو غيره من المائعات المزيلة، لان المصر ونحوه مظنة وجود ذلك ولذا لم يجز له التيمم في المصر، لكن هذا قولهما، والمفتى به قوله حيث تحقق العجز كما مر، ومقتضاه أن يكون هنا كذلك، فافهم.
[ مب ] بحث النية [ / مب ] قوله: (بالاجماع) أي لا بقوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * (البينة: 5) فإن المراد بالعبادة هنا التوحيد، ولا بقوله عليه الصلاة والسلام إنما الاعمال بالنيات لان المراد ثوابها ولا تعرض فيه للصحة وتمامه في ح.
قوله: (وهي الارادة) النية: لغة العزم، والعزم وهو الارادة الجازمة القاطعة، والارادة صفة توجب تخصيص المفعول بوقت وحال دون غيرهما: أي ترجح أحد المستويين وتخصصه بوقت وحال: أي كيفية وحالة مخصوصة، وبه علم أن النية ليست مطلق الارادة، بل هي الارادة الجازمة.
قوله: (المرجحة) نعت للارادة قصد به تفسيرها ح.
قوله: (أي إرادة الصلاة الخ) لما عرف مطلق النية بين المعنى المراد بها هنا الذي هو من شروط الصلاة،(1/446)
وإلا فالنية غير خاصة بالصلاة قال ط: والمراد بقوله: على الخلوص الاخلاص لله تعالى على معنى أنه لا يشرك معه غيره في العبادة ا ه.
أقول: هذا يوهم أنها لا تصح مع الرياء مع أن الاخلاص شرط للثواب للصحة، كما سيأتي في الفروع أنه لو قيل لشخص صل الظهر ولك دينار فصلى بهذه النية ينبغي أن يجزيه، وأنه لا رياء في الفرائض في حق سقوط الواجب، فهذا يقتضي صحة الشروع مع عدم الاخلاص، فليتأمل.
ثم رأيت الحموي في حواشي الاشباه اعترضه بقوله: فيه أن هذا إنما يستقيم في عبادة يترتب عليها ثواب لا المنهيا ت المترتب عليها عقاب ا ه.
قوله: (لا مطلق العلم الخ) أي ليست النية مطلق العلم بالمنوي: أي سواء كان مع قصد وإرادة جازمة أو لا، وهذا رد على ما عن محمد بن سلمة من
أنه إذا علم عند الشروع أي صلاة يصلي فهذا القدر نية، وكذا في الصوم كما أوضحه في الدرر.
قال في الاحكام: لكن في المفتاح وشرح ابن ملك أن مراد ذلك القائل أن من قصد صلاة فعلم أنها ظهر أو عصر أو نفل أو قضاء يكون ذلك نية فلا يحتاج إلى نية أخرى للتعيين إذا وصلها بالتحريمة، وفيما أورده لم يوجد قصد إلى الكفر، وهذا القائل لم يدع أن مطلق العلم بشئ يكون نية، فلا يرد عليه الاعتراض ا ه.
قلت: وحاصله أن النية التي هي الارادة الجازمة لما كانت لا تتحقق إلا بتصور المراد وعلمه وكان ذلك شرطا لصحتها شرعا ولازما لها لغة اقتصر عليه.
قوله: (والمعتبر فيها عمل القلب) أي أن الشرط الذي تتحقق به النية ويعتبر فيها شرعا العلم بالشئ بداهة الناشئ ذلك العلم عن الارادة الجازمة لا مطلق العلم ولا مجرد القول باللسان.
والحاصل أن معنى النية المعتبر في الشرع هو العلم المذكور، وهذا معنى ما نقل عن ابن سلمة كما قدمناه؟ وأما قولهم: لا يصح تفسير النية بالعلم، فالمراد به مطلق العلم الخالي عن القصد بقرينة الاعتراض المار، فافهم، لكن في جعله العلم من أعمال القلب مسامحة، لان العلم من الكيفيات النفسانية كما حقق في موضعه.
قوله: (إن خالف القلب) فلو قصد الظهر وتلفظ بالعصر سهوا أجزأه كما في الزاهدي.
قهستاني.
قوله: (فيكفيه اللسان) أي بدلا عن النية.
واعترضه في الحلية بأنه يلزم عليه نصب الابدال بالرأي، لانه إذا سقط الشرط للعجز فقد يسقط إلى بدل ما في التيمم، أو بلا بدل كستر العورة، وقد يسقط المشروط كما في العاجز عن الطهورين، فإثبات أحد هذه الاحتمالات لا بد له من دليل، وأين هو هنا فلا يجوز ا ه موضحا وأقره في البحر.
ويؤيده ما سيأتي في الفصل الآتي من أن العاجز عن النطق لا يلزمه تحريك لسانه للتكبير أو القراءة في الصحيح، لتعذر الاصل فلا يلزم غيره إلا بدليل ا ه.
وأجاب الحموي بأنه صار أصلا لا بدلا.
وأقول: نصب الاصل أبلغ من البدل، فلا يجوز بالرأي بالاولى، ولا يبعد القول بسقوط الاداء عمن وصل إلى هذه الحالة، فإن من لا يمكنه معرفة أي صلاة يصلي بمنزلة المجنون، وسيذكر المصنف في باب صلاة المريض أنه لو اشتبه على المريض أعداد الركعات أو(1/447)
السجدات لنعاس يلحقه لا يلزمه الاداء.
قوله: (أن يعلم عند الارادة الخ) قال الزيلعي: وأدناه أن يصير بحيث لو سئل عنها أمكنه أن يجيب من غير فكر ا ه.
واعترضه في البحر بأن هذا قول ابن سلمة، ومقتضاه لزوم الاستحضار في أثناء الصلاة وعند الشروع.
والمذهب جوازها بنية متقدمة بشرطها المتقدم وإن لم يقدر على الجواب بلا تفكر ا ه.
أقول: أنت خبير بما قدمناه بأن قول ابن سلمة هو لزوم الاستحضار عند الشروع، وليس في كلام الزيلعي اشتراط ذلك، بل هو بيان لادنى العلم المعتبر في النية اللازم لها، سواء تقدمت أو قارنت الشروع، ولدفع هذا التوهم قال الشارح: عند الارادة: أي النية، ثم رأيت ط نبه على ذلك.
قوله: (وتكون بلفظ الماضي) مثل نويت صلاة كذا.
قوله: (لانه) أي الماضي.
قوله: (في الانشاءات) كالعقود والفسوخ ط.
قوله: (وتصح بالحال) أي المضارع المنوي به الحال مثل أصلي صلاة كذا.
قوله: (وقيل سنة) عزاه في التحفة والاختيار إلى محمد، وصرح في البدائع بأنه لم يذكره محمد في الصلاة بل في الحج، فحملوا الصلاة على الحج، واعترضهم في الحلية بما ذكره جماعة من مشايخنا من أن الحج لما كان مما يمتد وتقع فيه العوارض والموانع ويحصل بأفعال شاقة استحب فيه طلب التيسير والتسهيل، ولم يشرع مثله في الصلاة لان وقتها يسير ا ه.
فهذه صريح في نفي قياس الصلاة على الحج ا ه.
وأقره في البحر وغيره، قوله: (يعني الخ) أشار به للاعتراض على المصنف بأن معنى القولين واحد، سمي مستحبا باعتبار أنه أحبه علماؤنا، وسنة باعتبار أنه طريقة حسنة لهم لا طريقة للنبي (ص) كما حرره في البحر ح.
قوله: (إذ لم ينقل الخ) في الفتح عن بعض الحفاظ: لم يثبت عنه (ص) من طريق صحيح ولا ضعيف أنه كان يقول عند الافتتاح: أصلي كذا، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين، زاد في الحلية: ولا عن الائمة الاربع، بل المنقول أنه (ص) كان إذا قام إلى الصلاة كبر.
قوله: (بل قيل بدعة) نقله في الفتح.
وقال في الحلية: ولعل الاشبه أنه بدعة حسنة عند قصد جميع العزيمة، لان الانسان قد يغلب عليه تفرق خاطره، وقد استفاض ظهور العمل به في كثير من الاعصار في عامة الامصار، فلا جرم أنه ذهب في المبسوط والهداية والكافي إلى أنه إن فعله ليجمع
عزيمة قلبه فحسن، فيندفع ما قيل إنه يكره ا ه.
قوله: (وفي المحيط يقول الخ) هذا مقابل قوله: ويكون بلفظ الماضي الخ وأشار بقوله كما سيجئ في الحج أي من أنه يقول فيه: اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني إلى أن ذلك مقيس عليه، وفيه ما علمت.
وقال في الحلية: ولو سلم أن ذلك يفيد استنانها في الصلاة فإنما يفيد كونها بهذا اللفظ لا بنحو نويت أو أنوي كما عليه عامة الملتفظين بها ما بين عامي وغيره ا ه.
وحاصله أنه خلاف المستفيض فلا يقبل.
قوله: (ولو قبل الوقت) ذكر في الحلية عن ابن هبيرة أنه قال أبو حنيفة وأحمد، يجوز تقديم النية للصلاة بعد دخول الوقت وقبل التكبير ما لم يقطعها بعمل ا ه.
ثم قال: ولم أقف على التصريح باشتراط الوقت، وهو(1/448)
إن صح مشكل، فإن المذهب أن النية شرط لا يشترط مقارنتها فلا يضر إيجادها قبل الوقت واستصحابها إلى وقت الشروع بعد دخوله كغيرها من الشروط ا ه.
وتبعه في البحر والنهر.
أقول: إن كان المراد باستصحابها عدم عزوبها عن قلبه إلى وقت الشروع كما اقتضاه قوله واستصحابها إلى وقت الشروع، ففيه أن هذه نية مقارنة، والكلام في النية المتقدمة بلا اشتراط استصحابها إلى وقت الشروع كما اقتضاه ما نقله الشارح عن البدائع، وهذه لا تصح إذا عزبت عنه قبل الوقت، لان النية وإن لم تشترط مقارنتها للشروع يشترط عدم المنافي لها، ولا يخفى أن عدم دخول الوقت مناف لنية فرض الوقت لانه لا يفرض قبل دخول وقته فليتأمل.
قوله: (جاز) وأما اشتراطهم عدم الفاصل بين النية والتكبير فالمراد به ما كان من أعمال الدنيا كما في التاترخانية.
وفي البحر: المراد به الفاصل الاجنبي، وهو ما لا يليق بالصلاة كالاكل والشرب والكلام، لان هذه الافعال تبطل الصلاة فتبطل النية، وأما المشي والوضوء فليس بأجنبي: ألا ترى أن من أحدث في صلاته له أن يفعل ذلك ولا يمنعه من البناء ا ه.
قوله: (ومفاده) أي مفاد ما في البدائع جواز تقديم نية الاقتداء على الوقت كنية الصلاة، أو المراد تقديمها على شروع الامام، ويأتي تمام الكلام على ذلك.
ثم إن هذا المفاد ذكره في النهر بحثا وقال: ولم أر فيه غير ما علمت: أي لم ير فيه نقلا صريحا غير ما يفيده كلام البدائع.
قوله: (بينهما) أي بين النية والتكبيرة.
قوله: (وهو كل ما يمنع
البناء) أي يمنع الذي سبقه الحدث من البناء على ما صلى احترازا عن المشي والوضوء، لكن في هذه الكلية نظر، لان القراءة تمنع البناء أيضا، والظاهر أنها لا تفصل بين النية والتكبيرة، فالاولى ذكر منع البناء على سبيل الاستيضاح كما نقلناه عن البحر آنفا.
قوله: (وشرط الشافعي قرانها) أي جمعها مع التكبير، وبه قال الطحاوي ومحمد بن سلمة.
مطلب: في حضور القلب والخشوع وفي شرح المقدمة الكيدانية للعلامة القهستاني: يجب حضور القلب عند التحريمة، فلو اشتغل قلبه بتفكر مسألة مثلا في أثناء الاركان فلا تستحب الاعادة.
وقال البقالي: لم ينقص أجره إلا إذا قصر، وقيل يلزم في كل ركن ولا يؤاخذ بالسهو لانه معفو عنه، لكنه لم يستحق ثوابا كما في المنية، ولم يعتبر قول من قال: لا قيمة لصلاة من لم يكن قلبه فيها معه، كما في الملتقط والخزانة والسراجية وغيرها.
واعلم أن حضور القلب: فراغه عن غير ما هو ملابس له، وهو ها هنا العلم بالعمل بالفعل والقول الصادرين عن المصلي وهو غير التفهم، فإن العلم بنفس اللفظ غير العلم بمعنى اللفظ ا ه.
قوله: (ولا عبرة بنية متأخرة) لان الجزء الخالي عن النية لا يقع عبادة فلا ينبني الباقي عليه، وفي الصوم جوزت للضرورة بهنسي.
حتى لو نوى عند قوله الله قبل أكبر لا يجوز، لان الشروع يصح بقوله الله، فكأنه نوى بعد التكبير، حلية عن البدائع.
قوله: (إلى الركوع) فيه أن الكرخي لم(1/449)
ينص على الركوع ولا غيره، وإنما اختلفوا في التخريج على قوله في أنه ينتهي إلى الثناء أو الركوع أو الرفع منه أو القعود، أفاده ح.
قوله: (وكفى الخ) أي بأن يقصد الصلاة بلا قيد نفل أو سنة أو عدد.
قوله: (لنفل) هذا بالاتفاق.
قوله: (وسنة) ولو سنة فجر، حتى لو تهجد بركعتين ثم تبين أنها بعد الفجر نابتا عن السنة، وكذا لو صلى أربعا ووقعت الاخريان بعد الفجر، وبه يفتى.
خلاصة.
وكذا الاربع المنوي بها آخر ظهر أدركته عند الشك في صحة الجمعة، فإذا تبين صحتها ولا ظهر عليه نابت عن سنة الجمعة على قول الجمهور لانه يلغو الوصف ويبقى الاصل، وبه تتأدى السنة
كما بسطه في الفتح، وأقره في البحر والنهر، وهذا بخلاف ما لو قام في الظهر للخامسة فضم سادسة لا تنوبان عن سنة الظهر لعدم كون الشروع مقصودا.
قوله: (على المعتمد) أي من قولين مصححين، وإنما اعتمد هذا لما في البحر من أنه ظاهر الرواية، وجعله في المحيط قول عامة المشايخ، ورجحه في الفتح ونسبه إلى المحققين.
قوله: (أو تعيينها الخ) لان السنة ما واظب عليها النبي (ص) في محل مخصوص، فإذا أوقعها المصلي فيه فقد فعل الفعل المسمى سنة، والنبي (ص) لم يكن ينوي السنة بل الصلاة لله تعالى، وتمام تحقيقه في الفتح، قوله: (والتعيين) أي بالنية أحوط: أي لاختلاف الصحيح.
بحر.
قوله: (ولا بد من التعيين الخ) فلو فاتته عصر فصلى أربع ركعات عما عليه وهو يرى أن عليه الظهر لم يجز كما لو صلاها قضاء عما عليه وقد جهله، ولذا قال أبو حنيفة فيمن فاتته صلاة واشتبهت عليه: إنه يصلي الخمس ليتيقن ا ه.
فتح: أي لانه لا يمكنه تعيين هذه الفائتة إلا بذلك.
وفي الاشباه: ولا يسقط التعيين بضيق الوقت، لانه لو شرع فيه منتقلا صح وإن كان حراما ا ه.
قوله: (عند النية) أي سواء تقدمت على الشروع أو قارنته، فلو نوى فرضا معينا وشرع فيه نسي فظنه تطوعا فأتمه على ظنه فهو على ما نوى كما في البحر.
قوله: (فلو جهل الفرضية) أي فرضية الخمس إلا أنه كان يصليها في مواقيتها لم يجز وعليه قضاؤها، لانه لم ينو الفرض إلا إذا صلى مع الامام ونوى صلاة الامام.
بحر عن الظهيرية.
قوله: (ولو علم الخ) أي علم فرضية الخمس لكنه لا يميز الفرض من السنة والواجب.
قوله: (جاز) أي صح فعله.
قوله: (وكذا لو أم غيره الخ) يعني أن من لا يميز الفرض من غيره إذا نوى الفرض في الكل جاز كونه إماما أيضا فيصح الاقتداء به، لكن في صلاة لا سنة قبلها: أي في صلاة لم يصل قبلها مثلها في عدد الركعات، لانه لو صلى قبلها مثلها سقط عنه الفرض وصار ما بعده نفلا فلا يصح اقتداء المفترض به.
قوله: (لفرض) متعلق بالتعيين، قال في الاشباه: ولم أر حكم نية الفرض العين في فرض العين وفرض الكفاية في فرض الكفاية، وأما المعادة لترك واجب فلا شك أنها جابرة لا فرض، فعليه ينوي كونها جابرة.
وأما على القول بأن الفرض لا يسقط إلا بها فلا خفاء في اشتراط نية الفرضية ا ه.
ونقل البيري عن الامام السرخسي أن الاصح القول الثاني.
قوله: (أنه ظهر) بفتح
الهمزة مفعول التعيين أو على حذف الجار: أي بأنه.
قوله: (قرنه باليوم أو الوقت أو لا) أي لم(1/450)
يقرنه بشئ منهما، وشمل إطلاقه في هذه الثلاثة ما إذا كان ذلك في الوقت أو خارجه مع علمه بخروجه أو مع الجهل، فالمسائل تسع من ضرب ثلاثة في ثلاثة، أما إن قرنه باليوم بأن نوى ظهر اليوم فيصح في الصور الثلاث كما سيذكره الشارح.
وأما إن قرنه بالوقت بأن نوى ظهر الوقت: فإن كان في الوقت صح قولا واحدا، وإن كان خارجه مع العلم بخروجه فيصح أيضا على ما فهمه الشرنبلالي من عبارة الدرر في حاشيته عليها، لان وقت العصر ليس له ظهر فيراد به الظه رالذي يقضى في هذا الوقت، وإن كان خارجه مع الجهل فلا يصح كما في الفتح والخانية والخلاصة وغيرها، وبه جزم المصنف والشارح فيما سيأتي، وهو الذ فهمه في النهر من عبارة الزيلعي خلافا لما فهمه منها في البحر، وهو ما اقتضاه إطلاق الشارح هنا من أنه يصح، ونقل في المنية عن المحيط أنه المختار، لكن رده في شرح المنية، بل قال في الحلية: إنه غلط، والصواب ما في المشاهير من أنه لا يصح.
وأما إذا لم يقرنه بشئ بأن نوى الظاهر وأطلق، فإن كان في الوقت ففيه قولان مصححان: قيل لا يصح لقبول الوقت ظهر يوم آخر، وقيل يصح لتعين الوقت له، ومشى عليه في الفتح والمعراج والاشباه، واستظهره في العناية.
ثم قال: وأقول الشرط المتقدم، وهو أن يعلم بقلبه أي صلاة يصلي يحسم مادة هذه المقالات وغيره، فإن العمدة عليه لحصول التمييز به وهو المقصود ا ه.
وإن كان خارجه مع الجهل بخروجه.
ففي النهر أن ظاهر ما في الظهيرية أنه يجوز على الارجح، وإن كان مع العلم به فبحث ح أنه لا يصح وخالفه ط.
قلت: وهو الاظهر، لما مر عن العناية: وأما إذا نوى فرض اليوم أو فرض الوقت فسيأتي بأقسامه التسع، فافهم.
قوله: (هو الاصح) قيد لقوله: أولا أي إذا نوى الظهر ولم يقرنه باليوم أو الوقت وكان في الوقت فالاصح الصحة كما في الظهيرية، وكذا في الفتح وغيره كما قدمناه، وهو رد على ما في الخلاصة من أنه لا يصح كما نقله في البحر والنهر لا على ما في الظهيرية، فافهم.
قوله: (لكنه يعين الخ) أي يعين الصلاة ويومها، أشباه، وهذا عند وجود المزاحم، أما عند عدمه فلا، كما لو
كان في ذمته ظهر واحد فائت فإنه يكفيه أن ينوي ما في ذمته من الظهر الفائت وإن لم يعلم أنه من أي يوم.
حلية، فافهم.
قوله: (على المعتمد) مقابله ما في المحيط من أنه إذا سقط الترتيب بكثرة الفوائت تكفيه نية الظهر لا غير ا ه: أي لا يلزم تعيين اليوم قياسا على الصوم.
قوله: (والاسهل الخ) أي فيما إذا وجد المزاحم كظهرين من يومين جعل تعيينهما.
قوله: لا يشترط ذلك) أي نية أول ظهر أو آخره، بل تكفيه نية الظهر لا غير كما مر عن المحيط.
قوله: (وسيجئ) أي ما صححه القهستاني في آخر الكتاب في مسائل شتى متنا تبعا لمتن الكنز، ونقل الشارح هناك عن الاشباه أنه مشكل ومخالف لما ذكره أصحابنا كقاضيخان وغيره، والاصح الاشتراط.
قلت: وكذا صححه في متن الملتقى هناك، فقد اختلف التصحيح، والاشتراط أحوط، وبه جزم في الفتح هنا.
قوله: (وواجب) بالجر عطفا على قوله: لفرض وقد عد منه في البحر قضاء ما أفسده من النفل والعيدين(1/451)
وركعتي الطواف، وزاد في الدرر الجنازة، لكن في الاشباه: والخطبة لا يشترط لها نية الفرضية وإن شرطنا لها النية لانه لا يتنفل بها، وينبغي أن تكون صلاة الجنازة كذلك لانها لا تكون إلا فرضا كما صرحوا به، ولذا لا تعاد نفلا ا ه.
ويؤيده نصهم على أنه ينوي فيها الصلاة لله تعالى والدعا للميت، ولم يذكروا تعيين الفرضية.
قوله: (أنه وتر) أشار إلى أنه لا ينوي فيه أنه واجب للاختلاف فيه زيلعي: أي لا يلزمه تعيين الوجوب، وليس المراد منعه من أن ينوي وجوبه، لانه إن كان حنفيا ينبغي أن ينويه ليطابق اعتقاده، وإن كان غيره لا تضره تلك، ذكره في البحر في باب الوتر.
ثم اعلم أن ما في شرح العيني من قوله: وأما الوتر، فالاصح أنه يكفيه مطلق النية مشكل، لان ظاهره أن يكفيه نية مطلق الصلاة كالنفل، إلا أن يحمل على ما ذكرناه عن الزيلعي من إطلاق نية الوتر، ولذا قال: يكفيه مطلق النية، ولم يقل مطلق نية الصلاة، وبينهما فرق دقيق، ففيه إشارة خفية إلى ما قلنا، فتدبر.
قوله: (أو نذر) هو قد يكون منجزا أو معلقا على نحو شفاء مريض أو قدوم غائب، فالظاهر أنه لا بد من تعيينه بذلك لاختلاف أسبابه واختلاف أنواع ما علق عليه، بدليل عدم الاكتفاء في الفرض بدون تخصيصه بنحو الظهر، أفاده ح.
قلت: هذا إنما يظهر عند وجود المزاحم،
كما لو كان عليه نذر منجز ومعلق، أو نذران علقا على أمرين، وإلا فلا كما قدمناه آنفا عن الحلية في قضاء الفائتة، فافهم.
قوله: (أو سجود تلاوة) إلا إذا تلاها في الصلاة وسجدها فورا، ولا يجب تعيين السجدات التلاوية لو تكررت التلاوة كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
قوله: (وكذا شكر بخلاف سهو) الذي رأيته في النهر بحثا عكس ما ذكره الشارح، ولعل الاوجه ما هنا بالنسبة إلى سجود الشكر فقط، لان السجود قد يكون لسبب كالتلاوة والشكر، وقد يكون بدونه كما يفعله العوام بعد الصلاة وهو مكروه كما نص عليه الزاهدي، فلما وجد المزاحم لا بد من التعيين لبيان السبب وإلا كان مكروها اتفاقا.
ويبتنى على ذلك ما لو نام في ذلك السجود أو تيمم لاجله، فإن كان سجودا مشروعا تنتقض طهارته وتصح صلاته بذلك التيمم، وإلا فلا كما ذكره في ثمرة الاختلاف بين الامام وصاحبيه في مشروعية سجدة الشكر وعدمها، فظهر أنه لا بد من تعيينها ليتميز المشروع عن غيره.
لا يقال: إن النفل لا يشترط فيه التعيين كما مر، وسجدة الشكر على القول بمشروعيتها نفل فلا يشترط تعيينها أيضا.
لانا نقول: هذا خارج عن هذا الحكم بدليل أن الصلاة عبادة في ذاتها ولا تنتفي عنها المشروعية إلا بسبب عارض، بخلاف السجود خارج الصلاة فإنه ليس عبادة في نفسه بل بعارض شكر أو تلاوة مثلا، فمطلق الصلاة ينصرف إلى النفل المشروع فلذا لم يشترط تعيينه، بخلاف مطلق السجود فإنه ينصرف إلى غير المشروع لانه لم يشرع إلا بسبب، فلا بد من تعيين ذلك السبب ليكون مشروعا، وليتميز عن غيره من المزاحمات له في المشروعية من تلاوة وسهو، فافهم، هذا ما ظهر لفهمي القاصر.
وأما سجود السهو فأفاد ح أنه لما كان جابرا لنقص واجب في الصلاة كان بدله، ولا يشترط نية أبعاض الصلاة فكذلك بدله ا ه.
ثم رأيت في الاشباه قال: ولا تصح صلاة مطلقا إلا بنية، ثم قال: وسجود التلاوة كالصلاة، وكذا سجدة الشكر وسجود السهو ا ه.
ولعل هذا هو الاظهر.
تتمة: لم يذكر السجدة الصلبية، وحكمها أن يجب نيتها إذا فصل بينها وبين محلها بركعة، فلو بأقل فلا كما في الفتاوى الهندية، فتأمل.
قوله: (فلا يضر الخطأ في عددها) الظاهر أن الخطأ غير(1/452)
قيد.
وفي الاشباه: الخطأ فيما لا يشترط له التعيين لا يضر، كتعيين مكان الصلاة وزمانها وعدد الركعات: ومنه إذا عين الاداء فبان أن الوقت قد خرج أو القضاء فبان أنه باق ا ه.
ونقل في جامع الفتاوى ظن الخانية أن الافضل أن ينوي أعداد الركعات، ثم قال: وقيل يكره التلفظ بالعدد لانه عبث لا حاجة إليه ا ه.
ولا يخلو القول الثاني عن تأمل.
قوله: (وينوي المقتدي) أما الامام فلا يحتاج إلى نية الامامة كما سيأتي.
قوله: (لم يقل أيضا) أي كما في الكنز والملتقى وغيرهما.
قوله: (صح في الاصح) كذا نقله الزيلعي وغيره بحر.
قلت: لكن ذكر المسألة الاولى في الخانية وقال: لا يجوز، لان الاقتداء بالامام كما يكون في الفرض يكون في النفل.
وقال بعضهم: يجوز ا ه.
قال في شرح المنية: فظهر أن الجواز قول البعض وعدمه هو المختار.
أقول: يؤيده قول المتون ينوي المتابعة أيضا، وكذا قول الهداية: ينوي الصلاة ومتابعة الامام، ومثله في المجمع وكثير من الكتب، بل قال في المنبع: إنه بالاجماع.
وأما المسألة الثانية فلا تخالف ما في المتون لان فيها التعيين مع المتابعة، ولهذا قال في الخانية: أنه لما نوى الشروع في صلاة الامام صار كأنه نوى فرض الامام مقتديا به ا ه فتدبر.
ومقتضاه أنه صح شروعه وصار مقتديا وإن لم يصرح بنية الاقتداء، لكن في الفتح: إذا نوى الشروع في صلاة الامام قال ظهير الدين: ينبغي أن يزيد على هذا واقتديت به.
قوله: (وإن لم يعلم بها) أي بصلاة الامام.
قوله: (تبعا لصلاة الامام) الاولى تبعا للامام كما عبر الزيلعي.
قوله: (لعدم نية الاقتداء) علة لقوله: بخلاف الخ.
أما في الاول فلانه إنما عين الصلاة فقط ولا يلزم منه نية الاقتداء.
وأما الثاني فلان الانتظار قد يكون للاقتداء وقد يكون بحكم العادة، فلا يصير مقتديا بالشك كما في البدائع.
وقيل إذا انتظر ثم كبر صح، واستحسنه في شرح المنية لقيامه مقام النية.
قلت: لا يخفى أن الكلام عن عدم خطور الاقتداء في قلبه وقصده له وإلا كانت النية موجودة حقيقية.
قوله: (إفي جمعة) استثناء من المتن: أي فيكفيه التعيين عن نية الاقتداء أو من قوله: بخلاف ما لو نوى صلاة الامام.
قوله: (وجنازة وعيد) نقلهما في الاحكام عن عمدة المفتي.
قوله: (لاختصاصها) أي الثلاثة المذكورة بالجماعة فتكون نيتها متضمنة لنية الاقتداء.
قال في الاحكام: لكن في صلاة الجنازة بحث، إلا أن يقال: لما كانت لا تتكرر وكان الحق للولي في الامامة لم تكن إلا مع الامام ا ه.
فعلى هذا يقيد ذلك بغير الولي، فلو أم بها من لا ولاية له ثم حضر الولي لا بد له مع التعيين من نية الاقتداء بذلك الامام وإلا كان شارعا في صلاة نفسه، لان له الاعادة ولو منفردا فلا اختصاص في حقه.
قوله: (ولو نوى فرض الوقت الخ) اعلم أنه يتأتى هنا تسع مسائل أيضا كما ذكرناه سابقا، لانه إما أن يقرن الفرض بالوقت أو باليوم أو يطلق، وفي كل إما أن يكون في الوقت أو خارجه مع العلم بخروجه أو مع عدمه، فإن قرنه باليوم بأن نوى فرض اليوم(1/453)
لا يصح بأقسامه الثلاث، لان فرض اليوم متنوع، ومثله ما لو أطلق، وإن قرنه بالوقت، فإن في الوقت جاز وهو ما ذكره المصنف، وإن خارجه مع العلم بخروجه فقال ح: لا يجوز.
قلت: وهو المتبادر من قول الاشباه عن البناية: لو نوى فرض الوقت بعد ما خرج الوقت لا يجوز، وإن شك في خروجه جاز ا ه.
لكنه خلاف ما يفهم من قول الزيلعي الآتي: وهو لا يعلمه، فليتأمل، وإن كان مع عدم العلم بخروجه لا يجوز لقول الزيلعي: يكفيه أن ينوي ظهر لوقت مثلا أو فرض الوقت والوقت باق لوجود التعيين، ولو كان الوقت قد خرج وهو لا يعلمه لا يجوز لان فرض الوقت في هذه الحالة غير الظهر اه.
وفي التاترخانية: وإن صلى بعد خروج الوقت وهو لا يعلمه فنوى فرض الوقت لا يجوز وهو الصحيح لكن يخالفه قول الاشباه المار آنفا وإن شك في خروجه جاز.
وقد يجاب بأنه مبني على خلاف الصحيح وأما الجواب بالتفرقة بين الشك وعدم العلم ففيه نظر، لان من لم يعلم خروج وقت الظهر مثلا ونوى فرض الوقت يكون مراده وقت الظهر لانه يظن بقاءه، ومع هذا قلنا: الصحيح أنه لا يجوز، فمن شك في بقائه وخروجه يكون أولى بعدم الجواز، فافهم.
قوله: (لانها بدل) أو لان فرض الوقت عندنا الظهر لا الجمعة، ولكن قد أمر بالجمعة لاسقاط الظهر، ولذا لو صلى الظهر قبل أن تفوته الجمعة صحت عندنا، خلافا لزفر والثلاثة وإن حرم الاقتصار عليها.
شرح
المنية، لكن سيأتي في الجمعة اعتمادا أنها أصل لا بدل، وهو ضعيف كما سنوضحه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (في اعتقاده) تفسير لقوله: عنده فهو على حذف أي ط.
قوله: (ولو في الجمعة) كذا في الشرنبلالية، ولم يظهر لي وجهه ا ه ح.
أقول: لعل المراد أنه لو نوى المعذور ظهر الوقت يوم الجمعة جاز: أبلا فرق بين أن يكون اعتقاده أنها فرض الوقت أولا، فتظهر فائدة ذكره هنا.
وأمنية الظهر في صلاة الجمعة فلا تصح كما في الاحكام عن النافع.
وفيه عن فيض الغفا شرح المختار: لو نوى ظهر الوقت في غير الجمعة إن في الوقت جاز على الصحيح، فقوله في غير الجمعة، احتراز عن الجمعة.
قوله: (وهو لا يعلمه) أي لا يعلم خروجه، ومفهومه أنه لو علمه يصح كما قدمناه عن الشرنبلالية.
قوله: (لا يصح في الاصح) بل قدمنا عن الحلية أنه هو الصواب، خلافا لما فهمه في البحر وإن رجحه المحشي.
قوله: (ومثله فرض الوقت) أي مثل ظهر الوقت في أنه بعد خروج الوقت وهو لا يعلمه لا يصح في الاصح كما قدمناه آنفا عن التاترخانية والزيلعي، خلافا لما في الاشباه فإنه خلاف الاصح كما علمت، فافهم، قوله: (لجوازه مطلقا) أي وإن كان الوقت قد خرج لانه نوى ما عليه، وهو مخلص لمن يشك في خروج الوقت ا ه زيلعي: أي بخلاف ظهر الوقت، لان الظهر لا يخرج عن كونه ظهر اليوم بخروج الوقت، ويخرج عن كونه ظهر لوقت بخروجه لصحة تسميته ظهر اليوم(1/454)
لا ظهر الوقت، لان الوقت ليس له، إذ اللام للعهد لا للجنس، فلا يضاف إليه ا ه شرح المنية.
مطلب: يصح القضاء بنية الاداء وعكسه قوله: (لصحة القضاء بنية الاداء الخ) هذا التعليل إنما يظهر إذا نوى الاداء، أما إذا تجردت نيته فلا ا ه.
ط والمناسب ما في الاشباه عن الفتح: لو نوى الاداء على ظن بقاء الوقت فتبين خروجه أجزأه، وكذعكسه، ثم مثل له ناقلا عن كشف الاسرار بقوله: كنية من نوى أداء ظهر اليوم بعد خروج الوقت على ظن أن الوقت باق، وكنية الاسير الذي اشتبه عليه رمضان فتحرى شهرا وصامه بنية الاداء فوقع صومه بعد رمضان، عكسه كنية من نوى قضاء الظهر على ظن أن الوقت قد
خرج ولم يخرج بعد، وكنية الاسير الذي صام رمضان بنية القضاء على ظن أنه قد مضى والصحة فيه باعتبار أنه أتى بأصل النية، ولكن أخطأ في الظن، والخطأ في مثله معفو عنه ا ه.
أقول: ومعنى كونه أتى بأصل النية أنه قد عين في قلبه ظهر اليوم الذي يريد صلاته فلا يضر وصفه له بكونه أداء أو قضاء، بخلاف ما إذا نوى صلاة الظهر قضاء وهو في وقت الظهر ولم ينو صلاة هذا اليوم لا يصح عن الوقتية، لانه بنية القضاء صرفه عن هذا اليوم ولم توجد منه نية الوقتية حتى يلغو وصفه بالقضاء فلم يوجد التعيين، وكذا لو نواه أداء وكانت عليه ظهر فائتة لا يصح عنها وإن كان قد صلى لوقتية لما قلنا.
مطلب: مضى عليه سنوات وهو يصلي الظهر قبل وقتها وبهذا ظهر الجواب عن مسألة ذكرها بعض الشافعية، وهي: لو مضى عليه سنوات وهو يصلي الظهر قبل وقتها فهل عليه قضاء ظهر واحدة أو الكل؟ فأجاب بعضهم بالاول بناء على أنه لا تشترط نية القضاء فتكون صلاة كل يوم قضاء لما قبله، وخالفه غيره.
ووافق بعض المحققين منهم بأنه إن نوى كل يوم صلاة ظهر مفروضة عليه بلا تقييد بالتي ظن دخول وقتها الآن تعين ما قاله الاول، وإن نواها عن التي ظن دخول وقتها الآن وعبر عنها بالاداء أو لا تعين الثاني لصرفه لها عن الفائتة بقصده الوقتية ا ه.
ولا يخفى أن هذا التفصيل موافق لقواعد مذهبنا، أما الاول فلما قدمناه عن الزيلعي فيمن نوى ظهر اليوم بعد خروجه من أنه يصح لانه نوى ما عليه ولم يوجد المزاحم هنا حتى يلزمه تعيين يوم الفائتة فيكفيه نية ما في ذمته كما مر عن الحلية، وأما الثاني فلما قررناه آنفا.
ثم رأيت التصريح بذلك عندنا في الصوم، وهو ما لو صام الاسير بالتحري سنين ثم تبين أنه صام في كل سنة قبل شهر رمضان، فقيل يجوز صومه في كل سنة عما قبلها، وقيل لا.
قال في البحر: وصحح في المحيط أنه إن نوى صوم رمضان مبهما يجوز عن القضاء وإن نوى عن السنة مفسرا فلا ا ه.
قال في البدائع: ومثل له أبو جعفر بمن اقتدى بالامام على ظن أنه زيد فإذا هو عمرو ص، ولو اقتدى بزيد، فإذا هو عمرو لم يصح، لانه في الاول اقتدى بالامام إلا أنه أخطأ في ظنه فلا يقدح: وفي الثاني اقتدى
بزيد، فإذا لم يكن زيدا تبين أنه لم يقتد بأحد، فكذا هنا إذا نوى صوم كل سنة عن الواجب عليه تعلقت نية الواجب بما عليه لا بالاولى والثانية، إلا أنه ظن أنه للثانية فأخطأ في ظنه فيقع عن الواجب عليه لا عما ظن انتهى.
وحاصله أنه إذا نوى الصوم الواجب عليه لا بقيد كونه عن سنة مخصوصة صح عن السنة الماضية وإن كان يظن أنه لما بعدها، فاغتنم هذا التحرير.
قوله: (ومصلي الجنازة) شروع في بيان التعيين في(1/455)
صلاة الجنازة ط.
قوله: (ينوي الصلاة لله الخ) كذا في المنية.
قال في الحلية وفي المحيط الرضوي والتحفة والبدائع: ينبغي أن ينوي صلاة الجمعة وصلاة العيدين وصلاة الجنازة وصلاة الوتر، لان التعيين يحصل بهذا ا ه.
وأما ما ذكره المصنف فليس بضربة لازب.
ويمكن أن يكون إشارة إلى أنه لا ينوي الدعاء للميت فقط نظرا إلى أنه لا ركوع فيها ولا سجود ولاقراءة ولا تشهد ا ه.
أقول: وهذا أظهر مما في جامع الفتاوى، من أنه لا بد مما ذكره المصنف، وأنه لو كان الميت ذكرا فلا بد من نيته في الصلاة، وكذلك الانثى والصبي والصبية، ومن لم يعرف أنه ذكر أو أنثى يقول: نويت أن أصلي الصلاة على الميت الذي يصلي عليه الامام ا ه، فليتأمل.
ويأتي قريبا ما يؤيد الاول.
هذا، وذكر ح.
بحثا أنه لا بد من تعيين السبب وهو الميت أو الاكثر، فإن أراد الصلاة على جنازتين نواهما معا أو على إحداهما فلا بد من تعيينها، ويؤيده ما يذكره الشارح عن الاشباه.
قوله: (لانه الواجب عليه) كذا قاله الزيلعي وتبعه في البحر والنهر، ووجهه ما ذهب إليه المحقق ابن الهمام حيث قالوا: المفهوم من كلامهم أن أركانها الدعاء والقيام والتكبير، لقولهم: إن حقيقتها هي الدعاء وهو المقصود منها ا ه.
وفي النتف: هي في قول أبي حنيفة وأصحابه دعاء على الحقيقة، وليست بصلاة، لانه لا قراءة فيها ولا ركوع ولا سجود ا ه.
فحيث كان حقيقتها الدعاء كان وجوبها باعتبار الدعاء فيها.
وإن قلنا: إنه ليس بركن فيها على ما اختاره في البحر وغيره كما سيأتي في الجنائز، وحينئذ فالضمير في قوله: لانه الواجب يعود على الدعاء.
أما على القول بالركنية فظاهر، وإنما خص من بين سائر أركانها لانه المقصود منها، وأما على القول بالسنية فلان المراد
بالدعاء ماهية الصلاة لا نفس الدعاء الموجود فيها، لما علمت من أن حقيقتها الدعاء لان المصلي شافع للميت، فهو داع له بنفس هذه الصلاة وإن لم يتلفظ بالدعاء، فكأنه قيل: لان الصلاة هي الواجبة عليه، هكذا ينبغي حل هذا المحل، فافهم.
قوله: (فيقول الخ) بيان للنية الكاملة ا ه ح.
قلت: وفي جنائز الفتاوى الهندية عن المضمرات أن الامام والقوم ينوون ويقولون: نويت أداء هذه الفريضة عبادة لله تعالى متوجها إلى الكعبة مقتديا بالامام، ولو تفكر الامام بالقلب أن يؤدي صلاة الجنازة يصح، ولو قال المقتدي: اقتديت بالامام، يجوز ا ه.
وبه ظهر أن الصيغة التي ذكرها المصنف غير لازمة في نيتها بل يكفي مجرد نيته في قلبه أداء صلاة الجنازة كما قدمناه عن الحلية، وأنه لا يلزمه تعيين الميت أنه ذكر أو أنثى خلافا لما مر عن جامع الفتاوى.
قوله: (لم يجز) لان الميت كالامام، فالخطأ في تعيينه كالخطأ في تعيين الامام ا ه ح: أي لانه لما عين لزم ما عينه وإن كان أصل التعين غير لازم على ما عرفته آنفا.
في ط عن البحر: ولو نوى الصلاة عليه يظنه فلانا فإذا هو غيره يصح، ولو نوى الصلاة على فلان فإذا هو غيره لا يصح، ولو على هذا الميت الذي هو فلان فإذا هو غيره جاز لانه عرفه بالاشارة فلغت التسمية ا ه.
وعليه فينبغي تقييد عدم الجواز في مسألتنا بما إذا لم يشر إليه.
تأمل.
قوله: (وأنه لا يضر الخ) أي إذا عين عددهم لا يضره التعيين المذكور في حالة من الاحوال سواء وافق ما عين أو خالفه إلا إذا كانوا أكثر مما عين، وهذا معنى(1/456)
صحيح لهذا التركيب لا شئ فيه سوى التغيير في وجوه الحسان، فافهم.
قوله: (إلا إذا بان الخ) هذا ظاهر إذا كان إماما، فلو مقتديا وقال: أصلي على ما صلى عليه الامام، وهم عشرة فظهر أنهم أكثر لا يضر، وينبغي أن يقيد عدم الاجزاء بما إذا قال: أي الامام: أصلي على العشرة الموتى مثلا، أما إذا قال: أصلي على هؤلاء العشرة، فبان أنهم أكثر فلا كلام في الجواز لوجود الاشارة ا ه.
بيري.
قوله: (لعدم نية الزائد) لا يقال: مقتضاه أن تصح الصلاة على القدر الذي عينه عددا.
لانا نقول: لما كان كل يوصف بكونه زائدا على المعين بطلت ط.
قوله: (والامام ينوي صلاته فقط الخ) لانه منفرد في حق نفسه.
بحر: أي فيشترط في حقه ما يشترط في حق المنفرد من نية صلاته على الوجه المار بلا
شئ زائد بخلاف المقتدي، فالمقصود دفع ما قد يتوهم من أنه كالمقتدي يشترط له نية الامامة كما يشترط للمقتدي نية الاقتداء لاشتراكهما في الصلاة الواحدة.
والفرق أن المقتدي يلزمه الفساد من جهة إمامه فلابد من التزامه، كما يشترط للامام نية إمامة النساء لذلك كما يأتي.
والحاصل ما قاله في الاشباه من أنه لا يصح الاقتداء إلا بنيته، وتصح الامامة بدون نيتها، خلافا للكرخي وأبي حفص الكبير ا ه، لكن يستثنى من كانت إمامته بطريق الاستخلاف فإنه لا يصير إماما ما لم ينو الامامة بالاتفاق كما نص عليه في المعراج في باب الاستخلاف، وسيأتي هناك.
قوله: (بل لنيل الثواب) معطوف على قوله: (لصحة الاقتداء) أي بل يشترط نية إمامة المقتدي لنيل الامام ثواب الجماعة، وقوله: (عند اقتداء أحد به) متعلق بنيته التي هي نائب فاعل يشترط المقدر بعد، بل وقوله: لا قبله معطوف عليه: أي لا يشترط لنيله الثواب نية الامامة قبل الاقتداء، بل يحصل بالنية عنده أو قبله، فقوله: لا قبله نفي لاشتراط نيل الثواب بوجود النية قبله لا نفي للجواز، ولا يخفى أن نفي الاشتراط لا ينافي الجواز، فافهم.
قوله: (لو أم رجالا قيد لقوله: ولا يشترط الخ.
قوله: (فلا يحنث الخ) تفريع على قوله: ولا يشترط قال في البحر: لان شرط الحنث أن يقصد الامامة ولم يوجد ما لم ينوها ا ه.
لكن قال في الاشباه: ولو حلف أن لا يؤم أحدا فاقتدى به إنسان صح الاقتداء، وهل يحنث؟ قال في الخانية: يحنث قضاء لا ديانة إلا إذا أشهد قبل الشروع فلا حنث قضاء، وكذا لو أم الناس هذا الحالف في صلاة الجمعة صحت وحنث قضاء، ولا يحنث أصلا إذا أمهم في صلاة الجنازة وسجد سجدة التلاوة، ولو حلف أن لا يؤم فلانا فأم الناس ناويا أن لا يؤمه ويؤم غيره فاقتدى به فلان وحنث وإن لم يعلم به ا ه: أي لانه إذا كان إماما لغيره كان إماما له أيضا، إلا إن نوى إذا أن يؤم الرجال دون النساء فلا يجزيهن كما في النتف.
بقي وجه حنثه قضاء في الصورة الاولى أن الامامة تصح بدون نية كما قدمناه ولذا صحت منه الجمعة مع أن شرطها الجماعة، لكن لما كان لا يلزمه الحنث بدون التزامه لم يحنث ديانة إلا بنية(1/457)
الامامة، كذا ظهر لي فتأمل.
قوله: (في غير صلاة جنازة) أما فيها فلا يشترط نية إمامتها إجماعا كما
يذكره.
قوله: (لصحة صلاتها) الانسب بالمقام لصحة اقتدائها.
قوله: (من نية إماميتها) أي وقت الشروع، لا بعده كما سيذكره في باب الامامة.
ويشترط حضورها عند النية في رواية، وفي أخرى لا، واستظهرها في البحر.
قوله: (لئلا يلزم الخ) حاصله أنه لو صح اقتداؤه بلا نية لزم عليه إفساد صلاته إذا حاذته بدون التزامه وذلك لا يجوز، والتزامه إنما هو بنية إمامتها.
قوله: (بالمحاذاة) أي عند وجود شرائطها الآتية في باب الامامة.
قوله: (كجنازة) فإنه لا يشترط لصحة اقتداء المرأة فيها نية إمامتها إجماعا، لان المحاذاة فيها لا تفسدها.
قوله: (على الاصح) حكوا مقابله عن الجمهور.
قوله: (وعليه) أي على القول بأنه لا يشترط لصحة اقتدائها نية إمامتها فيصح اقتداؤها، لكن إن لم تتقد بعد ولم تحاذ أحدا من إمام أو مأموم بقي اقتداؤها وتمت صلاتها، وإلا: أي وإن تقدمت وحاذت أحدا لا يبقى اقتداؤها ولا تتم صلاتها كما في الحلية فليس ذلك شرطا في الجمعة والعيد فقط، فافهم.
قوله: (مطلقا) أي للقريب المشاهد وغيره، لان إصابة الجهة تحصل بلا نية العين وهي شرط، فلا يشترط لها النية كباقي الشرائط.
قوله: (على الراجح) مقابله ما قيل: إن الفرض إصابة العين للقريب والبعيد، ولا يمكن ذلك للبعيد إلا من حيث النية فانتقل ذلك إليها.
قوله: (لم يجز) لان المراد بالكعبة العرصة لا البناء، والمحراب علامة عليها، والمقام: هو الحجر الذي كان يقوم عليه الخليل عليه الصلاة والسلام عند بناء البيت.
قوله: (مفرع على المرجوح) كذا في البحر عن الحلية وهو ظاهر، لان من اشترط نية الكعبة لا يجوز الصلاة بدونها، فإذا نوى غيرها لا تجوز الصلاة عنده بالاولى، وقد علمت أن الكعبة اسم للعرصة، فإذا نوى البناء أو المحراب أو المقام فقد نوى غير الكعبة، أما على القول الراجح من أنه لا تشترط نيتها فلا يضره نية غيرها بعد وجود الاستقبال الذي هو الشرط، لكن اعترضه الشيخ إسماعيل بأنه غير مسلم لما في البدائع من أن الافضل أن لا ينوي الكعبة، لاحتمال أن لا تحاذي هذه الجهة الكعبة فلا تجوز صلاته ا ه.
فإن مفهومه أنه إذا استقبل غير ما نوى لا تجوز صلاته، لكن لا يخفى أنه ليس فيه دلالة، على أنه إذا نوى البناء ونحوه لا تجوز صلاته بل يدل على أن الافضل عدم ذلك، فما ذكره الشارح تبعا للبحر والحلية صحيح، فافهم، نعم ذكر في شرح المنية أن نية القبلة وإن لم تشترط، لكن عدم نية الاعراض عنها شرط ا ه، وعليه فهو مفرع على الراجح.
قوله: (صح) لانه
نوى الاقتداء بالامام الموجود فلا يضره ظنه، بخلاف اسمه، قال في الحلية: لان العبرة لما نوى لا لما يرى ا ه.
ويظهر منه أن مثله ملو اعتقد أنه زيد لانه جازم بالاقتداء بهذا الامام، فافهم.
مطلب: إذا اجتمت الاشارة والتسمية قوله: (إلا إذا عينه باسمه) أي لم ينو الاقتداء بالامام الموجود، وإنما نوى الاقتداء بزيد سواء تلفظ باسمه أو لا، لما في المنية: إلا إذا قال اقتديت بزيد أو نوى الاقتداء بزيد ا ه.
فإذا ظهر أنه(1/458)
عمرو لا يصح الاقتداء، لان العبرة لما نوى.
حلية: أي وهو قد نوى الاقتداء بغير هذا الامام الحاضر.
قوله: (إلا إذا عرفه) استثناء من عدم الصحة التي تضمنها الاستثناء الاول.
قوله: (كالقائم في المحراب) أي نوى الاقتداء بالامام القائم في المحراب الذي هو زيد فإذا هو غيره جاز.
أشباه، لان أل يشار بها إلى الموجود في الخارج أو الذهن، وعلى كل فقد نوى الاقتداء بالامام الموجود فلغت التسمية.
قوله: (أو إشارة) أي باسمها الموضوع لها حقيقة، وإنما جاز لانه عرفه بالاشارة فلغت التسمية كما في الخانية وغيرها.
قوله: (إلا إذا أشار الخ) إستثناء من قوله: أو إشارة.
قوله: (فلا يصح) أو رد عليه أن في هذه الصورة اجتمعت الاشارة مع التسمية، فكان ينبغي أن تلغو التسمية كما لغت في هذا الامام الذي هو زيد وفي هذا الشيخ.
والجواب أن إلغاء التسمية ليس مطلقا، قال في الهداية من باب المهر: الاصل أن المسمى إذا كان من جنس المشار إليه يتعلق العقد بالمشار إليه، لان المسمى موجود في المشار ذاتا، والوصف يتبعه وإن كان من خلاف جنسه يتعلق بالمسمى، لان المسمى مثل المشار إليه، وليس بتابع له، والتسمية أبلغ في التعريف من حيث إنها تعرف الماهية والاشارة تعرف الذات ا ه.
قال الشارحون: هذا الاصل متفق عليه في النكاح والبيع والاجارة وسائر العقود ا ه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن زيدا وعمراجنس واحد من حيث الذات وإن اختلفا من حيث الاوصاف والمشخصات لان الملحوظ إليه في العلم هو الذات، ففي قوله: هذا الامام الذي هو زيد فظهر أن المشار إليه عمرو يكون قد اختلف المسمى والمشار إليه، فلغت التسمية وبقيت
الاشارة معتبرة لكونهما من جنس واحد، فصح الاقتداء، وأما الشيخ والشاب فهما من الاوصاف الملحوظ فيها الصفات دون الذات، ومعلوم أن صفة الشيخوخة تباني صفة الشباب فكانا جنسين، فإذا قال هذا الشاب فظهر أنه شيخ لا يصح الاقتداء لانه وصفه بصفة خاصة لا يوصف بها من بلغ سن الشيخوخة، فقد خالفت الاشارة التسمية مع اختلاف الجنس، فلغت الاشارة واعتبرت التسمية بالشاب، فيكون قد اقتدى، بغير موجود، كمن اقتدى بزيد فبان غيره.
وأما إذا قال هذا الشيخ فظهر أنه شاب فإنه يصح، لان الشيخ صفة مشتركة في الاستعمال بين الكبير وفي السن الكبير في القدر كالعالم وبالنظر إلى المعنى الثاني يصح أن يسمى الشاب شيخا، فقد اجتمعت الصفتان في المشار إليه لعدم تخالفهما فلم يبلغ أحدهما فيصح الاقتداء.
ونظيره لو قال: هذه الكلبة طالق أو هذا الحمار حر، تطلق المرأة ويعتق العبد كما صرحوا بمع أن المشار إليه وهو المرأة والعبد من غير جنس المسمى وهو الكلبة والحمار، لكن لما كان في مقام الشتم يطلق الكلب والحمار على الانسان مجازا لم يحصل اختلاف الجنس فلم تلغ الاشارة، هذا ما ظهر لفهمي السقيم من فيض الفتاح العليم، قوله: (وفي المجتبى الخ) وجهه أنه لما نوى الاقتداء بإمام مذهبه فإذا هو غيره فقد نوى الاقتداء بمعدوم كما قدمناه عن المنية فيما إذا نوى الاقتداء بزيد فإذا هو غيره.
مطلب: ما زيد في المسجد النبوي هل يأخذ خكمه؟(1/459)
قوله: (فائدة لما كان الخ) استنبط هذه الفائدة من مسألة الاقتداء شيخ الاسلام العيني في شرح البخاري كما في أحكام الاشارة من الاشباه.
وأصل ذلك قوله (ص) في الحديث الصحيح صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ومعلوم أنه قد زيد في المسجد النبوي، فقد زاد فيه عمر ثم عثمان ثم الوليد ثم المهدي، والاشارة بهذا إلى المسجد المضاف المنسوب إليه (ص)، ولا شك أن جميع المسجد الموجود الآن يسمى مسجده (ص)، فقد اتفقت الاشارة والتسمية على شئ واحد، فلم تلغ التسمية، فتحصل المضاعفة المذكورة في الحديث فيما زيد فيه.
وخصها الامام النووي بما كان في زمنه (ص) عملا بالاشارة، وأما حديث لو مد مسجدي هذا
إلى صنعاء كان مسجدي فقد اشتده ضعف طرقه، فلا يعمل به في فضائل الاعمال كما ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة، وكان وجهه أنه جعل الاشارة لخصوص البقعة الموجودة يومئذ فلم تدخل فيها الزيادة، ولا بد في دخولها من دليل.
قلت: ويؤيده ما سيأتي في الايمان من باب اليمين بالدخول عن البدائع: لو قال لا أدخل هذا المسجد فزيد فيه حصة فدخلها لم يحنث ما لم يقل مسجد بني فلان فيحنث، وكذا الدار، لانه عقد يمينه على الاضافة وذلك موجود في الزيادة.
وقد يجاب بأن ما نحن فيه من قبيل الثاني، ويؤيده أن في بعض طرق الحديث بدون اسم الاشارة، وعلى ذكرها فهي لا لتخصيص البقعة بل لدفع أن يتوهم دخول غير المسجد المدني من بقية المساجد التي تنسب إليه (ص) التي ذكرها أصحاب السير، والله تعالى أعلم.
[ مب ] مبحث في استقبال القبلة [ / مب ] قوله: (واستقبال القبلة) أي الكعبة المشرفة، وليس منها الحجر بالكسرة والشاذروان، لان ثبوتهما منها ظني، وهو لا يكتفى به في القبلة احتياطا وإن صح الطواف فيه مع الحرمة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الحج.
قوله: (كعاجز) أي كاستقبال عاجز عنها لمرض أو خوف عدو أو اشتباه، فجهة قدرته أو تحريه قبلة له حكما.
قوله: (والشرط حصوله لا تحصيله) أشار إلى أن السين والتاء فيه ليست للطلب، لان الشرط هو المقابلة لا طلبها إلا إذا توقف حصولها عليه كما في الحلبة.
قوله: (وهو شرط زائد) أي ليس مقصودا لان المسجود له هو الله تعالى ط، أو المراد أنه قد يسقط بلا ضرورة كما في الصلاة على الدابة خارج المصر، ونظيره ما مر في تفسير الركن الزائد كالقراءة فكان المناسب للشارح أن يقول: قد يسقط بلا عجز، بدل قوله: يسقط للعجز وإلا فكل الشروط كذلك.
قوله: (للابتلاء) علة لمحذوف: أي شرطه الله تعالى لاختبار المكلفين، لان فطرة(1/460)
المكلف المعتقد استحالة الجهة عليه تعالى تقتضي عدم التوجه في الصلاة إلى جهة مخصوصة، فأمرهم على خلاف ما تقتضيه فطرتهم اختبارا لهم هل يطيعون أو لا كما في البحر ح.
قلت: وهذا
كما ابتلى الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم حيث جعله قبلة لسجودهم.
قوله: (حتى لو سجد الخ) تفريع على كون الاستقبال شرطا زائدا: يعني لما كان المسجود له هو الله تعالى والتوجه إلى الكعبة مأمورا به كما تقدم كان السجود لنفس الكعبة كفرا ح.
قوله: (فللمكي) أي فالشرط له: أي لصلاته، وكذا قوله: ولغيره أو اللام فيهما بمعنى على، أي فالواجب عليه.
قوله: (لثبوت قبلتها) أي قبلة المدينة المنورة المفهومة من قوله: وكذا المدني.
وأورد أنه لا يلزم من ثبوتها بالوحي أن تكون على عين الكعبة لاحتمال كونها على الجهة.
قوله: (يعم المعاين وغيره) أي المكي المشاهد للكعبة والذي بينه وبينها حائل كجدار ونحوه، فيشترط إصابة العين، بحيث لو رفع الحائل وقع استقباله على عين الكعبة.
قوله: (وأقره المصنف) أي في المنح، لكن قال في شرحه على زاد الفقير: إطلاق المتون والشروح والفتاوى يدل على أن المذهب الراجح عدم الفرق بين ما إذا كان بينهما حائل أو لا ا ه.
وفي الفتح: وعندي في جواز التحري مع إمكان صعوده إشكال، لان المصير إلى الدليل الظنى وترك القاطع مع إمكانه لا يجوز، وقد قال في الهداية: والاستخبار فوق التحري.
فإذا امتنع المصير إلى ظني لامكان ظني أقوى منه فكيف يترك اليقين مع الظن ا ه.
قوله: (بأن يبقى الخ) في كلامه إيجاز لا يفهم منه المراد، فاعلم أولا أن السطح في اصطلاح علماء الهندسة ما له طول وعرض لا عمق، والزاوية القائمة هي إحدى الزاويتين المتساويتين الحادثتين عن جنبي خط مستقيم قام على خط مستقيم هكذا: قائمة / قائمة وكلتاهما قائمتان، ويسمى الخط القائم على الآخر عمودا، فإن لم تتساويا فما كانت أصغر من القائمة تسمى زاوية حادة، وما كانت أكبر تسمى زاوية منفرجة هكذا: حادة / منفرجة.
ثم اعلم أنه ذكر في المعراج عن شيخه أن جهة الكعبة هي الجانب الذي إذا توجه إليه الانسان يكون مسامتا للكعبة أو هوائها تحقيقا أو تقريبا، ومعنى التحقيق أنه لو فرض خط من تلقاء وجهه على زاوية قائمة إلى الافق يكون مارا على الكعبة أو هوائها ط ومعنى التقريب أن يكون منحرفا عنها أو عن هوائها بما لا تزول به المقابلة بالكلية، بأن يبقى شئ من سطح الوجه مسامتا لها أو لهوائها.
وبيانه أن المقابلة في مسافة قريبة تزول بانتقال قليل من اليمين أو الشمال مناسب لها، وفي
البعيدة لا تزول إلا بانتقال كثير مناسب لها، فإنه لو قابل إنسان آخر من مسافة ذراع مثلا تزول تلك المقابلة بانتقال أحدهما يمينا بذراع، وإذا وقعت بقدر ميل أو فرسخ لا تزول إلا بمائة ذراع أو نحوها، ولما بعدت مكة عن ديارنا بعدا مفرطا تتحقق المقابلة إليها في مواضع كثيرة في مسافة بعيدة، فلو فرضنا خطا من تلقاء وجه مستقبل الكعبة على التحقيق في هذه البلاد ثم فرضنا خطا آخر يقطعه على زاويتين قائمتين من جانب يمين المستقبل وشماله لا تزول تلك المقابلة والتوجه بالانتقال إلى اليمين والشمال على ذلك الخط بفراسخ كثيرة، فلذا وضع العلماء القبلة في بلاد قريبة على سمت(1/461)
واحد ا ه.
ونقله في الفتح والبحر وغيرهما وشروح المنية وغيرها وذكره ابن الهمام في زاد الفقير.
وعبارة الدرر هكذا: وجهتها أن يصل الخط الخارج من جبين المصلي إلى الخط المار بالكعبة على استقامة بحيث يحصل قائمتان.
أو نقول: هو أن تقع الكعبة فيما بين خطين يلتقيان في الدماغ فيخرجان إلى العينين كساقي مثلث، كذا قال النحرير التفتازاني في شرح الكشاف، فيعلم منه أنه لو انحرف عن العين انحرافا لا تزول منه المقابلة بالكلية جاز، ويؤيده ما قال في الظهيرية: إذا تيامن أو تياسر تجوز، لان وجه الانسان مقوس، لان عند التيامن أو التياسر يكون أحد جوانبه إلى القبلة ا ه كلام الدرر.
وقوله في الدرر على استقامة متعلق بقوله يصل، لانه لو وصل إليه معوجا لم تحصل قائمتان بل تكون إحداهما حادة والاخرى منفرجة كما بينا.
ثم إن الطريقة التي في المعراج هي الطريقة الاولى التي في الدرر، إلا أنه في المعراج جعل الخط الثاني مارا على المصلى على ما هو المتبادر من عبارته، وفي الدرر جعله مارا على الكعبة، وتصوير الكيفيات الثلاث على الترتيب هكذا: قوله: (منح) فيه أن عبارة المنح هي حاصل ما قدمناه عن المعراج، وليس فيها قوله: مارا على الكعبة بل هو المذكور في صورة الدرر.
ويمكن أن يراد أن مار عليها طولا لا عرضا، فيكون هو الخط الخارج من جبين المصلي والخط الآخر الذي يقطعه هو المار عرضا على المصلى أو على الكعبة فيصدق بما صورناه أولا وثانيا.
ثم إن اقتصاره على بعض عبارة المنح أدى إلى قصر بيانه على المسامتة تحقيقا، وهي استقبال العين دون المسامتة تقديرا، وهي استقبال الجهة مع أن
المقصود الثانية، فكان عليه أن يحذف قوله: من تلقاء وجه مستقبلها حقيقة في بعض البلاد.(1/462)
قوله: (قلت الخ) قد علمت أنه لو فرض شخص مستقبلا من بلده لعين الكعبة حقيقة، بأن يفرض الخط الخارج من جبينه واقعا على عين الكعبة فهذا مسامت لها تحقيقا، ولو أنه انتقل إلى جهة يمينه أو شماله بفراسخ كثيرة وفرضنا خطا مارا على الكعبة من المشرق إلى المغرب وكان الخط الخارج من جبين المصلي يصل على استقامة إلى هذا الخط المار على الكعبة فإنه بهذا الانتقال لا تزول المقابلة بالكلية، لان وجه الانسان مقوس، فمهما تأخر يمينا أو يسارا عن عين الكعبة يبقى شئ من جوانب وجهه مقابلا لها، ولاشك أن هذا عند زيادة البعد، أما عند القرب فلا يعتبر كما مر، فقول الشارح هذمعنى التيامن والتياسر أي إن ما ذكره من قوله: بأنه يبقى شئ من سطح الوجه الخ مع فرض الخط على الوجه الذي قررناه هو المراد بما في الدرر عن الظهيرية من التيامن والتياسر: أي ليس المراد منه أن يجعل الكعبة عن يمينه أو يساره، إذ لاشك حينئذ في خروجه عن الجهة بالكلية، بل المفهوم مما قدمناه عن المعراج والدرر من التقييد بحصول زاويتين قائمتين عند انتقال المستقبل لعين الكعبة يمينا أيسارا أنه لا يصح أو كانت إحداهما حادة والاخرى منفرجة بهذه الصورة.
والحاصل أن المراد بالتيامن والتياسر الانتقال عن عين الكعبة إلى جهة اليمين أو اليسار لا الانحراف لكن وقع في كلامهم ما يدل على أن الانحراف لا يضر، ففي القهستاني: ولا بأس بالانحراف انحرافا لا تزول به المقابلة بالكلية، بأن يبقى شئ من سطح الوجه مسامتا للكعبة ا ه.
وقال في شرح زاد الفقير: وفي بعض الكتب المعتمدة في استقبال القبلة إلى الجهة أقاويل كثيرة، وأقربها إلى الصواب قولان: الاول أن ينظر من مغرب الصيف في أو طل أيامه ومغرب الشتاء في أقصر أيامه فليدع الثلثين في الجانب الايمن والثلث في الايسر والقبلة عند ذلك، ولو لم يفعل
هكذا وصلى فيما بين المغربين يجوز، وإذا وقع خارجا منها لا يجوز بالاتفاق ا ه ملخصا.
وفي منية المصلي عن أمالي الفتاوى: حد القبلة في بلادنا: يعني سمرقند: ما بين المغربين مغرب الشتاء ومغرب الصيف، فإنه صلى إلى جهة خرجت من المغربين فسدت صلاته ا ه.
وسيأتي في المتن في مفسدات الصلاة أنها تفسد بتحويل صدره عن القبلة بغير عذر، فعلم أن الانحراف اليسير لا يضر، وهو الذي يبقى معه الوجه أو شئ من جوانبه مسامتا لعين الكعبة أو لهوائها، بأن يخرج الخط من الوجه أو من بعض جوانبه ويمر على الكعبة أو هوائها مستقيما، ولا يلزم أن يكون الخط الخارج على استقامة خارجا من جهة المصلى، بل منها أو من جوانبها كما دل عليه قول الدرر من جبين المصلي، فإن الجبين طرف الجبهة وهما جبينان، وعلى ما قررناه يحمل ما في الفتح والبحر عن الفتاوى من أن الانحراف المفسد أن يجاوز المشارق، إلى المغارب ا ه.
فهذا غاية ما ظهر لي في هذا المحل، والله تعالى أعلم.
قوله: (فتبصر) أشار إلى دقة ملحظه الذي قررناه وإلى عدم الاستعجال بالاعتراض ومع هذا نسبوه إلى عدم الفهم، فافهم.
قوله: (محاريب الصحابة والتابعين) فلا يجوز التحري معها.
زيلعي.
بل علينا اتباعهم.
خانية.
ولا يعتمد على قول الفلكي العالم البصير(1/463)
الثقة: إن فيها انحرافا، خلافا للشافعية في جميع ذلك كما بسطه في الفتاوى الخيرية، فإياك أن تنظر إلى ما يقال: إن قبلة أموي دمشق، وأكثر مساجدها المبنية على سمت قبلته فيها بعض انحراف، وإن أصح قبلة فيها قبلة جامع الحنابلة الذي في سفح الجبل، إذ لا شك أن قبلة الاموي من حين فتح الصحابة ومن صلى منهم إليها وكذا من بعدهم أعلم وأوثق وأدرى من فلكي لا ندري هل أصاب أم أخطأ، بل ذلك يرجح خطأه وكل خير في اتباع من سلف.
قوله: (كالقطب) هو أقوى الادلة، وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي، إذا جعله الواقف خلف أذنه اليمنى كان مستقبلا القبلة إن كان بناحية الكوفة وبغداد وهمدان، ويجعله من بمصر على عاتقه الايسر، ومن بالعراق على كتفه الايمن، ومن باليمن قباله مما يلي جانبه الايسر، ومن بالشام وراءه.
بحر.
قال ابن حجر: وقيل ينحرف بدمشق وما قاربها إلى الشرق قليلا ا ه.
وذكر الشراح للقبلة علامات أخر غالبها مبنية على سمت بلادهم، منها ما قدمناه عن شرح زاد الفقير والمنية فإنها علامة لقبلة سمرقند وما كان على سمتها، وفي حاشية الفتال قال البرجندي: ولا يخفى أن القبلة تختلف باختلاف البقاع، وما ذكروه يصح بالنسبة إلى بقعة معينة، وأمر القبلة إنما يتحقق بقواعد الهندسة والحساب، بأن يعرف بعد مكة عن خط الاستواء وعن طرف المغرب ثم بعد البلد المفروض كذلك ثم يقاس بتلك القواعد ليتحقق سمت القبلة ا ه.
لكن قال القهستاني: ومنهم من بناه على بعض العلوم الحكمية، إلا أن العلامة البخاري قال في الكشف: إن أصحابنا لم يعتبروه ا ه.
وأفاد في النهر أن دلائل النجوم معتبرة عند قوم وعند آخرين ليست بمعتبرة، قال: وعليه إطلاق عامة المتون ا ه.
أقول: لم أر في المتون ما يدل على عدم اعتبارها، ولنا تعلم ما نهتدي به على القبلة من النجوم.
وقال تعالى: * (والنجوم لتهتدوا بها) * (الانعام: 79) - على أن محاريب الدنيا كلها نصبت بالتحري حتى منى كما نقله في البحر، ولا يخفى أن أقوى الادلة النجوم.
والظاهر أن الخلاف في عدم اعتبارها إنما هو عند وجود المحاريب القديمة إذ لا يجوز التحري معها كما قدمناه، لئلا يلزم تخطئة السلف الصالح وجماهير المسلمين، بخلاف ما إذا كان في المفازة فينبغي وجوب اعتبار النجوم ونحوها في المفازة لتصريح علمائنا وغيرهم بكونها علامة معتبرة، فينبغي الاعتماد في أوقات الصلاة وفي القبلة على ما ذكره العلماء الثقات في كتب المواقيت، وعلى ما وضعوه لها من الآلات كالربع والاصطرلاب، فإنها إن لم تفد اليقين تفد غلبة الظن للعالم بها، وغلبة الظن كافية في ذلك.
ولا يرد على ذلك ما صرح به علماؤنا من عدم الاعتماد على قول أهل النجوم في دخول رمضان، لان ذاك مبني على أن وجوب الصوم معلق برؤية الهلال، لحديث صوموا لرؤيته وتوليد الهلال ليس مبنيا على الرؤية، بل على قواعد فلكية، وهي وإن كانت صحيحة في نفسها، لكن إذا كانت ولادته في ليلة كذا فقد يرى فيها الهلال وقدلا يرى، والشارع علق الوجوب على الرؤية بالقبلة لا على الولادة، هذا ما ظهر لي والله أعلم.
قوله: (وإلا فمن الاهل) أي وإن لم يكن ثمة محاريب قديمة فيسأل يعلم بالقبلة ممن تقبل شهادته من أهل ذلك المكان ممن يكن بحضرته
بأن يكون بحيث لو صاح به سمعه، أما غير العالم بها فلا فائدة في سؤاله، وأما غير مقبول الشهادة(1/464)
كالكافر والفاسق والصبي فلعدم الاعتداد بإخباره فيما هو من أمور الديانات ما لم يغلب على الظن صدقه كما في القهستاني، ويقبل فيها قول الواحد العدل كما في النهاية، وأما إذا لم يكن من أهل ذلك المكان فلانه يخبر عن اجتهاد فلا يترك اجتهاده باجتهاد غيره، وأما إذا لم يكن بحضرته من أهل المسجد أحد فإنه يتحرى، ولا يجب عليه قرع الابواب كما سيأتي، وظاهر التقييد بالاهل أن وجوب السؤال خاص بالحضر، فلو في مفازة لا يجب.
وفي البدائع ما يخالفه حيث قال: فإن كان عاجزا بالاشتباه وهو أن يكون في المفازة في ليلة مظلمة ولا علم له بالامارات الدالة على القبلة، فإن كان بحضرته من يسأله عنها لا يجوز له أن يتحرى، بل يجب أن يسأل لما قلنا: أي من أن السؤال أقوى من التحري ا ه.
وشرط في الذخيرة كون المخبر في المفازة عالما حيث نقل عن الفقيه أبي بكر أنه سئل عمن في المفازة، فأخبره رجلان أن القبلة في جانب ووقع تحريه إلى جانب آخر، فقال: إن كان في رأيه أنهما يعلمان ذلك يأخذ بقولهما لا محالة وإلا فلا ا ه.
وشرط في الخانية والتجنيس كونهما من أهل ذلك الموضع حيث قال: فإن لم يكونا من أهل ذلك الموضع وهما مسافران مثله لا يلتفت إلى قولهما لانهما يقولان بالاجتهاد، فلا يترك اجتهاده باجتهاد غيره ا ه.
والظاهر أن المراد من اشتراط كونهما من أهل ذلك الموضع كونهما عالمين بالقبلة، لان الكلام في المفازة ولا أهل لها، إلا أن يراد كونهما من أهل الاخبية فهما من أهله والاهل له علم أكثر من غيره، فلا ينافي ما مر عن الذخيرة، حتى لو كانا من أهله ولا علم لهما لا يلتفت إلى قولهما، فالمناط إنما هو العلم، فقد يكونان مسافرين مثله ولكن لهما معرفة بالقبلة في ذلك المكان بكثرة التكرار أو بطريق آخر من طرق العلم مما يفوق على تحري المتحري.
ثم اعلم أن ما نقلناه آنفا عن البدائع من قوله: في ليلة مظلمة الخ، يقتضي أن الاستدلال بالنجوم في المفازة مقدم على السؤال المقدم على التحري، فصار الحاصل أالاستدلال على القبلة في الحضر إنما يكون بالمحاريب القديمة، فإن لم توجد فبالسؤال من أهل ذلك المكان وفي المفازة
بالنجوم، فإن لم يكن لوجود غيم أو لعدم معرفته بها فبالسؤال من العالم بها، فإن لم يكن فيتحرى، وكذا يتحرى لو سأله عنها فلم يخبره، حتى لو أخبره بعد ما صلى لا يعيد كما في المنية.
وفيها: لو لم يسأله وتحرى، إن أصاب جاز وإلا لا، وذا الاعمى ا ه.
ومسائل التحري ستأتي.
ورجح في البحر ما في الظهيرية، من أنه لو صلى في المفازة بالتحري والسماء مصحية لكنه لا يعرف النجوم فتبين أنه أخطأ لا يجوز، لانه لا عذر لاحد في الجهل بالادلة الظاهرة كالشمس والقمر وغيرهما.
أما دقائق علم الهيئة وصور النجوم الثوابت فهو معذور في الجهل بها ا ه.
وقوله: (والمعتبر في القبلة الخ) أي إن الذي يجب استقباله أو استقبال جهته هو العرصة، وهي لغة: كل بقعة بين الدور واسعة لا بناء فيها كما في الصحاح وغيره، والمراد بها هنا تلك البقعة الشريفة.
قوله: (لا البناء) أي ليس المراد بالقبلة الكعبة التي هي البناء المرتفع على الارض، ولذا لو نقل البناء على موضع آخر وصلى إليه لم يجز، بل تجب الصلاة إلأرضها كما في الفتاوى الصوفية عن الجامع الصغير.
مطلب: كرامات الاولياء ثابتة وفي البحر عن عدة الفتاوى: الكعبة إذا رفعت عن مكانها لزيارة أصحاب الكرامة ففي تلك الحالة جازت الصلاة إلى أرضها ا ه.
وفي المجتبى: وقد رفع البناء في عهد ابن الزبير على قواعد(1/465)
الخليل، وفي عهد الحجاج ليعيدها على الحالة الاولى والناس يصلون ا ه فتال، وما ذكره في البحر نقله في التاترخانية عن الفتاوى العتابية، قال الخير الرملي: وهذا صريح في كرامات الاولياء، فيرد به على من نسب إمامنا إلى القول بعدمها، وسيأتي تمام الكلام على ذلك في باب ثبوت النسب.
قوله: (فهي من الارض السابعة إلى العرش) صرح بذلك في الفتاوى الصوفية معزيا للحجنة، ثم قال: فلو صلى في الجبال العالية والآبار العميقة السافلة جاز كما جاز على سطحها وفي جوفها.
فتال، فلو كان المعتبر البناء لا العرصة لم يجز ذلك، فالتفريع صحيح، فافهم.
قوله: (عند الامام) لان القادر بقدرة الغير عاجز عنده، لان العبد يكلف بقدرة نفسه لا بقدرة غيره خلافا لهما، فيلزمه عندهما التوجه إن وجد موجها، وبقولهما جزم في المنية والمنح والدرر والفتح بلا حكاية خلاف،
وهذا بخلاف ما لو عجز عن الوضوء ووجد من يوضئه حيث يلزمه، ولا يجوز له التيمم اتفاقا في ظاهر المذهب، وقيل على الخلاف أيضا، وقدمنا الفرق في باب التيمم فراجعه.
وإذا كان له مال ووجد أجيرا بأجرة مثله هل يلزمه أن يستأجره عندهما كما قالوه في التيمم أم لا؟ لم أر من ذكره وينبغي اللزوم، ثم رأيته في شرح الشيخ إسماعيل عن الروضة، لكن بتقييد كون الاجرة دون نصف درهم، فلو طلب نصف درهم أو أكثر لا يلزمه، والظاهر أن المراد به أجر المثل كما فسروه بذلك في التيمم كما قدمناه هناك.
قوله: (أو خوف مال) أي خوف ذهابه بسرقة أو غيرها إن استقبل، وسواء كان المال ملكا له أو أمانة قليلا أو كثيرا ط ولم يعزه إلى أحد فليراجع، نعم سيأتي في مفسدات الصلاة أنه يجوز قطع الصلاة لضياع ما قيمته درهم له أو لغيره.
قوله: (وكذا كل من سقط عنه الاركان أي تكون قبلته جهة قدرته أيضا.
فقال في البحر: ويشمل أي العذر ما إذا كان على لوح في السفينة يخالف الغرق إذا انحرف إليها، وما إذا كان في طين وردغة لا يجد على الارض مكانا يابسا، أو كانت الدابة جموحا لو نزل لا يمكنه الركوب إلا بمعين، أو كان شيخا كبيرا لا يمكنه أن يركب إلا بمعين ولا يجده، فكما تجوز له الصلاعلى الدابة ولو كانت فرضا وتسقط عنه الاركان كذلك يسقط عنه التوجه إلى القبلة إذا لم يمكنه، ولا إعادة عليه إذا قدر ا ه.
فيشترط في جميع ذلك عدم إمكان الاستقبال، ويشترط في الصلاة على الدابة إيقافها إن قدر، وإلا بأن خاف الضرر كأن تذهب القافلة وينقطع فلا يلزمه إيقافها ولا استقبال القبلة كما في الخلاصة، وأوضحه في شرح المنية الكبير والحلية، وقيد في الحلية مسألة الصلاة على الدابة للطين بما إذا عجز عن النزول، فإن قدر نزل وصلى واقفا بالايماء، زاد الزيلعي: وإن قدر على القعود دون السجود أومأ قاعدا، وأنه لو كانت الارض ندية مبتلة بحيث لا يغيب وجهه في الطين صلى على الارض وسجد، وسيأتي تمام الكلام على الصلاة على الدابة في باب الوتر والنوافل إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولو مضطجعا الخ) تعميم لقدرة: أي يتوجه العاجز إلى أي جهة قدر لو كان مضطجعا.
قال الزيلعي: ويستوي فيه: أي في العجز الخوف من عدو أو سبع أو لص، حتى إذا خاف أن يراه إن توجه إلى القبلة جاز له أن يتوجه إلى أي جهة قدر، ولو خاف أن يراه العدو إن قعد صلى مضطجعا بالايماء، وكذا الهارب من
العدو راكبا يصلي على دابته ا ه.
قوله: (ولم يعد) لان هذه الاعذار سماوية حتى الخوف من عدو، لان الخوف لم يحصل بمباشرة أحد، بخلاف المقيد إذا صلى قاعدا فإنه يعيد عندهما لا عند أبي(1/466)
يوسف كما في شرح المنية، ومر تحقيق ذلك في التيمم، فينبغي أن يعيد هنا أيضا، إذ لا فرق بين صلاته قاعدا أو إلى غير القبلة، لان القيد عذر من جهة العبد، لانه بمباشرة المخلوق.
تأمل.
مطلب: مسائل التحري في القبلة قوله: (هو) أي التحري المفهوم من فعله.
قوله: (بما مر) متعلق بمعرفة، والذي مر هو الاستدلال بالمحاريب والنجوم والسؤال من العالم بها، فأفاد أنه لا يتحرى مع القدرة على أحد هذه حتى لو كان بحضرته من يسأله فتحرى ولم يسأله إن أصاب القبلة جاز لحصول المقصود وإلا فلا، لان قبلة التحري مبنية على مجرد شهادة القلب من غير أمارة، وأهل البلد لهم علم بجهة القبلة المبنية على الامارات الدالة عليها من النجوم وغيرها فكان فوق الثابت بالتحري، وكذا إذا وجد المحاريب المنصوبة في البلدة أو كان في المفازة والسماء مصحية وله علم بالاستدلال بالنجوم لا يجوز له التحري، لان ذلك فوقه، وتمامه في الحلية وغيرها.
واستفيد مما ذكر أنه بعد العجز عن الادلة المارة عليه أن يتحرى ولا يقلد مثله، لان المجتهد لا يقلد مجتهدا، وإذا لم يقع تحريه على شئ فهل له أن يقلد؟ لم أره.
قوله: (فإن ظهر خطؤه) أي بعد ما صلى.
قوله: (لما مر) وهو كون الطاعة بحسب الطاقة.
قوله: (وإن علم به) أي بخطئه، فافهم.
قوله: (أو تحول رأيه) أي بأن غلب على ظنه أن الصواب في جهة أخرى فلا بد أن يكون اجتهاده الثاني أرجح، إذ الاضعف كالعدم، وكذا المساوي فيما يظهر ترجيحا للاول بالعمل عليه.
تأمل.
قوله: (استدار وبنى) أي على ما بقي من صلاته، لما روي أن أهل قباء كانوا متوجهين إلى بيت المقدس في صلاة الفجر فأخبروا بتحويل القبلة فاستداروا إلى القبلة، وأقرهم النبي (ص) على ذلك وأما إذا تحول رأيه فلان الاجتهاد المتجدد لا ينسخ حكم ما قبله في حق ما مضى.
شرح المنية.
وينبغي لزوم الاستدارة على الفور، حتى لو مكث قدر ركن فسدت.
قوله (ولو بمكة) بأن كان محبوسا ولم يكن بحضرته من يسأل فصلى بالتحري ثم
تبين أنه أخطأ.
بحر.
وهذا هو الاوجه، وعليه اختصر في الخانية.
حلية.
قوله: (ولا يلزمه قرع أبواب) في الخلاصة إذا لم يكن في المسجد قوم والمسجد في مصر في ليلة مظلمة، قال الامام النسفي في فتاواه: جاز ا ه.
وفي الكافي: ولا يستخرجهم من منازلهم.
قال ابن الهمام: والاوجه أنه إذا علم أن للمسجد قوما من أهله مقيمين غير أنهم ليسوا حاضرين فيه وقت دخوله وهم حوله في القرية وجب طلبهم ليسألهم قبل التحري، لا التحري معلق بالعجز عن تعرف القبلة بغيره ا ه.
ولا منافاة بين هذا وبين ما مر عن الخلاصة والكافي، لان المراد إذا لم يكونوا داخل المنازل ولم يلزم الحرج من طلبهم بتعسف الظلمة والمطر ونحوه.
شرح المنية.
وقوله: (ومس جدران) لان الحائط لو كانت منقوشة لا يمكنه تمييز المحراب من غيره، وعسى أن يكون ثم هامة مؤذية فجاز له التحري.
بحر عن الخانية، وهذا إنما يصح في بعض المساجد، فأما في الاكثر فيمكن تمييز المحراب من غيره في الظلمة بلا إيذاء، فلا يجوز لتحري.
إسماعيل عن المفتاح.
قوله: (ولو أعمى الخ) قال في شرح المنية: ولو صلى الاعمى ركعة إلى غير القبلة فجاء رجل فسواه إلى القبلة واقتدى به، إن وجد(1/467)
الاعمى وقت الشروع من يسأله فلم يسأله لم تجز صلاتهما، وإلا جازت صلاة الاعمى دون المقتدي، لان عنده أن إمامه بان صلاته على الفاسد وهو الركعة الاولى اه.
ومثله في الفيض والسراج، ومفاده أن الاعمى لا يلزمه إمساس المحراب إذا لم يجمن يسأله، وأنه لو ترك السؤال مع إمكانه وأصاب القبلة جازت صلاته وإلا فلا كما قدمناه عن المنية.
قوله: (ولا بمتجر) تحول أي إلى القبلة مع علم المقتدي بحالته الاولى.
وعبارته في الخزائن.
كمن تحرى فأخطأ ثم على فتحول لم يقتد به من علم بحاله ا ه: أي لعلمه بأن الامام كان على الخطأ في أول الصلاة.
بحر.
ومفاده أنه لو تحول بالتحري أيضا إلى جهة ظنها القبلة جاز للآخر الاقتداء به إن تحرى مثله وإلا فهي المسألة الآتية.
تأمل.
قوله: (بمتحر) متعلق بائتم، وقوله لا تحر متعلق بمحذوف حال من فاعل ائتم.
قوله: (لم يجز) أي اقتداؤه إن ظهر أن الامام مخطئ لان الصلاة عند الاشتباه من غير تحر إنما تجوز عند ظهور الاصابة كما مر ويأتي، وأما صلاة الامام فهي صحيحة لتحريه، وإن أصاب الامام جازت صلاتهما كما في شرح
المنية.
وقوله: (استدار المسبوق الخ) لانه منفرد فيما يقضيه، بخلاف اللاحق لانه مقتد فيما يقضيه والمقتدي إذا ظهر له وهو وراء الامام أن القبلة غير الجهة التي يصلي إليها الامام لا يمكنه إصلاح صلاته، لانه إن استدار خالف إمامه في الجهة قصدا وهو مفسد، وإلا كان متما صلاته إلى ما هو غير القبلة عنده وهو مفسد أيضا، فكذلك اللاحق.
شرح المنية.
بقي ما إذا كان لاحقا ومسبوقا.
وحكمه أنه إن قضى ما لحق به أولا ثم ما سبق به، فإن تحول رأيه في قضاء ما لحق به استأنف، وإن تحول في قضاء ما سبق به استدار، وأما إن قضى ما سبق به أولا ثم ما لحق به، فإن تحول رأيه فيما لحق به استأنف، وإن تحول فيما سبق به: فإن استمر على رأيه إلى شروعه فيما لحق به استأنف وهذا كله ظاهر، وأما إن لم يستمر إلى شروعه فيما لحق به بأن تحول رأيه قبل قضاء ما لحق به إلى جهة إمامه ففيه تردد.
والظاهر أنه يستدبر.
تأمل ح.
وأقره ط والرحمتي.
قوله: (ومن لم يقع تحريه الخ) في البحر والحلية وغيرهما عن فتاوى العتاب تحري فلم يقع تحريه على شئ، قيل يؤخر، وقيل يصلي إلى أربع جهات، وقيل يخير ا ه.
ورجح في زاد الفقير الاول حيث جزم به، وعبر عن الاخيرين بقيل، واختار في شرح المنية الوسط وقال: إنه الاحوط، ونقل ح عن الهندية عن المضمرات أنه الاصوب، فلهذا اختاره الشارح.
وظاهر كلام القهستاني ترجيح الاخير وهو الذي يظهر لي، فإنه قال لو تحرى ولم يتيقن بشئ فصلى إلى جهة شاء كانت جائزة ولو أخطأ فيه، وقيل إن لم يقع تحريه على شئ أخر الصلاة، وقيل يصلي إلى الجهات الاربع كما في الظهيرية ا ه ومفاده أن معنى التخيير أنه يصلي مرة واحدة إلى أي جهة أراد من الجهات الاربع، وبه صرح الشافعية والحنابلة.
وأما ما في شرح المنية الكبيرة من تفسيره بقوله: وقيل يخير إن شاء أخر وإن شاء صلى الصلاة أربع مرات إلى أربع جهات فالظاهر أنه من عنده، لان عبارة فتاوى العتابي السابقة ليس فيها هذه الزيادة.
ويرد عليه أنه إذا صلى الاربع يلزم عليه(1/468)
الصلاة ثلاث مرات إلى غير القبلة يقينا، وهو منهي عنه، وترك المنهي مقدم على فعل المأمور، ولذا يصلي بالنجاسة إذا لزم من غسلها كشف العورة عند الاجانب، على أن المأمور به هنا ساقط
لان التوجه إلى القبلة إنما يؤمر به عند القدرة عليه وقبلة المتحري هي جهة تحريه.
ولما لم يقع تحريه على شي استوت في حقه الجهات الاربع فيختار واحدة منها ويصلي إليها، وتصح صلاته وإن ظهر خطؤه فيها، لان أتى بما في وسعه.
وهذا الوجه يقوي القول الاخير وهو التخيير على المعنى الذي ذكرناه عن القهستاني، ويضعف ما اختاره الشارح وادعى أنه الاحتياط، فتدبر ذلك بإنصا ف.
وللقول الاول الذي اختاره الكمال في زاد الفقير وجه ظاهر أيضا.
وهو أنه لما كانت القبلة عند عدم الدليل عليها هي جهة التحري ولم يقع تحريه على شئ صار فاقد الشرط صحة الصلاة فيؤخرها كفاقد الطهورين.
لكن القول الاخير وهو وجوب الصلاة في الوقت مع التخيير إلى أي جهة شاء أحوط كما لو وجد ثوبا أقل من ربعه طاهر ولعموم قوله تعالى: * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * (البقرة: 511) فإنه قيل نزل في مسألة اشتباه القبلة، وظاهر ما قدمناه عن القهستاني اختياره وبه يشعر كلام البحر، وهو مذهب الشافعية والحنابلة كما مر.
مطلب: إذا ذكر في مسألة ثلاثة أقوال فالارجح الاول أو الثالث لا الوسط وقدمناه أول الكتاب عن المستصفى أنه إذا ذكر في مسألة ثلاثة أقوال فالارجح الاول أو الثالث لا الوسط، والله أعلم.
قوله: (استدار) قال في شرح المنية: واختلف المتأخرون فيما إذا تحول رأيه في الثالثة أو الرابعة إلى الجهة الاولى: قيل يتم الصلاة، وقيل يستقبل، كذا في الخلاصة، والاول أوجه ا ه، ولذا قدمه في الخانية لانه يقدم الاشهر، وجزم به القهستاني وتبعه الشارح.
قوله: (استأنف) لانه إن سجدها إلى الجهة الثانية فقد سجدها إلى غير قبلة لانها جزء من الركعة الاولى والجهة الثانية ليست قبلة للركعة الاولى بجميع أجزائها، وإن سجدها إلى الجهة الاولى فقد انحرف عما هو قبلته الآن ا ه ح.
قوله: (وإن شرع) الضمير راجع إلى العاجز: أي إذا اشتبهت عليه القبلة وعجز عن معرفتها بالادلة المارة فقبلته جهة تحريه، فلو شرع بلا تحر لم تجز صلاته ما لم يتيقن بعد فراغه أنه أصاب القبلة، لان الاصل عدم الاستقبال استصحابا للحال، فإذا تبين يقينا أنه أصاب ثبت الجواز من الابتداء وبطل الاستصحاب، حتى لو كان أكبر رأيه أنه أصاب فالصحيح أنه لا يجوز كما في
الحلية عن الخانية، ولو تيقن في أثناء صلاته لا يجوز خلافا لابي يوسف، لان حاله بعد العلم أقوى وبناء القوي على الضعيف لا يجوز.
قوله: (بخلاف الخ) أي لو وقع تحريه على جهة وصلى إلى غيرها فإنه يستأنف مطلقا: أي سواء علم أنه أصاب أو أخطأ في الصلاة أو بعدها أو لم يظهر شئ.
وعن أبي حنيفة أنه يخشى عليه الكفر.
وعن الثاني يجزيه إن أصاب، وبالاول يفتى.
فيض.
والفرق لهما أن ما فرض لغيره يشترط حصوله لا تحصيله، لكن مع عدم اعتقاد الفساد وعدم الدليل عليه ومخالفة جهة(1/469)
تحريه اقتضت اعتقاد فساد صلاته فصار كما لو صلى.
وعنده أنه محدث أو أن ثوبه نجس أو أن الوقت لم يدخل فبان بخلاف ذلك لا يجزيه في ذلك كله، لان عنده أن ما فعله غير جائز، بخلاف صورة عدم التحري فإنه لم يعتقد الفساد، بل هو شاك فيه وفي عدمه، فإذا ظهرت إصابته بعد التمام أزال أحد الاحتمالين وتقرر الآخر بلا لوم بناء القوي على الضعيف، بخلاف ما إذا علم الاصابة قبل التمام كما في شرح المنية.
قوله: (أو ثوبه) بالنصب عطفا على اسم إن ومثله الوقت ح.
قوله: (فلو لم تشتبه الخ) ذكره هنا استطرادا، وكان ينبغي ذكره عند قول المصنف وإن شرع بلا تحر لانه مفروض فيما إذا اشتبهت عليه القبلة كما قدمناه، فيكون قوله: فلو لم تشتبه بيانا لمفهومه.
ثم إن مسائل التحري تنقسم باعتبار القسمة العقلية إلى عشرين قسما، لانه إما أن لا يشك ولا يتحرى، أو شك وتحرى، أو لم يتحر، أو تحرى بلا شك.
وكل وجه على خمسة، لانه إما أن يظهر صوابه أو خطؤه في الصلاة أو خارجها أو لا يظهر، أما الاول فإن ظهر خطؤه فسدت مطلقا، أو صوابه قبل الفراغ قيل هو كذلك لانه قوي حاله، والاصح لا، ولو بعده أو لم يظهر أو كان أكبر رأيه الاصابة فكذلك لا تفسد.
وحكم الثاني الصحة في الوجوه كلها.
وحكم الثالث الفساد في الوجوه كلها، أو لو أكبر رأيه أنه أصاب على الاصح إلا إذا علم يقينا بالاصابة بعد الفراغ.
والرابع لا وجود له خارجا، كذا في النهر.
وقد ذكر المصنف الثاني بقوله: ويتحرى عاجز والثالث بقوله: وإن شعر بلا تحر وذكر الشارح الاول بقوله: فلو لم تشتبه الخ لكن كان عليه أن يقول: إن ظهر خطؤه فسدت وإلا فلا، وقد حذف الرابع لعدم وجوده، هذا هو الصواب في تقرير هذا المحل،
فافهم.
قوله: (مع إمام) أما لو صلوا منفردين صحت صلاة الكل، ولا يتأتى فيه التفصيل.
قوله: (فمن تيقن منهم) التيقن غير قيد، بل غلبة الظن كافية، يدل عليه ما في الفيض حيث قال: وإن صلوا بجماعة تجزيهم إلا صلاة من تقدم على إمامه أو علم بمخالفة إمامه في صلاته، وكذا لو كان عنده أنه تقدم على الامام أو صلى إلى جانب آخر غير ما صلى إليه إمامه ا ه.
قوله: (حالة الاداء) ظرف لقوله: تيقن مخالفة إمامه في الجهة مع قطعا لنظر عن قوله: أو تقدمه عليه لانه إذا تقدم على إمامه لم يجز سواء علم بذلك حالة الاداء أو بعده، بخلاف مخالفته لامامه في الجهة فإنه لا يضر إلا إذا علم بها حالة الاداء كما دلت عليه عبارة الفيض التي ذكرناها آنفا، ومثلها قوله في الملتقى: جازت صلاة من لم يتقدمه، بخلاف من تقدمه أو علم حاله وخالفه ا ه.
وفي متن الغرر: إن لم يعلم مخالفة إمامه ولم يتقدمه جاز، وإلا فلا.
قوله: (لاعتقاده الخ) نشر مرتب ح.
قوله: (كما لو لم يتعين الامام الخ) تبع في ذلك النهر عن المعراج.
ونص عبارة المعراج: وقال بعض أصحابه: أي الشافعي: عليهم الاعادة، لان فعل الامام في اعتقادهم متردد بين الخطأ والصواب، ولو لم يتعين الامام بأن رأى رجلين يصليان فنوى الاقتداء بواحد لا بعينه لا يجوز، فكذا إذا لم يتعين فعل الامام ا ه.
وبه ظهر أن المناسب حذف هذه المسألة بالكلية، إذ لا مدخل لها هنا إلا على قول(1/470)
بعض الشافعية القائلين بأنه لا تصح صلاة من جهل حال إمامه قياسا على ما لو جهل عينه، فافهم.
فروع في النية قوله: (فروع) كان المناسب ذكر هذه الفروع عند الكلام على النية قبيل استقبال القبلة كما فعل في الخزائن.
قوله: (النية عندنا شرط مطلقا) أي في كل العبادات باتفاق الاصحاب لا ركن، وإنما وقع الاختلاف بينهم في تكبيرة الاحرام، والمعتمد أنها شرط كالنية: وقيل بركنيتها أشباه، وإنما قال: مطلقا ليشمل صلاة الجنازة، بخلاف تكبيرة الاحرام فإنها ركن فيها اتفاقا كما سيأتي في بابه ح.
واستثنى في الاشباه من العبادات الايمان والتلاوة والاذكار والاذان فإنها لا تحتاج إلى نية كما في شرح البخاري للعيني، وكل ما لا يكون إلا عبادة لا يحتاج إلى النية كما في شرح ابن
وهبان، قال: وكذا النية لا تحتاج إلى نية ا ه.
ويستثنى أيضا ما كان شرطا للعبادة إلا التيمم وإلا استقبال القبلة على قول الكرخي: المشترط نيته والمعتمد خلافه، وكذا ما كان جزء عبادة كمسح الخف والرأس وغير ذلك.
قوله: (فلو مما يتعلق) أي فلو كان هو: أي المنوي المدلول عليه بالنية مما يتعلق بالاقوال كقوله: أنت طالق، وأنت حر إن شاء الله بطل، لان الطلاق أو العتق لا يتعلق بالنية بل بالقول، حتى لو نوى طلاقها أو عتقه لا يصح بدون لفظ.
قال ح: فإن قلت: وقوع الطلاق متعلق بلفظ أنت طالق ولا عبرة بالنية لانه صريح.
قلت: هذا مسلم في القضاء.
وأما في الديانة فهي معتبرة، حتى إذا نوى به الطلاق من وثاق لا يقع ديانة ا ه.
أقول: وكذا صرح بذلك في البحر والاشباه، وعليه فالفرق بين الصريح والكناية أن الاول لا يحتاج إلى النية في القضاء فقط ويحتاج إليها ديانة، والثاني يحتاج إليها فيهما، لكن احتياج الاول إلى النية ديانة معناه أن لا ينوي به غير معناه العرفي، فلو نوى الطلاق من الوثاق: أي القيد لا يقع لصرفه اللفظ عن معناه.
أما إذا قصد التلفظ بأنت طالق مخاطبا به زوجته ولم يقصد به الطلاق ولا غيره فالظاهر الوقوع قضاء ديانة، لان اللفظ حقيقة فيه، وبدليل أنه لو صرح العدد لا يدين، كما لو نوى الطلاق عن العمل فيقع قضاء وديانة.
قوله: (وإلا لا) أي وإلا يكن المنوي مما يتعلق بالاقوال كالصوم لا يبطل بالمشيئة لانه يتعلق بمجرد النية القلبية بدون قول، فلو نوى الصوم وقال إن شاء الله لا يبطل.
قال في الاشباه: ولو علقها: أي نية الصوم بالمشيئة صحت، لانها إنما تبطل الاقوال والنية ليست منها ا ه.
قوله: (إلا على قول محمد في الجمعة) فعنده لا يدرك الجمعة إلا بإدراك ركعة مع الامام، فلو اقتدى بعد ما رفع الامام رأسه من ركوع الثانية ينوي جمعة ويتمها ظهرا عنده، فقد نوى الجمعة ولم يؤدها، وأدى الظهر ولم ينوه، وهو مذهب الشافعي.
وعندنا يتمها جمعة متى صح اقتداؤه بالامام ولو في سجود السهو على القول بفعله فيها.
ونقض الحموي الحصر بمسائل ينوي فيها خلاف ما يؤدي: منها مالو طاف بنية التطوع في أيام النحر وقع عن الفرض، وما لو صام يوم الشك تطوعا فظهر أنه من رمضان كان منه، وما لو
تهجد بركعتين فظهر أن الفجر طالع ينوبان عن سنة الفجر.
وما لو صام عن كفارة ظهار أو إفطار فقد(1/471)
على العتق يمضي في صوم النفل.
وما لو نذر صوم يوم بعينه فصامه بنية النفل يقع عن النذر كما في جامع التمرتاشي ا ه.
أقول: قد يجاب بأن المراد النية التي هي شرط الصحة، فالمعنى ليس لنا من يلزمه أن ينوي خلاف ما يؤدي إلا في مسألة، على أن أكثر هذه المسائل ليس فيها المخالفة بين المنوي والمؤدي إلا من حيث الصفة، بخلاف الجمعة فإنها مخالفة للظهر ذاتا وصفة، فتدبر.
قوله: (المعتمد أن العبادة الخ) مقابله ما في الاشباه عن المجتبى، من أنه لا بد من نية العبادة في كل ركن، فافهم.
واحترز بذات الافعال عما هي فعل واحد كالصوم، فإنه لا خلاف في الاكتفاء بالنية في أوله.
ويرد عليه الحج فإنه ذو أفعال، منها طواف الافاضة لا بد فيه من أصل نية الطواف وإن لم يعينه عن الفرض، حتى لو طاف نفلا في أيامه وقع عنه.
والجواب أن الطواف عبادة مستقلة في ذاته كما هو ركن للحج، فباعتبار ركنيته يندرج في نية الحج فلا يشترط تعيينه، وباعتبار استقلاله اشترط فيه أصل نية الطواف، حتى لو طاف هاربا أو طالبا لغريم لا يصح، بخلاف الوقوف بعرفة فإنه ليس بعبادة إلا في ضمن الحج فيدخل في نيته، وعلى هذا الرمي والحلق والسعي.
وأيضا فإن طواف الافاضة يقع بعد التحلل بالحلق حتى أنه يحل له سوى النساء، وبذلك يخرج من الحج من وجه دون وجه فاعتبر فيه الشبهان.
قوله: (اعتبر السابق) لعل وجهه أن الصلاة عبادة واحدة غير متجزئة فالنظر فيها إلى ابتدائها، فإذا شرع فيها خالصا ثم عرض عليه الرياء فهي باقية لله تعالى على الخلوص، وإلا لزم أن يكون بعضها له وبعضهم لغيره مع أنها واحدة.
نعم لو حسن بعضها رياء فالتحسين وصف زائد لا يثاب به، ويؤخذ مما ذكرنا أنه لو افتتحها مرائيا ثم أخلص اعتبر السابق.
وهذا بخلاف ما لو كان عبادة يمكن تجزئتها كقراءة واعتكاف، فإن الجزء الذي دخله الرياء له حكمه والخالص له حكمه.
قوله: (والرياء أنه الخ) أي الرياء الكامل المحبط للثواب عن أصل العبادة أو لتضعيفه، وإلا فالتحسين لاجل الناس رياء أيضا بدليل أنه لا يثاب عليه، وإنما يثاب على أصل العبادة.
وسيأتي في
فصل إذا أراد الشروع في الصلاة أنه لو أطال الركوع لادراك الجائي، قال أبو حنيفة: أخاف عليه أمرا عظيما: يعني الشرك الخفي وهو الرياء كما سيأتي تحقيقه، وقوله: ولا يترك الخ أي لو أراد أن يصلي أو يقرأ فخاف أن يدخل عليه الرياء فلا ينبغي أن يترك لانه أمر موهوم.
أشباه عن الولواجية.
وقد سئل العارف المحقق شهاب الدين بن السهروردي عما نصه: يا سيدي إن تركت العمل أخلدت إلى البطالة، وإن عملت داخلني العجب، فأيهما أولى؟ فكتب جوابه: اعمل واستغفر الله من العجب ا ه.
فتأمل.
قوله: (لا رياء في الفرائض في حق سقوط الواجب) أي إن الرياء لا يبطل الفرض وإن كان الاخلاص من جملة الفرائض.
قال في مختارات النوازل: وإذا صلى رياء وسمعة تجوز صلاته في الحكم لوجود شرائطه وأركانه ولكن لا يستحق الثواب، والذي في الذخيرة خلافه، قال الفقيه أبو الليث في النوازل: قال بعض مشايخنا: الرياء لا يدخل في شئ من الفرائض، وهذا هو(1/472)
المذهب المستقيم أن الرياء لا يفوت أصل الثواب، وإنما يفوت تضاعف الثواب ا ه بيري على الاشباه.
وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة في كتاب الحظر والاباحة.
قوله: (قيل لشخص الخ) قال في الاشباه: وهذه المسألة ليست منصوصة في مذهبنا، وصرح بها النووي وقواعدنا لا تأباها، أما الاجزاء فلانه لا رياء في الفرائض في حق سقوط الواجب، وأما عدم استحقاق الدينار فلانه استئجار على واجب، ولا يستحق به الاجرة كالاب إذا استأجر ابنه للخدمة لا يستحق عليه الاجرة لان خدمته واجبة عليه ا ه ح.
قوله: (الصلاة لارضاء الخصوم لا تفيد الخ) لم يتعرض لكون ذلك جائزا، وظاهر مختارات النوازل أن ذلك لا يجوز حيث قال: ينبغي أن لا يفعل ذلك، ولعل ذلك من إلقاء المبطلين ا ه.
وفي الولواجية: إذا صلى لوجه الله تعالى: فإن كان له خصم لم يجز بينه وبينه عفو أخذ من حسناته ودفع إليه في الآخرة نوى أو لم ينو، وإن لم يكن له خصم أو كان وجرى بينهما عفو لم يدفع إليه من حسناته شئ نوى أو لم ينو ا ه بيري.
وعلى هذا فالمراد بالصلاة المذكورة أن ينوي
الصلاة لله تعالى لاجل أن يرضى عنه أخصامه، وعدم جوازه لكونه بدعة، بخلاف الصلاة لتحية المسجد أو نحوها من المندوبات وأما لو صلى ووهب ثوابها للخصوم فإنه يصح، لان العامل له أن يجعل ثواب عمله لغيره عندنا كما سيأتي في باب الحج عن الغير إن شاء الله تعالى.
قوله: (جاء) أي في بعض الكتب أشباه عن البزازية، ولعل المراد بها الكتب السماوية أو يكون ذلك حديثا نقله العلماء في كتبهم.
والدانق بفتح النون وكسرها: سدس الدرهم وهو قيراطان، والقيراط: خمس شعيرات، ويجمع على دوانق ودوانيق.
كذا في الاختري حموي.
قوله: (ثواب سبعمائة صلاة بالجماعة) أي من الفرائض، لان الجماعة فيها والذي في المواهب عن القشيري: سبعمائة صلاة مقبولة ولم يقيد بالجماعة.
قال شارح المواهب ما حاصله: هذا لا ينافي أن الله تعالى يعفو عن الظالم ويدخله الجنة برحمته ط ملخصا.
قوله: (وإلا تقع نفلا) أي غير نائب في حقه عن ركعتين من التراويح لوقوعها قبل صلاة العشاء ووقت التراويح بعد صلاة العشاء على المعتمد ط.
قوله: (فللمكتوبة) أي لقوتها لفرضيتها عينا ولكونها صلاة حقيقة والجنازة كفاية وليست بصلاة مطلقة.
قوله: (ولو مكتوبتين) أي إحداهما وقتية والاخرى لم يدخل وقتها، كما لو نوى في وقت الظهر: ظهر هذا اليوم وعصره، كذ في شرح المنية وشرح الاشباه للبيري.
ويدل عليه قوله الآتي: ولو فائتة ووقتية الخ.
قوله: (فللوقتية) علل له في المحيط بأن الوقتية واجبة للحال، وغيرها لا ا ه.
وهو يفيد أنه ليس بصاحب ترتيب، وإلا فالفائتة أولى كما لا يخفى.
بحر.(1/473)
أقول: هذه الافادة إنما تتم لو أريد بالمكتوبتين ما يشمل الوقتية مع الفائتة وليس كذلك، بل المراد بهما الوقتية مع التي لم يدخل وقتها كما علمت.
قوله: (ولو فائتتين فللاولى) وكذا لو وقتيتين كالظهر والعصر فعرفة كما بحثه البيري.
وقال ح: لان العصر وإن صحت في وقت الظهر في ذلك اليوم إلا أن الظهر واجبة التقديم عليها للترتيب، فكانتا بمنزلة فائتتين لم يسقط الترتيب بينهما كما هو ظاهر.
قوله: (لو من أهل الترتيب الخ) تبع في البحر أخذا من تعليل المحيط للمسألة بأن الثانية لا تجوز إلا بعد قضاء الاول.
قال في البحر: وهو إنما يتم فيما إذا كان الترتيب بينهما
واجبا ا ه.
أقول: ما ذكره في البحر مأخوذ من الحلية، لكنه في الحلية قال بعده: بقي ما لو لم يكن الترتيب بينهما واجبا، ويمكن أيضا أن يقال: إنها للاولى، لان تقديمها أولى ا ه.
وجزم بذلك الحلبي في شرحه الصغير حيث قال: فللاولى منهما لترجحها بالسبق وإن لم يكن صاحب ترتيب ا ه فافهم.
قوله: (فللفائتة لو الوقت متسعا) وأما إذ خاف ذهاب وقت الحاضرة فإنه يجزيه عنها حتى يكون عليه قضاء الفائتة كما في الاجناس.
بيري.
هذا، وقال ح بعد قوله لو الوقت متسعا: أي وكان بينهما ترتيب، إذ لو كان متسعا ولم يكن بينهما ترتيب لغت نيته كما صرح به في البحر ا ه.
وأقول: لم يصرح بذلك في البحر في هذه المسألة، نعم صرح به في شرح المنية بحثا، وبحث في الحلية خلافه، فافهم.
ثم اعلم أن ما ذكره الشارح من قوله: فللفائتة الخ عزاه في الفتح إلى المنتقى، ومثله في السراج، وعزاه في البحر إلى المنية، وذكر قبله أنه لا يصير شارعا في واحدة منهما ثم قال: وأفاد في الظهيرية أن فيها روايتين ا ه.
أقول: وكذا ذكر أولا في الخلاصة عن الجامع الكبير أنه لا يصير شارعا في واحدة منهما، ثم قال: وفي المنتقى يصير شارعا في الاولى ا ه.
فتكون رواية.
وقال الامام الفارسي في شرحه على تلخيص الجامع الكبير للخلاطي حيث قال في شرح قوله: ناوي الفرضين معا لاغ في الصلاة إلحاقا للدفع بالرفع في التنافي متنفل في غيرها الخ: أي نية الفرضين معا إن كانت في الصلاة كانت لغوا عندهما، وهو رواية الحسن عن الامام.
وصورته: لو كبر ينوي ظهرا عليه من يوم أو يومين عالما بأولهما أو لا فلا يصير شارعا في واحد منهما للتنافي بدليل أنه لو طرأ أحدهما على الآخر رفعه وأبطله أصلا، حتى لو شرع في الظهر ينوي عصرا عليه بطلت الظهر وصح شروعه في العصر، فإذا كان لكل منهما قوة رفع الاخرى بعد ثبوتها يكون لها قوة دفعها عن المحل قبل استقرارها بالاولى، لان الدفع أسهل من الرفع، وهذا على أصل محمد، وكذا على أصل أبي يوسف، لان الترجيح عنده إما بالحاجة إلى
التعيين وإما بالقوة وقد استويا في الامرين، ثم إطلاق الفرضين يتناول ما وجب بإيجاب الله تعالى كالمكتوبة، أو بإيجاب العبد كالمنذور أداء وقضاء، وما ألحق به كفاسد النفل سواء كانا من جنس واحد كالظهرين والجنازتين والمنذورتين أو من جنسين كالظهر مع العصر أو مع النذر أو مع الجنازة، وقيل إن ناوي الفرضين في الصلاة متنفل عندهما خلافا لمحمد، وإن كانت نية الفرضين في(1/474)
غير الصلاة كالزكاة والصوم والحج والكفارة كانت معتبرة ويكون متنفلا إلا في كفارتين من جنس واحد، فيكون مفترضا ا ه ملخصا، وتمامه فيما علقناه على البحر.
فعلم أن رواية الجامع الكبير مخالفة لرواية المنتقى فلا يصير شارعا في الصلاة أصلا إذا جمع في النية بين فرضين كل منهما قضاء، أو أحدهما أداء والآخر قضاء.
أو لم يدخل وقته، أو جنازة، أو منذور أو غيره من الواجبات، وقيل يصير متنفلا فلم تعتبر القوة على رواية الجامع إلا فيما إذا جمع بين فرض وتطوع فإنه يكون مفترضا عندهما لقوته.
وقال محمد: إن كانت في الصلاة تلغو فلا يصير شارعا فيهما، وإن كانت في صوم أو زكاة أو حج نذر مع تطوع يكون متنفلا، بخلاف حجة الاسلام والتطوع، فإنه مفترض اتفاقا كما أوضحه الفارسي في شرحه، والله أعلم.
قوله (فللفرض) أي خلافا لمحمد كما علمته آنفا.
قوله: (ولو نافلتين) قد تطلق النافلة على ما يشمل السنة وهو المراد هنا قوله: (فعنهما) ذكره في الاشباه ثم قال: ولم أر حكم ما إذا نوى سنتين كما إذا نوى في يوم الاثنين صومه عنه وعن يوم عرفة إذا وافقه فإن مسألة التحية إنما كانت ضمنا للسنة لحصول المقصود.
ا ه: أي فكذا الصوم عن اليومين، وأيده العلامة البيري بأنه يجزيه الصوم في الواجبين، ففي غيرهما أولى لما في خزانة الاكمل: لو قال لله علي أن أصوم رجب ثم صام عن كفارة ظهار شهرين متتابعين أحدهما رجب أجزأه، بخلاف ما لو كان أحدهما رمضان، ولو نذر صوم جميع عمره ثم وجب صوم شهرين عن ظهار أو أوجب صوم شهر بعينه ثم قضى فيه صوم رمضان جاز من غير أن يلحقه شئ ا ه.
لكن ليس في هذا جمع بين نيتين بل هونية واحدة أجزأت عن صومين، ولم يذكر الشارح هذه المسألة لان كلامه في الصلاة ولا تتأتى فيها.
ويمكن تصويره فيما لو نوى سنة العشاء والتهجد بناء على ما رجحه ابن الهمام من أن التهجد في حقنا سنة لا مستحب.
قوله: (فنافلة) لانها صلاة مطلقة وتلك دعاء.
قوله: (ولا تبطل بنية القطع) وكذا بنية الانتقال إلى غيرها ط قوله: (ما لم يكبر بنية مغايرة) بأن يكبر ناويا النفل بعد شروع الفرض وعكسه، أو الفائتة بعد الوقتية وعكسه، أو الاقتداء بعد الانفراد وعكسه.
وأما إذا كبر بنية موافقة كأن نوى الظهر بعد ركعة الظهر من غير تلفظ بالنية فإن النية الاولى لا تبطل ويبنى عليها.
ولو بنى على الثانية فسدت الصلاة ط.
قوله: (الصوم) ونحوه الاعتكاف، ولكن الاولى عدم الاشتغال بغير ما هو فيه ط، والله أعلم.
باب صفة الصلاة قوله: (شروع في المشورط) هذا يفيد أن المراد بالصفة الاوصاف النفسية للصلاة، وهي الاجزاء العقلية التي هي أجزاء الهوية من القيام والركوع والسجود، لان ذلك هو المشروط، وسيأتي أن الاولى خلافه ط.
قوله: (هي لغة مصدر) يقال وصف الشئ وصفا وصفة: نعته، والصفة كالعلم والسواد.
قاموس.(1/475)
وفي تعريفات السيد: الوصف عبارة عما دل على الذات باعتبار معنى هو المقصود من جوهر حروفه، ويدل على الذات بصيغته كأحمر، فإنه بجوهر حروفه يدل على معنى مقصود وهو الحمرة، فالوصف والصفة مصدران كالوعد والعدة.
والمتكلمون فرقوا بينهما فقالوا: الوصف يقوم بالواصف، والصفة تقوم بالموصوف ا ه.
لكن كلام القاموس يدل على إطلاق الصفة على ما قام بالموصوف لغة أيضا، فالصفة تكون مصدرا واسما والوصف مصدر فقط.
قال في الفتح والبحر.
ولا ينكر أنه قد يطلق الوصف ويراد الصفة، وبهذا لا يلزم الاتحاد لغة، إذ لا شك في أن الوصف مصدر ا ه.
وظاهره أن الوصف قد يستعمل اسما بمعنى الصفة مجازا لا لغة، فلا يلزم اتحادهما، خلافا لما قيل إنهما في اللغة بمعنى واحد.
قوله: (وعرفا كيفية الخ) مبني على عرف المتكلمين، وإلا فقد علمت أن الصفة تكون في اللغة مصدرا واسما، وهذا تعريف لصفة أجزاء الصلاة خاصة لا
لمطلق الصفة.
قال ح: فيكون على حذف مضاف تقديره صفة أجزاء الصلاة، فبعض الاجزاء صفته الفرضية كالقيام، وبعضها الوجوب كالشتهد، وبعضها السنية كالثناء، وبعضها الندب كنظره إلى موضع سجوده في القيام، وإنما قدرنا المضاف لان المقام مقام بيان صفة الاجزاء لا صفة نفس الصلاة ا ه.
وهذا أولى مما في الفتح من أن المراد بالصفة هنا الاوصاف النفسية لها وهي الاجزاء العقلية التي هي أجزاء الهوية الخارجية من القيام الجزئي والركوع والسجود، كذا في النهر.
قال ط: ووجه الاولوية أنه لا يشمل الواجبات والسنن والمندوبات ا ه.
وفيه نظر، فإن الواجبات وغيرها مما يطلب من المصلي فعله أجزاء الصلاة، إذ ليس المرا بالاجزاء ما يتوقف عليه صحتها، ولعل وجه الاولوية أن الصفة ما قام بالموصوف، والاجزاء هي التي قامت بها صفة الفرضية والوجوب ونحوهما فليست هي الصفة بل الموصوف.
وقد يجاب بأن المراد أن هذه الاجزاء هي أوصاف المصلي وتنسب إلى الصلاة لكونها أجزاء الهوية الخارجية التي صارت بها الصلاة في الخارج هي هي، وعليه فالاضافة في صفة الصلاة بيانية، أو المراد بالصفة الجزء مجازا لقيامه بالكل، ويدل عليه قوله في الكفاية والمعراج: إن الاضافة فيه من إضافة الجزء إلى الكل، لان كل صفة مما يأتي جزء الصلاة إلخ، فهذا مؤيد لما قاله في الفتح، ويدل عليه أيضا أن المراد من هذا الباب بيان هذه الاجزاء المتنوعة إلى فرض وواجب وسنة، لا بيان نفس الفرضية والوجوب والسنية التي هي صفات هذه الاجزاء، إذ بيانها في كتب الاصول لا الفروع.
تأمل.
مطلب: قد يطلق الفرض على ما يقابل الركن وعلى ما ليس بركن ولا شرط قوله: (من فرائضها) جمع فريضة أعم من الركن الداخل الماهية والشرط الخارج عنها، فيصدق على التحريمة والقعدة الاخيرة والخروج بصنعه على ما سيأتي، وكثيرا ما يطلقون الفرض على ما يقابل الركن كالتحريمة والقعدة وقدمنا في أوائل كتاب الطهارة عن شرح المنية أنه قد يطلق الفرض على ما ليس بركن ولا شرط كترتيب القيام والركوع والسجود والقعدة، وأشار بمن التبعيضية إلى أن لها فرائض أخر كما سيأتي في قول الشارح وبقي من الفروض الخ أفاده ح.
قوله: (التي لا تصح
بدونها) صفة كاشفة، إذ لا شئ من الفروض ما تصح الصلاة بدونه بلا عذر.
وقوله: (التحريمة)(1/476)
المراد بها جملة ذكر خالص مثل الله أكبر كما سيأتي مع بيان شروطها العشرين نظما.
والتحريم جعل الشئ محرما، سميت بها لتحريمها الاشياء المباحة قبل الشروع، بخلاف سائر التكبيرات والتاء فيها للمبالغة.
قهستاني.
وهو الاظهر برجندي.
وقيل للوحدة وقيل للنقل من الوصفية إلى الاسمية.
قوله: (قائما) هو أحد شروطها العشرين الآتية، وسيذكره المصنف في الفصل الآتي.
قوله: (وهي شرط) وإنما لم يذكرها مع الشروط المارة لاتصالها بها بمنزلة الباب للدار.
أفاده في السراج.
قوله: (في غير جنازة) أما فيها فهي ركن اتفاقا كبقية تكبيراتها كما سيأتي في بابه ح.
قوله: (على القادر) متعلق بشرط لتضمنه معنى الفرض: أي وهي شرط مفترض عليه ح.
أما الامي والاخرس لو افتتحا بالنية جاز لانهما أتيا بأقصى ما في وسعهما.
بحر عن المحيط، وسيأتي تمام الكلام على ذلك في الفصل الآتي.
قوله: (به يفتى) الضمير راجع إلى الحكم عليها بالشرطية، وهو مضمون النسبة الايقاعية في قوله: وهي شرط.
قوله: (فيجوز بناء النفل على النفل) تفريع على كون التحريمة شرطا، لكن كونها شرطا يقتضي صحة بناء أي صلاة على تحريمة أي صلاة، كما يجوز بناء أي صلاة على طهارة أي صلاة، وكذبقية الشروط، لكن منعنا بناء الفرض على غيره، لا لان التحريمة ركن، بل لان المطلوب في الفرض تعيينه وتمييزه عن غيره بأخص أوصافه وجميع أفعال وأن يكون عبادة على حدة، ولو بنى على غيره لكان مع ذلك الغير عبادة واحدة كما في بناء النفل على النفل.
قال في البحر: فإنه يكون صلاة واحدة بدليل أن القعود لا يفترض إلا في آخرها على الصحيح، وقولهم: إن كل ركعتين من النفل صلاة لا يعارضه، لانه فأحكام دون أخرى ا ه ح.
قوله: (وعلى الفرض) لان الفرض أقوى فيستتبع النفل لضعفه ط.
قوله: (وإن كره) يعني أنه مع صحته مكروه، لان فيه تأخير السلام وعدم كون النفل بتحريمة مبتدأة ح، وهذا في العمد، إذ لو سها بعد قعدة الفرض فزا خامسة يضم سادسة بلا كراهة.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر المذهب خلافا لصدر الاسلام حيث قال بالجواز فيهما كما في البحر، لكن ذكر في النهاية بعد عزوه الجواز في بناء الفرض على مثله إلى
صدر الاسلام أن بناء الفرض على النفل لم نجد فيه رواية، ثم قال: ولكن يجب أن لا يجوز حتى على قول صدر الاسلام لانه جوز بناء المثل، فلا يجوز بناء الاقوى على الادنى، ولان الشئ يستتبع مثله أو دونه لا ما هو أقوى، إلى آخر ما أطال به، وتبعه في المعراج والعناية، وبهذا ظهر عدم صحة قول النهر.
ولا خلاف في جواز بناء النفل على النفل والفرض عليه فتنبه.
قوله: (ولاتصالها الخ) علة مقدمة على المعلول، وهو قوله: روعي لها الشروط وهذا حاصل عبارة البرهان الآتية، وهو جواب عن سؤال مقدر، وهو أنها إذا كانت شرطا فلم روعي لها الشروط والشروط تراعى للاركان.
والجواب إنما روعيت الشروط لها من الطهارة والاستقبال ونحوهما لا لكونها ركنا للصلاة بل لاتصالها بالقيام الذي هو ركن الصلاة.
قوله: (وقد منعه الزيلعي) أي منع ما ذكر من قوله: روعي لها الشروط حيث قال في الرد على الشافعي القائل بركنية التحريمة، وقوله: يشترط لها ما يشترط للصلاة ممنوع، فإنه لو أحرم حاملا للنجاسة فألقاها عند فراغه منها أو مكشوف العورة فسترها عند فراغه من التكبير بعمل يسير أو شرع في التكبير قبل ظهور الزوال مثلا ثم ظهر عند فراغه منها أو(1/477)
منحرفا عن القبلة فاستقبلها عند الفراغ منها جاز، ولئن سلم فإنما يشترط لما يتصل به من الاداء، لا لان التحريمة من الصلاة ا ه.
قوله: (ثم رجع إليه) أي إلى القول بمراعاة الشروط لها بقوله: ولئن سلم الخ فإنه وإن كان على سبيل التنزل مع الخصم، لكن قوله: فإنما يشترط لما يتصل به من الاداء الخ صريح في لزوم مراعاة الشروط وقتها لا لها بل لاتصالها بالقيام الذي هو ركن اتفاقا، ونظير ذلك قولك: لا نسلم أن الحركة تجتمع مع السكون، ولئن سلم يلزم اجتماع الضدين، فقولك: ولئن سلم، كلام فرضي قصد به ما بعده، فعلم أن الزيلعي أراد بهذا الكلام لزوم مراعاة الشروط وقت التحريمة لاتصالها بالقيام الذي هو ركن الصلاة، وعليه فلو أحرم حاملا للنجاسة فألقاها عند فراغه من التحريمة لا تصح صلاته لاتصال النجاسة بجزء من القيام، وكذا بقية المسائل المارة في عبارة الزيلعي، ولو لم يكن مراده ذلك لم يصح تفريعه على فرض التسليم المذكور، فثبت أن ما منعه أو
رجع إليه ثانيا.
فافهم.
قوله: (نعم تصديق لما فعله الزيلعي من تقديم المنع على التسليم جريا على قواعد علماء المناظرة، وقوله: في التلويح الخ تأييد له، وقصد بذلك الرد على من قدم التسليم على المنع، عكس ما فعله الزيلعي كما يعلم من كلام البحر فراجعه، فافهم.
قوله: (لكن نقول الخ) استدراك على المنع وتأييد لما رجع إليه الزيلعي بأنه الاحتياط وقوله: وعبارة البرهان الخ تقوية للاستدراك، لان قول البرهان: وإنما اشترط لها الخ، صريح في مراعاة الشروط لها وإن لم تكن ركنا لاتصالها بالقيام الذي هو ركن الصلاة، وقال الشارح في خزائن الاسرار: ظاهر كلام الهداية والكافي وشروح المجمع وغيرها صريح في اشتراط وجود شروط الصلاة حين التحريمة لكونها ركنا بها لاتصالها بالاركان، وقد منع الزيلعي الاشتراط أولا الخ.
بحث القيام وحاصل كلام الشارح اختيار مراعاة الشروط وقت التحريمة وإن لم تكن ركنا لقولهم في الجواب عن استدلال الشافعي على ركنيتها بمراعاة الشروط لها: إن هذه الشروط لم تراى لاجلها بل لما اتصل بها من القيام، فإن ظاهره أنهم سلموا لزوم المراعاة وقتها لكن منعوا أن تكون المراعاة لاجلها، وعليه فلا يصح الشروع في الصلاة لو شرع بالتحريمة حاملا لنجاسة فألقاها قبل الفراغ منها، وكذا في بقية الفروع المارة.
وأقول: هذا خلاف ما دل عليه كلام الشارحين من تصريحهم بصحة الشروع في هذه الفروع، حتى أن العلامة الكاكي صرح في معراج الدراية بأن ثمرة الخلاف بيننا وبين الشافعي في التحريمة تظهر في جواز بناء النفل على الفرض، وتظهر أيضا فيما إذا كبر وفي يده نجاسة فألقاها عند فراغه منها إلى آخر الفروع المار، وقال في آخرها: لا تفسد صلاته عندنا، ونحوه في السراج، لكنه جعل الخلاف بين الامامين ومحمد، ولعله رواية عن محمد، فإن المشهور أن لقائل بركنية التحريمة هو الشافعي وبعض أصحابنا.
وعبارة فتح القدير هكذا: قوله ومراعاة الشرائط الخ يتضمن منع قوله يشترط لها، فيقال: لا نسلم أنه يشترط لها بل هو لما يتصل بها من الاركان لا لنفسها، ولذا قلنا: لو تحرم حامل نجاسة أو مكشوف العورة أو قبل ظهور الزوال أو منحرفا فألقاها واستتر بعمل يسير وظهر الزوال واستقبل مع آخر جزء من التحريمة جاز.
وذكر في(1/478)
الكافي أنها عند بعض أصحابنا ركن ا ه.
وهو ظاهر كلام الطحاوي، فيجب على قول هؤلاء أن لا تصح هذه الفروع ا ه كلام الفتح.
فانظر كيف فهم أن مراد صاحب الهداية تسليم صحة هذه الفروع، وأنه لا يشترط وجود شروط الصلاة وقت التحريمة، وأن عدم صحتها إنما هو على القول بركنيتها ونحن لا نقول به وهذا خلاف ما فهمه الشارح من كلام الهداية والكافي وغيرهما كما قدمناه عن الخزائن، وكذا كلام البحر والنهر صريح في صحة هذه الفروع، فحيث كان هذا هو المنقول فليس لنا عنه عدول، وحينئذ فمعنى قولهم في الجواب: إن مراعاة الشروط ليست لها بل لما اتصل بها من القيام أن شروط الصلاة من الطهارة وغيرها لا تجب للتحريمة أصلا، وإنما تجب للقيام المتصل بها: أي المتصل بآخرها عند انتهاء التلفظ بها لا للقيام المتصل بابتدائها إلى انتهائها حتى يلزم مراعاة الشروط لها في ضمن القيام المذكور كما فهمه الشارح من قول البرهان: وإنما اشترط لها، فإن قوله لها يفيد ما ذكره الشارح، لكنه غير مراد بدليل صحة الفروع المذكورة عندنا، أو يقال: معناه أن الشروط التي يراعيها المصلي وقت التحريمة ليست لها، بل لما اتصل بهامن الاركان.
وحاصله أنه لما كان الغالب من حال المصلي مراعاة الشروط وقتها صامنشأ لتوهم أن ذلك للتحريمة فبينوا أولا أن ذلك للقيام المتصل بها، ثم حققوا ذلك بأن ذكروا صورا يمكن فيها عدم اقتران التحريمة بالشروط.
وعبارة الهداية: ومراعاة الشرائط لما يتصل بها من القيام.
قال في الكفاية: والدليل أن من وقع في البحر ولم يصل الماء إلى أعضاء وضوئه فكبر وغمس في الماء ورفع وصلى بالايماء تجوز صلاته وإن كان حال التكبير غير متوضئ ا ه.
فهذا أيضا صريح في أن الشروط إنما تجب مراعاتها مع الفراغ منها عند أول جزء من القيام المتصل بآخر التحريمة، فالشروط تراعى له في وقته لا لها تبعا له.
ويمكن حمل كلام الزيلعي المار على هذا أيضا بأن يجعل قوله: لما يتصل، متعلقا بقوله: يشترط صلة له لا علة حتى يكون المعنى يشترط في التحريمة لاجل ما يتصل الخ، وحينئذ فيتوافق كلامهم ويتضح مرامهم، هذا ما ظهر لي في تحقيق هذا المقام والسلام.
قوله: (ومنها القيام) يشمل التام منه وهو الانتصاب مع الاعتدال وغير التام وهو الانحناء القليل بحيث لا
تنال يداه ركبتيه، وقوله: بحيث الخ صادق بالصورتين.
أفاده ط.
ويكره القيام على أحد القدمين في الصلاة بلا عذر، وينبغي أن يكون بينهما مقدار أربع أصابع اليدلانه أقرب إلى الخشوع، هكذا روي عن أبي نصر الدبوسي أنه كان يفعله، كذا في الكبرى، وما روي أنهم ألصقوا الكعاب بالكعاب أريد به الجماعة: أي قام كل واحد بجانب الآخر، كذا في فتاوى سمرقند، ولو قام على أصابع رجليه أو عقبيه بلا عذر يجوز، وقيل لا، حكي القولين في القنية، وتمامه في شرح الشيخ إسماعيل.
قوله: (بقدر القراءة فيه) ذكره في الشرنبلالية بحثا، لكن عزاه في الخزائن إلى الحاوي، وحينئذ فهو بقدر آية فرض وبقدر الفاتحة وسورة واجب، وبطوال المفصل وأوساطه وقصاره في محالها مسنون والزيادة على ذلك في نحو تهجد مندوب، لكن في أواخر الفن الثالث من الاشباه.
قال أصحابنا: لو قرأ القرآن كله في الصلاة وقع فرضا، ولو أطال الركوع والسجود فيها وقع فرضا ا ه.
ومقتضاه أنه لو أطال القيام يقع فرضا أيضا، فينافي هذا التقدير، وقد يجاب بأن هذا قبل إيقاعه، أما بعده فالكل فرض، كما أن القراءة قبل إيقاعها نوعت إلى فرض وواجب وسنة وبعده(1/479)
يكون الكل فرضا، وتظهر ثمرة ذلك في الثواب والعقاب، فإذا قرأ أكثر من آية يثاب ثواب الفرض، وإذا ترك القراءة لا يعاقب على ترك الزائد على الآية، هذا ما ظهر لي، فتأمله.
قوله: (فركع) أي وقرأ في هويه قدر الفرض، أو كان أخرس أو مقتديا أو أخر القراءة.
قوله: (إلى أن يبلغ الركوع) أي يبلغ أقل الركوع بحيث تنال يداه ركبتيه، وعبارته في الخزائن عن القنية: إلى أن يصير أقرب إلى الركوع.
قوله: (كنذر) أطلقه فشمل النذر المطلق وهو الذي لم يعين فيه القيام ولا القعود، وهذا أحد قولين، والثاني التخيير ط، وأبدل النذر في الخزائن بالواجب، ويدخل فيه قضاء ما أفسده من النوافل فهل يفترض فيه القيام لوجوبه أم لا إلحاقا له بأصله؟ توقف فيه ط والرحمتي.
قوله: (وسنة فجر في الاصح) أما على القول بوجوبها فظاهر، وأما على القول بسنيتها فمراعاة للقول بالوجوب.
ونقل في مراقي الفلاح أن الاصح جوازها من قعود ط.
أقول: لكن في الحلية عند الكلام على صلاة التراويح: لو صلى التراويح قاعدا بلا عذر:
قيل لا يجوز قياسا على سنن الفجر فإن كلا منهما سنة مؤكدة، وسنة الفجر لا تجوز قاعدا من غير عذر بإجماعهم كما هو رواية الحسن عن أبي حنيفة كما صرح به في الخلاصة، فكذا التراويح، وقيل يجوز والقياس على سنة الفجر غير تام، فإن التراويح دونها في التأكيد فلا تجوز التسوية بينهما في ذلك.
قال قاضيخان: وهو الصحيح ا ه.
قوله: (القادر عليه) فلو عجز حقيقة وهو ظاهر أو حكما كما لو حصل له به ألم شديد أو خاف زيادة المرض وكالمسائل الآتية في قوله: وقد يتحتم القعود الخ فإنه يسقط، وقد يسقط مع القدرة عليه فيما لو عجز عن السجود كما اقتصر عليه الشارح تبعا للبحر.
ويزاد مسألة أخرى وهي الصلاة في السفينة الجارية، فإنه يصلي فيها قاعدا مع القدرة على القيام عند الامام.
قوله: (فلو قدر عليه) أي على القيام وحده أو مع الركوع كما في المنية.
قوله: (ندب إيماؤه قاعدا) أي لقربه من السجود، وجاز إيماؤه قائما كما في البحر وأوجب الثاني زفر والائمة الثلاثة، لان القيام ركن فلا يترك مع القدرة عليه.
ولنا أن القيام وسيلة إلى السجود للخرور، والسجود أصل لانه شرع عبادة بلا قيام كسجدة التلاوة، والقيام لم يشرع عبادة وحده، حتى لو سجد لغير الله تعالى يكفر بخلاف القيام.
وإذا عجز عن الاصل سقطت الوسيلة كالوضوء مع الصلاة والسعي مع الجمعة.
وما أورده ابن الهمام أجاب عنه في شرح المنية ثم قال: ولو قيل إن الايماء أفضل للخروج من الخلاف لكان موجها ولكن لم أر من ذكره.
قوله: (وكذا) أي يندب إيماؤه قاعدا مع جواز إيمائه قائما لعجزه عن السجود حكما، لانه لو سجد لزم فوات الطهارة بلا خلاف، ولو أومأ كان الايماء خلفا عن السجود، قوله: (وقد يتحتم القعود الخ) أي يلزمه الايماء قاعدا لخلفيته عن القيام الذي عجز عنه حكما، إذ لو قام لزم فوت الطهارة أو الستر أو القراءة أو الصوم بلا خلاف، حتى لو لم يقدر على الايماء قاعدا كما لو كان بحال لو صلى قاعدا يسيل بوله أو جرحه، ولو صلى مستلقيا لا يسيل منه شئ فإنه يصلي قائما بركوع وسجود كما نص عليه في المنية.
قال شارحها: لان الصلاة بالاستلقاء لا تجوز بلا عذر(1/480)
كالصلاة مع الحدث فيترجح ما فيه الاتيان بالاركان.
وعن محمد أنه يصلي مضطجعا ولا إعادة في
شئ مما تقدم إجماعا ا ه.
قوله: (أو يسلس) من باب تعب ط.
قوله: (أصلا) أما لو قدر على بعض القراءة إذا قام فإنه يلزمه أن يقرأ مقدار قدرته والباقي قاعدا.
شرح المنية.
قوله: (الخروج لجماعة) أي في المسجد، وهو محمول على ما إذا لم تتيسر له الجماعة في بيته، أفاده أبو السعود ط.
قوله: (به يفتى) وجهه أن القيام فرض بخلاف الجماعة، وبه قال مالك والشافعي، خلافا لاحمد بناء على أن الجماعة فرض عنده، وقيل يصلي مع الامام قاعدا عندنا لانه عاجز إذ ذاك، ذكره في المحيط، وصححه الزاهدي.
شرح المنية، وثم قول ثالث مشي عليه في المنية، وأنه يشرع مع الامام قائما ثم يقعد، فإذا جاء وقت الركوع يقوم ويركع: أي إن قدر، وما مشى عليه الشارح تبعا للنهر جعله في الخلاصة أصح، وبه يفتى.
قال في الحلية: ولعله أشبه، لان القيام فرض فلا يجوز تركه للجماعة التي هي سنة بل يعد هذا عذرا في تركها ا ه.
وتبعه في البحر.
مبحث القراءة قوله: (ومنها القراءة) أي قراءة آية من القرآن، وهي فرض عملي في جميع ركعات النفل والوتر وفي ركعتين من الفرض كما سيأتي متنا في باب الوتر والنوافل، وأما تعيين القراءة في الاوليين من الفرض فهو واجب، وقيل سنة لا فرض كما سنحققه في الواجبات، وأما قراءة الفاتحة والسورة أو ثلاث آيات فهي واجبة أيضا كما سيأتي.
فرع: قد تفرض القراءة في جميع ركعات الفرض الرباعي كما لو استخلف مسبوقا بركعتين وأشار له أنه لم يقرأ في الاوليين كما سيأتي في باب الاستخلاف.
قوله: (كما سيجئ) أي في الفصل الآتي مع بيان حكم القراءة بغير العربية، أو بالشواذ أو بالتوراة والانجيل.
[ مب ] مبحث الركن الاصلي والركن الزائد [ / مب ] قوله: (لسقوطه بالاقتداء بلا خلف) في هذا التعليل إشارة إلى ما ذكره في البحر من أن الركن الزائد هو ما يسقط في بعض الصور من غير تحقق ضرورة، والركن الاصلي ما لا يسقط إلا لضرورة.
وأورد على تسمية الركن زائدا أن الركن ما كان داخل الماهية فكيف يوصف بالزيادة؟ وأجيب بأنه ركن من حيث قيام ذلك الشئ به في حالة وانتفاؤه بانتفائه، وزائد من حيث قيامه بدونه في حالة
أخرى، فالصلاة ماهية اعتبارية فيجوز أن يعتبرها الشارع تارة بأركان وأخرى بأقل منها.
وأورد على تفسير الركن الزائد بما مر أنه يلزم عليه تسمية غسل الرجل ركنا زائدا في الوضوء.
وأجيب بأن الزائد ما إذا سقط لا يخلفه بدل والمسح بدل الغسل، ومثله بقية أركان الصلاة فإنها تسقط إلى خلف فليست بزوائد، بخلاف القراءة.
وأورد أن قراءة الامام خلف عن قراءة المقتدي، لقوله (ص) من كان له إمام فقراءة الامام له قراءة وأجاب ح بأن المراد بالخلف خلف يأتي به من فاته الاصل وها هنا ليس كذلك ا ه.
وهو(1/481)
أحسن مما في ط من أنه ليس المراد في الحديث الخلفية، بل المراد أن الشارع منعه عن القراءة واكتفى بقراءة الامام عنه ا ه.
قال في النهر: ولقائل أن يقول: لا نسلم سقوط القراءة بلا ضرورة ليلزم كونها زائدا إذ سقوطها لضرورة الاقتداء، ومن هنا ادعى ابن ملك أنه ركن أصلي ا ه.
أقول: ولقائل أن يقول: لا نسلم أن الاقتداء ضرورة إذ الضرورة العجز المبيح لترك أداء الركن والمقتدي قادر على القراءة غير أنه ممنوع عنها شرعا، والمنع لا يسمى عجزا إلا بتأويل.
وقد خالف ابن ملك الجم الغفير في ذلك كما قاله في البحر، فلا تعتبر مخالفته، والله تعالى أعلم.
[ مب ] بحث الركوع والسجود [ / مب ] قوله: (بحيث لو مد يديه الخ) كذا في السراج.
وفي شرح المنية: هو طأطأة الرأس: أي خفضه لكن مع انحناء الظهر لانه هو المفهوم من موضوع اللغة، فيصدق عليه قوله تعالى: * (اركعوا) * (الحج: 77) وأما كماله فبانحناء الصلب حتى يستوي الرأس بالعجز وهو حد الاعتدال فيه ا ه.
لكن ضعفه في شرح المختار حيث قال: الركوع يتحقق بما ينطلق عليه الاسم لانه عبارة عن الانحناء، وقيل إن كان إلى حال القيام أقرب لا يجوز، وإن كان إلى حال الركوع أقرب جاز ا ه.
وتمامه في الامداد، وما اختاره في شرح المختار هو الموافق لما قرره علماؤنا في كتب الاصول.
وفي شرح الشيخ إسماعيل عن المحيط: وإن طأطأ رأسه في الركوع قليلا ولم يعتدل فظاهر الجواب عن أبي حنيفة أنه يجوز.
وروى الحسن أنه إن كان إلى الركوع أقرب يجوز، وإن كان إلى القيام
أقرب لا يجوز ا ه.
وفي حاشية الفتال عن البرجندي: ولو كان يصلي قاعدا ينبغي أن يحاذي جبهته قدام ركبتيه ليحصل الركوع ا ه.
قلت: ولعله محمول على تمام الركوع، وإلا فقد علمت حصوله بأصل طأطأة الرأس: أي مع انحناء الظهر.
تأمل.
قوله: (ومنها السجود) هو لغة: الخضوع.
قاموس.
وفسره في المغرب بوضع الجبهة في الارض.
وفي البحر: حقيقة السجود وضع بعض الوجه على الارض مما لا سخرية فيه، فدخل الانف وخرج الخد والذقن، وأما إذا رفع قدميه في السجود فإنه مع رفع القدمين بالتلاعب أشبه منه بالتعظيم والاجلال ا ه.
وتمامه فيما علقناه عليه.
قوله: (بجبهته) أي حيث لا عذر بها.
وأما جواز الاقتصار على الانف فشرطه العذر على الراجح كما سيأتي.
قال ح: ثم إن اقتصر على الجبهة فوضع جزءا منها وإن قل فرض ووضع أكثرها واجب.
قوله: (وقدميه) يجب إسقاطه، لان أصبع واحدة منهما يكفي كما ذكره بعد ح.
وأفاد أنه لو لم يضع شيئا من القدمين لم يصح السجود وهو مقتضى ما قدمناه آنفا عن البحر، وفيه خلاف سنذكره في الفصل الآتي.
قوله: (وتكراره تعبد) أي تكرار السجود أمر تعبدي: أي لم يعقل معناه على قول أكثر المشايخ تحقيقا للابتلاء، وقيل ثني ترغيما للشيطان حيث لم يسجد مرة فنحن نسجد مرتين، وتمامه في البحر.
مطلب: هل الامر التعبدي أفضل أو المعقول المعنى؟ فائدة: سئل المصنف في آخر فتاواه التمرتاشية: هل التعبدي أفضل أو معقول المعنى؟ أجاب لم أقف عليه لعلمائنا سوى قولهم في الاصول: الاصل في النصوص التعليل، فإنه يشير إلى أفضلية المعقول، ووقفت على ذلك في فتاوى ابن حجر.
قال: قضية كلام ابن عبد السلام أن التعبدي(1/482)
أفضل لانه بمحض الانقياد، بخلاف فما ظهرت علته فإن ملابسه قد يفعله لتحصيل فائدته، خالفه البلقيني فقال: لا شك أن معقول المعنى من حيث الجملة أفضل لان أكثر الشريعة كذلك، وبالنظر للجزئيات قد يكون التعبدي أفضل كالوضوء وغسل الجنابة فإن الوضوء أفضل، وقد يكون المعقول أفضل كالطواف والرمي فإن الطواف أفضل ا ه.
وفي الحلية عند الكلام على فرائض الوضوء: وقد اختلف العلماء في أن الامور التعبدية هل
شرعت لحكمة عند الله تعالى وخفيت علينا أو لا؟ والاكثرون على الاول، وهو المتجه لدلالة استقراء عادة الله تعالى على كونه سبحانه جالبا للمصالح دارئا للمفاسد، فما شرعه إن ظهرت حكمته لنا قلنا إنه معقول، وإلا قلنا إنه تعبدي، والله سبحانه العليم الحكيم.
قوله: (ثابت بالسنة) أي وبالاجماع، بحر.
وهذا لان الامر بالسجود في الآية لا يدل على تكراره.
قوله: (ومنها القعود الاخير) عبر بالاخير دون الثاني ليشمل قعدة الفجر وقعدة المسافر لانها أخيرة وليست ثانية، كذا في الدراية، والمراد وصفه بأنه واقع آخر الصلاة، وإلا فالاخير يقتضي سبق غيره.
وعليه لو قال: آخر عبد أملكه فهو حر، فملك عبدا لم يعتق، فليتأمل.
إمداد.
[ مب ] بحث القعود الاخير [ / مب ] قوله: (والذي يظهر الخ) اختلف في القعدة الاخيرة، قال بعضهم: هي ركن أصلي.
وفي كشف البزدوي أنها واجبة لا فرض، لكن الواجب هنا في قوة الفرض في العمل كالوتر.
وفي الخزانة أنها فرض وليست بركن أصلي بل هي شرط للتحليل، وجزم بأنها فرض في الفتح والتبيين.
وفي الينابيع أنه الصحيح وأشار إلى الفرضية الامام المحبوبي في مناسك الجامع الصغير، ولذلك من حلف لا يصلي يحنث بالرفع من السجود دون توقف على القعدة، فهي فرض لا ركن، إذ الركن هو الداخل في الماهية، وماهية الصلاة تتم بدون القعدة، ثم قال: فعلم أنه إنما شرعت لاجل الاستراحة، والفرض أدنى حالا من الركن، لان الركن يتكرر، فعدم التكرار دليل على عدم الركنية، والفقه فيه أن الصلاة أفعال موضوعة للتعظيم، وأصل التعظيم بالقيام، ويزاد بالركوع ويتناهى بالسجود، فكانت القعدة مرادة للخروج من الصلاة، فكانت لغيرها لا لعينها فلم تكن من الركن، وتمامه في شرح الدرر للشيخ إسماعيل.
قال في البحر: ولم أر من تعرض لثمرة الخلاف: أي في أنها ركن أو لا، وبين في الامداد الثمرة بأنه لو أتى بالقعدة نائما تعتبر على القول بشرطيتها لا ركنيتها، وعزاه إلى التحقيق، والاصح عدم اعتبارها كما في شرح المنية.
قلت: وهذا يؤيد القول بأنها ركن زائد لا شرط، خلافا لما مشى عليه الشارح تبعا للنهر.
قوله: (لانه شرع للخروج) فيه أن ما شرع لغيره قد يكون ركنا كالقيام فإنه شرع وسيلة للركوع
والسجود، حتى لو عجز عنهما يومئ قاعدا وإن قدر على القيام.
قوله: (لحنث من حلف الخ) فيه أن القراءة ركن زائد مع أنه لو حلف لا يصلي وصلى ركعة بلا قراءة لا يحنث، فلا دلالة في ذلك على أن القعدة ركن زائد، بل يدل على أنها شرط، فالمناسب للشارح أن يعكس بأن يذكر هذا دليلا(1/483)
للشرطية، ويذكر ما قبله هنا دليلا للركنية.
تأمل.
قوله: (لا يكفر منكره) الظاهر أن المراد منكر فرضيته، لانه قيل بوجوبه كما في القهستاني، وأما منكر أصل مشروعيته فينبغي أن يكفر لثبوته بالاجماع، بل معلوم من الدين بالضرورة.
أفاده ح، ويؤيده ما قالوا في السنن: الرواتب من لم يرها حقا كفر.
قوله: (قدر أدنى قراءة التشهد) أي أدنى زمن يقرأ فيه، بأن يكون قدر أسرع ما يكون من التلفظ به مع تصحيح الالفاظ، وليس المراد أن له في نفسه أدنى وأعلى ط.
وقوله: (إلى عبده ورسوله) أشار به إلى أن المراد به التشهد الواجب بتمامه.
قال في شرح المنية: والمراد من التشهد التحيات إلى عبده ورسوله هو الصحيح، لاما زعم البعض أنه لفظ الشهادتين فقط ا ه.
قوله: (وعدم فاصل) عطف تفسير على ما قبله.
[ مب ] بحث الخروج بصنعه [ / مب ] قوله: (ومنها الخروج بصنعه الخ) أي بصنع المصلي: أي فعله الاختيار، بأي وجه كان من قول أو فعل ينافي الصلاة بعد تمامها كما في البحر، وذلك بأن يبني على صلاته صلاة ما فرضا أو نفلا، أو يضحك قهقهة، أو يحدث عمدا، أو يتكلم، أو يذهب، أو يسلم تاترخانية، ومنه ما لو حاذته امرأة لان المحاذاة مفاعلة، فكان الفعل موجودا من الرجل بصنعه كوجوده من المرأة وإن لم يكن للرجل فيه اختيار، وتمامه في النهاية، واحترز بصنعه عما لو كان سماويا كأن سبقه الحدث.
قوله: (كفعله المنافي لها) الاولى التعبير بالباء بدل الكاف ليكون تفسيرا لقوله: بصنعه إلا أن يقال: أراد بالخروج بصنعه الخروج بلفظ السلام حملا للمطلق على الكمال، لانه الواجب، وبقوله: كفعله الخ ما عداه، ويدل عليه قوله: وإن كره تحريما فإنه لا يكره إلا فيما عدا السلام فافهم: واحترز بالمنافي عن نحو قراءة وتسبيح.
قوله: (بعد تمامها) أبعد قعوده الاخير قدر التشهد،
وقيد به لان إتيانه بالمنافي قبله يبطلها اتفاقا ح.
قوله: (والصحيح الخ) اعلم أن كون الخروج بصنعه فرضا غير منصوص عن الامام وإنما استنبطه البردعي عن المسائل الاثني عشرية الآتية قبيل باب مفسدات الصلاة فإن الامام لما قال فيها بالبطلان مع أن أركان الصلاة تمت ولم يبق إلا الخروج، دل على أنه فرض، وصاحباه لما قالا فيها بالصحة كان الخروج بالصنع ليس فرضا عندهما.
ورده الكرخي بأنه لا خلاف بينهم في أنه ليس بفرض، وأن هذا الاستنباط غلط من البردعي، لانه لو كان فرضا كما زعمه لاختص بما هو قربة وهو السلام، وإنما حكم الامام بالبطلان في الاثني عشرية لمعنى آخر، وهو أن العوارض فيها مغيرة للفرض، فاستوى في حدوثها أول الصلاة وآخرها، فإن رؤية المتيمم بعد القعدة الماء مغيرة للفرض، لانه كان فرضه التيمم فتغير فرضه إلى الوضوء، وكذا بقية المسائل، بخلاف الكلام فإنه قاطع لا مغير، والحدث العمد والقهقهة ونحوهما مبطلة لا مغيرة، وتمامه في ح.
هذا، وقد انتصر العلامة الشرنبلالي للبردعي في رسالة المسائل البهية الزكية على الاثني(1/484)
عشرية بأنه قد مشى على افتراض الخروج بصنعه صاحب الهداية، وتبعه الشراح وعامة المشايخ وأكثر المحققين والامام النسفي في الواقي والكافي والكنز وشروحه وإمام أهل السنة الشيخ أبو منصور الماتريدي.
قول: (وعليه) أي على الصحيح الذي هو قول الكرخي المقابل لقول البردعي.
وفائدة الخلاف بينهما تظهر فيما إذا سبقه حدث بعد قعوده قدر التشهد إذا لم يتوضأ ويبن ويخرج بصنعه، بطلت على تخريج البردعي، وصحت على تخريج الكرخي ط.
قوله: (تمييز المفروض) فسره ط بأن يميز السجدة الثانية عن الاولى بأن يرفع ولو قليلا، أو يكون إلى القعود أقرب، قولان مصححان.
ونقل الشرنبلالي أصحية الثاني، وفسره ح بأن المراد بالتمييز تمييز ما فرض عليه من الصلوات عما لم يفرض عليه، حتى لو لم يعلم فرضية الخمس إلا أنه كان يصليها في وقتها لا يجزيه: ولو علم أن البعض فرض والبعض سنة ونوى الفرض في الكل، أو لم يعلم ونوى صلاة الامام عند اقتدائه في الفرض جاز، ولو علم الفرض دون ما فيه من فرائض وسنن
جازت صلاته أيضا، كذا في البحر، فليس المراد المفروض من أجزاء كل صلاة: أي بأن يعلم أن القراءة فيها فرض وأن التسبيح سنة، وهكذا خلافا لا يوهمه ما في متن نور الايضاح وإن كان في شرحه فسره بما يرفع الايهام.
أقول: كان ينبغي للشارح عدم ذكره ذلك كما فعل في الخزائن، لانه على التفسير الاول يكون بمعنى افتراض السجدة الثانية لانها لاتتحقق بدون رفع، وقد مر ذكر السجود.
وعلى التفسير الثاني يرجع إلى اشتراط التعيين في النية، وقد صرح به في بحث النية.
قوله: (وترتيب القيام على الركوع الخ) أي تقديمه عليه حتى لو ركع ثم قام لم يعتبر ذلك الركوع، فإن ركع ثانيا صحت صلاته لوجود الترتيب المفروض، ولزمه سجود السهو لتقديمه الركوع المفروض، وكذا تقديم الركوع على السجود، حتى لو سجد ثم ركع، فإن سجد ثانيا صحت لما قلنا، وقوله: والقعود الاخير الخ أي يفترض إيقاعه بعد جميع الاركان، حتى لو تذكر بعده سجدة صلبية سجدها وأعاد القعود وسجد للسهو، ولو ركوعا قضاه مع ما بعده من السجود، أو قياما أو قراءة صلى ركعة كما حرره في البحر، وكان الاولأن يقول: وترتيب القعود الخ كما فعل في الخزائن، ليعلم أنه فرض آخر، ولان الترتيب فيه بمعنى التأخير عكس ما قبله، ولم يذكر تقديم القراءة على الركوع لانه سيذكره في الواجبات، وسيأتي هناك تمام الكلام على ذلك كله.
قوله: (وإتمام الصلاة والانتقال الخ) قال في الفتح: وقد عد من الفرائض إتمامها والانتقال من ركن إلى ركن، قيل لان النص الموجب للصلاة يوجب ذلك، إذ لا وجود للصلاة بدون إتمامها، وذلك يستدعي الامرين ا ه.
والظاهر أن المراد بالاتمام عدم القطع، وبالانتقال المذكور الانتقال عن الركن للاتيان بركن بعده، إذ لا يتحقق ما بعده إلا بذلك.
وأما الانتقال من ركن إلى آخر بلا فاصل بينهما فواجب، حتى لو ركع ثم ركع يجب عليه سجود السهو، لانه لم ينتقل من الفرض وهو الركوع إلى السجود، بل أدخل بينهما أجنبيا وهو الركوع الثاني كما في شرح المنية، وينبغي إبدال الركن بالفرض كما عبر في المنية ليشمل الانتقال من السجود إلى القعدة بناء على ما استظهره من أنها شرط لا ركن زائد، لكن قدمنا ترجيح خلافه، فافهم، ثم إن عد الاتمام والانتقال المذكورين من الفروض يغني عنه ما ذكره المصنف من الفروض.
قوله: (ومتابعته(1/485)
لامامه في الفروض) أي بأن يأتي بها معه أو بعده، حتى لو ركع إمامه ورفع فركع هو بعده صح، بخلاف ما لو ركع قبل إمامه ورفع ثم ركع إمامه ولم يركع ثانيا مع إمامه أو بعده بطلت صلاته، فالمراد بالمتابعة عدم المسابقة، نعم متابعته لامامه بمعنى مشاركته له في الفرائض معه لا قبله ولا بعده واجبة كما سيذكره في الفصل الآتي عند قوله: واعلم أن مما يبتنى على لزوم المتابعة الخ، واحترز بالفروض عن الواجبات والسنن، فإن المتابعة فيها ليست بفرض فلا تفسد الصلاة بتركها.
قوله: (وصحة صلاة إمامه في رأيه) لان العبرة لرأي المأموم صحة وفسادا على المعتمد، فلو اقتدى بشافعي مس ذكره أو امرأة صحت، لا لو خرج منه دم ط، وسيأتي بيانه في باب الوتر.
قوله: (وعدم تقدمه عليه) أي بالعقب، فيصدق بما لو حاذاه أو تأخر عنه وإلا فسدت قوله: (وعدم مخالفته في الجهة) على تقدير مضاف: أي عدم علمه مخالفة إمامه في الجهة حالة التحري والشرط عدم العلم في وقت الاقتداء، حتى لو لم يعلم إلا بعد تمام الصلاة صحت كما مر في محله، وقيدنا بحالة التحري لانه يجوز مخالفته لجهة إمامه قصدا في داخل الكعبة أو خارجها، كما لو حلقوا حولها.
مطلب: قصدهم بإطلاق العبارات أن لا يدعي علمهم إلا من زاحمهم عليه قال الرحمتي: وأطلق اعتمادا على ما تقدم ويأتي كما هو عادتهم في الاطلاق اعتمادا على التقييد في محله.
قال في البحر: وقصدهم بذلك أن لا يدعي علمهم إلا من زاحمهم عليه بالركب، وليعلم أنه لا يحصل إلا بكثرة المراجعة وتتبع عباراتهم والاخذ عن الاشياخ ا ه فافهم.
قوله: (بشرطهما) أما الاول، فهو أن يكون صاحب ترتيب وفي الوقت سعة.
وأما الثاني، فهو أن تكون المحاذاة في صلاة مطلقة مشتركة تحريمة وأداء ونوى الامام إمامتها على ما سيأتي ح.
والشرط وإن وقع في كلامه مفردا إلا أنه مضاف فيعم، أبو السعود.
قوله: (وتعديل الاركان) سيأتي تفسيره عند ذكره له في واجبات الصلاة.
قوله: (وبسطناه في الخزائن) حيث قال بعد قوله: وهو المختار قلت، لكنه غريب لم أر من عرج عليه، والذي رجحه الجم الوجوب، وحمل في الفتح وتبعه في البحر قول الثاني على الفرض العملي فيرتفع الخلاف.
قلت: أنى يرتفع وقد صرح في السهو بفساد الصلاة بتركه عنده خلافا لهما فتنبه ا ه.
وهو مأخوذ من النهر.
أقول: والذي دعا صاحب البحر إلى هذا الحمل هو التقصي عن إشكال قوي، هو أن أبا يوسف أثبت القرضية بحديث المسئ صلاته وهو خبر آحاد، والدليل القطعي أمر بمطلق الركوع والسجود، فيلزم الزيادة على النص الخاص بخبر الواحد وأبو يوسف لا يقول به، وإذا حمل قوله بفرضية تعديل الاركان على الفرض العملي الذي هو أعلى قسمي الواجب اندفع الاشكال وارتفع الخلاف.
ويرد عليه ما علمته.
وبيانه أن الفرض العملي هو الذي يفوت الجواز بفوته كتقدير مسح الرأس بالربع فيلزم فساد الصلاة بترك التعديل المذكور عند أبي يوسف، وهما لا يقولان به، فالخلاف باق، ويلزم الزيادة على النص أيضا، لان مقتضى النص الاكتفاء بمسمى ركوع وسجود فالاشكال باق أيضا، لكن أجاب بعض المحققين عن الاشكال بجواب حسن ذكرته فيما علقته على(1/486)
البحر، وهو أن المراد بالركوع والسجود في الآية عندهما معناهما اللغوي، وهو معلوم لا يحتاج إلى البيان.
فلو قلنا بافتراض التعديل لزم الزيادة على النص بخبر الواحد.
وعند أبي يوسف معناهما الشرعي وهو غير معلوم فيحتاج إلى البيان.
مطلب: مجمل الكتاب إذا بين بالظني فالحكم بعده مضاف إلى الكتاب وقد صرح في العناية بأن المجمل من الكتاب إذا لحقه البيان بالظني كان الحكم بعده مضافا إلى الكتاب لا إلى البيان في الصحيح، ولذا قلنا بفرضية القعدة الاخيرة المبينة بخبر الواحد، ولم نقل بفرضية الفاتحة بخبر الواحد أيضا، لان قوله تعالى: * (فاقرؤوا ما تيسر) * (المزمل: 02) خاص لا مجمل ا ه ملخصا.
والحاصل أن الركوع والسجود خاصان عندهما مجملان عنده، وبهذا يندفع الاشكال من أصله، لكن يبقى الخلاف على حاله، والله أعلم.
قوله: (أي هذه الفرائض) أي المذكور في المتن، لان الضمير في كلام المصنف راجع إليها ويشمل القعدة الاخيرة على القول بركنيتها كما قدمناه من
ثمرة الخلاف.
قوله: (قلت وبه) أي وبذكر هذا الفرض وهو الاختيار الآتي في المتن، وكان عليه أن يذكر هذا قبيل قوله: ولها واجبات فيسلم من عود الضمير على المتأخر الموجب لركاكه التركيب ح.
قوله: (نيفا وعشرين) النيف بالتشديد كهين ويخفف: ما زاد على العقد إلى أن يبلغ العقد الثاني، وأراد هنا أحدا وعشرين: ثمانية تقدمت في المتن، وهذا تاسعها، واثني عشر في الشرح بجعل ترتيب القعود فرضا مستقلا كما قدمناه، فافهم.
قوله: (في شرحه للوهبانية) وكذا في رسالته المسماة (در الكنوز) فإنه ذكر فيها النظم وزاد عليه نظم الواجبات والسنن والمندوبات ومسائل أخر وشرح الجميع.
[ مب ] بحث شروط التحريمة [ / مب ] قوله (للتحريمة عشرين شرطا) بعضها فيما يتعلق بلفظها، وباقيها شروط للصلاة اشترطت لها على ما اختاره الشارح لاتصالها بالاركان، وقدمنا الكلام عليه.
قوله: (ولغيرها) أي غير التحريمة وهو الصلاة، والكل في الحقيقة شروط لصحة الصلاة، إلا أن هذه الثلاثة عشر لا مدخل فيها للتحريمة فلذا فصلها عما قبلها.
قوله: (شروط) مبتدأ سوغ الابتداء به وصفه بقوله: لتحريم وبقوله: حظيت بالبناء للمجهول وتاء الخطاب أو التكلم، أي أعطيت حظوة الضم أو الكسر: أي مكانة أو حظا بجمعها مهذبة منقاة مصلحة منصوب على الحال من الهاء حسنا بفتح أو ممدود أوله للضرورة حال أيضا، أو مرفوع على الوصفية أيضا، أو بالضم والقصر منصوب على التمييز مدى الدهر ظرف لقولتزهر من باب منع: أي تتلألأ وتضئ(1/487)
دخول خبر المبتدأ لوقت أي وقت المكتوبة إن كانت التحريمة لها واعتقاد دخوله أو ما يقوم مقام الاعتقاد من غلبة الظن، فلو شرع شاكا فيه لا تجزيه وإن تبين دخوله وستر العورة وطهر من حدث ونجاسة مانعة في بدن وثوب ومكان، وكذا يشتراط اعتقاد ذلك، فلو صلى على أنه محدث أو أن ثوبه مثلا نجس فبان خلافه لم يجز كما مر عند قوله وإن شرع بلا تحر الخ قال ح: وينبغي أن يكون الستر كذلك والقيام لقادر في غير نفل وفي سنة فجر المحرر بأن لا تنال يداه ركبتيه كما
مر، فلو أدرك الامام راكعا فكبر منحنيا لم تصح تحريمته ونية اتباع الامام أنت خبير بأن هذا شرط لصحة الاقتداء لا لصحة التحريمة، لانه إذا لم ينو المتابعة صح شرعه منفردا، لكنه إذا ترك القراءة أصلا تبطل صلاته، نعم يشترط لصحة التحريمة نية مطلق الصلاة ولم يذكره، فكان ينبغي أن يقول: ونيته أصل الصلاة، إلا أن يقال: اتباع بالرفع بإسقاط العاطف فيكون بيانا، لانه يشترط أن يكون بتحريمته تابعا لامامه لا سابقا عليه ونطقه اعترض بأن النطق ركن التحريمة فكيف يكون شرطا؟ وأجيب بأن المراد نطقه على وجه خاص، وهو أن يسمع بها نفسه، فمن همس بها أو أجراها على قلبه لا تجزيه، وكذا جميع أقوال الصلاة من ثناء وتعوذ وبسملة وقراءة وتسبيح وصلاة على النبي (ص)، وكعتاق وطلاق ويمين كما أفاده الناظم ط وتعيين فرض أي أنه ظهر أو عصر مثلا أو وجوب كركعتي الطواف والعيدين والوتر والمنذور وقضاء نفل أفسده، واحترز به عن النفل فإنه يصح بمطلق النية حتى التراويح على المعتمد كما مر في بحث النية فيذكر أي ينطلق، وأعاده ليعلق به قوله: بجملة ذكر كالله أكبر، فلا يصير شارعا بأحدهما في ظاهر الرواية على ما سيأتي في أول الفصل الآتي خالص عن مراده أي غير مشوب بحاجته، فلا يصح باستغفار نحو: اللهم اغفر لي بخلاف اللهم فقط، فإنه يصح في الاصح كيا ألله كما سيأتي وبسملة بالجر عطفا على مراده: أي وخالص عن بسملة: فلا يصح الافتتاح بها في الصحيح كما نقله الناظم عن العناية، وكذا بتعوذ وحوقلة ما سيأتي عرباء نعت لجملة: أي بجملة عربية إن هو يقدر على الجملة العربية، فلا يصح شروعه بغيرها إلا إذا عجز فيصح بالفارسية كالقراءة، لكن سيأتي أنه يصح الشروع بغير العربية وإن قدر عليها اتفاقا بخلاف القراءة، وأن هذا مما اشتبه على كثيرين حتى الشرنبلالي في كل كتبه وعن ترك هاو عطف على قوله عن مراده، وكذا المجرورات بعن الآتية أو لهاء جلالة قال الناظم: المراد بالهاوي الالف الناشئ بالمد الذي في اللام الثانية من الجلالة، فإذا حذفه الحالف أو الذابح أو المكبر للصلاة أو حذف الهاء من الجلالة اختلف في انعقاد يمينه وحل ذبيحته وصحة تحريمته، فلا يترك احتياطا وعن مد همزات أي همزة الله وهمزة أكبر إطلاقا للجمع على ما فوق الواحد، لانه يصير استفهاما، وتعمده كفر، فلا يكون ذكرا، فلا يصح الشروع به وتبطل الصلاة به لو حصل في أثنائها
في تكبيرات الانتقالات وباء بأكبر أي وخالص عن مد باء أكبر، لانه يكون جمع كبر وهو الطبل، فيخرج عن معنى التكبير، أو هو اسم للحيض أو للشيطان، فتثبت الشركة فتعدم التحريمة، قاله الناظم وعن فاصل بين النية والتحريمة فعل كلام بدلان من فاصل على حذف العاطف من الثاني مباين(1/488)
نعت لفاصل، فإذا نوى ثم عبث بثيابه أو بدنه كثيرا، أو أكل ما بين أسنانه وهو قدر الحمصة، أو تناول من خارج ولو قليلا، أو شرب، أو تكلم وإن لم يفهم، أو تنحنح بلا عذر ثم كبر وقد غابت النية عن قلبه لم يصح شروعه.
واحترز عن غير المباين، كما لو توضأ ومشى إلى المسجد بعد النية كما مر في محله وعن سبق تكبير على النية خلافا للكرخي كما مر، أو سبق المقتدي الامام به، فلو فرغ منه قبل فراغ إمامه لم يصح شروعه، والاول أولى لما مر في توجيه قوله اتباع الامام ومثلك يعذر بفتح أوله وضم ثالثه مبنيا للفاعل: يعني أنت تعذر إذا رأيت معنى بعيد المأخذ من اللفظ فإنك من خيار الناس، وخير الناس من يعذر، فالمراد التماس العذر من المطلع على نظمه ط: أي لان ضيق النظم يلجئ إلى التعبير ببعيد المعنى (فدونك) أي خذ هذي المذكورات مستقيما لقبلة إلا لعذر أو لتنفل راكب خارج مصر لعلك تحظى بالقبول وتشكر بالبناء للفاعل أو المفعول فجملتها العشرون بل زيد غيرها كنية مطلق الصلاة وتمييز المفروض كما مر واعتقاد طهارته من حدث أو خبث وناظمها يرجو الجواد كجراد: كثير الجود فيغفر أي فهو يغفر لراجيه وألحقتها من بعد ذاك المذكور من البيان لغيرها أي غير التحريمة وهو الصلاة ثلاثة عشر بإسكان الشين لغة في فتحها وبالتنوين للضرورة ط للمصلين متعلق بقوله: تظهر وهي قيامك عند عدم عذر في المفروض أي في الصلاة المفروضة وكذا ما ألحق بها من الواجب وسنة الفجر، وذكر الضمير باعتبار كون الصلاة فعلا مقدار آية على قول الامام المعتمد ط (وتقرأ في ثنتين منه) أي من المفروض: أي ركعاته تخير أي متخيرا في إيقاع القراءة في أي ركعتين منه، والمقام لبيان الفرائض.
فلا يرد أن تعيين القراءة في الاوليين واجب وفي ركعات النفل والوتر فرضها أي فرض القراءة كائن في جميع ركعات النفل، لان كل ركعتين منه صلاة على حدة، والوتر لانه شابه السنن من حيث إنه لا يؤذن له ولا يقام.
واعلم أن حكم المنذور حكم النفل، حتى لو نذر أربع ركعات بتسليمة واحدة لزمه القراءة في أربعها، لانه نفل في نفسه ووجوبه عارض ح ومن كان مؤتما فعن تلك القراءة التي قلنا إنها فرض يحظر أي يمنع، فتكره له تحريما، لان قراءة الامام له قراءة، فالقراءة فرض على غير المؤتم، فهذا في موقع الاستثناء مما قبله وشرط سجود مبتدأ ومضاف إليه فالقرار خبر بزيادة الفاء لجبهة أي يفتر ض أن يسجد على ما يجد حجمه، بحيث إن الساجد لو بالغ لا يتسفل رأسه أبلغ مما كان عليه حال الوضع، فلا يصح على نحو الارز والذرة، إلا أن يكون في نحو جوالق، ولا على نحو القطن والثلج والفرش إلا إن وجد حجم الارض بكبسه وقرب قعود حد فصل محرر يعني الحد الفاصل(1/489)
بين السجدتين أن يكون إلى القعود أقرب وهو الرابع من الثلاثة عشر، هذا البيت ساقط من بعض النسخ، وذكره الناظم في در الكنوز مؤخرا عن الذي بعده، وهو الانسب وبعد قيام فالركوع فسجدة أي يفترض بعد القيام الركوع، وكذا السجود، وكذا الترتيب المفاد بالبعدية وبالفاء: أي يفترض ترتيب القيام على الركوع والركوع على السجود كما مر وثانية مبتدأ قد صح جملة معترضة عنها متعلق بقوله تؤخر والجملة خبر المبتدأ: يعني والسجدة الثانية يصح أن تؤخر عن السجدة الاولى إلى آخر الصلاة، لان مراعاة الترتيب بينهما واجبة كما سيأتي، والاوضح في إفادة هذا المعنى أن يقال: وثانية قد صح فيها التأخر.
وحاصل كلامه أن مراعاة الترتيب بين المتكرر في كل الصلاة فرض كالقيام والركوع والسجود، بخلاف المتكرر في كل ركعة كالسجدتين على ظهر متعلق بقوله فسجدة كذا قاله الناظم، والاولى تعلقه بقوله الآتي الجواز، كف أي كف نفسه أو على فضل ثوبه أو على كور عمامته إذ تطهر الارض التي تحت الكف أو فاضل الثوب الجواز مقرر لكن يكره إن كان بلا عذركما سيأتي.
وحاصل البيت أن الفرض الثامن طهارة موضع السجود ولو كان على شئمتصل بالمصلي ككفه وثوبه، لانه باتصاله لا يعد حائلا بينه وبين النجاسة سجودك مبتدأ في أي على مكان عال
أي مرتفع عن حد الجواز المقدر بنصف ذراع الذي لا يغتفر بلا ضرورة السجود على أرفع منه فظهر الاولى الاتيان بالواو، وتكون بمعنى أو: أي وسجودك على ظهر مصلى صلاتك مشارك لك لسجدتها اللام بمعنى في: أي بشرط أن يكون ساجدا مثلك، لكن سجوده على الارض عند ازدحامك متعلق بقوله سجودك أو بقوله يغفر والجملة خبر المبتدأ.
وحاصل البيت بيان الفرض التاسع، وهو أن لا يكو سجوده على مرتفع عن نصف ذراع إلا لضرورة زحمة أداؤك مبتدأ وخبره محذوف دل عليه خبر المبتدأ الآتي أفعال الصلاة أي أركانها بيقظة وسيأتي الكلام عليه قريبا وتمييز مفروض مبتدأ: أي تمييز الخمس المفروضة عن غيرها وتقدم بيانه، وكان ينبغى ذكره في شروط التحريمة عليك متلعق بمحذوف خبر المبتدأ أو بقوله مقرر وهو الخبر ويختم أفعال الصلاة قعوده فاعل يختم وفي صنعه وفي بمعنى الباء وهو متعلق بالخروج، وكذا قوله عنها أي عن الصلاة الخروج مبتدأ خبره قوله: محرر قال الناظم: والخروج بصنع المصلي فرض عند الامام الاعظم، وهو المحرر عند المحققين من أئمتنا، وقد بسطنا الكلام عليه في رسالة سميتها (المسائل البهية الزكية على الاثني عشرية) ا ه وتقدم بعض الكلام على ذلك، والله الموفق.(1/490)
قوله: (الاختيار) بالرفع على أنه نائب فاعل شرط السابق في كلام المصنف.
قوله: (أي الاستيقاظ) تفسير باللازم لانه يلزم من الاستيقاظ الاختيار ح.
وإنما فسر به ليشير إلى أن ما يحصل مع الغفلة والسهو لا ينافي الاختيار فلذا قال أما لو ركع الخ رحمتي.
قوله: (ذاهلا كل الذهول) بأن كان قلبه مشغولا بشئ فإنه لا شك أنه أتى بالركوع والسجود باختياره ولكنه غافل عنهما، ونظيره الماشي، فإن رجليه وكثيرا من أعضائه يتحر ك بمشيه المختار له ولا شعور له بذلك.
قال ح.
والظاهر أن الناعس كالذاهل فليراجع.
قوله: (أو قعد الاخير) صفة لمفعول مطلق محذوف: أي أو قعد القعود الاخير ح.
قوله: (بل يعيده) وهل يسجد للسهو لتأخير الركن؟ الظاهر نعم، فراجعه.
رحمتي.
قوله: (على الاصح) أما في القراءة فهو ما اختاره فخر الاسلام وصاحب الهداية
وغيرهما، ونصب في المحيط والمبتغي على أنه الاصح، لان الاختيار شرط أداء العبادة ولم يوجد حالة النوم.
وقال الفقيه أبو الليث: يعتد بها، لان الشرع جعل النائم كالمستيقظ في حق الصلاة، والقراءة ركن زائد يسقط في بعض الاحوال، فجاز أن يعتد بها في حالة النوم.
واستوجهه في الفتح.
وأجاب عن تعليل القول الاول بقوله والاختيار المشروط قد وجد في ابتداء الصلاة، وهو كاف، ألا ترى أنه لو ركع وسجد ذاهلا عن فعله كل الذهول أنه تجزيه ا ه.
قال في شرح المنية: والجواب أنا نمنع كون الاختيار في الابتداء كافيا، ولا نسلم أن الذاهل غير مختار ا ه.
على أنه يلزم من الاكتفاء بالاختيار في الابتداء أنه لو ركع وسجد حالة النوم يجزيه، وقد قال في المبتغى: ركع وهو نائم لا يجوز إجماعا، وصريح كلام ابن أمير حاج في الحلية ترجيح كلام الفقيه للجواب الذي ذكره شيخه في الفتح حتى رد به ما في المبتغى، ثم قال: وقد عرف من هذا أيضا جواز القيام في حالة النوم أيضا وإن نص بعضهم على عدم جوازه ا ه.
وتبعه في البحر، لكن قد علمت ما في كلام الفتح بما نقلناه عن شرح المنية، فالاولى اتباع المنقول، والله أعلم.
وأما في القعدة فقد ذكر في الحلية عن التحقيق للشيخ عبد العزيز البخاري أنه لا نص فيها عن محمد، وأنه قيل إنها يعتد بها، وقيل لا.
ورجح في الحلية الاول بناء على ما قدمه من جواب شيخه وقال: إنه اقتصر عليه في جامع الفتاوى ا ه.
واقتصر على الثاني في المنية.
وقال شارحها الشيخ إبراهيم: إنه الاصح.
وفي المنح: إنه المشهور، وبه جزم الشرنبلالي في نظمه المار وفي نور الايضاح.
قوله: (تفسد) أي الصلاة.
قول: (لصدوره) أي ما أتى به قوله: (فلو أتى) أي في حالة النوم.
وقوله: (ولو ركع الخ) تفريع على مفهوم قوله: فإن أتى بها نائما لا يعتد به فإنه يفيد أنه لو نام بعد ما ركع أو سجد اعتد به.
قوله: (لحصول الرفع والوضع) كذا في الحلية والبحر عن المحيط والاظهر ذكر الانحناء بدل الرفع.
وقال ط: هذا بناء على اشتراط الرفع في الركوع، أما على القول بأنه سنة أو واجب فلا يظهر.(1/491)
مطلب: واجبات الصلاة
قوله: (ولها واجبات) قدمنا في أوائل كتاب الطهارة الفرق بين الفرض والواجب، وتقسيم الواجب إلى قسمين: أحدهما: وهو أعلاهما يسمى فرضا عمليا، وهو ما يفوت الجواز بفوته كالوتر.
والآخر ما لا يفوت بفوته، وهو المراد هنا.
وحكمه استحقاق العقاب بتركه، وعدم إكفار جاحده، والثواب بفعله وحكمه في الصلاة ما ذكره الشارح.
والواجب قد يطلق على الفرض القطعي كصوم رمضان واجب.
قوله: (لا تفسد بتركها) أشار به إلى الرد على القهستاني حيث قال: لا تفسد ولا تبطل ا ه.
قال الحموي في شرح الكنز: والفرق بينهما أن الفاسد ما فات عنه وصف مرغوب، والباطل ما فات عنه شرط أو ركن، وقد يطلق الفاسد بمعنى الباطل مجازاا ه.
ووجه الرد أن أئمتنا لم يفرقوا في العبادات بينهما وإنما فرقوا في المعاملات ح.
قوله: (وتعاد وجوبا) أي بترك هذه الواجبات أو واحد منها.
وما في الزيلعي والدرر والمجتبى من أنه لو ترك الفاتحة يؤمر بالاعادة لا لو ترك السورة، رده في البحر بأن الفاتحة وإن كانت آكد في الوجوب للاختلاف في ركنيتها دون السورة، لكن وجوب الاعادة حكم ترك الواجب مطلقا لا الواجب المؤكد وإنما تظهر الآكدية في الاثم لانه مقول بالتشكيك ا ه.
قلت: وينبغي تقييد وجوب الاعادة بما إذا لم يكن الترك لعذر كالامي أو من أسلم في آخر الوقت فصلى قبل أن يتعلم الفاتحة فلا تلزمه الاعادة.
تأمل.
قوله: (إن لم يسجد له) أي للسهو، وهذا قيد لقوله والسهو إذ لا سجود في العمد، قيل إلا في أربعة: لو ترك القعدة الاولى عمدا، أو شك في بعض الافعال فتفكر عمدا حتى شغله ذلك عن ركن أو أخر إحدى سجدتي الركعة الاولى إلى آخر الصلاة عمدا، أو صلى على النبي (ص) في القعدة الاولى عمدا.
وزاد بعضهم خامسا وهو: لو ترك الفاتحة عمدا فيسجد في ذلك كله ويسمى سجود عذر، ولم يستثن الشارح ذلك لما سيأتي تضعيفه في باب سجدو السهو.
ورده العلامة قاسم أيضا بأنا لا نعلم له أصلا في الرواية ولا وجها في الدراية، وهل تجب الاعادة بترك سجود السهو لعذر، كما لو نسيه أو طلعت الشمس في الفجر؟ لم أره فليراجع.
والذي يظهر الوجوب كما هو مقتضى إطلاق الشارح، لان النقصان لم ينجبر بجابر، وإن لم يأثم بتركه فليتأمل.
مطلب: المكروه تحريما من الصغائر، ولا تسقط به العدالة إلا بالادمان قوله: (يكون فاسقا) أقول: صرح العلامة ابن نجيم في رسالته المؤلفة في بيان المعاصي: بأن كل مكروه تحريما من الصغائر، وصرح أيضا بأنهم شرطوا لاسقاط العدالة بالصغيرة الادمان عليها، ولم يشرطوه في فعل ما يخل بالمروءة وإن كان مباحا.
وقال أيضا: إنهم أسقطوها بالاكل فوق الشبع مع أنه صغيرة، فينبغي اشتراط الاصرار عليه.
قال: وجوابه أن المسقط لها به بناه على أن كل ذنب يسقطها ولو صغيرة بلا إدمان، كما أفاده في المحيط البرهاني، وليس بمعتمد ا ه.
وبه ظهر أن كلام الشارح هنا مبني على خلاف المعتمد.(1/492)
مطلب: كل صلاة أديت مع كراهة التحريم تجب إعادتها قوله: (وكذا كل صلاة الخ) الظاهر أنه يشمل نحو مدافعة الاخبثين مما لم يوجب سجودا أصلا، وأن النقص إذ دخل في صلاة الامام ولم يجبر وجبت الاعادة على المقتدي أيضا، وأنه يستثنى منه الجمعة والعيد إذا أديت مع كراهة التحريم، إلا إذا أعادها الامام والقوم جميعا، فليراجع ح.
أقول: وقد ذكر في الامداد بحثا: أن كون الاعادة بترك الواجب واجبة لا يمنع أن تكون الاعادة مندوبة بترك سنة ا ه.
ونحوه في القهستاني، بل قال في فتح القدير: والحق التفصيل بين كون تلك الكراهة كراهة تحريم فتجب الاعادة، أو تنزيه فتستحب ا ه.
بقي هنا شئ، وهو أن صلاة الجماعة واجبة على الراجح في المذهب أو سنة مؤكدة في حكم الواجب كما في البحر، وصرحوا بفسق تاركها وتعزيره، وأنه يأثم، ومقتضى هذا أنه لو صلى مفردا يؤمر بإعادتها بالجماعة، وهو مخالف لما صرحوا به في باب إدراك الفريضة من أنه لو صلى ثلاث ركعات من الظهر ثم أقيمت الجماعة يتم ويقتدي متطوعا، فإنه كالصريح في أنه ليس له إعادة الظهر بالجماعة مع أن صلاته منفردا مكروهة تحريما أو قريبة من التحريم، فيخالف تلك القاعدة، إلا أن يدعي تخصيصها بأن مرادهم بالواجب والسنة التي تعاد بتركه: ما كان من ماهية الصلاة وأجزائها،
فلا يشمل الجماعة لانها وصف لها خارج عن ماهيتها، أو يدعي تقييد قولهم يتم ويقتدي متطوعا بما إذا كانت صلاته منفردا لعذر كعدم وجود الجماعة عند شروعه فلا تكون صلاته منفردا مكروهة، والاقرب الاول، ولذا لم يذكروا الجماعة من جملة واجبات الصلاة لانها واجب مستقل بنفسه خارج عن ماهية الصلاة، ويؤيده أيضا أنهم قالوا: يجب الترتيب في سور القرآن، فلو قرأ منكوسا أثم لكن لا يلزمه سجود السهو، لان ذلك من واجبات القراءة لا من واجبات الصلاة كما ذكره في البحر في باب السهو، لكن قولهم كل صلاة أديت مع كراهة التحريم يشمل ترك الواجب وغيره، ويؤيده ما صرحوا به من وجوب الاعادة بالصلاة في ثوب فيه صورة بمنزلة من يصلي وهو حامل الصنم.
تنبيه: قيد في البحر في باب قضاء الفوائت وجوب الاعادة في أداء الصلاة مع كراهة التحريم بما قبل خروج الوقت، أما بعده فتستحب، وسيأتي الكلام فيه هناك إن شاء الله تعالى مع بيان الاختلاف في وجوب الاعادة وعدمه، وترجيح القول بالوجوب في الوقت وبعده.
قوله: (والمختار أنه) أي الفعل الثاني جابر للاول بمنزلة الجبر بسجود السهو، وبالاول يخرج عن العهدة وإن كان على وجه الكراهة على الاصح، كذا في شرح الاكمل على أصول البزدوي، ومقابله ما نقلوه عن أبي اليسر من أن الفرض هو الثاني واختار ابن الهمام الاول قال: لان الفرض لا يتكرر، وجعله الثاني يقتضي عدم سقوطه بالاول، إذ هو لازم ترك الركن لا الواجب، إلا أن يقال: المراد أن ذلك امتنان من الله تعالى إذ يحتسب الكامل وإن تأخر عن الفرض لما علم سبحانه أنه سيوقعه ا ه: يعني أن القول بكون الفرض هو الثاني يلزم عليه تكرار الفرض، لان كون الفرض هو الثاني دون الاول يلزم منه عدم سقوطه بالاول وليس كذلك، لان عدم سقوطه بالاول إنما يكون بترك فرض لا بترك واجب، وحيث استكمل الاول فرائضه لا شك في كونه مجزئا في الحكم وسقوط الفرض به وإن كان(1/493)
ناقصا بترك الواجب، فإذا كان الثاني فرضا يلزم منه تكرار الفرض، إلا أن يقال الخ، فافهم.
قوله: (على ما ذكره) وإلا فهي أكثر من ذلك بكثير كما سيأتي بيانه.
قوله: (قراءة فاتحة الكتاب) هذا إذا لم يخف فوت الوقت، وإلا اكتفى بآية واحدة في جميع الصلوات، وخص البزدوي الفجر به كما في القنية.
إسماعيل.
قوله: (بترك أكثرها) يفيد أن الواجب الاكثر، ولا يعرى عن تأمل.
بحر، وفي القهستاني
أنها بتمامها واجبة عنده وأما عندهما فأكثرها، ولذا لا يجب السهو بنسيان الباقي كما في الزاهدي، فكلا الشارح جار على قولهما ط.
قوله: (وهو أولى) لعله للمواظبة المفيدة للوجوب ط.
قوله: (وعليه) أي وبناء على ما في المجتبى فكل آية واجبة، وفيه نظر، لان الظاهر أن ما في المجتبى مبني على قول الامام بأنها بتمامها واجبة، وذكر الآية تمثيل لا تقييد، إذ بترك شئ منها آية أو أقل ولو حرفا لا يكون آتيا بكلها الذي هو الواجب، كما أن الواجب ضم ثلاث آيات، فلو قرأ دونها كان تاركا للواجب أفاده الرحمتي.
قوله: (ككل تكبيرة عيد) وهي ست تكبيرات كما سيأتي في محله ح.
قوله: (وتعديل ركن) عطف على تكبيرة: أي وككل تعديل ركن، ومثله تعديل القومة وتعديل الجلسة على ما يأتي قريبا ح.
قوله: (وإتيان كل الخ) بالرفع عطفا على كل الاول، أو بالجر عطفا على كل الثاني، والمراد أن من الواجبات إتيان كل فرض أو واجب في محله، وترك تكرير كل منهما، وأفاد هذا المراد بقوله: كما يأتي أي في آخر الواجبات.
قوله: (وترك تكرير كل) هكذا في بعض النسخ، وعلمت المراد منه.
والذي في عامة النسخ وترك كل بإسقاط تكرير وتوجيهه بأن يجعل قوله: ككل تكبيرة تنظير الآية في قوله: يسجد بترك آية والمعنى كما يسجد بترك كل تكبيرة عيد بمفردها، ترك كل تعديل ركن بمفرده، وترك إتيان كل من التكبيرات أو التعديلات جملة، وكذا بترك كل هذه المذكورة جملة، ولا يخفى ما فيه.
قوله: (تعدل ثلاثا قصارا) أي مثل - * (ثم نظر) * - الخ وهي ثلاثون حرفا، فلو قرأ آية طويلة قدر ثلاثين حرفا يكون قد أتى بقدر ثلاثة آيات، لكن سيأتي في فصل يجهر الامام أن فرض القراءة آية، وأن الآية عرفا طائفة من القرآن مترجمة أقلها ستة أحرف ولو تقديرا - * (لم يلد) * - إلا إذا كانت كلمة فالاصح عدم الصحة ا ه.
ومقتضاه أنه لو قرأ آية طويلة قدر ثمانية عشر حرفا يكون قد أتى بقدر ثلاث آيات.
وقد يقال: إن المشروع ثلاث آيات متوالية على النظم القرآني مثل - * (ثم نظر) * - الخ، ولا يوجد ثلاث متوالية أقصر منها، فالواجب إما هي أو ما يعدلها من غيرها لا ما يعدل ثلاثة أمثال أقصر آية وجدت في القرآن، ولذا قال تعدل ثلاثا قصارا، ولم يقل تعدل ثلاثة أمثال أقصر آية.
على أن في بعض العبارات: تعدل أقصر سورة، فليتأمل، وسنذكر في فصل الجهر زيادة في هذا البحث.
قوله:
(ذكره الحلبي) أي في شرحه الكبير على المنية.
وعبارته: وإن قرأ ثلاث آيات قصارا أو كانت الآية أو الآيتان تعدل ثلاث آيات قصار خرج عن حد الكراهة المذكورة: يعني كراهة التحريم.
قال(1/494)
الشارح في شرحه على الملتقى: ولم أره لغيره وهو مهم فيه يسر عظيم لدفع كرراهة التحريم ا ه.
قلت: قد صرح به في الدرر أيضا حيث قال: وثلاث آيات قصار تقوم مقام السورة، وكذا الآية الطويلة ا ه.
ومثله في الفيض وغيره.
وفي التاترخانية: لو قرأ آية طويلة كآية الكرسي أو المداينة البعض في ركعة والبعض في ركعة اختلفوا فيه على قول أبي حنيفة: قيل لا يجوز لانه ما قرأ آية تامة في كل ركعة، وعامتهم على أنه يجوز، لان بعض هذه الآيات يزيد على ثلاث قصار أو يعدلها فلا تكون قراءته أقل من ثلاث آيات ا ه.
وهذا يفيد أن بعض الآية كالآية في أنه إذا بلغ قدر ثلاث آيات قصار يكفي قوله: (في الاوليين) تنازع فيه قراءة وضم في قول المصنف قراءة فاتحة الكتاب وضم سورة لان الواجب في الاوليين كل منهما.
فافهم.
قوله: (وهل يكره) أي ضم السورة.
قوله: (المختار لا) أي لا يكره تحريما بل تنزيها، لانه خلاف السنة.
قال في المنية وشرحها: فإن ضم السورة إلى الفاتحة ساهيا يجب عليه سجدتا السهو في قول أبي يوسف لتأخير الركوع عن محله، وفي أظهر الروايات لا يجب لان القراءة فيهما مشروعة من غير تقدير والاقتصار على الفاتحة مسنون لا واجب ا ه.
وفي البحر عن فخر الاسلام أن السورة مشروعة في الاخريين نقلا.
وفي الذخيرة أنه المختار.
وفي المحيط: وهو الاصح ا ه.
والظاهر أن المراد بقوله نفلا الجواز، والمشروعية بمعنى عدم الحرمة فلا ينافي كونه خلاف الاولى كما أفاده في الحلية.
مطلب: كل شفع من النفل صلاة قوله: (لان كل شفع منه صلاة) كأنه والله أعلم لتمكنه من الخروج على رأس الركعتين، فإذا قام إلى شفع آخر كان بانيا صلاة على تحريمة صلاة، ومن ثم صرحوا بأنه نوى أربعا لا يجب عليه تحريمتها سوى الركعتين في المشهور عن أصحابنا، وأن القيام إلى الثالثة بمنزلة تحريمة مبتدأة، حتى أن فساد الشفع الثاني لا يوجب فساد الشفع الاول، وقالوا: يستحب الاستفتاح في الثالثة
والتعوذ، وتمامه في الحلية، وسيأتي أيضا في باب الوتر والنوافل.
قال ح: ولا ينافيه عدم افتراض القعدة الاولى فيه الذي هو الصحيح، لان الكل صلاة واحدة بالنسبة إلى القعدة كما في البحر عند قول الكنز: فرضها التحريمة.
قوله: (احتياطا) أي لما ظهرت آثار السنية فيه، من أنه لا يؤذن له ولا يقام أعطيناه حكم السنة في حق القراءة احتياطا ح.
قوله: (وتعيين القراءة في الاوليين) لا يتكرر هذا مع قوله قبله في الاوليين لان المراد هنا القراءة ولو آية، فتعيين القراءة مطلقا فيهما واجب وضم السورة مع الفاتحة واجب آخر ط.
قوله: (من الفرض) أي الرباعي أو الثلاثي، وكذا في جميع الفرض الثنائي كالفجر والجمعة ومقصورة السفر.
قوله: (على المذهب) اعلم أن في محل القراءة المفروضة في الفرض ثلاث أقوال: الاول: أن محلها الركعتان الاوليان عينا، وصححه في البدائع.
الثاني: أن محلها ركعتان منها غير عين: أي فيكون تعيينها في الاوليين واجبا، وهو المشهور في المذهب.
الثالث: أن تعيينها فيهما أفضل، وعليه مشى في غاية البيان وهو ضعيف، والقولان الاولان اتفقا على أنه لو قرأ في(1/495)
الاخريين فقط يصح، ويلزمه سجود السهو لو ساهيا لكن سببه على الاول تعيير الفرض عن محله وتكون قراءته قضاء عن قراءته في الاوليين، وسببه على الثاني ترك الواجب وتكون قراءته في الاخريين أداء، كذا في نوافل البحر وفيه من سجود السهو.
واختلفوا في قراءته في الاخريين: هل هي قضاء أو داء؟ فذكر القدوري أنها أداء لان الفرض القراءة في ركعتين غير عين.
وقال غيره: إنها قضاء في الاخريين استدلالا بعدم صحة اقتداء المسافر بالمقيم بعد خروالوقت، وإن لم يكن قرأ الامام في الشفع الاول ولو كانت في الاخريين أداء لجاز لانه يكون اقتداء المفترض بالمفترض في حق القراءة، فلما لم يجز علم أنها قضاء وأن الاخريين خلتا عن القراءة، وبوجوب القراءة على مسبوق أدرك إمامه في الاخريين ولم يكن قرأ في الاوليين، كذا في البدائع ا ه.
أقول: لي ها هنا إشكال، وهو أنه لا خلاف عندنا في فرضية القراءة في الصلاة وإنما الكلام
في تعيين محلها.
وحاصل الاقوال الثلاثة أن تعيينها في الاوليين فرض أو واجب أو سنة، وقد علمت تصحيح القول الاول، وحينئذ فلا يخلو إما أن يراد أنه فرض قطعي أو فرض عملي وهو ما يفوت الجواز بفوته.
وعلى كل يلزم من عدم القراءة في الاليين فساد الصلاة، كما لو أخر الركوع عن السجود، ولا قائل بذلك عندنا فيتعين المصير إلى القول بالوجوب الذي عليه المتون.
والذي يظهر لي أن في المسألة قولين فقط، وأن القول الاول والثاني واحد، فقولهم: محلها الركعتان الاوليان عينا معناه أن التعيين فيهما واجب، وهو المراد بالقول الثاني، فيكون تأخير القراءة إلى الاخريين قضاء مثل تأخير السجدة من الركعة الاولى إلى آخر الصلاة، ويقابل ذلك القول بأن تعيين الاوليين أفضل، وعليه فالقراءة في الاخريين أداء لا قضاء، وهما القولان اللذان ذكرهما صاحب البحر في السهو عن البدائع، ويدل لذلك أن صاحب المنية ذكر من واجبات الصلاة تعيين القراءة في الاوليين، فقال في الحلية: وهذا عند القائلين بأن محلها الركعتان الاوليان عينا، وقد عرفت أنه الصحيح، وعليه مشى في الخلاصة والكافي.
وأما عند القائلين بأن محلها ركعتان منها بغير أعيانهما، فظاهر قولهم إن القراءة في الاوليين أفضل أنه ليس بواجب، بل الظاهر أنه سنة، وغير خاف أن ثمرة الخلاف تظهر في وجوب سجود السهو إذا تركها في الاوليين أو في إحداهما سهوا لتأخير الواجب سهوا عن محله، وعلى السنة لا يجب ا ه ملخصا.
وهو صريح في أن الاقوال اثنان لا ثلاثة، وفي أن المراد بالقول بأن محل القراءة الاوليان عينا هو الوجوب لا الافتراض، وظهر بهذا أن صاحب البحر لم يصب في بيان الاقوال ولا في التفريع عليها، كما لم يصب من نقل عبارته على غير وجهها، وبما قررناه ارتفع الاشكال واتضح الحال.
والحاصل أنه قيل: إن محل القراءة ركعتان من الفرض غير عين، وكونها في الاوليين أفضل.
وقيل إن محلها الاوليان منه عينا فيجب كونها فيهما، وهو المشهور في المذهب الذي عليه المتون وهو المصحح.
وعلمت تأييده بما مر في عبارة البحر عن البدائع من مسألة المسافر والمسبوق.
وقال القهستاني: إنه الصحيح من مذهب أصحابنا، فلا جرم قال الشارح على المذهب فافهم.
الحمد لله
على التوفيق والهداية إلى أقوم طريق.
قوله: (على كل السورة) حتى قالوا: لقرأ حرفا من السورة ساهيا ثم تذكر يقرأ الفاتحة ثم السورة، ويلزمه سجود السهو.
بحر.
وهل المراد بالحرف(1/496)
حقيقته أو الكلمة؟ يراجع.
ثم رأيت في سهو البحر قال بعد ما مر: وقيده في فتح القدير بأن يكون مقدار ما يتأدى به ركن ا ه: أي لان الظاهر أن العلة هي تأخير الابتداء بالفاتحة والتأخير اليسير، وهو ما دون ركن معفو عنه.
تأمل.
ثم رأيت صاحب الحلية أيد ما بحثه شيخه في الفتح من القيد المذكور بما ذكروه من الزيادة على التشهد في القعدة الاولى الموجبة للسهو بسبب تأخير القيام عن محله، وأن غير واحد من المشايخ قدرها بمقدار أداء ركن.
قوله: (وكذا ترك تكريرها الخ) فلو قرأها في ركعة من الاوليين مرتين وجب سجود السهو لتأخير الواجب وهو السهو كما في الذخيرة وغيرها، وكذا لو قرأ أكثرها ثم أعادها كما في الظهيرية، أما لو قرأها قبل السورة مرة وبعدها مرة فلا يجب كما في الخانية، واختاره في المحيط والظهيرية والخلاصة، وصححه الزاهدي لعدم لزوم التأخير، لان الركوع ليس واجبا بإثر السورة، فإنه لو جمع بين سور بعد الفاتحة لا يجب عليه شئ، كذا في البحر هنا وفي سجود السهو.
قال في شرح المنية: وقيد بالاوليين لان الاقتصار على مرة في الاخريين ليس بواجب، حتى لا يلزمه سجود السهو بتكرار الفاتحة فيهما سهوا، ولو تعمده لا يكره ما لم يؤد إلى التطويل على الجماعة أو إطالة الركعة على ما قبلها ا ه.
قوله: (بين القراءة والركوع) يعني في الفرض الغير الثنائي، ومعنى كونه واجبا أنه لو ركع قبل القراءة صح ركوع هذه الركعة، لانه لا يشترط في الركوع أن يكون مترتبا على قراءة في كل ركعة، بخلاف الترتيب بين الركوع والسجود مثلا فإنه فرض، حتى لو سجد قبل الركوع لم يصح سجود هذه الركعة، لان أصل السجود يشترط ترتبه على الركوع في كل ركعة كترتب الركوع على القيام كذلك، لان القراءة لم تفرض في جميع ركعات الفرض، بل في ركعتين منه بلا تعيين، أما القيام والركوع والسجود فإنها معينة في كل ركعة، نعم القراءة فرض ومحلها القيام من حيث هو، فإذا ضاق وقتها بأن لم يقرأ في الاوليين صار الترتيب بينها وبين الركوع فرضا لعدم إمكان تداركه، ولكن فرضية هذا الترتيب عارضة
بسبب التأخير، فلذا لم ينظروا إليه، واقتصروا على أن الترتيب بينهما واجب، لان إيقاع القراءة في الاوليين واجب، هذا توضيح ما حققه في الدر.
والحاصل أن الترتيب المذكور واجب في الركعتين الاوليين، وثمرته فيما لو أخر القراءة إلى الاخريين وركع في كل من الاوليين بلا قراءة أصلا، أما لو قرأ في الاوليين صار الترتيب فرضا، حتى لو تذكر السورة راكعا فعاد وقرأها لزم إعادة الركوع، لان السورة التحقت بما قبلها وصارت القراءة كلها فرضا فيلزم تأخير الركوع عنها، ويظهر من هذا أن هذا الترتيب واجب قبل وجود القراءة فرض، بعدها نظيره قراءة السورة، فإنها قبل قراءتها تسمى واجبا وبعدها تسمى فرضا، وحينئذ فيكون الاصل في هذا الترتيب الوجوب، وفرضيته عارضة كعروضها فيما لو أخر القراءة إلى الاخريين، لكن قد يقال، إن هذا الترتيب يغني عنه وجوب تعيين القراءة في الاوليين، إلا أن يقال: لما كان هذا التعيين لا يحصل إلا بهذا الترتيب جعلوه واجبا آخر، فتدبر.
قوله: (أما فيما لا يتكرر) أي في كل الصلاة أو في كركعة ففرض، وذلك كترتيب القيام والركوع والسجود والقعود الاخير كما علمته آنفا، ومر أيضا عند قوله: وبقي من الفروض وبيناه هناك.
ولا يرد على إطلاقه أن القراءة مما لا يتكرر في كل ركعة مع أن ترتيبها على الركوع غير فرض، لان مراده بما لا يتكرر ما عداها بقرينة تصريحه قبيله بوجوب ترتيبها فلا مناقضة في كلامه، فافهم.(1/497)
فإن قلت: ذكر في الكافي النسفي من باب سجود السهو أنه يجب بأشياء منها تقديم ركن بأن ركع قبل أن يقرأ أو سجد قبل أن يركع، لان مراعاة الترتيب واجبة عندنا خلافا لزفر، فإذا ترك الترتيب فقد ترك الواجب ا ه.
ووقع نظيره في الذخيرة مع أنه في الكافي ذكر هنا أن الترتيب القيام على الركوع والركوع على السجود فرض، لان الصلاة لا توجد إلا بذلك ا ه.
قلت: أجاب في البحر بأن قوله هنا: إن الترتيب شرط، معناه: أن الركن الذي قدمه يلغو ويلزمه إعادته مرتبا، حتى إذا سجد قبل الركوع لا يعتد بهذا السجود بإجماع كما صرح به في النهاية فيشترط إعادته وقولهم في سجود السهو: إن الترتيب واجب، معناه: أن الصلاة بعد إعادة ما قدمه
لا تفسد بترك الترتيب صورة الحاصل بزيادة ما قدمه.
والحاصل أن افترا ض الترتيب بمعنى افتراض إعادة ما قدمه ووجوبه بمعنى إيجاب عدم الزيادة، لان زيادة ما دون ركعة لا تفسد الصلاة فكان واجبا لا فرضا، بخلاف الاول، وقد خفي هذا على صدر الشريعة حتى ظن أن الترتيب واجب مطلقا إلا في تكبيرة الافتتاح والقعدة الاخيرة، وهو عجيب لما علمت من كلام النهاية.
قوله (كالسجدة) الكاف استقصائية، إذ لم يتكرر في الركعة سواها، ومثله الكاف في قوله: كعدد ح، والمراد بها السجدة الثانية من كل ركعة، فالترتيب بينها وبين ما بعدها واجب.
قال في شرح المنية: حتى لو ترك سجدة من ركعة ثم تذكرها فيا بعدها من قيام أو ركوع أو سجود فإنه يقضيها ولا يقضي ما فعله قبل قضائها مما هو بعد ركعتها من قيام أو ركوع أو سجود، بل يلزمه سجود السهو فقط، لكن اختلف في لزوم قضاء ما تذكرها فقضاها فيه، كما لو تذكر وهو راكع أو ساجد أنه لم يسجد في الركعة التي قبلها فإنه يسجدها، وهل يعيد الركوع أو السجود المتذكر فيه؟ ففي الهداية أنه لا تجب إعادته، بل تستحب معللا بأن الترتيب ليس بفرض بين ما يتكرر من الافعال.
وفي الخانية أنه يعيده وإلا فسدت صلاته معللا بأنه ارتفض بالعود إلى ما قبله من الاركان لانه قبل الرفع منه يقبل الرفض، بخلاف ما لو تذكر السجدة بعد ما رفع من الركوع لانه بعد ما تم بالرفع لا يقبل الرفض ا ه، ومثله في الفتح.
قال في البحر: فعلم أن الاختلاف في الاعادة ليس بناء على اشتراط الترتيب وعدمه، بل على أن الركن المتذكر فيه هل يرتفض بالعود إلى ما قبله من الاركان أو لا ا ه تأمل.
والمعتمد ما في الهداية، فقد جزم به في الكنز وغيره في آخر باب الاستخلاف، وصرح في البحر يضعف ما في الخانية.
هذا، والتقييد بالترتيب بينها وبين ما بعدها للاحتراز عما قبلها من ركعتها، فإن الترتيب بين الركوع والسجود من ركعة واحدة شرط كما مر، ونبه عليه في الفتح.
قوله: (أو في كل الصلاة كعدد ركعاتها) أي أن الترتيب بين الركعات واجب.
قال الزيلعي: فإن ما يقضيه بعد فراغ الامام أول صلاته عندنا، ولو كان الترتيب فرضا لكان آخرا ا ه.
ورده في البحر بأنه لا يصح أن يدخل تحت الترتيب الواجب، إذ لا شئ على المسبوق ولا
نقص في صلاته أصلا، فلذا اقتصر في الكافي على المتكرر في كل ركعة ا ه، وكأنه فهم أن مراد(1/498)
الزيلعي أن الترتيب المذكور واجب على المسبوق وليس كذلك، بل مراده أنه واجب على غيره بدليل مسألة المسبوق.
وبيان ذلك أنه لو اقتدى في ثالثة الرباعية مثلا لا يجوز له أن يصلي أول صلاة إمامه الذي فاته، ولو فعل فسدت صلاته لانفراده في موضع الاقتداء، بل يجب عليه متابعته فيما أدركه، ثم إذا سلم يقضي ما فاته وهو أول صلاته، إلا من حيث القعدات فقد وجب على المسبوق عكس الترتيب، ولو كان الترتيب فرضا لكان ما يقضيه آخر صلاته حقيقة من كل وجه فلا يقرأ السورة ولا يجهر، والدليل على ما قلنا من أن مراد الزيلعي وجوب الترتيب على غير المسبوق ما في الفتح حيث قال: أو في كل الصلاة كالركعات إلا لضرورة الاقتداء حيث يسقط به الترتيب، فإن المسبوق يصلي آخر الركعات قبل أولها ا ه.
فمن ظن أن كلام الفتح مخالف لكلام الزيلعي فقد وهم، نعم كلام الفتح أظهر في المراد، فافهم.
فإن قلت: وجوب الشئ إنما يصح إذا أمكن ضده وعدم الترتيب بين الركعات غير ممكن، فإن المصلي كل ركعة أتى بها أولا فهي الاولى وثانيا فهي الثانية وهكذا.
قلت: يمكن ذلك لانه من الامور الاعتبارية التي تبتنى عليها أحكام شرعية إذا وجد معها ما يقتضيها، فإذا صلى من الفرض الرباعي ركعتين وقصد أن يجعلهما الاخيرتين فهو لغو، إلا إذا حقق قصده، بأن ترك فيهما القراءة وقرأ فيما بعدهما، فحينئذ يبتنى عليه أحكام شرعية وهي وجوب الاعادة والاثم لوجود ما يقتضي تلك الاحكام، ولهذا اعتبر الشارع صلاة المسبوق غير مرتبة من حيث الاقوال فأوجب عليه عكس الترتيب، مع أن كل ركعة أتى بها أولا فهي الاولى صورة لكنها في الحكم ليست كذلك، فكما أوجب الشارع عليه عكس الترتيب بأن أمره بأن يفعل يبتني على ذلك من قراءة وجهر، كذلك أمر غيره بالترتيب بأن يفعل ما يقتضيه بأن يقرأ أولا ويجهر ويسر، وإذا خالف يكون قد عكس الترتيب حكما، ولهذا عبر المصنف كالكنز وغيره بقوله: ورعاية
الترتيب: أي ملاحظته باعتبار الاتيان بما يجب أولا في الاول أو آخرا في الآخر.
والحاصل أن المصلي إما منفرد أو إمام أو مأموم، فالاولان يظهر فيهما ثمرة الترتيب بما ذكرنا، ولو سلمنا عدم ظهور الثمرة فيهما تظهر في المأموم، فإنه إما مدرك أو مسبوق فقط، أو لاحق فقط، أو مركب على ما سيأتي بيانه في محله.
أما المدرك فهو تابع لامامه فحكمه حكمه.
وأما المسبوق فقد علمت أن اللازم عليه عكس الترتيب.
وأما اللاحق فالواجب عليه الترتيب بعكس المسبوق.
وعند زفر: الترتيب فرض عليه، فإذا أدرك بعض صلاة الامام فنام فعليه أن يصلي أولا ما نام فيه بلا قراءة ثم يتابع الامام، فلو تابعه أولا ثم صلى ما نام فيه بعد سلام الامام جاز عندنا وأثم لتركه الواجب.
وعند زفر: لا تصح صلاته.
قال في السراج عن الفتاوى: المسبوق إذا بدأ بقضاء ما فاته فإنه تفسد صلاته وهو الاصح، واللاحق إذا تابع الامام قبل قضاء ما فاته لا تفسد خلافا لزفر ا ه.
وأما المركب كما لو اقتدى في ثانية الفجر فنام إلى أن سلم الامام، فهذا لاحق ومسبوق ولم يصل شيئا فيصلي أولا الركعة التي نام فيها بلا قراءة ثم التي سبق بها بقراءة، وإن عكس صح وأثم لتركه الترتيب الواجب فيجب عليه إعادة الصلاة، سواء كان عامدا لادائها مع كراهة التحريم أو ساهيا(1/499)
لعدم إمكان الجبر بسجود السهو، لان ختام صلاته وقع بما لحق فيه، واللاحق ممنوع عن سجود السهو لان خلف الامام حكما فثبت بهذا أن اللاحق بنوعيه قد أوجبوا عليه الترتيب كما ألزموا المسبوق بعكسه.
وليس ذلك إلا من حيث الاعتبار والحكم، لا من حيث الصورة، فافهم.
قوله: (حتى لو نسي) تفريع على قوله: كالسجدة.
قوله: (من الاولى) ليس بقيد، وخصها لبعدها من الآخر ط.
قوله: (قبل الكلام) المراد قبل إتيانه بمفسد ط.
قوله: (لكنه يتشهد) أي يقرأ التشهد إلى عبده ورسوله فقط ويتمه بالصلوات والدعوات في تشهد السهو على الاصح ط.
قوله (ثم يتشهد) أي وجوبا سكت عن القعدة لان التشهد يستلزمها لانه لا يوجد إلا فيها تأمل.
قوله: (لانه يبطل الخ) أي لان التشهد: يعني مع القعدة بقرينة قوله: أما السهوية فترفع التشهد لا القعدة ح.
أما بطلان
القعدة بالعود إلى الصلبية: أي السجدة التي هي من صلب الصلاة: أي جزء منها، فلاشتراط الترتيب بين القعدة وما قبلها لانها لا تكون أخيرة إلا بإتمام سائر الاركان، وأما بطلانها بالعود إلى التلاوية فقال ط: لان التلاوية لما وقعت في الصلاة أعطيت حكم الصلبية، بخلاف ما إذا تركها أصلا.
وقال الرحمتي، لانها تابع للقراءة التي هي ركن فأخذت حكم القراءة فلزم تأخير القعدة عنها.
قوله: (أما السهوية) أي السجدة السهوية، والمراد الجنس لانها سجدتان ط.
قوله: (فترفع التشهد) أي تبطله لانه واجب مثلها فتجب إعادته، وإنما لا ترفع القعدة لانها ركن فهي أقوى منها.
قوله: (بمجرد رفعه منها) أي من السهوية بلا قعود ولا تشهد لم تفسد صلاته، لان القعدة الركن لم ترتفع فلا تفسد صلاته بترك التشهد الواجب.
قوله: (بخلاف تلك السجدتين) أي الصلبية والتلاوية: فإنه لو سلم بمجرد رفعه منهمتفسد صلاته لرفعهما القعدة.
مطلب: قد يشار إلى المثنى باسم الاشارة الموضوع للمفرد تنبيه: قد يشار إلى المثنى باسم الاشارة الموضوع للمفرد كما هنا، ومثله قوله تعالى - * (عوان بين ذلك) * - أي بين الفارض والبكر، وقول الشاعر: إن للخير وللشر مدى وكلا ذلك وجه وقبل فافهم قوله: (وتعديل الاركان) هو سنة عندهما في تخريج الجرجاني، وفي تخريج الكرخي: واجب حتى تجب سجدتا السهو بتركه، كذا في الهداية، وجزم بالثاني في الكنز والوقاية والملتقى، وهو مقتضى الادلة كما يأتي، قال في البحر: وبهذا يضعف قول الجرجاني.
قوله: (وكذا في الرفع منهما) أي يجب التعديل أيضا في القومة من الركوع والجلسة بين السجدتين، وتضمن كلامه وجوب نفس القومة والجلسة أيضا لانه يلزم من وجوب التعديل فيهما وجوبهما.
قوله: (على ما اختاره الكمال) قال في البحر: ومقتضى الدليل وجوب الطمأنينة في الاربعة: أي في الركوع والسجود وفي القومة والجلسة، ووجوب نفس الرفع من الركوع والجلوس بين السجدتين للمواظبة على ذلك كله، وللامر في حيث المسئ صلاته، ولما ذكره قاضيخان من لزوم سجود السهو بترك الرفع من الركوع ساهيا وكذا في المحيط، فيكون حكم الجلسة بين السجدتين كذلك، لان الكلام فيهما(1/500)
واحد، والقول بوجوب الكل هو مختار المحقق ابن الهمام وتلميذه ابن أمير حاج، حتى قال: إنه الصواب، والله الموفق للصواب ا ه.
مطلب: لا ينبغي أن يعدل عن الدراية إذا وافقتها رواية وقال في شرح المنية: ولا ينبغي أن يعدل عن الدراية: أي الدليل إذا وافقتها رواية على ما تقدم عن فتاوى قاضيخان، ومثله ما ذكر في القنية من قوله: وقد شدد القاضي الصدر في شرحه في تعديل الاركان جميعها تشديدا بليغا فقال: وإكمال كل ركن واجب عند أبي حنيفة ومحمد.
وعند أبي يوسف والشافعي فريضة، فيمكث في الركوع والسجود وفي القومة بينهما حتى يطمئن كل عضو منه، هذا هو الواجب عند أبي حنيفة ومحمد، حتى لو تركها أو شيئا منها ساهيا يلزمه السهو، ولو عمدا يكره أشد الكراهة، ويلزمه أن يعيد الصلاة وتكون معتبرة في حق سقوط الترتيب ونحوه، كمن طاف جنبا تلزمه الاعادة، والمعتبر هو الاول، كذا هذا ا ه.
والحاصل أن الاصح رواية ودراية وجوب تعديل الاركان، وأما القومة والجلسة وتعديلهما فالمشهور في المذهب السنية، وروي وجوبها، وهو الموافق للادلة، وعليه الكمال من بعده من المتأخرين، وقد علمت قول تلميذه: إنه الصواب.
وقال أبو يوسف بفرضية الكل، واختاره في المجمع والعيني ورواها الطحاوي عن أئمتنا الثلاثة.
وقال في الفيض: إنه الاحوط ا ه.
وهو مذهب مالك، الشافعي وأحمد، وللعلامة البركلي رسالة سماها (معدل الصلاة) أوضح المسألة فيها غاية الايضاح، وبسط فيها أدلة الوجوب، وذكر ما يترتب على ترك ذلك من الآفات وأوصلها إلى ثلاثين آفة، ومن المكروهات الحاصلة في صلاة يوم وليلة وأوصلها إلى أكثر من ثلاثمائة وخمسين مكروها فينبغي مراجعتها ومطالعتها.
قوله: (لكن المشهور الخ) استدراك على قوله: وكذا في الرفع منهما.
وحاصله أن وجوب تعديل الركوع والسجود ظاهر موافق للقاعدة المشهورة، لان التعديل مكمل لهما أما وجوب تعديل القومة والجلسة فغير ظاهر، لان القومة والجلسة إذا كانتا واجبتين على ما اختاره الكمال يلزم أن يكون التعديل فيهما سنة، لان مكمل الواجب يكون سنة، فهذه القاعدة لا
توافق مختار الكمال، لانه الوجوب في الكل، ولا ما رواه الطحاوي عنهم لانه الفرض في الكل، ولا ما هو المشهور عن أبي حنيفة ومحمد، لانه إما السنية في الكل على تخريج الجرجاني أو الوجوب في تعديل الاركان، والسنية في الباقي على تخريج الكرخي، لانه فصل كما في شرح المنية وغيره بين الطمأنينة في الركوع والسجود وبين القومة والجلسة، بأن الاولى مكملة للركن المقص ود لذاته وهو الركوع والسجود، والاخيرتين مكملتان للركن المقصود لغيره وهو الانتقال فكانا سنتين إظهارا للتفاوت بين المكملين ا ه.
فافهم.
وأجاب ح بأنه لا يضر مخالفة القاعدة حيث اقتضاها الدليل.
أقول: على أن ما ذكره الشارح من القاعدة مأخوذ من الدرر.
واعترضه في العزمية بأنه ليس له وجه صحة، قال: ولعل منشأه ما في الخلاصة من أن الواجب إكمال للفرائض والسنن إكمال(1/501)
للواجبات والآداب إكمال للسنن، ولا يذهب عليك أنه ليس معناه ذلك فليتدبر ا ه.
أي لان معناه أن الواجب شرع لاكمال الفرائض الخ، لا أن كل ما يكمل الفرض يكون واجبا وهكذا.
قوله: (وعند الثاني الاربعة فرض) أي عملي يفوت الجواز بفوته كما قدمنا بيانه في آخر بحث الفرائض.
قوله: (ولو في نفل) لانه وإن كان كل شفع منه صلاة على حدة حتى افترضت القراءة في جميعه، لكن القعدة إنما فرضت للخروج من الصلاة، فإذا قام إلى الثالثة تبين أن ما قبلها لم يكن أوان الخروج من الصلاة فلم تبق القعدة فريضة، وتمامه في ح عن وتر البحر.
قوله: (في الاصح) خلافا لمحمد في افتراضه قعدة كل شفع نفل، وللطحاوي والكرخي في قولهما: إنها في غير النفل سنة، لكن في النهر قال في البدائع: وأكثر مشايخنا يطلقون عليه اسم السنة، إما لان وجوبه عرف بها، أو لان المؤكدة في معنى الواجب، وهذا يقتضي رفع الخلاف.
قوله: (وكذا ترك الزيادة فيه على التشهد) ضمير فيه لا يصح إرجاعه للتشهد خلافا لمن وهم، وإن كان ترك الزيادة فيه أ: أي في أثناء كلماته واجبا أيضا كترك الزيادة عليه: أي بعد تمامه كما سيأتي فيتعين ما قاله ح من إرجاعه للقعود الاول: أي في الفرض والسنة المؤكدة لانها في النفل مطلوبة، وأقل الزيادة المفوتة للواجب مقدار: اللهم صل على محمد فقط على المذهب كما سيأتي في الفصل الآتي.
قوله: (وأراد بالاول غير الاخير)
ليشمل ما إذا صلى ألف ركعة من النفل بتسليمة واحدة، فإن ما عدا القعود الاخير واجب، ومفهومه فرضية كل قعود أخير في أي صلاة كانت، ويستثنى منه القعود الذي بعد سجود السهو فإنه واجب لا فرض، لما سيأتي من أنه يرفع التشهد لا القعدة، ومعلوم أن التشهد يستلزم القعدة فهي واجبة ح.
قوله: (وقد يجاب بأنه عارض) أي بسبب الاستخلاف، فإن المسافر يفترض قعوده على رأس الركعتين لانه آخر صلاته والمقيم بالاستخلاف قام مقامه فتفرض عليه هذه القعدة كالقعدة الثانية، قيل: ويجاب بهذا أيضا عن المسبوق، كما لو اقتدى بالامام في ثانية المغرب فإن القعود الثاني مما عدا الاخير فرض عليه بمتابعة الامام.
وحاصله أن قعود الامام الاخير يفترض على المسبوق بمتابعته لامامه فهو عارض بالاقتداء.
وأقول: هذا مخالف لما في البحر والنهر من قولهما: أراد بالاول ما ليس بآخر، إذ المسبوق بثلاث في الرباعية يقعد ثلاث قعدات والواجب منها ما عدا الاخيرة ا ه.
ويدل عليه ما سيأتي في الامامة من أن المسبوق لو قام قبل السلام قبل قعود إمامه قدر التشهد، فإن قرأ في قيامه قدر ما تجوز به الصلاة بعد فراغ الامام من التشهد جازت صلاته وإلا فلا، وسيأتي تمام بيانه، فلو كان القعود فرضا عليه لما صح هذا التفصيل ولبطلت صلاته، فافهم.
قوله: (والتشهدان) أي تشهد القعدة الاولى وتشهد الاخيرة، والتشهد المروي عن ابن مسعود لا يجب، بل هو أفضل من المروي عن ابن عباس وغيره خلافا لما بحثه في البحر كما سيأتي في الفصل الآتي.
قوله: (بترك بعضه ككله) قال في البحر: من باب سجود السهو فإنه يجب سجود السهو بتركه ولو قليلا في ظاهر الرواية لانه ذكر واحد منظوم، فترك بعضه كترك كله ا ه.
قوله: (وكذا في كل قعدة) أشار به إلى التورك على المتن في تعبيره بالتثنية، إذ لو أفرد لكان اسم جنس شاملا لكل تشهدكما أشار إليه في البحر ح.
قوله: (في الاصح) مقابله ما(1/502)
قيل: إنه فيما عدا الاخيرة سنة.
قوله: (في تشهدي المغرب) أي اقتدى به في التشهد الاول من تشهدي المغرب فيكون قد أدركه في التشهدين، وقوله: وعليه أي على الامام سهو فسجد أي المأموم معه أي مع الامام لوجوب المتابعة عليه وتشهد أي المأموم مع الامام، لان سجود السهو
يرفع التشهد ثم تذكر أي الامام سجود تلاوة فسجد أي المأموم مع الامام لان سجود التلاوة يرفع القعدة ثم سجد أي المأموم مع الامام للسهو لان سجود السهو لا يعتبه إلا إذا وقع خاتما لافعال الصلاة وتشهد أي المأموم مع الامام لان سجود السهو يرفع التشهد ثم قضى أي لمأموم الركعتين بتشهدين لما قدمنا من أن المسبوق يقضى آخر صلاته من حيث الافعال، فمن هذه الحيثية ما صلاه مع الامام آخر صلاته، فإذا أتى بركعة مما عليه كانت ثانية صلاته فيقعد ثم يأتي بركعة ويقعد ا ه ح.
قوله: (ووقع له) أي للمأموم كذلك: أي مثل ما وقع للامام بأن سها فيما يقضيه فسجد له وتشهد ثم تذكر سجود تلاوة فسجده وتشهد ثم سجد للسهو وتشهد لما ذكرنا ح.
قوله: (ومثل التلاوية تذكر الصلبية) أي في إبطال القعدة قبلها وإعادة سجود السهو ط.
قوله: (لهما) أي للامام والمأموم.
قوله: (زيد أربع) وذلك بأن تذكر الامام الصلبية بعد القعدة الخامسة فسجدها المأموم معه وتشهد لارتفاع القعدة ثم سجد معه للسهو تشهد لما قدمنا، ووقع مثل ذلك للمأموم فتصير أربع عشرة قعدة، لكن هذا إنما يكون إذا تراخى تذكر الصلبية عن التلاوية كما هو المفروض، أو بالعكس بأن تراخى تذكر التلاوية عن الصلبية، وأما إذا تذكرهما معا، فإما أن يتذكر قبل القعدة الاخيرة أو بعدها قبل تشهد سجود السهو أو بعده، فإن تذكرهما قبل القعدة الاخيرة فليس هناك إلا ثلاث قعدات، وإن تذكرهما بعدها قبل تشهد سجود السهو فأربع، وإن بعده فخمس، ومثله في المأموم فتكون عشرة.
ثم اعلم أنه إذا تذكرهما معا يجب الترتيب بينهما، فإن كانت التلاوية من ركعة والصلبية من تلك الركعة أو مما بعدها وجب تقديم التلاوية، وإن كانت من ركعة قبلها قدم الصلبية كما في البحر من باب سجود السهو ح.
قوله: (لما مر) أي من أنه يسجد بعد التلاوية ح.
قوله: (تعدد التلاوية والصلبية) يعني مرتين فقط، المرة المتقدمة وهذه ح.
قوله: (زيد ست أيضا).
صورته: تذكر بعد القعدة السابعة صلبية أخرى فسجدها وتشهد، ثم قبل أن يسجد للسهو تذكر تلاوية أخرى أيضا فسجدها وتشهد ثم سجد للسهو وتشهد فهذه ثلاث، ومثله المأموم فهذه ست، وأما إذا لم يتذكر التلاوية إلابعد تشهد سجود السهو فإنها تصير ثماني صور ا ه ح.
أقول: والذي في غالب النسخ زيد ستون.
وصورته: أن يتذكر بعد القعدة السابعة صلبيتين
أخريين على التعاقب ويسجد بعد كل منهما فهذه أربع، ثم يتذكر بقية آيات السجدة واحدة بعد واحدة وهي ثلاث عشرة آية، ويسجد بعد كل منهما فهذه ست وعشرون، فالمجموع ثلاثون، وإذا وقع مثله للمأموم تصير ستين، ثم إذا ضم إليها الاربع عشرة التي قدمها الشارح والاربع الآتية في قوله: عقيبه ولو فرضنا تبلغ ثمانية وسبعين وهي المشار إليها في قوله الآتي في ثمانية وسبعين كما مر، فالصواب ما في غالب النسخ، قوله: (ولو فرضنا إدراكه الخ) صورته أدرك الامام وهو في(1/503)
السجدة الاولى من الركعة الثانية وقعد من غير سجود معه ح.
قوله: (فمقتضى القواعد أنه يقضيهما) مراده بالقواعد الواحدة بناء على أن أل الجنسية تبطل الجمعية، وتلك القاعدة هي أن من فاته شئ من الصلاة بعد اقتدائه أعاده كاللاحق وهذا في حكمه ح.
أقول: عموم هذه القاعدة على هذا الوجه لم أر من ذكره، نعم وجوب فعل هاتين السجدتين مع الامام مسلم لوجوب المتابعة وإن لم تحسبا له من الركعة التي يقضيها.
وأما لزوم قضائهما، فإن أراد به أنه يأتي بهما في الركعة التي يقضيها فمسلم أيضا، وأما إن أراد أنه يأتي بهما زيادة على الركعة المذكورة كما هو المبادر من كلامه فيحتاج إلى نقل، والمنقول وجوب المتابع وأنه يقضي ركعة تامة فقط، قال في البحر قبيل باب قضاء الفوائت: وصرح في الذخيرة بأن المتابعة فيهما واجبة، ومقتضاه أنه لو تركهما لا تفسد صلاته، وقد توقفنا في ذلك مدة حتى رأيته في التجنيس.
وعبارته: رجل انتهى إلى الامام وقد سجد سجدة فكبر ونوى الاقتداء به ومكث قائما حتى قام الامام ولم يتابعه في السجدة ثم تابعه في بقية الصلاة، فلما فرغ الامام قام وقضى ما سبق به، تجوز الصلاة إلا أنه يصلي تلك الركعة الفائتة بسجدتيها بعد فراغ الامام وإن كانت المتابعة حين يشرع واجبة في تلك السجدة ا ه كلام البحر.
فقد صرحوا بوجوب المتابعة ولم يذكروا أنه يصلي ركعة تامة ويسجد فيها ثلاث سجدات أو أربع قضاء عما لم يتابع فيه، على أنه الواجب هو المتابعة وهي لا يمكن قضاؤها بعد فواتها، لان السجود لم يجب عليه لذاته لانه غير محسوب من صلاته، وإنما وجب عليه لئلا يخالف إمامه، نعم صرحوا بوجوب سجدتي السهو فيما لو اقتدى بإمام عليه سهو قبل أن يسجد
ولم يتابع إمامه فيه فإنه يأتي بالسجدتين بعد فراغه استحسانا، لان في تحريمته نقصانا لا ينجبر إلا بسجدتين، وبقي النقصان لانعدام الجابر، كذا قالوا، وهذه العلة لا توجد هنا، إذ لا نقصان في تحريمته هنا لان النقصان جاءه هناك من قبل إمامه، هذا ما ظهر لي، فافهم.
قوله: (فيزاد أربع أخر) وهذا أيضا مفروض فيما إذا تذكر إحداهما بعد تشهد السهو فسجدها وتشهد ثم سجد للسهو وتشهد ثم تذكر الاخرى فسجدها وتشهد ثم سجد للسهو وتشهد، وأما إذا تذكرهما معا فعلى التفصيل المتقدم في التلاوية والصلبية، فصار مجموع القعدات على ما ذكره أربعا وعشرين، وعلى ما ذكرنا من الثمان في تعدد التلاوية والصلبية ستا وعشرين ح.
أقول هذا على نسخة زيد ست، أما على نسخة زيد ستون فهي ثمانية وسبعون كما قررناه على وفق كلامه الآتي، لكن قد علمت أن زيادة الاربع الاخيرة غير مسلمة لعدم وجوب قضاء السجدتين ما لم يوجد نقل صريح، فالباقي أربع وسبعون، نعم على ما قرره من الثمان في تعدد التلاوية والصلبية يزاد سجدتان على ما ذكر الشارح، فيكون الحاصل ستا وسبعين.
قوله: (ولفظ السلام) فيه إشارة إلى أن لفظا آخر لا يقوم مقامه ولو كان بمعناه حيث كان قادرا عليه، بخلاف التشهد في الصلاة حيث لا يختص بلفظ العربي، بل يجوز بأي لسان كان مع قدرته على العربي، ولذا لم يقل ولفظ التشهد وقال ولفظ السلام، لكن هذه الاشارة يخالفها صريح المنقول، فإنه سيأتي أن الزيلعي نقل الاجماع أن السلام(1/504)
لا يختص بلفظ العربي، كذا في بعض نسخ البحر.
قوله: (على الاصح) وقيل سنة.
فتح.
قوله: (دون عليكم) فليس بواجب عندنا.
قوله: (فلو ائتم به، إلى قوله: ذكره الرملي الشافعي) وجد في بعض النسخ وليس في نسخة الشارح التي رجع إليها.
فتال.
قوله: (وتنقضي قدوة بالاول) أي بالسلام الاول.
قال في التجنيس: الامام إذا فرغ من صلاته، فلما قال السلام جاء رجل واقتدى به قبل أن يقول عليكم لا يصير داخلا في صلاته، لان هذا سلام، ألا ترى أنه لو أراد أن يسلم على أحد في صلاته ساهيا فقال السلام ثم علم فسكت تفسد صلاته؟ ا ه رحمتي.
قوله: (خلافا للتكملة) أي لشارح التكملة حيث صحح أن التحريمة إنما تنقطع بالسلام الثاني كما وجد قبله في بعض النسخ.
قوله:
(وقراءة قنوت الوتر) أقحم لفظ قراءة إشارة إلى أن المراد بالقنوت الدعاء لا طول القيام كما قيل، وحكاهما في المجتبى، وسيجئ في محله.
ابن عبد الرزاق: ثم وجوب القنوت مبني على قول الامام: وأما عندهما فسنة، فالخلاف فيه كالخلاف في الوتر كما سيأتي في بابه.
قوله: (وهو مطلق الدعاء) أي القنوت الواجب يحصل بأي دعاء كان في النهر.
وأما خصوص: اللهم إنا نستعينك فسنة فقط، حتى لو أتى بغيره جاز إجماعا.
قوله: (وكذا تكبير قنوته) أي الوتر.
قال في البحر في باب سجود السهو: ومما ألحق به.
أي بالقنوت تكبير، وجزم الزيلعي بوجوب السجود بتركه.
وذكر في الظهيرية أنه لو تركه لا رواية فيه، وقيل يجب السجود اعتبارا بتكبيرات العيد، وقيل لا ا ه.
وينبغي ترجيح عدم الوجوب لانه الاصل، ولا دليل عليه، بخلاف تكبيرات العيد ا ه.
قوله: (وتكبيرة ركوع الثالثة) زيلعي كذا عزاه إلى الزيلعي في النهر، وتبعه الشارح.
قال السيد أبو السعود في حواشي مسكين في باب سجود السهو قال شيخنا: هذا سهو، لعدم وجوده في الزيلعي، لا في الصلاة ولا في السهو، ولعله سبق نظره إلى ما ذكره الزيلعي بقوله: ولو ترك التكبيرة التي بعد القراءة قبل القنوت سجد للسهو، فتوهم أن هذه تكبيرة الثالثة من الوتر وليس كذلك وإنما هي تكبيرة القنوت ا ه.
وكذا نبه الرحمتي على أنه لم يجده فيه.
قوله: (وتكبيرات العيدين) هي ست تكبيرات في كل ركعة ثلاثة.
قوله: (وكذا أحدها) أفاد أن كل تكبيرة واجب مستقل ط.
قوله: (كلفظ التكبير في افتتاحه) أي افتتاح العيد دون بقية الصلوات كما في المستصفى ونور الايضاح.
قوله: (لكن الاشبه وجوبه) أي وجوب لفظ التكبير في كل صلاة حتى يكره تحريما الشروع بغير الله أكبر، كذا في شرحه على الملتقى.
قوله: (والجهر للامام) اللام بمعنى على، مثل - * (وإن أسأتم فلها) * - واحترز به عن المنفرد فإنه يخير بين الجهر والاسرار، وقوله: والاسرار للكل أي الامام والمنفرد، وقوله: فيما يجهر ويسر لف ونشر: يعني أن الجهر يجب على الامام فيما يجهر فيه وهو صلاة الصبح والاوليان من المغرب والعشاء وصلاة العيدين والجمعة والتراويح والوتر في رمضان، والاسرار يجب على الامام والمنفرد فيما يسر فيه وهو صلاة الظهر والعصر والثالثة من المغرب والاخريان من العشاء وصلاة الكسوف والاستسقاء كما في البحر،(1/505)
لكن وجوب الاسرار على الامام بالاتفاق، وأما على المنفرد فقال في البحر: إنه الاصح، وذكر في الفصل الآتي أنه الظاهر من المذهب وفيه كلام ستعرفه هناك، قوله: (فلو أتم القراءة) في بعض النسخ: فلو أتم الفاتحة، وهذا مثال لتأخير الفرض وهو الركوع هنا عن محله.
قوله: (أو تذكر السورة الخ) مثال لتأخير الواجب وهو السورة عن محله لفصله بين الفاتحة والسورة بأجنبي وهو الركوع المرفوض لوقوعه في أثناء القراءة، لانه لما قرأ السورة التحقت بالفرض، وبعد وجود القراءة يصير الترتيب بينها وبين الركوع فرضا، بخلافه قبل وجودها فإنه يكون واجبا كما قدمنا تحقيقه في بحث القيام، وسيأتي له زيادة تحقيق آخر في فصل القراءة والفرق بين القراءة وبين القنوت حيث لا يعدو له، وقيد بتذكر السورة لانه لو قرأها ثم عاد فقرأ سورة أخرى لا ينتقض ركوعه كما في سهو الحلية عن الزاهدي وغيره.
قوله: (أعاد الركوع) مختص بالمسألة الثانية، وقوله: وسجد للسهو راجع للمسألتين، وفي التركيب حزازة، ولو قال: فضمها قائما وأعاد الركوع سجد للسهو، لسلم من هذا ح.
قوله: (وترك تكرير ركوع الخ) بالرفع عطفا على إتيان، لان في زيادة ركوع أو سجود تغيير المشروع، لان الواجب في كل ركعة ركوع واحد وسجدتان فقط، فإذا زاد على ذلك فقد ترك الواجب، ويلزم منه ترك واجب آخر وهو ما مر: أعني إتيان الفرض في محله، لان تكرير الركوع فيه تأخير السجود عن محله وتثليث السجود فيه تأخير القيام أو القعدة، وكذا القعدة في آخر الركعة الاولى أو الثالثة فيجب تركها، ويلزم من فعلها أيضا تأخير القيام إلى الثانية أو الرابعة عن محله، وهذا إذا كانت القعدة طويلة، أما الجلسة الخفيفة التي استحبها الشافعي فتركها غير واجب عندنا، بل هو الافضل كما سيأتي، وهكذا كل زيادة بين فرضين يكون فيها ترك واجب بسبب تلك الزيادة، ويلزم منها ترك واجب آخر وهو تأخير الفرض الثاني عن محله.
والحاصل أن ترك هذه المذكورات في كلام الشارح واجب لغيره، وهو إتيان كل واجب أو فرض في محله الذي ذكره أولا، فإن ذلك الواجب لا يتحقق إلا بترك هذه المذكورات فكان تركها واجبا لغيره، لانه يلزم من الاخلال بهذا الواجب الاخلال بذاك الواجب، فهو نظير عدهم من
الفرائض الانتقال من ركن إلى ركن فإنه فرض لغيره كما قدمنا بيانه، فلا تكرار في كلامه، فافهم.
قوله: (وكل زيادة الخ) بحر كل عطفا على تكرير من عطف العام على الخاص، ويدخل في الزيادة السكوت، حتى لو شك فتفكر سجد للسهو كما مر، وقوله: بين الفرضين غير قيد، فتدخل الزيادة بين فرض وواجب كالزيادة بين التشهد الاول والقيام إلى الركعة الثالثة كما مر، والظاهر أنه منه قراءة التشهد بعد السجدة الثانية بلا تأخير، حتى لو رفع من السجدة وقعد ساكتا يلزمه السهو، ومنه يعلم ما يفعله كثير من الناس حين يمد المبلغ تكبير القعدة فلا يشرعون بقراءة التشهد إلا بعد سكوته فليتنبه.
قال ط: استفيد منه أنه لو أطال قيام الركوع أو الرفع بين السجدتين أكثر من تسبيحة بقدر تسبيحة ساهيا يلزمه سجود السهو فليتنبه له ا ه.
ولم يعزه إلى أحد، نعم ذكر نحو ابن عبد الرزاق في شرحه على هذا الشرح فقال: كإطالة وقوفه بعد الرفع من الركوع ا ه.
ولم يعزه أيضا، ولم أر ذلك لغيرهما، ويحتاج إلى نقل صريح، نعم رأيت في سجود السهو من الحلية عن الذخيرة والتتمة نقلا عن غريب الرواية أنه ذكر البلخي في نوادره عن أبي حنيفة: من شك في صلاته فأطال تفكره في قيامه أو ركوعه أو قومته أو سجوده أو قعدته لا سهو عليه، وإن في جلوسه بين السجدتين فعليه(1/506)
السهو، لان له أن يطيل اللبث في جميع ما وصفنا إلا فيما بين السجدتين وفي القعود في وسط الصلاة ا ه.
وقوله لا سهو عليه مخالف للمشهور في كتب المذهب، ولكن هذه رواية غريبة نادرة، فليتأمل.
ورأيت في البحر في باب الوتر عند قول الكنز: ويتبع المؤتم قانت الوتر لا الفجر أن طول القيام في الرفع من الركوع ليس بمشروع.
قوله: (وإنصات المقتدي) فلو قرأ خلف إمامه كره تحريما، ولا تفسد في الاصح كما سيأتي قبيل باب الامامة، ولا يلزمه سجود سهو لو قرأ سهوا لانه لا سهو على المقتدي، وهل يلزم المتعمد الاعادة؟ جزم ح وتبعه ط بوجوبها، وانظر ما قدمناه أول الواجبات.
مطلب: مهم في تحقيق متابعة الامام
قوله: (ومتابعة الامام) قال في شرح المنية: لا خلاف في لزوم المتابعة في الاركان الفعلية إذ هي موضوع الاقتداء.
واختلف في المتابعة في الركن القولي وهو القراءة، فعندنا لا يتابع فيها بل يستمع وينصت وفيما عدا القراءة من الاذكار يتابعه.
والحاصل أن متابعة الامام في الفرائض والواجبات من غير تأخير واجبة، فإن عارضها واجب لا ينبغي أن يفوته بل يأتي به ثم يتابع، كما لو قام الامام قبل أن يتم المقتدي التشهد فإنه يتمه ثم يقوم لان الاتيان به لا يفوت المتابعة بالكلية، وإنما يؤخرها، والمتابعة مع قطعه تفوته بالكلية، فكان تأخير أحد الواجبين مع الاتيان بهما أولى من ترك أحدهما بالكلية،، بخلاف ما إذا عارضها سنة، كما لو رفع الامام قبل تسبيح المقتدي ثلاثا فالاصح أنه يتابعه، لان ترك السنة أولى من تأخير الواجب اه ملخصا.
ثم ذكر ما حاصله أنه تحت متابعته للامام في الواجبات فعلا، وكذا تركا إن لزم من فعله مخالفته الامام في الفعل كتركه القنوت أو تكبيرات العيد أو القعدة الاولى أو سجود السهو أو التلاوة فيتركه المؤتم أيضا، وأنه ليس له أن يتابعه في البدعة والمنسوخ وما لا تعلق له بالصلاة، فلا يتابعه لو زاد سجدة أو زاد على أقوال الصحابة في تكبيرات العيدين أو على أربع في تكبير الجنازة أو قام إلى الخامسة ساهيا، وأنه لا تجب المتابعة في السنن فعلا وكذا تركا، فلا يتابعه في ترك رفع اليدين في التحريمة والثناء وتكبير الركوع والسجود والتسبيح فيهما والتسميع، وكذا لا يتابعه في ترك الواجب القولي الذي لا يلزم من فعله المخالفة في واجب فعلي كالتشهد والسلام وتكبير التشريق، بخلاف القنوت وتكبيرات العيدين، إذ يلزم من فعلهما المخالفة في الفعل وهو القيام مع ركوع الامام ا ه.
فعلم من هذا أن المتابعة ليست فرضا، بل تكون واجبة في الفرائض والواجبات الفعلية، وتكون سنة في السنن وكذا في غيرها عند معارضة سنة، وتكون خلاف الاولى إذا عارضها واجب آخر، أو كانت في ترك لا يلزم من فعله مخالفة الامام في واجب فعلي كرفع اليدين للتحريمة ونظائره، وتكون غير جائزة إذا كانت في فعل بدعة أو منسوخ أو ما لا تعلق له بالصلاة أو في ترك ما
يلزم من فعله مخالفة الامام في واجب فعلي.
ويشكل على هذا ما في شرح القهستاني على المقدمة الكيدانية من قوله: إن المتابعة فرض، كما في الكافي وغيره، وإنها شرط في الافعال دون الاذكار كما في المنية ا ه.
وكذا ما في الفتح(1/507)
والبحر وغيرهما من باب سجود السهو من أن المؤتم لو قام ساهيا في القعدة الاولى يعود ويقعد، لان القعود فرض عليه بحكم المتابعة، حتى قال في البحر: ظاهره أنه لو لم يعد تبطل صلاته لترك الفرض، وقال في النهر: والذي ينبغي أن يقال: إنها واجبة في الواجب فرض في الفرض ا ه.
أقول: الذي يظهر أنهم أرادوا بالفرض الواجب، وكون المتابعة فرضا في الفرض لا يصح على إطلاقه، لما صرحوا به من أن المسبوق لو قام قبل قعود إمامه قدر التشهد في آخر الصلاة تصح صلاته إن قرأ ما تجوز به الصلاة بعد قعود الامام قدر التشهد، وإلا لا، مع أنه لم يتابع في القعدة الاخيرة، فلو كانت المتابعة فرضا في الفرض مطلقا لبطلت صلاته مطلقا: نعم تكون المتابعة فرضا، بمعنى أن يأتي بالفرض مع إمامه أو بعده، كما لو ركع إمامه فركع معه مقارنا أو معاقبا وشاركه فيه أو بعد ما رفع منه، فلو لم يركع أصلا أو ركع ورفع قبل أن يركع إمامه ولم يعده معه أو بعده بطلت صلاته.
والحاصل أن المتابعة في ذاتها ثلاثة أنواع: مقارنة لفعل الامام مثل أن يقارن إحرامه لاحرام إمامه وركوعه لركوعه وسلامه لسلامه، ويدخل فيها ما لو ركقبل إمامه ودام حتى أدركه إمامه فيه.
ومعاقبة لابتداء فعل إمامه مع المشاركة في باقيه.
ومتراخية عنه، فمطلق المتابعة الشامل لهذه الانواع الثلاثة يكون فرضا في الفرض، وواجبا في الواجب، وسنة في السنة عند عدم المعارض أو عدم لزوم المخالفة كما قدمناه.
ولا يشكل مسألة المسبوق المذكورة، لان القعدة وإن كانت فرضا لكنه يأتي بها في آخر صلاته التي يقضيها بعد سلام إمامه، فقد وجدت المتابعة المتراخية فلذا صحت صلاته، والمتابعة المقيدة بعدم التأخير والتراخي الشاملة للمقارنة والمعاقبة لا تكون فرضا بل تكون واجبة في الواجب وسنة في السنة عند عدم المعارضة وعدم لزوم المخالفة أيضا، والمتابعة المقارنة
بلا تعقيب ولا تراخ سنة عنده لا عندهما، وهذا معنى ما في المقدمة الكيدانية حيث ذكر المتابعة من واجبات الصلاة ثم ذكرها في السنن، ومراده بالثانية المقارنة كما ذكره القهستاني في شرحها.
إذا علمت ذلك ظهر لك أن من قال: إن المتابعة فرض أو شرط كما في الكافي وغيره أراد به مطلقها بالمعنى الذي ذكرناه ومن قال: إنها واجبة كما في شرح المنية وغيره أراد به المقيدة بعدم التأخير، ومن قال: إنها سنة أراد به المقارنة، الحمد لله على توفيقه، وأسأله هداية طريقه.
مطلب: المراد بالمجتهد فيه قوله: (يعني في المجتهد) المراد بالمجتهد فيه ما كان مبنيا على دليل معتبر شرعا بحيث يسوغ للمجتهد بسببه مخالفة غيره، حتى لو كان مما يدخل تحت الحكم وحكم به حاكم يراه نفذ حكمه، وإذا رفع حكمه إلى حاكم آخر يراه وجب عليه إمضاؤه، بخلاف ما إذا كان قولا مخالفا للكتاب كحل متروك التسمية عمدا أو السنة المشهورة كالاكتفاء بشاهد ويمين ونحو ذلك مما سيجئ في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى فإنه لا يسمى مجتهدا فيه، حتى إذا رفع حكمه إلى من يراه لا ينقضه ولا يمضيه، وأفاد وجوب المتابعة في المتفق عليه بالاولى، وعدم جوازها فيما كان بدعة أو لا تعلق له بالصلاة، كما لو زاد سجدة أو قام إلى الخامسة ساهيا كما مر عن شرح المنية.
ومثال ما تجب فيه المتابعة مما يسوغ فيه الاجتهاد ما ذكره القهستاني في شرح الكيدانية عن الجلابي بقوله:(1/508)
كتكبيرات العيد وسجدتي السهو قبل السلام والقنوت بعد الركوع في الوتر ا ه.
والمراد بتكبيرات العيد ما زاد على الثلاث في كل ركعة مما لم يخرج عن أقوال الصحابة، كما لو اقتدى بمن يراها خمسا مثلا كشافعي، ومثل لما لا يسوغ الاجتهاد فيه في شرح الكيدانية عن الجلابي أيضا بقوله: كالقنوت في الفجر والتكبير الخامس في الجنازة ورفع اليدين في تكبير الركوع وتكبيرات الجنازة، قال: فالمتابعة فيها غير جائزة ا ه.
لكن رفع اليدين في تكبيرات الجنازة قال به كثير من علمائنا كأئمة بلخ، فكونه مما لا يسوغ الاجتهاد فيه محل نظر، ولهذا قال الخير الرملي في حاشية البحر في باب الجنازة: إنه يستفاد من هذا: أي مما قاله أئمة بلخ، أن الاولى متابعة الحنفي للشافعي بالرفع إذا
اقتدى به، ولم أره ا ه: أي فإن اختلاف أئمتنا فيه دليل على أنه مجتهد فيه، فتأمل، وقال: الاولى ولم يقل يجب لان المتابعة، إنما تجب في الواجب أو الفرض وهذا الرفع غير واجب عند الشافعي.
قوله: (لا في المقطوع بنسخه) كما لو كبر في الجنازة خمسا، فإن الآثار اختلفت في فعله (ص)، فروى الخمس والسبع والتسع وأكثر من ذلك، إلا أن آخر فعله كان أربعا، فكان ناسخا لما قبله كما في الامداد.
قوله: (كقنوت فجر) فإنه إما مقطوع بنسخه على تقدير أنه كان سنة أو بعدم سنيته على تقدير أنه كان دعاء على قوم شهرا كما في الفتح من النوافل، فهو مثال للمقطوع بنسخه أو بعدم سنيته على سبيل البدل ح.
قوله: (وإنما تفسد) أي الصلاة بمخالفته في الفروض، المراد بالمخالفة هنا عدم المتابعة أصلا بأنواعها الثلاثة المارة، والفساد في الحقيقة إنما هو بترك الفرض لا بترك المتابعة، لكن أسند إليها لانه يلزم منها تركه، وخص الفرض لانه لا فساد بترك الواجب أو السنة.
قوله: (في الخزائن) ونصه: وجوب المتابعة ليس على إطلاقه، بل هي تارة تفرض وتارة تجب وتارة لا تجب، ففي وتر الفتح: إنما تجب المتابعة في الفعل المجتهد فيه لا في المقطوع بنسخه أو بعدم كونه سنة من الاصل كقنوت الفجر، وفي العناية: إنما يتبعه في المشروع دون غيره.
وفي البحر: المخالفة فيما هو من الاركان أو الشرائط مفسدة لا في غيرها ا ه.
مطلب: سنن الصلاة قوله: (قلت فبلغت أصولها الخ) تفريع على ما زاد من الواجبات على ما في المتن، وذلك أن في الفاتحة ست آيات، وقد عدها في المتن واجبا واحدا، وكذا تكبيرات العيد ست وعدها واحدا فيزاد عليه عشرة، وتعديل الاركان عده واحدا وهو واجب في الركوع والسجود والرفع من كل منهما فيزاد ثلاثة فهي ثلاثة عشر، والرابع عشر ترك تكرير الفاتحة قبل سورة الاوليين، والخامس عشر والسادس عشر رعاية الترتيب بين القراءة والركوع وفيما تكرر في كل الصلاة، والسابع عشر ترك الزيادة على التشهد، والثامن عشر والتاسع عشر تكبيرة القنوت وتكبيرة ركوعه، والعشرون والحادي والعشرون تكبيرة ركوع ثانية العيد ولفظا التكبير في الافتتاح، ثم ذكر سبعة تحت قوله: وبقي من الواجبات الخ، فهذه ثمانية وعشرون كلها صريحة في كلامه زيادة على ما في المتن من الاربعة
عشر، فتبلغ اثنين وأربعين واجبا بدون ضرب وبسط فلذا سماها أصولا.
قوله: (وبالبسط أثر من مائة ألف) أقول: أكثرها صور عقلية لا خارجية كما ستعرفه قوله: (إذ أحدها) المراد به التشهد، وهو واحد من جهة النوع: أي إنه واحد من نوع الواجبات النيف وأربعين، وإلا فهو في الحقيقة(1/509)
متعدد، لان هذا الواحد هو المضروب فيه وهو ثمانية وسبعون تشهدا.
قوله: (من ضرب خمسة) أي خمس واجبات هي قعدة المغرب الاولى مع تشهدها وترك نقص من كلماته وترك زيادة فيه: أي في أثناء كلماته، لانه ذكر منظوم لا يجوز أن يزاد فيه أجنبي عنه وترك زيادة عليه: أي بعد تمامه، وهذا لا يكون واجبا إلا في القعدة الاولى من غير النوافل.
قوله: (في ثمانية وسبعين) متعلق بضرب، وقوله: كما مر أي في كلامه حيث ذكر أن التشهد قد يتكرر عشرا ثم زاد أربعا ثم ستين ثم أربعا فبلغت ثمانية وسبعين تشهدا كما أوضحناه فيما مر، وإذا ضربتها في الخمسة الواجبات التي ذكرها هنا بلغت ثلاثمائة وتسعين.
وبيان ذلك أن التشهد في نفسه واجب ويجب له القعدة وأن يترك نقصا منه وزيادة فيه أو عليه، فهذه خمس واجبات تجب في كل صورة من الصور الثمانية والسبعين المارة فتبلغ ما ذكر، وأراد بالواجب ما يشمل الفرض لان هذه الصور ليست كل قعداتها واجبة، بل الواجب منها ما كان قعدة أولى أو بعد سجود سهو، أما ما كان قعدة أخيرة أو بعد سجدة صلبية أو تلاوية فإنها فرض والفرض قد يطلق عليه لفظ الواجب، فهذا الواجب واحد من نوع الواجبات النيف وأربعين المارة وهو التشهد استلزم ثلاثمائة وتسعين واجبا فيصلح لغزا.
ثم هذه الواجبات تشتمل على أكثر من مائة سجدة ما بين سهوية وصلبية وتلاوية، كل سجدة منها يجب فيها ثلاث واجبات: الطمأنينة، ووضع اليدين، ووضع الركبتين على ما اختاره الكمال ورجحه في البحر وغيره، وإذا ضربت ثلاثة في مائة تبلغ ثلاثمائة، وكذا يجب بين كل سجدتي سهو الرفع والطمأنينة فيه فتبلغ أكثر من ثلاثمائة، وإذا ضم ذلك إلى ما مر تبلغ أكثر من سبعمائة، وإذا ضربتها في بقية النيف وأربعين المارة تبلغ أكثر من ثمانمائة وعشرين ألفا وسبعمائة، وكل واحد منها يستلزم تركه سجدتي سهو وتشهدا وقعدة، وكل
سجدة يجب فيها الطمأنينة والرفع بينهمها والطمأنينة فيه، والتشهد للسهو يجب فيه ترك نقص منه وزيادة فيه، أما الزيادة عليه فتجوز.
فهذه عشر واجبات، فإذا ضربتها في ثمانية وعشرين ألفا وسبعمائة بلغت مائتي ألف وسبعة وثمانين ألفا، وإذنظرت إلى أن متابعة المقتدي لامامه واجبة في الفرائض النيف وعشرين وفي الواجبات النيف وأربعين وجملة ذلك نيف وستون، فإذا ضربتها فيما مر بلغت أكثر من سبعة عشر ألف ألف ومائتي ألف ألف وعشرين ألفا، وبقي واجبات أخر لم يذكرها كالسجود على الانف، وعدم القراءة في الركوع، وعدم القيام قبل التشهد أو قبل السلام، وغير ذلك مما تبلغ جملته بالضرب عددا كثيرا أكثرها صور عقلية كما يظهر ذلك لمن أراد ضياع وقته، ولولا ضرورة بيان كلام الشارح لكان الاعراض عن ذلك أولى.
قوله: (وسننها) تقدم الكلام في الوضوء على السنة وتعريفها وتقسيمها إلى سنة هدى وسنة زوائد، والفرق بين الثانية وبين المستحب والمندوب، وما في ذلك من الاسئلة وغير ذلك، فراجعه، قوله: (لا يوجب فسادا ولا سهوا) أي بخلاف ترك الفرض فإنه يوجب الفساد، وترك الواجب فإنه يوجب سجود السهو، قوله: (لو عامدا غير مستخف) فلو غير عامد فلا إساءة أيضا، بل تندب إعادة الصلاة كما قدمناه في أول بحث الواجبات، ولو مستخفا كفر، لما في النهر عن البزازية: لو لم ير السنة حقا كفر لانه استخفاف ا ه.(1/510)
ووجهه أن السنة أحد الاحكام الشرعية المتفق على مشروعيتها عند علماء الدين، فإذا أنكر ذلك ولم يرها شيئا ثابتا ومعتبرا في الدين يكون قد استخف بها واستهانها وذلك كفر.
تأمل مطلب: في قولهم الاساءة دون الكراهة قوله: (وقالوا الخ) نص على ذلك في التحقيق وفي التقرير الاكملي من كتب الاصول.
لكن صرح ابن نجيم في شرح المنار بأن الاساءة أفحش من الكراهة، وهو المناسب هنا لقول التحرير: وتاركها يستوجب إساءة: أي التضليل واللوم.
وفي التلويح: ترك السنة المؤكدة قريب من الحرام، وقد يوفق بأن مرادهم بالكراهة التحريمية والمراد بها في شرح المنار التنزيهية، فهي دون المكروه تحريما وفوق المكروه تنزيها، ويدل على ذلك ما في النهر عن الكشف الكبير معزيا إلى أصول أبي
اليسر: حكم السنة أن يندب إلى تحصيلها ويلام على تركها مع لحوق إثم يسير ا ه وعن هذا في البحر: إن الظاهر من كلامهم أن الاثم منوط بترك الواجب أو السنة المؤكدة لتصريحهم بإثم من ترك سنن الصلوات الخمس على الصحيح، وتصريحهم بإثم من ترك الجماعة مع أنها سنة على الصحيح.
ولا شك أالاثم بعضه أشد من بعض، فالاثم لتارك السنة المؤكدة أخف منه لتارك الواجب اه ملخصا.
وظاهره حصول الاثم بالترك مرة، ويخالفه ما في شرح التحرير أن المراد الترك بلا عذر على سبيل الاصرار، وكذا ما يأتي قريبا عن الخلاصة، وكذا ما مر في سنن الوضوء من أنه لو اكتفى بالغسل مرة، إن اعتاده أثم وإلا لا، وكذا ما في شرح الكيدانية عن الكشف، وقال محمد في المصرين على ترك السنة بالقتال، وأبو يوسف بالتأديب ا ه.
فيتعين حمل الترك فيما مر عن البحر على الترك على سبيل الاصرار توفيقا بين كلامهم.
قوله: (على ما ذكره) وإلا فهي أكثر كما سيأتي، وقد عدمنها الشرنبلالي في مقدمته نور الايضاح إحدى وخمسين.
قوله: (ثلاثة وعشرون) أنث لفظ العدد لحذف المعدود ح.
قوله: (للتحريمة) أي قبلها، وقيل معها كما سيذكره الشارح في الفصل الآتي.
قوله: (في الخلاصة الخ) حكي في الخلاصة أولا خلافا: وقيل يأثم، وقيل لا، ثم قال: والمختار إن اعتاده أثم لا إن كان أحيانا اه.
وجزم به في الفيض وكذا في المنية.
قال شارحها: يأثم لا لنفس الترك، بل لانه استخفاف وعدم مبالاة بسنة واظب عليها النبي (ص) مدة عمره، وهذا مطرد فجميع السنن المؤكدة ا ه.
والتعليل المذكور مأخوذ من الفتح، ورده في البحر بقوله بعد ما قدمناه عنه.
فالحاصل أن القائل بالاثم في ترك الرفع بناء على أنه من سنن الهدى فهو سنة مؤكدة، والقائل بعدمه بناه على أنه من سنن الزوائد بمنزلة المستحب الخ.
قلت: لكن كونه سنة مؤكدة لا يستلزم الاثم بتركه مرة واحدة بلا عذر، فيتعين تقييد الترك بالاعتياد والاصرار توفيقا بين كلامهم كما قدمناه، فإن الظاهر أن الحامل على الاصرار على الترك هو الاستخفاف بمعنى التهاون وعدم المبالاة، لا بمعنى الاستهانة والاحتقار، وإلا كان كفرا كما مر خلافا لما فهمه في النهر، فتدبر.
قوله: (أي تركها بحالها) قال في الحلية: ظن بعضهم أنه أراد
بالنشر تفريج الاصابع هو غلط، بل أراد به النشر عن الطي: يعني برفعهما منصوبتين لا مضمومتين حتى تكون الاصابع مع الكف مستقبلة للقبلة.
ثم لا يخفى أنه لا تتوقف السنة على ضم الاصابع(1/511)
أو لا، بل لو كانت منشورة غير متفرجة كل التفريج ولا مضمومة كل الضم ثم رفعها كذلك مستقبلا بهما القبلة فقد أتى بالسنة ا ه.
قوله: (وأن لا يطأطئ رأسه) أي لا يخفضه، والمسألة في البحر عن المبسوط، قوله: (بقدر حاجته للاعلام الخ) وإن زاد ذكره ط.
قلت: هذا إذا لم يفحش كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في آخر باب الامامة عند قوله: وقائم بقاعد وأشار بقوله: والانتقال إلى أن المراد بالتكبير هنا ما يشمل تكبير الاحرام وغيره، وبه صرح في الضياء.
مطلب: في التبليغ خلف الامام ثم اعلم أن الامام إذا كبر للافتتاح فلا بد لصحة صلاته من قصده بالتكبير الاحرام، وإلا فلا صلاة له إذا قصد الاعلام فقط، فإن جمع بين الامرين بأن قصد الاحرام والاعلان للاعلام فذلك هو المطلوب منه شرعا، وكذلك المبلغ إذا قصد التبليغ فقط خاليا عن قصد الاحرام فلا صلاة له، ولا لمن يصلي بتبليغه في هذه الحالة لانه اقتدى بمن لم يدخل في الصلاة، فإن قصد بتكبيره الاحرام مع التبليغ للمصلين فذلك هو المقصود منه شرعا، كذا في فتاوى الشيخ محمد بن محمد الغزي الملقب بشيخ الشيوخ، ووجهه أن تكبيرة الافتتاح شرط أو ركن، فلا بد في تحقيقها من قصد الاحرام: أي الدخول في الصلاة.
وأما التسميع من الامام والتحميد من المبلغ وتكبيرات الانتقالات منهما إذا قصد بما ذكر الاعلام فقط فلا فساد للصلاة، كذا في (القول البليغ في حكم التبليغ) للسيد أحمد الحموي، وأقره السيد محمد أبو السعود في حواشي مسكين.
والفرق أن قصد الاعلام غير مفسد كما لو سبح ليعلم غيره أنه في الصلاة ولما كان المطلوب هو التكبير على قصد الذكر والاعلام، فإذا محض قصد الاعلام فكأنه لم يذكر، وعدم الذكر في غير التحريمة غير مفسد.
وقد أشبعنا الكلام على هذه المسألة في رسالتنا المسماة (تنبيه ذوي الافهام على حكم التبليغ خلف
الامام) هذا، وسيأتي في أول الفصل أنه لو نوى بتكبيرة الاحرام تكبيرة الركوع لغت نيته وصح شروعه لان المحل له، ومقتضاه أنه لو نوى بها الاعلام صح أيضا، على أن الصحيح أنها شرط لا ركن، والشرط يلزم حصوله لا تحصيله، لكن سيأتي جوابه، ثم هذا كله إذا قصد الاعلام بنفس التكبيرة، أما إذا قصد بها التحريمة وقصد بالجهر بها الاعلام، بأن كان لولا الاعلام لم يجهر، وأنه يأتي بها ولو لم يجهر فهو المطلوب كما مر، والزائد على قدر الحاجة كما هو مكروه للامام يكره للمبلغ.
وفي حاشية أبي السعود: واعلم أن التبليغ عند عدم الحاجة إليه بأن بلغهم صوت الامام مكروه.
وفي السيرة الحلبية: اتفق الائمة الاربعة على أن التبليغ حينئذ بدعة منكرة: أي مكروهة، وأما عند الاحتياج إليه فمستحب، وما نقل عن الطحاوي: إذا بلغ القوم صوت الامام فبلغ المؤذن فسدت صلاته لعدم الاحتياج إليه فلا وجه له، إذ غايته أنه رفع صوته بما هو ذكر بصيغته.
وقال الحموي: وأظن أن هذا النقل مكذوب على الطحاوي فإنه مخالف للقواعد أه.
قوله: (والتسمية)(1/512)
وقيل إنها واجبة، وسيأتي تمام الكلام عليه وعلى بقية السنن المذكورة في الفصل الآتي: قوله: (والتأمين) أي عقب قراءة الفاتحة، قال في المنية: وإذا قال الامام ولا الضالين قال آمين اه.
ولا يخفى أن هذا هو المفهوم لكل أحد، فما قيل لو ترك الفاتحة وقرأ نحو * ربنا لا تؤاخذنا) * (البقرة: 682) الآية هل يسن التعوذ والتسمية والتأمين ا ه؟ ففيه نظر بالنسب إلى توقفه في التأمين، فإن الوارد في التأمين عقب القراءة خاص بقراءة الفاتحة، وأما التعوذ والتسمية فغير خاصين بها، والظاهر أنه يأتي بهما تأمل.
قوله: (وكونهن سرا) جعل سرا خبر لكون المحذوف، ليفيد أن الاسرار بها سنة أخرى، فعلى هذا سنية الاتيان بها تحصل ولو مع الجهر بها ط عن أبي السعود.
قوله: (وكونه الخ) قدر الكون لما ذكرنا قبله.
قوله: (للرجال) سيأتي في الفصل بيان محترزه وكيفيته.
قوله: (ولخوف الخ) بيان لحكمة عدم الارسال.
قوله: (وكذا الرفع منه) أشار إلى أن الرفع مرفوع بالعطف على تكبير، قال في البحر: ولا يجوز جره لانه لا يكبر فيه وإنما يأتي بالتسميع ا ه.
لكن سنذكر في الفصل الآتي القول بأنه سنة أيضا لحديث أنه عليه الصلاة والسلام كان يكبر عند كل رفع وخفض وعلى تأويل
الحديث بأن المراد بالتكبير ذكر فيه تعظيم يقال مثله هنا، فيجوز الجر لئلا يفوت المصنف ذكر التسميع في السنن، لكن يفوته ذكر نفس الرفع، فالتأويل في عبارة الكنز أظهر كما أوضحناه في حواشينا على البحر.
هذا، وتقدم أن مختار الكمال وغيره رواية وجوب الرفع من الركوع والسجود والطمأنينة فيهما، وأنه الموافق للادلة وإن كان المشهور في المذهب رواية السنية.
قوله: (والتسبيح فيه) الاولى ذكره بعد قوله: وتكبير الركوع كما لا يخفى، ونظيره ما يأتي في السجود ح.
قوله: (ثلاثا) فلو تركه أو نقصه كره تنزيها كما سيأتي قوله (وإلصاق كعبيه) أي حيث لا عذر.
أي سنة للرجل فقط، وهذا قيد للاخذ والتفريج، لان المرأة تضع يديها على ركبتيها وضعا ولا تفرج أصابعها كما في المعراج فافهم، وسيأتي في الفصل أنها تخالف الرجل في خمسة وعشرين.
قوله: (وكذا نفس الرفع منه) زاد لفظة نفس لئلا يتوهم أنه على تقدير مضاف: أي تكبير الرفع، فيتكرر مع قوله وكذا تكبيره أو للاشارة إلى أن إصل الرفع سنة كما في الزيلعي، حتى أنه لو سجد على شئ ثم نزع من تحت جبهته وسجد ثانيا على الارض جاز وإن لم يرفع، لكنه خلاف ما صححه في الهداية بقوله: والاصح أنه إذا كان إلى السجود أقرب لا يجوز لانه يعد ساجدا.
وإذا كان إلى الجلوس أقرب جاز لانه يعد جالسا ا ه.
وإذا كان الرفع المذكور فرضا، فالمسنون منه أن يكون بحيث يستوي جالسا، فلذا قيده الشارح بذلك، لكنه، لكنه يتكرر مع قوله الآتي والجلسة فالاصوب إسقاط قوله: بحيث يستوي جالسا ويكون مراد المصنف بالرفع أصله بدون استواء جريا على القول بسنيته، وبالجلسة الآتية الاستواء فلا تكرار، وقد مر تصحيح وجوبها، وسيأتي تمام الكلام عليه في الفصل الآتي.
قوله: (ووضع يديه وركبتيه) هو ما صرح به كثير من المشايخ، واختار الفقيه أبو الليث(1/513)
الافتراض، ومشى عليه الشرنبلالي، والفتوى على عدمه كما في التجنيس والخلاصة، واختار في الفتح الوجوب، لانه مقتضى الحديث مع المواظبة.
قال في البحر: وهو إن شاء الله تعالى أعدل الاقوال لموافقته الاصول ا ه.
وقال في الحلية: وهو حسن ماش على القواعد المذهبية، ثم ذكر ما يؤيده.
قوله: (فلا تلزم) لان وضعهما ليس بفرض، فإذا وضعهما على نجس كان كعدم الوضع
أصلا، فلا يضر، وهذا هو المشهور، لكن قدمنا في شروط الصلاة عن المنية أن عدم اشتراط طهارة مكانهما رواية شاذة، وأن الصحيح أنه يفسد الصلاة كما في متن المواهب ونور الايضاح والمنية، وفي النهر: وهو المناسب لاطلاق عامة المتون، وأيده بكلام الخانية.
وفي شرح المنية: وهو الصحيح، لان اتصال العضو بالنجاسة بمنزلة حملها وإن كان وضع ذلك العضو ليس بفرض ا ه.
قوله: (إلا إذا سجد على كفه) أي على ما هو متصل به ككفه وفاضل ثوبه، لا لاشتراط طهارة ما تحت الكف أو الثوب، بل لاشتراط طهارة محل السجود، وما اتصل به لا يصلح فاصلا فكأنه سجد على النجاسة.
قوله: (وافترش رجله اليسرى) أي مع نصب اليمنى سواء كان في القعدة الاولى أو الاخرى، لانه عليه الصلاة والبسلام فعله كذلك، وما ورد من توركه عليه الصلاة والسلام محمول على حال كبره وضعفه، وكذا يفترش بين السجدتين كما في فتاوى الشيخ قاسم عن أبي السعود ومثله في شرح الشيخ إسماعيل البرجندي.
قوله: (في تشهد الرجل) أي هو سنة فيه، بخلاف المرأة فإنها تتورك كما سيأتي.
قوله: (ووضع يديه فيها) أي في الجلسة.
قوله: (فافهم) لعله يشير به إلى أنه يؤخذ من كلامهم أيضا، لان هذه الجلسة مثل جلسة التشهد، ولو كان فيها مخالفة لها لبينوا ذلك كما بينوا أن الجلسة الاخيرة تخالف الاولى في التورك، فلما أطلقوها علم أنها مثلها، ولهذا قال القهستاني هنا: ويجلس: أي الجلوس المعهود.
قوله: (ونسبوه) أي نسبه قوم من الاعيان منهم الطحاوي وأبو بكر الرازي وابن المنذر والخطابي والبغوي وابن جرير الطبري، لكن نقل عن بعض الصحابة والتابعين ما يوافق الشافعي.
بحر.
قوله: (والدعاء الخ) أي قبل السلام وسيأتي في آخر الفصل الآتي الكلام عليه وعلى ما يفعله بعد السلام من قراءة وتسبيح وغيرهما.
قوله: (لغيره) أي لمؤتم ومنفرد، لكن سيأتي أن المعتمد أن المنفرد يجمع بين التسميع والتحميد، وكذا الامام عندهما وهو رواية عن الامام جزم بها الشرنبلالي في مقدمته.
قوله: (وتحويل الوجه يمنة ويسرة للسلام) ويسن البداءة باليمين، ونية الامام الرجال والحفظة وصالحي الجن إلى آخر ما سيأتي في الفصل، وخفض الثانية عن الاولى، ومقارنته لسلام الامام، وانتظار المسبوق سلام الامام، كذا في نور(1/514)
الايضاح وقدمنا أنه أوصل السنن إلى إحدى وخمسين، لكن عد بعضها في الضياء من المستحبات.
آداب الصلاة قوله: (ولها آداب) جمع أدب، وهو في الصلاة ما فعله رسول الله (ص) مرة أو مرتين ولم يواظب عليه كالزيادة على الثلاث في تسبيحات الركوع والسجود، كذا في غاية البيان والعناية وغيرهما.
وعرفه في أول الحلية بتعاريف متعددة، وقال: والظاهر مساواته للمندوب.
قوله: (تركه) أي ترك الادب الذي تضمنه لفظ جمعه.
قوله: (كترك سنة الزوائد) وهي السنن الغير المؤكدة، كسيره عليه الصلاة والسلام في لباسه وقيامه وقعوده وتنعله، ويقابلها سنن الهدى التي هي من أعلام الدين كالاذان والجماعة، ويقابل النوعين النفل، ومنه المندوب والمستحب والادب، وقدمنا تحقيق ذلك في سنن الوضوء.
قوله: (وإلى أرنبة أنفه) أي طرفه.
قاموس.
قوله: (وإلى حجره) بكسر الحاء والجيم والراء المهملة: ما بين يديك من ثوبك.
قاموس.
وقال أيضا: الحجر مثلثة: المنع، وحضن الانسان، والمناسب هنا الاول لانه فسر الحضن بما دون الابط إلى الكشح أو الصدر والعضدان، وفسر الكشح بما بين الخاصرة إلى الضلع الجنب واستظهر في العزمية ضبطه بضم ففتح فزاي معجمة: جمع حجزة، وهي معقدالازار، ولا يخفى بعده، ققوله: (لتحصيل الخضوع) علة الجميع، لان المقصود الخشوع وترك التكلف، فإذا تركه صار ناظرا إلى هذه المواضع قصد أو لا، وفي ذلك حفظ له عن النظر إلى ما يشغله، وفي إطلاقه شمول المشاهد للكعبة لانه لا يأمن ما يلهيه، وإذا كان في الظلام أو كان بصيرا يحافظ على عظمة الله تعالى، لان المدار عليها، وتمامه في الامداد، وإذا كان المقصود الخشوع، فإذا كان في هذه المواضع ما ينافيه يعدل إلى ما يحصله فيها.
تنبيه: المنقول في ظاهر الرواية أن يكون منتهى بصره في صلاته إلى سجوده كما في المضمرات، وعليه اقتصر في الكنز وغيره، وهذا التفصيل من تصرفات المشايخ كالطحاوي والكرخي وغيرهما، كما يعلم من المطولات.
قوله: (وإمساك فمه عند التثاؤب) بالهمز، وأما الواو فغلط، كما في المغرب وغيره، وسيأتي في باب ما يفسد الصلاة أو يكره: أنه يكره ولو خارجها، لانه من الشيطان والانبياء محفوظون منه: قوله: (ولو بأخذ شفتيه بسنه) في بعض النسخ شفته
بصيغة المفرد وهي أحس، لان المتيسر لدفع التثاؤب هو أخذ الشفة السفلى وحدها، ثم رأيت التقييد بها في الضياء.
قوله: (بظهر يده اليسرى) كذا في الضياء المعنوي، ومثله في الحلية في باب السنن، والشارح عزا المسألة إلى المجتبى، مع أن المنقول في البحر والنهر والمنح عن المجتبى أنه يغطي فاه بيمينه، وقيل بيمينه في القيام وفي غيره بيساره ا ه، وهكذا في شرح الشيخ إسماعيل وعبارة الشارح في الخزائن: أي بظهر يده اليمنى الخ، فالمناسب إبدال اليسرى باليمنى.
قوله: (وقيل الخ) كأنه لان التغطية ينبغي أن تكون باليسرى كالامتخاط، فإذا كان قاعدا يسهل ذلك عليه(1/515)
ولم يلزم منه حركة اليدين، بخلاف ما إذا كان قائما فإنه يلزم من التغطية باليسرى حركة اليمين أيضا لانها تحتها ا ه ح.
قوله: (لان التغطية الخ) علة لكونه لا يغطي بيده أو كمه إلا عند عدم إمكان كظم فيه، ولذا قال في الخلاصة: أما إذا أمكنه يأخذ شفتيه بسنه فلم يفعل وغطى بيده أو ثوبه يكره، هكذا روي عن أبي حنيفة ا ه.
فائدة: رأيت في شرح تحفة الملوك المسمى بهدية الصعلوك ما نصه: قال الزاهدي: الطريق في دفع التثاؤب: أن يخطر بباله أن الانبياء عليهم الصلاة والسلام ما تثاءبوا قط.
قال القدوري: جربناه مرارا فوجدناه كذلك ا ه.
قلت: وقد جربته أيضا فوجدته كذلك.
قوله: (عند التكبير) أي تكبير الاحرام.
قوله: (ودفع السعال ما استطاع) فيه أنه لا يخلو إما أن يكون المراد بالسعال المضطر إليه فلا يمكن دفعه أو غيره، فدفعه واجب لانه مفسد.
وقد يقال: المراد به ما تدعو إليه الطبيعة مما يظن إمكان دفعه، فهذا يستحب أن يدفعه ما أمكن إلى أن يخرج منه بلا صنعه أو يندفع عنه، فليتأمل، ثم رأيته في الحلية أجاب بحمله على غير المضطر إليه إذا كان عذر يدعو إليه في الجملة ولا سيما إذا كان ذا حروف، لما فيه من الخروج عن الخلاف ا ه، والمراد بالعذر تحسين الصوت أو إعلام أنه في الصلاة، فسيأتي في مفسدات الصلاة أن التنحنح لاجل ذلك لا يفسد في الصحيح، وعلى هذا فالمراد بالسعال التنحنح.
تأمل.
قوله: (حين قيل حي على الفلاح) كذا في الكنز ونور الايضاح والاصلاح والظهيرية والبدائع
وغيرها.
والذي في الدرر متنا وشرحا عند الحيعلة الاولى: يعني حيث يقال حي على الصلاة ا ه.
وعزاه الشيخ إسماعيل في شرحه إلى عيون المذاهب والفيض والوقاية والنقاية والحاوي والمختار ا ه.
قلت: واعتمده في متن الملتقى، وحكى الاول بقيل.
لكن نقل ابن الكمال تصحيح الاول.
ونص عبارته: قال في الذخيرة: يقوم الامام والقوم إذا قال المؤذن حي على الفلاح عند علمائنا الثلاثة.
وقال الحسن بن زياد وزفر: إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة قاموا إلى الصف، وإذا قال مرة ثانية كبروا، والصحيح قول علمائنا الثلاثة ا ه.
قوله: (خلافا لزفر الخ) هذا النقل غير صحيح وغير موافق لعبارة ابن كمال التي ذكرناها، وقد راجعت الذخيرة فرأيته حكى الخلاف كما نقله ابن كمال عنها، ومثله في البدائع وغيره.
قوله: (وإلا الخ) أي وإن لم يكن الامام بقرب المحراب، بأن كان في موضع آخر من المسجد أو خارجه ودخل من خلف ح.
قوله: (في مسجد) الاولى تعريفه باللام، قوله: (فلا يقفوا) الانسب فلا يقفون بإثبات النون على أن لا نافية لا ناهية، قوله: (وإن خارجه) محترز قوله: في مسجد.
قوله: (بحر) لم أره فيه بل في النهر، قوله: (وشروع الامام) وكذا القوم، لان الافضل عند أبي حنيفة مقارنتهم له كما سيأتي.
قوله: (لا بأس به(1/516)
إجماعا) أي لان الخلاف في الافضلية فنفي البأس: أي الشدة، ثابت في كلا القولين وإن كان الفعل أولى في أحدهما.
قوله: (وهو) أي التأخير المفهوم من قوله: أخر.
قوله: (أنه الاصح) لان فيه محافظة على فضيلة المؤذن وإعانة له على الشروع مع الامام.
قوله: (فرع الخ) تقدم بيانه في بحث النية، وكذا في هذا الباب عند قوله: وبقي من الفروض الخ.
قوله: (قنية) يعني ذكره الامام الزاهدي في قنية الفتاوى، ونقل ط عبارته فافهم، والله تعالى أعلم.
فصل أي في بيان تأليف الصلاة إلى انتهائها على الوجه المتوارث من غير تعرض غالبا لوصف أفعالها بفريضة أو غيرها للعلم به مما مر.
قوله: (لو قادرا) سيأتي محترزه في قوله: ويلزم العاجز الخ.
قوله (للافتتاح) فلو قصد الاعلام فقط لم يصر شارعا كما قدمناه، ويأتي تمامه.
قوله: (أي قال وجوبا الله أكبر) قال في الحلية عند قول المنية: ولا دخول في الصلاة إلا بتكبيرة الافتتاح،
وهي قوله: الله أكبر، أو الله الاكبر، أو الله الكبير، أو الله كبير الخ.
وعين مالك الاول لانه المتوارث، وأجيب بأنه يفيد السنية أو الوجوب ونحن نقول به، فإن الاصح أنه يكره الافتتاح بغير الله أكبر عند أبي حنيفة كما في التحفة والذخيرة والنهاية وغيرها، وتمامه في الحلية، وعليه فلو افتتح بأحد الالفاظ الاخيرة لا يحصل الواجب، فافهم.
قوله: (ولا يصير شارعا بالمبتدأ) لان الشرط الاتيان بجملة تامة كما مر في النظم.
ولا يخفى أن الاتيان بالواو أحسن من الفاء التفريعية، لان ما قبله بيان للواجب وهذا بيان للشرط فلا يصح التفريع، فافهم.
قوله: (هو المختار) وهو قول محمد وظاهر الرواية عن أبي حنيفة، وكذا قول أبي يوسف لما سيأتي من اختصاص الصحة عنده بالالفاظ الخمسة ح.
قوله: (فلو قال الخ) بيان لثمرة الخلاف وتفريع على المختار.
قوله: (قبله) أي قبل فراغه ح.
قوله: (قائما) أي حقيقة وهو الانتصاب، أو حكما وهو الانحناء القليل بأن لا تنال يداه ركبتيه ح.
قوله: (في الاصح) أي بناء على ظاهر الرواية.
وأفاد أنه كما لا يصح اقتداؤه لا يصير شارعا في صلاة نفسه أيضا، وهو الاصح كما في النهر عن السراج.
قوله: (قبل الامام) أي قبل شروعه، قوله: (ولو ذكر الاسم) مكرر بما قبله، فإن المراد بالصفة (الخبر)، ومع ذلك هو ضعيف مبني على غير ظاهر الرواية، أفاده ح.
قوله: (إذ مد أحد الهمزتين مفسد الخ) اعلم أن المد إن كان في الله، فإما في أوله أو وسطه أو آخره: فإن كان في أوله لم يصر به شارعا وأفسد الصلاة لو في أثنائها، ولا يكفر إن كان جاهلا، لانه جازم والاكفار للشك في مضمون الجملة: وإن كان في وسطه، فإن بالغ حتى حدث ألف ثانية بين اللام والهاء كره، قيل: والمختار أنها لا تفسد، وليس(1/517)
ببعيد، وإن كان في آخره فهو خطأ ولا يفسد أيضا، وقياس عدم الفساد فيهما صحة الشروع بهما، وإن كان المد في أكبر، فإن في أوله فهو خطأ مفسد، وإن تعمده قيل يكفر للشك، وقيل لا.
ولا ينبغي أن يختلف في أنه لا يصح الشروع به، وإن في وسطه أفسد، ولا يصح الشروع به.
وقال الصدر الشهيد: يصح، وينبغي تقييده بما إذا لم يقصد به المخالفة، كما نبه عليه محمد بن مقاتل.
وفي المبتغى: لا يفسد لانه إشباع، وهو لغة قوم، وقيل يفسد لاأكبار اسم ولد إبليس ا ه، فإن
ثبت أنه لغة فالوجه الصحة، وإن في آخره فقد قيل يفسد الصلاة، وقياسه أن لا يصح الشروع به أيضا، كذا في الحلية ملخصا.
وتمام أبحاث هذه المسألة في البحر والنهر عند قوله: وكبر بلا مد وركع.
أقول: وينبغي الفساد بمد الهاء لانه يصير جمع لاه كما صرح به بعض الشافعية.
تأمل.
قوله: (وتعمده) أي تعمد مد الهمزة من لفظ الجلال أو أكبر كفر، لكونه استفهاما يقتضي أن لا يثبت عنده كبرياء الله تعالى وعظمته، كذا في الكفاية.
والاحسن قول المبسوط: خيف عليه الكفر إن كان قاصدا، على أنه الاكمل اعترضهم في العناية بأنه يجوز أن تكون للتقدير فلا كفر ولا فساد، لكن يجاب بأن قصد التقرير لا يدفع الفساد، لما في شرح المنية من أن الانسان لا يصلح أن يقرر نفسه، وإن قرر غيره لزم الفساد لانخطاب ا ه، وعلى هذا فينبغي أن يقال: إن تعمد المد لا يكفر إلا إذا قصد به الشك لانتفاء احتمال التقرير، وأما الفساد وعدم صحة الشروع فثابتان وإن لم يتعمد المد أو الشك لانه تلفظ بمحتمل للكفر فصار خطأ شرعا، ولهذا قال في الحلية: إن مناط الفساد ذكر الصورة الاستفهامية، فلا يفترق الحال بين كونه عالما بمعناها أو لا، بدليل الفساد بكلام النائم.
قوله: (وكذا الباء في الاصح) صححه في شرح المنية.
قوله: (قائما) أي في الفرض مع القدرة على القيام ح.
قوله: (إن إلى القيام أقرب) بأن لا تنال يداه ركبتيه كما مر.
وفي شرح الشيخ إسماعيل عن الحجة: إذا كبر في التطوع حالة الركوع للافتتاح: لا يجوز، وإن كان التطوع يجوز قاعدا ا ه.
قلت: والفرق بينه وبين ما لو كبر للتطوع قاعدا أن القعود الجائز خلف عن القيام من كل وجه، أما الركوع فله حكم القيام من وجه دون وجه، ولذا لو قرأ فيه لم يجز، تأمل قوله: (ولغت نية تكبيرة الركوع) أي لو نوى بهذه التكبيرة الركوع ولم ينو تكبيرة الافتتاح لغت نيته وانصرفت إلى تكبيرة الافتتاح، لانه لما قصد بها الذكر الخالص دون شئ خارج عن الصلاة وكانت التحريمة هي المفروضة عليه لكونها شرطا انصرفت إلى الفرض، لان المحل له، وهو أقوى من النفل، كما لو نوى بقراءة الفاتحة الذكر والثناء، كما لو طاف للركن جنبا وللصدر طاهرا انظر ف الثاني إلى الركن، بخلاف ما إذا قصد بالتكبيرة الاعلام فقط فإنه لا يكون قاصدا للذكر، فصار كلاما أجنبيا عن الصلاة فلا يصح شروعه كما مر.
قوله: (وإلا جاز) أي بأن كان أكبر رأيه أنه مع الامام أو بعده أو لم يكن
له رأي أصلا، والجواز في الثالثة لحمل أمره على الصواب، ولكن الاحوط كما في شرح المنية أن يكبر ثانيا ليقطع الشك باليقين.
ووقع في الفتح هنا سهو نبه عليه في النهر.
قوله: (ولو أراد الخ) ذكر المسألة الاولى في ألغاز الاشباه، والثانية ذكرها المصنف متنا في الذبائح.
قوله: (لم يصر(1/518)
شارعا) لان التعجب والاجابة أجنبيان عن الصلاة مفسدان لها، ففي شرح الشيخ إسماعيل في مفسدات الصلاة: لو قال اللهم صل على محمد أو الله أكبر، وأراد به الجواب تفسد صلاته بالاجماع، ولو أجاب المؤذن تفسد أيضا، وإن أذن في صلاته تفسد إن أراد الاذان ا ه.
قوله: (ويجزم الراء الخ) أي يسكنها.
مطلب في حديث: الاذان جزم قال في الحلية: ثم اعلم أن المسنون جزم التكبير سواء كان للافتتاح أو في أثناء الصلاة، قالوا الحديث إبراهيم النخعي موقوفا عليه ومرفوعا الاذان جزم، والاقامة جزم، والتكبير جزم قال في الكافي: والمراد الامساك عن إشباع الحركة والتعمق فيها والاضراب عن الهمز المفرط والمد والفاحش، ثم الهاء ترفع بلا خلاف، وأما الراء ففي المضمرات عن المحيط إن شاء بالرفع أو بالجزم، وفي المبتغى: الاصل فيه الجزم، لقول (ص) التكبير جزم، والتسميع جزم ا ه.
قوله: (ومر في الاذان) وقدمنا بقية الكلام عليه هناك فراجعه.
قوله: (وإنما يصير شارعا بالنية عند التكبير) كذا في البحر عن حج الزيلعي، والمراد بالتكبير مطلق الذكر.
والمعنى أن النية لما كانت شرطا لصحة الصلاة وكانت التحريمة شرطا أيضا على الصحيح، وكانت النية سابقة على التحريمة مدامة إلى وجودها حقيقة أو حكما، بأن عزبت عن قلبه ولم يوجد بعدها فاصل أجنبي ربما توهم أن الشروع يكون بها وحدها، فبين أن الشروع إنما يكون بها عند وجود التحريمة.
قوله: (بل بهما) أي إنه لما لم تستقل النية يكون الشروع بها وحدها بل توقف على التحريمة صار الشروع بهما لا بأحدهما، كما أن المحرم بالحج إذا نوى الحج لا يصير شارعا به ما لم يلب، فلو نوى ولم يلب أو لبى ولم ينو لم يصر محرما، فافهم.
قوله: (لتعذر الواجب) وهو
التحريك بلفظ التكبير والقراءة.
قوله: (لكن ينبغي الخ) بيانه أن النية إذا كانت تكفي عن التحريمة اقتضى ذلك قيام النية مقام التحريمة، وإذا قامت مقامها لزم مراعاة شروط التحريمة في النية، فيشترط في النية حينيئذ القيام وعدم تقديمها لقيامها مقام التحريمة لا لذاتها، لان غير العاجز عن النطق لو نوى الصلاة قاعدا ثم قام وأحرم صح، وكذا لو قدم النية، كما قالوا: لو توضأ في بيته قاصدا الصلاة مع الجماعة ثم خرج ولم تحضره النية وقت الدخول مع الامام صحت ما لم يوجد فاصل أجنبي من كلام ونحوه، ويغتفر ذلك المشي، هذا تقرير كلامه، وهو متابع في هذا البحث لصاحب النهر، وقد أقره المحشون، ولا يخفى ما فيه، فإن النية شرط مستقل والتحريمة شرط آخر كبقية الشروط، وإذا سقط شرط لعذر واكتفي بما سواه من الشروط لا يلزم أن يكون قد أقيم شرط آخر مقامه، لان الشروط لا تنصب بالرأي ولذا قال تبعا لغيره: فلا يلزم إلا بدليل، وذلك كما إذا عجز عن القيام أو عن استعمال الماء أقيم القعود والتراب مقامهما للدليل، بخلاف العجز عن ستر العورة فإنه لا دليل على إقامة شئ مقامه، فسقط بالكلية واكتفي بما سواه، وإذا كان تحريك اللسان غير قائم مقام النطق لعدم الدليل فكيف تقام النية مقامه بلا دليل مع أن التحريك أقرب إلى النطق من(1/519)
النية؟ قوله: (ثم في الاشباه) أقول: عبارة الاشباه على ما رأيته في عدة نسخ: ومما خرج: أي من القاعدة الاخرس يلزمه تحريك اللسان في تكبيرة الافتتاح والتلبية على القول به، وأما بالقراءة فلا، على المختار ا ه.
وفي بعض النسخ على المفتى به بدل قوله: على القول به والاولى أحسن، لموافقتها لما ذكره صاحب الاشباه في بحره عند قوله: فرضها التحريمة، حيث نقل تصحيح عدم الوجوب في التحريمة، وجزم به في المحيط، ولكن يحتاج إلى الفرض بين التحريمة والتلبية، فإنه نص محمد على أنه شرط في التلبية.
وقال في المحيط: يستحب كما في الصلاة، كذا في شرح لباب المناسك، ثم قال قلت: فينبغي أن لا يلزمه في الحج الاولى، لان القراءة فرض قطعي، والتلبية أمر ظني، قوله: (قبل التكبير وقيل معه) الاول نسبه في المجتمع إلى أبي حنيفة ومحمد.
وفي غاية البيان إلى عامة علمائنا.
وفي المبسوط إلى أكثر مشايخنا، وصححه في الهداية، والثاني
اختاره في الخانية والخلاصة والتحفة والبدائع والمحيط، بأن يبدأ بالرفع عند بداءته التكبير ويختم به عند ختمه، وعزاه البقالي إلى أصحابنا جميعا، ورجحه في الحلية، وثمة قول ثالث وهو أنه بعد التكبير، والكل مروي عنه عليه الصلاة والسلام، وما في الهداية أولى كما في البحر والنهر، ولذا اعتمده الشارع، فافهم.
قوله: (هو المراد بالمحاذاة) أي الواقعة في كتب ظاهر الرواية وبعض روايات الاحاديث كما بسطه في الحلية، ووفق بينها وبين روايات الرفع إلى المنكبين، بأن الثاني إذا كانت اليدان في الثياب للبرد كما قاله الطحاوي أخذا من بعض الروايات، وتبعه صاحب الهداية وغيره، وهو صريح رواية أبي داود.
قال في الحلية: وهو قول الشافعي، ومشى عليه النووي.
وقال في شرح مسلم: إنه المشهور من مذهب الجماهير.
قوله: (ويستقبل الخ) ذكره في المنية وشرحها؟.
قوله: (أنها) أي الامة هنا: أي في الرفع، وهذا حكاه في القنية بقيل، فالمعتمد ما في البحر تبعا للحلية.
قوله: (وفي غيره) كالركوع والسجود والقعود.
قوله: (وقيل كالرجل) روى الحسن عن أبي حنيفة أنها: أي المرأة ترفع يديها حذو أذنيها كالرجل، لان كفيها ليستا بعورة حلية، وما في المتن صححه في الهداية، وقال: وعلى هذا تكبير القنوت والعيدين والجنازة، قوله: (أيضا الخ) أي كما صح شروعه بالتكبير السابق صح أيضا بالتسبيح ونحوه، لكن مع كراهة التحريم، لان الشروع بالتكبير واجب، وقدمنا أن الواجب لفظ الله أكبر من بين ألفاظ التكبير الآتية.
وقال في الخزائن هنا: وهل يكره الشروع بغير الله أكبر؟ تصحيحان.
والراجح أنه مكروه تحريما، وأن وجوبه عام لا خاص بالعبد كما حرره في البحر للمواظبة التي لم تقترن بترك اه.
قوله: (وسائر كلم التعظيم) كالله أجل أو أعظم، أو الرحمن أكبر، أو لا إله إلا الله، أو تبارك لله لان التكبير الوارد في الادلة مثل - * (وربك فكبر) * - معناه التعظيم والاجلال فيه، وتمامه في شرح المنية.
قوله: (الخالصة) أي عن شائبة الدعاء وحاجة نفسه كما سيأتي.
قوله: (له تعالى) متعلق بالتعظيم لا بالخالصة وإلا ناقض قوله ولو(1/520)
مشتركة والاولى حذفه بالكلية تأمل.
قوله: (في الاصح) خلافا لما في الذخيرة والخانية من تخصيصه بالخاص، والخلاف مقيد بما إذا لم يقرنه بما يزيل الاشتراك، أما إذا قرنه به كالرحيم بعباده
صح اتفاقا، كما إذا قرنه بما يفسد الصلاة لا يصح اتفاقا كالعالم بالموجود والمعدوم أو بأحوال الخلق كما في الحلية، وأشار إليه في البزازية، أفاد في البحر والنهر.
قوله: (وخصه الثاني) فلا يصح الشروع عنده إلا بهذه الالفاظ المشتقة من التكبير، والصحيح قولهما كما في النهر والحلية عن التحفة والزاد.
قوله: (والكبار) أي بضم الكاف بمعنى الكبير كما في القاموس: والظاهر أنه يجوز تنكيره عند أبي يوسف، كما جاز في الاكبر والكبير، فليراجع ح.
قوله: (وخصه البردعي الخ) ضعيف.
والبردعي بالدال المهملة على الاكثر: أحمد بن الحسين، وفارس: اسم قلعة نسب إليها قوم، والمراد بها لغتهم، وهي أشرف اللغات وأشهرها بعد العربية وأقربها إليها أبو السعود ط.
قوله: (بحديث) متعلق بمزيتها.
قوله: (والفارسية الدرية) قال في المغرب: الفارسية الدرية الفصيحة نسبت إلى در وهو الباب بالفارسية ا ه.
وهو بفتح الدال المهملة والراء الساكنة، وإذا نسبت إلى ثنائي وضعا إن كان ثانية حرفا صحيحا جاز فيه التضعيف وعدمه، فتقول في كم كمي وكمي بالتخفيف أو التشديد، وإن كان حرف لين لزم تضعيفه كما أوضحه الاشموني في شرح الالفية، فافهم، فالظاهر أن ضبط القهستاني الدرية بالتشديد غير لازم.
مطلب الفارسية وأفاد ح عن ابن كمال أن الفارسية خمس لغات: فهلوية، كان يتكلم بها الملوك في مجالسهم، ودرية يتكلم بها من بباب الملك.
وفارسية يتكلم بها الموابذة.
ومن كان مناسبا لهم.
وخورسية، وهي لغة خورستان، يتكلم بها الملوك والاشراف في الخلاء وموضع الاستفراغ وعند التعري للحمام، وسريانية منسوبة إلى سوريان، وهو العراق ا ه.
قوله: (وشرطا عجزه) أي التكبير بالعربية، والمعتمد قوله ط.
بل سيأتي ما يفيد الاتفاق على أن العجز غير شرط على ما فيه.
قوله: (وجميع أذكار الصلاة) في التاترخانية عن المحيط: وعلى هذا الخلاف لو سبح بالفارسية في الصلاة أو دعا أو أثنى على الله تعالى أو تعوذ أو هلل أو تشهد أو صلى على النبي (ص) بالفارسية في الصلاة: أي يصح عنده، لكن سيأتكراهة الدعاء بالاعجمية.
قوله: (وأما ما ذكره الخ) أي مما هو خارج عن أذكار الصلاة، وجواب أما قوله الآتي فجائز إجماعا.
قوله: (أو آمن) بمد الهمزة من الايمان
كما في البحر ح، وقوله أو سلم على غيره.
وفي بعض النسخ: أسلم من الاسلام، وعليه يكون أمن بالتشديد من التأمين، والنسخة الاولى أولى، لانها الموافقة لما رأيته بخط الشارح في الخزائن،(1/521)
ولان التأمين من أذكار الصلاة إلا أن يكون من أمان الكفار فإنه سيأتي في كتاب الجهاد متنا أنه يصح بأي لغة كان.
قوله: (ولم أر الخ) لا يظهر فرق بينه وبين رد السلام ح.
قوله: (قيد القراءة بالعجز) أشار إلى أن قوله: عاجزا حال من فاعل قرأ فقط دون ما قبله.
قوله: (وعليه الفتوى) وفي الهداية وشرح المجمع لمصنفه، وعليه الاعتماد.
قوله: (وجعل) بالرفع مبتدأ خبره قوله: لا سلف له فيه الخ.
قوله: (كالقراءة) أي في اشتراط العجز فيه أيضا وفي أن الامام رجع بذلك إلى قولهما، لان العجز عندها شرط في جميع أذكار الصلاة كما مر.
قوله: (لا سلف له فيه) أي لم يقل به أحد قبله، وإنما المنقول أنه رجع إلى قولهما في اشتراط القراءة بالعربية إلا عند العجز.
وأما مسألة الشروع فالمذكور في عامة الكتب حكاية الخلاف فيها بلا ذكر رجوع أصلا.
وعبارة المتن كالكنز وغيره كالصريحة في ذلك حيث اعتبر العجز قيدا في القراءة فقط.
قوله: (ولا مسند له يقويه) أي ليس له دليل يقوي مدعاه، لان الامام رجع إلى قولهما في اشتراط القراءة بالعربية، لان المأمور به قراءة القرآن، وهو اسم للمنزل باللفظ العربي المنظوم الخاص، المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا نقلا متواترا، والاعجمي إنما يسمى قرآنا مجازا، ولذا يصح نفي اسم القرآن عنه، فلقوة دليل قولهما رجع إليه.
أما الشروع بالفارسية فالدليل فيه للامام أقوى، وهو كون المطلوب في الشروع الذكر والتعظيم، وذلك حاصل بأي لفظ كان وأي لسان كان، نعم لفظ الله أكبر واجب للمواظبه عليه ولا فرض.
قوله: (بل جعله في التاترخانية كالتلبية) نص عبارتها: وفي شرح الطحاوي: ولو كبر بالفارسية أو سمى بالفارسية عند الذبح أو لبى عند الاحرام بالفارسية أو بأي لسان سواء كان يحسن العربية أو لا: جاز بالاتفاق ا ه.
قوله: (كالمتن) حيث لم يقيد الشروع بالعجز كما قيد به القراءة.
قوله: (رجوعهما إليه الخ) أي إنهما رجعا إلى قوله بصحة الشروع بالفارسية بلا عجز كما رجع هو إلى قولهما بعدم الصحة في القراءة فقط، لا في الشروع أيضا كما توهمه العيني،
لكن كونهما رجعا إلى قوله في الشروع لم ينقله أحد، وإنما المنقول حكاية الخلاف كما قدمناه، وأما ما في التاترخانية فغير صريح في تكبير الشروع، بل هو محتمل لتكبير التشريق أو الذبح، بل هذا أولى لانه قرنه مع الاذكار الخارجة عن الصلاة، وأما عبارة المتن فهي مبنية على قول الامام، فالحاصل أن ما أورده على العيني في دعوى رجوعه إلى قولهما يرد عليه في دعواه رجوعهما إلى قوله.
قوله: (حتى الشرنبلالي) أي اشتبه عليه ذلك أيضا، فحتى ابتدائية والخبر محذوف، لا عاطفة، لانا لم نعهد من هذا الشارح الفاضل قلة الاد ب مع العلماء حتى يجعل الشرنبلالي من القاصرين.(1/522)
مطلب في حكم القراءة بالفارسية أالتوراة والانجيل واعلم أن الشارح نفسه خفي عليه ذلك، فتبع العيني في شره على الملتقى.
وفي الخزائن بل خفي أيضا على البرهان الطرابلسي في متنه مواهب الرحمن حيث قال: والاصح رجوعه إليهما في عدم جواز الشروع والقراءة بالفارسية لغير العاجز عن العربية.
قوله: (واعتبر الزيلعي التعارف) وبه جزم في الهداية وأقره الشراح، وفي الكفاية عن المبسوط: روى الحسن عن أبي حنيفة أنه أذن بالفارسية والناس يعلمون أنه أذان جاز، وإلا لم يجز، لان المقصود وهو الاعلام لم يحصل.
قوله: (قرأ بالفارسية) أي مع القدرة على العربية.
قوله: (أو التوراة) بالنصب عطفا على مفعول قرأ المحذوف وهو القرآن ح.
قوله: (إن قصة الخ) اختار هذا التفضيل في الفتح توفيقا بين القولين، وهما ما قاله في الهداية من أنه لا خلاف في عدم الفساد إذا قرأ معه بالعربية ما تجوز به الصلاة، وما قاله النجم النسفي وقاضيخان من أنها تفسد عندهما، فقال في الفتح: والوجه إذا كان المقروء من مكان القصص والامر والنهي أن تفسد بمجرد قراءته لانه حينئذ متكلم بكلام غير قرآن، بخلاف ما إذا كان ذكرا أو تزيها، فإنها تفسد إذا اقتصر على ذلك بسبب إخلاء الصلاة عن القراءة ا ه.
وتبعه في البحر، وقواه في النهر، فلذا جزم به الشارح.
مطلب في حكم القراءة بالشاذ قوله: (وألحق به في البحر الشاذ) أي فجعله على هذا التفصيل توفيقا بين القول بالفساد به
والقول بعدمه.
قوله: (لفي النهر إلخ) حيث قال: عندي بينهما فرق، وذلك أن الفارسي ليس قرآنا أصلا لانصرافه في عرف الشرع إلى العربي، فإذا قرأ قصة صار متكلما بكلام الناس، بخلاف الشاذ فإنه قرآن.
إلا أن قرآنيته شكا فلا تفسد به ولو قصة، وحكوا الاتفاق فيه على عدمه، فالاوجه ما في المحيط من تأويله قول شمس الائمة بالفساد بما إذا اقتصر عليه ا ه: أي فيكون الفساد لتركه القراءة بالمتواتر لا للقراءة بالشاذ، لكن يرد عليه أن القرآن هو ما لا شك فيه، وأن الصلاة يمنع فيها من غير القراءة والذكر قطعا، وما كان قصة ولم تثبت قرآنيته لم يكن قراءة ولا ذكرا فيفسد، بخلاف ما إذا كان ذكرا فإنه وإن ثبت لم تثبت قرآنيته لم يكن كلاما لكونه ذكرا، لكن إن اقتصر عليه تفسد، وإن قرأ معه من المتواتر ما تجوز به الصلاة فلا، فهذا ما وفق به في البحر، ويتعين حمل كلام المحيط عليه، فتأمل وفي منظومة ابن وهبان: وإن قرأ المكتوب في الصحف الالى إذا كان كالتسبيح ليس يغير والصحف الاولى جمع صحيفة: المراد بها التوراة والانجيل والزبور، وتمام الكلام في شروح الوهبانية.
مطلب في بيان المتواتر بالشاذ تتمة: القرآن الذي تجوز به الصلاة بالاتفاق هو المضبوط في مصاحف الائمة التي بعث بها عثمان رضي الله عنه إلى الامصار، وهو الذي أجمع عليه الائمة العشرة، وهذا هو المتواتر جملة وتفصيلا، فما فوق السبعة إلى العشرة غير شاذ، وإنما الشاذ ما وراء العشرة، وهو الصحيح، وتمام تحقيق ذلك في فتاوى العلامة قاسم.
قوله: (كالتهجي) قال في الوهبانية:(1/523)
وليس التهجي في الصلاة بمفسدولا مجزئ عن واجب الذكر فاذكروا والمسألة في القنية.
قال الشرنبلالي في شرحها: صورتها: شخص قال في صلاته: س ب ح ا ن ا ل ل ه بالتهجي أو قال أ ع وذ ب ا ل ل ه م ن ا ل ش ي ط ا ن لا تفسد، لكن في البزازية خلافه حيث قال: تفسد بتهجية قدر القراءة، لانه من كلام الناس ا ه.
وهذا ذكره البزازي في
كتاب الطلاق، قال ابن الشحنة: ووجهه ظاهر، لكنه ذكر في كتاب الصلاة نحو ما في القنية ا ه.
ونص في الامداد في باب سجود التلاوة التجنيس والخانية أنه لا يجب به السجود، ولا يجزئ عن القراءة في الصلاة، لانه لم يقرأ القرآن ولا يفسد لانه الحروف التي في القرآن ا ه.
وظاهر الرسم المذكور أن المراد قراءة مسميات الحروف لا أسماؤها، مثل سين باء حاء ألف نون، وهل حكمها كذلك؟ لم أره.
قوله: (وتجوز إلخ) في الفتح عن الكافي: إن اعتاد القراءة بالفراسية أو أراد، أن يكتب مصحفا بها يمنع، وإن فعل في آية أو آيتين: لا، فإن كتب القرآن وتفسير كل حرف وترجمته: جاز ا ه.
قوله: (ويكره إلخ) مخالف لما نقلناه عن الفتح آنفا، لكن رأيت بخط الشارح في هامش الخزائن عن حظر المجتبى: ويكره كتب التفسير بالفارسية في المصحف لما يعتاده البعض، ورخص فيه الهندواني، والظاهر أن الفارسية غير قيد.
قوله: (بمشوب) أي مخلوط.
قوله: (وبسملة) علله في الذخيرة بأن البسملة للتبرك، فكأنه قال: بارك لي في هذا الامر، وظاهر كلام الزيلعي ترجيحه.
وفي الحلية أنه الاشبه، ونقل في النهر تصحيحه عن السراج وفتاوى المرغيناني.
ونقل في البحر عن المجتبى والمبتغي الجواز، ورجحه بأنها ذكر خالص بدليل جوازها على الذبيحة المشروط فيها الذكر الخالص ا ه.
وجزم به في المنظومة الوهبانية، وعزاه إلى الامام ونقله في شرحها عن الامام الحلواني وظهير الدين المرغيناني والقاضي عبد الجبار وشهاب الامامي، وجعل الاول قول الصاحبين توفيقا بين الروايات، فافهم.
قوله: (وحوقلة) أي لانها دعاء في المعنى، فكأنه قال: اللهم حولني عن معصيتك وقوني على طاعتك، لانه لا حول ولا قوة إلا بك يا الله.
قوله: (أو ذكرها) أي ذكر اللهم اغفر لي.
قوله: (في الاصح) كذا في الحلية عن المحيط والذخيرة وغيرهما.
خلافا لما صححه في الجوهرة، وهذا بناء على مذهب سيبويه من أن أصله يا ألله فحذفت يا وعوض عنها الميم، وعند الكوفيين أصله يا الله أمنا بخير فحذفت الجملة إلا الميم فيكون دعاء لا ثناء ورد بقوله تعالى: * (اللهم إن كان هذا هو الحق) * (الانفال: 23) الآية، وتمامه في ح.
قوله: (كيا ألله) فإن به يصح الشروع اتفاقا.
خزائن.
قوله: (آخذا رسغها) أي مفصلها وهو بضم فسكون أو بضمتين كما في القاموس قوله: (بخنصره وإبهامه) أي يحلق الخنصر والابهام على الرسغ ويبسط الاصابع الثلاث
كما في شرح المنية ونحوه في البحر والنهر والمعراج والكفاية والفتح والسراج وغيرها: وقال في البدائع: ويحلق إبهامه وخنصره وبنصره ويضع الوسطى والمسبحة على معصمه، وتبعه في الحلية، ومثله في شرح الشيخ إسماعيل عن المجتبى.
قوله: (هو المختار) كذا في الفتح والتبيين، وهذا ما استحسنه كثير من المشايخ ليكون جامعا بين الاخذ والوضع المرويين في الاحاديث، وعملا بالمذهب احتياطا كما في المجتبى وغيره.
قال سيدي عبد الغني في شرح هدية ابن العماد: وفي(1/524)
هذا نظر، لان القائل بالوضع يريد وضع الجميع، والقائل بالاخذ يريد أخذ الجميع، فأخذ البعض ووضع البعض ليس أخذا ولا وضعا، بل المختار عندي واحد منهما موافقة للسنة ا ه.
قلت: وهذا البحث منقول، ففي المعارج بعد نقله ممر عن المجتبى والمبسوط والظهيرية: وقيل هذا خارج عن المذاهب والاحاديث فيكون العمل به احتياطا ا ه.
ثم رأيت الشرنبلالي ذكر في الامداد هذا الاعتراض، ثم قال: قلت: فعلى هذا ينبغي أن يفعل بصفة أحد الحديثين في وقت وبصفة الآخر في غيره، ليكون جامعا بين المرويين حقيقة ا ه.
أقول: يرد عليه أنه في كل وقت عمل بأحدهما يكون تاركا فيه العمل بالآخر، والوارد في الاحاديث ذكر في بعضها الوضع وفي بعضها الاخذ بلا بيان الكيفية.
والذي استحسنه المشايخ فيه: العمل بهما جميعا، إذ لا شك أن في الاخذ وضعا وزيادة.
والقاعدة الاصولية أنه متى أمكن الجمع بين المتعارضين ظاهرا لا يعدل عن أحدهما، فتأمل.
قوله: (الكف على الكف) عزاه في هامش الخزائن إلى الغزنوية.
قوله: (تحت ثديها) كذا في بعض نسخ المنية، وفي بعضها: على ثديها.
قال في الحلية: وكان الاولى أن يقول: على صدرها، كما قاله الجم الغفير، لا على ثديها، وإن كان الوضع على الصدر قد يستلزم ذلك بأن يقع بعض ساعد كل يد على الثدي، لكن هذا ليس هو المقصود بالافادة.
قوله: (كما فرغ) هذه كاف المبادرة تتصل بما نحو: سلم كما تدخل نقلها في مغني اللبيب.
قوله: (بلا إرسال) هو ظاهر الرواية، وروي عن محمد في النوادر أنه يرسلهما حالة الثناء، فإذا فرغ منه يضع بناء على أن الوضع سنة القيام الذي له قرار في ظاهر المذهب وسنة القراءة
عند محمد.
حلية.
قوله: (في مجمع الانهر) ومثله في شرح النقاية لمنلا علي القاري، كما نقله في حاشية المدني في باب الوتر والنوافل.
قوله: (ما هو الاعم) أي من القيام الحقيقي والحكمي، فإن القعود في النافلة وفي الفريضة وما ألحق بها لعذر كالقيام ط.
والظاهر أن الاضطجاع كذلك لانه خلف عن القيام.
رحمتي.
قوله: (قرار إلخ) اعلم أنه جعل في البدائع الاصل على قولهما إنه سنة قيام فيه ذكر مسنون، وإليه ذهب الحلواني والسرخسي وغيرهما.
وفي الهداية أنه الصحيح، ومشى عليه في المجمع وغيره، وقد جمع في البحر بين الاصلين فجعلهما أصلا واحدا، وتبعه تلميذه المصنف مع أن صاحب الحلية نقل عن شيخ الاسلام أنه ذكر في موضع أنه على قولهما يرسل في قومة الركوع وفي موضع آخر أنه يضع، ثم وفق أن منشأ ذلك اختلاف الاصلين، لان في هذه القومة ذكرا مسنونا وهو التسميع ليس لما قال في الهداية: ويرسل في القومة، اعترضه في الفتح بأنه إنما يتم إذا قيل بأن التحميد والتسميع ليس سنة فيها، بل في الانتقال إليها، لكنه خلاف ظاهر النصوص إلخ، نعم قيد منلا مسكين الذكر بالطويل، وبه يندفع الاعتراض عن الهداية، لكن إذا كان الذكر طويلا يلزم منه كون القيام له قرار فيرجع إلى ما قاله في البحر، فليتأمل.
قوله: (فيه ذكر مسنون) أي مشروع فرضا كان أو واجبا أو سنة، إسماعيل عن البرجندي.
قوله: (لعدم القرار) ليس على إطلاقه، لقولهم: إن مصلي النافلة ولو سنة يسن له أن يأتي بعد التحميد بالادعية الواردة نحو مل ء السموات والارض إلخ، واللهم اغفر لي وارحمني بين السجدتين نهر.
ومقتضاه أنه يعتمد(1/525)
بيديه في النافلة، ولم أر من صرح به.
تأمل، لكنه مقتضى إطلاق الاصلين المارين، ومقتضاه أنه يعتمد أيضا في صلاة التسابيح، ثم رأيته ذكره ط والرحمتي والسائحاني بحثا.
قوله: (ما لم يطل القيام فيضع) أي فإن أطاله لكثرة القوم فإنه يضع، وهذا مبني على أن الاصل أنه سنة قيام له قرار لا على أنه سنة قيام فيه ذكر مسنون، وهذا أيضا يدل على أنهما أصلان لا أصل واحد كما ذكرنا.
قوله: (سبحانك اللهم) شرح ألفاظه في البحر والامداد وغيرهما.
قوله: (تاركا إلخ) هو ظاهر الرواية.
بدائع.
لانه لم ينقل في المشاهير.
كافي.
فالاولى تركه في كل صلاة محافظة على المروي
بلا زيادة وإن كان ثناء على الله تعالى.
بحر وحلية.
وفيه إشارة إلى أن قوله في الهداية: لا يأتي به في الفرائض، لا مفهوم له، لكن قال صاحب الهداية في كتابه مختارات النوازل: وقوله وجل ثناؤك لم ينقل في الفرائض في المشاهير، وما روي فيه فهو في صلاة التهجد ا ه.
قوله: (إلا في الجنازة) ذكره في شرح المنية الصغير، ولم يعزه إلى أحد، ولم أره لغيره سوى ما قدمناه عن الهداية ومختارات النوازل.
قوله: (مقتصرا) اسم فاعل: حال من فاعل قرأ، أو اسم مفعول حال من مفعوله وهو سبحان إلخ ح.
قوله: (إلا في النافلة) لحمل ما ورد في الاخبار عليها فيقرؤه فيها إجماعا، واختيار المتأخرين أنه يقول قبل الافتتاح.
معراج.
وفي المنية: وعندهما يقوله قبل الافتتاج: يعني قبل النية، ولا يقوله بعد النية بالاجماع ا ه.
لكن في الحلية: الحق أن قراءته قبل النية أو بعدها قبل التكبير لم تثبت عن النبي (ص) ولا عن أصحابه ا ه.
وفي الخزائن: وما ورد محمول على النافلة بعد الثناء في الاصح ا ه.
وقال في هامشه: صححه في الزاهدي وغيره.
قوله: (في الاصح) وقيل تفسد لانه كذب، ورده في البحر تبعا للحلية بما ثبت في صحيح مسلم من الروايتين بكل منهما، وبأنه إنما يكون كذبا إذا كان مخبرا عن نفسه لا تاليا، فلو مخبرا فالفساد عند الكل ا ه.
قوله: (لما في النهر إلخ) تعليل لتحويل الشارح عبارة المصنف، لان قضية المتن الاتيان بالثناء في المخافتة وإن بدأ الامام بالقراءة، وهو ضعيف لتعبير الصغرى عنه بقيل.
ووجهه أنه إذا امتنع عن القراءة فبالاولى أن يمتنع عن الثناء وأقول: ما ذكره المصنف جزم به في الدرر.
وقال في المنح: وصححه في الذخيرة وفي المضمرات: وعليه الفتوى ا ه.
ومشى عليه في منية المصلي والشارح في الخزائن وشرح الملتقى.
واختاره قاضيخان حيث قال: ولو أدرك الامام بعدما اشتغل بالقراءة، قال ابن الفضل: لا يثني، وقال غيره يثني.
وينبغى التفصيل، إن كان الامام يجهر لا يثني، وإن كان يسر يثني ا ه.
وهو مختار شيخ الاسلام خواهر زاده.
وعلله في الذخيرة بما حاصله أن الاستماع في غير حالة الجهر ليس بفرض، بل يسن تعظيما للقراءة فكان سنة غير مقصودة لذاتها وعدم قراءة المؤتم في غير حالة الجهر لا لوجوب الانصات، بل لان قراءة الامام له قراءة.
وأما الثناء فهو سنة مقصودة لذاتها، وليس ثناء الامام ثناء للمؤتم، فإذا تركه يلزم ترك سنة مقصودة لذاتها للانصات الذي هو سنة
تبعا، بخلاف تركه حالة الجهر ا ه.
فكان المعتمد ما مشى عليه المصنف، فافهم.
قوله: (أو ساجدا) أي السجدة الاولى كما في المنية، وأشار بالتقييد براكعا أو ساجدا إلى أنه لو أدركه في(1/526)
إحدى القعدتين فالاولى أن لا يثني لتحصيل فضيلة زيادة المشاركة في القعود، وكذا لو أدركه في السجدة الثانية، وتمامه في شرح المنية.
قوله: (بلفظ أعوذ) أي لا بلفظ أستعيذ وإن مشى عليه في الهداية، وتمامه في البحر والزيلعي.
قوله: (فهو كالتنازع) لان سرا حال من الثناء والتعوذ، فكانا متعلقين به فأشبه التنازع الذي هو تعلق عاملين فأكثر باسم، وعدل عن قول النهر فهو من التنازع، لما في همع الهوامع من أنه يقع في كل معمول إلا المفعول له والتمييز، وكذا الحال خلافا لابن معطي، أفاده ح، قوله: (الحلبي) أي في شرح المنية بقوله: والتعوذ إنما هو عند افتتاح الصلاة، فلو نسيه حتى قرأ الفاتحة لا يتعوذ بعد ذلك، كذا في الخلاصة.
ويفهم منه أنه لو تذكر قبل إكمالها يتعوذ، وحينئذ ينبغي أن يستأنفها ا ه.
وهذا الفهم في غير محله لان قول الخلاصة: حتى قرأ الفاتحة، معناه شرع في قراءتها، إذ بالشروع فات محل التعوذ، وإلا لزم رفض الفرض للسنة، ولزم أيضا ترك الواجب، فإن قراءة الفاتحة أو أكثرها مرة ثانية موجبة للسهو.
على أنه في شرح المنية أيضا بعد ما مر بنحو ورقة ونصف قال: وذكر الفقيه أبو جعفر في النوادر: إن كبر وتعوذ ونسي الثناء لا يعد، وكذا إن كبر وبدأ بالقراءة ونسي الثناء والتعوذ والتسمية لفوات محلها، ولا سهو عليه.
ذكره الزاهدي ا ه.
وبدأ بالقراءة إلخ مؤيدا لما قلنا، فافهم.
قوله: (ولا يتعوذ إلخ) محترز قوله لقراءة قال في البحر: وقيد بقراءة القرآن للاشارة إلى أن التلميذ إذا قرأ على أستاذه كما نقله في الذخيرة.
وظاهره أن الاستعاذة لم تشرع إلا عند قراءة القرآن أو في الصلاة، وفيه نظر ظاهر ا ه.
قال في النهر: وأقول ليس ما في الذخيرة في المشروعية وعدمها، بل في الاستنان وعدمه ا ه: أي فتسن لقراءة القرآن فقط وإن كانت تشرع في غيرها في جميع ما يخشى فيه الوسوسة، وإلى هذا أشار الشارح بقوله: أي لا يسن لكن في هذا الجواب نظر، فإنها تسن قبل دخول الخلاء لكن بلفظ أعوذ بالله من الخبث والخبائث.
تأمل.
ثم إن عبارة الذخيرة هكذا: إذا قال الرجل * (بسم الله الرحمن الرحيم) * فإن أراد به قراءة القرآن يتعوذ قبله
للآية، وإن أراد افتتاح الكلام كما يقرأ التلميذ لا يتعوذ قبله لانه لا يريد به قرءاة القرآن ألا يرى لو أن رجلا أراد أن يشكر فيقول: * (الحمد لله رب العالمين) * لا يحتاج إلى التعوذ قبله، وعلى هذا الجانب إذا أراد بذلك القراءة لم يجز، أو افتتاح الكلام جاز ا ه.
ملخصا.
وحاصله إذا أراد أن يأتي بشئ من القرآن كالبسملة والحمدلة، فإن قصد به القراءة تعوذ قبله وإلا فلا، كما لو أتى بالبسملة في افتتاح الكلام كالتلميذ حين يبسمل في أول درسه للعمل فلا يتعوذ، وكما لو قصد بالحمدلة الشكر، وكذا إذا تكلم بغير ما هو من القرآن فلا يسن التعوذ بالاولى، فكلام الذخيرة في التعوذ قبل الكلام لا في غيره من الافعال، فلا ينافي استنانه قبل الخلاء، فافهم.
قوله: (فيأتي به المسبوق إلخ) فذكر المصنف ثلاث مسائل تفريعا على قوله لقراءة بناء على قول أبي حنيفة ومحمد: إن التعوذ تبع للقراءة.
أما عند أبي يوسف فهو تبع للثناء، فعنده يأتي به المسبوق بعد الثناء مرتين حال اقتدائه وعند قيامه للقضاء، ويأتي به المقتدي المدرك لانه يثني كما يأتي به الامام والمنفرد، ويأتي به الامام والمقتدي في العيد بعد الثناء قبل التكبيرات،(1/527)
ومشى عليه في المنية، وفي الخلاصة أنه الاصح، لكن مختار قاضيخان والهداية وشروحها والكافي والاختيار وأكثر الكتب هو قولهما: إنه تبع للقراءة وبه نأخذ.
شرح المنية.
قوله: (وكما تعوذ سمى) فلو سمى قبل التعوذ أعاده بعده لعدم وقوعها في محلها، ولو نسيها حتى فرغ من الفاتحة لا يسمي لاجلها لفوات محلها.
حلية وبحر.
ولا مفهوم لقوله حتى فرغ كما تقدم، فافهم.
قوله: (غير المؤتم) هو الامام والمنفرد، إذ لا دخل للمقتدي لانه لا يقرأ، بدليل أنه قدم أنه لا يتعوذ.
بحر.
قوله: (كما في ذبيحة ووضوء) فإن المراد بالتسمية فيها مطلق الذكر، فهو تمثيل للمنفي.
قوله: (سرا في أول كل ركعة) كذا في بعض النسخ، وسقط سرا مبعضها ولا بد منه.
قال في الكفاية عن المجتبى: والثالث أنه لا يجهر بها في الصلاة عندنا خلافا للشافعي، وفي خارج الصلاة اختلاف الروايات والمشايخ في التعو والتسمية: قيل يخفى التعوذ دون التسمية، والصحيح أنه يتخير فيهما، ولكن يتبع إمامه من القراء وهم يجهرون بهما، إلا حمزة فإنه يخفيهما ا ه.
قوله: (ولو جهرية) رد على
ما في المنية من أن الامام لا يأتي بها إذا جهر، بل إذا خافت فإنه غلط فاحش.
بحر.
وأوله في شرحها بأنه لا يأتي بها جهرا.
قوله: (لا تسن) مقتضى كلام المتن أن يقال: لا يسمى، لكنه عدل عنه لابهامه الكراهة، بخلاف نفي السنية.
ثم إن هذا قولهما وصححه في البدائع.
وقال محمد: تسن إن خافت لا إن جهر.
بحر.
ونسب ابن الضياء في شرح الغزنوية الاول إلى أبي يوسف فقط فقال: وهذا قول أبي يوسف.
وذكر في المصفى أن الفتوى على قول أبي يوسف أنه يسمي في أول كل ركعة ويخفيها.
وذكر في المحيط: المختار قول محمد، وهو أن يسمي قبل الفاتحة وقبل كل سورة في كل ركعة.
مطلب: لفظة الفتوى آكد وأبلغ من لفظة المختار وفي رواية الحسن بن زياد أنه يسمي في الركعة الاولى لا غير، وإنما اختير قول أبي يوسف لان لفظة الفتوى آكد وأبلغ من لفظة المختار، ولان قول أبي يوسف وسط وخير الامور أوسطها، كذا في شرح عمدة المصلي ا ه ما في شرح الغزنوية.
ووقع في النهر هنا خطأ وخلل في النقل أيضا عن شرح الغزنوية فاجتنبه، فافهم.
مطلب: قراءة البسملة بين الفاتحة والسورة حسن قوله: (ولا تكره اتفاقا) ولهذا صرح في الذخيرة والمجتبى بأنه إن سمى بين الفاتحة والسورة المقروءة سرا أو جهرا كان حسنا عند أبي حنيفة، ورجحه المحقق ابن الهمام وتلميذه الحلبي لشبهة الاختلاف في كونها آية من كل سورة.
بحر.
قوله: (وما صححه الزاهدي من وجوبها) يعني في أول الفاتحة، وقد صححه الزيلعي أيضا في سجود السهو، ونقل في الكفاية عبارة الزاهدي وأقرها.
وقال في شرح المنية: إنه الاحوط، لان الاحاديث الصحيحة تدل على مواظبته عليه الصلاة والسلام عليها، جعله في الوهبانية قول الاكثرين أي بناء على قول الحلواني إن أكثر المشايخ على أنها من(1/528)
الفاتحة، فإذا كانت منها تجب مثلها لكن لم يسلم كونه قول الاكثر.
قوله: (ضعفه في البحر) حيث قال في سجود السهو: إن هذا كله مخالف لظاهر المذهب المذكور في المتون والشروح والفتاوى من أنها
سنة لا واجب فلا يجب بتركها شئ.
قال في النهر: والحق أنهما قولان مرجحان، إلا أن المتون على الاول ا ه.
أقول: أي إن الاول مرجح من حيث الرواية، والثاني من حيث الدراية، والله أعلم.
قوله: (وهي آية) أي خلافا لقول مالك وبعض أصحابنا: إنها ليست من القرآن أصلا.
قال القهستاني: ولم يوجد في حواشي الكشاف والتلويح أنها ليست من القرآن في المشهور من مذهب أبي حنيفة ا ه: أي بل هو قول ضعيف عندنا.
قوله: (أنزلت للفصل) وذكرت في أول الفاتحة للتبرك.
قوله: (فما في النمل بعض آية) وأولها - * (إنه من سليمان) * وآخرها * (وأتوني مسلمين) * وهو تفريع على قوله: أنزلت للفصل ط.
قوله: (قوله وليست من الفاتحة) قال في النهر: فيه رد لقول الحلواني أكثر المشايخ على أنها من الفاتحة، ومن ثم قيل بوجوبها، وجعله في الذخيرة رواية الثاني عن الامام، وبه أخذ وهو أحوط ا ه.
وما نقله عن الحلواني ذكره القهستاني عن المحيط والذخيرة والخلاصة وغيرها.
قوله: (ولا من كل سورة) أي خلافا لقول الشافعي: إنها آية من كل سورة، ما عدا براءة.
قوله: (في الاصح) قيد لقوله وليست من الفاتحة وكان ينبغي ذكره عقبه ليكون إشارة إلى قول الحلواني المتقدم لا إلى قول الشافعي، إذ لم تجر عادتهم بذكر التصحيح للاشارة إلى مذهب الغير، بل إلى المرجوح في المذهب، ولم أر لاحد من مشايخنا القول بأنها آية من كل سورة، وإنما عزاه في البحر وغيره إلى الشافعي فقط، فافهم.
قوله: (فتحرم على الجنب) أي وما في معناه كالحائض والنفساء، وهذا لو على قصد التلاوة.
قوله: (احتياطا) علة للمسألتين، وذلك أن مذهب الجمهور أنها من القرآن لتواترها في محلها، وخالف في ذلك مالك فكان الاحتياط حرمتها على الجنب نظرا إلى مذهب الجمهور، وعدم جواز الاقتصار عليها في الصلاة نظرا إلى شبهة الخلاف، لان فرض القراءة ثابت بيقين فلا يسقط بما فيه شبهة.
قوله: (ولم يكفر جاحدها إلخ) جواب عما قيل من الاشكال في التسمية: إنها إن كانت متواترة لزم تكفير منكرها، وإلا فليست قرآنا، والجواب كما في التحرير أن القطعي إنما يكفر منكره إذا لم تثبت فيه شبهة قوية كإنكار ركن، وهنا وقد وجدت، وذلك لان من أنكرها كمالك ادعى عدم تواتر كونها قرآنا في الاوائل، وأن كتابتها فيها لشهرة استنان الافتتاح بها
في الشرع.
والمثبت يقول: إجماعهم على كتابتها مع أمرهم بتجريد المصاحف يوجب كونها قرآنا، والاستنان لا يسوغ الاجماع لتحققه في الاستعاذة، والحق أنها من القرآن لتواترها في المصحف، وهو دليل كونها قرآنا، ولا نسلم توقف ثبوت القرآنية على تواتر الاخبار بكونها قرآنا، بل الشرط فيما هو قرآن تواتره في محله فقط وإن لم يتواتر كونه في محله من القرآن ا ه.
وقوله ولا نسلم إلخ رد لما تضمنه كلام المنكمن أن تواترها في محلها لا يستلزم كونها قرآنا، بل لا بد من تواتر الاخبار بقرآنيتها.
والحاصل أن تواترها في محلها أثبت أصل قرآنيتها، وأما كونها قرآنا متواترا فهو متوقف على(1/529)
تواتر الاخبار به ولذلك لم يكفر منكرها، بخلاف غيرهم لتواتر الاخبار بقرآنيته.
ووقع في البحر هنا اضطراب وخلل بينته فيما علقته عليه، وبما قررناه يعلم أنه كان على الشارح أن يبقى المتن على حاله ويسقط قوله اختلاف مالك ليكون جوابا عن إنكار مالك أيضا قرآنيتها، لان الشبهة لم تثبت بإنكاره، بل هي ثابتة قبله من جهة أخرى، فتدبر.
قوله: (وقرأ بعدها وجوبا) الوجوب يرجع إلى القراءة والبعدية، وأشار إلى أنه يلزم بتركها الاعادة لو عامدا كالفتحة لما في التبيين والدرر، لان الفاتحة وإن كانت آكد للاختلاف في ركنيتها إلا أنه يظهر في الاثم لا في وجوب الاعادة كما قدمناه في أول بحث الواجبات.
قوله: (سورة) أشار إلى أن الافضل قراءة سورة واحدة، ففي جامع الفتاوى: روى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: لا أحب أن يقرأ سورتين بعد الفاتحة في المكتوبات، ولو فعل لا يكره، وفي النوافل لا بأس به.
قوله: (إلا بالمسنون) وهو القراءة من طوال المفصل في الفجر والظهر، وأوساطه في العصر والعشاء، وقصاره في المغرب ط.
قوله: (وأمن) هو سنة للحديث الآتي المتفق عليه كما في شرح المنية وغيره.
واتفقوا على أنه ليس من القرآن كما في البحر: قوله: (بمد) هي أشهرها وأفصحها وقصر وهي مشهورة، ومعناه استجب ط.
قوله: (وإمالة) أي في المد لعدم تأتيها في القصر ح، وحقيقة الامالة أن ينحى بالفتحة نحو الكسرة فتميل الالف كان بعدها ألف نحو الياء.
أشموني.
قوله: (ولا تفسد إلخ) أشار به إلى أن الكلام في نفي الفساد(1/530)
حاشية رد المحتار - ابن عابدين ج 2
حاشية رد المحتار
ابن عابدين ج 2(2/)
حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بإبن عابدين ويليه تكملة إبن عابدين لنجل المؤلف طبعة جديدة منقحة مصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات الجزء الثاني دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(2/1)
جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر 1415 ه / 1995 م دار الفكر بيروت - لبنان دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فكس - تلكس: 41391 فكر ص.
ب 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962 فاكس: 2124187875 - 001(2/2)
باب الوتر والنوافل الوتر بفتح الواو وكسرها: ضد الشفع.
والنوافل جمع نافلة، والنفل في اللغة: الزيادة.
وفي الشريعة: زيادة عبادة شرعت لنا لا علينا ط.
قوله: (كل سنة نافلة) قدمنا قبل هذا الباب في آخر المكروهات تقسيم السنة إلى مؤكدة وغيرها، وبسطنا ذلك أيضا في سنن الوضوء، والكل يسمى نافلة، لانه زيادة على الفرض لتكميله، ومراده الاعتذار عن ترك التصريح بالسنن في الترجمة، مع أن الباب معقود لبيانها أيضا.
قوله: (ولا عكس) أي لغويا، لان الفقيه بمعزل عن النظر إلى القواعد المنطقية، فالمراد: وليس كل نافلة سنة، فإن كل صلاة لم تطلب بعينها نافلة، وليست بسنة، بخلاف ما طلبت بعينها كصلاة الليل والضحى مثلا، فافهم.
قوله: (هو فرض عملا) أي يفترض عمله: أي فعله، بمعنى أنه يعامل معاملة الفرائض في العمل، فيأثم بتركه ويفوت الجواز بفوته، ويجب ترتيبه وقضاؤه، ونحو ذلك، فقوله: عملا تمييز محول عن الفاعل.
مطلب في الفرض العلمي والعملي والواجب واعلم أن الفرض نوعان: فرض عملا وعلما، وفرض عملا فقط.
فالاول كالصلوات الخمس، فإنها فرض من جهة العمل، لا يحل تركها ويفوت الجواز بفوتها، بمعنى أنه لو ترك واحدة منها لا يصح فعل ما بعدها قبل قضاء المتروكة.
وفرض من جهة العلم والاعتقاد، بمعنى أنه يفترض عليه اعتقادها حتى يكفر بإنكارها.
والثاني كالوتر فإنه فرض عملا، كما ذكرناه وليس بفرض علما: أي لا يفترض اعتقاده، حتى أنه لا يكفر منكره لظنية دليله وشبهة الاختلاف فيه، ولذا يسمى واجبا، ونظيره مسح ربع الرأس، فإن الدليل القطعي أفاد أصل المسح.
وأما كونه قدر الربع فإنه ظني، لكنه قام عند المجتهد ما رجح دليله الظني حتى صار قريبا من القطعي فسماه فرضا: أي عمليا، بمعنى أنه يلزم عمله، حتى لو تركه ومسح شعرة مثلا يفوت الجواز به وليس فرضا علما، حتى لو أنكره لا يكفر، بخلاف ما لو أنكر أصل المسح.
وبه علم أن الواجب نوعان أيضا، لانه كما يطلق على هذا الفرض الغير القطعي، يطلق على ما هو دونه في العلم وفوق السنة، وهو ما لا يفوت الجواز بفوته، كقراءة الفاتحة، وقنوت الوتر، وتكبيرات العيدين، وأكثر الواجبات من كل ما يجبر بسجو السهو.
وقد يطلق الواجب أيضا على
الفرض القطعي كما قدمناه عن التلويح في بحث فرائض الوضوء، فراجعه.
قوله: (وواجب اعتقادا)(2/3)
أي يجب اعتقاده، وظاهر كلامهم أنه يجب اعتقاد وجوبه، إذ لو لم يجب عليه اعتقاد وجوبه لما أمكن إيجا ب فعله، لانه لا يجب فعل ما لا يعتقده واجبا، ولذا أشكل قولهما بسنيته ووجوب قضائه، كما يأتي.
ويدل عليه أيضا قول الاصوليين في الواجب: إن حكمه اللزوم عملا لا علما على اليقين، فقولهم على اليقين يفيد أن حكمه اللزوم عملا وعلما على الظن، فيلزمه أن يعلم ظنيته: أي أنه واجب وإلا لغا قولهم على اليقين، وحينئذ فيشكل قول الزيلعي إن اعتقاد الوجوب ليس بواجب على الحنفي إلا أن يجاب بأن المراد ليس بفرض، حتى لو لم يعتقد وجوبه لا يكفر، لان الوجوب يطلق بمعنى الفرض أيضا كما مر، فليتأمل.
قوله: (وسنة ثبوتا) أي ثبوته علم من جهة السنة لا القرآن، وهي قوله (ص) الوتر حق، فمن لم يوتر فليس مني، قاله ثلاثا رواه أبو داود والحاكم وصححه، وقوله (ص) أوترا قبل أن تصبحوا رواه مسلم، والامر للوجوب، وتمامه في شرح المنية.
قوله: (بين الروايات) أي الثلاث المروية عن أبي حنيفة، فإنه روي عنه أنه فرض، وأنه واجب، وأنه سنة، والتوفيق أولى من التفريق، فرجع الكل إلى الوجوب الي مشى عليه في الكنز وغيره.
قال في البحر: وهو آخر أقوال الامام، وهو الصحيح.
محيط، والاصح.
خانية، وهو الظاهر من مذهبه.
مبسوط ا ه.
ثم قال: وأما عندهما فسنة عملا واعتقادا ودليلا، لكنها آكد سائر السنن المؤقتة.
قوله: (وعليه الخ) أي على ما ذكر من التوفيق، فإنه لو حملت رواية الفرض على ظاهرها لزم إكفار جاحده، ولو حملت رواية الواجب على ظاهرها، وهو كون المراد بالواجب ما يتبادر منه، وهو ما لا يفوت الجواز بفوته، ولا يعامل معاملة الفرض، لزم أن لا يفسد الفجر بتذكره ولا عكسه، ولو حملت رواية السنة على ظاهرها لزم أن لا يقضي، وأن يصح قاعدا وراكبا، ففي تفريع المصنف لف ونشر مرتب، فافهم.
قوله: (فلا يكفر جاحده) أي جاحدأصل الوتر اتفاقا، لان عدم الاكفار لازم السنية والوجوب، كما صرح به في فتح القدير ح.
قلت: والمراد الجحود مع رسوخ الادب، كأن يكون لشبهة دليل أو نوع تأويل، فلا ينافيه ما
يأتي من أنه لو ترك السنن فإن رآها حقا أثم، وإلا كفر، لانهم عللوه بأنه ترك استخفافا، كما عزاه في البحر إلى التجنيس والنوازل والمحيط، ولقوله في شرح المنية: ولا يكفر جاحده إلا إن استخف، ولم يره حقا على المعنى الذي مر في السنن ا ه.
وأراد بما مر، هو أن يقول: هذا فعل النبي (ص) وأنا لا أفعله.
مطلب في منكر الوتر والسنن أو الاجماع ثم اعلم أنه قال في الاشباه: ويكفر بإنكار أصل الوتر والاضحية ا ه.
ومثله في القنية.
ومفهومه أن المراد هنا جحود وجوبه، ويؤيده تعليل الزيلعي بثبوته بخبر الواحد، فإن الثابت بخبر الواحد وجوبه لا أصل مشروعيته، بل هي ثابتة بإجماع الامة، ومعلومة من الدين ضرورة.
وقد صرح بعض المحققين من الشافعية بأن من أنكر مشروعية السنن الراتبة أو صلاة العيدين يكفر لانها معلومة من الدين بالضرورة، وسيأتي في سنن الفجر أنه يخشى الكفر على منكرها.
قلت: ولعل المراد الانكار بنوع تأويل، وإلا فلا خلاف في مشروعيتها.
وقد صرح في التحرير في باب الاجماع بأن منكر حكم الاجماع القطعي يكفى عند الحنفية وطائفة.
وقالت طائفة:(2/4)
لا، وصرح أيضا بأن ما كان من ضروريات الدين، وهو ما يعرف الخواص والعوام أنه من الدين كوجوب اعتقاد التوحيد والرسالة والصلوات الخمس وأخواتها، يكفر منكره، وما لا فلا، كفساد الحج بالوطئ قبل الوقوف، وإعطاء السدس الجدة ونحوه: أي مما لا يعرف كونه من الدين إلا الخواص.
ولا شبحة أن ما نحن فيه من مشروعية الوتر ونحوه يعلم الخواص والعوام أنها من الدين بالضرورة، فينبغي الجزم بتكفير منكرها ما لم يكن عن تأويل، بخلاف تركها، فإنه إن كان عن استخفاف كما مر يكفر، وإلا بأن يكون كسلا أو فسقا بلا استخفاف فلا.
هذا ما ظهر لي، والله أعلم.
قوله: (مفسد له) أي للفجر والفجر غير قيد، بل هو مثال.
قوله: (كعكسه) وهو تذكر الفرض فيه.
قوله: (بشرطه) وهو عدم ضيق الوقت وعدم صيرورتها ستا، وأما عدم النسيان فلا يصح هنا، لان فرض المسألة فيما إذا تذكره في الفجر، أو تذكر الفجر فيه.
رحمتي فافهم.
قوله:
(خلافا لهما) فلا يحكمان بالفساد لانه سنة عندهما ط.
قوله: ولكنه يقضي) لا وجه للاستدراك على قول الامام، وإنما أتى به نظرا إلى قوله: اتفاقا بعد حكايته الخلاف فيما قبله: أي أنه يقضي وجوبا اتفاقا، أما عنده فظاهر، وأما عندهما وهو ظاهر الرواية عنهما، فلقوله عليه الصلاة والسلام من نام عن وتر أو نسيه فليصله إذا ذكره كما في البحر عن المحيط.
واستشكله في الفتح والنهر بأن وجوب القضاء فرع وجوب الاداء.
وأجاب في البحر بما ذكر عن المحيط.
قلت: ولا يخفى ما فيه، فإن دلالة الحديث على وجوب القضاء مما يقوي الاشكال، إلا أن يجاب بأنهما لما ثبت عندهما دليل السنية قالا به.
ولما ثبت دليل القضاء قالا به أيضا اتباعا للنص، وإن خالف القياس.
قوله: (ولا يصح الخ) لان الواجبات لا تصح على الراحلة بلا عذر.
وعندهما وإن كان سنة، لكن صح عن النبي (ص) أنه كان يتنفل على راحلته من غير عذر في الليل، وإذا بلغ الوتر نزل فيوتر على الارض بحر عن المحيط.
والقعود كالركوب.
قوله: (اتفاقا) راجع للمسائل الثلاث ح.
وإنما الخلاف في خمس: في تذكره في الفرض، وعكسه، وفي قضائه بعد طلوع الفجر، وصلاة العصر، وإعادته بفساد العشاء.
خزائن: أي فإنه على القول بسنيته لا يلزم فساد الفرض ولا فساده بالتذكر، ولا يقضي في الوقتين المذكورين، ويعاد لو ظهر فساد العشاء دونه.
قوله: (كالمغرب) أفاد به أن القعدة الاولى فيه واجبة، وأنه لا يصلى فيها على النبي (ص) ط.
قوله: (حتى لو نسي) تفريع على قوله كالمغرب ولو كان كالنفل لعاد قبل أن يقيد ما قام إليه بالسجود، لان كل ركعتين من النفل صلاة على حدة ط.
قوله: (لا يعود) أي إذا استتم قائما لاشتغاله بفرض القيام.
قوله: (كما سيجئ) أي في باب سجود السهو، لكنه رجح هناك عدم الفساد، ونقل عن البحر أنه الحق.
قوله: (ولكنه) استدراك على ما يتوهم من قوله: كالمغرب من أنه لا يقرأ السورة في ثالثته.
قوله: (احتياطا) أي لان الواجب تردد بين السنة والفرض، فبالنظر إلى الاول تجب القراءة في(2/5)
جميعه، وبالنظر إلى الثاني لا، فتجب احتياطا.
شرح المنية.
قوله: (والسنة السور الثلاث) أي *
(الاعلى) * * (والكافرون) * و * (الاخلاص) * لكن في النهاية أن التعيين على الدوام يفضي إلى اعتقاد بعض الناس أنه واجب، وهو لا يجوز، فلو قرأ بما ورد به الآثار أحيانا بلا مواظبة يكون حسنا.
بحر.
وهل ذلك في حق الامام فقط أو إذا رأى ذلك حتما لا يجوز غيره؟ قدمنا الكلام فيه قبيل باب الامامة.
قوله: (وزيادة المعوذتين الخ) أي في الثالثة بعد سورة الاخلاص.
قال في البحر عن الحلية: وما وقع في السنن وغيرها من زيادة المعوذتين، أنكرها الامام أحمد وابن معين، ولم يخترها أكثر أهل العلم كما ذكره الترمذي ا ه.
قوله: (ويكبر) أي وجوبا، وفيه قولان كما مر في الواجبات، وقدمنا هناك عن البحر أنه ينبغي ترجيح عدمه.
قوله: (رافعا يديه) أي سنة إلى حذاء أذنيه كتكبيرة الاحرام، وهذا كما في الامداد عن مجمع الروايات لو في الوقت، أما في القضاء عند الناس فلا يرفع حتى لا يطلع أحد على تقصيره ا ه.
قوله: (كما مر) أي في فصل إذا أراد الشروع في الصلاة عند قوله: ولا يسن رفع اليدين إلا في سبع.
قوله: (ثم يعتمد) أي يضع يمينه على يساره كما في حالة القراءة ح.
قوله: (وقيل كالداعي) أي عن أبي يوسف أنه يرفعهما إلى صدره وبطونهما إلى السماء.
إمداد.
والظاهر أنه يبقيهما كذلك إلى تمام الدعاء على هذه الرواية.
تأمل.
قوله: (وقنت فيه) أي في الوتر أو الضمير إلى ما قبل الركوع.
واختلف المشايخ في حقيقة القنو ت الذي هو واجب عنده، فنقل، في المجتبى أنه طول القيام دون الدعاء، وفي الفتاوى الصغرى العكس، وينبغي تصحيحه.
بحر.
قال في المغرب: وهو المشهور، وقولهم دعاء القنوت: إضافة بيان ا ه.
ومثله في الامداد.
ثم القنوت واجب عنده سنة عندهما، كالخلاف في الوتر كما في البحر والبدائع، لكن ظاهر ما في غرر الافكار عدم الخلاف في وجوبه عندنا، فإنه قال: القنوت: عندنا واجب.
وعند مالك: مستحب.
وعند الشافعي: من الابعاض.
وعند أحمد: سنة.
تأمل.
قوله: (ويسن الدعاء المشهور) قدمنا في بحث الواجبات التصريح بذلك عن النهر.
وذكر في البحر عن الكرخي أن القنوت ليس فيه دعاء مؤقت، لانه روي عن الصحابة أدعية مختلفة، ولان المؤقت من الدعاء يذهب برقة القلب.
وذكر الاسبيجابي أنه ظاهر الرواية.
وقال بعضهم: المراد ليس في دعاء مؤقت ما سوى: اللهم إنا نستعينك وقال بعضهم:
الافضل التوقيت، ورجحه في شرح المنية، تبركا بالمأثور ا ه.
والظاهر أن القول الثاني والثالث متحدان، وحاصلهما تقييد ظاهر الرواية بغير المأثور كما يفيده قول الزيلعي.
وقال في المحيط والذخيرة: يعني من غير قوله: اللهم إنا نستعينك الخ، واللهم اهدنا الخ ا ه.
فلفظ يعني بيان لمراد، محمد في ظاهر الرواية، فلا يكون هذا القول خارجا عنها، ولذا قال في شرح المنية: والصحيح أن عدم التوقيت فيما عدا المأثور، لان الصحابة اتفقوا عليه، ولانه ربما يجري على اللسان ما يشبه كلام الناس إذا لم يؤقت.
ثم ذكر اختلاف الالفاظ الواردة في اللهم إنا نستعينك الخ.
ثم ذكر أن الاولى أن يضم إليه: اللهم اهدني الخ، وأن ما عدا هذين فلا توقيت فيه، ومنه ما عن ابن عمر أنه كان يقول: بعد عذابك الجد بالكفار ملحق: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم.(2/6)
اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك.
اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين ومنه ما أخرجه الاربعة وحسنه الترمذي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بكمنك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك وغير ذلك من الادعية التلا تشبه كلام الناس.
ومن لا يحسن القنوت يقول: * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة * الآية.
وقال أبو الليث يقول: اللهم اغفر لي، يكررها ثلاثا، وقيل يقول: يا رب ثلاثا، ذكره في الذخيرة ا ه.
أقول: هذا يفيد أن ما في البحر من قوله: ذكر الكرخي أن مقدار القيام في القنوت مقدار سورة * (إذا السماء انشقت) * وكذا ذكر في الاصل ا ه.
بيان للافضل، أو هو مبني على القول بأن القنوت الواجب هو طول القيام، لا الدعاء.
تأمل.
هذا، وذكر في الحلية أن ما مر من أنه (ص) كان يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك الخ.
جاء في بعض روايات النسائي أنه كان يقوله إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه.
قوله: (وصح الجد) قال في الحلية: والجد في إن عذابك الجد ثابت في رواية الطحاوي.
وفي البحر أنه ثابت في مراسيل أبي داود، وبه اندفع قول الشمني في شرح النقاية: إنه لا يقوله.
قوله: (وملحق بمعنى لاحق) مبتدأ، وخبر وهو بكسر الحاء، هذا هو المشهور.
ونص غير واحد على أنه الاصح، ويقال بفتحها، ذكره ابن قتيبة وغيره، ونص الجوهري على أنه صواب.
كذا في الحلية.
قلت: بل في القاموس الفتح أحسن، أو الصواب.
تأمل.
قوله: (بمعنى لاحق) أي أنه من ألحق المزيد بمعنى لحق المجرد.
وفي الشربلالية أنه المطرزي صحح أن المراد ملحق الفساق بالكفار، الاول أولى احترازا عن الاضمار، وتمامه فيها.
قلت: ولعل ما صححه المطرزي، وهو صاحب المغرب تلميذ الزمخشري وشيخ صاحب القنية بناه على مذهبهم الفاسد: مذهب ب الاعتزال، من أن عصاة المؤمنين مخلدون في النار كالكفار.
قوله: (كأنه لانه كلمة مهملة) كذا في البحر، لكن فيه أنه ورد في صفة البراق له جناحان يحفذ بهما أي يستعين على السير ط.
قول: (على الاصح) كذا في المحيط.
وفي الهداية أنه المختار، ومقابله ما في الذخيرة، واستحسنوا الجهر في بلاد العجم للامام ليتعلموا.
وفصل بعضهم بين أن يعلمه القوم، فالافضل للامم الاخفاء، وإلا فالجهر ا ه.
قلت ت: هذا التفصيل لا يخرج عما قبله.
وفي المنية: من اختار الجهر اختاره دون القراءة.
قوله: (ولو إماما) قال في الخزائن: إماما كان أو مؤتما أو منفردا، أداء أو قضاء، في رمضان أو غيره.
قوله: (لحديث الخ) أفاد أن المخافتة ليست واجبة ط.
قوله: (ففي غيره أولى) وجه الاولوية أن النية متحدة في الفر ض والنفل، بخلاف الوتر، فهي فيه مختلفة ط: أي لان إمامه ينويه سنة.
قوله: (إلم يتحقق الخ) فلو رآه احتجم ثم غاب فالاصح أنه يصح الاقتداء به، لانه يجوز أن يتوضأ(2/7)
احتياطا، وحسن الظن به أولى.
بحر عن الزاهدي.
قوله: (كما بسطه في البحر) حيث ذكر أن الحاصل أنه أن علم الاحتياط منه في مذهبنا فلا كراهة في الاقتداء به، وإن علم عدمه فلا صحة، وإن لم يعلم شيئا كره.
مطلب: الاقتداء بالشافعي ثم قال: ظاهر الهداية أن الاعتبار لاعتقاد المقتدي ولا اعتبار لاعتقاد الامام، حتى لو اقتدى بشافعي رآه مس امرأة ولم يتوضأ فالاكثر على الجواز، وهو الاصح كما في الفتح وغيره.
وقال الهندواني وجماعة: لا يجوز، ورجحه في النهاية بأنه أقيس، لان الامام ليس بمصل في زعمه وهو الاصل فلا يصح الاقتداء به.
ورد بأن المعتبر في حق المقتدي رأي نفسه لا غيره، وأنه ينبغي حمل حال الامام على التقليد، لئلا تلزم الحرمة بصلاته بلا طهارة في زعمه إن قصد ذلك ا ه.
قال في النهر: وعلى قول الهندواني يصح الاقتداء وإن لم يحتط ا ه.
وظاهره الجواز، وإن ترك بعض الشروط عندنا، لكن ذكر العلامة نوح أفندي أن اعتبار رأى المقتدي في الجواز وعدمه متفق عليه، وإنما الخلاف المار في اعتبار رأي الامام أيضا، فالحنفي إذا رأى في ثوب إمام شافعي منيا لا يجوز اقتدائه به اتفاقا، وإن رأى نجاسة قليلة جاز عند الجمهور، لا عند البعض، لانها مانعة على رأي الامام، والمعتبر رأيهما اه.
وفيه نظر يظهر قريبا.
هذا، وقد بسطنا بقية أبحاث الاقتداء بالمخالف في باب الامامة.
قوله: (بشفايع مثلا) دخل فيه من يعتقد قول الصاحبين، وكذا كل من يقول بسنيته.
قوله: (على الاصح فيهما) أي في جواز أصل الاقتداء فيه بشافعي وفي اشتراط عدم فصله، خلافا لما في الارشاد، من أنه لا يجوز أصلا بإجماع أصحابنا، لانه اقتداء المفترض بالمتنفل، وخلافا لما قاله الرازي من أنه يصح وإن فصله ويصلي معه بقية الوتر، لان إمامه يخرج بسلامه عنده وهو مجتهد فيه، كما لو اقتدى بإمام قد رعف.
قلت: ومعنى كونه لم يخرج بسلامه: أن سلامه لم يفسد وتره، لان ما بعده يحسب من الوتر، فكأنه لم يخرج منه، وهذا بناء على قول الهندواني بقرينة قوله: كما لو اقتدى الخ ومقتضاه أن المعتبر رأي الامام فقط، وهذا يخالف ما قدمناه آنفا عن نوح أفندي.
قوله: (للاتحاد الخ) علة الصحة الاقتداء.
ورد على ما مر عن الارشاد بما نقله أصحاب الفتاوى عن ابن الفضل أنه يصح الاقتداء، لان كلا يحتاج إلى نية الوتر، فأهدر اختلاف الاعتقاد في صفة الصلاة، واعتبر مجرد اتحاد النية ا ه.
واستشكله في الفتح بأنه اقتداء المفترض بالمتنفل وإن لم يخطر بخاطره عند النية صفة السنية
أو غيرها، بل مجرد الوتر كما هو ظاهر إطلاق التجنيس لتقرر النفلية في اعتقاده.
ورده في البحر بما صرح به في التجنيس أيضا من أن الامام إن نوى الوتر وهو يراه سنة جاز الاقتداء، كمن صلى الظهر خلف من يرى أن الركوع سنة، وإن نواه بنية التطوع لا يصح الاقتداء لانه يصير اقتداء المفترض بالمتنفل ا ه.
ولم يذكر الشارح تعليل اشتراط عدم الفصل بسلام، اكتفاء بما أشار إليه قبله من أن الاصح اعتبار اعتقاد المقتدي، والسلام قاطع في اعتقاده، فيفسد اقتداؤه وإن صح شروعه معه، إذ لا مانع منه في الابتداء كما أفاده ح.
قوله: (ولذا ينوي) أي لاجل الاختلاف المفهوم من قوله:(2/8)
وإن اختلف الاعتقاد ط.
قوله: (لا الوتر الواجب) الذي ينبغي أن يفهم من قولهم: إنه لا ينوي، أنه واجب أنه يلزمه تعيين الوجوب لا منعه من ذلك، لانه إن كان حنفيا ينبغي أن ينويه ليطاب اعتقاده، وإن كان غيره فلا تضره تلك النية.
بحر.
قوله: (للاختلاف) أي في الوجوب والسنية، وهو علة للعيدين فقط، وعلة الوتر قدمها بقوله: ولذا لو حذ ف هذا ما ضر لفهمه من الكاف ط.
قوله: (ويأتي المأموم الخ) هذا من المسائل الخمس الآتية التي يفعلها المؤتم إن فعلها الامام، وما مشى عليه المصنف تبعا للكنز هو المختار كما في البحر عن المحيط.
وعبارة المحيط كما في الحلية: قال أبو يوسف: يسن أن يقرأ المقتدي أيضا، وهو المختار، لانه دعاء كسائر الادعية.
وقال محمد: لا يقرأ بل يؤمن لان له شبهة القرآن احتياطا ا ه.
وهو صريح في أنه سنة للمقتدي لا واجب، إلا أن يكون مبنيا على ما مر عن البحر من أن القنوت سنة عندهما.
قوله: (ولو بشافعي الخ) أي ويقنت بدعاء الاستعانة لا دعاء الهداية الذي يدعو به إمامه، لان المتابعة في مطلق القنوت لا في خصوص الدعاء كما حرره الشيخ أبو السعود عن الشيخ عبد الحي وإن توقف فيه في الشرنبلالية.
قوله: (لانه مجتهد فيه) قدمنا معنى هذا عند قوله في آخر واجبات الصلاة ومتابعة الامام يعني في المجتهد فيه لا في المقطوع بنسخه أو بعدم سنيته كقنوت فجر ا ه.
وقدمنا هنا ك من أمثلة المجتهد فيه سجدتا السهو قبل السلام، وما زاد على الثلاث في تكبيرا ت العيد وقنوت الوتر بعد الركوع.
والظاهر أن المراد من وجوب المتابعة في قنو ت الوتر بعد الركوع المتابعة في القيام فيه لا في
الدعاء إن قلنا إنه سنة للمقتدي واجب.
قوله: (لانه منسوخ) فصار كما لو كبر خمسا في الجنازة حيث لا يتابعه في الخامسة.
بحر.
قوله: (بل يقف) وقيل يقعد، وقيل يطيل الركوع، وقيل يسجد إلى أن يدركه فيه.
شرنبلالية.
قوله: (مرسلا يديه) لان الوضع سنة قيام طويل فيه مسنون، وهذا الذكر ليس بمسنون عندنا.
تنبيه: قال في الهداية: دلت المسألة على جواز الاقتداء بالشافعية، وإذا علم المقتدي منه ما يزعم به فساد صلاته كالفصد وغيره لا يجزيه انتهى.
ووجه دلالتها أنه لو لم يصح الاقتداء لم يصح اختلاف علمائنا في أنه يسكت أو يتابعه.
بحر.
قوله: (لفوات محله) لانه لم يشرع إلا في محض القيام، فلا يتعدى إلى ما هو قيام من وجه دون وجه وهو الركوع.
وأما تكبيرة العيد فإنه إذا تذكرها فيه يأتي بها فيه لانها لم تختص بمحض القيام، لان تكبيرة الركوع يؤتى بها في حال الانحطاط، وهي محسوبة من تكبيرات العيد بإجماع الصحابة، فإذا جاز واحدة منها في غير محض القيام من غير عذر جازء أداء الباقي مع قيام العذر بالاولى.
بحر.
أقول: وهو مأخوذ من الحلية، وأصله في البدائع، لكن ما ذكره من أنه يأتي بتكبيرات العيد في الركوع وإن صرح به في البدائع والذخيرة وغيرهما مخالف لما صرح به صاحب البدائع نفسه في فصل العيد من أن الامام لو تذكر في ركوع الركعة الاولى أنه لم يكبر، فإنه يعود ويكبر وينتقض ركوعه ولا يعيد القراءة، بخلاف المقدي لو أدرك الامام في الركوع وخاف فوت الركعة فإنه يركع ويكبر فيه.
والفرق أن محل التكبيرات في الاصل القيام المحض، ولكن ألحقنا الركوع بالقيام في(2/9)
حق المقتدي لضرورة وجوب المتابعة ا ه.
فانظر إلى ما بين الكلامين من التدافع، وعلى ما ذكره في البدائع ثانيا مشى في شرح المنية.
ثم فرق بين التكبير حيث يرفض الركوع لاجله وبين القنوت بكون تكبير العيد مجمعا عليه دون القنوت.
وأقول: قد صرح في الحلية من باب صلاة العيد، بأن ما في البدائع ثانيا رواية النوادر، وأن ظاهر الرواية أنه لا يكبر ويمضي في صلاته، وصرح بذلك في البحر أيضا هناك، وعليه فلا إشكال
أصلا، إذ لا فرق بينه وبين القنوت فافهم، والله أعلم.
قوله: (ولا يعود إلى القيام) إن قلت: هو وإن لم يقنت فقد حصل القيام برفع رأسه من الركوع.
قلنا: هذه قومة لا قيام، فيكون عدم العود إلى القيام كناية عن عدم القنوت بعد الركوع، لان القيام لازم والقنوت ملزوم، فأطلق اللازم لينتقل منه إلى الملزوم ح.
قوله: (لان فيه رفض الفرض للواجب) يعني وهو مبطل للصلاة على قول، وموجب للاساءة على قول آخر.
والحق الثاني كما يأتي في باب سجود السهو ح.
قوله: (لكون ركوعه بعد قراءة تامة) أي فلم ينتقض ركوعه، بخلاف ما لو تذكر الفاتحة أو السورة حيث يعود وينتقض ركوعه، لان بعوده صارت قراءة الكل فرضا، والترتيب بين القراءة والركوع فرض فارتفض ركوعه، فلو لم يركع بطلت، ولو ركع وأدركه رجل في الركوع الثاني كان مدركا لتلك الركعة.
بحر ملخصا: أي لان الركوع الثاني هو المعتبر لارتفاض الاول بالعودة إلى القراءة، بخلاف العود إلى القنوت، حتى لو عاد وقنت ثم ركع فاقتدى به رجل لم يدرك الركعة، لان هذا الركوع لغو، وما نقله ح عن البحر وتبعه ط فيه اختصار مخل، فافهم.
وقدمنا في فصل القراءة بيان كون القراءة تقع فرضا بالعود، فراجعه.
فرع: ترك السورة دون الفاتحة وقنت ثم تذكر يعود ويقرأ السورة ويعيد القنوت والركوع.
معراج وخانية وغيرهما.
قوله، (لزواله عن محله) تعليل لما فهم قبله من الصور الاربع، وهي ما لو قنت في الركوع أو بعد الرفع منه وأعاد الركوع أولا، وما إذا لم يقنت أصلا كما حققه ح.
قوله: (قطعه وتابعه) لان المراد بالقنوت هنا الدعاء الصادق على القليل والكثير، وما أتى به منه كاف في سقوط الواجب، وتكميله مندوب والمتابعة واجبة فيترك المندوب للواجب.
رحمتي.
قوله: (ولو لم يقرأ الخ) أي لو ركع الامام ولم يقرأ المقتدي شيئا من القنوت إن خاف فوت الركوع يركع، وإلا يقنت ثم يركع.
خانية وغيرها.
وهل المراد ما يسمى قنوتا أو خصوص الدعاء؟ المشهور والظاهر الاول.
قوله: (بخلاف التشهد) أي فإن الامام لو سلم أو قام للثالثة قبل إتمام المؤتم التشهد فإنه لا يتابعه، بل يتمه لوجوبه كمقدمه في فصل الشروع في الصلاة.
قوله: (لان المخالفة الخ) هذا التعليل عليل لاقتضائه فرضية المتابعة المذكورة، وقدمنا عن شرح المنية أن متابعة الامام في
الفرائض والواجبات من غير تأخير واجبة ما لم يعارضها واجب فلا يفوته بل يأتي به ثم يتابعه، بخلاف ما إذا عارضها سنة لان ترك السنة أولى من تأخير الواجب، وهذا موافق لما قدمناه آنفا،(2/10)
وحينئذ فوجه الفرق بين القنوت والتشهد هو أن قراءة المقتدي القنوت سنة كما قدمنا التصريح به عن المحيط، والمتابعة في الركوع واجبة، فإذا خاف فوتها يترك السنة للواجب.
وأما التشهد فإتمامه واجب، لان بعض التشهد ليس بتشهد فيتمه وإن فاتت المتابعة في القيام أو السلام، لانه عارضها واجب تأكد بالتلبس به قبلها فلا يفوته لاجلها وإن كانت واجبة.
وقد صرح في الظهيرية بأن المقتدي يتم التشهد إذا قام الامام إلى الثالثة وإن خا ف أن تفوته معه.
وإذا قلنا: إن قراءة القنوت للمقتدي واجبة، فإن كان قرأ بعضه حصل المقصود به، لان بعض القنوت قنوت، وإلا فلم يتأكد وتترجح المتابعة في الركوع للاختلاف في أن المقتدي هل يقرأ القنوت أم يسكت، فافهم.
قوله: (في ثانيته أو ثالثته) وكذا لو شك أنه في الاولى أو الثانية أو الثالثة.
بحر.
قوله: (كرره مع القعود) أي فيقنت ويقعد في الركعة التي حصل فيها الشك لاحتمال أنها الثالثة، ثم يفعل كذلك في التي بعدها لاحتمال أنها هي الثالثة وتلك كانت ثانية.
قوله: (في الاصح) وقيل لا يقنت في الكل، لان القنوت في الركعة الاولى أو الثانية بدعة.
ووجه الاول أن القنوت واجب، وما التردد بين الواجب والبدعة يأتي به احتياطا.
بحر عن المحيط.
قوله: (ورجح الحلبي تكراره لهما) حيث قال: إلا أن هذا الفرق غير مفيد، إذ لا عبرة بالظن الذي ظهر خطؤه، وإذا كان الشاك يعيد لاحتمال أن الواجب لم يقع في موضعه فكيف لا يعيد الساهي بعد ما تيقن ذلك؟ وقد صرح في الخلاصة، عن الصدر الشهيد بأن الساهي يقنت ثانيا، فإن كان ما مر رواية فهي غير موافقة للدراية ا ه.
قلت: وكذا رجحه في الحلية والبحر بنحو ما مر.
قوله: (فيقنت مع إمامه فقط) لانه آخر صلاته، وما يقضيه أولها حكما في حق القراءة وما أشبهها وهو القنوت، وإذا وقع قنوته في موضعه بيقين لا يكرر، لان تكراره غير مشروع.
شرح المنية.
قوله: (ولا يقنت لغيره) أي غير الوتر وهذا نفي لقول الشافعي رحمه الله إنه يقنت للفجر.
مطلب في القنوت للنازلة قوله: (إلا لنازلة) قال في الصحاح: النازلة: الشديدة من شدائد الدهر، ولا شك أن الطاعون من أشد النوازل.
أشباه.
قوله: (فيقنت الامام في الجهرية) يوافقه ما في البحر والشرنبلالية عن شرح النقاية عن الغاية: وإن نزل بالمسلمين نازلة قنت الامام في صلاة الجهر، وهو قول الثوري وأحمد ا ه.
وكذا ما في شرح الشيخ إسماعيل عن البنانية: إذا وقعت نازلة قنت الامام في الصلاة الجهرية، لكن في الاشباه عن الغاية: قنت في صلاة الفجر، ويؤيده ما في شرح المنية حيث قال بعد كلام: فتكون شرعيته: أي شرعية القنوت في النوازل مستمرة، وهو محمل قنوت من قنت من الصحابة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وهو مذهبنا وعليه الجمهور.
وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي: إنما لا يقنت عندنا في صلاة الفجر من غير بلية، فإن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به، فعله رسول الله (ص)، وأما القنوت في الصلوات كلها للنوازل فلم يقل به إلا الشافعي، وكأنهم حملوا(2/11)
ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قنت في الظهر والعشاء كما في مسلم، وأنه قنت في المغرب أيضا كما في البخاري على النسخ لعدم ورود المواظبة والتكرار الواردين في الفجر عنه عليه الصلاة والسلام ا ه.
وهو صريح في أن قنوت النازلة عندنا مختص بصلاة الفجر دون غيرها من الصلوات الجهرية أو السرية.
ومفاده أن قولهم بأن القنوت في الفجر منسوخ معناه: نسخ عموم الحكم لا نسخ أصله، كما نبه عليه نوح أفندي، وظاهر تقييدهم بالامام أنه لا يقنت المنفرد، وهل المقتدي مثله أم لا؟ وهل القنوت هنا قبل الركوع أم بعده؟ لم أره.
والذي يظهر لي أن المقتدي يتابع إمامه، إلا إذا جهر فيؤمن وأنه يقنت بعد الركوع لا قبله بدليل أن ما استدل به الشافعي على قنوت الفجر، وفيه التصريح بالقنوت بعد الركوع حمله علماؤنا على القنوت للنازلة، ثم رأيت الشرنبلالي في مراقي الفلاح صرح بأنه بعده، واستظهر الحموي أنه قبله، والاظهر ما قلناه والله أعلم.
قوله: (وقيل في الكل) قد علمت أن هذا لم يقل به إلا الشافعي، وعزاه في البحر إلى جمهور أهل الحديث، فكان ينبغي عزوه إليهم لئلا يوهم أنه قول في
المذهب.
قوله: (خمس يتبع فيها الامام) أي يفعلها المؤتم إن فعلها الامام وإلا فلا، خ.
قال في شرح المنية: والاصل في هذا النوع وجوب متابعة الامام في الواجبات فعلا وكذا تركا، إن كانت فعلية أو قولية يلزم من فعلها المخالفة في الفعل ا ه.
قوله،: (قنوت) يخالفه ما في الفتح والظهيرية والفيض ونور الايضاح، من أنه لو ترك الامام القنوت يأتي به المؤتم إن أمكنه مشاركة الامام في الركوع وإلا تابعة، وقد أعاد في الفتح ذكر هذا الفرع قبيل قضاء الفوائت، ثم أعقبه بما ذكره الشارح هنا معزيا إلى نظم الزندويستي.
والذي يظهر التفصيل، لان فيه إحراز الفضيلتين.
تأمل.
قوله: (وقعود أول) الظاهر أنه ينتظر إمامه إلى أن يصير إلى القيام أقرب لاحتمال عوده قبله ثم يتابعه، لان الامام إذا عاد حينئذ تفسد صلاته على أحد القولين، ويأثم على القول الآخر، وليس للمقتدي أن يقعد ثم يتابعه لانه يكون فاعلا ما يحرم على الامام فعله ومخالفا له في عمل فعلي، بخلاف ما إذا قام الامام قبل فراغ المقتدي من التشهد فإنه يتمه ثم يتابعه، لان في إتمامه متابعة لامامه فيما فعله الامام، فافهم.
قوله: (وتكبير عيد) أي إذا لم يأت به الامام في القيام أو في الركوع لا يأتي به المؤتم، فافهم.
وبحث في شرح المنية أنه ينبغي أنه يأتي به المؤتم في الركوع لانه مشروع فيه، ولانه لا يكون مخالفا لامامه في واجب فعلي.
ثم أجاب بأنه إنما شرع في الركوع للمسبوق تحصيلا لمتابعة الامام فيما أتى به، أماهنا ففيه تحصيل لمخالفته.
قال: وهذا في تكبيرات الركعة الثانية، وأما تكبيرات الاولى ففي الاتيان بها ترك الاستماع والانصات.
قوله: (وأربعة لا يتبع) أي إذا فعلها الامام لا يتبعه فيها القوم.
والاصل في هذا النوع أنه ليس له أن يتابعه في البدعة والمنسوخ، وما لا تعلق له بالصلاة.
شرح المنية.
قوله: (زيادة تكبير عيد) أي إذا زاد على أقوال الصحابة في تكبيرات العيد وكان المقتدي يسمع التكبير منه، بخلاف ما إذا كان يسمعه من المؤذن لاحتمال أن الغلط منه.
شرح المنية.
قوله: (أو جنازة) أي بأن زاد على أربع تكبيرات.
قوله: (وسكن) كزيادة سجدة ثالثة.
قوله: (وقيام لخامسة) داخل تحت قوله: وركن تأمل.
قال في شرح المنية: ثم في القيام إلى(2/12)
الخامسة إن كان قعد على الرابعة ينتظره المقتدي قاعدا، فإن سلم من غير إعادة التشهد سلم
المقتدي معه، وإن قيد الخامس بسجدة سلم المقتدي وحده، وإن كان لم يقعد على الرابعة، فإن عاد تابعه المقتدي، وإن قيد الخامسة فسدت صلاتهم جميعا، ولا ينفع المقتدي تشهده وسلامه وحده ا ه.
قوله: (وثماني تفعل مطلقا) أي فعلها الامام أو لا.
والاصل في هذا النوع عدم وجوب المتابعة في السنن فعلا فكذا تركا، وكذا الواجب القولي الذي لا يلزم من فعله المخالفة في واجب فعلي كالتشهد وتكبير التشريق، بخلاف القنوت وتكبيرات العيدين، إذ يلزم من فعلهما المخالفة في الفعلي، وهو القيام مع ركوع الامام.
شرح المنية.
قوله: (الرفع) أي رفع اليدين للتحريمة.
قوله: (والثناء) أي فيأتي به ما دام الامام في الفاتحة، وإن كان في السورة، فكذا عند أبي يوسف خلافا لمحمد، وقد عرف أنه إذا أدركه في جهر القراءة لا يثني، كذا في الفتح: أي بخلاف حالة السر كما مشى عليه المصنف في فصل الشروع في الصلاة، وقدمنا هناك تصحيحه وأن عليه الفتوى، فافهم.
قوله: (وتكبير انتقال) أي إلى ركوع أو سجود أو رفع منه.
قوله: (وتسميع) أي إذا تركه الامام لا يترك المؤتم التحميد.
قوله: (وتسبيح) أي في الركوع والسجود فيأتي به المؤتم ما دام الامام فيهما.
قوله: (وتشهد) أي إذا قعد الامام ولم يقرأ التشهد يقرؤه المؤتم، أما لو ترك الامام القعدة الاولى فإنه يتابعه كما مر.
قوله: (وسلام) أي إذا تكلم الامام أو خرج من المسجد يسلم المؤتم، أما إذا أحدث عمدا أو قهقه فإن المؤتم لا يسلم لفساد الجزء الاخير من صلاتهما ط.
مطلب في السنن والنوافل قوله: (وسن مؤكدا) أي استنانا مؤكدا، بمعنى أنه طلب طلبا مؤكدا زيادة على بقية النوافل، ولهذا كانت السنة المؤكدة قريبة من الواجب في لحوق الاثم كما في البحر، ويستوجب تاركها التضليل واللوم كما في التحرير: أي على سبيل الاصرار بلا عذر كما في شرحه، وقدمنا بقية الكلام على ذلك في سنن الوضوء.
قوله: (بتسليمة) لما عن عائشة رضي الله عنها كان النبي (ص) يصلي قبل الظهر أربعا، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ثنتين، وبعد العشاء ركعتين وقبل الفجر ركعتين رواه مسلم وأبو داود وابن حنبل.
وعن أبي أيوب كان يصلي النبي (ص) بعد الزوال أربع ركعات، فقلت: ما هذه الصلاة التي تداوم عليها؟ فقال: هذه ساعة تفتح أبواب السماء فيها، فأجب أن يصعد
لي فيها عمل صالح، فقلت: أفي كلهن قراءة؟ قال: نعم، فقلت: بتسليمة واحدة أو بتسليمتين؟ فقال: بتسليمة واحدة رواه الطحاوي وأبو داود والترمذي وابن ماجة من غير فصل بين الجمعة والظهر، فيكون سنة كل واحدة منهما أربعا.
وروى ابن ماجة بإسناده عن ابن عباس كان النبي (ص) يركع قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شئ منهن وعن أبي هريرة أنه (ص) قال: من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا رواه مسلم.
زيلعي.
زاد في الامداد: ولقوله (ص) إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعا، فإن عجل بك شئ فصل ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت رواه الجماعة إلا البخاري.
قوله: (لم تنب عن السنة) ظاهره أن سنة الجمعة كذلك، وينبغي تقييده بعدم العذر(2/13)
للحديث المذكور آنفا، كذا بحثه في الشرنبلالية، وسنذكر ما يؤيده بعد نحو ورقتين.
قوله: (ولذا) أي لعدم الاعتدا بتسليمتين لما يكون بتسليمة.
قوله: (لو نذرها) أي الاربع لا بقيد كونها سنة.
وعبارة الدرر: ولهذا لو نذر أن يصلي أربعا بتسليمة فصلى أربعا بتسليمتين لا يخرج عن النذر، وبالعكس يخرج، كذا في الكافي ا ه.
وأسقط الشارح قوله: بتسليمة إشارة إلى أنه غير قيد كما يظهر مما يأتي عند قول المصنف وقضى ركعتين لو نوى أربعا الخ.
قوله: (لجبر النقصان) أي ليقوم في الآخرة مقام ما ترك منها لعذر كنسيان، وعليه يحمل الخبر الصحيح أن فريضة الصلاة والزكاة وغيرهما إذا لم تتم تكمل بالتطوع، وأوله البيهقي بأن الكمل بالتطوع هو ما نقص من سنتها المطلوبة فيها: أي فلا يقوم مقام الفرض للحديث الصحيح صلاة لم يتمها زيد عليها من سبحتها حتى تتم فجعل التتميم من السبحة: أي النافلة لفريضة صليت ناقصة لا لمتروكة من أصلها.
وظاهر كلام الغزالي الاحتساب مطلقا، وجرى عليه ابن العربي وغيره، لحديث أحمد الظاهر في ذلك ا ه.
من تحفة ابن حجر ملخصا.
وذكر نحوه في الضياء عن السراج، وسيذكر في الباب الآتي أنها في حقه (ص) لزيادة الدرجات.
قوله: (لقطع طمع الشيطان) بأن يقول: إنه لم يترك ما ليس بفرض فكيف يترك ما هو فرض؟ ط.
قوله: (ويستحب أربع قبل العصر) لم يجعل للعصر سنة راتبة لانه لم يذكر في حديث عائشة المار.
بحر.
قال في الامداد: وخير محمد بن الحسن والقدوري المصلي بين أن
يصلي أربعا أو ركعتين قبل العصر لاختلاف الآثار.
قوله: (وإن شاء ركعتين) كذا عبر في منية المصلي.
وفي الامداد عن الاختيار: يستحب أن يصلي قبل العشاء أربعا، وقيل ركعتين، وبعدها أربعا، وقيل ركعتين ا ه.
والظاهر أن الركعتين المذكورتين غير المؤكدتين.
قوله: (حرمه الله على النار) فلا يدخلها أصلا، وذنوبه تكفر عنه، وتبعاته يرضي الله تعالى عنه خصماءه فيها.
ويحتمل أن عدم دخوله بسبب توفيقه لما لا يترتب عليه عقاب ط.
أو هو بشارة بأنه يختم له بالسعادة فلا يدخل النار.
قوله: (من الاوابين) جمع أواب: أي رجاع إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار.
قوله (بتسليمة أو ثنتين أو ثلاث) جزم بالاول في الدرر وبالثاني في الغزنوية وبالثالث في التجنيس، كما في الامداد، لكن الذي في الغزنوية مثل ما في التجنيس، وكذا في شرح درر البحار.
وأفاد الخير الرملي في وجه ذلك أنها لما زادت عن الاربع وكان جمعها بتسليمة واحدة خلاف الافضل، لما تقرر أن الافضل رباع عند أبي حنيفة، ولو سلم على رأس الاربع لزم أن يسلم في الشفع الثالث على رأس الركعتين، فيكون فيه مخالفة من هذه الحيثية، فكان المستحب فيه ثلاث تسليمات ليكون على نسق واحد.
قال: هذا ما ظهر لي، ولم أره لغيري.
قوله: (الاول أدوم وأشق) لما فيه من زيادة حبس النفس بالقباء على تحريمة واحدة، وعطف أشق عطف لازم على ملزوم.
وفي كلامه إشارة إلى اختيار الاول، وقد علمت ما فيه.
قوله: (وهل تحسب المؤكدة) أي في الاربع بعد الظهر وبعد العشاء والست بعد المغرب.
بحر.
قوله: (اختار الكمال) نعم ذكر الكمال في فتح القدير أنه(2/14)
وقع اختلاف بين أهل عصره في أن الاربع المستحبة هل هي أربع مستقلة غير ركعتي الراتبة أو أربع بهما؟ وعلى الثاني هتؤدى معهما بتسليمة واحدة أو لا، فقال جماعة: لا، واختار هو أنه إذا صلى أربعا بتسليمة أو تسليمتين وقع عن السنة والمندوب، وحقق ذلك بما لا مزيد عليه، وأقره في شرح المنية والبحر والنهر.
قوله: (وحرر إباحة ركعتين الخ) فإنه ذكر أنه ذهبت طائفة إلى ندب فعلهما، وأنه أنكره كثير من السلف وأصحابنا ومالك.
واستدل لذلك بما حقه أن يكتب بسواد الاحداق، ثم قال: والثابت بعد هذا هو نفي المندوبية، أما ثبوت الكراهة فلا، إلا أن يدل دليل آخر، وما ذكر من
استلزام تأخير المغرب فقد قدمنا عن القنية استثناء القليل، والركعتان لا يزيد على القليل إذا تجوز فيهما ا ه.
وقدمنا في مواقيت الصلاة بعض الكلام على ذلك.
قوله: (آكدها سنة الفجر) لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها لم يكن النبي (ص) على شئ من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر وفي مسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها وفي أبي داود لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل بحر.
قوله: (في الاصح) استحسنه في الفتح فقال: ثم اختلف في الافضل بعد ركعتي الفجر.
قال الحلواني: ركعتا المغرب فإنه (ص) لم يدعهما سفرا ولا حضرا، ثم التي بعد الظهر لانها سنة متفق عليها، بخلاف التي قبلها، لانها قيل هي للفصل بين الاذان والاقامة، ثم التي بعد العشاء، ثم التي قبل الظهر، ثم التي قبل العصر، ثم التي قبل العشاء.
وقيل التي بعد العشاء وقبل الظهر وبعده وبعد المغرب كلها سواء.
وقيل التي قبل الظهر آكد، وصححه الحسن، وقد أحسن، لان نقل المواظبة الصريحة عليها أقوى من نقل مواظبته (ص) على غيرها من غير ركعتي الفجر ا ه.
قوله: (لحديث الخ) قال في البحر: وهكذا صححه في العناية والنهاية، لان فيها وعيدا معروفا: قال عليه الصلاة والسلام من ترك أربعا قبل الظهر لم تنله شفاعتي ا ه.
قال ط: ولعله للتنفير عن الترك، أو شفاعته الخاصة بزيادة الدرجات.
وأما الشفاعة العظمى فعامة لجميع المخلوقات.
قوله: (وقيل بوجوبها) وهو ظاهر النهاية وغيرها خزائن.
قلت: وإليه يميل كلام البحر حيث قال: وقد ذكروا ما يدل على وجوبها، ثم ساق المسائل التي فرعها المنصف، ووفق بينه وبين ما في أكثر الكتب من أنها سنة مؤكدة بأن المؤكدة بمعنى الواجب.
وأجاب عما ينافيه وكتبناه فيما علقناه عليه ما فيه.
قوله: (اتفاقا) أما على القول بالوجوب فظاهر.
وأما على القول بالسنية فمراعاة للقول بالوجوب ولآكديتها ط.
هذا: وقد ذكر في البحر الاتفاق عن الخلاصة وأقره لكن نازع فيه في الامداد جازما بأن الجواز على القول بالسنية، وأن عدمه إنما هو على القول بالوجوب، واستند في ذلك إلى ما في الزيلعي والبرهان من التصريح ببناء ذلك على الخلاف.
ثم قال: ولا يخفى ما في حكاية الاجماع على عدم الجواز، وليس الاجماع إلا على تأكدها ا ه.
لكن يخالفه ما نذكره قريبا عن الخانية من الفرق بينهما وبين التراويح،
في أنها لا تصح قاعدا لانها سنة مؤكدة بلا خلاف.
تأمل.
قوله: (على الاصح) عزاه المصنف في المنح إلى باب التراويح من الخانية.(2/15)
أقول: والذي في الخانية هناك: لو صلى التراويح قاعدا، قيل لا يجوز بلا عذر، لما روى الحسن عن أبي حنيفة: لو صلى سنة الفجر قاعدا بلا عذر لا يجوز، فكذا التراويح، لان كلا منهما سنة مؤكدة وقيل يجوز، وهو الصحيح.
والفرق أن سنة الفجر سنة مؤكدة بلا خلاف، والتراويح دونها في التأكد، فلا يجوز التسوية بينهما ا ه.
فأنت ترى أنه إنما صحح جواز التراويح قاعدا لا عدم جواز الفجر، نعم مقتضى كلامه تسليم عدم الجواز في سنة الفجر، فتأمل.
قوله: (فله تركها الخ) الظاهر أن معناه أنه يتركها وقت اشتغاله بالافتاء لاجل حاجة الناس المجتمعين عليه، وينبغي أنه يصليها إذا فرغ في الوقت.
وظاهر التفرقة بين سنة الفجر وغيرها أنه ليس له ترك صلاة الجماعة، لانها من الشعائر، فهي آكد من سنة الفجر، ولذا يتركها لو خاف فوت الجماعة، وأفاد ط أنه ينبغي أن يكون القاضي وطالب العلم كذلك لا سيما المدرس، أقول: في المدرس نظر، بخلاف الطالب إذا خاف فوت الدرس أو بعضه.
تأمل.
قوله: (ويخشى الكفر على منكرها) أي منكر مشروعيتها إن كان إنكاره لشبهة أو تأويل دليل، وإلا فينبغي الجزم بكفره لانكاره مجمعا عليه معلوما من الدين بالضرورة كما قدمناه أول الباب.
قوله: (وتقضى) أي إلى قبيل الزوال، وقوله: معه تنازعه قوله: تقضى وفاتت فلا تقضى إلا معه حيث فات وقتها، أما إذا فاتت وحدها فلا تقضى، ولا تقضى قبل الطلوع ولا بعد الزوال ولو تبعا على الصحيح.
أفاده ح وسينبه عليه المصنف في الباب الآتي.
قوله: (تجنيس) فيه أنه في التجنيس صحح في المسألة الاولى الاجزاء معللا بأن السنة تطوع فتتأدى بنية التطوع، وصحح في الثانية عدمه معللا بأن السنة ما واظب عليها النبي (ص)، ومواظبته كانت بتحريمة مبتدأة، نعم عكس صاحب الخلاصة فصحح عدم الاجزاء في الاولى والاجزاء في الثانية ولا يخفى ما فيه، فإنه إذا أجزأت الثانية يلزم إجزاء الاولى بالاولى، ولذا قال في النهر: وترجيح التجنيس في المسألتين أوجه.
مطلب في لفظة ثمان قوله: (وعلى ثمان) كيمان: عدد وليس بنسب، أو في الاصل منسو ب إلى الثمن، لانه الجزء الذي صير السبعة ثمانية فهو ثمنها، ثم فتحوا أولها لانهم يغيرون في النسب وحذفوا منها إحدى ياءي النسب وعوضوا منها الالف، كما فعلو في المنسوب إلى اليمن، فثبتت ياؤه عند الاضافة كما تثبت ياء القاضي، فتقول: ثماني نسوة وثمانمائة، وتسقط مع التنوين عند الرفع أو الجر، وتثبت عند النصب.
قاموس.
قوله (لانه لم يرد) أي لم يرد عنه (ص) أنه زاد على ذلك.
والاصل فيه التوقيف كما في فتح القدير: أي فما لم يوقف على دليل المشروعية لا يحل فعله بل يكره: أي اتفاقا كما في منية المصلي، أي من أئمتنا الثلاثة، نعم وقع الاختلاف بين المشايخ المتأخرين في الزيادة على(2/16)
الثمانية ليلا، فقال بعضهم: لا يكره وإليه ذهب شمس الائمة السرخسي وصححه في الخلاصة.
وصحح في البدائع الكراهة، قال: وعليه عامة المشايخ، وتمامه في الحلية والبحر.
قوله: (والافضل فيهما) أي في صلاتي الليل والنهار الرباع.
وعبارة الكنز: رباع بدون أل، وهو الاظهر لانه غير منصرف للوصفية والعدل عن أربع أربع: أي ركعات رباع: أي كل أربع بتسليمة.
قوله: (قيل وبه يفتى) عزاه في المعراج إلى العيون.
قال في النهر: ورده الشيخ قاسم بما استدل به المشايخ للامام من حديث الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله (ص) لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا وكانت التراويح ثنتين تخفيفا، وحديث صلاة الليل مثنى مثنى يحتمل أن يراد به شفع لا وتر، وترجحت الاربع بزيادة منفصلة لما أنها أكثر مشقة على النفس، وقد قال (ص) إنما أجرك على قدر نصبك ا ه بزيادة، وتمام الكلام على ذلك في شرح المنية وغيره.
قوله: (ولا يصلي الخ) أقول: قال في البحر في باب صفة الصلاة: إن ما ذكر مسلم فيما قبل الظهر، لما صرحوا به من أنه لا تبطل شفعة الشفيع بالانتقال إلى الشفع الثاني منها، ولو أفسدها قضى أربعا، والاربع قبل الجمعة بمنزلتها.
وأما الاربع بعد الجمعة فغير مسلم فإنها كغيرها
من السنن، فإنهم لم يثبتوا لها تلك الاحكام المذكورة ا ه.
ومثله في الحلية.
وهذا مؤيد لما بحثه الشرنبلالي من جوازها بتسليمتين لعذر.
قوله: (ولو نذرا) نص عليه في القنية، ووجهه أنه نفل عرض عليه الافتراض أو الوجوب.
أفاده ط.
قوله: (لان كل شفع صلاة) قدمنا بيان ذلك في أول بحث الواجبات، والمراد من بعض الاوجه كما يأتي قريبا.
قوله: (وقيل لا الخ) قال في البحر: ولا يخفى ما فيه، والظاهر الاول.
زاد في المنح: ومن ثم عولنا عليه وحكينا ما في القنية بقيل.
مطلب: قولهم كل شفع من النفل صلاة ليس مطردا تنبيه: بقي في المسألة قول ثالث جزم به في منية المصلي في باب صفة الصلاة حيث قال: أما إذا كانت سنة أو نفلا فيبتدئ كما ابتدأ في الركعة الاولى: يعني يأتي بالثناء والتعوذ، لان كل شفع صلاعلى حدة ا ه.
لكن قال شارحها: الاصح أنه لا يصلي ولا يستفتح في سنة الظهر والجمع، وكون كل شفع صلاة على حدة ليس مطردا في كل الاحكام، ولذا لو ترك القعدة الاولى لا تفسد، خلافا لمحمد، ولو سجد للسهو على رأس شفع لا يبني عليه شفعا آخر لئلا يبطل السجود بوقوعه في وسط الصلاة، فقد صرحوا بصيرورة الكل صلاة واحدة حيث حكموا بوقوع السجود وسطا، فيقال هنا أيضا: لا يصلي ولا يستفتح ولا يتعوذ لوقوعه في وسط الصلاة، لان الاصل كون الكل صلاة واحدة للاتصال واتحاد التحريمة، ومسألة الاستفتاح ونحوه ليست مروية عن(2/17)
المتقدمين وإنما هي اختيار بعض المتأخرين، نعم اعتبروا كون كل شفع صلاة على حدة في حق القراءة احتياطا، وكذا في عدم لزوم الشفع الثاني قبل القيام إليه لتردده بين اللزوم وعدمه فلا يلزم بالشك ولذا يقطع على رأس الشفع إذا أقيمت الصلاة أو خرج الخطيب، وكذا في بطلان الشفعة وخيار المخيرة بالشروع في الشفع الآخر، لان كلا من الشفعة والخيار متردد بين الثبوت وعدمه فلا يثبت بالشك، وكذا في عدم سريان الفساد من شفع إلى شفع، إذ لا يحكم بالفساد مع الشك ا ه ملخصا.
لكن قوله وكذا في بطلان الشفعة وخيار المخيرة غير صحيح، لما علمت مما قدمناه آنفا
عن البحر والحلية من أنهما لا يبطلان بالانتقال إلى الشفع الثاني، وقد صرح نفسه بذلك في مواقيت الصلاة، وعلمت أيضا أن ذلك إنما ذكروه في سنة الظهر ولم يثبتوه للاربع التي بعد الجمعة.
قوله: (ورجحه في البحر) حيث جزم بتعارض الادلة، كحديث مسلم عليك بكثرة السجود وحديث أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وحديث مسلم أيضا أفضل الصلاة طول القنوت أي طول القيا كما هو رواية أحمد وأبي داود، ثم قال: والذي ظهر للعبد الضعيف أن كثرة الركوع والسجود أفضل، لان القيام إنما شرع وسيلة إليهما، ولذا سقط عمن عجز عنهما، ولا تكون الوسيلة أفضل من المقصود، ولانه وإن لزم فيه كثرة القراءة لكنها ركن زائد، بل اختلف في أصل ركنيتها.
وأجمعوا على ركنية الركوع والسجود وأصالتهما، ولتخلف القيام عن القراءة فيما بعد ركعتي الفرض ا ه.
ملخصا.
قوله: (من ثلاثة أوجه) الاول أن القيام وإن كان وسيلة إلا أن أفضلية طوله لكثرة القراءة فيه، وهي وإن بلغت كل القرآن تقع فرضا بخلاف التسبيحات.
الثاني أن كون القراءة ركنا زائدا مما لا أثر له في الفضيلة.
الثالث أن موضوع المسألة النفل، وفيه تجب القراءة في كله ا ه ملخصا.
قلت: وأما تعارض الادلة، فيجاب عنه بأن المراد بالسجود الصلاة.
وأقوى دليل أيضا على أفضلية طول القيام أنه (ص) كان يقوم الليل إلا قليلا، وكان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة كما مر في حديث عائشة.
قوله: (ونقل عن المعراج الخ) اعترض على البحر أيضا حيث قال: اختلف النقل عن محمد في هذه المسألة فنقل الطحاوي عنه في شرح الآثار أن طول القيام أحب.
ونقل في المجتبى عنه العكس.
ونقل عن أبي يوسف أنه فصل فقال: إذا كان له ورد من الليل بقراءة من القرآن فالافضل أن يكثر عدد الركعات، وإلا فطول القيام أفضل لان القيام في الاول لا يختلف ويضم إليه زيادة الركوع والسجود ا ه.
ووجه الاعترا ض أن مقتضى كلامه أنه لا قول في هذه المسألة لامام المذهب، بل القولان فيهما لمحمد أقول: ويظهر لي أن رواية أبي يوسف محمل هذين القولين.
تأمل.
قوله: (وصححه في البدائع) وعبارته.
قال أصحابنا: طول القيام أفضل.
وقال الشافعي: كثرة الصلاة أفضل، والصحيح
قولنا.
ثم قال: وروي عن أبي يوسف أنه قال: إلى آخر ما مر، وظاهر كلامه أن هذا قول أئمتنا الثلاثة حيث لم يتعرض إلا لخلاف الشافعي، ويؤيده ما مر عن الطحاوي.
قوله: (قلت الخ) تأييد لما(2/18)
في المعراج، وأمر بالتنبه إشارة إلى ما على المصنف من الاعتراض، حيث تابع شيخه صاحب صاحب البحر، وعدل عما عليه المتون الذي هو قول الامام المصحح، بل هو قول الكل كما مر، ولذا قال الخير الرملي: أقول: كيف يخالف الجهابذة تبعا لشيخه ويجعله متنا، والمتون موضوعة لنقل المذهب؟ ا ه.
والحاصل أن المذهب المعتمد أن طول القيام أحب، ومعناه كما في شرح المنية أنه إذا أراد شغل حصة معينة من الزمان بصلاة فإطالة القيام مع تقليل عدد الركعات أفضل من عكسه، فصلاة ركعتين مثلا في تلك الحصة أفضل من صلاة أربع فيها، وهكذا القياس.
قوله: (وهل الخ) البحث لصاحب النهر.
والذي يظهر أن كثرة ركوعه وسجوده أفضل، لان أفضلية القيام إنما كانت باعتبار القراءة ولا قراءة له ا ه.
ح عن بعض الهوامش.
وخالفه الرحمتي بأن الاخرس قارئ حكما وله ثواب القارئ، كما هو الحكم فيمن قصد عبادة وعجز عنها، مع أن الطريقة أن العلة إذا وجدت في بعض الصور تطرد في باقيها.
تأمل.
مطلب في تحية المسجد قوله: (ويسن تحية) كتب الشارح في هامش خزائن أن هذا رد على صاحب الخلاصة حيث ذكر أنها مستحبة.
قوله: (رب المسجد) أفاد أنه على حذف مضاف، لان المقصود منها التقرب إلى الله تعالى لا إلى المسجد، لان الانسا إذا دخل بيت الملك يحيي الملك لا بيته - بحر عن الحلية - ثم قال: وقد حكي الاجماع على سنيتها، غير أن أصحابنا يكرهونها في الاوقات المكروهة تقديما لعمو الحاظر على عموم المبيح ا ه.
قوله: (وهي ركعتان) في القهستاني: وركعتان أو أربع، وهي أفضل لتحية المسجد إلا إذا دخل فيه بعد الفجر أو العصر، فإنه يسبح ويهلل ويصلي على النبي (ص)، فإنه حينئذ يؤدي حق المسجد، كما إذا دخل للمكتوبة فإنه غير مأمور بها حينئذ كما في التمرتاشي ا ه.
قوله: (وأداء الفرض أو غيره الخ) قال في النهر: وينوب عنها كل صلاة صلاها عند
الدخول فرضا كانت أو سنة.
وفي البناية معزيا إلى مختصر المحيط أن دخوله بنية الفرض أو الاقتداء ينوب عنها، وإنما يؤمر بها إذا دخله لغير الصلاة ا ه كلام النهر.
والحاصل أن المطلوب من داخل المسجد أن يصلي فيه ليكون ذلك تحية لربه تعالى: والظاهر أن دخوله بنية صلاة الفرض لامام أو منفرد أو بنية الاقتداء ينوب عنها إذا صلى عقب دخوله، وإلا لزم فعلها بعد الجلوس، وهو خلاف الاولى كما يأتي، فلو كان دخوله بنية الفرض مثلا لكن بعد زمان يؤمر بها قبل جلوسه، كما لو كان دخوللغير صلاة كدرس أو ذكر.
وبما قررناه علم أن ما نقله في النهر عن البناية لا يخالف ما قبله، غايته أنه عبر عن الصلاة بنيتها، بناء على ما هو الغالب من أن من دخل لاجل الصلاة يصلي، وليس معناه أن النية المذكورة تكفيه عن التحية وإن لم يصل كما يوهمه ظاهر العبارة كما أفاده ح، والله أعلم.
قوله: (ينوب عنها بلانية) قال في الحلية: لو اشتغل داخل المسجد بالفريضة غير ناو للتحية قامت تلك الفريضة مقام تحية المسجد لحصول تعظيم المسجد، كما في البدائع وغيره.
فلو نوى التحية مع الفرض فظاهر ما في المحيط وغيره أنه يصح عندهما.
وعند محمد لا يكون داخلا في الصلاة، فإنهم قالوا: لو نوى(2/19)
الدخول في الظهر والتطوع يجوز عن الفر ض عند أبي يوسف.
ورواه الحسن عن أبي حنيفة.
وعند محمد: لا يكون داخلا لان الفر ض مع النفل في الصلاة جنسان مختلفان لا رجحان لاحدهما على الآخر في التحريمة.
فمتى نواهما تعارضت النيتان فلغتا.
ولابي يوسف أن الفرض أقوى فتندفع نية الادنى كمن نوى حجة الاسلام والتطوع ا ه ملخصا.
ومثله في البحر.
أقول: الذي يظهر لي أن هذا الخلاف لا يجري في مسألتنا، لان الفريضة إذا قامت مقام التحية وحصل المقصود بها لم تبق التحية مطلوبة، لان المقصود تعظيم المسجد بأي صلاة كانت، ولا يؤمر بتحية مستقلة إلا إذا دخل لغير لصلاة كما مر، وحينئذ فإذا نواها مع الفريضة يكون قد نوى ما تضمنته الفريضة وسقط بها، فلم يكن ناويا جنسا آخر على قول محمد، بخلاف ما إذا نوى فرض الظهر وسنته مثلا، فليتأمل.
بل لقائل أن يقول: إن الاولى أن ينويها بذلك الفرض ليحصل له
ثوابها: أي ينوي بإيقاع الفرض في المسجد تحية الله تعالى أو تعظيم بيته، لان سقوطها به وعدم طلبها لا يستلزم الثواب بلا قصدها.
ثم رأيت المحقق ابن حجر من الشافعية كتب عند قول المنهاج: وتحصل بفرض أو نفل آخر ما نصه: وإن لم ينوها معه.
لانه لم ينتهك حرمة المسجد المقصودة: أي يسقط طلبها بذلك، أما حصول ثوابها فالوجه توقفه على النية، لحديث إنما الاعمال بالنيات وزعم أن الشارع أقام فعل غيرها مقام فعلها فيحصل، أي الثواب وإن لم ينو بعيد وإن قيل إن كلام المجموع يقتضيه، ولو نوى عدمها لم يحصل شئ من ذلك اتفاقا كما هو ظاهر أخذا مما بحثه بعضهم في سنة الطواف، وإنما ضرت نية ظهر وسنة مثلا، لانها مقصودة لذاتها بخلاف التحية ا ه.
وقوله: وإنما ضرت الخ، هو عين ما بحثته أولا أيضا ولله الحمد، فإن ما قاله لا يخالف قواعد مذهبنا.
قوله: (وتكفيه لكل يوم مرة) أي إذا تكرر دخوله لعذر.
وظاهر إطلاقه أنه مخير بين أن يؤديها في أول المرات أو آخرها ط.
قوله: (ولا تسقط بالجلوس عندنا) فإنهم قالوا في الحاكم إذا دخل المسجد للحكم: إن شاء صلى التحية عند دخوله أو عند خروجه لحصول المقصود كما في الغاية.
وأما حديث الصحيحين إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين فهو بيان للاولى، لحديث ابن حبان في صحيحه يا أبا ذر للمسجد تحية، وإن تحيته ركعتان، فقم فاركعها وتمامه في الحلية.
قوله: (وفي الضياء الخ) عبارته وقال بعضهم: من دخل المسجد ولم يتمكن من تحية المسجد إما لحدث أو لشغل أو نحوه يستحب له أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر قاله أبو طالب المكي في قوت القلوب ا ه.
وقدمنا نحوه عن القهستاني.
خاتمة: يستثنى من المساجد المسجد الحرام بالنسبة إلى أول دخول الآفاقي المحرم، فإن تحيته الطواف، وفيه تأمل، كذا في الحلية، ولعل وجه التأمل إطلاق المسجد في الحديث المار.
وفي النهر: واتفقوا على أن الامام لو كان يصلي المكتوبة أو أخذ المؤذن في الاقامة أنه(2/20)
يتركها، وأنه يقدم الطوا ف عليها، بخلاف السلام على النبي (ص) ا ه.
قلت: لكن في لباب المناسك وشرحلمنلا علي القاري: ولا يشتغل بتحية المسجد، لان تحية المسجد الشريف هي الطواف إن أراده، بخلاف من لم يرده وأراد أن يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد، إلا أن يكون الوقت مكروها ا ه.
وظاهره أنه لا يصلي مريد الطواف للتحية أصلا لا قبله ولا بعده، ولعل وجهه اندراجها في ركعتيه.
قوله: (ولو تكلم الخ) وكذا لو فصل بقراءة الاوراد، لان السنة الفصل بقدر اللهم أنت السلام الخ حتى لو زاد تقع سنة لافي محلها المسنون كما مر قبيل فصل الجهر بالقراءة.
قوله: (وقيل تسقط) أي فيعيدها لو قبلية، ولو كانت بعدية فالظاهر أنها تكون تطوعا، وأنه لا يؤمر بها على هذا القول.
تأمل.
قوله: (وفي الخلاصة الخ) الظاهر أنه استدراك على ما صححه في المتن تبعا للقنية، لان جزم الخلاصة بقوله: أعادها يفيد أنها سقط بقرينة قوله بعده لا تبطل أي لا تبطل كونها سنة، فإنه يفيد أن الاعادة لبطلان كونه سنة وإلالم تصح المقابلة.
تأمل.
قوله: (ولو جئ بطعام الخ) أفاد أن العمل المنافي إنما ينقص ثوابها أو يسقطها لو كان بلا عذر، أما لو حضر الطعام وخاف ذهاب لذته لو اشتغل بالسنة البعدية فإنه يتناوله ثم يصليها، لان ذلك عذر في ترك الجماعة، ففي تأخير السنة أولى إلا إذا خاف فوتها بخروج الوقت فإنه يصليها ثم يأكل، هذا ما ظهر لي قوله: (ولو أخرها الخ) أي بلا عذر بقرينة ما قبله.
قوله: (وقيل تكون) حكى القولين في القنية، ولم يعبر عن هذا الثاني بقيل بل أخره، ولا يلزم من ذلك تضعيفه.
ويظهر لي أنه الاصح، وأن القول الاول مبني على القول بأنها تسقط بالعمل المنافي، وهو ما حكاه الشارح بقيل، إلا أن يدعى تخصيص الخلاف السابق بالسنة القبلية وهذا بالبعدية، لكن يبعده أنه إذا كان الاصح في القبلية أنها لا تسقط مع إمكان تداركها بأن تعاد مقارنة للفرض تكون البعدية كذلك بالاولى لعدم إمكان التدارك، فليتأمل.
قوله: (وقيل لا) يؤيده ما في البحر عن الخلاصة: السنة في ركعتي الفجر قراءة الكافرون والاخلاص، والاتيان بها أول الوقت وفي بيته، وإلا فعلى باب المسجد الخ.
[ مب ] مبحث مهم في الكلام على الضجعة بعد سنن الفجر [ / مب ] وقال في شرح المنية: وهو الذي تدل عليه الاحاديث عن عائشة قالت كان رسول الله (ص) إذا
سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الايمن حتى يأتيه المؤذن للاقامة فيخرج متفق عليه ا ه.
وتمامه فيه.
تنبيه: صرح الشافعية بسنية الفصل بين سنة الفجر وفرضه بهذه الضجعة أخذا من هذا الحديث ونحوه.
وظاهر كلام علمائنا خلافه حيث لم يذكروها، بل رأيت في موطإ الامام محمد رحمه الله(2/21)
تعالى ما نصه: أخبرنا مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر أنه رأى رجلا ركع ركعتي الفجر ثم اضطجع، فقال ابن عمر: ما شأنه؟ فقال نافع قلت: يفصل بين صلاته، فقال ابن عمر: وأي فصل أفضل من السلام؟ قال محمد: وبقول ابن عمر نأخذ، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ا ه.
وقال شارحه المحقق منلا علي القاري: وذلك لان السلام إنما ورد للفصل، وهو لكونه واجبا أفضل من سائر ما يخرج من الصلاة من الفعل والكلام، وهذا لا ينافي ما سبق من أنه عليه الصلاة والسلام كان يضطجع في آخر التهجد، وتارة أخرى بعد ركعتي الفجر في بيته للاستراحة ا ه.
ثم قال: وقال ابن حجر المكي في شرح الشمائل: روى الشيخان أنه (ص) كان إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الايمن فتسن هذه الضجعة بين سنة الفجر وفرضه لذلك، ولامره (ص) كم رواه أبو داود وغيره بسند لا بأس به، خلافا لمن نازع وهو صريح في ندبها لمن بالمسجد وغيره، خلافا لمن خص ندبها بالبيت، وقول ابن عمر: إنها بدعة، وقول النخعي: إنها ضجعة الشيطان، وإنكار ابن مسعود لها فهو لانه لم يبلغهم ذلك.
وقد أفرط ابن حزم في قوله بوجوبها وأنها شرط لصلاة الصبح ا ه.
ولا يخفى بعد عدم البلوغ إلى هؤلاء الاكابر الذين بلغوا المبلغ الاعلى، لا سيما ابن مسعود الملازم له (ص) حضرا وسفرا، وابن عمر المتفحص عن أحواله (ص) في كمال التتبع والاتباع، فالصواب حمل إنكارهم على العلة السابقة من الفصل أو على فعله في المسجد بين أهل الفضل، وليس أمره (ص) على تقدير صحته صريحا ولا تلويحا على فعله بالمسجد، إذ الحديث كما رواه أبو داود والترمذي وابن حبان عن أبي هريرة إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على جنبه الايمن فالمطلق محمول على المقيد.
على أنه لو كان هذا في المسجد شائعا في زمانه (ص) لما كان
يخفى على هؤلاء الاكابر الاعيان ا ه.
وأراد بالمقيد ما مر من قوله: بعد ركعتي الفجر في بيته.
وحاصله أن اضطجاعه عليه الصلاة والسلام إنما كان في بيته للاستراحة لا للتشريع، وإن صحح حديث الامر بها الدال على أن ذلك للتشريع يحمل على طلب ذلك في البيت فقط توفيقا بين الادلة، والله تعالى أعلم.
قوله: (فهو السنة) لان النذر لا يخرجها عن كونها سنة، كما لو شرع فيها ثم قطعها ثم أداها كانت سنة وزادت وصف الوجوب بالقطع.
نهر عن عقد الفرائض.
قوله: (أراد النوافل) في القنية: أداء النفل بعد النذر أفضل من أدائه بدون النذر ا ه.
قال في البحر: ويشكل عليه ما رواه مسلم في صحيحه من النهي عن النذر، هو مرجح لقول من قال لا ينذرها، لكن بعضهم حمل النهي على النذر المعلق على شرط لانه يصير حصول الشرط كالعوض للعبادة، فلم يكن مخلصا.
ووجه من قال بنذرها وإن كانت تصير واجبة بالشروع أن الشروع في النذر يكون واجبا فيحصل له ثواب الواجب به، بخلاف النفل، والاحسن عند العبد الضعيف أن لا ينذرها خروجا عن عهدة النهي بيقين ا ه.
مطلب في الكلام على حديث النهي عن النذر أقول: لفظ حديث النهي كما رواه البخاري أيضا في صحيحه عن ابن عمر نهى النبي (ص) عن النذر وقال: إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل والمتبادر منه إرادة النذر المعلق، كإن شفى الله مريضي فلله علي كذا.
ووجه النهي أنه لم يخلص من شائبة العوض حيث جعل القربة في مقابلة الشفاء ولم تسمح نفسه بها بدون المعلق عليه مع ما فيه من إيهام اعتقاد التأثير للنذر في حصول الشفاء فلذا قال في الحديث إنه لا يرد شيئا الخ فإن هذا الكلام قد وقع موقع التعليل(2/22)
للنهي، بخلاف النذر المنجز فإنه تبرع محض بالقربة لله تعالى، وإلزام للنفس بما عساها لا تفعله بدونه فيكون قربة.
والدليل على أن هذا النذر قرب عندنا ما صرح به في فتح القدير قبيل كتاب الحج: لو ارتد عقيب نذر الاعتكاف ثم أسلم لم يلزمه وجوب النذر، لان نفس النذر بالقربة قربة فيبطل بالردة كسائر القرب ا ه.
والمراد به النذر المنجز لما قلنا.
على أن بعض شراح البخاري حمل النهي في الحديث على من يعتقد أن النذر مؤثر في تحصيل غرضه المعلق عليه.
والظاهر أنه أعم،
لقوله: وإنما يستخرج به من البخيل والله أعلم.
تنبيه: قيد بالنوافل فأفاد أن الافضل في السنن عدم نذرها، ولعل وجهه أن السنن هي ما كان يفعلها (ص) قبل الفرائض أو بعدها، والمطلوب من اتباعه (ص) على الوجه الذي كان يفعلها عليه ولم ينقل أنه كان ينذرها، ولذا قيل بأنها لا تكون هي السنة، فالافضل عدم نذرها، والله أعلم.
قوله: (وإلا كفر) أي بأن استخف فيقول: هي فعل النبي (ص) وأنا لا أفعله.
شرح المنية وغيره.
وهذا في الترك، وأما الانكار فقدمنا الكلام عليه أول الباب قوله: (والافضل في النفل الخ) شمل ما بعد الفريضة وما قبلها، لحديث الصحيحين عليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وأخرج أبو داود صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة وتمامه في شرح المنية، وحيث كان هذا أفضل يراعى ما لم يلزم منه خوف شغل عنها لو ذهب لبيته، أو كان في بيته ما يشغل باله ويقلل خشوعه، فيصليها حينئذ في المسجد، لان اعتبار الخشوع أرجح.
قوله: (غير التراويح) أي لانها تقام بالجماعة ومحلها المسجد، واستثنى في شرح المنية أيضا تحية المسجد، وهو ظاهر.
أقول: ويستثنى أيضا ركعتا الاحرام والطواف، فإن الاولى تصلى في مسجد عند الميقات إن كان كما في اللباب، والثانية عند المقام، وكذا ركعتا القدوم من السفر، بخلاف إنشائه فإنها تصلى في البيت كما يأتي، وكذا المعتكف، وكذا ما يخاف فوتها بالتأخير، وكذا صلاة الكسوف لانها تصلى بجماعة.
مطلب: سنة الوضوء قوله: (وندب ركعتان بعد الوضوء) لحديث مسلم مامن أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة خزائن، ومثل الوضوء الغسل كما نقله ط.(2/23)
عن الشرنبلالي، ويقرأ فيهما الكافرون والاخلاص كما في الضياء، وانظر هل تنوب عنهما صلاة غيرهما كالتحية أم لا؟ ثم رأيت في شرح لباب المناسك أن صلاة ركعتي الاحرام سنة مستقلة كصلاة
استخارة وغيرها مما لا تنوب الفريضة منابها، بخلاف تحية المسجد وشكر الوضوء فإنه ليس لهما صلاة على حدة كما حققه في الحجة ا ه.
مطلب: سنة الضحى قوله: (وند ب أربع الخ) ندبها هو الراجح كما جزم به في الغزنوية والحاوي والشرعة والمفتاح والتبيين وغيرها، وقيل لا تستحب، لما في صحيح البخاري من إنكار ابن عمر لها ا ه إسماعيل.
وبسط الادلة على استحبابها في شرح المنية، ويقرأ فيها سورتي الضحى كما في الشرعة: أي سورة * (والشمس) * (الشمس: 1) وسورة * (والضحى) * (الضحى: 1) وظاهره الاقتصار عليهما، ولو صلاها أكثر من ركعتين.
قوله: (من بعد طلوع) عبارة شرح المنية: من ارتفاع الشمس.
قوله: (ووقتها المختار) أي الذي يختار ويرجح لفعلها، وهذا عزاه في شرح المنية إلى الحاوي وقال: لحديث زيد بن أرقم أن رسول الله (ص) قال: صلاة الاوابين حين ترمض الفصال روا ه مسلم.
وترمض بفتح التاء والميم: أي تبرك من شدة الحر في أخفافها ا ه.
قوله: وفي المنية أقلها ركعتان) نقل الشيخ إسماعيل مثله عن الغزنوي والحاوي والرعة والسمرقندية، وما ذكره المصنف مشى عليه في التبيين والمفتاح والدرر.
ودليل الاول أنه (ص) أوصى أبا هريرة بركعتين كما في صحيح البخاري.
ودليل الثاني أنه (ص) كان يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله رواه مسلم وغيره.
والتوفيق ما أشار إليه بعض المحققين أن الركعتين أقل المراتب والاربع أدنى الكمال.
قوله: (وأكثرها اثنتا عشرة) لما رواه الترمذي والنسائي بسند فيه ضعف أنه (ص) قال: من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا من ذهب في الجنة وقد تقرر أن الحديث الضعيف يجوز العمل به في الفضائل.
شرح المنية.
وقيل أكثرها ثمان، وعزاه في الحلية إلى الامام أحمد، وعزاه بعض الشافعية إلى الاكثرين.
قوله: (كما في الذخائر الاشرفية) اسم كتاب لابن الشحنة مؤلف في الالغاز الفقهية.
قوله: (لثبوته الخ) جواب عما أورد: كيف يكون أوسطها أفضل مع أن الاكثر مشتمل على الاوسط وزيادة وفيه زيادة مشقة؟.
قوله: (كما أفاده ابن حجر الخ) حيث قال ولا يتصور الفرق بين الافضل والاكثر إلا فيمن صلى الاثنتي عشرة بتسليمة واحدة فإنهتقع نفلا مطلقا عند من يقول: إن أكثر سنة الضحى ثمان ركعات،
فأما إذا فصلها فإنه يكون صلى الضحى، وما زاد على الثمان يكون له نفلا مطلقا فتكون صلاة اثنتى عشرة في حقه أفضل من ثمان لكونه أتى بالافضل وزاد ا ه.
أقول: وحاصله أن من قال بأن أكثرها ثماني ركعات لعدم ثبوت الزيادة عنده لو صلاها اثنتي عشرة بتسليمة لم تقع عن سنة الضحى لنيته خلاف المشروع فالافضل عنده صلاتها ثماني ركعات، وأما علقول من يقول أكثرها اثنتا عشرة ركعة لجواز العمل بالضعيف في فضائل الاعمال كما مر(2/24)
تكون هي الافضل، كما لو فصله كل ركعتين أو أربع بتسليمة عند الكل.
وملخصه أن كون الثمانية أفضل مبني على القول بأنها أكثرها لعدم ثبوت الزيادة، وحينئذ فلا يخفى عليك ما في كلام الشارح حيث مشى على أن أكثرها اثنتا عشرة ركعة وجعل أوسطها أفضل.
على أنا لو قلنا إن الثمان هي الاكثر، فتقييد أفضليتها على الاثنتي عشرة بما إذا صلى الاثنتي عشر بتسليمة واحدة لتقع نفلا مطلقا لا يوافق قواعد مذهبنا، بل تقع عما نوى على قواعدنا، كما لو صلى الظهر ست ركعات مثلا وقعد على رأس الرابعة، فإن الركعتين الزائدتين لا تغير ما قبلها عن صفة الفرضية، لصحة البناء على تحريمة الفرض والنفل عندنا، ونية العدد لا تضر ولا تنفع، فإذا صلى الضحى أكثر من ثمان يقع الزائد نفلا مطلقا، لا الكل بلا فرق بين وصلها وفصلها، نعم في وصلها كراهة الزيادة على أربع بتسليمة واحدة الضحى، فلا يظهر حينئذ كون الثمان أفضل.
وقد أجاب بعض الشافعية بأن أفضلية الثمان للاتباع: أي لانها ثابتة بالاحاديث الصحيحة، فيترجح فيها الاتباع للشارع، بخلاف الزيادة لضعف حديثها، لكن يرد عليه أن صلاة الاكثر متضمنة للاوسط الذي فيه الاتباع إلا أن يبنى أيضا على القول بأن الثمان هي الاكثر.
وعلى أنه لو صلاها أكثر بتسليمة تقع نفلا مطلقا، لا عما نوى، أو يقال: معناه أن كل شفع من الثمان أفضل من كل شفع من الزائد لا بالنظر إلى المجموع، فهذا غاية ما تحرر لي هنا، والله أعلم.
مطلب في ركعتي السفر قوله: (ركعتا السفر والقدوم منه) عن مقطم بن المقدام قال: قال رسو الله (ص): ما خلف
أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرارواه الطبراني.
وعن كعب بن مالك كان رسول الله (ص) لا يقدم من السفر إلا نهارا في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه رواه مسلم شرح المنية.
ومفاده اختصاص صلاة ركعتي السفر بالبيت، وركعتي القدوم منه بالمسجد، وبه صرح الشافعية.
مطلب في صلاة الليل قوله: (وصلاة الليل) أقول: هي أفضل من صلاة النهار كما في الجوهرة ونور الايضاح، وقد صرحت الآيات والاحاديث بفضلها والحث عليها.
قال في البحر: فمنها ما في صحيح مسلم مرفوعا أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل وروى الطبراني مرفوعا لا بد من صلاة بليل ولو حلب شاة، وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل وهذا يفيد أن هذه السنة تحصل بالتنفل بعد صلاة العشاء قبل النوم ا ه.
قلت: قد صرح بذلك في الحلية، ثم قال فيها بعد كلام ثم: غير خاف أن صلاة الليل المحثوث عليها هي التهجد.
وقد ذكر القاضي حسين من الشافعية أنه في الاصطلاح التطوع بعد النوم، وأيد بما في معجم الطبراني من حديث الحجاج بن عمرو رضي الله عنه قال: بحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبح أنه قد تهجد، إنما التهجد المرء يصلي الصلاة بعد رقدة غير أن في سنده ابن لهيعة وفيه مقال، لكن الظاهر رجحان حديث الطبراني الاول لانه تشريع قولي من الشارع (ص) بخلاف هذا، وبه ينتفي ما عن أحمد من قوله: قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر ا ه ملخصا.(2/25)
أقول: الظاهر أن حديث الطبراني الاول بيان لكون وقته بعد صلاة العشاء، حتى لو نام ثم تطوع قبلها لا يحصل السنة، فيكون حديث الطبراني الثاني مفسرا للاول، وهو أولى من إثبات التعارض والترجيح لان فيه ترك العمل بأحدهما، ولانه يكون جاريا على الاصطلاح، ولانه المفهوم من إطلاق الآيات والاحاديث، ولان التهجد إزالة النوم بتكلف مثل، تأثم: أي تحفظ عن الاثم نعم
صلاة الليل وقيام الليل أعم من التهجد، وبه يجاب عما أورد على قول الامام أحمد، هذا ما ظهر لي والله أعلم.
تنبيه: ظاهر ما مر أن التهجد لا يحصل إلا بالتطوع، فلو نام بعد صلاة العشاء ثم قام فصلى فوائت لا يسمى تهجدا، وتردفيه بعض الشافعية.
قلت: والظاهر أن تقييده بالتطوع بناء على الغالب وأنه يحصل بأي صلاة كانت، لقوله في الحديث المار وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل ثم اعلم أن ذكره صلاة الليل من المندوبات مشى عليه في الحاوي القدسي، وقتردد المحقق في فتح القدير في كونه سنة أو مندوبا، لان الادلة القولية تفيد الندب، والمواظبة الفعلية تفيد السنية، لانه (ص) إذا واظب على تطوع يصير سنة لكن هذا بناء على أنه كان تطوعا في حقه، وهو قول طائفة.
وقالت طائفة: كان فرضا عليه فلا تفيد مواظبته عليه السنية في حقنا، لكن صريح ما في مسلم وغيره عن عائشة أنه كان فريضة ثم نسخ، هذا خلاصة ما ذكره، ومفاده اعتماد السنية في حقنا، لانه (ص) واظب عليه بعد نسخ الفرضية، ولذا قال في الحية: والاشبه أنه سنة.
قوله: (وأقلها على ما في الجوهرة ثمان) قيد بقوله: على ما في الجوهرة لانه في الحاوي القدسي قال: يصلي ما سهل عليه ولو ركعتين، والسنة فيها ثمان ركعات بأربع تسليمات ا ه.
والتقييد بأربع تسليمات مبني على قول الصاحبين، وأما على قول الامام فلا، كما ذكره في الحلية، وقال فيها أيضا: وهذا بناء على أن أقل تهجده (ص) كان ركعتين، وأن منتهاه كان ثماني ركعات أخذا مما في مبسوط السرخسي، ثم ساق تبعا لشيخه المحقق ابن الهمام الاحاديث الدالة على ما عينه في المبسوط من منتهاه، وحديث أبي داود الدال على أن أقل تهجده (ص) أربع سوى ثلاث الوتر، وتمام ذلك فيها فراجعها، لكن ذكر آخر عنه (ص) من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال المنذري: صحيح على شرط الشيخين ا ه.
أقول: فينبغي القول بأن أقل التهجد ركعتان، وأوسطه أربع، وأكثره ثمان، والله أعلم.
قوله: (ولو جعله أثلاثا الخ) أي لو أراد أن يقوم ثلثه وينام ثلثيه فالثلث الاوسط أفضل من طرفيه، لان
الغفلة فيه أتم والعبادة فيه أثقل، ولو أراد أن يقوم نصفه وينام نصفه فقيام نصفه الاخير أفضل لقلة المعاصي فيه غالبا، وللحديث الصحيح ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الاخير، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ومعنى ينزل ربنا: ينزل أمره كما أوله به الخلف وبعض أكابر السلف، وتمامه في تحفة ابن حجر، وذكر أن الافضل من الثلث الاوسط السدس الرابع والخامس، للخبر المتفق عليه أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ا ه.
وبه جزم في الحلية.(2/26)
تتمة: ذكر في الحلية أيضا ما حاصله: أنه يكره ترك تهجد اعتاده بلا عذر، لقوله (ص) لابن عمر: يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه متفق عليه.
فينبغي للمكلف الاخذ من العمل بما يطيقه، كما ثبت في الصحيحين، ولذا قال (ص) أحب الاعمال إلى الله أدومها وإن قل رواه الشيخان وغيرهما.
مطلب في إحياء ليالي العيدين والنصف وعشر الحجة ورمضان قوله: (وإحياء ليلة العيدين) الاولى ليلتي بالتثنية: أي ليلة عيد الفطر، وليلة عيد الاضحى.
قوله: (والنصف) أي وإحياء ليلة النصف من شعبان.
قوله: (والاول) أي وليالي العشر الاول الخ.
وقد بسط الشرنبلالي في الامداد ما جاء في فضل هذه الليالي كلها، فراجعه، قوله: (ويكون بكل عبادة تعم الليل أو أكثره) نقل عن بعض المتقدمين، قيل هو الامام أبو جعفر محمد بن علي أنه فسر ذلك بنصف الليل وقال: من أحيا نصف الليل فقد أحيا الليل وذكر في الحلية أن الظاهر من إطلاق الاحاديث الاستيعاب، لكن في صحيح مسلم عن عائشة قالت ما أعلمه (ص) قام ليلة حتى الصباح فيترجح إرادة الاكثر أو النصف، لكن الاكثر أقرب إلى الحقيقة ما لم يثبت ما يقتضي تقديم النصف ا ه.
وفي الامداد: ويحصل القيام بالصلاة نفلا فرادى من غير عدد مخصوص، وبقراءة القرآن، والاحاديث وسماعها، وبالتسبيح والثناء، والصلاة والسلام على النبي (ص) الحاصل ذلك في معظم الليل، وقيل بساعة منه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما بصلاة العشاء جماعة، والعزم على صلاة
الصبح جماعة، كما قالوه في إحياء ليلتي العيدين.
وفي صحيح مسلم قال رسول الله (ص) من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله ا ه.
تتمة: أشار بقوله فرادى إلى ما ذكره بعد في متنه من قوله: ويكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي في المساجد وتمامه في شرحه، وصرح بكراهة ذلك في الحاوي القدسي.
قال: وما روي من الصلوات في هذه الاوقات يصلي فرادى غير التراويح.
مطلب في صلاة الرغائب قال في البحر: ومن هنا يعلم كراهة الاجتماع على صلاة الرغائب التي تفعل في رجب أو في أولى جمعة منه وأنها بدعة، وما يحتاله أهل الروم من نذرها لتخرج عن النفل والكراهة فباطل ا ه.
قلت: وصرح بذلك في البزازية كما سيذكره الشارح آخر الباب، وقد بسط الكلام عليها شارحا المنية، وصرحا بأن ما روي فيها باطل موضوع، وبسطا الكلام فيها، خصوصا في الحلية، وللعلامة، نور الدين المقدسي فيها تصنيف حسن سماه (ردع الراغب عن صلاة الرغائب) أحاط فيه بغالب كلام المتقدمين والمتأخرين من علماء المذاهب الاربعة.
مطلب في ركعتي الاستخارة قوله: (ومنها ركعتا الاستخارة) عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله (ص) يعلمنا الاستخارة في الامور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالامر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم أستخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك(2/27)
العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب.
اللهم إن كنت تعلم أن هذا الامر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة، أمري (أو قال: عاجل أمري وآجله) فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الامر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، (أو قال: عاجل أمري وآجله) فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به، قال: ويسمي حاجته رواه الجماعة إلا مسلما.
شرح المنية.
تتميم: معنى فاقدره: اقضه لي وهيئه، وهو بكسر الدال وبضمها، وقوله: أو قال عاجل
أمري ش ك من الراوي.
قالوا: وينبغي أن يجمع بينهما فيقول وعاقبة أمري وعاجله وآجله وقوله: ويسمي حاجته قال ط: أي بدل قوله: هذا الامر ا ه.
قلت: أو يقول بعده: وهو كذا وكذا، وقالوا: الاستخارة في الحج ونحوه تحمل على تعيين الوقت.
وفي الحلية: ويستحب افتتاح هذا الدعاء وختمه بالحمدلة والصلاة.
وفي الاذكار أنه يقرأ في الركعة الاولى الكافرون، وفي الثانية الاخلاص ا ه.
وعن بعض السلف أنه يزيد في الاولى * (وربك يخلق ما يشاء ويختار - إلى قوله - يعلنون) * (القصص: 86 - 96) وفي الثانية * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة) * (الاحزاب: 63) الآية.
وينبغي أن يكررها سبعا، لما روى ابن السني يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات، ثم انظر إلى الذي سبق إلى قلبك فإن الخير فيه ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء ا ه ملخصا.
وفي شرح الشرعة: المسموع من المشايخ أنه ينبغي أن ينام على طهارة مستقبل القبلة بعد قراءة الدعاء المذكور، فإن رأى في منامه بياضا أو خضرة فذلك الامر خير، وإن رأى فيه سوادا أو حمرة فهو شر ينبغي أن يجتنب ا ه.
مطلب في صلاة التسبيح قوله: (وأربع صلاة التسبيح الخ) يفعلها في كل وقت لا كراهة فيه، أو في كل يوم أو ليلة مرة، وإلا ففي كل أسبوع أو جمعة أو شهر أو العمر، وحديثها حسن لكثرة طرقه.
ووهم من زعم وضعه، وفيها ثواب لا يتناهى، ومن ثم قال بعض المحققين: لا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلا متهاون بالدين، والطعن في ندبها بأن فيها تغييرا لنظم الصلاة إنما يتأتى على ضعف حديثها، فإذا ارتقى إلى درجة الحسن أثبتها وإن كان فيها ذلك، وهي أربع بتسليمة أو تسليمتين، يقول فيها ثلاثمائة مرة سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر وفي رواية زيادة ولا حول ولا قوة إلا بالله يقول ذلك في كل ركعة خمسة وسبعين مرة، فبعد الثناء خمسة عشر، ثم بعد القراءة، وفي ركوعه، والرفع منه، وكل من السجدتين، وفي الجلسة بينهما عشرا عشرا بعد تسبيح الركوع والسجود.
وهذه الكيفية هي التي رواها الترمذي في جامعه عن عبد الله بن المبارك أحد أصحاب أبي حنيفة الذي شاركه في العلم والزهد والورع، وعليها اقتصر في القنية وقال: إنها المختار من
الروايتين.
والرواية الثانية: أن يقتصر في القيام على خمسة عشر مرة بعد القراءة والعشرة الباقية يأتي بها بعد الرفع من السجدة الثانية، واقتصر عليها في الحاوي القدسي والحلية والبحر، وحديثها أشهر، لكن قال في شرح المنية: إن الصفة التي ذكرها ابن المبارك هي التي ذكرها في مختصر البحر، وهي الموافقة لمذهبنا لعدم الاحتياج فيها إلى جلسة الاستراحة إذ هي مكروهة عندنا ا ه.(2/28)
قلت: لعله اختارها في القنية لهذا، لكن علمت أن ثبو ت حديثها يثبتها وإن كان فيها ذلك، فالذي ينبغي فعل هذه مرة وهذه مرة.
تتمة: قيل لابن عباس: هل تعلم لهذه الصلاة سورة؟ قال: التكاثر والعصر والكافرون والاخلاص.
وقال بعضهم: الافضل نحو الحديد والحشر والصف والتغابن للمناسبة في الاسم.
وفي رواية عن ابن المبارك: يبدأ بتسبيح الركوع والسجود ثم بالتسبيحات المتقدمة.
وقال المعلى: يصليها قبل الظهر.
هندية عن المضمرات.
وقيل لابن المبارك: لو سها فسجد هل يسبح عشرا عشرا؟ قال: لا، إنما هي ثلاثمائة تسبيحة.
قال المنلا علي في شرح المشكاة: مفهومه أنه إن سها ونقص عددا من محل معين يأتي به في محل آخر تكلمة للعدد المطلوب ا ه.
قلت: واستفيد أنه ليس له الرجوع إلى المحل الذي سها فيه، وهو ظاهر، وينبغي كما قال بعض الشافعية أن يأتي بما ترك فيما يليه إن كان غير قصير فتسبيح الاعتدال يأتي به في السجود، أما تسبيح الركوع فيأتي به في السجود أيضا لا في الاعتدال لانه قصير.
قلت: وكذا تسبيح السجدة الاولى يأتي به في الثانية لا في الجلسة، لان تطويلها غير مشروع عندنا على ما مر في الواجبات.
وفي القنية: لا يعد التسبيحات بالاصابع إن قدر أن يحفظ بالقلب، وإلا يغمز الاصابع.
ورأيت للعلامة ابن طولون الدمشقي الحنفي رسالة سماها (ثمر الترشيح في صلاة التراويح) بخطه أسند فيها عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه يقال فيها بعد التشهد قبل السلام: اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى، وأعمال أهل اليقين، ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وجد أهل
الخشية، وطلب أهل الرغبة، وتعبد أهل الورع، وعرفان أهل العلم حتى أخافك.
اللهم إني أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك حتى أعمل بطاعتك، وعملا أستحق به رضاك، حتى أناصحك بالتوبة خوفا منك، وحتى أخلص لك النصيحة حبا لك، وحتى أتوكل عليك في الامور حسن ظن بك، سبحان خالق النور ا ه.
مطلب في صلاة الحاجة قوله: (وأربع صلاة الحاجة الخ) قال الشيخ إسماعيل: ومن المندوبات صلاة الحاجة، ذكرها في التجنيس والملتقط وخزانة الفتاوى وكثير من الفتاوى والحاوي وشر المنية.
أما في الحاوي فذكر أنها ثنتا عشرة ركعة، وبين كيفيتها بما فيه كلام وأما في التجنيس وغيره، فذكر أنها أربع ركعات بعد العشاء، وأن في الحدي ث المرفوع يقرأ في الاولى الفاتحة مرة وآية الكرسي ثلاثا، وفي كل من الثلاثة الباقييقرأ الفاتحة والاخلاص والمعوذتين مرة مرة: كن له مثلهن من ليلة القدر قال مشايخنا: صلينا هذه الصلاة فقضيت حوائجنا.
مذكور في الملتقط والتجنيس وكثير من الفتاوى، كذا في خزانة الفتاوى.
وأما في شرح المنية فذكر أنها ركعتان، والاحاديث فيها مذكورة في الترغيب والترهيب كما في البحر.
وأخرج الترمذي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله (ص) من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين، ثم ليثن على الله تعالى، وليصل على النبي (ص)، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله(2/29)
رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين.
أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين ا ه أقول: وقد عقد في آخر الحلية فصلا مستقلا لصلاة الحاجة، وذكر ما فيها من الكيفيات والروايات والادعية، وأطال وأطاب كما هو عادته رحمه الله تعالى، فليراجعه من أراده.
خاتمة: ينبغي للمسافر أن يصلي ركعتين في كل منزل قبل أن يقعد كما كان يفعل (ص) نص
عليه الامام السرخسي في شرح السير الكبير.
وذكر أيضا أنه إذا ابتلى المسلم بالقتل يستحب أن يصلي ركعتين يستغفر الله تعالى بعدهما، ليكون آخر عمله الصلاة والاستغفار.
وذكر الشيخ إسماعيل عن شرح الشرعة: من المندوبات صلاة التوبة، وصلاة الوالدين، وصلاة ركعتين عند نزول الغيث، وركعتين في السر لدفع النفاق، والصلاة حين يدخل بيته ويخرج توقيا عن فتنة المدخل والمخرج، والله أعلم.
قوله: (عملا) أي تفرض من جهة العمل لا الاعتقاد أيضا، فلا يكفر جاحدها لوقوع الخلاف فيها، فعند أبي بكر الاصم وسفيان بن عيينة وغيرهما سنة.
وعند الحسن البصري وزفر والمغيرة من المالكية: فرض في ركعة.
وفي رواية عن مالك: فرض في ثلاث.
وعند الشافعي وأحمد والصحيح من مذهب مالك: فرض في الاربع، وتمامه في الحلية.
قوله: (مطلقا) أي في الاوليين أو الاخريين أو واحد وواحدة ط.
قلت: وقد تفرض القراءة في جميع ركعات الفرض الرباعي كما مر فباب الاستخلاف فيما لو استخلف مسبوقا بركعتين، وأشار له أنه لم يقرأ في الاوليين.
قوله: (على المشهور) رد لما قيل إنها في الاوليين فرض، وما قيل: إنها فيهما أفضل، لكن قدمنا في واجبات الصلاة أنه لا قائل بالفرضية في الاوليين، وإنما ذلك فهمه صاحب البحر من بعض العبارات، وقدمنا تحقيقه هناك،.
فافهم.
قوله: (للمنفرد) أي ولو حكما كالامام، لانفراده برأيه، وكونه غير تابع لغيره، فخرج المقتدي فلا تفرض عليه القراءة في النفل ولو كان مقتديا بمفترض كما بيناه في باب الامام.
قوله: (لكنه الخ) أي هذا التعليل للزوم القراءة في كل النفل قاصر: لا يعم الرباعية المؤكدة، لما قدمه المصنف من أنه لا يصلي على النبي (ص) في القعدة الاولى منها ولا يستفتح إذا قام إلى الثالثة، ولو كان كشفع منها صلاة لصلى واستفتح، وهذا الاعتراض لصاحب البحر.
وقد يجاب عنه بما أشار إليه الشارح هناك من قوله: لانها لتأكدها أشبهت الفريضة يعني أن القيا س فيها ذلك، لكن لما أشبهت الفريضة روعي فيها الجانبان فأوجبوا القراءة في كل ركعاتها، والعود إلى القعدة إذا تذكرها بعد تمام القيام قبل السجود، وقضاء ركعتين فقط لو أفسدها على ما هو ظاهر الرواية كما سيأتي نظرا للاصل، ومنعوا من الصلاة والاستفتاح نظرا للشبه، كما فعلوا في الوتر.
على أن كون النفل كل شفع منه صلاة ليس على إطلاقه، بل من بعض الاوجه كما مر بيانه، وإلا لزم
أن لا تصح رباعية بترك القعدة الاولى منها، مع أن الاستحسان أنها تصح اعتبارا لها بالفرض، خلافا لمحمد، نعم لو تطوع بست ركعات أو ثمان بقعدة واحدة فالاصح أنه لا يجوز كما في الخلاصة، لانه ليس في الفرائض ست يجوز أداؤها بقعدة، فيعود الامر فيه إلى القياس كما في البدائع، وسيأتي فيه(2/30)
تصحيح خلافه أيضا.
قوله: (ولزم نفل الخ) أي لزم المضي فيه، حتى إذا أفسده لزم قضائه: أي قضاء ركعتين، وإن نوى أكثر على ما يأتي، ثم هذا غير خاص بالصلاة وإن كان المقام لها.
قال في شرح المنية: اعلم أن الشروع في نفل العبادة التي تلزم بالنذر ويتوقف ابتداؤها على ما بعده في الصحة سبب لوجوب إتمامه وقضائه إن فسد عندنا وعند مالك، وهو قول أبي بكر الصديق وابن عباس وكثير من الصحابة والتابعين، كالحسن البصري ومكحول والنخعي وغيرهم، فخرج الوضوء وسجدة التلاوة وعيادة المريض وسفر الغزو ونحوها مما لا يجب بالنذر لكونه غير مقصود لذاته، وخرج ما لا يتوقف ابتداؤه على ما بعده في الصحة نحو الصدقة والقراءة، وكذا الاعتكاف على قول محمد، ودخل فيه الصلاة والصوم والحج والعمرة والطواف والاعتكاف على قولهما ا ه.
تنبيه: ظاهر كلامهم أنه يلزم القضاء بمجرد الشروع الصحيح وإن أفسده للحال.
وفي المعراج عن الصغرى: لو أفسد الصوم النفل في الحال لا يلزمه القضاء.
أما لو اختار المضي ثم أفسده عليه القضاء.
قلت: وهكذا في الصلاة ولو شرعت في النفل الحال لا يلزمه القضاء.
أما لو اختار المضي ثم أفسده عليه القضاء.
قلت: وهكذا في الصلاة ولو شرعت في النفل ثم حاضت وجب القضاء ا ه.
ومثله في شرح الشيخ إسماعيل، وحمله السيد أبو السعود على النفل المظنون، وكلام القهستاني يدل عليه، وكذا كلام المنح كما يأتي.
قوله: (أو بقيام الثالثة) أي وقد أدى الشفع الاول صحيحا، فإذا أفسد الثاني لزمه قضاؤه فقط، ولا يسري إلى الاول، لان كل شفع صلاة على حدة.
بحر.
قوله: (شروعا صحيحا) احترز به عن اقتدائه متنفلا بنحو أمي أو امرأة كما يأتي، وقوله: قصدا احترز به عما لو ظن أن عليه فرضا ثم تذكر خلافه كما يأتي.
قوله: (إلا إذا شرع الخ) أي فلا يلزمه قضاء ما قطعه.
ووجهه كما في البدائع أنه ما التزم إلا أداء هذه الصلاة مع الامام وقد أداها.
قوله: (بعد
تذكره) أي تذكر ذلك الفرض بأنه عليه لم يصله.
قوله: (أو تطوعا آخر) وكذا لو أطلق بأن لم ينو قضاء ما قطعه ولا غيره.
قوله: (أو في صلاة ظان) معطوف على قوله: متنفلا فهو مستثنى أيضا.
وصورته كما في التاترخانية عن العيون برواية ابن سماعة عن محمد بن الحسن قال: رجل افتتح الظهر وهو يظن أنه لم يصلها، فدخل رجل في صلاته يريد به التطوع، ثم تذكر الامام أنه ليس عليه الظهر فرفض صلاته فلا شئ عليه ولا على من اقتدى به ا ه.
لكن ذكر في البحر في باب الامامة عند قوله: وفسد اقتداء رجل بامرأة وصبي، أن نفل المقتدي في هذه الصورة مضمون عليه بالافساد، حتى يلزمه قضاؤه بخلاف الامام ا ه.
ويمكن الجواب بأن مراده بالافساد: إفساد المقتدي صلاته، فيلزمه القضاء بإفساده دون إفساد إمامه فلا يخالف ما تقدم، لكن المتبادر من كلام السراج أن المراد إفساد الامام فإنه قال: فلو خرج الظان منها لم يجب عليه قضاؤها بالخروج عند أصحابنا الثلاثة، ويجب على المقتدي القضاء ا ه.
فإما أن يؤول أيضا بما قلنا وإلا فهو رواية ثانية غير ما مشى عليه الشارح، فافهم.
قوله: (أو أمي الخ) محترز قوله: شروعا صحيحا لان الشروع في صلاة من ذكر غير صحيح، وحينئذ فلا محل(2/31)
لاستثنائه إلا بالنظر إلى مجرد المتن، إذ ليس فيه ذلك القيد، فافهم.
قال السيد أبو السعود: وينبغي في الامي وجوب القضاء بناء على ما سبق من أن الشروع يصح صم تفسد إذا جاء أوان القراءة ا ه.
قوله: (يعني وأفسده في الحال) أي حال التذكر، وهذا راجع إلى مسألة الظان فقط.
قال في المنح: واحترز بقوله: قصداعن الشروع ظنا، كما إذا ظن أنه لم يصل فرضا فشرع فيه فتذكر أنه قد صلاه صار مشرع فيه نفلا لا يجب إتمامه، حتى لو نقضه لا يجب القضاء.
وفي الصغرى: هذا إذا أفسد الصوم النفل في الحال، أما إذا اختار المضي ثم أفسده فعليه القضاء.
قال: وهكذا في الصلاة كذا في المجتبى ا ه.
أقول: وعزاه بعض المحشين أيضا إلى شرح الجامع للتمرتاشي، لكن علل في التجنيس مسألة الصوم بأنه لما مضى عليه صار كأنه نوى المضي عليه في هذه الساعة، فإذا كان قبل الزوال
صار شارعا في صوم التطوع فيجب عليه ا ه.
وحاصله أنه إذا اختار المضي على الصوم بعد التذكر وكان في وق ت النية صار بمنزلة إنشاء نية جديدة فيلزمه، وهذا لا يتأتى في الصلاة، فإلحاقها بالصوم مشكل، فليتأمل.
قوله: (أما لو اختار المضي) الظاهر أن ذلك يكون بمجرد القصد، وفيه ما علمته، ونقل ط عن أبي السعود عن الحموي أنه لا يكون مختارا للمضي إلا إذا قيد الركعة بسجدة.
أقول: فهم الحموي ذلك من الفرق بين الصوم والصلاة الآتي قريبا، وفيه نظر فتدبر.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية عن الامام.
وعنه أنه لا يلزمه بالشروع في هذه الاوقات اعتبارا بالشروع في الصوم في الاوقات المكروهة.
والفرق على الظاهر صحة تسميته صائما فيه، وفي الصلاة لا إلا بالسجود، ولذا حنث بمجرد الشروع في لا يصوم بخلاف لا يصلي كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
نهر.
قوله: (إلا بعذر) استثناء من قوله: حرم أي أنه عند العذر لا يحرم إفساده، بل قد يباح، وقد يستحب، وقد يجب كما قدمه في آخر مكروهات الصلاة.
ومن العذر ما إذا كان شروعه في وقت مكروه.
ففي البدائع: الافضل عندنا أن يقطعها، وإن أتم فقد أساء ولا قضاء عليه، لانه أداها كما وجبت، فإذا قطعها لزمه القضاء ا ه.
قال في البحر: وينبغي أن يكون القطع واجبا خروجا عن المكروه تحريما، وليس بإبطال للعمل، لانه إبطال ليؤديه على وجه أكمل فلا يعد إبطالا.
قوله: (ووجب قضاؤه) أي ولو قطعه بعذر ولو كان لكراهة الوقت كما علمت.
قال في البحر: ولو قضاه في وقت مكروه آخر أجزأه، لانها وجبت ناقصة، وأداها كما وجبت فيجوز، كما لو أتمها في ذلك الوقت.
قوله: (وسيجئ) أي في كتاب الايمان، وذكر في البحر شيئا من أحكامه هنا فراجعه.
قوله: (ويجمعها) أي النوافل التي تجب بالشروع وضابطها كل عبادة تلزم بالنذر ويتوقف ابتداؤها على ما بعده في الصحة كما قدمناه قريبا عن شرح المنية.
قوله: (من النوافل الخ) هذا النظم عزاه السيد أبو السعود إلى صدر الدين بن العز، وهو من النوع المسم(2/32)
عند المولدين بالمواليا، وبحره بحر البسيط.
قوله: (قال الشارع) هو سيدنا محمد (ص) لانه الذي شرع
الاحكام، وفيه مع ما قبله الجناس التام.
قوله: (طواف) أي يلزمه إتمام سبعة أشواط بالشروع فيه بمجرد النية، إلا إذا شرع فيه يظن أنه عليه كما في شرح اللباب.
قوله: (عكوفه) سيذكر الشارح في باب الاعتكاف نقلا عن المصنف وغيره أن ما في بعض المعتبرات من أنه يلزم بالشروع مفرع على الضعيف: أي على رواية تقدير الاعتكاف النفل بيوم، أما على ظاهر الرواية من أن أقله ساعة فلا يلزم، بل ينتهي بالخروج من المسجد.
قلت: لكن ذكر في البدائع: أن الشروع فيه ملزم بقدر ما اتصل به الاداء ولما خرج، فما وجب إذلك القدر فلا يلزمه أكثر منه ا ه فتأمل، نعم سنذكر في الاعتكاف عن الفتح أن اعتكاف العشر في رمضان ينبغي لزومه بالشروع.
قوله: (إحرامه) قال في لباب المناسك: لو نوى الاحرام من غير تعيين حجة أو عمرة صح ولزمه، وله أن يجعله لايهما شاء قبل أن يشرع في أعمال أحدهما ا ه.
وبهذا غاير الحج والعمرة وإن استلزماه، فاندفع التكرار كما قاله ح.
قوله: (وقضى ركعتين) هو ظاهر الرواية.
وصحح في الخلاصة رجوع أبي يوسف عن قوله أولا: بقضاء الاربع، إلى قولهما: فهو باتفاقهم، لان الوجوب بسبب الشروع لم يثبت وضعا بل لصيانة المؤدي وهو حاصل بتمام الركعتين، فلا تلزم الزيادة بلا ضرورة.
بحر.
قوله: (لو نوى أربعا) قيد به لانه لو شرع في النفل ولم ينو لا يلزمه إلا ركعتان اتفاقا.
وقيد بالشروع لانه لو نذر صلاة ونوى أربعا لزمه أربع بلا خلاف كما في الخلاصة، لان سبب الوجوب فيه هو النذر بصيغته وضعا.
بحر.
قوله: (على اختيار الحلبي وغيره) حيث قال في شرح المنية: أما إذا شرع في الاربع التي قبل الظهر وقبل الجمعة أو بعدها ثم قطع في الشفع الاول أو الثاني يلزمه قضاء الاربع باتفاق، لانها لم تشرع إلا بتسليمة واحدة، فإنها لم تنقل عنه عليه الصلاة والسلام إلا كذلك، فهي بمنزلة صلاة واحدة، ولذا لا يصلي في القعدة الاولى ولا يستفتح في الثالثة.
ولو أخبر الشفيع بالبيع وهو في الشفع الاول منها فأكمل لا تبطل شفعته، وكذا المخيرة لا يبطل خيارها، وكذا لو دخلت عليه امرأته وهو فيه فأكمل لا تصح الخلو ولا يلزمه كمال المهر لو طلقها، بخلاف ما لو كان نفلا آخر فإن هذه الاحكام تنعكس ا ه.
وذكر في البحر أنه اختار الفضلي، وقال في النصاب إنه الاصح، لانه بالشروع صار بمنزلة الفرض، لكن ذكر في
البحر قبل ذلك أنه لا يجب بالشروع فيها إلا ركعتان في ظاهر الرواية عن أصحابنا لانها نفل.
قلت: وظاهر الهداية وغيرها ترجيحه.
قوله: (في خلال) قيد به لانه لو نقض بين آخر القعدة الاولى وبين القيام إلى الثالثة لا يلزمه شئ، لان الشفع الاول قد تم بالقعدة، والثاني لم يشرع فيه حينئذ.
وقد ذكره المصنف بعد بقوله: ولا قضاء لو قعد قدر التشهد ثمن نقض.
قوله: (أو الثاني) أي وكذا يقضي ركعتين لو أتم الشفع الاول بقعدته ثم شرع في الثاني فنقضه في خلاله قبل القعدة فيقضي الثاني فقط لتمام الاول، لكن ينبغي وجوب إعادة الاول لترك واجب السلام مع عدم انجباره بسجود سهو كما هو الحكم في كل صلاة أديت مع ترك واجب، ولا يخالف ذلك كلامهم هنا، لان كلامهم(2/33)
في لزوم القضاء وعدمه بناء على الفساد وعدمه، والاعادة هي فعل ما أدى صحيحا مع الكراهة مرة ثانية بلا كراهة.
قوله: (أي وتشهد للاول) قيد لقوله أو الثاني ح.
والمراد بالتشهد القعود قدر التشهد سواء قرأ التشهد أو لا، فهو من إطلاق الحال على المحل.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يتشهد للشفع الاول، ونقضه في خلال الشفع الثاني يفسد الكل، لان الشفع الاول إنما يكون صلاة إن وجدت القعدة الاولى، أما إذا لم توجد فالاربع صلاة واحدة.
بحر.
وذكره الشارح بقوله: أو ترك قعود أول ح.
قوله: (والاصل أن كل شفع صلاة) أي فلا يلزمه بتحريمة النفل أكثر من ركعتين وإن نوى أكثر منهما، وهو ظهر الرواية عن أصحابنا.
بحر.
قوله: (إلا بعارض اقتداء) أي اقتداء المتطوع بمن تلزمه الارب، كما لو اقتدى بمصلي الظهر ثم قطعها فإنه يقضي أربعا، سواء اقتدى به في أولها أو في القعدة الاخيرة، لانه التزم صلاة الامام وهي أربع.
بحر ونهر عن البدائع: قوله: (أو نذر) أي لو نذر صلاة ونوى أربعا لزمته بلا خلاف كما قدمناه عن البحر.
وعلله في النهاية عن المبسوط بأنه نوى ما يحتمله لفظه لتناول اسم الصلاة للركعتين والاربع، فكأنه قال: لله علي أن أصلي أربع ركعات ا ه.
وقد مر قبيل قوله وركعتان قبل الصبح أنه لو نذر أربعا بتسليمة فصلاها بتسليمتين لا يخرج عن النذر، بخلاف عكسه.
ومفاد ما هنا أن نذر الاربع يكفي في لزومها وإن لم يقيدها بتسليمة، فلا يخرج عن عهدة النذر بصلاتها بتسليمتين.
قوله: (أو ترك قعود أول) لان كون كل شفع
صلاة على حدة يقتضي افتراض القعدة عقيبه فيفسد بتركها كما هو قول محمد، وهو القياس، لكن عندهما: لما قام إلى الثالثة قبل القعدة فقد جعل الكل صلاة واحدة شبيهة بالفرض وصارت القعدة الاخيرة هي الفرض وهو الاستحسان، وعليه فلو تطوع بثلاث بقعدة واحدة كان ينبغي الجواز اعتبارا بصلاة المغرب، لكن الاصح عدمه لانه قد فسد ما اتصلت به القعدة وهو الركعة الاخيرة، لان التنفل بالركعة الواحدة غير مشروع فيفسد ما قبلها.
ولو تطوع بست ركعات بقعدة واحدة، قيل يجوز، والاصح لا، فإن الاستحسان جواز الاربع بقعدة اعتبارا بالفرض، وليس في الفرض ست ركعات تؤدي بقعدة، فيعود الامر إلى أصل القياس كما في البدائع.
[ مب ] مبحث: المسائل الستة عشرية [ / مب ] تنبيه: ينبغي أن يستثنى أيضا من الاصل المذكور المؤكدة بناء على اختيار الحلبي وغيره.
قوله: (كما يقضي ركعتين الخ) شروع في مسائل فساد النفل الرباعي بترك القراءة بعد ذكر فساده بغيره، وهي المسائل الملقبة بالثمانية، وبالستة عشرية، والاصل فيها أن صحة، الشروع في الشفع الاول بالتحريمة وفي الثاني بالقيام إليه مع بقاء التحريمة، والتحريمة لا تبقى عند أبي حنيفة مع ترك القراءة في ركعتي الشفع الاول فلا يصح الشروع في الشفع الثاني حتى لا يلزمه قضاؤه بإفساده، بل يقضي الاول فقط لفساد أدائه بترك القراءة، بخلاف الترك في ركعة فإنه يفسد الاداء دون التحريمة، حتى وجب قضاء الشفع الاول كالترك في الركعتين، وصح الشروع في الثاني.
وعند محمد وزفر: الترك في ركعة من الشفع مفسد للتحريمة والاداء كالترك في ركعتين، فلا يصح شروعه في الثاني فلا يلزمه قضاؤه بإفساده، بل قضاء الاول فقط.
وعند أبي يوسف: الترك في ركعة أو ركعتين يفسد الاداء فقط، والتحريمة باقية فيصح شروعه في الثاني مطلقا.(2/34)
والحاصل أن التحريمة لا تفسد عند أبي يوسف بترك القراءة مطلقا، وتفسد عند محمد وزفر بتركها مطلقا.
وعند الامام تفسد بتركها أصلا: أي في الركعتين لا في ركعة، ويجمع الاقوال قول الامام النسفي:
تحريمة النفل لا تبقى إذا تركت فيها القراءة أصلا عند نعمان والترك في ركعة قد عده زفركالترك أصلا وأيضا شيخ شيبان وقال يعقوب تبقى كيفما تركت فيها القراءة فاحفظه بإتقان قوله: (في شفعيه) فيقضي الشفع الاول عندهما لبطلان التحريمة وعدم صحة الشروع في الثاني، ويقضي أربعا عند أبي يوسف لبقائها عنده وإفساده الاداء في الشفعين بترك القراءة.
قوله: (في الاول فقط) أي فيقضي ركعتين إجماعا، أما عندهما فلفساد التحريمة وعدم صحة الشروع في الثاني، وأما عند أبي يوسف فإنه وإن صح الشروع فيه فإنه لم يفسد لوجود القراءة فيه، فيقضي الاول فقط.
قوله: (أو الثاني) أي فيقضيه فقط إجماعا لصحة الاول وصحة الشروع في الثاني، وفساد أدائه بترك القراءة فيه.
قوله: (أو إحدى ركعتي الثاني) أي فيقضيه فقط إجماعا أيضا لما قلنا: وتحته صورتان، لان الواحدة إما أولى الثاني أو ثانيته.
قوله: (أو إحدى ركعتي الاول) فيه صورتان أيضا: أي فيلزمه قضاؤه فقط إجماعا أيضا لافساده بترك القراءة في ركعة منه ولفساد التحريمة، وعدم صحة الشروع في الثاني عند محمد، ولبقائها مع صحة أداء الثاني عندهما.
قوله: (أو الاول وإحدى الثاني) تحته صورتان أيضا: أي لو ترك القراءة في الشفع الاول وفي ركعة من الثاني: أي أولاه أو ثانيته يقضي الشفع الاول عند الامام ومحمد، لفساد التحريمة، وعدم صحة الشروع في الثاني.
وعند أبي يوسف: يقضي أربعا لصحة الشروع في الثاني، وإفساد الاداء فيهما بترك القراءة، قوله: (لا غير) يحتمل أنه قيد لقوله: وإحدى الثاني ويحتمل كونه قيدا لهذه الصور: أي يقضي ركعتين في هذه الصور المذكورة لا في غيرها مما سيأتي.
ويحتمل كونه قيد الركعتين: أي يقضي ركعتين لا غير في جميع ما مر.
قوله: (لان الاول الخ) تعليل للزوم قضاء ركعتين لا غير على قول الامام في جميع هذه الصورة بالاشارة الأصله فيها، وهو أنه إذا بطل الشفع الاول بترك القراءة فيه أصلا لا يصح بناء الشفع الثاني عليه لفساد التحريمة، ومفهومه أنه إذا لم يبطل الاول يصح بناء الثاني عليه، ومعلوم أن ترك القراءة في ركعة أو في ركعتين بعد صحة الشروع مفسد للاداء وموجب للقضاء، فأفاد بمنطوق التعليل المذكور وجه قضاء ركعتين لا غير في قول المصنف لو ترك القراءة في شفعيه
وقوله: أو تركها في الاول وقوله أو الاول وإحدى الثاني لانه في هذه الصور كلها قد أفسد الشفع الاول بترك القراءة فيه أصلا فبطلت التحريمة ولم يصح بناء الشفع الثاني عليه، وحيث لم يصح بناؤه لم يلزمه قضاؤه، بل لزمه قضاء الاول لا غير.
وأفاد بمفهوم التعليل المذكور وجه قضاء ركعتين لا غير في باقي الصور، وهي قول المصنف أو الثاني أو إحدى الثاني أو إحدى الاول فإنه في هذه الصور لم يبطل الشفع الاول عند الامام فبقيت التحريمة وصح شروعه في الثاني، لكنه لما ترك القراءة فيه أو في ركعة منه لزمه قضاؤه فقط، ولما ترك القراءة في ركعة من الاول فقط لزمه قضاؤه فقط لصحة بناء الثاني وصحة أدائه، فافهم.
قوله: (فهذه تسع صور) لان المذكور صريحا في(2/35)
كلام المصنف ست، ولكن لفظ إحدى في المواضع الثلاث يصدق على الركعة الاولى من الشفع أو الثانية فتزيد ثلاث صور أخرى.
قوله: (لو ترك القراءة في إحدى كل شفع) أي في ركعتين من شفعين كل ركعة من شفع بأن تركها في الاولى مع الثالثة أو الرابعة، أو في الثانية مع الثالثة أو الرابعة، فهذه أربع، وقوله: وإحدى الاول فيه صورتان، لان هذه الوحدة إما أولاه أو ثانيته، ففي هذه الست يقضي أربعا عندهما، وركعتين فقط عند محمد بناء على أصله المار من فساد التحريمة بترك القراءة في ركعة من الشفع الاول، وفي هذه الست قد وجد ذلك، فلم يصح عنده الشروع في الشفع الثاني منها، وأما عندهما فلا تفسد التحريمة بذلك فصح الشروع، فلزم قضاء كل من الشفعين لافساد أدائهما، وكو الواجب قضاء أربع ركعات في الصور الاربع الاول عند أبي حنيفة موافق لاصله المار، لكن أنكر أبو يوسف على محمد رواية ذلك عن أبي حنيفة وقال: رويت لك عنه أنه يلزمه قضاء ركعتين، ومحمد لم يرجع عن رواية ذلك عنه، ونسب أبا يوسف إلى النسيان.
وما رواه محمد هو ظاهر الرواية، واعتمده المشايخ، وهذه إحدى مسائل ست رواها محمد في الجامع الصغير عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، وأنكرها أبو يوسف، وتمامه في البحر.
قوله: (وبصورة القراءة في الكل) أي كل الركعات، وإنما لم يذكروها لانها صحيحة، والكلام فيما يلزم قضاؤه للفساد بترك القراءة، لكن هذه الصورة هي تتمة القسمة العقلية، لانه لا يخلو إما أن يكون قرأ
في الاربع أو تر ك في الاربع أو في ثلاث، وتحته أربع صور فهذه ست، أو ترك في ركعتين: أي في الاولى مع الثانية أو مع الثالثة أو مع الرابعة، أو في الثانية مع الثالثة أو مع الرابعة، أو في الثالثة مع الرابعة، فهذه ست أيضا، أو ترك في واحدة فقط وتحته أربع، فهذه ست عشرة صورة.
وقد رسمتها في جدول على هذا الترتيب مشيرا إلى القراءة بالقاف، وإلى عدمها بلا، وإلى عدد ما يجب قضاؤه في جانب كل صورة بالعدد الهندي على مذاهب أئمتنا الثلاث بالترتيب على أصولهم المارة، فإن كنت أتقنتها يسهل عليك استخراجها، وصورته هكذا: قوله: (لكن بقي ما إذا لم يقعد) صورتها قرأ في الاوليين ولم يقعد القعدة الاولى وأفسد، الاخريين.
وحكمها أنه يقضي أربعا إجماعا، كذا في النهر.
وقد ذكره الشارح مرتين: الاولى قوله: أي وتشهد للاول وإلا يفسد الكل الثانية قوله: أو ترك قعود أول ح.
قلت: والمراد إفساد الاخريين بترك القراءة لان الكلام فيه، وقد أشار الشارح إلى أن ما مر من قضاء ركعتين أو أربع مفروض فيما إذا قعد على رأس الركعتين، وإلا فعليه قضاء الاربع اتفاقا، لانه إذا لم يقعد يسري فساد الشفع الثاني إلى الاول كما نبه عليه في البحر تبعا للعناية.
قوله: (أو قعد ولم يقم لثالثة) صورتها: ترك القراءة ولم يقم.
وحكمها أنه يقضي ركعتين، كذا في النهر ح.
قوله: (أو قام ولم يقيدها بسجدة) صورتها: ترك القراءة في الشفع الاول ثم قام إلى الركعة الثالثة ثم أفسدها قبل أن يقيد الثالثة بسجدة، فحكمها أنه يقضي ركعتين عندهما.
وعند أبي يوسف أربعا، كذا في النهر، ومثله ما إذا أفسدها بعد التقييد بسجدة ح.
أقول: وما نقله في هذه المواضع عن النهر موجود فيه وكأنه ساقط من نسخة ط.(2/36)
ثم اعلم أن استدراك الشارح بذكر المسألتين الاخيرتين لا محل له هنا، لان الكلام في إفساد أحد الشفعين من الرباعية أو كل منهما بترك القراءة، أما إفساده بما سوى ذلك فهو ما ذكره المصنف قبل بقوله: وقضى ركعتين لو نوى أربعا الخ كما نبهنا عليه هناك،
وهاتان المسألتان داخلتان فيه، فتأمل.
قوله: (فتنبه) لعله أمر بالتنبه إشارة إلى ما قررناه.
قوله: (وميز المتداخل) المراد به ما اختلفت صورته واتحد حكمه وهي عبارة العناية، حيث جعل سبعا من الصور داخلة في الثمانية الباقية، وذلك لان المذكور في المتن ثماني صور، ست يلزم فيها ركعتان، واثنتان يلزم فيهما أربع، لكن الست الاولى تسع في التفصيل والاثنتان ست، فهي خمس عشرة ا ه ح.
قوله: (وحكم مؤتم الخ) صورته: رجل اقتدى متنفلا بمتنفل في رباعي، فقرأ الامام في إحدى الاوليين وإحدى الاخريين، فكما يلزم الامام قضاء الاربع كذلك يلزم المؤتم ولو اقتدى به في التشهد، وقس على ذلك ح.
قوله: (وقعقدر التشهد) أي وقرأ في الركعتين.
قوله: (أو شرع ظانا الخ) تصريح بمفهوم قوله سابقا شرع فيه قصدا كما أفاده المصنف ط.
قوله: (غير مضمون) أي لا يلزمه قضاؤه لو أفسده في الحال، أما لو اختار المضي عليه ثم أفسده لزمه قضاؤه كما قدمه الشارح وقدمنا الكلام عليه، وكذا لا يجب القضاء على من اقتدى به فيه متطوعا كما في التاترخانية، وقدمنا الكلام فيه أيضا.
قوله: (لانه شرع مسقطا الخ) أي لان من ظن أن عليه فرضا يشرع فيه لاسقاط ما في ذمته لا لالزام نفسه بصلاة أخرى، فإذا انقلبت صلاته نفلا بتذكر الاداء كانت صلاة لم يلتزمها فلا يلزمه قضاؤها لو أفسدها.
قوله: (أو صلى أربعا) أي وقرأ في الكل ح.
قوله: (فأكثر) هذا خلاف الاصح كما قدمناه عن البدائع والخلاصة.
وفي التاترخانية: لو صلى التطوع ثلاثا ولم يقعد على الركعتين، فالاصح أنه يفسد، ولو ستا أو ثمانيا بقعدة واحدة اختلفوا فيه والاصح أنه يفسد استحسانا وقياسا ا ه.
لكن صححوا في التراويح أنه لو صلاها كلهبقعدة واحدة وتسليمة أنها تجزئ عن ركعتين، فقد اختلف التصحيح.
قوله: (استحسانا) والقياس فساد الشفع الاول كما هو قول محمد، بناء على أن كل شفع صلاة فتكون القعدة فيه فرضا.
قوله: (فتبقى واجبة الخ) أي كما في نظيره من الفرض الرباعي، فإن القعدة الاولى فيه
واجبة لا يبطل بتركها، والفريضة التي يبطل بتركها إنما هي الاخيرة.
قوله: (وفي التشريح) في(2/37)
بعض النسخ الترشيح بتقديم الراء على الشين، وفي بعضها التوشيح بالواو بدل الراء وهو المشهور: اسم كتاب شرح الهداية للسراج الهندي.
قوله: (صح خلافا لمحمد) لانه يقول بفساد الشفع بترك قعدته كما هو القياس وقد مر، لكن قوله: صح مبني على أن ما زاد على الاربع كالاربع في جريان الاستحسان فيه وهو قول لبعض المشايخ، وقد علمت اختلاف التصحيح فيه.
قوله: (ويسجد للسهو) سواء ترك القعدة عمدا أو سهوا، نعم في العمد يسمى سجود عذر.
ح عن النهر، وسيأتي أن المعتمد عدم السجود في العمد ط.
قوله: (ولا يثني ولا يتعوذ) لانهما لا يكونا إلا في ابتداء صلاة، والشفع لا يكون صلاة على حدة إلا إذا قعد للاول، فلما لم يقعد جعل الكل صلاة واحدة ح.
قوله: (ويتنفل الخ) أي في غير سنة الفجر في الاصح كما قدمه المصنف بخلاف سنة التراويخ لانها دونها في التأكد، فتصح قاعدا وإن خالف المتوارث وعمل السلف كما في البحر، ودخل فيه النفل المنذور فإنه إذا لم ينص على القيام لا يلزمه القيام في الصحيح، كما في المحيط.
وقال فخر الاسلام: إنه الصحيح من الجواب، وقيل يلزمه واختاره في الفتح.
نهر.
قوله: (قاعدا) أي على أي حلة كانت، وإنما الاختلا ف في الافضل كما يأتي.
قوله: (لا مضطجعا) وكذا لو شرع منحنيا قريبا من الركوع لا يصح.
بحر.
وما ذكره من عدم صحة التنفل مضطجعا عندنا بدون عذر، نقله في البحر عن الاكمل في شرحه على المشارق، وصرح به في النتف.
وقال الكمال في الفتح لا أعلم الجواز في مذهبنا، وإنما يسوغ في الفرض حالة العجز عن القعود، لكن ذكر في الامداد أن في المعراج إشارة إلى أن في الجواز خلافا عندنا كما عند الشافعية.
قوله: (ابتداء وبناء) منصوبان على الظرفية الزمانية لنيابتهما عن الوقت: أي وقت ابتداء ووقت بناء ط.
قوله: (وكذا بناء الخ) فصله بكذا لما فيه من خلاف الصاحبين.
قال في الخزائن: ومعنى البناء أن يشرع قائما ثم يقعد في الاولى أو الثانية بلا عذر استحسانا، خلافا لهما.
وهل يكره عنده؟ الاصح لا.
وأما القعود فالشفع الثاني فينبغي جوازه اتفاقا، كما لو
شرع قاعدا ثم قام، كذا قاله الحلبي وغيره ا ه.
وكتب عند قوله: الاصح لا في هامشه: فيه رد علي الدرر والوقاية والنقاية وغيرها، حيث جزموا بالكراهة.
قوله: (في الاصح) راجع إلى قوله: بلا كراهة كما علمته، فافهم.
قوله: (كعكسه) وهو ما لو شرع قاعدا ثم قام فإنه يجوز اتفاقا، وهو فعله (ص) كما روت عائشة أنه كان يفتتح التطوع قاعدا فيقرأ ورده حتى إذا بقي عشر آيات ونحوها قام الخ وهكذا كان يفعل في الركعة الثانية.
والتجنيس: الافضل أن يقوم فيقرأ شيئا ثم يركع ليكون موافقا للسنة، ولو لم يقرأ ولكنه استوى قائما ثم ركع جاز، وإن لم يستو قائما وركع لا يجزيه، لانه لا يكون ركوعه قائما ولا ركوعا قاعدا ا ه بحر.
قوله: (وفيه) أي في البحر.
قوله: أجر غير النبي (ص)) أما النبي (ص) فيه خصائصه أن نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة، وأنت تصلي قاعدا، قال: أجل ولكني لست كأحد منكم بحر ملخصا: أي لانه تشريع لبيان الجواز وهو واجب عليه(2/38)
قوله: (على النصف إلا بعذر) أما مع العذر فلا ينقص ثواب عن ثوابه قائما، لحديث البخاري في الجهاد إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا فتح.
وحكى في النهاية الاجماع عليه.
وتعقبه في البحر بحكاية النووي عن بعضهم أنه على النصف مع العذر أيضا، ثم نقل عن المجتبى أن إيماء العاجل افضل من صلاة القائم، لانه جهد المقل.
قال: ولا يخفى ما فيه، بل الظاهر المساواة كما في النهاية ا ه.
لكن ذكر القهستاني ما في المجتبى، ثم قال: لكن في الكشف أنه قال الشيخ أبو معين النسفي: جميع عبادات أصحاب الاعذار كالمومي وغيره تقوم مقام العبادات الكاملة في حق إزالة المأثم لا في حق إحراز الفضيلة ا ه.
أقول: وهو موافق لقول البعض المار، ويؤيده حديث البخاري من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد فإن عموم من
يدخل فيه العاجز، ولان الصلاة نائما لا تصح عندنا بلا عذر، وقد جعل له نصف أجر القاعد، وفي هذا المقام زيادة كلام يطلب ما علقناه على البحر.
قوله: (ولا يصلي الخ) هذا اللفظ رواه ابن أبي شيبة عن عمر.
وظاهر كلام محمد أنه عن النبي (ص)، ومحمد أعلم بذلك منا.
فتح.
قوله: (في القراءة الخ) لما كان ظاهر الحديث غير مراد إجماعا لان الظهر والعصر يصليان بعد سنتهما وجب حمله على أخص الخصوص، ففي الجامع الصغير: أراد لا يصلي بعد الظهر نافلة ركعتين منها بقراءة وركعتين بغير قراءة لتكون مثل الفرض.
وقال فخر الاسلام: لو حمل على تكرار الجماعة في مسجد له أهل أو على قضاء الصلاة عند توهم الفساد لكان صحيحا نهر.
وما ذكره عن فخر الاسلام نقله في البحر أيضا عن شرح الجامع الصغير لقاضيخان.
ثم قال في البحر: فالحاصل أن تكرار الصلاة إن كان مع الجماعة في المسجد على هيئته الاولى فمكروه، وإلا فإن كان في وقت يكره التنفل فيه بعد الفرض فمكروه كما بعد الصبح والعصر، وإلا فإن كان لخلل في المؤدى: فإن كان ذلك الخلل محققا إما بترك واجب أو بارتكاب مكروه فغير مكروه بل واجب، كما صرح به في الذخيرة وقال: إنه لا يتناوله النهي، وإن كان ذلك الخلل غير محقق بل نشأ من وسوسة فهو مكروه ا ه.
قوله: (للنهي) علة لقوله: ولا يصلي الخ والنهي هو لفظ الحديث المذكور.
قوله: (وما نقل الخ) جواب عن سؤال وارد على الوجه الثالث، فإن هذا المنقول ينافي حمل النهي عليه، إذ يبعد أن يكون ما صلاه الامام أولا مشتملا على خلل محقق من مكروه أو ترك واجب، بل الظاهر أنه أعاد ما صلاه لمجرد الاحتياط وتوهم الفساد، فينافي حمل النهي في مذهبه على الوجه الثالث.
والجواب أولا أنه لم يصح نقل ذلك عن الامام، وثانيا أنه لو صح نقول: إنه كان يصلي المغرب والوتر أربع ركعات بثلاث قعدات كما نقله في البحر عن مآل الفتاوى: أي ويكون حينئذ إعادة الصلاة لمجرد توهم الفساد غير مكروه، ويكون النهي محمولا على غير هذا الوجه، لكن لما كانت الصلاة على هذا محتملة لوقوعها نفلا والتنفل بالثلاث مكروه نقول: إنه كان يضم إلى المغرب(2/39)
والوتر ركعة، فعلى احتمال صحة ماكان صلاة أو لا تقع هذه الصلاة نفلا، وزيادة القعدة على رأس الثالثة لا تبطلها، وعلى احتمال فساده تقع هذه فرضا مقضيا وزيادة ركعة عليها لا تبطلها، وقد تقرر أن ما دار بين وقوعه بدعة وواجبا لا يترك، بخلاف ما دار بين وقوعه سنة وواجبا لكن لا يخفى عليك أن الجواب عن الايراد هو الاول، وأما الثاني فهو مقرر له، لكنه لا يجدي لعدم ثبوت صحة النقل، فالوجه حينئذ كراهة القضاء لتوهم الفساد كما قاله فخر الاسلام قاضيخان، فكان ينبغي للشارح الاقتصار على الاول، لكن رأيت في فصل قضاء الفوائت من التاترخانية أن الصحيح جواز هذا القضاء إلا بعد صلاة الفجر والعصر، وقد فعله كثير من السلف لشبهة الفساد ا ه.
وعلى هذا لا يصح حمل الحديث على الوجه الثالث.
قوله: (ويقعد في كل نفله الخ) أي لا في حالة التشهد فقط، وهذه المسألة من تتمة السابقة، فكان ينبغي ذكره قبل قوله: ولا يصلي الخ.
قوله: (كما في التشهد) أي تشهد جميع الصلوات، وأشار به إلى أنه لا خلاف في حالة التشهد كما في البحر.
قوله: (على المختار) وهو قول زفر ورواية عن الامام.
قال أبو الليث: وعليه الفتوى.
وروي عن الامام تخييره بين القعود والتربع والاحتباء، وتمامه في البحر.
وأفاد في النهر أن الخلاف في تعيين الافضل وأنه لا شك في حصول الجواز على أي وجه كان.
تنبيه: قيل ظاهر القول المختار أنه في حال القراءة يضع يديه على فخذيه كما في حال التشهد، لكن تقدم في كلام الشارح في فصل إذا أراد الشروع عند قوله: ووضع يمينه على يساره الخ عن مجمع الانهر أن المراد من القيام ما هو الاعم، لان القاعد يفعل كذلك: أي يضع يمينه على يساره تحت سرته.
وفي حاشية المدني: ويؤيده قول منلا علي القاري عند قول النقاية في كل قيام: أي حقيقي أو حكمي، كما إذا صلى قاعدا.
مطلب في الصلاة على الدابة قوله: (ويتنفل المقيم راكبا الخ) أي بلا عذر، أطلق النفل فشمل السنن المؤكدة إلا سنة الفجر كما مر وأشار بذكر المقيم إلى أن المسافر كذلك بالاولى، واحترز بالنفل عن الفرض والواجب بأنواعه كالوتر والمنذور وما لزم بالشروع والافساد وصلاة الجنازة وسجدة تليت على
الارض فلا يجوز على الدابة بلا عذر لعدم الحرج كما في البحر.
قوله: (راكبا) فلا تجوز صلاة الماشي بالاجماع.
بحر عن المجتبى.
قوله: (خارج المصر) هذا هو المشهور: وعندهما يجوز في المصر، لكن بكراهة عند محمد لانه يمنع من الخشوع، وتمامه في الحلية: قوله: (محل القصر) بالنصب بدل من خارج المصر.
وفائدته شمول خارج القرية وخارج الاخبية ح: أي المحل الذي يجوز للمسافر قصر الصلاة فيه، وهو الصحيح.
بحر.
وقيل إذا جاوز ميلا، وقيل فرسخين أو ثلاثة.
قهستاني.
قوله: (مومئا) بالهمز في آخره أكثر من الياء.
قال في المغرب تقول: أومأت إليه لا أوميت، وقد تقول العرب: أومى بترك الهمزة.
قوله: (فلو سجد) أي على شئ وضعه عنده أو(2/40)
على السرج اعتبر إيماء بعد أن يكون سجوده أخفض.
قوله: (إلى أي جهة توجهت دابته) فلو صل إلى غير ما توجهت به دابته لا يجوز لعدم الضرورة.
بحر عن السراج.
قوله: (ولو ابتداء عندنا) يعني أنه لا يشترط استقبال القبل في الابتداء، لانه لما جازت الصلاة إلى غير جهة الكعبة جاز الافتتاح إلى غير جهتها.
بحر.
واحترز عن قول الشافعي رحمه الله تعالى، فإنه يقول: يشترط في الابتداء أن يوجهها إلى القبلة كما في الشرنبلالية ح.
قلت: وذكر في الحلية عن غاية السروجي أن هذا رواية ابن المبارك ذكرها في جوامع الفقه، ثم ذكر بعد سياقه الاحاديث أن الاشبه استحباب ذلك عند عدم الحرج عملا بحديث أنس، ثم قال: على أن ابن الملقن الشافعي قال: وعند أبي حنيفة وأبي ثور يفتتح أولا إلى القبلة استحبابا ثم يصلي كيف شاء ا ه.
قوله: (أو على سرجه الخ) مثله الركاب والدابة للضرورة، وهو ظاهر المذهب، وهو الاصح، بخلاف ما إذا كانت عليه نفسه، فإنه لا ضرورة إلى إبقائها، فسقط ما في النهر من أن القياس يقتضي عدم المنع بما عليه ا ه ط.
قلت: وعليه فيخلع النعل النجس.
قوله: (ولو سيرها الخ) ذكره في النهر بحثا أخذا من قولهم: إذا حرك رجله أو ضرب دابته فلا بأس به إذا لم يكن كثيرا.
قلت: ويدل له أيضا ما في الذخيرة: إن كانت تنساق بنفسها ليس له سوقها، وإلا فلو ساقها هل تفسد؟ قال، إن كان معه سوط فهيبها به ونخسها لا تفسد صلاته.
قوله: (ثم نزل) أي بعمل
قليل، بأن ثنى رجله فانحدر من الجانب الآخر.
فتح.
قوله: (وفي عكسه) بأن رفع فوضع على الدابة.
فتح قوله: (لان الاول الخ) وذلك لان إحرام الراكب انعقد مجوزا الركوع والسجود لقدرته على النزول، فإذا أتى بهما صح، وإحرام النازل انعقد موجبا لهما فلا يقدر على ترك ما لزمه من غير عذر.
بحر.
قوله: (أتم على الدابة) لانه صح شروعه فيها راكبا، فصار كما إذا افتتحها ثم تغيرت الشمس فإنه يتمها هكذا.
تجنيس.
قوله: (وعليه الاكثر) عبر في البحر وغيره بالكثير.
وذكر الرحمتي أن الاول مبني على قولهما بجوازها في المصر.
والثاني على قوله بقرينة قوله في التجنيس في فصل القهقهة: ولو افتتح صلاة التطوع خارج المصر راكبا ثم دخل المصر ثم قهقه لا وضوء عليه عند أبي حنيفة.
وعند أبي يوسف: عليه اعتبارا للابتداء بالانتهاء ا ه.
قوله: (ويبني قائما الخ) أي إذا نزل في مسألتي المتن.
قوله: (ولو ركب الخ) أعاد مسألة المتن السابقة ليذكر لها تعليلا آخر، لكن ذكر في البحر أنه رده في غاية البيان، بأن لو رفع المصلي ووضع على السرج لا يبني، مع أن العمل لم يوجد فضلا عن العمل الكثير ا ه.
وحمل المحشي كلام الشارح على صورة ما إذا افتتح راكبا ثم نزل: أي فإنه إذا ركب بعد ذلك تفسد صلاته، لان الركوب عمل كثير.
قال: فعلى هذا لو حمله شخص ووضعه على الدابة لا تفسد لانه لم يوجد منه العمل ا ه.
قلت: لكن قوله: لا تفسد يحتاج إلى نقل فليراجع.
وأيضا فقول الشارح بخلاف النزول لا(2/41)
محل له على هذا الحمل، فتأمل.
قوله: (وعلى صلى على دابة الخ) شروع في صلاة الفرض والواجب على الدابة كما سينبه عليه بقوله: هذا كله في الفرائض.
واعلم أن ما عدا النوافل من الفرض والواجب بأنواعه لا يصح على الدابة إلا لضرورة، كخوف لص على نفسه أو دابته أو ثيابه لو نزل، وخوف سبع وطين ونحوه مما يأتي، والصلاة على المحمل الذي على الدابة كالصلاة عليها فيومئ عليها بشرط إيقافها جهة القبلة إن أمكنه، وإلا فبقدر الامكان.
وإذا كانت تسير لا تجوز الصلاة عليها إذا قدر على إيقافها وإلا بأن كان خوفه من عدو يصلي كيف قدر كما في الامداد وغيره، ولا إعادة عليه إذا قدر بمنزلة المريض.
خانية.
واستفيد من التقييد بالايماء أنه لا اعتبار بالركوع والسجود، ولذا نقل الشيخ إسماعيل عن المحيط: لا تجوز
على الجمل الواقف أو البارك وإن صلى قائما إلا أن يكون عند الخوف في المفازة بالايماء ا ه.
قوله: (بنفسه) احتراز عما إذا لم يقدر إلا بمعين، لان قدرة الغير لا تعتبر كما سيأتي، لكن في شرح الشيخ إسماعيل عن المجتبى: وإن لم يقدر على القيام أو النزول عن دابته أو الوضوء إلا بالاعانة وله خادم يملك منافعه يلزمه في قولهما.
وفي قول أبي حنيفة نظر.
والاصح اللزوم في الاجنبي الذي يطيعه كالماء الذي يعرض للوضوء ا ه.
ويأتي تمام الكلام فيه.
قوله: (إذا كانت واقفة) وكذا لو سائرة بالاولى، وإنما قيد به لقوله: إلا أن تكون عيدان المحمل الخ كما نص عليه الشرنبلالي ط.
قوله: (عيدان المحمل) أي أرجله التي كأرجل التي كأرجل السرير.
قوله: (بأن ركز تحته خشبة) الاولى التعبير بالكاف فإنه تنظير لا تصوير ط.
وهذا لو بحيث يبقى قرار المحمل على الارض لا على الدابة فيصير بمنزلة الارض.
زيلعي.
فتصح الفريضة فيه قائما كما في نور الايضاح.
قوله: (على العجلة) هي ما يؤلف مثل المحفة يحمل عليها الاثقال.
مغرب.
قوله: (أو لا تسير) كذا في الزيلعي والخانية، ومثله في البحر عن الظهيرية.
قوله: (فهي صلاة على الدابة) أما إذا كانت تسير فظاهر، وأما إذا كانت لا تسير وكانت على الارض وطرفها على الدابة فمشكل، لانها ف حكم المحمل إذا ركز تحته خشبة، فتكون كالارض.
وقد يفرق بأنها إذا كانت أحد طرفيها على الارض والآخر على الدابة لم يصر قرارها على الارض فقط بل عليها وعلى الدابة، بخلاف المحمل لانه إنما تصح الصلاة عليه إذا كان قراره على الارض فقط بواسطة الخشبة لا على الدابة.
تأمل.
وسيأتي ما لو كان كلها على الارض.
قوله: (المذكور في التيمم) بأن يخاف على ماله أو نفسه، أو تخاف المرأة من فاسق ط.
قوله: (لا في غيرها) أي في غير حالة العذر ح.
قوله: (وطين يغيب فيه الوجه) أي أو يلطخه أو يتلف ما يبسط عليه، أما مجرد نداوة فلا تبيح له ذلك، والذي لا دابة له يصلي قائما في الطين بالايماء، كما في التجنيس والمزيد.
إمداد.(2/42)
مطلب في القادر بقدرة غيره قوله: (لان قدرة الغير لا تعتبر) أي عنده.
وعندهما تعتبر كما في البحر.
وفي الخانية
والكافي: ولو كانت الدابة جموحا لو نزل لا يمكنه الركوب إلا بمعين، أو كان شيخا كبيرا لو نزل لا يمكنه أن يركب ولا يجد من يعينه تجوز الصلاة على الدابة ا ه.
وظاهر المسألة الاولى أنها على قوله: وظاهر الثانية أنها على قولهما إلا أن يرجع قوله: ولا يجد من يعينه إلى المسألتين فيكون كل منهما عن قولهما.
تأمل.
وقدمنا قريبا عن المجتبى أن الاصح عنده لزوم النزول لو وجد أجنبيا يطيعه فهو حينئذ بالاتفاق، وهو مقتضى ما قدمناه أيضا في باب التيمم من أن العاجز عن استعمال الماء بنفسه لو وجد من تلزمه طاعته كعبده وولده وأجيره لزمه الوضوء اتفاقا، وكذا غيره ممن لو استعان به أعانه كزوجته في ظاهر المذهب، بخلاف العاجز عن استقبال القبلة أو التحول عن الفراش النجس فإنه لا يلزمه عنده.
والفرق أنه يخاف عليه زيادة المرض في إقامته وتحويله لا في الوضوء، إلى آخر ما ذكرناه هناك، فراجعه مع ما سنذكره في باب صلاة المريض.
وعلى هذا فلا خلاف في لزوم النزول عن الدابة والصلاة على الارض لمن وجد معينا يطيعه ولم يكن مريضا يلحقه بنزوله زيادة مرض.
وأما ما في الخانية وغيرها من أنه لو حمل امرأته إلى القرية لها أن تصلي على الدابة، إذا كانت لا تقدر على الركوب والنزول ا ه.
وهذا محمول على ما إذا لم ينزلها زوجها، بقرينة ما في المنية من أن المرأة إذا لم يكن معها محرم تجوز صلاتها على الدابة إذا لم تقدر على النزول ا ه.
وهذا أولى مما في البحر من تفريع ما في الخانية على قوله، وما في المنية على قولهما، لكونه خلاف الظاهر ولمخالفته لما قدمناه، فاغتنم هذا التحرير.
قوله: (حتى لو كان الخ) تفريع على العذر لا على مسألة القدرة بقدر الغير إلا بتكلف.
تأمل.
ثم اعلم أن هذه المسألة وقعت لصاحب البحر في سفر الحج مع أمه، وذكر أنه لم ير حكمها وأنه ينبغي الجواز ولم أر من تعقبه، وكتبت فيما علقته عليه أنه قد يقال بخلافه، لان الرجل هنا قادر على النزول والعجز من المرأة قائم فيها لا فيه، إلا أن يقال: إن المرأة إذا لم تقدر على الركوب وحدها يلزم منه سقوط المحمل أو عقر الدابة أو موت المرأة، فهو عذر راجع إليه كخوفه على نفسه أو ماله.
تنبيه: بقي شئ لم أر من ذكره، وهو أن المسافر إذا عجز عن النزول عن الدابة لعذر من الاعذار المارة وكان على رجاء زوال العذر قبل خروج الوقت كالمسافر مع ركب الحاج الشريف، هل له أن يصلي العشاء مثلا على الدابة أو المحمل في أول الوقت إذا خاف من النزول، أم يؤخر إلى وقت نزول الحجاج في نصف الليل لاجل الصلاة؟ والذي يظهر لي الاول، لان المصلي إنما يكلف بالاركان والشروط عند إرادة الصلاة والشروع فيها، وليس لذلك وقت خاص، ولذا جاز له الصلاة بالتيمم أول الوقت وإن كان يرجو وجود الماء قبل خروجه، وعللوه بأنه قد أداها بحسب قدرته الموجودة عند انعقاد سببها وهو ما اتصل به الاداء ا ه.
ومسألتنا كذلك، لكن رأيت في القنية برمز صاحب المحيط: راكب السفينة إذا لم يجد موضعا للسجود للزحمة، ولو أخر الصلاة ثقل الزحمة(2/43)
فيجد موضعا يؤخرها وإن خرج الوقت على قياس قول أبي حنيفة في المحبوس إذا لم يجد ماء ولا ترابا نظيفا ا.
لكن تقدم في التيمم أن الاصح رجوع الامام إلى قولهما بأنه لا يؤخرها بل يتشبه بالمصلين، ورأيت في تيمم الحلية عن المبتغى: مسافر لا يقدر أن يصلي على الارض لنجاستها وقد ابتلت الارض بالمطر يصلي بالايماء إذا خاف فوت الوقت ا ه.
ثم قال: وظاهره أنه لا يجوز إذا لم يخف فوت الوقت، وفيه نظر، بل الظاهر الجواز وإن لم يخف فوت الوقت كما هو ظاهر إطلاقهم، نعم الاولى أن يصلي كذلك، إلا إذا خاف فوت الوقت بالتأخير كما في الصلاة بالتيمم ا ه.
وهذا عين ما بحثته أولا فليتأمل.
قوله: (وإن لم يكن الخ) كان المناسب ذكره قبل بيان الاعذار.
قوله: (لو واقفة) كذا قيده في شرح المنية ولم أره لغيره.
يعني إذا كانت العجلة على الارض ولم يكن شئ منها على الدابة، وإنما لها حبل مثلا تجرها الدابة به تصح الصلاة عليها لانها حينئذ كالسرير الموضوع على الارض، ومقتضى هذا التعليل أنها لو كانت سائرة في هذه الحالة لا تصح الصلاة عليها بلا عذر، وفيه تأمل، لان جرها بالحبل وهي على الارض لا تخرج به عن كونها على الارض، ويفيده عبارة التاترخانية عن المحيط، وهي: لو صلى على العجلة، إن كان طرفها على الدابة وهي تسير تجوز في
حالة العذر لا في غيرها، وإن لم يكن طرفها على الدابة جازت، وهو بمنزلة الصلاة على السرير ا ه.
فقوله: وإن لم يكن الخ يفيد ما قلنا لانه راجع إلى أصل المسألة، وقد قيدها بقوله: وهي تسير ولو كان الجواز مقيدا بعدم السير لقيده به، فتأمل.
قوله: (هذا كله) أي اشتراط عدم القدرة على النزول، ووضع خشبة تحت المحمل، وعدم كون طرف العجلة على الدابة ح.
قوله: (والواجب بأنواعه) أي ما كان واجبا لعينه عينا كالوتر، أو كفاية كالجنازة أو لغيره ووجب بالقول كالنذر، أو بالفعل كنفل شرع فيه ثم أفسده، وكسجدة تليت آيتها على الارض، فافهم.
قوله: (بشرط الخ) أوضحناه فيما مر.
قوله: (لئلا الخ) علة لقوله بشرط إيقافها ح.
والحاصل أن كلا من اتحاد المكان واستقبال القبلة شرط في صلاة غير النافلة عند الامكان لا يسقط إلا بعذر، فلو أمكنه إيقافها مستقبلا فعل، ولذا نقل في شرح المنية عن الامام الحلواني أنه لو انحرفت عن القبلة وهو في الصلاة لا تجوصلاته.
قال: وينبغي أن يكون الانحراف مقدار ركن ا ه.
قلت: بقي لو أمكنه الايقاف دون الاستقبال فلا كلام في لزومه لما ذكره الشارح من العلة، ولو بالعكس هل يلزمه الاستقبال؟ لم أره.
ثم رأيت في الحلية أنه يلزمه، وهو ظاهر قول الشارح هنا، وإلا فبقدر الامكان.
ثم رأيت في الظهيرية ما يدل على خلافه حيث قال: وإن كان في طين وردغة يخاف النزول يصلي إلى القبلة.
قال: وعندي هذا إذا كانت الدابة واقفة، أما إذا كانت سائرة يصلي حيث شاء ا ه: يعني إذا كان لا يمكنه إيقافها لخوف فوت الرفقة مثلا يصلي إلى أي جهة كانت.
والظاهر أن الاول أولى، لان الضرورة تتقدر بقدرها.
تأمل.
قوله: (مطلقا) أي سواء كانت واقفة أو سائرة على القبلة أو لا، قادر على النزول أو لا، طرف العجلة على الدابة أو لا.
ح.(2/44)
قوله: (لا بجماعة الخ) أي في ظاهر الرواية.
واستحسن محمد الجواز لودوابهم بالقرب من دابة الامام بحيث لا يكون بينهم وبينه فرجة إلا بقدر الصف، قياسا على الصلاة على الارض، والصحيح الاول لان اتحاد المكان شرط، حتى لو كانا على دابة واحدة في محمل واحد أو في شقي محمل
جاز.
بدائع.
قوله: (ولو جمع الخ) تقدمت هذه المسألة مع نظائرها قبيل باب صفة الصلاة.
قله: (ولو تحية) فيكلام قدمناه عند الكلام على تحية المسجد.
قوله: (لزماه به) أي لزمه الركعتان بطهر، وهذا ذكره في البحر بحثا قياسا على ما قال بغير وضوء.
أقول: ولا حاجة للبحث، فإن ما في المتن مذكور في متن المجمع.
ووجهه أن الناذر لما أوجب عليه ركعتين أوجبهما بطهارة، لان الصلاة لا تكون إلا بها، وقوله بعده بغير طهر رجوع عما التزمه فلا يصح.
ابن ملك.
قوله: (أي أبي يوسف) أشار إلى أنه كان ينبغي للمصنف التصريح به لانه لا مرجع للضمير في عنده لان المتعارف في مثله رجوعه لابي حنيفة، إلا إذا كان له مرجع خاص غيره.
قوله: (كما لو نذر بغير قراءة الخ) لان التزام الشئ التزام لما لا يصح إلا به، فصار كأنه نذر أن يصلي بقراءة ومستور العورة وركعتين، لان الصلاة غير صحيحة ما لم تكن شفعا وبقراءة وبثوب، وكذا لو نذر ثلاثا يلزمه أربع ركعات كما في المجمع، وعلله في شرحه قلنا، وأشار بالكا ف إلى أن هذه المسائل الثلاث لا خلاف فيها لمحمد.
والفرق له بينها وبين المسألة الاولى في شروح المجمع، وقوله: وكذا نصف ركعة أي يلزمه ركعتان، لان ذكر ما لا يتجزأ ذكر لكله، فكأنه نذر ركعة وهو التزام لاخرى أيضا كما علمت.
قوله: (وأهدره الثالث) أي أهدر النذر بغير طهر فقال: لا يلزمه شئ، لانه نذر بمعصية، ومقتضى ما في الفتح أن المعتمد الاول.
تنبيه: نذر أن يصلي الظهر ثمانيا، أن أو أن يزكي النصاب عشرا: أي بضم العين، أو حجة الاسلام مرتين لا يلزمه الزائد، لانه التزام غير المشروع فهو نذر بمعصية.
بحر.
والفرق أن الصلاة بلا قراءة أو عريانا تكون عبادة لمأموم أو أمي ولعادم ثوب، وكذا بلا طهارة، لقول أبي يوسف بمشروعيتها لفاقد الطهورين، أفاده في البحر.
أقول: والتعليل المار بأن التزام الشئ والتزام لما لا يصح إلا به يغني عن إبداء الفرق مع شموله للنذر بركعة أو نصفها.
تأمل.
قوله: (أو نذر الخ) كما لو نذر صلاة بمسجد مكة فأداها في القدس مثلا أو في غيره من المساجد جاز، لان المقصود من الصلاة القربة هي حاصلة في أي مكان، وتقدم قبيل باب الوتر أفضل الاماكن.
قوله: (لانه) أي الحيض المفهوم من فعله السابق.
قوله: (لانه نذر بمعصية) لان يوم الحيض مناف للصوم العبادة، بخلاف صوم الغد فإنه باعتبار ذاته قابل للاداء، ولكن صرف عنه مانع سماوي منع الاداء فوجب القضاء.
[ مب ](2/45)
مبحث: صلاة التراويح [ / مب ] قوله: (التراويح) جمع ترويحة، سميت الاربع بها للاستراحة بعدها.
خزائن.
وإنما أخرها عن النوافل لكثرة شعبها واختصاصها عنها بأدائها بجماعة وأحكام أخر، ولذا أفرد لها تأليفا خاصا بأحكامها الامام حسام الدين، وتبعه العلامة قاسم.
قوله: (سنة مؤكدة) صححه في الهداية وغيرها، وهو المروي عن أبي حنيفة.
وذكر في الاختيار أن أبا يوسف سأل أبا حنيفة عنها وما فعله عمر، فقال: التراويح سنة مؤكدة، ولم يتخرجه عمر من تلقاء نفسه، ولم يكن فيه مبتدعا، ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله (ص).
ولا ينافيه قول القدوري إنها مستحبة كما فهمه في الهداية عنه، لانه إنما قال: يستحب أن يجتمع الناس، وهو يدل على أن الاجتماع مستحب، وليس فيه دلالة على أن التراويح مستحبة، كذا في العناية.
وفي شرح منية المصلي: وحكى غير واحد الاجماع على سنيتها، وتمامه في البحر.
قوله (لمواظبة الخلفاء الراشدين) أي أكثرهم، لان المواظبة عليها وقعت في أثناء خلافة عمر رضي الله عنه، ووافقه على ذلك عامة الصحابة ومن بعدهم إلى يومنا هذا بلا نكير، وكيف لا وقد ثبت عنه (ص) عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ كما رواه أبو داود.
بحر.
قوله: (إجماعا) راجع إلى قول المتن سنة للرجال والنساء وأشار إلى أنه لا اعتداد بقول الروافض: إنها سنة الرجال فقط على ما في الدرر والكافي، أو أنها ليست بسنة أصلا كما هو المشهور عنهم على ما في حاشية نوح، لانهم أهل بدعة يتبعون أهواءهم لا يعولون على كتاب ولا سنة، وينكرون الاحاديث الصحيحة.
قوله: (بعد صلاة العشاء) قدر لفظ صلاة إشارة إلى أن المراد بالعشاء الصلاة لا وقتها، وإلى ما في النهر من أن المراد ما بعد الخروج منها حتى لو بنى التراويح عليها لا يصح، وهو الاصح: وكذا بناؤها على سنتها كما في الخلاصة.
قال: فكأنه ألحقوا السنة بالفرض.
تتمة: تقدم في بحث النية الاختلاف في أن السنن لا بد فيها من التعيين أو يكفي لها مطلق النية، والاصح الثاني، والاحوط الاول، وتقدم تمام الكلام فيه فراجعه.
هذا، وهل يشترط أن يجدد في التراويح لكل شفع نية؟ ففي الخلاصة: الصحيح نعم، لانه صلاة على حدة.
وفي الخانية: الاصح: لا، فإن الكل بمنزلة صلاة واحدة، كذا في التاترخانية.
وظاهره أن الخلاف في أصل النية.
ويظهر لي التصحيح الاول لانه بالسلام خرج من الصلاة حقيقة فلا بد في دخوله فيها من النية، ولا شك أن الاحوط، خروجا من الخلاف، نعم رجح في الحلية الثاني إن نوى التراويح كلها عند الشروع في الشفع الاول، كما لو خرج من منزله يريد صلاة الفرض مع الجماعة ولم تحضره النية لما انتهى إلى الامام.
قوله: (إلى الفجر) هذا آخر وقتها، ولا خلاف فيه كما في النهر.
قوله: (في الاصح أي من أقوال ثلاثة: الاول: أن وقتها الليل كله، قبل العشاء، ويعده، وقبل الوتر وبعده، لانها قيام الليل.
قال في البحر: ولم أر من صححه ا ه.
وظاهره أنه يدخل وقتها من غروب الشمس.
الثاني: أنه ما بين العشاء والوتر، وصححه في الخلاصة، ورجحه في غاية البيان بأنه المأثور المتوارث.(2/46)
الثالث: ما مشى عليه المصنف تبعا للكنز، وعزاه في الكافي إلى الجمهور، وصححه في الهداية والخانية والمحيط.
بحر.
قوله: (فلو فاته بعضها الخ) تفريع على الاصح، لكنه مبني على أن الافضل في الوتر الجماعة لا المنزل، وفي خلاف سيأتي، فقوله: أوتر معه أي على وجه الافضلية، وكذا على القول الاول من الثلاثة المارة، وأما على القول الثاني منها فإنه يأتي بما فاته، وعلله في الخلاصة بأنه لا يمكنه الاتيان به بعد الوتر، وبما قررناه ظهر أن ما في البحر من جعله التفريع على الثالث كالثاني، صوابه كالاول كما مشى عليه الشارح هنا.
وتظهر ثمرة الخلاف أيضا فيما لو صلاها بعد الوتر أو نسي بعضها وتذكر بعد الوتر فصلى الباقي صح على الاول والثالث دون الثاني قوله: (ولا تكره بعده في الاصح) وقيل تكره لانها تبع للعشاء فصارت كسنة العشاء.
والجواب أنه وإن كانت تبعا للعشاء لكنها صلاة الليل والافضل فيها آخره، فلا يكره تأخير ما هو
من صلاة الليل، ولكن الاحسن أن لا يؤخر إليه خشية الفوات.
ح عن الامداد.
وما في البحر من أن الصحيح أنه لا بأس بالتأخير لا يدل على ثبوت كراهة التنزيه حتى يجاب عن قول الشارح لا يكره بأن المنفي كراهة التحريم، لان كلمة لا بأس تدل على أن خلافه أولى، وليس كل ما هو خلاف الاولى مكروها تنزيها، لان الكراهة لا بد لها من دليل خاص كما قررناه مرارا، بل في رسالة العلامة قاسم وغيرها: والصحيح أنه لا بأس به، وهو المستحب والافضل لانها قيام الليل ا ه فافهم.
قوله: (ولا وحده) بيان لقوله: أصلا أي لا بجماعة ولا وحده ط.
قوله: (في الاصح) وقيل يقضيها وحده ما لم يدخل وقت تراويح أخرى، وقيل ما لم يمض الشهر.
قاسم.
قوله: (فإن قضاها) أي منفردا.
بحر.
قوله: (كسنة مغرب وعشاء) أي حكم التراويح في أنها لا تقضى إذا فاتت الخ كحكم بقية رواتب الليل لانها منها، لان القضاء من خواص الفرض وسنة الفجر بشرطها.
قوله: (والجماعة فيها سنة على الكفاية الخ) أفاد أن أصل التراويح سنة عين، فلو تركها واحد كره، بخلاف صلاتها بالجماعة فإنها سنة كفاية، فلو تركها الكل أساؤوا، أما لو تخلف عنها رجل من أفراد الناس وصلى في بيته فقد ترك الفضيلة، وإن صلى أحد في البيت بالجماعة لم ينالوا فضل جماعة المسجد، وهكذا في المكتوبات كما في المنية.
وهل المراد أنها سنة كفاية لاهل كل مسجد من البلدة أو مسجد واحد منها أو من المحلة؟ ظاهر كلام الشارح الاول.
واستظهر ط الثاني.
ويظهر لي الثالث، لقو المنية: حتى لو ترك أهل محلة كلهم الجماعة فقد تركوا السنة وأساؤوا ا ه.
وظاهر كلامهم هنا أن المسنون كفاية إقامتها بالجماعة في المسجد، حتى لو أقاموها جماعة في بيوتهم ولم تقم في المسجد أثم الكل، وما قدمناه عن المنية فهو في حق البعض المختلف عنها.
وقيل إن الجماعة فيها سنة عين، فمن صلاها وحده أساء وإن صليت في المساجد، وبه كان يفتي ظهير الدين، وقيل تستحب في البيت إلا لفقيه عظيم يقتدى به، فيكون في حضوره ترغيب غيره.
والصحيح قول الجمهور أنها سنة كفاية، وتمامه في البحر.
قوله: (وهي عشرون ركعة) هو قول(2/47)
الجمهور، وعليه عمل الناس شرقا وغربا، وعن مالك ست وثلاثون.
وذكر في الفتح أن مقتضى
الدليل كون المسنون منها ثمان والباقي مستحبا، وتمامه في البحر، وذكرت جوابه فيما علقته عليه.
قوله: (المكمل) بكسر الميم وهو التراويح للمكمل بفتحها وهي الفرائض مع الوتر، ولا مانع أن تكمل الوتر وإن صليت قبله.
وفي النهر: ولا يخفى أن الرواتب وإن كملت أيضا، إلا أن هذا الشهر لمزيد كماله زيد فيه هذا المكمل فتكمل ا ه ط.
قوله: (وصحت بكراهة) أي صحت عن الكل.
وتكره إن تعمد، وهذا هو الصحيح كما في الحلية عن النصاب وخزانة الفتاوى، خلافا لما في المنية من عدم الكراهة، فإنه لا يخفى لمخالفته المتوارث مع تصريحهم بكراهة الزيادة على ثمان في مطلق التطوع ليلا فهنا أولى.
بحر.
قوله: (به يفتى) لم أر من صرح بهذا اللفظ هنا، وإنما صرح به في النهر عن الزاهدي فيما لو صلى أربعا بتسليمة واحدة وقعدة واحدة، وأما إذا صلى العشرين جملة كذلك فقد قاسه عليه في البحر: نعم صرح في الخانية وغيرها بأنه الصحيح، مع أنا قدمنا عن البدائع والخلاصة والتاترخانية أنه لو صلى التطوع ثلاثا أو ستا أو ثمانيا بقعدة واحدة فالاصح أنه يفسد استحسانا وقياسا، وقدمنا وجهه فقد اختلف التصحيح في الزائد على الاربعة بتسليمة وقعدة واحدة، هل يصح عن شفع واحد أو يفسد؟ فليتنبه.
فروع: شكوا هل صلوا تسع تسليمات أو عشرا؟ يصلون تسليمة أخرى فرادى في الاصح للاحتياط في إكمال التراويح والاحتراز عن التنفل بالجماعة، وكذا لو تذكروا تسليمة بعد الوتر عن ابن الفضل.
وقال الصدر الشهيد: يجوز أن يقال تصلى بجماعة، وهو الاظهر لانه بناء على القول المختار في وقتها، ولو سلم الامام على رأس ركعة ساهيا في الشفع الاول ثم صلى ما بقي: قيل يقضي الشفع الاول فقط لصحة شروعه فيما بعده، وقيل يقضي الكل، لان سلامه الاول لم يخرجه من حرمة الصلاة لكونه سهوا، وكذا كل سلام بعده يكون سهوا مبنيا على السهو الاول، فقد ترك القعدة على الركعتين في الاشفاع كلها فتفسد بأسرها، إلا إذا تعمد السلام أو فعل بعده ما ينافي الصلاة أو علم أنه سها، وتمامه في شرح المنية.
ويظهر لي أرجحية القول الاول، لان سلامه وإن لم يخرجه لكن تكبيره على قصد الانتقال إلى الشفع الآخر يخرجه عن الاول، ثم رأيته في الحلية قال: إنه الاشبه.
قوله: (يجلس) ليس المراد حقيقة الجلوس، بل المراد الانتظار، لانه يخير بين
الجلوس ذاكرا أو ساكتا، وبين صلاته نافلة منفردا كما يذكره، أفاده في شرح المنية والبحر قوله: (ندبا) وما يفيده كلام الكنز من أنه سنة تعقبه الزيلعي بأنه مستحب لا سنة، وبه صرح في الهداية.
قوله: (بين كل أربعة) الاوضح قول الكنز: بعد كل أربعة، أو قول المنية والدرر: بين كل ترويحتين، لايهامه أن الجلسة بعد الشفع الاول من كل أربعة.
والجواب أن المراد بين كل أربعة وأربعة، فحذف أحد المتعددين كما في قوله تعالى: * (لا نفرق بين أحد من رسله) * (البقرة: 582) أي بين أحد وأحد، ولا فساد في ذلك، فافهم.
قوله: (وكذا بين الخامسة والوتر) صرح به في الهداية، واستدرك عليه في النهر بما في الخلاصة من أن أكثرهم على عدم الاستحباب، وهو الصحيح ا ه.
أقول: هذا سبق نظر، فإن عبارة الخلاصة هكذا: والاستراحة على خمس تسليمات اختلف(2/48)
المشايخ فيه، وأكثرهم على أنه لا يستحب، وهو الصحيح ا ه.
فإن مراده بخمس تسليمات خمس أشفاع: أي على الركعة العاشر كما فسر به في شرح المني، لا خمس ترويحات كل ترويحة أربع ركعات، فقد اشتبه على صاحب النهر التسليمة بالترويحة، فافهم.
قوله: (بين تسبيح) قال القهستاني: فيقال ثلاث مرات سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزة والعظمة والقدرة والكبرياء والجبروت، سبحان الملك الحي الذي لا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، لا إله إلا الله، نستغفر الله، نسألك الجنة ونعوذ بك من النار كما في منهج العباد ا ه.
قوله: (وصلاة فرادى) أي صلاة أربع ركعات في زاد ست عشرة ركعة.
قال العلامة قاسم: إن زادها منفردين لا بأس به، وهو مستحب، وإن صلوها بجماعة كما هو مذهب مالك كره الخ.
وفي النهر: وأما الصلاة فقيل مكروهة، وقيل سنة، وهو ظاهر ما في السراج، وأهل مكة يطوفون وأهل المدينة يصلون أربعا ا ه.
قوله: (نعم تكره الخ) لان الاستراحة مشروعة بين كل ترويحتين لا بين كل شفعين.
قوله: (والختم مرة سنة) أي قراءة الختم في صلاة التراويح سنة، وصححه في الخانية وغيرها وعزاه في الهداية إلى أكثر المشايخ.
وفي الكافي إلى الجمهور، وفي البرهان: وهو المروي عن أبي حنيفة والمنقول في الآثار.
قال الزيلعي: ومنهم من استحب الختم في ليلة السابع والعشرين رجاء أن
ينالوا ليلة القدر، لان الاخبار تظاهرت عليها.
وقال الحسن عن أبي حنيفة: يقرأ في كل ركعة عشر آيات ونحوها، وهو الصحيح، لان السنة الختم فيها مرة وهو يحصل بذلك مع التخفيف، لان عدد ركعات التراويح في الشهر ستمائة ركعة، وعدد آي القرآن ستة آلاف آية وشئ ا ه.
وما في الخلاصة من أنه يقرأ في كل ركعة عشر آيات حتى يحصل الختم في ليلة السابع والعشرين ونحوه في الفيض فيه نظر، لان توزيعه عشرا فعشرا يقتضي الختم في الثلاثين، إلا أن يكون مع ضم الوتر، لكن في الخانية وغيرها ما يفيد تخصيص التراويح، وتمامه في شرح الشيخ إسماعيل.
وفي شرح المنية: ثم إذا ختم قبل آخر الشهر قيل لا يكره له ترك التراويح فيما بقي، لانها شرعت لاجل ختم القرآن مرة، قاله أبو علي النسفي.
وقيل يصليها ويقرأ فيها ما شاء، ذكره في الذخيرة ا ه.
قوله: (الافضل في زماننا الخ) لان تكثير الجمع أفضل من تطويل القراءة، حلية عن المحيط وفيه إشعار بأن هذا مبني على اختلاف الزمان، فقد تتغير الاحكام لاختلاف الزمان في كثير من المسائل على حسب المصالح، ولهذا قال في البحر: فالحاصل أن المصحح في المذهب أن الختم سنة، لكن لا يلزم منه عدم تركه إذا لزم منه تنفير القوم وتعطيل كثير من المساجد خصوصا في زماننا، فالظاهر اختيار الاخف على القوم.
قوله: (وفي المجتبى الخ) عبارته على ما في البحر: والمتأخرون كانوا(2/49)
يفتون في زماننا بثلاث آيات قصار أو آية طويلة حتى لا يمل القوم ولا يلزم تعطيلها، فإن الحسن روى عن الامام أنه إن قرأ في المكتوبة بعد الفاتحة ثلاث آيات فقد أحسن ولم يسئ، هذا في المكتوبة فما ظنك في غيرها؟ ا ه.
قوله: (وآية أو آيتين) أي بقدر ثلاث آيات قصار بدليل عبارة المجتبى، وإلا فلو دون ذلك كره تحريما لما في المنية وشرحها في بحث صفة الصلاة: لو قرأ مع الفاتحة آية قصيرة أو آيتين قصيريتن لم يخرج عن حد كراهة التحريم، وإن قرأ ثلاثا قصارا أو كانت الآية أو الآيتان تعدل ثلاث آيات قصار أخرج عن حد الكراهة المذكورة، ولكن لم يدخل في إ حد الاستحباب.
وينبغي أن يكون فيه كراهة تنزيه الخ: أي لان السنة قراءة المفصل، فقوله هنا: لا يكره أي لا تحريما ولا تنزيها، وإن كره في الفرائض تنزيها، فافهم هذا.
هذا، وفي التجنيس: واختار بعضهم سورة الاخلاص في كل ركعة، وبعضهم سورة الفيل: أي البداءة منها ثم يعيدها، وهذا أحسن لئلا يشتغل قلبه بعدد الركعات.
قال في الحلية: وعلى هذا استقر عمل أئمة أكثر المساجد في ديارنا، إلا أنهم يبدؤون بقراءة سورة التكاثر في الاولى والاخلاص في الثانية، وهكذا إلى أن تكون قراءتهم في التاسعة عشرة بسورة تبت وفي العشرين بالاخلاص ا ه.
زاد في البحر: وليس فيه كراهة في الشفع الاول من الترويحة الاخيرة بسبب الفصل بسورة واحدة لانه خاص بالفرائض، كما هو ظاهر الخلاصة وغيرها ا ه.
قلت: لكن الاحواط قراءة النصر وتبت في الشفع الاول من الترويحة الاخيرة، والمعوذتين في الشفع الثاني منها، وبعض أئمة زماننا يقرأ بالعصر والاخلاص في الشفع الاول من كل ترويحة، وبالكوثر والاخلاص في الشفع الثاني.
قوله: (ويزيد الامام الخ) أي بأن يأتي بالدعوات.
بحر.
قوله: (ويكتفي باللهم صل على محمد) زاد في شرح المنية الصغير: وعلى آل محمد، وكأن الشارح اقتصر على الاول أخذا من التعليل، لان الصلاة على الآل لا تفرض عند الشافعي رحمه الله تعالى، بل تسن عنده في التشهد الاخير، وقيل تجب عنده.
قوله: (هذرمة) بفتح الهاء وسكون الذال المعة وفتح الراء: سرعة الكلام والقراءة.
قاموس.
وهو منصوب على البدلية من المنكرات، ويجوز القطع ح.
قوله: (واستراحة) هي القعدة بعد كل أربع، وقد مر أنها مندوبة، وبه يعلم أن المراد بالمنكرات مجموع ما ذكر، إلا أن يراد بها ما يخالف المشروع.
قوله: (وتكره قاعدا) أي تنزيها، لما في الحلية وغيرها من أنهم اتفقوا على أنه لا يستحب ذلك بلا عذر، لانه خلاف المتوارث عن السلف.
قوله: (حتى قبل الخ) أي قياسا على رواية الحسن عن الامام في سنة الفجر، لان كلا منهما سنة مؤكدة.
والصحيح الفرق بأن سنة الفجر مؤكدة بلا خلاف، بخلاف التراويح كما في الخانية، وقدمنا عبارتها في بحث سنة الفجر.
قوله: (كما يكره الخ) ظاهره أنها تحريمية للعلة المذكورة.
وفي البحر عن الخانية: يكره للمقتدي أن يقعد في التراويح، فإذا أراد الامام أن يركع يقوم، لان فيه إظهار التكاسل في الصلاة والتشبه بالمنافقين، قال تعالى: * (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) * (النساء: 241) ط.
قال(2/50)
في الحلية: وفيه إشعار بأنه إذا لم يكن لكسل بل لكبر ونحوه لا يكره، وهو كذلك ا ه.
تنبيه: قال في التاترخانية: وكذا إذا غلبه النوم يكره له أن يصلي، بل ينصرف حتى يستيقظ.
قوله: (لانها تبع) أي لان جماعتها تبع لجماعة الفرض فإنها لم تقم إلا بجماعة الفرض، فلو أقيمت بجماعة وحدها كانت مخالفة للوارد فيها فلم تكن مشروعة، أما لو صليت بجماعة الفرض وكان رجل قد صلى الفرض وحده فله أن يصليها مع ذلك الامام، لان جماعتهم مشروعة فله الدخول فيها معهم لعدم المحذور، هذا ما ظهر لي في وجهه، وبه ظهر أن التعليل المذكور لا يشمل المصلي وحده، فظهر صحة التفريع بقوله: فمصليه وحده الخ فافهم.
قوله: (ولو لم يصلها الخ) ذكر هذا الفرع والذي قبله في البحر عن القنية، وكذا في متن الدرر، لكن في التاترخانية عن التتمة أنه سأل علي بن أحمد عمن صلى الفرض والتراويح وحده أو التراويح فقط هل يصلي الوتر مع الامام؟ فقال: لا ا ه.
ثم رأيت القهستاني ذكر تصحيح ما ذكره المصنف، ثم قال: لكنه إذا لم يصل الفرض معه لا يتبعه في الوتر ا ه.
فقوله: ولو لم يصلها أي وقد صلى الفرض معه، لكن ينبغي أن يكون قول القهستاني معه احترازا عن صلاتها منفردا، أما لو صلاها جماعة مع غيره ثم صلى الوتر معه لا كراهة.
تأمل.
قوله: (بقي الخ) الذي يظهر أن جماعة الوتر تبع لجماعة التراويح وإن كان الوتر نفسه أصلا في ذاته، لان سنة الجماعة في الوتر إنما عرفت بالاثر تابعة للتراويح، على أنهم اختلفوا في أفضلية صلاتها بالجماعة بعد التراويح كما يأتي.
مطلب في كراهة الاقتداء في النفل على سبيل التداعي وفي صلاة الرغائب قوله: (أي يكره ذلك) أشار إلى ما قالوا من أن المراد من قول القدوري في مختصرة لا يجوز الكراهة لا عدم أصل الجواز، لكن في الخلاصة عن القدوري أنه لا يكره، وأيده في الحلية بما أخرجه الطحاوي عن المسور بن مخرمة قال: دفنا أبا بكر رضي الله عنه ليلا، فقال عمر رضي الله عنه: إني لم أوتر، فقام وصفنا وراءه فصلى بنا ثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن.
ثم قال: ويمكن أن يقال: الظاهر أن الجماعة فيه غير مستحبة، ثم إن كان ذلك أحيانا كما فعل عمر كان مباحا غير مكروه، وإن كان على سبيل المواظبة كان بدعة مكروهة لانه خلاف المتوارث، وعليه
يحمل ما ذكره القدوري في مختصره، وما ذكره في غير مختصره يحمل على الاول، والله أعلم ا ه.
قلت: ويؤيده أيضا في البدائع من قوله: إن الجماعة في التطوع ليست بسنة إلا في قيام رمضان ا ه.
فإن نفي السنية لا يستلزم الكراهة، نعم إن كان مع المواظبة كابدعة فيكره.
وفي حاشية البحر للخير الرملي: علل الكراهة في الضياء والنهاية بأن الوتر نفل من وجه حتى وجبت القراءة في جميعها، وتؤدى بغير أذان وإقامة، والنفل بالجماعة غير مستحب لانه لم تفعله الصحابة في غير رمضان ا ه.
وهو كالصريح في أنها كراهة تنزيه.
تأمل ا ه.
قوله: (على سبيل التداعي) هو أن يدعو بعضهم بعضا كما في المغرب، وفسره الواني بالكثرة وهو لازم معناه.
قوله: (أربعة بواحد) أما اقتداء واحد بواحد أو اثنين بواحد فلا يكره، وثلاثة بواحد فيه خلاف.
بحر عن الكافي.(2/51)
وهل يحصل بهذا الاقتداء فضيلة الجماعة؟ ظاهر ما قدمناه من أن الجماعة في التطوع ليست بسنة يفيد، عدمه.
تأمل.
بقي لو اقتد به واحد أو اثنان ثم جاءت جماعة اقتدوا به.
قال الرحمتي: ينبغي أن تكون الكراهة على المتأخرين ا ه.
قلت: وهذا كله لو كان الكل متنفلين، أما لو اقتدى متنفلون بمفترض فلا كراهة كما نذكره في الباب الآتي.
قوله: (في صلاة رغائب) في حاشية الاشباه للحموي: هي التي في رجب في أول ليلة جمعة منه.
قال ابن الحاج في المدخل: وقد حدثت بعده أربعمائة وثمانين من الهجرة، وقد صنف العلماء كتبا في إنكارها وذمها وتسفيه فاعلها، ولا يغتر بكثرة الفاعلين لها في كثير من الامصار ا ه.
وقدمنا بعض الكلام عليها عند قوله: وإحياء ليلة العيدين.
قوله: (وبراءة) هي ليلة النصف من شعبان.
قوله: (وقدر) الظاهر أن المراد بها ليلة السابع والعشرين من رمضان، لما قدمناه عن الزيلعي من أن الاخبار تظاهرت عليها.
قوله: (إلا إذا قال الخ) لانه لا خروج عنها حينئذ إلا بالجماعة.
وظاهر كلام الشارح أن النذر من المقتدين دون الامام، وإلا كان اقتداء الناذر بالناذر وهو لا يجوز، ثم إن بناء القوي على الضعيف إنما يمنع إذا كانت القوة ذاتية، فلو عرضت بالنذر كما هنا فلا، ومن هنا قال في شرح المنية: النذر كالنفل.
ط عن أبي السعود.
قوله: (قلت الخ) لم
ينقل عبارة البزازية بتمامها، ونصها: ولا ينبغي أن يتكلف لالتزام ما لم يكن في الصدر الاول، كل هذا التكلف لاقامة أمر مكروه، وهو أداء النفل بالجماعة على سبيل التداعي، فلو ترك أمثال هذه الصلوات تارك ليعلم الناس أنه ليس من الشعار فحسن ا ه.
وظاهره أنه بالنذر لم يخرج عن كونه أداء النفل بالجماعة.
قوله: (وفي التاترخانية الخ) عبارتها نقلا عن المحيط: وذكر القاضي الامام أبو علي النسفي فيمن صلى العشاء والتراويح والوتر في منزله ثم أم قوما آخرين في التراويح ونوى الامامة كره له ذلك، ويكره للمأمومين.
ولو لم ينو الامامة وشرع في الصلاة فاقتدى الناس به لم يكره لواحد منهما ا ه.
قال ط: وهل إذا اقتدى حنفي نوى سنة الجمعة البعدية بشافعي يصلي الظهر بعدها يكره نظرا لاعتقاد الحنفي لانها نفل عنده على المعتمد، أو لا يكره نظرا لاعتقاد الامام؟ حرره ا ه.
ويظهر لي الاول، لان الارجح أن العبرة لاعتقاد المقتدي، وهذه الصلاة في اعتقاده مكروهة.
قوله: (تصحيحان) رجح الكمال الجماعة بأنه (ص) كان أوتر بهم، ثم بين العذر في تأخره مثل ما صنع في التراويح فالوتر كالتراويح، فكما أن الجماعة فيها سنة فكذلك الوتر.
بحر.
وفي شرح المنية: والصحيح أن الجماعة فيها أفضل، إلا أن سنيتها ليست كسنية جماعة التراويح ا ه.
قال الخير الرملي: وهذا الذي عليه عامة الناس اليوم ا ه.
وقواه المحشي أيضا بأنه مقتضى ما مر أن كل ما شرع بجماعة فالمسجد أفضل فيه.(2/52)
باب: إدراك الفريضة حقيقة هذا الباب مسائل شتى تتعلق بالفرائض في الاداء الكامل، وكله مسائل الجمع، بحر وفتح ومعراك.
أقول: وهو في الحقيقة تتميم لباب الامامة، ولذا ذكره صاحب الهداية في كتاب مختارات النوازل عقبه، وترجمه بفصل إدراك الجماعة وفضيلتها.
قوله: (خرج النافلة الخ) أي خرج بالفريضة النافلة والنذر، وكذا بالاداء، لان الاداء كما سيذكره في الباب الآتي فعل الواجب في وقته، فالنفل والنذر لا وقت لهما، والقضاء فعله خارج وقته.
قال ح: فقوله فيما يأتي: والشارع في نفل لا يقطع مطلقا تصريح بالمفهوم.
قوله: (والقضاء) يعني إذا شرع في صلاة قضاء ثم شرع الامام
في الاداء فإنه لا يقطع، وإنما حملناه على هذا، لانه إذا شرع في قضاء فرض فأقيمت الجماعة في ذلك الفرض بعينه يقطع كما ذكره في البحر بحثا، وجزم به في إمداد الفتاح ا ه ح.
أقول: وجزم به المقدسي أيضا، وأما ما نقله عن البحر فلم أره فيه.
والذي رأيته فيه معزيا للخلاصة: لو شرع في قضاء الفوائت ثم أقيمت لا يقطع كالنفل، والمنذورة كالفائتة ا ه.
تنبيه: لو خاف فوت جماعة الحاضرة قبل قضاء الفائتة، فإن كان صاحب ترتيب قضى، وإن لم يكن فهل يقضي ليكون الاداء على حسب ما وجب، وليخرج من خلاف مالك فإن الترتيب لا يسقط عنده بالاعذار المذكور عندنا، أم يقتدي لاحراز فضيلة الجماعة مع جواز تأخير القضاء وإمكان تلافيه؟ قال الخير الرملي: لم أره، ثم نقل عن الشافعية اختلاف الترجيح.
فيه.
واستظهر الثاني.
قلت: ووجهه ظاهر، لان الجماعة واجبة عندنا أو في حكم الواجب، ولذا يترك لاجلها سنة الفجر التي قيل عندنا بوجوبها، ومراعاة خلاف الامام مالك مستحبة، فلاينبغي تفويت الواجب لاجل المستحب.
قوله: (أي شرع في الفريضة) بالبناء للمجهول، وفي الفريضة نائب الفاعل: أي شرع فيها الامام، وقدمنا في باب الامام أن الاقتداء بالفاسق والاعمى ونحوهما أولى من الانفراد، وكذا بالمخالف الذي يراعى في الشروط والاركان.
وعليه فيقطع ويقتدي به، لان العلة تحصيل فضيلة الجماعة فحيث حصلت بلا كراه، بأن لم يوجد من هو أولى مهم كان القطع والاقتداء أولى، وقدمنا اختلاف المتأخرين فيما لو تعددت الجماعات وسبقت جماعة الشافعية: فبعضهم على أن الصلاة من أول جماعة أفضل، وبعضهم على أن انتظار الاقتدار بالموافق أفضل بناء على كراهة الاقتداء بالمخالف لعدم مراعاته في الواجبات والسنن وإن راعى في الفروض، واستظهرنا هناك عدم كراهة الاقتداء به ما لم يعلم منه مفسدا كما مال إليه الخير الرملي وأنه لو انتظر إمام مذهبه بعيدا عن الصفوف لم يكن إعراضا عن الجماعة للعلم بأنه يريد جماعة أكمل من هذه الجماعة، فعلى هذا لو شرع في سنة الظهر يتمها أربعا حتى على قول الكمال الآتي.
بقي لو كان مقتديا بمن يكره الاقتداء به ثم شرع من لا كراهة فيه هل يقطع ويقتدي به؟ استظهر ط أن الاول لو فاسقا لا يقطع، ولو مخالفا وشك في مراعاته يقطع.
أقول: والاظهر العكس، لان الثاني كراهته تنزيهية كالاعمى والاعرابي، بخلاف الفاسق، فإنه(2/53)
استظهر في شرح المني أنها تحريمية لقولهم: إن في تقديمه للامامة تعظيمه وقد وجب علينا إهانته، بل عند مالك ورواية عن أحمد: لا تصح الصلاة خلفه.
قوله: (لا إقامة المؤذن الخ) مرفوع عطفا على معنى قوله: شرع في الفريضة في مصلاه فكأنه قال: المراد بالاقامة الشروع في الفريضة في مصلاه لا إقامة المؤذن الخ ح: أي فلا يقطع إذا أقام المؤذن وإن لم يقيد الركعة بالسجدة بل يتمها ركعتين كما في غاية البيان وغيره: وكذا لو أقيمت في المسجد وهو في البيت أو في مسجد آخر لا يقطع مطلقا.
بحر: أي سواء قيد الركعة بسجدة أو لا، وإن كان فيه إحراز ثواب الجماعة، لانه لا يوجد مخالفة الجماعة عيانا.
معراج: أي بخلاف ما إذا كانا في مسجد واحد فإن في عدم قطعها مخالفة الجماعة عيانا.
وفيه إشارة إلى دفع ما أورده ط من أنهم صرحوا بطلب الجماعة في مسجد آخر إن فاتته فيما هو فيه، وإن الجماعة واجبة ولم تقيد بمسجده، وإن القطع للاكمال إكمال، فلا يظهر الفرق.
وبيان الدفع أن الجماعة وإن كانت مطلوبة واجبة، لكن عارض وجوبها حرمة القطع فسقط الوجوب وترجح القطع للاكمال إذا كان في عدم القطع مخالفة الجماعة عيانا، لان هذه المخالفة منهية أيضا فصار القطع أولى لذلك.
أما إذا لم توجد المخالفة المذكورة يبقى الوجوب ساقطا بحرمة القطع لترجح الحاظر على المبيح وعدم ما يرجح جانب المبيح، هذا ما ظهر لي فتدبره.
قوله: (يقطعها) قال في المنح: جاز نقض الصلاة منفردا لاحراز الجماعة ا ه.
وظاهر التعليل الاستحباب، وليس المراد بالجواز مستوى الطرفين.
وقد يقال: إن إحراز الجماعة واجب على أعدل الاقوال فيقتضي وجوب القطع، وقد يقال: إنه عارضه الشروع في العمل ط.
قوله: (كما لو ندت الخ) أي هربت، وأشار بذكر هذه المسائل هنا وإن تقدمت في مكروهات الصلاة قبيل قوله: وكره استقبال القبلة إلى ما قالوا من أنه إذا جاز القطع فيها لحطام الدنيا ثم الاعادة من غير زيادة إحسان فجوازه لتحصيله على وجه أكمل أولى، لان صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس، وفي
رواية بسبع وعشرين درجة.
قوله: (أو خاف ضياع درهم من ماله) قال في الظهيرية: لم يفصل في الكتاب بين المال القليل والكثير، وعامة المشايخ قدروه بدرهم.
قال شمس الائمة السرخسي: هذا حسن لولا ما ذكر في كتاب الحوالة والكفالة أن للطالب حبس غريمه بالدانق فما فوقه، فإذا جاز حبس المسلم بالدانق فجواز قطع الصلاة مع تمكنه من قضائها أولى.
والصحيح أنه لا فصل بين ماله ومال غيره ا ه.
قوله: (لامكان قضائه) هذا التعليل يفيد جواز قطع الفرض للجنازة ح عن الامداد.
قلت: عارضه: أن الفرض أقوى منها بخلاف النفل ط.
قوله: (ويجب) أي يفترض.
قوله: (لا يجيبه) ظاهره الحرمة سواء علم أنه في الصلاة أو لا ط.
قوله: (إلا أن يستغيث به) أي يطلب منه الغوث والاعانة، وظاهره ولو في أمر غير مهلك واستغاثه غير الابوين كذلك ط.(2/54)
والحاصل أن المصلي متى سمع أحدا يستغيث وإن لم يقصده بالنداء، أو كان أجنبيا وإن لم يعلم ما حل به أو علم وكان له قدر على إغاثته وتخليصه وجب عليه إغاثته وقطع الصلاة فرضا كانت أو غيره.
قوله: لا يجيبه) عبارة التجنيس عن الطحاوي: لا بأس أن لا يجيبه.
قال ح: وهي تقتضي أن الاجابة أفضل تأمل ا ه.
قلت: ومقتضاه أن إجابته خارج الصلاة واجبة أيضا بالاولى.
والظاهر أن محله إذا تأذى منه بترك الاجابة لكونه عقوقا.
تأمل.
هذا، وذكر الرحمتي ما معناه: أنه لما كان بر الوالدين واجبا وكان مظنة أن يتوهم أنه إذا ناداه أحدهما يكون عليه بأس في عدم إجابته دفع ذلك بقوله: لا بأس ترجيحا لامر الله تعالى بعدم قطع العبادة، لان نداءه له مع علمه بأنه في الصلاة معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلا تجوز إجابته، بخلاف ما إذا لم يعلم أنه في الصلاة فإنه يجيبه، لما علم في قصة جريج الراهب، ودعاء أمه عليه، وما ناله العناء لعدم إجابته لها، فليس كلمة لا بأس هنا لخلاف الاولى، لان ذلك غير مطرد فيها، بل قد تأتي بمعنى يجب، والظاهر أن هذا منه.
مطلب: قطع الصلاة يكون حراما ومباحا ومستحبا وواجبا
تتمة: نقل عن خط صاحب البحر على هامشه أن القطيكون حراما ومباحا ومستحبا وواجبا، فالحرام لغير عذر، والمباح إذا خاف فوتمال، والمستحب القطع للاكمال، والواجب لاحياء نفس.
قوله: (هو الاصح) وقيد يقعد ويسلم، لكن ذكر ط أن الظاهر أنه لا خلاف هنا، وإنما ذكروا الخلاف فيما إذا قام إلى الثالثة ولم يقيدها بسجدة ا ه.
وحينئذ فالاولى إرجاع التصحيح إلى قوله: بتسليمة واحدة لكن لم يصرح بذلك في غاية البيان وإنما قال: لكن يسلم تسليمة واحدة، وبه صرح في شروح الجامع الصغير، وإن شاء كبر قائما.
قال فخر الاسلام: وهذا أصح، فإذا كبر قائما ينوي الشروع في صلاة الامام تنقطع الاولى في ضمن شروعه في صلاة الامام، ثم هو مخير في رفع اليدين، كذا قاله الامام حميد الدين الضرير في شرحه ا ه.
قوله: (وهذا إن لم يقيد الخ) حاصل هذه المسألة: شرع في فرض فأقيم قبل أن يسجد للاولى قطع واقتدى، فإن سجد لها، فإن في رباعي أتم شفعا واقتدى ما لم يسجد للثالثة، فإن سجد أتم واقتدى متنفلا إلا في العصر، وإن في غير رباعي قطع واقتدى ما لم يسجد للثانية، فإن سجد لها أتم ولم يقتد ا ه ح.
قوله (أو قيدها) عطف على لم يقيد أي وإن قيدها بسجدة في غير رباعية كالفجر والمغرب فإنه يقطع ويقتدي أيضا ما لم يقيد الثانية بسجدة، فإن قيدها أتم، ولا يقتدي لكراهة التنفل بعد الفجر، وبالثلاث في المغرب، وفي جعلها أربعا مخالفة لامامه، فإن اقتدى أتمها أربعا لانه أحوط لكراهة التنفل بالثلاث تحريما، ومخالفة الامام مشروعة في الجملة كالمسبوق فيما يقضي والمقتدي بمسافر، وتمامه في البحر.
قوله: (أو فيها الخ) أي أو قيد الركعة الاولى بسجدة في الرباعية فإنه أيضا يقتدي، ولكن بعد أن يضم: إليها ركع صيانة للركعة المؤداة عن البطلان كما صرحوا به.(2/55)
مطلب: صلاة ركعة واحدة باطلة، لا صحيحة مكروهة قال في البحر: وهو صريح في أن صلاة ركعة فقط باطلة، لا أنها صحيحة مكروهة كما توهمه بعض حنفية العصر ا ه.
وفي النهر أن بطلان هذا التوهم غني عن البيان.
قوله: (وإن صلى ثلاثا منها) أبأن قيد الثالثة بسجدة.
قال في البحر: قيد بالثلاث، لانه لو كان في الثالثة ولم يقيدها
بسجدة فإنه يقطعها لانه بمحل الفرض.
ويتخير، إن شاء عاد وقعد وسلم، وإن شاء كبر قائما ينوي الدخول في صلاة الامام، كذا في الهداية وفي المحيط: الاصح أن يقطع قائما بتسليمة واحدة لان القعود مشروط للتحلل، وهذا قطع وليس بتحلل، فإن التحلل عن الظهر لا يكون على رأس الركعتين، ويكفيه تسليمة واحدة للقطع انتهى.
وهكذا صححه في غاية البيان معزيا إلى فخر الاسلام ا ه.
قوله: (أتم) أي وجوبا، فلو قطع واقتدى كان آثما.
رملي.
وفي القهستاني: وفيه إشارة إلى أنه لا يشتغل بحيلة، مثل أن لا يقعد على الرابعة ويصيرها ستا كما في المحيط.
ومثل أن يصلي الرابعة قاعدا لتنقلب نفلا، لان الاتمام فرض كما في المنية ا ه.
قوله: (ثم اقتدى متنفلا) أي إن شاء، وهو أفضل إمداد.
وأورد أن التنفل بجماعة مكروه خارج رمضان.
وأجيب بنعم إذا كان الامام والقوم متطوعين، أما إذا أد الامام الفرض والقوم النفل فلا، لقوله عليه الصلاة والسلام للرجلين إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما صلاة قوم فصليا معهم واجعلا صلاتكما معهم سبحة أي نافلة، كذا في الكافي بحر.
قوله: (ويدرك بذلك فضيلة الجماعة) الظاهر أن المراد أنه يحصل بذلك الاقتداء فضيلة الجماعة التي هي المضاعفة بخمس أو سبع وعشرين درجة، كملو كان صلى الفريضة مقتديا، لان هذه جماعة مشروعة أيضا: إما لاستدراك ما فات أو لئلا يصير مخالفا للجماعة، ولكن الظاهر أن هذه المضاعفة مضاعفة ثواب النفل لا الفرض، فليراجع.
قوله: (حاوي) أي حاوي القدسي كما في البحر، لا حاوي الحصيري ولا حاوي الزاهدي.
قوله: (مطلقا) أي سواء قيد الاولى بسجدة أو لا.
قوله: (خلافا لما رجحه الكمال) حيث قال: وقيل يقطع على رأس الركعتين، وهو الراجح، لانه يتمكن من قضائها بعد الفرض.
ولا إبطال في التسليم على الركعتين، فلا يفوت فرض الاستماع والاداء على الوجه الاكمل بلا سبب ا ه.
أقول: وظاهر الهداية اختياره، وعليه مشى في الملتقى ونور الايضاح والمواهب وجمعة الدرر والفيض، وعزاه الشرنبلالية إلى البرهان.
وذكر في الفتح أنه حكي عن السعدي أنه رجع إليه لما رآه في النوادر عن أبي حنيفة وأنه مال إليه السرخسي والبقالي.
وفي البزازية أنه رجع إليه القاضي
النسفي.
وظاهر كلام المقدسي الميل إليه.
ونقل في الحلية كلام شيخه الكمال.
ثم قال: وهو كما قال.(2/56)
هذا، وما رجحه المصنف صرح بتصحيحه الولوالجي وصاحب المبتغى والمحيط ثم الشمني.
وفي جمعة الشرنبلالية: وعليه الفتوى.
قال في البحر، والظاهر ما صححه المشايخ، لانه لا شك أن في التسليم على الركعتين إبطال وصف السنية لا لاكمالها، وتقدم أنه لا يجوز، ويشهد لهم إثبات أحكام الصلاة الواحدة للاربع من عدم الاستفتاح والتعوذ في الشفع الثاني، إلى غير ذلك كما قدمناه ا ه.
وأقره في النهر.
أقول: لكن تقدم في باب النوافل أنه يقضي ركعتين لو نوى أربعا وأفسده، وأنه ظاهر الرواية عن أصحابنا وعليه المتون، وأنه صحح في الخلاصة رجوع أبي يوسف إليه، وصرح في البحر أنه يشمل السنة المؤكدة كسنة الظهر، حتى لو قطعها قضى ركعتين في ظاهر الرواية، وأن المشايخ من اختار قول أبي يوسف في السنن المؤكدة، واختاره ابن الفضل وصححه في النصاب، وقدمنا هناك أن ظاهر الهداية وغيرها ترجيح ظاهر الرواية، فحيث كانت المتون على ظاهر الرواية من أنه لا يلزمه بالشروع في السنن إلا ركعتان لم تكن في حكم صلاة واحدة من كل وجه، ولم يكن في التسليم على الركعتين إبطالا لها وإبطال وصف السنية لما هو أقوى منه مع إمكان تداركها بالقضاء بعد الفرض لا محذور فيه، فتدبر.
ثم اعلم أن هذا كله حيث لم يقم إلى الثالثة، أما إن قام إليها وقيدها بسجدة، ففي رواية النوادر يضيف إليها رابعة ويسلم، وإن لم يقيدها بسجدة.
قال في الخانية: لم يذكر في النوادر.
واختلف المشايخ فيه قيل يتمها أربعا ويخفف القراءة، وقيل يعود إلى القعدة ويسلم، وهذا أشبه ا هي.
قال في شرح المنية والاوجه أن يتمها، لانها إن كانت صلاة واحدة فظاهر، وإن كانت كغيرها من النوافل كل شفع صلاة فالقيام إلى الثالثة كالتحريمة المبتدأة، وإذا كان أول ما تحرم يتم شفعا فكذا هنا ا ه.
مطلب في كراهة الخروج من المسجد بعد الاذان قوله: (وكره تحريما للنهي) وهو ما في ابن ماجه من أدرك الاذان في المسجد ثم خرج لم
يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجوع فهو منافق وأخرج الجماعة إلا البخاري عن أبي الشعثاء قال: كنا مع أبي هريرة في المسجد، فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر.
قال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم والموقوف في مثله كالمرفوع.
بحر.
قوله: (من مسجد أذن فيه) أطلقه، فشمل ما إذا أذن وهو فيه، أو دخل بعد الاذان كما في البحر والنهر.
قوله: (والمراد) بحث لصاحب البحر حيث قال: والظاهر أن مرادهم من الاذان فيه هو دخول الوقت وهو داخله، سواء أذن فيه أو في غيره، كما أن الظاهر من الخروج من غير صلاة عدم الصلاة مع الجماعة، سواء خرج أو مكث بلا صلاة كا نشاهده من بعض الفسقة، حتى لو كانت الجماعة يؤخرون لدخول الوقت المستحب كالصبح مثلا فخرج ثم رجع وصلى معهم ينبغي أن لا يكره، ولم أره كله منقولا ا ه.
وجزم بذلك كله في النهر لدلالة كلامهم عليه.
قوله: (إلا لمن ينتظم به أمر جماعة أخرى) بأن كان إماما أو مؤذنا تتفرق الناس بغيبته لانه ترك صورة تكميل معنى، والعبرة للمعنى.
بحر.
وظاهر الاطلاق أن له(2/57)
الخروج ولو عند الشروع في الاقامة، وبه صرح في متن الدرر والقهستاني وشرح الوقاية قوله: (أو كان الخروج لمسجد حيه الخ) أي وإن لم يكن إماما ولا مؤذنا كما في النهاية قال في البحر: ولا يخفى ما فيه، إذ خروجه مكروه تحريما، والصلاة في مسجد حيه مندوبة، فلا يرتكب المكروه لاجل المندوب، ولا دليل يدل عليه ا ه.
قلت: لكن تتمة عبارة النهاية هكذا، لان الواجب عليه أن يصلي في مسجد حيه، ولو صلى في هذا المسجد فلا بأس أيضا لانه صار من أهله.
والافضل أن لا يخرج لانه يتهم ا ه.
ومثله في المعراج، فتأمل، وقيد بقوله: ولم يصلوا فيه تبعا لما في شروح الهداية، لانه لو صلوا في مسجد حيه لا يخرج لانه صار من أهل هذا المسجد بالدخول.
نهاية.
قوله: (أو لاستاذه الخ) معطوف على حيه: أي أو لمسجد أستاذه.
قال في المعراج: ثم للمتفقه جماعة مسجد أستاذه لاجل درسه أو لسماع الاخبار أو لسماع مجلس، العامة أفضل بالاتفاق لتحصيل الثوابين ا ه.
ومثله في النهاية.
وظاهره أنه إنما يخرج إذا خشي فوات الدرس أو بعضه وإلا فلا، وأنه لا يتوقف على أن يكون
الدرس مما يجب تعلمه عليه.
وفي حاشية أبي السعود أن ما أورده في البحر في مسجد الحي وارد هنا.
قوله: (أو لحاجة الخ) بحث لصاحب النهر أخذه من الحديث المار.
قوله: (بل تركه للجماعة) يعني أن نفي الكراهة المفهوم من الاستثناء ليس من كل وجه، بل المراد نفي كراهة الخروج من حيث ذاته، وأما من حيث سببه، وهو كونه قد صلى تلك الصلاة وحده فإنه مكروه، بمعنى أنه لو صلى وحده ليخرج يكره له ذلك، لان ترك الجماعة مكروه لانها واجبة أو سنة مؤكدة قريبة منه.
تنبيه: يعلم من هنا ومن قوله: وإن صلى ثلاثا منها أتم ثم اقتدى متنفلا أن من صلى منفردا لا يؤمر بالاعادة جماعة، مع أنهم قالوا: كل صلاة أديت مع كراهة التحريم تجب إعادتها.
وزاد ابن الهمام وغيره ومع كراهة التنزيه تستحب الاعادة، ولا شك في كراهة ترك الجماعة على القول بسنيتها أو وجوبها لوجود الاثم على القولين، إلا أن يجاب بحمل ما هنا على ما إذا تركها بعذر، وهو خلاف ما يتبادر من كلامهم، وقدمنا تمام الكلام على ذلك في واجبات الصلاة، ولم يظهر لي جواب شاف، فليتأمل.
قوله: (إلا عند الشروع في الاقامة الخ) ظاهره الكراهة، ولو كان مقيم جماعة أخرى لان في خروجه تهمة.
قال الشيخ إسماعيل: وهو المذكور في كثير من الفتاوى، والتهمة هنا نشأت من صلاته منفردا، فإذا خرج يؤيدها، بخلاف ما مر عن الدرر وشرح الوقاية فهما مسألتان، فما تقدم فيما إذا كان مقيم جماعة أخرى وخرج عند الاقامة ولم يكن صلى، وهنا فيما إذا كان صلى وقد اشتبه ذلك على بعض الشراح، والمراد بمقيم الجماعة من ينتظم به أمرها نحو المؤذن والامام كما مر، والمراد به هنا المؤذن، لان الامام لو صلى منفردا لا يمكن أن يقيم جماعة أخرى، فافهم.
قوله: (لما مر) أي من قوله: إحرازا للنفل والجماعة ح.
قوله: (وإن أقيمت) بيان للاطلاق ط.(2/58)
والحاصل أنه لا يكره الخروج بعد الاذان لمن كان صلى وحده في جميع الصلوات، إلا في الظهر والعشاء فإنه يكره الخروج عند الشرو في الاقامة فقط لا قبله.
تنبيه: المراد بالاقامة هنا شروع المؤذن في الاقامة كما في الهداية، لا بمعنى الشروع في الصلاة كما مر.
قوله: (البتيراء) تصغير البتراء: وهي الركعة الواحدة التي لا ثانية لها، والثلاث تستلزمها، لكن إن كانت واحدة فقط فهي باطلة كما مر عن البحر، وإن كانت ثلاثا بأن سلم مع الامام: فقيل لا يلزمه شئ، وقيل فسدت، فيقضي أربعا كما لو نذر ثلاثا كما في البحر، وقدمنا عنه أنه لو اقتدى فيها فالاحوط أن يتمها أربعا وإن كان فيه مخالفة الامام.
قوله: (أشد) أي من التنفل بعد الفجر والعصر ومن البتيراء، لقول المحيط: لان مخالفة الجماعة وزر عظيم.
قلت: لكن صرح في مختارات النوازل بأن الخروج أولى، لان هذه المخالفة أقل كراهة.
تأمل.
قوله: (قلت الخ) وارد على قوله: وفي المغرب أحد المحظورين وعلى قوله: أشد فإنه يقتضي بمفهومه أن الصلاة مع الامام فيها كراهة شديدة وهي التحريمية، لكن قال ح: ما في القهساني مردود، لان صاحب الهداية صرح بالكراهة، وصاحب غاية البيان بأنها بدعة، وقاضيخان في شرح الجامع الصغير بأنها حرام.
قال في البحر: والظاهر ما في الهداية، لان المشايخ يستدلون بأنه (ص) نهى عن البتيراء، وهو من قبيل ظني الثبوت قطعي الدلالة فيفيد كراهة التحريم على أصولنا.
قوله: (وفي المضمرات الخ) من كلام القهستاني قصد به تأييد ما ادعاه من كون الكراهة تنزيهية الذي هو معنى الاساءة ا ه ح.
مطلب: هل الاساءة دون الكراهة أو أفحش قلت: لكن قدمنا في سنن الصلاة الخلاف في أن الاسدون الكراهة أو أفحش، ووفقنا بينهما بأنها دون التحريمية وأفحش من التنزيهية.
قوله: (وإذا خاف الخ) علم منه ما إذا غلب على ظنه بالاولى.
نهر.
وإذا تركت لخوف فوت الجماعة فالاولى أن تترك لخوف خروج الوقت ط عن أبي السعود.
قوله: (تركها) أي لا يشرع فيها، وليس المراد بقطعها لما مر أن الشارع في النفل لا يقطعه مطلقا، فما في النهر هنا من قوله: ولو قيد الثانية منها بالسجدة غير صحيح كما نبه عليه الشيخ إسماعيل.
قوله: (لكون الجماعة أكمل) لانها تفضل الفرد منفردا بسبع وعشرين ضعفا لا تبلغ ركعتا الفجر ضعفا واحدا منها لانها أضعاف الفرض، والوعيد على الترك للجماعة ألزم منه على
ركعتي الفجر، وتمامه في الفتح والبحر.
وقوله: (بأن رجا إدراك ركعة) تحويل لعبارة المتن، وإلا فالمتبادر منها القول الثاني.
قوله: (قيل التشهد) أي إذا رجا إدراك الامام والتشهد لا يتركها بل يصليها، وإن علم أن تفوته الركعتان معه.
قوله: (تبعا للبحر) فيه أن صاحب البحر ذكر أن كلام الكنز يشمل التشهد، ثم ذكر أن ظاهر الجامع الصغير أنه لو رجا إدراك التشهد فقط يترك السنة.(2/59)
ونقل عن الخلاصة أنه ظاهر المذهب وأنه رجحه في البدائع.
ونقل عن الكافي والمحيط أنه يأتي بها عندهما خلافا لمحمد، فليس فيه سوى حكاية القولين، بل ذكر قبل ذلك ما يدل على اختياره لظاهر الرواية حيث قال: وإن لم يمكن بأن خشي فوت الركعتين أحرز أحقهما وهو الجماعة.
قوله: (لكن ضعفه في النهر) حيث قال: إنه تخريج على رأي ضعيف ا ه.
قلت: لكن قواه في فتح القدير بما سيأتي، من أن من أدرك ركعة من الظهر مثلا فقد أدرك فضل الجماعة وأحرز ثوابها كما نص عليه محمد وفاقا لصاحبيه، وكذا لو أدرك التشهد يكون مدركا لفضيلتها على قولهم.
قال: وهذا يعكر على ما قيل: إنه لو رجا إدراك التشهد لا يأتي بسنة الفجر على قول محمد.
والحق خلافه لنص محمد على ما يناقضه ا ه: أي لان المدار هنا على إدراك فضل الجماعة، وقد اتفقوا على إدراكه بإدراك التشهد، فيأتي بالسنة اتفاقا كما أوضحه في الشرنبلالية أيضا، وأقره في شرح المنية وشرح نظم الكنز وحاشية الدرر لنوح أفندي وشرحها للشيخ إسماعيل ونحوه في القهستاني.
، وجزم به الشارح في مواقيت الصلاة.
قوله: (عند باب المسجد) أي خارج المسجد كا صرح به القهستاني.
وقال في العناية: لانه لو صلاها في المسجد كان متنفلا فيه عند اشتغال الامام بالفريضة وهو مكروه، فإن لم يكن على باب المسجد موضع للصلاة يصليها في المسجد خلف سارية من سواري المسجد، وأشدها كراهة أن يصليها مخالطا للصف مخالفا للجماعة والذي يلي ذلك خلف الصف من غير حائل ا ه.
ومثله في النهاية والمعراج.
قوله: (وإلا تركها) قال في الفتح: وعلى هذا: أي على كراهة صلاتها في المسجد ينبغي أن لا يصلي فيه إذا لم يكن
عند بابه مكان، لان ترك المكروه مقدم على فعل السنة، غير أن الكراهة تتفاوت، فإن كان الامام في الصيفي فصلاته إياها في الشتوي أخف من صلاتها في الصيفي وعكسه، وأشد ما يكون كراهة أن يصليها مخالطا للصف كما يفعله كثير من الجهلة ا ه.
والحاصل أن السنة في سنة الفجر أن يأتي بها في بيته، وإلا فإن كان عند باب المسجد مكان صلاها فيه وإلا صلاها في الشتوي أو الصيفي إن كان للمسجد موضعان، وإلا فخلف الصفوف عن سارية، لكن فيما إذا كان للمسجد موضعان والامام في أحدهما، ذكر في المحيط أنه قيل لا يكره لعدم مخالفة القوم، وقيل يكره لانهما كمكان واحد.
قال: فإذا اختلف المشايخ فيه فالافضل أن لا يفعل.
قال في النهر: وفيه إفادة أنها تنزيهية ا ه.
لكن في الحلية قلت: وعدم الكراهة أوجه للآثار التي ذكرناها ا ه.
ثم هذا كله إذا كان الامام في الصلاة، أما قبل الشروع فيأتي بها في أي موضع شاء كما في شرح المنية.
قال الزيلعي: وأما بقية السنن إن أمكنه أن يأتي بها قبل أن يركع الامام أتى بها خارج المسجد ثم اقتدى، وإن خاف فوت ركعة اقتدى.
قوله: (ثم ما قيل الخ) قال في الفتح: وما عن الفقيه إسماعيل الزاهد أنه ينبغي أن يشرع فيها ثم يقطعها فيجب القضاء فيتمكن من القضاء بعد الصلاة، دفعه الامام السرخسي بأن ما وجب بالشروع ليس أقوى مما وجب بالنذر.
ونص محمد أن المنذور لا يؤدي بعد الفجر قبل الطلوع.
وأيضا شروع في العبادة بقصد الافساد.
فإن قيل: ليؤديها مرة أخرى.
قلنا: إبطال العمل منهي، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ا ه.
وقوله: ثم يكبر للفريضة أينوي السنة أولا ويكبر، ثم ينوي الفريضة بقلبه ويكبر(2/60)
بلسانه، فيصير متنفلا عنها إلى الفرض، وفي هذا إبطال لها ضمنا فالظاهر أنه منهي أيضا فلا يظهر قول العلامة المقدسي: إنه لو فعل كذلك ثم قضاها بعد ارتفاع الشمس لا يرد شئ مما ذكر ا ه فتأمل.
ثم رأيت ما ذكره في شرح المنية قائلا: ويدل عليه قول الكنز في باب ما يفسد الصلاة: وافتتاح العصر أو التطوع بعد ركعة الظهر، فإنه صريح بأن الظهر يفسد بالشروع في غيره ا ه.
تنبيه: قال في القنية: لو خاف أنه لو صلى سنة الفجر بوجهها تفوته الجماعة، ولو اقتصر فيها
بالفاتحة وتسبيحة في الركوع والسجود يدركها فله أن يقتصر عليها، لان ترك السنة جائز لادراك الجماعة، فسنة السنة أولى.
وعن القاضي الزرنجري: لو خاف أن تفوته الركعتان يصلي السنة ويترك الثناء والتعوذ وسنة القراءة، ويقتصر على آية واحدة ليكون جمعا بينها، وكذا في سنة الظهر ا ه.
وفيه أيضا: صلى سنة الفجر وفاته الفجر لا يعيد السنة إذا قضى الفجر ا ه.
قوله: (ولا يقضيها إلا بطريق التبعية الخ) أي لا يقضي سنة الفجر إلا إذ فاتت مع الفجر فيقضيها تبعا لقضائه لو قبل الزوال - وأما إذا فاتت وحدها فلا تقضى قبل طلوع الشمس بالاجماع، لكراهة النفل بعد الصبح، وأما بعد طلوع الشمس فكذلك عندهما.
وقال محمد: أحب إلي أن يقضيها إلى الزوال كما في الدرر.
قيل هذا قريب من الاتفاق، لان قوله أحب إلي دليل على أنه لو لم يفعل لا لوم عليه.
وقالا: لا يقضي، وإن قضى فلا بأس به، كذا في الخبازية، ومنهم من حقق الخلاف وقال: الخلاف في أنه لو قضى كان نفلا مبتدأ أو سنة، كذا في العناية: يعني نفلا عندهما سنة عنده كما ذكره في الكافي.
إسماعيل.
قوله: (لقضاء فرضها) متعلق بالتبعية، وأشار بتقدير المضاف إلى أن التبعية في القضاء فقط، فليس المراد أنها تقضى بعده تبعا بل تقضى قبله تبعا لقضائه قوله: (لا بعده في الاصح) وقيل تقضى بعد الزوال تبعا، ولا تقضى مقصودة إجماعا كما في الكافي إسماعيل.
قوله: (لورود الخبر) وهو ما روى أنه (ص) قضاها مع الفرض غداة ليلة التعريس بعد ارتفاع الشمس كما رواه مسلم في حديث طويل.
والتعريس: نزول المسافر آخر الليل كما ذكره في المغرب.
إسماعيل.
قوله: (في الوقت المهمل) هو ما ليس وقت فريضة: وهو ما بعد طلوع الشمس إلى الزوال، وليس عندنا وقت مهمل سواه على الصحيح، وقيل مثله ما بين بلوغ الظل مثله إلى المثلين.
قوله: (بخلاف القياس) متعلق بورود أو بقضائها، فافهم، وذلك لان القضاء مختص بالواجب لانه كما سيذكره في الباب الآتي فعل الواجب بعد وقته فلا يقضى غيره إلا بسمعي، وهو قد دل على قضاء سنة الفجر فقلنا به، وكذا ما روي عن عائشة في سنة الظهر كما يأتي، ولذا نقول: لا تقضى سنة الظهر بعد الوقت فيبقى ما وراء ذلك على العدم كما في الفتح.
قوله: (وكذا الجمعة) أي حكم الاربع قبل الجمعة كالاربع قبل الظهر كما لا يخفى.
بحر.
وظاهره أنه لم يره في البحر منقولا
صريحا، وقد ذكره في القهستاني، لكن لم يعزه إلى أحد.
وذكر السراج الحانوتي أن هذا مقتضى ما في المتون وغيرها، لكن قال في روضة العلماء: إنها تسقط لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: إذا خرج الامام فلا صلاة إلا المكتوبة ا ه رملي.
أقول: وفي هذا الاستدلال نظر، لانه إنما يدل على أنها لا تصلى بعد خروجه لا على أنها(2/61)
تسقط بالكلية ولا تقضى بعد الفراغ من المكتوبة، وإلا لزم أن لا تقضى سنة الظهر أيضا فإنه ورد في حديث مسلم وغيره إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة نعم قد يستدل للفرق بينهما بشئ آخر، وهو أن القياس في السنن عدم القضاء كما مر، وقد استدل قاضيخان لقضاء سنة الظهر بما عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي (ص) كان إذا فاتته الاربع قبل الظهر قضاهن بعده فيكون قضاؤها ثبت بالحديث على خلاف القياس كما في سنة الفجر، كما صرح به في الفتح، فالقول بقضاء سنة الجمعة يحتاج إلى دليل خاص، وعليه فتنصيص المتون على سنة الظهر دليل على أن سنة الجمعة ليست كذلك، فتأمل.
قوله: (فإنه إن خاف فوت ركعة الخ) بيان لوجه المخالفة بين سنة الظهر وسنة الفجر، ومفهومه أنه يأتي بها وإن أقيمت الصلاة إذا علم أنه يدرك معه الركعة الاولى بعد أن لا يكون مخالطا للصف بلا حائل كما مر.
ويشكل عليه ما تقدم في أوقات الصلاة من كراهة التطوع عند الاقامة للمكتوبة، لكن نقلنا هناك عن عدة كتب تخصيص الكراهة المذكورة بإقامة صلاة الجمعة.
والفرق أن التنفل عندها لا يخلو غالبا عن مخالطة الصفوف لكثرة الزحام، بخلاف غيرها من المكتوبات.
قوله: (على أنها سنة) أي اتفاقا.
وما في الخانية وغيرها من أنها نفل عنده سنة عندهما فهو من تصرف المصنفين، لان المذكور في المسألة الاختلاف في تقديمها أو تأخيرها، والاتفاق على قضائها، وهو اتفاق على وقوعها سنة كما حققه في الفتح وتبعه في البحر والنهر وشرح المنية.
قوله: (في وقته) فلا تقضى بعده لا تبعا ولا مقصودا، بخلاف سنة الفجر.
وظاهر البحر الاتفاق على ذلك، لكن صرح في الهداية بأن في قضائها بعد الوقت تبعا للفرض اختلاف المشايخ، ولذا قال في النهر: إن ما في
البحر سهو.
وأجاب الشيخ إسماعيل بأنه بناه على الاصح.
قوله: (عند محمد) وعند أبي يوسف بعده، كذا في الجامع الصغير الحسامي، وفي المنظومة وشروحها: الخلاف على العكس.
وفي غاية البيان: يحتمل أن يكون عن كمن الامامين روايتان.
ح عن البحر.
قوله: (وبه يفتى) أقول: وعليه المتون لكن رجح في الفتح تقديم الركعتين.
قال في الامداد: وفي فتاوى العتابي أنه المختار.
وفي مبسوط شيخ الاسلام أنه الاصح، لحديث عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا فاتته الاربع قبل الظهر يصليهن بعد الركعتين وهو قول أبي حنيفة، وكذا في جامع قاضيخان ا ه.
والحديث قال الترمذي: (حسن غريب) فتح.
قوله: (وأماما قبل العشاء فمندوب) يعني قد علم حكم سنة الفجر والظهر والجمعة ولم يبق النوافل القبلية إلا سنة العصر، ومن المعلوم أنها لا تقضى لكراهة التنفل بعد صلاة العصر، وكذا سنة العشاء، لكن لا تقضى لانها مندوبة.
أقول: وفي هذا التعليل نظر، لانه يوهم أن قضاء سنة الفجر والظهر لسنيتهما، ولو كانتا مندوبتين لم تقضيا وليس كذلك، لان قضاءهما ثبت بالنص على خلاف القياس، فيبقى ما وراء النص على العدم كما صرح به في الفتح حتى لو ورد نص في قضاء المندوب نقول به، وبهذا ظهر لك ما في قول الامداد: إن التي قبل العشاء مندوبة فلا مانع من قضائها بعد التي تلي العشاء ا ه، نعم لو قضاها لا تكون مكروهة بل تقع نفلا مستحبا، لا على أنها هي التي فاتت عن محلها كما(2/62)
قالوه في سنة التراويح.
قوله: (ولا يكون مصليا جماعة الخ) فلو حلف لا يصلي الظهر جماعة لا يحنث بإدراك ركعة أو ركعتين اتفاقا، وفي الثلاث الخلاف الآتي وهذه المسألة موضعها كتاب الايمان وذكرها هنا كالتوطئة لقوله: بل أدرك فضلها إذ ربما يتوهم أن بين إدراك الفضل والجماعة تلازما، فاحتاج إلى دفعه.
أفاده في النهر.
قوله: (من ذوات الاربع) ليس قيدا إذ الثنائي والثلاثي كذلك، وإنما خصه بالذكر لاجل قوله: وكذا مدرك الثلا ث ح.
قوله: (لكنه أدرك فضلها) أي الجماعة اتفاقا أيضا لان من أدرك آخر الشئفقد أدركه، ولذا لو حلف لا يدرك الجماعة حنث بإدراك الامام ولو في التشهد نهر.
قوله: (اتفاقا) أي بين محمد وشيخيه، وإنما خص في الهداية محمدا بالذكر،
لان عنده لو أدركه في تشهد الجمعة لم يكن مدركا للجمعة، فمقتضاه أن لا يدرك فضيلة الجماعة هنا لانه مدرك للاقل، فدفع ذلك الوهم بذكر محمد كما أفاده في الفتح والبحر.
قوله: (دون المدرك) أي الذي أدرك أول صلاة الامام وحصل فضل تكبيرة الافتتاح معه، فإنه أفضل ممن فاتته التكبيرة، فضلا عمن فاتته ركعة أو أكثر.
وقد صرح الاصوليون بأن فعل المسبوق أداء قاصر، بخلاف المدرك فإنه أداء كامل.
قوله: (واللاحق كالمدرك) قال في البحر: وأما اللاحق فصرحوا بأن ما يقضيه بعد فراغ الامام أداء شبيه بالقضاء.
وظاهر كلام الزيلعي أنه كالمدرك لكونه خلف الامام حكما ولهذا لا يقرأ، فيقتضي أن يحنث في يمينه لو حلف لا يصلي بجماعة ولو فاته مع الامام الاكثر ا ه.
قلت: ويؤيده ما مر في باب الاستخلاف، من أنه لو أحدث الامام عمدا بعد القعدة الاخيرة تفسد صلاة المسبوق لا المدرك، وفي اللاحق تصحيحان.
وظاهر البحر والنهر هناك تأييد الفساد، وقدمنا ما يقويه أيضا.
قوله: (وكذا مدرك الثلاث) ومدرك الثنتين من الثلاثي كذلك، وأما مدرك ركعة الثنائي فالظاهر أنه لا خلاف فيه كما في مدرك الركعتين من الرباعي.
قوله: (وضعفه في البحر) أي بما اتفقوا عليه في الايمان من أنه لو حلف لا يأكل هذا الرغيف لا يحنث إلا بأكل كله، فإن الاكثر لا يقام مقام الكل.
قوله: (وإذا أمن فوت الوقت الخ) أي بأن كان الوقت باقيا لا كراهة فيه كما في فتح القدير.
ثم اعلم أن عبارة المصنف مساوية لعبارة الكنز.
وقال الزيلعي: وهو كم مجمل يحتاج إلى تفصيل فنقول: إن التطوع على وجهين: سنة مؤكدة وهي الرواتب.
وغير مؤكدة وهي ما زاد عليها، والمصلى لا يخلو إما أن يؤدي الفرض بجماعة أو منفردا، فإن كان بجماعة فإنه يصلي السنن الرواتب قطعا، فلا يخير فيها مع الامكان لكونها مؤكدة، وإن كان يؤديه منفردا فكذلك الجواب في رواية.
وقيل يتخير، والاول أحوط لانها شرعت قبل الفرض لقطع طمع الشيطان عن المصلي وبعده لجبر نقصان تمكن في الفرض والمنفرد أحوج إلى ذلك، والنص الوارد فيها لم يفرق فيجري على(2/63)
إطلاقه، إلا إذ خاف الفوت لان أداء الفرض في وقته واجب، وأما ما زاد على السنن والرواتب
فيتخير المصلي فيه مطلقا ا ه: أي سواء صلى الفرض منفردا أو بجماعة.
والظاهر أن المصنف لما رأى هذا الاجمال في عبارة الكنز زاد عليها قوله: ويأتي بالسنة ولو صلى منفردا تصريحا بما أجمله، فافهم.
قوله: (مشكل بما مر) أي من أنه إذا خاف فوت ركعتي الفجر مع الامام يترك سنته، وإذا خاف فوت ركعة من الظهر يترك سنته فكيف يقال: إنه يأتي بالسنة وإن فاتته الجماعة؟ وقد استشكل ذلك المصنف في المنح، وكذا صاحب النهر والشيخ إسماعيل، وهو في غاية العجب، فإن معنى قوله: وإن فاتته الجماعة أي أنه إذا دخل المسجد ورأى الامام صلى وأراد أن يصلي وحده لفوت الجماعة فإنه يصلي السنة الراتبة لكونها مكملة، والمنفرد أحوج إلى ذلك.
وعبارة الدرر صريحة في ذلك، ونصها: من فاتته الجماعة فأراد أن يصلي الفرض منفردا فهل يأتي بالسنن؟ قال بعض مشايخنا: لا يأتي بها لانها إنما يؤتى بها إذا أدى الفرض بالجماعة، لكن الاصح أن يأتي بها وإن فاتته الجماعة، إلا إذا ضاق الوقت فحينئذ يترك ا ه.
فتوهم أن المراد أنه يأتي بالسنة وإن لزم من الاتيان بها تفويت الجماعة في غاية العجب، وأعجب منه التعجب من أن الشرنبلالي لم يتعرض في حاشيته على الدرر لبيان هذا الاشكال.
هذا، وقد قرر الخير الرملي كلام الدرر بنحو ما ذكرنا، ثم قال: فافهم ذلك وكن على بصيرة منه، فإن صاحب النهر والمنح قد خلطا وخبطا في هذه المسألة خلطا فاحشا.
قوله: (فوقف) وكذا لو لم يقف بل انحط فرفع الامام قبل ركوعه لا يصير مدركا لهذه الركعة مع الامام.
فتح.
ويوجد في بعض النسخ.
فوقف بلا عذر: أي بأن أمكنه الركوع فوقف ولم يركع، وذلك لان المسألة فيها خلاف زفر، فعنده إذا أمكنه الركوع فلم يركع أدرك الركعة، لانه أدرك الامام فيما له حكم القيام.
قوله: (لان المشاركة) أي أن الاقتداء متابعة على وجه المشاركة ولم يتحقق من هذا مشاركة لا في حقيقة القيام ولا في الركوع، فلم يدرك معه الركعة إذ لم يتحقق منمسمى الاقتداء بعد، بخلاف من شاركه في القيام ثم تخلف عن الركوع لتحقق مسمى الاقتداء منه بتحقق جزء مفهومه، فلا ينتقض بعد ذلك بالتخلف لتحقق مسمى اللاحق في الشرع اتفاقا وهو بذلك، وإلا انتفى، كذا في الفتح.
وحاصله أن الاقتداء لا يثبت في الابتداء على وجه يدرك به الركعة مع الامام إلا بإدراك جزء من
القيام أومما في حكمه وهو الركوع لوجود المشاركة في أكثرها، فإذا تحقق منه ذلك لا يضره التخلف بعده، حتى إذا أدركه في القيام فوقف حتى ركع الامام ورفع فركع هو صح لتحقق مسمى الاقتداء في الابتداء فإن ذلك حيقة اللاحق، وإلا لزم انتفاء اللاحق مع أنه محقق شرعا، فافهم.
قوله: (فيأتي بها قبل الفراغ) المراد أنه يأتي بها قبل متابعة الامام فيما بعدها، حتى لو تابع الامام ثم أتى بعد فراغ إمامه بما فاته صح وأثم لترك واجب الترتيب، وإنما عبر بالفراغ لمقابلته للمسبوق، فإنه إنما يأتي بما(2/64)
سبق به بعد فراغ إمامه، فافهم.
قوله: (ومتى لم يدرك الركوع) أي في مسألة المتن.
وحاصله أنه إذا لم يدرك الركعة لعدم متابعته له في الركوع أو لرفع الامام رأسه منه قبل ركوعه لا يجوز له القطع كما يفعله بعض الجهلة لصحة شروعه، ويجب عليه متابعته في السجدتين وإن لم تحسبا له، كما لو اقتدى به بعد رفعه من الركوع أو وهو ساجد كما في البحر.
قوله: (وإن لم تحسبا له) أي من الركعة التي فاتته، بل يلزمه الاتيان بها تامة بعد الفراغ.
قوله: (ولا تفسد بتركهما) أي السجدتين، لان وجوب الاتيان بهما إنما هو لوجوب متابعة الامام لئلا يكون مخالفا له، كما تجب متابعة المسبوق في القعدة وإن لم تكن على ترتيب صلاته، وإلا فهاتان السجدتان ليستا بعض الركعة التي فاتته، لان السجود لا يصح إلا مرتبا على ركوع صحيح، ولذا لزمه الاتيان بركعة تامة.
قوله: (فلو لم يدرك الخ) الاخصر إسقاط هذا والاقتصار على قوله: لكنه إذا سلم الامام فقام وأتى بركعة الخ.
قوله: (وقد ترك واجبا) هو متابعة الامام في السجود عند شروعه، وليس المراد أنه إذا أتى بركعة تامة بعد سلام الامام ولم يقض السجدتين أيضا يكون تاركا واجبا كما يوهمه ما فهمه الشارح في واجبات الصلاة، حيث ذكر أن مقتضى القواعد أن يقضيهما، لان ذلك خلاف القواعد، ويدل على ما قلنا عبارة التجنيس، فإنه قال: وإذا لم يتابعه في السجدة ثم تابعه في بقية الصلاة فلما فرغ الامام قام وقضى ما سبق به: تجوز الصلاة، إلا أنه يصلي تلك الركعة الفائتة بسجدتيها بعد فراغ الامام، وإن كانت المتابعة حين شرع واجبة في تلك السجدة ا ه.
وقد أوضحنا ذلك هنا ك فراجعه.
قوله: (صح ركوعه) أي لتحقق الاقتداء بمشاركته
في الابتداء بجزء من القيام، فلا يضر التخلف بعده كما مر تقريره.
قوله: (وكره تحريما) أي للنهي عن مسابقة الامام.
قوله: (قدر الفرض) الذي في الذخيرة ثلاث آيات: أي قدر الواجب.
والظاهر أنه غير قيد، وأنه ينبغي الاكتفاء بقدر الفرض كما بحثه صاحب النهر والخير الرملي، وتبعهما الشارح.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يلحقه إمامه فيه بأن رفع رأسه قبل أن يركع الامام أو لحقه ولكن كان ركوع المقتدي قبل أن يقرأ الامام مقدار الفرض لا يجزيه ا ه.
ح: أي فعليه أن يركع ثانيا وإلا بطلت كما في الامداد.
قوله: (ولو سجد المؤتم الخ) أفاد أن الركوع في كلام المصنف غير قيد، بل المراد كل ركن سبقه المأموم به كما في البحر.
قوله: (عن الثانية) الاولى حذف عن.
قوله: (وتمامه في الخلاصة) لم أر هذه المسألة فيها، نعم فيها ما ذكره في النهر بقوله: وذكر في الخلاصة أن المقتدي لو أتى بالركوع والسجود قبل إمامه فالمسألة على خمسة أوجه: حاصلها أنه إما أن يأتي بهما قبله أو بعده أو بالركوع معه والسجود قبله أو عكسه، أو يأتي بهما قبله ويدرك في كل الركعة، ففي الاول يقضي ركعة، وفي الثالث ركعتين، وفي الرابع أربعا بلا قراءة في الكل، ولا شئ عليه في الثاني والخامس، وفيها أيضا: المقتدي إذا رفع رأسه من السجدة قبل(2/65)
إمامه فلما أطال الامام ظن أنه سجد ثانية فسجد معه، إن نوى بها الاولى أو لم تكن له نية كانت عن السجدة الاولى، وكذا إن نوى الثانية والمتابعة ترجيحا للمتابعة، وتلغو نية غيرها للمخالفة، وإن نوى الثانية لا غير كانت عن الثانية ا ه.
وذكر المحشي توجيه الاولى، وقدمناه موضحا في أواخر الامامة، والله أعلم.
باب: قضاء الفوائت أي في بيان أحكام قضاء الفوائت، والاحكام تعم كيفية القضاء وغيرها ط.
قوله: (لم يقل المتروكات الخ) لان في التعبير بالفوائت إسناد الفوت إليها، وفيه إشارة إلى أنه لا صنع للمكلف فيه بل هو ملجأ لعذر مبيح، بخلاف المتروكات، لان فيه إسناد الترك للمكلف ولا يليق به.
رحمتي.
وتقدم أول كتاب الصلاة الكلام في حكم جاحدها وتاركها وإسلام فاعلها.
قوله: (إذا
التأخير) علة للعلة ط.
قوله: (لا تزول بالقضاء) وإنما يزول إثم الترك، فلا يعاقب عليها إذا قضاها وإثم التأخير باق، بحر.
قوله: (بل بالتوبة) أي بعد القضاء، أما بدونه فالتأخير باق، فلم تصح التوبة منه، لان من شروطها الاقلاع عن المعصية كما لا يخفى، فافهم.
قوله: (أو الحج) بناء على أن المبرور منه يكفر الكبائر، وسيأتي تمامه في الحج إن شاء الله تعالى ط.
قوله: (ومن العذر) أي لجواز تأخير الوقتية، وأما قضاء فوائت فيجوز تأخيره للسعي على العيال كمار سيذكره المصنف.
قوله: (العدو) كما إذا خاف المسافر من اللصوص أو قطاع الطريق جاز له أن يؤخر الوقتية لانه بعذر.
بحر عن الولوالجية.
قلت: هذا حيث لم يمكنه فعلها أصلا، أما لو كان راكبا فيصلي على الدابة ولو هاربا، وكذا لو كان يمكنه صلاتها قاعدا أو إلى غير القبلة وكان بحيث لو قام أو استقبل يراه العدو يصلي بما قدر كما صرحوا به.
قوله: (وخوف القابلة الخ) وكذا خوف أمه إذا خرج رأسه، وما ذكروه من أنها لا يجوز لها تأخير الصلاة وتضع تحتها طستا وتصلي فذاك عند عدم الخوف عليه كما لا يخفى.
قوله: (يوم الخندق) وذلك أن المشركين شغلوا رسول الله (ص) عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله تعالى، فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء ح عن فتح القدير.
مطلب في أن الامر يكون بمعنى اللفظ، وبمعنى الصفة وفي تعريف الاداء والقضاء قوله: (ثم الاداء فعل الواجب الخ) اعلم أنهم صرحوا بأن الاداء والقضاء من أقسام المأمور به، والامر قد يراد به لفظه: أعني ما تركب من مادة أ م ر، وقد يراد به الصيغة كأقيموا الصلاة.
وهي عند الجمهور حقيقة في الطلب الجازم مجاز في غيره.
وأما لفظ الامر فقد اختلفوا فيه أيضا.
والتحقيق وهو مذهب الجمهور أنه حقيقة في الطلب الجازم أو الراجح، فإطلاق لفظ أ م ر على الصيغة المستعملة في الوجوب أو الندب حقيقة، فالمندوب مأمور به حقيقة وإن كان استعمال الصيغة فيه مجازا، وبهذا الاعتبار يكون المندوب أداء وقضاء، لكن لما كان القضاء خاصا بما كان(2/66)
مضمونا والنفل لا يضمن بالترك اختص القضاء بالواجب، ومنه ما شرع فيه من النفل فأفسده، فإنه صار بالشروع واجبا فيقضى، وبهذا ظهر أن الاداء يشمل الواجب والمندوب، والقضاء يختص بالواجب، ولهذا عرفهما صدر الشريعة بأن الاداء تسليم عين الثابت بالامر، والقضاء تسليم مثل الواجب به، والمراد بالثابت بالامر ما علم ثبوته بالامر فيشمل النفل، لا ما ثبت وجوبه به، ولم يقيد بالوقت ليعم أداء غير الوقت، كأداء الزكاة والامانات والمنذورات، وتمام تحقيق ذلك في التلويح.
وبهذا التقرير ظهر أن تعريف الشارح للاداء تبعا للبحر خلاف التحقيق.
قوله: (في وقته) أي سواء كان ذلك الوقت العمر أو غيره.
بحر.
ولما كان قوله: فعل الواجب يقتضي أن لا يكون أداء إلا إذا وقع كل الواجب في الوقت مع أن وقوع التحريمة فيه كاف، أتبعه بقوله: وبالتحريمة فقط بالوقت يكون أداء فقوله: بالتحريمة متعلق بيكون والباء للسببية، والباء في قوله: بالوقت بمعنى في، ولو قال: ثم الاداء ابتداء فعل الوجب في وقته كما في البحر لاستغنى عن هذه الجملة ا ه ح.
وما ذكره من أنه بالتحريمة يكون أداء عندنا، هو ما جزم به في التحرير، وذكر شارحه أنه المشهور عند الحنفية، ثم نقل عن المحيط أن ما في الوقت أداء والباقي قضاء، وذكر ط عن الشارح في شرحه على الملتقى ثلاثة أقوال، فراجعه.
مطلب في تعريف الاعادة قوله: (والاعادة فعل مثله) أي مثل الواجب، ويدخل فيه النفل بعد الشروع به كما مر.
قوله: (في وقته) الاولى إسقاطه لانه خارج الوقت يكون إعادة أيضا بدليل قوله: وأما بعده فندبا أي فتعاد ندبا، وقوله: غير الفساد زاد في البحر: وعدم صحة الشروع: يعني وغير عدم صحة الشروع، وتركه الشارح لانه أراد بالفساد ما هو الاعم من أن تكون منعقدة ثم تفسد أو لم تنعقد أصلا، ومنه قول الكنز: وفسد، اقتداء رجل بامرأة ح.
ثم اعلم أن ما ذكره هنا في تعريف الاعادة هو ما مشى عليه في التحرير، وذكر شارحه أن التقييد بالوقت قول البعض: وإلا ففي الميزان الاعادة في عرف الشرع إتيان بمثل الفعل الاول على صفة الكمال بأن وجب على المكلف فعل موصوف بصفة الكمال فأداه على وجه النقصان،
وهو نقصان فاحش يجب عليه الاعادة، وهو إتيان مثل الاول ذاتا مع صفة الكمال ا ه.
فإنه يفيد أن ما يفعل خارج الوقت يكون إرادة أيضا كما قال صاحب الكشف وأن الاعادة لا تخرج عن أحد قسمي الاداء والقضاء ا ه.
أقول: لكن صريح كلام الشيخ أكمل الدين في شرحه على أصول فخر الاسلام البزدوي عدم تقييدها بالوقت، وبكون الخلل غير الفساد، وبأنها قد تكون خارجة عن القسمين، لانه عرفها بأنها فعل ما فعل أولا مع ضرب من الخلل ثانيا، ثم قال: إن كانت واجبة بأن وقع الاول فاسدا فهي(2/67)
داخلة في الاداء أو القضاء، وإن لم تكن واجبة بأن وقع الاول ناقصا لا فاسدا، فلا تدخل في هذا التقسيم لانه تقسيم الواجب وهي ليست بواجبة، وبالاول يخرج عن العهدة، وإن كان على وجه الكراهة على الاصح، فالفعل الثاني بمنزلة الجبر، كالجبر بسجود السهو ا ه.
قوله: (لقولهم الخ) هذا التعليل عليل، إذ قولهم ذلك لا يفيد أن ما كان فاسدا لا يعاد، ولا أن الاعادة مختصة بالوقت، بل صرح بعده بأنها بعد الوقت إعادة أيضا.
على أن ظاهر قولهم: تعاد وجوب الاعادة في الوقت وبعده، فالمناسب ما فعله في البحر حيث جعل قولهم ذلك نقضا للتعريف، حيث قيد في التعريف بالوقت مع أن قولهم بوجوب الاعادة مطلق.
قلت: ويؤيده ما قدمناه عن شرح التحرير وعن شرح أصول البزدوي من التصريح بوقوعها بعد الوقت.
قوله: (أي وجوبا في الوقت الخ) لم أر من صرح بهذا التفصيل سوى صاحب البحر.
حيث استنبطه من كلام القنية: حيث ذكر في القنية عن الوبري أنه إذا لم يتم ركوعه ولا سجوده يؤمر بالاعادة في الوقت لا بعده، ثم ذكر عن الترجماني أن الاعادة أولى في الحالين ا ه.
قال في البحر: فعلى القولين لا وجوب بعد الوقت.
فالحاصل أن من ترك واجبا من واجباتها أو ارتكب مكروها تحريميا لزمه وجوبا أن يعيد في الوقت، فإن خرج أثم، ولا يجب جبر النقصان بعده، فلو فعل فهو أفضل ا ه.
أقول: ما في القنية مبني على الاختلاف في أن الاعادة واجبة أو لا، وقدمنا عن شرح أصول
البزدوي التصريح بأنها إذا كانت لخلل غير الفساد لا تكون واجبة.
وعن الميزان التصريح بوجوبها.
وقال في المعراج: وفي جامع التمرتاشي: لو صلى في ثوب فيه صورة يكره وتجب الاعادة.
قال أبو اليسر: هذا هو الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة.
وفي المبسوط ما يدل على الاولوية والاستحباب، فإنه ذكر أن القومة غير ركن عندهما فتركها لا يفسد، والاولى الاعادة ا ه.
وقال في شرح التحرير: وهل تكون الاعادة واجبة؟ فصرح غير واحد من شراح أصول فخر الاسلام بأنها ليست بواجبة، وأنه بالاول يخرج عن العهدة وإن كان على وجه الكراهة على الاصح، وأن الثاني بمنزلة الجبر.
والاوجه الوجوب كما أشار إليه في الهداية؟ وصرح به النسفي في شرح المنار، وهو موافق لما عن السرخسي وأبي اليسر: من ترك الاعتدال تلزمه الاعادة.
زاد أبو اليسر: ويكون الفرض هو الثاني.
وقال شيخنا المصنف: يعني ابن الهمام: لا إشكال في وجوب الاعادة، إذ هو الحكم في كل صلاة أديت مع كراهة التحريم، ويكون جابرا للاول لان الفرض لا يتكرر، وجعله الثاني يقتضي عدم سقوطه بالاول، وفيه أنه لازم ترك الركن لا الواجب، إلا أن يقال: المراد أن ذل ك امتنان من الله تعالى، إذ يحتسب الكامل وإن تأخر عن الفرض لما علم سبحانه أن سيوقعه انتهى.
ومن هذا يظهر أنا إذا قلنا: الفرض هو الاول فالاعادة قسم آخر غير الاداء والقضاء، وإن قلنا الثاني فهي أحدهما ا ه.
أقول: فتلخص من هذا كله أن الارجح وجوب الاعادة، وقد علمت أنها عند البعض خاصة بالوقت، وهو ما مشى عليه في التحرير، وعليه فوجوبها في الوقت ولا تسمى بعده إعادة، وعليه يحمل ما مر عن القنية عن الوبري، وأما على القول بأنها تكون في الوقت وبعده كما قدمناه عن شرح التحرير وشرح البزدوي، فإنها تكون واجبة في الوقت وبعده أيضا على القول بوجوبها.
وأما على(2/68)
القول باستحبابها الذي هو المرجوح تكون مستحبة فيهما، وعليه يحمل ما مر عن القنية عن الترجماني، وأما كونها واجبة في الوقت مندوبة بعكما فهمه في البحر وتبعه الشارح فلا دليل عليه، وقد نقل الخير الرملي في حاشية البحر عن خط العلامة المقدسي أن ما ذكره في البحر يجب أن لا يعتمد عليه، لاطلا قولهم: كل صلاة أديت مع الكراهة سبيلها الاعادة ا ه.
قلت: أي لانه يشمل وجوبها في الوقت وبعده: أي بناء على أن الاعادة لا تختص بالوقت.
وظاهر ما قدمناه عن شرح التحرير ترجيحه، وقد علمت أيضا ترجيح القول بالوجوب، فيكون المرجح وجو ب الاعادة في الوقت وبعده، ويشير إليه ما قدمناه عن الميزان من قوله: يجب عليه الاعادة، وهو إتيان مثل الاول ذاتا مع صفة الكمال: أي كمال ما نقصه منها، وذلك يعم وجوب الاتيان بها كاملة في الوقت وبعده كما مر.
ثم هذا حيث كان النقصان بكراهة تحريم لما في مكروهات الصلاة من فتح القدير أن الحق: التفصيل بين كون تلك الكراهة كراهة تحريم فتجب الاعادة أو تنزيه فتستحب ا ه: أي تستحب في الوقت وبعده أيضا.
تنبيه: يؤخذ من لفظ الاعادة ومن تعريفها بما مر أنه ينوي بالثانية الفرض، لان ما فعل أولا هو الفرض فإعادته فعله ثانيا، أما على القول بأن الفرض يسقط بالثانية فظاهر، وأما على القول الآخر فلان المقصود من تكريرها ثانيا جبر نقصان الاولى، فالاولى فرض ناقص، والثانية فرض كامل مثل الاولى ذاتامع زيادة وصف الكمال، ولو كانت الثانية نفلا لزم أن تجب القراءة في ركعاته الاربع، وأن لا تشرع الجماعة فيها، ولم يذكروه، ولا يلزم من كونها فرضا عدم سقوط الفرض بالاولى، لان المراد أنها تكون فرضا بعد الوقوع، أما قبله فالفرض هو الاولى.
وحاصله توقف الحكم بفرضية الاولى على عدم الاعادة، وله نظائر: كسلام من عليه سجود السهو يخرجه خروجا موقوفا، وكفساد الوقتية مع تذكر الفائتة كما سيأتي، وكتوقف الحكم بفرضية المغرب في طريق المزدلفة على عدم إعادتها قبل الفجر وبهذا ظهر التوفيق بين القولين، وأن الخلاف بينهما لفظي، لان القائل أيضا بأن الفرض هو الثانية أراد به بعد الوقوع، وإلا لزم الحكم ببطلان الاولى بترك ما ليس بركن ولا شرط كما مر عن الفتح، ولزم أيضا أنه يلزمه الترتيب في الثانية لو تذكر فائتة، والغالب على الظن أنه لا يقول بذلك أحد.
ونظير ذلك القراءة في الصلاة، فإن الفرض منها آية والثلاث واجبة والزائد سنة، وما ذاك إلا بالنظر إلى ما قبل الوقوع، بدليل أنه لو قرأ القرآن كله في ركعة يقع الكل فرضا، وكذا لو أطال القيام أو الركوع أو السجود، هذا نهاية ما تحرر لي من فتح الملك الوهاب، فاغتنمه فإنه من مفردات هذا الكتاب، والله تعالى أعلم بالصواب.
قوله:
(والقضاء فعل الواجب الخ) وقيل فعل مثله بناء على المرجوح من أنه يج ب بسبب جديد لا بما يجب به الاداء، وتمامه في البحر وكتب الاصول.
قوله: (وإطلاقه الخ) أي كما في قول المصنف الآتي وقضاء الفرض والواجب والسنة الخ، وقول الكنز: وقضى التي قبل الظهر في وقته قبل شفعه، وكذا إطلاق الفقهاء القضاء على الحج بعد فساده مجازا، إذ ليس له وقت يصير بخروجه قضاء كما في البحر، وقدمنا وجه كون النفل لا يسمى قضاء وإن قلنا إنه مأمور به حقيقة كما هو قول الجمهور وأنه يسمى أداء حقيقة، كما إذا أتى بالاربع قبل الظهر، أما إذا أتى بها بعده فهي قضاء، إذ لا شك أنه ليس وقتها وإن كان وقت الظهر، فافهم.
قوله: (أداء وقضاء) الواو بمعنى أو مانعة الخلو، فيشمل ثلاث(2/69)
صور: ما إذا كان الكل قضاء أو البعض قضاء والبعض أداء، أو الكل أداء كالعشاء مع الوتر ط، ودخل فيه الجمعة، فإن الترتيب بينها وين سائر الصلوات لازم، فلو تذكر أنه لم يصل الفجر يصليها ولو كان الامام يخطب.
إسماعيل عن شرح الطحاوي.
قوله:) يفوت الجواز بفوته.
المراد بالجواز الصحة لا الحل، وأفاد أن المراد بلازم الفرض العملي الذي هو أقوى قسمي الواجب، وهو مراد من سماه فرضا كصدر الشريعة، وشرطا كالمحيط وواجبا كالمعراج كما أوضحه في البحر.
قوله: (للخبر المشهور من نام عن صلاة) تمام الحديث أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو يصلي مع الامام فليصل التي هو فيها ثم ليقض التي تذكرها، ثم ليعد التي صلى مع الامام ح عن الدرر.
وذكره في الفتح باختلاف في بعض ألفاظه مع بيان من خرجه، والاختلاف في توثيق بعض رواته وفي رفعه ووقفه، وذكر أن دعوى كونه مشهورا مردودة للخلاف في رفعه فضلا عن شهرته، وأطال في ذلك، والذي حط عليه كلامه الميل من حيث الدليل إلى قول الشافعي باستحباب الترتيب، ورد عليه في شرح المنية والبرهان بما لخصه نوح أفندي، فراجعه إن شئت.
قوله: (وقضاء الفرض الخ) لو قدم ذلك أول الباب أو آخره عن التفريع الآتي لكان أنسب.
وأيضا قوله: والسنة يوهم العموم كالفرض والواجب وليس كذلك، فلو قال: وما يقضى من السنة لرفع هذا الوهم.
رملي.
قلت: وأورد عليه الوتر، فإنه عندهم سنة، وقضاؤه واجب في ظاهر الرواية، لكن يجاب بأن
كلامه مبني على قول الامام صاحب المذهب.
قوله: (والواجب) كالمنذورة والمحلوف عليها وقضاء النفل الذي أفسده ط.
قوله: (وقت للقضاء) أي لصحته فيها وإن كان القضاء على الفور إلا لعذر ط، وسيأتي.
قوله: (إلا الثلاثة المنهية) وهي الطلوع والاستواء والغروب ح، وهي محل للنفل الذي شرع به فيها ثم أفسده ط.
قوله: (كما مر) أي في أوقات الصلاة.
قوله: (فلم يجز) أي بل يفسد فسادا موقوفا كما يأتي.
قوله: (من تذكر) أي في الصلاة أو قبلها.
قوله: (لوجوبه) أي الوتر عنده: أي عند الامام، بمعنى أنه فرض عملي عنده.
قوله: (إذا ضاق الوقت) أي عند الفوائت والوقتية، أما الفوائت بعضها مع بعض فليس لها وقت مخصوص حتى يقال: يسقط ترتيبها بضيقه ط.
ولو لم يمكنه أداء الوقتية إلا مع التخفيف في قصر القراءة والافعال يرتب ويقتصر على ما تجوز به الصلاة.
بحر عن المجتبى.
وفي الفتح: ويعتبر الضيق عند الشروع، حتى لو شرع في الوقتية مع تذكر الفائتة، وأطال(2/70)
حتى ضاق لا يجوز إلا أن يقطعها ثم يشرع فيها، ولو شرع ناسيا والمسألة بحالها فتذكر عند ضيقه جازت ا ه.
قوله: (المستحب) أي الذي لا كراهة فيه.
قهستاني.
وقيل أصل الوقت، ونسبه الطحاوي إلى الشيخين، والاول إلى محمد.
والظاهر أنه احترز عن وقت تغير الشمس في العصر، إذ يبعد القول بسقوط الترتيب إذا لزم تأخير ظهر الشتاء والمغرب مثلا عن أول وقتها، ثم رأيت الزيلعي خص الخلاف بالعصر، ولذا قال في البحر: وتظهر ثمرته فيما لو تذكر الظهر وعلم أنه لو صلاه يقع قبل التغير ويقع العصر أو بعضه فيه، فعلى الاول يصلي العصر ثم الظهر بعد الغروب، وعلى الثاني يصلي الظهر ثم العصر.
واختار الثاني قاضيخان في شرح الجامع.
وفي المبسوط أن أكثر مشايخنا على أنه قول علمائنا الثلاثة، وصحح في المحيط الاول، ورجحه في الظهيرية بما في المنتقى من أنه إذا افتتح العصر في وقتها ثم احمرت الشمس ثم تذكر الظهر مضى في العصر.
قال: فهذا نص على اعتبار الوقت المستحب ا ه.
قال في البحر: فحينئذ انقطع اختلاف المشايخ، لان المسألة حيث لم تذكر في ظاهر الرواية وثبتت في رواية أخرى تعين المصير إليها ا ه.
أقول في هذا الترجيح نظر، يوضحه ما في شرح الجامع الصغير لقاضيخان، حيث قال: إنما
وضع المسألة في العصر لمعرفة آخر الوقت، فعندنا آخره في حكم الترتيب غروب الشمس، وفي حكم جواز تأخير العصر تغير الشمس، وعلى القول الحسن: آخر وقت العصر عند تغير الشمس، فعنده لو تمكن من أداء الصلاتين قبل التغير لزمه الترتيب وإلا فلا.
وعندنا إذا تمكن من أداء الظهر قبل التغير ويقع العصر أو بعضه بعد التغير يلزمه الترتيب، ولو أمكنه أداء الصلايتن قبل الغروب لكن لا يمكن الفراغ من الظهر قبل التغير لا يلزمه الترتيب، لان ما بعد التغير ليس وقتا لاداء شئ من الصلوات إلا عصر يومه ا ه ملخصا.
وبه علم أن ما في المنتقى لا خلاف فيه، لانه لما تذكر الظهر بعد التغير لا يمكنه صلاته فيه، فلذا لم تفسد العصر وإن كان افتتحها قبل التغير ناسيا، لان العبرة لوقت التذكر ما قدمناه آنفا عن الفتح فيما لو أطال الصلاة ثم تذكر الفائتة عند ضيق الوقت، وعلم أيضا أن المسألة ليست مبنية على اختلاف المشايخ، بل على اختلاف الرواية، فاعتبار أصل الوقت هو قول أئمتنا الثلاثة كما مر عن المبسوط، وأن عليه أكثر المشايخ، وهو مقتضى إطلاق المتون، ولذا جزم به فقيه النفس الامم قاضيخان بلفظ عندنا فاقتضى أنه المذهب ولذا نسب القول الآخر إلى الحسن، نعم صرح في شرح المنية والزيلعي بأنه رواية عن محمد، وعليه يحمل ما مر عن الطحاوي، وقد مر أنه لو تذكر الفجر عند خطبة الجمعة يصليها مع أن الصلاة حينئذ مكروهة، بل في التاترخانية أنه يصليها عندهما وإن خاف فوت الجمعة مع الامام ثم يصلي الظهر.
وقال محمد: يصلي الجمعة ثم يقضي الفجر، فلم يجعلا فوت الجمعة عذرا في ترك الترتيب، ومحمد جعله عذرا فكذلك هنا ا ه.
وقد ذكر في التاترخانية عبارة المحيط وليس فيها التصحيح الذي ذكره في البحر، فالذي ينبغي اعتماده ما عليه أكثر المشايخ من أن المعتبر أصل الوقت عند علمائنا الثلاثة، والله أعلم.
قوله: (حقيقة) تمييز لنسبة ضاق أي ضاق في نفس لامر لا ظنا، ويأتي محترزه في قوله: ظن من عليه العشاء الخ.
قوله: (إذ ليس من الحكمة الخ) تعليل لقوله: فلا يلزم الترتيب إذا ضاق الوقت لكنه إنما يناسب اعتبار أصل الوقت.
ويمكن أن يجاب بأن معناه تفويت الوقتية عن وقتها المستحب ح.
ولا يخفى أن هذا لا يسمى تفويتا، بل هو تعليل ذكره المشايخ لما هو المذهب كما قررناه.
قوله:(2/71)
(ولو لم يسع الوقت كل الفوائت) صورته: عليه العشاء والوتر مثلا ثم لم يصل الفجر حتى بقي من الوقت ما يسع الوتر مثلا وفرض الصبح فقط ولم يسع الصلوات الثلاث فظاهر كلامهم ترجيح أنه لا يجوز صلاة الصبح ما لم يصل الوتر.
وصرح في المجتبى بأن الاصح جواز الوقتية ح عن البحر، لكن قال الرحمتي: الذي رأيته في المجتبى الاصح أنه لا تجوز الوقتية ا ه.
قلت: راجعت المجتبى فرأيت فيه مثل ما عزاه إليه في البحر، وكذا قال القهستاني: جازت الوقتية على الصحيح قوله: (يكررها إلى الطلوع) يعني يعيدها ثانيا وثالثا، وهكذا إذا كان في كل مرة ظن أن الوقت لا يسعهما ثم ظهر فيه سعة إلى أن يظهر بعد إعادة من الاعادات ضيقة حقيقة فيعيد الوقتية ثم يصلي الفائتة، وإن ظهر بعد إعادته أنه يسعهما صلى الفائتة ثم الوقتية كما في الفتح.
قوله: (أو نسيت الفائتة) معطوف على قوله: ضاق الوقت وفيه أن فر ض الكلام فيمن تذكر أنه لم يوتر، فكان ينبغي للمصنف حذف التذكر.
وحاصله أنه يسقط الترتيب إذا نسي الفائتة وصلى ما هو مرتب عليها من وقتية أو فائتة أخرى، وكذا يسقط بنسيان إحدى الوقتيتين، كما لو صلى الوتر ناسيا أنه لم يصل العشاء ثم صلاها، لا يعيد الوتر، لقولهم: إنه لو صلى العشاء بلا وضوء والوتر والسنة به يعيد العشاء والسنة لا الوتر، لانه أداه ناسيا أن العشاء في ذمته فسقط الترتيب.
أفاده ح.
قلت: ونظيره أيضا ما في البحر عن المحيط: لو صلى العصر ثم تبين له أنه صلى الظهر بلا وضوء يعيد الظهر فقط لانه بمنزلة الناسي.
قوله: (لانه عذر) أي لان النسيان عذر سماوي مسقط للتكليف لانه ليس في وسعه.
بحر.
قوله: (أو فاتت ست) يعني لا يلزم الترتيب بين الفائتة والوقتية ولا بين الفوائت إذا كانت ستا، كذا في النهر.
أما بين الوقتين كالوتر والعشاء فلا يسقط الترتيب بهذا المسقط كما لا يخفى ح.
وأطلق الست فشمل ما إذا فاتت حقيقة أو حكما كما في القهستاني والامداد.
ومثال الحكمية ما إذا ترك فرضا وصلى بعده خمس صلوات ذاكرا له، فإن الخمس تفسد فسادا موقوفا كما سيأتي، فالمتروكة فائتة حقيقة وحكما والخمسة الموقوفة فائتة حكما فقط.
وذكر في الفتح والبحر أنه لو ترك ثلا ث صلوات مثلا الظهر من يوم والعصر من يوم والمغرب من يوم لا يدري أيتها
أولى.
قييجب الترتيب بين المتروكات ويصليها سبعا، بأن يصلي الظهر ثم العصر ثم الظهر، لاحتمال أن يكون ما صلاه أولا وهو الآخر فيعيده، ثم يصلي المغرب ثم الظهر ثم العصر ثم الظهر لاحتمال كون المغرب أولا فيعيد ما صلاه أولا.
وقيل يسقط الترتيب بينهما فيصلي ثلاثا فقط، وهو المعتمد، لان إيجاب الترتيب فيها يلزم منه أن تصير الفوائت كسبع معنى مع أنه يسقط بست فبالسبع أولى ا ه ملخصا، وتمامه هناك.
وللشرنبلالي في هذه المسألة رسالة.
قوله: (اعتقادية) خرج الفرض العملي وهو الوتر، فإن الترتيب بينه وبين غيره وإن كان فرضا لكنه لا يحسب مع الفوائت ا ه(2/72)
ح: أي لانه لا تحصل به الكثرة المفضية للسقوط لانه من تمام وظيفة اليوم والليلة، والكثرة لا تحصل إلا بالزيادة عليها من حيث الاوقات أو من حيث الساعات، ولا مدخل للوتر في ذلك.
إمداد.
قوله: (لدخولها في حد التكرار الخ) لانه يكون واحد من الفروض مكررا، فيصلح أن يكون سببا للتخفيف بسقوط الترتيب الواجب بينها أنفسها وبينها وبين أغيارها درر.
إذ لو وجب الترتيب حينئذ لافض إلى الحرج.
قوله: (بخروج) متعلق بفائت.
قوله: (على الاصح) احترز به عما صححه الزيلعي من أن المعتبر كون المتخلل بعد الفائتة ستة أوقات لا ست صلوات، فلو فاتته صلاة وتذكرها بعد شهر فصلى بعدها وقتية ذاكرا للفائتة أجزأته على اعتبار الاوقات، لان المتخلل بينهما أكثر من ست أوقات، فسقط الترتيب: أي مع صحة الصلوات التي بينهما لسقوط الترتيب فيها بالنسيان، وعلى اعتبار الصلوات لا تجزيه لان الفائتة واحدة، ولا يسقط الترتيب إلا بفوت ست صلوات.
وصرح في المحيط بأنه ظاهر الرواية، وصححه في الكافي، وهو الموافق لما في المتون، وبه اندفع ما صححه الزيلعي وغيره، وتمامه في البحر، واحترز به أيضا عما روي عن محمد من اعتبار دخول وقت السادسة، وعما في المعراج من اعتبار دخول وقت السابعة كما أوضحه في البحر.
قوله: (ولو متفرقة) أي يسقط الترتيب بصيرورة الفوائت ستا ولو كانت متفرقة، كما لو ترك صلاة صبح مثلا من ستة أيام وصلى ما بينها ناسيا للفوائت.
قوله: (أو قديمة على المعتمد الخ) كما لو ترك صلاة شهر نسقا، ثم أقبل على الصلاة ثم ترك فائتة حادثة، فإن الوقتية جائزة مع تذكر الفائتة الحادثة لانضمامها إلى الفوائت القديمة وهي كثيرة
فلم يجب الترتيب.
وقال بعضهم: إن المسقط الفوائت الحديثة لا القديمة، ويجعل الماضي كأن لم يكن زجرا له عن التهاون بالصلوات، فلا تجوز الوقتية مع تذكرها، وصححه الصدر الشهيد، وفي التجنيس: وعليه الفتوى.
وذكر في المجتبى أن الاول أصح.
وفي الكافي والمعراج: وعليه الفتوى، فقد اختلف التصحيح والفتوى كما رأيت، والعمل بما وافق إطلاق المتون أولى.
بحر.
قوله: (أو ظن ظنا معتبرا الخ) هذا مسقط رابع ذكره الزيلعي، وجزم به في الدرر، وجعله في البحر ملحقا بالنسيان وقال: إنه ليس مسقطا رابعا كما يتوهم، ثم قال: وذكر شارحو الهداية أن فساد الصلاة إن كان قويا كعدم الطهارة استتبع الصلاة التي بعده، وإن كان ضعيفا كعدم الترتيب فلا، وفرعوا عليه فرعين.
أحدهما: لو صلى الظهر بلا طهارة ثم صلى العصر ذاكرا لها أعاد العصر، لان فساد الظهر قوي فأوجب فساد العصر وإن ظن عدم وجوب الترتيب.
ثانيهما: لو صلى هذه الظهر بعد هذه العصر ولم يعد العصر حتى صلى المغرب ذاكرا لها فالمغرب صحيحة إذا ظن عدم وجوب الترتيب، لان فساد العصر ضعيف لقول بعض الائمة بعدمه فلا يستتبع فساد المغرب.
وذكر له الاسبيجابي أصلا وهو أنه يلزمه إعادة ما صلاه ذاكرا للفائتة إن كانت الفائتة تجب إعادتها بالاجماع، وإلا فلا إن كان يرى أن ذلك يجزيه ا ه.
قال في الفتح: ويؤخذ من هذا أن مجرد كون المحل مجتهدا فيه لا يستلزم اعتبار الظن فيه من الجاهل، بل إن كان المجتهد فيه ابتداء لا يعتبر الظن، وإن كان مما يبتنى على المجتهد فهي ويستتبعه اعتبر ذلك الظن لزيادة الضعف، ففساد العصر هو المجتهد فيه ابتداء، وفساد المغرب بسبب ذلك فاعتبر ا ه: أي اعتبر فيه الظن من الجاهل.
وفيه(2/73)
تصريح بأن محل اعتبار هذا الظن وعدمه في الجاهل لا العالم بوجوب الترتيب، وتمامه في النهر.
هذا، وقد اعتر ض في البحر ما مر من الفرعين بأن المصلي لا يخلو: إما أن يكون حنفيا فلا عبرة برأيه المخالف لمذهب إمامه فيلزمه المغرب أيضا، أو شافعيا فلا يلزمه العصر أيضا أو عاميا فلا مذهب له بل مذهبه مفتيه، فإن استفتى حنفيا أعادهما أو شافعيا لا يعيدهما، وإن لم يستفت أحدا وصادف الصحة على مذهب مجتهد لا إعادة عليه ا ه.
ولا يخفى أنه بحث في المنقول، فإن ما
مر عن شروح الهداية من حكم الفرعين مذكور أيضا في شرح الجامع الصغير للامام قاضيخان.
وذكر في الذخيرة أنه مروي عن محمد، وعزاه في التاترخانية إلى الاصل، وقد تبع الشرنبلالي صاحب البحر، لكن قال: إن موضوع المسألة في عامي لم يقلد مجتهدا ولم يستفت فقيها، فصلاته صحيحة لمصادفتها مجتدها فيه، أما لو كان حنفيا فلا عبرة بظنه المخالف لمذهب إمامه الخ.
وفيه نظر، إذ لا فرق حينئذ بين العصر والمغرب لمصادفة كل منهما الصحة على مذهب الشافعي، بل هو محمول على عامي استفتى حنفيا أو التزم التعبد على مذهب أبي حنيفة معتقدا صحته وقد جهل هذا الحكم ثم علم ذلك.
ولذا قال في النهر ما معناه: إن قول البحر لا عبرة برأيه المخالف الخ ممنوع، لان إمامه قد اعتبر رأيه وأسقط عنه الترتيب بظنه عدم وجوبه، فإذا كان جاهلا ذلك ثم علم لا يلزمه إعادة المغرب، ولو استفتى حنفيا فأفتاه بالاعادة لم تصح فتواه ا ه.
قوله: (جاز العصر) أي إن كان يظن أنه يجزيه كما مر، وأطلقه لعلمه من التعليل بعده.
قوله: (لانه) أي جواز العصر مجتهد فيه: أي يبتنى على المجتهد فيه ابتداء، وهو جواز الظهر عند الشافعي كما مر تقريره عن الفتح.
قوله: (وفي المجتبى الخ) ليس هذا مسقطا خامسا، لما علمت من أن الظن السابق إنما يعتبر من الجاهل، بل إنما نقل كلام المجتبى ليشير إلى ما قدمناه عن البحر من أن الظن المعتبر ليس مسقطا رابعا، لانه ملحق بالنسيان، وإنما المسقطات هي الثلاث التي اقتصر عليها أصحاب المتون، فافهم.
قوله: (وعليه يخرج ما في القنية) إنما حكم على الصبي بذلك لان الغالب عليه الجهل كما في النهر ح.
قلت: لكن في هذا التخريج خفاء، فإن الفجر فائتة بالاجماع، فكيف لم يلزمه الترتيب اعتبارا لجهله مع أنها نظير المسألة الاولى السابقة تحت قوله: أو ظن ظنا معتبرا؟ والظاهر أنه مبني على القول باعتبار ظن الجاهل مطلقا كما يأتي بيانه قريبا.
قوله: (بكثرتها) متعلق بسقوطه، وقوله: بعود الفوائت متعلق بقوله: ولا يعود وقوله: بالقضاء متعلبقوله: بعود الفوائت إلى القلة ط.
قوله: (بسبب القضاء لبعضها) كما إذا ترك رجل صلاة شهر مثلا ثم قضاها إلا صلاة ثم صلى الوقتية ذاكرا لها فإنها صحيحة ا هبحر.
وقيد بقضاء البعض، لانه لو قضى الكل عاد الترتيب عند الكل كما نقله القهستاني.
قوله: (على المعتمد) هو أصح الروايتين، وصححه أيضا في الكافي والمحيط، وفي
المعراج وغيره.
وعليه الفتوى.
وقيل يعود الترتيب، واختاره في الهداية.
ورده في الكافي(2/74)
والتبيين، وأطال فيه في البحر.
قوله: (لان الساقط لا يعود) وأما إذا قضى الكل فالظاهر أنه يلزمه ترتيب جديد فلا يقال إنه عاد.
تأمل.
قوله: (مجتبى) عبارته كما في البحر: ولو سقط الترتيب لضيق الوقت ثم خرج الوقت لا يعود على الاصح، حتى لو خرج في خلال الوقتية لا تفسد على الاصح، وهو مؤد على الاصح لا قاض، وكذا لو سقط مع النسيان ثم تذكر لا يعود ا ه باختصار.
قوله: (عن الدراية) اقتصار على بعض اسم الكتاب للاختصار، فإن اسمه معراج الدراية، وهو شرح الهداية للكاكي، وكثيرا ما يطلقون عليه لفظ المعراج.
قوله: (فليحرر) التحرير أن الخلاف لفظي في ضيق الوقت، فإن ما في المجتبى مصرح بأن عدم العود فيما إذا خرج الوقت.
وما في الدراية مصرح بأن العود فيما إذا اتسع الوقت: أي ظهر أن فيه سعة فلا منافاة بينهما، وكذا في التذكر بعد النسيان، فإن ما في المجتبى محمول على ما إذا تذكر بعد الفراغ من الصلاة بدليل أنهم اتفقوا في المسائل الاثني عشرية على أنه لو تذكر فائتة وهو يصلي: فإن كان قبل القعود قدر التشهد بطلت اتفاقا، وإن كان بعده قبل السلام بطلت عنده لا عندهما.
وما في الدراية محمول على ما إذا تذكر قبل الفراغ منها، كذا أفاده ح.
ثم قال: وفي التحقيق ضيق الوقت ليس بمسقط حقيقة، وإنما قدمت الوقتية عند العجز عن الجمع بينهما لقوتها مع بقاء الترتيب كما صرح به في البحر عن التبيين.
وينبغي أن يقال مثل ذلك في النسيان، فعلى هذا لو سقط الترتيب بين فائتة ووقتية لضيق وقت أو نسيان يبقى فيما بعد تلك الوقتية.
قوله: (أصل الصلاة) تبع فيه النهر.
والصواب وصف الصلاة.
قال في البحر: وقيد بفساد الفريضة فإنه لا يبطل الصلاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى.
وعند محمد رحمه الله تعالى يبطل، لان التحريمة عقدت للفرض، فإذا بطلت الفرضية بطلت التحريمة أصلا.
ولهما أنها عقدت لاصل الصلاة بوصف الفرضية، فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الاصل، كذا في النهاية.
وفائدته تظهر في انتقاض الطهارة بالقهقهة، كذا في العناية ا ه ح.
قوله: (عند أبي حنيفة) وأما عندهما فالفساد بات.
قوله: (سواء ظن وجوب الترتيب أو لا) خلافا لما في شرح المجمع عن المحيط، من
أنه لا يعيد ما صلاه إذا كان عند المصلي أن الترتيب ليس بواجب، وإلا أعاد الكل، فقد نص في البحر على ضعفه.
وذكر في الفتح أن تعليل قول الامام يقطع بالاطلاق، وأقره في النهر.
لا يقال: هذا مخالف لما تقدم من أن الترتيب يسقط بالظن المعتبر.
وأما الجاهل يلحق بالناسي.
لانا نقول: إن ما هنا مصور فيما إذا ترك صلاة ثم صلى بعدها خمسا ذاكرا للمتروكة، فظنه عدم وجوب الترتيب هنا غير معتبر، لانه إنما يعتبر إذا كان الفساد ضعيفا كما مر عن شراح الهداية وفتح القدير، فافهم.
قوله: (فإن كثرت) أي الصلاة التي صلاها تاركا فيها الترتيب، بأن صلاها قبل(2/75)
قضاء الفائتة ذاكرا لها، وهذا التفريع لبيان قوله: موقوف.
وتوضيحه أنه إذا فاتته صلاة ولو وترا فكلما صلى بعدها وقتية وهو ذاكر لتلك الفائتة فسدت تلك الوقتية فسادا موقوفا على قضاء تلك الفائتة، فإن قضاها قبل أن يصلي بعدها خمس صلوات صار الفساد باتا وانقلبت الصلوات التي صلاها قبل قضاء المقضية نفلا، وإن لم يقضها حتى خرج وقت الخامسة وصارت الفواسد مع الفائتة ستا انقلبت صحيحة، لانه ظهرت كثرتها ودخلت في حد التكرار المسقط للترتيب، وبيان وجه ذلك في البحر وغيره.
قال ط: وقيدوا أداء الخمسة بتذكر الفائتة، فلو لم يتذكرها سقط للنسيان، ولو تذكر في البعض ونسي في البعض يعتبر المذكور فيه، فإن بلغ خمسا صحت، ولا نظر لما نسي فيه لما قلنا.
قوله: (وصارت الفوائت) أي الحكمية.
وفي نسخة الفواسد أي الموقوفة.
قوله: (بخروج وقت الخامسة الخ) اعلم أن المذكور في عامة الكتب كالمبسوط والهداية والكافي والتبيين وغيرها أن صحة الكل موقوفة على أداء ست صلوات بعد المتروكة.
وادعى في البحر أنه خطأ.
وحقق في فتح القدير أن الصحة موقوفة على دخول وقت السادسة لا على أدائها.
واعترضه في النهر، بأن دخول وقت السادسة بعد المتروكة غير شرط، بل المعتبر خروج وقت الخامسة، لانه بذلك تصير الفوائت ستا كما صرح به في معراج الدراية، مع بيان أن ما ذكر في عامة الكتب من أداء السادسة إنما هو لتصير الفوائت ستا بيقين لا لكونه شرطا البتة، وذكر نحو ذلك العلامة الشرنبلالي في الامداد عن المعراج أيضا، ومجمع الروايات والتاترخانية
والسغناقي وقاضيخان، وحاصل ذلك كله ما لخصه الشارح رحمه الله تعالى.
هذا، وفي النهر عن المعراج: كان ينبغي أنه لو أدى الخامسة ثم قضى المتروكة قبل خروج وقتها أن لا تفسد المؤديات بل تصح لوقوعها غير جائزة، وبها تصير الفوائت ستا.
والجواب مع كونها فائتة ما بقي الوقت إذ احتمال الاداء على وجه الصحة قائم ا ه.
قوله: (بعد طلوع الشمس) أي من غير توقف على دخول وقت السادسة وهي الظهر خلافا لما في الفتح، ولا على أدائها خلافا لما يوهمه ظاهر ما في عامة الكتب.
قوله: (بأن لم تصر ستا) أي بأن قضى الفائتة قبل خروج وقت الخامسة.
قوله: (وفيها يقال الخ) هذا ذكره في المبسوط، وهو مبني على ما مشى عليه كعامة الكتب من اشتراط أداء السادسة، فهذه السادسة إذا أداها صحت الخمسة التي قبلها، فهي صلاة تصحح خمسا، والفائتة إذا قضاها قبل أداء السادسة فسدت الخامسة التي قبلها، فهذه صلاة أخرى(2/76)
تفسد خمسا، أما على اعتبار خروج وقت الخامسة كما مشى عليه الشارح فالمصحح والمفسد صلاة واحدة وهي الفائتة، فإذا قضاها بعد صلاة الخامسة قبل خروج وقتها أفسدت الخمس التي قبلها، وإذا خرج الوقت ولم يقض صحت الخمس: أي تحقق بها صحة الخمس،.
وإلا فالمصحح حقيقة هو كثرة الفوائت بخروج وقت الخامسة، فافهم.
قوله (وعليه صلوات فائتة الخ) أي بأن كان يقدر على أدائها ولو بالايماء، فيلزمه الايصاء بها وإلا فلا يلزمه وإن فلت، بأن كانت دون ست صلوات، لقوله عليه الصلاة والسلام فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه وكذا حكم الصوم في رمضان إن أفطر فيه المسافر والمريض وماتا قبل الاقامة والصحة، وتمامه في الامداد.
مطلب في إسقاط الصلاة عن الميت قوله: (يعطى) بالبناء للمجهول: أي يعطي عنه وليه: أي من له ولاية التصرف في ماله بوصاية أو وراثة فيلزمه ذلك من الثلث إن أوصى، وإلا فلا يلزم الولي ذلك لانها عبادة فلا بد فيها من الاختيار، فإذا لم يوص فات الشرط فيسقط في حق أحكام الدنيا للتعذر، بخلاف حق العباد فإن الواجب فيه وصوله إلى مستحقه لا غير، ولهذا لو ظفر به الغريم يأخذه بلا قضاء ولا رضا، ويبرأ
من عليه الحق بذلك.
إمداد.
ثم اعلم أنه إذا أوصى بفديه الصوم يحكم بالجواز قطعا، لانه منصوص عليه.
وأما إذا لم يوص فتطوع بها الوارث فقد قال محمد في الزيادات: إنه يجزيه إن شاء الله تعالى، فعلق الاجزاء بالمشيئة لعدم النص، وكذا علقه بالمشيئة فيما إذا أوصى بفدية الصلاة لانهم ألحقوها بالصوم احتياطا لاحتمال كون النص فيه معلولا بالعحز فتشمل العلة الصلاة، وإن لم يكن معلولا تكون الفدية برا مبتدأ يصلح ماحيا للسيئات فكان فيها شبهة، كما إذا لم يوص بفدية الصوم، فلذا جزم محمد بالاول ولم يجزم بالاخيرين، فعلم أنه إذا لم يوص بفدية الصلاة فالشبهة أقوى.
واعلم أيضا أن المذكور فيما رأيته من كتب علمائنا فروعا وأصولا: إذا لم يوص بفدية الصوم يجوز أن يتبرع عنه وليه.
والمتبادر من التقييد بالولي أنه لا يصح من مال الاجنبي.
ونظيره ما قالوه فيما إذا أوصى بحجة الفرض فتبرع الوارث بالحج: لا يجوز وإن لم يوص فتبرع الوارث إما بالحج بنفسه أو بالاحجاج عنه رجلا يجزيه.
وظاهره أنه لو تبرع غير الوارث لا يجزيه، نعم وقع في شرح نور الايضاح للشرنبلالي التعبير بالوصي أو الاجنبي، فتأمل، وتمام ذلك في آخر رسالتنا المسماة (شفاء العليل في بطلان الوصية بالختمات والتهاليل).
قوله: (نصف صاع من بر) أي أو من دقيقه أو سويقه، أو صاع تمر أو زبيب أو شعير أو قيمته، وهي أفضل عندنا لاسراعها بسد حاجة الفقير.
إمداد.
ثم إن نصف الصاع ربع مد دمشقي من غير تكويم، بل قدر مسحه كما سنوضحه في زكاة الفطر.
قوله: (وكذا حكم الوتر) لانه فرض عملي عنده خلافا لهما ط.
ولا رواية في سجدة التلاوة أنه يجب كما في الحجة.
والصحيح أنه لا يجب أو لا يجب كما في الصيرفية.
إسماعيل.
قوله: (وإنما يعطى من ثلث ماله) أي فلو زادت الوصية على الثلث لا يلزم الولي إخراج الزائد إلا بإجازة الورثة.
وفي القنية: أوصى بثلث ماله إلى صلوات عمره وعليه دين فأجاز الغريم: وصيته لا تجوز، لان الوصية متأخرة عن الدين ولم يسقط الدين بإجازته ا ه.
وفيها أوصى بصلوات عمره وعمره لا يدري فالوصية(2/77)
باطلة،.
ثم رمز إن كان الثلث لا يفي بالصلوات جاز، وإن كان أكثر منها لم يجز ا ه.
والظاهر أن
المراد لا يفي بغلبة الظن، لان المفروض أن عمره لا يدري، وذلك كأن يفي الثلث بنحو عشر سنين مثلا وعمره نحو الثلاثين.
ووجه هذا القول الثاني ظاهر، لان الثلث إذا كان لا يفي بصلوات عمره تكون الوصية بجميع الثلث يقينا ويلغو الزائد عليها، بخلاف ما إذا كان يفي بها ويزيد عليه فإن الوصية تبطل لجهالة قدرها بسبب جهالة قدر الصلوات، فتدبر.
قوله: (ولو لم يترك مالا الخ) أي أصلا أو كان ما أوصى به لا يفي.
زاد في الامداد: أو لم يوص بشئ وأراد الولي التبرع الخ.
وأشار بالتبرع إلى أن ذلك ليس بواجب على الولي.
ونص عليه في تبيين المحارم فقال: لا يجب على الولي فعل الدور، وإن أوصى به الميت لانها وصية بالتبرع، والواجب على الميت أن يوصي بما يفي بما عليه إن لم يضق الثلث عنه، فإن أوصى، بأقل وأمر بالدور وترك بقية الثلث للورثة أو تبرع به لغيرهم فقد أثم بترك ما وجب عليه ا ه.
مطلب في بطلان الوصية بالختمات والتهاليل وبه ظهر حال وصايا أهل زماننا، فإن الواحد منهم يكون في ذمته صلوات كثيرة وغيرها من زكاة وأضاح وأيمان ويوصي لذلك بدراهم يسيرة، ويجعل معظم وصيته لقراءة الختمات والتهاليل التي نص علماؤنا على عدم صحة الوصية بها، وأن القراءة لشئ من الدنيا لا تجوز، وأن الآخذ والمعطي آثمان، لان ذلك يشبه الاستئجار على القراءة، ونفس الاستئجار عليها لا يجوز، فكذا ما أشبهه كما صرح بذلك في عدة كتب من مشاهير كتب المذهب، وإنما أفتى المتأخرون بجواز الاستئجار على تعليم القرآن لا على التلاوة، وعللوه بالضرورة وهي خوف ضياع القرآن، ولا ضرورة في جواز الاستئجار على التلاوة كما أوضحت ذلك في شفاء العليل، وسيأتي بعض ذلك في باب الاجارة الفاسدة إن شاء الله تعالى.
قوله: (يستقرض وارثه نصف صاع مثلا الخ) أي أو قيمة ذلك.
والاقرب أن يحسب ما على الميت ويستقرض بقدره، بأن يقدر عن كل شهر أو سنة أو يحسب مدة عمره بعد إسقاط اثنتي عشرة سنة للذكر وتسع سنين للانثى لانها أقل مدة بلوغهما، فيجب عن كل شهر نصف غرارة قمح بالمد الدمشقي مد زماننا، لان نصف الصاع أقل من ربع مد، فتبلغ كفارة ست صلوات لكل يوم وليلة نحو مد وثلث، ولكل شهر أربعون مدا، وذلك نصف غرارة، ولكل
سنة شمسية ست غرائر، فيستقرض قيمتها ويدفعها للفقير ثم يستوهبها منه ويتسلمها منه لتتم الهبة، ثم يدفعها لذلك الفقير أو لفقير آخر وهكذا، فيسقط في كل مرة كفارة سنة، وإن استقرض أكثر من ذلك يسقط بقدره، وبعد ذلك يعيد الدور لكفارة الصيام ثم للاضحية ثم للايمان، لكن لا بد في كفارة الايمان من عشرة مساكين، ولا يصح أن يدفع للواحد أكثر من نصف صاع في يوم للنص على العدد فيها، بخلاف فدية الصلاة فإنه يجوز إعطاء فدية صلوات لواحد كما يأتي.
وظاهر كلامهم أنه لو كان عليه زكاة لا تسقط عنه بدون وصية لتعليلهم، لعدوجوبها بدون وصية باشتراط النية فيها لانها عبادة فلا بد فيها من الفعل حقيقة أو حكما، بأن يوصي بإخراجها فلا يقوم الوارث مقامه في ذلك.
ثم رأيت في صوم السراج التصريح بجواز تبرع الوارث بإخراجها، وعليه فلا بأس بإدارة الولي للزكاة، ثم ينبغي بعد تمام ذلك كله أن يتصدق على الفقراء بشئ من ذلك المال أو بما(2/78)
أوصى به الميت إن كان أوصى.
قوله: (لم يجز) الظاهر أنه بضم الياء من الاجزاء بمعنى أن الصلاة لا تسقط عن الميت بذلك وكذا الصوم، نعم لو صام أو صلى وجعل ثواب ذلك للميت صح، لانه يصح أن يجعل ثواب عمله لغيره عندنا كما سيأتفي باب الحج عن الغير إن شاء الله تعالى.
قوله: (لانه يقبل النيابة) لانه عبادة مركبة من البدن والمال، فإن العبادة ثلاثة أنواع: مالية، وبدنية، ومركبة منهما، فالعبادة المالية كالزكاة تصح فيها النيابة حالة العجز والقدرة.
والبدنية كالصلاة والصوم لا تصح فيها النيابة مطلقا.
والمركبة منهما كالحج: إن كان نفلا تصح فيه النيابة مطلقا، وإن كان فرضا لا تصح إلا عند العجز الدائم إلى الموت، كما سيأتي بيانه في الحج عن الغير إن شاء الله تعالى.
قوله: (لم يجز) هذا ثاني قولين حكاهما في التاترخانية بدون ترجيح.
وظاهر البحر اعتماده، والاول منهما أنه يجوز كما يجوز في صدقة الفطر.
قوله: (جاز) أي بخلاف كفارة اليمين والظهار والافطار.
تاترخانية.
قوله: (ولو فدى عن صلاته في مرضه لا يصح) في التاترخانية عن التتمة: سئل الحسن بن علي عن الفدية عن الصلاة في مرض المو ت هل تجوز؟ فقال: لا.
وسئل أبو يوسف عن الشيخ الفاني هل تجب عليه الفدية عن الصلاة
فقال: لا.
اه حالة الحياة، بخلاف الصوم ا ه.
أقول: ووجه ذلك أن النص إنما ورد في الشيخ الفاني أنه يفطر ويفدي في حياته، حتى أن المريض أو المسافر إذا أفطيلزمه القضاء إذا أدرك أياما أخر، وإلا فلا شئ عليه، فإن أدرك ولم يصم يلزمه الوصية بالفدية عما قدر، هذا ما قالوه، ومقتضاه أن غير الشيخ ليس له أن يفدي عن صومه في حياته لعدم النص ومثله الصلاة، ولعل وجهه أنه مطالب بالقضاء إذا قدر، ولا فدية عليه إلا بتحقيق العجز عنه بالموت فيوصي بها، بخلاف الشيخ الفاني فإنه تحقق عجزه قبل الموت عن أداء الصوم وقضائه فيفدي في حياته، ولا يتحقق عجزه عن الصلاة لانه يصلي بما قدر ولو مومئا برأسه، فإن عجز عن ذلك سقطت عنه إذا كثرت، ولا يلزمه قضاؤها إذا قدر كما سيأتي في باب صلاة المريض، وبما قررنا ظهر أن قول الشارح بخلاف الصوم أي فإن له أن يفدي عنه في حياته: خاص بالشيخ الفاني.
تأمل.
قوله: (ويجوز تأخير الفوائت) أي الكثيرة المسقطة للترتيب.
قوله: (لعذر السعي) الاضافة للبيان ط.
أي فيسعى ويقضي ما قدر بعد فراغه ثم وثم إلى أن تتم.
قوله: (وفي الحوائج) أعم مما قبله: أي ما يحتاجه لنفسه من جلب نفع ودفع ضره.
وأما النفل فقال في المضمرات: الاشتغال بقضاء الفوائت أولى وأهم من النوافل، إلا سنن المفروضة وصلاة الضحى وصلاة التسبيح والصلاة التي رويت فيها الاخبار ا ه ط: أي كتحية المسجد، والاربع قبل العصر والست بعد المغرب.
قوله: (وسجدة التلاوة) أي في خارج الصلاة، أما فيها فعلى الفور.
وفي الحلية من باب سجود التلاوة عن شرح الزاهدي: أداء هذه السجدة في الصلاة على الفور، وكذا خارجها عند أبي يوسف.
وعند محمد على التراخي، وكذا الخلاف في قضاء الصلاة والصوم والكفارة والنذور المطلقة والزكاة والحج وسائر الواجبات.
وعن أبي حنيفة روايتان، وقيل قضاء الصلاة على التراخي اتفاقا، والاصح عكسه ا ه.
قوله: (والنذر المطلق) أما العين بوقت فيجب أداؤه(2/79)
في وقته إن كان معلقا، وفي غير وقته يكون قضاء ط.
قوله: (وضيق الحلواني) قال في البحر بعد ذلك: وذكر الولوالجي من الصوم أن قضاء الصوم على التراخي، وقضاء الصلاة على الفور إلا
لعذر ا ه.
قوله: (بالجهل) للاحكام الشرعية كوجوب صوم وصلاة وزكاة.
قوله: (أسلم ثمة) أي هناك: أي في دار الحرب.
قوله: (بالعلم) فإذا بلغه في دار الحرب رجل واحد فعليه قضاء ما تركه بعده عندهما، وهو إحدى الروايتين عن الامام.
وفي رواية الحسن عنه: لا يلزمه حتى يخبره رجلان عدلان مسلمان، أو رجل وامرأتان.
وأما العدالة ففي المبسوط أنها شرط عندهما.
وروى أبو جعفر في غريب الرواية أنها غير شرط عندهما، حتى إذا أخبره رجل فاسق أو صبي أو امرأة أو عبد فإن الصلاة تلزمه.
تاترخانية.
قوله: (أو دليله) أي دليل العلم وهو الكون في دار الاسلام لاشتهار الفرائض فيها، فمن أسلم فيها لزمه قضاء ما ترك.
قوله: (زمنها) منصوب ظرف لقوله: فإنه ح.
والضمير للردة المفهومة من قوله: مرتد.
قوله: (ولا ما قبلها) عطف على ما فاته وأعاد لا النافية لتأكيد النفي، وعلى هذا يصير المعنى: ولا يعيده ما أداه قبلها بدليل العطف المذكور لانه مقابل للمعطوف عليه، وبدليل قوله: إلا الحج لان معناه إذا أداه قبلها يقضيه، ولو كان المعنى أنه لا يقضي ما فاته قبلها لكان حق التعبير أن يقول: أو قبلها عطفا على زمانها العامل فيه قوله: فاته ولخالف ما سيأتي في باب المرتد، ونقله في البحر هناك عن الخانية بقوله: إذا كان على المرتد قضاء صلوات وصيا مات تركها في الاسلام ثم أسلم، قال شمس الائمة الحلواني: عليه قضاء ما ترك في الاسلام، لان ترك الصيام والصلاة معصية، والمعصية تبقى بعد الردة ا ه.
فافهم.
قوله: (إلا الحج) لان وقته العمر، فلما حبط بالردة ثم أدرك وقته مسلما لزمه.
قوله: (لانه بالردة الخ) تعليل للمتن، ولقوله: إلا الحج أي فإن الكافر الاصلي إذا أسلم لا يلزمه قضاء ما فاته زمن كفره لعدم خطاب الكفار بالشرائع عندنا كما في فتح القدير، بل يلزمه ما أدرك وقته بعد الاسلام، والحج وقته باق فتلزمه، كما يلزمه أداء صلاة أسلم في وقتها، فكذا المرتد.
قوله: (ولذا) أي لكونه كالكافر الاصلي.
قوله: (لانه حبط) أي بطل، والاحسن عطفه بالواو على قوله: ولذا ليكون علة ثانية للزوم الاعادة.
تأمل.
قوله: (وخالف الشافعي) أي حيث قال: لا يلزم الاعادة، لا إحباط العمل معلق في الآية بالموت على الردة.
قوله: (قلنا الخ) حاصل الجواب أن قوله تعالى: * (ومن يرتدد(2/80)
منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * (البقرة: 712) فيه ذكر عملين: أحدهما الردة، والآخر الموت عليها: أي الاستمرار عليها إلى الموت، وذكر جزاءين، لكل عمل جزاء على اللف والنشر المرتب فإحباط الاعمال جزاء الردة، والخلود في النار جزاء الموت عليها، بدليل أنه في الآية الاولى علق حبط العمل على مجرد الكفر بما آمن به، ومثله قوله تعالى: * (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) * (الانعام: 88).
مطلب: إذا أسلم المرتد هل تعود حسناته أم لا؟ تنبيه: مقتضى كون حبط العمل في الدنيا والآخرة جزاء الردة وإن لم يمت عليها عندنا أنه لو أسلم لا تعود حسناته، وإلا كان جزاء لها وللموت عليها معا كما يقوله الشافعي رحمها الله تعالى، وفي البحر والنهر من باب المرتد عن التاترخانية معزيا إلى التتمة: لو تاب المرتد، قال أبو علي وأبو هاشم من أصحابنا: تعود حسناته.
وقال أبو قاسم الكعبي: لا تعود، ونحن نقول: إنه لا يعود ما بطل من ثوابه، ولكن تعود طاعته المتقدمة مؤثرة في الثواب بعد ا ه.
ولعل معنى كونها مؤثرة في الثواب بعد أن الله تعالى يثيبه عليها ثوابا جديدا بعد رجوعه إلى الاسلام غير الثواب الذي بطل، أو أن الثواب بمعنى الاعتداد بها وعدم مطالبته بفعلها ثانيا وإن حكمنا ببطلانها، لان ذلك فضل من الله تعالى.
تأمل.
وبقي هل يسقط بإسلامه ما فعله من المعاصي قبل الردة؟ مقتضى ما قدمناه عن الخانية أنها لا تسقط، وهو قول كثير من المحققين.
وعند العامة يسقط كما بسطه القهستاني في باب المرتد، وهو الظاهر، لحديث الاسلام يجب ما قبله وهو بعمومه يشمل إسلام المرتد، لكن ينبغي عدم الخلاف في لزوم قضاء ما تركه في الاسلام، وإنما الخلاف في سقوط إثم التأخير والمطل في الدين الذي من حقوق العباد، وسيأتي تحقيقه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (بعد صلاة العشاء) مصدر مضاف إلى مفعوله: أي بعد أنت صلى العشاء.
قوله: (لزمه قضاؤها) لانها وقعت نافلة، ولما احتلم في وقتها صارت فرضا عليه، لان النوم لا يمنع الخطاب فيلزمه قضاؤها في المختار، ولذا لو استيقظ قبل الفجر لزمه إعادتها إجماعا كما قدمناه أول كتاب الصلاة عن الخلاصة.
وفي الظهيرية: حكي عن محمد بن الحسن أنه جاء إلى الامام أول احتلامه فقال: ما تقول في غلام احتلم في الليل
بعد ما صلى العشاء هل يعيدها؟ قال: نعم، فقام محمد إلى زاوية المسجد وأعادها، وهي أول مسألة تعلمها من الامام، فلما رآه يعمل بعلمه تفرس فقال: إن هذا الصبي يصلح، فكان كما قال ا ه ملخصا.
قوله: (صح) لانه مخاطب بقضائها في ذل ك الوقت فيلزمه قضاؤها على قدر وسعه، أما إذا لم يكن عذر فإنه يلزمه قضاء الفائتة على الصفة التي فاتت عليها، ولذا يقضي المسافر فائتة الحضر الرباعية أربعا، ويقضي المقيم فائتة السفر ركعتين، لان القضاء يحكي الاداء إلا لضرورة.
قوله: (كثرت الفوائت الخ) مثاله: لو فاته صلاة الخميس والجمعة والسبت فإذا قضاها لا بد من التعيين، لان فجر الخميس مثلا غير فجر الجمعة، فإن أراد تسهيل الامر يقول: أول فجر مثلا، فإنه إذا صلاه يصير ما يليه أولا، أو يقول آخر فجر، فإن ما قبله يصير آخرا، ولا يضره عكس الترتيب لسقوطه(2/81)
بكثرة الفوائت.
وقيل: لا يلزمه التعيين أيضا كما في صوم أيام من رمضان واحد، ومشى عليه المصنف في مسائل شتى آخر الكتاب تبعا للكنز، وصححه القهستاني عن المنية، لكن استشكل في الاشباه وقال: إنه مخالف لما ذكره أصحابنا كقاضيخان وغيره، والاصح الاشتراط اه.
قلت: وكذا صححه في الملتقى هناك، وهو الاحوط، وبه جزم في الفتح كما قدمناه في بحث النية، وجزم به هنا صاحب الدرر أيضا.
قوله: (لو من رمضانين) لان كل رمضان سبب لصومه، فصار كظهرين من يومين، بخلاف صوم يومين من رمضان واحد، فيصح وإن لم يعين القضاء عن اليوم الاول أو الثاني منه.
قوله: (وينبغي الخ) تقدم في باب الاذان أنه يكره قضاء الفائتة في المسجد، وعلله الشارح بما هنا من أن التأخير معصية فلا يظهرها.
وظاهره أن الممنوع هو القضاء مع الاطلاع عليه، سواء كان في المسجد أو غيره كما أفاده في المنح.
قلت: والظاهر أن ينبغي هنا الوجوب وأن الكراهة تحريمية، لان إظهار المعصية معصية، لحديث الصحيحين كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من الجهار أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه والله تعالى أعلم.
باب: سجود السهو قوله: (من إضافة الحكم إلى سببه) قال في العناية: وهي الاصل في الاضافات لان الاضافة للاختصاص وأقواه اختصاص المسبب بالسبب ا ه.
لكن فيه أن السجود ليس حكما بل هو متعلقه، والحكم هنا الوجوب وأجيب بأنه على تقدير مضاف: أي وجوب سجود السهو.
تأمل.
قوله: (وأولاه بالفوائت) أي قرنه بها على طريق التضمين ولذا عداه بالباء، وإلا فهو من الولي بمعنى القرب والدنو كما في القاموس، فيعدى إلى المفعول الثاني ب من لا بالباء.
يقال: أوليت زيدا من عمرو: أي قربته منه.
قوله: (لانه لاصلاح ما فات) أي ما ترك من الواجبات في محله، كما أن قضاء الفوائت لاصلاح ما فات وقته بفعله بعده.
قوله: (وهو) أي السهو.
قوله: (واحد عند الفقهاء) خبر عن هو وما عطف عليه: أي معنى هذه الثلاثة واحد عند الفقهاء.
وفي ذكر الشك نظر.
وفي البحر عن التحرير: لا فرق في اللغة بين النسيان والسهو، وهو عدم استحضار الشئ في وقت الحاجة.
قال الرملي: وفي جمع الجوامع: السهو: الغفلة عن المعلوم، فيتنبه له بأدنى تنبه.
والنسيان: زوال المعلوم.
وقال الحكماء: السهو: زوال الصورة عن المدركة مع بقائها في الحافظة.
والنسيان: زوالهما عنها معا، فحينئذ يحتاج في تحصيلها إلى سبب جديد.
قوله: (والظن الخ(2/82)
) حاصله أن ما يخطر بالبال ولم يصل إلى حد اليقين حتى يسمى علما، ولا تساوت جهتاه حتى يسمى شكا، بل ترجحت فيه إحداهما على الاخرى، فالمرجوحة وهم، والراجحة ظن، فإن زاد الرجحان بلا جزم فهو غلبة الظن.
قوله: (يجب له) أي للسهو الآتي بيانه في قوله: بترك واجب سهوا ح.
وذكر في المحيط عن القدوري أنه سنة.
وظاهر الرواية الوجوب، وصححه في الهداية وغيرها، لانه لجبر نقصان تمكن في الصلاة فيجب كالدماء في الحج، ويشهد له الامر به في الاحاديث الصحيحة والمواظبة عليه.
وظاهر كلامهم أنه لو لم يسجد يأثم بترك الواجب، ولترك سجود السهو.
بحر.
وفيه نظر، بل يأثم لترك الجابر فقط، إذ لا إثم على الساهي، نعم هو في صورة العمد ظاهر، فينبغي أن يرتفع هذا الاثم بإعادتها.
نهر.
قوله: (بعد سلام) متعلق بمحذوف حال من فاعل يجب لا
بيجب، لما يأتي من أنه لو سجد قبل السلام كره تنزيها، نعم يصح تعلقه بيجب بالنظر إلى تقييد السلام بالواحد لما يأتي من أنه بعد التسليمتين يسقط السجود.
قوله: (واحد) هذا قول الجمهور، منهم شيخ الاسلام وفخر الاسلام.
وقال في الكافي: إنه الصواب، وعليه الجمهور، وإليه أشار في الاصل ا ه.
إلا أن مختار فخر الاسلام كونه تلقاء وجهه من غير انحرا ف.
وقيل يأتي بالتسليمتين، وهو اختيار شمس الائمة وصدر الاسلام أخي فخر الاسلام، وصححه في الهداية والظهيرية والمفيد والينابيع، كذا في شرح المنية.
قال في البحر: وعزاه: أي الثاني في البدائع إلى عامتهم، فقد تعارض النقل عن الجمهور ا ه.
قوله: (عن يمينه) احتراز عما اختاره فخر الاسلام من أصحاب القول الاول كما علمته.
وفي الحلية: اختار الكرخي وفخر الاسلام وشيخ الاسلام وصاحب الايضاح أن يسلم تسليمة واحدة.
ونص في المحيط على أنه الاصوب، وفي الكافي على أنه الصواب.
قال فخر الاسلام: وينبغي على هذا أن لا ينحرف في هذا السلام: يعني فيكون سلامة مرة واحدة تلقاء وجهه.
وغيره من أهل هذا القول على أنه يسلم مرة واحدة عن يمينه خاصة ا ه.
والحاصل أن القائلين بالتسليمة الواحدة قائلون بأنها عن اليمين، إلا فخر الاسلام منهم فإنه يقول: إنها تلقاء وجهه، وهو المصرح به في شروح الهداية أيضا كالمعراج والعناية والفتح.
قوله: (لانه المعهود) تعليل لكونه عن يمينه، وقوله: وبه يحصل التحليل تعليل لكونه واحدا، ويأتي وجهه قريبا.
قوله: (بحر عن المجتبى) عبارة البحر: والذي ينبغي الاعتماد عليه تصحيح المجتبى أنه يسلم عن يمينه فقط.
وقد ظن في البحر وتبعه في النهر وغيره أن هذا القول قول ثالث بناء على أن جميع أصحاب القول الثاني قائلون بأنه يسلم تلقاء وجهه مع أن القائل منهم بذلك هو فخر الاسلام فقط كما علمته، وحينئذ فلا حاجة إلى عزو هذا القول إلى المجتبى حتى يرد ما قيل: إن تصحيح المجتبى لا يوازي ما عليه الجمهور الذي هو الاكثر تصحيحا والاصوب والصواب، فافهم.
قوله: (وعليه لو أتى الخ) هذا جعله في البحر قولا رابعا.
واستظهر في النهر أنه مفرع على القول بالواحدة، وتبعه الشارح، ويؤيده ما وجهوا به القول بالواحدة من أن السلام الاول لشيئين: للتحليل وللتحية، والسلام الثاني للتحية فقط: أي تحية بقية القوم لان التحليل لا يتكرر، وهنا سقط معنى
التحية عن السلام لانه يقطع الاحرام فكان الثاني إليه عبثا، ولو فعله فاعل لقطع الاحرام.
قال في الحلية بعد عزوه ذلك إلى فخر الاسلام: حتى أنه لا يأتي بعده بسجود الهو كما نقله في(2/83)
الذخيرة عن شيخ الاسلام، ومشى عليه في الكافي وغيره ا ه.
وفي المعراج: قال شيخ الاسلام: لو سلم تسليمتين لا يأتي بسجود السهو بعد ذلك لانه كالكلام ا ه.
قلت: وعليه فيجب ترك التسليمة الثانية.
قوله: (جاز) هو ظاهر الرواية.
وفي المحيط: وروي عن أصحابنا أنه لا يجزيه ويعيده.
بحر.
قوله: (فيعتبر الخ) أي قاف قبل القاف النقصان ودال بعد الدال الزيادة.
قوله: (يرفع التشهد) أي قراءته، حتى لو سلم بمجرد رفعه من سجدتي السهو صحت صلاته ويكون تاركا للواجب، وكذا يرفع السلام.
إمداد.
قوله: (لقوتها) أي لانها أقوى منه لكونها فرضا.
قوله: (فإنها ترفعهما) أي القعدة والتشهد لانها أقوى منهما لكونهما ركنا، والقعدة لختم الاركان.
إمداد.
أو لان الصلبية ركن أصلي والقعدة ركن زائد كما مر في باب صفة الصلاة، أو لان القعدة لا تكون إلا آخر الاركان، وبسجود الصلبية بعدها خرجت عن كونها آخرا.
قوله: (وكذا التلاوية) لانها أثر القراءة وهي ركن فأخذت حكمها.
بحر: أي تأخذ حكمها بعد سجودها، أما قبله فإنها واجبة، حتى لو سلم ولم يسجدها فصلاته صحيحة، بخلاف الصلبية فإنها ركن أصلي من كل وجه كما سيأتي، ونظيرها فيما ذكرنا ما لو نسي السورة فتذكرها في الركوع فعاد وقرأها أخذت حكم الفرض وارتفض الركوع فيلزمه إعادته.
تنبيه: ذكر في التاترخانية أن العود إلى قراءة التشهد في القعدة الاخيرة إذا نسيه يرفع القعدة كالعود إلى التلاوية كما ذكره الحلواني والسرخسي.
وذكر ابن الفضل أنه لا يرفعها.
وفي واقعات الناطفي أن الفتوى عليه اه.
قوله: (إذا كان الوقت صالحا) أي لاداء تلك الصلاة فيه.
قوله: (أو احمرت في القضاء) كذا في الفتح والبحر والذخيرة وغيرها، ومفهومه أنه لو كانت يؤدي العصر فاحمرت الشمس لا يسقط سجود السهو، لان ذلك الوقت صالح لاداء الصلاة نفسها، فكذا لسجود سهوها، بخلاف الفائتة الواجبة في كامل، لكن في الامداد عن الدراية التصريح بسقوطه إذا احمرت عقب السلام من فائتة أو حاضرة تحرزا عن الكراهة، وهذا يقتضي أن القضاء: هنا غير قيد.
ويؤيده ما في
القنية: لو صلى لعصر وعليه سهو فاصفرت الشمس لا يسجد للسهو، ثم رأيته في البدائع علل هذا بأن السجدة تجبر النقصان المتمكن فجرى مجرى القضاء وقد وجبت كاملة فلا تقضي بالناقص ا ه.
تأمل.
قوله: (ما يقطع البناء) كحدث عمد وعمل مناف.
إمداد.
قوله: (بعد السلام) تنازع فيه كل من طلعت واحمرت ووجد كما يفيده كلام الامداد.
قوله: (سقط عنه) لانه بالعود إلى السجود يعود إلى حرمة الصلاة وقد فات شرط صحتها بطلوع الشمس في الفجر، ومثله خروج وقت الجمعة والعيد، وكذا إذا وجد ما يقطع البناء.
وأما في احمرار الشمس في القضاء فكذلك.
وأما في الاداء فلئلا يعود إلى وقت المكروه بعد صحة الصلاة بلا كراهة.
تأمل.
بقي إذا سقط السجود فهل يلزمه الاعادة لكون ما أداه وإلا وقع ناقصا بلا جابر؟ والذي ينبغي أنه إن سقط بصنعه كحدث عمد مثلا يلزمه، وإلا فلا.
تأمل.
قوله: (في القنية الخ) أقول: عبارة القنية برمز نجم الائمة: تطوع ركعتين(2/84)
وسها ثم بنى عليه ركعتين يسجد للسهو، ولو بنى على الفرض تطوعا وقد سها في الفرض لا يسجد ا ه.
والظاهر أن الفرق هو أبناء النفل على النفل يصيره صلاة واحدة، بخلاف بناء النفل على الفرض، ولذا كان البناء فيه مكروها، لان النفل صلاة أخرى غير الفرض، ولا يمكن أن يكون سجود السهو لصلاة واقعا في صلاة أخرى مقصودة وإن كانت تحريمة الفرض باقية فلذا لا يسجد، أو لانه لما بنى النفل عمدا صار مؤخرا للسلام عن محله عمدا، والعمد لا يجبره سجود السهو بل تلزم فيه الاعادة، وحيث كانت الاعادة واجبة لم يبق السجود واجبا عن سهوه في لفرض لانه بالاعادة يأتي بما سها فيه، والسجود جابر عما فات قائم مقام الاعادة، فإذا وجبت الاعادة سقط السجود، فعلى هذا لا يرد ما سيأتي من أنه لو قعد في الرابعة ثم قام وسجد للخامسة ضم إليها سادسة لتصير له الركعتان نفلا، لان هذالنفل غير مقصود فكأنه ليس صلاة أخرى، ولانه لم يؤخر سلام الفرض عن محله عمدا فلم تكن الاعادة عليه واجبة فلزمه سجود السهو، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم.
قوله: (بترك واجب) أي من واجبات الصلاة الاصلية لا كل واجب، إذ لو ترك ترتيب السور لا يلزمه شئ مع كونه واجبا بحر.
ويرد عليه ما لو أخر التلاوية عن موضعها فإن عليه سجود
السهو كما في الخلاصة جازما بأنه لا اعتماد على ما يخالفه، وصححه في الولوالجية أيضا.
وقد يجاب بما مر من أنها لما كانت أثر القراءة أخذت حكمها.
تأمل.
واحترز بالواجب عن السنة كالثناء والتعوذ ونحوهما وعن الفرض.
قوله: (قيل إلا في أربع) أشار إلى ضعفه تبعا لنور الايضاح لمخالفته للمشهور في تسميته سجود سهو وإن سماه القائل به سجود عذر.
وقد رده العلامة قاسم بأنه لا يعلم له أصل في الرواية ولا وجه في الدراية ا ه.
وأجاب في الحلية عن وجوب السجود في مسألة التفكر عمدا بأنه وجب لما يلزم منه من ترك واجب هو تأخير الركن أو الواجب عما قبله فإنه نوع سهو، فلم يكن السجود لترك واجب عمدا.
قوله: (وتأخير سجدة الركعة الاولى) الظاهر أن هذا القيد اتفاقي عند القائل به، وإلا فالفرق بين الركعة الاولى وغيرها تحكم، وكذا لا يظهر لقوله: إلى آخر الصلاة وجه، لانه لو أخر إلى الركعة الثانية لكان كذلك عنده على ما يظهر ط.
قوله: (وإن تكرر) حتى لو ترك جميع واجبات الصلاة سهوا لا يلزمه إلا سجدتان.
بحر.
قوله: (لان تكراره غير مشروع) سيأتي أن المسبوق يتابع إمامه فيه، ثم إذا قام لقضاء ما فاته فسها فيه يسجد أيضا، فقد تكرر.
وأجاب في البدائع بأن المسبوق فيما يقضي كالمنفرد، فهما صلاتان حكما وإن كانت التحريمة واحدة، وتمامه في البحر.
قوله: (متعلق بترك واجب) أي مرتبط به على وجه التمثيل له، وليس المراد التعلق النحوي ط: أي بل هو خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك كركوع.
قوله: (لوجوب تقديمها) أي تقديم قراءة الواجب.
أما قراءة الفرض فتقديمها على الركوع فرض لا ينجبر بسجود السهو.
والتحقيق أن تقديم الركوع على القراءة مطلقا موجب لسجود السهو، لكن إذا ركع ثم قام فقرأ، فإن أعاد الركوع صحت صلاته وإلا فسدت.
أما إذا ركع قبل القراءة أصلا فظاهر.
وأما إذا قرأ الفاتحة مثلا ثم ركع فتذكر السورة فعاد فقرأها ولم يعد الركوع فلان ما قرأه ثانيا التحق بالقراءة الاولى(2/85)
فصار الكل فرضا فارتفض الركوع، فإذا لم يعد تفسد صلاته، نعم إذا كان قرأ الفاتحة والسورة ثم عاد لقراءة سورة أخرى لا يرتفض ركوعه، كما نقله في الحلية عن الزاهدي وغيره، فقد ظهر أن إيقاع الركوع قبل القراءة أصلا أو قبل قراءة الواجب يلزم به سجود السهو، لكن إذا لم يعد الركوع يسقط سجود السهو لفساد الصلاة، وإن أعاده صحت ويسجد للسهو.
وعلى هذا التقرير فما قدمه الشارح تبعا لغيره في واجبات الصلاة حيث عد منها الترتيب بين
القراءة والركوع ناظر إلى مجرد التقديم والتأخير مع قطع النظر عن لزوم إعادة ما قدمه، وما صرح به شراح الهداية وغيرهم من أنه لو قدم الركوع على القراءة تفسد الصلاة ناظر إلى الاكتفاء بما قدمه وعدم إعادته، فلا تنافي بين كلامهم.
قوله: (ثم إنما يتحقق الترك) أي ترك القراءة بمعنى فواتها على وجه لا يمكن فيه التدارك.
قوله: (عاد) أي إلى القيام ليقرأ.
قوله: (ثم أعاد الركوع) لانه لما عاد وقرأ وقعت القراءة فرضا، ولا ينافيه كون الفرض فيها آية واحدة والزائد واجب وسنة، لان معناه أن أقل الفرض آية، ويجب أن يجعل ذلك الفرض الفاتحة والسورة.
ويسن أن تكون السورة من طوال المفصل أو أوساطه أو قصاره، حتى لو قرأ القرآن كله وقع فرضا، كما أن الركوع بقدر تسبيحة فرض، وتطويله بقدر ثلاث سنة كما حققه في شرح المنية، وقدمناه في فصل القراءة.
والحاصل أن ما يقرؤه يلتحق بما قبل الركوع ويلغو هذا الركوع فتلزم إعادته، حتى لو لم يعده بطلت صلاته، بل ذكر في شرالمنية أنه لو قام لاجل القراءة ثم بدا له فسجد ولم يقرأ ولم يعد الركوع، قال بعضهم: تفسد لانه لما انتصب قائما للقراءة ارتفض ركوعه، وإن كان البعض يقول لا تفسد ا ه.
وهذا كله بخلاف ما لو تذكر القنوت في الركوع فالصحيح أنه لا يعود، ولو عاد وقنت لا يرتفض ركوعه وعليه السهو، لان القنوت إذا أعيد يقع واجبا لا فرضا كما في شرح المنية، وأما إذا عاد لقراءة سورة أخرى فلا يرتفض ركوعه كما قدمناه، لانه وقع بعد قراءة تامة، فكان في موقعه وكان عوده إلى القراءة غير مشروع، كما إذا عاد إلى القنوت بل أولى، والله أعلم.
قوله: (يعيد السورة أيضا) أي لتقع القراءة مرتبة.
قوله: (وتأخير قيام الخ) أشار إلى أن وجوب السجود ليس لخصوص الصلاة على النبي (ص)، بل لترك الواجب وهو تعقيب التشهد للقيام بلا فاصل، حتى لو سكت يلزمه السهو كما قدمناه في فصل إذا أراد الشروع.
قال المقدسي: وكما لو قرأ القرآن هنا أو في الركوع يلزمه السهو مع أنه كلام الله تعالى، وكما لو ذكر التشهد في القيام مع أنه توحيد الله تعالى.
وفي المناقب أن الامام رحمه الله رأى النبي (ص) في المنام فقال: كيف أوجبت السهو على من صلى علي؟ فقال: لانه صلى عليك سهوا، فاستحسنه.
قوله: (وفي الزيلعي الخ) جزم به المصنف في متنه في فصل إذا أراد الشروع وقال: إنه المذهب.
واختاره في البحر تبعا للخلاصة والخانية.
والظاهر أنه لا ينافي قول المصنف هنا بقدر ركن.
تأمل، وقدمنا عن القاضي الامام أنه لا يجب ما لم يقل وعلى آل محمد وفي شرح المنية الصغير.
أنه قول الاكثر وهو الاصح.
قال الخير الرملي فقد اختلف التصحيح كما ترى، وينبغي ترجيح ما قاله القاضي الامام ا ه، وفي التاترخانية عن الحاوي: وعلى قولهما لا يجب السهو ما لم يبلغ إلى قوله: حميد مجيد.
قوله: (والجهر فيما يخافت(2/86)
فيه للامام الخ) في العبارة قلب، وصوابها والجهر فيما يخافت لكل مصل وعكسه للامام ح.
وهذا ما صححه في البدائع والدرر، ومال إليه في الفتح وشرح المنية والبحر والنهر والحلية، على خلاف ما في الهداية والزيلعي وغيرهما، من أن وجوب الجهر والمخافتة من خصائص الامام دون المنفرد.
والحاصل أن الجهر في الجهرية لا يجب على المنفرد اتفاقا، وإنما الخلاف وجوب الاخفاء عليه في السرية، وظاهر الرواية عدم الوجوب كما صرح بذلك في التاترخانية عن المحيط، وكذا في الذخيرة وشروح الهداية كالنهاية والكفاية والعناية ومعراج الدراية، وصرحوا بأن وجوب السهو عليه إذا جهر فيما يخافت رواية النوادر ا ه.
فعلى ظاهر الرواية: لا سهو على المنفرد إذا جهر فيما يخافت فيه، وإنما هو على الامام فقط.
قوله: (والاصح الخ) صححه في الهداية والفتح والتبيين والمنية، لان اليسير من الجهر والاخفاء لا يمكن الاحتراز عنه، وعن الكثير يمكن، وما تصح به الصلاة كثير، غير أن ذلك عنده آية واحدة، وعندهما ثلا ث آيات.
هداية.
قوله: (في الفصلين) أي في المسألتين مسألة الجهر والاخفاء.
قوله: (قل أو أكثر) أي ولو كلمة.
قال القهستاني: والمتبادر أن يكون هذا في صورة أن ينسى أن عليه المخافتة فيجهر قصدا، وأما إذا علم أن عليه المخافتة فيجهر لتبيين الكلمة فليس عليه شئ ا ه، قوله: (وهو ظاهر الرواية) قال في البحر: وينبغي عدم العدول عن ظاهر الرواية الذي نقله الثقات من أصحاب الفتاوى ا ه.
زاد المصنف في منحه: وإنما عولنا على الاول تبعا للهداية، وأنا أعجب من كثير من كمل الرجال كيف يعدل عن ظاهر الرواية الذي هو بمنزلة نص صاحب المذهب إلى ما هو كالرواية الشاذة ا ه.
أقول: لا عجب من كمل الرجال كصاحب الهداية والزيلعي وابن الهمام حيث عدلوا عن ظاهر
الرواية لما فيه من الحرج، وصححوا الرواية الاخرى للتسهيل على الامة، وكم له من نظير، ولذا قال القهستاني: ويجب السهو بمخافتة كلمة لكن فيه شدة.
وقال في شرح المنية: والصحيح ظاهر الرواية، وهو التقدير بما تجوز به الصلاة من غير تفرقة، لان القليل من الجهر في موضع المخافتة عفو أيضا، ففي حديث أبي قتادة في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الظهر في الاولين بأم القرآن وسورتين وفي الاخريين بأم الكتاب، ويسمع الآية أحيانا ا ه.
ففيه التصريح بأن ما صححه في الهداية ظاهر الرواية أيضا، فإن ثبت ذلك فلا كلام، وإلا فوجه تصحيحه ما قلنا وتأيده بحديث الصحيحين، وقد قدمنا في واجبات الصلاة عن شرح المنية أنه لا ينبغي أن يعدل عن الدراية: أي الدليل إذا وافقتها رواية.
تتمة: قد صرحوا بأنه إذا جهر سهوا بشئ من الادعية والاثنية ولو تشهدا فإنه لا يجب عليه السجود.
قال في الحلية: ولا يعرى القول بذلك في التشهد عن تأمل ا ه.
وأقره في البحر.
هذا، وقد قدمنا في فصل القراءة الكلام على حد الجهر، فراجعه.
قوله: (متعلق بيجب) أي المذكور أول الباب.
قوله: (إن سجد إمامه) أما لو سقط عن الامام بسبب من الاسباب بأن تكلم أو أحدث متعمدا أو خرج من المسجد فإنه يسقط عن المقتدي.
بحر.
والظاهر أن المقتدي تجب عليه الاعادة كالامام إن كان السقوط بفعله العمد لتقرر النقصان بلا جابر من غير عذر.
تأمل.
قوله: (لوجوب المتابعة)(2/87)
علة لوجوبه على المقتدي بسهو إمامه، ولان النقصان دخل في صلاته أيضا لارتباطها بصلاة الامام.
قوله: (لا بسهوه أصلا) قيل لا فائدة لقوله: أصلا وليس بشئ، بل هو تأكيد لنفي الوجوب، لان معناه: لا قبل السلام للزوم مخالفة الامام، ولا بعده لخروجه من الصلاة بسلام الامام، لانه سلام عمد ممن لا سهو عليه كما في البحر، لكن قال في النهر: لقائل أن يقول: لا نسلم أنه يخرج منها بسلامه، وقد سبق خلاف فيمن لا سهو عليه فكيف بمن عليه السهو؟ وحينئذ فيمكنه أن يأتي بهذا الجابر ا ه.
قلت: وقدم الشارح في نواقض الوضوء أنه لو قهقهته بعد كلام الامام أو سلامه عمدا فسدت طهارته في الاصح، وقدمنا هناك تصحيحه عن الفتح والخانية، على خلاف ما صححه في الخلاصة
من عدم الفساد ولا شك أن فساد طهارته مبني على عدم خروجه من الصلاة بسلام إمامه أو كلامه، فما هنا مبني علما صححه في الخلاصة، ولذا قال في المعراج بعد تعليله المسألة بأنه يخرج بسلام الامام، كذا قيل، وفيه تأمل.
بل الاولى التمسك بما روى ابن عمر عنه (ص) ليس على من خلف على الامام سهوا ا ه.
تنبيه: قال في النهر: ثم مقتضى كلامهم أنه يعيدها لثبوت الكراهة مع تعذر الجابر.
قوله: (والمسبوق يسجد مع إمامه) قيد بالسجود لانه لا يتابعه في السلام، بل يسجد معه ويتشهد، فإذا سلم الامام قام إلى القضاء، فإن سلم: فإن كان عامدا فسدت، وإلا لا، ولا سجود عليه إن سلم سهوا قبل الامام أو معه، وإن سلم بعد لزمه لكونه منفردا حينئذ - بحر.
وأراد بالمعية المقارنة، وهو نادر الوقوع كما في شرح المنية.
وفيه: ولو سلم على ظن أن عليه أن يسلم فهو سلام عمد يمنع البناء.
قوله: (سواء كان السهو قبل الاقتداء أو بعده) بيان للاطلاق، وشمل أيضا ما إذا سجد الامام واحدة ثم اقتدى به.
قال في البحر: فإنه يتابعه في الاخرى ولا يقضي قضاء الاولى، كما لا يقضيها لو اقتدى به بعد ما سجدهما.
قوله: (ثم يقضي ما فاته) فلو لم يتابعه في السجود وقام إلى ما سبق به فإنه يسجد في آخر صلاته استحسانا، لان التحريمة متحدة فجعل كأنها صلاة واحدة.
بحر وغيره فافهم.
قوله: (ولو سها فيه) أي فيما يقضيه بعد فراغ الامام يسجد ثانيا لانه منفرد فيه، والمنفرد يسجد لسهوه، وإن كان لم يسجد مع الامام لسهوه ثم سها هو أيضا كفته سجدتان عن السهوين، لان السجود لا يتكرر، وتمامه في شرح المنية.
قوله: (وكذا اللاحق) أي يجب عليه السجود بسهو إمامه لانه مقتد في جميع صلاته بدليل أنه لا قراءة عليه، فلا سجود فيما يقضيه.
بحر.
قوله: (لكنه يسجد الخ) أي يبدأ بقضاء ما فاته ثم يسجد في آخر صلاته، لانه التزم متابعة الامام فيما اقتدى به على نحو ما يصلي الامام، وأنه اقتدى به في جميع الصلاة فيتابعه في جميعها على نحو ما أدى الامام، والامام أدى الاول فالاول، وسجد لسهوه في آخر صلاته فكذا اللاحق.
وأما المسبوق فقد التزم بالاقتداء به متابعته بقدر ما هو صلاة الامام وقد أدرك هذا القدر فيتابعه ثم ينفرد بحر.
قوله: (ولو سجد مع إمامه أعاده) لانه في غير أوانه، ولا تفسد صلاته لانه ما زاد إلا سجدتين، ولو كان مسبوقا بثلاث ولاحقا بركعة فسجد إمامه للسهو
فإنه يقضي ركعة بلا قراءة لانه لاحق ويتشهد ويسجد للسهو، لان ذلك موضع سجود الامام، ثم يصلي ركعة بقراءة ويقعد لانها ثانية صلاته، ولو كان على العكس سجد للسهو بعد الثالثة، كذا في(2/88)
المحيط.
بحر.
قوله: (والمقيم الخ) ذكر في البحر أن المقيم المقتدي بالمسافر كالمسبوق في أنه يتابع الامام في سجود السهو ثم يشتغل بالاتمام.
وأما إذا قام إلى إتمام صلاته وسها فذكر الكرخي أنه كاللاحق فلا سجود عليه، بدليل أنه لا يقرأ.
وذكر في الاصل أنه يلزمه السجود، وصححه في البدائع لانه إنما اقتدى بالامام بقدر صلاة الامام، فإذا انقضت صار منفردا، وإنما لا يقرأ فيما يتم لان القراءة فرض في الاوليين وقد قرأ الامام فيهماا ه.
قال في النهر: وبهذا علم أنه كاللاحق في حق القراءة فقط ا ه.
أقول: وتقدمت بقية مسائل المسبوق واللاحق قبيل باب الاستخلاف.
قوله: (ولو عمليا) كالوتر فلا يعود فيه إذا استتم قائما.
وعلى قولهما يعود لانه من النفل ط.
قوله: (أما النفل فيعود الخ) جزم به في المعراج والسراج، وعلله ابن وهبان بأن كل شفع منه صلاة على حدة، ولا سيما على قول محمد بأن القعدة الاولى منه فرض فكانت كالاخيرة، وفيها يقعد وإن قام.
وحكي في المحيط فيه خلافا، وكذا في شرح التمرتاشي، قيل يعود، وقيل لا، وفي الخلاصة: والاربع قبل الظهر كالتطوع، وكذا الوتر عند محمد، وتمامه في النهر، لكن في التاترخانية عن العتابية قيل في التطوع يعود ما لم يقيد بالسجدة، والصحيح أنه لا يعود ا ه.
وأقره في الامداد لكن خالفه في متنه.
تأمل.
قوله، (ما لم يقيد بالسجدة) أي يقيد الركعة التي قا إليها.
قوله: (عاد إليه) أي وجوبا.
نهر.
قوله: (ولا سهو عليه في الاصح) يعنى إذا عاد قبل أن يستتم قائما وكان إلى القعود أقرب فإنه لا سجود عليه في الاصح وعليه الاكثر.
واختار في الولوالجية وجوب السجود، وأما إذا عاد وهو إلى القيام أقرب فعليه سجود السهو كما في نور الايضاح وشرحه بلا حكاية خلاف فيه، وصحح اعتبار ذلك في الفتح بما في الكافي إن استوى النصف الاسفل وظهره بعد منحن فهو أقرب إلى القيام، وإن لم يستو فهو أقرب إلى القعود.
ثم اعلم أن حالة القراءة تنوب عن القيام في مريض يصلي بالايماء، حتى لو ظن في حالة التشهد الاول أنها حالة القيام فقرأ ثم تذكر لا يعود إلى التشهد كما في البحر عن الولوالجية.
قوله: (في ظاهر المذهب الخ) مقابله ما في الهداية: إن كان إلى القعود أقر ب عاد ولا سآهو عليه في
الاصح، ولو إلى القيام أقرب فلا وعليه السهو، وهو مروي عن أبي يوسف، واختاره مشايخ بخارى وأصحاب المتون كالكنز وغيره، ومشى في نور الايضاح على الاول كالمصنف تبعا لمواهب الرحمن وشرحه البرهان.
قال: ولصريح ما رواه أبو داود عنه (ص) إذا قام الامام في الركعتتين: فإن ذكر قبل أن يستوي قائما فليجلس، وإن استوى قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو ا ه.
قلت: لكن قال في الحلية: إنه نص فيه يفيد تعين العمل به لولا ما في ثبوته من النظر، فإن في سنده جابرا الجعفي من علماء الشيعة جارحوه أكثر من موثقيه.
وقال الامام أبو حنيفة فيه: ما رأيت أكذب منه، فلا جرم أن قال شيخنا في التقريب: رافضي ضعيف انتهى.
فلا تقوم الحجة بحديثه.
ا ه قوله: (أي وإن استقام قائما) أفاد أن لا في قوله: وإلا نافية داخلة على قوله: لم يستقم وهو نفي أيضا فكان إثباتا، أفاده ط.
قوله: (لترك الواجب) وهو القعود.
قوله: (بعد ذلك)(2/89)
أي بعد ما استقام قائما، ومثله ما إذا عاد بعد ما صار إلى القيام أقرب على الرواية الاخر، ولذا قال في البحر: ثم لو عاد في موضع وجوب عدمه اختلفوا في فساد صلاته، فهذه العبارة تصدق على الروايتين.
قوله: (لكنه يكون مسيئا) أي ويأثم كما في الفتح، فلو كان إماما لا يعود معه القوم تحقيقا للمخالفة، ويلزمه القيام للحال.
شرح المنية عن القنية.
قوله: (لتأخير الواجب) الاولى أن يقول: لتأخير الفرض وهو القيام أو لترك الواجب وهو القعود ط.
قوله: (حققه الكمال) أي بما حاصله أن ذلك وإن كان لا يحل لكنه بالصحة لا يخل، لما عرف أن زيادة ما دون ركعة لا يفسد، وقواه في شرح المنية بما قدمناه آنفا عن القنية، فإنه يفيد عدم الفساد بالعود، وأيده في البحر أيضا بما في المعراج عن المجتبى: لو عاد بعد الانتصاب مخطئا، قيل يتشهد لنقضه القيام، والصحيح لا، بل يقوم، ولا ينتقض قيامه بقعود لم يؤمر به، كمن نقض الركوع لسورة أخرى لا ينتقض ركوعه ا ه.
وبحث فيه في النهر فراجعه.
قوله: (وهو الحق بحر) كأن وجهه ما مر عن الفتح، أو ما في المبتغى من أن القول بالفساد غلط لانه ليس بترك بل هو تأخير، كما لو سها عن السورة فركع فإنه يرفض الركوع ويعود إلى القيام ويقرأ، وكما لو سها عن القنوت فركع فإنه لو عاد وقنت لا تفسد
على الاصح ا ه.
لكن بحث فيه في البحر بإبداء الفرق، وهو أنه إذا عاد وقرأ السورة صارت فرضا فقد عاد من فرض إلى فرض، وكذا في القنوت، لان له شبهة القرآنية، أو عاد إلى فرض وهو القيام، لان كل فرض طوله يقع فرضا ا ه.
وأقره في النهر وشرح المقدسي.
أقول: وفيه نظر، فإن القنوت الذي قيل إنه كان قرآنا فنسخ هو الدعاء المخصوص وهو سنة، فلا يلزم قراءته بل قد يقرأ غيره، وكونه عاد إلى فرض وهو القيام ممنوع بل عاد إلى القيام الذي هو الرفع من الركوع بدليل أن الركوع لم يرتفض بعوده لاجل القنوت، فكان فيه تأخير الفرض لا تركه، فهو مثل عوده إلى القعود في مسألتنا، نعم بحثه في عوده إلى القراءة مسلم، والله أعلم.
قوله: (وهذا في غير المؤتم الخ) أي ما ذكر من منعه عن العود إلى القعود بعد القيام، والخلاف في الفساد لو عاد إنما هو في الامام والمنفرد أما المقتدي الذي سها عن القعود فقام وإمامه قاعد فإنه يلزمه العود، لان قيامه قبل إمامه غير معتبر، فليس في عوده رفض الفرض، بل قال في شرح المنية عن القنية: إن المقتدي لو نسي التشهد في القعدة الاولى فذكر بعدما قام عليه أن يعود ويتشهد، بخلاف الامام والمنفرد للزوم المتابعة، كمن أدرك الامام في القعدة الاولى فقعد معه فقام الامام قبل شروع المسبوق في التشهد فإنه يتشهد تبعا لتشهد إمامه، فكذا هذا ا ه.
قوله: (وإن خاف فوت الركعة) أي الثالثة مع الامام ط.
قوله: (وظاهره) أي تعليل السراج بأن القعود فرض ط، وكذا تعليل القنية الذي ذكرناه.
قوله: (والظاهر أنها واجبة الخ) لم يبين حكمها في السنن، والظاهر السنية لان السنن المطلوبة في الصلاة يستوي فيها الامام والمنفرد والمقتدي غالبا، وقوله: فرض في الفرض معناه أن يأتي بذلك الفرض ولو بعد إتيان الامام لا قبله، وليس المراد المشاركة في جزء منه ط.
قلت: وعلى ما استظهره الشارح تبعا للنهر يشكل العود إلى قراءة التشهد بعد التلبس بالقيام(2/90)
الفرض مع إمامه، فتأمل.
قوله: (ولنا فيها رسالة حافلة) لم أطلع عليها، ولكن قدمنا في آخر واجبات الصلاة شيئا من الكلام على المتابعة بما فيه كفاية إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولو سها عن القعود الاخير) أراد به القعود المفروض أو ما كان آخر الصلاة، فيشمل نحو الفجر، أفاده في البحر.
قوله: (كله أو بعضه) كما لو جلس جلسة خفيفة أقل من قدر التشهد، وإذا عاد احتسبت له الجلسة الاولى، حتى لو كانت كلتا الجلستين بقدر التشهد ثم تكلم جازت صلاته.
بحر.
قوله: (ما لم يقيدها) أي الركعة التي قام إليها، واحترز به عما إذا سجد لها بلا ركوع فإنه يعود لعدم الاعتداد بهذا السجود كما في النهر، ومقتضاه أنه لا بد من أن يكون قد قرأ فيها.
وفي الخلاصة خلافه، ولذا استشكله في البحر بأن الركعة في النفل بلا قراءة غير صحيحة، فكانت زيادة ما دون ركعة وهو غير مفسد.
قال في النهر: إلا أن يفرق بأنه قد عهد إتمام الركعة بلا قراءة كما في المقتدي، بخلاف الخالية عن الركوع.
قوله: (وسجد للسهو) لم يفصل بين ما إذا كان إلى القعود أقرب أولا، وكان ينبغي أن لا يسجد فيما إذا كان إليه أقرب كما في الاولى لما سبق.
قال في الحواشي السعدية: ويمكن أن يفرق بينهما بأن القريب من القعود وإن جاز أن يعطى له حكم القاعد إلا أنه ليس بقاعد حقيقة، فاعتبر جانب الحقيقة فيما إذا سها عن القعدة الثانية وأعطي حكم القاعد في السهو عن الاولى إظهارا للتفاوت بين الواج ب والفرض.
نهر.
قوله (لتأخير القعود) علل في الهداية بأنه أخر واجبا فقالوا أراد به القطعي وهو الفرض: يعني القعود الاخير، وهو أولى من حمله عن معناه المشهور، وكون المراد به السلام أو التشهد وإلا أشكل الفرق المار كما نبه عليه في النهر.
قوله: (عامدا أو ناسيا) أشار إلى ما في البحر من أنه لا فرق في عدم البطلان عند العود قبل السجود والبطلان إن قيد بالسجود بين العمد والسهو، ولذا قال في الخلاصة: فإن قام إلى الخامسة عامدا أيضا لا تفسد ما لم يقيد الخامسة بالسجدة عندنا.
قوله: (عند محمد) ظاهره أنه راجع لكل المتن، فيكون محمد قائلا بتحولها نقلا، وليس كذلك لبطلان الفريضة، وكلما بطل الفرض عنده بطل الاصل، فتعين أن يكون راجعا لقوله: برفعه فيكون المتن اختار قول أبي حنيفة وأبي يوسف في عدم بطلان الاصل، وقول محمد: إن السجدة لا تتم إلا بالرفع ا ه ح.
وعليه فضم السادسة مبني على قولهما فقط كما نص عليه في الحلية والبدائع، معللا ببطلان التحريمة عند محمد، والايهام الواقع في كلام الشارح واقع في كلام المصنف أيضا، فالاحسن قوله الكنز: بطل فرضه برفعه وصارت نفلا، فقوله: برفعه متعلق بقوله: بطل.
قوله: (لان تمام الشئ بآخره) أي والرفع آخر السجدة، إذ الشئ إنما ينتهي بضده،
ولذا لو سجد قبل إمامه فأدركه إمامه فيه جاز، ولو تمت بالوضع لما جاز لان كل ركن أداه قبل الامام لا يجوز.
بحر.
قوله: (لو سبقه الحدث) أي في مسألة المتن، وهذا بيان لثمرة الخلاف في أن السجدة هل تتم بالوضع أو بالرفع.
قوله: (توضأ وبنى) لانه بالحدث بطلت السجدة فكأنه لم يسجد فيتوضأ وبيني لاتمام فرضه.
إمداد.
قوله: (حتى قال الخ) وذلك لما عرض قول محمد فيها على قول أبي يوسف قال: زه صلاة فسدت يصلحها الحدث، وهي بكسر الزاي وسكون الهاء: كلمة تقولها(2/91)
الاعاجم عند استحسان الشئ، وإنما قالها أبو يوسف على سبيل التهكم والتعجب.
شرح المنية.
وقيل الصواب بالضم والزاي ليست بخالصة.
بحر عن المغرب.
وقوله: فسدت أي قاربت الفساد، أو سماها أبو يوسف فاسدة بناء على مذهبه.
قوله: (والعبرة للامام) أي في العود قبل التقييد وفي عدمه ط.
قوله: (لم تفسد صلاتهم) لانه لما عاد الامام إلى القعدة ارتفض ركوعه فيرتفض ركوع القوم أيضا تبعا له لانه مبني عليه، فبقي لهم زيادة سجدة وذلك لا يفسد الصلاة.
بحر عن المحيط، وهذا إنما يظهر لو ركع الامام، فلو عاد قبل الركوع وركع القوم وسجدوا فسدت لزيادتهم ركعة على ما يظهر.
وفي الفتح: ولا يتابعونه إذا قام، وإذا عاد لا يعيدون التشهد ط.
قوله: (ما لم يتعمدوا السجود) قيد به لما في المجتبى: لو عاد الامام إلى القعود قبل السجود وسجد المقتدي عمدا تفسدد وفي السهو خلاف، والاحوط الاعادة ا ه بحر.
أقول: مقتضى التعليل المار بارتفاض ركوع القوم بارتفاض ركوع الامام أنه لا فرق بين العمد وغيره، فليتأمل.
تتمة: يتفرع أيضا على قوله: والعبرة للامام ما في البحر عن الخانية: لو تشهد المقتدي وسلم قبل أن يقيد الخامسة بالسجدة ثم قيدها بها فسدت صلاتهم جميعا.
قوله: (ولو في العصر والفجر) بناء على أن المراد بالسادسة ركعة زائدة، وإلا فهي في الفجر رابعة، وأتى بالمبالغة للرد على ما في السراج من استثناء العصر، وما في قاضيخان من استثناء الفجر لكراهة التنفل بعدهما.
واعترضهما في البحر بأنه في المسألة الآتية إذا قعد على الرابعة وقيد الخامسة بسجدة يضم سادسة
ولو في الاوقات المكروهة، ولا فرق بينهما ا ه.
وأورد في النهر أيضا أنه إذا لم يقعد وبطل فرضه كيف لا يضم في العصر ولا كراهة في التنفل قبله؟ ثم أجاب بأنه يمكن حمله على ما إذا كان يقضي عصرا أو ظهرا بعد العصر.
تنبيه: لم يصرح بالمغرب كما صرح بالفجر والعصر مع أنه صرح به القهستاني، ومقتضاه أنه يضم إلى الرابعة خامسة، لكن في الحلية: لا يضم إليها أخرى لنصهم على كراهة التنفل قبلها، وعلى كراهته بالوتر مطلقا ا ه.
قلت: ومقتضاه أنه إذا سجد للرابعة يسلم فورا ويقعد لها لئلا يصير متنفلا قبل المغرب.
وقد يجاب بما يشير إليه الشارح بأن الكراهة مختصة بالتنفل المقصود، فلا ضرورة إلى قطع الصلاة بالسلام، وأما أنه لا يضم إليها خامسة، فظاهر لئلا يكون تنفلا بالوتر، فالاوجه عدم ذكر المغرب كما فعل الشارح.
ثم رأيت في الامداد قال: وسكت عن المغرب لانها صارت أربعا فلا يضم فيها.
قوله: (إن شاء) أشار إلى أن الضم غير واجب بل هو مندوب كما في الكافي تبعا للمبسوط، وفي الاصل ما يفيد الوجوب، والاول أظهر كما في البحر.
قوله: (لاختصاص الكراهة الخ) جواب عما قد يقال: إن التنفل بعد العصر والفجر مكروه وفي غيرهما وإن لم يكره، لكن يجب إتمامه بعد الشروع فيه، فكيف قلت: ولو بعد العصر والفجر، وقلت: إنه مخير إن شاء ضم وإلا فلا؟ والجواب أنه لم يشرع في هذا(2/92)
النفل قصدا، وما ذكرته من الكراهة ووجوب الاتمام خاص بالتنفل قصدا، لكن الضم هنا خلاف الاولى كما يأتي ما يفيده.
قوله: (لان النقصان) أي الحاصل بترك القعدة لا ينجبر بسجود السهو.
فإن قلت: إنه وإن فسد فرضا فقد صح نفلا، ومن ترك القعدة في النفل ساهيا وجب عليه سجود السهو فلماذا لم يجب عليه السجود نظرا لهذا الوجه؟ قلت: إنه في حال ترك القعدة لم يكن نفلا، إنما تحققت النفلية بتقييد الركعة بسجدة والضم، فالنفلية عارضة ط، قوله: (مثلا) أي أو قعد في ثالثة الثلاثي أو في ثانية الثنائي ح.
قوله: (ثم قام) أي ولم يسجد.
قوله: (عاد وسلم) أي عاد للجلوس، لما مر أن ما دون الركعة محل للرفض.
وفيه إشارة إلى أنه لا يعيد التشهد، وبه صرح في
البحر.
قال في الامداد: والعود للتسليم جالسا سنة، لان السنة التسليم جالسا والتسليم حالة القيام غير مشروع في الصلاة المطلقة بلا عذر، فيأتي به على الوجه المشروع، فلو سلم قائما لم تفسد صلاته وكان تاركا للسنة ا ه.
قوله: (ثم الاصح الخ) لانه لا اتباع في البدعة، وقيل يتبعونه مطلقا عاد أو لا.
قوله: (فإن عاد) أي قبل أن يقيد الخامسة بسجدة تبعوه: أي في السلام.
قوله: (إذ لم يبق عليه إلا السلام) أشار به إلى أن معنى تمام فرضه عدم فساده، وإلا فصلاته ناقصة كما يأتي في قوله: لنقصان فرضه بتأخير السلام إليه أشار في البحر ح.
قوله: (وضم إليها سادسة) أي ندبا على الاظهر، وقيل وجوبا ح عن البحر.
قوله: (لو في العصر الخ) أشار إلى أنه لا فرق في مشروعية الضم بين الاوقات المكروهة وغيرها، لما مر أن التنفل فيها إنما يكره لو عن قصد، وإلا فلا، وهو الصحيح.
زيلعي.
وعليه الفتوى.
مجتبى.
وإلى أنه كمالا يكره في العصر لا يكره في الفجر خلافا للزيلعي، ولذا سوى بينهما في الفتح، وصرح في التجنيس بأن الفتوى على أنه لا فرق بينهما في عدم كراهة الضم.
قوله: (والضم هنا آكد) لان فرضه قد تم، فلو قطع هاتين الركعتين بأن لا يسجد للسهو لزم ترك الواجب، ولو جلس من القيام وسجد للسهو لم يؤد سجود السهو على الوجه المسنون، فلا بد من ضم سادسة ويجلس على الركعتين ويسجد للسهو، بخلاف المسألة الاولى لان الفرضية لم تبق ليحتاج إلى تدارك نقصانها ح عن الدرر.
قوله: (ولا عهدة لو قطع) أي لا يلزمه القضاء لو لم يضم وسلم، لانه لم يشرع به مقصودا كما مر.
قوله (ولا بأس الخ) أي لو ضم في وقت مكروه كالعصر والفجر، وقيل يكره.
والمعتمد المصحح أنه لا بأس به.
قال في البحر: بمعنى أن الاولى تركه، فظاهره أنه لم يقل أحد بوجوبه ولا باستحبابه ا ه.
وقد يقال: إن الوقت المكروه لما كان مظنة أن يتوهم أن في الصلاة فيه بأسا صرحوا بنفي البأس لذلك لا لكون الاولى تركها، بل الاولى فعلها، بدليل قولهم: لو تطوع فصلى ركعة فالاولى أن يتمها، لانه لم يتنفل بعد الفجر قصدا، إلا أن يفرق بأن ابتداء الشروع في التطوع هنا مقصود فكانت له حرمة، بخلافه في مسألتنا، لكن قد يقال: إن عدم الاتمام هنا يلزم منه ترك السجود الواجب أو فعله لا على الوجه المسنون كما مر في علة كون الضم هنا آكد، وعلى هذا فالضم في(2/93)
المسألة الاولى في الاوقات المكروهة خلاف الاولى لانه لا سجود سهو فيها كما مر.
قوله: (في الصورتين) أي ما إذا لم يسجد للخامسة أسجد.
قوله: (وتركه في الثانية) أي ترك سلام الفرض الخاص به، وهو ما لا يكون بينه وبين قادة الفرض صلاة، وها هنا وإن كان سلامه على رأس الست مخرجا من جميع الصلاة، لكن فاته السلام المخصوص ا ه ح.
قوله: (والركعتان الخ) لم يذكر حكم ما تحول نفلا في المسألة الاولى هل ينوب عن قبلية الظهر إذا لم يكن صلاها؟ قال بعض الفضلاء نعم.
واعترض بما ذكر في تعليل المسألة هنا، وفيه نظر، لان الشروع فيما مر كان بتحريمة مبتدأة غايته أنه انقلب فيه وصف ما شرع فيه قصدا إلى النفلية، بخلاف الركعتين هنا فإنه لم يشرع فيهما قصدا ولا وجدت لهما تحريمة مبتدأة، وقد مر في باب النوافل أنه لو صلى ركعتين من التهجد فظهر وقوعهما بعد طلوع الفجر أجزأته عن سنة الفجر في الصحيح، بخلاف ما لو صلى أربعا فظهر وقوع ركعتين منهما بعد الفجر لانهما ليستا بتحريمة مبتدأة، فتأمل.
قوله: (ولو اقتدى به الخ) أي لو اقتدى شخص بالذي قعد على الرابعة ثم قام وضم سادسة صلاهما: أي الركعتين أيضا: أي مع الاربع.
والاولى أن يقول: صلى الاربع أيضا، لان صلاة الركعتين محل وفاق، فعند أبي يوسف يصلي ركعتين فقط بناء على أن إحرام الفرض انقطع بالانتقال إلى النفل.
وعند محمد ستا وهو الاصح، لانه لو انقطعت التحريمة لاحتاج إلى تكبيرة جديدة فصار شارعا في الكل.
ح عن البحر ملخصا.
قوله: (وإن أفسد) أي المقتدي الركعتين قضاهما فقط، لانه شرع في هذا النفل قصدا فكان مضمونا عليه، بخلاف الامام لشروعه فيه ساهيا، وهذا كله فيما إذا قعد الامام في الرابعة، فإن لم يقعد يصلي المقتدي ستا، كما إذا أفسدهما كما في القهستاني عن المحيط، لانه التزم صلاة الامام وهي ست ركعات نفلا كما في البحر.
تتمة: لو اقتدى به مفترض في قيام الخامسة بعد القعود قدر التشهد لم يصح ولو عاد إلى القعدة، لانه لما قام إلى الخامسة فقد شرع في النفل، فكان اقتداء المفترض بالمتنفل، ولو لم يفقد قدر التشهد صح الاقتداء لانه لم يخرج من الفرض وقبل أن يقيدها بسجدة.
بحر.
عن السراج.
قوله:
(سهوا) قيد بالنظر إلى قوله سجد لا إلى قوله: ولم تفسد وهذه المسألة تقدمت بعينها في باب النوافل ح، وقدمنا الكلام عليها هناك، فراجعه.
قوله: (وقدمنا) أي عند قول المتن سها عن القعود الاول.
قوله: (وقيل لا) أي لا يعود بعد ما استتم قائما كالفرض، وقدمنا أنه في التاترخانية صححه.
قال في شرح المنية: والخلاف فيما إذا أحرم بنية الاربع، فإن نوى ثنتين عاد اتفاقا.
قوله: (فسجد له) أي للسهو.
قوله: (بعد السلام) وكذا قبله كما يفيده ما يذكره من التعليل، وكأن المصنف قيد به تبعا للخلاصة، لكونه السنة فمحل السجود عندنا، لا لكون البعدية أولى كما قيل، فافهم.
قوله: (عليه) أي على ما صلى ط.
قوله: (تحريما) لما يأتي من أن نقض الواجب لا يجوز.
قوله: (لئلا يبطل(2/94)
سجوده الخ) ونقض الواجب وإبطاله لا يجوز إلا إذا استلزم تصحيحه نقض ما هو فوقه.
بحر عن الفتح: أي كما في مسألة المسافر الآتية.
قال ح: قال شيخنا: هذا في البناء على النفل.
وأما البناء على الفرض ففيه كراهتان أخريان: الاولى تأخير سلام المكتوبة، الثانية الدخول في النفل بلا تحريمة مبتدأة ا ه.
قال ط: وهذا الاخير يظهر أيضا في بناء النفل على مثله إذا كان نوى أولا ركعتين ا ه تأمل.
قوله: (بخلاف المسافر الخ) أي لو كان مسافرا فسجد للسهو ثم نوى الاقامة فله ذلك، لانه لو لم يبن وقد لزم الاتمام بنية الاقامة بطلت صلاته، وفي البناء نقض الواجب وهو أدنى فيتحمل دفعا للاعلى.
بحر.
قوله: (ويعيد وهو) أي من ليس له البناء، وهو بإطلاقه يشمل المفترض، ويخالفه ما قدمه أول الباب عن القنية، من أنه لو بنى النفل على فرض سها فيه لم يسجد، وقدمنا الكلام عليه.
قوله: (والمسافر) الاولى أن يقول: كالمسافر لئلا يوهم قوله: على المختار أن فيه خلافا مع أنه خلاف ما يفهم من البحر، أفاده ط.
قلت: بل صرح به في الامداد.
قوله: (على المختار) وقيل لا يعيده، لانه وقع جابرا حين وقع فيعتد به.
ح عن الامداد.
قوله: (يخرجه من الصلاة الخ) هذا عندهما، وأما عند محمد فإنه لا يخرجه منها أصلا، كما في البحر وغيره.
قوله: (إن سجد عاد الخ) أفاد أن معنى التوقف أنه يخرجه منها من كل وجه على احتمال أن يعود إلى حرمتها بالسجود بعد خروجه منها.
ولهم فيه تفسير آخر وهو أنه قبل السجود يتوقف على ظهور عاقبته: إن سجد تبين أنه لم يخرجه، وإن لم
يسجد تبين أنه أخرجه من وقت وجوده، وتمامه في الفتح.
قوله: (بنية الاقامة) أي بعد السلام وقبل السجود كما هو فرض المسألة، أما قبل السلام فلا شك في أنه يصير فرضه أربعا، لانه لم يخرج من حرمة الصلاة اتفاقا، وكذا بعد السلام والسجود، لانه في حرمة الصلاة اتفاقا: أما على قول محمد فظاهر، وأما على قولهما فلانه عاد إلى حرمتها بالسجود، وهذه المسألة الاخيرة هي التي تقدمت في قوله: بخلاف المسافر.
قوله: (كذا في عامة الكتب) في بعض النسخ كذا في غاية البيان وهي الصواب، لان المذكور في عامة الكتب كالهداية وشروحها والكافي وقاضيخان وغيرها عدم انتقاض الطهارة، وعدم صيرورة الفرض أربعا عندهما من غير تفصيل بين العود إلى السجود وعدمه.
وإنما ذكروا هذا التفصيل في مسألة الاقتداء فقد لعدم إمكانه في غيرها، أما إجراء التفصيل في المسائل الثلاث كما فعل المصنف، فهو مذكور في غاية البيان، كما نقله عنها في البحر، وكذا في متن الوقاية والدرر والملتقى، وقد نبه غير واحد على غلطهم، وكذا قال القهستاني: إن ما سوى مسألة الاقتداء ليس من فروع الخلاف، إلا إذا سقط الشرطيتان.
وفي الوقاية هنا سهو مشهور ا ه.
وأراد بالشرطيتين قوله: إن عاد إلى السجود وإلا فلا.
والحاصل أن الصواب في التعبير أن يقول كما قال ابن الكما: سلام من عليه السهو يخرجه منها خروجا موقوفا عندهما، خلافا لمحمد، فيصح الاقتداء به إن سجد بعد، وإلا فلا، ولا يبطل(2/95)
وضوءه بالقهقهة.
ولا يصير فرضه أربعا بنية الاقامة ا ه.
وعند محمد: يصح الاقتداء مطلقا، ويبطل الوضوء: ويصير الفر ض أربعا، فالخلاف في المسائل الثلاث، لكن المسألة الاولى عندهما على التفصيل المذكور دون الاخيرتين، فإجراء التفصيل في المسائل الثلاث كما فعل المصنف غلط مخالف لعامة الكتب.
قوله: (وهو غلط في الاخيرتين الخ) أي ذكر الشرطيتين، وهما قوله: إن سجد وإلا لا غلط في المسألتين الاخيرتين، لانه عندهما لا تفصيل فيهما، وإنما التفصيل المذكور في الاولى فقط كما ذكرنا.
أما في القهقهة فلانها أوجبت سقوط السجود عند الكل، لفوات حرة الصلاة لانها كلام، فالحكم النقض عنده، وعدمه عندهما كما صرح به في المحيط وشرح الطحاوي.
بحر: أي لانه عند محمد لم يخرج بالسلام عن حرمة الصلاة فانتقضت طهارته.
وعندهما خرج من كل وجه، ولا يمكنه أن يعود إلى الصلاة بالسجود لوجود المنافي وهو القهقهة، لانها كلام، كما لو سلم وأحدث عمدا بعده فإن سلامه لم يبق موقوفا بعد الحدث.
وأما في نية الاقامة، فقال في المحيط وغيره: إنه لا يتغير فرضه، ويسقط عند سجود السهو.
وفي المعراج: سواء سجد أو لا، لانه لو تغير به لصحت نيته قبله، ولو صحت لوقعت السجدة في وسط الصلاة ولا يتعد بها، فصار كأنه لم يسجد أصلا، فلو صحت لصحت بلا سجود.
بحر ونهر.
وحاصله أنه لو صح سجوده لبطل، وما يؤدي تصحيحه إلى إبطاله فهو باطل.
وفيه دور أيضا، يوضحه ما في البزازية أنه عندهما خرج من الصلاة ولا يعود إلا بعوده إلى سجوده السهو، ولا يمكنه العود إليه إلا بعد تمام الصلاة، ولا يمكنه إتمام الصلاة إلا بعد العود إلى السجود فجاء الدور.
قال: وبيانه أنه لا يمكنه العود إلى سجوده، لانه سجوده ما يكون جابرا، والجابر بالنص هو الواقع في آخر الصلاة ولا آخر لها قبل التمام، فقلنا بأنه تمت صلاته وخرج منها قطعا للدور ا ه.
والحاصل أنه حيث لم يمكنه العود إلى السجود لما علمته لم يمكن عوده إلى الصلاة فبقى خارجا منها بالسلام خروجا باتا، حتى لو سجد وقع لغوا، كما لو سجد بعد القهقهة في المسألة التي قبلها أو بعد الحدث العمد، ولذا صرح الكمال وغيره من الشراح كصاحب النهاية والعناية وقاضيخان بأنه لا يتغير فرضه بنية الاقامة، لان النية لم تحل في حرمة الصلاة، فقد ظهر لك بهذا التقرير سقوط ما ذكره في الامداد منتصرا لما في غاية البيان في هذه المسألة بما حاصله أن عدم صحة نية الاقامة إنما هو على تقدير عدم السجود وهو قد سجد، فتصح نيته لما في الدراية إذا سجد فنوى الاقامة صحت ا ه.
فكذلك هنا، وإلا لزم التناقض.
وقول الكمال: إن النية لم تحصل في حرمة الصلاة غير مسلم، لتصريحه بأن سلام من عليه السهو لا يخرجه منها، ويلزم صاحب البحر في قوله: لئلا يقع في خلال الصلاة أن نية الاقامة بعد سجوده لا تصح لوقوع السجود في خلال الصلاة مع اتفاقهم على صحتها.
أقول: والجواب ما تحققته من أنه إذا سجد وقع لغوا، فكأنه لم يسجد، فلم يعد إلى حرمة
الصلاة، فلم تصح نيته، بخلاف ما في الدراية، فإنه إذا سجد أولا عاد إليها فصحت نيته، بخلاف ما إذا نوى أولا ثم سجد فإنه لا يعود إليها لما علمته من الدور واستلزام صحة السجود بطلانه، فلا تناقض بين المسألتين.
وأما ما ذكره الكمال فقد صرح به غيره كما علمت، وتصريحه بأن سلام من عليه السهو(2/96)
لا يخرجه منها: أي خروجا باتا، بل يخرجه على احتمال العود إن أمكن، وهنا لم يمكن للمحذور المذكور، وقولهم تصح نية الاقامة بعد السجود ويلغو السجود لوقوعه في خلال الصلاة صحيح، لان إلغاء السجود فيه لم يكن بسبب إيجابه المقتضي للدور كما في مسألتنا، بل بسبب تصحيح النية فيه الموجب للاتمام، وتصحيح النية فيه لا يستدعي إيجاب السجود، بخلاف مسألتنا فإن فيهيلزم من صحة النية أن تصح بلا سجود لوقوعه في وسط الصلاة، ومع عدم السجود لا يعو إلا حرمة الصلاة، وإذا لم يعد إليها لم تصح نية الاقامة، فيلزم الدور.
وبعد تقرير هذا الجواب بما ذكرنا، رأيت شيخ مشايخنا الرحمتي ذكر نحوه ولله الحمد، فافهم.
قوله: (ويسجد للسهو ولو مع سلامه للقطع) أي قطع الصلاة وعدم العود إليها بالسجود، قيد بالسهو لانه لو سلم ذاكرا أن عليه سجده تلاوة أو قراءة التشهد الاخير سقطت عنه، لان سلامه عمد فيخرجه من الصلاة، ولا تفسد صلاته لانه لم يبق عليه ركن من أركان الصلاة، بل تكون ناقصة لترك الواجب، وكذا لو سلم وعليه تلاوية وسهوية ذاكرا لهما أو للتلاوية سقطتا، إلا إذا تذكر أنه لم يتشهد، ولو سلم وعليه صلبية فقط أو صلبية وسهوية ذاكرا لهما أو للصلبية فقط فسدت صلاته، ولو عليه تلاوية أيضا فسلم ذاكرا لها أو للصلبية فسدت أيضا، وهذا في الصلبية ظاهر لانها ركن.
وأما في التلاوية فمقتضى ما مر أنها لا تفسد، وهو رواية أصحاب: الاملاء عن أبي يوسف، لان سلامه في حق الركن سلام سهو، وفي حق الواجب سلام عمد، وكلاهما لا يوجب فساد الصلاة، لكن ظاهر الرواية أنها تفسد، لان سلام السهو لا يخرج، وسلام العمد يخرج، فترجح جانب الخروج احتياطا.
وما أحسن قول محمد: فسدت في الوجهين: أي في تذكر التلاوية أو الصلبية، لانه لا يستطيع أن يقضي التي كان ذاكرا لها بعد التسليم، وإذا جعل عليه قضاء التي كان ناسيا لها وجب أن يقضي التي كان ذاكرا لها، وتمام ذلك في
الفتح والبدائع.
قوله: (لبطلان التحريمة) أي بالتحول أو التكلم، وقيل لا يقطع للتحول ما لم يتكلم أو يخرج من المسجد كما في الدرر عن النهاية.
إمداد.
قوله: (ولو نسي السهو الخ) أو في كلامه مانعة الخلو فيصدق بسبع صور، وهي ما لو كان عليه سهوية فقط، أو صلبية فقط، أو تلاوية فقط، أو كان عليه الثلاثة أو اثنتان منها: أي صلبية مع تلاوية أو سهوية مع إحداهما، ففي هذه كلها إذا سلم ناسيا لما عليه كله أو لما سوى السهوية لا يعد سلامه قاطعا، فإذا تذكر يلزمه ذلك الذي تذكره ويرتب بين السجدات، حتى لو كان عليه تلاوية وصلبية يقضيهما مرتبا، وهذا يفيد وجوب النية في المقضي من السجدا ت كما ذكر، في الفتح، ثم يتشهد، ويسلم ثم يسجد للسهو.
وقيدنا بقولنا: أي لما سوى السهوية، لانه لو سلم ذاكرا لها ناسيا لغيرها يلزمه أيضا، لان السلام مع تذكر سجود السهو لا يقطع، بخلاف تذكر غيرها فإنه يقطع عن التفصيل المار قبل ذلك، فافهم.
قوله: (ما دام في المسجد) أي وإن تحول عن القبلة استحسانا، لان المسجد كله في حكم مكان واحد، ولذا صح الاقتداء فيه وإن كان بينهما فرجة.
وأما إذا كان في الصحراء: فإن تذكر قبل أن يجاوز الصفوف من خلفه أو يمينه أو يساره عاد إلى قضاء ما عليه، لان ذلك الموضع ملحق بالمسجد، وإن مشى أمامه فالاصح اعتبار موضع سجوده أو سترته إن كان له سترة بين يديه كما في البدائع والفتح.(2/97)
تنبيه: قال هنا: ما دام في المسجد وفيما قبله ما لم يتحول عن القبلة، ولعل وجه الفرق أن السلام هنا لما كان سهوا لم يجعل مجرد الانحراف عن القبلة مانعا: ولما كان فيما قبله عمدا جعل مانعا على أحد القولين، وهو ما مشى عليه المصنف، لما في البدائع من أن السجود لا يسقط بالسلام ولو عمدا، إلا إذا فعل فعلا يمنعه من البناء بأن تكلم أو قهقه أو أحدث عمدا أو خرج من المسجد أو صرف وجهه عن القبلة وهو ذاكر له، لانه فات محله وهو تحريمة الصلاة فسقط ضرورة فوات محله ا ه تأمل.
قوله: (توهما) أي ذا توهم أو متوهما.
قوله: (أتمها أربعا) إلا إذ سلم قائما في غير جنازة كما قدمه في مفسدات الصلاة، لان القيام في غير الجنازة ليس مظنة للسلام فلا يغتفر السهو فيه.
قوله: (لانه دعاء من وجه) أي فلذا خالف الكلام حيث كان مبطلا ولو ساهيا.
قوله:
(لانه سلام عمد) استشكل العلامة المقدسي الفرق بينه وبين ما قبله فإنه عمد أيضا.
قلت: وذكر في شرح المنية الفرق بأنه في الاول سلام على ظن إتمام الاربع فيكون سلامه سهوا، وهنا سمل عالما بأنه صلى ركعتين فوقع سلامه عمدا فيكون قاطعا فلا يبني ا ه.
وفي التاترخانية أن السهو وإن وقع في أصل الصلاة أوجب فسادها، وإن في وصفها فلا، فالاول كما إذا سلم على الركعتين على ظن أنه في الفجر أو الجمعة أو السفر، والثاني كما إذا سلم عليهما على ظن أنها رابعة ا ه: أي لان العدد بمنزلة الوصف.
والحاصل أنه إذا ظن أنها الفجر مثلا يكون قاصدا لايقاع السلام على رأس الركعتين فيكون متعمدا للخروج قبل إتمام الصلاة التي شرع فيها، بخلاف ما إذا سلم على ظن الاتمام فإنه لم يتعمد إلا إيقاعه بعد الاربع، فوقع قبلها سهوا، وبالجملة فالسلام من حيث ذاته عمد فيهما ومن حيث محله مختلف، فتدبر.
قوله: (وقيل لا تبطل الخ) ذكره في البحر بحثا أخذا مما في المجتبى: لو سلم المصلي عمدا قبل التمام، قيل تفسد، وقل لا حتى يقصد به خطاب آدمي ا ه.
فقال في البحر: فينبغي أن لا تفسد في هذه المسائل على القول الثاني ا ه.
ومثله في النهر.
قال الشيخ إسماعيل وهو ظاهر، والاول المجزوم به في كتب عديدة معتمدا ا ه.
قوله: (عدمه في الاوليين) الظاهر أن الجمع الكثير فيما سواهما كذلك كما بحثه بعضهم ط، وكذا بحثه الرحمتي، وقال: خصوصا في زماننا.
وفي جمعه حاشية أبي السعود عن العزمية أنه ليس المراد عدم جوازه، بل الاولى تركه لئلا يقع الناس في فتنة ا ه.
قوله: (وبه جزم في الدرر) لكنه قيده محشيها الواني بما إذا حضر جمع كثير، وإلا فلا داعي إلى الترك ط.
قوله: (وإذا شك) هو تساوي الامرين.
بحر، وقدمناه.
قوله: (في صلاته) قال في فتح القدير: قيد به، لانه لو شك بعد الفراغ منها أو بعد ما قعد قدر التشهد لا يعتبر إلا إذا وقع في التعيين(2/98)
فقط، بأن تذكر بعد الفراغ أنه ترك فرضا وشك في تعيينه، قالوا: يسجد سجدة ثم يقعد ثم يصلي ركعتين بسجدتين ثم يقعد ثم يسجد للسهو لاحتمال أن المتروك الركوع فيكون السجود لغوا بدونه، فلا بد من ركعة بسجدتين ا ه.
قال في البحر: ولا حاجة إلى هذا الاستثناء، لان الكلام في الشك
بعد الفراغ وهذا تيقن ترك ركن غير أنه شك في تعيينه، نعم يستثنى ما في الخلاصة: لو أخبره عدل بعد السلام أنك صليت الظهر ثلاثا وشك في صدقه يعيد احتياطا، لان الشك في صدقه شك في الصلاة.
قوله: (من لم يكن ذلك عادة له) هذا قول شمس الائمة السرخسي، واختاره في البدائع، ونص في الذخيرة على أنه الاشبه.
قال في الحلية: وهو كذلك.
وقال فخر الاسلام: من لم يقع له في هذه الصلاة، واختاره ابن الفضل.
قوله: (وقيل الخ) ثمرة الخلاف تظهر فيما لو سها في صلاته أول مرة واستقبل ثم لم يسه سنين ثم سها، فعلى قول السرخسي يستأنف، لانه لم يكن من عادته وإنما حصل له مرة واحدة، والعادة إنما هي من المعاودة: أي والشرط أن لا يكون معتادا له قبل هذه الصلاة، وكذا على قول فخر الاسلام، خلافا لما وقع في السراج من أنه يتحرى كما يتحرى على القول الثالث كما في البحر.
وفي عبارة النهر: هنا سهو فاجتنبه.
قوله: (كما صلى) أشار بالكمية إلى أن الشك في العدد، فلو في الصفة كما لو شك في ثانية الظهر أنه في العصر وفي الثالثة أنه في التطوع وفي الرابعة أنه في الظهر، قالوا: يكون في الظهر، ولا عبرة بالشك، وتمامه في البحر.
قوله: (استأنف بعمل مناف الخ) فلا يخرج بمجرد النية، كذا قالوا.
وظاهره أنه لا بد من العمل، فلو لم يأت بمناف وأكملها على غالب ظنه لم تبطل، إلا أنها تكون نفلا ويلزمه أداء الفرض، ولو كانت نفلا ينبغي أن يلزمه قضاؤه وإن أكملها لوجوب الاستئناف عليه.
بحر.
وأقره في النهر والمقدسي.
قوله: (وإن كثر شكه) بأن عرض له مرتين في عمره على ما عليه أكثرهم، أو في صلاته على ما اختاره فخر الاسلام.
وفي المجتبى: وقيل مرتين في سنة، ولعله على قول السرخسي.
بحر ونهر.
قوله: (للحرج) أي في تكليفه بالعمل باليقين.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يغلب على ظنه شئ، فلو شك أنها أولى الظهر أو ثانيته يجعلها الاولى ثم يقعد لاحتمال أنها الثانية ثم يصلي ركعة ثم يقعد لما قلنا ثم يصلي ركعة ويقعد لاحتمال أنها الرابعة ثم يصلي أخرى ويقعد لما قلنا، فيأتي بأربع قعدات: قعدتان مفروضتان وهما الثالثة والرابعة، وقعدتان واجبتان، ولو شك أنها الثانية أو الثالثة أتمها وقعد ثم صلى أخرى وقعد ثم الرابعة وقعد، وتمامه في البحر، وسيذكر عن السراج أنه يسجد للسهو.
قوله: (ولو واجبا) معطوف على محذوف: أي فرضا كان القعود ولو واجبا أو إذا كان فرضا ولو واجبا،
فكذلك على حذف جواب لو الشرطية فالتعليل ناظر إلى المذكور والمحذوف.
هذا، وقول الهداية والوقاية يقعد في كل موضع يتوهم أنه آخر صلاته يدل على أنه لا يقعد على الثانية والثالثة، ولذا نسبه في الفتح إلى القصور.
واعتذر عنه في البحر بأن فيه خلافا، فلعله بناه على أحد القولين وإن كان الظاهر القعود مطلقا ا ه.
قلت: لكن في القهستاني عن المضمرات أن الصحيح أنه لا يقعد على الثانية والثالثة لانه(2/99)
مضطر بين ترك الواجب وإتيان البدعة، والاول أولى من الثاني، ثم قال: لكن فيه اختلاف المشايخ ا ه.
وأقول: يريد ما في الفتح ما صرحوا به في عدة كتب أن ما تردد بين البدعة والواجب يأتي به احتياطا، بخلاف ما تردد بين البدعة والسنة.
قوله: (واعلم الخ) قال في المنية وشرحها الصغير: ثم الاصل في التفكر أنه إن منعه عن أداء ركن كقراءة آية أو ثلاث أو ركوع أو سجود أو عن أداء واجب كالقعود يلزمه السهو لاستلزام ذلك ترك الواجب وهو الاتيان بالركن أو الواجب في محله وإن لم يمنعه عن شئ من ذلك بأن كان يؤدي الاركان ويتفكر، لا يلزمه السهو.
وقال بعض المشايخ: إن منعه التفكر عن القراءة أو عن التسبيح يجب عليه سجود السهو، وإلا فلا، فعلى هذا القول لو شغله عن تسبيح الركوع وهو راكع مثلا يلزمه السجود، وعلى القول الاول لا يلزمه وهو الاصح ا ه.
وبه علم أن قول المصنف ولا تسبيح مبني على خلاف الاصح، وقول البعض: ودخل في قوله أو عن أداء واجب ما لو شغله عن السلام لما في الظهيرية: لو شك بعد ما قعد قدر التشهد أصلي ثلاثا أو أربعا حتى شغله ذلك عن السلام ثم استيقن وأتم صلاته فعليه السهو ا ه.
وعلله في البدائع بأنه أخر الواجب وهو السلام ا ه.
وظاهره لزوم السجود وإن كان مشتغلا بقراءة الادعية أو الصلاة، وهو مبني على ما قاله شمس الائمة، من أنه ليس المراد أن يشغله التفكر عن ركن أو واجب، فإن ذلك يوجب سجدتي السهو بالاجماع، وإنما المراد به شغل قلبه بعد أن تكون جوارحه مشغولة بأداء الاركان، ومثله ما في الذخيرة، من أنه لو كان في ركوع أو سجود فطول في تفكره وتغير عن حاله بالتفكر فعليه سجود السهو استحسانا، لانه وإن كان تفكره ليس إلا إطالة القيام أو الركوع أو
السجود، وهذه الاذكار سنة، لكنه أخر واجبا أو ركنا لا بسبب إقامة السنة بل بسبب التفكر، وليس التفكر من أعمال الصلاة ا ه.
قلت: والحاصل أنه اختلف في التفكر الموجب للسهو، فقيل ما لزم منه تأخير الواجب أو الركن عن محله بأن قط الاشتغال بالركن أو الواجب قد أداء ركن وهو الاصح، وقيل مجرد التفكر الشاغل للقلب وإن لم يقطع الموالاة، وهذا كله إذا تفكر في أفعال هذه الصلاة، أما لو تفكر في صلاة قبلها هل صلاها أم لا: ففي المحيط أنه ذكر في بعض الروايات أنه لا سهو عليه وإن أخر فعلا، كما لو تفكر في أمر من أمور الدنيا حتى أخر ركنا، وفي رواية: يلزمه لتمكن النقص في صلاته لانه يجب عليه حفظ تلك الصلاة حتى يعلم جواز صلاته هذه، بخلاف أعمال الدنيا فإنه لم يجب عليها حفظها.
واستظهر في الحلية هذه الرواية، وأنه لو لزم ترك الواجب بالتفكر في أمور الدنيا يلزمه السجود أيضا.
واستظهر أيضا القول الاول بأن الملزم للسجود ما كان فيه تأخير الواجب أو الركن عن محله، إذ ليس في مجرد التفكر مع الاداء ترك واجب، وتمام الكلام فيها وفي فتاوى العلامة قاسم.
قوله: (سواء عمل بالتحري) أي بأن غلب على ظنه أنها الركعة الثانية مثلا، وقوله: أو بنى على الاقل أي بأن لم يغلب على ظنه شئ وأخذ بالاقل.
قوله: (لكن في السراج الخ) استدراك عن ما في الفتح من لزوم السجود في الصورتين، وقوله: مطلقا أي سواء تفكر قدر ركن(2/100)
أو لا، وهذا التفصيل هو الظاهر، لان غلبة الظن بمنزلة اليقين، فإذا تحرى غلب على ظنه شئ لزمه الاخذ به، ولا يظهر وجه لايجاب السجود عليه إلا إذا طال تفكره على التفصيل المار، بخلاف ما إذا بنى على الاقل، لان فيه احتمال الزيادة كما أفاد في البحر.
قوله: (أخبره عدل الخ) تقدم أن الشك خارج الصلاة لا يعتبر، وأن هذه الصورة مستثناة، وقيد، بالعدل، إذ لو أخبره عدلان لزمه الاخذ بقولهما، ولا يعتبر شكه، وإن لم يكن المخبر عدلا لا يقبل قوله.
إمداد.
وظاهر قوله: أعاد احتياطا الوجوب، لكن في التاترخانية: إذا شك الامام فأخبره عدلان يجب الاخذ بقولهما، لانه لو أخبره عدل يستحب الاخذ بقوله ا ه فتأمل.
قوله: (ولو اختلف الامام والقوم) أي وقع الاختلاف بينهم وبينه، كأن قالوا صليت ثلاثا وقال بل أربعا، أما لو اختلف القوم والامام مع فريق منهم ولو
واحدا أخذ بقول الامام، ولو تيقن واحد بالتمام وواحد بالنقص وشك الامام والقوم فالاعادة على المتيقن بالنقص فقط، ولو تيقن الامام بالنقص لزمهم الاعادة إلا من تيقن منهم بالتمام، ولو تيقن واحد بالنقص وشك الامام والقوم، فإن كان في الوقت فالاولى أن يعيدوا احتياطا ولزمت له المخبر بالنقص عدلان.
من الخلاصة والفتح.
تتمة: شك الامام فلحظ إلى القوم ليعلم بهم إن قاموا قام وإلا قعد لا بأس به ولا سهو عليه.
غلب على ظنه في الصلاة أنه أحدث أو لم يمسح ثم ظهر خلافه، إن كان أدى ركنا استأنف وإلا مضى.
تاترخانية.
قوله: (وقنت أيضا في الاصح) وقيل لا يقنت لان القنوت في الثانية بدعة.
والجواب أن ما تردد بين البدعة والواجب يأتي به احتياطا كما مر.
وبقي لو قنت في الاولى أ الثانية سهوا فقدم المصنف في باب الوتر أنه لا يقنت في الثالثة، ومر ترجيح خلافه.
قوله: (شك هل كبر الخ) أي شك في صلاته.
ذخيرة وغيرها.
وظاهره أن الشك في جميع هذه المسائل وقع في الصلاة، ويدل عليه قول الذخيرة في آخر العبارة: إن كان ذلك أول مرة استقبل الصلاة، وإلا جاز له المضي، ولا يلزمه الوضوء ولا غسل الثوب ا ه.
تأمل.
ويخالفه ما في الخلاصة حيث قال: شك في بعض وضوئه وهو أول شك غسل ما شك فيه، وإن وقع له كثيرا لم يلتفت إليه، وهذا إذا شك في خلال وضوئه، فلو بعد الفراغ منه لم يلتف إليه ا ه.
لكن سئل العلامة قاسم في فتاويه عمن شك وهو في صلاته أنه على وضوء أم لا؟ فأجاب بأنه إن كان أول ما عر ض له أعاد الوضوء والصلاة، وإلا مضى في صلاته.
قوله: (وظاهر الرواية البناء على الاقل) كذا عزاه في البحر إلى البدائع، ولم أره فيها فليراجع.
والذي في لباب المناسك: ولو شك في عدد الاشواط في طواف(2/101)
الركن أعاده، ولا يبني على غالب ظنه، بخلاف الصلاة، وقيل إذا كان يكثر ذلك يتحرى ا ه.
وما جزم به في اللباب عزاه في البحر إلى عامة المشايخ، والله تعالى أعلم.
باب: صلاة المريض قيل المرض مفهومه ضروري، إذ لا شك أن فهم المراد منه أجلى من قولنا إنه معنى يزول
بحلوله في بدن الحي اعتدال الطبائع الاربع فيؤول إلى التعريف بالاخفى.
نهر.
قوله: (من إضافة الفعل لفاعله أو محله) كل فاعل محل ولا عكس، فإن المريض محل للصلاة فاعل لها، والخشبة محل للحركة وليست فاعله لها ح.
قوله: (ومناسبته الخ) لم يبين وجه تأخيره عن سجود السهو، وبينه في البحر بقوله: والسهم أعم موقعا لشموله المريض والصحيح، فكانت الحاجة إلى بيانه أمس فقدمه ح.
قوله: (فتأخر الخ) أي وكان حقه أن يذكر مع سجود السهو لمناسبة بينهما في أن كلا منهما مثل جزء الصلاة، أو لان كلا منهما سجود يترتب على أمر يقع في الصلاة متأخرا عنه، إلا أن سجود السهو مختص بالصلاة، وسجود التلاوة يقع خارج الصلاة أيضا ح.
قوله: (كله) فسر به لما سيأتي في المتن من قوله: وإن قدر على بعض القيام قام ح.
قوله: (لمرض حقيقي الخ) قال في البحر: أراد بالتعذر: التعذر الحقيقي، بحيث لو قام سقط، بدليل أنه عطف عليه التعذر الحكمي، وهو خوف زيادة المرض.
واختلفوا في التعذر: فقيل ما يبيح الافطار، وقيل التيمم، وقيل بحيث لو قام سقط، وقيل ما يعجزه عن القيام بحوائجه.
والاصح أن يلحقه ضرر بالقيام، كذا في النهاية والمجتبى وغيرهما ا ه.
فقوله واختلفوا في التعذر: أي في غير عبارة المصنف، لما علمت أن المراد به في كلامه كالكنز الحقيقي بدليل عطف الحكمي عليه.
وبما تقرر ظهر ما في كلام الشارح حيث جعل الحقيقي والحكمي وصفين للمرض مع أنهما صفتان للتعذر، لان المرض فيهما حقيقي، وكذا قوله: وحده إن كان الضمير فيه للمرض الحقيقي، فليس ذلك تعريفا للمرض بل تعريف المرض ما قدمناه، وإن كان للتعذر المذكور فقد علمت أن المراد به كلام المصنف الحقيقي وهو ما لو قام لسقط، اللهم إلا أن يعود لمطلق التعذر المبيح للصلاة قاعدا كما هو المراد من قول البحر: واختلفوا الخ، فافهم.
وقد يأتي الحد بمعنى التمييز بين الشيئين، وعليه فيصح عوده لمطلق المرض: أي القدر المميز بين ما تصح معه الصلاة قاعدا ما لا تصح ما يلحقه بالقيام ضرر، وهو شامل حينئذ لما إذا تعذر القيام حقيقة بالمعنى المار أو حكما.
وأما إذا لم يمكن القيام أصلا فهو مفهوم بالاولى.
قوله: (قبلها أو فيها) صفة لمرض،
والمرض العارض فيها سيأتي الكلام عليه في قول المتن ولو عرض له مرض فيها ولا ينافي قوله: أو فيها تقييده بقوله: كله لا المراد حينئذ تعذر كل القيام الواقع بعد عروض المرض.(2/102)
قوله: (أي الفريضة) أراد بها ما يشمل الواجب كالوتر وما في حكمة كسنة الفجر، احترازا عما عدا ذلك من النوافل، فإنها تجوز من قعود بلا تعذر قيام.
قوله: (خاف) أي غلب على ظنه بتجربة سابقة أو إخبار طبيب مسلم حاذق.
إمداد.
قوله: (بقيامه) متعلق بخاف أو بزيادة وبطء على سبيل التنازع.
قوله: (أو وجد لقيامه) أي لاجله ألما شديدا، وهذا وما قبله وما بعده داخل في أفراد، الضرر المذكور في قوله وحده الخ فافهم.
قوله: (سلس) كفرح ط.
قوله: (أو تعذر عليه الصوم) الاولى أن يقول لصوم باللام التعليلية: أي تعذر القيام لاجل الصيام.
وعبارة البحر: ودخل تحت العجز الحكمي ما لو صام رمضان صلى قاعدا، وإن أفطر صلى قائما يصوم ويصلي قاعد.
قوله: (كما مر) أي في باب صفة الصلاة حيث قال: وقد يتحتم القعود كمن يسيل جرحه إذا قام أو يسلس بوله أو يبدو ربع عورته أو يضعف عن القراءة أصلا أو عن صوم رمضان، ولو أضعفه عن القيام الخروج لجماعة صلى في بيته منفردا، به يفتي، خلافا للاشباه ح.
أقول: وقدمنا هناك أنه لو لم يقدر على الايماء قاعدا، كما لو كان بحال لو صلى قاعدا يسيل بوله أو جرحه ولو مستلقيا: لا صلى قائما بركوع وسجود، لان الاستلقاء لا يجوز بلا عذر كالصلاة مع الحدث فيترجح ما فيه الاتيان بالاركان كما في المنية وشرحها.
ومن العجز الحكمي أيضا ما لو خرج بعض الولد وتخاف خروج الوقت تصلي بحيث يلحق الولد ضرر، وما لو خاف العدو لو صلى قائما أو كان في خباء لا يستطيع أن يقيم صلبه، وإن خرج لا يستطيع الصلاة لطين أو مطر، ومن به أدنى علة فخاف إن نزل عن المحمل بقي في الطريق يصلي الفرض في محمله، وكذا المريض الراكب، إلا إذا وجد من ينزله.
بحر.
قوله: (ولو مستندا الخ) أي إذا لم يلحقه ضرر به بدليل ما مر.
قوله: (أو إنسان) عبر في العناية والفتح وغيرهما بالخادم بدله.
قال ح: وفيه أن القادر بقدرة الغير عاجز عند الامام، إلا أن يراد بالغير غير الخادم.
تأمل ا ه.
أقول: قدمنا في باب التيمم أن العاجز عن استعمال الماء بنفسه لو وجد من تلزمه طاعته كعبده وولده وأجيره لزمه الوضوء اتفاقا، وكذا غيره ممن لو استعان به أعانه في ظاهر المذهب، بخلاف العاجز عن استقبال القبلة أو التحول عن الفراش النجس فإنه لا يلزمه عنده.
والفرق أنه يخاف عليه زيادة المرض في إقامته وتحويله ا ه.
ومقتضاه أنه لو لم يخف زيادة المرض يلزمه ذلك، وقدمنا في بحث الصلاة على الدابة من باب النوافل عن المجتبى ما نصه: وإن لم يقدر على القيام أو النزول عن دابته أو الوضوء إلا بالاعانة وله خادم يملك منافعه يلزمه في قولهما، وفي قوله نظر.
والاصح اللزوم في الاجنبي الذي يطيعه كالماء الذي يعرض للوضوء ا ه.
ولا يخفى أن هذا حيث لا يلحقه ضرب بالقيام فلا يخالف ما قدمناه آنفا.
وبه ظهر أن المراد بالانسان من يطيعه أعم من الخادم والاجنبي، وأما عدم اعتبار القدرة بقدرة الغير عند الامام فلعله ليس على إطلاقه بل في بعض المواضع كما قاله ط، ولذا قال في المجتبى: وفي قوله نظر، أو محمول على ما إذا لم يتيسر له ذلك إلا بكلفة ومشقة فلا يلزمه الانتظار إلى حصوله، فليتأمل.
قوله: (كيف شاء) أي(2/103)
كيف تيسر له بغير ضرر من تربع أو غيره.
إمداد.
قوله: (على المذهب) جزم به في الغرر ونور الايضاح، وصححه في البدائع وشرح المجمع، واختاره في البحر والنهر.
قوله: (فالهيئات أولى) جمع هيئة، وهي هنا كيفية القعود.
قال ط: وفيه أن الاركان إنما سقطت لتعسرها، ولا كذلك الهيئات ا ه تأمل.
قوله: (قيل وبه يفتى) قاله في التجنيس والخلاصة والولوالجية لانه أيسر على المريض.
قال في البحر: ولا يخفى ما فيه، بل الايسر عدم التقييد بكيفية من الكيفيات، فالمذهب الاول ا ه.
وذكر قبله أنه في حالة التشهد يجلس كما يجلس للتشهد بالاجماع ا ه.
أقول ينبغي أن يقال: إن كان جلوسه كما يجلس للتشهد أيسر عليه من غيره أو مساويا لغيره كان أولى، وإلا اختار الايسر في جميع الحالات، ولعل ذلك محمل القولين، والله أعلم.
قوله: (بركوع) متعلق بقوله: صلى ط.
قوله: (على المذهب) في شرح الحلواني نقلا عن الهندواني: لو قدر على بعض القيام دون تمامه.
أو كان يقدر على القيام لبعض القراءة دون تمامها يؤمر بأن
يكبر قائما ويقرأ ما قدر عليه ثم يقعد، إن عجز، وهو المذهب الصحيح لا يروى خلافه عن أصحابه، ولو ترك هذا خفت أن لا تجوز صلاته.
وفي شرح القاضي: فإن عجز عن القيام مستويا قالوا: يقوم متكئا لا يجزيه إلا ذلك، وكذا لو عجز عن القعود مستويا قالوا: يقعد متكئا لا يجزيه إلا ذلك، فقال عن شرح التمرتاشي ونحوه في العناية بزيادة: وكذلك لو قدر أن يعتمد على عصا أو كان له خادم لو اتكأ عليه قدر على القيام ا ه.
قوله: (لان البعض معتبر بالكل) أي أن حكم البعض كحكم الكل، بمعنى أن من قدر على كل القيام يلزمه فكذا من قدر على بعضه.
قوله: (بل تعذر السجود كاف) نقله في البحر عن البدائع وغيرها.
وفي الذخيرة: رجل بحلقه خراج إن سجد سال وهو قادر على الركوع والقيام والقراءة يصلي قاعدا يومئ، ولو صلى قائما بركوع وقعد وأومأ بالسجود أجزأه، والاول أفضل، لان القيام والركوع لم يشرعا قربة بنفسهما، بل ليكونا وسيلتين إلى السجود ا ه.
قال في البحر: لم أر ما إذا تعذر الركوع دون السجود غير واقع ا ه: أي لانه متى عجز عن الركوع عجز عن السجود.
نهر.
قال ح: أقول على فرض تصوره ينبغي أن لا يسقط لان الركوع وسيلة إليه، ولا يسقط المقصود عند تعذر الوسيلة، كما لم يسقط الركوع والسجود عند تعذر القيام.
قوله: (لا القيام) معطوف على الضمير المرفوع المتصل في قوله: تعذرا وهو ضعيف لكونه في عبارة المتن بلا فاصل ولا توكيد.
قوله: (أومأ) حقيقة الايماء طأطأة الرأس، وروي مجرد تحريكها، وتمامه في الامداد عن البحر والمقدسي.
قوله: (أومأ قاعدا) لان ركنية القيام للتوصل إلى السجود فلا يجب دونه، وهذا أولى من قول بعضهم: صلى قاعدا، إذ يفترض عليه أن يقوم للقراءة، فإذا جاء أوان الركوع والسجود أومأ قاعدا، كذا في النهر.
أقول: التعبير ب صلى قاعدا هو ما في الهداية والقدوري وغيرهما، وأما ما ذكره من افتراض القيام فلم أره لغيره فيما عندي من كتب المذهب، بل كلهم متفقون على التعليل بأن القيام سقط(2/104)
لانه وسيلة إلى السجود، بل صرح في الحلية بأن هذه المسألة من المسائل التي سقط فيها وجوب القيام مع العجز الحقيقي والحكمي ا ه.
ويلزم على ما قاله: أنه لو عجز عن السجود فقط أن يركع قائم، وهو خلاف المنصوص كما علمته آنفا، نعم ذكر القهستاني عن الزاهدي أنه يومئ للركوع قائما وللسجود جالسا، ولو عكس لم يجز على الاصح ا ه.
وجزم به الولوالجي، لكن ذكر ذلك في النهر وقال: إلا أن المذهب الاطلاق ا ه: أي يومئ قاعدا أو قائما فيهما، فالظاهر أن ما ذكره هنا سهو، فتنبه له.
قوله: (وهو أفضل الخ) قال في شرح المنية: لو قيل إن الايماء أفضل للخروج من الخلاف لكان موجها، ولكن لم أر من ذكره ا ه.
قوله: (لقربه من الارض) أي فيكون أشبه بالسجود.
منح.
قوله: (ويجعل سجوده أخفض الخ) أشار إلى أنه يكفيه أدنى الانحناء عن الركوع، وأنه لا يلزمه تقريب جبهته من الارض بأقصى ما يمكنه كما بسطه في البحر عن الزاهدي.
قوله: (فإنه يكره تحريما) قال في البحر: واستدل للكراهة في المحيط بنهيه عليه الصلاة والسلام عنه، وهو يدل على كراهة التحريم ا ه.
وتبعه في النهر.
أقول: هذا محمول على ما إذا كان يحمل إلى وجهه شيئا يسجد عليه، بخلاف ما إذا كان موضوعا على الارض، يدل عليه ما في الذخيرة حيث نقل عن الاصل الكراهة في الاول، ثم قال: فإن كانت الوسادة موضوعة على الارض وكان يسجد عليها جازت صلاته، فقد صح أن أم سلمة كانت تسجد على مرفقة موضوعة بين يديها لعلة كانت بها ولم يمنعها رسول الله (ص) من ذلك، ا ه.
فإن مفاد هذه المقابلة والاستدلال عدم الكراهة في الموضوع على الارض المرتفع، ثم رأيت القهستاني صرح بذلك.
قوله: (بالبناء للمجهول) هذا ليس بلازم، وإلا لقال: ولا يرفع إلى وجهه شئ ا ه ح.
ولعل وجه ما قال: الاشارة إلى كراهته سواء كان بفعله أو فعل غيره له.
قوله: (إلا أن يجد قوة الارض) هذا الاستثناء مبني على أن قوله: ولا يرفع الخ شامل لما إذا كان موضوعا على الارض وهو خلاف المتبادر، بل المتبادر كون المرفوع محمولا بيده أو يد غيره، وعليه فالاستثناء منقطع لاختصا ص ذلك بالموضوع على الارض، ولذا قال الزيلعي: كان ينبغي أن يقال: إن كان ذلك الموضوع يصح السجود عليه كان سجودا، وإلا فإيماء ا ه.
وجزم به في شرح المنية.
واعترضه في النهر بقوله: وعندي فيه نظر، لان خفض الرأس بالركوع ليس إلا إيماء، ومعلوم أنه لا
يصح السجود بدون الركوع ولو كان الموضوع مما يصح السجود عليه ا ه.
أقول: الحق التفصيل، وهو أنه إن كان ركوعه بمجرد إيماء الرأس من غير انحناء وميل الظهر فهذا إيماء لا ركوع فلا يعتبر السجود بعد الايماء مطلقا، وإن كان مع الانحناء كان ركوعا معتبرا حتى أنه يصح من المتطوع القادر على القيام، فحينئذ ينظر إن كان الموضوع مما يصح السجود عليه كحجر مثلا ولم يزد ارتفاعه على قدر لبنة أو لبنتين فهو سجود حقيقي، فيكون راكعا ساجدا لا مومئا حتى أنه(2/105)
يصح اقتداء القائم به، وإذا قدر في صلاته على القيام يتمها قائما، وإن لم يكن الموضوع كذلك يكون موئما فلا يصح اقتداء القائم به، وإذا قدر فيها على القيام استأنفها، بل يظهر لي أنه لو كان قادرا على وضع شئ على الارض مما يصح السجود عليه أنه يلزمه ذلك لانه قادر على الركوع والسجود حقيقة، ولا يصح الايماء بهما مع القدرة عليهما، بل شرطه تعذرهما كما هو موضوع المسألة.
قوله: (وإلا يخفض) أي لم يخفض رأسه أصلا، بل صار يأخذ ما يرفعه ويلصقه بجبهته للركوع والسجود أو خفص رأسه لهما، لكن جعل خفض السجود مساويا لخفض الركوع لم يصح لعدم الايماء لهما أو للسجود.
قوله: (وإن تعذر القعود) أي قعوده بنفسه أو مستندا إلى شئ كما مر.
قوله: (ولو حكما) كما لو قدر على القعود ولكن بزغ الطبيب الماء من عينيه وأمره بالاستلقاء أياما أجزأه أن يستلقي ويومئ، لان حرمة الاعضاء كحرمة النفس.
بحر عن البدائع، وسيأتي.
قوله: (ورجلاه نحو القبلة) في البحر عن الخلاصة: متوجها نحو القبلة ورأسه إلى المشرق ورجلاه إلى المغرب ا ه.
أقول: هذا يتصور في بلادهم المشرقية كبخاري وما والاها، فإن قبلتهم لجهة المغرب عكس البلاد المغربية، أما في بلادنا الشامية ونحوها إذا استلقى متوجها للقبلة يكون المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره، وبه اندفع اعتراض بعض المحققين على ما في الخلاصة.
قوله: (لكراهة الخ) هي كراهة تنزيهية ط.
قوله: (ويرفع رأسه يسير) أي يجعل وسادة تحت رأسه، لان حقيقة الاستلقاء تمنع الاصحاء عن الايماء، فكيف بالمرضى.
بحر.
قوله: (الايمن أو الايسر) والايمن أفضل وبه ورد الاثر.
إمداد.
قوله: (والاول أفضل) لان المستلقي يقع إيماؤه إلى القبلة والمضطجع يقع
منحرفا عنها.
بحر.
قوله: (على المعتمد) مقابله ما في القنية من أن الاظهر أنه لا يجوز الاضطجاع على الجنب للقادر على الاستلقاء.
قال في النهر: وهو شاذ.
وقال في البحر: وهذا الاظهر خفي والاظهر الجواز ا ه.
وكذا ما روي عن الامام من أن الافضل أن يصلي على شقه الايمن وبه قالت الائمة الثلاثة، ورجحه في الحلية لما ظهر له من قوة دليله مع اعترافه بأن الاستلقاء هو ما في مشاهير الكتب والمشهور من الروايات.
قوله: (بأن زادت على يوم وليلة) أما لو كانت يوما وليلة أو أقل وهو يعقل، فلا تسقط بل تقضي اتفاقا، وهذا إذا صح، فلو مات ولم يقدر على الصلاة لم يلزمه القضاء حتى لا يلزمه الايصاء بها كالمسافر إذا أفطر ومات قبل الاقامة كما في الزيلعي.
قال في البحر: وينبغي أن يقال: محمله ما إذا لم يقدر في مرضه على الايماء بالرأس، أما إن قدر عليه بعد عجزه فإنه يلزمه القضاء وإن كان موسعا لتظهر فائدته في الايصاء بالاطعام عنه ا ه.
قلت: وهو مأخوذ من الفتح، فإنه قال: ومن تأمل تعليل الاصحاب في الاصول انقدح في ذهنه إيجاب القضاء على هذا المريض إلى يوم وليلة حتى يلزمه الايصاء به إن قدر عليه بطريق، وسقوطه إن زاد ا ه.
قوله: (في ظاهر الرواية) وقيل لا يسقط القضاء بل تؤخر عنه إذا كان يعقل،(2/106)
وصححه في الهداية وهو من أهل الترجيح، لكن خالف نفسه في كتابه التنجيس، فصحح الاول كعامة أهل الترجيح كقاضيخان وصاحب المحيط وشيخ الاسلام وفخر الاسلام، ومال إليه المحقق ابن الهمام في عبارته التي نقلناها آنفا، ومشى عليه المصنف لانه ظاهر الرواية، ولما في الامداد من أن القاعدة العمل بما عليه الاكثر.
تنبيه: جعل في السراج المسألة على أربعة أوجه: إن زاد المرض عن يوم وليلة وهو لا يعقل فلا قضاء إجماعا، وإلا وهو يعقل قضى إذا صح إجماعا وإن زاد وهو يعقل أولا وهو لا يعقل فعلى الخلاف.
تتمة: في البحر عن القنية: ولا فدية في الصلوات حالة الحياة بخلاف الصوم ا ه.
وقدمه الشارح قبيل هذا الباب وأوضحناه ثمة.
قوله: (لا يكفي الخ) بل لا بد معه من القدرة.
قوله: (وأفاد
الخ) الاولى ذكره قبل قوله: وإن تعذر الايماء الخ لان فيه سقطت الصلاة وفيما قبله سقطت الاركان.
قوله: سقوط الشرائط) كالاستقبال وستر العورة والطهارة من الخبث، بخلاف الوقت، وكذالطهارة من الحدث لان فاقد الطهورين يؤخر عند الامام ويتشبه عندهما والمتشبه غيمصل: أفاده الرحمتي.
لكن سيأتي في مقطوع اليدين والرجلين تصحيح أنه يصلي بلا طهارة.
قوله: (بالاولى) لان العجز عن تحصيل الشرائط ليس فوق العجز عن تحصيل الاركان.
فلو لم يقدر المريض على التحول إلى القبلة بنفسه ولا بغيره صلى كذلك ولا إعادة عليه بعد البرء في ظاهر الجواب كما لو عجز عن الاركان.
بدائع.
وتمامه في البحر، وسيأتي آخر الباب ما لو كان تحته ثياب نجسة.
قوله: (ولا يعيد) أي في سقوط الشرائط أو الاركان لعذر سماوي، بخلاف ما لو كان من قبل العبد على ما مر تفصيله في الطهارة وشمل ما لو عجز عن القراءة.
وفي البحر عن القنية: ولو اعتقل لسانه يوما وليلة فصلى صلاة الاخرس ثم انطلق لسانه لا تلزمه الاعادة ا ه.
والظاهر أن قوله يوما وليلة، لانه محل توهم لزوم الاعادة إذ الزائد على ذلك لا تلزم إعادته لدخوله في حد التكرار.
قوله: (ولو اشتبه على مريض الخ) أي بأن وصل إلى حال لا يمكنه ضبط ذلك، وليس المراد مجرد الشك والاشتباه، لان ذلك يحصل للصحيح.
قوله (ينبغي أن يجزيه) قد يقال: إنه تعليم وتعلم وهو مفسد، كما إذا قرأ من المصحف أو علمه إنسان القراءة وهو في الصلاة ط.
قلت: وقد يقال: إنه ليس بتعليم وتعلم بل هو تذكير أو إعلام، فهو كإعلام المبلغ بانتقالات الامام، فتأمل.
قوله: (كذا في القنية) الاشارة إلى ما ذكره المصنف والشارح.
قوله: (ولم يوم الخ) الاولى ذكره قبل مسألة القنية لارتباطه بما قبلها، ففصله ما وقع في المتون بعبارة القنية غير مناسب.
قوله: (خلافا لزفر) فعنده يومئ بحاجبه، فإن عجز فبعينه، فإن عجز فبقلبه.
بحر.
قوله: (يتم بما قدر) أي ولو قاعدا موطئا أو مستلقيا.
قوله: (على المعتمد) وعن الامام أنه يستقبل، لان تحريمته انعقدت موجبة للركوع والسجود، فلا تجوز بالايماء.
قال في النهر: والصحيح المشهور هو الاول،(2/107)
لان بناء الضعيف على القوي أولى من الاتيان بالكل ضعيفا.
قوله: (بنى) أي على ما صلى، فيتم صلاته قائما عندهما.
وقال محمد: يستقبل بناء على عدم صحة اقتداء القائم بالقاعد عنده وقد مر.
نهر.
قوله: (ولو كان يصلي بالايماء) أي قائما أو قاعدا أو مستلقيا أو مضطجعا كما هو قضية الاطلاق ح.
قوله: (فصح) أي قدر على الركوع والسجود قائما أو قاعدا ح.
قوله: (لا يبني) لان اقتداء الراكع والساجد بالمومئ لا يجوز، فكذا البناء.
درر.
قوله: (إلا إذا صح قبل أن يومئ الخ) لانه لم يؤد ركنا بالبناء وإنما هو مجرد تحريمة فلا يكون بناء القوي على الضعيف.
بحر.
وهذا ظاهر فيما إذا افتتح قائما أو قاعدا بقصد الايماء ثم قدر قبل الايماء على الركوع والسجود قائما أو راكعا، أما إذا افتتح مستلقيا أو مضطجعا ثم قدر قبل الايماء على الركوع والسجود قائما أو قاعدا فإنه يستأنف كما يؤخذ من قول الشارح، لان حالة القعود أقوى ح.
قوله: (ولم يقدر على الركوع والسجود) وكذا لو قدر عليهما بالاولى.
تأمل.
قوله: (وللمتطوع الخ) لعل وجهه أن التطوع قد يكثر كالتهجد فيؤدي إلى التعب فلم يكره له الاتكاء، بخلاف الفرض فإن زمنه يسير، وإلا فالمفترض إن عجز فقد مر حكمه، وإن تعب فالظاهر أنه لا يكره له الاتكاء.
تأمل.
قوله: (وبدونه يكره) أي اتفاقا لما فيه من إساءة الادب.
شرح المنية وغيره.
وظاهره أنه ليس فيه نهي خاص فتكون الكراهة تنزيهية.
تأمل.
قوله: (وله القعود) أي بعد الافتتاح قائما.
قوله: (بلا كراهة مطلقا) أي بعذر ودونه، أما مع العذر فاتفاقا، وأما بدونه فيكره عند الامام على اختيار صاحب الهداية: ولا يكره على اختيار فخر الاسلام وهو الاصح، لانه مخير في الابتداء بين القيام والقعود، فكذا في الانتهاء، وأما الاتكاء فإنه لم يخير فيه ابتداء بلا عذر بل يكره فكذا الانتهاء.
وأما عندهما فلا يجوز إتمامها قاعدا بلا عذر بعد الافتتاح قائما وهذا إن قعد في الركعة الاولى أو الثانية، أما في الشفع الثاني فينبغي أن يجوز عندهما أيضا في غير سنة الظهر والجمعة، وتمامه في شرح المنية.
مطلب في الصلاة في السفينة قوله: (جار) أي سائر احترازا عن المربوط.
قوله: (قاعدا) أي يركع ويسجد لا موطئا اتفاقا.
بح.
قوله: (لغلبة العجز) أي لان دوران الرأس فيها غالب، والغالب كالمتحقق فأقيم مقامه، كالسفر أقيم مقام المشقة والنوم مقام الحدث.
شرح المنية.
ولذا ذكروا مسألة الصلاة في السفينة في باب صلاة المريض.
قوله: (وأساء) أشار إلى أن القيام أفضل لانه أبعد عن شبهة الخلاف،
والخروج أفضل إن أمكنه لانه أمكن لقلبه.
بحر وشرح المنية.
قوله: (وهو الاظهر) وفي الحلية بعد سوق الادلة: والاظهر أن قولهما أشبه، فلا جرم أن في الحاوي القدسي: وبه نأخذ ا ه.
قوله:(2/108)
(والمربوطة في الشط كالشط) فلا تجوز الصلاة فيها قاعدا اتفاقا.
وظاهر ما في الهداية وغيرها الجواز قائما مطلقا: أي استقرت على الارض أولا، وصرح في الايضاح بمنعه في الثاني حيث أمكنه الخروج إلحاقا لها بالدابة.
نهر، واختاره في المحيط والبدائع.
بحر.
وعزاه في الامداد أيضا إلى مجمع الروايات عن المصفى، وجزم به في نور الايضاح، وعلى هذا ينبغي أن لا تجوز الصلاة فيها سائرة مع إمكان الخروج إلى البر، وهذه المسألة الناس عنها غافلون.
شرح المنية.
قوله: (في الاصح) احتراز عن قول البعض بأنه لا فرق بينها وبين السائرة كما في النهر.
قوله: (وإلا فكالواقفة) أي إن لم تحركها الريح شديدا بل يسيرا فحكمها كالواقفة فلا تجوز الصلاة فيها قاعدا مع القدرة على القيام كما في الامداد.
قوله: (ويلزم استقبال القبلة الخ) أي في قولهم جميعا.
بحر.
وإن عجز عنه يمسك عن الصلاة.
إمداد عن مجمع الروايات.
ولعله يمسك ما لم يخف خروج الوقت لما تقرر من أن قبلة العاجز جهة قدرته وهذا كذلك، وإلا فما الفرق؟ فليتأمل.
وإنما لزمه الاستقبال لانها في حقه كالبيت حتى لا يتطوع فيها مومئا مع القدرة على الركوع والسجود بخلا ف راكب الدابة، كذا في الكافي شرح المنية.
قوله: (مربوطتين) أي مقرونتين لانهما بالاقتران صارتا كشئ واحد، وإن كانتا منفصلتين لم يجز، لان تخلل ما بينهما بمنزلة النهر وذلك يمنع الاقتداء، وإن كان الامام في سفينة واقفة والمقتدرون على الشط، فإن بينهما طريق أو قدر نهر عظيم لم يصح.
بحر.
وتقدم الكلام على الصلاة على الدابة والعجلة في باب النوافل.
قوله: (ومن جن أو أغمي عليه) الجنو آفة تسلب العقل والاغماء آفة تستره ط.
قوله: (وقت صلاة) مرفوع على أنه فاعل زاد، أو منصوب على أنه ظرف لزاد وفاعل زاد ضمير الجنون.
ح عن القهستاني.
واعتبر الزيادة بالاوقات على قول الثالث وهو الاصح، وعند الثاني بالساعات.
وكل رواية عن الامام، فإذا أصابه ذلك قبل الزوال ثم أفاق من الغد بعده قبل خروج الوقت سقط القضاء عند الثاني لا الثالث.
بحر.
والمراد
بالساعات الازمنة لا ما تعارفه أهل النجوم.
درر: أي من كون الساعة خمس عشرة درجة، فالمراد عند الثاني الزيادة بشئ من الزمان وإن قل كما في غرر الاذكار والبرجندي.
إسماعيل.
قوله: (فإن لافاقته وقت معلوم) مثل أن يخف عنه المرض عند الصبح مثلا فيفيق قليلا، ثم يعاوده فيغمى عليه تعتبر هذه الافاقة فيبطل ما قبلها من حكم الاغماء إذا كان أقل من يوم وليلة، وإن لم يكن لافاقته وقت معلوم لكنه يفيق بغتة فيتكلم بكلام الاصحاء ثم يغمى عليه فلا عبرة بهذه الافاقة.
ح عن البحر.
قوله: (لانه بصنع العباد) أي وسقوط القضاء عرف بالاثر إذا حصل بآفة سماوية فلا يقاس عليه ما حصل بفعله.
وعند محمد: يسقط القضاء بالبنج والدواء لانه مباح فصار كالمريض كما في البحر وغيره، والظاهر أن عطف الدواء على البنج عطف تفسير، وأن المراد شرب البنج لاجل الدواء، أما لو شربه للسكر فيكون معصية بصنعه كالخمر، وأنه لو شرب الخمر على وجه مباح(2/109)
كإكراه يكون كالبنج فيجري فيه الخلاف.
ولا يرد على التعليل سقوط القضاء بالفزع من سبع أو آدمي كما مر لقولهم: إن سببه ضعف قلبه وهو مرض: أي فهو سماوي.
قوله: (كالنوم) أي فإنه لا يسقط القضاء أيضا لانه لا يمتد يوما وليلة غالبا فلا حرج في القضاء، بخلاف الاغماء لانه مما يمتد عادة.
بحر.
قوله: (وبوجهه جراحة) لم يذكره في الكافي والفتح والبحر والنهر فكان غير قيد كما يأتي.
قوله: (ولا تيمم) عطف خاص على عام.
قوله: (وقيل لا صلاة عليه) اختاره صاحب الدرر في متنه وشرحه فقال: قطعت يداه ورجلاه من المرفق والكعب لا صلاة عليه، كذا في الكافي: وقيل إن وجد من يوضئه يأمره ليغسل وجهه وموضع القطع ويمسح رأسه، وإلا وضع وجهه ورأسه في الماء أو يمسح وجهه وموضع القطع على جدار فيصلي، كذا في التاترخانية اه وقوله: أو يمسح وجهه الخ: أي إن لم يقدر على الغسل بالماء بناء على أنه لا جراحة فيه، وبه علم أن قول المصنف وبوجهه جراحة ليس بقيد، لان المدار على العجز عن الطهارة، ولذا استشهد قاضيخان على ما اختاره من سقوط الصلاة عن المريض العاجز عن الايماء بالرأس، وأن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب بما ذكره محمد فيمن قطعت يداه من المرفقين ورجلاه من الساقين لا صلاة عليه.
قوله: (وقيل الخ) هو القول الثاني المحكي في عبارة الدرر.
قوله: (بلا عمل كثير) بأن وجد ما يتعلق به أو كان ماهرا في السباحة.
بحر.
قوله: (وإلا لا) أي لا يلزمه الاداء ويعذر بالتأخير.
بحر.
قوله: (أمره الطبيب) أي لمسلم الحاذق كما ذكروه في الصوم.
قوله: (لبزغ) بفتح الباء الموحدة وسكون الزاي والغين المعجمة.
في القاموس بزغ الحاجم: شرط، ويجوز أن يكون بالنون والعين المهملة ح.
قوله: (من ساعته) المراد بها أن يكون بحيث لو توضأ وصلى يخرج من النجاسة القدر المانع قبل فراغه من الصلاة كما مر تحريره قبيل باب الانجاس.
قوله: (إلا ن يلحقه مشقة بتحريكه) عبارة البحر عن الخلاصة: إلا أنه يزداد مرضه ا ه.
والظاهر أنه غير قيد كما أشار إليه الشارح، بل المراد حصول الضرر والمشقة نظير ما مر في القيام أول الباب، والله تعالى أعلم.
باب: سجود التلاوة تقدم في الباب السابق وجه تأخيره عن سجود السهو.
قوله: (من إضافة الحكم إلى سببه) الحكم هو وجوب السجود لا السجود، فلو قال: من إضافة الفعل إلى سببه، لكان أولى، أو أن الحكم بمعنى المحكوم به ط.
قوله: (يجب) أي وجوبا موسعا في غير صلاة كما سيأتي، ولا يجب على المختضر الايصاء بها، وقيل يجب.
قنية.
والثاني بالقواعد أليق.
نهر، والظاهر أنه يخرج عنها(2/110)
كصلاة فرض أو صوم يوم لانه المعهود.
تأمل رحمتي.
ثم رأيته مصرحا به في التاترخانية مع تصحيح عدم الوجوب.
قوله: (بسبب تلاوة) احترز عما لو كتبها أو تهجاها فلا سجود عليه كما سيأتي.
قوله: (أي أكثرها الخ) هذا خلاف الصحيح الذي جزم به في نور الايضاح.
ففي السراج: وهل تجب السجدة بشرط قراءة جميع الآية أم بعضها؟ فيه اختلاف.
والصحيح أنه إذا قرأ حرف السجدة وقبله كلمة أو بعده كلمة وجب السجود، وإلا فلا.
وقيل لا يجب إلا أن يقرأ أكثر آية السجدة مع حرف السجدة، ولو قرأ آية السجدة كلها إلا الحرف الذي في آخرها لا يجب عليه السجود ا ه.
لكن قوله: ولو قرأ آية السجدة الخ، يقتضي أنه لا بد من قراءة الآية بتمامها كما يفهم
من إطلاق المتون ويأتي قريبا ما يؤيده، إلا أن يقال: سياق الكلام قرينة على أن المراد بقوله: إلا الحرف الخ، الكلمة التي فيها مادة السجود، وإطلاق الحرف على الكلمة شائع في عرف القراء.
قوله: (من أربع عشرة آية) بيان لآية في قوله: تلاوة آية.
تنبيه: السجود في سورة النمل عند قوله تعالى: * (رب العرش العظيم) * (النمل: 62) على قراءة العامة بتشديد ألا وعند قوله تعالى: * (ألا يسجدوا) * (النمل: 52) على قراءة الكسائي بالتخفيف، وفي ص عند * (وحسن مآب) * (ص: 52) وهو أولى من قول الزيلعي عند * (وأناب) * (ص: 42) لما نذكره، وفي حم السجدة عند * (وهم لا يسأمون) * (فصلت: 83) وهو المروي عن ابن عباس ووائل بن حجر، وعند الشافعي عند * (إن كنتم إياه تعبدون) * وهو مذهب علي ومروي عن ابن مسعود وابن عمر.
ورجحنا الاول للاحتياط عند اختلا ف مذاهب الصحابة، لانها لو وجبت عند تعبدون فالتأخير إلى لا يسأمون لا يضر، بخلاف العكس لانها تكون قبل وجود سبب الوجوب فتوجب نقصانا في الصلاة ولو كانت صلاتية، ولا نقص فيما قلناه أصلا، كذا في البحر عن البدائع.
إمداد ملخصا.
وقد بيموضع السجود في بقية الآيات فراجعه.
والظاهر: أن هذا الاختلاف مبني على أن السبب تلاوة آية تامة كما هو ظاهر إطلاق المتون، وأن المراد بالآية ما يشمل الآية والآيتين إذا كانت الثانية متعلقة بالآية التي ذكر فيها حرف السجدة، وهذا ينافي ما مر عن السراج من تصحيح وجوب السجود بقراءة حرف السجدة مع كلمة قبله أو بعده.
لا يقال: ما في السراج بيان لموضع أصل الوجوب وما مر عن الامداد بيان لموضع وجوب الاداء أو بيان لموضع السنة فيه.
لانا نقول: إن الاداء لا يجب فور القراءة كما سيأتي، وما مر في ترجيح مذهبنا من قولهم: لانها تكون قبل وجود سبب الوجوب، وقد ذكر مثله أيضا في الفتح وغيره إ يدل على أن الخلاف بيننا وبين الشافعي في موضع أصل الوجوب، وأنه لا يجب السجود في سورة حم السجدة إلا عند انتهاء الآية الثاني احتياطا، كما صرح به في الهداية وغيرها، لان الوجوب لا يكون إلا بعد وجود سببه، فلو سجدها بعد الآية الاولى لا يكفي لانه يكون قبل سببه، وبه ظهر أن ما في السراج خلاف المذهب الذي مشى عليه الشراح والمتون.
تأمل.
قوله: (لاقترانها بالركوع)
لان السجدة متى قرنت بالركوع كانت عبارة عن السجدة الصلاتية كما في قوله تعالى: * (واسجدي واركعي) * بدائع.
قوله: (خلافا للشافعي وأحمد) حيث اعتبر كلا من سجدتي الحج ولم يعتبرا سجدة ص كما في غرر الافكار.
قوله: (ونفى مالك سجود المفصل) أي من الحجرات إلى الآخر وفيه(2/111)
سورة النجم والانشقاق والعلق فيكون السجود عنده في إحدى عشرة.
قوله: (بشرط سماعها) فلا تجب على من لم يسمعها وإن كان في مجلس التلاوة.
شرح المنية.
قوله: (فالسبب التلاوة الخ) أي التلاوة الصحيحة وهي الصادرة ممن له أهلية التمييز كما ذكره غير واحد من المشايخ.
حلية وسيأتي محترزه في قول المصنف فلا تجب على كافر الخ.
قلت: وينبغي أن يزاد قيد آخر وهو كونها لا حجر فيه احترازا عن تلاوة المؤتم ومن تلا في ركوعه أو سجوده أو تشهده فإنه لا سجود عليهم بتلاوتهم لحجرهم عنها، كما سيأتي.
ثم اعلم أن التلاوة سبب في حق التالي وغيره.
واختلف في السماع: فقيل هو شرط في حق السامع لا سبب، وصححه في الكافي والمحيط والظهيرية، وقيل هو سبب ثان في حقه، وإليه ذهب في الهداية والبدائع، وسينبه الشارح على ترجيحه.
وذكر في المجتبى أن الموجب للسجدة أحد ثلاثة: التلاوة، والسماع، والاتمام.
وظاهره أنها أسباب ثلاثة، وبه صرح في الحلية.
واختار المصنف ما في الكافي وزاد عليه سببا آخر وهو الائتمام، فالسبب عنده شيئان: التلاوة، والائتمام كما صرح بذلك في المنح، وصرح أيضا بأن السماع شرط في حق غير التالي وتبعه الشارح في تقرير كلام المتن، لكن في كلام الشارح ما يفيد أن الائتمام شرط أيضا كالسماع كما يظهر قريبا.
قوله، (وإن لم يوجد السماع) أي بالفعل كما يدل عليه قوله: كتلاوة الاصم وإلا فكونه بحيث يسمع نفسه لولا العوارض، أو يسمعه من قرب أذنه إلى فمه شرط كما هو مذهب الهندواني وهو الصحيح، خلافا للكرخي المكتفي بتصحيح الحروف ح.
قلت: وبه صرح في الخانية.
قوله: (في حق غير التالي) أي عند فقد الائتمام، فإنه لا يشترط سماع المؤتم بل ولا حضوره عند تلاوة الامام كما سيأتي، وإنما ترك التقييد بذلك اعتمادا على ما
ذكره المصنف عقبه، فافهم.
قوله: (ولو بالفارسية) مبالغة على ما أفهمه كلامه من وجوبها على السامع فيعلم وجوبها عليه لو تليت بالعربية بالاولى لا على قوله: والسماع شرط إذ لا تظهر فيه الاولوية، فافهم.
قوله: (إذا أخبر) أي بأنها آية سجدة سواء فهمها أو لا، وهذا عند الامام، وعندهما: إن علم السامع أنه يقرأ القرآن لزمته، وإلا فلا.
بحر.
وفي الفيض: وبه يفتي، وفي النهر عن السراج أن الامام رجع إلى قولهما: وعليه الاعتماد ا ه.
والمراد من قوله: إن علم السامع، أن يفهم معنى الآية كما في شرح المجمع حيث قال: وجبت عليه سواء فهم معنى الآية أو لا عنده.
وقالا: إن فهمها وجبت، وإلا فلا، لانه إذا فهم كان سامعا للقرآن من وجه دون وجه ا ه ملخصا.
أما لو كانت بالعربية فإنه يجب بالاتفاق فهم أو لا، لكن لا يجب على الاعجمي ما لم يعلم كما في الفتح: أي وإن لم يفهم.
قوله: (أو بشرط الائتمام) أي إن سجدها الامام، وإلا فلا تلزمه وإن سمعها منه.
شرح المنية.
قوله: (فإنه سبب) صوابه فإنه شرط ليوافق قوله: أو بشرط وقوله أيضا: أي كما أن السماع شرط، نعم صرح في المنح أن السبب شيئان: التلاوة، والائتمام كما قدمناه، وعليه فقوله: أو الائتمام معطوف على قوله: تلاوة آية فإن كان مراد الشارح موافقته كان عليه أن يسقط قوله: بشرط وإلا كان عليه أن يقول: فإنه شرط لوجوبها أيضا.
قوله: (ولم(2/112)
يحضرها) أي بأن تلاها قبل أن يحضر ويقتدي به.
قوله: (للمتابعة) في البحر عن التجنيس: التالي والسامع ينظر كل منهما إلى اعتقاد نفسه، فثانية الحج ليست سجدة عندنا، خلافا للشافعي، لان السامع ليس بتابع للتالي تحقيقا حتى يلزمه العمل برأيه، لانه لا شركة بينهما ا ه.
وظاهره أنه يتبعه فيها لو كان في الصلاة لكونه تابعا تحقيقا.
أفاده ط.
وقد تقدم في واجبات الصلاة أنه تجب المتابعة في المجتهد فيه لا في المقطوع بنسخه أو بعدم سنيته، كزيادة تكبيرة خامسة في الجناز، وكقنوت الفجر، وتقدم الكلام على ذلك هناك، والظاهر أن هذه السجدة من المجتهد فيه: أي مما للاجتهاد فيه مساغ.
تأمل.
قوله: (لم يسجد المصلي) أي المصلي صلاته، سواء كان هو: أي المؤتم التالي، أو كان إمامه أو مؤتما بإمامه بدليل قول المتن فيما سيأتي، ولا من المؤتم
لو كان السامع في صلاته والاولى إسقاط المصلي ليعود الضمير على المؤتم التالي لئلا يتكرر قول المصنف الآتي ولا من المؤتم الخ ولان المصلي يشمل المصلي غير صلاته، كإمام غير إمامه ومقتد به ومنفرد، مع أنهم كغير المصلي أصلا من قسم الخارج كما أفاده ح: أي فإنهم يسجدونها بعد الفراغ من صلاتهم كما سيأتي ذلك في قول المتن، ولو سمع المصلي من غيره لم يسجد فيها بل بعدها، ويأتي تمام الكلام على ذلك هناك.
قوله: (لان الحجر ثبت لمعنيين) وهم الامام ومن معه، وفيه أن الامام غير محجور عليه القراءة في هذه الصلاة، وإنما الحجر على المقتدين به، فالاظهر التعليل بما في شرح المنية وغيرها بأنه إن سجد الامام يلزم انقلاب المتبوع تابعا، وإلا لزم مخالفتهم له، بخلاف من ليس معهم في صلاتهم لعدم حجره بالنظر إليهم لانه بمنزلة من ليس في الصلاة في حقهم.
قوله: (حتى لو دخل) أي الخارج معهم: أي في صلاتهم سقطت السجدة عنه تبعا لهم، وظاهره سقوطها عنه ولو دخل في ركعة أخرى غير ركعة التلاوة.
قوله: (للحجر فيها عن القراءة) قال المرغيناني: وعندي أنها تجب وتتأدى فيه.
بحر عن الزيلعي.
قلت: وفي التشهد بحث، مقدسي: أي لان اندراجها في الركوع أو السجود ممكن، بخلاف التشهد، ويمكن أن يكون المراد بقوله تتأدى فيه، أنه يؤديها في ذلك الموضع الذي تلاها فيه لا بعده، لكن في الامداد: وقال المرغيناني: عليه السجود ويتأدي بالركوع والسجود الذي هو فيه، كذا في شرح الديري، فعليه يسجد لو كان تاليا في التشهد ا ه.
أقول: هذا يؤيد الاول، ثم لا يخفى أن القول بوجوبها عليه أظهر لانه منهي عن القراءة فيها كالجنب، لا محجور كالمقتدي، وقد فرقوا بين الجنب والمقتدي بأن الاول منهي عنها فتجب عليه السجدة لان النهي لا ينافي الوجو ب، والمقتدي محجور لنفاذ تصرف الامام عليه وتصرف المحجور لا حكم له، وأما الحائض فلا تجب عليها بتلاوتها لانها ليست أهلا للصلاة، بخلاف الجنب.
ولا يخفى أن التالي في ركوعه مثلا أهل للوجوب وليس له إمام يحجر عليه فينبغي ترجيح الوجوب عليه، ولعل ذلك وجه اختيار الامام المرغيناني، ثم رأيت في حاشية المدني نقل عن شيخه ميرغني في حاشية الزيلعي أنه رجح كلام المرغيناني بما ذكرنا ولله الحمد.
والظاهر أن من هذا القبيل
ما في الفيض: لو سجد للتلاوة وقرأ في سجوده آية أخرى لم تجب السجدة.
تأمل.
قوله: (بشروط(2/113)
الصلاة) لانها جزء من أجزاء الصلاة فكانت معتبرة بسجدات الصلاة، ولهذا لا يجوز أداؤها بالتيمم، إلا أن لا يجد ماء، لان شرط صيرورة التيمم طهارة حال وجود الماء خشية الفوت ولم توجد لان وجوبها على التراخي، وكذا يشترط لها الوقت حتى لو تلاها أو سمعها في وقت غير مكروه فأداها في مكروه لا تجزيه لانها وجبت كاملة، إلا إذا تلاها في مكروه وسجدهفيه أو في مكروه آخر جاز لانه أداها كما وجبت، وكذا النية لانها عبادة فلا تصبدونها.
بدائع.
قال في الحلية: إلا إذا كانت في الصلاة وسجدها على الفور كما صرحوا به، وكأنه لانها صارت جزءا من الصلاة فانسحب عليها نيتها.
قوله: (خلا التحريمة) لانها لتوحيد الافعال المختلفة ولم توجد.
بدائع وحلية وبحر: أي فإن الصلاة أفعال مختلفة من قيام وقراءة وركوع وسجود، وبالتحريمة صارت فعلا واحدا، وأما هذه فماهيتها فعل واحد فاستغنت عن التحريمة، فافهم.
قوله: (ونية التعيين) أي سجدة آية، كذا نهر عن القنية.
وأما تعيين كونها عن التلاوة فشرط كما تقدم في بحث النية من شروط الصلاة، إلا إذا كانت في الصلاة وسجدها فورا كما علمته.
قوله: (ويفسدها ما يفسدها) أي ما يفسد الصلاة من الحدث العمد والكلام والقهقهة وعليه إعادتها.
وقيل هذا قول محمد، لان العبرة عنده لتمام الركن وهو الرفع، والعبرة عند أبي يوسف للوضع فينبغي أن لا يفسدها.
وفي الخانية أنها تفسد على ظاهر الجواب اتفاقا، إلا أنه لا وضوء عليه في القهقهة، وكذا محاذاة المرأة لا تفسدها كصلاة الجنازة، ولو نام فيها لا تنتقض طهارته كالصلبية على الصحيح.
بحر.
قوله: (كركوع مصل) قيد بالمصلي، لانه لو تلاها خارج الصلاة فركع لها لا يجزيه قياسا واستحسانا كما في البدائع، وهو المروي في الظاهر ما في البزازية خلافا لما سينقله الشارح عن البزازية فإنه تحريف تبع فيه النهر كما ستعرفه، فافهم.
قوله: (وإيماء مريض) أي ولو تلاها في الصحة كما في شرح المنية.
قوله: (وراكب) أي إذا تلاها أو سمعها راكبا خارج المصر وإن نزل بعدها ثم ركب، أما لو وجبت على الارض فإنها لا تجوز على الدابة لانها وجبت تامة، بخلاف العكس كما في البحر.
قوله: (بين تكبيرتين مسنونتين) أي تكبيرة الوضع وتكبيرة الرفع.
بحر.
وهذا
ظاهر الرواية وصححه في البدائع، وعن أبي حنيفة: لا يكبر أصلا.
وعنه وعن أبي يوسف: يكبر للرفع لال لوضع.
وعنه بالعكس.
حلية.
قال في التاترخانية: وفي الحجة قال بعض المشايخ: لو سجد ولم يكبر يخرج عن العهدة.
قال في الحجة: وهذا يعلم ولا يعمل به لما فيه من مخالفة السلف ا ه.
قوله: (جهرا) أي يرفع صوته بالتكبير.
زيلعي: أي فيسمع نفسه به منفردا ومن خلفه إذا كان معه غيره ط.
قوله: (بين قيامين مستحبين) أي قيام قبل السجود ليكون خرورا وهو السقوط من القيام، وقيام بعد رفع رأسه، وهذا عزاه في البحر إلى المضمرات وقال: إن الثاني غريب، وذكر الخير الرملي عن خط المصنف أن صاحب المضمرات عزاه إلى الظهيرية، وأنه راجع نسخته الظهيرية فلم يجد القيام الثاني فيها ا ه.
أقول: قد وجدته في نسختي ونصه: وإذا رفع رأسه من السجود يقوم ثم يقعد ا ه.
وكذا عزاه إليها في التاترخانية وشرح المنية، فالظاهر أن في نسخة المصنف سقطا فتنبه، ووجه غرابته أنه انفرد بذكره صاحب الظهيرية، ولذا عزاه من بعده إليها فقط.(2/114)
تتمة: ويندب أن لا يرفع السامع رأسه منها قبل تاليها، وليس هو اقتداء حقيقة، ولذا لا يؤمر التالي بالتقدم ولا السامعون بالاصطفاف، ولا تفسد سجدتهم بفساد سجدته.
وفي النوادر: يتقدم ويصطفون خلفه، وتمامه في الامداد.
قوله: (في الاصح) قال في فتح القدير: ينبغي أن لا يكون ما صحح على عمومه، فإن كانت السجدة في الصلاة: فإن كانت فريضة قال، سبحان ربي الاعلى، أو نفلا قال ما شاء مما ورد: كسجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، فتبارك الله أحسن الخالقين وقوله: اللهم اكتب لي عندك بها أجرا، وضع عني بها وزرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود وإن كان خارج الصلاة قال كل ما أثر من ذلك ا ه.
وأقره في الحلية والبحر والنهر وغيرها.
قوله: (لانها من أجزائها) أي من جنس أجزاء الصلاة، أو المراد في بعض المواضع كما إذا تليت في الصلاة، فافهم.
قال في البحر وغيره: فيشترط لوجوبها أهلية وجوب الصلاة من الاسلام والعقل والبلوغ والطهارة من الحيض والنفا س ا ه.
قوله: (كالاصم) نبه على بعيد
الخطور بالبال ليعلم غيره بالاولى ح.
قوله: (إذا تلا) أما إذا رأى قوما سجدوا فلا تجب عليه.
إمداد عن التاترخانية.
قوله: (كالجنب) ظاهره أنه ليس أهلا للوجوب أداء وليس كذلك.
رحمتي، نعم السكران والنائم كل منهما ليس أهلا للاداء إذا استوعب الوقت.
تأمل.
قوله: (والسكران) لانه اعتبر عقله قائما حكما زجرا له، ولهذا تلزمه العبادات كما في المحيط، ومفاده أنه لو سكر من مباح كما لو أساغ به لقمة أو أكره عليه لم تجب عليه إذا تلاها أو سمعها إذا كان بحال لا يميز ما يقول وما يسمع حتى أنه لا يتذكره بعد الصحو.
حلية.
قوله: (والنائم) أي إذا أخبر أنه قرأها في حالة النوم تجب عليه وهو الاصح.
تاترخانية.
وفي الدراية: لا تلزمه هو الصحيح.
إمداد.
ففيه اختلاف التصحيح، وأما لزومها على السامع منه أو من المغمى عليه فنقل في الشرنبلالية أيضا اختلاف الرواية والتصحيح، وكذا من المجنون وسيأتي بيانه قريبا.
قوله: (لانهم ليسوا أهلا لها) أي للصلاة: أي لوجوبها بتقدير مضاف، وفي بعض النسخ لهما أي للاداء والقضاء، وهذا ظاهر في المجنون المطبق، أما من لم يزد جنونه على يوم وليلة فمقتضاه الوجوب كما سيأتي.
قوله: (وتجب بتلاوتهم) أي وتجب على من سمعهم بسبب تلاوتهم ح.
قوله: (يعني المذكورين) أي الاصم والنفساء وما بينهما.
قوله: (خلا المجنون) هذا ما مشى عليه في البحر عن البدائع.
قال في الفتح: لكن ذكر شيخ الاسلام أنه لا يجب بالسماع من مجنون أو نائم أو طير، لان السبب سماع تلاوة صحيحة وصحتها بالتمييز، ولم يوجد، وهذا التعليل يفيد التفصيل في الصبي فليكن هو المعتبر إن كان مميزا وجب بالسماع منه، وإلا فلا ا ه.
واستحسنه في الحلية.
قوله: (المطبق) بالكسر كما في المغرب.
وفي القاموس: أطبقه: غطاه، ومنه الجنون المطبق والحمى المطبقة ا ه.
والمراد به الملازم الممتد.
والذي حرره ابن الهمام في التحرير وفتح القدير وتبعه فالبحر: إن قدر الامتداد المسقط في الصلوات بصيرورتها ستا عند محمد، وفي الصوم باستغراق الشهر ليله ونهاره، وفي الزكاة باستغراق الحول ا ه.
ويظهر منه ومن قول المصنف على من كان أهلا لوجوب الصلاة أن التلاوة كالصلاة في(2/115)
ذلك، لكن المراد به هنا بناء على ما ذكره في الدرر وتبعه الشارح ما زاد على يوم وليلة وكان
يزول، فإنه جعل الجنون على ثلاث مراتب: قاصرا وهو ما لا يزيد على يوم وليلة، وكاملا غير مطبق وهو ما يزيد على ذلك لكنه قد يزول، وكاملا مطبقا وهو ما يزيد على ذلك ولا يزول.
والحاصل لصاحب الدور على ذلك التقسيم هو التوفيق بين كلامهم، فإنه نقل عن تلخيص الجامع عدم الوجوب بالسماع من المجنون.
وعن الخانية الوجوب، وعن النوادر أنه إذا قصر فكان يوما وليلة أو أقل يلزمه السجود تلاها أو سمعها: أي وإذا وجبت عليه تجب على من سمعها منه بالاولى، ثم ذكر في الدرر أن القاصر يجب السجود بتلاوته عليه وعلى من سمع منه، وهو ما في النوادر والكامل: الغير المطبق لا يجب عليه بتلاوته بل على سامعه، وهو ما في الخانية، والمطبق لا يجب عليه ولا على سامعه، وهو ما في التلخيص، وقد جرى الشارح على هذا التقسيم والتوفيق.
قوله: (فلا تجب بتلاوته) أي على من سمعه كما لا تجب عليه نفسه قوله: (لعدم أهليته) يرد عليه الصبي فإنه يجب على من سمعه مع عدم أهليته ط.
قوله: (تلزمه تلا أو سمع) أي لانه أهل لوجوب قضاء الصلاة، وإذا لزمته لزمت من سمع منه بالاولى كما مر.
وفي شرح الشيخ إسماعيل: كل من وجب عليه بالسماع من الغير وجب على الغير بالسماع منه بلا عكس.
قوله: (وإن أكثر) أي من يوم وليلة: يعني ولم يكن مطبقا بقرينة المقابلة، وهذا ثالث الاقسام.
قوله: (لكن الخ) استدراك على ما حرره خسرو صاحب الدرر وهو ما مر.
وحاصل ما ذكره الشرنبلالي في حاشيته عليه أن ما ذكره من تقسيم الجنون إلى ثلاثة أقسام مخالف لكلام الاصوليين أنه قسمان فقط: مطبق، وغيره، وأن تفسيره المطبق بما لا يزول غير مسلم، لانه مامن ساعة إلا ويرجى زواله، وأن في السماع من المجنون روايتين مصححتين حكاهما في الجوهرة، فالوجه في التوفيق أن يحمل ما في الخانية على رواية وما في التلخيص على أخرى ا ه.
أقول: والظاهر أن هاتين الروايتين في الجنون المطبق وغيره خلافا لما في حاشية نوح أفندي وشرح الشيخ إسماعيل من تقييده بالمطبق بدليل ما قدمنا عن الفتح، وكذا ما في الجوهرة حيث قال: ولو سمعها من نائم أو مغمى عليه أمجنون ففيه روايتان، أصحهما لا يجب ا ه.
فإن المجنون غير المطبق ليس أدنى حالامن النائم والمغمى عليه، فالخلاف الجاري فيهما جار فيه
أيضا لكون كل منهم من أهل الوجوب، فكان الظاهر الاطلاق بلا تقييد بمطبق أو غيره.
قوله: (ونقل الوجوب الخ) يغني عنه ما قبله مع أنه يوهم أنه في الجوهرة اقتصر على الوجوب.
قوله: (من الصدى) هو ما يجيبك مثل صوتك في الجبال والصحارى ونحوهما كما في الصحاح.
قوله: (والطير) هو الاصح.
زيلعي وغيره، وقيل تجب.
وفي الحجة هو الصحيح تاترخانية.
قلت: والاكثر على تصحيح الاول، وبه جزم في نور الايضاح.
قوله: (ومن كل تال حرفا) تكرار مع ما يأتي متنا وكأنه ذكره تنبيها على أن الاولى أن يذكر هنا ح.
قوله (ولا بالتهجي) لانه لا يقال قرأ القرآن وإنما قرأ الهجاء، ولو فعل ذلك في الصلاة لم يقطع، لانها الحروف التي في القرآن(2/116)
ولا تنوب عن القراءة لانه لم يقرأ القرآن.
إمداد عن التجنيس والخانية.
ولا تجب بالكتاب.
بحر.
قوله: (ولا من المؤتم الخ) أي لا تجب على من سمعها منه سواء كان إمامه أو المقتدين به كما لا تجب عليه نفسه كما مر.
قوله: (بخلاف الخارج) أي عصلاة المؤتم التالي إماما كان أو مؤتما أو منفردا أو غير مصل أصلا كما قدمناه عند قوله: ولو تلا المؤتم ح.
قوله: (على المختار) كذا في النهر والامداد، وهذا عند محمد، وعند أبي يوسف: على الفور، هما روايتان عن الامام أيضا، كذا في العناية.
قال في النهر وينبغي أن يكون محل الخلاف في الاثم وعدمه حتى لو أداها بعد مدة كان مؤديا اتفاقا لا قاضيا ا ه.
قال الشيخ إسماعيل: وفيه نظر: أي لان الظاهر من الفور أن يكون تأخيره قضاء.
قلت: لكن سيذكر الشارح في الحج الاجماع على أنه لو تراخى كان أداء، مع أن المرجح أنه على الفور ويأثم بتأخير، فهو نظير ما هنا.
تأمل.
قوله: (تنزيها) لانه بطول الزمان قد ينساها، ولو كانت الكراهة تحريمية لوجبت على الفور، وليس كذلك، ولذكره تحريما تأخير الصلاتية عن وقت القراءة.
إمداد.
واستثني من كراهة التأخير ما إذا كان الوقت مكروها كوقت الطلوع.
فرع: في التاترخانية: يستحب للتالي أو السامع إذا لم يمكنه السجود أن يقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
قوله: (ويكفيه الخ) مكرر مع ما قدمه في قوله: خلا التحريمة ونية التعيين.
قوله: (وتسقط بالحيض) تبع في ذلك صاحب النهر حيث قال: وصرحوا بأنها لو أخرتها
حتى حاضت سقطت وكذا لو ارتدت بعد تلاوتها، كذا في الخانية ا ه.
والذي في الخانية: المرأة إذا قرأت آية السجدة في صلاتها فلم تسجد حتى حاضت سقطت عنها السجدة ا ه.
ومثله ما سيذكره الشارح عن الخلاصة، فعلم أن المراد السجدة الصلاتية، وهي الآتية من ضمن قول المتن إلا إذا فسدت بغير الحيض الخ فلا محل لذكرها هنا، نعم في التجنيس ما يدل على سقوطها بالحيض مطلقا، فإنه قال: إذا قرأت آية السجدة ولتسجد لها حتى حاضت سقطت، لان الحيض ينافي وجوبها ابتداء فكذا بقاء، وهو نظير المسلم إذا قرأها ثم ارتد سقطت عنه حتى إذا أسلم لا تجب عليه، لان الكفر ينافيه ابتداء فكذا بقاء ا ه.
فتأمل.
قوله: (والردة) فيه أن وقتها العمر وما بقي وقته لا يسقط عن المرتد إذا أسلم كالحج وكصلاة صلاها فارتد فأسلم في وقتها، فليتأمل.
وأجاب بعض الحذاق بأن السبب في الصلاة قد تحقق بعد الاسلام، ولا كذلك سجود التلاوة، وكذلك يعتبر القدرة على الزاد والراحلة في الحج بعد الاسلام ط.
وفيه أن الكلام في سقوطها عمن لم يسجد لا في عدم وجوب الاعادة على من سجدها بل ما نحن فيه، نظير من ترك صلاة ثم ارتد، وقدمنا قبيل سجود السهو أنه يجب عليه بعد الاسلام ما تركه قبل الردة، ومقتضى ذلك لزوم السجدة هنا عليه.
قوله: (فعلى الفور) جواب شرط مقدر تقديره: فإن كانت صلوية فعلى الفور ح.
ثم تفسير الفور: عدم طول المدة(2/117)
بين التلاوة والسجدة بقراءة أكثر من آيتين، أو ثلاث على ما سيأتي.
حلية.
قوله: (ويأثم بتأخيرها الخ) لانها وجبت بما هو من أفعال الصلا، وهو القراءة وصارت من أجزائها فوجب أداؤها مضيقا كما في البدائع، ولذا كان المختار وجوب سجود السهو لو تذكرها بعد محلها كما قدمناه في بابه عند قوله: بترك واجب فصارت كما لو أخر السجدة الصلبية عن محلها فإنها تكون قضاء، ومثله: ما لو أخر القراءة إلى الاخريين على القول بوجوبها في الاوليين وهو المعتمد أما على القول بعدمه فيهما فهي أداء في الاخريين كما حققناه في واجبات الصلاة، فافهم.
قوله: (ولو بعد السلام) أي ناسيا ما دام في المسجد، وروي أنه لا يسجد بعد السلام ناسيا.
تاترخانية.
قوله: (ثم هذه النسبة هي الصواب) أي قول المصنف صلوية برد ألفه واوا وحذف التاء، وإذا كانوا قد حذفوها في نسبة المذكر إلى المؤنث
كنسبة الرجل إلى بصرة فقالوا بصري لا بصرتي كي لا تجتمع تاءان في نسبة المؤنث فيقولون بصرتية، فكيف بنسبة المؤنث؟ فتح.
قوله: (ومن سمعها الخ) السماع غير شرط بالنظر إلى الاقتداء، بل الشرط هو الاقتداء، وإن لم يسمعها ولم يحضرها كما قدمه الشارح، لكن قيد بالسماع ليتأتى التفصيل الآتي.
قوله: (ولو باقتدائه به) أي ولو صار التالي إماما بسبب اقتداء السامع به بأن تلاها وهو منفرد فاقتدى به قوله: (سجد معه) قيد به لان الامام لو لم يسجد لا يسجد المأموم وإن سمعها، لانه إن سجدها في الصلاة وحده خالف إمامه، وإن سجد بعد الفراغ فهي صلاتية لا تقضى خارجها.
بحر.
قوله: (لا يسجد أصلا) أي لا في الصلاة ولا بعدها، فافهم.
قوله: (كذا أطلق في الكنز) أي أطلق قوله: ولو ائتم بعده أي بعد سجود الامام فشمل ما إذا اقتدى به في الركعة التي تلا فيها أو بعدها.
قال في النهر أما الاول فباتفاق الروايات، وأما الثاني: فظاهر إطلاق الاصل أنها كذلك، لانها بالاقتداء صارت صلاتية فلا تقضى خارحها، واختار البزدوي تخصيصه بالاول وحمل الاطلاق عليه الاطلاق عليه، وهو ظاهر ما في الهداية ا ه: أي حيث قال: لانه صار مدركا لها بأدراك الركعة.
قوله: (وكذا الخ) أي يسجدها ولكن بعد الفراغ من الصلاة، وهذا مقابل قوله: كذا أطلق في الكنز وبه جزم في النقاية وإصلاحها والفتح وشرح المنية، كذا في المواهب وقال، إنه الاظهر، وتبعه في نور الايضاح، وقد علمت أن إطلاق الكنز والاصل محمول عليه، وقد صرح صاحب الكنز بحمل إطلاقه عليه في كتابه الكافي، وصاحب الدار أدرى.
قوله: (ولو تلاها) أي المصلي غير المقتدي لقوله قبله ولو تلا المؤتم لم يسجد أصلا.
قوله: (لما مر) أي من قوله: لصيرورتها جزءا من الصلاة.
قوله: (وإذا لم يسجد أثم الخ) أفاد أنه لا يقضيها.
قال في شرح المنية: وكل سجدة(2/118)
وجبت في الصلاة ولم تؤد فيها سقطت: أي لم يبق السجود لها مشروعا لفوات محله ا ه.
أقول: وهذا إذا لم يركع بعدها على الفور، وإلا دخلت في السجود وإن لم ينوها كما سيأتي، وهو مقيد أيضا بما إذا تركها عمدا حتى سلم وخرج من حرمة الصلاة، أما لو سهوا وتذكرها ولو بعد
السلام قبل أن يفعل منافيا يأتي بها ويسجد للسهو كما قدمناه.
قوله: (إلا إذا فسدت) أي قبل سجودها والافساد كالفساد ط.
قوله: (فلو به الخ) ظاهره أن غير الصلاتية لا تسقط بالحيض، وقدمنا الكلام فيه.
قوله: (لم يعدها) لان المفسد لا يفسد جميع أجزاء الصلاة وإنما يفسد الجزء المقارن فيمتنع البناء عليه.
بحر عن القنية.
قوله: (ويخالفه) أي يخالف ما في المتن والبحث، والجواب لصاحب النهر.
قوله: (إلا أن يحمل الخ) عبارة الخانية صريحة في ذلك، ونصها: مصلي التطوع إذا قرأ آية وسجد لها ثم فسدت صلاته وجب عليه قضاؤها ولا تلزمه إعادة تلك السجدة ا ه.
ومثله في الفيض والبزازية.
قوله: (وتؤدي بركوع وسجود) الواو بمعنى أو.
قال في الحلية: والاصل في أدائها السجود وهو أفضل، ولو ركع لها على الفور جاز، وإلالا ا ه: أي وإن فات الفور ولا يصح أن يركع لها ولو في حرمة الصلاة.
بدائع: أي فلا بد لها من سجود خاص بها كما يأتي نظيره.
وفي الحلية: ثم إذا سجد أو ركع لها على حدة فورا يعود إلى القيام، ويستحب أن لا يعقبه بالركوع بل يقرأ آيتين أو ثلاثا فصاعدا ثم يركع ا ه.
وإن كانت السجدة آخر السورة يقرأ من سورة أخرى ثم يركع، وتمامه في الامداد والبحر.
قوله: (وكذا في خارجها الخ) هذا ضعيف لما قدمناه عن البدائع من أنه لا يجزى لا قياسا ولا استحسانا، وما عزاه إلى البزازية تبع فيه صاحب النهر وهو خلل في النقل، لان الذي رأيته في نسختين من البزازية هكذا وروي في غير الظاهر أن الركوع ينوب عنها خارج الصلاة أيضا ا ه.
فسقط من كلامه لفظة غير وما في البحر من أن قاضيخان اختار أنه ينوب عنها ففيه إن عبارة الخانية: هكذا روي أنه يجوز ذلك، ولا يخفى أنه مشعر بتضعيفه لا باختياره، فتنبه لذلك.
قوله: (لها أي للتلاوة) لو أخر الشارح قوله سابقا غير ركوع الصلاة وسجودها إلى هنا لكان أولى ط.
قوله: (على الفور الخ) فلو انقطع الفور لا بد لها من سجود خاص بها ما دام في حرمة الصلاة، وعلله في البدائع بأنها صار ت دينا والدين يقضى بما له لا بما عليه، والركوع والسجود عليه فلا يتأدى به الدين ه.
قوله: (على الظاهر كما في البحر) أي عن البدائع، والمتبادر من عبارته أنه استظهار من صاحب البدائع، لا أنه ظاهر الرواية.
وفي الامداد: الاحتياط قول شيخ الاسلام خواهر زاده بانقطاع الفور بالثلاث.
وقال شمس الائمة الحلواني: لا(2/119)
ينقطع ما لم يقرأ أكثر من ثلاث.
وقال الكمال بن الهمام: وقول الحلواني هو الوراية ا ه.
قلت: وصرح في شرح المنية بأنه الاصح رواية، فإن محمدا نص على أنه إذ بقي بعد السجدة آيات من آخر السورة: أي كسورة الانشقاق وسورة بني إسرائيل إن شاء ختم السورة وركع لها، وإن شاء سجد لها ثم قام فأكمل السورة ثم ركع ا ه.
ومثله في الفتح.
لكن في البحر عن المجتبى أن الركوع ينوب عنها بشرط النية، وأن لا يفصل بثلاث إلا إذا كانت الثلاثة من آخر السورة ا ه.
ومقتضاه: أن الخلاف فيما في وسط السورة وأن هذه وفاقية، وبه صرح في الحلية عن الاصل وغيره نعم قال بعده: إن الفرق ظاهر الوجه، قل: قد يوجه بأن قراءة الثلاث من آخر السورة لا تفصل لانها إتمام للسورة وعدم رفض باقيها، فكان في قراءتها زيادة طلب فلم تفصل، بخلاف الثلاث من وسط السورة فإنه ليس فيها زيادة طلب لعدم ما ذكرنت، فعدت فاصلة.
تأمل.
قوله: (أي كون الركوع لسجود التلاوة) الاولى قول الامداد: أي نوى أداءها فيه ا ه.
ثم إن النية محلها عند إرادة الركوع، فلو نواها فيه قيل يجوز، وقيل لا، ولو بعد الرفع منه لا يجوز بالاجماع.
بدائع.
قوله: (على الراجح) وقيل لا حاجة إلى النية عند الفور، وجعله القهستاني رواية عن محمد.
قوله: (بالاجماع) كذا قال في البدائع، لكن رده في الفتح بأن الخلاف ثابت أيضا.
قوله: (ولو نواها في ركوعه) أي عقب التلاوة.
ح عن البحر.
قوله: (لم تجزه) أي لم تجز نية الامام المؤتم ولا تندرج في سجوده وإن نواها المؤتم فيه، لانه لما نواها الامام في ركوعه تعين لها.
أفاده ح.
هذا وفي القهستاني: واختلفوا في أن نية الامام كافية كما في الكافي، فلو لم ينو المقتدي لا ينوب على رأي فيسجد بعد سلام الامام ويعيد القعدة الاخيرة كما في المنية ا ه.
قوله: (ول تركها) أي القعدة فسدت صلاته، لان التلاوية ترفعها كالصلبية، بخلاف السهوية كما مر في السهو.
قوله: (وينبغي حمله على الجهرية) البحث لصاحب النهر، ولعل وجهه أنه ذكر في التاترخانية أنه لو تلاها في السرية فالاولى أن يركع بها لئلا يلتبس الامر على القوم، ولو في الجهرية فالسجود
أولى ا ه.
فإنه يفيد أن نية الامام كافية لعدم علمهم بما قرأه الامام سرا، ولو لم يجزهم الركوع عنها كان التباس الامر عليهم أعظم ولم يكن في ترجيح الركوع له فائدة، فيحمل كلام القنية هنا على الجهرية ليكون المؤتم عالما بالتلاوة، فإذا ركع إمامه فورا يلزمه أن ينويها فيه احتياطا لاحتمال أن الامام نواها فيه، فإذا لم ينو يسجد بعد سلام إمامه، أما في السرية فهو معذور وتكفيه نية إمامه، إذ لا علم له بتلاوة إمامه حتى يؤمر بالسجود لها بعد سلام الامام.
وأجاب ح بأنه يمكنه أن يخبره الامام بعد السلام قبل تكلم المقتدي وخروجه من المسجد أنه قرأها نواها في الركوع ا ه فتأمل.
والاولى أن يحمل على القول بأن نية الامام لا تنوب عن نية المؤتم، والمتبادر من كلام القهستاني السابق أنه خلاف الاصح حيث قال: على رأي، فتأمل.
قوله: (نعم لو ركع وسجد لها) أي للصلاة فورا ناب: أي سجود المقتدي عن سجود التلاوة بلا نية تبعا لسجود إمامه لما مر آنفا أنها تؤدى(2/120)
بسجود الصلاة فورا وإن لم ينو، والظاهر أن المقصود بهذا الاستدراك التنبيه على أنه ينبغي للامام أن لا ينويها في الركوع، لانه إذا لم ينوها فيه ونواها في السجود أو لم ينوها أصلا لا شئ على المؤتم، لان السجود هو الاصل فيها، بخلاف الركوع، فإذا نواها الامام فيه ولم ينوها المؤتم لم يجزه، ثم لا يخفى أن إرجاع الضمير في قوله: لها إلى التلاوة لا يصح إلا بتكلف، فلا حاجة إليه، فافهم.
قوله: (ولو سجد لها) أي للتلاوة.
وفي أغلب النسخ: لو ركع لها، وما هنا هو الصواب الموافق لما في البحر.
أفاده ح.
قوله: (لانه انفرد بركعة) لان سجدة للتلاوة وسجدة تمت بها الركعة ط.
قوله: (ولو سمع المصلي) أي سواء كان إماما أو مؤتما أو منفردا، وقوله: من غيره أي ممن ليس معه في الصلاة سواء كان إماما غير إمامه أو مؤتما بذلك الامام أو منفردا أو غير مصل أصلا ا ه ح.
ونحوه في القهستاني، وهذا صريح بوجوبها بالسماع من المؤتم بغير إمام السامع بخلاف المؤتم بإمامه، لكن صرح في الامداد بأنها لا تجب بالسماع ممقتد بإمام السامع أو بإمام آخر ا ه.
نعم في النهاية وشرح المنية: وتجب على من سمعها من المؤتم ممن ليس في صلاته إجماعا ا ه.
وهذا موافق للاول.
وفي البدائع: إذا تلاها المؤتم لا تجب عليه في الصلاة إجماعا، وكذا على الامام والقوم إذا سمعوها منه.
وأما بعد الصلاة فكذلك عندهما.
وقال محمد: تلزمهم لتحقق السبب وهو التلاوة الصحيحة في حق المؤتم والسماع في حق الامام والقوم، ولذا تلزم من سمع منه وهو ليس في صلاتهم، إلا أنهم لا يمكنهم الاداء فيها فتجب خارجها، كما لو سمعوا من خارج عنهم، ولهما أن هذه السجدة من أفعال هذه الصلاة، لان تلاوة المؤتم محسوبة من صلاته وإن تحملها عنه الامام فلا تؤدى بعدها.
ومن مشايخنا من علل بأن هذه القراءة منهي عنها فلا حكم لها، أو بأنه محجور عليه فيها، فمن علل بالاول يقول: تجب على من سمعها من المؤتم ممن لا يشاركه في صلاته لانها ليست من أفعال الصلاة في حقه، ومن علل بالاخيرين يقول: لا تجب، فاختلفوا فيها لاختلاف الطرق ا ه ملخصا.
والظاهر أن الثاني ضعيف فلم يعتد به في النهاية حتى نقل فيه الاجماع كما علمته، ولعل ما في الامداد مبني عليه، فتأمل.
قوله: (لانها غير صلاتية) فإن قيل: السبب في حق السامع السماع لا التلاوة وسماعه موجود في الصلاة فلم تكن أجنبية لكون السبب غير أجنبي؟ قلنا: السماع ليس من أفعال الصلاة فكان أجنبيا، بخلاف التلاوة شرح المنية قوله: (لسماعها من غير محجور) قد علمت أن المراد من الغير في قول المصنف من غيره ما يشمل المقتدي بإمام آخر، فتجب بالسماع منه مع أنه محجور، إلا أن يراد المحجور عن التلاوة في صلاة السامع وهو المقتدي بإمامه، لكن علمت أن من علل بالحجر يقول بعد الوجوب بالسماع من المؤتم مطلقا.
قوله: (للنهي) علة للنقطان، وذلك أن الامر بإتمام الركن الذي هو فيه وانتقاله إلى آخر يقتضي النهي عن الاشتغال بأداء ما وجب بسبب خارج عن الصلاة فيها، فالنهي ضمني كما في غرر الافكار.
قوله: (لما مر) من قوله: لانها ناقصة الخ.
قوله: (إلا إذا تلاها الخ) استثناء من قوله: وأعاده.
قوله: (غير المؤتم) صادق بالامام(2/121)
والمنفرد.
واحترز عن المؤتم فإنه يسجدها بعد الصلاة، ولا تصير صلاتية لان التي تلاها لا يعتد بها فلا تستتبع الخارجية ا ه ح.
قوله: (ولو بعد سماعها) أي إذا تلاها المصلي وسجد لها لا إعادة عليه، سواء تلاها قبل سماعها وهو ظاهر الرواية، أو بعده وهو أحد روايتين، وبه جزم في
السراج.
بحر.
قوله: (دونها الخ) هو ظاهر الرواية وهو الصحيح.
وفي رواية النوادر: تبطل به الصلاة، وليس بصحيح، وقيل هو قول محمد.
وعندهما: لا يعيد.
إمداد.
والظاهر أن الاعادة واجبة لكراهة التحريم كما هو مقتضى النهي المذكور.
تأمل.
قوله: (لمتابعته غير إمامه) لان المصلي سواء كان له إمام أو لا إذا تابع أحدا غير إمامه فسدت صلاته، والمتابعة هنا وإن كانت ليست اقتداء حقيقة، ولذا صح متابعة المرأة فيها وتقدم السامع على التالي، لكن المتابعة في كل شئ بحسبه، فلما تحققت المتابعة المعتبرة في محلها أشبهت الاقتداء الحقيقي فأفسدت الصلاة، لان متابعة المصلي لغير إمامه مفسدة، ولذا قال في البحر بعد عزوه المسألة إلى التجنيس والمجتبى والولوالجية: وقدمنا أن زيادة سجدة واحدة بنية المتابعة لغير إمامه مبطلة لصلاته ا ه.
قوله: (ثم دخل في الصلاة فتلاها فيها) أي تلا تلك الآية بعينها أيضا في الصلاة سجد للتلاوة الثانية سجدة أخرى، لان الاقوى لا يكون تبعا للاضعف.
قوله، (كفته واحدة) هذا ظاهر الرواية: وفي رواية النوادر: لا تكفيه الواحدة.
ومنشأ الخلاف هل بالصلاة يتبدل المجلس أو لا،؟ نهر.
قوله: (وإن اختلف المجلس) كذا في النهر عن البدائع ومثله في الدرر، وشرط في البحر اتحاده.
قال الرملي في حواشيه: ومثله في غاية البيان والنهاية والزيلعي والظاهر أن فيه اختلافا، وينبغي ترجيح ما في البحر ا ه.
قلت: لكن في الشرنبلالية ما يفيد عدم الخلاف حيث جعل قوله: وإن اختلف المجلس مبنيا على فرض تسليم الوجه لرواية النوادر، وهو أن المجلس بالصلاة تبدل حكما، لان مجلس التلاوة غير مجلس الصلاة فلا تستتبع إحداهما الاخرى.
وأما على الظاهر فالمجلس متحد حقيقة وحكما فلو لم يتحد ولو حكما بعمل غير الصلاة لا تجزئه الصلاتية عما قبلها، كما في غاية البيان والزيلعي ا ه.
قوله: (سقطتا) لان الخارجية أخذت حكم الصلاتية فسقطت تبعا لها ح.
قوله: (في الاصح) وعلى روية النوادرة: لا تسقط الخارجية، لان الصلاتية ما استتبعتها على هذه الرواية.
ح عن الشنربلالية.
قوله: (كما مر) أي مرتين الاولى: قوله: فيأثم بتأخيرها والثانية قوله: أثم فتلزمه التوبة خ.
تتمة: لم يذكر عكس مسألة المتن: أي لو تلاها في الصلاة فجسدها فيها، ثم أعادها بعد
السلام، فقيل تجب أخرى.
قال الزيلعي: وهذا يؤيد رواية النوادر، وقيل: لا تجب.
ووفق الفقيه بحمل الاول على ما إذا تكلم لان الكلام يقطع حكم المجلس.
والثاني على ما إذا لم يتكلم وهو الصحيح، فلا تأييد.
نهر.
ولو لم يسجد لها حتى سلم ثم تلاها سجد سجدة واحدة وسقطت عنه الاولى.
شرح المنية عن الخانية.
قوله: (ولو كررها في مجلسين تكررت) الاصل أنه لا يتكرر(2/122)
الوجوب إلا بأحد أمور ثلاثة: اختلاف التلاوة، أو السماع، أو المجلس.
أما الاولان: فالمراد بهما اختلاف المتلو والمسموع، حتى لو تلا سجدات القرآن كلها أو سمعها في مجلس أو مجالس وجبت كلها.
وأما الاخير فهو قسمان: حقيقي بالانتقال منه إلى آخر بأكثر من خطوتين كما في كثير من الكتب، أو بأكثر من ثلاث كما في المحيط ما لم يكن للمكانين حكم الواحد، كالمسجد والبيت والسفينة ولو جارية، والصحراء بالنسبة للتالي في الصلاة راكبا.
وحكمي، وذلك بمباشرة عمل يعد في العرف قطعا لما قبله، كما لو تلا ثم أكل كثيرا أو نام مضطجعا أو أرضعت ولدها أو أخذ في بيع أو شراء أو نكاح بخلاف ما إذا طال جلوسه أو قراءته أو سبح أو هلل أو أكل لقمة أو شرب شربة أو نام قاعدا أو كان جالسا فقام أو مشى خطوتين أو ثلاثا على الخلاف أو كان قائما فقعد أو نازلا فركب في مكانه فلا تتكرر.
حلية ملخصا قوله: (بل كفته واحدة) ولا يندب تكرارها بخلاف الصلاة على النبي (ص) كما سيأتي.
قوله: (وفي البحر التأخير أحوط) لان بعضهم قال: إن التداخل فيها في الحكم لا في السبب، حتى لو سجد للاولى ثم أعادها لزمته أخرى كحد الشرب والزنا.
نقله في المجتبى.
بحر.
وأجاب الرملي بأن المبادرة إلى العبادة أولى، ولا يمنع منه قول البعض لضعفه، ومثله في شرح الشيخ إسماعيل وقال: ولا سيما إذا كان بع ض الحاضرين محتمل الذهاب كما يتفق في الدروس.
قوله: (والاصل أن مبناها) أي السجدة، وهذا استحسان، والقياس أن تتكرر لان التلاوة سبب للوجوب.
شرنبلالية.
قوله: (دفعا للحرج) لان في إيجاب السجدة لكل تلاوة حرجا خصوصا للمعلمين والمتعلمين وهو منفي بالنص.
بحر.
قوله: (بشرط اتحاد الآية والمجلس) أي بأن يكون
المكرر آية واحدة، فلو تلا آيتين في مجلس واحد أو آية واحدة في مجلسين فلا تداخل، ولم يشترط اتحاد السماع لانه إنما يكون باتحاد المسموع فيغني عنه اشتراط اتحاد الآية، وأشار إلى أنه متى اتحدت الآية والمجلس لا يتكرر الوجوب، وإن اجتمع التلاوة والسماع ولو من جماعة ففي البدائع لا يتكرر، ولو اجتمع سببا الوجوب وهما التلاوة والسماع بأن تلاها ثم سمعها أو بالعكس أو تكرر أحدها ا ه.
وفي البزازية: سمعها من آخر ومن آخر أيضا وقرأها كفت سجدة واحدة في الاصح لاتحاد الآية والمكان ا ه.
ونحوه في الخانية.
فعلى هذا لو قرأها جماعة وسمعها بعضهم من بعض كفتهم واحدة.
قوله: (وهو تداخل) الضمير راجع إلى عدم تكرار المفهوم من قول المصنف وفي مجلس واحد لا أو إلى التداخل في عبارة الشارح وهما بمعنى واحد قوله: (فتكون الخ) تفريع صحيح لانه بيان وتوضيح لكيفية جعل الكل كتلاوة واحدة، فافهم.
قوله: (لان تركها الخ) علة لمحذوف تقديره: وإنما لم يجعل من التداخل في الحكم مع تعدد الاسباب.
أفاده ط.
قوله: (لانه أليق بالعقوبة) علللنفي، وقوله: لانها للزجر الخ علة للعلة.
والحاصل أنا لم نقل بالتداخل في الحكم في العبادات لما يلزم عليه من الامر الشنيع وهو ترك العبادة المطلوب تكثيرها مع قيام(2/123)
سببها، فجعلنا الكل سببا واحدا لدفع ذلك لانه أليق بها، أما العقوبات فإن مبناها على الدرء والعفو فلا يلزم من تركها مع قيام سببها الامر الشنيع، بل يحصل المقصود منها في الدنيا وهو الزجر بعقوبة واحدة، مع جواز عفو المولى تعالى في الآخرة وإن تعدد السبب.
قوله: (وأفاد الفرق) أي بين التداخلين.
وجه الفرق أنه لما جعلنا الاولى سببا والباقي تبعا لها كان أينما سجدسجد بعد السبب، بخلافه في الثاني فإن الاسباب فيه على حالها، فلا بد من السجوبعد تمام الاسباب ح.
قوله: (حد ثانيا) أي لوجود سببه مع ظهور أنه لم يحصل المقصود وهو الانزجار عن الزنا بالحد الاول، بخلاف حد القذف إذا أقيم مرة ثم قذفه مرارا لم يحد، لان العار قد اندفع بالاول لظهور كذبه.
بحر.
قوله، (ذاهبا وآيبا) أما إذا كان يدير السداء على الدائرة وهو جالس في مكان واحد فلا يتكرر.
بحر عن الفتح بحثا، وفيه نظر يأتي قريبا.
قوله: (وانتقاله عن غصن إلى آخر) أي سواء كان
قريبا أو بعيدا على الصحيح.
وفي الواقعات الحسامية: إن أمكنه الانتقال بدون نزول كفته واحدة لاتحاد المجلس وإلا فلا لاختلافه ا ه.
وهذا ما أفتى به شمس الائمة الحلواني وغيره من الائمة.
ط عن حاشية الزيلعي للشلبي.
قوله: (أو حوض) قال محمد: إن كان عرض الحوض وطوله مثل طول المسجد وعرضه لا يتكرر الوجوب، والصحيح أنه يتكرر.
خانية، قوله: (تبديل للمجلس) أي في حق التالي أو الآية: أي في حق السامع، كذا في شرحه على الملتقى.
قلت: الظاهر أن يقال: أو التلاوة بدل الآية، لان السبب في حق السامع هو التلاوة كما مر، على أنه مخالف لقول المصنف الآتي لا عكسه فإنه مبني على سببية السماع، وعليه فكا المناسب التعبير بالسماع.
وقد يجاب بأنه مبني على سببية السماع، ولما كان تبدل السماع بتبدل المسموع أتى بقوله: أو الآية بدل قوله: أو السماع تأمل.
قوله: (فتجب سجدة أو سجدات) أي بقدر تعدد التلاوة، وقوله: أخرى صفة سجدة ويقدر لقوله: أو سجدات صفة غيرها: أي أخر، ففيه حذف الصفة لدليل، وإقحام المعطوف بين المعطوف عليه وصفته.
قوله: (بخلاف زوايا مسجد) أي ولو كبيرا على الاوجه، وكذا البيت.
في الخانية والخلاصة: إلا إذا كانت الدار كبيرة كدار السلطان ا ه.
حلية.
وظاهر أن الدار التي دونها لها حكم البيت وإن اشتملت على بيوت، ثم قال في الحلية: ثم الاصل على ما في الخانية والخلاصة أن كل موضع يصح الاقتداء فيه بمن يصلي في طرف منه يجعل كمكان واحد ولا يتكرر الوجوب فيه، وما لافلا، فعلى هذا لو كانت الشجرة أو تسدية الثوب أو التردد في الدياسة أو حول رحى الطحن ونحو ذلك فيما له حكم المكان الواحد كالمسجد ينبغي أن لا يتكرر الوجو ب بتكرير التلاوة ا ه.(2/124)
قلت: هو بحث وجيه، لكن ظاهر إطلاقهم خلافه، ولعل وجهه أالانتقال من غصن إلى غصن والتسدية ونحو ذلك أعمال أجنبية كثيرة يختلف بها المجلس حكما كالكلام والاكل الكثير، لما مر من أن المجلس يختلف حكما بمباشرة عمل يعد في العرف قطعا لما قبله، ولا شك أن هذه الافعال كذلك، وإن كانت في المسجد أو البيت بل يختلف بها حقيقة، لان المسجد مكان واحد
حكما وبهذه الافعال المشتملة على الانتقال يختلف حقيقة، بخلاف الاكل فإن الاختلاف فيه حكمي، وعلى كل يتكرر الوجوب، ولذا قيد في الواقعات الانتقال من غصن إلى غيره بما إذا احتاج إلى نزول كما قدمناه: أي ليكون عملا كثيرا.
والحاصل أن ما له حكم المكان الواحد كالمسجد والبيت لا يضر الانتقال فيه بأكثر من ثلاث خطوات ما لم يقترن بعمل أجنبي يعد في العرف قطعا لما قبله كالدياسة، والتسدية بخلاف مجرد المشي من غير عمل، بلا إطلاق كلامهم يدل على أن ذلك العمل الاجنبي كالاكل الكثير والبيع والشراء يضر هنا ولو بدون مشي وانتقال حيث لم يقيدوه بغير المسجد والبيت، ومقتضاه تكرار الوجوب لو فصل بين التلاوتين بعلم دنيوي كخياطة وحياكة ولو كان في المسجد أو البيت في مكان واحد، ولهذا قال في البدائع في تحقيق اختلاف المجلس: حكما بالبيع ونحوه، ألا ترى أن القوم يجلسون لدرس العلم فيكون مجلس الدرس ثم يشتغلون بالنكاح فيصير مجلس النكاج ثم بالبيع فيصير مجلس البيع، ثم بالاكل فيصير مجلس الاكل، فصار تبدله بهذه الافعال كتبدله بالذهاب والرجوع ا ه.
وعلى هذا فما مر عن الفتح من أنه إذا كان يدير السداء على الدائرة وهو جالس في مكان واحد، فلا يتكرر فيه نظر، إلا أن يحمل على ما إذا لم يفصل بين التلاوتين بعمل كثير من ذلك وإلا فما الفرق بين إدارة الدائرة كثيرا وبين الاكل الكثير وإرضاع الولد ونحوهما مما مر أن يختلف به المجلس.
وقد يقال: إنه إذا جلس للتسدية وقرأ مرارا لا تكون التسدية فاصلة لكون المجلس لها: وعليه يقال مثله في الاكل ونحوه، فتأمل.
هذا ما ظهر لي تحريره في هذا المحل، والله تعالى أعلم.
قوله: (وفعل قليل) احترز به عن الفعل الكثير الذي يعد قاطعا للمجلس عرفا كما مر، بخلاف ما إذا طال جلوسه أو قراءته أو سبح أو هلل كما قدمناه، أو وعظ أو درس كما في التاترخانية.
قوله: (وقيام) أي في محله، ومثله لو مشى خطوتين أو ثلاثا على ما مر.
قوله: (ورد سلام) أي وتشميت عاطس، بخلاف ما لو تكلم كلمات أو شرب جرعات أو عقد نكاحا أو بيعا فإنه لا يكفيه سجدة واحدة.
شرح المنية.
قوله: (وكذا دابة.
أي سائرة ح قوله: (لان الصلاة تجمع الاماكن) ضرورة أن
اختلاف المكان يمنع صحة الصلاة ومفاده التسوية بين كون التكرار في ركعة أو أكثر، وهو قول أبي يوسف وهو الاصح، خلافا لمحمد فإن عنده يتكرر الوجوب بتكرارها في ركعتين.
شرح المنية.
قوله: (ولو لم يصل تتكرر) لان سيرها مضاف إليه حتى يجب عليه ضمان ما أتلفت، بخلاف سير السفينة.
ح عن الدرر.
قوله: (كما تتكرر) أي على السامع دون التالي، وفي عكسه بعكسه ط.
والحاصل أن من تكرر مجلسه من سامع أو تال تكرر الوجوب عليه دون صاحبه.
قوله: (وغلامه يمشي) أقول: ومثله لو كان راكبا معه لما في شرح تلخيص الجامع: لو كان المصلي على(2/125)
الدابة في محمل وكررها مرارا يتحد الوجوب في حقه ويتعدد في حق عديله لاختلاف المكان في حق السامع ا ه: أي إلا إذا اقتدى به.
وفي الخانية: راكبان كل منهما يصلي صلاة نفسه فتلا أحدهما آية مرتين والآخر آية أخرى مرة وسمع كل من الآخر، فعلى الاول سجدتان: إحداهما في الصلاة لقراءته، والاخرى بعد الفراغ لقراءة صاحبه لانها لا تكون صلاتية.
وعلى الثاني سجدة في صلاته لقراءته، وسجدتان بعد الفراغ لتلاوتي صاحبه على رواية النوادر، ووحدة في ظاهر الرواية، وعليه الاعتماد لان السامع مكانه واحد، وكذا التالي ا ه.
قوله: (تتكر رعلى الغلام) لتبدل المجلس في حقه، بخلاف الراكب لان الصلاة تجمع المتفرق ط.
قوله: (لا تتكرر) أي على السامع.
قوله: (على المفتى به) راجع إلى صورة العكس فقط، ومقابله ما صححه في الكافي من تكررها على السامع أيضا، لان التلاوة هي السبب في حقه أيضا لكن بشرط السماع، وصحح في الهداية والخانية الاول.
قال في الينابيع: وعليه الفتوى.
قال الفقير: وبه نأخذ.
شرح المنية قوله: (وأما الصلاة على الرسول (ص) فكذلك) أي كالسجدة تتكرر عند ذكر اسمه الشريف أو سماعه في مجلسين لا في مجلس، وكان الاولى ذكر هذه المسألة عند قول المتن ولو كررها في مجلسين الخ كما فعل في البحر.
قال في شرح المنية: واعلم أن حكم الصلاة على النبي (ص) عند ذكر اسمه على القول بوجوبها كحكم السجدة في عدم تكرر الوجوب عند اتحاد المجلس، لكن يندب تكرار الصلاة دون
السجود.
والفرق أن الصلاة عليه (ص) يتقرب بها مستقل وإن لم يذكر بخلاف السجدة فإنها لا يتقرب بها مستقلة من غير تلاوة ا ه.
قوله: (وقال المتأخرون تتكرر) قال في البحر: وقدمنا ترجيحه ا ه.
وتقدم هذا البحث في فصل إذا أراد الشروع، وقدمنا هناك ترجيح الاول، وصححه في الكافي هنا، وجزم بابن الهمام في (زاد الفقير).
قوله: (فالاصح الخ) وقيل مرة، وقيل إلى العشر، وقيل كلما عطس ح.
وإنما يجب تشميته إذا حمد الله تعالى، كذا في (شرح تلخيص الجامع).
قوله: (فيه الخ) وقال محمد في الجامع الصغير: لان فيه هجر شئ من القرآن، وذلك ليس من أعمال المسلمين، لانه فرار من السجدة وذلك ليس من أخلاق المؤمنين.
نهر.
قوله: (وتغيير تأليفه) عطف تفسير ح.
قوله: (مأمور به) قال تعالى: * ((75) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) * (القيامة: 81) أي تأليفه.
فتح عن البدائع.
قوله: (ومفاده الخ) هو لصاحب النهر أخذا مما مر عن الجامع الصغير وعن البدائع، فافهم.
قوله: (لا يكره عكسه) قال في البدائع: لو قرأ آية السجدة من بين السورة لم يضره ذلك لانها من القرآن، وقراءة ما هو من القرآن طاعة كقراءة سورة من بين السور ا ه.
وظاهره أنه لا يكره لا تحريما ولا تنزيها، لانه جعل قراءة الآية كقراءة السورة، ولا كراهة في(2/126)
قراءة سورة واحدة أصلا، فكذا الآية الواحدة.
وأما قوله: وندب الخ فقد ذكرنا مرارا أن ترك المندوب لا يلزم أن يكون مكروها تنزيها إلا بدليل، فتأمل هذا.
وفي البحر: وقيد عدم الكراهة في الخانية بأن يكون في غير الصلاة ا ه.
أما فيها فمكروه.
قهستاني.
قلت: وبين وجهه في الذخيرة حيث قال: قالوا ويجب أن يكره في حالة الصلاة، لان الاقتصار على آية واحدة في الصلاة مكروه ا ه.
ومقتضاه أن الكراهة فيها تحريمية لترك الواجب وهو قراءة ثلاثة آيات لا للعلة الآتية في الشرح.
قوله: (قبلها أو بعدها) أخذ التعميم من قول الخانية: إن قرأ معها آية أو آيتين فهو أحب.
وكذا عبر في البدائع من أن الامام محمدا قال، أحب إلي أن يقرأ قبلها آية أو آيتين كما في البحر، وكأنهم أخذوا التعميم من عموم التعليل، إذ دفع الوهم لا يختص بما قبلها.
والظاهر أن مثل ذلك ما إذا قرأ آية قبلها وآية بعده، وتشمله عبارة الخانية.
قوله: (باشتماله
على صفاته تعالى فزيادة الفضيلة باعتبار المذكور لا باعتباره من حيث هو قرآن.
بحر وحينئذ ف يشكل ما ورد من تفضيل بعضه على بعض، كما ورد من أن سورة الاخلاص تعدل ثلث القرآن ونحو ذلك.
قوله: (واستحسن إخفاؤها الخ) لانه لو جهر بها لصار موجبا عليهم شيئا ربما يتكاسلون عن أدائه فيقعون في المعصية، فإن كانوا متهيئين جهر بها.
بحر عن البدائع، قال في المحيط: بشرط أن يقع في قلبه أن لا يشق عليهم أداء السجدة، فإن وقع أخفاها ا ه.
وينبغي أنه إذا لم يعلم بحالهم أن يخفيها.
نهر.
قوله: (واختلف التصحيح الخ) أقول: صحح عدم الوجوب في الذخيرة والتاترخانية، كذا في القهستاني عن المحيط، ومشى عليه في الحلية.
نعم! قال المصنف في المنح: اختلف المشايخ في وجوب السجود، والصحيح الوجوب.
قال بعض الافاضل: وهو مشكل لان السماع في حق السامع شرط أو سبب للوجوب ولم يوجد، فلا يوجد الوجوب الذي هو المشروط أو المسبب، وجوابه أن الاصح عدم الوجوب، كما في مجمع الفتاوى، فليكن هو المعتمد.
وعلى تقدير كون المعتمد الوجوب فجوابه أن المتشاغل نزل سامعا لانه بعرضية أن يسمع، واللائق به أن يكلف به زجرا له تشاغله عن كلام الله جل جلاله ا ه ما في المنح ملخصا.
قوله: (من كل واحد حرفا) لما تقدم أن الموجب للسجدة تلاوة أكثر الآية مع حرف السجدة، والظاهر أن المراد بالحرف الكلمة، ويكون الحرف الحقيقي مفهوما بالاولى ح وقدمنا تمام الكلام عليه.
قوله: (فقد أفاد) أي صاحب الخانية بتعليله المذكور ط.
قوله: (مهمة لكل مهمة) أي هذه فائدة مهمة: أي ينبغي أن يصرف المسلم همته إلى تعلمها لاجل(2/127)
دفع كل مهمة: أي كل حادثة تهمه وتحزنه.
قوله: (آي السجدة) بمد الهمزة جمع آية.
قوله: (ولاء) بالكسر والمد م وفي بعض النسخ أو لا والمعنى واحد، وهو أنه أولا يسردها متوالية، ثم يسجد للكل أربع عشرة سجدة، قوله: (ويحتمل الخ) جواب عما أورد الكمال من أنه إذا قرأها في مجلس واحد يلزم عليه تغيير نظم القرآن، وقد مر أن اتباع النظم مأمور به.
وأجاب في البحر بأن قراءة آية من السورة غير مكروه لما مر تعليله عن البدائع، وفيه نظر لان ما مر في قراءة آية واحدة، أما إذا قرأ
آيات السجدة وضم بعضها إلى بعض يلزم عليه تغيير النظم وإحداث تأليف جديد كما نقله الرملي عن المقدسي، فلذا أجاب الشارح تبعا للنهر بحمل ما في الكافي على ما إذا سجد لكل آية بعد قراءتها فإنه لا يكره، لانه لا يلزم منه تغيير النظم لحصول الفصل بين كل آيتين بالسجود، بخلاف ما إذا قرأها ولاء ثم سجد لها، فهذا يكره.
قلت: لكن تقدم قبيل فصل القراءة أنه يستحب عقب الصلاة قراءة آية الكرسي والمعوذات، فلو كان ضم آية إلى آية من محل آخر مكروها لزم كراهة ضم آية الكرسي إلى المعوذات لتغيير النظم، مع أنه لا يكره لما علمت بدليل أن كل مصل يقرأ الفاتحة وسورة أخرى أو آيات أخر، ولو كان ذلك تغييرا للنظم لكره.
فالاحسن الجواب بما في شرح المنية من أن تغيير النظم إنما يحصل بإسقاط بعض الكلمات أو الآيات من السورة، لا بذكر كلمة أو آية، فكما لا يكون قراءة سور متفرقة من أثناء القرآن مغيرا للتأليف والنظم لا يكون قراءة آية من كل سورة مغيرا له ا ه.
وحاصله: أن المكروه إسقاط آية السجدة من السورة مع ضم ما بعدها إلى ما قبلها لانه تغيير للنظم، أما ضم آيات متفرقة فلا يكره، كما لا يكره ضم سور متفرقة بدليل ما ذكرناه من القراءة في الصلاة، وحينئذ فلا كراهة في قراءة آيات السجدة ولاء، فيحمل كلام الكافي على ظاهره، والله تعالى أعلم.
مطلب في سجدة الشكر قوله: (وسجدة الشكر) كان الاولى تأخير الكلام عليها بعد إنهاء الكلا على سجدة التلاوة ط.
وهي لمن تجددت عنده نعمة ظاهرة أو رزقه الله تعالى مالا أو ولدا أو اندفعت عنه نقمة ونحو ذلك، يستحب له أن يسجد لله تعالى شكرا مستقبل القبلة، يحمد الله تعالى فيها ويسبحه، ثم يكبر فيرفع رأسه كما في سجدة التلاوة.
سراج.
قوله: (به يفتى) هو قولهما.
وأما عند الامام فنقل عنه في المحيط أنه قال: لا أراها واجبة، لانها لو وجبت لوجب في كل لحظة، لان نعم الله تعالى عل عبده متواترة، وفيه تكليف ما لا يطاق.
ونقل في الذخيرة عن محمد عنه أنه كان لا يراها شيئا، وتكلم المتقدمون في معناه فقيل لا يراها سنة وقيل شكرا تاما، لاتمامه بصلاة ركعتين كما فعل
عليه الصلاة والسلام يوم الفتح، وقيل أراد نفي الوجوب، وقيل نفي المشروعية، وأن فعلها مكروه لا يثاب عليه بل تركه أولى.
وعزاه في المصفى إلى الاكثرين، فإن كان مستند الاكثرين ثبوت الرواية عن الامام به فذلك، وإلا فكل من عبارتيه السابقتين محتمل، والاظهر أنها مستحبة كما نص(2/128)
عليه محمد، لانها قد جاء فيها غير ما حديث، وفعلها أبو بكر وعمر وعلي، فلا يصح الجواب عن فعله (ص) بالنسخ، كذا في الحلية ملخصا.
وتمام الكلام فيها وفي الامداد فراجعهما.
وفي آخر شرح المنية: وقد وردت فيه روايات كثيرة عنه عليه الصلاة والسلام، فلا يمنع عنه لما فيه من الخضوع، وعليه الفتوى.
وفي فروق الاشباه: سجدة الشكر جائزة عنده لا واجبة، وهو معنى ما روي عنه أنها ليست مشروعة وجوبا، وفيها من القاعدة الاولى، والمعتمد أن الخلاف في سنيتها لا في الجواز ا ه.
قول: (لكنها تكره بعد الصلاة) الضمير للسجدة مطلقا.
قال في شرح المنية آخر الكتاب عن شرح القدوري للزاهدي: أما بغير سبب فليس بقربة ولا مكروه، وما يفعل عقيب الصلاة فمكروه، لان الجهال يعتقدونها سنة أو واجبة، وكل مباح يؤدي إليه فمكروه انتهى.
وحاصله أن ما ليس لها سبب لا تكره ما لم يؤد فعلها إلى اعتقاد الجهلة سنيتها كالتي يفعلها بعض الناس بعد الصلاة، ورأيت من يواظب عليها بعد صلاة الوتر ويذكر أن لها أصلا وسندا، فذكرت له ما هنا فتركها.
ثم قال في شرح المنية: وأما ما ذكر في المضمرات أن النبي (ص) قال لفاطمة رضي الله عنها: ما من مؤمن ولا مؤمنة يسجد سجدتين، إلى آخر ما ذكر فحديث موضوع باطل لا أصل له.
قوله: (فمكروه) الظاهر أنها تحريمية لانه يدخل في الدين ما ليس منه ط.
قوله: (ويكره للامام الخ) لانه إن ترك السجود لها فقد ترك واجبا، وإن سجد يشتبه على المقتدين.
شرح المنية.
قوله: (ونحو جمعة ويعيد) أشار ب نحو إلى أن الظهر مثلا لو أديت بجمع عظيم فهي كذلك.
أفاده ح.
قوله: (إلا أن تكون الخ) بأن كانت في آخر السورة أو قريبا منه أو في الوسط وركع لها فورا كما مر بيانه.
قال ح: لكن ينبغي أن لا ينويها في الركوع لما فيه من المحذور المتقدم عن القنية: أي أنه يلزم المؤتم إذا لم ينوها فيه أيضا أن يأتي بها بعد سلام الامام ويعيد القعدة.
قوله: (سجد) أي فوقه أو تحته.
تاترخانية.
قوله: (وسجد السامعون) أي لا غيرهم، بخلاف
الصلاة.
تاترخاني.
وفي البدائع: ولو تلاها الامام على المنبر يوم الجمعة سجدها وسجدها معه من سمعها، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام تلا سجدة على المنبر فنزل وسجد وسجد الناس معه ا ه والله تعالى أعلم.
باب: صلاة المسافر قدر الشارح صلاة لانها المقصودة من الباب.
والسفر لغة: قطع المسافة من غير تقدير، والمراد سفر خاص وهو الذي تتغير به الاحكام، من قصر الصلاة وإباحة الفطر وامتداد مدة المسح إلى ثلاثة أيام وسقوط وجوب الجمعة والعيدين والاضحية وحرمة الخروج على الحرة من غير محرم ط عن العناية.
قوله: (من إضافة الشئ) أي الصلاة إلى شرطه: أي المسافر فإنه شرط لها ح.
وفيه أن الشرط السفر لا المسافر.
ط عن الحموي.
قوله: (أو محله) فإن المسافر محل لها أو من(2/129)
إضافة الفعل إلى فاعله وقد قدمنا في أول باب صلاة المريض أن كل فاعل محل ولا عكس ح.
قوله: (ولا يخفى) شروع في وجه تأخيره عن التلاوة، ويعلم منه المناسبة وهي العروض في كل.
ط أي العروض المكتسب، بخلاف السهو والمرض فإن كلا منهما عارض سماوي.
قوله: (إلا بعارض) استثناء من قوله: عبادة وقوله: مباح أي الاصل في التلاوة العبادة إبعارض نحو رياء أو سمعة أو جنابة فتكون معصية، وفي السفر الاباحة إلا بعارض نحو حج أو جهاد فيكون طاعة، أو نحو قطع طريق فيكون معصية.
قوله: (فلذا أخر) الكون الاصل فيه الاباحة فإنه دون ما الاصل فيه العبادة.
قوله: (لانه يسفر) بفتح الياء من الثلاثي.
ط عن القهستاني.
قوله: (عن أخلاق الرجال) أو لانه يسفر عوجه الارض: أي يكشف، وعليهما فالمفاعلة بمعنى أصل الفعل، ويجوز أن تكون على بابها باعتبار أن السفر لا يكون إلا من اثنين فأكثر غالبا، فكل منهما يسفر عن أخلاق صاحبه، أو أنه ينكشف للارض وهي تنكشف له ح.
قوله: (من خرج من عمارة موضع إقامته) أراد بالعمارة ما يشمل بيوت الاخبية لان بها عمارة موضعها.
قال في الامداد: فيشترط مفارقتها ولو متفرقة، وإن نزلوا على ماء أو محتطب يعتبر مفارقته،
كذا في مجمع الروايات، ولعله ما لم يكن محتطبا واسعا جدا ا ه.
وكذا ما لم يكن الماء نهرا بعيد المنبع، وأشار إلى أنه يشترط مفارقة ما كان من توابع موضع الافاقة كربض المصر وهوما حول المدينة من بيوت ومساكن فإنه في حكم المصر، وكذا القرى المتصلة بالربض في الصحيح، بخلاف البساتين، ولو متصلة بالبناء لانها ليست من البلدة، ولو سكنها أهل البلدة في جميع السنة أو بعضها، ولا يعتبر سكنى الحفظة والاكرة اتفاقا.
إمداد.
وأما الفناء وهو المكان المعد لمصالح البلد كركض الدواب ودفن الموتى وإلقاء التراب، فإن اتصل بالمصر اعتبر مجاوزته وإن انفصل بغلوة أو مزرعة فلا كما يأتي، بخلاف الجمعة فتصح إقامتها في الفناء ولو منفصلا بمزارع، لان الجمعة من مصالح البلد، بخلاف السفر كما حققه الشرنبلالي في رسالته وسيأتي في بابها، والقرية المتصلة بالفناء دون الربض لا تعتبر مجاوزتها على الصحيح كما في شرح المنية.
أقول: إذا علمت ذلك ظهر لك أن ميدان الحصا في دمشق من ربض المصر، وأن خارج باب الله إلى القرية القدم من فنائه لانه مشتمل على الجبانة المتصلة بالعمران، وهو معد لنزول الحاج الشريف فإنه قد يستوعب نزولهم من الجبانة إلى ما يحاذي القرية المذكورة، فعلى هذا لا يصح القصر فيه للحجاج، وكذا المرجة الخضراء فإنها معدة لقصر الثياب وركض الدواب ونزول العساكر ما لم يجاوز صدر الباز بناء على ما حققه الشرنبلالي في رسالته من أن الفناء يختلف باختلاف كبر المصر وصغره، فلا يلزم تقديره بغلوة كما روي عن محمد، ولا يميل أو ميلين كما روي عن أبي يوسف.
قوله: (من جانب خروجه الخ) قال في شرح المنية: فلا يصير مسافرا قبل أن يفارق عمران ما خرج منه من الجانب الذي خرج، حتى لو كان ثمة محلة منفصلة عن المصر،(2/130)
وقد كانت متصلة به يصير مسافرا ما لم يجاوزها، ولو جاوز العمران من جهة خروجه وكان بحذائه محلة من الجانب الآخر يصير مسافرا، إذ المعتبر جانب خروجه ا ه.
وأراد بالمحلة في المسألتين ماكان عامرا.
أما لو كانت المحلة خرابا ليس فيها عمارة فلا يشترط مجاوزتها في
المسألة الاولى ولو متصلة بالمصر، كما لا يخفى، فعلى هذا لا يشترط مجاوزة المدارس التي في سفح قاسيون إلا ما كان له أبنية قائمة كمسجد الافرم والناصرية.
بخلاف ما صار منها بساتين ومزارع كالابنية التي في طريق الربوة، ثم لا بد أن تكون المحلة في المسألة الثانية من جانب واحد، فلو كان العمران من الجانبين فلا بد من مجاوزته لما في الامداد: لو حاذاه من أحد جانبيه فقط لا يضره كما في قاضيخان وغيره ا ه والظاهر أن محاذاة الفناء المتصل كمحاذاة العمران، بقي هل المراد بالجانب البعيد أو ما يشمل القريب؟ وعليه فلينظر فيما لو خرج من جهة المرجة الخضراء فوق الشرف الاعلى من طريق، فإن المرجة أسفل منه وهي من الفناء كما ذكرناه، وأما هو فانه بعد مجاوزة مزارع، فهل يشترط أن يجاوز ما يحاذيه من المرجة لقربها منه أم لا؟ فليحرر.
والظاهر اشتراط مجاوزته لان ذلك من جانب خروجه لا من جانب آخر.
قوله: (أقل من غلوة) هي ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة هو الاصح.
بحر عن المجتبى.
قوله: (قاصدا) أشار به مع قوله: خرج إلى أنه لو خرج ولم يقصد أو قصد ولم يخرج لا يكون مسافرا ح.
قال في البحر: وأشار إلى أن النية لا بد أن تكون قبل الصلاة، ولذا قال في التجنيس: إذا افتتح الصلاة في السفينة حال إقامته فطرف البحر فنقلتها الريح ونوى السفر يتم صلاة المقيم عند أبي يوسف، خلافا لمحمد لانه اجتمع في هذه الصلاة ما يوجب الاربع وما يمنع فرجحنا ما يوجب الاربع احتياطا ا ه.
وإنما يشترط قصده لو كان مستقلا برأيه، فلو تابعا لغيره فالاعتبار بنية المتبوع كما سيأتي، وعليه خرج في البحر ما في التجنيس لو حمله آخر وهو لا يدري أين يذهب معه: يتم حتى يسير ثلاث فيقصر، لانه لزمه القصر من حين حمل، ولو صلى قصرا من يوم الحمل صح، إلا إذا سار به أقل من ثلاث، لانه تبين أنه مقيم وفي الاول أنه مسافر ا ه.
وأشار إلى أن الخروج مع قصد السفر كاف وإن رجع قبل تمامه كميأتي، حتى لو سار يوما ولم يكن صلى فيه لعذر ثم رجع يقضيه قصرا كما أفتى به العلامة قاسم.
قوله: (ولو كافرا) فيه أنه يشمل الصبي أيضا مع أنه سيأتي في الفروع ما يدل على أن نيته السفر غير معتبرة كما سنبينه.
هناك.
قوله: (بلا قصد) بأن قصد بلدة
بينه وبينها يومان للاقامة بها، فلما بلغها بدا له أن يذهب إلى بلدة بينه وبينها يومان وهلم جرا.
ح.
قال في البحر: وعلى هذا قالوا: أمير خرج مع جيشه في طلب العدو ولم يعلم أين يدركهم، فإنه يتم وإن طالت المدة أو المكث، أما في الرجوع فإن كانت مدة سفر قصر ا ه.
قوله: (مسيرة ثلاث أيام ولياليها) الاولى حذف الليالي كما فعل في الكنز والجامع الصغير، إذ لا (يشترط السير فيها مع الايام ولذا قال في الينابيع: المراد بالايام النهار، لان الليل للاستراحة فلا يعتبر ا ه.
نعم لو قال: أو لياليها، بالعطف ب أو لكان أولى للاشارة إلى أنه يصح قصد السفر فيها وأن الايام غير قيد،(2/131)
فتأمل.
قوله: (من أقصر أيام السنة) كذا في البحر والنهر، وعزاه في المعراج إلى العتاب وقاضيخان وصاحب المحيط، وبحث فيه في الحلية بأن الظاهر إبقاؤها على إطلاقها بحسب ما يصادفه من الوقوع فيها طولا وقصرا واعتدالا إن لم تقدر بالمعتدلة التي هي الوسط ا ه.
قلت: والمعتدلة هي زمان كون الشمس في الحمل أو الميزان، وعليها مشى القهستاني، ثم قال: وفي شرح الطحاوي أن بعض مشايخنا قدوره بأقصر أيا السنة.
قوله: (ولا يشترط الخ) إذ لا بد للمسافر من النزول للاكل والشرب والصلاة.
ولاكثر النهار حكم كله، فإن المسافر إذا بكر في اليوم الاول وسار إلى وقت الزوال حتى بلغ المرحلة فنزل بها للاستراحة وبات بها ثم بكر في اليوم الثاني وسار إلى ما بعد الزوال ونزل ثم بكر في اليوم الثالث ومشى إلى الزوال فبلغ المقصد، قال شمس الائمة السرخسي: الصحيح أنه يصير مسافرا عند النية كما في الجوهرة والبرهان.
إمداد.
ومثله في البحر والفتح وشرح المنية.
أقول: وفي قوله: حتى بلغ المرحلة إشارة إلى أنه لا بد أن يقطع في ذلك اليوم الذي ترك في أوله الاستراحات المرحلة المعتادة التي يقطعها في يوم كامل مع الاستراحات، وبهذا يظهر لك أن المراد من التقدير بأقصر أيام السنة إنما هو في البلاد المعتدلة التي يمكن قطع المرحلة المدكورة في معظم اليوم من أقصر أيامها، فلا يرد أن أقصر أيام السنة في بلاد بلغار قد يكون ساعة أو أكثر أو أقل، فيلزم أن يكون مسافة السفر فيها ثلاث ساعات أو أقل، لان القصر الفاحش غير معتبر كالطول
الفاحش، والعبارات حيث أطلقت تحمل على الشائع الغالب دون الخفي النادر، ويدل على ما قلنا ما في الهداية، وعن أبي حنيفة التقدير بالمراحل وهو قريب من الاول ا ه.
قال في النهاية: أي التقدير بثلاث مراحل قريب من التقدير بثلاثة أيام، لان المعتاد من السير في كل يوم مرحلة واحدة خصوصا في أقصر أيام السنة، كذا في المبسوط ا ه.
وكذا ما في الفتح من أنه قيل: يقدر بأحد وعشرين فرسخا، وقيل بثمانية عشرة، وقيل بخمسة عشر، وكل من قدر منها اعتقد أنه مسيرة ثلاثة أيام ا ه: أي بناء على اختلاف البلدان، فكل قائل قدر ما في بلده من أقصر الايام، أو بناء على اعتبار أقصر الايام أو أطولها أو المعتدل منها، وعلى كل فهو صريح بأن المراد بالايام ما تقطع فيها المراحل المعتادة، فافهم.
قوله: (بل إلى الزوال) فإن الزوال أكثر النهار الشرعي الذي هو الفجر إلى الغروب، وهو نصف النهار الفلكي الذي هو من الطلوع إلى الغروب، ثم إن من الفجر إلى الزوال في أقصر أيام السنة في مصر وما ساواها في العرض سبع ساعات إلا ربعا، فمجموع الثلاثة أيام عشرون ساعة وربع، ويختلف بحسب اختلاف البلدان في العرض ح.
قلت: ومجموع الثلاثة أيام في دمشق عشرون ساعة إلا ثلث ساعة تقريبا، لان من الفجر إلى الزوال في أقصر الايام عندنا ست ساعات وثلثي ساعة إلا درجة ونصفا، وإن اعتبرت ذلك بالايام المعتدلة كان مجموع الثلاثة أيام اثنين وعشرين ساعة ونصف ساعة تقريبا، لان من الفجر إلى الزوال سبع ساعات ونصفا تقريبا.
قوله: (ولا اعتبار بالفراسخ) الفرسخ: ثلاثة أميال، والميل: أربعة آلاف ذراع على ما تقدم في با ب التيمم.
قوله: (على المذهب) لان المذكور في ظاهر الرواية.
اعتبار ثلاثة أيا كما في الحلية.
وقال في الهداية: هو الصحيح احترازا عن قول عامة المشايخ من تقديرها بالفراسخ.(2/132)
ثم اختلفوا فقيل أحد وعشرون، وقيل ثمانية عشر، وقيل.
خمسة عشر، والفتوى على الثاني لانه الاوسط، وفي المجتبى: فتوى أئمة خوارزم على الثالث.
وجه الصحيح أن الفراسخ تختلف باختلاف الطريق في السهل والجبل والبر والبحر.
بخلاف المراحل.
معراج.
قوله: (بالسير الوسط) أي سير الابل ومشي الاقدام، ويعتبر في الجبل بما يناسبه من السير لانه يكون صعودا
وهبوطا ومضيقا ووعرا، فيكون مشي الابل والاقدام فيه دون سيرهما في السهل.
وفي البحر يعتبر اعتدال الريح على المفتى به.
إمداد.
فيعتبر في كل ذلك السير المعتاد فيه وذلك معلوم عند الناس فيرجع إليهم عند الاشتباه.
بدائع.
وخرج سير البقر بجر العجلة ونحوه لانه أبطأ السير، كما أن أسرعه سير الفرس والبريد.
بحر.
قوله: (فوصل) أي إلى مكان مسافته ثلاثة أيام بالسير المعتاد.
بحر.
وظاهره أنه كذلك لو وصل إليه في زمن يسير بكرامة، لكن استبعده في الفتح بانتفاء مظنة المشقة والعلة في القصر.
قوله: (قصر في الاول) أي ولو كان اختار السلوك فيه بلا غر ض صحيح، خلافا للشافعي كما في البدائع.
قوله: (صلى الفرض الرباعي) خبر من في قوله من خرج واحترز بالفرض عن السنن والوتر، وبالرباعي عن الفجر والمغرب.
قوله: (وجوبا) فيكره الاتمام عندنا حتى روي عن أبي حنيفة أنه قال: من أتم الصلاة فقد أساء وخالف السنة.
شرح المنية، وفيه تفصيل سيأتي، فافهم.
قوله: (لقول ابن عباس: إن الله فرض الخ) لفظ الحديث على ما في الفتح عن صحيح مسلم فرض الله الصلاة على لسان نبيكم (ص) في الحضر أربع ركعات، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة ا ه.
وفيه وفي حديث عائشة في الصحيحين قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فاقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر وفي لفظ للبخاري قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم هاجر النبي (ص) ففرضت أربعا، وتركت صلاة السفر على الاول.
قوله: (لان الركعتين الخ) بدل من قوله: ولذا عدل المصنف قال في البحر: ومن مشايخنا من لقب المسألة بأن القصر عندنا عزيمة والاكمال رخصة.
قال في البدائع: وهذا التلقيب على أصلنا خطأ، لان الركعتين في حقه ليستا قصرا حقيقة عندنا بل هما تمام فرض المسافر، والاكمال ليس رخصة في حقه بل إساءة ومخالفة للسنة، ولان الرخصة اسم لما تغير عن الحكم الاصلي بعارض إلى تخفيف ويسر، ولم يوجد معنى التغيير في حق المسافر رأسا، إذ الصلاة في الاصل فرضت ركعتين ثم زيدت في حق المقيم كما روته عائشة رضي الله تعالى عنها، وفحق المقيم وجد التغيير لكن إلى الغلظ والشدة لا إلى السهولة واليسر، فلم يكن ذلك رخصة في حقه أيضا، ولو سمى فهو مجاز لوجود بعض معاني الحقيقة وهو(2/133)
التغيير انتهى.
قوله: (لانها وتر النهار) إنما سميت بذلك لقربها من النهار بوقوعها عقبه، وإلا فهي ليلية لا نهارية.
تأمل.
قوله: (وبهذا تجتمع الادلة) أي فإن بعضها يدل على أن صلاة ركعتين في السفر أصل، وبعضها على أن ذلك عارض، فإذا حملت الادلة على اختلاف الازمان زال التعارض، لكن لا يخفى أن ما نقله شراح البخاري من الجمع بما ذكر مبني عى مذهب الشافعي من أنها قصر لا إتمام، لان العمل على ما استقر عليه الامر وهو على هذا الجمع فرضيتها أربعا سفرا وحضرا ثم قصرها في السفر، وهذا خلاف مذهبنا.
وينافي هذا الجمع ما قدمناه من حديث عائشة المتفق عليه، فإنه يدل على أن صلاة المسافر لم يزد فيها أصلا.
وأما الآية فالمراد بالقصر فيها قصر هيئة الصلاة وفعلها وقت الخوف، كما أوضحه في شرح المنية وغيره، فافهم.
قوله: (ولو كان عاصيا بسفره) أي بسبب سفره بأن كان مبنى سفره على المعصية كما لو سافر لقطع طريق مثلا، وهذا فيه خلاف الشافعي رحمه الله، وهذا بخلاف العاصي في السفر بأن عرضت المعصية في أثنائه فإنه محل وفاق.
قوله: (لان القبح المجاور الخ) هو ما يقبل الانفكاك، كالبيع وقت النداء فإنه قبح لتر ك السعي وهو قابل للانفكاك، إذ قد يوجد ترك السعي بدون البيع، وبالعكس فكذا هنا لامكان قطع الطريق والسرقة مثلا بلا سفر وبالعكس، بخلاف القبيح لعينه وضعا كالكفر أو شرعا كبيع الحر فإنه يعدم المشروعية، وتمام بيانه في كتب الاصول.
قوله: حاجة، لان مصره متعين للاقامة فلا يحتاج إلى نية.
جوهرة، ودخل في موضع المقام ما ألحق به كالربض كما أفاده القهستاني.
قوله: (إن سار الخ) قيد لقوله: حتى يدخل أي إنما يدوم على القصر إلى الدخول إن سار ثلاثة أيام.
قوله: (وإلا فيتم الخ) أي ولو في المفازة وقياسه أن لا يحل فطره في رمضان ولو بينه وبين بلده يومان لانه يقبل النقض قبل استحكامه إذ لم يتم علة، فكانت الاقامة نقضا للسفر العارض، لا ابتداء علة للاتمام، أفاده في الفتح.
ثم بحث فقال: ولو قيل العلة مفارقة البيوت قاصدا مسيرة ثلاثة أيام لا استكمال سفره ثلاثة أيام بدليل ثبوت حكم السفر بمجرد ذلك وقد تمت العلة لحكم السفر، فيثبت حكمه ما لم تثبت علة حكم الاقامة احتاج إلى
الجواب ا ه.
ولما قوي البحث عند صاحب البحر وخفي عليه الجواب قال: الذي يظهر أنه لا بد من دخوله المصر مطلقا، واعترضه في النهر بأن إبطال الدليل المعين لا يستلزم إبطال المدلول ا ه.
أقول: ويظهر لي في الجواب أن العلة في الحقيقة هي المشقة وأقيم السفر مقامها، ولكن لا تثبت عليتها إلا بشرط ابتداء وشرط بقاء، فالاول مفارقة البيوت قاصدا مسيرة ثلاثة أيام، والثاني استكمال السفر ثلاثة أيام، فإذا وجد الشرط الاول ثبت حكمها ابتداء، فلذا يقصر بمجرد مفارق العمران ناويا، ولا يدوم إلا بالشرط الثاني فهو شرط لاستحكامها علة، فإذا عزم على ترك السفر قبل تمامه بطل بقاؤها علة لقبولها النقض قبل الاستحكام، ومضى فعله في الابتداء على الصحة لوجود(2/134)
شرطه، ولذا لو لم يصل لعذر ثم رجع يقضيها مقصورة كما قدمناه، فتدبره.
قوله: (ولو في الصلاة) شمل ما إذا كان في أولها أو وسطها أو آخرها، أو كان منفردا أو مقتديا مدركا أو مسبوقا، بحر.
وشمل ما إذا كان عليه سجود ونوى الاقامة قبل السلام والسجود أو بعدهما، أما لو نواها بينهما فلا تصح نيته بالنسبة لهذه الصلاة فلا يتغير فرضها إلى الاربع كما أوضحناه في بابه، فافهم.
قوله: (إذا لم يخرج وقتها) أي قبل أن ينوي الاقامة، لانه إذا نواها بعد صلاة ركعة ثم خرج الوقت تحول فرضه إلى الاربع، أما لو خرج الوقت وهو فيها ثم نوى الاقامة فلا يتحول في حق تلك الصلاة كما في البحر عن الخلاصة.
قوله: (ولم يك لاحقا) أما اللاحق إذا أدرك أول الصلاة والامام مسافر فأحدث أو نام فانتبه بعد فراغ الامام ونوى الاقامة ولم يتم، لان اللاحق في الحكم كأنه خلف الامام إذا فرغ الامام فقد استحكم الفرض فلا يتغير في حق الامام، فكذا في حق اللاحق.
بحر عن الخلاصة.
فقيد حكم اللاحق بكونه بعد فراغ الامام وقد تركه الشارح.
قوله: (حقيقة أو حكما) تعميم لقوله: ينوي.
قوله: (لو دخل الحاج) أي في أول شوال أو قبله ح.
والمراد بالحاج: الرجل القاصد الحج.
قوله: (وعلم الخ) أي علم أن القافلة إنما تخرج بعد خمسة عشر يوما وعزم أن لا يخرج إلا معهم.
بحر عن المحيط.
وإنما كان ذلك نية للاقامة حكما لا حقيقة، لانه نوى الخروج بعد خمسة
عشر يوما وهي متضمنة نية الاقامة تلك المدة.
تأمل.
قوله: (بموضع) متعلق ب إقامة في كلام المصنف لا كلام الشارح، لئلا يخرج عن كونه شرطا لصحة النية.
قوله: (صالح لها) هذا إن سار ثلاثة أيام، وإلا فتصح ولو في المفازة، وفيه من البحث ما قدمناه.
بحر.
وقدمنا جوابه.
والحاصل أن نية الاقامة قبل تمام المدة تكون نقضا للسفر كنية العود إلى بلده والسفر قبل استحكامه يقبل النقض.
قوله: (أو صحراء دارنا) احتراز عن صحراء دار أهل الحرب فحكمه حينئذ كحكم العسكر الداخل في أرضهم ط.
قوله: (وهو من أهل الاخبية) قيد في قوله: أو صحراء دارنا وهذا هو الاصح كما سيأتي متنا مع بيان محترزه.
قوله: (في أقل منه) ظاهره ولو بساعة واحدة، وهذا شروع في محترز ما تقدم ط.
قوله: (أو نوى فيه) أي في نصف شهر.
قوله: (كبحر) قال في المجتبى: والملاح مسافر، إلا عند الحسن، وسفينته أيضا ليست بوطن ا ه بحر.
وظاهره ولو كان ماله وأهله معه فيها، ثم رأيته صريحا في المعراج.
قوله: (أو جزيرة) أي ليس لها أهل يسكنونها.
قوله: (أو نوى فيه) أي في صالح لها.
قوله: (بموضعين مستقلين) لا فرق بين المصرين والقريتين والمصر والقرية.
بحر.
قوله: (فلو دخل الخ) هو ضد مسألة دخول الحاج الشام فإنه يصير مقيما حكما وإن لم ينو الاقامة، وهذا مسافر حكما وإن نوى الاقامة لعدم انقضاء(2/135)
سفره ما دام عازما على الخروج قبل خمسة عشر يوما.
أفاده الرحمتي.
قيل: هذه المسألة كانت سببا لتفقه عيسى بن أبان، وذلك أنه كان مشغولا بطلب الحديث قال: فدخلت مكة في أول العشر من ذي الحجة مع صاحب لي وعزمت على الاقامة شهرا، فجعلت أتم الصلاة، فلقيني بعض أصحاب أبي حنيفة فقال لي: أخطأت فإنك تخرج إلى منى وعرفات، فلما رجعت من منى بدالصاحبي أن يخرج وعزمت على أن أصاحبه، وجعلت أقصر الصلاة، فقال لي صاحب أبي حنيفة: أخطأت، فإنك مقيم بمكة فما لم تخرج منها لا تصير مسافرا، فقلت: أخطأت في مسألة في موضعين، فرحلت إلى مجلس محمد واشتغلت بالفقه.
قال في البدائع: وإنما أوردنا هذه الحكاية ليعلم مبلغ العلم فيصير مبعثة للطلبة على طلبه ا ه بحر.
أقول: ويظهر من هذه الحكاية أن نيته الاقامة لم تعمل عملها إلا بعد رجوعه لوجود خمسة عشر يوما بلا نية خروج في أثنائها، بخلاف ما قبل خروجه إلى عرفات، لانه لما كان عازما على الخروج قبل تمام نصف شهر لم يصر مقيما، ويحتمل أن يكون جدد نية الاقامة بعد رجوعه، وبهذا سقط ما أورده العلامة القاري في شرح اللباب من أن في كلام صاحب الامام تعارضا، حيث حكم أولا بأنه مسافر، وثانيا بأنه مقيم مع أن المسألة بحالها، والمفهوم من المتون أنه لو نوى في إحداهما نصف شهر صح، فحينئذ لا يضره خروجه إلى عرفات، إذ لا يشترط كونه نصف شهر متواليا بحيث لا يخرج فيه ا ه ملخصا.
ووجه السقوط أن التوالي لا يشترط إذا لم يكن من عزمه الخروج إلى موضع آخر لانه يكون ناويا الاقامة في موضعين، نعم بعد رجوعه من منى صحت نيته لعزمه على الاقامة نصف شهر في مكان واحد، والله أعلم.
قوله: (كما لو نوى مبيته بأحدهما) فإن دخل أولا الموضع الذي نوى المقام فيه نهارا لا يصير مقيما، وإن دخل أولا ما نوى المبيت فيه يصير مقيما، ثم بالخروج إلى الموضع الآخر لا يصير مسافرا، لان موضع إقامة الرجل حيث يبيت به.
حلية.
قوله: (أو كان أحدهما تبعا للآخر) كالقرية التي قربت من المصر بحيث يسمع النداء على ما يأتي في الجمعة.
وفي البحر: لو كان الموضعان من مصر واحد أو قرية واحدة فإنها صحيحة لانهما متحدان حكما، ألا ترى أنه لو خرج إليه مسافرا لم يقصر ا ه ط.
قوله: (بحيث تجب) حيثية تفسير للتبعية ح.
قوله: (أو لم يكن مستقلا برأيه) عطف على قوله: إن نوى أقل منه وصورته: نوى التابع الاقامة ولم ينوها المتبوع أو لم يدر حاله فإنه لا يتم ا ه ح.
والمسألة ستأتي مع بيان شروطها والخلاف فيها.
قوله: (أو دخل بلدة) أي لقضاء حاجة أو انتظار رفقة.
قوله: (ولم ينوها) وكذا إذا نواها وهو مترقب للسفر كما في البحر لان حالته تنافي عزيمته.
قوله: (كما مر) أي في مسألة دخول الحاج الشام.
قوله: (أو حاصر حصنا فيها) أشار به إلى أنه لا فرق في المحاصرة بين أن تكون للمدينة أو الحصن بعد ما دخلوا المدينة كما في البحر، ومثل ذلك لو كانت المحاصرة للمصر على سطح البحر فإن لسطح البحر حكم دار الحرب.
حموي عن شرح النظم الهاملي ط.
قوله: فإنه يتم) لان أهل(2/136)
الحرب لا يتعرضون له لاجل الامان.
بحر عن النهاية ط.
قوله: في غير مصر) بدل من قوله: في دارنا أو متعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل حاصلا متعلق ب حاصر لئلا يلزم تعلق حرفي جر متحدي اللفظ والمعنى بعامل واحد.
ثم اعلم: أن التقييد بغير المصر وقع في الجامع الصغير والهداية والكنز وغيرها، وهو يوهم صحة نية الاقامة ولو نزلوا في المصر وحاصروا حصنا فيه.
قال في المعراج: لان إطلاق ما ذكر في المبسوط يدل على أنه ليس كذلك، وأطال في بيانه، وكذا نص في العناية على أنه ليس بقيد كما يقتضيه التعليل الآتي، وذكر عبارته الشرنبلالي ومشى عليه في متنه.
قوله: (للتردد بين القرار والفرار) الاول بالقاف والثاني بالفاء: أي فكانت حالتهم تنافي عزيمتهم، والاطلاق شامل لما إذا كانت الشوكة لعسكرنا لاحتمال وصول المدد للعدو أو وجود مكيدة كما في الفتح.
وفي البحر عن التجنيس: إذا غلبوا على مدينة الحرب: إن اتخذوها دارا أتموا، وإلا بل أرادوا الاقامة بها شهرا أو أكثر قصروا لبقائها دار حرب وهم محاربون فيها، بخلاف الاول ا ه.
تنبيه: لو انفلت الاسير من الكفار وتوطن في غار ونوى الاقامة فيه نصف شهرلم يصر مقيما، كما لو علموا بإسلامه فهرب منهم يريد مسيرة السفر لم تعتبر نيت، كذا في الخلاصة والخانية.
ووجه الاول كما يفيده كلام الفتح كون حاله مترددا، لانه إذا وجد الفرصة قبل تمام المدة خرج، وأما الثاني فمشكل.
وحمله في شرح المنية على أن المراد من قولهم لم تعتبر نيته: أي نية الاقامة لا نية السفر، وإلا فقد صرح في التاترخانية عن المحيط بأنه يقصر، وكذا جعل في الذخيرة حكم المسألة الثانية كالاولى فأفاد لزوم القصر فيهما.
قوله: (الاخبية) جمع خباء ككساء، قال في المغرب: هو الخيمة من الصوف.
قوله: (كعرب) المناسب قول غيره كأعراب لما في المغرب العرب: هم الذين استوطنوا المدن والقرى العربية، والاعراب: أهل البدو.
قوله: (في الاصح) وقيل يقصرون لانه ليس موضع الاقامة حينئذ.
قوله: (لان الاقامة أصل) علة لقوله: فإنها تصح أي نيتهم الاقامة قال في البحر: وظاهر كلام البدائع أن أهل الاخبية لا يحتاجون إلى نية الاقامة، فإنه
جعل المفاوز لهم كالامصار والقرى لاهلها، ولان الاقامة للرجل أصل، والسفر عارض، ولا ينوون السفر وإنما ينتقلون من ماء إلى ماء ومن مرعى إلى آخر ا ه.
قوله: (بينهما) أي بين موضعهم والموضع الذي قصدوه.
قوله: (إن نووا سفرا) فيه مسامحة مع قوله: إلا إذا قصدوا ح.(2/137)
قوله: (لم يصح في الاصح) وروي عن أبي يوسف أنه يصير مقيما.
ح عن البحر.
قوله: (والحاصل) أي من كلام المصنف، لكن اشتراط ترك السير لم يعلم من كلام المصنف.
تأمل.
قوله: (ستة) زاد في الحلية شرطا آخر وهو أن لا تكون حالته منافية لعزيمته، قال: كما صرحوا به في مسائل ا ه: أي كمسألة من دخل بلدة لحاجة ومسألة العسكر، فافهم.
ثم هذه شروط الامام بعد تحقق مدة السفر، وإلا فلا، فلو عزم على الرجوع إلى بلده قبل سيرة ثلاثة أيام على قصد قطع السفر فإنه يتم كما مر، وكذا لو رجع إلى بلدته لاخذ حاجة نسيها كما سنذكره.
قوله: (وترك السير) أي إذا كان في مفازة ونوى الاقامة فيما سيدخله من مصر أو قرية، أما لو وجدت هذه الامور وقد دخل مصرا أو قرية وهو يسير لطلب منزل أو نحوه فينبغي أن تصح نيته.
حلية.
قوله: (وصلاحيته) أي صلاحية الموضع للاقامة.
قوله: (إن قعد الخ) لان القعدة على رأس الركعتين فرض على المسافر لانها آخر صلاته.
قال في البحر: وأشار إلى أنه لا بد أن يقرأ في الاوليين، فلو ترك فيهما أو في إحداهما وقرأ في الاخريين لم يصح فرضه ا ه.
وأطلقه فشمل ما إذا نوى أربعا أو ركعتين، خلافا لما أفاده الدرر من اشتراط النية ركعتين لما في الشرنبلالية من أنه لا يشترط نية عدد الركعات، ولما صرح به الزيلعي في باب السهو من أن الساهي لو سلم للقطع يسجد لانه نوى تغيير المشروع فتلغو، كما لو نوى الظهر ستا أو نوى مسافرا الظهر أربعا.
أفاده أبو السعود عن شيخه.
قلت: لكن ذكر في الجوهرة أنه يصح عند أبي يوسف ولا يصح عند محمد.
قوله: (لتأخير لسلام) مقتضى ما قدمه في سجود السهو أن يقول: لتركه السلام فإنه ذكر أنه إذا صلى خامسة بعد القعود الاخير يضم إليها سادسة ويسجد للسهو لتركه السلام، وإن تذكر وعاد قبل أن يقيد الخامسة
بسجدة يسجد للسهو لتأخيره السلام: أي سلام الفرض، ومسألتنا نظير الاولى لا الثانية.
أفاده الرحمتي.
قلت: لكن ما هنا أظهر.
قوله: (وترك واجب القصر) الاضافة بيانية: أي واجب هو القصر، أو من إضافة الصفة للموصوف كجرد قطيفة: أي القصر الواجب، وفيه التصريح بأنه غير فرض كما قدمنا ما يفيده عن شرح المنية، ولو كان الواجب هنا بمعنى الفرض لما صح وإن قعد فافهم.
ثم إن ترك واجب القصر مستلزم لترك السلام وتكبيرة النفل وخلط النفل بالفرض، وظاهر كلامه أنه يأثم بتركه زيادة على إثمه بهذه اللوازم.
تأمل.
قوله: (وواجب تكبيرة الخ) لان بناء النفل على الفرض مكروه، وهذا هو خلط النفل بالفرض.
رحمتي.
لكن قول الشارح وخلط النفل بالفرض يقتضي أنه غير ما قبله ويلزمه أن افتتاح النفل بتكبير مستأنفة واجب، مع أن بناء النفل على لنفل غيمكروه.
أفاده ط.
قوله: (وهذا) أي ما ذكر من اللوازم الاربعة ط.
قوله: (بعد أن فسر أساء بأثم) وكذا صرح في البحر بتأثيمه، فعلم أن الاساءة هنا كراهة التحريم.
رحمتي.
قوله:(2/138)
(واستحق النار) أي إذا لم يتب أو يعف عنها لعزيز الغفار ط.
قوله: (وصار الكل نفلا) أي بتقييده الثالثة بسجدة لتمكنه من العود قبلها، وهذا عندهما بناء على أنه إذا بطل الوصف لا يبطل الاصل، خلافا لمحمد قوله: (لترك القعدة) علة لبطلان الفرض، ثم القعدة وإن كانت فرضا في النفل أيضا، لكنه إذا لم يأت بها في آخر الشفع تصير الخاتمة هي الفرض كما بيناه في باب النوافل.
قوله: (إلا إذا نوى الاقامة قبل أن يقيد الثالثة بسجدة) أي فإنه إذا نواها حينئذ صحت نيته وتحول فرضه إلى الاربع، ثم إن كان قرأ في الاوليين تخير فيها في الاخريين.
وإلا قرأ قضاء عن الاوليين، وهذا كله سواء قعد القعدة الاولى أو لا، فالاستثناء في كلامه راجع إلى المسألتين، وأما إذا نوى بعد أن قيد الثالثة بسجدة، فإن كان قعد القعدة الاولى فقد علمت أنه تم فرضه بالركعتين فلا يتحول ويضيف إليها أخرى ولو أفسدها لا شئ عليه، وإن لم يقعد بطل فرضه، وبضم إليها أخرى لتصير الاربع نافلة، خلافا لمحمد كما مر.
هذا خلاصة ما نقله ط عن البحر، وقد أفاد بهذا الاستثناء أن قول المصنف: بطل فرضه أي بطلانا موقوفا لا باتا، وإلا لم تصح نيته.
قوله: (فلا ينوب) أي النفل.
قوله: (ولو نوى في السجدة) أي سجدة الثالثة صار نفلا، وهذا جرى على مذهب أبي يوسف من أن السجدة تتم بالوضع.
والصحيح مذهب محمد من أنها لا تتم إلا بالرفع، ففي هذه الصورة ينقلب فرضه أربعا في الاصح ا ه ح: أي سواء قعد القعدة الاولى أو لا.
وأما على قول أبي يوسف: فإن قعد تم فرضه بالركعتين وإلا انقلب الكل نفلا، فقوله: صار نفلا خاص بما إذا لم يقعد.
قوله: (فإذا قام المقيم الخ) أي بعد سلام الامام المسافر، فلو قام قبله فنوى الامام الاقامة قبل أن يقيد المأمور ركعته بسجدة رفض ما أتى به وتابعه، وإن لم يفصل فسدت، وإن نوى بعده لا يتابعه، ولو تابعه فسدت كما في الفتح.
قوله: (في الاصح) كذا في الهداية، والقول بوجوب القراءة كوجوب السهو ضعيف، والاستشهاد له بوجوب السهو استشهاد بضعيف موهم أنه مجمع عليه.
شرنبلالية.
قوله: (وقيل لا) أي قيل إن القعدة الاولى ليست فرضا عليه ا ه ح.
قوله: (أن العلم) بفتح الهمزة بدل من الخانية على حذف مضاف: أي كلام الخانية ح.
ثم وجه المخالفة أنه إذا كان يشترط لصحة الاقتداء العلم بحال الامام من كونه مسافرا أو مقيما لا يكون لقول الامام أتموا صلاتكم فائدة لان المتبادر أن الشرط لا بد من وجوده في الاقتداء، واتفاقهم على استحباب قول الامام ذلك لرفع التوهم ينافي اشتراط العلم بحاله في الابتداء.
قوله: (لكن الخ) أورد ذلك سؤالا في النهاية والسراج والتاترخانية، ثم أجابوا بما يرجع إلى ذلك الجواب، وحاصله: تسليم اشتراط العلم بحال الامام، ولكن لا يلزم كونه في الابتداء، فحيث لم يعلموا ابتداء بحاله كان الاخبار مندوبا وحينئذ فلا مخالفة، فافهم.
وإنما لم يجب مع كون إصلاح صلاتهم يحصل به، وما يحصل به ذلك فهو واجب على الامام لانه لم يتعين، فإنه ينبغي أن يتموا ثم يسألونه كما في البحر، أو لانه إذا سلم على الركعتين فالظاهر من حاله أنه مسافر حملا له على الصلاح، فيكون ذلك مندوبا لا واجبا لانه زيادة إعلام كما في العناية.
أقول: لكن حمل حاله على الصلا ينافي اشتراط العلم، نعم ذكر في البحر عن المبسوط والقنية ما حاصله: أنه إذ صلى في مصر أو قرية ركعتين، وهم لا يدرون حاله فصلاتهم فاسدة(2/139)
وإن كانوا مسافرين لان الظاهر من حال من كان في موضع الاقامة أنه مقيم، والبناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه، أما إذا صلى خارج المصر لا تفسد، ويجوز الاخذ بالظاهر وهو السفر في مثله ا ه.
والحاصل أنه يشترط العلم بحال الامام إذا صلى بهم ركعتين في موضع إقامة، وإلا فلا.
قوله: (قبل شروعه) أي لاحتمال أن يكون معه من لا يعرف حالفيتكلم لاعتقاده فساد صلاته قبل إخبار الامام بعد السلام.
قوله: (في الاصح) وقيبعد التسليمة الاولى.
قال المقدسي: وينبغي ترجيحه في زماننا ط.
قوله: (لم يصر مقيما) فلو أتم المقيمون صلاتهم معه فسدت لانه اقتداء المفترض بالمتنفل.
ظهيرية: أي إذا قصدوا متابعته، أما لو نووا مفارقته ووافقوه صورة فلا فساد.
أفاده الخير الرملي.
قوله: (وأما اقتداء المسافر بالمقيم) هذا عكس مسألة المتن وقد ذكره في الكنز وغيره، لكن استغنى المصنف عنه لذكره إياه في باب الامامة.
قوله: (فيصح في الوقت ويتم) أي سواء بقي الوقت أو خرج قبل إتمامها لتغير فرضه بالتبعية لاتصال المغير بالسبب وهو الوقت، ولو أفسده صلى ركعتين لزوال المغير، بخلاف ما لو اقتدى به متنفلا حيث يصلي أربعا إذا أفسده لانه التزم صلاة الامام، وتصير القعدة الاولى واجبة في حق المقتدي المسافر أيضا، حتى لو تركها الامام ولو عامدا وتابعه المسافر لا تفسد صلاته على ما عليه الفتوى، وقيل تفسد، كذا في السراج ولا وجه له يظهر.
نهر.
قوله: (لا بعده) أي لا يصح اقتداؤه بعد خروج الوقت لعدم تغيره لانقضاء السبب، وهذا إذا كانت فائتة في حق الامام والمأموم فلو في حق الامام فقط يصح كما لو اقتدى حنفي في الظهر بشافعي أو بمن يرى قولهما بعد المثل قبل المثلين كما في السراج.
قال في البحر: وهو قيد حسن، لكن الاولى اشتراط كونها فائتة في حق المأموم فقط سواء فاتت الامام أو لا كمن صلى ركعة من الظهر مثلا فخرج الوقت فاقتدى به مسافر فإنها فائتة في حق المسافر لا المقيم ا ه أي فلا يصح الاقتداء، لكن فوتها في حق المأموم فقط ليس هو الشرط وحده، لان فوتها في حقهما معا كذلك بالاولى.
قوله: (فيما يتغير) متعلق بيصح المقدر في قوله: لا بعده واحترز به عن الاقتداء بعد الوقت في الصلاة التي لا تتغير في السفر كالثنائية والثلاثية فإنه يصح.
وفي
البحر هذا القيد مفهوم من قوله صح وأتم، بل لا حاجة إليه أصلا لان السفر مؤثر في الرباعي فقط.
قوله: (في حق القعدة) فإنها تصير فرضا في حق المأموم وغير فرض في حق الامام، وهو المراد بالنفل لانه ما قابل الفرض فيدخل فيه القعدة الواجبة.
بجر.
قوله: (أو القراءة الخ) لان قراءة الامام في الاخريين نافلة في حقه فرض في حق المأموم.
فللم يقرأ في الاوليين واقتدى به في(2/140)
الشفع الثاني ففيه روايتان، ومقتضى المتون عد الصحة مطلقا.
قال في المحيط: لان القراءة في الاخرين قضاء عن الاوليين، والقضاء يلتحق بمحله فلا يبقى للاخريين قراءة ا ه بحر.
تنبيه: زاد الزيلعي أو التحريمة، وعزاه في السراج إلى الحواشي فيدخل فيه ما لو اقتدى به في القعدة الاخيرة فإنه لا يصح، لان تحريمته اشتملت على نفلية القعدة الاولى والقراءة، بخلاف الامام وهذا معنى قول السراج: لان تحريمة المأموم اشتملت على الفرض لا غير، وقوله في البحر: إنه ليس بظاهر: ليس بظاهر، وتمامه في النهر.
أقول: وعليه فذكر التحريمة يغني عن ذكر القعدة والقراءة لشمول التعليل بها للاقتداء في جميع أجزاء الصلاة لا في القعدة الاخيرة فقط.
قوله: (ويأتي المسافر بالسنن) أي الرواتب، ولم يتعرض للقراءة لذكره لها في فصل القرءاة حيث قال في المتن: ويسن في السفر مطلقا الفاتحة وأي سورة شاء، وتقدم أنه فرق في الهداية بين حالة القرار والفرار، وتقدم الكلام فيه.
وقال في التاترخانية: ويخفف القراءة في السفر في الصلوا ت، فقد صح أن رسول الله (ص) قرأ في الفجر في السفر الكافرون والاخلاص وأطول الصلاة قراءة الفجر، وأما التسبيحات فلا ينقصها عن الثلاث ا ه.
قوله: (هو المختار) وقيل الافضل الترك ترخيصا، وقيل الفعل تقربا.
وقال الهندواني: الفعل حال النزول، والترك حال السير.
وقيل يصلي سنة الفجر خاصة، وقيل سنة المغرب أيضا.
بحر.
قال في شرح المنية: والاعدل ما قاله الهندواني ا ه.
قلت: والظاهر أن ما في المتن هو هذا، وأن المراد بالامن والقرار النزول، وبالخوف والفرار السير، لكن قدمنا في فصل القراءة أنه عبر عن الفرار بالعجلة لانها في السفر تكون غالبا من
الخوف.
تأمل.
قوله، (والمعتبر في تغيير الفرض) أي من قصر إلى إتمام وبالعكس.
قوله: (وهو) أي آخر الوقت قدر ما يسع التحريمة، كذا في الشرنبلالية والبحر والنهر، والذي في شرح المنية تفسيره بما لا يبقى منه قدر ما يسع التحريمة، وعند زفر بما لا يسع فيه أداء الصلاة.
قوله: (وجب ركعتان) أي وإن كان في أوله مقيما.
وقوله: وإلا فأربع أي وإن لم يكن في آخره مسافرا بأن كان مقيما في آخره فالواجب أربع.
قال في النهر: وعلى هذا قالوا: لو صلى الظهر أربعا ثم سافر: أي في الوقت فصلى العصر ركعتين ثم رجع إلى منزله لحاجة فتبين أنه صلاهما بلا وضوء صلى الظهر ركعتين والعصر أربعا، لانه كان مسافرا في آخر وقت الظهر ومقيما في العصر.
قوله: (لانه) أي آخر الوقت.
قوله: (عند عدم الاداء قبله) أي قبل الآخر.
والحاصل أن السبب هو الجزء الذي يتصل به الاداء أو الجزء الاخير إن لم يؤد قبله، وإن لم يؤد حتى خرج الوقت فالسبب هو كل الوقت.
قال في البحر: وفائدة إضافته إلى الجزء الاخير(2/141)
اعتبار حال المكلف فيه، فلو بلغ صبي أو أسلم كافر أو أفاق مجنون، أو طهرت الحائض أو النفساء في آخره لزمتهم الصلاة، ولو كان الصبي قد صلاها في أوله، وبعكسه لو جن أو حاضت أو نفست فيه لفقد الاهلية عند وجود السبب، وفائدة إضافته إلى الكل عند خلوه عن الاداء أنه لا يجوز قضاء عصر الامس في وقت التغير، وتمام تحقيقه في كتب الاصول.
مطلب في الوطن الاصلي ووطن الاقامة قوله: (الوطن الاصلي) ويسمى بالاهلي ووطن الفطرة والقرار.
ح عن القهستاني.
قوله: (أو تأهله) أي تزوجه.
قال في شرح المنية: ولو تزوج المسافر ببلد ولم ينو الاقامة به فقيل لا يصير مقيما، وقيل يصير مقيما، وهو الاوجه ولو كان له أهل ببلدتين فأيتهما دخلها صار مقيما، فإن ماتت زوجته في إحداهما وبقي له فيها دور وعقار قيل لا يبقى وطنا له، إذ المعتبر الاهل دون الدار، كما لو تأهل ببلد واستقرت سكنا له وليس له فيها دار، وقيل تبقى ا ه.
قوله: (أو توطنه) أي عزم على القرار فيه وعدم الارتحال وإن لم يتأهل، فلو كان له أبوان ببلد غير مولده وهو بالغ ولم يتأهل به
فليس ذلك وطناله، إلا إذا عزم على القرار فيه وترك الوطن الذي كان له قبله.
شرح المنية.
قوله: (يبطل بمثله) سواء كان بينهما مسيرة سفر أو لا، ولا خلاف في ذلك كما في المحيط قهستاني، وقيد بقوله: بمثله لانه لو انتقل منه قاصدا غيره ثم بدا له أن يتوطن في مكان آخر قمر بالاول أتم لانه لم يتوطن غيره.
نهر.
قوله: (إذا لم يبله بالاول أهل) أي وإن بقي له فيه عقار.
قال في النهر: ولو نقل أهله ومتاعه وله دور في البلد لا تبقى وطنا له، وقيل تبقى، كذا في المحيط وغيره.
قوله: (بل يتم فيهما) أي بمجرد الدخول وإن لم ينو إقامة ط.
قوله: (ويبطل وطن الاقامة) يسمى أيضا الوطن المستعار والحادث، وهو ما خرج إليه بنية إقامة نصف شهر سواء كان بينه وبين الاصلي مسيرة السفر أو لا، وهذا رواية ابن سماعة عن محمد، وعنه أن المسافة شرط، والاول هو المختار عند الاكثرين.
قهستاني.
قوله: (بمثله) أي سواء كان بينهما مسيرة سفر أو لا.
قهستاني.
قوله: (وبالوطن الاصلي) كما إذا توطن بمكة نصف شهر ثم تأهل بمنى.
أفاده القهستاني.
قوله: (وبإنشاء السفر) أي منه، وكذا من غيره إذا لم يمر فيه عليه قبل سير مدة السفر.
قال في الفتح: إن السفر الناقض لوطن الاقامة ما ليس فيه مرور على وطن الاقامة، أو ما يكون المرور فيه به بعد سير مدة السفر ا ه.
أقول: ويوضح ذلك ما في الكافي والتاترخانية: خراساني قدم بغداد ليقيم بها نصف شهر ومكي قدم الكوفة كذلك، ثم خرج كل منهما إلى قصر ابن هبيرة، فإنهما يتمان في طريق القصر، لان من بغداد إلى الكوفة أربعة أيام، والقصر متوسط بينهما، فإن أقاما في القصر نصف شهر بطل وطنهما ببغداد والكوفة لانه مثله، فإن خرجا بعده من القصر إلى الكوفة يتمان أيضا، فإن أقاما بها يوما مثلا ثم خرجا منها إلى بغداد وقصد المرور بالقصر يتمان إلى القصر، وفيه: ومنه إلى بغداد لانه صار وطن إقامة لهما، فإذا قصدا الدخول فيه لم يصح سفرهما إذا لم يقصدا مسيرة سفر حتى لو لم يقصدا الدخول فيه قصرا كما لو خرجا من الكوفة لقصدهما مسيرة السفر، وأن المكي حين خرج من كوفة قصد بغداد أو الخراساني الكوفة والتقيا بالقصر وخرجا إلى الكوفة ليقيما فيها يوما ثم يرجعا إلى بغداد قصرا إلى الكوفة، وكذا إلى بغداد لقصد كل منهما مسيرة سفر، أما الخراساني فلانه ماض على سفره، وأما المكي فلان وطنه بالكوفة انتقض بإنشاء السفر، والقصر إذا لم يكن(2/142)
وطنا لهما فقصد المرور به لا يمنع صحة السفر ا ه.
وأفاد قوله: وأما المكي الخ، أن إنشاء السفر من وطن الاقامة مبطل له وإن عاد إليه، ولذا قال في البدائع: لو أقام خراساني بالكوفة نصف شهر ثم خرج منها إلى مكة فقبل أن يسير ثلاثة أيام عاد إلى الكوفة لحاجة فإنه يقصر، لان وطنه قد بطل بالسفر ا ه.
والحاصل: أن إنشاء السفر يبطل وطن الاقامة إذا كان منه، أما لو أنشأه من غيره: فإن لم يكن فيه مرور على وطن الاقامة أو كان ولكن بعد سير ثلاثة أيام فكذلك، ولو قبله لم يبطل الوطن بل يبطل السفر، لان قيام الوطن مانع من صحته، والله أعلم.
قوله: (والاصل أن الشئ يبطل بمثله) كما يبطل الوطن الاصلي بالوطن الاصلي ووطن الاقامة بوطن الاقامة ووطن السكنى بوطن السكنى.
وقوله: وبما فوقه أي كما يبطل وطن الاقامة بالوطن الاصلي، وكما يبطل وطن السكنى بالوطن الاصلي وبوطن الاقامة، وينبغي أن يزيد وبضده كبطلان وطن الاقامة والسكنى بالسفر فإنه في البحر علل لذلك بقوله: لانه ضده.
قوله: (لا بما دونه) كما لم يبطل الوطن الاصلي بوطن الاقامة ولا بوطن السكنى ولا بإنشاء السفر، وكما لم يبطل وطن الاقامة بوطن السكنى ح.
قوله: (وما صوره الزيلعي) حيث قال: رجل خرج من مصره إلى قرية لحاجة ولم يقصد السفر ونوى أن يقيم فيها أقل من خمسة عشر يوما فإنه يتم فيها لانه مقيم، ثم خرج من القرية لا للسفر ثم بدا له أن يسافر قبل أن يدخل مصره وقبل أن يقيم ليلة في موضع آخر فسافر فإنه يقصر، ولو مر بتلك القرية ودخلها أتم لانه لم يوجد ما يبطله مما هو فوقه أو مثله ا ه ح.
قوله: (رده في البحر) بأن السفر باق لم يوجد ما يبطله، وهو مبطل لوطن السكنى على تقدير اعتباره، لان السفر يبطل وطن الاقامة فكيف لا يبطل وطن السكنى، فقوله لانه لم يوجد ما يبطله ممنوع ا ه.
قال ح: واعترضه شيخنا بأن المبطل لهما سفر مبتدأ منهما.
وأما إذا خرج منهما إلى ما دون مدة السفر ثم أنشأ سفرا فإنهما لا يبطلان فإذا مر بهما أتم اه.
ونقل الخير الرملي مثله عن خط بعضهم وأقره.
قال ح: وهو وجيه، فإن من نوى الاقامة بموضع نصف شهر ثم خرج منه لا يريد السفر ثم عاد مريدا سفرا ومر بذلك أتم مع أنه أنشأ سفرا بعد اتخاذ هذا الموضع دار إقامة، فثبت أن إنشاء السفر لا يبطل وطن الاقامة، إلا إذا أنشأ السفر منه فليكن وطن السكنى كذلك، فما صوره الزيلعي صحيح، ومن تصويره علمت أنه لا بد أن يكون بين الوطن الاصلي وبين وطن السكنى أقل من مدة السفر، وكذا بين وطن الاقامة ووطن السكنى ا ه.
أقول: قد علمت أن السفر المبطل للوطن لا يختص بالمنشأ منه، بل يكون بالمنشأ من غيره إذا لم يكن فيه مرور عليه قبل سير ثلاثة أيام، لكن هنا فيه مرور على الوطن قبل سير مدة السفر وقد أيد في الظهيرية قول عامة المشايخ باعتبار وطن السكنى بأن الامام السرخسي ذكر مسألة تدل عليه.
وهي: كوفي خرج إلى القادسية لحاجة وبينهما دون مسيرة السفر ثم خرج منها إلى الحيرة يريد الشام، حتى إذا كان قريبا منها بدا له الرجوع إلى القادسية ليحمل ثقله منها ويرتحل إلى الشام ولا(2/143)
يمر بالكوفة: أتم حتى يرتحل من القادسية استحسانا لانها كانت له وطن السكنى، ولم يظهر له بقصد الحيرة وطن سكنى آخر ما لم يدخلها فيبقى وطنه بالقادسية، ولا ينتقض بهذا الخروج كما لو خرج منهالتشييع جنازة ونحوه ا ه ملخصا.
أقول: ويمكن أن يوفق بين القولين بأن وطن السكنى إن كان اتخذه بعد تحقق السفر لم يعتبر اتفاقا، وإلا اعتبر اتفاقا، فإذا دخل المسافر بلدة ونوى أن يقيم بها يوما مثلا ثم خرج منها ثم رجع إليها قصر فيها كما كان يقصر قبل خروجه، وعليه يحمل كلام المحققين لقول البحر، إنهم قالوا لا فائدة فيه، لانه يبقى فيه مسافرا على حاله فصار وجوده كعدمه ا ه.
فقولهم: لانه يبقى فيه مسافرا على حاله ظاهر في أنه كان مسافرا قبل اتخاذه وطنا، وما قاله عامة المشايخ محمول على ما إذا اتخذه وطنا قبل سفره كما صوره الزيلعي والامام السرخسي، هذا ما ظهر لي والله أعلم.
قوله: (لانه الاصل) فهو المتمكن من الاقامة والسفر.
قوله: (وفاها مهرها المعجل) وإلا فلا تكون تبعا، لان لها أن تحبس نفسها عن الزوج للمعجل دون المؤجل ولا تسكن حيث يسكن.
بحر.
وقلت: وفيه أن هذا شرط لثبوت إخراجها وسفره بها على أحد القولين وكلامنا بعده، ولهذا قال في شرح المنية: والاوجه أنها تبع مطلقا، لانها إذا خرجت معه للسفر لم يبق لها أتتخلف عنه ا ه.
وقد يجاب: بأنها إذا ثبت لها حبس نفسها عن إخراجها من بلدها لاجل استيفاء معجلها فكذا يثبت لها إذا وصلت إلى بلدة أو قرية فتصح نيته الاقامة بها، لانها حينئذ غير تبع له وإن كانت تبعا له في المفازة.
قوله، (غير مكاتب) قال في البحر: وأطلق في العبد فشمل القن والمدبر وأم الولد، وأما المكاتب فينبغي أن لا يكون تبعا لان له السفر بغير إذن المولى فلا تلزمه طاعته ا ه.
قوله: (إذا كان يرتزق من الامير أو بيت المال) اقتصر في القنية وغيرها على الاول.
وقال في شرح المنية: وكذا إذا كان رزقه من بيت المال وقد أمره السلطان بالخروج مع الامير فهو تابع له، نعم في الذخيرة أن المتطوع بالجهاد، لا يكون تبعا للوالي وهو ظاهر ا ه.
ودخل تحت الجندي الامير مع الخليفة.
بحر عن الخلاصة.
قوله: (وأجير) أي مشاهرة أو مسانهة كما في التاترخانية، أما لو كان مياومة بأن استأجره كل يوم بكذا فإن له فسخها إذا فرغ النهار، فالعبرة لنيته.
قل في البحر: وأما الاعمى مع قائده: فإن كان القائد أجيرا فالعبرة لنية الاعمى، وإن متطوعا تعتبر نيته.
قوله: (وأسير) ذكر في المنتقى أن المسلم إذا أسره العدو إن كان مقصده ثلاثة أيام قصر، وإن لم يعلم سأله، فإن لم يخبره وكان العدو مقيما أتم، وإن كان مسافرا قصر، وينبغي أن يكون هذا إذا تحقق أنه مسافر، وإلا يكون كمن أخذه الظالم لا يقصر إلا بعد السفر ثلاثا، وكذا ينبغي أن يكون حكم كل تابع يسأل متبوعه، فإن أخبر عمل بخبره، وإلا عمل بالاصل الذي كان عليه من إقامة وسفر حتى يتحقق خلافه، وتعذر السؤال بمنزلة السؤال مع عدم الاخبار شرح المنية.
قوله: (وغريم) أي موسر.
قال في البحر عن المحيط: ولو دخل مسافر مصرا فأخذه غريمه وحبسه: فإن كان معسرا قصر لانه لم ينو الاقامة ولا يحل للطالب حبسه، وإن كان موسرا إن عزم أن يقضي دينه أو لم يعزم شيئا قصر، وإن عزم واعتقد أن لا يقضيه أتم ا ه.
وقوله: إن عزم أن يقضي: أي قبل خمسة عشر يوما كما في(2/144)
الفتح.
قوله: (وتلميذ) أي إذا كان يرتزق من أستاذه.
رحمتي.
والمراد به مطلق المتعلم مع معلمه الملازم له لا خصوص طالب العلم مع شيخه.
قلت: ومثله بالاولى الابن البار البالغ مع أبيه.
تأمل.
قوله: (ومستأجر) كان على الشارح أن يقول: وآسر ودائن وأستاذ ح.
قوله: (قلت) تلخيص لحاصل ما تقدم ليبنى عليه حكم الحادثة.
قوله: (وبه بان جواب حادثة جزيرة كريد) بكسر الكاف المعجمة المتوسطة بين الكاف العربية وبين الجيم ح.
والحادثة: هي تفرق الجيش لما صار عليهم من الغلبة والهزيمة حتى تشتتوا في كل جانب وفاتت المعية والارتزاق فصار كل مستقلا بنفسه وزالت التبعية.
رحمتي.
قوله: (على الاصح) وقيل يلزمه الاتمام كالعزل الحكمي: أي بموت الموكل وهو الاحوط كما في الفتح، وهو ظاهر الرواية كما في الخلاصة.
بحر.
قوله: (دفعا للضرر عنه) لانه مأمور بالقصر منهي عن الاتمام فكان مضطرا، فلو صار فرضه أربعا فإقامة الاصل بلا علمه لحقه ضرر عظيم من جهة غيره بكل وجه وهو مدفوع شرعا، بخلاف الوكيل فإن له أن لا يبيع فيمكنه دفع الضرر بالامتناع، فإذا باع بناء على ظاهر أمره كان الضرر ناشئا منه من وجه ومن الموكل من وجه فيصح العزل حكما لا قصدا.
بحر ملخصا عن المحيط وشرح الطحاوي.
قوله: (مبني على خلاف الاصح) قال في البحر: وكذا إن كان مع مولاه في السفر فباعه من مقيم والعبد في الصلاة ينقلب فرضه أربعا، حتى لو سلم على رأس الركعتين كان عليه إعادة تلك الصلاة مبني على غير الصحيح إن فرض عدم علم العبد أو على قول الكل إن علم ا ه.
قوله: (والقضاء الخ) المناسب ذكر هذه المسألة مع قوله: والمعتبر في تغيير الفرض آخر الوقت لانها من فروعه.
قوله: (سفرا وحضرا) أي فلو فاتته صلاة السفر وقضاها في الحضر يقضيها مقصورة كما لو أداها، وكذا فائتة الحضر تقضى في السفر تامة.
قوله: (لانه بعد ما تقرر) أي بخروج الوقت، فإن الفرض بعد خروج وقته لا يتغير عما وجب، أما قبله فإنه قابل للتغير بنية الاقامة أو إنشاء السفر وباقتداء المسافر بالمقيم.
قوله: (غير أن المريض الخ) قال في الفتح: ولا يشكل على هذا المريض إذا فاتته صلاة في مرضه الذي لا يقدر فيه على القيام فإنه يجب أن
يقضيها في الصحة قائما، لان الوجوب بقيد القيام غير أنه رخص له أن يفعلها حالة العذر بقدر وسعه إذ ذاك، فحين لم يؤدها حالة العذر زال سبب الرخصة فتعين الاصل، ولذلك يفعلها المريض قاعدا إذا فاتت عن زمن الصحة، أما صلاة المسافر فإنها ليست إلا ركعتين ابتداء ومنشأ الغلط(2/145)
اشتراك لفظ الرخصة ا ه.
قوله: (سافر السلطان قصر) أي إذا نوى السفر يصير مسافرا ويقصر.
قال في شرح المنية: قيل هذا إذا لم يكن في ولايته، إما إذا طاف في ولايته فلا يقصر، والاصل أنه لا فرق لان النبي (ص) والخلفاء الراشدين قصروا حين سافروا من المدينة إلى مكة، ومراد القائل لا يقصر هو ما صرح به في البزازية من أنه إذا خرج لتفحص أحوال الرعية وقصد الرجوع متى حصل مقصوده ولم يقصد مسيرة سفر حتى أنه في الرجوع يقصر لو كان من مدة سفر، ولا اعتبار لمن علل بأن جميع الولاية بمنزلة مصره، لان هذا تعليل في مقابلة النص مع عدم الرواية عن أحد من الائمة الثلاثة فلا يسمع ا ه.
قوله: (صار مقيما على الاوجه) أي بنفس التزوج وإن لم يتخذه وطنا أو لم ينو الاقامة خمسة عشر يوما، وأما المسافرة فإنها تصير مقيمة بنفس التزوج اتفاقا كما في القهستاني ح.
وحكى الزيلعي هذا الوجه بقيل: فظاهره ترجيح المقابل فقد اختلف الترجيح ط.
أقول: قد يقال لا يصير مقيما إذا كان مراده الخروج قبل نصف شهر.
تأمل.
قوله: (تتم في الصحيح) كذا في الظهيرية.
قال ط: وكأنه لسقوط الصلاة عنها فيما مضى لم يعتبر حكم السفر فيه، فلما تأهلت للاداء اعتبر من وقته.
قوله: (كصبي بلغ) أي في أثناء الطريق وقد بقي لمقصده أقل من ثلاثة أيام فإنه يتم، ولا يعتبر ما مضى لعدم تكليفه فيه ط.
قوله: (بخلاف كافر أسلم) أي فإنه يقصر.
قال في الدرر: لان نيته معتبرة فكان مسافرا من الاول، بخلاف الصبي فإنه من هذا الوقت يكون مسافرا، وقيل يتمان، وقيل يقصران ا ه.
والمختار الاول كما في البحر وغيره عن الخلاصة.
قال في الشرنبلالية: ولا يخفى أن الحائض لا تنزل عن رتبة الذي أسلم فكان حقها القصر مثله ا ه.
وأجاب في (نهج النجاة) بأن مانعها سماوي بخلافه ا ه: أي وإن كان كل منهما من أهل النية بخلاف الصبي، لكن منعها من الصلاة ما ليس بصنعها فلغت نيتها من الاول، بخلاف الكافر فإنه قادر على
إزالة المانع من الابتداء فصحت نيته.
قوله: (عبد الخ) أي إذا سافر العبد مع سيديه فنوى أحدهما الاقامة.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يتهايآ في خدمته يفرض عليه القعود على رأس الركعتين ويتم احتياطا لانه مسافر من وجه مقيم من وجه.
شرح المنية.
قوله: (ولا يأتم الخ) في شرح المنية: وعلى هذا فلا يجوز له الاقتداء بالمقيم مطلقا فليعلم هذا ا ه: أي لا في الوقت ولا بعده، ولا في الشفع الاول ولا الثاني، ولعل وجهه كما أفاده شيخنا أن مقتضى كونه يتم احتياطا أن تكون القعدة الثانية في حقه فرضا إلحاقا له بالقيم، وقد قلنا إن القعدة الاولى فرض عليه أيضا إلحاقا له بالمسافر، فإذا اقتدى بمقيم يلزم اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة الاولى ا ه.
أقول: لكن قول شارح المنية: وعلى هذا الخ، يظهر منه أنه تفريع من عنده على وجه البحث، وإلا فالذي رأيته منقولا في التاترخانية عن الحجة أنه إن لم يكن بالمهايأة، وهو في أيديهما، فكل صلاة يصليها وحده يصلي أربعا ويقعد على رأس الركعتين ويقرأ في الاخريين، وكذا إذا اقتدى(2/146)
بمسافر يصلي معه ركعتين، وفي قراءته في الركعتين اختلاف.
وأما إذا اقتدى بمقيم فإنه يصلى أربعا بالاتفاق ا ه.
قوله: (وهو مما يلغز) أي من جهات فيقال: أي شخص يصلي فرضه أربعا ويفترض عليه القعود الاول كالثاني، وأي شخص لا يصح اقتداؤه بالمقيم في الوقت، وأي شخص ليس بمقيم ولا مسافر؟ ويقال في صورة التهايؤ: أي شخص يتم يوما ويقصر يوما ط.
قوله: (لان الاولى ضمت الوتر) وهي صادقة لانه فرض عملي، ويحمل الفرض في كلام الزوج على ما يلزم ليعم فعله العملي ط.
قوله: (وللثالثة ليوم الجمعة) أي قالت ذلك العدد لفروض يوم الجمعة القطعية ولم تنظر إلى الوتر، وكذا الرابعة، والله تعالى أعلم.
باب: الجمعة مناسبته للسفر أن في كل منهما تنصيف الصلاة ابتداء لعارض، لكنه هنا في خاص وهو الظهر، وفي السفر في عام وهو كل رباعية، فلذا قدم.
قوله: (بالدليل القطعي) وهو قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا) * (الجمعة: 9) الآية وبالسنة والاجماع.
قوله: (كما حققه الكمال) وقال بعد ذلك: وإنما أكثرنا فيه نوعا من الاكثار لما نسمع عن بعض الجهلة أنهم ينسبون إلى مذهب الحنفية عدم افتراضها، ومنشأ غلطهم قول القدوري: ومن صلى الظهر يوم الجمعة في منزله ولا عذر له كره وجازت صلاته، وإنما أراد حرم عليه وصحت الظهر لما سيأتي.
قوله: (آكد من الظهر) أي لانه ورد فيها من التهديد ما لم يرد في الظهر، من قوله قوله (ص): من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة طبع الله على قلبه رواه أحمد والحاكم وصححه، فيعاقب على تركها أشد من الظهر ويثاب عليها أكثر، ولان لها شروطا ليست للظهر، تأمل.
قوله: (وليست بدلا عنه إلخ) تصريح بمفهوم قوله: وهي فرض مستقل لكن هذا مخالف لما قدمه المصنف في بحث النية من باب شروط الصلاة.
وعبارته مع الشرح: ولو نوى فرض الوقت مع بقائه جاز، إلا في الجمعة لانها بدل إلا أن يكون عنده في اعتقاده أنها فرض الوقت كما هو رأي البعض فتصح اه.
وكتبنا هناك عن شرح المنية أن فرض الوقت عندنا الظهر لا الجمعة، ولكن قد أمر بالجمعة(2/147)
لاسقاط الظهر، ولذا لو صلى الظهر قبل أن تفوته الجمعة صحت عندنا، خلافا لزفر والثلاثة وإن حرم الاقتصار عليها ه.
والحاصل أفرض الوقت عندنا الظهر وعند زفر الجمعة كما صرح به في الفتح وغيره فيما سيأتي حتى الباقاني في شرح الملتقى، وأما ما نقله عنه فلعله ذكره في شرحه عن النقاية، وبما ذكرناه ظهر ضعفه.
قوله: (وفي البحر إلخ) سيأتي الكلام على ذلك عند قول المصنف: تؤدى في مصر واحد بمواضع كثيرة.
قوله: (ويشترط إلخ) قال في النهر: ولها شرائط وجوب وأداء منها: ما هو في المصلي.
ومنها ما هو في غيره، والفرق أن الاداء لا يصح بانتفاء شروطه ويصح بانتفاء شروط الوجوب، ونظمها بعضهم فقال: وحر صحيح بالبلوغ مذكر مقيم وذو عقل لشرط وجوبها ومصر وسلطان ووقت وخطبة وإذن كذا جمع لشرط أدائها
ط عن أبي السعود.
قوله: (ما لا يسع إلخ) هذا يصدق على كثير من القرى ط.
قوله: (المكلفين بها) احترز به عن أصحاب الاعذار مثل النساء والصبيان والمسافرين ط عن القهستاني.
قوله: (وعليه فتوى أكثر الفقهاء إلخ) وقال أبو شجاع: هذا أحسن ما قيل فيه.
وفي الولوالجية: وهو صحيح.
بحر.
وعليه مشى في الوقاية ومتن المختار وشرحه، وقدمه في متن الدرر على القول الآخر، وظاهره ترجيحه، وأيده صدر الشريعة بقوله: لظهور التواني في أحكام الشرع سيما في إقامة الحدود في الامصار.
قوله: (وظاهر المذهب إلخ) قال في شرح المنية: والحد الصحيح ما اختاره صاحب الهداية أنه الذي له أمير وقاض ينفذ الاحكام ويقيم الحدود، وتزييف صدر الشريعة له عند اعتذاره عن صاحب الوقاية حيث اختار الحد المتقدم بظهور التواني في الاحكام مزيف بأن المراد القدرة على إقامتها على ما صرح به في التحفة عن أبي حنيفة أنه بلدة كبيرة فيها سكك وأسواق ولها رساتيق وفيها وال يقدر على إنصاف المظلوم من الظالم بحشمته وعلمه أو علم غيره يرجع الناس إليه فيما يقع من الحوادث، وهذا هو الاصح اه.
إلا أن صاحب الهداية تر ك ذكر السكك والرساتيق، لان الغالب أن الامير والقاضي الذي شأنه القدرة على تنفيد الاحكام وإقامة الحدود لا يكون إلا في بلد كذلك اه.
قوله: (له أمير وقاض) أي مقيمان فلا اعتبار بقاض يأتي أحيانا يسمى قاضي الناحية، ولم يذكر المفتي اكتفاء بذكر القاضي لان القضاء في الصدر الاول كان وظيفة المجتهدين، حتى لو لم يكن الوالي والقاضي مفتيا اشترط المفتي كما في الخلاصة.
وفي تصحيح القدوري: أنه يكتفى بالقاضي عن الامير.
شرح الملتقى.
قال الشيخ إسماعيل: ثم المراد من الامير: من يحرس الناس ويمنع المفسدين ويقوي أحكام الشرع، كذا في الرقائق، وحاصله أن يقدر على إنصاف المظلوم من الظالم كما فسره به في العناية اه.
قوله: (يقدر إلخ) أفرد الضمير تبعا للهداية لعوده على القاضي، لان ذلك وظيفته، بخلا ف الامير لما مر، وفي التعبير بيقدر رد على صدر الشريعة كما علمته.
وفي(2/148)
شرح الشيخ إسماعيل عن الدهلوي: ليس المراد تنفيذ جميع الاحكام بالفعل، إذ الجمعة أقيمت في عهد أظلم الناس وهو الحجاج، وأنه ما كان ينفذ جميع الاحكام، بل المراد والله أعلم اقتداره على
ذلك اه.
ونقل مثله في حاشية أبي السعود عن رسالة العلامة نوح أفندي.
أقول: ويؤيده أنه كان الاخلال بتنفيذ بعض الاحكام مخلا بكون البلد مصرا على هذا القول الذي هو ظاهر الرواية لزم أن لا تصح جمعة في بلدة من بلاد الاسلام في هذا الزمان، بل فيما قبله من أزمان، فتعين كون المراد الاقتدار على تنفيذ الاحكام، ولكن ينبغي إرادة أكثرها، وإلا فقد يتعذر على الحاكم الاقتدار على تنفيذ بعضها لمنع ممن ولاه، وكما يقع في أيام الفتنة من تعصب سفهاء البلد بعضهم على بعض، أو على الحاكم بحيث لا يقدر على تنفيذ الاحكام فيهم لانه قادر على تنفيذها في غيرهم وفي عسكره، على أن هذا عارض فلا يعتبر، ولذا لو مات الوالي أو لم يحضر لفتنة ولم يوجد أحد ممن له حق إقامة الجمعة نصب العامة لهم خطيبا للضرورة كما سيأتي مع أنه لا أمير ولا قاضي ثمة أصلا، وبهذا ظهر جهل من يقول: لا تصح الجمعة في أيام الفتنة، مع أنها تصح في البلاد التي استولى عليها الكفار كما سنذكره، فتأمل.
قوله: (كما حررناه إلخ) هو حاصل ما قدمناه عن شرح المنية.
قوله: (وفي القهستاني إلخ) تأييد للمتن، وعبارة القستاني: تقع فرضا في القصبات والقرى الكبيرة التي فيها أسواق.
قال أبو القاسم: هذا بلا خلا ف إذا أذن الوالي أو القاضي ببناء المسجد الجامع وأداء الجمعة، لان هذا مجتهد فيه، فإذا اتصل به الحكم صار مجمعا عليه، وفيما ذكرنا إشارة إلى أنه لا تجوز في الصغيرة التي ليس فيها قاض ومنبر وخطيب كما في المضمرات، والظاهر أنه أريد به الكراهة لكراهة النفل بالجماعة، ألا ترى أن في الجواهر لو صلوا في القرى لزمهم أداء الظهر، وهذا إذا لم يتصل به حكم، فإن في فتاوى الديناري: إذا بنى مسجد في الرستاق بأمر الامام فهو أمر بالجمعة اتفاقا على ما قال السرخسي اه فافهم.
والرستاق: القرى كما في القاموس.
تنبيه: في شرح الوهبانية: قضاة زماننا يحكمون بصحة الجمعة عند تجديدها في موضع بأن يعلق الواقف عتق عبده بصحة الجمعة في هذا الموضع، وبعد إقامتها فيه بالشروط يدعي المعلق عتقه على الواقف المعلق بأنه علق عتقه على صحة الجمعة في هذا الموضع وقد صحت ووقع العتق فيحكم بعتقه فيتضمن الحكم بصحة الجمعة ويدخل ما لم يأت من الجمع تبعا اه.
قال في النهر: وفي دخول ما لم يأت نظر، فتدبر اه.
أقول: الجواب عن نظرة أن الحكم بصحة الجمعة مبني على كون ذلك الموضع محلا لاقامتها فيه، وبعد ثبوت صحتها فيه لا فرق فيه بين جمعة وجمعة، فتدبر.
وظاهر ما مر عن القهستاني أن مجرد أمر السلطان أو القاضي ببناء المسجد وأدائها فيه حكم رافع للخلاف بلا دعوى وحادثة.
وفي قضاء الاشباه: أمر القاضي حكم كقوله سلم المحدود إلى المدعي والامر بدفع الدين والامر بحبسه إلخ...وأفتى ابن نجيم بأن تزويج القاضي الصغيرة حكم رافع للخلاف ليس لغيره نقضه.
قوله: (وإذا اتصل به الحكم إلخ) قد علمت الصغيرة حكم القهستاني صريحة في أن مجرد الامر رافع للخلاف بناء على(2/149)
أن مجرد أمره حكم.
قوله: (أو لا) زاده للاشارة إلى أن قول المصنف ما اتصل به ليس قيدا احترازيا لما في الشرنبلالية.
قوله: (كما حرره ابن الكمال) حيث قال: واعتبر بعضهم قيد الاتصال، وقد خطأه صاحب الذخيرة قائلا، فعلى قول هذا القائل لا تجوز إقامة الجمعة ببخارى في مصلى العيد، لان بين المصلي وبين المصر مزارع.
ووقعت هذه المسألة مرة وأفتى بعض مشايخ زماننا بعدم الجواز، ولكن هذا ليس بصواب، فإن أحدا لم ينكر جواز صلاة العيد في مصلى العيد ببخارى، لا من المتقدمين ولا من المتأخرين، وكما أن المصر أو فناءه شرط جواز الجمعة فهو شرط جواز صلاة العيد اه.
قوله: (والمختار للفتوى إلخ) اعلم أن بعض المحققين أهل الترجيح أطلق الفناء عن تقديره بمسافة، وكذا محرر المذهب الامام محمد، وبعضهم قدره بها، وجملة أقوالهم في تقديره ثمانية أقوال أو تسعة: غلوة، ميل، ميلان، ثلاثة، فرسخ، فرسخان، ثلاثة، سماع الصوت، سماع الاذان.
والتعريف أحسن من التجديد، لانه لا يوجد ذلك في كل مصر، وإنما هو بحسب كبر المصر وصغره.
بيانه أن التقدير بغلوة أو ميل لا يصح في مثل مصر، لان القرافة والترب التي تلي باب النصر يزيد كل منهما على فرسخ من كل جانب، نعم هو ممكن لمثل بولاق، فالقول بالتحديد بمسافة يخالف التعريف المتفق على ما صدق عليه بأنه المعد لمصالح المصر، فقد نص الائمة على أن الفناء ما أعد لدفن الموتى وحوائج المصر كركض الخيل والدواب وجمع العساكر والخروج للرمي وغير ذلك، وأي موضع يحد بمسافة يسع عساكر مصر ويصلح ميدانا للخيل
والفرسان ورمي النبل والبندق البارود واختيار المدافع، وهذا يزيد على فراسخ، فظهر أن التحديد بحسب الامصار اه ملخصا من تحفة أعيان الغنى بصحة الجمعة والعيدين في الفن للعلامة الشرنبلالي.
وقد جزم فيها بصحة الجمعة في مسجد سبيل علان، الذي بناه بعض أمراء زمانه، وهو في فناء مصر بينه وبينها نحو ثلاثة أرباع فرسخ وشئ.
مطلب في صحة الجمعة بمسجد المرجة والصالحية في دمشق أقول: وبه ظهر صحتها في تكية السلطان سليم بمرجة دمشق، وكذا في مسجده بصالحية دمشق فإنها من فناء دمشق بما فيها من التربة بسفح الجبل وإن انفصلت عن دمشق بمزارع لكنها قريبة لانها على ثلث فرسخ من البلدة، وإن اعتبرت قرية مستقلة فهي مصر على تعريف المصنف، على أن مسجدها مبني بأمر السلطان، وكذا مسجدها القديم المشهور بمسجد الحنابلة الذي بناه الملك الاشرف وأمره كاف في صحتها على ما مر.
تأمل.
قوله: (أو امرأة) اعلم أن المرأة لا تكون سلطانا إلا تغلبا لما تقدم في باب الامامة من اشتراط الذكورة في الامام، فكان على الشارح أن يقول: ولو امرأة: أي ولو كان ذلك المتغلب امرأة ح.
والمراد بالمتغلب من فقد فيه شروط الامامة وإن رضيه القوم.
وفي الخلاصة: والمتغلب الذي لا عهد له: أي لا منشور له إن كان سيرته فيما بين الرعية سيرة الامراء ويحكم بينهم بحكم الولاة تجوز الجمعة بحضرته، بحر اه ط.
قوله: (بإقامتها) أي إقامة الجمعة وقوله: (لاقامتها)، أي لاقامة المرأة والجمعة ح.
وقوله: (أو مأموره بإقامتها) أي الجمعة،(2/150)
وشمل الامر دلالة.
قال في البحر: ولا خفاء في أن من فوض إليه أمر العامة في مصر إقامتها وإن لم يفوضها السلطان إليه صريحا كما في الخلاصة، والعبرة لاهلية النائب وقت الصلاة لا وقت الاستنابة، حتى لو أمر الصبي والذمي وفوض إليهما الجمعة فبلغ وأسلم، لهما إقامتها لانه فوضها إليهما صريحا، بخلاف ما إذا لم يصرح، لكن ظاهر الخانية أن هذا قول البعض، وأن الراجح عدم الفرق لوقوع التفويض باطلا، وعليه فالمعتبر الاهلية وقت الاستنابة اه ملخصا.
قلت: لكن في رسالة الشرنبلالي عن الخلاصة ما نصه: العبرة للاهلية وقت إقامتها لا وقت
الاذن بها، وإن وقع في بعض العبارات ما يقتضي خلافه اه.
قوله: (وإن لم تجز أنكحته وأقضيته) لانهما يعتمدان الولاية: ولا ولاية له عن نفسه فضلا عن غيره، ولان شرط القضاء الحرية ط.
قوله: (واختلف إلخ) ليس ذلك اختلافا بين مشايخ المذهب من أهل التخريج أو الترجيح، بل هو اختلاف بين المتأخرين في فهم عبارات مشايخ المذهب.
مطلب في جواز استنابة الخطيب قوله: (هل يملك الاستنابة) أي بلا إذن من السلطان، أما بالاذن فلا خلاف فيه.
قوله: (فقيل لا مطلقا) قائله صاحب الدرر حيث قال: إن الاستخلاف لا يجوز للخطبة أصلا ولا للصلاة ابتداء، بل بعد ما أحدث الامام، إلا إذا كان مأذونا من السلطان بالاستخلاف اه.
قوله: (وقيل إن لضرورة جاز إلخ) قائله ابن كمال باشا حيث قال: إن كان ذلك لضرورة كشغله عن إقامة الجمعة في وقتها جاز التفويض إلى غيره، وإلا لا: أي وإن لم يكن ذلك لضرورة أصلا أو كان لعذر لكن يمكن إزالة عذره، وإقامة الجمعة بعده قبل خروج الوقت لا يجوز التفويض إلى خطيب آخر.
ثم قال: وإقامة الجمعة عبارة عن أمرين: الخطبة، والصلاة، والموقوف على الاذن هو الاول دون الثاني، فالمراد من الاستخلاف لاقامة الجمعة الاستخلاف للخطبة لا للصلاة كما توهمه البعض اه منح ملخصا.
قوله: (وقيل نعم إلخ) قائله قاضي القضاة محب الدين بن جرباش.
منح.
وبه قال شارح المنية البرهان إبراهيم الحلبي، وكذا صاحب البحر والنهر والشرنبلالي والمصنف والشارح.
قوله: (بلا ضرورة) الاولى أن يقول: ولو بلا ضرورة ليتضح معنى الاطلاق ط.
قال في الامداد بعد كلام: وإذا علمت جواز الاستخلاف للخطبة والصلاة مطلقا بعذر وبغير عذر حال الحضرة والغيبة وجواز الاستخلاف للصلاة دون الخطبة وعكسه فاعلم أنه إذا استناب لمرض ونحوه فالنائب يخطب ويصلي بهم والامر فيه ظاهر.
وأما إذا استخلف للصلاة فقط لسبق حدث، فإما أن يكون بعد شروعه فيها أو قبله، فإن كان بعده فكل من صلح للاقتداء به يصح استخلافه، وأما إذا كان قبله بعد الخطبة فيشترط كون الخليفة قد شهد الخطبة أو بعضها مع أهليته للاقتداء به اه.
قوله: (لانه إلخ) هذه عبارة عن الهداية في كتاب أدب القاضي: أي لان أداء الجمعة على شرف الفوات لتوقته بوقت يفوت
الاداء بانقضائه.
درر عن شرح الهداية: أي فيكون ذلك إذنا بالاستخلاف دلالة لعلمه بما يعتري(2/151)
المأمور من العوارض المانعة من إقامتها كمرض وحدث كما في البدائع.
قوله: (ولا كذلك القضاء) فإنه يحصل في أي وقت كان، فلم يكن الامر به إذنا بالاستخلاف دلالة.
قوله: (كل من ملك إلخ هو صريح في جواز استنابة الخطيب مطلقا أو كالصريح.
بحر.
قوله: (النجعة) بضم النون وسكون الجيم: طلب الكلا في موضعه.
قاموس.
وهي هنا علم لكتاب ح.
قوله: (لابن جرباش) بضم الجيم والراء ح وهو أحد شيوخ مشايخ صاحب البحر.
قوله: (إنما يشترط الاذن إلخ) حاصله أن الاذن من السلطان إنما يشترط في أول مرة، فإذا أذن بإقامتها لشخص كان له أن يأذن لغيره وذلك الغير له أن يأذن لآخر وهلم جرا، وليس المراد أن السلطان إذا أذن بإقامتها في مسجد صار كل شخص أو كل خطيب مأذونا بأن يقيمها في ذلك المسجد بدون إذن من السلطان أو من مأذونه كما يوهمه ظاهر كلامه، ويدل على ذلك نص عبارة ابن جرباش التي نقلها عنه في البحر وهي قوله بعد كلام: وإذ قد عرفت هذا فيتمشى عليه ما يقع في زماننا هذا من استئذان السلطان في إقامة الجمعة فيما يستجد من الجوامع، فإن إذنه بإقامتها في ذلك الموضع لربه مصحح لاذن رب الجامع لمن يقيمه خطيبا ولاذن ذلك الخطيب لمن عساه أن يستنيبه إلخ.
وحاصله أنه لا تصح إقامتها إلا لمن أذن له السلطان بواسطة أو بدونها، أما بدون ذلك فلا، كما هو صريح ما يذكره الشارح عن السراجية، نعم وقع في فتاوى ابن الشلبي ما يوهم ما أوهمه كلام الشارح حيث سئل عن ثغر فيه جوامع لها خطباء ليس لاحد منهم إذن صريح من السلطان مع علم السلطان بذلك الثغر وبإقامة الجمع والاعياد في جوامعه فهل يكون ذلك إذنا دلالة؟ فأجاب بأن أمور المسلمين محمولة على السداد، وقد جرت العادة بأن من بنى جامعا وأراد إقامة الجمعة استأذن الامام، فإذا وجد الاذن أول مرة فقد حصل به الغرض والاذن بعد ذلك اه ملخصا.
لكن يمكن حمله على ما مر، أي: فلا يشترط إذن السلطان ثانيا، بل كل خطيب له أن يستنيب للاكتفاء بالاذن أول مرة، والله أعلم.
قوله: (وما قيده الزيلعي) أي من أنه لا يجوز له الاستخلاف إلا إذا أحدث.
قال
في البحر: لا دليل عليه، والظاهر من عباراتهم الاطلاق.
اه.
قلت: وما ذكره الزيلعي تبعه عليه منلاخسرو صاحب الدرر كما قدمناه عنه، لكنه ناقض نفسه حيث قال بعده: ولا ينبغي أن يصلي غيره الخطيب، لان الجمعة مع الخطبة كشئ واحد فلا ينبغي أن يقيمها اثنان، وإن فعل جاز اه.
وهذا يكون باستخلاف الخطيب، ثم قال أيضا: خطب صبي بإذن السلطان وصلى بالغ جاز، كذا في الخلاصة اه.
قال الشرنبلالي في رسالته: فهذا نص منه على جواز الاستخلاف للصلاة قبل الشروع فيها من غير سبق الحدث كما قدمناه من النصوص بمثله اه.
وفيه نظر سنذكره آخر الباب.
تنبيه: أحاب بعضهم عن الزيلعي بأن كلامه مبني على القول بالاستنابة عند الضرورة، وهذا عجيب فإن هذا القول لابن كمال باشا كما علمت، والاقوال الثلاثة المذكورة في المتن ليست منقولة في المذهب بل هي اختلاف من المتأخرين بعد الزيلعي، فكيف يبني كلامه على أحدها؟ على أن(2/152)
اشتراط الاستنابة بالضرورة إنما هو للخطبة لا للصلاة كما قدمناه في عبارة ابن كمال، والكلام هنا في الصلاة، لان سبق الحدث لا يستوجب الاستتنابة في الخطبة لصحتها معه، فافهم.
قوله: (وما ذكره منلاخسرو) أي من أنه ليس له الاستنابة إلا إذا فوض إليه ذلك ح.
قلت: وهو القول الاول في المتن.
قوله: (رده ابن الكمال) وكذا رده في شرح المنية والبحر والنهر والمنح والامداد وغيرها.
قوله: (بلا شرط) أي بلا شرط الاذن من السلطان، واستند في ذلك ألى أشياء منها ما في الخلاصة أن له أن يستخلف وإن لم يكن في منشور الامام الاستخلاف اه.
قال في شرح المنية: وعلى هذا عمل الامة من غير نكير اه.
نعم اشترط ابن كمال في هذه الرسالة لجواز الاستخلاف أن يكون لضرورة، وهو القول الثاني في المتن كما قدمناه، وبني على ذلك فساد ما يفعل في زماننا حيث يحضرون: أي السلاطين في الجامع بلا عذر ويستخلفون الغير في إقامة الجمعة اه.
وقد رد عليه الشرنبلالي في رسالة بما في التاترخانية عن المحيط: إمام خطب فتولى غيره وشهد الخطبة ولم يعزل الاول ولكن أمر رجلا أن يصلي الجمعة بالناس فصلى: جاز، لانه لما
شهد الخطبة فكأنما خطب بنفسه، ولو أن القادم الذي تولى شهد خطبة الاول وسكت عنه حتى صلى بالناس وهو يعلم بقدومه فصلاته جائزة، لانه على ولايته ما لم يظهر العزل اه.
قال: فهذا نص في صحة صلاة الاصيل بحضرة نائبه لعلمه بعزله اه.
أقول: وفيه نظر لان الاول ليس نائبا عنه بل هو باق على ولايته، لان قوله ما لم يظهر العزل معناه: ما لم يعزله بالفعل، وليس المراد به علمه بالعزل وإلا ناقض قوله قبله وهو يعلم بقدومه والاوضح في الرد ما في البدائع عن النوادر أنه يصير معزولا إذا علم بحضور الثاني، وأن الثاني إذا أمر الاول بإتمام الخطبة يجوز، وإلا بل سكت حتى أتمها، أو حضر بعد فراغ الاول من الخطبة لا تجوز الجمعة لانها خطبة سلطان معزول، بخلاف ما إذا لم يعلم بحضور الثاني حتى خطب وصلى والاول ساكت، لانه لا يعزل إلا بالعلم كالوكيل ا.
فهذا صريح في صحة الخطبة والصلاة من النائب بحضرة الاصيل.
وذكر في منية المفتي: صلى أحد بغير إذن الخطيب: لم يجز، إلا إذا اقتدى به من له ولاية الجمعة اه.
ومثله ما يذكره الشارح عن السراجية، فتأمل.
قوله: (أنه) أي الاستخلاف جائز مطلقا: أي سواء كان لضرورة أو لا كما يعلم من عبارة مجمع الانهر ح.
قوله: (إذن عام) أي لكل خطيب أن يستنيب لا لكل شخص أن يخطب في أي مسجد أراد ح.
أقول لكن لا يبقى إلى اليوم الاذن بعد موت السلطان الآذن بذلك إلا إذا أذن به أيضا سلطان زماننا نصره الله تعالى كما بينته في تنقيح الحامدية وسنذكر في باب العيد عن شرح المنية ما يدل عليه أيضا، فتنبه.
قوله: (وعليه الفتوى) لعل المراد فتوى أهل زمانه، فليس ذلك تصحيحا معتبرا إذ ليسوا من أهل التصحيح.
قوله: (لو صلى أحد بغير إذن الخطيب لا يجوز) ظاهره أن الخطيب خطب بنفسه والآخر صلى بلا إذنه، ومثله ما لو خطب بلا إذنه لما في الخانية وغيرها: خطب بلا إذن الامام والامام حاضر لم يجز اه.
ولا ينافيه ما قدمناه عن التاترخانية من أنه لما شهد الخطبة فكأنما(2/153)
خطب بنفسه، لان الخطبة هناك كانت ممن له ولايتها كما قدمناه.
قوله: (إلا إذا اقتدى به من له ولاية الجمعة) شمل الخطيب المأذون، وذلك لان الاقتداء به إذن دلالة، بخلاف ما لو حضر ولم يقتد،
وعليه تحمل عبارة الخانية السابقة، ثم إذا كان حضوره بدون اقتداء لم يعتبر إذنا، يفهم منه أنه لا تجوز خطبة غيره بلا إذن بالاولى، خلافا لمن فهم منه الجواز أفاده ط.
قوله: (ويؤيد ذلك إلخ) أي يؤيد الجواز إذا اقتدى به بناء على أن اقتداءه به دليل الاذن، لانهم وإن نووها جمعة لكن بدون شرطها تنعقد نفلا، فلو لم يكن اقتداؤه إذنا يلزم أن لا يكون مؤديا معهم النفل بجماعة وهو غير جائز، وفعل المسلم إنما يحمل على الكمال فيكون اقتداؤه إجازة لفعله، لان الاجازة اللاحقة كالاذن السابق، ونظيره إذا أجاز نكاح الفضولي بالفعل يجوز، ومجرد حضوره وسكوته وقت العقد لا يدل على الرضاء، فافهم.
قوله: (مات والي مصر) وكذا لو لم يحضر بسبب الفتنة.
بدائع.
قوله: (فجمع) بتشديد الميم: أي صلى الجمعة خليفته: أي من عهد إليه قبل موته، أو المراد من كان يخلفه ويقوم مقامه إذا غاب، أو من أقامة أهل البلد خليفة بعده إلى أن يأتيهم وال آخر.
قوله: (أو صاحب الشرط) جمع شرطي كتركي وجهني.
قاموس.
وفي المغرب: الشرطية بالسكون والحركة: خيار الجند وأول كتيبة تحضر الحرب، والجمع شرط وصاحب الشرطة.
في باب الجمعة يراد به أمير البلدة كأمير بخارى، وقيل هذا على عادتهم لان أمور الدين والدنيا كانت حينئذ إلى صاحب الشرطة، فأما الآن فلا اه.
قوله: (أو القاضي المأذون له في ذلك) قيد به لما في الخلاصة: ليس للقاضي إقامتها إذا لم يؤمر ولصاحب الشرط وإن لم يؤمر، وهذا في عرفهم.
قال في الظهيرية: أما اليوم فالقاضي يقيمها، لان الخلفاء يأمرون بذلك، قيل أراد به قاضي القضاة الذي يقال له قاضي الشرق والغرب، فأما في زماننا فالقاضي وصاحب الشرط لا يوليان ذلك اه.
قال في البحر: وعلى هذا فلقاضي القضاة بمصر أن يولي الخطباء ولا يتوقف على إذن، كما أن له أن يستخلف للقضاء وإن لم لم يؤذن له، مع أن القاضي ليس له الاستخلاف إلا بإذن السلطان، لان تولية قاضي القضاة إذن بذلك دلالة كما صرح به الفتح، ولا يتوقف ذلك على تقرير الحاكم المسمى بالباشا، لكن في التجنيس أن في إقامة القاضي روايتين، وبرواية المنع يفتى في ديارنا إذا لم يؤمر به ولم يكتب في منشوره.
ويمكن حمل ما في التجنيس على ما إذا لم يول قاضي القضاة، أما إن ولى أغنى هذا اللفظ عن التنصيص عليه.
نهر.
قوله: (فلقاضي القضاة بالشام إلخ) أخذه من
كلام البحر كما علمت، لكن فيه أن قاضي القضاة الذي له ذلك هو قاضي المشرق والمغرب كما مر عن الظهيرية، وأما قاضي الشام ومصر فإن ولايته مستمدة من ذلك القاضي العام، وكونه مأذونا بالاستخلاف: أي استخلاف نواب عنه في بلدة وتوابعها لا يلزم منه إذن بإقامة الجمعة، بخلاف ذاك القاضي للعام الذي أذن له السلطان بإقامة مصالح الدين ونصب القضاة في سائر البلدان، ولذا يسمى قاضي القضاة، ويدل على ذلك أنه جرت العادة في هذه الدولة العثمانية أن كل من تولى خطابة لا(2/154)
بد أن يرسل إلى جهة السلطان حفظه الله تعالى ليقرره فيها، فلو كان القاضي أو الباشا مأذونا بإقامتها لصح أن يولى الخطيب.
والحاصل: أن المدار على الاذن وإنما يعلم ذلك من جهته، فإن قال: إني مأذون بذلك صدق لان مجرد تولية القضاة أو الامارة مثلا لا يكون إذنا بإقامتها على المفتى به كما مر عن التجنيس، إلا إذا فوض السلطان إليه أمور الدنيا والدين كما كان في زمانهم كما مر عن المغرب والظهيرية.
ثم رأيت في نهج النجاة معزيا إلى رسالة للمصنف: لا يخفى أن هذا إنما يستقيم في قاض فوض له الامور العامة، أما من فوض له السلطان قضاة بلدة ليحكم فيها بما صح من مذهب إمامه فلا، لعدم الاذن له صريحا أو دلالة اه.
وهذا صريح فيما قلناه، والله أعلم.
قوله: (وقالوا يقيمها إلخ) تقييد لعبارة المتن، فإنه لم يبين فيها ترتيبهم، والمعنى أنهم مرتبون كترتيب العصبات في ولاية التزويج، فيقيمها الابعد عند غيبة الاقرب أو موته لا بحضرته إلا بإذنه، هذا ما ظهر لي، وهو مفاد ما في البحر عن النجعة، فراجعه.
لكن تقديم الشرطي على القاضي مخالف لما صرحوا به في صلاة الجنازة من تقديم القاضي على الشرطي، فتأمل.
قوله: (مع وجود من ذكر) أي إذا كانوا مأذونين كما مر من أن من ذكر له إقامتها بالاذن العام، أما في زماننا فغير مأذون.
قوله: (فيجوز للضرورة) ومثله ما لو منع السلطان أهل مصر أن يجمعوا إضرارا وتعنتا فلهم أن يجمعوا على رجل يصلي بهم الجمعة، أما إذا أراد أن يخرج ذلك المصر من أن يكون مصرا لسبب من الاسباب فلا، كما في البحر ملخصا عن الخلاصة.
تتمة: في معراج الدراية عن المبسوط: البلاد التي في أيدي الكفار بلاد الاسلام لا بلاد الحرب لانهم لم يظهروا فيها حكم الكفر، بل القضاة والولاة مسلمون يطيعونهم عن ضرورة أو بدونها، وكل مصر فيه وال من جهتهم يجوز له إقامة الجمع والاعياد والحد وتقليد القضاة لاستيلاء المسلم عليهم، فلو كان الولاة كفارا يجوز للمسلمين إقامة الجمعة ويصير القاضي قاضيا بتراضي المسلمين، ويجب عليهم أن يلتمسوا واليا مسلما اه.
قوله: (في الموسم) أي موسم الحاج وهو سوقهم ومجتمعهم، من الوسم: وهو العلامة.
مغرب.
قوله: (فقط) أي فلا تصح في منى في غير أيام اجتماع الحاج فيها لفقد بعض الشروط.
قوله: (لوجود الخليفة) أي السلطان الاعظم.
قاموس.
قوله: (وأمير الحجاز) وهو السلطان بمكة، كذا في الدرر: أي شريف مكة الحاكم في مكة والمدينة والطائف وما يلي ذلك من أرض الحجاز.
قوله: (أو العراق) كأمير بغداد بناء على أنه مأذون بذلك.
قوله: (أو مكة) مكرر مع أمير الحجاز إلا أن يراد به أخص منه.
قوله: (وكذا كل أبنية إلخ) قال في العناية: وفي كلام الهداية إشارة إلى أن الخليفة والسلطان إذا طاف في ولايته كان عليه الجمعة في(2/155)
كل مصر يكون فيه يوم الجمعة، لان إمامة غيره إنما تجوز بأمره فإمامته أولى وإن كان مسافرا اه.
أقول: مقتضاه أن الجواز في قول المصنف وجازت بمنى في معنى الوجوب، مع أن من شروط وجوبها أن من شروط وجوبها الاقامة، ولا يلزم من جواز إمامة الخليفة فيها وجوبها عليه إذا كان مسافرا، ولا أن يأمر مقيما بإقامتها، ولا يلزم أيضا من كون المصر من جملة ولايته أن يصير مقيما بوصوله إليه إلا على قول ضعيف كما قدمناه في الباب السابق - تأمل - ثم رأيت صاحب الحواشي السعدية اعترضه بقوله: دلالة ما ذكره على ما ادعاه من وجوب الجمعة على الخليفة إذا طا ف ولايته غير طاهرة اه.
وبه ظهر أن الجواز في كلام المصنف على معناه، ويدل عليه ما في فتح القدير من قوله: والخليفة وإن كان قصد السفر للحج فالسفر إنما يرخص في الترك لا أنه يمنع صحتها اه.
فافهم.
قوله: (وعدم التعييد بمنى) أي عدم إقامة العيد بها لا لكونها ليست بمصر بل للتخفيف على الحاج لاشتغالهم بأمور الحج من الرمي والحلق والذبح في ذلك اليوم، بخلاف الجمعة لانه لا يتفق في
كل سنة هجوم الجمعة في أيام الرمي، أما العيد فإنه في كل سنة.
سراج.
وأيضا فإن الجمعة تبقى إلى آخر وقت الظهر، والغالب فراغ الحاج من أعمال الحج قبل ذلك، بخلاف وقت العيد، ومقتضى هذا أن الجمعة إذا أقيمت بمنى أن يجب على المقيمين من أهل مكة إذا خرجوا للحج خلافا لما بحثه في شرح المنية بل الظاهر وجوب إقامتها عليه.
تأمل.
تنبيه: ظاهر التعليل وجوب العيد مكة، وقد ذكر البيري في كتاب الاضحية أنه هو ومن أدركه من المشايخ لم يصلوها فيها، قال: والله أعلم ما السبب في ذلك؟ اه.
قلت: لعل السبب أن من له ولاية إقامتها يكون حاجا في منى.
قوله: (لا تجوز لامير الموسم) هو المسمى أمير الحاج كما في مجمع الانهر.
أقول: كانت عادة سلاطين بني عثمان أيدهم الله تعالى أنهم يرسلون أمير يولونه أمور الحاج فقط غير أمير الشام، والآن جعلوا أمير الشام والحاج واحدا، فعلى هذا لا فرق بين أمير الموسم وأمير العراق لان كلا منهما له ولاية عامة، فإذا كان من عموم ولايته إقامة الجمعة في بلده بقيمها في منى أيضا، بخلاف من كان أميرا على الحاج فقط، ويوضح ما ذكرناه قول الشارح تبعا لغيره لقصور ولايته إلح فافهم.
قوله: (لانها مفازة) أي برية لا أبنية فيها، بخلاف منى.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان المصر كبيرا أو لا، وسواء فصل بين جانبيه نهر كبير كبغداد أو لا، وسواء قطع الجسر أو بقي متصلا، وسواء كان التعدد في مسجدين أو أكثر، هكذا يفاد من الفتح، ومقتضاه أنه لا يلزم أن يكون التعدد بقدر الحاجة كما يدل عليه كلام السرخسي الآتي.
قوله: (على المذهب) فقد ذكر الامام السرخسي أن الصحيح من مذهب أبي حنيفة جواز إقامتها في مصر واحد في مسجدين وأكثر، وبه نأخذ لاطلاق لا جمعة إلا في مصر شرط المصر فقط، وبما ذكرنا اندفع ما في البدائع من أن ظاهر الرواية جوازها في موضعين لا في أكثر وعليه الاعتماد اه.
فإن المذهب الجواز مطلقا.
بحر.
قوله: (دفعا للحرج) لان في إلزام اتحاد الموضع حرجا بينا لاستدعائه تطويل المسافة على أكثر الحاضرين ولم يوجد دليل عدم جواز التعدد، بل قضية الضرورة عدم اشتراط لا سيما إذا كان مصرا كبيرا كمصرنا كما قاله الكمال ط.(2/156)
قوله: (وعلى المرجوح) هو ما مر عن البدائع من عدم الجواز في أكثر من موضعين.
قوله: (لمن سبق تحريمة) وقيل يعتبر بالسبق الفراغ، وقيل بهما، والاول أصح.
بحر عن القنية: أي أصح عند صاحب القول المرجوح.
قال في الحلية: وكنت قد راجعت شيخنا: يعني الكمال في هذا كتابة، فكتبت إلي: وأما السبق فلا شك عندي في اعتباره بالخروج، وهل يعتبر معه الدخول محل تردد في خاطري، لان سبق كذا هبتقدم دخول تمامه في الوجود أو بتقدم انقضائه، كل محتمل اه.
مطلب في نية آخر ظهر بعد صلاة الجمعة قوله: (فيصلي بعدها آخر ظهر) تفريعه على المرجوح يفيد أنه على الراجح من جواز التعدد لا يصليها بناء على ما قدمه عن البحر من أنه أفتى بذلك مرارا خوف اعتقاد عدم فرضية الجمعة.
وقال في البحر: إنه لا احتياط في فعلها لانه العمل بأقوى الدليلين اه.
أقول: وفيه نظر، بل هو الاحتياط بمعنى الخروج عن العهدة بيقين، لان جواز التعدد وإن كان أرجح وأقوى دليلا، لكن فيه شبهة قوية لان خلافه مروي عن أبي حنيفة أيضا، واختاره الطحاوي والتمرتاشي وصاحب المختار، وجعله العتابي الاظهر، وهو مذهب الشافعي، والمشهور عن مالك وإحدى الروايتين عن أحمد كما ذكره المقدسي في رسالته نور الشمعة في ظهر الجمعة بل قال السبكي من الشافعية: إنه قول أكثر العلماء، ولا يحفظ عن صحابي ولا تابعي تجويز تعددها اه.
وقد علمت قول البدائع: إنه ظاهر الرواية.
وفي شرح المنية عن جوامع الفقه أنه أظهر الروايتين عن الامام.
قال في النهر وفي الحاوي القدسي: وعليه الفتوى.
وفي التكملة للرازي: وبه نأخذ اه.
فهو حينئذ قول معتمد في المذهب لا قول ضعيف، ولذا قال في شرح المنية: الاولى هو الاحتياط، لان الخلاف في جواز التعدد وعدمه قوي، وكون الصحيح الجواز للضرورة للفتوى لا يمنع شرعية الاحتياط للتقوى اه.
قلت: على أنه لو سلم ضعفه فالخروج عن خلافه أولى، فكيف مع خلاف هؤلاء الائمة؟ وفي الحديث المتفق عليه فمن اتقى الشبهات استبرأ لدنيه وعرضه ولذا قال بعضهم فيمن يقضي صلاة عمره مع أنه لم يفته منها شئ: لا يكره لانه أخذ بالاحتياط.
وذكر في القنية أنه أحسن إن
كان في صلاته خلاف المجتهدين، ويكفينا خلاف من مر.
ونقل المقدسي عن المحيط: كل موضع وقع الشك في كونه مصرا ينبغي لهم أن يصلوا بعد الجمعة أربعا بنية الظهر احتياطا، حتى لو أنه لو لم تقع الجمعة موقعها يخرجون عن عهدة فرض الوقت بأداء الظهر، ومثله في الكافي.
وف القنية: لما ابتلى أهل مرو بإقامة الجمعتين فيها مع اختلاف العلماء في جوازهما أمر أئمتهم بالاربع بعدها حتما احتياطا اه.
ونقله كثير من شراح الهداية وغيرها وتداولوه.
وفي الظهيرية: وأكثر مشايخ بخارى عليه ليخرج عن العهدة بيقين.(2/157)
ثم نقل المقدسي عن الفتح أنه ينبغي أن يصلي أربعا ينوي بها آخر فرض أدركت وقته ولم أؤده إن تردد في كونه مصرا أو تعددت الجمعة، وذكر مثله عن المحقق ابن جرباش.
قال: ثم قال: وفائدته الخروج عن الخلاف المتوهم أو المحقق وإن كان الصحيح صحة التعداد فهي نفع بلا ضرر، ثم ذكر ما يوهم عدم فعلها ودفعه بأحسن وجه.
وذكر في النهر أنه لا يبنيغ التردد في ندبها على القول بجواز التعدد خروجا عن الخلاف اه.
وفي شرح الباقاني: هو الصحيح.
وبالجملة فقد ثبت أنه ينبغي الاتيان بهذه الاربع بعد الجمعة، لكن بقي الكلام في تحقيق أنه واجب أو مندوب، قال المقدسي: ذكر ابن الشحنة عن جده التصريح بالندب، وبحث فيه بأنه ينبغي أن يكون عند مجرد التوهم، أما عند قيام الشك والاشتباه في صحة الجمعة فالظاهر الوجوب، ونقل عن شيخه ابن الهمام ما يفيده، وبه يعلم أنها هل تجزي عن السنة أم لا؟ فعند قيام الشك لا، وعند عدمه نعم، ويؤيد التفصيل تعبير التمرتاشي ب لا بد وكلام القنية المذكور اه.
وتمام تحقيق المقام في رسالة المقدسي، وقد ذكر شذرة منها في إمداد الفتاح، وإنما أطلنا في ذلك لدفع ما يوهمه كلام الشارح تبعا للبحر من عدم فعلها مطلقا.
نعم إن أدى إلى مفسدة لا تفعل جهارا والكلام عند عدمها، ولذا قال المقدسي: نحن لا نأمر بذلك أمثال هذه العوام، بل ندل عليه الخواص ولو بالنسبة إليهم اه.
والله تعالى أعلم.
قوله: (لان وجوبه عليه بآخر الوقت) قال في الحلية: في هذا التعليل نظر، فإن المذهب أن الظهر يجب بزوال
الشمس وجوبا موسعا إلى وقت العصر، غير أن السبب هو الجزء الذي يتصل به الاداء، فإن لم يؤد إلى آخر الوقت تعين الجزء الاخير للسببية اه.
أقول: يمكن أن يجاب بأن قوله: والاحوط نية آخر ظهر أدركت وقته، هو أحوط بالنسبة إلى ما إذا نوى آخر ظهر وجب علي أداؤه أو ثبت في ذمتي فإنه ذلك لا يفيده لو ظهر عدم صحة الجمعة لان وجوب أدائه أو ثبوته في ذمته لا يكون إلا في آخر الوقت أو بعده نعم لو قال وجب علي يفيده، لان الوجوب بدخول الوقت، بخلاف وجوب الاداء على ما حققه في التوضيح من الفرق بين الوجوب ووجوب الاداء، لكن الاولى أن يزيد: ولم أصله أو ولم أؤده كما مر عن الفتح، لانه إذا كان عليه ظهر فائت وكانت هذه الجمعة صحيحة في نفس الامر ينصرف ما نوى إلى ما عليه، وبدون هذه الزيادة لا ينصرف إليه بل يقع نفلا، لان آخر ظهر أدركه هو ظهر يوم الجمعة لما مر من أن الوقت عندنا الظهر أصالة في يوم الجمعة خلافا لزفر، وكذا إذا قلنا: إن ظهر الجمعة سقط عنه بصلاة الجمعة لانه يصير آخر ظهر أدركه ظهر يوم الخميس فلا ينصرف إلى ظهر فائت عليه قبله إلا إذا زاد قوله: ولم أصله ولعل الشارح أشار إلى هذا بقوله فتنبه فافهم.
تتمة: قال في شرح المنية الصغير: والاولى أن يصلي بعد الجمعة سنتها ثم الاربع بهذه النية: أي نية آخر ظهر أدركته ولم أصله، ثم ركعتين سنة الوقت، فإن صحت الجمعة يكون قد أدى سنتها على وجهها، وإلا فقد صلى الظهر مع سنته، وينبغي أن يقرأ السورة مع الفاتحة في هذه الاربع إن لم يكن عليه قضاء، فإن وقعت فرضا فالسورة لا تضر، وإن وقعت نفلا فقراءة السورة واجبة اه: أي وأما إذا كان عليه قضاء فلا يضم السورة، لان هذه الاربع فرض على كل حال.(2/158)
قلت: وحاصله أنه يصلي بعد الجمعة عشر ركعات، أربعا سنتها وأربعا آخر ظهر وركعتين سنة الوقت: أي لاحتمال أن الفرض هو الظهر فتقع الركعتان سنته البعدية.
والظاهر أنه يكفي نية آخر ظهر عن الاربع سنة الجمعة إذا صحت الجمعة، لان المعتمد عدم اشتراط التعيين في السنن، وإن لم
تصح فالفرض هو الظهر وتقع الاربع التي صلاها قبل الجمعة عن سنة الظهر القبلية، لكن لطول الفصل بصلاة الجمعة وسماع الخطبة يصلي أربعا أخرى، فالاولى صلاة العشرة.
قوله: (فتنبه) في بعض النسخ.
قنية.
وهي صحيحة لان ما ذكره هو نص عبارة القنية.
قوله: (وقت الظهر) فيه أن الوقت سبب لا شرط، وأنه لا بد منه في سائر الصلوات.
والجواب أنه سبب للوجوب وشرط لصحة المؤدى، وشرطيته للجمعة ليست كشرطيته لغيرها، فإنه بخروج الوقت لا تبقى صحة للجمعة لا أداء ولا قضاء، بخلاف غيرها.
سعدية.
قوله: (مطلقا) أي ولو بعد القعود قدر التشهد كما في طلوع الشمس في صلاة الفجر كما مر بيانه في المسائل الاثني عشرية.
قوله: (على المذهب) رد لما في النوادر من أن المقتدي إذا زحمه الناس فلم يستطع الركوع والسجود حتى فرغ الامام ودخل وقت العصر فإنه يتم الجمعة بغير قراءة.
ح عن البحر.
قوله: (الخطبة فيه) أي في الوقت، وهذا أحسن من قول الكنز: والخطبة قبلها: إذ لا تنصيص فيه على اشتراط كونها في الوقت.
تنبيه: في البحر عن المجتبى يشترط في الخطيب أن يتأهل للامامة في الجمعة اه.
لكن ذكر قبله ميخالفه حيث قال: وقد علم من تفاريعهم أنه لا يشترط في الامام أن يكون هو الخطيب، وقد صرح في الخلاصة بأنه لو خطب صبي بإذن السلطان وصلى الجمعة رجل بالغ يجوز اه.
وسيذكر الشارح أن هذا هو المختار.
تتمة: لم يقيد الخطبة بكونها بالعربية اكتفاء بما قدمه في باب صفة الصلاة من أنها غير شرط ولو مع القدرة على العربية عنده، خلافا لهما حيث شرطاها إلا عند العجز كالخلاف في الشروع في الصلاة.
قوله: (والخامس كونها قبلها) أي بلا فاضل كثير، على ما سيأتي، وهي شرط الانعقاد في حق من ينشئ التحريمة للجمعة لا كل من صلاها، فلذا قالوا: لو أحدث الامام فقدم من لم يشهدها جاز، لانه بان تحريمته على تلك التحريمة المنشأة، فلو أفسدها الخليفة فالقياس أن لا يستقبل بهم الجمعة، لكن استحسنوا الجواز لانه لما قام مقام الاول التحق به حكما، ولو كان الاول أحدث قبل الشروع فقدم من لم يشهدها لم يجز.
فتح ملخصا.
قوله: (تنعقد الجمعة بهم) بأن يكونوا ذكورا بالغين عاقلين ولو كانوا معذورين بسفر أو مرض.
قوله: (ولو كانوا صما أو نياما) أشار إلى
أنه لا يشترط لصحتها كونها مسموعة لهم بل يكفي حضورهم، حتى لو بعدوا عنه أو ناموا أجزأت والظاهر أنه يشترط كونها جهرا بحيث يسمعها من كان عنده إذا لم يكن به مانع.
شرح المنية.
قوله: (على الاصح الخ) عزا تصحيحه في الحلية أيضا إلى المعراج والمبتغي بالغين، وجزم به في البدائع والتبيين وشرح المنية.
قال في الحلية: لكن هذا إحدى الروايتين عن أئمتنا الثلاثة والاخرى أنها غير(2/159)
شرط حتى لوخطب وحده جاز.
وأفاد شيخنا: يعني الكمال اعتمادها.
قوله: (لان الامر بالسعي ليس إلا لاستماعه) كذا قال في النهر، وفيه أن الشرط الحضور كما مر لا السماع، فكان المناسب أن يقول: لان المأمور بالسعي جمع.
تأمل.
قوله: (وجزم في الخلاصة الخ) مشى عليه في نور الايضاح، وقال في شرحه: وإنما اتبعناه لانه منطوق فيقدم على المفهوم اه: أي يفهم من قولهم يشترط حضور جماعة أنه لا يصح بحضور واحد، وقول صاحب الخلاصة: لو حضر واحد أو اثنان وخطب وصلى بالثلاثة جاز منطوق، وفيه نظر، فإن جعل حضور الجماعة شرطا منطوق أيضا لان الجماعة من الاجتماع فتنافي الوحدة وقد جعلت شرطا والشرط ما يلزم من عدمه العدم.
تأمل.
قوله: (وكفت تحميدة الخ) شروع في ركن الخطبة بعد بيان شروطها، وذلك لان المأمور به في آية: * (فاسعوا) * (الجمعة: 9) مطلق الذكر الشامل للقليل والكثير، والمأثور عنه (ص) لا يكون بيانا لعدم الاجمال في لفظ الذكر.
قوله: (مع الكراهة) ظاهر القهستاني أنها تنزيهية.
تأمل.
قوله: (وأقله الخ) في العناية وهو مقدار ثلاث آيات عند الكرخي، وقيل مقدار التشهد من قوله: التحيات لله إلى قوله: عبده ورسوله.
قوله: (بنيتها) أي نية الخطب.
قوله: (أو تعجبا) الاولى أن يقول: أو سبح تعجبا ط.
قوله: (على المذهب) وروي عن الامام أنه تجزيه ح.
قوله: (لكنه ذكر) أي المصنف حيث قال: ولو عطس عند الذبح فقال الحمد لله لا يحل في الاصح، بخلاف الخطبة اه.
فإن مفاده أن حمد العطاس يكفي لها.
قال ح: ويمكن أن يجاب بأنه مبني على الرواية التي قدمناها.
قوله: (ويسن خطبتان) لا ينافي ما مر من أن الخطبة شرط، لان المسنون هو تكرارها مرتين والشرط إحداهما.
قوله: (على المذهب) وقال الطحاوي: بقدر ما يمس موضع كلوسه من المنبر.
بحر.
قوله: (وتكره
زيادتهما الخ) عبارة القهستاني: وزيادة التطويل مكروهة.
قوله: (كتركه قراءة فدر ثلاث آيات) أي يكره الاقتصار في الخطبة على نحو تسبيحة وتهليلة مما لا يكون ذكرا طويلا قدر ثلاث آيات أو قدر التشهد الواجب، وليس المراد أن ترك قراءة ثلاث آيات مكروه، لان المصرح به في الملتقى والمواهب ونور الايضاح وغيرها أن من السنن قراءة آية.
وقال في الامداد وفي المحيط: يقرأ في الخطبة سورة من القرآن أو آية، فالاخبار قد تواترت أن النبي (ص) كان يقرأ القرآن في خطبته لا تخلو عن سورة أو آية، ثم قال: وإذا قرأ سورة تامة يتعوذ ثم يسمي قبلها، وإن قرأ آية قيل يتعوذ ثم يسمي - وأكثرهم قالوا: يتعوذ ولا يسمي، والاختلاف في القراءة في غير الخطبة كذلك اه ملخصا.
وبه علم أن الاقتصار على الآية غير مكروه، فتدبر.(2/160)
مطلب في قول الخطيب: قال الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم تنبيه: جرت العادة إذا قرأ الخطيب الآية أنه يقول: قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم * (من عمل صالحا) * (الجاثية: 51) الخ، وفيه إيهام أن أعوذ بالله من مقول الله تعالى، وبعضهم يتباعد عن ذلك فيقول: قال الله تعالى كلاما أتلوه بعد قولي أعوذ بالله الخ، ولكن في حصول سنة الاستعاذة بذلك نظر لان المطلوب إنشاء الاستعاذة، ولم تبق كذلك بل صارت محكية مقصودا بها لفظها، وذلك ينافي الانشاء كما لا يخفى فالاولى أن لا يقول: قال الله تعالى، ولشيخ مشايخنا العلامة إسماعيل الجراحي شارح البخاري في رسالة في هذه المسألة لا يحضرني الآن ما قاله فيها، فراجعها.
قوله: (ويبدأ) أي قبل الخطبة الاولى بالتعوذ سرا، ثم بحمد الله تعالى والثناء عليه والشهادتين، والصلاة على النبي (ص)، والعظة والتذكير والقراءة.
قال في التجنيس: والثانية كالاولى، إلا أنه يدعو للمسلمين مكان الوعظ.
قال في البحر: وظاهره أنه يسن قراءة آية فيها كالاولى اه.
تنبيه: ما يفعله بعض الخطباء من تحويل الوجه جهة اليمين وجهة اليسار عند الصلاة على النبي (ص) في الخطبة الثانية لم أر من ذكره، والظاهر أنه بدعة ينبغي تركه لئلا يتوهم أنه سنة.
ثم رأيت
في منهاج النووي قال: ولا يلتفت يمينا وشمالا في شئ منها.
قال ابن حجر في شرحه: لان ذلك بدعة اه.
ويؤخذ ذلك عندنا من قول البدائع: ومن السنة أن يستقبل الناس بوجهه ويستدبر القبلة، لان النبي (ص) كان يخطب هكذا اه.
قوله: (والعمين) هما حمزة والعباس رضي الله تعالى عنهما.
لطيفة سمعت من بعض شيوخي أنه كان يقول: إن الخطباء يلحنون هنا مرتين حيث يقولون: وارض عن عمنبيك الحمزة والعباس، بإدخال أل على حمزة وإبقاء منع صرفه، مع أنه لم يسمع دخول أل عليه وإذا دخلت يصرف.
قوله: (وجوزه القهستاني الخ) عبارته: ثم يدعو لسلطان الزمان بالعدل والاحسان متجنبا في مدحه عما قالوا إنه كفر وخسران كما في الترغيب وغيره اه.
وأشار الشارح بقوله: وجوز إلى حمل قوله ثم يدعو الخ على الجواز لا الندب، لانه حكم شرعي لا بد له من دليل.
وقد قال في البحر: إنه لا يستحب، لما روي عن عطاء حين سئل عن ذلك فقال: إنه محدث، وإنما كانت الخطبة تذكيرا اه.
ولا ينافي ذلك ما قدمه الشارح في باب الامامة من وجوب الدعاء له بالصلاح، لان الكلام في نفي استحبابه في خصوص الخطبة، بل لا مانع من استحبابه فيها كما يدعى لعموم المسلمين فإن في صلاحه صلاح العالم.
وما في البحر من أنه محدث لا ينافيه، فإن سلطان هذا الزمان أحوج إلى الدعاء له ولامرائه بالصلام والنصر على الاعداء، وقد تكون البدعة واجبة أو مندوبة، على أنه ثبت أن أبا موسى الاشعري وهو أمير الكوفة كان يدعو لعمر قبل الصديق، فأنكر عليه تقديم عمر، فشكا إليه فاستحضر المنكر فقال: إنما أنكرت تقديمك(2/161)
على أبي بكر، فبكى واستغفره، والصحابة حينئذ متوفرون لا يسكتون على بدعة إلا إذا شهدت لها قوا الشرع ولم ينكر أحد منهم الدعاء بل التقديم فقط، وأيضا فإن الدعاء للسلطان على المنابر قد صار الآن من شعار السلطنة، فمن تركه يخشى عليه، ولذا قال بعض العلماء: لو قيل إن الدعاء له واجب لما في تركه من الفتنة غالبا لم يبعد، كما قيل به في قيام الناس بعضهم لبعض.
والظاهر أن منع المتقدمين مبني على ما كافي زمانهم من المجازفة في وصفه مثل السلطان العادل الاكرم شاهنشاه الاعظم مالك رقاب الامم.
ففي كتاب الردة من التاترخانية: سأل الصفار: هل يجوز ذلك؟ فقال:
لا، لان بعض ألفاظه كفر وبعضها كذب.
وقال أبو منصور: من قال للسلطان الذي بعض أفعاله ظلم: عادل، فهو كافر.
وأما شاهنشاه فهو من خصائص الله تعالى بدون وصف الاعظم لا يجوز وصف العباد به، وأما مالك رقاب الامم فهو كذب اه.
قال في البزازية: فلذا كان أئمة خوارزم يتباعدون عن المحراب يوم العيد والجمعة اه.
أما ما اعتيد في زماننا من الدعاء للسلاطين العثمانية أيدهم الله تعالى كسلطان البرين والبحرين وخادم الحرمين الشريفين فلا مانع منه، والله تعالى أعلم.
قوله: (في مخدعه) هو الخلوة التي تكون في المسجد، قال السيوطي في حاشيته على سنن أبي داود: المخدع هو البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير، وميمه تضم وتفتح اه.
وفي القاموس: المخدع كمنبر الخزانة اه مدني.
قوله: (عن يمين المنبر) قيد لمخدعه.
قال في البحر: فإن لم يكن ففي جهته أو ناحيته، وتكره صلاته في المحراب قبل الخطبة.
قوله: (ولبس السواد) اقتداء بالخلفاء وللتوارث في الاعصار والامصار.
بحر عن الحاوي القدسي.
قلت: الظاهر أن هذا خاص بالخطيب، وإلا فالمنصوص أنه يستحب في الجمعة والعيدين لبس أحسن الثياب.
وفي شرح الملتقى من فصل اللباس: ويستحب الابيض وكذا الاسود لانه شعار بني العباس، ودخل عليه الصلاة والسلام مكة وعلى رأسه عمامة سوداء اه.
وفي رواية لابن عدي: كان له عمامة سوداء يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه.
قوله: (وترك السلام) ومن الغريب ما في السراج أنه يستحب للامام إذا صعد المنبر وأقبل على الناس أن يسلم عليهم لانه استدبرهم في صعوده اه بحر.
قلت: وعبارته في الجوهرة: ويروى أنه لا بأس به لانه استدبرهم في صعوده.
قوله: (وطهارة وستر عورة قائما) جعل الثلاثة في شرح المنية واجبات، مع أنه نفسه صرح في متن الملتقى بسنية الطهارة والقيام كما في كثير من المعتبرات، وأما ستر العور فصرح بأنه سنة أيضا في نور الايضاح والمواهب، وصرح في المجمع وغيره بكراهة ترك الثلاثة، ولعل معنى سنية الستر مع كونه واجبا خارجها ولو في خلوة على الصحيح إلا لغرض صحيح هو الاعتداد بها وعدم وجوب إعادتها لو
انكشفت عورته بهبوب ريح ونحوه، وكذا الطهارة من الجنابة واجبة لدخول المسجد ولو بلا خطبة فتصح خطبته وإن أثم لو متعمدا، ويدل على ما قلناه ما في البدائع حيث قال: والطهارة سنة عندنا لا(2/162)
شرط، حتى أن الامام إذا خطب جنبا أو محدثا فإنه يعتبر شرطا لجواز الجمعة اه.
وفي الفيض: ولو خطب محدثا أو جنبا جاز ويأثم إثم إقامة الخطيب في المسجد اه.
وبه ظهر أن معنى السنية مقابل الشرط من حيث صحة الخطبة بدونه وإن كان في نفسه واجبا كما قلنا، ونظير ذلك عده من واجبات الطواف لاجل إيجاب الدم بتركه، مع أنه واجب في جميع مشاهد الحج، لكن لا يجب الدم بتركه إلا في الطواف، هذا ما ظهر لي فاغتنمه.
قال في شرح المنية: فإن قيل: من المعلوم يقينا أنه عليه الصلاة والسلام لم يخطب قط بدون ستر وطهارة.
قلنا: نعم، ولكن لكون ذلك دأبه وعادته وأدبه ولا دليل على أنه إنما فعله لخصوص الخطبة.
قوله: (الاصح لا) ولذالا يشترط لها سائر شروط الصلاة كالاستقبال والطهارة وغيرهما.
قوله: (بل كشطره في الثواب) هذا تأويل لما ورد به الاثر من أن الخطبة كشطر الصلاة، فإن مقتضاه أنها قامت مقام ركعتين من الظهر كما قامت الجمعة مقام ركعتين منه فيشترط لها شروط الصلاة كما هو قول الشافعي.
قوله: (جاز) أي ولا يعد الغسل فاصلا لانه من أعمال الصلاة، ولكن الاولى إعادتها كما لو تطوع بعدها أو أفسد الجمعة أو فسدت بتذكر فائتة فيها كما في البحر.
قوله: (فإن طال) الظاهر أنه يرجع في الطول إلى نظر المبتلى ط.
قوله: (لكن سيجئ الخ) استدراك على لزوم إعادة الخطبة: يعني قد لا تلزم الاعادة بأن يستنيب شخصا قبل أن يرجع لبيته.
قوله: (وأقلها ثلاثة رجال) أطلق فيهم فشمل العبيد والمسافرين والمرضى والاميين والخرسى لصلاحيتهم للامامة في الجمعة، أما لكل أحد أو لمن هو مثلهم في الامي والاخرس فصلحا أ يقتديا بمن فوقهما، واحترز بالرجال عن النساء والصبيان فإن الجمعة لا تصح بهم وحدهم لعدم صلاحيتهم للامامة فيها بحال.
بحر عن المحيط.
قوله: (ولو غير الثلاثة الذين حضروا الخطبة) أي على رواية اشتراط حضور ثلاثة في الخطبة، أما على رواية عدم الاشتراط أصلا أو أنه يكفي حضور واحد فأظهر.
قوله: (سوى الامام) هذا عند أبي حنيفة ورجح الشارحون دليله واختاره المحبوبي والنسفي،
كذا في تصحيح الشيخ قاسم.
قوله: (بنص فاسعوا) لان طلب الحضور إلى الذكر متعلقا بلفظ الجمع وهو الواو يستلزم ذاكرا فلزم أن يكون مع الامام جمع، وتمامه في شرح المنية.
قوله: (فإن نفروا) أي بعد شروعهم معه.
نهر.
والمقصود من هذا التفريع بيان أن هذا الشرط وهو الجماعة لا يلزم بقاؤه إلى آخر الصلاة، خلافا لزفر لانه شرط انعقاد لا شرطدوام كالخطبة: أي شرط انعقاد التحريمة عندهما، وشرط انعقاد الاداء عند أبي حنيفة، ولا يتحقق الاداء إلا بوجود تمام الاركان وهي القيام والقراءة والركوع والسجود، فلو نفروا بعد التحريمة قبل السجود فسدت الجمعة ويستقبل الظهر عنده،(2/163)
وعندهما يتم الجمعة، وتمامه في البحر وغيره.
قوله: (ولذا) أي لكون المراد الرجال، أتى بالتاء فأفاد أنه لو بقي ثلاثة من النساء أو الصبيان ولو كان معهم رجل أو رجلان لا يعتبر، فلو قال: فإن نفر واحد منهم لكان أولى.
أفاده في البحر.
بقي أن يقال: إن المعدود إذا حذف يجوز تذكير العدد وتأنيثه فلا دلالة على اشتراط الذكورية من لفظ ثلاثة، ولو سلم فإنما تدل التاء على مطلق الذكورية لا بقيد الرجولية ط.
فالاظهر والاخصر أن يقول: وإن بقوا ليعود ضميره على ما عاد عليه ضمير نفروا الاول وهو ثلاثة رجال.
قوله: (أو عادوا) وكذا لو وقفوا إلى أن ركع فأحرموا وأدركوه فيه كما في البحر.
قوله: (وأدركوه راكعا) تقييد حسن موافق لما في الخلاصة، خلافا لما يوهمه ظاهر البحر كما في النهر.
قوله: (أو نفروا الخ) يغني عنه قوله أولا ولو غير الثلاثة الخ ط.
قوله: (وأتمها جمعة) أي ولو وحده فيما إذا لم يعودوا ولم يأت غيرهم.
قوله: (الاذن العام) أي أن يأذن للناس إذنا عاما بأن لا يمنع أحدا ممن تصح منه الجمعة عن دخول الموضع الذي تصلي فيه، وهذا مراد من فسر الاذن العام بالاشتهار، وكذا في البرجندي إسماعيل، وإنما كان هذا شرطا لان الله تعالى شرع النداء لصلاة الجمعة بقوله: * (فاسعوا إلى ذكر الله) * (الجمعة: 9) والنداء للاشتهار، وكذا تسمى جمعة لاجتماع الجماعات فيها، فاقتضى أن تكون الجماعات كلها مأذونين بالحضور تحقيقا لمعنى الاسم.
بدائع.
واعلم أن هذا الشرط لم يذكر في ظاهر الرواية، ولذا لم يذكره في الهداية بل هو مذكور في النوادر، ومشى عليه في الكنز و الوقاية والنقاية والملتقى وكثير من المعتبرات.
قوله: (من الامام)
قيد به بالنظر إلى المثال الآتي، وإلا فالمراد الاذن من مقيمها لما في البرجندي من أنه لو أغلق جماعة باب الجامع وصلوا فيه الجمعة لا تجوز.
إسماعيل.
قوله: (وهو يحصل الخ) أشار به إلى أنه لا يشترط صريح الاذن ط.
قوله: (للواردين) أي من المكلفين بها فلا يضر منع نحو النساء لخوف الفتنة ط.
قوله: (لان الاذن العام مقرر لاهله) أي لاهل القلعة لانها في معنى الحصن، والاحسن عود الضمير إلى المصر المفهوم من المقام، لانه لا يكفي الاذن لاهل الحصن فقط، بل الشرط الاذن للجماعات كلها كما مر عن البدائع.
قوله: (وغلقه لمنع العدو الخ) أي أن الاذن هنا موجود قبل غلق البا ب لكل من أراد الصلاة، والذي يضر إنما هو منع المصلين لا منع العدو.
قوله: (لكاأحسن) لانه أبعد عن الشبهة، لان الظاهر اشتراط الاذن وقت الصلاة لا قبلها لان النداء للاشتهار كما مر، وهم يغلقون الباب وقت النداء أو قبيله، فمن سمع النداء وأراد الذهاب إليها لا يمكنه الدخول، فالمنع حال الصلاة متحقق، ولذا استظهر الشيخ إسماعيل عدم الصحة.
ثم رأيت مثله في نهج الحياة معزيا إلى رسالة العلامة عبد البر بن الشحنة، والله أعلم.
قوله: (وهذا(2/164)
أولى مما في البحر والمنح) ما في البحر والمنح هو ما فرعه في المتن بقوله: فلو دخل أمير حصنا أي أنه أولى من الجزم بعدم الانعقاد.
قوله: (أو قصره) كذا في الزيلعي والدرر وغيرهما، وذكر الواني في حاشية الدرر أن المناسب للسياق أو مصره بالميم بدل القاف.
قلت: ولا يخفى بعده عن السياق.
وفي الكافي التعبير بالدار حيث قال: والاذن العام وهو أن تفتح أبواب الجامع ويؤذن للناس، حتى لو اجتمعت جماعة في الجامع وأغلقوا الابواب وجمعوا لم يجز، وكذا السلطان إذا أراد أن يصلي بحشمة فداره: فإن فتح بابها وأذن للناس إذنا عاما جازت صلاته شهدتها العامة أو لا، وإن لم يفتح أبواب الدار وأغلق الابواب وأجلس البوابين ليمنعوا عن الدخول لم تجز، لان اشتراط السلطان للتحرز عن تفويتها على الناس وذا لا يحصل إلا بالاذن العام اه.
قلت: وينبغي أن يكون محل النزاع ما إذا كانت لا تقام إلا في محل واحد، أما لو تعددت
فلا، لانه لا يتحقق التفويت كما أفاده التعليل.
تأمل.
قوله: (لم تنعقد) يحمل على ما إذا منع الناس فلا يضر إغلاقه لمنع عدو أو لعادة كما مر ط.
قلت: ويؤيده قول الكافي: وأجلس البوابين الخ، فتأمل.
قوله: (وأذن للناس الخ) مفاده اشتراط علمهم بذلك.
وفي منح الغفار) وكذا أي لا يصح لو جمع في قصره لحشمه ولم يغلق الباب ولم يمنع أحدا.
إلا أنه لم يعلم الناس بذلك اه.
قوله: (وكره) لانه لم يقض حق المسجد الجامع.
زيلعي ودرر.
قوله: (فالامام الخ) ذكره في المجتبى.
مطلب في شروط وجوب الجمعة قوله: (تختص بها) إنما وصف التسعة بالاختصاص لان المذكور في المتن أحد عشر، لكن العقل والبلوغ منها ليسا خاصين كما نبه عليه الشارح اه ح.
قوله: (إقامة) خرج به المسافر، وقوله: بمصر أخرج الاقامة في غيره إلا ما استثنى بقوله: فإن كان يسمع النداء ح.
قوله: (يسمع النداء) أي من المنابر بأعلى صوت كما في القهستاني.
قوله: (وقدمنا الخ) فيه أن ما مر عن الولوالجية في حد الفناء الذي تصح إقامة الجمعة فيه، والكلام هنا في حد المكان الذي من كان فيه يلزمه الحضور إلى المصر ليصليها فيه، نعم في التاترخانية عن الذخيرة أن من بينه وبين المصر(2/165)
فرسخ يلزمه حضور الجمعة، وهو المختار للفتوى.
قوله: (ورجح في البحر الخ) هو ما استحسنه في البدائع، وصحح في مواهب الرحمن قول أبي يوسف بوجوبها على من كان داخل حد الاقامة: أي الذي من فارقه يصير مسافرا وإذا وصل إليه يصير مقيما، وعلله في شرحه المسمى بالبرهان بأن وجوبها مختص بأهل المصر، والخارج عن هذا الحد ليس أهله اه.
قلت: وهو ظاهر المتون.
وفي المعراج أنه أصح ما قيل.
وفي الخانية: المقيم في موضع من أطراف المصر إن كان بينه وبين عمران المصر فرجة من مزارع لا جمعة عليه وإن بلغه النداء، وتقدير البعد بغلوة أو ميل ليس بشئ، هكذا رواه أبو جعفر عن الامامين وهو اختيار الحلواني.
وفي التاترخانية: ثم ظاهر رواية أصحابنا لا تجب إلا على من يسكن المصر أو ما يتصل به، فلا
تجب على أهل السواد ولو قريبا، وهذا أصح ما قيل فيه اه.
وبه جزم في التجنيس.
قال في الامداد تنبيه قد علمت بنص الحديث والاثر والروايات عن أئمتنا الثلاثة واختيار المحققين من أهل الترجيح أنه لا عبرة ببلوغ النداء ولا بالغلوة والاميال فلا عليك من مخالفة غيره وإن صح اه.
أقول: وينبغي تقييد ما في الخانية والتاترخانية بما إذا لم يكن في فناء المصر لما مر أنها تصح إقامتها في الفناء ولو منفصلا بمزارع، فإذا صحت في الفناء لانه ملحق بالمصر يجب على من كان فيه أن يصليها لانه من أهل المصر كما يعلم من تعلي البرهان، والله الموفق.
قوله: (وصحة) قال في النهر: فلا تجب على مريض ساء مزاجه وأمكن في الاغلب علاجه، فخرج المقعد والاعمى ولذا عطفهما عليه فلا تكرار في كلامه كما توهمه في البحر اه.
فلو وجد المريض ما يركبه ففي القنية هو كالاعمى على الخلاف إذا وجد قائدا، وقيل لا يجب عليه اتفاقا كالمقعد، وقيل هو كالقادر على الشئ فتجب في قولهم، وتعقبه السروجي بأنه ينبغي تصحيح عدمه لان في التزامه الركوب والحضور زيادة المرض.
قلت: فينبغي تصحيح عدم الوجوب إن كان الامر في حقه كذلك.
حلية.
قوله: (وألحق بالمريض الممرض) أي من يعول المريض، وهذا إن بقي المريض ضائعا بخروجه في الاصح.
حلية وجوهرة.
قوله: (والاصح الخ) ذكره في السراج، قال في البحر: ولا يخفى ما فيه اه: أي لوجود الرق فيهما، والمراد بالمبعض من أعتق بعضه وصار يسعى كما في الخانية.
قوله: (وأجير) مفاده أنه ليس للمستأجر منه، وهو أحد قولين، وظاهر المتون يشهد له كما في البحر.
قوله: (بحسابه لو بعيدا) فإن كان قدر ربع النهار حط عنه ربع الاجرة وليس للاجير أن يطالبه من الربع المحطوط بمقدار اشتغاله بالصلاة.
تاترخانية.
قوله: (ولو أذن له مولاه) أي بالصلاة، وليس المراد المأذون بالتجارة فإنه لا يجب عليه اتفاقا كما يعلم من عبارة البحر ح قوله: (ورجح في البحر التخيير) أي بأنه جزم به في الظهيرية وبأنه أليق بالقواعد اه.
قلت: ويؤيده أنه في الجوهرة أعاد المسألة في الباب الآتي وجزم بعدم وجوبها عليه، حيث ذكر أن من لا تجب عليه الجمعة لا تجب عليه العيد، إلا المملوك فإنها تجب عليه إذا أذن له مولاه،
لا الجمعة لان لها بدلا يقوم مقامها في حقه وهو الظهر، بخلاف العيد، ثم قال: وينبغي أن لا تجب(2/166)
عليه كالجمعة لان منافعه لا تصير مملوكة له بالاذن، فحاله بعده كحاله قبله، ألا ترى أنه لو حج بالاذن لا تسقط عنه حجة الاسلام اه.
ولا يخفى أنه إذا لم تجب عليه يخير لانه فرع عدم الوجوب.
وفي البحر أيضا: وهل يحل له الخروج إليها أو إلى العيدين بلا إذن مولاه؟ ففي التجنيس: إن علم رضاه أو رآه فسكت حل، وكذا إذا كان يمسك دابة المولى عند الجامع ولا يخل بحقه في الامساك، له ذلك في الاصح.
قوله: (محققة) ذكره في النهر بحثا لاخراج الخنثى المشكل، ونقله الشيخ إسماعيل عن البرجندي: قيل معاملته بالاضر تقتضي وجوبها عليه.
أقول: فيه نظر، بل تقتضي عدم خروجه إلى مجامع الرجال ولذا لا تجب على المرأة، فافهم.
قوله: (وليسا خاصين) أي بالجمعة بل هما شرطا التكليف بالعبادات كلها كالاسلام، على أن الجنون يخرج بقيد الصحة لانه مرض، بل قال الشاعر: وأصعب أمراض النفوس جنونها قوله: (فتجب على الاعور) وكذا ضعيف البصر فيما يظهر، أما الاعمى فلا وإن قدر على قائد متبرع أو بأخرة، وعندهما: إن قدر على ذلك تجب، وتوقف في البحر فيما لو أقيمت وهو حاضر في المسجد.
وأجاب بعض العلماء بأنه إن كان متطهرا فالظاهر الوجوب لان العلة الحرج وهو منتف.
وأقول: بل يظهر لي وجوبها على بعض العميان الذي يمشي في الاسواق ويعرف الطرق بلا قائد ولا كلفة ويعرف أي مسجد أراده بلا سؤال أحد، لانه حينئذ كالمريض القادر على الخروج بنفسه، بل ربما تلحقه مشقة أكثر من هذا.
تأمل.
قوله: (وقدرته على المشي) فلا تجب على المقعد وإن وجد حاملا اتفاقا.
خانية.
لانه غير قادر على السعي أصلا فلا يجري فيه الخلاف في الاعمى كما نبه عليه القهستاني.
قوله: (أحدهما) أي أحد الرجلين ح.
والمناسب إحداهما.
قوله: (لكن الخ) أجاب السيد أبو السعود بحمل ما في البحر على العرج الغير المانع من المشي، وما هنا على المانع منه.
قوله: (وعدم حبس) ينبغي تقييده بكونه مظلوما كمديون معسر، فلو موسرا قادرا على الاداء
حالا وجبت.
قوله: (وعدم خوف) أي من سلطان أو لص.
منح.
قال في الامداد: ويلحق به المفلس إذا خاف الحبس كما جاز له التيمم به.
قوله: (ووحل وثلج) أي شديدين.
قوله: (ونحوهما) أي كبرد شديد كما قدمناه في باب الامامة.
قوله: (أي هذه الشروط) أي شروط الافتراض.
قوله: (إن اختار العزيمة) أي صلاة الجمعة، لانه رخص له في تركها إلى الظهر فصارت الظهر في حقه رخصة والجمعة عزيمة، كالفطر للمسافر هو رخصة له والصوم عزيمة في حقه لانه أشق، فافهم.
قوله: (بالغ عاقل) تفسير للمكلف، وخرج به الصبي فإنها تقع منه نفلا، والمجنون فإنه لاصلاة له(2/167)
أصلا.
بحر عن البدائع.
قوله: (لئلا يعود على موضوعه بالنقض) يعني لو لم نقل بوقوعها فرضا بل ألزمناه بصلاة الظهر لعاد على موضوعه بالنقض، وذلك لان صلاة الظهر في حقه رخصة، فإذا أتى بالعزيمة وتحمل المشقة صح، ولو ألزمناه بالظهر بعدها لحملناه مشقة ونقضنا الموضوع في حقه وهو التسهيل اه ح.
قلت: فالمراد بالموضوع الاصل الذي بني عليه سقوط الجمعة هنا وهو التسهيل والترخيص الذي استدعاه العذر، ومنه النظر للمولى في جانب العبد.
قال في البحر: لانا لو لم نجوزها وقد تعطلت منافعه على المولى لوجب عليه الظهر فتتعطل عليه منافعه ثانيا فينقلب النظر ضررا.
قوله: (وفي البحر الخ) أخذه في البحر من ظاهر قولهم: إن الظهر لهم رخصة، فدل على أن الجمعة عزيمة وهي أفضل، إلا للمرأة لان صلاتها في بيتها أفضل، وأقره في النهر.
ومقتضى التعليل أنه لو كان بيتها لصيق جدار المسجد بلا مانع من صحة الاقتداء تكون أفضل لها أيضا.
قوله: (من صلح لغيرها) أي لامامة غير الجمعة فهو على تقدير مضاف، والمراد الامامة للرجال، فخرج الصبي لانه مسلوب الاهلية والمرأة لانها لا تصلح إماما للرجال.
قوله: (وتنعقد بهم) أشار به إلى خلاف الشافعي رحمه الله، حيث قال بصحة إمامتهم وعدم الاعتداد بهم في العدد الذي تنعقد بهم الجمعة، وذلك لانهم لما صلحوا للامامة فلان يصلحوا للاقتداء أولى.
عناية.
قوله: (وحرم الخ) عدل عن قول القدوري والكنز، وكره لقول ابن الهمام: لا بد من كون المراد حرم، لانه ترك الفرض القطعي
باتفاقهم الذي هو آكد من الظهر، غير أن الظهر تقع صحيحة وإن كان مأمورا بالاعراض عنها.
وأجاب في البحر بأن الحرام هو ترك السعي المفوت لها، أما صلاة الظهر قبلها فغير مفوتة للجمعة حتى تكون حراما، فإن سعيه بعدها للجمعة فرض كما صرحوا به، وإنما تكره الظهر قبلها لانها قد تكون سببا للتفويت باعتماده عليها، وهم إنما حكموا بالكراهة على صلاة الظهر لا على ترك الجمعة اه ملخصا، واستحسنه في النهر.
قوله: (لمن لا عذر له) أما المعذور فيستحب له تأخيرها إلى فراغ الامام كما يأتي.
قوله: (فلا يكره) بل هو فرض عليه لفوات الجمعة.
قال في البحر: فنفس الصلاة غير مكروهة وتفويت الجمعة حرام، وهو مؤيد لما قلنا اه: يعني أن الكراهة ليست لذات الصلاة بل لخارج عنها وهو كونها سببا لتفويت الجمعة، بدليل أنه لو صلاها بعد فوت الجمعة لم يكره فعلها بعدها بل يجب.
وقد يقال: مراد الغاية عدم الكراهة عند الاشتباه في صحة الجمعة، فيكون المراد فعلها بعد صلاته للجمعة لا بعد فوتها، تأمل.
قوله: (في يومها) متعلق بمحذوف حال من الظهر: أي الظهر الواقع في يومها احترازا عن ظهر سابق على يومها، فإنه لو قضاه قبلها لم يكره بل يجب على ذي ترتيب، فافهم.
قوله: (بمصر) أما لو كان في قرية فلا يكره لعدم صحة الجمعة فيها.
قوله: (لكونه سببا) قد علمت ما فيه من بحث صاحب البحر ح.
قوله: (وهو) أي التفويت.
قوله: (اتباعا للآية) أي لان السعي مقتض للهرولة، مع أن المطلوب المشي إليها بالسكينة والوقار اه ح.
وكأنه اختير التعبير به في الآية للحث على الذهاب إليها، والله أعلم.(2/168)
والاولى أن يقول: عبر به لانه لو كان في المسجد الخ كما فعل في البحر والنهر، أو يقول: ولانه بالعطف على اتباعا.
قوله: (لم يبطل إلا بالشروع) ينبغي تقييده بما إذا كان صلى في مجلسه، أما لو قام منه وسعى إلى مكان آخر على عزم صلاة الجمعة مع الامام يبطل بمجرد سعيه.
تأمل.
قوله: (لانه لو خرج لحاجة الخ) ولو شرك فيها فالعبرة للاغلب كما يفاد من البحر ط، وفيه أن ما ذكره في البحر بالنظر إلى الثواب وهل يتأتى ذلك هنا؟ محل تأمل، والظاهر الاكتفاء بذلك ولو كان الاغلب الحاجة لتحقق السعي إليها وإن كان لا ثواب له تأمل.
قوله: (أو مع فراغ الامام) ومثله بالاولى
ما في الفتح: لو كان بعد فراغه منها، لانه في الصورتين لا يكون سعيه إليها ولكن هذا مسلم لو كان عالما بذلك وإلا فلا، فالمناسب إخراج هذه المسائل بقوله بعده والامام فيها تأمل.
قوله: (أو لم يقمها أصلا) أي لعذر أو غيره، وكذا لو توجه إليها والامام والناس فيها إلا أنهم خرجوا منها قبل إتمامها لنائبة فالصحيح أنه لا يبطل ظهره.
بحر عن السراج.
قوله: (فالبطلان به) أي بطلان الظهر بالسعي إلى الجمعة.
قوله: (مقيد بإمكان إدراكها) كذا في البحر، وأيده في النهر بما يأتي عن السراج وهو غير صحيح كما تعرفه.
قوله: (فالاصح أنه لا يبطل.
سراج) تبع في هذا صاحب النهر، والصواب إسقاط لا قال في البحر: وأطلق: أي في البطلان فشمل ما إذا لم يدركها لبعد المسافة مع كون الامام فيها وقت الخروج أو لم يكن شرع، وهو قول البلخيين.
قال في السراج: وهو الصحيح لانه توجه إليها وهي لم تفت بعد، حتى لو كان بيته قريبا من المسجد وسمع الجماعة في الركعة الثانية فتوجه بعد ما صلى الظهر في منزله بطل الظهر على الاصح أيضا لما ذكرنا اه.
قلت: ومثله في شروح الهداية كالنهاية والكفاية والمعراج والفتح.
قوله: (بطل ظهره) أي وصف الفرضية وصار نفلا بناء على أن بطلان الوصف لا يوجب بطلان الاصل عندهما، خلافا لمحمد.
قوله: (ولا ظهر من اقتدى به الخ) لان بطلانه في حق الامام بعد الفراغ فلا يضر المأموم.
بحر عن المحيط: أي فلا يقال: الاصل أن صلاة المأموم تفسد بفساد صلاة الامام لانه بعد الفراغ من الصلاة لم يبق مأموما، وله نظائر قدمناها في باب الامامة.
منها: ما لو ارتد الامام والعياذ بالله تعالى ثم أسلم في الوقت: يلزمه الاعادة دون القوم.
ومنها: ما لو سلم القوم قبل الامام بعد قعوده قدر التشهد ثم عرض له واحدة من المسائل الاثني عشرية أو سجد هو للسهو ولم يسجدوا معه ثم عرض له ذلك: تبطل صلاته وحده، فافهم.
قوله: (أدركها أو لا) أي ولو كان عدم إدراكه لها لبعد المسافة لما علمت من أن التقييد بإمكان إدراكها خلاف الصحيح، فافهم.
ثم إذا لم يدركها أو بدا له الرجوع فرجع لزمه إعادة الظهر كما في شرح المنية.
قوله: (بلا فرق بين معذور وغيره) قال في الجوهرة: والعبد والمريض والمسافر(2/169)
وغيرهم سواء في الانتفا ض بالسعي اه.
وعزاه في البحر إلى غاية البيان والسراج، ثم استشكله بأن المعذور ليس بمأمور بالسعي إليها مطلقا، فينبغي أن لا يبطل ظهره بالسعي ولا بالشروع في الجمعة لان الفرض سقط عنه، ولم يكن مأمورا بنقضه فتكون الجمعة نفلا كما قال به زفر والشافعي.
قال: وظاهر ما في المحيط أن ظهره إنما يبطل بحضوره الجمعة لا بمجرد سعيه كما في غير المعذور، وهو أخف إشكالا اه.
قلت: ويجاب عنه بما في الزيلعي والفتح أنه إنما رخص له تركها للعذر وبالالتزام التحق بالصحيح.
قوله: (على المذهب) عبارة شرح المنية هو الصحيح من المذهب ثم قال: خلافا لزفر هو يقول: إن فرضه الظهر وقد أداه في وقته فلا يبطل بغيره، ولنا أن المعذور إنما فارق غيره في الترخص بترك السعي، فإذا لم يترخص التحق بغيره اه.
قوله: (لمعذور) وكذا غيره بالاولى.
نهر.
قوله: (ومسجون) صرح به كالكنز وغيره مع دخوله في المعذور لرد ما قيل إنها تلزمه، لانه إن كان ظالما قدر على إرضاء خصمه وإلا أمكنه الاستغاثة اه.
قال الخير الرملي: وفي زماننا لا مغيث للمظلوم والغلبة للظالمين، فمن عارضهم بحق أهلكوه.
قوله: (تحريما) ذكر في البحر أنه ظاهر كلامهم.
قلت: بل صرح به القهستاني.
قوله: (أداء ظهر بجماعة) مفهومه أن القضاء بالجماعة غير مكروه، وفي البحر: وقيد بالظهر لان في غيرها لا بأس أن يصلوا جماعة اه.
قوله: (في مصر) بخلاف القرى لانه لا جمعة عليهم، فكان هذا اليوم في حقهم كغيره من الايام.
شرح المنية، وفي المعراج عن المجتبى: من لا تجب عليهم الجمعة لبعد الموضع صلوا الظهر بجماعة.
قوله: (لتقليل الجماعة) لان المعذور قد يقتدى به غيره فيؤدي إلى تركها.
بحر.
وكذا إذا علم أنه يصلي بعدها بجماعة ربما يتركها ليصلي معه، فافهم.
قوله: (وصورة المعارضة) لان شعار المسلمين في هذا اليوم صلاة الجمعة وقصد المعارضة لهم يؤدي إلى أمر عظيم فكان في صورتها كراهة التحريم.
رحمتي.
قوله: (تغلق) لئلا تجتمع فيها جماعة.
بحر عن السراج.
قوله: (إلا الجامع) أي الذي تقام فيه الجمعة، فإن فتحه في وقت الظهر ضروري، والظاهر أنه يغلق أيضا بعد إقامة الجمعة لئلا يجتمع فيه أحد بعدها، إلا أن يقال: إن العادة الجارية هي اجتماع الناس في أول الوقت فيغلق ما سواه مما لا
تقام فيه الجمعة ليضطروا إلى المجئ إليه، وعلى هذا فيغلق غيره إلى الفراغ منها، لكن لا داعي إلى فتحه بعدها فيبقى مغلوقا إلى وقت العصر، ثم كل هذا مبالغة في المنع عن صلاة غير الجمعة وإظهارا لتأكدها.
قوله: (وكذا أهل مصر الخ) الظاهر أن الكراهة هنا تنزيهية لعدم التقليل والمعارضة المذكورين، ويؤيده ما في القهستاني عن المضمرات: يصلون وحدانا استحبابا.
قوله: (بغير أذان ولا إقامة) قال في الولوالجية: ولا يصلي يوم الجمعة جماعة بمصر ولا يؤذن ولا يقيم في سجن وغيره لصلاة الظهر اه.
قال في النهر: وهذا أولى مما في السراج معزيا إلى جمع التفاريق من أن الاذان والاقامة غير مكروهين.
قوله: (ويستحب للمريض) عبارة القهستاني: المعذور، وهي أعم.
قوله: (وكره) ظاهر قوله: يستحب أن الكراهة تنزيهية.
نهر.
وعليه فما في شرح الدرر للشيخ(2/170)
إسماعيل عن المحيط من عدم الكراهة اتفاقا محمول على نفي التحريمية.
قوله: (ومن أدركها) أي الجمعة.
قوله: (أو سجود سهو) ولو في تشهده ط.
قوله: (على القول به فيها) أي على القول بفعله في الجمعة.
والمختار عند المتأخرين أن لا يسجد للسهو في الجمعة والعيدين لتوهم الزيادة من الجهال، كذا في السراج وغيره.
بحر.
وليس المراد عدم جوازه، بل الاولى تركه كيلا يقع الناس في فتنة.
أبو السعود عن العزمية، ومثله في الايضاح لابن كمال.
قوله: (يتمها جمعة) وهو مخير في القراءة إن شاء جهر وإن شاء خافت.
بحر.
قوله: (خلافا لمحمد) حيث قال: إن أدرك معه ركوع الركعة الثانية بنى عليها الجمعة، وإن أدرك فيما بعد ذلك بنى عليها الظهر لانه جمعة من وجه وظهر من وجه لفوات بعض الشرائط في حقه، فيصلي أربعا اعتبارا للظهر ويقعد لا محالة على رأس الركعتين اعتبارا للجمعة، ويقرأ في الاخريين لاحتمال النفلية.
ولهما أنه مدرك للجمعة في هذه الحالة حتى تشترط له نية الجمعة وهي ركعتان، ولا وجه لما ذكر لانهما مختلفان لا يبنى أحدهما على تحريمة الآخر كذا في الهداية.
قوله: (لكن في السراج الخ) أقول: ما في السراج ذكره في عيد الظهيرية عن بعض المشايخ، ثم ذكر عن بعضهم أنه يصير مدركا بلا خلاف وقال: وهو الصحيح.
قوله: (اتفاقا) لما علمت أنها عند محمد ليست ظهرا من كل وجه.
قوله: (ثم الظاهر الخ) ذكر في الظهيرية معزيا إلى
المنتقى: مسافر أدر ك الامام يوم الجمعة في التشهد يصلي أربعا بالتكبير الذي دخل فيه اه.
قال في البحر: وهو مخصص لما في المتون مقتض لحملها على ما إذا كانت الجمعة واجبة على المسبوق، أما إذا لم تكن واجبة فإنه يتم ظهرا اه.
وأجاب في النهر بأن الظاهر أن هذا مخرج على قول محمد، غاية الامر أن صاحب المنتقى جزم به لاختياره إياه، والمسافر مثال لا قيد اه.
قلت: ويؤيده ما مر عن الهداية من أنه لا وجه عندهما لبناء الظهر على الجمعة، لانهما مختلفان على أن المسافر لما التزم الجمعة صارت واجبة عليه ولذا صحت إمامته فيها، وأيضا المسافر إذا صلى الظهر قبلها ثم سعى إليها بطل ظهره وإن لم يدركها، فكيف إذا أدركها؟ لا يصليها، بل يصليها ظهرا، والظهر لا يبطل الظهر، فالظاهر ما في النهر.
ووجه تخصيص المسافر بالذكر دفع توهم أنه يصليها ظهرا مقصورة على قول محمد، لان فرض إمامه ركعتان، فنبه على أن يتمها أربعا عنده، لان جمعة إمامه قائمة مقام الظهر، والله أعلم.
قوله: (إن كان) ذكره باعتبار المكان ط.
قوله: (إذا خرج الامام الخ) هذا لفظ حديث ذكر في الهداية مرفوعا.
لكن في الفتح أن رفعه غريب، والمعروف كونه من كلام الزهري.
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم: كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الامام.
والحاصل أن قول الصحابي حجة يجب تقليده عندنا إذا لم ينفه شئ آخر من السنة اه.
قوله: (فلا صلاة) شمل السنة وتحية المسجد.
بحر.
قال محشيه الرملي: فلا صلاة جائزة، وتقدم في شرح قوله: ومنع عن الصلاة وسجدة التلاوة الخ أن صلاة النفل صحيحه مكروهة حتى يجب قضاؤها(2/171)
إذا قطعه، ويجب قطعه وقضاؤه في غير وقت مكروه في ظاهر الرواية، ولو أتمه خرج عهدة ما لزمه بالشروع، فالمراد الحرمة لا عدم الانعقاد.
قوله: (ولا كلام) أي من جنس كلام الناس، أما التسبيح ونحوه فلا يكره، وهو الاصح كما في النهاية والعناية.
وذكر الزيلعي أن الاحوط الانصات.
ومحل الخلاف قبل الشروع، أما بعده فالكلام مكروه تحريما بأقسامه كما في البدائع.
بحر ونهر.
وقال البقالي في مختصره: وإذا شرع في الدعاء لا يجوز للقوم رفع اليدين ولا تأمين باللسان جهرا، فإن
فعلوا ذلك أثموا، وقيل أساؤوا ولا إثم عليهم، والصحيح هو الاول وعليه الفتوى، وكذلك إذا ذكر النبي (ص) لا يجوز أن يصلوا عليه بالجهر بل بالقلب، وعليه الفتوى.
رملي.
قوله: (إلى تمامها) أي الخطبة، لكن قال في الدرر: لم يقل إلى تمام الخطبة كما قال في الهداية لما صرح به في المحيط، وغاية البيان أنهما يكرهان من حين يخرج الامام إلى أن يفرغ من الصلاة.
قوله: (في الاصح) وقيل يجوز الكلام حال ذكرهم ط.
قوله: (فإنهم لا تكره) بل يجب فعلها.
قوله: (وإلا لا) أي وإن سقط الترتيب تكره.
قوله: (في الاصح) عزاه في البحر إلى الولوالجية والمبتغي، ولم يذكر مسألة النفل في الشرنبلالية عن الصغرى، وعليه الفتوى.
قال في البحر: وما في الفتح: من أنه لو خرج وهو في السنة يقطع على رأس ركعتين ضعيف، وعزاه قاضيخان إلى النوادر اه.
قلت: وقدمنا في باب إدراك الفريضة ترجيح ما في الفتح أيضا، وأن هذا كله حيث لم يقم إلى الثالثة وإلا فإن قيدها بسجدة أثم، وإلا فقيل يتم، وقيل يقعد ويسلم.
قال في الخانية: وهذا أشبه، لكن رجح في شرح المنية الاول، وتمامه هناك فراجعه.
قوله: (ويخفف القراءة) بأن يقتصر على الواجب ط.
قوله: (ولو تسبيحا) أي ولو كان الكلام تسبيحا.
وفي ذكره في ضمن التفريع على ما في المتن نظر، لانه لا يحرم في الصلاة.
تأمل.
قوله: (أو أمر بمعروف) إلا إذا كان من الخطيب كما قدمه الشارح.
قوله: (بل يجب عليه أن يستمع) ظاهره أنه يكره الاشتغال بما يفوت السماع وإن لم يكن كلاما، وبه صرح القهستاني حيث قال: إذ الاستماع فرض كما في المحيط أو واجب كما صلاة المسعودية أو سنة، وفي إشعار بأن النوم عند الخطبة مكروه إلا إذا غلب عليه كما في الزاهدي اه ط.
قال الحلية: قلت وعن النبي (ص) قال: إذا نعس أحدكم يوم الجمعة فليتحول من مجلسه أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
قوله: (في الاصح) وقيل لا بأس بالكلام إذا بعد.
ح عن القهستاني قوله: (ولا يرد) أي على قوله: ولا كلام.
قوله: (من خيف هلاكه) الاولى ضرره.
قال في البحر: لو رأى رجلا عند بئر فخاف وقوعه فيها أو رأى عقربا يدب إلى إنسان فإنه يجوز له أن يحذره وقت الخطبة اه.
قلت: وهذا حيث تعين الكلام، إذلو أمكن بغمز أو لكز لم يجز الكلام.
تأمل.
قوله: (وكان(2/172)
أبو يوسف) هذا مبني على خلاف الاصح المتقدم.
قال في الفيض: ولو كان بعيدا لا يسمع الخطبة ففي حرمة الكلام خلاف، وكذا في قراءة القرآن والنظر في الكتب.
وعن أبي يوسف أنه كان ينظر في كتابه ويصححه بالقلم، والاحوط السكوت وبه يفتى اه.
قوله: (في نفسه) أي بأن يسمع نفسه أو يصحح الحروف فإنهم فسروه به.
وعن أبي يوسف: قلبا ائتمارا لامري الانصات والصلاة عليه (ص) كما في الكرماني، قهستاني.
قبيل با ب الامامة.
واقتصر في الجوهرة على الاخير حيث قال: ولم ينطق به لانها تدرك في غير هذا الحال والسماع يفوت.
قوله: (ولا رد سلام) وعن أبي يوسف لا يكره الرد لانه فرض.
قلنا: ذاك إذا كان السلام مأذونا فيه شرعا، وليس كذلك في حالة الخطبة، بل يرتكب بسلامه مأثما لانه به يشغل خاطر السامع عن الفرض، ولان رد السلام يمكن تحصيله في كل وقت، بخلاف سماع الخطبة.
فتح.
قوله: (وختم) أي ختم القرآن كقولهم: الحمد لله رب العالمين حمد الصابرين الخ، وأما إهداء الثواب من القارئ كقوله: اللهم اجعل ثواب ما قرأناه لا يجب على الظاهر لانه من الدعاء ط.
قوله: (وقالا الخ) حاصله ما في الجوهرة أن عنده خروج الامام يقطع الصلاة والكلام.
وعندهما خروجه يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام.
قوله: (عند الثاني) راجع إلى قوله: وإذا جلس ط.
قوله: (وعلى هذا) أي على قوله: والخلاف.
مطلب في حكم المرقي بين يدي الخطيب قوله: (فالترقية المتعارفة الخ) أي من قراءة آية: (إن الله وملائكته) * (الاحزاب: 65) والحديث المتفق عليه إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والامام يخطب فقد لغوت.
أقول: وذكر العلامة ابن حجر في التحفة أن ذلك بدعة لانه حدث بعد الصدر الاول، قيل لكنها حسنة لحث الآية على ما يندب لكل أحد من إكثار الصلاة والسلام على رسول الله (ص) لا سيما في هذا اليوم، وكحث الخبر على تأكد الانصات المفوت تركه لفضل الجمعة، بل والموقع في الاثم عند الاكثرين من العلماء.
وأقول: يستدل لذلك أيضا بأنه (ص) أمر من يستنصت له الناس عند إرادته خطبة منى في حجة
الوداع، فقياسه أنه يندب للخطيب أمر غيره بالاستنصات، وهذا هو شأن المرقي، فلم يدخل ذكره للخبر في حيز البدعة أصلا اه.
وذكر نحوه الخير الرملي عن الرملي الشافعي وأقره عليه وقال: إنه لا ينبغي القول بحرمة قراءة الحديث على الوجه المتعارف لتوافر الامة وتظاهرهم عليه اه.
ونقل ح نحوه عن العلامة الشيخ محمد البرهمتوشي الحنفي.
أقول: كون ذلك متعارفا لا يقتضي جوازه عند الامام القائل بحرمة الكلام ولو أمرا بمعروف أو رد سلام استدلالا بما مر، ولا عبرة بالعرف الحادث إذا خالف النص، لان التعارف إنما يصلح(2/173)
دليلا على الحل إذا كان عاما من عهد الصحابة والمجتهدين كما صرحوا به، وقياس خطبة الجمعة على خطبة منى قياس مع الفارق، فإن الناس في يوم الجمعة قاعدون في المسجد ينتظرون خروج الخطيب متهيئون لسماعه، بخلاف خطبة منى، فليتأمل.
والظاهر أن مثل ذلك يقال أيضا في تلقين المرقي الاذان للمؤذن، والظاهر أن الكراهة على المؤذن دون المرقي لان سنة الاذان الذي بين يدي الخطيب تحصل بأذان المرقي فيكون المؤذن مجيبا لاذان المرقي، وإجابة الاذان حينئذ مكروهة، إلا أن يقال: إن أذان الاول إذا لم يكن جهرا يسمعه القوم يكون مخالف للسنة فيكون المعتبر هو الثاني، فتأمل.
قوله: (من الترضي) أي عن الصحاب عند ذكر أسمائهم.
وقوله: ونحوه من الدعاء للسلطان عند ذكره كل ذلك بأصوات مرتفعة كما هو معتاد في بعض البلاد كبلاد الروم، ومنه ما هو معتاد عندنا أيضا من الصلاة على النبي (ص) عند صعود الخطيب مع تمطيط الحروف والتنغم.
قوله: (اتفاقا) هذا أظهر مما في البحر حيث قصر الكراهة على قول الامام ط.
قوله: (وتمامه في البحر) لم يذكر في البحر بعده إلا ما أفاده بقوله: والعجب ط.
قوله: (إلا أن يحمل على قولهما) لانه يقول ذلك قبل الخطبة، وهما يحملان قوله (ص): والامام يخطب على الشروع فيها حقيقة، فحينئذ لا يكون المرقي مخالفا لحديثه بقوله بعده: انصتوا، أما على قول الامام من حمل قوله: يخطب على الخروج للخطبة بقرينة ما روي: إذا خرج الامام فلا صلاة ولا كلام فيكون مخالفا لحديثه الذي يرويه ويكره، فافهم.
قوله: (ووجب سعي) لم يقل افترض مع أنه فرض للاختلاف في وقته هل هو الاذان
الاول أو الثاني أو العبرة لدخول الوقت؟ بحر.
وحاصله أن السعي نفسه فرض والواجب كونه في وقت الاذان الاول، وبه اندفع ما في النهر من أن الاختلاف في وقته لا يمنع القول بفرضيته كصلاة العصر فرض إجماعا مع الاختلاف في وقتها.
قوله: (وترك البيع) أراد به كل عمل ينافي السعي وخصه اتباعا للآية.
نهر.
قوله: (ولو مع السعي) صرح في السراج بعدم الكراهة إذا لم يشغله.
بحر، وينبغي التعويل على الاول.
نهر.
قلت: وسيذكر الشارح في آخر البيع الفاسد أنه لا بأس به لتعليل النهي بالاخلال بالسعي، فإذا انتفى انتفى.
قوله: (وفي المسجد) أو على بابه.
بحر.
قوله: (وفي الاصح) قال في شرح المنية: واختلفوا فالمراد بالاذان الاول: فقيل الاول باعتبار المشروعية وهي الذي بين يدي المنبر لانه الذي أولا في زمنه عليه الصلاة والسلام وزمن أبي بكر وعمر حتى أحدث عثمان الاذان الثاني على الزوراء حيث كثر الناس.
والاصح أنه الاول باعتبار الوقت، وهو الذي يكون على المنارة بعد الزوال اه.
والزوراء بالمد: اسم موضع في المدينة.
قوله: (صحة إطلاق الحرمة) قلت: سيذكر المصنف في أول كتاب الحظر والاباحة كل مكروه حرام عند محمد، وعندهما إلى الحرام أقرب اه.
نعم قول محمد رواية عنهما كما سنذكره هناك إن شاء الله تعالى، وأشار إلى الاعتذار عن صاحب الهداية حيث أطلق الحرمة على البيع وقت الاذان مع أنه مكروه تحريما، وبه اندفع ما في غاية البيان(2/174)
حيث اعترض على الهداية بأن البيع جائز لكنه يكره كما صرح به في شرح الطحاوي، لان النهي لمعنى في غيره لا يعدم المشروعية.
قوله: (ويؤذن ثانيا بين يديه) أي على سبيل السنية كما يظهر من كلامهم.
رملي.
قوله: (أفاد الخ) هذه الافادة إنما تظهر إذا قرئ الفعل بالبناء للفاعل، أما إذا قرئ بالبناء للمفعول وهو الظاهر فلا تظهر ط.
قلت: وعبارة الدرر: أذن المؤذن.
قوله: (ذكره القهستاني) وذكر بعده أيضا ما نصه: وإليه أشار ما في قوله: (الهداية) وغيره أنهم يؤذنون دل عليه كلام شارحيه اه.
وفيه نظر، بل الذي دل عليه كلام شرح الهداية خلافه.
قال في العناية: ذكر المؤذنين بلفظ الجمع إخراجا للكلام مخرج العادة، فإن المتوارث في أذان الجمعة اجتماع المؤذنين لتبلغ
أصواتهم إلى أطراف المصر الجامع اه.
ومثله في النهاية والكفاية ومعراج الدراية.
قلت: والعلة المذكورة إنما تظهر في الاذان الاول، مع أنه في الهداية ذكر المؤذنين بلفظ الجمع في الموضعين.
قوله: (المنبر) بكسر الميم من النبر وهو الارتفاع.
والسنة أن يخطب عليه اقتداء به صلى الله عليه وسلم.
بحر.
وأن يكون على يسار المحراب.
قهستاني.
ومنبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درج غير المسماة بالمستراح.
قا ابن حجر في التحفة: وبحث بعضهم أن ما اعتيد الآن من النزول في الخطبة الثاني إلى درجة سفلى ثم العود بدعة قبيحة شنيعة.
قوله: (فإذا أتم) أي الامام الخطبة.
قوله: (أقيمت) بحيث يتصل أول الاقامة بآخر الخطبة، وتنتهي الاقامة بقيام الخطيب مقام الصلاة، ويقرأ في الركعتين سورة الجمعة والمنافقون، ولا يكره غيرهما كما في شرح الطحاوي، وذكر الزاهدي أنه يقرأ فيهما سورة الاعلى والغاشية.
قهستاني.
وفي البحر: ولكن لا يواظب على ذلك كي لا يؤدي إلى هجر الباقي ولئلا يظنه العامة حتما اه.
ومر تمام الكلام على ذلك في فصل القراءة عند قوله: ويكره التعين.
قوله: (بأمر الدنيا) إما بنهي عن منكر أو أمر بمعروف فلا، وكذا بوضوء أو غسل لو ظهر أنه محدث أو جنب كما مر، بخلاف أكل أو شرب حتى لو طال الفصل استأنف الخطبة كما مر، فافهم.
قوله: (لانهما) أي الخطبة والصلاة كشئ واحد لكونهما شرطا ومشروطا، ولا تحقق للمشروط بدون شرطه، فالمناسب أن يكون فاعلهما واحدا ط.
قوله: (وصلى بالغ) أي بإذن السلطان أيضا، والظاهر أن إذن الصبي له كاف لانه مأذون بإقامة الجمعة، لما في قوله: (الفتح) وغيره من أن الاذن بالخطبة إذن بالصلاة وعلى القلب اه.
فيكون مفوضا إليه إقامتها، ولان تقريره فيها إذن له بإنابة غيره دلالة لعلم السلطان بأنه لا تصح إمامته، نعم على القول باشتراط الاهلية وقت الاستنابة لا يصح إذنه بها، ولا بد له من إذن جديد بعد بلوغه، والله أعلم.
تنبيه: ذكر الشلانبلالي وغيره، أن هذا الفرع صريح في الرد على صاحب الدرر في عدم تجويزه استنابة الخطيب غيره للصلاة قبل سبق الحدث، وفيه نظر، إذ ليس صريحا في أن البالغ صلى بدون إذن السلطان، بل الظاهر أنه بإذنه صريحا أو دلالة كما قررناه، فتدبر.
ثم رأيت ذكر نحوه.
قوله: (هو المختار) وفي الحجة أنه لا يجوز، وفي فتاوى العصر: فإن الخطيب يشترط فيه أن يصلح(2/175)
للامامة، وفي الظهيرية: لو خطب صبي اختلف المشايخ فيه، والخلاف في صبي يعقل اه.
والاكثر على الجواز إسماعيل.
قوله: (لا بأس بالسفر الخ) أقول السفر غير قيد، بل مثله ما إذا أراد الخروج إلى موضع لا تجب على أهله الجمع كما في التاترخانية.
قوله: (كذا في الخانية) وذكر مثله في التجنيس وقال: إنه استشكله شمس الائمة الحلواني بأن اعتبار آخر الوقت إنما يكون فيما ينفرد بأدائه والجمعة إنما يؤديها مع الامام والناس، فينبغي أن يعتبر وقت أدائهم حتى إذا كان لا يخرج من المصر قبل أداء الناس، ينبغي أن يلزمه شهود الجمعة اه.
قلت: وذكر التاترخانية عن التهذيب اعتبار النداء، قيل الاول وقيل الثاني، واعتمده في الشرنبلالية.
قوله: (وقال في شرح المنية) تأييد لما في الظهيرية أفاد به أن ما في الخانية ضعيف ط، وعلله في شرح المنية بقوله: لعدم وجوبها قبله، وتوجه الخطاب بالسعي إليها بعده اه.
قلت: وينبغي أن يستثنى ما إذا كانت تفوته رفقته لو صلاها ولا يمكنه الذهاب وحدة.
تأمل.
قوله: (القروي) بفتح القاف نسبة إلى القرية وأراد به المقيم، أما المسافر فذكره بعد.
قوله: (لا تلزمه) لانه في الاول صار كواحد من أهل المصر في ذلك اليوم وفي هذا لم يصر.
درر عن الخانية.
قوله: (لكن في النهر الخ) مثله في الفيض، وحكي بعده ما في المتن بقيل.
قوله: (لزمته) أي إذا مكث إلى دخول وقتها، وكذا يقال فيما ذكره بعده.
قوله: (وفي شرح المنية الخ) ونصه: وإن دخل القروي المصر يوم الجمعة، فإن نوى المكث إلى وقتها لزمته، وإن نوى الخروج قبل دخوله لا تلزمه، وإن نواه بعد دخول وقتها تلزمه.
وقال الفقيه أبو الليث: لا تلزمه، وهو مختار قاضيخان اه.
قوله: (بسيف) أي متقلدا به كما في البحر عن المضمرات، ويخالفه ظاهر ما يأتي عن الحاوي، لكن وفق في النهر بإمكان إمساكه مع التقلد.
قوله: (في بلدة فتحت به) أي بالسيف ليريهم أنها فتحت بالسيف، فإذا رجعتم عن الاسلام فذلك باق في أيدي المسلمين يقاتلونكم حتى ترجعوا إلى الاسلام.
درر قوله: (كمكة) أي فإنها فتحت عنوة كما قاله أبو حنيفة ومالك والاوزاعي.
وقال الشافعي وأحمد وطائفة: فتحت صلحا.
إسماعيل عن تاريخ مكة للقطبي.
قوله: (كالمدينة) فإنها
فتحت بالقرآن.
إمداد.
قوله: (وفي الخلاصة الخ) استشكله في الحلية بأنه في رواية أبي داود أنه (ص) قام: أي في الخطبة متوكئا على عصا أقوس اه.
ونقل القهستاني عن عبد المحيط أن(2/176)
أخذ العصا سنة كالقيام.
قوله: (إن خاف فوت جمعة أو مكتوبة) عزاه في التاترخانية إلى فتاوى أبي الليث.
ثم فوت الجمعة بسلام الامام والمكتوبة بخروج وقتها لا بفوت جماعتها لانه يمكنه صلاتها وحده، والاكل: أي الذي تميل إليه نفسه ويخاف ذهاب لذته عذر في ترك الجماعة كما مر في بابها، لكن يشكل ما مر من وجوب السعي إلى الجمعة بالاذان الاول وترك البيع ولو ماشيا، والمراد به كل عمل ينافي السعي، فتأمل.
قوله: (رستاقي) نسبة إلى الرستاق وهو السواد والقرى.
قاموس.
قوله: (نال ثواب السعي) أما الصلاة فينال ثوابها على كل حال ط.
مطلب: إذا شرك في عبادته العبرة للاغلب قوله: (من شرك في عبادته) كالسفر لتجارة والحج والصلاة لاسقاط الفرض ولدفع مذمة الناس ونحو ذلك مما لم يكن متمحضا لوجه الله تعالى.
قوله: (فالعبرة للاغلب) الظاهر أن يراد به الاغلب الذي هو قصد العبادة، لان قوله: إن معظم مقصوده الجمعة الخ يفيد أنه لو كان معظم مقصوده الحوائج أو تساوي القصد: أن لا ثواب، وهذا التفصيل مختار الامام الغزالي أيضا وغيره من الشافعية، واختار منهم العز بن عبد السلام عدم الثواب مطلقا، وسيأتي ذلك في الحظر والاباحة إن شاء الله تعالى.
قوله: (الافضل الخ) في التاترخانية: ويكره تقليم الاظفار وقص الشارب في يوم الجمعة قبل الصلاة لما فيه من معنى الحج وذلك قبل الفراغ من الحج غير مشروع اه.
وسيأتي تمام الكلام على ذلك وبيان كيفية التقليم وما قيل فيه نظما ونثرا في الحظر والاباحة إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولم يؤذ أحدا) بأن لايطأ ثوبا ولا جسدا، وذلك لان التخطي حال الخطبة عمل، وهو حرام، وكذا الايذاء والدنو مستحب وترك الحرام مقدم على فعل المستحب، ولذا قال عليه الصلاة والسلام للذي رآه يتخطى الناس ويقول أفسحوا: اجلس فقد آذيت وهو محمل ما روى الترمذي عن معاذ بن أنس الجهني قال: قال رسول الله (ص): من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ
جسرا إلى جهنم شرح المنية.
مطلب في الصدقة على سوال المسجد قوله: (ويكره التخطي للسؤال الخ) قال في النهر: والمختار أن السائل إن كان لا يمر بين يدي المصلي ولا يتخطى الرقاب ولا يسأل إلحافا بل لامر لا بد منه، فلا بأس بالسؤال والاعطاء اه.
ومثله في البزازية.
وفيها: ولا يجوز الاعطاء إذا لم يكونوا على تلك الصفة المذكور.
قال الامام أبو نصر العياضي: أرجو أن يغفر الله تعالى لمن يخرجهم من المسجد.
وعن الامام خلف بن أيوب: لو كنت قاضيا لم أقبل شهادة من يتصدق عليهم اه.
وسيأتي في باب المصرف أنه لا يحل أن يسأل شيئا من له قوت يومه بالفعل أو بالقوة كالصحيح المكتسب، ويأثم معطيه إن علم بحاله لاعانته على المحرم.(2/177)
مطلب في ساعة الاجابة يوم الجمعة قوله: (وسئل عليه الصلاة والسلام الخ) ثبت في الصحيحين وغيرهما عنه (ص): فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائيصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه وفي هذه الساعة أقوال: أصحها أو من أصحها أنها فيما بين أن يجلس الامام على المنبر إلى أن يقضي الصلاة كما هو ثابت في صحيح مسلم عنه (ص) أيضا.
حلية.
قال في المعراج: فيسن الدعاء بقلبه لا بلسانه لانه مأمور بالسكوت اه.
وفي حديث آخر أنها آخر ساعة في يوم الجمعة، وصححه الحاكم وغيره وقال: على شرط الشيخين، ولعل هذا هو مراد المشايخ.
ونقل ط عن الزرقاني أن هذين القولين مصححان من اثنين وأربعين قولا فيها، وأنها دائرة بين هذين الوقتين، فينبغي الدعاء فيهما اه.
ثم الظاهر أنها ساعة لطيفة يختلف وقتها بالنسبة إلى كل بلدة وكل خطيب، لان النهار في بلدة يكون ليلا في غيرها، وكذلك وقت الظهر في بلد يكون وقت العصر في غيرها، لما قالوا من أن الشمس لا تتحرك درجة إلا وهي تطلع عند قوم وتغيب عند آخرين، والله أعلم.
مطلب: ما اختص به يوم الجمعة قوله: (فقال يومها) تمام كلامه: لان معرفة هذا الليل وفضله لصلاة الجمعة.
قوله: (في أحكامات) بفتح الهمزة جمع أحكام، فإن تراجمه في فن الجمع والفرق.
القول في أحكام السفر.
القول في أحكام المسجد ونحو ذلك.
ومن جملتها أحكام يوم الجمعة ح.
قوله: (قراءة الكهف) أي يومها وليلتها، والافضل في أولهما مبادرة للخير وحذرا من الاهمال، وأن يكثر منها فيهما للخبر الصحيح أن الاول يضئ له من النور ما بين الجمعتين، ولخبر الدارمي أن الثاني يضئ له من النور ما بينه وبين البيت العتيق.
ابن حجر.
قوله: (ومن فهم) كالمحشي الحموي.
قوله: (ويكره إفراده بالصوم) هو المعتمد، وقد أمر به أولا ثم نهى عنه ط.
قوله: (فقد وهم) ولنذكر عبارته برمتها ليعلم موضع الوهم وما فيها من الفوائد وإن كان بعضها علم مما تقدم وهي أحكام يوم الجمعة.
اختص بأحكام لزوم صلاة الجمعة واشتراط الجماعة لها وكونها ثلاثة سوى الامام، وكونها قبلها شرط، وقراءة السورة المخصوصة بها، وتحريم السفر قبلها بشرطه، واستنان الغسل لها والتطيب، ولبس الاحسن، وتقليم الاظفار، وحلق الشعر، ولكن بعدها أفضل، والبخور في المسجد، والتكبير لها، والاشتغال بالعبادة إلى خروج الخطيب، ولا يسن الابراد بها، ويكره إفراده بالصوم وإفراد ليلته بالقيام، وقراءة الكهف فيه، ونفي كراهة النافلة وقت الاستواء على قول أبي يوسف المصحح المعتمد، وهو خير أيام الاسبوع ويوم عيد، وفيه ساعة إجابة، وتجتمع فيه الارواح، وتزار القبور ويأمن الميت فيه من عذاب القبر ومن مات فيه أو في ليلته أمن من فتنة القبر وعذابه، ولا تسجر فيه جهنم، وفيه حلق آدم عليه السلام، وفيه أخرج من الجنة وفيه يزور أهل الجنة ربهم سبحانه وتعالى اه ح.(2/178)
قلت: وقوله: لا يسن الابراد بها قدمنا في أوقات الصلاة أنه قول الجمهور، وقدمنا أيضا ترجيح قول الامام بكراهة النافلة في وقت الاستواء يومها، فافهم.
قوله: (ويأمن الميت من عذاب القبر الخ) قال أهل السنة والجماعة: عذاب القبر حق، وسؤال منكر ونكير، وضغطة القبر حق، لكن إن كان كافرا فعذابه يدوم إلى يوم القيامة، ويرفع عنه يوم الجمعة وشهر رمضان، فيعذب
اللحم متصلا بالروح، والروح متصلا بالجسم، فيتألم الروح مع الجسد وإن كان خارجا عنه، والمؤمن المطيع لا يعذب، بل له ضغطة يجد هول ذلك وخوفه، والعاصي يعذب ويضغط، لكن ينقطع عنه العذاب يوم الجمعة وليلتها ثم لا يعود، وإن مات يومها أو ليلتها يكون العذاب ساعة واحدة وضغطه القبر ثم يقطع.
كذا في المعتقدات للشيخ أبي المعين النسفي الحنفي.
من حاشية الحموي ملخصا.
قوله: (ولا تسجر) في جامع اللغة: سجر التنور: أحماه ح.
قوله: (وفيه يزور أهل الجنة ربهم تعالى) المراد بالزيارة الرؤية له تعالى، وهذا باعتبار بعض الاشخاص يراه في أقل من ذلك والبعض في أكثر منه، حتى قال بعضهم: إن النساء لا يرينه إلا في مثل أيام الاعياد عند التجلي العام، وتمامه في ط، نسأله تعالى أن يجعلنا من أهل رؤيته آمين.
باب العيدين تثنية عيد، وأصله عوقلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة اه ح.
وفي الجوهرة: مناسبته للجمعة ظاهرة وهو أنهما يؤديان بجمع عظيم، ويجهر فيهما بالقراءة، ويشترط لاحدهما ما يشترط للآخر سوى الخطبة، وتجب على من تجب عليه الجمعة، وقدمت الجمعة للفرضية وكثرة وقوعها اه.
قوله: (سمى به الخ) أي سمى العيد بهذا الاسم لان لله تعالى فيه عوائد الاحسان: أي أنواع الاحسان العائدة على عباده في كل عام: منها الفطر بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الاضاحي وغير ذلك، ولان العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور غالبا بسبب ذلك.
مطلب في الفأل والطيرة قوله: (أو تفاؤلا) أي بعوده على من أدركه كما سميت القافلة قافلة تفاؤلا بقفولها: أي رجوعها.
بحر.
والفأل: ضد الطيرة، كأن يسمع مريض يا سالم أو يا طالب أو يا واجد، أو يستعمل في الخير والشر.
قاموس.
ومنه حديث: كان (ص) يتفاءل ولا يتطير وكذا حديث كان يعجبه إذا خرج لحاجته أن يسمع يا راشد يا رجيح أخرجهما السيوطي في الجامع الصغير.
ووجهه أن الفأل أمل
ورجاء للخير من الله تعالى عند كل سبب ضعيف أو قوي، بخلاف الطيرة.
قوله: (في كل يوم) أي(2/179)
زمان.
قوله: (وجه الحبيب) أي يوم رؤيته، وإلا فوجه الحبيب ليس زمانا.
قوله: (عن مذهب الغير) أي مذهب غيرنا، أما مذهبنا فلزوم كل منهما.
قال في الهداية ناقلا عن الجامع الصغير: عيدان اجتمعا في يوم واحد، فالاول سنة، والثاني فريضة، ولا يترك واحد منهما اه.
قال في المعراج: احترز به عن قول عطاء: تجزي صلاة العيد عن الجمعة، ومثله عن علي وابن الزبير.
قال ابن عبد البر: سقوط الجمعة بالعيد مهجور.
وعن علي أن ذلك في أهل البادية ومن لا تجب عليهم الجمعة اه.
قوله: (في الاصح) مقابله القول بأنها سنة، وصححه النسفي في المنافع، لكن الاول قول الاكثرين كما في المجتبى، ونص على تصحيحه في الخانية والبدائع والهداية والمحيط والمختار والكافي النسفي.
وفي الخلاصة: هو المختار لانه (ص) واظب عليها، وسماها في الجامع الصغير سنة لان وجوبها ثبت بالسنة.
حلية.
قال في البحر: والظاهر أنه لا خلاف في الحقيقة، لان المراد من السنة المؤكدة بدليل قوله: ولا يترك واحد منهما، وكما صرح به في المبسوط، وقد ذكرنا مرارا أنها منزلة الواجب عندنا، ولهذا كان الاصح أنه يأثم بترك المؤكدة كالواجب اه.
وسيأتي له نظير ذلك في تكبير التشريق، وفيه كلام ستعرفه.
قوله: (بشرائطها) متعلق بتجب الاول والضمير للجمعة، وشمل شرائط الوجوب وشرائط الصحة، لكن شرائط الوجوب علمت من قوله: على من تجب عليه الجمعة فبقي المراد من قوله: بشرائطها القسم الثاني فقط، واستثنى من الثاني الخطبة، واستثنى في الجوهرة من الاول المملوك إذا أذن له مولاه فإنه تلزمه العيد، بخلا ف الجمعة لان لها بدلا وهو الظهر، وقال: وينبغي أن لا تجب عليه العيد أيضا لان منافعه لا تصير مملوكة له بالاذن اه.
وجزم به في البحر.
قلت: وفي إمامة البحر أن الجماعة في العيد تسن على القول بسنيتها وتجب على القول بوجوبها اه.
وظاهره أنها غير شرط على القول بالسنية، لكن صرح بعده بأنها شرط لصحتها على كل من القولين: أي فتكون شرطا لصحة الاتيان بها على وجه السنة وإلا كانت نفلا مطلقا.
تأمل.
لكن اعترض ط ما ذكره المصنف بأن الجمعة من شرائطها الجماعة التي هي جمع، والواحد هنا مع الامام
جماعة كما في النهر.
قوله: (فإنها سنة بعدها) بيان للفرق وهو أنها فيها سنة لا شرط، وأنها بعدها لا قبلها، بخلاف الجمعة.
قال فالبحر: حتى لو لم يخطب أصلا صح وأساء لترك السنة، ولو قدمها على الصلاة صحت وأساء ولا تعاد الصلاة.
قوله: (صلاة العيد) ومثله الجمعة ح.
قوله: (بما لا يصح) أي على أنه عيد، وإلا فهو نفل مكروه لادائه بالجماعة ح.
قوله: (لانه واجب الخ) المراد بالواجب ما يلزم فعله إما على سبيل الوجوب المصطلح عليه وذلك في العيد، وأما على طريق الفرضية وذلك في الجنازة، فهو من عموم المجاز ط.(2/180)
مطلب فيما يترجح تقديمه من صلاة عيد وجنازة أو كسوف أو فرض أو سنة قوله: (والجنازة كفاية) فيه أن العيد إن ترجح على الجنازة بالعينية فهي ترجحت عليه بالفرضية، فالاولى أن يعلل بأن العيد تؤدى بجمع عظيم يخشى تفرقه إن اشتغل الامام بالجنازة اه ح.
قلت: بل الاولى التعليل بخوف التشويش على الجماعة بأن يظنوها صلاة العيد، ثم رأيته كذلك في جنائز البحر عن القنية.
قوله: (على الخطبة) أي خطبة العيد، وذلك لفرضيتها وسنية الخطبة، وكذا يقال في سنة المغرب ط.
قوله: (وغيرها) كسنة الظهر والجمعة والعشاء.
قوله: (والعيد على الكسوف) لانه وإن كان كل منهما يؤدى بجمع عظيم لكن العيد واجب والكسوف سنة ح.
هذا وفي السراج: إن كان وقت العيد واسعا يبدأ بالكسوف لانه يخشى فواته، وإن ضاق صلى العيد ثم الكسوف إن بقي.
مطلب: الفقهاء قد يذكرون ما لا يوجد عادة فإن قيل كيف يجتمعان والكسوف في العادة لا يكون إلا في آخر يوم من الشهر والعيد أول يوم أو يوم العاشر؟ قلنا: لا يمتنع، فقد روي أنها كسفت يوم مات إبراهيم ابن رسول الله (ص)، وموته كان يوم
العاشر من ربيع الاول.
على أن الفقهاء قد يذكرون مالا يوجد عادة كقول الفرضيين: رجل مات وترك مائة جدة اه.
قلت: ومثله قولهم لو تترس الكفار بنبي يسأل ذلك النبي، بل قد يتصور ذلك في الحكم بأن يشهدوا على نقصان رجب وشعبان فيقع العيد في آخر رمضان كما في البزازية.
قوله: (عن الحلبي) أي العلامة المحقق محمد بن أمير حاج صاحب الحلية.
شرح المنية.
قوله: (عن السنة) أي سنة الجمعة كما صرح به هناك، وقال: فعلى هذا تؤخر عن سنة المغرب لانها آكد اه.
فافهم.
قوله: (إلحاقا لها) أي للسنة بالصلاة: أي صلاة الفرض.
قوله: (لكن في آخر الخ) استدراك على الاستدراك وعلى قول المصنف وتقدم على صلاة الجنازة ط.
قوله: (ينبغي الخ) عبارة الاشباه: اجتمعت جنازة وسنة قدمت الجنازة، وأما إذا اجتمع كسوف وجمعة أو فرض وقت لم أره، وينبغي تقديم الفرض إن ضاق الوقت، وإلا فالكسوف لانه يخشى فواته بالانجلاء.
ولو اجتمع عيد وكسوف وجنازة ينبغي تقديم الجنازة، وكذا لو اجتمعت مع فرض وجمعة ولم يخف خروج وقته.
وينبغي أيضا تقدم الخسوف على الوتر والتراويح اه.
وفيه مخالفة لما مر من حيث تقديمه الجنازة على السنة، وهو خلاف المفتى به كما علم ت وعلى العيد، وهو بحث مخالف لما ذكره المصنف تبعا للدرر، ومن حيث تقديمه الكسوف على الفرض، وهو بحث أيضا مخالف لما ذكره الشارح من تقديم العيد(2/181)
على الكسوف مع أن العيد واجب فقدم، فبالاولى تقديم فرض الوقت.
وفي الجوهرة باب الكسوف: إذا اجتمع الكسوف والجنازة بدئ بالجنازة لانها فرض وقد يخشى على الميت التغير اه: أي لطول صلاة الكسوف.
وقد يقال: قدم العيد لئلا يحصل الاشتباه لانه يؤدى بجمع عظيم، وعلى هذا تقدم الجمعة أيضا على الكسوف ولذا خص صاحب الاشباه تقديم فرض الوقت دون الجمعة، ويؤخذ من قوله أيضا: إن ضاق الوقت تقديم فرض المغرب، لان وقته ضيق كما بحثه ح وهو ظاهر، ثم رأيته صريحا في جنائز التاترخانية، وقال بعده: وروى الحسن أنه يخير، فافهم.
مطلب: يطلق المستحب على السنة وبالعكس
قوله: (وندب يوم الفطر الخ) الندب قول البعض وعد المصنف الغسل سابقا من السنن، والصحيح أن الكل سنة لخصوص الرجال، قهستاني عن الزاهدي ط.
وزاد في البحر عن المجتبى: وإنما سماه مستحبا لاشتمال السنة على المستحب.
قال نوح أفندي: وحاصله تجويز إطلاق اسم المستحب على السنة وعكسه، ولهذا أطلق في الهداية اسم المستحب على الغسل، ثم قال: فيسن فيه الغسل اه.
وفي القهستاني أيضا أن هذه الامور مندوبة قبل الصلاة، ومن آدابها من آداب اليوم كما في الجلابي، لكن في التحفة أن في غسله اختلاف الجمعة اه.
قوله: (حلوا) قال في فتح القدير: ويستحب كون ذلك المطعوم حلوا لما في البخاري: كان عليه الصلاة والسلام لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترا اه.
قلت: فالظاهر أن التمر أفضل كما اقتضاه هذا الخبر، فإن لم يجد يأكل شيئا حلوا ثم رأيته في شرح المنية.
قوله: (ولو قرويا) كذا في الشرنبلالية، ولعله يشير إلى أن ذلك ليس من سنن الصلاة بل من سنن اليوم، لان في الاكل مبادرة إلى قبول ضيافة الحق سبحانه، وإلى امتثال أمره بالافطار بعد امتثال أمره بالصيام.
تأمل.
قوله: (واستياكه) لانه مندوب إليه في سائر الصلوات اختيار، ومفاده أن المراد به الاستياك عند القيام إلى الصلاة فإنه مستحب كما قدمناه في سنن الوضوء، وكذا عند الاجتماع بالناس، وعليه فيستحب قبل التوجه إليها أيضا.
وأما السواك في الوضوء فإنه سنة مؤكدة ولا خصوصية للعيد فيه.
قوله: (ولو غير أبي ض) قال في البحر: وظاهر كلامهم تقديم الاحسن من الثياب في الجمعة والعيدين وإن ليكن أبيض والدليل دال عليه، فقد روى البيهقي: أنه عليه الصلاة والسلام كان يلبس يوم العيد بردة حمراء وفي الفتح: الحلة الحمراء عبارة عن ثوبين من اليمن فيهما خطوط حمر وخضر لا أنها أحمر بحت، فليكن محمل البردة أحدهما ه: أي أحد الثوبين اللذين هما الحلة: أي فلا يعارض ذلك حديث النهي عن لبس الاحمر، والقول مقدم على الفعل والحاظر على المبيح إذا تعارضا، فكيف إذا لم يتعارضا بالحمل المذكور اه بزيادة.
وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام على لبس الاحمر في كتاب الحظر والاباحة.
قوله: (صح عطفه) جواب سؤال تقديره: كيف صح عطف أداء الفطرة على المندوبات مع وجوبه؟ فأجاب بأن الكلام هنا في الاداء قبل الخروج
والواجب مطلق الاداء اه ح.
قوله: (ومن ثم) أي من أجل كون جميع تلك الاحكام قبل الخروج ط.
قوله: (أتى بكلمة ثم) أي المفيدة للترتيب والتراخي ليفيد تراخي الخروج عن الجميع، فيدل على أن(2/182)
المراد فعل جميع ما ذكر قبله، بخلاف ما لو أتى بالواو أو بالفاء، لان الفاء ربما توهم تعقيبه على أداء الفطرة فقط، بخلاف ثم، ولذا قال: ليفيد تراخيه عن جميع ما مر، والاظهر أن يقول وليفيد عطفا على العلة السابقة.
وقد يقال: حذف العاطف لانه بمعنى العلة الاولى فالثانية بدل منها للتوضيح، فافهم.
هذا والمصرح به أنه يندب أداء الفطرة في الطريق وهو متوجه إلى المصلى، وما هنا يوهم خلافه.
فتأمل.
قوله: (المصلى العام) أي في الصحراء.
بحر عن المغرب.
قوله: (والواجب مطلق التوجه) أي لا التوجه المترتب على ما ذكر، ولا التوجه المقيد بالمشي، ولا التوجه إلى خصوص الجبانة، وهذا تكملة الجواب عن السؤال المقدر.
قوله: (هو الصحيح) قال في الظهيرية: وقال بعضهم: ليس بسنة، وتعارف الناس ذلك لضيق المسجد وكثرة الزحام، والصحيح هو الاول اه.
وفي الخلاصة والخانية: السنة أن يخرج الامام إلى الجبانة، ويستخلف غيره ليصلي في المصر بالضعفاء بناء على أن صلاة العيدين في موضعين جائزة بالاتفاق، وإن لم يستخلف فله ذلك اه نوح.
قوله: (ولا بأس بإخراج منبر إليها) عزاه في الدرر إلى الاختيار.
قوله: (لكن في الخلاصة الخ) ومثله في الخانية فإنهما قالا: ولا يخرج المنبر إلى الجبانة يوم العيد.
واختلف المشايخ في بنائه في الجبانة: قيل يكره، وقيل لا، فدل كلامهما على أنه لا خلاف في كراهة إخراجه إليها، وإنما الخلاف في بنائه فيها.
ويمكن حمل الكراهة على التنزيهية وهي مرجع خلاف الاولى المفاد من كلمة لا بأس غالبا فلا مخالفة، فافهم.
وفي الخلاصة عن خواهر زاده: هذا: أي بناؤه حسن في زماننا.
قوله: (من طريق آخر) لما رواه البخاري: أنه كان (ص) إذا كان يوم عيد خالف الطريق ولان فيه تكثير الشهود لان أمكنة القرية تشهد لصاحبها.
شرح المنية.
قوله: (والتختم) ظاهره ولو لغير أمير وقاض ومفت.
وما في كتاب الحظر من قصره على نوح هؤلاء محمول على الدوام، ويدل له ما في النهر عن الدراية أن من كان لا يتختم من الصحابة كان يتختم يوم العيد،
وهذا أولى مما في القهستاني حيث خصه بذي سلطان.
ومن المندوبات صلاة الصبح في مسجد حيه ط.
قوله: (لا تنكر) خبر قوله: والتهنئة وإنما قال كذلك لانه لم يحفظ فيها شئ عن أبي حنيفة وأصحابه، وذكر في القنية أنه لم ينقل عن أصحابنا كراهة، وعن مالك أنه كرهها، وعن الاوزاعي أنها بدعة.
وقال المحقق ابن أمير حاج: بل الاشبه أنها جائزة مستحبة في الجملة، ثم ساق آثارا بأسانيد صحيحة عن الصحابة في فعل ذلك ثم قال: والمتعامل في البلاد الشامية والمصرية عيد مبارك عليك ونحوه، وقال: يمكن أن يلحق بذلك في المشروعية والاستحباب لما بينهما من التلازم، فإن من قبلت طاعته في زمان كان ذلك الزمان عليه مباركا، على أنه قد ورد الدعاء بالبركة في أمور شتى فيؤخذ منه استحباب الدعاء بها هنا أيضا اه.
قوله: (في طريقها) ليس التقيد به للاحتراز عن البيت أو المصلى، وإنما هو لبيان المخالفة بين عيد الفطر والاضحى، فإن السنة في الاضحى التكبير في الطريق كما سيأتي، فافهم.
قوله: (قبلها) ظرف لقوله: ولا ينتفل للاحتراز عما بعدها، فإن فيه(2/183)
تفصيلا كما صرح به بعده.
قوله: (يتعلق بالتكبير والتنفل) المراد بالتعلق المعنوي: أي إنه قيد لهما، فمعنى الاطلاق في التكبير: أي سواء كان سرا أو جهرا وفي التنفل سواء كان في المصلى اتفاقا أو في البيت في الاصح، وسواء كان ممن يصلي العيد أو لا، حتى أن المرأة إذا أرادت صلاة الضحى يوم العيد تصليها بعد ما يصلي الامام في الجبانة.
أفاده في البحر.
قوله: (كذا قرره المصنف تبعا للبحر الخ) حاصل الكلام في هذا المقام أنه قال في الخلاصة: ولا يكبر يوم الفطر، وعندهما يكبر ويخافت وهو إحدى الروايتين عنه، والاصح ما ذكرنا أنه لا يكبر في عيد الفطر اه.
فأفاد أن الخلاف في أصل التكبير لا في صفته، وأن الاتفاق على عدم الجهر به.
ورده في فتح القدير بأنه ليس بشئ، إذ لا يمنع من ذكر الله تعالى في وقت من الاوقات، بل من إيقاعه على وجه البدعة وهو الجهر لمخالفته قوله تعالى: * (اذكر ربك في نفسك) * (الاعراف: 502) فيقتصر على مورد الشرع وهو الاضحى لقوله تعالى: * (واذكروا الله في أيام معدودات) * (البقرة: 302) ورد في البحر على الفتح بأن صاحب الخلاصة أعلم منه بالخلاف، وبأن تخصيص الذكر بوقت لم يرد به الشرع غير
مشروع اه.
أقول: ما في الخلاصة يشعر به كلام الخانية فإنه قال: ويكبر يوم الاضحى ويجهر، ولا يكبر يوم الفطر في قول أبي حنيفة، لكن لا شك أن المحقق ابن الهمام له علم تام بالخلاف أيضا، كيف وفي غاية البيان: المراد من نفي التكبير التكبير بصفة الجهر، ولا خلاف في جوازه بصفة الاخفاء اه.
فأفاد أن الخلاف بين الامام وصاحبيه في الجهر والاخفاء لا في أصل التكبير، وقد حكي الخلاف كذلك في البدائع والسراج والمجمع ودرر البحار والملتقى والدرر والاختيار والمواهب و الامداد والايضاح والتاترخانية والتجنيس والتبيين ومختارات النوازل والكفاية والمعراج.
وعزاه في النهاية إلى المبسوط وتحفة الفقهاء وزاد الفقهاء، فهذه مشاهير كتب المذهب مصرحة بخلاف ما في الخلاصة، بل حكى القهستاني عن الامام روايتين: إحداهما أنه يسر، والثانية أنه يجهر كقولهما، قال: وهي الصحيح على ما قال الرازي ومثله في النهر.
وقال في الحلية: واختلف في عيد الفطر، فعن أبي حنيفة وهو قول صاحبيه واختيار الطحاوي أنه يجهر، وعنه أنه يسر، وأغرب صاحب النصاب حيث قال: يكبر في العيدين سرا كما أغرب من عزا إلى أبي حنيفة أنه لا يكبر في الفطر أصلا وزعم أنه الاصح كما هو ظاهر الخلاصة اه.
فقد ثبت أن ما في الخلاصة غريب مخالف للمشهور في المذهب، فافهم.
وفي شرح المنية الصغير: ويوم الفطر لا يجهر به عنده، وعندهما يجهر، وهو رواية عنه، والخلاف في الافضلية.
أما الكراهة فمنتفية عن الطرفين اه.
وكذا في الكبير.
وأما قول الفتح: إذ لا يمنع عن ذكر الله تعالى الخ فهو منقول في البدائع وغيرها عن الامام في بحث تكبير التشريق.
هذا وقد ذكر الشيخ قاسم في تصحيحه أن المعتمد قول الامام.
قوله: (لكن تعقبه في النهر) أقول: لم يتعقبه صريحا لانه نقل كلام البحر وأقره، نعم ذكر قبله أن الخلاف في الجهر وعدمه، وعزاه إلى معراج الدراية والتجنيس وغاية البيان والزيلعي.
قوله: (زاد في البرهان الخ) أي زاد على ما في النهر التصريح بأنه سنة عندهما: أي لا مستحب، وإلا فقد علمت أنه في النهر صرح(2/184)
بالخلاف بين الامام وصاحبيه لكنه لم يصرح بأنه سنة أو مستحب، فافهم.
قوله: (ووجهها) أي هذه الرواية.
قوله: (فيقتصر على مورد الشرع) وهو ما في البحر عن القنية: التكبير جهرا في غير أيام التشريق لا يسن إلا بإزاء العدو أو اللصوص، وقاس عليه بعضهم الحريق والمخاوف كلها ه.
زاد القهستاني: أو علا شرفا.
قوله: (وكذا لا يتنفل الخ) لما في كتب الستة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه (ص) خرج فصلى بهم العيد لم يصل قبلها ولا بعدها وهذا النفي بعدها محمول عليه في المصلي لما روى ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: كان رسول الله (ص) لا يصلي قبل العيد فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين كذا في فتح القدير.
قال في منح الغفار: أقول: وهكذا استدل به الشراح على الكراهة، وعندي في كونه مفيدا للمدعى نظر، لان غاية ما فيه أن ابن عباس حكى أنه عليه الصلاة والسلام خرج فصلى بهم العيد ولم يصل الخ، وهذا لا يقتضي أن ترك ذلك كان عادة له، وبمثل هذا لا تثبت الكراهة إذ لا بد لها من دليل خاص كما ذكره صاحب البحر اه.
قلت: لكن ذكر العلامة نوح أفندي أن وجه الاستدلال ما ذكروه في كراهة التنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتيه من أنه (ص) كان حريصا على الصلاة، فعدم فعله يدل على الكراهة، إذ لولاها لفعله مرة بيانا للجواز اه.
قلت: هذا مسلم فيما إذا تكرر منه ذلك، أما عدم الفعل مرة فلا، وليس في حديث ابن عباس المار ما يفيد التكرار، فافهم.
قوله: (بأربع) أو بركعتين، والاول أفضل كما في القهستاني.
قوله: (وهذا) أي ما مر من المنع عن التكبير والتنفل.
قوله: (للخواص) الظاهر أن المراد بهم الذين لا يؤثر عندهم الزجر غلاء ولا كسلا حتى يفضي بهم إلى الترك أصلا ط.
قوله: (أصلا) أي لا سرا ولا جهرا في التكبير، ولا قبل الصلاة بمسجد أو بيت، أو بعدها بمسجد في التنفل ط.
أقول: وظاهر كلام البحر أنه زاد التنفل بحثا منه، واستشهد له بما في التجنيس عن الحلواني: أن كسالى العوام إذا صلوا الفجر عند طلوع الشمس لا يمنعون، لانهم إذا منعوا تركوها أصلا، وأداؤها مع تجويز أهل الحديث لها أولى من تركها أصلا.
قوله: (وفي هامشه الخ) تقدم
الكلام على هذه الصلاة في باب النوافل، وأن المراد ببراءة ليلة النصف من شعبان وليلة القدر السابع والعشرين من رمضان.
ثم إن ما نقله قال الرحمتي: هو من الحواشي الموحشة، ويمنع التوثق بذلك الخط إجماعهم على حرمة العمل بالحديث الموضوع، وقد نصوا على وضع حديث هذه الصلوات، والفقه لا ينقل من الهوامش المجهولة، سيما ما كان فساده ظاهرا، وقوله: لان عليا(2/185)
الخ، تعليل لما في البحر، وظاهر هذا الاثر تقرر الكراهة عندهم في المصلي وأنها تنزيهية وإلا لما أقره، إذلا يجوز الاقرار على المنكر اه.
ولا يرد ما مر من عدم منعهم عن صلاة الفجر عند طلو الشمس لان ذلك لخوف تركها أصلا، فيقع التارك في محظور أعظم والله أعلم.
قوله: (من الارتفاع) المراد به أن تبيض.
زيلعي.
قوله: (قدر رمح) هو اثنا عشر شبرا، والمراد به وقت حل النافلة فلا مباينة بينهما، خلافا لما في القهستاني ط.
تنبيه: يندب تعجيل الاضحى لتعجيل الاضاحي وتأخير الفطر ليؤدي الفطرة كما في البحر.
قوله: (بل تكون نفلا محرما) لانها قبل دخول وقتها لم تصر واجبة، كما لو صلى ظهر اليوم عند طلوع الشمس فلا ينافي ما تقدم في أوقات الصلاة من أنه في وقت الطلوع والاستواء والغروب لا ينعقد شئ من الفرائض والواجبات الفائتة سوى عصر يومه، حتى لو شرع فيها بفريضة لم يكن داخلا في الصلاة أصلا فلا تنتقض طهارته بالقهقهة، بخلاف ما لو شرع في التطوع، فافهم.
قوله: (بإسقاط الغاية) أي مثل - وأتموا الصيام إلى الليل - قال القهستاني: فالزوال ليس وقتا لها، لان الصلاة الواجبة لا تنعقد عند قيامه اه قال ط: وهذا يرشد إلى أن المراد بالزوال الاستواء، وأطلق عليه للمجاورة.
قوله: (فسدت) أي فسد الوصف وانقلبت نفلا اتفاقا إن كان الزوال قبل القعود قدر التشهد، وعلى قول الامام أن كان بعده.
قلت: وهذا ذكره الشارح بحثا عند ذكر المسائل الاثني عشرية وقال: ولم أره.
قوله: (كما في الجمعة) أي إذا دخل وقت العصر فيها ط.
قوله: (وقدمناه) أي في باب الاستخلاف.
قوله: (ويصلي الامام بهم الخ) ويكفي في جماعتها واحد كما في النهر ط.
قوله: (مثنيا قبل الزوائد) أي
قارئا الامام، وكذا المؤتم الثناء قبلها في ظاهر الرواية لانه شرع في أول الصلاة.
إمداد.
وسميت زوائد لزيادتها على تكبيرة الاحرام والركوع، وأشار إلى أن التعوذ يأتي به الامام بعدها لانه سنة القراءة.
قوله: (وهي ثلاث تكبيرات) هذا مذهب ابن مسعود وكثير من الصحابة، ورواية عن ابن عباس وبه أخذ أئمتنا الثلاثة.
وروي عن ابن عباس أنه يكبر في الاولى سبعا وفي الثانية ستا.
وفي رواية: خمسا منها ثلاثة أصلية، وهي تكبير الافتتاح وتكبيرتا الركوع، والباقي زوائد: في الاولى خمس، وفي الثانية خمس أو أربع، ويبدأ بالتكبير في كل ركعة.
قال في الهداية: وعليه عمل العامة اليوم لامر الخلفاء من بني العباس به، والمذهب الاول اه.
مطلب: تجب طاعة الامام فيما ليس بمعصية قال في الظهيرية: وهو تأويل ما روي عن أبي يوسف ومحمد، فإنهما فعلا ذلك لان هارون أمرهما أن يكبرا بتكبير جده، ففعلا ذلك امتثالا له، لا مذهبا واعتقادا.
قال في المعراج: لان طاعة الامام فيما ليس بمعصية واجبة اه.
ومنهم من جزم بأن ذلك رواية عنهما، بل في المجتبى وعن أبي يوسف أنه رجع إلى هذا، ثم ذكر غير واحد من المشايخ أن المختار العمل برواية الزيادة: أي زيادة تكبيرة في عيد الفطر، وبرواية النقصان في عيد الاضحى عملا بالروايتين وتخفيفا في الاضحى لاشتغال الناس بالاضاحي.
وقيل: تعجيلا لحق الفقراء فيها بقدر تكبيرة، وتمامه في الحلية.
وحمل(2/186)
الشافعي جميع التكبيرات المروية عن ابن عباس على الزوائد، وهذا خلاف ما حملناه عليه، والمذهب عندنا قول ابن مسعود.
وما ذكروا من عمل العامة بقول ابن عباس لامر أولاده من الخلفاء به كان في زمنهم، أما فزماننا فقد زال، فالعمل الآن بما هو المذهب عندنا، كذا في شرح المنية وذكر في البحر أن الخلاف في الاولوية، ونحوه في الحلية.
مطلب: أمر الخليفة لا يبقى بعد موته تنبيه: يؤخذ من قول شرح المنية: كان في زمنهم الخ، أن أمر الخليفة لا يبقى بعد موته أو عزله كما صرح به في الفتاوى الخيرية، وبنى عليه أنه لو نهى عن سماع الدعوى بعد خمس عشرة سنة
لا يبقى نهيه بعد موته، والله أعلم.
قوله: (ولو زاد تابعه الخ) لانه تبع لامامه فتجب عليه متابعته وترك رأيه برأي الامام لقوله عليه الصلاة والسلام: إنما جعل الامام ليوتم به، فلا تختلفوا عليه فما لم يظهر خطؤه بيقين كان اتباعه واجبا ولا يظهر الخطأ في المجتهدات، فأما إذا خرج عن أقوال الصحابة فقد ظهر خطؤه بيقين فلا يلزمه اتباعه، ولهذا لو اقتدى بمن يرفع يديه عند الركوع أو بمن يقنت في الفجر أو بمن يرى تكبيرات الجنازة خمسا لا يتابعه لظهور خطئه بيقين، لان ذلك كله منسوخ.
بدائع.
أقول: يؤخذ منه أن الحنفي إذا اقتدى بشافعي في صلاة الجنازة يرفع يديه لانه مجتهد فيه فهو غير منسوخ، لانه قد قال به أئمة بلخ من الحنفية، وسيأتي تمامه في الجنائز وقدمناه في أواخر بحث واجبات الصلاة.
قوله: (إلى ستة عشر) كذا في البحر عن المحيط.
وفي الفتح قيل: يتابعه إلى ثلاث عشرة، وقيل إلى ست عشرة اه.
قلت: ولعل وجه القول الثاني حمل الثلاث عشرة المروية عن ابن عباس على الزوائد كما مر عن الشافعي، وهي مع الثلاث الاصلية تصير ست عشرة، وإلا لم أر من قال بأن الزوائد ست عشرة، فليراجع، وقد راجعت مجمع الآثار للامام الطحاوي فلم أر فيما ذكره من الاحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين أكثر مما مر عن ابن عباس، فهذا يؤيد القول الاول ولذا قدمه في الفتح ونسبه في البدائع إلى عامة المشايخ، على أن ضم الثلاث الاصلية إلى الزوائد بعيد جدا لان القراءة فاصلة بينهما، فتأمل.
قوله: (فيأتي بالكل) قال في البحر نقلا عن المحيط: فإن زاد لا يلزمه متابعته لانه مخطئ بيقين، ولو سمع التكبيرات من المكبرين يأتي بالكل احتياطا وإن كثر، لاحتمال الغلط من المكبرين، ولذا قيل ينوي بكل تكبيرة الافتتاح لاحتمال التقدم على الامام في كل تكبيرة اه.
قلت: والظاهر أنه عبر عنه بقيل لضعفه، ولذا لم يذكر الشارح، فإنه يقتضي أن من لم يسمع من الامام ينوي الافتتاح بالثلاث أيضا وإن لم يزد عليها، فإن احتمال الغلط والتقدم موجود في الكل لا في خصوص الزائد على المأثوفي الركعة الاولى، فتأمل.
وسيأتي في صلاة الجنازة أنه ينوي فيها الافتتاح بكتكبيرة أيضا، ويأتي تمام البحث فيه.
قوله: (ويوالي ندبا بين القراءتين) أ بأن يكبر في الركعة الثانية بعد القراءة لتكون قراءتها تالية لقراءة الركعة الاولى، أما لو كبر في الثانية قبل
القراءة أيضا كما يقول ابن عباس يكون التكبير فاصلا بين القراءتين، وأشار بقوله: ندبا إلى أنه لو كبر في أول كل ركعة جاز، لان الخلاف في الاولوية كما مر عن البحر.
هذا، وأما ما في المحيط من التعليل للموالاة بأن التكبيرات من الشعائر ولهذا وجب الجهر بها فوجب ضم الزوائد في(2/187)
الاولى إلى تكبيرة الافتتاح لسبقها على تكبيرة الركوع وإلى تكبيرة الركوع في الثانية لانها الاصل، فقد قال في البحر: الظاهر أن المراد بالوجوب الثبوت لا المصطلح عليه لان الموالاة مستحبة اه.
وكذا قوله وجب الجهر بها: أي ثبت في بعض المواضع كما في الاذان والتكبير في طريق المصلي وتكبير التشريق، وأما الجهر في تكبيرات الزوائد فالظاهر استحبابه للامام فقط للاعلام، فتأمل.
لكن في البحر عن المحيط: إن بدأ الامام بالقراءة سهوا فتذكر بعد الفاتحة والسورة يمضي في صلاته، وإن لم يقرأ إلا الفاتحة كبر وأعاد القراءة لزوما، لان القراءة إذا لم تتم كان امتناعا من الاتمام لا رفضا للفرض اه.
ونحوه في الفتح وغيره، وظاهره أن تقديم التكبير على القراءة واجب وإلا لم ترفض الفاتحة لاجله، ويؤيده ما قدمناه في باب صفة الصلاة من أنه إن كبر وبدأ بالقراءة ونسى الثناء والتعوذ والتسمية لا يعيد لفوت محلها.
وقد يجاب بأن العود إلى التكبير قبل إتمام القراءة ليس لاجل المستحب الذي هو الموالاة بل لاجل استدراك الواجب الذي هو التكبير، لانه لم يشرع في الركعة الاولى بعد القراءة بدليل أنه لو تذكره بعد قراءة السورة يتركه، فكان مثل ما لو نسي الفاتحة وشرع في السورة ثم تذكر يترك السورة ويقرأ الفاتحة لوجوبها، بخلاف الثناء والتعوذ والتسمية، والله أعلم.
قوله: (ويقرأ كالجمعة) أي كالقراءة في صلاة الجمعة، لما روى أبو حنيفة: أنه (ص) كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة الاعلى والغاشية كما في الفتح.
وقال في البدائع: فإن تبرك بالاقتداء به (ص) في قراءتهما في أغلب الاوقات فحسن، لكن يكره أن يتخذهما حتما لا يقرأ فيها غيرهما لما ذكرنا في الجمعة اه.
ويجهر بالقراءة كما ذكره في فصل القراءة وصرح به في البحر هنا.
قوله: (في القيام) أي الذي قبل الركوع، أما لو أدركه راكعا فإن أغلب على ظنه إدراكه في الركوع كبر قائما برأي نفسه ثم ركع، وإلا ركع وكبر في ركوعه، خلافا لابي يوسف، ولا يرفع يديه لان الوضع على الركبتين سنة في محله
والرفع لا في محله، وإن رفع الامام رأسه سقط عنه ما بقي من التكبير لئلا تفوته المتابعة، ولو أدركه في قيام الركوع لا يقضيها فيه لانه يقضي الركعة مع تكبيراتها.
فتح وبدائع.
قوله: (كبر في الحال) أي وإن كان الامام قد شرع في القراءة كما في الحلية.
قوله: (برأي نفسه الخ) أي ولو كان إمامه شافعيا كبر سبعا فإنه يكبر ثلاثا، بخلاف ما مر من أنه يتابعه في المأثور لانه في المدرك.
قوله: (لانه مسبوق) أي وهو منفرد فيما يقضى، والذكر الفائت يقضى قبل فراغ الامام، بخلاف الفعل.
فتح.
قلت: فعلى هذا إذا أدرك مع الامام ما لا ينقص عن رأي نفسه ينبغي أن لا يقضي بعده شيئا، فتنبه له اهحلية.
قوله: (يقرأ ثم يكبر) أي إذا قام إلى قضائها، أما الركعة التي أدركه مع الامام فينبغي أن يجري فيها التفضيل المار من إدراكه كل التكبير أو بعضه أولا، ولا كما أفاده في الحلية.
قوله: (لئلا يتوالى التكبير) أي لانه إذا كبر قبل القراءة وقد كبر مع الامام بعد القراءة لزم توالي التكبيرات في الركعتين، قال في البحر: ولم يقل به أحد من الصحابة ولو بدأ بالقراءة يصير فعله موافقا لقول علي رضي الله عنه فكان أولى، كذا في المحيط وهو مخصص لقولهم: إن المسبوق يقضي أول صلاته في حق الاذكار اه.
تنبيه: قد علمت أن المسبوق يكبر برأي نفسه، أما اللاحق فإنه يكبر على رأي إمامه لانه خلف الامام حكما.
بحر عن السراج.
قوله: (فلو لم يكبر الخ) مرتبط بقوله: ولو أدرك الامام في القيام.(2/188)
قوله: (قبل أن يكبر المؤتم) يغني عنه ما قبله فالاولى حذفه.
قوله: (ويكبر في الركوع على الصحيح) كذا قاله المصنف في منحه، ويخالفه قول البحر: ولو أدركه في القيام فلم يكبر حتى ركع لا يكبر في الركوع على الصحيح اه.
ومثله في النهر.
وذكر في الحلية: قيل يكبر في الركوع، وقيل لا، وقواه في المحيط اه.
قال ط: كأنه لان التقصير جاء من جهته.
قوله: (فالاتيان بالواجب) وهو التكبير أولى من المسنون وهو التسبيح وقد علمت ما فيه ط.
وفسر الرحمتي الواجب بالمتابعة والمسنو بالاتيان بالتكبير في محض القيام: أي لان التكبير يكفي إيقاعه في الركوع لكن كونه في محض القيام سنة.
تأمل.
قوله: (في ظاهر الرواية) تبع فيه المصنف في المنح.
والذي في البحر والحلية أن ظاهر الرواية أنه لا يكبر في
الركوع ولا يعود إلى القيام.
زاد في الحلية: وعلى ما ذكره الكرخي ومشى عليه في البدائع وهو رواية النوادر: يعود إلى القيام ويكبر ويعيد الركوع دون القراءة اه.
وهذه الرواية أيضا تخالف ما في المتن.
نعم صرح بمثله في البحر والحلية والفتح والذخيرة في باب الوتر والنوافل، وذكروا الفرق بين التكبير حيث يرفض الركوع لاجله وبين القنوت بكون تكبير العيد مجمعا عليه دون قنوت الوتر، وذكر مثله في البدائع هناك مخالفا لما ذكره في هذا الباب، ولكن حيث ثبت ظاهر الرواية لا يعدل عنه وعلى ما في المتن، فالفرق بين التكبير وبين القنوت حيث لا يأتي به في الركوع أنه لم يشرع إلا في محل القيام، بخلاف التكبير.
قوله: (فلو عاد ينبغي الفساد) تبع فيه صاحب النهر، وقد علمت أن العود رواية النوادر، على أنه يقال عليه ما قاله ابن الهمام في إترجيح القول بعدم الفساد فيما لو عاد إلى القعود الاول بعد ما استتم قائما بأن فيه رفض لاجل الواجب، وهو إن لم يحل فهو بالصحة لا يخل.
قوله: (ويرفع يديه) أي ماسا بإبهامه شحمتي أذنيه ط.
قوله: (في الزوائد) قيد به للاحتراز عن تكبير الركوع الثاني، فإنه ألحق بها حتى قلنا بوجوبه أيضا مع أنه لا رفع فيه.
نهر.
وما وقع في البحر من التعبير بتكبيرتي الركوع بالتثنية اعترضه في الشرنبلالية بأن الكمال صرح في باب سجود السهو بأنه لا يجب بترك تكبيرات الانتفال إلا في تكبيرة ركوع الركعة الثانية من العيد اه.
قوله: (ذلك) أي الرفع.
قوله: (سنة في محله أي والرفع سنة في غير محله) وذو المحل أولى ط.
قوله: (ولذا يرسل يديه) أي في أثناء التكبيرات، ويضعهما بعد الثالثة كما في شرح المنية، لان الوضع سنة قيام طويل فيه ذكر مسنون.
قوله: (هذا يختلف الخ) أشار إلى ما في البحر عن المبسوط من أن هذا التقدير ليس بلازم، بل يختلف بكثرة الزحام وقلته، لان المقصود إزالة الاشتباه.
قوله: (فلو خطب قبلها الخ) وكذا لو لم يخطب أصلا كما قدمناه عن البحر.
قوله: (يسن فيها ويكره) أي إلا التكبير وعدم الجلوس قبل الشروع فيها فإنهما سنة هنا لا في خطب الجمعة.
قوله: (بل عشر) أي بناء على القول(2/189)
بأن للكسوف خطبة عندنا، وعلى قولهما بأن للاستسقاء خطبة كما سيأتي.
قوله: (واستسقاء) أي بناء على قولهما من أن له خطبة.
قوله: (إلا أن التي بمكة وعرفة الخ) وأما التي بمنى حادي عشر
ذي الحجة فليس فيها تلبية، لان التلبية تنقطع بأول رمي ط.
قوله: (ويستحب الخ) ذكر ذلك في المعراج عن مجمع النوازل.
وقال في الخانية: إنه ليس للتكبير عدد في ظاهر الرواية، لكن ينبغي أن لا يكون أكثر الخطبة التكبير، ويكبر في الاضحى أكثر من الفطر اه.
قلت: وإطلاق العدد في ظاهر الرواية لا ينافي تقييده بما ورد في السنة وقال به الشافعي رحمه الله تعالى.
قوله: (لا يجلس عندنا) لان الجلوس لانتظار فراغ المؤذن من الاذان، والاذان غير مشروع في العيد فلا حاجة إلى الجلوس.
معراج.
قوله: (ولم أره) البحث لصاحب البحر، وقال بعده: والعلم أمانة في عنق العلماء اه.
ويؤيده ما سيذكره الشارح في أول باب صدقة الفطر عن الشمني: أن النبي (ص) كان يخطب قبل الفطر بيومين يأمر بإخراجها.
قوله: (وهكذا الخ) هو من تتمة كلام البحر حيث قال: ويستفاد من كلامهم أن الخطيب إذا رأى حاجة إلى معرفة بعض الاحكام فإنه يعلمهم إياها في خطبة الجمعة، خصوصا وفي زماننا لكثرة الجهل وقلة العلم، فينبغي أن يعلمهم فيها أحكام الصلاة كما لا يخفى اه.
قوله: (مع الامام) متعلق بمحذوف حال من ضمير فاتت لا بفاتت، لان المعنى أن الامام أداها وفاتت المقتدي، لانها لو فاتت الامام والمقتدي تقضى كما يأتي.
أفاد في معراج الدراية.
قوله: (ولو بالافساد) أي بعد أن دخل فيها مع الامام وفرغ منها الامام.
قوله: (الاصح) مقابله ما حكاه في البحر هنا عن أبي يوسف أنه إذا أفسدها بعد الشروع تقضي، لان الشروع كالنذر في الايجاب.
قوله: (وفيها) أي في صورة الافساد، وقوله: واجبة زيادة في الالغاز لا للاحتراز عن النفل فإنه يجب قضاؤه بالافساد ط.
قوله: (اتفاقا) والخلاف إنما هو في الجمعة.
بحر.
قوله: (صلى أربعا كالضحى) أي استحبابا كما في القهستاني وليس هذا قضاء لانه ليس على كيفيتها ط.
قلت: وهي صلاة الضحى كما في الحلية عن الخانية، فقوله تبعا للبدائع كالضحى معناه أنه لا يكبر فيها للزوائد مثل العيد.
تأمل.
قوله: (بعذر كمطر) دخل فيه ما إذا لم يخرج الامام وما إذا غم(2/190)
الهلال فشهدوا به بعد الزوال أو قبله بحيث لا يمكن جمع الناس، أو صلاها في يوم غيم وظهر أنها
وقعت بعد الزوال، كما في الدرر وشرحه للشيخ إسماعيل.
وفيه عن الحجة: أمام صلى العيد على غير وضوء ثم علم بذلك قبل أن يتفرق الناس توضأ ويعيدون، وإن تفرق الناس لم يعد بهم، وجازت صلاتهم صيانة للمسلمين وأعمالهم.
قوله: (فقط) راجع إلى قوله: بعذر فلا تؤخر من غير عذر، وإلى قوله: إلى الزوال فلا تصح بعده، وإلى قوله: من الغد فلا تصح فيما بعد غد ولو بعذر كما في البحر ط.
قوله: (وحكى القهستاني قولين) ثم قال: ولعله مبني على اختلاف الراويتين، ويؤيده ما في زكاة النظم أن لصلاته يوما واحدا في الاصول ويومين في مختصر الكرخي اه.
تنبيه: ذكر في المجتبى الطحاوي أن ما ذكره المصنف قول أبي يوسف، وأن أبا حنيفة قال: إن فاتت في اليوم الاول لم تقض، لكن لم يذكر في الكتب المعتبرة اختلاف في هذا كما في البحر.
قوله: (لكن هنا) أي في الاضحى.
قوله: (يجوز تأخيرها الخ) وتكون فيما بعد اليوم الاول قضاء أيضا كما في أضحية البدائع والزيلعي.
قوله (بلا عذر مع الكراهة) أثبت في المجتبى والجوهرة و البزازية وغيرها الاساءة بالتأخير لغير عذر، وبه يعلم أنها كراهة تحريم.
تأمل رملي.
قلت: إطلاق الكراهة تبعا للبحر والدرر يفيد التحريم، وأما الاساءة فقدمنا في سنن الصلاة الخلاف في أنها دون الكراهة وأفحش، ووفقنا بينهما بأنها دون التحريمية وأفحش من التنزيهية.
قوله: (اتفاقا) أما في الفطر فقد علمت ما فيه من الخلاف في أصل التكبير أو في صفته وهي الجهر.
قوله: (قيل وفي المصلى) قال في المحيط: وفي رواية لا يقطعه ما لم يفتتح الامام الصلاة لانه وقت التكبير فيكبر عقب الصلاة جهرا اه.
وجزم في البدائع بالاولى وعمل الناس في المساجد على الرواية الثانية.
بحر.
قوله: (لا في البيت) أي لا يسن، وإلا فهو ذكر مشروع.
قوله: (ويندب تأخير أكله عنهما) أي يندب الامساك عما يفطر الصائم من صحبه إلى أن يصلي، فإن الاخبار عن الصحابة تواترت في منع الصبيان عن الاكل والاطفال عن الرضاع غداة الاضحى.
قهستاني عن الزاهدي ط.
قوله: (وإن لم يضح) شمل المصري والقروي، وقيده في غاية البيان بالمصري وذكر أن القروي يذوق من الصبح لان الاضاحي تذبح في القرى من الصباح.
بحر.
قوله: (في الاصح) وقيل لا يستحب في حق من لم يضح.
بحر.
مطلب: لا يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة إذ لا بد لها من دليل خاص قوله: (لم يكره) قال في البحر: وهو مستحب، ولا يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة، إذ لا بد لها من دليل خاص اه.
قوله: (أي تحريما) تبع فيه صاحب النهر وأشار به إلى ثبوت كراهة التنزيه، وفيه نظر لما علمت من كلام البحر.
ولقول البدائع: إن شاء ذاق وإن شاء لم يذق، والادب أن لا يذوق شيئا إلى وقت الفراغ من الصلاة حتى يكون تناوله من القرابين اه.
قوله: (في الخطبة)(2/191)
متعلق بيعلم، وينبغي تعليم تكبير التشريق في الجمعة التي قبل عيد الاضحى لان ابتداءه يوم عرفة كما بحثه في البحر.
قوله: (يوم عرفة) الاضافة بيانيه، لان عرفة اسم اليوم وعرفات اسم المكان.
شرنبلالية.
قوله: (في غيرها) أي غير عرفة، وأراد بها المكان تجوزا، والمراد كما في شرح المنية اجتماعهم عشية يوم عرفة في الجوامع أو في مكان خارج البلد يتشبهون بأهل عرفة اه.
قوله: (وقيل يستحب) لعله المراد من قوله النهاية، وعن أبي يوسف ومحمد في رواية الاصل أنه: يكره، لما روي أن ابن عباس فعل ذلك بالبصرة اه.
قال في الفتح: وهذا يفيد أن مقابله من رواية الاصول الكراهة، ثم قال: وهو الاولى حسما لمفسدة اعتقادية تتوقع من العوام ونفس الوقوف وكشف الرؤوس يستلزم التشبه وإن لم يقصد، فالحق أنه إن عرض للوقوف في ذلك اليوم سبب يوجبه كالاستسقاء مثلا لا يكره، أما قصد ذلك اليوم بالخروج فيه فهو معنى التشبه إذا تأملت.
وفي جامع التمرتاشي: لو اجتمعوا لشرف ذلك اليوم جاز يحمل عليه بلا وقوف وكشف اه.
والحاصل أن الصحيح الكراهة كما في الدرر، بل في البحر أن ظاهر ما في غاية البيان أنها تحريمية، وفي النهر أن عبارتهم ناطقة بترجيح الكراهة وشذوذ غيره.
قوله: (وقال الباقاني الخ) مأخوذ من آخر عبارة الفتح المتقدمة.
والحاصل أن المكروه هو الخروج مع الوقوف وكشف الرؤوس بلا سبب موجب كاستسقاء، أما مجرد الاجتماع فيه على طاعة بدون ذلك فلا يكره.
مطلب في تكبير التشريق قوله: (ويجب تكبير التشريق) نقل في الصحاح وغيره أن التشريق تقديد اللحم، وبه سميت الايام الثلاثة بعد يوم النحر.
ونقل الخليل بن أحمد النضر بن شميل عن أهل اللغة أنه التكبير فكان مشتركا بينهما، والمراد هنا الثاني، والاضافة فيه بيانية: أي التكبير الذي هو التشريق.
وبه اندفع ما قيل إن الاضافة على قولهما، لانه لا تكبير في أيام التشريق عنده، وتمامه في الاحكام للشيخ إسماعيل والبحر.
قوله: (في الاصح) وقيل سنة وصحح أيضا، لكن في الفتح أن الاكثر على الوجوب، وحرر في البحر أنه لا خلاف لان السنة المؤكدة والواجب متساويان رتبة في استحقاق الاثم بالترك.
مطلب: يطلق اسم السنة على الواجب قلت: وفيه نظر لما قدمناه عنه في بحث سنن الصلاة إن الاثم في ترك السنة أخف منه في ترك الواجب، وحررنا هناك أن المراد من ترك السنة الترك بلا عذر على سبيل الاصرار كما في شرح التحرير، فلا إثم في تركها مرة، وهذا مخالف للواجب، فالاحسن ما في البدائع من قوله: الصحيح أنه واجب، وقد سماه الكرخي سنة ثم فسره بالواجب فقال: تكبير التشريق سنة ماضية نقلها أهل العلم وأجمعوا على العمل بها، وإطلاق اسم السنة على الواجب جائز، لان السنة عبارة عن الطريقة(2/192)
المرضية أو السيرة الحسنة، وكل واجب هذا صفته اه.
قلت: ومنه إطلاق كثير على القعود الاول أنه سنة.
قوله: (للامر به) أي في قوله تعالى: * (واذكروا الله في أيام معدودات) * وقوله تعالى: * (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) * (الحج: 82) على القول بأن كليهما أيام التشريق، وقيل المعدودات: أيام التشريق والمعلومات: أيام ذي عشر ذي الحجة، وتمامه في البحر.
قوله: (وإن زاد الخ) أفاد أن قوله: مرة بيان للواجب، لكن ذكر أبو السعود أن الحموي نقل عن القراحصاري أن الاتيان به مرتين خلاف السنة اه.
قلت: وفي الاحكام عن البرجندي ثم المشهور من قول علمائنا أنه يكبر مرة، وقيل ثلاث
مرات.
قوله: (صفته الخ) فهو تهليلة بين أربع تكبيرات ثم تحميدة، والجهر به واجب، وقيل سنة.
قهستاني.
قوله: (هو المأثور عن الخليل) وأصله أن جبريل عليه السلام لما جاء بالفداء خاف العجلة على إبراهيم فقال: الله أكبر الله أكبر، فلما رآه إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: لا إله إلا الله والله أكبر، فلما علم إسماعيل الفداء قال: الله أكبر ولله الحمد.
كذا ذكره الفقهاء ولم يثبت عند المحدثين كما في الفتح.
بحر: أي هذه القصة لم تثبت، أما التكبير على الصفة المذكورة فقد رواه ابن أبي شيبة بسند جيد عن ابن مسعود أنه كان يقوله ثم عمم عن الصحابة، وتمامه في الفتح.
ثم قال: فظهر أن جعل التكبيرات ثلاثا في الاول كما يقول الشافعي لا ثبت له.
مطلب: المختار أن الذبيح إسماعيل قوله: (والمختار أن الذبيح إسماعيل) وفي أول الحلية أنه ظهر القولين اه.
قلت: وبه قال أحمد ورجحه غالب المحدثين.
وقال أبو حاتم: إنه الصحيح، والبيضاوي: إنه الاظهر.
وفي الهدى أنه الصواب عند علماء الصحابة والتابعين فمن بعدهم، والقول بأنه إسحاق مردود بأكثر من عشرين وجها.
نعم ذهب إليه جماعة من الصحابة والتابعين ونسبه القرطبي إلى الاكثرين واختاره الطبري وجزم به في الشفاءة، وتمامه في شرح الجامع الصغير للعلقمي عند حديث الذبيح إسحاق.
قال في البحر: والحنفية مائلون إلى الاول، ورجحه الامام أبو الليث السمرقندي في البستان بأنه أشبه بالكتاب والسنة.
فأما الكتاب فقوله: * (وفديناه بذبح عظيم) * (الصافات: 701) ثم قال بعد قصة الذبح * (وبشرناه بإسحاق) * (الصافات: 211) الآية.
وأما الخبر فما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنا ابن الذبيحين يعني أباه عبد الله وإسماعيل، واتفقت الامة أنه كان من ولد إسماعيل.
وقال أهل التوراة: مكتوب في التوراة أنه كان إسحاق، فإن صح ذلك فيها آمنا به اه.
ونقل ح عن الخفاجي في شرح الشفاء أن الاحسن الاستدلال بقوله تعالى: * (ومن وراء إسحاق يعقوب) * فإنه مع إخبار الله تعالى أباه بإتيان يعقوب من صلب إسحاق لا يتم ابتلاؤه بذبحه لعدم فائدته حينئذ اه: أي لانه أمر بذبحه(2/193)
صغيرا، فلا يمكن أن يكون الامر بعد خروج يعقوب من صلبه، فافهم.
قوله: (ومعناه) أي في العربية.
قوله: (عقب كفرض عيني) شمل الجمعة.
وخرج به الواجب كالوتر والعيدين والنفل.
وعند البلخيين يكبرون عقب صلاة العيد لادائها بجماعة كالجمعة، وعليه توارث المسلمين فوجب اتباعه كما يأتي، وخرج بالعيني الجنازة فلا يكبر عقبها.
أفاده في البحر.
قوله: (بلا فصل يمنع البناء) فلو خرج من المسجد أو تكلم عامدا أو ساهيا أو أحدث عامدا سقط عنه التكبير.
وفي استدبار القبلة روايتان.
ولو أحدث ناسيا بعد السلام الاصح أنه يكبر ولا يخرج للطهارة.
فتح.
قوله: (أدى بجماعة) خرج القضاء في بعض الصور كما يأتي والانفراد، وفي خلافهما كما يأتي.
قوله: (أو قضى فيها الخ) الفعل مبني للمجهول معطوف على أدى، والمسألة رباعية: فائتة غير العيد قضاها في أيام العيد، فائتة أيام العيد قضاها في غير أيام العيد، فائتة أيام العيد قضاها في أيام العيد من عام آخر، فائتة أيام العيد قضاها في أيام العيد من عامه ذلك، ولا يكبر إلا في الاخير فقط، كذا في البحر: فقوله: أو قضى فيها أي في أيام العيد احترازا عن الثانية، وقوله: منها أي حال كون المقضية في أيام العيد من أيام العيد احترز به عن الاولى، وقوله: من عامه أي حال كون أيام العيد التي تقضى فيها الصلاة التي فاتت في أيام العيد من عام الفوات احترز به عن الثالث اه ح.
قوله: (لقيام وقته) علة لوجوب تكبير التشريق في القضاء المذكور ح.
قوله: (كالاضحية) فإنه إذا لم يفعلها في أول يوم يفعلها في الثاني أو الثالث إذا كانت من ذلك العام، بخلاف أضحية عام سابق.
قوله: (في الاصح) فإن الاصح أن الحرية ليست بشرط، حتى لو أم العبد قوما وجب عليه وعليهم التكبير.
بحر.
قوله: (أوله من فجر عرفة) أي في ظاهر الرواية وهو قول عمر وعلي.
وعن أبي يوسف: من ظهر النحر، وهو قول ابن عمر وزيد بن ثابت كما في المحيط.
قهستاني.
قوله: (فهي ثمان) بإظهار الاعراب أو بإعراب المنقوص ط.
وقدمنا في باب النوافل اشتقاقه وإعرابه.
قوله: (ووجوبه على إمام) تقدير المبتدإ غير لازم، لان الجار والمجرور متعلق بقوله قبله يجب ولكن قدره لبعد الفصل.
قوله: (مقيم بمصر) فلا يجب على قروي ولا مسافر، ولو صلى المسافرون في المصر جماعة على الاصح.
بحر عن البدائع: أي الاصح على قول الامام، والظاهر أن صلاة
القرويين في مصر كذلك.
تأمل.
قال القهستاني: والمتبادر أن يكون ذلك المقيم صحيحا، فإذا صلى المريض بجماعة لم يكبروا كما في الجلابي.
قوله: (وعلى مقتد) أي ولو متنفلا بمفترض.
إسماعيل عن القنية.
قوله: (مسافر الخ) ليس للاحتراز بل لان غيرهم بالاولى.
قوله: (بالتبعية) راجع إلى الثلاثة ط.
قوله: (تخافت) لان صوتها عورة كما في الكافي والتبيين.
قوله: (ويجب على مقيم الخ) الظاهر أنه بحث لصاحب الشرنبلالية، حيث قال عند قول الدرر: ولا على إمام مسافر.
أقول: على هذا يجب على من اقتدى به من المقيمين لوجدان الشرط في حقهم اه.
قلت: ولا يرد عليه قولهم بالتبعية لانها فيما إذا كان الامام من أهل الوجوب دون المؤتم.(2/194)
تأمل، لكن في حاشية أبي السعودعن الحموي ما نصه: وفي هداية الناطفي إذا كان الامام في مصر من الامصار فصلى بالجماعة وخلفه أهل المصر فلا تكبير على واحد منهم عند أبي حنيفة، وعندهما عليهم بالتكبير اه.
والمراد الامام المسافر دل عليه سياق كلامه اه.
قوله: (فوركل فرض) بأن يأتي بلا بلا فصل يمنع البناء كما مر.
ط.
قوله: (لانه تبع للمكتوبة) فيجب على كل من تجب عليه الصلاة المكتوبة.
بحر.
قوله: (وعليه الاعتماد الخ) هذا بناء على أنه إذا اختلف الامام وصاحباه فالعبرة لقوة الدليل، وهو الاصح كما في آخر الحاوي القدسي، أو على أن قولهما في كل مسألة مروي عنه أيضا، وإفكيف يفتي بقول غير صاحب المذهب.
وبه اندفع ما في الفتح من ترجيح قوله هنا ورد فتوى المشايخ بقولهما.
بحر.
مطلب: كلمة لا بأس قد تستعمل في المندوب قوله: (ولا بأس الخ) كلمة لا بأس قد تستعمل في المندوب كما في البحر من الجنائز و الجهاد، ومنه هذا الموضع لقوله: فوجب اتباعهم.
قوله: (فوجب) الظاهر أن المراد بالوجوب الثبوت لا الوجوب المصطلح عليه، وفي البحر عن المجتبى والبلخيون: يكبرون عقب صلاة العيد لانها تؤدى بجماعة فأشبهت الجمعة اه.
وهو يفيد الوجوب المصطلح عليه ط.
قوله: (ولا يمنع العامة الخ) في المجتبى: قيل لابي حنيفة، ينبغي لاهل الكوفة وغيرها أن يكبروا أيام العشر في
الاسواق والمساجد، قال: نعم، وذكر الفقيه أبو الليث أن إبراهيم بن يوسف كان يفتي بالتكبير فيها.
قال الفقيه أبو جعفر: والذي عندي أنه لا ينبغي أن تمنع العامة عنه لقلة رغبتهم في الخير وبه نأخذ اه.
فأفاد أن فعله أولى.
قوله: (بحر ومجتبى) الاولى بحر عن المجتبى ط.
قوله: (ويأتي المؤتم به الخ) ظاهره ولو كان مسافرا أو قرويا أو امرأة على قول الامام مع أنه تقدم أن الوجوب عليهم بالتبعية، لكن المراد أن وجوبه عليهم تبع لوجوبه عليه فلا يسقط عنهم بعد وجوبه عليهم وإن تركه الامام، وليس المراد أنهم يفعلونه تبعا له.
تأمل.
قوله: (لادائه بعد الصلاة) أي فلا يعد به مخالفا للامام، بخلاف سجود السهو، فإنه يتركه إذا تركه الامام لان يؤدي في حرمه الصلاة ط.
قوله: (قال أبو يوسف الخ) تضمنت الحكاية من الفوائد الحكمية أنه إذا لم يكبر الامام لا يسقط عن المقتدى، والعرفية جلالة قدر أبي يوسف عند الامام وعظم منزلة الامام في قلبه حيث نسي ما لا ينسى عادة حين علمه خلفه، وذلك أن العادة نسيان التكبير الاول في الفجر، فأما بعد توالي ثلاثة أوقات فلا، لعدم بعد العهد به.
فتح.
قوله: (لا تفسد) لانه ذكر.
وعن الحسن: يتابعه كما في المجتبى ولا يعيده بعد الصلاة كما في خزانة الفتاوى إسماعيل.
قوله: (ولو لبى فسدت) لانه خطاب الخليل عليه السلام.
وعن محمد: لا تفسد لانه يخاطب الله تعالى بها فكانت ذكرا، كما في المجتبى.
إسماعيل.(2/195)
قلت: الاولى التعليل بما يأتي من أنها تشبه كلام الناس، إذ لا شك أن قول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك الخ، خطاب لله تعالى.
قوله: (لوجوبه في تحريمتها) أي في حال بقاء تحريمتها التي يحرم بها ولذا يصح الاقتداء فيه.
قوله: (في حرمتها) المراد به عقبها بلا فاصل حتى لو فصل سقط كما مر.
قوله: (لعدمهما) أي لعدم وجوبها في تحريمتها ولا في حرمتها.
قوله: (سقط السجود والتكبير) لان التلبية تشبه كلام الناس، وكلام الناس يقطع الصلاة، فكذا هي وسجود السهو لم يشرع إلا في التحريمة ولا تحريمة، والتكبير لم يشرع إلا متصلا وقد زال الاتصال.
بدائع.
ولعل وجه كونه يشبه كلام الناس أن من نادى رجلا يجيبه بقوله لبيك، وقد قال في البدائع: إذا قال اللهم أعطني درهما زوجني امرأة تفسد صلاته، لان صيغته من كلام الناس، وإن خاطب الله تعالى به فكان مفسدا بصيغته اه.
فافهم، والله أعلم.
مطلب في إزالة الشعر والظفر في عشر ذي الحجة خاتمة: قال في شرح المنية: وفي المضمرات عن ابن المبارك في تقليم الاظفار وحلق الرأس في العشر: أي عشر ذي الحجة قال: لا تؤخر السنة، وقد ورد ذلك ولا يجب التأخير اه.
ومما ورد في صحيمسلم قال رسول الله (ص): إذا دخل العشر وأراد بعضكم أن يضحي فلا يأخذن شعرا ولا يقلمن ظفرا فهذا محمول على الندب دون الوجوب بالاجماع، فظهر قوله: ولا يجب التأخير، إلا أن نفي الوجوب لا ينافي الاستحباب فيكون مستحبا إلا إن استلزم الزيادة على وقت إباحة التأخير ونهايته ما دون الاربعين فلا يباح فوقها.
قال في القنية: الافضل أن يقلم أظفاره ويقص شاربه ويحلق عانته وينظف بدنه بالاغتسال في كل أسبوع، وإلا ففي كل خمسة عشر يوما، ولا عذر في تركه وراء الاربعين ويستحق الوعيد، فالاول أفضل، والثاني الاوسط، والاربعون الابعد اه.
باب: الكسوف أي صلاته وهي سنة كما سيأتي، والكسوف مصدر اللازم، والكسف مصدر المتعدي، يقال كسفت الشمس كسوفا وكسفها الله تعالى كسفا، وتمامه في.
قوله: (من حيث الاتحاد) أي في أن كلا من العيد والكسوف يؤدى بالجماعة نهارا بلا أذان ولا إقامة، وقوله: أو التضاد أي من حيث أن الجماعة في العيد شرط والجهر فيها واجب، بخلاف الكسوف اه ح.
أو لان للانسان حالتين: حالة السرور والفرح، وحالة الحزن والترح، وقدم حالة السرور على حالة الترح.
معراج.
قوله: (للشمس والقمر) لف ونشر مرتب.
قال في الحلية: والاشهر في ألسنة الفقهاء تخصيص الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر، وادعى الجوهري أنه الافصح، وقيل هما فيهما سواء اه.
وفي القهستاني: وقال ابن الاثير: إن الاول هو الكثير المعروف في اللغة، وأن ما وقع في الحديث من كسوفهما وخسوفهما فللتغليب.
قوله: (من يملك إقامة الجمعة) وعن أبي حنيفة في غير رواية الاصول: لكل إمام مسجد أن يصلي بجماعة في مسجده، والصحيح ظاهر الرواية وهو أنه لا يقيمها إلا الذي يصلي بالناس الجمعة، كذا في البدائع.
نهر.
قوله: (بيان للمستحب) أي قوله:(2/196)
يصلي بالناس بيان للمستحب وهو فعلها بالجماعة: أي إذا وجد إمام الجمعة، وإلا فلا تستحب الجماعة بل تصلى فرادى، إذ لا يقيمها غيره كما علمته.
قوله: (رده في البحر) أي بتصريح الاسبيجابي بأنه يستحب فيها ثلاثة أشياء: الامام، والوقت: أي الذي يباح فيه التطوع، والموضع: أي مصلى العيد أو المسجد الجامع اه.
وقوله: الامام: أي الاقتداء به.
وحاصله أنها تصح بالجماعة وبدونها، والمستحب الاول، لكن إذا صليت بجماعة لا يقيمها إلا السلطان ومأذونه كما مر أنه ظاهر الرواية، وكون الجماعة مستحبة فيه رد على ما في السراج من جعلها شرطا كصلاة الجمعة.
قوله: (عند الكسوف) فلو انجلت لم تصل بعده، وإذا انجلى بعضها جاز ابتداء الصلاة، وإن سترها سحاب أو حائل صلى لان الاصل بقاؤه، وإن غربت كاسفة أمسك عن الدعاء وصلى المغرب.
جوهرة.
قوله: (وإن شاء أربعا أو أكثر الخ) هذا غير ظاهر الرواية، وظاهر الرواية هو الركعتان ثم الدعاء إلى أن تنجلي.
شرح المنية.
قلت: نعم في المعراج وغيره: لو لم يقمها الامام صلى الناس فرادى ركعتين أو أربعا، وذلك أفضل.
قوله: (أي بركوع واحد) وقال الائمة الثلاثة: في كل ركعة ركوعان، والادلة في الفتح وغيره.
قوله: (في غير وقت مكروه) لان النوافل لا تصلى في الاوقات المنهي عن الصلاة فيها، وهذه نافلة.
جوهرة، وما مر عن الاسبيجابي من جعله الوقت مستحبا.
قال في البحر: لا يصح.
قال ط: وفي الحموي عن البرجندي عن الملتقط إذا انكسفت بعد العصر أو نصف النهار دعوا ولم يصلوا.
قوله: (بلا أذان الخ) تصريح بما علم من قوله: كالنفل ط.
قوله: (ولا جهر) وقال أبو يوسف: يجهر، وعن محمد روايتان.
جوهرة.
قوله: (ولا خطبة) قال القهستاني: ولا يخطب عندنا فيها بلا خلاف كما في التحفة والمحيط والكافي والهداية وشروحها.
لكن في النظم يخطب بعد الصلاة بالاتفاق، ونحوه في الخلاصة وقاضيخان اه.
وعلى الثاني يبتنى ما مر في باب العيد من عد الخطب عشرا، لكن المشهور الاول، وهو الذي في المتون والشروح.
وفي شرح المنية أنه قال به مالك وأحمد.
قال في البحر: وما ورد من خطبته عليه الصلاة والسلام يوم مات ابنه إبراهيم وكسفت الشمس فإنما كان للرد على من قال إنها كسفت لموته لا لانها مشروعة له، ولذا خطب عليه
الصلاة والسلام بعد الانجلاء، ولو كانت سنة له لخطب قبله كالصلاة والدعاء.
قوله: (وينادي الخ) أي كما رواه مسلم في صحيحه كما في الفتح.
قوله: (الصلاة جامعة) بنصبهما: أي احضروا الصلاة في حال كونها جامعة ورفعهما على الابتداء والخبر، ونصب الاول مفعول فعل محذوف ورفع الثاني خبر مبتدإ محذوف: أي هي جامعة، وعكسه: أي حضرت الصلاة حال كونها جامعة.
رحمتي.
قوله: (ليجتمعوا) أي إن لم يكونوا اجتمعوا.
بحر.
قوله: (ويطيل فيها الركوع والسجود والقراءة) نقل ذلك في الشرنبلالية عن البرهان: أي لورود الاحاديث المذكورة في الفتح وغيره بذلك.
قال القهستاني: فيقرأ: أي في الركعتين مثل البقرة وآل عمران كما في التحفة والاطلاق دال على أنه(2/197)
يقرأ ما أحب في سائر الصلاة كما في المحيط اه.
ويجوز تطويل القراءة وتخفيف الدعاء وبالعكس، وإذا خفف أحدهما طول الآخر لان المستحب أن يبقى على الخشوع والخوف إلى انجلاء الشمس، فأي ذلك فعل فقد وجد.
جوهرة.
قال الكمال: وهذا مستثنى من كراهة تطويل الامام الصلاة، ولو خففها جاز، ولا يكون مخالفا للسنة.
ثم قال: والحق أن السنة التطويل، والمندوب مجرد استيعاب الوقت: أي بالصلاة والدعاء كما في الشرنبلالية.
قوله: (الذي هو من خصائص النافلة) صفة للتطويل المفهوم من قوله: ويطيل كما يظهر من كلام البحر، وظاهره أن هذه الادعية والاذكار يأتي بها في نفس الصلاة غير الادعية التي يأتي بها بعد الصلاة، لان الركوع والسجود لا تشرع فيهما القراءة فلم يبق في تطويلهما إلا زيادة الادعية والاذكار من تسبيح ونحوه.
تأمل.
قوله: (ثم يدعو بعدها) لانه السنة في الادعية.
بحر.
ولعله احترز عن الدعاء قبلها لانه يدعو فيها كما علمت.
تأمل.
قوله: (أو قائما) قال الحلواني: وهذا أحسن، ولو اعتمد على قوس أو عصا كان حسنا، ولا يصعد المنبر للدعاء ولا يخرج، كذا في المحيط.
نهر.
قوله: (يؤمنون) أي على دعائه.
قوله: (كلها) أي المراد كمال الانجلاء لا ابتداؤه شرنبلالية عن الجوهرة.
قوله: (صلى الناس فرادى) أي ركعتين أو أربعا وهو أفضل كما قدمناه، والنساء يصلينها فرادى كما في الاحكام عن البرجندي.
قوله: (في منازلهم) هذا على ما في شرح الطحاوي أو في مساجدهم على ما في الظهيرية وعزاه
في المحيط إلى شمس الائمة.
إسماعيل.
قوله: (تحرزا عن الفتنة) أي فتنة التقديم والتقدم والمنازعة فيهما كما في النهاية، وإن شاؤوا دعوا ولم يصلوا.
غياثية.
والصلاة أفضل.
سراجية.
كذا في الاحكام للشيخ إسماعيل.
قوله: (كالخسوف للقمر الخ) أي حيث يصلون فرادى، سواء حضر الامام أو لا كما في البرجندي.
إسماعيل.
لان ما ورد من أنه عليه الصلاة والسلام صلاه ليس فيه تصريح بالجماعة فيه، والاصل عدمها كما في الفتح وفي البحر عن المجتبى، وقيل الجماعة جائزة عندنا لكنها ليست بسنة اه.
قوله: (والفزع) أي الخوف الغالب من العدو.
بحر ودرر.
قوله: (ومنه الدعاء برفع الطاعون) أي من عموم الامراض، وأراد بالدعاء الصلاة لاجل الدعاء.
قال في النهر: فإذا اجتمعوا صلى كل واحد ركعتين ينوي بهما رفعه، وهذه المسألة من حوادث الفتوى اه.
قوله: (أي حسنة) كذا في النهر.
قلت: والبدعة تعتريها الاحكام الخمسة كما أوضحناه في باب الامامة.
قال في النهر: وليس دعاء برفع الشهادة لانها أثره لا عينه اه.
قلت: على أنه لا مانع منه إذا فرط وأضر كالمطر الدائم، مع أن المطر رحمة.
قال السيد أبو السعود عن شيخه: ومن أدلة مشروعيته أن غاية أمره أن يكون كملاقاة العدو، وقد ثبت سؤاله عليه الصلاة والسلام العافية منه، فيكون دعاء برفع المنشأ.
قوله: (وكل طاعون وباء الخ) لان الوباء اسم(2/198)
لكل مرض عام.
نهر.
والطاعون والمرض العام بسبب وخز الجن ح.
وهذا بيان لدخول الطاعون في عموم الامراض المنصوص عليه عندنا وإن لم ينصوا على الطاعون بخصوصه.
قوله: (وتمامه في الاشباه) أي في أواخرها وأطال الكلام فيه.
قوله: (واختار في الاسرار وجوبها) قلت: ورجحه في البدائع للامر بها في الحديث، لكن في العناية أن العامة على القول بالسنية لانها ليست شعائر الاسلام فإنها توجد بعارض، لكن صلاها النبي (ص) فكانت سنة، والامر للندب اه.
وقواه في الفتح.
قوله: (حسنة) الظاهر أن المراد بها الندب، ولهذا قال في البدائع: إنها حسنة، لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا رأيتم من هذه الافزاع شيئا فافزعوا إلى الصلاة.
قوله: (وكذا البقية) أي صلاة
الريح وما عطف عليها فإنها حسنة ح.
قوله: (واختلف في صلاة الاستسقاء) أي في أصل مشروعيتها أو كونها بجماعة كما يأتي.
فافهم.
قوله: (فلذا أخرها) أي وقدم ما اتفق على استنانه مع اشتراكهما في كون كل منهما على صفة الاجتماع والحضور.
باب: الاستسقاء هو لغة: طلب السقي وإعطاء ما يشربه، والاسم السقيا بالضم.
وشرعا: طلب إنزال المطر بكيفية مخصوصة عند شدة الحاجة بأن يحبس المطر، ولم يكن لهم أودية وآبار وأنهار يشربون منها ويسقون مواشيهم وزرعهم، أو كان ذلك إلا أنه لا يكفي، فإذا كان كافيا لا يستسقي كما في المحيط.
قهستاني.
قوله: (هو دعاء) وذلك أن يدعو الامام قائما مستقبل القبلة رافعا يديه والناس قعود مستقبلين القبلة يؤمنون على دعائه ب اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مربعا غدقا مجللا سحا طبقا دائما وما أشبهه، سرا وجهرا كما في البرهان شرنبلالية.
وشرح ألفاظه في الامداد وزاد فيه أدعية أخر.
قوله: (واستغفار) من عطف الخاص على العام لانه الدعاء بخصوص المغفرة، أو يراد بالدعاء طلب المطر خاصة، فيكون من قبيل عطف المغاير ط.
قوله: (لانه السبب) بدليل أنه رتب إرسال المطر عليه في قوله تعالى: * (استغفروا ربكم) * الآية.
قوله: (بلا جماعة) كان على المصنف أن يقول له صلاة بلا جماعة كما قال في الكنز وغيره ح.
وهذا قول الامام.
وقال محمد: يصلي الامام أو نائبه ركعتين كما في الجمعة ثم يخطب: أي يسن له ذلك، والاصح أن أبا يوسف مع محمد.
نهر.
قوله: (بل هي) أي الجماعة جائزة لا مكروهة، وهذا موافق لما ذكره شيخ الاسلام من أن الخلاف في السنية لا في أصل المشروعية، وجوم به في غاية البيان معزيا إلى شرح الطحاوي، وكلام المصنف كالكنز يفيد عام المشروعية كما في البحر، وتمامه في النهر، وظاهر كلام الفتح ترجيحه.
وذكر في الحلية أن ما ذكره شيخ الاسلام متجه من حيث الدليل، فليكن عليه التعويل اه.
وقال في شرح المنية الكبير بعد سوقه الاحاديث والآثار: فالحاصل أن الاحاديث لما اختلفت في الصلاة بالجماعة وعدمها على وجه لا يصح به إثبات السنية لم يقل أبو حنيفة بسنيتها، ولا يلزم منها قوله بأنها بدعة كما نقله عنه بعض المتعصبين، بل هو قائل بالجواز اه.
قلت: والظاهر أن المراد به الندب والاستحباب لقوله في الهداية: قلنا إنه فعله عليه الصلاة(2/199)
والسلام مرة وتركه أخرى فلم يكن سنة اه: لان السنة ما واظب عليه، والفعل مرة مع الترك أخرى يفيد الندب.
تأمل.
قوله: (كالعيد) أي بأن يصلي بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة بلا أذان ولا إقامة ثم يخطب بعدها قائما على الارض معتمدا على قوس أو سيف أو عصا خطبتين عند محمد وخطبة واحدة عن أبي يوسف حلية.
قوله: (خلاف) ففي رواية ابن كاس عن محمد: يكبر الزوائد كما في العيد، والمشهور من الرواية عنهما أنه لا يكبر كما في الحلية.
قوله: (خلافا لمحمد) فإنه يقول: يقلب الامام رداءه إذا مضى صدر من خطبته، فإن كان مريعا جعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه، وإن كان مدورا جعل الايمن على الايسر والايسر على الايمن وإن كان قباء جعل البطانة خارجا والظهارة داخلا.
حلية.
وعن أبي يوسف روايتان، واختار القدوري قول محمد لانه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك.
نهر وعليه الفتوى كما في شرح درر البحار.
قال في النهر: وأما القوم فلا يقلبون أرديتهم عند كافة العلماء، خلافا لمالك.
قوله: (وبلا حضور ذمي) أي مع الناس كما في شرح المجمع لابن ملك، وظاهره أنهم لا يمنعون من الخروج وحدهم، وبه صرح في المعراج، لكن منعه في الفتح باحتمال أن يسقوا فيفتتن به ضعفاء العوام.
مطلب: هل يستجاب دعاء الكافر؟ قوله: (وإن كان الراجح الخ) اختلف المشايخ في أنه هل يجوز أن يقال: يستجاب دعاء الكافي؟ فمنعه الجمهور للآية المذكورة، ولانه لا يدعو الله لانه لا يعرفه، لانه وإن أقر به تعالى فلما وصفه بما لا يليق به فقد نقض إقراره، وما روي في الحديث من أن دعوة المظلوم وإن كان كافرا تستجاب فمحمول على كفران النعمة، وجوزه بعضهم لقوله تعالى حكاية عن إبلسي - رب أنظرني - فقال تعالى: * (إنك من المنظرين) * (الاعراف: 51) وهذا إجابة، وإليه ذهب أبو القاسم الحكيم وأبو النصر الدبوسي.
وقال الصدر الشهيد: وبه يفتى، كذا في شرح العقائد للسعد.
وفي البحر عن الولوالجية أن الفتوى على أنه يجوز أن يقال: يستجاب دعاؤه اه.
وما في النهر من قوله أي يجوز عقلا وإن لم يقع، فهو بعيد، بل الخلاف في الجواز شرعا، إذ
المانع لا يقول إنه مستحيل عقلا.
تأمل.
قوله: (ففي الآخر) وهو دعاء أهل النار بتخفيف العذاب بدليل صدر الآية وهو: * (وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ئ قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعو وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) * (غافر: 94، 05) قوله: (شروح مجمع) أقول: لم أر ذلك في شرحه لمصنفه ولا في شرحه لابن ملك ولعله في غيرهما.
قوله: (ويخرجون) أي إلى الصحراء كما في الينابيع.
إسماعيل.
وهذا في غير أهل المساجد الثلاثة كما يأتي.
قوله: (ويستحب للامام الخ) نقله في التاترخانية عن النهاية، مع أنه في النهاية عزاه إلى الخلاصة الغزالية بلفظ: إذا غارت الانهار وانقطعت الامطار وانهارت القنوات فيستحب للامام الخ ثم قال: وقريب من هذا في مذهبنا ما قاله الحلواني وساق ما في المتن، وذكر في المعراج مثل ما(2/200)
في النهاية عن خلاصة الامام الغزالي، ولذا عبر عنه في شرح درر البحار وغيره بقوله: قيل ينبغي أن يأمر الامام الناس الخ، لكنه يوهم أنه قول في مذهبنا.
تنبيه: إذا أمر الامام بالصيام في غير الايام المنهية وجب لما قدمناه في باب العيد من أن طاعة الامام فيما ليس بمعصية واجبة.
قوله: (ويجددون التوبة) ومن شروطها رد المظالم إلى أهلها.
قوله: (ويستسقون بالضعفة الخ) أي يقدمونهم كما في النهر: أي للدعاء والناس يؤمنون على دعائهم، لان دعاءهم أقرب للاجابة.
وفي خبر البخاري: وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم.
وفي خبر ضعيف لولا شباب خشع وبهائم رتع وشيوخ ركع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا وفي الخبر الصحيح: إن نبيا من الانبياء قال جمع: هو سليمان صلى الله على نبينا وعليه وسلم: خرج يستسقي، فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء، فقال: ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل شأن النملة.
قوله: (ويبعدون الاطفال الخ) أي ليكثر الضجيج والعويل فيكون أقرب إلى الرقة والخشوع.
قوله: (كأنه لضيقه) كذا في البحر.
واعترضه في الامداد بأنه غير ظاهر لان من هو مقيم بالمدينة المنورة لا يبلغ قدر الحاج، وعند اجتماعهم بجملتهم فيه يشاهد اتساع المسجد الشريف، فينبغي الاجتماع للاستسقاء فيه، إذ لا يستغاث وتستنزل الرحمة في المدينة المنور بغير حضرته
ومشاهدته (ص) في كل حادثة، وتوقف الدواب بالباب كما في المسجد الحرام والاقصى اه ملخصا.
قوله: (فلا بأس بالدعاء بحبسه الخ) أي فيقول كما قال (ص): اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الاودية ومنابت الشجر وتمام الكلام في الامداد.
قوله: (شكرا لله تعالى أي ويستزيدونه من المطر كما في السراج.
وفيه أيضا: ويستحب الدعاء عند نزول الغيث وأن يخرج إليه عند نزوله ليصيب جسده منه، وأن يقول عند سماع الرعد: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وأن يقول: اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا من قبل ذلك ويستحب لاهل الخصب أن يدعوا لاهل الجدب اه ملخصا، وتمامه في ط.
باب: صلاة الخوف مناسبته أن كلا من صلاتي الاستسقاء والخوف شرع لعارض خوف، إلا أنه في الاول سماوي وهو انقطاع المطر فلذا قدم، وهنا اختياري وهو الجهاد الناشئ عن الكفر كما في النهر والبحر.
قوله: (من إضافة الشئ لشرطه) كذا في الجوهرة، لكن في الدرر وكذا في البحر عن التحفة أن سببها الخو ف.
ووفق في الشرنبلالية بأن الاول بالنظر إلى الكيفية المخصوصة، لان هذه الصفة شرطها العدو، والثاني بالنظر إلى أصل الصلاة، فإن سببها الخوف اه.(2/201)
قلت: وفيه نظر، فإن أصل الصلاة سببها وقتها، وقدمنا في باب شروط الصلاة أن ما كان خارجا عن الشئ غير مؤثر فيه، فإن كان موصلا إليه في الجملة كالوقت فسبب، وإن لم يوصل إليه فإن توقف عليه كالوضوء للصلاة فشرط: والذي يظهر لي أن الخوف سب ب لهذه الصلاة، وحضور العدو شرط كما في صلاة المسافر، فإن المشقة سبب لها والسفر الشرعي وشرط، وحينئذ فمن أراد بالخوف العدو سماه شرطا، ومن أراد به حقيقته سماه سببا، لكن لا يشترط تحقق الخوف في كل وقت لانه سبب المشروعية، وأقيم العدو مقامه كما أقيم السفر مقام المشقة.
قال في المعراج: وفي مبسوط شيخ الاسلام: المراد بالخوف حضرة العدو لا حقيقة الخوف، لان حضرة العدو أقيمت مقام الخوف على ما عرف من أصلنا من تعليق الرخص بنفس السفر اه.
قوله: (خلافا
للثاني) أي أبي يوسف، له أنها إنما شرعت بخلاف القياس لاحراز فضيلة الصلاة خلف النبي (ص)، وهذا المعنى انعدم بعده، ولهما أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أقاموا بعده عليه الصلاة والسلام.
درر.
قوله: (بشرط حضور عدو) أشار إلى أنه يشترط أن يكون قريبا منهم، فلو بعيدا لم تجز كما في الدرر.
قوله: (على ظنه) أي ظن حضوره بأن رأوا سوادا أو غبارا فظهر غير ذلك.
درر.
قوله: (أعادوا) أي القوم إذا صلوها بصفة الذهاب والمجئ، وجازت صلاة الامام كما في الحجة، واستثنى في الفتح ما إذا ظهر الحال قبل أن يجاوز المنصرفون الصفوف فلهم البناء استحسانا كمن انصرف على ظن الحدث يتوقف الفساد إذا ظهر أنه لم يحدث على مجاوزة الصفوف.
إسماعيل.
قوله: (أو سبع) من عطف الخاص على العام.
واعترض بأنه من خصوصيات الواو.
وفي الشرنبلالية أنه عطف مباين لان المراد بالاول من بني آدم.
قوله: (ونحوها) كحرق وغرق.
جوهرة.
قوله: (وحان) أي قرب ح.
قوله: (قلت الخ) مراده بهذا النقل أن يبين أن ما في مجمع الانهر لا يعمل به لانه قول البعض ولمخالفته لاطلاق سائر المتون ح.
قلت: وهذه العبارة محلها عقب عبارة مجمع الانهر، وتوجد في بعض النسخ عقب قوله وركعتين في غيره لزوما، وكأنه من سهو النساخ.
قوله: (فيجعل الامام الخ) اعلم أنه ورد في صلاة الخوف روايات كثيرة، وأصحها ست عشرة رواية.
واختلف العلماء في كيفيتها، وفي المستصفى أن كل ذلك جائز والكلام في الاولى والاقرب من ظاهر القرآن هذه الكيفية.
إمداد.
وفي ط عن المجتبى: ولا فرق بين ما إذا كان العدو في جهة القبلة أو لا، على المعتمد.
قوله: (ومنه الجمعة والعيد) وكذا صلاة المسافر، وأشار بالعيد إلى أنها لا تقتصر على الفرائض ط.
قوله: (وركعتين في(2/202)
غيره) أي ولو ثلاثيا كالمغرب، حتى لو عكس فسدت كما في النهر، وإليه أشار بقوله لزوما ط، وتوجيهه في الامداد وغيره.
قوله: (وذهبت) أي هذه الطائفة بعد السجدة الثانية في الثنائي وبعد التشهد في غيره وقوله إليه أي إلى نحو العدو، ووقفت بإزائه ولو مستدبرة القبلة.
قهستاني.
والواجب أن يذهبوا مشاة، فلو ركبوا بطلت لانه عمل كثير.
جوهرة، وسيأتي.
قوله: (ندبا) فلو
أتموا صلاتهم في مكانهم صحت ط.
قوله: (وجاءت الطائفة الاولى) مجيئها ليس متعينا، حتى لو أتمت مكانها ووقفت الطائفة الذاهبة بإزاء العدو صح، وهل الافضل الاتمام في مكان الصلاة أو في محل الوقوف تقليلا للمشي؟ ينبغي أن يجري فيه الخلاف فيمن سبقه الحدث، ومشى في الكافي على أن العود أفضل.
أفاده أبو السعود.
قوله: (لانهم لاحقون) ولهذا لو كانت معهم امرأة تفسد صلاة من حاذته منهم، بخلاف الطائفة المسبوقة كما في البحر، وعم كلامه المقيم خلف المسافر حتى يقضي ثلاثا بلا قراءة إن كان من الطائفة الاولى، وبقراءة إن كان من الثانية، والمسبوق إن أدرك ركعة من الشفع الاول فهو من أهل الاولى، وإلا فمن الثانية.
نهر.
قوله: (وهذا) أي ما ذكر من الصلاة على هذا الوجه إنما يحتاج إليه لو لم يريدوا إلا إماما واحدا، وكذا لو كان الوقت قد ضاق عن صلاة إمامين كما في الجوهرة.
قلت: ويمكن أن يكون هذا مراد صاحب مجمع الانهر فيما تقدم، فتأمل.
قوله: (فالافضل الخ) أي فيصلي الامام بطائفة ويسلمون ويذهبون إلى جهة العدو، ثم تأتي الطائفة الاخرى فيأمر رجلا ليصلي بهم.
تتمة: حمل السلاح في صلاة الخوف مستحب عندنا لا واجب، خلافا للشافعي ومالك، والامر به في الآية للندب لانه ليس من أعمال الصلاة فلا يجب فيها كما في الشرنبلالية عن البرهان.
قوله: (وعجزوا الخ) بيان للمراد من اشتداد الخوف.
قوله: (صلوا ركبانا) أي ولو مع السير مطلوبين، فالراكب لو طالبا لا تجوز صلاته لعدم ضرورة الخوف في حقه، وتمامه في الامداد.
قوله: (فيصح الاقتداء) لعدم اختلاف المكان.
قوله: (بالايماء) أي الايماء بالركوع والسجود.
قوله: (وفسدت بمشي الخ) لان المشي فعله حقيقة وهو مناف للصلاة، بخلاف ما إذا كان راكبا مطلوبا لانه فعل الدابة حقيقة، وإنما أضيف إليه معنى التسيير وإذا جاء العذر انقطعت الاضافة إليه اه.
من الامداد عن مجمع الروايات ومثله في البدائع، وبه علم أنها تفسد بالمشي طالبا أو مطلوبا، وأن ما ذكره ح عن مجمع الانهر بقوله بمشي أي هروب من العدو لا المشي نحوه والرجوع اه.
لا ينافي ذلك لانها إذا فسدت بالهروب تفسد بالطلب بالاولى لعدم ضرورة الخوف كما مر في الراكب، وقوله
لا المشي نحوه والرجوع هو معنى قول الشارح لغير اصطفاف أي لو مشوا ليصطفوا نحو العدو، أو رجعوا ليصطفوا خلف الامام، نعم في العبارة إيهام، فافهم.
قوله: (وركوب) أي ابتداء على الارض.
قهستاني.
قوله: (مطلقا) أي لاصطفاف أو غيره، لان الركوب عمل كثير وهو مما لا يحتاج(2/203)
إليه، بخلاف المشي فإنه أمر لا بد منه حتى يصطفوا بإزاء العدو.
ابن كمال عن البدائع.
قوله: (كرمية سهم) ذكره الزيلعي والبحر، فإنه عمل قليل وهو غير مفسد، وفي كونه من العمل القليل نظر، فإن من رآه يرمي بالقوس يتحقق أنه خارج الصلاة ط.
قوله: (وإلا لا تصح) وسقط الطلب لتحقق العذر ط.
قوله: (والسائف) بالفاء ولذا أردفه بما يفسره.
قال في المعراج: وفي المختلفات لو كانوا في المسايفة قبل الشروع وكاد الوقت يخرج يؤخرون الصلاة إلى أن يفرغوا من القتال.
قوله: (لم يجز انحرافهم) أي بعد ذهابه لزوال سبب الرخصة ط عن أبي السعود: أي فتصلي كل طائفة في مكانها.
تأمل.
فلو كانوا انحرفوا قبله بنوا كما في التاترخانية.
قوله: (جاز) أي لهم الانحراف في أوانه لوجوب الضرورة ط عن ابي السعود.
قوله: (لا تشرع صلاة الخوف للعاصي) لانها إنما شرعت لمن يقاتل أعداء الله تعالى ومن في حكمهم لا لمن يعاديه.
أفاده أبو السعود عن شيخه.
قلت: وهذا بخلاف القصر في السفر فإن سببه مشقة السفر، وهو مطلق في النص فيجري على إطلاقه ولا يمكن قياسه على صلاة الخوف، لانها جاءت على غير القياس.
تأمل.
قوله: (في سفره) لعله بسفره، فليتأمل.
إسماعيل.
والفرق أن الباء للسببية فتفيد أن نفس سفره معصية كمن سافر لقطع الطريق مثلا، بخلاف في الظرفية فإنها تفيد أنه لو سافر للحج مثلا وعصى في أثنائه لا يصلي بهذه الكيفية، والظاهر أن المراد بالعاصي من كان قتاله معصية سواء كان سفره له أو لطاعة، وحينئذ فلا فرق بين التعبير بالباء أو في فتدبر.
قوله: (في أربع) أي في أربعة مواضع، فلا ينافي ما في الامداد عن شرح المقدسي أنه (ص) صلاها أربعا وعشرين مرة.
قوله: (ذات الرقاع) أي غزوة ذات الرقاع.
وأصح الاقوال في وجه تسميتها ما رواه البخاري عن أبي موسى الاشعري قال: خرجنا مع رسول الله (ص) ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي
وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أظفارنا الخرق، فسميت غزوة الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق اه ط عن المواهب اللدنية.
والصواب أنها كانت بعد الخندق، خلافا لما في الكافي والاختيار تبعا لجماعة من أهل السير كما حققه في الفتح.
قوله: (وبطن نخل) بالخاء المعجمة اسم موضع ط.
قوله: (وعسفان) بوزن عثمان.
قاموس.
قوله: (وذي قرد) بفتح القاف والراء وبالدال المهملة، وهو ماء على بريد من المدينة، وتعرف بغزوة الغابة، وكانت في ربيع الاول سنة ست قبيل الحديبية ط عن المواهب، والله تعالى أعلم.
باب: صلاة الجنائز ترجم للصلاة وأتى بأشياء زائدة عليها بعضها شروط كالغسل، وبعضها مقدمات كالتكفين(2/204)
والتوجيه والتلقين وبعضها متممات كالدفن، وأخرها لانها ليست صلاة من كل وجه، ولانها تعلقت بآخر ما يعرض للحي وهو المو ت، ولمناسبة خاصة بما قبلها، وهي أن الخوف والقتال قد يفضيان إلى الموت.
قوله: (لسببه) هو الجنازة بالفتح: يعني الميت ط.
قوله: (وبالكسر السرير) قال الازهري: لا يسمى جنازة حتى يشد الميت عليه مكفنا.
إمداد.
قوله: (وقيل لغتان) أي الكسر والفتح لغتان في الميت كما يفيده قول القاموس جنزه يجنزه: ستروجمعه، والجنازة: أي بالكسر: الميت ويفتح، أو بالكسر: الميت، وبالفتح السرير أو عكسه، أو بالكسر: السرير مع الميت اه.
تأمل.
قوله: (وقيل عدمية) لانه قطع مواد الحياة عن الحي والمقابلة عليه من مقابلة العدم والملكة، وعلى الاول من مقابلة التضاد.
أفاده ط.
وقوله تعالى: * (خلق الموت والحياة) * (الملك: 2) ليس صريحا في الاول لان الخلق يكون بمعنى الايجاد وبمعنى التقدير والاعدام مقدرة، فلذا ذهب أكثر المحققين إلى الثاني كما نقله في شرح العقائد.
قوله: (يوجه المحتضر) بالبناء للمفعول فيهما: أي يوجه وجه من حضره الموت أو ملائكته، والمراد من قرب موته.
قوله: (وعلامته الخ) أي علامة الاحتضار كما في الفتح، وزاد على ما هنا: أن تمتد جلدة خصيته لانشمار الخصيتين بالموت.
قوله (القبلة) نصب على الظرفية لانها بمعنى الجهة.
قوله: (وجاز الاستلقاء) اختاره مشايخنا بما وراء النهر لانه
أيسر لخروج الروح.
وتعقبه في الفتح وغيره بأنه لا يعرف إلا نقلا، والله أعلم بالايسر منهما، ولكنه أيسر لتغميضه وشد لحييه وأمنع من تقوس أعضائه.
بحر.
قوله: (ليتوجه للقبلة) عبارة الفتح: ليصير وجهه إلى القبلة دون السماء.
قوله: (ترك على حاله) أي ولو لم يكن مستلقيا أو متوجها.
قوله: (والمرحوم لا يوجه) لينظر وجهه، وهل يقال كذلك فيمن أريد قتله لحد أو قصاص؟ لم أره.
مطلب في تلقين المحتضر الشهادة قوله: (ويلقن الخ) لقوله (ص): لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه ليس مسلم يقولها عند الموت إلا أنجته من النار ولقوله عليه الصلاة والسلام: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة كذا في البرهان: أي دخلها مع الفائزين، وإلا فكل مسلم ولو فاسقا يدخلها ولو بعد طول عذاب.
إمداد.
قوله: (وقيل وجوبا) في القنية، وكذا في النهاية عن شرح الطحاوي: الواجب على إخوانه وأصدقائه أن يلقنوه اه.
قال في النهر: لكنه تجوز لما في الدراية من أنه مستحب بالاجماع اه.
فتنبه.
قوله: (بذكر الشهادتين) قال في الامداد: وإنما اقتصرت على ذكر الشهادة تبعا للحديث الصحيح، وإن قال في المستصفى وغيره: ولقن الشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتعليله في الدرر بأن الاولى لا تقبل بدون الثانية ليس على إطلاقه، لان ذلك في غير المؤمن، ولهذا قال ابن حجر من الشافعية: وقول جمع: يلقن محمد رسول الله أيضا القصد موته على الاسلام ولا يسمى مسلما إلا بهما، مردود بأنه مسلم، وإنما المراد ختم كلامه بلا إله إلا الله ليحصل له ذلك الثواب، أما الكافر(2/205)
فيلقنهما قطعا مع لفظ أشهد لوجوبه إذ لا يصير مسلما إلا بهما اه.
قلت: وقد يشير إليه تعبير الهداية والوقاية والنقاية والكنز بتلقين الشهادة، وفي التاترخانية كان أبو حفص الحداد يلقن المريض بقوله: أستغفر الله الذي لا إله هو الحي القيوم وأتوب إليه، وكان يقول فيها معان: أحدها توبة، والثاني توحيد، والثالث أن المريض ربما يفزع لان الملقن رأى فيه علامات الموت، ولعل أقرباء الميت يتأذون به.
قوله: (عنده) متعلق بذكر.
قوله: (قبل الغرغرة) لانها تكون قرب كون الروح في الحلقوم، وحينئذ لا يمكن النطق بهما ط.
وفي القاموس: غرغر:
جاد بنفسه عند الموت اه.
قلت: وكأنها مأخوذة من غرغر بالماء إذا أداره في حلقه، فكأنه يدير روحه في حلقه.
مطلب في قبول توبة اليأس قوله: (واختلف في قبول توبة اليأس) بالياء المثناة التحتية ضد الرجاء وقطع الامل من الحياة، أو بالموحدة التحتية، والمراد به الشدة وأهوال الموت، ويحتمل مد الهمزة على أنه اسم فاعل وإسكانها على المصدرية بتقدير مضاف.
قوله: (والمختار الخ) أقول: قال في أواخر البزازية: قيل توبة اليأس مقبولة لا إيمان اليأس، وقيل: لا تقبل كإيمانه، لانه تعالى سوى بين من أخر التوبة إلى حضور الموت من الفسقة والكفا وبين من مات على الكفر في قوله: * (وليست التوبة) * (النساء: 81) الآية، كما في الكشاف والبيضاوي والقرطبي، وفي الكبير للرازي قال المحققون: قرب الموت لا يمنع من قبول التوبة، بل المانع منه مشاهدة الاهوال التي يحصل العلم عندها على سبيل الاضطرار، فهذا كلام الحنفية والمالكية والشافعية من المعتزلة والسنية والاشاعرة أن توبة اليأس لا تقبل كإيمان اليأس بجامع عدم الاختيار، وخروج النفس من البدن، وعدم ركن التوبة، وهو العزم بطريق التصميم على أن لا يعود في المستقبل إلى ما ارتكب، وهذا لا يتحقق في توبة اليأس إن أريد باليأس معاينة أسباب الموت بحيث يعلم قطعا أن الموت يدركه لا محالة كما أخبر لا محالة كما أخبر تعالى عنه بقوله: * (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) * غافر: 58) وقد ذكر في بعض التفاوى أن توبة اليأس مقبولة، فإن أريد باليأس ما ذكرنا يرد عليه ما قلنا، وإن أريد به القرب من الموت فلا كلام فيه، لكن الظاهر أن اليأس زمان معاينة الهول، والمسطور في الفتاوى أن توبة اليأس مقبولة لا إيمانه، لان الكافر أجنبي غير عارف بالله تعالى ويبدأ إيمانا وعرفانا، والفاسق عارف وحاله حال البقاء، والبقاء أسهل، والدليل على قبولهما منه مطلقا إطلاق قوله تعالى: * (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) * اه.
ملخصا.
وظاهر آخر كلامه اختيار التفضيل، وعزاه إلى مذهب الماتريدية الشيخ عبد السلام في شرح منظومه والده اللقاني وقال: وعند الاشاعرة لا تقبل حال الغرغرة توبة ولا غيرها، كما قاله النووي اه.
وانتصر للثاني المنلا علي القاري في شرحه على بدء الامالي بإطلاق قوله عليه الصلاة
والسلام: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أخرجه أبو داود، فإنه يشمل توبة المؤمن والكافر.
واعترض قول بعض الشراح: إن التفصيل مختار أئمة بخارى من الحنفية وجمع من الشافعية كالسبكي والبلقيني بأنه على تقدير صحته يحتاج إلى ظهور حجته اه.(2/206)
والحاصل أن المسألة ظنية، وأما إيمان اليأس فلا يقبل اتفاقا، وسيأتي إن شاء تعالى تمام الكلام عليه في باب الردة.
قوله: (من غير أمره) أي من غير أن يقول له قل، فهو مصدر مضاف إلى مفعوله قوله: (لئلا يضجر) أي ويردها.
قوله: (ويندب قراءة يس) لقوله (ص): اقرؤوا على موتاكم يس صححه ابن حبان وقال: المراد به من حضره الموت.
وروى أبو داود عن مجالد عن الشعبي قال: كانت الانصار إذا حضروا قرؤوا عند الميت سورة البقرة، إلا أن مجالدا مضعف.
حلية.
قوله: (والرعد) هو استحسان بعض المتأخرين لقول جابر: إنها تهون عليه خروج روحه.
إمداد.
مطلب في التلقين بعد الموت قوله: (ولا يلقن بعد تلحيده) ذكر في المعراج أنه ظاهر الرواية، ثم قال: وفي الخبازية والكافي عن الشيخ الزاهد الصفار أن هذا على قول المعتزلة، لان الاحياء بعد الموت عندهم مستحيل، أما عند أهل السنة فالحديث: أي لقنوا موتاك لا إله إلا الله محمول على حقيقته، لان الله تعالى يحييه على ما جاءت به الآثار، وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه أمر بالتلقين بعد الدفن فيقول: يا فلان بن فلان، اذكر دينك الذي كنت عليه من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الجنة حق والنار حق وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأنك رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا، وبمحمد (ص) نبيا، وبالقرآن إماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا اه.
وقد أطال في الفتح في تأييد حمل موتاكم في الحديث على حقيقته مع التوفيق بين الادلة على أن الميت يسمع أو لا، كما سيأتي في باب اليمين في الضرب والقتل من كتاب الايمان، لكن قال في شرح المنية: إن الجمهور على أن المراد منه مجازه، ثم قال: وإنما لا ينهى عن التلقين بعد
الدفن، لانه لا ضرر فيه بل فيه نفع، فإن الميت يستأنس بالذكر على ما ورد في الآثار الخ.
قلت: وما في ط عن الزيلعي لم أره فيه، وإنما الذي فيه قيل يلقن لظاهر ما رويناه، وقيل لا، وقيل لا يؤمر به ولا ينهى عنه اه.
وظاهر استدلاله للاول اختياره، فافهم.
مطلب في سؤال الملكين: هل هو عام لكل أحد أو لا قوله: (ومن لا يسأل الخ) أشار إلى أن سؤال القبر لا يكون لكل أحد، ويخالفه ما في السراج: كل ذي روح من بني آدم يسأل في القبر بإجماع أهل السنة، لكن يلقن الرضيع الملك، وقيل لا، بل يلهمه الله تعالى كما ألهم عيسى في المهد اه.
لكن (حكاية الاجماع) نظر.
فقد ذكر الحافظ ابن عبد البر أن الآثار دلت على أنه لا يكون إلا لمؤمن أو منافق ممن كان منسوبا إلى أهل القبلة بظاهر الشهادة دون الكافر الجاحد، وتعقبه ابن القيم، لكن رد عليه الحافظ السيوطي وقال: ما قاله ابن عبد البر هو الارجح، ولا أقول سواه.
ونقل العلقمي في شرحه على الجامع الصغير أن الراجح أيضا اختصاص السؤال بهذه الامة خلافا لما استظهره ابن القيم، ونقل أيضا عن الحافظ ابن حجر العسقلاني أن الذي يظهر اختصاص السؤال بالمكلف، وقال: وتبعه عليه شيخنا: يعني الحافظ السيوطي.(2/207)
مطلب: ثمانية لا يسألون في قبورهم ثم ذكر أن من لا يسأل ثمانية: الشهيد، والمرابط، والمطعون والميت زمن الطاعون بغيره إذا كان صابرا محتسبا، والصديق، والاطفال، والميت يوم الجمعة أو ليلتها، والقارئ كل ليلة تبارك الملك، وبعضهم ضم إليها السجدة، والقارئ في مرض موته: * (قل هو الله أحد) * (الاخلاص: 1) اه.
وأشار الشارح إلى أنه يزاد الانبياء عليهم الصلاة والسلام، لانهم أولى من الصديقين.
قوله: (والاصح الخ) ذكره ابن الهمام في المسايرة.
قوله: (وتوقف الامام الخ) أي في أنهم يسألون، وفي أنهم في الجنة أو النار، قال ابن الهمام في المساير.
مطلب في أطفال المشركين وقد اختلف في سؤال أطفال المشركين وفي دخولهم الجنة أو النار.
فتردد فيهم أبو حنيفة
وغيره، وقد وردت فيهم أخبار متعارضة، فالسبيل تفويض أمرهم إلى الله تعالى.
وقال محمد بن الحسن: اعلم أن الله لا يعذب أحدا بلا ذنب اه.
وقال تلميذه ابن أبي شريف في شرحه: وقد نقل الامر بالامساك عن الكلام في حكمهم في الآخرة مطلقا عن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير، من رؤوس التابعين وغيرهما، وقد ضعف أبو البركات النسفي رواية التوقف عن أبي حنيفة وقال: الرواية الصحيحة عنه أنهم في المشيئة لظاهر الحديث الصحيح الله أعلم بما كانوا عاملين وقد حكى فيهم الامام النووي ثلاثة مذاهب، الاول أنهم في النار.
الثاني: التوقف.
الثالث: الذي صححه أنهم في الجنة لحديث كل مولود يولد على الفطرة ويميل إليه ما مر عن محمد بن الحسن، وفيه أقوال أخر ضعيفة اه.
قوله: (وتمامه في النهر) حيث قال: ويكره تمني الموت لضرر نزل به للنهي عن ذلك، فإن كان ولا بد فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي كذا في السراج اه.
قوله: (وسيجئ في الحظر) أي في كتاب الحظر والاباحة ويعبر عنه بكتاب الكراهة والاستحسان، وسقط من أغلب النسخ لفظ في الحظر.
قوله: (ولذا اختار الخ) أي لكونه في حال زوال عقله يغتفر ما يصدر منه، اختار بعضهم زوال عقله في ذلك الوقت مخافة أن يتكلم بذلك قصدا من ألم الموت ومن أن يدخل عليه الشيطان، فإن ذلك الوقت وقت عروضه له.
قوله: (ذكره الكمال) وقال أيضا: وبعضهم اختاروا قيامه في حال الموت.
والعبد الضعيف مؤلف هذه الكلمات فوض أمره إلى الرب الغني الكريم، متوكلا عليه طالبا منه جلت عظمته أن يرحم عظيم فاقتي بالموت على الايمان والايقان - ومن يتوكل على الله فهو حسبه - ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اه.
وإني العبد الذليل أقول مثل قوله مستعينا بقوة الله تعالى وحوله.
قوله: (لحياه) تثنية لحي بفتح اللام بهما، وهو منبت اللحية أو العظم الذي عليه الاسنان.
بحر.
قوله: (تحسينا له) إذا لو(2/208)
ترك فظع منظره، ولئلا يدخل فاه الهوام والماء عند غسله.
إمداد.
قوله: (ثم تمد أعضاؤه) أي لئلا يبقى مقوسا كما في شرح المنية وفي الامداد، وتلمفاصله وأصابعه بأن يرد ساعده لعضده وساقه لفخذه وفخذه لبطنه، ويردها ملينة ليسهل غسله وإدراجه في الكفن.
قوله: (ويوضع الخ) يخالف ما
مر من أن توجيهه على يمينه هو السنة، لان هذا الوضع لا يكون إلا مع الاستلقاء، إلا أن يقال: إن ذاك عند الاحتضار إلى خروج الروح، وهذا بعده.
قوله: (لئلا ينتفخ) لان الحديد يدفع النفخ لسر فيه، وإن لم يوجد فيوضع شئ ثقيل.
إمداد.
قوله: (ويخرج من عنده الخ) في النهر: وينبغي إخراج الحائض الخ، وفي نور الايضاح: واختلف في إخراج الحائض.
قوله: (ويعلم به جيرانه الخ) قال في النهاية: فإن كان عالما أو زاهدا أو ممن يتبرك به، فقد استحسن بعض المتأخرين النداء في الاسواق لجنازته، وهو الاصح اه.
ولكن لا يكون على جهة التفخيم، وتمامه في الامداد.
قوله: (ويسرع في جهازه) لما رواه أبو داود عنه (ص) لما عاد طلحة بن البراء وانصرف قال: ما أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت، فإذا مات فآذنوني حتى أصلي عليه، وعجلوا به فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله والصارف عن وجوب التعجيل الاحتياط للروح الشريفة فإنه يحتمل الاغماء.
وقد قال الاطباء: إن كثيرين ممن يموتون بالسكتة ظاهرا يدفنون أحياء، لان يعسر إدراك الموت الحقيقي بها إلا على أفاضل الاطباء، فيتعين التأخير فيها إلى ظهور اليقين بنحو التغير.
إمداد، وفي الجوهرة: وإن مات فجأة ترك حتى يتيقن بموته.
مطلب في القراءة عند الميت قوله: (ويقرأ عنده القرآن الخ) في بعض النسخ ولا يقرأ ب لا والصواب إسقاطها لاني لم أرها في نسختين من القهستاني ولا في النتف ولا في البحر، نعم بذكرها لا يبقى مخالفة بين ما في النتف وما في الزيلعي ولا يحتاج إلى تفسير صاحب البحر برفع الروح، فافهم، والانسب ذكر هذا البحث عند قول المصنف الآتي تريبا: وكره قراءة قرآن عنده قوله: (قلت الخ) أقول: راجعت النتف فرأيت فيها كما نقله القهستاني فالظاهر أن قوله: إلى الغسل سقط من نسحة صاحب البحر، وتبعه الشارح بلا مراجعة لعبارة النتف، نعم في شرح درر البحار: وقرئ عنده القرآن إلى أن يرفع اه.
ومثله في المعراج عن المنتقى، لكن قال عقبه: وأصحابنا كرهوا القراءة بعد موته حتى يغسل، فأفاد حمل ما في المنتقى على ما قبل الموت أن المراد بالرفع رفع الروح، والله أعلم.
قوله: (قيل نجاسة خبث) لان الآدمي حيوان دموي فيتنجس بالموت كسائر الحيوانات، وهو قول عامة
المشايخ، وهو الاظهر.
بدائع، وصححه في الكافي.
قلت: ويؤيده إطلاق محمد نجاسة غسالته، وكذا قولهم: لو وقع في بئر قبل غسله نجسها،(2/209)
وكذا لو حمل ميتا قبل غسله وصلى به لتصح صلاته، وعليه فإنما يطهر بالغسل كق كرامة للمسلم، ولذا لو كان كافرا نجس البئر ولو بعد غسله كما قدمنا ذلك كله في الطهارة.
قوله: (وقيل حدث) يؤيده ما ذكره في البحر من كتاب الطهارة أن الاصح كون غسالته مستعملة، وأن محمدا أطلق نجاستها لانها لا تخلو من النجاسة غالبا.
قلت: لكن ينافيه ما مر من الفروع، إلا أن يقال ببنائها على قول العامة.
قال في فتح القدير: وقد روي في حديث أبي هريرة: سبحان الله إن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا فإن صحت وجب ترجيح أنه للحدث اه.
وقال في الحلية: وقد أخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): لا تنجسوا موتاكم، فإن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، فيترجح القول بأنه حدث اه.
قلت: ويظهر لي إمكان الجواب بأن المراد بنفي النجاسة عن المسلم في الحديث النجاسة الدائمة، فيكون احترازا عن الكافر فإن نجاسته دائمة لا تزول بغسله.
ويؤيد ذلك أنه لو كان المراد نفي النجاسة مطلقا لزم أنه لو أصابته نجاسة خارجية لا ينجس مع أنه خلاف الواقع فتعين ما قلنا، وحينئذ فليس في الحديث دلالة على أن المراد بنجاسته نجاسة حدث، فتأمل ذلك بإنصاف.
قوله: (كقراءة المحدث) فإنه إذا جاز للمحدث حدثا أصغر القراءة فجوازها عند الميت المحدث بالاولى، لكن كان المناسب أن يقول: كالقراءة عند الجنب، لان حدث الموت موجب للغسل، فهو أشبه بالجنابة وإن لم يكن جنابة، بدليل أنهم ذكروا أن حدثه بسبب استرخاء المفاصل وزوال العقل قبل الموت فكان ينبغي اقتصاره على أعضاء الوضوء، لكن القياس في حدث الحي غسل جميع البدن، واقتصر على الاعضاء للحرج لتكرره كل يوم، بخلاف الجنابة، والموت شبيه بالجنابة في أنه لا
يتكرر فأخذوا بالقياس فيه لانه لا يتكرر، فلا حرج في غسل جميع البدن.
تنبيه: الحاصل أن الموت إن كان حدثا فكراهة في القراءة عنده، وإن كان نجسا كرهت.
وعلى الاول يحمل ما في النتف، وعلى الثاني ما في الزيلعي وغيره.
وذكر ط أن محل الكراهة إذا كان قريبا منه، أما إذا بعد عنه بالقراءة فلا كراهة اه.
قلت: والظاهر أن هذا أيضا إذا لم يكن الميت مسجى بثوب يستر جميع بدنه، لانه لو صلى فوق نجاسة على حائل من ثوب أو حصير لا يكره فيما يظهر، فكذا أذا قرأ عند نجاسة مستورة، وكذا ينبغي تقييد الكراهة بما إذا قرأ جهرا.
قال في الخانية: وتكره قراءة القرآن في موضع النجاسة كالمغتسل والمخرج والمسلخ وما أشبه ذلك، وأما في الحمام فإن لم يكن فيه أحد مكشوف العورة وكان الحمام طاهرا لا بأس بأن يرفع صوته بالقراء، وإن لم يكن كذلك: فإن قرأ في نفسه ولا يرفع صوته فلا بأس به، ولا بأس بالتسبيح والتهليل وإن رفع صوته اه.
وفي القنية: لا بأس بالقراءة راكبا أو ماشيا إذا لم يكن ذلك الموضع معدا للنجاسة، فإن كان يكره اه.
وفيها لا بأس بالصلاة حذاء البالوعة إذا لم تكن بقربه اه.
فتحصل من هذا أن الموضع إن كان معدا للنجاسة كالمخرج والمسلخ كرهت القراءة مطلقا،(2/210)
وإلا فإن لم يكن هناك نجاسة ولا أحد مكشوف العورة فلا كراهة مطلقا، وإن كان فإنه يكره رفع الصوت فقط إن كانت النجاسة قريبة، فتأمل.
قوله: (كما مات) هذه الكاف الداخلة على ما تسمى كاف المبادرة مثل سلم كما تدخل كما في المغني: أي أنه يوضع على السرير عقب تيقن موته، وقيده القدوري بما إذا أرادوا غسله، والاول أشبه في الزيلعي.
قوله: (في الاصح) وقيل يوضع إلى القبلة طولا، وقيل عرضا كما في القبر.
أفاده في البحر.
قوله: (مجمر) أي مبخر، وفي إشارة إلى أن السرير يجمر قبل وضعه عليه تعظيما وإزالة للرائحة الكريهة منه.
نهر.
قوله: (إلى سبع فقط) أي بأن تدار المجمرة حول السرير مرة أو ثلاثا أو خمسا أو سبعا، ولا يزاد عليها كما في الفتح والكافي والنهاية، وفي التبيين: لا يزاد على خمسة.
قوله: (ككفنه) فإنه يجمر وترا أيضا ط.
قوله: (وعند
موته) أفاده بقوله سابقا ويحضر عنده الطيب ط.
قوله: (فهي ثلاث الخ) قال في الفتح: وجميع ما يجمر فيه الميت ثلاث: عند خروج روحه لازالة الرائحة الكريهة، وعند غسله، وعند تكفينه، ولا يجمر خلفه ولا في القبر، لما روي: لا تتبعوا الجنازة بصوت ولا نار اه.
قوله: (عبارة الزيلعي الخ) أشار بنقل العبارتين إلى أن قول المصنف إلى تمام غسله غير قيد لانه يطهر بغسله مرة فلا يتوقف على التمام، فافهم.
قوله: (وتستر عورته الغليظة فقط) أي القبل والدبر، وعللوه بأنه أيسر، وببطلان الشهوة، والظاهر أنه بيان للواجب بمعنى أنه لا يأثم بذلك لا لكون المطلوب الاقتصار على ذلك.
تأمل.
قوله: (صححه الزيلعي وغيره) والاول صححه في الهداية وغيرها، لكن قال في شرح المنية: إن الثاني هو المأخوذ به لقوله عليه الصلاة والسلام لعلي: لا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت لان ما كان عورة لا يسقط بالموت ولذا لا يجوز مسه، حتى لو ماتت بين رجال أجانب يممها رجل بخرقة ولا يمسها الخ.
وفي الشرنبلالية: وهذا شامل للمرأة والرجل، لان عورة المرأة كالرجل للرجل.
قوله: (مثلها) ليس بقيد، فالمراد ما يمنع المس ط.
قوله: (لحرمة اللمس كالنظر) يفيد هذا التعليل أن الصغير الذي لا عورة له لا يضر عدم ستره ط.
قوله: (ويجرد من ثيابه) ليمكنهم التنظيف، لان المقصود من الغسل هو التطهير والتطهير لا يحصل مع ثيابه، لان الثوب متى تنجس بالغسالة تنجس به بدنه ثانيا بنجاسة الثوب فلا يفيد الغسل، فيجب التجريد، كذا في العناية، وظاهره أن الوجوب على ظاهره.
قوله: (كما مات) لان الثياب تحمى عليه فيسرع إليه التغير.
بحر.
قوله: (من خواصه) لما روى أبو داود: أنهم قالوا نجرده كما نجرد موتانا أم نغسله في ثيابه؟ فسمعوا من ناحية البيت: اغسلوا رسول الله (ص) وعليه ثيابه قال ابن عبد البر: روي ذلك عن عائشة من وجه صحيح، فدل هذا أن عادتهم كانت تجريد موتاهم للغسل في زمنه ص).
شرح المنية.
زاد في المعراج: وغسله (ص) ليس للتطهير، لانه (ص) كان طاهرا حيا وميتا.
قوله: (ويوضأ من يؤمر بالصلاة) خرج الصبي الذي لم يعقل لانه لم يكن بحيث يصلي.
قاله الحلواني.
وهذا التوجيه ليس بقوي إذ(2/211)
يقال إن هذا الوضوء سنة الغسل المفروض للميت لا تعلق لكون الميت بحيث يصلي أو لا كما
في المجنون.
شرح المنية.
ومقتضاه أنه لا كلام في أن المجنون يوضأ، وأن الصبي الذي لا يعقل الصلاة يوضأ أيضا على خلاف ما يقتضيه توجيه الحلواني من أنهما لا يوضئان.
قوله: (للحرج) إذ لا يمكن إخراج الماء أو يعسر فيتركان.
زيلعي.
قوله: (بخرقة) أي يجعلها الغاسل في أصبعه يمسح بها أسنانه ولهاته ولثته ويدخلها منخره أيضا.
بحر.
قوله: (وعليه العمل اليوم) قائله شمس الائمة الحلواني كما في الامداد عن التاترخانية.
قوله: (ولو كان جنبا الخ) نقل أبو السعود عن سرح الكنز للشلبي أن ما ذكره الخلخالي: أي في شرح القدوري من أن الجنب يمضمض ويستنشق غريب مخالف لعامة الكتب اه.
قلت: وقال الرملي أيضا في حاشية البحر: إطلاق المتون والشروح والفتاوى يشمل من مات جنبا، ولم أر من صرح به لكن الاطلاق يدخله والعلة تقتضيه اه.
وما نقله أبو السعود عن الزيلعي من قوله: بلا مضمضة واستنشاق ولو جنبا، صريح في ذلك، لكني لم أره في الزيلعي.
قوله: (اتفاقا) لم أجده في الامداد ولا في شرح المقدسي.
قوله: (ويبدأ بوجهه) أي لا يغسل يديه أولا إلى الرسغين كالجنب، لان الجنب يغسل نفسه بيديه فيحتاج إلى تنظيفهما أولا والميت يغسل بيد الغاسل.
قوله: (ويمسح رأسه) أي في الوضوء وهو ظاهر الرواية كالجنب.
بحر.
تنبيه: لم يذكر الاستنجاء للاختلاف فيه.
فعندهما يستنجي وعند أبي يوسف لا.
وصورته أن يلف الغاسل على يديه خرقة ويغسل السوأة، لان مسها حرام كالنظر.
جوهرة.
قوله: (مغلي) بضم الميم اسم مفعول من الاغلاء لا من الغلي والغليان لانه لازم، واسم المفعول إنما ينبى من المتعدي ح، وإنما طلب تسخينه مبالغة في التنظيف.
قوله: (ورق النبق) بفتح النون وكسرها وبسكون الباء الموحدة وككتف كما يعلم من القاموس.
وفي التذكرة: السدر شجر معروف، وثمره هو النبق، وسحيق ورقه يلحم الجراح ويقلع الاوساخ وينقي البشرة وينعمها ويشد الشعر.
ومن خواصه أنه يطرد الهوام ويشد العصب ويمنع الميت من البلاء اه.
وفي القاموس أيضا: النبق: حمل السدر، وبه علم أن السدر هو الشجر والنبق الثمر، فإضافة الورق إلى النبق لادنى ملابسة، وتفسير السدر بالورق بيان للمراد منه، فالاحسن في التعبير قول المعراج: السدر شجرة النبق، والمراد ورقه اه.
قوله: (فسكون) في الشرنبلالية: أنه يجوز في الراء السكون والضم كما في الصحاح.
قوله: (الاشنان) بضم الهمزة وكسرها كما في القاموس، وقيده الكمال وغيره بغير المطحون.
قوله: (وإلا فما خالص مغلي) أي إغلاء وسطا لان الميت يتأذى بما يتأذى به الحي ط.
وأفاد كلامه أن الحار أفضل سواء كان عليه وسخ أو لا.
نهر.
قوله: (بالخطمي) في المصباح أنه مشدد الياء وكسر الخاء أكثر.
من الفتح.
قوله: (نبت بالعراق) طيب الرائحة يعمل على الصابون.
نهر.
قوله: (هذا الخ) الاشارة إلى قوله ويغسل رأسه ولحيته بالخطمي الخ.
قوله: (ويضجع الخ) هذا أول الغسل(2/212)
المرتب، وأما قوله: وصب عليه ماء مغلي الخ وقوله: وإلا فالقراح وقوله: وغسل رأسه بالخطمي يفعل قبل الترتيب الآتي.
وعبارة الشرنبلالية: ويفعل هذا قبل الترتيب الآتي ليبتل ما عليه من الدرن اه ط.
قلت: لكن صريح البحر والنهر وغيرهما أن قوله: وصب عليه ماء مغلي الخ ليس خارجا عن هذه الغسلات الثلاث الآتية، بل هو إجمال لبيان كيفية الماء: أي لبيان الماء: أي لبيان الماء الذي يغسل به، وهو كونه مغلي بسدر لا باردا ولا قراحا، وكذا قال في الفتح: وإذا فرغ من الوضوء غسل رأسه ولحيته بالخطمي ثم يضجعه الخ، ومثله في الجوهرة.
نعم اختلفوا في شئ وهو أنه في الهداية لم يفصل في الغسلات بين القراح وغيره، وهو ظاهر كلام الحاكم، وذكر شيخ الاسلام أن الاولى بالقراح: أي الماء الخالص، والثانية بالمغلي فيه سدر، والثالث بالذي فيه كافور.
قال في الفتح: والاولى كون الاوليين بالسدر كما هو ظاهر الهداية لما في أبي داود بسند صحيح أن أم عطية تغسل بالسدر مرتين والثالث بالماء والكافور.
قوله: (إلى ما يلي التخت منه) بالخاء المعجمة: أي السرير ومنه بيان لما والمراد به الجانب الاسفل، وكأنه لم يصرح به لئلا يتوهم أن المراد به جانب الرجلين، وجوز العيني التحت بالحاء المهملة، ولا يظهر من جهة المعنى والاعراب كما لا يخفى.
قوله: (كذلك) بأن يغسله إلى أن يصل الماء إلى ما يلي التخت منه وهو الجانب الايسر، وهذه غسلة ثانية كما في الفتح والبحر.
وأفاد أنه لا يكب على وجهه ليغسل ظهره كما في شرح المنية عن غاية السروجي.
قوله: (رفيقا) أي مسحا
برفق.
قوله: (وما خرج منه يغسله) أي تنظفيا له.
بحر.
قال الرملي: أي لا شرطا، حتى لو صلى عليه من غير غسله جاز، وهذا مما لا يتوقف فيه اه.
وفي الاحكام عن المحيط: يمسح ما سال ويكفن.
وفي كتاب الصلاة للحسن: إذا سال قبل أن يكفن غسل وبعده لا اه قلت: وسيأتي تمامه في بحث الصلاة عليه.
قوله: (ليحصل المسنون) وهو تثليث الغسلات المستوعبات جسده.
إمداد.
قوله: (لما مر) أي من قوله ليحصل السمنون ط.
قوله: (وإن زاد) أي عند الحاجة، لكن ينبغي أن يكون وترا.
ذكره في شرح مختصر الكرخي شرح المنية.
قوله: (قوله جاز) أي صح وكره بلا حاجة لانه إسراف أو تقتير.
قوله: (ولا يعاد غسله) بضم الغين، قيل وبالفتح أيضا، وقيل إن أضيف إلى المغسول: أي كالثوب مثلا.
فتح.
وإلى غيره ضم.
نهر.
قوله: (لبقائه بالموت) أي لان الموت حدث كالخارج، فلما لم يؤثر الموت في الوضوء وهو موجود لم(2/213)
يؤثر الخارج.
بحر.
ولانه خرج عن التكليف بنقض الطهارة.
شرح المنية.
قوله: (بل لتنجسه بالموت) قدمنا الكلام فيه قريبا.
قوله: (وقد حصل) أي الغسل، وبطرو النجاسة بعده لا يعاد بل يغسل موضعها.
قوله: (وينشف في ثوب) أي كي لا تبتل أكفانه وهو طاهر كالمنديل الذي يمسح به الحي.
بحر قوله: (ندبا) راجع إلى قوله: ويجعل والاولى ذكره بلصقه ط.
قوله: (على مساجده) مواضع سجوده جمع مسجد بالفتح لا غيره وهو الجبهة والانف واليدان والركبتان والقدمان.
فتح.
وسواء فيه المحرم وغيره فيطيب ويغطي رأسه.
إمداد عن التاترخانية.
قوله: (كرامة لها) فإنه كان يسجد بهذه الاعضاء فتختص بزيادة كرامة وصيانة لها عن سرعة الفساد.
درر.
قوله: (أي يكره تحريما) لما في القنية من أن التنزيين بعد موتها والامتشاط وقطع الشعر لا يجوز.
نهر، فلو قطع ظفره أو شعره أدرج معه في الكفن.
قهستاني عن العتابي.
قوله: (ولا بأس الخ) كذا في الزيلعي، وأشار إلى أن تركه أولى.
قال في الفتح: وليس في الغسل استعمال القطن في الرويات الظاهرة.
وعن أبي حنيفة أنه يجعل في منخريه وفمه، وقال بعضهم: في صماخه أيضا، وقال بعضهم: في دبره أيضا.
قال في الظهيرية: واستقبحه عامة العلماء اه.
لكن في الحلية أنه منقول عن الشافعي وأبي حنيفة
فإطلاق أنه قبيح ليس بصحيح اه.
قوله: (ويمنع زوجها الخ) أشار إلى ما في البحر من أن من شرط الغاسل أن يحل له النظر إلى المغسول فلا يغسل الرجل المرأة وبالعكس اه.
وسيأتي ما إذا ماتت المرأة بين رجال أو بالعكس، والظاهر أن هذا شرط لوجوب الغسل أو لجوازه لا لصحته.
قوله: (لا من النظر إليهما على الاصح) عزاه في المنح إلى القنية، ونقل عن الخانية أنه إذا كان للمحرم يممها بيده، وأما الاجنبي فبخرقة على يده ويغض بصره عن ذراعها، وكذا الرجل في امرأته إلا في غض البصر اه.
ولعل وجهه أن النظر أخف من المس فجاز لشبهة الاختلاف، والله أعلم.
قوله: (قلنا الخ) قال في شرح المجمع لمصنفه فاطمة رضي الله تعالى عنها غسلتها أم أيمن حاضنته (ص) ورضي عنها فتحمل رواية الغسل لعلي رضي الله تعالى عنه، على معنى التهيئة والقيام التام بأسبابه، ولئن ثبتت الرواية فهو مختص به، ألا ترى أن ابن مسعود رضي الله عنه لما اعترض عليه بذلك أجابه بقوله: أما علمت أن رسول الله (ص) قال: إن فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة فادعاؤه الخصوصية دليل على أن المذهب عندهم عدم الجواز اه.
مطلب: في حديث كل سبب ونسب منقطع إلا سببي ونسبي(2/214)
قلت: ويدل على الخصوصية أيضا الحديث الذي ذكره الشارح، وفسر بعضهم السبب فيه بالاسلام والتقوى، والنسب بالانتساب ولو بالمصاهرة والرضاع، ويظهر لي أن الاولى كون المراد بالسبب القرابة السببية كالزوجية والمصاهرة، وبالنسب القرابة النسبية، لان سببية الاسلام والتقوى لا تنقطع عن أحد فبقيت الخصوصية في سببه ونسبه (ص) ولهذا قال عمر رضي الله تعالى عنه: فتزوجت أم كلثوم بنت علي لذلك.
وأما قوله تعالى: * (فلا أنساب بيهم) * (المؤمنون: 101) فهو مخصوص بغير نسبه (ص) النافع في الدنيا والآخرة، وأما حديث: لا أغني عنكم من الله شيئا أي أنه لا يملك ذلك إلا أن ملكه الله تعالى فإنه ينفع الاجانب بشفاعته لهم بإذن الله تعالى، فكذا الاقارب، وتمام الكلام على ذلك في رسالتنا العلم الظاهر في نفع النسب الطاهر.
قوله: (وهي لا تمنع من ذلك) أي من تغسيل زوجها دخل بها أو لا
كما في المعراج، ومثله في البحر عن المجتبى.
قلت، أي لانها تلزمها عدة الوفاة ولو لم يدخل بها، وفي البدائع: المرأة تغسل زوجها، لان إباحة الغسل مستفادة بالنكاح، فتبقى ما بقي النكاح، والنكاح بعد الموت باق إلى أن تنقضي العدة، بخلاف ما إذا ماتت فلا يغسلها لانتهاء ملك النكاح لعدم المحل فصار أجنبيا، وهذا إذا لم تثبت البينونة بينهما في حال حياة الزوج، فإن ثبتت بأن طلقها بائنا أو ثلاثا ثم مات لا تغسله لارتفاع الملك بالابانة الخ.
قوله: (ولو ذمية) الاولى ولو كتابية للاحتراز عن المجوسية إذا أسلم زوجها فمات لا تغسله كما في البحر إلا إذا أسلمت كما يأتي.
قوله: (بشرط بقاء الزوجية) أي إلى وقت الغسل ويأتي محترزه.
قوله: (فلا يغسلونه) تبع في النهر، والصواب: يغسلنه ط، وهو كذلك في بعض النسخ، ووجه ذلك أن أم الولد لا يبقى فيها الملك ببقاء العدة لان الملك فيها ملك يمين، وهي تعتق بموته والحرية تنافي ملك اليمين، بخلاف المنكوحة المعتدة فإن حريتها لا تنافي ملك النكاح حال الحياة، وأما المدبرة فلانها تعتق ولا عدة عليها فلا تغسله بالاولى، وكذا الامة لانها زالت عن ملكه بالموت إلى الورثة، ولا يباح لامة الغير مس عورته.
بدائع ملخصا.
وأما المكاتبة فلانها صارت بعقد الكتابة حرة: يدا حالا ورقبة مآلا: أي عند الاداء، ولذا حرم عليه وطؤها في حياته وغرم عقرها كما يأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولا يغسلهن) لان الملك يبطل بموت محله.
قوله: (في الزوجية) لم يظهر وجه في تقدير الشارح الزوجية كما قال ح: وقال ط: صوابه في الزوجة لان الصلاحية للزوجة لا للزوجية اه.
والاحسن التعبير بما في المعراج والبحر وغيرهما، وهو أنه يشترط بقاء الزوجية عند الغسل، وبه يظهر التفريع بما زاده الشارح.
قوله: (لو بانت قبل موته) أي بأي سبب من(2/215)
الاسباب بردتها أو بتمكينها ابنه أو طلاق فإنها لا تغسله وإن كانت في العدة.
فتح: أي لعدم بقاء الزوجية عند الغسل ولا عند الموت.
واحترز عما لو طلقها رجعيا ثم مات في عدتها فإنها تغسله لانه لا يزيل ملك النكاح.
بدائع.
قوله: (بعده) أي بعد موته.
قوله: (لزوال النكاح) لان النكاح كان قائما بعد الموت فارتفع بالردة وبالمس بشهوة الموجب تحريم الممسوسة على أصول الماس وفروعه، ولو كان المعتبر بقاء الزوجية حالة الموت كما قال به زفر لجاز لها تغسيله.
قوله: (وجاز لها الخ) الاولى
في حل التركيب أن يقول: وجاز لامرأة المجوسي تغسيله لو أسلم الخ ح.
قوله: (اعتبارا بحالة الحياة) فإنه لو أسلمت بعده وكان حيا يبقى النكاح ويحل المس، فكذا إذا أسلمت بعد موته.
قوله: (ولو بلا رأس) وكذا يغسل لو وجد النصف مع الرأس.
بحر.
قوله: (لتعينه عليه) أي لانه صار واجبا عليه عينا، ولا يجوز أخذ الاجرة على الطاعة كالمعصية، وفيه أن أخذ الاجرة على الطاعة لا يجوز مطلقا عند المتقدمين، وأجازه المتأخرون على تعليم القرآن والاذان والامامة للضرورة، كما بين في محله، ومقتضاه عدم الجواز هنا وإن وجد غيره لانه طاعة تعين أو لا، ولا يختص عدم الجواز بالواجب نعم الاستئجار على الواجب غير جائز اتفاقا كما صرح به القهستاني في الاجارات، وعبارة الفتح ولا يجوز الاستئجار على غسل الميت، ويجوز على الحمل والدفن، وأجازه بعضهم في الغسل أيضا اه، فليتأمل.
قوله: (ولذا) أي لكون النية ليست شرطا لصحة الطهارة بل شرط لاسقاط الفرض عن المكلفين.
قوله: (فلا بد) أي في تحصيل الغسل المسنون، وإلا فالشرط مرة، وكأنه يشير ب لا بد إلى أنه بوجوده في الماء لم يسقط غسله المسنون فضلا عن الشرط.
تأمل.
قوله: (وتعليله) أي تعليل الفتح بقوله: لانا أمرنا الخ أي ولم يقل في التعليل لانه لم يطهر ط.
تنبيه: اعلم أن حاصل الكلام في المقام أنه قال في التجنيس: ولا بد من النية في غسله في الظاهر.
وفي الخانية إذا جرى الماء على الميت أو أصابه المطر: عن أبي يوسف أنه لا ينوب عن الغسل لانا أمرنا بالغسل، وذلك ليس بغسل، وفي النهاية والكفاية وغيرهما أنه لا بد منه، إلا أن يحركه بنية الغسل.
وقال في العناية: وفيه نظر لان الماء مزيل بطبعه، وكما لا تجب النية في غسل الحي فكذا الميت، ولذا قال في الخانية: ميت غسله أهله من غير نية الغسل أجزأهم ذلك اه.(2/216)
وصرح في التجريد والاسبيجابي والمفتاح بعد اشتراطها أيضا، ووفق في فتح القدير بقوله: الظاهر اشتراطها فيه لاسقاطها وجوبه عن المكلف لا لتحصيل طهارته هو وشرط صحة الصلاة عليه اه.
وبحث فيه شارح المنية بأن ما مر عن أبي يوسف يفيد أن الفرض فعل الغسل منا، حتى لو
غسله لتعليم الغير كفى، وليس فيه ما يفيد اشتراط النية لاسقاط الوجوب بحيث يستحق العقاب بتركها.
وقد تقرر في الاصول أن ما وجب لغيره من الافعال الحسية يشترط وجوده لا إيجاده كالسعي والطهارة، نعم لا ينال ثواب العبادة بدونها ه.
وأقره الباقاني وأيده بما في المحيط: لو وجد الميت في الماء لا بد من غسله، لان الخطاب يتوجه إلى بني آدم ولم يوجد منهم فعل اه.
فتلخص: أنه لا بد في إسقاط الفرض من الفعل، وأما النية فشرط لتحصيل الثواب ولذا صح تغسيل الذمية زوجها المسلم مع أن النية شرطها الاسلام فيسقط الفرض عنا بفعلنا بدون نية، وهو المتبادر من قول الخانية: أجزأهم ذلك، بقي قول المحيط: لان الخطاب يتوجه إلى بني آدم ظاهره أنه لا يسقط بفعل الملك.
ويرد عليه قصة حنظلة غسيل الملائكة.
وقد يقال: إن فعلهم ذلك كان بطريق النيابة.
تأمل.
وسيأتي تحقيقه في باب الشهيد.
هذا وقد صرح في أحكام الصغار بأن الصبي إذا غسل الميت جاز اه.
ومثله ما سنذكره عن البدائع أنه لو ماتت امرأة من بين رجال ومعهم صبي غير مشتهى علموه الغسل ليغسلها، وبه علم أن البلوغ غير شرط.
قوله: (وفي الاختيار الخ) استفيد منه أنه شريعة قديمة وأنه يسقط وإن لم يكن الغاسل مكلفا، ولذا لم يعد أولاد أبينا آدم عليه السلام غسله ط.
قوله: (فإن في دارنا الخ) أفاد بذكر التفصيل في المكان بعد انتفاء العلامة أن العلامة مقدمة، وعند فقدها يعتبر المكان في الصحيح لانه يحصل به غلبة الظن كما في النهر عن البدائع.
وفيها أن علامة المسلمون أربعة: الختان، والخضاب، ولبس السواد، وحلق العانة اه.
قلت: في زماننا لبس السواد لم يبق علامة للمسلمين.
قوله: (اعتبر الاكثر) أي في الصلاة بقرينة قوله في الاستواء واختلف في الصلاة عليهم قال في الحلية: فإن كان بالمسلمين علامة فلا إشكال في إجراء أحكام المسلمين عليهم، وإلا فلو المسلمين أكثر صلى عليهم وينوي بالدعاء المسلمين، ولو الكفار أكثر.
ففي شرح مختصر الطحاوي للاسبيجابي: لا يصلى عليهم، لكن يغسلون ويكفنون ويدفنون في مقابر المشركين اه.
قال ط: وكيفية العلم بالاكثر أن يحصى عدد المسلمين ويعلم ما ذهب منهم ويعد الموتى فيظهر الحال.
قوله: (واختلف في الصلاة عليهم) فقيل لا يصلى، لان ترك الصلاة على المسلم مشروع في الجملة كالبغاة وقطاع الطرق، فكان
أولى من الصلاة على الكافر لانها غير مشروعة لقوله تعالى: * ((9) ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) * (التوبة: 48) وقيل يصلى ويقصد المسلمين، لانه إن عجز عن التعيين لا يعجز عن القصد كما في البدائع.
قال في الحلية: فعلى هذا ينبغي أن يصلى عليهم في الحالة الثانية أيضا: أي حالة ما إذا كان الكفار أكثر، لانه حيث قصد المسلمين فقط لم يكن مصليا على الكفار، وإلا لم تجز الصلاة عليهم في(2/217)
الحالة الاولى أيضا مع أن الاتفاق على الجواز، فينبغي الصلاة عليهم في الاحوال الثلاث كما قالت به الائمة الثلاث، وهو أوجه قضاء لحق المسلمين بلا ارتكاب منهي عنه اه ملخصا.
قوله: (ومحل دفنهم) بالجر عطفا على الصلاة، ففيه خلاف أيضا.
قوله: (كدفن ذمية) جعل الاول مشبها بهذا لانه لا رواية فيه عن الامام، بل فيه اختلاف المشايخ قياسا على هذه المسألة، فإنه اختلف فيها الصحابة رضي الله تعالى عنهم على ثلاثة أقوال: فقال بعضهم: تدفن في مقابرنا ترجيحا لجانب الولد، وبعضهم: في مقابر المشركين لان الولد في حكم جزء منها ما دام في بطنها، وقال واثلة بن الاسقع: يتخذ لها مقبرة على حدة.
قال في الحلية، وهذا أحوط، والظاهر كما أفصح به بعضهم أن المسألة مصورة فيما إذا نفخ فيه الروح وإلا دفنت في مقابر المشركين.
قوله: (لان وجه الولد لظهرها) أي والولد مسلم تبعا لابيه فيوجه إلى القبلة بهذه الصفة ط.
قوله: (يممه المحرم الخ) أي يمم الميت الاعم من الذكر والانثى.
وكذا قوله: فالاجنبي أي فالشخص الاجنبي الصادق بذلك، وأفاد أن المحرم لا يحتاج إلى خرقة لانه يجوز له مس أعضاء التميمم، بخلاف الاجنبي، إلا إذا كان الميت أمة لانها كالرجل.
ثم اعلم أن هذا لم يكن مع النساء رجل لا مسلم ولا كافر ولا صبية صغيرة فلو معهن كافر علمنه الغسل، لان نظر الجنس إلى الجنس أخف وإن لم يوافق في الدين، ولو معهن صبية لم تبلغ حد الشهوة وأطاقت غسله علمنها غسله لان حكم العورة غير ثابت في حقها، وكذا في المرأة تموت بين رجال معهم امرأة كافرة أو صبي غير مشتهى كما بسطه في البدائع.
قوله: (ولو مراهقا) المراد به هنا من بلغ حد الشهوة كما يعلم مما بعده.
قوله: (وإلا فكغيره) أي من الصغار والصغائر.
قال في الفتح: الصغير والصغيرة إذا لم يبلغا
حد الشهوة يغسلهما الرجال والنساء، وقدره في الاصل بأن يكون قبل أن يتكلم اه.
قوله: (يمم لفقد ماء الخ) قال في الفتح: ولو لم يوجد ماء فيمم الميت وصلوا عليه ثم وجدوه: غسلوه وصلوا عليه ثانيا عند أبي يوسف، وعنه: يغسل ولا تعاد الصلاة عليه، ولو كفنوه وبقي منه عضو لم يغسل فإنه يغسل ذلك العضو، ولو بقي نحو الاصبع لا يغسل اه.
قوله: (وقيل لا) أي يغسل ولا يصلى عليه كما علمته.
قلت: ولا يظهر الفرق بينه وبين الحي، فإن الحي لو تيمم لفقد الماء وصلى ثم وجده لا يعيد، ثم رأيت في شرح المنية نقلا عن السروجي هذه الرواية موافقة للاصول اه.
وفيه إشعار بترجيحها لما قلنا.
خاتمة: يندب الغسل من غسل الميت، ويكره أن يغسله جنب أو حائض.
إمداد.
والاول كونه أقرب الناس إليه، فإن لم يحسن الغسل فأهل الامانة والورع، وينبغي للغاسل ولمن حضر إذا رأى ما يحب الميت ستره أن يستره ولا يحد إلا به لانه غيبة، وكذا إذا كان عيبا حادثا بالموت كسواد وجه ونحوه ما لم يكن مشهورا ببدعة فلا بأس بذكره تحذيرا من بدعته، وإن رأى من أمارات(2/218)
الخير كوضاءة الوجه والتبسم ونحوه استحب إظهاره لكثرة الترحم عليه والحث على مثل عمله الحسن.
شرح المنية مطلب: في الكفن قوله: (ويسن في الكفن الخ) أصل التكفين فرض كفاية، وكونه على هذا الشكل مسنون.
شرنبلالية.
قوله: (له) أي للرجل.
قوله: (إزار الخ) هو من القرن إلى القدم والقميص من أصل العنق إلى القدمين بلا دخريص وكمين، واللفافة تزيد على ما فوق القرن والقدم ليلف فيها الميت وتربط من الاعلى والاسفل.
إمداد.
(والدخريص: الشق الذي يفعل في قميص الحي ليتسع للمشي).
قوله: (وتكره العمامة الخ) هي الكسر ما يلف على الرأس.
قاموس.
قال ط: وهي محل الخلاف، وأما ما يفعل على الخشبة من العمامة والزينة ببعض حلي فهو من المكروه بلا خلاف لما تقدم أنه
يكره فيه كل ما كان للزينة اه.
قوله: (في الاصح) هو أحد تصحيحين.
قال القهستاني: واستحسن على الصحيح العمامة يعمم يمينا ويذنب ويلف ذنبه على كورة من قبل يمينه، وقيل يذنب على وجهه كما في التمرتاشي، وقيل هذا إذا كان الاشراف، وقيل هذا إذا لم يكن في الورثة صغار وقيل لا يعمم بكل حال كما في المحيط، والاصح أنه تكره العمامة بكل حال كما في الزاهدي اه.
قوله: (ولا بأس بالزيادة على الثلاثة) كذا في النهر عن غاية البيان، ونقل قبله عن المجتبى الكراهة، لكن قال في الحلية عن الذخيرة معزيا إلى عصام: إنه إلى خمسة ليس بمكروه ولا بأس به اه.
ثم قال: ووجه بأن ابن عمر كفن ابنه واقدا في خمسة أثواب: قميص، وعمامة، وثلاث لفائف، وأدار العمامة إلى تحت حنكه.
رواه سعيد بن منصور اه.
قال في البحر بعد نقل الكراهة عن المجتبى: واستثنى في روضة الزندوستي ما إذا وصى بأن يكفن في أربعة أو خمسة فإنه يجوز، بخلاف ما إذا أوصى أن يكفن في ثوبين فإنه يكفن في ثلاثة، ولو أوصى أن يكفن بألف درهم كفن كفنا وسطا اه.
قلت: الظاهر أن الاستثناء الذي في الروضة منقطع، إذ لو كره لم تنفذ وصيته كما لم تنفذ بالاقل.
تأمل.
قوله: (ويحسن الكفن) بأن يكفن بكفن مثله، وهو أن ينظر إلى ثيابه في حياته للجمعة والعيدين، وفي المرأة ما تلبسه لزيارة أبويها، كذا في المعراج.
فقول الحدادي: وتكره المغالاة في الكفن: يعني زيادة على كفن المثل.
نهر.
قوله: (لحديث الخ) وفي صحيح مسلم عنه (ص): إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه وروى أبو داود عنه (ص): لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا وجمع بين الحديثن بأن المراد بتحسينه بياضه ونظافته لا كونه ثمينا.
حلية.
وهو في معنى ما مر عن النهر.
قوله: (ويتفاخرون) المراد به الفرح والسرور حيث وافق السنة والزيارة وإن كانت للروح، لكن للروح نوع تعلق بالجسد.
قوله: (ولها) أي ويسن في الكفن للمرأة.
قوله: (أي قميص) أشار إلى ترادفهما كما قالوا: وقد فرق بينهما بأن شق الدرع إلى الصدر والقميص إلى(2/219)
المنكب.
قهستاني.
قوله: (وخمار) بكسر الخاء: ما تغطي به المرأة رأسها.
قال الشيخ إسماعيل:
ومقداره حالة الموت ثلاثة أذرع بذراع الكرباس، يرسل على وجهها ولا يلف، كذا في الايضاح والعتابي اه.
قوله: (وخرقة) والاولى أن تكون من الثديين إلى الفخذين.
نهر عن الخانية.
قوله: (وكفاية) أي الاقتصار على الثوبين له كفن الكفاية، لان أدنى ما يلبس حال حياته، وكفنه كسوته بعد الوفاة فيعتبر بكسوته في الحياة ولهذا تجوز صلاته فيهما بلا كراهة.
معراج.
وحاصله أن كفن الكفاية هو أدنى ما يكفيه بلا كراهة فهو دون كفن السنة، وهل هو سنة أيضا أو واجب؟ الذي يظهر لي الثاني، ولذا كره الاقل منه كما يذكره الشارح.
وقال في البحر: قالوا ويكره أن يكفن في ثوب واحد حالة الاختيار، لان في حالة حياته تجوز صلاته في ثوب واحد مع الكراهة.
وقالوا: إذا كان بالمال قلة والورثة كثرة فكفن الكفاية أولى وعلى القلب كفن السنة أولى، ومقتضاه أنه لو كان عليه ثلاثة أثوا ب وليس له غيرها وعليه دين أن يباع منها واحد للدين لان الثالث ليس بواجب حتى ترك للورثة عند كثرتهم والدين أولى، مع أنهم صرحوا كما في الخلاصة بأنه لا يباع شئ منها بالدين كما في حالة الحياة إذا أفلس وله ثلاثة أثواب هو لابسها لا ينزع عنه شئ ليباع اه ما في البحر، وهو مأخوذ من الفتح.
وقال في الفتح: ولا يبعد الجواب اه.
وذكر الجواب بعضهم بأن يفرق بين الميت والحي بأن عدم الاخذ من الحي لاحتياجه ولا كذلك الميت اه.
أقول: أنت خبير بأن الاشكال جاء من تصريحهم بعدم الفرق بين الحي والميت، فأنى يصح هذا الجواب؟ نعم يصح على ما قال السيد في شرح السراجية من أنه إذا كان الدين مستغرقا فللغرماء المنع من تكفينه بما زاد على كفن الكفاية.
وقال الشارح: في فراض الدر المنتقى: وهل للغرماء المنع من كفن المثل؟ قولان، والصحيح نعم اه.
ومثله في سكب الانهر، لكن قال أيضا: ألا ترى أنه لو كان للمديون ثياب حسنة في حال حياته ويمكنه الاكتفاء بما دونها يبيعها القاضي ويقضي الدين ويشتري بالباقي ثوبا يلبسه، فكذا في الميت المديون، كذا اختاره الخصاف في أدب القاضي اه.
ثم رأيت مثله في حاشية الرملي عن شرح السراجية المسمى ضوء السراج للكلاباذي.
وحينئذ فلا إشكال ولا جواب، وبه علم أن ما مر عن الخلاصة خلاف الصحيح، وقد يوفق بحمل
ما في الخلاصة في الحي على ما إذا لم يكتف بما دون الثلاثة، وفي الميت على ما إذا لم يمنعهم الغرماء.
قال في شرح قلائد المنظوم: صحح العلامة حيدر في شرحه على السراجية المسمى بالمشكاة بأن للورثة تكفينه بكفن المثل ما لم يمنعهم الغرماء اه.
قلت: والظاهر أن المراد بعدم المنع الرضا بذلك، وإلا فكيف يسوغ للورثة تقديم المسنون على الدين الواجب؟ ثم إن هذا مؤيد لما بحثناه من أن كفن الكفاية واجب، بمعنى أنه لا يجوز أقل منه عند الاختيار.
ثم رأيت في شرح المقدسي قال: وهذا أقل ما يجوز عند الاختيار، والله تعالى أعلم.
قوله: (في الاصح) وقيل قميص ولفافة.
زيلعي.
قال في البحر: وينبغي عدم التخصيص بالازار واللفافة، لان كفن الكفاية معتبر بأدنى ما يلبسه الرجل في حياته من غير كراهة، كما علل به في البدائع اه.
قوله: (ولها ثوبان) لم يعينهما كما الهداية، وفسرهما في الفتح بالقميص واللفافة، وعينهما في الكنز بالازار واللفافة.
قال في البحر: والظاهر كما قدمناه عدم التعيين، بل إما قميص(2/220)
وإزار، أو إزاران.
والثاني أولى لان فيه زيادة في ستر الرأس والعنق.
قوله: (ويكره) أي عند الاختيار.
قوله: (وأقله ما يعم البدن) ظاهره أنه لو لم يوجد له ذلك سألوا الناس له ثوبا يعمه، وأن ما دون ذلك بمنزلة العدم، وإنه لا يسقط به الفرض عن المكلفين وإن كان ساترا للعورة ما لم يعم البدن، لكن لا يخفى أن كفن الضرورة ما لا يصار إليه إلا عند العجز، فلا يناسب تقييده بشئ، ولذا عبر المصنف بما يوجد.
نعم ما يعم البدن هو كفن الفرض كما صرح به في شرح المنية فيسقط به الفرض عن المكلفين لا بقيد كونه عند الضرورة لانها تقدر بقدرها، ولذا لما استشهد مصعب بن عمير رضي الله عنه يوم أحد ولم يكن عنده إلا نمرة: أي كساء مخطط، فكان إذا غطى به رأسه بدت رجلاه وبالعكس، أمر النبي (ص) بتغطية رأسه بها ورجليه بالاذخر إلا أن يقال: إن ما لا يستر البدن لا يكفي عند الضرورة أيضا، بل يجب ستر باقيه بنحو حشيش كالاذخر، ولذا قال الزيلعي بعد سوقه حديث مصعب: وهذا دليل على أن ستر العورة وحدها لا يكفي خلافا الشافعي اه.
تأمل.
قوله: (ويقمص) أي الميت: أي
يلبس القميص بعد تنشيفه بخرقة كما مر.
قوله: (ويلف يساره ثم يمينه) الضميران للازار، وأشار به إلى أن كلا من الازار واللفافة يلف وحده، لانه أمكن في الستر ط.
قوله: (ليكون الايمن على الايسر) اعتبار بحالة الحياة.
إمداد.
قوله: (تحت اللفافة) الاوضح تحت الازار.
قوله: (ثم يفعل كما مر) أي بأن توضع بعد إلباس الدرع والخمار على الازار ويلف يساره الخ.
قال في الفتح: ولم يذكر الخرقة.
وفي شرح الكنز: فوق الاكفان كيلا تنتشر، وعرضها ما بين ثدي المرأة إلى السرة، وقيل ما بين الثدي إلى الركبة، كيلا ينتشر الكفن على الفخذين وقت المشي.
وفي التحفة: تربط الخرقة فوق الاكفان عند الصدر فوق الثديين اه.
وقال في الجوهرة: وقول الخجندي: تربط الخرقة على الثديين فوق الاكفان يحتمل أن يراد به تحت اللفافة وفوق الازار والقميص وهو الظاهر اه.
وفي الاختيار: تلبس القميص ثم الخمار فوقه، ثم تربط الخرقة فوق القميص اه.
ومفاد هذه العبارات الاختلاف في عرضها وفي محل وضعها وفي زمانه.
تأمل.
قوله: (وخنثى مشكل كامرأة فيه) أي فيكفن في خمسة أثواب احتياطا، لانه على احتمال كونه ذكرا فالزيادة لا تضر.
قال في النهر: إلا أنه يجنب الحرير والمعصفر والمزعفر احتياطا.
قوله: (والمحرم كالحلال) أي فيغطي رأسه وتطيب أكفانه، خلافا للشافعي رحمه الله تعالى.
قوله: (والمراهق كالبالغ) الذكر كالذكر والانثى كالانثى ح.
قال في البدائع: لان المراهق في حياته يخرج فيما يخرج فيه البالغ عادة.
فكذا يكفن فيما يكفن فيه.
قوله: (ومن لم يراهق الخ) هذا لو ذكرا.
قال في الزيلعي: وأدنى ما يكفن به الصبي الصغير ثوب واحد، والصبية ثوبان اه.
وقال في البدائع: وإن كان صبيا لم يراهق فإن كفن في خرقتين إزار ورداء فحسن، وإن كفن في إزار واحد جاز، وأما الصغيرة فلا بأس أن تكفن في ثوبين اه.(2/221)
أقول: في قوله فحسن إشارة إلى أنه لو كفن بكفن البالغ يكون أحسن، لما في الحلية عن الخانية والخلاصة: الطفل الذي ليبلغ حد الشهوة الاحسن أن يكفن فيما يكفن فيه البالغ، وإن كفن في ثوب واحد جاز اه.
وفيه إشارة إلى أن المراد بمن لم يراهق من لم يبلغ حد الشهوة.
قوله: (والسقط يلف) أي في خرقة لانه ليس له حرمة كاملة، وكذا من ولد ميتا.
بدائع.
قوله: (ولا
يكفن) أي لا يراعى فيه سنة الكفن، وهل النفي بمعنى النهي أو بمعنى نفي اللزوم؟ الظاهر الثاني، فليتأمل.
قوله: (كالعضو من الميت) أي لو وجد طرف من أطراف إنسان أو نصفه مشقوقا طولا أو عرضا يلف في خرقة إلا إذا كان معه الرأس فيكفن كما في البدائع قال: وكذا الكافر لو له ذو رحم محرم مسلم يغسله ويكفنه في خرقة، لان التكفين على وجه السنة من باب الكراهة اه.
قوله: (منبوش طري) أي بأن وجد منبوشا بلا كفن.
قوله: (لم يتفسخ) قيد به، لانه لو تفسح يكفن في ثوب واحد كما صرح به بعده، والظاهر أنه بيان للمراد من قوله: طري كما تشهد به المقابلة بقوله: وإن تفسخ.
قوله: (كالذي لم يدفن) أي يكفن في ثلاثة أثواب.
قوله: (مرة بعد أخرى) أي لو نبش ثانيا وثالثا أكثر كفن كذلك ما دام طريا من أصل ما له عندنا ولو مديونا، إلا إذا قبض الغرماء التركة فلا يسترد منهم، وإن قسم ماله فعلى كل وارث بقدر نصيبه دون الغرماء وأصحاب الوصايا لانهم أجانب.
سكب الانهر.
قوله: (أحد عشر) المذكور منها متنا خمسة: الرجل، والمرأة، والخنثى، والمنبوش الطري، والمتفسخ.
وذكر في الشرح ستة: المحرم، والمراهق ذكر أو أنثى، ومن لم يراهق كذلك أو السقط، لكن علمت أن المراهقة لم ينص على حكمها، وقدمنا عن البدائع اثنين آخرين وهما: من ولد ميتا، والكافر.
قوله: (ولا بأس الخ) أشار إلى أن خلافه أولى وهو البياض من القطن.
وفي جامع الفتاوى: ويجوز أن يكفن الرجل من الكتان والصوف، لكن الاولى القطن.
وفي التاجية: ويكره الصوف والشعر والجلد.
وفي المحيط وغيره: ويستحب البياض.
إسماعيل.
قوله: (ببرود) جمع برد بالضم من برود العصب.
مغرب.
ثم قال: والعصب من برود اليمن لانه يعصب غزله ثم يصبغ ثم يحاك، وفيه: وأما البردة بالهاء فكساء مربع أسود صغير.
قوله: (وفي النساء) على تقدير مضاف: أي وفي كفن النساء، واحترز عن الرجال لانه يكره لهم ذلك.
قوله: (وأحبه البياض) والجديد والغسيل فيه سواء.
نهر.
قوله: (أو ما كان يصلي فيه) مروي عن ابن المبارك ط.
قوله: (من لا مال له) أما من له مال فكفنه في ماله يقدم على الدين والوصية والارث إلى قدر السنة ما لم يتعلق به حق الغير كالرهن والمبيع قبل القبض والعبد الجاني، بحر وزيلعي.
وقدمنا أن للغرباء منع الورثة من تكفينه بما زاد على كفن الكفاية.
قوله: (على من تجب
عليه نفقته) وكفن العبد على سيده والمرهون على الراهن والمبيع في يد البائع عليه.
بحر.
قوله: (فعلى قدر ميراثهم) كما كانت النفقة واجبة عليهم.
فتح: أي فإنها على قدر الميراث، فلو له أخ لام وأخ شقيق فعلى الاول السدس والباقي على الشقيق.(2/222)
أقول: ومقتضى اعتبار الكفن بالنفقة أنه لو كان له ابن وبنت كان عليهما سوية كالنفقة، إذ لا يعتبر الميراث في النفقة الواجبة على الفرع لاصله، ولذا لو كان له ابن مسلم وابن كافر فهي عليهما، ومقتضاه أيضا أنه لو كان للميت أب وابن كفنه الابن دون الاب كما في النفقة على التفاصيل الآتية في بابها إن شاء الله تعالى.
تنبيه: لو كفنه الحاضر من ماله ليرجع على الغائب منهم بحصته فلا رجوع له إن أنفق بلا إذن القاضي.
حاوي الزاهدي.
واستنبط منه الخير الرملي أنه لو كفن الزوجة غير زوجها بلا إذنه ولا إذن القاضي فهو متبرع.
مطلب في كفن الزوجة على الزوج قوله: (واختلف في الزوج) أي في وجوب حفن زوجته عليه.
قوله: (عند الثاني) أي أبي يوسف، وأما عند محمد فلا يلزمه لانقطاع الزوجية بالموت.
وفي البحر عن المجتبى أنه لا رواية عن أبي حنيفة، لكن ذكر في شرح المنية عن شرح السراجية لمصنفها أن قول أبي حنيفة كقول أبي يوسف.
قوله: (وإن تركت مالا الخ) اعلم أنه اختلفت العبارات في تحرير قول أبي يوسف: ففي الخانية والخلاصة والظهيرية: أنه يلزمه كفنها وإن تركت مالا، وعليه الفتوى.
وفي المحيط والتجنيس والواقعات وشرح المجمع لمصنفه: إذا لم يكن لها مال فكفنها على الزوج، وعليه الفتوى.
وفي شرح المجمع لمصنفه: إذا ماتت ولا مال لها فعلى الزوج المسر اه.
ومثله في الاحكام عن المبتغى بزيادة: وعليه الفتوى ومقتضاه أنه لو معسرا لا يلزمه اتفاقا.
وفي الاحكام أيضا عن العيون: كفنها في مالها إن كان، وإلا فعلى الزوج، ولو معسرا ففي بيت المال اه.
والذي اختاره في البحر لزومه عليه موسرا أو لا، لها مال أو لا، لانه ككسوتها وهي واجبة
عليها مطلقا.
قال: وصححه في نفقات الولوالجية اه.
قلت: وعبارتها إذا ماتت المرأة ولا مال لها، قال أبو يوسف: يجبر الزوج على كفنها، والاصل فيه أن من يجبر على نفقته في حياته يجبر عليها بعد موته، وقال محمد: لا يجبر الزوج، والصحيح الاول اه فليتأمل.
تنبيه: قال في الحلية: ينبغي أن يكون محل الخلاف ما إذا لم يقم بها مانع يمنع الوجوب عليه حالة الموت من نشوزها أو صغرها ونحو ذلك اه.
وهو وجيه لانه إذا اعتبر لزوم الكفن بلزوم النفقة سقط بما يسقطها.
ثم اعلم أن الواجب عليه تكفيها وتجهيزها الشرعيان من كفن السنة أو الكفاية وحنوط وأجرة غسل وحمل ودفن، دون ما ابتدع في زماننا من مهللين وقراء ومغنين وطعام ثلاثة أيام ونحو ذلك، ومن فعل ذلك بدون رضا بقية الورثة البالغين يضمنه في ماله.
قوله: (فإن لم يكن بيت المال معمورا) أي بأن لم يكن فيه شئ أو منتظما أي مستقيما بأن كان عامرا ولا يصرف مصارفه ط.
قوله: (فعلى المسلمين) أي العالمين به وهو فرض كفاية يأثم بتركه جميع من علم به ط.
قوله: (فإن لم يقدروا)(2/223)
أي من علم منهم بأن كانوا فقراء.
قوله: (وإلا كفن به مثله) هذا لم يذكره في المجتبى، بل زاده عليه في البحر عن التنجيس والواقعات.
قلت: وفي مختارات النوازل لصاحب الهداية: فقير ماتفجمع من الناس الدراهم وكفنون وفضل شئ، إن عرف صاحبه يرد عليه، وإلا يصر ف إلى كفن فقير آخر أو يتصدق به.
قوله: (وظاهره الخ) أي ظاهر قوله ثوبا وهذا بحث لصاحب النهر، لكن قال في مختارات النوازل بعد ما نقلناه عنه: ولا يجممن الناس إلا قدر كفايته اه.
فتأمل.
ثم رأيت في الاحكام عن عمدة المفتي: ولا يجمعون من الناس إلا قدر ثوب واحد اه.
قوله: (لا يلزمه تكفينه به) لانه محتا إليه، فلو كان الثوب للميت والحي وارثه يكفن به الميت، لانه مقدم على الميراث.
بحر.
إلا إذا كان الحي مضطرا إليه لبرد أو سبب يخشى منه التلف، كما لو كان للميت ماء وهناك مضطر إليه لعطش قدم
على غسله.
شرح المنية.
قوله: (ولا يخرج الكفن عن ملك المتبرع) حتى لو افترس الميت سبع كان للمتبرع لا للورثة.
نهر: أي إن لم يكن وهبه لهم كما في الاحكام عن المحيط.
مطلب في صلاة الجنازة قوله: (صفتها الخ) ذكر صفتها وشرطها وركنها وسننها وكيفيتها والاحق بها.
قال القهستاني وسبب وجوبها الميت المسلم كما في الخلاصة، ووقتها وقت حضوره، ولذا قدمت على سنة المغرب كما في الخزانة اه.
وفي البحر: ويفسدها ما أفسد الصلاة، إلا المحاذاة كما في البدائع، وتكره في الاوقات المكروهة، ولو أحدث الامام فاستخلف غيره فيها جاز هو الصحيح، كذا في الظهيرية اه.
قوله: (بالاجماع) وما في بعض العبارات من أنها واجبة فالمراد الافتراض.
بحر.
لكن في القهستاني عن النظم: قيل إنها سنة اه.
قلت: يمكن تأويله بثبوتها بالسنة كما في نظائره، لكن ينافيه التصريح بالاجماع، إلا أن يقال: إن الاجماع سنده السنة كقوله (ص): صلوا على كل بر وفاجر.
وأما قوله تعالى: * (وصل عليهم) * (التوبة: 301) فقيل إنه دليل الفرضية، لكن رد كما في النهر بإجماع المفسرين على أن المأمور به هو الدعاء والاستغفار للمتصدق اه.
هذا، واستشكل المحقق ابن الهمام في التحرير وجوبها بسقوطها بفعل الصبي.
قال: والجواب بأن المقصود الفعل لا يدفع الوارد من لفظ الوجوب اه: أي لان الوجوب على المكلفين فلا بد من صدور الفعل منهم، وذكر شارحه المحقق ابن أمير حاج أن سقوطها بفعل الصبي المميز هو الاصح عند الشافعية.
قال: ولا يحضرني هذا منقولا فيما وقفت عليه من كتبنا، وإنما ظاهر أصول المذهب عدم السقوط اه.
ويأتي تمام الكلام قريبا.
قوله: (وشرطها) أي شرط(2/224)
صحتها.
وأما شروط وجوبها فهي شروط بقية الصلوات من القدرة والعقل والبلوغ والاسلام مع زيادة العلم بموته.
تأمل.
قوله: (ستة) ثلاثة في المتن وثلاثة في الشرح، وهي: ستر العورة، وحضور الميت، وكونه أو أكثره أمام المصلي، وزاد أيضا سابعا: وهو بلوغ الامام.
ثم هذه الشروط راجعة
إلى البيت، وأما الشروط التي ترجع إلى المصلي فهي شروط بقية الصلوات من الطهارة الحقيقية بدنا وثوبا ومكانا، والحكمية وستر العورة والاستقبال والنية سوى الوقت.
قوله: (سلام الميت) أي ولو بطريق التبعية لاحد أبوية أو للدار أو للسابي كما سيأتي، والمراد بالميت من مات بعد ولادته حيا لا لبغي أو قطع أو مكابرة في مصر أو قتل لاحد أبويه أو قتل لنفسه كما يأتي بيان ذلك كله.
قوله: (ما لم يهل عليه التراب) أما لو دفن بلا غسل ولم يهل عليه التراب فإنه يخرج ويغسل ويصلى عليه.
جوهرة.
قوله: (فيصلى على قبره بلا غسل) أي قبل أن يتفسخ كما سيأتي عند قول المصنف وإن دفن بلا صلاة.
هذا، وذكر في البحر هناك أن الصلاة عليه إذا دفن بلا غسل رواية ابن سماعة عن محمد، وأنه صحح في غاية البيان معزيا إلى القدوري وصاحب التحفة أنه لا يصلى على قبره لانها بلا غسل غير مشروعة.
رملي.
ويأتي تمام الكلام عليه.
قوله: (وإن صلى عليه أو لا) أي ثم تذكروا أنه دفن بلا غسل.
قوله: (استحسانا) لان تلك الصلاة لم يعتد بها لترك الطهارة مع الامكان، والآن زال الامكان وسقطت فريضة الغسل.
جوهرة.
قوله: (وفي القنية الخ) مثله في المفتاح والمجتبى معزيا إلى التجريد.
إسماعيل.
لكن في التاترخانية سئل قاضيخان عن طهارة مكان الميت هل تشترط لجواز الصلاة عليه؟ قال: إن كان الميت على الجنازة لا شك أنه يجوز، وإلا فلا رواية لهذا، وينبغي الجواز، وهكذا أجاب القاضي بدر الدين اه.
وفي ط عن الخزانة: وإذا تنجس الكفن بنجاسة الميت لا يضر دفعا للحرج بخلاف الكفن المتنجس ابتداء اه.
وكذا لو تنجس بدنه بما خرج منه إن كان قبل أن يكفن غسل وبعده، لا، كما قدمناه في الغسل فيقيد ما في القنية بغير النجاسة الخارجة من الميت.
أعيدت لانه لا صحة لها بدون الطهارة، وإذا لم تصح صلاة الامام لم تصح صلاة القوم.
بحر.
قوله: (وبعكسه لا) أي لا تعاد لصحة صلاة الامام وإن لم تصح صلاة من خلفه.
قوله: (كما لو أمت امرأة) أي أمت رجلا فإن صلاتها تصح وإن لم يصح الاقتداء بها.
قوله: (ولو أمة) ساقط من بعض النسخ.
قوله: (لسقوط فرضها بواحد) أي بشخص واحد رجلا كان أو امرأة، فهو تعليل لمسألة العكس ومسألة المرأة.
قال في البحر والحلية: وبهذا تبين أنه لا تجب صلاة الجماعة فيها اه.
ومثله في البدائع.
قوله: (وبقي من الشروط
بلوغ الامام) الاولى ذكر ذلك بعد تمام الشروط لانه شرط سابع زائد على الستة، فافهم.
وإنما أمر بالتأمل لانه مذكور بحثا لا نقلا.
مطلب: هل يسقط فرض الكفاية بفعل الصبي قال الامام الاسروشني فكتاب أحكام الصغار: الصبي إذا غسل الميت جاز، وإذا أم في صلاة الجنازة ينبغي أن لا يجوز، وهو الظاهر لانها من فروض الكفاية وهو ليس من أهل أداء(2/225)
الفرض ولكن يشكل برد السلام إذا سلم على أقول: حاصله أنها لا تسقط عن البالغين بفعله، قوم فرد صبي جواب السلام اه لان صلاتهم لم تصح لفقد شرط الاقتداء وهو بلوغ الامام وصلاته، وإن صحت لنفسه لا تقع فرضا لانه ليس من أهله، وعليه فلو صلى وحده لا يسقط الفرض عنهم بفعله، بخلاف المرأة لو صلت إماما أو وحدها كما مر، لكن يشكل على ذلك مسألة السلام، وكذا جواز تغسيله للميت مع أنه فرض أيضا، وقدمنا عن التحرير قريبا استشكال سقوط الصلاة بفعله.
وعن شارحه أنه لم يره، وأن ظاهر أصول المذهب عدم السقوط، لكن نقل في الاحكام عن جامع الفتاوى سقوطها بفعلها كرد السلام، ونقل بعده عن السراجية أنه يشترط بلوغه.
قلت: يمكن حمل الثاني على أن البلوغ شرط لكونه إماما، فلا ينافي السقوط بفعله، كما في التغسيل ورد السلام، وكونه ليس من أهل أداء الفرض لا ينافي ذلك، كما حققناه في باب الامام عند قوله: ولا يصح اقتداء رجل بامرأة فراجعه.
قوله: (حضوره) أي كله أو أكثره، كالنصف مع الرأس كما مر.
قوله: (ووضعه) أي على الارض أو على الايدي قريبا منها.
قوله: (وكونه هو أو أكثره أمام المصلي) المناسب ذكر قوله: هو أو أكثره بعد قوله حضوره لانه احترز عن كونه خلفه، مع أنه يوهم اشتراط محاذاته للميت أو أكثره وليس كذلك، فقد ذكر القهستاني عن التحفة أن ركنها القيام ومحاذاته إلى جزء من أجزاء الميت اه.
لكن فيه نظر، بل الاقرب كون المحاذاة شرطا فيزاد على السبعة المذكورة، ثم هذا ظاهر إذا كان الميت واحدا، وإلا فيحاذي واحدا منهم بدليل ما سيأتي من التخيير في وضعهم صفا طولا أو عرضا.
تأمل.
ثم رأيته في ط.
ثم قال: إن هذا ظاهر في الامام
لان صف المؤتمين قد يخرج عن المحاذاة.
قوله: (فلا تصح) بيان لمحترزات الشروط الثلاثة الاخيرة على اللف والنشر المرتب.
قوله: (على نحو دابة) أي كمحمول على أيدي الناس، فلا تجوز في المختار إلا من عذر.
إمداد عن الزيلعي.
وهذا لو حملت على الايدي ابتداء، أما لو سبق ببعض التكبيرات فإنه يأتي بعد سلام الامام بما فاته، وإن رفعت على الايدي قبل أن توضع على الاكتاف كما سيأتي.
قوله: (لان كالامام من وجه) لاشتراط هذه الشروط وعدم صحتها بفقدها أو فقد بعضها.
قوله: (لصحتها على الصبي) أي والمرأة، وهذا علة لقوله: دون وجه إذ لو كان إماما من كل وجه لما صحت على الصبي ونحوه.
قوله: (على النجاشي) بتشديد الياء وبتخفيفها أفصح وتكسر نونها، أو هو أفصح: ملك الحبشة اسمه أصحمة.
قاموس.
وذكر في المغرب أنه بتخفيف الياء سماعا من الثقات، وأن تشديد الجيم فيه خطأ، وأن السين في أصحمة تصحيف.
قوله: (لغوية) أي المراد بها مجرد الدعاء وهو بعيد.
قوله: (أو خصوصية) أو لانه رفع سريره حتى رآه عليه الصلاة والسلام بحضرته فتكون صلاة من خلفه على ميت يراه الامام وبحضرته دون المأمومين، وهذا غير مانع من الاقتداء.
فتح واستدل لهذين الاحتمالين بما لا مزيد عليه فارجع إليه، من جملة ذلك أنه توفي خلق كثير من أصحابه (ص) من أعزهم عليه القراء، ولم ينقل عنه أنه صلى عليهم مع حرصه على ذلك حتى قال: لا يموتن أحد منكم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي عليه رحمة له.
قوله: (وصحت لو وضعوا الخ) كذا في البدائع، وفسره في شرح المنية معزيا للتاترخانية بأن وضعوا رأسه(2/226)
مما يلي يسار الامام اه.
فأفاد أن السنة وضع رأسه مما يلي يمين الامام كما هو المعروف الآن، ولهذا علل في البدائع للاساءة بقوله: لتغييرهم السنة المتوارثة ويوافقه قول الحاوي القدسي: يوضع رأسه مما يلي يمين المستقبل.
فما في حاشية الرحمتي من خلاف هذا فيه نظر، فراجعه.
قوله: (شيئان) وأما ما في القهستاني عن التحفة من زيادة المحاذاة إلى جزء من الميت فالذي يظهر كونه شرطا لا ركنا كما قدمناه.
قوله: (فلذا الخ) أي لكونها ركنا لا شرطا، لانه لو نواها للاخرى أيضا يصير مكبرا ثلاثا وإنه لا يجوز.
بحر عن المحيط.
قوله: (فلم تجز قاعدا) أي ولا راكبا.
قوله: (بلا عذر) فلو تعذر
النزول لطين أو مطر جازت راكبا، ولو كان الولي مريضا فصلى قاعدا والناس قياما أجزأهم عندهما.
وقال محمد: تجزي الامام فقط.
حلية.
قوله: (التحميد والثناء) كذا في البحر عن المحيط، ومقتضى قول الشارح ثلاثة أن الثناء غير التحميد مع أنه فيما يأتي فسر الثناء بقوله: سبحانك اللهم وبحمدك فعلم أن المراد بهما واحد على ما يأتي بيانه، فكان عليه أن يذكر الثالث: الصلاة على النبي (ص).
قوله: (وما فهمه الكمال) تبعه شارحا المنية البرهان الحلبي وابن أمير حاج.
قوله: (من أن الدعاء ركن) قال لقولهم: إن حقيقتها والمقصود منها الدعاء.
قوله: (والتكبيرة الاولى شرط) قال لانها تكبيرة الاحرام.
قوله: (رده في البحر بتصريحهم بخلافه) أما الاول ففي المحيط أن الدعاء سنة، وقولهم: إن المسبوق يقضي التكبير نسقا بغير دعاء يدل عليه.
وأما الثاني فما مر من أنه لم يجز بناء أخرى عليها، وقولهم: إن التكبيرات الاربع قائمة مقام أربع ركعات اه.
قلت: ما نقله عن المحيط من أن الدعاء سنة.
قال في الحلية: في نظر ظاهر، فقد صرحوا عن آخرهم بأن صلاة الجنازة هي الدعاء للميت إذ هو المقصود منها اه.
وأما قولهم: إن المسبوق يقضي التكبير نسقا بغير دعاء، فقد قال في شرح المنية: إن الامام يتحمله عنه: أي فلا ينافي ركنيته كما يتحمل عنه القراءة وهي ركن أيضا اه.
لكن تحمل القراءة في حالة الاقتداء، أما بعد الفراغ فيأتي المسبوق بها.
وقد يقال: يتحمل الامام الدعاء عن المسبوق لضرورة تصحيح صلاته، لان الكلام فيما إذا خيف رفع الجنازة وأتى بالتكبيرات نسقا.
تأمل.
أقول: وتقدم في باب شروط الصلاة أن المصلي ينوي مع الصلاة لله تعالى الدعاء للميت، وعلله الشارح هناك بأنه الواجب عليه، ونقلناه هناك عن الزيلعي والبحر والنهر، فهذا مؤيد لما اختاره المحقق، والله الموفق.
وأما عدم جواز بناء أخرى عليها فلكونها قائمة مقام ركعة، وكونها(2/227)
كذلك لا يلزم منه أن تكون ركنا من كل وجه، إذ لا شك أنها تحريمة يدخل بها في الصلاة، ولذا خصت برفع الايدي، فهي شرط من وجه ركن من وجه، فتدبر.
قوله: (وهي فرض على كل مسلم مات) لفظ على بمعنى اللام التعليلية مثل: * (ولتكبروا الله على ما هداكم) * (البقرة: 581) أو متعلق بمحذوف خبر
ثان للضمير المبتدأ، أو متعلق به لانه عائد للصلاة بمعنى المصدر، والتقدير، والصلاة على كل مسلم مات فرض: أي مفترض على المكلفين، ولو أسقط الشارح لفظ فرض لكان أصوب لانه تقدم تصريح المصنف به، ولئلا يوهم تعلق الجار به فيفسد المعنى، فتدبر.
قوله: (خلا أربعة) بالجر على أن خلا حرف استثناء.
قوله: (بغاة) هم قوم مسلمون خرجوا عن طاعة الامام بغير حق.
قوله: (فلا يغسلوا الخ) في نسخة فلا يغسلون وهي أصوب، وإنما لم يغسلوا ولم يصل عليهم إهانة لهم وزجرا لغيرهم عن فعلهم.
وصرح بنفي غسلهم، لانه قيل يغسلون ولا يصلى عليهم للفرق بينهم وبين الشهيد كما ذكره الزيلعي وغيره، وهذا القيل رواية.
وفيه إشارة إلى ضعفها، لكن مشى عليها في الدرر والوقاية.
وفي التاترخانية: وعليه الفتوى.
قوله: (ولو بعده الخ) قال الزيلعي: وأما إذا قتلوا بعد ثبوت يد الامام عليهم فإنهم يغسلون ويصلى عليهم، وهذا تفصيل حسن أخذ به كبار المشايخ، لان قتل قاطع الطريق في هذه الحالة حد أو قصاص، ومن قتل بذلك يغسل ويصلى عليه، وقتل الباغي في هذه الحالة للسياسة أو لكسر شوكتهم فينزل منزلته لعود نفعه إلى العامة اه.
وقوله: أو قصاص أي بأن كان ثم ما يسقط الحد كقطعة على محرم ونحوه مما ذكر في بابه، وقد علم من هذا التفصيل أنه لو مات أحدهم حتف أنفه قبل الاخذ أو بعده يصلى عليه كما بحثه في الحلية، وقال: ولم أره صريحا.
قلت: وفي الاحكام عن أبي الليث: ولو قتلوا في غير الحرب أو ماتوا يصلى عليهم اه.
وهو صريح في المطلوب.
قوله: (وكذا أهل عصبة) بضم فسكون، وفي نسخة عصبية.
وفي نهاية ابن الاثير: العصبية والتعصب: المحاماة والمدافعة.
والعصبي: من يعين قومه على الظلم والذي يغضب لعصبته، ومنه الحديث ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل عصبية قال في شرح درر البحار وفي النوازل: وجعل مشايخنا المقتولين في العصبيفي حكم أهل البغي على هذا التفصيل.
وفي المغني: جعل الدروازكي والكلاباذي كالباغي، وكذا الواقفون الناظرون إليهما إن أصابهم حجر أو غيره وماتوا في تلك الحالة، ولو ماتوا بعد تفرقهم يصلى عليهم اه.
قال ط: ومثلهم سعد وحرام بمصر، وقيس ويمن ببعض البلاد اه.
أقول: والظاهر أن هذا حيث كان البغي من الفريقين، فلو بغى أحدهما على الآخر وقصد الآخر المدافعة عن نفسه بالقدر الممكن يكون المدافع شهيدا.
وفي شرح منلا مسكين ما يؤيده فراجعه.
قوله: (ومكابر في مصر ليلا بسلاح) كذا في الدرر و البحر وغيرهما.
والمكابر: بالباء الموحدة المتغلب.
إسماعيل.
والمراد به من يقف في محل من المصر يتعرض لمعصوم.
والظاهر(2/228)
أن هذا مبني على قول أبي يوسف من أنه يكون قاطع طريق إذا كان في المصر ليلا مطلقا أو نهارا بسلاح، وعليه الفتوى، كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، فيعطى أحكام قاطع الطريق في غير المصر من أنه إذا ظهر عليه قبل أخذ شئ وقتل فإنه يحبس حتى يتوب، وإن أخذ مالا قطع من خلاف، وإن قتل معصوما قتل حدا على ما سيأتي تفصيله في محله، فحيث كان حده القتل لا يصلى عليه، وبما قررناه ظهر أن قوله بسلاح غير قيد، لانه إذا وقف في المصر ليلا لا فرق بين كونه قاتلا بسلاح أو غيره كحجر أو عصا، والله أعلم.
قوله: (خنق غير مرة) هو مفاد صيغة المبالغة، وقيده المصنف في باب البغاة بما إذا كان ذلك في المصر.
وعبارته مع الشرح: ومن تكرر الخنق بكسر النون منه في المصر: أي خنق مرارا، ذكره مسكين، قتل به سياسة لسعيه بالفساد، وكل من كان كذلك يدفع شره بالقتل وإلا بأن خنق مرة، لا لانه كالقتل بالمثقل، وفيه القود عند غير أبي حنيفة اه: أي وأما عنده ففيه الدية على عاقلته كالقتل بالمثقل، وظاهر قوله بأن خنق مرة، أن التكرار يحصل بمرتين.
قوله: (فحكمهم كالبغاة) كذا في البحر والزيلعي: أي حكم أهل عصبية ومكابر وخناق حكم البغاة في أنهم لا يغسلون ولا يصلى عليهم.
وأما ما في الدرر من قوله وإن غسلوا: أي البغاة والقطاع والمكابر، فإنه مبني على الرواية الاخرى، وقدمنا ترجيحها.
قوله: (به يفتى) لانه فاسق غير ساع في الارض بالفساد وإن كان باغيا على نفسه كسائر فساق المسلمين.
زيلعي.
قوله: (ورجح الكمال قول الثاني الخ) أي قول أبي يوسف: إنه يغسل ولا يصلى عليه.
إسماعيل عن خزانة الفتاوى.
وفي القهستاني والكفاية وغيرهما عن الامام السعدي: الاصح عندي أنه لا يصلى عليه لانه لا توبة له.
قال في البحر: فقد اختلف التصحيح، لكن تأيد الثاني بالحديث اه.
أقول قد يقال: لا دلالة في الحديث على ذلك لانه ليس فيه سوى أنه عليه الصلاة والسلام لم يصل عليه، فالظاهر أنه امتنع زجرا لغيره عن مثل هذا الفعل، كما امتنع عن الصلاة على المديون، ولا يلزم من ذلك عدم صلاة أحد عليه من الصحابة، إذلا مساواة بين صلاته وصلاة غيره، قال تعالى: * (إن صلاتك سكن لهم) * (التوبة 301) ثم رأيت في شرح المنية بحثا كذلك.
وأيضا فالتعليل بأنه لا توبة له مشكل على قواعد أهل السنة والجماعة لاطلاق النصوص في قبول توبة العاصي، بل التوبة من الكفر مقبولة قطعا، وهو أعظم وزرا، ولعل المراد ما إذا تاب حالة اليأس كما إذا فعل بنفسه ما لا يعيش معه عادة كجرح مزهق في ساعته وإلقاء في بحر أو نار فتاب، أما لو جرح نفسه وبقي حيا أياما مثلا ثم تاب ومات فينبغي الجزم بقبول توبته ولو كان مستحلا لذلك الفعل، إذ التوبة من الكفر حينئذ مقبولة فضلا عن المعصية، بل تقدم الخلاف في قبول توبة العاصي حالة اليأس.
ثم اعلم أن هذا كله فيمن قتل نفسه عمدا، أما لو كان خطأ فإنه يصلى عليه بلا خلاف، كما صرح به في الكفاية وغيرها، وسيأتي عده مع الشهداء.
قوله: (لا يصلى على قاتل أحد أبويه الظاهر أن المراد أنه لا يصلي عليه إذا قتله الامام قصاصا، أما لو مات حتف أنفه يصلى عليه كما في البغاة ونحوهم، ولم أره صريحا، فليراجع قوله: (وألحقه فالنهر بالبغاة) أي فلا يعد خامسا،(2/229)
هكذا فهمت، ثم رأيته في ط، لكن في أن عبارة النهر هكذا: والعصبية كالبغاة، ومن هذا النوع الخناق وقاتل أحد أبويه اه.
وعليه فيكون المستثنى أقل من أربعة.
تأمل.
قوله: (وقال أئمة بلخ: في كلها) وهو قول الائمة الثلاثة ورواية عن أبي حنيفة كما في شرح درر البحار، والاول ظاهر الرواية كما في البحر.
وفي حاشيته للرملي: ربما يستفاد منه أن الحنفي إذا اقتدى بالشافعي فالاولى متابعته في الرفع ولم أره اه.
أقول: ولم يقل يجب لان المتابعة إنما تجب في الواجب أو الفرض، وهذا الرفع غير واجب عند الشافعي، وما في شرح الكيدانية للقهستاني من أنه لا تجوز المتابعة في رفع اليدين في تكبيرات الركوع وتكبيرات الجنازة فيه نظر، إذ ليس ذلك مما لا يسوغ الاجتهاد فيه بالنظر إلى الرفع في تكبيرات
الجنازة، لما علمت من أنه قال به البلخيون من أئمتنا، وقد أوضحنا المقام في آخر واجبات الصلاة، وقدمنا أيضا شيئا منه في صلاة العيدين.
قوله: (وهو سبحانك اللهم وبحمدك) كذا فسر به الثناء في شرح درر البحار وغيره، وقال في العناية: إنه مراد صاحب الهداية لانه المعهود من الثناء، وذكر في النهر أن هذه رواية الحسن عن الامام.
والذي في المبسوط عن ظاهر الرواية أنه يحمد الله اه.
أقول: مقتضى ظاهر الرواية حصول السنة بأي صيغة مصيغ الحمد، فيشمل الثناء المذكور لاشتماله على الحمد.
قوله: (كما في التشهد) أي المراد الصلاة الابراهيمية التي يأتي بها المصلي في قعدة التشهد.
قوله: (لان تقديمها) أي تقديم الصلاة على الدعاء سنة، كما أن تقديم الثناء عليهما سنة أيضا.
قوله: (ويدعو الخ) أي لنفسه وللميت وللمسلمين لكي يغفر له فيستجاب دعاؤ في حق غيره، ولان من سنة الدعاء أن يبدأ بنفسه.
قال تعالى: * (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا) * جوهرة.
ثم أفاد أن من لم يحسن الدعاء بالمأثور يقول: اللهم اغفر لنا ولوالدينا وله وللمؤمنين والمؤمنات.
قوله: (والمأثور أولى) ومن المأثور: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا.
اللهم من أحييته منا فأحيه على الاسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الايمان.
اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقي الثوب الابيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار منح.
وثم أدعية أخر فانظرها في الفتح والامداد وشروح المنية.
تنبيه: المراد الاستيعاب، فالمعنى: اغفر للمسلمين كلهم، فلا ينافي قوله وصغيرنا قوله الآتي ولا يستغفر لصبي أي لا يقول: اغفر له.
أفاده القهستاني.
والمراد بالابدال في الاهل والزوجة: إبدال الاوصاف لا الذوات، لقوله تعالى: * (ألحقنا بهم ذريتهم) * (الطور: 12) ولخبر الطبراني وغيره: إن نساء الجنة من نساء الدنيا أفضل من الحور العين وفيمن لا زوجة له على تقديرها له أن لو كانت، ولانه صح الخبر بأن المرأة لآخر أزواجها: أي إذا مات وهي في عصمته، وفي حديث رواه جمع لكنه ضعيف المرأة منا ربما يكون لها زوجان في الدنيا فتموت ويموتان ويدخلان الجنة: لايهما(2/230)
هي؟ قال: لاحسنهما خلقا كان عندها في الدنيا وتمامه في تحفة ابن حجر.
قوله: (وقدم فيه الاسلام) أي في الدعاء المأثور كما مر.
اعلم أن الاسلام على وجهين: شرعي، وهو بمعنى الايمان.
ولغوي، وهو بمعنى الاستسلام والانقياد كما في شرح العمدة للنسفي، فقول الشارح مع أنه الايمان ناظر للمعنى الشرعي للاسلام، وقوله: لانه منبئ ناظر إلى المعنى اللغوي له، وقوله فكأنه دعاء في حال الحياة بالايمان هو معنى الاسلام الشرعي، وقوله والانقياد: أي الذي هو معنى الاسلام اللغوي اه ح.
وما ذكره الشارح مأخوذ من صدر الشريعة.
والحاصل: أن الاسلام خص بحالة الحياة لانه المناسب لها بمعنييه الشرعي وهو الايمان: أي التصديق القلبي، واللغوي وهو الانقياد بالاعمال الظاهرة، وخص الايمان بحالة الموت لانه المناسب لها، إذ لا ينبئ عن العمل بل عن التصديق فقط، ولا يمكن في حالة الموت سواه.
قوله: (بلا دعاء) هو ظاهر المذهب.
وقيل يقول: اللهم آتنا في الدنيا حسنة الخ، وقيل: * ((3) ربنا لا تزغ قلوبنا) * (آل عمران: 8) الخ، وقيل يخير بين السكوت والدعاء.
بحر.
قوله: (ناويا الميت مع القوم) كذا في الفتح.
وقال الزيلعي: ينوي بهما كما وصفنا في صفة الصلاة، وينوي الميت كما ينوي الامام اه.
وظاهره أنه ينوي الملائكة الحفظة أيضا، ثم رأيته صريحا في شرح درر البحار.
وذكر في الخانية والظهيرية والجوهرة أنه لا ينوي الميت.
قال في البحر: وهو الظاهر، لان الميت لا يخاطب بالسلام حتى ينوي به إذ ليس أهلا له اه.
وأقره في النهر، لكن قال الخير الرملي: إنه غير مسلم، وسيأتي ما ورد في أهل المقبرة: السلام عليم دار قوم مؤمنين وتعليمه (ص) السلام على الموتى اه.
قوله: (لكن في البدائع الخ) قد يقال: إن الزيلعي لم يرد دخول التسليم في الكلية المذكورة.
والذي في البدائع: ولا يجهر بما يقرأ عقب كل تكبيرة لانه ذكر والسنة فيه المخافتة.
وهل يرفع صوته بالتسليم، لم يتعرض له في ظاهر الرواية.
وذكر الحسن بن زياد أنه لا يرفع لانه للاعلام ولا حاجة له لان التسليم مشروع عقب التكبير بلا فصل، ولكن العمل في زماننا على خلافه اه.
قوله: (وعين
الشافعي الفاتحة) وبه قال أحمد، لان ابن عباس صلى على جنازة فجهر بالفاتحة وقال: عمدا فعلت ليعلم أنها سنة ومذهبنا قول عمر وابنه وعلي وأبي هريرة، وبه قال مالك كما في شرح المنية.
قوله: (بنية الدعاء) والظاهر أنها حينئذ تقوم مقام الثناء على ظاهر الرواية من أنه يسن بعد الاولى التحميد.
قوله: (وتكره بنية القراءة) في البحر عن التجنيس والمحيط: لا يجوز لانها محل الدعاء دون القراءة اه.
ومثله في الولوالجية والتاترخانية.
وظاهرة أن الكراهة تحريمية.
وقول القنية: لو قرأ فيها الفاتحة جاز: أي لو قرأها بنية الدعاء ليوافق ما ذكره غيره، أو أراد بالجواز الصحة، على أن كلام القنية لا يعمل به إذا عارضه غيره، فقول الشرنبلالي في رسالته: إنه نص على جواز قراءتها، فيه نظر ظاهر لما علمته، وقوله وقول منلا علي القاري أيضا: يستحب قراءتها بنية الدعاء خروجا من خلاف الامام(2/231)
الشافعي، فيه نظر أيضا، لانها لا تصح عنده ألا بنية القرآن، وليس له أن يقرأها بنية القرأة ويرتكب مكروه مذهبه ليراعي مذهب غيره كما مر تقريره أول الكتاب.
قوله: (وأفضل صفوفها آخرها الخ) كذا في القنية، وبحث فيه في الحلية بإطلاق ما في صحيح مسلم عنه (ص): خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها وبأن إظهار التواضع لا يتوقف على التأخر اه.
أقول: قد يقال: إن الحديث مخصوص بالصلاة المطلقة لانها المتبادرة، ولقوله (ص): من صلى عليه ثلاثة صفوف غفر له رواه أبو داود وقال: حديث حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ولهذا قال في المحيط ويستحب أن يصف ثلاثة صفوف، حتى لو كانوا سبعة، يتقدم أحدهم للامامة ويقف وراءه ثلاثة ثم اثنان ثم واحدا اه.
فلو كان الصف الاول أفضل في الجنازة أيضا لكان الافضل جعلهم صفا واحدا ولكره قيام الواحد وحده كما كره في غيرها، هذا ما ظهر لي.
قوله: (لانه منسوخ) لان الآثار اختلفت في فعل رسول الله (ص)، فروي الخمس والسبع والتسع وأكثر من ذلك إلا أن آخر فعله عليه الصلاة والسلام كان أربع تكبيرات فكان ناسخا لما قبله ح عن الامداد.
وفي الزيلعي: أنه (ص) حين صلى على النجاشي كبر أربع تكبيرات، وثبت عليها إلى أن توفي فنسخت ما قبلها ط.
قوله: (فيمكث المؤتم الخ) لما كان قولهم لم يتبع صادقا بالقطع
وبالانتظار أردفه ببيان المراد منه ط.
قوله: به يفتى) رجحه في فتح القدير بأن البقاء في حرمة الصلاة بعد فراغها ليس بخطأ مطلقا، إنما الخطأ في المتابعة في الخامسة.
بحر.
وروي عن الامام أنه يسلم للحال ولا ينتظر تحقيقا للمخالفة ط.
قوله: (هذا) أي عدم المتابعة ط.
قوله: (وينوي الافتتاح الخ) لجواز أن تكبيرة الامام للافتتاح الآن، وأخطأ المبلغ نقل ذلك في البحر عن شرح المجمع الملكي بصيغة قالوا، ونقله في باب صلاة العيد بصيغة قيل، وكلا الصيغتين مشعر بالضعف، كيف وهو لا وجه له يظهر، لانه إن كان المراد أنه ينوي الافتتاح بما زاد على الرابعة كما هو المتبادر لزم أن يأتي بعدها بثلاث تكبيرات أخر، لان نية الافتتاح لتصحيح صلاته باحتمال خطأ المبلغ، ولا صحة لها إلا بثلاث بعدها لانها أركان، وإلا كانت نيته لغوا فكان الواجب عدمها، وإن كان المراد جميع التكبيرات فمن أين يعلم أن المبلغ يزيد على الرابعة حتى ينوي الافتتاح بالجميع، فإن احتمال الخطأ إنما ظهر وقت الزيادة؟ وإن قيل: إنه ثابت قبلها يلزم عليه أن ينوي الافتتاح بالجميع وإن لم يزد المبلغ شيئا وأنه يأتي بعد الرابعة بثلاث تكبيرات أيضا وإلا لم يكن لهذه النية فائدة، وأنه في غير صلاة الجنازة يأتي بتكبيرة أخرى لاحتمال خطأ المبلغ، ونحو ذلك يقال في تكبيرات العيد كما أشرنا إليه في بابه، ولم أر من تعرض لشئ من ذلك، ثم ظهر أنه يمكن أن يجاب باختيار الشق الاول، وأن فائدته أنه إذا زاد خامسة مثلا احتمل أن تكون التحريمة وأنه سيكبر بعدها ثلاثا أخرى، وهكذا في السادسة والسابعة، فإذا سلم احتمل أن أربعا قبل السلام هي الفرائض الاصلية وأن ما قبلها زائدة غلطا واحتمل أن أربعا من الابتداء هي الفرائض الاصلية وما بعدها زائد غلطا، فإذا نوى تكبيرة الافتتاح فيما زاد على الاربع الاول قد ينفعه ذلك في بعض الصور بلا ضرر، والله أعلم.
قوله: (ولا يستغفر فيها لصبي) أي في صلاة الجنازة.
قوله: (ومجنون ومعتوه) هذا في الاصلي، فإن الجنون والعته الطارئين(2/232)
بعد البلوغ لا يسقطان الذنوب السالفة كما في شرح المنية.
قوله: (بعد دعاء البالغين) كذا في بعض نسخ الدرر، وفي بعضها بدل دعاء البالغين.
وكتب العلامة نوح على نسخة بعد إنها مخالفة لما في الكتب المشهور ومناقضة لقوله: لا يستغفر لصبي ولهذا قال بعضهم: إنها تصحيف من بدل اه.
وقال الشيخ إسماعيل بعد كلام: والحاصل أن مقتضى متون المذهب والفتاوى وصريح غرر الاذكار الاقتصار في الطفل على: اللهم اجعله لنا فرطا الخ اه.
قلت: وحاصله أنه لا يأتي بشئ من دعاء البالغين أصلا، بل يقتصر على ما ذكر.
وقد نقل في الحلية عن البدائع والمحيط وشرح الجامع لقاضيخان ما هو كالصريح في ذلك فراجعه، وبه علم أن ما في شرح المنية من أنه يأتي بذلك الدعاء بعد قوله: ومن توفيته منا فتوفه على الايمان مبني على نسخة بعد من الدرر، فتدبر.
هذا وما مر في المأثور في دعاء البالغين من قوله: وصغيرنا وكبيرنا لا ينافي قولهم: لا يستغفر لصبي كما قدمناه فافهم.
قوله: (أي سابقا الخ) قال في المغرب اللهم اجعله لنا فرطا أي أجرا يتقدمنا، وأصل الفارط والفرط فيمن يتقدم الواردة اه: أي من يتقدم الجماعة الواردة إلى الماء ليهيئه لهم، ومنه الحديث أنا فرطكم على الحوض واقتصر الشارح على المعنى الثاني الذي هو الاصل، لما في البحر أنه الانسب هنا لئلا يتكرر مع قوله واجعله لنا أجرا اه.
قال ط: والذي في النهر وغيره تفسيره بالمتقدم ليهيئ مصالح والديه في دار القرار.
قوله: (وهو دعاء له) أي للصبي أيضا: أي كما هو دعاء لوالديه وللمصلين، لانه لا يهيئ الماء لدفع الظمأ أو مصالح والديه في دار القرار إلا إذا كان متقدما في الخير، وهو جواب عن سؤال، حاصله أن هذا دعاء للاحياء ولا نفع للميت فيه ط.
قوله: (لا سيما وقد قالوا الخ) حاصله أنه إذا كانت حسناته: أي ثوابها له يكون أهلا للجزاء والثواب، فناسب أن يكون ذلك دعاء له أيضا لينتفع به يوم الجزاء.
قوله: (واجعله ذخرا) في الهداية والكافي والكنز وغيرهما واجعله لنا أجرا، واجعله لنا ذخرا وفي الدرر والوقاية كما هنا.
قوله: (ذخيرة) أشار إلى أن المراد بالذخر الاسم: أي ما يذخر: لا المصدر، فإنه يستعمل اسما ومصدرا كما يفيده قول القاموس: ذكره كمنعه ذخرا بالضم.
وادخره: اختاره، أو اتخذه.
والذخيرة: ما أذخر كالذخر جمعه أذخار اه.
قال العلامة ابن حجر: شبه تقدمه لوالديه بشئ نفيس يكون أمامها مدخرا إلى وقت حاجتهما له بشفاعته لهما كما صح اه.
قوله: (مقبول الشفاعة) تفسير لقوله: مشفعا بالبناء للمجهول.
تتمة: في بعض الكتب يقول اللهم اجعله لوالديه فرطا وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وأجرا، وثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، ولا تفتنهما بعده، واغفر لنا وله ط.
أقول: رأيت ذلك في كتب الشافعية، لكن بإبدال قوله واغفر لنوله بقوله: ولا تحرمهما أجره وهذا أولى لما مر من أنه لا يستغفر لصبي.
وقال في شرح المنية وفي المفيد: ويدعو لوالدي الطفل، وقيل يقول: اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجرهما ولا تفتنهما بعده، اللهم اجعله في كفالة إبراهيم، وألحقه بصالحي المؤمنين اه.
قوله: (ندبا) أي كونه بالقرب من الصدر مندوب،(2/233)
وإلا فمحاذاة جزء من الميت لا بد منها.
قهستاني عن التحفة.
ويظهر أن هذا في الامام وفيما إذا لم تتعدد الموتى، وإلا وقف عند صدر أحدهم فقط، ولا يبعد عن الميت كما في النهر ط.
قوله: (للرجل والمرأة) أراد الذكر والانثى الشامل للصغير والصغيرة ط عن أبي السعود.
وعند الشافعي رحمه الله: يقف عند رأس الرجل وعجز المرأة.
قوله: (والشافعة لاجله) أي أن المصلي شافع للميت لاجل إيمانه فناسب أي يقوم بحذاء محله.
قوله: (والمسبوق) أي الذي لم يكن حاضرا تكبير الامام السابق ط.
قوله: (ببعض التكبيرات) صادق بالاقل والاكثر ط.
أما المسبوق بالكل فيأتي حكمه.
قوله: (لا يكبر في الحال) فلو كبر كما حضر ولم ينتظر لا تفسد عندهما، لكن ما أداه غير معتبر، كذا في الخلاصة.
بحر.
ومثله في الفتح.
وقضية عدم اعتبار ما أداه أنه لا يكون شارعا في تلك الصلاة، وحينئذ فتفسد التكبيرة مع أن المسطور في القنية أن يكون شارعا، وعليه فيعتبر ما أداه، وهذا لم أر من أفصح عنه فتدبره.
نهر.
وأجاب الحموي في شرح الكنز بأنه لا يلزم من عدم اعتباره عدم شروعه، ولا من اعتباره شروعه اعتبار ما أداه، ألا ترى أن من أدرك الامام في السجود صح شروعه مع أنه لا يعتبر ما أداه من السجود مع الامام، بل عليه إعادته إذا قام إلى قضاء ما سبق به، فلا مخالفة بين ما في الخلاصة والقنية اه.
لكن فيه أن تكبيرة الافتتاح هنا بمنزلة ركعة، فلو صح شروعه بها يلزم اعتبارها، إلا أن يقال: إن لها شبهين كما مر، فنصحح شروعه بها من حيث كونها شرطا ولا نعتبرها في تكميل العدد
من حيث شبهها بالركعة، فلذا قلنا: يصح شروعه بها ويعيدها بعد سلام إمامه، والله أعلم.
قوله: (والمسبوق الخ) هو من تتمة التعليل: أي فلو كبر ولم ينتظر لكان كالمسبوق الذي شرع في قضاء ما سبق به قبل الفراغ من الاقتداء ط.
قوله: (وقال أبو يوسف الخ) قال في النهاية: تفسير المسألة على قوله إنه لما جاء وقد كبر الامام تكبيرة الافتتاح كبر هذا الرجل للافتتاح، فإذا كبر الامام الثانية تابعه فيها ولم يكن مسبوقا.
وعندهما: لا يكبر للافتتاح حين يحضر بل ينتظر حتى يكبر الامام الثانية، ويكون هذا التكبير تكبير الافتتاح في حق هذا الرجل فيصير مسبوقا بتكبيرة يأتي بها بعد سلام الامام اه.
قوله: (كما لا ينتظر الحاضر الخ) أفاد بالتشبيه أن مسألة الحاضر اتفاقية، ولذا قال بل يكبر أي الحاضر اتفاقا، والمراد به من كان حاضرا وقت تحريمة الامام في محل يجزئه فيه الدخول في صلاة الامام كما يأتي عن المجتبى: أي بأن كان متهيئا للصلاة كما يفيده قول الهندية عن شرح الجامع لقاضيخان، وإن كان مع الامام فتغافل ولم يكبر معه، أو كان في النية بعد فأخر التكبير فإنه يكبر ولا ينتظر تكبير الامام الثانية في قولهم، لانه لما كان مستعدا جعل بمنزلة المشارك اه.
قوله: (في حال التحريمة) مفهومه أنه لو فاتته التحريمة وحضر في حالة التكبيرة الثانية مثلا لا يكون مدركا لها، بل ينتظر الثالثة ويكون مسبوقا بتكبيرتين لا بواحدة عندهما، لكن الظاهر أن التحريمة غير قيد(2/234)
لما سيأتي فيما لو كبر الاربع والرجل حاضر فإنه يكون مدركا لها، ويؤيده التعليل المار عن قاضيخان والآتي عقبه عن الفتح.
تأمل.
قوله: (لانه كالمدرك) قال في فتح القدير: يفيد أنه ليس بمدرك حقيقة، بل اعتبر مدركا لحضوره التكبير دفعا للحرج، إذ حقيقة إدراك الركعة بفعلها مع الامام، ولو شرط في التكبير المعية ضاق الامر جدا، إذ الغالب تأخر النية قليلا عن تكبير الامام فاعتبر مدركا لحضوره اه.
قوله: (ثم يكبران الخ) أي المسبوق والحاضر، وقوله ما فاتهما فيه خفاء، لان المراد بالحاضر في كلامه الحاضر في حال التحريمة، فإذا أتى بها لم يفته شئ، إلا أن يراد ما إذا حضر أكثر من تكبيرة فكبر واحدة فإنه يكبر بعد السلام ما فاته على ما سيأتي.
تأمل.
واحترز عن اللاحق كأن كبر مع الامام الاولى دون الثانية والثالثة فإنه يكبرهما ثم يكبر مع الامام
الرابعة كما في الحلية والنهر.
هذا، وفي نور الايضاح وشرحه أن المسبوق يوافق إمامه في دعائه لو علمه بسماعه اه.
ولم يذكر ما إذا لم يعلم، وظاهر تقييده الموافقة بالعلم أنه إذا لم يعلم بأن لم يعلم أنه في التكبيرة الثانية أو الثالثة مثلا يأتي به مرتبا: أي بالثناء ثم الصلاة ثم الدعاء.
تأمل.
قوله: (نسقا) بالتحريك: أي متتابعة.
وفي بعض النسخ تترى وهو بمعناه.
قوله: (على الاعناق) مفهومه أنه لو رفعت بالايدي ولم توضع على الاعناق أنه لا يقطع التكبير بل يكبر، وهو ظاهر الرواية، وعن محمد: إن كانت إلى الارض أقرب يكبر، وإلا فلا معراج.
ومثله في البزازية والفتح.
ويخالفه ما في البحر عن الظهيرية: أنها لو رفعت بالايدي ولم توضع على الاكتاف لا يكبر في ظاهر الرواية، لكن قال في الشرنبلالية: وينبغي أن يعول على ما في البزازية، ولا يخالفه ما يأتي من أنها لا تصح إذا كان الميت على أيدي الناس لانه يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء اه.
قوله: (وما في المجتبى من أن المدرك) أي الحاضر، وسماه مدركا لانه بمنزلته كما مر.
وعبارة المجتبى: رجل واقف حيث يجزيه الدخول في صلاة الامام فكبر الامام الاولى ولم يكبر معه فإنه يكبر ما لم يكبر الامام الثانية، فإن كبر كبر معه وقضى الاولى في الحال، وكذا إن لم يكبر في الثانية والثالثة والرابعة يكبر ويقضي ما فاته في الحال اه.
قوله: (شاذ) لمخالفته ما نص عليه غير واحد من أنه يكبر ما فاته بعد سلام الامام.
أفاده في النهر.
قوله: (فلو جاء الخ هذا ثمرة الخلاف بينهما وبين أبي يوسف كما في النهر.
قوله: (لتعذر الدخول الخ) لما مر أن المسبوق ينتظر الامام ليكبر معه، وبعد الرابعة لم يبق على الامام تكبير حتى ينتظره ليتابعه فيه.
قال في الدرر: والاصل في الباب عندهما أن المقتدي يدخل في تكبيرة الامام، فإذا فرغ الامام من الرابعة تعذر عليه الدخول.
وعند أبي يوسف يدخل إذا بقيت التحريمة، كذا في البدائع اه.
قوله: (كما في الحاضر) أي في وقت التكبيرة الرابعة فقط(2/235)
أو التكبيرات كلها ولم يكبرها مع الامام، وأشار بالتشبيه تبعا للبدائع إلى أن مسألة الحاضر اتفاقية، وفيه كلام يأتي.
قوله: (وعليه الفتوى) أي على قول أبي يوسف في مسألة المسبوق، خلافا لما
مشى عليه في المتن.
قوله: (ذكره الحلبي وغيره) عبارة الحلبي في شرح المنية: وإن جاء بعد ما كبر الرابعة فاتته الصلاة عندهما.
وعند أبي يوسف: يكبر، فإذا سلم الامام قضى ثلاث تكبيرات.
وذكر في المحيط أن عليه الفتوى اه.
قلت: وذكر أيضا في الفتاوى الهندية عن المضمرات أنه الاصح، وعليه الفتوى، لكن ما مشى عليه في المتن صرح في البدائع بأنه الصحيح، ومثله في الدرر وشرح المقدسي ونور الايضاح، نعم نقل في الامداد عن التجنيس والولوالجية أن ذلك رواية عن أبي حنيفة، وأن عند أبي يوسف: يدخل في الصلاة، وعليه الفتوى، قال: فقد اختلف التصحيح.
تنبيه: هذا كله في المسبوق، وأما الحاضر وقت التكبيرة الرابعة فإنه يدخل، وقد أشار الشارح كالبدائع إلى أنه بالاتفاق كما قدمنا، وبه صرح في النهر، وهو ظاهر عبارة المجتبى التي قدمناها، لكن في البحر عن المحيط: لو كبر الامام أربعا والرجل حاضر فإنه يكبر ما لم يسلم الامام ويقضي الثلاث، وهذ اقول أبي يوسف، وعليه الفتوى.
وروى الحسن أنه لا يكبر وقد فاتته اه.
أقول: لكن المفهوم من غالب عباراتهم أن عدم فوات الصلاة في الحاضر متفق عليه بين أبي يوسف وصاحبيه، وأن الفوات رواية الحسن عن أبي حنيفة، وأن المفتى به عدم الفوات، وهذا هو المناسب، لما مر من تقرير أقوالهم، أما على قول أبي يوسف فظاهر، لان المسبوق عنده لا تفوته الصلاة فالحاضر بالاولى، وأما على قولهما فلما صرح به في الهداية وغيرها من أن الحاضر بمنزلة المدرك عندهما، وهذا حاضر وقت الرابعة فيكبرها قبل سلام الامام ثم يقضي الثلاث لفوات محلها، وحينئذ فما في المحيط من قوله: وهذا قول أبي يوسف، لا يلزم منه أن يكون قولهما بخلافه، بل قولهما كقوله بدليل أنه قابله برواية الحسن فقط وإلا كان المناسب مقابلته بقولهما، ولذا لم يعزه في الخانية والولوالجية وغاية البيان إلى أبي يوسف، بل أطلقوه وقابلوه براوية الحسن، بل زاد في غاية البيان بعد ذلك: وعن أبي يوسف أنه يدخل معه، فأفاد أن قول أبي يوسف كقولهما، وأن المخالفة في رواية الحسن فقط.
تنبيه: نقل في البحر عبارة المحيط السابقة، ثم قال: فما في الحقائق من أن الفتوى على قول
أبي يوسف إنما هو في مسألة الحاضر لا المسبوق.
وقد يقال: إنه إذا كان حاضرا ولم يكبر حتى يكبر الامام ثنتين أو ثلاثا فلا شك أنه مسبوق، وحضوره من غير فعل لا يجعله مدركا، فينبغي أن يكون كمسألة المسبوق، وأن يكون الفرق بين الحاضر وغيره في التكبيرة الاولى فقط، كما لا يخفى اه.
وأقول: إن ما في الحقائق محمول على مسألة المسبوق، لما مر من أن المخالف فيها أبو يوسف، وأن الفتوى على قوله.
وأما مسألة الحاضر فإنها وفاقية كما علمته.
وأما قوله وقد يقال(2/236)
الخ، فحاصله أنه لا تحقق لمسألة الحاضر إلا فيمن حضر وقت التكبيرة الاولى فكبرها قبل أن يكبر الامام الثانية.
أما لو تشاغل حتى كبر الامام الثانية أو أكثر فهو مسبوق لا حاضر، وفيه نظر ظاهر، فإنه إذا كان حاضرا حتى كبر الامام تكبيرتين مثلا يكون مدركا للثانية فله أن يكبرها قبل أن يكبر الامام الثالثة ويكون مسبوقا بالاولى فيأتي بها بعد سلام الامام.
فسبقه بها لا ينافي كونه حاضرا في غيرها، يدل على ذلك ما نقله في البحر عن الواقعات من أنه إن لم يكبر الحاضر حتى كبر الامام ثنتين كبر الثانية منهما ولم يكبر الاولى حتى يسلم الامام، لان الاولى ذهب محلها فكانت قضاء والمسبوق لا يشتغل بالقضاء قبل فراغ الامام اه.
فانظر كيف جعله حاضرا ومسبوقا، إذ لو كان مسبوقا فقط لم يكن له أن يكبر الثانية بل ينتظر تكبير الامام الثالثة كما مر، فاغتنم تحرير هذا المقام.
قوله: (أولى من الجمع) لان الجمع مختلف فيه.
قنية.
قوله: (وتقديم الافضل أفضل) أي يصلى أولا على أفضلهم، ثم يصلى على الذي يليه في الفضل، وقيده في الامداد بقوله إن لم يكن سبق: أي وإلا يصلى على الاسبق ولو مفضولا، وسيأتي بيان الترتيب.
قوله: (وإن جمع جاز) أي بأن صلى على الكل صلاة واحدة.
وله: (صفا واحدا) أي كما يصطفون في حال حياتهم عند الصلاة بدائع: أي بأن يكون رأس كل عند رجل الآخر فيكون الصف على عرض القبلة.
قوله: (وإن شاء جعلها صفا الخ) ذكر في البدائع التخيير بين هذا والذي قبله، ثم قال: هذا جواب ظاهر الرواية.
وروي عن أبي حنيفة في غير رواية الاصول أن الثاني أولى، لان السنة هي قيام الامام
بحذاء الميت، وهو يحصل في الثاني دون الاول اه.
قوله: (درجا) أي شبه الدرج بان يكون رأس الثاني عند منكب الاول.
بدائع.
قوله: (لحصول المقصود) وهو الصلاة عليهم.
درر.
والاحسن ما في المبسوط لان الشرط أن تكون الجنائز أمام الامام وقد وجد.
إسماعيل.
قوله: (فيقرب منه الافضل فالافضل) أي في صورة ما إذا جعلهم صفا واحدا مما يلي القبلة بوجهيها، أما في صورة جعلهم صفا عرضا فإنه يقوم عند أفضلهم كما قدمه، إذ ليس أحدهم أقرب، وهذا حيث اختلفوا في الفضل، وإن تساووا قدم أسنهم كما في الحلية.
وفي البحر عن الفتح: وفي الرجلين يقدم أكبرهما سنا وقرآنا وعلما، كما فعله عليه الصلاة والسلام في قتلى أحد من المسلمين.
قوله: (يقدم على العبد) أي ولو بالغا كما يفيده قول البحر عن الظهيرية ويقدم الحر على العبد ولو كان الحر صبيا اه.
قال ط: وأفاد أن الحر البالغ يقدم بالاولى، وهو المشهور، وروى الحسن عن الامام أن العبد إذا كان أصلح قدم.
منح اه.
قوله: (لضرورة) إنما قيد بها لانه لا يدفن اثنان في قبر ما لم يصر الاول تراب، فيجوز حينئذ البناء عليه والزرع إلا لضرورة، فيوضع بينهما تراب أو لبن ليصير كقبرين، ويجعل الرجل مما يلي القبلة ثم الغلام ثم الخنثى ثم المرأة.
شرح الملتقى.(2/237)
مطلب في بيان من أحق بالصلاة على الميت قوله: (ونائبه) الاولى ثم نائبه ح: أي كما عبر في الفتح وغيره.
قوله: (ثم صاحب الشرط) قال في الشرنبلالية: ظاهر كلام الكمال أن صاحب الشرط غير أمير البلد.
وفي المعراج ما يفيد أنه هو حيث قال: الشرط بالسكون والحركة: خيار الجند، والمراد أمير البلدة كأمير بخارى اه.
وأجاب ط بحمل أمير البلد على المولى من نائب السلطان لا من السلطان.
هذا، وتقدم في الجمعة تقديم الشرطي على القاضي، وما هنا مخالف له، ولم أر من نبه عليه، فليتأمل.
قوله: (ثم خليفته) كذا في البحر: أي خليفته صاحب الشرط كما هو المتبادر، وفيه أنه حيث قدم القاضي على صاحب الشرط كان المناسب تقديم خليفته على خليفة صاحب الشرط، فالمناسب قول الفتح: ثخليفة الوالي، ثم خليفة القاضي اه.
ومثله في الامداد عن الزيلعي.
قوله: (ثم إمام الحي) أي الطائفة، وهو إمام المسجد الخاص بالمحلة، وإنما كان أولى، لا الميت رضي بالصلاة خلفه في حال حياته، فينبغي أن يصلى عليه بعد وفاته، قال في شرح المنية: فعلى هذا لو علم أنه كان غير راض به حال حياته ينبغي أن لا يستحب تقديمه.
قلت: هذا مسلم إن كان عدم رضاه به لوجه صحيح، وإلا فلا.
تأمل.
قوله: (فيه إيهام) أي في كلام المصنف إيهام التسوية في الحكم بين تقديم المذكورين، لكن القاعدة الاصولية أن القرآن في الذكر لا يوجب الاتحاد في الحكم.
تأمل.
مطلب: تعظيم أولي الامر واجب قوله: (وذلك أن تقديم الولاة واجب) لان في التقديم عليهم إزدراء بهم وتعظيم أولي الامر واجب، كذا في الفتح.
وصرح في الولوالجية والايضاح وغيرهما بوجوب تقديم السطان، وعلله في المنبع وغيره بأنه نائب النبي (ص) الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيكون هو أيضا كذلك.
إسماعيل.
قوله: (بشرط الخ) نقل عن هذا الشرط في الحلية، ثم قال: وهو حسن، وتبعه في البحر.
قوله: (إمام المسجد الجامع) عبر عنه في شرح المنية بإمام الجمعة.
تنبيه: وأما إمام مصلى الجنازة الذي شرطه الواقف وجعل له معلوما من وقفه فهل يقدم على الولي كإمام الحي أم لا للقطع بأن علة الرضا بالصلاة خلفه في حياته خاصة بإمام المحلة؟ والذي يظهر لي أنه إن كان مقررا من جهة القاضي فهو كنائبه، وإن من جهة الناظر فكالأجنبي.
أفاده في البحر.
وخالفه في النهر بأن ما مر في باب الامامة من تقديم الراتب على إمام الحي يقتضي تقديمه هنا عليه.
واستظهر المقدسي أنه كالاجنبي مطلقا لانه إنما يجعل للغرباء ومن لا ولي له.
أقول: وهذا أولى لما يأتي من أن الاصل أن الحق للولي، وإنما قدم عليه الولاة وإمام الحي لما مر من التعليل وهو غير موجود هنا، وتقرير القاضي له لاستحقاق الوظيفة لا لجعله نائبا عنه، وإلا لزم أن كل من قرره القاضي في وظيفة إمامه أن يكون نائبا عنه مقدما على إمام الحي، والفرق بينه وبين الامام الراتب ظاهر، لانه لم يرضه للصلاة خلفه في حياته، بخلاف الراتب، هذا ما ظهر(2/238)
لي، فتأمله.
قوله: (ثم الوالي) أي ولي الميت البالغ العاقل فلا ولاية لامرأة وصبي ومعتوه كما في الامداد.
قال في شرح المنية: الاصل أن الحق في الصلاة للولي، ولذا قدم على الجميع في قول أبي يوسف والشافعي ورواية عن أبي حنيفة، لان هذا حكم يتعلق بالولاية كالانكاح، إلا أن الاستحسان وهو ظاهر الرواية تقديم السلطان ونحوه، لما روي أن الحسين قدم سعيد بن العاص لما مات الحسن وقال: لولا السنة لما قدمتك، وكان سعيد واليا بالمدينة، ولما مر من الوجه في تقديم الولاة وإمام الحي.
قوله: (بترتيب عصوبة الانكاح) فلا ولاية للنساء ولا للزوج إلا أنه أحق من الاجنبي.
وفي الكلام رمز إلى أن الابعد أحق من الاقرب الغائب.
وحد الغيبة هنا أن يكون بمكان تفوته الصلاة إذا حضر.
ط عن القهستاني.
زاد في البحر: وأن لا ينتظر الناس قدومه.
قلت: والظاهر أن ذوي الارحام داخلون في الولاية، والتقييد بالعصوية لاخراج النساء فقط، فهم أولى من الاجنبي، وهو ظاهر، ويؤيده تعبير الهداية بولاية النكاح.
تأمل.
قوله: (فيقدم على الابن اتفاقا) هو الاصح لان للاب فضيلة عليه وزيادة سن، والفضيلة والزيادة تعتبر ترجيحا في استحقاق الامامة كما في سائر الصلوات.
بحر عن البدائع، وقيل هذا قول محمد.
وعندهما الابن أولى.
قال في الفتح: وإنما قدمنا الاسن بالسنة.
قال عليه الصلاة والسلام في حديث القسامة: ليتكلم أكبرهما وهذا يفيد أن الحق للابن عندهما، إلا أن السنة أن يقدم هو أباه، ويدل عليه قولهم: سائر القرابات أولى من الزوج إن لم يكن له منها ابن، فإن كان فالزوج أولى منهم، لان الحق للابن وهو يقدم أباه، ولا يبعد أن يقال: إن تقديمه على نفسه واجب بالسنة اه.
وفي البدائع: وللابن في حكم الولاية أن يقدم غيره، لان الولاية له، وإنما منع عن التقدم لئلا يستخف بأبيه فلم تسقط ولايته بالتقديم.
قوله: (أن لا يكون الخ) قال في البحر: ولو كان الاب جاهلا والابن عالما ينبغي أن يقدم الابن، إلا أن يقال: إن صفة العلم لا توجب التقديم في صلاة الجنازة لعدم احتياجها له.
واعترضه في النهر بما مر أن إمام الحي إنما يقدم على الولي إذا كان أفضل، قال: نعم، علل القدوري كراهة تقدم الابن على أبيه بأن فيه استخفافا به، وهذا يقتضي وجوب تقديمه مطلقا اه.
قلت: وهذا مؤيد لما مر آنفا عن الفتح.
قوله: (فالابن أولى) في نسخة: والاسن أولى،
وعليها كتب المحشي فقال: أي إذا حصلت المساواة في الدرجة والقرب والقوة كابنين أو أخوين أو عمين فالاسن أولى.
أقول: إلا أن يكون غير الاسن أفضل اه: أي قياسا على تقديم الابن الافضل على أبيه، بل هذا أولى، فلو كان الاصغر شقيقا والاكبر لاب فالاصغر أولى كما في الميراث، حتى لو قدم أحدا فليس للاكبر منعه كما في البحر.
قوله: (فإن لم يكن له ولي فالزوج ثم الجيران) كذا في فتح القدير، وهو صريح في تقديم الزوج على الاجنبي ولو جارا، وهو مقتضى إطلاق ما قدمناه عن القهستاني من أن الزوج أحق من الاجنبي، فما هنا أولى من قول النهر: والزوج والجيران أولى من الاجنبي اه.
وشمل الولي مولى العتاقة وابنه ومولى الموالاة فإنهم أولى من الزوج لانقطاع الزوجية بالموت.
بحر.
قوله: (ومولى العبد أولى من ابنه الحر).
وكذا من أبيه وغيره.
قال الزيلعي: والسيد أولى من قريب عبده على الصحيح، والقريب(2/239)
أولى من السيد المعتق اه.
فما في القهستاني من أن ابن العبد وأباه أحق من المولى على خلاف الصحيح.
قوله: (لبقاء ملكه) اعترض بما في شرح الهاملية من أن السيد لا يغسل أمته ولا أم ولده ولا مدبرته لانقطاع ملكنه عنهن بالموت اه.
أقول: لان الجثة الميتة لا تقبل الملك، لكن المراد بقاء الملك حكما كما قيده في البحر، ولذا يلزمه تكفين عبده كالزوجة، مع أن الزوجية انقطعت بالموت كما مر آنفا، والتغسيل لما فيه من المس والنظر المحذورين لا يراعى فيه الملك الحكمي لضعفه، ففارق التكفين وولاية الصلاة، هذا ما ظهر لي.
قوله: (والفتوى على بطلان الوصية) عزاه في الهندية إلى المضمرات: أي لو أوصى بأن يصلي عليه غير من له حق التقدم أو بأن يغسله فلان لا يلزم تنفيذ وصيته ولا يبطل حق الولي بذلك، كذا تبطل لو أوصى بأن يكفن في ثوب كذا أو يدفن في موضع كذا أو يدفن في موضع كذا كما عزاه إلى المحيط.
وذكر في شرح درر البحار أن تعليل تقديم إمام الحي بما مر من أن الميت رضيه في حياته يعلم أن الموصى له يقدم على إمام الحي لاختياره له صريحا، إلا أن المذكور في المنتقى أن هذه الوصية
باطلة اه.
فتأمل.
قوله: (ومثله كل من يقدم عليه من باب أولى) ظاهره أن للسلطان أن يأذن بالصلاة لاجنبي بلا إذن الولي، وقد ذكره في الحلية بحثا بناء على أن الحق ثابت للسلطان ونحوه ابتداء، واستثنى إمام الحي فليس له الاذن، لان تقديمه على الولي مستحب، فهو كأكبر الاخوين إذا قدم أجنبيا فللاصغر منعه فكذا للولي اه.
أقول: وفي كون الحق ثابتا للسلطان ابتداء بحث لما قدمناه عشرح المنية من أن الحق في الاصل للولي، وإنما قدم السلطان في ظاهر الرواية لئلا يزدرى به وتعظيمه واجب، وقدم إمام الحي لان الميت رضيه في حياته، ومثله ما في الكافي حيث علل لما يأتي من أن للولي الاعادة إذا صلى غيره بقوله: لان الحق للاولياء لانهم أقرب الناس إليه وأولادهم به، غير أن السلطان أو الامام إنما يقدم بعارض السلطنة والامامة اه.
وبهذا تندفع الاولوية، فتأمل.
قوله: (فيها) أي في الصلاة على الميت، وفسر الاذن بتفسير آخر، وهو أن يأذن للناس في الانصراف بعد الصلاة قبل الدفن، لانه لا ينبغي لهم أن ينصرفوا إلا بإذنه.
وذكر الزيلعي معنى آخر وهو الاعلام بموته ليصلوا عليه.
بحر.
لكن يتعين المعنى الاول في عبارة المصنف للاستثناء المذكور، بخلاف عبارة الكنز والهداية.
قوله: (فيملك إبطاله) أي بتقديم غيره هداية.
فالمراد بالابطال نقله عنه إلى غيره.
قوله: (ولو أصغر سنا) فلو كانا شقيقين، فالاسن أولى، لكنه لو قدم أحد فللاصغر منعه، ولو قدم كل منهما واحدا فمن قدمه الاسن أولى.
بحر.
قوله: (أما العبد فليس له المنع) فلو كان الاصغر شقيقا(2/240)
والاكبر لاب فقدم الاصغر أحدا فليس للاكبر المنع.
بحر.
وفيه: فإن كان الشقيق غائبا وكتب إلى إنسان ليتقدم فللاخ لاب منعه والمريض في المصر كالصحيح يقدم من شاء، وليس للابعد منعه.
قوله: (فإن صلى غيره) الاخصر أن يقول: فإن صلى من ليس له حق التقدم اه ح.
قوله: (ممن ليس له حق التقدم الخ) بيان لغير المضاف إلى ضمير الولي أخرج به السلطان ونحوه وإمام الحي فإن صلى أحدهم لم يعد الولي كما يأتي لتقدمهم عليه.
قوله: (أعاد الولي) مفهومه أن غير الولي كالسلطان لا يعيد إذا صلى غيره ممن ليس له حق التقدم معه إلا أن يراد بالولي من له حق الصلاة،
وعليه فكان الاولى أن يقول: أعاد من له حق التقدم، لكن اختلف فيما إذا صلى الولي فهل لمن قبله كالسلطان حق الاعادة؟ ففي النهاية والعناية: نعم لان الولي إذا كان له الاعادة إذا صلى غيره مع أنه أدنى فالسلطان والقاضي بالاولى.
وفي السراج والمستصفى: لا.
ووفق في البحر بحمل الاول على ما إذا تقدم الولي مع وجود السلطان ونحوه، والثاني على ما إذا لم يوجد.
واعترضه في النهر بأن السلطان لا حق له عند عدم حضوره، فالخلاف عند حضوره اه.
والذي يظهر لي ما في السراج والمستصفى لما قدمناه عن الكافي من أن الحق للاولياء وتقديم السلطان ونحوه لعارض وأن دعوى الاولوية غير مسلمة، ونظيره الابن فإن الحق له ابتداء ولكنه يقدم أباه لحرمة الابوة.
وأما تأييد صاحب البحر ما في النهر والعناية بما في الفتاوى كالخلاصة والولوالجية وغيرهما، من أنه لو صلى السلطان أو القاضي أو إمام الحي ولم يتابعه الولي ليس له الاعادة لانهم أولى منه اه.
ففيه نظر، إذ لا يلزم من كونهم أولى منه أن تثبت لهم الاعادة إذا صلى بحضرتهم لانه صاحب الحق وإن ترك واجب احترام السلطان ونحوه، ويدل على ذلك قول الهداية: فإن صلى غير الولي أو السلطان أعاد الولي لان الحق للاولياء وإن صلى الولي لم يجز لاحد أن يصلي بعده اه.
ونحوه في الكنز وغيره، فقوله: لم يجز لاحد، يشمل السلطان.
ثم رأيت في غاية البيان قال ما نصه: هذا على سبيل العموم حتى لا تجوز الاعادة لا للسلطان ولا لغيره اه.
وما قيل إن المراد بالولي من له حق الولاية يبعده عطف السلطان قبله على الولي.
ونقل في المعراج عن المجتبى أن للسلطان الاعادة إذا صلى الولي بحضرته، ثم قال: لكن في المنافع ليس للسلطان الاعادة، ثم أيد رواية المنافع فراجعه، وهذا عين ما قلناه، فاغتنم تحرير هذا المقام والسلام.
قوله: (إن شاء الخ) وأما ما في التقويم من أنه لو صلى غير الولي كانت الصلاة باقية على الولي فضعيف كما في النهر.
قوله: (ولذا الخ) علة لقوله: لا لاسقاط الفرض أي فإن الفرض لو لم يسقط بالاولى كان لمن صلى إو لا أن يعيد مع الولي، وبهذا رد في البحر ما في غاية البيان من أن الاولى موقوفة، فإن أعاد الولي تبين أن الفرض(2/241)
ما صلي وإلا سقط بالاولى، لكن قال العلامة المقدسي: إن ما في غاية البيان موافق للقواعد، لان
التنفل بها غير مشروع عندنا، ولذلك نظير وهو الجمعة مع الظهر لمن أداه قبلها اه: نعم يحتاج إلى الجواب عما قاله في البحر وهو صعب، فالاحسن الجواب عما قاله المقدسي بأن إعادة الولي ليست نفلا، لان صلاة غيره وإن تأدى بها الفرض وهو حق الميت لكنها ناقصة لبقاء حق الولي فيها، فإذا أعادها وقعت فرضا مكملا للفرض الاول نظير إعادة المؤادة بكراهة، فإن كلا منهما فرض كما حققناه في محله، وحيث كانت الاولى فرضا فليس لمن صلى أولا أن يعيد مع الولي، لان إعادته تكون نفلا من كل وجه، بخلاف الولي لانه صاحب الحق، هذا ما ظهر لي، فتأمله.
قوله: (غير مشروع) أي عندنا.
وعند مالك خلافا للشافعي رحمه الله والادلة في المطولات.
قوله: (أو إمام الحي) نص عليه في الخلاصة وغيرها كما قدمناه، وكذا صرح في المجمع وشرحه بأنه كالسلطان في عدم إعادة الولي، وبه ظهر ضعف ما في غاية البيان من أن للولي الاعادة لو صلى إمام الحي لا لو صلى السلطان لئلا يزدرى به.
أفاده في البحر.
قوله: (لانهم أولى الخ) الاولى أن يقول أيضا: ولان متابعته إذن بالصلاة ليكون علة لقوله: أو من ليس له حق التقدم وتابعه الولي ط.
قوله: (بأن لم يحضر الخ) لانه لا حق للولي عند حضرة السلطان ونحوه، وقد علمت ما فيه.
قوله: (وإن حضر) يعني بعد صلاة الولي، وإن وصلية.
قوله: (أما لو صلى الخ) تصريح بمفهوم قوله بأن لم يحضر من يقدم عليه وهذا ما وفق به صاحب البحر بين عباراتهم، وقد علمت تحريم المقام آنفا.
قوله: (وفيه) أي في المجتبى، وهذه العبارة عزاها إليه في البحر، لكني لم أجدها فيه والذي رأينه في المجتبى هكذا: ثم إذا دفن قبل الصلاة وصلى عليه من لا ولاية له يصلى عليه ما لم يتمزق اه.
والمراد يصلي عليه الولي إن شاء لاجل حقه لا لاسقاط الفرض فلا ينافي ما مر، وكذا يمكن تأويل قول كعدم الصلاة كما أفاده ح بأنها بالنسبة إلى من له الولاية كالعدم حتى كان له الاعادة.
قوله: (وأهيل عليه التراب) فإن لم يهل أخرج وصلي عليه كما قدمناه.
بحر.
قوله: (أو بها بلا غسل) هذه رواية ابن سماعه.
والصحيح أنه لا يصلى على قبره في هذه الحالة لانها بلا غسل غير مشروعة، كذا في غاية البيان، لكن في السراج وغيره: قيل لا يصلى على قبره، وقال الكرخي: يصلى، وهو الاستحسان، لان الاولى لم يعتد بها لترك الشرط مع الامكان والآن زال الامكان فسقطت فرضية الغسل، وهذا يقتضي ترجيح الاطلاق، وهو الاولى.
نهر.
تنبيه: ينبغي أن يكون في حكم من دفن بلا صلاة من تردى في نحو بئر أو وقع عليه بنيان ولم يمكن إخراجه، بخلاف ما لو غرق في بحر لعدم تحقق وجوده أمام المصلي.
تأمل.
قوله: (أو(2/242)
ممن لا ولاية له) متعلق بمحذوف حالا من ضمير بها العائد إلى الصلاة، وهذا مكرر بما نقله عن المجتبى.
قوله: (صلي على قبره) أي افتراضا في الاوليين وجوازا في الثالثة لانها لحق الولي.
أفاده ح.
أقول: وليس هذا من استعمال المشترك في معنييه كما وهم، لان حقيقة الصلاة في المسائل الثلاث واحدة، وإنما الاختلاف في الوصف وهو الحكم، فهو كإطلاق الانسان على ما يشمل الابيض والاسود، فافهم.
قوله: (هو الاصح) لانه يختلف باختلاف الاوقات حرا وبردا والميت سمنا وهزالا والامكنة.
بحر.
وقيل يقدر بثلاثة أيام، وقيل عشرة، وقيل شهر.
ط عن الحموي.
قوله: (وظاهره الخ) أي ظاهر قوله ما لم يغلب الخ فإنه في الشك لم يغلب على الظن تفسخه ط.
قوله: (كأنه تقديما للمانع) الخبر محذوف: أي كأنه قال ذلك تقديما: أي أنه دار الامر بين التفسخ المقتضي عدم الصلاة وبين عدمه الموجب لها، فاعتبرنا المانع وهو التفسخ ط.
أقول: وفي الحلية، نص الاصحاب على أنه لا يصلى عليه مع الشك في ذلك، ذكره في المفيد والمزيد وجوامع الفقه وعامة الكتب، وعلله في المحيط بوقوع الشك في الجواز اه.
وتمامه فيها.
قوله: (بغير عذر) راجع إلى المسألتين، فلو صلى راكبا لتعذر النزول لطين أو مطر جاز، وكذا لو صلى الولي قاعدا لمرض والناس خلفه قياما عندهما.
وقال محمد: تجزيه دون القوم بناء على الخلاف في اقتداء القائم بالقاعد.
بحر.
والتقييد بالولي لان الحق له، فلو صلى غيره ممن لا حق له إماما قاعدا لعذر، فالظاهر أن الحكم كذلك، ويسقط الفرض بصلاته خلافا لما بحثه السيد أبو السعود.
أفاده ط.
مطلب في كراهة صلاة الجنازة في المسجد قوله: (وقيل تنزيها) رجحه المحقق ابن الهمام وأطال، ووافقه تلميذه العلامة ابن أمير حاج،
وخالفه تلميذه الثاني الحافظ الزيني قاسم في فتواه برسالة خاصة، فرجع القول الاول لاطلاق المنع في قول محمد في موطئه: لا يصلى على جنازة في مسجد.
وقال الامام الطحاوي: النهي عنها وكراهيتها قول أبي حنيفة ومحمد، وهو قول أبي يوسف أيضا وأطال، وحقق أن الجواز كان ثم نسخ وتبعه في البحر، وانتصر له أيضا سيدي عبد الغني في رسالة سماها نزهة الواجد في حكم الصلاة على الجنائز في المساجد.
قوله: (في مسجد جماعة) أي المسجد الجامع، ومسجد المحلة.
قهستاني.
وتكره أيضا في الشارع وأرض الناس كما في الفتاوى الهندية عن المضمرات، وكما تكره الصلاة عليها في المسجد يكره إدخالها فيه كما نقله الشيخ قاسم.
قوله: (أو مع القوم) أي كلا أو بعضا بناء على أن أل في القوم جنسية اه ح.
قوله: (مطلقا) أي في جميع الصور المتقدمة كما في الفتح عن الخلاصة.
وفي مختارات النوزل سواء كان الميت فيه أو خارجه هو ظاهر الرواية.
وفي رواية:(2/243)
لا يكره إذا كان الميت خارج المسجد.
قوله: (بناء على أن المسجد الخ) أما إذا عللنا بخوف تلويث المسجد فلا يكره إذا كان الميت خارج المسجد وحده أو مع بعض القوم اه ح.
قال في شرح المنية: وإليه مال في المبسوط والمحيط، وعليه العمل وهو المختار اه.
قلت: بل ذكر في غاية البيان والعناية أنه لا كراهة فيها بالاتفاق، لكن رده في البحر.
وأجاب في النهر بحمل الاتفاق على عدم الكراهة في حق من كان خارج المسجد، وما مر في حق من كان داخله.
ثم اعلم أن التعليل الاول فيه خفاء، إذ لا شك أن الصلاة على الميت دعاء وذكر وهما مما بني له المسجد وإلا لزم المنع عن الدعاء فيه لنحو الاستسقاء والكسوف، مع أن الوارد في ذلك ما رواه مسلم أن رجلا نشد في المسجد ضالة فقال (ص): لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له فليتأمل.
قوله: (وهو الموافق الخ) كذا في الفتح، لكن فيه نظر، لان قوله: في المسجد يحتمل أن يكون ظرفا لصلى أو لميت أو لهما، فعلى الاول لا يكره كون الميت فيه والصلاة خارجه، وعلى الثاني لا يكر العكس، وعلى الثالث لا يكره إذا فقد أحدهما، وعلى كل فهو مخالف
للختار من إطلاق الكراهة.
وأجاب في البحر بأنه لما لم يقم دليل على واحد من الاحتمالات بعينه قالوا بالكراهة بوجود أحدها أيا كان اه.
أقوله: يلزم عليه إثبات الكراهة بلا دليل، لانه إذا طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال، ولكن لا يخفى أن المتبادر لغة وعرفا من نحو قولك ضربت زيدا في الدار تعلق الظرف بالفعل، وأما أنه هل يقتضى كون كل من الفاعل والمفعول به أو أحدها بعينه في المكان؟ فغير لازم.
مطلب مهم إذا قال: إن شتمت فلانا في المسجد يتوقف على كون الشاتم فيه، وفي إن قتلته بالعكس نعم ذكر ضابطا لذلك في تلخيص الجامع الكبير وشرحه في باب الحنث في الشتم، وهو أن الفعل قد لا يكون له أثر في المفعول كالعلم والذكر، وقد يكون كالضرب والقتل، فإذا قال: إن شتمت زيدا في المسجد مثلا فإنما يتحقق بكون الشاتم في ذلك المكان سواء كان المشتوم فيه أيضا أو لا، لان الشتم هو ذكر المشتوم بسوء، والذاكر يقوم بالذاكر ولا أثر له في المذكور، لانه يتحقق شتما في حق الميت والغائب فيعتبر مكان الفاعل، وأما القتل والضرب ونحوهما في مكان فيتحقق بكون المفعول به فيه سواء كان الفاعل فيه أيضا أم لا، لان هذه الافعال لها آثار تقوم بالمحل، فيشترط وجود المفعول به وهو المحل في ذلك المكان دون الفاعل، لان من ذبح شاة هي في المسجد وهو خارجه يسمى ذابحا في المسجد، بخلاف عكسه، ألا ترى أن الرامي إلى صيد في الحرم يكون قاتلا للصيد في(2/244)
الحرم وإن كان حال الرمي في الحل اه ملخصا، وتمام تحقيقه هناك فراجعه.
إذا علمت ذلك فلا يخفى أن الصلاة على الميت فعل لا أثر له في المفعول، وإنما يقوم بالمصلي، فقوله: من صلى على ميت في مسجد يقتضي كون المصلى في المسجد سواء كان الميت فيه أو لا، فيكره ذلك أخذا من منطوق الحديث، ويؤيده ما ذكره العلامة قاسم في رسالته من أنه روي: أن النبي (ص) لما نعى النجاشي إلى أصحابه خرج فصلى عليه في المصلى قال: ولو جازت في المسجد لم يكن للخروج معنى اه.
مع أن الميت كان خارج المسجد.
وبقي ما إذا كان المصلي خارجه والميت فيه، وليس في الحديث دلالة على عدم كراهته، لان المفهوم عندنا غير معتبر في مثل ذلك، بل قد يستدل على الكراهة بدلالة النص، لانه كرهت الصلاة عليه في المسجد وإن لم يكن هو فيه، مع أن الصلاة ذكر ودعاء يكره إدخاله فيه بالاولى، لانه عبث مخص، ولا سيما على كون علة كراهة الصلاة خشيت تلويث المسجد.
وبهذا التقرير ظهر أن الحديث مؤيد للقول المختار من إطلاق الكراهة الذي هو ظاهر الرواية كما قدمناه، فاغتنم هذا التحرير الفريد فإنه مما فتح به المولى على أضعف خلقه، والحمد لله على ذلك.
قوله: (فلا صلاة له) هذه رواية ابن أبي شيبة ورواية أحمد وأبي داود فلا شئ له وابن ماجه فليس له شئ وروي فلا أجر له وقال ابن عبد البر: هي خطأ فاحش، والصحيح فلا شئ له وتمامه في حاشية نوح أفندي والمدني، وليس الحديث نهيا غير مصروف ولا مقرونا بوعيد، لان سلب الاجر لا يستلزم ثبوت استحقاق العقاب لجواز وقد يقال: إن الصلاة نفسها سبب موضوع للثواب فسلبه مع فعلها لا الاباحة يكون إلا باعتبار ما يقترن بها من إثم يقاوم ذلك، وفيه نظر، كذا في الفتح، وكذا يقال في رواية فلا صلاة له لانه علم قطعا أنها صحيحة فهي مثل لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد بل تأويل هذه الرواية أقرب: أي لا صلاة كاملة، فلا تنافي ثبوت أصل الثواب.
وبه اندفع ما في البحر من أن هذه الرواية تؤيد القول بكراهة التحريم.
تتمة: إنما تكره في المسجد بلا عذر، فإن كان فلا.
ومن الاعذار المطر كما في الخانية، والاعتكاف كما في المبسوط، كذا في الحلية وغيرها.
والظاهر أن المراد اعتكاف الولي ونحوه ممن له حق التقدم، ولغيره الصلاة معه تبعا له وإلا ألا يصليهما غيره وهو بعيد، لان إثم الادخال والصلاة ارتفع بالعذر.
تأمل، وانظر هل يقال: إن من العذر ما جرت به العادة في بلادنا من الصلاة عليها في المسجد لتعذر غيره أو تعسره بسبب اندراس المواضع التي كانت يصلى عليها فيها، فمن حضرها في المسجد إن لم يصل عليها مع الناس لا يمكنه الصلاة عليها في غيره، ولزم أن لا يصلي في عمره على جنازة، نعم قد توضع في بعض المواضع خارج المسجد في الشارح فيصل عليها، ويلزم منه فسادها
من كثير من المصلين لعموم النجاسة وعدم خلعهم نعاله المتنجسة، مع أنا قدمنا كراهتها في الشارع.
وإذا ضاق الامر اتسع، فينبغي الافتاء بالقول بكراهة التنزيه الذي هو خلاف الاولى(2/245)
كما اختاره المحقق ابن الهمام، وإذا كان ما ذكرناه عذرا فلا كراهة أصلا، والله تعالى أعلم.
قوله: (يغسل ويصلى عليه) أي ويكفن، ولم يصرح به لعلمه مما ذكره، لان ستر العورة شرط لصحة الصلاة.
تأمل.
قوله: (إن استهل) لا يخفى ما فيه من التسامح به، لان ترتيبه الموت على الولادة: أي في قوله قبله فمات مفيد للحياة قبله فلا يحسن التفصيل بعده، فكان ينبغي أن يقول كالكنز: ومن استهل صلى عليه وإلا لا.
شرنبلالية.
قوله: (بالبناء للفاعل) لان أصل الاهلال والاستهلال: رفع الصوت عند رؤية الهلال، فاطلق على رؤية الهلال، وعلى رفع الصوت مطلقا، ومنه أهل المحرم بالحج: أي رفع صوته بالتلبية، واستهل الصبي: إذا رفع صوته بالبكاء عند ولادته.
وأما المبني للمجهول فيقال: استهل الهلال: أي أبصر، كذا يفاد من المغرب.
قوله: (أي وجد منه ما يدل على حياته) أي من بكاء أو تحريك أو طرف ونحو ذلك.
بدائع.
وهذ معناه في الشرع كما في البحر.
وقال في الشرنبلالية: يعني الحياة المستقرة، ولا عبرة لانقباض وبسط اليد وقبضها، لان هذه الاشياء حركة المذبوح ولا عبرة بها، حتى لو ذبح رجل فمات أبوه وهو يتحرك لم يرثه المذبوح، لان له في هذه الحالة حكم الميت كما في الجوهرة اه.
أقول: وما نقلناه عن البدائع مشى عليه في الفتح والبحر والزيلعي، ويمكن حمله على ما في الشرنبلالية.
تأمل.
تنبيه: قال في البدائع ما نصه: ولو شهدت القابلة أو الام على الاستهلال تقبل في حق الغسل والصلاة عليه، لان خبر الواحد في الديانات مقبول إذا كان عدلا، وأما في حق الميراث فلا يقبل قول الام لكونها متهمة بجرها المغنم إلى نفسها، وكذا شهادة القابلة عند أبي حنيفة.
وقالا: تقبل إذا كانت عدلة اه.
وظاهره اشتراط نصاب الشهادة عنده في الميراث، وبه صرح في البحر عن المجتبى بلفظ: وعن أبي حنيفة.
قوله: (بعد خروج أكثره) متعلق بوجد، فلو خرج رأسه وهو يصيح ثم مات لم يرث
ولم يصل عليه ما لم يخرج أكثر بدنه حيا، بحر عن المبتغى.
حد الاكثر من قبل الرجل سرته، ومن قبل الرأس صدره.
نهر عن منية المفتى.
قوله: (حتى لو خرج الخ) أي فلو اعتبر حياته عند خروج الاقل من النصف لكان الواجب الدية، فإيجاب الغرة في هذه الحالة مبني على أن هذا الخروج كعدمه، فإن الغرة إنما تجب فيمن ضرب بطن الحامل حتى أسقطته ميتا فذبحه قبل خروج أكثره في حكم ضربه وهو في بطن أمه، بخلاف ذبحه بعد خروج أكثره فإنه م وجب للقود، وبما قررناه ظهر صحة التفريع وبطل التشنيع، فافهم.
قوله: (فعليه الغرة) هي نصف عشر دية الرجل لو الجنين ذكرا، وعشر دية المرأة لو أنثى، وكل منهما خمسمائة درهم، وهي خمسون دينارا كما سيأتي في محله.(2/246)
هذا، وما ذكره الشارح نقله في البحر عن المبتغى بالمعجمة، لكن ذكرنا في كتاب الجنايات في أوائل فصل ما يوجب القود عن المجتبى التاترخانية أن عليه الدية، لكن ما قررناه آنفا يؤيد ما هنا، أو يراد بالدية الغرة، فتأمل.
قوله: (فعليه الدية) ظاهر قوله فمات أن الموت بسبب القطع، وعليه فالمراد دية النفس إن كان القطع خطأ وإلا وجب القود، لكن عبارة البحر عن المبتغي: ثم مات، وعليه فإن كان موته لا بسبب القطع فالواجب دية الاذن، وإن كان به فالواجب دية النفس أو القود كما قلنا، لكن قال الرحمتي: وإنما وجبت الدية لا القصاص للشبهة حيث جرحه قبل تحقق كونه ولدا فليتأمل.
وفي الاحكام للشيخ إسماعيل عن التهذيب لذهن اللبيب مسألة: رجل قطع أذن إنسان وجب عليه خمسمائة دينار، ولو قطع رأسه وجب عليه خمسون دينارا، جوابها قطع أذن صبي خرج رأسه عند الولادة فإن تمت ولادته وعاش وجب نصف الدية وهي خمسمائة دينار ولو قطع رأسه ومات قبل خروج الباقي وجبت فيه الغرة وهي خمسون دينارا اه.
قوله: (وإلا يستهل غسل وسمى) شمل ما تم خلقه، ولا خلاف في غسله وما لم يتم وفيه خلاف.
والمختار أنه يغسل ويلف في خرقة، ولا يصلى عليه كما في المعراج والفتح والخانية والبزازية والظهيرية.
شرنبلالية.
وذكر في شرح المجمع لمصنفه أن الخلاف في الاول وأن الثاني لا يغسل إجماعا اه.
واغتر في البحر بنقل الاجماع على أنه لا يغسل، فحكم على ما في الفتح والخلاصة من أن المختار تغسيله بأنه سبق نظرهما إلى الذي تم خلقه أو سهو من الكاتب.
واعترضه في النهر بأن ما في الفتح والخلاصة عزاه في المعراج إلى المبسوط والمحيط اه.
وعلمت نقله أيضا عن الكتب المذكورة.
وذكر في الاحكام أنه جزم به في عمدة المفتي والفيض والمجموع والمبتغي اه.
فحيث كان هو المذكور في عامة الكتب فالمناسب الحكم بالسهو على ما في شرح المجمع، لكن قال في الشرنبلالية: يمكن التوفيق بأن من نفى غسله أراد الغسل المراعى فيه وجه السنة، ومن أثبته أراد الغسل في الجملة كصب الماء عليه من غير وضوء وترتيب لفعله كغسله ابتداء بسدر وحرض اه قلت: ويؤيده قولهم ويلف في خرقة حيث لم يراعوا في تكفينه السنة، فكذا غسله.
قوله: (عند الثاني) المناسب ذكره بعد قوله الآتي: وإذا استبان بعض خلقه غسل لانك علمت أن الخلاف فيه خلافا لما في شرح المجمع والبحر.
قوله: (إكراما لبني آدم) علة للمتن كما يعلم من البحر، ويصح جعله علة لقوله فيفتى به.
قوله: (وحشر) المناسب تأخيره عن قوله: هو المختار لان الذي في الظهيرية: والمختار أنه يغسل.
وهل يحشر؟ عن أبي جعفر الكبير أنه إن نفخ فيه الروح حشر، وإلا لا.
والذي يقتضيه مذهب أصحابنا أنه إن استبان بعض خلقه فإنه يحشر، وهو قول الشعبي وابن سيرين اه.
ووجهه أن تسميته تقتضي حشره، إذ لا فائدة لها إلا في ندائه في المحشر باسمه.
وذكر(2/247)
العلقمي في حديث: سموا أسقاطكم فإنهم فرطكم الحديث.
فقال: فائدة: سأل بعضهم هل يكون السقط شافعا، ومتى يكون شافعا؟ هل هو من مصيره علقة أم من ظهور الحمل، أم بعد مضي أربعة أشهر، أم من نفخ الروح؟ والجواب أن العبرة إنما هو بظهور خلقه وعدم ظهوره كما حرره شيخنا زكريا.
قوله: (ولم يصل عليه) أي سواء كان تام الخلق أم لا ط.
قوله: (إن انفصل بنفسه) أما إذا أفصل كما إذا ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا فإنه يرث ويورث، لان الشارع لما أوجب الغرة على الضارب فقد حكم بحياته.
نهر: أي يرث إذا مات أبوه مثلا قبل انفصاله.
قوله: (كصبي سبي مع أحد أبويه) وبالاولى إذا سبي معهما، والمجنون البالغ كالصبي كما في الشرنبلالية.
ولا فرق بين
كون الصبي مميزا أو لا، ولا بين موته في دار الاسلام أو الحرب، ولا بين كون السابي مسلما أو ذميا، لانه مع وجود الابوين لا عبرة للدار ولا للسابي، بل هو تابع لاحد أبويه إلى البلوغ ما لم يحدث إسلاما وهو مميز كما صرح به في البحر اه ح وقال المحقق ابن أمير حاج في شرحه على التحرير في فصل الحاكم بعد ذكره التبعية ما نصه: الذي في شرح الجامع الصغير لفخر الاسلام: ويستوي فيما قلنا أن يعقل أو لا يعقل، إلى هذا أشار في هذا الكتا ب، ونص عليه في الجامع الكبير، فلا جرم أن قال في شرحه: أو أسلم أحد أبويه يجعمسلما تبعا سواء كان الصغير عاقلا أو لم يكن، لان الولد يتبع خير الابوين دينا ا.
وذكر الخير الرملي أنه لو سبي مع الجد أبي الاب لا يكون كذلك بل يصلى عليه.
قوله: (لا يصلى عليه) تصريح بالمقصود من التشبيه.
قوله: (لا العقبى) وإلا كانوا في النار مثلهم، وهو أحد ما قيل فيهم.
ونقله في شرح المقاصد عن الاكثرين ط، وقدمنا تمامه فيما مر أول هذا الباب.
قوله: (ولو سبي بدونه) أي بدون أحد أبويه، بأن لم يكن معه واحد منهما ح.
قلت: المراد بالمعية ما يشمل الحكمية، لما في سير أحكام الصغار: ولو دخل حربي دار الاسلام ذميا ثم سبي ابنه لا يصير الابن مسلما بالدار اه.
وفيه: وإذا سبي المسلمون صبيان أهل الحرب وهم بعد في دار الحرب فدخل آباؤهم دار الاسلام وأسلموا فأبناؤهم صاروا مسلمين بإسلام آبائهم وإن لم يخرجوا إلى دار الاسلام اه.
وهذا يفيد تقييد المسألة بما إذا لم يسلم أبوه.
قوله: (تبعا للدار) أي إن كان السابي ذميا أو للسابي إن كان مسلما، كذا في شرح المنية.
واقتصر في البحر على تبعية الدار، قال: لان فائدة تبعية السابي إنما تظهر في دار الحرب، بأن وقع صبي في سهم رجل ومات الصبي يصلى عليه تبعا للسابي، والكلام في السبي، وهو لغة الاسرى المحمولون من بلد إلى بلد، فلا بد من الحمل حتى يسمى سببا ولم يوجد اه.
أقول: لكن الذي في الصحاح والقاموس أنه يقال: سبيت العدو سبيا: إذا أسرته، فهو سبي وهي سبي، ويقال سبيت الخمر سبيا: إذا حملتها من بلد إلى بلد فهي سبية اه.
فجعل الحمل قيدا في الخمرة دون الاسير.
تأمل، نعم ذكر الامام السرخسي في أواخر شرح السير الكبير ما يدل على
كون ذلك شرطا خارجا عن مفهومه، فإنه قال: لو سبى وحده لا يحكم بإسلامه ما لم يخرج إلى دار الاسلام مسلما تبعا للدار أو يقسم الامام الغنائم أو يبيعها في دار الحرب فيصير مسلما تبعا للمالك، لان تأثير التبعية للمالك فوق تأثير التبعية للدار، فإن كان المالك ذميا بأن ملكه بشراء أو(2/248)
رضخ فكذلك يحكم بإسلامه، وحتى لو مات يصلى عليه ويجبر الذمي على بيعه، لانه صار محرزا بقوة المسلمين فقد ملكه بإحرازهم إياه فصار تمام الاحراز بالقسمة والبيع كتمامه بالاخراج إلى دارنا، ولو دخل الذمي دار الحرب متلصصا وأخرج صغيرا إلى دارنا فهو مسلم يجبر الذمي على بيعه، لانه إنما ملكه بالاحراز بدارنا فصار كالمنفل بأن قال الامير: من أصاب رأسا فهو له، فأصاب الذمي صغيرا ليس معه أحد أبويه فهو مسلم، لانه إنمملكه بمنعة المسلمين، بخلاف ما إذا دخل الذمي دارهم بأمان فاشترى صغيرا من مماليكهم لانه يملكه بالعقد لا بمنعتنا، فإذا أخرجه إلينا لم يكن مسلما، أما لو كان الشاري منهم مسلما فإنه إذا أخرجه إلى دارنا وحده حكم بإسلامه، وتبعية الملك إنما تظهر في هذا، فإذا كان المالك مسلما فالملوك مثله تبعا له، أو ذميا فهو مثله اه ملخصا.
وحاصله أنه إنما يحكم بأسلامه بالاخراج إلى دار الاسلام تبعا للدار أو بالملك بقسمة أو بيع من الامام تبعا للمالك لو مسلما أو للغانمين لو ذميا، والله أعلم.
قلت: ويؤخذ من قوله إن تمام الاحراز بالقسمة والبيع كتمامه بالاخراج.
إن الذمي إذا ملكه يحكم بإسلامه قبل الاخراج، فإذا مات في دار الحرب يصلى عليه، فافهم.
قوله: (أو به) أي سبي بأحد أبويه: أي معه ح.
قوله: (فأسلم هو) أي أحد أبويه ح: أي فإن الصبي يصير مسلما، لان الولد يتبع خير الابوين دينا.
ولا فرق بين كون الولد مميزا أو لا كما مر.
ونقل الخير الرملي في باب نكاح الكافر قولين، وأن الشلبي أفتى باشتراط عدم التمييز، لكن صرح السرخسي في شرح السير بأن هذا القول خطأ، وسيأتي تمام الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى.
أقول: وبقي ما لو سبي معه أبواه أو أحدهما فماتا ثم أخرج إلى دارنا وحده فهو مسلم، لانه
بموتهما في دار الحرب خرج عن كونه تبعا لهما، بخلا ف ما لو ماتا بعد الاخراج أو القسمة أو البيع، كذا في شرح السير الكبير.
قوله: وهو عاقل) قيد لقوله: أو أسلم الصبي لان كلام غير العاقل غير معتبر لعدم صدوره عن قصد.
قوله: (أي ابن سبع سنين) تفسير للعاقل الذي يصح إسلامه بنفسه، وعزاه في النهر إلى فتاوى قارئ الهداية، وفسره في العناية بأن يقعل المنافع والمضار.
وأن الاسلام هدى واتباعه خير له، وفسره في الفتح بأن يعقل صفة الاسلام، وهو ما في الحديث أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره قال: وهذا دليل على أن مجرد قول لا إله إلا الله لا يوجب الحكم بالاسلام ما لم يؤمن بما ذكرنا، وتمامه في البحر والنهر.
أقول: والظاهر أن مراده أن يؤمن بذلك إذا فصل له وطلب منه الايمان به بقرينة ما يأتي، فلو أنكره أو امتنع من الاقرار به بعد الطلب لا يكفيه قول لا إله إلا الله للعلم بأنه (ص) كان يكتفي من المشركين بقول لا إله إلا الله وبالاقرار برسالته من غير إلزام بتفصيل المؤمن به، نعم قد يشترط الاقراء بالشهادتين معا أو بواحدة منهما وقد يشترط التبري عن بقية الاديان المخالفة أيضا على ما سيجئ إن شاء الله تعالى تفصيله في باب الردة عند ذكر الشارح هناك أن الكفار خمسة أصناف.(2/249)
قوله: (ولا يضر توقفه الخ) فإن العوام قد يقولون: لا نعرفه، وهم من التوحيد والاقرار والخوف من النار وطلب الجنة بمكان، وكأنهم يظنون أن جواب هذه الاشياء إنما يكون بكلام خاص منظوم فيحجمون عن الجواب.
بحر عن الفتح.
قوله: (ويغسل المسلم) أي جوازا لان من شروط وجوب الغسل كون الميت مسلما.
قال في البدائع: حتى لا يجب غسل الكافر، لان الغسل وجب كرامة وتعظيما للميت، والكافر ليس من أهل ذلك.
قوله: (قريبه) مفعول تنازع فيه الافعال الثلاثة قبله.
قوله: (كخاله) أشار إلى أن المراد بالقريب ما يشمل ذوي الارحام كما في البحر.
قوله: (الكافر الاصلي) قيده القهستاني عن الجلابي في باب الشهيد بغير الحربي ط.
قوله: (فيلقى في حفرة) أي ولا يغسل، ولا يكفن، ولا يدفع إلى من انتقل إلى ديتهم.
بحر عن الفتح.
قوله: (فلو له قريب) أي من أهل ملته.
قوله: (من غير مراعاة السنة) قيد للافعال الثلاثة كما أفاده بالتفريع بعده.
قوله:
(وليس للكافر الخ) أي إذا لم يكن للمسلم قريبفيتولى تجهيزه المسلمون.
ويكره أن يدخل الكافر في قبر قريبه المسلم ليدفنه.
بحر، وقدمنا أنه لو مات بين نساء معهم كافر يعلمنه الغسل ثم يصلين عليه، فتغسيل الكافر المسلم فيه للضرورة فلا يدل على أنه يمكن من تجهيز قريبه المسلم عند عدمها، خلافا للزيلعي.
أفاده في البحر.
مطلب في حمل الميت قوله: (وإذا حمل الجنازة) شروع في بيان كيفية حملها، وكان ينبغي تقديمه على الصلاة كما فعل في البدائع لتقدمه عليها غالبا.
قوله: (ندبا) لان فيه إيثارا لليمين والمقدم على اليسار والمؤخر.
قوله: (بكسر الدال وتفتح) أشار إلى أن الكسر أفصح كما في البحر عن الغاية، لكن الكسر مع التخفيف والفتح مع التشديد كما في القاموس، حيث قال: مقدم الرحل كمحسن ومعظم.
قوله: (لحديث من حمل الخ) الاولى تأخيره عن قوله: ثم مقدمها ثم مؤخرها ط.
والحديث المذكور ذكره الزيلعي ونقله في البحر عن البدائع.
وفي شرح المنية: ويستحب أن يحملها من كل جانب أربعين خطوة للحديث المذكور رواه أبو بكر النجار.
قوله: (كفرت عنه أربعين كبيرة) ببناء كفرت للفاعل وضميره للجنازة على تقدير مضاف: أي حملها، والكبيرة قد تطلق على الصغيرة، لان كل ذنب صغير بالنظر لما فوقه كبيرة بالنسبة لما تحته، أو المراد بالكبيرة حقيقتها، وقولهم إن الكبائر لا تكفر إلا بالتوبة أو بمحض الفضل أو بالحج المبرور محمول على ما لم يرد النص في ط، وسيأتي تمام ذلك في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
قوله: (كذلك) أي عشر خطوات، وهو معنى كذلك الثانية، ويمين الحامل يمين(2/250)
الميت، ويساره الجنازة، ويساره يساره ويمين الجنازة.
قهستاني ط.
قوله: (ويكره عندنا الخ) لان السنة التربيع.
بحر.
وما نقل عن بعض السلف من الحمل بين العمودين إن ثبت فلعارض كضيق المكان أو كثرة الناس أو قلة الحاملين كما بسطه في فتح القدير.
قوله: (قائمة) أي من قوائم السرير الاربع.
قوله: (باليد) أي ثم يضع على العنق، وقوله: لا على العنق أي ابتداء كما أفاده
شيخنا اه ح.
وفي الحلية: أو يرفعونه أخذا باليد لا وضعا على العنق، كما تحمل الاثقال، ذكره الفقيه أبو الليث في شرح الجامع الصغير اه.
والمراد بالعنق: الكتف كما قال ط.
قوله: (ولذا الخ) علة لما استفيد من أن حملة كالامتعة مكروه ط.
قوله: (يحمله واحد على يديه) أي ويتداوله الناس بالحمل على أيديهم.
بحر.
قوله: (ويسرع بها) معطوف على قوله: وضع مقدمها.
قوله: (بلا خبب) بمعجمة مفتوحة وموحدتين.
وحد التعجيل المسنون أن يسرع به بحيث لا يضطرب الميت على الجنازة للحديث أسرعوا بالجنازة، فإن كانت صالحة قدمتموها إلى الخير، وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم والافضل أن يعجل بتجهيزه كله من حين يموت.
بحر.
قوله: (ولو به كره) لانه ازدراء بالميت وإضرار بالمتبعين.
بحر.
قوله: (إلا إذا خيف الخ) فيؤخر الدفن، وتقدم صلاة العيد على صلاة الجنازة، والجنازة على الخطبة، والقياس تقديمها على العيد، لكنه قدم مخافة التشويش، وكي لا يظنها من في أخريات الصفوف أنها صلاة العيد.
بحر عن القنية.
ومفاده تقديم الجمعة على الجنازة للعلة المذكورة ولانها فرض عين، بل الفتوى على تقديم سنتها عليها، ومر تمامه في أول باب صلاة العيد.
قوله: (جلوس قبل وضعها) للنهي عن ذلك كما في السراج.
نهر.
ومقتضاه أن الكراهة تحريمية.
رملي.
قوله: (وقيام بعده) أي يكره القيام بعد وضعها عن الاعناق كما في الخانية والعناية.
وفي المحيط خلافه حيث قال: والافضل أن لا يجلسوا حتى يسووا عليه التراب.
قال في البحر: والاول أولى، لما في البدائع: لا بأس بالجلوس بعد الوضع، لما روي عن عبادة بن الصامت أنه (ص) كان لا يجلس حتى يوضع الميت في اللحد، فكان قائما مع أصحابه على رأس قبر فقال يهودي: هكذا نصنع بموتانا، فجلس (ص) وقال لاصحابه: خالفوهم أي في القيام، فلذاكره ومقتضاه أنها كراهة تحريم، وهو مقيد بعدم الحاجة والضرورة.
رملي.
قوله: (وما ورد فيه) أي من(2/251)
قوله (ص): إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع اه ح.
قال النووي في شرح مسلم:
هو بضم التاء وكسر اللام المشددة: أي تصيرون وراءها غائبين عنها اه مدني.
قوله: (منسوخ) أي بما رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد والطحاوي من طرق عن علي قال رسول الله (ص) ثم قعد ولمسلم بمعناه، وقال: قد كان ثم نسخ شرح المنية.
قوله: (لانها متبوعة) يشير إلى ما في صحيح البخاري عن البراء بن عازب: أمرنا رسول الله (ص) باتباع الجنازة قال علي: الاتباع لا يقع إلا على التالي.
ولا يسمى المقدم تابعا بل هو متبوع، والامر للندب لا للوجوب للاجماع.
وعن علي: قدمها بين يديك واجعلها نصب عينيك، فإنما هي موعظة وتذكرة وعبرة.
وتمامه في شرح المنية.
قوله: (إلا أن يكون خلفها نساء) الظاهر تقييده بما إذا خشي الاختلاط معهن أو كان فيهن نائحة بقرينة ما بعده.
تأمل..قوله: (ويكره خروجهن تحريما) لقوله عليه الصلاة والسلام: ارجعن مأزورات غيرة مأجورات رواه ابن ماجه بسند ضعيف، لكن يعضده المعنى الحادث باختلاف الزمان الذي أشارت إليه عائشة بقولها: لو أن رسول الله (ص) رأى ما أحدث النساء بعده لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل، وهذا في نساء زمانها، فما ظنك بنساء زماننا.
وأما ما في الصحيحين عن أم عطية: نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا أي أنه نهي تنزيه فينبغي أن يختص بذلك الزمن حيث كان يباح لهن الخروج للمساجد والاعياد، وتمامه في شرح المنية.
قوله: (وتزجر النائحة) وكذا الصائحة.
شرنبلالية.
قوله: (ولا يترك اتباعها لاجلها) لاجل النائحة، لان السنة لا تترك بما اقترن بها من البدعة.
ولا يرد الوليمة حيث يترك حضورها لبدعة فيها للفارق، بأنهم لو تركوا المشي مع الجنازة لزم عدم انتظامها، ولا كذلك الوليمة لوجود من يأكل الطعام.
ط عن أبي السعود.
والظاهر أن المراد باتباعها المشي معها مطلقا لا خصوص المشي خلفها، بل يترك المشي خلفها إذا كانت نائحة، لما مر عن الاختيار، ويحصل التوفيق.
قوله: (ولا يمشي عن يمينها ويسارها) كذا في الفتح والبحر.
وفي القهستاني: لا بأس به، فأفاد أنه خلاف الاولى، لان فيه ترك المندوب وهو اتباعها.
قوله: (جاز) أي بلا كرهة.
حلية.
قوله: (وفيه فضيلة أيضا) أخذا من قولهم: أن المشي خلفها أفضل عندنا.
قوله: (إن تباعد عنها) أي بحيث يعد ماشيا وحده.
قوله: (أو تقدم الكل) أي وتركوها خلفهم ليس معها أحد.
قوله: (أو ركب أمامها)
لانه يضر بمن خلفه بإثارة الغبار، أما الركوب خلفها فلا بأس به، والمشي أفضل كما في البحر.
قوله: (كره) الظاهر أنها تنزيهية.
رملي.
أقول: لكن إن تحقيق الضرر بالركوب أمامها فهي تحريمية.
تأمل.
قوله: (كما كره الخ) قيل تحريما، وقيل تنزيها كما في البحر عن الغاية.
وفيه عنها: وينبغي لمن تبع الجنازة أن يطيل الصمت.
وفيه عن الظهيرية فإن أراد أن يذكر الله تعالى يذكره في نفسه، لقوله تعالى: * (إنه لا يحب المعتدين) * أي الجاهرين بالدعاء.
وعن إبراهيم أنه كان يكره أن يقول الرجل وهو يمشي معها: استغفروا له غفر الله لكم اه.
قلت: وإذ كان هذا في الدعاء والذكر فما ظنك بالغناء الحادث في هذا الزمان؟(2/252)
مطلب في دفن الميت قوله: (وحفر قبره الخ) شروع في مسائل الدفن.
وهو فرض كفاية إن أمكن إجماعا.
حلية.
واحترز بالامكان عما إذا لم يمكن، كما لو مات في سفينة كما يأتي.
ومفاده أنه لا يجزي دفنه على وجه الارض ببناء عليه كما ذكره الشافعية، ولم أره لائمتنا صريحا، وأشار بإفراد الضمير إلى ما تقدم من أنه لا يدفن اثنان في قبر إلا لضرورة، وهذا في الابتداء، وكذا بعده.
قال في الفتح: ولا يحفر قبر لدفن آخر إلا إن بلي الاول فلم يبق له عظم إلا أن لا يوجد، فتضم عظام الاول ويجعل بينهما حاجز من تراب.
ويكره الدفن في الفساقي اه.
وهي كبيت معقود بالبناء يسع جماعة قياما لمخالفتها السنة.
إمداد.
والكراهة فيها من وجوه: عدم اللحد، ودفن الجماعة في قبر واحد بلا ضرورة، واختلاط الرجال بالنساء بلا حاجز، وتجصيصها، والبناء عليها.
بحر.
(قال في الحلية): وخصوصا إن كان فيها ميت لم يبل، وما يفعله جهلة الحفارين من نبش القبول التي لم تبل أربابها، وإدخال أجانب عليهم فهو من المنكر الظاهر، وليس من الضرورة المبيحة لجمع ميتين فأكثر ابتداء في قبر واحد قصد دفن الرجل مع قريبه أو ضيق المحل في تلك المقبرة مع وجود غيرها، وإن كانت مما يتبرك بالدفن فيها فضلا عن كون ذلك ونحوه مبيحا للنبش، وإدخال البعض على البعض قبل البلاء مع ما فيه من هتك حرمة الميت الاول وتفريق أجزائه، فالحذر من ذلك اه.
وقال الزيلعي: ولو بلي الميت وصار ترابا جاز دفن غيره في قبره وزرعه والبناء عليه اه.
قال في الامداد: ويخالفه ما في
التاترخانية: إذا صار الميت ترابا في القبر يكره دفن غيره في قبره، لان الحرمة باقية، وإن جمعوا عظامه في ناحية ثم دفن غيره فيه تبركا بالجيران الصالحين ويوجد موضع فارغ يكره ذلك اه.
قلت: لكن في هذا مشقة عظيمة، فالاولى إناطة الجواز بالبلاء، إذا لا يمكن أن يعد لكل ميت قبر لا يدفن فيه غيره، وإن صار الاول ترابا لا سيما في الامصار الكبيرة الجامعة، وإلا لزم أن تعم القبول السهل والوعر، على أن المنع من الحفر إلى أن لا يبقى عظم عسر جدا وإن أمكن ذلك لبعض الناس، لكن الكلام في جعله حكما عاما لكل أحد، فتأمل.
تتمة: قال في الاحكام: لا بأس بأن يقبر المسلم في مقابر المشركين إذا لم يبق من علاماتهم شئ كما في خزانة الفتاوى، وإن بقي من عظامهم شئ تنبش وترفع الآثار وتتخذ مسجدا، لما روي: أن مسجد النبي (ص) كان قبل مقبرة للمشركين فنبشت كذا في الواقعات اه.
قوله: (في غير دار) يغني عنه ما يأتي متنا.
قوله: (مقدار نصف قامة الخ)، أو إلى حد الصدر، وإن زاد إلى مقدار قامة فهو أحسن كما في الذخيرة، فعلم أن الادنى نصف القامة والاعلى القامة، وما بينهما شرح المنية، وهذا حد العمق، والمقصود منه المبالغة في منع الرائحة ونبش السباع.
وفي القهستاني: وطوله على قدر طول الميت، وعرضه على قدر نصف طوله.
قوله: (ويلحد) لانه السنة وصفته أن يحفر القبر ثم يحفر في جانب القبلة منه حفيرة فيوضع فيها الميت ويجعل ذلك كالبيت(2/253)
المسقف.
حلية.
قوله: (ولا يشق) وصفته أن يحفر في وسط القبر حفيرة فيوضع فيها الميت.
حلية.
قوله: (إلا في أرض رخوة) فيخير بين الشوق واتخاذ التابوت.
ط عن الدر المنتقى، ومثله في النهر.
ومقتضى المقابلة أنه يلحد ويوضع التابوت في اللحد، لان العدول إلى الشق لخوف انهيار اللحد كما صرح به في الفتح، فإذا وضع التابوت في اللحد أمن انهياره على الميت، فلو لم يمكن حفر اللحد تعين الشق ولم يحتج إلى التابوت، إلا إذا كانت الارض ندية يسرع فيها بلاء الميت.
قال في الحلية عن الغاية: ويكون التابوت من رأس المال إذا كانت الارض رخوة أو ندية مع كون التابوت في غيرها مكروها في قول العلماء قاطبة اه.
وقد يقال: يوضع التابوت في الشق إذا لم يكن فوقه بناء لئلا يرمس الميت في التراب، أما إذا كان له سقف أو بناء معقود فوقه كقبور بلادنا ولم تكن الارض ندية ولم يلحد فيكره التابوت.
قوله: (ولا يجوز الخ) أي يكره ذلك.
قال في الحلية: ويكره أن يوضع تحت الميت في القبر مضربة أو مخدة أو حصير أو نحو ذلك اه.
ولعل وجهه أنه إتلاف مال بلا ضرورة، فالكراهة تحريمية، ولذا عبر بلا يجوز قوله: (وما روي عن علي) يعني من فعل ذلك.
نهر.
ثم إن الشارح تبع في ذلك المصنف في منحه.
والذي وجدته في الظهيرية عن عائشة، وكذا عزاه إلى الظهيرية في البحر والنهر.
قال في شرح المنية: وما روي أنه جعل في قبره عليه الصلاة والسلام قطيفة، قيل لان المدينة سبخة، وقيل إن العباس وعليا تنازعاها فبسطها شقران تحته لقطع التنازع، وقيل كان عليه الصلاة والسلام يلبسها ويفترشها، فقال شقران: والله لا يلبسك أحد بعده أبدا، فألقاها في القبر.
قوله: (فغير مشهور) أي غير ثابت عنه، أو المراد أنه لم يشتهر عنه فعله بين الصحابة ليكون إجماعا منهم، بل ثبت عن غيره خلافه.
ففي شرح المنية: وكره ابن عباس أن يلقى تحت الميت شئ رواه الترمذي.
وعن أبي موسى لا تجعلوا بيني وبين الارض شيئا اه.
قوله: (ولا بأس باتخاذ تابوت الخ) أي يرخص ذلك عند الحاجة والاكراه كما قدمنا آنفا.
قال في الحلية: نقل غير واحد عن الامام ابن الفضل أنه جوزه في أراضيه لرخاوتها.
وقال: لكن ينبغي أن يفرش فيه التراب، وتطين الطبقة العليا مما يلي الميت، ويجعل اللبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد، والمراد بقوله: ينبغي يسن، كما أفصح به فخر الاسلام وغيره، بل في الينابيع: والسنة أن يفرض في القبر التراب، ثم لم يتعقبوا الرخصة في اتخاذه من حديد بشئ، ولا شك في كراهته كما هو ظاهر الوجه اه: أي لانه لا يعمل إلا بالنار فيكون كالاجر المطبوخ بها كما يأتي.
قوله: (له) أي للميت كما في البحر أو للرجل، ومفهومه أنه لا بأس به للمرأة مطلقا، وبه صرح في شرح المنية فقال: وفي المحيط: واستحسن مشايخنا اتخاذ التابوت للنساء: يعني ولو لم تكن الارض رخوة فإنه أقرب إلى الستر والتحرز عن مسها عند الوضع في القبر اه.
قوله: (كرخاوة الار ض) أي كونها ندية، فيوضع في اللحد أو في الشق إن كانت ندية أو لم يكن للشق سقف كما قدمناه.
قوله: (أن يفرش
فيه) أي في القبر أو في اللحد كما بيناه.
قوله: (وألقي في البحر) قال في الفتح: وعن أحمد يثقل(2/254)
ليرسب.
وعن الشافعية كذلك إن كان قريبا من دار الحرب، وإلا شد بين لوحين ليقذفه البحر فيدفن اه.
قوله: (إن لم يكن قريبا من البر) الظاهر تقديره، بأن يكون بينهم وبين البر مدة يتغير الميت فيها.
ثم رأيت في نور الايضاح التعبير بخوف الضرر به.
(في الدار كذا في الحلية عن منية المفتي وغيرها، وهو أعم من قول الفتح، ولا يدفن صغير ولا كبير في البيت الذي مات فيه فإن ذلك خاص بالانبياء، بل ينقل إلى مقابر المسلمين اه.
ومقتضاه أنه لا يدفن في مدفن خاص كما يفعله من يبني مدرسة ونحوها، ويبني له بقربها مدفنا، تأمل.
قوله: (بأن يوضع من جهتها ثم يحمل) أي فيكون الآخذ له مستقبل القبلة حال الاخذ.
وقال الشافعي وأحمد: يستحب السل، بأن يوضع الميت عند آخر القبر ثم يسل من قبل رأسه منحدرا، وبيان الادلة في شرح المنية والفتح.
ولا يضر عندنا كون الداخل في القبر وترا أو شفعا، واختار الشافعي الوتر، وتماه في البحر.
قوله: (فيلحد) وكذا لو كان القبر شقا غير مسقف، أما المسقف فيتعين فيه السل.
قوله: (وبالله) زاده على ما في الكنز والهداية، وهو ثابت في لفظ للترمذي، والاول في لفظ لابن ماجه، وفي لفظ له بزيادة وفي سبيل الله بعد قوله: بسم الله وذكره في البدائع عن الحسن عن أبي حنيفة، قالوا: والمعنى بمس الله وضعناك، وعلى ملة رسول الله (ص) سلمناك.
ثم قال الامام أبو منصور الماتريدي: ليس هذا دعاء للميت، لانه إن مات على ملة رسول الله (ص) لم يجز أن يبدل حاله، وإن مات على غير ذلك لم يبدل أيضا، ولكن المؤمنون شهدا الله في أرضه، فيشهدون بوفاته على الملة، وعلى هذا جرت السنة اه.
حلية.
تنبيه: في الاقتصاد على ما ذكر من الوارد إشارة إلى أنه لا يسن الاذان عند إدخال الميت في قبره كما هو المعتاد الآن، وقد صرح ابن حجر في فتاويه بأنه بدعة.
وقال: ومن ظن أنه سنة قياسا على ندبهما للمولود إلحاقا لخاتمة الامر بابتدائه فلم يصب اه.
وقد صرح بعض علمائنا وغيرهم بكراهة المصافحة المعتادة عقب الصلوات مع أن المصافحة سنة، وما ذاك إلا لكونها لم تؤثر في
خصوص هذا الموضع، فالمواظبة عليها فيه توهم العوام بأنها سنة فيه، ولذا منعوا عن الاجتماع لصلاة الرغائب التي أحدثها بعض المتعبدين لانها لم تؤثر على هذه الكيفية في تلك الليالي المخصوصة، وإن كانت الصلاة خير موضوع.
قوله: (وجوبا) أخذه من قوله الهداية: بذلك أمر رسول الله (ص)، لكن لم يجده المخرجون.
وفي الفتح: إنه غريب، واستؤنس له بحديث أبي داود والنسائي: أن رجلا قال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: هي تسع فذكر منها استحلال البيت الحرام: قبلتكم أحياء وأمواتا اه.
قلت: ووجهه أن ظاهره التسوية بين الحياة والموت في وجوب استقباله، لكن صرح في التحفة بأنه كما يأتي عقبه.
قوله: (ولا ينبش ليوجه إليها) أي لو دفن مستدبرا لها وأهالوا التراب(2/255)
لا ينبش، لان التوجه إلى القبلة سنة والنبش حرام، بخلاف ما إذا كان بعد إقامة اللبن قبل إهالة التراب فإنه يزال ويوجه إلى القبلة عن يمينه.
حلية عن التحفة.
ولو بقي فيه متاع لانسان فلا بأس بالنبش.
ظهيرية.
قوله: (للاستغناء عنها) لانها تعقد لخوف الانتشار عند الحمل.
قوله: (ويسوي اللبن عليه) أي على اللحد بأن يسد من جهة القبر ويقام اللبن فيه.
حلية عن شرح المجمع.
قوله: (والقصب) قال في الحلية: وتسد الفرج التي بين اللبن بالمدر والقصب كي لا ينزل التراب منها على الميت.
ونصوا على استحباب القصب فيها كاللبن اه.
قوله: (لا الآجر) بمد الهمزة والتشديد أشهر من التخفيف مصباح.
وقوله: المطبوخ صفة كاشفة.
قال في البدائع: لانه يستعمل للزينة ولا حاجة للميت إليها، ولانه مما مسته النار، فيكره أن يجعل على الميت تفاؤلا كما يكره أن يتبع قبره بنار تفاؤلا.
قوله: (لوحوله الخ) قال في الحلية: وكرهوا الآجر وألواح الخشب.
وقال الامام التمرتاشي: هذا إذا كان حول الميت، فلو فوقه لا يكره لانه يكون عصمة من السبع.
وقال مشايخ بخارى: لا يكره الآجر في بلدتنا للحاجة إليه لضعف الاراضي.
قوله: (وعدد لبنات الخ) نقله أيضا في الاحكام عن الشمني عن شرح مسلم بلفظ يقال عدد الخ.
قوله: (وجاز ذلك) أي الآجر والخشب.
قوله: (ويسجى قبرها) أي بثوب ونحوه استحبابا حال إدخالها القبر حتى يسوى اللبن
على اللحد كذا في شرح المنية والامداد.
ونقل الخير الرملي أن الزيلعي صرح في كتاب الخنثى أنه على سبيل الوجوب.
قلت: ويمكن التوفيق بحمله على ما إذا غلب على الظن ظهور شئ من بدنها.
تأمل.
قوله: (كمطر) أي وبرد وحر وثلج.
قهستاني.
قوله: (عليه) أي على القبر أو على الميت، وهو أقرب لفظا، والاول أقرب معنى.
قوله: (وتكره الزيادة عليه) لما في صحيح مسلم عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه زاد أبو داود: أو يزاد عليه حلية.
قوله: (لانه بمنزلة البناء) كذا في البدائع.
وظاهره أن الكراهة تحريمية، وهو مقتضى النهي المذكور، لكن نظر صاحب الحلية في هذا التعليل وقال: وروي عن محمد أنه لا بأس بذلك، ويؤيده ما روى الشافعي وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه: أرسول الله (ص) رش على قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه حصباء وهو مرسل صحيح، فتحمل الكراهة على الزيادة الفاحشة، وعدمها على القليلة المبلغة له مقدار شبر أو ما فوقه قليلا.
قوله: (ويستحب حثيه) أي بيديه جميعا.
جوهرة.
قال في المغرب: حثيث التراب حثيا وحثوته حثوا: إذا قبضته ورميته اه.
ومثله في القاموس، فهو واوي ويائي، فافهم.
قوله: (من قبل رأسه ثلاثا) لما في ابن ماجه عن أبي هريرة: أن رسول الله (ص) صلى على جنازة ثم أتى القبر فحثا عليه من قبل رأسه ثلاثا شرح المنية.
قال في الجوهرة: ويقول في الحثية الاولى: * (منها خلقناكم) * وفي الثانية: * (وفيها نعيدكم) * وفي الثالثة: * (ومنها نخرجكم تارة أخرى) * (طه: 55)(2/256)
وقيل يقول في الاولى: اللهم جاف الارض عن جنبيه، وفي الثانية: اللهم افتح أبواب السماء لروحه، وفي الثالثة: اللهم زوجه من الحور العين.
وللمرأة: اللهم أدخلها الجنة برحتمك اه.
قوله: (وجلوس الخ) لما في سنن أبي داود: كان النبي (ص) إذا فرغ من دفن الميت وقف على قبره وقال: استغفروا لاخيكم واسألوا الله له التثبيت، فإنه الآن يسأل وكان ابن عمر يستحب أن يقرى على القبر بعد الدفن أول سورة البقرة وخاتمتها، وروي أن عمرو بن العاص قال وهو في سياق الموت: إذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا، ثم أقيموا
حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع رسل ربي جوهرة.
قوله: (ولا بأس برش الماء عليه) بل ينبغي أن يندب، لانه (ص) فعله بقبر سعد كما رواه ابن ماجه، وبقبر ولده إبراهيم كما رواه أبو داود في مراسيله، وأمر به في قبر عثمان بن مظعون كما رواه البزار، فانتفى ما عن أبي يوسف من كراهته لانه يشبه التطيين.
حلية.
قوله: (للنهي) هو ما رواه محمد بن الحسن في الآثار: أخبرنا أبو حنيفة قال: حدثنا شيخ لنا يرفعه إلى النبي (ص): أنه نهى عن تربيع القبول وتجصيصها إمداد.
قوله: (ويسنم) أي يجعل ترابه مرتفعا عليه كسنام الجمل، لما روى البخاري عن سفيان النمار أنه رأى قبر النبي (ص) مسنما وبه قال الثوري والليث ومالك وأحمد والجمهور.
وقال الشافعي، التسطيح: أي التربيع أفضل، وتمامه في شرح المنية.
قوله: (وفي الظهيرية وجوبا) هو مقتضى النهي المذكور، ويؤيده ما في البدائع من التعليل بأنه من صنيع أهل الكتاب، والتشبه بهم فيما منه بد مكروه اه لكن في النهر: أن الاول أولى.
قلت: ولعل وجهه شبهة الاختلاف، والحديث الذي استدل به الشافعي على التربيع فيكون النهي مصروفا عن ظاهره، فتأمل.
قوله: (قدر شبر) أو أكثر شيئا قليلا.
بدائع.
قوله: (ولا يجصص) أي لا يطلى بالجص بالفتح ويكسر.
قاموس.
قوله: (ولا يرفع عليه بناء) أي يحرم لو للزينة، ويكره لو للاحكام بعد الدفن، وأما قبله فليس بقبر.
إمداد.
وفي الاحكام عن جامع الفتاوى: وقيل لا يكره البناء إذا كان الميت من المشايخ والعلماء والسادات اه.
قلت: لكن هذا في غير المقابر المسبلة كما لا يخفى.
قوله: (وقيل لا بأس به الخ) المناسب ذكره عقب قوله: ولا يطين لان عبارة السراجية كما نقله الرحمتي ذكر في تجريد أبي الفضل أن تطيين القبور مكروه، والمختار أنه لا يكره اه.
وعزاه إليها المصنف في المنح أيضا.
وأما البناء عليه فلم أر من اختار جوازه.
وفي شرح المنية عن منية المفتي: المختار أنه لا يكره التطيين، وعن أبي حنيفة يكره أن يبنى عليه بناء من بيت أو قبة أو نحو ذلك، لما روى جابر: نهى رسول الله (ص) عن تجصيص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها رواه مسلم وغيره اه.
نعم في الامداد عن الكبرى: واليوم اعتادوا التسنيم باللبن صيانة للقبر عن النبش، ورأوا ذلك حسنا.
وقال (ص): ما رآه
المسلمون حسنا فهو عند الله حسن اه.
قوله: (لا بأس بالكتابة الخ) لان النهي عنها وإن صح فقد(2/257)
وجد الاجماع العملي بها، فقد أخرج الحاكم النهي عنها من طرق، ثم قال: هذه الاسانيد صحيحة وليس العمل عليها، فإن أئمة المسلمين من المشرق والمغرب مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف اه.
ويتقوى بما أخرجه أبو داود بإسناد جيد أن رسول الله (ص) حمل حجرا فوضعها عند رأس عثمان بن مظعون وقال: أتعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من تاب من أهلي فإن الكتابة طريق إلى تعرف القبر بها، نعم يظهر أن محل هذا الاجماع العملي على الرخصة فيها ما إذا كانت الحاجة داعية إليه في الجملة كما أشار إليه في المحيط بقوله: وإن احتيج إلى الكتابة، حتى لا يذهب الاثر ولا يمتهن فلا بأس به، فأما الكتابة بغير عذر فلا اه.
حتى أنه يكره كتابة شئ عليه من القرآن أو الشعر أو اطراء مدح له ونحو ذلك.
حلية ملخصا.
قلت: لكن نازع بعض المحققين من الشافعية في هذا الاجماع بأنه أكثري، وإن سلم فمحل حجيته عند صلاح الازمنة بحيث ينفذ فيها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تعطل ذلك منذ أزمنة، ألا ترى أن البناء على قبورهم في المقابر المسبلة أكثر من الكتابة عليها كما هو مشاهد، وقد علموا بالنهي عنه، فكذا الكتابة اه.
فالاحسن التمسك بما يفيد حمل النهي على عدم الحاجة، كما مر.
تتمة: في الاحكام عن الحجة: تكره الستور على القبور اه.
قوله: (إلا لحق آدمي) احتراز عن حق الله تعالى، كما إذا دفن بلا غسل أو صلاة أو وضع على غير يمينه أو إلى غير القبلة فإنه لا ينبش عليه بعد إهالة التراب كما مر.
قوله: (كأن تكون الارض مغصوبة) وكما إذا سقط في القبر متاع أو كفن بثوب مغصوب أو دفن معه مال قالوا: ولو كان المال درهما.
بحر قال الرملي: واستفيد منه جواب حادثة الفتوى: امرأة دفنت مع بنتها من المصاغ والامتة المشتركة إرثا عنها بغيبة الزوج أنه ينبش لحقه، وإذا تلفت به تضمن المرأة حصته اه.
واحترز بالمغصوبة عما إذا كانت وقفا.
قال في التاترخانية: أنفق مالا في إصلاح قبر فجاء رجل ودفن فيه ميتة وكانت الارض.
موقوفة يضمن ما أنفق فيه، ولا يحول ميتة من مكانه لانه دفن في وقف اه.
وعبر في الفتح بقوله: يضمن قيمة الحفر، فتأمل.
قوله: (أو أخذت بشفعة) أي بأن اشترى أرضا فدفن فيها ميته ثم علم الشفيع بالشراء فتملكها بالشفعة.
قوله: (ومساواته بالارض) أي ليزرع فوقه مثلا، لان حقه في باطنها وظاهرها، فإن شاء ترك حقه في باطنها وإن شاء استوفاه.
فتح.
قوله: (كما جاز زرعه) أي القبر ولو غير مغصوب، وكذا يجوز دفن غيره كما في الزيلعي أيضا، وقدمنا الكلام عليه.
قوله: (من الايسر كذا قيده في الدرر، ولينظر وجهه.
قوله: (ولو بالعكس) بأن مات الولد في بطنها وهي حية.
قوله: (قطع) أي بأن تدخل القابلة يدها في الفرج وتقطعه بآلة في يدها بعد تحقق موته.
قوله: (لو ميتا) لا وجه له بعد قوله: ولو بالعكس ط.
قوله: (وإلا لا) أي ولو كان حيا لا(2/258)
يجوز تقطيعه، لان موت الام به موهوم، فلا يجوز قتل آدمي حي لامر موهوم.
قوله: (ولو بلع مال غيره) أي ولا مال له كما الفتح وشرح المنية، ومفهومه أنه لو ترك مالا يضمن ما بلعه لا يشق اتفاقا.
قوله: (والاولى نعم) لانه وإن كان حرمة الآدمي أعلى من صيانة المال لكنه أزال احترامه بتعديه كما في الفتح.
ومفاده أنه لو سقط في جوفه بلا تعد لا يشق اتفاقا كما لا يشق الحي مطلقا لافضائه إلى الهلاك لا لمجرد الاحترام.
قوله: (الاتباع أفضل) أي اتباع الجنازة، لانه ير الحي والميت، فالثواب المترتب عليه أكثر ط.
قوله: (أو جوار) سيأتي في باب الوصية للاقارب وغيرهم أن الجار من لصق به.
وقالا: من يسكن في محلته.
ويجمعهم مسجد المحلة، وهو استحسان.
وقال الشافعي: الجار إلى أربعين دارا من كل جانب اه.
قلت: والصحيح قول الامام كما سيأتي هناك إن شاء الله تعالى، وهل يقيد هنا بالملاصق أيضا؟ الظاهر نعم ما لو يوجد دليل الاطلاق.
وقد يقال: كلام الموصي يحمل على العرف.
والجار عرفا الملاصق أو من يسكن في المحلة فتصرف إليه الوصية، بخلافه هنا فيكون حده إلى الاربعين كما في الحديث، والله أعلم.
قوله: (يندب دفنه في جهة موته) أي في مقابر أهل المكان الذي مات فيه أو قتل، وإن نقل قدر ميل أو ميلين فلا بأس، شرح المنية، ويأتي الكلام على نقله.
قلت: ولذا
صح أمره (ص) بدفن قتلى أحد في مضاجعهم مع أن مقبرة المدينة قريبة، ولذا دفنت الصحابة الذين فتحوا دمشق عند أبوابها ولم يدفنوا كلهم في محل واحد.
وتعجيله أي تعجيل جهازه عقب تحقق موته، ولذا كره تأخير صلاته ودفنه ليصلي عليه جمع عظيم بعد صلاة الجمعة كما مر.
قوله: (لم يجز ذكره) أي ما لم يكن الميت صاحب بدعة ليرتدع غيره، كما قدمناه.
قوله: (ولا بأس بنقله قبل دفنه) قيل مطلقا، وقيل إلى ما دون مدة السفر وقيده محمد بقدر ميل أو ميلين، لان مقابر البلد ربما بلغت هذه المسافة فيكره فيما زاد.
قال في النهر عن عقد عقد الفرائد: وهو الظاهر اه.
وأما نقله بعد دفنه فلا مطلقا.
قال في الفتح: واتفقت كلمة المشايخ في امرأة دفن ابنها وهي غائبة في غير بلدها فلم تصبر وأرادت نقله على أنه لا يسعها ذلك، فتجويز شواذ بعض المتأخرين لا يلتفت إليه.
وأما نقل يعقوب ويوسف عليهما السلام من مصر إلى الشام ليكونا مع آبائهما الكرام فهو شرع من قبلنا ولم يتوفر فيه شروط كونه شرعا لنا اه ملخصا، وتمامه فيه.
قوله: (وبالاعلام بموته) أي إعلام بعضهم بعضا ليقضوا حقه، هداية.
وكره بعضهم أن ينادى عليه في الازقة والاسواق لانه يشبه نعي الجاهلية.
والاصح أنه لا يكره إذا لم يكن معه تنويه بذكره وتفخيم، بل يقول العبد الفقير إلى الله تعالى فلابن فلان الفلاني، فإن نعي الجاهلية ما كان فيه قصد الدوران مع الضجيج والنياحة، وهو المراد بدعوى الجاهلية في قوله (ص): ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية شرح المنية.
قوله: (وبإرثائه) تبع فيه صاحب النهر.
واعترضه ح بأن مقتضاه أنه رباعي وليس كذلك.
ففي القاموس: رثيت الميت ورثوته: بكيته وعددت محاسنه الخ.
قوله: (من تعزى(2/259)
الخ) تمامه فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا قال في المغرب: تعزى واعتزق: انتسب، والعزاء اسم منه، والمراد به قولهم في الاستعانة: يا لفلان أعضوه: أي قولوا له اعضض بأير أبيك، ولا تكنوا عن الاير بالهن، وهذا أمر تأديب ومبالغة في الزجر عن دعوى الجاهلية اه.
لكن كون المراد بدعوى الجاهلية هنا ما قدمناه عن شرح المنية أولى.
قوله: (وبتعزية أهله) أي تصبيرهم والدعاء لهم به.
قال في القاموس: العزاء الصبر أو حسنه.
وتعزى: انتسب اه.
فالمراد هنا الاول، وفيما قبله
الثاني فافهم.
قال في شرح المنية: وتستحب التعزية للرجال والنساء اللاتي لا يفتن، لقوله عليه الصلاة والسلام: من عزى أخاه بمصيبة كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة رواه ابن ماجه، وقوله عليه الصلاة والسلام: من عزى مصابا فله مثل أجره رواه الترمذي وابن ماجه.
والتعزية أن يقول: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك اه.
مطلب في الثواب على المصيبة تنبيه: هذا الدعاء بإعظام الاجر المروي عنه (ص) لما عزى معاذا بابن له يقتضي ثبوت الثواب على المصيبة.
وقد قال المحقق ابن الهمام في المسايرة: قالت الحنفية: ما ورد به السمع من وعد الرزق، ووعده الثواب على الطاعة، وعلى ألم المؤمن وألم طفله حتى الشوكة يشاكها محض فضل وتطول منه تعالى لا بد من وجوده لوعده الصادق اه.
وهل يشترط للثواب الصبر أم لا؟ قال ابن حجر: وقع للعز بن عبد السلام: أن المصائب نفسها لا ثواب فيها، لانها ليست من الكسب بل في الصبر عليها، فإن لم يصبر كفرت الذنب، إذ لا يشترط في المكفر أن يكون كسبا كالبلاء، فالجزع لا يمنع التكفير بل هو مصيبة أخرى.
ورد بتصريح الشافعي رحمها بأن كلا من المجنون والمريض المغلوب على عقله مأجور مثا ب مكفر عنه بالمرض، فحكم بالاجر مع انتفاء العقل المستلزم لانتفاء الصبر، ويؤيده خبر الصحيحين ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه مع الحديث الصحيح: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمله صحيحا مقيما ففيه أنه يحصل له ثواب مماثل لفعله الذي صدر منه قبل بسبب المرض فضلا من الله تعالى، فمن أصيب وصبر يحصل له ثوابان: لنفس المصيبة، وللصبر عليها.
ومن انتفى صبره فإن كان لعذر كجنون فكذلك، أو لنحو جزع لم يحصل من ذينك الثوابين شئ اه ملخصا.
وحاصله اشتراط الصبر للثواب على المصيبة إلا إذا انتفى لعذر كجنون.
وأما التكفير بها فهو حاصل بلا شرط.
قوله: (وباتخاذ طعام لهم) قال في الفتح: ويستحب لجيران أهل الميت والاقرباء الاباعد تهيئة طعام لهم يشبعهم يومهم وليلتهم، لقوله (ص): اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم حسنه الترمذي وصحح الحاكم، ولانه بر ومعرو ف ويلح
عليهم في الاكل لان الحزن يمنعهم من ذلك فيضعفون اه.
مطلب في كراهة الضيافة من أهل الميت وقال أيضا: ويكره اتخاذ الضيافة من الطعام من أهل الميت لانه شرع في السرور لا في الشرور، وهي بدعة مستقبحة.
وروى الامام أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح عن جرير بن عبد الله قال:(2/260)
كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة اه.
وفي البزازية: ويكره اتخاذ الطعام في اليوم الاول والثالث.
وبعد الاسبوع ونقل الطعام إلى القبر في المواسم، واتخاذ الدعوة لقراءة القرآن وجمع الصلحاء والقراء للختم أو لقراءة سورة الانعام أو الاخلاص.
والحاصل أن اتخاذ الطعام عند قراءة القرآن لاجل الاكل يكره.
وفيها من كتاب الاستحسان: وإن اتخذ طعاما للفقراء كان حسنا اه.
وأطال في ذلك المعراج.
وقال: وهذه الافعال كلها للسمعة والرياء فيحترز عنها لانهم لا يريدون بها وجه الله تعالى اه.
وبحث هنا في شرح المنية بمعارضة حديث جرير المار بحديث آخر فيه: أنه عليه الصلاة والسلام دعته امرأة رجل ميت لما رجع من دفنه فجاء وجئ بالطعام.
أقول: وفيه نظر، فإنه واقعة حال لا عموم لها مع احتمال سبب خاص، فخلاف ما في حديث جرير.
على أنه بحث في المنقول في مذهبنا ومذهب غيرنا كالشافعية والحنابلة استدلالا بحديث جرير المذكور على الكراهة، ولا سيما إذا كان في الورثة صغار أو غائب، مع قطع النظر عما يحصل عند ذلك غالبا من المنكرات الكثيرة كإيقاد الشموع والقناديل التي لا توجد في الافراح، وكدق الطبول، والغناء بالاصوات الحسان، واجتماع النساء والمردان، وأخذ الاجرة على الذكر وقراءة القرآن، وغير ذلك مما هو مشاهد في هذه الازمان، وما كان كذلك فلا شك في حرمته وبطلان الوصية به، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قوله: (وبالجلوس لها) أي للتعزية، واستعمال لا بأس هنا على حقيقته، لانه خلاف الاولى كما صرح به في شرح المنية.
وفي الاحكام عن
خزانة الفتاوى: الجلوس في المصيبة ثلاثة أيام للرجال جاءت الرخصة فيه، ولا تجلس النساء قطعا اه.
قوله: (في غير مسجد) أما فيه فيكره كما في البحر عن المجتبى، وجزم به في شرح المنية والفتح، لكن في الظهيرية: لا بأس به لاهل الميت في البيت أو المسجد والناس يأتونهم ويعزونهم اه.
قلت: وما في البحر من أنه (ص) جلس لما قتل جعفر وزيد بن حارثة والناس يأتون ويعزونه اه.
يجاب عنه بأن جلوسه (ص) لم يكن مقصودا للتعزية.
وفي الامداد: وقال كثير من متأخري أئمتنا: يكره الاجتماع عند صاحب البيت ويكره له الجلوس في بيته حتى يأتي إليه من يعزي، بل إذا فرغ ورجع الناس من الدفن فليتفرقوا ويشتغل الناس بأمورهم، وصاحب البيت بأمره اه.
قلت: وهل تنتفى الكراهة بالجلوس في المسجد وقراءة القرآن حتى إذا فرغوا قام ولي الميت وعزاه الناس كما يفعل في زماننا؟ الظاهر لا لكون الجلوس مقصودا للتعزية لا للقراءة، ولا سيما إذا كان هذا الاجتماع والجلوس في المقبرة فوق القبور المدثورة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قوله: (وأولها أفضل) وهي بعد الدفن أفضل منها قبله، لان أهل الميت مشغولون قبل الدفن بتجهيزه،(2/261)
ولان وحشتهم بعد الدفن لفراقه أكثر، وهذا إذا لم ير منهم جزع شديد، وإلا قدمت لتسكينهم.
جوهرة.
قوله: (وتكره بعدها) لانها تجدد الحزن.
منح.
والظاهر أنها تنزيهية ط.
قوله: (إلا لغائب) أي إلا أن يكون المعزي أو المعزى غائبا فلا بأس بها.
جوهرة.
قلت: والظاهر أن الحاضر الذي لم يعلم بمنزلة الغائب كما صرح به الشافعية.
قوله: (وتكره التعزية ثانيا) في التاترخانية لا ينبغي لمن عزى مرة أن يعزي مرة أخرى رواه الحسن عن أبي حنيفة اه إمداد.
قوله: (وعند القبر) عزاه في الحلية إلى المبتغى بالغين المعجمة، وقال: ويشهد له ما أخرج ابن شاهين عن إبراهيم: التعزية عند القبر بدعة اه.
قلت: لعل وجهه أن المطلوب هناك القراءة والدعاء للميت بالتثبيت.
قوله: (وعند باب الدار) في الظهيرية: ويكره الجلوس على باب الدار للتعزية لانه عمل أهل الجاهلية وقد نهى
عنه، وما يصنع في بلاد العجم من فرش البسط، والقيام على قوارع الطريق من أقبح القبائح اه بحر.
قوله: ويقول أعظم الله أجرك) أي جعله عظيما بزيادة الثواب والدرجات، وأحسن عزاءك بالمد: أي جعل سلوكك، وصبرك حسنا ابن حجر، وقوله: وغفر لميتك بقوله إن كان الميت مكلفا، وإلا فلا، كما في شرح المنية.
وفي كتب الشافعية: ويعزى المسلم بالكافر: أعظم الله أجرك وصبرك، والكافر بالمسلم: غفر الله لميتك، وأحسن عزاءك.
مطلب في زيارة القبور قوله: (وبزيارة القبور) أي لا بأس بها، بل تندب كما في البحر عن المجتبى، فكان ينبغي التصريح به للامر بها في الحديث المذكور كما في الامداد، وتزار في كل أسبوع كما في مختارات النوازل.
قال في شرح لباب المناسك: إلا أن الافضل يوم الجمعة والسبت والاثنين والخميس، فقد قال محمد بن واسع: الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده، فتحصل أن يوم الجمعة أفضل اه.
وفيه يستحب أن يزور شهداء جبل أحد، لما روى ابن أبي شيبة: أن النبي (ص) كان يأتي قبور الشهداء بأحد على رأس كل حول فيقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار والافضل أن يكون ذلك يوم الخميس متطهرا مبكرا لئلا تفوته الظهر بالمسجد النبوي اه.
قلت: استفيد منه ندب الزيارة وإن بعد محلها.
وهل تندب الرحلة لها كما اعتيد من الرحلة إلى زيارة خليل الرحمن وأهله وأولاده، وزيارة السيد البدوي وغيره من الاكابر الكرام؟ لم أر من صرح به من أئمتنا، ومنع منه بعض أئمة الشافعية إلا لزيارته (ص)، قياسا على منع الرحلة لغير المساجد الثلاث.
ورده الغزالي بوضوح الفرق، فإن ما عدا تلك المساجد الثلاثة مستوية في الفضل، فلا فائدة في الرحلة إليها.
وأما الاولياء فإنهم متفاوتون في القرب من الله تعالى، ونفع الزائرين بحسب معارفهم وأسرارهم.
قال ابن حجر في فتاويه: ولا تترك لما يحصل عندها من منكرات ومفاسد كاختلاط الرجال بالنساء وغير ذلك، لان القربات لا تترك لمثل ذلك، بل على الانسان فعلها وإنكار البدع، بل وإزالتها إن أمكن اه.
قلت: ويؤيد ما مر من عدم ترك اتباع الجنازة، وإن كان معها نساء ونائحات.
تأمل.
قوله: (ولو للنساء) وقيل تحرم عليهن.
والاصح أن الرخصة ثابتة لهن.
بحر.
وجزم في شرح المنية بالكراهة لما مر في اتباعهن الجنازة.
وقال الخير الرملي: إن كان ذلك(2/262)
لتجديد الحزن والبكاء والندب على ما جرت به عادتهن فلا تجوز، وعليه حمل حديث: لعن الله زائرات القبور وإن كان للاعتبار والترحم من غير بكاء والتبرك بزيارة قبور الصالحين فلا بأس إذا كن عجائز.
ويكره إذا كن شواب كحضور الجماعة في المساجد اه.
وهو توفيق حسن.
قوله: (ويقول الخ) قال في الفتح: والسنة زيارتها قائما، والدعاء عندها قائما، كما كان يفعله (ص) في الخروج إلى البقيع ويقول: السلام عليكم الخ.
وفي شرح اللباب للمنلا علي القاري: ثم من آداب الزيارة ما قالوا، من أنه يأتي الزائر من قبل رجلي المتوفي لا من قبل رأسه لانه أتعب لبصر الميت، بخلاف الاول لانه يكون مقابل بصره، لكن هذا إذا أمكنه، وإلا فقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قرأ أول سورة البقرة عند رأس ميت وآخرها عند رجليه.
ومن آدابها أن يسلم بلفظ السلام عليكم على الصحيح لا عليكم السلام، فإنه ورد: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ونسأل الله لنا ولكم العافية ثم يدعو قائما طويلا، وإن جلس يجلس بعيدا أو قريبا بحسب مرتبته في حال حياته اه.
قال ط: ولفظ الدار مقحم، أو هو من ذكر اللازم، لانه إذا سلم على الدار فأولى ساكنها، وذكر المشيئة للتبرك، لان اللحوق محقق، أو المراد اللحوق على أتم الحالات فتصح المشيئة.
قوله: (ويقرأ يس) لما ورد: من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات بحر.
وفي شرح اللباب: ويقرأ من القرآن ما تيسر له من الفاتحة وأول البقرة إلى المفلحون وآية الكرسي (البقرة: 522).
* (وآمن الرسول) * (البقرة: 582) وسورة ي س وتبارك الملك وسورة التكاثر والاخلاص اثني عشر مرة.
أو عشرا أو سبعا أو ثلاثا ثم يقول: اللهم أوصل ثواب ما قرأناه إلى فلان أو إليهم اه.
مطلب في القراءة للميت وإهداء ثوابها له تنبيه: صرح علماؤنا في باب الحج عن الغير بأن للانسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة
أو صوما أو صدقة أو غيرها، كذا في الهداية.
بل في زكاة التاترخانية عن المحيط: الافضل لمن يتصدق نفلا أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات لانها تصل إليهم ولا ينقص من أجره شئ ا ه.
هو مذهب أهل السنة والجماعة، لكن استثنى مالك والشافعي العبادات البدنية المحضة كالصلاة والتلاوة فلا يصل ثوابها إلى الميت عندهما، بخلاف غيرها كالصدقة والحج.
وخالف المعتزلة في الكل، وتمامه في فتح القدير.
أقول: ما مر عن الشافعي هو المشهور عنه.
والذي حرره المتأخرون من الشافعية وصول القراءة للميت إن كانت بحضرته أو دعي له عقبها ولو غائبا، لان محل القراءة تنزل الرحمة والبركة، والدعاء عقبها أرجى للقبول، ومقتضاه أن المراد انتفاع الميت بالقراءة لا حصول ثوابها له، ولهذا(2/263)
اختاروا في الدعاء: اللهم أوصل مثل ثواب ما قرأته لفلان، وأما عندنا فالواصل إليه نفس الثواب.
وفي البحر: من صام أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الاموات والاحياء جاز، ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة، كذا في البدائع، ثم قال: وبهذا علم أنه لا فرق بين أن يكون المجعول له ميتا أو حيا.
والظاهر أنه لا فرق بين أن ينوي به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه بعد ذلك يجعل ثوابه لغيره، لاطلاق كلامهم، وأنه لا فرق بين الفرض والنفل اه.
وفي جامع الفتاوى: وقيل لا يجوز في الفرائض اه.
وفي كتاب الروح للحافظ أبي عبد الله الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قيم الجوزية ما حاصله: أنه اختلف في إهداء الثواب إلى الحي، فقيل يصحح لاطلاق قول أحمد: يفصل الخير ويجعل نصفه لابيه أو أمه، وقيل لا لكونه غير محتاج لانه يمكنه العمل بنفسه.
وكذا.
اختلف في اشتراط نية ذلك عند الفعل، فقيل لا لكن الثواب له فله التبرع به وإهداؤه لمن أراد كإهداء شئ من ماله، وقيل نعم لانه إذا وقع له لا يقبل انتقاله عنه وهو الاولى.
وعلى القول الاول لا يصح إهداء الواجبات، لان العامل ينوي القربة بها عن نفسه.
وعلى الثاني يصح، وتجزى عن الفاعل.
وقد نقل عن جماعة أنهم جعلوا ثواب أعمالهم للمسلمين وقالوا: نلقى الله تعالى بالفقر والافلاس، والشريعة لا تمنع من ذلك.
ولا يشترط في الوصول أن يهديه بلفظه، كما لو أعطى فقيرا بنية الزكاة، لان السنة لم تشترط
ذلك في حديث الحج عن الغير ونحوه، نعم إذا فعله لنفسه ثم نوى جعل ثوابه لغيره لم يكف، كما لو نوى أن يهب أو يعتق أو يتصدق، ويصح إهداء نصف الثواب أو ربعه كما نص عليه أحمد، ولا مانع منه.
ويوضحه أنه لو أهدى الكل إلى أربعة يحصل لكل منهم ربعه، فكذا لو أهدى الربع لواحد وأبقى الباقي لنفسه اه ملخصا.
قلت: لكن سئل ابن حجر المكي عما لو قرأ لاهل المقبرة الفاتحة هل يقسم الثواب بينهم أو يصل لكل منهم مثل ثواب ذلك كاملا؟ فأجاب بأنه أفتى جمع بالثاني، وهو اللائق بسعة الفضل.
مطلب في إهداء ثواب القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم تتمة: ذكر ابن حجر في الفتاوى الفقهية أن الحافظ ابن تيمية زعم منع إهداء ثواب القراءة للنبي (ص)، لان جنابه الرفيع لا يتجرأ عليه إلا بما أذن فيه، وهو الصلاة عليه وسؤا الوسيلة له.
قال: وبالغ السبكي وغيره في الرد عليه، بأن مثل ذلك لا يحتاج لاذن خاص، ألا ترى أن ابن عمر كان يعتمر عنه (ص) عمرا بعد موته من غير وصية، وحج ابن الموفق وهو في طبقة الجنيد عنه سبعين حجة، وختم ابن السراج عنه (ص) أكثر من عشرة آلاف ختمة، وضحى عنه مثل ذلك اه.
قلت: رأيت نحو ذلك بخط مفتي الحنفية الشهاب أحمد بن الشلبي شيخ صاحب البحر عن شرح الطيبة للنويري، ومن جملة ما نقله أن ابن عقيل من الحنابلة قال: يستحب إهداؤها له (ص) اه.(2/264)
قلت: وقول علمائنا له أن يجعل ثواب عمله لغيره يدخل فيه النبي (ص)، فإنه أحق بذلك حيث أنقذنا من الضلالة، ففي ذلك نوع شكر وإسداء جميل له، والكامل قابل لزيادة الكمال، وما استدل به بعض المانعين من أنه تحصيل الحاصل لان جميع أعمال أمته في ميزانه.
يجاب عنه بأنه لا مانع من ذلك، فإن الله تعالى أخبرنا بأنه صلى عليه، ثم أمرنا بالصلاة عليه، بأن نقول: اللهم صل على محمد، والله أعلم، وكذا اختلف في إطلاق قول: اجعل ذلك زيادة في شرفه (ص)، فمنع منه شيخ الاسلام البلقيني والحافظ ابن حجر لانه لم يرد له دليل.
وأجاب ابن حجر المكي في الفتاوى
الحديثة بأن قوله تعالى: * (وقل رب زدني علما) * (طه: 411) وحديث مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: واجعل الحياة زيادة لي في كل خير دليل على أن مقامه (ص) وكماله يقبل الزيادة في العلم والثواب وسائر المراتب والدرجات، وكذا ورد في دعاء رؤية البيت: وزد من شرفه وعظمه واعتمره تشريفا الخ، فيشمل كل الانبياء، ويدل على أن الدعاء لهم بزيادة الشرف مندوب، وقد استعمله الامام النووي في خطبتي كتابيه الروضة والمنهاج، وسبقه إليه الحليمي وصاحبه البيهقي، وقد رد على البلقيني وابن حجر شيخ الاسلام القاياني، ووافقه صاحبه الشرف المناوي، ووافقهما أيضا صاحبهما إمام الحنفية الكمال بن الهمام، بل زاد عليهما بالمبالغة حيث جعل كل ما صح من الكيفيات الواردة في الصلاة عليه (ص) موجودا في كيفية الدعاء بزيادة الشرف، وهي: اللهم صل أبدا أفضل الصلوات على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك محمد وآله وسلم تسليما كثيرا، وزده تشريفا وتكريما، وأنزله المنزل المقرب عندك يوم القيامة اه.
فانظر كيف جعل طلب هذه الزيادة من الاسباب المقتضية لفضل هذه الكيفية على غيرها من الوار كصلاة التشهد وغيرها، وهذا تصريح من هذا الامام المحقق بفضل طلب الزيادة له (ص)، فكيف مع هذا يتوهم أن في ذلك محذورا؟ ووافقهم أيضا صاحبهم شيخ الاسلام زكريا اه.
ملخصا.
قوله: (ويحفر قبرا لنفسه) في بعض النسخ وبحفر قبر لنفسه على أن لفظة حفر مصدر مجرور بالباء مضاف إلى قبر أي ولا بأس به.
وفي التاترخانية: لا بأس به، ويؤجر عليه، هكذا عمل عمر بن عبد العزيز والربيع بن خيثم وغيرهما اه.
قوله: (والذي ينبغي الخ) كذا قاله في شرح المنية، وقال: لان الحاجة إليه متحققة غالبا، بخلاف القبر، لقوله تعالى: * (وما تدري نفس بأي أرض تموت) * (لقمان: 43).
قوله: (يكره المشي الخ) قال في الفتح: ويكره الجلوس على القبر، ووطؤه، وحينئذ فما يصنعه من دفنت حول أقاربه خلق من وطئ تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر قريبه مكروه، ويكره النوم عند القبر، وقضاء الحاجة، بل أولى، وكل ما لم يعهد من السنة، والمعهود منها ليس إلا زيارتها والدعاء عندها قائما اه.
قلت: وفي الاحكام عن الخلاصة وغيرها: لو وجد طريقا إن وقع في قلبه أنه محدث لا يمشي عليه وإلا فلا بأس به وفي خزانة الفتاوى وعن أبي حنيفة: لا يوطأ القبر إلا لضرورة، ويزار من
بعيد ولا يقعد، وإن فعل يكره.
وقال بعضهم: لا بأس بأن يطأ القبور وهو يقرأ أو يسبح أو يدعو لهم اه.
وقال في الحلية: وتكره الصلاة عليه وإليه لورود النهي عن ذلك، ثم ذكر عن الامام الطحاوي أنه حمل ما ورد من النهي عن الجلوس على القبر على الجلوس لقضاء الحاجة، وأنه لا(2/265)
يكره الجلوس لغيره جمعا بين الآثار، وأنه قال: إن ذلك قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، ثم نازعه بما صرح به في النوادر والتحفة والبدائع المحيط وغيره، من أن أبا حنيفة كره وطئ القبر والقعود أو النوم أو قضاء الحاجة عليه، وبأنه ثبت النهي عن وطئه والمشي عليه، وتمامه فيها.
وقيد في نور الايضاح كراهة القعود على القبر بما إذا كان لغير قراءة.
قلت: وتقدم أنه إذا بلي الميت وصار ترابا يجوز زرعه والبناء عليه، ومقتضاه جواز المشي فوقه.
ثم رأيت العيني في شرحه على صحيح البخاري ذكر كلام الطحاوي المار، ثم قال: فعلى هذا ما ذكره أصحابنا في كتبهم من أن وطئ القبور حرام، وكذا النوم عليها ليس كما ينبغي، فإن الطحاوي هو أعلم الناس بمذاهب العلماء، ولا سيما بمذهب أبي حنيفة انتهى.
قلت: لكن قد علمت أن الواقع في كلامهم التعبير بالكراهة لا بلفظ الحرمة، وحينئذ فقد يوفق بأن ما عزاه الامام الطحاوي إلى أئمتنا الثلاثة من حمل النهي على الجلوس لقضاء الحاجة يراد به في نهي التحريم، وما ذكره غيره من كراهة الوطئ والقعود الخ يراد به كراهة التنزيه في غير قضاء الحاجة.
وغاية ما فيه إطلاق الكراهة على ما يشمل المعنيين، وهذا كثير في كلامهم، ومنه قولهم مكروهات الصلاة، وتنتفي الكراهة مطلقا إذا كان الجلوس للقراءة كما يأتي، والله سبحانه أعلم.
مطلب في وضع الجريد ونحو الآس على القبور تتمة: يكره أيضا قطع النبات الرطب والحشيش من المقبرة دون اليابس كما في البحر والدرر وشرح المنية، وعلله في الامداد بأنه ما دام رطبا يسبح الله تعالى فيؤنس الميت وتنزل بذكره الرحمة اه.
ونحوه في الخانية.
أقول: ودليله ما ورد في الحديث من وضعه عليه الصلاة والسلام الجريدة الخضراء بعد شقها
نصفين على القبرين اللذين يعذبان.
وتعليله بالتخفيف عنهما ما لم يبيسا: أي يخفف عنهما ببركة تسبيحهما، إذ هو أكمل من تسبيح اليابس لما في الاخضر من نوع حياة، وعليه فكراهة قطع ذلك وإن نبت بنفسه ولم يملك لان فيه تفويت حق الميت.
ويؤخذ من ذلك ومن الحديث ندب وضع ذلك للاتباع، ويقاس عليه ما اعتيد في زماننا من وضع أغصان الآس ونحوه، وصرح بذلك أيضا جماعة من الشافعية، وهذا أولى مما قاله بعض المالكية من أن التخفيف عن القبرين إنما حصل ببركة يده الشريفة (ص) أو دعائه لهما فلا يقاس عليه غيره.
وقد ذكر البخاري في صحيحه أن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أوصى بأن يجعل في قبره جريدتان، والله تعالى أعلم.
قوله: (لا يكره الدفن ليلا) والمستحب كونه نهارا.
شرح المنية.
قوله: (ولا إجلاس القارئين عند القبر) عبارة نور الايضاح وشرحه: ولا يكره الجلوس للقراءة على القبر في المختار لتأدية القراءة على الوجه المطلوب بالسكينة والتدبر والاتعاظ اه.
قوله: (عظم الذمي محترم) فلا يكسر إذا وجد في قبره، لانه كما حرم إيذاؤه في حياته لانه مثلة وجبت صيانة نفسه عن الكسر بعد موته.
خانية.
وأما أهل الحرب، فإن احتيج إلى نبشهم فلا بأس به.
تاترخانية عن الحجة، فتنبش وترفع العظام والآثار، وتتخذ مقبرة للمسلمين أو مسجدا كما في الواقعات.
إسماعيل.
قوله: (إنما يعذب الخ) قال بعضهم: يعذب لما(2/266)
في الحديث إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه وقال عامة العلماء: لا لقوله تعالى: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (الانعام: 461) وتأويل الحديث أنهم في ذلك الزمان كانوا يوصون بالنوح، فقال عليه الصلاة والسلام ذلك.
بحر عن الظهيرية.
وفي شرح التكملة أن المراد من الحديث الندب والنياحة.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي (ص) قال ذلك لما مر على قوم يبكون على يهودي فقال: إنه ليعذب وهم يبكون عليه اه.
إسماعيل.
قوله: (عهد نامه) بفتح الميم وسكون الهاء، ومعناه بالفارسية: الرسالة، والمعنى رسالة العهد.
والمعنى أن يكتب شئ مما يدل أنه على العهد الازلي الذي بينه وبين ربه يوم أخذ الميثاق من الايمان والتوحيد والتبرك بأسمائه تعالى، ونحو ذلك ح.
قوله: (يرجى الخ) مفاده الاباحة أو الندب.
وفي البزازية قبيل كتاب الجنايات: وذكر الامام
الصفار: لو كتب على جبهة الميت أو على عمامته أو كفنه عهد نامه يرجى أن يغفر الله تعالى للميت ويجعله آمنا من عذاب القبر.
قال نصير: هذه رواية في تجويز، وقد روي أنه كان مكتوبا على أفخاذ أفراس في إصطبل الفاروق: حبيس في سبيل الله تعالى اه.
مطلب فيما يكتب على كفن الميت وفي فتاوى المحقق ابن حجر المكي الشافعي: سئل عن كتابة العهد على الكفن وهو لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقيل إنه: اللهم فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا، إني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك (ص)، فلا تكلني إلى نفسي، تقربني من الشر وتبعدني من الخير، وأنا لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عهدا عندك توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد هل يجوز، ولذلك أصل؟ فأجاب بقوله: نقل بعضهم عن نوادر الاصول للترمذي ما يقتضي أن هذا الدعاء له أصل، وأن الفقيه ابن عجيل كان يأمر به، ثم أفتى بجواز كتابته قياسا على كتابة لله في إبل الزكاة، وأقره بعضهم، وفيه نظر.
وقد أفتى ابن الصلاح بأنه لا يجوز أن يكتب على الكفن يس والكهف وغيرهما خوفا من صديد الميت، والقياس المذكور ممنوع، لان القصد ثم التمييز وهنا التبرك، فالاسماء المعظمة باقية على حالها فلا يجوز تعريضها للنجاسة، والقول بأنه يطلب فعله مردود، لان مثل ذلك لا يحتج به إلا إذا صح عن النبي (ص) طلب ذلك وليس كذلك اه.
وقدمنا قبيل باب المياه عن الفتح أنه تكره كتابة القرآن وأسماء الله تعالى على الدراهم والمحاريب والجدران وما يفرش، وما ذاك إلا لاحترامه وخشية وطئه ونحوه مما فيه إهانة، فالمنع هنا بالاولى ما لم يثبت عن المجتهد أو ينقل فيه حديث ثابت، فتأمل، نعم نقل بعض المحشين عن فوائد الشرجي أن مما يكتب على جبهة الميت بغير مداد بالاصبع المسبحة: * (بسم الله الرحمن الرحيم) * وعلى الصدر: لا إله الله محمد رسول الله، وذلك بعد الغسل قبل التكفين اه.
والله أعلم.(2/267)
باب: الشهيد أخرجه من صلاة الجنازة مبوبا له، مع أن المقتول ميت بأجله لاختصاصه بالفضيلة التي ليست لغيره.
نهر.
قوله: فعيل الخ) وهو إما من الشهود: أي الحضور، أو من الشهادة: أي الحضور مع المشاهدة بالبصر أبو البصرة.
قهستاني.
قوله: (لانه مشهود له بالجنة) أفاد أنه من باب الحذف والايصال، حذف اللام فاستتر الضمير المجرور ح.
وهذا على أنه من الشهادة، وأما على أنه من الشهود فلان الملائكة تشهده إكراما له.
قوله: (لانه حي الخ) هذا على أنه من الشهود، وأما على أنه من الشهادة فلان عليه شاهدا يشهد له وهو دمه وجرحه، أو لانه شاهد على من قتله بالكفر.
قوله: (هو الخ) أي الشهيد في العرف ما ذكر، وهو تعريف له باعتبار الحكم الآتي: أعني عدم تغسيله ونزع ثيابه لا لمطلقه لانه أعم من ذلك كما سيأتي.
قوله: (كل مكلف) هو البالغ العاقل، خرج به الصبي والمجنون فيغسلان عنده خلافا لهما، لان السيف أغنى من الغسل لكونه طهرة، ولا ذنب للصبي ولا للمجنون، وهذا يقتضي أن يقيد المجنون بمن بلغ كذلك، وإلا فلا خفاء في احتياجه إلى ما يطهر ما مضى من ذنوبه، إلا أن يقال: إذ مات على جنونه لم يؤاخذ بما مضى لعدم قدرته على التوبة.
بحر.
ولا يخفى أن همسلم فيما إذا جن عقب المعصية، أما لو مضى بعدها زمن يقدر فيه على التوبة فلم يفعل كان تحت المشيئة.
نهر.
قوله: (مسلم) أما الكافر فليس بشهيد وإن قتل ظلما فلقريبه المسلم تغسيله كما مر، وما في ط عن القهستاني غير طاهر.
قوله: طاهر) أي ليس به جنابة ولا حيض ولا نفاس ولا انقطاع أحدهما كما هو المتبادر، فإذا استشهد الجنب يغسل، وهذا عنده خلافا لهما، فإذا انقطع الحيض والنفاس واستشهدت فعلى هذا الخلاف، وإن استشهدت قبل الانقطاع تغسل على أصح الروايتين عنه كما في المضمرات.
قهستاني.
وحاصله أنها تغسل قبل الانقطاع في الاصح كما بعده.
وفي رواية: لا تغسل قبله لان الغسل لم يكن واجبا عليها، كما لو انقطع قبل الثلاث فإنها لا تغسل بالاجماع كما في السراج والمعراج.
قوله: (فالحائض) المراد بها من كانت من ذوات الحيض لا من اتصفت بالحيض، لئلا ينافي قوله.
قوله: لعدم كونها حائضا فافهم.
واقتصر في التفريع على بعض أفراد المحترزات لخفائه، لما فيه من
التفصيل، ولم يفصل في النفساء لان النفاس لا حد لاقله.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم تراه ثلاثة أيام لا تغسل بالاجماع كما نقلناه آنفا عن السراج والمعراج، فما في الامداد من أن الحائض تغسل سواء كان القتل بعد انقطاع الدم، أو قبل استمراره ثلاثة أيام فهو سهو أو سقط، وصوابه: أو قبله بعد استمراره الخ، فتنبه.
قوله: (ولم يعد الخ) استدل الامام على وجوب الغسل لمن قتل جنبا بما صح عنه (ص) أنه قال لما قتل حنظلة بن أبي عامر الثقفي: إن صاحبكم حنظلة تغسله الملائكة، فسألوا زوجته، فقالت: خرج وهو جنب، فقال عليه الصلاة والسلام: لذلك غسلته الملائكة وأورد الصاحبان أنه لو كان واجبا لوجب على بني آدم ولما اكتفى بفعل الملائكة.
والجواب بالمنع وهو ما أشار إليه الشارح من أنه يحصل بفعلهم بدليل قصة آدم المارة، لان الواجب نفس الغسل، فأما الغاسل(2/268)
فيجوز أن يكون أيا كان كما في المعراج.
واعترضه في البحر بأن هذا الغسل عنده للجنابة لا للموت اه: أي وإذا كان للجنابة كما هو ظاهر قوله في الحديث لذلك غسلته الملائكة لم يحسن الاستدلال بقصة الملائكة لان تغسليهم لآدم كان للموت لا للجنابة، لكن فيه أنه إذا وجب للجنابة كان كوجوبه للموت، فدلت القصة على الاكتفاء بفعل الملائكة، لكن تقدم في بحث الغسل أن الميت لو وجد في الماء لا بد من تغسيله لانا أمرنا به، فيحركه في الماء بنيته لاسقاط الفرض عن ذمة المكلفين لا لطهارته، فلو صلى عليه بلا إعادة لغسله صح وإن لم يسقط عنهم الوجوب، ومقتضاه أنه لا يكتفى بفعل الملائكة إلا أن يفرق بأنه واجب على المكلفين إذا لم يغسله غيرهم لقيام فعله مقام فعلهم، ولذا صح تغسيل الذمي أو الصبي لمسلم مات بين نساء ليس معهن سواهما كما مر.
على أن فعل الملائكة بإذن من الله تعالى، فهو إذن من صاحب الحق بالاكتفاء عن فعل المكلفين ولا سيما على القول بتكليفهم، وبعثة نبينا (ص) إليهم، والقصة والحديث دليلان على الاكتفاء بفعلهم.
وأما وقوعه في الماء فليس فيه تغسيل من أحد، فلم يسقط الفرض عنهم وإن حصلت الطهارة، كما لو غسله مكلف بلا نية فإنه يجزى لطهارته لا لاسقاطه الفرض عن ذمتنا فتصح الصلاة عليه وإن لم يسقط الفرض عنا، فلذا وجب إعادة غسل الغريق أو تحريكه عند إخراجه
بنية الغسل فيكون فعلا منا فيسقط به الفرض عنا، إذ بدونه لم يحصل فعل منا ولا ممن ناب عنا، فاتضح الفرق، هذا ما ظهر لي فاغتنمه فإنه نفيس.
قوله: (قتل ظلما) لم يقل قتله مسلم كما في الكنز لان الذمي كذلك، وقيد بالقتل لانه لو مات حتف أنفه أو ابترد أو حرق أو غرق أو هدم لم يكن شهيدا في حكم الدنيا وإن كان شهيد الآخرة كما سيأتي، وبقوله ظلما لما يأتي من أنه لو قتل بحد أو قصاص مثلا لا يكون شهيدا فيغسل، ودخل فيه المقتول مدافعا عن نفسه أو ماله أو المسلمين أو أهل الذمة فإنه شهيد، لكن لا يشترط كون قتله بمحدد كما في البحر عن المحيط، واستشكله في النهر، ويأتي جوابه.
قوله: (بغير حق) تفسير لقوله ظلما.
قوله: (بجارحة) أي خلافا لهما كما في النهاية، وهذا قيد في غير من قتله باغ أو حربي أو قطاع طريق بقرينة العطف الآتي، واحترز بها عن المقتول بمثقل فإنه لا يوجب القصاص عنده.
قوله: (أي بما يوجب القصاص) أي فالمراد بها ما يفرق الاجزاء، فيدخل فيه النار والقصب كما في الفتح.
قوله: (بل قصاص) أي بل وجب به قصاص، أشار به إلى أن وضع المسألة فيمن علم قاتله كما صرح به شراح الهداية، إذ لا قصاص إلا على قاتل معلوم، خلافا لما زعمه صدر الشريعة كما حققه في الدرر.
أما إذا لم يعلم قاتله فسيأتي أنه يغسل، لكن كان عليه أن يزيد أو لم يجب به شئ أصلا كقتل الاسير مثله في دار الحرب عند أبي حنيفة، وقتل السيد عبده عن الكل كما في شرح المنية.
قوله: (حتى لو وجب الخ) تفريع على مفهوم قوله: بنفس القتل فإن المال لم يجب بنفس القتل العمد، لان الواجب به القصاص، وإنما سقط بعارض وهو الصلح أو شبهة الابوة، فلا يغسل في الرواية المختارة كما في الفتح.(2/269)
فالحاصل أنه إذا وجب بقتله القصاص وإن سقط لعارض أو لم يجب بقتله شئ أصلا فهو شهيد كما علمته.
أما إذا وجب به المال ابتداء فلا، وذلك بأن كان قتله شبه العمد كضرب بعصا، أو خطأ كرمي غرض فأصابه، أو ما جرى مجراه كسقوط نائم عليه، وكذا إذا وجب به القسامة لوجوب المال بنفس القتل شرعا، وكذا لو وجد مذبوحا ولم يعلم قاتله سواء وجبت فيه القسامة أو لا هو الصحيح لاحتمال أنه لم يقتل ظلما كمسيأتي، وهو الذي حققه في شرح الدرر اه ملخصا
من القهستاني وشرح المنية.
قوله: (أو قتل الاب ابنه) أو قتله شخصا آخر يرثه الابن.
بحر.
كما إذا قتل زوجته وله منها ولد فإن الولد استحق القصاص على أبيه فيسقط للابوة.
قوله: (ولم يرتث) بالبناء للمجهول وتشديد المثلثة آخره، أشار إلى أن شرط عدم الارتثاث ليس خاصا بشهيد المعركة، ولذا لما قتل عمر وعلي غسلا لانهما ارتثا، وعثمان أجهز عليه في مصرعه ولم يرتث فلم يغسل كما في البدائع، وسيجئ بيان الارتثاث.
قوله: (وكذا يكون شهيدا الخ) أي بشرط أن لا يرتث أيضا.
قوله: (أو قاطع طريق) والمكابرون في المصر ليلا بمنزلة قطاع الطريق كما في البحر عن شرح المجمع، فمن قتلوه ولو بغير محدد فهو شهيد، كما لو قتله القطاع، وكذا من قتله اللصوص ليلا، كما سيأتي.
وذكر في البحر أنه زاد في المحيط سببا رابعا، وهو من قتل مدافعا ولو عن ذمي فإنه شهيد بأي آلة قتل وإن لم يكن واحدا من الثلاثة: أي ممن قتله باغ أو حربي أو قاطع طريق.
وقال في النهر: كونه شهيدا وإن قتل بغير محدد مشكل جدلوجوب الدية بقتله، فتدبره ممعنا النظر فيه اه.
قلت: يمكن حمله على ما إذا لم يعلم قاتله عينا، كما لو خرج عليه قطاع طريق أو لصوص أو نحوهم.
وفي البحر عن المجتبى: إذا التقت سريتان من المسلمين وكل واحدة ترى أنهم مشركون فأجلوا عن قتلى من الفريقين.
قال محمد: لا دية على أحد ولا كفارة لانهم دافعون عن أنفسهم، ولم يذكر حكم الغسل، ويجب أن يسغلوا، لان قاتلهم لم يظلمهم اه.
ومفاده أنه لو كانت إحدى الفرقتين ظالمة للاخرى، بأن علموا حالهم لا يغسل من قتل من الاخرى وإن جهل قاتله عينا لكونه مدافعا عن نفسه وجماعته.
تأمل.
قوله: (ولو تسببا) لان موته يكون مضافا إليهم، فلو أوطؤوا دابتهم مسلما، أو نفروا دابة مسلم فرمته، أو رموا نارا في سفينة فاحترقت ونحو ذلك، فهو شهيد.
أما لو قتل بانفلات دابة مشرك ليس عليها أحد أو دابة مسلم أو برمينا إليهم فأصابه أو نفر المسلمون منهم فألجؤوهم إلى خندق أو نار أو نحوه فمات لم يكن شهيدا، خلافا لابي يوسف، لان فعله يقطع النسبة إليهم، وتمامه في البحر.
قوله: (المراد بالجراحة علامة القتل) ليشمل ما ذكره من الجراحة الباطنة، وما ليس بجراحة أصلا كخنق وكسر عضو.
وفيه إشارة إلى أن الاولى قوله الهداية وغيرها: أو وجد في المعركة وبه أثر اه.
فلو لم يكن به أثرا أصلا لا يكون
شهيدا، لان الظاهر أنه لشدة خوفه انخلع قلب.
فتح: أي فلم يكن بفعل مضاف إلى العدو، بدائع.
قوله: (كخروج الدم الخ) أي إن كان الدم يخرج من مخارقه ينظر، إن كان موضعا يخرج منه الدم من غيير آفة في الباطن كالانف والذكر والدبر لم يكن شهيدا، لان المرء قد يتبلي بالرعاف، وقد يبول(2/270)
دما لشدة الفزع، وقد يخرج الدم من الدبر من غير جرح في الباطن فوقع الشك في سقوط الغسل فلا يسقط بالشك، وإن كان يخرج من أذنه أو عينه كان شهيدا لانه لا يخرج منهما عادة إلا لآفة في الباطن، فالظاهر أنه ضرب على رأسه حتى خرج منهما الدم، وإن كان يخرج من فمه، فإن نزل من رأسه لم يكن شهيدا، وإن كان يعلو من جوفه كان شهيدا لانه لا يصعد إلا لجرح في الباطن، وإنما يميز بينهما بلون الدم.
بدائع، فالنازل من الرأس صاف والصاعد من الجوف علق.
جوهرة وفتح.
والعلق: الجامد، واستشكله في الفتح بأن المرتقي من الجوف قد يكون رقيقا من قرحة في الجوف على ما تقدم في الطهارة فلا يلزم كونه من جراحة حادثة بل أحد المحتملان اه.
قوله: (صافيا) قيد لقوله: أو حلقه وكذا قوله الآتي: جامدا وفيه قلب.
والصواب ذكر جامدا في الاول وصافيا في الثاني كما علم مما نقلناه آنفا.
قوله: (فينزع عنه الخ) شروع في أحكامه، والمراد بما لا يصلح للكفن مثل الفرو والحشو والقلنسوة والخف والسلاح والدرع لا السراويل، فلا ينزع في الاشبه كما في الهندية عن الهنداوي، وكذا لا ينزع الفرو الحشو إذا لم يوجد غيره كما أفاده في الامداد.
قوله: (ويزاد إن نقص) في المحيط: قيل إن قولهم: يزاد وينقص معناه: يزاد ثوب جديد تكريما وينقص ما شاؤوا، وإن كان عليه ما يبلغ السنة.
وقيل يزاد إذا قل وينقص إذا كثر حتى يبلغ السنة، وهذا أنسب بقوله: ليتم كفنه قهستاني.
قال في البحر: وأشار إلى أنه يكره أن ينزع عنه جميع ثيابه ويجدد الكفن، ذكره الاسيبجابي اه.
قوله: (لحديث الخ) أي لقوله (ص) في شهداء أحد زملوهم بكلومهم ودمائهم رواه أحمد، كذا في شرح المنية.
ثم ذكر دليل الصلاة عليه أنه عليه الصلاة والسلام صلى على شهداء أحد، وساق أحاديث وقال: كل منها إن سلم أنه لم يرتق إلى درجة الصحة فليس بنازل عن درجة الحسن، ومجموعها مرتق إليها قطعا، فتعارض ما في البخاري
عن جابر، وترجح عليه بأنها مثبتة وهو ناف، وتمامه فيه.
والتزميل، اللف.
والكلوم: جمع كلم بفتح فسكون: الجرح.
قوله: (أي في موضع تجب فيه الدية) فالمراد بالمصر والقرية ما يشمل ما قرب منهما، وخرج مالو وجد في مفازة ليس بقربها عمران، فإنه لا تجب فيه قسامة ولا دية، فلا يغسل لو وجد به أثر القتل كما في البحر والمعراج.
قوله: (ولم يعلم قاتله) أي مطلقا، سواء قتل بما يوجب القصاص أو لا، لعدم تحقق كون قتله ظلما، ولوجب الدية.
ولما كان مفهومه أنه إن علم لا يغسل مطلقا أيضا مع أن الاطلاق غير مراد، فصل الشارح بأنه إن علم ولم يجب القصاص بأن قتل بمثقل أو خطأ فكذلك: أي يغسل، وإلا فلا، وكأن المصنف أطلقه على التقييد استغناء بما مر من قوله: قتل ظلما الخ.
قوله: (كمن قتله اللصوص الخ) أي سواء قتل بسلاح أو غيره، وكذا من قتله قطاع الطريق خارج المصر بسلاح أو غيره فإنه شهيد، لان القتل لم يخلف في هذه المواضع بدلا هو مال.
بحر عن البدائع.
لان موجب قطع الطريق القتل لا المال كما في البدائع.
قوله:(2/271)
(فليحفظ الخ) أصل ذلك لصاحب البحر حيث قال بعد ما مر عن البدائع: وبهذا يعلم أن من قتله اللصوص في بيته ولم يعلم له قاتل معين منهم لعدم وجودهم فإنه لا قسامة ولا دية على أحد، لانهما لا يجبان إلا إذا لم يعلم القاتل، وهنا قد علم أن قاتله اللصوص وإن لم يثبت عليهم لفرارهم، فليحفظ هذا فإن الناس عنه غافلون اه.
قلت: ووجه الغفلة طلاق ما سيأتي في القسامة من أنه إذا وجد قتيل في دار نفسه فالدية على عاقلة ورثته، ولم أر من قيده هناك بما ذكر هنا، فلذا أكد في التنبيه عليه.
قوله: (أي يغسل) أفاد أنه معطوف على صلة من في قوله: ويغسل من وجد الخ، لان هذا القتل ليس بظلم وهو المناط.
إسماعيل.
قوله: (أو جرح) فعل ماض مبني للمفعول وهو عطف على قتل، وقوله، وارتث بالبناء للمفعول: أي حمل من المعركة رثيثا: أي جريحا.
وفي النهاية: الرث: البالي الخلق: أي صار خلقا في الشهادة، ومعناه الشرعي ما أفاده بقوله بأن أكل الخ.
نهر: لانه حصل له بذلك رفق من مرافق الحياة فلم تبق شهادته على جدتها وهيئتها التي كانت في شهداء أحد الذين هم الاصل في حكمه،
لان ترك الغسل على خلاف القياس المشروع في حق سائر أموات بني آدم، فيراعى فيه جميع الصفات التي كانت في المقيس عليه، وتمامه في شرح المنية.
قوله: (ولو قليلا) يرجع إلى الاربعة قبله.
أفاده في البحر ط.
قوله: (أو أوى خيمة) بالمد والقصر يتعدى بإلى وأنكر بعضهم تعديته بنفسه.
وقال الازهري: إنها لغة فصيحة كما ذكره ابن الاثير.
أفاده القهستاني والمراد هنا ما إذا ضربت عليه خيمة وهو في مكانه، وإلا فهي مسألة النقل من المعركة.
أفاده في البحر.
قوله: (وهو يعقل) فلو لم يعقل لا يغسل وإن زاد على يوم وليلة.
قوله: (ويقدر على أدائها) كذا قيده الزيلعى وقال: حتى يجب عليه القضاء بتركها فيكون بذلك من أحكام الدنيا كما في الدرر، قال في الفتح: والله أعلم بصحته، وتمامه في البحر.
قوله: (أو نقل من المعركة) أو من المكان الذي جرح فيه كما في الينابيع.
إسماعيل.
قوله: (وكذا الخ) أي بالاولى.
قوله: (لا لخوف وطئ الخيل) قيد لقوله: أو نقل من المعركة فحينئذ لا يكون النقل منافيا للشهادة، وهذا القيد مذكور في شرح الزيادات والكافي والمنبع وابن ملك وغرر الاذكار والزيلعي والدرر وغيرها.
إسماعيل.
وكذا في الهداية والبدائع معللا بأنه ما نال شيئا من راحة الدنيا.
قوله: (وهو الاصح) ذكر في البحر عن المحيط أن الاظهر أنه لا خلاف، فقول أبي يوسف: إنه لا يكون مرتثا، فيما إذا أوصى بأمور الدنيا، وقول محمد بعدمه، فيما إذا أوصى بأمور الآخرة كما في وصية سعد بن الربيع، وجزم به في النهر.(2/272)
وذكر ط وصية سعد عن سيرة الشامي حاصلها أن رسول الله (ص) أرسل إليه من ينظر حاله فقال: إني في الاموات، فأبلغ رسول الله (ص) عني السلام، وقل له: إن سعد بن الربيع يقول: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وقل له: إني أجد ريح الجنة، وأبلغ قومك عني السلام، وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله (ص) مكروه وفيكم عين تطرف، ثم لم يبرح أن مات.
قوله: (أو تكلم بكلام كثير) يمكن حمله على كلام ليس بوصية توفيقا بينهما، لكن ذكر أبو بكر الرازي أنه لو أكثر كلامه في الوصية غسل، لانها إذا طالت أشبهت أمور الدنيا.
بحر عن غاية البيان.
قلت: يمكن حمل ما ذكره الرازي على الوصية بأمور الدنيا، بدليل ما مر من وصية سعد، فإن فيها كلاما طويلا.
قوله: (وإلا فلا) أي وإن لم يكن كثيرا ككلمة أو كلمتين فلا يكون مرتثا.
قوله: (وهذا كله) أي كون ما ذكر في بيان ارتثاث موجبا للغسل.
درر.
قوله: (إذا كان الخ) هذا الشرط يظهر فيمن قتل بمحاربة، أما من قتل بغيرها كمن قتل ظلما فلا يظهر فيه، بل إن راتث غسل وإلا لا، ولذا لم يقتد به هناك.
قوله: (وكل ذلك) أي ما تقدم من الشروط وهي ست كما في البدائع: العقل، والبلوغ، والقتل ظلم، وأن لا يجب به عوض مالي، والطهارة عن الحدث الاكبر، وعدم الارتثاث ط.
مطلب في تعداد الشهداء قوله: (في الشهيد الكامل) وهو شهيد الدنيا والآخرة، وشهادة الدنيا بعدم الغسل إلا لنجاسة أصابته غير دمه كما في أبي السعود، وشهادة الآخرة بنيل الثواب الموعود للشهيد.
أفاده في البحر ط.
والمراد بشهيد الآخرة: من قتل مظلوما أو قاتل لاعلاء كلمة الله تعالى حتى قتل، فلو قاتل لغرض دنيوي فهو شهيد دنيا فقط، تجري عليها أحكام الشهيد في الدنيا، وعليه فالشهداء ثلاثة.
قوله: (ونحوه) أي كالمجنون والصبي والمقتول ظلما إذا وجب بقتله مال.
قوله: (والمطعون) وكذا من مات في زمن الطاعون بغيره إذا أقام في بلده صابرا محتسبا فإن له أجر الشهيد كما في حديث البخاري وذكر الحافظ ابن حجر أنه لا يسأل في قبره.
أجهوري.
قوله: (والنفساء) ظاهره سواء ماتت وقت الوضع أو بعده قبل انقضاء مدة النفاس ط.
قوله: (والميت ليلة الجمعة) أخرج حميد بن زنجويه في فضائل الاعمال عن مرسل إياس بن بكير أن رسول الله (ص) قال: من مات يوم الجمعة كتب له أجر شهيد أجهوري.
قوله: (وهو يطلب العلم) بأن كان له اشتغال به تأليفا أو تدريسا أو حضورا فيما يظهر، ولو كل يوم درسا، وليس المراد الانهما ك ط.
قوله: (وقد عدهم السيوطي الخ) أي في التثبيت نحو الثلاثين فقال: من مات بالبطن.(2/273)
واختلف فيه، هل المراد به الاستسقاء أو الاسهال؟ قولان.
ولا مانع من الشمول أو الغرق أو
الهدم أو بالجنب: هي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديدثم تنتفخ في الجنب، أو بالجمع بالضم بمعنى المجموع كالذخر بمعنى المذخور، وكسر الكسائي الجيم.
والمعنى: أنها ماتت من شئ مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة، وقد تفتح الجيم أيضا على قلة.
قال (ص): أيما امرأة ماتت بجمع فهي شهيدة أو بالسل وهو داء يصيب الرئة، ويأخذ البدن منه في النقصان والاصفرار.
وفي الغربة أو بالصرع، أو بالحمى، أو دون أهله أو ماله أو دمه أو مظلمة، أو بالعشق مع العفاف والكتم وإن كان سيئة حراما، أو بالشرق، أو بافتراس السبع، أو بحبس سلطان ظلما، أو بالضرب، أو متواريا، أو لدغته هامة، أو مات على طلب العلم الشرعي، أو مؤذنا محتسبا، أو تاجرا صدوقا، ومن سعى على امرأته وولده وما ملكت يمينه، يقيم فيهم أمر الله تعالى ويطعمهم من حلال كان حقا على الله تعالى أن يجعله من الشهداء في درجاتهم يوم القيامة، والمائد في البحر: أي الذي حصل له غثيان، والذي يصيبه القئ له أجر شهيد، ومن ماتت صابرة على الغيرة لها أجر شهيد، ومن قال كان يوم خمسا وعشرين مرة: اللهم بارك لي في الموت وفيما بعد الموت ثم مات على فراشه أعطاه الله أجر شهيد، ومن صلى الضحى وصام ثلاثة أيام من كل شهر، ولم يترك الوتر سفرا ولا حضرا كتب له أجر شهيد، والمتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد ومن قال في مرضه أربعين مرة لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فمات أعطي أجر شهيد، وإن برئ، برئ مغفورا له وحذفت أدلة ذلك طلبا للاختصار اه ملخصا ط.
أقول: وقد نظمها العلامة الشيخ علي الاجهوري المالكي وشرحها شرحا لطيفا، وذكر نحو الثلاثين أيضا، لكنه زاد على ما هنا: من مات بالطاعون كما مر أو بالحرق أو مرابطا أو يقرأ كل ليلة سورة يس، ومن صرع عن دابة فمات، ويحتمل أن يكون هو المراد بقوله فيما مر: أو بالصرع، ومن مات على طهارة فمات، ومن عاش مداريا مات شهيدا أخرجه الديلمي، ومن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة أخرجه الطبراني.
ومن سأل القتل في سبيل الله صادقا ثم مات أعطاه الله أجر شهيد.
رواه الحاكم وغيره.
ومن جلب طعاما إلى مصر من أمصار المسلمين كان له أجر شهيد.
رواه الديلمي.
ومن مات يوم الجمعة كما مر.
وسئل الحسن عن رجل اغتسل بالثلج فأصابه
البرد فمات، فقال: يا لها من شهادة وأخرج الترمذي عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله (ص): من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي، فإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة حتى يصبح اه.
وبذلك زادت على الاربعين، وقد عدها بعضهم أكثر من خمسين، وذكرها الرحمتي منظومة فراجعه.
مطلب: المعصية هتنافي الشهادة؟ خاتمة: ذكر الاجهوري قال في العارضة: من غرق في قطع الطريق فهو شهيد وعليه إثم معصيته، وكل من مات بسبب معصية فليس بشهيد، وإن مات في معصية بسبب من أسباب الشهادة فله أجر شهادته وعليه إثم معصيته، وكذلك لو قاتل على فرس مغصوب أو كان قوم في معصية فوقع عليهم البيت فلهم الشهادة وعليهم إثم المعصية انتهى، ثم نقل عن بعض شيوخه أنه يؤخذ منه(2/274)
أن من شرق بالخمر فمات فهو شهيد لانه مات في معصية لا بسببها، ثم نظر فيه لانه مات بسببها، لان الشرقة بالخمر معصية لانها شرب خاص.
قال: ويتردد النظر فيمن ماتت بالولادة من الزنا أن سبب السبب هل يكون بمنزلة السبب فلا تكون شهيدة أم لا؟ والظاهر الاول اه.
وجزم الرملي الشافعي بالثاني وقال: أي فرق بينها وبين من ركب البحر لمعصية أو سافر آبقا أو ناشزة، بخلاف ما إذا ركب البحر في وقت لا تسير فيه السفن أو تسببت امرأة في إلقاء حملها للعصيان بالسبب اه ملصخا.
قلت: الذي يظهر تقييد ركوب البحر أو السفر بما إذا كان لغير معصية، وإلا كان معصية لكونه سببا للمعصية فهو كمن قاتل عصبية فجرح ثم مات، فالمناسب ما نقله عن بعضهم من تقييد السفر بالاباحة.
والله أعلم.
باب: الصلاة في الكعبة لما بين حكم الصلاة خارجها شرع في بيانها داخلها، وقدم الاول لكثرة وقوعه.
قوله: (في
الباب زيادة) وهي الصلاة عليها وحولها ط.
قوله: (وهو حسن) بخلاف ما لو نقص عنها ومثله الزيادة على ما في السؤال كقوله عليه الصلاة والسلام لما سئل عن التطهر بماء البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته.
قوله: (يصح فرض ونفل فيها) أي في جوفها.
وعن مالك: لا يصح الفرض فيها، لانه إن كان استقبل جهة كان مستدبرا جهة أخرى.
ولنا أن الواجب استقبال جزء منها غير عين، وإنما يتعين الجزء قبلة له الشروع في الصلاة والتوجه إليه، ومتى صار قبلة فاستدبار غيره لا يكون مفسدا، وعلى هذا ينبغي أنه لو صلى ركعة إلى جهة أخرى لم يصح، لانه صار مستدبرا الجهة التي صارت قبلة في حقه بيقين بلا ضرورة، بخلاف المتحري، لان ما تحول عنها لم تصر قبلة له بيقين بل باجتهاد، ولم يبطل ما أدى بالاجتهاد الاول، لان ما مضى باجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله.
بدائع ملخصا.
قوله: (هي العرصة والهواء) أي لا البناء بدليل أنه لو نقل إلى عرصة أخرى وصلى إليه لم يجز، ولانه لو صلى على أبي قبيس جازت بالاجماع، مع أنه لم يصل إلى البناء.
بدائع.
والعرصة بالسكون: كل بقعة من الدور ليس فيها بناء.
قاموس.
قوله: (إلى عنان السماء) بفتح العين المهملة: نواحيها، وبكسرها: ما بدا لك منها إذا نظرتها.
قاموس.
قوله: (وإن كره الثاني) أي الصلاة فوقها.
قوله: (للنهي) لانها من السبع التي نهى عنها رسول الله (ص) وجمعها الطرسوسي في قوله: نهى الرسول أحمد خير البشر عن الصلاة في بقاع تعتبر معاطن الجمال ثم المقبره مزبلة طريقهم ومجزره وفوق بيت الله والحمام والحمد لله على التمام قوله: (وإن اختلفت وجوههم) شامل لست عشرة صورة حاصلة من ضرب أربع: وجه المؤتم، وقفاه، ويمينه، ويساره في مثلها من الامام ح.(2/275)
قلت: ويشمل ست عشرة صورة أيضا حاصلة من ذلك بالنظر إلى المقتدين بعضهم مع بعض، كما أشار إليه في البدائع، حيث قال: وكذا إذا كان وجه بعضهم إلى ظهر بعض وظهر بعضهم إلى ظهر بعض لوجود استقبال القبلة.
قوله: (في التوجه إلى الكعبة) زاده للاشارة إلى أنه
ليس المراد اختلفت وجوههم بعضها عن بعض، لانه على هذا التقدير لا يشمل صورة المواجهة ط.
تأمل.
قوله: (إلى وجه إمامه) أي بأن يتوجه إلى الجهة التي توجه إليها إمامه، ويكون متقدما عليه فيها، سواء كاظهره مسامتا لوجه إمامه أو منحرفا عنه يمينا أو يسارا، لان العلة التقدم عند اتحاد الجهة.
قوله: (ويكره الخ) قال في شرح الملتقى: لانه يشبه عبادة الصور.
وفي القهستاني عن الجلابي: وينبغي أن يجعل بينه وبين الامام سترة، بأن يعلق نطعا أو ثوبا ط: أي ليمنع عن المواجهة.
قوله: (فهي أربع) يعني الجوانب من كل من المؤتم والامام فلا ينافي ما مر من أنها ستة عشرة، فافهم.
قوله: (ويصح لو تحلقوا حولها) شروع في حكم الصلاة خارجها، والتحلق جائز، لان الصلاة بمكة تؤدى هكذا من لدن رسول الله (ص) إلى يومنا هذا والافضل للامام أن يقف في مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
بدائع.
قوله: (إن لم يكن في جانبه) أما إذا كان أقرب إليها من الامام في الجهة التي يصلي إليها الامام، بأن كان متقدما على الامام بحذائه فيكون ظهره إلى وجه الامام، أو كان على يمين الامام أو يساره متقدما عليه من تلك الجهة ويكون ظهره إلى الصف الذي مع الامام ووجهه إلى الكعبة، فلا يصح اقتداؤه، لانه إذا كان متقدما عليه لا يكون تابعا له.
بدائع.
قوله: (لتأخره حكما) علة لصحة صلاة الاقرب إليها من إمامه إن لم يكن في جانب الامام، لان التقدم إنما يظهر عند اتحاد الجهة، فإذا لم تتحد لم يتحقق تقدمه على إمامه، والمانع من صحة الاقتداء هو التقدم ولم يوجد، وبما قررناه ظهر أن الاولى في التعليل أن يقول لعدم تقدمه، لان صحة الاقتداء لا تتوقف على التأخر بل تكون مع المساواة كما مر في محله.
قوله: (وينبغي الفساد احتياطا الخ) البحث للشرنبلالي في حاشية الدرر، وكذا للرملي في حاشية البحر.
وبيانه: أن المقتدى إذا استقبل ركن الحجر مثلا يكون كل من جانبيه جهة له، فإذا كان الامام مستقبلا لباب الكعبة وكان المقتدي أقرب إليها من الامام لا يصح، لان المقتدى وإن كان جانب يساره جهة له لكن جهة يمينه لما كانت جهة إمامه ترجحت احتياطا تقديما لمقتضى الفساد على مقتضى الصحة،(2/276)
ومثل ذلك لو استقبل الامام الركن وكان أحد المقتدين من جانبيه أقرب إلى الكعبة.
وعبارة الخير الرملي أقول: رأيت في كتب الشافعية: لو توجه الامام أو المأموم إلى الركن فكل من جانبيه جهته، وأقول: ولا شئ من قواعدنا يأباه، فلو صلى الامام إلى الركن فكل من جانبيه جانبه فينظر إلى من عن يمينه وشماله من المقتدين، فمن كان الامام أقرب منه إلى الحائط أو بمساواته له فيحكم بصحة صلاته، وأما الذي هو أقرب من الامام إلى الحائط فصلاته فاسدة، وبه يتضح الحال في التحلق حول الكعبة المشرفة مع الامام في سائر الاحوال اه.
قوله: (وكذا لو اقتدوا من خارجها بإمام فيها الخ) أي سواء كان معه بعض القوم أو لا.
قال في الامداد: ولعل اشتراط فتح الباب ليعلم انتقال الامام بالنظر إليه، فلو سمع انتقالاته بالتبليغ والباب مغلق لا مانع من صحة الاقتداء لعدم المانع منه كما قدمناه في شروط صحة الاقتداء اه.
ولكنه يكره ذلك لارتفاع مكان الامام قدر القامة، كانفراده على الدكان إن لم يكن معه أحد ط.
أقول: ولم أر من ذكر عكس المسألة، وهو ما لو كان المقتدي فيها والامام خارجها.
والظاهر الصحة إن لم يمنع مانع من التقدم على الامام عند اتحاد الجهة.
ثم رأيت رسالة لسيد عبد الغني سماها (نفض الجمعة في الاقتداء من جوف الكعبة) ذكر فيها أنه سئل عن هذه المسألة وأنه وقع فيها اختلاف بين أهل عصره في مكة، وأنه أجاب بعضهم بالجواز وبعضهم بالمنع، ولم توجد منصوصة، وأجاب هو بالجواز، ورد ما استند إليه المانع، وذكر أنه ذكرها الزركشي من الشافعية في كتابه إعلام الساجد بأحكام المساجد وذكر أن قواعدنا لا تأبى ما ذكره من الجواز اه.
قلت: ولما حججت سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف اجتمعت في منى سقى الله عهدها مع بعض أفاضل الروم من قضاة المدينة المنورة، فسألني عن هذه المسألة، فقلت له ما تقدم، فقال: لا يصح الاقتداء، لان المقتدى يكون أقوى حالا من الامام لكونه داخلها والامام خارجها، وبني على ذلك أنه لا يصح اقتداء من يصلي في الحجر إذا كان الامام في جهة أخرى، لان الحجر من الكعبة، وقال: إذا وليت قضاء مكة أمنع الناس من ذلك، فعارضته بأن ما ذكرته من القوة لا يؤثر في المنع للتساوي في الواجب وهو استقبال جزء من الكعبة، وبأن التحلق حول الكعبة عادة قديمة من عهد النبي (ص) وإن كان الامام خارج الحجر، ولم نسمع عن أحد من
المجتهدين أو ممن بعدهم أنه منع من وصل الصفو ف في الحجر، فكان ذلك إجماعا على الصحة، وبأن الحجر: أي بعضه ليس من الكعبة على سبيل القطع، ولذا لا تصح الصلاة مستقبلا إليه، وإنما هو ظني، فإذا وجدت شروط الصحة القطعية لا يحكم بالفساد لامر ظني بعد تسليم أصل المسألة، وإلا فهو غير مسلم لما علمت، والله تعالى أعلم.(2/277)
كتاب الزكاة إنما ترك في العنوان العشر وغيره أنه داخل فيه تغليبا أو تبعا.
قهستاني.
قوله: (قرنها) بصيغة المصدر مبتدأ، وقوله: دليل الخ خبر ط.
وحاصله أن القياس ذكر الصوم عقب الصلاة كما فعل قاضيخان لانه بدني محض مثلها، إلا أن أكثرهم قدموا الزكاة عليه اقتداء بكتاب الله تعالى.
نوح.
ولانها أفضل العبادات بعد الصلاة.
قهستاني.
قلت: وهو موافق لما في التحرير وشرحه أوائل الفصل الثاني من الباب الاول من أن ترتيبها في الاشرفية بعد الايمان هكذا: الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، ثم العمرة والجهاد والاعتكاف، وتمام الكلام عليه هناك.
قوله: (في اثنين وثمانين موضعا) كذا عزاه في البحر إلى المناقب البزازية، وتبعه النهر والمنح.
قال ح: وصوابه اثنين وثلاثين كما عده شيخنا السيد رحمه الله تعالى.
قوله: (قبل فرض رمضان) هذا ممن يحسن تقديمها على الصوم ط.
قوله: (ولا تجب على الانبياء) لان الزكاة طهرة لمن عساه أن يتدنس والانبياء مبرؤون منه، وأما قوله تعالى: * (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) * (مريم: 13) فالمراد بها زكاة النفس من الرذائل التي لا تليق بمقاما الانبياء عليهم الصلاة والسلام، أو أوصاني بتبليغ الزكاة وليس المراد زكاة الفطر، لان مقتضى جعل عدم الزكاة من خصوصياتهم أنه لا فرق بين زكاة المال والبدن، كذا أفاده الشبراملسي.
قوله: (الطهارة) هذا أنسب مما في بعض النسخ من إبداله بالنظافة.
قوله: (والنماء) أي الزيادة، ولها معان أخر: البركة، يقال زكت البقعة: إذا بورك فيها، والمدح، يقال زكى نفسه: إذا مدحها، والثناء الجميل، يقال زكى الشاهد: إذا أثنى عليه.
بحر.
وكلها توجد في المعنى الشرعي لانها تطهر مؤديها من الذنوب ومن صفة البخل والمال بإنفاق بعضه، ولذا كان
المدفوع مستقذرا فحرم على آل البيت: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) * (التوبة: 201) وتنميه بالخلف: * (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه) * (سبأ: 93) * (ويربي الصدقات) * (البقرة: 672) وبها تحصل البركة لا ينقص مال من صدقة ويمدح بها الدافع ويثني عليه بالجميل * (والذين هم للزكاة فاعلون) * * (وقد أفلح من تزكى) *.
قوله: (وشرعا تمليك الخ) أي إنها اسم للمعنى المصدري لوصفها بالوجوب الذي هو من صفات الافعال، ولان موضوع علم الفقه فعل المكلف.
ونقل القهستاني أنها شرعا: القدر الذي يخرجه إلى الفقير، ثم قال: وفي الكرماني أنها في القدر مجاز شرعا، فإنها إيتاء ذلك القدر، وعليه المحققون كما في المضمرات وهو القابل للعنوان، وبالاشتراك، قاله الزمخشري وابن الاثير اه.
وقوله تعالى: * (آتوا الزكاة) * (الحج: 87) ظاهره القدر الواجب، ويحتمل تأويل الايتاء بإخراج الفعل من العدم إلى الوجود كما في: * (أقيموا الصلاة) * (الحج: 87).
تنبيه: هذا التعريف لا يدخل فيه زكاة السوائم لانه يأخذها العامل ولو جبرا فلم يوجد التمليك من المزكي، إلا أن يقال: إن السلطان أو عامله بمنزلة الوكيل عنه في صرفها مصارفها(2/278)
وتمليكها أو عن الفقراء، فتأمل.
قوله: (خرج الاباحة) فلا تكفي فيها، وأما الكفارة فلم تخرج بقيد التمليك، لان الشرط فيها التمكين وهو صادق بالتمليك وإن صدق بالاباحة أيضا، نعم تخرج بقوله جزء مال الخ، فافهم.
قوله: (إلا إذا دفع إليه المطعوم) لانه بالدفع إليه بنية الزكاة يملكه فيصير آكلا من ملكه، بخلاف ما إذا أطعمه معه، ولا يخفى أنه يشتر كونه فقيرا، ولا حاجة إلى اشتراط فقر أبيه أيضا لان الكلام في اليتيم ولا أبا له، فافهم.
قوله: (كما لو كساه) أي كما يجزئه لو كساه ح.
قوله: (بشرط أن يعقل القبض) قيد في الدفع والكسوة كليهما ح.
وفسره في الفتح وغيره بالذي لا يرمى به ولا يخدع عنه، فإن لم يكن عاقلا فقبض عنه أبوه أو وصية أو من يعوله قريبا أو أجنبيا أو ملتقطه صح كما البحر والنهر، وعبر بالقبض لان التمليك في التبرعا ت لا يحصل إلا به فهو جزء من مفهومه، فلذا لم يقيد به أولا كما أشار إليه في البحر تأمل.
قوله: (إلا إذا حكم عليه بنفقتهم) أي نفقة الايتام، والاولى إفراد الضمير لان مرجعه في كلامه مفرد: أي إلا إذا كان اليتيم ممن
تلزمه نفقته وقضى عليه بها: أي فلا تجزيه عن الزكاة لانه استثناء من المستثنى الذي هو إثبات، وهذا إذا كان يحتسب المؤدى إليه من النفقة، أما إذا احتسبه من الزكاة فيجزئه كما في البحر عن الولوالجية، ومثله في التاترخانية عن العيون، فكان على الشارح أن يقول: واحتسبه منها، كما أفاده ح.
قلت: والظاهر أنه إذا احتسبه من الزكاة تسقط عنه النفقة المفروضة لاكتفاء اليتيم بها، لما صرحوا به من أن نفقة الاقارب تجب باعتبار الحاجة، ولذا تسقط بمضي المدة ولو بعد القضاء لوقوع الاستغناء عما مضى، وهنا كذلك فتأمل.
قوله: (خلافا للثاني) أي أبي يوسف، فعنده يصح.
وعبارة البزازية: قضى عليه بنفقة ذي رحمه المحرم فكساه وأطعمه ينوي الزكاة صح عند الثاني اه.
زاد في الخانية: وقال محمد: يجوز في الكسوة ولا يجوز في الاطعام، وقول أبي يوسف في الاطعام خلاف ظاهر الرواية اه.
قلت: هذا إذا كان على طريق الاباحة دون التمليك كما يشعر به لفظ الاطعام، ولذا قال في التاترخانية عن المحيط: إذا كان يعول يتيما ويجعل ما يكسوه ويطعمه من زكاة ماله، ففي الكسوة لا شك في الجواز لوجود الركن وهو التمليك، وأما الطعام فما يدفعه إليه بيده يجوز أيضا لما قلنا، بخلاف ما يأكله بلا دفع إليه.
قوله: (فلو أسكن الخ) عزاه في البحر إلى الكشف الكبير وقال قبله: والمال كما صرح به أهل الاصول ما يتمول ويدخر للحاجة، وهو خاص بالاعيان فخرج به تمليك المنافع اه.
قوله: (عينه) أي الجزء أو المال وقول الشارح: وهو ربع عشر نصاب صالح لهما، فإن ربع العشر معين والنصاب معين أيضا، فافهم.
قوله: (وهو ربع عشر نصاب) أي أو ما يقوم مقامه من صدقات السوائم كما أشار إليه في البحر ط.
قوله: (خرج النافلة الخ) لانهما غير معينين، أما النافلة فظاهر، وأما الفطرة فلانها وإن كانت مقدرة بالصاع من نحو تمر أو شعير وبنصفه من نحو بر(2/279)
أو زبيب فليست معينة من المال لوجوبها في الذمة، ولذا لو هلك المال لا تسقط كما سيأتي في بابها، بخلاف الزكاة، ولذا تجب من البر وغيره وإن لم يكن عنده منه شئ، أما ربع العشر في الزكاة
فلا يجب إلا على من عنده تسعة أعشار غيره.
والحاصل أن الفرق بينهما بالتعيين والتقدير، هذا ما ظهر لي، فافهم.
قوله: (من مسلم الخ) متعلق بتمليك، واحترز بجميع ما ذكر عن الكافر والغني والهاشمي ومولاه، والمراد عند العلم بحالهم كما سيأتي في المصرف ح.
قال في البحر - ولم يشترط الحرية لان الدفع إلى غير الحر جائز كما سيأتي في بيان المصرف.
مطلب في أحكام المعتوه قوله: (ولو معتوها) في المغرب: المعتوه: الناقص العقل، وقيل: المدهوش من غير جنون اه.
وفيه التفصيل المار في الصبي كما في التاترخانية، وفي عامة كتب الاصول أن حكمه كالصبي العاقل في كل الاحكام.
واستثنى الدبوسي العبادات فتجب عليه احتياطا.
ورده أبو اليسر بأنه نوع جنون فيمنع الوجوب.
وفي أصول البستي أنه لا يكلف بأدائها كالصبي العاقل، إلا أنه إن زال العته توجه عليه الخطاب بالاداء حالا، وبقضاء ما مضى بلا حرج، فقد صرح بأنه يقضي القليل دون الكثير وإن لم يكن مخاطبا فيما قيل كالنائم والمغمى عليه دون الصبي إذا بلغ، وهو أقرب إلى التحقيق، كذا في شرح المغني للهندي إسماعيل ملخصا.
قوله: (أي معتقه) بفتح التاء، والضمير للهاشمي.
قوله: (وهذا) أي ما عرف به المصنف.
قوله: (أي المعهود) إشارة إلى ما أجاب به في النهر عن اعتراض الدرر على الكنز بأن قوله: تمليك المال يتناول الصدقة النافلة، فزاد قوله: عينه الشارع كما فعل المصنف لاخراجها، وحاصل الجواب أن أل في المال للعهد وهو ما عينه الشارع.
قوله: (مع قطع) متعلق بتمليك، وقوله: من كل وجه متعلق ب - قطع ط.
قوله: (فلا يدفع لاصله) أي وإن علا، وفرعه وإن سفل، وكذا لزوجته وزوجها وعبده ومكاتبه، لانه بالدفع إليهم لم تنقطع المنفعة عن المملك: أي المزكي من كل وجه.
قوله: (لله تعالى) متعلق بتمليك: أي لاجل امتثال أمره تعالى.
قوله: (بيان لاشتراط النية) فإنها شرط بالاجماع في مقاصد العبادات كلها.
بحر.
قوله: (عقل وبلوغ) فلا تجب على مجنون وصبي لانها عبادة محضة وليسا مخاطبين بها، وإيجاب النفقات والغرامات لكونها من حقوق العباد والعشر، وصدقة الفطر لان فيهما معنى المؤنة.
ولا خلاف أنه في المجنون الاصلي يعتبر ابتداء الحول من وقت إفاقته كوقت بلوغه.
أما العارضي، فإن استوعب كل الحول فكذلك في ظاهر الرواية، وهو قول محمد ورواية عن الثاني، وهو الاصح، وإن لم يستوعبه لغا.
وعن الثاني أنه يعتبر في وجوبها إفاقة أكثر الحول.
نهر.
ولم يذكر المعتوه هنا.
والظاهر أن فيه هذا التفصيل، وأنه لا تجب عليه في حال العته، لما علمت من أن حكمه كالصبي العاقل فلا تلزمه لانها عبادة محضة كما علمت، إلا إذا لم يستوعب الحول، لان الجنون يلغو معه فالعته بالاولى.(2/280)
وأما ما في القهستاني من قوله فتجب على المعتوه والمغمى عليه ولو استوعب حولا كما في قاضيخان اه، ففيه: إني راجعت نسختين من قاضيخان فلم أره ذكر حكم المعتوه، وإنما ذكر حكم المجنون والمغمى عليه ولو وجد فيه ذلك فهو مشكل، فتأمل.
قوله: (وإسلام) فلا زكاة على كافر لعدم خطابه بالفروع سواء كان أصليا أو مرتدا، فلو أسلم المرتد لا يخاطب بشئ من العبادات أيام ردته، ثم كما شرط للوجوب شرط لبقاء الزكاة عندنا، حتى لو ارتد بعد وجوبها سقط كما في الموت.
بحر عن المعراج.
قوله: (وحرية) فلا تجب على عبد ولو مكاتبا أو مستسعى، لان العبد لا ملك له، والمكاتب ونحوه وإن ملك إلا أن ملكه ليس تاما.
نهر.
قوله: (والعلم به) أي وبالافتراض ح.
وإنما لم يذكره المصنف لانه شرط لكل عبادة.
وقد يقال: إنه ذكر الشروط العامة هنا كالاسلام والتكليف فينبغي ذكره أيضا.
بحر.
قوله: (ولو حكما الخ) فلو أسلم الحربي ثم مكث سنين وله سوائم.
ولا علم له بالشرائع لا تجب عليه زكاتها فلا يخاطب بأدائها إذا خرج إلى دارنا خلافا لزفر.
بدائع.
قوله: (ملك نصاب) فزكاة في سوائم الوقف والخيل المسبلة لعدم الملك، ولا فيما أحرزه العدو بدارهم لانهم ملكوه بالاحراز عندنا، خلافا للشافعي، بدائع.
ولا فيما دون النصاب.
مطلب: الفرق بين السبب والشرط والعلة ثم اعلم أن هذا جعله في الكنز شرطا.
واعترضه في الدرر بأنه سبب.
وأجاب عنه في البحر
بأنه أطلق على السبب اسم الشرط لاشتراكهما في أن كلا منهما يضاف إليه الوجود لا على وجه التأثير فخرج العلة، ويتميز السبب عن الشرط بإضافة الوجوب إليه أيضا دون الشرط كما عرف في الاصول اه.
أقول: ولا حاجة إلى ذلك، فقد ذكر في البدائع من الشروط الملك المطلق.
قال: وهو الملك يدا ورقبة، وقال: إن السبب هو المال لانها وجبت شكرا لنعمة المال، ولذا تضاف إليه، يقال: زكاة المال والاضافة في مثله للسببية كصلاة الظهر وصوم الشهر وحج البيت اه.
وعليه فملك النصاب حيث جعل شرطا كما في عبارة الكنز يكون من إضافة المصدر إلى مفعوله، وحيث جعل سببا كما في عبارة المصنف يكون من إضافة الصفة إلى الموصوف: أي النصاب المملوك وبه علم أنه لا يصح تفسير عبارة الكنز بهذا خلافا لما فعله في النهر لئلا يحتاج إلى الجواب بما مر عن البحر، وأنه لا يصح تفسير عبارة المصنف بما فسرنا به عبارة الكنز، فافهم.
قوله: (نصاب) هو ما نصبه الشارع علامة على وجوب الزكاة من المقادير المبينة في الابواب الآتية، وهذا شرط في غير زكاة الزرع والثمار، إذ لا يشترط فيها نصاب ولا حولان حول كما سيأتي في باب العشر.
قوله: (نسبة للحول) أي الحول القمري لا الشمسي كما سيأتي متنا قبيل زكاة المال.
قوله: (لحولانه عليه) أي لان حولان الحول على النصاب شرط لكونه سببا، وهذا علة للنسبة، وسمي الحول حولا لان الاحوال تتحول فيه، أو لانه يتحول من فصل إلى فصل من فصوله الاربع.
قوله: (خرج مال المكاتب) أي خرج بالتقييد به، لان المراد التام: المملوك رقبة ويدا، وملك المكاتب ليس بتام(2/281)
لوجود المنافي، ولانه دائر بينه وبين المولى، فإن أدى مال الكتابة سلم له، وإن عجز سلم للمولى، فكما لا يجب على المولى فيه شئ، فكذا المكاتب كما في الشرنبلالية.
قلت: وخرج أيضا نحو المال المفقود والساقط في بحر ومغصوب لا بنية عليه ومدفون في برية فلا زكاة عليه إذا عاد إليه كما سيأتي، لانه وإن كان مملوكا له رقبة لكن لا يد له عليه كما أفاده في البدائع گ وخرج به أيضا كما في البحر المشتري للتجارة قبل القبض والآبق المعد للتجارة.
قوله: (أقول الخ) حاصله أنه لا حاجة إلى قوله تام وفيه نظر لانه في صدد تعريف سبب الوجوب، ولا بد في التعريف من كونه جامعا مانعا، فلو أطلق الملك عن قيد التمام لورد عليه ملك المكاتب، وذكر الحرية في بيان الشرط لا يخرج تعريف السبب عن كونه ناقصا فحينئذ لا بد من ذكره.
تأمل.
قوله: (على أن الخ) زيادة ترق في بيان الاستغناء عن قيد التمام: أي ولو فرض أن مال المكاتب لم يخرج باشتراط الحرية وقصد إخراجه وإخراج غيره مما تقدم يخرج بإطلاق الملك لانصرافه إلى الكامل، والملك الكامل هو التام فلا حاجة إلى التصريح به، لكن لا يخفى أن هذه عناية يعتذر بها عند عدم التصريح بالقيد دفعا لاعتراض المعترض، فإن المطلق كثيرا ما يراد منه إطلاقه، بل هو الاصل فيه كما في كتب الاصول، فالتصريح بالقيد حيث لم يرد الاطلاق أحسن، ولا سيما في مقام التفهيم وتعليم الاحكام الشرعية، وقصد الاحتراز به عن غيره، ولذا ذكر في المتون المبنية على الاختصار كالغرر والملتقى وغيرهما.
قوله: (ودخل) أي في ملك النصاب المذكور.
فتح.
قوله: (ما ملك يسبب خبيث الخ) أي على قول الامام، لان خلط دراهمه بدراهم غير عنده استهلاك، أما على قولهما فلا ضمان، فلا يثبت الملك لانه فرع الضمان فلا يورث عنه لانه مال مشترك، وإنما يورث حصة الميت منه.
فتح.
وفي القهستاني: ولا زكاة في المغصوب والمملوك شراء فاسدا اه، والمراد بالمغصوب ما لم يخلطه بغيره لعدم الملك.
وأما المملوك شراء فاسدا فهو مشكل، لانه قبل قبضه غير مملوك وبعده مملوك ملكا تاما وإن كان مستحق الفسخ، فتأمل.
وقيد بما إذا كان له غيره الخ، لانه إذا لم يكن له غيره يكون مشغولا بالدين للمغصوب ممنه، فلا تلزمه زكاته ما لم يبرئه منه، والمراد بالغير ما تجب في الزكاة، لما في السراج: لا يصرف الدين لملك آخر لا زكاة فيه، والتقييد بالانفصال غير لازم، وسيأتي تمام الكلام على مسألة الغصب في باب زكاة الغنم.
قوله: (فارغ عن دين) بالجر صفة نصاب، وأطلقه فشمل الدين العارض كما يذكره الشارح ويأتي بيانه، وهذا إذا كان الدين في ذمته قبل وجوب الزكاة، فلو لحقه بعده لم تسقط الزكاة لانها ثبتت في ذمته فلا يسقطها ما لحق من الدين بعد ثبوتها.
جوهرة.
قوله: (له مطلب من جهة العباد) أي طلبا واقعا من جهتهم.
قوله: (سواء كان) أي الدين قوله: (كزكاة) فلو كان له نصاب حال عليه حولان ولم(2/282)
يزكه فيهما لا زكاة عليه في الحول الثاني، وكذا لو استهلك النصاب بعد الحول ثم استفاد نصابا آخر وحال عليه الحول لا زكاة في المستفاد لاشتغال خمسة منه بدين المستهلك، أما لو هلك يزكي المستفاد لسقوط زكاة الاول بالهلاك.
بحر.
والمطالب هنا السلطان تقديرا، لان الطلب له في زكاة السوائم وكذا في غيرها، لكن لما كثرت الاموال في زمن عثمان رضي الله عنه وعلم أن في تتبعها ضررا بأصحابها رأى المصلحة في تفويض الاداء إليهم بإجماع الصحابة، فصار أرباب الاموال كالوكلاء عن الامام ولم يبطل حقه عن الاخذ، ولذا قال أصحابنا: لو علم من أهل بلدة أنهم لا يؤدون زكاة الاموال الباطنة فإنه يطالبهم، وإلا فلا لمخالفته الاجماع.
بدائع.
تنبيه: ما وقع في صدر الشريعة من أن دين الزكاة لا يمنع سهو كما نبه عليه ابن كمال وغيره.
قوله: (وخراج) في البدائع: وقالوا دين الخراج يمنع وجوب الزكاة لانه يطالب به، وكذا إذا صار العشر دينا في الذمة بأن أتلف الطعام العشري صاحبه، فأما وجوب العشر فلا يمنع لانه متعلق بالطعام وهو ليس من مال التجارة.
بحر.
قوله: (أو للعبد) معطوف على قوله: لله تعالى.
قوله: (ولو كفالة) مبالغة في دين العبد.
قال في المحيط: لو استقرض ألفا فكفل عنه عشرة ولكل ألف في بيته وحال الحول فلا زكاة على واحد منهم لشغله بدين الكفالة، لان له أن يأخذ من أيهم شاء.
بحر.
قال في الشرنبلالية: وهذا الفرع ظاهر على القول بأن الكفالة ضم دمة إلى ذمة في الدين، أما على الصحيح من أنها في المطالبة فقط، ففيه تأمل اه.
قلت: لا شك أيضا على القول بأنها في المطالبة يكون لرب المال أخذ الدين من الكفيل وحبسه إذا امتنع، فيكون الكفيل محتاجا إلى ما في يده لقضاء ذلك الدين وإن لم يكن في ذمته دفعا للملازمة أو الحبس عنه، وقد عللوا سقوط الزكاة بالدين بأن المديون محتاج إلى هذا المال حاجة أصلية، لان قضاء الدين من الحوائج الاصلية والمال المحتاج إليه حاجة أصلية لا يكون مال الزكاة.
تأمل.
قوله: (أو مؤجلا الخ) عزاه في المعراج إلى شرح الطحاوي، وقال: وعن أبي حنيفة لا يمنع..وقال الصدر الشهيد: لا رواية فيه، ولكل من المنع وعدمه وجه.
زاد القهستاني عن
الجوهرة: والصحيح أنه غير مانع.
قوله: (ونفقة) بالنصب عطفا على كفالة بتقدير مضاف فيهما: أي دين كفالة ودين نفقة ط.
قوله: (لزمته بقضاء أو رضا) أي بقضاء القاضي أو تراضيهما على قدر معين، لانها بدون ذلك تسقط بمضي المدة، وإنما تصير دينا بأحدهما لكن في نفقة الزوجة مطلقا، أما في نفقة الاقارب فلا تصير دينا إلا إذا كانت المدة قصيرة دون شهر، أو استدان القريب النفقة بإذن القاضي، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في بابها.
قوله: (بخلاف دين نذر) كما إذا كان له مائتا درهم ونذر أن يتصدق بمائة منها، فإذا حال الحول عليها تلزمه زكاتها ويسقط النذر بقدر درهمين ونصف، لانه استحق بجهة الزكاة فيبطل النذر فيه ويتصدق بباقي المائة، ولو تصدق بكلها للنذر وقع عن الزكاة درهمان ونصف لتعيينه بتعيين الله تعالى فلا يبطله تعيينه ولو نذر مائة مطلقه فتصدق بمائة منها للنذر، يقع درهمان ونصف للزكاة ويتصدق بمثلها للنذر، كما في المعراج عن الجامع.
قوله: (وكفارة) أي بأنواعها ح، وكذا لا يمنع دين صدقة الفطر وهدي المتعة والاضحية.
بحر.(2/283)
مطلب: في زكاة ثمن المبيع وفاء تتمة: قالوا ثمن المبيع وفاء إن بقي حولا فزكاته على البائع لانه ملكه.
وقال بعض المشايخ: على المشتري لانه يعده مالا موضوعا عند البائع فيؤاخذ بما عنده.
بدائع.
وذكر في الذخيرة أن زكاته عليهما للتعليلين المذكورين.
قال: وليس هذا إيجاب الزكاة على شخصين في مال واحد، لان الدراهم لا تتعين في العقود والفسوخ، وهكذا ذكر فخر الدين البزدوي هذه المسألة أيضا في شرح الجامع اه.
ومثله في البزازية.
قلت: ينبغي لزومها على المشتري فقط على القول الذي عليه العمل الآن من أن بيع الوفاء منزل منزلة الرهن، وعليه فيكون الثمن دينا على البائع.
تأمل.
قوله: (ولا يمنع الدين وجوب عشر وخراج) برفع الدين ونصب وجوب والكلام الآن في موانع الزكاة، لكن لما كان كل من العشر والخراج زكاة الزروع والثمار قد يتوهم أن الدين يمنع وجوبهما: نبه على دفعه وذكر الكفارة استطرادا، فافهم.
قوله: (لانها مؤنة الارض النامية حتى يجب في الارض الموقوفة وأرض المكاتب) بدائع.
قوله: (وكفارة) أي إن الدين لا يمنع وجوب التكفير بالمال على الاصح.
بحر
عن الكشف الكبير.
قلت: لكن قال صاحب البحر في شرحه على المنار والاشباه والنظائر: إنه صحح في التقرير منع وجوبها بالمال مع الدين كالزكاة اه.
ويوافقه ما سيأتي في زكاة الغنم من قصة أمير بلخ.
قوله: (وفارغ عن حاجته الاصلية) أشار إلى أنه معطوف على قوله: عن دين.
قوله: (وفسره ابن ملك) أي فسر المشغول بالحاجة الاصلية، والاولى فسرها وذلك حيث قال: وهي ما يدفع الهلاك عن الانسان تحقيقا كالنفقة ودور السكنى وآلات الحرب والثياب المحتاج إليها لدفع الحر أو البرد، أو تقديرا كالدين، فإن المديون محتاج إلى قضائه بما في يده من النصاب دفعا عن نفسه الحبس الذي هو كالهلاك، وكآلات الحرفة وأثاث المنزل ودواب الركوب وكتب العلم لاهلها، فإن الجهل عندهم كالهلاك، فإذا كان له دراهم مستحقة بصرفها إلى تلك الحوائج صارت كالمعدومة، كما أن الماء المستحق بصرفه إلى العطش كان كالمعدوم وجاز عنده التيمم اه.
وظاهر قوله: فإذا كان له دراهم الخ أن المراد من قوله: وفارغ عن حاجته الاصلية ما كان نصابا من النقدين أو أحدهما فارغا عن الصرف إلى تلك الحوائج، لكن كلام الهداية مشهر بأن المراد به نفس الحوائج، فإنه قال: وليس في دور السكنى وثياب البدن وأثاث المنازل ودواب الركوب وعبيد الخدمة وسلاحا لاستعمال زكاة لانها مشغولة بحاجته الاصلية وليست بنامية أيضا اه.
وبه يشعر كلام المصنف الآتي أيضا.
وأشار كلام الهداية إلى أنه لا يضر كونها غير نامية أيضا، إذ لا مانع من خروجها مرتين كما خرج الدين ثانيا بقوله فارغ عن حوائجه الاصليوخصه بالذكر كما قال القهستاني لما فيه من التفصيل.
قلت: على أنه لا يعترض بالقيد اللاحق على السابق الاخص، فإن الحوائج الاصلية أعم من(2/284)
الدين، والنامي أعم منها لانه يخرج كتب به العلم لغير أهلها وليس من الحوائج الاصلية، لكن قد يقال: المتون موضوعة للاختصار فما فائدة إخراج الحوائج مرتين، نعم تظهر الفائدة في ذكر القيدين على ما قرره ابن ملك من أن المراد بالاول النصاب من أحد النقدين المستحق الصرف إليها، فيكون التقييد بالنماء احترازا عن أعيانها والتقييد بالحوائج الاصلية احترازا عن أثمانها، فإذا كان معه دراهم
أمسكها بنية صرفها إلى حاجته الاصلية لا تجب الزكاة فيها إذا حال الحول وهي عنده، لكن اعترضه في البحر بقوله: ويخالفه ما في المعراج في فصل زكاة العروض أن الزكاة تجب في النقد كيفما أمسكه للنماء أو للنفقة، وكذا في البدائع في بحث النماء التقدير اه.
قلت: وأقره في النهر والشرح نبلالية وشرح المقدسي، وسيصرح به الشارح أيضا، ونحوه قوله في السراج: سواء أمسكه للتجارة أو غيرها، وكذا قوله في التاترخانية: نوى التجارة أو لا، لكن حيث كان ما قاله ابن ملك موافقا لظاهر عبارات المتون كما علمت، وقال ح: إنه الحق، فالاولى التوفيق بحمل ما في البدائع، وغيرها، على ما إذا أمسكه لينفق منه كل ما يحتاجه فحال الحول وقد بقي معه منه نصاب فإنه يزكي ذلك الباقي، وإن كان قصد الانفاق أيضا في المستقبل لعدم استحقاق صرفه إلى حوائجه الاصلية وقت حولان الحول، بخلاف ما إذا حال الحول وهو مستحق الصرف إليها، لكن يحتاج إلى الفرق بين هذا وبين ما حال الحول عليه وهو محتاج منه إلى أداء دين كفارة أو نذر أو حج، فإنه محتاج إليه أيضا لبراءة ذمته، وكذا ما سيأتي في الحج من أنه لو كان له مال ويخاف العزوبة يلزمه الحج به إذ اخرج أهل بلده قبل أن يتزوج، وكذا لو كان يحتاجه لشراء دار أو عبد، فليتأمل والله أعلم.
قوله: (نام لو تقديرا) النماء في اللغة بالمد: الزيادة، والقصر بالهمز خطأ، يقال: نمى المال ينمي وينمو نموا وأنماه الله تعالى، كذا في المغرب.
وفي الشرع: هو نوعان، حقيقي، وتقديري، فالحقيقي الزيادة بالتوالد والتناسل والتجارات، والتقديري تمكنه من الزيادة بكون المال في يده أو يد نائبه.
بحر.
قوله: (الاستنماء) أي طلب النمو.
قوله: (فلا زكاة على مكاتب) أي ولا على سيده، كما في الشرنبلالية عن الجوهرة، فلو قال: فلا زكاة في كسب مكاتب لكان أولى ح.
قوله: (لعدم الملك التام) أي لعدم اليد في حق السيد وعدم ملك الرقبة في حق المكاتب، ثم إن رجع المال للمولى بالتعجيز أو للمكاتب بأداء بدل الكتابة لا يزكي عن السنين الماضية بل يستأنف حولا جديدا اه ح.
وكان الاولى بالشارح تأخير التعليل إلى آخر المسائل الثلاث التي ذكرها فإنه علة لها أيضا، لان المفقود فيها إما عدم اليد أو عدم ملك الرقبة، وقد مر أن المراد بالملك التام المملوك رقبة ويدا.
قوله: (ولا في كسب مأذون) أي لا عليه ولا على سيده ما
دام في يده، أما إذا أخذه السيد فإنه يزكيه لما مضى من السنين على الصحيح، وقيل يلزمه الاداء قبل الاخذ، وهذا إذا لم يكن على المأذون دين مستغرق، فان كان لا يلزم السيذ الاداء قبل الاخذ ولا بعده، كذا في البحر.
وكان على الشارح أن يقول: ولا في كسب مأذون قبل قبضه كما قال في المشتري لتجارة، بل ربما يتوهم من كلامه أن قوله بعد قبضه المذكور في مسألة الرهن ظرف لمسألة المأذون أيضا ح.
قوله: (ولا في مرهون) أي لا على المرتهن لعدم ملك(2/285)
الرقبة، ولا على الراهن لعدم اليد، وإذا استرده الراهن لا يزكي عن السنين الماضية، وهو معنى قول الشارح بعد قبضه ويدل على قول البحر: ومن موانع الوجوب الرهن ح.
وظاهره ولو كان الرهن أزيد من الدين ط.
قلت: لكن أرجع شيخ مشايخنا السائحاني الضمير في قول الشارح بعد قبضه إلى المرتهن كما رأيته بخطه في هامش نسخته، ويؤيده أن عبارة البحر هكذا: ومن موانع الوحوب الرهن إذا كان في يد المرتهن لعدم ملك اليد اه.
وليس فيها ما يدل على أنه لا يزكيه بعد الاسترداد، لكن قال في الخانية: السائمة إذا غصبها ومنعها عن المالك وهو مقر ثم ردها عليه لا زكاة على المالك فيما مضى، وكذا لو رهنها بألف وله مائة ألف فحال الحول على الرهن في يد المرتهن يزكي الراهن ما عنده من المال إلا ألف الدين، ولا زكاة في غنم الرهن لانها كانت مضمونة بالدين، فرق بين الدراهم المغصوبة والسائمة فإنه يزكي الدراهم إذا قبضها دون السائمة ولو الغاصب مقرا اه.
وظاهره أنه لا فرق في الرهن بين السائمة والدراهم، فليتأمل.
قوله: (قبل قبضه) أما بعده فيزكيه عما مضى كما فهمه في البحر من عبارة المحيط فراجعه، لكن في الخانية: رجل له سائمة اشتراها رجل للسيامة ولم يقبضها حتى حال ثم قبضها لا زكاة على المشتري فيما مضى لانها كانت مضمونة على البائع بالثمن اه.
ومقتضى التعليل عدم الفرق بين ما اشتراها للسيامة أو للتجارة فتأمل.
قوله: (ومديون للعبد) الاولى: ومديون بدين يطالبه بالعبد ليشمل دين الزكاة والخراج لان لله تعالى مع أنه يمنع له مطالبا من جهة العباد كما مر ط.
قوله: (بقدر دينه) متعلق بقوله: فلا
زكاة.
قوله: (وعروض الدين) أي المستغرق في أثناء الحول، ومثله المنقص للنصاب ولم يتم آخر الحول، وأما الحادث بعد الحول فلا يعتبر اتفاقا ط.
قوله: (ورجحه في البحر) وعبارته: وعند أبي يوسف لا يمنع بمنزلة نقصانه، وتقديمهم قول محمد يشعر بترجيحه، وهو كذلك كما لا يخفى.
وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا أبرأه، فعند محمد يستأنف حولا جديدا، لا عند أبي يوسف كما في المحيط اه.
أقول: إن كان مجرد التقديم يقتضي الترجيح فقد قدم في الجوهرة قول أبي يوسف، وأشار في المجمع إلى أنه قول أبي حنيفة أيضا، وأخر في شرحه دليلهما عن دليل محمد فاقتضى ترجيح قولهما، لان الدليل المتأخر يتضمن الجواب عن المتقدم، بل ما عزاه إلى محمد عزاه في البدائع وغيرها إلى زفر.
وفي البحر في آخر باب زكاة المال عن المجتبى: الدين في خلال الحول لا يقطع حكم الحول وإن كان مستغرقا.
وقال زفر: يقطع اه.
وجزم به الشارح هناك قبيل قول المصنف: وقيمة العرض تضم إلى الثمنين فقد ظهر لك ما في ترجيح البحر، فتدبر، نعم ما في البحر أوجه لان الدين مانع من ابتداء الحول فيمنع من بقائه بالاولى لان البقاء أسهل.
تأمل.
ولعل القول بعدم المنع مبني على ما إذا كان النصاب تاما في آخر الحول أيضا، بأن ملك ما يفي الدين من غير النصاب.
تأمل.
قوله: (ولو له نصب الخ) كأن يكون عنده دراهم ودنانير وعروض التجارة وسوائم يصرف الدين إلى الدراهم والدنانير ثم إلى العروض ثم إلى السوائم كما في البحر.
قوله: (5 لو أجناسا) أي ولو كانت السوائم التي عند أجناسا، بأن كان له أربعون من الغنم وثلاثون من البقر(2/286)
وخمس من الابل: صرف الدين إلى الغنم أو الابل دون البقر، لان التبيع فوق الشاة.
بحر.
ثم قال: هكذا أطلقوا، وقيده في المبسوط بأن يحضر الساعي، وإلا فالخيار لرب المال إن شاء صرف الدين إلى السائمة وأدى الزكاة من الدراهم، وإن شاء عكس لانهما في حقه سواء اه.
قوله: (خير) لان الواجب في كل منهما شاة واحدة.
قال في البحر: وقيل يصرف إلى الغنم لتجب الزكاة في الابل في العام القابل اه: أي لانه دفع من الغنم واحدة يبقى تسعة وثلاثون لا تجب زكاتها في القابل.
تتمة: بقي ما إذا كان للمديون مال الزكاة وغيره من عبيد الخدمة وثياب البذلة ودور السكنى، فيصرف الدين أولا إلى مال الزكاة لا إلى غيره ولو من جنس الدين خلافا لزفر، حتى لو تزوج على خادم بغير عينه وله مائتا درهم وخادم صرف دين المهر إلى المائتين دون الخادم عندنا، لان غير مال الزكاة يستحق للحوائج، ومال الزكاة فاضل عنها فكان الصرف إليه أيسر، وأنظر بأرباب الاموال، ولهذا لا يصرف إلى ثياب البذلة وقوته ولو من جنس الدين، قال محمد في الاصل: أرأيت لو تصدق عليه ألم يكن موضعا للصدقة؟ ومعناه: أن مال الزكاة مشغول بالدين فالتحق بالعدم وملك الدار، والخادم لا يحرم عليه أخذ الصدقة فكان فقيرا ولا زكاة على الفقير، وأما إذا لم يكن له مال زكاة يصرف الدين إلى عروض البذلة ثم إلى العقار لان الملك مما يستحدث في العروض ساعة فساعة، أما العقار فبخلافها غالبا.
بدائع.
أقول: والظاهر أن قوله يصرف الدين إلى عروض البذلة الخ، كلام استطرادي مفروض فيما إذا أراد القاضي بيع ما له عليه في قضاء دينه كما صرحوا به في الحجر لا في مسألة الزكاة، إذ الفرض أنه ليس له مال زكاة فأي شئ يزكيه.
ولو كان له مال زكاة فقد صرح قبله بأن الدين يصرف إلى مال الزكاة دون غيره، وعليه فلو استقرض مائتي درهم وحال عليها الحول عنده وليس له إلا ثياب البذلة ونحوها مما ليس مال زكاة لا زكاة عليه ولو كانت الثياب تفي بالدين، لان الدين الذي عليه يصرف إلى الدراهم التي عنده دون الثياب، وقد صرح في السراج أيضا بأنه لا يصرف الدين لملك آخر لا زكاة فيه.
وفي الزيلعي أيضا: ولا يتحقق الغنى بالمال المستقرض ما لم يقض.
قوله: (المحتاج إليها الخ) إنما قيد ابن ملك بذلك لانه أراد بيان الحوائج الاصلية كما قدمناه عنه.
أما كلام المصنف هنا فلا حاجة إلى تقييده بذلك، وكأن الشارح أراد أن قوله: ولا في ثياب البدن محترز قوله: عن حاجته الاصلية لتقدمه، فقيد بذلك وجعل غير المحتاج إليها من محترزات القيد الذي تعده وهو قوله: نام ولو تقديرا مراعاة لترتيب القيود.
تأمل.
قوله: (وأثاث المنزل) محترز قوله: نام ولو تقديرا، وقوله: ونحوها أي كثياب البدن الغير المحتاج إليها وكالحوانيت والعقارات.
قوله: (وإن لم تكن لاهلها) أشار إلى أن تقييد الهداية بقوله لاهلها غير معتبر المفهوم هنا، لكن قد
يقال: أراد إخراجها بقوله وعن حاجته الاصلية وجعل التي لغير أهلها خارجة بقوله: نام كما قررناه في ثياب البذلة، والمراد بأهلها من يحتاج إليها لتدريس وحفظ وتصحيح كما يعلم مما يأتي عن الفتح.
قوله: (غير أن الاهل الخ) استدراك على التعميم المأخوذ من قوله: وإن لم تكن لاهلها أي إن الكتب لا زكاة فيها على الاهل وغيرهم من أي علم كانت لكونها غير نامية، وإنما الفرق بين(2/287)