حاشية رد المحتار - ابن عابدين ج 1
حاشية رد المحتار
ابن عابدين ج 1(1/)
حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بإبن عابدين ويليه تكملة إبن عابدين لنجل المؤلف طبعة جديدة منقحة مصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات الجزء الاول دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(1/1)
جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر 1415 ه / 1995 م دار الفكر بيروت - لبنان دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فكس - تلكس: 41391 فكر ص.
ب 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962 فاكس: 2124187875 - 001(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) (حديث شريف) أحمدك يا من تنزهت ذاته عن الاشباه والنظائر، وأشكرك شكرا أستزيد به من درر غرر الفوائد زواهر الجواهر، وأسألك غاية الدراية، ودوام العناية، بالهداية والوقاية، في البداية والنهاية وفتح باب المنح من مبسوط بحر فيضك المحيط لايضاح الحقائق، وكشف خزائن الاسرار، لاستخراج درر البحار من كنز الدقائق، وأصلي وأسلم على نبيك السراج الوهاج وصدر الشريعة صاحب المعراج، وحاوي المقامات الرفيعة، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الظاهرين، والائمة المجتهدين، وتابعيهم يإحسان إلى يوم الدين أما بعد فيقول أحوج المفتقرين إلى رحمة أرحم الراحمين [ محمد أمين الشهير بابن عابدين ].
إن كتاب الدر المختار شرح تنوير الابصار قد طار في الاقطار، وسار في الامصار، وفاق في الاشتهار على الشمس في رائعة النهار، حتى أكب الناس عليه، وصار مفزعهم إليه، وهو الحري بأن يطلب، ويكون إليه المذهب، فإنه الطراز المذهب في المذهب، فلقد حوى من الفروع المنقحة، والمسائل المصصحة، ما لم يحوه غيره من كبار الاسفار، ولم تنسج على منواله يد الافكار، بيد أنه لصغر حجمه، ووفور علمه، قد بلغ في الايجاز، إلى حد الالغاز، وتمنع بإعجاز المجتاز في ذلك المجاز عن إنجاز الافراز بين الحقيقة والمجاز وقد كنت صرفت في معاناته برهة من الدهر، وبذلت له مع المشقة شقة من جديد العمر، واقتنصت بشبكة الافهام أجل شوارده، وقيدت بأوتاد الاقلام جل أوابده، وصرت في الليل والنهار سميره، حتى أسر إلى سره وضميره، وأطلعني على حوره المقصورات في الخيام، وكشف لي عن وحوه مخدراته اللثام، فطفقت أوشي حواشي صفائح صحائفه اللطيفة، بما هو في الحقيقة بياض للصحيفة: ثم أردت جمع تلك الفوائد، وبسط سمط هاتيك الموائد،
من متفرقات الحواشي والرقاع، خوفا عليها من الضياع، ضاما إلى ذلك ما حرره العلامة الحلبي والعلامة الطحاوي وغيرهما من محشي هذا الكتاب.
وربما عزوت ما فيهما إلى كتاب آخر لزيادة الثقة بتعدد النقل لا للاغراب.
وإذا وقع في كلامهما ما خلافه الصواب أو الاحسن الاهم، أقرر الكلام على ما يناسب المقام، وأشير إلى ذلك بقولي: (فافهم) ولا أصرح بالاعتراض عليهما، تأدبا معهما.
وقد التزمت فيما يقع في الشرح من المسائل والضوابط، مراجعة أصله المنقول عنه وغيره خوفا من إسقاط بعض القيود والشرائط، وزدت كثيرا من فروغ مهمة، فوائدها جمة،(1/3)
ومن الوقائع والحوادث على اختلاف البواعث، والابحاث الرائقة، والنكت الفائقة، وحل العويصات، واستخراج الغويصات، وكشف المسائل المشكلة، وبيان الوقائع المعضلة، ودفع الايردات الواهية من ارباب الحواشي والانتصار لهذا الشارح المحقق بالحق ورفع الغواشي، مع عزو كل فرع إلى أصله، وكل شئ إلى محله، حتى الحجج والدلائل، وتعليلات المسائل، ما كان من مبتكرات فكري الفاتر، ومواقع نظري القاصر، أشير إليه، أنبه عليه، وبذلت الجهد في بيان ما هو الاقوى، وما عليه الفتوى، وبيان الراحج من المرجوع مما أطلق الفتاوي أو الشروح، معتمدا في ذلك على ما حرره الائمة اعلام، من المتأخرين العظام، كالامام ابن الهمام، وتلميذيه: العلامة قاسم وابن أمير حاج، والمصنف، والرملي، وابن نجيم، وابن الشلبي، والشيخ إسماعيل الحائك.
والحانوتي السراج، وغيرهم ممن لازم علم الفتوى، من أهل التقوى.
فدونك حواشي هي الفريدة في بابها، الفائقة على أترابها، المسفرة عن نقابها لطلابها وخطابها، قد أرشدت من أحتار من الطلاب، في فهم معاني هذا الكتاب، فلهذا سميتها.
رد المختار على در المختار وإنى اقول: ما شاء الله كان، وليس الخبر كالعيان، فسيحمدها معانيها، بعد الخوض
في معانيها جمعت بتوفيق الاله مسائلا رقاق الحواشي مثل دمع المتيم وما ضر شمسا أشرقت في علوها جحود حسود وهو عن نورها عمي وإني أسأله تعالى متوسلا إليه بنبيه المكرم (ص) وبأهل طاعته من كل ذي مقام علي معظم، وبقدوتنا الامام الاعظم، أن يسهل علي ذلك من إنعامه، ويعينني على إكماله وإتمامه، وأن يعفو عن زللي، ويتقبل مني عملي، ويجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم، موجبا للفوز لديه في جنات النعيم، وينفع به العباد في عامة البلاد، وأن يسلك بي سبيل الرشاد، ويلهمني الصواب والسداد، ويستر عثراتي، ويسمح عن هفواتي، فإني متطفل على ذلك لست من فرسان تلك المسالك، ولكني أستمد من طوله، واستعد بقوته وحوله، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب هذا وإني قرأت هذا الكتاب، العذب المستطاب، على ناسك زمانه، وفقيه أوانه، مفيد الطالبين، ومربي المريدين، سيدى الشيخ سعيد الحلبي المولد، الدمشقي المحتد ثم، قرأته عليه ثانيا مع حاشيته للشيخ إبراهيم الحلبي إلى كتاب الاجارة عند قرأتي عليه البحر الرائق قراءة إتقان، بتأمل وإمعان، واقتسبت من مشكاة فوائد، وتحليت من عقود فرائده، وانتفعت بأنفاسه الطاهرة، وأخلافه الفاخرة، وأجازني بروايته عنه وبسائر مروياته، أمتع الله تعالى المسلمين بطول حياته، بحق روايته له، عن شيخنا العلامة المرحوم السيد محمد شاكر العقاد السالمي العمري، عن فقيه زمانه ملا على التركماني أمين الفتوى بدمشق الشام، عن الشيخ الصالح العلامة عبد الرحمن المجلد، عن مؤلفه عمدة المتأخرين الشيخ علاء الدين.
وأرويه أيضا عن شيخنا السيد شاكر بقراءتي عليه بعضه، وهو يروي الفقه النعماني عن(1/4)
محشي هذا الكتاب العلامة الشيخ مصطفى الرحمتى الانصاري، وملا على التركماني عن فقيه الشام ومحدثها الشيخ صالح الجينيني، عن والده العلامة الشيخ إبراهيم جامع الفتاوي الخيرية،
عن شيخ الفتيا العلامة خير الدين الرملي، عن شمس الدين محمد الحانوتي، عن العلامة أحمد بن يونس الشهير بابن الشلبي، بكسر فسكون وتقديم اللام على الباء الموحدة.
ويرويه شيخنا السيد شاكر عن محشي هذا الكتاب العلامة النحرير الشيخ إبراهيم الحلبي المداري، وعن فقيه العصر الشيخ إبرهيم الغزي السابحاني، أمين الفتوى بدمشق الشام كلاهما عن العلامة سليمان المنصوري، عن الشيخ عبد الحي الشرنبلالى، عن فقيه النفس الشيخ حسن الشرنبلالي ذي التأليف الشهيرة، عن الشيخ محمد المحبي عن ابن الشلبي.
وأروي بالاجازة عن الاخوين المعمرين الشيخ عبد القادر والشيخ إبراهيم حفيداي سيدي عبد الغني النابلسي شارح المحبية وغيرها، عن جدهما المذكور، عن والده الشيخ إسماعيل شارح الدرر والغرر، عن الشيخ أحمد الشوبري، عن مشايخ الاسلام الشيخ عمر بن نجيم صاحب النهر، والشمس الحانوتي صاحب الفتاوى المشهورة، والنور علي المقدسي شارح نظم الكنز عن ابن الشلبي.
وأروي، بالاجازة أيضا، عن المحقق هبة الله البعلي شارح الاشباه والنظائر، عن الشيخ صالح الجينيني، عن الشيخ محمد بن على الكتبي، عن الشيخ عبد الغفار مفتي القدس، عن الشيخ محمد بن عبد الله الغزي صاحب التنوير والمنح، عن العلامة الشيخ زين بن نجيم صاحب البحر، عن العلامة ابن الشلبي صاحب الفتاوي المشهورة وشارح الكنز، عن السري عبد البر بن الشحنة شارح الوهبانية، عن المحقق حيث أطلق الشيخ كمال الدين بن الهمام صاحب فتح القدير، عن السراج عمر الشهير بقارئ الهداية صاحب الفتاوى المشهورة، عن علاء الدين السير امي، عن السيد جلال الدين شارح الهداية، عن عبد العزيز البخاري صاحب الكشف والتحقيق عن الاستاذ حافظ الدين النسفي صاحب الكنز عن شمس الائمة الكردري، عن برهان الدين المرغيناني صاحب الهداية، عن فخر الاسلام البزدوي، عن شمس الائمة السرخسي، عن شمس الائمة الحلواني، عن القاضي أبى على النسفي، عن أبي بكر محمد بن الفضل البخاري، عن أبي عبد الله السيذبوني، عن أبي حفص عبد الله بن أحمد بن حفص
الصغير، عن والده أبي حفص الكبير، عن الامام محمد بن الحسن الشيباني، عن إمام الائمة وسراج الامة (أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي)، عن حماد بن سليمان: عن إبراهيم النخعي عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه، عن النبي (ص) عن أمين الوحي جبريل عليه السلام، عن الحكم العدل جل جلاله وتقدست أسماؤه.(1/5)
قوله (بسم الله الرحمن الرحيم) ابتدأ بها عملا بالاحاديث الواردة في ذلك، والاشكال في تعارض روايات الابتدأ بالبسملة والحمدلة، وكذا التوفيق بينهما بحمل الابتدأ على العرفي أو الاضافي، وكذا ما أورد من الاذان ونحوه مما لم يبدأ بهما فيه.
والجواب عنه بأن المراد في الروايات كلها ابتدأ بإحدهما أو بما يقوم مقامه، أو بحمل المقيد على المطلق، وهو رواية (بذكر الله) عند من جوز ذلك، ثم الباء لفظ خاص حقيقة في الالصاق مجاز في غيره من المعاني لا مشترك بينها لترجح المجاز على الاشتراك موضوع بالوضع العام للموضوع له الخاص عند العضد وغيره، أي لكل واحد من المشخصات الجزئية الملحوظة بأمر كلي، وهو مطلق الالصاق بحيث لا يفهم منه إلا واحد بخصوصه.
والالصاق، تعليق شئ بشئ وإيصاله به، فيصدق بالاستعانة والسببية لالصاقك الكتابة بالقلم وبسببه كما في التحرير.
ولما كان مدلول معنى حاصلا في عيره لا يتعلق ذهنا ولا خارجا إلا بمتعلقه اشترط له المتعلق المعنوي وهو الالصاق، والنحوى وهو هنا ما جعلت التسمية مبدأ له، فيفيد تلبس الفاعل بالفعل حال الالصاق، والمراد الالصاق على سبيل التبرك والاستعانة.
والاولى تقدير المتعلق مؤخرا ليفيد قصد الاهتمام باسمه تعالى، ردا على المشترك المبتدئ باسم آلهته اهتماما بها لا للاختصاص لان المشرك لا ينفي التبرك باسمه تعالى، وليفيد اختصاص ذلك باسمه تعالى ردا على المشرك أيضا وإظهارا للتوحيد، فيكون قصر إفراد، وإنما قدم في قوله تعالى: (أقرأ باسم ربك) لان العناية بالقراءة أولى بالاعتبار، ليحصل ما هو المقصود من طلب أصل القراءة، إذ لو أخر لافاد أن المطلوب كون القراءة مفتتحة باسم الله تعالى لا باسم غيره، ثم هذه الجملة خبرية لفظا، وهل هي
كذلك معنى أو إنشائية معنى؟ ظاهر كلام السيد الثاني، والمقصود إظهار إنشاء التبرك باسمه تعالى وحده ردا على المخالف إما على طريق النقل الشرعي كبعت واشتريت، أو على إرادة اللازم ك (رب اني وضعتها أنثى) [ آل عمران: 36 ] فإن المقصود بها إظهار التحسر لا الاخبار بمضمونها، وهل تخرج بذلك الجملة الخبرية عن الاخبار أو لا؟ ذهب الزمخشري إلى الاول، وعبد القاهر إلى الثاني، وسيأتي في الحمدلة لذلك مزيد بيان.
وأورد أنها لو كانت إنشائية لما تحقق مدلولها خارجا بدونها، والتالي باطل فالمقدم مثله، إذ السفر والاكل ونحوهما مما ليس بقول لا يحصل بالبسملة، وأجيب، بأنها إذا كانت لانشاء إظهار التبرك أو الاستعانة باسمه تعالى وحده على ما قلنا فلا شك أنه إنما تحقق بها، كما أن إظهار التحزن والتحسر إنما تحقق بذلك اللفظ، فإن الانشاء قسمان: منه ما لا يتحقق مدلوله الوضعي بدون لفظه،.
منه ما لا يتحقق مدلوله الالتزامي بدونه، وما نحن فيه من قبيل الثاني ثم إن المراد بالاسم هنا، ما قابل الكنية واللقب، فيشمل الصفات حقيقة، أو إضافية أو سلبية، فيدل على أن التبرك والاستعانة بجميع أسمائه تعالى.(1/6)
والله أعلم على الذات العلية المستجمعة للصفات الحميدة كما قاله السعد وغيره، أو المخصوصة: أي، بلا اعتبار صفة أصلا كما قاله العصام.
قال السيد الشريف: كما تاهت العقول في ذاته وصفاته لاحتجابها بنور العظمة تحيرت أيضا في اللفظة الدالة على الذات، كأنه انعكس إليها من تلك الانوار أشعة فبهرت أعين المستبصرين، فاختلفوا أسرياني هو أم عربي؟ اسم أو صفة؟ مشتق أو علم أو غير علم؟ والجمهور على أنه عربي علم مرتجل من غير اعتبار أصل منه، ومنهم أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي والخليل.
وروي هشام عن محمد عن أبي حنيفة أنه اسم الله الاعظم، وبه قال الطحاوي وكثير من العلماء وأكثر العارفين، حتى إنه لا ذكر عندهم لصاحب مقام فوق الذكر به كما في شرح التحرير لابن أمير حاج.
والرحمن لفظ عربي، وقيل معرب عن رخمان بالخاء المعجمة لانكار العرب حين سمعوه.
ورد
بأن إنكارهم له لتوهمهم أنه غيره تعالى في قوله تعالى: (قل ادعوا الله ادعوا الرحمن) [ الاسراء: 110 ] وذهب الاعلم إلى أنه علم كالجلالة لاختصاصه به تعالى وعدم إطلاقه على غيره تعالى معرفا ومنكرا، وأما قوله في مسيلمة: وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا فمن تعنته وغلوه في الكفر واختاره في المغني.
قال السبكي: والحق أن المنع شرعي لا لغوي، وأن المخصوص به تعالى المعرف.
والجمهور على أنه صفة مشبهة، وقيل صيغة مبالغة، لان الزيادة في اللفظ لا تكون إلا لزيادة على زيادته وإلا كانت عبثا، وقد زيد فيه حرف على الرحيم وهو يفيد المبالغة بصيغته، فدلت زيادته على زيادته عليه في المعني كما، لان الرحمانية تعم المؤمن والكافر، والرحيمية تخص المؤمن، أو كيفا، لان الرحمن المنعم بجلائل النعم، والرحيم المنعم بدقائقها.
والظاهر أن الوصف بهما للمدح، فيه إشارة إلى لمية الحكم، أي، إنما افتتح كتابه باسمه تعالى متبركا مستعينا به لانه المفيض للنعم كلها، وكل من شأنه ذلك لا يفتتح إلا باسمه.
وهل وصفه تعالى بالرحمة حقيقة أو مجازا عن الانعام أو عن إرادته، لانها من الاعراض النفسانية المستحيلة عليه تعالى فيراد غايتها؟ المشهور الثاني.
والتحقيق الاول لا الرحمة التي هي من الاعراض هي القائمة بنا، ولا يلزم كونها في حقه تعالى كذلك حتى تكون مجازا كالعلم والقدرة والارادة وغيرها من الصفات معانيها القائمة بنا من الاعراض، ولم يقل أحد إنها في حقه تعالى مجاز، وتمام تحقيقه مع فوائد أخر في حواشينا على شرح المنار للشارح.
قوله: (حمدا) مفعول مطلق لعامل محذوف وجوبا.
والحمد لغة: الوصف بالجميل على الجميل الاختياري على جهة التعظيم والتبجيل.
وعرفا: فعل ينبئ عن تعظم المنعم بسبب إنعامه، فالاول أخص موردا إذ الوصف لا يكون إلا باللسان، وأعم متعلقا لانه قد يكون لا بمقابلة نعمة، والثاني بعكسه، فبينها عموم وجهي.(1/7)
والشكر لغة: يرادف الحمد عرفا.
وعرفا: صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه إلى ما خلق لاجله، وخرج بالاختيار المدح، فإنه أعم من الحمد لانفراده في مدحت زيدا على رشاقه قده، واللؤلؤة على صفاتها، فبينها عموم مطلق.
وذهب الزمخشري إلى ترادفهما لاشتراطه في الممدوح عليه أن يكون اختياريا كالمحمود عليه، ونقض التعريف جمعا بخروج حمد الله تعالى على صفاته.
أجيب بأن الذات لما كانت كافية في اقتضاء تلك الصفات جعلت بمنزلة الافعال الاختيارية، وبأنه لما كانت تلك الصفات مبدأ لافعال اختيارية كان الحمد عليها باعتبار تلك الافعال، فالمحمود عليه اختياري باعتبار المآل، أو أن الحمد عليها مجاز عن المدح.
ثم إن المحمود عليه وبه قد يتغايران ذاتا كما هنا، أو إعتبارا كما إذا وصف الشجاع بشجاعته، فهي محمود به من حيث إن الوصف كان بها، ومحمود عليه من حيث إنها كانت باعثة على الحمد.
والحمد حيث أطلق ينصرف إلى العرفي لما قاله السيد في الحواشي المطالع: اللفظ عند أهل العرف حقيقة في معناه العرفي: مجاز في غيره.
وعند محققي الصوفية حقيقة الحمد إظهار صفات الكمال، وهو بالفعل أقوى منه بالقول، لان دلالة الافعال عقلية لا يتصور فيها التخلف، ودلالة الاقوال وضعية يتصور فيها ذلك، ومن هذا القبيل حمد الله تعالى وثناؤه على ذاته، فإنه بسط بساط الوجود على ممكنات لا تحصي، ووضع عليه موائد كرمه التي لا تتناهي، فإن كل ذرة من ذرات الوجود تدل عليها، ولا يتصور في العبارات مثل هذه الدلالات، ومن قال عليه الصلاة والسلام (لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) ثم أن الحمد مصدر يصح أن يراد به معني المبني للفاعل: أي، الحامدية، أو المبني للمفعول: أي، المحمودية، أو المعني المصدري أو الحاصل بالمصدر.
وعلى كل فإن في قولنا الحمد الله: إما للجنس، أو للاستغراق أو للعهد الذهني: أي، الفرد الكامل المعهود ذهنا، وهو الحمد القديم، فهي اثنتا عشرة صورة، واختار في الكشاف الجنس لان الصيغة بجوهرها تدل على اختصاص جنس المحامد به تعالى، ويلزم منه اختصاص كل فرد، إذ لو
خرج فرد منها لخرج الجنس تبعا له لتحققه في كل فرد، فيكون اختصاص جميع الافراد ثابتا بطريق برهاني وهو أقوى من إثباته ابتداء، فلا حاجة في تأدية المقصود وهو ثبوت الحمد له تعالى وانتفاؤه عن غيره إلى أن يلاحظ الشمول والاحاطة.
واختار غيره الاستغراق، لان الحكم على الحقيقة بدون اعتبار الافراد قليل في الشرع، وعلى كل فالحصر الدعائي محمول على المبالغة تنزيلا لحمد غيره تعالى منزلة العدم، أو الحقيقي باعتبار أنه راجع إليه لتمكينه تعالى وإقدار العبد عليه.
وقد يقال، إنه جعل الجنس في المقام الخطابي منصرفا إلى الكامل كأنه كل الحقيقة، فيكون من باب - ذلك الكتاب - والحاتم: الجواد.
وهل هذا الحصر بطريق المفهوم أو المنطوق؟ قيل بالمنطوق.
ورد بأن أل تدل على العموم والشمول، فليس النفي جزء مفهومها وإن كان لازما، وقيل بالمفهوم لما ذكر.
وقيل: لا تفيد الحصر ونسب للحنيفة.
وضعفه في التحرير يأن كلامهم مشحون(1/8)
باعتباره.
وقد تكرر الاستدلال منهم في نفي اليمين عن المدعي بقوله عليه الصلاة والسلام (واليمين على من أنكر) قال في الهداية: جعل الجنس الايمان على المنكرين وليس وراء الجنس شئ.
وعلى كل من الصور الاثنتي عشرة ف (لام) لله إما للملك أو للاستحقاق أو للاختصاص، فهي ست وثلاثون، وعلى الاخير فهي لتأكيد الاختصاص المستفاد من أل، كما قاله السيد من أن كلا منهما يدل على اختصاص المحامد به تعالى.
وقيل إن الاختصاص المستفاد من اللام هو اختصاص الحمد بمدخولها، وأل لاختصاص ذلك الاختصاص به تعالى، وتمامه في شرح آداب البحث أقول: يظهر لي أل لا تفيد الاختصاص أصلا كما مر منسوبا للحنيفة، وإنما هو مستفاد من النسبة أو من اللام، لما صرح به في التلويح من أن أل للتعريف، ومعناه الاشارة والتعيين والتمييز، والاشارة إما إلى حصة معينة من الحقيقة وهو تعريف العهد: أي الخارجي: كجاءني رجل فأكرمت الرجل، وإما إلى نفس الحقيقة، وذلك قد يكون بحيث لا يفتقر إلى اعتبار الافراد، وهو تعريف الحقيقة والماهية، كالرجل خير من المرأة، وقد يكون بحيث يفتقر إليه، وحينئذ، إما أن توجد قرينة
البعضية كما في ادخل السوق، وهو العهد الذهنى أو لا، وهو الاستغراق كإن الانسان لفي خسر، احترازا عن ترجيح بعض المتساويات بلا مرجح.
فالعهد الذهني والاستغراق من فروع الحقيقة، ولهذا ذهب المحققون إلى أن اللام لتعريف العهد أو الحقيقة لا غير، إلا أن القوم أخذوا بالحاصل وجعلوه أربعة أقسام اه.
موضحا.
فهذه معاني أل.
فإذا كان مدخولها موضوعا وحمل عليه مقرون باللام التي هي للاختصاص، أفادت اللام أن الجنس أو المعهود مختص بمدخولها، وإن كان المحمول غير مقرون بها: فإن كان في الجملة ما يفيد الاختصاص كتعريف الطرفين ونحوه فيها، وإلا فإن كانت أل للجنس والماهية فنفس النسبة تفيد الاختصاص، إذ لو خرج فرد من أفراد الموضوع لم تصدق النسبة لخروج الجنس معه كما مر في كلام الكشاف، ولذا قال في الهداية: وليس وراء الجنس شئ.
والحاصل: أن الاختصاص مستفاد من اللام الموضوعة له أو من النسبة، لكن إذا كانت أل للجنس والماهية كما في الحديث (واليمين على من أنكر) أما إذا كانت (أل) للاستغراق ولم يقترن المحمول بلام الاختصاص ونحوها، كقولك: الرجل يأكل الرغيف، فلا اختصاص أصلا، هذا ما ظهر لفهمي القاصر فتدبره، وبه اندفع ما في التحرير من التضعيف، وإذا جعلت اللام للملك أو الاستحقاق فلا اختصاص وإن قلنا إن أل تفيده، لان اختصاص ملك الحمد أو استحقاقه بمدخول اللام لا ينافي ثبوت الحمد لاخر لا بطريق الملك أو الاستحقاق.
تأمل.
ثم هده الجملة تحتمل الخبرية ويصدق عليها التعريف، لان الاخبار بالحمد وصف بالجميل الخ، أو فعل ينبئ الخ.
وإذا كانت أل فيها للجنس فالقضية مهملة، أو للاستغراق فكلية، أو للعهد الذهني فجزئية، ولو صح جعلها للعهد الخارجي فشخصية، ويحتمل أن تكون منقولة إلى الانشاء شرعا أو مجازا عن لازم معناها، فالمقصود إيجاد الحمد بنقس الصيغة: أي إنشاء تعظيمه تعالى واختلفوا في الجملة الاخبارية إذا استعملت في لازم معناها كالمدح والثناء، هل تصير إنشائية أم لا؟ ذهب الشيخ عبد القاهر إلى الثاني، قال: لئلا يلزم إخلاء الجملة عن نوع(1/9)
معناها.
قيل: ولانه يلزم عليه هنا انتفاء الاتصاف بالجميل قبل حمد الحامد ضرورة أن الانشاء يقارن لفطه معناه في الوجود.
ورد بأن اللازم انتفاء الوصف بالجميل لا الاتصاف، والكلام فيه.
تتمة: تأتي الاحكام الشرعية في كل من البسملة والحمدلة: أما البسملة فتجب في ابتداء الذبح ورمي الصيد والارسال إليه، لكن يقوم مقامها كل ذكر خالص.
وفي بعض الكتب أنه لا يأتي بالرحمن الرحيم لان الذبح ليس بملائم للرحمة، لكن في الجوهرة أنه لو قال (بسم الرحمن الرحيم) فهو حسن، وفي ابتداء الفاتحة في كل ركعة.
قيل وهو قول الاكثر، لكن الاصح أنها سنة.
وتسن أيضا في ابتداء الوضوء والاكل، وفي ابتداء كل أمر ذي بال.
وتجوز أو تستحب فيما بين الفاتحة والسورة على الخلاف الاتي في محله إن شاء الله تعالى.
وتباح أيضا في ابتداء المشي والقيام والقعود.
وتكره عند كشف العورة أو محل النجاسات، وفي أول سورة براءة إذا وصل قراءتها بالانفال كما قيده بعض المشايخ.
قيل وعند شرب الدخان: أي، ونحوه من كل ذي رائحة كريهة كأكل ثوم وبصل.
وتحرم عند استعمال محرم، بل في البزازية وغيرها يكفر من بسمل عند مباشرة كل حرام قطعي الحرمة، وكذا تحرم على الجنب إن لم يقصد بها الذكر اه ط ملخصا مع بعض زيادات.
وإما الحمدلة، فتجب في الصلاة، وتسن في الخطب، وقبل الدعاء وبعد الاكل، وتباح بلا سبب، وتكره في الاماكن المستقذرة، وتحرم بعد أكل الحرام، بل في البزازية أنه اختلف في كفره.
قوله (لك) آثر الخطاب على اسم الله تعالى الدال على استجماعة لجميع صفات الكمال، أشارة، إلى أن هذا الاستجماع من الظهور بحيث لا يحتاج إلى دلالة عليه في الكلام، بل ربما يدعي أن ترك ذكر ما يدل عليه أوفق لمقتضى المقام، بل المهم الدلالة على أن قوى للحامد محرك الاقبال وداعي التوجة إلى جنابة على الكمال، حتى خاطبه مشعرا بأنه تعالى كأنه مشاهد له حالة الحمد لرعاية مرتبة الاحسان، وهو (أن تعبد الله كأنك تراه) أو بأنه تعالى قريب من الحامد كما قال تعالى: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) [ ق: 16 ] وإن كان الحامد لنقصانه في كمال البعد كما تدل عليه كلمة (يا) الموضوعة لنداء البعيد على ما قيل، ففي الاتيان بها هضم لنفسه واستبعاد لها عن مظان الزلفى كما أفاد الخطائي والبزدوي.
قوله: (يا من شرحت) الاولى شرح كما عبر في مختصر
المعاني، لان الاسماء الظاهرة كلها غيب سواء كانت موصولة أو موصوفة كما صرح به في شرح المفتاح، لكن بمراعاة جانب النداء الموضوع للمخاطب يسوغ الخطاب نظرا إلى المعني.
وذكر في المطول أن قول علي كرم الله وجهه: أنا الذي سمتني أمي حيدره قبيح عند النحويين.
واعترضه حسن جلبي بأن الالتفات من أتم وجوه تحسين الكلام، فلا وجه للتقبيح، لانه التفات من الغيبة إلى التكلم، وفيه تغليب جانب المعنى على جانب اللفظ، على أنه يرد على النحويين: بل أنتم قوم تجهلون.
فلو كان فيه قباحة لما وقع في كلام هو في أعلى طبقات البلاغة اه.
أقول: ولا يخفي ما في قوله على أنه يرد الخ من اللطافة عند أهل الظرافة، وفي مغني اللبيب في بحث الاشياء التي تحتاج إلى رابط أن نحو: أنت الذى فعلت، مقيس، لكنه قليل، وإذا تم(1/10)
الموصول بصلته انسحب عليه حكم الخطاب، ولهذا قيل: قمتم.
ومن زعم أنه من باب الالتفات لان آمنوا مغايبة وقمتم مواجهة فقدسها اه.
ولا يخفي أنه فيما نحن فيه لم يتم الموصول بصلته: أي، لم يأت الضمير بعد تمام الصلة، فدعوي الالتفات فيه صحيحة.
قوله: (شرحت صدورنا) أصل الشرح يسط اللحم ونحوه، منه شرح الصدر: أي، بسطه بنور الهي.
وقيل معناه التوسعة مطلقا، ويقابله الضيق، لقوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه) [ الانعام: 125 ] الاية، وفسر في آية - (آلم نشرح) - بتوسعته بما أودع فيه من العلم والحكمة، وخص الصدور لانها ظروف القلوب الملوك على سائر الجوارح، لانها محل العقل كما يأتي في باب خيار العيب، أو المراد بها القلوب، واتساعها كناية عن كثرة ما يدخل فيها من الحكم الالهية والمعارف الربانية.
قوله: (بأنواع الهداية) قال البيضاوي في تفسيره: الهدايد دلالة بلطف ولذا تستعمل في الخير، وقوله تعالى (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) [ الصافات: 23 ] على التهكم، وهداية الله تعالى تتنوع أنواعا لا يحصيها عدد، لكنها تنحصر في أجناس مترتبة: الاولى، إفاضة القوى التي بها يتمكن المرء من
الاهتداء إلى مصالحة كالقوة العاقلة والحواس الباطنة والمشاعرة الظاهرة.
والثاني، نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد.
والثالث، الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب.
والرابع، أن يكشف على قلوبهم السرلئر ويريهم الاشياء كما هي بالوحي أو الالهام والمنامات الصادقة، وهذا مختص بالانبياء والاولياء اه.
ملخصا.
قوله: (سابقا) حال من مصدر شرحت، أي، جعلت صدورنا قابلة للخيرات حال كون الشرح سابقا أو صفة لذلك المصدر اه.
أقول: أو صفة لزمان: أي، زمانا سابقا فهو منصوب على الظرفية: أي، حين أخذ الميثاق أو حين ولدنا على الفطرة أو عقلنا الدين الحق واخترنا البقاء عليه.
وقوله: (ونورت بصائرنا) النور كيفية ظاهرة بنفسها مظهرة لغيرها، والضياء أقوى منه وأتم، ولذلك أضيف إلى الشمس في قوله تعالى: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا) [ يونس: 5 ] وقد يفرق بينهما بأن الضياء ضوء ذاتي، والنور ضوء عارض وقد يقال: ينبغي أن يكون النور أقوى على الاطلاق، لقوله تعالى: (الله نور السموات والارض) وإنما يتجه إذا لم يكن معناه في الاية المنور، وقد حمله أهل التفسير على ذلك اه.
حسن جلبي على المطول.
والبصائر، جمع بصيرة، وهي قوة للقلب المنور بنور القدس يرى بها حقائق الاشياء بمثابة البصر للنفس كما في تعريفات السيد.
قوله: (بتنوير الابصار) الباء للسببية، فإن الانسان بنور بصره ينطر إلى عجائب المصنوعات لله تعالى وإلى الكتب النافعة، وغير ذلك مما يكون سببا في العادة لتنوير البصيرة باكتساب المعارف.
قوله (لاحقا) الكلام فيه كاكلام في سابقا، إنما كان تنوير البصائر لاحقا: أي، متأخرا عن شرح الصدور، لان شرحها بالاهتداء إلى الاسلام كما يشير إليه قوله تعالى (فمن يرد الله أن يهديه) الاية: وهذا سابق عادة على تنوير البصائر بما ذكرناه وقال الخطائي في حاشية المختصر: قد شرح الصدر على تنوير القلب، لان الصدر وعاء القلب، وشرحه مقدم لدخول النور في القلب.
قوله: (وأفضت) يقال أفاض الماء على نفسه: أي، أفرغه.
قاموس: (من أشعة) جمع شعاع بالضم: وهو ما تراه من الشمس كأنه الحبال مقبلة(1/11)
عليك إذا نظرت إليها، أو ما ينتشر من ضوئها.
قاموس.
والشريعة: فعلية بمعني مفعولة: أي، مشروعة فقد شرعها الله حقيقة والنبي (ص) مجازا، والشريعة والملة والدين شئ واحد، فهي شريعة كون الله تعالى قد شرعها.
والشريعة في الاصل الطريق يورد للاستقاء، فأطلقت على الاحكام المشروعة لبيانها ووضوحها، وللتوصل بها إلى ما به الحياة الابدية، وملة لكونها أمليت علينا من النبي (ص) وأصحابه، ودين للتدين بأحكامها: أي، للتعبد بها اه ط.
وكل من الدين والشريعة يضاف إلى الله تعالى والنبي والامة، بخلاف الملة فإنها لا تضاف إلا إلى النبي (ص) فيقال ملة محمد (ص) ولا يقال ملة الله تعالى ولا ملة زيد، كما قاله المظهر والراغب وغيرهما، فيشكل ما قاله التفتازاني: إنها تضاف إلى آحاد الامة.
قهستاني في شرحه على الكيدانية.
هذا، وقال ح: الانسب بالاضافة والبحر أن يقول من شآبيب مثلا، وهو شؤبوب: الدفعة من المطر كما في القاموس اه.
أي، بناء على أنه شبه الشريعة بالشمس بجامع الاهتداء، فهو استعارة بالكناية والاشعة تخييل، وكل من الافاضة والبحر لا يلائم ادعاه أن الشريعة من أفراد الشمس الذي هو مبني استعارة، ولا يخفى أن هذا غير متعين لجواز أن تشبه أحكام الشريعة بالاشعة من حيث الاهتداء، فهو استعارة تصريحية، والقرينة إضافة الاشعة إلي الشريعة ثم تشبه الاحكام المعبر عنها بالاشعة من حيث الارتفاع أو الكثرة بالسحاب، فهو استعارة بالكناية.
والاضافة استعارة تخييلية، والبحر ترشيح، فقد اجتمع فيه ثلاث استعارات، على حد قوله تعالى (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) ويجوز أن يقال إضافة الاشعة إلى الشريعة من إضافة المشبه به إلى المشبه، وشبه المسائل الشرعية بالبحر بجامع الكثرة أو النفع، فهو استعارة تصريحية والافاضة ترشيح فافهم.
قوله: (وأغدقت) أي أكثرت: في التنزيل (لاسقيناهم ماء غدقا) أي كثيرا، مصباح.
قوله (لدينا) أي عندنا، وقيل أن لدي تقتضي الحضرة بخلاف عند، تقول: عندي فرس، إذا كنت تملكها وإن لم تكن حاضرة في مكان التكلم، ولا تقول لدي إلا إذا كانت حاضرة.
قوله: (منحك) جمع منحة: وهي العطية.
قوله: (الموفرة) أي الكثيرة.
قوله (نهرا فائقا) الفائق: الخيار من كل شئ.
قاموس.
وفيه استعارة تصريحية أيضا نظير ما مر، ولا يخفي ما في الجميع بين أسامي الكتب من الهداية والتنوير والبحر والنهر من اللطافة وحسن الايهام، وليس
المراد بها نفس الكتب لما فيها من التكلف وفوات النكات البديعية في لطيف الكلام، ولانه غير المألوف في مثل هذا المقام بين العلماء الاعلام، فافهم.
قوله (أتممت) أي أكملت نعمتك: أي، إنعامك، أو ما أنعمت به ط.
قوله: (علينا) الضمير للمؤلف وحده نظرا إلى عود ثواب الانتفاع به إليه فقط، وأتي بضمير العظمة للتحديث بالنعمة، وهو جائز عند الفقهاء والمحدثين، أو الضمير لمعاشر الحنفية باعتبار الانتفاع به، وهذا حسن ظن من الشيخ، ويدل على أن الخطبة ألفت بعد ابتدائه هذا الكتاب، بل على أنها متأخرة عنه ط.
قوله (حيث) الحيثية للتعليل: أي، لانك يسرت: أي، سهلت، أو للتقييد: أي، أتممت وقت تيسير ابتداء الخ.
والاولى أؤلى ط.
قوله (تبييض) هو في اصطلاح المصنفين عبارة عن كتابة الشئ على وجه الضبط والتحرير من غير شطب بعد كتابته كيفما اتفق اه حموي.
قوله (هذا شرح) الاشارة إلى ما في الذهن من الالفاظ المتخيلة الدالة على المعاني، هذا هو الاولى من الاوجه السبعة المشهورة ط، وهي كون الاشارة إلى واحد فقط من الالفاظ أو النقوش المعاني، أو إلى اثنين منها، أو إلى ثلاثة، وعلى كل فالاشارة مجازية هنا.(1/12)
والشرح بمعنى الشارح: أي المبين والكاشف، أو جعل الالفاظ شرحا مبالغة.
قوله: (المختصر) الاختصار: تقليل اللفظ وتكثير المعنى، وهو الايجاز كما في المفتاح.
قوله: (تجاه) في القاموس: وجاهك وتجاهك مثلثين تلقاء وجهك.
قوله: (منبع الشريعة) أي محل نبعها وظهورها، شبه الظهور بالنبع ثم اشتق من النبع بمعنى الظهور: منبع بمعنى مظهر، فهو استعارة تصريحية، أو شبه الشريعة بالماء والمنبع تخييل، فهو استعارة بالكناية، والمعنى وجه صاحب منبع الشريعة قوله (والدرر) أي الفوائد الدنيوية والاخروية الشبيهة بالدرر في النفاسة والانتفاع، فهو استعارة تصريحية، وعطفه على الشريعة من عطف العام على الخاص، وفيه إيهام لطيف بكتاب الدرر.
قوله: (وضجيعيه) عطف على منبع تثنية ضجيع بمعنى مضاجع: وهو من يضطجع بحذاء آخر بلا فاصل، وأطلق عليهما ضجيعين لقربهما منه (ص) ط.
قوله: (الجليلين) أي العظيمين.
قوله، (بعد الاذان) متعلق بقوله يسرت) أو ابتداء، وكان الاذن للشارح حصل منه (ص) صريحا برؤية منام أؤ بإلهام، وببركته (ص) فاق هذا
الشرح على غيره كما فاق متنه، حيث رأى المصنف النبي (ص) فقام له مستقبلا واعتنقه عجلا، وألقمه عليه الصلاة والسلام لسانه الشريف كما حكاه في المنح، فكل من المتن والشرح من آثار بركته (ص) فلا غرو إن شاء ذكرهما، وفاق وعم نفعهما في الافاق.
قوله: (ص) فعل ماض: قياس مصدره التصلية، وهو مهجور لم يسمع.
هكذا غير واحد ويؤيده قول القاموس: صلى صلاة لا تصلية: دعا اه.
ويرده ما أنشد ثعلب: تركت القيان وعزف القيان وأدمنت تصلية وابتهالا القيان: جمع قنية وهي الامة، وعزفها: أصواتها.
قال: والتصلية من الصلاة، وابتهالا من الدعاء اه.
وقد ذكره الزوزني في مصادره.
وفي القهستاني: الصلاة اسم من التصلية وكلاهما مستعمل، بخلاف الصلاة بمعنى أداء الاركان فإن مصدره لم يستعمل كما ذكره الجوهري.
والجمهور على أنها حقيقة لغوية في الدعاء مجاز في العبادة المخصوصة كما حققه السعد في حواشي الكشاف، وتمامه في حاشية الاشباه للحموى.
وفي التحرير: هي موضوعة للاعتناء بإظهار الشرف، ويتحقق منه تعالى بالرحمة عليه ومن غيره بالدعاء، فهي من قبيل المشترك المعنوي، وهو أرجح من المشترك اللفظي، أو هي مجاز في الاعتناء المذكور اه.
وبه اندفع الاستدلال بقوله تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي) [ الاحزاب: 56 ] الاية على جواز الجمع بين معنى المشترك اللفظي، ولما فيها من معنى العطف عديت بعلى للمنفعة وإن كان المعتدي بها للمضرة، بناء على أن المترادفين لابد من جريان أحدهما مجرى الاخر، وفيه خلاف عند الاصوليين.
والجملة خبرية لفظا، منقولة إلى الانشاء، أو مجاز فيه بمعنى اللهم صل، إذ المقصود إيجاد الصلاة امتثالا للامر.
قال القهستاني: ومعناها الثناء الكامل، إلا أن ذلك ليس في وسعنا، فأمرنا أن نكل ذلك إليه تعالى كما في شرح التأويلات.
مطلب أفضل صيغ الصلاة وأفضل العبارات على ما قال المرزوقي: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.
وقيل هو التعظيم: فالمعنى: اللهم عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإنفاذ شريعته، وفي الاخرة، بتضعيف أجره
وتشفيعه في أمته كما قاله ابن الاثير اه.
وعطف قوله (وسلم) بصيغة الماضي، ويحتمل صيغة الامر(1/13)
من عطف الانشاء على الانشاء لفظا أو معنى وحذف معموله لدلالة ما قبله عليه: أي وسلم عليه، ومصدره التسليم، واسم مصدره السلامة، ومعناه: السلامة من كل مكروه.
قال الحموي: وجمع بينهما خروجا من خلاف من كره إفراد أحدهما عن الاخر، وإن عندنا لا يكره كما صرح به في منية المفتي، وهذا الخلاف في حق نبينا (ص) وأما غيره من الانبياء فلا خلاف فيه، ومن ادعاه فعليه أن يورد نقلا صريحا، ولا يجد إليه سبيلا.
كذا في شرحه العلامة ميرك على الشمائل اه.
أقول: وجزم العلامة ابن أمير حاج في شرحه على التحرير بعدم صحة القول بكراهة الافراد، واستدل عليه في شرحه المسمى [ حلبة المجلي في شرح منية المصلى ] بما في سنن النسائي بسند صحيح في حديث القنوت (وصلى الله على النبي) ثم قال: مع أن في قوله تعالى: (وسلام على المرسلين) [ الصافات: 181 ] (وسلام على عباده الذين اصطفى) [ النمل: 59 ] إلى غير ذلك أسوة حسنة اه.
وممن رد القول بالكراهة العلامة ملا على القاري في شرح الجزرية، فراجعه.
قوله: (وعلى آله) اختلف في المراد بهم في مثل هذا الموضع، فالاكثرون أنهم قرابته (ص) الذين حرمت عليهم الصدقة على الاختلاف فيهم.
وقيل: جمع أمة الاجابة، وإليه مال مالك، واختاره الازهري والنووي في شرح مسلم.
وقيل غير ذلك.
شرح التحرير.
وذكر القهستاني أن الثاني مختار المحققين.
قوله: (وصحبه) جمع صاحب، وقيل اسم جمع له.
قال في شرح التحرير: والصحابي عند المحدثين وبعض الاصوليين: من لقى النبي (ص) مسلما ومات على الاسلام، أو قبل النبؤة ومات قبلها على الحنيفية كزيد بن عمرو بن نفيل، أو ارتد وعاد في حياته.
وعند جمهور الاصوليين: من طالت صحبته متبعا له مدة يثبت معها إطلاق صاحب فلان عرفا بلا تحديد في الاصح اه.
وظاهره، أن من ارتد ثم أسلم تعود صحبته وإن لم يلقه بعد الاسلام، وهذا ظاهر على مذهب الشافعي من أن المرتد لا يحبط عمله ما لم يمت على الردة.
أما عندنا فبمجرد الردة يحبط العمل.
والصحبة من أشرف الاعمال، لكنهم قالوا، إنه بالاسلام تعود أعماله مجردة عن الثواب ولذا، لا يجب عليه قضاؤه سوى عبادة بقي سببها كالحج وكصلاة صلاها فارتد فأسلم في وقتها.
وعلى هذا فقد يقال: تعود صحبته مجردة عن الثواب، وقد يقال: إن أسلم في حياة النبي (ص) لا تعود صحبته ما لم يلقه لبقاء سببها، فتأمل.
قوله: (الذين حازوا) أي جمعوا.
قوله: (من منح الخ) فيه صناعة التوجيه حيث ذكر أسماء الكتب وهي: المنح للمصنف، والفتح شرح الهداية للمحقق ابن الهمام والكشف شرح المنار للنفسفي، والفيض للكركي والوافي متن الكافي للنفسفي، والحقائق شرح منظومة النسفي.
وفيه حسن الابهام بذكر ما له معنى قريب ومعنى بعيد، وأراد المعنى بعيد وهو المعاني اللغوية هنا دون الاصطلاحية لاهل المذهب: أي، حازروا عن عطايا فتح باب كشف: أي، إظهار فيض: أي كثير، فضلك: إي، إنعامك، الوافي: أي، التام، حقائقا: أي أمورا محققة، وبهذه اللطافة يغتفر ما فيه من تتابع الاضافات الذي عد مخلا بالفصاحة، إلا إذا لم يثقل على اللسان فإنه يزيد الكلام ملاحة ولطافة، فيكون من أنواع البديع، ويسمى الاطراد كقوله تعالى (ذكر رحمة ربك) وقوله تعالى كدأب آل فرعون).(1/14)
تنبيه: حقائقا بالالف للسجع مع إنه ممنوع من الصرف على اللغة المشهورة، فصرفه هنا على حد قوله تعالى (سلا سلا وأغلالا) [ الانسان 4 ] وقوله تعالى (قواريرا) [ الانسان 76 ] في قراءة من نونهما، وذكروا لذلك أوجها منها التناسب.
ومنهم من قراء (سلاسلا) بالالف دون تنوين.
قوله: (وبعد) يؤتى بها للانتقال من أسلوب آخر لا يكون بينهما مناسبة، فهي من الاقتضاب المشوب بالتخلص.
واختلف في أول من تكلم بها، وداود أقرب، وهي فصل الخطاب الذي أوتيه إليه، وهي من الظروف الزمانية أو المكانية المنقطعة عن الاضافة، مبنية على الضم لنية معنى المضاف إليه، أو منصوبة غير منونة لنية لفطه، أو منوتة إن لم ينو لفظه ولا معناه.
والثالث لا يحتمل هنا لعدم مساعدة الخط إلا على لغة من لا يكتب الالف المبدلة عن التنوين حال النصب، وعلى كل، لا بد لها من متعلق، فإن كانت الواو هنا نائبة عن أما كما هو المشهور، فمتعلقها إما الشرط أو الجزاء.
والثاني أولى، ليفيد تأكيد الوقوع، لان التعليق على أمر لا بد من وقوعه يفيد وقوع المعلق البتة، والتقدير
مهما يكن من شئ فيقول بعد البسملة والحمدلة والتصلية وإن كانت الواو للعطف وهو من عطف القصة على القصة، أو للاستئناف فالعامل فيها يقول، وزيدت فيه الفاء لتوهم إما إجراء للمتوهم مجرى المحقق كما في: ولا سابق بالجر، والتقدير: ويقول بعد البسملة.
وعلى الاول فهي في جواب الشرط لنيابة الواو عن أداته.
واعترضه حسن جلبي في حواشي التلويح بأن النيابة تقتضي مناسبة بين النائب والمنوب عنه، ولا مناسبة بين الواو وإما اه.
ولا يصح تقدير (أما) بعد الواو لان أما لا تحذف إلا إذا كان الجزاء أمرا أو نهيا ناصبا لما قبله أو مفسرا له كما في الرضي، وما هنا ليس كذلك.
قوله: (فقير ذي اللطف) أي كثير الفقر: أي، الاحتياج لله تعالى ذي اللطف: أي الرفق والبر بعباده والاحسان إليهم.
قوله: (الخفي) أي الظاهر فإنه من أسماء الاضداد، فإن لطفه تعالى لا يخفى على شخص في كل شخص، أو المراد الخفي عن العبد، بأن يدبر له الامر من غير تعان منه ومشقة، ويهيئ له أمور دنياه وآخرته من حيث لا يحتسب، والله على كل شئ قدير ط.
قوله: (محمد) بدل من فقير أو عطف بيان، وعلاء الدين لقبه: أي، معليه ورافعه بالعمل به وبيان أحكامه.
ومنع بعضهم من التسمي بمثل ذلك مما فيه تزكية نفس.
ويأتي تمام الكلام على ذلك في كتاب الحظر والاباحة إن شاء الله تعالى، وهو رحمة الله تعالى كما في شرح ابن عبد الرزاق على هذا الشرح: محمد بن على بن محمد بن على بن عبد الرحمن بن محمد بن جمال الدين بن حسن بن زين العابدين الحصني الاثري المعروف ب (الحصكفي) صاحب التصانيف في الفقه وغيره، منها هذا الشرح وشرح الملتقى وشرح المنار في الاصول وشرح القطر فقي النحو ومختصر الفتاوى الصوفية والجمع بين فتاوى ابن نجيم جمع التمرتاشي وجمع ابن صاحبها، وله تعليقة على صحيح البخاري تبلغ نحو ثلاثين كراسا، وعلى تفسير البيضاوي من سورة البقرة إلى سورة الاسراء، وحواشي على الدرر وغير ذلك من الرسائل والتحريرات، وقد أقر بالفضل والتحقيق مشايخه وأهل عصره حتى(1/15)
قال شيخه الشيخ خير الدين الرملي في إجازته له: وقد بدأني بلطائف أسئلة وقفت بها على كمال روايته وسعة ملكته، فأجبته غير موسع عليه، فكرر على ما هو أعلى فزدته فزاد، فرايت جواد رهانه
في غاية الممكنة والسبق، فبعدت له الغاية فأتاها مستريحا لا يخفق، مستبصرا لا يطرق، فلما تبين لي أنه الرجل الذي حدثت عنه وصلت به إلى حالة يأخذ مني وآخذ منه، إلى أن قال في شأنه: قيا من له شك فدونك فاسأل تجد جبلا في العلم غير مخلخل يباري فحول الفقه فيما يرونه ويبرز للميدان غير مزلزل يقشر عن لب معلوم قشوره ويأتي بما يختاره من مفصل ويقوى على الترجيح فيه بثاقب من الفهم والادراك غير محول وفكر إذا ما حاول الصخر قله وإن رمت حل الصعب في الحال ينجلي وما قلت هذا القول إلا بعيد ما سبرت خباياه بأفحم مقول وقال شيخه العلامة محمد أفندي المحاسني في إجازته له أيضا: وإنه ممن نشأ والفضائل تعله وتنهله، والرغبة في العلم تقرب له ما يحاوله من ذلك وتسهله، حتى نال من قداح الكمال القدح المعلى، وفاز بما وشح به صدر النباهة وحلى، وكان لز على الغوص على غرر الفوائد أعطم معين، فأقاد واستفاد، وفهم وأجاد اه.
وترجمة تلميذه خاتمة البلغاء المحبي في تاريخه فقال ما ملخصه: إنه كان عالما محدثا فقيها نحويا، كثير الحفظ والمرويات، طلق اللسان، فصيح العبارة جيد التقرير والتحرير، وتوفي عاشر شوال سنة 1088 عن ثلاث وستين سنة، ودفن بمقبرة باب الصغير.
قوله (الحصكفي) كذا يوجد في بعض النسخ، وهو بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين وفتح الكاف وفي آخره فاء، وياء النسبة إلى حصن كيفا، وهو من ديار بكر.
قال في المشترك: وحصن كيفا على دجلة بين جزيرة ابن عمر وميافارقين، وكان القياس أن ينسبوا إليه الحصني وقد نسبوا إليه أيضا كذلك، ولكن إذا نسبوا إلى اسمين أضيف أحدهما إلى الاخر ركبوا من مجموع الاسمين اسما واحدا ونسبوا إليه كما فعلوا هنا، وكذلك نسبوا إلى رأس عين راسعيني وإلى عبد الله وعبد شمس وعبد الدار عبدلي وعبشمي وعبدري، وكذلك كل ما كان نظير هذا.
ذكره المحبي في تاريخه في ترجمة إبراهيم بن المنلا.
قوله: (بجامع بني أمية) متعلق بالامام والباء بمعنى في ط.
وقد بناه الوليد بن عبد الملك الاموي، نقل أنه أنفق عليه ألف دينار ومائتي ألف دينار، وفيه رأس
يحيى بن زكريا عليهما السلام، وفي حائطه القبلي مقام هود عليه السلام، ويقال إنه أول من بنى جدرانه الاربع وذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى: (والتين...) أنه مسجد دمشق، وكان بستانا لنبي الله هود عليه السلام، وأنه كان فيه شجر التين قبل أن يبنيه الوليد اه.
فهو المعبد القديم الذي تشرف بالانبياء عليهم السلام، وصلى فيه الصحابة الكرام.
وقد صرح الفقهاء بأن الافضل بعد المساجد الثلاثة ما كان أقدم، بل ذكر في كتاب أخبار الدول بالسند إلى سفيان الثوري أن الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة، وهو، ولله الحمد إلى وقتنا هذا معمور بالعبادة ومجمع للعلم والافادة ولا يزال كذلك إن شاء الله تعالى إلى أن يهبط(1/16)
على منارته البيضاء عيسى ابن مريم عليه السلام، إلى أن يرث الله الارض ومن عليها من الانام.
قوله: (ثم المفتي الخ) أفاد أن الافتاء لم يجتمع له مع الامامة وإنما تأخر عنها ط.
وفي تاريخ المحبي أنه تولى الافتاء خمس سنين، وكان متحريا في أمر الفتوى غاية التحري، ولم يضبط عليه شئ خالف فيه القول المصحح.
قوله: (بدمشق) بفتح الميم وقد تكسر: قاعدة الشام، سميت بيانها دمشاق بن كنعان.
قاموس.
وقيل: بانيها غلام اسكندر واسمه دمشق أو دمشقش، وهي أنزه بلاد الله تعالى.
قال أبو بكر الخوارزمي: جنات الدنيا اربع: غوطة دمشق، وصغد سمرقند، وشعب بوان، وجزيرة نهر الابلة.
وفضل غوطة دمشق على الثلاثة كفضل الثلاثة على سائر الدنيا، وناهيك ما ورد فيها خصوصا وفي الشام عموما من الاحاديث والاثار.
قوله: (الحنفي) ذكر العراقي في آخر شرح ألفية الحديث أن النسبة إلى مذهب أبي حنيفة وإلى القبيلة وهم بنو حنيفة بلفظ واحد، وأن جماعة من أهل الحديث منهم أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي يفرقون بينهما بزيادة ياء في النسبة للمذهب ويقولون حنيفي، وإنه قال ابن الصلاح: لم أجد ذلك عن أحد من النحويين إلا عن أبي بكر بن الانباري.
قوله (لما بيضت) الجملة إلى آخر الكتاب في محل نصب مقول القول، أو كل جملة من الكتاب محلها نصب بناء على أن جزء المقول له محل، أو ليس له محل، وهما قولان ط.
قوله: (من خرائن الاسرار) الخزائن جمع خزانة ألفها زائدة تقلب في الجمع همزة كقلائد في الالفية: والمد زيد ثالثا في
فتكتب بهمزة لا بياء بنقطتين من تحت بخلاف نحو معايش فإن الياء في المفرد أصلية فتكتب بها.
ابن عبد الرزاق.
فائدة من لطائف المفتي أبي السعود أنه سئل عن الخزانه والقصعة أيقران بالفتح أو بالكسر؟ فأجاب بقوله: لا تفتح الخزانة، ولا تكسر القصعة.
قوله: (وبدائع) جمع بديعة، من ابتدع الشئ: ابتدأه.
قوله: (الافكار) جمع فكر بالكسر ويفتح: إعمال النظر في الشئ كالفكرة والفكري.
قاموس.
والمراد، ما ابتدعه بفكره من الابحاث وحسن التركيب والوضع، أو ما ابتدعه المجتهد واستنبطه من الادلة الشرعية، وهذا بيان لمعاني أجزاء العلم قبل العملية، أما بعدها فالمجموع اسم الكتاب.
قوله: (في شرح) إن كان من جزء العلم فلا يبحث عن الظرفية، وإلا فالاولى حذف (في) لان خزائن الاسرار هو نفس الشرح، وظاهر الظرفية يقتضي المغايرة، أفاده ط.
أقول: وقد تزاد في، وحمل عليه بعضهم قوله تعالى، وقال (اركبوا فيها) [ هود: 41 ] ويمكن أن تتعلق بمحذوف حالا والظرفية فيها مجازية مثل (ولكم في القصاص حياة) [ البقرة: 179 ].
ويمكن تعلقه بمذكور نظرا إلى المعنى الاصلي قبل العملية، فإن الاعلام، وإن كان المراد بها اللفظ، قد يلاحظ معها المعاني الاصلية بالتبعية، ولهذا نادى بعض الكفرة أبا بكر رضي الله عنه بأبى الفصيل.
أفاده حسن جلبي في حاشيتة التلويح عند قوله الموسوم بالتلويح إلى حقائق التنقيح.
قوله: (قدرته في عشرة مجلدات كبار) مجلدات جمع مجلد، واسم المفعول من غير العاقل إذا جمع يجمع جمع تأنيث كمخفوضات ومرفوعات ومنصوبات، والمراد أجزاء، لان العادة أن الجزء يوضع في جلد حدة ط.
أي إنه(1/17)
لما بيض الجزء الاول منه قدر أن تمام الكتاب على منوال ما بيض منه يبلغ عشرة مجلدات كبار وذكر المحبي وغيره أنه وصل في هذا الكتاب إلى باب الوتر.
والظاهر، إنه لم يكمله في المسودة أيضا وإنما ألف منه هذا الجزء الذى بيضه فقط، والله تعالى أعلم.
قوله: (فصرفت عنان العناية) العنان بالكسر: ما وصل بلجام الفرس، والعناية: القصد.
وفي نهاية الحديث: يقال عنيت فلانا عنيا: إذا
قصدته، وتشبيه العناية بصورة الفرس في الايصال إلى المطلوب استعارة بالكناية، وإثبات العنان استعارة تخييلية، وذكر الصرف ترشيح، وفيه الايهام بكتاب النهاية اه.
ابن عبد الرزاق.
قوله: (نحو الاختصار) أي جهة اختصار ما في خزائن الاسرار.
قوله: (وسميته بالدر المختار) أي سميت هذا المختصر المأخوذ من الاختصار أو الشرح المتقدم في قوله تبييض هذا الشرح، وسمي: يتعدى إلى مفعولين: الاول بنفسه، والثاني بحرف الجر كما هنا، أو بنفسه كما في: سميت لبني محمدا.
قال ابن حجر: وما اشتهر من أن أسماء الكتب علم جنس وأسماء العلوم علم شخص نوقش فيه بأن إن نظر لتعدد الشئ بتعدد محله فكلاهما علم جنس، وإن نظر للاتحاد العرفي فعلم شحص.
وأما التفرقة، فهي تحكم وترجيح بلا مرجح اه.
والدر: الجوهر، وهو اسم حنس يصدف على القليل والكثير.
والمختار: الذي يؤثر على غيره، أفاده ط.
قوله (الذي فاق) نعت لتنوير الابصار لا للدر المختار اه.
ح.
وهذا بناء على أن قوله في شرح تنوير الابصار متعلق بمحذوف حال من الدر المختار ليس جزء علم، فلا يرد أن جزء العلم لا يوصف، على أنه قد ينظر فيه إلى ما قبل العملية كما قدمناه، فافهم.
قوله: (هذا الفن) في القاموس: الفن الحال والضرب من الشئ كالافنون جمعه أفنان وفنون اه.
والمراد به هنا علم لانه نوع من العلوم.
قوله: (في الضبط) هو الحفظ بالحزم.
قاموس.
والمراد به هنا حسن التحرير ومتانة التعبير، فهو مضبوط كالحمل المحزوم.
قوله: (والتصحيح) أي ذكر الاقوال المصححة إلا ما ندر.
قوله: (والاختصار) تقدم معناه، فهو مع حسن التحرير والتصحيح خال عن التطويل.
قوله: (ولعمري) قال في المغرب: العمر بالضم والفتح: البقاء، إلا أن الفتح غلب في القسم حتى لا يجوز فيه الضم، يقال لعمرك ولعمر الله لافعلن وارتفاعه على الابتداء وخبره محذوف اه.
أي قسمي أو يميني، والواو فيه للاستئناف واللام للابتداء.
قاب في القاموس: وإذا سقطت اللام نصب انتصاب المصادر، وجاء في الحديث النهي عن قول لعمر الله اه.
قال الحموي في حاشية الاشباه: فعلى هذا ما كان ينبغي للمصنف أن يأتي بهذا القسم الجاهلي المنهي عنه اه.
وفي شرح النقاية للقهستاني: لا يجوز أن يحلف بغير الله تعالى، ويقال لعمر فلان، وأذا حلف ليس أن يبر، بل يجب أن يحنث، فإن البر فيه كفر عند بعضهم كما في كفاية الشعبي اه.
أقول: لكن قال فاضل الروم حسن جلبي في حاشية المطول: قوله لعمري يمكن أن يحمل على حذف المضاف، أي: لواهب عمري.
وكذا أمثاله مما أقسم فيه بغير الله تعالى كقوله تعالى (والشمس) [ الشمس: 1 ] (والليل) [ الشمس: 2 ] (والقمر) [ الشمس: 3 ] ونظائره، أي ورب الشمس الخ.
ولا يمكن المراد بقولهم لعمري وأمثاله ذكر صورة القسم لتأكيد مضمون الكلام وترويجه فقط، لانه أقوى من سائر المؤكدات، وأسلم من التأكيد بالقسم الله تعالى لوجوب البر به، وليس(1/18)
الغرض اليمين الشرعي وتشبيه غير الله تعالى به في التعظيم حتي يرد عليه أن الحلف بغير اسمه تعالى وصفاته عزوجل مكروه كما صرح به النووي في شرح مسلم، بل الظاهر من كلام مشايخنا أنه كفر أن كان باعتقاده أنه حلف يجب البر به، وحرام أن كان بدونه كما صرح به بعض الفضلاء، وذكر صورة القسم على الوجه المذكور لا بأس به، ولهذا شاع بين العلماء، كيف وقد قال عليه الصلاة والسلام: (قد أفلح وأبيه) وقال عز من قاتل (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) [ الحجر: 72 ].
فهذا جرى على رسم اللغة، وكذا إطلاق القسم علس أمثاله اه.
قوله: (أضحت) أي صارت، وتستعمل أضحى بمعنى صار كثيرا كما ذكره الاشموني.
قوله: (روضة هذا العلم) الروضة من العشب: مستنقع الماء لاستراضة الماء فيها، وهذا معناها في أصل الوضع، ولذا قال بعض العلماء: الروضة أرض ذات مياه وأشجار وأزهار، شبه الفقه ببستان على سبيل الاستعارة بالكناية، واثبات الروضة تخييل، وما بعده ترشيح للمكنية أو للتخييلية باقيا على معناه مقصودا به تقوية الاستعارة ويجوز أن يكون مستعارا لملائم المشبه كما قرر في محله، بأن تشبه المسائل بالازهار والانهار على سبيل الاستعارة المكنية أيضا وإثبات التفتيح والتسلسل تخييل.
قوله (مفتحة الازهار) أصله مقتحة الازهار منها أو أزهارها على جعل أل عوضا عن المضاف إليه، والازهار مرفوع بالنيابة عن الفاعل، فحول الاسناد إلى ضمير الموصوف ثم أضيف اسم المفعول إلى مرفوعه معنى، فهو حينئذ جار مجرى الصفة المشبهة، فافهم.
قوله: (مسلسلة الانهار) الكلام فيه كالذي قبله.
وفي القاموس: تسلسل الماء: جرى في حدور.
قوله (من عجائبه) جمع عجيب، والاسم العجيبة والاعجوبة.
قاموس.
والمراد بها مسائله العجيبة.
و (من) صلة لقوله تختار، وثمرات مبتدأ والتحقيق مضاف إليه، ويطلق على ذكر الشئ على الوجه الحق وعلى إثبات الشئ بدليله، وجملة تختار خبر المبتدأ، وفي الكلام استعارة مكتبة حيث شبه التحقيق بشجرة، وإثبات الثمرات لها تخييل ولا يخفي أن مسائل هذا الكتاب مذكورة على الوجه الحق، وثابتة بدلائلها عند المجتهد، ولا يلزم من إثبات الشئ بدليله أن يكتب دليله معه حتى يرد أنه لم يذكر في المتن الادلة، وكذا لا يلزم من كون مسائله مذكورة على الوجه الحق أن يكون غيره من المتون ليس كذلك، فافهم، ويجوز أن يراد بالثمرة الفائدة والنتيجة.
والمعني، أن ما يستفاد بالتحقيق ويستنتج به من الاحكام الشرعية يختار من مسائله المعجبة.
قوله: (ومن غرائبه) جمع غريبة: أي، مسائله الغريبة العزيزة الوجود التي زادها على المتون المتداولة فهي كالرجل الغريب، أو المراد تراكييه وإشاراته الفائقة على غيرها حتى صارت غريبة في بابها.
والذخائر: جمع ذخيرة بمعنى مذخورة ما يذخر: أي يختار ويحفظ.
والتدقيق: إثبات المسألة بدليل دق طريقه لناظريه كما في تعريفات السيد.
وقيل إثبات دليل المسألة بدليل آخر وجملة تحير الافكار صفة ذخائر الواقع مبتدأ مؤخرا مخبرا عنه بالظرف قبله ولما كان التدقيق مأخوذا من الدقة وهي الغموض والخفاء ذكر معه الذخائر التي تحفظ عادة وتخبأ، وذكر معه أيضا تحير الافكار: وهو عدم اهتدائها، والمراد بها أصحابها، بخلاف التحقيق فإنه لا يلزم أن يكون فيه دقة، والحق ظاهر لا يخفي، فلذا ذكر معه الثمرات التي تظهر عادة.
قوله: (لشيخ شيخنا) متعلق بمحذوف نعت لتنوير الابصار أو حال منه: أي، الكائن أو كائنا اه.
ح.
قوله:(1/19)
(شيخ الاسلام) أي شيخ أهل الاسلام، وهذا الوصف غلب على من كان في منصب الافتاء أو القضاء.
قوله (محمد بن عبد الله) بن أحمد الخطيب بن محمد بن الخطيب بن إبراهيم الخطيب اه.
ح.
ورأيت في رسالة لحفيد المصنف وهو الشيخ محمد ابن الشيخ صالح ابن المصنف، زاد بعد إبراهيم المذكور ابن خليل بن تمرتاشي.
قال المحبي: كان إماما كبيرا حسن السمت قوي الحافطة كثير الاطلاع، وبالجملة فلم يبق من يساويه في الرتبة، وقد ألف التآليف العجيبة المتقنة، منها التنوير
وهو في الفقه جليل المقدار جم الفائدة، دقق في المسائل كل التدقيق ورزق فيه السعد فاشتهر في الافاق، وهو من أنفع كتبه، وشرحه هو، واعتنى بشرحه جماعة منهم العلامة الحصكفي مفتي الشام، والملا حسين بن إسكندر الرومي نزيل دمشق، والشيخ عبد الرزاق مدرس الناصرية، وكتب عليه شيخ الاسلام محمد الانكوري كتابات في غاية التحرير والنفع، وكتب على شرح مؤلفة شيخ الاسلام خير الدين الرملي حواشي مفيدة، وله تآليف لا تحصي، توفي سنة 1004 عن خمس وستين سنة اه.
قلت: ومن تأليف المصنف كتاب: معين المفتي، والمنظومة الفقهية المسماه تحفة الاقران وشرحها مواهب الرحمن، والفتاوى المشهورة، وشرح زاد الفقير لابن الهمام، وشرح الوقاية، وشرح الوهبانية، وشرح يقول العبد، وشرح المنار، وشرح مختصر المنار، وشرح الكنز إلى كتاب الايمان، وحاشية على الدرر لم تتم، ورسائل كثيرة منها رسالة في العشرة المبشرين بالجنة، وفي عصمة الانبياء وفي دخول الحمام، وفي لفظ جوزتك بتقديم الجيم، وفي القضاء، وفي الكنائس: وفي المزارعة، وفي الوقوف بعرفة، وفي الكراهية، وفي حرمة القراءة خلف الامام، وفي جواز الاستنابة في الخطبة، وفي أحكام الدروز والارفاض، وفي مشكلات مسائل وشرحها، وله رسالة في التصوف وشرحها، ومنظومة فيه، ورسالة في علم الصرف، وشرح القطر وغير ذلك، ذكره بعضهم.
قوله: (التمرتاشي) نسبة إلى تمرتاش.
نقل صاحب مراصد الاطلاع في أسماء الاماكن والبقاع أن تمرتاش بضمتين وسكون الراء وتاء وألف وشين معجمة: قرية من قرى خوارزم اه.
ط.
قلت: والاقرب أنه نسبة إلى جده تمرتاشي كما قدمناه.
قوله: (الغزي) نسبة إلى غزة هاشم، وهي كما في القاموس: بلد بفلسطين، ولد بها الامام الشافعي رحمة الله تعالى، ومات بها هاشم بن عبد مناف.
قوله: (عمدة المتأخرين أي معتمدهم في الاحكام الشرعية.
قوله: (الاخبار) جمع خير بالتشديد: كثير الخير.
قوله: (فإني أرويه) تفريع على قوله لشيخ شيخنا الخ، فإنه لما جزم بنسبته إليه أفاد أن ذلك واصل إليه بالسند، والضمير لتنوير الابصار، ولكن روايته عن ابن نجيم باعتبار المسائل التي فيه مع قطع النظر عن صورته المشخصة كما أفاده ح، أو الضمير للعلم المذكور في قوله لقد أضحت روضة هذا العلم كما أفاده ط.
قوله: (عن ابن نجيم) هو الشيخ زين بن إبراهيم بن نجيم وزين اسمه العلمي.
ترجمة النجم الغزي في الكواكب السائرة فقال: هو الشيخ العلامة المحقق المدقق الفهامة زين العابدين الحنفي.
أخذ العلوم عن جماعة، منهم الشيخ شرف الدين البلقيني، والشيخ شهاب الدين الشلبي، والشيخ أمين الدين به عبد العال، وأبو الفيض السلمي.
وأجازه بالافتاء والتدريس فأفتى ودرس في حياته أشياخه وانتفع به خلائق.
وله عدة مصنفات: منها شرح الكنز، والاشباه والنظائر، وصار كتابه عمدة الحنفية ومرجعهم.
وأخذ الطريق عن الشيخ العارف بالله تعالى سليمان(1/20)
الخضيري، وكان له ذوق في حل مشكلات القوم.
قال العارف الشعراني: صحبته عشر سنين، فما رأيت عليه شيئا يشينه، وحججت معه في سنة 953 فرأيته على خلق عطيم مع جيرانه وغلمانه ذهابا وايابا، مع أن السفر يسفر عن أخلاق الرجال.
وكانت وفاته سنة 969 كما أخبرني بذلك تلميذه الشيخ محمد العلمي اه.
قلت: ومن تآليفه: شرح على المنار، ومختصر التحرير لابن الهمام، وتعليقة على الهداية من البيوع وحاشية على جامع الفصولين.
وله الفوائد والفتاوى، والرسائل الزينية.
ومن تلامذته أخوه المحقق الشيخ عمر بن نجيم صاحب النهر.
قوله: (بسنده) أي حال كونه روايا ذلك بسنده، وقدمنا تمام السند.
قوله: (المصطفي) من الصفوة: وهو الخلوص.
والاصطفاء: الاختيار، لان الانسان لا يصطفى إلا إذا كان خالصا طيبا، وقوله المختار بمعناه، وهذان اسمان من أسمائه (ص) ط.
قوله: (كما هو) حال من قوله بسنده.
قوله: (عن المشايخ) متعلق بمحذوف حال من إجازتنا: أي، المروية عنهم أو بإجازاتنا لتضمنه معنى رواياتنا.
ومن جملة مشايخه القطب الكبير والعالم الشهير سيدي الشيخ أيوب الخلوتي الحنفي.
قوله: (في الدرر والغرر) كلاهما لملا خسرو، والدرر هو شرح الغرر.
قوله: (لم أعزه) أي لم أنسبه، من عزا يعزو، واسم المفعول منه معزو كمدعو، بالتصحيح أرجح من معزى بالاعلال.
قال في الالفية: وصحح المفعول من نحو عدا واعلله إن لم تتحر الاجودا ويروى بالوجهين قول الشاعر:
أنا الليث معديا عليه وعاديا والثاني هو الجاري على ألسنة الفقهاء.
قوله: (وما زاد وعز نقله) أي وما زاد على الدرر والغرر وعز نقله في الكتب المتداولة عزوته لقائله.
وفي بعض النسخ: وما زاد عن نقله، أي وما زاد عن المنقول في الددر والغرر، فعن بمعنى على، والمصدر اسم المفعول.
قوله: (روما) أي قصدا للاختصار علة لقوله لم أعزه، وفيه إشارة إلى كثرة نقله عن الدرر ومتابعته له كعادة المصنف في متنه وشرحه، وهو بذلك حقيق فإنه كتاب مبنى على غاية التحقيق.
قوله: (ومأمولي) من الامل وهو الرجاء.
قوله: (من الناظر) أي المتأمل.
قال الرغب: النظر قد يراد به التأمل والتفحص، قد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص، واستعمال النظر في البصيرة أكثر عند الخاصة، والعامة بالعكس اه.
وتمامه في حاشية الحموي.
قوله: (فيه) أي في شرحي هذا.
قوله: (بعين الرضا) أي بالعين الدالة على الرضا، ولا ينظر بعين المقت، فإن من نظر بها تبين له الحق باطلا، كما قال الشاعر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا أو أنه شبه الرضا بإنسان له عين تشبيها مضمرا في النفس، وذكر العين تخييل ط.
قوله: (والاستبصار) السين والتاء زائدتان، أي، والابصار، والمراد به التبصر والتأمل ط.
قوله: (وأن يتلافي أي يتدارك.
في القاموس: تلافاه: تدراكه.
قوله: (تلافه) الذي في القاموس وجامع اللغة(1/21)
ولسان العرب: التلف: الهلاك، ولم يذكروا التلاف، فليراجع اه.
ح.
ووقع التعبير به لغير الشارح كالامام عمر بن الفارض قدس سره في قصيدته الكافية بقوله: وتلافي إن كان فيه ائتلافي بك عجل به جعلت فداكا ويحتمل أن الالف إشباع وهو لغة قوم ط.
وفسر العلامة البوريني في شرحه على ديوان ابن الفارض التلاف بالتلف، وكذا قال سيدي عبد الغني في شرحه عليه، وتلافي مصدر مضاف إلى متكلم، ووقع في كلام الشعراء كثيرا ومنه قول ابن عنين يخاطب بعض الملوك وكان مريضا: انظر إلي بعين مولى لم يزل يوالي الندي وتلاف قبل تلاف
أنا كالذي أحتاج ما يحتاجه فاغنم دعائي والثناء الوافي فجاءه الملك بألف دينار وقال له: أنت الذي، وهذه الصلة، وأنا العائد.
قوله: (بقدر الامكان) متعلق بقوله يتلاقي، والاضافة بيانية: أي إذا رأي فيه عيبا يتداركه بإمكانه، بأن يحمله على محمل حسن حيث أمكن، أو يصلحه بتغيير لفظه إن لم يمكن تأويله.
قوله: (أو يضغي) في بعض النسخ بالواو، أي يسمح ولا يفضح.
والفضح في الاصل: الميل بصفحة العنق ثم أريد به مطلق الاعراض.
قوله: (ليصفح عنه الخ) لان الجزاء من جنس العمل.
قوله: (الاسرار) بكسر الهمزة مصدر أسر ليناسب الاضمار، وإن احتمل أن يكون بفتحها جمع سر اه.
ح.
وعلى الاول فعطف الاضمار عليه عطف مرادف.
وعلى الثاني عطف مغاير.
قال ط.
والاولى أن يقول بدل الاضمار الاظهار ليكون في كلامه صنعة الطباق، وهي الجمع بين لفظين متقابلي المعنى.
قوله: (ولعمري) تقدم الكلام عليه، وهذه الفقرة وقعت في خطبة النهر.
قوله: (الخطر) هو الاشراف على الهلاك، والمراد به هنا الشئ الشاق.
وهو الخطأ والسهو المعبر عنه بالتلاف.
قوله: (يعز) على وزن يقل أو يمل كما في القاموس، والمادة تأتي بمعنى العسر، وبمعنى القلة وبمعنى الضيق، وبمعنى العظمة كما أفاده في القاموس، وكل صحيح أفاده ط.
قوله: (البشر) اسم جنس.
والبشر: ظاهرة البشرة وهو ما ظهر من الجسد.
والجن: ما اختفي من الاجتنان، وهو الاستتار ط.
قوله: (ولا غرو) بفتح الغين المعجمعة وسكون الراء المهملة مصدر غرا من باب عدا، بمعنى عجب بوزن فرح أي لا عجب اه.
أي من عزة السلامة مما ذكر.
قوله: (فإن النسيان) الفاء تعليلية: أي، لان النسيان الذي هو سبب التلاف المتقدم ط.
وعرفه في التحرير بأنه عدم الاستحضار في وقت الحاجة، قال: فشمل السهو لان اللغة لا تفرق بينهما اه.
قوله: (من خصائص الانسانية) أي من الامور الخاصة بالحقيقة الانسانية: أي بأفراد، والياء للنسبة إلى مجرد عنها.
وروي عن ابن عباس أنه قال: سمي إنسانا، لانه عهد إليه فنسي.
وقال الشاعر: لا تنسين تلك العهود فإنما سميت إنسانا لانك ناسي(1/22)
وقال آخر نسيت وعدك والنسيان مغتفر فاعفر فأول ناس أول الناس وقيل لانسه بأمثاله أو بربه تعالى، قال الشاعر: وما سمي الانسان إلا لانسه ولا القلب إلا أنه يتقلب قوله: (والخطأ) هو إن يقصد بالفعل غير المحل الذي يقصد به الجناية كالرمي إلى الصيد فأصاب آدميا.
تحرير.
وفي القاموس: الخطأ ضد الصواب، ثم قال: والخطأ ما لم يتعمد.
قوله: (من شعائر الادمية) الشعائر: العلامات كما في القاموس ح.
قال في معراج الدراية: وشرعا ما يؤدي من العبادات على سبيل الاشتهار كالاذان والجماعة والجمعة وصلاة العيد والاضحية.
وقيل: هي ما جعل علما على طاعة الله تعالى اه.
قال ط: وإنما عبر بها هنا وفيما تقدم بخصائص، لان النسيان من خصائص الانسان، والخطأ والزلل يكون منه ومن غيره حتى من الملائكة، كما وقع لابليس بناء على أنه منهم، ولهاروت وماروت على ما قيل، كقولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها) وكنظر بعض الملائكة إلى مقامه في العبادة.
وأما الجن فذلك أكثر حالهم.
قوله: (واستغفر الله) أي أطلب منه ستر ذنبي، كأنه أتى به لان ما ذكره قبله فيه نوع تبرئة للنفس وهو مما لا ينبغي، بل الاولى هضم النفس بالخطإ والنسيان وإن كانا من لوازم الانسان.
قوله: (مستعيذا) حال من فاعل أستغفر والعوذ: الالتجاء كالعياذ والمعاذة والتعود والاستعاذة.
والعوذ: بالتحريك الملجأ كامعاذ والعياذ.
قاموس.
قوله: (من حسد) هو تمني زوال نعمة المحسود، سواء تمنى انتقالها إليه أو لا.
ويطلق على الغبطة مجازا، وهي تمنى مثل تلك النعمة من غير إرادة زوالها عن صاحبها، وهو غير مذموم، بخلاف الاول، لانه يؤدي إلى الاعتراض على الله تعالى، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) وسماه عليه الصلاة والسلام حالقة الدين لا حالقة الشعر.
وقال تعالى: (ومن شر حاسد إذا حسد) [ الفلق: 6 ] والحاسد ظالم لنفسه، حيث أتعب نفسه وأحزنها وأوقعها في الاثم، لغيره، حيث لم يحب له ما يحب لنفسه، ولذا قال أبو الطيب
وأظلم أهل الارض من كان حاسدا لمن بات في نعمائه يتقلب قوله: (يسد باب الانصاف) صفة تأكيدية، لان حقيقة الحسد مشعرة بها، إذ الانصاف هو الجري على سنن الاعتدال والاستقامة على طريق الحق، وهذا الوصف لا يتأتى وجوده مع الحسد، والغرض من الاتيان بهذا الوصف التأكيدي النداء على كمال بشاعة الحد وتقرير ذمه والتنفير عنه، ولا يخفي ما فيه من الاستعارة المكنية والتخييلية والترشيح.
قوله: (ويرد) أي يصرف صاحبه عن جميل الاوصاف: أي عن الاتصاف بالاوصاف الجميلة أو عن رؤيتها في المحسود فلا يرى الحاسد له جميلا، لما أن عين السخط تبدي المساويا.
ورد يتعدي بنفسه، ويتعدي بعن إلى مفعول ثان وإن لم يذكره في القاموس، فمن شواهد النحاة قول الشاعر: أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعا وهذه الفقرة بمعنى التي قبلها، وفي الفقرتين من أنواع البديع الترصيع، وهو أن يكون ما في(1/23)
إحداهما من الالفاط أو أكثره مثل ما يقابله من الاخرى في الوزن والتفقية.
والجناس اللاحق وهو اختلاف اللفظين المتجانسين في حرفين، غير متقاربين ولزوم ما لا يلزم، وهو هنا الاتيان بالصاد قبل الالف في الانصاف والاوصاف، وقد أتى بهاتين الفقرتين المصنف في المنح وابن الشحنة في شرح الوهبانية، وسبقهما إلى ذلك ابن مالك في التسهيل.
قوله: (ألا) أداة استفتاح يستفتح بها الكلام.
قوله: (حسك) بفتحتين: شوك السعدان.
والسعدان: نبت من أفضل مراعي الابل كما في القاموس.
ح.
وهذا من التشبيه البليغ، فهو على حذف الاداة، أو تجرى فيه استعارة على طريقة السعد ط: وبين الحسد وحسك: الجناس اللاحق أيضا.
قوله: (من تعلق هلك) يشير إلى وجه الشبه، فإن الحسد إذا تعلق بإنسان أهلكه لانه يأكل حسناته ط.
وظاهره، أن الضمير في تعلق للحسد لا لمن، والانسب إرجاعه لمن.
قوله: (وكفى للحاسد الخ) كفى فعل ماض، واللام في للحاسد زائدة في المفعول به على غير قياس، وذما تمييز، وتمييز كفى غير محول عن شئ كما ذكره الدماميني في شرح التسهيل، ومثله: أمتلا الكوز ماء، وآخر بالرفع فاعل كفى، ولم يزد الباء
في فاعلها لانه غير لازم بل غالب، بخلاف زيادتها في فاعل أفعل في التعجب فإنها لازمة، لكن قال الدمامينى: إن كان كفى بمعنى أجزأ وأغني أو بمعنى وقي لم تزد الباء في فاعلها، هكذا قيل.
ولم أر من أفصح عن معنى كفى التي تغلب زيادة الباء في فاعلها.
وفي كلام بعضهم ما يشير إلى أنها قاصرة لا متعدية، وفي كلام بعضهم خلاف ذلك اه.
فافهم.
وجه الذم أنه تعالى أسند إليه الشر وأمر نبيه (ص) بالاستعاذة منه، وأي ذم أعظم من ذلك.
قوله: (في اضطرامه) متعلق بكفى أو بمحذوف حال من الحاسد، أو في للتعليل كما في حديث (إن أمرأة دخلت النار في هرة حبستها) أو بمعنى مع كما في (ادخلوا في أمم) [ الاعراف: 38 ] والاضطرام كما قال ح عن جامع اللغة: اشتعال النار فيما يسرع اشتعالها فيه.
قال ط: شبه شدة تحسر لفوات غرضه بالاشتعال.
قوله: (بالقلق) هو بالتحريك: الانزعاج.
قاموس.
قوله: (لله در الحسد) في الرضي: الدر في الاصل ما يدر: أز ما ينزل من الضرع من اللبن ومن الغيم من المطر، وهو هنا كناية عن فعل الممدوح الصادر عنه، وإنما نسب فعله لله تعالى قصدا للتعجب منه، لان الله تعالى منشئ العجائب، وكل شئ عظيم يريدون التعجب منه ينسبونه إليه تعالى ويضيفونه إليه، فمعنى لله دره: ما أعجب فعله وفي القاموس: وقولهم ولله دره: أي عمله، كذا في حواشي الجامي للمولى عصام.
ثم قال: فقول الشرح: يعني الجامي لله خيره بجعل الدر كناية عن الخير لا يوافق تحقيق اللغة اه.
ابن عبد الرزاق.
قوله: (ما أعدله الخ) تعجب ثان متضمن لبيان منشأ التعجب.
وفي الرسالة القشيرية قال معاوية رضي الله عنه: ليس في خلال الشر خلة أعدل من الحسد، تقتل الحاسد غما قبل المحسود اه.
لكن شرطه ما قال الشاعر دع الحسود وما يلقاه من كمده كفاك منه لهيب النار في كبده إن لمت ذا حسد نفست كربته وإن سكت فقد عذبته بيده وقال آخر وقد أجاد:(1/24)
اصبر على كيد الحسو دفإن صبرك يقتله
النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله قوله: (وما أنا الخ) البيت من المنظومة الوهبانية، قال شارحها العلامة عبد البر بن الشحنة: لكيد الخديعة والمكر، والحسود فعول من الحسد فيه مبالغة في معنى الحاسد.
والامن: المطمئن، ولا جاهل عطف على الحسود: يعني، ولا من كيد جاهل، ويزري بفتح التحتية من زرى عليه: إذا عابه واستهزأ به وأنكر عليه ولم يعده شيئا أو تهاون به، ويجوز ضمها من أزرى.
قال في القاموس: لكنه قليل وتزري وأزرى بأخيه: أدخل عليه عيبا أو أمرا يريد أن يلبس عليه به.
ولا يتدبر عطف عليه: أي لا يتفكر في عواقب الامور.
وسبب هذا البيت أنه ابتلى بما ابتليت به من حسد الحاسدين وكيد المعاندين، والله المسؤول أن يجعل كيدهم في نحرهم، فبعضهم استكثره عليه، والبعض قال: إنه مسبوق إليه اه.
ملخصا.
قوله: (هم يحسدوني) أصله يحسدونني حذفت إحدى النونين تخفيفا اه.
ح.
وشر أفعل تفضيل حذفت همزته لكثرة الاستعمال كما حذفت من خير وإثباتها لغة قليلة أو رديئة كما في القاموس، وكلهم بالجر تأكيد للناس لافادة الشمول.
ولا يقال الكافر شر ممن لم يحسد، فكيف يكون من لم يحسد شرا منه؟ لانا نقول: هو من جملة من لم يحسد، بل ليس له ما يحسد عليه، لقوله تعالى: (أيحسبون أنما نمدهم به) [ المؤمنون: 55 ] الاية، فافهم.
وفي الناس بمعنى معهم، ويوما ظرف لعاش وغيره بالنصب حال.
وقد أوتي الشارح بهذا البيت تبعا لابن الشحنة تسلية للنفس، فإن الحسد لا يكون إلا لذوي الكمال المتصفين بأكمل الخصال، وفي معناه ما ينسب إلى علي كرم الله وجهه إن يحسدوني فإني غير لائمهم قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا فدام بي وبهم ما بي وما بهم ومات أكثرنا غيظا بما يجد قوله: (إذ لا يسود) أي لا يصير ذا سؤدد وفخار، وأصله يسود كينصر، نقلت حركت الواو إلى الساكن قبلها فسكنت الواو، وهذا علة لمفهوم وشر الناس، لانه إذا كان شر الناس من لم يحسد نتج أن خيرهم من يحسد، وإنما كان ذلك سببا في سيادته، لان المدح يتريب عليه الرياسة والسؤدد والقدح فيه يترتب عليه الحلم والتحمل والصفح، وذلك في السيادة أيضا.
اه.
ط.
قلت: والحسود أيضا سبب في السيادة من حيث إنه سبب لنشر ما انطوى من الفضائل، كما قال القائل: وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود قوله: (سيد) أصله سيود اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، قيل إنه لا يطلق إلا على الله تعالى، لما روي (أنه عليه الصلاة والسلام لما قالوا(1/25)
له يا سيدنا، قال: إنما السيد الله) وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (أنا سيد ولد آدم) وقال تعالى: (وسيدا وحصورا) [ آل عمران: 39 ] وقيل لا يطلق عليه تعالى وعزي إلى مالك، وقيل: يطلق عليه تعالى معرفا وعلى غيره منكرا.
والصحيح جوازه مطلقا، وهو في حقه تعالى بمعنى العظيم المحتاج إليه، وفي غيره بمعنى الشريف الفاضل الرئيس، وتمامه في حاشية الحموي.
قوله: (بدون) أي بغير، وهو أحد إطلاقات لها، وتأتي بمعنى المكان الادني وهو الاصل فيها ط.
قوله: (ودود) هو كثير الحب.
قاموس.
قوله: (وحسود يقدح) أي يطعن، ولا يخفي ما بين ودود وحسود من الطباق، وبين يمدح ويقدح من الجناس اللاحق ولزوم ما لا يلزم، وما في ذلك من الترصيع.
قوله: (لان من زرع) تعليل لما استلزمه الكلام السابق، لان قدح الحسود إذا كان سببا في زيادة المحسود الموجبة لكمده كان زرعه الحسد منتجا له المحن والبلايا.
والاحن جمع إحنة بالكسر فيهما، وهي الحقد كما في القاموس اه.
ح.
ويحتمل أنه تعليل لقوله سابقا: ألا وأن الحسد حسك، من تعلق به هلك، فالمحصود الهلاك الموجود عند التعلق ط، وتشبيه الحقد بما يزرع استعارة بالكناية، وإثبات الزرع تخييل، وذكر الحصد ترشيح.
قوله: (فاللئيم يفضح) من اللؤم بالضم ضد الكرم، يقال لؤم ككرم لؤما فهو لئيم جمعه لئام ولؤماء، ويقال فضحه كمنعه: كشف مساويه، والاصلاح ضد الافساد.
قاموس.
وهذا مرتبط بقوله إذ لا يسود سيد الخ.
فاللئيم هو الحسود، والكريم هو الودود، وفيه لف ونشر مشوش، أو بقوله (ومأمولي من الناظر فيه الخ).
ولو قال: والكريم يصفح أو يسمح، لكان أوضح.
قوله: (لكن يا أخى الخ) لما كان الاذن بالاصلاح مطلقا استدرك عليه بقوله: (بعد
الوقوف) وهو ظرف ليصلح كما أفاده ح، أي يصلح بعد وقوعه وإطلاعه على هذه الكتب، لا بمجرد الخطور بالبال، ويصح تعلقه بقوله (وإن يتلافي تلافه) ويحتمل تعلقه بقوله (فصرعت عنان العناية نحو الاختصار) أي انما اختصرته بعد الوقوف على حقيقة الحال: أي حال المسائل ومعرفة ضعيفها من قويها، ويدل له قوله (مع تحقيقات سنح الخ) ويدل للاول قوله: (ويأتي الله الخ) أفاده ط.
قوله: (على حقيقة الحال) حقيقة الشئ: ما به الشئ هو هو كالحيوان الناطق للانسان، بخلاف مثل الضاحك والكاتب مما يمكن تصور الانسان بدونه تعريفات السيد.
قوله: (كصاحب البحر) هو العلامة الشيخ زين بن نجيم وتقدمت ترجمته.
قوله: (والنهر) أي وكصاحب النهر، وهو العلامة الشيخ عمر سراج الدين الشهير بابن نجيم، الفقيه المحقق، الرشيق العبارة الكامل الاطلاع، كان متبحرا في العلوم الشرعية، غواصا على المسائل الغريبة، محققا إلى الغاية، وجيها عند الحكام، معظما عند الخاص والعام، توفي سنة خمس بعد الالف، ودفن عند شيخه وأخيه الشيخ زين.
محبي ملخصا، وله كتاب (إجابة السائل في اختصار أنفع الوسائل) وغير ذلك.
قوله: (والفيض) أي وكصاحب الفيض وهو الكركي.
قال التميمي في طبقات الحنفية: إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل الكركي الاصل، القاهري المولد والوفاة، لازم التقي الحصني والتقي الشمني، وحضر دروس الكافيجي، وأخذ عن ابن الهمام، وترجمة السخاوي في الضوء بترجمة حافلة، وذكر أنه جمع في الفقه فتاوى في مجلدين، وأن له حاشية على توضيح ابن هشام اه.
ملخصا.
وتوفي سنة(1/26)
923، وأراد بالفتاوى، الفيض المذكور المسمى (فيض المولى الكريم على عبده إبراهيم)، وقد قال في خطبته: وضعت في كتابي هذا ما هو الراجح والمعتمد، ليقطع بصحة ما يوجد فيه أو منه يستمد.
قوله: (والمصنف) تقدمت ترجمته.
قوله، (وجدنا المرحوم) هو الشيخ محمد شارح الوقاية اه.
ابن عبد الرزاق، ولم أقف له على ترجمة.
قوله: (وعزمي زاده) هو العلامة مصطفى بن محمد الشهير بعزمي زاده، أشهر متأخري العلماء بالروم، وأغزرهم مادة في المنطوق والمفهوم، ذو التآليف الشهيرة، منها حاشية على الددر والغرر، وحاشية على شرح المنار لابن مالك، توفي في حدود سنة أربعين بهد الالف.
محبي ملخصا.
قوله: (وأخي زاده) قال المحبي في تاريخه، هو عبد
الحليم بم محمد الشهير المعروف بأخي زاده، أحد أفراد الدولة العثمانية وسراة علمائها، كان نسيج وحده في ثقوب الذهن وصحة الادراك والتضلع من العلوم.
وله تآليف كثيرة منها شرح على الهداية، وتعليقات على شرح المفتاح، وجامع الفصولين، والدرر والغرر، والاشباه والنظائر.
وتوفي سنة ثلاث عشرة بعد الالف اه.
ملخصا.
وذكر ابن عبد الرزاق أن الذي في الخزائن أخي جلبي بدل أخي زاده، وهو صاحب حاشية صدر الشريعة المسماة بذخيرة العقبى واسمه يوسف بن جنيد، وهو تلميذ ملا خسرو اه.
قوله: (وسعدي أفندي) ايمه سعد الله بن عيسى بن أمير خان الشهير بسعدي جلبي مفتي الديار الرومية، له حاشية على تفسير البيضاوي، وحاشية على العناية شرح الهداية، ورسائل وتحريرات معتبرة، ذكره حافظ الشام البدر الغزي العامري في رحلته، وبالغ في الثناء عليه، والتميمي في الطبقات.
ونقل عن الشقائق النعمانية أنه توفي سنة 945.
قوله: (والزيلعي) هو الامام فخر الدين أبو محمد عثمان بن على صاحب تبين الحقائق شرح كنز الدقائق، قدم القاهرة سنة 705 وأفتى ودرس وصنف وانتفع الناس به كثيرا ونشر الفقه، ومات بها سنة 743.
قوله: (الاكمل) هو الامام المحقق الشيخ أكمل الدين محمد بن محمود بن أحمد البابرتي، ولد في بضع عشرة وسبعمائة.
وأخذ عن أبي حيان والاصفهاني، وسمع الحديث من الدلاصي وابن عبد الهادي، وكان علامة ذا فنون، وافر العقل، قوي النفس، عظيم الهيبة، أخذ عنه العلامة السيد الشريف والعلامة الفنري، وعرض عليه القضاء فامتنع.
له التفسير، وشرح المشارق، وشرح مختصر ابن الحاجب، وشرح عقيدة الطوسي، والعناية شرح الهداية، وشرح السراجية، وشرح ألفية ابن معطي، وشرح المنار، وشرح تلخيص المعاني، والتقرير شرح أصول البزدوي.
توفي سنة 786 وحضر جنازته السلطان فمن دونه، ودفن بالشيخونية في مصر.
قوله: (والكمال) هو الامام المحقق حيث أطلق محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد السيواسي ثم السكندري كمال الدين بن الهمام.
ولد تقريبا سنة 790.
وتفقه بالسراج قارئ الهداية، وبالقاضي محب الدين بن الشحنة، لم يوجد مثله في التحقيق، وكان يقول: أنا لا أقلد في المعقولات أحدا.
وقال البرهان الا بناسي وكأنه من أقرانه: لو طلبت حجج الدين ماكان في بلدنا من يقوم بها غيره.
وكان له نصيب وافر مما لاصحاب الاحوال
من الكشف والكرامات، وكان تجرد أولا بالكلية، فقال له أهل الطريق ارجع، فإن للناس حاجة بعلمك، وكان يأتيه الوارد كما يأتي السادة الصوفية لكنه يقلع عنه بسرعة لمخالطته للناس، وشرح الهداية شرحا لا نظر له سماه فتح القدير، وصل فيه إلى أثناة كتاب الوكالة، وله كتاب التحرير في الاصول الذي لم يؤلف مثله وشرحه تلميذه ابن أمير حاج، وله المسايرة في العقائد، وزاد الفقير في(1/27)
العبادات.
توفي باقاهرة سنة 861 وحضر جنازته السلطان فمن دونه كما في طبقات التميمي ملخصا.
قوله: (وابن الكمال) هو أحمد بن سليمان بن كمال باشا، والامام العالم العلامة الرحلة الفهامة.
كان بارعا في العلوم، وقلما أن يوجد فن إلا وله فيه مصنف أو مصنفات.
دخل إلى القاهرة صحبة السلطان سليم لما أخذها من يد الجراكسة، وشهد له أهلها بالفضل والاتقان، وله تفسير القرآن العزيز، وحواش على الكشاف، وحواش على اوائل البيضاوي، وشرح الهداية لم يكمل، والاصلاح والايضاح في الفقه، وتغيير التنقيح في الاصول وشرحه: وتغيير السراجيه في الفرائض وشرحه، وتغيير المفتاح وشرحه، وحواشي التلويح، وشرح المفتاح، ورسائل كثيرة في فنون عديدة لعلها تزيد على ثلاثمائة رسالة، وتصانيف في الفارسية، وتاريخ آل عثمان بالتركية وغير ذلك، وكان في كثرة التآليف والسرعة بها وسعة الاطلاع في الديار الرومية كالجلال السيوطي في الديار المصرية، وعندي أنه أدق نظرا من السيوطي وأحسن فهما، على أنهما كانا جمال ذلك العصر، ولم يزل مفتيا في دار السلطنة إلى أن توفي سنة 940 اه.
تميمي ملخصا.
قوله: (مع تحقيقات) حال ما حرره، إي، مصاحبا ما حرره هؤلاء الائمة لتحقيقات اه.
ح.
والمراد بها حل المعاني العويصة، ودفع الاشكالات الموردة على بعض المسائل أو على بعض العلماء، وتعيين المراد من العبارات المحتملة ونحو ذلك، وإلا فذات الفروع الفقهية لا بد فيها من النقل عن أهلها.
قوله: (سنح بها البال) في القاموس: سنح لي رأي كمنع سنوحا وسنحا وسنحا: عرض، وبكذا عرض ولم يصرح اه.
فعلى الاول هو من باب القلب مثل، أدخلت القلنسوة في رأسي.
والاصل سنحت: أي عرضت بالبال: أي في خاطري وقلبي.
وعلى الثاني لا قلب.
والمعنى عليه أن قلبي وخاطري
عرض بها ولم يصرح، وهذا ما جرت عليه عادته رحمة الله تعالى من التعريض بالرموز الخفية كما يشير إليه قريبا.
قوله: (وتلقيتها) أي أخذتها عن أشياخي فحول الرجال: أي الرجال الفحول الفائقين على غيرهم.
في القاموس: الفحل: الذكر من كل الحيوان، وفحول الشعراء: الغالبون بالهجاء على من هاجاهم اه.
قال ح.
وأورد أن بين الجملتين تنافيا، فإن البال إذا ابتكر هذه التحقيقات جميعها، فكيف يكون متلقيا لها جميعها عن فحول الرجال؟ وقد يجاب بأنه على تقدير مضاف: أي، سنح ببعضها البال وتلقيت بعضها عن فحول الرجال اه.
أي، فهو على حد قوله تعالى: (ومن الجبال جدد بيض وحمر).
قوله (ويأبي الله العصمة الخ) أبي الشئ يأباه ويأبيه إباه وإباه بكسرهما: كرهه.
قاموس.
وهذا اعتذار منه رحمة الله تعالى: أي، إن هذا الكتاب، وإن كان مشتملا على ما حرره المتأخرون وعلى التحقيقات المذكورة، لكنه غير معصوم: أي غير ممنوع من وقوع الخطأ والسهو فيه، فإن الله تعالى لم يرض، أو لم يقدر العصمة لكتاب غير كتابه العزيز الذي قال فيه (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) فغيره من الكتب قد يقع فيه الخطأ والزلل لانها من تآليف البشر، والخطأ والزلل من شعارهم.
تنبيه: قال الامام العلامة عبد العزيز البخاري في شرحه على أصول الامام البزودي ما نصه: روى ابويطي عن الشافعي رضي الله عنهما أنه قال له: إني صنفت هذه الكتب فلم آل فيها الصواب، ولا بد أن يوجد فيها ما يخالف كتاب الله تعالى وسنة رسوله (ص) قال الله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) [ النساء: 82 ] فما وجدتم مما يخلف كتاب الله(1/28)
تعالى وسنة رسوله (ص) فإني راجع عنه إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله (ص) قال المزني: قرأت كتاب الرسالة على الشافعي ثمانين مرة، فما من مرة إلا وكان يقف على خطأ، فقال الشافعي: هيه، أبي الله أن يكون كتابا صحيحا غير كتابه اه.
قوله: (قليل خطأ المرء) أي خطأ المرء القليل، فهو من إضافة الصفة للموصوف، وعبر بالخطأ إشارة إلى أن ذلك واقع لا عن اختيار، فالاثم مرفوع والثواب ثابت ط.
قوله: (في كثير صوابه) متعلق بمحذوف حال من الخطأ: أي الخطأ القليل كائنا
في أثناء الصواب الكثير أو باغتفر، وفي بعض مع، أو للتعليل أفاده ط.
ولا يخفى ما في الجمع بين القليل وكثير وخطأ وصواب من الطباق.
قوله: (ومع هذا) أي مع ما حواه من التحريرات والتحقيقات اه.
ح.
قلت: والاولى جعله مرتبطا بقوله: ويأبي الله أي مع كونه غير محفوظ من الخلل فمن أتقنه كما تقول فلان بخيل ومع ذلك فهو أحسن حالا من فلان ط.
قوله: (فهو الفقيه) الجملة خبر من قرنت بالفاء لعموم المبتدأ فأشبه الشرط، والمراد بالفقيه: من يحفظ الفروع الفقهية ويصير له إدراك في الاحكام المتعلقة بنفسه وغيره.
وسيأتي الكلام على معنى الفقه لغة واصطلاحا ط قوله: (الماهر) أي الحاذق.
قاموس.
قوله: (ومن ظفر) في القاموس: الظفر بالتحريك: الفوز بالمطلوب ظفره، وظفر به، وعليه.
قوله: (بما فيه) أي من التحريرات والتحقيقات والفروع الجمة والمسائل المهمة.
قوله: (فسيقول) أتى بسين التنفيس لان ذلك يكون عند السؤال، أو المناظرة مع الاخوان غالبا، أو أنها زائدة أفاد ه ط أو لانه إنما يكون بعد اطلاعه على غيره من الكتب التى حررها غيره وطولها بنقل الاقوال الكثيرة والتعليلات الشهيرة.
وخلافيات المذاهب والاستدلالات مع خلوها من تكثير الفروع والتعويل على المعتمد منها كغالب شروح الهداية وغيرها، فإذا اطلع على ذلك علم أن هذا الشرح هو الدرة الفريدة الجامع لتلك الاوصاف الحميدة، ولذا أكب عليه أهل هذا الزمان في جميع البلدان.
قوله: (بمل ء فيه) المل ء بالكسر: اسم ما يأخذه الاناء إذا امتلا وبهاء هيئة الامتلاء ومصدره مل ء.
قاموس.
وفيه استعارة تصريحية حيث شبه الكلام الصريح الذي يستحسنه قائله ويرتضيه، ولا يتحاشى عن الجهر به بما يملا الاناء بجامع بلوغ كل إلى نهاية أو مكنية حيث شبه الفم بالاناء، والمل ة تخييل.
وهو كناية عن الاتيان بهذا القول جهرا بلا توقف ولا خوف من تكذيب طاعن، وبين قوله فيه: وفيه الجناس التام.
قوله: (كم ترك الاول للاخر) مقول القول وكم خبرية للتكثير مفعول ترك، والمراد بالاول والاخر جنس من تقدم في الزمن ومن تأخر، وهذا القول في معنى ما قاله ابن مالك في خطبة التسهيل، وإذا كانت العلوم منحا إلهية، ومواهب احتصاصية، فغير مستعبد أن يدخر لبعض المتأخرين، ما عسر على كثير من المتقدمين اه.
وأنت ترى كتب المتأخرين تفوق على كتب المتقدمين في الضبط والاختصار وجزالة الالفاظ وجمع المسائل، لان المتقدمين كان مصرف أذهانهم إلى استنباط المسائل وتقويم الدلائل.
فالعالم المتأخر يصرف ذهنه إلى تنقيح ما قالوه، وتبيين ما أجملوه، وتقييد ما أطلقوه، وجمع ما فرقوه، واختصار عباراتهم، وبيان ما استقر عليه الامر من اختلافاتهم، فهو كماشطة عروس رباها أهلها حتى صلحت للزواج، تزينها وتعرضها على الازواج، وعلى كل فالفضل للاوائل كما قال القائل:(1/29)
كالبحر يسقيه السحاب وما له فضل عليه لانه من مائه نعم، فضل المتأخرين على أمثالنا من المتعلمين، رحم الله الجميع وشكر سعيهم آمين.
قوله: (الحظ) أي النصيب، الوافر: الكثير.
قوله: (لانه) تعليل للجمل الثلاثة قبله، والضمير يرجع إلى الكتاب ط.
قوله: (هو البحر) تشبيه بليغ أو استعارة.
قوله: (لكن بلا ساحل) الساحل ريف البحر وشاطئه مقلوب، لان الماء شحله وكان القياس مسحولا.
قاموس.
وإذا كان لا ساحل له فهو في غاية الاتساع، لان نهاية البحر ساحلع، فهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم حيث أثبت صفة مدح واستثنى منها صفة مدح اخرى نحو (أنا أفصح العرب بيد أني من قريش) وهو آكد في المدح لما فيه من المدح على المدح والاشعار بأنه لم يجد صفة ذم يستثنيها فاضطر إلى استثناء صفة مدح.
وله نوع ثان، وهو أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشئ صفة مدح، كقوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب أي في حدهن كسر من مضاربة الجيوش، وهذا الثاني أبلغ كما بين في محله، فافهم.
وفيه أيضا من أنواع البديع نوع من أنواع المبالغة وهو الاغراق، حيث وصف البحر بما هو ممكن عقلا ممتنع عادة.
قوله: (ووابل القطر) الوابل: الكثير، وهو من إضافة الصفة للموصوف، أي، القطر أيضا من تأكيد المدح بما يشبه الذم.
قوله: (بحسن عبارات) الباء لتعليل مثل - فبظلم - أو للمصاحبة مثل - اهبط بسلام - أو للملابسة وهي متعلقة بالبحر لانه في معني المشتق، أي الواسع مثل حاتم في قومه، ومثل قول الشاعر: أسد علي وفي الحروب نعامة
لتأوله بكريم وجري أو بمحذوف حال من الضمير (في) لانه أو من كتابي.
قوله: (ورمز إشارات هما بمعنى واحد، وهو الايماء بالعين أو اليد أو نحمهما كما في القاموس، فكأنه أراد ألطف أنواع الايماء وأخفاها كما سيصرح به بعد قوله معتمدا في دفع الايراد ألطف الاشارة.
قوله: (وتنقيح معاني) أي تهذيبها وتنقيتها، ويحتمل أنه من إضافة الصفة إلى الموصوف، ومثله قوله: وتحرير مباني.
وفي القاموس: تحرير الكتاب وغيره: تقويمه اه.
ومباني الكلمات: ما تبنى عليه من الحروف، والمراد بها الالفاظ والعبارات، من إطلاق الجزء على الكل، وفي قوله المعاني والمباني مراعاة النظير: وهو الجمع بين أمر وما يناسبه، لا بالتضاد نحو (الشمس والقمر بحسبان) [ الرحمن: 50 / ] ثم الموجود في النسخ رسمها بالياء مع أن القياس حذفها، والوقف على النون ساكنة مثل - فاقض ما أنا فاقض -.
قوله: (وليس الخبر كالعيان) بكسر العين: المعاينة والمشاهدة، هذه علة المحذوف: أي، إن ما قلته خبر يحتمل الصدق والكذب، بعد اطلاعك على التأليف المذكور مما رواه أحمد والطبراني وغيرهما من قوله (ص) (ليس الخبر كالمعاينة) وهو من جوامع كلمة (ص) كما في المواهب اللدنية، وتضمن لقول الشاعر:(1/30)
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما قد حدثوك فما راء كمن سمعا قوله: (وستقر) القر: بالضم البرد، وعينه تقر بالكسر والفتح قرة وتضم، وقرورا: بردت وانقطع بكاؤها أو رأت ما كانت متشوفة إليه.
قاموس.
وكأنه وصف العين بالبرودة، لما قالوا من أن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة.
قوله: (بعد التأمل) أي التفكر فيه والتدبر في معانيه ط.
قوله: (فخذ) الفاء فصيحة: أي إذا كان كما وصفته لك أو إذا تأملته وقرت به عيناك فخذ الخ.
ثم اعلم أنه من هنا إلى قوله: (كيف لا وقد يسر الله ابتداء تبييض الخ) ساقط من كثير من النسخ، وكأنه من إلحاقات الشارح، فما نقل من نسخته قبل الالحاق خلا عن هذه الزيادة، والله تعالى أعلم.
قوله: (من حسن روضه) الحسن: جمعه محاسن على غير قياس.
قاموس.
فهو اسم جامد لا صفة، فالاضافة فيه لامية فافهم.
والاسمى أفعل تفضيل من السمو: أي الاعلى من غيره.
قال ط: وفي الكلام استعارة، شبه عبارته الحسنة بالروض بجامع النفاسة وتعلق النفوس بكل، والقرينة إضافة الروض إلى الضمير.
قوله: (عن الحسن) الظاهر أنه بضم الحاء، فالمعنى: دع الحسن الصوري المحسوس وانظر إلى حسن روض هذا الشرح الاعلى قدرا اه.
ح.
قوله: (وسلمى) أمرأة من معشوقات العرب المشهورات كليلى ولبنى وسعدى وبثينة ومية وعزة، وليس المراد بها المعنى العلمي، وإنما المراد الوصفي لاشتهارها بالحسن كاشتهار حاتم بالكرم، فيقال فلان حاتم بمعنى كريم، فالمراد: دع الجماع والجميل.
قوله: (في طلعة) خبر مقدم، وما يغنيك مبتدأ مؤخر.
والمعنى: أن طلعة الشمس: أي طلوعها، يكفيك عن نور الكوكب المسمى بزحل نزل كتابة منزلة الشمس بجامع الاهتداء بكل، ونزل غيره منزلة زحل، ولا شك أن نور الشمس والاهتداء به لا يكون لغيرها من الكواكب، وزحل أحد الكواكب السيارة التي هي السبع، جمعها الشاعر على ترتيب السموات، كل كوكب في سماء بقوله: زحل شرى مريخه من شمسه فتزاهرت لعطارد الاقمار قوله: (هذا) أي خذ هذا الذي ذكرته، وأراد به الانتفاع عن وصف الكتاب إلى التنبيه على عدم الاغترار بما يشنع به حساد الزمان المغيرون في وجوه الحسان كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسدا ولؤما إنه لدميم قوله: (أعراض) جمع عرض بكسر العين: محل المدح والذم ط.
قوله: (أغراض) أي كالاغراض خبر أضحى، فهو تشبيه بليغ.
والاغراض: جمع غرض، وهو الهدف الذي يرمى بالسهام، فكما أن الغرض يرمي بالسهام، كذلك أعراض المصنفين ترمى بالقول الكاذب، وشاع استعمال الرمي في نسبة القبائح، كما قال تعالى: (والذين يرمون أزواجهم) (والذين يرمون المحصنات) وبين الاعراض والاغراض الجناس المضارع ط، وفي تشبيه الكلام القبيح بالسهام استعارة تصريحية والقرينة إضافتها إلى الالسنة، والجامع حصول الضرر بكل، ويحتمل أن يكون من إضافة المشبه به إلى المشبه: أي الالسنة التي هي كالسهام، لكن تشبيه الكلام بالسهام أظهر من(1/31)
تشبيه الالسنة بها تأمل.
قوله: (ونفائس تصانيفهم الخ) النفائس جمع نفيسة.
يقال: شئ نفيس أي يتنافس فيه ويرغب، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف مرفوع بالعطف على اسم أضحى أو على الابتدائية، والواو للاستئناف أو للحال، ومعرضة بتشديد الراء منصوب على أنه خبر أضحى، أو مرفوع على أنه خبر المبتدأ، وبأيديهم متعلق به: أي، منصوبة بأيديهم، من قولهم جعلت الشئ عرضة له: أي نصبته، أو بفتح الراء مخففة من أعرض بمعنى أظهر، أي مظهرة في أيديهم، والضمير للحساد، وجملة تنتهب: أي الحساد بالبناء للمعلوم حالية أو خبر بعد خبر، أو هي الخبر ومعرضة حال، ورميها بالكساد كناية عن هجرها أو ذمها.
والمعنى: أن الحساد لا يستغنون عنها، بل ينتهبون فوائدها وينتفعون بها ثم يذمونها ويقولون إنها سلعة كاسدة.
قوله: (أخا العلم) منادى على حذف أداة النداء، والاخ: من النسب والصديق والصاحب كما في القاموس، والمراد الاخير.
قوله: (بعيب) مصدر مضاف إلى مفعوله، وإن جعل العيب اسما لما يوجب الذم فهو على تقدير المضاف: أي بذكر عيب ط.
قوله: (مصنف) بكسر النون أو بفتحها.
قوله: (ولم تتيقن) جملة حالية ط.
قوله: (منه) متعلق بمحذوف صفة لزلة، وجملة تعرف صفة ثانية أو حال، أو منه متعلق بتعرف، والجملة صفة لزلة.
قوله: (فكم) خبرية للتكثير في محل رفع مبتدأ، والجملة بعدها خبر كما هو القاعدة فيما إذا وليها فعل متعد أخذ مفعوله، فافهم.
قوله: (بعقله) الباء للالة: أي إن عقله هو الالة في الافساد ط.
قوله (وكم حرف) التحريف: التغيير، والتصحيف: الخطأ في الصحيفة.
قاموس.
لكن في شرح ألفية العراقي للقاضى زكريا: التحريف: الخطأ في الحروف بالشكل، والتصحيف: الخطأ فيها بالنقط، واللحن: الخطأ في الاعراب اه.
وفي تعريفات السيد: تجنيس التحريف هو أن يكون الاختلاف في الهيئة كبرد وبرد، وتجنيس التصحيف أن يكون الفارق نقطة كأنقى وألقى اه.
قوله: (أضحى لمعنى مغيرا) اللام في (لمعنى) زائدة للتقوية لتقدم المفعول على عامله، مع أن العامل محمول على الفعل فضعف عن المعمول، وتغيير الناسخ المعنى بسسب تغييره الالفاظ، وجملة وجاء الخ مؤكدة، وهذا معنى ما يقال: الناسخ عدو المؤ لف.
قوله: (من هذا) أي التأليف.
قوله: (أن يدرج) أي يجري.
وفي القاموس: درجت
الريح بالحصي: أي، جرت عليه جريا شديدا.
قوله: (من المصنفين والمؤلفين) التأليف: جعل الاشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد، سواء كان لبعضها نسبة إلى بعض بالتقدم والتأخر أو لا، وعليه فيكون التأليف أعم من الترتيب اه.
تعريفات السيد.
قيل: وأعم من التصنيف لانه مطلق الضم، والتصنيف جعل كل صنف على حدة.
وقيل المؤلف من يجمع كلام غيره، والمصنف من يجمع مبتكرات أفكاره، وهو معنى ما قيل: واضح العلم أولى باسم المصنف من المؤلف.
قوله:(1/32)
(رياض) في القاموس: راض المهر ورياضا ورياضة: ذلله اه.
ومنه قولهم مسائل الرياضة.
قال الشنشوري: أي التي تروض الفكر وتذلله لما فيه من التمرين على العمل.
قوله: (القريحة) في الصحاح: القريحة أول ما يستنبط من البئر، ومنه قولهم، لفلان قريحة جيدة: يراد، استنباط العلم بجودة الطبع اه.
والمراد بها هنا آلة الاستنباط: وهي الذهن.
قوله: (ودعاء) عطف على الغفران.
قوله: (وما علي) ما نافية، وعلى خبر مبتدأ محذوف: أي، وما على بأس، أو ما استفهامية مبتدأ، وعلي الخبر.
قوله (فسيتقلونه بالقبول) قد حقق المولى رجاه وأعطاه فوق ما تمناه، وهو دليل صدقة وإخلاصه رحمة الله تعالى وجزاه خيرا.
قوله: (ترى الفتى) رأى علمية، والفتى مفعول اول، وهو في الاصل الشاب، والمراد به هنا مطلق للشخص، وجملة ينكر مفعول ثان، أو بصرية.
ولا يرد أن الانكار مما لا يدرك بالبصر لانه قد تدرك أماراته، على أنه إذا جعلت بصرية فجملة ينكر حال لا مفعول لها حتى يرد ذلك، فافهم.
قوله: (لؤما) مهموز العين مفعول لاجله.
قوله: (ما ذهب) أي مات، والقاعدة إن ما بعد (إذا) زائدة.
قوله: (لج) بالجيم، من اللجاج: وهو الخصومة كما في القاموس اه.
ح.
وضمنه معنى اشتد فعداه بالباء ط.
قوله: (الحرص) طلب الشئ باجتهاد في إصابته تعريفات السيد.
قوله: (على نكتة) متعلق بالحرص.
والنكتة: هي مسألة لطيفة أخرجت بدقة نظر وإمعان فكر، من نكت رمحه بأرض: إذ أثر فيها، وسميت المسألة الدقيقة نكتة لتأثر الخواطر في استنباطها.
سيد.
قوله: (يكتبها) حال من الضمير المجرور أو صفة لنكتة: أي يريد كتابتها، قوله: (فهناك) اسم فعل بمعنى خذ.
قوله: (مهذبا) بالكسر بصيغة اسم الفاعل بقرينة قوله (مظهرا)،
أو هو أولى من الفتح لانه أقل تكلفا، والتهذيب: التنقية والاصلاح، وقوله لمهمات مفعوله، واللام للتقوية: وهو جمع مهمة: ما يهتم بتحصيله.
قوله: (استعملت) أي أعملت، فالسين والتاة زائدتان، عبر بهما إشارة إلى الاعتناء والاجتهاد ط.
قوله: (فيها) أي في تحريرها ط.
قوله: (جن) أي ستر الاشياء بظلمته، والمادة تدل على الاستتار كالجن والجنان والجنين والجنة، وإنما خص الليل لكونه محل الافكار غالبا، وفيه يزكو الفهم لقلة الحركة فيه.
وعادة العلماء يتلذذون بالسهر في التحرير للمسائل كما قال التاج السبكي رحمة الله: سهري لتنقيح العلوم ألذ لي من وصل غانية وطيب عناق وتمايلي طربا لحل عويصة في الذهن أبلغ من مدامة ساقي وصرير أقلامي على صفحاتها أشهى من الدوكاء والعشاق وألذ من نقر الفتاة لدفها نقري لالقي الرمل عن أوراقي(1/33)
قوله: (متحريا) حال من فاعل استعملت، والتحري: طلب أحرى الامرين وأولاهما.
سيد.
قوله: (أرجح الاقوال) الاضافة على معنى (من) وهذا باعتبار ما وقع له، وإلا فقد يذكر قولين مصححين أو يذكر الصحيح دون الاصح ط.
قوله: (وأوجز العبارة) أي أخصرها: والاضافة على معني ط.
قوله: (معتمدا) حال أيضا مترادفه أو متداخلة: أي معولا ط.
قوله: (الايراد) أي الاعتراض.
قوله: (ألطف الاشارة) كأن يذكر في الكلام مضافا أو قيدا، أو نحو ذلك مما يدفع به الايراد، ولا يظهر ذلك إلا لمن أطلع على كلام المورد.
فإذا رأي ما ذكره الشارح علم انه أشار به إلى دفع ذلك، وربما صرح بما يشير إليه أيضا.
قوله: (في حكم) بأن يذكر إباحة ما ذكر غيره كراهته مثلا.
قوله: (أو دليل) بأن يكون دليل فيه كلام فيذكر غيره سالما، وهذا كله غير ما يصرح به وينبه عليه، كقوله ما ذكره فلان خطأ ونحو ذلك.
قوله: (فحسبه) أي ظن ما خالفت فيه غيري.
قوله: (من لا اطلاع له) أي على ما اطلعت عليه ولا فهم له بما قصدته.
قوله: (عدولا) أي ميلا عن السبيل، أي الطريق الواضح.
قوله: (تبعا لما شرح عليه المصنف) فإن المصنف لما شرح متنه غير
منه بعض ألفاظه منبها على التغيير، فبقيت نسخ المتن المجرد مخالفة لنسخة المتن المشروح، فتابعه الشارح فيما غيره، وربما غير ما لم يغيره المصنف قوله: (وما درى) معطوف على محذوف: أي فاعترض وما درى، أفاده ط.
قوله: (وقد أنشدني) أنشد الشعر: قرأه.
قاموس.
والمراد: أسمعني هذا الشعر.
قوله: (الحبر) بالكسر ويفتح: العالم أو الصالح.
قاموس.
قوله: (السامي) أي العالي القدر.
قوله: (الطامي) أي الملان.
قاموس.
قوله: (واحد زمانه) أي المنفرد في زمانه بالصفات.
قوله: (وحسنة أوانه) أي الذي أحسن الله تعالى به على الخلق في أوانه: أي زمانه، أفاده ط.
أو الذي يعد حسنة ازمانه الكثير الاساءة على أبنائه.
قوله: (الشيخ خير الدين) الظاهر أنه اسمه العلمي، إذ ترجمة جماعة ولم يذكروا غيره، منهم الامير المحبي.
قال خير الدين بن أحمد بن نور الدين علي زين الدين بن عبد الوهاب الايوبي نسبة إلى بعض اجداده العليمي، بالضم نسبة إلى سيدي على بن عليم الولي المشهور، الفاروقي نسبة إلى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، الرملي الامام المفسر المحدث الفقيه اللغوي الصوفي النحوي البياني العروضي المنطقي المعمر شيخ الحنفية في عصره وصاحب الفتاوي السائرة وغيرها من التآليف النافعة في الفقه، منها: حواشيه على المنح، وعلى شرح الكنز للعيني، وعلى الاشباه والنظائر، وعلى البحر الرائق، وعلى الزيلعي، وعلى جامع الفصولين، ورسائل، وديوان شعر مرتب على حروف المعجم.
ولد سنة 993 وتوفي ببلده الرملة سنة 1081، وأطال في ذكر مناقبه وأحواله وبيان مشايخه وتلامذته فليراجع.
قوله: (أطال الله بقاءه) أي وجوده، والمراد الدعاء بالبرك ة في عمره، لان الاجل محتوم، وذكر ط عن الشرعة وشرحها ما يفيد كراهة الدعاء بذلك.
أقول: يرد عليه (أنه عليه الصلاة والسلام دعا لخادمه أنس رضي الله تعالى عنه بدعوات منها:(1/34)
(وأطل عمره) ومذهب أهل السنة أن الدعاء ينفع وإن كان كل شئ بقدر.
واستفيد من كلام الشارح أنه ألف كتابه هذا في حياة شيخه المذكور، وهو كذلك، فإنه سيذكر آخر الكتاب أنه فرغ من تأليفه سنة 1071، فيكون قد فرغ من تأليفه قبل موت شيخه المذكور بعشر سنين.
قوله: (إن هذا الحديث
الخ) فيه من أنواع البديع المذهب الكلامي، وهو إيراد حجة للمطوب على طريقة أهل الكلام نحو (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) وبيانه أن تفضيل المرء بأوصافه لا بتقدمه، لان كل متقدم قد كان حادثا، ولم يزد بتقدمه عما كان عليه وقت حدوثه، وهذا المعاصر الذي سيمضي عليه زمان يصير فيه قديما فإذا فضلتم ذلك المتقدم بأوصافه لزمكم تفضيل ذلك المعاصر الذي سيبقى قديما بأوصافه أيضا،.
هذا المعنى قول الامام المبرد: ليس لقدم العهد يفضل الفائل ولا لحداثته يهضم المصيب، ولكن يعطى كل ما يستحق اه.
قال الدماميني في شرح التسهيل بعد نقله كلام المبرد: وكثير من الناس من تحرى هذا البلية الشنعاء، فتراهم إذا سمعوا شيئا من النكت الحسنة غير معزو إلى معين استحسنوه بناء على أنه للمتقدمين، فإذا علموا أنه لبعض أبناء عصرهم نكصوا على الاعقاب واستقبحوه، أو ادعوا أن صدور ذلك عن عصري مستبعد، وما الحامل لهم على ذلك إلا حسد ذميم وبغي مرتعه وخيم أو ملخصا.
قوله: (على أن الخ) بمنزلة الاستدراك على ما يتوهم من قوله: فهاك الخ، من أن المراد مدح نفسه وتأليفه، وأن المقصود بالشهرة التأليف ط.
قوله: (شيخي) في بعض النسخ زيادة: (أبو بركتي وولي نعمتي) قال ط.
البركة اتساع الخير، وولي فعيل بمعنى فاعل: أي متولي نعمتي.
والمراد بالنعمة: نعمة العلم التي هي من أعظم النعم ا ه.
قوله: (محمد افندي) قال المحبي في تاريخه: هو ابن تاج الدين بن أحمد المحاسني الدمشقي الخطيب بجامع دمشق، أشهر آل بيت محاسن وأفضلهم، كان فاضلا كاملا أديبا لبيبا، لطيق الشكل وجيها، جامعا لمحاسن الاخلاق، حسن الصوت ولي خطابة جامع السلطان سليم بصالحية دمشق، ثم صار إماما بجامع بني أمية وخطيبا فيه، وقرأ فيه صحيح مسلم، وكتب عليه بعض تعاليق.
وولي درس الحديث تحت قبة النسر من الجامع المذكور، وكان فصيح العبارة، وانتفع به خلق من علماء دمشق، منهم شيخنا العلامة المحقق الشيخ علاء الدين الحصكفي مفتى الشام، وله شعر حسن وتحريرات تدل على علمه.
ولد سنة 1013 وتوفي سنة 1072 ورثاه شيخنا العلامة المحقق الشيخ عبد الغني النابلسي بقصيدة جيدة إلى الغاية قوله: ليهن رعاع الناس وليفرح الجهل فبعدك لا يرجو البقا من له عقل أيا جنة قرت عيون أولي النهى بها زمنا حتي تداركها المحل(1/35)
اه.
ملخصا.
قوله: (لكل بنى الدنيا) أي لكل واحد من الناس الموجودين فيها، وسموا أبناءها لانهم مادة وغذاء، وبها انتفاعهم، وفيها تربيتهم، وهي اسم لما قبل الاخرة لدنوها وقربها.
ويحتمل أن يراد بأبنائها: الطالبوه لها المنهمكون فيها.
قوله: (صحة) أي في الجسد، وفراغ مما يشغل عن الاخرة.
قوله: (لابلغ) علة لقوله (وإن مرادي الخ).
قوله: (مبلغا) مصدر ميمي منصوب على المفعولية المطلقة.
قوله: (في الجنان بلاغ) أي إيصال من الله تعالى إلى المراتب العالية فيها، وهواسم مصدر.
وقال في القاموس: البلاغ كسحاب الكفاية، والاسم من الابلاغ والتبليغ وهما الايصال اه.
قوله: (ففي مثل هذا) أي هذا المراد المذكور، والفاء للسببية مفيدة للتعليل، والجار والمجرور متعلق بينافس.
قوله: (فلينافس) أي يرغب، والفاء زائدة مؤكدة للاولى، مثلها في قول الشاعر وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي قوله: (أولو النهي) أي أصحاب العقول، وأما غيرهم فمنافستهم في الدنيا.
قوله: (وحسبي) مبتدأ: أي كافي.
ط.
قوله، (الغرور) فعول يستوي فيه المذكر والمؤنث: أي الغارة اه.
ط.
قوله: (بلاغ) أي مقدار الكفاية وهو خبر المبتدأ، وبينه وبين بلاغ الاول الجناس التام الخطي اللفطي، أفاده ط.
قوله: (فما الفوز) أي النجاة والظفر بالخير.
قاموس.
والفاء للسببية عاطفة على جملة ينافس مفيدة للتعليل.
قوله: (إلا في نعيم الخ) في بمعنى الباء مثلها في قول الشاعر: ويركب يوم الروع منا فوارس بصيرون في طعن الاباهر والكلى لان فاز يتعدى بالباء أو في للطرفية، والمراد بالنعيم محله: وهو الجنة، من إطلاق اسم الحال وإرادة المحل، مثل - (ففي رحمة الله هم فيها خالدون) - وعلى كل فالفوز مبتدأ والجار والمجرور في محل الخبر، والتقدير: ما الفوز حاصل بشئ إلا بنعيم: أو ما الفوز حاصل في محل إلا في محل نعيم، أو الخبر محذوف والجار والمجرور متعلق بالفوز: أي فما الفوز معتبر إلا بنعيم، والباء في به للسببية على الاول، أعني جعل (في) بمعنى الباء، وللظرفية على الثاني مثل (ولقد نصركم الله ببدر) و (نجيناهم بسحر).
قوله: (العيش) أي المعشية التي تعيش بها من المطعم والمشرب وما يكون به الحياة.
قاموس.
قوله: (رغد) بسكون الغين المعجمة: أي، واسع طيب ح عن القاموس.
قوله: (يساغ) أي يسهل دخوله في الحلق عن القاموس.(1/36)
قوله: (مقدمة) بالرفع خبر لمبتدأ محذوف أي: هذه مقدمة، أو بالنصب مفعول لفعل محذوف أي خذ مقدمة، وهي بكسر الدال كما صرح به في الفائق، فهي اسم فاعل من قدم المتعدي: أي مقدمة من فهمها على غيره لما اشتملت عليه من تعريف الفقه لغة واصطلاحا.
وموضوعه واستمداده ومحظوره ومباحه وفضل العلم وتعلمه وترجمة الامام وغير ذلك، وإما من اللازم بمعنى تقدم: أي متقدمة بذاتها على غيرها، ويجوز فتح الدال اسم مفعول من المتعدي: أي قدمها أرباب العقول على غيرها لما اشتملت عليه، وهي في الاصل صفة ثم جعلت اسما للطائفة المتقدمة من الجيش، ثم نقلت إلى أول كل شئ، ثم جعلت اسما للالفاظ المخصوصة حقيقة عرفية إن لو حظ أنها فرد من أفراد المفهوم الكلي، أو مجازا إن لو حظ خصوصها.
وهي قسمان: مقدمة العلم، وهي ما يتوقف عليه الشروع في مسائله من المعاني المخصوصة، ومقدمة الكتاب: وهي طائفة ممن الكلام قدمت أمام المقصود لارتباط له بها وانتقاع بها فيه، وتمام تحقيق ذلم في المطول وحواشيه.
قوله: (حق) أي واجب صناعة ليكون شروعه على بصيرة صونا لسيعه عن العبث.
قوله: على من حاول) أي رام علما: أ ي علم كان من العلوم الشرعية وغيرها.
فالشرعية: علم التفسير والحديث والفقه والتوحيد.
وغير الشرعية ثلاثة أقسام: أدبية: وهي اثنا عشر كما في شيخي زاده.
وعدها بعضهم أربعة عشر: اللغة، والاشتقاق، والتصريف، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع، والعروض، والقوافي: وقريض الشعر، وإنشاء النثر، والكتابة، والقراءات، والمحاضرات ومنه التاريخ.
ورياضية: وهي عشرة: التصوف، والهندسة، والهيئة، والعلم التعليمي، والحساب، والجبر، والموسيقي، والسياسة، والاخلاق، وتدبير المنزل وعقلية: ما عدا ذلك كالمنطق، والجدل، وأصول الفقه، والدين، والعلم الالهي والطبيعي، والطب، والميقات، والفلسفة، والكيميا، كذا ذكره بعضهم اه.
ابن عبد الرزاق.
قوله: (أن يتصوره بحده أو رسمه) الحد: ما كان بالذاتيات كالحيوان الناطق للانسان والرسم: ما كان بالعرضيات
كاضاحك له واعلم أنهم قد اختلفوا في أسماء العلوم، فقيل: إنها اسم جنس لدخول أل عليها، وقيل: علم جنس واختاره السيد، وقيل: علم كالنجم للثريا واختاره ابن الهمام.
وهل مسمى العلم إدراك المسائل أو المسائل نفسها أو الملكة الاستحضارية؟ قال السيد في شرح المفتاح: المعنى الحقيقي للعلم هو الادراك، ولهذا المعنى متعلق هو المعلوم، وله تابع في الحصول يكون ذلك التابع وسيلة إليه في البقاء وهو الملكة.
وقد أطلق العلم على كل منها أما حقيقة عرفية أو اصطلاحية أو مجازا مشهورا اه.
ثم اعلم أن التعريف: إما حقيقي كتعريف الماهيات الحقيقية، وإما اسمي كتعريف الماهيات الاعتبارية، وهو تبيين أن هذا الاسم لاي شئ وضع، تمامه في التوضيح لصدر الشريعة.
ذكر(1/37)
السيد في حواشي شرح الشمسية أن أرباب العربية والاصول يستعملون الحد بمعنى المعرف، وأن اللفظ إذا وضع في اللغة أو الاصطلاح لمفهوم مركب، فما كان داخلا فيه كان ذاتيا له، وما كان خارجا عنه كان عرضيا له، فحدود هذه المفهومات ورسومها تسمى حدودا ورسوما بحسب الاسم، بخلاف الحقائق فإن حدودها ورسومها بحسب الحقيقة.
إذا عملت ذلك ظهر لك أن حد الفقه كغيره من العلوم حد اسمى لتبيين ما تعلقه الواضح ووضع الاسم بإزائه، فلذا جعلوه مقدمة للشروع.
وجوز بعضهم كونه حدا حقيقيا، وعليه فقيل: لا يكون مقدمة لان الحد الحقيقي بسرد العقل كل المسائل: أي بتصور جميع مسائل العلم المحدود، وذلك هو معرفة العلم نفسه لا مقدمة الشروع فيه.
وقيل: يجوز أخذ جنس وفصل له بلا حاجة إلى سرد الكل فلا مانع من وقوعه مقدمة، وجعل في التحرير الخلاف لفطيا وتمام تحقيقه فيه، فافهم.
قوله: (ويعرف موضوعه الخ) اعلم أن مبادئ كل عشرة نظمها ابن ذكري في تحصيل المقاصد فقال: فأول الابواب في المبادي وتلك عشرة على المراد الحد والموضوع ثم الواضع والاسم واستمداد حكم الشارع
تصور المسائل الفضيلة ونسبة فائدة جليله بين الشارح منها أربعة وبقي ستة فواضعه أبو حنيفة رحمة الله تعالى.
واسمه الفقه.
وحكم الشارع فيه وجوب تحصيل المكلف ما لا بد له منه.
ومسائله كل جملة موضوعها فعل المكلف.
ومحمولها أحد الاحكام الخمسة، نحو هذا الفعل واجب.
وفضيلته كونه أفضل العلوم سوى الكلام والتفسير والحديث وأصول الفقه.
ونسبته لصلاح الظاهر كنسبة العقائد والتصوف لصلاح الباطن، أفاده ح.
قوله: (ثم خص بعلم الشريعة) نقله في البحر عن ضياء الحلوم.
قوله: (وفقه الخ) قال في البحر بعد كلام: والحاصل، أن الفقه اللغوي مكسور القاف في الماضي، والاصطلاحي مضمومها فيه كما صرح به الكرماني.
ونقل العلامة الرملي في حاشيته عليه أنه يقال فقه بكسر القاف: إذا فهم، وبفتحها: إذا سبق غيره إلى الفهم، وبضمها: إذا صار الفقه له سجية.
قوله: (واصطلاحا) الاصطلاح لغة: الاتفاق.
واصطلاحا: اتفاق طائفة مخصوصة على إخراج الشئ عن معناه إلى معنى آخر، رملي.
قوله: (العلم بالاحكام الخ) اعلم أن المحقق ابن الهمام أبدل العلم بالتصديق وهو الادراك القطعي، سواء كان ضروريا أو نظريا، صوابا أو خطأ بناء على أن الفقه كله قطعي فالظن بالاحكام الشرعية وكذا الاحكام المظنونة ليسا من الفقه، وبعضهم خصة بالظنية، فيخرج عنه ما علم ثبوته قطعا.
وبعضهم جعله شاملا للقطعي والظني.
وقد نص غير واحد من المتأخرين على أنه الحق وعليه عمل السلف، وتمامه في شرح التحرير.
فالمراد بالعلم هنا الادراك الصادق على اليقين والظن كما هو اصطلاح المنطقي.(1/38)
وعلى الاول، فالمراد به المقابل للظن كما هو اصطلاح الاصولي.
قال صدر الشريعة في التوضيح: وما قيل إن الفقه ظني أطلق العلم عليه؟ فجوابه: أولا، أنه مقطوع به، فإن الجملة التي ذكرنا أنها فقه وهي ما قد ظهر نزول الوحي به وما انعقد الاجماع عليه قطعية.
وثانيا، أن العلم يطلق على الظنيات وتمامه فيه فافهم.
والاحكام جمع حكم، قيل هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين.
ورده صدر الشريعة
بأن الحكم المصطلح عليه عند الفقهاء ما ثبت بالخطاب كالوجوب والحرمة مجازا كالخلق على المخلوق ثم صار حقيقة عرفية.
وخرج بها العلم بالذوات والصفات والافعال، والمراد بالشرعية كما في التوضيح ما لا يدرك لو لا خطاب الشارح، سواء كان الخطاب بنفس الحكم أو بنظيره المقيس هو عليه كالمسائل القياسية، فيخرج عنها مثل وجوب الايمان والاحكام المأخوذة من العقل كالعلم بأن العالم حادث، أو من الحس كالعلم بأن النار محرقة، أو من الوضع والاصطلاح كالعلم بأن الفاعل مرفوع، والمراد بالفرعية المتعلقة بمسائل الفروع، فخرج الاصلية ككون الاجماع أو القياس حجة.
وأما الاعتقادية ككون الايمان واجبا فخرج بالشرعية كما تقدم، فافهم.
وقوله عن أدلتها أي ناشئا عن أدلتها حال من العلم: إي، أدلتها الاربعة المخصوصة بها وهي: الكتاب والسنة والاجماع والقياس، فخرج علم المقلد، فإنه وإن كان قول المجتهد دليلا له لكنه ليس من تلك الادلة المخصوصة، وخرج ما لم يحصل بالدليل كعلم تعالى وعلم جبريل عليه السلام قال في البحر: واختلف في علم النبي (ص) الحاصل عن اجتهاد، هل يسمى فقها؟ والظاهر أنه باعتبار أنه دليل شرعي لا يسمى فقها، وباعتبار حصوله عن دليل شرعي يسمى فقها اصطلاحا اه.
وأما المعلوم من الدين بالضرورة مثل الصوم والصلاة، فقيل إنه ليس من الفقه، إذ ليس حصوله بطريق الاستدلال وجعله في التوضيح منه، ولعل وجهه أن وصوله إلى حد الضرورة عارض لكونه صار من شعار الدين، فلا ينافي كونه في الاصل ثابتا بالدليل، إذ ليس هو من الضروريات البديهية التي لا تحتاج إلى نظر واستدلال ككون الكل أعظم من الجزء، نعم يحتاج إلى إخراجه على قول من خص الفقه بالظني، وقوله (التفصيلية) تصريح بلازم كما حققه في التحرير، وغلط من جعله للاحتراز، وفي هذا المقام تحقيقات ذكرتها في [ منحة الخالق فيما علقته على البحر الرائق ].
قوله: (وعند الفقهاء الخ) قال في البحر: فالحاصل، أن الفقه في الاصول علم الاحكام من دلائلها كما تقدم، فليس الفقيه إلا المجتهد عندهم، وإطلاقه على المقلد الحافظ للمسائل مجاز.
وهو حقيقة في عرف الفقهاء بدليل انصراف الوقت والوصية الفقهاء إليهم.
وأقله ثلاثة أحكام كما في المنتفى.
وذكر في التحرير أن الشائع إطلاقه على من يحفظ الفروع مطلقا: يعني سواء كانت بدلائلها أو لا اه.
لكن سيذكر في باب الوصية للاقارب أن الفقيه من يدقق النظر في المسائل وإن علم ثلاث
مسائل مع أدلتها، حتى قيل: من حفظ ألوفا من المسائل لم يدخل تحت الوصية اه.
لكن الظاهر أن هذا حيث لا عرف، وإلا فالعرف الان هو ما ذكر في التحرير أنه الشائع.
وقد صرح الاصوليون بأن الحقيقة تترك بدلالة العادة، وحينئذ فينصرف في كلام الواقف والموصي إلى ما هو المتعارف في(1/39)
زمنه لانه حقيقة العرفية فتترك الحقيقة الاصلية.
قوله: (وعند أهل الحقيقة) هم الجامعون بين الشريعة والطريقة الموصلة إلى الله تعالى، والحقيقة لب الشريعة: وسيأتي تمامه.
قوله: (الزاهد في الاخرة) كذا في البحر.
والذي في الغزنوية الرغب في الاخرة ابن عبد الرزاق.
أقول: مثله في الاحياء للامام الغزالي بزيادة حيث قال: سأل فرقد السنجي الحسن عن شئ فأجابه، فقال: أن الفقهاء يخالفونك، فقال الحسن: ثكلتك أمك، وهل رأيت فقيها بعينك؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الاخرة، والبصير بدينه المداوم على عبادة ربه، الورع الكاف عن أعراض المسلمين، العفيف عن أموالهم الناصح لجماعتهم.
قوله: (وموضوعه الخ) موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية قال في البحر: وأما موضوعه ففعل المكلف من حيث إنه مكلف، لانه يبحث فيه عما يعرض لفعله من حل وحرمة ووجوب وندب، والمراد بالمكلف: البالغ العاقل، ففعل غير المكلف ليس من موضوعه، وضمان المتلفات ونفقة الزوجات إنما المخاطب بها الولي لا الصبي والمجنون، كما يخاطب صاحب البهيمة بضمان ما أتلفته حيث فرط في حفظهما لتنزيل فعلها في هذه الحالة بمنزلة فعله وأما الصحة عبادة الصبي كصلاته وصومه المثاب عليها فهي عقلية من باب ربط الاحكام بالاسباب، ولذا لم يكن مخاطبا بها بل ليعتاد فلا يتركها بعد بلوغه إن شاء الله تعالى، وقيدنا بحيثية التكليف لان فعل المكلف لا من حيث التكليف ليس موضوعه كفعله من حيث إنه مخلوق لله تعالى اه.
قوله: (ثبوتا أو سلبا) أي من حيث ثبوت التكليف به كالواجب والحرام، أؤ سلبه كالمندوب والمباح: وقصد بذلك دفع ما قد يقال: إن قيد الحيثية مراعى، فالمراد فعل المكلف من حيث إنه مكلف كما مر.
فيرد عليه أن دفع فعل المكلف المندوب أو المباح من موضوع الفقه أيضا مع
أنه لا تكليف فيه لجواز فعله وتركه.
والجواب أنه يبحث عنه في الفقه من حيث سلب التكليف به عن طرفي فعل المكلف مطلب: الفرق بين المصدر والحاصل بالمصدر تنبيه: قال في النهر اعلم أن الفعل يطلق على المعنى الذي هو وصف للفاعل موجود كالهيئة المسماة بالصوم، وهي الامساك عن المفطرات بياض النهار، وهذا يقال فيه الفعل بالمعنى الحاصل بالمصدر، وقد يطلق على نفس إيقاع الفاعل هذا المعنى، ويقال فيه الفعل بالمعنى المصدري: أي الذي هو أحد مدلولي الفعل، ومتعلق التكليف إنما هو الفعل بالمعنى الاول لا الثاني، لان الفعل بالمعنى الثاني اعتباري لا وجود له في الخارج، إذ لو كان موجودا لكان له موقع فيكون له إيقاع، وهكذا فيلزم التسلسل المحال، فأحكم هذا فإنه ينفعك في كثير من المحال اه.
قوله، (واستمداده) أي مأخذه.(1/40)
قوله: (من الكتاب الخ) وأما شريعة من قلبنا فتابعة للكتاب.
وأما أقوال الصحابة فتابعة للسنة، وأما تعامل الناس فتابع للاجماع، وأما التحري واستصحاب الحال فتابعان للقياس.
بحر.
وبيان ما ذكر في كتب الاصول.
قوله: (وغايته) أي ثمرته المترتبة عليه.
قوله: (بسعادة الدارين) أي دار الدنيا بنقل نفسه من حضيض الجهل إلى ذروة العلم، وبيان ما للناس وما عليهم لقطع الخصومات ودار الاخرة بالنعم الفاخرة.
قوله: (من غير سماع) أي من المعلم، وإذا كان النظر والمطالعة وهو دون السماع أفضل من قيام الليل فما بالك بالسماع اه.
ح.
أقول: وهذا إذا كان مع الفهم لما في فصول العلامي: من له ذهن بفهم الزيادة: أي على ما يكفيه وقدر أن يصلى ليلا وينظر في العلم نهارا، فنظره في العلم نهارا وليلا أفضل اه.
قوله: (أفضل من قيام الليل) أي بالصلاة ونحوها، والا فهو من قيام الليل، وإنما كان أفضل لانه من فروض الكفاية إن كان زائدا على ما يحتاجه، وإلا فهو فرض عين.
قوله: (وتعلم الفقه الخ) في البزازية: تعلم بعض القرآن ووجد فراغا، فالافضل الاشتغال بالفقه لان حفظ القرآن فرض كفاية،
وتعلم ما لا بد من الفقه فرض عين.
قال في الخزانة: وجميع الفقه لا بد منه.
قال في المناقب: عمل محمد بن الحسن مائتي ألف مسألة في الحلال والحرام لا بد للناس من حفظها اه.
وظاهر قوله وجميع الفقه لا بد منه أنه كله فرض عين، لكن المراد أنه لا بد منه لمجموع الناس فلا يكون فرض عين على كل واحد، وإنما يفترض عينا على كل واحد تعلم ما يحتاجه، لان تعلم الرجل مسائل الحيض وتعلم الفقير مسائل الزكاة والحج ونحو ذلك فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ومثله حفظ ما زاد على ما يكفيه للصلاة.
نعم قد يقال: تعلم باقي الفقه أفضل من تعلم باقي القرآن لكثرة حاجة العامة إليه في عباداتهم ومعاملاتهم وقلة الفقهاء بالنسبة إلى الحفظة.
تأمل.
قوله: (أن يعرف) أي يشتهر به، وفيه إشارة إلى أن المطلوب أن يعرف من ذلك ما يعينه على المقصود لان ما عدا الفقه وسيلة إليه فلا ينبغي أن يصرف عمره في غير الاهم، وما أحسن قول ابن الوردي: والعمر عن تحصيل كل علم يقصر فابدأ منه بالاهم وذلك الفقه فإن منه ما لا غنى في كل حال عنه قوله: (إلى المسألة) أي سؤال الناس بأن يمدحهم بشعره فيعطونه دفعا لشره وخوفا من هجوه وهجره، وقوله وتعليم الصبيان: أي تعليمهم النحو، وإنما خصهم لما اشتهر أن النحو علم الصبيان إذ قلما يتعلمه الكبير، وفي كلامه لف ونشر مرتب.
قوله: (التذكير) أي الوعظ.
قوله: (والقصص) الانسب أن يكون بفتح القاف ليكون عطفه على التذكير عطف مصدر على مصدر، وإن جاز أن يكون(1/41)
بكسرها جمع قصة اه.
ح.
قوله: (بل يكون علمه) أي الذي يعرف ويشتهر به.
قوله: (كما قيل) أي أقول ذلك مماثلا لما قيل، أو لاجل ما قيل، فالكاف للتشبيه أو لتعليل.
قوله: (باعتزاز) أي اعتراز صاحبه به.
قوله: (ولا كمسك) الواو إما للعطف على مقدر: أي لا كعنبر ولا كمسك، ونكتة الحذف المبالغة لتذهب النفس كل مذهب ممكن، أو للحال بإضمار فعل، أي ولا يفوح كمسك.
قوله: (ولا كباز) يستعمل بالياء المثناة التحتية بعد الزاي وبدونها كما في القاموس.
قوله: (زمرة)
بالضم: الفوج والجماعة في تفرقه.
قاموس.
قوله: (ومن هنا) أي من أجل ما ذكر هنا من مدح الله تعالى إياه.
قوله: (إلى كل العلوم) كذا فيما رأيت من النسخ.
كأن نسخة ط إلى كل المعالى حيث قال متعلق بتوسلا.
والمعالي: المراتب العالية جمع معلاة، محل العلو اه.
والتوسل: التقرب، أي، ذا توسل إلى المعالى أو إلى العلوم، لان الفقه المثمر للتقوى والورع يوصل به إلى غيره من العلوم النافعة والمنازل المرتفعة لقوله تعالى: (واتقو الله ويعلمكم الله) [ البقرة: 282 ] وللحديث (من عمل بما علم علمه الله علم ما لم يعلم).
قوله: (فإن فقيها الخ) لان العابد إذا لم يكن فقهيا ربما أدخل عليه الشيطان ما يفسد عبادته، وقيد الفقيه بالمتورع إشارة إلى ثمرة الفقه التي هي التقوى، إذ بدونها يكون دون العابد الجاهل حيث استولى عليه الشيطان بالفعل.
قال في الاحياء للورع أربع مراتب: الاولى: ما يشترط في عدالة الشهادة، وهو الاحتراز عن الحرام الظاهر.
الثانية: ورع الصالحين، وهو التوقي من الشبهات التي تتقابل فيها الاحتمالات.
الثالثة: ورع المتقين، وهو ترك الحلال المحض الذي يخاف منه أداؤه إلى الحرام.
الرابعة: ورع الصديقين، وهو الاعراض عما سوى الله تعالى اه.
ملخصا.
قوله: (على ألف) متعلق بقوله اعتلى، ويقدر نظيره التفضل اه.
ط.
أو هو من باب التنازع على القول بجوازه في المتقدم.
قوله: (ذي زهد) صفة لموصوف محذوف: أي، ألف شخص صاحب زهد.
والزهد في اللغة: ترك الميل الشئ.
وفي اصطلاح أهل الحقيقة: هو بغض الدنيا والاعراض عنها.
وقيل: هو ترك راحة الدنيا طلبا لراحة الاخرة.
وقيل، هو أن يخلو قلبك مما خلت منه يدك اه.
سيد.
قوله: (تفضل واعتلى) أي زاد في الفضل وعلو الرتبة.
قوله: (وهما مأخوذان) أي هذان البيتان مأخوذ معناهما.
قوله: (مما قيل) يحتمل أن المراد مما نسب أو مما أنشد، فعلى الاول، أن تكون الابيات للامام محمد، وعلى الثاني، لغيره أنشدها له بعض أشياخه.
قوله: (تفقه الخ) أي صر فقيها، والقائد هنا بمعنى الوصول.
والبر قال في القاموس: الصلة والجنة(1/42)
والخير والاتساع في الاحسان اه.
والتقوي قال السيد: هي في اللغة بمعنى الاتقاء، وهو الاتخاذ الوقاية.
وعند أهل الحقيقة: الاحتراز بطاعة الله تعالى عن عقوبته، وهو صيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك.
والقاصد قال في القاموس: القريب: أي، وأعدل طريق قريب.
ويحتمل أن
يكون بمعنى كساحل بمعنى مسحول، والزيادة مصدر بمعنى اسم المفعول.
وقوله من الفقه متعلق بزيادة أو بمستفيد والسبح: قطع الماء عوما شبه به التفقه استعارة تصريحية، وإضافة البحور إلى الفوائد من إضافة المشبه به إلى المشبه.
والفائدة: ما استفدته من علم أو مال، والمراد هنا الاول.
والشيطان: من شاط بمعنى احترق، أو من شطن بمعنى بعد لبعد غوره في الضلال والاضلال، وقد عقد في البيت الاخير بعض ما ذكره في الاحياء، ورواه الدار قطني والبيهقي من قوله (ص) (ما عبد الله بشئ أفضل من فقه في الدين، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، ولكل شئ عماد، وعماد الدين الفقه).
قوله: (ومن كلام علي رضي الله عنه الخ) عزا هذه الابيات له في الاحياء أيضا: قال بعضهم: وهي ثابته في ديوانه المنسوب إليه، وأولها: الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم آدم والام حواء وإنما أمهات الناس أوعيه مستودعات وللاحساب آباء إن لم يكن لهم من أصلهم شرف يفاخرون به فالطين والماء وإن أتيت بفخر من ذوي نسب فإن نسبتنا جود وعلياء قوله: (ما الفضل) الذي في الاحياء: ما الفخر، وأل في العلم للعهد: أي العلم الشرعي الموصل إلى الاخرة.
قوله: (أنهم) بفتح الهمزة على حذف لام العلة: أي لانهم، أو بالكسر، والجملة استئنافية، والمقصود منها التعليل ط.
قوله: (على الهدى) أي الرشاد، قاموس، وهو متعلق بقوله أدلاء جمع دال اسم فاعل من دل، وكذا قوله (لمن استهدي): أي طلب الهداية.
قوله: (ووزن) أي قدر كل امرئ: أي حسنه بما كان يحسنه.
أفاده البيضاوي، فقدر الصانع على مقدار صنعته.
ومن أحسن علوم الاداب فقدره على قدرها، ومن أحسن علم الفقه فقدره عظيم لعظمه.
فالحاصل، أن من أحسن شيئا فمقامه على قدره اه.
ط.
قوله: (والجاهلون) أي بالعلم الشرعي، فيشمل العالمين بغيره، بل أشد عداوة لعلماء الدين من العوام.
قال ط: وسبب العداوة من الجاهل عدم معرفة الحق إذا أفتى عليه أو رأى منه ما يخالف رأية ورؤية إقبال الناس عليه.
قوله: (ولا تجهل به أبدا) الذي في الاحياء: ولا تبغي به بدلا.
قوله: (الناس موتى) أي حكما لعدم النفع
كالارض الميتة التي لا تنبت.
قال تعالى: (أفمن كان ميتا فأحييناه) أي جاهلا فعلمناه (وجعلنا له(1/43)
نورا يمشي به في الناس) - وهو العلم - (كمن مثله في الظلمات) - وهو الجاهل الغارق في ظلمات الجهل أو موتى القلوب.
قال في الاحياء: وقال فتح الموصلي: المريض إذا منع الطعام والشراب والدواء أليس يموت؟ قالوا: بلى.
قال: كذلك القلب إذا منع عليه الحكمة والعلم ثلاثة أيام يموت.
ولقد صدق، فإن غذاء القلب العلم والحكمة وبه حياته، كما أن غذاء الجسد الطعام، ومن فقد العلم فقلبه مريض وموته لازم الخ.
قال الشاعر أخو العلم حي خالد بعد موته وأوصاله تحت التراب وميم وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى يظن من الاحياء وهو عديم قوله: (العلم يرفع المملوك الخ) قال في الاحياء: وقال عليه الصلاة والسلام (إن الحكمة تزيد الشريف شرفا، وترفع المملوك حتى تجلسه مجالس الملوك) وقد نبه بهذا على ثمرته في الدنيا، ومعلوم أن الاخرة خير وأبقى.
ه.
ثم ذكر عن سالم بن أبي الجعد قال: اشتراني مولاي بثلاثمائة درهم فأعتقني، فقلت: بأي حرفة أحترف؟ فاحترفت بالعلم، فما تمت لي سنة حتى أتاني أمير المدينة زائرا فلم آذن له.
قوله: (وانما العلم الخ) هذا بيت من بحر السريع، وقوله (لاربابه) متعلق بمحذوف حال من ولاية، لان نعت النكرة إذ قدم عليها أعرب حالا أو صفة للعلم، إنما لم يعزل صاحبه لانه ولاية إلهية لا سبيل للعباد إلى عزله منها.
والمعتمد أن أولي الامر في قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) هم العلماء كما سيذكره الشارح آخر كتاب وفي الاحياء قال أبو الأسود: ليس شئ أعز من العلم، الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك وفي معناه قول الشاعر إن الملوك ليحكمون على الورى وعلى الملوك لتحكم العلماء قوله: (إن الامير الخ) البيتان من مجزوء الكامل المرفل.
يعنى، أن الامير الكامل ليس هو من
إذا عزل صار من آحاد الرعية، بل هو الذي إذا عزل من إمارة الولاية يبقي متصفا بإمارة الفضل والعلم.
قوله: (واعلم أن تعلم العلم الخ) أي العلم الموصل إلى الاخرة أو الاعم منه.
قال العلامي في فصوله: من فرائض الاسلام تعلم ما يحتاج إليه العبد في إقامة دينه وإخلاص عمله لله تعالى ومعاشرة عباده.
وفرض على كل مكلف ومكلفة بعد علم الدين والهداية تعلم علم الوضوء والغسل والصلاة والصوم، وعلم الزكاة لمن نصاب، والحج لمن وجب عليه، والبيوع(1/44)
على التجار ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات.
وكذا أهل الحرف، وكل من اشتغل بشئ يفرض عليه علمه وحكمه وليمتنع عن الحرام فيه اه.
مطلب في فرض الكفاية وفرض العين وفي تبيين المحارم: لا شك في فرضية علم الفرائض الخمس وعلم الاخلاص، لان صحة العمل موقوفه عليه، وعلم الحلال والحرام وعلم الرياء، لان العابد محروم من ثواب عمله بالرياء وعلم الحسد والعجب إذ هما يأكلان العمل كما تأكل النار الحطب، وعلم البيع والشراء والنكاح والطلاق لمن أراد الدخول في هذه الاشياء، وعلم الالفاظ المحرمة أو المكفرة، ولعمري هذا من أهم المهمات في هذا الزمان، لانك تسمع كثيرا من العوام يتكلمون بما يكفر وهو عنها غافلون، والاحتياط أن يجدد الجاهل إيمانه كل يوم، ويجدد نكاح امرأته عند شاهدين في كل شهر مرة أو مرتين، إذ الخطأ، وإن لم يصدر من الرجل، فهو من النساء كثير.
قوله: (وفرض كفاية الخ) عرفه في شرح التحرير بالمتحتم المقصود حصوله من غير نظر بالذات إلى فاعله.
قال: فيتناول ما هو ديني كصلاة الجنازة، ودنيوي كالصنائع المحتاج إليها، وخرج المسنون لانه غير متحتم، وفرض العين لانه منظور بالذات إلى فاعله اه.
قال في تبيين المحارم: أما فرض الكفاية من العلم، فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب والحساب والنحو واللغة والكلام والقراءات وأسانيد الحديث وقسمه الوصايا والمواريث والكتابة والمعاني والبديع والبيان والاصول ومعرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والنص والظاهر، وكل هذه آلة لعلم التفسير والحديث، كذا علم
الاثار والاخبار والعلم بالرجال وأساميهم وأسامي الصحابة وصفاتهم، والعلم بالعدالة في الرواية والعلم بأحوالهم لتمييز الضعيف من القوي، والعلم بأعمارهم وأصول الصناعات والفلاحة كالحياكة والسياسة والحجامة اه.
قوله: (وهو ما زاد عليه) أي على قدر يحتاجه لدينه في الحال مطلب فرض العين أفضل من فرض الكفاية تنبيه: فرض العين أفضل من فرض الكفاية لانه مفروض حقا للنفس، فهو أهم عندها وأكثر مشقة، بخلاف فرض الكفاية فإنه مفروض حقا للكافة والكافر من جملتهم، والامر إذا عم خف، إذا خص ثقل.
وقيل فرض الكفاية أفضل لان فعله مسقط للحرج عن الامة بأسرها، وبتركه يعصي المتمكنون منه كلهم، ولا شك في عظم وقع ما هذه صفته اه.
طوافي.
ونقل ط أن المعتمد الاول.
قوله: (وهو التبحر في الفقه) أي التوسع فيه والاطلاع على غوامضه، وكذا غيره من العلوم الشرعية وآلاتها.
قوله: (وعلم القلب) أي علم الاخلاق، وهو علم يعرف به أنواع الفضائل وكيفية اكتسابها وأنواع الرذائل وكيفية اجتنابها اه.
ح.
وهو معطوف على الفقه لا على التبحر لما علمت من أن علم الاخلاص والعجب والحسد والرياء فرض عين، ومثلها غيرها من آفات النفوس: كالكبر والشح والحقد والغش والغضب والعداوة والبغضاء والطمع والبخل والبطر والخيلاء والخيانة والمداهنة والاستكبار عن الحق والمكر والمخادعة والقسوة وطول الامل ونحوها مما هو مبين في ربع المهلكات من الاحياء.
قال فيه: ولا ينفك عنها بشر، فيلزمه أن يتعلم منها ما يرى نفسه محتاجا(1/45)
إليه، وإزالتها فرض عين، ولا يمكن إلا بمعرفة حدودها وأسبابها وعلاماتها وعلاجها فإن من لا يعرف الشر يقع فيه.
قوله: (والفلسفة) هو لفظ يوناني، وتعريبه الحكم المموهة: أي مزينة الظاهر فاسدة الباطن، كالقول بقدم العالم وغيره من المفكرات والمحرمات ط.
وذكر في الاحياء أنها ليست علما يرأسها بل هي أربعة أجزاء: أحدها: الهندسة والحساب، وهما مباحان، ولا يمنع منهما إلا من يخاف عليه أن يتجاوزهما إلى علوم مذمومة.
والثاني: المنطق وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه، ووجه الحد وشروطه، وهما داخلان
في علم كلام.
والثالث: الالهيات، وهو بحث عن ذات الله تعالى وصفاته، وانفردوا فيه بمذاهب بعضها كفر وبعضها بدعة.
والرابع: الطبيعيات، وبعضها مخالف للشرع، وبعضها بحث عن صفات الاجسام وخواصها وكيقية استحالتها وتغيرها، وهو شبيه بنظر الاطباء، إلا أن الطبيب ينظر في بدن الانسان على الخصوص من حيث يمرض ويصح، وهم ينظرون في جميع الاجسام من حيث تتغير وتتحرك، ولكن للطب فضل عليه لانه محتاج عليه.
وأما علومهم في الطبيعيات فلا حاجة إليها اه.
قوله: (والشعبذة) الصواب الشعبذة، وهي كما في القاموس: خفة في اليد كالسحر، ترى الشئ بغير ما عليه أصله اه.
حموى.
لكن في مصباح: شعوذ الرجل شعوذة، ومنهم من قال: شعبذ، وهو بالذال المعجمة، وليس من كلام أهل البادية، وهي لعب يرى الانسان منها ما ليس له حقيقة كالسحر اه.
ابن عبد الرزاق.
وأفتى العلامة ابن حجر في أهل الحق في الطرقات الذين لهم أشياء غريبة كقطع رأس إنسان وإعادته وجعل نحو دراهم من التراب وغير ذلك بأنهم في معنى السحرة إن لم يكونوا منهم فلا يجوز لهم ذلك ولا لاحد أن يقف عليهم، ثم نقل عن المدونة من كتب المالكية: أن الذي يقطع الرجل أو يدخل السكين في جوفه إن كان سحرا قتل وإلا عوقب.
مطلب في التنجيم والرمل قوله: (والتنجيم) هو علم يعرف به الاستدلال بالتشكلات الفلكية على الحوادث السفلية اه.
ح.
وفي مختارات النوازل لصاحب الهداية: أن علم النجوم في نفسه حسن غير مذموم، إذ هو قسمان: حسابي وإنه حق، وقد نطق به الكتاب، قال الله تعالى: (الشمس والقمر بحسبان) [ الرحمن: 5 ] أي سيرهما بحساب.
واستدلالي بسير النجوم وحركة الافلاك على الحوادث بقضاء الله تعالى وقدره، وهو جائز كاستدلال الطبيب بالنبض من الصحة والمرض، ولو لم يعقد بقضاء الله(1/46)
تعالى أو ادعى الغيب بنفسه يكفر، ثم تعلم مقدار ما يعرف به مواقيت الصلاة والقبلة لا بأس به اه.
وأفاد أن تعلم على هذا المقدار فيه بأس.
بل صرح في الفصول بحرمته وهو ما مشي عليه الشارح.
والظاهر أن المراد به القسم الثاني دون الاول، ولذا قال في الاحياء: إن علم النجوم في نفسه غير مذموم لذاته إذ هو قسمان الخ.
ثم قال: ولكن مذموم في الشرع.
وقال عمر: تعلموا من النجوم ما تهتدوا به في البر والبحر ثم أمسكوا، وإنما زجر عنه من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه مضر بأكثر الخلق، فإنه إذا ألقي إليهم أن هذا الاثار تحدث عقيب سير الكواكب وقع في نفوسهم أنها المؤثرة.
وثانيهما: أن احكام النجوم تخمين محض، ولقد كان معجزة لادريس عليه السلام فيما يحكى وقد اندرس وثالثهما: أنه لا فائدة فيه، فإن ما قدر كائن والاحتراز منه غير ممكن اه.
ملخصا.
قوله: (والرمل) هو علم بضروب أشكال من الخطوط النقط بقواعد معلومة تخرج حروفا ويستخرج جملة دالة على عواقب الامور، وقد عملت أنه حرام قطعا، وأصله لادريس عليه السلام ط.
أي، فهو شريعة منسوخة.
وفي فتاوي ابن حجر، إن تعلمه وتعليمه حرام شديد التحريم لما فيه من إيهام العوام أن فاعله يشارك الله تعالى في غيبه.
قوله: (وعلوم الطبائعيين) العلم الطبيعي علم يبحث فيه عن أحوال الجسم المحسوس من حيث هو معرض للتغير في الاحوال والثبات فيها اه.
ح.
وفي فتاوى ابن حجر: ماكان من على طريق الفلاسفة حرام، لانه يؤدى إلى مفاسد كاعتقاد قدم العالم ونحوه، وحرمته مشابهة لحرمة التنجيم من حيث إفضاء كل إلى المفسدة.
قوله: (والسحر) هو علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة لاسباب خفية اه.
ح.
وفي حاشية الايضاح لبيري زاده قال الشمني: تعلمه وتعليمه حرام.
أقول، مقتضى الاطلاق ولو تعلم لدفع الضرر عن المسلمين: وفي شرح الزعفراني: السحر.
حق عندنا وجوده وتصوره وأثره.
وفي ذخيرة الناظر: تعلمه فرض لرد ساحر أهل الحرب، وحرام ليفرق به بين المرأة وزوجها، وجائز ليوفق بينهما اه.
ابن عبد ابرزاق.
قال ط بعد نقله عن بعضهم
عن المحيط: وفيه أنه ورد في الحديث النهي عن التولة بوزن عنية: وهي ما يفعل ليحبب المرأة إلى زوجها اه.
أقول: بل نص على حرمتها في الخانية، وعلله ابن وهبان بأنه ضرب من السحر.
قال ابن الشحنة: ومقتضاه، أنه ليس مجرد كتابة آيات، بل فيه شئ اه.
وسيأتي تمامه قبيل إحياء الموات إن شاء الله تعالى.
وذكر في فتح القدير: أنه لا تقبل توبة الساحر والزنديق في ظاهر المذهب، فيجب قتل الساحر ولا يستتاب بسعيه بالفساد لا بمجرد علمه إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره اه.
وذكر في تبيين المحارم عن الامام أبي منصور أن القول بأن السحر كفر على الاطلاق خطأ، ويجب البحث عن حقيقة، فإن كان في ذلك رد ما لزم في شرط الايمان فهو كفر، والا فلا اه.
أقول: وقد ذكر الامام القرافي المالكي الفرق بين ما هو سحر يكفره به وبين غيره، وأطال في ذلك بما يلزمه مراجعته من أواخر شرح اللقاني الكبير على الجوهرة.
ومن كتاب [ الاعلام في قواطع الاسلام ] للعلامة ابن حجر(1/47)
مطلب: السحر أنواع وحاصله أن السحر اسم جنس لثلاثة أنواع: الاول: السيمياء، وهو ما يركب من خواص أرضية كدهن خاص أو كلمات خاصة توجب إدراك الحواس الخمس أو بعضها بما له وجود حقيقي، أو بما هو تخيل صرف من مأكول أو مشموم أو غيرهما الثاني: الهيمياء، وهي ما يوجب ذلك مضافا لاثار سماوية لا أرضية.
الثالث: بعض خواص الحقائق، كما يؤخذ سبع أحجار يرمى بها نوع من الكلاب إذا رمي بحجر عضه، فإذا عضها الكلب وطرحت في ماء فمن شربه ظهرت عليه آثار خاصة، فهذه أنواع السحر الثلاثة، قد تقع بما هو كفر من لفظ أو اعتقاد أو فعل، وقد تقع بغيره كوضع الاحجار.
وللسحر فصول كثيرة في كتبهم، فليس ما يسمى سحرا كفرا، إذ ليس التكفير به لما يترتب عليه من الضرر، بل لما يقع به مما هو كفر كاعتقاد انفراد الكواكب بالربوبية أو إهانة قرآن أو كلام مكفر
ونحو ذلك اه.
ملخصا.
وهذا موافق لكلام إمام الهدى أبي منصور الماتريدي، ثم إنه لا يلزم من عدم كفره مطلقا عدم قتله، لان قتله بسبب سعية بالفساد كما مر، فإذا ثبت إضراره بسحره ولو بغير مكفر يقتل لشره كالخناق وقطاع الطريق مطلب في الكهانة قوله: (والكهانة) وهي تعاطي الخبر عن الكائنات في المستقبل وادعاء معرفة الاسرار.
قال في نهاية الحديث: وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح، فمنهم من كان يزعم أن له تابعا يلقي عليه الاخبار عن الكائنات.
ومنهم أنه يعرف الامور بمقدمات يستدل بها على موافقها من كلام من يسأله أو حاله أو فعله، وهذا يخصونه باسم العراف كالمدعى معرفة المسروق ونحوه، وحديث: (من أتى كاهنا) يشمل: العراف والمنجم، والعرب تسمى كل من يتعاطى علما دقيقا كاهنا.
ومنهم من يسمى المنجم والطبيب كاهنا اه.
ابن عبد الرزاق.
قوله: (ودخل في الفلسفة المنطق) لانه الجزء الثاني منها كما قدمناه، والمراد به المذكور في كتبهم للاستدل على مذاهبهم الباطلة.
أما منطق الاسلاميين الذي مقدماته قواعد إسلامية فلا وجه للقول بحرمته، بل سماه الغزالي معيار العلوم، وقد ألف فيه علماء الاسلام ومنهم المحقق ابن الهمام، فانه أتى منه ببيان معظم مطالبه في مقدمة كتابه التحرير الاصولي.
قوله: (علم الحرف) يحتمل أن المراد به الكاف الذي هو إشارة إلى الكيمياء، ولا شك في حرمتها لما فيها من ضياع المال والاشتغال بما لا يفيد.
ويحتمل أن المراد به جمع حروف يخرج منها دلالة على حركات.
ويحتمل أن المراد أسرار الحروف بأوفاق الاستخدام وغير ذلك اه.
ط.
ويحتمل أن المراد الطلسمات، وهي كما في شرح اللقاني: نقش أسماء خاصة لها تعلق بالافلاك والكواكب على زعم أهل هذا العلم في أجسام من المعادن أو غيرها تحدث لها خاصة ربطت بها في مجاري العادات.
اه.
هذا، وقد ذكر العلامة ابن حجر في باب الانجاس من التحفة إنه اختلف في انقلاب الشئ عن حقيقته كالنحاس إلى الذهب هل هو ثابت؟ فقيل: نعم لانقلاب العصا ثعبانا حقيقة، وإلا لبطل(1/48)
الاعجاز.
وقيل لا لان قلب الحقائق محال.
والحق الاول إلى أن قال: تنبيه: كثيرا ما يسأل عن علم الكيمياء وتعلمه هل يحل أو لا؟ ولم نر لاحد كلاما في ذلك.
والذى يظهر أنه ينبني على هذا الخلاف، فعلى الاول من علم العلم الموصل لذلك القلب علما يقينيا جاز له علمه وتعيمه إذ لا محذور فيه بوجه، وإن قلنا بالثاني أو لم يعلم الانسان ذلك العلم اليقيني وكان ذلك وسيلة إلى الغش فالوجه الحرمة اه.
ملخصا.
وحاصله، أنه إذا قلنا بإثبات قلب الحقائق، وهو الحق، جاز العمل به وتعلمه، لانه ليس لمن لان النحاس ينقلب ذهبا أو فضة حقيقة.
وإن قلنا إنه غير ثابت لا يجوز غش، كما لا يجوز لمن لا يعلمه حقيقة لما فيه من إتلاف المال أو غش المسلمين.
والظاهر أن مذهبنا ثبوت انقلاب الحقائق بدليل ما ذكروه في انقلاب عين النجاسة، كانقلاب الخمر خلا والدم مسكا ونحو ذلك، والله أعلم.
قوله: (وعلم الموسيقي) بكسر القاف: وهو علم رياضي يعرف منه أحوال النغم والايقاعات، وكيفية تأليف اللحون، وإيجاد الالات.
وموضوعه الصوت من جهة تأثيره في النفوس باعتبار نظامه في طبقته وزمانه.
وثمرته بسط الارواح وتعديلها وتقويتها وقبضها أيضا.
مطلب في الكلام على إنشاد الشعر قوله: (وهو أشعار المولدين) أي الشعراء الذين حدثوا بعد شعراء العرب.
قال في القاموس: المولدة: المحدثة من كل شئ ومن الشعراء لحدوثهم.
وفي آ خر الريحانة للشهاب الخفاجي: بلغاء العرب في الشعر والخطب على ست طبقات: الجاهلية الاولى من عاد وقحطان.
والمخضرمون، وهم من أدرك الجاهلية والاسلام.
والاسلاميون والمولدون والمحدثون والمتأخرون ومن ألحق بهم من العصريين.
والثلاثة الاول هم ما في البلاغة والجزالة، ومعرفة شعرهم رواية ودراية عند فقهاء الاسلام فرض كفاية، لانه به تثبت قواعد العربية التي بها يعلم الكتاب والسنة المتوقف على معرفتهما الاحكام التي يتميز بها الحلال من الحرام، وكلامهم وإن جاز فيه الخطأ في المعاني لا يجوز فيه الخطأ في الالفاظ وتركيب المباني اه.
قوله: (من الغزال) المراد به ما فيه وصف النساء والغلمان، وهو في الاصل كما في القاموس: السم لمحادثة النساء، وعطف عليه قوله (والبطالة)
عطف عام على خاص لانه نوع منها، فشمل وصف حال المحب مع المحبوب أو مع عذالة من الوصل والهجر واللوعة والغرام ونحو ذلك.
قال في المصباح: البطالة نقيض العمالة، من بطل الاجير من العمل فهو بطال بين البطالة بالفتح، وحكي بالكسر وهو أفصح وربما قيل بالضم.
وذكر ابن عبد الرزاق أنه وجد بهامش المصباح بخط مصنفه ما حاصله: الفعالة بالفتح قد يكون وصفا للطبيعة كالرزانة والجهالة، وبالكسر للصناعة كالتجارة، وبالضم لما يرمي كالقلامة، وقد يضمن اللفظ المعاني الثلاثة فيجوز فيه الحركات الثلاثة، فالبطالة بالفتح لانه وصف ثابت، وبالكسر لانه أشبه الصناعة للمداولة عليها، وبالضم لانها مما يرفض اه.
أقول: وعلى هذا، يمكن إشارة إلى أن المكروه منه ما داوم عليه وجعله صناعة له حتى غلب عليه وأشغله عن ذكر الله تعالى وعن العلوم الشرعية، وبه فسر الحديث المتفق عليه وهو قوله (ص) (لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا) فاليسير من ذلك لا بأس به إذا(1/49)
قصد به إظهار النكات واللطافات والتشابيه الفائقة والمعاني الرائقة، وإن كان في وصف الخدود والقدود، فإن علماء البديع قد استشهدوا من ذلك بأشعار المولدين وغيرهم لهذا القصد.
وقد ذكر المحقق ابن الهمام في إشهادات فتح القدير أن المحرم منه ما كان في اللفظ ما لا يحل كصفة الذكور والمرأة المعينة الحية، ووصف الخمر المهيج إليها والحانات، والهجاء لمسلم أو ذمي إذا أراد المتكلم هجاءه، لا إذا أراد إنشاد الشعر للاستشهاد به أو ليعلم فصاحته وبلاغته.
ويدل على أن وصف المرأة كذلك غير مانع إنشاد أبي هريرة رضى الله عنه لذلك وهو محرم، وكذا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومما يقطع به في هذا قول كعب رضي الله عنه بحضرة النبي (ص): وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول تجلو عوارض ذي طلم إذا ابتسمت كأنه منهل بالراح معلول وكثير في شعر حسان رضى الله تعالى عنه من هذا كقوله، وقد سمعه النبي (ص): تبلت فؤادك في المنام خريدة تسقي الضجيع ببارد بسام
فأما الزهريات المجردة عن ذلك المتضمنة وصف الرياحين والازهار والمياه فلا وجه لمنعه.
نعم، إذا قيل على الملاهي امتنع وإن كان مواعظ وحكما اه.
ملخصا.
وفي الذخيرة عن النوازل: قراءة شعر الادب إذا كان فيه ذكر الفسق والخمر والغلام يكره، والاعتماد في الغلام على ما ذكرنا في المرأة: أي من أنها إن كانت معينة حية يكره، وإن كانت ميتة فلا اه.
وسيأتي تمام الكلام على ذلك أيضا قبيل باب الوتر والنوافل إن شاء الله تعالى قوله: (التي لا يستخف فيها) أي ليس فيها استخفاف بأحد من المسلمين كذكر عوراته والاخذ في عرضه.
وفي بعض نسخ الاشباه: لا سخف فيها: أي لا رقة وخفة.
ابن عبد الرزاق.
قوله: (ثم في نقل) أي في الفوائد آخر الفن الثالث من الاشباه عن المناقب للبزاري، وذكر الحلبي عبارته بتمامها، واقتصر الشارح على محطها: أي، المقصود منها.
قوله: (وفيها) أي في الاشباه نقلا عن شرح البهجة للعراقي.
قوله: (غير الانبياء) كان ينبغي أن يقول، (والمبشرين بالحنة كالعشرة رضي الله عالى عنهم، قاله سيدي عبد الغني النابلسي في شرح هدية ابن العماد.
قوله: (له) إي من الثواب الجزيل حيث أراد به تعالى الخير.
قوله: (وبه) أي ولا يعلم ما أراد الله تعالى به من الصفات الحميدة.
قوله: (إلا الفقهاء) المراد بهم العالمون بأحكام الله تعالى اعتقادا وعملا، لان تسمية علم الفروع فقها تسمية حادثة، قال سيدي عبد الغني: يؤيده ما مر من قول الحسن البصري: إنما الفقيه المعرض الدنيا الراغب في الاخرة الخ.
قوله: (وفيها كل شئ الخ) نقله في الاشباه عن الفصوص، والظاهر أنها فصوص الحكم للشيخ الاكبر قدس سره الانور.
قوله: (إلا العلم) إورد عليه الحموي أنه ورد(1/50)
في الحديث ما يقيد السؤال على العلم، ولفظه: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن ما له من أي شئ اكتسبه؟ وعن علمه ماذا صنع به؟ وأجيب بأن المراد، إلا طلب الزيادة من العلم.
به يصح التعليل.
واعترض بأنه يسأل عن طلبه هل قصد به الرياء أو الجاه؟ ويدل عليه ما في الحديث السابق (ولكن تعلمت العلم ليقال عالم وقد قيل الخ).
أقول الاوجه أن يقال: المراد به العلم النافع الموصل إلى الله تعالى، وهو المقرون بحسن
النية مع العمل به والتخلص من آفات النفس، فلا يسأل عنه لانه خير محض، بخلاف غيره فإنه يسأل صاحبه عنه ليعذبه به كما دل عليه تمام الحديث السابق، ولذا ورد في الحديث (إن الله تعالى يبعث العباد يوم القيامة ثم يبعث العلماء، ثم يقول: يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم إلا لعلمي بكم، ولم أضع علمي فيكم لاعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم) هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم.
قوله: (وفيها) أي في الاشباه عن آخر المصفى للامام النسفي.
قوله: (عن مذهبنا) أي عن صفته.
فالمعنى: إذا سئلنا أي المذاهب صواب ط.
قوله: (مخالفنا) أي من خالفنا في الفروع من الائمة المجتهدين.
قوله: (قلنا الخ) لانك لو قطعت القول لما صح قولنا: إن المجتهد يخطئ ويصيب أشباه.
أي، فلا نجزم بأن مذهبنا صواب البتة، ولا بأن مذهب مخالفنا خطأ البتة، بناء على المختار من أن حكم الله في كل مسألة واحد معين وجب طلبه، فمن أصابة فهو المصيب ومن لا فهو المخطئ.
ونقل عن الائمة الاربعة: ثم المختار أن المخطئ مأجور كما في التحرير وشرحه.
مطلب يجوز تقليد المفضول مع وجود الافضل ثم اعلم أنه ذكر في التحرير وشرحه أيضا أنه يجوز تقليد المفضل مع وجود الافضل، وبه قال الحنفية والمالكية وأكثر الحنابلة والشافعية.
وفي رواية عن أحمد وطائفة كثيرة من الفقهاء: ولا يجوز، ثم ذكر أنه لو التزم مذهبا معينا كأبي حنيفة والشافعي، فقيل يلزمه، وقيل لا وهو الاصح اه.
وقد شاع إن العامي مذهب له.
إذا عملت ذلك ظهر لك أن ما ذكر عن النسفي من وجوب اعتقاد أن مذهبه صواب يحتمل الخطأ مبني على أنه لا يجوز تقليد المفضول، وأنه يلزمه التزام مذهبه وأن ذلك لا يتأتى في العامي.
وقد رأيت في آخر فتاوي ابن حجر الفقهية التصريح ببعض ذلك، فإنه سئل عن عبارة النسفي المذكورة، ثم حرر أن قول أئمة الشافعية كذلك، ثم قال: إن ذلك مبني على الضعيف من أنه يجب تقليد الاعلم دون غيره.
والاصح، أنه يتخير في تقليد أي شاء ولو مفضولا وإن اعتقده كذلك، وحينئذ فلا يمكن أن يقال أو يظن أنه على الصواب، بل على المقلد أن يعتقد أن ما ذهب إليه إمامه يحتمل أنه الحق.
قال ابن حجر: ثم رأيت المحقق ابن الهمام صرح بما يؤيده حيث قال في شرح(1/51)
الهداية: إن أخذ العامي بما يقع في قلبه أنه أصوب أولى، وعلى هذا، إن استفتى مجتهدين فاختلفا عليه، الاولى أن يأخذ بما يميل إليه قلبه منهما.
وعندي أنه لو أخذ بقول الذي لا يميل إليه جاز، لان ميله وعدمه سواء، والواجب عليه تقليد مجتهد وقد قعل اه.
قوله: (عن معتقدنا) إي عما نعتقده من غير المسائل الفرعية مما يجب اعتقاده على كل مكلف بلا تقليد لاحد، وهو ما عليه أهل السنة والجماعة وهم الاشاعرة والماتريدية، وهم متوافقون إلا في مسائل يسيره أرجعها بعضهم إلى الخلاف اللفظي كما بين في محله.
قوله: (ومعتقد خصومنا) أي من أهل البدع المكفرة وغيرها، كالقائلين بقدم العالم أو نفي الصانع أو عدم بعثة الرسل، والقائلين بخلق القرآن وعدم إرادته تعالى الشر ونحو ذلك.
قوله: (علم نضج وما احترق) المراد بنضج العلم تقرر قواعده وتفريع فروعها وتوضيح مسائله، والمراد باحتراقه: بلوغه النهاية في ذلك.
ولا شك أن النحو والاصول لم يبلغا النهاية في ذلك، أفاده ح.
والظاهر، إن المراد بالاصول أصول الفقه، لان أصول العقائد في غاية التحرير والتنقيح تأمل.
قوله: (وه علم البيان) المراد به ما يعم العلوم الثلاثة: المعاني والبيان والبديع، ولذا قال الزمخشري: إن منزلة علم البيان من العلوم مثل منزلة السماء من الارض، ولم يقفوا على ما في القرآن جميعه من بلاغته وفصاحته ونكته وبديعاته: بل على النزر اليسير.
قال الله تعالى: (قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) [ الاسراء: 88 ] وإنما ذلك اما فيه من البلاغة ط.
قوله: (والتفسير) أي تفسير القرآن، فقد ذكر السيوطي في الاتقان أن القرآن في اللوح المحفوظ، كل حرف منه بمنزلة جبل قاف، وكل آية تحتها من التفاسير ما لا يعلمه إلا الله تعالى ط.
قوله: (علم الحديث) لانه قد تم المراد منه، وذلك لان المحدثين جزاهم الله تعالى خيرا وضعوا كتبا في أسماء الرجال ونسبهم والفرق بين أسمائهم، وبينوا سيئ الحفظ منهم وفاسد الرواية من صحيحها، ومنهم من حفظ المائة ألف والثلاثمائة، وحصروا من رووا عن النبي (ص) من الصحابة، بينوا الاحكام والمراد منها فانكشفت حقيقته ط.
قوله: (والفقه) لان حوادث الخلائق على اختلاف مواقعها وتشتتاتها مرقومة
بعينها أو ما يدل عليها، بل قد تكلم الفقهاء على أمور لا تقع أصلا أو تقع نادرا وأما ما لم يكن منصوصا فنادر، وقد يكون منصوصا، غير أن الناظر يقصر عن البحث عن محله أو عن فهم ما يفيده مما هو منصوص بمفهوم أو منطوق ط.
أو يقال: المراد بالفقه ما يشمل مذهبنا وغيره، فإنه بهذا المعنى لا يقبل الزيادة أصلا، فإنه لا يجوز إحداث قول خارج عن المذاهب الاربعة.
قوله: (وقد قالوا الفقه) أي الفقه الذي استنبطه أبو حنيفة أو أعم.
قوله: (زرعه) إي أول من تكلم باستنباط فروعه عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل، أحد السابقين والبدريين والعلماء الكبار من الصحابة.
أسلم قبل عمر رضي الله تعالى عنهما.
قال النووي في التقريب: وعن مسروق أنه قال: انتهى علم الصحابة إلى ستة: عمر وعلي وأبي وزيد وأبي الدرداء وابن مسعود، ثم انتهى علم الستة إلى علي وعبد الله بن مسعود.
قوله: (وسقاه) أي أيده ووضحه علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي(1/52)
الفقيه الكبير، عم الاسود بن يزيد، وخال إبراهيم النخعي.
ولد في حياة النبي (ص)، وأخذ القرآن والعلم عن ابن مسعود وعلي وعمر وأبي الدرداء وعائشة رضي الله عنهم أجمعين.
قوله: (وحصده) أي جمع ما تفرق من فوائده ونوادره وهيأه للانتفاع به إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الاسود أبوعمران النخعي الكوفي، الامام المشهور الصالح الزاهد.
روى عن الاعمش وخلائق، وتوفي سنة ست أو خمس وتسعين.
قوله: (وداسه) أي اجتهد في تنقيحه وتوضيحه حماد بن مسلم الكوفي شيخ الامام، وبه تخرج.
وأخذ حماد بعد ذلك عنه.
قال الامام: ما صليت صلاة إلا استغفرت له مع والدي.
مات سنة مائة وعشرين.
قوله: (وطحنة) أي أكثر أصوله وفرع فروعه وأوضح سلبه إمام الائمة وسراج الامة أبو حنيفة النعمان، فإنه أول من دون الفقه ورتبه أبوابا وكتبا على نحو ما عليه اليوم، تبعه مالك في موطئه، ومن كان قبله إنما كانوا يعتمدون على حفظهما.
وهو أول من وضع كتاب الفرائض وكتاب الشروط، كذا في الخيرات الحسان في ترجمة أبي حنيفة النعمان للعلامة ابن حجر.
قوله: (وعجنه) أي دقق النظر في القواعد الامام وأصوله واجتهد في زيادة استنباط الفروع منها والاحكام تلميذ الامام أعظم أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم قاضي القضاة، فإنه كما رواه الخطيب
في تاريخه أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة، وأملى المسائل ونشرها وبث علم أبي حنيفة في أقطار الارض، وهو أفقه أهل عصره، ولم يتقدمه أحد في زمانه، وكان النهاية في العلم والحكم والرياسة.
ولد سنة 113 وتوفي ببغداد سنة 182.
قوله: (وخبزه) أي زاد في استنباط الفروع وتنقيحها وتهذيبها وتحريرها بحيث لم تحتج إلى شئ آخر الامام محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة وأبي يوسف محرر المذهب النعماني، والمجمع على فقاهته ونباهته.
روي أنه سأل رجل المزني عن أهل العراق، ففال: ما تقول في أبي حنيفة؟ فقال: سيدهم.
قال: فأبو يوسف؟ قال أتبعهم للحديث.
قال: فمحمد بن الحسن؟ قال أكثرهم تفريعا، قال: فزفز؟ قال: أحدهم قياسا.
ولد سنة 132 وتوفي بالري سنة 189.
قوله: (من خبزه) بالضم: أي خبز محمد الذي خبزه من عجين أبي يوسف من طحين أبي حنيفة، ولذا روى الخطيب عن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه.
كان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه.
قوله: (فقال أي من بحر البسيط، وترتيب هذا النظم بخلاف الترتيب قبله، وسقط منه حماد.
قوله: (علمه) أي محمد.
قوله: (كالجامعين) الصغير والكبير.
وقد ألفت في المذهب تآليف سميت بالجوامع فوق ما ينوف عن أربعين، وكل تأليف لمحمد وصف بالصغير فهو من روايته عن أبي يوسف عن الامام، وما وصف بالكبير فروايته عن الامام بلا واسطة ط.
قوله: (والنوادر) الاولى إبدالها بالسير، لان هذه الكتب الخمسة هي كتب محمد المسماة بالاصل وظاهر الرواية، لانها رويت عنه برواية الثقات، فهي(1/53)
ثابتة عنه متواترة أو مشهورة، وفيها المسائل المروية عن أصحاب المذهب، وهم أبوح، وأبوس وم.
أما النوادر فهي مسائل مروية عنهم في كتب أخر لمحمد كالكسيانيات والهارونيات والجرجانيات والرقيات وهي دون الاولى.
وبقي قسم ثالث، وهو مسائل للنوازل سئل عنها المشايخ المجتهدون في المذهب.
ولم يجدوا فيها نصا فأفتوا فيها تخريجا، وقد نظمت ذلك فقلت: وكتب ظاهر الرواية أتت ستا لكل ثابت عنهم حوت صنفها محمد الشيباني حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط تواترت بالسند المضبوط كذا له مسائل النوادر إسنادها في الكتب غير ظاهر وبعدها مسائل النوازل خرجها الاشياخ بالدلائل وسيأتي بسط ذلك آخر المقدمة ء.
وفي الطبقات التميمي عن شرح السير الكبير للسرخسي أن السير الكبير آخر تصنيف صنفه محمد في الفقه.
وكان سببه أن السير الصغير وقع بيد الاوزاعي إمام أهل الشام فقال: ما لاهل العراق والتصنيف في هذا الباب.
فإنه لا علم لهم بالسير، فبلغ محمدا فصنف الكبير، فحكي أنه لما نظر فيه الاوزاعي قال: لولا ما ضمنه من الاحاديث لقلت إنه يضع العلم، وإن الله تعالى عين جهة إصابة الجواب في رأية، صدق الله تعالى: (وفوق كل ذي علم عليم) ثم أمر محمد أن يكتب في ستين دفترا، وأن يحمل إلى الخليفة فأعجبه وعده من مفاخر أيامه اه.
ملخصا.
قوله: (فيسببه صار الشافعي فقيها) أي ازداد فقاهة، واطلع على مسائل لم يكن مطلعا عليها، فإن محمدا أبدع في كثرة استخراج المسائل، وإلا فالشافعي رضي الله تعالى عنه فقيه مجتهد قبل وروده إلى بغداد، وكيف يستفاد الاجتهاد المطلق ممن ليس مذلك؟ أفاده ح.
قوله: (والله ما صرت فقيها) الكلام فيه كما تقدم.
وروي عن الشافعي أنه قال أيضا: حملت من علم محمد بن الحسن وقر بعير كتبا.
وقال: أمن الناس علي في الفقه محمد بن الحسن.
قوله: (هيهات) اسم فعل: أي بعد مكانه عني وعن أبي يوسف ط.
قوله، (في أعلى عليين) اسم لاعلى الجنة.
أي، هو في أعلى مكان في الجنة: إي بالنسبة إليهما لا مطلقا، لان الانبياء والصحابة أرفع درجة قطعا.
وأما الدعاء بنحو: اجعلني مع النبيين، فالمراد، في الاجتماع والمؤانسة لا في الدرجة والمنزلة، ومنه قوله تعالى: (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم النبيين والصديقين) الخ ط.
قوله: (كيف) استفهام إنكارى بمعنى النفي:(1/54)
أي كيف لا يعطي هذا المكان الاعلى ط.
قوله: (ولها) أي لرؤيته ربه تعالى في المنام قصة مشهورة
ذكرها الحافظ النجم الغيظي.
وهي أن الامام رضي الله عنه قال: رأيت رب العزة في المنام تسعا وتسعين مرة فقلت في نفسي: أن رأيته تمام المائة لاسألنه: بم ينجو الخلائق من عذابه يوم القيامة.
قال: فرأيته سبحانه وتعالى فقلت: يا رب عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماءك، بم ينجو عبادك يوم القيامة من عذابك؟ فقال سبحانه وتعالى: من قال بعد الغداة والعشي (سبحان الابدي الابد، سبحان الواحد الاحد، وسبحان الفرد الصمد، سبحان رافع السماء بلا عمد، سبحان من بسط الارض على ماء جمد، سبحان من خلق الخلق فأحصاهم عدد، سبحان من قسم الرزق ولم ينس أحد، سبحان الذي يتخذ صاحبه ولا ولد، سبحان الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) نجا من عذابي اه.
ط.
قوله: (على رجله اليمني الخ) فيه أن هذا مخالف للسنة اه.
أي لصحة الحديث في النهي عنه.
وأجاب الشرنبلالي بحملة على التراوح، فإنه أفضل من نصب القدمين.
وتفسير التراوح: أن يعتمد المصلي على قدم مرة وعلى الاخرى مرة أخرى: أي مع وضع القدمين على الارض بدون رفع إحداهما، لكن يبعده قوله: ووضع اليسري على ظهرها الخ.
أفاده ط.
وقد يقال: للامام رضى الله تعالى عنه مقصد حسن: وفي ذلك نفي الكراهة عنه، كما قالوا: يكره أن يصلي الرجل حاسرا عن رأسه، لكن إذا قصد التذلل فلا كراهة.
ثم رأيت بعض العلماء أجاب بذلك فقال: إنما فعل ذلك مجاهدة لنفسه، وليس يبعد أن يكون غرض مجاهدة النفس بذلك ممن لم يختل منه خشوعه مانعا للكراهة اه.
قوله: (حق عبادتك) من أضافة الصفة للموصوف: أي عبادتك الحقة التي تليق بجلالك، بل هي بقدر ما في وسعه ط.
قوله: (لكن عرفك) استدراك على ما يتوهم من أن عدم عبادته حق العبادة نشأ من عدم المعرفة، والمراد أنه عرفه بصفاته الدالة على كبريائه ومجده، واستحقاقه دوام مشاهدته ومراقبته، وليس المراد معرفة كنه الذات والصفات، فإنه من المستحيلات ط.
قوله: (فهب) من الهبة: وهي العطية.
يقول وهبت له: أي أعط نقصان الخدمة لكمال المعرفة.
أي شفع هذا بهذا كما في: هب مسيئنا لمحسننا.
قوله: (ولمن اتبعك) أي في الخدمة والمعرفة أو فيما أدى إليه إجتهادك من الاوامر والنواهي، ولم يزغ عنها لا بمجرد التقليد.
قوله: (إلى يوم القيامة) متعلق بكان التامة أو باتبعك.
قوله: (وقيل لابي حنيفة) ذكر في التعليم هذه العبارة عن أبي يوسف، ثم قال: قيل لابي حنيفة رضي الله تعالى عنه: بم أدركت العلم؟ قال: إنما أدركت العلم بالجهد والشكر، وكلما فهمت ووقفت على فقه وحكمة قلت: الحمد لله فازداد(1/55)
علمي ط.
قوله: (وما استنكفت) أي أنفت وامتنعت.
قوله: (مسافر بن كرام) الذي رأيته في مواضع متعددة: مسعر بن كدام بكسر أولهما وكدام بالدال.
قوله: (رجوت أن لا يخالف) لانه قلد إماما عالما صحيح الاجتهاد سالم الاعتقاد، ومن قلد علما لقي الله سالما.
وتمام كلام مسعر: وأن لا يكون فرط في الاحتياط لنفسه.
قوله: (وقال) أي مسعر، لكن ذكر في المقدمة الغزنوية هذين البيتين وأنه أنشدهما أبو يوسف أفاده ط.
قوله: (حسبي) أي كافي مبتدأ خبره قوله ما أعددته، أي: هيأته، ويوم القيامة متعلق بحسبي أو بأعاددته أو برضا، وفي السببية، ودين بدل من (ما).
قوله: (وأنا أفتخر الخ) الفخر والافتخار: التمدح بالخصال: أي، يذكر من جملة نعم الله تعالى عليه أن جعل من أتباعه هذا الرجل الذي شيد بنيان الدين بعد انقراض الصحابة وأكثر التابعين، وتبعه ما لا يحصى من الامة، وسبق في الاجتهاد وتدوين الفقه من بعده من الائمة، وأعانهم بأصحابه وفوائده الجمة على استنباط الاحكام المهمة.
قوله: (الضياء المعنوي) هو شرح مقدمة الغزنوي القاضي أبي البقاء بن الضياء المكي.
قوله: (وقول ابن الجوزي) أي ناقلا عن الخطيب البغدادي.
قوله: (لانه روي بطرق مختلفة) بسطها العلامة طاش كبرى، فيشعر بأن له أصلا، فلا أقل من أن يكون ضعيفا فيقبل: إذ لم يترتب عليه إثبات حكم الشرعي، ولا شك في تحقق معناه في الامام فإنه سراج يستضاء بنور علمه ويهتدى بثاقب فهمه، لكن قال بعض العلماء: إنه قد أقر ابن الجوزي على عده هذه الاخبار في الموضوعات الحافظ الذهبي والحافظ السيوطي والحافظ ابن حجر العسقلاني والحافظ الذي انتهت إليه رئاسة مذهب أبي حنيفة في زمنه الشيخ قاسم الحنفي، ومن ثم لم يورد شيئا منها أئمة الحديث الذين صنفوا في مناقب هذا الامام كالطحاوي وصاحب طبقات الحنفية محيى الدين القرشي وآخرين متقنين ثقات أثبات نقاد، لهم اطلاع كثير اه.
وقال العلامة ابن حجر المكي في الخيرات الحسان
في ترجمة أبي حنيفة النعمان: ومن اطلع على ما يأتي في هذا الكتاب من أحوال أبي حنيفة وكراماته وأخلاقه وسيرته علم أنه غني عن أن يستشهد على فضله بخبر موضوع.
قال: ومما يصلح للاستدلال به على عظيم شأن أبي حنيفة ما روي عنه الصلاة والسلام أنه قال: (ترفع زينة الدنيا سنة خمسين ومائة) ومن ثم قال شمس الائمة الكردي: إن هذا الحديث محمول على أبي حنيفة، لانه مات تلك السنة اه.(1/56)
وقال أيضا: وقد وردت أحاديث صحيحة تشير إلى فضله: منها قوله (ص) فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة والطبراني عن ابن مسعود أن النبي (ص) قال: (لو كان الايمان عند الثريا لتناوله رجال من أبناء فارس).
ورواه أبو نعيم عن أبي هريرة والشيرازي والطبراني عن قيس بمن سعد بن عبادة بلفظ أن النبي (ص) قال (لو كان العلم مطلقا عند الثريا لتناوله رجال من أبناء فارس).
ولفظ الطبراني عن قيس (لا تناله العرب لنا له رجال من ابناء فارس).
وفي رواية مسلم عن أبي هريرة (لو كان الايمان عند الثريا لذهب به رجل من أبناء فارس حتى يتناوله).
وفي رواية للشيخين عن أبي هريرة (والذي نفسي بيده لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله رجل من فارس) وليس المراد بفارس البلاد المعروفة: بل جنس من العجم وهم الفرس، لخبر الديلمي (خير العجم فارس) وقد كان جد أبي حنيفة من فارس، على ما عليه الاكثرون.
قال الحافظ السيوطي: هذا الحديث الذي رواه الشيخان أصل صحيح يعتمد عليه في الاشارة لابي حنيفة، وهو متفق على صحته، وبه يستغني عما ذكره أصحاب المناقب ممن ليس له دراية في علم الحديث: فإن في سنده كذابين ووضاعين اه.
ملخصا وفي حاشية الشبراملسي على المواهب عن العلامة الشامي تلميذ الحافظ السيوطي قال: ما جزم به شيخنا من أن أبا حنيفة هنو المراد من هذا الحديث ظاهر لا شك فيه، لانه لم يبلغ من أبناء فارس في العلم مبلغه أحد اه.
قوله: (التستري) إمام عظيم رضي الله عنه: كان يقول: إني لاعهد الميثاق الذي أخذه الله تعالى علي في عالم الذر، وإني لارعى أولادي من هذا الوقت إلى أن أخرجهم الله إلى عالم الشهود والظهور.
قوله: (لما تهودوا الخ) أي لما داموا على دينهم الباطل واعتقادهم العاطل: لم يقبلوا ما أدخله عليهم علماؤهم من الدسائس فأعموهم عما جاء به نبينا من
النفائس فإنهم لم يقبلوا ذلك إلا لعقلهم الفاسد، ورأيهم الكاسد، فلو كان فيهم مثله غزير العلم، ثاقب الفهم، قائما بالصدق، عارفا بالحق، لرد جميع ذلك، وأنقذهم من المهالك، قبل غلوهم وتمكن الشبه في عقولهم: فإن كونه واحدا منهم يكون لكلامه أقبل فإن الجنس أميل، فلا يلزم تفضيله على نبينا المكرم (ص) فافهم.
قوله (ومناقبه أكثر من أن تحصي) هذا من مشكل التراكيب، فإن ظاهره تفضيل الشئ في الاكثرية على الاحصاء ولا معنى له، ونظائره كثيرة قل من يتنبه لاشكالها، ووجه بأوجه متعددة بينتها في رسالتي المسماة بالفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة: أحسنها ما ذكره الرضي أنه ليس المراد التفضيل بل المراد البعد عن الكثرة، ف (من) متعلقه بأفعل التفضيل بمعنى تجاوز وباين بلا تفضيل.
قوله: (سبط) قيل: الاسباط الاولاد خاصة، وقيل أولاد الاولاد، وقيل أولاد البنات، نهاية الحديث، والمشهور الثالث.
قوله: (وسماه الانتصار) إنما سماه بذلك لان الامام رضي الله عنه لما شاعت فضائله وعمت الخافقين فواضله، جرت عليه العادة القديمة من إطلاق ألسنة الحاسدين فيه حتى طعنوا في اجتهاده وعقيدته بما هو مبرأ منه قطعا لقصد أن يطفئوا نور الله، ويأبي الله إلا أن يتم نوره، كما تكلم بعضهم في مالك، وبعضهم في الشافعي، وبعضهم في أحمد، بل قد تكلمت فرقة في أبي بكر وعمر، فرقة في عثمان وعلي، وفرقة كفرت كل الصحابة:(1/57)
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالما وللناس قال باطنون وقيل من انتصر للامام رحمة الله تعالى العلامة السيوطي في كتاب سماه [ تبييض الصحيفة ] والعلامة ابن حجر في كتاب سماه الخيرات الحسان، والعلامة يوسف بن عبد الهادي الحنبلي في مجلد كبير سماه [ تنوير الصحيفة ]، وذكر فيه عن ابن عبد البر: لا يتكلم في أبي حنيفة بسوء ولا تصدقن أحدا يسئ القول فيه، فإني والله ما رأيت أفضل ولا أروع ولا أفقه من منه.
ثم قال: ولا يغتر أحد بكلام الخطيب، فإن عنده العصبية الزائدة على جماعة من العلماء كأبي حنيفة والامام أحمد وبعض أصحابه، وتحامل عليهم بكل وجه، وصنف فيه بعضهم [ السهم المصيب في كبد الخطيب ].
أما ابن الجوزي فإنه تابع الخطيب، وقد عجب سبطه منه حيث قال في [ مرآة الزمان ]: وليس العجب من الخطيب فإنه طعن في جماعة من العلماء، وإنما العجب من الجد كيف سلك أسلوبه وجاء بما هو أعظم.
قال: ومن المتعصبين على أبي حنيفة الدارقطني وأبو نعيم، فإنه لم يذكره في الحلية وذكر من دونه في العلم والزهد اه.
ومن انتصر له العارف الشعراني في الميزان بما يتعين مطالعته، قال في الخيرات الحسان: ويفرض صحة ما ذكره الخطيب من القدح عن قائله فلا يعتد به، فإنه إن كان من غير أقران الامام فهو مقلد لما قاله أو كتبه أعداؤه أو من أقرانه فكذلك، لان قول الاقران بعضهم في بعض غير مقبول كما صرح به الذهبي والعسقلاني، قالا: ولا سيما إذا لاح أنه لعداوة أو لمذهب، إذ الحسد لا ينجو منه إلا من عصمة الله تعالى.
قال الذهبي: وما علمت أن عصرا سلم أهله من ذلك إلا عصر النبيين عليهم الصلاة والصسلام والصديقين.
وقال التاج السبكى: ينبغي لك أيها المسترشد أن تسلك سبيل الادب مع الائمة الماضين، ولا تنظر إلى كلام بعضهم في بعض إلا إذا أتى ببرهان واضح ثم إن قدرت على التأويل وتحسين الظن فدونك، والا فاضرب صفحا، فإياك ثم إياك أن تصغي إلى ما اتفق بين أبي حنيفة وسفيان الثوري، أو بين مالك وابن أبي ذئب، أو بين أحمد بن صالح والنسائي، أو بين أحمد والحارث المحاسبي، وذكر كلام كثيرين من نظراء مالك فيه، وكلام ابن معين في الشافعي، قال: وما مثل من تكلم فيهما وفي نظائرهما إلا كما قال الحسن بن هانئ: يا ناطح الجبل العالي ليكلمه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل اه.
ملخصا.
وقد أطال في ذلك وفي ذكر من أنثى على الامام من أئمة السلف وممن بعدهم، وما نقلوه من سعة علمه وفهمه وزهده ورعه وعبادته واحتياطه وخوفه، وغير ذلك مما يستدعي مؤلفات، وما ينسب إلى الامام الغزالي يرده ما ذكره في إحيائه المتواتر عنه حيث ترجم الائمة الاربعة وقال: وأما أبو حنيفة فلقد كان أيضا عابدا زاهدا بالله تعالى، خائفا منه، مريدا وجه الله تعالى بعلمه الخ.
أقول: ولا عجب من تكلم السلف في بعضهم كما وقع للصحابة، لانهم كانوا مجتهدين فينكر(1/58)
بعضهم على ما خالف الاخر سيما إذا قام عنده ما يدل له على خطإ غيره، فليس قصدهم إلا الانتصار للدين لا لانفسهم، وإنما العجب ممن يدعي العلم في زماننا ومأكله وملبسه وعقوده وأنكحته وكثير من تعبداته يقلد فيها الامام الاعظم ثم يعطن فيه وفي أصحابه، وليس مثله إلا كمثل ذبابه وقعت تحت ذنب جواد في حالة كره وفره، وليت شعري لاي شئ يصدق ما قيل في أبي حنيفة ولا يصدق ما قبل في إمام مذهبه؟ ولم لا يقلد إمام مذهبه في أدبه مع هذا إلامام الجليل؟ فقد نقل العلماء ثناء الائمة الثلاثة علي أبي حنيفة وتأديهم معه، ولا سيما الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه، والكامل لا يصدر منه إلا الكمال، والناقص بضده.
ويكفي المعترض حرمانه بركة من يعترض عليه، أعاذنا الله من ذلك، وأدامنا على حب سائر المجتهدين وجميع عباده الصالحين، وحشرنا في زمرتهم يوم الدين.
ومما روي من تأدبه معه أنه قال: إني لاتبرك بأبي حنيفة وأجئ إلى قبره، فإذا عرضت حاجة صليت ركعتين وسألت الله تعالى عند قبره فتقضى سريعا.
وذكر بعض من كتب على المنهاج أن الشافعي صلى الصبح عند قبره فلم يقنت، فقيل له: لم؟ قال: تأدبا مع صاحب هذا القبر.
وزاد غيره أنه لم يجهر بالبسملة.
وأجابوا عن ذلك بأنه قد يعرض للسنة ما يرجح تركها عند الاحتجاج إليه كرغم أنف حاسد، وتعليم جاهل ولا شك أن أبا حنيفة كان له حساد كثيرون، والبيان بالفعل أظهر منه بالقول، فما فعله الشافعي رضي الله عنه أفضل من فعل القنوت والجهر.
أقول: ولا يخفي عليك أن ذلك الطاعن الاحمق طاعن في أمام مذهبه، ولذا قال في الميزان: سمعت سيدي عليا الخواص رحمة الله تعالى مرارا يقول: يتعين على أتباع الائمة أن يعظموا كل من مدحه إمامهم لان إمام المذهب إذا مدح عالما وجب على جميع أتباعه أن يمدحوه تقليدا لامامهم، وأن ينزهوه عن القول في دين الله بالرأي، وقال أيضا: لو أنصف المقلدون للامام مالك والشافعي لم يضعف أحد منهم قولا من أقوال أبي حنيفة بعد أن سمعوا مدح أئمتهم له، ولو لم يكن من التنويه برفعة مقامه إلا كون الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه ترك القنوت في الصبح لما صلى عند
قبره لكان فيه كفاية في لزوم أدب مقلديه اه.
قوله: (وصنف غيره) كالامام الطحاوي والحافظ الذهبي والكردري وغيرهم ممن قدمناهم.
قوله: (من أعظم معجزات الخ) لانه (ص) قد أخبر به قبل وجوده بالاحاديث الصحيحة التي قدمناها، فإنها محمولة عليه بلا شك كما قدمناه عن الشامي صاحب السيرة وشيخه السيوطي، كما حمل الحديث: (لا تبسوا قريشا فإن عالمها يملا الارض علما) على الامام الشافعي، لكن حمله بعضهم على ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وهو حقيق بذبلك، فإنه حير الامة وترجمان القرآن، وكما حمل حديث (يوشك أن يضرب الناس أكباد الابل يطلبون العلم فلا يجدون أعلم من عالم المدينة) على الامام مالك، لكنه محتمل لغيره من علماء المدينة المنفردين في زمنهم بخلاف تلك الاحاديث فإنها ليس لها محمل إلا أبو حنيفة وأصحابه كما أفاده ط.
أما سلمان الفارسي، رضي الله تعالى عنه، فهو وإن كان أفضل من أبي حنيفة من حيث(1/59)
الصحبة، فلم يكن في العلم والاجتهاد ونشر الدين وتدوين أحكامه كأبي حنيفة، وقد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل، وسمي ذلك بناء على أن المراد بالتحدي في تعريف المعجزة هو دعوى الرسالة، وهو قول المحققين كما في المواهب.
وقيل: المراد به طلب المعارضة والمقابلة، وعليه فذلك كرامة لا معجزة، فافهم.
قوله: (بعد القرآن) متعلق بأعظم، أي لانه أعظم المعجزات على الاطلاق، لانه معجزة مستمرة دائمة الاعجاز وقيد بذلك، وإن عبر بمن التبعيضية لئلا يتوهم مساواة هذه المعجزات لتلك، فإن المشاركة في الاعظيمة تصدق بالمساواة، فتدبر.
قوله: (اشتهار مذهبه) أي في عامه بلاد الاسلام، بل في كثير من الاقاليم والبلاد لا يعرف إلا مذهبه، كبلاد الروم والهند والسند وما وراء النهر وسمرقند.
وقد نقل أن فيها تربة المحمدين، ودفن فيها نحو من أربعمائة نفس كل منهم يقال له محمد، صنف وأفتى وأخذ عنه الجم الغفير.
ولما مات صاحب الهداية منعوا دفنه بقربها.
وروي أنه نقل مذهبه نحو من أربعة آلاف نفر، ولا بد أن يكون أصحاب، وهلم جرا.
وقال ابن حجر: قال بعض الائمة: لم يظهر لاحد من أئمة المسلمين المشهورين مثل ما ظهر لابي حنيفة من الاصحاب والتلاميذ، ولم ينتفع العلماء وجميع الناس بمثل ما انتفعوا به وبأصحابه،
في تفسير الاحاديث المشتبهة، والمسائل المستنبطة، والنوازل والقضايا والاحكام، جزاهم الله تعالى الخير التام.
وقد ذكر منهم بعض المتأخرين المحدثين في ترجمته ثمانمائة مع ضبط أسمائهم ونسبهم بما يطول ذكره اه.
قوله: (قولا) أي سواء ثبت عليه أو رجع عنه ط.
قوله: (إلا أخذ إمام) أي من أصحابه تبعا له، فإن أقوالهم مروية عنه كما سيأتي، أو غيرهم من المجتهدين موافقة في اجتهاده لان المجتهد لا يقلد مجتهدا أفاده ط.
قوله: (من زمنه إلى هذه الايام) فالدولة العباسية وإن كان مذهبهم مذهب جدهم، فأكثر قضائها ومشايخ إسلامها حنفية، يظهر ذلك لمن تصفح كتب التواريخ وكان مدة ملكهم خمسمائة سنة تقريبا.
أما الملوك السلجوقيون وبعدهم الخوارزميون، فكلهم حنيفيون وقضاة ممالكهم غالبا حنيفة.
أما ملوك زماننا سلاطين آل عثمان، أيد الله تعالى دولتهم ما كر الجديدان، فمن تاريخ تسعمائة إلى يومنا هذا لا يولون القضاء وسائر مناصبهم إلا للحنيفة، قاله بعض الفضلاء.
وليس في كلام الشارح ادعاء التخصيص في جميع الاماكن والازمان، حتي يرد أن القضاء بمصر كان مختصا بمذهب الامام الشافعي إلى زمن الظاهر بيبرس البندقداري، فافهم.
قوله: (إلى أن يحكم بمذهبه عيسى عليه السلام) تبع فيه القهستاني، وكأنه أخذه مما ذكره أهل الكشف أن مذهبه آخر المذاهب انقطاعا، فقد قال الامام الشعراني في الميزان ما نصه: قد تقدم أن الله تعالى لما من علي بالاطلاع على عين الشريعة رأيت المذاهب كلها متصلة بها:، ورأيت مذاهب الائمة تجري جداولها كلها، ورأيت جميع المذاهب التي اندرست قد استحالت حجارة، ورأيت أطول الائمة جدولا الامام أبا حنيفة، ويليه الامام مالك، ويليه الامام الشافعي، ويلبيه الامام أحمد، وأقصرهم جدولا الامام(1/60)
داود، وقد انقرض في القرن الخامس، فأولت ذلك بطول زمن العمل بمذاهبهم وقصره، فكما كان مذهب الامام أبي حنيفة أول المذاهب المكونة، فكذلك بكون آخرها انقراضا:، وبذلك قال أهل الكشف اه.
لكن لا دليل في ذلك على أن نبي الله عيسى نبينا وعليه الصلاة والسلام يحكم بمذهب أبي حنيفة، وإن كان العلماء موجودين في زمنه فلا بد له من دليل، لهذا قال الحافظ
السيوطي في رسالة سماها الاعلام ما حاصله: إن يقال إنه يحكم بمذهب من المذاهب الاربعة باطل لا أصل له، وكيف يظن بنبي أنه يقلد مجتهدا مع أن المجتهد من آحاد هذه الامة لا يجوز له التقليد، وإنما يحكم بالاجتهاد، أو بما كان يعلمه قبل من شريعتنا بالوحي: أو بما تعلمه منها وهو في السماء، أو أنه ينظر في القرآن فيفهم منه كما كان يفهم نبينا عليه الصلاة والسلام اه.
واقتصر السبكي على الاخير.
وذكر ملا على القاري أن الحافظ ابن حجر العسقلاني سئل: هل ينزل عيسى عليه السلام حافظا للقرآن أو يلتقاهما عن علماء ذلك الزمان؟ فأجاب: لم ينقل في ذلك شئ صريح، والذي يليق بمقامه عليه الصلاة والسلام أنه يتلقي ذلك عن رسول الله (ص) فيحكم في أمته كما تلقاه منه لانه في الحقيقة خليفة عنه اه.
وما يقال: إن الامام المهدي يقلد أبا حنيفة، رده ملا على القاري في رسالته: المشرب الوردي في مذهب المهدي، وقرر فيها أنه مجتهد مطلق، ورد فيها ما وضعه بعض الكذابين من قصة طويلة.
حاصلها: أن الخضر عليه السلام تعلم من أبي حنيفة الاحكام الشرعية، ثم علمها للامام أبي القاسم القشيري، وأن القشيري صنف فيها كتبا وضعها في صندوق: وأمر بعض مريديه بإلقائه في جيحون، وأن عيسى عليه السلام بعد نزوله يخرجه من جيحون ويحكم بما فيه، وهذا كلام باطل لا أصل له، ولا تجوز حكايته إلا لرده كما أوضحه ط وأطال في رده وإبطاله فراجعه.
قوله: (وهذا) أي ما تقدم من الاحاديث، ومن كثرة المناقب، ومن كون الحكم لاصحابه وأتباعه ط.
قوله: (سائر) بمعنى باقي أو جميع على خلاف بسطه في درة الغواص.
قوله: (كيف لا) أي كيف لا يختص بأمر عظيم.
قوله: (وهو كالصديق) وجه الشبه أن كلا منهما ابتدأ أمرا لم يسبق إليه، فأبو بكر رضي الله عنه ابتدأ جمع القرآن بعد وفاته (ص) بمشورة عمر، وأبو حنيفة ابتدأ تدوين الفقه كما قدمناه، أو أن أبا بكر أول من آمن من الرجال وفتح باب التصديق، كذا في حواشي الاشباه.
قال شيخنا البعلي في شرحه عليها: والاول أولى، لان وجه الشبه به أتم، وقول من قال الثاني هو الظاهر، لان القرآن بعد ما جمع لا يتصور جمعه غير ظاهر، فإنه قد جمع ثانيا والجامع له عثمان رضي اله تعالى عنه، فإن
الصديق رضي الله تعالى عنه لم يجمعه في المصاحف، وجمعه عثمان كما هو معلوم اه.
تأمل.
قوله: (له) أي للامام أجره: أئ أجر عمل نفسه، وهو تدوين الفقه واستخراج فروعه ط.
قوله: (وأجر) أي ومثل أجر من دون الفقه، أي جمعه، وأصله من التدوين: أي جعله في الديوان، وهو بكسر وفتح اسم لما يكتب فيه أسماء الجيش للعطاء، وأول من أحدثه عمر رضي الله عنه ثم أريد به مطلق الكتب مجازا أو منقولا اصطلاحيا، وقوله (وألفه) عطف على دونه م من عطف الخاص علي العام اه.
بعلى لان التأليف جمع وجه الالفة.(1/61)
تنبيه: ورد في الصحيح أنه (لا تقتل نفس ظلما إلا كان على أبن آدم الاول كفل منها، ومن سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شئ، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شئ، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله).
الحديث.
قال العلماء: هذه الاحاديث من قواعد الاسلام، وهو أن كل من ابتدع شيئا من الشر كان عليه وزر من اقتدى به في ذلك فعمل مثل عمله إلى يوم القيامة، وكل من ابتدع شيئا من الخير كان له مثل أجر كل من يعمل به إلى يوم القيامة، وتمامه في آخر عمدة المريد اللقاني.
قوله: (إلى يوم الحشر) تنازع فيه كل من دون وألف وفرع.
قوله: (وقد اتبعه) عطف على قوله (وهو كالصديق).
أي كيف لا يختص وقد اتبعه الخ.
والاتباع تقليده فيما قاله ط.
قوله: (من الاولياء) متعلق بمحذوف صفة لكثير للبيان، والولي فعيل بمعنى الفاعل، وهو من توالت طاعته من غير أن يتخللها عصيان، وبمعنى المفعول، فهو من يوالى عليه إحسان الله تعالى وإفضاله.
تعريفات السيد.
ولا بد من تحقق الوصفين حتى يكون وليا في نفس الامر، فيشترط فيه كونه محفوظا كما يشترط في النبي كونه معصوما كما في رسالة الامام القشيري.
قوله: (ممن اتصف) بدل من قوله (من الاولياء) أو حال.
قوله: (بثبات المجاهدة) من إضافة الصفة إلى موصوفها: أي المجاهدة الثابتة: أي الدائمة.
والمجاهدة لغة،: المحاربة وفي الشرع: محاربة النفس الامارة بالسوء بتحملها ما يشق عليها مما هو مطلوب في الشرع، تعريفات، وقد ورد تسمبه
ذلك بالجهاد الاكبر كما في الاحياء.
قال العراقي: رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر، ورواه الخطيب في تاريخه عن جابر بلفظ، قدم النبي (ص) من غزاة فقال عليه الصلاة والسلام (قدمتم خير مقدم، قدمتم من الجهاد الاصغر إلى الجهاد الاكبر، قالوا: وما الجهاد الاكبر؟ قال: مجاهدة العبد هواه) اه.
قوله (المشاهدة) أي مشاهدة الحق تعالى بآثاره.
قوله، (كإبراهيم بن أدهم) بن منصور البلخي.
كان من أبناء الكملوك، خرج متصيدا فهتف به هاتف: ألهذا خلقت؟ فنزل عن دابته وأخذ جبة راع وسار حتى دخل مكة، ثم أتى الشام ومات بها.
كذا في رسالة القشيري.
قوله: (وشقيق البلخي) بن إبراهيم الزاهد العابد المشهور.
صحب أبا يوسف القاضي، وقرأ عليه كتاب الصلاة، ذكره أبو الليث في المقدمة؟ وهو أستاذ حاتم الاصم، وصحب إبراهيم بن أدهم، مات شهيدا سنة 194 تميمي.
قوله: (ومعروف الكرخي) بن فيروز، من المشابخ الكبار، مجاب الدعوة: يستسقي بقبره، وهو أستاذ السري السقطي، مات سنة 200.
قوله: (وأبي يزيد بسطامي) شيخ المشايخ، وذو القدم الراسخ، واسمه طيفور بن عيسى.
كان جده جوسيا وأسلم، مات سنة 161.
قوله: (وفضيل بن عياض) الخراساني.
وروي أنه كان يقطع الطريق، وأنه عشق جارية وارتقي جدارا لها، فسمع تاليا يتلو (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم) [ الحديد: 16 ] فتاب ورجع، فورد مكة وجاور بها الحرم، ومات بها سنة 187.
رساله القشيري.
وذكر الصيمري أنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة، روي عنه الشافعي، فأخذ عن إمام عظيم، وأخذ عنه إمام عظيم.
وروي له إمامان عظيمان: البخاري ومسلم، وترجمة التميمي وغيره بترجمة(1/62)
حافلة.
قوله: (وداود الطائي) هو ابن نصر بن نصير بن سليمان الكوفي الطائي، والعالم العامل، الزاهد العابد، أحد أصحاب الامام، كان ممن شغل نفسه بالعلم ودرس الفقه وغيره، ثم اختار العزلة ولزم العبادة.
قال محارب بن دثار: لو كان داود في الامم الماضية لقص الله تعالى علينا من خبره، قال أبونعبم: مات سنة 160.
قوله: (وأبي حامد اللفاف) هو أحمد بن خضرويه البلخي، من كبار مشايخ خراسان، مات سنة 240 رسالة.
قوله: (وخلف بن أيوب) من أصحاب محمد وزفر، وتفقه
على أبي يوسف أيضا، وأخذ الزهد عن إبراهيم بن أدهم، وصحبه مدة، واختلف في وفاته، والاصح أنه سنة 215 كما ذكره التميمي.
وروي عنه أنه قال: صار العلم من الله إلى محمد (ص)، ثم صار إلى الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ثم صار إلى التابعين، ثم صار إلى أبي حنيفة، فمن شاء فليرض، ومن شاء فليسخط.
قوله: (وعبد الله بن المبارك) الزاهد الفقيه المحدث: أحد الائمة، جمع الفقه والادب والنحو واللغة والفصاحة والورع والعبادة، وصنف الكتب الكبيرة.
قال الذهبي: هو أحد أركان هذه الامة في العلم والحديث والزهد.
وأحد شيوخ الامام أحمد.
أخذ عن أبي حنيفة، ومدحه في مواضع كثيرة، وشهد له الائمة، ما سنة 181 وترجمة التميمي بترجمة حافلة، وذكر من محاسن أخباره ما يأخذ بمجامع العقل، وله روايات كثيرة في فروع المذهب ذكرت في المطولات.
قوله: (ووكيع بن الجراح) بن مليح بن عدي الكوفي، شيخ الاسلام، وأحد الائمة الاعلام.
قال يحيى بن أكتم: كان وكيع يصوم الدهر، ويختم القرآن كل ليلة.
وقال ابن معين: ما رأيت أفضل منه، قيل له: ولا ابن المبارك؟ قال: كان لابن المبارك فضل، ولكن ما رأيت أفضل من وكيع، كان يستقبل القبلة ويسرد الصوم، ويفتى بقول أبي حنيفة، وكان قد سمع منه شيئا كثيرا، قال: وكان يحيى بن سعيد القطان يفتي بقوله أيضا، مات سنة 198، وهو من شيوخ الشافعي وأحمد.
تميمي.
قوله: (وأبي بكر الوراق) هو محمد بن عمرو الترمذي.
أقام ببلخ، وصحب أحمد بن خضرويه، وله تصانيف في الرياضيات.
رسالة.
وفي طبقات التميمي: أحمد بن على أبو بكر الوراق ذكره أبو الفرج محمد بن إسحاق في جملة أصحابنا بعد أن ذكر الكرخي، فقال: وله من الكتب شرح مختصر الطحاوي.
وذكر في القنية أنه خرج حاجا، فلما سار مرحلة قال لاصحابه: ردوني، ارتكب سبعمائة كبيرة في مرحلة واحدة، فردوه اه.
قوله: (وغيرهم) كالامام العارف المشهور بالزهد والورع والتقشف والتقلل: حاتم الاصم، أحد أتباع الامام الاعظم، له كلام مدون في الزهد والحكم.
سأله أحمد بن حنبل قال: أخبرني يا حاتم فيم التخلص من الناس؟ فقال: يا أحمد في ثلاث خصال: أن تعطيهم مالك ولا
تأخذ من مالهم شيئا، وتقضي حقوقهم ولا تستقضي أحدا منهم حقا لك، وتحتمل مكروهم ولا تكره أحدا منهم على شئ، فأطرق أحمد ثم رفع رأسه فقال: يا حاتم أنها لشديدة، فقال له حاتم: وليتك تسلم(1/63)
ومنهم ختم دائرة الولاية قطب الوجود سيدي محمد الشاذلى البكري الشهير بالحنفي، الفقيه الواعط أحد من صرفه الله تعالى في الكون، ومكنه من الاحوال، نطق بالمغيبات، وخرق له العوائد، وقلب له الاعيان، وترجمة بعضهم في مجلدين، فقال العارف الشعراني: أنه لم يحط علما بمقامه حتي يتكلم عليه، وإنما ذكر بعض أمور على طريق أرباب التواريخ.
توفي سنة 847.
قوله: (لبعده) علة لقوله لا يحصي، وحذف من قبل قوله أن يستقصي لامن اللبس، هو شائع مطرد: أي لا يمكن إحصاؤه لتباعده من طلب استقصائه،: أي، غايته ومنتهاه، والتعبير بقوله: لا يحصي أبلغ من قولنا لا يعد لان العد أن تعد فردا فردا، والاحصاء يكون للجمل، لذا قال تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) [ النحل: 18 ] معناه والله أعلم: إن أردتم عدها فلا تقدروا على إحصائها، فضلا عن العد، كذا أفاده الامام النسفي في المستصفي.
قوله: (إبو القاسم) تلك كنيته، واسمه عبد الكريم بن هوازن الحافظ المفسر الفقيه، والنحوي اللغوي الاديب الكاتب القشيري، الشجاع البطل، لم ير مثل نفسه، ولا رأى الراؤون مثله، وإنه الجامع لانواع المحاسن.
ولد سنة 377، وسمع الحديث من الحاكم وغيره، وروى عنه الخطيب وغيره، وصنف التصانيف الشهيرة، وتوفي سنة 465 ط عن الزرقاني على المواهب.
قوله: (في رسالته) أي التي كتبها إلى جماهة الصوفية ببلدان الاسلام سنة 437 ه، ذكر فيها مشايخ الطريقة وفسر ألفاطا تدور بينهم بعبارات أنيقة.
قوله: (مع صلابته) أي قوته وتمكنه ط.
قوله: (في مذهبه) وهو مذهب الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه أو طريقة أهل الحقيقة ط.
قوله: (سمعت الخ) مقول القول: أبو علي هو الحسن بن علي الدقاق.
وأبو القاسم هو إبراهيم بن محمد النصر اباذي بالذال المعجمة شيخ خراسان، جاور بمكة، ومات بها سنة 367.
والشبلي هو الامام أبو بكر دلف ا الشبلي البغدادي المالكي المذهب، صحب الجنيد،
مات سنة 334.
والسري هو أبو الحسن بن مغلس السقطي خال الجنيد وأستاذه، توفي سنة 257.
قوله: (من أبي حنيفة)، هو فارس هذا الميدان، فإن مبني علم الحقيقة على العلم والعمل وتصفية النفس، وقد وصفه بذلك عامة السلف، فقال أحمد بن جنبل في حقه: إنه كان من لعلم والورع والزهد وإيثار الاخرة بمحل لا يدركه أحد، ولقد ضرب بالسياط ليلى القضاء فلم يفعل.
وقال عبد الله بن المبارك: ليس أحد أحق من أن يقتدى به من أبي حنيفة، لانه كان إماما تقيا نقيا ورعا عالما فقيها، كشف العلم كشفا لم يكشفه أحد ببصر وفهم وفطنة وتقي.
وقال الثوري لمن قال له جئت عند أبي حنيفة: لقد جئت من عند أعبد أهل الارض.
وأمثال ذلك مما نقله ابن حجر وغيره من العلماء الاثبات.
قوله: (فعجبا) هو مفعول مطلق، أي(1/64)
فأعجب منك عجبا.
وهذا الخطاب لمن أنكر فضله أو خالف قوله ط.
قوله:: (ألم يكن) استفهام تقريري بما بعد النفي، أو هو إنكاري بمعنى النفي كالذي بعده.
قوله: (أسوة) بكسر الهمزة وضمها: أي قدوة قوله: (وفي هؤلاء) متعلق بأسوة، وفي بمعنى الباء أو للظرفية المجازية على حد قوله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
قوله: (وهم أئمة هذه الطريقة الخ) في رسالة الفتوحات للقاضي زكريا: الطريقة سلوك طريق الشريعة، والشريعة: أعمال شرعية محدودة، وهما والحقيقة متلازمة، لان الطريق إليه تعالى ظاهر وباطن، فظاهرها الطريقة والشريعة، وباطنها الحقيقة، فبطون الحقيقة في الشريعة والطريقة كبطون الزبد في لبنه، لا يظفر بزبده بدون مخصه، والمراد من الثلاثة إقامة العبودية على الوجه المراد من العبد اه.
ابن عبد الرزاق.
قوله: (ومن بعدهم) أي من أتي بعد هؤلاء الائمة في الزمان سالكا في هذا الامر، وهو علم الشريعة والحقيقة فهو تابع لهم، إذ هما الائمة فيه، فيكون فخره باتصال سنده بهذا الامام، كما كان ذلك فخر الائمة المذكورين الذين افتخروا بذلك وتبعوه في حقيقته ومشربه، واقتدى كثير منهم بطريقته ومذهبه قوله: (فلهم) متعلق بقوله تبع، وهو بالتحريك بمعنى تابع: خبر ميبتدأ محذوف والجملة خبر من، ودخلت عليها الفاء لان (من) فيها معنى العموم فأشبعهت الشرطية.
قوله: (وكا نا) إي كل رأي.
قوله: (ما اعتمدوه) من الثناء عليه والافتخار به من حيث أخذ علم الحقيقة عنه.
قوله: (ومبتدع) بالبناء للمفعول: أي محدث لم يسبق بنظير.
قوله: (وبالجملة) إي فأقول قولا ملتبسا بالجملة: أي جملة ما يقال في هذا المقام.
قوله: (لقد زان البلاد الخ) من الزين وهو ضد الشين.
يقال زانه وأزانه وزينه وأزينه كما في القاموس، والبلاد: جمع بلد، كل قطعة من الارض مستحيزة عامرة أو غامرة.
قاموس.
ومن عليها: أهلها.
وقوله بأحكام متعلق بزان.
ووجه ذلك، إن استنباط الاحكام الشرعية وتدوينها وتعليمها للناس سبب للعمل بها.
وبلا شك أن الانقياد للاحكام الشرعية وعمل الحكام بها والرعية زين للبلاد والعباد، ينتظم به أمر المعاش والمعاد، وبضده الجهل والفساد، فإنه شين ودمار للديار والاعمار.
قوله: (وآثار) جمع أثر.
قال النووي في شرح مسلم: الاثر عند المحدثين يعم المرفوع والموقوف كالخبر، والمختار إطلاقه على المروي مطلقا، سواء كان عن الصحابي أو المصطفى (ص) وخصه فقهاء خراسان بالموقوف على الصحابي والخبر بالمرفوع.
ولقد كان رحمه الله تعالى إماما في ذلك.
فإنه رضى الله عنه أخذ الحديث عن أربعة آلاف شيخ من أئمة التابعين وغيرهم.
ومن ثم ذكره الذهبي وغيره في طبقات الحفاظ من المحدثين.
ومن زعم قلة اعتنائه فهو إما لتساهله، أو حسده، إذ كيف يتأتى ممن هو كذلك استنباط(1/65)
مثل ما استنبطه من المسائل، مع أنه أول من استنبط من الادلة على الوجه المخصوص المعروف في كتب أصحابه، ولاجل اشتغاله بهذا الاهم لم يظهر حديثه في الخارج، كما أن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما لما اشتغلا بمصالح المسلمين العامة لم يظهر عنهما من رواية الاحاديث مثل ما ظهر عن صغار الصحابة، وكذلك مالك والشافعي لم يظهر عنهما مثل ما ظهر عمن تفرغ للرواية كأبي زرعه وابن معين لاشتغالهما بذلك الاستنباط.
على أن كثرة الرواية بدون دراية ليس فيه كثير مدح بل عقد له ابن عبد البر بابا في ذمه ثم قال: والذي عليه فقهاء جماعة المسلمين وعلمائهم، ذم الاكثار من الحديث بدون تفقه ولا تدبر.
وقال ابن شبرمة: أقلل الرواية تتفقه.
وقال ابن المبارك: ليكن الذي تعتمد عليه الاثر، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث.
ومن أعذار أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ما يفيده قوله: لا ينبغي للرجل أن يحدث من الحديث إلا بما يحفظه يوم سمعه إلى يوم يحدث به، فهو لا يروي الرواية إلا لمن حفظ.
وروي الخطيب عن إسرائيل بن يونس أنه قال: نعم الرجل النعمان، ما كان أحفظه لكل حديث فيه فقه وأشد فحصه عنه، وأعلمه بما فيه من الفقه.
وتمامه في الخيرات الحسان لابن حجر.
قوله: (وفقه) المراد به ما يعم التوحيد، فإن الفقه كما عرفه الامام معرفة النفس ما لها وما عليها ط.
قوله: (كآيات الزبوز) التشبيه في الايضاح والبيان لا في احكام، لان الزبور مواعظ، ويحتمل أنه تشبيه في الزينة، والمعنى أنه زان ما ذكر كما زينت النقوش الطروس ط.
قوله: (فما في المشرقين الخ) المشرق محل الشروق: أي الطلوع، والمغرب محل الغروب، وثناهما مع أن كلا منهما واحد كما في قوله تعالى (رب المشرقين ورب المغربين) على إرادة مشرقي الشتاء والصيف ومغربيهما.
قاله البيضاوي.
وقيل مشرق الشمس والفجر، ومغرب الشمس والشفق، أو مشرق الشمس والقمر ومغربيهما، وجمعا في قوله تعالى: (رب المشارق والمغارب) باعتبار الاقطار أو الايام أو المنازل.
أفاده ط.
قوله: (ولا بكوفة) خصها بالذكر مع أن المراد المشرقين والمغربين وما بينهما بقرينة المقام لانها بلده، أو لانها من أعظم بلاد الاسلام يومئذ.
قال في القاموس: الكوفة الرملة الحمرة المستديرة، أو كل رملة يخالطها حصباء، ومدينة العراق الكبرى، وقبة الاسلام، ودار هجرة المسلمين، مصرها سعد ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، وكانت منزل نوح وبنى مسجدها.
سميت بذلك لاستدارتها واجتماع الناس بها.
ويقال لها كوفان ويفتح، وكوفة الجند لانها اختطت فيها خطط العرب أيام عثمان رضي الله تعالى عنه، خططها السائب بن الاقرع الثقفي الخ.
قوله: (يبيت مشمرا الخ) التشمير: الجد والتهيؤ.
قاموس.
وسهر فعل ماض، والجملة حال على إضمار (قد) مثلها في قوله تعالى (أو جاؤوكم حصرت صدورهم) أو صفة مشبهة والاولى أنسب بقوله: وصام، ولله متعلق بصام، وخفيه مفعول لاجله، وزاد في تنوير الصحيفة بعد هذا البيت وبيتين وهما(1/66)
وصان لسانه عن كل إفك وما زالت جوارحه عفيفه
يعف عن المحارم والملاهي ومرضاه الاله له وظيفه وننقل نبذة يسيرة شاهدة لهذه الابيات عن ابن حجر.
قال الحافظ الذهبي: قد تواتر قيامه باليلل وتهجده وتعبده: أي، ومن ثم كان يسمى الوتد لكثرة قيامه باليلل، بل أحياه بقراءة القرآن في ركعة ثلاثين سنة وكان يسمع بكاؤه باليلل حتى يرحمه جيرانه.
ووقع رجل فيه عند ابن المبارك فقال: ويحك، أتقع في رجل صلى خمسا وأربعين سنة الخمس صلوات بوضوء واحد، وكان يجمع القرآن في ركعة، ونظمت ما عندي من الفقه منه ولما غسله الحسن بن عمارة قال: رحمك الله، وغفر لك، لم تفطر منذ ثلاثين سنة، وقد أتبعت من بعدك، وفضحت القراء وقال الفضل بن دكين: كان هيوبا، لا يتكلم إلا جوابا، ولا يخوض فيما لا يعنيه، ولا يستمع إليه.
وقيل له اتق الله، فانتفض وطأطأ رأسه ثم قال: يا أخي جزاك الله خيرا، ما أحوج أهل كل وقت إلى من يذكرهم الله تعالى وقال الحسن بن صالح: كان شديد الورع، هائبا للحرام، تاركا لكثير من الحلال مخافة الشبهة، ما رأيت فقيها أشد منه صيانة لنفسه.
قوله: (رأيت) أي علمت أو أبصرت، وعلى الاول فالعائبين مفعوله الاول، وهو جمع عائب، أعلت عينه بالهمزة كقائل وبائع.
فافهم.
وسفاها مفعوله الثاني.
قال في القاموس: سفه كفرح، وكرم علينا: جهل كتسافه فهو سفيه جمعه سفهاء وسفاه.
وخلاف الحق صفة: أي مخالفين، أو ذوي خلاف.
والحجج: جمع حجة بالضم، وهي البرهان، سماها بذلك بناء على زعم العائبين، والا فهي شبهة وأوهام فاسدة.
قوله: (ابن إدريس) بالتنوين للضرورة، والمراد بها الامام الرئيس ذو العلم النفيس، محمد بن إدريس الشافعي القرشي رضي الله تعالى عنه، نفعنا به في الدارين آمين.
ومقالا مصدر قال، منصوب على المفعولية المطلقة.
وصحيح النقل نعت له، وهو صفة مشبهة مضافة إلى فاعلها: أي صح نقله عنه قاله ابن حجر: وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه: من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة، إنه ممن وفق له الفقه.
هذه رواية حرملة عنه.
ورواية الربيع عنه: الناس عيال في
الفقه على أبي حنيفة، ما رأيت أي عملت أحدا أفقه منه.
وجاء عنه أيضا: من لم ينظر في كتبه لم يتبحر في العلم.
ولا يتفقه اه.
قوله: (في حكم) إي في ضمن حكم الطيفة لم يصرح بها، منها ترغيب الناس في مذهبه، والرد على العائبين له، وبيان اعتقاده في هذا الامام، والاقرار بالفضل للمتقدم.
قوله: (بأن الناس) الباء زائدة أو للتعدية، لتضمن قال معنى صرح ونحوه مما يتعدى بالباء.
وفي فقه متعلق بعيال، من عاله: إذا تكفل له بالنفقة ونحوها.
قوله: (على من رد(1/67)
قول أبي حنيفة) أي على من رد ما قاله من الاحكام الشرعية محتقرا لها، فإن ذلك موجب للطرد والابعاد، لا بمجرد الطعن في الاستدلال لان الائمة لم تزل يرد بعضهم قول بعض، ولا بمجرد الطعن في الامام نفسه، لان غايته الحرمة فلا يوجب اللعن، لكن ليس فيه لعن شخص معين فهو كلعن الكاذبين ونحوهم من العصاة، فافهم.
وفي هذا البيت من عيوب الشعر الايطاء، على أنه لم يذكره في تنوير الصحيفة كما قاله ابن عبد الرزاق.
قوله: (وقد ثبت الخ) ففي تاريخ ابن خلكان عن الخطيب أن حفيد أبي حنيفة قال: أنا إسماعيل بن حماد بن النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان من أبناء من الاحرار، والله ما وقع علينا رق قط، ولد جدي أبو حنيفة سنة ثمانين، وذهب ثابت إلى علي بن أبي طالب رضي اله تعالى عنه وهو صغير فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته، ونحن نرجو أن يكون الله تعالى قد استجاب لعلي فينا؟ والنعمان بن المرزبان أبو ثابت هو الذي أهدى لعلي الفالوذج في يوم مهرجان فقال علي: مهرجونا كل يوم هكذا اه.
وبه ظهر أن ما في بعض الكتب من قوله: وذهب ثابت بجدي إلى علي الخ غير ظاهر، لان عليا مات سنة أربعين من الهجرة كما في ألفية العراقي، فالظاهر أن لفظة (بجدي) من زيادة النساخ، أو الباء زائدة وأصله جدي.
قوله: (وصح الخ) قال بعض متأخري المحدثين ممن صنف في مناقب الامام كتابا حافلا ما حاصله: إن أصحابه الاكابر كأبي يوسف ومحمد بن الحسن وابن المبارك وعبد الرزاق وغيرهم لم ينقلوا عنه شيئا من ذلك، ولو كان لنقلوه، فإنه مما يتنافس فيه المحدثون ويعظم افتخارهم، وبأن كل سند فيه أنه سمع من صحابي لا يخلو من كذاب، فأما رؤيته لانس وإدراكه لجماعة من الصحابة
بالسن فصحيحان لا شك فيهما، وما وقع للعيني أنه أثبت سماعه لجماعة من الصحابة رده عليه صاحبه الشيخ الحافظ قاسم الحنفي.
مطلب فيما اختلف فيه من رواية الامام عن بعض الصحابة والظاهر أن سبب عدم سماعة ممن أدركه من الصحابة أنه أول أمره اشتغل بالاكتساب حتى أرشده الشعبي لما رأى من باهر نجابته إلى الاشتغال بالعلم، ولا يسع من له أدنى إلمام بعلم الحديث خلاف ما ذكرته اه.
لكن يؤيد ما قاله العيني: قاعدة المحدثين أن راوي الاتصال مقدم على راوي الارسال أو الانقطاع، لان معه زيادة علم، فاحفظ ذلك فإنه مهم.
كذا في عقد اللالي والمرجان للشيخ إسماعيل العجلوني الجراحي.
وعلى كل فهو من التابعين، ممن جزم بذلك الحافظ الذهبي والحافظ العسقلاني وغيرهما.
قال العسقلاني: إنه أدرك جماعة من الصحابة كانوا بالكوفة بعد مولده بها سنة ثمانين، ولم يثبت ذلك لاحد من أئمة الامصار المعاصرين له: كالاوزاعي بالشام، والحمادين بالبصرة، والثوري بالكوفة، ومالك بالمدينة الشريفة، والليث بن سعد بمصر.
قوله: (وأدرك بالسن) أي وجد في زمنهم وإن لم يرهم كلهم.
قوله: (كما بسط في أوائل الضياء) فقال: هم ابن نفيل، ووائلة، وعبد الله بن عامر وابن أبي أوفي، وابن جزء، وعتبة، والمقداد، وابن بسر، وابن ثعلبة، ويسهل بن سعد وأنس(1/68)
وعبد الرحمن بن يزيد ومحمود بن لبيد ومحمود بن الربيع وأبو أمامة وأبو الطفيل فهؤلاء من ثمانية عشر صحابيا، وربما أدرك غيرهم ممن لم أظفر به اه.
ملخصا.
وزاد في تنوير الصحيفة: عمرو بن حريث، وعمرو بن سلمة وابن عباس، وسهل بن منيف.
ثم قال: وغير هؤلاء من أماثل الصحابة رضي اله تعالى عنهم اه ابن عبد الرزاق.
قوله: (مذهب) بسكون الباء لضرورة النظم وهو مضاف وعظيم مضاف إليه اه ح.
قوله، (الفتى) من الفتوة، وهي السخاء والقوة ط.
قوله: (سابق الائمة) أي الائمة الثلاثة بالعلم، أي بالاجتهاد فيه، وكل الائمة المجتهدين بتدوينه، فإنه أول من دونه كما مر.
قوله: (جمعا) مفعول أدرك المذكور بعده، فافهم.
قوله: (من أصحاب) بدرج الهمزة لنقل حركتها إلى النون
قبلها، وألف أدركا للاشباع كألف سلكا.
قوله: (إثرهم) بكسر فسكون مع إشباع الميم: أي بعدهم، فهو ظرف متعلق بما بعده، أو بفتحين وسكون الميم: أي خبرهم فهو مفعول اقتفى.
طريقة مفعول سلك، والمراد بها الحالة التي كان عليها من الاعتقاد والعلم والعمل.
والمنهاج في الاصل: الطريق الواضح، وأراد به هنا مطلق الطريق فأضاف واضحة إليه.
قوله: (الداجي) شديد الظلمة.
قاموس.
قوله: (وقد روي عن أنس) هو ابن مالك الصحابي الجليل، خادم رسول الله (ص) مات بالبصرة سنة اثنتين، وقيل ثلاث وتسعين، ورجحه النووي وغيره، وقد جاوز المائة.
قال ابن حجر: قد صح كما قال الذهبي إنه رآه وهو صغير.
وفي رواية قال:: رأيته مرارا، وكان يخضب بالحمرة.
وجاء من طرق أنه روى عنه أحاديث ثلاثة، لكن قال أئمة المحدثين مدارها على من اتهمه الائمة بوضع الاحاديث اه.
قال بعض الفضلاء: وقد أطال العلامة طاش كبرى في سرد النقول الصحيحة في إثبات سماعه منه، والمثبت مقدم على النافي.
قوله: (وجابر) أي ابن عبد الله.
واعترض بأنه مات سنة 79 قيل ولادة الامام بسنة، ومن ثم قالوا في الحديث المروي عن أبي حنيفة عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه (ص) أمر من لم يرزق ولدا بكثرة الاستغفار والصدقة، ففعل فولد له تسعة ذكور.
إنه حديث موضوع.
ابن حجر.
لكن نقل ط عن شرح الخوارزمي على مسند الامام أن الامام قال في سائر الاحاديث: سمعت، وفي روايته عن جابر ما قال سمعت.
وإنما قال عن جابر كما هو عادة التابعين في إرسال الاحاديث.
ويمكن أن يقال: إنه يتمشي على القول بولادة الامام سنة 70 اه.(1/69)
أقول: والحديث المذكور، إن كان موجودا في سند الامام، فغاية ما فيه أنه مرسل، وأما الحكم عليه بالوضع فلا وجه له، لان الامام حجة ثبت لا يضع ولا يروي عن وضاع.
قوله: (وابن أبي أوفي) هو عبد الله، آخر من مات من الصحابة بالكوفة سنة 86، وقيل 87، وقيل سنة 88، سيوطي في شرح التقزيب.
قال ابن حجر: روي عنه الامام هذا الحديث المتواتر (من بني لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة).
قوله: (أعني أبا الطفيل) أي أقصد بعامر المذكور أبا الطفيل بن واثلة بكسر الثاء المثلثة الليثي، وهو آخر الصحابة موتا على اطلاق.
وتوفي بمكة، وقيل
بالكوفة سنة مائة كما جزم به العراقى وغيره تبعا لمسلم، وصحح الذهبي أنه سنة عشر ومائة، وقيل سبع وعشرين.
قوله: (وابن أنيس) هو عبد الله الجهني.
أخرج بعضهم بسنده إلى الامام أنه قال: ولدت سنة ثمانين، وقدم عبد الله بن انيس صاحب رسول االله (ص) الكوفة سنة أربع وتسعين، ورأيته وسمعت عن رسول الله (ص) (حبك الشئ يعمي ويصم).
واعترض بأن في سنده مجهولين بأن ابن انيس مات سنة 54.
وأجيب بأن هذا الاسم لخمسة من الصحابة فلعل المراد غير الجهني.
ورد بأن غيره لم يدخل الكوفة.
قوله: (وواثلة) هو بالثاء المثلثة أيضا كما في القاموس ابن الاسقع بالقاف.
مات بالشام سنة خمس أو ثلاث أو ست وثمانين.
سيوطي.
وروي الامام عنه حديثين (لا تظهر الشمانة لاخيك فيعا فيه الله ويبتليك) (دع ما يريبك إلى ما لا يربيك) والاول رواه الترمذي من وجه آخر وحسنه، والثاني جاء من رواية جمع من الصحابة وصححه الائمة.
ابن حجر.
قوله: (عن ابن جزء) هو عبد الله بن الحارث بن جرء بفتح الجيم وسكون الزاي وبالهمزة، الزبيدي بضم الزاي مصغرا.
واعترض بأنه مات سنة 86 بمصر بسقط أبي تراب: قرية من الغريبة قرب سمنود والمحلة، ومكان مقيما بها.
وأما ما جاء عن أبي حنيفة من أنه حج مع أبيه سنة 96 وأنه رأي عبد الله هذا يدرس بالمسجد الحرام وسمع منه حديثا، فرده جماعة منهم الشيخ قاسم الحنفي، بأن سند ذلك فبه قلب وتحريف، وفيه كذاب باتفاق، وبأن ابن جزء مات بمصر ولابي حنيقة ست سنين، وبأن ابن جزء لم يدخل الكوفة في تلك المدة.
ابن حجر.
قوله: (وبنت عجرد) اسمها عائشة.
واعترض بأن حاصل كلام الذهبي وشيخ الاسلام ابن حجر العسقلاني أن هذه لا صحبة لها، وأنها لا تكاد تعرف، وبذلك رد ما روي أن أبا حنيفة روي عنها هذا الحديث الصحيح (أكثر جند الله في الارض الجراد، لا آكله ولا أحرمه) ابن حجر الهيتمي.
وزاد على من ذكر هنا ممن روي عنهم الامام فقال: ومنهم سهل بن سعد، ووفاته سنة 88 وقيل بعدها.
ومنهم السائب بن يزيد بن سعيد، ووفاته سنة إحدى أو اثنين أو أربع وتسعين.
ومنهم عبد الله بن بسر، ووفاته سنة 96.
ومنهم محمود بن الربيع، ووفاته سنة 99.
قوله: (رضي الله) الاصوب: فرضي بالفاء كما في نسخة ليتم الوزن ويسلم من ادعاء دخول الخزل
فيه.
قوله: (ليلي القضاء) أي قضاء القضاة لتكون قضاء الاسلام من تحت أمره، والطالب له هو(1/70)
المنصور فامتنع فحسبه، وكان يخرج كل يوم فيضرب عشرة أسواط وينادي عليه في الاسواق، ثم ضرب ضربا موجعا حتى سال الدم على عقبه ونودي عليه وهو كذلك، ثم ضيق عليه تضييقا شديدا حتى في مأكله ومشربه، فبكى وأكد الدعاء، فتوفي بعد خمسة أيام.
وروى جماعة أنه دفع إليه قدح فيه سم فامتنع وقال: لا أعين على قتل نفسي، فصب فيه قهرا، قيل إن ذلك بحضرة المنصور.
وصح أنه لما أحس بالموت سجد فمات وهو ساجد.
قيل: والسبب في ذلك أن بعض أعدائه دس إلى منصور أنه هو الذي أثار عليه إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي رضي الله عنهم الخارج عليه بالبصرة، فطلب منه القضاء مع علمه بأنه لا يقبله ليتوصل إلى قتله اه.
ملخصا من [ الخيرات الحسان ] لابن حجر وذكر التميمي أن الخطيب روى بسنده أن أبا هبيرة كان عامل مروان على العراق، فكلم أبا حنيفة أن يلي قضاء الكوفة فأبي، فضربه مائة سوط وعشرة أسواط ثم خلى سبيله.
وكان أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك بكى وترحم عليه، خصوصا بعد أن ضرب هو أيضا اه.
فالظاهر تعدد القصة.
وبنو مروان قبل المنصور فإنه من بنى العباس، فقصة أبي هبيرة كانت اولا، والله أعلم.
وقوله: (وله) أي من العمر.
قوله: (بتاريخ) متعلق بقوله توفي، فما قبله بيان المكان، وهذا بيان الزمان.
مطلب في مولد الائمة الاربعة ووفاتهم ومدة حياتهم فائدة، قد عملت أن أبا حنيفة ولد سنة 80 ومات سنة 150.
وعاش 70 سنة.
وقد ولد الامام مالك سنة 90 ومات سنة 179 وعاش 89 سنة.
والشافعي ولد سنة 150 ومات سنة 204 وعاش 54 سنة.
وأحمد ولد سنة 164 ومات سنة 241 وعاش 77 سنة، وقد نظم جميع ذلك بعضهم مشيرا إليه بحروف الجمل، لكل إمام منهم ثلاث كلمات على هذا الترتيب فقال: تاريخ نعمان يكن سيف سطا ومالك في قطع جوف ضبطا والشافعي صين ببرند وأحمد بسبق أمر حعد
فاحسب على ترتيب نظم الشعر ميلادهم فموتهم كالعمر قوله: (فأجابه الخ) لله در هذا الصبى ما أحكمه حيث علم أن سقوطه وإن تضرر به جسده وحده لكنه لا يضر في الدين فكأنه ليس بسقوط، بخلاف سقوط العالم في طريق الحق، فإنه إذا كان قبل بذل المجهود في نيل المقصود يلزم منه سقوط غيره ممن اتبعه أيضا، فيعود ضررهم عليه وذلك ضرر في الدين، على حد قوله تعالى (فإنها لا تعمى الابصار) الاية: أي العمى الضار ليس عمى الابصار وإنما هو عمى القلوب.
قوله: (فحينئذ الخ) روي الامام أبو جعفر الشيراماذي عن شقيق البلخي أنه كان يقول: كان الامام أبو حنيفة من أورع الناس، أعبد الناس وأكرم الناس،(1/71)
وأكثرهم الحتياطا في الدين، وأبعدهم عن القول بالرأي في دين الله عزوجل، وكان لا يضع مسألة في العلم حتى يجمع أصحابه عليها ويعقد عليها مجلسا، فإذا اتفق أصحابه كلهم على موافقتها للشريعة قال لابي يوسف أو غيره: ضعها في الباب الفلاني اه.
كذا في الميزان للامام الشعراني قدس سره.
ونقل ط عن مسند الخوارزمي أن الامام اجتمع معه ألف من أصحابه، أجلهم وأفضلهم اربعون قد بلغوا حد الاجتهاد، فقربهم وأدناهم وقال لهم: إني ألجمت هذا الفقه وأسرجته لكم فأعينوني، فإن الناس قد جعلوني جسرا على النار، فإن المنتهي لغيري، واللعب على ظهري، فكان إذا وقعت واقعة شاورهم وناظرهم وجاورهم وسألهم، فيسمع ما عندهم من الاخبار والاثار ويقول ما عنده ويناظرهم شهرا أو أكثر حتى يستقر آخر الاقوال فيثبته أبو يوسف، حتى أثبت الاصول على هذا المنهاج شورى، لا أنه تفرد بذلك كغيره من الائمة اه.
قوله: (إن توجه لكم دليل) أي ظهر لكم في مسألة وجه الدليل على غير ما أقول ط.
قوله: (فقولوا به) وكان كذلك، فحصل المخالفة من الصاحبين في نحو ثلث المذهب، لاحد الاكثر في الاعتماد على قول الامام ط.
قوله: (فكان كل يأخذ برواية عنه) أي فليس لاحد منهم قول خارج عن أقواله، ولذا قال في الولوالجية من كتاب الجنايات: قال أبو يوسف: ما قالت قولا خالفت فيه أبا حنيفة إلا قولا قد كان قاله.
وروي عن زفر أنه قال: ما خالفت في شئ إلا قد قاله ثم رجع عنه.
فهذه إشارة
إلى أنهم ما سلكوا طريق الخلاف، بل قالوا ما قالوا عن اجتهاد ورأي اتباعا لما قاله أستاذهم أبو حنيفة اه.
وفي آخر الحاوي القدسي: وإذا أخذ بقول واحد منهم يعلم قطعا أنه يكون به آخذا بقول أبي حنيفة.
فإنه روى عن جميع أصحابه من الكبار كأبي يوسف ومحمد وزفر والحسن أنهم قالوا: ما قلنا في مسألة قولا إلا وهو روايتنا عن أبي حنيفة، وأقسموا عليه أيمانا غلاظا فلم يتحقق إذا في الفقه جواب ولا مذهب إلا له كيفما كان، وما نسب إلى غيره إلا بطريق المجاز للموافقة اه.
فإن قلت: إذا رجع المجتهد عن قول لم يبق قولا له، بل صرح في قضاء البحر بأن ما خرج عن ظاهر الرواية فهو مرجوع عنه، وأن الرجوع عنه ليس قولا له اه.
وفيه عن التوشيح أن ما رجع عنه المجتهد لا يجوز الاخذ به، فإذا كان كذلك فما قاله أصحابه مخالفين له فيه ليس مذهبه، فحينئذ صارت أقوالهم مذاهب لهم، مع أنا التزمنا تقليد مذهبه دون مذهب غيره، ولذا نقول إن مذهبنا حنفي لا يوسفي ونحوه.
مطلب صح عن الامام أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي قلت: قد يجاب بأن الامام لما أمر أصحابه بأن يأخذوا من أقواله بما يتجه لهم منها عليه الدليل صار ما قالوه قولا له لابتنائه عن قواهده التى أسسها لهم، فلم يكن مرجوعا عنه من كل وجه، فيكون من مذهبه أيضا، ونظير هذا ما نقله العلامة ببري في أول شرحه على الاشباه عن شرح الهداية لان الشحنة، ونصه: إذا صح الحديث وكان على خلاف المذهب عمل بالحديث ويكون ذلك مذهبه، ولا يخرج مقلده عن كونه حنيفا بالعمل به، فقد صح عنه أنه قال: إذا صح الحديث(1/72)
فهو مذهبي.
وقد حكي ذلك ابن عبد البر عن أبي حنيفة وغيره من الائمة اه.
ونقله أيضا الامام الشعراني عن الائمة الاربعة ولا يخفي أن ذلك لمن كان أهلا للنظر في النصوص ومعرفة محكمها من منسوخها، فإذا نظر أهل المذهب في الدليل وعملوا به صح نسبته إلى المذهب لكونه صادرا بإذن صاحب المذهب، إذ
لا شك أنه لو علم ضعف دليله رجع عنه واتبع الدليل الاقوى، ولذا رد المحقق ابن الهمام على بعض المشايخ حيث أفتوا بقول الامامين بأنه لا يعدل عن قول الامام إلا لضعف دليله.
قوله: (وعلم) خبر آخر عن قوله وهذا، أي وهذا القول، علم منه.
أي دليل علمه بأن الاختلاف الخ ط.
وفي بعض النسخ: وعلمه بالضمير، وهو المناسب.
قوله: (بأن الاختلاف) أي بين المجتهدين في الفروع، لا مطلق الاختلاف.
مطلب في حديث اختلاف أمتي رحمة قوله: (من آثار الرحمة) فإن اختلاف أئمة الهدى توسعة للناس كما في أول التاترخانية، وهذا يشير إلى الحديث المشهور على ألسنة الناس، وهو (اختلاف أمتي رحمة) قال في المقاصد الحسنة: رواه البيهقي بسند منقطع عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بلفظ: قال رسول الله (ص) (مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به، لا عذر لاحد في تركه.
فإن لم يكن في كتاب الله فسنة مني ماضية، فإن لم تكن سنة مني فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فأيما أخذتم به أهتديتم، واختلاف اصحابي لكم رحمة) وأورده ابن الحاجب في المختصر بلفظ (اختلاف أمتى رحمة للناس)) وقال ملا على القاري: إن السيوطي قال: أخرجه نصر المقدسي في الحجة، والبيهقي في الرسالة الاشعرية بغير سند، ورواه الحليمي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم، ولعله خرج في كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا.
ونقل السيوطي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول: ما سرني لو أن أصحاب محمد (ص) لم يختلفوا، لانهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة.
وأخرج الخطيب أن هارون الرشيد قال لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله نكتب هذه الكتب: يعني مؤلفات الامام مالك.
ونفرقها في آفاق الاسلام لنحمل عليها الامة، قال: يا أمير المؤمنين، إن اختلاف العلماء رحمة من الله تعالى على هذه الامة، كل يتبع ما صح عنده، وكلهم على هدى، كل يريد الله تعالى، وتمامه في [ كشف الخفاء ومزيل الالباس ] لشيخ مشايخنا الشيخ إسماعيل الجراحى.
قوله: (كانت الرحمة أوفر) أي الانعام أزيد ط.
قوله: (لما قالوا) باللام، أي، لما رآه العلماء في
شأن ذلك، وهو الحديث السابق وغيره، ويحتمل أنها كاف معلقة حرفها النساخ: أي، كما قال العلماء ذلك، ويحتمل أن جملة قوله رسم المفتى مقول القول ومحط التعليل على التخيير في الافتاء بالقولين المصححين.
فإن في ذلك رحمة وتوسعة ط.
مطلب: رسم المفتي قوله: (رسم المفتي) أي العلامة التي تدل على ما يفتي به وهو مبتدأ، وقوله إن الخ(1/73)
خبره.
قال في [ فتح القدير ] وقد استقر رأي الاصوليين على أن المفتي هو المجتهد، فأما غير المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفت، والواجب عليه إذا سئل أن يذكر قول المجتهد كالامام على وجه الحكاية، فعرف أن ما يكون في زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى، بل هو نقل كلام المفتي ليأخذ به المستفتي.
وطريق نقله لذلك عن المجتهد أحد أمرين: إما أن يكون له سند فيه، أو يأخذه من كتاب معروف تداولته الايدي نحو كتب محمد بن الحسن ونحوها، لانه بمنزلة الخير المتواتر أو المشهور انتهى ط.
قوله: (في الروايات الظاهرة) اعلم أن مسائل أصحابنا الحنيفة على ثلاث طبقات أشرت إليها سابقا ملخصة ونظمتها: الاولى: مسائل الاصول، وتسمى ظاهر الرواية أيضا، وهي مسائل مروية عن أصحاب المذهب، وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، ويلحق بهم زفر والحسن بن زياد وغيرهما ممن أخذ عن الامام، لكن الغالب الشائع في ظاهر الرواية أن يكون قول الثلاثة وكتب ظاهر الرواية، كتب محمد الستة: المبسوط، والزيادات، والجامع الصغير، والجامع الكبير.
وإنما سميت بظاهر الرواية لانها رويت عن محمد بروايات الثقات، فهي ثابتة عنه، إما متواتره أو مشهورة عنه الثانية: مسائل النوادر، وهي المروية عن أصحابنا المذكورين، لكن لا في الكتب المذكورة، بل إما في كتب أخر لمحمد كالكيسانيات، والهارونيات، والجرجانيات، والرقيات، وانما قيل لها غير ظاهر الرواية لانها لم ترو عن محمد بروايات ظاهرة ثابتة صحيحة كالكتب الاولى، وإما في كتب
غير كتب محمد كالمحرر للحسن بن زياد وغيره.
ومنها كتب الامالي المروية عن أبي يوسف.
والامالي: جمع إملاء، وهو ما يقوله العالم بما فتح الله تعالى عليه من ظهر قلبه ويكتبه التلامذة، وكان ذلك عادة السلف، وإما برواية مفردة كرواية ابن سماعة والمعلى بن المنصور وغيرهما في مسائل معينة الثالثة: الواقعات، وهي مسائل استنبطها المجتهدون المتأخرون لما سئلوا عنها ولم يجدوا فيها رواية، وهم أصحاب أبي يوسف ومحمد وأصحاب أصحابها، هلم جرا، وهم كثيرون، فمن أصحابهما مثل عصام بن يوسف، وابن رستم، ومحمد بن سماعة، وأبي سليمان الجرجاني، وأبي حفص البخازري، ومن بعدهم مثل محمد بن سلمة، ومحمد بن مقاتل، ونصير بن يحيى، وأبي النصر القاسم بن سلام، وقد يتفق لهم أن يخالفوا أصحاب المذهب لدلائل وأسباب ظهرت لهم، وأول كتاب جمع في فتواهم فيما بلغنا كتاب النوازل للفقيه أبي الليث السمرقندي، ثم جمع المشايخ بعده كتبا أخر كمجموع النوازل والواقعات للناطفي، والواقعات للصدر الشهيد، ثم ذكر المتأخرون هذه المسائل مختلطة غير متميزة كما في فتاوي قاضيخان والخلاصة وغيرهما، وميز بعضهم كما في كتاب المحيط لرضي الدين السرخسي، فإنه ذكر أولا مسائل الاصول ثم النوادر ثم الفتاوي: ونعم ما فعل.
واعلم أن من كتب مسائل الاصول الكافي للحاكم الشهيد، وهو كتاب معتمد في نقل المذهب، شرحه جماعة من المشايخ، منهم الامام شمس الائمة السرخسي وهو المشهور بمبسوط(1/74)
السرخسي.
قال العلامة الطرسوسي: مبسوط السرخسي لا يعمل بما يخالفه، ولا يركن إلا إليه، ولا يفتى ولا يعول إلا عليه، ومن كتب المذهب أيضا المنتفي له أيضا إلا أن فيه بعض النوادر.
واعلم أن نسخ المبسوط المروي عن محمد متعددة، وأظهرها مبسوط أبي سليمان الجوزجاني.
وشرح المبسوط جماعة من المتأخرين مثل شيخ الاسلام بكر المعروف بخواهر زاده ويسمي المبسوط الكبير، وشمس الائمة الحلواني وغيرهما، ومبسوطاتهم شروح في الحقيقة ذكروها مختلطة بمبسوط محمد كما فعل شراح الجامع الصغير مثل فخر الاسلام وقاضيخان وغيرهم، فيقال
ذكره قاضيخان في الجامع الصغير والمراد شرحه: وكذا في غيره اه ملخصا من شرح البيري على الاشباه، وشرح الشيخ إسماعيل النابلسي على شرح الدرر، فاحفظ ذلك مهم كحفط طبقات مشايخ المذهب، وسنذكرها قريبا إن شاء الله تعالى.
مطلب في طبقات المسائل وكتب ظاهر الرواية وفي كتاب الحج من البحر أن كافي الحاكم هو جمع كلام محمد في كتبه الستة التي هي ظاهر الرواية، وفسر في معراج الدراية قبيل باب الاحصار الاصل بالمبسوط، وفي باب العيدين من البحر والنهر أن الجامع الصغير صنفه محمد بعد الاصل، فما فيه هو المعول عليه.
ثم قال في النهر: سمي الاصل أصلا لانه صنف أولا، ثم الجامع الصغير، ثم الكبير، ثم الزيادات، كذا في غاية البيان اه.
وذكر الامام شمس الائمة السرخسي في أول شرحه على السير الكبير أن السير الكبير هو آخر تصنيف صنفه محمد في الفقه.
وفي شرح المنية لابن أمير حاج الحلبي، في بحث التسميع أن محمدا قرأ أكثر الكتب على أبي يوسف.
إلا ما كان فيه اسم الكبير، فإنه من تصنيف محمد: كالمضاربة الكبير، والزراعة الكبير:، والمأذون الكبير، والجامع الكبير، والسير الكبير، وتمام هذه الابحاث في منطومتنا في رسم المفتي وفي شرحها.
تتمة: قدمنا عن فتح القدير كيفية الافتاء مما في الكتب، فلا يجوز الافتاء مما في الكتب الغريبة وفي شرح الاشباه لشيخنا المحقق هبة الله البعلي، قال شيخنا العلامة صالح الجينيني: إنه لا يجوز الافتاء من الكتب المختصرة كالنهر وشرح الكنز للعيني والدر المختار شرح تنوير الابصار، أو لعدم الاطلاع على حال مؤلفيها كشرح الكنز لملا مسكين، وشرح النقاية للقهستاني، أو لنقل الاقوال الضعيفة فيها كالقنية للزاهدي، فلا يجوز الافتاء من هذه إلا إذا علم المنقول عنه وأخذه منه، هكذا سمعته منه وهو علامة في الفقه مشهور والعهدة عليه اه.
أقول: ينبغي إلحاق الاشباه والنظائر بها، فإن فيها من الايجاز في التعبير ما لا يفهم معناه إلا بعد اطلاع على مأخذه، بل فيها في مواضع كثيرة الايجاز المحل، يظهر ذلك لمن مارس مطالعتها
مع الحواشي فلا يأمن المفتي من الوقوع في الغلط إذا اقتصر عليها، فلا بد له من مراجعة ما كتب عليها من الحواشي أو غيرها.
ورأيت في حاشية أبي السعود الازهري على شرح مسكين أنه لا يعتمد ابن نجيم ولا على فتاوى الطوري.(1/75)
مطلب: إذا تعارض التصحيح قوله: (والاصح كما في السراجية) أقول: عبارتها ثم الفتوي على اطلاق على قول أبي حنيفة ثم قول أبي يوسف قول محمد، ثم قول زفر والحسن بن زياد.
وقيل: إذا كان أبو حنيفة في جانب وصاحباه في جانب فالمفتي بالخيار، والاول أصح إذا لم يكن المفتي مجتهدا اه.
فمقابل الاصح غير مذكور في كلام الشارح، فافهم.
قوله: (يقول الامام) قال عبد الله بن المبارك: لانه رأي الصحابة وزاحم التابعين في الفتوى، فقوله أشد وأقوى ما لم يكن اختلاف عصر وزمان، كذا في تصحيح العلامة قاسم.
قوله: (على اطلاق) أي سواء انفرد وحده في جانب أولا كما يفيده كلام السراجية من مقابلته بالقول الثاني وهو أبو يوسف، فإن لم يوجد له رواية أيضا فيؤخذ بقول الثالث وهو محمد الخ.
قوله: (وصحح في الحاوي القدسي قوة المدرك) أي الدليل.
به عبر في الحاوي.
قال ح: والذي يظهر في التوفيق: أي ما بين في الحاوي وما في السراجية أن من كان له قوة إدراك لقوة المدرك يفتي بالقول القوي المدرك، وإلا فالترتيب اه.
أقول: يدل عليه قول السراجية: والاول أصح إذا لم يكن المفتي مجتهدا، فهو صريح في أن المجتهد، يعني من كان أهلا للنظر في الدليل، يتبع من الاقوال ما كان أقوى دليلا، وإلا فاتبع الترتيب السابق، ومن هذا تراهم قد يرجحون قول بعض أصحابه على قوله، كما رجحوا قول زفر وحده في سبع عشرة مسألة، فنتبع ما رجحوه لانهم أهل النظر في الدليل، ولم يذكر ما إذا اختلفت الروايات عن الامام أو لم يوجد عنه ولا عن أصحابه رواية أصلا، ففي الاول يؤخذ بأقواها حجة كما في الحاوي.
ثم قال: وإذا لم يوجد في الحادثة عن واحد منهم جواب ظاهر وتكلم فيه المشايخ المتأخرون قولا واحدا يؤخذ به، فإن اختلفوا يؤخذ بقول الاكثرين ثم الاكثرين مما اعتمد
عليه الكبار المعروفون منهم: كأبي حفص، وأبي جعفر، أبي الليث، والطحاوي وغيرهم ممن يعتمد عليه، وإن لم يوجد منهم جواب البتة نصا ينظر المفتي فيها نظر تأمل وتدبر واجتهاد ليجد فيها ما يقرب إلى الخروج عن العهدة ولا يتكلم فيها جزافا، ويخشى الله تعالى ويراقبه، فإنه أمر عظيم لا يتجاسر عليه إلا كل جاهل شقي اه.
تتمة: قد جعل العلماء الفتوي على قول الامام الاعظم في العبادات مطلقا وهو الواقع بالاستقرار، ما لم يكن عنه رواية كقول المخالف كما في طهارة الماء المستعمل والتيمم فقط عند عدم غير نبيذ التمر، كذا في شرح المنية الكبير للحلبي في بحث التيمم.
وقد صرحوا بأن الفتوى على القول محمد في جميع مسائل ذوي الارحام.
وفي قضاء الاشباه والنظائر: الفتوى على قول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء كما في القنية والبزازية اه.
أي، لحصول زيادة العلم له به بالتجربة، ولذا رجع أبو حنيفة عن القول بأن الصدقة أفضل من حج التطوع لما حج وعرف مشقته.
وفي شرح البيبري أن الفتوى على قول أبي يوسف أيضا في الشهادات.
وعلى قول زفر في(1/76)
سبع عشرة مسألة حررتها في رسالة، وينبغي أن يكون هذا عند عدم ذكر أهل المتون للتصحيح، وإلا فالحكم بما في المتون كما لا يخفى، لانها صارت متواترة اه.
وإذا كان في مسألة قياس واستحسان فالعمل على الاستحسان إلا في مسائل معدودة مشهورة.
وفي باب قضاء الفوائت من البحر: المسألة إذا لم تذكر في ظاهر الرواية وثبتت في رواية أخرى تعين المصير إليها اه.
وفي آخر المستصفى للامام النسفي: إذا ذكر في المسألة ثلاثة أقوال فالراجح هو الاول أو الاخير لا الواسط اه.
وفي شرح المنية: ولا ينبغى أن يعدل عن الدراية إذا وافقتها رواية اه.
ذكره في واجبات الصلاة في معرض ترجيح رواية وجوب الرفع من الركوع والسجود للادلة الواردة مع أنها خلاف الرواية المشهورة عن الامام.
قوله: (وفي وقف البحر إلى آخره) وهذا محمول على ما إذا لم يكن لفظ التصحيح في أحدهما آكد من الاخر كما أفاده ح.
أي،
فلا يخير بل يتبع الاكد كما سيأتي.
أقول: وينبغى تقييد التخيير أيضا بما إذا لم يكن أحد القولين في المتون لما قدمناه آنفا عن البيري، ولما في قضاء الفوائت من البحر، من أنه إذا اختلف التصحيح والفتوى فالعمل بما وافق المتون أولى اه.
وكذا لو كان أحدهما في الشروح والاخر في الفتاوى لما صرحوا به من أن ما في المتون مقدم على ما في الشروح، وما في الشروح مقدم على ما في الفتاوى، لكن هذا عند التصريح بتصحيح كل من القولين أو عدم التصريح أصلا.
أما لو ذكرت مسألة المتون لم يصرحوا بتصحيحها بل صرحوا بتصحيح مقابلها، فقد أفاد العلامة قاسم ترجيح الثاني لانه تصحيح صريح وما في المتون تصحيح التزامي، والتصحيح الصريح مقدم على التصحيح الالتزامي: أي التزام المتون ذكر ما هو الصحيح في المذهب، وكذا لا تخيير لو كان أحدهما قول الامام والاخر قول غيره، لانه لما تعارض التصحيحان تساقطا، فرجعنا إلى الاصل وهو تقديم قول الامام، بل في شهادات الفتاوى الخيرية.
المقرر عندنا أنه لا يفتى ويعمل إلا بقول الامام الاعظم، ولا يعدل عنه إلى قولهما أو قول أحدهما أو غيرهما إلا لضرورة كمسألة المزارعة وإن صرح المشايخ بأن الفتوى على قولهما لانه صاحب المذهب والامام المقدم اه.
ومثله في البحر عند الكلام على أوقات الصلاة، وفيه من كتاب القضاء: يحل الافتاء بقول الامام، بل يجب وإن لم يعلم من أين قال.
اه.
وكذا لو عللوا أحدهما دون الاخر كان التعليق ترجيحا للمعمل كما أفاده الرملي في فتاواه من كتاب الغصب.
كذا لو كان أحدهما استحسانا والاخر قياسا: لان الاصل تقديم الاستحسان إلا فيما استثني كما قدكناه فيرجع إليه عند التعارض.
وكذا لو كان أحدهما ظاهر الرواية وبه صرح في كتاب الرضاع من البحر حيث قال: الفتوى إذا اختلف كان الترجيح لظاهر الرواية، وفيه من باب المصرف: إذا اختلف التصحيح وجب الفحص عن ظاهر الرواية والرجوع إليها.
وكذا لو كان أحدهما أنفع للوقف، لما سيأتي في الوقف والاجارات أنه يفتى بكل ما هو أنفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه.
وكذا لو كان أحدهما الاكثرين، لما قدمناه عن الحاوي.
والحاصل، أنه إذا كان لاحد القولين مرجع على الاخر ثم صحح المشايخ كلا من القولين
ينبغي أن يكون المأخوذ به ما كان له مرجح لان ذلك لم يزل بعد التصحيح، فيبقى فيه(1/77)
زيادة قوة لم توجد في الاخر، وهذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم.
قوله: (وعليه الفتوى) مشتقة من الفتى وهو الشباب القوي وسميت به لان المفتي يقوي السائل بجواب حادثته.
ابن عبد الرزاق عن شرح المجمع للعيني.
والمراد بالاشتقاق فيها ملاحظة ما أنبأ عنه الفتى من القوة والحدوث لا حقيقته، كذا قيل.
قوله: (وعليه عمل اليوم) المراد باليوم مطلق الزمان، وأل فيه للحضور، والاضافة على معنى في، وهي من إضافة المصدر إلى زمانه كصوم رمضان: أي، عليه عمل الناس في هذا الزمان الحاضر.
قوله: (أو الاشبه) قال في البزازية: معناه الاشبه بالمنصوص رواية والراجح دراية فيكون عليه الفتوى اه.
والدراية بالدال المهملة تستعمل بمعنى الدليل كما في المستصفى.
قوله: (أو الاوجه) أي الاظهر وجها من حيث إن دلالة الدليل عليه متجهة ظاهرة أكثر من غيره.
قوله: (ونحوها) كقولهم: وبه جرى العرف، وهو المتعارف، وبه أخذ علماؤنا ط.
قوله: (وقال شيخنا) المراد به حيث أطلق في هذا الكتاب: العلامة الشيخ خير الدين الرملي.
قوله: (في فتاويه) جمع فتوى ويجمع على فتاوى بالالف أيضا، وهي اسم لفتاوى شيخه المشهورة المسماه [ بالفتاوى الخيرية لنفع البرية ] وقد ذكر ذلك في آخرها في مسائل شتى.
قوله: (آكد من بعض) أي أقوى فتقدم على غيرها، وهذا التقديم راجح لا واجب كما يفيده ما يأتي عن شرح المنية.
قوله: (فلفظ الفتوى) أي اللفظ الذي فيه حروف الفتوى الاصلية بأي صيغة عبر بها ط.
قوله: (آكد من لفظ الصحيح الخ) لان مقابل الصحيح أو الاصح ونحوه قد يكون هو المفتى به لكونه هو الاحوط أو الارفق بالناس أو الموافق لتعاملهم وغير ذلك مما يراه المرجحون في المذهب داعيا إلى الافتاء به، فإذا صرحوا بلفظ الفتوى في قول علم أنه المأخوذ به ويظهر لي أن لفظ وبه نأخذ وعليه العمل مساو للفظ الفتوى، وكذا بالاولى لفظ عليه عمل الامة لانه يقيد الاجماع عليه تأمل.
قوله: (وغيرها) كالاحوط والاظهر ط.
وفي الضياء المعنوي في مستحبات الصلاة: لفظة الفتوى آكد وأبلغ من لفظه المختار.
قوله: (آكد من الفتوى عليه) قال ابن الهمام: والفرق بينهما أن الاول يفيد الحصر، والمعنى.
أن الفتوى
لا تكون إلا بذلك، الثاني يفيد الاصحية اه ابن عبد الرزاق.
قوله: (والاصح آكد من الصحيح) هذا هو المشهور عند الجمهور، لان الاصح مقابل للصحيح وهو: أي الصحيح مقابل للضعيف، لكن في حواشي الاشباه لبيري: ينبغي أن يقيد ذلك بالغالب لانا وجدنا مقابل الاصح الرواية الشاذة كما في شرح المجمع اه ابن عبد الرزاق.
قوله: (والاحوط الخ) الظاهر أن يقال ذلك في كل ما عبر فيه بأفعل التفضيل ط، والاحتياط بالعمل بأقوى الدليلين كما في النهر.
قوله: (قلت لكن الخ) استدراك على ما يفهم من كلام الرملي، حيث ذكر أن بعض هذه الالفاظ آكد من بعض، فإنه ظاهر في أن مراده تقديم الاكد على غيره، فيلزم منه تقديم الاصح على الصحيح، وهو مخالف لما في شرح(1/78)
المنية.
وأما مراده مجرد بيان أن الاصح آكد بمقتضى أفعل التفضيل وذلك لا ينافى تقديم الصحيح للاتفاق عليه، فهو في غاية البعد، على أنه لا يتأتى في لفظ الفتوى مع غيره فإنه جعله آكد، ولا معنى لاكديته إلا تقديمه على غيره كما لا يخفي، فافهم.
ويدل على أن مراده ما قلناه أولا ما قاله في الخيرية أيضا في كتاب الكفالة بعد كلام.
قلت: وقوله والصحيح لا يدفع قول صاحب المحيط، هذا هو الاصح وعليه الفتوى اه.
قوله: (إمامان معتبران) أي من أئمة الترجيح ط.
قوله: (لانهما اتفقا الخ) أي وانفرد أحدهما بجعل الاخر أصح.
قلت: والعلة لا تخص هذين اللفظين، بل كذلك الوجبة والاوجه والاحتياط والاحوط، أفاده ط.
(إذا ذيلت رواية الخ) أي جعل في ذيلها: أي في آخرها، والمتبادر من هذه العبارة أن التذييل بالتصحيح وقع لرواية واحدة دون مخالفتها فليس فيه تعارض التصحيح لكن إذا كان التصحيح بصيغة أفعل التفضيل أفاد أن الرواية المخالفة صحيحة أيضا، فله الافتاء بأي شاء منهما، وإن كان الاولى تقديم الاولى لزيادة الصحة فيها، وسكت عنه لظهوره وأما إذا كان التصحيح بصيغد تقتضي قصر الصحة على تلك الرواية فقط، كالصحيح والمأخوذ به ونحوهما مما بفيد ضعف الرواية المخالفة لم يجز الافتاء بمخالفها، لما سيأتي أن الفتيا بالمرجوح جهل، وهذا بخلاف ما إذا وجد التصحيح في كتاب آخر للرواية فإن الاولى تقديم الاكد منهما أو
المتفق عليه على الخلاف الماز، وبه ظهر أن هذا تفصيل آخر زائد على ما مر غير مخالف له فافهم.
قوله: (إلا إذا كان الخ) استثناء منقطع لانه مفروض فيما وجد فيه التصحيح من كلا الطرفين، والمستثني منه فيما إذا لم يذيل مخالفه بشئ كما مر.
وفائدة هذا الاستثناء توضيح ما مر عن وقف البحر وبيان المراد من التخيير، فليس فيه تكرير، فافهم.
قوله: (وفي الكافي) يحتمل أن المراد به كافى الحاكم أو كافى النسفي الذي شرح به كتابه الوافي أصل الكنز، والظاهر الثاني.
قوله: (فيختار الاقوى) أي إن كان من أهل النظر في الدليل أو نص العلماء على ذلك، ولا تنس ما قدمناه من بقية قيود التخيير.
قوله: (والاليق) أي لزمانه والاصلح الذي يراه مناسبا في تلك الواقعة.
قوله: (فليحفظ) أي جميع ما ذكرناه.
وحاصله، أن الحكم إذا اتفق عليه أصحابنا يفتى به قطعا، وإلا أن يصح المشايخ أحد القولين فيه أو كلا منهما، أولا، وإلا ففي الثالث يعتبر الترتيب، بأن يفتى بقول أبي حنيفة ثم بقول أبي يوسف الخ، أو يعتبر قوة الدليل، وقد مر التوفيق.
وفي الاول إن كام التصحيح بأفعل التفضيل خير المفتي، وإلا فلا، بل يفتى بالمصحح فقط، وهذا ما نقله عن الرسالة.
وفي الثاني إما أن يكون أحدهما بأفعل التفضيل أو لا.
ففي الاول قيل يفتى بالاصح وهو المنقول عن الخيرية، وقيل بالصحيح وهو المنقول عن شرح المنية.
وفي الثاني يخير المفتى وهو المنقول عن وقف البحر(1/79)
والرسالة.
أفاده ح.
قوله: (في تصحيحه) أي في كتابه المسمى بالتصحيح والترجيج الموضوع على مختصر القدوري.
قوله: (لا فرق الخ) أي من حيث إن كلا منهما لا يجوز له العمل بالتشهي، بل عليه اتباع ما رجحوه في كل واقعة وإن كان المفتى مخيرا والقاضي ملزما، وليس المراد حصر عدم الفرق بينهما من كل جهة فافهم.
قوله: (وأن الحكم والفتيا الخ) وكذا العمل به لنفسه.
قال العلامة الشرنبلالي في رسالته [ العقد الفريد في جواز التقليد ]: مقتضى مذهب الشافعي كما قاله السبكي منع العمل بالقول المرجوح في القضاء والافتاء دون العمل لنفسه.
مطلب: لا يجوز العمل بالضعيف حتى لنفسه عندنا ومذهب الحنفية المنع عن المرجوح حتى لنفسه لكون المرجوح صار منسوخا اه.
فليحفظ.
وقيده البيري بالعامي، أي الذي لا رأي له يعرف به معنى النصوص حيث قال: هل يجوز للانسان العمل بالضعيف من الرواية في حق نفسه؟ نعم إذا كان له رأي، أما إذا كان عاميا فلم أره، لكن مقتضى تقييده بذي الرأي أنه لا يجوز للعامي ذلك.
قال في خزانة الروايات: العالم الذي يعرف معنى النصوص والاخبار وهو من أهل الدراية يجوز له أن يعمل عليها وإن كان مخالفا لمذهبه اه.
قلت: لكن هذا في غير موضع الضرورة، فقد ذكر في حيض البحر في بحث ألوان الدماء أقوالا ضعيفة، ثم قال: وفي المعراج عن فخر الائمة: لو أفتى مفت بشئ من هذه الاقوال في مواضع الضرورة طلبا للتيسير كان حسنا اه.
وكذا قول أبي يوسف في المني إذا خرج بعد فتور الشهوة لا يجب به الغسل ضعيف، وإجازوا العمل به للمسافر أو الضيف الذي خاف الريبة كما سيأتي في محله، وذلك من مواضع الضرورة.
قوله: (بالقول المرجوح) كقول محمد مع وجود قول أبي يوسف إذا لم يصحح أو يقو وجهه.
وأولى من هذا بالبطلان الافتاء بخلاف ظاهر الرواية إذا لم يصحح، والافتاء بالقول المرجوح عنه اه.
قوله: (وأن الحكم الملفق) المراد بالحكم: الحكم الوضعي كالصحة.
مثاله: متوضئ سال من بدنه ولمس امرأته ثم صلى، فإن صحة هذه الصلاة ملفقة من مذهب الشافعي والحنفي، والتلفيق باطل، فصحته منتفيه اه ح.
مطلب في حكم تقليد والرجوع عنه قوله: (وأن الرجوع الخ) صرح بذلك المحقق ابن الهمام في تحريره، ومثله في أصول الامدي وابن الحاجب وجمع الجوامع، وهو محمول كما قال ابن حجر والرملي في شرحيهما على المنهاج وابن قاسم في حاشيته على ما إذا بقي من آثار الفعل السابق أثر يؤدي إلى تلفيق العمل بشئ لا يقول به من المذهبين، كتقليد الشافعي في مسح بعض الرأس، ومالك في طهارة الكلب في صلاة واحدة، وكما لو أفتى ببينونة زوجته بطلاقها مكرها ثم نكح أختها مقلدا للحنفي، بطلاق المكره، ثم أفتاه شافعي بعدم الحنث فيمتنع عليه أن يطأ الاولى مقلدا للشافعي والثانية مقلدا للحنفي أو هو محمول على منع التقليد في تلك الحادثة بعينها لا مثلها كما صرح به الامام السبكي وتبعه عليه(1/80)
جماعة، وذلك كما لو صلى ظهرا بمسح ربع الرأس مقلدا للحنفي فليس له أبطالها باعتقاده لزوم مسح الكل مقلدا للمالكي.
وإما لو صلى يوما على مذهب وأراد أن يصلى يوما آخر على غيره فلا يمنع منه، على أن في دعوى الاتفاق نظرا، فقد حكي الخلاف، فيجوز اتباع القائل بالجواز، كذا أفاده العلامة الشرنبلالي في العقد الفريد.
ثم قال بعد ذكر فروع من أهل المذهب صريحة بالجواز وكلام طويل: فتحصل مما ذكرناه أنه ليس على الانسان التزام مذهب معين، وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه مقلدا فيه غير إمامه مستجمعا شروطه ويعمل بأمرين متضادين في حادثتين لا تعلق لواحدة منهما بالاخرى، وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر، لان إمضاء الفعل كإمضاء القاضي لا ينقض.
وقال أيضا: إن له التقليد بعد العمل كما إذا صلى ظانا صحتها على مذهبه ثم ثبين بطلانها في مذهبه وصحتها على مذهب غيره فله تقلييده، ويجتزي بتلك الصلاة على ما قال في البزازية: إنه روي عن أبي يوسف أنه صلى الجمعة مغتسلا من الحمام ثم أخبر بفأرة ميتة في بئر الحمام فقال: نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة: إذا بلغ الماء قلتين لم يجعل خبثا اه.
قوله: (وأن الخلاف) أي بين الامام وصاحبيه فيما إذا قضي بغير رأية عمدا: هل ينفذ؟ فعنده نعم في أصح الروايتين عنه، وعندهما لا كما في التحرير.
وقال شارحه: نص في الهداية والمحيط على أن الفتوى على قولهما بعدم النفاذ في العمد والنسيان، وهو مقدم على ما في الفتاوى الصغرى والخانية من أن الفتوى على قوله، لان المجتهد مأمور بالعمل بمقتضي ظنه إجماعا وهذا خلاف مقتضى ظنه اه.
وقد استشكل بعضعهم هذه المسألة، على قول الاصوليين: إن المجتهد إذا اجتهد في واقعة بحكم يمتنع عليه تقليد غيره فيها اتفاقا، والخلاف في تقلييده قبل اجتهاده فيها، والاكثر على المنع، على هذا القضاء، نعم وقع في بعض المواضع ذكر الخلاف في الحل ويجب ترجيح رواية عدمه اه.
وحينئذ فلا اشكال، فافهم.
قوله: (وأما المقلد الخ) نقله في القنية عن المحيط وغيره، وجزم به المحقق في فتح القدير وتلميذه العلامة قاسم، وادعى في البحر أن المقلد إذا قضى بمذهب غيره أو برواية ضعيفة أو بقول ضعيف نفذ.
وأقوى ما تمسك به ما في البزازية عن شرح الطحاوي إذا لم
يكن القاضي مجتهدا وقضي بالفتوى ثم تبين أنه على خلاف مذهبه نفذ وليس لغيره نقضه، وله أن ينقضه، كذا عن محمد.
وقال الثاني: ليس له أن ينقضه أيضا اه.
قال في النهر: وما في الفتح يجب أن يعول عليه في المذهب، وما في البزازية محمول على أنه رواية عنهما، إذ قصارى الامر أن هذا منزل منزلة الناس لمذهبه، وقد مر عنهما في المجتهد أنه لا ينفذ، فالمقلد أولى اه.
قوله: (في منشوره) المنشور: ما كان غير مختوم من كتب السلطان.
قاموس.
قوله: (فكيف بخلاف مذهبه) أي فكيف ينفذ قضاؤه بخلاف مذهبه، لانه إذا نهاه عن القضاء بالاقوال الضعيفة في مذهبه لا ينفذ قضاؤه فيها، فبخلاف مذهبه بالاولى، ومبنى ذلك على ما قالوا: إن تولية القضاء تتخصص بالزمان(1/81)
والمكان والشخص، فلو ولاه السلطان القضاء في زمان مخصوص أو مكان مخصوص أو على جماعة مخصوص تعين ذلك، لانه نائب عنه، ولو نهاه عن سماع بعض المسائل لم ينفذ حكمه فيها، كما إذا نهاه عن سماع حادثة مضى عليها خمس عشرة سنة بلا مانع شرعي والخصم منكر.
وقد ذكر الحموي في حاشية الاشباه أن عادة سلاطين زماننا إذا تولى أحدهم عرض عليه قانون من قبله وأمر باتباعه.
قوله: (وينقض) لا حاجة إليه، لانه إذ ذا كان معزولا بالنسبة لما ذكر لا يصح له قضاء حتى ينقض، لان النقض إنما يكون للثابت، إلا أن يقال،: إنه قضاء بحسب الظاهر ط.
قوله: (قال في البرهان) هو شرح مواهب الرحمن، كلاهما للعلامة إبراهيم الطرابلسي صاحب الاسعاف في الاوقات.
قوله: (بالنواجذ) هي أضراس الحلم كما في المغرب والكلام كناية عن غاية التمسك، كما أن قولهم ضحك حتى بدت نواجذه عبارة عن المبالغة في الضحك، وإلا فلا تبدو بالضحك عادة كما حققه الامام الزمخشري.
قوله: (نعم أمر الامير الخ) تصديق لما مر واستدراك بأمر آخر كالاستثناء مما قبله، هكذا عرف المصنفين في مثل هذا التركيب.
قوله: (نفذ أمره) إن كان المراد بالامر الطلب بلا قضاء فظاهر، وعليه فالمراد بالنفاذ وجوب الامتثال، وهذا الذى رأيته في سير التاترخانية في الفصل العاشر فيما يجب فيه طاعة الامي وما لا يجب، ونصه قال محمد: وإذا أمر الامير العسكر بشئ كان على العسكر أن يطيعوه في ذلك، إلا أن يكون المأمور به معصية بيقين اه.
ولكن لا محل لذكر هذا
هنا.
وإن كان المراد به القضاء فقد مر أن القول الضعيف في حكم المنصسوخ، وإن الحكم به جهل وخرق للاجماع.
على أن الامير ليس له القضاء إلا بتفويض من الامام.
قال في الاشباه: يجوز قضاء الامير الذي يولي القضاء، وكذلك كتابه إلى القاضي، إلا أن يكون القاضي من جهة الخليفة فقضاء الامير لا يجوز.
كذا في الملتقط.
وقد أفتيت بأن تولية باشا مصر قاضيا ليحكم في قضية بمصر مع وجود قاضيها المولى من السلطان باطلة، لانه لم يفوض إليه ذلك اه.
فتأمل.
قوله: (سير) جمع سيرة: وهي الطريقة في الامور.
وفي الشرع تختص بسير النبي (ص) في مغازية.
هداية.
قوله: (السير الكبير) للامام محمد وهو روايته عن الامام من غير واسطة ط.
قال في المغرب: وقالوا السير الكبير، فوصفوها بصفة المذكر لقيامها مقام المضاف الذي هو الكتاب، كقولهم: صلاة الظهر، وسير الكبير خطأ كجامع الصغير وجامع الكبير اه.
مطلب في طبقات الفقهاء قوله: (وأما المقيد الخ) فيه أمران: الاول أن المجتهد المطلق أحد سبعة.
الثاني أن بعض السبعة ليسوا مجتهدين، خصوصا السابعة، فكان عليه أن يقول: والفقهاء على سبع مراتب، وقد أوضحها المحقق ابن كمال باشا في بعض رسائله فقال: لا بد للمفتي أن يعلم حال من يفتى بقوله، ولا يكفيه معرفته بايسمه ونسبه، بل لا بد من معرفته في الرواية، ودرجته في الدراية، وطبقته من طبقات الفقهاء، ليكون على بصيرة في التمييز بين القائلين المتخالفين وقدرة كافية في الترجيح بين القولين المتعارضين:(1/82)
الاولى: طبقة المجتهدين في الشرع كالائمة الاربعة رضي الله عنهم ومن سلك مسلكهم في تأسيس قواعد، وبه يمتازون عن غيرهم الثانية: طبقة المجتهدين في المذهب كأبي يوسف ومحمد وسائر أصحاب أبي حنيفة، والقادرين على استخراج الاحكام من الادلة على مقتضى القواعد التي قررها أستاذهم أبو حنيفة في الاحكام وإن خالفوه في بعض أحكام الفروع، لكن يقلدونه في قواعد الاصول، وبه يمتازون عن المعارضين
في المذهب كالشافعي وعيره المخالفين له في الاحكام غير مقلدين له في الاصول.
الثالثة: طبقة المجتهدين في المسائل التي لا نص فيها عن صاحب المذهب، كالخصاف، وأبي جعفر الطحاوي، وأبي الحسن الكرخي، وشمس الائمة الحلواني، وشمس الائمة السرخسي.
وفخر الاسلام البزدوي، وفخر الدين قاضيخان وأمثالهم، فإنهم لا يقدورن على شئ من المخالفة لا في الاصول ولا في الفروع، لكنهم يستنبطون الاحكام في المسائل التي لا نص فيها على حسب الاصول والقواعد الرابعة: طبقة أصحاب التخريج من المقلدين كالرازي وأضرابه، فإنهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلا، لكنهم لاحاطتهم بالاصول وضبطهم للمأخذ يقدرون على تفضيل قول مجمل ذي وجهين، وحكم مبهم محتمل لامرين، منقول عن صاحب المذهب أو أحد من أصحابع برأيهم ونظرهم في الاصول والمقايسة على أمثاله ونظائره من الفروع.
وما في الهداية من قوله كذا في تخريج الرازي من هذا القبيل.
الخامسة: طبقة أصحاب الترجيح من المقلدين، كأبي الحسن القدوري، وصاحب الهداية وأمثالهما، وشأنهم تفضيل بعض الروايات على بعض، كقولهم هذا أولى، وهذا أصح رواية، وهذا أرفق للناس والسادسة: طبقة المقلدين القادرين على التمييز بين الاقوى والقوي والضعيف وظاهر المذهب والرواية النادرة، كأصحاب المتون المعتبرة من المتأخرين، مثل صاحب الكنز، وصاحب المختار، وصاحب الوقاية، وصاحب المجمع، وشأنهم أن لا ينقلوا الاقوال المردودة والروايات الضعيفة.
والسابعة: طبقة المقلدين الذين لا يقدرون على ما ذكر، ولا يفرقون بين الغث والسمين اه.
بنوع اختصار.
قوله: (وأما نحن) يعني أهل الطبقة السابعة، وهذا مع السؤال والجواب مأخوذ من تصحيح الشيخ قاسم.
قوله: (كما لو أفتوا في حياتهم) أي كما نتبعهم لو كانوا أحياء وأفتونا بذلك، فإنه لا يسعنا مخالفتهم.
قوله: (بلا ترجيح) أي صريح أو ضمني، فالصريح ظاهر مما ذكره سابقا.
والضمني ما نبهناك عليه عند قوله وفي وقف البحر، فإنه إذا كان أحد القولين ظاهر الرواية والاخر غيرها فقد صرحوا إجمالا بأنه لا يعدل عن ظاهر الرواية، فهو ترجيح ضمني لكل ما كان ظاهر
الرواية فلا يعدل عنه بلا ترجيح صريح لمقابلة، وكذا لو كان أحد القولين في المتون أو الشروح، أو كان قول الامام، أو كان هو الاستحسان في غير ما استثني، أو كان أنفع الوقف.
قوله: (وما قوي(1/83)
وجهه) أي دليله المنقول الحاصل لا المستحصل لانه رتبة المجتهد.
قوله: (ولا يخلو الوجود) أي الموجودون أو الزمان.
قوله: (حقيقة) الظاهر رجوعه إلى قوله ولا يخلو، وأراد بالحقيقة اليقين، لانها من حق الامر إذا ثبت، واليقين ثابت ولذا عطف عليها قوله: (لا ظنا) وجزم بذلك أخذا مما رواه البخاري من قوله (ص) (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله) وفي رواية (حتي تأتي الساعة).
قوله: (وعلى من لم يميز) أي شيئا مما ذكر كأكثر القضاة والمفتين في زماننا الاخذين المناصب بالمال والمراتب، وعبر بعلى المفيدة للوجوب للامر به في قوله تعالى (فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).
قوله: (فنسأل الله التوفيق) أي إلى اتباع الراجح عند الائمة وما يوصل إلى براءة الذمة، فإن هذا المقام أصعب ما يكون على من ابتلي بالقضاء أو الافتاء.
والتوفيق خلق قدرة الطاعة في العبد مع الداعية إليها.
قوله: (والقبول) أي قبول سعينا في هذا الكتاب، بأن يكون خالصا لوجهه الكريم، ليحصل به النفع العميم والثواب العظيم.
قوله: (بجاه) متعلق بمحذوف حال من فاعل نسأل.
أي نسأله متوسلين، فليست الباء للقسم، لانه لا يجوز إلا بالله تعالى أو بصفة من صفاته.
والجاه: القدر والمنزلة.
قاموس.
قوله: (كيف لا) أي كيف لا نسأله القبول وقد يسر الله تعالى ما يفيد الظن بحصوله.
قوله: (في الروضة) هي ما بين المنبر والقبر الشريف، وتطلق على جميع المسجد النبوي أيضا كما صرح به بعض العلماء.
وعليه يظهر.
قوله (تجاه وجه صاحب الرسالة) (ص) لانه على المعنى الاول لا تمكن مواجهة الوجه الشريف.
قوله: (والبسالة) أي الشجاعة كما في القاموس.
قوله: (الضرغامين) تثنية ضرغام كجريال وهو الاسد، ويقال له أيضا ضرغم كجعفر كما في القاموس، وتثنية الثاني ضرغمين كجعفرين، فافهم.
قوله: (ثم تجاه) عطف على تجاه الاول، فالابتداء الحقيقي تجاه صاحب الرسالة (ص) والاضافي تجاه الكعبة ط.
قوله: (وفي الحطيم) أي المحطوم سمي به لانه حطم من البيت وأخرج، أو الحاطم لانه يحطم الذنوب ط.
قوله: (والمقام) أي مقام الخليل، وهو حجر كان يقوم عليه الخليل عليه الصلاة والسلام حال بناء البيت الشريف، وقيل غير ذلك ط.
قوله: (الميسر) أي المسهل، ويتوقف إطلاقه عليه تعالى على التوقيف وإن صح معناه على ما هو المشهور.
قوله: (للتمام) مصدر تم يتم، واسم لما يتم به الشئ كما في القاموس، وعلى الثاني فالمراد بلوغ التمام، وكذا يقول أسير الذنوب جامع هذه الاوراق راجيا من مولاه الكريم، متوسلا بنبيه العظيم وبكل ذي جاه عنده تعالى أن يمن عليه كرما وفضلا بقبول هذا السعي والنفع له للعباد، في عامة البلاد، وبلوغ المرام، بحسن الختام، والاختتام، آمين.(1/84)
كتاب الطهارة قوله: (قدمت العبادات الخ) اعلم أن مدار أمور الدين على الاعتقادات والآداب والعبادات والمعاملات والعقوبات، والاولان ليسا مما نحن بصدده.
والعبادات خمسة: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والمعاملات خمسة: المعاوضات المالية، والمناكحات، والمخاصمات، والامانات، والتركات.
والعقوبات خمسة: القصاص، وحد السرقة، والزنا، والقذف، والردة.
قوله: (اهتماما بشأنها) وجهه أن العباد لم يخلقوا إلا لها، قال الله تعالى: * (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) *.
قوله: (والصلاة الخ) شروع في بيان وجه تقديم الصلاة على غيرها من العبادات، وتقديم الطهارة عليها.
قوله: (تالية للايمان) أي نصا، كقوله تعالى: * (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة) * وكحديث: بني الاسلام على خمس بحر.
أقول: وفعلا غالبا، فإن أول واجب بعد الايمان في الغالب فعل الصلاة لسرعة أسبابها، بخلاف الزكاة والصوم والحج.
ووجوبا لان أول ما وجب الشهادتان ثم الصلاة ثم الزكاة كما صرح به ابن حجرفي شرح الاربعين.
وفضلا كما قال الشرنبلالي: إن الاجماع منعقد على أفضليتها، بدليل أي الاعمال أفضل بعد الايمان؟ فقال: الصلاة لوقتها.
قوله: (والطهارة مفتاحها الخ) أي وما كان مفتاحا لشئ وشرطا له فهو مقدم عليه طبعا فيقدم وضعا.
قوله: (بالنص) وهو ما
رواه السيوطي في الجامع الصغير، من قوله (ص): مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، وهو حديث حسن.
قال الرافعي: الطهور بضم الطاء فيما قيده بعضهم، ويجوز الفتح، لان الفعل إنما يتأتى بالآلة.
قال ابن العربي: هذا مجاز ما يفتحها من غلقها، وذلك أن الحدث مانع منها فهو كالقفل يوضع على المحدث حتى إذا توضأ انحل القفل، وهذه استعارة بديعة لا يقدر عليها إلا النبوة ا ه من شرحه للعلقمي.
قوله: (بها مختص) الاصل في لفظ الخصوص وما يتفرع منه أن يستعمل بإدخال الباء على المقصور عليه، أعني ماله الخاصة فيقال خص المال بزيد: أي المال له دون غيره، لكن الشائع في الاستعمال إدخالها على المقصور: أعني الخاصة كقولك: اختص زيد بالمال، وما هنا من قبيل الاول، إذ لا يخفى أن الخاصة هي اشتراط الطهارة دون الصلاة، فالمعنى أنها شرط مختص بالصلاة لا يتجاوزها إلى غيرها من العبادات، ولو كان من قبيل الثاني لكان حقه أن يقال: تختص الصلاة به، فافهم.
والمراد أنها شرط صحة فلا يراد أنها تكون واجبة في الطواف، لانه يصح بدونها، ولا ترد النية لانها ليست مختصة بالصلاة بل هي شرط لكل عبادة، ولا استقبال القبلة فإنه قد لا(1/85)
يشترط كما في الصلاة على الدابة وحالة العذر من مرض ونحوه، ومثله ستر العورة.
وأما وجوبه خارجها فليس على سبيل الشرطية.
قوله: (لازم لها في كل الاركان) أقول: لم تظهر لي فائدة هذا القيد في كلامه، نعم ذكره في البحر بعد التعليل بعدم السقوط أصلا للاحتراز عن النية لانها لا يشترط استصحابها لكل ركن، وقد علمت الاحتراز عن النية بمادة الاختصاص، على أنه سيذكر عن الفيض أن الطهارة قد تسقط أصلا فليست شرطا لازما دائما، فإن أراد لزومها بدون عذر ورد عليه الاستقبال والستر فإنهما كالطهارة في ذلك.
تأمل.
قوله: (وما قيل) قائله الامام السغناقي صاحب النهاية، وهي أول شرح للهداية قوله: (لا يسقط أصلا) أي لا يسقط بعذر من الاعذار نهاية.
قوله: (فاقد الطهورين) أي الماء والتراب كمن حبس وقيد بحيث لا يصل إليهما.
قوله: (كذلك) أي شرط لا يسقط أصلا.
قوله: (مردود كل ذلك) أي كل من دعوى عدم سقوط الطهارة أصلا، وأن فاقد الطهورين يؤخر، وأن النية لا تسقط أيضا، وأتى برد هذه الثلاثة غير مرتب.
قوله: (أما النية) أي أما
وجه الرد في دعوى عدم سقوط النية أصلا، وهذا الرد والذي بعده لصاحب النهر.
قوله: (ففي القنية وغيرها) كالمجتبى، وهو أيضا للعلامة مختار بن محمود الزاهدي صاحب القنية، وكتاب القنية، مشهور بضعف الرواية، وقد نقل هذا الفرع من شرح الصباغي.
قوله: (تكفيه النية بلسانه) إطلاق النية على اللفظ مجاز ا ه ح: أي لان النية عمل القلب لا اللسان، وإنما الذكر باللسان كلام، ومن ثم حكي الاجماع على كونها بالقلب، فقد سقطت النية هنا للعذر فسقط القول بعدم سقوطها.
بقي أن التلفظ بها للعاجز إن كان غير شرط فلا إشكال، ولذا اختار في الهداية أن التلفظ بها مستحب لمن لم تجتمع عزيمته وإن كان شرطا كما هو المتبادر من كلام القنية.
ورد عليه ما في الحلية شرح المنية لابن أمير حاج أنه نصب بدل بالرأي، وهو ممنوع إلا أن يظهر دليله، وأقره في المنح.
أقول: وما قاله الحموي من أنه حيث كان لا يقدر على نية القلب صار الذكر باللسان أصلا لا بدلا ا ه: دعوى بلا دليل.
وأيضا هو مشترك الالزام، فإن نصب الشروط الاصلية لا بد لها من دليل أيضا، وهذا كله حيث كان الفرع المذكور من تخريجات بعض المشايخ كما هو ظاهر، أما لو كان منقولا عن المجتهد فلا يلزم المقلد طلب دليله.
قوله: (وبوجهه جراحة) قيد به، لانه لو كان سليما مسحه على الجدار بقصد التيمم ط، وسكت عن الرأس لان أكثر الاعضاء جريح، والوظيفة حينئذ التيمم، ولكنه سقط لفقد آلته وهما اليدان ا ه ح.
قوله: (يصلي بلا وضوء) أي فسقط قولهم إن الطهارة لا تسقط أصلا ط، لكن ذكر الحموي في رسالة أنه قد يقال: المراد بعدم السقوط بعذر إنما هو بعد إمكانه في الجملة وما هنا راجح إلى زوال الاهلية لعدم المحلية، على أن التخلف في مادة واحدة قلما تقع لا يقدح في الكلية كما لا يخفى على أصحاب الرواية.
قوله: (وأما فاقد(1/86)
الطهورين) هذا رد من الشارح للدعوى الوسطى ط.
قوله: (يتشبه) أي بالمصلين وجوبا، فيركع ويسجد إن وجد مكانا يابسا، وإلا يومئ قائما ثم يعيد كما سيأتي في التيمم.
ونقل ط أنه لا يقرأ فيها، ثم قال: وفيه أن هذا لا يصلح ردا لان هذه صورة صلاة وليست بصلاة حقيقية لما أنه يطالب بعد ذلك بفعلها، ولذا قال ح: الاولى المعارضة بالمعذور ا ه: أي إذا توضأ على السيلان وصلى في الوقت فإنه
يصدق عليه أنه صلى بغير طهارة، وفيه نظر لان هذه الطهارة من المعذور معتبرة شرعا ا ه.
قوله: (وبه) أي بما في الظهيرية لانه الذي ينتج ما ذكره ط.
قوله: (غير مكفر) أشار به إلى الرد على بعض المشايخ، حيث قال: المختار أنه يكفر بالصلاة بغير طهارة لا بالصلاة بالثوب النجس وإلى غير القبلة لجواز الاخيرتين حالة العذر، بخلاف الاولى فإنه لا يؤتى بها بحال فيكفر.
قال الصدر الشهيد: وبه نأخذ.
ذكره في الخلاصة والذخيرة.
وبحث فيه في الحلية بوجهين: أحدهما ما أشار إليه الشارح.
ثانيهما: أن الجواز بعذر لا يؤثر في عدم الاكفار بلا عذر، لان الموجب للاكفار في هذه المسائل هو الاستهانة، فحيث ثبتت الاستهانة في الكل تساوي الكل في الاكفار وحيث انتفت منها تساوت في عدمه، وذلك لانه ليس حكم الفرض لزوم الكفر بتركه، وإلا كان كل تارك لفرض كافرا، وإنما حكمه لزوم الكفر بجحده بلا شبهة دارئة اه ملخصا: أي والاستخفاف في حكم الجحود.
قوله: (كما في الخانية) حيث قال بعد ذكره الخلاف في مسألة الصلاة بلا طهارة: وإن الاكفار رواية النوادر.
وفي ظاهر الرواية لا يكون كفرا، وإنما اختلفوا إذا صلى لا على وجه الاستخفاف بالدين، فإن كان على وجه الاستخفاف ينبغي أن يكون كفرا عند الكل ا ه.
أقول: وهذا مؤيد لما بحثه في الحلية، لكن بعد اعتبار كونه مستخفا ومستهينا بالدين كما علمت من كلام الخانية، وهو بمعنى الاستهزاء والسخرية به، أما لو كان بمعنى عد ذلك الفعل خفيفا وهينا من غير استهزاء ولا سخرية بل لمجرد الكسل أو الجهل، فينبغي أن لا يكون كفرا عند الكل.
تأمل.
قوله: (مع العمد) أي حال كونه مصاحبا للعمد ط.
قوله: (خلف) أي اختلاف بين أهل المذهب والمعتمد عدم التكفير كما هو ظاهر المذهب، بل قالوا: لو وجد سبعون رواية متفقة على تكفير المؤمن ورواية ولو ضعيفة بعدمه يأخذ المفتي والقاضي بها دون غيرها، والخلاف مخصوص بغير فرع الظهيرية، أما هو فصلاته واجبة عليه بغير طهارة لامر الشارع له بذلك ط.
قوله: (يسطر) أي يكتب.
قوله: (ثم هو) أي كتاب الطهارة وثم للترتيب الذكري، وقد تأتي للاستئناف ط.
قوله: (مبتدأ أو خبر) أي كتاب الطهارة هذا، أو هذا كتاب الطهارة.(1/87)
واختلف في الاولى منهما، فقيل الاول لان المبتدأ هو الركن الاعظم الشديد الحاجة إليه فإبقاؤه أولى، ولان التجوز في آخر الجملة أسهل، وقيل الثاني لان الخبر محط الفائدة.
قوله: (لفعل محذوف) نحو خذ أو اقرأ.
قوله: (فإن أريد التعداد) أي تعداده مع الكتب الآتية بلا قصد إسناد كالاعداد المسرودة.
قوله: (بني على السكون) لشبهه الحرف في الاهمال ط.
زاد القهستاني: ويجوز الفتح على النقل والضم على الحذف ا ه.
لكن فيه أن نقل حركة الهمزة شرطه كونها للقطع.
وقد يجاب بما ذكره الزمخشري في - ألم الله - من أن ميم في حكم الوقف والهمزة في حكم الثابت، وإنما حذفت تخفيفا وألقيت حركتها على ما قبلها للدلالة عليها تأمل.
والظاهر أنه أراد بالضم حركة الاعراب وبالحذف حذف المبتدأ أو الخبر، ويؤيده أنه لم يذكر حكم الاعراب، فذكر الشارح له في شرحه على الملتقى مع ذكر حكم الاعراب قبله غير مرضي تأمل.
قوله: (وإضافته لامية) أي على معنى لام الاختصاص: أي كتاب للطهارة: أي مختص بها.
قوله: (لا ميمية) كذا في كثير من النسخ تبعا للنهر، والصواب ما في بعض النسخ: لا منية بتخفيف النون وتشديد الياء نسبة إلى من التي هي من حروف الجر.
ووجه ما ذكره أن التي بمعنى من البيانية شرطها كون المضاف إليه أصلا للمضاف وصالحا للاخبار به عنه، وأن يكون بينه وبين المضاف عموم وخصوص من وجه.
وزاد في التسهيل رابعا: وهو صحة تقدير من البيانية، وكل ذلك مفقود هنا، قال في النهر: وليست على معنى في ا ه: أي لان ضابطها كون الثاني ظرفا للاول نحو - مكر الليل - وخالفه المصنف في المنح واختار كونها بمعناها وقال: وهو الاوجه وإن كان قليلا ا ه.
لكن الظرفية حينئذ مجازية وهي كثيرة.
أقول: ويؤيده أنه قد يصرح بفي فيقال: فصل في كذا، باب في كذا، وهو من ظرفية الدال في المدلول بناء على أن المراد بالكتاب والفصل ونحوهما من التراجم الالفاظ المعينة الدالة على المعاني المخصوصة كما هو مختار سيد المحققين، وأن المراد من الطهارة: أي من مسائلها المعاني، ويجوز العكس، فيكون من ظرفية المدلول في الدال.
تأمل.
قوله: (وهل يتوقف حده لقبا) أي من جهة كونه لقبا فهو منصوب على التمييز، وقدمنا أن المراد بالحد في مثل هذا: الرسم، وأراد باللقب العلم، إذ ليس فيه ما يشعر برفعة المسمى أو بضعته، وأتى بالاستفهام لوقوع الخلاف فيه، أما توقفه على ذلك من
حيث كونه مركبا إضافيا فلا شبهة فيه، وكان ينبغي له أن يذكر قبل ذلك حده اللقبي، بأن يقول هو علم على جملة من مسائل الطهارة، وأما قوله: جعل شرعا عنوانا لمسائل مستقلة فهو بيان لمعنى المضاف لا للاسم اللقبي الذي هو مجموع المضاف والمضاف إليه.
قوله: (الراجح نعم) قال الابي في شرحه على صحيح مسلم في كتاب الايمان: والمركب الاضافي قيل حده لقبا يتوقف على معرفة جزأيه، لان العلم بالمركب بعد العلم بجزأيه، وقيل لا يتوقف لان التسمية سلبت كلا من جزأيه عن معناه الافرادي، وصيرت الجميع اسما لشئ آخر، ورجح الاول بأنه أتم فائدة ا ه واستحسنه في النهر.(1/88)
أقول: أما كونه أتم فائدة فلا كلام فيه، وأما توقف فهم معناه العلمي على فهم معنى جزأيه ففي حيز المنع، فإن فهم المعنى العلمي من امرئ القيس مثلا يتوقف على فهم ما وضع ذلك اللفظ بإزائه وهو الشاعر المشهور، وإن جهل معنى كل من مفرديه فالحق القول الثاني، ولذا اقتصر في التحرير والتلويح وغيرهما في تعريف أصول الفقه على بيان معنى المفردين من حيث كون مركبا إضافيا فقط.
قوله: (فالكتاب) تفريع على الراجح.
قوله: (مصدر بمعنى الجمع) عدل عن قول البحر والعناية: هو جمع الحروف، لما أورده عليه أن الكتاب والكتابة لغة: الجمع المطلق، لان العرب تقول كتبت الخيل: إذا جمعتها ا ه.
وزاد في الدرر احتمال كونه فعالا بني للمفعول كاللباس بمعنى الملبوس.
قال: وعلى التقديرين يكون بمعنى المجموع.
قوله: (لغة) منصوب على نزع الخافض أو على التمييز أو على الحالية ومثله شرعا واصطلاحا وبيان ذلك ما يرد عليه في رسالتنا الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة.
قوله: (جعل) أي الكتاب لا بقيد كونه مضافا للطهارة بل أعم منها ومن الصلاة ونحوها، لانه في صدد بيان المضاف بمفرده كما أشرنا إليه.
قوله: (شرعا) الاولى اصطلاحا لان التعبير به لا يخص أهل الشرع وإن كان هو الغالب عندهم، لكن قيد به نظرا للمقام.
أفاده ط.
قوله: (عنوانا) أي عبارة تذكر صدر الكلام.
قوله: (لمسائل) أي لالفاظ مخصوصة دالة على مسائل مجموعة، وتمامه في النهر.
مطلب في اعتبارات المركب التام
وذكر في التلويح أن المركب التام المحتمل للصدق والكذب يسمى من حيث اشتماله على الحكم قضية، ومن حيث احتماله الصدق والكذب خبرا، ومن حيث يطلب بالدليل مطلوبا، ومن حيث يحصل من الدليل نتيجة، ومن حيث يقع في العلم ويسأل عنه مسألة، فالذات واحدة، واختلاف العبارات باختلاف الاعتبارات ا ه.
قوله: (مستقلة) بمعنى عدم توقف تصورها على شئ قبلها أو بعدها، لا بمعنى الاصالة المطلقة، لان هذا الكتاب تابع لكتاب الصلاة المقصود أصالة، وعم التعريف ما كان تحته نوع واحد ككتاب اللقطة والآبق والمفقود، أو أكثر كالطهارة ونحوها مما تحته أنواع من الاحكام، كل نوع يسمى بابا، وكل باب مشتمل على صنف من المسائل أو أكثر، كل صنف يسمى فصلا، وزاد بعضهم مطلقا بعد قوله مستقلة احتراز عن الباب قال: لانه طائفة من المسائل الفقهية اعتبرت مستقلة مع قطع النظر عن تبعيتها للغير أو تبعية الغير لها، فإن مسح الخفين تابع للوضوء والوضوء مستتبع له، وقد اعتبرا مستقلين، فالفرق بين الكتاب والباب أن الكتاب قد يكون تابعا وقد لا يكون، بخلاف الباب: أي فإنه لا بد وأن يكون تابعا أو مستتبعا ا ه.
وقد يقال: إن الملحوظ في الكتاب جنس المسائل لا باعتبار نوعها أو فصلها عما قبلها، والحيثية مراعاة في التعريف ولهذا قال بعض العلماء: إن المسائل إن اعتبرت بجنسها تصدر بالكتاب، لان الكتاب في اللغة الجمع، والجنس يشمل الانواع غالبا، فيكون معنى الجمع مناسبا لمعنى الجنس، وإن اعتبرت بنوعها تصدر بالباب لان الباب في اللغة النوع، فيكون ذكره مناسبا لنوع المسائل وإن اعتبرت بفصلها، وفرقها عما قبلها تصدر بالفصل، لان الفصل في اللغة الفرق والقطع، فيكون ذكره مناسبا للمسائل المنقطعة عما قبلها.
قال: وأكثر المصنفين من الفقهاء والمحدثين: مشوا على هذه الطريقة ا ه.
قوله: (بمعنى المكتوب) راجع لقوله: فالكتاب مصدر، فهو(1/89)
مصدر مراد به اسم المفعول كما في النهر ط، فالمناسب ذكره قبل قوله: جعل شرعا، قوله: (والطهارة) أي بفتح الطاء مصدر، وأما بكسرها فهي الآلة، وبضمها فضل ما يتطهر به، كذا في البحر والنهر.
وفي القهستاني أنها بالضم اسم لما يتطهر به من الماء.
تأمل.
قوله: (بالفتح) أي فتح
الهاء.
قوله: (ويضم) أن وكذا يكسر والفتح أفصح.
قهستاني.
قوله: (بمعنى النظافة) أي عن الادناس حسية كالانجاس، أو معنوية كالعيوب والذنوب، فقيل الثاني مجاز، وقيل حقيقة وقد استعملت فيهما، إذ الحدث دنس حكمي، والنجاسة الحقيقية دنس حقيقي وزوالهما طهارة.
نهر.
قوله: (ولذا أفردها) أي لكونها مصدرا، وهو اسم جنس يشمل جميع أنواعها وأفرادها فلا حاجة إلى الجمع.
ولذا قيل: المصدر لا يثنى ولا يجمع.
قوله: (النظافة عن حدث أو خبث) شمل طهارة ما لا تعلق له بالصلاة كالآنية والاطعمة، وأراد بالخبث ما يعم المعنوي كما مر، فيشمل أيضا الوضوء على الوضوء بنية القربة، لانه مطهر للذنوب، وعدل عن قول البحر زوال حدث أو خبث ليشمل الطهارة الاصلية، لان الزوال يشعر بسبق الوجود، وعن قول النهر إزالة ليشمل النظافة بلا قصد كنزول المحدث في الماء للسباحة.
واعلم أن أو هنا للتقسيم والتنويع لا للترديد، فالقسمان المتخالفان حقيقة متشاركان في مطلق الماهية، وليس المراد أن الحد إما هذا على سبيل الشك أو التشكيك لينافي الحد المقصود به بيان الماهية من حيث هي هي، على أن ما هنا رسم لا حد كما قدمنا بيانه.
قال في السلم: ولا يجوز في الحدود ذكر أووجائز في الرسم فادر ما رووا قوله: (ومن جمع) أي كصاحب الهداية حيث قال: كتاب الطهارات.
قوله: (نظر لانواعها) أي فإنها متنوعة إلى وضوء وغسل وتيمم وغسل بدن أو ثوب ونحوه.
وأورد عليه أن اللام تبطل الجمعية لانها مجاز عن الجنس.
ودفع بأن هذا عند عدم الاستغراق والعهد وانتفاؤهما ها هنا ممتنع، ولو سلم فاستواء هذا الجمع والمفرد ممتنع لما في لفظ الجمع من الاشعار بالتعدد وإن بطل معنى الجمعية، وتمامه في النهر.
والحاصل أن معنى إبطالها الجمعية أن مدخولها صار يصدق على القليل والكثير، لا بمعنى أنه لم يبق صالحا للكثير.
فإن قيل المصدر لا يثنى ولا يجمع، قيل جمعها باعتبار الحاصل بالمصدر وذلك شائع كما يجمع العلم والبيع.
قاله في المستصفى.
وقدمنا الفرق بين المعنى المصدري والحاصل بالمصدر.
قوله: (وحكمها) بكسر الحاء جمع حكمة: أي ما شرعت لاجله.
قوله: (شهيرة) منها تكفير الذنوب، ومنع الشيطان عنه ط، وتحسين الاعضاء في الدنيا بالتنظيف وفي الآخرة بالتحجيل.
إمداد.
قوله: (وحكمها) أي أثرها المترتب عليها.
قوله: (استباحة) السين والتاء زائدتان أو للصيرورة.
قال في البحر: ولم يذكروا من حكمها الثواب لانه ليس بلازم فيها لتوقفه على النية وهي ليست شرطا فيها ط.
قوله: (أي سبب وجوبها) قدر المضاف لظهور أن الصلاة مثلا ليست سببا لوجود الطهارة ا ه ح.
قوله: (ما لا يحل) أي إرادة ما لا يحل، وقوله: فرضا كان تعميم لقوله فعله وقوله(1/90)
كالصلاة فيه القسمان الفرض وغيرها، وقوله: ومس المصحف قاصر على غير الفرض ط.
قوله: (صاحب البحر قال الخ) ذكره عقب كلام المصنف يفيد أن كلام المصنف على تقدير مضاف هو الارادة كما قدمناه، إذ لا يمكن تقدير الوجوب.
وقد يقال لا تقدير أصلا، وأن مراده أن ذات ما لا يحل إلا بها سبب الوجوب، فقد ذكر الاتقاني في غاية البيان وغيره أن السبب عندنا الصلاة بدليل الاضافة إليها، وهو دليل السببية ا ه.
ونقله في شرح التحرير عن شمس الائمة السرخسي وفخر الاسلام وغيرهما، لكن كرم المصنف أشمل لشموله الصلاة وغيرها.
تأمل.
قوله: (الاقوال) أي الاربعة الآتية.
قوله: (هو الارادة) أقول: هو ما عليه جمهور الاصوليين.
وأورد عليه أن مقتضاده أنه إذا أراد الصلاة ولم يتوضأ أثم ولو لم يصل ولم يقل به أحد، وأجاب عنه في البحر بجوابين: أحدهما ما يأتي عن الزيلعي، والثاني أن السبب هو الارادة المستلحقة للشروع ا ه.
أقول: يرد عليه أن سبب الشئ متقدم عليه، فيلزم أن لا تجب الطهارة قبل الشروع، لان الارادة المستلحقة له مقارنة له، مع أنه لا بدمن تقدمها عليه لكونها شرط الصحة.
تأمل.
قوله: (ذكره الزيليعي) أي هذا الاستدراك حيث قال: إنه إن أراد الصلاة وجبت عليه الطهارة، فإذا رجع وترك التنفل سقطت الطهارة، لان وجوبها لاجلها ط.
قوله: (في الظهار) أي في شرح قوله وعوده: وعزمه على ترك وطئها ا ه ح.
قوله: (وقال العلامة الخ) هذا أظهر لان ما ذكره في البحر يقتضي أن لا يأثم على ترك الوضوء إذا خرج الوقت، ولم يرد الصلاة الوقتية فيه، بل على تفويت الصلاة فقط، وأنه إذا أراد
صلاة الظهر مثلا قبل دخول وقتها أن يجب عليه الوضوء قبل الوقت، وكلاهما باطل ا ه ح.
أقول: فيه أن صلاة الظهر قبل وقتها تنعقد نافلة فتجب الطهارة بإرادتها.
تأمل.
قوله: (الصحيح الخ) مشى عليه المحقق في فتح القدير، واستوجهه في التحرير، وصححه أيضا العلامة السكاكي، لكنه لا يشمل غير الصلاة الواجبة، فلذا زاد عليه هنا قوله: أو إرادة الخ وما مر عن الزيلعي ملاحظ هنا أيضا.
قوله: (وجوب الصلاة) أي لا وجودها، لان وجودها مشروط بها فكان متأخرا عنها، والمتأخر لا يكون سببا للمتقدم ا ه عناية.
وظاهره أنه بدخول الوقت تجب الطهارة، لكنه وجوب موسع كوجوب الصلاة، فإذا ضاق الوقت صار الوجوب فيهما مضيقا بحر، قوله: (وقيل سببها الحدث) أي لدورانها معه وجودا وعدما.
ودفع بمنع كون الدوران دليلا ولئن سلم فالدوران هنا مفقود، لانه قد يوجد الحدث ولا يوجد وجود الطهارة كما قبل دخول الوقت وفي حق غير البالغ، وتمامه في البحر لكن سيأتي ما يؤيده.
قوله: (وما قيل) القائل صاحب البحر في باب الحدث في الصلاة تبعا لصاحب الفتح كما نقل عنه صاحب النهر هناك، ثم قال: وهو تعريف بالحكم كما ذكره الشارح.
قال بعض الفضلاء: في كون هذا التعريف تعريفا بالحكم نظر، إذ حكم الشئ ما كان أثراله خارجا عنه مترتبا عليه، والمانعية المذكورة ليست كذلك، وإنما حكم الحدث(1/91)
عدم صحة الصلاة معه وحرمة مس المصحف ونحو ذلك كما هو ظاهر، فالتعريف بالحكم كأن يقال مثلا: الحدث هو ما لا تصح الصلاة معه ونحو ذلك، فتأمل ا ه.
كذا في حاشية الشيخ خليل الفتال.
قوله: (شرعية) أي اعتبرها الشرع مانعا ط.
قوله: (إلى غاية استعمال) الاضافة للبيان والسين والتاء زائدتان ط.
قوله: (فتعريف بالحكم) علمت ما فيه على أنه مستعمل عند الفقهاء، لان الاحكام محل مواقع أنظارهم.
قوله: (وقيل سببها القيام إلى الصلاة) ذكر في البحر أنه صححه في الخلاصة قال: وصرح في غاية البيان بفساده لصحة الاكتفاء بوضوء واحد لصلوات ما دام متطهرا.
وقد يدفع بأنها سبب بشرط الحدث فلا يلزم ما ذكر خصوصا أنه ظاهر الآية ا ه.
أقول: هذا الدفع ظاهر، وإلا ورد الفساد المذكور على القولين الاولين في كلام الشارح.
قوله: (ونسبا) أي القول بسببية الحدث والخبث والقول بسببية القيام ا ه ح.
قوله: (إلى أهل الظاهر) هم الآخذون بظواهر النصوص من أصحاب الامام الجليل أبي سليمان داود الظاهري.
واعترض بأن المنسوب إليهم هو الثاني من القولين، أما الاول منهما فنسبه الاصوليون إلى أهل الطرد وهم المستدلون على علة الحكم بالطرد والعكس ويسمى الدوران كالامام الرازي وأتباعه.
وخالفهم فيه الحنفية ومحققو الاشاعرة.
قوله: (وفسادهما ظاهر) لما علمته مما يرد عليهما، لكن علمت الجواب عما يرد على الثاني، فكان عليه إفراد الضمير في الموضعين.
قوله: (أن أثر الخلاف) أي فائدة اختلاف في السبب.
قوله: (في نحو التعاليق) أي في التعاليق ونحوها: كصدق الاخبار بوجوب الطهارة وكذبه، أفاده ط، وفيما إذا استشهدت الحائض قبل انقطاع الدم، فقد صحح في الهداية أنها تغسل، فكان تصحيحا لكون السبب الحدث: أعني الحيض، أفاده في البحر: أي لان الغسل وجب عليها بالحيض لوجود شرطه وهو انقطاع الدم بالموت، وهذا مؤيد لقول أهل الطرد.
قوله: (فأنت طالق) أي فتطلق بإرادة الصلاة على الاول، وبوجوبها على الثاني، وبالحدث أو الخبث على الثالث، وبالقيام على الصلاة على الرابع.
قوله: (بالتأخير عن الحديث) أي أو الخبث، أو عن إرادة الصلاة، أو القيام إليها ط.
قوله: (ذكره في التوشيح) هو شرح الهداية للعلامة سراج الدين الهندي.
قال في غسل البحر: وقد نقل الشيخ سراج الدين الهندي الاجماع على أنه لا يجب الوضوء على المحدث والغسل على الجنب والحائض والنفساء قبل وجوب الصلاة، أو إرادة ما لا يحل به ا ه.
أقول: الظاهر أن المراد بالوجوب وجوب الاداء لثبوت الاختلاف في سبب الطهارة، ويلزم منه ثبوت الاختلاف في وقت الوجوب كما لا يخفى.
ثم رأيت في النهر وفق بذلك بين كلام الهندي وما قدمناه آنفا عن الهداية.
قوله: (وبه اندفع ما في السراج الخ) هو شرح مختصر القدوري، للحدادي صاحب الجوهرة، وذلك حيث ذكر أن وجوب الغسل من الحيض والنفاس بالانقطاع عند الكرخي وعامة العراقيين، وبوجوب الصلاة عند البخاريين وهو المختار، ثم قال: وفائدة الخلاف(1/92)
فيما إذا انقطع الدم بعد طلوع الشمس وأخرت الغسل إلى وقت الظهر فتأثم على الاول لا على الثاني، وعلى هذا الخلاف وجوب الوضوء، فعند العراقيين يجب الوضوء للحدث، وعند البخاريين للصلاة ا ه.
قوله: (بل وجوبها) أي الطهارة.
قوله: (بدخول) خبر بعد خبر لقوله وجوبها لا متعلق بقوله موسع.
وكون وجوبها بدخول الوقت يؤيد ما قدمه عن العلامة قاسم من أن سبب وجوبها وجوب الصلاة، إذ وجوب الصلاة أيضا بدخول الوقت ا ه ح.
قوله: (فيهما) أي في الطهارة والصلاة.
قوله: (وشرائطها) أي الطهارة.
قال في الحلية: هو جمع شرط على خلاف المعروف من القاعدة الصرفية، إذ لم يحفظ فعائل جمع فعل بل جمعه شروط.
قوله: (شرائط وجوبها الخ) أي الطهارة أعم من الصغرى والكبرى.
وشرائط الوجوب هي ما إذا اجتمعت وجبت الطهارة على الشخص وشرائط الصحة ما لا تصح الطهارة إلا بها، ولا تلازم بين النوعين بل بينهما عموم وجهي، وعدم الحيض والنفاس شرط للوجوب من حيث الخطاب، وللصحة من حيث أداء الواجب، أفاده ط.
قوله: (شرط الوجوب) مفرد مضاف فيعم، وهو مبتدأ خبره العقل الخ ط.
قوله: (العقل الخ) فلا تجب على مجنون ولا على كافر، بناء على المشهور من أن الكفار غير مخاطبين بالعبادات، ولا على عاجز عن استعمال المطهر، ولا على فاقد الماء: أي والتراب، ولا على صبي ولا على متطهر ولا على حائض، ولا على نفساء، ولا مع سعة الوقت، وهذا الاخير شرط لوجوب الاداء وما قبله لاصل الوجوب.
قوله: (ماء) بالرفع والتنوين على إسقاط العاطف وتقدير مضاف: أي ووجود ماء مطلق طهور كاف أو ما يقوم مقامه من تراب طاهر.
قوله: (وشرط صحة الخ) الصحة ترتب المقصود من الفعل عليه، ففي المعاملات الحل والملك لانهما المقصودات منها، وفي العبادات عند المتكلمين موافقة الامر مستجمعا ما يتوقف عليه.
وعند الفقهاء بزيادة قيد، وهو اندفاع وجوب القضاء، فصلاة ظان الطهارة مع عدمها صحيحة على الاول لموافقة الامر على ظنه، لا على الثاني لعدم سقوط القضاء، وتمامه في التحرير وشرحه.
قوله: (عموم البشرة الخ) أي أن يعم الماء جميع المحل الواجب استعماله فيه.
قوله: (في المرة) بدون همزة مؤنث مرء، يقال فيها مرأة ومرة وامرأة، ذكر الثلاث في القاموس قوله: (فقد نفاسها وحيضها) أي وفقد حيضها فهما شرطان.
قوله: (وأن
يزول كل مانع) أي من نحو رمص وشمع، وهذا الشرط الرابع يغني عنه الاول، والاولى ما في البحر حيث جعل الرابع عدم التلبس في حالة التطهير بما ينقضه في حق غير المعذور بذلك.
تنبيه: جميع الشروط الاول ترجع إلى ستة: وهي الاسلام، والتكليف، وقدرة استعمال المطهر، ووجود حدث، وفقد المنافي من حيض ونفاس، وضيق الوقت.
والاخيرة ترجع إلى اثنين: تعميم المحل بالمطهر، وفقد المنافي من حيض ونفاس وحدث في حق غير المعذور به، وقد نظمتها بقولي:(1/93)
شرط الوجوب ضمن ست تكليف إسلام وضيق وقت وقدرة الماء الطهور الكافي وحدث مع انتفا المنافي واثنان للصحة تعميم المحل بالماء مع فقد مناف للعمل قوله: (وجعلها) أي هذه الشروط.
وقد نقل هذا التقسيم العلامة البيري عن شرح القدوري للآمدي.
قوله: (أربعة) أي أربعة أنواع: ففي الاول ثلاثة، وكذا الثاني، وفي الثالث أربعة، وفي الرابع اثنان.
قوله: (وجودها الحسي) أي الذي تصير به الطهارة موجودة في الحس والمشاهدة: أي يصير فعلها موجودا، وإلا فهي وصف شرعي لا وجود له في الخارج.
ثم لا يخفى أنه ليس الضمير في وجودها للشروط حتى يرد أن القدرة لا وجود لها، فافهم.
قوله: (وجود المزيل) أي الماء أو التراب.
قوله: (والمزال عنه) أي الاعضاء.
قوله: (مشروع الاستعمال) أي بأن يكون الماء مطلقا وطاهرا ومطهرا.
قوله: (في مثله) أي مثل المشروط، ولو قال مشروع الاستعمال فيها: أي الطهارة لكان أولى، وخرج به نحو الزيت، فإنه مشروع الاستعمال كن في الدهن مثلا ط.
أقول: وفي بعض النسخ في محله وهو الاولى.
قوله: (التكليف) تحته ثلاثة، وهي العقل والبلوغ والاسلام، بناء على ما قدمناه من المشهور.
قوله: (والحدث) أي الاصغر والاكبر.
قوله: (من أهله) بأن لا تكون حائضا ولا نفساء، وهذا لم يذكره في النظم الآتي.
قوله: (في محله) وهو جميع الجسد في الغسل والاعضاء الاربعة في الوضوء، وتقدم أن هذا أيضا من شروط الوجود، ويحتمل أنه أراد به تعميم
البشرة.
قوله: (مع فقد مانعه) بأن لا يحصل ناقض في خلال الطهارة لغير معذور به.
قوله: (ونظمها) عطف على جعلها وهذا النظم من بحر الطويل، وفيه من عيوب القوافي التحريد، بالحاء المهملة، وهو الاختلاف في الاضرب، فإن ضرب البيت الاول والبيت الرابع محذوف، وزنه فعولن، وباقي الابيات أضربها تامة وزنها مفاعيلن، فالمناسب أن يقول في البيت الاول مقسمة في عشرة بعدها اثنان وفي البيت الرابع طهورية أيضا فخذها بإذعان.
قوله: (تعلم) فعل أمر.
قوله: (للوضوء) ومثله الغسل.
قوله: (سلامة أعضاء) إشارة إلى المزال عنه ا ه ح.
أي لانه من إضافة الصفة إلى موصوفها: أي أعضاء سالمة، أفاده ط قوله (وقدرة إمكان) أي تمكن من الازالة، قوله: (لمستعمل) صفة قدرة أو إمكان.
قوله: (القراح) كسحاب: أي الخالص، قاموس.
قوله: (وهو) بضم الهاء وإسكان الواو بعدها للضرورة (راجع للماء) قوله: (معا) ظرف منصوب لقطعه عن الاضافة متعلق بمحذوف خبر هو أصله معهما، وإنما نص على انضمامه إليهما، لانه لما ذكر الماء على كونه مضافا إليه فربما يتوهم أنه ليس قسما برأسه، وأنه من تتمة المضاف، وليس كذلك، بل هو بيان لوجود المزيل ا ه ح.
قوله: (وشرط) بالنصب مفعول لخذ محذوفا، فسره قوله الآتي خذها أي الشروط المفهومة من عموم المصدر المضاف، وهو أولى من الرفع على الابتداء، لان خبره قوله خذها أو قوله لمطلق، فيلزم عليه الاخبار بالجملة الطلبية أو(1/94)
اقتران الخبر بالفاء.
قوله: (بإمعان) أي بتأمل وإتقان ط.
قوله: (مطلق ماء) من إضافة الصفة للموصوف وهو خبر لمبتدأ محذوف، والمراد كون الماء مطلقا، والظاهر كما قال ط إن هذا الشرط مغن عن الطهارة والطهورية: أي لان غير الطاهر وغير المطهر غير مطلق.
قوله: (مع) بسكون العين.
ط.
قوله: (وشرط) بالنصب أيضا لا غير عطف على شرط المنصوب: أي وخذ شرط وجوب
الخ، إذ ليس بعده ما يصح الاخبار به عنه.
قوله: (بالغ) بالاضافة وهو شرط ثان، والشرط البلوغ ط: أي لا ذات البالغ.
قوله: (التمييز) بحذف العاطف، ثم يحتمل أنه معطوف على إسلام فيكون مرفوعا، أو على الحدث فيكون مجرورا ط.
قوله: (يا عاني) أي يا قاصد الفوائد، وهو أولى من تفسيره بالاسير، أفاده ط.
قوله: (شرط) مبتدأ وزوال خبره ط.
قوله: (يبعد) بتشديد العين.
قوله: (من أدران) بنقل حركة الهمزة إلى النون، وهو بيان لما، والدرن: الوسخ.
قاموس.
قوله: (كشمع) بسكون الميم لغة قليلة، وأنكرها الفراء فقال: الفتح كلام العرب، والمولدون يسكنونها، لكن قال ابن فارس: وقد تفتح الميم.
قال في المصباح: فافهم أن الاسكان أكثر ا ه.
قوله: (ورمص) بفتح الراء والميم وبالصاد: وسخ يجتمع في الموق مما يلي الانف، وسكنت الميم لضرورة النظم ا ه ح.
قوله: (لم يتخلل الوضوء) اللام من الوضوء آخر الشطر الاول، والواو منه أول الشطر الثاني.
قوله: (مناف) كخروج ريح ودم ط: أي لغير المعذور بذلك.
قوله: (يا عظيم ذوي الشأن) أي العظم: أي يا عظيمهم، وفي نسخة ذي وليست بصواب لاختلال النظم ط.
أقول: والذي رأيته من النسخ: يا عظيم الشأن، وهو خطأ أيضا.
قوله: (وزيد على هذين) أي شرطي الصحة ط.
قوله: (تقاطر) وأقله قطرتان في الاصح كما يأتي.
قوله: (مع الغسلات) أي المفروضة، وأخرج بها المسح فلا يشترط فيه تقاطر.
قوله: (ليس هذا الخ) أي ليس هذا الشرط، وهو التقاطر بمشترط عند الامام أبي يوسف يعقوب رضي الله عنه، والمعتمد الاول ط.
تنبيه: يزاد على ما ذكره من شروط الصحة فقد الحيض والنفاس كما مر، وهو من شروط الوجود الشرعي أيضا، وكذا من شروط الوجوب.
والذي يظهر لي أن شروط الوجود الشرعي شروط للصحة وبالعكس، إذ لا فرق يظهر فتدبر، قوله: (وصفتها) أي الطهارة، قوله: (فرض) أي قطعي ط.(1/95)
قوله: (للصلاة) فرضها ونفلها ط.
قوله: (وواجب) الاولى واجبة.
قوله: (للقول الخ) يعني أنه قيل بأنها واجبة لمس المصحف لا فرض للاختلاف في تفسير الآية، فلم تكن قطعية الدلالة حتى ثبت الفرضية، لان قوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * (الواقعة: 97) قيل إنه صف لكتاب مكنون وهو
اللوح، وقيل صفة لقرآن كريم وهو المصحف.
فعلى الاول: المراد من المطهرين الملائكة المقربون، لانهم مطهرون عن أدناس الذنوب: أي لا يطلع عليه سواهم.
وعلى الثاني: المراد منهم الناس المطهرون من الاحداث، وعليه أكثر المفسرين، ويؤيده أن فيه حمل المس على حقيقته، والاصل في الكلام الحقيقة واحتمال غيرها بلا دليل لا يقدح في صحة الاستدلال، إذ قل أن يوجد دليل بلا احتمال فلا ينافي ذلك القطعية، فلذا والله تعالى أعلم أشار الشارح إلى اختيار القول بالفرضية، وقواه المحشي الحلبي، وهو اختيار الشرنبلالي، لكن سيأتي أن الفرض ما قطع بلزومه حتى يكفر جاحده، وهذا ليس كذلك لما في الخلاصة أنه لو أنكر الوضوء لغير الصلاة لا يكفر عندنا إلا أن يجاب بأنه من الفرض العملي، وهو أقوى نوعي الواجب وأضعف نوعي الفرض، فلا يكفر جاحده كما يأتي بيانه، وبه يحصل التوفيق بين القولين، والله الموفق.
قوله: (وسنة للنوم) كذا في شرح الملتقى، لكن عده الشرنبلالي وغيره في المندوبات، وجعل الانواع ثلاثة فليحفظ.
ابن عبد الرزاق قوله: (في نيف) قال في المختار: النيف بوزن الهين الزيادة يخفف ويشدد، ويقال عشرة ونيف ومائة ونيف، وكل ما زاد على العقد فهو نيف حتى يبلغ العقد الثاني ا ه قوله: (ذكرتها في الخزائن) ذكرها في مكروهات الوضوء، فمنها عند استيقاظ من نوم، ولمداومة عليه، وللوضوء على الوضوء إذا تبدل المجلس، وغسل ميت وحمله، ولوقت كل صلاة، وقبل غسل جنابة، ولجنب عند أكل وشرب ونوم ووطئ، ولغضب وقراءة وحديث وروايته، ودراسة علم، وأذان وإقامة، ولخطبة ولو نكاحا، وزيارة النبي (ص)، ووقوف وسعي.
شرنبلالي، ومس كتب شرعية تعظيما لها إمداد وسيجئ ونظر لمحاسن امرأة.
نهر، ولمطلق الذكر كما يأتي قبيل المياه، وفي ابتداء الغسل كما يأتي في محله، ولكل صلاة لو متوضئا لانه ربما اغتاب أو كذب، فإن لم يمكنه تيمم ونوى به رفع الاثم.
فتاوي الصوفية.
فهي مع السبعة التي هي هنا نيف وثلاثون كما ذكره، أفاده ابن عبد الرزاق.
قوله: (بعد كذب وغيبة) لانهما من النجاسات المعنوية، ولذا يخرج من الكاذب يتباعد منه الملك الحافظ كما ورد في الحديث، وكذا أخبره (ص) عن ريح منتنة بأنها ريح الذين يغتابون الناس والمؤمنين، ولالف ذلك منا وامتلاء أنوفنا منها لا تظهر لنا كالساكن في محله الدباغين، وسيأتي إن
شاء الله تعالى في كتاب الحظر والاباحة الكلام على الكذب والغيبة وما يرخص منهما.
قوله: (وقهقهة) لانها لما كانت في الصلاة جناية تنقض الوضوء أوجبت نقصان الطهارة خارجها، فكان الوضوء منها مستحبا كما ذكره سيدي عبد الغني النابلسي في نهاية المراد على هداية ابن العماد.
قوله: (وشعر) أي قبيح إمداد، وقدمنا بيان القبيح منه وغير القبيح عند الكلام على المقدمة، ومن أراد من بيانه نهاية المراد فعليه بنهاية المراد.
قوله: (وأكل جزور) أي أكل لحم جزور: أي جمل، لقول بعضهم بوجوب الوضوء منه، وهذا يدخل في عموم قوله بعد: وللخروج من خلاف العلماء.(1/96)
أفاده ط.
قوله: (وبعد كل خطيئة) عطف عام على خاص بالنسبة إلى ما ذكره مما هو خطيئة، وذلك لما ورد في الاحاديث من تكفير الوضوء للذنوب.
قوله: (وللخروج من خلاف العلماء) كمس ذكره ومس امرأة.
قوله: (وركنها) هو في اللغة: الجانب الاقوى.
وفي الاصطلاح: الجزاء الذاتي الذي تتركب الماهية منه ومن غيره.
شرح المنية للحلبي.
قوله: (غسل ومسح وزوال نجس) أي مجموع الثلاثة، ففي النجاسة المرئية زوال عين النجس، وفي غير المرئية والحدث الاكبر فقط، وفي الحدث الاصغر غسل ومسح، وأما نحو العصر والتثليث فمن الشروط.
قوله: (ونحوهما) من مائع ودلك وذكاة وغير ذلك مما سيأتي في المطهرات.
قوله: (وهي مدنية) لانها من المائدة، وهي من آخر القرآن نزولا.
فائدة: المدني ما نزل بعده الهجرة وإكان في غير المدينة، والمكي ما نزل قبلها وإن كان في غير مكة، وهو الاصح من أقوال ثلاثة حكاها السيوطي في الاتقان ط.
قوله: (وأجمع أهل السير) جمع سيرة: أي المغازي، وهذا رد لما يقال: يلزم أن تكون الصلاة بلا وضوء إلى وقت نزول آية الوضوء، لانك ذكرت أن آية الوضوء مدنية مع أن الصلاة فرضت بمكة ليلة الاسراء.
بل في المواهب عن فتح الباري أنه كان (ص) قبل الاسراء يصلي قطعا وكذلك أصحابه، ولكن اختلف هل افترض قبل الخمس شئ من الصلاة أم لا؟ فقيل إن الفرض كان صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لقوله تعالى: * (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) * (طه: 031) ا ه.
قوله: (مع
فرض الصلاة) إن أريد بها الصلوات الخمس أشكل بما قدمناه آنفا أنه (ص) كان يصلي قبلها قطعا، والظاهر أن المعية للمكان لا للزمان، فلا يلزم أن تكون صلاته قبل الافتراض بلا وضوء، ولذا عمم بعد بقوله: وأنه عليه الصلاة والسلام الخ.
مطلب في تعبده عليه الصلاة والسلام بشرع من قبله قوله: (بل هو شريعة من قبلنا) انتقال إلى جواب آخر وهو مبني على المختار من أنه عليه الصلاة والسلام قبل مبعثه كان متعبدا بشرع من قبله، لان التكليف لم ينقطع من بعثة آدم ولم يترك الناس سدى قط، ولتظافر روايات صلاته وصومه وحجه، ولا تكون طاعة بلا شلاع لان الطاعة موافقة الامر، وكذا بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام، وبسط ذلك في التحرير وشرحه.
وسيأتي أول كتاب الصلاة أن المختار عندنا عدمه وهو قول الجمهور قوله: (بدليل الخ) أي بدليل الحديث الذي رواه أحمد والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنه وفي آخره ثم دعا بماء فتوضأ ثلاثا ثم قال: هذا وضوئي الخ.
مطلب: ليس أصل الوضوء من خصوصيات هذه الامة بل الغرة والتحجيل ودفع بأن وجوده في الانبياء لا يدل على وجوده في أممهم، ولهذا قيل إنه من خصائص هذه الامة بالنسبة إلى بقية الامم دون أنبيائهم، لحديث البخاري إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء.(1/97)
وأجيب بأن الظاهر منه أن الخاص بهذه الامة الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء، وبأن الاصل أن ما ثبت للانبياء يثبت لاممهم، يؤيده ما في البخاري من قصة سارة مع الملك أنه لما هم بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي، ومن قصة جريج الراهب أنه قام فتوضأ، قيل يمكن حمل هذا على الوضوء اللغوي.
أقول: حيث ثبت الوضوء الشرعي للانبياء بحديث هذا وضوئي الخ فحمل الوضوء الثابت لامهم بالقصتين المذكورتين على اللغوي لا بد له من دليل لان الاصل عدم الفرق قوله: (من غير إنكار الخ) أفاد أنه لا يحتاج إلى قيام الدليل على بقائه، أما لو قص علينا مقترنا
بالانكار كما في قوله تعالى: * () * (الانعام: 641) الآية فإنه أنكر بقوله تعالى: * (قل لا أجد فيما أوحي إلي) * (الانعام: 541) الآية، وكتحريم السبت، أو ظهر نسخه بعد إقراره كالتوجه إلى بيت المقدس فلا يكون شرعا لنا، بخلاف نحو - وكتبنا عليهم فيها (المائدة: 54) ونحو صوم عاشوراء قوله: (ففائدة نزول الآية الخ) جواب عما يقال: إذا كان الوضوء فرض بمكة مع فرضية الصلاة وهو أيضا شرع من قبلنا فقد ثبتت فرضيته، فما فائدة نزول آية المائدة؟ أفاده ط.
قوله: (تقرير الحكم الثابت) أي تثبته، فإنه لما لم يكن عبادة مستقلة بل تابعا للصلاة احتمل أن لا تهتم الامة بشأنه، وأن يتساهلوا في شرائطه وأركانه بطول العهد عن زمن الوحي وانتقاص الناقلين يوما فيوما، بخلاف ما إذا ثبت بالنص المتواتر الباقي في كل زمان وعلى كل لسان ا ه درر.
قوله: (وتأتي) مصدر تأتي معطوف على تقرير.
قوله: (اختلاف العلماء) أي المجتهدين في النية والدلك والترتيب ونقضه بالمس وقدر الممسوح.
قوله: (على نيف وسبعين حكما) منها أن المراد بالقيام إرادته واقتضاء اللفظ إيجاب الغسل عقبه لانه محكم، وأن الواجب الاسالة دون المسح بلا اشتراط الدلك ولا النية ولا الترتيب ولا الولاء، وجواز مسح الرأس من أي جانب كان، ودلالتها على بطلان الجمع بين الغسل والمسح، وعلى جواز مسح الخفين، وعلى أن الاستنجاء ليس بفرض، وعلى تعميم البدن في الغسل، وعلى وجوب المضمضة والاستنشاق فيه، وعلى وجوب التيمم لمريض خاف الضرر، وعلى جوازه في كل وقت، وعلى جوازه لخائف سبع وعدوه، وعلى جوازه للجنب، وعلى أن ناسي الماء يتيمم مع وجوده، وعلى أن المتيمم إذا وجد الماء خلال الصلاة يلزمه الوضوء، وعلى جواز الوضوء بماء نبيذ التمر ا ه ملخصا من شرح ابن عبد الرزاق.
قال: وإنما اقتصرنا على ذلك لاستبعاد بعضها وتقارب بعضها لبعض.
قوله: (كلها) أي الثمانية: أي كل واحدة منها فيه شيئان، فالجملة ست عشر ط.
قوله: (طهارتين) تثنية طهارة بالمعنى المصدري ط.
قوله: (الوضوء والغسل) أي في قوله تعالى: * (فاغسلو وجوهكم) * وقوله: * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * قوله: (الماء والصعيد) أي في قوله * (فاغسلوا) * لان الغسل بالماء، وقوله: (فتيمموا صعيدا) (المائدة: 6) (النساء: 34).
قوله: (وحكمين) تثنية حكم بمعنى محكوم به: أي مأمور به ط.
قوله:
(وموجبين) بكسر الجيم فإنهما موجبان للطهارة ط: أي بناء على القول بأن الحدث هو سبب الوجوب.
قوله: (الحدث) أي الاصغر في قوله تعالى: * (أو جاء أحد منكم من الغائط) * (المائدة: 6)(1/98)
النساء: 34) والجنابة: أي الحدث الاكبر في قوله تعالى: * (وإن كنتم جنبا) * قوله: (ومبيحين) أي للترخص بالتيمم قوله: (المرض والسفر) أي في قوله تعالى: * (وإن كنتم مرضى أو على سفر) * (المائدة: 6) (النساء: 34).
قوله: (والاجمالي) أي في قوله تعالى: * (فاطهروا) * فإنه لم يفصل فيه مقدار المغسول كما فصل في الوضو، ولذا وقع في مقداره اختلاف المجتهدين.
قوله: (وكنايتين) تثنية كناية، ومن معانيها لغة أن تتكلم بشئ وأنت تريد غيره، وهنا كذلك، فإنه عبر بالغائط وهو المكان المنخفض وأريد به الخارج من الانسان، وعبر بالملامسة المأخوذة من المس باليد وأريد بها الجماع، ومنه يقال للزانية: لا تمنع كف لامس.
قوله: (وكرامتين الخ) أي نعمتين تفضل بهما تعالى على عباده بقوله: * () * * (ليطهركم وليتم نعمته عليكم) * (المائدة: 6).
قوله: (تطهير الذنوب) لما رواه مسلم ومالك مرفوعا: إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرج كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب وفي رواية لمسلم وغيره مرفوعا: من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفره.
قوله: (أي بموته شهيدا) أقول أو بالغرة والتحجيل يوم القيامة، لحديث البخاري المار.
قوله: (ليعم الخ) أي فإنه لو قال آمنتم لاختص بالحاضرين في عصره (ص).
ورده في غاية البيان بأن الموصوف بصفة عامة يتعمم.
قوله: (وكأنه مبني الخ) لان ظاهره أن الاصل التعبير بآمنتم قوله: (التفاتا) هو التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة: أعني التكلم، أو الخطاء، أو الغيبة بعد التعبير عنه بآخر منها، بشرط أن يكون التعبير الثاني على خلاف ما يقتضيه الظاهر ويترقبه السامع.
قوله: (والتحقيق خلافه) لان المنادي مخاطب، فحق ضميره أن يأتي على طريق الخطاب، فيقال: يا فلان إذا فعلت ولا يقال إذا فعل، وإنما جئ في
الصلة بضمير الغائب لعوده على الموصول، والموصول من الاسماء الظاهرة وكلها غيب، فإذا تم الموصول بصلته العائد ضميرها عليه تمحض الكلام للخاطب الذي اقتضاه النداء، فليس حينئذ في الكلام عدول عن طريق إلى طريق آخر، ولذا كان جميع ما ورد في القرآن وكلام العرب من أمثال هذا النداء لم يجئ إلا على هذه الطريقة، فدعوى العدول في جميع ذلك لا تسمع نعم العائد إلى الموصول قد سمع فيه الخطاب والتكلم قليلا في غير النداء، كما في قول علي كرم الله وجهه: أنا الذي سمتني أمي حيدرة وقول كثير: وأنت التي حببت كقصيرة إلي وما تدري بذاك القصائر فهو من الالتفات كما قدمناه في أول الخطبة، وقدمنا هناك أيضا عن المغني أن القول بالالتفات في الآية سهو ومثله في شرح تلخيص المعاني.
قوله: (التحقيقية) أي الدالة على تحقق(1/99)
مدخولها غالبا، وقوله التشكيكية: أي الدالة على أنه مشكوك فيه غالبا، وقد تستعمل كل منهما مكان الاخرى كما بين في محله.
لطيفة إن للشك مع أنها جازمة وإذا للجزم مع أنهالا تجزم، وقد ألغز في ذلك الامام الزمخشري فقال: أنا إن شككت وجدتموني جازما وإذا جزمت فإنني لم أجزم قوله: (من الامور اللازمة) أي الغالبة الوجود بالنظر إلى ديانة المسلم كما في غاية البيان للعلامة الاتقاني.
قوله: (والجنابة الخ) أي لانها يمكن أن لا تقع أصلا ط.
قوله: (في الغسل والتيمم) أي قوله تعالى: * (وإن كنتم جنبا) * وقوله تعالى: * (أو جاء أحد منكم من الغائط) * (المائدة: 6).
قوله: (ليعلم أن الوضوء سنة الخ) وهو الذي لا يكون عن حدث وهذا يدل على أن قوله تعالى: * (فاغسلوا) * الخ مستعمل في الوجوب والندب: والوجوب في الحدث والندب في غيره، وهو مخالف لما ذكروه من أن الحدث في الآية مراد.
ويؤخذ منه أن التيمم والغسل لا يكونان إلا فرضا للتصريح بالحدث فيهما.
وفيه أن الغسل يندب في موضع ويسن في آخر، وكذا يقوم التيمم مقام الوضوء لنحو نوم ودخول مسجد، فلا يشترط فيهما أن يكونا فرضا ط، لكن في النهاية لا يقال: إن الغسل سنة للجمعة فيثبت التنوع فيه.
لانا نقول: المدعى أنه لا يسن لكل صلاة.
أو نقول: إن اختيار البزدوي أنه سنة لليوم لا للصلاة.
مطلب في حديث: الوضوء على الوضوء نور على نور قوله: (والوضوء على الوضوء نور على نور) هذا لفظ حديث ذكره في الاحياء.
وقال الحافظ العراقي في تخريجه: لم أقف عليه، وسبقه لذلك الحافظ المنذري.
وقال الحافظ ابن حجر: حديث ضعيف ورواه رزين في مسنده ا ه.
جراحي، نعم روى أحمد بإسناد حسن مرفوعا لولا أن أشق على أمتي لامرتهم عند كل صلاة بوضوء يعني ولو كانوا غير محدثين.
وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه مرفوعا من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات ولم يقيد الشارح باختلاف المجلس تبعا لظاهر الحديث، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في سنن الوضوء.
قوله: (عبر بالاركان) أي ولم يعبر بالفرائض كما عبر غيره.
قوله: (لانه) أي التعبير المأخوذ من عبر ط.(1/100)
قوله: (أفيد) أي أكثر فائدة.
قال في المنح: لان الركن أخص، ولينبه على أن مراد من عبر بالفروض الاركان ا ه.
قوله: (مع سلامته الخ) اعترض بأن الركن كما اعترف به فرض داخل الماهية، فهو أخص من مطلق الفرض ولازم الاعم لازم للاخص.
وأجيب عنه بأن مفهوم الركن ما كان جزء الماهية وإن لزم هنا أن يكون فرضا، لان المعتبر في الماهيات الاعتبارية ما اعتبره الواضع عند وضع الاسم لها، ولم يعتبر في الركن ثبوته بقطعي أو ظني.
قوله: (بالربع) أي ربع الرأس، ومثله غسل المرفقين والكعبين، فإنه لم يثبت شئ منها بقطعي ولذا لم يكفر المخالف فيها أجماعا كذا في الحلية.
قوله: (يرد المغسول) أي من الاعضاء الثلاثة سوى المرفقين والكعبين، زاد في الدر المنتقى وإن أريدا يلزم عموم المشترك أو إرادة الحقيقة والمجاز ا ه.
مطلب: الفرق بين عموم المجاز والجمع بين الحقيقة والمجاز
قوله: (بما لخصناه الخ) أي من أنه من عموم المجاز.
والفرق بينه وبين الجمع بين الحقيقة والمجاز: أن الحقيقة في الاول تجعل فردا من الافراد، بأن يراد معنى يتحقق في كلا الافراد، بخلاف الثاني فإن الحقيقة يراد بها الوضع الاصلي، والمجاز يراد به الوضع الثانوي، فهما استعمالان متباينان، أو أن المراد القطعي.
ويجاب عن إيراد الممسوح بأن المراد أصل المسح فيه، وذلك قطعي لثبوته بالكتاب أو العملي.
ويجاب عن إيراد المغسول بأن المراد القدر في الكل، ولا شك أنه من هذه الحيثية عملي، لخلاف زفر في المرفقين والكعبين وأبي يوسف فيما بين العذر والاذن ط.
قال بعض الفضلاء: والملخص من ذلك كله أن نقول: إطلاق الفرض عليهما حقيقة عرفيه في اصطلاح الفقهاء فيسقط السؤال من أصله ا ه.
أقول: وإلى هذا أشار في النهاية حيث أجاب بأن الفرض على نوعين: قطعي وظني، وهو الفرض على زعم المجتهد كإيجاب الطهارة بالفصد والحجامة، فإنهم يقولون يفترض عليه الطهارة عند إرادة الصلاة ا ه، ويأتي بيانه قريبا.
قوله: (ثم الركن) ترتيب إخباري ط.
قوله: (ما يكون فرضا) ومعناه لغة الجانب الاقوى كما قدمناه.
قوله: (داخل الماهية) يعني بأن يكون جزءا منها يتوقف تقومها عليه، والماهية ما به الشئ هو هو، سميت بها لانه يسأل عنها بما هو.
قوله: (وأما الشرط) هو في اللغة العلامة.
وفي الاصطلاح ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، وقوله: فما يكون خارجها بيان للمراد به هنا، والمراد ما يجب تقديمه عليها واستمراره فيها حقيقة أو حكما، فالشرط والركن متباينان، كذا في الحلية.
مطلب: قد يطلق الفرض على ما ليس بركن ولا شرط قوله: (فالفرض أعم منهما) وقد يطلق على ما ليس واحدا منهما، كترتيب ما شرع غير مكرر في ركعة، كترتيب القراءة على القيام، والركوع على القراءة، والسجود على الركوع، والقعدة على السجود، فإن هذه التراتيب كلها فروض ليست بأركان ولا شروط، كذا في شرح المنية للحلبي.
قوله: (وهو ما قطع بلزومه) مأخوذ من فرض: بمعنى قطع تحرير، ويسمى فرضا علما وعملا للزوم(1/101)
اعتقاده والعمل به.
قوله: (حتى يكفر) بالبناء للمجهول: أي ينسب إلى الكفر، من أكفره: إذا دعاه كافرا، وأما يكفر من التكفير فغير ثابت هنا وإن كان جائزا لغة كما في المغرب، والاصل حتى يكفر الشارع جاحده، سواء أنكره قولا أو اعتقادا كذا في شرح المنار لابن نجيم.
فتال: قوله: (كأصل مسح الرأس) أي مجردا عن التقدير بربع أو غيره.
مطلب في فرض القطعي والظني قوله: (وقد يطلق الخ) قال في البحر: والظاهر من كلامهم فالاصول والفروع أن الفرض على نوعين: قطعي وظني، هو في قوة القطعي في العمل بحيث يفوت الجواز بفواته، والمقدار في مسح الرأس من قبيل الثاني.
وعند الاطلاق ينصرف إلى الاول لكماله.
والفارق بين الظني القوي المثبت للفرض، وبين الظني المثبت للواجب اصطلاحا خصوص المقام ا ه.
أقول: بيان ذلك أن الادلة السمعية أربعة: الاولى قطعي الثبوت والدلالة كنصوص القرآن المفسرة أو المحكمة والسنة المتواترة التي مفهومها قطعي.
الثاني قطعي الثبوت ظني الدلالة كالآيات المؤولة.
الثالث عكسه كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي.
الرابع ظنيهما كأخبار الآحاد التي مفهومها ظني.
فبالاول يثبت الفرض والحرام، وبالثاني والثالث الواجب كراهة التحريم، وبالرابع السنة والمستحب.
ثم إن المجتهد قد يقوى عنده الدليل الظني حتى يصير قريبا عنده من القطعي، فما ثبت به يسميه فرضا عمليا لانه يعامل معاملة الفرض في وجوب العمل، ويسمى واجبا نظرا إلى ظنية دليله، فهو أقوى نوعي الواجب وأضعف نوعي الفرض، بل قد يصل خبر الواحد عنده إلى حد القطعي، ولذا قالوا: إنه إذا كان متلقى بالقبول جاز إثبات الركن به حتى ثبتت ركنية الوقوف بعرفات بقوله (ص): الحج عرفة.
وفي التلويح أن استعمال الفرض فيما ثبت بظني.
والواجب فيما ثبت بقطعي شائع مستفيض، فلفظ الواجب يقع على ما هو فرض علما وعملا كصلاة الفجر، وعلى ظني هو في قوة الفرض في العمل كالوتر حتى يمنع تذكره صحة الفجر كتذكر العشاء، وعلى ظني هو
دون الفرض في العمل وفوق السنة كتعيين الفاتحة حتى لا تفسد الصلاة بتركها لكن تجب سجدة السهو اه.
وتمام تحقيق هذا المقام في فصل المشروعات من حواشينا على شرح المنار، فراجعه فإنك لا تجده في غيرها.
قوله: (فلا يكفر جاحده) لما في التلويح من أن الواجب لا يلزم اعتقاد حقيقته لثبوته بدليل ظني، ومبنى الاعتقاد على اليقين، لكن يلزم العمل بموجبه للدلائل الدالة على وجوب اتباع الظن، فجاحده لا يكفر، وتارك العمل به إن كان مؤولا لا يفسق ولا يضلل، لان التأويل في مظانه من سيرة السلف، وإلا فإن كان مستخفا يضلل لانه رد خبر الواحد، والقياس بدعة، وإن لم يكن مؤولا ولا مستخفا يفسق لخروجه عن الطاعة بترك ما وجب عليه ا ه.
أقول: وما ذكره العلامة الاكمل في العناية من أنا لا نسلم عدم التكفير لجاحد مقدار المسح بلا تأويل لعله مبني على ما ذهب هو إليه كصاحب الهداية من أن الآية مجملة في حق المقدار، وأن حديث المغيرة من مسحه عليه الصلاة والسلام بناصيته التحق بيانا لها فيكون ثابتا بقطعي، لان خبر الواحد إذا التحق بيانا للمجمل كان الحكم بعده مضافا للمجمل لا للبيان.
وما رد به في البحر على(1/102)
صاحب الهداية أجبت عنه فيما علقته عليه.
قوله: (غسل الوجه) الغسل بفتح الغين لغة: إزالة الوسخ عن الشئ بإجراء الماء عليه: وبضمها: اسم لغسل تمام الجسد وللماء الذي يغسل به، وبكسرها: ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره.
بحر.
والمراد الاول: وإضافته إلى الوجه من إضافة المصدر إلى مفعوله والفاعل محذوف: أي غسل المتوضئ وجهه، لكن يرد عليه أن يكون صفة للفاعل وهو غير مشروط، إذ لو أصابه الماء من غير فعل كفى، فالاولى جعله مصدرا لمبني المجهول على إرادة الحاصل بالمصدر: أي مغسولية الوجه.
قال في حواشي المطول: المصدر يستعمل في أصل النسبة وفي الهيئة الحاصلة منها للمتعلق معنوية أو حسية، كهيئة المتحركية الحاصلة من الحركة، وتسمى الحاصل بالمصدر، وتلك الهيئة للفاعل فقط في اللازم كالمتحركية والقائمية من الحركة والقيام، أو للفاعل والمفعول للمتعدي كالعالمية والمعلومية من العلم، واستعمال المصدر بالمعنى الحاصل بالمصدر استعمال الشئ في لازم معناه انتهى: أي فهو مجاز مرسل.
قوله: (أي إسالة الماء الخ)
قال في البحر: واختلف في معناه الشرعي: فقال أبو حنيفة ومحمد: هو الاسالة مع التقاطر ولو قطرة حتى لو لم يسل الماء بأن استعمله استعمال الدهن لم يجز في ظاهر الرواية، وكذا لو توضأ بالثلج ولم يقطر منه شئ لم يجز.
وعن أبي يوسف: هو مجرد بل المحل بالماء سال أو لم يسل ا ه.
واعلم أنه صرح كغيره بذكر التقاطر مع الاسالة وإن كان حد الاسالة أن يتقاطر الماء للتأكيد، وزيادة التنبيه على الاحتراز عن هذه الرواية، على أنه ذكر في الحلية عن الذخيرة وغيرها أنه قيل في تأويل هذه الرواية إنه سال من العضو قطرة أو قطرتان ولم يتدارك ا ه.
والظاهر أن معنى لم يتدارك: لم يقطر على الفور بأن قطر بعده مهلة، فعلى هذا يكون ذكر السيلان المصاحب للتقاطر احتراز عما لا يتدارك فافهم، ثم على هذا التأويل يندفع ما أورد على هذه الرواية من أن البل بلا تقاطر مسح، فيلزم أن تكون الاعضاء كلها ممسوحة مع أنه تعالى أمر بالغسل والمسح.
قوله: (ولو قطرة) على هذا يكون التقاطر بمعنى أصل الفعل ا ه..قوله: (أقله قطرتان) يدل عليه صيغة التفاعل ا ه ح.
ثم لا يخفى أن هذا بيان للفرض الذي لا يجزى أقل منه لانه في صدد بيان الغسل المفروض، وسيأتي أن التقتير مكروه، ولا يمكن حمل التقتير على ما دون القطرتين، لان الوضوء حينئذ لا يصح لما علمت، فتعين أنه لا ينتفي التقتير إلا بالزيادة على ذلك، بأن يكون التقاطر ظاهرا ليكون غسلا بيقين، وبدونها يقرب إلى حد الدهن، وربما لا يتيقن بسيلان الماء على جميع أجزاء العضو فلذاكرة، فافهم.
قوله: (لان الامر) وهو هنا قوله تعالى * (فاغسلوا) * (المائدة: 6).
قوله: (لا يقتضي التكرار) أي لا يستلزمه، بل ولا يحتمله في التصحيح عندنا، وإنما يستفاد من دليل خارجي كتكرر الصلاة لتكرر أوقاتها.
مطلب في معنى الاشتقاق وتقسيمه إلى ثلاثة أقسام قوله: (مشتق الخ) المراد بالاشتقاق: الاخذ مجازا علاقته الاطلاق والتقييد، إذ (الاشتقاق في الصرف أخذ واحد من الاشياء العشرة من المصدر، وهي الماضي والمضارع والامر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وأفعل التفضيل واسم الزمان والمكان والآلة، والوجه ليس منها ا ه.
لكن في تعريفات السيد: الاشتقاق نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معنى وتركيبا ومغايرتهما في الصيغة، فإن كان بينهما تناسب في الحروف والترتيب كضرب من الضرب فهو(1/103)
اشتقاق صغير، أو في اللفظ والمعنى دون الترتيب كجبذ من الجذب فكبير أو في المخرج كنعق من النهق فأكبر ا ه.
ونحوه في شرح التحرير.
قال: وقد تسمى أصغر وصغيرا وأكبر، وقد تسمى أصغر وأوسط وأكبر، الاول أشهر، وما نحن فيه من القسم الاول، فافهم.
قوله: (شائع) خبر اشتقاق، وذلك لان معنى الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين فأكثر معنى واحد، وفي هذا لا توقيت، بأن يكون المشتق منه ثلاثيا، فجاز أن يكون المزيد أشهر وأقرب للفهم من الثلاثي لكثرة الاستعمال، فصح ذكر الاشتقاق لايضاح معناه وإن لم يكن المزيد أصلا له.
أفاده في النهاية.
قوله: (من الارتعاد) أي الاضطراب أخذ منه الرعد، لاضطرابه في السماء أو اضطراب السحاب منه.
قوله: (واليم) وهو البحر من التيمم: وهو القصد قال في الكشاف: لان الناس يقصدونه.
وقال أيضا: واشتقاق البرج من التبرج لظهوره.
وقال في الفلق: والجن من الاجتنان، لاستتارهم عن العيون.
قوله: (سطح جبهته) أي أعلاها ط.
قوله: (بقرينة المقام) وهو كون المتوضئ أو المكلف فاعل المصدر الذي هو غسل ا ه.
ط.
قوله: (أي منبت أسنانه السفلى) تفسير للذقن بالتحريك: أي إلى أسفل العظم الذي عليه الاسنان السفلى: وهو ما تحت العنفقة.
قوله: (طولا) منصوب على التمييز ط.
قوله: (كان عليه) أي على الوجه.
(وله شعر) بالاسكان ويحرك.
قاموس.
قوله: (عدل عن قولهم) أي عدل المصنف عن قول بعض الفقهاء في تعريف الوجه طولا كالكنز الملتقي ط.
قوله: (قصاص) بتثليث القاف والضم أعلاها حيث ينتهي نباته في الرأس.
نهر.
قوله: (الجاري) صفة لقولهم ط.
قوله: (على الغالب) أي في الاشخاص، إذ الغالب فيهم طلوع الشعر من مبدأ سطح الجبهة، ومن غير الغالب الاغم وأخواه ط.
قوله: (إلى المطرد) أي العام في جميع الافراد ط.
قوله: (ليعم الاغم الخ) هو الذي سال شعر رأسه حتى ضيق الجبهة.
والاصلع: هو الذي انحسر مقدم شعر رأسه.
والانزع: هو الذي انحسر شعره من جانبي جبهته ا ه.
ح.
عن جامع اللغة.
أقول: وبقي الاقرع، وهو من ذهب شعر رأسه.
قاموس.
قوله: (شحمتي الاذنين) أي ما لان منهما، والاذن بضم الذال ولك إسكانها تخفيفا، أفاده في النهر.
وانظر ما وجه التحديد بالشحمتين
مع أن الظاهر أن يقال ما بين الاذنين، ولعل وجهه أن الشحمتين لما اتصلتا ببعض الوجه وهو البياض الذي خلف العذار صار مظنة أن يجب غسلهما مثلا فجلعوا الحد بهما لدفع ذلك.
تأمل.
قوله: (وحينئذ) أي حين إذ علمت حد الوجه طولا وعرضا ط.
قوله: (فيجب غسل المياقي) جمع موق، وهو على ما في النسخ بالياء الممدودة بعد الميم والصواب بالهمزة الممدودة، فقد ذكر في القاموس في باب القاف عشر لغات في الموق: منها مأق بالهمزة، وموق، ومأقئ بهمزة قبل القاف وهمزة بعدها: وهو طرف العين المتصل بالانف، ثم ذكر بعد الكل أربعة جموع: آماق وإماق: أي بهمزة ممدودة في أوله أو قبل آخره، ومواق وماق، ولم يذكر المياقي لا في المفردات ولا في الجموع.
هذا.
وفي البحر: لو رمدت عينه فرمصت يجب إيصال الماء تحت الرمص إن بقي خارجا بتغميض العين وإلا فلا اه.
هذا، وفي بعض النسخ: فيجب غسل الملاقي، ويغني عنه قول(1/104)
المصنف الآتي: وغسل جميع اللحية فرض، لان المراد بالملاقي: ما لاقى البشرة منها كما في الدرر.
وفي شرحها للشيخ إسماعيل: والمرقي هو ما كان غير خارج عن دائرة الوجه، وهو احتراز عن المسترسل، وهو ما خرج عن دائرة الوجه، فإنه لا يجب غسله ولا مسحه بل يسن ا ه.
ويأتي تمام الكلام عليه.
قوله: (وما يظهر) أي يفترض غسله كما صححه في الخلاصة، وقيل الشفة تبع للفم.
أفاده في البحر.
قوله: (عند انضمامها) أشار بصيغة الانفعال إلى أن المراد ما يظهر عند انضمامها الطبيعي لا عند انضمامها بشدة وتكلف ا ه.
ح.
وكذا لو غمض عينيه شديدا لا يجوز.
بحر.
لكن نقل العلامة المقدسي في شرحه على نظم الكنز أن ظاهر الرواية الجواز، وأقره في الشرنبلالية.
تأمل.
قوله: (ما بين العذار والاذن) أي ما بينهما من البياض.
قوله: (وبه يفتى) وهو ظاهر المذهب، وهو الصحيح، وعليه أكثر المشايخ.
قال في البدائع: وعن أبي يوسف عدمه، وظاهر أن مذهبه بخلافه.
بحر، لان كلمة عن تفيد أنه رواية عنه، والخلاف في الملتحي، أما المرأة والامرد والكوسج فيفترض الغسل اتفاقا.
در منتقي.
قوله: (لا غسل باطن العينين الخ) لانه شحم يضره الماء الحار والبارد، ولهذا لو اكتحل بكل نجس لا يجب غسله، كذا في مختارات
النوازل لصاحب الهداية.
قوله: (والانف والفم) معطوفات على العينين: أي لا يجب غسل باطنهما أيضا.
قوله: (وأصول شعر الحاجبين) يحمل هذا على ما إذا كانا كثيفين، أما إذا بدت البشرة فيجب كما يأتي له قريبا عن البرهان، وكذا يقال في اللحية والشارب، ونقله عن عصام الدين شارح الهداية.
ط.
قوله: (وونيم ذباب) أي خرؤه.
قال في بحث الغسل: ولا يمنع الطهارة ونيم ذباب وبرغوث لم يصل الماء تحته وحناء ولو جرمه به يفتى، ودرن ودهن وتراب وطين الخ.
قوله: (للحرج) علة لقوله: (لا غسل الخ) أي فإن هذه المذكورات وإن كانت داخلة في حدالوجه المذكور إلا أنها لا يجب غسلها للحرج.
وعلل في الدرر بأن محل الفرض استتبا لحائل وصار بحال لا يواجه الناظر إليه، فسقط الفرض عنه وتحول إلى الحائل.
قوله: (أسقط لفظ فرادى) تعريض بصاحب الدرر حيث قيد به ا ه.
ومعناه: غسل كل يد منفردة عن الاخرى ط.
قوله: (لعدم الخ) أي لانه في صدد بيان فرائض الوضوء، فيشعر كلامه بأن الانفراد لازم مع أنه لو غسلهما معا سقط الفرض قوله: (الباديتين) أي الظاهرتين اللتين لا خف عليهما.
قوله: (فإن المجروحتين الخ) علة للتقييد بالقيدين السابقين على سبيل اللف والنشر المشوش ط.
قوله: (وظيفتهما المسح) لكنه مختلف الكيفية كما يأتي ط.
قوله: (لما مر) أي من أن الامر لا يقتضي التكرار.
قوله: (مع المرفقين) تثنية مرفق بكسر الميم وفتح الفاء، وفيه العكس: اسم لملتقى العظمين: عظم العضد، وعظم الذراع، وأشار المصنف إلى أن إلى في الآية بمعنى مع، وهو مردود لانهم قالوا: إن اليد من رؤوس الاصابع للمنكب، فإذا كانت إلى بمعنى مع وجب الغسل إلى المنكب لانه كغسل القميص وكمه، وغارته أنه كإفراد فرد من العام وذلك لا يخرج غيره.
بحر.
والجواب أن المراد من اليد في الآية من الاصابع إلى المرفق للاجماع على سقوط ما فوق ذلك،(1/105)
وعدل عن التعبير بإلى المحتملة لدخول المرفقين والكعبين وعدمه إلى التعبير بمع الصريحة بالدخول للاحتراز عن القول بعدمه المشار إليه بقول الشارح على المذهب: أي خلافا لزفر ومن قال بقوله من أهل الظاهر، وهو رواية عن مالك.
قوله: (والكعبين) هما العظمان الناشزان من جانبي القدم: أي
المرتفعان، كذا في المغرب وصححه في الهداية وغيرها.
وروى هشام عن محمد أنه في ظهر القدم عند معقد الشراك، قالوا: هو سهو من هشام، لان محمدا إنما قال ذلك في المحرم إذا لم يجد النعلين حيث يقطع خفيه أسفل من الكعبين، وأشار محمد بيده إلى موضع القطع فنقله هشام إلى الطهارة، وتمامه في البحر وغيره.
قوله: (وما ذكروا) أي في الجواب عما أورد أنه ينبغي غسل يد ورجل، لان مقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد على الآحاد.
قوله: (بعبارة النص) أي بصريحه المسوق له ط.
قوله: (بدلالته) أي إنه مفهوم منه بطريق المساواة.
قوله: (ومن البحث في إلى) أي في كونها تدخل الغاية أو لا تدخلها، أو الامر محتمل، والمرجح القرائن وغير ذلك مما أطال في البحر ط.
قوله: (وفي القراءتين) أي قراءتي الجر والنصب في * (أرجلكم) * (المائدة: 6) من حمل الجر على حالة التخفيف والنصب على غيرها، أو أن الجر للجوار، لان المسح غير مغيا بالكعبين إلى آخر ما أطال به في الدرر وغيرها.
قوله: (قال في البحر: لا طائل تحته) أي لا فائدة فيه، والجملة خبر ما في قوله وما ذكروا، أفاده ط.
قوله: (بعد انعقاد الاجماع على ذلك) أي على افتراض غسل كل واحدة من اليدين والرجلين، وعلى دخوله المرفقين والكعبين، وغسل الرجلين لا مسحهما، أفاده ح.
أقول: من استدل بالآية كالقدوري وغيره من أصحاب المتون يحتاج إلى ذلك ليتم دليله، على أن في ثبوت الاجماع على دخول المرفقين كلاما، لانه في البحر أخذه من قول الامام الشافعي: لا نعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء.
ورده في النهر بأن قول المجتهد: لا أعلم مخالفا، ليس حكاية للاجماع الذي يكون غيره محجوجا به، فقد قال الامام اللامشي في أصوله: لا خلاف أن جميع المجتهدين لو اجتمعوا على حكم واحد ووجد الرضا من الكل نصا كان ذلك إجماعا، فأما إذا نص البعض وسكت الباقون لا عن خوف بعد اشتهار القول فعامة أهل السنة أن ذلك يكون إجماعا.
وقال الشافعي: لا أقول إنه إجماع، ولكن أقول: لا أعلم فيه خلافا.
وقال أبو هاشم من المعتزلة: لا يكون إجماعا ويكون حجة أيضا ا ه.
وقدمنا أيضا عن شرح المنية أن غسل المرفقين والكعبين ليس بفرض قطعي، بل هو فرض عملي كربع الرأس، ولذا قال في النهر أيضا: لا يحتاج إلى دعوى الاجماع، لان الفروض العملية لا يحتاج في إثباتها إلى القاطع.
قوله: (ومسح ربع الرأس)
المسح لغة: إمرار اليد على الشئ.
وعرفا: إصابة الماء العضو.
واعلم أن في مقدار فرض المسح روايات أشهرها ما في المتن.
الثانية مقدار الناصية، واختارها القدوري، وفي الهداية وهي الربع.
والتحقيق أنها أقل منه.
الثالثة مقدار ثلاثة أصابع، رواها هشام عن الامام، وقيل هي ظاهر الرواية.
وفي البدائع: أنها رواية الاصول، وصححها في التحفة وغيرها.
وفي الظهيرية: وعليها الفتوى.
وفي المعراج: أنها ظاهر المذهب واختيار عامة المحققين، لكن نسبها في الخلاصة إلى محمد، فيحمل ما في المعراج من أنها ظاهر المذهب على(1/106)
أنها ظاهر الرواية عن محمد توفيقا، وتمامه في النهر والبحر.
والحاصل أن المعتمد رواية الربع، وعليها مشى المتأخرون كابن الهمام وتلميذه ابن أمير حج وصاحب النهر والبحر والمقدسي والمصنف والشرنبلالي وغيرهم.
قوله: (فوق الاذنين) فلو مسح على طرف ذؤابه شدت على رأسه لم يجز.
مقدسي.
قوله: (أو بلل باق الخ) هذا إذا لم يأخذه من عضو آخر.
مقدسي، فلو أخذه من عضو آخر لم يجز مطلقا.
بحر: أي سواء كان ذلك العضو مغسولا أو ممسوحا.
درر.
قوله: (علل المشهور) مقابله قول الحاكم بالمنع، وخطأه عامة المشايخ، وانتصر له المحقق ابن الكمال وقال: الصحيح ما قاله الحاكم، فقد نص الكرخي في جامعه الكبير على الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه إذا مسح رأسه بفضل غسل ذراعيه، لم يجز إلا بماء جديد لانه قد تطهر به مرة ا ه.
وأقره في النهر.
قوله: (إلا أن يتقاطر) كذا ذكره في الغرر، لانه كأخذ ماء جديد.
قوله: (ولو مد الخ) أي مد المسح حتى استوعب قدر الربع.
وفي البدائع: لو وضع ثلاثة أصابع ولم يمدها جاز على رواية الثلاث أصابع لا الربع، ولو مسح بها منصوبة غير موضوعة ولا ممدودة فلا، لانه لم يأت بالقدر المفروض: أي وهذا بالاجماع كما النهر، فلو مدها حتى بلغ القدر المفروض لم يجز عند علمائنا الثلاثة خلافا لزفر، وكذا الخلاف في الاصبع والاصبعين إذا مدها وبلغ القدر المفروض ا ه.
ملخصا.
بقي ما إذا وضع ثلاث أصابع ومدها وبلغ الربع، قال في الفتح: ولم أر فيه إلا الجواز، وتعقبه في النهر بقوله: قد وقفت على ما هو المنقول: يعني قول البدائع: فلو مدها الخ.
أقول: وفيه نظر لان الضمير في قول البدائع: فلو مدها الخ، عائد إلى المنصوبة: أي بأن مسح بأطرافها لا الموضوعة، على أنه قال في البحر: لو مسح بأطراف أصابعه والماء متقاطر جاز وإلا فلا، لانه إذا كان متقاطرا فالماء ينزل من أصابعه إلى أطرافها، فإذا مده صار كأنه أخذ ماء جديدا، كذا في المحيط، وذكر في الخلاصة أنه يجوز مطلقا هو الصحيح ا ه.
قال الشيخ إسماعيل: ونحوه في الواقعات والفيض.
قوله: (لم يجز) قيل: لان البلة صارت مستعملة، وهو مشكل بأن الماء لا يصير مستعملا قبل الانفصال، وبأنه يستلزم عدم الجواز بمد الثلاث على رواية الربع.
وقيل لانا مأمورون بالمسح باليد، والاصبعان منها لا تسمى يدا بخلاف الثلاث لانها أكثرها.
وفيه أنه يقتضي تعيين الاصابة باليد، وهو منتف بمسألة المطر.
وقد يقال في العلة: إن البلة تتلاشى وتفرغ قبل بلوغ قدر الفرض بخلاف ما لو مد الثلاث، وتمامه في فتح القدير.
قوله: (إلا أن يكون مع الكف الخ) لانهما مع الكف أو مع ما بين الابهام والسبابة يصيران مقدار ثلاث أصابع أو أكثر، فإذا مدهما وبلغ قدر الربع جاز، أما بدون مد فيجوز على رواية الثلاث كما صرح به في التاتر خانية.
قوله: (أو بمياه) قال في البحر: ولو مسح بأصبع واحدة ثلاث مرات وأعادها إلى الماء في كل مرة جاز في رواية محمد، أما عندهما فلا يجوز ا ه: أي على رواية الربع لا يجوز، فما في الدر المنتقى من أنه يجوز اتفاقا فيه نظر، كذا قيل.
وأقول: فيه نظر، لان عبارته لو كان بمياه في مواضع مقدار الفرض جاز اتفاقا، فقوله مقدار الفرض شامل لرواية الثلاث أصابع، ولرواية الربع.
وفي البدائع: لو مسح بأصبع واحدة ببطنها وظهرها وجانبيها لم يذكر في ظاهر الرواية.(1/107)
واختلف المشايخ، فقال بعضهم لا يجوز، وقال بعضهم يجوز، وهو الصحيح، لان ذلك في معنى المسح بثلاث أصابع ا ه.
قال في البحر: ولا يخفى أنه لا يجوز على المذهب من اعتبار الربع، وما في شرح المجمع لابن مالك من أنه لا يجوز اتفاقا في الاصح ففيه نظر ا ه.
قوله: (أجزأه) أي إن أصاب الماء قدر الفرض ط.
قوله: (ولم يصر الماء مستعملا) لان الماء لا يعطي له الاستعمال إلا بعد الانفصال، والذي لاقى الرأس: أي وأخويه: أي الخف والجبيرة لصق به فطهره وغيره لم يلاقه
فلا يستعمل، وفيه نظر، كذا في الفتح.
قوله: (اتفاقا) أي بين الصاحبين.
قوله: (على الصحيح) قيد للاتفاق، ومقابله ما قيل: إنه لو نوى لا يجزئ عند محمد.
قوله: (جميع اللحية) بكسر اللام وفتحها.
نهر، وظاهر كلامهم أن المراد بها الشعر النابت على الخدين من عذار وعارض والذقن.
وفي شرح الارشاد: اللحية الشعر النابت بمجتمع الخدين والعارض ما بينهما وبين العذار وهو القدر المحاذي للاذن، يتصل من الاعلى بالصدغ ومن الاسفل بالعارض بحر.
قوله: (يعني عمليا) ذكر بعضهم أن التفسير بأي للبيان والتوضيح والتفسير: يعني لدفع السؤال وإزالة الوهم، كذا في حاشية البحر للخير الرملي، وهنا كذلك لانه دفع ما يتوهم من إطلاق الفرض أنه القطعي، مع أن الآية لا تدل دلالة قطعية على انتقال حكم ما تحت اللحية من البشرة إليها.
قوله: (أيضا) أي كما أن مسح ربع الرأس كذلك ط.
قوله: (ما عدا هذه الرواية) أي من رواية مسح الكل أو الربع أو الثلث أو ما يلاقي البشرة أو غسل الربع أو الثلث أو عدم الغسل والمسح، فالمجموع ثمانية.
قوله: (كما في البدائع) هذا الكتاب جليل الشأن، لم أر له نظيرا في كتبنا، وهو للامام أبي بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني شرح به تحفة الفقهاء لشيخه علاء الدين السمرقندي، فلما عرضه عليه زوجه ابنته فاطمة بعد ما خطبها الملوك من أبيها فامتنع، وكانت الفتوى تخرج من دارهم وعليها خطها وخط أبيها وزوجها.
قوله: (ثم لا خلاف) أي بين أهل المذهب على جميع الروايات.
ط.
قوله: (أن المسترسل) أي الخارج عن دائرة الوجه، وفسره ابن حجر في شرح المنهاج بما لو مد من جهة نزوله لخرج عن دائرة الوجه، وعلى هذا فالنابت على أسفل الذقن لا يجب غسل شئ منه لانه بمجرد ظهوره يخرج عن حد الوجه، لان ذلك جهة نزوله وإن كان لو مد إلى فوق لا يخرج عن حد الجبهة، وكذا النابت على أطراف الحنك من اللحية، وأما النابت على الخدين فيجب غسل ما دخل منه في دائرة الوجه دون الزائد عليها ولذا قال في البدائع: الصحيح أنه يجب غسل الشعر الذي يلاقي الخدين وظاهر الذقن لا ما استرسل من اللحية عندنا.
وعند الشافعي يجب، لان ما استرسل تابع لما اتصل وللتبع حكم الاصل.
ولنا أنه إنما يواجه إلى المتصل عادة لا إلى المسترسل فلم يكن وجها فلا يجب غسل ا ه،
فتأمل.
ثم رأيت المصنف في شرحه على زاد الفقير قال ما نصه: وفي المجتبى قال البقالي: وما نزل من شعر اللحية من الذقن ليس من الوجه عندنا خلافا للشافعي ا ه.
ولا رواية في غسل الذؤابتين إذا جاوزتا(1/108)
القدمين في الجنابة، وكذا السلعة إذا تدلت عن الوجه.
والصحيح أنه يجب غسلها في الجنابة وغسل السلعة في الوضوء أيضا ا ه.
قوله: (بل يسن) أي المسح لكونه الاقرب لمرجع الضمير وعبارة المنية صريحة في ذلك، كذا في ح.
قوله: (التي ترى بشرتها) قيد بذلك لانه الذي لا خلاف فيه.
وأما في البدائع من أنه إذا نبت الشعر يسقط غسل ما تحته عند عامة العلماء كثيفا كان أو خفيفا، لان ما تحته خرج من أن لا يكون وجها، لانه لا يواجه به ا ه.
فمحمول على ما إذا لم تر بشرتها كما يشير إليه التعليل، فالخفيفة قسمان.
والفرق بينها بالمعنى الثاني وبين الكثيفة العرف كما هو وجه عند الشافعية.
والاصح عندهم أن الخفيفة ما ترى بشرتها في مجلس التخاطب، أفاده في الحلية.
قوله: (لم يسترها الشعر) أما المستورة فساقط غسلها للحرج ط.
ويستثنى منه ما إذا كان الشارب طويلا يستر حمرة الشفتين، لما في السراجية من أن تخليل الشارب الساتر حمرة الشفتين واجب ا ه.
لانه يمنع ظاهر وصول الماء إلى جميع الشفة أو بعضها ولا يسما إن كان كثيفا وتخليله محقق لوصول الماء إلى جميعها، وتمامه في الحلية.
قوله: (ولا يعاد الوضوء الخ) لان المسح على شعر الرأس ليس بدلا عن المسح عن البشرة لانه يجوز مع القدرة على مسح البشرة، ولو كان بدلا لم يجز ا ه.
بحر.
بقي ما إذا كانت اللحية كثيفة، فإن ظاهر ما قدمناه عن الدرر عند قوله للحرج إن غسلها بدل عما تحتها، ومقتضاه إعادة غسله بحلق الشعر فليراجع، لكن قول البحر هنا: لانه يجوز مع القدرة الخ، يفيد أنه ليس ببدل لانه يصح غسل بشرتها.
تأمل.
قوله: (ولا بل المحل) عبر بالبل ليشمل المسح والغسل.
قوله: (الغسل للمحل الخ) الاولى تقديم الوضوء، لانه المذكور في كلام المصنف فيعود الضمير عليه، بل الاولى عدم ذكر شئ لظهور المراد، أفاده ط.
قوله: (ظفره) مثلث
الظاء ط.
قوله: (قرحة) أي جراحة ط.
قوله: (كالدملة) مأخوذ من دمل بالفتح: بمعنى أصلح، يقال دملت بين القوم: بمعنى أصلحت كما في الصحاح وصلاحها ببرئها، فتسمية القرحة دملا تفاؤلا ببرئها، كالقافلة والمفازة ط.
قوله: (وإن تألم بالنزع) في بعض النسخ بدون واو، والاصوب وإن لم يتألم كما أفاده.
ط.
لانه ذكر في التاتر خانية وغيرها أنه إن نزع الجلدة بعد ما برئ بحيث لم يتألم فعليه الغسل، وإن قبله بحيث يتألم فلا.
والاشبه أنه لا يلزمه الغسل فيهما جميعا وهو المأخوذ به ا ه.
ملخصا، فحالة التألم لا خلاف فيها، فإذا قال: وإن لم يتألم، يعلم عدم لزوم الغسل مع التألم بالاولى، لان القاعدة أن نقيض ما بعد إن ولو الوصليتين أولى بالحكم.(1/109)
ويمكن الجواب بأنه أتى بالواو بدون لم لملاحظة التعليل بعدم البدلية، لان انتفاء البدلية عند عدم التألم أولى منه عند التألم.
تأمل.
وعلى كل فنسخة إن تألم بدون واو غير صحيحة، فافهم.
قوله: (لعدم البدلية) علة لعدم الاعادة في المسائل كلها، وذلك لان البدلية تكون عند تعذر الاصل، قوله: (بخلاف نزع الخف) أي فإنه بنزعه يغسل ما تحته لانه بدل عن الغسل ظاهرا، فلما نزعه سرى الحدث إلى القدم ط.
قوله: (فصار) أي ما ذكر من الحلق والقلم والكشط.
قوله: (ثم حته أو قشره) هما بمعنى واحد كما في القاموس: أي حت محل المسح منه.
قوله: (شقاق) هو بالضم.
وفي التهذيب قال الليث: هو تشقق الجلد من برد أو غيره في اليدين والوجه.
وقال الاصمعي: الشقاق في اليد والرجل من بدن الانسان والحيوان، وأما الشقوق فهي صدوع في الجبال والارض.
وفي التكملة عن يعقوب: يقال بيد فلان شقوق ولا يقال شقاق، لان الشقاق في الدواب: وهي صدوع في حوافرها وأرساغها.
مغرب.
قوله: (وإلا تركه) أي وإن لم يمسحه بأن لم يقدر على المسح تركه قوله: (ولا يقدر على الماء) أي على استعماله لمانع في اليد الاخرى، ولا يقدر على وضع وجهه ورأسه في الماء.
قوله: (تيمم) زاد في الخزائن: وصلاته جائزة عنده خلافا لهما، ولو كان في رجله فجعل فيه الدواء يكفيه إمرار الماء فوقه ولا يكفيه المسح، ولو أمره فسقط إن عن برء يعيدوإلا فلا كما في الصغرى ا ه.
ابن عبد الرزاق.
قوله: (ولو قطع الخ) قال في
البحر: ولو قطعت يده أو رجله فلم يبق من المرفق والكعب شئ سقط الغسل، ولو بقي وجب ا ه.
ط.
قوله: (ولو خلق له) أي من جانب واحد.
قوله: (فلو يبطش) بالضم والكسر كما في القاموس، والبطش قاصر على اليدين، فلو قال ويمشي بهما نظرا إلى الرجلين لكان حسنا ط.
قوله: (ولو بإحداهما الخ) أي ولو يبطش بإحداهما فهي الاصلية والاخرى زائدة لا يجب غسلها، وظاهره ولو كانت تامة.
وفي النهر: ولم أر حكم ما لو كانتا تامتين متصلتين أو منفصلتين، والظاهر وجوب غسلهما في الاول وغسل واحدة في الثاني ا ه، فلم يعتبر البطش، والظاهر أنه يعتبر البطش أولا، فإن بطش بهما وجب غسلهما، وإلا فإن كانتا تامتين متصلتين وجب غسلهما، وإن كانتا منفصلتين لا يجب إلا غسل الاصلية التي يبطش بها، وهو حسن جمعا بين العبارتين ط.
قوله: (كأصبع) تنظير لا تمثيل، لان الكلام في اليد.
قوله: (وسننه الخ) اعلم أن المشروعات أربعة أقسام: فرض، وواجب، وسنة، ونفل، فما كان فعله أولى من تركه مع منع الترك إن ثبت بدليل قطعي ففرض، أو بظني فواجب، وبلا منع الترك إن كان مما واظب عليه الرسول (ص) أو الخلفاء الراشدون من بعده فسنة، وإلا فمندوب ونفل.(1/110)
مطلب في السنة وتعريفها والسنة نوعان: سنة الهدى، وتركها يوجب إساءة وكراهية كالجماعة والاذان والاقامة ونحوها، وسنة الزوائد وتركها لا يوجب ذلك، كسير النبي عليه الصلاة والسلام في لباسه وقيامه وقعوده.
والنفل، ومنه المندوب يثاب فاعله ولا يسئ تاركه، قيل وهو دون سنن الزوائد.
ويرد عليه أن النفل من العبادات وسنن الزوائد من العادات، وهل يقول أحد إن نافلة الحج دون التيامن في التنعل والترجل؟.
كذا حققه العلامة ابن الكمال في تغيير التنقيح وشرحه.
أقول: فلا فرق بين النفل وسنن الزوائد من حيث الحكم لانه لا يكره ترك كل منهما، وإنما الفرق كون الاول من العبادات والثاني من العادات، لكن أورد عليه أن الفرق بين العبادة والعادة هو النية المتضمنة للاخلاص كما في الكافي وغيره، وجميع أفعاله (ص) مشتملة عليها كما بين في محله.
وأقول: قد مثلوا لسنة الزوائد أيضا بتطويله عليه الصلاة والسلام القراءة والركوع والسجود، ولا شك في كون ذلك عبادة، وحينئذ فمعنى كون سنة الزوائد عادة أن النبي (ص) واظب عليها حتى صارت عادة له ولم يتركها إلا أحيانا، لان السنة هي الطريقة المسلوكة في الدين، فهي في نفسها عبادة وسميت عادة لما ذكرنا.
ولما لم تكن من مكملات الدين وشعائره سميت سنة الزوائد، بخلاف سنة الهدى وهي السنن المؤكدة القريبة من الواجب التي يضلل تاركها، لان تركها استخفاف بالدين، وبخلاف النفل فإنه كما قالوا: ما شرع لنا زيادة على الفرض والواجب والسنة بنوعيها، ولذا جعلوا قسما رابعا وجعلوا منه المندوب والمستحب، وهو ما ورد به دليل ندب يخصه كما في التحرير، فالنفل: ما ورد به دليل ندب عموما أو خصوصا ولم يواظب عليه النبي (ص)، ولذا كان دون سنة الزوائد كما صرح به في التنقيح.
وقد يطلق النفل على ما يشمل السنن الرواتب، ومنه قولهم باب الوتر والنوافل، ومنه تسمية الحج نافلة لان النفل الزيادة وهو زائد على الفرض، مع أنه من شعائر الدين العامة، ولا شك أنه أفضل من تثليث غسل اليدين في الوضوء ومن رفعهما للتحريمة مع أنهما من السنن المؤكدة فتعين ما قلنا، وبه اندفع ما أورده ابن الكمال، فاغتنم تحقيق هذا المحل فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب، والله تعالى أعلم بالصواب.
قوله: (أفاد الخ) حيث ذكر السنن عقب الاركان هنا وفي الغسل ولم يذكر لهما واجبا، ولو لم يكن كلامه مفيدا ذلك لقدم ذكر الواجب على السنن لانه أقوى، فمقتضى الصناعة تقديمه.
وأراد بالواجب ما كان دون الفرض في العمل، وهو أضعف نوعي الواجب، لا ما يشمل النوع الآخر وهو ما كان في قوة الفرض في العمل، لان غسل المرفقين والكعبين ومسح ربع الرأس من هذا النوع الثاني، وكذا غسل الفم والانف في الغسل، لان ذلك ليس من الفرض القطعي الذي يكفر جاحده.
تأمل.
ثم رأيت التصريح بذلك في شرح الدر للشيخ إسماعيل.
واحترز بقوله للوضوء وللغسل عن نفس الوضوء والغسل، فإن الوضوء يكون فرضا وواجبا وسنة ونفلا كما قدمه الشارح، وكذا الغسل على ما يأتي في محله.
قوله: (وجمعها) أي السنن حيث أتى بها بصيغة الجمع ولم يأت بها مفردة كما قال في الكنز وسنته.
قوله: (مستقلة بدليل وحكم) قال ابن الكمال: أما الاول فظاهر عند من تأمل في الهداية وسائر(1/111)
الكتب المطولة، وأما الثاني فلان ما يترتب على فعل السنة وتركها من الثواب والعقاب يترتب على كل فعل منها وتركه منفردة كانت أو مجتمعة مع أخواتها، وليس الامر في الفرض كذلك، فإن فرض الوضوء مجموع غسل الاعضاء الثلاثة ومسح الرأس لا أن كلا منها فرض مستقل يترتب على فعله وتركه حكم الفرض ولذلك أثر فيه صيغة المفرد، ومن لم يتنبه لهذه الدقيقة الانيقة سلك في الموضعين مسلك الافراد اه وعلى هذا فكان الانسب للمصنف ان يقول فيما مر: وركن الوضوء، بالافراد لاتحاد الدليل وهو الآية، واتحاد الحكم بدليل فساد البعض بترك البعض.
قاله في البحر فافهم.
قوله: (ما يؤجر الخ) من مصدرية لا موصولة أو موصوفة واقعة على السنة، لان الحكم الثابت لها الاجر واللوم على الفعل والترك، وليس الحكم هو الفعل الذي يؤجر عليه، إلا أن يقال إنها موصولة أو موصوفة واقعة على الاجر والعائد محذوف: أي الاجر الذي يؤجره: وعلى كل فالمناسب تأنيث الضمير في فعله وتركه، فافهم.
قوله: (ويلام) أي يعاتب بالتاء لا يعاقب كما أفاده في البحر والنهر، لكن في التلويح ترك السنة المؤكدة قريب من الحرام يستحق حرمان الشفاعة، لقوله عليه الصلاة والسلام: من ترك سنتي لم ينل شفاعتي ا ه.
وفي التحرير أن تاركها يستوجب التضليل واللوم ا ه.
والمراد الترك بلا عذر على سبيل الاصرار كما في شرح التحرير لابن أمير حاج، ويؤيده ما سيأتي في سنن الوضوء من أنه لو اكتفى بالغسل مرة، إن اعتاد أثم وإلا لا.
وفي البحر من باب صفة الصلاة: الذي يظهر من كلام أهل المذهب أن الاسم منوط بترك الواجب أو السنة المؤكدة على الصحيح، لتصريحهم بأن من ترك سنن الصلوات الخمس قيل لا يأثم، والصحيح أنه يأثم.
ذكره في فتح القدير، وتصريحهم بالاثم لمن ترك الجماعة مع أنها سنة مؤكدة على الصحيح وكذا في نظائرة لمن تتبع كلامهم، ولا شك أن الاثم مقول بالتشكيك بعضه أشد من بعض، فالاثم لتارك السنة المؤكدة أخف من الاثم لتارك الواجب ا ه.
قال في النهر هناك: ويؤيده ما في الكشف الكبير معزيا إلى أصول أبي اليسر: حكم السنة أن يندب إلى تحصيلها ويلام على تركها مع لحوق إثم يسير.
قوله: (وكثيرا الخ) مفعول
مطلق وما زائدة لتأكيد الكثرة: أي ويعرفون بالحكم تعريفا كثيرا.
قوله: (لانه الخ) المحط: موضع الحط مقابل الرفع، ومواقع: جمع، موقع مصدر ميمي بمعنى الوقوع، والانظار جمع نظر: بمعنى التأمل والتفكر: أي لان الحكم هو محل وقوع أنظارهم: أي إنه المقصود للفقهاء.
قوله: (وعرفها الشمني) أي عرف السنة اصطلاحا، أما هي لغة: فالطريقة مطلقا ولو قبيحة ط.
قوله: (أو بفعله) ينبغي زيادة أو تقريره إلا أنه داخل في الفعل لانه عدم النهي يقع بين يديه عليه الصلاة والسلام: يعني أنه كف، والكف فعل من أفعال النفس ط.
قوله: (وليس بواجب) مراده به ما يعم الفرض ط.
قوله: (لكنه تعريف لمطلقها) أي لمطلق السنة الشامل.
لقسميها، وهم السنة المؤكدة المسماة سنة الهدى، وغير المؤكدة المسماة سنة الزوائد.
وأما المستحب المرادف للنفل والمندوب فهو قسيم لها لا قسم منها كما قدمناه، فافهم.
وأفاد بالاستدراك أن المراد من السنة هنا هو القسم الاول، وبه صرح في النهر.
تأمل.
قوله: (ولو حكما) كعدم الانكار على من لم يفعل لانه ينزل(1/112)
منزلة الترك حقيقة، فدخل الاعتكاف في العشر الاخير من رمضان، لانه عليه الصلاة والسلام وإن واظب عليه من غير ترك ومقتضاها وجوب الاعتكاف، لكن لما لم ينكر عليه الصلاة والسلام على من لم يعتكف كان ذلك منزلا منزلة الترك حقيقة، والمراد أيضا المواظبة ولو حكما لتدخل التراويح، فإنه (ص) بين العذر في التخلف عنها وهو خوف أن تفرض علينا ط.
عن أبي السعود.
ومفاده أن المواظبة بلا ترك تفيد الوجوب.
قال في البحر: وظاهر الهداية يخالفه، فإنه في الاستدلال على سنية المضمضة والاستنشاق قال: لانه عليه الصلاة والسلام فعلهما على المواظبة، ثم قال في البحر: والذي ظهر للعبد الضعيف أن السنة ما واظب عليه النبي (ص)، لكن إن كانت لا مع الترك، فهي دليل السنة المؤكدة، وإن كانت مع الترك أحيانا فهي دليل غير المؤكدة، وإن اقترنت بالانكار على من لم يفعله فهي دليل الوجوب، فافهم هذا فإن به يحصل التوفيق ا ه.
قال في النهر: وينبغي أن يقيد هذا بما إذا لم يكن ذلك الفعل المواظب عليه مما اختص وجوبه به عليه الصلاة والسلام، أما إذا كان كصلاة الضحى فإن عدم الانكار على من لم يفعل لا يصح أن
ينزل منزلة الترك، ولا بد أن يقيد الترك بكونه لغير عذر كما في التحرير ليخرج المتروك لعذر كالقيام المفروض، وكأنه إنما تركه لان الترك لعذر لا يعد تركا ا ه.
قوله: (وأورد عليه الخ) أي على تعريف الشمني، وحاصله النقض بعدم المنع، لانه إذا كان الاصل في الاشياء التوقف بمعنى عدم العلم بالحكم، هل هو الاباحة أو الحظر؟ لاتعلم إباحة المباح إلا بقوله عليه الصلاة والسلام أو فعله، فيدخل في تعريف السنة إلا أن يزاد في التعريف ولا مباح.
قال ط: وكذا يرد المباح على القول بأن الاصل الحظر.
قوله: (إلا أن الفقهاء الخ) جواب عن الايراد.
قال في الصحاح: اللهج بالشئ: الولوع به.
وقد لهج بالكسر يلهج لهجا: إذا غرى به ا ه.
والمعنى أنهم ينطقون به كثيرا.
ط.
مطلب: المختار أن الاصل في الاشياء الاباحة أقول: وصرح في التحرير بأن المختار أن الاصل الاباحة عند الجمهور من الحنفية والشافعية ا ه.
وتبعه تلميذه العلامة قاسم، وجرى عليه في الهداية من فصل الحداد: وفي الخانية من أوائل الحظر والاباحة.
وقال في شرح التحرير: وهو قول معتزلة البصرة وكثير من الشافعية وأكثر الحنفية لا سيما العراقيين، قالوا: وإليه أشار محمد فيمن هدد بالقتل على أكل الميتة أو شرب الخمر فلم يفعل حتى قتل بقوله: خفت أن يكون آثما، لان أكل الميتة وشرب الخمر لم يحرما إلا بالنهي عنهما، فجعل الاباحة أصلا والحرمة بعارض النهي ا ه.
ونقل أيضا أنه قول أكثر أصحابنا وأصحاب الشافعي الشيخ أكمل الدين في شرح أصول البزدوي، وبه علم أن قول الشارح في باب استيلاء الكفار أن الاباحة رأي المعتزلة: فيه نظر، فتدبر.
قوله: (فالتعريف بناء عليه) أي على أن الاصل الاباحة.
أقول: هذا الجواب نافع فيما سكت عنه الشارع وبقي على الاباحة الاصلية، أما ما نص على(1/113)
إباحته أو فعله عليه الصلاة والسلام فلا ينفع، وقد نص في التحرير على أن المباح يطلق على متعلق الاباحة الاصلية كما يطلق على متعلق الاباحة الشرعية.
فالاحسن في الجواب أن يقال: المراد بقوله
في التعريف ما ثبت ثبوت طلبه لا ثبوت شرعيته والمباح غير مطلوب الفعل وإنما هو مخير فيه.
قوله: (البداية) قيل الصواب البداءة بالهمزة فيه نظر، فقد ذكر في القاموس من اليائي: بديت بالشئ وبديت: ابتدأت ا ه: أي بفتح الدال وكسرها.
مطلب: الفرق بين النية والقصد والعزم قوله: (بالنية) بالتشديد وقد تخفف.
قهستاني.
وهي لغة: عزم القلب على الشئ، واصطلاحا كما في التلويح: قصد الطاعة والتقرب إلى الله تعالى في إيجاد الفعل، ودخل فيه المنهيات.
فإن المكلف به الفعل الذي هو كف النفس ثم العزم والقصد، والنية اسم للارادة الحادثة، لكن العزم المتقدم على الفعل والقصد المقترن به والنية المقترن به مع دخوله تحت العلم بالمنوي، وتمامه في البحر.
مطلب: الفرق بين الطاعة والقربة والعبادة قوله: (أي نية عباده) الاولى التعبير بالطاعة ليشمل نحو مس المصحف، فقد ذكر شيخ الاسلام زكريا: أن الطاعة فعل ما يثاب عليه توقف على نية أو لا، عرف من يفعله لاجله أو لا.
والقربة: فعل ما يثاب عليه بعد معرفة من يتقرب إليه به وإن لم يتوقف على نية.
والعبادة: ما يثاب على فعله ويتوقف على نية، فنحو الصلوات الخمس والصوم والزكاة والحج من كل ما يتوقف على النية: قربة وطاعة وعبادة، وقراءة القرآن والوقف والعتق والصدقة ونحوها مما لا يتوقف على نية: قربة وطاعة لا عبادة، والنظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى طاعة لا قربة ولا عبادة ا ه.
وقواعد مذهبنا لا تأباه.
حموي.
وإنما لم يكن النظر قربة لعد المعرفة بالمتقرب إليه لان المعرفة تحصل بعده ولا عبادة لعدم التوقف على النية.
قوله: (لا تصح) الاولى لا تحل كما في الفتح ليشمل مثل مس المصحف والطواف ا ه.
ح.
وفيه: أنه لو قصد مس المصحف لم يكن آتيا بالسنة، كما أنه لو تيمم له لم تجز له الصلاة به، فإن النية المسنونة في الوضوء هي المشروطة في التيمم، كذفي حاشية شيخ مشايخنا الرحمتي.
وبيانه أن الصلاة تصح عندنا بالوضوء ولو لم يكن منويا بخلاف التيمم، وإنما تسن النية في الوضوء
ليكون عبادة، فإنه بدونها لا يسمى عبادة مأمورا بها كما يأتي وإن صحت به بالصلاة، بخلاف التيمم فإن النية شرط لصحة الصلاة به، فالنية في الوضوء شرط لكونه عبادة، وفي التيمم شرط لصحة الصلاة به، ولما لم تصح الصلاة بالتيمم المنوي به استباحة مس المصحف علم أن الوضوء المنوي بين ذلك ليس عبادة، لكن قد يقال: لا يلزم من عدم صحة الصلاة بالتيمم المذكور عدم كون ذلك الوضوء عبادة، لان صحة الصلاة أقوى، على أن طهارة التيمم ضرورية فيحتاط في شروطها، ولذا شرطوا في التيمم نية عبادة مقصودة، وظاهر كلامهم هنا أن كون العبادة مقصودة غير شرط في النية المسنونة للوضوء فيدخل مثل مس المصحف، والله تعالى أعلم.
قوله: (كوضوء الخ) فيه أن الوضوء ورفع الحدث ليسا عبادة لعدم توقفهما على النية عندنا، بل هما قربة وطاعة كما علمت،(1/114)
على أنهما ليسا مما لا يحل إلا بالطهارة كما أفاده ح لان الوضوء عين الطهارة ورفع الحدث، وكذا امتثال الامر بالوضوء لا زمان من لوازم وجودها، فقوله: كوضوء ليس تمثيلا للعبادة بل تنظير للمنوي، ولا يخفى أن الاصوب أن يقول: أو وضوء، بالعطف على عبادة، وما ذكره من الاكتفاء بنية الوضوء هو ما جزم به في الفتح وأيده في إالبحر والنهر، حيث ذكر أن المستفاد من كلامهم أن نية الطهارة لا تكفي في تحصيل السنة، وكأنه لانها متنوعة إلى إزالة الحدث والخبث فلم ينو خصوص الطهارة الصغرى، فعلى هذا لو نوى الوضوء كفى لانه رفع الحدث سواء، بل هو أخص منه لان رفع الحدث يشمل الغسل فكان الوضوء أولى ا ه.
لا يقال: تنوع رفع الحدث إلى الوضوء والغسل يقتضي أن يكون كالطهارة.
لانا نقول: تنوعه لا يضر، لان الغسل في ضمنه وضوء، فلم يكن ناويا خلاف ما أراد، بخلاف تنوع الطهارة، فافهم.
وقد مشى القدوري في مختصره على الاكتفاء بنية الطهارة ووافقه في السراج، لكن ظاهر كلام الزيلعي أنه خلاف المذهب.
وفي الاشباه: وعند البعض نية الطهارة تكفي.
أقول: ويؤيده ما في تيمم البدائع عن القدوري: الصحيح من المذهب أنه إذا نوى الطهارة أجزأه، وحزم به في البحر هناك، لكن يفرق بأن الطهارة بالتراب لا تتنوع بخلافها بالماء.
وذكر في
البحر هناك أيضا أن نية التيمم لا تكفي لصحته على المذهب خلافا لما في النوادر، ولا اعتماد عليه بل المعتمد اشتراط نية مخصوصة ا ه.
ولعل الفرق بين التيمم والوضوء أن كل وضوء تصح به الصلاة، بخلاف التيمم، فإن منه ما لا تصح به الصلاة كالتيمم لمس، فلذا لم تصح نية التيمم المطلق.
تأمل هذا.
وأورد في البحر على قوله: أو امتثال أمر أنه لا يتأتى قبل دخول الوقت إذ ليس مأمورا به، إلا أن يقال: إن الوضوء لا يكون نفلا لانه شرط للصلاة وشرطها فرض ولا يخفى ما فيه ا ه.
وأجاب ط بأنه مأمور به على طريق الندب قبل الوقت وهو إحدى الثلاث التي المندوب فيها أفضل من الفرض ا ه.
أقول: على القول بأن سبب وجوبه الحدث يكون مأمورا به قبل الوقت وجوبا موسعا إلى القيام إلى الصلاة كما سبق تقريره.
بقي هنا شئ، وهو أنه إذا أراد تجديد الوضوء لا ينوي إزالة الحدث ولا إباحة الصلاة.
ويمكن دفعه بأن ينوي التحديد فإنه مندوب إليه فيكون عبادة كما في شرح الشيخ إسماعيل عن شرح البرجندي.
أقول: فيه إن التجديد ليس عبادة لا تحل إلا بالطهارة، فالاحسن أن يقال: إنه ينوي الوضوء بناء على أن نيته تكفي، أو ينوي امتثال الامر، لان المندوب مأمور به حقيقة أو مجازا على الخلاف بين الاصوليين.
قوله: (وصرحوا بأنه بدونها) أي الوضوء بدون النية ليس عبادة، وذلك كأن دخل الماء مدفوعا أو مختارا لقصد التبرد أو لمجرد إزالة الوسخ كما في الفتح.
قال في النهر: لا نزاع لاصحابنا: أي مع الشافعي في أن الوضوء المأمور به لا يصح بدون النية، إنما نزاعهم في توقف الصلاة على الوضوء المأمور به وأشار أبو الحسن الكرخي إلى هذا.
وقال الدبوسي في أسراره:(1/115)
وكثير من مشايخنا يظنون أن المأمور به من الوضوء يتأدى من غير نية، وهذا غلط فإن المأمور به عبادة والوضوء بغير نية ليس بعبادة.
وفي مبسوط شيخ الاسلام: لا كلام في أن الوضوء المأمور به لا يحصل بدون النية، لكن صحة الصلاة لا تتوقف عليه لان الوضوء المأمور به غير مقصود، وإنما
المقصود الطهارة وهي تحصل بالمأمور به وغيره، لان الماء مطهر بالطبع ا ه.
قوله: (ويأثم بتركها) أي إثما يسيرا كما قدمناه عن الكشف، والمراد الترك بلا عذر على سبيل الاصرار كما قدمناه أيضا عن شرح التحرير، وذلك لانها سنة مؤكدة لمواظبته ص) عليها كما حققه في الفتح ردا على القدوري حيث جعلها مستحبة.
قوله: (وبأنها فرض الخ) الصواب أن يقال: وبأنها شرط في كون الوضوء عبادة لا مفتاحا للصلاة، فإن تارك النية لا يعاقب عقاب ترك الفرض وانتفاء اللازم يستلزم انتفاء الملزوم، والشرط لا يكون فرضا إلا إذا كان شرط الصحة، وهذا ليس كذلك، بل هو شرط في كون الوضوء عبادة فقط ا ه.
ح.
يؤيده أن آية الوضوء لا دلالة لها على اشتراط النية كما حققه العلامة ابن كمال في شرحه على الهداية، ونقله عنه الحموي في حاشية الاشباه.
وفي البحر: وليست النية بشرط في كون الوضوء مفتاحا للصلاة، إنما هي شرط في كونه سببا للثواب على الاصح، وقيل يثاب بغير نية ا ه.
قوله: (بسؤر حمار) نقله في البحر عن شرح المجمع والوقاية معزيا للكفاية وفي الفتح: واختلفوا في النية بالتوضؤ به، والاحوط أن ينوي ا ه.
والظاهر أن المراد أن الاحوط القول بلزوم النية.
تأمل.
قوله: (ونبيذ تمر) أي على القول الضعيف بجواز الوضوء به فهو كالتيمم لانه بدل عن الماء، حتى لا يجوز به حال وجود الماء وينتقض به إذا وجد.
ذكره القدوري في شرحه عن أصحابنا.
فتح.
والظاهر أن العلة في سؤر الحمار كذلك، لانه إنما يتوضأ به مع التيمم عند فقد الماء كما يأتي قوله: (وبأن وقتها) معطوف على قوله بأنه بدونها.
قوله: (ينبغي أن تكون) أي النية.
والذي رأيته في الاشباه يكون بالياء التحتية: أي يكون وقتها، فعلى الاول ينبغي بمعنى بطلب، وعلى الثاني هي ما يستعملها العلماء في مقام البحث فيما لا نقل فيه وهو المتبادر من الاشباه.
قوله: (قلت لكن الخ) استدراك على الاشباه بأن ما بحثه منقول كما ذكره الحموي، والاظهر أنه استدراك على قوله عند غسل الوجه.
قال في (إمداد الفتاح): وأما وقتها فعند ابتداء الوضوء حتى قبل الاستنجاء ا ه: أي لان الاستنجاء من سنن الوضوء بل من أقوى سننه كما صرحوا به: ولهذا قيل: كان ينبغي ذكره هنا.
مطلب: سائر بمعنى باقي لا بمعنى جميع
قوله: (قبل سائر السنن) سائر هنا بمعنى باقي لا بمعنى جميع، وإلا لكان محلها قبل نفسها ا ه.
ح.
وأفاد في القاموس أن استعماله بالمعنى الثاني وهم أو قليل.
قوله: (فلا تسن الخ) حاصله أنه ليس محل سنيتها عندنا هو محل فرضيتها عند الشافعي الذي هو قبيل غسل الوجه.
قوله:(1/116)
(لذي الفهم) أي الادراك متعلق بقوله: أتت أو بقوله تحكي أي تذكر، أو بسؤالات أو حال منه، ومثله قوله في النية لكن يزيد عليه جواز تعلقه بعالم على أن في بمعنى الباء.
قوله: (حقيقة) قدمنا بيان حقيقتها لغة واصطلاحا.
قوله: (حكم) هو أنها سنة في الوضوء والغسل، وشرط في المقاصد من العبادات كالصلاة والزكاة، وفي التيمم، وفي الوضوء بنبيذ التمر وسؤر الحمار، وفي نحو الكفارات، وفي صيرورة المنوي بها عبادة.
قوله: (محل) هو القلب، فلا يكفي التلفظ باللسان دونه، إلا أن لا يقدر أن يحضر قلبه لينوي به، أو يشك في النية فيكفيه اللسان.
وهل يستحب التلفظ بها أو يسن أو يكره؟ فيه أقوال، اختار في الهداية الاول لمن لا تجتمع عزيمته.
وفي الفتح لم ينقل عن النبي (ص) وأصحابه التلفظ بها لا في حديث صحيح ولا ضعيف، وزاد ابن أمير حاج: ولا عن الائمة الاربعة، وتمامه في الاشباه في بحث النية.
قوله: (زمن) هو أول العبادات ولو حكما، كما لو نوى الصلاة في بيته ثم حضر المسجد وافتتح الصلاة بتلك النية بلا فاصل يمنع البناء، وكنية الزكاة عند عزل ما وجب، ونية الصوم عند الغروب، والحج عند الاحرام، كما بسطه في الاشباه.
قوله: (وشرطها) هو الاسلام والتمييز والعلم بالمنوي وأن لا يأتي بمناف بين النية والمنوي، وبيانه في الاشباه.
قوله: (والقصد) أي المقصود منها مصدر بمعنى اسم المفعول.
قال في الاشباه: قالوا: المقصود منها تمييز العبادات من العادات وتمييز بعض العبادات عن بعض كالامساك عن المفطرات قد يكون حمية أو لعدم الحاجة إليه، فما لا يكون عادة أو لا يلتبس بغيره لا تشترط، كالايمان بالله تعالى والمعرفة والخوف والرجاء والنية وقراءة القرآن والاذكار والاذان.
قوله: (والكيفية) أي الهيئة، وهو منسوب لكيف اسم الاستفهام لانها من شأنها أن يسأل بها عن حال الاشياء، فما يجاب به يقال فيه كيفية، فهي الهيئة التي يجاب بها السائل عن حال شئ بقوله: كيف هو؟ كقوله كيف زيد؟ فتقول
صحيح أو سقيم، فيقال هنا ينوي في الوضوء والغسل، والتيمم استباحة ما لا يحل إلا بالطهارة أو رفع الحدث مثلا هذا ما ظهر لي، ثم رأيت نحوه في الامداد، فافهم.
قوله: (قولا) أشار به إلى أنه لا تنافي بين سنية الابتداء بها وبالنية وبغسل اليدين، لان النية محلها القلب والتسمية محلها اللسان وغسل اليدين بالفعل، أفاده ط، لكن في الشرنبلالية أمراعاة استحباب التلفظ بالنية يفوت البدء بالتسمية حقيقة فيكون إضافيا ا ه.
قوله: (وتحصل بكل ذكر) فلو كبر أو هلل أو حمد كان مقيما للسنة: يعني لاصلها وكمالها بما يأتي، أفاده في النهر.
قوله: (لكن الوارد الخ) قال في الفتح: لفظها المنقول عن السلف، وقيل عن النبي (ص) باسم الله العظيم، والحمد لله على الاسلام وقيل الافضل: بسم الله الرحمن الرحيم بعد التعوذ.
وفي المجتبى: يجمع بينهما ا ه.
وفي شرح الهداية للعيني: المروي عن رسول الله (ص) باسم الله، والحمد لله رواه الطبراني في الصغير عن أبي هريرة بإسناد حسن ا ه.
قوله: (قبل الاستنجاء) لانه من الوضوء، والبداءة في الوضوء شرعت بالتسمية، حلية، وفيها: ثم هذا كله: أي ما ذكر من ألفاظ التسمية عند ابتداء الوضوء.
أما عند الاستنجاء ففي الصحيحين: أنه (ص) كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث(1/117)
والخبائث وزاد سعيد بن منصور وأبو حاتم وابن السكن في أوله بسم الله.
والخبث: بضمتين، ويجوز تسكين الباء على الاصح جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، قيل: المراد بهما ذكران الشياطين وإناثهم، وقيل غير ذلك.
قوله: (وبعده) لانه حال مباشرة الوضوء.
درر وفيها أن عند بعض المشايخ تسن قبله، وعند بعضهم بعده، فالاحوط أن يجمع بينهما ا ه.
واختاره في الهداية وقاضيخان.
قوله: (إلا حال انكشاف الخ) الظاهر أن المراد أنه يسمى قبل رفع ثيابه إن كان في غير المكان المعد لقضاء الحاجة، وإلا فقبل دخوله، فلو نسي فيها سمي بقلبه، ولا يحرك لسانه تعظيما لاسم الله تعالى.
قوله: (بل المندوب) قال في السراج: إنه يأتي بها لئلا يخلو وضوءه عنها، وقالوا: إنها عند غسل كل عضو مندوبة.
نهر.
قوله: (وأما الاكل الخ) أي إذا نسيها في ابتدائه.
واعلم أن الزيلعي ذكر أنه لا تحصل السنة في الوضوء، وقال بخلاف الاكل لان الوضوء عمل
واحد، بخلاف الاكل فإكل لقمة فعل مبتدأ.
قال في البحر: ولهذا قال في الخانية: لو قال: كلما أكلت اللحم فلله علي أن أتصدق بدرهم، فعليه بكل لقمة درهم لان كل لقمة أكل ا ه.
وذكر في الفتح أن هذا التعليل يستلزم في الاكل تحصيل السنة في الباقي، لا استدراك ما فات.
وقال شارح المنية: والاولى أنه استدرك لما فات لقوله (ص): إذا أكل أحدكم فنسي أن يذكر اسم الله على طعامه فليقل بسم الله أوله وآخره رواه أبو داود والترمذي، ولا حديث في الوضوء ا ه.
أي فلو لم يكن فيه استدراك لما فات لم يكن لقوله أوله فائدة، ولا يمكن الاستدراك في الوضوء بقوله بسم الله أوله وآخره، لان الحديث وارد في الاكل ولا حديث في الوضوء.
وقد يقال: إذا حصل به الاستدراك في الاكل مع أنه أفعال متعددة يحصل في الوضوء بالاولى، لانه فعل واحد فيستفاد ذلك بدلالة النص لا بالقياس، ويؤيده ما نقله العيني في شرح الهداية عن بعض العلماء أنه إذا سمي في أثناء الوضوء أجزأه.
قوله: (وليقل بسم الله الخ) أي إذا أراد تحصيل السنة فيما فات، وكان الاولى أن يقول: ما لم يقل.
تتمة: ما ذكره المصنف من أن البداءة بالتسمية سنة هو مختار الطحاوي وكثير من المتأخرين.
ورجح في الهداية ندبها، قيل وهو ظاهر الرواية نهر.
وتعجب صاحب البحر من المحقق ابن الهمام حيث رجح هنا وجوبها، ثم ذكر في باب شروط الصلاة أن الحق ما عليه علماؤنا من أنها مستحبة.
كيف وقد قال الامام أحمد: لا أعلم فيها حديثا ثابتا.
قوله: (والبداءة بغسل يديه) قال ابن الكمال: السنة تقديم غسل اليد، وأما نفس الغسل ففرض، وللاشارة إلى هذا المعنى قال: البداءة بغسل يديه، ولم يقل غسل يديه ابتداء كما قال غيره ا ه.
قوله: (الطاهرتين) أما غسل النجستين فواجب.
بحر.
قوله: (ثلاثا) لم يكتف بقول المصنف الآتي وتثليث الغسل، لان المتبادر منه أن المراد به غسل الاعضاء الثلاثة، فافهم.
قال في الحلية: والظاهر أنه لو نقص غسلهما عن الثلاث كان آتيا بالسنة تاركا لكمالها، على أنه في رواية عند أصحاب السنن الاربع لحديث المستيقظ أنه (ص) قال مرتين أو ثلاثا وقال الترمذي حسن صحيح.
قوله: (قبل الاستنجاء وبعده) قال في النهر: ولا خفاء أن(1/118)
الابتداء كما يطلق على الحقيقي يطلق على الاضافي أيضا، وهما سنتان لا واحدة ا ه.
قوله: (وقيد الاستيقاظ) أي الواقع في الهداية وغيرها تبعا لحديث الصحيحين إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ولفظ مسلم حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده.
قوله: (اتفاقي) أي غير مقصود الذكر للاحتراز عن غيره.
قال في العناية: خص المصنف يعني صاحب الهداية بالمستيقظ تبركا بلفظ الحديث، والسنة تشمل المستيقظ وغيره وعليه الاكثرون ا ه.
ومنهم من قال إنه مقصود، وإن غسلهما لغير المستيقظ أدب كما في السراج.
وفي النهر: الاصح الذي عليه الاكثر أنه سنة مطلقا، لكنه عند توهم لنجاسة مؤكدة، كما إذا نام لا عن استنجاء أو كان على بدنه نجاسة وغير مؤكدة عند عدم توهمها، كما إذا نام إلا عن شئ من ذلك أو لم يكن مستيقظا عن نوم ا ه.
ونحوه في البحر.
قوله: (ولذا) أي لكون القيد اتفاقيا وأن الغسل سنة مطلقا.
قوله: (بوقت الحاجة) أي إلى إدخالهما الاناء.
ابن كمال: فيكون مفهومه أنه إذا لم يحتج إلى ذلك، بأن كان الاناء صغيرا يمكن رفعه والصب منه لا يسن غسلهما مع أنه يسن مطلقا.
قوله: (لان مفاهيم الكتب حجة) علة للتوهم: أي أنه لو قال ذلك لتوهم ما ذكر لان الخ.
مطلب: في دلالة المفهوم والمفاهيم: جمع مفهوم، وهو دلالة اللفظ على شئ مسكوت عنه.
وهو قسمان: مفهوم الموافقة، وهو أن يكون المسكوت عنه: أي غير المذكور موافقا للمنطوق: أي المذكور في الحكم، كدلالة النهي عن التأفيف على حرمة الضرب، وهذا يسمى عندنا دلالة النص، وهو معتبر اتفاقا.
ومفهوم المخالفة بخلافه، وهو أقسام: مفهوم الصفة والشرط والغاية والعدد واللقب، وهو معتبر عند الشافعي إلا مفهوم اللقب.
قال في التحرير: والحنفية ينفون مفهوم المخالفة بأقسامه في كلام الشارح فقط ا ه.
فأفاد أنه في الروايات ونحوها معتبر بأقسامه مفهوم اللقب، وهو تعليق الحكم بجامد كقولك: صلاة الجمعة على الرجال الاحرار، فيفهم منه عدم وجوبها على النساء والعبيد.
وفي شرح التحرير عن شمس الائمة الكردري أن تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه في خطابات الشارع، فأما ما في متفاهم الناس وعرفهم وفي المعاملات والعقليات
فيدل ا ه.
وتوضيح هذا المحل يطلب من حواشينا على شرح المنار.
قوله: (بخلاف أكثر مفاهيم النصوص) كالآيات والاحاديث لكونها من جوامع الكلم، فتحتمل فوائد كثيرة، تقتضي تخصيص المنطوق بالذكر، ولذا ترى الخلف يستفيدون منها ما لم يدركه السلف، بخلاف الرواية فإنه قلما يقع فيها تفاوت الانظار، والمراد مفاهيم المخالفة.
أما مفاهيم الموافقة فمعتبرة مطلقا كما قدمناه، وقيده بالاكثر لان من النصوص ما يعتبر مفهومه كنص العقوبة كما يأتي.
قوله: (وفيه من الحد) أي في النهر من كتاب الحد عند ذكر الجنايات.
قوله: (في الروايات) أي عن الائمة والمراد في(1/119)
أكثرها كما يأتي.
قوله: (ومنه) أي من الذي يعبر مفهومه اتفاقا ط.
قوله: (تقييده) أي ما ذكر من اعتبار المفهوم في أقوال الصحابة ط.
قوله: (بما يدرك بالرأي) أي ما للعقل فيه مجال وتصرف ط.
قوله: (لا ما لم يدرك به) أي لانه في حكم المرفوع والمرفوع نص، والنص لا يعتبر مفهومه ط قول، ولهذا اتفق أصحابنا على تقليد الصحابة فيما لا يدرك بالرأي كما في أقل الحيض، قالوا: إنه ثلاثة أيام أخذا بقول عمر رضي الله عنه، لتعين جهة السماع.
قوله: (كما في قوله تعالى الخ) لان أهل السنة ذكروا من جملة الادلة على جواز رؤيته تعالى في الآخرة هذه الآية حيث جعل الحجب عن الرؤية عقوبة للفجار، فيفهم منه أن المؤمنين لا يحجبون، وإلا لم يكن ذلك عقوبة للفجار.
قوله: (فأكثري لا كلي) يحمل عليه ما مر عن النهر، ومن غير الاكثر ما مر من تقييد الهداية بالمستيقظ.
قوله: (إلى الرسغين) تثنية رسغ بالسين والصاد، وبضم فسكون أو بضمتين.
أفاده في القاموس.
قوله: (مفصل الكف) على وزن منبر: ملتقى العظمين من الجسد.
قاموس، وهو اسم جنس يصدق على ما فوق الواحد فلذا ساغ تفسير المثنى به تأمل.
قوله: (قال) أي الشاعر، وتساهلوا في حذف فاعله لانه معلوم، لانه لا يقول النظم إلا شاعر ط.
قوله: (لخنصره) أي الشخص المعلوم من المقام ط.
قوله: (في الوسط) في بعض النسخ ما وسط: أي ما توسط بينهما.
قوله: (فخذ بالعلم) الباء زائدة أو أصلية والمفعول محذوف: أي خذ هذه المسائل بعلم لا بظن، لانه قد يوقع في الغلط، أو ضمن خذ معنى الظفر.
قوله: (ثم إن لم يمكن الخ) ثم للترتيب والتراخي في الاخبار، لانه من تتمة أول الكلام.
وفي كيفية الغسل تفصيل ذكر الشارح الخفي منه وترك الظاهر.
قال في النهر: ثم كيفية هذا الغسل أن الاناء إن أمكن رفعه غسل اليمنى ثم اليسرى ثلاثا، وإن لم يكن لكن معه إناء صغير فكذلك، وإلا أدخل أصابع يده اليسرى مضمومة دون الكف وصب على اليمنى ثم يدخلها ويغسل اليسرى ا ه.
وفي البحر قالوا: يكره إدخال اليد في الاناء قبل الغسل للحديث وهي كراهة تنزيه، لان النهي فيه مصروف عن التحريم بقوله: فإنه لا يدري أين باتت يده فالنهي محمول على الاناء الصغير أو الكبير إذا كان معه إناء صغير، فلا يدخل اليد أصلا، وفي الكبير على إدخال الكف، كذا في المستصفى وغيره.
وفي شرح الاقطع: يكره الوضوء بالماء الذي أدخل المستيقظ يده فيه لاحتمال النجاسة كالماء الذي أدخل الصبي يده فيه ا ه.
أقول: وظاهر التعليل أنه لو نام مستنجيا ولا نجاسة عليه لا يكره إدخال يده ولا الوضوء مما(1/120)
أدخل يده فيه لعدم احتمال النجاسة.
تأمل.
قوله: (وصب على اليمنى) أي ثم يدخلها ويغسل اليسرى كما مر.
قوله: (لاجل التيامن) فيه جواب عما قيل: لا حاجة إلى الصب: على كل واحدة من كفيه على حدة، لانه يمكن غسل الكفين بما صبه على الكف اليمنى كما هو العادة.
ورده في الدرر بأن فيه ترجيحا لعادة العوام على عرف الشرع: أي لان عرف الشرع البداءة باليمين، وبأن نقل البلة في الوضوء من إحدى اليدين أو الرجلين إلى الاخرى لا يجوز، بخلاف الغسل ا ه.
أقول: لكن ذكر في الحلية أن ظاهر الاحاديث الجمع بينهما، وأنه نص غير علمائنا على أنه لا يستحب التيامن هنا كما في غسل الخدين والمنخرين ومسح الاذنين والخفين، إلا إذا تعذر ذلك فحينئذ يقدم اليمين منهما، والقواعد لا تنبو عنه ا ه.
ملخصا، لكن يشكل عليه مسألة نقل البلة.
وقد يجاب بأن نقل البلة يجوز هنا بدليل ظاهر الاحاديث، فتكون حينئذ عادة العوام موافقة لعرف الشرع ولذا قال ابن حجر في التحفة: ويسن غسلهما معا للاتباع انتهى، فليتأمل.
قوله: (ولو أدخل الكف الخ) محترز قوله: أدخل أصابع يسراه.
قوله: (إن أراد الغسل) أي غسل الكف.
قوله: (صار الماء مستعملا) أي الماء الملاقي للكف إذا انفصل لا جميع الماء.
بحر.
وفيه كلام طويل
سيأتي في بحث المستعمل.
قوله: (لا) أي لا يصير مستعملا، ومثله إذا وقع الكوز في الجب فأدخل يده إلى المرفق.
بحر، وذلك للحاجة وإن وجدت علة الاستعمال وهي رفع الحدث كما أفاده ح.
قوله: (ولو لم يمكنه الاغتراف الخ) في البحر والنهر عن المضمرات، لو يداه نجستان أمر غيره بالاغتراف والصب، فإن لم يجد أدخل منديلا فيغسل بما تقاطر منه، فإن لم يجد رفع الماء بفيه، فإن لم يقدر تيمم وصلى ولا إعادة عليه اه.
قال في البحر: وفي مسألة رفع الماء بفيه اختلاف.
والصحيح أنه يصير مستعملا وهو يزيل الخبث ا ه: أي فيزيل ما على يديه من الخبث ثم يغسلهما للوضوء.
أفاده ط.
قوله: (وهو سنة) أراد بها مطلقها الشامل للمؤكدة وغيرها ح: أي لانه عند توهم النجاسة سنة مؤكدة، وعند عدمه غير مؤكدة كما قدمناه.
قوله: (كما أن الفاتحة) أي قراءتها واجبة وتنوب عن الفرض.
واعلم أن ما ذكره هنا من أنه سنتنوب عن الفرض هو ما اختاره في الكافي وتبعه في الدرر، وهو أحد أقوال ثلاثة، لكنه مخالف لما أشار إليه صدر كلامه حيث عبر بالبداءة بغسل يديه، فإنه ظاهر في اختيار القول بأنه فرض، وتقديمه سنة كما قدمناه عن ابن كمال، وهذا ما اختاره في الفتح والمعراج والخبازية، والسراج، لقول محمد في الاصل بعد غسل الوجه، ثم يغسل ذراعيه ولم يقل يديه، فلا يجب غسلهما ثانيا.
قال في البحر: وظاهر كلام المشايخ أنه المذهب.
وقال السرخسي: الاصح عندي أنه سنة لا تنوب عن الفرض فيعيد غسلهما.
واستشكله في الذخيرة بأن المقصود التطهير وقد حصل، وأجاب الشيخ إسماعيل النابلسي بأن المراد عدم النيابة من حيث ثواب الفرض لو أتى به مستقلا قصدا، إذ السنة لا تؤديه ويؤديه اتفاقهم(1/121)
على سقوط الحدث بلا نية ا ه.
وحاصله أن الفرض سقط لكن في ضمن الغسل المسنون لا قصدا، والفرض إنما يثاب عليه إذا أتى به على قصد الفرضية، كمن عليه جنابة قد نسيها واغتسل للجمعة مثلا فإنه يرتفع حدثه ضمنا ولا يثاب ثواب الفرض وهو غسل الجنابة ما لم ينوه، لانه لا ثواب إلا بالنية، وحينئذ فيسن أن يعيد
غسل اليدين عند غسل الذراعين ليكون آتيا بالفرض قصدا، ولا ينوب الغسل الاول منابه من هذه الجهة وإن ناب منابه من حيث إنه لو لم يعده سقط الفرض، كما يسقط لو لم ينو أصلا.
ويظهر لي على هذا أنه لا مخالفة بين الاقوال الثلاثة، لان القائل بالفرضية أراد أن يجزئ عن الفرض، وأن تقديم هذا الغسل المجزئ عن الفرض سنة، وهو معنى القول بأنه سنة تنوب عن الفرض.
والظاهر أنه على هذين القولين يسن إعادة الغسل لما مر فتتحد الاقوال، والله تعالى أعلم.
قوله: (ويسن الخ) نقله في النهر عن الذخائر الاشرفية، وفيه تأييد لما ذكرناه آنفا حيث لم يقيده بأحد الاقوال، إذ يبعد القول بأن إعادة غسلهما عبث وإسراف، فافهم.
قوله: (والسواك) بالكسر: بمعنى العود الذي يستاك به وبمعنى المصدر.
قال في الدرر: هو المراد هاهنا فلا حاجة إلى تقدير استعمال السواك ا ه.
فالمراد الاستياك.
قال الشيخ إسماعيل: وبه عبر في الفتح، وصرح به في الغاية وغيرها، ونقله ابن فارس في مقياس اللغة وهو في المصباح المنير أيضا، فلا يرد ما قيل إنه لم يوجد في الكتب المعتبرة ا ه.
ونقله نوح أفندي أيضا عن الحافظ ابن حجر والعراقي والكرماني، قال: وكفى بهم حجة.
قوله: (سنة مؤكدة) خبر لمبتدأ محذوف إن قدر قوله: والسواك معطوفا على ما قبله لا مبتدأ، وعلى العطف فهل هو مرفوع أو مجرور؟ استظهر في البحر تبعا للزيلعي الثاني ليفيد أن الابتداء به سنة أيضا.
واستظهر في النهر الاول لترجيح كونه عند المضمضة.
ثم قيل إنه مستحب، لانه ليس من خصائص الوضوء، وصححه الزيلعي وغيره.
وقال في الفتح: إنه الحق، لكن في شرح المنية الصغير: وقد عده القدوري والاكثرون من السنن، وهو الاصح ا ه.
قلت: وعليه المتون.
قوله: (عند المضمضة) قال في البحر: وعليه الاكثر، وهو الاولى لانه أكمل في الانفاء.
قوله: (وهو للوضوء عندنا) أي سنة للوضوء.
وعند الشافعي للصلاة.
قال في البحر: وقالوا فائدة الخلاف تظهر فيمن صلى بوضوء واحد صلوات يكفيه عندنا لا عنده.
وعلله السراج الهندي في شرح الهداية بأنه إذا استاك للصلاة ربما يخرج دم وهو نجس بالاجماع وإن لم يكن ناقضا عند الشافعي.
قوله: (إلا إذا نسيه الخ) ذكره في الجوهرة، ومفاده أنه لو أتى به عند الوضوء لا يسن له أن يأتي به عند الصلاة، لكن في الفتح عن الغزنوية: ويستحب في خمسة مواضع: اصفرار السن،
وتغيير الرائحة، والقيام من النوم، والقيام إلى الصلاة، وعند الوضوء، لكن قال في البحر: ينافيه ما نقلوه من أنه عندنا للوضوء لا للصلاة.
ووفق في النهر بحمل ما في الغزنوية على ما في الجوهرة: أي أنه للوضوء، وإذ نسيه يكون مندوبا للصلاة لا للوضوء، وهذا ما أشار إليه الشراح، لكن قال الشيخ إسماعيل: فيه نظر بالنظر إلى تعليل السراج الهندي المتقدم ا ه.(1/122)
أقول: هذا التعليل عليل، فقد رد بأن ذاك أمر متوهم مع أنه لمن يثابر عليه لا يدمي.
ويظهر لي التوفيق، بأن معنى قولهم هو للوضوء عندنا بيان ما تحصل به الفضيلة الواردة فيما رواه أحمد من قوله (ص): صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك أي أنها تحصل بالاتيان به عند الوضوء.
وعند الشافعي لا تحصل إلا بالاتيان به عند الصلاة.
فعندنا كل صلاة صلاها بذلك الوضوء لها هذه الفضيلة خلافا له، ولا يلزم من هذا نفي استحبابه عندنا لكل صلاة أيضا حتى يحصل التنافي.
وكيف لا يستحب للصلاة التي هي مناجاة الرب تعالى مع أنه يستحب للاجتماع بالناس؟.
قال في إمداد الفتاح: وليس السواك من خصائص الوضوء، فإنه يستحب في حالات: منها تغير الفم، والقيام من النوم، وإلى الصلاة، ودخول البيت، والاجتماع بالناس، وقراءة القرآن، لقول أبي حنيفة: إن السواك من سنن الدين فتستوي فيه الاحوال كلها ا ه.
وفي القهستاني: ولا يختص بالوضوء كما قيل، بل سنة على حدة على ما في ظاهر الرواية.
وفي حاشية الهداية أنه مستحب في جميع الاوقات، ويؤكد استحبابه عند قصد التوضؤ فيسن أو يستحب عند كل صلاة ا ه.
وممن صرح باستحبابه عند الصلاة أيضا الحلبي في شرح المنية الصغير، وفي هداية ابن العماد أيضا، وفي التاتر خانية عن التتمة: ويستحب السواك عندنا عند كل صلاة ووضوء وكل ما يغير الفم وعند اليقظة ا ه.
فاغتنم هذا التحرير الفريد.
قوله: (وأقله الخ) أقول: قال في المعراج: ولا تقدير فيه، بل يستاك إلى أن يطمئن قلبه بزوال النكهة واصفرار السن، والمستحب فيه ثلاث بثلاث مياه ا ه.
والظاهر أن المراد لا تقدير فيه من حيث تحصيل السنة وإنما تحصيل باطمئنان القلب، فلو حصل بأقل من ثلاث فالمستحب إكمالها كما قالوا في الاستنجاء بالحجر.
قوله: (في الاعالي) ويبدأ من
الجانب الايمن ثم الايسر وفي الاسافل كذلك.
بحر.
قوله: (بمياه ثلاثة) بأن يبله في كل مرة.
قوله: (وندب إمساكه بيمناه) كذا في البحر، والنهر، قال في الدرر: لانه المنقول المتوارث ا ه.
وظاهره أنه منقول عن النبي (ص)، لكن قال محشيه العلامة نوح أفندي: أقول: دعوى النقل تحتاج إلى نقل ولم يوجد.
غاية ما يقال: إن السواك إن كان من باب التطهير استحب باليمين كالمضمضة، وإن كان من باب إزالة الاذى فباليسرى، والظاهر الثاني كما روي عن مالك.
واستدل للاول بما ورد في بعض طرق حديث عائشة: أنه (ص) كان يعجبه التيامن في ترجله وتنعله وطهوره وسواكه ورد بأن المراد البداءة بالجانب الايمن من الفم ا ه.
ملخصا.
وفي البحر والنهر: والسنة في كيفية أخذه أن يجعل الخنصر أسفله والابهام أسفل رأسه وباقي الاصابع فوقه كما رواه ابن مسعود.
قوله: (وكونه لينا) كذا في الفتح.
وفي السراج: يستحب أن يكون لا السواك رطبا يلتوي لانه لا يزيل القلح وهو وسخ الاسنان، ولا يابسا يجرح اللثة وهي منبت الاسنان ا ه.
فالمراد أن رأسه الذي هو محل استعماله يكون لينا: أي لا في غاية الخشونة ولا غاية النعومة.
تأمل.
قوله: (بلا عقد) في شرح درر البحار: قليل العقد.
قوله: (في غلظ الخنصر) كذا في المعراج، وفي الفتح: الاصبع.
قوله: (وطول شبر) الظاهر أنه في ابتداء استعماله، فلا يضر نقصه بعد ذلك بالقطع منه لتسويته.
تأمل.
وهل المراد شبر المستعمل أو المعتاد؟ الظاهر الثاني لانه محمل الاطلاق غالبا.
قوله: (ويستاك عرضا لا طولا) أي لانه يخرج لحم الاسنان.
وقال الغزنوي: طولا وعرضا.
والاكثر على(1/123)
الاول.
بحر.
لكن وفق في الحلية بأنه يستاك عرضا في الاسنان وطولا في اللسان جمعا بين الاحاديث.
ثم نقل عن الغزنوي أنه يستاك بالمداراة خارج الاسنان وداخلها أعلاها وأسفلها ورؤوس الاضراس وبين كل سنتين.
قوله: (ولا يقبضه) أي بيده على خلاف الهيئة المسنونة.
قوله: (ولا يمصه) بضم الميم كيخص، وأما بلع الريق بلامص، ففي الحلية قال الحكيم الترمذي: وابلع ريقك أول ما تستاك فإنه ينفع الجذام والبرص وكل داء سوى الموت، ولا تبلع بعده شيئا فإنه يورث الوسوسة.
يرويه زياد بن علاقة ا ه.
قوله: (ولا يضعه الخ) أي لا يلقيه عرضا بل ينصبه طولا.
قال
القهستاني: وموضع سواكه (ص) من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، وأسوكة أصحابه خلف آذانهم كما قال الحكيم الترمذي، وكان بعضهم يضعه في طي عمامته ا ه.
قوله: (وإلا فخطر الجنون) فإنه يروي عن سعيد بن جبير قال: من وضع سواكه بالارض فجن من ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
حلية عن الحكيم الترمذي.
قوله: (ويكره بمؤذ) قال في الحلية: وذكر غير واحد من العلماء كراهته بقضبان الرمان والريحان ا ه.
وفي شرح الهداية للعيني: روى الحارث في مسنده عن ضمير بن حبيب قال: نهى رسول الله (ص) عن السواك بعود الريحان وقال: إنه يحرك عرق الجذام وفي النهر: ويستاك بكل عود إلا الرمان والقصب.
وأفضله الاراك ثم الزيتون.
روى الطبراني نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة، وهو سواكي وسواك الانبياء من قبلي.
مطلب في منافع السواك قوله: (ومن منافعه الخ) في الشرنبلالية عن حاشية صحيح البخاري للفارضي: أن منها أنه يبطئ بالشيب، ويحد البصر.
وأحسنها أنه شفاء لما دون الموت، وأنه يسرع في المشي على الصراط ا ه.
ومنها ما في شرح المنية وغيره: أنه مطهرة للفم، ومرضاة للرب، ومفرحة للملائكة، ومجلاة للبصر، ويذهب البخر والحفر، ويبيض الاسنان، ويشد اللثة، ويهضم الطعام، ويقطع البلغم، ويضاعف الصلاة، ويطهر طريق القرآن، ويزيد في الفصاحة، ويقوي المعدة، ويسخط الشيطان، ويزيد في الحسنات، ويقطع المرة، ويسكن عروق الرأس ووجع الاسنان، ويطيب النكهة، ويسهل خروج الروح.
قال في النهر: ومنافعه وصلت إلى نيف وثلاثين منفعة، أدناها إماطة الاذى، وأعلاها تذكير الشهادة عند الموت، رزقنا الله ذلك بمنه وكرمه.
قوله: (عنده) أي عند الموت.
قوله: (أو الاصبع) قال في الحلية ثم بأي أصبع استاك لا بأس به، والافضل أن يستاك بالسبابتين، يبدأ بالسبابة اليسرى ثم باليمنى، وإن شاء استاك بإبهامه اليمنى والسبابة اليمنى، يبدأ بالابهام من الجانب الايمن فوق وتحت، ثم بالسبابة من الايسر كذلك.
قوله: (كما يقوم العلك مقامه) أي في الثواب إذا وجدت النية، وذلك أن المواظبة عليه تضعف أسنانها فيستحب لها فعله.
بحر.
وظاهره أنه لا يتقيد بحال(1/124)
المضمضة ط.
قوله: (ولذا عبر بالغسل) أفاد أن الاستيعاب يفاد بالغسل دون المضمضة والاستنشاق، وفيه نظر فإنهما كذلك.
فالمضمضة اصطلاحا: استيعاب الماء جميع الفم.
وفي اللغة: التحريك.
والاستنشاق اصطلاحا: إيصال الماء إلى المارن.
ولغة: من النشق، وهو جذب الماء ونحوه بريح الانف إلى داخله.
بحر وأجيب بأن المراد ما قاله الزيلعي، وهو أن السنة فيهما المبالغة، والغسل أدل على ذلك.
وأورد أن المبالغة المذكورة ليست نفس الاستيعاب، على أن المبالغة سنة أخرى، فالتعبير عنها وعن أصلها بعبارة واحدة يوهم أنهما سنة واحدة وليس كذلك.
نهر.
وأيضا لا يناسب ذلك من صرح بسنية المبالغة كالمصنف.
قلت: فالاحسن أن يقال: إن التعبير بغسل الفم والانف أدل على الاستيعاب من المضمضة والاستنشاق بالنظر إلى المعنى اللغوي.
تأمل.
قوله: (أو للاختصار) أورد عليه أن الاختصار مطلوب ما لم يفوت فائدة مهمة، فإن المضمضة إدارة الماء في الفم ثم مجه، والغسل لا يدل على ذلك.
وأجاب في النهر بأن كون المج شرطا فيها هو رواية عن الثاني.
والاصح أنه ليس بشرط، لما في الفتح: لو شرب الماء عبا أجزأه عن المضمضة، وقيل لا، ومصا لا يجزيه.
هذا، وأبدى العيني وجها ثالثا هو التنبيه على حديهما.
قوله: (بمياه) إنما قال بمياه ولم يقل ثلاثا ليدل على أن المسنون التثليث بمياه جديدة.
أفاده في المنح ط.
قوله: (المارن) هو ما لان من الانف.
قاموس.
قوله: (وهما سنتان مؤكدتان) فلو تركهما أتم على الصحيح.
سراج.
قال في الحلية: لعله محمول على ما إذا جعل الترك عادة له من غير عذر كما قالوا مثله في ترك التثليث كما يأتي.
قوله: (مشتملتان) أي مشتمل كل منهما على سنن خمس، وباعتبارهما تكون السنن اثنتي عشرة سنة، فافهم، نعم قد يقال الترتيب سنة واحدة فيهما.
تأمل.
قوله: (والتثليث) في البحر عن المعراج أن ترك التكرار مع الامكان لا يكره، وأيده في الحلية: بأنه ثبت عنه (ص) أنه تمضمض واستنشق مرة كما أخرجه أبو داود، ثم قال: وينبغي تقييده بما إذا لم يجعل الترك عادة له.
قوله: (وتجديد الماء) أي أخذه ماء جديدا في كل مرة فيهما.
قوله: (وفعلهما باليمنى) أي ويمخط ويستنثر
باليسرى كما في المنية والمعراج.
قوله: (والمبالغة فيهما) هي السنة الخامسة.
وفي شرح الشيخ إسماعيل عن شرح المنية: والظاهر أنها مستحبة.
قوله: (بالغرغرة) أي في المضمضة، ومجاوزة المارن في الاستنشاق، وقيل المبالغة في المضمضة تكثير الماء حتى يملا الفم.
قال في شرح المنية: والاولى أشهر.
قوله: (وسر تقديمهما) أي حكمة تقديمهما على فرائض الوضوء.
قوله: (اعتبار أوصاف الماء) على حذف مضاف: أي الوقوف على تمام أوصاف الماء، فإن أوصافه اللون والطعم والريح، فاللون يرى بالبصر، وبهما يحصل تمام الاوصاف التي قد تعرض له، فافهم.
قوله:(1/125)
(ولو عنده ماء الخ) في شرح الزاهدي عن الشفاء: المضمضة والاستنشاق سنتان مؤكدتان، من تركهما يأثم.
قال الزاهدي: وبهذا تبين أن من عنده ماء للوضوء مرة معهما وثلاثا بدونهما فإنه يتوضأ مرة معهما ا ه.
كذا في الحلية: أي لانهما آكد من التثليث بدليل الاثم بتركهما، لكن قدمنا حمل الاثم على اعتياد الترك بلا عذر، على أن التثليث كذلك كما يأتي.
والاحسن قول ح: لان النبي (ص) ورد عنه ترك التثليث حيث غسل مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ولم يرد عنه ترك المضمضة والاستنشاق.
قوله: (أجزأه) أي عن أصل المضمضة والاستنشاق، وفاته سنية التجديد.
قوله: (وعكسه) أي بأن قدم الاستنشاق لا يجزيه لصيرورة الماء مستعملا.
بحر: أي لان ما في الانف لا يمكن إمساكه، بخلاف ما في الفم، والمراد لا يجزيه عن المضمضة، وإلا فالاستنشاق صح وإن فاته الترتيب.
تأمل.
قوله: (الاولى نعم) ظاهرة ولو تسوك، لاحتمال أن يتحلل من أجزاء السواك شئ أو يبقى أثر طعام لا يخرجه السواك، وليحرر.
ط.
قوله: (وتخليل اللحية) هو تفريق شعرها من أسفل إلى فوق.
بحر.
وهو سنة عند أبي يوسف، وأبو حنيفة ومحمد يفضلانه.
ورجح في المبسوط قول أبي يوسف كما في البرهان.
شرنبلالية.
وفي شرح المنية: والادلة ترجحه وهو الصحيح ا ه.
قال في الحلية: والظاهر أن هذا كله في الكثة، أما الخفيفة فيجب إيصال الماء إلى ما تحتها ا ه.
وجزم به الشرنبلالي في متنه.
قوله: (لغير المحرم) أما المحرم فمكروه.
نهر.
قوله: (بعد التثليث) أي تثليث غسل الوجه.
إمداد.
قوله: (ويجعل ظهر كفه إلى
عنقه) نقله العلامة نوح أفندي عن بعض الفضلاء بلفظ: وينبغي أن يجعل الخ.
وكتب في الهامش: إنه الفاضل البرجندي.
وقال في المنح: وكيفيته على وجه السنة أن يدخل أصابع اليد في فروجها التي بين شعراتها من أسفل إلى فوق، بحيث يكون كف اليد الخارج وظهرها إلى المتوضئ ا ه.
أقول: لكن روى أبو داود عن أنس: كان (ص) إذا توضأ أخذ كفا من ماء تحت حنكه فخلل به لحيته وقال: بهذا أمرني ربي ذكره في البحر وغيره، والمتبادر منه إدخال اليد من أسفل بحيث يكون كف اليد لداخل من جهة العنق وظهرها إلى خارج، ليمكن إدخال الماء المأخوذ في خلال الشعر، ولا يمكن ذلك على الكيفية المارة فلا يبقى لاخذه فائدة، فليتأمل، وما في المنح وعزاه إلى الكفاية.
والذي رأيته في الكفاية هكذا، وكيفيته: أن يخلل بعد التثليث من حيث الاسفل إلى فوق ا ه.
ثم اعلم أن هذا التخليل باليد اليمنى كما صرح به في الحلية، وهو ظاهر.
وقال في الدرر: إنه يدخل أصابع يديه في خلال لحيته، وهو خلاف ما مر فتدبر.
قوله: (وتخليل الاصابع) هو سنة مؤكدة اتفاقا.
سراج.
وما في الشرنبلالية من ذكر الخلاف إنما ذكره في تخليل اللحية كما قدمناه، فافهم.
قال في البحر: وقيده في السراج: أي التخليل بأن يكون بماء متقاطر في تخليل الاصابع ولم يقيده في تخليل اللحية ا ه.(1/126)
أقول: قد علمت من الحديث المار التقييد في تخليل اللحية بأخذ كف من ماء.
وفي البحر ويقوم مقامه: أي تخليل الاصابع: الادخال في الماء ولو لم يكن جاريا.
وفيه عن الظهيرية ان التخليل إنما يكون بعد التثليث لانه سنة التثليث ا ه.
قلت: لكن ذكر في الحلية عند ذكره استيعاب الاعضاء بالغسل في كل مرة أنه يؤخذ منه استنان تثليثه، ثم روي عن الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح جيد عن عثمان رضي الله عنه: أنه توضأ فخلل بين أصابع قدميه ثلاثا وقال: رأيت رسول الله (ص) فعل كما فعلت.
قوله: (اليدين) أي
أصابع اليدين.
ط.
قوله: (بالتشبيك) نقله في البحر بصيغة قيل.
وكيفيته كما قاله الرحمتي: إنه يجعل ظهرا لبطن لئلا يكون أشبه باللعب.
قوله: (والرجلين الخ) ذكر هذه الكيفية في المعراج وغيره، وقال: بذلك ورد الخبر، وكذا ذكرها القدوري مروية مع تقييد التخليل بكونه من أسفل.
وتعقب في الفتح ورود هذه الكيفية بقوله: والله أعلم به، ومثله فيما يظهر أمر اتفاقي لا سنة مقصودة.
قال تلميذه ابن أمير حاج الحلبي في الحلية شرح المنية: لكن الذي في سنن ابن ماجه عن المستورد بن شداد قال: رأيت رسول الله (ص) توضأ فخلل أصابع رجليه بخنصره وأما كونه بخنصر يده اليسرى وكونه من أسفل، فالله أعلم به، ويشكل كونه بخنصر اليسرى أنه من الطهارة، والمستحب في فعلها اليمين، ولعل الحكمة في كونه بالخنصر كونها أدق الاصابع فهي بالتخليل أنسب، وفي كونه من أسفل أنه أبلغ في إيصال الماء ا ه.
ثم نقل ندب هذه الكيفية عن الشافعي.
قلت: ويجاب عن قوله ويشكله الخ بأن الرجلين محل الوسخ والقذر، ولذا سيذكر الشارح أن من الآداب غسلهما باليسار.
قوله: (بادئا) أي وخاتما بخنصر رجله اليسرى، لان خنصر الرجل اليمنى هي يمنى أصابعها وإبهام اليسرى كذلك: أي والتيامن سنة أو مستحب.
أفاده في الحلية.
قال في البحر: وقولهم من أسفل إلى فوق يحتمل شيئين: أن يبدأ من أسفل إلى فوق: أي من ظهر القدم أو من باطنه كما جزم به في السراج، والاول أقرب ا ه: أي فيدخل خنصره من جهة ظهر القدم، فيخلل من أسفل صاعدا إلى فوق لا من جهة باطنه.
قوله: (وهذا) أي وكون التخليل سنة.
قوله: (فرض) أي التخليل لانه حينئذ لا يمكن إيصال الماء إلا به، فافهم.
قوله: (وتثليث الغسل أي جعله ثلاثا، فمجموع الثانية والثالثة سنة واحدة، قال في الفتح: وهو الحق، لكن صحيح في السراج أنهما سنتان مؤكدتان.
قال في النهر: وهو المناسب لاستدلالهم على السنية بأنه عليه الصلاة والسلام لما أن توضأ مرتين مرتين قال: هذا وضوء من يضاعف له الاجر مرتين، ولما أن توضأ ثلاثا قال: هذا وضوئي ووضوء الانبياء من قبلي، فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم فجعل للثانية جزاء مستقلا، وهذا يؤذن باستقلالها، لا أنها جزء سنة حتى لا يثاب عليها وحدها ا ه.
وقيد بالغسل إذ لا يطلب تثليث المسح كما يأتي.
قوله: (المستوعب) فلو غسل في المرة الاولى وبقي
موضع يابس ثم في المرة الثانية أصاب الماء بعضه، ثم في الثالثة أصاب الجميع لا يكون غسلا للاعضاء ثلاثا.
حلية عن فتاوي الحجة.
قوله: (ولا عبرة للغرفات) أي الغير المستوعبة.
قال في البحر: والسنة تكرار الغسلات المستوعبات لا الغرفات ا ه.(1/127)
بقي إذا لم يستوعب إلا في الثالثة كما قلنا، هل يحسب الكل غسلة واحدة فيعيد الغسل مرتين، أو يعيد غسل ما لم يصبه الماء فقط؟ والمتبادر من عبارة البحر الاول، وليحرر.
قوله: (وإن اعتاده أثم) قال في النهر: ولو اقتصر على الاولى ففي إثمه قولان: قيل يأثم لترك السنة المشهورة، وقيل لانه قد أتى بما أمر به، كذا في السراج، واختار في الخلاصة أنه إن اعتاده أثم وإلا لا، وينبغي أن يكون هذا القول محمل القولين ا ه.
أقول: لكن في الخلاصة لم يصرح بالاثم، وإنما قال: إن اعتاده كره، وهكذا نقله في البحر، نعم هو موافق لما قدمناه عن شرح التحرير من حمل اللوم والتضليل لترك السنة المؤكدة على الترك مع الاصرار بلا عذر، وقدمنا أيضا تصريح صاحب البحر بأن الظاهر من كلام أهل المذهب أن الاثم منوط بترك الواجب والسنة المؤكدة على الصحيح، ولا يخفى أن التثليث حيث كان سنة مؤكدة وأصر على تركه يأثم وإن كان يعتقده سنة.
وأما حملهم الوعيد في الحديث على عدم رؤية الثلاث سنة كما يأتي فذلك في الترك ولو مرة بدليل ما قلنا.
وبه اندفع ما في البحر من ترجيح القول بعدم الاثم لو اقتصر على مرة بأنه لو أثم بنفس الترك لما احتيج إلى هذا الحمل ا ه.
وأقره في النهر وغيره، وذلك لانه مع عدم الاصرار محتاج إليه فتدبر.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يعتده بأن فعله أحيانا أو فعله لعزة الماء أو لعذر البرد أو الحاجة لا يكره.
خلاصة.
قوله: (ولو زاد الخ) أشار إلى أن الزيادة مثل النقصان في المنع عنها بلا عذر.
قوله: (لطمأنينة القلب) لانه أمر بترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، وينبغي أن يقيد هذا بغير الموسوس، أما هو فيلزمه قطع مادة الوسواس عنه وعدم التفاته إلى التشكيك لانه فعل الشيطان وقد أمرنا بمعاداته ومخالفته.
رحمتي.
ويؤيده ما سنذكره قبيل فروض الغسل عن التاتر خانية أنه لو شك في بعض وضوئه أعاده إلا إذا كان بعد الفراغ منه، أو كان الشك
عادة له فإنه لا يعيده ولو قبل الفراغ، قطعا للوسوسة عنه ا ه.
مطلب في الوضوء على الوضوء قوله: (أو لقصد الوضوء على الوضوء) أي بعد الفراغ من الاول.
بحر.
وفي التاتر خانية عن الناطفي: لو زاد على الثلاث فهو بدعة، وهذا إذا لم يفرغ من الوضوء، أما إذا فرغ ثم استأنف الوضوء فلا يكره بالاتفاق ا ه.
ومثله في الخلاصة.
وعارض في البحر دعوى الاتفاق بما في السراج من أنه مكروه في مجلس واحد.
وأجاب في النهر بأن ما مفيما إذا أعاده مرة واحدة، وما في السراج فيما إذا كرره مرارا، ولفظه في السراج: لو تكرر الوضوء في مجلس واحد مرارا لم يستحب.
بل يكره لما فيه من الاسراف فتدبر ا ه.
قلت: لكن يرد ما في شرح المنية الكبير حيث قال: وفيه إشكال لاطباقهم على أن الوضوء عبادة غير مقصودة لذاتها، فإذا لم يؤد به عمل مما هو المقصود من شرعيته كالصلاة وسجدة التلاوة ومس المصحف ينبغي أن لا يشرع تكراره قربة لكونه غير مقصود لذاته فيكون إسرافا محضا، وقد قالوا في السجدة لما لم تكن مقصودة: لم يشرع التقرب بها مستقلة وكانت مكروهة، وهذا أولى ا ه.(1/128)
أقول: ويؤيده ما قاله ابن العماد في هديته.
قال في شرح المصابيح: وإنما يستحب الوضوء إذا صلى بالوضوء الاول صلاة، كذا في الشرعة والقنية ا ه.
وكذا ما قاله المناوي في شرح الجامع الصغير للسيوطي عند حديث: من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات من أن المراد بالطهر الوضوء الذي صلى به فرضا أو نفلا كما بينه فعل راوي الخبر وهو ابن عمر، فمن لم يصل به شيئا لا يسن له تجديده ا ه.
ومقتضى هذا كراهته وإن تبدل المجلس ما لم يؤد به صلاة أو نحوها، لكن ذكر سيدي عبد الغني النابلسي أن المفهوم من إطلاق الحديث مشروعيته ولو بلا فصل بصلاة أو مجلس آخر ولا إسراف فيما هو مشروع، أما لو كرره ثالثا أو رابعا فيشترط لمشروعيته الفصل بما ذكر، وإلا كان إسرافا محضا ا ه، فتأمل.
مطلب: كلمة لا بأس قد تستعمل في المندوب قوله: (لا بأس به) لانه نور على نور، وقد أمر بترك ما يريبه إلى مالا يريبه.
معراج، وفي هذا التعليل لف ونشر مشوش، وفيه إشارة إلى أن ذلك مندوب، فكلمة لا بأس وإن كان الغالب استعمالها فيما تركه أولى، لكنها قد تستعمل في المندوب كما صرح به في البحر من الجنائز والجهاد، فافهم.
قوله: (وحديث فقد تعدى الخ) جواب عما يرد على قوله: لا بأس به وقد تقدم الحديث في عبارة النهر.
قال في البحر: واختلف في معنى قوله عليه الصلاة والسلام: فمن زاد على هذا على أقوال؟ فقيل على الحد المحدود، وهو مردود بقوله عليه الصلاة والسلام: من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل والحديث في المصابيح، وإطالة الغرة تكون بالزيادة على الحد المحدود، وقيل على أعضاء الوضوء، وقيل الزيادة على العدد والنقص عنه.
والصحيح أنه محمود على الاعتقاد دون نفس الفعل، حتى لو زاد أنقص واعتقد أن الثلاث سنة لا يلحقه الوعيد، كذا في البدائع، واقتصر عليه فالهداية، وفي الحديث لف ونشر، لان التعدي يرجع إلى الزيادة والظلم إلى النقصان ا ه.
أقول: وصريح ما في البدائع أنه لا كراهة في الزيادة والنقصان مع اعتقاد سنية الثلاث، ولذا ذكر في البدائع أيضا أن ترك الاسراف والتقتير مندوب، ويوافقه ما في التاتر خانية: لا يكره إلا أن يرى السنة في الزيادة، وهو مخالفا لما مر، من أنه لو اكتفى بمرة واعتاده أثم، ولما سيأتي بعد ورقة من أن الاسراف مكروه تحريما، ومنه الزيادة على الثلاث، ولهذا فرع في الفتح وغيره على القول بحمل الوعيد على اعتقاده سنية الزيادة أو النقص بقوله: فلو زاد لقصد الوضوء على الوضوء، أو لطمأنينة القلب عند الشك، أو نقص لحاجة لا بأس به، فإن مفاد هذا التفريع أنه لو زاد أو نقص بلا غرض صحيح يكره وإن اعتقد سنية الثلاث، وبه صرح في الحلية فقال: وهل لو زاد على الثلاث من غير قصد لما ذكر يكره؟ الظاهر نعم لانه إسراف ا ه، لكن لو كان قصده بالزيادة الوضوء على الوضوء، إنما تنتفي الكراهة إذا كان بعد الفراغ من الاول وصلى به أو تبدل المجلس على ما مر وإلا فلا، وعلى كل فيحتاج إلى التوفيق بين ما في البدائع وغيره.
ويمكن التوفيق بما قدمناه من أنه
إذا فعل ذلك مرة لا يكره ما لم يعتقده سنة، وإن اعتاده وأصر عليه يكره وإن اعتقد سنية الثلاث إلا إذا كان لغرض صحيح، هذا ما ظهر لفهمي القاصر، فتدبره.
قوله: (ولعل الخ) جواب عما أورده(1/129)
في البحر من أن قولهم: لو نوى الوضوء على الوضوء لا بأس به مخالف لما في السراج من أن تكراره في مجلس مكروه، وحمله على اختلاف المجلس بعيد.
وحاصل الجواب حمل الكراهة على التنزيهية، فلا تنافي قولهم لا بأس به، لان غالب استعمالها فيما تركه أولى.
أقول: وفي هذا الجواب نظر، لما قدمناه من تعليلهم بأنه نور على نور، فهي مستعملة في المندوب لا فيما تركه أولى، فالاحسن الجواب بما قدمناه عن النهر من أن المكروه وتكراره في مجلس مرارا.
قوله: (بل في القهستاني الخ) ترق في الجواب، وهو مخالف لما سيأتي من أن الاسراف مكروه ولو بماء النهر، ولذا قال تأمل، ويأتي تمام الكلام عليه.
مطلب: قد يطلق الجائز على ما لا يمتنع شرعا فيشمل المكروه وقد يقال: أطلق الجائز وأراد به ما يعم المكروه.
ففي الحلية عن أصول ابن الحاجب أنه قد يطلق ويراد به ما لا يمتنع شرعا، وهو يشمل المباح والمكروه والمندوب والواجب ا ه.
لكن الظاهر أن المراد المكروه تنزيها، لان المكروه تحريما ممتنع شرعا منعا لازما مطلب في تصريف قولهم معزيا قوله: (معزيا) يقال عزوته وعزيته لغة: إذا نسبته.
صحاح، فهو اسم مفعول من اليائي اللام أصله معزوي فقلبت الواو ياء ثم أدغمت، ويجوز أخذه من الواو أيضا، فإن القياس فيه معزو مثل مغزو، لكنه قد تقلب الواوان فيه ياءين وهو فصحيح كما نص عليه التفتازاني في شرح التصريف.
قوله: (مرة) لو قال بدله بماء واحد كما في المنية لكان أولى لما في الفتح.
روى الحسن عن أبي حنيفة في المجرد: إذا مس ثلاثا بماء واحد كان مسنونا ا ه.
وعليه حمل في الهداية وغيرها ما استدل به الشافعي من رواية التثليث جمعا بين الاحاديث.
ولا يقال: إن الماء يصير مستعملا بالمرة
الاولى فكيف يسن التكرار؟ لما في شرح المنية من أنهم اتفقوا على أن الماء ما دام في العضو لا يكون مستعملا.
قوله: (مستوعبة) هذا سنة أيضا كما جزم به في الفتح، ثم نقل عن القنية أنه إذا داوم على ترك الاستيعاب بلا عذر يأثم قال: وكأنه لظهور رغبته عن السنة قال الزيلعي وتكلموا في كفيفة المسح.
والاظهر أن يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه ويمدهما إلى القفا على وجه يستوعب جميع الرأس ثم يمسح أذنيه بأصبعيه ا ه، وما قيل من أنه يجافي المسبحتين والابهامين ليمسح بهما الاذنين والكفين ليمسح بهما جانبي الرأس خشية الاستعمال، فقال في الفتح: لا أصل له في السنة، لان الاستعمال لا يثبت قبل الانفصال، والاذنان من الرأس.
تنبيه: لو مسح ثلاثا بمياه، قيل يكره، وقيل إنه بدعة، وقيل لا بأس به.
وفي الخانية: لا يكره ولا يكون سنة ولا أدبا، قال في البحر: وهو الاولى، إذلا دليل على الكراهة ا ه.
قلت: لكن استوجه في شرح المنية القول بالكراهة، وذكرت ما يؤيده فيما علقته على البحر(1/130)
فراجعه وسيأتي في المتن عدة من المنهيات.
قوله: (وأذنيه) أي باطنهما بباطن السبابتين وظاهرهما بباطن الابهامين.
قهستاني.
قوله: (معا) أي فلا تيامن فيهما كما سيذكره.
قوله: (ولو بمائة) قال في الخلاصة: لو أخذ للاذنين ماء جديدا فهو حسن، وذكره منلا مسكين رواية عن أبي حنيفة.
قال في البحر: فاستفيد منه أن الخلاف بيننا وبين الشافعي في أنه إذا لم يأخذ ماء جديدا ومسح بالبلة الباقية هل يكون مقيما للسنة؟ فعندنا نعم، وعنده لا.
أما لو أخذ ماء جديدا مع بقاء البلة فإنه يكون مقيما للسنة اتفاقا.
وأقره في النهر.
أقول: مقتضاه أن مسح الاذنين بماء جديد أولى مراعاة للخلاف ليكون آتيا بالسنة اتفاقا، وهو مفاد تعبير الشارح بلو الوصلية تبعا للشرنبلالي وصاحب البرهان، وهذا مبني على تلك الرواية، لكن تقييد سائر المتون بقولهم: بمائة يفيد خلاف ذلك، وكذا تقرير شراح الهداية وغيرها، واستدلالهم بفعله عليه الصلاة والسلام: أنه أخذ غرفة فمسح بها رأسه وأذنيه وبقوله: الاذنان من الرأس وكذا جوابهم عما روي أنه (ص) أخذ لاذنيه ماء جديدا بأنه يجب حمله على أنه لفناء البلة قبل الاستيعاب جمعا
بين الاحاديث، ولو كان أخذ الماء الجديد مقيما للسنة لما احتيج إلى ذلك.
وفي المعراج عن الخبازية: ولا يسن تجديد الماء في كل بعض من أبعاض الرأس، فلا يسن في الاذنين بل أولى لانه تابع ا ه.
وفي الحلية: السنة عندنا وعند أحمد أن يكون بماء الرأس خلافا لمالك والشافعي وأحمد في رواية ا ه.
وفي التاتر خانية: ومن السنة مسحهما بماء الرأس، ولا يأخذ لهما ماء جديدا ا ه.
وفي الهداية والبدائع.
وهو سنة بماء الرأس، قال في العناية: ألا بماء جديد، ومثله في شرح المجمع.
وفي شرح الهداية للعيني: استيعاب الرأس بالمسح بماء واحد سنة، ولا يتم بدونهما حيث جعلتا من الرأس: أي كما في الحديث المار.
وفي شرح الدرر للشيخ إسماعيل: ولو أفردا بالمسح بماء جديد كما قاله الشافعي لصارا أصلين، وذا لا يجوز ا ه.
فقد ظهر لك أن ما مشى عليه الشارح مخالف للرواية المشهور التي مشى عليها أصحاب المتون والشروح الموضوعة لنقل المذهب، هذا ما ظهر لي، ولم أر من نبه على ذلك فتدبره، ثم بعد مدة رأيت المصنف نبه عليه في شرحه على زاد الفقير حيث قال بعد ذكره عبارة الخلاصة السابقة ما نصه: قلت قوله: ولو فعل فحسن مشكل، لانه يكون خلاف السنة.
وخلاف السنة كيف يكون حسنا، والله أعلم ا ه.
قوله: (لكن الخ) ذكره في شرح المنية، ولعله محمول على ما إذا انعدمت البلة بمس العمامة.
قال في الفتح: وإذانعدمت البلة لم يكن بد من الاخذ ا ه.
وقد يقال: لا بد من الاخذ مطلقا، لانه بمس العمامة يحصل الانفصال فيحكم على البلة بالاستعمال، وعلى هذا ينبغي أن يقال: لو مسح رأسه بيديه ثم رفعهما قبل مسح الاذنين فلا بد من أخذ ماء جديد ولو كانت البلة باقية.
تأمل.
قوله: (المذكور في النص) أي الترتيب الذكري في آية الوضوء.
وفيه إشارة إلى أنه ليس المراد في قول الكنز وغيره، والترتيب المنصوص النص الاصولي، بل المراد المذكور، إذ ليس في الآية ما يفيد الترتيب: فلم يكن منصوصا عليه فيها.(1/131)
قوله: (وهو مطالب بالدليل) أي أنه لا حاجة لنا إلى الدليل على عدم الافتراض، لانه الاصل ومدعيه مطالب به ولم يوجد، وقد علم الترتيب من فعله عليه الصلاة والسلام فقلنا بسنيته.
أفاده في
البحر.
قوله: (والولاء) اسم مصدر والمصدر الموالاة.
قال الحموي: لا تتحقق الموالاة إلا بعد غسل الوجه ا ه.
وفيه تأمل، إذ ما ذكره إنما يتجه أن لو كانت الموالاة معتبرة في جانب فرائض الوضوء فقط، وهو خلاف الظاهر ط عن أبي السعود.
قوله: (بكسر الواو) أي مع المد، وهو لغة: التتابع.
قال ط: وأما بفتحها فهو صفة توجب لما قامت به التعصيب بمن أعتقه مثلا.
قوله: (غسل المتأخر الخ) عرفه الزيلعي بغسل العضو الثاني قبل جفاف الاول.
زاد الحدادي مع اعتدال الهواء والبدن وعدم العذر.
وعرفة الاكمل في التقرير بالتتابع في الافعال من غير أن يتخللها جفاف عضوء مع اعتدال الهواء، وظاهره أنه لو جف العضو الاول بعد غسل الثاني لم يكن ولاء.
وعلى الاول يكون ولاء، قال في البحر: وهو الاولى.
وفي النهر: الظاهر لا يكون ولاء، لما في المعراج عن الحلواني أن تجفيف الاعضاء قبل غسل القدمين فيه ترك الولاء، فيحمل الثاني في كلام الزيلعي على ما بعد الاولى ا ه: أي فيراد بالثاني جميع ما بعد الاول لا ما يليه فقط، ولا يخفى بعده، لما في السراج: حده أن لا يجف الماء عن العضو قبل أن يغسل ما بعده.
وفي شرح المنية: هو أن يغسل كل عضو على أثر الذي قبله ولا يفضل بينهما بحيث يجف السابق.
ولا يخفى أيضا أن ما مر عن الحلواني صادق على التعريفين، وأن حمل التعريف الثاني على الاول أقرب من عكسه، بأن يراد من قوله من غير أن يتخللها جفاف عضو: أي من غير أن يجف عضو قبل غسل ما بعده، وكذا قال في غرر الافكار: هو غسل عضو قبل جفاف متقدمة ا ه.
وعليه يحمل كلام الشارح بدليل قوله تبعا لابن كمال أو مسحه فإنه كما يشمل مسح الخف يشمل مسح الرأس، فلا يمكن حمل المتأخر في كلامه على جميع ما بعد الاول حقيقة، فافهم، نعم ما مشى عليه في النهر هو المتبادر من تعريف الدرر.
هذا وقد عرفه في البدائع بأن لا يشتغل بين أفعال الوضوء بما ليس منه.
ولا يخفى أن هذا أعم من التعريفين السابقين من وجه، ثم قال: وقيل هو أن لا يمكث في أثنائه مقدار ما يجف فيه العضو.
أقول: يمكن جعل هذا توضيحا لما مر، بأن يقال: المراد جفاف العضو حقيقة أو مقداره،
وحينئذ فيتجه ذكر المسح، فلو مكث بين مسح الجبيرة أو الرأس وبين ما بعده بمقدار ما يجف فيه عضو مغسول كان تاركا للولاء، ويؤيده اعتبارهم الولاء في التيمم أيضا كما يأتي قريبا مع أنه لا غسل فيه، فاغتنم هذا التحرير.
قوله: (حتى لو فني ماؤه الخ) بيان للعذر.
قوله: (لا بأس به) أي على الصحيح.
سراج.
قوله: (ومثله الغسل والتيمم) أي إذا فرق بين أفعالهما لعذر لا بأس به كما في السراج، ومفاده اعتبار سنية الموالاة فيهما.
قوله: (ومن السنن) أتى بمن للاشارة إلى أنه بقي غيرها.
ففي الفتح: ومن السنن الترتيب بين المضمضة والاستنشاق، والبداءة من مقدم الرأس ومن(1/132)
رؤوس الاصابع في اليدين والرجلين ا ه.
وذكر في المواهب بدل الاول: التيامن ومسح الرقبة، ثم قال: وقيل الاربعة مستحبة.
قوله: (الدلك) أي بإمرار اليد ونحوها على الاعضاء المغسولة.
حلية.
وعده في الفتح من المندوبات، ولم يتابعه عليه في البحر والنهر، نعم تابعه المصنف فيما سيأتي.
قوله: (وترك الاسراف) عدة في الفتح من المندوبات أيضا، ولم يتابع أيضا بل صرح في النهر بضعفه وقال: إنه سنة مؤكدة لاطلاق النهي عن الاسراف ا ه.
ويأتي تمامه.
قوله: (وترك لطم الوجه بالماء) جعله في الفتح أيضا في المندوبات، وسيصرح المصنف كالزيلعي بكراهته.
قال في البحر: فيكون تركه سنة لا أدبا، لكن قال في النهر: إنه مكروه تنزيها.
قوله: (وغسل فرجها الخارج) أقول: في تقييده بالمرأة نظر، فقد عد في المنية الاستنجاء من سنن الوضوء.
وفي النهاية أنه من سنن الوضوء، بل أقواها لانه مشروع لازالة النجاسة الحقيقية وسائر السنن لازالة الحكمية، وجعل في البدائع سنن الوضوء على أنواع: نوع يكون قبله، ونوع في ابتدائه، ونوع في أثنائه، وعد من الاول الاستنجاء بالحجر، ومن الثاني الاستنجاء بالماء.
مطلب: لا فرق بين المندوب والمستحب والنفل والتطوع قوله: (ويسمى مندوبا وأدبا) زاد غيره: ونفلا وتطوعا، وقد جرى على ما عليه الاصوليون، وهو المختار من عدم الفرق بين المستحب والمندوب والادب كما في حاشية نوح أفندي على الدرر، فيسمى مستحبا من حيث إن الشارع يحبه ويؤثره، ومندوبا من حيث إنه بين ثوابه وفضيلته،
من ندب الميت: وهو تعديد محاسنه، ونفلا من حيث إنه زائد على الفرض والواجب ويزيد به الثواب، وتطوعا من حيث إن فاعله يفعله تبرعا من غير أن يؤمر به حتما ا ه من شرح الشيخ إسماعيل علي البرجندي، وقد يطلق عليه اسم السنة، وصرح القهستاني بأنه دون سنن الزوائد، قال في الامداد: وحكمة الثواب على الفعل وعدم اللوم على الترك ا ه.
مطلب: ترك المندوب هل يكره تنزيها وهل يفرق بين التنزيه وخلاف الاولى؟ وهل يكره تنزيها؟ في البحر: لا، ونازعه في النهر بما في الفتح من الجنائز والشهادات أن مرجع كراهة التنزيه خلاف الاولى.
قال: ولا شك أن ترك المندوب: خلاف الاولى ا ه.
أقول: لكن أشار في التحرير إلى أنه قد يفرق بينهما، بأن خلاف الاولى ما ليس فيه صيغة نهي كترك صلاة الضحى، بخلاف المكروه تنزيها، نعم قال في الحلية: إن هذا أمر يرجع إلى الاصطلاح والتزامه غير لازم.
والظاهر تساويهما كما أشار إليه اللامشي ا ه.
لكن قال الزيلعي في الاكل يوم الاضحى قبل الصلاة: المختار أنه ليس بمكروه، ولكن يستحب أن لا يأكل.
وقال في البحر هناك: ولا يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة إذ لا بد لها من دليل خاص ا ه.
أقول: وهذا هو الظاهر، إذ لا شبهة أن النوافل من الطاعات كالصلاة والصوم ونحوهما فعلها أولى من تركها بلا عارض.
ولا يقال: إن تركها مكروه تنزيها، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى في مكروهات الصلاة.
قوله: (وفضيلة) أي لان فعله يفضل تركه فهو بمعنى فاضل، أو لانه يصير فاعله ذا فضيله بالثواب ط.
قوله: (وهو الخ) يرد عليه ما رغب فيه عليه الصلاة والسلام ولم يفعله، فالاولى ما في التحرير أن ما واظب عليه مع ترك ما بلا عذر سنة، وما لم يواظب عليه مندوب(1/133)
ومستحب وإن لم يفعله بعدما رغب فيه ا ه بحر.
قوله: (التيامن) أي البداءة باليمين، لما في الكتب الستة: كان عليه الصلاة والسلام يحب التيامن في كل شئ حتى في طهوره وتنعله وترجله وشأنه كله الطهور هنا بضم الطعاء، والترجل: مشط الشعر.
در منتقى.
وحقق في الفتح أنه سنة لثبوت المواظبة.
قال في النهر: لكن قدمنا أنها تفيد السنية إذا كانت على وجه العبادة لا العادة.
سلمنا أنها
هنا كانت على وجه العبادة، لكن عدم الاختصاص ينافيها كما قاله بعض المتأخرين ا ه.
أي عدم اختصاصها بالوضوء المستفاد من قوله: وشأنه كله ينافي كونه سنة له، ولو كانت على وجه العبادة فيكون مندوبا فيه كما في التنعل والترجل.
قلت: يرد عليه المواظبة على النية والسواك بلا اختصاص بالوضوء مع أنهما من سننه.
تأمل.
قوله: (ولو مسحا) أي كما في التيمم والجبيرة، وأما الخف فلم أر من ذكر التيامفيه، وإنما قالوا في كيفيته: أن يضع أصابع يده اليمنى على مقدم خفه الايمن وأصابع اليسرى على مقدم خفه الايسر ويمدهما إلى الساق، وظاهره عدم التيامن.
تأمل.
قوله: (لا الاذنين) أي فيمسحهما معا إن أمكنه، حتى إذا لم يكن له إلا يد واحدة أو بأحدى يديه علة ولا يمكنه مسحهما معا يبدأ بالاذن اليمنى ثم اليسرى ط عن الهندية.
قوله: (ومسح الرقبة) هو الصحيح، وقيل: إنه سنة كما في البحر وغيره.
قوله: (بظهر يديه) أي لعدم استعمال بلتهما.
بحر، فقول المنية: بماء جديد، لا حاجة إليه كما في شرحها الكبير، وعبر في المنية بظهر الاصابع ولعله المراد هنا.
قوله: (لانه بدعة) إذ لم يرد في السنة.
قوله: (إلى نيف وستين) عبارته في الدر المنتقى: إلى نيف وسبعين.
والنيف بتشديد الياء وقتخفف: ما زاد على العقد إلى أن يبلغ العقد الثاني.
قاموس.
مطلب في تتميم مندوبات الوضوء واعلم أن المذكور منها هنا متنا وشرحا نيف وعشرون.
ولنذكر ما بقي منها من الفتح والخزائن: فمنها كما في الفتح: ترك الاسراف والتقتير، وترك التمسح بخرقة يمسح بها موضع الاستنجاء، واستقاؤه الماء بنفسه، والمبادرة إلى ستر العودة بعد الاستنجاء، ونزع خاتم عليه اسمه تعالى أو اسم نبيه حال الاستنجاء، وكون آنيته من خزف، وأن يغسل عروق الابريق ثلاثا، ووضعه على يساره، وإن كان إناء يغترف منه فعن يمينه، ووضع يده حالة الغسل على عورته لا رأسه، وذكر الشهادتين عند كل عضو واستصحاب النية في جميع أفعاله، وأن لا يلطم وجهه بالماء ومل ء آنيته استعدادا، والامتخاط باليسرى، والتأني، وإمرار اليد على الاعضاء المغسولة والدلك ا ه.
لكن قدمنا أن الاول والاخير سنة، ولعل المراد بما قبله إمرارها عليه مبلولة قبل الغسل.
تأمل.
زاد في
البحر: وغسل ما تحت الحاجب والشارب والتوضؤ في مكان طاهر، لان لماء الوضوء حرمة، والبدء بأعلى الوجه وأطراف الاصابع ومقدم الرأس، لكن قدمنا أن الاخيرين سنة.
وزاد في الامداد:(1/134)
ودخوله الخلاء مستور الرأس، وعدم التوضؤ بماء مشمس، وأن لا يستخلص إناء لنفسه، وترك النظر للعورة، وإلقاء البصاق والمخاط في الماء، وأن لا ينقصه عن مد، وغسل الفم والانف باليمنى، وزاد في المنية: الوضوء على الوضوء، وعدم نفخه في الماء حال غسل الوجه، والتشهد عند غسل كل عضو.
وزاد في الخزائن: وترك التكلم حال الاستنجاء، وترك استقبال القبلة واستدبارها في الخلاء، واستقبال عين الشمس والقمر واستدبارهما، وترك مس فرجه بعد فراغه، والاستنجاء باليسار، ومسحها بعده على نحو حائط، وغسلها بعد ذلك.
ورش الماء على الفرج وعلى السروال بعد الوضوء، والتوضؤ من متوضأ العامة، وإفراغ الماء بيمينه، فقد بلغت نيفا وسبعين كما قدمناه عن الدر المنتقى، وقدمنا أن ترك المندوب مكروه نزيها فيزاد ترك ما يكره فعله.
ولا يخفى أن ما مر منه ما هو من آداب الوضوء ومنه ما هو من اداب مقدماته، وبهذا تزيد على ما ذكر بكثير، فإنه بقي للاستنجاء آداب كثيرة ستأتي.
قوله: (ودلك أعضائه) علمت ما فيه، وقوله في المرة الاولى: عزاه في النهر إلى المنية، لكنه لم يذكره في المنية هنا وإنما ذكره في الغسل، وعلله في الشرح بقوله: ليعم الماء البدن في المرتين الاخيرتين ا ه.
لكن قال في الحلية: الظاهر أنه قيد اتفاقي.
قوله: (وتقديمه الخ) لان فيه انتظار الصلاة، ومنتظر الصلاة كمن هو فيها بالحديث الصحيح، وقطع طمع الشيطان عن تثبيطه عنها.
شرح المنية الكبير.
وفي الحلية: وعندي أنه من آداب الصلاة لا الوضوء، لانه مقصود لفعل الصلاة ا ه.
قوله: (وهذه) أي مسألة تقديمه على الوقت.
مطلب: الفرض أفضل من النفل إلا في مسائل قوله: (المستثناة من قاعدة الفرض أفضل من النفل) هذا لاصل لا سبيل إلى نقضه بشئ من الصور، لانا إذا حكمنا على ماهية بأنها خير من ماهية أخرى، كالرجل خير من المرأة لم يمكن أن
تفضلها الاخرى بشئ من تلك الحيثية، فإن الرجل إذا فضل المرأة من حيث إنه رجل لم يمكن أن تفضله المرأة من حيث إنها غير الرجل، وإلا تتكاذب القضيتان وهذا بديهي، نعم قد تفضل المرأة رجلا ما من جهة غير الذكورة والانوثة ا ه حموي.
أقول: فعلى هذا لا استثناء حقيقة لاختلاف جهة الافضلية.
بيان ذلك أن الوضوء للصلاة قبل الوقت يساوي الواقع بعده من حيث امتثال الامر وسقوط الواجب به، وإنما للاول فضيلة التقديم، وكذا إنظار المعسر واجب دفعا لاذاه بالمطالبة، وفي إبرائه ذلك مع، زيادة إسقاط الدين عنه بالكلية، فللابراء زيادة فضيلة الاسقاط، وكذلك إفشاء السلام سنة لاظهار التواد بين المسلمين وفي رده ذلك أيضا، لكن وجب الرد لما يلزم على تركه من العداوة والتباغض، فإفشاؤه أفضل من حيث ابتداء المفشي له بإظهار المودة فله فضيلة التقدم.
ففي المسائل الثلاث إنما فضل النفل على الفرض، لا من جهة الفرضية بل من جهة أخرى، كصوم المسافر في رمضان فإنه أشق من صوم المقيم فهو أفضل مع أنه سنة، وكالتكبير إلى صلاة الجمعة فإنه أفضل من(1/135)
الذهاب بعد النداء مع أنه سنة والثاني فرض، وكمن اضطر إلى شربة ماء أو أكل لقمة فدفعت له أكثر مما اضطر إليه فدفع ما اضطر إليه واجب، والزائد نفل ثوابه أكثر من حيث إن نفعه أكثر، وإن كان دفع قدر الضرورة أفضل من حيث امتثال الامر، وكذا من وجب عليه درهم فدفع درهمين أو وجبت عليه أضحية فضحى بشاتين، وعلى هذا فقد يزاد على المسائل الثلاث من كل ما هو نفل اشتمل على الواجب وزاد، لكن تسميته نفلا من حيث تلك الزيادة، أما من حيث ما اشتمل عليه من الواجب فهو واجب وثوابه أكثر من حيث تلك الزيادة، فلا تنخرم حينئذ القاعدة المأخوذة مما صح عنه (ص) كما في صحيح البخاري حكاية عن الله تعالى: وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما افترضت عليه، ومما ورد في صحيح ابن خزيمة أن الواجب يفضل المندوب بسبعين درجة وإن استشكله في شرح التحرير، فاغتنم ذلك فإنه من فيض الفتاح العليم، ثم رأيت بعض المحققين من الشافعية نبه على ما قلته، ولله الحمد.
قوله: (لان الوضوء الخ) ومثله التيمم لغير راجي الماء كما
سيأتي في محله عن الرملي.
قوله: (أفضل من رده) وقيل: أجر الرد أكثر لانه فرض، حموي عن كراهية العلامي.
قوله: (ولو) الواو زائدة أو عاطفة على محذوف تقديره حتى إن جاء بمثله، والاول أولى ط.
قوله: (منه) متعلق بأكثر والضمير للفرض، أو متلق بجاء والضمير للتطوع ط.
قوله: (بأكثر) جره بالكسرة لاجل الروي.
قوله: (وابتداء) ألف ابتداء من المصراع الاول وهمزته المنونة من المصراع الثاني.
قوله: (إبرا) بالقصر للضرورة.
قوله: (ومثله القرط) أي في الغسل، وإلا فلا مدخل له هنا، لانه ما يعلق في الاذن.
قاموس.
مطلب في مباحث الاستعانة في الوضوء بالغير قوله: (وأما استعانته عليه الصلاة والسلام الخ) كذا في البزازية، ومفاده أن الاستعانة مكروهة حتى احتيج إلى هذا الجواب.
وظاهر ما في شرح المنية أنه لا كراهة أصلا إذا كانت بطيب قلب ومحبة من المعين من غير تكليف من المتوضئ، وعليه مشى في هدية ابن العماد، لكن ذكر في الحلية أحاديث كثيرة من الصحيحين وغيرهما فيها التصريح بصب الماء عليه بطلبه وبدونه، ثم قال: وفعله (ص) في مثل هذا محمول على الجواز الذي لا تجامعه الكراهة، لان الجزم بعدم ارتكابه المكروه من غير معارض واقع في حقه، نعم قد يكون الفعل منه بيانا للجواز لكن بعد قيام الدليل المقتضي للكراهة، فإذا لم يقم لم يصح أن يقال بالكراهة، ثم يعلل ما ورد من الفعل بأنه بيان للجواز، ولم يوجد دليل معتبر يفيد الكراهة هنا، وإنما ورد في حديث ضعيف أن عمر رضي الله عنه قال: إني لا أحب أن يعينني على وضوئي أحد.
وورد أنه (ص) كان لا يكل طهوره إلى أحد، وهو ضعيف جدا، ولو ثبت لا يقوى على معارضة الاحاديث المارة مع احتمال أن المراد أنه هو الذي يباشر غسل(1/136)
أعضائه ومسحها بنفسه، لان الظاهر أنه من السنن المؤكدة، فيكره للشخص أن يفعل له ذلك غيره بلا عذر، ولعل ذلك هو المراد من قول الاختيار: يكره أن يستعين في وضوئه بغيره إلا عند العجز، ليكون أعظم لثوابه وأخلص لعبادته ا ه ملخصا.
وحاصله أن الاستعانة في الوضوء إن كانت بصب الماء أو استقائه أو إحضاره فلا كراهة بها
أصلا ولو بطلبه، وإن كانت بالغسل والمسح فتكره بلا عذر، ولذا قال في التاتر خانية: من الآداب أن يقوم بأمر الوضوء بنفسه، ولو استعان بغيره جاز بعد أن لا يكون الغاسل غيره بل يغسل بنفسه.
قوله: (تحرزا الخ) لوقوع الخلاف في نجاسته ولانه مستقذر، ولذا كره شربه والعجن به على القول الصحيح بطهارته.
قوله: (أشمل) أي أعم لانه قد يكون مستعليا ولا يتحفظ ط.
قوله: (هذه) أي الطريقة التي مشى عليها المصنف حيث جعل التلفظ بالنية مندوبا لا سنة ولا مكروها.
قوله: (والتسمية كما مر) أمن الصيغة الواردة، وهي بسم الله العظيم، والحمد لله على دين الاسلام وزاد في المنية التشهد هنا أيضا تبعا للمحيط وشرح الجامع لقاضيخان.
قال في الحلية: وعن البراء بن عازب عن النبي (ص) قال: ما من عبد يقول حين يتوضأ بسم الله، ثم يقول بكل عضو أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يقول حين يفرغ: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء، فإن قام من وقته ذلك فصلى ركعتين يقرأ فيهما ويعلم ما يقول انفتل من صلاته كيوم ولدته أمه، ثم يقال له استأنف العمل رواه الحافظ المستغفري، وقال: حديث حسن.
قوله: (والدعاء بالوارد) فيقول بعد التسمية عند المضمضة: اللهم أعني على تلاوة القرآن وذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وعند الاستنشاق: اللهم أرحني رائحة الجنة ولا ترحني رائحة النار، وعند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وعند غسل يده اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا، وعند غسل اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري، وعند مسح رأسه: اللهم أظلني تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظل عرشك.
وعند مسح أذنيه: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وعند مسح عنقه: اللهم أعتق رقبتي من النار، وعند غسل رجله اليمنى: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل الاقدام، وعند غسل اليسرى: اللهم اجعل ذنبي مغفورا وسعيي مشكورا، وتجارتي لن تبور.
كما في الامداد والدرر وغيرهما.
وثم روايات أخر ذكرها في الحلية وغيرها، وسيأتي أنه يصلي على النبي (ص) بعد غسل كل عضو، فصار مجموع ما يذكر عند كل عضو التسمية والشهادة والدعاء والصلاة على النبي (ص)، لكن قال صاحب الهداية في مختارات
النوازل: ويسمي عند غسل كل عضو، أو يدعو بالدعاء المأثور فيه، أو يذكر كلمة الشهادة، أو يصلي على النبي (ص)، فأتى في الجميع بأو، ولكن رأيت في الحلية عن المختارات: ويدعو بالواو، وبأو في البواقي، فليراجع.
قوله: (من طرق) أي يقوي بعضها بعضا فارتقى إلى مرتبة الحسن ط.(1/137)
أقول: لكن هذا إذا كان ضعفه لسوء حفظ الراوي الصدوق الامين أو لارسال أو تدليس أو جهالة حال، أما لو كان لفسق الراوي أو كذبه فلا يؤثر فيه موافقة مثله له، ولا يرتقي بذلك إلى الحسن كما صرح في التقريب وشرحه، فحينئذ يحتاج إلى الكشف عن حال الراوين لهذا الحديث، لكن ظاهر عملهم به أنه ليس من القسم الاخير كما يتضح.
قوله: (فيعمل به) أي بهذا الحديث.
وعبارة الرملي كما في الشرنبلالية العمل بالحديث الضعيف الخ.
قوله: (في فضائل الاعمال) أي لاجل تحصيل الفضيلة المترتبة على الاعمال.
قال ابن حجر في شرح الاربعين: لانه إن كان صحيحا في نفس الامر فقد أعطي حقه من العمل، وإلا لم يترتب على العمل به مفسدة تحليل ولا تحريم ولا ضياع حق للغير، وفي حديث ضعيف من بلغه عني ثواب عمل فعمله حصل له أجره وإن لم أكن قلته أو كما قال ا ه ط.
قال السيوطي: ويعمل به أيضا في الاحكام إذا كان فيه احتياط.
قوله: (وإن أنكره النووي) حمل الرملي كما في الشرنبلالية إنكاره له من جهة الصحة، قال: أما باعتبار وروده من الطرق المتقدمة فلعله لم يثبت عنده ذلك أو لم يستحضره حينئذ.
قوله: (فائدة) إلى قوله وأما الموضوع من كلام الرملي.
قوله: (عدم شدضعفه) شديد الضعف هو الذي لا يخلو طريق من طرقه عن كذاب أو متهم بالكذب.
قاله ابن حجر.
ط.
مطلب في بيان ارتقاء الحديث الضعيف إلى مرتبة الحسن قلت: مقتضى عملهم بهذا الحديث أنه ليس شديد الضعف فطرقه ترقيه إلى الحسن.
قوله: (وأن لا يعتقد سنية ذلك الحديث) أي سنية العمل به.
وعبارة السيوطي في شرح التقريب: الثالث أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط، وقبل لا يجوز العمل به مطلقا، وقيل يجوز مطلقا ا ه.
قوله: (وأما الموضوع) أي المكذوب على رسول الله (ص)، وهو محرم إجماعا، بل قال
بعضهم: إنه كفر.
قال عليه الصلاة والسلام: من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار.
ط.
قوله: (بحال) أي ولو في فضائل الاعمال.
قال ط: أي حيث كان مخالفا لقواعد الشريعة، وأما لو كان داخلا في أصل عام فلا مانع منه لا لجعله حديثا بل لدخوله تحت الاصل العام ا ه.
تأمل.
قوله: (إلا إذا قرن) أي ذلك الحديث المروي ببيانه أي بيان وضعه، أما الضعيف فتجوز روايته بلا بيان ضعفه لكن إذا أردت روايته بغير إسناد فلا تقل قال رسول الله (ص) كذا وما أشبهه من صيغ الجزم، بل قل روي كذا وبلغنا كذا أو ورد أو جاء أو نقل عنه وما أشبهه من صيغ التمريض، وكذا ما شك في صحته وضعفه كما في التقريب.
قوله: (أي بعد الوضوء) فسر الضمير بذلك مع تبادر ما في الزيلعي، لان المصنف في شرحه فسره بذلك وهو أدرى بمراده.
قوله: (وأن يقول بعده) زاد في المنية وغيرها: أو في خلاله، لكن قال في الحلية: إن الوارد في السنة بعده متصلا بما تقدم من ذكر الشهادتين كما هو فرواية الترمذي ا ه.
وزاد في المنية: وأن يقول بعد فراغه: سبحانك(1/138)
اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك ناظرا إلى السماء.
قوله: (التوابين) هم الذين كلما أذنبوا تابوا، والمتطهرون الذين لا ذنب لهم.
زاد في المنية واجعلني من عبادك الصالحين، واجعلني من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
قوله: (وأن يشرب بعده من فضل وضوئه) بفتح الواو: ما يتوضأ به.
درر، والمراد شرب كله أو بعضه كما في شرح المنية وشرح الشرعة، ويقول عقبه كما في المنية: اللهم اشفني بشفائك، وداوني بدوائك، واعصمني من الوهل والامراض والاوجاع.
قال في الحلية: والوهل هنا بالتحريك: الضعف والفزع، ولم أقف على هذا الدعاء مأثورا، وهو حسن ا ه.
بقي شئ، وهو أن الشرب من فضل الوضوء فيما لو توضأ من إناء كإبريق مثلا، أما لو توضأ من نحو حوض فهل يسمى ما فيه فضل الوضوء فيشرب منه أو لا؟ فليحرر هذا، وفي الذخيرة عن فتاوي أبي الليث: الماء الموضوع للشرب لا يتوضأ به ما لم يكن كثيرا، والموضوع للوضوء يجوز الشرب منه.
ثم نقل عن ابن الفضل أنه كان يقول بالعكس.
فعلى هذا هل له الشرب من فضل
الوضوء لانه من توابعه أم لا؟ والظاهر الاول.
تأمل.
قوله: (كماء زمزم) التشبيه في الشرب مستقبلا قائما لافي كونه بعد الوضوء، فلذا قال ط: الاولى تأخيره عن قوله: قائما.
مطلب في مباحث الشرب قائما قوله: (أو قاعدا) أفاد أنه مخير في هذين الموضعين، وأنه لا كراهة فيهما في الشرب قائما بخلاف غيرهما، وأن المندوب هنا هو الشرب من فضل الوضوء لا بقيد كونه قائما خلاف ما اقتضاه كلام المصنف، لكن قال في المعراج: قائما.
وخيره الحلواني بين القيام والقعود.
وفي الفتح: قيل وإن شاء قاعدا، وأقره في البحر، واقتصر على ما ذكره المصنف في المواهب والدرر والمنية والنهر وغيرها.
وفي السراج: ولا يستحب الشرب قائما إلا في هذين الموضعين، فاستفيد ضعف ما مشى عليه الشارح كما نبه عليه ح وغيره.
قوله: (وفيما عداهما يكره الخ) أفاد أن المقصود من قوله قائما عدم الكراهة لا دخوله تحت المستحب، ولذا زاد قوله: أو قاعدا.
واعلم أنه ورد في الصحيحين أنه (ص) قال: لا يشربن أحد منكقائما، فمن نسي فليستقئ وفيهما: أنه شرب من زمزم قائما وروى البخاري عن علي رضي الله عنه: أنه بعد ما توضأ قام فشرب فضل وضوئه وهو قائم، ثم قال: إن ناسا يكرهون الشرب قائما، وإن النبي (ص) صنع مثل ما صنعت وأخرج ابن ماجه والترمذي عن كبشة الانصارية رضي الله عنها: أن رسول الله (ص) دخل عليها وعندها قربة معلقة فشرب منها وهو قائم، فقطعت فم القربة تبتغي بركة موضع في رسول الله (ص) وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
فلذا اختلف العلماء في الجمع، فقيل إن النهي ناسخا للفعل، وقيل بالعكس، وقيل إن النهي للتنزيه، والفعل لبيان الجواز.
وقال النووي إنه الصواب.
واعترضه في الحلية بحديث علي المار حيث أنكر على القائلين بالكراهة، وبما أخرجه الترمذي وغيره، وحسنه عن ابن عمر: كنا نأكل في عهد رسول الله(1/139)
(ص) ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام قال: وجنح الطحاوي إلى أنه لا بأس به، وأن النهي لخوف الضرر لا غير، كما روي عن الشعبي قال: إنما كره الشرب قائما لانه يؤذي.
قال في
الحلية: فالكراهة على ما صوبه النووي شرعية يثاب على تركها، وعلى هذا إرشادية لا يثاب على تركها.
ثم استشكل ما مر من استثناء الموضعين: أي الشرب من ماء زمزم ومن فضل الوضوء وكراهة ما عداهما، بأنه لا يتمشى على قول من هذه الاقوال: نعم على ما جنح إليه الطحاوي يستفاد الجواز مطلقا إن أمن الضرر، أما الندب فلا، إلا أن يقال: يفيد الندب في فضل الوضوء ما أخرجه الترمذي في حديث علي، وهو: أنه قام بعد ما غسل قدميه فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم قال: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله (ص) وفيه حديث: إن فيه شفاء من سبعين داء أدناها البهر لكن قال الحفاظ: إنه واه ا ه ملخصا.
والبهر بالضم فسره في الخلاصة بتتابع النفس، وفي القاموس: إنه انقطاع النفس من الاعياء.
والحاصل أن انتفاء الكراهة في الشرب قائما في هذين الموضعين محل كلام فضلا عن استحباب القيام فيهما، ولعل الاوجه عدم الكراهة إن لم نقل بالاستحباب، لان ماء زمزم شفاء وكذا فضل الوضوء.
وفي شرح هدية ابن العماد لسيدي عبد الغني النابلسي: ومما جربته أني إذا أصابني مرض أقصد الاستسقاء بشرب فضل الوضوء فيحصل لي الشفاء، وهذا دأبي اعتمادا على قول الصادق (ص) في هذا الطب النبوي الصحيح.
قوله: (وعن ابن عمر الخ) أخرجه الطحاوي وأحمد وابن ماجه والترمذي وصححه.
حلية.
وقصد بذكره بيان حكم الاكل، لكن أخرج أحمد ومسلم والترمذي عن أنس عن النبي (ص): أنه نهى أن يشرب الرجل قائما قال قتادة: قلت لانس: فالاكل، فقال: ذلك أشر وأخبث.
وفي الجامع الصغير للسيوطي نهى عن الشرب قائما والاكل قائما ولعل النهي لامر طبي أيضا كما مر في الشرب.
وفي الفصل الحادي والثلاثين من فصول العلامي: وكره الاكل والشرب في الطريق والاكل نائما وماشيا، ولا بأس بالشرب قائما، ولا يشرب ماشيا، ورخص ذلك للمسافر ا ه.
قوله: (ورخص الخ) ليس من تتمة الحديث.
قوله: (تعاهد موقيه) تثنية موق: هو آخر العين من جهة الانف: أي لاحتمال وجود رمص، وقدمنا أنه يجب غسل ما تحته إن بقي خارجا بتغميض العين وإلا فلا.
قوله: (وكعبيه الخ) هما العظمان
النائتان في الرجل.
والعرقوب: العصف الغليظ الذي فوق العقب.
والاخمص: من باطن القدم: ما لم يصب الارض.
قاموس.
مطلب في الغرة والتحجيل قوله: (وإطالة غرته وتحجيله) لما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل وفي رواية فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله حلية وبه علم أن(1/140)
قول الشارح وتحجيله بالجر عطفا على غرته.
وفي البحر: وإطالة الغرة تكون بالزيادة على الحد المحدود.
وفي الحلية: والتحجيل يكون في اليدين والرجلين.
وهل له حد؟ لم أقف فيه على شئ لاصحابنا.
ونقل النووي اختلاف الشافعية فيه على ثلاثة أقوال: الاول أنه يستحب الزيادة فوق المرفقين والكعبين بلا توقيت.
الثاني إلى نصف العضد والساق.
الثالث إلى المنكب والركبتين.
قال: والاحاديث تقتضي ذلك كله ا ه.
ونقل ط الثاني عن شرح الشرعة مقتصرا عليه.
قوله: (وغسل رجليه بيساره) لعل المراد به دلكهما باليسار، لما قدمناه أنه يندب إفراغ الماء بيمينه، ثم رأيت في شرح الشيخ إسماعيل قال: يفرغ الماء بيمينه على رجليه ويغسلهما بيساره ا ه.
وأخرج السيوطي في الجامع الصغير عن أبي هريرة رضي الله عنه: إذا توضأ أحدكم فلا يغسل أسفل رجليه بيده اليمنى.
قوله: (وبلهما الخ) أي الرجلين، لكن في البحر عند الكلام على غسل الوجه عن خلف بن أيوب أنه قال: ينبغي للمتوضئ في الشتاء أن يبل أعضاءه بالماء شبه الدهن ثم يسيل الماء عليها، لان الماء يتجافى عن الاعضاء في الشتاء ا ه.
مطلب في التمسح بمنديل قوله: (والتمسح بمنديل) ذكره صاحب المنية في الغسل، وقال في الحلية: ولم أر من ذكره غيره، وإنما وقع الخلاف في الكراهة، ففي الخانية: ولا بأس به للمتوضئ والمغتسل.
روي عن
رسول الله (ص) أنه كان يفعله، ومنهم من كره ذلك، ومنهم من كرهه للمتوضئ دون المغتسل.
والصحيح ما قلنا، إلا أنه ينبغي أن لا يبالغ ولا يستقصي فيبقى أثر الوضوء على أعضائه ا ه.
وكذا وقع بلفظ لا بأس في خزانة الاكمل وغيرها، وعزاه في الخلاصة إلى الاصل ا ه ما في الحلية.
ثم ذكر أدلة الاقوال الثلاثة والقائلين بها من السلف وأطال وأطاب كما هو دأبه رحمه الله تعالى، وقدمنا عن الفتح أن من المندوبات ترك التمسح بخرقة يمسح بها موضع الاستنجاء: أي التي يمسح بها ماء الاستنجاء لاستقذارها، وليس فيه ما يفيد ترك التمسح بغيرها، فافهم.
قوله: (وعدم نفض يده) لحديث: لا تنقضوا أيديكم في الوضوء، فإنها مراوح الشيطان ذكره في المعراج لكنه حديث ضعيف كما ذكره المناوي، بل قد ثبت في الصحيحين عن ميمونة رضي الله عنها: أنها جاءته بخرقة بعد الغسل فردها وجعل ينفض الماء بيده تأمل.
قوله: (وقراءة سور القدر) لاحاديث وردت فيها ذكرها الفقيه أبو الليث في مقدمته، لكن قال في الحلية: سأل عنها شيخنا الحافظ ابن حجر العسقلاني، فأجاب بأنه لم يثبت منها شئ عن النبي (ص)، لا من قوله ولا من فعله، والعلماء يتساهلون في ذكر الحديث الضعيف والعمل به في فضائل الاعمال ا ه.
قوله: (وصلاة ركعتين) لما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة حلية.
قوله: (في غير وقت كراهة) هي الاوقات الخمسة: الطلوع وما قبله، والاستواء والغروب وما قبله بعد صلاة العصر، وذلك لان ترك المكروه أولى من فعل المندوب كما في شرح المنية ط..(1/141)
تتمة: ينبغي أن يزاد في المندوبات أن لا يتطهر من ماء أو تراب من أرض مغصوب عليها كآبار ثمود، فقد نص الشافعية على كراهة التطهير منها، بل نص الحنابلة على المنع منه، وظاهره أنه لا يصح عندهم، ومراعاة الخلاف عندنا مطلوبة، وكذا يقال في التطهير بفضل ماء المرأة كما يأتي قريبا في المنهيات، والله أعلم.
مطلب في تعريف المكروه، وأنه قد يطلق على الحرام والمكروه تحريما وتنزيها
قوله: (ومكروهه) هو ضد المحبوب، قد يطلق على الحرام كقول القدوري في مختصره: ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الامام ولا عذر له كره له ذلك.
وعلى المكروه تحريما: وهو ما كان إلى الحرام أقرب، ويسميه محمد حراما ظنيا.
وعلى المكروه تنزيها، وهو ما كان تركه أولى من فعله، ويرادف خلاف الاولى كما قدمناه.
وفي البحر: من مكروهات الصلاة المكروه في هذا الباب نوعان: أحدهما ما كره تحريما، وهو المحمل عند إطلاقهم الكراهة كما في زكاة فتح القدير، وذكر أنه في رتبة الواجب لا يثبت إلا بما يثبت به الواجب، يعني بالظني الثبوت.
ثانيهما المكروه تنزيها، ومرجعه إلى ما تركه أولى، وكثيرا ما يطلقونه في شرح المنية، فحينئذ إذا ذكروا مكروها فلا بد من النظر في دليله، فإن كان نهيا ظنيا يحكم بكراهة التحريم إلا لصارف للنهي عن التحريم إلى الندب، فإن لم يكن الدليل نهيا بل كان مفيدا للترك الغير الجازم فهي تنزيهية ا ه.
قوله (أو غيره) أي غير الوجه من الاعضاء كما في الحاوي، ولعل المصنف اقتصر على الوجه لما له من مزيد الشرف.
قوله: (تنزيها) لما قدمنا عن الفتح من أن تركه أدب.
قال في الحلية: لانه يوجب انتضاح الماء المستعمل على ثيابه وتركه أولى، وأيضا هو خلاف التؤدة والوقار، فالنهي عنه نهي أدب ا ه.
قوله: (والتقتير) أي بأن يقرب إلى حد الدهن ويكون التقاطر غير ظاهر، بل ينبغي أن يكون ظاهرا ليكون غسلا بيقين في كل مرة من الثلاثة.
شرح المنية.
مطلب في الاسراف في الوضوء قوله: (والاسراف) أي بأن يستعمل منه فوق الحاجة الشرعية، لما أخرج ابن ماجه وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله (ص) مر بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ فقال: نعم وإن كنت على نهرجار حلية.
قوله: (ومنه) أي من الاسراف الزيادة على الثلاث: أي في الغسلات مع اعتقاد أن ذلك هو السنة لما قدمناه من أن الصحيح أن النهي محمول على ذلك، فإذا لم يعتقد ذلك وقصد الطمأنين عند الشك، أو قصد الوضوء على الوضوء بعد الفراغ منه فلا كراهة كما مر تقريره.
قوله: (فيه) أي في الماء.
قوله:
(تحريما الخ) نقل ذلك في الحلية عن بعض المتأخرين من الشافعية وتبعه عليه في البحر وغيره، وهو مخالف لما قدمناه عن الفتح من عده ترك التقتير والاسراف من المندوبات، ومثله في البدائع وغيرها، لكن قال في الحلية: ذكر الحلواني أنه سنة، وعليه مشى قاضي خان، وهو وجيه ا ه.(1/142)
واستوجهه في البحر أيضا وكذا في النهر.
قال: والمراد بالسنة المؤكدة لاطلاق النهي عن الاسراف، وجعل في المنتقى الاسراف من المنهيات، فتكون تحريمية، لان إطلاق الكراهة مصروف إلى التحريم وبه يضعف جعله مندوبا.
أقول: قد تقدم أن النهي عنه في حديث: فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم محمول على الاعتقاد عندنا كما صرح به في الهداية وغيرها.
وقال في البدائع: إنه الصحيح، حتى لو زاد أو نقص واعتقد أن الثلاث سنة لا يلحقه الوعيد، وقدمنا أنه صريح في عدم كراهة ذلك: يعني كراهة تحريم، فلا ينافي الكراهة التنزيهية، فما مشى عليه هنا في الفتح والبدائع وغيرهما من جعل تركه مندوبا مبني على ذلك التصحيح فيكره تنزيها، ولا ينافيه عده من المنهيات كما عد منها لطم الوجه بالماء، فإن المكروه تنزيها منهي عنه حقيقة اصطلاحا ومجازا لغة كما في التحرير.
وأيضا فقد عده في الخزانة السمرقندية من المنهيات لكن قيده بعدم اعتقاد تمام السنة بالثلاث كما نقله الشيخ إسماعيل، وعليه يحمل قول من جعل تركه سنة، وليست الكراهة مصروفة إلى التحريم مطلقا كما ذكرناه آنفا، على أن الصارف للنهي عن التحريم ظاهر، فإن من أسراف في الوضوء بماء النهمثلا مع عدم اعتقاد سنية ذلك، نظير من ملا إناء من النهر ثم أفرغه فيه، وليسفي ذلك محذور سوى أنه عبث لا فائدة فيه، وهو في الوضوء زائد على المأمور به فلذا سمي في الحديث إسرافا.
قال في القاموس: الاسراف التبذير أو ما أنفق في غير طاعة، ولا يلزم كونه زائدا على المأمور به وغير طاعة أن يكون حراما، نعم إذا اعتقد سنيته يكون قد تعدى وظلم لاعتقاده ما ليس بقربة قربة، فلذا حمل علماؤنا النهي على ذلك، فحينئذ يكون منهيا عنه ويكون تركه سنة مؤكدة، ويؤيده ما
قدمه الشارح عن الجواهر من أن الاسراف في الماء الجاري جائز لانه غير مضيع، وقدمنا أن الجائز قد يطلق على ما لا يمتنع شرعا فيشمل المكروه تنزيها، وبهذا التقرير تتوافق عباراتهم.
وأما ما ذكره الشارح هنا فقد علمت أنه ليس من كلام مشايخ المذهب فلا يعارض ما صرحوا به وصححوه، هذا ما ظهر لي في هذا المقام والسلام.
قوله: (فحرام) لان الزيادة غير مأذون بها، لانه إنما يوقف ويساق لمن يتوضأ الوضوء الشرعي ولم يقصد إباحتها لغير ذلك، حلية.
وينبغي تقييده بماء ليس بجار كالذي في صهريج أو حوض أو نحو إبريق، أما الجاري كماء مدارس دمشق وجوامعها فهو من المباح كماء النهر كما أفاده الرحمتي.
قوله: (ومن منهياته) يشمل المكروه تنزيها فإنه منهي عنه اصطلاحا حقيقة كما قدمناه عن التحرير آنفا، فافهم.
قوله: (التوضؤ الخ) قال في السراج: ولا يجوز للرجل أن يتوضأ ويغتسل بفضل المرأة ا ه.
ومفاده أنه يكره تحريما.
وعند الامام أحمد: إذا اختلت امرأة مكلفة بماء قليل كخلوة نكاح وتطهرت به في خلوتها طهارة كاملة عن حدث لا يصح لرجل أو خنثى أن يرفع به حدثه كما هو مسطور في متون مذهبه، وهو أمر تعبدي، لما رواه الخمسة: أنه (ص) نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة قال في (غر الافكار شرح درر(1/143)
البحار) في فصل المياه بعد ما ذكر المسألة: ولنا ما روى مسلم أن ميمونة قالت: اغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة، فجاء النبي (ص) يغتسل، فقلت: إني قد اغتسلت منه، فقال: الماء ليس عليه جنابة وما روى أحمد منسوخ بهذا ا ه.
أقول: مقتضى النسخ أنه لا يكره تحريما عندنا بل ولا تنزيها، وهو مخالف لما مر عن السراج.
وفيه أن دعوى النسخ تتوقف على العلم بتأخر الناسخ، ولعله مأخوذ من قول ميمونة: إني قد اغتسلت، فإنه يشعر بعلمها بالنهي قبله فيكون الناسخ متأخرا، والله أعلم.
وقد صرح الشافعية بالكراهة فينبغي كراهته وإن قلنا بالنسخ مراعاة للخلاف، فقد صرحوا بأنه يطلب مراعاة الخلاف، وقد علمت أنه لا يجوز التطهير به عند أحمد.
تنبيه: ينبغي كراهة التطهير أيضا أخذا مما ذكرنا وإن لم أره لاحد من أئمتنا بماء أو تراب من
كل أرض غضب عليهم إلا بئر الناقة بأرض ثمود، فقد صرح الشافعية بكراهته، ولا يباح عند أحمد.
قال في شرح المنتهى الحنبلي: لحديث ابن عمر: إن الناس نزلوا مع رسول الله (ص) على الحجر أرض ثمود فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين، فأمرهم رسول الله (ص) أن يهريقوا ما استقوا من آبارها ويعلفوا الابل العجين، وأمرهم أن يسقوا من البئر التي كانت تردها الناقة حديث متفق عليه.
قال: وظاهره منع الطهارة به، وبئر الناقة هي البئر الكبيرة التي يردها الحجاج في هذه الازمنة ا ه.
قوله: (والامتخاط) معطوف على إلقاء، وقوله: في الماء متعلق بأحدهما على التنازع.
مطلب: نواقض الوضوء قوله: (وينقضه الخ) النقض في الجسم: فك تأليفه، وفي غيره: إخراجه عن إفادة المقصود منه كاستباحة الصلاة في الوضوء.
بحر، وأفاد بقوله: خروج نجس أن الناقض خروجه لا عينه بشرط الخروج، واستظهر في الفتح الثاني بما حاصله أن الطهارة ترتفع بضدها وهي النجاسة القائمة بالخارج، لان الضدهو المؤثر في رفع ضده، وبحث فيه شرح المنية الكبير، فراجعه.
قوله: (كل خارج) لعل فائدته التعميم من أول الامر لئلا يتوهم اختصاص النجس بالمعتاد أو الكثر.
تأمل.
قوله: (بالفتح ويكسر) أشار إلى أن الفتح أولى، لقول صدر الشريعة: والرواية النجس بفتح الجيم وهو عين النجاسة، وأما بكسرها فما لا يكون طاهرا، هذا اصطلاح الفقهاء.
وأما في اللغة فيقال: نجس الشئ ينجس فهو نجس ونجس ا ه، فهما لغة ما لا يكون طاهرا: أي سواء كان نجس العين أو عارض النجاسة كالحصارة الخارجة من الدبر، والناقض في الحقيقة النجاسة العارضة لها، فكان الفتح أولى من هذه الجهة أيضا وإن قال في البحر: إنه بالكسر أعم.
تأمل، ثم على الفتح يكون بدلا من قوله: خارج لا صفة لانه اسم جامد، بخلاف المكسور فإنه بمعنى متنجس.
تأمل.
قوله: (أي من المتوضئ) تفسير للضمير أخذا من المقام والمتوضئ من اتصف بالوضوء، واحترز بالحي عن الميت، فإنه لو خرجت منه نجاسة لم يعد وضوءه بل يغسل موضعها فقط، إذ لو كان الخروج حدثا لكان الموت كذلك إذ هو فوقه: وتمامه في النهر (قوله معتادا) كالبول والغائط، أو لا كالدودة
والحصاة، وهذا تعميم لقوله نجس، نبه به على خلاف الامام مالك حيث قيده بالمعتاد، كما نبه بما(1/144)
بعده على خلاف الامام الشافعي حيث قيده بالخارج من السبيلين.
قوله: (أي يلحقه حكم التطهير) فائدة ذكر الحكم دفع ورود داخل العين وباطن الجرح، إذ حقيقة التطهير فيهما ممكنة، وإنما الساقط حكمه.
نهر وسراج.
ويظهر منه أن الكلام في جرح يضره الغسل بالماء، فلو لم يضر نقض ما سال فيه لان حكم التطهير وهو وجوب غسله غير ساقط، والمراد بالتطهير ما يعم الغسل والمسح في الغسل أو في الوضوء كما ذكره ابن الكمال، ليشمل ما لو سال إلى محل يمكن مسحه دون غسله للعذر كما أشار إليه في الحلية أيضا، وزاد في شرح المنية الكبير بعد قوله في الغسل أو في الوضوء، قوله أو في إزالة النجاسة الحقيقية، لئلا يرد ما لو افتصد وخرج منه دم كثير ولم يتلطخ رأس الجرح فإنه ناقض، مع أنه لم يسل إلى ما يلحقه حكم التطهير لانه سال إلى المكان دون البدن، وبزيادة ذلك لايرد لان المكان يجب تطهيره في الجملة للصلاة عليه، ولهذا عمم في البحر ما يلحقه حكم التطهير بقوله من بدن وثوب ومكان.
أقول: يرد عليه ما لو سال إلى نهر ونحوه مما لا يصلي عليه.
وما لو مص العلق أو القراد الكبير وامتلا دما فإنه ناقض كما سيأتي متنا، فالاحسن ما في النهر عن بعض المتأخرين من أن المراد السيلان ولو بالقوة: أي فإن دم الفصد ونحوه سائل إلى ما يلحقه حكم التطهير حكما.
تأمل.
ثم اعلم أن المراد بالحكم الوجوب كما صرح به غير واحد.
زاد في الفتح: أو الندب، وأيده في الحلية وتبعه في البحر بقولهم، إذا نزل الدم إلى قصبة الانف نقض، وليس ذاك إلا لكون المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم مسنونة، وحدها أن يصل الماء إلى ما اشتد من الانف.
ورد في النهر بأن المراد بالقصبة ما لان من الانف، ولذا عبر به الزيلعي كالهداية، ومعلوم أن ما لان يجب تطهيره لا يندب، فلا حاجة إلى زيادة الندب.
أقول: صرح في غاية البيان بأن الرواية مسطورة في كتب أصحابنا بأنه إذا وصل إلى قصبة الانف ينتقض وإن لم يصل إلى ما لان خلافا لزفر، وأن قول الهداية: ينتقض إذا وصل إلى ما لان،
بيان لاتفاق أصحابنا جميعا: أي لتكون المسألة على قول زفر أيضا، قال: لان عنده لا ينتقض ما لم يصل إلى مالان لعدم الظهور قبله، فهذا صريح في أن المراد بالقصبة ما اشتد، فاغتنم هذا التحرير المفرد الملخص مما علقناه على البحر ومن رسالتنا المسماة ب (الفوائد المخصصة بأحكام كي الحمصة).
قوله: (مجرد الظهور) من إضافة الصفة إلى الموصوف: أي الظهور المجردة عن السيلان، فلو نزل البول إلى قصبة الذكر لا ينقض لعدم ظهوره، بخلاف القلفة فإنه بنزوله إليها ينقض الوضوء، وعدم وجوب غسلها للحجر، لا لانها في حكم الباطن كما قاله الكمال ط.
قوله: (عين السيلان) اختلف في تفسيره: ففي المحيط عن أبي يوسف: أن يعلو وينحدر.
وعن محمد: إذا انتفخ على رأس الجرح وصار أكثر من رأسه نقض.
والصحيح لا ينقض ا ه.
قال في الفتح بعد ما نقله ذلك: وفي الدراية جعل قول محمد أصح، ومختار السرخسي الاول وهو الاولى ا ه.
أقول: وكذا صححه قاضي خان وغيره.
وفي البحر: تحريف تبعه عليه ط فاجتنبه.
قوله: (لما قالوا) علة للمبالغة ط.
قوله: (لو مسح الدم كلما خرج الخ) وكذا إذا وضع عليه قطنا أو شيئا آخر حتى ينشف ثم وضعه ثانيا وثالثا فإنه(1/145)
يجمع جميع ما نشف، فإن كان بحيث لو تركه سال نقض، وإنما يعرف هذا بالاجتهاد وغالب الظن، وكذا لو ألقى عليه رمادا أو ترابا ثم ظهر ثانيا فتربه ثم وثم فإنه يجمع.
قالوا: وإنما يجمع إذا كان في مجلس واحد مرة بعد أخرى، فلو في مجالس فلا تاتر خانية، ومثله في البحر.
أقول: وعليه فما يخرج من الجرح الذي ينز دائما وليس فيه قوة السيلان ولكنه إذا ترك يتقوى باجتماعه ويسيل عن محله فإذا نشفه أو ربطه بخرقة صار كلما خرج منه شئ تشربته الخرقة ينظر، إن كان ما تشربته الخرقة في ذلك المجلس شيئا فشيئا بحيث لو ترك واجتمع أسال بنفسه نقض وإلا لا، ولا يجمع ما في مجلس إلى ما في مجلس آخر، وفي ذلك توسعة عظيمة لاصحاب القروح ولصاحب كي الحمصة، فاغتنم هذه الفائدة، وكأنهم قاسوها على القئ، ولمالم يكن هنا اختلاف سبب تعين اعتبار المجلس، فتنبه.
قوله: (كما لو سال) تشبيه في عدم النقض، لانه في هذه المواضع لا يلحقه حكم التطهير كما قدمناه.
قوله: (أو جرح) بضم الجيم.
قاموس.
أما بالفتح فهو المصدر.
قوله:
(ولم يخرج) أي لم يسل.
أقول: وفي السراج عن الينابيع: الدم السائل على الجراحة إذا لم يتجاوز.
قال بعضهم: هو طاهر حتى لو صلى رجل بجنبه وأصابه منه أكثر من قدر الدرهم جازت صلاته، وبهذا أخذ الكرخي وهو الاظهر.
وقال بعضهم: نجس، وهو قول محمد ا ه.
ومقتضاه أنه غير ناقض، لانه بقي طاهرا بعد الاصابة، وإن المعتبر خروجه إلى محل يلحقه حكم التطهير من بدن صاحبه فليتأمل.
قوله: (وكدمع) أي بلا علة كما سيأتي، وهو معطوف على قوله: كما لو سال.
قوله: (على ما سيذكره المصنف) أي في مسائل شتى آخر الكتاب.
قوله: (ولنا فيه كلام) نقله ح.
وحاصله أنه قول ضعيف وتخريج غريب فلا يعول عليه ط.
قوله: (وخروج الخ) عطف على قوله: خروج كل خارج.
قوله: (مثل ريح) فإنها تنقض لانها منبعثة عن محل النجاسة لا لان عينها نجسة، لان الصحيح أن عينها طاهرة، حتى لو لبس سراويل مبتلة أو ابتل من أليتيه الموضع الذي تمر به الريح فخرج الريح لا يتنجس، وهو قول العامة.
وما نقل عن الحلواني من أنه كان لا يصلي بسراويله فورع منه.
بحر.
قوله: (من دبر) وكذا من ذكر أو فرج في الدودة والحصاة بالاجماع كما سيذكره الشار لما عليها من النجاسة كما اختاره الزيلعي، أو لتولد الدودة من النجاسة كما في البدائع.
وعلى الثاني فعطف أو دودة من عطف الخاص على العام لدخوله تحت قوله خروج نجس إلى ما يطهر، وكذا عطفها وعطف الحصاة على التعليل الاول لتحقق خروالخارج النجس وهو ما عليهما، وعلى كل فقوله: أو دودة معطوف بالنظر إلى كلام الشارح على قوله: وخروج غير نجس لا على ريح فتدبر.
قوله: (لا خروج ذلك) المذكور من الثلاثة.
قال ح: وهو يقتضي أن الريح تخرج من الجرح وهو(1/146)
كذلك كما في القهستاني.
وحكم الدودة مكرر مع قول المصنف بعد ودودة من جرح ط.
قوله: (أما هي الخ) أي المفضاة: وهي التي اختلط سبيلها: أي مسلك البول والغائط، فيندب لها الوضوء من الريح.
وعن محمد: يجب احتياطا.
وبه أخذ أبو حفص، ورجحه في الفتح بأن الغالب في الريح كونها من الدبر.
ومن أحكامها أنه لا يحلها الزوج الثاني للاول ما لم تحبل لاحتمال الوطئ في الدبر،
وأنه لا يحل وطؤها إلا إن أمكن الاتيان في القبل بلا تعد، وأما التي اختلط مسلك بولها ووطئها فينبغي أن لا تكون كذلك، لان الصحيح عدم النقض بالريح الخارجة من الفرج، ولانه لا يمكن الوضوء في مسلك البول.
أفاده في البحر.
قوله: (وقيل لو منتنة) أي لان نتنها دليل أنها من الدبر.
وعبارة الشيخ إسماعيل: وقيل إن كان مسموعا أو ظهر نتنه فهو حدث وإلا فلا.
قوله: (وذكر) لا حاجة إلى ذكره مع شمول القبل إياه كما يشهد له استعمالها ا ه.
قوله: (لانه اختلاج) أي ليس بريح حقيقة، ولو كان ريحا فليست بمنبعثة عن محل النجاسة فلا تنقض كما قدمناه.
قوله: (وهو يعلم) أي يظن، لان الظن كاف في هذا الباب ح: أي الظن الغالب.
وقال الرحمتي: شرط العلم بعدم كونه من الاعلى، فأفاد النقض عند الاشتباه تبعا للحلبي في شرح المنية.
وفي المنح عن الخلاصة: مناط النقض العلم بكونه من الاعلى فلا نقض مع الاشتباه، وهو موافق للفقه، والحديث الصحيح حتى يسمع صوتا أو يشم ريحا وبه يعلم أنه من الاعلى.
قوله: (منهما) أي من القبل والذكر.
قوله: (لطهارتهما) أي الدودة واللحم وطهارة اللحم بالنسبة إليه، فقد قالوا: ما أبين من الحي كميتته إلا في حق نفسه حتى لا تفسد صلاته إذا حمله ط.
وفي بعض النسخ بضمير المفردة.
قوله: (وهو) أي السيلان من غير السبيلين مناط النقض: أي علته ط.
قوله: (والمخرج بعصر) أي ما أخرج من القرحة بعصرها وكأن لو لم تعصر لا يخرج شئ مساو للخارج بنفسه خلافا لصاحب الهداية وبعض شراحها وغيرهم كصاحب الدرر والملتقى.
قوله: (سيان) تثنية سي، وبها استغني عن تثنية سواء كما في المغني.
قوله: (في حكم النقض) الاضافة للبيان ط.
قوله: (قال) أي صاحب البزازية ط.
قوله: (لان في الاخراج خروجا) جواب عما وجه به القول بعدم النقض بالمخرج من أن الناقض خروج النجس وهذا إخراج.
والجواب أن الاخراج مستلزم للخروج فقد وجد، لكن قال في العناية: إن الاخراج ليس بمنصوص عليه وإن كان يسلتزمه، فكان ثبوته غير قصدي ولا معتبر به ا ه.
وفيه أنه لا تأثير يظهر للاخراج وعدمه، بل كونه خارجا نجسا، وذلك يتحقق مع الاخراج كما يتحقق مع عدمه، فصار كالفصد، كيف وجميع الادلة الموردة من السنة والقياس تفيد تعليق النقض بالخارج النجس وهو ثابت في المخرج ا ه.
فتح.
واستوجهه تلميذه ابن أمير حاج في الحلية، وكذا
شارح المنية والمقدسي.
وارتضى في البحر ما في العناية حيث ضعف به ما في الفتح.(1/147)
ولك أن تجعل ما في الفتح مضعف له كما قررناه بناء على أن الناقض الخارج النجس لا الخروج.
وفي حاشية الرملي: لا يذهب عنك أن تضعيف العناية لا يصادم قول شمس الائمة، وهو الاصح.
قوله: (واعتمده القهستاني) حيث جعل القول بعدم النقض فاسدا، لانه يلزم منه أنه لو أخرج الريح أو الغائط أو غيرهما من السبيلين لكان غير ناقض ا ه.
قوله: (ومعناه الخ) نقله في الاشباه عن البزازية، وقدمناه في رسم المفتي.
قوله: (بالمنصوص رواية) أي بالذي نص عليه من جهة الرواية للادلة الموردة من السنة أو بالفروع المروية عن المجتهد.
قوله: (والراجح دراية) بالرفع عطفا على الاشبه أي الراجح في جهة الدراية: أي إدراك العقل بالقياس على غيره كمسألة الفصد ومص العلقة فإنها مما لا خلاف فيه، وكإخراج الريح ونحوه، وهذا التقرير معنى ما قدمناه آنفا عن الفتح: فالمراد بالرواية النصوص من السنة أو من المجتهد، وبالدراية القياس، فافهم.
قوله: (فيكون) تفريع على قوله: ومعناه الخ إذ هو من عبارة البزازية، فافهم.
قوله: (وينقضه قئ) أفرده بالذكر مع دخوله في خروج نجس لمخالفته له في حد الخروج، وأما السيلان في غير السبيلين فمستفاد من الخروج.
نهر.
قوله: (بأن يضبط) أي يمسك بتكلف، وهذا ما مشى عليه في الهداية والاختيار والكافي والخلاصة، وصححه فخر الاسلام وقاضي خان، وقيل: ما لا يقدر على إمساكه.
قال في البدائع: وعليه اعتمد الشيخ أبو منصور وهو الصحيح.
وفي الحلية: الاول: الاشبه.
قوله: (بالكسر) أي مع تشديد الراء المهملة، وهي أحد الاخلاط الاربعة: الدم، والمرة السوداء، والمرة الصفراء، والبلغم ا ه.
غاية البيان.
قوله: (أو علق الخ) العلق لغة: دم منعقد كما هو أحد معانيه لكن المراد به هنا سوداء محترقة كما في الهداية، وليس بدم حقيقة كما في الكافي، ولهذا اعتبر فيه مل ء الفم، وإلا فخروج الدم ناقض بلا تفصيل بين قليله وكثيره على المختار ا ه.
أخي جلبي وغيره.
قوله: (فغير ناقض) أي اتفاقا كما في شرح المنية.
وذكر في الحلية أن الظاهر أن الكثير منه وهو ما ملا الفم ناقض.
والحاصل أنه إما أن يكون من الرأس أو من الجوف، علقا أو سائلا، فالنازل من الرأس إن علقا لم ينقض اتفاقا، وإن سائلا نقض اتفاقا.
والصاعد من الجوف إن علقا فلا اتفاقا ما لم يملا الفم، وإن سائلا فعنده ينقض مطلقا.
وعند محمد لا ما لم يملا الفم كذا في المنية وشرحها والتاتر خانية.
وذكر في البحر قول أبي يوسف مع الامام وقال: واختلف التصحيح، فصحح في البدائع قولهما، قال: وبه أخذ عامة المشايخ.
وقال الزيلعي: إنه المختار، وصحح في المحيط قول محمد، وكذا في السراج معزيا إلى الوجيز ا ه.
واعلم أنه وقع في عبارة كل من البحر والنهر والزيلعي إيهام، وبما نقلناه من الحاصل يتضح المرام.
قوله: (وهو نجس مغلظ) هذا ما صرحوا به في باب الانجاس، وصحح في المجتبى أنه(1/148)
مخفف.
قال في الفتح: ولا يعرى عن إشكال، وتمامه في النهر.
قوله: (هو الصحيح) مقابلة ما في المجتبى عن الحسن أنه لا ينقض لانه طاهر حيث لم يستحل، وإنما اتصل به قليل القئ فلا يكون حدثا.
قال في الفتح: قيل وهو المختار.
ونقل في البحر تصحيحه عن المعراج وغيره.
قوله: (ذكره الحلبي) أي في شرح المنية الكبير، حيث قال: والصحيح ظاهر الرواية أنه نجس لمخالطته النجاسة وتداخلها فيه، بخلاف البلغم اه.
أقول: وحيث صح القولان فلا يعدل عن ظاهر الرواية، ولذا جزم به الشارح.
قوله: (ولو هو في المرئ) محترز قوله: إذا وصل إلى معدته قال: المرئ بفتح الميم مهموز الآخر، مجرى الطعام والشراب ا ه.
قوله: (لطهارته في نفسه) أفرد الضمير لان العطف بأو، ط.
وينبغي النقض إذا ملا الفم على القول بنجاسته.
بحر ونهر.
ولكن سيأتي في باب المياه أن الحية البرية تفسد الماء إذا ماتت فيه، ومقتضاه أنها نجسة فلعل ما هنا محمول على ما إذا كانت صغيرة جدا بحيث لا يكون لها دم سائل، لانها حينئذ لا تفسد الماء فتكون طاهرة كالدود.
قوله: (في نفسه) أي وما عليه قليل لا يملا الفم فلا يعتبر ناقصا.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان من الرأس أو من الجوف، أصفر منتنا أو لا.
قوله:
(به يفتى) كذا في البحر عن التجنيس: أي خلافا لما اختاره أبو نصر، من أنه لو صعد من الجوف أصفر منتنا كان كالقئ، ولقول أبي يوسف: إنه نجس.
قوله: (كقئ عين خمر أو بول) أي بأن شرب خمرا أو بولا ثم قاء نفس الخمر أو البول.
قوله: (وإن لم ينقض لقلته الخ) أي وإن لم يكن ناقضا لاجل قلته لو فرض قليلا فهو أيضا نجس لنجاسته بالاصالة، بخلاف قئ نحو طعام فإنه إنما ينجس بالمجاورة إذا كان كثيرا ملا الفم، فلا ينقض القليل منه ولا ينجس.
قوله: (لقلته) علة لقوله لم ينقض وقوله: لنجاسته عللقوله: بخلاف.
والاولى جعله علة لتشبيهه بماء فم الميت، فافهم.
قوله: (أص) أي سواء كان صاعدا من الجوف أو نازلا من الرأس ح، خلافا لابي يوسف في الصاعد من الجوف وإليه أشار بقوله: على المعتمد ولو أخره لكان أولى.
قوله: (فيعتبر الغالب) فإن كانت الغلبة للطعام وكان بحال لو انفرد ملا الفم: نقض، وإن كانت الغلبة للبلغم وكان بحال لو انفرد ملا الفم كانت المسألة على الاختلاف ا ه.
تاتر اخانية.
قوله: (فكل على حدة) فإن كان كل منهما ملا الفم انتقض الوضوء بالطعام اتفاقا وإلا فلا اتفاقا، ولا يضم أحدهما إلى الآخر فلا يعتبر مل ء الفم منهما جميعا.
قوله: (مائع) احتراز عن العلق، وقد مر.
قوله: (من جوف أو فم) هو ظاهر كلام الشارحين، وكذا صرح ابن ملك بأن الخارج من الجوف إذا غلبه البزاق لا ينقض اتفاقا، ظاهر كلام الزيلعي أنه ينقض وإن قل، ولا يخفى عدم صحته لمخالفته المنقول مع عدم تعقل فرق بين الخارج من الفم والخارج من الجوف المختلطين بالبزاق.
بحر.
وعبارة النهر هنا مقلوبة، فتنبه.(1/149)
ورد الرحمتي ما في البحر بأن كلام ابن ملك لا يعارض كلام الزيلعي لعلو مرتبة الزيلعي، وبأن قوله مع عدم تعقل فرق الخ يقال عليه هو متعقل واضح، لان المغلوب الخارج من الفم لم يخرج بقوة نفسه بل بقوة البزاق فلم يكن ناقضا كما عللوه بذلك، والخارج من الجوف قد خرج بقوة نفسه، لانه لم يختلط بالبزاق إلا بعد خروج من الجوف، لان البزاق لا يخرمن الجوف بل محله الفم انتهى.
وحينئذ فإطلاق الشارحين محمول على غير الخارج من الجوف، فلا يكون كلام الزيلعي مخالفا للمنقول، والله أعلم.
قوله: (غلب على بزاق) بالزاي والسين والصاد كما في شرح المنية،
وعلامة كون الدم غالبا أو مساويا أن يكون البزاق أحمر، وعلامة كونه مغلوبا أن يكون أصفر.
بحر ط.
قوله: (احتياطا) أي لاحتمال السيلان وعدمه فرجح الوجود احتياطا، بخلاف ما إذا شك في الحدث لانه لو يوجد إلا مجرد الشك ولا عبرة له مع اليقين.
بحر عن المحيط.
قوله: (والقيح كالدم) قال العلامة الشيخ إسماعيل: لم أقف لاحد على ذكر علامة الغلبة وعدمها فيه.
قوله: (والاختلاط بالمخاط الخ) وما نقل عن الثاني من نجاسة المخاط فضعيف، نعم حكي في البزازية كراهة الصلاة على خرقته عندهما للاخلال بالتعظيم.
وفي المنية: انتثر فسقط من أنفه كتلة دم لم ينتقض ا ه: أي لما تقدم من أن العلق خرج عن كونه دما باحتراقه وانجماده.
شرح.
قوله: (علقة) دويبة في الماء تمص الدم.
قاموس.
قوله: (وامتلات) كذا في الخانية، وقال: لانها لو شقت يخرج منها دم سائل ا ه.
والظاهر أن الامتلاء غير مقيد، لان العبرة للسيلان كما أفاده.
ط.
قوله: (القراد) كغراب دويبة.
قاموس.
قوله: (كذلك) أي بإذن لم تكن العلقة امتلات بحيث لا يسيل دمها ولم يكن القراء كبيرا.
قوله: (وفي القهستاني الخ) محل ذكر هذه المسألة والتي بعدها عند قوله وينقضه خروج نجس إلى يطهر.
قوله: (لا نقض الخ) أي لو تورم رأس جرح فظهر به قيح ونحوه لا ينتقض ما لم يتجاوز الورم لانه لا يجب غسل موضع الورم فلم يتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير ا ه.
فتح عن المبسوط: أي إذا كان يضره غسل ذلك المتورم ومسحه، وإلا فينبغي أن ينتقض فليتنبه لذلك.
حلية.
قوله: (ولو شد الخ) قال في البدائع: ولو ألقى على الجرح الرماد أو التراب فتشرب فيه أو ربط عليه رباطا فابتل الرباط ونفذ قالوا يكون حدثا لانه سائل، وكذا لو كان الرباط ذا طاقين فنفذ إلى أحدهما لما قلنا ا ه.
قال في الفتح: ويجب أن يكون معناه إذا كان بحيث لولا الربط سال، لان القميص لو تردد على الجرح فابتل لا ينجس ما لم يكن كذلك، لانه ليس بحدث ا ه: أي وإن فحش كما في المنية، ويأتي.
مطلب في حكم كالحمصة تنبيه: علم مما هنا ومما مر أنه لا فرق بين الخارج والمخرج حكم كي الحمصة، وهو أنه إذا(1/150)
كان الخارج منه دما أو قيحا أو صديدا وكان بحيث لو ترك لم يسل، وإنما هو مجرد رشح ونداوة لا ينقض وإن عم الثوب، وإلا نقض بمجرد ابتلال الربا، ولا تنس ما قدمناه من أنه إنما يجمع إذا كان في مجلس، ثم إن كان الخارج ماء صافيا فهو كالدم.
وعن الحسن أنه لا ينقض.
والصحيح الاول كما ذكره قاضيخان، لكن في الثاني توسعة لمن به جدري أو جرب كما قاله الامام الحلواني، ولا بأس بالعمبه هنا عند الضرورة.
وأما ما قيل من أن العصابة ما دامت على الكي، لا ينتقض الوضوء، وإن امتلات قيحا ودما لم يسل من أطرافها أو تحل فيوجد فيها ما فيه قوة السيلان لولا الربط فينتقض حين الحل لا قبله لمفارقتها موضع الجراحة، فقد أوضحنا ما فيه في رسالتنا (الفوائد المخصصة بأحكام كي الحمصة).
قوله: (ويجمع متفرق القئ الخ) أي لوقاء متفرقا بحيث لو جمع صار مل ء الفم، فأبو يوسف يعتبر اتحاد المجلس، فإن حصل مل ء الفم في مجلس واحد نقض عنده وإن تعدد الغثيان.
ومحمد يعتبر اتحاد السبب وهو الغثيان ا ه.
درر.
وتفسير اتحاده أن يقئ ثانيا قبل سكون النفس من الغثيان، فإن بعد سكونها كان مختلفا.
بحر، والمسألة رباعية، لانه إما أن يتحد فينقض اتفاقا، أو يتعدد فلا اتفاقا، أو يتحدد السبب فقط أو المجلس فقط، وفيهما الخلاف.
قوله: (وهو الغثيان) أي مثلا، فإنه قد يكون بنحو ضرب وتنكيس بعد امتلاء المعدة ا ه.
غنيمي.
وضبطه الحموي بفتح الغين المعجمة والثاء المثلثة والياء المثناة التحتية وبضم الغين وسكون الثاء، من غثت نفسه: هاجت واضطربت، صرح به في الصحاح، والمراد هنا أمر حادث في مزاج الانسان منشؤه تغير طبعه من إحساس النتن المكروه ا ه.
ط.
عن أبي السعود قوله: (إضافة الاحكام) كالنقض ووجوب سجود التلاوة.
قوله: (إلى أسبابها) كالغثيان والتلاوة: أي لا إلى مكانها لانه في حكم الشرط والحكم لا يضاف إلى الشرط.
قوله: (إلا لمانع) أي إلا إذا تعذرت إضافتها إلى الاسباب فتضاف إلى المحال كما في سجدة التلاوة إذا تكرر سببها في مجلس واحد، إذ لو اعتبر السبب وانتفى التداخل لان كل تلاوة سبب، وتمامه في البحر، وهنا كلام نفيس يطلب من شرح الشيخ إسماعيل على الدرر.
قوله: (أصلا) أي في كل وقت، فلا يرد الخارج من المحدث، ومن أصحاب
الاعذار، لان انتفاء الانتقاض يختص بوقت خاص، قهستاني: أي فهذا ليس بحدث مع أنه نجس، فلذا أخرجه بقوله أصلا المستفاد من زيادة الباء التي هي لتأكيد نفي الخبر.
وقد يقال: المراد ما يخرج من البدن المتطهر وهو المتبادر، وأما ما يخرج من بدن المعذور فهو حدث، لكن لا يظهر أثره إلا بخروج الوقت كما صرحوا به.
قوله: (ليس بنجس) أي لا يعرف له وصف النجاسة بسبب خروجه، بخلاف القليل من قئ عين الخمر أو البول فإنه وإن لم يكن حدثا(1/151)
لقلته لكنه نجس بالاصالة لا بالخروج، هذا ما ظهر لي.
تأمل.
قوله: (وهو الصحيح) كذا في الهداية والكافي.
وفي شرح الوقاية: إنه ظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة ا ه.
إسماعيل.
قوله: (مائعا) أي كالماء ونحوه، أما في الثياب والابدان فيفتى بقول أبي يوسف.
تتمة: ما ذكره المصنف قضية سالبة كلية لا مهملة لان ما للعموم، وكل ما دل عليه فهو سور الكلية كما في المطول وغيره، فتنعكس بعكس النقيض إلى قولنا: كل نجس حدث، لانه جعل نقيض الثاني أولا ونقيض الاول ثانيا مع بقاء الكيف والصدق بحاله.
وما في الدراية من أنها لا تنعكس، فلا يقال ما لا يكون نجسا لا يكون حدثا، لان النوم والجنون والاغماء وغيرها حدث وليس بنجسة ا ه.
يريد به العكس المستوي لانه جعل الجزء الاول ثانيا والثاني أولا مع بقاء الصدق والكيف بحالهما، والسالبة الكلية تنعكس فيه سالبة كلية أيضا، وتمامه في شرح الشيخ إسماعيل.
قوله: (وينقضه حكما) نبه على أن هذا شروع في الناقض الحكمي بعد الحقيقي بناء على أن عينه غير ناقض بل ما لا يخلو عنه النائم، وقيل ناقض.
ورجح الاول في السراج، وبه جزم الزيلعي، بل حكي في التوشيح الاتفاق عليه.
مطلب: نوم من به انفلات ريح غير ناقض وأقول: ينبغي أن يكون عينه ناقضا اتفاقا فيمن فيه انفلات ريح، إذ ما لا يخلو عنه النائم لو تحقق وجوده لم ينقض، فالمتوهم أولى.
نهر.
قلت: فيه نظر، والاحسن ما في فتاوي ابن الشلبي، حيث قال: سئلت عن شخص به انفلات
ريح هل ينقض وضوءه بالنوم؟ فأجبت بعد النقض، بناء على ما هو الصحيح من أن النوم نفسه ليس بناقض، وإنما الناقض ما يخرج.
ومن ذهب إلى أالنوم نفسه ناقض لزمه النقض.
قوله: (نوم) هو فترة طبيعية تحدث للانسان بلا اختيار منه تمنع الحواس الظاهرة والباطنة عن العمل مع سلامتها واستعمال العقل مقيامه، فيعجز العبد عن أداء الحقوق.
بحر قوله: (بحيث) حيثية تقييد: أي كائنا من هذه الجهة وبهذا الاعتبار.
مطلب: لفظ حيث موضوع للمكان ويستعار لجهة الشئ وفي التلويح لفظ حيث موضوع للمكان استعير لجهة الشئ واعتباره، يقال: الموجود من حيث إنه موجود: أي من هذه الجهة وبهذا الاعتبار ا ه، فالمراد زوال القوة الماسكة من هذه الجهة التي ذكرها بعد وفسرها بقوله: وهو النوم الخ فلا يرد أنه قد تزول المقعدة ولا يحصل النقض كالنوم في السجود.
قوله: (وهو) أي ما تزول به المسكة المذكورة.
قوله: (أو وركيه) الورك بالفتح والكسر وككتف ما فوق الفخذ مؤنثة، جمعه أوراك.
قاموس.
ويلزم من الميل على أحد الوركين سواء اعتمد على المرفق أو لا زوال مقعدته عن الارض، وهو المراد بقول الكنز ومتورك حيث عده ناقضا كما في البحر ا ه.
ح.
أقول: وهو غير المتورك الآتي قريبا.
قوله: (على المختار) نص عليه(1/152)
في الفتح، وهو قيد في قوله: في الصلاة قال في شرح الوهبانية: ظاهر الرواية أن النوم في الصلاة قائما أو قاعدا أو ساجدا لا يكون حدثا سواء غلبه النوم أو تعمده.
وفي جوامع الفقه: أنه في الركوع والسجود لا ينقض ولو تعمده ولكن تفسد صلاته ا ه.
قوله: (كالنوم) مثال للنوم الذي لا يزيل المسكة ط.
قوله: (لو أزيل لسقط) أي لو أزيل ذلك الشئ لسقط النائم، فالجملة الشرطية صفة لشئ.
قوله: (على المذهب) أي على ظاهر المذهب عن أبي حنيفة، وبه أخذ عامة المشايخ، وهو الاصح كما في البدائع، واختار الطحاوي والقدوري وصاحب الهداية النقض، ومشى عليه بعض أصحاب المتون، وهذا إذا لم تكن مقعدته زائلة عن الارض وإلا نقض اتفاقا كما في البحر وغيره.
قوله: (وساجدا) وكذا قائما وراكعا بالاولى، والهيئة المسنونة بأن يكون رافعا بطنه عن
فخذيه مجافيا عضديه عن جنبيه كم في البحر.
قال ط: وظاهرة أن المراد الهيئة المسنونة في حق الرجل لا المرأة.
قوله: (ولو في غير الصلاة) مبالغة على قوله على: الهيئة المسنونة لا على قوله: وساجدا يعني أن كونه على الهيئة المسنونة قيد في عدم النقض ولو في الصلاة، وبهذا التقرير يوافق كلاما ما عزاه إلى الحلبي في شرح المنية كما سيظهر.
قوله: (على المعتمد) اعلم أنه اختلف في النوم ساجدا، فقيل لا يكون حدثا في الصلاة وغيرها، وصححه في التحفة، وذكر في الخلاصة أنه ظاهر المذهب.
وقيل يكون حدثا، وذكر في الخانية أنه ظاهر الرواية، لكن في الذخيرة أن الاول هو المشهور.
وقيل: إن سجد على غير الهيئة المسنونة كان حدثا وإلا فلا.
قال في البدائع: وهو أقرب إلى الصواب، إلا أنا تركنا هذا القياس في حالة الصلاة للنص، كذا في الحلية ملخصا، وصحح الزيلعي ما في البدائع فقال: إن كان في الصلاة لا ينتقض وضوءه لقوله عليه الصلاة والسلام: لا وضوء على من نام قائما أو راكعا أو ساجدا وإن كان خارجها فكذلك في الصحيح إن كان على هيئة السجود وإلا ينتقض ا ه.
وبه جزم في البحر وكذلك العلامة الحلبي في شرح المنية الكبير، ونقل فيه عن الخلاصة أيضا أن سجود السهو والتلاوة وكذا الشكر عندهما كسجود الصلاة، قال: لاطلاق لفظ ساجدا في الحديث، فيترك به القياس فيما هو سجود شرعا، ويبقى ما عداه على القياس فينقض إن لم يكن على وجه السنة ا ه.
لكن اعتمد في شرح الصغير ما عزاه إليه الشارح من اشتراط الهيئة المسنونة في سجود الصلاة وغيرها.
وذكر في شرح الوهبانية أنه قيد به في المحيط وقال: وهو الصحيح ومشى عليه في نور الايضاح وأما قوله في النهر: إنه لم يوجد في المحيط الرضوي، ففيه أن محيط رضي الدين ثلاثة نسخ كبير وصغير وأوسط، على أنه قد يكون المراد محيط السرخسي، والله أعلم.
تتمة: لو نام المريض وهو يصلي مضطجعا قيل لا تنقض طهارته كالنوم في السجود، والصحيح النقض كما في الفتح وغيره، زاد في السراج: وبه نأخذ.
قوله: (أو متوركا) بأن يلصق قدميه من جانب ويلصق أليتيه بالارض.
فتح.
قوله: (أو محتبيا) بأن جلس على أليتيه ونصب ركبتيه وشد ساقيه إلى نفسه بيديه أو بشئ يحيط من ظهره عليهما.
شرح المنية.
قوله: (ورأسه على
ركبتيه) غير قيد، وإنما زاده للرد على الاتفاق في غاية البيان حيث فسر الاتكاء الناقض للوضوء بهذه الهيئة.
قال في شرح المنية: هذه الهيئة لا تعرف في اللغة اتكاء قطعا، وإنمتسمى احتباء،(1/153)
وإنما سماها الاتقاني بذلك، وتبعه فيه من لا خبرة له ولا فقه عنده ا ه.
قوله: (أو شبه المنكب) أي على وجهه وهو كما في شروح الهداية أن ينام واضعا أليتيه على عقبيه وبطنه على فخذيه، ونقل عدم النقض به في الفتح عن الذخيرة أيضا، ثم نقل عن غيرها: لو نام متربعا ورأسه على فخذيه نقض.
قال: وهذا يخالف ما في الذخيرة، واختار في شرح المنية النقض في مسألة الذخيرة لارتفاع المقعدة وزوال التمكن.
وإذا نقض في التربع مع أنه أشد تمكنا فالوجه الصحيح النقض هنا، ثم أيده بما في الكفاية عن المبسوطين من أنه لو نام قاعدا ووضع أليتيه على عقبيه وصار شبه المنكب على وجهه.
قال أبو يوسف: عليه الوضوء.
قوله: (أو في محمل) أي إلا إذا اضطجع فيه.
حلية.
قوله: (أو إكاف) بدون ياء: برذعة الحمار وهو ككتاب وغراب، والمصدر الايكاف ط عن القاموس.
وأفاد الشارح أن النوم في سرج وإكاف لا ينقض حال الصعود وغيره، وبه صرح في المنية.
قوله: (عريانا) قال في المغرب: فرس عرى لا سرج عليه ولا لبد، وجمعه أعراء، ولا يقال فرس عريان ا ه.
قلت: لكن في القاموس: فرس عرى بالضم بلا سرج، واعرورى فرسا: ركبه عريانا.
قوله: (نقض) لتجافي المقعدة عن ظهر الدابة.
حلية.
قوله: (وإلا) بأن كان حال الصعود أو الاستواء.
منية.
قوله: (حين سقط) أي عند إصابة الارض بلا فضل.
شرح منية، وكذا قبل السقوط أو في حال السقوط، أما لو استقر ثم انتبه نقض لانه وجد النوم مضطجعا.
حلية.
قوله: (به يفتى) كذا في الخلاصة.
وقيل إن ارتفعت مقعدته قبل انتباهه نقض وإن لم يسقط.
وفي الخانية عن شمس الائمة الحلواني أنه ظاهر المذهب، وعليه مشى في نور الايضاح قال في شرح المنية: والاول أولى، لانه لا يتم الاسترخاء بعد مزايلة المقعدة حيث انتبه فورا.
قوله: (كناعس) أي إذا كان غير متمكن، وقوله: يفهم عبر به في البحر معزيا إلى شروح الهداية، وعبر في السراج والزيلعي والتاترخانية بيسمع.
وفي الخانية: النعاس لا ينقض الوضوء، وهو قليل نوم لا يشتبه عليه أكثر ما يقال عنده.
قال الرحمتي: ولا ينبغي أن يغتر الانسان بنفسه لان ربما يستغرقه النوم ويظن خلافه.
قوله: (والعته) هو آفة توجب الاختلال بالعقل بحيث يصير مختلط الكلام فاسد التدبير، إلا أنه لا يضرب ولا يشتم.
بحر.
قوله: (لا ينقض) قال في البحر بعد نقله أقوال الاصوليين في حكم العته: وظاهر كلام الكل الاتفاق على صحة أداء العبادات، أما من جعله مكلفا بها فظاهر، وكذا من جعله كالصبي العاقل، وقد صرحوا بصحة عبادات الصبي، فيفهم منه أنه العته لا ينقض الوضوء.
مطلب: نوم الانبياء غير ناقض قوله: (كنوم الانبياء) قال في البحر: صرح في القنية بأنه من خصوصياته (ص) ولذا ورد في الصحيحين: أن النبي (ص) نام حتى نفخ، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ لما ورد في حديث آخر: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي.
ولا يشكل عليه ما ورد في الصحيح من أنه (ص) نام ليلة التعريس حتى طلعت الشمس لان القلب يقظان يحس بالحدث وغيره مما يتعلق بالبدن ويشعر به القلب، وليس طلوع الفجر والشمس(1/154)
من ذلك، ولا هو مما يدرك القلب، وإنما يدرك بالعين وهي نائمة، وهذا هو المشهور في كتب المحدثين والفقهاء، كذا في شرح التهذيب ا ه.
وأجاب القاضي عياض في الشفاء بأجوبة أخر: منها أن ذلك إخبار عن أغلب أحواله، أو أنه لا ينام نوما مستغرقا ناقضا للوضوء.
قوله: (ظاهر كلام المبسوط نعم) كذا في شرح الشيخ إسماعيل عن شرح الكنز لابن الشلبي.
قال بعض الفضلاء: فيه أن علة عدم النقض بنومهم هي حفظ قلوبهم منه، وهذه العلة موجودة حالة إغمائهم.
قال في المواهب اللدنية: نبه السبكي على أن إغماءهم يخالف إغماء غيرهم، وإنما هو عن غلبة الاوجاع للحواس الظاهرة دون القلب، وقد ورد تنام أعينهم لا قلوبهم فإذا حفظت قلوبهم من النوم الذي هو أخف من الاغماء فمنه بالاولى ا ه.
ابن عبد الرزاق.
وفي القهستاني: لا نقض من الانبياء عليهم الصلاة والسلام، ومقتضاه التعميم في كل النواقض، لكن نقل ط عن شرح الشفاء لمنلا علي القاري الاجماع على أنه (ص) في نواقض الوضوء كالامة، إلا
ما صح من استثناء النوم ا ه.
قوله: (وينقضه إغماء) هو كما في التحرير: آفة في القلب أو الدماغ تعطل القوى المدركة والمحركة عن أفعالها مع بقاء العقل مغلوبا.
نهر.
قوله: (ومنه الغشي) بالضم والسكون: تعطل القوى المحركة والحساسة لضعف القلب من الجوع أو غيره.
قهستاني.
زاد في شرح الوهبانية بفتح فسكون وبكسرتين مع تشديد الياء، وكونه نوعا من الاغماء موافق لما في القاموس وحدود المتكلمين.
قال في النهر: إلا أن الفقهاء يفرقون بينهما كالاطباء ا ه: أي بأنه إن كان ذلك التعطل لضعف القلب واجتماع الروح إليه بسبب يخنقه في داخله فلا يجد منفذا فهو الغشي، وإن لامتلاء بطون الدماغ من بلغم فهو الاغماء.
ثم لما كان سلب الاختيار في الاغماء أشد من النوم كان ناقضا على أي هيئة كان، بخلاف النوم.
إسماعيل.
قوله: (والجنون) صاحبه مسلوب العقل، بخلاف الاغماء فإنه مغلوب، والاطلاق دال على أن القليل من كل منهما ناقض لانه فوق النوم مضطجعا.
قهستاني.
قوله: (وسكر) هو حالة تعرض للانسان من امتلاء دماغه من الابخرة المتصاعدة من الخمر ونحوه، فيتعطل معه العقل المميز بين الامور الحسنة والقبيحة.
إسماعيل عن البرجندي.
قوله: (يدخل) أي به.
قال في النهر: واختلف في حده هنا وفي الايمان والحدود، فقال الامام: إنه سرور يزيل العقل فلا يعرف به السماء من الارض ولا الطول من العرض، وخوطب زجرا له.
وقالا: بل يغلب عليه فيهذي في أكثر كلامه، ولا شك أنه إذا وصل إلى هذه الحالة فقد دخل في مشيته اختلال، والتقييد بالاكثر يفيد أن النصف من كلامه لو استقام لا يكون سكران، وقد رجحوا قولهما في الابواب الثلاثة.
قال في حدود الفتح: وأكثر المشايخ على قولهما، واختاره للفتوى، وفي نواقض المجتبى: الصحيح قولهما ا ه: أي فلا يشترط في حده أن يصل إلى أن لا يعرف الارض من السماء.
قوله: (ولو بأكل الحشيشة) ذكره في النهر بحثا، واستدل له بما في شرح الوهبانية من أنهم حكموا بوقوع طلاقه إذا سكر منها زجرا له.
قال الشيخ إسماعيل: ولا يخفى أن قول البرجندي من(1/155)
الخمر ونحوه شامل له إذا تعطل العقل، وقول البحر بمباشرة بعض الاسباب.
ا ه.
فرع: المصروع إذا أفاق عليه الوضوء.
تاترخانية.
قوله: (وقهقهة) قيل إنها من الاحداث،
وقيل لا، وإنما وجب الوضوء بها عقوبة وزجرا.
وفائدة الخلاف في مس المصحف يجوز على الثاني لا الاول كما في المعراج.
قال في النهر: وينبغي أن يظهر أيضا في كتابة القرآن، وأما حل الطواف فهذا الوضوء ففيه تردد، وإلحاق الطواف بالصلاة يؤذن بأنه لا يجوز، فتدبره.
ورجح في البحر القول الثاني بموافقته للقياس، لانها ليست خارجا نجسا بل هي صوت كالكلام والبكاء وبموافقته للاحاديث المروية فيها، إذ ليس فيها إلا الامر بإعادة الوضوء والصلاة، ولا يلزم منه كونها حدثا ا ه.
وأيده في النهر بقول المصنف وغيره بالغ ولو كانت حدثا لاستوى فيها البالغ وغيره، وبترجيحهم عدم النقض بقهقهة النائم: أي لعدم الجناية منه كالصبي.
أقول: ثم لا يخفى أن معنى القول الثاني بطلان الوضوء بالقهقهة في حق الصلاة زجرا كبطلان الارث بالقتل وإن لم يبطل في حق غيرها لعدم الحدث، وليس معناه أن الوضوء لم يبطل وإنما أمر بإعادته زجرا، حتى يرد أنه يلزمه أنه لو صلى به صحت الصلاة مع الحرمة ووجوب الاعادة فيكون مخالفا لاصل المذهب، فافهم.
قوله: (هي ما يسمع جيرانه) قال في البحر: هي في اللغة معروفة، وهي أن يقول قه قه.
واصطلاحا ما يكون مسموعا له ولجيرانه بدت أسنانه أو لا ا ه.
وفي المنية: وحد القهقهة قال بعضهم: ما يظهر القاف والهاء ويكون مسموعا له ولجيرانه.
وقال بعضهم: إذا بدت نواجذه ومنعه من القراءة ا ه.
لكن قال في الحلية: لم أقف على التصريح باشتراط إظهار القاف والهاء لاحد، بل الذي توارد عليه كثير من المشايخ كصاحب المحيط والهداية والكافي وغيرهم ما يكون مسموعا له ولجيرانه.
وظاهره التوسع في إطلاق القهقهة على ما له صوت وإن عري عن ظهور القاف والهاء أو أحدهما ا ه.
واحترز به عن الضحك، وهو لغة: أعم من القهقهة.
واصطلاحا: ما كان مسموعا له فقط فلا ينقض الوضوء بل يبطل الصلاة.
وعن التبسم وهو ما لا صوت فيه أصلا بل تبدو أسنانه فقط فلا يبطلهما، وتمامه في البحر، ولم أرد من قدر الجواز بشئ ومقتضى تعريف الضحك بما كان مسموعا له فقط أن القهقهة ما يسمعها غيره من أهل مجلسه فهم جيرانه لا خصوص من عن يمينه أو عن يساره، لان كل ما كان مسموعا له يسمعه من عن يمينه أو يساره.
تأمل.
قوله: (ولو امرأة) لان النساء شقائق الرجال في التكاليف ط، ولا يرد أن قوله: بالغ
صفة للمذكر لانه لا يقال جارية بالغ كما في القاموس.
قوله: (سهوا) أي ولو سهوا، فهو من مدخول المبالغة وكذا النسيان.
وذكر في المعراج فيهما روايتين، ورجح في البحر رواية النقض، وبها جزم الزيلعي في النسيان ولم يذكر السهو، فافهم.
قوله: (به يفتى) لما قدمناه من أن النقض للزجر والعقوبة والصبي والنائم ليسا من أهلها، وصرحوا بأن القهقهة كلام فتفسد صلاتهما، وثم أقوال أخر صحح بعضها مبسوطة في البحر.
قوله: (كالباني) أي من سبقه الحدث في الصلاة، فأراد أن يبني على صلاته فقهقة في الطريق بعد الوضوء ينقض وضوءه، وهو إحدى روايتين، وبه جزم(1/156)
الزيلعي.
قال في البحر: قيل وهو الاحوط، ولا نزاع في بطلان صلاته ا ه.
قوله: (مستقلة) تصريح بمفهوم قوله: صغرى فإنه يفهم أنه ولو كان يصلي بطهارة كبرى وهي الغسل لا ينتقض الوضوء الذي ضمنها، فكان الاخضر حذفه، إلا أن يقال: احترز بصغري عن نفس طهارة الغسل فلا يلزمه إعادته وبمستقلة عن الصغرى التي في ضمنه، فتأمل.
قوله: (والفتح والنهر) لانه ذكر في الفتح عن المحيط أنه الصحيح، وعبر عن مقابله بقبل.
وفي النهر ذكر أنه الذي رجحه المتأخرون، وحيث لم يتعقبه مع اقتصاره عليه وجزمه به اقتضى ترجيحه له، ولذا لم يعز ترجيحه إلى البحر لكونه ذكر القولين حيث قال: على قول عامة المشايخ لا تنقض.
وصحح المتأخرون كقاضيخان النقض مع اتفاقهم على بطلان ا ه.
قوله: (عقوبة له) لاساءته في حال مناجاته لربه تعالى.
قوله: (وعليه الجمهور) أي من المتأخرين كما علمت.
قوله: (كاملة) أي ذات ركوع وسجود: أو ما يقوم مقامهما من الايماء لعذر، أو راكبا يومئ بالنقل أو بالفرض حيث يجوز فلا تنقض في صلاة جنازة وسجدة تلاوة: أي خارج الصلاة، لكن يبطلان، ولا لو كان راكبا يومئ بالتطوع في المصر أو القرية لعدم جواز الصلاة عنده خلافا للثاني.
قوله: (ولو عند السلام) أي قبله وبعد التشهد.
درر، وكذا لو في سجود السهو.
بحر عن المحيط.
قوله: (عمدا) أي ولو كانت القهقهة عمدا.
وفيه رد على صاحب الدرر حيث قال: إلا أن يتعمد، وسيأتي في باب الحدث في الصلاة التصريف بفساد الوضوء بالقهقهة عمدا بعد القعود قدر التشهد لوجودها في حرمة الصلاة.
قوله: (لا الصلاة) لانه لم
يبق من فرائضها شئ وترك السلام لا يضر في الصحة.
إمداد.
قوله: (خلافالزفر) حيث قال: لا تبطل الوضوء كالصلاة.
شرنبلالية.
قوله: (ولو قهقه إمام الخ) أي بعد القعود قدر التشهد.
قوله: (ثم قهقه المؤتم) أما لو قهقه قبل إمامه أو معه بطل وضوءه دون صلاته لوجودها في حرمة الصلاة.
سراج.
قوله: (ولو مسبوقا) رد على الدرر.
قوله: (فلا نقض) أي لوضوء المؤتم، لان قهقهته وقعت بعد بطلان صلاته بقهقهة إمامة، خلافا لهما في المسبوق حيث قالا: لا تفسد صلاته ويقوم إلى قضاء ما فاته.
وفي فساد صلاته اللاحق روايتان عن أبي حنيفة.
سراج.
قوله: (بخلافهما) أي بخلاف قهقهة المأموم بعد كلام الامام عمدا، وكذا بعد سلامه عمدا لانهما قاطعان للصلاة لا مفسدان إذ لم يفوتا شرطها وهو الطهارة، فلم يفسد بهما شئ من صلاة المأموم، فينتقض وضوءه بقهقهته، أما حدثه عمدا وكذا قهقهته عمدا فمفوتان للطهارة فيفسد جزء يلاقيانه فيفسد من صلاة المأموم كذلك فتكون قهقهة المأموم بعد الخروج من الصلاة فلا تنقض، وتمامه في حاشية نوح أفندي.
قوله: (في الاصح) مقابله ما في الخلاصة حيث صحح عدم فساد الطهارة بقهقهة المأموم بعد كلام الامام أو سلامه، عمدا.
قال في الفتح: ولو قهقه بعد كلام الامام عمدا فسدت كسلامه على الاصح على خلاف ما في الخلاصة ا ه.
أقول: وما في الفتح صححه في الخانية أيضا.
قوله: (الامتحان) أي اختبار ذهن الطالب.
قوله: (المسح) أي مسح الخف أو الرأس أو الجبيرة.
قال ط: وكذا لو نسي غسل بعض أعضائه إذ المسح ليس قيدا على ما يظهر.
قوله: (قبل قيامه للصلاة) أي(1/157)
قبل شروعه فيها كأن قهقه حال رجوعه.
قوله: (انتقض) فإنه في الصلاة حكما، وهذا على ما جزم به الزيلعي من إحدى الروايتين من انتقاض طهارة الباني لو قهقه في الطريق كما قدمناه.
قوله: (لا بعده) أي لا ينتقض لو قهقه بعد قيامه لها: أي شروعه فيها، لانه لما شرع فيها وهو ذاكر أنه لم يمسح فقد بطلت صلاته، فتكون قهقهته بعد خارج الصلاة فلا تنقض.
ووجه الامتحان فيها أن يقال: أي قهقهة تنقض الوضوء قبل الشروع في الصلاة حقيقة لا بعده.
قوله: (ومباشرة) مأخوذة من البشرة وهي ظاهر الجلد.
قوله: (فاحشة) المراد بالفحش الظهور لا الذي نهى عنه الشارع، إذ قد تكون بين
الرجل وامرأته، أو المعنى فاحشة أن لو كانت مع الاجنبية، أو باعتبار أغلب صورها لانها تكون بين المرأتين والرجل والغلام، ثم هي من الناقض الحكمي ط.
قوله: (فتماس الفرجين) أي من غير حائل من جهة القبل أو الدبر.
شرح المنية.
ثم المنقول أن ظاهر الرواية عدم اشتراطه.
وفي الينابيع: روى الحسن اشتراط التماس وهو أظهر، وصححه الاسبيجابي.
وفي الزيلعي أنه الظاهر ا ه أي من جهة الدراية لا الرواية.
أفاده في البحر.
ويشترط أن يكون تماس الفرجين من شخصين مشتهيين، بدليل ما سيذكره الشارح في الغسل أنه لا يجب الغسل بوطئ صغيرة غير مشتهاة ولا ينتقض الوضوء الخ.
تأمل.
قوله: (مع الانتشار) هذا في حق نقض وضوئه لا وضوئها، فإنه لا يشترط في نقضه انتشار آلة لرجل.
قنية.
وفي الشرنبلالية: زاد الكمال في تفسيرها المعانقة، وتبعه صاحب البرهان فقال: وهي أن يتجردا معا معانقين متماسي الفرجين، قوله: (للجانبين) فينتقض وضوء المرأة، وما في الحلية حيث قال: إني لم أقف عليه إلا في المنية، وفيه تأمل رده في البحر والنهر.
قوله: (على المعتمد) وهو قولهما، لانها لا تخلو عن خروج مذي غالبا، وهو كالمتحقق في مقام وجوب الاحتياط إقامة للسبب الظاهر مقام الامر الباطن.
وقال محمد: لا تنقض ما لم يظهر شئ، وصححه في الحقائق، ورده في البحر والنهر بما نقله في الحلية عن التحفة من أن الصحيح قولهما وهو المذكور في المتون.
قلت: لكن في الحلية قال بعد ما نقل تصحيح قولهما: ولقائل أن يقول: الاظهر وجه محمد، فقوله أوجه ما لم يثبت دليل سمعي يفيد ما قالاه ا ه: في شرح الشيخ إسماعيل عن شرح البرجندي: وأكثر الكتب متضافرة على أن الصحيح المفتى به قول محمد، وعدم ذكر صاحب الهداية لها في النواقض يشعر باختياره ا ه.
تأمل.
قوله: (لكن يغسل يده ندبا) لحديث: من مس ذكره فليتوضأ أي ليغسل يده جمعا بينه وبين قوله (ص): هل هو إلا بضعة منك، حين سئل عن الرجل يمس ذكره بعد ما يتوضأ وفي رواية في الصلاة أخرجه الطحاوي وأصحاب السنن إلا ابن ماجه وصححه ابن حبان.
وقا الترمذي: إنه أحسن شئ يروى في هذا الباب وأصح، ويشهد له ما أخرجه الطحاوي عن مصعب بن سعد قال: كنت آخذا على أبي المصحف، فاحتككت فأصبت
فرجي؟ فقلت نعم، فقال: قم فاغسل يدك وقد ورد تفسير الوضوء بمثله في الوضوء مما مسته النار، وتمامه في الحلية والبحر.
أقول: ومفاده استحباب غسل اليد مطلقا كما هو مفاد إطلاق المبسوط خلافا لما استفاده في البحر من عبارة البدائع من تقييده بما إذا كان مستنجيا بالحجر كما أوضحه في النهر.(1/158)
مطلب في ندب مراعاة الخلاف إذا لم يرتكب مكروه مذهبه قوله: (لكن يندب الخ) قال في النهر: إلا أن مراتب الندب تختلف بحسب قوة دليل المخالف وضعفه.
قوله: (لكن بشرط) استدراك على ما فهم من الكلام من أن الامام يراعي مذهب من يقتدي به سواء كان في هذه المسألة أو في غيرها، وإلا فالمراعاة في المذكور هنا ليس فيها ارتكاب مكروه مذهبه ا ه.
ح.
بقي هل المراد بالكراهة هنا ما يعم التنزيهية؟ توقف فيه ط.
والظاهر نعم، كالتغليس في صلاة الفجر السنة عند الشافعي، مع أن الافضل عندنا الاسفار فلا يندب مراعاة للخلاف فيه.
وكصوم يوم الشك فإنه الافضل عندنا، وعند الشافعي حرام، ولم أر من قال يندب عدم صومه مراعاة للخلاف.
وكالاعتماد وجلسة الاستراحة، السنة عندنا تركهما، ولو فعلهما لا بأس كما سيأتي في محله، فيكره فعلهما تنزيها مع أنهما سنتان عند الشافعي.
قوله: (وصديد) في المغرب: صديد الجرح ماؤه الرقيق المختلط بالدم.
قوله: (وعين) أي وماء عين: وهو الدمع وقت الرمد.
وفي بعض النسخ وغيره بدل وعين أن غير ماء السرة كماء نفطة وجرح.
قوله: (لا بوجع) تقييد لعدم النقض بخروج ذلك، وعدم النقض هو ما مشى عليه الدرر والجوهرة والزيلعي معزيا للحلواني، قال في البحر: وفيه نظر، بل الظاهر إذا كان الخارج قيحا أو صديدا لنقض، سواء كان مع وجع أو بدونه لانهما لا يخرجان إلا عن علة، نعم هذا التفصيل حسن فيما إذا كان الخارج ماء ليس غير ا ه.
وأقره في الشرنبلالية، وأيده بعبارة الفتح: الجرح والنفطة وماء الثدي والسرة والاذن إذا كان لعلة سواء على الاصح ا ه.
فالضمير في كان للماء فقط فهو مؤيد لكلام البحر.
وفيه
إشارة إلى أن الوضع غير قيد بل وجود العلة كاف، وما بحثه في البحر مأخوذ من الحلية، واعترضه في النهر بقوله: لم لا يجوز أن يكون القيح الخارج من الاذن عن جرح برا، وعلامته عدم التألم، فالحصر ممنوع ا ه: أي الحصر بقوله: لا يخرجان إلا عن علة.
وأنت خبير بأن الخروج دليل العلة ولو بلا ألم، وإنما الالم شرط للماء فقط، فإنه لا يعلم كون الماء الخارج من الاذن أو العين أو نحوهما دما متغيرا إلا بالعلة والالم دليلهما، بخلاف نحو الدم والقيح، ولذا أطلقوا في الخارج من غير السبيلين كالدم والقيح والصديد أنه ينقض الوضوء، ولم يشترطوا سوى التجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير، ولم يقيدوه في المتون ولا في الشروح بالالم ولا بالعلة، فالتقييد بذلك في الخارج من الاذن مشكل لمخالفته لاطلاقهم.
قوله: (وعمش) هو ضعيف الرؤية مع سيلان الدم في أكثر الاوقات.
درر وقاموس.
قوله: (ناقض الخ) قال في المنية: وعن محمد: إذا كان في عينيه رمد وتسيل الدموع منها آمره بالوضوء لوقت كل صلاة، لاني أخاف أن يكون ما يسيل منها صديدا.(1/159)
فيكون صاحب العذر ا ه.
قال في الفتح: وهذا التعليل يقتضي أنه أمر استحباب، فإن الشك والاحتمال لا يوجب الحكم بالنقض، إذ اليقين لا يزول بالشك، نعم إذا علم بإخبار الاطباء أو بعلامات تغلب ظن المبتلى يجب ا ه.
قال في الحلية: ويشهد له قول الزاهدي عقب هذه المسألة: وعن هشام في جامعه إن كان قيحا فكالمستحاضة وإلا فكالصحيح ا ه.
ثم قال في الحلية: وعلى هذا ينبغي أن يحمل على ما إذا كان الخارج من العين متغيرا ا ه.
أقول: الظاهر أن ما استشهد به رواية أخرى لا يمكن حمل ما مر عليها، بدليل قول محمد: لاني أخاف أن يكون صديدا، لانه إذا كان متغيرا يكون صديدا أو قيحا فلا يناسبه التعليل بالخوف، وقد استدرك في البحر على ما في الفتح بقوله: لكن صرح في السراج بأنه صاحب عذر فكان الامر للايجاب ا ه.
ويشهد له قول المجتبى: ينتقض وضوءه.
قوله: (مجتبى) عبارته: الدم والقيح والصديد وماء الجرح والنفطة وماء البثرة والثدي والعين والاذن لعلة سواء على الاصح، وقولهم: والعين والاذن لعلة، دليل على أن من رمدت عينه فسال منها ماء بسبب الرمد ينتقض وضوءه، وهذه مسألة الناس عنها
غافلون ا ه.
وظاهره أن المدار على الخروج لعلة وإن لم يكن معه وجع.
تأمل.
وفي الخانية: الغرب في العين بمنزلة الجرح فيما يسيل منه فهو نجس.
قال في المغرب: والغرب عرق في مجرى الدمع يسقي فلا ينقطع مثل الباسور.
وعن الاصمعي: بعينه غرب: إذا كانت تسيل ولا تنقطع دموعها.
والغرب بالتحريك: ورم في المآقي، وعلى ذلك صح التحريك والتسكين في الغرب ا ه.
أقول: قد سئلت عمن رمد وسال دمعه ثم استمر سائلا بعد زوال الرمد وصار يخرج بلا وجع، فأجبت بالنقض أخذا مما مر لان عروضه مع المرد دليل على أنه لعلة وإن كان الآن بلا رمد ولا وجع خلافا لظاهر كلام الشارح، فتدبر.
قوله: (إحليله) بكسر الهمزة مجرى البول من الذكر بحر.
قوله: (هذا) أي النقض بما ذكر، ومراده بيان المراد من الطرف الظاهر بأنه ما كان عليا عن رأس الاحليل أو مساويا له: أي ما كان خارجا من رأسه زائدا عليه أو محاذيا لرأسه لتحقق خروج النجس بابتلاله، بخلاف ما إذا ابتل الطرف وكان متسفلا عن رأس الاحليل: أي غائبا فيه لم يحاذه ولم يعل فوقه، فإن ابتلاله غير ناقض إذ لم يوجد خروج فهو كابتلال الطرف الآخر الذي في داخل القصبة.
قوله: (والفرج الداخل) أما لو احتشت في الفرج الخارج فابتل داخل الحشو انتقض، سواء نفذ البلل إلى خارج الحشو أو لا للتيقن بالخروج من الفرج الداخل وهو المعتبر في الانتقاض، لان الفرج الخارج بمنزلة القلفة، فكما ينتقض بما يخرج من قصبة الذكر إليها وإن لم يخرج منها كذلك بما يخرج من الفرج الداخل إلى الفرج الخارج وإن لم يخرج من الخارج ا ه.
شرح المنية.
قوله: (لا ينتقض) لعدم الخروج.
قوله: (ولو سقطت الخ) أو لو خرجت القطنة من الاحليل رطبة انتقض(1/160)
لخروج النجاسة وإن قلت، وإن لم تكن رطبة: أي ليس بها أثر للنجاسة أصلا فلا نقض، كما لو أقطر الدهن في إحليله فعاد، بخلاف ما يغيب في الدبر فإن خروجه ينقض وإن لم يكن عليه رطوبة لانه التحق بما في الامعاء، وهي محل القذر بخلاف قصبة الذكر، وكذا لو خرج الدهن من الدبر بعد ما احتقن به ينقض بلا خلاف كما يفسد الصوم كما في شرح المنية.
قلت: لكن فساد الصوم بالاحتقان بالدهن لا بخروجه كما لا يخفى وإن أوهم كلامه خلافه.
قوله: (ولم يغيبها) لكن
الصحيح أنه تعتبر البلة أو الرائحة، ذكره في المنتقى لانه ليس بداخل من كل وجه، ولهذا لا يفسد صومه فلا ينتقض وضوءه ا ه.
حلية عن شارح الجامع لقاضيخان، فإذا وجدت البلة أو الرائحة ينقض.
وفي المنية: وإن أدخل المحقنة ثم أخرجها وإن لم يكن عليها بلة لم ينقض، والاحوط أن يتوضأ ا ه.
وفي شرحها: وكذا كل شئ يدخله وطرفه خارج غير الذكر.
قوله: (فإن غيبها) قال في شرح المنية: وكل شئ غيبه ثم خرج ينقض وإن لم يكن عليه بلة لان التحق بما في البطن، ولذا يفسد الصوم، بخلاف ما إذا كان طرفه خارجا ا ه.
وفي شرح الشيخ إسماعيل عن الينابيع: وكل شئ غيبه في دبره ثم أخرجه أو خرج بنفسه ينقض الوضوء والصوم، وكل شئ أدخل بعضه وطرفه خارج لا ينقضهما انتهى.
أقول: على هذا ينبغي أن تكون الاصبع كالمحقنة فيعتبر فيها البلة لان طرفها يبقى خارجا لاتصالها باليد، إلا أن يقال: لما كانت عضوا مستقلا فإذا غابت اعتبرت كالمنفصل، لكن ما سيأتي في الصوم مطلق.
فإنه سيأتي أنه لو أدخل عودا في مقعدته وغاب فسد وإلا فلا، وإن أدخل أصبعه فالمختار أنها لو مبتلة فسد وإلا فلا.
تأمل.
ولذا قال في البدائع: هذا يدل على أن استقرار الداخل في الجوف شرط فساد الصوم.
قوله: (بطل وضوءه وصومه) أي في المسألتين، لكن بطلان الصوم في الاولى خلاف المختار، إلا أن يفرق بين مجرد إدخال الاصبع وتغييبها، ويحتاج إلى نقل صريح، فإن ما ذكروه في الصوم مطلق كما علمت، ولهذا قال ط: إن في كلامه لفا ونشرا مرتبا، فبطلان الوضوء يرجع إلى قوله: ولو غيبها وقوله: وصومه يرجع إلى قوله: أو أدخلها عند الاستنجاء.
قلت: لكن لو أدخلها عند الاستنجاء ينتقض وضوءه أيضا، لانها لا تخلو من البلة إذا خرجت كما في شرح الشيخ إسماعيل عن الواقعات، وكذا في التاترخانية، لكن نقل فيها أيضا عن الذخيرة عدم النقض، والذي يظهر هو النقض لخروج البلة معها.
والحاصل أن الصوم يبطل بالدخول والوضوء بالخروج، فإذا أدخل عودا جافا ولم يغيبه لا يفسد الصوم لانه ليس بداخل من كل وجه ومثله الاصبع، وإن غيب العود فسد لتحقق الدخول، وكذا لو كان هو أو الاصبع مبتلا لاستقرار البلة في الجوف، وإذا أخرج العود بعد ما غاب فسد
وضوءه مطلقا، وإن لم يغب، فإن عليه بلة أو فيه رائحة فسد الوضوء وإلا فلا.
قوله: (بيده) أو بخرقة.
بحر.
قوله: (انتقض) لانه يلتزق بيده شئ من النجاسة.
بحر: أي فيتحقق خروجها.
قوله: (لا) أي لا ينتقض لعدم تحقق الخروج، لكن ذكر بعده في البحر عن الحلواني أنه إن تيقن خروج(1/161)
الدبر تنتقض طهارته بخروج النجاسة من الباطن إلى الظاهر ا ه.
وبه جزم في الامداد.
قوله: (وكذا) أي في عدم النقض، وهذا ذكره في البحر عن التوشيح تخريجا على مسألة الباسوري.
قوله: (فدخلت) الاولى حذفه ليكون التشبيه في طرفي الادخال والدخول ط.
قوله: (من لذكره الخ) فيه إيجاز، وأصل العبارة كما في الخانية: لو كان بذكر الرجل جرح له رأسان: أحدهما يخرج منه الذي يسيل في مجرى البول، والثاني ما لا يسيل فيه، فالاول بمنزلة الاحليل إذا ظهر البول على رأسه ينقض وإن لم يسل، ولا وضوء في الثاني ما لم يسل.
قوله: (فرجه الآخر) أي المحكوم بزيادته على أصل خلقته.
قوله: (كالجرح) أي لا ينقض الوضوء ما يخرج منه ما لم يسل.
خانية، وبه جزم في الفتح وغيره، لكن قال الزيلعي: وأكثرهم على إيجاب الوضوء عليه.
قال في النهر: إلا أن الذي ينبغي التعويل عليه هو الاول.
قوله: (بكل) أي بالخارج من كل بمجرد الظهور عملا بالاحوط كما في التوضيح ط.
قوله: (منكر الوضوء) أو وجوبه.
قوله: (نعم) لانكاره النص القطعي وهو آية * (إذا قمتم) * (المائدة: 6) والاجماع.
قوله: (ولغيرها لا) ظاهره ولو لمس المصحف لوقوع الخلاف في تفسير آيته كما مر ط.
قوله: (شك في بعض وضوئه) أي شك في ترك عضو من أعضائه.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يكن في خلاله بل كان بعد الفراغ منه وإن كان أول ما عرض له الشك أو كان الشك عادة له، وإن كان في خلاله فلا يعيد شيئا قطعا للوسوسة عنه كما في التاترخانية وغيرها.
قوله: (غسل رجله اليسرى) قال في الفتح: ولا يخفى أن المراد إذا كان الشك بعد الفراغ.
وقياسه أنه لو كان في أثناء الوضوء يغسل الاخير، كما إذا علم أنه لم يغسل رجليه عينا وعلم أنه ترك فرضا مما قبلهما وشك في أنه ما هو؟ يمسح رأسه.
والفرق بين هذه والمسألة التي قبلها أنه لا تيقن بترك شئ هناك أصلا ا ه.
قوله: (ولو أيقن بالطهارة الخ) حاصله أنه إذا علم سبق الطهارة وشك في عروض
الحدث بعدها أو بالعكس أخذ باليقين وهو السابق.
قال في الفتح: إلا إن تأيد اللاحق، فعن محمد علم المتوضئ دخول الخلاء للحاجة وشك في قضائها قبل خروجه: عليه الوضوء، أو علم جلوسه للوضوء بإناء وشك في إقامته قبل قيامه: لا وضوء ا ه.
قوله: (وشك بالحدث) أي الحقيقي أو الحكمي ليشمل ما لو شك هل نام وهل نام متمكنا أو لا؟ أو زالت إحدى أليتيه وشك هل كان ذلك قبل اليقظة أو بعدها؟ ا ه.
حموي قوله: (فهو متطهر) لان الغالب أن الطهارة بعد الحدث ط، لكن في حاشية الحموي عن فتح المدبر للعلامة محمد السمديسي: من تيقن بالطهارة والحدث وشك في السابق يؤمر بالتذكر فيما قبلهما، فإن كان محدثا فهو الآن متطهر، لانه تيقن الطهارة بعد ذلك الحدث وشك في انتقاضها، لانه يدري هل الحدث الثاني قبلها أو بعدها وإن كان متطهرا، فإن(1/162)
كان يعتاد التجديد فهو الآن محدث لانه متيقن حدثا بعد تلك الطهارة وشك في زواله، لانه لا يدري هل الطهارة الثانية متأخرة عنه أم لا؟ بأن يكون وإلى بين الطهارتين ا ه.
قال الحموي: ومنه يعلم ما في كلام المصنف: يعني صاحب الاشباه من القصور.
قوله: (ولو شك الخ) في التاترخانية: من شك في إنائه أو ثوبه أو بدنه أصابته نجاسة أو لا، فهو طاهر ما لم يستيقن، وكذا الآبار والحياض والحباب الموضوعة في الطرقات ويستقي منها الصغار والكبار والمسلمون والكفار، وكذا ما يتخذه أهل الشرك أو الجهلة من المسلمين، كالسمن والخبز والاطعمة والثياب ا ه.
ملخصا.
فرع: لو شك في السائل من ذكره أماء هو أم بول.
إن قرب عهده بالماء أو تكرر مضى وإلا أعاده، بخلاف ما لو غلب على ظنه أنه أحدهما.
فتح.
مطلب في أبحاث الغسل قوله: (وفرض الغسل) الواو للاستئناف أو للعطف على قوله: أركان الوضوء والفرض بمعنى المفروض.
والغسل بالضم اسم من الاغتسال، وهو تمام غسل الجسد، واسم لما يغتسل به أيضا، ومنه في حديث ميمونة فوضعت له غسلا مغرب، لكن قال النووي: إنه بالفتح أفصح وأشهر لغة، والضم هو الذي تستعمله الفقهاء.
بحر.
قوله: (ما يعم العملي) أي ليشمل المضمضة والاستنشاق
فإنهما ليسا قطعيين لقول الشافعي بسنيتهما ا ه.
ح.
قوله: (كما مر) أي في الوضوء، وقدمنا هناك بيانه.
قوله: (بالغسل المفروض) أي غسل الجنابة والحيض والنفاس.
سراج، فأل للعهد.
قوله: (يعني الخ) مأخوذ من المنح.
قال ط: والمراد بعدم الفرضية أن صحة الغسل المسنون لا تتوقف عليهما، وأنه لا يحرم تركهما.
وظاهر كلامه أنهما إذا تركا لا يكون آتيا بالغسل المسنون، وفيه نظر، لانه من الجائز أن يقال: إنه أتى بسنة وترك سنة، كما إذا تمضمض وترك الاستنشاق ا ه.
أقول: فيه أن الغسل في الاصطلاح غسل البدن، واسم البدن يقع على الظاهر والباطن إلا ما يتعذر إيصال الماء إليه أو يتعسر كما في البحر، فصار كل من المضمضة والاستنشاق جزءا من مفهومه، فلا توجد حقيقة الغسل الشرعية بدونهما، ويدل عليه أنه في البدائع ذكر ركن الغسل وهو إسالة الماء على جميع ما يمكن إسالته عليه من البدن من غير حرج، ثم قسم صفة الغسل إلى فرض وسنة ومستحب، فلو كانت حقيقة الغسل الفرض تخالف غيره لما صح تقسيم الغسل الذي ركنه ما ذكر إلى الاقسام الثلاثة، فيتعين كون المراد بعدم الفرضية هنا عدم الاثم كما هو المتبادر من تفسير الشارح لا عدم توقف الصحة عليهما، لكن في تعبيره بالشرطية نظر لما علمت من ركنيتهما، فتدبر.
قوله: (غسل كل فمه الخ) عبر عن المضمضة والاستنشاق بالغسل لافادة الاستيعاب أو للاختصار كما قدمه في الوضوء، ومر الكلام عليه، ولكن على الاول لا حاجة إلى زيادة كل.
قوله: (ويكفي الشرب عبا) أي لا مصا فتح وهو بالعين المهملة، والمراد به هنا الشرب بجميع الفم، وهذا هو المراد بما في الخلاصة، إن شرب على غير وجه السنة يخرج عن الجنابة وإلا فلا، وبما قيل إن كان جاهلا جاز، وإن كان عالما فلا: أي لان الجاهل يعب والعالم يشرب مصا كما هو(1/163)
السنة.
قوله: (لان المج) أي طرح الماء من الفم ليس بشرط للمضمضة، خلافا لما ذكره في الخلاصة، نعم هو الاحوط من حيث الخروج عن الخلاف، وبلعه إياه مكروه كما في الحلية.
قوله: (حتى ما تحت الدرن) قاله في الفتح: والدرن اليابس في الانف كالخبز الممضوغ والعجين يمنع ه.
وهذا غير الدرن الآتي متنا، وقيد باليابس لما في شرح الشيخ إسماعيل أن في الرطب
اختلاف المشايخ كما في القنية عن المحيط.
قوله: (لكن) استدراك على ظاهر المتن حيث أطلق البدن على الجسد، لان المراد ما يعم الاطرف.
والذي في القاموس البدن محرك: من الجسد ما سوى الرأس ط.
قوله: (في المغرب) بميم مضمومة فغين معجمة ساكنة: اسم كتاب في اللغة للامام المطرزي تلميذ الامام الزمخشري، ذكر فيه الالفاظ اللغوية الواقعة في كتب فقهائنا، وله كتاب أكبر منه سماه المعرب بالعين المهملة.
قوله: (خلافا لمالك) وهو رواية عن أبي يوسف أيضا كما في الفتح.
قوله: (أي يفرض) أي ليس المراد بالواجب المصطلح عليه.
قوله: (وشارب وحاجب) أي بشرة وشعرا وإن كثف بالاجماع كما في النية.
قوله: (لما في فاطهروا من المبالغة) علة لقوله: ويجب وكان الاولى تأخيره عن قوله: وفرج خارج الخ أي لانها صيغة مبالغة تقتضي وجوب غسل ما يكون من ظاهر البدن ولو من وجه كالاشياء المذكورة.
درر.
بيان ذلك أنه أمر من باب التفعيل مصدره اطهر بكسر الهمزة وفتح الطاء وضم الهاء المشددتين أصله تطهر، قلبت التاء ثم أدغمت ثم جئ بهمزة الوصل، ومجرده طهر بالتخفيف، وزيادة البناء تدل على زيادة المعنى، ولصاحب البحر هنا كلام خارج عن الانتظام أوضحناه فيما علقناه عليه.
قوله: (لا داخل) أي لا يجب غسل فرج داخل، قوله: (ولا تدخل إصبعها) أي لا يجب ذلك كما في الشرنبلالية ح.
أقول: وهو مأخوذ من قول الفتح: ولا يجب إدخالها الاصبع في قلبها، وبه يفتى ا ه، فافهم.
وفي التاترخانية: ولا تدخل المرأة أصبعها في فرجها عند الغسل.
وعن محمد أنه إن لم تدخل الاصبع فليس بتنظيف، والمختار هو الاول ا ه.
فقول الشرنبلالية تبعا للفتح: لا يجب إدخالها، رد لهذه الرواية.
وظاهره أن المراد بها الوجوب وهو بعيد، تأمل.
قوله: (كعين) لان في غسلها من الحرج ما لا يخفى، لانها شحم لا تقبل الماء، وقد كف بصرمن تكلف له من الصحابة، كابن عمر وابن عباس.
بحر.
ومفاده عدم وجوب غسلها على الاعمى خلافا للحانوتي حيث بناه على أن العلة أنه يورث العمى، ولهذا نقل أبو السعود عن العلامة سري الدين أن العلة الصحيحة كونه يضر وإن لم يورث العمى، فيسقط حتى عن الاعمى ا ه.
قوله: (وإن اكتحل الخ) الظاهر أنها شرطية، وجوابها محذوف تقديره، لا يجب غسلها، فهو استئناف لبيان مسألة أخرى، لان الغسل
المذكور قبل غسل نجاسة حكمية وهذا غسل نجاسة حقيقية فلا يصح جعل إن وصلية.
تأمل.(1/164)
قوله: (وثقب انضم) قال في شرح المنية: وإن انضم الثقب بعد نزع القرط وصار بحال إن أمر عليه الماء يدخله، وإن غفل فلا بد من إمراره، ولا يتكلف لغير الامرار من إدخال عود ونحوه فإن الحرج مدفوع ا ه.
قوله: (وداخل قلفة) القلفة والغلفة بالقاف والغين: الجلدة التي يقطعها الخاتن، يجوز فيها فتح القاف وضمها، وزاد الاصمعي فتح القاف واللام.
حلية.
قوله: (فسقط الاشكال) أي إشكال الزيلعي، حيث قال: لا يجب لانه خلقة كقصبة الذكر، وهذا مشكل، لانه إذا وصف البول إلى القلفة ينتقض الوضوء فجعلوه كالخارج في هذا الحكم، وفي حق الغسل كالداخل ا ه.
وجه السقوط أن علة عدم وجوب غسلها الحرج: أي أن الاصل وجوب الغسل إلا أنه سقط للحرج، وإنما يرد الاشكال على التعليل بكونها خلقة، ولهذا قال في الفتح: والاصح الاول: أي كون عدم الوجوب للحرج لا لكونه خلقة، وقال قبله فنواقض الوضوء بعد ذكره الاشكال: لكن في الظهيرية إنما علله بالحرج لا بالخلقة وهو المعتمد، فلا يرد الاشكال ا ه.
قوله: (وفي المسعودي الخ) مشى عليه في الامداد، وبه يحصل التوفيق بين القولين، لانه إذا أمكن فسخها: أي بأن أمكن قلبها وظهور الحشفة منها فلا حرج في غسلها فيجب، وإلا بأن لم يكن فيها سوى ثقب يخرج منه البول فلا يجب للحرج، لكن أورد في الحلية أن هذا الحرج يمكنه إزالته بالختان ثم قال: اللهم إلا إذا كان لا يطيقه، بأن أسلم وهو شيخ ضعيف.
قوله: (ضفيرتها) المراد الجنس الصادق بجميع الضفائر ط.
قوله: (للحرج) والاصل فيه ما رواه مسلم وغيره عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليه الماء فتطهرين.
ومقتضى هذا الحديث عدم وجوب الايصال إلى الاصول.
فتح.
لكن في المبسوط: وإنما شرط تبليغ الماء أصول الشعر لحديث حذيفة، فإنه كان يجلس إلى جنب امرأته إذا اغتسلت فيقول: يا هذه أبلغي الماء أصول شعرك وشؤون رأسك، وهي مجمع عظام الرأس.
ذكره القاضي عياض.
بحر.
واستفيد من الاطلاق أنه لا يجب غسل ظاهر
المسترسل إذا بلغ الماء أصول الشعر، وبه صرح في المنية، وعزاه في الحلية إلى الجامع الحسامي والخلاصة، ثم قال: وممن نص أيضا على أن غسل ظاهر المسترسل من ذوائبها موضوع عنها البزدوي والصدر الشهيد، وعبر عنه بالصحيح في المحيط البرهاني، ومشى عليه في الكافي والذخيرة ا ه.
قوله: (اتفاقا) كذا في شرح المنية، وفيه نظر لان في المسألة ثلاثة أقوال كما في البحر والحلية.
الاول: الاكتفاء بالوصول إلى الاصول ولو منقوضا، وظاهر الذخيرة أنه ظاهر المذهب، ويدل عليه ظاهر الاحاديث الواردة في هذا الباب.
الثاني: التفصيل المذكور، ومشى عليه جماعة منهم صاحب المحيط والبدائع والكافي.
الثالث: وجوب بل الذوائب مع العصر وصحح، وتمام تحقيق هذه الاقوال في الحلية وحال فيها آخرا إلى ترجيح القول الثاني، وهو ظاهر المتون.
قوله: (ولو لم يبتل أصلها) بأن كان متلبدا أو غزيرا.
إمداد.
أو مضفورا ضفرا شديدا لا ينفذ فيه الماء ط.
قوله: (مطلقا) قال ح: لم يظهر لي وجه الاطلاق ا ه.
وقال ط: أي سواء كان فيه حرج أم لا، وقوله: هو(1/165)
الصحيح مقابله أنه لا بد من عصر الشعر ثلاثا بعد غسله منقوضا أو معقوصا ا ه.
أقول: كان ينبغي للشارح أن يقول: يجب غسلها، بدل قوله: يجب نقضها فقوله: مطلقا معناه سواء كان مضفورا أو لا، وقوله: هو الصحيح احتراز عن القول الاول والثالث من الاقوال الثلاثة، فتدبر.
تنبيه: يؤخذ من مسألة الضفيرة أنه لا يجب غسل عقد الشعر المنعقد بنفسه، لان الاحتراز عنه غير ممكن، ولو من شعر الرجل، ولم أر من نبه عليه من علمائنا.
تأمل، وإذا نتف شعرة لم تغسل فالظاهر وجوب غسل محلها لانتقال الحكم إليه.
تأمل.
قوله: (ولا تمنع نفسها) أي خوفا من وجوب الغسل عليها إذا وطهئا لانه حقه، ولها مندوحة عن غسل رأسها.
قوله: (وسيجئ في التيمم) أي في آخره.
قوله: (ولو علويا أو تركيا) هو الصحيح لعدم الضرورة وللاحتياط.
وفي رواية لا يجب نظرا إلى العادة كما في شرح المنية.
قوله: (لامكان حلقه) أي بخلاف المرأة فإنها منهية عنه بالحديث فلا يمكنها شرعا، فافهم.
قوله: (ونيم الخ) ظاهر الصحاح والقاموس أن الونيم مختص
بالذباب.
نوح أفندي، وهذا بالنظر إلى اللغة، وإلا فالمراد هنا ما يشمل البرغوث لانه أولى بالحكم.
قوله: (لم يصل الماء تحته) لان الاحتراز عنه غير ممكن.
حلية.
قوله: (به يفتى) صرح به في المنية عن الذخيرة في مسألة الحناء والطين والدرن معللا بالضرورة.
قال في شرحها: ولان الماء ينفذه لتخلله وعدم لزوجته وصلابته، والمعتبر في جميع ذلك نفوذ الماء ووصوله إلى البدن ا ه.
لكن يرد عليه أن الواجب الغسل، وهو إسالة الماء مع التقاطر كما مر في أركان الوضوء.
والظاهر أن هذه الاشياء تمنع الاسالة فالاظهر التعليل بالضرورة، ولكن قد يقال أيضا: إن الضرورة في درن الانف أشد منها في الحناء والطين لندورهما بالنسبة إليه، مع أنه تقدم أنه يجب غسل ما تحته فينبغي عدم الوجوب فيه أيضا.
تأمل.
قوله: (عطف تفسير) لقول القاموس: الدرن الوسخ، وأشار بهذا إلى أن المراد بالدرن هنا: المتولد من الجسد، وهو ما يذهب بالدلك في الحمام، بخلاف الدرن الذي يكون من مخاط الانف، فإنه لو يابسا يجب إيصال الماء إلى ما تحته كما مر.
قوله: (وكذا دهن) أي كزيت وشيرج بخلاف نحو شحم وسمي جامد.
قوله: (ودسومة) هي أثر الدهن.
قال في الشرنبلالية: قال المقدسي: وفي الفتاوي دهن رجليه ثم توضأ وأمر الماء على رجليه ولم يقبل الماء للدسومة جاز لوجود غسل الرجلين ا ه.
قوله: (في الاصح) مقابله قول بعضهم: يجوز للقروي، لان درنه من التراب والطين فينفذه الماء، لا للمدني لانه من الودك شرح المنية.
قوله: (بخلاف نحو عجين) أي كعلك وشمع وقشر سمك وخبز ممضوغ متلبد.
جوهرة.
لكن في النهر: ولو في أظفاره(1/166)
طين أو عجين فالفتوى على أنه مغتفر، قرويا كان أو مدنيا ا ه.
نعم ذكر الخلاف في شرح المنية في العجين، واستظهر المنع لان فيه لزوجة وصلابة تمنع نفوذ الماء.
قوله: (به يفتى) صرح به في الخلاصة وقال: لان الماء شئ لطيف يصل تحته غالبا ا ه.
ويرد عليه ما قدمناه آنفا، ومفاده عدم الجواز إذا علم أنه لم يصل الماء تحته.
قال في الحلية: وهو أثبت.
قوله: (إن صلبا) بضم الصاد المهملة وسكون اللام وهو الشديد.
حلية: أي إن كان ممضوغا مضغا متأكدا، بحيث تداخلت أجزاؤه وصار لزوجه وعلاكة كالعجين.
شرح المنية.
قوله: (وهو الاصح) صرح به في شرح المنية وقال:
لامتناع نفوذ الماء مع عدم الضرورة والحرج ا ه.
ولا يخفى أن هذا التصحيح لا ينافي ما قبله، فافهم.
قوله: (كقرط) بالضم ما يعلق في شحمة الاذن.
قوله: (ولا يتكلف) أي بعد الامرار كما قدمناه عن شرح المنية.
قوله: (لعدم صحة شروعه) أي والنفل، إنما تلزم إعادته بعد صحة الشروع فيه قصدا، وسكت عن الفرض لظهور أنه يلزمه الاتيان به مطلقا.
قوله: (لا يدعه وإن رأوه) عزاه في القنية إلى الوبري.
قال في شرح المنية: وهو غير مسلم، لان ترك المنهي مقدم على فعل المأمور، وللغسل خلف وهو التيمم فلا يجوز كشف العورة لاجله عند من لا يجوز نظره إليها، بخلاف الختان، وتمامه فيه، وكذا استشكله في الحلية بما في النهاية عن الجامع الصغير للامام التمرتاشي عن الامام البقالي: لو كان عليه نجاسة لا يمكن غسلها إلا بإظهار عورته يصلي معها، لان إظهارها منهي عنه والغسل مأمور به، وإذا اجتمعا كان النهي أولى ا ه.
وأطال في ذلك، فراجعه.
قوله: (واختلف الخ) ظاهره يقتضي أن المسألة نصت في المذهب، وقد وقع فيها خلاف، وليس كذلك كما ستقف عليه ط.
قوله: (كما بسطه ابن الشحنة) أي في شرح الوهبانية، حيث نقل عن شرحها لناظمها أنه لم يقف فيها على نقل، وأن القياس أن يؤخر الرجل بين النساء أو بين الرجال والنساء، وأيده ابن الشحنة بما في المبسوط من أن نظر الجنس إلى الجنس مباح في الضرورة لا في حالة الاختيار، وأنه أخف من خلاف الجنس ا ه.
هذا.
وقال ح: واعلم أنه ينبغي أن لا تكشف الخنثى للاستنجاء ولا للغسل عند أحد أصلا، لانها إن كشفت عند رجل احتمل أنها أنثى، وإن عند أنثى احتمل أنها ذكر.
فصار الحاصل أن مريد الاغتسال إما ذكر أو أنثى أو خنثى، وعلى كل فإنا بين رجال أو نساء أو خناثي أو رجال ونساء أو رجال وخناثى أو نساء وخناثى أو رجال ونساء وخناثى فهو أحد وعشرون، يغتسل في صورتين منها: وهما رجل بين رجال، وامرأة بين نساء، ويؤخر في تسع عشرة صورة ا ه.
قوله: (وينبغي لها) أي للمرأة، ومثلها فيما يظهر الرجل حيث قلنا: إنه يؤخر أيضا، ولا(1/167)
يخفى أن تأخير الغسل لا يقتضي عدم التيمم، فإن المبيح له وهو العجز عن الماء قد وجد، فافهم.
بقي هنا شئ لم يذكره، وهو أنه هل تجب إعادة تلك الصلاة في هذه المسألة وفي مسألة
النهاية السابقة؟ قال في الحلية: فيه تأمل، والاشبه الاعادة تفريعا على ظاهر المذهب في الممنوع من إزالة الحديث بصنع العباد إذا تيمم وصلى ا ه.
وسيذكر الشارح في التيمم أن المحبوس إذا صلى بالتيمم إن في المصر أعاد وإلا فلا، واستظهر الرحمتي عدم الاعادة، قال: لان العذر لم يأت من قبل المخلوق، فإن المانع لها الشرع والحياء وهما من الله تعالى، كما قالوا: لو تيمم لخوف العدو، فإن توعده على الوضوء أو الغسل يعيد لان العذر أتى من غير صاحب الحق، ولو خاف بدون توعد من العدو فلا، لان الخوف أوقعه الله تعالى في قلبه، فقد جاء العذر من قبل صاحب الحق فلا تلزمه الاعادة ا ه.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان بين رجال أو نساء أو بينهما ط.
قوله: (والفرق لا يخفى) الفرق صحة الصلاة مع الحقيقية فيما إذا تكن أكثر من قدر الدرهم، وعدم صحتها مع الحكمية رأسا ا ه.
ح.
زاد في شرح الوهبانية أن الغسل فرض فلا يترك لكشف العورة، بخلاف الاستنجاء فإنه سنة، وتركها أولى من الكشف الحرام.
واعترض الحموي الفرق الاول بأن الحكمية قد يعفى عن قليلها أرضا، فإن الجبيرة يجوز ترك المسح عليها وإن لم يضر المسح عند الامام مع أن تحتها حدثا اه.
وفيه نظر لان رفع الحدث لا يتجزأ، فيكون غسل باقي الجسد رافعا لجميع الحدث وصار كأنه غسل ما تحتها حكما.
نعم الفرق الثاني غير مؤثر لما علمت من أنه لا يجوز كشف العورة لغسل النجاسة مع أنه فرض ومن تقديم النهي على الامر إذا اجتمعا، فالظاهر أن ما في القنية ضعيف، والله أعلم.
مطلب: سنن الغسل قوله: وسننه) أفاد أنه لا واجب له ط.
وأما المضمضة والاستنشاق فهما بمعنى الفرض لانه يفوت الجواز بفوتهما، فالمراد بالواجب أدنى نوعيه كما قدمناه في الوضوء.
قوله: (كسنن الوضوء) أي من البداءة بالنية والتسمية والسواك والتخليل والدلك والولاء الخ، وأخذ ذلك في البحر من قوله: ثم يتوضأ.
قوله: (سوى الترتيب) أي المعهود في الوضوء، وإلا فالغسل له ترتيب آخر بينه المصنف بقوله: بادئا الخ ط عن أبي السعود.
أقول: ويستثنى الدعاء أيضا فإنه مكروه كما في نور الايضاح.
قوله: (وآدابه كآدابه) نص عليه في البدائع.
قال الشرنبلالي: ويستحب أن لا يتكلم بكلام
مطلقا، أما كلام الناس فلكراهته حال الكشف، وأما الدعاء فلانه في مصب المستعمل ومحل الاقذار والاوحال ا ه.
أقول: قد عد التسمية من سنن الغسل فيشكل على ما ذكره.
تأمل.
واستشكل في الحلية عموم ذلك بما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله (ص) من إناء بيني وبينه واحد، فيبادرني حتى أقول دع لي دع لي وفي رواية النسائي يبادرني وأبا دره حتى يقول دعي لي وأقول أنا دع لي ثم أجاب بحمله على بيان الجواز أو أن المسنون تركه ما لا مصلحة فيه ظاهرة ا ه.
أقول: أو المراد الكراهة حال الكشف فقط كما أفاده التعليل السابق، والظاهر من حاله عليه(1/168)
الصلاة والسلام أنه لا يغتسل بلا ساتر.
قوله: (مع كشف عورة) فلو كان متزرا فلا بأس به كما في شرح المنية والامداد.
قوله: (أو حوض كبير أو مطر) هذا ذكره في البحر بحثا قياسا على الماء الجاري، وهو مأخوذ من الحلية، لكن في شرح هدية ابن العماد لسيدي عبد الغني النابلسي ما يخالف ذلك، حيث قال: إن ظاهر التقييد بالجاري أن الراكد ولو كثيرا ليس كذلك باعتبار أن جريان الماء على بدنه قائم مقام التثليث في الصب ولا كذلك الراكد، وربما يقال: إن انتقل فيه من موضع إلى آخر مقدار الوضوء والغسل فقد أكمل السنة ا -.
وهو كلام وجيه.
والظاهر أن الانتقال غير قيد بل التحرك كاف.
ولا يقال: إن الحوض الكبير في حكم الجاري فلا فرق.
لانا نقول: هو مثله في عدم قبوله النجاسة، لا مطلقا.
قوله: (قدر الوضوء والغسل) انظر هل المراد قدر زمنهما لو كان يصب الماء عليه بنفسه أو مقدار ما يتحقق فيه جريان الماء على الاعضاء بلحظات يسيرة يتحقق فيها غسل أعضاء الوضوء مرتبة ثلاثا مع غسل باقي الجسد كذلك؟ لم أره لائمتنا.
وذكر الشافعية الموجبون ترتيب غسل الاعضاء في الوضوء أن المتوضئ لو غطس في ماء ومكث قدر الترتيب صح وإلا فلا، وصحح النووي الصحة بلا مكث، لان الترتيب يحصل في لحظات لطيفة.
وقال العلامة ابن حجر في التحفة بعذ ذكره سنن الغسل: ويكفي في راكد تحرك جميع
البدن ثلاثا وإن لم ينقل قدمه إلى محل آخر على الاوجه، لان كل حركة توجب مماسة ماء لبدنه غير الماء الذي قبلها ا ه.
ملخصا.
والذي يظهر لي أنه لو كان في ماء جار يحصل سنة التثليث والترتيب والوضوء بلا مكث ولا تحرك، ولو في ماء راكد فلا بمن التحرك، أو الانتقال القائم مقام الصب فيحصل به ما ذكرنا، وقد صرح في الدرر بأنه لو لم يصب لم يكن الغسل مسنونا ا ه.
قوله: (البداءة بغسل يديه) ظاهر كلام المصنف كالهداية وغيرها أن هذا الغسل غير الغسل الذي هو الوضوء.
قوله: (وفرجه) أي ثم فرجه، بأن يفيض الماء بيده اليمنى عليه فيغسله باليسرى ثينقيه، والفرج قبل الرجل والمرأة، وقد يطلق على الدبر أيضا كما في المطرزي ا ه.
قهستاني: أي فيشمل القبل والدبر وهو المراد هنا.
قوله: (وإن لم يكن به خبث) رد على الزيلعي وابن الكمال.
قوله: (اتباعا للحديث) وهو ما روى الجماعة عن ميمونة رضي الله عنها قالت: وضعت للنبي (ص) ماء يغتسل به، فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا، ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره، ثم دلك يده بالارض، ثم تمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ويديه ثم غسل رأسه ثلاثا، ثم أفرغ على جسده، ثم تنحى عن مقامه فغسل قدميه فتح.
قوله: (وخبث بدنه) أي لو قليلا كما يظهر من التعليل.
وأفاد أن السنة نفس البداءة بغسل النجاسة، وأما نفس غسلها فلا بد منه ولو قليلة فيما يظهر لتنجس الماء بها، فلا يرتفع الحدث عما تحتها ما لم تزل كما بحثه سيدي عبد الغني وقال: لم أجد من تعرض له من أئمتنا.
أقول: ورأيته في شرح والده الشيخ إسماعيل على الدرر والغرر وذكره جازما به، لكنه لم يعزه إلى أحد، والله تعالى أعلم.
قوله: (فانصرف إلى الكامل) أي بجميع سننه ومندوباته كما في(1/169)
البحر، قال: ويمسح فيه رأسه وهو الصحيح.
وفي البدائع أنه ظاهر الرواية.
قوله: (ولو في مجمع الماء) أي ولو كان واقفا.
في محل يجتمع فيه ماء الغسل، وهذا القول هو ظاهر إطلاق المتن كالكنز وغيره، وهو ظاهر ما أخرجه البخاري من حديث عائشة ثم توضأ وضوءه للصلاة وبه أخذ الشافعي، وقيل يؤخر مطلقا، وهو ظاهر إطلاق الاكثر وإطلاق حديث ميمونة المتقدم، وقيل
بالتفصيل إن كان في مجمع الماء فيؤخر وإلا فلا، وصححه في المجتبى، وجزم به في الهداية والمبسوط والكافي.
قال في البحر: ووجه التوفيق بين الحديثين، والظاهر أن الاختلاف في الاولوية لا في الجواز.
قوله: (لما أن الخ) جواب عن قول المشايخ القائلين بالتأخير: إنه لا فائدة في تقديم غسلهما لانهما يتلوثان بالغسلات بعد، فيحتاج إلى غسلهما ثانيا.
وحاصل الجواب أنه لا حاجة إلى غسلهما ثانيا لان المفتي به طهارة الماء المستعمل، ولهذا قال الهندي: إن هذا إنما يتأتى على رواية نجاسته.
قوله: (على أنه الخ) ترق في الجواب، وحاصله منع كون الماء مستعملا لما ذكره الشارح، فما دامت رجلاه في الماء لا يحكم عليه بالاستعمال لعدم تحقق الانفصال، فإذا خرج من الماء حكم باستعماله ولم يصبه منه شئ بعد خروجه، فلا حاجة إلى إعادة غسل الرجلين.
واعلم أنه اختلفت الرواية في تجز الطهارة وعدمه.
وفائدة الاختلاف أنه لو تمضمض الجنب أو غسل يديه هل يحل لا لقراءة ومس المصحف؟ فعلى رواية التجزي نعم، وعلى رواية عدمه لا وهي الصحيحة، لان زوال الجنابة موقوف على غسل الباقي، وما ذكره الشارح من أن الماء لا يصير مستعملا إلا بعد الانفصال متفق عليه كما صرح به في البحر، فيصح بناؤه على كل من هاتين الروايتين، فافهم.
ثم اعلم أيضا أن ما ذكره الشارح يصح دفعا للقول بأنه لا فائدة في تقديم غسلهما على رواية نجاسة الماء المستعمل أيضا، إذ لا يحكم باستعماله ونجاسته إلا بعد الانفصال، فلا حاجة إلى غسلهما ثاينا على هذه الرواية أيضا، ولصاحب النهر هنا كلام فيه نظر من وجوه أوضحناها فيما علقناه على البحر.
قوله: (إلا إذا كان الخ) أي فيلزمه إعادة غسلهما للنجاسة فقط.
قوله: (ولعل القائلين الخ) ذكر في البحر بحثا، ونقله في الحلية عن القرطبي، ثم قال: وعلى هذا يغسلهما ثانيا مطلقا سواء أصابهما طين أو كانتا في مجمع الماء أولا ولا.
قوله: (لانه لا يستحب الخ) قال العلامة نوح أفندي: بل ورد ما يدل على كراهته.
أخرج الطبراني في الاوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): من توضأ بعد الغسل فليس منا ا ه.
تأمل.
والظاهر أن عدم
استحبابه لو بقي متوضئا إلى فراغ الغسل، فلو أحدث قبله ينبغي إعادته.
ولم أره، فتأمل.
قوله: واختلف المجلس) كذا في البحر، وقدمنا الكلام عليه في بحث الوضوء.
قوله: (ثم يفيض) أتى(1/170)
بثم للاشارة إلى الترتيب، وإنما لم يقل ثم يتمضمض ويستنشق ثم يفيض للاشارة إلى أن فعلهما في الوضوء، كاف عن فعلهما في الغسل، فالسنة نابت مناب الفرض ط.
ومعنى يفيض: يصب.
قال في الدرر: حتى لو لم يصب لم يكن الغسل مسنونا وإن زال الحدث ا ه.
وهذا لو كان في ماء راكد، أما لو مكث في ماء جار قام الجريان مقام الصب كما علم مما قدمناه قريبا.
قوله: (على كل بدنه) زاد كل لدفع توهم إعادة غسل أعضاء الوضوء لرفع الحدث عنها ط.
أقول: لم أر من صرح بأنه يسن ذلك، وإنما يفهم ذلك من عباراتهم، ونظيره ما مر في الوضوء من أنه يسن إعادة غسل اليدين عند غسل الذراعين.
قوله: (ثلاثا) الاولى فرض، والثنتان سنتان على الصحيح.
سراج.
قوله: (مستوعبا) أي في كل مرة لتحصل سنة التثليث.
مطلب في تحرير الصاع والمد والرطل قوله: (وهو ثمانية أرطال) أي بالبغدادي، وهي صاع عراقي، وهو أربعة أمداد، كل مد رطلان، وبه أخذ أبو حنيفة.
والصاع الحجازي خمسة أرطال وثلث، وبه أخذ الصاحبان والائمة الثلاثة.
فالمد حينئذ رطل وثلث، والرطل مائة وثلاثون درهما، وقيل مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم.
وتمامه في الحلية.
قلت: والصاع العراقي نحو نصف مد دمشقي، فإذا توضأ واغتسل به فقد حصل السنة.
قوله: (وقيل المقصود الخ) الاصوب حذف قيل لما في الحلية أنه نقل غير واحد إجماع المسلمين على أن ما يجزئ في الوضوء والغسل غير مقدر بمقدار.
وما في ظاهر الرواية من أن أدنى ما يكفي في الغسل صاع، وفي الوضوء مد للحديث المتفق عليه: كان (ص) يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ليس بتقدير لازم، بل هو بيان أدنى القدر المسنون ا ه.
قال في البحر: حتى إن من أسبغ بدون ذلك أجزأه، وإن لم يكفه زاد عليه لان طباع الناس وأحوالهم مختلفة، كذا في البدائع
ا ه.
وبه جزم في الامداد وغيره.
قوله: (وفي الجواهر الخ) قدمنا الكلام عليه في الوضوء مستوفى.
قوله: (ثم الايسر) أي ثلاثا أيضا، وقوله: ثم برأسه أي يغسله مع بقية البدن ثلاثا أيضا كما في الحلية وغيرها، خلافا لما يفيده كلام المتن من غسله الرأس وحده.
قوله: (ثم على بقية بدنه) أي ثم يفيض على بقية بدنه، وإنما قدر الشارح لفظة على ولم يبقه معطوفا على مجرور الباء المتعلقة بقوله: بادئا لعدم صحة المعنى، لان ذلك ختام.
قوله: (مع دلكه) قيده في المنية بالمرة الاولى، وعلله في الحلية بكونها سابقة في الوجود فهي بالدلك أولى.
قوله: (ندبا) عدة في الامداد من السنن، ويؤيده ما مر في الوضوء.
قوله: (وقيل يثني بالرأس) أي يبدأ بالايمن ثلاثا ثم بالرأس ثلاثا ثم بالايسر ثلاثا.
حلية.
قوله: (وقيل يبدأ بالرأس) أي ثم بقية البدن.
درر قوله: (وظاهر الرواية) كذا عبر في النهر والذي في البحر وغيره التعبير بظاهر الهداية.
قوله: (والاحاديث) قال الشيخ إسماعيل وفي شرح البرجندي: وهو الموافق لعدة أحاديث أوردها البخاري في صحيحه(1/171)
ا ه، فافهم.
قوله: (تصحيح الدرر) هو ما مشى عليه المصنف في متنه هنا.
قوله: (وصح نقل بلة) بكسر الباء أبو السعود.
قوله: (إلى عضو آخر) مفاده أنه لو اتحد العضو صح في الوضوء أيضا كما صرح في القهستاني.
قوله: (فيه) أي في الغسل.
قال في القنية: فلو وضع الجنب إحدى رجليه على الاخرى في الغسل تطهر السفلى بماء العليا، بخلاف الوضوء، لان البدن في الجنابة كعضو واحد ا ه.
قوله: (بشرط التقاطر) صرح به في فتح القدير.
قوله: (لما مر) أي قريبا في قوله: لانه في الغسل كعضو واحد وهو علة لقوله: صح ولقوله: لا في الوضوء لانه يفهم منه أن أعضاء الوضوء ليست كعضو واحد، فافهم.
قال ط: وقدم الشارح أنه يجوز مسح الرأس ببلل باق بعد غسل لا مسح وهو ليس بنقل.
قوله: (وفرض الغسل) الظاهر أنه أراد بالفرض ما يعم العلمي والعملي، لانه عند رؤية مستيقظ بللا ليس مما يثبت بدليل لا شبهة فيه كما نبه عليه في الحلية، ولذا خالف فيه أبو يوسف كما سيأتي.
قوله: (عند خروج) لم يقل بخروج لان السبب هو ما لا يحل مع الجنابة كما اختاره في الفتح وسيذكره الشارح في قوله: وعند انقطاع حيض ونفاس ولو قال: وبعد خروج،
لكان أظهر لانه لا يجب قبل السبب.
قوله: (مني) أي مني الخارج منه، بخلاف ما لو خرج من المرأة مني الرجل كما يأتي، وشمل ما يكون به بلوغ المراهق على ما سيذكره المصنف.
قوله: (من العضو) هو ذكر الرجل وفرج المرأة الداخل احترازا عن خروجه من مقره ولم يخرج من العضو بأن بقي في قصبة الذكر أو الفرج الداخل، أمالو خرج من جرح في الخصية بعد انفصاله عن مقره بشهوة فالظاهر افتراض الغسل، وليراجع.
قوله: (وترائب المرأة) أي عظام صدرها كما في الكشاف.
قوله: (ومنيه أبيض الخ) وأيضا منيه خاثر ومنيها رقيق.
قوله: (إن منيها) أي يقينا، فلو شكت فيه فلا تعيد الغسل اتفاقا للاحتمال، والاولى الاعادة على قولهما احتياطا.
نوح أفندي.
قوله: (لا الصلاة) كما أن الرجل لا يعيد ما صلى إذا خرج منه بقية المني بعد الغسل اتفاقا كما في الفتح، لكن في المبتغي: بخلاف المرأة: يعني أنها تعيد تلك الصلاة، وفيه نظر ظاهر، والذي يظهر أنها كالرجل، كذا في الحلية وتبعه في البحر.
وأجاب المقدسي بحمل قوله: بخلاف المرأة على أنها لا تعيد أصلا: أي لا الغسل ولا الصلاة، لان ما يخرج منها يحتمل أنه ماء الرجل ا ه.
أقول: أي إذا لم تعلم أنه ماؤها.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يكن منيها بل مني الرجل لا تعيد شيئا وعليها الوضوء.
رملي عن التاترخانية.
قوله: (بشهوة) متعلق بقوله: منفصل احترز به عما لو انفصل بضرب أو حمل ثقيل على ظهره، فلا غسل عندنا خلافا للشافعي كما في الدرر.
قوله: (كمحتلم) فإنه لا لذة له يقينا لفقد إدراكه ط، فتأمل.
وقال الرحمتي: أي إذا رأى البلل ولم يدرك اللذة، لانه يمكن أنه أدركها ثم ذهل عنها فجعلت اللذة حاصلة حكما.
قوله: (ولم يذكر الدفق) إشارة إلى الاعتراض(1/172)
على الكنز حيث ذكره، فإنه في البحر زيف كلامه وجعله متناقضا، وقد أجبنا عنه فيما علقناه على البحر.
ولا يخفى أن المتبادر من الدفق هو سرعة الصب من رأس الذكر لا من مقره.
وأما ما أجاب به في النهر عن الكنز من أنه يصح كونه دافقا من مقره بناء على قول ابن عطية: إن الماء يكون دافقا: أي حقيقة لا مجازا، لان بعضه يدفق بعضا، فقد قال صاحب النهر نفسه: إني لم أر عن عرج عليه، فافهم.
قوله: (غير ظاهر) أي لاتساع محله.
قوله: (وأما إسناده الخ) أي إسناد
الدفق إلى مني المرأة أيضا: أي كإسناده إلى مني الرجل.
قوله: (فليحتمل التغليب) أي تغليب ماء الرجل لافضليته على ماء المرأة.
قوله: (فالمستدل بها) أي بالآية على أن في منيها دفقا أيضا.
قوله: (تأمل) لعله يشير إلى إمكان الجواب، لان كوف الدفق منها غير ظاهر يشعر بأن فيه دفقا وإن لم يكن كالرجل، أفاده ابن عبد الرزاق.
قوله: (ولانه) معطوف على قوله: ليشمل، والضمير للدفق بالمعنى الذي ذكرناه، فافهم.
قوله: (ولذا قال الخ) أي يكون الدفق ليس شرطا.
قال المصنف: وإن لم يخرج بها: أي بشهوة، فإن عدم اشتراط الخروج بها مستلزم لعدم اشتراط الدفق، إذ لا يوجد الدفق بدونها.
قوله: (وشرطه أبو يوسف) أي شرط الدفق، وأثره الخلاف يظهر فيما لو احتلم أو نظر بشهوة فأمسك ذكره حتى سكنت شهوته ثم أرسله فأنزل وجب عندهما لا عنده، وكذا لو خرج منه بقى المني بعد الغسل قبل النوم أو البول أو المشي الكثير.
نهر: أي لا بعده، لان النوم والبول والمشي يقطع مادة الزائل عن مكانه بشهوة فيكون الثاني زائلا عن مكانه بلا شهوة فلا يجب الغسل اتفاقا.
زيلعي.
وأطلق المشي كثير، وقيده في المجتبى بالكثير وهو أوجه، لان الخطوة والخطوتين لا يكون منهما ذلك.
حلية وبحر.
قال المقدسي: وفي خاطري أنه عين له أربعون خطوة فلينظر ا ه.
قوله: (خاف ريبة) أي تهمة.
قوله: (وبقول أبي يوسف نأخذ) أي في الضيف وغيره.
وفي الذخيرة أن الفقيه أبا الليث وخلف بن أيوب أخذا بقول أبي يوسف.
وفي جامع الفتاوي أن الفتوى على قوله إسماعيل.
قوله: (قلت الخ) ظاهره الميل إلى اختيار ما في النوازل، ولكن أكثر الكتب على خلافه حتى البحر والنهر، ولا سيما قد ذكروا أن قوله: قياس وقولهما: استحسان وأنه الاحوط فينبغي الافتاء بقوله في مواضع الضرورة فقط.
تأمل.
وفي شرح الشيخ إسماعيل عن المنصورية قال الامام قاضيخان: يؤخذ بقول أبي يوسف في صلوات ماضية فلا تعاد، وفي مستقبلة لا يصلي ما لم يغتسل ا ه.
تنبيه: إذا لم يتدارك مسك ذكره حتى نزل المني صار جنبا بالاتفاق، فإذا خشي الريبة يتستر بإيهام أنه يصلي بغير قراءة ونية وتحريمة فيرفع يديه ويقوم ويركع شبه المصلي.
إمداد.
قوله: (ومحله) أي ما في الخانية.
قال في البحر: ويدل عليه تعليله في التجنيس بأن في حالة الانتشار وحد(1/173)
الخروج والانفصال جميعا على وجه الدفق والشهوة ا ه.
وعبارة المحيط كما في الحلية: رجل بال فخرج من ذكره مني، إن كان منتشرا فعليه الغسل لان ذلك دلالة خروجه عن شهوة.
قوله: (وهو) أي ما في الخانية.
قوله: (تقييد قولهم) أي فيقال: إن عدم وجوب الغسل بخروجه بعد البول اتفاقا إذا لم يكن ذكره منتشرا، فلو منتشرا وجب لانه إنزال جديد وجد معه الدفق والشهوة.
أقول: وكذا يقيد عدم وجوبه بعدم النوم والمشي الكثير.
قوله: (وعند إيلاج) أي إدخال، وهذا أعم من التعبير بالتقاء الختانين لشموله الدبر أيضا.
قوله: (هي ما فوق الختان) كذا في القاموس، زاد الزيلعي: من رأس الذكر.
وفي حاشية نوح أفندي: هي رأس الذكر إلى الختان، وهو: أي الختان موضع قطع جلد القلفة ا ه.
فموضع القطع غير داخل في الحشفة كما في شرح الشيخ إسماعيل، ومثله في القهستاني.
وفي شرح المنية: الحشفة: الكمرة.
أقول: هذا هو المراد بما فوق الختان، وأما كون المراد بها من رأس الذكر إلى الختان فالظاهر أنه لا يقول به أحد، لان ذلك نحو نصف الذكر، فيلزم عليه أن لا يجب الغسل حتى يغيب نصف الذكر.
قوله: (احتراز عن الجني) ففي المحيط: لو قالت معي جني يأتيني مرارا وأجد ما أجد إذا جامعني زوجي لا غسل عليها لانعدام سببه وهو الايلاج أو الاحتلام.
درر.
ووقع في البحر والفتح وغيرهما: يأتيني في النوم مرارا، وظاهر أنه رؤية منام، لكن ضبطه الشيخ إسماعيل بالياء المثناة التحتية لا بالنون.
أقول: يدل عليه قوله في الحلية: هذا إذا كان واقعا في اليقظة، فلو في المنام فلا شك أن له من التفصيل ما للاحتلام.
قوله: (يعني إذا لم تنزل) قيد به في الفتح حيث قال، ولا يخفى أنه مقيد بما إذا لم تر الماء، فإن رأته صريحا وجب كأنه احتلام ا ه.
قال في البحر: وقد يقال: ينبغي وجوب الغسل من غير إنزال لوجوب الايلاج لانها تعرف أنه يجامعها كما لا يخفى ا ه.
أقول: إن كان هذا مناما فهو غير صحيح، وإلا فإن ظهر لها بصورة آدمي فهو البحث الآتي، وإلا فهو أصل المسألة، والمنقول فيها عدم الوجوب لعدم سببه كما علمت، والبحث في غير
المنقول غير مقبول.
قوله: (وإذا لم يظهر لها الخ) هو بحث لصاحب البحر وسبقه إليه صاحب الحلية، لكنه تردد فيه فقال: أما إذا ظهر في صورة آدمي، وكذا إذا ظهر للرجل جنية في صورة آدمية فوطئها وجب الغسل لوجود المجانسة الصورية المفيدة لكمال السببية، اللهم إلا أن يقال: هذا إنما يتم لو لم توجد بينهما مباينة معنوية في الحقيقة، ومن ثم علل به بعضهم حرمة التناكح بينهما، فينبغي أن لا يجب الغسل إلا بالانزال كما في البهيمة والميتة، نعم لو لم يعلم ما في نفس الامر إلا بعد الوطئ وجب الغسل فيما يظهر لانتفاء ما يفيد قصور السببية.
قوله: (من مقطوعها) أي من ذكر مقطوع الحشفة.
بقي لو كان مقطوع البعض منها هل يناط الحكم بالباقي منها أم يقدر من الذكر قدر ما ذهب منها كما يقدر منه لو كان الذاهب كلها؟ لم أره، فتأمل.
قوله: (قال في الاشباه الخ) جواب لو وعبارته في أحكام غيبوبة الحشفة من الفن الثاني: وإن لم يبق قدرها لم يتعلق به شئ من الاحكام(1/174)
ويحتاج إلى نقل كونها كلية، ولم أره الآن ا ه.
ونقل ط عن المقدسي أنه يفهم من التقييد بقدرها أنه لا يتعلق بذلك حكم ويفتى به عند السؤال ا ه: أي لان مفاهيم الكتب معتبرة كما تقدم.
قوله: (آدمي) احتراز عن البهيمة كما يأتي، وعن الجنية كما مر.
قوله: (سيجئ محترزه) أي محترز ما ذكر من القيود الثلاثة.
قوله: (مكلفين) أي عاقلين بالغين.
قوله: (ولو أحدهما الخ) لكن لو كانت هي المكلفة فلا بد أن يكون الصبي ممن يشتهي، وإلا فلا يجب عليها أيضا كما يأتي في الشرح.
قوله: (تأديبا) في الخانية وغيرها: يؤمر به اعتيادا وتخلقا كما يؤمر بالصلاة والطهارة.
وفي القنية: قال محمد: وطئ صبية يجامع مثلها يستحب لها أن تغتسل كأنه لم ير جبرها وتأديبها على ذلك.
وقال أبو علي الرازي: تضرب على الاغتسال وبه نقول، وكذا الغلام المراهق يضرب على الصلاة والطهارة ا ه.
قوله: (بالاجماع) لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): إذا جلس بين شعبها الاربع ثم جهدها فقد وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل وأما قوله عليه الصلاة والسلام: إنما الماء من الماء فمنسو بالاجماع، ووجوبه على المفعول به في الدبر بالقياس
احتياطا، وتمامه في شرح المنية.
قوله: (يعني الخ) تقييد لقوله: في أحد سبيلي آدمي فإنه شامل لدبرنفس المولج.
قوله: (فرجح في النهر الخ) هو أحد قولين حكاهما في القنية وغيرها.
قال في النهر: والذي ينبغي أن يعول عليه عدم الوجوب إلا بالانزال، إذ هو أولى من الصغيرة والميتة في قصور الداعي، وعرف بهذا عدم الوجوب بإيلاج الاصبع.
قوله: (ولا يرد) أي على إطلاق المصنف الحشفة وأحد السبيلين.
قوله: (فإنه لا غسل عليه الخ) أي لجواز كونه امرأة، وهذا الذكر منه زائد فيكون كالاصبع، وأن يكون رجلا ففرجه كالجرح فلا يجب بالايلاج فيه الغسل بمجرده.
قلت: ويشكل عليه معاملة الخنثى بالاضر في أحواله، وعليه يلزمه الغسل، فليتأمل ا ه.
إمداد.
أقول: سيذكر الشارح هذا الاشكال آخر الكتاب في كتاب الخنثى، وسنوضح الجواب هناك إن شاء الله تعالى، وذكرناه هنا فيما علقناه على البحر.
قوله: (ولا علمن جامعه) أي في قبله، فلو جامعه رجل في دبره وجب الغسل عليهما كما أفاده ط أي لعدم الاشكال في الدبر، وكذا لا إشكال فيما لو جامع وجومع لتحقق جنابته بأحد الفعلين.
قوله: (لان الكلام) علة لقوله ولا يرد.
قوله: (وسبيلين) أي وأحسبيلين، فهو على تقدير مضاف دل عليه كلام المتن السابق، ولهذا قال(1/175)
محققين أي الحشفة وأحد السبيلين، فافهم، والاحسن إبدال السبيلين بالقبل كما في البحر، لان السبيل يشمل الدبر، وهو من الخنثى محقق.
قوله: (وعند رؤية مستيقظ) أي بفخذه أو ثوبه.
بحر.
والمراد بالرؤية العلم ليشمل الاعمى، والمرأة كالرجل كما في القهستاني.
قوله: (خرج رؤية السكران والمغمى عليه المذي) أي بعد إفاقتهما، بحر.
والفرق أن النوم مظنة الاحتلام فيحال عليه، ثم يحتمل أنه مني رق بالهواء أو للغذاء فاعتبرناه منيا احتياطا، ولا كذلك السكران والمغمى عليه لانه لم يظهر فيهما هذا السبب.
بحر.
وقوله: المذي مفعول رؤية وهما موجودان في بعض النسخ ولا بد منهما، لان برؤية المني يجب الغسل كما صرح به في المنية وغيرها.
قال ط: وأشار به: أي بالتقييد بالمذي إلى أن في مفهوم المستيقظ تفصيلا، وما أحسن ما صنع ولا تكلف فيه ا ه.
فافهم.
قوله: (منيا أو مذيا) اعلم أن هذه المسألة على أربعة عشر وجها، لانه إما أنه يعلم
أن مني أو مذي أو ودي أو شك في الاولين أو في الطرفين أو في الاخيرين أو في الثلاثة، وعلى كل إما أن يتذكر احتلاما أو لا، فيجب الغسل اتفاقا في سبع صور منها، وهي ما إذا علم أنه مذي، أو شك في الاولين أو في الطرفين أو في الاخيرين أو في الثلاثة مع تذكر الاحتلام فيها، أو علم أنه مني مطلقا، ولا يجب اتفاقا فيما إذا علم أنه ودي مطلقا، وفيما إذا علم أنه مذي أو شك في الاخيرين مع عدم تذكر الاحتلام، ويجب عندهما فيما إذا شك في الاولين أو في الطرفين أو في الثلاثة احتياطا، ولا يجب عند أبي يوسف للشك في وجود الموجب.
واعلم أن صاحب البحر ذكر اثنتي عشرة صورة وزدت الشك في الثلاثة تذكر أو لا أخذا من عبارته ا ه.
ح.
أقول: إذا عرفت هذا فاعلم أن المصنف اقتصر على بعض الصور، ولا يلزم أن يكون ما سكت عنه مخالفا في الحكم لما ذكره كما لا يخفى، فافهم، نعم قوله: أو مذيا يقتضي أنه إذا علم أنه مذي ولم يتذكر احتلاما يجب الغسل وقد علمت خلافه.
وعبارة النقاية كعبارة المصنف، وأشار القهستاني إلى الجواب حيث فسر قوله: أو مذيا بقوله: أي شيئا شك فيه أنه مني أو مذي لانا لا نوجب الغسل بالمذي أصلا بل بالمني، إلا أنه قد يرق بإطالة الزمان، فالمراد ما صورته صورة المذي لا حقيقته كما في الخلاصة ا ه.
فليس فيه مخالفة لما تقدم، فافهم.
قوله: (وإن لم يتذكر الاحتلام) من الحلم بالضم والسكون اسم لميراه النائم ثم غلب على ما يراه من الجماع.
نهر.
واعلم أنه اختلف في الواوفي نظير هذا التركيب، فقيل إنها للحال: أي والحال أنه إن لم يتذكر الاحتلام يجب الغسل، ويفهم وجوبه إذا تذكر بالاولى، وقيل للعطف على مقدر: أي إن تذكر وإن لم يتذكر.
قوله: (إلا إذا علم الخ) استثناء من قوله: أو مذيا مع تقييده بعدم تذكر الاحتلام، لانه هو المنطوق، سواء جعلت الواو للحال أو للعطف، لكن على جعلها للحال أظهر، إذ ليس في الكلام شئ مقدر، ولو جعلت للعطف ربما يتوهم أن الاستثناء مفروض مع عدم التذكر المنطوق، ومع التذكر المقدر فلا يصح قوله الآتي اتفاقا.
ثم اعلم أن الشارح قد أصلح عبارة المصنف، فإن قوله: أو مذييحتمل أن يكون المراد به أنه رأى مذيا حقيقة بأن علم أنه مذي، أو أنه رأى مذيصورة بأن رأى بللا وشك في أنه مذي أو
ودي، أو شك أو مذي أو مني، فاستثنى ما عدا الاخير، وصار قوله: أو مذيا مفروضا فيما إذا(1/176)
شك أنه مذي أو مني فقط كما قذمناه، فهذه الصورة يجب فيها الغسل وإن لم يتذكر الاحتلام لكن بقيت هذه صادقة بما إذا كان ذكره منتشرا قبل النوم أو لا، مع أنه إذا كان منتشرا لا يجب الغسل فاستثناه أيضا، فصار جملة المستثنيات ثلاث صور لا يجب فيها الغسل اتفاقا مع عدم تذكر الاحتلام كما قلنا، وبهذا الحل الذي هو من فيض الفتاح العليم ظهر أن هذه المتعاطفات مرتبطة ببعضها، وأن الاستثناء فيها كلها متصل، ولله در هذا الشارح الفاضل، فكثيرا ما تخفى إشارته على المعترضين وإن كانوا من الماهرين، فافهم.
قوله: (كالودي) فإنه لا غسل فيه اتفاقا وإن تذكر كما مر.
قوله: (لكن في الجواهر الخ) استدراك على المسألة الثالثة.
وحاصله أنه أطلق عدم الغسل فيها تبعا لكثير، وهو مقيد بثلاثة قيود: أن يكون نومه قائما أو قاعدا، أو أن لا يتيقن أنه مني، وأن لا يتذكر حلما، فإذا فقد واحد منها بأن نام مضطجعا أو تيقن أو تذكر وجب الغسل.
وقد ذكر المسألة في منية المصلي فقال: وإن استيقظ فوجد في إحليله بللا ولم يتذكر حلما، إن كان ذكره منتشرا قبل النوم فلا غسل عليه، وإن كان ساكنا فعليه الغسل، هذا إذا نام قائما أو قاعدا، أما إذا نام مضطجعا أو تيقن أنه مني فعليه الغسل، وهذا مذكور في المحيط والذخيرة.
وقال شمس الائمة الحلواني: هذه مسألة يكثر وقوعها والناس عنها غافلون ا ه.
والحاصل أن الانتشار قبل النوم سبب لخروج المذي، فما يراه يحمل عليه ما لم يتذكر حلما ويعلم أنه مني، أو يكن نائما مضطجعا لانه سبب للاسترخاء والاستغراق في النوم الذي هو سبب الاحتلام، لكن ذكر في الحلية أنه راجع الذخيرة والمحيط البرهاني فلم ير تقييد عدم الغسل بما إذا نام قائما أو قاعدا، ثم بحث وقال: إن الفرق بينه وبين النوم مضطجعا غير ظاهر.
قوله: (أو تيقن) عبر به تبعا للمنية، ولو عبر بالعلم لكان أولى، لان المراد غلبة الظن والعلم يطلق عليها.
وعبارة الخانية في هذه المسألة: إلا أن يكون أكبر رأيه أنه مني فيلزمه الغسل ا ه.
قوله: (ولو مع اللذة
والانزال) أي مع تذكرهما، وليس المراد أنه أنزل لان الموضوع أنه لم ير بللا ط قوله: (وكذا المرأة الخ) في البحر عن المعراج: لو احتلمت المرأة ولم يخرج الماء على ظهر فرجها، عن محمد يجب.
وفي ظاهر الرواية لا يجب، لان خروج منيها إلى فرجها الخارج شرط لوجوب الغسل عليها وعليه الفتوى.
قوله: (ولو وجد الخ) حاصله أنه لو وجد الزوجان في فراشهما منيا ولم يتذكرا احتلاما، فقيل: إن كان أبيض غليظا فمني الرجل، وإن كان أصفر رقيقا فمني المرأة.
وقال في الظهيرية بعد حكايته لهذا القول: والاصح أنه يجب عليهما احتياطا، وعزا هذا الثاني في الحلية إلى ابن الفضل، وقال: ومشى عليه في المحيط والخلاصة، واستظهر في الفتح الجمع بين القولين، فقيد الوجوب عليهما بعدم التذكر وعدم المميز من غلظ ورقة أو بياض وصفرة، ثم قال: فلا خلاف إذن، واستحسنه في الحلية وأقره في البحر، لكن في شرح المنية أن المميز يختلف باختلاف المزاج والاغذية فلا عبرة به، والاحتياط هو الاول.
قوله: (ولا نام قبلهما غيرهما) ذكره في الحلية بحثا(1/177)
وتبعه في البحر قال: فلو كان قد نام عليه غيرهما وكان المني المرئي يابسا فالظاهر أنه لا يجب الغسل على واحد منهما.
تنبيه: التقييد بالزوجين صريح في أن غيرهما لا يجب عليه.
رملي على البحر.
أقول: الظاهر أنه اتفاقي جربا على الغالب ولذا قال ط: الاجنبي والاجنبية كذلك، وكذا لو كانا رجلين أو امرأتين، فالظاهر اتحاد الحكم.
قوله: (إن وجد لذة الجماع) أي بأن كانت الخرقة رقيقة بحيث يجد حرارة الفرج واللذة.
بحر.
قوله: (وإلا لا) أي ما لم ينزل.
قوله: (على الاصح) وقال بعضهم: يجب لانه يسمى مولجا.
وقال بعضهم: لا يجب.
بحر.
وظاهر القولين الاطلاق.
قوله: (والاحوط الوجوب) أي وجوب الغسل في الوجهين.
بحر وسراج.
أقول: والظاهر أنه اختيار للقول الاول من القولين، وبه قالت الائمة الثلاثة كما في شرح الشيخ إسماعيل عن عيون المذاهب، وهو ظاهر حديث: إذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل.
قوله: (هذا الخ) الاشارة إلى إسناد فرضية الغسل إلى الانقطاع، لان المعنى: وفرض عند
انقطاع حيض ونفاس، وأراد بما قبله إسناد الفرضية إلى خروج المني والايلاج ورؤية المستيقظ، وأراد بالاضافة الاسناد والتعليق: أي إسناد فرضية الغسل إلى هذه الاشياء، وتعليقها عليها مجاز من إسناد الحكم، وهو هنا الفرضية إلى الشرط، وهو هنا هذه المذكورات وليس من إسناد الحكم إلى سببه كما هو الاصل.
قوله: (أي يجب عنده) أي عند تحقق الانقطاع ونحوه، والمراد بعده.
قوله: (بل بوجوب الصلاة) أي عند ضيق الوقت، وقوله: أو إرادة ما لا يحل أي عند عدم ضيق الوقت.
قال في الشرنبلالية: واختلف في سبب وجوب الغسل.
وعند عامة المشايخ إرادة فعل ما لا يحل فعله مع الجنابة وقيل: وجوب ما لا يحل معها.
والذي يظهر أنه إرادة فعل ما لا يحل إلا به عند عدم ضيق الوقت أو عند وجوب ما لا يصح معها، وذلك عند ضيق الوقت لما قال في الكافي: إن سبب وجوب الغسل الصلاة أو إرادة ما لا يحل فعله مع الجنابة والانزال، والالتقاء شرط ا ه.
قوله: (كما مر) أي في الوضوء، وقدمنا الكلام عليه هناك.
قوله: (لا عند مذي) أي لا يفرض الغسل عند خروج مذي كظبي بمعجمة ساكنة وياء مخففة على الافصح، وفيه الكسر مع التخفيف وقيل هما لحن: ماء رقيق أبيض يخرج عند الشهوة لا بها، وهو في النساء أغلب.
قيل: هو منهن يسمى القذي بمفتوحتين.
نهر.
قوله: (أو ودي) بمهملة ساكنة وياء مخففة عند الجمهور.
وحكى الجوهري كسر الدال مع تشديد الياء.
قال ابن مكي: ليس بصواب.
وقال أبو عبيد: إن الصواب، وإعجام الدال شاذ: ماء ثخين أبيض كدر يخرج عقب البول.
نهر.
قوله: (بل الوضوء منه الخ) أي بل يجب الوضوء منه: أي من الودي ومن البول جميعا، وهذا جواب عما يقال: إن الوجوب بالبول السابق على الودي فكيف يجب به؟ وبيان الجواب أن وجوبه بالبول لا ينافي الوجوب بالودي بعده، حتى لو حلف لا يتوضأ من رعاف فرعف ثم بال أو بالعكس فتوضأ فالوضوء منهما فيحنث، وكذا لو حلفت لا تغتسل من جنابة فجومعت وحاضت فاغتسلت فهو منهما، وهذا ظاهر الرواية.
بحر.
وذكر أربعة أجوبة(1/178)
أخر: منها أن الودي ما يخرج بعد الاغتسال من الجماع وبعد البول، وهو شئ لزج، كذا فسره في الخزانة والتبيين، فالاشكال إنما يرد على من اقتصر في تفسيره على ما يخرج بعد البول.
قوله:
(على الظاهر) أي إن قلنا: إن وجوب الوضوء منه ومن البول بناء على ظاهر الرواية من مسألتي اليمين السابقتين.
وذكر المحقق في الفتح أن الوضوء من الحدث السابق، وأن السبب الثاني لم يوجب شيئا لاستحالة تحصيل الحاصل، إلا إذا وقعا معا، كأن رعف وبال معا كما قرره الآمدي.
قال: وهو معقول يجب قبوله، هو قول الجرجاني من مشايخنا.
والحق أن لا تنافي بين كون الحدث بالاول فقط وبين الحنث، لانه لا يلزم بناؤه على تعدد الحدث بل على العرف، والعرف أن يقال لمن توضأ بعد بول ورعاف توضأ منهما، قوله: (غير آدمي) كجني وقرد وحمار.
قوله: (خنثى) أي مشكل.
قوله: (وما يصنع) أي على صورة الذكر.
قوله: (في الدبر) متعلق بإدخال.
قوله: (على المختار) قال في التجنيس: رجل أدخل أصبعه في دبره وهو صائم، اختلف في وجوب الغسل والقضاء.
والمختار أنه لا يجب الغسل ولا القضاء، لان الاصبع ليس آلللجماع فصار بمنزلة الخشبة، ذكره في الصوم، وقيد بالدبر لان المختار وجوب الغسل في القبل إذا قصدت الاستمتاع، لان الشهوة فيهن غالبة، فيقام السبب مقام المسبب دون الدبر لعدمها.
نوح أفندي.
أقول: آخر عبارة التجنيس عند قوله: بمنزلة الخشبة وقد راجعتها منه فرأيتها كذلك، فقوله: وقيد الخ من كلام نوح أفندي، وقوله: لان المختار وجوب الغسل الخ بحث منه سبقه إليه شارح المنية، حيث قال: والاولى أن يجب في القبل الخ.
وقد نبه في الامداد أيضا على أنه بحث من شارح المنية، فافهم.
قوله: (ولا عند وطئ بهيمة الخ) محترزات قوله: في أحد سبيلي آدمي حي يجامع مثله.
وفي القنية برمز أجناس الناطفي فرج البهيمة كفيها لا غسل فيه بغير إنزال ويعزر، وتذبح البهيمة وتحرق على وجه الاستحباب ولا يحرم أكل لحمها به ا ه.
وسيأتي في الحدود.
قوله: (بأن تصير مفضاة) أي مختلطة السبيلين.
وفي المسألة خلاف، فقيل: يجب الغسل مطلقا، وقيل لا مطلقا.
والصحيح أنه إذا أمكن الايلاج في محل الجماع من الصغيرة ولم يفضها فهي ممن تجامع فيجب الغسل.
سراج.
أقول: لا يخفى أن الوجوب مشروط بما إذا زالت البكارة لانه مشروط في الكبيرة كما يأتي
قريبا بالاولى، فقوله في البحر: قد يقال إن بقاء البكارة دليل على عدم الايلاج فلا يجب الغسل كما اختاره في النهاية فيه نظر، فتدبر.
قوله: (قهستاني) أقول: عبارته وطئ البهيمة والميتة غير ناقض للوضوء بلا إنزال، فلا يلزم إلا غسل الذكر كما في صوم النظم ا ه.
وكأن الشراح قاس الصغيرة عليهما.
تأمل.
ويؤخذ من هذا أن المباشرة الفاحشة الناقضة للوضوء لا بد أن تكون بين مشتهيين كما قدمناه.
قوله: (وسيجئ) أي في باب الانجاس.(1/179)
مطلب في رطوبة الفرج قوله: (الفرج) أي الداخل، أما الخارج فرطوبته طاهرة باتفاق بدليل جعلهم غسله سنة في الوضوء، ولو كانت نجسة عندهما لفرض غسله ا ه.
ح.
أقول: قد يقال: إن النجاسة ما دامت في محلها لا عبرة لها، ولذا كان الاستنجاء سنة للرجال والنساء في غير الغسل مع أن الخارج نجس باتفاق، فلا تدل سنية الغسل على الطهارة، فتدبر، نعم يدل على الاتفاق كونه له حكم خارج البدن، فرطوبته كرطوبة الفم والانف والعرق الخارج من البدن.
قوله: (فتنبه) أشار به إلى أن ما في النظم مبني على قولهما، فلا تغفل وتظن من جزمه به أنه متفق عليه.
قوله: (لقصور الشهوة) أي التي أقيمت مقام الانزال في وجوب الغسل عند الايلاج، لكن يرد عليه: لو جامع عجوزا شوهاء لا تشتهي أصلا، ويظهر لي الجواب بأنها قد ثبت لها وصف الاشتهاء فيما مضى فيبقى حكمه الآن ما دامت حية كما ذكروه في مسألة المحاذاة في الصلاة، بخلاف البهيمة والميتة والصغيرة.
تأمل.
وهذا علة لعدم وجوب الغسل فيما تقدم.
قوله: (أما به) أي أما فعل هذه الاشياء المصاحب للانزال فيحال وجوب الغسل على الانزال ط.
قوله: (تمنع التقاء الختانين) أي ختان الرجل: وهو موضع القشع، وختان المرأة: وهو موضع قطع جلدة منها كعرف الديك فوق الفرج، فإذا غابت الحشفة في الفرج فقد حاذى ختانه ختانها، وتمام بيانه في البحر.
قوله: (إلا إذا حبلت) فيكون دليل إنزالها فيلزمها الغسل.
قال أبو السعود: وكذا يلزمه لانه دليل إنزاله أيضا وإن خفي عليه.
قوله: (قبل الغسل) أي لو لم تكن اغتسلت، لانه ظهر أنها صلت
بلا طهارة.
قوله: (قاله الحلبي) أي في شرحه الصغير.
وقال في الكبير.
ولا شك أنه مبني على وجوب الغسل عليها بمجرد انفصال منيها إلى رحمها، وهو خلاف الاصح الذي هو ظاهر الرواية.
قوله: (أي يفرض) أشار به إلى أنه ليس المراد بالوجوب هنا المصطلح عليه عندنا، فكان الاولى فيه وفيما بعده التعبير بيفرض ا ه.
ح.
وممن صرح بالفرضية هنا صاحب الوافي والسروجي وابن الهمام مع نقله الاجماع عليه، لكن علل في البحر بأن هذا الذي سموه واجبا يفوت الجواز بفوته.
قال الشارح في الخزائن: قلت هذا التعليل يفيد أنه فرض عملي لا اعتقادي، وهو كذلك لانه ليس ثابتا بدليل قطعي ولا متفقا عليه، فلعلهم عبروا بالواجب للاشعار بانحطاط رتبة هذا عن ذاك، فتأمل اه.
قلت: لكن هذا ظاهر فيما عدا غسل الميت، فتأمل.
قوله: (كفاية) أي بحيث لو قام به بعضهم سقط عن باقيهم، وإلا أثموا كلهم إن علموا به، وهل يشترط لسقوطه عن المكلفين النية؟ استظهر في جنائز الفتح نعم، ونقل في البحر عن الخانية وغيرها خلافه.
قوله: (إجماعا) قيد لقوله يفرض قال في البحر: وما نقله مسكين من قوله: وقيل غسل الميت سنة مؤكدة ففيه نظر بعد نقل الاجماع.
قوله: (بالتخفيف) أي تخفيف السين، وهو من الغسل بالفتح.
قال في السراج: يقال: غسل الجمعة وغسل الجنابة بضم الغين، وغسل الميت وغسل الثوب بفتحها.
وضابطه أنك إذا(1/180)
أضفت إلى المغسول فتحت، وإذا أضفت إلى غير المغسول ضممت ا ه قوله: (الميت) بالتخفيف وبالتشديد ضد الحي، أو المخفف الذي مات والمشدد الذي لم يمت بعد، أفاده في القاموس.
قوله: (المسلم) أما الكافر إذا لم يوجد له إلا وليه المسلم فيسيل عليه الماء كالخرقة النجسة من غير ملاحظة السنة ط.
قوله: (فييمم) وقيل يغسل بثيابه، والاول أولى.
بحر ونهر.
قوله: (كما يجب) أي يفرض.
بحر.
قوله: (ولو بعد الانقطاع) أي انقطاع الحيض والنفاس، لكن في دخول ذلك في كلام المصنف نظر، لان الحائض من اتصفت بالحيض وبعد انقطاعه لا تسمى حائضا، ولذا قال في الشرنبلالية: إن فيه إشارة إلى أنها لو انقطع حيضها ثم أسلمت لا غسل عليها.
قوله: (على الاصح) مقابلة ما قيل: إنها لو أسلمت بعد الانقطاع لا غسل عليها، بخلاف الجنب،
والفرق أن صفة الجنابة باقية بعد الاسلام فكأنه أجنب بعده، والانقطاع في الحيض هو السبب ولم يتحقق بعد، فلذا لو أسلمت قبل الانقطاع لزمها.
قوله: (وعلله) أي علل الاصح.
قوله: (ببقاء الحدث الحكمي) حاصله منع الفرق بين الحيض والجنابة، لان التحقيق أن الانقطاع شرط لوجوب الغسل لا سبب.
ومبنى الفرق على أنه لا يثبت لها بالحيض والنفاس حدث حكمي يستمر مثل الجنابة وهو ممنوع، بدليل أن المسافرة لو تيممت بعد الانقطاع خرجت من الحيض، فإذا وجدت الماء وجب عليها الغسل فصارت بمنزلة الجنب، فقد ثبت لها حدث حكمي بعد الانقطاع، هذا خلاصة ما حققه ابن الكمال، وقد حقق في الحلية هذا المقام بما لا مزيد عليه.
قوله: (بل بإنزال) عام في الغلام والجارية والحيض قاصر عليها كالولادة ط.
وقيل: لو بلغ بالانزال لا يجب عليه، بخلاف ما لو بلغت بالحيض كما في البحر.
قوله: (أو ولدت ولم تر دما) هذا قول الامام، وبه أخذ أكثر المشايخ.
وعند أبي يوسف، وهو رواية عن محمد: لا غسل عليها لعدم الدم، وصححه في التبيين والبرهان كما بسطه في الشرنبلالية، ومشى عليه في نور الايضاح، لكن في السراج أن المختار الوجوب احتياطا، وهو الاصح انتهى.
قوله: (أو أصاب الخ) كذا عده بعضهم هنا من الاغتسالات المفروضة.
قال في الحلية: ولا يخفى أنه ليس مما نحن فيه، فعده من ذلك سهوا ا ه.
أي لان الكلام في النجاسة الحكمية لا الحقيقية.
قوله: (راجع للجميع) فيه نظر، فقد ذكر العلامة نوح أفندي الاتفاق على وجوب الغسل على من أسلمت حائضا قبل الانقطاع وعلى من بلغت بالحيض، وسيذكر الشارح في باب الانجاس أن المختار أنه لو خفي محل النجاسة يكفي غسل طرف الثوب أو البدن.
هذا، وفي بعض النسخ هنا ما نصه: وفي التاترخانية معزيا للعتابية: والمختار وجوبه على مجنون أفاق.
قلت: وهو يخالف ما يأتي متنا، إلا أن يحمل أنه رأى منيا، وهل السكران والمغمى عليه كذلك؟ يراجع ا ه.
قيل: وهذا ثابت في نسخة الشارح الاصلية ساقط من النسخة المصححة.(1/181)
أقول: ويؤيد هذا الحمل ما في التاترخانية أيضا عن السراجية: المجنون إذا أجنب ثم أفاق لا غسل عليه ا ه.
وكأنه مبني على القول بعدم الغسل على من أسلم جنبا لعدم التكليف وقت الجنابة، لكن الاصح خلافه كما علمت فلذا كان المجنون كذلك، وقوله: وهل السكران والمغمى عليه كذلك أي في جريان الخلاف فيهما لو رأيا منيا لعدم التكليف، وقال: يراجع لعدم رؤيته ذلك.
وفي التاترخانية: أغشي عليه فأفاق ووجد مذيا أو منيا فلا غسل عليه ا ه.
ومقتضاه جريان الخلاف أيضا، إلا أن يقال: المراد أن رأى بللا شك أنه مني أو مذي.
وقدم الشارح عند قوله: ورؤية مستيقظ أنه خرج رؤية السكران والمغمى عليه المذي، وقدمنا هناك عن المنية وغيرها أن برؤية المني يجب الغسل.
قوله: (بأن أسلم طاهرا) أي من الجنابة والحيض والنفاس: أي بأن كان اغتسل أو أسلم صغيرا.
تأمل.
قوله: (أو بلغ بالسن) أي بلا رؤية شئ، وسن البلوغ على المفتى به خمس عشرة سنة في الجارية والغلام، كما سيأتي في محله.
قوله: (وسن الخ) هو من سنن الزوائد، فلا عتاب بتركه كما في القهستاني.
وذهب بعض مشايخنا إلى أن هذه الاغتسالات الاربعة مستحبة أخذا من قول محمد في الاصل: إن غسل الجمعة حسن.
وذكر في شرح المنية أنه الاصح، وقواه في الفتح، لكن استظهر تلميذه ابن أمير حاج في الحلية استنانه للجمعة لنقل المواظبة عليه، وبسط ذلك مع بيان دلائل عدم الوجوب.
والجواب عما يخالفها في البحر وغيره.
قوله: (هو الصحيح) أي كونه للصلاة هو الصحيح، وهو ظاهر الرواية.
ابن كمال.
وهو قول أبي يوسف.
وقال الحسن بن زياد: إنه لليوم، ونسب إلى محمد، والخلاف المذكور جار في غسل العيد أيضا كما في القهستاني عن التحفة، وأثر الخلاف فيمن لا جمعة عليه لو اغتسل وفيمن أحدث بعد الغسل وصلى بالوضوء نال الفضل عند الحسن لا عند الثاني.
قال في الكافي: وكذا فيمن اغتسل قبل الفجر وصلى به ينال عند الثاني لا عند الحسن، لانه اشترط إيقاعه فيه إظهارا لشرفة ومزيد اختصاصه عن غيره كما في النهر، قيل: وفيمن اغتسل قبل الغروب، واستظهر في البحر ما ذكره الشارح عن الخانية من أنه لا يعتبر إجماعا، لان سبب مشروعيته دفع حصول الاذى من الرائحة عند
الاجتماع، والحسن وإن قال هو لليوم، لكن بشرط تقدمه على الصلاة، ولا يضر تخلل الحدث بينه وبين الغسل عنده.
وعند أبي يوسف يضر ا ه.
ولسيدي عبد الغني النابلسي هنا بحث نفيس ذكره في شرح هداية ابن العماد، حاصله أنهم صرحوا بأن هذه الاغتسالات الاربعة للنظافة لا للطهارة، مع أنه لو تخلل الحدث تزداد النظافة بالوضوء ثانيا، ولئن كانت للطهارة أيضا فهي حاصلة بالوضوء ثانيا مع بقاء النظافة، فالاولى عندي الاجزاء وإن تخلل الحدث، لان مقتضى الاحاديث الواردة في ذلك طلب حصول النظافة فقط اه.
أقول: ويؤيده طلب التبكير للصلاة، وهو في الساعة الاولى أفضل وهي إلى طلوع الشمس، فربما يعسر مع ذلك بقاء الوضوء إلى وقت الصلاة ولا سيما في أطول الايام، وإعادة الغسل أعسر.(1/182)
وما جعل عليكم في الدين من حرج.
وربما أداه ذلك إلى أن يصلي حاقنا وهو حرام، ويؤيده أيضا ما في المعراج: لو اغتسل يوم الخميس أو ليلة الجمعة استن بالسنة لحصول المقصود وهو قطع الرائحة ا ه.
قوله: (كما في غرر الاذكار) هو شرح درر البحار المؤلف في مذاهب الائمة الاربعة الكبار ومذاهب الصاحبين على طريقة مجمع البحرين مع غاية الايجاز والاختصار للعلامة القونوي الحنفي، وقد ذكر في آخره، أنه ألفه في نحو شهر ونصف سنة 647، وعندي شرح عليه للعلامة محمد الشهير بالشيخ البخاري سماه غرر الافكار وعليه شرح للعلامة قاسم قطلو بغا تلميذ ابن الهمام، ولعله الذي نقل عنه الشارح.
قوله: (وغيره) كالهداية وصدر الشريعة والدرر وشروح المجمع والزيلعي.
قوله: (اجتمعا مع جنابة) أقول: وكذا لو كان معهما كسوف واستسقاء.
وهذا كله إذا نوى ذلك ليحصل له ثواب الكل.
تأمل.
قوله: (ولاجل إحرام) أي بحج أو عمرة أو بهما.
إمداد.
ولا أظن أحدا قال إنه لليوم فقط.
نهر.
قوله: (وفي جبل عرفة الخ) أراد بالجبل ما يشمل السهل من كل ما يصح الوقوف عليه، وإنما أقحم لفظ جبل إشارة إلى أن الغسل للوقوف نفسه لا لدخول عرفات ولا لليوم.
مطلب: يوم عرفة أفضل من يوم الجمعة
وما في البدائع من أنه يجوز أن يكون على الاختلاف أيضا: أي أن يكون للوقوف أو لليوم كما في الجملة، رده في الحلية بأن الظاهر أنه للوقوف.
قال: وما أظن أن أحدا ذهب إلى استنانه ليوم عرفة بلا حضور عرفات ا ه.
وأقره في البحر والنهر، لكن قال المقدسي في شرحه على نظم الكنز: أقول: لا يستبعد أن يقول أحد بسنيته لليوم لفضيلته، حتى لو حلف بطلاق امرأته في أفضل أيام العام تطلق يوم عرفة ذكره ابن ملك في شرح المشارق.
وقد وقع السؤال عن ذلك في هذه الايام ودار بين الاقوام، وكتب بعضهم بأفضلية يوم الجمعة والنقل بخلافه ا ه.
قوله: (وهل السكران كذلك) الظاهر نعم، وما قدمه الشارح على ما في بعض النسخ فيما إذا رأى منيا، أما هنا فالمراد إذا لم ير منيا، كما في المجنون والمغمى عليه فلا تكرار، فافهم.
قوله: (وعند حجامة) أي عند الفراغ منها.
إمداد.
لشبهة الخلاف.
بحر.
قوله: (وفي ليلة براءة) هي ليلة النصف من شعبان.
قوله: (وعرفة) أي في ليلتها تاتر خانية وقهستاني، وظاهر الاطلاق شموله للحاج وغيره.
قوله: (إذا رآها) أي يقينا أو عملا باتباع ما ورد في وقتها لاحيائها.
إمداد.
قوله: (غداة يوم النحر) أي صبيحتها.
قوله: (لرمي الجمرة) مفاده أنه لا ينس لنفس دخول مني، فلو أخر الرمي إلى اليوم الثاني لم يندب لاجل الدخول، وهو خلاف المتبادر من المتن ومخالف لما في(1/183)
شرح الغزنوية حيث جعل غسل الرمي في يوم النحر غير غسل دخول مني يوم النحر.
قوله: (وعند دخول مكة) استظهر في الحلية سنيته لنقل المواظبة.
قوله: (لطواف الزيارة) لم يقيد بذلك في الفتح والبحر، بل جعل في شرح درر البحار كلا من دخول مكة والطواف قسما برأسه، ونصه: وجب للاستسقاء والكسوف، ودخول مكة والوقوف بمزدلفة، ورمي الجمار والطواف.
تنبيه: ظهر مما ذكرنا أن الاغسال يوم النحر خمسة، وهي: الوقوف بمزدلفة، ودخول منى، ورمي الجمرة ودخول مكة، والطواف، ويظهر لي أنه ينوب عنها غسل واحد بنيته لها كما ينوب عن الجمعة والعيد، وتعدادها لا يقتضي عدم ذلك.
تأمل.
قوله: (وظلمة) أي نهارا.
إمداد.
قوله: (ولحضور مجمع الناس) عزاه في البحر إلى النووي وقال: لم أجده لائمتنا.
أقول: وفي معراج الدراية: قيل يستحب الاغتسال لصلاة الكسوف وفي الاستسقاء وفي كل ما كان في معنى ذلك كاجتماع الناس.
قوله: (ولمن لبس ثوبا جديدا) عزاه في الخزائن إلى النتف.
قوله: (أو غسل ميتا) للخروج من الخلاف كما في الفتح.
قوله: (أو يراد قتله الخ) عزاه هذه المذكورات في الخزائن إلى الحلبي من خزانة الاكمل.
قوله: (ولمستحاضة انقطع دما) وكذا المحتلم أراد معاودة أهله على ما سيأتي، وكذا لمن بلغ بسن أو أسلم طاهرا كما مر، فقد بلغت نيفا وثلاثين.
قال في الامداد: ويندب غسل جميع بدنه أو ثوبه إذا أصابته نجاسة وخفي مكانها ا ه.
وفيه ما مر مع مخالفته لما قدمه الشارح تبعا للبحر وغيره، لكن قدمنا أن الشارح سيذكر في الانجاس أن المختار أنه يكفي غسل طرف الثوب، فيما في الامداد مبني عليه، فتدبر.
قوله: (ثمن ماء اغتسالها) أي من جنابة أو حيض انقطع لعشرة أو أقل.
وفصل في السراج بين انقطاع الحيض لعشرة فعليها لاحتياجها إلى الصلاة، ولاقل فعليه لاحتياجه إلى الوطئ، قال في البحر: وقد يقال: إن ما تحتاج إليه مما لا بد لها منه واجب عليه، سواء كان هو محتاجا إليه أو لا، فالاوجه الاطلاق ا ه.
قوله: (ولو غنية) وبه ظهر ضعف ما في الخلاصة من أن ثمن ماء الوضوء عليها لو غنية وإلا فإما أن ينقله إليها أو يدعها تنقله بنفسها.
بحر من باب النفقة.
قوله: (فأجرة الحمام عليه) ذكره في نفقة البحر بحثا، قال: لانه ثمن ماء الاغتسال، لكن له منعها من الحمام حيث لم تكن نفساء ا ه.
وما بحثه نقله الرملي عن جامع الفصولين فلذا جزم به الشارح، فافهم.
قوله: (الشعث والتفث) محركان، والاول انتشار الشعر واغبراره لقلة التعهد، والثاني بمعنى الوسخ والدرن، وسوى بينهما في القاموس، واعترضه الشاهيني في مختصره.
قوله: (قال شيخنا) أي العلامة خير الدين الرملي في حاشيته على المنع.
قوله: (الظاهر لا يلزمه) لانه لا يكون كماء الشرب حتى يكون له حكم النفقة(1/184)
بل للتزين للزوج فيكون كالطيب.
رحمتي.
والظاهر أنه لو أمرها بإزالته لا يلزمها إلا إذا دفع لها من ماله.
تأمل.
قوله: (لا مصلى عيد وجنازة) فليس لهما حكم المسجد في ذلك وإن كان لهما حكمه في صحة الاقتداء وإن لم تتصل الصفوف، ومثلهما فناء المسجد، وتمامه في البحر.
قوله: (ورباط)
هو خانكاه الصوفية ح، وهو متعبدهم.
وفي كلام ابن وفا نفعنا الله به ما يفيد أنها بالقاف، فإنه قال: الخنق في اللغة: التضييق، والخانق: الطريق الضيق، ومنه سميت الزاوية التي سكنها صوفيه الروم الخانقاه لتضييقهم على أنفسهم بالشروط التي يلتزمونها في ملازمتها، ويقولون فيها أيضا: من غاب عن الحضور غاب نصيبه إلا أهل الخوانق ومضايق ا ه.
ط.
ووجه تسميتها رباطا أنها من الربط: أي الملازمة على الامر، ومنه سمي المقام في تغثر العدو رباطا ومنه قوله تعالى: * (وصابروا ورابطوا) * (آل عمران: 002) ومعناه انتظار الصلاة بعد الصلاة، لقوله عليه الصلاة والسلام فذلكم الرباط أفاده في القاموس.
قوله: (لكن الخ) في هذا الاستدراك نظر، لان كلام القنية في مسجد المدرسة لا في المدرسة نفسها، لانه قال: المساجد التي في المدارس مساجد، لانهم لا يمنعون الناس من الصلاة فيهاد وإذا غلقت يكون فيها جماعة من أهلها ا ه.
وفي الخانية: دار فيها مسجد لا يمنعون الناس من الصلاة فيها، إذا كانت الدار لو أغلقت كان له جماعة ممن فيها فهو مسجد جماعة ثبت له أحكام المسجد من حرمة البيع والدخول وإلا فلا، وإن كانوا لا يمنعون الناس من الصلاة فيه.
قوله: (ولو للعبور) أي المرور، لما أخرجه أبو داود وغيره عن عائشة قالت: جاء رسول الله (ص) وبيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: وجهوا هذه البيوت، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب.
والمراد بعابري سبيل في الآية المسافرون كما هو منقول عن أهل التفسير، فالمسافر مستثنى من النهي عن الصلاة بلا اغتسال، ثم بين في الآية أن حكمه التيمم، وتمام الادلة من السنة وغيرها مبسوط في البحر.
وفيه: وقد علم أن دخوله (ص) المسجد جنبا ومكثه فيه من خواصه، وكذا هو من خواص علي رضي الله عنه كما ورد من طرق ثقات تدل على أن الحديث صحيح كما ذكره الحافظ ابن حجر.
وأما القول بجوازه لاهل البيت وكلبس الحرير لهم فهو اختلاق من الشيعة.
قوله: (إلا لضرورة) قيد به في الدرر، وكذا في عيون المذاهب للكاكي شارح الهداية، وكذا في شرح درر البحار.
قوله: (حيث لا يمكنه غيره) كأن يكون
باب بيته إلى المسجد.
درر: أي ولا يمكنه تحويله ولا يقدر على السكنى في غيره.
بحر.
قلت: يدل عليه الحديث المار، ومن صوره ما في العناية عن المبسوط: مسافر مر بمسجد فيه عين ماء وهو جنب ولا يجد غيره فإنه يتيمم لدخول المسجد عندنا ا ه.
قوله: (تيمم ندبا الخ) أفاد ذلك في النهر توفيقا بين إطلاق ما بفيد الوجوب وما يفيد الندب.(1/185)
أقول: والظاهر أن هذا في الخروج، أما في الدخول فيجب كما يفيده ما نقلنا آنفا عن العناية، ويحمل عليه أيضا ما في درر البحار من قوله: ولا نجيز العبور في المسجد بلا تيمم.
ثم رأيت في الحلية عن المحيط ما يؤيده حيث قال: ولو أصابته جنابة في المسجد، قيل لا يباح له الخروج من غير تيمم اعتبارا بالدخول، وقيل يباح ا ه.
فجعل الخلاف في الخروج دون الدخول، والوجه فيه ظاهر لا يخفى على الماهر، وعليه فالظاهر وجوبه على من كان بابه إلى المسجد وأراد المرور فيه.
تأمل.
قوله: (ولا يصلي ولا يقرأ) لانه لم ينو به عبادة مقصودة، وهذا دفع للقول بأن له أن يصلي به كما بسطه في الحلية.
تتمة: ذكر في الدرر عن التاترخانية أنه يكره دخول المحدث مسجدا من المساجد وطوافه بالكعبة ا ه.
وفي القهستاني: ولا يدخله من على بدنه نجاسة، ثم قال: وفي الخزانة: وإذا فسا في المسجد لم ير بعضهم به بأسا.
وقال بعضهم: إذا احتاج إليه يخرجه منه، وهو الاصح ا ه.
قوله: (تلاوة قرآن) أي ولو بعد المضمضة كما يأتي، وفي حكمه منسوخ التلاوة على ما سنذكره.
قوله: (ولو دون آية) أي من المركبات لا المفردات، لانه جوز للحائض المعلمة تعليم كلمة كلمة.
يعقوب باشا.
قوله: (على المختار) أي من قولين مصححين، ثانيهما أنه لا يحرم ما دون آية، ورجحه ابن الهمام بأنه لا يعقد قارئا بما دون آية في حق جواز الصلاة فكذا هنا، واعترضه في البحر تبعا للحلية بأن الاحاديث لم تفصل بين القليل والكثير، والتعليل في مقابلة النص مردودا ا ه.
والاول قول الكرخي، والثاني قول الطحاوي.
أقول: ومحله إذا لم تكن طويلة، فلو كانت طويلة كان بعضها كآية لانها تعدل ثلاث آيات.
ذكره في الحلية عن شرح الجامع لفخر الاسلام.
قوله: (فلو قصد الدعاء) قال في العيون لابي الليث: قرأ الفاتحة على وجه الدعاء أو شيئا من الآيات التي فيها معنى الدعاء ولم ير القراءة لا بأس به.
وفي الغاية: أنه المختار، واختاره الحلواني، لكن قال الهندواني: لا أفتى به وإن روي عن الامام، واستظهره في البحر تبعا للحلية في نحو الفاتحة لانه لم يزل قرآنا لفظا ومعنى معجزا متحدي به، بخلاف نحو - الحمد لله ونازعه في النهر بأن كون قرآنا في الاصل لا يمنع من إخراجه عن القرآنية بالقصد نعم ظاهر التقييد بالآيات التي فيها معنى الدعاء يفهم أن ما ليس كذلك كسورة أبي لهب لا يؤثر فيها قصد غير القرآنية، لكن لم أر التصريح به في كلامهم ا ه.
مطلب: يطلق الدعاء على ما يشمل الثناء أقول: وقد صرحوا بأن مفاهيم الكتب حجة، والظاهر أن المراد بالدعاء ما يشمل الثناء لان الفاتحة نصفها ثناء ونصفها الآخر دعاء، فقول الشارح أو الثناء من عطف الخاص على العام.
قوله: (أو افتتا أمر) كقوله بسم الله لافتتاح العمل تبركا.
بدائع.
قوله: (أو التعليم) فرق بعضهم بين الحائض والجنب بأن الحائض مضطرة لانها لا تقدر على رفع حدثها بخلاف الجنب، والمختار أنه لا فرق.
نوح.
قوله: (ولقن كلمة كلمة) هو المراد بقول المنية حرفا حرفا كما فسره به في شرحها، والمراد مع القطع بين كل كلمتين، وهذا على قول الكرخي، وعلى قول الطحاوي تعلم نصف آية.(1/186)
نهاية وغيرها.
ونظر فيه في البحر بأن الكرخي قائل باستواء الآية وما دونها في المنع.
وأجاب في النهر بأن مراده بما دونها: ما به يسمى قارئا وبالتعليم كلمة كلمة لا يعد قارئا ا ه.
ويؤيده ما قدمناه عن اليعقوبية.
بقي ما لو كانت الكلمة آية ك ص - و - ق - نقل نوح أفندي عن بعضهم أنه ينبغي الجواز.
أقول وينبغي عدمه في * (مدهامتان) * الرحمن: 46) تأمل.
قوله: (حتى لو قصد الخ) تفريع على مضمون ما قبله من أن القرآن يخرج عن القرآنية بقصد غيره.
قوله: (إلا إذا قصد الخ) استثناء من المضمون المذكور أيضا، والمراد المصلي الصلاة الكاملة ذات الركوع والسجود.
قوله: (فإنها تجزيه) الضمائر إلى القراءة المعلومة من المقام أو إلى الفاتحة ط قوله: (فلا يتغير
حكمها) وهو سقوط واجب القراءة بها.
قوله: (بقصده) أي الثناء.
قوله: (ومسه) أي مس القرآن.
وكذا سائر الكتب السماوية.
قال الشيخ إسماعيل: وفي المبتغى: ولا يجوز مس التوراة والانجيل والزبور وكتب التفسير ا ه.
وبه علم أنه لا يجوز مس القرآن المنسوخ تلاوة وإن لم يسمى قرآنا متعبدا بتلاوته، خلافا لما بحثه الرملي، فإن التوراة ونحوها مما نسخ تلاوته وحكمه معا.
فافهم.
قوله: (مستدرك) أي مدرك بالاعتراض.
والمعنى أنه معترض بما بعده من قول المصنف وبه وبالاصغر مس مصحف فإنه يغني عنه.
وفيه أنه لا يعترض بالمتأخر على المتقدم لوقوعه في مركزه ط: أي بل بالعكس.
قوله: (ساقط) لم يسقط فيما رأيناه من نسخ الشرح إلا قوله: ومسه ح.
قوله: (لوجوب الطهارة فيه) حتى لو لم يكن ثمة مسجد لا يحل فعله بدونها، وتمامه في البحر.
قال الرحمتي وكان المناسب أن يذكره: أي الطواف مع ما بعده، لان كما تجب الطهارة فيه من الحديث الاكبر تجب من الاصغر كما سيأتي، وصرح به ابن أمير حاج في عد الواجبات.
قال: والطهارة فيه من الحدث الاكبر والاصغر ا ه.
قوله: (مس مصحف) المصحف بتثليث الميم والضم فيه أشهر، سمي به لانه أصحف: أي جمع فيه الصحائف.
حلية.
قوله: (أي ما فيه آية الخ) أي المراد مطلق ما كتب فيه قرآن مجازا من إطلاق اسم الكل على الجزء، أو من باب الاطلاق والتقييد.
قال ح: لكن لا يحرم في غير المصحف إلا بالمكتوب: أي موضع الكتابة، كذا في باب الحيض من البحر، وقيد بالآية لانه لو كتب ما دونها لا يكره مسه كما في حيض القهستاني.
وينبغي أن يجري هنا ما جري في قراءة ما دون آية من الخلاف، والتفصيل المارين هناك بالاول، لان المس يحرم بالحدث ولو أصغر، بخلاف القراءة فكانت دونه.
تأمل.
قوله: (ظاهر كلامهم لا) قال في النهر: وظاهر استدلالهم بقوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * (الواقعة: 97) بناء على أن الجملة صفة للقرآن يقتضي اختصاص المنع به ا ه.
لكن قدمنا آنفا عن المبتغى أنه لا يجوز، وكذا نقله عن القهستاني عن الذخيرة ثم قال: وليس(1/187)
بعد النقل إلا الرجوع واستدلالهم بالآية لا ينفيه، بل ربما تلحق سائر الكتب السماوية بالقرآن دلالة لاشتراك الجميع في وجوب التعظيم كما لا يخفى، نعم ينبغي أن يخص بما لم يبدل كما سيأتي
نظيره ا ه.
قوله: (غير مشرز) أي غير مخيط به، وهو تفسير للمتجافي.
قال في المغرب مصحف مشرز أجزاؤه: مشدود بعضها إلى بعض، من الشيرازة وليست بعربية ا ه.
فالمراد بالغلاف ما كان منفصلا كالخريطة وهي الكيس ونحوها، لان المتصل بالمصحف منه حتى يدخل في بيعه بلا ذكر.
وقيل المراد به الجلد المشرز، وصححه في المحيط والكافي، وصحح الاول في الهداية وكثير من الكتب، وزاد في السراج: أن عليه الفتوى.
وفي البحر: أنه أقرب إلى التعظيم.
قال: والخلاف فيه جاز في الكم أيضا.
ففي المحيط: لا يكره عند الجمهور، واختاره في الكافي معللا بأن المس اسم للمباشرة باليد بلا حائل.
وفي الهداية: أنه يكره، هو الصحيح لانه تابع له، وعزاه في الخلاصة إلى عامة المشايخ، فهو معارض لما في المحيط فكان هو أولى ا ه.
أقول: بل هو ظاهر الرواية كما في الخانية، والتقييد بالكم اتفاقي فإنه لا يجوز مسه ببعض ثياب البدن غير الكم كما في الفتح عن الفتاوي.
وفيه قال لي بعض الاخوان: أيجوز بالمنديل الموضوع على العنق؟ قلت: لا أعلم فيه نقلا.
والذي يظهر أنه إن تحرك طرفه بحركته لا يجوز، وإلا جاز، لاعتبارهم إياه تبعا له كبدنه في الاول دون الثاني فيما لو صلى وعليه عمامة بطرفها الملقى نجاسة مانعة، وأقره في النهر والبحر.
قوله: (أو بصرة) راجع للدرهم، والمراد بالصرة ما كانت من غير ثيابه التابعة له.
قوله: (وحل قلبه بعود) أي تقليب أوراق المصحف بعود ونحوه لعدم صدق المس عليه.
قوله: (بغير أعضاء الطهارة) هذا لا يظهر إلا في الاصغر، وأما في الاكبر فالاعضاء كلها أعضاء طهارة ط: أي فالخلاف إنما هو في المحدث لا في الجنب، لان الحدث يحل جميع أعضائه، قوله: (وبما غسل منها) أي من الاعضاء بناء على الاختلاف في تجزي الطهارة وعدمه في حق غير الصلاة قوله: (والمنع أصح) كذا في شرح الزاهدي.
وظاهره أن المقابل صحيح يجوز الافتاء به ط، لكن في السراج: والصحيح أنه لا يجوز، لان بذلك لا ترتفع جنابته، ومثله في البحر فليس أفعل التفضيل على بابه.
قوله: (لان الجنابة لا تحل العين) تقدم ما يفيد أن الجنابة تحلها وسقط غسلها للحرج ط، والاولى أن يعلل بعدم المس كمقال ح، لانه لم يوجد في النظر إلا المحاذاة.
قوله: (وإلا) أي إن لم يكن المرا بالكراهة المنفية كراهة التحريم لا مطلق الكراهة قوله: مندوب
فقد نص في أذان الهداية على استحباب الوضوء لذكر الله تعالى.
قوله: (وهو مرجع كراهة التنزيه) أي فلذا قيد بقوله أي تحريما، وقصد بذلك الرد على قول البحر، وترك المستحب لا يوجب الكراهة، وقدمنا الكلام على ذلك في مندوبات الوضوء، قوله: (ولا يكره مس صبي الخ) فيه أن(1/188)
الصبي غير مكلف، والظاهر أن المراد لا يكره لوليه أن يتركه يمس، بخلاف ما لو رآه يشرب خمرا مثلا، فإنه لا يحل له تركه.
قوله: (ولا بأس بدفعه إليه) أي لا بأس بأن يدفع البالغ المتطهر المصحف إلى الصبي، ولا يتوهم جوازه مع وجود حدث البالغ ح قوله: (للضرورة) لان في تكليف الصبيان وأمرهم بالوضوء حرجا بهم، وفي تأخيره إلى البلوغ تقليل حفظ القرآن درر قال ط وكلامهم يقتضي منع الدفع والطلب من الصبي إذا لم يكن معلما.
قوله: (إذ الحفظ الخ) تنوير على دعوى الضرورة المبيحة لتعجيل الدفع قبل الكبر، وقوله: كالنقش في الحجر أي من حيث الثبات والبقاء.
قال الشارح في الخزائن: وهذا حديث أخرجه البيهقي في المداخل، لكن بلفظ العلم والصغر كالنقش في الحجر.
ومما أنشد نفطويه لنفسه: أراني أنسى ما تعلمت في الكبر ولست بناس ما تعلمت في الصغر وما العلم إلا بالتعلم في الصباوما الحلم إلا بالتحلم في الكبر وما العلم بعد الشيب إلا تعسف إذا كل قلب المرء والسمع والبصر ولو فلق القلب المعلم في الصبالابصر فيه العلم كالنقش في الحجر قوله: (خلافا لمحمد) حيث قال: أحب إلي لا يكتب لانه في حكم الماس للقرآن.
حلية عن المحيط.
قال في الفتح: والاول أقيس، لانه في هذه الحالة ماس بالقلم وهو واسطة منفصلة، فكان كثوب منفصل إلا أن يمسه بيده.
قوله: (وينبغي الخ) يؤخذ هذا مما ذكرناه عن الفتح، ووفق ط بين القولين بما يرفع الخلاف من أصله بحمل قول الثاني على الكراهية التحريمية، وقول الثالث على التنزيهية، بدليل قوله: أحب إلي الخ.
قوله: (على الصحيفة) قيد بها لان نحو اللوح لا يعطي حكم الصحيفة، لانه لا يحرم إلا مس المكتوب منه ط قوله: (قاله الحلبي) هو الشيخ إبراهيم الحلبي صاحب
متن المنتقى وشارح المنية.
قوله: (ويكره له الخ) الاولى لهم: أي للجنب والحائض والنفساء.
هذا وصحح في الخلاصة عدم الكراهة.
قال في شرح المنية: لكن الصحيح الكراهة، لان مبدل منه بعض غير معين، وما لم يبدل غالب وهو واجب التعظيم والصون.
وإذا اجتمع المحرم والمبيح غلب المحرم.
وقال عليه الصلاة والسلام: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وبهذا ظهر فساد قول من قال: يجوز الاستنجاء بما في أيديهم من التوراة والانجيل من الشافعية، فإنه مجازفة عظيمة، لان الله تعالى لم يخبرنا بأنهم بدلوها عن آخرها، وكونه منسوخا لا يخرجه عن كونه كلام الله تعالى كالآيات المنسوخة من القرآن ا ه.
واختار سيدي عبد الغني ما في الخلاصة، وأطال في تقريره، ثم(1/189)
قال: وقد نهينا عن النظر في شئ منها سواء نقلها إليها الكفار أو من أسلم منهم.
قوله: (بما لم يبدل) أما ما علم أنه مبدل لو كتب وحده يجوز مسه كزعمهم أن من التوراة هذه شريعة مؤبدة ما دامت السموات والارض.
قال في شرح التحرير: وقد ذكر غير واحد أنه قيل: أول من اختلقه لليهود ابن الراوندي ليعارض به دعوى نبينا محمد (ص): قوله: (لا قراءة قنوت) هذا ظاهر المذهب.
وعن محمد: أنه يكره احتياطا لان له شبهة القرآن لاختلاف الصحابة، لان أبيا جعله سورتين من القرآن من أوله إلى اللهم إياك نعبد سورة، ومن هنا إلى آخره أخرى، لكن الفتوى على ظاهر الرواية لانه ليس بقرآن قطعا ويقينا بالاجماع، فلا شبهة توجب الاحتياط المذكور، نعم يستحب الوضوء لذكر الله تعالى، وتمامه في الحلية.
قوله: (بعد غسل يد وفم) أما قبله فلا ينبغي، لانه يصير شاربا للماء المستعمل وهو مكروه تنزيها، ويده لا تخلو عن النجاسة فينبغي غسلها ثم يأكل.
بدائع.
وفي الخزانة: وإن ترك لا يضره.
وفي الخانية: لا بأس به.
وفيها: واختلف في الحائض: قيل كالجنب، وقيل لا يستحب لها لان الغسل لا يزيل نجاسة الحيض عن الفم واليد، وتمامه في الحلية.
قوله: (لم يأت أهله) أي ما لم يغتسل لئلا يشاركه الشيطان كما أفاده ركن الاسلام.
وفي البستان قال ابن المقنع: يأتي الولد مجنونا أو بخيلا.
إسماعيل.
قوله: (قال الحلبي الخ) هو العلامة محمد بن أمير حاج الحلبي شارك المنية والتحرير.
الاصولي.
قوله: (ظاهر الاحاديث الخ) يشعر بأنه وردت في الاحتلام أحاديث، والحال أنا
لم نقف فيه على حديث واحد.
والذي ورد: دار على نسائه في غسل واحد وورد أنه طاف على نسائه واغتسل عند هذه وعند هذه فقلنا باستحبابه.
وأما الاحتلام فلم يرد فيه شئ من القول والفعل، على أنه من جهة الفعل محال، لان الانبياء صلوات الله عليهم وسلامه معصومون عنه، غاية ما يقال: إنه لما دل الدليل على استحباب الغسل لمن أراد المعاودة علم استحبابه للجنب إذا أراد ذلك سواء كانت الجنابة من الجماع أو الاحتلام ا ه.
نوح أفندي.
وهو كلام حسن، إلا أن عبارة الحلبي ليس فيها الاستدلال بالاحاديث على الندب، وإنما نفي الدليل على الوجوب، والشارح تابع صاحب البحر في عزو وهذه العبارة إليه.
ونص عبارة الحلبي في الحلية بعد نقله جملة أحاديث: فيستفاد من هذه الاحاديث أن المعاودة من غير وضوء ولا غسل بين الجماعين أمر جائز، وأن الافضل أن يتخللها الغسل أو الوضوء، ثم قال بعد نقله الفرع المذكور عن المبتغى بالغين المعجمة: وهو قوله: إلا أذا احتلم لم يأت أهله: هذا إن لم يحمل على الندب غريب، ثم لا دليل فيها يظهر يدل على الحرمة ا ه.
قوله: (من كلامه) أي كلام المبتغى، وليس في عبارة الشارح ما يرجع إليه هذا الضمير.
قوله: (والتفسير كمصحف) ظاهره حرمة المس كما هو مقتضى التشبيه، وفيه نظر، إذ لا نص فيه بخلاف المصحف، فالمناسب(1/190)
التعبير بالكراهة كما عبر غيره.
قوله: (لا الكتب الشرعية) قال في الخلاصة: ويكره مس المصحف كما يكره للجنب، وكذا كتب الاحاديث والفقه عندهما.
والاصح أنه لا يكره عنده ا ه.
قال في شرح المنية: وجه قوله أنه لا يسمى ماسا للقرآن لان ما فيها منه بمنزلة التابع ا ه.
ومشى في الفتح على الكراهة فقال: قالوا: يكره مس كتب التفسير والفقه والسنن لانها لا تخلو عن آيات القرآن، وهذا التعليل يمنع من شروح النحو ا ه.
قوله: (لكن في الاشباه الخ) استدراك على قوله: التفسير كمصحف فإن ما في الاشباه صريح في جواز مس التفسير، فهو كسائر الكتب الشرعية، بل ظاهره أنه قول أصحابنا جميعا، وقد صرح بجوازه أيضا في شرح درر البحار.
وفي السراج عن الايضاح: أن كتب التفسير لا يجوز مس موضع القرآن، وله أن يمس غيره، وكذا
كتب الفقه إذا كان فيها شئ من القرآن، بخلاف المصحف، فإن الكل فيه تبع للقرآن ا ه.
والحاصل أنه لا فرق بين التفسير وغيره من الكتب الشرعية على القول بالكراهة وعدمه، ولهذا قال في النهر: ولا يخفى أن مقتضى ما في الخلاصة عدم الكراهة مطلقا، لان من أثبتها حتى في التفسير نظر إلى ما فيها من الآيات، ومن نفاها نظر إلى أن الاكثر ليس كذلك، وهذا يعم التفسير أيضا، إلا أن يقال: إن القرآن فيه أكثر من غيره ا ه.
أي فيكره مسه دون غيره من الكتب الشرعية، كما جرى عليه المصنف تبعا للدرر، ومشى عليه في الحاوي القدسي وكذا في المعراج والتحفة، فتلخص في المسألة ثلاثة أقوال.
قال ط: وما في السراج أوفق بالقواعد ا ه.
أقول: الاظهر والاحوط القول الثالث: أي كراهته في التفسير دون غيره لظهور الفرق، فإن القرآن في التفسير أكثر منه في غيره، وذكره فيه مقصود استقلالا: لا تبعا، فشبهه بالمصحف أقرب من شبهه ببقية الكتب.
والظاهر أن الخلاف في التفسير الذي كتب فيه القرآن بخلاف غيره كبعض نسخ الكشاف.
تأمل.
قوله: (ولو قيل به) أي بهذا التفصيل، بأن يقال: إن كان التفسير أكثر لا يكره، وإن كان القرآن أكثر يكره، والاولى إلحاق المساواة بالثاني، وهذا التفصيل ربما يشير إليه ما ذكرناه عن النهر، وبه يحصل التوفيق بين القولين.
قوله: (قلت لكنه إلخ) استدراك على قوله: ولو قيل به الخ.
وحاصله: أن ما مر في المتن مطلق، فتقييد الكراهة بما إذا كان القرآن مخالف له، ولا يخفى أن هذا الاستدراك غير الاول، لان الاول كان على كراهة مس التفسير وهذا على تقييد الكراهة، فافهم.
قوله: (فتدبر) لعله يشير به إلى أنه يمكن ادعاء تقييد إطلاق المتن بما إذا لم يكن التفسير أكثر، فلا ينادي دعوى التفصيل.
قوله: (يدفن) أي يجعل في خرقة طاهرة ويدفن في محل غير ممتهن:(1/191)
لا يوطأ.
وفي الذخيرة: وينبغي أن يلحد لا ولا يشق له لانه يحتاج إلى إهالة التراب عليه، وفي ذلك نوع تحقير، إلا إذا جعل فوقه سقفا بحيث لا يصل التراب إليه فهو حسن أيضا ا ه.
وأما غيره من الكتب فسيأتي في الحظر والاباحة أنه يمحى عنها اسم الله تعالى وملائكته ورسله ويحرق الباقي، ولا بأنه بأن تلقى في ماء جار كما هي أو تدفن وهو أحسن ا ه.
قوله:
(كالمسلم) فإنه مكرم، وإذا مات وعدم نفعه يدفن، وكذلك المصحف فليس في دفنه إهانة له، بل ذلك إكرام خوفا من الامتهان.
قوله: (ويمنع النصراني) في بعض النسخ: الكافر، وفي الخانية: الحربي أو الذمي.
قوله: (من مسه) أي المصحف بلا قيده السابق.
قوله: (وجوزه محمد إذا اغتسل) جزم به في الخانية بلا حكاية خلاف.
قال في البحر: وعندهما يمنع مطلقا.
قوله: (ويكره وضع المصحف الخ) وهل التفسير والكتب الشرعية كذلك؟ يحرر ط.
أقول: الظاهر نعم كما تفيده المسألة التالية، ثم رأيته في كراهية العلامي.
قوله: (إلا للحفظ) أي حفظه من سارق ونحوه.
تنبيه: سئل بعض الشافعية عمن اضطر إلى مأكول ولا يتوصل إليه إلا بوضع المصحف تحت رجله.
فأجاب: الظاهر الجواز، لان حفظ الروح مقدم ولو من غير الآدمي، ولذا لو أشرفت سفينة على الغرق واحتيج إلى الالقاء ألقي المصحف حفظا للروح، والضرورة تمنع كونه امتهانا، كما لو اضطر إلى السجود لصنم حفظا لروحه.
قوله: (والمقلمة) أي الدواة.
قوله: (إلا للكتابة) الظاهر أن ذلك عند الحاجة إلى الوضع.
قوله: (ويوضع الخ) أي على سبيل الاولوية رعاية للتعظيم.
قوله: (النحو) أي كتبه، واللغة مثله كما في البحر: قوله: (ثم التعبير) أي تعبير الرؤيا كابن سيرين وابن شاهين لافضليته لكونه تفسيرا ما هو جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وهو الرؤيا ط.
قوله: (ثم الفقه) لعل وجهه أن مظعم أدلته من الكتاب والسنة فيكثر فيه ذكر الآيات والاحاديث، بخلاف علم الكلام فإن ذلك خاص بالسمعيات منه فقط.
تأمل.
قوله: (ثم الاخبار والمواعظ) عبارة البحر عن القنية: الاخبار والمواعظ والدعوات المروية ا ه.
والظاهر أن المروية صفة للكل: أي المروية عن النبي (ص).
قوله: (ثم التفسير) قال في البحر: والتفسير فوق ذلك والتفسير الذي فيه آيات مكتوبة فوق كتب القراءة.
زاد الرملي عن الحاوي، والمصحف فوق الجميع.
قوله: (إلا إذا كسره) فحينئذ لا يكره، كما لا يكره مسه لتفرق الحروف أو لان الباقي دون آية.
قوله: (رقية الخ) الظاهر أن المراد بها ما يسمونه الآن بالهيكل والحمائل المشتمل على الآيات القرآنية، فإذا كان غلافه منفصلا عنه كالمشمع ونحوه جاز دخول الخلاء به ومسه وحمله للكتب، ويستفاد منه أن ما كتب من
الآيات بنية الدعاء والثناء لا يخرج عن كونه قرآنا، بخلاف قراءته بهذه النية، فالنية تعمل في تغيير المنطوق المكتوب ا ه.
من شرح سيدي عبد الغني.
قوله: (لاحترامه) أي بسبب ما كتب به من(1/192)
أسماء الله تعالى ونحوها، على أن الحروف في ذاتها لها احترام.
قوله: (لا يلقى) أي ما ذكر من الحشيش والكناسة.
قوله: (في كاغد) هو القرطاس معربا.
قاموس.
وهو بفتح الغين المعجمة كما نقل عن المصباح.
قوله: (فيجوز محوه) المحو: إذهاب الاثر كما في القاموس.
قال ط: وهل إذا طمس الحروف بنحو حبر يعد محوا؟ يحرر.
قوله: (ومحو بعض الكتابة) ظاهره ولو قرآنا، وقيد بالبعض لاخراج اسم الله تعالى ط قوله: (وقد ورد النهي الخ) فهو مكروه تحريما، وأما لعقه بلسانه وابتلاعه فالظاهر جوازه ط قوله: (ومن فيهن) ظاهره يعم النبي (ص)، والمسألة ذات خلاف، والاحوط الوقف، وعبر بمن الموضوعة للعاقل لان غيره تبع له، ولعل ذلك الحديث للاشارة إلى أن القرآن يلحق باسم الله تعالى في النهي عن محوه بالبزاق، فيخض قوله: ومحو بعض الكتابة الخ بغير القرآن أيضا، فليتأمل ط.
قوله: (مستور) ظاهره عدم جوازه إذا لم يشترط.
أقول: وعبارة الخانية: ولا بأس بالخلوة والمجامعة في بيت فيه مصحف، لان بيوت المسلمين لا تخلو من ذلك.
قوله: (مطلقا) أي سواء استعمل أو علق.
قوله: (وتمامه في البحر) حيث قال: وقيل يكره حتى الحروف المفردة.
ورأى بعض الائمة شبانا يرمون إلى هدف كتب فيه أبو جهل لعنه الله فنهاهم عنه، ثم مر بهم وقد قطعوا الحروف فنهاهم أيضا وقال: إنما نهيتكم في الابتداء لاجل الحروف، فإذا يكره مجرد الحروف، لكن الاول أحسن وأوسع ا ه.
قال سيدي عبد الغني: ولعل وجه ذلك أن حروف الهجاء قرآن نزلت على هود عليه السلام كما صرح بذلك الامام القسطلاني في كتابه الاشارات في علم القراءات ا ه.
قوله: (قلت وظاهره الخ) كذا يوجد في بعض النسخ: أي ظاهر قوله: لا تعليقه للزينة.
قوله: (يحرر) أقول في فتح القدير: وتكره كتابة القرآن وأسماء الله تعالى على الدرهم والمحاريب والجدران وما يفرش.
والله تعالى أعلم.
باب المياه
شروع في بيان ما تحصل به الطهارة السابق بيانها.
والباب لغة: ما يتوصل منه إلى غيره.
واصطلاحا: اسم لجملة مختصة من العلم مشتملة على فصول وسمائل غالبا.
قوله: (جمع ماء) هو جمع كثرة، ويجمع جمع قلة على أمواه.
بحر.
قوله: (ويقصر) أشار بتغيير التعبير إلى قلته، ولذا قال(1/193)
في النهر: وعن بعضهم قصره ط.
قوله: (والهاء همزة) وقد تبقى على حالها فيقال ماء بالهاء كما في القاموس.
قوله: (به حياة كل نام) أي زائد من حيوان أو نبات، ولا يراد أن الماء الملح ليس فيه حياة، لان ذلك عارض والاصل فيه العذوبة كما في حاشية أبي السعود: أي لان أصله من ماء السماء كما يأتي.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان أكبر أو أصغر.
قوله: (هو ما يتبادر عند الاطلاق) أي ما يسبق إلى الفهم بمطلق قولنا ماء ولم يقم به خث ولا معنى يمنع جواز الصلاة، فخرج الماء المقيد والماء المتنجس والماء المستعمل بحر.
وظاهره أن المتنجس والمستعمل غير مقيد مع أنه منه، لكن عند العالم بالنجاسة والاستعمال، ولذا قيد بعض العلماء التبادر بقوله: بالنسبة للعالم بحاله.
واعلم أن الماء المطلق أخص من مطلق ماء لاخذ الاطلاق فيه قيدا، ولذا صح إخراج المقيد به.
وأما مطلق ماء، فمعناه أي ماء كان، فيدخل فيه المقيد المذكور، ولا يصح إرادته هنا.
قوله: (كماء سماء) الاضافة للتعريف، بخلاف الماء المقيد فإن القيد لازم له لا يطلق الماء عليه بدونه كماء الورد.
بحر.
قوله: (وأودية) جمع واد.
قوله: (وآبار) بمد الهمزة وفتح الباء بعدها ألف، وبقصر الهمزة وإسكان الباء بعدهما همزة ممدودة بألف: جمع.
شرح المنية.
قوله: (بحيث يتقاطر) وعن الثاني الجواز مطلقا، والاصح قولهما.
نهر.
قوله: (وبرد وجمد) أي مذابين أيضا.
قوله: (وندا) بالفتح والقصر.
قال في الامداد هو الطل، وهو ماء على الصحيح، وقيل نفس دابة ا ه.
أقول: وكذا الزلال.
قال ابن حجر: وهو ما يخرج من جوف صورة توجد في نحو الثلج كالحيوان وليست بحيوان، فإن تحقق كان نجسا لانه قئ ا ه.
نعم لا يكون نجسا عندنا ما لم يعلم كونه حيوانا دمويا، أما رفع الحدث به فلا يصح وإن كان غير دموي، قوله: (فالكل) أي كل المياه المذكورة بالنظر إلى ما في نفس الامر.
قوله: (والنكرة) جواب عما يقال: إن ماء في الآية نكرة في سياق الاثبات فلا تعم.
وبيان الجواب أن النكرة في الاثبقد تعم لقرينة لفظية، كما إذا وصفت بصفة عامة مثل.
ولعبد مؤمن خير - أو غيلفظية مثل - علمت نفس - ومثل: تمرة خير من جرادة، وهنا كذلك، فإن السياق للامتنان وهو تعداد النعم من المنعم، فيفيد أن المراد أنزل من السماء كل ما فسلكه ينابيع لا بعض الماء حتى يفيد أن بعض ما في الارض ليس من السماء، لان كمال الامتنان في العموم، ويستدل بالآية أيضا على طهارته إذ لا منه بالنجس.
قوله: (بلا كراهة) أشار بذلك إلى فائدة التصريح به مع دخوله في قوله: وآبار وسيذكر الشارح في آخر كتاب الحج أنه يكره الاستنجاء بماء زمزم والاغتسال ا ه.
فاستفيد منه أن نفي الكراهة خاص في رفع الحدث بخلاف الخبث.
قوله: (قصد تشميسه) قيد اتفاقي لان المصرح به في كتب الشافعية أنه لو تشمس بنفسه كذلك.
قوله: (وكراهته الخ) أقول: المصرح به في شرحي ابن حجر والرملي على المنهاج أنها شرعية تنزيهية لا طبية، ثم قال ابن حجر: واستعماله يخشى منه البرص كما صح عن عمر رضي الله عنه، واعتمده بعض محققي الاطباء لقبض زهومته على مسام البدن فتحبس الدم، وذكر شروط كراهته(1/194)
عندهم، وهي أن يكون بقطر حار وقت الحر في إناء منطبع غير نقد، وأن يستعمل وهو حار.
أقول: وقدمنا في مندوبات الوضوء عن الامداد أن منها أن لا يكون بماء مشمس، وبه صرح في الحلية مستدلا بما صح عن عمر من النهي عنه، ولذا صرح في الفتح بكراهته، ومثله في البحر.
وقال في معراج الدراية وفي القنية: وتكره الطهارة بالمشمس، لقوله (ص): لعائشة رضي الله عنها حين سخنت الماء بالشمس: لا تفعلي يا حميراء، فإنه يورث البرص وعن عمر مثله.
وفي رواية لا يكره، وبه قال أحمد ومالك.
والشافعي: يكره إن قصد تشميسه.
وفي الغاية: وكره بالمشمس في قطر حار في أوان منطبعة، واعتبار القصد ضعيف، وعدمه غير مؤثر ا ه.
ما في المعراج.
فقد علمت أن المعتمد الكراهة عندنا لصحة الاثر وأن عدمها رواية.
والظاهر أنها تنزيهية عندنا أيضا، بدليل عدة في المندوبات، فلا فرق حينئذ بين مذهبنا ومذهب الشافعي، فاغتنم هذا التحرير.
قوله: (لبقاء الاول الخ) هذا الفرق أبداه صاحب الدرر بعد ما نقل الاولى عن عيون المذاهب والثانية عن
الخلاصة، واعترضه محشيه العلامة نوح أفندي بأن عبارة الخلاصة: ولو توضأ بماء الملح لا يجوز.
قال في البزازية: لانه على خلاف طبع الماء، لانه يجمد صيفا ويذوب شتاء.
وقال الزيلعي: ولا يجوز بماء الملح، وهو ما يجمد في الصيف ويذوب في الشتاء عكس الماء، وأقره صاحب البحر والعلامة المقدسي، ومقتضاه أنه لا يجوز بماء الملح مطلقا: أي سواء انعقد ملحا ثم ذاب أو لا؟ وهو الصواب عندي ا ه.
ملخصا.
قوله: (أي معتصر) إشارة إلى أن عصير اسم مفعول.
قوله: (من شجر) ينبغي أن يعمم بما له ساق أو لا، ليشمل الريباس وأوراق الهندبا وغير ذلك كما في البرجندي إسماعيل.
قوله: (أو ثمر) بمثلثة نهر كالعنب.
مطلب في حديث لا تسموا العنب الكرم قوله: (من الكرم) أخرج السيوطي لا تسموا العنب الكرم زاد في رواية الكرم قلب المؤمن وذلك لان هذه اللفظة تدل على كثرة الخير والمنافع في المسمى بها وقلب المؤمن هو المستحق لذلك، وهل المراد النهي عن تخصيص شجر العنب بهذا اللفظ وأن قلب المؤمن أولى به منه فلا يمنع من تسميته بالكرم؟ أو المراد أو تسميته بها مع اتخاذ الخمر المحرم منه وصف بالكرم والخير لاصل هذا الشراب الخبيث المحرم؟ وذلك ذريعة إلى مدح المحرم، وتهييج النفوس إليه محتمل ا ه.
مناوي.
وجزم في القاموس بالاحتمال الاول، وفي شرح الشرعة بالثاني.
قوله: (وهو الاظهر) وهو المصرح به في كثير من الكتب، واقتصر عليه في الخانية والمحيط، وصدر به في الكافي وذكر الجواز بقيل.
وفي الحلية أنه الاوجه لكمال الامتزاج.
بحر ونهر.
وقال الرملي في حاشية المنح: ومن راجع كتب المذهب وجد أكثرها على عدم الجواز فيكون المعول عليه لما في هذا المتن مرجوح بالنسبة إليه ا ه.
قوله: (والاعتصار الخ) فالمراد به الخروج ط قوله: (وكذا ماء الدابوغة الخ) أي كماء الكرم في الخلاف وفي أن الاظهر عدم جواز رفع الحدث بها، ولم أجد(1/195)
فيما عندي من كتب اللغة لفظ الدابوغة فليراجع ح.
ونقل بعض المحشين عن كتب الطب أن البطيخ الاخضر يقال له الحبحب والدابوغة والدابوقة، قال: وعلى هذا يتعين حمل البطيخ في كلام الشارح
على الاصفر المسمى بالخربز.
قوله: (وكذا نبيذ التمر) أي في أن الاظهر فيه عدم الجواز أيضا، وفصله عما قبله لانه ليس منه بل من قسم المغلوب الذي زال اسمه كما يذكره قريبا.
قوله: (ولا بماء مغلوب) التقييد بالمغلوب بناء على الغالب، وإلا فقد يمنع التساوي في بعض الصور كما يأتي.
قوله: (الغلبة الخ) اعلم أن العلماء اتفقوا على جواز رفع الحدث بالماء المطلق وعلى عدمه بالماء المقيد، ثم الماء إذا اختلط به طاهر لا يخرجه عن صفة الاطلاق ما لم يغلب عليه، وبيان الغلبة اختلفت فيه عبارات فقهائنا.
وقد اقتحم الامام فخر الدين الزيلعي التوفيق بينها بضابط مفيد أقره عليه من بعده من المحققين كابن الهمام وابن أمير حاج وصاحب الدرر والبحر والنهر والمصنف والشارح وغيرهم، وهو ما ذكره الشارح بأوجز عبارة وألطف إشارة.
قوله: (بتشرب نبات الخ) بدل من قوله بكمال الامتزاج أو متعلق بمحذوف حالا منه، وهذا يشمل ما خرج بعلاج أو لا كما مر.
قوله: (بما لا يقصد به التنظيف) كالمرق وماء الباقلا: أي الفول، فإنه يصير مقيدا سواء تغير شئ من أوصافه أو لا، وسواء بقيت فيه رقة الماء أو لا في المختار كما في البحر.
واحترز عما إذا طبخ فيه ما يقصد به المبالغة في النظافة كالاشنان ونحوه، فإنه لا يضر ما لم يغلب عليه فيصير كالسويق المخلوط لزوال اسم الماء عنه كما في الهداية.
قوله: (وإما بغلبة الخ) مقال قوله: إما بكمال الامتزاج.
قوله: (فبثخانة) أي فالغلبة بثخانة الماء: أي بانتفاء رقته وجريانه على الاعضاء.
زيلعي.
وأفاد في الفتح أن المناسب أن لا يذكر هذا القسم، لان الكلام في الماء وهذا قد زال عنه اسم الماء كما أشار إليه كلام الهداية السابق.
قوله: (ما لم يزل الاسم) أي فإذا زال الاسم لا يعتبر في منع التطهر به الثخانة بل يضر وإن بقي على رقته وسيلانه، وهذا زاد في البحر على ما ذكره الزيلعي.
أقول: لكن ير عليه ما قدمناه عن الفتح.
تأمل.
قوله: (كنبيذ تمر) ومثله الزعفران إذا خالط الماء وصار بحيث يصبغ به فليس بماء مطلق من غير نظر إلى الثخانة، وكذا إذا طرح فيه زاج أو عفص وصار ينقش به لزوال اسم الماء عنه.
أفاده في البحر، وسينبه عليه الشارح.
قوله: (ولو مائعا) عطف على قوله: فلو جامدا.
ثم المائع إما مباين لجميع الاوصاف: أعين الطعم واللون والريح كالخل، أو موافق في بعض
مباين في بعض، أو مماثل في الجميع وذكر تفصيله وأحكامه.
قوله: (بتغير أكثرها) أي فالغلبة بتغير أكثرها وهو وصفان، فلا يضر ظهور وصف واحد في الماء من أوصاف الخل مثلا.
قوله: (كلبن) فإنه موافق للماء في عدم الرائحة مباين له في الطعم واللون، وكماء البطيخ: أي بعض أنواعه، فإنه موافق له في عدم اللون والرائحة مباين له في الطعم.
هذا وفي حاشية الرملي على البحر أن المشاهد في اللبن مخالفته للماء في الرائحة.
قوله: (فبأحدها) أي فغلبته بتغير أحد الاوصاف المذكورة كالطعم أو اللون في اللبن وكالطعم فقط في البطيخ فافهم.
قوله: (كمستعمل) أي على(1/196)
القول بطهارته، وكالماء الذي يؤخذ بالتقطير من لسان الثور وماء الورد المنقطع الرائحة.
بحر.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يكن المطلق أكثر، بأن كان أقل أو مساويا لا يجوز.
قوله: (وهذا) أي ما ذكر من اعتبار الاجزافي المستعمل يعم الملقى بالبناء للمفعول: أي ما كان مستعملا من خارج ثم أخذوألقي في الماء المطلق وخلط به، والملاقي: أي والذي لاقى العضو من الماء المطلق القليل بأن انغمس فيه محدث أو أدخل يده فيه.
مطلب في مسألة الوضوء من الفساقي قوله: (ففي الفساقي) أي الحياض الصغار يجوز التوضؤ منها مع عدم جريانها، وهو تفريع على ما ذكره من التعميم، ومن جملة الفساقي مغطس الحمام وبرك المساجد ونحوها مما لم يكن جاريا ولم يبلغ عشرا في عشر، فعلى هذا القول يجوز فيها الاغتسال والوضوء ما لم يعلم أن الماء الذي لاقى أعضاء المتطهرين سوى المطلق أو غلب عليه.
قوله: (على ما حققه في البحر الخ) حيث استدل على ذلك بإطلاقهم المفيد للعموم كما مر، وبقول البدائع: الماء القليل إنما يخرج من كونه مطهرا باختلاط غير المطهر به إذا كان غير المطهر غالبا كماء الورد واللبن لا مغلوبا، وها هنا الماء المستعمل ما يلاقي البدن، ولا شك أنه أقل من غير المستعمل فكيف يخرج به من أن يكون مطهرا.
ا ه.
ونحوه في الحلية لابن أمير حاج.
وفي فتاوي الشيخ سراج الدين قاري الهداية التي جمعها تلميذه المحقق ابن الهمام سئل عن
فسقية صغيرة يتوضأ فيها الناس وينزل فيها الماء المستعمل وفي كل يوينزل فيها ماء جديد، هل يجوز الوضوء فيها؟ أجاب: إذا لم يقع فيها غير الماء المذكور لا يضر ا ه: يعني وأما إذا وقعت فيها نجاسة تنجست لصغرها.
وقد استدل في البحر بعبارات أخر لا تدل له كما يظهر للمتأمل لانها في الملقى، والنزاع في الملاقي كما أوضحناه فيما علقناه عليه فلذا اقتصرنا على ما ذكرنا.
قوله: (فرق بينهما) أي بين الملقى والملاقي حيث قال: وما ذكر من أن الاستعمال بالجزء الذي يلاقي جسده دون باقي الماء فيصير ذلك الجزء مستهلكا في كثير فهو مردود لسريان الاستعمال في الجميع حكما، وليس كالغالب يصب القليل من الماء فيه ا ه.
وحاصله الرد على ما مر عن البدائع بأن المحدث إذا انغمس أو أدخل يده في الماء صار مستعملا لجميع الماء حكما، وإن كان المستعمل حقيقة هو الملاقي للعضو فقط، بخلاف ما لو ألقى فيه المستعمل القليل فإنه لا يحكم على الجميع بالاستعمال، لان المحدث لم يستعمل شيئا منه حتى يدعي ذلك، وإنما المستعمل حقيقة وحكما هو ذلك الملقى فقط.
وملخصه: أن الملقى لا يصير به الماء مستعملا إلا بالغلبة، بخلاف الملاقي فإن الماء يصير مستعملا كله بمجرد ملاقاة العضو له.
ورد ذلك في البحر بأنه لا معنى للفرق المذكور، لان الشيوع والاختلاط في الصورتين سواء، بل لقائل أن يقول: إلقاء الغسالة من خارج أقوى تأثيرا من غيره لتعين المستعمل فيه ا ه.
ولذلك أمر الشارح بالتأمل.(1/197)
واعلم أن هذه المسألة مما تحيرت فيها أفهام العلماء الاعلام ووقع فيها بينهم النزاع وشاع وذاع، وألف فيها العلامة قاسم رسالة (رفع الاشتباه عن مسألة المياه) حقق فيها عدم الفرق بين الملقى والملاقي: أي فلا يصير الماء مستعملا بمجرد الملاقاة، بل تعتبر الغلبة في الملاقي كما تعتبر في الملقى، ووافقه بعض أهل عصره، وتعقبه غيرهم منهم تلميذه العلامة عبد البر بن الشحنة فرد عليه برسالة سماها (زهر الروض في مسألة الحوض) وقال: لا تغتر بما ذكره شيخنا العلامة قاسم.
ورد عليه أيضا في شرحه على الوهبانية، واستدل بما فالخانية وغيرها: لو أدخل يده أو رجله في الاناء للتبرد يصير الماء مستعملا لانعدام الضرورة، وبما في الاسرار للامام أبي زيد الدبوسي حيث ذكر ما مر عن البدائع، ثم قال: إلا أن محمدا يقول: لما اغتسل في الماء القليل صار الكل مستعملا حكما ا ه ومن هنا نشأ الفرق السابق، وبه أفتى العلامة ابن الشلبي، وانتصر في البحر للعلامة قاسم وألف رسالة سماها (الخير الباقي في الوضوء من الفساقي) وأجاب عما استدل به ابن الشحنة بأنه مبنى على القول الضعيف بنجاسة الماء المستعمل، ومعلوم أن النجاسة ولو قليلة تفسد الماء القليل، وأقره العلامة الباقاني والشيخ إسماعيل النابلسي وولده سيدي عبد الغني، وكذا في النهر والمنح، وعلمت أيضا موافقته للمحقق ابن أمير حاج وقارئ الهداية، وإليه يميل كلام العلامة نوح أفندي، ثم رأيت الشارح في الخزائن مال إلى ترجيحه وقال: إنه الذي حرره صاحب البحر بعد إطلاعه على كتب المذهب ونقله عباراتها المضطربة ظاهرا، وعلى ما ألف في هذا الخصوص من الرسائل وأقام على هذه الدعوى الصادقة البينة العادلة، وقد حررت في ذلك رسالة حافلة كافلة بذلك متضمنة لتحقيق ما هنالك، وبلغني أن شيخنا الشيخ شرف الدين الغزي محشي الاشباه مال إلى ذلك كذلك ا ه.
ملخصا.
قلت: وفي ذلك توسعة عظيمة ولا سيما في زمن انقطاع المياه عن حياض المساجد وغيرها في بلادنا، ولكن الاحتياط لا يخفى، فينبغي لمن يبتلي بذلك أن لا يغسل أعضاءه في ذلك الحوض الصغير، بل يغترف منه ويغسل خارجه وإن وقعت الغسالة فيه ليكون من الملقى لا من الملاقي الذي فيه النزاع، فإن هذا المقام فيه للمقال مجال، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
قوله: (ويجوز) أي يصح وإن لم يحل في نحو الماء المغصوب وهو أولى هنا من إرادة الحل وإن كان الغالب إرادة الاول في العقود والثاني في الافعال، فافهم.
قوله: (بما ذكر) أي في أقسام الماء المطلق.
قوله: (غير دموي) المراد ما لا دم له سائل، فما في القهستاني أن المعتبر عدم السيلان لا عدم أصله، حتى لو وجد حيوان له دم جامد لا ينجس ا ه.
أقول: وكذا دم القملة والبرغوث فإنه غير سائل، وخرج الدموي سواء كان دمه من نفسه أو مكتسبا بالمص كالعلق فإنه يفسد الماء كما يأتي، والمراد
الدموي غير المائي بدليل ذكره المائي بعده.
قوله: (كزنبور) بضم الزاي، وهو أنواع: منها النحل.
نهر.
قوله: (أي بعوض) في البحر وغيره أنه كبار البعوض، لكن في القاموس: البقة: البعوضة، ودويبة مفرطحة: أي عريضة حمراء منتنة.
والظاهر أن الثاني هو المراد بقوله: وقيل بق الخشب ويؤيده عبارة الحلية، وقد يسمى به الفسفس في بعض الجهات: وهو حيوان كالقراد شديد النتن.
وعبارة السراج: وقيل الكتان.
وفي القاموس: الكتان دويبة حمراء لساعة ا ه.
والظاهر أنه(1/198)
الفسفس.
قوله: (ومن يعلم الخ) أصل عبارة المجتبى: ومنه يعلم حكم القراد والحلم ا ه: أي يعلم أن الاصح أنه مفسد.
وقال في النهر: والترجيح في العلترجيح في البق، إذ الدم فيها مستعار ا ه: أي مكتسب.
فأدرج الشارح البق في عبارة المجتبى مع أنه بحث لصاحب النهر، وفيه نظر للفرق الظاهر بين البق والعلق، لان دم العلق وإن كان مستعارا لكنه سائل ولذا ينقض الوضوء، بخلاف دم البق فإنه لا ينقض كالذباب لعدم الدم المسفوح كما مر في محله، وقد علمت أن الدموي المفسد ما له دم سائل، وعلى هذا ينبغي تقيد العلق والقراد هنا بالكبير، إذ الصغير لا ينقض الوضوء كما مر، فينبغي أن لا يفسد الماء أيضا لعدم السيلان.
قوله: (وعلق) كذا في أكثر النسح، وفي بعضها: وحلم، وهي الصواب الموافقة لعبارة المجتبى: وهو جمع حلمة بالتحريك.
وفي النهر عن المحيط: الحلمة ثلاثة أنواع: قراد وحنانة وحلم، فالقراد أصغر، والحنانة أوسطها، والحلمة أكبرها ولها دم سائل ا ه.
وذكر في القاموس أنها تطلق على الصغير وعلى الكبير من الاضداد، وعلى دودة تقع في جلدة الشاة، فإذا دبغ وهي موضعها، قوله: (دود القز) أي الذي يتولد منه الحرير.
قوله: (وماؤه) يحتمل أن يكون المراد به ما يوجد فيما يهلك منه قبل إدراكه، وهو شبيه باللبن، أو الذي يغلي فيه عند حله حريرا.
وعندي أن المراد الاول لما في الصيرفية: لو وطئ دود القز فأصاب ثوبه أكثر من قدر الدرهم تجوز صلاته معه ا ه.
من شرح ابن الشحنة.
قوله: (وبزره أي بيضه الذي فيه الدود.
قوله: (وخرؤه) لم يجزم بطهارته في الوهبانية، بل قال: وفي خرء دود القز خلاف، ومثله في شرحها.
قوله: (كدودة الخ) فإنها طاهرة ولو خرجت من الدبر، والنقض إنما
هو عليها لا لذاتها ط، وقدمنا قولا بنجاستها، وعلى الاول فإذا وقعت في الماء لا ينجس لكن لو بعد غسلها كما قيد في البزازية، فما في القنية من أنه ينجس محمول على ما قبل الغسل.
قوله: (ومائي مولد) عطف على قوله غير دموي: أي ما يكون توالده ومثواه في الماء سواء كانت له نفس سائلة أو لا في ظاهر الرواية.
بحر عن السراج: أي لان ذلك ليس بدم حقيقة، وعرف في الخلاصة المائي بما لو استخرج من الماء يموت لساعته، وإن كان يعيش فهو مائي وبري، فجعل بين المائي، والبري قسما آخر وهو ما يكون مائيا وبريا، لكن لم يذكر له حكما على حدة.
والصحيح أنه ملحق بالمائي لعدم الدموية.
شرح المنية.
أقول: والمراد بهذا القسم الآخر ما يكون توالده في الماء، لا يموت من ساعته لو أخرج منه كالسرطان والضفدع، بخلاف ما يتولد في البر ويعيش في الماء كالبط والاوز كما يأتي.
قوله: (ولو كلب الماء وخنزيره) أي بالاجماعة خلاصة، وكأنه لم يعتبر القول الضعيف المحكي في المعراج.
أفاده في البحر.
قوله: (كسمك).
أي بسائر أنواعه ولو طافيا خلافا للطحاوي كما في النهر.
قوله: (وسرطان) بالتحريك، ومنافعه كثير بسطها في القاموس.
قوله: (وضفدع) كزبرج وجعفر وجندب(1/199)
ودرهم، وهذا أقل أو مردود.
قاموس.
قوله: (فيفسد في الاصح) وعليه فما جزم به في الهداية من عدم الافساد بالضفدع البري وصححه في السراج محمول على ما لا دم له سائل كما في البحر والنهر عن الحلية.
قوله: (كحية برية) أما المائية فلا تفسد مطلقا كما علم مما مر، وكالحية البرية الوزغة لو كبيرة لها دم سائل.
منية.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يكن للضفدع البرية والحية البرية دم سائل فلا يفسد.
قوله: (ما ذكر) أي من مائي المولد وغير الدموي ط.
قوله: (لحرمة لحمه) لانه قد صارت أجزاؤه في الماء فيكره الشرب تحريما كما في البحر.
قوله: (القليل) أما الكثير فيأتي حكمه بعد.
قوله: (في الاصح)، أي من الروايتين، لان له نفسا سائلة، واتفقت الروايات على الافساد في غير الماء، كذا في شرح الجامع لقاضيخان، فما في المجتبى من تصحيح عدم الافساد به غير ظاهر.
نهر.
قوله: (كبط وإوز) فسر في القاموس كلا منهما بالآخر فهما مترادفان، والاوز بكسر ففتح وزاي
مشددة وقد تحذف الهمزة.
مطلب: حكم سائر المائعات كالماء في الاصح قوله: (وحكم سائر المائعات الخ) فكل ما لا يفسد الماء لا يفسد غير الماء وهو الاصح.
محيط وتحفة.
والاشبه بالفقه بدائع ا ه.
بحر.
وفيه من موضع آخر وسائر المائعات كالماء في القلة والكثرة: يعني كل مقدار لو كان ماء تنجس، فإذا كان غيره ينجس ا ه.
ومثله في الفتح.
قوله: (في عصير) أي في حوض فيه عصير ط.
قوله: (لم يفسد) أي ما لم يظهر أثر النجاسة.
قوله: (مع العصير) أي والعصير يسيل ولم يظهر فيه أثر الدم كما في المنية عن المحيط.
قوله: (لا ينجس) أي ويحل شربه لانه جعل في حكم الماء فتستهلك فيه النجاسة، بخلاف مسألة الضفدع المتقدمة.
تأمل.
قوله: (خلافا لمحمد) أفاد أن هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وبه صرح في المنية.
قوله: (وبتغير) عطف على قوله بموت مائي المتعلق بقوله قبله وينجس، وقوله بنجس جار ومجرور متعلق بقوله تغير، وقوله الكثير فاعل ينجس الذي تعلق به قوله بتغير، وقيد بالكثير إصلاحا لعبارة المتن لان الكلام في القليل ولا يصح إرادته هنا، ويوجد في بعض النسخ: ينجس الكثير، بصيغة المضارع وهو تحريف، وكأن المحشين لم تقع لهم نسخة صحيحة فاعترضوا على ما رأوا، فافهم.
قوله: (خلافا لمالك) فإن ما هو قليل عندنا لا ينجس عنده ما لم يتغير، والقليل عنده ما تغير، والكثير بخلافه.
وعند الشافعي: الكثير ما بلغ القلتين، والقليل ما دونه.
وأما عندنا فسيأتي الفرق بينهما، والادلة مبسوطة في البحر.
قوله: (لا لو تغير الخ) أي لا ينجس لو تغير فهو عطف على قوله(1/200)
وينجس لا على قوله بموت فتأمل ممعنا قوله: (فلو علم الخ) صرح به لزيادة التوضيح، وإلا فهو داخل تحت قول المصنف وبتغير أحد أوصافه ينجس.
قوله: (ولو شك الخ) أي ولا يلزمه السؤال.
بحر.
وفيه عن المبتغى بالغين، وبرؤية آثار أقدام الوحوش عند الماء القليل لا يتوضأ به، ولو مر سبع بالركية وغلب على ظنه شربه منها تنجس وإلا فلا ا ه.
وينبغي حمل الاول على ما إذا غلب على ظنه أن الوحوش شربت منه بدليل الفرع الثاني، وإلا فمجرد الشك لا يمنع لما في
الاصل أن يتوضأ من الحوض الذي يخاف قذرا ولا يتيقنه، وينبغي حمل التيقن المذكور على غلبة الظن والخوف على الشك أو الوهم كما لا يخفى ا ه.
مطلب في أن التوضي من الحوض أفضل رغما للمعتزلة وبيان الجزء الذي لا يتجزأ الجزء الذي لا يتجزأ: جوهر ذو وضع لا يقبل الانقسام أصلا لا بحسب الخارج ولا بحسب الوهم، (أو الفرض العقلي، تتألف الاجسام من أفراده بانضمام بعضها إلى بعض ا ه.
تعريفات السيد ا.
ه.
منه.
قوله: (والتوضؤ من الحوض أفضل الخ) أي لان المعتزلة لا يجيزونه من الحياض فنرغمهم بالوضوء منها، قال في الفتح: وهذا إنما يفيد الافضلية لهذا العارض، ففي مكان لا يتحقق يكون النهر أفضل ا.
ه.
بقي الكلام في وجه منع المعتزلة ذلك، ففي المعراج: قيل مسألة الحوض بناء على الجزء الذي لا يتجزأ، فإنه عند أهل السنة موجود في الخارج فتتصل أجزاء النجاسة إلى جزء لا يمكن تجزئته فيكون باقي الحوض طاهرا.
وعند المعتزلة والفلاسفة هو معدوم، فيكون كل الماء مجاورا للنجاسة، فيكون الحوض نجسا عندهم، وفي هذا التقرير نظر ا ه.
أقول: وتوضيح ذلك أن الجزء الذي لا يتجزأ عبارة عن الجوهر الفرد الذي لا يقبل الانقسام أصلا، وهو ما تتألف الاجسام من أفراده باضمام بعضها إلى بعض، وهو ثابت عند أهل السنة، فكل جسم يتناهى بالانقسام إليه، فإذا وقعت في الحوض الكبير نجاسة وفرضنا انقسامها إلى أجزاء لا تتجزأ، وقابلها من الماء الطاهر مثلها يبقى الزائد عليها طاهرا فلا يحكم على الماء كله بالنجاسة.
وعند الفلاسفة: هو معدوم، بمعنى أن كل جسم قابل لانقسامات غير متناهية، فكل جزء من النجاسة قابل للقسمة، وكذا الماء الطاهر فلا يوجد جزء من الطهارة إلا ويقابله جزء من النجاسة لعدم تناهي القسمة، فتتصل أجزاء النجاسة بجميع أجزاء الماء الطاهر فيحكم عليه كله بأنه نجس، ولعل وجه النظر في هذا التقرير أنه لو كانت المسألة مبنية على ذلك لزم أن لا يحكم بنجاسة ما دون عشر في عشر أيضا إلا إذا غلبت النجاسة عليه أو ساوته لبقاء الزائد على الطهارة فلا يحكم على(1/201)
الكل بالنجاسة.
وأيضا فالتعبير بالنجاسة مبني على خلاف المعتمد من طهارة الماء المستعمل.
على أن المشهور أن الخلاف في مسألة الجزء الذي لا يتجزأ بين المسلمين وحكماء الفلاسفة، فنفاه الفلاسفة وبنوا عليه قدم العالم وعدم حشر الاجساد وغير ذلك من أنواع الالحاد، وأثبته المسلمون لرد ذلك، لان مادة العالم إذا تناهت بالانقسام إليه يكون الجزء حادثا محتاجا إلى موجد وهو الله تعالى كما بين ذلك في محله.
وأما المعتزلة فلم يخالفوا أهل السنة في شئ من ذلك، وإلا لكفروا قطعا مع أنهم من أهل قبلتنا ومقلدون في الفروع لمذهبنا، فالاولى ما قيل من بناء المسألة على أن الماء يتنجس عندهم بالمجاورة.
وعندنا لا بل بالسريان، وذلك يعلم بظهور أثرها فيه، فما لم يظهر لا يحكم بالنجاسة بناء على أن المستعمل نجس، هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل، فاغتنمه فإنك لا تكاد تجده موضحا كذلك في غير هذا الكتاب، والله أعلم بالصواب.
قوله: (بماء) بالمد والتنوين.
قوله: (خالطه طاهر جامد) أي بدون طبخ كما مر ويأتي.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان المخالط من جنس الارض كالتراب أو يقصد بخلطه التنظيف كالاشنان والصابون أو يكون شيئا آخر كالزعفران عند الامام.
منح.
قوله: (كأشنان) بالضم والكسر.
قاموس.
قوله: (لم يجز) لان اسم الماء زال عنه نظير النبيذ كما قدمناه.
قوله: (وإن غير كل أوصافه) لان المنقول عن الاساتذة أنهم كانوا يتوضؤون من الحياض التي تقع فيها الاوراق مع تغيير كل الاوصاف من غير نكير.
نهر عن النهاية.
قوله: (في الاصح) مقابلة ما قيل إنه إن ظهر لون الاوراق في الكف لا يتوضأ به لكن يشرب، والتقييد بالكف إشارة إلى كثرة التغير، لان الماء قد يرى في محله متغيرا لونه، لكن لو رفع منه شخص في كفه لا يراه متغيرا.
تأمل.
قوله: (لما مر) أي في قوله: فلو جامدا فبثخانة ما لم يزل لاسم.
قوله: (وقعت فيه نجاسة) يشمل المرئية كالجيفة، ويأتي قريبا تمامه.
قوله: (عرفا) تمييز أو منصوب بنزع الخافض: أي يعد من جهة العرف أو في العرف.
تأمل.
قوله: (والاول أظهر) أي وأصح كما في البحر والنهر، لتعويله على العرف لجريانه على قاعدة الامام من النظر إلى المبتلين ط.
لكن استشكل بأنه لا يتعين أصلا لتعدده اختلافه بتعدد
العادين واختلافهم.
قوله: (والثاني أشهر) لوقوعه في كثير من الكتب حتى المتون.
وقال صدر الشريعة وتبعه ابن الكمال: إنه الحد الذي ليس في دركه حرج، لكن قد علمت أن الاول أصح، والعرف الآن أنه متى كان الماء داخلا من جانب وخارجا من جانب آخر يسمى جاريا وإن قل الداخل وبه يظهر الحكم في برك المساجد ومغطس الحمام مع أنه لا يذهب بتبنه، والله أعلم.
مطلب: الاصح أنه لا يشترط في الجريان المدد قوله: (في الاصح) نقل تصحيحه في البحر عن السراج الوهاج وعن شرح الهداية للسراج الهندي، وقواه بعد ما نقل عن الفتح اختيار خلافه.
أقول: ويزيده قوه أيضا ما مر، من أنه لو سال دم، رجله مع العصير، لا ينجس خلافا لمحمد.(1/202)
وفي الخزانة: إناءان ماء أحدهما طاهر والآخر نجس فصبا من مكان عال فاختلطا في الهواء ثم نزلا طهر كله، ولو أجرى ماء الاناءين في الارض صار بمنزلة ماء جار ا ه.
ونحوه في الخلاصة.
ونظم المسألة المصنف في منظومته تحفة الاقران، وفي الذخيرة: لو أصابت الارض نجاسة فصب عليها الماء فجرى قدر ذراع طهرت الارض، والماء طاهر بمنزلة الماء الجاري، ولو أصابها المطر وجرى عليها طهرت، ولو كان قليلا لم يجز فلا.
قوله: (فلو سد الخ) تفريع على الاصح وتأييد له.
واعلم أن هذه المسائل مبنية على القول بنجاسة الماء المستعمل، وكذا نظائرها كما صرح به في الفتح والبحر والحلية وغيرها، فالتفريع صحيح، لانه حينئذ من جنس وقوع النجاسة في الماء الجاري، فافهم.
قوله: (وكذا لو حفر نهرا الخ) أي وأجرى الماء في ذلك النهر وتوضأ به حال جريانه فاجتمع الماء في مكان، فحفر رجل آخر نهرا من ذلك المكان وأجرى الماء فيه وتوضأ به حال جريانه فاجتمع في مكان آخر ففعل ثالث، كذلك جاز وضوء الكل إذا كان بين المكانين مسافة وإن قلت: ذكر في المحيط وغيره.
وحد ذلك أن لا يسقط الماء المستعمل إلا في موضع جريان الماء فيكون تابعا للجاري خارجا من حكم الاستعمال، وتمامه في شرح المنية.
قوله: (وثم) الواو داخلة على محذوف معطوف عليه بثم، فلم يدخل حرف العطف على مثله، أي وجاز توضؤه ثالثا ثم
رابعا وخامسا ثم سادسا والقصد التكثير ط قوله: (أي يعلم) فسره به ليشمل الطعم واللون أيضا ا ه.
ح.
قوله: (أثره) الاولى أثرها: أي النجاسة، لكنه ذكر ضميرها لتأولها بالواقع، وفي شرح هدية ابن العماد لسيدي عبد الغني: الظاهر أالمراد بهذه الاوصاف أوصاف النجاسة لا الشئ المتنجس كماء الورد والخل مثلا، فلو صب في ماء جار يعتبر أثر النجاسة التي فيه لا أثره نفسه لطاهرة المائع بالغسل إلى أن قال: ولم أر من نبه عليه، وهو مهم فاحفظه.
قوله: (فلو فيه جيفة الخ) أشار إلى ما قدمناه من شمول النجاسة المرئية وغيرها، فيعتبر ظهور الاثر في كل منهما.
قوله: (من أسفله) أي أسفل المكان الذي وقعت فيه الجيفة أو البول ط.
قوله: (في الجرية) بالفتح اسم للمرة من الجري: أي الدفعة الواحدة، وأما بالكسر فذكر في القاموس أنها مصدر، وهو غير مناسب هنا، لان الاثر يظهر في العين لا في الحدث، فافهم.
قوله: (ظاهره يعم الجيفة وغيرها) أي ظاهر إطلاق المصنف النجاسة كغيره من المتون، وهذا يغني عنه ما قبله، فالاولى حذفه والاقتصار على ما بعده.
قوله: (وهو ما رجحه الكمال الخ) وأيده تلميذ العلامة ابن أمير حاج في الحلية، وكذا أيده سيدي عبد الغني بما في عمدة المفتي من أن الماء الجاري يطهر بعضه بعضا، وبما في الفتح وغيره من أن الماء النجس إذا دخل على ماء الحوض الكبير لا ينجسه ولو كان غالبا على ماء الحوض.
قال: فالجاري بالاولى، وتمامه في شرحه.
قوله: (وقيل الخ) الاول قول أبي يوسف(1/203)
وهذا قولهما كما في السراج، ومشى عليه في المنية وقواه شارحها الحلبي.
وأجاب عما في الفتح وفي البحر أنه الاوجه وهو المذكور في أكثر الكتب، وصححه صاحب الهداية في التجنيس للتيقن بوجود النجاسة فيه، بخلاف غير المرئية لانه إذا لم يظهر أثرها علم أن الماء ذهب بعينها، وأيده العلامة نوح أفندي.
واعترض على ما في النهر، وأطال الكلام وأوضح المرام.
والحاصل أنهما قولان مصححان ثانيهما أحوط كما قال الشارح.
قال في المنية: وعلى هذا ماء المطر إذا جرى في الميزاب وعلى السطح عذرت فالماء طاهر، وإن كانت العذرة عند الميزاب أو كان الماء كله أو نصفه أو أكثره يلاقي العذرة فهو نجس وإلا فطاهر ا ه، وعلى ما رجحه
الكمال قال في الحلية: ينبغي أن لا يعتبر في مسألة السطح سوى تغير أحد الاوصاف ا ه.
أقول: وعلى هذا الخلاف ما في ديارنا من أنهار المساقط التي تجري بالنجاسات وترسب فيها لكنها في النهار يظهر فيها أثر النجاسة وتتغير، ولا كلام في نجاستها حينئذ.
وأما في الليل فإنه يزول تغيرها فيجري فيها الخلاف المذكور لجريان الماء فيها فوق النجاسة.
قال في خزانة الفتاوي: ولو كان جميع بطن النهر نجسا، فإن كان الماء كثيرا لا يرى ما تحته فهو طاهر وإلا فلا.
وفي الملتقط قال بعض المشايخ: الماء طاهر وإن قل إذا كان جاريا ا ه.
تنبيه مهم في طرح الزبل في القساطل قد اعتيد في بلادنا إلقاء زبل الدواب في مجاري الماء إلى البيوت لسد خلل تلك المجاري المسماة بالقساطل، فيرسب فيها الزبل ويجري الماء فوقها فهو مثل مسألة الجيفة، وفي ذلك حرج عظيم إذا قلنا بالنجاسة، والحرج مدفوع بالنص.
وقد تعرض لهذه المسألة العلامة الشيخ عبد الرحمن العمادي مفتي دمشق في كتابه هدية ابن العماد واستأنس لها ببعض فروع، وبالقاعدة المشهورة من أن المشقة تجلب التيسير، وبما فرعوا عليها كما ذكره في الاشباه.
وقد أطال الكلام سيدي عبد الغني النابلسي في شرحه على هذه المسألة بما حاصله أنه إذا رسب الزبل في القساطل ولم يظهر أثر فالماء طاهر، وإذا وصل إلى الحياض في البيوت متغيرا ونزل في حوض صغير أو كبير فهو نجس وإن زال تغيره بنفسه، لان الماء النجس لا يطهر بتغيره بنفسه إلا إذا جرى بعد ذلك بماء صاف فإنه حينئذ يطهر، فإذا انقطع الجريان بعد ذلك، فإن كان الحوض صغيرا والزبل راسب في أسفله تنجس، ما لم يصر الزبل حمأة وهي الطين الاسود فإنه إذا جرى بعد ذلك بماء صاف ثم انقطع لا يتنجس، وهذا كله بناء على نجاسة الزبل عندنا.
وعن زفر: روث ما يؤكل لحمه طاهر.
وفي المبتغى بالغين المعجمة: الارواث كلها نجسة، إلا رواية عن محمد أنها طاهرة للبلوى، وفي هذه الرواية توسعة لارباب الدواب، فقلما يسلمون عن التلطخ بالارواث والاخثاء، فتحفظ هذه الرواية ا ه.
كلام المبتغي.
وإذا قلنا بذلك هنا لا يبعد، لان الضرورة داعية إلى ذلك، كما أفتوا بقول محمد بطهارة الماء المستعمل للضرورة ونحو ذلك.
وفي شرح العباب
لابن حجر بناء على قول الامام الشافعي: إذا ضاق الامر اتسع: أنه لا يضر تغير أنهر الشام بما فيها من الزبل ولو قليلة لانه لا يمكن جريها المضطر إليه الناس إلا به ا ه.
وظاهره أن المعفو عنه عنده أثر الزبل لا عينه ا ه.
ما في شرح الهداية ملخصا موضحا.
أقول: ولا يخفى أن الضرورة داعية إلى العوف عن العين أيضا، فإن كثيرا من المحلات البعيدة(1/204)
عن الماء في بلادنا يكون ماؤها قليلا، وفي أغلب الاوقات يستصحب الماء عين والزبل يرسب في أسفل الحياض، وكثير ما ينقض الحوض بالاستعمال منه أو ينقطع الماء عنه فلا يبقى جاريا ولا سيما عند كري الانهر انقطاع الماء بالكلية أياما، فإذا منعوا من الانتفاع بتلك الحياض لما فيها من الزبل يلزمهم الحرج الشديد كما هو مشاهد، فاحتياجهم إلى التوسعة أشد من احتياج أرباب الدواب.
وقال في شرح المنية: المعلوم من قواعد أئمتنا التسهيل في مواضع الضرورة والبلوى العامة كما في مسألة آبار الفلوات ونحوها ا ه: أي كالعفو عن نجاسة المعذور وعن طين الشارع الغالب عليه النجاسة وغير ذلك، نعم في بعض الاقات يزداد التغيير فينزل الماء إلى الحوض أخضر وفيه عين الزبل فينجس الحوض لو صغيرا وإن كان جاريا لان جريانه بماء نجس ولا ضرورة إلى الاستعمال منه في تلك الحالة فينتظر صفاؤه ثم يعفي عما في القساطل وما في أسفل الحوض، لما علمت من الضرورة من أن المشقة تجلب التيسير، ومن أنه إذا ضاق الامر اتسع، والله تعالى أعلم.
قوله: (وألحقوا بالجاري حوض الحمام) أي في أنه لا ينجس إلا بظهور أثر النجاسة.
أقول: وكذا حوض غير الحمام لانه في الظهيرية ذكر هذا الحكم في حوض أقل من عشر في عشر، ثم قال: وكذلك حوض الحمام ا ه.
فليحفظ قوله: (والغرف متدارك) جملة حالية: أي متتابع، وتفسيره كما في البحر وغيره أن لا يسكن وجه الماء فيما بين الغرفتين.
قوله: (ويخرج من آخر) أي بنفسه أو بغيره لما في التاترخانية: لو كان يدخله الماء ولا يخرج منه لكن فيه إنسان يغتسل ويخرج الماء باغتساله من الجانب الآخر متداركا لا ينجس ا ه.
مطلب: لو أدخل الماء من أعلى الحوض وخرج من أسفله فليس بجار
ثم إن كلامهم ظاهره أن الخروج من أعلاه، فلو كان يخرج من ثقب في أسفل الحوض لا يعد جاريا، لان العبرة بوجه الماء بدليل اعتبارهم في الحوض الطول والعرض لا العمق، واعتبارهم الكثرة والقلة في أعلاه فقط كما سيذكره الشارح.
وفي المنية: إذا كان الماء يجري ضعيفا ينبغي أن يتوضأ على الوقار حتى يمر عنه الماء المستعمل، ولم أر المسألة صريحا، نعم رأيت في شرح سيدي عبد الغني في مسألة خزانة الحمام التي أخبر أبو يوسف برؤية فأرة فيها قال: فيه إشارة إلى أن ماء الخزانة إذا كان يدخل من أعلاها ويخرج من أنبوب في أسفلها فليس بجار ا ه.
وفي شرح المنية: يظهر الحوض بمجرد ما يدخل الماء من الانبوب ويفيض من الحوض، هو المختار لعدم تيقن بقاء النجاسة فيه وصيرورته جاريا ا ه.
وظاهر التعليل الاكتفاء بالخروج من الاسفل لكنه خلاف قوله: ويفيض فتأمل وراجع (قوله مطلقا) أي سواء كان أربعا في أربع أو أكثر.
قيل أكثر يتنجس، لان الماء المستعمل يستقر فيه إلا أن يتوضأ في موضع الدخول أو الخروج كما في المنية.
وظاهر الاطلاق أيضا أنه إذا علم عدم خروج الماء المستعمل لضعف الجري لا يضر، وليس كذلك لما في المنية عن الخانية.
والاصح أن هذا التقرير غير لازم، فإن خرج الماء المستعمل من ساعته لكثرة الماء وقوته يجوز وإلا فلا ا ه.
وأقره الشارحان.
وزاد في الحلية قوله: ولا شك أنه حسن، لكن قال في التاترخانية بعد ما مر: وحكي عن الحلواني أنه قال: إن كان يتحرك الماء من جريانه يجوز.(1/205)
وأجاب ركن الاسلام السعدي الجواز مطلقا لانه ماء جار، والجاري يجوز التوضؤ به، وعليه الفتوى ا ه.
ثم هذا كما في الحلية مبني على نجاسة الماء المستعمل.
وأما على الاصح المختار فيجوز الوضوء ما لم يغلب على ظنه أن ما يغترفه أو نصفه فصاعدا ماء مستعمل ا ه.
أقول: لكن إذا وقع فيه نجاسة حقيقة كان التفريع على حاله.
قوله: (وكعين الخ) يغني عنه الاطلاق السابق كما أفاده قوله: (ينبع الماء منه) أي من العين، وذكر الضمير باعتبار المكان.
قوله: (معزيا للتتمة) فيه أن عبارة القهستاني كما في الزاهدي وغيره.
قوله: (وكذا يجوز) أي رفع الحدث.
قوله: (براكد)
الركود: السكون والثبات.
قاموس.
قوله: (أي وقع فيه نجس الخ) شمل ما لو كان النجس غالبا، ولذا قال في الخلاصة: الماء النجس إذا دخل الحوض الكبير لا ينجس الحوض وإن كان الماء النجس غالبا على ماء الحوض، لانه كلما اتصل الماء بالحوض صار ماء الحوض غالبا عليه ا ه.
قوله: (لم ير أثره) أي من طعم أو لون أو ريح، وهذا القيد لابد منه وإن لم يذكر في كثير من المسائل الآتية فلا تغفل عنه، وقدمنا أن المراد من الاثر أثر النجاسة نفسها دون ما خالطها كخل ونحوه.
قوله: (به يفتى) أي بعدم الفرق بين المرئية وغيرها، وعزاه في البحر إلى شرح المنية عن النصاب، وأراد بشرح المنية الحلية لابن أمير حاج، وقد ذكر عبارة النصاب في مسألة الماء الجاري لا هنا.
على أنه يشكل عليه ما في شرح المنية للحلبي عن الخلاصة أنه في المرئية ينجس موضع الوقوع بالاجماع.
وأما في غيرها، فقيل كذلك: وقيل لا ا ه.
ومثله في الحلية، وكذا في البدائع، لكن عبر بظاهر الرواية بدل الاجماع قال: ومعناه أن يترك من موضع النجاسة قدر الحوض الصغير ثم يتوضأ ا ه.
وقدره في الكفاية بأربعة أذرع في مثلها.
وقيل يتحرى، فإن وقع تحريه أن النجاسة لم تخلص إلى هذا الموضع توضأ منه قال في الحلية: قلت وهو الاصح ا ه.
وكذا جزم في الخانية بتنجس موضع المرئية بلا نقل خلاف، ثم نقل القولين في غير المرئية، وصحح في المبسوط أولهما، وصحح في البدائع وغيرهما ثانيهما نعم.
قال في الخزائن: والفتوى على عدم التنجس مطلقا إلا بالتغير بلا فرق بين المرئية وغيرها لعموم البلوى، حتى قالوا: يجوز الوضوء من موضع الاستنجاء قبل التحرك كما في المعراج عن المجتبى ا ه.
وقال في الفتح: وعن أبي يوسف أنه كالجاري لا يتنجس إلا بالتغير، وهو الذي ينبغي تصحيحه، فينبغي عدم الفرق بين المرئية وغيرها، لان الدليل إنما يقتضي عند الكثرة عدم التنجس إلا بالتغير من غير فصل ا ه.
فقد ظهر أن ما ذكره الشارح مبني على ظاهر هذه الرواية عن أبي يوسف حيث جعله كالجاري وقدمنا عنه أنه اعتبر في الجاري ظهور الاثر مطلقا، وأنه ظاهر المتون، وكذا قال في
الكنز هنا، وهو كالجاري، ومثله في الملتقى.
وظاهر اختيار هذه الرواية، فلذا اختارها في الفتح واستحسنها في الحلية لموافقتها لما مر عنه في الجاري.
قال: ويشهد له ما في سنن ابن ماجه عن(1/206)
جابر رضي الله عنه قال: انتهيت إلى غدير فإذا فيه حمار ميت، فكففنا عنه حتى انتهى إلينا رسول الله (ص)، فقال: إن الماء لا ينجسه شئ فاستقينا وأروينا وحملنا ا ه.
وهذا وارد على نقل الاجماع السابق، والله أعلم.
قوله: (في مقدار الراكد) يغني عنه قول المصنف فيه المتعلق بالمعتبر، فالاولى ذكره بعد تفسير المرجع الضمير.
قوله: (أكبر رأي المبتلى به) أي غلبة ظنه لانها في حكم اليقين، والاولى حذف أكبر ليظهر التفصيل بعده ط.
قوله: (وإلا لا) صادق بما إذا غلب على ظنه الخلوص أو اشتبه عليه الامران، لكن الثاني غير مراد، لما في التاترخانية: وإذا اشتبه الخلوص فهو كما إذا لم يخلص ا ه.
فافهم.
قوله: (وإليه رجع محمد) أي بعد ما قال بتقديره بعشر في عشر، ثم قال: لا أوقت شيئا كما نقله الائمة الثقات عنه.
بحر.
قوله: (وهو الاصح) زاد في الفتح وهو الاليق بأصل أبي حنيفة: أعني عدم التحكم بتقدير فيما لم يرد فيه تقدير شرعي، والتفويض فيه إلى رأي المبتلى، بناء على عدم صحة ثبوت تقديره شرعا ا ه.
وأما تقديره بالقلتين كما قاله الشافعي فحديثه غير ثابت كما قاله ابن المديني، وضعفه الحافظ ابن عبد البر وغيره، وأطال الكلام عليه في الفتح والبحر وغيرهما من المطولات.
قوله: (وحقق في البحر أنه المذهب) أي المروي عن أئمتنا الثلاثة وأكثر من النقول الصريحة في ذلك: أي في أن ظاهر الرواية عن أئمتنا الثلاثة تفويض الخلوص إلى رأي المبتلى به بلا تقدير بشئ، قال: وعلى تقدير عدم رجوع محمد عن تقديره بعشر في عشر لا يستلزم تقديره إلا في نظره، وهو لا يلزم غيره لانه لما وجب كونه ما استكثره المبتلى فاستكثار واحد لا يلزم غيره، بل يختلف باختلاف ما يقع في قلب كل، وليس هذا من الصور التي يجب فيها على العامي تقليد المجتهد.
ذكره الكمال ا ه.
أقول: لكن ذكر في الهداية وغيرها أن الغدير العظيم ما لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر.
وفي المعراج أنه ظاهر المذهب، وفي الزيلعي: قيل يعتبر بالتحريك، وقيل بالمساحة، وظاهر
المذهب الاول، وهو قول المتقدمين حتى قال في البدائع والمحيط: اتفقت الرواية عن أصحابنا المتقدمين أنه يعتبر بالتحريك، وهو أن يرتفع وينخفض من ساعته لا بعد المكث، ولا يعتبر أصل الحركة.
وفي التاترخانية أنه المروي عن أئمتنا الثلاثة في الكتب المشهورة ا ه.
وهل المعتبر حركة الغسل أو الوضوء أو اليد؟ روايات: ثانيها أصح لانه الوسط كما في المحيط والحاوي القدسي، وتمامه في الحلية وغيرها.
ولا يخفى عليك أن اعتبار الخلوص بغلبة الظن بلا تقدير بشئ مخالف في الظاهر لاعتباره بالتحريك، لان غلبة الظن أمر باطني يختلف باختلاف الظانين، وتحرك الطرف الآخر أمر حسي مشاهد لا يختلف، مع أن كلا منهما منقول عن الثلاثة في ظاهر الرواية، ولم أر من تكلم على ذلك، ويظهر لي التوفيق بأن المراد غلبة الظن بأنه لو حرك لوصل إلى الجانب الآخر إذا لم يوجد التحريك بالفعل فليتأمل.
قوله: (ورد الخ) حاصله أن صدر الشريعة بنى تقديره بالعشر على أصل وهو قوله (ص): من حفر بئرا فله حولها أربعون ذراعا فيكون له حريمها من كل جانب عشرة، فيمنع غيره من حفر بئر في حريمها لئلا ينجذب الماء إليها وينقص ماء الاولى، ويمنع أيضا من حفر بالوعة فيه(1/207)
لئلا تسري النجاسة إلى البئر، ولا يمنع فيما وراء الحريم وهو عشر في عشر.
قال: فعلم أن الشرع اعتبر العشر في العشر في عدم سراية النجاسة.
ورده في البحر بأن الصحيح في الحريم أنه أربعون من كل جانب، وبأن قوام الارض أضعاف قوام الماء، فقياسه عليها في عدم السراية غير مستقيم وبأن المختار المعتمد في البعد بين البئر والبالوعة نفوذ النجاسة، وهو يختلف بصلابة الارض ورخاوتها.
قوله: (لكن في النهي الخ) قد تعرض لهذا في البحر أيضا، ثم رده بأنه إنما صح من المذهب لا بفتوى المشايخ، والوجه مع صاحب البحر.
وإذا اطلعت على كلامهما جزمت بذلك.
أفاده ط.
أقول: وهو الذي حط عليه كلام المحقق ابن الهمام وتلميذه العلامة ابن أمير حاج، لكن ذكر بعض المحشين عن شيخ الاسلام العلامة سعد الدين الديري في رسالته (القول الراقي في حكم ماء الفساقي) أنه حقق فيها ما اختاره أصحاب المتون من اعتبار العشر، ورد فيها على من قال بخلافه ردا بليغا، وأورد نحو مائة نقل ناطقه بالصواب إلى أن قال شعر:
وإذا كنت في المدارك غراثم أبصرت حاذقا لا تماري وإذا لم تر الهلال فسلم لاناس رأوه بالابصار لا يخفى أن المتأخرين الذي أفتوا بالعشر كصاحب الهداية وقاضيخان وغيرهما من أهل الترجيح هم أعلم بالمذهب منا فعلينا اتباعهم، ويؤيده ما قدمه الشارح في رسم المفتي، وأما نحن فعلينا اتباع ما رجحوه وما صححوه، كما لو أفتونا في حياتهم.
قوله: (أي في المربع الخ) أشار إلى أن المراد من اعتبار العشر في العشر ما يكون وجهه مائة ذراع سواء كان مربعا، وهو ما يكون كل جانب من جوانبه عشرة وحول الماء أربعون ووجهه مائة، أو كان مدورا أو مثلثا، فإن كلا من المدور والمثلث إذا كان على الوصف الذي ذكره الشارح يكون وجهه مائة، وإذا ربع يكون عشرا في عشر، فافهم.
قوله: (وفي يالمدور بستة وثلاثين) أي بأن يكون دوره ستة وثلاثين ذراعا وقطره أحد عشر ذراعا وخمس ذراع، ومساحته أن تضرب نصف القطر وهو خمسة ونصف وعشر في نصف الدور وهو ثمانية عشر يكون مائة ذراع وأربعة أخماس ذراع ا ه.
سراج، وما ذكره هو أحد أقوال خمسة.
وفي الدرر عن الظهيرية هو الصحيح، وهو مبرهن عليه عند الحساب.
وللعلامة الشرنبلالي رسالة سماها (الزهر النضير على الحوض المستدير) أوضح فيها البرهان المذكور مع رد بقية الاقوال، ولخص ذلك في حاشيته على الدرر.
قوله: (وربعا وخمسا) في بعض النسخ أو خمسا بأو لا بالواو، وهي الاصوب بناء على الاختلاف في التعبير، فابعضهم كنوح أفندي عبر بالربع وبعضهم(1/208)
كالشرنبلالي في رسالته عبر بالخمس، وهو الذي مشى عليه في السراج حيث قال: فإن كان مثلثا فإنه يعتبر أن يكون كل جانب منه خمسة عشر ذراعا وخمس ذراع حتى تبلغ مساحته مائة ذراع، بأن تضرب أحد جوانبه في نفسه، فما صح أخذت ثلثه وعشره فهو مساحته.
بيانه أن تضرب خمسة عشر وخمسا في نفسه بكون مائتين وإحدى وثلاثين وجزءا من خمسة وعشرين جزءا من ذراع، فثلثه على التقريب سبعة وسبعون ذراعا، وعشرة على التقريب ثلاثة وعشرون فذلك مائة ذراع وشئ قليل لا يبلغ عشر ذراع ا ه.
أقول: وعلى التعبير بالربع يبلغ الشئ القليل نحو ربع ذراع.
فالتعبير بالخمس أولى كما لا يخفى فكان ينبغي للشارح الاقتصار عليه، فافهم.
قوله: (بذراع الكرباس) بالكسر: أي ثياب القطن، ويأتي مقداره.
تنبيه: لم يذكر مقدار العمق إشارة إلى أنه لا تقدير فيه في ظاهر الرواية وهو الصحيح بدائع، وصح في الهداية أن يكون بحال لا ينحسر بالاغتراف: أي لا ينكشف، وعليه الفتوى.
معراج.
وفي البحر: الاول أوجه لما عرف من أصل أبي حنيفة ا ه.
وقيل أربع أصابع مفتوحة، وقيل ما بلغ الكعب، وقيل شبر، وقيل ذراع، وقيل ذراعان.
قهستاني.
قوله: (لكنه يبلغ الخ) كأن يكون طوله خمسين وعرضه ذراعين مثلا، فإنه لو ربع صار عشرا في عشر.
قوله: (جاز تيسيرا) أي جاز الوضوء منه بناء على نجاسة الماء، المستعمل، أو المراد جاز وإن وقعت فيه نجاسة، وهذا أحد قولين، وهو المختار كما في الدرر عن عيون المذاهب والظهيرية، وصححه في المحيط والاختيار وغيرهما، واختار في الفتح القول الآخر وصححه تلميذه الشيخ قاسم، لان مدار الكثرة على عدم خلوص النجاسة إلى الجانب الآخر، ولا شك في غلبة الخلوص من جهة العرض، ومثله لو كان له عمق بلا سعة: أي بلا عرض ولا طول، لان الاستعمال من السطح لا من العمق.
وأجاب في البحر بأن هذا وإن كان الاوجه، إلا أنهم وسعوا الامر على الناس وقالوا بالضم كما أشار إليه في التنجيس بقوله: تيسيرا على المسلمين ا ه.
وعلله بعضهم بأن اعتبار الطول لا ينجسه واعتبار العرض ينجسه، فيبقى طاهرا على أصله للشك في تنجسه، وتمامه في حاشية نوح أفندي، وبه فارق ماله عمق بلا سعة، قوله: (حتى يبلغ الاقل) أي وإذا بلغ الاقل فوقعت فيه نجاسة كما في المنية، وتشمل النجاسة الماء المستعمل على القول بنجاسته، ولذا قال في البحر: وإن نقص حتى صار أقل من عشرة في عشرة لا يتوضأ فيه، ولكن يغترف منه ويتوضأ ا ه.
أما على القول بطهارته فهي مسألة التوضؤ في الفساقي، وفيها الكلام المار فافهم، ثم لو امتلا بعد وقوع النجاسة بقي نجسا، وقيل لا - منية.
ووجه الثاني غير ظاهر.
حلية.
قال في شرح المنية: فالحاصل أن الماء إذا تنجس حال قلته لا يعود طاهرا بالكثرة، وإن كان
كثيرا قبل اتصاله بالنجاسة لا ينجس بها، ولو نقص بعد سقوطها فيه حتى صار قليلا فالمعتبر قلته وكثرته وقت اتصاله بالنجاسة، سواء وردت عليه أو ورد عليها، هذا هو المختار ا ه.
وقوله: أو ورد عليها، يسير إلى ما اختاره في الخلاصة والخانية من أن الماء إن دخل من مكان نجس أو اتصل بالنجاسة شيئا فشيئا فهو نجس وإن دخل من مكان طاهرواجتمع حتى صار عشرا في عشر ثم اتصل(1/209)
بالنجاسة لا ينجس.
قوله: (ولو بعكسه) بأن كان أعلاه لا يبلغ عشرا في عشر وأسفله يبلغها.
قوله: (حتى يبلغ العشر) فإذا بلغها جاز وإن كان ما في أعلاه أكثره مما في أسفله: أي مقدارا لا مساحه.
وفي البحر عن السراج الهندي أنه الاشبه ا ه.
أقول: وكأنهم لم يعتبروا حالة الوقوع هنا، لان ما في الاسفل في حكم حوض آخر بسبب كثرته مساحته، وأنه لو وقعت فيه النجاسة ابتداء لم تضره بخلاف المسألة الاولى، تدبر.
وهذه يلغز فيها فيقال: ماء كثير وقعت فيه نجاسة تنجس ثم إذا قل طهر.
بقي ما لو وقعت فيه النجاسة ثم نقص في المسألة الاولى أو امتلا في الثانية، قال ح: لم أجد حكمه.
وأقول: هذا عجيب، فإنه حيث حكمنا بطهارته ولم يعرض له ما ينجسه هل يتوهم نجاسته!؟ نعم لو كانت النجاسة مرئية وكانت باقية فيه أو امتلا قبل جفاف أعلى الحوض تنجس.
أما إذا كانت غير مرئية أو مرئية وأخرجت منه أو امتلا بعد ماحكم بطهارة جوانب أعلاه بالجفاف فلا، إذ لا مقتضى للنجاسة، هذا ما ظهر لي.
قوله: (ولو جمد ماؤه) أي ماء الحوض الكبير: أي وجه الماء منه.
قوله: (فثقب) أي ولم تبلغ مساحة الثقب عشرا في عشر.
قوله: (منفصلا عن الجمد) أي متسفلا عنه غير متصل به بحيث لو حرك تحرك.
قوله: (وإن متصلا لا) أي لا يجوز الوضوء منه، وهو قول نصير والاسكاف.
وقال ابن المبارك وأبو حفص الكبير: لا بأس به، وهذا أوسع، والاول أحوط.
وقالوا: إذا حرك موضع الثقب تحريكا بالغا يعلم عنده أن ما كان راكدا ذهب.
وهذا ماء جديد يجوز بلا خلاف ا ه.
بدائع.
وفي الخانية: إن حرك الماء عند إدخال كل عضو مرة جاز ا ه.
والظاهر أن القول الاول هو الاشبه كما مر عن السراج الهندي، ثم رأيته في المنية صرح بأن الفتوى عليه.
وفي الحلية أن
هذا مبني على نجاسة الماء المستعمل.
قوله: (تنجس) أي موضع الثقب دون المستفل، فلو ثقب في موضع آخر وأخذ الماء منه وتوضأ جاز كما في التاترخانية.
قوله: (لا لو وقع فيه الخ) أي لا ينجس موضع الثقب، لان الموت يحصل غالبا بعد التسفل ولا ما تحته لكثرته، لكن في تصوير المسألة بوقوع الكلب نظر لتنجس الثقب بملاقاة الماء لفمه وأنفه ولذا صورها في المنية بوقوع الشاة.
وفي شرحها: إذا علم أن الموت حصل في الثقب قبل التسفل منه، أو كان الحيوان الواقع متنجسا يتنجس ما في الثقب.
مطلب: يطهر الحوض بمجرد الجريان قوله: (بمجرد جريانه) أي بأن يدخل من جانب ويخرج من آخر حال دخوله وإن قل الخارج.
بحر.
قال ابن الشحنة: لانه صار جاريا حقيقة، وبخروج بعضه رفع الشك في بقاء النجاسة فلا تبقى مع الشك ا ه.
وقيل لا يطهر حتى يخرج قدر ما فيه، وقيل ثلاثة أمثاله.
بحر، فلو خرج بلا دخول كأن ثقب منه ثقب فليس بجار، ولا يلزم أن يكون الحوض ممتلئا في أول وقت الدخول، لانه إذا كان ناقضا فدخله الماء حتى امتلا وخرج بعضه طهر أيضا كما لو كان ابتداء ممتلئا ماء نجسا كما حققه في الحلية، وذكر فيها أن الخارج من الحوض نجس قبل الحكم عليه بالطهارة ا ه.(1/210)
أقول: هو ظاهر على القولين الاخيرين، لانه قبل خروج المثل أو ثلاثة الامثال لم يحكم بطهارة الحوض فيظهر كون الخارج نجسا.
وأما على القول المختار فقد حكم بالطهارة بمجرد الخروج فيكون الخارج طاهرا.
تأمل.
ثم رأيته في الظهيرية ونصه: والصحيح أنه يطهر وإن لم يخرج مثل ما فيه، وإن رفع إنسان من ذلك الماء الذي خرج وتوضأ به جازا ا ه.
فلله الحمد.
لكن في الظهيرية أيضا: حوض نجس امتلا ماء وفار ماؤه على جوانبه وجف جوانبه لا يطهر، وقيل يطهر ا ه.
وفيها: ولو امتلا فتشرب الماء في جوانبه لا يطهر ما لم يخرج الماء من جانب آخر ا ه.
وفي الخلاصة: المختار أنه يطهر إن لم يخرج مثل ما فيه، فلو امتلا الحوض وخرج من جانب الشط على وجه الجريان حتى
بلغ الشجرة يطهر، أما قدر ذراع أو ذراعين فلا ا ه.
فليتأمل.
قوله: (وكذا البئر وحوض الحمام) أي يطهران من النجاسة بمجرد الجريان، وكذا ما في حكمه من العرف المتدارك كما مر.
مطلب في إلحاق نحو القصعة بالحوض تنبيه: هل يلحق نحو القصعة بالحوض؟ فإذا كان فيها ماء نجس ثم دخل فيها ماء جار حتى طف من جوانبها هل تطهر هي والماء الذي فيها كالحوض أم لا لعدم الضرورة في غسلها؟ توقفت فيه مدة، ثم رأيت في خزانة الفتاوي: إذ فسد ماء الحوض فأخذ منه بالقصعة وأمسكها تحت الانبوب فدخل الماء وسال ماء القصعة فتوضأ به لا يجوز ا ه.
وفي الظهيرية في مسألة الحوض: لو خرج من جانب آخر لا يطهر ما لم يخرج مثل ما فيه ثلاث مرات كالقصعة عند بعضهم.
والصحيح أنه يطهر وإن لم يخرج مثل ما فيه اه.
فالظاهر أن ما في الخزانة مبني على خلاف الصحيح، يؤيده ما في البدائع بعد حكايته الاقوال الثلاثة في جريان الحوض حيث قال ما نصه: وعلى هذا حوض الحمام أو الاواني إذا تنجس ا ه.
ومقتضاه أن على القول الصحيح تطهر الاواني أيضا بمجرد الجريان، وقد علل في البدائع هذا القول بأنه صار ماء جاريا ولم نستيقن ببقاء النجاسة فيه، فاتضح الحكم ولله الحمد.
وبقي شئ آخر سئلت عنه، وهو أن دلوا تنجس فأفرغ فيه رجل ماء حتى امتلا وسال من جوانبه، هل يطهر بمجرد ذلك أم لا؟ والذي يظهر لي الطهارة، أخذا مما ذكرناه هنا ومما مر من أنه لا يشترط أن يكون الجريان بمدد، وما يقال: إنه لا يعد في العرف جاريا، ممنوع لما مر من أنه لو سال دم رجله مع العصير لا ينجس، وكذا ما ذكره الشارح بعده من أنه لو حفر نهرا من حوض صغير أو صب الماء في طرف الميزاب الخ، وكذا ما ذكرناه هناك عن الخزانة والذخيرة من المسائل، فكل هذا اعتبروه جاريا، فكذا هنا.
وأخبرني شيخنا حفظه الله تعالى أن بعض أهل عصره في حلب أفتى بذلك حتى في المائعات وأنهم أنكروا عليه ذلك.
وأقول: مسألة العصير تشهد لما أفتى به، وقد مر أن حكم سائر المائعات كالماء في الاصح.
فالحاصل أن ذلك له شواهد كثيرة، فمن أنكره وادعى خلافه يحتاج إلى إثبات مدعاه بنقل صريح لا بمجرد أنه لو كان ذلك لذكروه في تطهير المائعات كالزيت ونحوه.(1/211)
الى أني رأيت بعد ذلك في القهستاني أول فصل النجاسات ما يدل عليه، حيث ذكر أن المائع كالماء والدبس وغيرهما طهارته إما بإجرائه مع جنسه مختلطا به كما روي عن محمد كما في التمرتاشي، وإما بالخلط مع الماء كما إذا جعل الدهن في الخانية ثم صب فيه ماء مثله وحرك ثم ترك حتى يعلو وثقب أسفلها حتى يخرج الماء هكذا يفعل ثلاثا فإنه يطهر كما في الزاهدي الخ.
فهذا صريح بأنه يطهر بالاجراء نظير ما قدمناه عن الخزانة وغيرها، من أنه لو أجرى ماء إناءين أحدهما نجس في الارض أو صبهما من علو فاختلطا طهرا بمنزلة ماء جار، نعم على ما قدمناه عن الخلاصة من تخصيص الجريان بأن يكون أكثر من ذراع أو ذراعين يتقيد بذلك هنا، لكنه مخالف لاطلاقهم من طهارة الحوض بمجرد الجريان، هذا ما ظهر لفكري السقيم * (وفوق كل ذي علم عليم) * (يوسف: 67).
مطلب في مقدار الذراع وتعيينه قوله: (والمختار ذراع الكرباس) وفي الهداية أن عليه الفتوى، واختاره في الدرر والظهيرية والخلاصة، والخزانة.
قال في البحر: وفي الخانية وغيرها: ذراع المساحة وهو سبع قبضات فوق كل قبضة أصبع قائمة.
وفي المحيط والكافي أنه يعتبر في كل زمان ومكان ذراعهم.
قال في النهر: وهو الانسب.
قلت: لكن رده في شرح المنية بأن المقصود من هذا التقدير غلبة الظن بعدم خلوص النجاسة.
وذلك لا يختلف باختلاف الازمنة والامكنة.
قوله: (وهو سبع قبضات فقط) أي بلا أصبع قائمة، وهذا ما في الولوالجية.
وفي البحر: أن في كثير من الكتب أنه ست قبضات ليس فوق، كل قبضة أصبع قائمة فهو أربع وعشرون أصبعا بعد حروف لا إله إلا الله محمد رسول الله والمراد بالاصبع القائمة ارتفاع الابهام كما في (غاية البيان) ا ه.
والمراد بالقبضة أربع أصابع مضمومة.
نوح.
أقول: وهو قريب من ذراع اليد، لانه ست قبضات وشئ، وذلك شبران.
قوله: (فيكون ثمانيا في ثمان) كأنه نقل ذلك عن القهستاني ولم يمتحنه، وصوابه: فيكون عشرا في ثمان.
وبيان ذلك أن القبضة أربع أصابع، وإذا كان ذراع زمانهم ثماقبضات أصابع يكون خمسا وثلاثين أصبعا، وإذا ضربت العشر في ثمان بذلك الذراع تبلغ ثمانين فاضربها في خمس وثلاثين
تبلغ ألفين وثمانمائة أصبع، وهي مقدار عشر في عشر بذراع الكرباس المقدر بسبع قبضات، لان الذراح حينئذ ثمانية وعشرون أصبعا، والعشر في عشر بمائة، فإذا ضربت ثمانية وعشرين في مائة تبلغ ذلك المقدار.
وأما على ما قاله الشارح فلا تبلغ ذلك، لانك إذا ضربت ثمانيا في ثمان تبلغ أربعا وستين، فإذا ضربتها في خمس وثلاثين تبلغ ألفين ومائتين وأربعين أصبعا وذلك ثمانون ذراعا بذراع الكرباس والمطلوب مائة، فالصواب ما قلناه، فافهم.
قوله: (ولو حكما الخ) تكرار مع قوله: ولو له طول لا عرض الخ ط.
قوله: (عمقها) بالفتح وبالضم وبضمتين قعر البئر ونحوها.
قاموس.
قوله: (في الاصح) ذكره في المجتبى والتمرتاشي والايضاح والمبتغي، وعزاه في القنية إلى شرح صدر القضاة وجمع التفاريق، وهو متوغل في الاغراب، مخالف لما أطلقه جمهور الاصحاب كما في شرح(1/212)
الوهبانية.
قوله: (وحينئذ) أي إذا اعتبر العمق بلا سعة.
قوله: (بقدر العشر) أي بقدر المربع الذي هو عشر في عشر.
قوله: (وحينئذ) الاولى حذفه لاغناء ما قبله عنه.
قوله: (فعمق الخ) حاصله أنه إذا كان غدير عشر في عشر عمقه خمس أصابع تقريبا كان ماؤه ثلاثة آلاف الخ، وقدمنا الاقوال في مقدار العمق، وليس فيها قول بتقديره بخمس أصابع.
قوله: (وثلاثمائة) في بعض النسخ وثمانمائة، والموافق لما في القهتساني الاول.
قوله: (منا) قال في القاموس: المن كيل أو ميزان أو رطلان كالمنا: جمعه أمنان وجمع المنا أمناء، والرطل بالفتح والكسر: اثنتا عشرة أوقية، والاوقية أربعون درهما.
قوله: (فعمق خمس أصابع الخ) الاولى اعتباره بالاربع لانه المنقول كما قدمناه عن القهستاني، ولانه أسهل، وعليه فيبلغ في المربع ما طوله وعرضه وعمقه ذراعان ونصف ذراع وأصبع وثلث أصبع، وفي المثلث ما طوله وعرضه ثلاثة أذرع وخمسة أسداد ذراع، وعمقه ذراعان ونصف ذراع وأصبع وثلث أصبع، وفي المدور ما قطره وعمق ذراعان وإحدى وعشرون أصبعا وخمسة أسداد أصبع.
ووزن ذلك الماء بالقلل سبعة عشر قلة وثلث خمس قلة، والقلة مائتان وخمسون رطلا بالعراقي، كل رطل مائة وثمانية وعشرون درهما وأربع أسباع درهم، وجملة ذلك بالرطل
الشامي في زماننا سبعمائة رطل وأحد وستون رطلا وعشر أواق وأحد وخمسون درهما وثلاثة أسباع درهم، كل رطل سبعمائة درهم وعشرون درهما.
قوله: (زال طبعه) أي وصفه الذي خلقه الله تعالى عليه ط قوله: (والانبات) اقتصر الواني عليه لاستلزامه الارواء دون العكس، فإن الاشربة تروي ولا تنتب، والماء الملح طبعه الانبات لا أنه عدم منه لعارض كالماالحار ط قوله: (بسبب طبخ) أي بغيره، فمجرد تسخين الماء بدون خلط لا يسمى طبخا.
ط عن أبي السعود: أي لان الطبخ هو الانضاج استواء.
قاموس.
قوله: (وماء باقلاء) أي فول، وهو مخفف مع المد ومشدد ويخفف مع القصر كما في القاموس، ورسم الاول بالالف والثاني بالياء.
قوله: (إن بقي رقته) أما لو صار كالسوي المخلوط فلا لزوال اسم الماء عنه كما قدمناه عن الهداية.
مبحث الماء المستعمل قوله: (أو بما استعمل الخ) اعلم أن الكلام في الماء المستعمل يقع في أربعة مواضع: الاول في سببه، وقد أشار إليه بقوله: لقربة أو رفع حدث.
الثاني في وقت ثبوته، وقد أشار إليه بقوله: إذا استقر في مكان.
الثالث في صفته: وقد بينها بقوله: طاهر.
الرابع في حكمه، وقد بينه: بقوله لا مطهر ا ه.
بحر.
مطلب في تفسير القربة والثواب قوله: (أي ثواب) قدمنا في سنن الوضوء أن القربة فعل ما يثاب عليه بعد معرفة من يتقرب(1/213)
إليه به وإن لم يتوقف على نية كالوقف والعتق.
وفي البحر عن شرح النقاية أنها ما تعلق به حكم شرعي وهو استحقاق الثواب ا ه.
وفي شرح الاشباه للبيري قال علماؤنا: ثواب العملي في الاخرى عبارة عما أوجبه الله للعبد جزاء لعمله، فتفسير الشارح القربة بالثواب من تفسير الشئ بحكمه، وهو شائع في كلامهم كما مر، وهو المتبادر من تعبير المصنف بلام التعليل: أي لاجل نيل قربة، نعم لو قال المصنف في قربة لتعين تفسير بالفعل، فافهم.
قوله: (ولو مع رفع حدث) يشير به وبقوله الآتي: ولو مع قربة إلى
أن أو في قوله: أو رفع حدث مانعة الخلو لا مانعة الجمع، لان القربة ورفع الحدث قد يجتمعان، وقد ينفرد كل منهما عن الآخر كما سيظهر، فبينهما عموم وخصوص وجهي.
قوله: (أو من مميز) أي إذا توضأ يريد به التطهير كما في الخانية، وهو معلوم من سياق الكلام، وظاهره أنه لو لم يرد به ذلك لم يصر مستعملا.
تأمل.
قوله: (أو حائض الخ) قال في النهر: قالوا بوضوء الحائض يصير مستعملا لانه يستحب لها الوضوء لك فريضة وأن تجلس في مصلاها قدرها كي لا تنسى عادتها، ومقتضى كلامهم اختصاص ذلك بالفريضة، وينبغي أنها لو توضأت لتهجد عادي أو صلاة ضحى وجلست في مصلاها أن يصير مستعملا، ولم أره لهم.
وأقره الرملي وغيره، ووجهه ظاهر، فلذا جزم به الشارح، فأطلق العبادة تبعا لجامع الفتاوي فإنه قال: يستحب لها أن تتوضأ في وقت الصلاة وتجلس في مسجدها تسبح وتهلل مقدار أدائها لئلا تزول عادة العبادة.
قوله: (أو غسل ميت) معطوف على رفع حدث وكون غسالته مستعملة هو الاصح، وإنما أطلق محمد نجاستها لانها لا تخلو عن النجاسة غالبا.
بحر.
أقول: قد يقال إنه مبنى على ما هو قول العامة، واعتمده في البدائع من أن نجاسة الميت نجاسة خبث لانه حيوان دموي لا نجاسة حدث، وعليه فلا حاجة إلى تأويل كلام محمد، وسنوضحه في أول فصل البئر، ويجوز عطفه على مميز: أي ولو من أجل غسل ميت لانه يندب الوضوء من غسل الميت كما مر.
قوله: (بنية السنة) قيد به في البحر أخذا من قول المحيط لانه أقام به قربة لانه سنة ا ه.
قال في النهر: وعليه فينبغي اشتراطه في كل سنة كغسل الفم والانف ونحوهما، وفي ذلك تردد ا ه.
قال الرملي: ولا تردد فيه، حتى لو لم يكن جنبا وقصد بغسل الفم والانف ونحوهما مجرد التنظيف لا إقامة القربة لا يصير مستعملا.
قوله: (أو لاجل رفع حدث) مفاد اللام أنه قصد رفع الحدث فيكون قربة أيضا، مع أن المراد ما هو أعم كما أفاده الشارح بقوله: ولو مع قربة فكان الاولى أن يقول: أو في رفع حدث.
تأمل.
قوله: (كوضوء محدث) فإنه إن كان منويا اجتمع فيه الامران، وإلا كما لو كان للتبرد فرفع الحدث فقط.
قوله: (ولو للتبرد) قيل فيه خلاف محمد بناء على أنه لا يستعمل عنده إلا بإقامة القربة أخذا من قوله: فيما لو انغمس في البئر لطلب
الدلو بأن الماء طهور.
قال السرخسي: والصحيح عنده استعماله بإزالة الحدث إلا للضرورة كمسألة البئر.
وتمامه في البحر.
قوله: (فلو توضأ متوضئ الخ) محترز قول المصنف لاجل قربة أو رفع حدث لكن أورد أن تعليم الوضوء قربة فينبغي أن يصير الماء مستعملا.
وأجاب في البحر وتبعه في النهر وغيره بأن التوضؤ نفسه ليس قربة، بل التعليم وهو أمر خارج عنه ولذا يحصل بالقول.
قوله:(1/214)
(أو لطين) أي ونحوه كوسخ لعدم إزالة الحدث وإقامة القربة، وكذا لو وصلت شعر بذؤابتها فغسلته لم يصر مستعملا لانه لم يبق له حكم البدن، بخلاف ما لو غسل رأس مقتول قد بان منه.
وتمامه في البحر.
فائدة: قال سيدي عبد الغني: الظاهر أن المحدث تكفيه غسلة واحدة عن الطين ونحوه وعن الحدث، بخلاف النجاسة كما قدمنا.
قوله: (بلا نية قربة) بأن أراد الزيادة على الوضوء الاول، وفيه اختلاف المشايخ أما لو أراد بها ابتداء الوضوء صار مستعملا بدائع: أي إذا كان بعد الفراغ من الوضوء الاول وإلا كان بدعة كما مر في محله، فلا يصير الماء مستعملا، وهذا أيضا إذا اختلف المجلس وإلا فلا لانه مكروه.
بحر.
لكن قدمنا أن المكروه تكراره في مجلس مرارا.
قوله: (نحو فخذ) أي مما ليس من أعضاء الوضوء وهو محدث لا جنب، وقيل يصير مستعملا بناء على القول بحلول الحدث الاصغر بكل البدن وغسل الاعضاء رافع عن الكل تخفيفا، والراجح خلافه.
أفاده في النهر.
أفاد سيدي عبد الغني أن الظاهر أن المراد بأعضاء الوضوء ما يشمل المسنونة مع نية فعل السنة.
تأمل.
قوله: (أو ثوب طاهر) أي ونحوه من الجامدات كالقدور والقصاع والثمار.
قهستاني.
قوله: (أو دابة تؤكل) كذا في البحر عن المبتغى.
قال سيدي عبد الغني: وتقييده بالمأكولة فيه نظر، لان غيرها كذلك لا تنجس الماء ولا تسلب طهوريته كالحمار والفأرة وسباع البهائم التي لم يصل الماء إلى فمها ا ه.
وذكر الرحمتي نحوه.
قوله: (أو لاجل إسقاط فرض) فيه ما في قوله: أو لاجل رفع حدث وهذا سبب ثالث للاستعمال زاده في الفتح أخذا من مسألة الحب المذكورة، ومن تعليلها المنقول عن الامام بسقوط الفرض لانه ليس بقربة لعدم النية ولا رفع حدث لعدم تجزيه كما
يأتي.
قوله: (هو الاصل في الاستعمال) أي هو الاصل الذي بني عليه الحكم بتدنس الماء.
قال في الفتح: لان المعلوم من جهة الشارع أن الآلة التي تسقط الفرض وتقام بها القربة تتدنس، كمال الزكاة تدنس بإسقاط الفرض حتى جعل من الاوساخ، ثم قال بعده: والذي نعقله أن كلا من التقرب والاسقاط مؤثر في التغير، ألا ترى أنه انفرد وصف التقرب في صدقة التطوع وأثر التغير حتى حرمت على النبي (ص) فعرفنا أن كلا أثر تغيرا شرعيا ا ه.
أقول: ومقتضاه أن القربة أصل أيضا، بخلاف رفع الحدث لانه لا يتحقق إلا في ضمن القربة أو إسقاط الفرض أو في ضمنهما فكان فرعا، وبهذا ظهر أنه يستغني بهما عنه، فيكون المؤثر في الاستعمال الاصلين فقط، فيقال: هو ما استعمل في قربة سواء كان معها رفع حدث أو إسقاط فرض أو لا، ولا، أو في إسقاط فرض سواء كان معه قربة أو رفع حدث، أولا ولا، هذا ما ظهر لي من(1/215)
قيص الفتاح العليم فاغتنمه.
قوله: (بأن يغسل) أي المحدث أو الجنب بعض أعضائه: أي التي يجب غسلها احتراز عن غسل المحدث نحو الفخذ كما مر.
ثم الظاهر أنه أراد الغسل بنية رفع الحدث ليغاير قوله: أو يدخل يده الخ.
قال في البزازية: وإن أدخل الكف للغسل فسد.
تأمل.
ثم في الخلاصة وغيرها: إن كان أصبعا أو أكثر دون الكف لا يضر.
قال في الفتح: ولا يخلو من حاجته إلى تأمل وجهه.
قوله: (في حب) بالمهملة: الجرة، أو الضخمة منها.
قاموس.
قوله: (لغير اغتراف) بل للتبرد أو غسل يده من طين أو عجين، فلو قصد الاغتراف ونحوه كاستخراج كوز لم يصر مستعملا للضرورة.
قوله: (فإنه يصير مستعملا) المراد أن ما اتصل بالعضو وانفصل عنه مستعمل على ما مر ويأتي.
قوله: (لسقوط الفرض) أي فلا يلزمه إعادة غسل ذلك العضو عند غسل بقية الاعضاء، وهذا التعليل منقول عن الامام كما مر، فلا يقال: إن العلة زوال الحدث زوالا موقوفا، كذا في البحر، على أن الاصل التعليل بما هو الاصل، وقد علمت أن زوال الحدث فرع.
قوله: (وإن لم يزل الخ) كان الاولى إسقاط إن وزيادة أنه لم توجد نية القربكما فعل في البحر، ليكون بيانا لوجه زيادة هذا السبب الثالث، وأنه لا يغنى عنه ما قبله من السببين كما قدمناه، وما في النهر من أنه إنما تتم
زيادته بتقدير أن إسقاط الفرض لا ثواب فيه وإلا كان قربة، اعترضه ط أن إسقاط الفرض لا يتوقف على النية ولا ثواب بدونها، فكيف يمكن أن يكون قربة.
قوله: (جنايته) أي جنابة العضو المغسول في صورة الحدث الاكبر قوله: (ما لم يتم) أي ما لم يغسل بقية الاعضاء قوله: (على المعتمد) قال الشيخ قاسم في حواشي المجمع: الحدث يقال بمعنيين: بمعنى المانعية الشرعية عما لا يحل بدون الطهارة، وهذا لا يتجزأ بلا خلاف عند أبي حنيفة وصاحبيه، وبمعنى النجاسة الحكمية، وهذا يتجزأ ثبوتا وارتفاعا بلا خلاف أيضا وصيرورة الماء مستعملا بإزالة الثانية ا ه.
أقول: والظاهر أنه أراد يتجزى الثاني ثبوتا كما في الحدث الاصغر بالنسبة للاكبر فإنه يحل بعض أعضاء البدن، وفي عدم تجزي الاول بلا خلاف نظر لما قدمه الشارح من الخلاف في جواز القراءة ومس المصحف بعد غسل الفم واليد.
تأمل.
قوله: (وينبغي أن يزاد أو سنة) فيه أن السنة لا تقام إلا بنيتها فيدخل في قوله: لاجل قربة وإن قصد بغسل نحو الفم والانف مجرد التنظيف لم يصر مستعملا كما مر عن الرملي فلم توجد السنة، ثم رأيته في حاشية ح، ثم قال: وكأنه أشار إلى هذا بقوله فتأمل.
قوله: (وقيل إذا استقر) أي بشرط أن يستقر في مكان من أرض أو كف أو ثوب ويسكن عن التحرك، وحذفه لانه أراد بالاستقرار التام منه، وهذا قول طائفة من مشايخ بلخ، واختاره فخر الاسلام وغيره.
وفي الخلاصة أنه المختار، إلا أن العامة على الاول وهو الاصح، وأثر الخلاف يظهر فيما لو انفصل فسقط على إنسان فأجراه عليه، صح على الثاني لا الاول.
نهر.
قلت: وقد مر أن أعضاء الغسل كعضو واحد، فلو انفصل منه فسقط على عضو آخر من أعضاء المغتسل فأجراه عليه صح على القولين.
قوله: (ورجح للحرج) لانه لو قيل باستعماله بالانفصال فقط لتنجس ثوب المتوضئ على القوم بنجاسة الماء المستعمل، وفيه حرج عظيم كما(1/216)
في غاية البيان قوله: (عفوا اتفاقا) أي لا مؤاخذة فيه حتى عند القائل بالنجاسة للضرورة كما في البدائع وغيرها.
قوله: (وهو طاهر الخ) رواه محمد عن الامام، وهذه الرواية هي المشهورة عنه، واختارها المحققون، قالوا: عليها الفتوى، لا فرق في ذلك بين الجنب والمحدث.
واستثني
الجنب في التجنيس، إلا أن الاطلاق أولى وعنه التخفيف والتغليظ، ومشايخ العراق نفوا الخلاف وقالوا: إنه طاهر عند الكل.
وقد قال في المجتبى: صحت الرواية عن الكل أنه طاهر غير طهور، فالاشتغال بتوجيه التغليظ والتخفيف مما لا جدوى له.
نهر.
وقد أطال في البحر في توجيه هذه الروايات، ورجح القول بالنجاسة من جهة الدليل لقوته.
قوله: (وهو الظاهر) كذا في الذخيرة: أي ظاهر الرواية، ومن صرح بأن رواية الطهارة ظاهر الرواية وعليها الفتوى في الكافي والمصفى كما في شرح الشيخ إسماعيل.
قوله: (لكن الخ) دفع لما قد يتوهم من عدم كراهة شربه على رواية الطهارة، ومثل الشرب التوضؤ في المسجد من غير ما أعد له، وفي البحر عن الخانية: لو توضأ في إناء في المسجد جاز عندهم.
قوله: (وعلى) متعلق بيكره محذوفا معطوف على يكره المذكور.
قوله: (تحريما) قال في البحر: ولا يخفى أن الكراهة على رواية الطهارة، أما على رواية النجاسة فحرام، لقوله تعالى: * (ويحرم عليهم الخبائث) * (الاعراف: 751) والنجس منها ا ه.
وأجاب الشارح تبعا للنهر: وأقره النهر بحمل الكراهة على التحريمية، لان المطلق منها ينصرف إليها.
قلت: ويؤيده أن نجاسة المستعمل على القول بها غير قطعية ولذا عبروا بالكراهة في لحم الحمار ونحوه.
فرع: الماء إذا وقعت فيه نجاسة: فإن تغير وصفه لم يجز الانتفاع به بحال، وإلا جاز كبل الطين وسقي الدواب، بحر عن الخلاصة.
قوله: (ليس بطهور) أي ليس بمطهر.
قوله: (على الراجح) مرتبط بقوله: بل لخبث: أي نجاسة حقيقية، فإنه يجوز إزالتها بغير الماء المطلق من المائعات خلافا لمحمد.
مطلب: مسألة البئر جحط قوله: (فرع الخ) هذا ما عبر عنه في الكنز وغيره بقوله: ومسألة البئر جحط، فأشار بالجيم إلى ما قال الامام: إن الرجل والماء نجسان، وبالحاء إلى ما قال الثاني: إنهما بحالهما، وبالطاء إلى ما قال الثالث: من طهارتهما.
ثم اختلف التصحيح في نجاسة الرجل على الاول، فقيل للجنابة فلا يقرأ القرآن، وقيل لنجاسة الماء المستعمل فيقرأ إذا غسل فاه، واستظهره في الخانية.
قلت: ومبنى الاول على تنجس الماء لسقوط فرض الغسل عن بعض الاعضاء بأول الملاقاة قبل تمام الانغماس، والثاني على أنه بعد الخروج من الجنابة كما يفيده ما في البحر عن الخانية وشروح الهداية.
وينبغي على
الاول أن تكون النجاسة نجاسة الماء أيضا لا الجنابة فقط.
تأمل.
ومبنى قول الثاني على اشتراط الصب في الخروج من الجنابة في غير الماء الجاري وما في حكمه.
ومبنى قول الثالث على عدم اشتراطه ولم يصر الماء مستعملا للضرورة، كذا قرره في البحر وغيره.
قوله: (في محدث) أي حدثا(1/217)
أصغر أو أكبر جنابة أو حيضا أو نفاسا بعد انقطاعهما، أما قبل الانقطاع وليس على أعضائهما نجاسة فهما كالطاهر إذا انغمس للتبرد لعدم خروجها من الحيض، فلا يصير الماء مستعملا.
بحر عن الخانية والخلاصة، وتمامه في ح.
قوله: (في بئر) أي دون عشر ح: أي وليست جارية.
قوله: (لدلو) أي لاستخراجه، وقيد به لانه لو كان للاغتسال صار مستعملا اتفاقا.
قال في النهر: أي بين الامام، والثالث لما مرمن اشتراط الصب على قول الثاني ا ه.
وذكره في البحر بحثا.
أقول: والظاهر أن اشتراط الصب على قول الثاني عند عدم النية لقيامه مقامها كما يدل عليه ما يأتي من تصريحه بقيام التلك مقامها.
فتدبر.
قوله: (أو تبرد) تبع في ذكره صاحب البحر والنهر، بناء على ما قيل: إنه عند محمد لا يصير الماء مستعملا إلا بنية القربة.
وقدمنا أن ذلك خلاف الصحيح عنده، وأن عدم الاستعمال في مسألة البئر عنده هي الضرورة ولا ضرورة في التبرد، فلذا اقتصر في الهداية على قول لطلب الدلو.
قوله: (مستنجيا بالماء) قيد به لانه لو كان بالاحجار تنجس كل الماء اتفاقا كما في البزازية.
نهر.
قلت: وفي دعوى الاتفاق نظر، فقد نقل في التاترخانية اختلاف التصحيح في التنجيس وعدمه: أي بناء على أن الحجر مخفف أو مطهر، ورجح في الفتح الثاني، نعم الذي في أكثر الكتب ترجيح الاول كما أفاده في تنوير الابصار، وتمام الكلام عليه سيأتي في فصل الاستنجاء إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولا نجس عليه) عطف عام على خاص، فلو كان على بدنه أو ثوبه نجاسة تنجس الماء اتفاقا.
قوله: (ولم ينو) أي الاغتسال فلو نواه صار مستعملا بالاتفاق إلا في قول زفر.
سراج.
وهذا مؤيد لما قدمناه من أنه عند الثاني مستعمل أيضا، والمراد أنه لم ينو بعد انغماسه في الماء فلا ينافي قوله: لدلو، أفاده طقوله: (ولم يتدلك) كذا في المحيط والخلاصة، وظاهر أنه لو نزل
للدلو وتدلك في الماء صار مستعملا اتفاقا، لان التدلك فعل منه قائم مقام النية فصار كما لو نزل للاغتسال.
بحر ونهر، فتنبه.
وقيده في شرح المنية الصغير بما إذا لم يكن تدلكه لازالة الوسخ.
قوله: (والاصح الخ) هذا القول غير الاقوال الثلاثة المارة المرموز إليها بجحظ ذكره في الهداية رواية عن الامام.
قال في البحر: وعن أبي حنيفة أن الرجل طاهر، لان الماء لا يعطي له حكم الاستعمال قبل الانفصال من العضو.
قال الزيلعي والهندي وغيرهما تبعا لصاحب الهداية: وهذه الرواية أوفق الروايات: أي للقياس.
وفي فتح القدير وشرح المجمع أنها الرواية المصححة.
ثم قال في البحر: فعلم أن المذهب المختار في هذه المسألة أن الرجل طاهر والماء طاهر غير طهور، أما كون الرجل طاهرا فقد علمت تصحيحه، وأما كون الماء المستعمل كذلك على الصحيح فقد علمته أيضا مما قدمناه ا ه.
ومثله في الحلية، وبه علم أن هذا ليس قول محمد، لان عنده لا يصير الماء مستعملا للضرورة كما مر.
وأما الامام فلم يعتبر الضرورة هنا، بل حكم باستعماله لسقوط الفرض كما تقدم تقريره، ولو اعتبر الضرورة لم يصح الخلاف المرموز له، نعم ذكر في البحر عن الجرجاني أنه أنكر الخلاف إذ لا نص فيه وأنه لا يصير مستعملا، كما لو اغترف الماء بكفه للضرورة بلا خلاف.
أقول: وهو خلاف المشهور في كتب المذهب من إثبات الخلاف، ومن أن الذي اعتبر الضرورة هو محمد فقط، وكأن غيره لم يعتبر هنا لندرة الاحتياج إلى الانغما س، بخلاف الاحتياج إلى الاغتراف باليد، فافهم.
قوله: (والمراد الخ) صرح به فالحلية والبحر والنهر، ورده العلامة المقدسي في(1/218)
شرح نظم الكنز بأنه تأويل بعد يجدا، وقوله على ما مر أي من أنه لا فرق بين الملقى والملاقي، وهذه مسألة الفساقي وقد علمت ما فيها من المعترك العظيم بين العلماء المتأخرين.
مطلب في أحكام الدباغة قوله: (وكل إهاب الخ) الاهاب: بالكسر اسم للجلد قبل أن يدبغ من مأكول أو غيره، جمعه أهب بضمتين ككتاب وكتب، فإذا دبغ سمي أديما وصرما وجرابا كما في النهاية.
وإنما ذكر المصنف الدباغة في بحث المياه وإن كان المناسب ذكرها في تطهير النجاسات استطرادا، إما لصلوح الاهاب
بعد دبغه أن يكون وعاء للمياه كما في النهر وغيره، وإليه أشار الشارح بقوله: ويتوضأ منه أو لان الدبغ مطهر في الجملة كما في القهستاني، أو لانه في قوة قولنا: يجوز الوضوء بما وقع فيه إهاب دبغ، كما نقل عن حواشي عصام، قوله: (ومثله المثانة والكرش) المثانية موضع البول، والكرش: بالكسر وككتف لكل مجتر بمنزلة المعدة للانسان.
قاموس، ومثله الامعاء.
وفي البحر عن التجنيس: أصلح أمعاء شاة ميتة فصلى وهي معه جاز، لانه يتخذ منها الاتار وهو كالدباغ، وكذلك لو دبغ المثانة فجعل فيها لبن جاز، وكذلك الكرش إن كان يقدر على إصلاحه.
قال أبو يوسف في الاملاء: إنه لا يطهر لانه كاللحم ا ه.
قوله: (فالاولى وما دبغ) أي حيث كان الحكم غير قاصر على الاهاب، فالاولى الاتيان بما الدالة على العموم ط.
قوله: (دبغ) الدباغ يمنع النتن والفساد.
والذي يمنع على نوعين: حقيقي كالقرظ والشب والعفص ونحوه.
وحكمي كالترتيب والتشميس والالقاء في الريح، ولو جف ولم يستحل لم يطهر.
زيلعي.
والقرظ بالظاء المعجمة لا بالضاد: ورق شجر السلم بفتحتين.
والشب بالباء الموحدة وقيل بالثاء المثلثة، وذكر الازهري أنه تصحيف، وهو نبت طيب الرائحة مر الطعم يدبغ به.
أفاد في البحر.
قوله: (ولو بشمس) أي ونحوه من الدباغ الحكمي، وأشار به إلى خلاف الامام الشافعي وإلى أنه لا فرق بين نوعي الدباغة في سائر الاحكام قال البحر: إلا في حكم واحد، وهو أنه لو أصابه الماء بعد الدباغ الحقيقي لا يعود نجسا باتفاق الروايات، وبعد الحكمي فيه روايتان ا ه.
والاصح عدم العود.
قهستاني عن المضمرات.
وقيد الخلاف في مختارات النوازل بما إذا دبغ بالحكمي قبل الغسل بالماء، قال: فلو بعده لا تعود نجاسته اتفاقا.
قوله: (هو يحتملها) أي الدباغة المأخوذة من دبغ.
وأفاد في البحر أنه لا حاجة إلى هذا القيد، لان قوله: وكل إهاب لا يتناول ما لا يحتمل الدباغة كما صرح به في الفتح.
قوله: (طهر) بضم الهاء والفتح أفصح.
حموي قوله: (فيصلي به الخ) أفاد طهارة ظاهرة وباطنة لاطلاق الاحاديث الصحيحة خلافا لمالك، لكن إذا كان جلد حيوان ميت مأكول اللحم لا يجوز أكله، وهو الصحيح لقوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) * (المائدة: 3) وهذا جزء منها.
وقال عليه الصلاة والسلام في شاة ميمونة رضي الله عنها إنما يحرم من الميتة أكلها مع أمره لهم بالدباغ والانتفاع، أما إذا كان جلد(1/219)
ما لا يؤكل فإنه لا يجوز أكله إجماعة، لان الدباغ فيه ليس بأقوى من الذكاة، وذكاته لا تبيحه، فكذا دباغه.
بحر عن السراج.
قوله: (وعليه) أي وبناء على ما ذكر من أن ما لا يحتمل الدباغة لا يطهر.
قوله: (جلد حية صغيرة) أي لها دم، أما ما لا دم لها فهي طاهرة، لما تقد أنها لو وقعت في الماء لا تفسده.
أفاده ح.
قوله: (أما قميصها) أي الحية كما في البحر عن السراج، وظاهر ولو كبيرة.
قال الرحمتي: لانه لا تحله الحياة، فهكالشعر والعظم.
قوله: (وفأرة) بالهمزة وتبدل ألفا.
قوله: (بذكاة) بالذال المعجمة: أي ذبح.
قوله: (لتقيدهما) أي الذكاة والدباغ بما يحتمله: أي يحتمل الدباغ، وكان الاولى إفراد الضمير ليعود على الذكاة فقط، لان تقيد الدباغ بذلك مصرح به قبله.
وعبارة البحر عن التجنيس: لان الذكاة إنما تقام مقام الدباغ فيما يحتمله.
وفي أبي السعود عن خط الشرنبلالي: الذي يظهر لي الفرق بين الذكاة والدباغة لخروج الدم المسفوح بالذكاة وإن كان الجلد لا يحتمل الدباغة ا ه.
قلت: لكن أكثر الكتب على عدم الفرق كما يأتي.
قوله: (خلا جلد خنزير الخ) قيل إن جلد الآدمي كجلد الخنزير في عدم الطهارة بالدبغ لعدم القابلية، لان لهما جلودا مترادفة بعضها فوق بعض، فالاستثناء منقطع.
وقيل إن جلد الآدمي إذا دبغ طهر، لكن لا يجوز الانتفاع به كسائر أجزائه، كما نص عليه في الغاية، وحينئذ فلا يصح الاستثناء.
وأجاب بأن معنى طهر: جاز استعماله، والعلاقة السببية والمسببي لا اللزوم كما قيل، إذ لا يلزم من الطهارة جواز الانتفاع كما علمته، لكن علة عدم الانتفاع بهما مختلفة، ففي الخنزير لعدم الطهارة، وفي الآدمي لكرامته كما أشار إليه الشارح.
قال في النهر: وهذا مع ما فيه من العدول عن المعنى الحقيقي أولى ا ه: أي لموافقته المنقول في المذهب، وإلى اختياره أشار الشارح بقوله: ولو دبغ طهر قال ط: وإنما قدر جلد لان الكلام فيه لا في كل الماهية.
قوله: (فلا يطهر) أي لان نجس العين، بمعنى أن ذاته بجميع أجزائه نجسة حيا وميتا، فليست نجاسته لما فيه من الدم كنجاسة غيره من الحيوانات، فلذا لم يقبل التطهير في ظاهر الرواية عن أصحابنا، إلا في رواية عن أبي يوسف ذكرها في المنية.
قوله: (وقدم الخ) لما كانت البداءة بالشئ وتقديمه على غيره تفيد
الاهتمام بشأنه وشرفه على ما بعده بين أن ذلك في غير مقام الاهانة، أما فيه فالاشرف يؤخر كقوله تعالى: * (لهدمت صوامع) * (الحج: 04) الآية، لان الهدم إهانة فقدمت صوامع الصابئة أو الرهبان وبيع النصارى وصلوات اليهود: أي كنائسهم، وأخرت مساجد المسلمين لشرفها، وهنا الحكم بعدم الطهارة إهانة كذا قيل.
أقول: وإنما تظهر هذه النكتة على أن الاستثناء من الطهارة لا من جواز الاستعمال الثابت للمستثنى منه، فإن عدمه الثابت للمستثنى ليس بإهانة.
قوله: (وإن حرم استعماله) أي استعمال جلده أو استعمال الآدمي بمعنى أجزائه وبه يظهر التفريع بعده.
قوله: (احتراما) أي لا نجاسة.
قوله: (وأفاد كلامه) حيث لم يستثن من مطلق الاهاب سوى الخنزير والآدمي.
قوله: (وهو المعتمد) أما في الكلب فبناء على أنه ليس بنجس العين، وهو أصح التصحيحين كما يأتي.
وأما في الفيل فكذلك كما هو قولهما، وهو الاصح خلافا لمحمد، فقد روى البيهقي أنه (ص) كان يمتشط(1/220)
بمشط من عاج وفسره الجوهري وغيره بعظم الفيل.
قال في الحلية: وخطئ الخطابي في تفسيره له بالذبل ا ه.
والذبل بالذال المعجمة: جلد السلحفاة البحرية أو البرية أو عظم ظهر دابة بحرية.
قاموس.
وفي الفتح: هذا الحديث يبطل قول محمد بنجاسة عين الفيل.
قوله: (بدباغ) بدل من الضمير المجرور بإعادة الجار، فلا يطهر بذكاة ما لا يطهر بالدباغ مما لا يحتمله كما مر، فلو صلى ومعه جلد حية مذبوحة أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته كما في المحيط والخانية والوالجية.
وما في الخلاصة من أن الحية والفأرة وكل ما لا يكون سؤره نجسا لو صل بلحمه مذبوحا تجوز مشكل كما في الفتح، وتمامه في الحلية.
قلت: وعليه فلو صلى ومعه ترياق فيه لحم حية مذبوحة لا تجوز صلاته لو أكثر من درهم، وصرح في الوهبانية بأنه لا يؤكل، وهو ظاهر فتنبه.
وخرج الخنزير فإنه لا يطهر بالدباغ كما مر، فلا يطهر بالذكاة كما في المنية، والظاهر أن الآدمي كذلك وإن قلنا بطهارة جلده بالدباغ، فلو ذبح ولم تثبت له الشهادة ثم وقع في ماء قليل قبل تغسيله أفسده، ولم أر من صرح به، نعم رأيت في صيد غرر الافكار أن الذكاة لا تعمل في الخنزير والآدمي كما لا تعمل الدباغة في جلدهما.
تأمل.
قوله:
(على المذهب) أي ظاهر المذهب كما في البدائع.
بحر، لحديث لا تنتفعوا من الميتة بإهاب رواه أصحاب السنن، والاهاب: ما لم يدبغ.
فيدل توقف الانتفاع قبل الدبغ على عدم كونها ميتة: أي والذكاة ليست إماتة.
أفاده في شرح المنية، وقيل إنما يظهر جلده بالذكاة إذا لم يكن سؤره نجسا.
قوله: (لا يطهر لحمه) أي لحم الحيوان ذي الاهاب، فالمضير عائد إلى ما على تقدير مضاف أو بدونه والاضافة لادنى مناسبة.
تأمل.
قوله: (هذا أصح ما يفتى به) أفاد أن مقابله مصحح أيضا، فقد صححه في الهداية والتحفة والبدائع، ومشى عليه المصنف في الذبائح كالكنز والدرر، والاول مختار شرح الهداية وغيرهم.
وفي المعراج أنه قول المحققين، وما ذكره الشارح عبارة مواهب الرحمن.
وقال في شرحه المسمى بالبرهان بعد كلام: فجاز أن تعتبر الذكاة مطهرة لجلده للاحتياج إليه للصلاة فيه وعليه، ولدفع الحر والبرد وستر العورة بلبسه دون لحمه لعدم حل أكله المقصود من طهارته، وتمامه في حاشية نوح.
والحاصل أن ذكاة الحيوان مطهرة لجلده ولحمه إن كان الحيوان مأكولا، وإلا فإن كان نجس العين فلا تطهر شيئا منه، وإلا فإن كان جلده لا يحتمل الدباغة فكذلك، لان جلده حينئذ يكون بمنزلة اللحم، وإلا فيطهر جلده فقط، والآدمي كالخنزير فيما ذكر تعظيما له.
قوله: (من الاهل) هو أن يكون الذابح مسلما حلالا خارج الحرم أو كتابيا.
قوله: (في المحل) أي فيما بين اللبة واللحيين، وهذه الذكاة الاختيارية.
والظاهر أن مثلها الضرورية في أي موضع اتفق.
حلية.
وإليه يشير كلام القنية.
قهستاني.
قوله: (بالتسمية) أي حقيقة أو حكما بأن تركها ناسيا.
قوله: (والاول أظهر) وهو المذكور في كثير من الكتب.
بحر.
قوله: (لان ذبح المجوسي) أن ومن في معناه ممن لم يكن أهلا كالوثني والمرتد والمحرم.
قوله: (كلا ذبح) لحكم الشرع بأنه ميتة فيما يؤكل.
قوله: (وإن صحح الثاني) يوهم أن الاول لم يصحح مع أنه في القنية نقل تصحيح القولين فكان الاولى أن(1/221)
يزيد أيضا.
قوله: (وأقره في البحر) حيث ذكر أنه في المعراج نقل عن المجتبى والقنية تصحيح الثاني، ثم قال: وصاحب القنية هو صاحب المجتبى، وهو الامام الزاهدي المشهور علمه وفقهه،
ويدل على أن هذا هو الاصح أن صاحب النهاية ذكر هذا الشرط: أي كون الذكاة شرعية بصيغة قيل معزيا إلى الخانية ا ه.
قوله: (كسنجاب) بالكسر: أي جلده.
قوله: (فنجس) أي فلا تجوز الصلاة فيه ما لم يغسل.
منية.
قوله: (فغسله أفضل) لان الاخذ بما هو الوثيقة في موضع الشك أفضل إذا لم يؤد إلى الحرج، ومن هنا قالوا: لا بأس بلبس ثياب أهل الذمة والصلاة فيها، إلا الازار والسراويل فإنه تكره الصلاة فيها لقربها من موضع الحدث وتجوز، لان الاصل الطهارة، وللتوارث بين المسلمين في الصلاة بثياب الغنائم قبل الغسل، وتمامه في الحلية.
ونقل في القنية أن الجلود التي تدبغ في بلدنا ولا يغسل مذحبها، ولا تتوقى النجاسات في دبغها ويلقونها على الارض النجسة ولا يغسلونها بعد تمام الدبغ فهي طاهرة يجوز اتخاذ الخفاف والمكاعب وغلاف الكتب والمشط والقرب والدلاء رطبا ويابسا ا ه.
أقول: ولا يخفى أن هذا عند الشك وعدم العلم بنجاستها.
قوله: (وشعر الميتة الخ) مع ما عطف عليه خبره قوله الآتي طاهر لما مر من حديث الصحيحين، من قوله عليه الصلاة والسلام في شاة ميمونة إنما حرم أكلها وفي رواية لحمها فدل على أن ما عدا اللحم لا يحرم فدخلت الاجزاء المذكورة، وفيها أحاديث أخر صريحة في البحر وغيره، ولان المعهود فيها قبل الموت الطهارة فكذا بعده، لانه لا يحلها.
وأما قوله تعالى: * (من يحيي العظام) * (يس: 87) الآية، فجوابه مع تعريف الموت بأنه وجودي أو عدمي، أطال فيه صاحب البحر فراجعه، وذكر ذلك في بحث المياه لافادة أنه إذا وقع فيها لا ينجسها.
وفي القهستاني: الميتة ما زالت روحه بلا تذكية.
قوله: (على المذهب) أي على قول أبي يوسف الذي هو ظاهر الرواية: أن شعره نجس، وصححه في البدائع ورجحه في الاختيار، فلو صلى ومعه منه أكثر من قدر الدرهم لا تجوز، ولو وقع في ماء قليل نجسه، وعند محمد لا ينجسه.
أفاده في البحر.
وذكره في الدرر أنه عند محمد طاهر، لضرورة استعماله: أي للخرازين.
قال العلامة المقدسي: وفي زماننا استغنوا عنه: أي فلا يجوز استعماله لزوال الضرورة الباعثة للحكم بالطهارة.
نوح أفندي.
قوله: (على المشهور) أي من طهارة العصب كما جزم به في الوقاية والدرر وغيرهما بل ذكر في البدائع وتبعه في الفتح أنه لا خلاف فيه، لكن
تعقبه في البحر بأنه في غاية البيان ذكر في روايتين: إحداهما: إن طاهر، لانه عظم، والاخرى أنه نجس، لان فيه حياة، والحس يقع فيه، وصحح في السراج الثانية.
قوله: (الخالية عن الدسومة) قيد للجميع كما في القهستاني، فخرج الشعر المنتوف وما بعده إذا كان فيه دسومة.
قوله: (وكذا كل ما لا تحله الحياة) وهو ما لا يتألم الحيوان بقطعه كالريش والمنقار والظلف.
قوله: (حتى(1/222)
الانفحة) بكسر الهمزة وقد تشدد الحاء وقد تكسر الفاء.
والمنفحة والبنفحة: شئ واحد يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفر فيعصر في صوفة فيغلظ به الجبن، فإذا أكل الجدي فهو كرش، وتفسير الجوهري الانفحة بالكرش سهو.
قاموس بالحرف فافهم.
قوله: (على الراجح) أي الذي هو قول الامام، ولم أر من صرح بترجيحه، ولعله أخذه من تقديم صاحب الملتقى له وتأخيره قولهما كما هو عادته فيما يرجحه.
وعبارته مع الشرح: وإنفحة الميتة ولو مائعة ولبنها طاهر كالمذكاة خلافا لهما لتنجسهما بنجاسة المحل.
قلنا: نجاسته تؤثر في حال الحياة إذا اللبن الخارج من بين فرث ودم طاهر، فكذا بعد الموت اه.
ثم اعلم أن الضمير في قول الملتقى ولبنها عائد على الميتة، والمراد به اللبن الذي في ضرعها، وليس عائدا على الانفحة كما فهم المحشي حيث فسرها بالجلدة، وعزا إلى الملتقى طهارتها لان قول الشارح: ولو مائعة، صريح بأن المراد بالانفحة اللبن الذي في الجلدة، وهو الموافق لما مر عن القاموس، وقوله لتنجسها الخ، صريح في أن جلدتها نجسة، وبه صرح في الحلية حيث قال بعد التعليل المار: وقد عرف من هذا أن نفس الوعاء نجس بالاتفاق، ولدفع هذا الوهم غير العبارة في مواهب الرحمن فقال: وكذا لبن الميتة وإنفحتها ونجساها، وهو الاظهر إلا أن تكون جامدة فتطهر بالغسل ا ه.
وأفاد ترجيح قولهما وأنه لا خلاف في اللبن على خلاف ما في الملتقى والشرح، فافهم.
قوله: (وشعر الانسان) المراد به ما أبين منه حيا وإلا فطهارة ما على الانسان مستغنية عن البيان وطهارة الميت مدرجة في بيان الميتة، كذا نقل عن حواشي عصام، والاولى إسقاط حيا.
وعن محمد في نجاسة شعر الآدمي وظفره وعظمه روايتان، والصحيح الطهارة.
سراج.
قوله: (غير المنتوف) أما المنتوف فنجس.
بحر.
والمراد رؤوسه التي فيها الدسومة.
أقول: وعليه فما يبقى بين أسنان المشط ينجس الماء القليل إذا بل فيه وقت التسريح، لكن يؤخذ من المسألة الآتية كما قال ط إن ما خرج من الجلد مع الشعر إن لم يبلغ مقدار الظفر لا يفسد الماء.
تأمل.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان سنة أو سن غيره من حي أو ميت قدر الدرهم أو أكثر حمله معه أو أثبته مكانه كما يعلم من الحلية والبحر.
قوله: (على المذهب) قال في البحر: المصرح به في البدائع والكافي وغيرهما أن سن الآدمي طاهرة على ظاهر المذهب وهو الصحيح لانه لا دم فيها، والمنجس هو الدم.
بدائع.
وما في الذخيرة وغيرها من أنها نجسة ضعيف ا ه.
قوله: (ففي البدائع نجسة) فإنه قال: ما أبين من الحي إن كان جزءا فيه دم كاليد والاذن والانف ونحوها فهو نجس بالاجماع وإلا كالشعر والظفر فطاهر عندنا ا ه.
ملخصا.
قوله: (وفي الخانية لا) حيث قال: صلى وأذنه في كمه أو أعادها إلى مكانها تجوز صلاته في ظاهر الرواية ا ه.
ملخصا.
وعلله في التجنيس بأن ما ليس بلحم لا يحله الموت فلا يتنجس بالموت: أي والقطع في حكم الموت.
واستشكله في البحر بما مر عن البدائع.
وقال في الحلية: لا شك أنها مما تحلها الحياة ولا تعرى عن اللحم، فلذا أخذ الفقيه أبو الليث بالنجاسة وأقره جماعة من المتأخرين ا ه.
وفي شرح المقدسي قلت: والجواب عن الاشكال أن إعادة الاذن وثباتها إنما يكون غالبا بعود الحياة إليها، فلا يصدق أنها مما أبين من الحي لانها بعود الحياة إليها صارت كأنها لم تبن، ولو فرضنا شخصا مات ثم أعيدت حياته معجزة أو كرامة لعاد طاهرا ا ه.(1/223)
أقول: إن عادت الحياة إليها فهو مسلم، لكن يبقى الاشكال لو صلى وهي في كمه مثلا.
والاحسن ما أشار إليه الشارح من الجواب بقوله: وفي الاشباه الخ، وبه صرح في السراج فما في الخانية من جواز صلاته ولو الاذن في كمه لطهارتها في حقه لانها أذنه، فلا ينافي ما في البدائع بعد تقييده بما في الاشباه.
قوله: (المنفصل من الحي) أي مما تحله الحياة كما مر، والمراد الحي حقيقة وحكما، احترازا عن الحي بعد الذبح، كما سيأتي بيانه آخر كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى.
وفي
الحلية عن سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرها وحسنه الترمذي ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت ا ه.
قوله: (ويفسد الماء) أي القليل.
قول: (من جلده) أي أو لحمه.
مختارات النوازل.
زاد في البحر عن الخلاصة وغيرها: أو قشره وإن كان قليلا مثل ما يتناثر من شقوق الرجل ونحوه لا يفسد الماء.
قوله: (لا بالظفر) أي لانه عصب.
بحر.
وظاهره أنه لو كان فيه دسومة فحكمها كالجلد واللحم.
تأمل.
(ودم سمك طاهر) أولى من قول الكنز: إنه معفو عنه لانه ليس بدم حقيقة بدليل أنه يبيض في الشمس والدم يسود بها.
زيلعي.
قوله: (ليس الكلب بنجس العين) بل نجاسته بنجاسة لحمه ودمه، ولا يظهر حكمها وهي حي ما دامت في معدتها كنجاسة باطن المصلي فهو كغيره من الحيوانات.
قوله: (وعليه الفتوى) وهو الصحيح والاقرب إلى الصواب.
بدائع، وهو ظاهر المتون.
بحر، ومقتضى عموم الادلة.
فتح قوله: (فيباع الخ) هذه الفروع بعضها ذكرت أحكامها في الكتب هكذا وبعضها بالعكس، والتوفيق بالتخريج على القولين كما بسطه في البحر، وما في الخانية من تقييد البيع بالمعلم فالظاهر أنه على القول الثاني، بدليل أنه ذكر أنه يجوز بيع السنور وسباع الوحش والطير معلما كان أو لا، تأمل.
قوله: (ويؤجر) الظاهر تقييده بالمعلم ولو لحراثة بوقوع الاجارة على المنافع، ولذا عقبه في عمدة المفتي بقوله: والسنور لا يجوز لانه لا يعلم.
قوله: (ويضمن) أي لو أتلفه إنسان ضمن قيمته لصاحبه.
قوله: (ولا الثواب بانتفاضه) وما في الوالجية وغيرها: إذا خرج الكلب من الماء وانتفض فأصاب ثوب إنسان أفسده لا لو أصابه ماء المطر، لان المبتل في الاول جلده وهو نجس وفي الثاني شعره وهو طاهر ا ه.
فهو على القول بنجاسة عينه كما في البحر، ويأتي تمامه قريبا.
قوله: (ولا بعضه) أي عض الكلب الثوب.
قوله: (ما لم ير ريقه) فالمعتبر رؤية البلة وهو المختار.
نهر عن الصيرفية، وعلامتها ابتلال يده بأخذه.
وقيل لو عض في الرضا نجسه لانه يأخذ بشفته الرطبة لا في الغضب لاخذه بأسنانه.
قوله: (ولا صلاة حاملة الخ) قال في البدائع: قال مشايخنا: من صلى وفي كمه جرو تجوز صلاته، وقيده الفقيه أبو جعفر الهندواني بكونه مشدود الفم ا ه.(1/224)
وفي المحيط: صلى ومعه جرو كلب أو ما لا يجوز الوضوء بسؤره، قيل لم يجز.
والاصح أنه إن كان فمه مفتوحا لم يجز، لان لعابه يسيل في كمه فينجس لو أكثر من قدر الدرهم، ولو مشدودا بحيث لا يصل لعابه إلى ثوبه جاز، لان ظاهر كل حيوان طاهر لا يتنجس إلا بالموت، ونجاسة باطنه في معدته فلا يظهر حكمها كنجاسة باطن المصلي ا ه.
والاشبه إطلاق الجواز عندأمن سيلان القدر المانع قبل الفراغ من الصلاة كما هو ظاهر ما في البدائع.
حلية وأشار الشارح بقوله: ولو كبيرا، إلى أن التقييد بالجرو لصحة التصوير بكونه في كمه كما في النهر وشرح المقدسي، لا لما ظنه في البحر من أن الكبير مأواه النجاسات فلا تصح صلاة حامله، فإنه يرد عليه كما قال المقدسي إن الصغير كذلك.
ثم الظاهر أن التقييد بالحمل في الكم مثلا لاخراج ما لو جلس الكلب على المصلي فإنه لا يتقيد بربط فمه، لما صرح به في الظهيرية من أنه لو جلس على حجره صبي ثوبه نجس وهو يستمسك بنفسه أو وقف على رأسه حمام نجس جازت صلاته ا ه.
تأمل.
قوله: (وشرط الحلواني) صوابه الهندواني كما مر، وهو الموجود في البحر والنهر وغيرهما.
قوله: (ولا خلاف في نجاسة لحمه) ولذا اتفقوا على نجاسة سؤرة المتولد من لحمه، فمعنى القول بطهارة عينه طهارة ذاته ما دام حيا، وطهارة جلده بالدباغ والذكاة، وطهارة ما لا تحله الحياة من أجزائه كغيره من السباع.
قوله: (وطهارة شعره) أخذه في البحر من المسألة المارة آنفا عن الولوالجية فإنها مبنية على القول بنجاسة عينه، وقد صرح فيها بطهارة شعره.
ومما في السراج أن جلد الكلب نجس وشعره طاهر هو المختار ا ه.
لان نجاسة جلده مبنية على نجاسة عينه، فقد اتفق القول بنجاسة عينه، والقول بعدمها على طهارة شعره.
ويفهم من عبارة السراج أن القائلين بنجاسة عينه اختلفوا في طهارة شعره، والمختار الطهارة وعليه يبتني ذكر الاتفاق، لكن هذا مشكل لان نجاسة عينه تقتضي نجاسة جميع أجزائه، ولعل ما في السراج محمول على ما إذا كان ميتا لكن ينافيه ما مر عن الولوالجية، نعم قال في المنح: وفي ظاهر الرواية أطلق ولم يفصل: أي لو انتفض من الماء فأصاب ثوب إنسان أفسده سواء كان البلل وصل إلى جلده أو لا، وهذا يقتضي نجاسة شعره، فتأمل.
مطلب في المسك والزباد والعنبر قوله: (طاهر حلال) لانه وإن كان دما فقد تغير فيصير طاهرا كرماد العذرة.
خانية، والمراد بالتغير الاستحالة إلى الطيبية وهي من المطهرات عندنا، وزاد قول حلال لانه لا يلزم من الطهارة الحل كما في التراب.
منح: أي فإن التراب طاهر ولا يحل أكله.
قال في الحلية: وقد صح عن النبي (ص) إن المسك أطيب الطيب كما رواه مسلم، وحكى النووي إجماع المسلمين على طهارته وجواز بيعه.
قوله: (فيؤكل بكل حال) أي في الاطعمة والاودية لضرورة أو لا.
وفي القاموس أنه(1/225)
مقو للقلب، مشجع للسوداوي، نافع للخفقان والرياح الغليظة في الامعاء والسموم والسدد.
باهي.
قوله: (وكذا نافجته) بكسر الفاء وفتح الجيم: وهي جلدة يجمع فيها المسك معرب نافه ا ه.
شيخ إسماعيل عن بعض الشروح، لكن قال في المنح: فؤها مفتوحة في أكثر كتب اللغة.
قوله: (مطلقا) أي من غير فرق بين رطبها ويابسها، وبين ما انفصل من المذبوحة وغيرها، وبين كونها بحال لو أصابها الماء فسدت أو لا ا ه.
إسماعيل عن مفتاح السعادة، وبه ظهر أن ما في الدرر من أنها لو كانت رطبة من غير المذبوحة ليست بطاهرة على خلاف الاصح.
قوله: (فتح) وكذا في الزيلعي وصدر الشريعة والبحر.
قوله: (وكذا الزباد أشباه) أي في قاعدة المشقة تجلب التيسير، وكذا العنبر كما في الدر المنتقى، وذكر في الفتح والحلية طهارة الزباد بحثا ولم يجدا فيه نقلا، لكن في شرح الاشباه للعلامة البيري قال في خزانة الروايات ناقلا عن جواهر الفتاوي: الزباد طاهر.
ولا يقال: إنه عرق الهرة وإنه مكروه، لانه وإن كان عرقا إلا أنه تغير وصار طاهرا بلا كراهة.
وفي شرح المواهب: سمعت جماعة من الثقات من أهل الخبرة بهذا يقولون إنه عرق سنور، فعلى هذا يكون طاهرا.
وفي المنهاجية من مختصر المسائل: المسك طاهر، لانه وإن كان دما لكنه تغير، وكذا الزباد طاهر، وكذا العنبر.
وفي ألغاز ابن الشحنة، قيل: إن المسك والعنبر ليسا بطاهرين، لان المسك من دابة حية، والعنبر خرء دابة في البحر، وهذا القول لا يعول عليه ولا يلتفت إليه كما صرح به قاضيخان.
وأما العنبر فالصحيح أنه عين في البحر بمنزلة القير وكلاهما طاهر
من أطيب الطيب ا ه.
ملخصا.
وفي تحفة ابن حجر: وليس العنبر روثا خلافا لمن زعمه، بل هو نبات في البحر ا ه.
وللعلامة البيري رسالة سماها (السؤال والمراد في جواز استعمال المسك والعنبر والزباد).
قوله: (وطهره محمد) أي لحديث العرنيين الذين رخص لهم رسول الله (ص) أن يشربوا من أبوال الابل لسقم أصابهم، وعليه فلا يفسد الماء ما لم يغلب عليه فيخرجه عن الطهورية، والمتون على قولهما، ولذا قال في الامداد: والفتوى على قولهما.
قوله: (لا للتداوي ولا لغيره) بيان للتعميم في قوله أصلا.
قوله: (عند أبي حنيفة) وأما عند أبي يوسف فإنه وإن وافقه على أنه نجس لحديث استنزهوا من البول إلا أنه أجاز شربه للتداوي، لحديث العرنيين.
وعند محمد يجوز مطلقا.
وأجاب الامام عن حديث العرنيين بأنه عليه الصلاة والسلام عرف شفاءهم به وحيا ولم يتيقن شفاء غيرهم، لان المرجع فيه الاطباء وقولهم ليس بحجة، حتى لو تعين الحرام مدفعا للهلاك، يحل كالميتة والخمر عند الضرورة، وتمامه في البحر.
مطلب في التداوي بالمحرم قوله: (اختلف في التداوي بالمحرم) ففي النهاية عن الذخيرة: يجوز إن علم فيه شفاء ولم يعلم دواء آخر.
وفي الخانية في معنى قوله عليه الصلاة والسلام: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم كما رواه البخاري أن ما فيه شفاء لا بأس به، كما يحل الخمر للعطشان في الضرورة، وكذا اختاره صاحب الهداية في التجنيس فقال: لو عرف فكتب الفاتحة بالدم على جبهته وأنفه جاء(1/226)
للاستشفاء، وبالبول أيضا إن علم فيه شفاء لا بأس به، لكن لم ينقل، وهذا لان الحرمة ساقطة عند الاستشفاء كحل الخمر والميتة للعطشان والجائع ا ه.
من البحر.
وأفاد سيدي عبد الغني أنه لا يظهر الاختلاف في كلامهم لاتفاقهم على الجواز للضرورة، واشتراط صاحب النهاية العلم لا ينافيه اشتراط من بعده الشفاء، ولذا قال والدي في شرح الدرر: إن قوله لا للتداوي محمول على المظنون، وإلا فجوازه باليقين اتفاق كما صرح به في المصفى ا ه.
أقول: وهو ظاهر موافق لما مر في الاستدل، لقول الامام: لكن قد علمت أن قول الاطباء
لا يحصل به العلم.
والظاهر أن التجربة يحصل به العلم.
والظاهر أن التجربة يحصل بها غلبة الظن دون اليقين، إلا أن يريدوا بالعلم غلبة الظن وهو شائع في كلامهم.
تأمل.
قوله: (وظاهر المذهب المنع) محمول على المظنون كما علمته.
قوله: (لكن نقل المصنف الخ) مفعول نقل قوله: وقيل يرخص الخ والاستدراك على إطلاق المنح، وإذا قيد بالمظنون فلا استدراك.
ونص ما في الحاوي القدسي: إذا سال الدم من أنف إنسان ولا ينقطع حتى يخشى عليه الموت وقد علم أنه لو كتب فاتحة الكتاب أو الاخلاص بذلك الدم على جبهته ينقطع فلا يرخص له ما فيه وقيل يرخص كما رخص في شرب الخمر للعطشان وأكل الميتة في المخمصة، وهو الفتوى ا ه.
قوله: (ولم يعلم دواء آخر) هذا المصرح به في عبارة النهاية كما مر وليس في عبارة الحاوي، إلا أنه يفاد في قوله: كما رخص الخ لان حل الخمر والميتة حيث لم يوجد ما يقوم مقامهما أفاده ط.
قال: ونقل الحموي أن لحم الخنزير لا يجوز التداوي به وإن تعين، والله تعالى أعلم.
فصل في البئر لما ذكر تنجس الماء القليل بوقوع فيه حتى يراق كله أردفه ببيان مسائل الآبار، لان منها ما يخالف ذلك لابتنائها على متابعة الآثار دون القياس، قال في الفتح: فإن القياس إما أن لا تطهر أصلا كما قال شر لعدم الامكان لاختلاط النجاسة بالاوحال والجدران والماء ينبع شيئا فشيئا، وإما أن لا تتنجس حيث تعذر الاحتراز أو التطهير، كما نقل عن محمد أنه قال: اجتمع رأيي ورأي أبي يوسف أن ماء البئر في حكم الجاري لانه ينبع من أسفل ويؤخذ من أعلاه فلا ينجس كحوض الحمام.
قلنا: وما علينا أن ننزح منها دلاء أخذا بالآثار، ومن الطريق أن يكون الانسان في يد النبي (ص) وأصحابه رضي الله عنهم كالاعمى في يد القائد ا ه.
ثم ذكر بعده الآثار الواردة بأسانيدها فراجعه.
وفي البحر عن النووي: البئر مؤنثة مهموزة، ويجوز تخفيفها من بأرت: أي حفرت، وجمعها في القلة أبؤر وأبآر بهمزة بعد الباء فيهما، ومن العرب من يقلب الهمزة في أبآر وينقلها فيقول آبار، وجمعها في الكثرة بئر بكسر فهمزة.
قوله: (ليست بحيوان) قيد بذلك لان المصنف بين أحكام الحيوان بخصوصه وفصلها.
قوله: (ولو مخففة) لان أثر التخفيف وهو العفو عما
دون الربع لا يظهر في الماء، وأفاد ط أنه لو أصاب هذا الماء ثوبا فالظاهر أنه لا تعتبر هذه النجاسة بالمخففة.
قوله: (أو قطرة بول) أي ولو مأكول اللحم كما مر، وسيأتي استثناء ما لا يمكن الاحتراز عنه كبول الفأرة.
قوله: (لم يشمع) أي لم يجعل في محل القطع منه الذي لا ينفك عن بلة(1/227)
نجسة ما يمنع إصابة الماء كشمع ونحوه.
قوله: (ففيه ما في الفأرة) نقله في البحر عن السراج، أي فالواجب فيه نزح عشرين دلوا ما لم ينتفخ أو يتفسخ.
قوله: (على ما مر) أي من أن المعتبر فيه أكبر رأى المبتلى به أو كان عشرا في عشر.
قوله: (على المعتمد) مقابلة ما مر من أنه لو كان عمقها عشرة في عشرة فهي في حكم الكثير، وقدمنا أن تصحيح هذا القول غريب مخالف لما أطلقه الجمهور، ولذا قال في البحر لا يخفى أن هذا التصحيح لو ثبت لانهدمت مسائل أصحابنا المذكورة في كتبهم ا ه.
وما قواه بالمقدسي رده نوح أفندي.
قوله: (ولو فأرة يابسة على المعتمد) وما في خزانة الفتاوي من أنها لا تنجس البئر لان اليبس دباغة ضعيف كما في البحر، وأوضحه في الحلية.
قوله: (النظيف) أي من نجاسة ودم سائل كما في الحلية، وسيأتي في النجاسات أنه يعفي عن دم الشهيد ما دام عليه، ومفاده أنه لو كان عليه دم لا ينجس الماء، ولذا قال في الخانية: ولو وقع الشهيد في الماء القليل لا يفسده إلا إذا سال منه الدم ا ه.
لكن الظاهر أن معناه أنه لو خرج منه دم سائل ينجس الما احترازا عما إذا كان ما خرج منه ليس فيه قوة السيلان، وليس معناه أنه سال منه الدم في الماء.
تأمل، نعم ينبغي تقييد التنجيس بما عليه مما فيه قوة السيلان بما إذا تحلل في الماء، أما لو لم ينفصل عنه فلا ينجس.
تأمل.
قوله: (والمسلم المغسول) أما قبل غسله فنصوا على أنه يفسد الماء القليل ولا تصح صلاة حامله، وبذلك استدل في المحيط على أن نجاسة الميت نجاسة خبث لانه حيوان دموي فينجس بالموت كغيره من الحيوانات لا نجاسة حدث، وصححه في الكافي، ونسبه في البدائع إلى عامة المشايخ كما في جنائز البحر.
أقول: وهذا يؤيد ما حملنا عليه كلام محمد في الاصل عن أن غسالة الميت نجسة، ويضعف ما مر من تصحيح أنها مستعملة، فافهم.
قوله: (مطلقا) أي غسل أو لا.
وفي جنائز البحر: واتفقوا
على أن الكافر لا يطهر بالغسل، وأنه لا تصح صلاة حامله بعده ا ه.
أقول: وهذا مؤيد أيضا للقول بأن نجاسة الميت للخبث لا للحدث، ومؤيد لما قلناه آنفا، فافهم.
قوله: (كسقط) أطلقه تبعا للبحر والقهستاني.
وقيده في الخانية بما إذا لم يستهل قال: فإنه يفسد الماء القليل وإن غسل، أما إذا استهل فحكمه حكم الكبير إن وقع بعد ما غسل لا يفسد ا ه.
وعلى هذا حكم صلاة حامله كما في الخانية أيضا، وفيها أيضا البيضة الرطبة أو السخلة إذا وقعت من الدجاجة أو الشاة في الماء لا تفسده اه.
فافهم.
قوله: (لما مر) أي في باب المياه من أن غير الدموي كزنبور وعقرب لا يفسد الماء، وكذا مائي المولد كسمك وسرطان فهو تعليل للقيدين، فافهم.
قوله: (وانتفخ) أي تورم وتغير عن صفة الحيوان.
قهستاني.
وقوله: أو تمعط أي سقط شعره، وقوله: أو تفسخ أي تفرقت أعضاؤه عضوا عضوا، ولا فرق بين الصغير والكبير(1/228)
كالفأرة والآدمي والفيل، لانه تنفصل بلته وهي نجسة مائعة، فصارت كقطرة خمر، ولهذا لو وقع ذنب فأرة ينزح الماء كله.
بحر، وبه ظهر أنه لو جرح الحيوان بلا تفسخ ونحوه ينزح الجميع كما في الفتح وإن قطعة منه كتفسخه، ولهذا قال في الخانية: قطعة من لحم الميتة تفسده.
قوله: (ينزح كل مائها) أي دون الطين لورود الآثار بنزح الماء، لكن لا يطين المسجد بطينها احتياطا.
بحر.
قوله: (الذي كان فيها وقت الوقوع) فلو زاد بعده قبل النزح لا يجب نزح الزائد وهو أحد قولين، وسيأتي اعتبار وقت النزح، وعليه فيجب نزح الزائد ويأتي تمامه.
بقي لو لم يكن فيها القدر الواجب وقت الوقوع ثم زاد وبلغه: هل يعتبر وقت الوقوع أيضا؟ ظاهر كلامه نعم، وقد ذكر في البحر أنه لو بلغه بعد النزح لا ينزح منه شئ.
قوله: (بعد إخراجه) إذا النزح قبله لا يفيد لان الواقع سبب للنجاسة، ومع بقائة لا يمكن الحكم بالطهارة.
بحر.
قوله: (إلا إذا تعذر الخ) كذا في السراج.
واعترضه في البحر بأن هذا إنما يستقيم فيما إذا كان البئر معينا لا تنزح، وأخرج منها المقدار المعروف، أما إذا كانت غير معين فإنه لا بد من إخراجها لوجوب نزح جميع الماء ا ه.
أقول: قدر يتعذر الاخراج وإن كان الواجب نزح الجميع، لان الواجب الاخراج قبل النزح لا بعده كما علمته.
قوله: (متنجسة) نعت لكل من الخشبة والخرقة، وإنما أفرده للعطف بأو التي هي لاحد الشيئين، وأشار بقوله: متنجسة إلى أنه لا بد من إخراج عين النجاسة كلحم ميتة وخنزير ا ه.
ح.
قلت: فلو تعذر أيضا ففي القهستاني عن الجواهر: لو وقع عصفور فيها فعجزوا عن إخراجه فما دام فيها فنجسة فتترك مدة يعلم أنه استحال وصار حمأة، وقيل مدة ستة أشهر ا ه.
قوله: (فبنزح) بالباء الموحدة متعلق بيطهر بعده ط.
قوله: (يطهر الكل) أي من الدلو والرشاء والبكرة ويد المستقي تبعا، لان نجاسة هذه الاشياء بنجاسة البئر فتطهر بطهارتها للحرج، كدن الخمر يطهر تبعا إذا صار خلا، وكيد المستنجي تطهر بطهارة المحل، وكعروة الابريق إذا كان في يد المستنجي نجاسة رطبة فجعل يده عليها كلما صب على اليد، فإذا غسل اليد ثلاثا طهرت العروة بطهارة اليد.
بحر.
قوله: (خلاصة) ومثله في الخانية، وهو مبني على أنه لا يشترط التوالي وهو المختار كما في البحر والقهستاني.
قوله: (وليس بنجس العين الخ) أي بخلاف الخنزير، وكذا الكلب على القول الآخر، فإنه ينجس البئر مطلقا، وبخلاف المحدث فإنه يندب فيه نزح أربعين كما يذكره.
وبخلاف ما إذ كان على الحيوان خبث: أي نجاسة وعلم بها فإنه ينجس مطلقا.
قال في البحر: وقيدنا بالعلم لانهم قالوا في البقر ونحوه: يخرج حيا لا يجب نزح شئ وإن كان الظاهر اشتمال بولها على أفخاذها لكن يحتمل طهارتها بأن سقطت عقب دخولها ماء كثيرا مع أن الاصل الطهارة ا ه.
ومثله في الفتح.
قوله: (لم ينزح شئ) أي وجوبا، لما في الخانية: لو وقعت الشاة وخرجت حية ينزح عشرون دلوا لتسكين القلب لا للتطهير، حتى لو لم ينزح وتوضأ جاز، وكذا(1/229)
الحمار والبغل لو خرج حيا ولم يصب فمه الماء، وكذا ما يؤكل لحمه من الابل والبقر والغنم والطيور والدجاجة المحبوسة ا ه.
ومثله في مختارات النوازل.
قوله: (كذا في الخانية) أقول: لم أره في الخانية، وإنما الذي فيها أنه ينزح في البغل والحمار جميع الماء إذا أصاب فمه الماء، وكذا في البحر معزيا إليها وإلى غيرها، ومثله في الدرر، وعزاه شارحها إلى المبتغى، وكذا في البدائع
والقهستاني والامداد والحاوي القدسي ومختارات النوازل والبزازية وغيرها.
وقال في المنية: كذا روي عن أبي يوسف، وقال شارحها الحلبي: ولم يرو عن غيره خلافه ا ه.
وفي الفتح: وإن أدخل فمه الماء نزح الكل في النجس، وكذا تظافر كلامهم في المشكوك ا ه.
وفي الجوهرة: وكذا كل ما سؤره نجس أو مشكوك: يجب نزح الكل.
وفي السراج: وسؤر البغل والحمار ينزح كل الماء لانه لم يبق طهورا، وكذا علله في الحلية بقوله: لصيرورة الماء مشكوكا، وهو غير محكوم بطهوريته على ما هو الاصح، بخلاف المكروه فإنه غير مسلوب الطهورية، ومثله في الفتح.
لكن في البحر عن المحيط: لو وقع سؤر الحمار في الماء يجوز التوضؤ به ما لم يغلب عليه لانه طاهر غير طهور، كالماء المستعمل عند محمد ا ه.
قلت: لكنه خلاف ما تظافر عليه كلامهم كما علمت، وإن مشى عليه الشارح فيما سيأتي في الاسآر وسننبه عليه.
والحاصل أنه إذا أصاب فم الحمار الماء صار مشكوكا فينزح الكل كالذي سؤره نجس.
قال في شرح المنية: لاشتراكهما في عدم الطهورية وإن افترقا من حيث الطهارة، فإذا لم ينزح ربما يتطهر به أحد، والصلاة به وحده غير مجزئة فينزح كله ا ه.
قال في الحلية: وهذا بخلاف ما إذا لم يصب فمه الماء، فإن الصحيح أنه لا يصير الماء مشكوكا، فيه كما في التحفة، وإنما ينزح منه عشرون دلوا كالشاة كما في الخانية ا ه.
أقول: وبه يظهر أن قول النهر: لكن في الخانية الصحيح أنه في البغل والحمار لا يصير مشكوكا، فلا يجب نزح شئ، نعم يندب نزح عشرة، وقيل نزح عشرين، منشؤه اشتباه حالة وصول فما الماء بحالة عدم الوصول، وتبعه الشارح فتنبه، ثم رأيت شيخ مشايخنا الرحمتي نبه على ذلك كما ذكرته.
قوله: (كآدمي محدث) أي أنه ينزح فيه أربعون كما عزاه في التاترخانية إلى فتاوي الحجة، ثم عزا إلى الغيائية أنه ينزح فيه الجميع.
وفي شرح الوهبانية: والتحقيق النزح للجميع عند الامام، والثاني على القوبنجاسة الماء المستعمل، وقيل أربعون عنده.
ومذهب محمد أن يسلبه الطهورية، وهو الصحيح عند الشيخين،
فينزح منه عشرون ليصير طهورا، وتمامه فيه، والمراد بالمحدث ما يشمل الجنب.
واستشكل في البدائع نزح العشرين بأن الماء المستعمل طاهر فلم يضر ما لم يغلب على المطلق كسائر المعائعات، ثم قال: ويحتمل أن يقال: طهارته غير مقطوع بها للخلاف فيها، بخلاف سائر المائعات فينزح أدنى ما ورد به الشرع، وذلك عشرون احتياطا ا ه.
قلت: وهذه المسألة تؤيد القول بعدم الفرق بين الملقى والملاقي في الماء المستعمل، وأن المستعمل ما لاقى الاعضاء فقط، ولا يشيع في جميع ماء البئر وإلا لوجب نزح الجميع، لانه إذا(1/230)
وجب نزحه في المشكوك في طهوريته ففي المستعمل المحقق عدم طهوريته بالاولى، وتؤيد ما قاله صاحب البحر من أن الفروع التي استدل بها القائلون باستعمال كل الماء مبنية على رواية نجاسة الماء المستعمل، والله أعلم.
تتمة: نقل في الذخيرة عن كتاب الصلاة للحسن: أن الكافر إذا وقع في البئر وهو حي نزح الماء.
وفي البدائع أنه رواية عن الامام، لانه لا يخلو من نجاسة حقيقية أو حكمية، حتى لو اغتسل فوقع فيها من ساعته لا ينزح منها شئ.
أقول: ولعل نزحها للاحتياط.
تأمل.
قوله: (لان في بولها شكا) وقد مر أنهم لم يعتبروا احتمال النجاسة في الشاة ونحوها، ثم هذا الجواب بناء على القول بأن بول الهرة والفأرة ينجس البئر، وفيه كلام يأتي قوله: (وإن تعذر) كذا عبر في الهداية وغيرها.
وقال في شرح المنية: أي بحيث لا يمكن إلا بحرج عظيم ا ه.
فالمراد به التعسر، وبه عبر في الدرر.
قوله: (لكونها معينا) القياس معينة، لان البئر مؤنث سماعي، إلا أنهم ذكروها حملا على اللفظ، أو لان فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث أو على تقدير ذات معين وهو الماء يجري على وجه الارض ا ه.
حلية، وليس المراد أنها جارية لما يأتي، بل كما قال في البحر: إنهم كلما نزحوا نبع منها مثل ما نزحوا أو أكثر.
قوله: (وقت ابتداء النزح قاله الحلبي) أي في شرح المنية معزيا إلى الكافي، وقيل وقت وقوع النجاسة وهو ما قدمه الشارح عن ابن الكمال، وعليه جرى ابن الكمال هنا أيضا، ومثله في الامداد، ويشير إليه قول الهداية: ينزح مقدار ما كان فيها.
وفي التاترخانية عن المحيط: لو زاد قبل النزح، فقيل ينزح مقدار ما كان فيها وقت الوقوع، وقيل وقت النزح.
قال في الخانية: وثمرة ذلك فيما إذا نزح البعض ثم وجده في الغد أكثر مما ترك، فقيل ينزح الكل، وقيل مقدار ما بقي عند الترك هو الصحيح.
قال في شرح المنية: هذه الثمرة بناء على اعتبار وقت النزح لا وقت الوقوع، فعلم أن الصحيح ما في الكافي ا ه.
أقول: فيه بحث، بل الثمرة على القولين، لان المراد أنها ثمرة الخلاف، فالظاهر أن ما في الخانية تصحيح للقول باعتبار وقت الوقوع، لان حاصل الخلاف أنه هل يجب نزح الزائد على ما كان وقت الوقوع أو لا، فالقائل بأن المعتبر وقت النزح أراد أنه يجب نزح ما زاد سواء كانت الزيادة قبل ابتداء النزح أو قبل انتهائه، فنبه في الخانية على صورة الزيادة قبل انتهاء النزح لخفائها، وصرح بأن الصحيح نزح مقدار ما بقي وقت الترك: أي فلا يجب نزح الزائد، فهذا تصحيح للقول باعتبار وقت الوقوع، وأنه لا يجب نزح ما زاد بعده، فعلم أنه تصحيح لخلاف ما في الكافي، هذا ما ظهر لي فتدبره.
قوله: (بقول رجلين الخ) فإن قالا: إن ما فيها ألف دلو مثلا نزح، كذا في شرح المنية.
قوله: (به يفتى) وهو الاصح.
كافي ودرر، وهو الصحيح، وعليه الفتوى.
ابن كمال: وهو المختار.
معراج، وهو الاشبه بالفقه.
هداية: أي الاشبه بالمعنى المستنبط من الكتاب والسنة، لان الاخذ بقول الغير فيما لم يشتهر من الشرع فيه تقدير.
قال تعالى: * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * (الانبياء: 7) كما في إجزاء الصيد والشهادة.
عناية.
قوله: (وقيل الخ) جزم به في الكنز والملتقى، وهو مروي عن محمد وعليه الفتوى.
خلاصة وتاترخانية عن النصاب، وهو المختار(1/231)
معراج عن العتابية وجعله في العناية رواية عن الامام وهو المختار والايسر كما في الاختيار وأفاد في النهر أن المائتين واجبتان والمائة الثالثة مندوبة، فقد اختلف التصحيح والفتوى.
وضعف هذا القول في الحلبة وتبعه في البحر بأنه إذا كان الحكم الشرعي نزح الجميع فالاقتصار على عدد مخصوص يتوقف على دليل سمعي يفيده، وأين ذلك؟ بل المأثور عن ابن عباس وابن الزبير وخلافه، حين أفتيا بنزح الماء كله حين مات زنجي في بئر زمزم، وأسانيد ذلك الاثر مع دفع ما أورد عليها
مبسوطة في البحر وغيره.
قال في النهر: وكأن المشايخ إنما اختاروا ما عن محمد لانضباطه كالعشر تيسيرا كما مر ا ه.
قلت: لكن مروياتي أن مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار، على أنهم قالوا: إن محمدا أفتى بما شاهد في آبار بغداد فإنها كثيرة الماء، وكذا ما روي عن الامام من نزح مائة في مثل آبار الكوفة لقلة مائها فيرجع إلى القول الاول، لانه تقدير ممن له بصارة وخبرة بالماء في تلك النواحي، لا لكون ذلك لازما في آبار كل جهة.
والله أعلم.
قوله: (وذاك) أي ما في المتن أحوط للخروج عن الخلاف ولموافقته للآثار.
قوله: (طهرت) أي إذا لم يظهر أثر النجاسة.
قوله: (كما مر) أي في قوله: ويجوز بجار وقعت فيه نجاسة.
قوله: (وسيجئ) أي بعد أسطر.
قوله: (فإن أخرج الحيوان) أي الميت.
قوله: (كآدمي) أي مما عادله في الجثة كالشاة والكلب كما في البحر.
قوله: (وكذا سقط الخ) أفاد أن ما ذكروا فيه نزحا مقدرا لا فرق بين كبيرة وصغيرة، لكن قال الشيخ إسماعيل: وأما ولد الشاة إذا كان صغيرا فكالسنور كما تشعر به عباراتهم كما في البرجندي ا ه، وكذا قال ولده سيدي عبد الغني: الظاهر أن الآدمي إذا خرج من أمنه صغيرا أو كان سقطا فهو كالسنور لان العبرة بالمقدار في الجثة لا في الاسم ا ه.
قلت: لكن ما قدمنا عن الخانية أن السقط إن استهل فحكمه كالكبير إن وقع في الماء بعد ما غسل لا يفسده وإن لم يسهل أفسد وإن غسل، وتقدم أيضا أن ذنب الفأرة لو شمع ففيه ما في الفأرة، ثم رأيت في القهستاني قال: فلو وقع فيها سقط ينزح كل الماء.
وعن أبي حنيفة أن الجدي كالشاة.
وعنه أنه والسخلة كالدجاجة كما في الزاهدي ا ه.
فعلم أن في الجدي روايتين.
والظاهر أن مثله السخلة وهي ولد الشاة، وإلحاق السقط بالكبير يؤيد الاولى منهما، وتقييد الشارح الاوز بالكبير تبعا للخلاصة، وقال فيها: أما الصغير فكالحمامة يؤيد الثانية.
وفي السراج أن الاوزة عند الامام كالشاة في رواية، وكالسنور في أخرى ا ه.
أقول: وهذا المقام يحتاج إلى تحرير وتدبر، فاعلم أن المأثور كما ذكره أئمتنا هو نزح الكل في الآدمي والاربعين في الدجاجة والعشرين في الفأرة، فلذا كانت المراتب ثلاثة كما سنذكره، وعن هذا أورد في المستصفى أن مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار، والنص ورد في الفأرة والدجاجة
والآدمي فكيف يقاس ما عدلها بها، ثم أجاب بأنه بعد ما استحكم هذا الاصل صار كالذي ثبت على وفق القياس في حق التفريع عليه.
واعترضه في البحر بأنه ظاهر في أن فيه للرأي مدخلا وليس كذلك، وقال: فالاولى أن يقال: إنه إلحاق بطريق الدلالة لا بالقياس كما اختاره في المعراج ا ه.(1/232)
إذا علمت ذلك ظهر لك أن ما ورد بالنص من الثلاثة المذكورة لم يفرق بين صغيرة وكبيرة في ظاهر الرواية وقوفا مع النص، ولهذا لم يختلفوا في السقط، بخلاف ما ألحق بذلك كالشاة والاوزة، فإنه قد يقال: إن صغيره ككبيره أيضا تبعا للملحق به.
وقد يقال بالفرق اعتبارا للجثة، فلذا وقع فيه الاختلاف، هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم فاغتنمه.
قوله: (كما مر) أي بأن يقال: العشرون للوجوب والزائد للندب.
تنبيه: ظاهر اقتصار المصنف على ما ذكره يفيد أن المراتب ثلاث، لانها الواردة في النص كما قدمناه.
وروى الحسن عن الامام أن في القراد الكبير والفأرة الصغيرة عشر دلاء، وأن في الحمامة ثلاثين، بخلاف الهرة فالمراتب خمس، لكن الذي في المتون هو الاول وهو ظاهر الرواية كما في البحر والقهستاني.
قوله: (وهذا) أي نزح الاربعين أو العشرين لتطهير البئر.
قوله: (بخلاف نحو صهريج وحب الخ) الصهريج: الحوض الكبير يجتمع فيه الماء.
قاموس.
والحب: أي بضم الحاء المهملة الخابية الكبيرة.
صحاح.
وأراد بذلك الرد على من أفتى بنزح عشرين في فأرة وقعت في صهريج، كما نقله في النهر عن بعض أهل عصره متمسكا بما اقتضاه إطلاقهم من عدم الفرق بين المعين وغيرها.
ورده في النهر تبعا للبحر بما في البدائع والكافي وغيرهما من أن الفأرة لو وقعت في الحب يهراق الماء كله.
قال: ووجهه أن الاكتفاء بنزح البعض في الآبار على خلاف القياس بالآثار فلا يلحق بها غيرها، ثم قال: وهذا الرد إنما يتم بناء على أن الصهريج ليس من مسمى البئر في شئ.
اه أي فإذا ادعى دخوله في مسمى البئر لا يكون مخالفا للآثار، ويؤيده ما قدمناه ما أن البئر مشتقة من بأرت: أي حفرت.
والصهريج: حفرة في الارض لا تصل اليد إلمائها، بخلاف العين والحب والحوض، وإليه مال العلامة المقدسي فقال: ما استدل به في البحر لا يخفى بعده،
وأين الحب من الصهريج، لا سيما الذي يسع ألوفا بالدلاء ا ه.
لكنه خلاف ما في النتف.
قوله: (يهراق الماء كله) أقول: وهل يطهر بمجرد ذلك أم لا بد من غسله بعده ثلاثا؟ والظاهر الثاني.
ثم رأيته في التاترخانية قال ما نصه: وفي فتاوي الحجة سئل عبد الله بن المبارك عن الحب المركب في الارض تنجس؟ قال: يغسل ثلاثا، ويخرج الماء منه كل مرة فيطهر، ولا يقلع الحب ا ه.
قوله: (ونحوه في النتف) مقول القول: أي نحو ما في البحر والنهر قال ابن عبد الرزاق: ولم أره في كتاب النتف ا ه.
أقول: رأيت في النتف ما نصه: وأما البئر فهي التي لها مواد من أسفلها ا ه.
أي لها مياه تمدها وتنبع من أسفلها.
ولا يخفى أنه على هذا التعريف يخرج الصهريج والحب والآبار التي تملا من المطر أو من الانهار، فهو مثل ما في البحر والنهر.
قوله: (ونقل) أي المصنف، وهو تأييد لما أفتى به ذلك العصري.
قوله: (أن حكم الركية الخ) الركية على وزن عطية، قال ح: هي البئر كما(1/233)
في القاموس، لكن في العرف هي بئر يجتمع ماؤها من المطر ا ه: أي فهي بمعنى الصهريج.
قوله: (عليه) أي وبناء على ما نقله عن القنية والفوائد.
قوله: (والزير الكبير) أي الذي هو بمعنى الحب المذكور في الفوائد.
قال في القاموس: الزير بالكسر الدن.
والدن بالفتح: الراقود العظيم أو أطول من الحب أو أصغر، له عسعس: أي ذنب لا يقعد إلا أن يحفر له.
قوله: (ينزح، منه كالبئر) أي فيقتصر في الحمامة على أربعين، وفي الفأرة على عشرين.
أقول: وهذا مسلم في الصهريج دون الزير لخروجه عن مسمى البئر، وكون أكثره مطمورا: أي مدفونا في الارض لا يدخله فيه لا عرفا ولا لغة كما قدمناه، وما في الفوائد معارض بإطلاق ما مر عن البدائع والكافي وغيرهما، وفرق ظاهر بينه وبين الصهريج كما قدمناه، فافهم.
وقال المصنف في منظومته تحفة الاقران: مطمورة أكثرها في الارض كالبئر في النزح وهذا مرضي قال به بعض أولي الابصار وليس مرضيا لدى الكبار
فإن نزح البعض مخصوص بما في البئر عند جمع جل العلما قوله: (وهو دلو تلك البئر) هذا هو ظاهر الرواية كما في البحر، وقيده محشيه الرملي بما إذا لم يكن دلوها المعتاد كبيرا جدا فلا يجب العدد المذكور.
قال: وهو الذي يقتضيه نظر القنية ا ه.
ثم إن الشارح قد تبع صاحب البحر في تفسيره الوسط بذلك، وفيه نظر لانه قول آخر وبه يشعر كلام الزيلعي وغيره.
وفي البدائع: اختلف في الدلو، فقيل: المعتبر دلو كل بئر يستقي به منها صغيرا كان أو كبيرا، وروي عن أبي حنيفة أنه قدر صاع، وقيل: المعتبر هو المتوسط بين الصغير والكبير ا ه.
وقوله صغيرا كان أو كبيرا، ربما يخالف ما بحثه الرملي.
تأمل.
قوله: (فإن لم يكن الخ) أي هذا إن كان لها دلو، فإن لم يكن فالمعتبر دلو يسع صاعا، وهذا التفصيل استظهره في البحر وقال: هو ظاهر ما في الخلاصة وشرح الطحاوي والسراج.
قوله: (وغيره) أي غير الدلو المذكور بأن كان أصغر أو أكبر يحتسب به، فلو نزح القدر الواجب بدلو واحد كبير أجزأ، وهو ظاهر المذهب لحصول المقصود.
بحر.
قوله: (ويكفي مل ء أكثر الدلو) فلو كان منحرفا، فإن كان يبقى أكثر ما فيه كفى وإلا لا.
بزازية وقهستاني.
قوله: (ونزح ما وجد) أي ويكفي أيضا نزح ما وجد فيها وهو دون القدر الواجب، حتى لو زاد بعد النزح لا يجب نزح شئ، كما قدمناه عن البحر.
قوله: (وجريان بعضه) أي يكفي أيضا بأن حفر لها منفذ يخرج منهبعض الماء كما في الفتح قوله: (وغوران قدر الواجب) وإذا عاد لا يعود نحسا ان جف أسفله في الاصح، وإلا عاد كما في البحر عن السراج قوله: (بطريق الدلالة) أي دلالة النص، وهي دلالة منطوقه على ما سكت عنه بالاولى أو بالمساواة،(1/234)
كدلالة حرمة التأفيف وأكل مال اليتيم على حرمة الضرب والاتلاف، كما أوضحناه في حواشينا على شرح المنار للشارح، وأشار بذلك إلى الجواب عما قدمناه على المستصفى.
قوله: (كفأرة مع هرة) أي فإن ماتتا نزح أربعون وإلا فلا نزح، وإن ماتت الفأرة فقط أو جرحت أو بالت فيه نزح الكل.
سراج.
وبقي من الاقسام موت الهرة فقط، ولا شك أن فيه أربعين.
نهر.
قوله: (ونحو الهرتين) أي ما كان مقدارهما في الجثة.
قوله: (ونحو الفأرتين) أو ولو كانتا كهيئة الدجاجة إلا في رواية عن محمد
أن فيها حينئذ أربعين.
بحر.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية كما في البحر، وهو قول محمد.
وعند أبي يوسف: الخمس إلى التسع كهرة، والعشر كشاة، وجزم في المواهب بقول محمد ونفي الثاني فأفاد ضعفه.
قوله: (مغلظة) بيان لصفة النجاسة، وقد مر أن التخفيف لا يظهر أثره في الماء.
قوله: (من وقت الوقوع) أي وقوع ما مات فيها.
قوله: (إن علم) أي الوقت أو غلب على الظن.
قهستاني.
ومنه ما إذا شهد رجلان بوقوعها يوم كذا، كما في السراج.
قوله: (وإلا) أي بأن لم يعلم أو لم يغلب على الظن.
نهر.
قوله: (وهذا) أي الحكم بنجاسة البئر يوما وليلة ط.
قوله: (في حق الوضوء والغسل) أي من حيث إعادة الصلاة: يعني المكتوبة والمنذورة والواجبة وسنة الفجر ا ه.
حلية.
وسيأتي أن سنة الفجر إنما تقضي إذا فاتت مع الفرض في يومها قبل الزوال، فافهم.
قوله: (وما عجن به) معطوف على الوضوء.
قوله: (فيطعم للكلاب) لان ما تنجس باختلاط النجاسة به والنجاسة مغلوبة لا يباح أكله ويباح الانتفاع به فيما وراء الاكل كالدهن النجس يستصبح به إذا كان الطاهر غالبا، فكذا هذا حلية عن البدائع.
ويفهم منه أن العجين ليس بقيد فغيره من الطعام والشراب مثله.
تأمل.
قوله: (وقيل يباع من شافعي) لانه يرى أن الماء لا ينجس إذا بلغ قلتين، لكن في الذخيرة: وعن أبي يوسف لا يطعم بني آدم ا ه.
ولهذا عبر عنه الشارح بقيل، وجزم بالاول كصاحب البدائع، ولعل وجهه أنه في إعتقاد الحنفي نجس، ولا ينظر إلى إعتقاد غيره، ولذا لو استفتاه عنه لا يفتيه إلا بما يعتقده.
قوله: (أما في حق غيره) أي غير ما ذكر من الوضوء والغسل والعجين.
قوله: (فيحكم بنجاسته) الاولى بنجاستها: أي البئر كما عبر في البحر وقوله في الحال: أي حال وجود الفأرة مثلا، لا من يوم وليلة ولا من وقت غسل الثياب، ولهذا قال الزيلعي: أي من غير إسناد لانه من باب وجود النجاسة في الثوب، حتى إذا كانوا غسلوا الثياب بمائها لم يلزمهم إلا غسلها في الصحيح ا ه.
وعزاه في البحر إلى المحيط أيضا.
واعترضه بعض محشي صدر الشريعة بأنه إذا حكم بنجاسة البئر في الحال يلزم أن لا تتنجس الثياب التي غسلت بمائها قبله، فلا يلزم غسلها، فلا معنى لقوله لا يلزم إلا غسلها ا ه.
وكذا اعترضه في الحلية بما حاصله أنه إذا لزم غسل الثياب لكونه غسلت بماء هذا البئر فكيف لم يحكم على الثياب بالنجاسة مستندا إلى وقت
غسلها المتيقن حصوله قبل وجود الفأرة؟ وإنما اقتصر على وقت وجودها مع أنه لا يتجه على قول الامام، لانه يوجب مع الغسل الاعادة، ولا على قولهما لا يوجبان غسل الثوب أصلا ا ه.
وأقره في البحر والنهر وغيرهما.
وأقول وبالله تعالى التوفيق: ما قاله الزيلعي مخالف لاطلاق المتون قاطبة، فإنهم حكموا(1/235)
بالنجاسة ولم يفصلوا بين الوضوء والثوب.
وفي الهداية ومختصر القدوري: أعادوا صلاة يوم وليلة إذا كانوا توضؤوا منها وغسلوا كل شئ أصابه ماؤها ا ه.
وفي شرح الجامع الصغير لقاضيخان: إن كانت منتفخة أعادوا صلاة ثلاثة أيام ولياليها، وما أصاب الثوب منه في الثلاثة أفسده، وإن عجن منه لم يؤكد خبزه ا ه.
ومثله في المنية وشرحها.
ثم رأيت بعض محشي صدر الشريعة نقل ما نقلناه وقال: إنه المذكور في أعلام المعتبرات والمشهور في الرواية عن أبي حنيفة ا ه.
فقد ظهر أن الصواب عدم الاقتصار عن الحال وبه يزول الاشكال، نعم أشار في الدرر إلى أن ما قاله الزيلعي ملفق من قول الامام وقولهما حيث قال بعد نقله كلام الزيلعي: يؤيده ما قال في معراج الدراية أن الصباغي كان يفتي بهذا انتهى: أي بهذا التفصيل.
قال في البحر: كان الصباغي يفتي بقول أبي ح فيما يتعلق بالصلاة وبقولهما فيما سواه، كذا في معراج الدراية ا ه.
وأقول: لا يخفى أن مقتضى ما أفتى به الصباغي أن تجب إعادة الصلاة ولا يجب غسل الثياب، وهذا عكس ما قاله الزيلعي فأين التأييد؟ نعم يظهر هذا التأييد على ما قال بعضهم: إن حرف الاستثناء في عبارة الزيلعي زائد.
أقول: وكذا وجدته ساقطا في نسخة قديمة مصححة، وكذا وجدته في نسختي مضروبا عليه، وقد ظهر بما قررناه أن ما ذكره الشارح من التفصيل تابع فيه الزيلعي، وهو مخالف لما في عامة المعتبرات مع ما فيه من الاشكالات فلا يعول وإن أقره في البحر والمنح، ولهذا لم يعرج عليه في فتح القدير، فاغتنم هذا التحريم الذي هو من منح العليم الخبير.
قوله: (وهذا لو تطهر الخ) الاشارة في عبارة الجوهرة إلى عبارة القدوري التي قدمناها، ثم إن ما ذكره في الجوهرة عزاه إلى شيخه موفق الدين، ثم قال: والمعنى فيه أن الماء صار مشكوكا في
طهارته ونجاسته، فإن كانوا محدثين بيقين لم يزل حدثهم بماء مشكوك فيه، وإن كانوا متوضئين لا تبطل صلاتهم بماء مشكوك في نجاسته لان اليقين لا يرتفع بالشك ا ه.
أقول: هذا أيضا مخالف لاطلاق عبارات المعتبرات من لزوم إعادة الصلاة وغسل كل شئ أصابه ماؤها في تلك المدة، فإنه يشمل الاعادة عن حدث وغيره، والغسل لثوب أو بدن من حدث أو نجاسة أو شرب أو غيره.
وأيضا يناقضه مسألة العجين، فإنه يلزم عليه أن يكون طاهرا حلالا لكونه كان طاهرا، فلا تزول طهارته بماء مشكوك فيه مع أنه مخالف لما صرحوا به في عامة كتب المذهب، وأيضا فقد رجحوا قول الامام بحكمه بالنجاسة من يوم أو ثلاثة أيام فإنه الاحتياط في أمر العبادة، ولا يخفى أن هذا التفصيل خلاف الاحتياط، فكان العمل على ما في كتب المذهب أولى.
مطلب مهم في تعريف الاستحسان قوله: (استحسانا) الاستحسان كما قال الكرخي: قطع المسألة عن نظائرها لما هو أقوى، وذلك الاقوى هو دليل يقابل القياس الجلي الذي تسبق إليه أفهام المجتهدين نصا كان أو إجماعا أو(1/236)
قياسا خفيا، وتمامه في فتاوي العلامة قاسم.
قوله: (وقالا الخ) قولهما هو القياس الجلي، وبيان وجه كل في المطولات.
قوله: (فلا يلزمهم) أي أصحاب البئر شئ من إعادة الصلاة أو غسل ما أصابه ماؤها كما صرح به الزيلعي وصاحب البحر والفيض وشارح المنية، فقول الدرر: بل غسل ما أصابه ماؤها، قال في الشرنبلالية: لعل الصواب خلافه.
قوله: (قبله) أي قبل العلم بالنجاسة.
قوله: (قيل وبه يفتى) قائله صاحب الجوهرة.
وقال العلامة قاسم في تصحيح القدوري: قال في فتاوي العتابي، قولهما هو المختار.
قلت: لم يوافق على ذلك، فقد اعتمد قول الامام البرهاني والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، ورجح دليله في جميع المصنفات، وصرح في البدائع بأن قولهما قياس، وقوله استحسان، وهو الاحوط في العبادات ا ه.
قوله: (أعاد من آخر احتلام الخ) لف ونشر مرتب.
وفي بعض النسخ: من آخر نوم، وهو المراد بالاحتلام، لان النوم سببه كما نقله في البحر.
قوله: (ورعاف)
هذا ظاهر إذا وقع له رعاف ولم يبينوا حكم ما إذا لم يقع له ولاجل هذا، والله تعالى أعلم.
روى ابن رستم أن الدم يعيد فيه لان دم غيره قد يصيبه، فالظاهر أن الاصابة لم تتقدم زمان وجوده، بخلاف المني فإن مني غيره لا يصيب ثوبه، فالظاهر أنه منيه، فيتعين وجوده من وقت وجود سبب خروجه حتى لو كان الثوب مما يلبسه هو وغيره يستوي فيه حكم المني والدم.
واختار في المحيط ما رواه ابن رستم، ذكره في البحر.
وقوله فالظاهر أن الاصابة الخ، لا يظهر في الجاف ط.
وفي السراج: لو وجد في ثوبه نجاسة مغلظة أكثر من قدر الدرهم ولم يعلم بالاصابة لم يعد شيئا بالاجماع وهو الاصح ا ه.
قلت: وهذا يشمل الدم، فيقتضي أن الاصح عدم الاعادة مطلقا.
تأمل.
قوله: (لو منتفخة أو ناشفة الخ) ذكره في النهر بحثا فقال بعد قولهم فثلاثة أيام: وينبغي على قياس ما سبق تقيي بكونها منتفخة أو ناشفة، وإن لم يكن أعاد يوما وليلة ا ه.
قوله: (في بول فأرة في الاصح) وسيذكر في الانجاس أن عليه الفتوى، وأن خرأها لا يفسد ما لم يظهر أثره، وأن بول السنور عفو في غير أواني الماء وعليه الفتوى اه.
أقول: وفي الخانية أن بول الهرة والفأرة وخرأهما نجس في أظهر الروايات يفسد الماء والثوب ا ه.
ولعلهم رجحوا القول بالعفو للضرورة.
قوله: (بخرء) يالفتح والضم كما في المغرب.
قوله: (حمام وعصفور) أي ونحوهما مما يؤكل لحمه من الطيور سوى الدجاج والاوز.
قوله: (في الاصح) راجع إلى قوله: وكذا سباع طيرأي مما لا يؤكل لحمه من الطيور، وهذا ما صححه في المبسوط، وصحح قاضيخان في جامعه النجاسة.
بحر.
قوله: لتعذر صونها أي البئر عنه: أي عن الخرء المذكور.(1/237)
ومفاد التعليل أنه نجس معفو عنه للضرورة، وفيه اختلاف المشايخ، لكن الذي اختاره في الهداية وكثير من الكتب أنه ليس بنجس عندنا للاجماع العملي على اقتناء الحمامات في المسجد الحرام من غير نكير مع العلم بما يكون منها كما في البحر.
قال: ولم يذكروا لهذا الخلاف فائدة مع اتفاقهم على سقوط حكم النجاسة اه.
قلت: يمكن أن تظهر في التعاليق، وكذا إذا رماه في الماء قصدا فإنه لا ضرورة في ذلك لكونه بفعله، وما في النهر من أنها يمكن أن تظهر فيما لو وجدها على ثوب وعنده ما هو خال عنها لا تجوز الصلاة فيه على العفو لانتفاء الضرورة وتجوز على الطهارة ا ه.
قال ط: فيه نظر، إذ مقتضاه عدم جوز التطهر فيه بهذا الماء حيث وجد غيره.
قوله: (ولا بتقاطر بول الخ) تبع فيه صاحب الدرر، وأشار في الفيض إلى ضعفه، وذكر القهستاني في الانجاس أنه إن وقع في الماء نجسه في الاصح، وكذا ذكره الحدادي عن الكفاية معللا بأن طهارة الماء آكدا، وبأنه لا حرج في الماء: أي بخلاف البدن والثوب، وبه جزم الشارح في الانجاس أيضا، فعلم أن كلام المصنف مبني على القول الضعيف كما نبه عليه العلامة نوح أفندي.
قوله: (كرؤوس إبر) ومثل الرؤوس الجهة الاخرى ط، وسيأتي إشباع الكلام على هذه المسألة في باب الانجاس.
قوله: (وغبار نجس) بالاضافة وعدمها، وفي الجيم الفتح والكسر ط.
قوله: (وبعرتي إبل وغنم) أي لا نزح بهما، وهذا استحسان قال في الفيض: فلا ينجس إلا إذا كان كثيرا، سواء كان رطبا أو يابسا، صحيحا أو منكسرا.
ولا فرق بين أن يكون للبئر حاجز كالمدن أو لا كالفلوات هو الصحيح ا ه.
وفي التاترخانية: ولم يذكر محمد في الاصل روث الحمار والخثى.
واختلفوا فيه، فقيل ينجس ولو قليلا أو يابسا، وقيل لو يابسا فلا، وأكثرهم على أنه لو فيه ضرورة وبلوى لا ينجس وإلا نجس ا ه.
مطلب في الفرق بين الروث والخثي والبعر والخرء والنجو والعذرة فائدة: قال نوح أفندي: الروث للفرس والبغل والحمار، والخثي بكسر فسكون للبقر والفيل، والبعر للابل والغنم، والخرء للطيور، والنجو للكلب، والعذرة للانسان.
قوله: (في محلب) بكسر الميم: ما يحلب فيه.
قاموس.
قوله: (وقت الحلب) فلو وقعت في غير زمان الحلب فهو كوقوعها في سائر الاواني فتنجس في الاصح، لان الضرورة إنما هي زمان الحلب، لان من عادتها أن تبعر ذلك الوقت، والاحتراز عنه عسير، ولا كذلك غيره ا ه شارح منية.
قوله: (قبل تفتت وتلون) قال في العناية تبعا للخانية: فلو تفتتت أو أخذ اللبن لونها ينجس ا ه.
فتال.
قوله: (والتعبير بالبعرتين) أي في مسألتي البئر والمحلب كما أفاده في الشرنبلالية عن الفيضي.
قوله: (اتفاقي) اعلم
أن بعضهم فهم من تقييد محمد في الجامع الصغير بالبعرة أو البعرتين أنه احتراز عن الثلاث بناء على أن مفهوم العدد في الرواية معتبر.
قال في البحر: وهذا الفهم إنما يتم لو اقتصر محمد على ذلك، مع أنه قال: لا يفسد ما لم يكن كثيرا فاحشا، والثلاث ليس بكثير فاحش، كذا نقل عبارة الجامع في المحيط وغيره ا ه.
فأشار الشارح إلى أن قول المصنف وبعرتي إبل وغنم المراد منه القليل لا خصوص الثنتين، وحمل قوله: وقيل الخ على بيان حد القليل والكثير ليفيد أن ذلك ليس قولا آخر كما قد يتوهم، وإنما عبر عنه المصنف بقوله: وقيل ليفيد وقوع الخلاف في حده، فإن(1/238)
فيه أقوالا صحح منها قولان، أرجحها هذا، والثاني أن ما لا يخلو دلو عن بعرة فهو كثير، صححه في النهاية وعزاه إلى المبسوط، فافهم.
قوله: (ذكر في الفيض) لم يصرح في الفيض بهذه العبارة، وإنما يفهم من قوله: إلا إذا كان كثيرا، كما قدمنا.
قوله: (وعليه الاعتماد) وصححه في البدائع والكافي وكثير من الكتب.
بحر.
وفي الفيض: وبه يفتى.
قوله: (لا يقدر الخ) أي إن عادة الامام رحمه الله تعالى أن ما كان محتاجا إلى تقدير بعدد أو مقدار مخصوص ولم يرد فيه نص لا يقدره بالرأي وإنما يفوضه إلى رأي المبتلى، فلذا كان هذا القول أرجح.
قوله: (البعد الخ) اختلف في مقدار البعد المانع من وصول نجاسة البالوعة إلى البئر، ففي رواية خمسة أذرع، وفي رواية سبعة.
وقال الحلواني: المعتبر الطعم أو اللون أو الريح، فإن لم يتغير جاز وإلا لا ولو كان عشرة أذرع.
وفي الخلاصة والخانية: والتعويل عليه، وصححه في المحيط.
بحر.
والحاصل أنه يختلف بحسب رخاوة الارض وصلابتها، ومن قدره اعتبر حال أرضه.
مطلب في السؤر قوله: (ويعتبر سؤر بمسئر) لما فرغ من بيان فساد الماء وعدمه باعتبار وقوع نفس الحيوانات فيه ذكرها باعتبار ما يتولد منها.
والسؤر بالضم مهموز العين: بقية الماء التي يبقيها الشارب في الاناء أو في الحوض ثم استعير لبقية الطعام وغيره، والجمع الاسار والفعل أسأر: أي أبقى مما شرب.
بحر وغير.
وظاهر القاموس أن السؤر حقيقة في مطلق البقية، والمعنى: أن السؤر يعتبر
بلحم مسئره فإن كان لحم مسئره طاهرا فسؤره طاهر، أو نجسا فنجس، أو مكروها فمكروه، أو مشكوكا فمشكوك.
ابن ملك.
قوله: (اسم الفاعل من أسأر) أي مسئر اسم فاعل قياسي، مأخوذ من مصدر أسار أو سأر كمنع، واسم فاعلهما السماعي سآر كسحار، والقياسي جائز كما في القاموس.
قوله: (لاختلاطه بلعابه) علة ليعتبر: أي ولعابه متولد من لحمه فاعتبر به طهارة ونجاسة وكراهة وشكا.
منح ا ه.
ط.
قوله: (ولو جنبا الخ) بيان لاطلاق.
فإن قيل: ينبغي أن يتنجس سؤره على القول بنجاسة المستعمل لسقوط الفرض بهذا الشرب على الراجح.
قلنا: المستعمل هو المشروب لا ما بقي، ولو لسم فلا يستعمل للحرج كإدخال اليد في الحب لكوز، وتمامه في البحر.
قوله: (أو كافرا) لان عليه الصلاة والسلام أنزل بعض المشركين في المسجد على ما في الصحيحين، فالمراد بقوله تعالى: * (إنما المشركون نجس) * (التوبة: 82) النجاسة في اعتقادهم.
بحر.
ولا يشكل نزح البئر به لو أخرج حيا، لان ذلك لما عليه في الغالب من النجاسة الحقيقية أو الحكمية كما قدمناه.
قوله: (أو امرأة) أي ولو حائضا أو نفساء، لما روى مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي (ص) فيضع فاه على موضع في بحر.
قوله: (نعم يكره سؤرها الخ) أي في الشرب لا في الطهارة.
بحر.
قال الرملي: ويجب تقيده بغير الزوجة والمحارم ا ه.(1/239)
وأورد بعضهم على قول البحر: لا في الطهارة، ما مر في الوضوء من أنه يكره التوضي بفضل ماء المرأة، والمراد به السؤر.
أقول: المراد به الماء الذي توضأت به في خلوتها كما أوضحناه فيما مر، فتدبر.
قوله: (للاستلذاذ) قال شيخنا: ويستفاد منه كراهة الحلاق الامرد إذا وجد المحلوق رأسه من اللذة ما يزيد على ما لو كان ملتحيا ا ه، فكراهة التكبيس وغمز الرجلين واليدين من الامرد في الحمام بالاولى ط.
قوله: (واستعمال ريق الغير) اعترضه أبو السعود بأنه يشمل سؤر الرجل للرجل والمرأة للمرأة، فالظاهر الاقتصار على التعليل الاول كما فعل في النهر ا ه.
: أي لانه (ص) كان يشرب ويعطي الاناء لمن عن يمينه ويقول: الايمن فالايمن نعم عبر في المنح بالاجنبية، وفيه
نظر أيضا.
والذي يظهر أن العلة الاستلذاذ فقط، ويفهم منه أنه حيث لا استلذاذ كراهة ولا سيما إذا كان يعافه.
قوله: (مجتبى) أي قبيل كتاب الوصايا وكان المناسب ذكره قبل التعليل لاني لم أره في المجتبى.
قوله: (ومأكول لحم) أي سوى الجلالة منه فإنه مكروه كما يأتي.
قوله: (ومنه الفرس في الاصح) وهو ظاهر الرواية عن الامام وهو قولهم، وكراهة لحمه عنده لاحترامه لانه آلة الجهاد لا لنجاسته، فلا يؤثر في كراهة سؤره.
بحر.
والفرس اسم جنس كالحمار فيعم الذكر والانثى ط.
قوله: (ومثله ما لا دم له) أي سائل سواء كان يعيش في الماء أو في غيره ط عن البحر.
قوله: (قيد للكل) أي للآدمي ومأكول اللحم ولا دم له ط.
قوله: (طاهر) أي في ذاته طهور: أي مطهر لغيره من الاحداث والاخباث ط.
قوله: (وسؤر خنزير) قدر لفظ سؤر إشارة إلى أن لفظ خنزير مجرور بمضاف حذف وأبقي عمله وهو قليل، والاولى رفعه لقيامه مقام المضاف.
قال الزيلعي: ولا يجوز عطفه على المجرور قبله، لانه يلزم منه العطف على معمولي عاملين مختلفين كما أوضحه في البحر.
قوله: (وسباع بهائم) هي ما كان يصطاد بنابه كالاسد والذئب والفهد والنمر والثعلب والفيل والضبع وأشباه ذلك.
سراج.
قوله: (فور شربها) أي بخلاف ما إذا مكث ساعة ابتلع ريقه ثلاث مرات بعد لحس شفتيه بلسانه وريقه ثم شرب فإنه لا ينجس، ولا بد أن يكون المراد إذا لم يكن في بزاقه الخمر من طعم أو ريح ا ه.
حلية.
قوله: (لا يستوعبه اللسان) أي لا يتمكن أن يعمه بريقه.
قوله: (ولو بعد زمان) أي ولو كان شربه الماء بعد زمان طويل.
وفي أنجاس التاترخانية عن الحاوي: وقيل إذا كان الاناء مملوءا ينجس الماء والاناء بملاقاة فمه وإلا فلا ا ه: أي أنه إذا لم يكن مملوءا يكون الماء واردا على الشارب فإذا ابتلعه يكون كالجاري.
قوله: (فور أكل فأرة) فإن(1/240)
مكثت ساعة ولحست فمها فمكروه.
منية.
ولا ينجس عندهما.
وقال محمد: ينجس لان النجاسة لا تزول عنده إلا بالماء، وينبغي أن لا ينجس على قوله إذا غابت غيبة يجوز معها شربها من ماء كثير.
حلية.
قوله: (مغلظ) وفي رواية عن الثاني أن سؤر ما لا يؤكل كبول ما يؤكل، والذي يظهر ترجيح الاول.
بحر.
قوله: (مخلاة) بتشديد اللام: أي مرسلة تخالط النجاسات ويصل منقارها إلى ما تحت
قدميها، أما التي تحبس في بيت وتعلف فلا يكره سؤرها، لانها لا تجد عذرات غيرها حتى تجول فيها وهي في عذرات نفسها لا تجول بل تلاحظ الحب بينه فتلتقطه كما حققه في الفتح، وتمامه في البحر.
قوله: (وإبل وبقر جلالة) أي تأكل النجاسة إذا جهل حالها، فإن علم حال فمها طهارة ونجاسة فسؤرها ا ه.
مقدسي.
أقول: الظاهر أنه أراد بالجلالة غير التي أنتن لحمها من أكل النجاسة، إذ لو أنتن فالظاهر الكراهة بلا تفصيل لانهم صرحوا بأنها لا يضحى بها كما يأتي في الاضحية.
قال في شرح الوهبانية: وفي المنتقى الجلالة المكروهة التي إذا قربت وجدت منها رائحة، فلا تؤكل ولا يشرب لبنها ولا يعمل عليها، ويكره بيعها وهبتها وتلك حالها، وذكر البقالي أن عرقها نجس ا ه.
وصرح المصنف في الحظر والاباحة أنه يكره لحم الاتان والجلالة.
قال الشارح هناك: وتحبس الجلالة حتى يذهب نتن لحمها.
وقدر بثلاثة أيام لدجاجة وأربعة لشاة، وعشر لابل وبقر على الاظهر، ولو أكلت النجاسة وغيرها بحيث لينتن لحمها حلت ا ه.
وبه علم أن الجلالة التي يكره سؤرها هي التي لا تأكل إلا النجاسة حتى أنتن لحمها لانها حينئذ غير مأكولة، ولذا قال في الجوهرة: فإن كانت تخلط أو أكثر علفها علف الدواب لا يكره سؤرها ا ه قلت: بقي شئ، وهو أن الغالب أن الابل تجتر كالغنم وجرتها نجسة كسرقينها كما سيأتي، ومقتضاه أن يكون سؤرها مكروها وإن لم تكن جلالة، ولم أرى من تعرض له، وإنما المفهوم من إطلاقهم عدم الكراهة، فليتأمل.
قوله: (لم يعلم ربها طهارة منقارها) لما روى الحسن عن أبي حنيفة: إن كان هذا الطير لا يتناول الميتة مثل البازي الاهلي ونحوه لا يكره الوضوء، وإنما يكره في الذي يتناول الميتة، وروي عن أبي يوسف أيضا مثله.
حلية.
قوله: (وسواكن بيوت) أي مما له دم سائل كالفأرة والحية والوزغة، بخلاف ما لا دم له كالخنفس والصرصر والعقرب فإنه لا يكره كما مر، وتمامه في الامداد.
قوله: (طاهر للضرورة) بيان ذلك أن القياس في الهرة نجاسة سؤرها لانه مختلط بلعابها المتولد من لحمها النجس، لكن سقط حكم النجاسة اتفاقا لعلة الطواف المنصوصة بقوله (ص): إنها ليست بنجسة، إنها من الطوافين عليكم والطوافات أخرجه أصحاب السنن الاربعة
وغيرهم.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
يعني أنها تدخل المضائق، ولازمه شدة المخالطة بحيث يتعذر صون الاواني منها، وفي معناها سواكن البيوت للعلة المذكورة، فسقط حكم النجاسة للضرورة وبقيت الكراهة لعدم تحاميها النجاسة.
وأما المخلاة فلعابها طاهر فسؤرها كذلك، لكن لما كانت تأكل العذرة كره سؤرها ولم يحكم بنجاسته للشك، حتى لو علمت النجاسة في فمها تنجس، ولو علمت الطهارة انتفت الكراهة.
وأما سباع الطير فالقياس نجاسة سؤرها كسباع البهائم بجامع حرمة لحمها، والاستحسان طهارته لانها تشرب بمنقارها وهو عظم طاهر، بخلاف سباع البهائم لانها تشرب بلسانها المبتل بلعابها(1/241)
النجس، لكن لما كانت تأكل الميتة غالبا أشبهت المخلاة فكره سؤرها، حتى لو علم طهارة منقارها انتفت الكراهة، هكذا قرروا، وبه علم أن طهارة السؤر في بعض هذه المذكورات ليست للضرورة، بل على الاصل، فتنبه.
قوله: (مكروه) لجواز كونها أكلت نجاسة قبيل شربها.
وأفاد في الفتح أنه لو احتمل تطهيرها فمها زالت الكراهة حيث قال: ويحمل إصغاؤه (ص) الاناء للهرة على زوال ذلك التوهم، بأن كانت في مرأى منه في زمان يمكن فيه غسلها فمها بلعابها وأما على قول محمد فيمكن بمشاهدة شربها من ماء كثير أو مشاهدة قدومها عن غيبة يجوز معها ذلك.
فيعارض هذا التجويز بتجويز أكلها نجسا قبيل شربها فيسقط فتبقى الطهارة دون كراهة، لان الكراهة ما جاءت إلا من ذلك التجويز وقد سقط، وعلى هذا لا ينبغي إطلاق كراهة أكل فضلها والصلاة إذا لحست عضوا قبل غسله، كما أطلقه شمس الائمة وغيره، بل يقيد بثبوت ذلك التوهم، أما لو كان زائلا بما قلنا فلا ا ه.
وأقره في البحر وشرح المقدسي، وهو خلاف ما قدمناه عن المنية.
تأمل.
قوله: (تنزيها) قيد به لئلا يتوهم التحريم.
مطلب: الكراهة حيث أطلقت فالمراد منها التحريم قال في البحر: واعلم أن المكروه إذا أطلق في كلامهم فالمراد منه التحريم، إلا أن ينص على كراهة التنزيه، فقد قال المصنف في المصفى: لفظ الكراهة عند الاطلاق يراد بها التحريم.
قال أبو
يوسف: قلت لابي حنيفة: إذا قلت في شئ أكرهه فما رأيك فيه؟ قال: التحريم ا ه.
قوله: (في الاصح) الخلاف إنما هو في سؤر الهرة.
قال في البحر: وأما سؤر الدجاجة المخلاة فلم أرى من ذكر خلافا في المراد من الكراهة، بظاهر كلامهم أنها كراهة التنزيه بلا خلاف لانها لا تتحامى النجاسة، وكذا في سباع الطير وسواكن البيوت ا ه.
قوله: (كأكله لفقير) أي أكل سؤرها: أي موضع فمها، وما سقط منه من الخبز ونحوه من الجامدات لانه لا يخلو من لعابها، وليس المراد أكل ما بقي: أي مما لم يخالطه لعابها، بخلاف المائع كما أوضحه في الحلية.
وأفاد الشارح كراهته لغني لانه يجد غيره، وهذا عند توهم نجاسة فمها كما قدمناه عن الفتح قريبا.
فرع: تكره الصلاة مع حمل ما سؤره مكروه كالهرة ا ه.
بحر عن التوشيح.
قلت: وينبغي تقييده بالتوهم أيضا كما علمته مما مر، ويظهر منه كراهة الصلاة بثوب أصابه السؤر المكروه كما ذكره في الحلية.
مطلب: ست تورث النسيان نكتة: قيل ست تورث النسيان: سؤر الفأرة، وإلقاء القملة وهي حية، والبول في الماء الراكد، وقطع القطار، ومضغ العلك، وأكل التفاح.
ومنهم من ذكره حديثا، لكن قال أبو الفرج بن الجوزي: إنه حديث موضوع.
بحر وحلية.
وإطلاق التفاح هنا موافق لما في كتب الطب من أنه كله مورث للنسيان.
وذكر بعضهم الحديث مقيدا التفاح بالحامض.
تتمة: زاد بعضهم: مما يورث النسيان أشياء، منها: العصيان، والهموم والاحزان بسبب الدنيا، وكثرة الاشتغال بها، وأكل الكزبرة الرطبة، والنظر إلى المصلوب، والحجم في نقرة القفا، واللحم و الملح، والخبز الحامي، والاكل من القدر، وكثرة المزح، والضحك بين المقابر، والوضوء في محل الاستنجاء، وتوسد السراويل أو العمامة، ونظر الجنب إلى السماء، وكنس البيت بالخرق، ومسح وجهه أو يديه بذيله، ونفض الثوب في المسجد، ودخوله باليسرى وخروجه باليمنى، واللعب(1/242)
بالمذاكير أو الذكر حتى ينزل، والنظر إليه، وبالبول في الطريق أو تحت شجرة مثمرة أو في الماء
الراكد أو في الرماد، والنظر إلى الفرج أو في مرآة الحجام، والامتشاط بالمشط المكسورة وغير ذلك، ولسيدي عبد الغني فيها رسالة، قوله: (أهلي) أما الوحشي فمأكول فلا شك في سؤره ولا كراهه.
قوله: (في الاصح) قاله قاضيخان، ومقابله القول بنجاسته لانه ينجس فمه بشم البول.
قال في البدائع: وهو غير سديد لانه أمر موهوم لا يغلب وجوده فلا يؤثر في إزالة الثابت.
بحر.
قوله: (أمه حمارة) قاله في القاموس: الحمارة بالهاء: الاتان، فافهم، وهذا القيد صرح به غير واحد منهم السروجي في شرح الهداية، قال: إذا نزا الحمار على الرمكة: أي الفرس لا يكره لحم البغل المتولد بينهما، فعلى هذا لا يصير سؤره مشكوكا فيه ا ه، والمراد لا يكره لحمه عندهما إلحاقا بالفرس، وعنده يكره كالفرس، إلا أن سؤره لا يكون مشكوكا اتفاقا كما في الصحيح في سؤر الفرس وكذا البغل الذي أمه بقرة يحل لحمه اتفاقا ولا يكون سؤره مشكوكا لكن ينافي قول صاحب الهداية: والبغل من نسل الحمار فيكون بمنزلته، فإنه يفيد اعتبار الاب، إلا أن الاصل في الحيوانات الالحاق بالام كما صرحوا به في غير موضع.
شرح المنية ونحوه في النهر.
قال في الحلية: قلت: ويمكن أن يقال: ما في الهداية مخرج على مذهب الامام خاصة فيما إذا كان أبوه حمارا وأمه فرسا، تغليبا لجانب التحريم على الاباحة احتياطا.
قوله: (فطاهر) الاولى قول ابن مالك عن الغاية: فطهور لان الولد يتبع الام ا ه.
قوله: (ولا عبرة بغلبة الشبه) رد على ما قاله مسكين من أن التبعية للام محلها ما إذا لم يغلب شبهه بالاب.
قوله: (لتصريحهم الخ) صرح في الهداية وغيرها في الاضحية بجواز الاضحية به حيث قال: والمولود بين الاهلي والحوشي يتبع الام لانها الاصل في التبعية، حتى إذا نزا الذئب على الشاة يضحى بالولد ا ه.
تأمل.
قوله: (اعتبارا للام) لانها الاصل في الولد لانفصاله منها وهو حيوان متقوم، ولا ينفصل من الاب إلا ماء مهينا، ولهذا يتبعها في الرق والحرية، وإنما أضيف الآدمي إلى أبيه تشريفا له، وصيانة له عن الضياع، وإلا فالاصل إضافته إلى الام كما في البدائع.
قوله: (عن الاشباه) صوابه على الفوائد التاجية ط، وكذا نقله في الاشباه عنها في قاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام.
قوله: (عدم الح) أي عدم حل أكل ذئب ولدته شاة.
قوله: (قال شيخنا) يريد الرملي عند الاطلاق ط.
قوله: (إنه غريب) أي لمخالفته
المشهور في كلامهم من إطلاق أن العبرة للام، وقد ذكر القولين المصنف في منظومته تحفة الاقران في الاضحية فقال: نتيجة الاهلي والوحشي تلحق بالام على المرضي ومثله نتيجة المحرم مع المباح يا أخي فاعلم هذا هو المشهور بين العلما والحظر في هذا حكوه فاعلما قوله: (مشكوك في طهوريته) هذا هو الاصح، وهو قول الجمهور، ثم قيل سببه تعارض الاخبار في لحمه، وقيل اختلاف الصحابة في سؤره.
والاصح ما قاله شيخ الاسلام: إن الحمار(1/243)
أشبه الهرة لوجوده في الدور والافنية، لكن الضرورة فيه دون الضرورة فيها لدخولها مضائق البيت فأشبه الكلب والسباع، فلما ثبتت الضرورة من وجه دون وجه واستوى ما يوجب الطهارة والنجاسة تساقطا للتعارض فصير إلى الاصل، وهو هنا شيئان: الطهارة في الماء.
والنجاسة في اللعان.
وليس أحدهما بأولى من الآخر.
فبقي الامر مشكلا نجسا من وجه طاهرا من آخر.
وتمامه في البحر.
لا يقال: كلب الصيد والحراسة كذلك لانه معارض بالنص كما أفاده في السعدية.
قوله: (لا في طهارته) أي ولا فيهما جميعا كما قيل أيضا، هذا مع اتفاقهم أنه على ظاهر الرواية لا ينجس الثوب والبدن والماء ولا يرفع الحدث، فلهذا قال في كشف الاسرار: إن اختلاف لفظي، لان من قال الشك في طهوريته فقط أراد أن الطاهر لا يتنجس به ووجب الجمع بينه وبين التراب، لا أنه ليس في طهارته شك أصلا، لان الشك في طهوريته إنما نشأ من الشك في طهارته ا ه.
بحر.
قلت: ويؤيده ما مر عن شيخ الاسلام، فإنه صريح في أن الشك في الطهارة.
قوله: (اعتبر بالاجزاء) أي كالماء المستعمل عند محمد، فيجوز الوضوء بالماء ما لم يغلب عليه.
محيط.
وكا الوجه أن يقول: ما لم يساوه لما علمته في مسألة الفساقي.
بحر.
هذا، وفي السراج بعد ما نقله عن الوجيز: واعترض الصيرفي في عليه حيث قال: وهذا بعيد، لانه إذا جوز الوضوء بالماء الذي يختلط
بالسؤر إذا كان أكثر كان أيضا يجوز الوضوء بالسؤر، لانه أكثر من اللعاب ا ه.
أقول: ويؤيده ما قدمناه عن الفتح من أنه تظافر كلامهم على أنه ينزح منه جميع ماء البئر، وقدمنا النقول فيه، وأن اعتباره بالاجزاء مخالف لذلك، وقد صرحوا بأن العمل بما عليه الاكثر، وبه يظهر أن ما هنا غير معتبر، فتدبر.
قوله: (قولان) قد علمت أن الشك في الطهورية ناشئ عن الشك في الطهارة، والنجس الثابت بيقين لا يرتفع إلا بطاهر بيقين، فافهم وتأمل.
قوله: (في صلاة واحدة الخ) يعني أن الشرط أن لا تخلو الصلاة الواحدة عنهما وإن لم يوجد الجمع بينهما في حالة واحدة، حتى لو توضأ به وصلى ثم أحدث وتيمم وصلتلك الصلاة جاز هو الصحيح، لان المطهر أحدهما لا المجموع، فإن كان السؤر صحت ولغت صلاة التيمم، أو التيمم فالعكس.
نهر.
فإن قيل: يلزم من هذا أداء الصلابلا طهارة في إحدى المرتين وهو مستلزم للكفر فينبغي وجوب الجمع بينهما في أدا واحد.
قلنا: كل منهما مطهر من وجه دون وجه، فلا يكون الاداء بلا طهارة من كل وجه، فلا يلزمه الكفر، كما لو صلى حنفي بعد نحو الحجامة لا تجوز صلاته ولا يكفر للاختلاف، بخلاف ما لو صلى بعد البول، بحر عن المعراج.
والظاهر أن الاولى الجمع بينهما في أداء واحد للتباعد عن هذه الشبهة، ثم رأيت في الشرنبلالية نقل عن شيخه الشمس المحبي أنه لو صلى بالوضوء ثم بالتيمم: فإن لم يحدث بينهما كره فعله في الاولى دون الثانية، وإن أحدث كره فيهما، ووجه ظاهر فتدبر، وبه ظهر أن قول النهر فيما مر ثم أحدث غير قيد، نعم يفهم منه أنه لو لم يحدث يصح بالاولى لان الصلاة الثانية تكون بالطهارتين.
وفي النهر عن الفتح: واختلف في النية بسؤر الحمار، والاحوط أن ينوي ا ه: أي الاحوط(1/244)
القول بوجوبها، فقد قدمنا في بحث النية عن البحر عن شرح المجمع والنقاية معزيا إلى الكفاية أنها شرط فيه وفي نبيذ التمر.
قوله: (إن فقد ماء مطلقا) أما إذا وجده تعين المصير إليه، ولو وجده بعد ما توضأ بالسؤر وتيمم لا يصلي ما لم يتوضأ به، ولو لم يتوضأ به حتى فقده ومعه السؤر أعاد التيمم لا الوضوء بالسؤر.
تاترخانية.
قوله: (في الاصح والافضل تقديم الوضوء رعاية لقول زفر
بلزومه).
إمداد.
قوله: (ثم أراقه) أما لو أراقه أولا حتى صار عادما للماء لا يلزمه، بل عن نصير بن يحيى أن من لم يجد إلا سؤر الحمار يهريقه ثم يتيمم.
قال الصفار: وهو قول جيد.
بحر عن جامع المحبوبي.
قوله: (لاحتمال طهوريته) أي فيحتمل الصلاة البطلان فتعاد.
وفي الزيلعي: متيمم رأى سؤر حمار وهو في الصلاة أتمها ثم توضأ به وأعادها لاحتمال البطلان ا ه.
قوله: (ويقدم التيمم على نبيذ التمر) اعلم أنه روي في النبيذ عن الامام ثلاث روايات: الاولى: وهو قوله الاول إنه يتوضأ به ويستحب أن يضيف إليه التيمم.
الثانية: الجمع بينهما كسؤر الحمار، وبه قال محمد، ورجحه في غاية البيان.
والثالثة: التيمم فقط، وهو قوله الاخير، وقد رجع إليه، وبه قال أبو يوسف والائمة الثلاثة، واختاره الطحاوي، وهو المذهب المصحح المختار المعتمد عندنا.
بحر.
إذا علمت ذلك ظهر لك أن ظاهر كلام المصنف مبني على الرواية الثانية، وبه تظهر مناسبة ذكره في بحث السؤر، لكن ينافيه قوله: على المذهب فيتعين حمل قوله: ويقدم الخ على التقدم في الرتبة لا في الزمان: أي إن التيمم رتبته التقدم على الوضوء بالنبيذ، فلا يقتصر على الوضوء به، ولا يجمع بينهما مع سبق التيمم.
قال في النهر: ومحل الخلاف ما إذا ألقى في الماء تميرات حتى صار حلوا رقيقا غير مطبوخ ولا مسكر، فإن لم يحل فلا خلاف في جواز الوضوء به، أو أسكر فلا خلاف في عدم الجواز، أو طبخ فكذلك في الصحيح كما في المبسوط.
ورجح غيره الجواز، إلا أن الاول أولى لموافقته لما مر من الضابط: أي المذكور في المياه.
قوله: (لان المجتهد الخ) علة لكون ما ذكر هو المذهب المفتى به دون غيره، فافهم.
قوله: (وحكم عرق كسؤر) أي العرق من كل حيوان حكمه كسؤره لتولد كل منهما من اللحم، كذا قالوا.
ولا خفاء أن المتولد هو اللعاب: أي لا السؤر، لكن أطلق عليه للمجاورة.
نهر.
قوله: (فعرق الحمار الخ) أفرده بالتنصيص عليه لان بعضهم كصاحب المنية استثناه فقال: إلا أن عرق الحمار طاهر عند أبي حنيفة في الروايا ت المشهورة، كما ذكره القدوري.
وقال شمس الائمة الحلواني: نجس إلا أنه جعل عفوفي الثوب والبدن للضرورة.
قال في
شرح المنية: وهذا الاستثناء إنما يصح على القول بأن الشك في الطهارة.
فإذا قيل إن سؤر الحمار مشكوك في طهارته ونجاسته وعرق كل شئ كسؤره، صح أن يقال:(1/245)
إلا أن عرق الحمار طاهر: أي من غير شك، لانه (ص) ركب الحمار معروريا في حر الحجاز، والغالب أنه يعرق، ولم يرو أنه عليه الصلاة والسلام غسل بدنه أو ثوبه منه ا ه.
ومعروريا حال من الفاعل، ولو كان من المفعول لقيل معروري، كذا في المغرب.
قلت: وليس المعنى أنه عليه الصلاة والسلام ركب وهو عريان كما يوهمه كلام النهر وغيره، إذ لا يخفى بعده، بل المراد أنه ركب حال كونه معروريا الحمار، فهو اسم فاعل من اعرورى المتعدي حذف مفعوله للعلم به، يقال اعرورى الفرس: ركبه عريا، فتنبه.
قوله: (صار مشكلا) يعني صار الماء به مشكلا: أي في الظهورية، فيجمع بينه وبين التيمم كما في لعابه، ويجوز شربه من ذلك الماء كما في السراج.
قوله: (وفي المحيط الخ) هذا مأخوذ من القهستاني، ونصه: وفي الزبدة أن عرق الجلالة كالحمار والبغل وغيرهما نجس.
وفي قاضيخان أن عرقهما طاهر في ظاهر الرواية.
وفي المحيط عن الحلواني: نجس لكنه عفو في البدن والثوب.
وعن أبي حنيفة أن عرق الحمار نجاسة غليظة، وعنه أنه خفيفة ا ه.
كلام القهستاني.
وحاصله أنه ذكر في عرق الحمار والبغل ثلاث روايات عن الامام كما صرح به في شرح المنية أنه طاهر، وهو ما قال قاضيخان إنه ظاهر الرواية وهي الرواية المشهورة كما قدمناه عن المنية.
ونجس مغلظ.
ونجس مخفف، وكلام الحلواني محتمل للاخيرتين إلا أنه أسقط حكم النجاسة في البدن والثوب، وقدمنا عن المنية تعليله بالضرورة: أي ضرورة ركوبه.
إذا علمت ذلك ظهر لك أن الكلام في عرق الحمار والبغل لا في الجلالة، وأن ضمير عرقهما في عبارة القهستاني عن قاضيخان ضمير مثنى راجع إلى البغل والحمار.
والظاهر أن نسخة القهستاني التي وقعت للشارح بضمير المفرد لا المثنى فأرجع الضمير إلى الجلالة وليس كذلك.
وقد راجعت عبارة قاضيخان فرأيتها بضمير التثنية العائد إلى ما ذكره قبله من البغل والحمار، ولم أرى
فيها ذكر الجلالة أصلا، وكذا ما نقله في المحيط عن الحلواني ليس في الجلالة بل في البغل والحمار، بدليل ما قدمناه عن المنية من عبارة الحلواني، وهو المتعين في عبارة القهستاني بعد ضمير التثنية، وقد ذكرنا أحكام الجلالة عند قوله: وابل وبقر جلالة ونقلنا التصريح عن البقالي بأن عرقها نجس، وبه صرح الشارح في مسائل شتى آخر الكتاب، وهو محمول على التي أنتن لحمها كما قدمنا، فاغتنم هذا التحرير الذي هو من منح العليم الخبير، الحمد لله على نعمائة وتواتر آلائه.
باب التيمم قوله: (ثلث به) أي جعله ثالثا للوضوء والغسل: أي ذكره بعدهما اقتداء بالكتاب العزيز: أعني قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) * (المائدة: 6) الآية، فإنه ثلث به فيها، وأيضا فهو خلف عنهما، والخلف يتبع الاصل.
قوله: (وهو الخ) دليله قوله (ص): أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الانبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر.
وجعلت لي الارض وفي رواية: ولامتي(1/246)
مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل.
وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي.
وأعطيت الشفاعة.
وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة رواه الشيخان وغيرهما، بل قال السيوطي: إنه متواتر، فلذا قال الشارح بلا ارتياب وفيه رمز إلى ما في اختصاص هذه الامة بالوضوء كما قدمناه في محله.
قوله: (هو لغة القصد) أي مطلق القصد، ومنه قوله تعالى: * (ولا تيمموا الخبيث) * (البقرة: 762) بخلاف الحج فإنه القصد إلى معظم كما في البحر.
قوله: (وشرعا الخ) قال في البحر: واصطلاحا على ما في شروح الهداية: القصد إلى الصعيد الطاهر للتطهير، وعلى ما في البدائع وغيره: استعمال الصعيد في عضوين مخصوصين على قصد التطهير بشرائط مخصوصة.
وزيف الاول بأن القصد شرط لا ركن.
والثاني بأنه لا يشترط استعمال جزء من الارض حتى يجوز بالحجر الاملس، فالحق أنه اسم لمسح الوجه واليدين عن الصعيد الطاهر، والقصد شرط، لانه النية ا ه.
وهذا ما حققه في الفتح.
قوله: (شرط القصد الخ) بالبناء للمجهول، وفيه تورك على المصنف، لان تركيبه يقتضي أن حقيقته القصد فنبه على أنه شرط، وكذا الصعيد، وكونه مطهرا كما أفاده ح، فافهم.
قوله: (خرج الخ) ولذا لم يقل طاهر كما مر عن الشروح والهداية، لان هذه الارض طاهرة غير مطهرة.
قوله: (واستعماله الخ) هذا هو التعريف الثاني الذي قدمناه عن البدائع، وأراد بالصفة المخصوصة ما سيأتي، أو ما مر من كونه في عضوين مخصوصين بشراط مخصوصة،
وقوله: لاجل إقامة القربة هو معنى ما مر عن البدائع من قوله على قصد التطهير وقوله الشارح حقيقة أو حكما الخ جواب عن الايراد المار على هذا التعريف، إذ لا يخفى أن الحجر الاملس جزء من الارض استعمل في العضوين للتطهير، إذ ليس المراد بالاستعمال أخذ جزء منها بل جعله آلة للتطهير، وعليه فهو استعمال حقيقة وهو ظاهر كلام النهر، فلا حاجة إلى قوله: أو حكما كما أفاده ط، وبما قررناه ظهر لك أن المصنف ذكر التعريفين المنقولين عن المشايخ، والظاهر أنه قصد جعلهما تعريفا واحدا، إذ لا بد في الالفاظ الاصطلاحية المنقولة عن اللغوية أن يوجد فيها المعنى اللغوي غالبا.
ويكون المعنى الاصطلاحي أخص من اللغوي، ولذا عرف المشايخ الحج بأنه قصد خاص يزيادة أوصاف مخصوصة، وما مر من الايراد على ذلك بأن القصد شرط يظهر لي أنه غير وارد، لان الشرط هو قصد عبادة مقصودة إلى آخر ما يأتي، لا قصد نفس الصعيد، على أن المعاني الشرعية لا توجد بدون شروطها، فمن صلى بلا طهارة مثلا لم توجد منه صلاة شرعا، فلا بد من ذكر الشروط حتى يتحقق المعنى الشرعي، فلذا قالوا بشرائط مخصوصة كما مر.
ولما كان الاستعمال وهو المسح المخصوص للوجه واليدين من تمام الحقيقة الشرعية ذكره مع القصد تتميما للتعريف، فاغتنم هذا التحرير المنيف.
قوله: (بصفة مخصوصة) وهي ما في البدائع عن أبي يوسف قال: سألت أبا حنيفة عن التيمم، فقال: التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، فقلت: كيف هو؟ فضرب بيديه على الصعيد فأقبل بهما وأدبر ثم نفضهما ثم مسح بهما وجهه، ثم أعاد كفيه على الصعيد ثانيا فأقبل بهما وأدبر ثم نفضهما، ثم مسح بذلك ظاهر الذارعين وباطنهما إلى المرفقين، ثم قال في البدائع: وقال بعض مشايخنا ينبغي أن يمسح بباطن(1/247)
أربع أصابع يده اليسرى ظاهر يده اليمنى من رؤوس الاصابع إلى المرفق، ثم يمسح بكفه اليسرى دون الاصابع باطن يده اليمنى من المرفق إلى الرسغ، ثم يمر بباطن إبهامه اليسرى على ظاهر إبهامه اليمنى، ثم يفعل باليد اليسرى كذلك، وهذا الاقرب إلى الاحتياط لما فيه من الاحتراز عن استعمال التراب المستعمل بالقدر الممكن ا ه.
ملخصا.
ومثله في الحلية عن التحفة والمحيط وزاد الفقهاء.
قوله: (وهو الاصح الاحوط) هذا ما ذهب إليه السيد أبو شجاع، وصححه الحلواني، وفي النصاب: وهذا استحسان وبه نأخذ، وهو الاحوط.
وقيل ليسا بركن، وإليه ذهب الاسبيجابي وقاضيخان، وإليه مال في البحر والبزازية والامداد.
وقال في الفتح: إنه الذي يقتضيه النظر، ولان المأمور به في الآية المسح ليس غير، ويحمل قوله (ص): التيمم ضربتان إما على إرادة الضربة أعم من كونها على الارض أو على العوض مسحا، أو أنه خرج مخرج الغالب ا ه.
وأقره في الحلية، ورجحه في شرح الوهبانية، وقال العلامة ابن الكمال: والمراد بيان كفاية الضربتين لا أنه لا بد منهما، كيف وقد ذكر في كتاب الصلاة: لو كنس دارا أو هدم حائطا أو كال حنطة فأصحاب وجهه وذراعيه غبار لم يجزه ذلك عن التيمم حتى يمر يده عليه ا ه: أي أو يحرك وجهه ويديه بنيته كما سيأتي عن الخلاصة.
وقال في النهر: المراد الضرب أما يقوم مقامه، وعليه مشى الشارح فيما سيأتي، وتظهر ثمرة الخلاف كما في البحر فيما لو ضرب يديه فقبل أن يمسح أحدث، وفيما إذا نوى بعد الضرب، وفيما إذا ألقت الريح الغبار على وجهه ويديه فمسح بنية التيمم أجزأه على الثاني دون الاول.
قوله: (لاجل إقامة القربة) أي لاجل عبادة مقصودة لا تصح بدون الطهارة كما سيأتي بيانه.
قوله: (فإنه لا يصلي به) لان التعليم يحصل بالقول فلا يتوقف على الطهارة.
قوله: (والاستيعاب) الذي يظهر لي أن الركن هو المسح لانه حقيقة التيمم كما مر، والاستيعاب شرط لانه مكمل له، والشارح عكس ذلك، ثم رأيت التصريح في كلامهم بما ذكرته.
قوله: (وشرطه ستة) بل تسعة كما سيأتي.
قوله: (بثلاث أصابع فأكثر) معنى قوله في البحر: باليد أو بأكثرها، فلو مسح بأصبعين لا يجوز، ولو كرر حتى استوعب، بخلاف مسح الرأس فإنه إذا مسحها مرارا بأصبع أو أصبعين بماء جديد لكل حتى صار قدر ربع الرأس صح ا ه.
إمداد وبحر.
قلت: لكن في التاترخانية: ولو تمعك بالتراب بنية التيمم فأصاب التراب وجهه ويديه أجزأه، لان المقصود قد حصل ا ه.
فعلم أن اشتراط أكثر الاصابع محله حيث مسح بيده.
تأمل.
قوله: (والصعيد) كونه شرطا لا ينافي عدم تحقق الحقيقة الشرعية بدوكما علم مما قررناه سابقا، فافهم.
قوله: (وفقد الماء) أي ولو حكما ليشمل نحو المرض، فافهم.
قوله: (وسننه ثمانية) بل ثلاثة عشر
كما سنذكره.
قوله: (الضرب بباطن كفيه) أقول: ذكر في الذخيرة أنه أشار محمد إلى ذلك ولم يصرح به، ثم قال في الذخيرة بعد أسطر: والاصح أنه يضرب بباطنهما وظاهرهما على الارض، وهذا يصير رواية أخرى غير ما أشار إليه محمد ا ه.
وقد اقتصر في الحلية على نقل عبارة الذخيرة(1/248)
الاولى واقتصر الشمني على نقل الثانية فظن في البحر المخالفة في النقل عن الذخيرة وكأنه لم يراجع الذخيرة، وبه يعلم أن الواو في قوله وظاهرهما على حقيقتها لا بمعنى أو خلافا لما فهمه في البحر، ولقوله في النهر: إن الجواز حاصل بأيهما كان، نعم الضرب بالباطن سنة ا ه.
فإن صريح الذخيرة كون الضرب بكل من الظاهر والباطن هو السنة في الاصح، وقد ظهر أن ما ذكره الشارح تبعا للنهر خلاف الاصح، فتدبر.
قوله: (وإقبالهما وإدبارهما) أي بعد وضعهما على التراب نهر، وكذا يقال في التفريج ط.
قوله: (ونفضهما) أي مرة، وروي مرتين، وليس باختلاف في المعنى، لان المقصود تناثر التراب إن حصل بمرة فيها وإلا فبمرتين بدائع، ولذا قال في الهداية: وينفضهما بقدر ما يتناثر التراب كي لا يصير مثله ا ه.
بحر.
قال الرملي: فعلى هذا إذا لم يحصل بمرتين ينفض ثلاثا وهكذا ا ه.
ويظهر من هذا أنه حيث لا تراب أصلا لا يسن النفض.
تأمل.
قوله: (وتفريج أصابعه) تعليلهم سنية التفريج بدخول الغبار أثناء أصابعه يفيد أنه لو ضرب على حجر أملس لا يفرج إلا أن يقال: العلة تراعي في الجنس ا ه.
ح.
قوله: (وتسمية) الظاهر أنها على صيغة ما ذكر في الوضوء والعطف بالواو لا يفيد ترتيبا فلا يراد أن التسمية تكون عند الضرب ط.
قوله: (وترتيب) أي كما ذكره في القرآن ط.
قوله: (وولاء) بكسر الواو: أي مسح المتأخر عقب المتقدم بحيث لو كان الاستعمال بالماء لا يجف المتقدم ط.
قوله: (وزاد ابن وهبان الخ) فيه أن اشتراط النية يغني عنه لانها لا تصح من كافر، إلا أن يقال: صرح به وإن استلزمته النية للتوضيح ا ه.
ح.
وقد أسقط ابن وهبان كون المسح بثلاثة أصابع وعددها ستة أيضا حيث قال: وعذرك شرط ضربتان ونية والاسلام والمسح الصعيد المطهر وكأنه أراد بالشرط ما لا بد منه حتى سمى الضربتين شرطا وإلا فهما ركن.
قوله: (فزدته) هذا
يقتضي أنه زاد على الستة المتقدمة الاسلام، فصار المجموع سبعة مع أنه ترك في البيت من الستة كونه بثلاثة أصابع فأكثر، وزاد الضرب والتعميم: أي الاستيعاب فصارت ثمانية، وأطلق الشرط على الاخيرين بناء على ما قلناه آنفا فافهم.
قوله: (وغيرت شطر بيته الاول) بيته هو ما قدمناه، ولا يخفى أن التغيير وقع في الشطرين.
قوله: (والاسلام) بنقل حركة الهمزة إلى اللام للوزن.
قوله: (عذر) بإسقاط التنوين للضرورة.
قوله: (سمي) بإشباع حركة الميم.
قوله: (وبطن) أي اضرب بباطن الكفين على الارض، وقد علمت ما هو الاصح.
تتمة: زاد في نور الايضاح في الشروط شرطين آخرين: الاول: انقطاع ما ينافيه من حيض أو نفاس أو حدث.
والثاني: زوال ما يمنع المسح على البشرة كشمع وشحم، لكن يغني عن الثاني الاستيعاب كما لا يخفى.
وزاد في المنية طلب الماء إذا غلب على ظنه أن هناك ماء، وسيذكره المصنف بقوله ويطلبه غلوة إن ظن قربه.(1/249)
وزاد سيدي عبد الغني في السنن ثلاثة: الاولى: التيامن كما في جامع الفتاوى والمجتبى.
الثانية: خصوص الضرب على الصعيد لموافقته للحديث.
قال في الخانية: ذكر في الاصل أنه يضع يديه على الصعيد، وفي بعض الروايات يضرب يديه على الصعيد، وهذا أولى ليدخل التراب في أثناء الاصابع ا ه.
الثالثة: أن يكون المسح بالكيفية المخصوصة التي قدمناها عن البدائع.
وفي الفيض: ويخلل لحيته وأصابعه، ويحرك الخاتم والقرط كالوضوء والغسل ا ه.
قلت: لكن في الخانية: أن تخليل الاصابع لا بد منه ليتم الاستيعاب.
وقال في البحر: وكذا نزع الخاتم أو تحريكه ا ه.
فبقي تخليل اللحية من السنن، فصار المزيد أربعة، ويزاد خامسة، وهي كون الضرب بظاهر الكفين أيضا كما علمت تصحيحه، ولم أر من ذكر السواك في السنن مع أنهم
ذكروه في الوضوء والغسل، فينبغي ذكره.
تأمل.
فالحاصل أن ركن التيمم شيئان: الضرب أو ما يقوم قمامه، ومسح العضوين.
وشرطه تسعة: وهي الستة التي في بيت الشارح، وكون المسح بأكثر اليد، وزوال ما ينافيه، وطلب الماء لو ظن قربه.
وسننه ثلاثة عشر: الثمانية التي نظمها، والخمسة التي ذكرناها آنفا، وقد نظمت جميع ذلك فقلت: ومسح وضرب ركنه العذر شرطه وقصد وإسلام صعيد مطهر وتطلاب ماء ظن تعميم مسحه بأكثر كف فقدها الحيض يذكر وسن خصوص الضرب نفض تيامن وكيفية المسح التي فيه تؤثر وسم ورتب وال بطن وظهرن وخلل وفرج فيه أقبل وتدبر قوله: (من عجز) العجز على نوعين: عجز من حيث الصورة والمعنى، وعجز من حيث المعنى فقط، فأشار إلى الاول بقوله: لبعده وإلى الثاني بقوله: أو لمرض أفاده في البحر.
وفيه عن المحيط: المسافر يطأ جاريته وإن علم أنه لا يجد الماء، لان التراب شرع طهورا حال عدم الماء، ولا تكره الجنابة حال وجوده فكذا حالة عدمه ا ه.
قوله: (مبتدأ) المبتدأ لفظ من فقط، لكن لما كان الصلة والموصول كالشئ الواحد تسمح في إطلاق المبتدأ عليهما ط.
قوله: (المطلق) قيد به لان غيره كالعدم.
قوله (الكافي لطهارته) أي من الخبث والحدث الاصغر أو الاكبر، فلو وجد ماء يكفي لازالة الحد ث أو غسل النجاسة المانعة غسلها وتيمم عند عامة العلماء، وإن عكس وصلى في النجس أجزإه وأساء.
خانية.
ولو تيمم أولا ثم غسلها يعيد التيمم لانه تيمم وهو قادر على الوضوء.
محيط، ونظر فيه في البحر بما سنذكره مع جوابه.
وفي القهستاني: إذا كان للجنب ماء يكفي لبعض أعضائه أو للوضوء تيمم ولم يجب عليه صرفه إليه، إلا إذا تيمم للجنابة ثم أحدث فإنه يجب عليه الوضوء لانه قدر على ماء كاف، ولا يجب عليه التيمم لانه بالتيمم خرج عن الجنابة إلى أن يجد ماء كافيا للغسل، كذا في شرح الطحاوي وغيره ا ه.
قوله: (لصلاة) متعلق بقوله لطهارته
أو باستعمال، واحترز بها عن النوم ورد السلام ونحوه مما يأتي فإنه لا يشترط له العجز.
قوله: ((1/250)
تفوت إلى خلف) كالصلوات الخمس فإن خلفها قضاؤها.
وكالجمعة فإن خلفها الظهر، واحترز به عما لا يفوت إلى خلف كصلاة الجنازة والعيد والكسوف والسنة والرواتب فلا يشترط لها العجز كما سيأتي.
قوله: (لبعده) الضمير يرجع إلى من ط، وقيد بالبعد لانه عند عدمه لا يتيمم وإن خاف خروج الوقت في صلاة لها خلف خلافا لزفر، وسيذكر الشارح أن الاحوط أن يتيمم ويصلي ثم يعيد.
ويتفرع على هذا الاختلاف ما لو ازدحم جمع على بئر لا يمكن الاستقاء منها إلا بالمناوبة، أو كانوا عراة ليس معهم إلا ثوب يتناوبونه، وعلم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد الوقت فإنه لا يتيمم ولا يصلي عاريا بل يصبر عندنا، وكذا لو اجتمعوا في مكان ضيق ليس فيه إلا موضع يسع أن يصلي قائما فقط يصبر ويصلي قائما بعد الوقت، كعاجز عن القيام والوضوء في الوقت ويغلب على ظنه القدرة بعده، وكذا من معه ثوب نجس وماء يلزمه غسل الثوب وإن خرج الوقت.
بحر ملخصا عن التوشيح.
قوله: (ولو مقيما) لان الشرط هو العدم فإنما تحقق جاز التيمم، نص عليه في الاسرار.
بحر.
قوله: (ميلا) هو المختار في المقدار.
هداية، وهو أقرب الاقوال.
بدائع.
والمعتبر غلبة الظن في تقديره إمداد وغيره.
والميل في كلام العرب منتهى مد البصر: وقيل للاعلام المبنية في طريق مكة أميال لانها بنيت كذلك، كما في الصحاح والمغرب، والمراد هنا ثلث الفرسخ، والفرسخ ربع البريد.
قوله: (أربعة آلا ف ذراع) كذا في الزيلعي والنهر والجوهرة.
وقال في الحلية: إنه المشهور كما نقل غير واحد، منهم السروجي في غايته ا ه.
وفي شرح العيني ومسكين والبحر عن الينابيع أنه أربعة آلاف خطوة.
قال الرملي: والاول هو المعول عليه، وما في الشرنبلالية من التوفيق بينهما بأن يراد بالذراع ما فيه أصبع قائمة عند كل قبضة فيبلغ ذراعا ونصفا بذراع العامة ا ه.
فيه نظر، لضبطهم الذراع بما ذكره الشارح.
قوله: (وهو) أي الذراع بعدد حروف لا إله إلا الله المرسومة.
قوله: (ظهر لبطن) أي يلصق ظهر كل شعيرة لبطن الاخرى.
وفي بعض النسخ ظهرا بالنصب على الحال موافقا لما في كثير من الكتب: أي ملصقا.
قوله: (يشتد) أي يريد في ذاته،
وقوله: أو يمتد أي يطول زمنه، وكذا لو كان صحيحا خاف حدوث مرض كما في القهستاني، وهو معلوم من قول المصنف أو برد.
قوله: (بغلبة ظن) أي عن أمارة أو تجربة.
شرح المنية.
قوله: (أو قول حاذق مسلم) أي إخبار طبيب حاذق مسلم غير ظاهر الفسق، وقيل عدالته شرط.
شرح المنية.
قوله: (ولو بتحرك) متعلق بيشتد ا ه.
ح، ولا مانع من تعلقه بيمتد أيضا، لان التحرك يكون سببا في الامتداد أيضا ط.
وفي البحر: ولا فرق عندنا بين أن يشتد بالتحرك كالمبطون أو(1/251)
بالاستعمال كالجدري.
قوله: (أو لم يجد) أي أو كان لا يهاف الاشتداد ولا الامتداد، لكنه لا يقدر بنفسه ولم يجد من يوضئه.
قوله: (كما في البحر) حاصل ما فيه أنه إن وجد خادما: أي من تلزمه طاعته كعبده وولده وأجيره لا يتيمم اتفاقا، وإن وجد غيره ممن لو استعان به أعانه ولو زوجته، فظاهر المذهب أنه لا يتيمم أيضا بلا خلاف.
وقيل على قول الامام يتيمم، وعلى قولهما لا، كالخلاف في مريض لا يقدر على الاستقبال أو التحول من الفراش النجس ووجد من يوجهه أو يحوله، لان عنده لا يعتبر المكلف قادرا بقدرة الغير.
والفرق على ظاهر المذهب أن المريض يخاف عليه زيادة الوجع في قيامه لا في الوضوء ا ه.
أقول: حاصل الفرق أن زيادة المرض حاصلة بالاولى لا بالثاني، لان فرض المسألة أنه لا يخاف الاشتداد ولا الامتداد، فلم يكن عاجزا حقيقة فيلزمه الاستعانة على وضوئه، ولا يجوز له التيمم، بخلاف الاول لانه عاجز حقيقة فلا تلزمه الاستعانة، وفيه ظنر، فإنه في الثاني وإن لم يخف الزيادة لكنه لا يقدر بنفسه فهو عاجز حقيقة أيضا، وليس المبيح للتيمم هو خصوص زيادة المرض.
تأمل.
وفي البحر: وظاهر ما في التجنيس أنه لو له مال يستأجر به أجيرا لا يتيمم قل الاجر أو كثر.
وفي المبتغى خلافه، والظاهر عدم الجواز ولو قليلا ا ه، والمراد بالقليل أجرة المثل كما بحثه في النهر والحلية، وبه جزم الشارح.
قوله: (وفيه) أي البحر حيث قال: لما كان على السيد تعاهد العبد في مرضه كان على عبده أن يتعاهده في مرضه، والزوجة لما لم يكن عليه أن يتعاهدها فمرضها فيما يتعلق بالصلاة لا يجب عليها ذلك إذا مرض، فلا يعد قادرا بفعلها ا ه.
لكن قدمنا أن ظاهر المذهب أنه لا يجوز له التيمم إن كان لو استعان بالزوجة تعينه وإن لم يكن ذلك واجبا عليها.
قوله: (توضئ) بالتاء الفوقية في أوله، وفي آخره همزة قبلها ياء ممدودة مصدر وضأ بالتشديد مثل فرح تفريحا.
قوله: (يجب) أي يجب عليه أن يوضئ مملوكه، وكذا عكسه وهو ظاهر.
قوله: (يهلك الجنب أو يمرضه) قيد بالجنب، لان المحدث لا يجوز له التيمم للبرد في الصحيح خلافا لبعض المشايخ، كما في الخانية والخلاصة وغيرهما.
وفي المصفى أنه بالاجماع على الاصح، قال في الفتح: وكأنه لعدم تحقق ذلك في الوضوء عادة ا ه.
واستشكله الرملي بما صححه في الفتح في مسألة المسح على الخف من أنه لو خاف سقوط رجله من البرد بعد مضي مدته يجوز له التيمم.
قال: وليس هذا إلا تيمم المحدث لخوفه على عضوه، فيتجه ما في الاسرار من اختيار قول بعض المشايخ.
أقول: المختار في مسألة الخف هو المسح لا التيمم كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى، نعم مفاد التعليل بعدم تحقق الضرر في الوضوء عادة أنه لو تحقق جاز فيه أيضا اتفاقا، ولذا مشى عليه في الامداد لان الحرج مدفوع بالنص، وهو ظاهر إطلاق المتون.
قوله: (ولو في المصر) أي خلافا لهما.(1/252)
قوله: (ولا ما يدفئه) أي من ثوب يلبسه أو مكان يأويه.
قال في البحر: فصار الاصل أنه متى قدر على الاغتسال بوجه من الوجوه لا يباح له التيمم إجماعا.
قوله: (وما قيل الخ) أي قال بعضهم: إن الخلاف مبني على أن أجر الحمام في زمان الامام كان يؤخذ قبل الدخول أما في زمانهما فإنه يؤخذ بعده، فإذا عجز عن الاجرة دخل ثم يتعلل بالعسرة وبعد الاعطاء.
قوله: (فمما لم يأذن به الشرع) فإن الحمامي لو علم حاله لا يرضى بدخوله.
ففيه تغرير وهو غير جائز.
قال في البحر تبعا للحلية: ومن ادعى إباحته فضلا عن تعينه فعليه البيان.
قوله: (نعم الخ) عزاه في البحر إلى الحلية وأقره.
قوله: (على نفسه) متعلق بخوف ط.
قوله: (ولو من فاسق) بأن كان عند الماء وخافت المرأة منه على نفسها.
بحر.
والامرد في حكمها كما لا يخفى.
قوله: (وحبس غريم) بأن كان صاحب الدين عند الماء وخاف المديون المفلس من الحبس.
بحر.
ومفهومه أنه لو لم يكن معسرا لا يجوز لانه ظالم بالمطل.
قوله:
(أو ماله) عطف على نفسه ح، ولم أر من قدر المال بمقدار، وسنذكر عن التاترخانية ما يفيد تقديره بدرهم، كما يجوز له قطع الصلاة.
قوله: (ولو أمانة) عد الامانة ماله باعتبار وضع اليد عليها ط.
قوله: (ثم إن نشأ الخوف الخ) اعلم أن المانع من الوضوء إن كان من قبل العباد: كأسير منعه الكفار من الوضوء، ومحبوس في السجن، ومن قيل له إن توضأت قتلتك جاز له التيمم ويعيد الصلاة إذا زال المانع، كذا في الدرر والوقاية: أي وأما إذا كان من قبل الله تعالى كالمرض فلا يعيد.
ووقع في الخلاصة وغيرها: أسير منعه العدو من الوضوء والصلاة يتيمم ويصلي بالايماء ثم يعيد، فقيد بالايماء لانه منع من الصلاة أيضا.
فلو منع من الوضوء فقط صلى بركوع وسجود كما هو ظاهر الدرر.
أفاده نوح أفندي.
ثم اعلم أنه اختلف في الخوف من العدو: هل هو من الله تعالى فلا إعادة، أو من العبد فتجب؟ ذهب في المعراج إلى الاول، وفي النهاية إلى الثاني، ووفق في البحر بحمل الثاني على ما إذا حصل وعيد من العبد نشأ منه الخوف فكان من قبل العباد، وحمل الاول على ما إذا لم يحصل ذلك أصلا بل حصل خوف مكان من قبل الله تعالى لتجرده عن مباشرة السبب وإن كان الكل منه تعالى خلقا وإرادة.
قال: ثم رأيت في الحلية صرح بما فهمته، وأقره في النهر وغيره، وهذا ما أشار إليه الشارح رحمه الله.
وقدم الشارح في الغسل أن المرأة بين رجال تتيمم، وقدمنا أن الرجل كذلك، وأن الظاهر أنه لا إعادة عليه ولا عليها، لان المانع شرعي وهو كشف العورة عند من لا يحل له رؤيتها، والمانع منه الحياء وخوف الله تعالى وهما من الله تعالى لا من قبل العباد.
فرع: في البحر عن المبتغى بالغين المعجمة: أجير لا يجد الماء إلا في نصف ميل لا يعذر في التيمم، وإن لم يأذن له المستأجر تيمم وأعاد، ولو صلى صلاة أخرى وهو يذكر هذه تفسد.
قوله: (أو عطش) معطوف على عدو: أي لانه مشغول بحاجته، والمشغول بالحاجة كالمعدوم.
بحر.
قوله: (ولو لكلبه) قيده في البحر والنهر بكلب الماشية والصيد، ومفاده أنه لو لم يكن كذلك لا يعطي هذا الحكم.
والظاهر أن كلب الحراسة للمنزل مثلهما ط قوله: (أو رفيق القافلة) سواء كان رفيقه(1/253)
المخالط له أو آخر من أهل القافلة.
بحر، وعطش دابة رفيقه كعطش دابته، نوح.
قوله: (حالا أو مآلا) ظرف لعطش أو له ولرفيق على التنازع كما قال ح: أي الرفيق في الحال أو من سيحدث له.
قال سيدي عبد الغني: فمن عنده ماء كثير في طريق الحاج أو غيره وفي الركب من يحتاج إليه من الفقراء يجوز له التيمم، بل ربما يقال: إذا تحقق احتياجهم يجب بذله إليهم لاحياء مهجهم.
قوله: (وكذا العجين) فلو احتاج إليه لاتخاذ المرقة لا يتيمم، لان حاجة الطبخ دون حاجة العطش.
بحر.
قوله: (أو إزالة نجس) أي أكثر من قدر الدرهم كما قدمناه.
وفي الفيض: لو ماله ما يغسل بعض النجاسة لا يلزمه ا ه.
قلت: وينبغي تقييده بما إذا لم تبلغ أقل من قدر الدرهم، فإذا كان في طرفي ثوبه نجاسة وكان إذا أحد الطرفين بقي ما في الطرف الآخر أقل من قدر الدرهم يلزمه، فافهم.
قوله: (كما سيجئ) أي.
قوله: (بعدم الاناء) متعلق بتعذر ط.
قوله: (للمضطر أخذه) أي إذا امتنع صاحب الماء من دفعه، وهو غير محتاج إليه للعطش، وهناك مضطر إليه للعطش كان له أخذه منه قهرا وله أن يقاتله.
سراج.
قلت: وينبغي تقييده بما إذا امتنع من دفعه مجانا أو بالثمن، وللمضطر ثمنه، وسيأتي في فصل الشرب أن له أن يقاتله بالسلاح.
قال الشارح هناك تبعا للمنح والزيلعي: هذا في غير المحرز بالاواني، وإلا قاتله بغير سلاح إذا كان فيه فضل عن حاجته لملكه له بالاحراز، فصار نظير الطعام.
وقيل في البئر ونحوها: الاولى أن يقاتله بغير صلاح لانه ارتكب معصية، فكان كالتعزير كما في الكافي ا ه.
قوله: (فإن قتل) بالبناء للمجهول.
قوله: (فهدر) أي لا قصاص فيه ولا دية ولا كفارة.
سراج.
وينبغي أن يضمن المضطر قيمة الماء.
شرنبلالية.
قوله: (بقود) أي بقصاص إن كان القتل عمدا كأن قتله بمحدد.
قوله: (أو دية) أي إن كان شبه عمد أو خطأ أو جرى مجرى الخطأ، والدية على العاقلة وعلى القاتل الكفارة.
أفاده في البحر ط.
قال في السراج: وإن كان صاحب الماء محتاجا إليه للعطش فهو أولى به من غيره، فإن احتاج إليه الاجنبي للوضوء لم يلزمه بذله، ولا يجوز للاجنبي أخذه منه قهرا.
قوله: (طاهرة) أما النجسة فكالعدم.
قوله: (ولو شاشا) أي ونحوه مما يمكن إدلاؤه واستخراج الماء به قليلا وعصره.
قوله: (وإن نقص الماء، إلى قوله تيمم) نقله في التوشيح
عن كتب الشافعية، ثم قال: وهذا كله موافق لقواعدنا، وأقره في البحر، وكذا أقره في النهر وغيره، وهو ظاهر، ولكن رأيت في التاترخانية ما يخالفه حيث قال: قال القاضي الامام فخر الدين: إن نقصت قيمة المنديل قدر درهم تيمم وليس عليه أن يرسله، ولو أقل فلا، كما لو رأى المصلي من يسرق ماله، فإن كان قدر درهم يقطع الصلاة وإلا فلا، كذا هنا ا ه.
وأنت خبير بأن ما ذكره الشافعية أقرب إلى القواعد، لانه لو وجد الماء يباع يلزمه شراؤه بثمن المثل ولو كانت قيمته أكثر من درهم، ولكن الرجوع إلى المنقول في المذهب بعد الظفر به أولى، ولعل وجه الفرق أن الشراء وإن كثر ثمنه لا يسمى إتلافا لانه مبادلة بعوض، بخلاف إتلاف المنديل ونحوه بالادلاء أو بالشق فإنه إتلاف بلا عوض، وهو منهي شرعا.
وإذا جاز قطع الصلاة بعد الشروع فيها لاجل درهم علم أن الدرهم قدر معتبر له خطر فلا(1/254)
يجوز إتلافه فيما له عند مندوحة، لانه عادم للماء شرعا فيتيمم.
وإذا جاز له التيمفيما إذا كان نقصان القيمة أكثر من قيمة الماء وجعل عادما للماء مراعاة لحقه يجعل عادما للماء هنا أيضا مراعاة لحقه وحق الشرع في الامتناع عن الاتلاف المنهي عنه، هذا ما ظهر لفهمي السقيم، والله العليم.
قوله: (أو شقه) أي إذا كان لا يصل إلى الماء بدونه.
قوله: (قدر قيمة الماء) أي وآلة الاستقاء كما ذكره في البحر في صورة الشق، والظاهر أن صورة الادلاء كذلك.
تأمل.
قوله: (بأجر) أي أجر المثل فيلزمه ولم يجز التيمم، وإلا جاز بلا إعادة.
بحر عن التوشيح.
قوله: (كلها) أي كل واحد منها.
قوله: (حتى لو تيمم الخ) أشار بالتفريع المذكور إلى أن كل عذر منها إنما يسمى عذرا ما دام موجودا، فلو زال بطل حكمه وإن وجد بعده عذر آخر لما سيأتي أنه ينقضه زوال ما أباحه، فافهم.
قوله: (ثم مرض الخ) صادق بثلاث صور: أن يكون وجد الماء قبل المرض أو بعده، أو بقي عادما له، ولا شبهة أنه في الاولى يبطل التيمم، وأما الثالثة فالظاهر أنه لا يبطل لعدم زوال ما أباحه، ولان اختلاف السبب لا يظهر إلا إذا زال الاول.
والظاهر أن المراد الثانية فقط، فإذا تيمم لفقد الماء ثم مرض ثم وجد الماء بعده لا يصلي بالتيمم السابق لانه كان لفقد الماء، والآن هو
واجد له فبطل تيممه لزوال ما أباحه وإن كان له مبيح آخر في الحال، ونظيره ما ذكره في البحر في النواقض بقوله: فإذا تيمم للمرض أو للبرد مع وجود الماء ثم فقد الماء ثم زال المرض أو البرد ينتقض لقدرته على استعمال الماء وإن لم يكن الماء موجودا ا ه.
ومثله في النهر.
أقول: لكن يشكل عليه ما في البدائع: لو مر المتيمم على ماء لا يستطيع النزول إليه لخوف عدو أو سبع لا ينتقض تيممه، كذا ذكره محمد بن مقاتل الرازي، وقال: هذا قياس قول أصحابنا، لانه غير واجد للماء معنى، فكان ملحقا بالعدم ا ه.
ومثله في المنية، إذ لا يخفى أن خوف العدو سبب آخر غير الذي أباح التيمم أولا، فإن الظاهر في فرض المسألة أنه تيمم أولا لفقد الماء، اللهم إلا أن يجاب بأن السبب الاول هنا باق، وفيه بحث، فليتأمل.
قوله: (لان اختلاف أسباب الرخصة الخ) الرخصة هنا التيمم، وأسبابها ما تقدم من الاعذار المذكورة، وسنحقق هذه القاعدة في باب الايلاء.
قوله: (جامع الفصولين) هو كتاب معتبر لابن قاضي سماوة، جمع فيه بين فصول العمادي وفصول الاستروشني، وقد ذكر هذه المسألة فيه في الفصل الرابع والثلاثين في أحكام المرضى.
قوله: (مستوعبا) أي يتيمم تيمما مستوعبا فهو صفة لمصدر محذوف، وهو أولى من جعله حالا فيفيد أنه ركن، وعلى الحالية يصير شرطا خارجا عن الماهية، لان الاحوال شروط على ما عرف.
أفاده في البحر.
قوله: (حتى لو ترك شعرة) قال في الفتح: يمسح من وجهه ظاهر البشرة والشعر على الصحيح ا ه.
وكذا العذار، والناس عنه غافلون.
مجتبى.
وما تحت الحاجبين فوق العينين.
محيط، كذا في البحر.
قوله: (أو وترة منخره) هي التي بين المنخرين.
ابن كمال.
لكن في(1/255)
القاموس: الوترة محركة: حرف المنخر، والوتيرة: حجاب ما بين المنخرين.
قوله: (ويديه) عطف بالواو دون ثم، إشارة إلى أن الترتيب فيه ليس بشرط كأصله.
بحر.
والحكم في اليد الزائدة كالوضوء ط.
قوله: فينتزع الخاتم الخ) قال في الخانية ولو لم يحرك الخاتم، إن كان ضيقا، وكذا المرأة السوار لم يجز ا ه.
ومثله في الولوالجية.
ووجهه أن التحريك مسح لما تحته، إذ الشرط المسح لا وصول التراب، فافهم، لكن التقييد بالضيق يفهم أنه لو كان واسعا لا يلزم تحريكه.
والظاهر أنه يقال فيه ما سنذكره في التخليل.
قوله: (به يفتى) أي بلزوم الاستيعاب كما في شرح الوقاية، وهو الصحيح.
خانية وغيرها، وهو ظاهر الرواية زيلعي، ومقابله ما روي أن الاكثر كالكل.
قوله: (فيمسحه) أي المرفق المفهوم من المرفقين ط.
قوله: (الاقطع) أي من المرفق إن بقي شئ منه ولو رأس العضد، لان المرفق مجموع رأسي العظمين.
رحمتي.
فلو كان القطع فوق المرفقين لا يجب اتفاقا ط.
قوله: (بضربتين) متعلق بتيمم أو بمستوعبا.
أفاده في النهر.
وإنما آثر عبارة الضرب على عبارة الوضع لكونها مأثورة، وإلا فهي ليست بضربة لازب، فإن محمدا قد نبه في بعض روايات الاصول على أن الوضع كاف، والمراد بيان كفاية الضربتين لا أنه لا بد من التيمم منهما.
ابن كمال وقدمناه، تمام عبارته: ونبه على أن فائدة العدد أنه لا يحتاج إلى ضربة ثالثة كما يأتي.
قوله: (ولو من غيره) فلو أمر غيره بأن ييممه جاز بشرط أن ينوي الآمر.
بحر.
قال ط: ظاهره أنه يكفي من الغير ضربتان، وهو خلاف ما يأتي عن القهستاني.
قوله: (أو ما يقوم مقامهما) أي خلافا لابي شجاع، وقدمنا الكلام عليه مع ثمرة الخلاف.
قوله: (لما في الخلاصة) عبارتها كما في البحر: ولو أدخل رأسه في موضع الغبار بنية التيمم يجوز، ولو انهدم الحائط وظهر الغبار فحرك رأسه ونوى التيمم جاز، والشرط وجود الفعل منه ا ه: أي الشرط في هذه الصورة وجود الفعل منه وهو المسح أو التحريك وقد وجد، فهو دليل على أن الضرب غير لازم كما مر، وفعل غيره بأمره قائم مقام فعله فهو منه في المعنى، فافهم.
قوله: (طهرت لعادتها) اعلم أنه قال في الظهيرية: وكما يجوز التيمم للجنب لصلاة الجنب والعيد كذلك يجوز للحائض إذا طهرت من الحيض إذا كان أيام حيضها عشرا، وإن كان أقل فلا ا ه.
وقال في البحر: والذي يظهر أن هذا التفصيل غير صحيح، بدليل ما اتفقوا عليه من أنه إذا انقطع لاقل من عشرة فتيممت لعدم الماء وصلت جاز للزوج وطؤها الخ.
وأجاب في النهر بحمل ما في الظهيرية على ما إذا انقطع لاقل من عادتها، لما سيأتي في الحيض من أنه حينئذ لا يحل قربانها وإن اغتسلت فضلا عن التيمم ا ه.
أقول: لا يخفى أن قول الظهيرية إذا كان أيام حيضها عشرا ظاهر في أن ذلك عادتها، فهذا
الحمل بعيد، ثم ظهر لي بتوفيق الله تعالى أن كلام الظهيرية صحيح لا إشكال فيه.
وبيان ذلك أن التيمم لخوف فوت صلاة الجنازة أو العيد يصح مع وجود الماء لانها تفوت لا إلى خلف كما يأتي وهذا في المحدث ظاهر، وكذا في الجنب.(1/256)
وأما الحائض فإذا طهرت لتمام العشرة فقد خرجت من الحيض ولم يبق معها سوى الجنابة فهي كالجنب.
وأما إذا انقطع دمها لدون العشرة فلا تخرج من الحيض ما لم يحكم عليها بأحكام الطاهرات، بأن تصير الصلاة دينا في ذمتها أو تغتسل أو تتيمم بشرطه كما سيأتي في بابه، وقولهم: أو تتيمم بشرطه، أرادوا به التيمم الكامل المبيح لصلاة الفرائض، وهو ما يكون عند العجز عن استعمال الماء.
وأما التيمم لصلاة جنازة أو عيد خيف فوتها فغير كامل، لانه يكون مع حضور الماء ولهذا لا تصح صلاة الفرض به ولا صلاة جنازة حضرت بعده، فعلمنا بذلك أنها لو تيممت لذلك لم تخرج من الحيض، لان ذلك التيمم غير كامل.
ولا يصح ذلك التيمم لقيام المنافي بعد وهو الحيض وعدم وجود شرطه وهو فقد الماء، نعم لو تيممت لذلك مع فقد الماء حكم عليها بالطهارة وجازت صلاتها به من الفرائض وغيرها لانه تيمم كامل، ومراد الظهيرية التيمم الناقص، وهو ما يكون مع وجود الماء، فالتفصيل الذي ذكره في الحائض صحيح لا غبار عليه، كأنه في البحر ظن أن مراده التيمم الكامل وليس كذلك كما لا يخفى.
بقي الكلام في عبارة الشارح فقوله: طهرت لعادتها في غير محله لان قول المصنف ولو جنبا أو حائضا مفروض في التيمم الكامل الذي يكون عند فقد الماء، والحائض يصح تيممها عند فقد الماء إذا طهرت لتمام العشرة أو لدونها، ويجب عليها أن تغتسل أو تتيمم عند فقد الماء، سواء انقطع لتمام عادتها أو لدون عادتها كما سيأتي في بابه، ويأتي فيه أنه إذا انقطع لتمام العادة يحل لزوجها قربانها كما لو انقطع لتمام العشرة، وإن لدون عادتها لا يحل له قربانها، فالتقييد بالعادة في كلام الشارح إنما يفيد بالنظر إلى القربان فقط، فكان الواجب إسقاطه لابهامه أنه لو كان لدون العادة
لا يصح تيممها مع أنه يجب عليها إذا فقدت الماء لوجود الصلاة عليها كما علمت.
والذي أوقعه عبارة النهر المبنية على ما فهمه صاحب النهر من كلام الظهيرية، فافهم.
قوله: (بمطهر) متعلق بتيمم، ويجوز أن يتعلق بمستوعبا، وجعله العيني صفة لضربتين فهو متعلق بمحذوف: أي ملتصقتين بمطر.
نهر.
قلت: والاخير أولى، لئلا يلزم تعلق حرفي جر بمعنى واحد بمتعلق واحد، إلا أن نجعل الباء في بضربتين للتعدية وفي بمطهر للملابسة أو بالعكس.
تأمل.
وتعبيره بمطهر أولى من تعبيرهم بطاهر، لاخراج الارض المتنجسة إذا جفت كما قدمه الشارح.
وأما إذا تيمم جماعة من محل واحد فيجوز كمسيأتي في الفروع لانه لو يصر مستعملا، إذ التيمم إنما يتأدى بما التزق بيده لا بمفضل، كالماء الفاضل في الاناء بعد وضوء الاول، وإذا كان على حجر أملى فيجوز بالاولى.
نهر.
قوله: (من جنس الارض) الفارق بين جنس الارض وغيره أن كل ما يحترق بالنار فيصير رمادا كالشجر والحشيش أو ينطبع ويلين كالحديد والصفر والذهب والزجاج ونحوها، فليس من جنس الارض.
ابن كمال عن التحفة.
قوله: (نقع) بفتح فسكون كما قال تعالى: * (فأثرن به نقعا) * (العاديات: 4).
قوله: (لم يحتج الخ) أي بل يخلل من غير ضربه، وليس(1/257)
المراد أنه لا يخلل أصلا لان الاستيعاب من تمام الحقيقة.
قال الزيلعي: ويجب تخليل الاصابع إن لم يدخل بينها غبار.
وفي الهندية: والصحيح أنه لا يمسح الكف وضربها يكفي.
أفاد ط.
أقول: والظاهر أن ما تحت الخاتم الواسع إن أصابه الغبار لا يلزم تحريكه وإلا لزم كالتخليل المذكور.
قوله: (وعن محمد يحتاج إليها) لان عنده لا يجوز التيمم بلا غبار، فحيث لم يدخل بين الاصابع لا بد منها على قوله.
قوله: (وهو) أي الغير.
قوله: (يضرب ثلاثا) أي لكل واحد من الاعضاء ضربة، وهذا نقله القهستاني عن العماني وهو كتاب غريب، والمشهور في الكتب المتداولة الاطلاق، وهو الموافق للحديث الشريف التيمم ضربتان إلا أن يكون المراد إذا مسح يد المريض بكلتا يديه، فحينئذ لا شبهة في أنه يحتاج إلى ضربة ثالثة يمسح بها يده الاخرى.
قوله: (وبه
مطلقا) أي ويتيمم بالنقع مطلقا خلافا لابي يوسف، فعنده لا يتيمم به إلا عند العجز.
بحر.
ولا يجوز عنده إلا التراب والرمل.
نهر.
وما في الحاوي القدسي من أنه هو المختار غريب مخالف لما اعتمده أصحاب المتون.
رملي.
قوله: (فلا يجوز بلؤل الخ) تفريع على قوله: من جنس الارض.
قوله: (لتولده من حيوان البحر) قا الشيخ داود الطبيب في تذكرته: أصله دود يخرج في نيسان فاتحا فمه للمطر حتى إذ سقط فيه انطبق وغاص حتى يبلغ آخره.
قوله: (ولا بمرجان الخ) كذا قال في الفتح، وجزم في البحر والنهر بأنه سهو، وأن الصواب الجواز به كما في عامة الكتب.
وقال المصنف في منحه: أقول: الظاهر أنه ليس بسهو، لانه إنما منع جواز التيمم به، لما قام عنده من أنه ينعقد من الماء كاللؤلؤ، فإن كان الامر كذلك فلا خلاف في منع الجواز، والقائل بالجواز إنما قال به لما قام عنده من أنه من جملة أجزاء الارض، فإن كان كذلك فلا كلام في الجواز.
والذي دل عليه كلام أهل الخبرة بالجواهر أن له شبهين: شبها بالنبات، وشبها بالمعادن، وبه أفصح ابن الجوزي فقال: إنه متوسط بين عالمي النبات والجماد، فيشبه الجماد بتحجره، ويشبه النبات بكونه أسجارا نابتة في قعر البحر ذوات عروق وأغصان خضر متشعبة قائمة اه.
أقول: وحاصله الميل إلى ما قاله في الفتح لعدم تحقق كونه من أجزاء الارض.
ومال محشيه الرملي إلى ما في عامة الكتب من الجواز، وكان وجهه أن كونه أشجارا في قعر البحر لا ينافي كونه من أجزاء الارض، لان الاشجار التي لا يجوز التيمم عليها هي التي تترمد بالنار، وهذا حجر كباقي الاحجار يخرج في البحر على صورة الاشجار، فلهذا جزموا في عامة الكتب بالجواز فيتعين المصير إليه.
وأما ما في الفتح فينبغي حمله على معنى آخر، وهو ما قاله في القاموس من أن المرجان صغار اللؤلؤ، ثم رأيته منقولا عن العلامة المقدسي فقال: مراده صغار اللؤلؤ كما فسر به في الآية في سورة الرحمن، وهو غير ما أرادوه في عامة الكتب ا ه.
وبه ظهر أن قول الشارح لشبهه للنبات الخ في غير محله، بل العلة على ما حررناه: تولده من حيوان البحر، وأما ما يخرج في قعر البحر(1/258)
فيجوز وإن أشبه النبات، فاغتنم هذا التحرير.
قوله: (ولا بمنطبع) هو ما يقطع ويلين كالحديد.
منح.
قوله: (وزجاج) أي المتخذ من الرمل وغيره.
بحر.
قوله: (ومترمد) أي ما يحترق بالنار فيصير رمادا.
بحر.
قوله: (إلا رماد الحجر) كجص وكلس.
قوله: (كحجر) تنظير لا تمثيل قوله: (أو مغسول) مبالغة في عدم اشتراط التراب.
قوله: (غير مدهونة أو مدهونة بصبغ هو من جنس الارض كما يستفاد من البحر كالمدهونة بالطفل والمغرة ط.
قوله: (غير مغلوب بماء) أما إذا صار مغلوبا بالماء فلا يجوز التيمم به.
بحر، بل يتوضأ به حيث كان رقيقا سيالا يجري على العضو.
رملي.
وسيذكر أن المساوي كالمغلوب.
قوله: (لكن لا ينبغي الخ) هذا ما حرره الرملي وصاحب النهر من عبارة الولوالجية، خلافا لما فهمه منها في البحر من عدم الجواز قبل خوف خروج الوقت، وظاهره أنه أراد به عدم الصحة.
وحاصل ما في الولوالجية أنه إذا لم يجد إلا الطين لطخ ثوبه منه فإذا جف تيمم به، وإن ذهب الوقت قبل أن يجف لا يتيمم به عند أبي يوسف، لان عنده لا يجوز إلا بالتراب أو الرمل.
وعند أبي حنيفة: إن خاف ذهاب الوقت تيمم به لان التيمم بالطين عنده جائز، وإلا فلا، كي لا يتلطخ بوجهه فيصير مثله ا ه.
وبه يظهر معنى ما ذكره الشارح.
قوله: (ومعادن) جمع معدن كمجلس، منب الجواهر من ذهب ونحوه.
قاموس.
قوله: (في محالها) أي ما دامت في الارض لم يصنع منها شئ، وبعد السبك لا يجوز.
زيلعي.
قوله: (فيجوز الخ) أي إذا كانت الغلبة للتراب كما في الحلية عن المحيط، ولعل من أطلق بناه على أنها ما دامت في محالها تكون مغلوبة بالتراب.
بخلاف ما إذا أخذت للسبك، لان العادة إخراج التراب منها، فافهم.
وأفاد أن ذات المعدن لا يجوز التيمم به، قال في البحر: لانه ليس بتبع للماء وحده حتى يقوم مقامه ولا للتراب كذلك، وإنما هو مركب من العناصر الاربعة فليس له اختصاص بشئ منها حتى يقوم مقامه.
قوله: (وقيده الاسبيجابي الخ) كذا في النهر، وظاهره أن الضمير راجع إلى التيمم بالمعادن، لكن إذا كانت مغلوبة بالتراب لا يحتاج إلى هذا القيد.
وعبارة الاسبيجابي كما في البحر: ولو أن الحنطة أو الشئ الذي لا يجوز عليه التيمم إذا كان عليه التراب فضرب يده عليه وتيمم ينظر: إن كان يستبين أثره بمده عليه جاز، وإلا فلا.
قوله:
(وكذا الخ) قال في البحر بعد عبارة الاسبيجابي التي ذكرناها: وبهذا يعلم حكم التيمم على جوخة أو بساط عليه غبار.
فالظاهر عدم الجواز لقلة وجود هذا الشرط في نحو الجوخة، فليتنبه له ا ه.
وقال محشيه الرملي: بل الظاهر التفصيل، إن استبان أثره جاز، وإلا فلا لوجود الشرط خصوصا في ثياب ذوي الاشغال ا ه.
وهو حسن فلذا جزم به الشارح.
وفي التاترخانية: وصورة التيمم بالغبار أن يضرب بيديه ثوبا أو نحوه من الاعيان الطاهرة التي عليها غبار، فإذا وقع الغبار على يديه تيمم أو ينفض ثوبه حتى يرتفع غباره فيرفع يديه في الغبار في الهواء، فإذا وقع الغبار على يديه تيمم اه.(1/259)
قلت: وقيد بالاعيان الطاهرة لما في التاترخانية أيضا: إذا تيمم بغبار الثوب النجس لا يجوز إلا إذا وقع الغبار بعد ما جف الثوب.
قوله: (ولو مسبوكين) هذا إنما يظهر إذا كان يمكن سبكهما بترابهما الغالب عليهما، والظاهر أنه غير ممكن، ولذا قال الزيلعي كما قدمناه: إنه بعد السبك لا يجوز التيمم.
وفي البحر عن المحيط: ولو تيمم بالذهب والفضة: إن كان مسبوكا لا يجوز، وإن لم يكن مسبوكا وكان مختلطا بالتراب والغلبة للتراب جاز ا ه.
نعم إن كانا مسبوكين وكان عليهما غبار يجوز التيمم بالغبار الذي عليهما كما في الظهيرية: أي إن كان يظهر أثره بمده عليه كما مر ولكن لا ينظر فيه إلى الغلبة، فكان عليه أن يقول: لو غير مسبوكين، ليوافق كلامهم.
قوله: (وأرض محترقة) أي احترق ما عليها من النبات واختلط الرماد بترابها، فحينئذ يعتبر الغالب.
أما إذا أحرق ترابها من غير مخالط له حتى صارت سوداء جاز، لان المتغير لون التراب لا ذاته ط.
قوله: (فلو الغلبة الخ) بيان لقوله: والحكم للغالب.
قوله: (ومنه) أي من قوله: أي من قوله: وإلا لا فإن نفي الغلبة صادق بما إذا كان التراب مغلوبا أو مساويا، فافهم.
قوله: (وجاز قبل الوقت) أقول: بل هو مندوب كما هو صريح عبارة البحر وقل من صرح به.
رملي.
قوله: (وجاز لغيره) أي لغير الفرض.
قوله: (لانه بدل الخ) أي هو عندنا بدل مطلق عند عدم الماء ويرتفع به الحدث إلى وقت وجود الماء، وليس ببدل ضروري مبيح مع قيام الحدث حقيقة كما قال الشافعي، فلا يجوز قبل الوقت ولا يصلي به أكثر من
فرض عنده، لكن اختلف عندنا في وجه البدلية فقالا: بين الآلتين: أي الماء والتراب.
وقال محمد: بين الفعلين: أي التيمم والوضوء، ويتفرع عليه جواز اقتداء المتوضئ بالمتيمم فأجازه ومنعه، وسيأتي بيانه في باب الامامة إن شاء الله تعالى، وتمامه في البحر.
قوله: (وجاز لخوف فوت صلاة وجنازة) أي ولو كان الماء قريبا.
ثم أعلم أنه اختلف فيمن له حق التقدم فيها: فروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يجوز للولي لانه ينتظر ولو صلوا له حق الاعادة، وصححه في الهداية والخانية وكافي النسفي.
وفي ظاهر الرواية: يجوز للولي أيضا لان الانتظار فيها مكروه، وصححه شمس الائمة الحلواني: أي سواء انتظروه أو لا.
قال في البرهان: إن رواية الحسن هنا أحسن، لان مجرد الكراهة لا يقتضي العجز المقتضي لجواز التيمم، لانها ليست أقوى من فوات الجمعة والوقتية مع عدم جوازه لهما، وتبعه شيخ مشايخنا المقدسي في شرح نظم الكنز لابن الفصيح اه.
ملخصا من حاشية نوح أفندي.
قوله: (أي كل تكبيراتها) فإن كان يرجو أن يدرك البعض لا يتيمم لانه يمكنه أداء الباقي وحده.
بحر عن البدائع والقنية.
قوله: (أو حائضا) وكذا النفساء إذا انقطع دمهما على العادة ط.
أقول: لا بد في الحائض لانقطاع دمها لاكثر الحيض، وإلا فإن لتمام العادة فلا بد أن تصير الصلاة دينا في ذمتها أو تغتسل أو يكون تيممها كاملا، بأن يكون عند فقد الماء.
أما التييم لخوف فوت الجنازة أو العيد فغير كامل، وقدمنا قريبا تمام تحقيق المسألة، فافهم.
قوله: (به يفتى) أي بهذا(1/260)
التفصيل كما في المضمرات، وعند محمد يعيد على كل حال.
قهستاني.
قوله: (أو زوال شمس) هذا إذا كان إماما أو مأموما.
واعلم أنه سيأتي أن صلاة العيد تؤخر لعذر في الفطر الثاني، وفي الاضحى للثالث، فإذا اجتمع الناس في اليوم الاول قبيل الزوال والامام بغير وضوء وكانت بحيث لو توضأ زالت الشمس، فهل يكون ذلك عذرا ويؤخر ولا يتيمم أم يتيمم ولا يؤخر؟ لكن قول الشارح لان المناط خوف الفوت لا بد إلى بدل يقتضي التأخير فليراجع ا ه.
ح.
أقول: سيصرح الشارح هناك بأنها قضاء في اليوم الثاني، ولم يجعلوها هنا كالوقتية التي يخلفها القضاء، بل صرحوا بمخالفتها لها، وبأنها تفوت بزوال الشمس، فيعلم منه أنها لا تؤخر لما ذكره، هذا ما ظهر لي فتأمله وانظر ما علقناه على البحر.
قوله: (ولو كان يبني بناء) كذا في النهر، وفيه إشارة إلى أن قوله بناء مفعول مطلق، ويحتمل جعله حالا: أي ولو كان تيممه في حال كونه بانيا، ويجوز كونه مفعولا لاجله كما تقتضيه عبارة الدرر، لكنه مبني على ما ارتضاه المحقق الرضي من أنه لا يلزم فيه أن يكون فعلا قلبيا.
قوله: (بعد شروعه متوضئا الخ) في المسألة تفصيل مبسوط في البحر.
وحاصله ما ذكره القهستاني بقوله: إن سبق الحدث في المصلي قبل الصلاة، فإن رجا إدراك شئ منها بعد الوضوء لايتيمم، وإن شرع: فإن خاف زوال الشمس تيمم بالاجماع، وإلا فإن رجا إدراكه لا يتيمم، وإلا فإن شرع به تيمم إجماعا، وإن شرع بالوضوء فكذلك عنده خلافا لهما اه.
وهو محمول على ما إذا خاف خروج الوقت إذا وهب يتوضأ، وإلا فلا بد من الوضوء لامن الفوات لانه يمكنه إكمال صلاته بعد سلام إمامه.
تأمل.
وقد اقتصروا في تصوير مسألة البناء على صلاة العيد، وذكر في الامداد أنه ليس للاحتراز عن الجناز، لان العلة فيهما واحدة.
قوله: (في الاصح) يرجع إلى قوله: بعد شروعه متوضئا وإلى قوله: بلا فرق ومقابل الاصح في الاول قولهما، ومقابله في الثاني ما روى الحسن عن الامام أن الامام لا يتيمم ط.
قوله: (لان المناط) أي الذي تعلق به الحكم المذكور وهو التيمم لخوف فوت الصلاة بلا بعد عن الماء.
قوله: (فجاز لكسوف الخ) تفريع على التعليل، ومراده به ما يعم الخسوف ط.
وهذا إلى قوله: وحدها ذكره العلامة ابن أمير حاج الحلبي في الحلية بحثا، وأقره في البحر والنهر.
قوله: (وسنن رواتب) كالسنن التي بعد الظهر والمغرب والعشاء والجمعة إذا أخرها بحيث لو توضأ فات وقتها فله التيمم.
قال ط: والظاهر أن المستحب كذلك لفوته بفوت وقته، كما إذا ضاق وقت الضحى عنه وعن الوضوء فيتيمم له.
قوله: خاف فوتها وحدها) أي فيتيمم على قياس قولهما، أما على قياس قول محمد فلا لانها إذا فاتته لاشتغاله بالفريضة مع الجماعة يقضيها بعد ارتفاع الشمس عنده، وعندهما لا يقضيها أصلا.
بحر.(1/261)
وصورة فوتها وحدها لو وعده شخص بالماء أو أمر غيره بنزحه له من بئر وعلم أنه لو انتظره لا يدرك سوى الفرض يتيمم للسنة ثم يتوضأ للفرض ويصلي قبل الطلوع، وصورها شيخنا بما إذا فاتت مع الفرض وأراد قضاءها ولم يبق إلى زوال الشمس مقدار الوضوء وصلاة ركعتين فيتيمم ويصليها قبل الزوال لانها لا تقضي بعده، ثم يتوضأ ويصلي الفرض بعده، وذكر لها ط صورتين أخرتين.
قوله: (ولنوم الخ) أي عند وجود الماء لان الكلام فيه، ولما قرره في البحر من أن التيمم عند وجود الماء يجوز لكل عبادة تحل بدون الطهارة ولكن عبادة تفوت لا إلى خلف، وبين القاعدتين عموم وجهي يجتمعان في رد السلام مثلا، فإنه يحل بدون طهارة ويفوت لا إلى خلف، وتنفرد الاولى في مثل دخول المسجد للمحدث فإنه يحل بدون الطهارة من الحدث الاصغر ولا يصدق عليه أنه يفوت لا إلى خلف، وتنفرد الثانية في مثل صلاة الجنازة فإنها تفوت لا إلى خلف ولا تحل بدون الطهارة ح، لكن القاعدة الاولى محل بحث كما تطلع عليه.
قوله: (وإن لم تجز الصلاة به) أي فيقع طهارة لما نواه له فقط كما في الحلية، لان التيمم له جهتان: جهة صحته في ذاته، وجهة صحة الصلاة به.
فالثانية متوقفة على العجز عن الماء، وعلى نية عبادة مقصودة لا تصح بدون طهارة كما سيأتي بيانه.
وأما الاولى فتحصل بنية أي عبادة كانت، سواء كانت مقصودة لا تصح إلا بالطهارة كالصلاة وكالقراءة للجنب، أو غير مقصودة كذلك كدخول المسجد للجنب، أو تحل بدونها كدخوله للمحدث، أو مقصوده وتحل بدون طهارة كالقراءة للمحدث، فالتيمم في كل هذه الصور صحيح في ذاته كما أوضحه ح.
قوله: (وكذا لكل ما لا تشترط له الطهارة) أي يجوز له التييم مع وجود الماء، وهذه إحدى القاعدتين السابقتين، وفيها نظر سيظهر.
قوله: (لكن في النهر الخ) استدراك على استدلال البحر بعبارة المبتغى على إحدى القاعدتين المذكورتين، وهي جواز التيمم عند وجود الماء لكل عبادة تحل بدون الطهارة.
وبيان الاستدراك أن الدليل إنما يتم بناء على إرادة الدخول للمحدث ليكون مما لا تشترط له الطهارة، وإذا كان مراده الجنب سقط الدليل، لانه لا يحل له الدخول بدونها، لكن كون المراد الجنب نظر فيه العلامة ح بأنه لا يخلو: إما أن يكون الماء الموجود خارج المسجد وهو باطل: أي لعدم جواز
دخوله جنبا مع وجود الماء خارجه، وإما أن يكون الماء داخله وهو صحيح ولكنه بعيد من عبارته بدليل قوله: وللنوم فيه ا ه.
وعليه فالظاهر أن مراد المبتغى دخول المحدث فيتم الدليل.
لكن لقائل أن يقول: إن مراد المبتغى أن الجنب إذا وجد ماء في المسجد وأراد دخوله للاغتسال يتيمم ويدخل، ولو كان نائما فيه فاحتلم والماء خارجه وخشي من الخروج يتيمم وينام فيه إلى أن يمكنه الخروج.
قال في المنية: وإن احتلم في المسجد تيمم للخروج إذا لم يخف، وإن خاف يجلس مع التيمم ولا يصلي ولا يقرأ ا ه.
ويؤيده ما قلناه إن نفس النوم في المسجد ليس عبادة حتى يتيمم له، وإنما هو لاجل مكثه في المسجد أو لاجل مشيه فيه للخروج.
قوله: (قلت(1/262)
الخ) اعتراض على البحر أيضا، لان عبارة المنية شاملة لدخول المسجد للمحدث وهو مما لا تشترط له الطهارة فينافي ما في البحر، لكن أجاب ح بتخصيص الدخول بالجنب فلا تنافي.
أقول: ولا يخفى أنه خلاف المتبادر، ولذا علله في شرح المنية بما ذكره الشارح، وعلله أيضا بقوله: لان التيمم إنما يجوز، ويعتبر في الشرع عند عدم الماء حقيقة أو حكما ولم يوجد واحد منهما فلا يجوز ا ه.
فيفيد أن التيمم لما لم تشترط له الطهارة غير معتبر أصلا مع وجود الماء، إلا إذا كان مما يخاف فوته لا إلى بدل، فلو تيمم المحدث للنوم أو لدخول المسجد مع قدرته على الماء فهو لغو، بخلاف تيممه لرد السلام مثلا لانه يخاف فوته لانه على الفور، ولذا فعله (ص)، وهذا الذي ينبغي التعويل عليه.
قوله: (لكن في القهستاني الخ) استدراك على ما يفهم من كلام البحر من أن ما تشترط له الطهارة لا يتيمم له مع وجود الماء، وعلى ما يفهم من كلام المنية من أن كل عبادة لا يخاف فوتها لا يتيمم لها ط.
قال ح: وهو نقل ضعيف مصادم للقاعدة، لان سجدة التلاوة لا تحل إلا بالطهارة وتفوت إلى خلف ا ه.
أقول: بل لا تفوت، لانها لا وقت لها إلا إذا كانت في الصلاة، ولهذا نقل القهستاني أيضا عن القدوري في شرحه أنها لا يتيمم لها، وعلله في الخلاصة بما قلنا.
قوله: (لكن سيجئ) أي في الفروع، وهذا استدراك على الاستدراك، وهذا التقييد مذكور في القهستاني أيضا بعد ورقتين نفلا
عن شرح الاصل معلللا بعدم الضرورة في الحضر: أي لوجود الماء فيه بخلاف السفر، فأفاد أن جوازه عند فقد الماء، فينافي ما نقله عن المختار من جوازه مع وجود الماء كما لا يخفى، فافهم.
قوله: (في الشرعة) أي شرعة الاسلام للعلامة أبي بكر البخاري ط.
قوله: (وشروحها) رأيت ذلك منقولا في شرح الفاضل علي زاده ط.
قوله: (قال) أي في الشرعة وشروحها.
قوله: (فظاهر البزازية الخ) هذا غير ظاهر، لان عبارة البزازية: ولو تيمم عند عدم الماء لقراءة قرآن عن ظهر قبل أو من المصحف أو لمسه أو لدخول المسجد أو خروجه أو لدفن أو لزيارة قبر أو الاذان أو الاقامة لا يجوز أن يصلي به عند العامة، ولو عند وجود الماء لا خلاف في عدم الجواز ا ه.
فإن قوله: لا خلاف في عدم الجواز: أي عدم جواز الصلاة به ظاهر في عدم صحته في نفسه عند وجود الماء في هذه المواضع، لان من جملتها التيمم لمس المصحف، ولا شبهة في أنه عند وجود الماء لا يصح أصلا، ولما مر عن المنية وشرحها من أنه مع وجود الماء ليس بشئ بل هو عدم.
والحاصل أن ما بحثه في البحر من صحة التيمم لهذه الاشياء مع وجود الماء لا بد لها من دليل، وليس في شئ مما ذكره الشارح ما يدل عليها، بل فيه ما يدل على خلافها كما علمت، وأما عبارة المبتغى فقد علمت ما فيها، فالظاهر عدم الصحة إلا فيما يخاف فوته كما قررناه قبل، فتدبر.
قوله: (وإن لم تجز الصلاة به) لان جوازها به يشترط له فقد الماء أو خوف الفوت، لا إلى بدل بعد أن يكون المنوي عبادة مقصودة لا تصح بدون طهارة، ولم يوجد ذلك في شئ مما ذكر.
قوله: (قلت بل لعشر الخ) من هنا إلى قوله: قلت وظاهره ساقط في بعض النسخ، وذكر ابن عبد الرزاق(1/263)
أنه من ملحقات الشارح على نسخته الثانية.
قوله: (أنه يجوز) بدل من ما أو من الضابط.
قوله: (ولو مع وجود الماء) غير مسلم كما علمت.
قوله: (فلا يجوز) أي التيمم لمس مصحف، سواء كان عن حدث أو عن جنابة.
قوله: (فكالاول) أي كالذي لا تشترط له الطهارة فيتيمم له مع وجود الماء ط.
قوله: (فكالثاني) وهو ما تشترط له الطهارة ط.
قوله: (لم تجز الصلاة به) أي لفقد الشرط، وهو أمران: كون المنوي عبادة مقصودة، وكونها لا تحل إلا بالطهارة.
أما في دخول المسجد ففي المحدث فقد الامران، وفي الجنب فقد الاول، وأما في القراءة للمحدث فلفقد الثاني، ولا يراد الجنب هنا لما تقدم قريبا من قوله: أو جنبا فكالثاني أي فتجوز الصلاة به.
وأما المس مطلقا فلفقد الاول، والكتابة كالمس إلا إذا كتب والصحيفة على الارض على ما مر، فإذا تيمم لذلك كانت العلة فقد الامرين.
والتعليم إن كان من محدث فلفقد الثاني، وإن كان من جنب وكان كلمة كلمة فلفقد الثاني أيضا، وعارض التعليم لا يخرجه عن كونه قراءة، ولا يراد الجنب هنا إذا لم يكن التعليم كلمة كلمة لما مر.
وأما زيارة القبور وعيادة المريض ودفن الميت والسلام ورده فلفقد الثاني.
وأما الاذان بالنسبة إلى الجنب فلفقد الاول، وللمحدث فلفقد الامرين.
وأما الاقامة مطلقا فلفقد الاول.
وأما الاسلام فجرى فيه على مذهب أبي يوسف القائل بصحته في ذاته ا ه.
ح.
أقول: لا يصح عد الاسلام هنا لانه يوهم صحة تيممه له، لكن لا تجوز الصلاة به، وليس ذلك قولا لاحد من علمائنا الثلاثة، لانه عند أبي يوسف يصح في ذاته وتجوز الصلاة به عنده كما صرح به في البحر.
وأما عندهما فلا يصح أصلا، وهو الاصح كما في الامداد وغيره، فافهم.
قوله: (بخلاف صلاة جنازة) أي فإن تيممها تجوز به سائر الصلوات لكن عند فقد الماء، وأما عند وجوده إذا خاف فوتها فإنما تجوز به الصلاة عن جنازة أخرى إذا لم يكن بينهما فاصل كما مر، ولا يجوز به غيرها من الصلوات، أفاده ح.
قوله: (أو سجدة تلاوة) أي فتصح الصلاة بالتيمم لها عند عدم الماء، أما عند وجوده فلا يصح التيمم لها لما علمت من أنها تفوت إلى بدل ط.
قوله: (وظاهره الخ) أي ظاهر قوله: لم تجز الصلاة به أن التيمم لهذه المذكورات الثلاث عشرة التي لا تشترط لها الطهارة صحيح في نفسه يجوز فعله.
ووجه ظهور ذلك أنه لو لم يكن صحيحا في نفسه لكان المناسب أن يقال: يصح التيمم لها أو لم يجز لانه أعم.
وأقول: إن كان مراده الجواز عند فقد الماء فهو مسلم وإلا فلا، والظاهر أن مراده الثاني موافقا لما قدمه عن البحر، ولقوله: فظاهر البزازية جوازه لتسع مع وجود الماء الخ وقدمنا أنه غير
ظاهر وأنه لا بد له من نقل يدل عليه ولم يوجد، وأن استدلال البحر بما في المبتغى لا يفيد، نعم(1/264)
ما يخاف فوته بلا بدل من هذه المذكورات يجوز مع وجود الماء نظير الجنازة لانه فاقد للماء حكما فيشمله النص، بخلاف ما لا يخاف فواته منها فلا يجوز أصلا، لان النص ورد بمشروعية التيمم عند فقد الماء، فلا يشرع عند وجوده حقيقة وحكما، ولعله لهذا أمر بالتأمل، فافهم.
قوله: (لفواتها) أي هذه المذكورات إلى بدل، فبدل الوقتيات والوتر القضاء، وبدل الجمعة الظهر فهو بدلها صورة عند الفوات وإن كان في ظاهر المذهب هو الاصل، والجمعة خلف عنه خلافا لزفر كما في البحر.
قوله: (وقيل يتيمم الخ) هو قول زفر.
وفي القنية أنه رواية عن مشايخنا.
بحر.
وقدمنا ثمرة الخلاف.
قوله: (قال الحلبي) أي البرهان إبراهيم الحلبي في شرحه على المنية، وذكر مثله العلامة ابن أمير حاج الحلبي في الحلية شرح المنية حيث ذكر فروعا عن المشايخ، ثم قال ما حاصله: ولعل هذا من هؤلاء المشايخ اختيار لقول زفر لقوة دليله، وهو أن التيمم إنما شرع للحاجة إلى أداء الصلاة في الوقت فيتيمم عند خوف فواته.
قال شيخنا ابن الهمام: ولم يتجه لهم عليه سوى أن التقصير جاء من قبله فلا يوجب الترخيص عليه، وهو إنما يتم إذا أخر لا لعذر ا ه.
وأقول: إذا أخر لا لعذر فهو عاص.
والمذهب عندنا أنه كالمطيع في الرخص، نعم تأخيره إلى هذا الحد عذر جاء من قبل غير صاحب الحق، فينبغي أن يقال: يتيمم ويصلي ثم يعيد الوضوء، كمن عجز بعذر قبل العباد، وقد نقل الزاهدي في شرحه هذا الحكم عن الليث بن سعد.
وقد ذكر ابن خلكان أنه كان حنفي المذهب، وكذا ذكره في الجواهر المضية في طبقات الحنفية ا ه.
ما في الحلية.
قلت: وهذا قول متوسط بين القولين، وفيه الخروج عن العهدة بيقين فلذا أقره الشارح، ثم رأيته منقولا في التاترخانية عن أبي نصر بن سلام وهو من كبار الائمة الحنفية قطعا، فينبغي العمل به احتياطا ولا سيما وكلام ابن الهمام يميل إلى ترجيح قول زفر كما علمته، بل قد علمت من كلام القنية أنه رواية عن مشايخنا الثلاثة، ونظير هذا مسألة الضيف الذي خاف ريبة فإنهم قالوا يصلي ثم
يعيد، والله تعالى أعلم.
قوله: (ويجب) أي على المسافر، لان طلب الماء في العمرانات أو في قربها واجب مطلقا.
بحر.
قوله: (طلبه) أي الماء.
قوله: (ولو برسوله) وكذا لو أخبره من غير أن يرسله.
بحر عن المنية.
قوله: (ثلاثمائة ذراع) أي إلى أربعمائة.
درر وكافي وسراج ومبتغى.
مطلب في تقدير الغلوة قوله: (ذكره الحلبي) أي البرهان إبراهيم.
وعبارته في شرحيه على المنية الكبير والصغير: فيطلب يمينا ويسارا قدر غلوة من كل جانب، وهي ثلاثمائة خطوة إلى أربعمائة، وقيل قدر رمية سهم ا ه.(1/265)
وفيه مخالفة لما عزاه إليه الشارح من وجهين: الاول تفسير الغلوة بالخطا لا بالاذرع.
والثاني الاكتفاء بالطلب يمينا ويسارا، وهو الموافق لقول الخانية: يفرض الطلب يمينا ويسارا قدر غلوة، وظاهره كما في الشيخ إسماعيل عن البرجندي أنه لا يجب في جانب الخلف والقدام، نعم في الحقائق ينظر يمينه وشماله وأمامه ووراءه غلوة.
قال في البحر: وظاهره أنه لا يلزمه المشي بل يكفيه النظر في هذه الجهات وهو في مكانه إذا كان حواليه لا يستتر عنه.
وقال في النهر: بل معناه أنه يقسم الغلوة على هذه الجهات، فيمشي من كل جانب مائة ذراع، إذ الطلب لا يتم بمجرد النظر ا ه.
وفي الشلانبلالية عن البرهان أن قدر الطلب بغلوة من جانب ظنه ا ه.
قلت: لكن هذا ظاهر أن ظنه في جانب خاص، أما لو ظن أن هناك ماء دون ميل ولم يترجح عنده أحد الجوانب يطلبه فيها كلها حتى جهة خلفه، إلا إذا علم أنه لا ماء فيه حين مروره عليه.
ولكن هل يقسم الغلوة على الجهات أو لكل جهة غلوة؟ محل تردد.
والاقرب الاول كما مر عن النهر، وصريح ما مر عن شرح المنية خلافه، ولكن الظاهر أنه لا يلزمه المشي إلا إذا لم يمكنه كشف الحال بمجرد النظر، فتدبر.
قوله: (وفي البدائع الخ) اعتمده في البحر.
قوله: (ورفقته) الاولى: أو رفقته، لان ضرر أحدهما كاف كما هو غير خاف ح.
مطلب في الفرق بين الظن وغلبة الظن
قوله: (ظنا قويا) أي غالبا.
قال في البحر عن أصول اللامشي: إن أحد الطرفين إذا قوي وترجح على الآخر ولم يأخذ القلب ما ترجح به ولم يطرح الآخر فهو الظن، وإذا عقد القلب على أحدهما وترك الآخر فهو أكبر الظن وغالب الرأي.
قوله: (دون ميل) ظرف لقوله قربه وقيد به لان الميل وما فوقه بعيد لا يوجب الطلب.
قوله: (بأمارة) أي علامة كرؤية خضرة أو طير.
قوله: (أو إخبار عدل) قال في شرح المنية: ويشترط في المخبر أن يكون مكلفا عدلا، وإلا فلا بد معه من غلبة الظن حتى يلزم الطلب لانه من الديانات.
قوله: (وإلا يغلب على ظنه) بأن شك أو ظن ظنا غير قوي.
نهر.
قوله: (وإلا لا) أي إن لم يرج الماء لا يطلبه لعدم الفائدة.
بحر عن المبسوط.
قوله: (أعاد وإلا لا) أي وإن لم يخبره بعد ما سأله لا يعيد الصلاة.
زيلعي وبدائع.
لكن في البحر عن السراج: ولو تيمم من غير طلب وكان الطلب واجبا وصلى ثم طلبه فلم يجده وجبت عليه الاعادة عندهما، خلافا لابي يوسف ا ه.
ومفاده أنه تجب الاعادة هنا وإن لم يخبره.
قوله: (في حق جواز الصلاة) أما في حق صحته في نفسه فيكفي فيه نية ما قصده لاجله من أي عبادة كانت عند فقد الماء، وعند وجوده يصح لعبادة تفوت لا إلى خلف كما قدمناه.
قوله: (نية عبادة) قدمنا في الوضوء تعريف النية وشروطها.
وفي البحر: وشرطها أن ينوي عبادة مقصودة الخ، أو الطهارة أو استباحة الصلاة أو رفع الحدث أو الجنابة، فلا تكفي نية التيمم على المذهب، ولا تشترط نية التمييز بين الحدث والجنابة خلافا للجصاص ا ه.
ويأتي تمام الكلام عليه قريبا.
قلت: وتقدم في الوضوء أنه تكفي نية الوضوء، فما الفرق بينه وبين نية التيمم؟ تأمل.
ولعل(1/266)
وجه الفرق أنه لما كان بدلا عن الوضوء أو عن آلته على ما مر من الخلاف ولم يكن مطهرا في نفسه إلا بطريق البدلية لم يصح أن يجعل مقصودا، بخلاف الوضوء فإنه طهارة أصلية.
والاقرب أن يقال: إن كل وضوء تستباح به الصلاة.
بخلاف التيمم فإنه منه ما لا تستباح به، فلا يكفي للصلاة التيمم المطلق، ويكفي الوضوء المطلق، هذا ما ظهر لي، والله أعلم.
قوله: (ولو صلاة جنازة) قال في البحر: لا يخفى أن قولهم بجواز الصلاة بالتيمم لصلاة الجنازة محمول على ما إذا لم
يكن واجدا للماء كما قيده في الخلاصة بالمسافر.
أما إذا تيمم لها مع وجوده لخوف الفوت فإن تيممه يبطل بفراغه منها ا ه.
لكن في إطلاق بطلانه نظر، بدليل أنه لو حضره جنازة أخرى قبل إمكان إعادة التيمم له أن يصلي عليها به، فالاولى أن يقول: فإن تيممه لم يصح إلا لما نواه وهو صلاة الجنازة فقط، بدليل أنه لا يجوز له أن يصلي به ولا أن يمس المصحف ولا يقرأ القرآن جنبا، كذا قرره شيخنا حفظه الله تعالى.
قوله: (في الاصح) هذا بناء على قول الامام: إنها مكروهة، أما على قولهما المفتى به إنها مستحبة فينبغي صحته وصحة الصلاة به.
أفاده ح.
قوله: (مقصودة) المراد بها ما لا تجب في ضمن شئ آخر بطريق التبعية، ولا ينافي هذا ما في كتب الاصول من أن سجدة التلاوة غير مقصودة، لان المراد هنا أنها شرعت ابتداء تقربا إلى الله تعالى، لا تبعا لغيرها، بخلاف دخول المسجد ومس المصحف، والمراد بما في الاصول أن هيئة السجود ليست مقصودة لذاتها عند التلاوة بل لاشتمالها على التواضع، وتمامه في البحر.
قوله: (خرج دخول مسجد الخ) أي ولو لجنب، بأن كان الماء في المسجد وتيمم لدخوله للغسل، فلا يصلي به كما مر، وخرج أيضا الاذان والاقامة.
ولا يقال: دخول المسجد عبادة للاعتكاف، لان العبادة هي الاعتكاف والدخول تبع له، فكان عبادة غير مقصودة كما في البحر.
قوله: (ليعم قراءة القرآن للجنب) قيد بالجنب، لان قراءة المحدث تحل بدون الطهارة، فلا يجوز أن يصلي بذلك التيمم، بخلاف الجنب، وهذا التفصيل جعله في البحر هو الح، خلافا لمن أطلق الجواز، ولمن أطلق المنع.
وأشار الشارح إلى أن القراءة عباد مقصودة، وجعلها في البحر جزء العبادة، فزاد في الضابط بعد قوله: مقصودة أو جزئها لادخالها.
واعترضه في النهر بأنه لا حاجة إليه، لان وقوع القراءة جزء عباد من وجه لا ينافي وقوعها عبادة مقصودة من وجه آخر، ألا ترى أنهم أدخلوا سجود التلاوة في المقصودة مع أنه جزء من العبادة التي هي الصلاة ا ه.
قوله: (خرج السلام ورده) أي فلا يصلي بالتيمم لهما ولو عند فقد الماء، وكذا قراءة المحدث وزيارة القبور.
وأما الاسلام فلا يصح ذكره هنا، لان عند أبي يوسف يصلي به، وعندهما لا يصح أصلا كما نبهنا عليه سابقا، فمن عده هنا لم يصب.
قوله: (فلغا الخ) تفريع على اشتراط النية: أي لما شرطناها فيه، ومن شرائط صحتها الاسلام: لغا تيمم الكافر، سواء نوى عبادة مقصودة لا تصح إلا بالطهارة أو لا، وصح وضوءه لعدم اشتراط النية فيه، ولما لم يشترطها زفر سوى بينهما.
نهر قوله: (بنية الوضوء) يريد به طهارة(1/267)
الوضوء، لما علمت من اشتراط نية التطهير.
بحر.
وأشار إلى أنه لا تشترط نية التمييز بين الحدثين خلافا للجصاص كما مر، فيصح التيمم عن الجنابة بنية رفع الحدث الاصغر كما في العكس.
تأمل.
لكن رأيت في شرح المصنف على زاد الفقير ما نصه: وقال في الوقاية: إذا كان به حدثان كالجنابة وحدث يوجب الوضوء ينبغي أن ينوي عنهما فإن نوى عن أحدهما لا يقع عن الآخر لكن يكفي تيمم واحد عنهما ا ه.
فقوله لكن يكفي: يعني لو تيمم الجنب عن الوضوء كفى وجازت صلاته ولا يحتاج أن يتيمم للجنابة، وكذا عكسه، لكن لا يقع تيممه للوضوء عن الجنابة، ولهذا قال الرازي وإن وجد ماء يكفي لغسل أعضائه مرة بطل في المختار، لان تيممه للوضوء وقع له لا للجنابة وإن كفى عنهما.
فتأمل ا ه.
ما في شرح الزادي.
قوله: (به يفتى) كذا في الحلية عن النصاب.
قوله: (رجاء قويا) المراد به غلبة الظن، ومثله التيقن كما في الخلاصة، وإلا فلا يؤخر، لان فائدة الانتظار أداء الصلاة بأكمل الطهارتين.
بحر.
قوله: (آخر الوقت) برفع آخر على أنه نائب فاعل ندب وأصله النصب على الظرفية، ولا يصح نصبه على أن يكون في ندب ضمير يعود على الصلاة وهو نائب الفاعل، لانه كان يجب تأنيث الضمير، نعم هو جائز في الشعر، فافهم، ولا على أن ضميره عائد على التيمم، لان آخر الوقت محل الوضوء لا التيمم لانه فرض المسألة.
قوله: (المستحب) هذا هو الاصح، وقيل وقت الجواز، وقيل إن كان على ثقة من الماء فإلى آخر وقت الجواز، وإن على طمع فإلى آخر وقت الاستحباب سراج.
وفي البدائع: يؤخر إلى مقدار ما لم يجد الماء لامكنه أن يتيمم ويصلي في الوقت.
وفي التاترخانية عن المحيط: ولا يفرط في التأخير حتى لا تقع صلاة في وقت مكروه.
واختلفوا في تأخير المغرب، فقيل لا يؤخر، وقيل يؤخر ا ه.
والحاصل أنه إذا رجا الماء يؤخر إلى آخر الوقت المستحب بحيث لا يقع في كراهة، وإن
كان لا يرجو الماء يصلي في الوقت المستحب كوقت الاسفار في الفجر والابراد في ظهر الصيف ونحو ذلك على ما بين في محله، لكن ذلك شراح الهداية وبعد شراح المبسوط أنه إن كان لا يرجو الماء يصلي في أول الوقت لان أداء الصلاة فيه أفضل، إلا إذا تضمن التأخير فضيلة لا تحصل بدونه كتكثير الجماعة ولا يتأتى هذا في حق من في المفازة، فكان التعجيل أولى كما في حق النساء لانهن لا يصلين بجماعة.
وتعقبهم الاتقاني في غاية البيان بأنه سهو منهم بتصريح أئمتنا باستحباب تأخير بعض الصلوات بلا اشترط جماعة.
وأجاب في السراج بأن تصريحهم محمول على ما إذا تضمن التأخير فضيلة وإلا لم يكن له فائدة، فلا يكون مستحبا، وانتصر في البحر للاتقاني بما فيه نظر كما أوضحناه فيما علقناه عليه.
والذي يؤيده كلام الشراح أن ما ذكره أئمتنا من استحباب الاسفار بالفجر والابراد بظهر الصيف معللا بأن فيه تكثير الجماعة، وتأخير العصر لاتساع وقت النوافل، وتأخير العشاء لما فيه من قطع السمر المنهي عنه، وكل هذه العلل مفقودة في حق المسافر، لانه في الغالب يصلي منفردا، ولا يتنفل بعد العصر، ويباح له السمر بعد العشاء كما سيأتي، فكان التعجيل في حقه أفضل، وقولهم كتكثير الجماعة، مثال للفضيلة لاحصر فيها.
تنبيه: في المعراج عن المجتبى: يتخالج في قلبي فيما إذا كان يعلم أنه إن أخر الصلاة إلى(1/268)
آخر الوقت يقرب من الماء بمسافة أقل من ميل، لكن لا يتمكن من الصلاة بالوضوء في الوقت الاولى أن يصلي في أول الوقت مراعاة لحق الوقت وتجنبا عن الخلاف ا ه.
واستحسنه في الحلية.
قوله: (من ليس في العمران) أي سواء كان مسافرا أو مقيما.
منح، ونوح أفندي عن شرح الجامع لفخر الاسلام.
أما من في العمران فتجب عليه الاعادة، لان العمران يغلب فيه وجود الماء فكان عليه طلبه فيه، وكذا فيما قرب منه كما قدمناه والظاهر أن الاخبية بمنزلة العمران، لان إقامة الاعراب فيها لا تتأتى بدون الماء، فوجوده غالب فيها أيضا.
وعليه فيشكل قولهم: سواء كان
مسافرا أو مقيما، فليتأمل.
قوله: (ونسي الماء) أو شك كما في السراج.
نهر.
أقول: هو سبق قلم، لان عبارة السراج: هكذا قيد بالنسيان احترازا عما إذا شك أو ظن أن ماءه قد فني فصلى ثم وجده فإنه يعيد إجماعا.
قوله: (في رحله) الرحل للبعير كالسرج للدابة، ويقال لمنزل الانسان ومأواه رحل أيضا، ومنه: نسي الماء في رحله مغرب.
لكن قولهم لو كان الماء في مؤخرة الرحل يفيد أن المراد بالرحل: الاول.
بحر.
وأقول: الظاهر أن المراد به ما يوضع فيه الماء عادة، لانه مفرد مضاف فيعم كل رحل سواء كان منزلا أو رجل بعير، وتخصيصه بأحدهما مما لا برهان عليه نهر.
قوله: (وهو مما ينسى عادة) الجملة حالية، ومحترزه قوله: كما لو نسيه في عنقه الخ.
قوله: (لا إعادة عليه) أي إذا تذكره بعد ما فرغ من صلاته، فلو تذكر فيها يقطع ويعيد إجماعا.
سراج، وأطلق فيشمل ما لو تذكر في الوقت أو بعده كما في الهداية وغيرها خلافا لما توهمه المنية، وما لو كان الواضع للماء في الرحل هو أو غيره بعلمه، بأمره أو بغير أمره خلافا لابي يوسف، أما لو كان غيره بلا علمه فلا إعادة اتفاقا.
حلية.
قوله: (أعاد اتفاقا) لانه كان عالما به وظهر خطأ الظن.
حلية، وكذا لو شك كما قدمناه عن السراج، وهو مفهوم بالاولى.
قوله: (في عنقه) أي عنق نفسه.
قوله: (أو في مقدمه الخ) أي مقدم رحله، واحترز به عما لو نسيه في مؤخره راكبا أو مقدمه سائقا فإنه على الاختلاف، وكذا إذا كان قائدا مطلقا.
بحر.
قوله: (أو مع نجس) بفتح الجيم: أي بأن كان حاملا له أو في بدنه وكان أكثر من الدرهم، وهو معطوف على قوله: أو نسي والظرف متعلق بصلى محذوفا لعلمه من المقام، ولا يصح عطفه على عريانا ليتعلق بصلى المذكور المقيد بقوله: نسي ثوبه لان نسيان الثوب هنا لا دخل له.
قوله: (ثم ذكر) أي بعد ما فعل جميع ما ذكر ناسيا.
قوله: (أعاد إجماعا) راجع إلى الكل، لكن في الزيلعي أن مسألة الصلاة في ثوب نجس أو عريانا على الاختلاف، وهو الاصح ا ه.
قوله: (ويطلبه وجوبا على الظاهر) أي ظاهر الرواية عن أصحابه الثلاثة كما سيذكره مع تعليله، وكونه ظاهر الرواية عنهم أخذه في البحر من قوله المبسوط: عليه أن يسأله إلا على قول الحسن بن زياد: إن في سؤاله مذلة، ورد ما في الهداية وغيرها من أنه يلزمه عندهما لا عنده، ووفق في شرح المنية الكبير بأن الحسن رواه عن أبي(1/269)
حنيفة في غير ظاهر الرواية وأخذ هو به، فاعتمد في المبسوط ظاهر الرواية، واعتمد في الهداية رواية الحسن لكونها أنسب بمذهب أبي حنيفة من عدم اعتبار القدرة بالغير.
أقول: وبقول الامام جزم في المجمع والملتقى والوقاية وابن الكمال أيضا، وقال: هذا على وفق ما في الهداية والايضاح والتقريب وغيرها.
وفي التجريد: ذكر محمدا مع أبي حنيفة.
وفي الذخيرة عن الجصاص أنه لا خلاف، فإن قوله: فيما إذا غلب على ظنه، منعه إياه، وقولهما: عند غلبة الظن، بعدم المنع ا ه.
أقول: وقد مشى على هذا التفصيل في الزيادات والكافي، وهو قريب من قول الصفار: إنه يجب في موضع لا يعز فيه الماء، إذ لا يخفى أنه حينئذ لا يغلب على الظن المنع.
وقال في شرح المنية: إنه المختار.
وفي الحلية: إنه الاوجه لان الماء غير مبذول غالبا في السفر خصوصا في موضع عزته، فالعجز متحقق ما لم يظن الدفع ا ه.
وحيث نص الامام الجصاص على التوفيق بما ذكر ارتفع الخلاف، ولا يبعد حمل ما في المبسوط عليه كما سنشير إليه، والله الموفق.
قوله: (من رفيقه) الاولى حذفه وإبقاء المتن على عمومه ط.
ولذا قال نوح أفندي وغيره: ذكر الرفيق جرى مجرى العادة، وإلا فكل من حضر وقت الصلاة فحكمه كذلك رفيقا كان أو غيره ا ه.
وقد يقال: أراد بالرفيق من معه من أهل القافلة، وهو مفرد مضاف فيعم، ثم خصصه بقوله: ممن هو معه والظاهر أنه لكانت القافلة كبيرة يكفيه النداء فيها، إذ يعسر الطلب من كل فرد، وطلب رسوله كطلبه نظير ما مر.
قوله: (ممن هو) أي الماء الكافي للتطهير.
قوله: (بثمن مثله) أي في ذلك الموضع بدائع.
وفي الخانية: في أقرب المواضع من الموضع الذي يعز فيه الماء.
قال في الحلية: والظاهر الاول، إلا أن يكون للماء في ذلك الموضع قيمة معلومة كما قالوا في تقويم الصيد.
قوله: (ولو ذلك) أي وفي ملكه ذلك الثمن، وقدمنا أنه لو له مال غائب وأمكنه الشراء نسيئة وجب، بخلاف ما لو وجد من يقرضه، لان الاجل لازم ولا مطالبة قبل حلوله، بخلاف القرض.
بحر.
قوله: (فاضلا
عن حاجته) أي من زاد ونحوه من الحوائج اللازمة.
حلية.
قلت: ومنها قضاء دينه.
تأمل.
قوله: (لا يتيمم) لان القدرة على البدل قدره على الماء.
بحر.
قوله: (وهو ضعف قيمته) هذا ما في النوادر، وعليه اقتصر في البدائع والنهاية، فكان هو الاولى.
بحر، لكنه خاص بهذا الباب لما يأتي في شراء الوصي أن الغبن الفاحش ما لا يدخل تحت تقويم المقومين ا ه.
ح.
أقول: هو قول هنا أيضا.
وفي شرح المنية أنه الاوفق.
قوله: (في ذلك المكان) مبني على ما نقلناه في البدائع.
تنبيه: لو ملك العاري ثمن الثوب: قيل لا يجب شراؤه، وقيل يجب كالماء.
سراج، وجزم بالثاني في المواهب.
قوله: (ثمن ذلك) الاولى حذف ثم لان اسم الاشارة راجع إليه لا إلى الماء ط.
قوله: (وأما للعطش) أي هذا الحكم في الشراء للوضوء.
قوله: (وأما الخ مذكور في(1/270)
الاشباه) أي في أواخرها، وليست مما نحن فيه، فلا يلزمنا ذكرها هنا.
قوله: (وقبل طلبه الخ) مفهوم قوله: ويطلبه وجوبا الخ ح.
وفي النهر: اعلم أن الرائي للماء مع رفيقه، إما أن يكون في الصلاة أو خارجها، وفي كل إما أن يغلب على ظنه الاعطاء أو عدمه أو شك، وفي كل إما أن يسأله أو لا، وفي كل إما أن يعطيه أو لا.
فهي أربعة وعشرون، فإن في الصلاة وغلب على ظنه الاعطاء قطع وطلب، فإن لم يعطه بقي تيممه، فلو أتمها ثم سأل: فإن أعطاه استأنف وإلا تمت، كما لو أعطاه بعد الاباء، وإن غلب على ظنه عدمه أو شك لا يقطع، فلو أعطاه بعد ما أتمها بطلت وإلا لا، وإن خارجها، فإن صلى بالتيمم بلا سؤال فعلى ما سبق، فلو سأل بعدها وأعطاه أعاد وإلا لا، سواء ظن الاعطاء أو المنع أو شك، وإن منعه ثم أعطاه لا، وبطل تيممه، ولا يتأتى في هذا الفسم ظن ولا شك ا ه.
قوله: (لانه مبذول عادة) أي غالبا، وفيه إشارة إلى أنه لو كان في موضع يعز فيه ويغلب على الظن منعه وعدم بذله أنه يجوز التيمم لتحقق العجز كما قدمناه فلا ينافي ما قدمناه من التوفيق.
ولذا قال في المجتبى: الغالب عدم الضنة بالماء، حتى لو كان في موضع تجري عليه الضنة لا يجب الطلب منه قوله: (وعليه) أي بناء على ظاهر الرواية فيجب الخ.
وقد نقل الوجوب في النهر عن
المعراج، ثم قال: لكن لا يجب كما في الفتح وغيره.
وفي السراج): قيل يجب الطلب إجماعا، وقيل لا يجب ا ه.
وينبغي أن يكون الاول بناء على الظاهر، والثاني على ما في الهداية ا ه: أي من اختيار رواية الحسن كما قدمناه.
قلت: وهو توفيق حسن، فلذا أشار إليه الشارح حيث جعل الوجوب مبنيا على الظاهر، لكن يخالفه ما في المعراج فإنه قال: ولو كان مع رفيقه دلو يجب أن يسأله بخلاف الماء ا ه.
ومثله في التاترخانية، فليتأمل.
ثم الاظهر وجوب الطلب كالماء كما في المواهب، واقتصر عليه في الفيض الموضوع لنقل الراجح المعتمد كما قال في خطبته: وينبغي تقييده بما إذا غلب على ظنه الاعطاء كالماء، إلا أن يفرق بأنه ليس مما تشح به النفوس في السفر، بخلاف الماء.
تأمل.
قوله: (وكذا الانتظار) أي يجب انتظاره للدلو إذا قال الخ لكن هذا قولهما.
وعنده لا يجب بل يستحب أن ينتظر إلى آخر الوقت، فإن خاف فوت الوقت تيمم وصلى، وعلى هذا لو كان مع رفيقه ثوب وهو عريان فقال انتظر حتى أصلي وأدفعه إليه.
وأجمعوا: أنه إذا قال: أبحت لك مالي لتحج به أنه لا يجب عليه الحج.
وأجمعوا أنه في الماء ينتظر وإن خرج الوقت.
ومنشأ الخلاف أن القدرة على ما سوى الماء هل تثبت بالاباحة؟ فعنده لا، وعندهما نعم، كذا في الفيض والفتح والتاترخانية وغيرها، وجزم في المنية بقول الامام.
وظاهر كلامهم ترجيحه.
وفي الحلية: والفرق للامام أن الاصل في الماء الاباحة والحظر فيه عارض فيتعلق الوجوب بالقدرة الثابتة بالاباحة، ولا كذلك ما سواه، فلا يثبت(1/271)
إلا بالملك كما في الحج ا ه.
فتنبه.
قوله: (إن ظن الاعطاء قطع) أي إن غلب على ظنه.
قال في النهر: فلا تبطل بل يقطعها، فإن لم يفعل فإن أعطاه بعد الفراغ أعاد وإلا لا، كما جزم به الزيلعي وغيره، فما جزم به من أنها تبطل ففيه نظر، نعم ذكر في الخانية عن محمد أنها تبطل بمجرد الظن، فمع غلبته أولى وعليه يحمل ما في الفتح ا ه.
قوله: (لكن في القهستاني) استدراك على المتن كما
هو سياق القهستاني، فكان الواجب تقديمه ثم الجواب عن المحيط أنه غير ظاهر الرواية ح.
قلت: وقد علمت التوفيق بما قدمناه عن الجصاص، من أنه لا خلاف في الحقيقة، فقول المصنف: ويطلبه الخ أي إن ظن الاعطاء، بأن كان في موضع لا يعز فيه الماء، وقدمناه عن شروح المنية أنه المختار، وأنه الاوجه، فتنبه.
مطلب: فاقد الطهورين قوله: (فاقد) بالرفع صفة المحصور، واللام فيه للعهد الذهني فيكون في حكم النكرة وبالنصب على الحال، كذا رأيته بخط الشارح.
قوله: (ولا يمكن إخرا تراب مطهر) أما لو أمكنه بنقر الارض أو الحائط بشئ فإنه يستخرج ويصلي بالاجماع.
بحر عن الخلاصة.
قال ط: وفيه أنه يلزم التصرف في مال الغير بلا إذنه.
قوله: (يؤخذها عنده) لقول عليه الصلاة والسلام: لا صلاة إلا بطهور سراج.
قوله: (وقالا يتشبه بالمصلين) أي احتراما للوقت.
قال ط: ولا يقرأ كما في أبي السعود، سواء كان حدثه أصغر أو أكبر ا ه.
قلت: وظاهره أنه لا ينوي أيضا لانه تشبه لا صلاة حقيقية.
تأمل.
قوله: (إن وجد مكانا يابسا) أي لامنه من التلوث، لكن في الحلية: الصحيح على هذا القول أنه يومئ كيفما كان، لانه لو سجد صار مستعملا للنجاسة.
قوله: (كالصوم) أي في مثل الحائض إذا طهرت في رمضان، فإنها تمسك تشبها بالصائم لحرمة الشهر ثم تقضي، وكذا المسافر إذا أفطر فأقام.
قوله: (مقطوع اليدين) أي من فوق المرفقين والكعبين وإلا مسح محل القطع كما تقدم، لكن سيأتي في آخر صلاة المريض بعد حكاية المصنف ما ذكره هنا، وقيل لا صلاة عليه، وقيل يلزمه غسل موضع القطع.
قوله: (إذا كان بوجهه جراحة) وإلا مسحه على التراب إن لم يمكنه غسله.
قوله: (ولا يعيد على الاصح) لينظر الفرق بينه وبين فاقد الطهورين لمرض، فإنه يؤخر أو يتشبه على الخلاف المذكور آنفا كما علمت مع اشتراكهما في إمكان القضاء بعد البرء، وكون(1/272)
عذرهما سماويا.
تأمل.
قوله: (وبهذا ظهر الخ) رد لما في الخلاصة وغيرها عن أبي علي السغدي، من أنه لو صلى في الثوب النجس أو إلى غير القبلة لا يكفر لانها جائزة حالة العذر.
أما الصلاة بلا
وضوء فلا يؤتى بها بحال فيكفر.
قال الصدر الشهيد: وبه نأخذ ا ه.
وجه الرد أنها جائزة في مسألة المقطوع المذكورة، فحيث كانت علة عدم الاكفار الجواز حالة العذر لزم القول به في الصلاة بلا وضوء، فافهم.
قوله: (وقد مر) أي في أول كتاب الطهارة، وقدمنا هناك عن الحلية البحث في هذه العلة، وأن علة الاكفار إنما هي الاستخفاف.
قوله: (أعاد) لانه مانع من قبل العباد.
قوله: (وإلا لا) عللوه بأن الغالب في السفر عدم الماء.
قال في الحلية: وهذا يشير إلى أنه لو كان بحضرته أو بقرب منه ماء تجب الاعادة لتمحض كون المنع من العبد.
قوله: (إن في السفر نعم) لما علمت.
قوله: (وإلا لا) لعدم الضرورة.
قهستاني عن شرح الاصل.
ولعل وجهه أنه إذا فقد الماء وقت التلاوة يجده بعدها، لان الحضر مظنة الماء فلا ضرورة، بخلاف السفر فإنه الغلب فيه فقد الماء، وبتأخيرها إلى وجوده عرضة نسيانها.
تأمل.
قوله: (المسبل) أي الموضوع في الحباب لابناء السبيل.
قوله: (لا يمنع التيمم) لانه لم يوضع للوضوء بل للشرب، فلا يجوز الوضوء به وإن صح.
قوله: (ما لم يكن كثيرا) قال في المنية: الاولى الاعتبار بالعرف لا بالكثرة، إلا إذا اشتبه.
قوله: (أيضا) أي كالشرب.
قوله: (ويشرب ما للوضوء) مقابل المسألة الاولى، لانه يفهم منها أن المسبل للشرب لا يتوضأ به، فذكر أن ما سبل للوضوء يجوز الشرب منه، وكان الفرق أن الشرب أهم لانه لاحياء النفوس بخلاف الوضوء، لانه له بدلا فيأذن صاحبه بالشرب منه عادة، لانه أنفع.
هذا، وقد صرح في الذخيرة بالمسألتين كما هنا، ثم قال: وقال ابن الفضل بالعكس فيهما.
قال في شرح المنية: والاول أصح.
قوله: (الجنب أولى بمباح الخ) هذا بالاجماع تاترخانية: أي وييمم الميت ليصلى عليه، وكذا المرأة والمحدث ويقتديان به، لان الجنابة أغلظ من الحدث والمرأة لا تصلح إماما، لكن في السراج أن الميت أولى لان غسله يراد للتنظيف وهو لا يحصل بالتراب ا ه.
تأمل.
ثم رأيت بخط الشارح عن الظهيرية أن الاول أصح، وأنه جزم به صاحب الخلاصة وغيره ا ه.
وفي السراج أيضا: لو كان يكفي للمحدث فقط كان أولى به، لانه يرفع حدثه.
قوله: (فهو أولى) لانه أحق بملكه.
سراج.
قوله: (ينبغي صرفه للميت) أي ينبغي لكل منهم أن يصرف نصيبه للميت حيث كان كل واحد لا يكفيه نصيبه، ولا يمكن الجنب ولا غيره أن
يستقل بالكل لانه مشغول بحصة الميت، وكون الجنابة أغلظ يبيح استعمال حصة الميت فلم يكن الجنب أولى، بخلاف ما لو كان الماء مباحا فإنه حيث أمكن به رفع الجنابة كان أولى، فافهم.
تتمة: قال في المعراج: والاب أولى من ابنه، لجواز تملكه مال ابنه ا ه.
قوله: (جاز) لانه لم(1/273)
يصر مستعملا، إنما المستعمل ما ينفصل عن العضو بعد المسح قياسا على الماء.
شرح المنية، ونحوه ما قدمناه عن النهر، وهو المذكور في الحلية، فافهم.
قوله: (ولا يخاف العطش) إذا لو خافه لا يحتاج إلى حيلة لاشتغاله بحاجته الاصلية.
والظاهر أن عطش غيره من أهل القافلة كعشطه وإن كان لا يسقيهم منه، إذ لو اضطر أحدهم إليه وجب دفعه له فيما يظهر، ولذا جاز له قتاله كما مر.
قوله: (بما يغلبه) أي بشئ يخرجه عن كونه ماء مطلقا كماء ورد أو سكر مثلا.
قوله: (أو يهبه) أي ممن يثق بأنه يرده عليه بعد ذلك، فافهم.
قوله: (على وجه يمنع الرجوع) كذا ذكره في شرح المنية، لقول قاضيخان: إن قولهم الحيلة أن يهبه من غيره ويسلمه ليس بصحيح عندي، لانه إذا تمكن من الرجوع كيف يجوز له التيمم؟ قال في شرح المنية: وهو الفقه بعينه، والحيلة الصحيحة أن يخلطه الخ.
قلت: لكن يدفع هذا قوله: على وجه يمنع الرجوع أي بأن تكون الهبة بشرط العوض.
وأيضا فقد أجاب في الفتح بأن الرجوع في الهبة مكروه، وهو مطلوب العدم شرعا، فيجوز أن يعتبر الماء معدوما في حقه لذلك وإن قدر عليه.
قال في الحلية، وهو حسن.
أقول: على أن الرجوع في الهبة يتوقف على الرضا أو القضاء، لكن قد يقال: إنه ما وهبه إلا ليسترده، والموهوب منه لا يمنعه إذا طلبه الواهب وذلك يمنع التيمم.
والجواب: أنه يسترده بهبة أو شراء لا بالرجوع فلا يلزم المكروه، والموهوب منه إذا علم بالحيلة يمتنع من دفعه للوضوء.
تأمل.
قوله: (وناقضه ناقض الاصل الخ) أي ما جعل التيمم بدلا عنه من وضوء أو غسل.
واعلم أن كل ما نقض الغسل مثل المني نقض الوضوء، ويزيد الوضوء بأنه ينتقض بمثل البول، فالتعبير بناقض الوضوء كما في الكنز يشمل ناقض الغسل، فيساوي التعبير بناقض الاصل كما في البحر.
واعترضه المصنف في منحه بما حاصله أنه وإن نقض تيمم الوضوء كل ما نقض الغسل، لكن لا ينقض تيمم الغسل كل ما نقض الوضوء، لانه إذا تيمم عن جنابة ثم بال مثلا فهذا ناقض للوضوء لا ينتقض به تيمم الغسل، بل تنتقض طهارة الوضوء التي في ضمنه، فتثبت له أحكام الحدث لا أحكام الجنابة، فقد وجد ناقض الوضوء ولم ينتقض تيمم الجنابة، فظهر أن التعبير بناقض الاصل أولى من ناقض الوضوء لشموله التيمم على الحدثين، فأين المساواة؟ ا ه.
لكن في عبارة المصنف في المنح حذف المضاف من بعض المواضع فذكرناه ليزول الاشتباه، فافهم.
قوله: (فلو تيمم الخ) تفريع صحيح دل عليه كلام المتن، لان منطوق عبارة المتن أنه لو تيمم عن حدث انتقض بناقض أصله وهو الوضوء وذلك كل ما نقض الوضوء والغسل كما مر، ولو تيمم عن جنابة انتقض بناقض أصله وهو الغسل، ومفهومه أنه لا ينتقض بغير ناقض أصله، ففرع على هذا المفهوم كما هو عادته في مواضع لا تحصى أنه إذا تيمم الجنب ثم أحدث لا ينتقض تيممه عن الجنابة، لان الحدث لا ينقض أصله وهو الغسل، فلا يصير جنبا وإنما يصير محدثا بهذا الحدث العارض، فافهم.
قوله: (فيتوضأ الخ) تفريع على التفريع: أي وإذا صار محدثا فيتوضأ حيث وجد ما يكفيه للوضوء فقط ولو مرة مرة، ولكن لو كان لبس الخف بعد ذلك التيمم وقبل الحدث ينزعه ويغسل لان طهارته بالتيمم(1/274)
ناقضة معنى، ولا يمسح إلا إذا لبسه على طهارة تامة وهي طهارة الوضوء لا طهارة التيمم على ما سيأتي، نعم بعد ما توضأ أو غسل رجليه يمسح لانه ليس على وضوء كامل، والمسح للحدث لا للجنابة إلا إذا مر بالماء الكافي للغسل فحينئذ لا يمسح بل يبطل تيممه من أصله ويعود جنبا على حاله الاول فلو جاوز الماء ولم يغتسل يتيمم للجنابة، ثم إذا أحدث ووجد ما يكفيه للوضوء فقط توضأ ونزع الخف وغسل، لان الجنابة لا يمنعها الخف كما سيأتي، ثم بعده يمسح ما لم يمر بالماء وهكذا.
قوله: (فمع الخ) تفريع على قوله: فيتوضأ حيث أفاد أنه إذا وجد ماء يكفيه للوضوء فقط إنما يتوضأ به إذا أحدث بعد تيممه عن الجنابة، أما لو وجده وقت التيمم قبل الحدث لا يلزمه عندنا الوضوء به عن الحدث الذي مع الجنابة لانه عبث، إذ لا بد له من التيمم، وعلى هذا فقول صدر
الشريعة: إذا كان للجنب ماء يكفي للوضوء لا الغسل يجب عليه التيمم لا الوضوء خلافا للشافعي.
أما إذا كان مع الجنابة حدث يوجب الوضوء يجب عليه الوضوء، فالتيمم للجنابة بالاتفاق ا ه.
مشكل.
لان الجنابة لا تنفك عن حدث يوجب الوضوء، وقد قال أولا: يجب عليه التيمم لا الوضوء: فقوله ثانيا: يجب عليه الوضوء تناقض، وجوابه كما قال القهستاني إن مع في قوله: مع الجنابة بمعنى بعد.
ولما كان في هذا التفريع والجواب دقة وخفاء ودفع لاعتراضات المحشين على صدر الشريعة أمر بالتفهم، ولله در هذا الشارح على هذه الرموز التي هي مفاتيح الكنوز.
قوله: (وإباحة) مفعول مطلق: أي ولو أباحه مالكه له إباحة كان قادرا أو تمييز أو حال أي ولو وجدت القدرة من جهة الاباحة أو في حال الاباحة وأطلقه فيشمل ما لو كانو جماعة والماء المباح يكفي أحدهم فقط، فينتقض تيمم الكل لتحقق الاباحة في حق كل منهم، بخلاف ما لو وهب لهم فقبضوه لانه لا يصيب كلا منهم ما يكفيه، وتمامه في الفتح.
قوله: (في صلاة) من مدخول المبالغة: أي ولو كانت القدرة أو الاباحة في صلاة ينتقض التيمم وتبطل الصلاة التي هو فيها، إلا إذا كان الماء سؤر حمار فإنه يمضي فيها ثم يعيدها بسؤر الحمار، لما مر أنه لا يلزم الجمع بينهما في فعل واحد، فما في المنية من أنها تفسد غير صحيح كما ذكره الشارحان.
ولو صلى بالتيمم ثم وجد الماء في الوقت لا يعيد.
منية: أي إلا إذا كان العذر المبيح من قبل العباد فيعيد ولو بعد الوقت كما مر، فتنبه حلية.
قوله: (كاف لطهره) أي للوضوء لو محدثا، وللاغتسال لو جنبا، واحترز به عما إذا كان يكفي لبعض أعضائه أو يكفي للوضوء وهو جنب، فلا يلزمه استعماله عندنا ابتداء كما مر، فلا ينقض كما في الحلية.
قوله: (ولو مرة مرة) فلو غسل به كل عضو مرتين أو ثلاثا فنقص عن إحدى رجليه انتقض تيممه هو المختار، لانه لو اقتصر على المرة كفاه بحر عن الخلاصة.
قوله: (وغسل نجس مانع) فلو لم يكفه يلزمه أيضا تقليل النجاسة كما يفهم من تعليلهم في كثير من الشروح، لكن في الخلاصة أنه لا يلزمه.
بحر: أي إلا إذا أمكن أن يبقى أقل من قدر الدرهم كما بحثناه فيما مر فيلزمه ولا ينتقض تيممه.
قوله: (ولمعة جنابة) أي لو اغتسل
وبقيت على بدنه لمعة لم يصبها الماء فتيمم لها ثم أحدث فتيمم له ثم وجد ما يكفيها فقط فإنه يغسلها به، ولا يبطل تيممه للحدث.(1/275)
ثم اعلم أن هذه المسألة على خمسة أوجه: الاول: أن يكفيها معا فيغسلها ويتوضأ ويبطل تيممه لهما.
الثاني: أن لا يكفي واحدا منهما، فيبقى تيممه لهما ويغسل به بعض اللمعة لتقليل الجنابة.
الثالث: أن يكفي اللمعة فقط، وقدمناه.
الرابع: عكسه، فيتوضأ به ويبقى تيممه لها على حاله.
الخامس: أن يكفي أحدهما بمفرده غير معين فيغسل به اللمعة.
ولا ينتقض تيمم الحدث عند أبي يوسف وعند محمد ينتقض، ويظهر أن الاول أوجه.
وهذا إذا وجد الماء بعد ما تيمم للحدث.
فلو قبله فعلى خمسة أوجه أيضا، ففي الوجه الاول: يغسلها ويتوضأ للحد ث.
وفي الثاني: يتيمم للحدث ويغسل به بعض اللمعة إن شاء.
وفي الثالث: يغسلها ويتيمم للحدث.
وفي الرابع: يتوضأ ويبقي تيممه لها.
وفي الخامس: كالثالث لان الجنابة أغلظ، لكن في رواية يلزمها غسلها قبل التيمم للحدث ليصير عادما للماء، وفي رواية يخير ا ه.
ملخصا في الحلية، وعلى الرواية الاولى اقتصر في المنية.
قوله: (لان المشغول الخ) ارتكب في التعليل النشر المشوش ط.
قوله: (كالمعدوم) ولذا جاز له التيمم ابتداء.
وقد اعترض بهذا في البحر تبعا للحلية على قولهم: لو كان بثوبه بنجاسة فتيمم أولا ثم غسلها يعيد التيمم إجماعا، لانه تيمم وهو قادر على الوضوء، فقال: فيه نظر، بل الظاهر جواز التيمم مطلقا، لان المستحق الصرف إلى جهة معدوم حكما كمسألة اللمعة: أي على رواية التخيير قلت: لكن فرق في السراج بينهما بأنه هنا قادر على ماء لو توضأ به جاز، بخلاف مسألة اللمعة لانه عاد جنبا برؤية الماء ا ه.
وهو فرق حسن دقيق فتدبره.
قوله: (لا تنقضه ردة) أي فيصلي به إذا أسلم، لان الحاصل بالتيمم صفة الطهارة والكفر لا ينافيها كالوضوء، والردة تبطل
ثواب العمل لا زوال الحدث.
شرح النقاية.
قوله: (بطل ببرئه الخ) أي لقدرته على استعمال الماء وإن لم يكن الماء موجودا.
بحر، وكذا لو تيمم لعدم الماء ثم مرض كما قدمه عن جامع الفصولين وقدمنا الكلام عليه مع ما في المقام من الاشكال.
قوله: (والحاصل) أراد به التنبيه على أن ذلك قاعدة كلية تغني عن ذكر قدرة الماء الكافي، فافهم.
قوله: (وما لا يمنع الخ) وذلك كوجود الماء عند المريض العاجز عن استعماله.
قوله: (في الابتداء) متعلق بوجوده أو بالتيمم.
قوله: (بعد ذلك) متعلق بوجوده، واسم الاشارة عائد على التيمم، والتيمم بالنصب مفعول ينقض.
وعبارة الشارح في الخزائن: فلا ينقض وجوده بعده ذلك التيمم وهو أظهر.
قوله: (ولو قال) يعني بعد قوله: وناقضه ناقض الاصل.
قوله: (فلو تيمم الخ) ذكره القهستاني بحثا بقوله: ينبغي أن ينتقض تيممه لانه قدر(1/276)
على الماء حكما، ويؤيده ما قال الزاهدي: إن عدم الماء شرط الابتداء فكان شرط البقاء ا ه.
ولظهوره جزم به الشارح.
قوله: (فانتقص) أي البعد عن ميل بسبب السير وهو بالصاد المهملة، وقوله انتقض: أي التيمم، وهو بالضاد المعجمة ففيه جناس.
قوله: (ومرور ناعس الخ) مبتدأ خبره قوله: (كمستيقظ) منح.
والناعس: هو الذي يعي أكثر ما يقال عنده ولم تزل قوته الماسكة ط.
واعلم أن مرور الناعس على الماء ينقض تيممه سواء كان عن حدث أو عن جنابة متمكنا أو لا.
ومرور النائم مثله، لكن لو كان غير متمكن مقعدته وكان تيممه عند حدث يكون الناقض النوم لا المرور كما يعلم من البحر، وبه يعلم ما في كلام الشارح، فكان الصواب أن يقول: ومرور ناعس مطلقا أو نائم متيمم عن جنابة أو عن حدث وكان متمكنا، فافهم.
قوله: (فينتقض) نتيجة التشبيه بالمستيقظ.
قوله: (وأبقيا تيممه) أي أبقى الصاحبان تيممه لعجزه عن استعمال الماء.
قوله: (وهو) أي قول الصاحبين الرواية المصححة عنه: أي عن الامام، وهو متعلق بالرواية.
ورأيت بخط الشارح في هامش الخزائن أنه صححها في التجنيس وشرح المنية ونكت العلامة قاسم تبعا للكمال، واختارها في البرهان والبحر والنهر وغيرها ا ه.
وجزم به في المنية.
وقال في الحلية: كذا في غير كتاب من الكتب المذهبية المعتبرة، وهو المتجة.
قال شيخنا ابن الهمام: وإذا كان أبو حنيفة
يقول في المستيقظ حقيقة على شاطئ نهر لا يعلم به يجوز تيممه، فكيف يقول في النائم حقيقة بانتقاض تيممه؟ ا ه.
ونقل في الشرنبلالية عن البرهان موافقة الهمام، ثم أجاب عنه فراجعها ومشى في الهداية وغيرها على ما في المتن قوله: (المختار للفتوى) عبارة البحر في الفتاوي.
قوله: (أي أكثر أعضاء الوضوء الخ) الاولى أن يقول: أي أكثر أعضائه في الوضوء الخ، لان الضمير في أكثره عائد على الرجل المتيمم مع تقدير مضاف وهو الاعضاء الصادقة على أعضاء الوضوء وغيرها.
تأمل هذا.
وقد اختلفوا في حد الكثرة: فمنهم من اعتبرها في نفس العضو، حتى لو كان أكثر كل عضو من الاعضاء الواجب غسلها جريحا تيمم وإن كان صحيحا يغسل.
وقيل في عدد الاعضاء حتى لو كان رأسه ووجه ويداه مجروحة دون رجليه مثلا تيمم، وفي العكس لا ا ه.
درر البحار.
قال في البحر: وفي الحقائق المختار الثاني، ولا يخفى أن الخلاف في الوضوء، أما في الغسل فالظاهر اعتبار أكثر البدن مساحة ا ه.
وما استظهره أقره عليه أخوه في النهر.
ونقله نوح أفندي عن العلامة قاسم فلذا جزم به الشارح.
قوله: (جدري) بضم الجيم وفتحها مع فتح الدال.
شرح المنية.
قوله: (اعتبارا للاكثر) علة قوله: تيمم ط.
قوله: (وبعكسه) وهو ما لو كان أكثر الاعضاء صحيحا يغسل الخ، لكن إذا كان يمكنه غسل الصحيح بدون إصابة الجريح وإلا تيمم.
حلية.
فلو كانت الجراحة بظهره مثلا وإذا صب الماء سال عليها يكون ما فوقها في حكمها فيضم إليها، كما بحثه الشرنبلالي(1/277)
في الامداد وقال: لم أره، وما ذكرناه صريح فيه.
قوله: (ويمسح الجريح) أي إن لم يضره وإلا عصبها بخرقة ومسح فوقها.
خانية وغيرها.
ومفاده كما قال ط إنه يلزمه شد الخرقة إن لم تكن موضوعة.
قوله: (وكذا الخ) فصله بكذا.
إشارة إلى أنه هو الذي فيه الاختلاف الآتي.
قوله: (ولا رواية في الغسل) أي لا رواية في صورة المساواة عن أئمتنا الثلاثة، وإنما فيها اختلاف المشايخ، فقيل يتيمم كما لو كان الاكثر جريحا، لان غسل البعض طهارة ناقصة والتيمم طهارة كاملة، وقثل يغسل الصحيح ويمسح الجريح كعكس الاولى لان الغسل طهارة حقيقية بخلاف التيمم.
واختلف
الترجيح والتصحيح كما في الحلية، ورجح في البحر تصحيح الثاني بأنه أحوط وتبعه في المتن.
ثم اعلم أني لم أر من خص نفي الرواية في صورة المساواة بالغسل كما فعل الشارح.
ثم رأيت في السراج ما نصه: وفي العيون عن محمد: إذا كان على اليدين قروح لا يقدر على غسلها وبجهه مثل ذلك تيمم، وإن كان في يديه خاصة غسل ولا تيمم، وهذا يدل على أنه يتيمم مع جراحة النصف انتهى كلام السراج، فقد وجدت الرواية عن محمد في الوضوء، فقولهم: لا رواية أي في الغسل كما قال الشارح، لكن يرد على الشارح أنه جعل حكم المساواة في الوضوء الغسل والمسح.
والذي في العيون التيمم، فتدبر.
قوله: (منها) أي من أعضاء الوضوء بناء على ما قاله، وعلمت ما فيه.
قوله: (وهو الاصح) صححه في الخانية والمحيط.
بحر.
قوله: (وغيره) كالخلاصة والفتح والزيلعي والاختيار والمواهب.
قوله: (لو الجرح بيديه) أي ولا يمكنه إدخال وجهه ورجليه في الماء، فلو أمكنه فعل بلا تيمم كما لا يخفى، فلا ينافي ما قدمناه عن العيون.
قوله: (وإن وجد من يوضيه) أي بناء على ما مر من أنه لا يعد قادرا بقدرة غيره عند الامام، لكن عبر عن هذا في القنية والمبتغي بقيل جازما بالتفصيل، وهو الموافق لما مر في المريض العاجز، من أنه لو وجد من يعينه لا يتيمم في ظاهر الرواية، فتنبه لذلك.
تتمة: لو بأكثر أعضاء الوضوء جراحة يضرها الماء، وبأكثر مواضع التيمم جراحة يضرها التيمم لا يصلي، وقال أبو يوسف: يغسل ما قدر عليه ويصلي ويعيد.
زيلعي.
قوله: (ولا يجمع بينهما) لما فيه من الجمع بين البدل والمبدل، بخلاف الجمع بين التيمم وسؤر الحمار، لان الفرض يتأدى بأحدهما لا بهما فجمعنا بينهما للشك.
بحر.
قوله: (وغسل) بفتح الغين ليعم الطهارتين ح.
قوله: (كما لا يجمع) عدم الجمع في جميع ما يأتي بمعنى المعاقبة من الطرفين: أي كلما وجد واحد امتنع وجود آخر، وليس المراد عدم الجمع ولو من أحد الطرفين، لان ذلك لا ينحصر في عدد الحيض مع الصلاة أو الصوم أو الحج، وكذا العبادات بأسرها مع الكفر ونحو ذلك.
قوله: (بين حيض وحبل أو استحاضة أو نفاس) أي لا يجمع بين الحيض وبين واحد من الثلاثة المعطوفات عليه، بل كلما وجد الحيض لا يوجد واحد منها، وكلما وجد واحد منها لا
يوجد الحيض، وكذا يقال فيما بعده، وقوله: ولا بين نفاس واستحاضة أو حيض قيل كذا في أصل نسخة الشارح.
وفي بعض النسخ: أو حبل بدل قوله: أو حيض وعليه فلا تكرار، لكن(1/278)
فيه كما قال ط: إن النفاس قد يجتمع مع الحبل في التوأم الثاني، لما ذكروه من أن النفاس من الاول.
والحاصل أن الاحتمالات ستة: ثلاثة فيها الحيض مع غيره، واثنان نفاس مع غيره، والسادس حبل مع استحاضة.
قال ح: وتركه الشارح لان الجمع فيه صحيح.
قوله: (ولا زكاة وعشر أو خراج) لان كل ما كان الواجب فيه الزكاة لا يجب فيه عشر ولا خراج، وهو ظاهر وكذا عكسه، كما لو أدى عشر الخارج من الارض العشرية أو أدى خراج الارض الخراجية من الخارج منها ونوى فيما بقي التجارة وحال عليه الحول فلا زكاة فيه، وكذا لو شرى أرضا خراجية أو عشرية ناويا التجارة بها وحال الحول لما سيذكره الشارح في كتاب الزكاة، من أنه لا تصح نية التجارة فيما خرج من أرضه العشرية أو الخراجية لئلا يجتمع الحقان، وكذا لو شرى أرضا خراجية ناويا التجارة أو عشرية وزرعها لا تكون للتجارة لقيام المانع ا ه.
قوله: (أو فطرة) فعبيد الخدمة فيها الفطرة ولا زكاة، وعبيد التجارة إذا حال عليها الحول فيها الزكاة ولافطرة ح.
قوله: (ولا عشر مع خراج) أي إن كانت الارض عشرية ففيها عشر الخارج وإن خراجية فالخراج.
واعلم أن الاحتمالات في هذه الاربعة ستة أيضا: ثلاثة اجتماع الزكاة مع غيرها، وواحد في العشر مع الخراج، واثنان في الفطرة مع العشر أو مع الخراج تركهما لعدم تصورهما، أفاده ح.
قوله: (ولا فدية وصوم) فمن وجب عليه الصوم لا تلزمه فدية، ومن وجبت عليه الفدية لا يجب عليه الصوم ما دام عاجزا، أما إذا قدر فإنه يصوم، لكن لا يبقى ما أداه فدية، لان شرطها العجز الدائم فلا جمع، أفاده ط.
قوله: (أو قصاص) أي ولا بين فدية: أي كفارة وقصاص، فأراد بالفدية ما يشمل الكفارة، والاولى التعبير بها كما في البحر، فافهم، وذلك لان القصاص في العمد والكفارة في غيره، فمتى وجب أحدهما لم يجب الآخر.
قوله: (ولا ضمان وقطع) فإن السارق إذا قطع أولا لا
يضمن العين الهالكة أو المستهلكة، وإذا ضمن القيمة أولا لم يقطع بعده لملكه مستندا إلى وقت الاخذ، نعم يجتمع مع القطع ضمان النقصان فيما إذا شق الثوب قبل إخراجه، لكنه ضمان إتلاف لا ضمان مسروق فلم يجب الضمان بما وجب به القطع، فافهم.
قوله: (أو أجر) أي ولا ضمان وأجر، كما لو استأجر دابة ليركبها ففعل وجب الاجر ولا ضمان وإن عطبت، ولو أركبها غيره فعطبت ضمنها ولا أجر عليه.
وأما إذا استأجرها لحمل مقدار فحمل أكثر منه ولا تطيق ذلك فعطبت فعليه الاجر لاجل الحمل والضمان لاجل الزيادة.
فلم يجب الضمان بما وجب به الاجر بل بغيره.
قوله: (ولا جلد مع رجم) لان الجلد للبكر والرجم للمحصن.
قوله: (أو نفي) المراد به تغريب عام كما فسره الشافعي.
وأما إذا كان بمعنى الحبس فيجمع مع الجلد، أفاده ح.
والمراد أن البكر إذا جلد لا ينفي ما لم يره الامام فله فعله سياسة، وليس المراد أنه إذا نفي لا يجلد، ففي عده هنا نظر.
تأمل.
قوله: (ولا مهر ومتعة) فإن المطلقة قبل الدخول إن سمي لها مهر فلها نصفه، وإلا فالمتعة حينئذ، وهذا في المتعة الواجب، أما المستحبة فتجتمع مع المهر.
قوله: (وحد) أي ولا مهر وحد بل إن كان الوطئ زنا فالحد ولا مهر، وإلا فالمهر ولا حد ح.
قوله: (أو ضمان إفضائها) أي ولا مهر(1/279)
وضمان إفضائها فيما إذا وطئ زوجته فأفضاها لا يجب ضمان الافضاء عند أبي حنيفة ومحمد، ومثله المهر مع الموت من الوطئ ح، وهذا لو بالغة مختارة مطيقة لوطئه، وإلا لزمه ديتها كاملة كما حرره الشرنبلالي في شرح الوهبانية، ثم هذا أيضا في ذكره هنا نظر، إذ ليس المراد أنه إذا لزمه الضمان في الزوجة لا يلزمه مهرها فعدم الاجتماع من أحد الطرفين فقط، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الجنايات قبيل باب الشهادة في القتل ما لو كان ذلك بأجنبية، وأنه بإفضائها مكرهة يلزمه الحد وأرش الافضاء وهو ثلث الدية إن كانت تستمسك بولها وإلا فكل الدية، فافهم.
قوله: (من جماعه) أي جماع الزوج لها.
قوله: (ولا مهر مثل وتسمية) لانه إذا سمى الجنائز من المهر وجب، وإن لم يسم أصلا أو سمى ما لا يجوز كخنزير وخمر وجب مهر المثل ط.
قوله: (ولا وصية وميراث) فمن يستحق الوصية لا يستحق الميراث وكذا بالعكس: أي فيما إذا كان ممن يرد عليه، أما إذا أوصى أحد
الزوجين للآخر ولا وارث غيره اجتمعا حينئذ وكذا يجتمعان إذا أجاز بقية الورثة.
قوله: (وغيرها مما سيجئ) ذكر الحموي في شرحه على الكنز جملة: منها: القصاص مع الدية وأجر القسمة مع نصيبه، فمن يستحق الاجرة على قسمة الدار المشتركة لا يجوز أن يكون له نصيب منها وبالعكس.
والظهر مع الجمعة، فمن كان الواجب عليه الظهر كالمسافر لا تجب عليه الجمعة وكذا بالعكس.
والشهادة مع اليمين، فمتى لزم أحد الخصمين البينة لا يلزم الآخر باليمين وبالعكس.
تأمل.
وأما من أحد الطرفين فتصور فيما إذا ادعى وأقام البينة فلا يحلف المدعى عليه، وكذا لا يحلف الشهود على المعتمد.
وفيما إذا أقام شاهدا واحدا وحلف فلا يقبل شاهد ويمين عندنا.
ومنها: النكاح مع ملك اليمين، فمن كان يطأ بالنكاح لا يمكن أن يكون مالكا للرقبة، وبالعكس إلا أن يعقد على أمته للاحتياط، والاجر مع الشركة في حمل المشترك نظير أجرة القسمة، والحد مع قيمة أمة مملوكة زنى بها فقتلها على قول أبي يوسف.
وأما عندهما فيجب الحد بالزنا والقيمة بالقتل، وهو ما مشى عليه المصنف في الحدود، والحد مع قيمة إفضاء أمة مملوكة زنى بها فأفضاها في بعض الصور على ما سيأتي تفصيله في الحدود إن شاء الله تعالى.
والظاهر أن هذا إذا لم يكن الوطئ بشبهة، فلو كان بشبهة لا حد بل تجب القيمة في الصورتين.
ومنها: القيمة مع الثمن، فإن البيع لو صحيحا وجب الثمن، ولو فاسدا وتعذر رده على البائع وجبت قيمته والحد مع اللعان، وأجر نظر الناظر إذا عمل مع العملة في الدار الموقوفة فإن له أجر العمل لا النظارة ا ه.
موضحا، فهذه أحد عشر موضعا، والذي في الشرح ثلاثة وعشرون فالمجموع أربعة وثلاثون.
أقول: وزدت الرهن مع الاجارة فيما إذا رهن شيئا ثم آجره أو بالعكس أو مع الاعارة كذلك، والمساقاة مع الشركة.
والغسل مع المسح على الخف في إحدى الرجلين، والحج مع العمرة للمكي، والنكاح مع أجرة الرضاع.
ثم رأيت الشرنبلالي زاد في الامداد: القتل مع الوصية أو مع الميراث، وخرق خف مع آخر، والتتبع ينفي الحصر.
قوله: (محدثا) حال من فاعل يستطيع.
قوله:(1/280)
(وأفتى قارئ الهداية الخ) هو العلامة سراج الدين شيخ المحقق ابن الهمام، وما أفتى به نقله في البحر عن الجلابي، ونظمه العلامة ابن الشحنة في شرحه على الوهبانية وقال: إنها مهمة نظمتها لغرابتها وعدم وجودها في غالب الكتب.
قوله: (قولان) ذكر في النهر عن البدائع ما يفيد ترجيح الوجوب، وقال: وهو الذي ينبغي التعويل عليه ا ه.
بل قال في البحر: والصواب الوجوب، ويأتي تمامه في آخر الباب الآتي قوله: (وكذا يسقط غسله) أي غسل الرأس من الجنابة.
قوله: (ولو على جبيرة) ويجب شدها إن لم تكن مشدودة ط: أي إن أمكنه.
قوله: (وإلا) أي بأن ضره المسح عليها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب المسح على الخفين ترجم به مع أنه زاد عليه المسح على الجبيرة، ولا عيب فيه، بل المعيب لو ترجم لشئ ونقص عنه، وثني الخف لانه لا يجوز المسح على خف واحد بلا عذر كما سيأتي.
وفي البحر وغيره.
إنما سمي خفا لخفة الحكم به من الغسل إلى المسح.
أقول فيه: إنه موضوع لغوي قبل ورود الشرع.
وقد نقل الرملي أن المسح عليه من خصائص هذه الامة فكيف يعلل به للوضع السابق عليه؟ إلا أن يجاب بأن الواضع هو الله تعالى كما هو قول الاشعري، وهو تعالى عالم بما يشرعه على لسان نبيه (ص).
تأمل.
قوله: (أخره) أي عن التيمم لثبوته بالسنة فقط على الصحيح كما سيأتي.
والتيمم ثابت بالكتاب كما مر.
والنسبة أيضا، فكان أولى بالتقديم وإن اشتركا في الترخص بهما.
وأيضا التيمم بدل عن الكل وهذا عن البعض.
ثم إن إبداء الشارح نكتة التأخير للتذكر وإلا فيكفي ما مر، لانه قد بين وجه تأخير التيمم عما قبله، ويعلم منه وجه تأخير المسح عنه، فتدبر، نعم يحتاج إلى إبداء وجه ذكره عقبه لا فاضل، وهو أن كلا منهما شرع رخصة وموقتا ومسحا وبدلا.
قوله: (وهو لغة) الضمير راجع إلى المسح فقط، وباعتبار تسلطه على قوله وشرعا راجع إلى المسح المقيد بالجار على طريقة شبه الاستخدام، فإن المسح من حيث هو غيره من حيث القيد، أفاده ح.
قوله: (إصابة البلة) بكسر الباء: أي الندوة.
قاموس.
وشمل ما لو كانت بيد أو غيرها كمطر.
وفي المنية عن المحيط: لو توضأ ومسح ببلة بقيت على كفيه بعد الغسل يجوز، ولو مسح رأسه ثم مسح خفيه ببلة بقيت بعد المسح لا يجوز ا ه: أي لان المستعمل في الاولى ما سال على العضو وانفصل، وفي الثانية ما أصاب الممسوح وهو باق في الكف.
قوله: (لخف مخصوص) اللام زائدة لتقوية العامل لضعفه بكونه فرعا عن الفعل في العمل، والخف المخصوص مفيه الشروط الآتية.
قوله: (في زمن مخصوص) وهو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ويوجد في بعض النسخ زيادة في محل مخصوص والمراد به(1/281)
أن يكون على ظاهرهما ط.
قوله: (فأكثر) أي مما فوقهما من الساق، ولا حاجة إليه لانه خارج عن مسمى الخف الشرعي.
تأمل.
قوله: (ونحوه) أي مما اجتمع فيه الشروط الآتية ط.
قوله: (شرط مسحه) أي مسح الخف المفهوم من الخفين، وألا فيه للجنس الصادق بالواحد والاثنين، ولم يقل مسحهما لانه قد يكون واحدا لدى رجل واحدة.
قوله: (ثلاثة أمور الخ) زاد الشرنبلالي: لبسهما على طهارة، وخلو كل منهما عن الخرق المانع، واستمساكهما على الرجلين من غير شد، ومنعهما وصول الماء إلى الرجل، وأن يبقى من القدم قدر ثلاثة أصابع ا ه.
قلت: ويزاد كون الطهارة المذكورة غير التيمم، وكون الماسح غير جنب، وسيأتي بيان جميع ذلك في محاله.
قوله: (القدم) بدل من محل ح.
قوله: (أو يكون) منصوب بأن مقدرة والمنسبك معطوف على كون الاول ط فهو نظير قوله تعالى - أو يرسل رسولا - قوله: (نقصانه) أي نقصان الخف الواحد لو كان واحدا أو كل واحد من الاثنين، قال ط: فلا يعتبر المجتمع منهما قوله: (الخرق) بالضم: الموضع المقطوع، وبالفتح المصدر ح.
والاظهر إرادة الاول ط.
قوله: (فيجوز على الزربول) بفتح الزاي وسكون الراء: هو في عرف أهل الشام ما يسمى مركوبا في عرف أهل مصر ا ه.
ح.
وهذا تفريع على ما فهم مما قبله من أن النقصان عن القدر المانع لا يضره ط.
قوله: (لو مشدودا) لان شده بمنزلة الخياطة وهو مستمسك بنفسه بعد الشك كالخف المخيط بعضه ببعض، فافهم.
وفي البحر عن المعراج: ويجوز على الجاروق المشقوق على ظهر القدم وله أزرار
يشدها عليه تسده لانه كغير المشقوق، وإن ظهر من ظهر القدم شئ فهو كخروق الخف ا ه.
قلت: والظاهر أن الخف الذي يلبسه الاتراك في زماننا.
قوله: (وجوز الخ) في البحر عن الخلاصة: المسح على الجاروق إن كان يستر القدم ولا يرى منه ولا من الكعب إلا قدر أصبع أو أصبعين يجوز، وإلا يكن كذلك ولكن ستر القدم بجلد، إن كان الجلد متصلا بالجاروق بالخرز جاز أيضا، وإن شد بشئ فلا، ولو ستر القدم باللفافة جوزه مشايخ سمرقند ولم يجوزه مشايخ بخارى ا ه.
قال ح: والحق ما عليه مشايخ بخارى، لان المذهب أنه لا يجوز المسح على الخف الذي لا يستر الكعبين إلا إذا خيط به ثخين كجوخ كما ذكره في الامداد، فما ذكره الشارح ضعيف اه.
أقول: أي لان المتبادر من اللفافة أنها ما يلف على الرجل غير مخروز بالخف، فيكون حكمها حكم الرجل، بخلاف ما إذا كانت متصلة بالخف فتكون تبعا لكبطانته.
وإذا حمل كلام المسرقنديين على ما إذا كانت متصلة فلا نسلم أنه ضعيف، لما في البحر والزيلعي وغيرهما: لو انكشفت الظهارة وفي داخلها بطانة من جلد أو خرقة مخروزة بالخف لا يمنع ا ه.
وهذا إذا بلغ قدر ثلاث أصابع وكأنه لم يقيد به للعلم به، كذا في الحلية.
وفي المجتبى: إذا بدا قدر ثلاث أصابع من بطانة الخف دون الرجل، قال الفقيه أبو جعفر:(1/282)
الاصح أنه يجوز المسح عند الكل لانه كالجورب المنعل ا ه.
وفي شرح المنية الكبير بعد كلام طويل قال: علم من هذا أن ما يعمل من الجوخ يجوز المسح عليه لو كان ثخينا بحيث يمكن أن يمشي معه فرسخا من غير تجليد ولا تنعيل، وإن كان رقيقا فمع التجليد أو التنعيل، ولو كان كما يزعم بعض الناس أنه لا يجوز المسح عليه ما لم يستوعب الجلد جميع ما يستر القدم إلى الساق لما كان بينه وبين الكرباس فرق، وأطال في تحقيق ذلك فراجعه.
تنبيه: يؤخذ من هذا أن من انفتق عنه الخف من بطانة متصلة به لا يشترط فيها أن تكون ثخينة
بدليل ذكرهم الخرقة، فإنها لا تكون غالبا إلا رقيقة.
ويؤخذ منه أيضا أنه يجوز المسح على المسمى في زماننا بالقلشين إذا خيط فوق جورب رقيق ساتر وإن لم يكن جلد القلشين واصلا إلى الكعبين كما هو صريح ما نقلناه عن شرح المنية.
مطلب في المسح على الخف الحنفي القصير عن الكعبين إذا خيط بالشخشير ويعلم أيضا مما نقلناه جواز المسح على الخف الحنفي إذا خيط بما يستر الكعبين كالسروال المسمى بالشخشير كما قاله سيدي عبد الغني، وله فيه رسالة.
ورأيت رسالة للشارح رحمه الله تعالى رد فيها من قال بالجواز مستندا في ذلك إلى أنهم لم يذكروا جواز المسح على الجوربين إذا كانا رقيقين منعلين لاشتراطهم إمكان السفر، ولا يتأتى في الرقيق.
والظاهر أنه أراد الرد على سيدي عبد الغني فإنه عاصره، فإنه ولد قبل وفاة الشارح بثمانية وثلاثين سنة، وأنت خبير بالفرق الواضح بين الجورب الرقيق المنعل أسفله بالجلد وبين الخف القصير عن الكعبين المستورين بما اتصل به من الجوخ الرقيق لانه يمكن فيه السفر وإن كان قصيرا، بخلاف الجورب المذكور.
على أن قول شرح المنية: وإن كان رقيقا فمع التجليد أو التنعيل الخ صريح في الجواز على الرقيق المنعل أو المجلد إذا كان النعل أو الجلد قويا يمكن السفر به.
ويعلم منه الجواز في مسألة الخف الحنفي المذكورة بالاولى، وقد علمت أن مذهب المسرقنديين إنما يسلم ضعفه لو كانت اللفافة غير مخروزة وإلا فلا يحمل كلام السمرقنديين عليه، ويكون حينئذ في المسألة قولان، ولم نر من مشايخ المذهب ترجيح أحدهما على الآخر، بل وجدنا فروعا تؤيد قول السمرقنديين كما علمت، وسنذكر ما يؤيده أيضا.
ثم رأيت رسالة أخرى لسيدي عبد الغني رد فيها على رسالة الشارح وسماها (الرد الوفي على جواب الحصكفي في مسألة الخف الحنفي) وحقق فيها ما قاله في رسالته الاولى المسماة (بغية المكتفي في جواز المسح على الخف الحنفي) وبين فيها أن ما استدل به الشارح في رسالته لا يدل له، لان التنصيص على الشئ لا ينفي ما عداه، إلى غير ذلك مما ينبغي مراجعته، ولكن لا يخفى أن
الورع في الاحتياطي، وإنما الكلام في أصل الجواز وعدمه، والله تعالى أعلم.
قوله: (والثاني(1/283)
كونه) أي كون الخف، والمراد محل المسح منه كما يفيده التفريع الآتي.
قوله: (ولم يقدم قدمه إليه لم يجز) لانه لما مسح على الموضع الخالي من القدم لم يقع المسح في محله وهو ظهر القدم كما يأتي فلم يمنع سراية الحدث إلى القدم، فلو قدم قدمه إليه ومسح جاز كما في الخلاصة.
وفيها أيضا: ولو أزال رجله من ذلك الموضع أعاد المسح، ونقله في التجنيس عن أبي علي الدقاق.
ثم قال: وفيه نظر ولم يذكر وجهه.
قال ح: وقد ذكر شيخنا السيد رحمه الله تعالى وجهه بقوله: وجه النظر أنهم اعتبروا خروج أكثر القدم من موضع يمكن المسح عليه، وها هنا وإن خرجت من موضع مسح عليه لم تخرج من موضع يمكن المسح عليه ا ه.
قوله: (ولا يضر الخ) الاولى ذكره عند الكلام على الشرط الاول كما فعله في الدرر ونور الايضاح ليكون إشارة إلى أن المراد ستره للكعبين من الجوانب لا من الاعلى، ونبه على ذلك الخلاف الامام أحمد فيه.
قال في درر البحار: وعند أحمد إذا كان الخف واسعة بحيث يرى الكعب لا يجوز المسح.
قوله: (المشي المعتاد) بأن لا يكون في غاية السرعة ولا في غاية البط، بل يكون وسطا.
ونظير ما قالوه في السير المعتاد في مدة السفر لقصر الصلاة.
قوله: (فرسخا فأكثر) تقدم أن الفرسخ ثلاثة أميال اثنا عشر ألف خطوة، وعبر في السراج معزيا إلى الايضاح بمسافة السفر، وبه جزم في النقابة.
وقال القهستاني: أي الشرعي كما هو المتبادر ويدل عليه كلام المحيط، ويخالفه كلام حاشية الهداية حيث قال: ما يمكن المشي فيه فرسخا فأكثر ا ه.
أقول: ويمكن أن يكون محل القولين على اختلاف الحالتين، ففي حالة الاقامة يعتبر الفرسخ لان المقيم لا يزيد مشيه عادة في يوم وليلة على هذا المقدار: أي المشي لاجل الحوائج التي تلزم لاغلب الناس، وفي حالة السفر يعتبر مدته.
ويقرب منه ما اعتبره الشافعية من التقدير بمتابعة المشي للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها اعتبارا بمدة المسح، لكن قد يقال: لما ثبت أن هذا الخف صالح للمسح عليه للمقيم قطع
النظر عن حالة السفر، لان المسافر في الغالب يكون راكبا ولا يزيد مشيه غالبا على مقدار الفرسخ، فالاظهر اعتبار الفرسخ في حقهما، ومحمل قول من قال مسافة السفر على السفر اللغوي دون الشرعي كما يشير إليه كلام القهستاني السابق.
تأمل.
تنبيه: المتبادر من كلامهم أن المراد من صلوحه لقطع المسافة أن يصلح لذلك بنفسه من غير لبس المداس فوقه، فإنه قد يرق أسفله ويمشي به فوق المداس أياما وهو بحيث لو مشى به وحده فرسخا تخرق قدر المانع، فعلى الشخص أن يتفقده ويعمل به بغلبة ظنه.
وقد وقع اضطراب بين بعض العصرين في هذه المسألة والظاهر ما قدمته وهو الاحوط أيضا، وقد تأيد ذلك عندي برؤيا رأيت فيها النبي (ص) بعد تحرير هذا المحل بأيام فسألته عن ذلك، فأجابني (ص) بأنه إذا رق الخف قدر ثلاث أصابع منع المسح، وكان ذلك في ذي القعدة سنة 4321 ولله الحمد، ثم رأيت التصريح بذلك في كتب الشافعية.
قوله: (فلم يجز الخ) وكذا لو لف على(1/284)
رجله خرقة ضعيفة لم يجز المسح، لانه لا تنقطع به مسافة السفر ا ه.
سراج عن الايضاح.
قوله: (فالغسل أفضل) وجه التفريع أنه لو كان المسح أفضل لكان المناسب أن يقول: وهو مستحب، فعدوله إلى قوله: وهو جائز يفيد أن الغسل أفضل منه لانه أشق على البدن.
قوله: (إلا لتهمة) أي لنفيها عنه، لان الروافض والخوارج لا يرونه، وإنما يرون المسح على الرجل فإذا مسح الخف انتفت التهمة، بخلاف ما إذا غسل فإن الروافض قد يغسلون تقية ويجعلون الغسل قائما مقدام المسح فيشتبه الحال في الغسل فيتهم، أفاده ح.
ثم إن ما ذكره الشارح نقله القهستاني عن الكرماني، ثم قال: لكن في المضمرات وغيره أن الغسل أفضل، وهو الصحيح كما في الزاهدي ا ه.
وفي البحر عن التوشيح، وهذا مذهبنا، وبه قال الشافعي ومالك: وقال الرستغفني من أصحابنا: المسح أفضل، وهو أصح الروايتين عن أحمد، إما لنفي التهمة، أو للعمل بقراءة الجر، وتمامه فيه.
قوله: (بل ينبغي الخ) أصل البحث لصاحب البحر، فإنه نقل ذلك عن كتب الشافعية،
ثم قال: وقواعدنا لا تأباه.
قوله: (إلا ما يكفيه) أي يكفي المسح فقط، بأن كان لو غسل به رجليه لا يكفيه للوضوء، ولو توضأ به ومسح كفاه.
قوله: (أو خاف) عطف على صلة من.
قوله: (أو وقوف) أي إنه إذا غسل رجليه يدرك الصلاة، لكن يخاف فوت الوقوف بعرفة، وإذا مسح يدركهما جميعا يجب المسح، بل لو كان بحيث لو صلى فاته الوقوف قدم الوقوف للمشقة كما في النهر، لكنه أحد قولين حكاهما العمادي في مناسكه.
قوله: (رخصه) هي ما بني على أعذار العباد، ويقابلها العزيمة، وهي ما كان أصلها غير مبني على أعذار العباد، وهو الاصح في تعريفهما.
بحر.
قوله: (مسقطة للعزيمة) أي مسقطة لمشروعيتها، فلا تبقى العزيمة مشروعة، فإذا أراد تحصين العزيمة مع بقاء سبب الرخصة يأثم، لكنه قد لا يتأتى له تحصيلها، كما إذا نوى الظهر أربعا في السفر فإنه لا يتأتى له جعل الاربعة فرضا، بل الفرض الاوليا إذا قعد الاولى، وإثمه حينئذ لبناء النفل على الفرض، وقد يتأتى له تحصليه كغسل الرجلين ما دام متخففا، أفاده ح عن شيخه السيد.
ثم قال: واحترز بقوله: مسقطة عن رخصة الترفيه، فإن العزيمة تبقى فيها مشروعة مع بقاء سبب الرخصة كالصوم في السفر.
قوله: (ينبغي أن يصير آثما) أي لما علمت من أن العزيمة لم تبق مشروعة ما دام متخففا.
بخلاف ما إذا نزع وغسل لزوال سبب الرخصة.
هذا وقد بحث العلامة الزيلعي في جعلهم المسح رخصة إسقاط بأن المنصوص عليه في عامة الكتب أنه لو خاض ماء بخفه فانغسل أكثر قدميه بطل المسح، وكذا لو تكلف غسلهما من غير نزع أجزأه عن الغسل حتى لا يبطل بمضي المدة، قال: فعلم أن العزيمة مشروعة مع الخف ا ه.
ودفعه في الفتح بمنع صحة هذا الفرع، لاتفاقهم على أن الخف اعتبر شرعا مانعا سراية الحدث إلى القدم فتبقى القدم على طهارتها ويحل الحدث بالخف فيزال بالمسح.
فيكون غسل(1/285)
الرجل في الخف وعدمه سواء في أنه لم يزل به الحدث لانه في غير محله.
واعترض أيضا الدرر على الزيلعي مع تسليم صحة الفرع المذكور بما أشار إليه الشارح من أن المشروعية في قولهم: إن المسح رخصة مسقطة لمشروعية العزيمة، ليس المراد بها الصحة كما
فهمه الزيلعي فاعترضهم بالفرع المذكور، وإنما المراد بها الجواز المترتب عليه الثواب، فالمتخفف مادام متخففا لا يجوز له الغسل، حتى إذا تكلف وغسل بلا نزع أثم، وإن أجزأه عن الغسل، وإذا نزع وزال الترخص صار الغسل مشروعا يثاب عليه، وقد انتصر البرهان الحلبي في شرحه على المنية للامام الزيلعي، وأجاب عما في الفتح والدرر، وبينا ما في كلامه من النظر فيما علقناه على البحر.
والحاصل أن ما ذكره الزيلعي من الفرع المذكور تبعا لعامة الكتب مسلم، بل صححه غير واحد كما سيذكره الشارح في النواقض.
وما ذكره في الفتح من منع صحته موافق لما نقله الزاهدي وغيره، واستظهره في السراج، ومشى عليه المصنف فيما سيأتي، ويأتي الكلام عليه فافهم.
قوله: (بسنة) متعلق بقوله جائز وهي لغة: الطريقة والعادة.
واصطلاحا في العبادات: النافلة، وفي الادلة وهو المراد هنا: ما روى عنه (ص) قولا أو فعلا أو تقريرا لامر عاينه، والمسح روي قولا وفعلا.
مطلب: تعريف الحديث المشهور قوله: (مشهورة) المشهور في أصول الحديث: ما يرويه أكثر من اثنين في كل طبقة من طبقات الرواة ولم يصل إلى حد التواتر.
وفي أصول الفقه.
ما يكون من الآحاد في العصر الاول: أي عصر الصحابة، ثم ينقله في العصر الثاني وما بعده قوم لا يتوهم تواطؤهم على الكذب، فإن كان كذلك في العصر الاول أيضا فهو المتواتر، وإن لم يكن كذلك في العصر الثاني أيضا فهو الآحاد.
وبه علم أن المشهور عند الاصوليين قسيم للآحاد والمتواتر.
وأما عند المحدثين فهو قسم من الآحاد، وهو ما لم يبلغ رتبة التواتر.
والذي وقع الخلاف في تبديع منكره أو تكفيره هو المشهور المصطلح عند الاصوليين لا عند المحدثين، فافهم.
قوله: (وعلى رأي الثاني كافر) أي بناء على جعله المشهور قسما من المتواتر، لكن قال في التحرير: والحق الاتفاق على عدم الاكفار بإنكار المشهور لآحادية أصله، فلم يكن تكذيبا له عليه الصلا والسلام، بل ضلالة لتخطئة المجتهدين.
قوله: (وفي التحفة) أي للامام محمد
السمرقندي التي شرحها تلميذه الكاشاني بشرح عظيم سماه البدائع.
قوله: (بالاجماع) ولا عبرة بخلاف الرافضة.
وأما من لم يره كابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم فقد صح رجوعه ح.
قوله: (بل بالتواتر الخ) ليس هذا من عبارة التحفة، بل عزاه القهستاني إلى ابن حجر.
ثم الظاهر أن هذا بناء على أن ذلك العدد يفيد اليقين والعلم الضروري، ويرفع تهمة الكذب بالكلية، وكأن الامام توقف في إفادته ذلك أو لم يثبت عنده هذا العدد، ولذا قال: أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين، لان الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر.
قوله: (رواته) أي من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
قوله: (وقيل بالكتاب) أي بقراءة الجر في - وأرجلكم -(1/286)
بناء على إرادة المسح بها، لعطفها على الممسوح جمعا بينها وبين قراءة النصب المراد بها الغسل لعطفها على المغسول.
قوله: (فالجر بالجوار) أي كما في قوله تعالى: * (عذاب يوم محيط) * * (وحور عين) * المعطوف على - ولدان مخلدون - لا على - أكواب - إذ لا يطوف عليهم الولدان بالحور، ونظيره في القرآن والشعر كثير، فهو في المعنى معطوف على المنصوب، وإنما عدل عن النصب للتنبيه على أنه ينبغي أن يقتصد في صب الماء عليهما ويغسلا غسلا خفيفا شبيها بالمسح كما في الدرر وغيره.
قوله: (لمحدث) متعلق بقوله: جائز، وشمل المرأة كما سيصرح به في غرر الافكار: والمحدث حقيقة عرفية فيمن أصابه حدث يوجب الوضوء.
قوله: (ظاهره الخ) البحث والجواب للقهستاني.
وأقول: قد يقال إن جوازه المجدد الوضوء تعلم بالاولى، لان ما رفع الحدث الحقيقي يحصل به تجديد الطهارة بالاولى، على أن قوله: لا لجنب يدل بالمقابلة على أن المحدث احتراز عن الجنب فقط.
تأمل.
مطلب: إعراب قولهم إلا أن يقال قوله: (إلا أن يقال) استثناء مفرغ من أعم الظروف، لان المصادر قد تقع ظروفا، نحو آتيك طلوع الفجر: أي وقت طلوعه، والمصدر المنسبك هنا من هذا القبيل، فالمعنى ظاهره ما ذكر في
جميع الاوقات إلا وقت قولنا لما حصل الخ، كذا أفاده المحقق صدر الشريعة في أوائل التوضيح.
قوله: (والمنفي لا يلزم تصويره) أي لا يلزم أن يجعل له صورة يمكن حصولها في الذهن.
قوله: (وفيه الخ) البحث للقهستاني.
بيانه أن النفي الشرعي: أي الذي استفيد من الشرع يتوقف على إمكان تصور ما نفي به عقلا، وإلا لم يكن مستفادا من الشرع بل من العقل، كقولنا: لا تجتمع الحركة مع السكون، وصوروا له صورا: منها لو تيمم الجنب ثم لبس الخف ثم أحدث ووجد ماء يكفي للوضوء فقط لا يمسح، لان الجنابة سرت إلى القدمين والتيمم ليس طهارة كاملة، ومثله الحائض إذا انقطع دمها.
واعترضه في المجتبى بأن ما ذكر غير صحيح، لان الجنابة لا تعود على الاصح ا ه.
أقول: أي لا تعود إلى أعضاء الوضوء ولا غيرها، لانه لم يقدر على الماء الكافي والجنابة لا تتجزأ، فهو محدث حقيقة لا جنب، وليس الكلام فيه، فاعتراض البحر على المجتبى بأنه عاد جنبا برؤية الماء غير وارد كما لا يخفى، فالصحيح في تصويره ما في المجتبى فيما إذا توضأ ولبس ثم أجنب ليس له أن يشد خفيه فوق الكعبين ثم يغتسل ويمسح ا ه.
أو يغتسل قاعدا واضعا رجليه على شئ مرتفع ثم يمسح ومثله الحائض.
ولكن لا يتأتى إلا على قول أبي يوسف من أن أقل الحيض عنده يومان وأكثر الثالث، فإذا كانت المرأة مسافرة وتوضأت ابتداء مدة السفر ولبست الخف ثم حاضت هذا المقدار فقد بقي من المدة نحو خمس ساعات فلا يجوز لها أن تمسح فيها، وأما على قولهما فلا يتصور، لان أقل مدة الحيض ثلاثة أيام فتنقضي فيها مدة المسح كما أوضحه في البحر ولم يذكر النفساء.(1/287)
وصورتها كما في البحر أنها لبست على طهارة ثم نفست وانقطع قبل ثلاثة مسافرة أو قبل يوم وليلة مقيمة.
قوله: (ثم ظاهره) أي ظاهر قوله: لا لجنب ثم هذا الكلام الخ للقهستاني.
قوله: (وليس كذلك الخ) عبارة القهستاني: وينبغي أن لا يجوز على ما في المبسوط ا ه.
ومفاده أنه في المبسوط ذكره بلفظ ينبغي لا على سبيل الجزم فلذا قواه بقوله: ولا يبعد وإلا لم يحتج إلى ذلك.
قوله: (ولا يبعد الخ) أي لا يبعد أن يجعل غسل الجمعة في حكم غسل الجنابة، يعني أن كلام المبسوط غير بعيد ا ه.
ح.
ووجهه أن ماهية الغسل المسنون هي ماهية غسل الجنابة، وهي غسل جميع ما يمكن غسله من البدن، فقوله: لا لجنب نفي لمشروعية المسح في الغسل سواء كان عن جنابة أو غيرها، كما أن إثبات مشروعيته للمحدث هو إثبات لمشروعيته في الوضوء سواء كان عن حدث أو غيره، لان ماهية الوضوء في حقهما واحدة أركانا وسننا كما قلنا في الغسل.
قوله: (فالاحسن الخ) أي الاحسن تعبير المصنف بذلك ليشمل المتوضئ مجدد الوضوء، والمغتسل مغتسل الجمعة، والعبد بلا تأويل في العبارة.
قوله: (والسنة الخ) أفاد أن إظهار الخطوط ليس بشرط وهو ظاهر الرواية، بل هو شرط السنة في المسح.
وكيفيته كما ذكره قاضيخان في شرح الجامع الصغير أن يضع أصابع يده اليمنى على مقدم خفه الايمن، وأصابع يده اليسرى على مقدم خفه الايسر من قبل الاصابع، فإذا تمكنت الاصابع يمدها حتى ينتهي إلى أصل الساق فوق الكعبين، لان الكعبين يلحقهما فرض الغسل ويلحقهما سنة المسح، وإن وضع الكفين مع الاصابع كان أحسن، هكذا روي عن محمد ا ه.
بحر.
أقول: وظاهره أن التيامن فيه غير مسنون كما في مسح الاذنين.
وفي الحلية: والمستحب أن يمسح بباطن اليد لا بظاهرها.
قوله: (قليلا) ذكره في البحر عن الخلاصة.
قوله: (ومحله) زاده على المتن، ليعلم أن ذلك شرط.
قوله: (على ظاهر خفيه) قيد به، إذ لا يجوز المسح على الباطن والعقب والساق.
درر.
قوله: (من رؤوس أصابعه) ظاهره أن الاصابع لها دخل في محل المسح، حتى لو مسح عليها صح إن حصل قدر الفرض.
وذكر في البحر أنه مفادها ما في الكنز وغيره من المتون والشروح، وعلى ما في أكثر الفتاوي لا يجوز لانهم قالوا: وتفسير المسح أن يمسح على ظاهر قدمه ما بين أطراف الاصابع إلى الساق، فهذا يفيد أن الاصابع غير داخلة في المحلية، وبه صرح في الخانية، فليتنبه لذلك ا ه ملخصا.
واعترضه في النهر بأن ما في الفتاوي يفيد دخولها، لان أطرافها أواخرها: أي رؤوسها، يوافقه قول المبتغى: ظهر القدم من رؤوس الاصابع إلى معقد الشراك.
أقول: وما في النهر هوما فهمه في الحلية من عبارة الفتاوي فقال: إن مؤدي رؤوس الاصابع وما بين أطراف الاصابع واحد، لان أطرافها هي رؤوسها، ثم قال: نعم في الذخيرة: وتفسير المسح على الخفين أن يمسح على ظهر قدميه ما بين الاصابع إلى الساق.
وعن الحسن عن أبي حنيفة: المسح على ظهر قدميه من أطراف الاصابع إلى الساق ا ه.
فالاصابع على ما ذكره في الذخيرة أولا(1/288)
غير داخلة في المحلية، وعليه ما في شرح الطحاوي: لو مسح موضع الاصابع لا يجوز، وبه صرح في الخانية، وعلى رواية الحسن داخلة، ويظهر أنها الاولى، ويشهد لها حديث جابر المروي في الاوسط للطبراني من أنه (ص) مسح من مقدم الخفين إلى أصل الساق مرة، وفرج بين أصابعه فلذا مشى عليها أصحاب الفتاو ا ه.
أقول: والحاصل أن في المسألة اختلاف الرواية، وحيث كانت رواية الدخول هي المفاد عبارات المتون والشروح، وكذا من أكثر الفتاوي كما علمت كان الاعتماد عليها أولى، فلذا اختارها الشارح تبعا للنهر والحلية، فافهم.
قوله: (إلى معقد الشراك) أي المحل الذي يعقد عليه شراك النعل بالكسر: أي سيره، فالمراد به المفصل الذي في وسط القدم ويسمى كعبا، ومنه قولهم في الاحرام: يقطع الخفين أسفل من الكعبين، ثم إن قوله من رؤوس أصابعه إلى معقد الشراك هو عبارة المبتغى كما قدمناه، والمراد به بيان محل الفرض اللازم، وإلا فالسنة أن ينتهي إلى أصل الساق كما قدمناه عن شرح الجامع، فلا مخالفة بينهما كما لا يخفى، فافهم.
قوله: (ويستحب الجمع الخ) المراد بالباطل أسفل مما يلي الارض لا ما يلي البشرة كما حققه في شرح المنية، خلافا لما في الفتح.
هذا وما ذكره الشارح تبع فيه صاحب النهر، حيث قال: لكن يستحب عندنا الجمع بين الظاهر والباطن في المسح، إلا إذا كان على باطنه نجاسة، كذا في البدائع ا ه.
وأقول: الذي رأيته في نسختي البدائع نقله عن الشافعي، فإنه قال: وعن الشافعي أنه لو اقتصر على الباطن لا يجوز، والمستحب عنده الجمع الخ، فضمير الغيبة راجع إلى الشافعي، وهكذا رأيته
في التاترخانية.
وقال في الحلية: المذهب عند أصحابنا أن ما سوى ظهر القدم من الخف ليس بمحل للمسح لا فرضا ولا سنة، وبه قال أحمد.
وقال الشافعي: يسن مسحهما.
وقال في البحر وفي المحيط: ولا يسن مسح باطن الخف مع ظاهره خلافا للشافعي، لان السنة شرعت مكملة للفرائض، والاكمال إنما يتحقق في محل الفرض لا في غيره ا ه وفي غيره نفي الاستحباب وهو المراد ا ه.
كلام البحر: أي وفي غير المحيط قال: لا يستحب، وهو المراد من قول المحيط: لا يسن.
وفي معراج الدراية: السنة عند الشافعي ومالك مسح أعلى الخف وأسفله، لما روي أنه (ص) مسح أعلى الخف وأسفله وعندنا وأحمد لا مدخل لاسفله في المسح، لحديث علي رضي الله عنه: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح عليه من ظاهره، وقد رأيت رسول الله (ص) يمسح على الخفين على ظاهرهما رواه أبو داود وأحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وما رواه الشافعي شاذ لا يعارض هذا مع أنه ضعفه أهل الحديث، ولهذا قيل: إنه يحمل على الاستحباب إن ثبت.
وعن بعض مشايخنا: يستحب الجمع ا ه.
فقد ظهر أن استحباب الجمع قول لبعض مشايخنا، لا كما نقله في النهر من أنه المذهب، فتنبه لذلك ولله الحمد.
قوله: (أو جرموقيه) بضم الجيم: جلد يلبس فوق الخف لحفظه من الطين(1/289)
وغيره على المشهور.
قهستاني.
ويقال له الموق، وليس غيره كما أفاده في البحر.
قوله: (ولو فرق خف) أفاد جواز المسح عليهما منفردين أيضا، وهذا لو كانا من جلد، فلو من كرباس لا يجوز ولو فوق الخف إلا أن يصل بلل المسح إلى الخف، ثم الشرط بأن يكونا بحيث لو انفردا يصح مسحهما، حتى لو كان بهما خرق مانع لا يجوز المسح عليهما.
سراج، وإن يلبسهما قبل أن يمسح على الخفين وقبل أن يحدث، فلو كان مسح على الخفين أو أحدث بعد لبسهما، ثم لبس الجرموقين لا يجوز المسح عليهما اتفاقا، لانهما حينئذ لا يكونان تبعا للخف صرح بهذا الشرط في السراج
وشروح المجمع ومنية المصلي وغيرها، ومقتضاه أنه لو توضأ ثم لبس الخف ثم جدد الوضوء قبل الحدث ومسح على الخف ثم لبس الجرموق لا يجوز له المسح لاستقرار الحكم على الخف فلا يصير الجرموق تبعا.
وعبارة الشارح في الخزائن: وهذا إذا كانا صالحين للمسح أو رقيقين ينفذ إلى الخف قدر الفرض ولم يكن أحدث ولا مسح على خفيه قبل ما أحدث، ذكره ابن الكمال وابن ملك ا ه.
هذا وفي البحر: والخف على الخف كالجرموق عندنا في سائر أحكامه.
خلاصة قوله: (أو لفافة) أي سواء كانت ملفوفة على الرجل تحت الخف أو كانت مخيطة ملبوسة تحته كما أفاده في شرح المنية قوله: (ولا اعتبار بما في فتاوي الشاذي) بالذال المعجمة على ما رأيته في النسخ، لكن الذي رأيته بخط الشارح في خزائن الاسرار بالدال المهملة، ثم الذي في هذه الفتاوي هو ما نقله عنها في شرح المجمع من التفصيل، وهو أن ما يلبس من الكرباس المجرد تحت الخف يمنع المسح على الخف لكونه فاصلا، وقطعة كرباس تلف على الرجل لا تمنع لانه غير مقصود باللبس، وقد أطال في رده في شرح المنية والدرر والبحر لتمسك جماعة به من فقهاء الروم، قال ح: وقد اعتنى يعقوب باشا بتحقيق هذه المسألة في كراسة مبينا للجواز لما سأله السلطان سليم خان.
قوله: (أو جوربيه) الجورب: لفافة الرجل.
قاموس، وكأنه تفسير باعتبار اللغة، لكن العرف خص اللفافة بما ليس بمخيط والجورب بالمخيط، ونحوه الذي يلبس كما يلبس الخف شرح المنية.
قوله: (ولو من غزل أو شعر) دخل فيه الجوخ كما حققه في شرح المنية.
وقال: وخرج عنه ما كان من كرباس بالكسر: وهو الثوب من القطن الابيض، ويلحق بالكرباس كل ما كان من نوع الخيط كالكتان والابريسم ونحوهما وتوقف ح في وجه عدم جواز المسح عليه إذا وجد فيه الشروط الاربعة التي ذكرها الشارح.
وأقول: الظاهر أنه إذا وجدت فيه الشروط يجوز، وأنهم أخرجوه لعدم تأتي الشروط فيه غالبا، يدل عليه ما في كافي النسفي حيث علل عدم جواز المسح على الجورب من كرباس بأنه لا يمكن تتابع المشي عليه، فإنه يفيد أنه لو أمكن جاز، ويدل عليه أيضا ما في ط عن الخانية أن كل ما كان
في معنى الخف في إدمان المشي عليه وقطع السفر به ولو من لبد رومي يجوز المسح عليه ا ه.
قوله: (على الثخينين) أي اللذين ليسا مجلدين ولا منعلين نهر.
وهذا التقييد مستفاد من عطف ما بعده عليه، وبه يعلم أنه نعت للجوربين فقط كما هو صريح عبارة الكنز، وأما شروط الخف فقد ذكرها أول الباب، ومثله الجرموق، ولكونه من الجلد غالبا لم يقيده بالثخانة المفسرة بما ذكره(1/290)
الشارح، لان الجلد الملبوس لا يكون إلا كذلك عادة.
قوله: (بحيث يمشي فرسخا) أي فأكثر كما مر، وفاعل يمشي ضمير يعود على الجورب والاسناد إليه مجازي.
أو على اللابس له والعائد محذوف: أي به.
قوله: (بنفسه) أي من غير شد ط.
قوله: (ولا يشف) بتشديد الفاء، من شف الثوب: رق حتى رأيت ما وراءه، من باب ضرب مغرب.
وفي بعض الكتب: ينشف بالنون قبل الشين، من نشف الثوب العرق كسمع ونصر شربه.
قاموس.
والثاني أولى هنا لئلا يتكرر مع قوله تبعا للزيلعي: ولا يرى ما تحته، لكن فسر في الخانية الاول بأن لا يشف الجورب الماء إلى نفسه كالاديم والصرم، وفسر الثاني بأن لا يجاوز الماء إلى القدم، وكأن تفسيره الاول مأخوذ من قولهم اشتف ما في الاناء: شربه كله كما في القاموس، وعليه فلا تكرار، فافهم.
قوله: (إلا أن ينفذ) أي من البلل، وهذا راجع إلى الجرموق لا الجورب، لان العادة في الجورب أن يلبس وحده أو تحت الخف لا فوقه.
قوله: (مسح الخف والموق الباقي) أي يمسح الخف البادي ويعيد المسح على الموق الباقي لانتقاض وظيفتهما كنزع أحد الخفين، لان انتقاض المسح لا يتجزأ.
بحر.
وهذا ظاهر الرواية.
وروى الحسن أنه يمسح على الخف البادي لا غير.
وعن أبي يوسف: ينزع الموق الباقي ويمسح الخفين.
خانية.
قوله: (لم يجز) هذا إذا لم يكن في الموقين خرق مانع، فلو كان قال في المبتغى له المسح على الخف أو على الجرموق لانهما كخف واحد، لكن بحث في الحلية وتبعه في البحر بأنه ينبغي أن لا يجوز إلا على الخف، لما علم أن المنخرق خرقا مانعا وجوده كعدمه، فكانت الوظيفة للخف فلا يجوز على غيره، وبه صرح في السراج كما قدمناه.
قوله: (بسكون النون)
أي من باب الافعال من أفعل، لكن صرح في القاموس بمجيئه من باب التفعيل، فقول الصحاح يقال أنعلت خفي ودابتي ولا تقل نعلت: أي بالتخفيف بل يقال بالتشديد، فيكون من باب التفعيل على وفق ما في القاموس، وحينئذ فلا منافاة، وقول المغرب أفعل الخف ونعله: أي بالتشديد فلا منافاة أيضا، خلافا لما في النهر، فافهم.
قوله: (ما جعل على أسفله) أي كالنعل للقدم، وهذا ظاهر الرواية، وفي رواية الحسن ما يكون إلى الكعب.
ابن كمال.
قوله: (والمجلدين) المجلد: ما جعل الجلد على أعلاه وأسفله.
ابن كمال.
تنبيه: ما ذكره المصنف من جوازه على المجلد والمنعل متفق عليه عندنا، أما الثخين فهو قولهما.
وعنه أنه يرجع إليه وعليه الفتوى، كذا في الهداية وأكثر الكتب بحر.
هذا وفي حاشية أخي جلبي على صدر الشريعة أن التقييد بالثخين مخرج لغير الثخين ولو مجلدا، ولم يتعرض له أحد.
قال: والذي تلخص عندي أنه لا يجوز المسح عليه إذا جلد أسفله فقط أو مع مواضع الاصابع(1/291)
بحيث يكون محل الفرض الذي هو ظهر القدم خاليا عن الجلد بالكلية، لان منشأ الاختلاف بين الامام وصاحبيه اكتفاؤهما بمجرد الثخانية وعدم اكتفائه بها بل لا بد عده مع الثخانة من النعل أو الجلد ا ه.
وقد أطال في ذلك.
أقول: بل هو مأخوذ من كلام المصنف، وكذا من قول الكنز وغيره، وعلى الجورب المجلد والمنعل والثخين فإن مفاده أن المجلد لا يتقيد بالثخانة، وقدمنا عن شرح المنية أنه لا يشترط استيعاب الجلد جميع ما يستر القدم على خلاف ما يزعمه بعض الناس.
وقال في شرح المنية أيضا: صرح في الخلاصة بجواز المسح على المجلد من الكرباس ا ه.
ويؤخذ من هذا ومما قبله أنه لو كان محل المسح وهو ظهر القدم مجلدا مع أسفله أنه يجوز المسح عليه كما قدمناه عن سيدي عبد الغني في الخف الحنفي المخيط بالشخشير، ولا يعكر عليه اشتراطهم أن يثبت على الساق بنفسه، لان ذاك في الجورب الثخين الغير المجلد والمنعل كما في
النهر وغيره.
قوله: (مرة) قيد للمسح المفهوم، فلا يسن تكراره كمسح الرأس.
بحر.
قوله: (ولو امرأة) تعميم لقوله لمحدث أو لفاعل يبدأ.
قوله: (ملبوسين) حال من قوله: خفيه وما عطف عليه ط.
قوله: (لا يمسح عليه) لانه لم يلبس على طهارة، فعليه أن يمسح على الخف لاستقرار حكم المسح عليه كما قدمناه.
قوله: (خرج الناقص) أقول: وخرج أيضا ما لو توضأ الجنب ثم تخفف ثم أحدث ثم غسل باقي بدنه لا يمسح.
أما على الصحيح من عدم تجزي الحدث ثبوتا وزوالا فظاهر.
وأما على مقابله، فلعدم التمام، ولم أر من تعرض لهذه المسألة من أئمتنا.
تأمل.
وتعلم بالاولى من قوله: كلمعة.
قوله: (كلمعة) يعني كطهر بقيت فيه لمعة من الاعضاء لم يصبها الماء قبل لبس الخف.
قوله: (كتيمم) أي أن اللبس لو كان بعد التيمم فوجد بعده الماء لا يجوز المسح على الخف بل يجب الغسل.
قوله: (ومعذور) أي وطهر معذور، فهو على تقدير مضاف.
قوله: (فإنه الخ) الضمير للمعذور، وهذا بيان لوجه كون طهره ناقصا.
ثم إنه لا يخلو إما أن يكون العذر منقطعا وقت الوضوء واللبس معا أو موجودا فيهما، أو منقطعا وقت الوضوء موجودا وقت اللبس أبالعكس فهي رباعية.
ففي الاول حكمه كالاصحاء لوجود اللبس على طهارة كاملة فمنع سراية الحدث للقدمين، وفي الثلاثة الباقية يمسح في الوقت فقط، فإذا خرج نزوغسل كما في البحر، لكن ما ذكره من نقصان طهارة التيمم والمعذور تبع فيه الزيلعي.
قال في النهر: وعورض بأنه لا نقص فيهما ما بقي شرطهما، وإنما لم يمسح المتيمم بعد رؤية الماء والمعذور بعد الوقت لظهور الحدث السابق حينئذ على القدم، والمسح إنما يزيل ما حل بالممسوح لا بالقدم، ولذا جوزنا لذي العذر المسح في الوقت كلما توضأ لحدث غير الذي ابتلي به إذا كان السيلان مقارنا للوضوء واللبس.
قوله: (عند الحدث) متعلق بقوله: تام فيعتبر كون الطهر تاما وقت نزول الحدث.
لان الخف يمنع سراية الحدث إلى القدم، فيعتبر تمام الطهر وقت المنع لا(1/292)
وقت اللبس خلافا للشافعي.
قوله: (جاز أن يمسح) لوجود الشرط، وهو كونهما ملبوسين على طهر تام وقت الحدث، ومثله ما لو غسل رجليه ثم تخفف ثم تمم الوضوء أو غسل رجلا فخففها ثم
الاخرى كذلك كما في البحر، بخلاف ما لو توضأ ثم أحدث قبل وصول الرجل إلى قدم الخف فإنه لا يمسح كما ذكره الشافعية، وهو ظاهر.
قوله: (يوما وليلة) العامل فيهما الضمير في قوله وهو جائز لعوده على المسح أو المسح في قوله شرط مسحه أفاده ط.
قوله: (وابتداء المدة) قدره ليفيد أن من في كلام المصنف ابتدائية أن الجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف هو ذلك المقدار ط.
قوله: (من وقت الحدث) أي لا من وقت المسح الاول كما هو رواية عن أحمد، ولا من وقت اللبس كما حكي عن الحسن البصري، وتمامه في البحر.
وذكر الرملي أن صريح كلام البحر أن المدة تعتبر من أول وقت الحدث لا من آخره كما ه عند الشافعية.
وما قلنا أولى، لان وقت عمل الخف، ولم أر من ذكر فيه خلاف عندنا ا ه.
وعليه فلو كان حدثه بالنوم فابتداء المدة من أول ما نام لا من حين الاستيقاظ، حتى لو نام أو جن أو أغمي عليه مدته بطل مسحه.
قوله: (ستا) صورته لبس الخف على طهارة ثم أحدث وقت الاسفار ثم توضأ ومسح وصلى قبيل الشمس ثصلى الصبح في اليوم الثاني عقب الفجر ح، وقد يصلي سبعا على الاختلاف.
بحر: أي الاختلاف بين الامام وصاحبيه، بأن أحدث فيما بين المثلين ثم صلى الظهر في اليوم الاولى على قول الامام بعد المثل، والعصر أيضا بعد المثلين، وفي اليوم الثاني صلى الظهر قبل المثل.
قوله: (فلما تشهد أحدث) فإنه لا يمكنه صلاة الصبح فاليوم الثاني لبطلانها بانقضاء مدة المسح في القعدة كما سيأتي في الاثني عشرية.
قوله: (لا على عمامة الخ) العمامة معروفة وتسمى الشاش في زماننا.
والقلنسوة: بفتح القاف واللام والواو وسكون النون وضم السين في آخرها هاء التأنيث: ما يلبس على الرأس ويتعمم فوقه.
والبرقع: بضم الباء الموحدة وسكون الراء وضم القاف وفتحها أخرها عين مهلمة: ما يلبس على الوجه فيه خرقان للعينين.
والقفاز بضم القاف وتشديد الفاء بألف ثم زاي: شئ يلبس على اليدين يحشي بقطن ويزر على الساعدين ا ه.
ح.
قوله: (لعدم الحرج) علة لقوله: لا يجوز وأيضا ما ورد في ذلك شاذ لا يزاد به على الكتاب العزيز الآمر بالغسل ومسح الرأس.
بخلافما ورد في الخف.
وقال الامام محمد في موطئه: بلغنا أن المسح على العمامة كاثم ترك كما في الحلية، قوله: (عملا) أي فرضه من جهة
العمل لا الاعتقاد، وهو أعلى قسمي الواجب كما قدمنا تقريره في الوضوء: وسيجئ.
قوله: (قدر ثلاث أصابع) أشار إلى أن الاصابع غير شرط، وإنما الشرط قدرها.
شرنبلالية.
فلو أصاب موضع المسح ماء أو مطر قدر ثلاث أصابع جاز، وكذا لو مشى في حشيش مبتل بالمطر، وكذا بالطل في الاصح.
وقيل لا يجوز لانه نفس دابة في البحر يجذبه الهواء، بحر.
قوله: (أصغرها) بدل من الاصابع ط.
أو نعت، وأفرده لان الغالب في أفعل التفضيل المضاف إلى معرفة عدم المطابقة،(1/293)
فافهم.
قوله: (طولا وعرضا) كذا في شرح المنية: أي فرضه قدر طول الثلاث أصابع وعرضها قال في البحر: ما عن البدائع: ولو مسح بثلاث أصابع منصوبة غير موضوعة ولا ممدودة لا يجوز بلا خلاف بين أصحابنا.
قوله: (من كل رجل) أي فرضه هذا القدر كائنا من كل رجل على حدة، قال في الدرر: حتى لو مسح على إحدى رجليه مقدار أصبعين وعلى الاخرى مقدار خمس أصابع لم يجز، قوله (لا من الخف) لما قدمه أنه لو واسعا فمسح على الزائد ولم يقدم قدمه إليه لم يجز، ولما يأتي من قوله: ولو قطع قدمه الخ.
قوله: (فمنعوا الخ) شروع في التفريع على ما قبله من القيود.
قوله: (مد أو صبع) أي جرها على الخف حتى يبلغ مقدار ثلاث أصابع، وظاهره ولو مع بقاء البلة لانها تصير مستعملة.
تأمل.
وفي الحلية: وكذا الاصبعان، بخلاف ما لو مسح بالابهام والسبابة مفتوحتين مع ما بينهما من الكف أو مسح بأصبع واحدة ثلاث مرات في ثلاثة مواضع وأخذ لكل مرة ماء فيجوز لانه بمنزلة ثلاث أصابع، وكذا لو مسح بجوانبها الاربع في الصحيح، والظاهر تقييده بوقوعه في أربعة مواضع اه.
قوله: (لم يجز إلا أن يبتل الخ) كذا في المنية.
قال الزاهدي: قلت أو كانت تنزل البلة إليها عند المد ا ه.
وهذا هو المراد بكونه متقاطرا.
حلية.
فأفاد أن الشرط إما الابتلال المذكور أو التقاطر.
قال في شرح المنية: لان البلة تصير مستعملة أولا بمجرد الاصابة فتصير مستعملة ثانيا في الفرض، بخلاف ما إذا كان متقاطرا لان التي مسح بها ثانيا غير الاولى، وبخلاف إقامة السنة فيما إذا وضع الاصابع ثم مدها ولم يكن متقاطرا، لان النفل يغتفر فيه ما لا يغتفر في الفرض وهو تابع له فيؤدي ببلته تبعا لضرورة عدم شرعية التكرار، وتمامه فيه.
قوله: (ثم قال الخ) قد علمت أن الشرط أحد الامرين فلا منافاة بين النقلين، لان المدار على عدم المسح ببلة مستعملة.
قوله: (وإلا لا) صحح في الخلاصة الجواز مطلقا، والتفصيل أولى كما في الحلية والبحر.
قوله: (من ظهره) أي القدم، وقيد به لانه محل المسح، فلا اعتبار بما يبقى من العقب ط.
قوله: (وإلا غسل) أي غسل المقطوعة والصحيحة أيضا، لئلا يلزم الجمع بين الغسل والمسح.
قوله: (من كعبه) أي من المفصل لوجوب غسله كما في المنية، فيغسل الرجل الاخرى ولا يمسح.
قوله: (رجل واحدة) بأن كانت الاخرى مقطوعة من فوق الكعب.
قوله: (مسحها) لعدم الجمع.
قوله: (خف مغصوب) المراد به المستعمل على وجه محرم سواء كان غصبا أو سرقة أو اختلاسا ط.
قوله: (رجل مغصوبة) إطلاق الغصب على ذلك مساهلة.
وصورته: استحق قطع رجله لسرقة أو قصاص فهرب وصار يتوضأ عليها ط.
قوله: (والخرق) بضم الخاء: الموضع، ولا يصح هنا الفتح لانه مصدر، ولا يلائمه الوصف الكبير.
ثم رأيت ط نبه على ذلك أيضا.
قافهم، ثم المراد به ما كان تحت الكعب، فالخرق فوقه لا يمنع لان الزائد على الكعب لا عبرة به.
زيلعي.
قوله: (بموحدة أو مثلثة) أي يجوز قراءة الكبير بالباء الموحدة: أي التي لها نقطة واحدة، ويجوز أن(1/294)
يقرأ الكثير بالثاء المثلثة التي لها ثلاث نقط، وهذا بالنظر إلى أصل الرواية والسماع، وإلا فالمرسوم في المتن الاول.
وفي النهر وغيره عن شيخ الاسلام خواهر زاده أنه الاصح، لان الكم المنفصل تستعمل فيه الكثرة والقلة، وفي المتصل الكبر والصغر، ولا شك أن الخف كم متصل.
وفي المغرب: الكثرة خلاف القلة، وتجعل عبارة عن السعة، ومنه قولهم: الخرق الكثيرة، ومفاده استعمال الكثرة في المتصل، وكأن الكثير الشائع هو الاول.
قوله: (وهو قدر ثلاث أصابع) يعني طولا وعرضا، بأن سقطت جلدة مقدار ثلاث أصابع وعرضها، كذا في حاشية يعقوب باشا على صدر الشريعة فليحفظ.
قوله: (أصابع القدم الاصاغر) صححه في الهداية وغيرها واعتبر الاصاغر للاحتياط.
وروي عن الامام اعتبار أصابع اليد.
بحر.
وأطلق الاصابع لان في اعتبارها
مضمومة أو مفرجة اختلافا.
قهستاني.
قوله: (بكمالها) هو الصحيح، خلافا لما رجحه السرخسي من المنع بظهور الانامل وحدها.
شرح المنية.
والانامل: رؤوس الاصابع، وهو صادق بما إذا كانت الاصابع تخرج منه بتمامها، لكن لا يبلغ هو قدرها طولا وعرضا.
قوله: (بأصابع مماثلة) أي بأصابع شخص غيره مماثل له في القدم صغرا وكبرا، والتقييد بالمماثلة، أفاده في النهر.
ورد على البحر اختياره القول باعتبار أصابع نفسه لو قائمة على القول باعتبار أصابع غيره لتفاوتها الصغر والكبر، بأن تقديم الزيلعي الاول يفيد أن عليه المعول وبأنه بعد اعتبار المماثلة لا تفاوت، وبأن الاعتبار الموجود أولى.
وأفاد ح.
أن ما في النهر يرجع بعد التأمل إلى ما في البحر.
قوله: (فيمسح عليه) أي على الخف الآخر أو الجرموق، لان العبرة للاعلى حيث لم تتقرر الوظيفة على الاسفل.
قوله: (وهذا) أي التقدير بالثلاث الاصاغر.
قوله: (فلو عليها الخ) تفريع على القيود الثلاثة على سبيل النشر المرتب.
قوله: (اعتبر الثلاث) أي التي وقعت في مقابلة الخرق لان كل أصبع أصل في موضعها فلا تعتبر بغيرها، حتى لو انكشف الابهام مع جارتها وهما قدر ثلاث أصابع من أصغرها يجوز المسح، وإن كان مع جاريتها لا يجوز ا ه.
زيلعي ودرر وغيرهما.
وصححه في التتمة كما في البحر.
قوله: (ولو عليه) أي العقب اعتبر بدو: أي ظهور أكثره، كذا ذكره قاضيخان وغيره، وكذا لو كان الخرق تحت القدم اعتبر أكثره كما في الاختيار، ونقله الزيلعي عن الغاية بلفظ قيل.
قال في البحر: وظاهر الفتح اختيار اعتبار ثلاث أصابع مطلقا، وهو ظاهر المتون كما لا يخفى حتى في العقب، وهو اختيار السرخسي.
والقدم من الرجل: ما يطأ عليه الانسان من الرسغ إلى ما دون ذلك، وهي مؤنثة.
والعقب: بكسر القاف مؤخر القدم ا ه.
قوله: (عند المشي) أي عند رفع القدم كما في شرح المنية الصغير، سواء كان لا يرى عند الوضع على الارض أيضا، أو يرى عند الوضع فقط، وأما بالعكس فيهما فيمنع، أفاده ح، وإنما اعتبر حال المشي لا حال الوضع لان الخف للمشي يلبس.
درر.
قوله: (كما لو انفتقت الظهارة الخ) بأن كان من داخلها بطانة من جلد أو خرقة مخروزة بالخف فإنه لا يمنع زيلعي، وقدمناه.
قوله: (وتجمع الخروق الخ) اختار في الفتح بحثا عدم(1/295)
الجمع، وقواه تلميذه في الحلية بموافقته، لما روي عن أبي يوسف من عدم الجمع مطلقا، واستظهره في البحر، لكن ذكر قبله أن الجمع هو المشهور في المذهب.
وقال في النهر: إطباق عامة المتون والشروح عليه مؤذن بترجيحه.
قوله: (لا فيهما) أي لو كان في كل واحد من الخفين خروق غير مانعة، لكن إذا جمعتها تكون مثل القدر المانع لا تمنع ويصح المسح ا ه.
ح.
قوله: (بشرط الخ) متعلق بصحة المسح التي تضمنها قوله: لا فيهما كما قررناه أفاده ح، وهذا الشرط استظهار من صاحب الحلية، ونقل عبارته في البحر وأقره عليه، ولظهور وجهه جزم به الشارح.
قوله: (فرضه) أي فرض المسح، وهو قدر ثلاثة أصابع قوله: (على الخف نفسه) لان المسح إنما يجب عليه لا على الرجل، ولا ينافيه ما قدمه من قوله: من كل رجل لا من الخف لان معناه أنه لا بد أن يقع المسح بالثلاث على المحل الشاغل للرجل من الخف لا على المحل الخالي عن الرجل الزائد عليها.
قوله: (المسح الحالي) أي الذي يراد وقوعه حالا، والاستقبالي: أي الذي يراد إيقاعه فيما بعد الزمن الحاضر ط.
قوله: (كما ينقض الماضوي) بأن عرض بعد المسح.
قوله: (ومر) أي في التيمم في قوله: كل مانع منع وجوده التيمم نقض وجوده التيمم.
قوله: (أن ناقض التيمم) أي ما يبطله.
قوله: (يمنع ويرفع) أي يمنع وقوعه في الحال أو الاستقبال ويرفع الواقع قبله، فالرفع يقتضي الوجود بخلاف المنع.
وحاصل المعنى أن مبطل التيمم مثل الخرق المبطل للمسح في أنه يمنعه ابتداء ويرفعه انتهاء.
قوله: (كنجاسة) تنظير لا تمثيل ح.
والمعنى: أن النجاسة المانعة تمنع الصلاة ابتداء وترفعها عروضا، ومثلها الانكشاف ط.
قوله: (حتى انعقادها) أي الصلاة وهو منصوب لكونه معطوفا بحتى على المفعول به المقدر في الكلام، تقديره: كنجاسة وانكشاف فإنهما يمنعان الصلاة ويرفعانها حتى انعقادها، والمراد بانعقادها التحريمة، وإنما غيا بالتحريمة لما أنها شرط، وينبني على شرطيتها عدم اشتراط الشروط لها، لكن الصحيح اشتراط الشروط لها لا لكونها ركنا بل لشدة اتصالها بالاركان كما سيأتي ح، وإنما أطلق الانعقاد الذي هو صحة الشروع على التحريمة لانها شرط فيه أفاده ط.
قوله: (كما سيجئ) أي في با ب شروط الصلاة من أنه يشترط للتحريمة ما يشترط للصلاة ط.
قوله:
(المسلة) بكسر الميم: الابرة العظيمة.
صحاح.
قوله: (إلحاقا له) أي لما دون المسلة بمواضع الخرز التي هي معفوة اتفاقا ط.
قوله (متفرقة) أي في خف أو ثوب أو بدن أو مكان أو في المجموع ح.
قوله: (وانكشاف عورة) فإنه إذا تعدد في مواضع منها، فإن بلغ ربع أدناها منع كما سيأتي، أفاده ح.
قوله: (وطيب محرم) فإنه يجمع في أكثر من عضو بالاجزاء حتى يبلغ عضوا كما سيأتي ح.
قوله: (وأعلام ثوب) أإذا كان في عرض الثوب أعلام من حرير تجمع، فإذا زادت على أربع أصابع تحرم، لكن سيذكر الشارح في فصل اللبس من كتاب الحظر والاباحة أن ظاهر المذهب عدم جمع المتفرق، فذكر أعلام الثوب هنا مبني على خلاف ظاهر المذهب.
قوله: (فإنها(1/296)
أي هذه الاربعة تجمع مطلقا: أي سواء كان التفرق موضع واحد أو مواضع ح، وذلك لوجود القدر المانع.
وأما الخرق في الخف فإنما منع لامتناع قطع المسافة معه، وهذا المعنى مفقود فيما إذا لم يكن في كل خف مقدار ثلاث أصابع كما أشار إليه في الهداية.
قوله: (واختلف الخ) فقيل تجمع في أذنين حتى تبلغ أكثر أذن واحدة فيمنع.
وقيل لا تجمع إلا في أذن واحدة كما في الخف ح.
قوله: (وينبغي الخ قاله في المنح.
مطلب: نواقض المسح قوله: (ونزع خف) أراد به ما يشمل الانتزاع، وإنما نقض لسراية الحدث إلى القدم عند زوال المانع.
قوله: (ولو واحدا) لان الانتقاض لا يتجزأ، وإلا لزم الجمع بين الغسل والمسح وأشار إلى أن المراد بالخف الجنس الصادق بالواحد والاثنين.
قوله: (ومضي المدة) للاحاديث الدالة على التوقيت.
ثم إن الناقض في هذا والذي قبله حقيقة هو الحدث السابق، لكن لظهوره عندهما أضيف النقض إليهما مجازا.
بحر.
قوله: (وإن لم يمسح) أي إذا لبس الخف ثم أحدث بعده ثم مضت المدة بعد الحدث ولم يمسح فيها ليس له المسح.
قوله: (إن لم يخش الخ) يعني إذا انقضت مدة المسح وهو مسافر ويخاف ذهاب رجله من البرد لو نزع خفيه جاز المسح، كذا في الكافي وعيوان المذاهب ا ه.
درر.
قال ح: ومفهومه أنه إن خشي لا ينتقض بالمضي، بل إن أحد ث بعد ذلك
فتوضأ يعمهما بالمسح كالجبيرة، وعدم الانتفاض بالمضي مع الخوف في هذنظير عدم بطلان الصلاة الذي هو الاصح في مسألة مضي المدة في الصلاة مع عدم الماء ا.
أقول: وظاهره أنه إذا مضت المدة ولم يحدث يبقى حكم مسحه السابق فلا يلزمه تجديد المسح، ويؤيده مسألة الصلاة الآتية حيث يمشي فيها، وكذا ما في السراج عن الوجيز: إذا انقضت المدة وهو يخاف الضرر من البرد إذا نزعهما جاز له أن يصلي به، فإن ظاهره أنه يصلي بلا مسح جديد، لكن في المعراج: لو مضت وهو يخاف البرد على رجله يستوعبه بالمسح كالجبائر ويصلي، وعليه فعدم الانتقاض المفهوم من المتن معناه عدم لزوم الغسل وجواز المسح بعد ذلك، فلا ينافي بطلان حكم المسح السابق، وهذا هو المفهوم من عبارة الدرر المارة.
فالحاصل أن المسألة مصورة فيما إذا مضت مدة المسح وهو متوضئ وخاف إن نزع الخف لغسل رجليه من البرد وإلا أشكل تصوير المسألة، لانه إذا خاف على رجليه يلزم منه الخوف على بقية الاعضاء فإنها ألطف من الرجلين، وإذا خاف ذلك يكون عاجزا عن استعمال الماء فيلزمه العدول إلى التيمم بدلا عن الوضوء بتمامه، ولا يحتاج إلى مسح الخف أصلا مع التيمم حيث تحققت الضرورة المبيحة له، إلا أن يجاب عن الاشكال بأنهم بنوا ذلك على ما قالوه من أنه لا يصح التيمم لاجل الوضوء، وقدمنا ما فيه في بابه فراجعه.
هذا، وقال ح أيضا: والذي ينبغي أن يفتى به في هذه المسألة انتقاض المسح بالمضي واستئناف مسح آخر يعم الخف كالجبائر، وهو الذي حققه في فتح القدير ا ه.
أقول: الذي حققه في الفتح بحثا لزوم التيمم دون المسح، فإنه بعد ما نقل عن جوامع الفقه(1/297)
والمحيط أنه إن خاف البرد فله أن يمسح مطلقا: أي بلا توقيت، قال ما نصه: فيه نظر، فإن خوف البرد لا أثر له في منع السراية، كما أن عدم الماء لا يمنعها، فغاية الامر أنه لا ينزع، لكن لا يمسح بل يتيمم لخوف البرد ا ه.
وأقره في شرح المنية وأطنب في حسنه، وهو صريح من انتقاض المسح لسراية الحدث، فلا يصلي به إلا بعد التيمم لا المسح، ولكن المنقول هو المسح لا
التيمم، كما مر عن الكافي وعيون المذاهب والجوامع والمحيط، وبه صرح الزيلعي وقاضيخان والقهستاني عن الخلاصة وكذا في التاترخانية والولوالجية والسراج عن المشكل، وكذا في مختارات النوازل لصاحب الهداية، وبه صرح أيضا في المعراج والحاوي القدسي بزيادة جعله كالجبيرة، وعليه مشى في الامداد.
وقد قال العلامة قاسم: لا عبرة بأبحاث شيخنا: يعني ابن الهمام إذا خالفت المنقول، فافهم.
قوله: (للضرورة) علة لعدم النقض المفهوم من قوله: إن لم يخش.
قوله: (فيستوعبه) أي على ما هو الاولى أو أكثره، وهذا إنما يتم إذا كان مسمى الجبيرة يصدق عليه ا ه.
فتح.
وأجاب في البحر بأن مفاد ما في المعراج الاستيعاب، وأنه ملحق بالجبائر لا جبيرة حقيقة ا ه: فالمراد بتشبيهه بالجبيرة في الاستيعاب لمنع كونه مسح خف لا أنه جبيرة حقيقة ليجوز مسح أكثره.
قوله: (مضى في الاصح) كذا في الخانية معللا بأنه لا فائدة في النزع لانه للغسل ا ه.
وعلى هذا فالمستثنى من النقض بمضي المدة مسألتان: وهما إذا خاف البرد أو كان في الصلاة ولا ماء كما في السراج.
قوله: (وهو الاشبه) قال الزيلعي: واستظهره في الفتح بأن عدم الماء لا يصح منعا لسراية الحدث بعد تمام المدة فيتيمم مآلا للرجلين بل للكل، لان الحدث لا يتجزأ، كمن غسل ابتداء الاعضاء إلا رجليه وفني الماء فيتيمم للحدث القائم به على حاله ما لم يتم الكل، وتمامه فيه، وهو تحقيق حسن فرع عليه في الفتح ما قاله في المسألة الاولى، لكن علمت الفرق بينهما، وهو أنه يلزم عليه صحة التيمم في الوضوء لخو ف البرد، أما هنا فإنه لفقد الماء وهو جائز بخلافه هناك.
قوله: (غسل المتوضئ رجليه لا غير) ينبغي أن يستحب غسل الباقي أيضا، مراعاة للولاء المستحب وخروجا من خلاف مالك كما قاله سيدي عبد الغني وسبقه إلى هذا في اليعقوبية، ثم رأيته في الدر المنتقى عن الخلاصة مصرحا بأن الاولى إعادته.
قوله: (لحلول الحدث السابق) أورد أنه لا حدث موجود حتى يسري، لان الحدث السابق حل بالخف وبالمسح قد زال، فلا يعود إلا بخارج نجس ونحوه، وأجيب بجواز أن يعتبر الشارع ارتفاعه بمسح الخف مقيدا بمدة منعه.
بحر.
قوله: (فيتيمم) مبني على ما قدمناه عن الفتح وعلمت ما فيه، على أن الشارح
مشى أولا على خلافه حيث ألحقه بالجبيرة.
قوله: (من الخف الشرعي) أي الذي اعتبره الشرع لازما بحيث لا يجوز المسح على أنقص منه وهو الساتر للكعبين فقط.
قال ابن الكمال: فالسبق خارج عن حد الخف المعتبر في هذا الباب، فخروج القدم إليه خروج عن الخف.
قوله: (وكذا إخراجه) تصريح بما فهم من الخروج بالاولى، لان في الاخراج خروجا مع زيادة هي القصد(1/298)
قوله: (في الاصح) صححه في الهداية وغيرها.
وبه جزم في الكنز والمنتقى، وعن محمد: إن بقي أقل من قدر محل الفرض نقض وإلا لا، وعليه أكثر المشايخ.
كافي ومعراج، وصححه في النصاب.
بحر.
قوله: (اعتبارا للاكثر) أي تنزيلا له منزلة الكل.
قوله: (وما روي) أي عن أبي حنيفة.
قوله: (بزوال عقبه) أي خروجه من الخف إلى الساق، والمراد أكثر العقب كما صرح به في المنية والبحر وغيرهما، وعللوه بأنه حينئذ لا يمكن معه متابعة المشي المعتاد، واختاره في البدائع والفتح والحلية والبحر، ومشى عليه في الوقاية والنقاية.
قوله: (فمقيد الخ) أي فلا ينافي قوله: ولا عبرة بخروج عقبه لان المراد خروجه بنفسه بلا قصد، والمراد من المروي الاخراج.
قوله: (أو غيرها) لعل المراد به ما إذا كان غير واسع، لكن أخرجه غيره أو هو في نومه.
قوله: (فلا ينقض بالاجماع) وإلا وقع الناس في الحجر البين.
نهاية.
قوله: (وكذا القهستاني) أي وكذا يعلم من القهستاني معزيا للنهاية أيضا.
قوله: (لكن باختصار) نص عبارته: هذا كله إذا بدا له أن ينزع الخف فيحركه بنيته، وأما إذا زال لسعة أو غيره فلا ينتقض بالاجماع، كما في النهاية.
قوله: (أنه) أي القهستاني خرق الاجماع: أي بسبب اختصاره ط: أي لانه يوهم النقض بمجرد التحريك بنيته مع أنه لا نقض، ما لم يخرج العقب أو أكثره إلى الساق بنيته.
وأما إرجاع الضمير في أنه إلى القول بالنقض بخروج العقب من غير نية فلا يناسبه التعبير بالزعم لانه موافق لقول الشارح فلا ينقض بالاجماع ويلزمه التكرار أيضا.
وظاهر كلام الشارح في شرحه على الملتقى أن الضمير راجع إلى ما روي، وعليه فقوله: حتى زعم بعضهم غاية لقوله: فمقيد وعبارته في شرح الملتقى هكذا: حتى زعم بعضهم أنه خرق الاجماع وليس كذلك، بل هو
من الحسن والاحتياط بمكان، إذ ملخصه أن خروج أكثر القدم ناقض كإخراجه، وإخراج أكثر العقب ناقض لا خروجه، فهو على القول به ناقض آخر فتدبر ا ه: أي لان القول بالنقض بأكثر العقب يلزم منه القول بالنقض بأكثر القدم.
قوله: (لو دخل الماء خفه) في بعض النسخ: أدخل، ولا فرق بينهما في الحكم كما أفاده ح.
وقدمناه.
قوله: (وصححه غير واحد) كصاحب الذخيرة والظهيرية، وقدمنا عن الزيلعي أنه المنصوص عليه في عامة الكتب، وعليه مشى في نور الايضاح وشرح المنية.
قوله: (وهو الاظهر) ضعيف تبع فيه البحر، وقدمنا رده أول أول الباب ح، ونص في الشرنبلالية أيضا على ضعفه، وما قيل من أنه مختار أصحاب المتون لانهم لم يذكروه في النواقض: وفيه نظر، لان المتون لا يذكر فيها إلا أصل المذهب، وهذه المسألة من تخريجات المشايخ، واحتمال كونها من اختلاف الرواية لا يكفي في جعلها في مسائل المتون، نعم اختار في الفتح هذا القول لما ذكره الشارح من(1/299)
التعليل وتبعه تلميذه ابن أمير حاج في الحلية، وقواه بأنه نظير ما لو ادخل يده تحت الجرموقين ومسح على الخفين فإنه لا يجوز لوقوع المسح في غير محل الحدث.
قوله: (فيغسلهما ثانيا) تفريع على القول الثاني وبيان لثمرة الخلاف، وقد علمت اختيار صاحب الفتح لهذا القول، لكن وافق القول الاول بعدم لزوم الغسل ثانيا، وخالفه في الحلية لانه عند انقضاء المدة أو النزع يعمل الحدث السابق عمله فيحتاج إلى مزيل، لان الغسل السابق لا يعمل في حدث طارئ بعده.
وأجيب بأن الغسل السابق وجد بعد حدث حقيقة، لكنه إنما لم يعمل للمنع وهو الخف، فإذا زال المانع ظهر عمله الآن.
تأمل.
تنبيه: تظهر الثمرة أيضا في أنه إذا توضأ ثم غسل رجليه إلى الكعبين داخل الخفين ولم ينزعهما تحسب له مدة المسح من أول حد ث بعد هذا الوضوء على القول الاول، وأما على الثاني فتحسب له من أول حدث بعد الوضوء الاول.
قوله: (كما مر) أي أن هذا الغسل حيث لم يقع معتبرا كان لغوا بمنزلة العدم، فصار نظير ما تقدم من أنه إذا لم يغسل ونزع أو مضت المدة غسل رجله لا غير، أو أن المراد يغسلهما إن لم يخش ذهاب رجله من برد كما مر، فافهم.
قوله: (وبقي
من نواقضه الخرق الخ) قد علم ذلك من كلامه سابقا، حيث قال في الخرق: كما ينقض الماضوي، وقال في المعذور: فإنه يمسح في الوقت فقط، لكن ذاك استطراد، فلذا أعاد ذكرهما في محلهما لتسهيل ضبط النواقض وأنها بلغت ستة، فافهم.
نعم أورد سيدي عبد الغني أن خروج الوقت للمعذور ناقض لوضوئه كله لا لمسحه فقط، فهو داخل في ناقض الوضوء، وقدمنا أن مسألة المعذور رباعية فلا تغفل.
تتمة: وفي التاترخانية عن الامالي فيمن أحدث وعلى بعض أعضاء وضوئه جبائر فتوضأ ومسحها ثم تخفف ثم برئ لزمه غسل قدميه، ولو لم يحدث بعد لبسه الخف حتى برئ وألقى الجبائر وغسل موضعها ثم أحدث فإنه يتوضأ ويمسح على الخفين.
ا ه: أي لانه في الاولى ظهر حكم الحدث السابق، فلم يكن لابس الخف على طهارة بخلاف الثانية، وينبغي عد هذا من النواقض فتصير سبعة.
قوله: (مسح مقيم) قيد بمسحه لا للاحتراز عما إذا سافر المقيم قبل المسح فإنه معلوم بالاولى، بل للتنبيه على خلاف الشافعي.
قوله: (بعد حدثه) بخلاف ما لو مسح لتجديد الوضوء فإنه لا خلاف فيه.
قوله: (فسافر) بأن جاوز العمران مريدا له.
نهر.
وفيه مسألة عجيبة فراجعه.
قوله: (فلو بعده) أي بعد التمام نزع وتوضأ إن كان محدثا، وإلا غسل رجليه فقط ط.
قوله: (مسح ثلاثا) أي تمم مدة السفر لان الحكم المؤقت يعتبر فيه آخر الوقت، ملقتى وشرحه.
قوله: (قرحة) بمعنى الجراحة.
قال في القاموس: وقد يرد بها ما يخرج في البدن من بثور، وفي القاف الضم والفتح.
نهر.
قوله: (وموضع) بالجر عطا على قرحة ط.
قوله:(1/300)
(كعصابة جراحة) العصابة بالكسر ما يعصب به، وكأنه خص القرحة بالمعنى الثاني، أو أراد بخرقتها ما يوضع عليها كاللزقة فلا تكرار أفاده ط.
قوله: (ولو برأسه) خصه بالذكر لما في المبتغى أنه لا يجب المسح لانه بدل عن الغسل ولا بدل له ا ه.
والصواب خلافه، لان المسح على الرأس أصل بنفسه لا بدل، غير أنه إن بقي من الرأس ما يجوز المسح عليه مسح عليه وإلا فعلى العصابة كما في البدائع، أفاده في البحر.
أقول: قوله والصواب خلافه يفيد أن كلام المبتغى خطأ: أي بناء على ما فهمه من معنى البدلية وهو بعيد.
والظاهر أن معنى قول المبتغى: لانه بدل الخ، أن المسح على الجبيرة بدل عن الغسل، وإذا وجب مسح الجبيرة على الرأس الذي وظيفته المسح لزم أن يكون المسح على الجبيرة بدلا عن المسح لا عن الغسل، والمسح لا بدل له، فالمناسب حينئذ قول النهر: إن ما في البدائع يفيد ترجيح الوجوب، وهو الذي ينبغي التعويل عليه ا ه: أي بناء على منع قوله المسح بدل عن الغسل، وقد أوضح منع البدلية في البحر، فراجعه.
قوله: (فيكون فرضا) أي حيث لم يضره كما سيأتي.
مطلب: الفرق بين الفرض العملي والقطعي والواجب قوله: (يعني عمليا) دفع لما يقتضيه ظاهر التنبيه، لان الغسل فرض قطعي، والفرض العملي ما يفوت الجواز بفوته كمسح ربع الرأس، وهو أقوى نوعي الواجب، فهو فرض من جهلة العمل، ويلزم على تركه ما يلزم على ترك الفرض من الفساد لا من جهة العلم والاعتقاد، فلا يكفر بجحده كما يكفر بجحد الفرص القطعي، بخلاف النوع الآخر من الواجب كقراءة الفاتحة، فإنه لا يلزم من تركه الفساد ولا من جحوده الاكفار.
قوله: (لثبوته بظني) وهو ما رواه ابن ماجه عن علي رضي الله عنه قال: انكسرت إحدى زندي، فسألت رسول الله (ص)، فأمرني أن أمسح على الجبائر وهو ضعيف، ويتقوى بعدة طرق، ويكفي ما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه مسح على العصابة فإنه كالمرفوع، لان الابدال لا تنصب بالرأي.
بحر.
قوله: (وإليه رجع الامام الخ) اعلم أن صاحب المجمع ذكر في شرحه أنه مستحب عنده واجب عندهما، وقيل واجب عنده فرض عندهما، وقيل الوجوب متفق عليه، وهذا أصح، وعليه الفتوى ا ه.
وفي المحيط: ولا يجوز تركه ولا الصلاة بدونه عندهما.
والصحيح أنه عنده واجب لا فرض، فتجوز الصلاة بدونه، وكذا صححه في التجريد والغاية والتجنيس وغيرها.
ولا يخفى أن صريح ذلك فرض أي عملي عندهما واجب عنده، فقد اتفق الامام وصاحباه على الوجوب بمعنى عدم جواز الترك، لكن عندهما يفوت الجواز بفوته فلا تصح الصلاة
بدونه أيضا، وعنده يأثم بتركه فقط مع صحة الصلاة بدونه، ووجوب إعادتها، فهو أراد الوجوب الادنى، وهما أرادا الوجوب الاعلى، ويدل عليه ما في الخلاصة أن أبا حنيفة رجع إلى قولهما بعد جواز الترك فقيد بعدم جواز الترك، لانه لم يرجع إلى قولهما بعدم صحة الصلاة بتركه أيضا، فلا ينافي ما مر تصحيح أنه واجب عنده لا فرض، وعليه فقوله في شرح المجمع: وقيل الوجوب(1/301)
متفق عليه، معناه عدم جواز الترك لرجوع الامام عن الاستحباب إليه، فليس المراد به الاتفاق على الوجوب بمعنى واحد، هذا ما ظهر لي.
ثم رأيت نوح أفندي نقله عن العلامة قاسم في حواشيه على شرح المجمع بقوله: معنى الوجوب مختلف، فعنده يصح الوضوء بدونه، وعندهما هو فرض عملي يفوت الجواز بفوته ا ه.
ولله الحمد.
فاغتنم هذا التحرير الفريد، فقد خفي على الشارح والمصنف في المنح وصاحب البحر والنهر وغيرهم، فافهم.
هذا، وقد رجح في الفتح قول الامام بأنه غاية ما يفيد الوارد في المسح عليها، فعدم الفساد بتركه أقعد بالاصول ا ه.
لكن قال تلميذه العلامة قاسم في حواشيه: إن قوله، أقعد بالاصول وقولهما أحوط.
وقال في العيون: الفتوى على قولهما ا ه.
قوله: (وقدمنا الخ) جواب عما في المحيط وغيره من تصحيح أنه واجب عنده لا فرض حتى تجوز الصلاة بدونه: أي أن هذا التصحيح لا يعارض لفظ الفتوى، لانه أقوى، وهذا مبني على ما فهم تبعا لغيره من اتحاد معنى الوجوب في عبارة شرح المجمع، وأن المراد به الفرض العملي عند الكل، وقد علمت خلافه وأنه لا تعارض بين كلامهم.
قوله: (ثم إنه) أي مسح الجبيرة، وثم للتراخي في الذكر.
قوله: (ذكر منها) أفاد أنها أكثر وهو كذلك.
قوله: (فلا يتوقف) أي بوقت معين وإلا فهو مؤقت بالبرء.
بحر.
قوله: (حتى يؤم الاصحاء) لانه ليس بذي عذر ط، ولم يظهر لي وجه هذا التفريع هنا، ثم رأيته في خزائن الاسرار ذكر التفريع بعد قوله الآتي: لا مسح خفها بل خفيه، بقوله: لان طهارته كاملة حتى يؤم الاصحاء ا ه.
وهو ظاهر لان عدم الجمع بين مسح الجبيرة ومسح الخف مبني على أن مسحها كالغسل كما
نذكره.
قوله (ولو بدلها الخ) هذان الوجهان زادهما الشارح على الثلاثة عشر المذكورة في المتن.
قوله: (لم يجب) وعن الثاني أنه يجب المسح على العصابة الباقية.
نهر.
قوله: (مسح خفها الخ) أي لا يجمع مسح جبيرة رجل مع مسح خف الاخرى الصحيحة، لان مسح الجبيرة حيث كان كالغسل يلزم منه الجمع بين الغسل والمسح، بل لا بد من تخفيف الجريحة أيضا ليمسح على الخفين، لكن لو لم يقدر على مسح الجبيرة له المسح على خف الصحيحة، صرح به في التاترخانية: أي لانه كذاهب إحدى الرجلين.
قوله: (بلا وضوء وغسل) بضم الغين بقرينة الوضوء، وهذا هو الثالث، ولا يتكرر على قوله الآتي: والمحدث والجنب الخ، لان هذا فيما إذا شدها على الحدث أو الجنابة، وذاك فيما إذا أحدث أو أجنب بعد شدها، أفاده ح.
قوله: (ويترك المسح كالغسل) أي يترك المسح على الجبيرة كما يترك الغسل لما تحتها، وهذا هو الرابع ح.
قوله: (إن ضر) المراد الضرر المعتبر لا مطلقه، لان العمل لا يخلو عن ادنى ضرر وذلك لا يبيح الترك ط.
عن شرح المجمع.
قوله: (وإلا لا يترك) أي على الصحيح المفتى به كما مر.
قوله: (وهو الخ) هذا الخامس.
قوله: (عن مسح نفس(1/302)
الموضع) أي وعن غسله، وإنما تركه لان العجز عن المسح يستلزم العجز عن الغسل ح.
قوله: (ولو بماء حار) نص عليه في شرح الجامع لقاضيخان، واقتصر عليه في الفتح، وقيده بالقدرة عليه.
وفي السراج أنه لا يجب، والظاهر الاول.
بحر.
قوله: (نحو مفتصد الخ) قال في البحر: ولا فرق بين الجراحة وغيرها كالكي والكسر، لان الضرورة تشمل الكل.
مطلب في لفظة كل إذا دخلت على منكر أو معرف قوله: (على كل عصابة) أي على كل فرد من أفرادها سواء كانت عصابة تحتها جراحة وهي بقدرها أو زائدة عليها كعصابة المفتصد، أو لم يكن تحتها جراحة أصلا بل كسر أو كي، وهذا معنى قول الكنز: كان تحتها جراحة أولا، لكن إذا كانت زائدة على قدر الجراحة، فإن ضره الحل والغسل مسح الكل تبعا وإلا فلا، بل يغسل ما حول الجراحة ومسح عليها لا على الخرقة، ما لم يضره مسحها فيمسح على الخرقة التي عليها ويغسل حواليها وما تحت الخرقة الزائدة، لان الثابت بالضرورة
يتقدر بقدرها كما أوضحه في البحر عن المحيط والفتح.
ويحتمل أن يكون مراد المصنف أن المسح يجب على كل العصابة ولا يكفي على أكثرها، لكن ينافيه أنه سيصرح بأنه لا يشترط الاستيعاب في الاصح فيتناقض كلامه وأنه كان الاولى حينئذ تعريف العصابة، لان الغالب في كل عند عدم القرينة أنها إذا دخلت على منكر أفادت استغراق الافراد، وإذا دخلت على معرف أفادت استغراق الاجزاء، ولذا يقال: كل رمان مأكول، ولا يقال: كل الرمان مأكول، لان قشره لا يؤكل، ومن غير الغالب مع القرينة، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر - كل الطعام كان حلا - وحديث: كل الطلاق واقع إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله فافهم.
قوله: (مع فرجتها في الاصح) أي الموضع الذي لم تستره العصابة بين العصابة، فلا يجب غسله، خلافا لما في الخلاصة، بل يكفيه المسح كما صححه في الذخيرة وغيرها، إذ لو غسل ربما تبتل جميع العصابة وتنفذ البلة إلى موضع الجرح، وهذا من الحسن بمكان.
نهر.
قوله: (إن ضره الماء) أي الغسل به أو المسح على المحل ط.
قوله: (أو أحلها) أي ولو كان بعد البرء بأن التصقت بالمحل بحيث يعسر نزعها ط، لكن حينئذ يمسح على الملتصق ويغسل ما قدر على غسله من الجوانب كما مر، ثم المسألة رباعية كما أشار إليه في الخزائن لانه إن ضره الحل يمسح، سواء أضره أيضا المسح على ما تحتها أولا، وإن لم يضره الحل: فإما أن لا يضره المسح أيضا فيحلها ويغسل ما لا يضره ويمسح ما يضره، وإما أن يضره المسح فيحلها ويغسل كذلك ثم يمسح الجرح على العصابة، إذ الثابت بالضرورة يتقدر بقدرها ا ه.
قوله: (ومنه) أي من الضرر ط.
قوله: (ولا يجد من يربطها) ذكر ذلك في الفتح، ولم يذكر في الخانية.
قال الشيخ إسماعيل: والذي يظهر أن ما في الخانية مبني على قول الامام: إن وسع الغير لا يعدوسعا، وما في الفتح هو قولهما ا ه.
قوله: (فجعل عليه دواء) أي كعلك أو مرهم أو(1/303)
جلدة مرارة.
بحر.
قوله: (أجرى الماء عليه) لم يشرطه في الاصل من غير ذكر خلاف، وشرطه الحلواني، وعزاه في المنح إلى عامة الكتب المعتمدة.
قوله (وإلا مسحه) هل يكتفي بمسح أكثره
لكونه كالجبيرة أم لا بد من الاستيعاب؟ فليراجع ا ه.
قوله: (والمسح يبطله الخ) هذا هو الوجه السادس، لان سقوط الخف يبطل المسح بلا شرط ط.
قوله: (سقوطها) أي الجبيرة أو الخرقة، وكذا سقوط الدواء.
خزائن.
وعزا الاخير في هامش الخزائن إلى التاترخانية وصدر الشريعة، وسيصرح به الشارح هنا أيضا.
قوله: (عن برء) بالفتح عند أهل الحجاز والضم عند غيرهم، أي بسبب صحة العضو قهستاني، فعن بمعنى الماء، مثل - وما ينطق عن الهوى - أو بمعنى اللام مثل - وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك - أو بمعنى بعد مثل - عما قليل ليصبحن نادمين -.
قوله: (وإلا لا) أي بأن سقطت لا عن برء، وهذا تصريح بمفهوم كلام المصنف، وهو الوجه السابع.
قوله: (استأنفها) أي الصلاة: أي بعد غسل الموضع لانه ظهر حكم الحدث السابق على الشروع فصار كأنه شرع من غير غسل ذلك الموضع، وهذا إذا سقطت عن برء قبل القعود قدر التشهد، فلو عن غير برء مضى في صلاته أو بعد القعود، فهي إحدى المسائل الاثني عشرية الآتية كما في البحر.
قوله: (وكذا الحكم) أي من التفصيل بين السقوط عن برء وعدمه ط.
قوله: (أو برأ موضعها ولم تسقط) هو الثامن، بخلاف الخف فإن العبرة فيه للنزع بالفعل.
قوله: (فإن ضره) أي إزالتها لشدة لصوقها به ونحوه.
بحر.
فرع في جامع الجوامع: رجل به رمد فداواه وأمر أن لا يغسل فهو كالجبيرة.
شرنبلالية قوله: (والمحدث والجنب الخ) هو التاسع.
قوله: (عليها) أي الجبيرة، وعلى توابعها: كخرقة القرحة، وموضع الفصد والكي ط.
قوله: (في الاصح) قيد لعدم اشتراط الاستيعاب والتكرار: أي بخلاف الخف فإنه لا يشترط فيه ذلك بالاتفاق، وهذا العاشر والحادي عشر.
وأفاد الرحمتي أن قوله: وتكرار من قبيل.
علفتها تبنا وماء باردا أي ولا يسن تكرار، لان مقابل الاصح أنه يسن تكرار المسح، لانه بدل عن الغسل والغسل يسن تكراره فكذا بدله.
قال في المنح: ويسن التثليث عند البعض إذا لم تكن على الرأس ا ه.
وهذا بخلاف مسح الخف، فلا يسن تكراره إجماعا.
قوله: (فيكفي مسح أكثرها) لما كان نفي
الاستيعاب صادقا بمسح النصف وما دونه مع أنه لا يكفي بين ما به، الكفاية وهذا بخلاف مسح الخف، فهو الوجه الثاني عشر.
قوله: (وكذا لا يشترط فيها نية) هو الثالث عشر.(1/304)
واعلم أن الشارح زاد على هذه الثلاثة عشر وجها: وجهين كما قدمناه، وزاد في البحر ستة: إذا سقطت عن برء لا يجب إلا غسل موضعها إذا كان على وضوء، بخلاف الخف فإنه يجب غسل الرجلين.
وإذا مسحها ثم شد عليها أخرى جاز المسح على الفوقاني، بخلاف الخف إذا مسح عليه لا يجوز المسح على الفوقاني، وإذا دخل الماء تحتها لا يبطل المسح، وإذا كان الباقي من العضو المعصوب أقل من ثلاث أصابع كاليد المقطوعة جاز المسح عليها، بخلاف الخف.
الخامس أن مسح الجبيرة ليس ثابتا بالكتاب اتفاقا.
السادس أنه يجوز تركه في رواية بخلاف الخف.
وزاد في النهر وجها: وهو أنه ليس خلفا عن غسل ما تحتها ولا بدلا، بخلاف الخف فإنه خلف.
والبدل ما لا يجوز عند القدرة على الاصل كالتيمم.
والخلف ما يجوز.
قال ح: وزدت وجها، وهو أن مسح الجبيرة و يجوز ولو كانت على غير الرجلين، بخلاف الخف ا ه.
وزاد الرحمتي أربعة أخرى: أنه يمسح على الجريح وغيره والخف مختص بالقدم، وأن المسح على خرق الخف ولو صغيرا لا يكفي، والمسح على طرفي الفرجة بين طرفي المنديل يجزئ، وأن محل المسح من الخف مكان معين، وهو صدر القدم بخلاف الجبيرة، وأن المفروض في مسح الخف مقدر بثلاث أصابع لا أكثر ولا جميعه.
أقول: فالمجموع سبعة وعشرون وجها، وزدت عشرة أخرى: وهي أن الجبيرة على الرجل لا يشترط فيها إمكان متابعة المشي عليها، ولا ثخانتها، ولا كونها مجلدة، ولا سترها للمحل، ولا منعها نفوذ الماء، ولا استمساكها بنفسها، ولا يبطلها خرق كبيرة، وليس غسل ما تحتها أفضل من المسح.
وإذا سقطت عن برء وخاف إن غسل رجله أن تسقط من البرد يتيمم، بخلاف الخف.
والعاشر إذا غمسها في إناء يريد به المسح عليها لم يجز وأفسد الماء، بخلاف الخف ومسح الرأس فلا يفسد، ويجوز عند الثاني خلافا لمحمد كما في المنظومة وشرحها الحقائق.
والفرق للثاني أن المسح يتأدى بالبلة فلا يصير الماء مستعملا، ويجوز المسح، أما مسح الجبيرة فكالغسل لما تحته، والله
أعلم.
باب الحيض أعلم أن باب الحيض اعلم ان باب الحيض من غوامض الابواب خصوصا المتحيرة وتفاريعها، ولهذا اعتنى به المحققون، وأفرده محمد في كتاب مستقل، ومعرفة مسائله من أعظم المهمات لما يترتب عليها ما لا يحصى من الاحكام: كالطهارة، والصلاة، والقراءة، والصوم، والاعتكاف، والحج، والبلوغ، والوطئ، والطلاق، والعدة، والاستبراء، وغير ذلك.
وكان من أعظم الواجبات لان عظم منزلة العلم بالشئ بحسب منزلة ضرر الجهل به، وضرر الجهل بمسائل الحيض أشد من ضرر الجهل بغيرها، فيجب الاعتناء بمعرفتها وإن كان الكلام فيها طويلا، فإن المحصل يتشوق إلى ذلك، ولا التفات إلى كراهة أهل البطالة.
ثم الكلام فيه في عشرة مواضع: في تفسيره لغة وشرعا، وسببه، وركنه، وشرطه، وقدره، وألوانه، وأوانه، ووقت ثبوته، والاحكام المتعلقة به.
بحر.
قوله: (عنون به) أي جعل الحيض عنوانا على ما يذكر في هذا الباب من النفاس والاستحاضة وما يتبعهما ط.
قوله: (لكثرته) أي(1/305)
كثرة وقوعه بالنسبة إلى أخويه.
قوله: (وأصالته) أي ولكونه أصلا في هذا الباب في بيان الاحكام، والاصل يطلق على الكثير الغالب.
قوله: (وإلا) أي وإن لم نقل إنه عنون به وحده لما ذكر لكان المناسب ذكر غيره أيضا، فإن الدماء المبحوث عنها هنا ثلاثة.
قوله: (وإلا فاستحاضة) أي وإن لم يكن واحدا منهما فهو استحاضة، وخص ما عداهما بالاستحاضة للرد على من سمى ما تراه الصغيرة دم فساد لا استحاضة.
قوله: (هو لغة السيلان) ويقال حاض الوادي: إذا سال، وسمي حيضا لسيلانه في أوقاته.
قوله: (بأنه من الاحداث) أي إن مسماه الحدث الكائن من الدم كالجنابة اسم للحدث الخاص لا للماء الخاص.
بحر.
قوله: (مانعية شرعية) أي صفة شرعية مانعة عما تشترط له الطهارة، كالصلاة، ومس المصحف، وعن الصوم، ودخول المسجد، والقربان بسبب الدم المذكور.
قوله: (وعلى القول الخ) ظاهر المتون اختياره، قيل ولا ثمرة لهذا الاختلاف.
قوله: (دم) شمل الدم الحقيقي والحكمي.
بحر: أي كالطهر المتخلل بين الدمين، فلا يرد أنه يلزم عليه أن لا تسمى المرأة حائضا في غير وقت درور الدم، فافهم.
قوله: (خرج الاستحاضة) أي بناء على أن المراد بالرحم وعاء
الولد لا الفرج، خلافا لما في البحر، وخرج دم الرعاف والجراحات وما يخرج من دبرها وإن ندب إمساك زوجها عنها واغتسالها منه، وإما يخرج من رحم غير الآدمية كالارنب والضبع والخفاش، قالوا: ولا يحيض غيرها من الحيوانات.
نهر.
وكان الاولى للمصنف أن يقول: رحم امرأة كما في الكنز لاخراج الاخير.
قوله: (ومنه) أي من الاستحاضة، وذكر الضمير نظرا لكونها دما ط.
قوله: (صغيرة) هي كما يأتي: من لم تبلغ تسع سنين على المعتمد.
قوله: (وآيسة) سيأتي بيانها متنا وشرحا.
قوله: (ومشكل) أي خنثى مشكل.
قال في الظهيرية ما نصه: الخنثى المشكل إذا خرج منه المني والدم فالعبرة للمني دون الدم ا ه.
وكأنه لان المني لا يشتبه بغيره بخلاف الحيض فيشتبه بالاستحاضة ا ه.
ح.
وهل اعتباره في زوال الاشكال أو في لزوم الغسل منه فقط لانه يستوي فيه الذكر والانثى فلا يدل على الذكورة؟ فليراجع.
وعلى الثاني فوجه تسمية الشارح هذا الدم استحاضة ظاهر بخلافه على الاول، فتأمل.
قوله: (ابتلاء الله لحواء الخ) أي وبقي في بناتها إلى يوم القيامة وما قيل إنه أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل فقد رده البخاري بقوله: وحديث النبي (ص) أكبر، وهو ما رواه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (ص) في الحيض: هذا شئ كتبه الله على بنات آدم قال النووي: أي إنه عام في جميع بنات آدم.
قوله: (وركنه بروز الدم من الرحم) أي ظهوره منه إلى خارج الفرج الداخل، فلو نزل إلى الفرج الداخل فليس بحيض في ظاهر الرواية، وبه بفتى.
قهستاني وعن محمد بالاحساس به.
وثمرته فيما لو توضأت ووضعت الكرسف ثم أحست بنزول الدم إليه قبل الغروب(1/306)
ثم رفعته بعده تقضي الصوم عنده خلافا لهما: يعني إذا لم يحاذ حرف الفرج الداخل، فإن حاذته البلة من الكرسف كان حيضا ونفاسا اتفاقا، وكذا الحدث بالبول ا ه.
بحر.
قوله: (نصاب الطهر) أي خمسة عشر يوما فأكثر.
قوله: (ولو حكما) كما إذا كانت بين الحيضتين مشغولة بدم الاستحاضة فإنها طاهرة حكما ا ه.
ح.
قوله: (وعدم نقصه) أي الدم عن أقله وهو ثلاثة أيام كما يأتي ط.
قوله: (بالبروز) أي بوجود الركن على ما بيننا.
قوله: (فبه) أي فبالبروز تترك الصلاة وتثبت بقية الاحكام، ولكن هذا ما دام مستمرا لما سيأتي من أنه لو انقطع لدون أقله تتوضأ وتصلي الخ.
قوله: (ولو مبتدأة) أي التي لم
يسبق لها حيض في سن بلوغها، وأقله في المختار تسع، وعليه الفتوى: أي فإنها تترك الصلاة والصوم عند أكثر مشايخ بخارى.
وعن أبي حنيفة: لا تترك حتى يستمر ثلاثة أيام.
بحر.
قوله: (لان الاصل الصحة) أي صحة لمرض الجسم، والمقتضى للاستحاضة عارض، وهذا تعليل لقوله فبه تترك الصلاة الخ ط.
قوله: (أقله) أي مدة أقله أو أقل مدته على طريق الاستخدام.
قهستاني: أي حيث رجع الضمير إلى الحيض بمعنى المدة ط.
أو أقل الحيض، وقوله: ثلاثة بالرفع على الوجهين الاولين، وبالنصب على الظرفية على الثالث، فافهم.
قوله: (فالاضافة الخ) أي إضافة الليالي إلى ضمير الايام الثلاث لبيان أن المراد مجرد كونها ثلاثا لا كونها تلك الايام، فلو رأته في أول النهار يكمل كل يوم بالليلة المستقبلة، ولذا صرح الشارح بلفظ الثلاث، فالتفريع عليه ظاهر، فافهم.
قوله: (بالساعات) وهي اثنتان وسبعون ساعة، والفلكية هي التي كل ساعة منها خمس عشرة درجة وتسمى المعتدلة أيضا.
واحترز به عن الساعات اللغوية، ومعناها الزمان القليل، وعن الساعات الزمانية وتسمى المعوجة وهي التي كل ساعة منها جزء من اثني عشر جزءا من اليوم الذي هو من طلوع الشمس إلى غروبها، أو الليل الذي هو من غروب الشمس إلى طلوعها، فتارة تساوي الفلكية كما في يومي الحمل والميزان، وتارة تزيد عليها كما في أيام البروج الشمالية وليالي البروج الجنوبية، وتارة تنقص عنها كما في ليالي البروج الشمالية وأيام البروج الجنوبية ح.
ثم اعلم أنه لا يشترط استمرار الدم فيها بحيث لا ينقطع ساعة، لان ذلك لا يكون إلا نادرا بل انقطاعه ساعة أو ساعتين فصاعدا غير مبطل، كذا في المستصفى.
بحر: أي لان العبرة لاوله وآخره كما سيأتي.
قوله: (كذا رواه الدارقطني وغيره) الاشارة إلى تقدير الاقل والاكثر، وقد روي ذلك عن ستة من الصحابة بطرق متعددة فيها مقال يرتفع بها الضعيف إلى الحسن، كما بسط ذلك الكمال والعيني في شرح الهداية، ولخصه في البحر.
قوله: (والناقص الخ) أي ولو بيسير.
قال القهستاني: فلو رأت المبتدأة الدم حين طلع نصف قرص الشمس وانقطع في اليوم الرابع حين طلع ربعه كان استحاضة إلى أن يطلع نصفه فحينئذ يكون حيضا.
والمعتادة بخمسة مثلا إذا رأت الدم حين طلع نصفه وانقطع في الحادي عشر حين طلع ثلثاه، فالزائد على الخمسة استحاضة، لانه زاد على
العشرة بقدر السدس ا ه: أي سدس القرص.
قوله: (والزائد على اكثره) اي في حق المبتداة، اما(1/307)
المعتادة فما زاد على ويجاوز العشرة في الحيض والاربعين في النفاس يكون استحاضة كما أشار إليه بقوله: أو على العادة الخ.
أما إذا لم يتجاوز الاكثر فيهما، فهو انتقال للعادة فيهما، فيكون حيضا ونفاسا.
رحمتي.
قوله: (وآيسة) هذا إذا لم يكن دما خالصا على ما سيأتي.
قوله: (ولو قبل خروج أكثر الولد) حق العبارة أن يقال: ولو بعد خروج أقل الولد.
قوله: (استحاضة) خبر قوله: والناقص وما عطف عليه.
قوله: (بين الحيضتين الخ) أي الفاصل بين ذلك، ولم يذكر أقل الطهر الفاصل بين النفاسين وذلك نصف حول كما سيأتي.
قوله: (أو النفاس والحيض) هذا إذا لم يكن في مدة النفاس، لان الطهر فيها لا يفصل عند الامام سواء قل أو كثر، فلا يكون الدم الثاني حيضا كما سنذكره.
قوله: (وإن استغرق العمر) صادق بثلاث صور: الاولى: أن تبلغ بالسن وتبقى بلا دم طول عمرها، فتصوم وتصلي ويأتيها زوجها وغير ذلك أبدا، وتنقضي عدتها بالاشهر.
الثانية: أن ترى الدم عند البلوغ، أو بعده أقل من ثلاثة أيام ثم يستمر انقطاعه، وحكمها كالاولى.
الثالثة: أن ترى ما يصلح حيضا ثم يستمر انقطاعه، وحكمها كالاولى، إلا أنها لا تنقضي لها عدة إلا الحيض إن طرأ الحيض عليها قبل سن الاياس، وإن لم يطرأ فبالاشهر من ابتداء سن الاياس، كما في العدة ا ه.
ح.
قوله: (فيحد) الفاء فصيحة: أي إذا علمت أن الطهر لا حد لاكثر إلا في زمن استمرار الدم يحد الخ.
ثم اعلم أن تقييده بالعدة خاص بالمحيرة، وتقييده بالشهرين خاص بها وبالمعتادة في بعض صورها كما يظهر قريبا.
قوله: (به يفتى) مقابلة أقوال: ففي النهاية عن المحيط مبتدأة رأت عشرة دما وسنة طهرا ثم استمر بها الدم.
قال أبو عصمة: حيضها وطهرها ما رأت، حتى أن عدتها تنقضي إذا طلقت بثلاث سنين وثلاثين يوما.
وقال الامام الميداني: بتسعة عشر شهرا إلا ثلاث ساعات، لجواز وقوع الطلاق في حالة الحيض، فتحتاج لثلاثة أطهارة كل ستة أشهر إلا ساعة، وكل حيضة عشرة أيام.
وقيل طهرها أربعة أشهر إلا ساعة، والحاكم الشهيد قدره بشهرين، والفتوى عليه لانه أيسر ا ه.
قلت: وفي العناية أن قول الميداني: عليه الاكثر.
وفي التاترخانية: هو المختار، ثم لا يخفى أن هذا الخلاف إنما هو في المعتادة لا مطلقا، بل في صورة ما إذا كان طهرها ستة أشهر فأكثر، ولا في المبتدأة التي استمر بها الدم واحتيج إلى نصف عادة لها فإنه لا خلاف فيها كما يأتي، خلافا لما يفيده كلام الشارح.
مبحث في مسائل المتحيرة(1/308)
قوله: (وعم كلامه المبتدأة الخ) قال العلامة البركوي في رسالته المؤلفة في الحيض: المبتدأة من كانت في أول حيض أو نفاس.
والمعتادة: من سبق منها دم وطهر صحيحان أو أحدهما: والمضلة وتسمى الضالة والمتحيرة: من نسيت عادتها.
ثم قال في الفصل الرابع في الاستمرار: إذا وقع في المبتدأة فحيضها من أول الاستمرار عشرة وطهرها عشرون، ثم ذلك دأبها ونفاسها أربعون ثم عشرون طهرها، إذ لا يتوالى نفاس وحيض، ثم عشرة حيضها في ذلك دأبها، وإن وقع في المعتادة فطهرها وحيضها ما اعتادت في جميع الاحكام إن كان طهرها أقل من ستة أشهر، وإلا فترد إلى ستة أشهر إلا ساعة وحيضها بحاله.
وإن رأت مبتدأة دما وطهرا صحيحين ثم استمر الدم تكون معتادة وعلمت حكمها.
مثاله: مراهقة رأت خمسة دما وأربعين طهرا، ثم استمر الدم خمسة من أول الاستمرار حيض: لا تصلي ولا تصوم ولا توطأ وكذا سائر أحكام الحيض، ثم الاربعون طهرها، تفعل هذا الثلاثة وغيرها من أحكام الطهارات.
ثم قال في فصل المتحيرة: ولا يقدر طهرها وحيضها إلا في حق العدة في الطلاق، فيقدر حيضها بعشرة وطهرها بستة أشهر إلا ساعة، فتنقضي عدتها بتسعة عشر شهرا وعشرة أيام غير أربع ساعات ا ه.
والحاصل أن المبتدأة إذا استمر دمها فحيضها في كل عشرة وطهرها عشرون كما في
عامة الكتب، بل نقل نوح أفندي الاتفاق عليه، خلافا لما في الامداد من أن طهرها خمسة عشر، والمعتادة ترد على عادتها في الطهر ما لم يكن ستة أشهر فإنها ترد إلى ستة أشهر غير ساعة كالمتحيرة في حق العدة فقط، وهذا على قول الميداني الذي عليه الاكثر كما قدمناه.
وأما على قول الحاكم الشهيد فترد إلى شهرين كما ذكره الشارح.
وظهر أن التقدير بالشهرين أو بالستة أشهر إلا ساعة خاص بالمتحيرة والمعتادة التي طهرها ستة أشهر.
أما المبتدأة والمعتادة التي طهرها دون ذلك فليستا كذلك، وأن تقدير الطهر في المتحيرة لاجل العدة فقط.
وأما غيرها فلم يقيدوا طهرها بكونه للعدة، بل المصرح به في المعتادة أن طهرها عام في جميع الاحكام كما مر، وهذا خلاف ما يفيده كلام الشارح.
فافهم.
تتمة لم أر ما لو رأت المتحيرة في العدد والمكان أقل الطهر ثم استمر بها الدم، والظاهر أن حكمها في الاستمرار حكم المبتدأة.
قوله: (إما بعدد) أي عدد أيامها في الحيض مع علمها بمكانها من الشهر أنها في أوله أو آخره مثلا.
قال في التاترخانية: وإن علمت أنها تطهر في آخر الشهر ولم تدر عدد أيامها توضأت لوقت كل صلاة إلى العشرين لانها تتيقن الطهر فيها ثم في سبعة بعدها تتوضأ كذلك للشك في الحيض والطهر وتترك الصلاة في الثلاثة الاخيرة لتيقنها بالحيض فيها ثم تغتسل في آخر الشهر لعلمها بالخروج من الحيض فيه وإن علمت أنها ترى الدم إذا جاوز العشرين ولم تدر كم كانت أيامها تدع الصلاة ثلاثة بعد العشرين ثم تصلي بالغسل إلى آخر الشهر ا ه.
ومثله في رسالة البركوي، فافهم.
قوله: (أو بمكان) أي علمت عدد أيام حيضها ونسيت مكانها على التعيين، والاصل أنها إذا أضلت أيامها في ضعفها أو أكثر فلا تيقن في يوم منها بحيض، بخلاف ما إذا أضلت في أقل من الضعف، مثلا إذا أضلت ثلاثة في خمسة تتيقن بالحيض في الثالث فإنه أول الحيض أو آخره.
فنقول: إن علمت أن أيامها ثلاثة فأضلتها في العشرة الاخيرة من الشهر ولا تدري في أي(1/309)
موضع من العشرة ولا رأي لها في ذلك تصلي ثلاثة أيام من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة للتردد بين الطهر والحيض، ثم تصلي بعدها إلى آخر الشهر بالغسل لوقت كل صلاة للتردد بين
الطهر والخروج من الحيض، وإن أربعة في عشرة تصلي أربعة من أول العشرة بالوضوء ثم بالاغتسال إلى آخر العشرة لما قلنا، وقس عليه الخمسة، وإن ستة في عشرة تتيقن بالحيض في الخامس والسادس، فتترك فيهما الصلاة وتصلي في الاربعة التي قبلهما بالوضوء وفي التي بعدهما بالغسل، وإن سبعة في عشرة تتيقن بالحيض في أربعة بعد الثلاثة الاو، وإن ثمانية فيها تتيقن به في ستة بعد الاولين، وإن تسعة فيها تتيقن به في ثمانية بعد الاول، فتترك الصلاة في المتيقن وتصلي بالوضوء فيما قبله وبالغسل فيما بعده لما قلناه.
بركوي وتاترخانية.
قوله: (أو بهما) أي العدد والمكان، بأن لم تعلم عدد أيامها ولا مكانها من الشهر، وحكمها ما ذكره بعده.
قوله: (وحاصله الخ) أي حاصل حكم المضلة بأنواعها، فقد صرح البركوي بأنه حكم الاضلال العام.
قوله: (أنها تتحرى) أي إن وقع تحريها على طهر تعطي حكم الطاهرات، وإن كان على حيض تعطي حكمه ا ه.
ح: أي لان غلبة الظن من الادلة الشرعية.
درر.
قوله: (ومتى ترددت) أي إن لم يغلب ظنها على شئ فعليها الاخذ بالاحوط في الاحكام.
بركوي.
قوله: (بين حيض الخ) أي لم يترجح عندها أنها متلبسة بالحيض أو أنها داخلة فيه أو أنها طاهرة بل تساوت الثلاثة في ظنها.
والظاهر أن قوله: ودخول فيه لا فائدة فيه، ولذا لم يذكره في البحر.
قوله: (تتوضأ لكل صلاة) لانها لما احتمل أنها طاهرة وأنها حائض فقد استوى فعل الصلاة وتركها في الحل والحرمة، والباب باب العبادة، فيحتاط فيها وتصلي، لانها إن صلتها وليست عليها يكون خيرا من أن تتركها وهي عليها.
تاترخانية.
ثم إن عبارة البحر والتاترخانية والبركوية: تتوضأ لوقت كل صلاة، فتنبه.
قوله: (وإن بينهما) أي بين الحيض والطهر كما في البحر، وقوله: والدخول فيه أي في الطهر، وعبر في البحر بالخروج عن الحيض، وهو بمعناه.
ومثال هذه القاعدة والتي قبلها: امرأة تذكر أن حيضها في كل شهر مرة وانقطاعة في النصف الاخير ولا تذكر غير ذلك، فإنها في النصف الاول تتردد بين الحيض والطهر، وفي الثاني بينهما والدخول في الطهر.
وأما إذا لم تذكر شيئا أصلا فهي مرددة في كل زمان بين الطهر والحيض، فحكمها حكم التردد بينهما والدخول في الطهر.
قوله: (تغتسل لكل صلاة) لجواز أنه وقت الخروج
من الحيض والدخول في الطهر كما في البحر.
قال في التاترخانية: وعن الفقيه أبي سهل أنها إذا غتسلت في وقت صلاة وصلت ثم اغتسلت في وقت الاخرى أعادت الالى قبل الوقتية، وهكذا تصنع في وقت كل صلاة احتياطا ا ه.
لاحتمال حيضها في وقت الاول وطهرها قبل خروجه، فيلزمها القضاء احتياطا، واختاره البركوي.
تنبيه تعبير الشارح بقوله: لكل صلاة موافق لما في البحر والفتح، وعبر البركوي في رسالته بقوله: لوقت كل صلاة.
وقال في حواشيه عليها: هذا استحسان، والقياس أن تغتسل في كل ساعة لانه ما من ساعة إلا ويحتمل أنه وقت خروجها من الحيض.
وقال السرخسي في المحيط(1/310)
والنسفي: الصحيح أنها تغتسل لكل صلاة، وفيما قالاه حرج بين، مع أن الاحتمال باق بما قالاه لجواز الانقطاع في أثناء الصلاة أو بعد الغسل قبل الشروع فيها، فاخترنا الاستحسان، وقد قال به البعض، وقدمه برهان الدين في المحيط، وتداركنا ذلك الاحتمال باختيار قول أبي سهل: إنها تعيد كل صلاة في وقت أخرى قبل الوقتية، فتتيقن بالطهارة في إحداهما لو وقعت في طهرا ه.
أقول: وهو تحقيق بالقبول حقيق.
قوله: (وتترك غير مؤكدة الخ) متعلق بقوله: وإن بينهما الخ ذكره ح وط.
أقول: وهو تخصيص بلا مخصص، إذ لا فرق يظهر ويحتاج إلى نقل فليراجع، وإنما لا تترك السنن المؤكدة ومثلها الواجب بالاولى، لكونها شرعت جبرا لنقصان يمكن في الفرائض، فيكون حكمها حكم الفرائض.
ثم اعلم أنها تقرأ في كل ركعة الفاتحة وسورة قصيرة، وتقرأ في الاخريين من الفرض الفاتحة في الصحيح، وتقرأ القنوت وسائر الدعوات.
بركوية وغيرها.
قوله: (ومسجدا وجماعا) أي تتركهما، بأن لا تدخل المسجد: أي إلا لطواف كما يعلم مما بعده، ولا تمكن زوجها من جماعها، وكذا لا تمس المصحف ولا تصوم تطوعا، وإن سمعت سجدة فسجدت للحال سقطت، لانها لو طاهرة صح أداؤها وإلا لم تلزمها، وإن أخرتها أعادتها بعد عشرة أيام للتيقن بالاداء في الطهر في إحدى المرتين، وإن كانت عليها صلاة فائتة فقضتها فعليها إعادتها بعد عشرة أيام قبل أن تزيد على خمسة عشر، وإلا
احتمل عود حيضها.
تاترخانية وبركويه وبحر.
قوله: (ثم تقضي عشرين يوما) أي لاحتمال أن الحيض عشرة أيام في رمضان وعشرة أيام في العشرين التي قضتها ا ه.
ح.
قوله: (إن علمت بدايته ليلا) لانه إن بدا ليلا ختم ليلا وبين الليلتين عشرة، فلم يفسد من صومها سوى عشرة أيام في رمضان وعشرة في القضاء ح.
قوله: (وإلا) أي وإن علمت بدايته نهارا، وذلك لانه إن بدأ نهارا ختنم نهار حادي عشر الاول، فيفسد أحد عشر يوما من صومها في رمضان ومثلها في القضاء ح.
ومثله ما إذا لم تعلم شيئا كما في الخزائن.
ثم اعمل أن هذا إن علمت أنها تحيض في كل شهر مرة، وإلا فإن لم تعلم أن ابتداء حيضها بالليل أو بالنهار، أو علمت أنه بالنهار وكان رمضان كاملا قضت اثنين وثلاثين إن قضت موصولا برمضان: أي في ثاني شوال، وإن مفصولا فثمانية وثلاثين، وإن كان رمضان ناقصا تقضي في الوصل اثنين وثلاثين، وفي الفصل سبعة وثلاثين، وإن علمت أن ابتداءه بالليل والشهر كامل تقضي في الوصل والفصل خمسة وعشرين، وإن كان ناقصا ففي الوصل عشرين وفي الفصل أربعة وعشرين.
وتمام المسائل في البركويه وتوجيهها في شرحنا عليها، وكذا في البحر لكن فيه تحريف وسقط فليتنبه له.
قوله: (ولصدر) بالتحريك: هو طواف الوداع، وهو واجب على غير المكي، وسكت عن طواف التحية لانه سنة فتتركه.
قوله: (ولا تعيده) لانها إن كانت طاهرة فقد سقط، وإلا فلا يجب(1/311)
على الحائض.
بحر.
قوله: (وتعتد لطلاق) وقيل لا يقدر لعدتها طهر ولا تنقضي عدتها أبدا.
قوله: (على المفتى به) أي على القول السابق المفتى به من أنه يقدر طهرها للعدة بشهرين، فتنقضي بسبعة أشهر لاحتياجها إلى ثلاثة أطهار بستة أشهر وثلاث حيضات بشهر.
وكتب الشارح في هامش الخزائن ما نصه: قوله وعليه الفتوى، كذا في النهاية والعناية والكفاية وفتح القدير، واختاره في البحر، وجزم به في النهر اه.
لكن في السراج عن الصيرفي: إنما تنقضي عدتها بسبعة أشهر وعشرة أيام إلا ساعة، لانه ربما يكون طلقها في أول الحيض فلا يحتسب بتلك الحيضة فتحتاج إلى ثلاثة أطهار وهي ستة أشهر وعشرة أيام إلا ساعة، وهي الساعة
التي مضت من الحيض الذوقع فيه الطلاق.
قوله: (ككدرة وترابية) اعلم أن ألوان الدماء ستة: هذان، والسواد، والحمرة، والصفرة، والخضرة.
ثم الكدرة ما هو كالماء الكدر، والترابية نوع من الكدرة على لون التراب بتشديد الياء وتخفيفها بغير همزة نسبة إلى التراب بمعنى التراب، والصفرة كصفرة القز والتبن أو السن على الاختلاف، ثم المعتبر حالة الرؤية لا حالة التغير، كما لو رأت بياضا فاصفر باليبس، أو رأت حمرة أو صفرة فابيضت باليبس.
وأنكر أبو يوسف الكدرة في أول الحيض دون آخره، ومنهم من أنكر الخضرة.
والصحيح أنها حيض من ذوات الاقراء، دون الآيسة.
وبعضهم قال: فيما عدا السواد والحمرة لو وجدته عجوز على الكرسف فهو حيض إن كانت مدة وضعه قريبة، وإلا فلا.
مطلب: لو أفتى مفت بشئ من هذه الاقوال في مواضع الضرورة طلبا للتيسير كان حسنا وفي المعراج عن فخر الائمة: لو أفتى مفت بشئ من هذه الاقوال في مواضع الضرورة طلبا للتيسير كان حسنا ا ه.
وخصه بالضرورة لان هذه الالوان كلها حيض في أيامه، لما في موطأ مالك كان النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض لتنظر إليه فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيض ا ه.
والدرجة: بضم الدال وفتح الجيم خرقة ونحوها تدخلها المرأة في فرجها لتعرف أزال الدم أم لا.
والقصة: بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة: الجصة، والمعنى أن تخرج الدرجة كأنها قصة لا يخالطها صفرة ولا تربية، وهو مجاز عن الانقطاع.
وفي شرح الوقاية: وضع الكرسف مستحب للبكر في الحيض والثيب في كل حال، وموضعه موضع البكارة، ويكره في الفرج الداخل ا ه.
وفي غيره أنه سنة للثيب في الحيض مستحب في الطهر، ولو صلتا بدونه جاز ا ه.
ملخصا من البحر وغيره.
والكرسف: بضم الكاف والسين المهملة بينهما راء ساكنة القطن.
وفي اصطلاح الفقهاء: ما يوضع على فم الفرج.
قوله: (في مدته) احتراز عما تراه الصغيرة، وكذا الآيسة في كل
ما تراه مطلقا أو سوى الدم الخالص على ما سيأتي.
قوله: (المعتادة) احتراز عما زاد على العادة وجاوز العشرة فإنه ليس بحيض.
قوله: (ولو المرئي طهرا الخ) مرادهم بالطهر هنا: النقاء بالمد: أي عدم الدم.(1/312)
ثم اعلم أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان خمسة عشر يوما فأكثر يكون فاصلا بين الدمين في الحيض اتفاقا، فما بلغ من كل من الدمين نصابا جعل حيضا، وأنه إذا كان أقل من ثلاثة أيام لا يكون فاصلا، وإن كان أكثر من الدمين اتفاقا.
واختلفوا فيما بين ذلك على ستة أقوال كلها رويت عن الامام، أشهرها ثلاثة: الاولى: قول أبي يوسف: إن الطهر المتخلل بين الدمين لا يفصل، بل يكون كالدم المتوالي بشرط إحاطة الدم لطرفي الطهر المتخلل، فيجوز بداية الحيض بالطهر وختمه به أيضا، فلو رأت مبتدأة يوما دما وأربعة عشر طهرا ويوما دما فالعشرة الاولى حيض، ولو رأت المعتادة قبل عادتها يوما دما وعشرة طهرا ويوما دما فالعشرة التي لم تر فيها الدم حيض، إن كانت عادتها وإلا ردت إلى أيام عادتها.
الثانية: أن الشرط إحاطة الدم لطرفي مدة الحيض، فلا يجوز بداية الحيض بالطهر ولا ختمه به، فلو رأت مبتدأة يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما فالعشر حيض، ولو رأت معتادة قبل عادتها يوما دما وتسعة طهرا ويوما دما لا يكون شئ منه حيضا، وكذا النفاس على هذا الاعتبار.
الثالثة: قول محمد: إن الشرط أن يكون الطهر مثل الدمين أو أقل في مدة الحيض، فلو كان أكثر فصل، لكن ينظر إن كان في كل من الجانبين ما يمكن أن يجعل حيضا فالسابق حيض، ولو في أحدهما فهو الحيض والآخر استحاضة، وإلا فالكل استحاضة.
ولا يجوز بدء الحيض بالطهر ولا ختمه به، فلو رأت مبتدأة يوما دما ويومين طهرا ويوما دما فالاربعة حيض، لان الطهر المتخلل دون ثلاث وهو لا يفصل اتفاقا كما مر، ولو رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويومين دما فالستة حيض للاستواء، ولو رأت ثلاثة دما وخمسة طهرا ويوما دما فالثلاثة حيض لغلبة الطهر فصار فاصلا والمتقدم
أمكن جعله حيضا.
هذا خلاصة ما في شروح الهداية وغيرها.
وقد صحح قول محمد في المبسوط والمحيط، وعليه الفتوى.
وفي الهداية: الاخذ بقول أبي يوسف أيسر ا ه.
وكثير من المتأخرين أفتوا به لانه أسهل على المفتي والمستفتي.
سراج.
وهو الاولى.
فتح.
وهو قول أبي حنيفة الآخر.
نهاية.
وأما الرواية الثانية، ففي البحر قد اختارها أصحاب المتون، لكن لم تصحح في الشروح.
تتمة: الطهر المتخلل بين الاربعين في النفاس لا يفصل عند أبي حنيفة سواء كان خمسة عشر أو أقل أو أكثر، ويجعل إحاطة الدمين بطرفيه كالدم المتوالي، وعليه الفتوى.
وعندهما الخمسة عشر تفصل، فلو رأت بعد الولادة يوما دما وثمانية وثلاثين طهرا ويوما دما، فعنده الاربعون نفاس، وعندهما الدم الاول، ولو رأت من بلغت بالحبل بعد الولادة خمسة دما ثم خمسة عشر طهرا ثم خمسة دما ثم خمسة عشر طهرا ثم استمر الدم، فعنده نفاسها خمسة وعشرون، وعندهما نفاسها الخمسة الاولى وحيضها الخمسة الثانية، وتمامه في التاترخانيه.
قوله: (فيها) أي في مدة الحيض.
قوله: (حيض) خبر المبتدأ وهو قوله: وما تراه.
قوله: (وعليه المتون) أي على أن الشرط في جعل الطهر المتخلل بين الدمين حيضا كون الدمين المحيطين في مدة الحيض لا في مدة الطهر.
قوله: (فليحفظ) أشار إلى أن اختيار أصحاب المتون له ترجيح.
أقول: لكنه تصحيح التزامي، وقد صرح العلامة قاسم بأن التصحيح مقدم على الالتزامي.(1/313)
قوله: (ثم ذكر أحكامه) أي بعضها، وإلا فقد أوصلها في البحر إلى اثنين وعشرين: منها أنه يمنع صحة الطهارة إلا التي يقصد بها التنظيف كأغسال الحج، ولا يحرمها لقولهم: يستحب لها أن تتوضأ كل صلاة وتقعد على مصلاها تسبح وتهلل وتكبر بقدر أدائها، كي لا تنس عادتها.
وفي رواية: يكتب لها ثواب أحسن صلاة كانت تصلي، وأنه يمنع الاعتكاف، ويمنع صحته، ويفسده إذا طرأ عليه، ويمنع وجوب طواف الصدر ويحرم الطلاق، وتبلغ به الصبية، ويتعلق به انقضاء العدة والاستبراء، ويوجب الغسل بشرط الانقطاع، ولا يقطع التتابع في صوم كفارة القتل والفطر، بخلاف كفارة اليمين ونحوها، وكل أحكامه تتعلق بالنفاس إلا خمسة أو سبعة، على ما سيأتي.
قوله: (يمنع)
أي الحيض وكذا النفاس.
خزائن.
قوله: (صلاة) أي يمنع صحتها ويحرمها، وهل يمنع وجوبها لعدم فائدته وهي الاداء أو القضاء أم لا؟ وتسقط للحرج خلافا، وعامتهم على الاول، وبسطنا الكلام على ذلك فيما علقناه على البحر.
قوله: (مطلقا) أي كلا أو بعضا، لان منع الشئ منع لابعاضه.
نهر.
قوله: (ولو سجدة شكر) أي أو تلاوة فيمنع صحتهما ويحرمهما.
بحر.
قوله: (وصوما) أي يحرمه ويمنع صحته لا وجوبه، فلذا تقضيه.
قوله: (وجماعا) أي يحرمه، وكذا ما في حكمه كما يأتي.
قوله: (وتقضيه) أي الصوم على التراخي في الاصح.
خزائن.
وعزاه في هامشها إلى منلا مسكين وغيره.
قوله: (للحرج) علة لقوله دونها: أي لان في قضاء الصلاة حرجا بتكررها في كل يوم وتكرر الحيض في كل شهر، بخلاف الصوم فإنه يجب في السنة شهرا واحدا وعليه انعقد الاجماع لحديث عائشة في الكتب الستة وتمامه في البحر.
وفيه: وهل يكره لها قضاء الصلاة؟ لم أره صريحا، وينبغي أن يكون خلاف الاولى.
قال في النهر: يدل عليه قولهم: لو غسل رأسه بدل المسح كره ا ه.
تأمل.
وهل يكره لها التشبه بالصوم أم لا؟ مال بعض المحققين إلى الاول، لان الصوم لها حرام فالتشبه به مثله.
واعترض بأنه يستحب لها الوضوء والقعود في مصلاها، وهو تشبه بالصلاة ا ه.
تأمل.
قوله: (ولو شرعت تطوعا فيهما) أي في الصلاة والصوم، أما الفرض ففي الصوم تقضيه دون الصلاة وإن مضى من الوقت ما يمكنها أداؤها فيه لان العبرة عندنا لآخر الوقت، كما في المنبع.
قوله: (فحاضت) أي في أثنائهما.
قوله: (قضتهما) للزومهما بالشروع.
قوله: (خلافا لما زعمه صدر الشريعة) أي من أنه يجب قضاء نفل الصلاة لا نفل الصوم ط.
قوله: (بحر) ذكره في البحر قبيل قول المتن والطهر المتخلل بين الدمين في المدة حيض ونفاس ونقل التسوية بينهما عن الفتح والنهاية والاسبيجابي، ثم قال: فتبين أن ما في شرح الوقاية من الفرق بينهما غير صحيح ا ه.
قوله: (وبعكسه) أي عكس التصوير المذكور، بأن نامت حائضا وقامت طاهرة: أي وضعت الكرسف ونامت، فلما أصبحت رأت عليه الطهر، لا عكس الحكم، لانه بينه بقوله: مذ نامت أي حكم بحيضها من حين نامت، فافهم.
قوله: (احتياطا) أي في الصورتين، فتقضي العشاء فيهما إن لم تكن صلتها كما في البحر، حتى لو نامت قبل انقضاء الوقت ثم انتبهت بعد خروجه حائضا يجب
عليها قضاء تلك الصلاة لانا جعلناها طاهرة في آخر الوقت حيث لم نحكم بحيضها إلا بعد(1/314)
خروجه، ولو نامت حائضا وانتبهت طاهرة بعد الوقت يجب عليها قضاء تلك الصلاة التي نامت عنها، لانا جعلناها طاهرة من حين نامت، وحيث حكمنا بطهارتها في آخر الوقت وجب القضاء، ولان الدم حادث، والاصل فيه أن يضاف إلى أقرب أوقاته فتجعل حائضا مذ قامت، والانقطاع عدم، وهو الاصل فلا يحكم بخلافه إلا بدليل وليعلم درور الدم في نومها فجعلت طاهرة مذ نامت، فقد ظهر أن الاحتياط في الوجهيلا في العكس فقط.
رحمتي فافهم، نعم في قول الشارح وبعكسه مذ نامت إيهام والمراد أنه يحكم بأنها كانت حائضا حين نومها وطهرت قبل خروج الوقت، ولو قال حكم بطهرها مذ نامت وكذا في عكسه لكان أوضح.
قوله: (ويمنع حل) قدر لفظة حل هنا وفيما بعده، لان ما قبله المنع فيه من الحل والصحة فلذا أطلق المنع فيه.
قوله: (دخول مسجد) أي ولو مسجد مدرسة أو دار لا يمنع أهلها الناس من الصلاة فيه وكانا لو أغلقا يكون له جماعة منهم، وإلا فلا تثبت له أحكام المسجد كما قدمناه في بحث الغسل عن الخانية والقنية.
وخرج مصلي العبد والجنازة وإن كان لهما حكم المسجد في صحة الاقتداء مع عدم اتصال الصفوف، وأفاد منع الدخول ولو للمرور، وقدم في الغسل تقييده بعدم الضرورة بأن كان بابه إلى المسجد ولا يمكنه تحويله ولا السكنى في غيره، وذكرنا هناك أن الظاهر حينئذ أنه يجب التيمم للمرور: أخذا مما في العناية عن المبسوط: مسافر مر بمسجد فيه عين ماء وهو جنب ولا يجد غيره، فإنه يتيمم لدخول المسجد عندنا ا ه.
وكذا لو مكث في المسجد خوف من الخروج.
بخلاف ما لو احتلم فيه وأمكنه الخروج مسرعا فإنه يندب له التيمم لظهور الفرق بين الدخول والخروج.
قوله: (وحل الطواف) لان الطهارة له واجبة فيكره تحريما وإن صح كما في البحر وغيره.
قوله: (ولو بعد دخولها المسجد) أي ولو عرض الحيض بعد دخولها المسجد فعدم الحل ذاتي له لا لعلة دخول المسجد ط، حتى لو لم يكن في المسجد لا يحل.
نهر.
قوله: (وقربان ما تحت إزار) من إضافة المصدر إلى مفعوله، والتقدير:
ويمنع الحيض قربان زوجها ما تحت إزارها، كما في البحر.
قوله: (يعني ما بين سرة وركبة) فيجوز الاستمتاع بالسرة وما فوقها والركبة وما تحتها ولو بلا حائل، وكذا بما بينهما بحائل بغير الوطئ ولو تلطخ دما، ولا يكره طبخها ولا استعمال ما مسته من عجين أو ماء أو نحوهما إلا إذا توضأت بقصد القربة كما هو المستحب فإنه يصير مستعملا.
وفي الولوالجية: ولا ينبغي أن يعزل عن فراشها ذلك يشبه فعل اليهود.
بحر.
وفي السراج: يكره أن يعزلها في موضع لا يخالطها فيه.
هذا، واعلم أن المصرح به عندنا في كتاب الحظر والاباحة أن الركبة من العورة، ومقتضاه كما أفاده الرحمتي حرمة الاستمتاع بالركبة، لاستدلالهم هنا بقوله عليه الصلاة والسلام: ما دون الازار ومحله العورة التي يدخل فيها الركبة.
تأمل.
قوله: (مطلقا) أي بشهوة أو لا؟.
قوله: (وهل يحل النظر) أي بشهوة، وهذا كالاستثناء من عموم حل ما عدا القربان، وأصل التردد لصاحب البحر(1/315)
حيث ذكر أن بعضهم عبر بالاستمتاع فيشمل النظر، وبعضهم بالمباشرة فلا يشمله، ومال إلى الثاني، ومال أخوه في النهر إلى الاول، وانتصر العلامة ح.
للاول.
وأقول: فيه نظر، فإن من عبر بالمباشرة: أي التقاء بالبشرة ساكت عن النظر، ومن عبر بالاستمتاع مانع للنظر، فيؤخذ به لتقدمه على المفهوم، على أنه نقل في الحقائق في باب الاستحسان عن التحفة، والخانية: يجتنب الرجل من الحائض ما تحت الازار عند الامام.
وقال محمد يجتنب شعار الدم: يعني الجماع فقط.
ثم اختلفوا في تفسير قول الامام: قيل لا يباح الاستمتاع من النظر ونحوه بما دون السرة إلى الركبة ويباح ما وراءه، وقيل يباح مع الازار ا ه.
ولا يخفى أن الاول صريح في عدم حل النظر إلى ما تحت الازار، والثاني قريب منه، وليس بعد النقل إلا الرجوع إليه، فافهم.
قوله: (ومباشرتها له) سبب تردده في المباشرة تردد البحر فيها، حيث قال: ولم أر لهم حكم مباشرتها له.
ولقائل أن يمنعه بأنه لما حرم تمكينها من استمتاعه بها حرم فعلها به بالاولى.
ولقائل أن يجوزه بأن حرمته عليه لكونها حائضا، وهو مفقود في حقه فحل لها الاستمتاع به، ولان غاية مسها لذكره أنه استمتاع بكفها وهو جائز قطعا ا ه.
واستظهر في النهر: الثاني، لكن فيما إذا كانت مباشرتها له بما بين سرته وركبته، كما إذا وضعت يدها على فرجه، كما اقتضاه كلام البحر، لا إذا كانت بما بين سرتها وركبتها، كما إذا وضعت فرجها على يده، فهذا كما ترى تحقيق لكلام البحر لا اعتراض عليه، فافهم، وهو تحقيق وجيه لانه يجوز له أن يلمس بجميع بدنه حتى بذكره جميع بدنها إلا ما تحت الازار، فكذا هي لها أن تلمس بجميع بدنها إلا ما تحت الازار جميع بدنه حتى ذكره، وإلا فلو كان لمسها لذكره حراما لحرم عليها تمكينه من لمسه بذكره لما عدا ما تحت الازار منها، وإذا حرم عليه مباشرة ما تحت إزارها حرم عليها تمكينه منها فيحرم عليها مباشرتها له بما تحت إزارها بالاولى.
قوله: (وقراءة قرآن) أي ولو دون آية من المركبات لا المفردات، لانه جوز للحائض المعلمة تعليمه كلمة كلمة كما قدمناه، وكالقرآن التوراة والانجيل والزبور كما قدمه المصنف.
قوله: (بقصده) فلو قرأت الفاتحة على وجه الدعاء أو شيئا من الآيات التي فيها معنى الدعاء ولم ترد القراءة لا بأس به كما قدمناه عن العيون لابي الليث، وأن مفهومه أن ما ليس فيه معنى الدعاء كسورة أبي لهب لا يؤثر فيه قصد غير القرآنية.
قوله: (ومسه) أي القرآن ولو في لوح أو درهم أو حائط، لكن لا يمنع إلا من مس المكتوب، بخلاف المصحف فلا يجوز مس الجلد وموضع البياض منه.
وقال بعضهم: يجوز، وهذا أقرب إلى القياس، والمنع أقرب إلى التعظيم كما في البحر: أي والصحيح المنع كما نذكره، ومثل القرآن سائر الكتب السماوية كما قدمناه عن القهستاني وغيره، وفي التفسير والكتب الشرعية خلاف مر.
قوله: (إلا بغلافه المنفصل) أي كالجراب والخريطة دون المتصل كالجلد المشرز هو الصحيح، وعليه الفتوى، لان الجلد تبع له.
سراج.
وقدمنا أن الخريطة الكيس.
أقول: ومثلها صندوق الربعة، وهل مثلها كرسي المصحف إذا سمر به؟ يراجع.
قوله: (وكذا يمنع حمله) تبع فيه صاحب البحر حيث ذكره عند تعداد أحكام الحيض.
وفيه أنه إن أراد به حمله استقلالا أغنى عنه ذكر المس، أو تبعا فلا يمنع منه.(1/316)
ففي الحلية عن المحيط: لو كان المصحف في صندوق فلا بأس للجنب أن يحمله، وفيها قالوا: لا بأس بأن يحمل خرجا فيه مصحف.
وقال بعضهم: يكره، وقال آخر: يكره أخذ زمام الابل التي عليها المصحف.
قال المحبوبي: ولكنه بعيد، وهو كما قال ا.
ه.
أقول: وقد يقال: يمكن تصوير الحمل بدون مس وتبعية كحمله مربوطا بخيط مثلا، لكن الظاهر جوازه.
تأمل.
قوله: (فيه آية) قدي بالآية لانه لو كتب ما دون الآية لم يكره مسه كما في القهستاني ح.
قوله: (ولا بأس) يشير إلى أن وضوء الجنب لهذه الاشياء مستحب كوضوء المحدث وقد تقدم ح: أي لان ما لا بأس فيه يستحب خلافه، لكن استثنى من ذلك ط.
الاكل والشرب بعد المضمضة والغسل، بدليل قول الشارح وأما قبلهما فيكره.
قوله: (بقراءة أدعية الخ) شمل دعاء القنوت، وهو ظاهر المذهب كما قدمناه.
قوله: (فيكره لجنب) لانه يصير شاربا للماء المستعمل: أي وهو مكروه تنزيها، ويده لا تخلو عن النجاسة فينبغي غسلها ثم يأكل.
بدائع.
وظاهر التعليل أن استحباب المضمضة لاجل الشرب وغسل اليد لاجل الاكل، فلا يكره الشرب بلا غسل يد ولا الاكل بلا مضمضة، وعليه ففي كلام المتن لف ونشر مشوش، لكن قال في الخلاصة: إذا أراد الجنب أن يأكل فالمستحب له أن يغسل يديه ويتمضمض ا ه.
تأمل.
وذكر في الحلية عن أبي داود وغيره: أنه عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل كفيه وفي رواية مسلم: يتوضأ وضوءه للصلاة.
قوله: (لا حائض) في الخانية قيل إنها كالجنب.
وقيل لا يستحب، لان الغسل لا يزيل نجاسة الحيض عن الفم واليد، بخلاف الجنابة ا ه.
أقول: ينبغي أن يستحب لها غسل اليد للاكل بلا خلاف لانه يستحب للطاهر فهي أولى، ولذا قال في الخلاصة: إذا أرادت أن تأكل تغسل يديها وفي المضمضة خلاف.
قوله: (ما لم تخاطب بغسل) أي لا يكره لها مدة عدم خطابها التكليفي بالغسل، وذا إنما يكون بعد الطهارة من الحيض.
قوله: (الكراهة) أي التحريمية ط.
قوله: (وهو أحوط) وقدمنا عن الخانية أنه ظاهر الرواية، وعزاه في الخلاصة إلى عامة المشايخ قال في البحر: فكان أولى، وقدمنا عن الفتح أن التقييد بالكم
اتفاقي، فإنه لا يجوز مسه بغير الكم أيضا من بعض ثياب البدن.
قوله: (إذا انقطع حيضها لاكثره) مثله النفاس، وحل الوطئ بعد الاكثر ليس بمتوقف على انقطاع الدم، صرح به في العناية والنهاية وغيرهما، وإنما ذكره ليبني عليه ما بعده.
قال ط: ويؤخذ منه جواز الوطئ حال نزول دم الاستحاضة ا ه.
وقدمنا عن البحر أنه يجوز الاستمتاع بما بين السرة والركبة بحائل بغير الوطئ ولو تلطخ دما ا ه.
وهذا في الحائض، فيدل على جواز وطئ المستحاضة وإن تلطخ دما، وسيأتي ما يؤيده، فافهم.
قوله: (وجوبا) منصوب بعامل محذوف: أي بلا غسل يجب وجوبا، ومثله(1/317)
قوله: بل ندبا.
قوله: (بل ندبا) لان قراءة.
حتى يطهرن.
بالتشديد تقتضي حرمة الوطئ إلى غاية الاغتسال، فحملناها على ما إذا كان أيامها أقل من عشرة دفعا للتعارض بين القراءتين، فظاهره يورث شبهة فلهذا لا يستحب.
نوح عن الكافي.
قوله: (لدون أقله) أي أقل الحيض وهو ثلاثة أيام.
قوله: (في آخر الوقت) أي وجوبا.
بركوي.
والمراد آخر الوقت المستحب دون المكروه كما هو ظاهر سياق كلام الدرر وصدر الشريعة.
قال ط: وأهمل الشارح حكم الجماع، ويظهر عدم حله بدليل مسألة الانقطاع على الاقل وهو دون العادة.
قلت: قد يفرق بين تحقق الحيض وعدمه، وانظر ما نذكره قبييل قوله: والنفاس لام التوأمين.
قوله: (وإن لاقله) اللام بمعنى بعد ط.
قوله: (لم يحل) أي الوطئ وإن اغتسلت، لان العود في العادة غالب.
بحر.
قوله: (وتغتسل وتصلي) أي في آخر الوقت المستحب.
وتأخيره إليه واجب هنا، أما في صورة الانقطاع لتمام العادة فإنه مستحب كما في النهاية والفتح وغيرهما.
قوله: (احتياطا) علة للافعال الثلاثة.
قوله: (وإن لعادتها) وكذا لو كانت مبتدأة.
درر.
قوله: (حل في الحال) لانه لا اغتسال عليها لعدم الخطاب، فإن أسلمت بعد الانقطاع لا تتغير الاحكام، وتمامه في البحر.
قوله: (حتى تغتسل) قد علمت أنه يستحب لها تأخيره إلى آخر الوقت المستحب دون المكروه.
قال في المبسوط: نص عليه محمد في الاصل، قال إذا انقطع في وقت العشاء تؤخر إلى وقت يمكنها أن تغتسل فيه وتصلي قبل انتصاف الليل، وما بعد نصف الليل مكروه.
بحر.
قوله:
(بشرطه) هو فقد الماء والصلاة به على الصحيح كما يعلم من النهر وغيره، وبهذا ظهر أن المراد التيمم الكام المبيح للصلاة مع الصلاة به أيضا، ولعل وجه شرطهم الصلاة به هو أن من شروط التيمم عدم الحيض، فإذا صلت به وحكم الشرعي بصحة صلاتها يكون حكما بصحة تيممها وبأنها تخرج به من الحيض، كما يحكم بخروجها من الحيض، وبقائها بمنزلة الجنب فيما إذا انقطع لتمام العشرة أو صارت الصلاة دينا في ذمتها لحكم الشرع عليها بحكم من أحكام الطاهرات.
ولهذا يحل لزوجها أن يقربها وإن لم تغتسل كما يأتي تقريره.
وقد ظهر بما قررناه صحة ما ذكره في الظهيرية من أنه يجوز للحائض التيمم لصلاة الجنازة والعيد إذا طهرت من الحيض إذا كان أيام حيضها عشرة.
وإن كان أقل فلا اه.
فشرط الجواز تيممها لصلاة الجنازة أو العيد انقطاع الحيض لتمام العشرة، لان المراد بهذا التيمم هو التيمم الناقص الذي يكون عند وجود الماء لخوف فوت صلاة تفوت لا إلى بدل، وإنما كان ناقصا لانه لا يصلي به الفرض، بل يبطل بعد الفراغ من تلك الصلاة، حتى لو حضرت جنازة أخرى لا يصح الصلاة عليها بهذا التيمم على ما مر تقريره في محله، وإذا كان هذا التيمم ناقصا فلا تخرج به الحائض من الحيض لما علمت من اعتبار التيمم بشرطه مع الصلاة معه.
وأما إذا انقطع حيضها لتمام العشرة فيجوز تيممها لصلاة الجنازة أو العيد، لانها خرجت من الحيض بالانقطاع المذكور، فلو انقطع لاقل من العشرة لا يجوز لها أن تتيمم للجنازة أو العيد مع(1/318)
وجود الماء، ولا تصح الصلاة به لانه ناقض لا تخرج به من الحيض.
ومن شروط صحة التيمم عدم المنافي، والحيض مناف لصحته.
أما إذا انقطع لتمام العشرة فقد خرجت من الحيض وصارت كالجنب فيصح تيممها المذكور كما يصح من الجنب، فكلام الظهيرية صحيح لا غبار عليه كما أوضحناه هنا وفي باب التيمم، لكن ينبغي تقييد قوله: وإلا فلا بما إذا انقطع لدون العشرة ولم تصر الصلاة دينا في ذمتها، إذ لو انقطع لدون العشرة ولتمام عادتها ومضى عليها وقت صلاة خرجت من الحيض، وجاز لزوجها قربانها.
فينبغي صحة تيممها للجنازة.
تأمل.
قوله: (يسع الغسل) أي مع مقدماته كالاستقاء وخلع الثوب والتستر عن الاعين.
وفي شرح البزدوي: ولم يذكروا أن المراد به الغسل المسنون أو الفرض والظاهر الفرض لانه يثبت به رجحان جانب الطهارة ا ه.
كذا في شرح التحرير لابن أمير حاج.
قوله: (والتحريمة وهي الله عند أبي حنيفة والله أكبر عند أبي يوسف، والفتوى على الاول كما في المضمرات.
قهستاني.
قوله: (يعني من آخر وقت الصلاة الخ) اعلم أنه إذا انقطع دم الحائض لاقل من عشرة وكان لتمام عادتها فإنه لا يحل وطؤها إلا بعد الاغتسال أو التيمم بشرطه كما مر، لانها صارت طاهرة حقيقة أو بعد أن تصير الصلاة دينا في ذمتها، وذلك بأن ينقطع ويمضي عليها أدنى وقت صلاة من آخره، وهو قدر ما يسع الغسل واللبس والتحريمة، سواء كان الانقطاع قبل الوقت أو في أو قبيل آخره بهذا القدر، فإذا انقطع قبل الظهر مثلا أو في أول وقته لا يحل وطؤها حتى يدخل وقت العصر.
لانها لما مضى عليها من آخر الوقت ذلك القدر صارت الصلاة دينا في ذمتها، لان المعتبر في الوجوب آخر الوقت، وإذا صارت الصلاة دينا في ذمتها صارت طاهرة حكما، لانها لا تجب في الذمة إلا بعد الحكم عليها بالطهارة، وكذا لو انقطع في آخره وكان بين الانقطاع وبين وقت العصر ذلك القدر فله وطؤها بعد دخول وقت العصر لما قلنا.
أما إذا كان بينهما دون ذلك فلا يحل إلا بعد الغروب لصيرورة صلاة العصر دينا في ذمتها دون صلاة الظهر، لانها لم تدرك من وقتها ما يمكنها الشروع فيه.
فإذا علمت ذلك ظهر لك أن عبارة المصنف موهمة وليست على إطلاقها، لانها توهم أنه يحل بمضي ذلك القدر سواء كان في وقت صلاة أوفي وقت مهملة وهو ما بعد الطلوع إلى الزوال.
وسواء كان في أول الوقت أو في آخره، مع أنه لا عبرة للوقت المهمل ولا لاول وقت الصلاة كما صرح به ابن الكمال ودل عليه التعليل بوجوبها دينا في ذمتها، فإنها لا تجب كذلك إلا بخروج وقتها، خلافا لما غلط فيه بعضهم كما نبه عليه في الفتح والبحر، فلذا قال الشارح يعني من آخر وقت الصلاة للاحتراز عنهما، وأتي بالعناية التي يؤتى بها في موضع الخفاء لمذكرنا من الابهام، ولو عبر المصنف كما عبر البركوي بقوله: أو تصير صلاة دينا فذمتها، لكان أخصر وأظهر، ولكنه
قصد التنبيه على ما به تصير الصلاة دينا في ذمتها، وهو مضي هذا الزمان من آخر الوقت، ثم هذا كله إذا لم يتم أكثر المدة قبل الغسل كما في البركويه، فلو تم لها عشرة أيام قبل خروج الوقت والغسل لا يحتاج إلى مضي هذا الزمن.
تنبيه إنما حل وطؤها بعد الحكم عليها بالطهارة بصيرورة الصلاة دينا في ذمتها، لانها صارت(1/319)
كالجنب وخرجت من الحيض حكما، وبه يعلم أنه يجوز لها قراءة القرآن كما نقله ط عن البرجندي، بخلاف ما إذا اغتسل، وحيث صارت كالجنب فينبغي أن يجوز لها التيمم لصلاة جنازة أو عيد خافت فوتها، كما يجوز ذلك للجنب كما قررناه آنفا.
قوله: (الاصح لا) أي فلو انقطع قبل الصبح في رمضان بقدر ما يسع الغسل فقط لزمها صوم ذلك اليوم، ولا يلزمها قضاء العشاء ما لم تدرك قدر تحريمة الصلاة أيضا، وهذا ما صححه في المجتبى.
ونقل بعده في البحر عن التوشيح والسراج أنه لا يجزيها صوم ذلك اليوم إذا لم يبق من الوقت قدر الاغتسال والتحريمة لانه لا يحكم بطهارتها إلا بهذا، وإن بقي قدرهما يجزيها لان العشاء صارت دينا عليها، وأنه من حكم الطاهرات فحكم بطهارتها ضرورة ا ه.
ونحوه في الزيلعي.
وقال في البحر: وهذا هو الحق فيما يظهر ا ه.
قال في النهر: وفيه نظر، ولم يبين وجهه.
أقول: ولعله أن الصوم يمكن إنشاؤه في النهار، فلا يتوقف وجوبه على إدراكها أكثر مما يزيد على قدر الغسل، بخلاف الصلاة لكن فيه أنه لو أجزأها الصوم بمجرد إدراك قدر الغسل لزم أن يحكم بطهارتها من الحيض، لان الصوم لا يجزي من الحائض، ولزم أن يحل وطؤها لو كانا مسافرين في رمضان مع أنه خلاف ما أطبقوا عليه، من أنه لا يحل ما لم تجب الصلاة دينا في ذمتها، ولا تجب إلا بإدراك الغسل والتحريمة، فالذي يظهر ما قال في البحر أنه الحق.
ثم لا يخفى أن لبس الثياب مثل التحريمة، إذ لا تجب الصلاة بدونه كما مر، لكن هذا على القول باشتراط التحريمة لا على ما صححه الشارح تبعا للمجتبى، فافهم.
قوله: (وهي) أي التحريمة: أي زمانها من الطهر: أي من زمنه.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان الانقطاع لاكثر الحيض أو لدون ذلك ح.
قوله: (وكذا الغسل)
أي الغسل مثل التحريمة في أنه من الطهر لولا انقطاع لاكثره، ولو لاقله فلا، بل هو من الحيض، لكن هذا في حق القربان، والانقطاع الرجعة وجواز التزوج بآخر لا في حق جميع الاحكام، ألا ترى أنها إذا طهرت عقب غيبوبة الشفق ثم اغتسلت عند الفجر الكاذب ثم رأت الدم في الليلة السادسة عشرة بعد زوال الشفق فهو طهر تام وإن لم يتم خمسة عشر من وقت الاغتسال؟ ا ه.
بحر عن المجتبى: أي لو انقطع دمهالتمام العشرة حل لزوجها قربانها قبل الغسل، لان زمن الغسل حينئذ من الطهر فصا واطئا في الطهر، وكذا تنقطع الرجعة بمجرد طهرها بتمام العشرة في الحيضة الثالثة لو كانت مطلقة طلاقا رجعيا.
ويجوز لها التزوج بآخر لانها بانت من الاول بانقضاء العدة.
وأما لو كان الانقطاع لدون العشرة ولتمام عادتها فلا تثبت هذه الاحكام ما لم تغتسل، لان زمن الغسل حينئذ من الحيض، فلو وطئها زوجها قبل الغسل كان واطئا في زمن الحيض، وكذا لا تنقضي عدتها ما لم تغتسل، وأما في حق بقية الاحكام فيشترط الغسل، ففي مثل الصلاة أو الصوم يجب عليها وإن لم تغتسل لكن بشرط إدراك زمن التحريمة.
قوله: (فتقضي الخ) أي إذا علمت أن زمن التحريمة من الطهر مطلقا وأن زمن الغسل من الحيض في الانقطاع لاقله فتقضي الصلاة إن بقي قدر الغسل والتحريمة، فلا يكفي إدراك قدر الغسل فقط، بل لا بد من إدراك قدر التحريمة أيضا: أي ولبس الثياب كما مر.
قوله: (ولو لعشرة الخ) أي ولو انقطع لعشرة، فتقضي الصلاة إن بقي قدر التحريمة فقط.(1/320)
والحاصل أن زمن الغسل من الحيض لو انقطع لاقله لانها إنما تطهر بعد الغسل، فإذا أدركت من آخر الوقت قدر ما يسع الغسل فقط لم يجب عليها قضاء تلك الصلاة لانها لم تخرج من الحيض في الوقت، بخلاف ما إذا كان يسع التحريمة أيضا، لان التحريمة من الطهر فيجب القضاء.
وأما إذا انقطع لاكثره فإنها تخرج من الحيض بمجرد ذلك، فيكون زمن الغسل من الطهر وإلا لزم أن تزيد مدة الحيض على العشرة، فإذا أدركت من آخر الوقت قدر التحريمة وجب القضاء وإن لم تتمكن من الغسل، لانها أدركت بعد الخروج من الحيض جزءا من الوقت، وإنما حل الوطئ في الانقطاع لاكثره مطلقا لتوقفه على الخروج من الحيض وقد وجد، بخلاف وجوب الصلاة لتوقفه على إدراك
جزء آخر بعده.
قوله: (ووطؤها) أي الحائض.
قال في الشرنبلالية: ولم أر حكم وطئ النفساء من حيث التكفير، أما الحرمة فمصرح بها ا ه.
واعترضه الشارح في هامش الخزائن بقوله: وأقول قد قدم قبل ذلك أن النفساء كالحائض في الاحكام، وقال في الجوهرة والسراج والوهاج والضياء المعنوي وغيرها: وحكم النفاس حكم الحيض في كل شئ إلا فيما استثني.
وهذا صريح في إفادة هذا الحكم لهذه المسألة، لانها ليس مما استثني كما لا يخفى على المتتبع فتنبه ا ه.
أقول: والمستثنيات سبع تأتي.
قوله: (كما جزم به غير واحد) أي جماعة ذوو عدد منهم صاحب المبسوط والاختيار والفتح كما في البحر.
قوله: (وكذا مستحل وطئ الدبر) أي دبر الحليلة، أما دبر الغلام فالظاهر عدم جريان الخلاف في التكفير وإن كان التعليل الآتي يظهر فيه ط: أي قوله: لانه حرام لغيره.
أقول: وسيأتي في كتاب الاكراه أن اللواطة أشد حرمة من الزنا، لانها لم تبح بطريق ما، ولكون قبحها عقليا، ولذا لا تكون في الجنة على الصحيح ا ه.
قوله: (خلاصة) لم يذكر في البحر عن الخلاصة مسألة وط الدبر.
قوله: (فلعله يفيد التوفيق) أي بحمل القول بكفره على استحلال اللواطة بغير المذكورين والقول بعدمه عليهم.
قوله: (لانه حرام لغيره) أي حرمته لا لعينه، بل لامر راجع إلى شئ خارج عنه وهو الايذاء.
قال في البحر عن الخلاصة: من اعتقد الحرام حلالا أو على القلب يكفر إذا كان حراما لعينه وثبتت حرمته بدليل قطعي.
أما إذا كان حراما لغيره بدليل قطعي أو حراما لعينه بأخبار الآحاد لا يكفر إذا اعتقده حلالا ا ه.
ومثله في شرح العقائد النسفية.
قوله: (ثم هو) أي وطئ الحائض.
قوله: (لا جاهلا الخ) هو على سبيل اللف والنشر المشوش.
والظاهر أن الجهل إنما ينفي كونه كبيرة لا أصل الحرمة، إذ لا عذر بالجهل بالاحكام في دار الاسلام، أفاده ط.
قوله: (ويندب الخ) لما رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس مرفوعا في الذي يأتي امرأته (وهي حائض)، قال: يتصدق بدينار أو نصف دينار ثم قيل: إن كان الوطئ في أول الحيض فبدينار أو(1/321)
آخره فبنصفه، وقيل بدينار لو الدم أسود وبنصفه لو أصفر.
قال في البحر: ويدل له ما رواه أبو داود والحاكم وصححه إذا واقع الرجل أهله وهي حائض، إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار، وإن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار ا ه.
قوله: (قال في الضياء الخ) أي الضياء المعنوي شرح مقدمة الغزنوي، وأصل البحث للحدادي في السراج، ويؤيده ظاهر الاحاديث، وظاهرها أيضا أنه لا فرق بين كونه جاهلا بحيضها أو لا.
تتمة تثبت الحرمة بإخبارها وإن كذبها.
فتح وبركوي.
وحرر في البحر أن هذا إذا كانت عفيفة أو غلب على الظن صدقها، أما لو فاسقة ولم يغلب صدقها، بأن كانت في غير أوان حيضها لا يقبل قولها اتفاقا.
قوله: (وقتا كاملا) ظرف لقوله: دائم والاولى عدم ذكر هذا القيد: أي قيد الدوام لانه في حكمه في الدوام وعدمه ط.
قوله: (لا يمنع صوما الخ) أي ولا قراءة ومس مصحف ودخول مسجد، وكذا لا تمنع عن الطواف إذا أمنت من اللوث.
قهستاني عن الخزانة ط.
مطلب في حكوطئ المستحاضة ومن بذكره نجاسة قوله: (وجماعا) ظاهره جوازه في حال سيلانه وإن لزم منه تلويث، وكذا هو ظاهر غيره من المتون والشروح، وكذا قولهم: يجوز مباشرة الحائض فوق الازار وإن لزم منه التلطخ بالدم، وتمامه في ط.
وأما في شرح المنية في الانجاس من أن التلوث بالنجاسة مكروه فالظاهر حمله على ما إذا كان بلا عذر والوطئ عذرا، ألا ترى أن يحل على القول بأن رطوبة الفرج نجسة مع أن فيه تلوثا بالنجاسة؟ فتخصيص الحل بوقت عدم السيلان يحتاج إلى نقل صريح ولم يوجد، بل قدمنا عن (شروح الهداية) التصريح بأن حل الوطئ بعد أكثر الحيض غير متوقف على الانقطاع، فافهم.
تنبيه أفتى بعض الشافعية بحرمة جماع من تنجس ذكره قبل غسله إلا إذا كان به سلس فيحل كوطئ المستحاضة مع الجريان، ويظهر أنه عندنا كذلك، لما فيه من التضمخ بالنجاسة بلا ضرورة لامكان غسله.
بخلاف وطئ المستحاضة ووطئ السلس.
تأمل.
وبقي ما لو كان مستنجيا بغير الماء: ففي فتاوي ابن حجر أن الصواب التفصيل، وهو أنه إذا
كان لعدم الماء جاز له الوطئ للحاجة، وإلا فلا.
قال: وروى أحمد بسند ضعيف أن رجلا قال: يا رسول الله، الرجل يغيب لا يقدر على الماء أيجامع أهله؟ قال: نعم ا ه.
ملخصا.
قوله: (لحديث توضئي) فإنه ثب ت به حكم الصلاة عبارة، وحكم الصوم والجماعة دلالة ا ه.
منح ودرر.
وإبدال الدلالة بالاشارة لا يخفى ما فيه على من له معرفة بالاصول، فافهم.
ثم الحديث المذكور في(1/322)
الهداية، وظاهر الفتح أنه لم يجده بهذا اللفظ، وذكر عن سنن ابن ماجه أنه (ص) قال لفاطمة بنت أبي حبيش: اجتنبي الصلاة أيام محيضك، ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة وإن قطر الدم على الحصير ثم تكلم على سنده، ثم قال: وهو في البخاري بدون وإن قطر الدم على الحصير.
قوله: (والنفاس) بالكسر.
قاموس.
(فلو لم تره) أي بأن خرج الولد جافا بلا دم.
قوله: (المعتمد نعم) وعليه فيعمم في الدم، فيقال دم حقيقة أو حكما كما في القهستاني.
قوله: (من سرتها) عبارة البحر: من قبل سرتها، بأن كان ببطنها جرح فانشقت وخرج الولد منها ا ه.
قوله: (فنفساء) لانه وجد خروج الدم من الرحم عقب الولادة.
بحر.
قوله: (وإلا) أي بأن سال الدم من السرة.
قوله: (وإن ثبت له أحكام الولد) أي فتنقضي به العدة وتصير الامة أم ولد، ولو علق طلاقها بولادتها وقع لوجود الشرط.
بحر عن الظهيرية.
قوله: (فتوضأ الخ) تفريع على قوله لا أقله ط.
قوله: (وتومئ بصلاة) أي إن لم تقدر على الركوع والسجود.
قال في البحر عن الظهيرية: ولم لم تصل تكون عاصية لربها، ثم كيف تصلي؟ قالوا: يؤتى بقدر فيجعل القدر تحتها ويحفر لها وتجلس هناك وتصلي كي لا تؤذي ولدها ا ه.
قوله: (فما عذر الصحيح القادر) استفهام إنكاري: أي لا عذر له في الترك أو التأخير.
قال في منية المصلي: فانظر وتأمل هذه المسألة هل تجد عذرا لتأخير الصلاة؟ واويلاه لتاركها.
قوله: (إلا في سبعة) هي البلوغ والاستبراء والعدة، وأنه لا حد لاقله، وأن أكثره أربعون، وأنه يقطع التتابع في صوم الكفارة، وأنه لا يحصل به الفصل بين طلاقي السنة والبدعة ا ه.
ح.
فقوله: البلوغ الخ لانه لا يتصور به لان البلوغ قد حصل بالحبل قبل ذلك.
وصورته في الاستبراء: إذا اشترى جارية حاملا فقبضها ووضعت عنده ولدا وبقي ولد آخر في
بطنها، فالدم الذي بين الولدين نفاس، ولا يحصل الاستبراء إلا بوضع الولد الثاني.
وصورة العدة: إذا قال لامرأته إذا ولدت فأنت طالق فولدت ثم قالت مضت عدتي فإنها تحتاج إلى ثلاث حيض ما خلا النفاس كما سيأتي بيانه ا ه.
سراج.
قوله: (بخمسة وعشرين) لانه(1/323)
لو قدر بأقل لادى إلى نقض العادة عند عود الدم في الاربعين، لان من أصل الامام أن الدم إذا كان في الاربعين فالطهر المتخلل لا يفصل طال أو قصر، حتى لو رأت ساعة دما وأربعين إلا ساعتين طهرا ثم ساعة دما كان الاربعون كلها نفاسا، وعليه الفتوى: كذا في الخلاصة.
نهر: أي فلو قدر بأقل من خمس وعشرين ثم كان بعده أقل الطهر خمسة عشر ثم عاد الدم كان نفاسا فيلزم نقض العادة، بخلاف ما لو قدر بخمسة وعشرين، لان ما عداه يكون حيضا لكونه بعد تمام الاربعين.
قوله: (مع ثلاث حيض) فأدنى مدة تصدق فيها عنده خمسة وثمانون يوما: خمسة وعشرون نفاس، وخمسة عشر طهر، ثم ثلاث حيض كل حيضة خمسة أيام، وطهران بين الحيضتين ثلاثون يوما، وهذا رواية محمد عنه.
وفي رواية الحسن عنه: لا تصدق في أقل من مائة يوم لتقديره كل حيضة بعشرة أيام، وتمامه في السراج.
قوله: (والثاني بأحد عشر) أي وقدر أبو يوسف أقل النفاس بأحد عشر يوما ليكون أكثر من أكثر الحيض، فأدنى مدة تصدق فيها عنده خمسة وستون يوما، أحد عشر نفاس، وخمسة عشر طهر، وثلاث حيض بتسعة أيام بينهما طهران بثلاثين يوما ح.
قوله: (والثالث بساعة) أي قدره محمد بساعة فتصدق في أربعة وخمسين يوما وساعة: خمسة عشر طهر، ثم ثلاث حيض بتسعة، ثم طهران ثلاثون.
قال في المنظومة النسفية: أدنى زمان عنده تصدق فيه التي بعد الولاد تطلق هي الثمانون بخمس تقرن ومائة فيما رواه الحسن والخمس والستون عند الثاني وحط إحدى عشرة الشيباني وهذا كله في الحرة النفساء، وأما الامة وغير النفساء فسيأتي حكمها في العدة إن شاء الله تعالى قوله: (كذا رواه الترمذي وغيره) أي بالمعنى.
قال في الفتح: روى أبوداو ص) أربعين يوما وأثنى البخاري على هذا الحديث.
وقال النووي: حديث حسن، وصححه الحاكم.
وروى الدارقطني وابن
ماجه عن أنس: أنه (ص) وقت للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك وروي هذا من عدة طرق لم تخل عن الطعن، لكنه يرتفع بكثرتها إلى الحسن.
ا ه.
ملخصا.
قوله: (ولان أكثره الخ) يعني بالاجماع كما في البحر، حتى أن من جعل أكثر الحيض خمسة عشر يجعل أكثر النفاس ستين ح.
قوله: (لو مبتدأة) يعني إنما يعتبر الزائد على الاكثر استحاضة في حق المبتدأة التي لم تثبت لها عادة، أما المعتادة فترد لعادتها: أي ويكون ما زاد على العادة استحاضة، لا ما زاد على الاكثر فقط.
قوله: (فترد لعادتها) أطلقه، فشمل ما إذا كان ختم عادتها بالدم أو بالطهر، وهذا عند أبي يوسف.
وعند محمد: إن ختم بالدم فكذلك، وإن بالطهر فلا.
وبيانه ما ذكر في الاصل: إذا كان عادتها في النفاس ثلاثين يوما فانقطع دمها على رأس عشرين يوما وطهرت عشرة أيام تمام عادتها فصلت وصامت ثم عاودها الدم فاستمر بها حتى جاوز الاربعين ذكر أنها مستحاضة فيما زاد على الثلاثين، ولا يجزيها صومها في العشرة التي صامت فيلزمها القضاء.
أما على مذهب محمد فنفاسها عشرون، فلا تقضي ما صامت بعدها.
بحر عن البدائع.
قوله: (وكذا الحيض) يعني إن زاد على عشرة في المبتدأة فالزائد استحاضة وترد المعتادة(1/324)
لعادتها ط.
قوله: (فإن انقطع على أكثرهما) محترز قوله والزائد ط.
قوله: (أو قبله) أي قبل الاكثر وزاد على العادة.
قال في البحر: وقيد بكونه زاد على الاكثر، لانه لو زاد على العادة ولم يزد على الاكثر فالكل حيض اتفاقا بشرط أن يكون بعده طهر صحيح.
قوله: (إن وليه طهر تام) قال في البحر وإنما قدينا به، لانها لو كانت عادتها خمسة أيام مثلا من أول كل شهر فرأت ستة أيام، فإن السادس حيض أيضا، فإن طهرت بعد ذلك أربعة عشر يوما ثم رأت الدم فإنها ترد إلى عادتها وهي خمسة واليوم السادس استحاضة، فتقضي ما تركت فيه من الصلاة، كذا في السراج ا ه.
قال ح: وصورته في النفاس: كانت عادتها في كل نفاس ثلاثين ثم رأت مرة إحدى وثلاثين ثم طهر أربعة عشر ثم رأت الحيض، فإنها ترد إلى عادتها وهي الثلاثون ويحسب اليوم الزائد من الخمسة عشر التي هي طهر.
قوله: (وهي تثبت وتنتقل بمرة) أشار إلى أن ما رأته ثانيا بعد الطهر التام يصير
عادة لها، وهذا مثال الانتقال بمرة.
ومثال الثبوت: مبتدأة رأت دما وطهرا صحيحين ثم استمر بها الدم فعادتها في الدم والطهر ما رأت فترد إليها، لكن قدمنا عن البركوي تقييده بما إذا كان طهرها أقل من ستة أشهر، وإلا فترد إلى ستة أشهر إلا ساعة وحيضها بحاله.
قوله: (به يفتى) هذا قول أبي يوسف خلافا لهما.
ثم الخلاف في العادة الاصلية، وهي أن ترى دمين متفقين وطهرين متفقين على الولاء أو أكثر، لا الجعلية بأن ترى أطهارا مختلفة وماء كذلك فإنها تنقض برؤية المخالف اتفاقا.
نهر.
وتمام بيان ذلك في الفتح وغيره.
وقد نبه البركوي في هامش رسالته على أن بحث انتقال العادة من أهم مباحث الحيض لكثرة وقوعه وصعوبة فهمه وتعسر إجرائه.
وذكر في الرسالة أن الاصل فيه أن المخالفة للعادة إن كانت في النفاس، فإن جاوز الدم الاربعين فالعادة باقية ترد إليها والباقي استحاضة، وإن لم يجاوز انتقلت العادة إلى ما رأته والكل نفاس، وإن كانت في الحيض، فإن جاوز العشرة، فإن لم يقع في زمان العادة نصاب وانتقلت زمانا والعدد بحاله يعتبر من أول ما رأت.
وإن وقع فالواقع في زمانها فقط حيض والباقي استحاضة، فإن كان الواقع مساويا لعادتها عددا فالعادة باقية وإلا انتقلت العادة عددا إلى ما رأته ناقصا، وإن لم يجاوز العشرة فالكل حيض، فإن لم يتساويا صار الثاني عادة وإلا فالعدد بحاله.
ثم ذكر لذلك أمثلة أوضح بها المقام، فراجعها مع شرحنا عليها.
قوله: (وتمامه الخ) ذكر فيه ما قدمناه آنفا عن السراج، فالضمير راجع إلى مجموع ما ذكره لا إلى مسألة الانتقال فقط، إذ لم يذكر فيها أزيد مما هنا، فافهم.
تتمة اختلفوا في المعتادة، هل تترك الصلاة والصوم بمجرد رؤيتها الزيادة على العادة؟ قبل لا، لاحتمال الزيادة على العشرة، وقيل: نعم استصحابا للاصل، وصححه في النهاية والفتح وغيرهما، وكذا الحكم في النفاس.
واختلفوا في المبتدأة أيضا.
والصحيح أنها تترك بمجرد رؤيتها الدم كما في الزيلعي، والاحتياط أن لا يأتيها زوجها حتى يتيقن حالها.
نوح أفندي.
قوله: (والنفاس لام توأمين) بفتح التاء وسكون الواو وفتح الهمزة تثنية توأم: اسم ولد إذا كان معه آخر في بطن واحد.
قهستاني.
قوله: (من الاول)(1/325)
والمرئي عقيب الثاني، إن كان في الاربعين فمن نفاس الاول وإلا فاستحاضة.
وقيل: إذا كان بينهما أربعون يجب عليها نفاس من الثاني.
والصحيح هو الاول.
نهاية وبحر، ثم ما ذكره المصنف قولهما.
وعند محمد وزفر: النفاس من الثاني والاول استحاضة.
وثمرة الخلاف في النهر.
قوله: (وفاقا) أشار إلى أن في المسألة الاولى خلافا كما ذكرنا.
قوله: (لتعلقه بالفراغ) أي لتعلق انقضاء العدة بفراغ الرحم وهو لا يفرغ إلا بخروج كل ما فيه ط.
قوله: (مثلث السين) أي يجوز فيه تحريكها بالحركات الثلاث، قال القهستاني: والكسر أكثر.
مطلب في أحوال السقط وأحكامه قوله: (أي مسقوط) الذي في البحر التعبير بالساقط وهو الحق لفظا ومعنى، أما لفظا فلان سقط لازم لا يبني منه اسم المفعول.
وأما معنى فلان المقصود سقوط الولد سواء سقط بنفسه أو أسقطه غيره ح.
قوله: (ولا يستبين خلقه الخ) قال في البحر: المراد نفخ الروح وإلا فالمشاهد ظهور خلقه قبلها ا ه.
وكون المراد به ما ذكر ممنوع.
وقد وجهه في البدائع وغيرها بأنه يكون أربعين يوما نطفة وأربعين علقة وأربعين مضغة.
وعبارته في عقد الفرائد قالوا: يباح لها أن تعالج في استنزال الدم ما دام الحمل مضغة أو علقة ولم يخلق له عضو، وقدروا تلك المدة بمائة وعشرين يوما، وإنما أباحوا ذلك لانه ليس بآدمي ا ه.
كذا في النهر.
أقول: لكن يشكل على ذلك قول البحر: إن المشاهد ظهور خلقه قبل هذه المدة، وهو موافق لما في بعض روايات الصحيح إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها وأيضا هو موافق لما ذكره الاطباء.
فقد ذكر الشيخ داود في تذكرته أنه يتحول عظاما مخططة في اثنين وثلاثين يوما إلى خمسين، ثم يجتذب الغذاء ويكتسي اللحم إلى خمس وسبعين، ثم تظهر فيه الغاذية والنامية ويكون كالنبات إلى نحو المائة، ثم يكون كالحيوان النائم إلى عشرين بعدها فتنفخ فيه الروح الحقيقية الانسانية ا ه.
ملخصا.(1/326)
نعم نقل بعضهم أنه اتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر: أي عقبها كما صرح به جماعة.
وعن ابن عباس أنه بعد أربعة أشهر وعشرة أيام وبه أخذ أحمد، ولا ينافي ذلك ظهور الخلق قبل ذلك، لان نفخ الروح إنما يكون بعد الخلق، وتمام الكلام في ذلك مبسوط في شرح الحديث الرابع من الاربعين النووية، فراجعه.
قوله: (والامة أم ولد) أي إن ادعاه المولى.
قهستاني عن شرح الطحاوي.
قوله: (ويحنث به في تعليقه) أي يقع المعلق من الطلاق والعتاق وغيرهما بولادته، بأن قال: إن ولدت فأنت طالق أو حرة.
قهستاني.
قوله: (فليس بشئ) قال الرملي في حاشية المنح بعد كلام: وحاصله: أنه إن لم يظهر من خلقه شئ فلا حكم له من هذه الاحكام، وإذا ظهر ولم يتم فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يسمى، وتحصل له هذه الاحكام، وإذا تم ولم يستهل وقبل أن يخرج أكثر مات فظاهر الرواية لا يغسل أو لا يسمى، والمختار خلافه كما في الهداية، ولا خلاف في عدم الصلاة عليه وعدم إرثه ويلف في خرقة ويدفن وفاقا.
وإذا خرج كله أو أكثره حيا ثم مات فلا خلاف في غسله والصلاة عليه وتسميته، وير ث ويورث، إلى غير ذلك من الاحكام المتعلقة بالآدمي الحي الكامل ا ه.
قلت: لكقوله: والمختار خلافه، إنما هو فيمن لم يتم خلقه، أما من تم فلا خلاف في أنه يغسل كما سيأتي تحريره في الجنائز إن شاء الله تعالى.
قوله: (والمرئي) أي الدم المرئي مع السقط الذي لم يظهر من خلقه شئ.
قوله: (وتقدم) أي وجد قبله بعد حيضها السابق، ليصير فاصلا بين الحيضتين.
وزاد في النهاية قيدا آخر، وهو أن يوافق تمام عادتها، ولعله مبني على أن العادة لا تنتقل بمرة، والمعتمد خلافه، فتأمل.
قوله: (وإلا استحاضة) أي إن لم يدم ثلاثا وتقدمه طهر تام، أو دام ثلاثا ولم يتقدمه طهر تام، أو لم يدم ثلاثا ولا تقدمه طهر تام ح.
قوله: (ولو لم يدر حاله الخ) أي لا يدري أمستبين هو أم لا؟ بأن أسقطت في المخرج واستمر بها الدم، فإذا كان مثلا حيضها عشرة وطهرها عشرين ونفاسها أربعين، فإن أسقطت من أول أيام حيضها تترك الصلاة عشرة بيقين لانها إما حائض أو نفساء، ثم تغتسل وتصلي عشرين بالشك لاحتمال كونها نفساء أو طاهرة، ثم تترك الصلاة عشرة بيقين لانها إنما نفساء أو حائض ثم تغتسل وتصلي عشرين بيقين لاستيفاء
الاربعين، ثم بعد ذلك دأبها حيضها عشرة وطهرها عشرون، وإن أسقطت بعد أيام حيضها فإنها تصلي من ذلك الوقت قدر عادتها في الطهر بالشك ثم تترك قدر عادتها في الحيض بيقين.
وحاصل هذا كله أن لا حكم للشك، ويجب الاحتياط ا ه.
من البحر وغيره.
وتمام تفاريع المسألة في التاترخانية، ونبه في الفتح على أن في كثير من نسخ الخلاصة غلطا في التصوير من النساخ.
قوله: (ولا عدم أيام حملها) هذا زاده في النهر بقوله: وكان ينبغي أن يقال: ولم تعلم عدد أيام حملها بانقطاع الحيض عنها.
أما لو لم تره مائة وعشرين يوما ثم أسقطته في المخرج كان مستبين الخلق ا ه.
قوله: (تدع الصلاة أيام حيضها بيقين) أي في الايام التي لا تتيقن فيها بالطهر، فيشمل ما يحتمل المرئي فيها أنه حيض أو نفاس كالعشرة الاولى من الاربعين والعشرة الاخيرة وما تتيقن أنه حيض فقط، وقوله: ثم تغتسل الخ أي في الايام التي تتردد فيها بين النفاس والطهر أو(1/327)
تتيقن فيها بالطهر فقط، فلله در هذا الشارح فقد أدى جميع ما قدمناه عن البحر وغيره مع زيادة في النهر، وأن صلاتها صلاة المعذور بأوجز عبارة، فافهم.
مطلب في أحكام الآيسة قوله: (ولا يحد إياس بمدة) هذا رواية عن أبي حنيفة كما في عدة الفتح عن المحيط ح.
ثم إن الاياس مأخوذ من اليأس وهو السقوط ضد الرجاء.
قال المطرزي: أصله إيئاس على وزن إفعال من أياسة: إذا جعله يائسا منقطع الرجاء، فكأن الشرع جعلها منقطعة الرجاء عن رؤية الدم، حذفت الهمزة التي هي عين الكلمة تخفيفا ا ه.
نوح.
قوله: (مثلها) قال في الفتح فباب العدة: يمكن أن يكون المراد المماثلة في تركيب البدن والسمن والهزال ا ه.
ويقال: لا بد أن يعتبر مع ذلك جنسها لما ذكره بعد في الفتح عن محمد أنه قدره في الروميات بخمس وخمسين وفي غيرهن بستين، وربما يعتبر القطر أيضا، فليحرر.
رحمتي.
قوله: (فإذا بلغته) فلو لم تبلغه وانقطع دمها فعدتها بالحيض، لان الطهر لا حد لاكثره.
رحمتي.
وعليه فالمرضع التي لا ترى الدم في مدة إرضاعها، لا تنقضي عدتها إلا بالحيض كما سيأتي
التصريح به في باب العدة.
وقال في السراج: سئل بعض المشايخ عن المرضعة إذا لم ترى حيضا فعالجته حتى رأت صفرة في أيام الحيض، قال: هو حيض تنقضي به العدة ا ه.
قوله: (وانقطع دمها) أما لو بلغته والدم يأتيها فليست بآيسة، ومعناها إذا رأت الدم على العادة لانه حينئذ ظاهر في أنه ذلك المعتاد، وعود العادة يبطل الاياس، ثم فسر بعضهم هذا بأن تراه سائلا كثيرا احترازا عما إذا رأت بلة يسيرة ونحوه، وقيدوه بأن يكون أحمر أو أسود، فلو أصفر أو أخضر أو تربية لا يكون حيضا، ومنهم من لم يتصرف فيه فقال: إذا رأته على العادة الجارية وهو يفيد أنها إذا كانت عادتها قبل الاياس أصفر فرأته كذلك أو علقا فرأته كذلك كان حيضا ا ه.
فتح من العدة، والذي يظهر هو الثاني.
رحمتي.
قوله: (حكم بإياسها) فائدة هذا الحكم الاعتداد بالاشهر إذا لم تر في أثنائها دما الخ ط.
قوله: (وحده) أي المصنف في باب العدة.
قال في البحر: وهو قول مشايخ بخارى وخوارزم ح، وبخط الشارح في هامش الخزائن.
قال قاضيخان وغيره: وعليه الفتوى.
وفي نكت العلامة قاسم عن المفيد أنه المختار، ومثله في الفيض وغيره ا ه.
قوله: (أي المدة المذكورة) وهي الخمسون أو الخمسة والخمسون ط.
قوله: (فليس بحيض) ولا يبطل به الاعتداد بالاشهر ط.
قوله: (دما خالصا) أي كالاسود والاحمر القاضي درر.
قال الرحمتي: وتقدم عن الفتح أنه لو لم يكن خالصا وكانت عادتها كذلك قبل الاياس يكون حيضا.
قوله: (حتى يبطل) تفريع على الاستثناء.
قوله: (لكن قبل تمامها) أي تمام العدة بالاشهر لا بعده.
أي بعد تمام الاعتداد ط.
قوله: (وسنحققه في العدة) عبارته هناك: آيسة اعتدت بالاشهر ثم عاد دمها على(1/328)
جاري العادة أو حبلت من زوج آخر بطلت عدتها وفسد نكاحها واستأنفت بالحيض، لان شرط الخليفة تحقق الاياس عن الاصل وذلك بالعجز إلى الموت، وهو ظاهر الرواية كما في الغاية، واختاره في الهداية فتعين المصير إليه.
قاله في البحر بعد حكاية ستة أقوال مصححة، وأقره المصنف، لكن اختار البهنسي ما اختاره الشهيد أنها إن رأته قبل تمام الاشهر استأنفت لا بعدها.
قلت: وهو ما اختار صدر الشريعة ومنلا خسرو والباقاني، وأقره المصنف في باب الحيض،
وعليه فالنكاح جائز، وتعتد في المستقبل بالحيض كما صححه في الخلاصة وغيرها، وفي الجوهرة والمجتبى أنه الصحيح المختار، وعليه الفتوى، وفي تصحيح القدوري: وهذا التصحيح أولى من تصحيح الهداية، وفي النهر أنه أعد الروايات ا ه ح.
مطلب في أحكام المعذور قوله: (وصاحب عذر) خبر مقدم وقوله: من به سلس بول مبتدأ مؤخر لانه معرفة والاول نكرة، فافهم، قال في النهر: قيل السلس بفتح اللام نفس الخارج، وبكسرها من به هذا المرض.
قوله: (لا يمكنه إمساكه) أما إذا أمكنه خرج عن كونه صاحب عذر كما يأتي ط.
قوله: (أو استطلاق بطن) أي جريان ما فيه من الغائط.
قوله: (أو انفلات ريح) هو من لا يملك جمع مقعدته لاسترخاء فيها.
نهر.
قوله: (أو بعينه رمد) أي ويسيل منه الدمع، ولم يقيد بذلك لانه الغالب.
قوله: (أو بعينه رمد) أي ويسيل منه الدمع، ولم يقيد بذلك لانه الغالب.
قوله: (أو عمش) ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في أكثر الاوقات ح عن القاموس.
قوله: (أو غرب) قال المطرزي: هو عرق في مجرى الدمع يسقى فلا ينقطع مثل الباسور.
وعن الاصمعي: بعينه غرب إذا كانت تسيل ولا تنقطع دموعها.
والغرب بالتحريك ورم في المآقي ا ه.
فافهم.
قوله: (وكذا كل ما يخرج بوجع الخ) ظاهره يعم الانف إذا زكم ط.
لكن صرحوا بأن ماء فم النائم طاهر ولو منتنا.
فتأمل.
وعبارة شرح المنية: كل ما يخرج بعلة فالوجع غير قيد كما مر.
وفي المجتبى: الدم والقيح والصديد وماء الجرح والنفطة وماء البثرة والثدي والعين والاذن لعلة سواء على الاصح ا ه.
وقدمنا في نواقض الوضوء على البحر وغيره أن التقييد بالعلة ظاهر فيما إذا كان الخارج من هذه المواضع ماء فقط، بخلاف ما إذا كان قيحا أو صديدا، وقدمنا هناك أيضا بقية المباحث المتعلقة بالدمع فراجعها.
قوله: (مفروضة) احترز به عن الوقت المهمل كما بين الطلوع والزوال فإنه وقت لصلاة غير مفروضة وهي العيد والضحى كما سيشير إليه، فلو استوعبه لا يصير معذورا وكذا لو استوعبه الانقطاع لا يكون برءا، أفاده الرحمتي.
قوله: (ولو حكما) أي ولو كان الاستيعاب حكما بأن انقطع العذر في زمن يسير لا يمكنه فيه الوضوء والصلاة فلا يشترط الاستيعاب الحقيقي في حق الابتداء كما حققه في الفتح والدرر، خلافا لما فهمه الزيلعي كما بسطه في البحر.
قال الرحمتي: ثم هل يشترط أن لا يمكنا مع سننهما أو الاقتصار على
فرضهما؟ يراجع ا ه.
أقول: الظاهر الثاني.
تأمل.
قوله: (في حق الابتداء) أي في حق ثبوته ابتداء.
قوله: (في جزء من الوقت) أي من كل وقت بعد ذلك الاستناب.
إمداد.
قوله: (ولو مرة) أي ليعلم(1/329)
بها بقاؤه.
إمداد.
قوله: (وفي حق الزوال) أي زوال العذر، وخروج صاحبه عن كونه معذورا.
قوله: (تمام الوقت حقيقة) أي بأن لا يوجد العذر في جزء منه أصلا فيسقط العذر من أول الانقطاع، حتى لو انقطع في أثناء الوضوء أو الصلاة ودام الانقطاع إلى آخر الوقت الثاني يعيد، ولو عرض بعد دخول وقت فرض انتظر إلى آخره، فإن لم ينقطع يتوضأ ويصلي ثم إن انقطع في أثناء الوقت الثاني يعيد تلك الصلاة، وإن استوعب الوقت الثاني لا يعيد لثبوت العذر حينئذ من وقت العروض ا ه.
بركويه، ونحوه في الزيلعي والظهيرية.
وذكر في البحر عن السراج أنه لو انقطع بعد الفراغ من الصلاة أو بعد القعود قدر التشهد لا يعيد لزوال العذر بعد الفراغ، كالمتيمم إذا رأى الماء بعد الفراغ من الصلاة.
قوله: (وحكمه) أي العذر أو صاحبه.
قوله: (الوضوء) أي مع القدرة عليه، وإلا فالتيمم.
قوله: لا غسل ثوبه) أي إن لم يفد كما يأتي متنا.
قوله: (ونحوه) كالبدن والمكان ط.
قوله: (اللام للوقت) أي فالمعنى لوقت كل صلاة، بقرينة قوله بعده فإذا خرج الوقت بطل فلا يجب لكل صلاة خلافا للشافعي أخذا من حديث توضئي لكل صلاة قال في الامداد: وفي شرح مختصر الطحاوي.
وروى أبو حنيفة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (ص) قال لفاطمة بنت أبي حبيش: توضئي لوقت كل صلاة ولا شك أنه محكم لانه لا يحتمل غيره، بخلاف حديث لكل صلاة فإن لفظ الصلاة شاع استعماله في لسان الشرع والعرف في وقتها فوجب حمله على المحكم وتمامه فيه.
قوله: (ثم يصلي به) أي بالوضوء فيه: أي في الوقت.
قوله: (فرضا) أي أي فرض كان.
نهر: أي فرض الوقت أو غيره من الفوائت.
قوله: (بالاولى) لانه إذا جاز له النفل وهو غير مطالب به يجوز له الواجب المطالب به الاولى، أفاده ح، أو لانه إذا جاز له الاعلى والادنى يجوز الاوسط بالاولى.
قوله: (فإذا خرج الوقت بطل) أفاد أن الوضوء إنما يبطل بخروج الوقت فقط لا بدخوله خلافا
لزفر، ولا بكل منهما خلافا للثاني، وتأتي ثمرة الخلاف.
قوله: (أي ظهر حدثه السابق) أي السابق على خروج الوقت، وأفاد أنه لا تأثير للخروج في الانتقاض حقيقة، وإنما الناقض هو الحدث السابق بشرط الخروج، فالحدث محكوم بارتفاعه إلى غاية معلومة، فيظهر عندهما مقتصرا لا مستندا، كما حققه في الفتح.
قوله: (حتى لو توضأ الخ) تفريع على قوله: أي ظهر حدثه السابق فإن معناه أنه يظهر حدثه الذي قارن الوضوء أو الذي طرأ عليه بأن توضأ على السيلان أو وجد السيلان بعده في الوقت: أي فأما إذا توضأ على الانقطاع ودام إلى الخروج فلا حدث بل هو طهارة كاملة، فلا يبطل بالخروج.
قوله: (ما لم يطرأ الخ) أي فإنه بعد الخروج لو طرأ: أي عرض له حدث آخر أو سال حدثه يبطل وضوءه بذلك الحدث، فهو كالصحيح في ذلك، فتدبر.
قوله: (كمسألة مسح خفه) أي التي قدمها في باب المسح على الخفين بقوله: إنه أي المعذور يمسح في الوقت فقط إلا إذا توضأ ولبس على الانقطاع فكالصحيح ا ه.
وقدمنا أنها رباعية، لانه إما أن يتوضأ ويلبس على الانقطاع أو يوجد الحدث مع الوضوء أو مع اللبس أو معهما، فهو كالصحيح في الصورة الاولى فقط التي استثناها من المسح في(1/330)
الوقت فقط وهي المرادة هنا، فلما كان حكم هذه المسألة معلوما حيث صرح فيها بأنه كالصحيح: أي أنه يمسح في الوقت وخارجه إلى انتهاء مدة المسح، أراد أن يبين أن من توضأ على الانقطاع ودام إلى خروجه فهو كالصحيح أيضا، فإذا خرج الوقت لا يبطل وضوءه ما لم يطرأ حدث آخر، فتشبيه مسألة الوضوء بمسألة المسح من حيث إن كلا منهما حكمه كالصحيح، وإن كان حكمها مختلفا من حيث إنه في الاولى يبطل وضوءه بطرو الحدث بعد الوقت ولا يبطل مسحه بذلك في مدة المسح، بمعنى أنه لا يلزمه نزع الخف والغسل بعد الوقت، بخلاف الصور الثلاث من الرباعية، فافهم.
قوله: (وأفاد) أي بقوله: فإذا خرج الوقت بطل فإن المراد به وقت الفرض لا المهمل.
قوله: (لم يبطل إلا بخروج وقت الظهر) أي خلافا لزفر وأبي يوسف حيث أبطلاه بدخوله، وإن توضأ قبل الطلوع بطل أيضا بالطلوع خلافا لزفرفقط لعدم الدخول، وإن توضأ قبل العصر له بطل اتفاقا لوجود الخروج والدخول، والاصل ما مر.
قوله: (هو المختار للفتوى) وقيل لا يجب غسله أصلا، وقيل: إن كان مقيدا بأن لا
يصيبه مرة أخرى يجب، وإن كان يصيبه المرة بعد الاخرى فلا، واختاره السرخسي.
بحر.
قلت: بل في البدائع أنه اختيار مشايخنا، وهو الصحيح ا ه.
فإن لم يمكن التوفيق بحمله على ما في المتن فهو أوسع على المعذورين، ويؤيد التوفيق ما في الحلية عن الزاهدي عن البقالي: لو علمت المستحاضة أنها لو غسلته يبقى طاهرا إلى أن تصلي يجب الاجماع، وإن علمت أنه يعود نجسا غسلته عند أبي يوسف دون محمد ا ه.
لكن فيها عن الزاهدي أيضا عن قاضي صدر أنه لو يبقى طاهرا إلى أن تفرغ من الصلاة ولا يبقى إلى أن يخرج الوقت، فعندنا تصلي بدون غسله خلافا للشافعي، لان الرخصة عندنا مقررة بخروج الوقت وعنده بالفراغ من الصلاة ا ه.
لكن هذا قول ابن مقاتل الرازي، فإنه يقول: يجب غسله في وقت كل صلاة قياسا على الوضوء.
وأجاب عنه في البدائع بأن حكم الحدث عرفناه بالنص ونجاسة الثو ب ليست في معناه فلا تلحق به.
قوله: (وكذا مريض الخ) في الخلاصة: مريض مجرو تحته ثياب نجسة، إن كان بحال لا يبسط تحته شئ إلا تنجس من ساعته له أن يصلي على حاله، وكذا لو لم يتنجس الثاني إلا أنه يزداد مرضه له أن يصلي فيه.
بحر من باب صلاة المريض.
والظاهر أن المراد بقوله: من ساعته، أن يتنجس نجاسة مانعة قبل الفراغ من الصلاة كما أشار إليه الشارح بقوله: وكذا.
قوله: (والمعذور الخ) تقييد لما علم مما مر من أن وضوءه يبقى ما دام الوقت باقيا.
قوله: (ولم يطرأ) بالهمز.
قال في المغرب: وطرأ علينا فلان: جاء من بعيد فجأة، من باب منع ومصدره الطروء، وقولهم طري الجنون، والطاري خلاف الاصل، فالصواب الهمزة، وأما الطريان فخطأ أصلا ا ه، فافهم.
قوله: (أما إذا توضأ لحدث آخر) أي لحدث غير الذي صار به معذورا وكان حدثه منقطعا كما في شرح المنية: أما إذا كان حدثه غير منقطع وأحدث حدثا آخر ثم توضأ فلا ينتقض بسيلان عذره كما هو ظاهر التقييد، لان وضوءه وقع لهما، ثم إن ما ذكره الشارح محترز قوله: إذا توضأ لعذره.(1/331)
ووجه النقض فيه بالعذر أن الوضوء لم يقع له فكان عدما في حقه.
بدائع، وكذا لو توضأ على الانقطاع ودام إلى خروج الوقت ثم جدد الوضوء في الوقت الثاني ثم سال انتقض، لان تجديد
الوضوء وقع من غير حاجة فلا يعتد به.
بخلاف ما إذا توضأ بعد السيلان.
زيلعي.
قوله: (أو توضأ لعذره الخ) محترز قوله: ولم يطرأ عليه حدث آخر.
ووجه النقض فيه كما في البدائع أن هذا حدث جديد لم يكن موجودا وقت الطهارة، فكان هو والبول والغائط سواء ا ه.
قوله: (بأن سال أحد منخريه) أم لو سال منهما جميعا ثم انقطع أحدهما فهو على وضوئه ما بقي الوقت، لان طهارته حصلت لهما جميعا، والطهارة متى وقعت لعذر لا يضرها السيلان ما بقي الوقت، فبقي هو صاحب عذر بالمنخر الآخر، وعلى هذا صاحب القروح إذا انقطع السيلان عن بعضها.
بدائع.
قوله: (ولو من جدري) بضم الجيم وفتح الدال ط.
وبحط الشارح في هامش الخزائن: قوله: أو قرحتيه يشمل من به جدري سال منها ماء فتوضأ ثم سال منها قرحة أخرى فإنه ينتقض، لان الجدري قروح متعددة فصار بمنزلة جرحين في موضعين من البدن: أحدهما لا يرقأ لو توضأ لاجله، ثم سال الآخر كما في شرح المنية ا ه.
قوله: (فلا تبقى طهارته) جواب أما.
قوله: (أو تقليله) أي إن لم يمكنه رده بالكلية.
قوله: (ولو بصلاته مومئا) أي كما إذا سال عند السجود ولم يسل بدونه فيومئ قائما أو قاعدا، وكذا لو سال عند القيام يصلي قاعدا، بخلاف من لو استلقى لم يسل فإنه لا يصلي مستلقيا ا ه.
بركويه.
قوله: (وبرده لا يبقى ذا عذر) قال في البحر: ومتى قدر المعذور على رد السيلان برباط أو حشو أو كان جلس لا يسيل ولو قام سال وجب رده، وخرج برده عن أن يكون صاحب عذر، ويجب أن يصلي جالسا بإيماء إن سال بالميلان، لان ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث ا ه.
واستفيد من هذا أن الصاحب الحمصة غير معذور، لامكان رد الخارج برفعها ط، وهذا إذا كان الخارج منه فيه قوة السيلان بنفسه لو ترك وكان إذا رفعها ينقطع سيلانه أو كان يمكنه ربطه بما يمنعه من السيلان والنش كنحو جلد، أما إذا كان لا ينقطع في الوقت برفعها ولا يمكنه الربط المذكور فهو معذور، وقدمنا بقية الكلام في نواقض الوضوء.
قوله: (بخلاف الحائض) لان الشرع اعتبر دم الحيض كالخارج حيث جعلها حائضا، وكان القياس خلافه لانعدام دم الحيض حسا ا ه.
حلية.
وهذا إذا منعته بعد نزوله إلى الفرج الخارج كما أفاده البركوي، لما مر أنه لا يثبت الحيض إلا بالبروز لا
بالاحساس به خلافا لمحمد، فلو أحست به فوضعت الكرسف في الفرج الداخل ومنعته من الخروج فهي طاهرة كما لو حبس المني في القصبة.
قوله: (لان معه حدثا ونجسا) أي بخلاف المقتدي، فإن(1/332)
معه انفلات الريح وهو حدث فقط.
وظاهر التعليل جواز عكس هذه الصورة، وبه صرح الشارح في باب الامامة، لكن صرح في النهر هناك بعدم الجواز، وبأن مجرد اختلاف العذر مانع.
أقول: ويوافقه ما صرح به في السراج والتبيين والفتح وغيرها، من أن اقتداء المعذور بالمعذور صحيح إن اتحد عذرهما، وأوضحه في شرح المنية، فراجعه، وسيأتي تمامه في محله إن شاء الله تعالى، وهو سبحانه وتعالى أعلم.
باب الانجاس أي باب بيانها وبيان أحكامها وتطهير محالها.
وقدم الحكمية لانها أقوى، لكون قليلها يمنع جواز الصلاة اتفاقا ولا يسقط وجوب إزالتها بعذر.
بحر عن النهاية.
أقول: فيه أن الحكمية لا تتجزأ عن الاصح، فمن بقيت عليه لمعة فهو محدث فلا توصف بالقلة، وقد تسقط بعذركما مر أول الطهارة فيمن قطعت يداه ورجلاه وبوجهه جراحة فإنه يصلي بلا وضوء ولا تيمم ولا إعادة عليه.
قوله: (بفتحتين) كذا في العناية، ثم قال: وهل كل مستقذر، وهو في الاصل مصدر ثم استعمل اسما ا ه.
لكن الصحيح ما قاله تاج الشريعة: إنه جمع نجس، بكسر الجيم، لما في العباب: النجس ضد الطاهر، والنجاسة ضد الطهارة، وقد نجس ينجس كسمع يسمع وكرم يكرم، وإذا قلت رجل نجس بكسر الجيم ثنيت وجمعت وبفتحها لم تثن ولم تجمع، وتقول رجل ورجلان ورجال وامرأة ونساء نجس ا ه.
وتمامه في شرح الهداية للعيني.
وحاصله أن الانجاس ليس جمعا لمفتوح الجيم بل لمكسورها.
قوله: (يعم الحقيقي والحكمي) والخبث يخص الاول والحدث الثاني.
بحر، فلو قال المصنف: رفع خبث بدل قوله: رفع نجاسة حقيقية كان أخصر ا ه.
ح.
قوله: (يجوز الخ) عبر بالجواز لانه أطلق في قوله: عن محلها ولم يقيده ببدن المصلي وثوبه ومكانه كما قيده في الهداية فعبر بالوجوب، ولان المقصود كما قال ابن الكمال بيان جواز الطهارة بما ذكر:
أي من الماء وكل مائع الخ، لا بيان وجوبها حالة الصلاة فإنه من مسائل باب شروط الصلاة ا ه.
على أن الوجوب كما قال في الفتح مقيد بالامكان وبما إذا لم يرتكب ما هو أشد، حتى لو لم يتمكن من إزالتها إلا بإبداء عورته للناس يصلي معها لان كشف العورة أشد، فلو أبداها للازالة فسق، إذ من ابتلي بين محظورين عليه أن يرتكب أهونهما ا ه.
وقدم الشارح في الغسل من الجنابة أنه لا يدعه وإن رآه الناس، وقدمنا ما فيه من البحث هناك.
قوله: (ولو إناء أو مأكولا) أي كقصعة وأدهان، وهذا حيث أمكن لقوله آخر الباب حنطة طبخت في خمر لا تطهر أبدا.
قوله: (أو لا) كما لو تنجس طرف من ثوبه ونسيه فيغسل طرفا منه ولو بلا تحر كما سيأتي متنا مع ما فيه من الكلام.
قوله: (بماء) يستثنى منه الماء المشكوك على أحد القولين كما مر في الاسآر.
قوله: (به يفتى) أي خلافا لمحمد، لانه لا يجيز إزالة النجاسة الحقيقية إلا بالماء المطلق.
بحر.
لكن فيه أنهم ذكروا أن الطهارة بانقلاب العين قول محمد.
تأمل.
قوله: (وبكل مائع) أي سائل، فخرج الجامد كالثلج قبل ذوبه أفاده ط.(1/333)
تنبيه صرح في الحلية في بحث الاستنجاء بأنه تكره إزالة النجاسة بالمائع المذكور لما فيه من إضاعة المال عند عدم الضرورة.
قوله: (طاهر).
فبول ما يؤكل لا يطهر محل النجاسة اتفاقا، بل ولا يزيل حكم الغليظة في المختار، فلو غسل به الدم بقيت نجاسة الدم لانه ما ازداد الثوب به إلا شرا، ولو حلف ما فيه دم: أي نجاسة دم يحنث، وعلى الضعيف لا، وكذا الحكم في الماء المستعمل على القول بنجاسته، وتمامه في النهر.
قوله: (قالع) أي مزيل.
قوله: (ينعصر بالعصر) تفسير لقالع لا قيد آخر ا ه.
ح.
قوله: (فتطهر أصبع الخ) عبارة البحر: وعلى هذا فرعوا طهارة الثدي إذا قاء عليه الولد ثم رضعه حتى زال أثر القئ، وكذا إذا لحس أصبعه من نجاسة حتى ذهب الاثر أو شرب خمرا ثم تردد ريقه في فيه مرارا طهر، حتى لو صلى صحت.
وعلى قول محمد لا ا ه.
وقدمنا من الاسآر عن الحلية أنه لا بد أن يزول أثر الخمر عن الريق في كل مرة.
وفي الفتح: صبي ارتضع ثم قاء فأصاب ثياب الام إن كان مل ء الفم فنجس، فإذا زاد على قدر الدرهم منع.
وروى
الحسن على الامام أنه لا يمنع ما لم يفحش لانه لم يتغير من كل وجه وهو الصحيح، وقدمنا ما يقتضي طهارته.
قوله: (مزيل) لم يقل مطهر لما علمت من أن بول المأكول لا يطهر اتفاقا، وإنما الخلاف في إزالته للنجاسة الكائنة.
قوله: (فخلاف المختار) وعلى ضعفه فالمراد باللبن ما لا دسومة فيه.
بحر.
قوله: (ويطهر خف ونحوه) احتراز عن الثوب والبدن، فلا يطهران بالدلك إلا في المني، وتمامه في البحر، وأطلقه فشمل ما إذا أصاب النجس موضع الوطئ وما فوقه، وهو الصحيح كما في حاشية الحموي.
قوله: (كنعل) ومثله الفرو ا ه.
ح عن القهستاني والحموي: أي من غير جانب الشعر، وقيد النعل في النهر بغير الرقيق، ولم أره لغيره.
وأما قول البحر: قيده أبو يوسف بغير الرقيق، فالمراد به النجس ذو الجزم، ومثل له في المعراج بالخمر والبول، فالضمير في عبارة البحر للنجس لا للنعل.
قوله: (بذي جرم) أي وإن كان رطبا على قول الثاني، وعليه أكثر المشايخ، وهو الاصح المختار، وعليه الفتوى لعموم البلوى، ولاطلاق حديث أبي داود إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر، فإن رأى في نعله أذى أو قذرا فليمسحه وليصل فيهما كما في البحر وغيره.
قوله: (هو كل ما يرى بعد الجفاف) أي على ظاهر الخف كالعذرة والدم، وما لا يرى بعد الجفاف فليس بذي جرم.
بحر، ويأتي تمامه قريبا.
قوله: (ولو من غيرها) أي ولو كان الجرم المرئي من غير النجاسة.
قوله: (كخمر وبول الخ) أي بأن ابتل الخف بخمر فمشى به على رمل أو رماد فاستجسد فمسحه بالارض حتى تناثر طهر، وهو الصحيح.
بحر عن الزيلعي.
أقول: ومفاده أن الخمر والبول ليس بذي جرم مع أنه قد يرى أثره بعد الجفاف، فالمراد بذي(1/334)
الجرم ما تكون ذاته مشاهدة بحس البصر، وبغيره ما لا تكون كذلك كما سنذكره مع ما فيه من البحث عند قوله: وكذا يطهر محل نجاسة مرئية.
قوله: (بدلك) أي بأن يمسحه مسحا قويا ط، ومثل الدلك الحك والحت على ما في الجامع الصغير.
وفي المغرب: الحت القشر باليد أو العود.
قوله: (يزول به أثرها) أي إلا أن يشق زواله.
نهر.
قوله: (وإلا جرم لها) أي وإن كانت
النجاسة المفهومة من المقام لا جرم لها.
قوله: (فيغسل) أي الخف: قال في الذخيرة: والمختار أن يغسل ثلاث مرات ويترك في كل مرة حتى ينقطع التقاطر وتذهب التداوة، ولا يشترط اللبس.
قوله: (صقيل) احترز به عن نحو الحديد إذا كان عليه صدأ أو منقوشا، وبقوله: لا مسام له عن الثوب الصقيل فإن له مساما ح عن البحر.
قوله: (وآنية مدهونة) أي كالزبدية الصينية.
حلية.
(أو خراطي) بفتح الخاء المعجمة والراء المشددة بعدها ألف وكسر الطاء المهملة آخره ياء مشددة نسبة إلى الخراط، وهو خشب يخرطه الخراط فيصير صقيلا كالمرآة ح.
قوله: (بمسح) متعلق بيطهر، وإنما اكتفى بالمسح، لان أصحاب رسول الله (ص) كانوا يقتلون الكفار بسيوفهم ثم يمسحونها ويصلون معها ولانه لا تتداخله النجاسة، وما على ظهره يزول بالمسح.
بحر.
قوله: (مطلقا) أي سواء أصابه نجس له جرم أو لا، رطبا كان أو يابسا على المختار للفتوى.
شرنبلالية عن البرهان.
قال في الحلية: والذي يظهر أنها لو يابسة ذات جرم تطهر بالحت والمسح بما فيه بلل ظاهر من خرقة أو غيرها حتى يذهب أثرها مع عينها، ولو يابسة ليست بذات جرم كالبول والخمر فبالمسح بما ذكرناه لا غير، ولو رطبة ذات جرم أولا فبالمسح بخرقة مبتلة أو لا.
(تنبيه): بقي مما يطهر بالمسح موضع الحجامة، ففي الظهيرية: إذا مسحها بثلاث خرق رطبات نظاف أجزأه عن الغسل، وأقره في الفتح، وقاس عليه ما حول محل الفصد إذا تلطخ ويخاف من الاسالة السريان إلى الثقب.
قال في البرح: وهو يقتضي تقييد مسألة المحاجم بما إذا خاف من الاسالة ضررا والمنقول مطلق ا ه.
أقول: وقد نقل في القنية عن نجم الائمة الاكتفاء فيها بالمسح مرة واحدة إذا زال بها الدم، لكن في الخانية لو مسح موضع الحجامة بثلاث خرق مبلولة يجوز إن كان الماء متقاطرا ا ه.
والظاهر أن هذا مبني على قول أبي يوسف في المسألة بلزوم الغسل كما نقله عنه في الحلية عن المحيط، يدل عليه ما في الخانية قبل هذه المسألة عن أبي جعفر على بدنه نجاسة فمسحها بخرقة مبلولة ثلاثا يطهر لو الماء متقاطرا على بدنه ا ه.
فإنه مع التقاطر يكون غسلا لا مسحا، لما في الولوالجية: أصابه نجاسة قبل يده ثلاثا ومسحها، إن كانت البلة من يده متقاطرة جاز لانه يكون
غسلا، وإلا فلا.
قوله: (بخلاف نحو بساط) أي وحصير وثوب وبدن مما ليس أرضا ولا متصلا بها اتصال قرار.
قوله: (بيبسها) لما في سنن أبي داود باب طهور الارض إذا يبست وساق بسنده عن ابن عمر قال: كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله (ص) وكنت شابا عزبا، وكانت(1/335)
الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك ا ه.
ولو أريد تطهيرها عاجلا يصب عليها الماء ثلاث مرات وتجفف في كل مرة بخرقة طاهرة، وكذا لو صب عليها الماء بكثرة حتى لا يظهر أثر النجاسة.
شرح المنية وفتح.
وهل الماء في الصورة الثانية نجس أم طاهر؟ يفهم من قول البحر صب عليها الماء كثيرا ثم تركها حتى نشفت طهرت أنه نجس، لانه علق طهارتها بنشافها: أي يبسها، وبه صرح في التاترخانية عن الحجة حيث قال: ويتنجس الموضع الذي انتقل إليه الماء.
وفي البدائع ما يدل عليه.
والظاهر أن هذا حيث لم يصر الماء جاريا عرفا، أما لو جرى بعد انفصاله عن محلها ولم يظهر فيه أثرها فينبغي أن يكون طاهرا، لان الجاري لا يتنجس وإن لم يكن له مدد ما لم يظهر فيه الاثر، يدل عليه ما في الذخيرة.
وعن الحسن بن أبي مطيع: إذا صب عليها الماء فجرى قدر ذراع طهرت الارض والماء طاهر، بمنزلة الماء الجاري.
وفي المنتفى: أصابها المطر غالبا وجرى عليها فذلك مطهر لها، ولو قليلا لم يجر عليها لم تطهر، فيغسل قدميه وخفيه، يريد به إذا كان المطر قليلا ومشى عليها ا ه.
فهذا نص في المقصود، ولله الحمد، وسنذكر آخر الفصل تمام ذلك.
قوله: (أي جفافها) المراد به ذهاب الندوة، وفسر الشارح به لان المشروط دون اليبس كما دلت عليه عبارات الفقهاء.
قهستاني.
وصرح به ابن الكمال عن الذخيرة.
قوله: (ولو بريح) أشار أن تقييد الهداية وغيرها بالشمس اتفاقي، فإنه لا فرق بين الجفاف بالشمس أو النار أو الريح كما في الفتح وغيره.
قوله: (كلون وريح) أدخلت الكاف الطعم، وبه صرح في البحر والذخيرة وغيرهما.
قوله: (وله الطهورية) لان الصعيد علم قبل التنجس طاهرا وطهورا، وبالتنجس علم زوال الوصفين ثم ثبت بالجفاف شرعا أحدهما: أعين التطهير فيبقى الآخر
على ما علم من زواله، وإن لم يكن طهورا لا يتيمم به ا ه.
فتح.
قوله: (مفروش) أما لو موضوعا غير مثبت فيها ينقل ويحول فلا بد من الغسل، لان الطهارة بالجفاف إنما وردت في الارض، ومثل هذا لا يسمى أرضا عرفا، ولذا لا يدخل في بيع الارض حكما لعدم اتصاله بها على جهة القرار فلا يلحق بها.
شارح المنية.
زاد في الحلية: وإذا قلع المفروش بعد ذلك هل يعود نجسا؟ فيه روايتان.
قلت: والاشبه عدم العود ا ه.
وفي البحر عن الخلاصة أنه المختار.
قوله: (بالخاء) أي المعجمة المضمومة والصاد المهملة المشددة.
قوله: (تحجيرة سطح) من الحجر بالفتح: وهو المنع، وفسره في الدرر تبعا لصدر الشريعة بالسترة التي تكون على السطوح: أي لانها تمنع من النظر إلى من هو خلفها، وفسره في المغرب والصحاح بالبيت من القصب.
قوله: (وكلا) بوزن جبل.
قال في المغرب: هو اسم لما يرعاه الدواب رطبا كان أو يابسا.
قوله: (وكذا الخ) ومثله الحصى إذا كان متداخلا في الارض كما في المنية.
وفي التاترخانية: أما إذا كان على وجه الارض لا يطهر ا ه.
والظاهر أن التراب لا يتقيد بذلك وإلا لزم تقييد الارض التي تطهر باليبس بما لا تراب عليها.
تأمل.
قوله: (إلا حجرا خشنا الخ) في الخانية ما نصه: الحجر إذا أصابته النجاسة إن كان حجرا يتشرب النجاسة كحجر الرحى يكون يبسه(1/336)
طهارة، وإن كان لا يتشرب لا يطهر إلا بالغسل ا ه.
ومثله في البحر.
وبحث فيه في شرح المنية فقال: هذا بناء على أن النص الوارد في الارض معقول المعنى، لان الارض تجذب النجاسة والهواء يجففها فيقاس عليها ما يوجد فيذلك المعنى الذي هو الاجتذاب، ولكن يلزم يطهر اللبن والآجر بالجفاف وذهاب الاثر وإن كان منفصلا عن الارض لوجود التشرب والاجتذاب ا ه.
وعن هذا استظهر في الحلية حمل ما في الخانية على الحجر المفروش دون الموضوع، وهذا هو المتبادر من عبارة الشرنبلالية، لكن يرد عليه أنه لا يظهر فرق حينئذ بين الخشن وغيره، فالاول حمله على المنفصل كما هو المفهوم المتبادر من عبارة الخانية والبحر.
ويجاب عما بحثه في شرح المنية بأن اللبن والآجر قد خرجا بالطبخ والصنعة عن ماهيتهما الاصلية، بخلاف الحجر فإنه على أصل خلقته فأشبه الارض بأصله، وأشبه غيرها بانفصاله عنها،
فقلنا: إذا كان خشنا فهو في حكم الارض، لانه يتشرب النجاسة، وإن كان أملس فهو في حكم غيرها لانه لا يتشرب النجاسة، والله أعلم.
قوله: (بفرك) هو الحك باليد حتى يتفتت.
بحر.
قوله: (ولا يضر بقاء أثره) أي كبقائه بعد الغسل.
بحر.
قوله: (وإن طهر رأس حشفة) قيل هو مقيد أيضا بما إذا لم يسبقه مذي، فإن سبقه فلا يطهر إلا بالغسل.
وعن هذا قال شمس الائمة الحلواني: مسألة المني مشكلة، لان كل فحل يمذي ثم يمني، إلا أن يقال: إنه مغلوب بالمني مستهلك فيه فيعجل تبعا ا ه.
وهذا ظاهر، فإنه إذا كان كل فحل كذلك وقد طهره الشرع بالفرك يابسا يلزم أنه اعتبر مستهلكا للضرورة، بخلاف ما إذا بال فلم يستنج بالماء حتى أمنى لعدم الملجئ ا ه.
فتح.
وما في البحر من أن ظاهر المتون الاطلاق فإن المذي لم يعف عنه إلا لكونه مستهلكا لا للضرورة فكذا البول، رده في النهر بأن الاصل أن لا يجعل النجس تبعا لغيره إلا بدليل وقد قام في المذي دون البول ا ه.
قال الشيخ إسماعيل: وهو وجيه كما لا يخفى ا ه.
وقال العلامة نوح: والحق أن المذي إنما عفي عنه للضرورة لا للاستهلاك، ثم أطال في رد ما في حاشية أخي جلبي من أن اللائق بحال المسلم أن لا يكتفي بالفرك في المني أبدا، لان القيود المعتبرة فيه ما يستحل رعايتها عادة فراجعه.
قوله: (كأن كان مستنيجا بماء) أي بعد البول، واحترز عن الاستنجاء بالحجر لانه مقلل للنجاسة لا قالع لها كما مر في مسألة البئر.
قال في شرح المنية: ولو بال ولم يستنج بالماء، قيل لا يطهر المني الخارج بعده بالفرك، قاله أبو إسحاق الحافظ، وهكذا روى الحسن عن أصحابنا.
وقيل: إن لم ينتشر البول على رأس الذكر ولم يجاوز الثقب يطهر به، وكذا إن انتشر ولكن خرج المني دفقا لانه لو يوجد مروره على البول الخارج، ولا أثر لمروره عليه في الداخل لعدم الحكم بنجاسة ا ه.
وحاصله كما قال نوح أفندي: إما أن ينتشر كل من البول والمني أولا أو لا، أو البول فقط، أو المني فقط، ففي الاول لا يطهر بالفرك، وفي الثلاثة الاخيرة يطهر.
قوله: (لتلوثه بالنجس) قد يقال بناء على القول المار آنفا: إنه إذا خرج المني ولم ينتشر على رأس الذكر لا تلوث فيه.
أفاده ط.
قوله: (برطوبة الفرج) أي الداخل بدليل قوله أولج.
وأما رطوبة الفرج الخارج فطاهر(1/337)
اتفاقا ا ه.
ح.
وفي منهاج الامام النووي: رطوبة الفرج ليست بنجسة في الاصح.
قال ابن حجر في شرحه: وهي ماء أبيض متردد بين المذي والعرق يخرج من باطن الفرج الذي لا يجب غسله، بخلاف ما يخرج مما يجب غسله فإنه طاهر قطعا، ومن وراء باطن الفرج فإنه نجس قطعا ككل خارج من الباطن كالماء الخارج مع الولد أو قبيله ا ه.
وسنذكر في آخر باب الاستنجاء أن رطوبة الولد طاهرة.
وكذا السخلة والبيضة.
قوله: (أما عنده) أي عند الامام، وظاهر كلامه في آخر الفصل الآتي أنه المعتمد.
قوله: (أو لا رأسها طاهرا) أو مانعة الخلو مجوزة الجمع، فيصدق بما إذا كان يابسا ورأسها غير طاهر، أو رطبا ورأسها طاهر، أو لم يكن يابسا ولا رأسها طاهرا.
وفي بعض النسخ بالواو بدل أو وهو سهو من الناسخ ا ه.
ح.
أقول: لا سهو، بل غاية ما يلزمه أنه تصريح ببعض الصور وهو صورة الجمع دون صورتي الانفراد، فافهم.
قوله: (ولو دما عبيطا) بالعين المهملة: أي طريا.
مغرب وقاموس: أي ولو كانت النجاسة دما عبيطا فإنها لا تطهر إلا بالغسل على المشهور لتصريحهم بأن طهارة الثوب بالفرك إنما هو في المني لا في غيره.
بحر.
فما في المجتبى لو أصاب الثوب دم عبيط فيبس فحته طهر كالمني فشاذ.
نهر، وكذا ما في القهستاني عن النوازل أن الثوب يطهر عن العذرة الغليظة بالفرك قياسا على المني ا ه.
نعم لو خرج المني دما عبيطا فالظاهر طهارته بالفرك.
قوله: (بلا فرق) أي فركه في يابسا وغسله طريا.
قوله: (ومنيها) أي المرأة كما صححه في الحانية، وهو ظاهر الرواية عندنا كما في مختارات النوازل، وجزم في السراج وغيره بخلافه، ورجحه في الحلية بما حاصله أن كلامهم متظافر على أن الاكتفاء بالفرك في المني استحسان بالاثر على خلاف القياس، فلا يلحق به إلا ما في معناه من كل وجه، والنص ورد في مني الرجل، ومني المرأة ليس مثله لرقته وغلظ مني الرجل.
والفرك إنما يؤثر زوال المفروك أو تقليله وذلك فيما لو جرم، والرقيق المائع لا يحصل في فركه هذا الغرض فيدخل مني المرأة إذا كان غليظا ويخرج مني الرجل إذا كان رقيقا لعارض ا ه.
أقول: وقد يؤيد ما صححه في الخانية بم صح عن عائشة رضي الله عنها: كنت أحك المني
من ثوب رسول الله (ص) وهو يصلي ولا خفاء أنه كان من جماع، لان الانبياء لا تحتلم، فيلزم اختلاط مني المرأة به، فيدل على طهارة منيها بالفرك بالاثر لا بالالحاق، فتدبر.
قوله: (كما بحثه الباقاني) لعله شرحه على النقاية.
وأما في شرحه على الملتقى فلم أجده فيه، وسبقه إلى ذلك القهستاني فقال: والمني شامل لكل حيوان فينبغي أن يطهر به ا ه: أي بالفرك.
وفي حاشية أبي السعود: لا فرق بين مني الآدمي وغيره كما في الفيض والقهستاني أيضا، خلافا لما نقله الحموي عن السمرقندي من تقييده بمني الآدمي ا ه.
أقول: المنقول في البحر والتاترخانية أن مني كل حيوان نجس، وأما عدم الفرق بين التطهير فمحتاج إلى نقل، وما مر عن السمرقندي متجه، ولذا قال ح: إن الرخصة وردت في مني الآدمي على خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره، فإن الحق دلالة يحتاج إلى بيان أن مني غير الآدمي خصوصا مني(1/338)
الخنزير والكلب والفيل الداخل في عموم كلامه في معنى مني الآدمي ودونه خرط القتاد ا ه.
ورأيت في بعض الهوامش عن شرح النقاية للبرجندي أنه قال: قد ذكروا أن الحكمة في تطهير الثوب من المني بالفرك عموم البلوى وعدم تداخله الثوب، فبالنظر إلى الاول لا يكون حكم غيره من سائر الحيوانات كذلك ا ه.
(تنبيه): نجاسة المني عندنا مغلظة: سراج.
والعلقة والمضغة نجسان كالمني.
نهاية وزيلعي، وكذا الولد إذا لم يستهل، لما في الخانية: لو سقط في الماء أفسده وإن غسل، وكذا لو حمله المصلي لا تصح صلاته بحر.
وأما ما نقله في البحر بعد ذلك عن الفتح من أن العلقة إذا صارت مضغة تطهر فمشكل، إلا أن يجاب بحمله على ما إذا نفخت فيها الروح واستمرت الحياة إلى الولادة.
تأمل.
قوله: (بغير مائع) أي كالدلك في الخف، والجفاف في الارض، والدباغة الحكمية في الجلد، وغوران الماء في البئر، والمسح في الصقيل.
قال في البحر بعد سوق عباراتهم فيها: فالحاصل أن التصحيح والاختيار قد اختلف في كل مسألة منها كما ترى، فالاولى اعتبار الطهارة في الكل كما يفيده أصحاب المتون حيث صرحوا بالطهارة في كل، واختاره في الفتح.
ولا يرد
المستنجي بالحجر إذا دخل الماء فإنه ينجسه، لان غير المائع لم يعتبر مطهرا في البدن إلا في المني ا ه: أي فالحجر لا يطهر محل الاستنجاء من البدن، وإنما هو مقلل فلذا نجس الماء، بخلاف الدلك ونحوه فإنه مطهر، ومقتضاه أن الخف لو وقع في ماء قليل لا ينجسه.
ثم رأيت في التجنيس قال: ولو ألقى تراب هذه الارض بعدما جف في الماء، هل ينجس؟ هو على هاتين الروايتين ا ه: أي فعلى رواية الطهارة لا ينجس، وقدمنا أن الآجرة إذا تنجست فجفت ثم قلعت فالمختار عدم العود.
قوله: (وقد أنهيت في الخزائن الخ) ونصها: ذكروا أن التطهير يكون بغسل وجري الماء على نحو بساط، ودخوله من جانب وخروجه من آخر بحيث يعد جاريا، وغسل طرف ثوب نسي محل نجاسته، ومسح صقيل، ومسح نطع، وموضع محجمة وفصد بثلاث خرق، وجفاف أرض، ودلك خف، وفرك مني، واستنجاء بنحو حجر، ونحو ملح وخشبة، وتقور نحو سمن جامد بأن لا يستوي من ساعته، وذكاة ودبغ ونار وندف قطن تنجس أقله، وقسمة مثلي، وغسل وبيع وهبة، وأكل لبعضه وانقلاب عين، وقلبها بجعل أعلى الارض أسفل، ونزح بئر وغورانها، وغوران قدر الواجب وجريانها، وتخلل خمر، وكذا تخليلها عندنا، وغلي اللحم عند الثاني، ونضح بول صغير عند الشافعي، فهذه نيف وثلاثون وفي بعضها مسامحة ا ه.
ووجه المساحة ما أوضحه في النهر، من أنه لا ينبغي عد التقور لان السمن الجامد لم يتنجس كله، بل ما ألقي منه فقط ولا قلب الارض لبقاء النجاسة في الاسفل، وكذا القسمة والاربعة بعدها، وإنما يجوز الانتفاع لوقوع الشك في بقاء النجاسة في الموجود، وكذا الندف، ومن عده شرط كون النجس مقدارا قليلا يذهب بالندف وإلا فلا يطهر كما في البزازية ا ه.
أقول: ومثل التقور النحت، على أن في كثير من هذه المسائل تداخلا، ولا ينبغي ذكر نضح(1/339)
بول الصبي بالماء لانه ليس مذهبنا.
هذا، وقد زاد بعضهم نفخ الروح بناء على ما قدمناه آنفا عن الفتح، وزاد بعضهم التمويه كالسكين إذا موه: أي سقي بماء نجس يموه بماء طاهر ثلاثا فيطهر، وكذا لحس اليد ونحوها.
قوله: (وغيرت نظم ابن وهبان) حيث قال في فصل المعاياة ملغزا: وآخر دون الفرك والندو الجفاف والنحت قلب العين والغسل يطهر ولا دبغ تخليل ذكاة تخلل ولا المسح والنزح الدخول التغور وزاد شارحها بيتا فقال: وأكل وقسم غسل بعض ونحله وندف وغلي بيع بعض تقور ا ه.
وأراد بقوله وآخر الحفر: أي ما شئ آخر من المطهرات غير هذا المذكورات.
قوله: (وقلب العين) كانقلاب الخنزير ملحا كما سيأتي متنا.
قوله: (الحفر) أي قلب الارض بجعل الاعلى أسفل.
قوله: (وتخليل) أي تخليل الخمر بإلقاء شئ فيها وهو كالتخلل بنفسها، وهما داخلان في انقلاب العين كما يعلم من البحر.
قال في الفتح: ولو صب ماء في خمر أو بالعكس ثم صار خلاف طهر في الصحيح، بخلاف ما لو وقعت فيها فأرة ثم أخرجت بعد ما تخللت في الصحيح لانها تنجست بعد التخلل، بخلاف ما لو أخرجت قبله ا ه.
وكذا لو وقعت في العصير أو ولغ فيه كلب ثم تخمر ثم تخلل لا يطهر هو المختار.
بحر عن الخلاصة.
وفي الخانية: خمر صب في قدر الطعام ثم صب فيه الخل وصار حامضا بحيث لا يمكن أكله لحموضته وحموضه حموضة الخل لا بأس بأكله، وعلى هذا كل ما صب فيه الخل وصار خلا، وكذا لو وقعت فأرة في خمر واستخرجت قبل التفسخ ثم صارت خلا، فلو بعده لا يحل.
والخل النجس إذا صب في خمر فصار خلا يكون نجسا لان النجس لم يتغير، وإذا ألقي في الخمر رغيف أو بصل ثم صار الخمر خلا فالصحيح أنه طاهر ا ه.
وسيأتي شئ من ذلك في الفروع آخر الفصل الآتي.
قوله: (ذكاة) أي ذبح حيوان فإنه يطهر الجلد، وكذا اللحم ولو من غير مأكول على أحد التصحيحين كما مر في محله.
قوله: (والدخول) أي دخول الماء الطاهر في الحوض الصغير النجس مع خروجه من جانب آخر وإن قل في الصحيح كما مر.
قوله: (التغور) أي غوران ماء البئر قدر ما يجب نزحه منها مطهر لها كالنزح كما تقدم.
قوله: (تصرفه في البعض) أي من نحو حنطة تنجس بعضها، والتصرف يعم الاكل والبيع والهبة والصدقة، أفاده ح.
وهذه المسألة ستأتي
متنا، وينبغي تقييد التصرف بأن يكون بمقدار ما تنجس منها أو أكثر لا أقل، كما يفيده ما قدمناه في الندف عن النهر.
قوله: (ونزحها) أي نزح البئر.
قوله: (ونار) كما لو أحرق موضع الدم من رأس(1/340)
الشاة بحر.
وله نظائر تأتي قريبا، ولا تظن أن كل ما دخلته النار يطهر كما بلغني عن بعض الناس أنه توهم ذلك، بل المراد أن ما استحالت به النجاسة بالنار أو زال أثرها بها يطهر، ولذا قيد ذلك في المنية بقوله: في مواضع.
قوله: (وغلي) أي بالنار كغلي الدهن أو اللحم ثلاثا على ما سيأتي بيانه.
قوله: (غسل بعض) أي بعض نحو ثوب تنجس شئ منه كما سيأتي الكلام عليه.
قوله: (تقور) أي تقويرنحو سمن جامد من جوانب النجاسة، فهو من استعمال مصدر اللازم في المتعدي كالطهارة بمعنى التطهير كما أفاده الحموي.
وخرج بالجامد المائع، وهو ما ينضم بعضه إلى بعض فإنه ينجس كله ما لم يبلغ القدر الكثير على ما مر ا ه.
فتح: أي بأن كان عشرا في عشر، وسيأتي كيفية تطهيره إذا تنجس.
قوله: (ويطهر زيت) قد ذكر هذه المسألة العلامة قاسم في فتاواه، وكذا ما سيأتي متنا وشرحها من مسائل التطهير بانقلاب العين، وذكر الادلة على ذلك بما لا مزيد عليه، وحقق ودقق كما هو دأبه رحمه الله تعالى، فليراجع.
ثم هذه المسألة قد فرعوها على قول محمد بالطهارة بانقلاب العين الذي عليه الفتوى، واختاره أكثر المشايخ خلافا لابي يوسف كما في شرح المنية والفتح وغيرهما.
وعبارة المجتبى: جعل الدهن النجس في صابون يفتى بطهارته لانه تغير، والتغير يطهر عند محمد، ويفتى به للبلوى ا ه.
وظاهره أن دهن الميتة كذلك لتعبيره بالنجس دون المتنجس، إلا أن يقال: هو خاص بالنجس لان العادة في الصابون وضع الزيت دون بقية الادهان.
تأمل.
ثم رأيت في شرح المنية ما يؤيد الاول حيث قال: وعليه يتفرع ما لو وقع إنسان أو كلب في قدر الصابون فصار صابونا يكون طاهرا لتبدل الحقيقة ا ه.
ثم اعلم أن العلة عند محمهي التغير وانقلاب الحقيقة، وأنه يفتى به للبلوى كما علم مما مر، ومقتضاه عداختصاص ذلك الحكم بالصابون، فيدخل فيه كل ما كان فيه تغير وانقلاب حقيقة
وكافيه بلوى عامة، فيقال: كذلك في الدبس المطبوخ إذا كان زبيبه متنجسا، ولا سيما أن الفأر يدخله فيبول ويبعر فيه وقد يموت فيه.
وفيه بحث كذلك بعض شيوخ مشايخنا فقال: وعلى هذا إذا تنجس السمسم ثم صار طحينة يطهر، خصوصا وقد عمتبه البلوى، وقاسه على ما إذا وقع عصفور في بئر حتى صار طينا لا يلزم إخراجه لاستحالته.
قلت: لكن قد يقال: إن الدبس ليس فيه انقلاب حقيقة لانه عصير جمد بالطبخ، وكذا السمسم إذا درس واختلط دهنه بأجزائه ففيه تغير وصف فقط، كلبن صار جبنا، وبر صار طحينا، وطحين صار خبزا، بخلاف نحو خمر صار خلا، وحمار وقع في مملحة فصار ملحا، وكذا دردي خمر صار طرطيرا، وعذرة صارت رمادا أو حمأة، فإن ذلك كله انقلاب حقيقة إلى حقيقة أخرى، لا مجرد انقلاب وصف كما سيأتي، والله أعلم.
قوله: (رش بماء نجس) أي أو بال فيه صبي أو مسح بخرقة مبتلة نجسة.
حلية.
قوله: (لا بأس بالخبز فيه) أي بعد ذهاب البلة النجسة بالنار وإلا تنجس كما في الخانية.
قوله: (ذكره الحلبي) وعلله بقوله: لاضمحلال النجاسة بالنار وزوال أثرها.(1/341)
قوله: (وعفا الشارع) فيه تغيير للفظ المتن، لانه كان مبنيا للمجهول، لكنه قصد التنبيه على أن ذلك مروي لا محض قياس فقط.
قال في شرح المنية: ولنا أن القليل عفو إجماعا، إذ الاستنجاء بالحجر كاف بالاجماع وهو لا يستأصل النجاسة، والتقدير بالدرهم مروي عن عمر وعلي وابن مسعود، وهو مما لا يعرف بالرأي فيحمل على السماع ا ه.
وفي الحلية: التقدير بالدرهم وقع على سبيل الكناية عن موضع خروج الحدث من الدبر كما أفاده إبراهيم النخعي بقوله: إنهم استكرهوا ذكر المقاعد في مجالسهم فكنوا عنه بالدرهم، ويعضده ما ذكره المشايخ عن عمر أنه سئل عن القليل من النجاسة في الثوب، فقال: إذا كان مثل ظفري هذا لا يمنع جواز الصلاة، قالوا وظفره كان قريبا من كفنا.
قوله: (وإن كره تحريما) أشار إلى أن العفو عنه بالنسبة إلى صحة الصلاة به، فلا ينافي الاثم كما استنبطه في البحر من عبارة السراج، ونحوه في شرح المنية فإنه ذكر ما ذكره الشارح من التفصيل، وقد نقله أيضا في
الحلية عن الينابيع، لكنه قال بعده: والاقرب أن غسل الدرهم وما دونه مستحب مع العلم به والقدر على غسله، فتركه حينئذ خلاف الاولى، نعم الدرهم غسله آكد مما دونه، فتركه أشد كراهة كما يستفاد من غير ما كتاب من مشاهير كتب المذهب.
ففي المحيط: يكره أن يصلي ومعه قدر درهم أو دونه من النجاسة عالما به لاختلاف الناس فيه.
زاد في مختارات النوازل: قادرا على إزالته، وحديث: تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم لم يثبت، ولو ثبت حمل على استحباب الاعادة توفيقا بينه وبين ما دل عليه الاجماع على سقوط غسل المخرج بعد الاستجمار من سقوط قدر الدرهم من النجاسة مطلقا ا ه.
ملخصا.
أقول: ويؤيده قول في الفتح: والصلاة مكروهة مع ما لا يمنع، حتى قيل لو علم قليل النجاسة عليه في الصلاة يرفضها ما لم يخف فوت الوقت أو الجماعة ا ه.
ومثله في النهاية والمحيط كما في البحر، فقد سوى بين الدرهم وما دونه في الكراهة ورفض الصلاة، ومعلوم أن ما دونه لا يكره تحريما إذ لا قائل به، فالتسوية في أصل الكراهة التنزيهية وإن تفاوتت فيهما، ويؤيده تعليل المحيط للكراهة باختلاف الناس فيه إذ لا يستلزم التحريم، وفي النتف ما نصه: فالواجبه إذا كانت النجاسة أكثر من قدر الدرهم، والنافلة إذا كانت مقدار الدرهم وما دونة.
وما في الخلاصة من قوله: وقدر الدرهم، لا يمنع، ويكون مسيئا وإن قل، فالافضل أن يغسلها ولا يكون مسيئا ا ه.
لا يدل على كراهة التحريم في الدرهم لقول الاصوليين: إن الاساءة دون الكراهة، نعم يدل على تأكد إزالته على ما دونه فيوافق ما مر عن الحلية ولا يخالف ما في الفتح كما لا يخفى، ويؤيد إطلاق أصحاب المتون قولهم: وعفي قدر الدرهم، فإنه شامل لعدم الاثم فتقدم هذه النقول على ما مر عن الينابيع، والله تعالى أعلم.
قوله: (والعبرة لوقت الصلاة) أي لو أصاب ثوبه دهن نج س أقل من قدر الدرهم ثم انبسط وقت الصلاة فزاد على الدرهم، قيل يمنع، وبه أخذ الاكثرون كما في البحر عن السراج.
وفي المنية: وبه يؤخذ، وقال شارحها: وتحقيقه أن المعتبر في المقدار من النجاسة الرقيقة ليس(1/342)
جوهرة النجاسة بل جوهر المتنجس عكس الكثيفة، فليتأمل ا ه.
وقيل لا يمنع اعتبارا لوقت
الاصابة.
قال القهستاني: وهو المختار، وبه يفتى، وظاهر الفتح اختياره أيضا.
وفي الحلية: وهو الاشبه عندي، وإليه مال سيدي عبد الغني.
وقال: فلو كانت أزيد من الدرهم وقت الاصابة ثم جفت فخفت فصارت أقل منعت.
هذا، وفي البحر وغيره: ولا يعتبر نفوذ المقدار إلى الوجه الآخر لو الثوب واحدا، بخلاف ما إذا كان ذا طاقين كدرهم متنجس الوجهين ا ه.
وما في الخانية من أن الصحيح عدم المنع في الدرهم لانه واحد.
وفي الخلاصة أنه المختار.
قال في الحلية: الحق أن الذي يظهر خلافه، لان نفس ما في أحد الوجهين لا ينفذ إلى الآخر، فلم تكن النجاسة متحدة بل متعددة وهو المناط ا ه.
(تتمة): قال في الفتح وغيره: ثم إنما يعتبر المانع مضافا إلى المصلي، فلو جلس الصبي أو الحمام المتنجس في حجره جازت صلاته لو الصبي مستمسكا بنفسه، لانه هو الحامل لها، بخلاف غير المستمسك كالرضيع الصغير حيث يصير مضافا إليه، وبحث فيه في الحلية بأنه لا أثر فيما يظهر للاستمساك، لان المصلي في المعنى حامل للنجاسة، ومن ادعاه فعليه البيان.
أقول: وهو قوي، لكن المنقول خلافه، وروي بإسناد حسن عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: رأيت رسول الله (ص) يصلي والحسن على ظهره، فإذا سجد نحاه ولا يخفى أن الصغير لا يخلو عن النجاسة عادة، فهو مؤيد للمنقول.
قوله: (وهو مثقال) هذا هو الصحيح، وقيل يعتبر في كل زمان درهمه.
برح.
وأفاد أن الدرهم هنا غيره في باب الزكاة، فإنه هناك ما كان كل عشرة منه وزن سبعة مثاقيل.
قوله: (في نجس كثيف) لما اختلف تفسير محمد للدرهم، فتارة فسره بعرض الكف وتارة بالمثقال اختلف المشايخ فيه، ووفق الهندواني بينهما بما ذكره المصنف، واختاره كثير منهم، وصححه الزيلعي والزاهدي، وأقره في الفتح أن إعمال الروايتين إذا أمكن أولى، وتمامه في البحر والحلية، ومقتضاه: أن قدر الدرهم من الكثيفة لو كان منبسطا في الثوب أكثر من عرض الكف لا يمنع كما ذكره سيدي عبد الغني.
قوله: (له جرم) تفسير للكثيف، وعد منه في الهداية الدم، وعده قاضيخان مما ليس له جرم، ووفق في الحلية بحمل الاول على ما إذا كان غليظا والثاني على ما إذا كان رقيقا.
قال: وينبغي أن يكون المني كذلك ا ه.
فالمراد بذي الجرم ما تشاهد بالبصر ذاته لا أثر
كما مر ويأتي.
قوله: (وهو داخل مفاصل أصابع اليد) قالا منلا مسكين: وطريق معرفته أن تغرف الماء باليد ثم تبسط، فما بقي من الماء فهو مقدار الكف.
قوله: (من مغلظة) متعلق بقوله عفا ط.
أو بمحذوف صفة لكثيف ورقيق: أي كائنين من نجاسة مغلظة.
وقال في الدرر: متعلق بقدر الدرهم.
ثم اعلم أن المغلظ من النجاسة عند الامام ما ورد فيه نص لم يعارض بنص آخر، فإن عورض بنص آخر فمخفف كبول ما يؤكل لحمه، فإن حديث: استنزهوا من البول يدل على نجاسته، وحديث العرنيين يدل على طهارته.
وعندهما: ما اختلف الائمة في نجاسته فهو مخفف، فالروث مغلظ عنده لانه عليه الصلاة والسلام سماه ركسا ولم يعارضه نص آخر.
وعندهما مخفف،(1/343)
لقول مالك بطهارته لعموم البلوى، وتمام تحقيقه في المطولات.
قوله: (كعذرة) تمثيل للمغلظة.
قوله: (وكذا الخ) يرد عليه الريح فإنه طاهر ط: أي على الصحيح.
وقد يقال: إن الكلام في الكثيف والرقيق، والريح ليس منهما فليتأمل، أو يقال: ما في كل ما واقعة على النجس، لان المراد بيان التغليظ.
مطلب في طهارة بوله (ص) (تنبيه): صحح بعض أئمة الشافعية طهارة بوله (ص) وسائر فضلاته، وبه قال أبو حنيفة كما نقله في المواهب اللدنية عشرح البخاري للعيني، وصرح به البيري في شرح الاشباه.
وقال الحافظ ابن حجر: تظافرت الادلة على ذلك، وعد الائمة ذلك من خصائصه (ص).
ونقل بعضهم عن شرح المشكاة لمنلا على القاري أنه قال: اختاره كثير من أصحابنا، وأطال في تحقيقه في شرحه على الشمائل في باب ما جاء في تعطره عليه الصلاة والسلام.
قوله: (مغلظ) لا حاجة إليه مع قوله: كذا ط.
قوله: (لم يطعم) بفتح الياء: أي لم يأكل فلا بد من غسله، واكتفى الامام الشافعي بالنضح في بول الصبي ط.
والجواب عما استدل به في المطولات.
قوله: (إلا بول الخفاش) بوزن رمان: وهو الوطواط، سمي به لصغر عينه وضعف بصره.
قاموس.
وفي البدائع وغيره: بول الخفافيش وخرؤها ليس بنجس لتعذر صيانة الثوب والاواني عنها، لانها تبول من الهواء وهي فأرة
طيارة فلهذا تبول ا ه.
ومقتضاه أن سقوط النجاسة للضرورة، وهو متجه على القول بأنه لا يؤكل، كما عزاه في الذخيرة إلى بعض المواضع معللا بأن له نابا، ومشى عليه في الخانية، لكن نظر فيه في غاية البيان بأن ذا الناب إنما ينهى عنه إذا كان يصطاد بنابه: أي وهذا ليس كذلك.
وفي المبتغى: قيل يؤكل، وقيل لا.
ونقل العبادي من الشافعية عن محمد أنه حلال، وعليه فلا إشكال في طهارة بوله وخرئه، وتمامه في الحلية.
أقول: وعليه يتمشى قول الشارح فطاهر، وإلا كان الاولى أن يقول: فمعفو عنه، فافهم.
مبحث في بول الفارة وبعرها وبول الهرة قوله: (وكذا بول الفأرة الخ) اعلم أنه ذكر في الخانية أن بول الهرة والفأرة وخرأها نجس في أظهر الروايات يفسد الماء والثوب.
ولو طحن بعر الفأرة مع الحنطة ولم يظهر أثره يعفى عنه للضرورة.
وفي الخلاصة: إذا بالت الهرة في الاناء أو على الثوب تنجس، وكذا بول الفأرة، وقال الفقيه أبو جعفر: ينجس الاناء دون الثوب ب ا ه.
قال في الفتح: وهو حسن لعادة تخمير الاواني، وبول الفأرة في رواية لا بأس به، والمشايخ على أنه نجس لخفة الضرورة بخلاف خرئها، فإن فيه ضرورة في الحنطة ا ه.
والحاصل أن ظاهر الرواية نجاسة الكل، لكن الضرورة متحققة في بول الهرة في غير المائعات كالثياب، وكذا في خرء الفأرة في نحو الحنطة دون الثياب والمائعات.
وأما بول الفأرة فالضرورة في غير متحققة إلا على تلك الرواية المارة التي ذكر الشارح أن عليها الفتوى، لكن عبارة التاترخانية: بول الفأرة وخرؤها نجس، وقيل بولها معفو عنه، وعليه الفتوى.
وفي الحجة:(1/344)
الصحيح أنه نجس ا ه.
ولفظ الفتوى وإن كان آكد من لفظ الصحيح إلا أن القول الثاني هنا تأيد بكون ظاهر الرواية، فافهم، لكن تقدم في فصل البئر أن الاصح أنه لا ينجسه.
وقد يقال: إن الضرورة في البئر متحققة، بخلاف الاواني لانها تخمر كما مر، فتدبر.
قوله: (إلا دم شهيد) أي ولو مسفوحا، كما اقتضاه كلامه وكلام البحر.
قوله: (ما دام عليه) فلو حمله المصلي جازت صلاته إلا
إذا أصابه منه، لانه زال عن المكان الذي حكم بطهارته.
حموي.
ونحوه في الحلية.
قوله: (وما بقي في لحم الخ يوهم أن هذه الدماء طاهرة ولو كانت مسفوحة وليس بمراد، فهي خارجة بقيد المسفوح كما هو صريح كلام البحر، وأفاده ح.
وفي البزازية: وكذا الدم الباقي في عروق المذكاة بعد الذبح.
وعن الامام الثاني أنه يفسد الثوب إذا فحش ولا يفسد القدر للضرورة أو الاثر، فإنه كان يرى في برمة عائشة رضي الله عنها صفرة دم العنق والدم الخارج من الكبد، لو من غيره فنجس، وإن منه فطاهر، وكذا الدم الخارج من اللحم المهزول عند القط، إن منه فطاهر وإلا فلا، وكذا دم مطلق اللحم ودم القلب.
وقال القاضي: الكبد والطحال طاهران قبل الغسل، حتى لو طلي به وجه الخف وصلي به جاز ا ه.
قوله: (وما لم يسل) أي من بدن الانسان.
بحر، لكن في حواشي الحموي أن التقييد بالانسان اتفاقي، لان الظاهر أن غيره كذلك.
قوله: (ودم سمك) لانه ليس بدم حقيقة، لانه إذا يبس يبيض والدم يسود، وشمل السمك الكبير إذا سال منه شئ في ظاهر الرواية.
بحر.
قوله: (وقمل وبرغوث وبق) أي وإن كثر.
بحر ومنية.
وفيه تعريض بما عن بعض الشافعية أنه لا يعفى عن الكثير منه، وشمل ما كان في البدن والثوب تعمد إصابته أو لا ا ه.
حلية.
وعليه فلو قتل القمل في ثوبه يعفى عنه، وتمامه في الحلية.
ولو ألقاه في زيت ونحوه لا ينجسه، لما مر في كتاب الطهارة من أن موت ما لا نفس له سائلة في الاناء لا ينجسه.
وفي الحلية: البرغوث بالضم والفتح قليل.
قوله: (كرمان) هو الثمر المعروف.
قوله (دويبة) بضم ففتح فسكون للياء المثناه وتشديد للباء الموحدة تصغير دابة قوله: (لساعة) أي شديدة اللسع: وهو العض وتمامه في ح.
قوله: (وخمر) هذا ما في عامة المتون.
وفي القهستاني عن فتاوي الديناري قال الامام خواهر زاده: الخمر تمنع الصلاة وإن قلت، بخلاف سائر النجاسات ا ه.
قوله: (وفي باقي الاشربة) أي المسكرة ولو نبيذا على قول محمد المفتى به ط.
قوله: (وفي النهر الاوسط) واستدل بما في المنية: صلى وفي ثوبه دون الكثير الفاحش من السكر أو المصنف تجزيه في الاصح.
قال ح: وهو نص في التخفيف، فكان هو الحق، لان فيه الرجوع إلى الفرع المنصوص في المذهب.
وأما ترجيح صاحب البحر فبحث منه ا ه.
قلت: لكن في القهستاني: وأما سوى الخمر من الاشربة المحرمة فغليظة في ظاهر الرواية خفيفة على قياس قولهما ا ه.
فأفاد أن التخفيف مبني على قولهما: أي لثبوت اختلاف الائمة، فإن السكر والمنصف وهو الباذق قال بحلهما الامام الاوزاعي.
ويظهر لي التوفيق بين الروايات الثلاث بأن رواية التغليظ على قول الامام، ورواية التخفيف على قولهما، ورواية الطهارة خاصة بالاشربة المباحة.
وينبغي ترجيح التغليظ في الجميع، يدل عليه(1/345)
ما في غرر الافكار من كتاب الاشربة حيث قال: وهذه الاشربة عند محمد وموافقيه كخمر بلا تفاوت في الاحكام، وبهذا يفتى في زماننا ا ه.
فقوله بلا تفاوت في الاحكام، يقتضي أنها مغلظة، فتدبر.
قوله: (لا بذرق) بالذال المعجمة أو بالزاي ح عن القاموس.
قوله: (كبط أهلي) أما إن كان يطير ولا يعيش بين الناس فكالحمامة.
بحر عن البزازية وجعله كالحمامة موافق لرواية الكرخي كما يأتي.
قوله: (ودجاج) بتثليث الدال يقع على الذكر الاثنى.
حلية.
قوله: (فإن مأكولا) كحمام وعصفور.
قوله: (فطاهر) وقيل معفو عنه لو قليلا لعموم البلوى، والاول أشبه، وهو ظاهر البدائع والخانية.
حلية.
قوله: (وإلا فمخفف) أي وإلا يكن مأكولا كالصقر والبازي والحدأة، فهو نجس مخفف عنده، مغلظ عندهما، وهذه رواية الهندواني.
وروى الكرخي أنه طاهر عندهما مغلظ عند محمد، وتمامه في البحر ويأتي.
قوله: (وروث وخثي) قدمنا في فصل البئر أن الروث للفرس والبغل والحمار، والخثي بكسر فسكون للبقر والفيل، والبعر للابل والغنم، والخرء للطيور، والنجو للكلب، والعذرة للانسان.
قوله: (أفاد بهما نجاسة خرء كل حيوان) أراد بالنجاسة المغلظة، لان الكلام فيها ولانصراف الاطلاق إليها كما يأتي، ولقوله: وقالا مخففة وأرد بالحيوان ما له روث أو خثي: أي سواء كان مأكولا كالفرس والبقر، أو لا كالحمام، وإلا فخرء الآدمي وسباع البهائم متفق على تغليظه كما في الفتح والبحر وغيرهما، فافهم.
قوله: (وفي الشرنبلالية الخ) عزاه فيها إلى مواهب الرحمن لكن في النكت للعلامة قاسم: إن قول الامام بالتغليظ رجحه في المبسوط وغيره ا ه.
ولذا جرى عليه أصحاب المتون.
قوله: (وطهرهما محمد آخرا) أي في آخر أمره حين دخل الري مع الخليفة
ورأى بلوى الناس من امتلاء الطرق والخانات بها، وقاس المشايخ على قوله هذا طين بخارى.
فتح.
قوله: (وبه قال مالك) فيه أن يقول: ما أكل لحمه فبوله ورجيعه طاهر فقط: فلا يقول بطهارة روث الحمار ط.
قوله: (كما في الظهيرية) ونصها على ما في البحر: وإن أصابه بول الشاة وبول الآدمي تجعل الخفيفة تبعا للغليظة اه.
وظاهر ولو الخفيفة أكثر من الغليظة كما قاله ط.
قلت: لكن في القهستاني: تجمع النجاسة المتفرقة فتجعل الخفيفة عليظة إذا كانت نصفا أو أقل من الغليظة كما في المنية ا ه.
ونحوه ما في القنية: نصف النجاسة الخفيفة ونصف الغليظة يجمعان ا ه.
ويمكن أن يقال: معنى الاول أنه إذا اختلطت الخفيفة بالغليظة جعلت تبعا للغليظة، فإذا زادت على الدرهم منعت الصلاة، كما لو اختلطت الغليظة بماء طاهر، ومعنى الثاني أنه إذا كان منهما في موضع ولم يبلغ كل منهما بانفراده القدر المانع، فترجع الغليظة لو كانت أكثر أو مساوية للخفيفة، فإذا زاد مجموعهما على الدرهم منع، ولو كانت الخفيفة أكثر ترجحت، فإذا بلغ مجموعهما ربع الثوب منع.
والحاصل أنه إن اختلطا ترجح الغليظة مطلقا، وإلا فإن تساويا أو زادت الغليظة فكذلك، وإلا(1/346)
ترجح الخفيفة، فاغتنم هذا التحرير.
قوله: (ثم متى أطلقوا النجاسة الخ) أي كإطلاقهم النجاسة في الاسآر النجسة وفي جلد الحية وإن كانت مذبوحة لان جلدها لا يحتمل الدباغة ا ه.
بحر.
قوله: (فظاهره التغليظ) هو لصاحب البحر حيث قال: والظاهر أنها مغلظة وأنها المرادة عند إطلاقهم.
قوله: (دون) بالرفع نائب فاعل عفي.
قوله: (وثوب) أي ونحوه كالخف فإنه يعتبر فيه قدر الربع، والمراد ربع ما دون الكعبين لا ما فوقهما لانه زائد على الخف ا ه.
خانية.
قوله: (ولو كبيرا الخ) اعلم أنهم اختلفوا في كيفية اعتبار الربع على ثلاثة أقوال: فقيل ربع طرف أصابته النجاسة، كالذيل والكم والدخريص إن كان المصاب ثوبا، وربع العضو المصاب كاليد والرجل إن كان بدنا، وصححه في التحفة والمحيط والمجتبى والسراج.
وفي الحقائق: وعليه الفتوى، وقيل ربع جميع الثوب والبدن
وصححه في المبسوط وهو ما ذكره الشارح، وقيل ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كالمئزر.
قال الاقطع: وهذا أصح ما روي فيه ا ه.
لكن قاصر على الثوب، فقد اختلف التصحيح كما ترى، لكن ترجح الاول بأن الفتوى عليه، ووفق في الفتح بين الاخيرين بأن المراد اعتبار ربع الثوب الذي هو عليه سواء كان ساترا لجميع البدن أو أدنى ما يجوز فيه الصلاة ا ه.
وهو حسن جدا.
ولم ينقل القول الاول أصلا.
بحر.
قوله: (ورجحه في النهر) أي بأنه ظاهر كلام الكنز وبتصحيح المبسوط له، وبأن المانع هو الكثير الفاحش، ولا شك أن ربع المصاب ليس كثيرا فضلا عن أن يكون فاحشا ا ه.
أقول: تصحيح المبسوط معارض بتصحيح غيره، والمراد بالكثير الفاحش: ما كثر بالنسبة إلى المصاب، فربع الثوب كثير بالنسبة إلى الثوب، وربع الذيل أو الكم مثلا كثير بالنسبة إلى الذيل أو الكم، وكذا ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كثير بالنسبة إليه كما صرح بذلك في الفتح.
قوله: (وإن قال الخ) فيه نظر لان لفظ الفتوى آكد من لفظ الاصح ونحوه.
منح.
ومفاده ترجيح القول بربع المصاب، وهو مفاد ما مر عن البحر، لكن اعترضه الحبر الرملي بأن هذا القول يؤدي إلى التشديد لا إلى التخفيف، فإنه قد لا يبلغ ربع المصاب الدرهم فيلزم جعله مانعا في المخففة مع أنه معفو عنه في المغلظة، إذ لو كان المصاب الانملة من البدن يلزم القول بمنع ربعها على القول بمنع ربعها على القول بمنع ربع المصاب ا ه.
وفيه نظر لان مقتضى قولهم كاليد والرجل اعتبار كل من اليد والرجل بتمامه عضوا واحدا فلا يلزم ما قال.
تأمل.
قوله: (ومنه الفرس) أي من المأكول، وإنما نبه عليه لئلا يتوهم أنه داخل في غير المأكول عند الامام فيكون مغلظا، لان الامام إنما كره لحمه تنزيها أو تحريما على اختلاف التصحيح لانه آلة الجهاد، لا لان لحمه نجس بدليل لان سؤره طاهر اتفاقا كما في البحر.
قوله: (وطهره محمد) الضمير لبول المأكول الشامل للفرس ح.
قوله: (وصحح) صححه في(1/347)
المبسوط وغيره وهو رواية الكرخي كما مر، وروى الهندواني النجاسة، وصححه الزيلعي وغيره.
قال في البحر: والاولى اعتماده لموافقته للمتون، ولذا قال في الحلية: إنه أوجه.
قوله: (ثم الخفة إنما تظهر في غير الماء) اقتصر في الكافي على ظهورها في الثياب.
قال في البحر: والبدن كالثياب
فلذا عمم الشارح، لكن الظاهر من كلام الكافي الاحتراز عن المائعات لا عن خصوص الماء.
والحاصل أن المائع متى أصابته نجاسة خفيفة أو غليظة وإن قلت تنجس ولا يعتبر فيه ربع ولا درهم، نعم تظهر الخفة فيما إذا أصاب هذا المائع ثوبا أو بدنا فيعتبر فيه الربع كما أفاده الرحمتي واستثنى ح خرء طير لا يؤكل بالنسبة إلى البئر فإنه لا ينجسه لتعذر صونها عنه كما تقدم في البئر.
قوله: (وعفي دم سمك) صرح بالفعل إشارة إلى أن قول المصنف ودم سمك الخ معطوف على قوله: دون ربع ثوب.
قوله: (والمذهب طهارتها) إنما قال ذلك لان المتن يقتضي نجاستها بناء على ما روي عن أبي يوسف من نجاسة دم السمك الكبير نجاسة غليظة، وسؤر الحمار والبغل نجاسة خفيفة كما ذكره في هامش الخزائن.
والمذهب أن دم السمك طاهر لانه دم صورة لا حقيقة وأن سؤر هذين طاهر قطعا، والشك في طهوريته فيكون لعابهما طاهرا.
قوله: (وبول انتضح) أي ترشش، وشمل بوله وبول غيره.
بحر.
وكالبول الدم على ثوب القصاب.
حلية عن الحاوي القدسي.
وظاهر التقييد بالقصاب، أي اللحام أنه لا يعفى عنه في ثوب غير القصاب، لان العلة الضرورة ولا ضرورة لغيره، وتأمله مع قول البحر المار: وشمل بوله وبوله غيره.
قوله: (كرؤوس إبر) بكسر الهمزة جمع إبرة احتراز عن المسلة كما في شرح المنية والفتح.
قوله: (وكذا جانبها الآخر) أي خلافا لابي جعفر الهنداوي حيث منع الجانب الآخر، وغيره من المشايخ قالوا: لا يعتبر الجانبان، واختاره في الكافي.
حلية، فرؤوس الابل تمثيل للتقليل كما في القهستاني عن الطلبة، لكن فيه أيضا عن الكرماني أن هذا ما لم ير على الثوب، وإلا وجب غسله إذا صار بالجمع أكثر من قدر الدرهم ا ه.
وكذا نبه عليه في شرح المنية فقال: والتقييد بعدم إدراك الطرف ذكره المعلى في نوادره عن أبي يوسف.
مطلب: إذا صرح بعض الائمة بقيد لم يصرح غيره بخلافه وجب اتباعه وإذا صرح بعض الائمة بقيد لم يرد عن غيره منهم تصريح بخلافه يجب أن يعتبر سيما والموضع موضع احتياط ولا حرج في التحرز عن مثله، بخلاف ما لا يرى كما في أثر أرجل الذباب، فإن في التحرز عنه حرجا ظاهرا ا ه.
أقول: والذي يظهر لي هذا التقييد موافق لقول الهنداوي، وقد علمت تصريح غيره من المشايخ بخلافه، لان مقدار الجانب الآخر من الابرة يدركه الطرف، ثم رأيت في الحلية ذكر أن ما في غاية البيان من أن التقييد برؤوس الابر احتراز عن رؤوس المسال هو بما عن الهندواني أشبه، ولعله المراد بما في نوادر المعلى ا ه.
وهذا عين ما فهمته، ولله الحمد.
والحاصل أن في المسألة قولين مبنيين على الاختلاف في المراد من قوله محمد: كرؤوس الابر.
أحدهما: أنه قيد احترز به عن رأسها من الجانب الآخر وعن رؤوس المسال، ويؤيده رواية المعلى عن أبي يوسف من التقييد بما لا يدركه الطرف.(1/348)
ثانيهما: أنه غير قيد وإنما هو تمثيل للتقليل، فيعفى عنه سواء كان مقدار رأسها من جانب الخرز أو من جانب الثقب، ومثله ما كان كرأس المسلة.
وقد علمت أنه في الكافي اختار القول الثاني، ولكن ظاهر المتون والشروح اختيار الاول لان العلة الضرورة قياسا على ما عمت به البلوى مما على أرجل الذناب فإنه يقع على النجاسة ثم يقع على الثياب.
قال في النهاية ولا يستطاع الاحتراز عنه، ولا يستحسن لاحد استعداد ثوب لدخول الخلاء.
وروي أن محمد بن علي زين العابدين تكلف لبيت الخلاءثوبا ثم تركه، وقال: لم يتكلف لهذا من هو خير مني: يعني رسول الله (ص والخلفاء رضي الله عنهم ا ه.
وقد يقال: إن قول المتون كرؤوس الابر اتباع لعبارة محمد لا للاحتراز عن الجانب الآخر، ولذا لم يجعله للاحتراز إلا الهندواني، وخالفه غيره من المشايخ معللين بدفع الحرج، ولا شك في وجود الحرج في ذلك، فلذا اختاره في الكافي اتباعا لما عليه أكثر المشايخ.
وقال في متن مواهب الرحمن: وعفي عن رشاش بول كرؤوس الابر، وقيل يعتبره: أي أبو يوسف إن رئي أثره، فأفاد بقيل ضعف اعتبار ما يدركه الطرف وهو رواية المعلى السابقة، وقد ظهر مما قررناه أن الخلاف فيما يرى أثره وهو ما يدركه الطرف، وأن الارجح العفو عنه وعدم اعتباره كما مشى عليه الشارح، وظهر أن المراد به ما كان مثل رأس الابرة من الجانب الآخر لا أكبر من ذلك.
وظهر أيضا أن ما لا يدركه
الطرف بما كان مثل رؤوس الابر وأرجل الذباب فإنه لا يدركه الطرف المعتدل ما لم يقرب إليه جدا: أي مع مغايرة لون الرشاش للون الثوب، وإلا فقد لا يرى أصلا.
وينبغي أنه لو شك أنه يدركه بالطرف أم لا أنه يعفى عنه اتفاقا، لان الاصل طهارة الثوب وشك فيما ينجسه، وهذا ما ظهر لي في هذا المحل، والله أعلم.
قوله: (نجسه في الاصل) قال في الحلية: ثم لو وقع هذا الثوب المنتضح عليه البول مثل رؤوس الابر في الماء القليل هل ينجس؟ ففي الخلاصة عن أبي جعفر: لقائل أن يقول ينجس، ولقائ أن يقول لا ينجس، وهذا فرع مسألة الاستنجاء: يعني لو استنجى بغير الماء ثم ابتل ذلك الموضع ثم أصاب من ذلك ثوبه أو بدنه، فالمختار أنه يتنجس إن كان أكثر من قدر الدرهم ا ه.
ثم ذكر في الحلية عن الكفاية ما يفيد أن الكلام فيما يرى أثره، ثم قال: وهو المتجة ا ه.
ويدل عليه ما قدمناه من اختيار أكثر المشايخ عدم اعتبار رؤوس الابر من الجانبين خلافا للهندواني.
وقول الخلاصة المار: المختار أنه ينجس إن كان أكثر من قدر الدرهم غير ظاهر، لان الماء ينجسه ما قل وكثر، فإذا لم ينجس بأقل من الدرهم لا ينجس بالاكثر منه.
ثم اعلم أن وقوع الرشاش في الماء ابتداء مثل وقوع هذا الثوب فيه كما في السراج وغيره، و هذا، وفي القهستاني عن التمرتاشي إن استبان أثره على الثوب بأن تدركه العين أو على الماء بأن ينفرج أو يتحرك فلا عبرة به، وعن الشيخين أنه معتبر ا ه.
وظاهره أن المعتمد عدم اعتبار ما ظهر أثره في الثوب والماء، وفي ذلك تأييد لما قدمناه، فافهم.
قوله: (جوهرة) ومثله في القهستاني، وقدمناه عن الفيض أيضا خلافا لما مشى عليه المصنف تبعا للدرر في فصل البئر، فافهم، نعم يؤيده ما نقله القهستاني آنفا عن التمرتاشي، والله أعلم.
قوله: (لو اتصل وانبسط) أي ما يصيب الثوب مثل رؤوس الابر كما هو عبارة القنية ونقلها في البحر، فافهم.
قوله: (ينبغي أن يكون كالدهن الخ) أي(1/349)
فيكون مانعا للصلاة.
ووجه إلحاقه بالدهن أن كلا منهما كان أولا غير مانع ثم منع بعد زيادته على الدرهم، لكن قد يفرق بينهما بأن البول الذي كرؤوس الابر اعتبر كالعدم للضرورة، ولم يعتبروا فيه قدر الدرهم بدليل ما في البحر أنه معفو عنه للضرورة وإن امتلا الثوب ا ه.
ومعلوم أن يملا
الثوب يزيد على الدرهم، وكذا قول الشارح: وإن كثر بإصابة الماء فإنه لا فرق بين كثرته بالماء وبين اتصال بعضه ببعض، ونظيره ما ليس فيه قوة السيلان من الخارج من الجسد فإنه ساقط الاعتبار وإن كثر وعم الثوب، وقد صرح في الحلية بعين ما قلنا فقال: ما ليس بكثير من النجاسة منه ما هو مهدر الاعتبار فلا يجمع بحال.
وعليه ما في الحاوي القدسي أن ما أصاب من رش البول مثل رؤوس الابر، ونحوه الدم على ثوب القصاب، وما لا ينقض الوضوء من بلة الجرح أو القئ معفو عنه وإن كثر.
وما في المحيط من أنه لو أصاب موضع ذلك الرش ماء فإنه لا ينجسه ا ه، نعم لو كان الرش مما يدرك بالطرف بأن كان أكبر من رؤوس الابر من الجانب الآخر على ما مر فإنه يجمع ويمنع وإن كان في مواضع متفرقة كما يعلم مما قدمناه عن القهستاني عن الكرماني.
وفي القهستاني أيضا: لو أصاب قدر ما يرى من النجاسة أثوابا عمامة وقميصا وسراويل مثلا منع الصلاة إذا كان بحيث إذا جمع صار أكثر من قدر الدرهم ا ه.
لكن كلام القنية صريح في أن الذي يجمع ويمنع ما كان مثل رؤوس الابر كما قدمناه، فيرد عليه ما علمته من أن ما كان كذلك فهو مهدر الاعتبار ولا ينفعه هذا التأويل، فافهم واغتنم هذا التحرير.
مطلب في العفو عن طين الشارع قوله: (وطين شارع) مبتدأ خبره قوله: عفو والشارع: الطريق ط.
وفي الفيض: طين الشوارع عفو وإن ملا الثوب للضرورة ولو مختلطا بالعذرات وتجوز الصلاة معه ا ه.
وقدمنا أن هذا قاسه المشايخ على قول محمد بطهارة الروث والخثي، ومقتضاه أنه طاهر لكن لم يقبله الامام الحلواني كما في الخلاصة.
قال في الحلية: أي لا يقبل كونه طاهرا وهو متجه، بل الاشبه المنع بالقدر الفاحش منه إلا لمن ابتلي به بحيث يجئ ويذهب في أيام الاوحال في بلادنا الشامية لعدم انفكاك طرقها من النجاسة غالبا مع عسر الاحتراز، بخلاف من لا يمر بها أصلا في هذه الحالة فلا يعفى في حقه، حتى أن هذا لا يصلي في ثوب ذاك ا ه.
أقول: والعفو مقيد بما إذا لم يظهر فيه أثر النجاسة كما نقله في الفتح عن التجنيس.
وقال القهستاني: إنه الصحيح، لكن حكى في القنية قولين وارتضاهما، فحكى عن أبي نصر الدبوسي أنه
طاهر، إلا إذا رأى عين النجاسة، وقال: وهو صحيح من حيث الرواية وقريب من حيث المنصوص، ثم نقل عن غيره فقال: إن غلبت النجاسة لم يجز، وإن غلب الطين فطاهر.
ثم قال: وإنه حسن عند المصنف دون المعاند ا ه.
والقول الثاني مبني على القول بأنه إذا اختلط ماء وتراب وأحدهما نجس فالعبرة للغالب، وفيه أقوال ستأتي في الفروع.
والحاصل أن الذي ينبغي أنه حيث كان العفو للضرورة وعدم إمكان الاحتراز أن يقال بالعفو وإن غلبت النجاسة ما لم ير عينها لو أصابه بلا قصد وكان ممن يذهب ويجئ، وإلا فلا ضرورة، وقد حكى في القنية أيضا قولين فيما لو ابتلت قدماه مما رش في الاسواق الغالبة النجاسة، ثم نقل أنه لو(1/350)
أصاب ثوبه طين السوق أو السكة ثم وقع الثوب في الماء تنجس.
قوله: (وبخار نجس) في الفتح مرت الريح بالعذرات وأصاب الثوب، إن وجدت رائحتها تنجس، لكن نقل في الحلية أن الصحيح أنه لا ينجس، وما يصيب الثوب من بخارات النجاسة، قيل ينجسه، وقيل لا وهو الصحيح.
وفي الحلية: استنجى بالماء وخرج منه ريح لا ينجس عند عامة المشايخ وهو الاصح، وكذا إذا كان سراويله مبتلا.
وفي الخانية ماء الطابق نجس قياسا لا استحسانا.
وصورته: إذا أحرقت العذرة في بيت فأصاب ماء الطابق ثوب إنسان لا يفسده استحسانا ما لم يظهر أثر النجاسة فيه، وكذا الاصطبل إذا كان حارا، وعلى كونه طابق أو كان فيه كوز معلق فيه ماء فترشح، وكذا الحمام لو فيها نجاسات فعرق حيطانها وكواتها وتقاطر.
قال في الحلية: والظاهر العمل بالاستحسان، ولذا اقتصر عليه في الخلاصة، والطابق: الغطاء العظيم من الزجاج أو اللبن ا ه.
مطلب: العرقي الذي يستقطر من دردي الخمر نجس حرام، بخلاف النوشادر وقال في شرح المنية: والظاهر أن وجه الاستحسان فيه الضرورة لتعذر التحرز، وعليه فلو استقطرت النجاسة فمائيتها نجسة لانتفاء الضرورة فبقي القياس بلا معارض، وبه يعلم أن ما يستقطر من دردي الخمر وهو المسمى بالعرقي في ولاية الروم نجس حرام كسائر أصناف الخمر ا ه.
أقول: وأما النوشادر المستجمع من دخان النجاسة فهو طاهر كما يعلم مما مر، وأوضحه سيدي
عبد الغني في رسالة سماها (إتحاف من بادر إلى حكم النوشادر).
قوله: (وغبار سرقين) بكسر السين: أي زبل، ويقال سرجين كما في القاموس.
قال في القنية راقما: لا عبرة للغبار النجس إذا وقع في الماء إنما العبرة للتراب ا ه، ونظمه المصنف في أرجوزته وعلله في شرحها بالضرورة.
قوله: (ومحل كلاب) في المنية: مشى كلب على الطين فوضع رجل قدمه على ذلك الطين تنجس، وكذا إذا مشى على ثلج رطب ولو جامدا فلا ا ه.
قال في شرحها: وهذا كله بناء على أن الكلب نجس العين، وقد تقدم أن الاصح خلافه، ذكره ابن الهمام ا ه.
ومثله في الحلية.
قوله: (وانتضاح غسالة الخ) ذكر المسألة في شرح المنية الصغير عن الخانية، وقد رأيتها في الخانية ذكرها في بحث الماء المستعمل، لكن غسالة النجاسة كغسالة الحدث بناء على القول بنجاسة الماء المستعمل، ويدل لها ما قدمناه عن القهستاني عن التمرتاشي، وفي الفتح: وما ترشش على الغاسل من غسالة الميت مما لا يمكنه الامتناع عنه ما دام في علاجه لا ينجسه لعموم البلوى، بخلاف الغسلات الثلاث إذا استنقعت في موضع فأصابت شيئا نجسته ا ه: أي بناء على ما عليه العامة من أن نجاسة الميت نجاسة خبث لا حدث كما حررناه في أول فصل البئر، واحترز بالثلاث عن الغسالة في المرة الرابعة فإنها طاهرة.
قوله: (وماء) مبتدأ خبره قوله: نجس بالكسر ونجس الاول بالفتح.
قال القهستاني: ويجوز فيه الكسر.
قوله: (أي جرى) فسر الورود به ليتأتي له التفصيل والخلاف اللذان ذكرهما وإلا فالورود أعم لانه يشمل ما إذا جرى عليها وهي على أرض أو سطح وما إذا صب فوقها في آنية بدون جريان.
وأيضا فإن الجريان أبلغ من الصب المذكور، فصرح به مع علم حكم الصب منه بالاولى(1/351)
دفعا لتوهم عدم إرادته، فافهم، نعم كان الاولى إبقاء المتن على ظاهره لانه إشارة إلى خلاف الشافعي حيث حكم بطهارة الوارد دون المورود.
وأيضا فإن الجاري فيه تفصيل، وهو أنه إذا جرى على نجاسة فأذهبها واستهلكها ولم يظهر أثرها فيه فإنه لا ينجس كما قدمناه في طهارة الارض المتنجسة، وتقدم ما يدل عليه في باب المياه عند الكلام على تعريف الماء الجاري، وتقدم هناك أن الجاري لا ينجس ما لم يظهر فيه أثر النجاسة، وأنه يسمى جاريا وإن لم يكن له مدد، وأنه لو صب
ماء في ميزاب فتوضأ به حال جريانه لا ينجس على رواية نجاسة المستعمل، وأنه لو سال دم رجله مع العصير لا ينجس خلافا لمحمد.
وقدمنا عن الخزانة والخلاصة: إناء ماء أحدهما طاهر والآخر نجس، فصبا من مكان عال فاختلطا في الهواء ثم نزلا، طهر كله، ولو أجرى ماء الاناءين في الارض صار بمنزلة ماء جار ا ه.
وقال في الضياء في فصل الاستنجاء: ذكر في الواقعات الحسامية: لو أخذ الاناء فصب الماء على يده للاستنجاء فوصلت قطرة بول إلى الماء النازل قبل أن يصلي إلى يده، قال بعض المشايخ: لا ينجس لانه جار فلا يتأثر بذلك.
قال حسام الدين: هذا القول ليس بشئ وإلا لزم أن تكون غسالة الاستنجاء غير نجسة.
قال في المضمرات: وفيه نظر.
والفرق أن الماء على كف المستنجي ليس بجار، ولئن سلم فأثر النجاسة يظهر فيه، والجاري إذا ظهر فيه أثر النجاسة صار نجسا والماء النازل من الاناء قبل وصوله إلى الكف جار ولا يظهر فيه أثر القطرة، فالقياس أن لا يصير نجسا، وما قاله حسام الدين احتياط ا ه ويؤيده عدم التنجس ما ذكرناه من الفروع، والله أعلم.
وهذا بخلاف مسألة الجيف فإن الماء الجاري عليها لم يذهب بالنجاسة ولم يستهلكها، بل هي باقية في محلها وعينها قائمة، على أن فيها اختلافا، ولهذا استدرك الشارح بقوله: ولكن قدمنا أن العبرة للاثر فاغتنم تحرير هذه المسألة فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب والحمد الله الملك الوهاب.
قوله: (كجيفة في نهر الخ) أي فإنها إذا ورد عليها كل الماء أو أكثره فهو نجس، ولو أقله فطاهر.
قوله: (لكن قدمنا الخ) أي في بحث المياه، وقدمنا الكلام في ذلك مستوفى فتذكره بالمراجعة.
قوله: (أي إذا وردت النجاسة) سواء كانت مجردة أو مصحوبة بثوب ح.
قوله: (على الماء) أي القليل.
قوله: (إجماعا) أي منا ومن الشافعي، بخلاف المسألة الاولى كما يظهر قريبا.
قوله: (لكن الخ) استدراك عن قوله: تنجس فإنه يقتضي تنجس الماء بمجرد وضع الثوب مثلا فيه كما يتنجس بمجرد وقوع العذرة مثلا، فاحترز بالمتنجس عن عين النجاسة كالعذرة، أفاده ح.
قوله: (ما لم ينفصل) أي الماء أو الشئ المتنجس.
قال في البحر: اعلم أن القياس يقتضي تنجس الماء بأول الملاقاة للنجاسة، لكن سقط للضرورة سواء كان الثوب في إجانة وأورد الماء عليه عليه أو بالعكس عندنا فهو طاهر في المحل نجس إذا انفصل، سواء تغير أو لا، وهذا في الماءين اتفاقا، أما الثالث فهو نجس عنده لان
طهارته في المحل ضرورة تطهيره وقد زالت طاهر عندهما إذا انفصل.
والاولى في غسل الثوب النجس وضعه في الاجانة من غير ماء ثم صب الماء عليه لا وضع الماء أو لا خروجا من خلاف الامام الشافعي فإنه يقول بنجاسة الماء ا ه.
ولا فرق على المعتمد بين الثوب المتنجس والعضو ا ه.
ط.
قوله: (قذر) بفتح القاف والذال المعجمة، والمراد به العذرة(1/352)
والروث كما عبر في المنية، قوله: (وإلا) أي وإن لا نقل أنه لا يكون نجسا، وظاهره أن العلة الضرورة، وصريح الدرر وغيرها أن العلة هي انقلاب العين كما يأتي، لكن قدمنا عن المجتبى أن العلة هذه وأن الفتوى على هذا القول للبلوى، فمفاده أن عموم البلوى علة اختيار القول بالطهارة المعللة بانقلاب العين، فتدبر.
قوله: (كان حمارا أو خنزيرا) أفاد أن الحمار مثال لا قيد احترازي، وأشار بإطلاقه إلى أنه لا يلزم وقوعه وهو حي، فإنه لو وقع في المملحة بعد موته فهو كذلك كما في شرح المنية.
قوله: (حمأة) بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الهمزة وبهاء التأنيث.
قال في القاموس: الطين الاسود المنتن.
ح.
قوله: (لانقلاب العين) علة للكل، وهذا قول محمد، وذكر معه في الذخيرة والمحيط أبا حنيفة.
حلية.
قال في الفتح: وكثير من المشايخ اختاروه، وهو المختار لان الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها فكيف بالكل؟ فإن الملح غير العظم واللحم، فإذا صار ملحا ترتب حكم الملح.
ونظيره في الشرع النطفة نجسة وتصير علقة وهي نجسة وتصير مضغة فتطهر، والعصير طاهر فيصير خمرا فينجس ويصير خلا فيطهر، فعرفنا أن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتب عليها ا ه.
(تنبيه): يجوز أكل ذلك الملح والصلاة على ذلك الرماد كما في المنية وغيرها، وما فيها من أنه لو وقع ذلك الرماد في الماء فالصحيح أنه ينجس فليس بصحيح، إلا على قول أبي يوسف كما ذكره الشارحان.
تنبيه آخر: مقتضى ما مر ثبوت انقلاب الشئ عن حقيقته كالنحاس إلى الذهب، وقيل إنه غير ثابت لان قلب الحقائق محال والقدرة لا تتعلق بالمحال، والحق الاول بمعنى أنه تعالى يخلق بدل
النحاس ذهبا على ما هو رأي المحققين، أو بأن يسلب عن أجزاء النحاس الوصف الذي به صار نحاسا، ويخلق فيه الوصف الذي يصير به ذهبا على ما هو رأى بعض المتكلمين من تجانس الجواهر واستوائها في قبول الصفات، والمحال إنما هو انقلابه ذهبا مع كونه نحاسا لامتناع كون الشئ في الزمن الواحد نحاسا وذهبا، ويدل على ثبوته بأحد هذين الاعتبارين كما اتفق عليه أئمة التفسير قوله تعالى - * (فإذا هي حية تسعى) * (طه: 02) وإلا لبطل الاعجاز.
ويبتني على هذا القول أن علم الكيمياء الموصل إلى ذلك القلب يجوز لمن علمه علما يقينا أن يعلمه ويعمل به.
أما على القول الثاني فلا لانه غش، وتمامه في تحفة ابن حجر، وقدمنا في صدر الكتاب زيادة على ذلك.
قوله: (ونسي المحل) بالبناء للمجهول، ثم إن النسيان يقتضي سبق العلم، والظاهر أنه غير قيد، وأنه لو علم أنه أصاب الثوب نجاسة وجهل محلها فالحكم كذلك، ولذا عبر بعضه بقوله: واشتبه محلها.
تأمل.
قوله: (هو المختار) كذا في الخلاصة والفيض، وجزم به في النقاية والوقاية والدرر والملتقى، ومقابله القول بالتحري والقول بغسل الكل، وعليه مشى في الظهيرية ومنية المفتي، واختاره في البدائع احتياطا قال: لان موضع النجاسة غير معلوم، وليس البعض أولى من البعض ا ه.
ويؤيده ما نقله نوح أفندي عن المحيط من أن ما قالوه مخالف لما ذكره هشام عن محمد من أنه لا يجوز التحري في ثوب واحد ا ه.
وعللوا القول المختار بوقوع الشك بعد الغسل في بقاء النجاسة، وقاسوه على ما(1/353)
في السير الكبير إذا فتحنا حصنا وفيهم ذمي لا يعرف لا يجوز قتلهم لقيام المانع بيقين، فلو قتل البعض أو أخرج حل قتل الباقي للشك في قيام المحرم، فكذا هنا.
واستشكله في الفتح بأن الشك الطارئ لا يرفع حكم اليقين السابق وأطال في تحقيقه.
وأجاب عنه في شرح المنية وأطال في تحقيقه أيضا.
ويأتي ملخصه قريبا.
قوله: (وفي الظهيرية الخ) هذا سهو من الشارح تبع فيه النهر وعبارة البحر هكذا: وفي الظهيرية إذا رأى على ثوبه نجاسة ولا يدري متى أصابته، ففيه تقاسيم واختلافات.
والمختار عند أبي حنيفة أنه لا يعيد إلا الصلاة التي هو فيها ا ه.
ح.
قوله: (حمر) بضمتين جمع حمار.
قوله: (خصها الخ) أي فيعلم الحكم في غيرها
بالدلالة.
ابن كمال.
قوله: (فقسم الخ) الظاهر تقييده بما إذا كان الذاهب منه قدر ما تنجس منه إن علم قدره كما قدمناه.
قوله: (كما مر) أي في الابيات المتقدمة حيث عبر بقوله تصرفه في البعض وهو مطلق ط.
قوله: لاحتمال الخ) أي أنه يحتمل كل واحد من القسمين: أعني الباقي والذاهب أو المغسول أن تكون النجاسة فيه فلم يحكم على أحدهما بعينه ببقاء النجاسة فيه، وتحقيقه: أن الطهارة كانت ثابتة يقينا لمحل معلوم وهو جميع الثوب مثلا ثم ثبت ضدها وهو النجاسة يقينا لمحل مجهول، فإذا غسل بعضه وقع الشك في بقاء ذلك المجهول وعدمه لتساوي احتمالي البقاء وعدمه، فوجب العمل بما كان ثابتا للمحل المعلوم، لان اليقين في محل معلوم لا يزول بالشك، بخلاف اليقين لمحل مجهول، وتمام تحقيقه في شرح المنية الكبير.
قوله: (أما عينها) أشار به إلى فائدة قوله: محل حيث زاده على عبارة الكنز.
ولا يرد طهارة الخمر بانقلابها خلا والدم بصيروته مسكا، لان عين الشئ حقيقته وحقيقة الخمر والدم ذهبت وخلفتها أخرى، وإنما يرد ذلك لو قلنا ببقاء حقيقة الخمر والدم مع الحكم بطهارتها.
تأمل.
قوله: (بعد جفاف) ظرف لمرئية لا ليطهر ح، وقيد به لان جميع النجاسات ترى قبله، وتقدم أن ما له جرم هو ما يرى بعد الجفاف فهو مساو للمرئية، وقد عد منه في الهداية الدم، وعده قاضيخان مما لا جرم له، وقدمنا عن الحلية التوفيق بحمل الاولى على ما إذا كان غليظا والثاني على ما إذا كان رقيقا.
وقال في غاية البيان: المرئية ما يكون مرئيا بعد الجفاف كالعذرة والدم، وغير المرئية ما لا يكون مرئيا بعد الجفاف كالبول ونحوه ا ه.
وفي تتمة الفتاوي وغيرها: المرئية ما لها جرم، وغيرها ما لا جرم لها كان لها لون أم لا ا ه.
وبه يظهر أن مراد غاية البيان بالمرئي ما يكون ذاته مشاهدة بحس البصر، وبغيره ما لا يكون كذلك، فلا يخالف كلام غيره، ويرشد إليه أن بعض الابوال قد يرى له لون بعد الجفاف.
أفاده في الحلية، ويوافقه التوفيق المار، لكن فيه نظر لانه يلزم عليه أن الدم الرقيق والبول الذي يرى لونه من النجاسة الغير المرئية وأنه يكتفي فيها بالغسل ثلاثا بلا اشتراط زوال الاثر.
مع أن المفهوم من كلامهم أن غير المرئية ما لا يرى له أثر أصلا لاكتفائهم فيها بمجرد الغسل، بخلاف المرئية المشروط فيها زوال الاثر، فالمناسب ما في غاية البيان وأن مراده بالبول ما لا لون له وإلا كان من(1/354)
المرئية.
قوله: (بقعلها) فيه إيماء إلى عدم اشتراط العصر، وهو الصحيح على ما يعلم من كلام الزيلعي حيث ذكر بعد الاطلاق أن اشتراط العصر رواية عن محمد، وعليه فما يبقى في اليد من البلة بعد زوال عين النجاسة طاهر تبعا لطهارة اليد في الاستنجاء بطهارة المحل، وله نظائر كعروة الابريق تطهر بطهارة اليدين، وعلى هذا إذا أصاب خفيه في الاستنجاء من الماء المتنجس فإنهما يطهران بطهارة المحل تبعا حيث لم يكن بهما خرق ا ه.
أبو السعود عن شيخه.
قوله: (وأثرها) يأتي بيانه قريبا.
قوله: (ولو بمرة) يعني إن زال عين النجاسة بمرة واحدة تطهر، سواء كانت تلك الغسلة الواحدة في ماء جار أو راكد كثير أو بالصب أو في إجانة، أما الثلاثة الاول فظاهر، وأما الاجانة فقد نص عليها في الدرر حيث قال: غسل المرئية عن الثوب في إجانة حتى زالت طهر ا ه.
ح.
قوله: (أو بما فوق ثلاث) أي إن لم تزل العين والاثر بالثلاث يزيد عليها إلى أن تزول ما لم يشق زوال الاثر.
قوله: (في الاصح) قيد لقوله: ولو بمرة قال القهستاني: وهذا ظاهر الرواية، وقيل يغسل بعد زوالها مرة، وقيل مرتين، وقيل ثلاثا كما في الكافي ا ه.
قوله: (ليعم نحو دلك وفرك) أي ذلك خف وفرك مني وأراد بنحوه نظائر ذلك مما يزيل العين من المطهرات بدون غسل: كدبغ جلد، ويبس أرض، ومسح سيف، لكن يرد عليه ما لو جفت على البدن أو الثوب وذهب أثرها فقد زالت عينها ومع ذلك لا تطهر.
وأجيب أنه قد أشار إلى اشتراط المطهر بقوله: يطهر ففهم منه أنه لا بد من مطهر، كذا في الجوهرة، وفيه نظر.
قوله: (كلون وريح) الكاف استقصائية، لان المراد بالاثر هو ما ذكر فقط كما فسره به في البحر والفتح وغيرهما، وأما الطعم فلا بد من زواله، لان بقاءه يدل على بقاء العين كما نقل عن الرجندي، واقتصر القهستاني على تفسير الاثر بالريح فقط، وظاهره أنه يعفى عن الرائحة بعد زوال العين وإن لم يشق زوالها، وفي البحر أنه ظاهر ما في غاية البيان.
أقول: وهو صريح ما نقله نوح أفندي عن المحيط حيث قال: لو غسل الثوب عن الخمر ثلاثا ورائحتها باقية طهر، وقيل لا ما لم تزل الرائحة.
قوله: (لازم) أي ثابت وهو نعت لاثر.
قوله: (حار) بالحا المهملة: أي مسخن.
قوله: (ونحوه) أي كحرض وأشنان.
قوله: (بل يطهر الخ)
إضراب انتقالي ط.
قوله: (بنجس) بكسر الجيم: أي متنجس، إذ لو كان بعين النجاسة كالدم وجب زوال عينه وطعمه وريحه ولا يضر لونه كما هو ظاهر من مسألة الميتة، أفاده ح.
مطلب في حكم الصبغ والاختضاب بالصبغ أو الحناء النجسين قوله: (والاولى غسله) اعلم أنه ذكر في المنية أنه لو أدخل يده في الدهن النجس اختضبت المرأة بالحناء النجس أو صبغ بالصبغ النجس ثم غسل كل ثلاثا طهر، ثم ذكر عن المحيط أنه يطهر إن غسل الثوب حتى يصفو الماء ويسيل أبيض ا ه.
وفي الخانية: إذا وقعت النجاسة في صبغ فإنه يصبغ به الثوب ثم يغسل ثلاثا فيطهر، كالمرأة إذا اختضبت بحناء نجس ا ه.
وذكر مسألة الحناء في موضع آخر مطلقة أيضا، ثم قال: وينبغي أن لا يطهر ما دام يخرج الماء ملونا بلون الحناء، فعلم أن اشتراط صفو الماء إما قول ثان كما يشعر به كلام المحيط، أو هو تقييد لاطلاق(1/355)
القول الاول وبيان له كما يشعر به قول الخانية وينبغي، وعلى كل فكلام المحيط والخانية يشعر باختيار ذلك الشرط، ولذا اقتصر على ذكره في الفتح.
هذا: وقد ذكر سيدي عبد الغني كلاما حسنا سبقه إليه صاحب الحلية، وهو أن مسألة الاختضاب أو الصبغ بالحناء أو الصبغ النجسين وغمس اليد في الدهن مبنية في الاصل على أحد قولين: إما على أن الاثر الذي يشق زواله لا يضر بقاؤه، وإما على ما روي عن أبي يوسف من أن الدهن يطهر بالغسل ثلاثا بأن يجعل في إناء فيصب عليه الماء ثم يرفع ويراق الماء، وهكذا ثلاث مرات فإنه يطهر، وعليه الفتوى خلافا لمحمد كما في شرح المنية، فمن بنى ذلك على الاول اشترط في هذه المسألة صفو الماء ليكون اللون الباقي أثرا شق زواله فيعفى عنه وإن كان ربما نفض على ثوب آخر أو ظهر في الماء عند غسله في وقت آخر، والقول باشتراط غسله ثلاثا بعد صفو الماء ضعيف، ومن بنى على الثاني اكتفى بالغسل ثلاثا، لان الحناء والصبغ والدهن المتنجسات تصير طاهر بالغسل ثلاثا فلا يشترط بعد ذلك خروج الماء صافيا ا ه.
وقد أطال في الحلية في تحقيق ذلك كما هو دأبه ثم جنح إلى البناء على الاول وقال: إنه الاشبه، فليكن التعويل عليه في
الفتوى ا ه.
ولا يخفى أنه ترجيح لما في المحيط والخانية والفتح، فكان على الشارح الجزم به إذ لم نر من رجح خلافه، فافهم، ثم قال سيدي عبد الغني: وهذا بخلاف المصبوغ بالدم كالثياب الحمر التي تجلب في زماننا من ديار بكر، فلا تطهر أبدا ما لم يخرج الماء صافيا ويعفى عن اللون، ومن هذا القبيل المصبوغ بالدودة فإنها ميتة يتجمد فيها الدم النجس ما لم تكن من دود يتولد في الماء فتكون طاهرة، لكن بيعها باطل، ولا يضمن متلفها، ولا يملك ثمنها بالقبض لان الميتة ليست بمال ا ه.
ملخصا.
أقول: الذي يظهر أن هذه الدودة إن كانت غير مائية المولد وكان لها دم سائل فهي نجسة، وإلا فطاهرة فلا يحك بنجاستها قبل العلم بحقيقتها.
وأما حكم بيعها فينبغي جوازه كما أجازوا بيع السرقين للانتفاع به وكذا بيع دود القز وبيضه لانه مال يضن به وهو المفتى به، وكذا بعي النحل والعلق مع تصريحهم بأنه لا يجوز بيع الهوام، وهذه الدودة عند أهل زماننا من أعز الاموال وأنفسها، والضنة بها أكثر من دود القز، وقد سمعت أن الدودة نوعان: نوع منها حيواني يخنق بالخل أو بالخمر، ونوع منها نباتي، والاجود في الصبغ الاول، والله أعلم.
مطلب في حكم الوشم تنبيه مهم: يستفاد مما مر حكم الوشم في نحو اليد، وهو أنه كالاختضاب أو الصبغ بالمتنجس، لانه إذا غرزت اليد أو الشفة مثلابإبرة ثم حشي محلها بكحل أو نيلة ليخضر تنجس الكحل بالدم، فإذا جمد الدم والتأم الجرح بقي محله أخضر، فإذا غسل طهر لانه أثر يشق زواله لانه لا يزمل إلا بسلخ الجلد أو جرحه، فإذا كان لا يكلف بإزالة الاثر الذي يزول بماء حار أو صابون فعدم التكليف هنا أولى، وقد صرح به في القنية فقال: ولو اتخذ في يده وشما لا يلزمه السلخ ا ه.
لكن في الذخيرة: لو أعاد سنه ثانيا ونبت وقوى، فإن أمكن قلعه بلا ضرر قلعه، وإلا فلا وتنجس فمه، ولا يؤم أحدا من الناس ا ه: أي بناء على نجاسة السن وهو خلاف ظاهر المذهب.
وقال(1/356)
العلامة البيري: ومنه يعلم حكم الوشمة، ولا ريب في عدم جواز كونه إماما بجامع النجاسة.
ثم
نقل عن شرح المشارق للعلامة الاكمل أنه قيل: يصير ذلك الموضع نجسا، فإن لم يمكن إزالته إلا بالجرح: فإن خيف منه الهلاك أو فوات عضو لم تجب، وإلا وجبت، وبتأخيره يأثم، والرجل والمرأة فيه سواء ا ه.
أقول: وعليه لو أصاب ماء قليلا أو مائعا نجسه، لكن تعبير الاكل بقيل يفيد عدم اعتماده، وهو مذهب الشافعية، فالظاهر أنه نقله عنهم.
والفرق بين الوشمة وبين السن على القول بنجاستها ظاهر، فإن السن عين النجاسة والوشمة أثر، فإن ادعى أن بقاء الون دليل على بقاء العين رد بأن الصبغ والاختضاب كذلك فيلزم عدم طهارته، وإن فرق بأن الوشمة امتزجت باللحم والتأمت معه بخلاف الصبغ نقول: إن ما تداخل في اللحم لا يؤمر بغسله كما لو تشربت النجاسة في يده مثلا، وما على سطح الجلد مثل الحناء والصبغ، وقد صرحوا بأنه لو اكتحل بكحل نجس لا يجب غسله، ولما جرح (ص) في أحد جاءت فاطمة رضي الله عنها فأحرقت حصيرا وكمدت به حتى التصق بالجرح فاستمسك الدم.
وفي مفسدات الصلاة من خزانة الفتاوي: كسر عظمه فوصل بعظم الكلب ولا ينزع إلا بضرر جازت الصلاة، ثم قال لو في يده تصاوير ويؤم الناس لا تكره إمامته ا ه.
وفي الفتاوي الخيرية من كتاب الصلاة: سئل في رجل على يده وشم هل تصح صلاته وإمامته معه أم لا؟ أجاب نعم تصح صلاته وإمامته بلا شبهة، والله أعلم ا ه.
قوله: (إلا دهن ودك ميتة) الاولى أن يقول: إلا ودك دهن ميتة، لان الودك الدسم كما في القاموس.
قوله: (حتى لا يدبغ به جلد) أي لا يحل ذلك وإن كان لو دبغ ثم غسل طهر.
قال في القنية: الكيمخت المدبوغ بدهن الخنزير إذا غسل يطهر، ولا يضر بقاء الاثر.
وفي الخلاصة: وإذا دبغ الجلد بالدهن النجس يغسل بالماء ويطهر والتشرب عفو ا ه.
قوله: (بل يستصبح به الخ) ظاهر ما سيأتي في باب البيع الفاسد أنه لا يحل الانتفاع به أصلا، وإنما هذا في الدهن المتنجس فقط، يؤيده ما في صحيح البخاري عن جابر أنه سمع رسول الله (ص) عام الفتح يقول وهو بمكة: إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام، فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى به السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس، قال: لا، هو حرام
الحديث.
قوله: (وإلا فمستعمل) أي وإن لم يكن الغاسل مكلفا، بأن كان صغيرا أو مجنون يعتبر ظن المستعمل للثوب لانه هو المحتاج إليه.
زيلعي.
قوله: (طهارة) بالنصب مفعول ظن.
قوله: (بلا عدد به يفتى) كذا في المنية.
وظاهر أنه لو غلب على ظنه زوالهما بمرة أجزأه، وبه صرح الامام الكرخي في مختصره، واختاره الامام الاسبيجابي، وفي غاية البيان أن التقدير بالثلاث ظاهر الرواية.
وفي السراج اعتبار غلبة الظن مختار العراقيين، والتقدير بالثلاث مختار البخاريين، والظاهر الاول إن لم يكن موسوسا، وإن كان موسوسا فالثاني ا ه.
بحر.
قال في النهر: وهو توفيق حسن ا ه.
وعليه جرى صاحب المختار، فإنه اعتبر غلبة الظن إلا في الموسوس، وهو ما مشى عليه المصنف،(1/357)
واستحسنه في الحلية وقال: وقد مشى الجم الغفير عليه في الاستنجاء.
أقول: وهذا مبني على تحقق الخلاف، وهو أن القول بغلبة الظن غير القول بالثلاث.
قال في الحلية: وهو الحق، واستشهد له بكلام الحاوي القدسي والمحيط.
أقول: وهو خلاف ما في الكافي مما يقتضي أنهما قول واحد، وعليه مشى في شرح المنية فقال: فعلم بهذا أن المذهب اعتبار غلبة الظن وأنها مقدرة بالثلاث لحصولها به في الغالب وقطعا للوسوسة وأنه من إقامة السبب الظاهر مقام المسبب الذي في الاطلاع على حقيقته عسر كالسفر مقام المشقة ا ه.
وهومقتضى كلام الهداية وغيرها واقتصر عليه في الامداد، وهو ظاهر المتون حيث صرحوا بالثلاث، والله أعلم.
قوله: (لموسوس) قدره اختيارا لما مشى عليه في السراج وغيره بناء على تحقق الخلاف، وإلا فكلام المصنف تبعا للدرر كعبارة الكافي والهداية وغيرهما ظاهر في خلافه، والموسوس بكسر الواو لانه محدث بما في ضميره، ولا يقال بالفتح ولكن موسوس له أو إليه: أي يلقي إليه الوسوسة: وهي حديث النفس كما في المغرب.
قوله: (ثلاثا) قيد للغسل والعصر معا على سبيل التنازع أو للعصر فقط.
ويفهم منه تثليث الغسل فإنه إذا عصر مرة بحيث لا يبقى التقاطر لا يعصر مرة أخرى إلا بعد أن يغسل ا ه.
نوح.
ثم اشتراط العصر ثلاثا هو ظاهر الرواية عن أصحابنا.
وعن محمد في غير رواية الاصول: يكتفي به في المرة الاخيرة.
وعن أبي
يوسف أنه ليس بشرط.
شرح المنية.
قوله: (أو سبعا) ذكره في الملتقى والاختيار، وهذا على جهة الندب خروجا من خلاف الامام أحمد رحمه الله تعالى.
ويندب أن تكون إحداهن بتراب خروجا من خلافه وخلاف الشافعي أيضا لو النجاسة كلبية.
قوله: (فيما ينعصر) أي تقييد الطهارة بالعصر إنما هو فيما ينعصر ويأتي محترزه متنا.
قوله: (بحيث لا يقطر) تصوير للمبالغة في العصر ط.
وظاهر إطلاقه أن المبالغة فيه شرط في جميع المرات، وجعلها في الدرر شرطا للمرة الثالثة فقط، وكذا في الايضاح لابن الكمال وصدر الشريعة وكافي النسفي، وعزاه في الحلية إلى فتاوي أبي الليث وغيرها، ثم قال: وينبغي اشتراطها في كل مرة كما هو ظاهر الخانية حيث قال: غسل الثوب ثلاثا وعصره في كل مرة وقوته أكثر من ذلك ولم يبالغ فيه صيانة للثوب لا يجوز ا ه.
تأمل.
قوله: (طهر بالنسبة إليه) لاكل أحد مكلف بقدرته ووسعه ولا يكلف أن يطلب من هو أقوى ليعصر ثوبه.
شرح المنية.
قال في البحر: خصوصا على قول أبي حنيفة: إن قدرة الغير غير معتبرة، وعليه الفتوى.
قوله: (الاظهر نعم للضرورة) كذا في النهر عن السراج: أي لئلا يلزم إضاعة المال، قال في البحر: لكن اختار في الخانية عدم الطهارة ا ه.
قلت: وبه جزم في الدرر، وعليه فالظاهر أنه يعطي حكم ما لا ينعصر من تثليث الجفاف.
قوله: (بتثليث جفاف) أي جفاف كل غسلة من الغسلات الثلاث، وهذا شرط في غير البدن ونحوه، أما فيه فيقوم مقامه توالي الغسل ثلاثا.
قال في الحلية: والاظهر أن كلا من التوالي(1/358)
والجفاف ليس بشرط فيه، وقد صرح به في النوازل وفي الذخيرة ما يوافقه ا ه.
وأقره في البحر.
وفي الخانية: إذا جرى ماء الاستنجاء تحت الخف ولم يدخل فيه لا بأس به، ويطهر الخف تبعا كما قلنا في عروة الابريق إذا أخذها بيد نجسة وغسل يده ثلاثا تطهر العروة تبعا لليد.
قوله: (أن انقطاع تقاطر) زاد القهستاني: وذهاب النداوة.
وفي التاترخانية: حد التجفيف أن يصير بحال لا تبتل منه اليد، ولا يشترط صيرورته يابسا جدا ا ه.
ثم هل يلزم ذهاب أثر شق زواله؟ ذكر في الحلية أن مفاده ما في المنية عن المحيط نعم بخلاف الثوب، وقال: والتفرقة بينهما لا تعري عن
شئ ا ه.
وأقره في البحر والنهر، لكن فشرح المنية تعقب ما في المحيط ثم قال: فالحاصل أن زوال الاثر شرط في كل موضع ما لم يشق كيفما كان التطهير وبأي شئ كان، فليحفظ ذلك ا ه.
ونحوه في حاشية الواني على الدرر.
قوله: (أي غير منعصر) أي بأن تعذر عصره كالخزف أو تعسر كالبساط، أفاده في شرح المنية.
قوله: (مما يتشرب النجاسة الخ) حاصله كما في البدائع أن المتنجس إما أن لا يتشرب فيه أجزاء النجاسة أصلا كالاواني المتخذة من الحجر والنحاس والخزف العتيق، أو يتشرب فيه قليلا كالبدن والخف والنعل، أو يتشرب كثيرا، ففي الاول طهارته بزوال عين النجاسة المرئية أو بالعدد على ما مر، وفي الثاني كذلك لان الماء يستخرج ذلك القليل فيحكم بطهارته، وأما في الثالث: فإن كان مما يمكن عصره كالثياب فطهارته بالغسل والعصر إلى زوال المرئية وفي غيرها بتثليثهما، وإن كان مما لا ينعصر كالحصير المتخذ من البردي ونحوه إن علم أنه لم يتشرب فيه بل أصاب ظاهره يطهر بإزالة العين أو بالغسل ثلاثا بلا عصر، وإن علم تشربه كالخزف الجديد والجلد المدبوغ بدهن نجس والحنطة المنتفخة بالنجس، فعند محمد لا يطهر أبدا، وعند أبي يوسف ينقع في الماء ثلاثا ويجفف كل مرة، والاول أقيس، والثاني أوسع ا ه.
وبه يفتى.
درر.
قال في الفتح: وينبغي تقييد الخزف العتيق بما إذا تنجس رطبا وإلا فهو كالجديد، لانه يشاهد اجتذابه ا ه.
وقالوا في البساط النجس إذا جعل في نهر ليلة طهر.
قال في البحر: والتقييد بالليلة لقطع الوسوسة، وإلا فالمذكور في المحيط أنه إذا أجري عليه الماء إلى أن يتوهم زوالها طهر، لان إجراء الماء يقوم مقام العصر ا ه.
ولم يقيده بالليلة ا ه.
ومثله في الدر المنتقى عن الشمني وابن الكمال، ولو موه الحديد بالماء النجس يموه بالطاهر ثلاثا فيطهر، خلافا لمحمد فعنده لا يطهر أبدا، وهذا في الحمل في الصلاة، أما لو غسل ثلاثا ثم قطع به نحو بطيخ أو وقع في ماء قليل لا ينجسه فالغسل يطهر ظاهره إجماعا، وتمامه في شرح المنية.
قوله: (وإلا فبقلعها) المناسب فبغسلها، لان الكلام في غير المرئية: أي ما لا يتشرب النجاسة مما لا ينعصر يطهر بالغسل ثلاثا ولو بدفعة بلا تجفيف كالخزف والآجر المستعملين كما مر وكالسيف والمرآة، ومثله ما يتشرب فيه شئ قليل
كالبدن والنعل كما قدمناه آنفا.
قوله: (وهذا كله) أي الغسل والعصر ثلاثا فيما ينعصر وتثليث الجفاف في غيره ط.
قوله: (في إجانة) بالكسر والتشديد: إناء تغسل فيه الثياب والجمع أجاجين.
مصباح: أي إن هذا المذكور إنما هو إذا غسل ثلاثا في إجانة واحدة أو في ثلاث إجانات.
قال في الامداد: والمياه الثلاثة متفاوتة في النجاسة، فالاولى يطهر ما أصابته بالغسل ثلاثا، والثانية بثنتين،(1/359)
والثالثة بواحدة، وكذا الاواني الثلاثة التي غسل فيها واحدة بعد واحدة، وقيل يطهر الاناء الثالث بمجرد الاراقة، والثاني بواحدة، والاول بثنتين ا ه.
بقي لو غسل في إجانة واحدة: قال في الفيض: تغسل الاجانة بعد الثلاث مرة ا ه.
وشمل كلامه ما لو غسل العضو في الاجانة فإنه يطهر عندهما.
وقال أبو يوسف: لا يطهر ما لم يصب عليه الماء، وعلى هذا الخلاف لو أدخله في حباب الماء ولو في خوابي خل يخرج من الثالثة طاهرا عند أبي حنيفة، خلافا لهما، لاشتراط محمد في غسل النجاسة الماء، واشتراط أبي يوسف الصب.
بدائع.
قوله: (أما لو غسل الخ) نقل هذه الجملة في البحر عن السراج، وتابعه من بعده حتى الشرنبلالي، وقد صحر في شرح المنية عند قوله: روي عن أبي يوسف، أن الجنب إذا اتزر في الحمام وصب الماء على جسده ثم على الازار يحكم بطهارة الازار، وإن لم يعصر.
وفي المنتقى: شرط العصر على قول أبي يوسف بما نصه تقدم أن هذا ظاهر الرواية على قول الكل، ولو غمس الثوب فنهر جار مرة وعصره يطهر، وهذا قول أبي يوسف في غير ظاهر الرواية، وذكر في الاصل وهو ظاهر الرواية أنه يغسل ثلاثا ويعصر في كل مرة.
وعن محمد في غير ظاهر الرواية أنه يغسلها: أي النجاسة الغير المرئية ثلاثا ويعصره في المرة الثالثة، وقد تقدم أنه غير رواية الاصول.
وقال في الفتح: لا يخفى أن المروي عن أبي يوسف في الازار لضرورة ستر العورة، فلا يلحق به غيره، ولا تترك الروايات الظاهرة فيه ا ه.
أقول: لكن قد علمت أن المعتبر في تطهير النجاسة المرئية زوال عينها ولبغسلة واحدة ولو في إجانة كما مر، فلا يشترط فيها تثليث غسل ولا عصر، وأن المعتبر غلبة الظن في تطهير غير
المرئية بلا عدد على المفتى به أو مع شرط التثليث على ما مر، ولا شك أن الغسل بالماء الجاري وما في حكمه من الغدير أو الصب الكثير الذي يذهب بالنجاسة أصلا ويخلفه غيره مرارا بالجريات أقوى من الغسل في الاجانة التي على خلاف القياس، لان النجاسة فيها تلاقي الماء وتسري معه في جميع أجزاء الثوب، فيبعد كل البعد التسوية بينهما في اشتراط التثليث، وليس اشتراطه حكما تعبديا حتى يلتزم وإن لم يعقل معناه، ولهذا قال الامام الحلواني على قياس قول أبي يوسف في إزار الحمام: إنه لو كانت النجاسة دما أو بولا وصب عليه الماء كفاه، وقول الفتح: إن ذلك لضرورة ستر العورة كما مر، رده في البحر بما في السراج، وأقره في النهر وغيره.
قوله: (في غدير) أي ماء كثير له حكم الجاري.
قوله: (أو صب عليه ماء كثير) أي بحيث يخرج الماء ويخلفه غيره ثلاثا، لان الجريان بمنزلة التكرار والعصر هو الصحيح.
سراج.
قوله: (بلا شرط عصر) أي فيما ينعصر، وقوله: وتجفيف أي في غيره، وهذا بيان للاطلاق.
قوله: (هو المختار) عبارة السراج: وأما حكم الغدير: فإن غمس الثوب فيه ثلاثا وقلنا بقول البلخيين وهو المختار فقد روي عن أبي حفص الكبير أنه يطهر وإن لم يعصر.
وقيل: يشترط العصر كل مرة، وقيل: مرة واحدة ا ه.
وحاصله: اشتراط الغمس في الغدير ثلاثا عندهم مع اختلافهم في العصر، فتنبه.(1/360)
مطلب في تطهير الدهن والعسل قوله: (ويطهر لبن وعسل الخ) قال في الدرر: ولو تنجس العسل فتطهيره أن يصب فيه ماء بقدره فيغلي حتى يعود إلى مكانه، والدهن يصب عليه الماء فيغلي فيعلو الدهن الماء فيرفع بشئ هكذا ثلاث مرات ا ه.
وهذا عند أبي يوسف خلافا لمحمد، وهو أوسع، وعليه الفتوى كما في شرح الشيخ إسماعيل عن جامع الفتاوي.
وقال في الفتاوي الخيرية: ظاهر كلام الخلاصة عدم اشتراط التثليث، وهو مبني على أن غلبة الظن مجزئة عن التثليث، وفيه اختلاف تصحيح، ثم قال: إن لفظه فيغلي ذكرت في بعض الكتب والظاهر أنها من زيادة الناسخ، فإنا لم نر من شرط لتطهير الدهن الغليان مع كثرة النقل في المسألة والتتبع لها إلا أن يراد به التحريك مجازا، فقد صرح في
مجمع الرواية وشرح القدوري أنه يصب عليه مثله ماء ويحرك، فتأمل ا ه.
أو يحمل على ما إذا جمد الدهن بعد تنجسه.
ثم رأيت الشارح صرح بذلك في الخزائن فقال: والدهن السائل يلقى فيه الماء، والجامد يغلى به حتى يعلو الخ.
ثم اشتراط كون الماء مثل العسل أو الدهن موافق لما في شرح المجمع عن الكافي، ولم يذكره في الفتح والبحر.
وذكر القهستاني عن بعض المفتين الاكتفاء في العسل والدبس بالخمس، قال: لان في بعض الروايات قدرا من الماء.
قلت: يحتمل أن قدرا مصحف عن قدره بالضمير فيوافق ما ذكرناه عن شرح المجمع، وبه سقط ما نقله عن بعض المفتين.
هذا وفي القنية عن ركن الائمة الصباغي أنه جرب تطهير العسل بذلك فوجده مرا.
وذكر في الخلاصة أنه لو ماتت الفأرة في دن النشا يطهر بالغسل إن تناهي أمره، وإلا فلا.
قوله: (ولحم طبخ الخ) في الظهيرية: ولو صبت الخمرة في قدر فيها لحم: إن كان قبل الغليان يطهر اللحم بالغسل ثلاثا، وإن بعده فلا.
وقيل: يغلى ثلاثا كل مرة بماء طاهر ويجفف في كل مرة، وتجفيفه بالتبريد ا ه.
بحر.
قلت: لكن يأتي قريبا أن المفتى به الاول.
وفي الخانية: إذا صب الطباخ في القدر مكان الخل خمرا غلطا فالكل نجس لا يطهر أبدا، وما روي عن أبي يوسف أنه يغلى ثلاثا لا يؤخذ به، وكذا الحنطة إذا طبخت في الخمر لا تطهر أبدا.
وعندي إذا صب فيه الخل وترك حتى صار الكل خلا لا بأس به ا ه.
فما مشى عليه الشارح هنا ضعيف.
قوله: (وكذا دجاجة الخ) قال في الفتح: إنها لا تطهر أبدا، لكن على قول أبي يوسف تطهر، والعلة والله أعلم تشربها النجاسة بواسطة الغليان، وعليه اشتهر أن اللحم السميط بمصر نجس، لكن العلة المذكورة لا تثبت ما لم يمكث اللحم بعد الغليان زمانا يقع في مثله التشرب والدخول في باطن اللحم، وكل منهما غير متحقق في السميط حيث لا يصل إلى حد الغليان، ولا يترك فيه إلا مقدار ما تصل الحرارة إلى ظاهر الجلد لتنحل مسام الصوف، بل لو ترك يمنع انقلاع الشعر، فالاولى في السميط أن يطهر بالغسل ثلاثا فإنهم لا يتحرسون فيه عن المنجس، وقد قال شرف الائمة بهذا في الدجاجة والكرش والسميط ا ه.
وأقره في البحر.
قوله: (وفي التجنيس) هو اسم كتاب لصاحب الهداية قال فيه: إن هذا الكتاب
لبيان ما استنبطه المتأخرون، ولم ينص عليه المتقدمون، وعبارته هنا: ولو طبخت الحنطة في الخمر قال أبو يوسف: تطبخ ثلاثا بالماء وتجفف في كل مرة، وكذلك اللحم.
وقال أبو حنيفة: إذا(1/361)
طبخت في الخمر لا تطهر أبدا، وبه يفتى ا ه: أي إلا إذا جعلها في خل كما نقله بعضهم عن مختصر المحيط، وقدمناه عن الخانية، فافهم.
قوله: (ولو انتفخت من بول الخ) إن كان هذا قول أبي يوسف فظاهر، وإن كان قول الامام، فقد يفرق بينه وبين طبخها بالخمر بزيادة التشرب بالطبخ، ثم لا يمكن هنا تطهيرها بجعلها في الخل، لان البول لا ينقلب خلا بخلاف الخمر.
قوله: (وجففت) ظاهره أن المراد التجفيف إلى أن يزول الانتفاخ في كل مرة.
قوله: (فيطهر) لانقلاب ما فيه من أجزاء الخمر خلا، والله أعلم.
فصل الاستنجاء بإضافة فصل إلى الاستنجاء، وهو خبر لمبتدأ محذوف، وإنما ذكره في الانجاس مع أنه من سنن الوضوء كما قدمناه لانه إزالة نجاسة عينيه كما في البحر.
قوله: (إزالة نجس الخ) عرفه في المغرب بأنه مسح موضع النجو: وهو ما يخرج من البطن أو غسله.
وأورد عليه في البحر أنه يشمل الاستنجاء من الحصاة مع أنه لا يسن كما صرح به في السراج، فلذا عدل عنه الشارح.
وأيضا فإنه لا يشمل ما لو أصاب المخرج نجاسة أجنبية أكثر من الدرهم مع أنه يطهر بالحجر كما مشى عليه الشارح فيما يأتي، وجزم به في الامداد، ويأتي تمام كلامه عليه.
قوله: (فلا يسن من ريح) لان عينها طاهرة، وإنما نقضت لانبعاثها عن موضع النجاسة ا ه.
ح، ولان بخروج الريح لا يكون على السبيل شئ فلا يسن منه بل هو بدعة كما في المجتبى.
بحر.
قوله: (وحصاة) لانه إن لم يكن عليها بلل أو كان ولم يتلوث منه الدبر فهي خارجة بقوله: عن سبيل وإن تلوث منها فالاستنجاء حينئذ للنجاسة لا للحصاة ا ه.
ح.
قوله: (ونوم) لانه ليس بنجس أيضا ا ه.
ح.
قوله: (وفصد) أي الدم الذي على موضع الفصد، لانه وإن كان نجسا لكنه ليس على السبيل ليزال عنه ا ه.
ح.
قوله: (وهو سنة مؤكدة) صرح به في البحر عن النهاية ثم عزاه أيضا إلى الاصل، وعلله في الكافي بمواظبته عليه (ص).
ونقل في الحلية الاحاديث الدالة على المواظبة وما يصرفها عن الوجوب
فراجعه، وعليه فيكره تركه كما في الفتح مستدركا على ما في الخلاصة من نفي الكراهة ونحوه في الحلية، وأوضح المقام الشيخ إسماعيل في شرحه على الدرر فراجعه، ثم رأيته في البدائع صرح بالكراهة.
قوله: (مطلقا) سواء كان الخارج معتادا أم رطبا أم لا.
ط، وسواء كان بالماء أو بالحجر، وسواء كان من محدث أو جنب أو حائض أو نفساء على ما ذكره هنا.
قوله: (وما قبل الخ) دفع لما يخالف الاطلاق المذكور، والقائل بذلك صاحب السراج والاختيار وخزانة الفقه والحاوي القدسي(1/362)
والزيلعي وغيرهم، وأقرهم في الحلية، واعترضهم في البحر بأنه تسامح لانه من باب إزالة الحدث إن لم يكن على المخرج شئ، وإن كان فهو من باب إزالة النجاسة الحقيقية اه.
أقول: لا شك أن غسل ما على المخرج في الجنابة يسمى إزالة نجس عن سبيل، فقد صدق عليه تعريف الاستنجاء وإن كان فرضا.
وأما إذا تجاوزت النجاسة مخرجها، فإن كان المراد به غسل المتجاوز إذا زاد على الدرهم، فكونه تسامحا ظاهر لانه لا يصدق عليه التعريف المذكور، وإن كان المراد غسل ما على المخرج عند التجاوز بناء على قول محمد الآتي فلا تسامح، يدل عليه ما في الاختيار من أن الاستنجاء على خمسة أوجه: اثنان واجبان: أحدهما: غسل نجاسة المخرج في الغسل من الجنابة والحيض والنفاس كي لا تشيع في بدنه.
والثاني: إذا تجاوزت مخرجها يجب عند محمد قل أو كثر، وهو الاحوط لانه يزيد على قدر الدرهم، وعندهما يجب إذا جاوزت قدر الدرهم، لان ما على المخرج سقط اعتباره، والمعتبر ما وراءه.
والثالث: سنة، وهو إذا لم تتجاوز النجاسة مخرجها.
والرابع: مستحب، وهو ما إذا بال ولم يتغوط فيغسل قبله.
والخامس: بدعة، وهو الاستنجاء من الريح ا ه.
قوله: (وأركانه) قال المصنف في شرحه: ولم أسبق إلى بيانها فيما علمت ا ه.
وفيه تسامح، لان هذه الاربعة شروط للوجود في الخارج لا أركان، لما في الحلية: ركن الشئ جانبه الاقوى.
وفي الاصطلاح: ماهية الشئ أو جزء منها يتوقف تقومها عليه، فالشرط والركن متباينان، لاعتبار الخروج عن ماهية المشروط في ماهية
الشرط، وكون الركن نفس الشئ أو جزأه الداخل فيه ا ه.
قال ح: وحقيقة الاستنجاء الذي هو إزالة نجس عن سبيل لا تتقوم ولا بواحد من هذه الاربعة.
فإن قلت: قد ذكر النجس في التعريف فهو من أجزاء الماهية.
قلت: أجزاء التعريف لازالة وإضافتها إلى النجس لا نفس النجس كما صرحوا به في قولهم: العمى عدم البصر، فإن أجزاء التعريف العدم وإضافته إلى البصر لا نفس البصر، ومثله يقال في قوله عن سبيل فإن جزء التعريف الازالة المتعلقة بالسبيل لا السبيل، وإلا لزم أن تكون الذوات أجزاء من المعنى، وللزم أن يقال أركان التيمم متيمم متيمم به الخ، وكذا في الوضوء وغيره ا ه.
قوله: (ونجس خارج الخ) أي ولو غير معتاد كدم أو قيح خرج من أحد السبيلين فيطهر بالحجارة على الصحيح.
زيلعي.
وقيل لا يطهر إلا بالماء، وبه جزم في السراج.
نهر.
قوله: (وكذا لو أصابه من خارج) أي فيطر بالحجارة.
وقيل الصحيح أنه لا يطهر إلا بالغسل.
زيلعي.
قال في البحر: وقد نقلوا هذا التصحيح هنا بصيغة التمريض، فالظاهر خلافه ا ه.
قال نوح أفندي: ويوهم أنهم نقلوه في جميع الكتب بها(1/363)
مع أن شارح المجمع والنقاية نقلاه عن القنية بدونها ا ه.
أقول: يؤيده أن الاكتفاء بالحجارة وارد على خلاف القياس للضرورة، والضرورة فيما يكثر لا فيما يندر كهذه الصورة، ثم رأيت ما بحثته في الحلية حيث نقل ما في القنية، ثم قال: وهو حسن، لان ما ورد على خلاف القياس يقتصر فيه على الوارد ا ه.
لكن ذكر المصنف في شرح زاد الفقير أن ما نقله الزيلعي وغيره عن القنية غير موجود فيها، وأنه ذكر في الفتاوي الكبرى ومختارات النوازل أن الاصح طهارته بالمسح، وبه أخذ الفقيه أبو الليث ا ه.
قوله: (وإن قام) أي المستنجي من موضعه فإنه يطهر بالحجر أيضا، قال في السراج: قيل إنما يجزئ الحجر إذا كان الغائط رطبا لم يجف ولم يقم من موضعه، أما إذا قام من موضعه أو جف الغائط فلا يجزيه إلا الماء لانه بقيامه قبل أن يستنجي بالحجر يزول الغائط عن موضعه ويتجاوز مخرجه، وبجفافه لا يزيله الحجر فوجب الماء فيه ا ه.
أقول: والتحقيق أنه إن تجاوز عن موضعه بالقيام أكثر من الدرهم أو جف بحيث لا يزيله
الحجر فلا بد من الماء إذا أراد إزالته.
قوله: (على المعتمد) كأنه أخذه من جزمه به في البحر، وتعبير السراج عن مقابله بقيل.
قوله: (مما هو عين طاهرة الخ) قال في البدائع: السنة هو الاستنجاء بالاشياء الطاهرة من الاحجار والامدار والتراب والخرق البوالي ا ه.
قوله: (لا قيمة لها) يستثنى منه الماء كما في حاشية أبي السعود.
قوله: (كمدر) بالتحريك: قطع الطين اليابس قاموس، ومثله الجداد إلا جدار غيره كالوقف ونحوه كما في شرح النقاية للقاري، لكن ذكر في البحر هنا جوازه بالجدار مطلقا، وذكر في باب ما يجوز من الاجارة أن للمستأجر الاستنجاء بالحائط ولو الدار مسبلة ا ه.
قال شيخنا: وتزول المخالفة بحمل الاول على ما إذا لم يكن مستأجرا.
أبو السعود.
مطلب: إذا دخل المستنجي في ماء قليل قوله: (منق) بتشديد القاف مع فتح النون أو تخفيفها مع سكونها من التنقية أو الانقاء: أي منظف.
غرر الافكار.
قال في السراج: ولم يرد به حقيقة الانقاء بل تقليل النجاسة ا ه.
ولذا يتنجس الماء القليل إذا دخله المستنجي.
ولقائل منعه لجواز اعتبار الشرع طهارته بالمسح كالنعل، وقدمنا حكاية الروايتين في نحو المني إذا فرك ثم أصابه الماء، وأن المختار عدم عوده نجسا، وقياسه أن يجريا أيضاف هنا، وأن لا يتنجس الماء على الراجح.
وأجمع المتأخرون على أنه لا يتنجس بالعرق، حتى لو سال منه وأصاب الثوب أو البدن أكثر من قدر الدرهم لا يمنع، ويدل على اعتبار الشرع طهارته بالحجر ما رواه الدارقطني وصححه: أنه (ص) نهى أن يستنجي بروث أو عظم، وقال: إنهما لا يطهران ا ه.
ملخصا من الفتح، وتبعه في البحر.
قال في النهر: وهذا هو المناسب لما في الكتاب.
وفي القهستاني: وهو الاصح.
ونقل في التاترخانية اختلاف التصحيح، لكن قدمنا قبيل بحث الدباغة أن المشهور في الكتبتصحيح النجاسة، والله تعالى أعلم.
قوله: (لانه المقصود) أي لان الانقاء هو المقصود من الاستنجاء كما في الهداية وغيرها.
قوله: (ولا يتقيد الخ) أي بناء على ما ذكر من أن المقصود هو الانقاء، فليس له كيفية خاصة، وهذا عند بعضهم.
وقيل كيفيته في المقعدة في الصيف للرجل إدبار الحجر الاول والثالث وإقبال الثاني، وفي الشتاء بالعكس، وهكذا تفعل المرأة في الزمانين كما في المحيط، وله كيفيات أخر في النظم والظهيرية وغيرهما، وفي الذكر(1/364)
أن يأخذه بشمال ويمره على حجر أو جدار أو مدر كما في الزاهدي ا ه.
قهستاني.
واختار ما ذكره الشارح في المجتبى والفتح والبحر.
وقال في الحلية: إنه الاوجه.
وقال في شرح المنية: ولم أر لمشايخنا في حق القبل للمرأة كيفية معينة في الاستنجاء بالاحجار ا ه.
قلت: بل صرح في الغزنوية بأنها تفعل كما يفعل الرجل، إلا في الاستبراء فإنها لااستبراء عليها، بل كما فرغت من البول والغائط تصبر ساعة لطيفة ثم تمسح قبلها ودبرها بالاحجار ثم تستنجي بالماء ا ه.
قوله: (بل مستحب) أشار إلى أن المراد نفي السنة المؤكدة لا أصلها، لما ورد من الامر بالاستنجاء بثلاثة أحجار، ولم نقل إن الامر للوجوب كما قال الامام الشافعي، لان قوله عليه الصلاة والسلام: من استجمر فليوتر، فمن فعل فحسن، ومن لا فلا حرج دليل على عدم الوجوب، فحمل الامر على الاستحباب توفيقا، وتمام الكلام في الحلية وشرح الهداية للعيني.
قوله: (والغسل بالماء) أي المطلق وإن صح عندنا بما في معناه من كل مائع طاهر مزيل فإنه يكره، لما فيه من إضاعة الماء بلا ضرورة كما في الحلية.
قوله: (إلى أن يقع الخ) هذا هو الصحيح.
وقيل يشترط الصب ثلاثا، وقيل سبعا، وقيل عشرا، وقيل في الاحليل ثلاثا، وفي المقعدة خمسا.
خلاصة.
قوله: (فيقدر بثلاث) وقيل بسبع للحديث الوارد في ولوغ الكلب، معراج عن المبسوط.
قوله: (كما مر) أي في تطهير النجاسة الغير المرئية، قال في المعراج: لان البول غير مرئي، والغائط وإن كان مرئيا فالمستنجي لا يراه، فكان بمنزلته ا ه.
قوله: (عند أحد) أي ممن يحرم عليه جماعه ولو أمته المجوسية أو التي زوجها للغير، أفاده ح.
قوله: (أما معه) أي مع الكشف المذكور أو مع الاحد.
قوله: (فيتركه) أي الاستنجاء بالماء وإن تجاوزت المخرج وزادت على قدر الدرهم ولم يجد ساترا أو لم يكفوا بصرهم عنه بعد طلبه منهم، فحينئذ يقللها بنحو حجر ويصلي.
وهل عليه الاعادة؟ الاشبه نعم، كما إذا منع عن الاغتسال بصنع عبد فتيمم وصلى كما مر، أفاده في الحلية، وذكرنا خلافه في بحث الغسل فراجعه.
قوله: (كما مر) أي قبيل سنن الغسل، حيث قال: وأما الاستنجاء فيتركه مطلقا ا ه: أي سواء كان ذكرا أو أنثى أو خنثى، بين رجال
أو نساء أو خناثى، أو رجال ونساء، أو رجال وخناثي، أو نساء وخناثي، أو رجال ونساء وخناثي، فهي إحدى وعشرون صورة ا ه ح.
قوله: (فلو كشف له الخ) أي للاستنجاء بالماء.
قال نوح أفندي: لان كشف العورة حرام، ومرتكب الحرام فاسق، سواء تجاوز النجس المخرج أو لا، وسواء كان المجاوز أكثر من الدرهم أو أقل، ومن فهم غير هذا فقد سها لما في شرح المنية عن البزازية أن النهي راجع على الامر.
قوله: (لا لو كشف الخ) أما التغوط فظاهر لانه أمر طبيعي ضروري لا انفكاك عنه، وأما الاغتسال فقد ذكره قبيل سنن الغسل، وبينا هناك أن الصور إحدى وعشرون لا يغتسل فيها إلا في صورتين: وهما رجل بين رجال وامرأة بين نساء، فيجب حمل كلامه عليهما فقط ا ه.
ح: أي لان نظر الجنس إلى الجنس أخف، وقد نقل في البحر لزوم الاغتسال في الصورتين المذكورتين عن شرح النقاية، وقدمنا هناك نقله عن القنية، وأن شارح المنية قال: إنه غير مسلم، لان ترك المنهي مقدم على فعل المأمور، وللغسل خلف وهو التيمم، وقد مر تمامه فراجعه.
قوله: (سنة مطلقا) أي في زماننا وزمان الصحابة، لقوله تعالى: * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) * (التوبة: 801) قيل لما نزلت قال رسول الله (ص):(1/365)
يا أهل قباء إن الله أثنى عليكم، فماذا تصنعون عند الغائط؟ قالوا: نتبع الغائط الاحجار ثم نتبع الاحجار الماء فكان الجمع سنة على الاطلاق في كل زمان، وهو الصحيح، وعليه الفتوى، وقيل ذلك في زماننا لانهم كانوا يبعرون اه إمداد.
ثم اعلم أن الجمع بين الماء والحجر أفضل، ويليه في الفضل الاقتصار على الماء، ويليه الاقتصار على الحجر، وتحصل السنة بالكل وإن تفاوت الفضل كما أفاده في الامداد وغيره.
قوله: (ويجب أي يفرض غسله) أعاد الضمير على الغسل دون الاستنجاء، لان غسل ما عدا المخرج لا يسمى استنجاء، وفسر الوجوب بذلك لان المراد بالمجاوز ما زاد من الدرهم بقرينة ما بعده، ولقوله في المجتبى: لا يجب الغسل بالماء إلا إذا تجاوز ما على نفس المخرج وما حوله من موضع الشرج، وكان المجاوز أكثر من قدر الدرهم ا ه.
ولذا قيد الشارح النجس بقوله: مانع.
والشرج بالشين المعجمة والجيم: مجمع حلقة الدبر الذي ينطبق كما في المصباح.
قوله: (إن جاوز المخرج) يشمل
الاحليل، ففي التاترخانية: وإذا أصاب طرف الاحليل من البول أكثر من الدرهم يجب غسله هو الصحيح.
ولو مسحه بالمدر، قيل يجزئه قياسا على المقعدة، وقيل لا، وهو الصحيح ا ه.
أقول: والظاهر أنه لو أصاب قلفة الاقلف القدر المانع فحكمه كذلك.
تنبيه: مقتضى اقتصارهم على المخرج: أي وما حوله من موضع الشرج كما قدمناه آنفا عن المجتبى أنه يجب غسل المجاوز لذلك وإن لم يجاوز الغائط الصفحة، وهي ما ينضم من الاليتين عند القيام والبول الحشفة، خلافا للشافعية حيث اكتفوا بالحجر إن لم يجاوز ذلك.
قوله: (ويعتبر الخ) أي خلافا لمحمد.
والحاصل أن ما جاوز المخرج إن زاد على الدرهم في نفسه يفترض غسله اتفاقا، وإن زاد بضم ما على المخرج إليه لا يفرض عندهما بناء على أن ما على المخرج في حكم الباطن عندهما، فيسقط اعتباره مطلقا حتى لا يضم إلى ما على بدنه من النجس.
وعند محمد يفرض غسله بناء على أن ما على المخرج في حكم الظاهر عنده، فلا يسقط اعتباره ويضم، لان العفو عنه لا يستلزم كونه في حكم الباطن بدليل وجوب غسله في الجنابة والحيض، وفيما لو أصابه نجس من غيره على الصحيح ا ه.
نوح على البرهان.
والصحيح قولهما.
قاسم.
قلت: وعليه الكنز والمصنف، واستوجبه في الحلية قول محمد، وأيده بكلام الفتح حيث بحث في دليلهما، وبقول الغزنوي في مقدمته قال أصحابنا: من استجمر بالاحجار وأصابته نجاسة يسيرة لم تجز صلاته.
لانه إذا جمع زاد على الدرهم ا ه.
وقدمنا عن الاختيار أنه الاحوط، وعليه فالواجب ليس غسل المتجاوز بعينه ولا الجميع، بل المتجاوز أو ما على المخرج كما حرره في الحلية: أي لانه لو ترك أحدهما وهو درهم أو أقل كان عفوا، ثم قال: إن قولهم بوجوب غسل قدر الدرهم لقربه من الفرض، وهو الزائد على قدر الدرهم، الظاهر أنه من تصرفات بعض المشايخ، وأنه غير مأثور عن أصحاب المذهب، لان الحكم الشرعي لا يثبت بمجرد الرأي ا ه.
وقدمنا عنه في الانجاس نحو ذلك.
قوله: (لصلاة) متعلق بالمانع.
قوله: (ولهذا الخ) استدلال على سقوط اعتبار ما على المخرج، وفيه أن ترك غسل ما على المخرج إنما لا يكره بعد الاستجمار كما عرفته(1/366)
لا مطلقا، فالدليل أخص من المدعي، وتمامه في الحلية.
قوله: (وكره تحريما الخ) كذا استظهره في البحر للنهي الوارد في ذلك: أي فيما ذكره في الكنز بقوله: لا بعظم وروث وطعام ويمين.
أقول: أما العظم والروث فالنهي ورد فيهما صريحا في صحيح مسلم لما سأله الجن الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما، وكل بعرة علف لدوابكم، فقال النبي (ص): فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم وعلل في الهداية: للروث بالنجاسة، وإليه يشير قوله (ص) في حديث آخر إنها ركس لكن الظاهر أن هذا لا يفيد التحريم، ومثله يقال في الاستنجاء بحجر استنجى به، إلا أن يكون فيه نهي أيضا.
قال في الحلية: وإذا ثبت النهي في مطعوم الجن وعلف دوابهم ففي مطعوم الانس وعلف دوابهم بالاولى.
وأما اليمين فهو في الصحيحين أيضا إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه ولا يستنجي بيمينه وأما الآجر والخزف فعلله في البحر بأنه يضر المقعدة، فإن تيقن الضرر فظاهر، وإلا فالظاهر عدم الكراهة التحريمية، وقد قال في الحلية: لم أقف على نص يفيد النهي عن الاستنجاء بهما.
وأما الشئ المحترم فلما ثبت في الصحيحين من النهي عن إضاعة الماء.
وأما حق الغير ولو جدار مسجد أو ملك آدمي فلما فيه من التعدي المحرم.
وأما الفحم فعلله في البحر بأنه يضر المقعدة كالزجاج والخزف، وفيه ما علمته، نعم في الحلية روى أبو داود عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما قال: قدم وفد الجن على النبي (ص) فقالوا: يا محمد أنه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة، فإن الله سبحانه وتعالى جعل لنا فيها رزقا، قال: فنهى النبي (ص) عن ذلك قال أبو عبيد: والحمم: الفحم ا ه.
تنبيه: استفيد من حديث مسلم السابق أنه لو كان عظم ميتة لا يكره الاستنجاء به.
تأمل.
قوله: (يابس) قيد به، لانه لما كان لا ينفصل منه شئ صح الاستنجاء به لانه يجفف ما على البدن من النجاسة الرطبة.
بحر: أي بخلاف الرطب فإنه لا يجفف فلا يصح به أصلا.
قوله: (استنجي به) بالبناء للمجهول.
قوله: (إلا بحرف آخر) أي لم تصبه النجاسة.
قوله: (وآجر) بالمد الطوب المشوي.
قوله: (وخزف) بفتح الخاء المعجمة والزاي بعدها فاء، في القاموس: هو ما يعمل من طين يشوى
بالنار حتى يكون فخارا.
حلية.
وفسره في الامداد بصغار الحصا، والظاهر أنه أراد الخذف بالذال المعجمة الساكنة لانه كان في القاموس: الرمي بحصاة أو نواة أو نحوهما بالسبابتين، فيكون أطلق المصدر على اسم المفعول.
تأمل.
قوله: (وشئ محترم) أي ما له احترام واعتبار شرعا، فيدخل فيه كل متقوم إلا الماء كما قدمناه، والظاهر أنه يصدق بما يساوي فلسا لكراهة إتلافه كما مر، ويدخل فيه جزء الآدمي ولو كافرا أو ميتا ولذا لا يجوز كسر عظمه، وصرح بعض الشافعية بأن من المحترم جزء حيوان متصل به.
ولو فأرة، بخلاف المنفصل عن حيوان غير آدمي ا ه.
وينبغي أن يدخل فيه كناسة مسجد، ولذا لا تلقى في محل ممتهن، ودخل أيضا ماء زمزم كما قدمناه أول فصل المياه، ويدخل أيضا الورق.
قال في السراج: قيل إنه ورق الكتابة، وقيل ورق الشجر وأيهما كان فإنه مكروه ا ه.
وأقره في البحر وغيره، وانظر ما العلة في ورق الشجر، ولعلها كونه علفا للدواب أو نعومته فيكون ملوثا(1/367)
غير مزيل، وكذا ورق الكتابة لصقالته وتقومه، وله احترام أيضا لكونه آلة لكتابة العلم، ولذا علله في التاترخانية بأن تعظيمه من أدب الدين.
وفي كتب الشافعية: لا يجوز بما كتب عليه شئ من العلم المحترم كالحديث والفقه وما كان آلة لذلك.
أما غير المحترم كفلسفة وتوراة وإنجيل علم تبدلهما وخلوهما عن اسم معظم فيجوز الاستنجاء به ا ه.
ونقل القهستاني الجواز بكتب الحكميات عن الاسنوي من الشافعية وأقره.
قلت: لكن نقلوا عندنا أن للحروف حرمة ولو مقطعة.
وذكر بعض القراء أن حروف الهجاء قرآن أنزلت على هود عليه السلام، ومفاده الحرمة بالمكتوب مطلقا، وإذا كانت العلة في الابيض كونه آلة الكتابة كما ذكرناه يؤخذ منها عدم الكراهة فيما لا يصلح لها إذا كان قالعا للنجاسة غير متقوم كما قدمناه من جوازه بالخرق البوالي، وهل إذا كان متقوما ثم قطع منه قطعة لا قيمة لها بعد القطع يكره الاستنجاء بها أم لا؟ الظاهر الثاني لانه لم يستنج بمتقوم، نعم قطعه لذلك الظاهر كراهته، لو بلا عذر، بأن وجد غيره لان نفس القطع إتلاف، والله تعالى أعمل.
تنبيه: ينبغي تقييد الكراهة فيما له قيمة بما إذا أدى إلى إتلافه، أما لو استنجى به من بول أو مني مثلا وكان يغسل بعده فلا كراهة، إلا إذا كان شيئا ثمينا تنقص قيمته بغسله كما يفعل في زماننا
بخرقة المني لية العرس.
تأمل.
قوله: (ولا صابا) أي لو وجد صابا كخادم وزوجة لا يتركه كما في الامداد، وتقدم في التيمم الكلام على القادر بقدرة الغير، فراجعه.
قوله: (سقط أصلا) أي بالماء والحجر.
قوله: (كمريض الخ) في التاترخانية: الرجل المريض إذا لم تكن له امرأة ولا أمة وله ابن أو أخ وهو لا يقدر على الوضوء قال: يوضئه ابنه أو أخوه، غير الاستنجاء، فإنه لا يمس فرجه ويسقط عنه، والمرأة المريضة إذا لم يكن لها زوج وهي لا تقدر على الوضوء ولها بنت أو أخت توضئها ويسقط عنها الاستنجاء ه.
ولا يخفى أن هذا التفصيل يجري فيمن شلت يداه لانه في حكم المريض.
قوله: (وحق غيره) أي كحجره ومائه المحرز لو بلا إذنه، ومنه المسبل للشرب فقط وجدار ولو لمسجد أو دار وقف لم يملك منافعها كما مر.
قوله: (وكل ما ينتفع به) أي لانسي أو جني أو دوابهما، وظاهره ولو مما لا يتلف بأن كان يمكن غسله.
قوله: (مع الكراهة) أي التحريمية في المنهي عنه والتنزيهية في غيره كما علم ما قررناه أو لا، وما ذكره الزاهدي عن النظم من أنه يستنجي بثلاثة أمدار، فإن لم يجد فبالاحجار، فإن لم فبثلاثة أكف من تراب لا بما سواها من الخرقة والقطن ونحوهما، لانه روي في الحديث أنه يورث الفقر ا ه.
قال في الحلية: إنه غير ظاهر الوجه مع مخالفته لعامة الكتب، وكذا قوله: لا بما سواها الخ، فإن المكروه المتقوم لا مطلقا، وما ذكره من الحديث الله أعلم به ا ه.
ملخصا.
قوله: (وفيه نظر الخ) كذا في البحر.
وأجاب في النهر بأن المسنون إنما هو الازالة، ونحو الحجر لم يقصد بذاته بل لانه مزيل، غاية الامر أن الازالة بهذا الخاص منهي وذا لا ينفي كونمزيلا.
ونظيره لو صلى السنة في أرض مغصوبة كان آتيا بها مع ارتكاب المنهي عنه ا ه.
قلت: وأصل الجواب مصرح به في كافي النسفي حيث قال: لان النهي في غيره، فلا ينفي مشروعيته كما لو توضأ بماء مغصوب أو استنجى بحجر مغصوب.(1/368)
قلت: والظاهر أن أراد بالمشروعية الصحة، لكن يقال عليه: إن المقصود من السنة الثواب، وهو مناف للنهي، بخلاف الفرض فإنه مع النهي يحصل به سقوط المطالبة، كمن توضأ بماء مغصوب
فإنه يسقط به الفرض وإن أثم، بخلاف ما إذا جدد به الوضوء فالظاهر أنه وإن صح لم يكن له ثواب.
قوله: (استقبال قبله) أي جهتها كما في الصلاة فيما يظهر.
ونص الشافعية على أنه لو استقبلها بصدره وحول ذكره عنها وبال لم يكره، بخلاف عكسه ا ه: أي فالمعتبر الاستقبال بالفرج، وهو ظاهر قول محمد في الجامع الصغير: يكره أن يستقبل القبلة بالفرج من الخلاء، وهل يلزمه ا لتحري لو اشتبهت عليه كما في الصلاة؟ الظاهر نعم، ولو هبت ريح عن يمين القبلة ويسارها وغلب على ظنه عود النجاسة عليه فالظاهر أنه يتعين عليه استدبار القبلة حيث أمكن، لان الاستقبال أفحش، والله أعلم.
قوله: (واستدبارها) هو الصحيح.
وروي عن أبي حنيفة أنه يحل الاستدبار.
قوله: (لم يكره) أي تحريما، لما في المنية أن تركه أدب، ولما مر في الغسل أن من آدابه أن لا يستقبل القبلة لانه يكون غالبا مع كشف العورة، حتى لو كانت مستورة لا بأس به، ولقولهم: يكره مد الرجلين إلى القبلة في النوم وغيره عمدا، وكذا في حال مواقعة أهله.
مطلب: القول المرجع على الفعل قوله: (لاطلاق النهي) وهو قوله (ص): إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا رواه السنة، وفيه رد لرواية حل الاستدبار، ولقول الشافعي بعدم الكراهة في البنيان أخذا من قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت رسول الله (ص) يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة رواه الشيخان.
ورجح الاول بأنه قول وهذا فعل، والقول أولى لان الفعل يحتمل الخصوصية والعذر وغير ذلك، وبأنه محرم وهذا مبيح، والمحرم مقدم، وتمامه في شرح المنية.
قوله: (قبالة) بضم القا ف بمعنى تجاه.
قاموس ا ه.
ط.
قوله: (فانحرف عنها) أي بجملته أو بقبله حتى خرج عن جهتها والكلام مع الامكان، فليس في الحديث دلالة على أن المنهي استقبال العين كما لا يخفى، فافهم.
قوله: (حتى يغفر له) أي تقصيره في عدم تثبته حتى كفل واستقبلها، أو المراد غفران ما شاء الله تعالى من ذنوبه الصغائر.
إن الحسنات يذهبن السيئات - قوله: (وإلا فلا بأس) أي وإن لم يمكنه فلا بأس، والمراد نهي الكراهة أصلا.
ويحتمل أن المعنى وإن لم ينحرف مع الامكان فلا بأس كما في النهاية
وحينئذ فالمراد به خلاف الاولى كما هو الشائع في استعماله، وإذا ذلك أشار الشارح أولا بقوله: ندبا.
قوله: (هذه الخ) الاشارة إلى الكراهة المذكورة في الاشياء الآتية: أي بخلاف كراهة الاستقبال والاستدبار فإنها تحريمية كما نص عليه أولا، وأراد دفع ما قد يتوهم أن كل هذه الاشياء(1/369)
الآتية مثلها بمقتضى ظاهر التشبيه.
قوله: (إمساك صغير) هذه الكراهة تحريمية لانه قد وجد الفعل من المرأة ط.
قوله: (وكذا مد رجله) هي كراهة تنزيهية ط، لكن قال الرحمتي: سيأتي في كتاب الشهادات أنه يمد الرجل إليها ترد شهادته، وهذا يقتضي التحريم، فليحرر ا ه.
قوله: (واستقبال شمس وقمر) لانهما من آيات الله الباهرة، وقيل لاجل الملائكة الذين معهما.
سراج.
ونقل سيدي عبد الغني عن المفتاح: ولا يقعد مستقبلا للشمس والقمر، ولا مستدبرا لهما للتعظيم ا ه.
أقول: والظاهر أن الكراهة هنا تنزيهية ما لم يرد نهي، وهل الكراهة هنا في الصحراء والبنيان كما في القبلة أم في الصحراء فقط؟ وهل استقبال القمر نهارا كذلك؟ لم أره.
والذي يظهر أن المراد استقبال عينهما مطلقا لا جهتهما ولا ضوئهما، وأنه لو كان ساتر يمنع عن العين ولو سحابا فلا كراهة، وأن الكراهة إذا لم يكونا في كبد السماء وإلا فلا استقبال للعين، ولم أره أيضا فليحرر نقلا، ثم رأيت في نور الايضاح قال: واستقبال عين الشمس والقمر.
قوله: (في ماء ولو جاريا الخ) لما روى جابر بن عبد الله عن النبي (ص): أنه نهى أن يبال في الماء الراكد رواه مسلم والنسائي وابن ماجه، وعنه قال: نهى رسول الله (ص) أن يبال في الماء الجاري رواه الطبراني في الاوسط بسند جيد.
والمعنى فيه أنه يقذره، وربما أدى إلى تنجيسه.
وأما الراكد القليل فيحرم البول فيه لانه ينجسه ويتلف ما ليته ويغر غيره باستعماله، والتغوط في الماء أقبح من البول، وكذا إذا بال في إناء ثم صبه في الماء أو بال بقرب النهر فجرى إليه، فكله مذموم قبيح منهي عنه.
قال النووي في شرح مسلم: وأما انغماس المستنجي بحجر في ماء قليل، فهو حرام لتنجيس الماء وتلطخه بالنجاسة، وإن كان جاريا فلا بأس به، وإن كان راكدا فلا تظهر كراهته لانه ليس في معنى البول ولا يقاربه، لكن اجتنابه أحسن ا ه.
كذا في الضياء المعنوي شرح مقدمة الغزنوي.
قوله: (وفي البحر الخ) ذكره
في بحث المياه توفيقا بصيغة ينبغي.
تنبيه: ينبغي أن يستثنى من ذلك ما إذا كان في سفينة في البحر، فلا يكره له البول والتغوط فيه للضرورة، ومثله بيوت الخلاء في دمشق ونحوها فإن ماءها يجري دائما، ولم يبلغنا عن أحد من السلف منع قضاء الحاجة بها، ولعل وجهه أن الماء الجاري بها بعد نزوله من الجرن إلى الاسفل لم تبق له حرمة الماء الجاري لقرب اتصاله بالنجاسة، فلا تظهر فيه العلة المارة للكراهة لانه لم يبق معدا للانتفاع به، نعم ذكر سيدي عبد الغني في شرح الطريقة المحمدية أنه يظهر المنع من اتخاذ بيوت الخلاء فوق الانهار الظاهرة، وكذا إجراء مياه الكنف إليها، بخلاف إجرائها إلى النهر الذي هو مجمع المياه النجسة، وهو المسمى بالمالح، والله تعالى أعلم.
قوله: (وعلى طرف نهر الخ) أي وإن لم تصل النجاسة إلى الماء لعموم نهي النبي (ص) عن البراز في الموارد ولما فيه من إيذاء المارين بالماء، وخوف وصولها إليه، كذا في الضياء عن النووي.
قوله: (أو تحت شجرة مثمرة) أي لاتلاف الثمر وتنجيسه إمداد.
والمتبادر أن المراد وقت الثمرة، ويلحق به ما قبله بحيث لا يأمن زوال النجاسة بمطر أو نحوه، كجفاف أرض من بول.
ويدخل فيه الثمر المأكول وغيره ولو مشموما لاحترام الكل والانتفاع به، ولذا قال في الغزنوية: ولا على خضرة ينتفع الناس بها.
قوله: (أو في ظل) لقوله (ص): اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل رواه أبو داود(1/370)
وابن ماجه.
قوله: (ينتفع بالجلوس فيه) ينبغي تقييده بما إذا لم يكن محلا للاجتماع على محرم أو مكروه، وإلا فقد يقال: يطلب ذلك لدفعهم عنه، ويلحبالظل في الصيف محل الاجتماع في الشمس في الشتاء.
قوله: (وفي مقابر) لان الميت يتأذى بما يتأذى به الحي.
والظاهر أنها تحريمية، لانهم نصوا على أن المرور في سكة حادثة فيها حرام، فهذا أولى ط.
قوله: (وبين دواب) لخشية حصول أذية منها ولو بتنجس بنحو مشيها.
قوله: (وفي مهب ريح) لئلا يرجع الرشاش عليه.
قوله: (وجحر) بتقديم الجيم على المهملة: هو ما يحتفره الهوام والسباع لانفسها.
قاموس، لقول قتادة رضي الله عنه: نهى رسول الله (ص) أن يبال في الجحر، قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الحجر؟
قال: يقال إنه مساكن الجن رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وقد يخرج عليه من الجحر ما يلسعه أو يرد عليه بوله.
ونقل أن سعد بن عبادة الخزرجي رضي الله عنه قتلته الجن لانه بال في جحر بأرض حوران، وتمامه في الضياء.
قوله: (وثقب) الخرق النافذ.
قاموس.
وهو بالفتح واحد الثقوب، وبالضم جمع ثقبة كالثقب بفتح القاف ا ه.
مختار.
ثم هذا يغني عنه ما قبله، وهذا في غير المعد لذلك كبالوغة فيما يظهر.
قوله: (زاد العيني الخ) أقول: ينبغي أن يزاد أيضا البول على ما منع من الاستنجاء به لاحترامه كالعظم ونحوه كما صرح به الشافعية.
قوله: (يعبر عليه أحد) هذا أعم من طريق الناس.
قوله: (وبجنب طريق أو قافلة) قيد ذلك في الغزنوية بقوله: والهواء يهب من صوبه إليها.
قال في الضياء: أي إلى الطريق أو القافلة، والواو للحال ا ه.
قوله: (وفي أسفل الارض الخ) أي بأن يقعد في أسفلها ويبول إلى أعلاها فيعود الرشاش عليه.
قوله: (والتكلم عليهما) أي على البول والغائط، قال (ص): لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان، فإن الله تعالى يمقت على ذلك رواه أبو داود والحاكم وصححه.
ويضربان الغائط: أي يأتيانه، والمقت وهو البغض وإن كان المجموع: أي مجموع كشف العورة والتحدث، فبعض موجبات المقت مكروه.
إمداد.
تنبيه عبارة الغزنوية: ولا يتكلم فيه: أي في الخلاء.
وفي الضياء عن بستان أبي الليث: يكره الكلام في الخلاء، وظاهره أنه لا يختص بحال قضاء الحاجة: وذكر بعض الشافعية أنه المعتمد عندهم، وزاد في الامداد: ولا يتنحنح: أي إلا بعذر، كما إذا خاف دخول أحد عليه ا ه.
ومثله بالاولى ما لو خشي وقوع محذور بغيره؟.
ولو توضأ في الخلاء لعذر هل يأتي بالبسملة ونحوها من أدعيته مراعاة لسنة الوضوء أو يتركها مراعاة للمحل؟ والذي يظهر الثاني لتصريحهم بتقديم النهي عن الامر.
تأمل.
قوله: (وأن يبول قائما) لما ورد من النهي عنه، ولقول عائشة رضي الله عنها: من حدثكم أن النبي (ص) كان يبول قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدا رواه أحمد والترمذي والنسائي وإسناده جيد.
قال النووي في شرح مسلم: وقد روي في النهي أحاديث لا تثبت، ولكن حديث عائشة ثابت فلذا قال العلماء: يكره إلا لعذر، وهي كراهة تنزيه لا تحريم.
وأما بوله (ص)(1/371)
في البساطة التي بقرب الدور فقد ذكر عياض أنه لعله طال عليه مجلس حتى حفزه البول فلم يمكنه التباعد ا ه.
أو لما روي: أنه (ص) بال قائما لجرح بمأبضه بهمزة ساكنة بعد الميم وباء موحدة: وهو باطن الركبة، أو لوجع كان بصلبه والعرب كانت تستشفي به، أو لكونه لم يجد مكانا للقعود، أو فعله بيانا للجواز، وتمامه في الضياء.
قوله: (أو مضطجعا أو مجردا) لانهما من عمل اليهود والنصارى.
غزنوية.
قوله: (بلا عذر) يرجع إلى جميع ما قبله ط.
قوله: (ويتوضأ هو) قدر هو ليوافق الحديث ويثبت حكم غيره بطريق الدلالة، أفاده ح.
قوله: (لحديث الخ) لفظه كما في البرهان عن أبي داود لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل أو يتوضأ فيه، فإن عامة الوسواس منه والمعنى: موضعه الذي يغتسل فيه بالحميم، وهو في الاصل الماء الحار، ثم قيل للاغتسال بأي مكان استحمام، وإنما نهى عن ذلك إذا لم يكن له مسلك يذهب فيه البول أو كان المكان صلبا فيوهم المغتسل أنه أصابه منه شئ فيحصل به (الوسواس) كما في نهاية ابن الاثير الهمدني.
مطلب في الفرق بين الاستبراء والاستنقاء والاستنجاء قوله: (يجب الاستبراء الخ) هو طلب البراءة من الخارج بشئ مما ذكره الشارح حتى يستيقن بزوال الاثر.
وأما الاستنقاء فهو طلب النقاوة، وهو أن يدلك المقعدة بالاحجار أو بالاصابع حالة الاستنجاء بالماء.
وأما الاستنجاء فهو استعمال الاحجار أو الماء، هذا هو الاصح في تفسير هذه الثلاثة كما في الغزنوية.
وفيها أن المرأة كالرجل، إلا في الاستبراء فإنه لا استبراء عليها، بل كما فرغت تصبر ساعة لطيفة ثم تستنجي، ومثله في الامداد.
وعبر بالوجوب تبعا للدرر وغيرها، وبعضهم عبر بأنه فرض وبعضهم بلفظ ينبغي، وعليه فهو مندوب كما صحر به بعض الشافعية، ومحله إذا أمن خروج شئ بعده فيندب ذلك مبالغة في الاستبراء، أو المراد الاستبراء بخصوص هذه الاشياء من نحو المشي والتنحنح، أما نفس الاستبراء حتى يطمئن قلبه بزوال الرشح فهو فرض وهو المراد بالوجوب، ولذا قال الشرنبلالي: يلزم الرجل الاستبراء حتى يزول أثر البول ويطمئن قلبه.
وقال: عبرت باللزوم لكونه أقوى من الواجب، لانه هذا يفوت الجواز لفوته فلا يصح له الشروع في
الوضوء حتى يطمئن بزوال الرشح ا ه.
قوله: (أو تنحنح) لان العروق ممتدة من الحلق إلى الذكر.
وبالتنحنح تتحرك وتقذف ما في مجرى البول ا ه.
ضياء.
قوله: (ويختلف الخ) هذا هو الصحيح، فمن وقع في قلبه أنه صار جاز له أن يستنجي، لان كل أحد أعلم بحاله.
ضياء.
قلت: ومن كان بطئ الاستبراء فليفتل نحو ورقة مثل الشعيرة ويحتشي بها في الاحليل فإنها تتشرب ما بقي من أثر الرطوبة التي يخاف خروجها، وينبغي أن يغيبها في المحل لئلا تذهب الرطوبة إلى طرفها الخارج، وللخروج من خلاف الشافعي، وقد جرب ذلك فوجد أنفع من ربط المحل، لكن الربط أولى إذا كان صائما لئلا يفسد صومه على قول الامام الشافعي.
قوله: (ومع طهارة المغسول تطهر اليد) هو مختار الفقيه أبي جعفر، وقيل: يجب غسلها لانها تتنجس بالاستنجاء، وقيل يسن، وهذا هو الصحيح كما مر في سنن الوضوء.
نوح.
ونقل في القنية أنه لو استنجى بالماء وبيده خيط مشدود(1/372)
لا يطهر بطهارة اليد ما لم يمر اليد بالخيط إمرارا بلغيا.
قوله: (ويشترط الخ) قال في السراج: وهل يشترط فيه ذهاب الرائحة؟ قال بعضهم: نعم، فعلى هذا لا يقدر بالمرات، بل يستعمل الما حتى تذهب العين والرائحة.
وقال بعضهم: لا يشترط بل يستعمل حتى يغلب على ظنه أنه قد طهر وقدروه بالثلاث ا ه.
والظاهر أن الفرق بين القولين أنه على الاول يلزمه شم يده حتى يعلم زوال الرائحة، وعلى الثاني لا يلزمه بل يكفي غلبة الظن.
تأمل.
قوله: (بأن أرخى الخ) لعل وجهه أن يخرج بإرخائه نفسه الشرج الداخل وهولا يخلو عن رطوبة النجاسة، ثم رأيته منقولا عن خط البزازي في هامش نسختي البزازية مع التصريح بأن المراد بوجه السنة ما ذكره الشارح من الارخاء، وبه اندفع ما فهمه في الحلية من بناء القول بالنقض، على أن المراد بوجه السنة هو إدخال الاصبع في الدبر، فرد ذلك بأنه قد نص غير واحد من أعيان المشايخ الكبار على أنه لا يدخل الاصبع في الاستنجاء.
تتمة: إذا أراد أن يدخل الخلاء ينبغي أن يقوم قبل أن يغلبه الخارج ولا يصحبه شئ عليه اسم معظم ولا حاسر الرأس ولا مع القلنسوة بلا شئ عليها، فإذا وصل إلى الباب يبدأ بالتسمية قيل الدعاء هو الصحيح فيقول: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، ثم يدخل باليسرى
ولا يكشف قبل أن يدنو إلى القعود، ثم يوسع بين رجليه ويميل على رجله اليسرى، ولا يفكر في أمر الآخرة كالفقه والعلم، فقد قيل: إنه يمنع منه شئ أعظم منه، ولا يرد سلاما، ولا يجيب مؤذنا، فإن عطس حمد الله تعالى بقلبه، ولا ينظر إلى عورت ولا إلى ما يخرج منه، ولا يبزق في البول، ولا يطيل القعود فإنه يولد الباسور، ولا يمتخط، ولا يتنحنح، ولا يكثر الالتفات، ولا يعبث ببدنه، ولا يرفع بصره إلى السماء وينكس رأسه حياء مما ابتلى به، ويدفن الخارج، ويجتهد في الاستفراغ منه، فإذا فرغ يعصر ذكره من أسفله إلى الحشفة، ثم يمسح بثلاثة أحجار ثم يستر عورته قبل أن يستوي قائما، ثم يخرج برجله اليمنى ويقول: غفرانك، الحمد الله الذي أذهب عني ما يؤذيني، وأمسك علي ما ينفعني، ثم يستبرئ، فإذا استيقن بانقطاع أثر البول يقعد للاستنجاء بالماء موضعا آخر، ويبدأ بغسل يديه ثلاثا ويقول قبل كشف العورة: بسم الله العظيم وبحمده، والحمد الله على دين الاسلام.
اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ثم يفيض الماء باليمنى على فرجه، ويعلي الاناء، ويغسل فرجه باليسرى، ويبدأ بالقبل ثم الدبر، ويرخي مقعدته ثلاثا، ويدلك كل مرة ويبالغ فيه ما لم يكن صائما فينشف بخرقة قبل أن يجمعه كي لا يصل الماء إلى جوفه فيفطر، ثم يدلك يده على حائط أو أرض طاهرة ثم يغسلها ثلاثا، ثم يقوم وينشف فرجه بخرقة نظيفة، فإن لم تكن معه يمسح بيديه مرارا حتى لا تبقى إلا بلة يسيرة، ويلبس سراويله ويرش فيه الماء أو يحشو بقطنه إن كان يريبه الشيطان، ويقول، الحمد الله الذي جعل الماء طهورا والاسلام نورا، وقائدا ودليلا إلى الله وإلى جنات النعيم.
اللهم حصن فرجي، وطهر قلبي، ومحصن ذنوبي ا ه.
ملخصا من الغزنوية والضياء.
قوله: (نام) أي فعرق، وقوله: أو مشى أي وقدمه مبتلة.
قوله: (على نجاسة) أي يابسة لما في متن الملتقى لو وضع ثوبا رطبا على ما طين بطين نجس جاف لا ينجس، قال الشارح: لان بالجفاف تنجذب رطوبة الثوب من غير عكس، بخلاف ما إذا كان الطين رطبا ا ه.
قوله: (إن ظهر عينها) المراد بالعين ما يشمل الاثر لانه دليل على وجودها، ولو عبر به كما في نور(1/373)
الايضاح لكان أولى.
قوله: (تنجس) أي فيعتبر فيه القدر المانع كما مر في محله.
قوله: (ولو وقعت)
أي النجاسة في نهر: أي ماء جار، بأن بال فيه حمار فأصاب الرشاش ثوب إنسان اعتبر الاثر، بخلاف ما إذا بال في ماء راكد فإنه إذا أصابه من الرشاش أكثر من الدرهم منع كما في الخانية، لكن ذكر فيها أنه لو ألقيت عذرة في الماء فأصابه منه اعتبر الاثر، فأطلق ولم يفصل بين الجاري وغيره، ولعل إطلاقه محمول على ما ذكره في التفصيل، ويؤيده أنه المتبادر من كلام صاحب الهداية في مختارات النوازل اللهم إلا أن يفرق بين البول والعذرة بأنه إذا أصاب البول الماء الراكد يترجح الظن بأن الرشاش من البول لصدمه الماء، بخلاف ما إذا كان جاريا فإن كلا منهما يصدم الآخر، فيحتمل أنه من الماء فلذا اعتبر الاثر.
وأما في العذرة فالرشاش المتطاير إنما هو من الماء قطعا، سواء كان راكدا أو جاريا، ولكنه يحتمل أن يكون من الماء الذي أصاب العذرة أو من غيره تطاير بقوة وقعها فيعتبر فيه الاثر، لان الاصل الطهارة، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم.
هذا، وقد ذكر في المنية وغيرها عن ابن الفضل التنجيس في الجاري وغيره، وأن اختيار أبي الليث عدمه.
قال في شرح المنية: أي في الجاري وغيره، وهو الاصح لان اليقين لا يزول بالشك، ولان الغالب أن الرشاش المتصاعد إنما هو من أجزاء الماء لا من أجزاء الشئ الصادم، فيحكم بالغالب ما لم يظهر خلافه ا ه.
فتأمل.
فإن كون ذلك هو الغالب محل نظر.
بقي شئ، وهو أنه هل المراد بالراكد القليل أو الكثير؟ لم أره صريحا.
وقال ح: الظاهر الاول، وإلا لما كان معنى لتفصيل قاضيخان.
ويفهم من تعليل شرح المنية للاصح أن الماء القليل لا يتنجس في آن وقوع النجاسة، حتى لو أخذ ماء من الجانب الآخر عقب الوقوع بلا فاصل يكون طاهرا، لانهم لم يحكموا بسريان النجاسة إلى الرشاش لعدم زمان تسري فيه مع قربه من النجاسة، فعدم نجاسة الطرف المقابل لطرف وقوع النجاسة في آن الوقوع أولى.
تأمل تظفر ا ه.
قلت: وعلى ما ذكرناه من الفرق يظهر لتفصيل الخانية معنى، فلا يدل على أن المراد بالراكد القليل، فتأمل.
قوله: (لف طاهر الخ) اعلم أنه إذا لف طاهر جاف في نجس مبتل واكتسب الطاهر منه اختلف فيه المشايخ، فقيل يتنجس الطاهر.
واختار الحلواني أنه لا يتنجس إن كان الطاهر بحيث لا يسيل منه شئ ولا يتقاطر لو عصر، وهو الاصح كما في الخلاصة وغيرها، وهو المذكور في عامة
كتب المذهب متونا وشروحا، وفتاوي في بعضها بلا ذكر خلاف، وفي بعضها بلفظ الاصح، وقيد في شرح المنية بما إذا كان النجس مبلولا بالماء لا بنحو البول، وبما إذا لم يظهر في الثوب الطاهر أثر النجاسة، وقيده الفتح أيضا بما إذا لم ينبع من الطاهر شئ عند عصره ليكون ما اكتسبه مجرد ندوة، لانه قد يحصل بلي الثوب وعصره نبع رؤوس صغار ليس لها قوة السيلان ثم ترجع إذا حل الثوب، ويبعد في مثله الحكم بالطهارة مع وجود المخالطة حقيقة.
قال في البرهان بعد نقله ما في الفتح: ولا يخفى منه إنه لا يتيقن بأنه مجرد ندوة إلا إذا كان النجس الرطب هو الذي لا يتقاطر بعصره، إذ يمكن أن يصيب الثوب الجاف قدر كثير من النجاسة ولا ينبع منه شئ بعصره كما هو مشاهد عنده البداية بغسله.(1/374)
فيتعين أن يفتى بخلاف ما صححه الحلواني ا ه.
وأقره الشرنبلالي.
ووجه ظاهر.
والحاصل أنه على ما صححه الحلواني: العبرة للطاهرة المكتسب إن كان بحيث لو انعصر قطر تنجس وإلا لا، سواء كان النجس المبتل يقطر بالعصر أو لا، وعلى ما في البرهان: العبرة للنجس المبتل إن كان بحيث لو عصر قطر تنجس الطاهر سواء كان الطاهر بهذه الحالة أو لا، وإن كان بحيث لم يقطر لم يتنجس الطاهر، وهذا هو المفهوم من كلام الزيلعي في مسائل شتى آخر الكتاب، مع أن المتبادر من عبارة المصنف هناك كالكنز وغيره خلافه، بل كلام الخلاصة والخانية والبزازية وغيرها صريح بخلافه، وسيأتي تمام الكلام هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (إن بحيث لو عصر الخ) المتبادر منه عود الضمائر الثلاث إلى الطاهر، فيوافق ما صححه الحلواني، ويحتمل عود الضمير في عصر وقطر إلى النجس، والضمير في تنجس إلى الطاهر، فيوافق ما في البرهان والشرح نبلالية والزيلعي، فافهم.
قوله: (ولو لف الخ) محترز قوله: مبتل بماء وهذا مأخوذ من شرح المنية، وقال: لان النداوة حينئذ عين النجاسة وإن لم يقطر بالعصر.
أقول: أنت خبير بأن الماء المجاور للنجاسة حكمه حكمها من تغليظ أو تخفيف، فلا يظهر الفرق بين المبتل ببول أو بماء أصابه بول.
تأمل.
قوله: (إن متفسخه تنجس) لانه بنفصل منها أجزاء بسبب الانتفاخ، وانقلاب الخمر خلا لا يوجب انقلاب الاجزاء النجسة طاهرة ا ه ح.
قال في
الخانية: وكذا الكلب: إذا وقع في عصير ثم تخمر ثم تخلل لا يحل أكله، لان لعاب الكلب أقام فيه وأنه لا يصير خلا.
قوله: (وإلا لا) أي لا يتنجس الخل لعدم بقاء شئ بعد التخلل، والفأرة وإن كانت نجسة قبل التخلل مثل الخمر، لكن النجس لا يؤثر في مثله، فإذا ألقيت ثم تخلل الخمر طهر بانقلاب العين، بخلاف ما إذا وقعت في بئر فإنها تنجسه لملاقاتها الماء الطاهر فتؤثر فيه ويجب النزح وإن لم تتفسخ.
ولا يرد ما إذا تفسخت في الخمر، لما علمت من أن ذلك الاثر بعد التخلل لا ينقلب خلا فيؤثر في طهارة الخل، فافهم.
قوله: (وقع خمر في خل الخ) وجهه كما في الخانية أنه في الكوز لما زالت الرائحة عرف التغير وعرف أنه صار خلا.
وأما في القطرة فإنها لا رائحة لها فلا يعرف التغير.
ويحتمل أنها باقية في الحال فلا يحكم بحله.
قال القاضي: الامام يحكم ظنه إن كان غالب ظنه أنه صار خلا طهر وإلا فلا ا ه.
قوله: (فأرة وجدت الخ) صورته: ملا جرة من بئر ثم ملا قمقمة من تلك الجرة ثم وجدت في القمقمة فأرة، وفي نهاية الحديث: القمقمة ما يسخن فيه الماء من نجاس وغيره ويكون ضيق الرأس ا ه.
قوله: (يحمل على القمقمة) هذا من باب الحوادث تضاف(1/375)
إلى أقرب الاوقات ا ه.
ح.
وفي الفتح: أخذ من حب ثم من حب آخر ماء وجعل في إناء ثم وجد في الاناء فأرة، فإن غاب ساعة فالنجاسة للاناء، وإلا فإن تحرى ووقع تحريه على أحد الحبين عمل به، وإن لم يقع على شئ فللحب الاخير، وهذا إذا كانا لواحد، فلو لاثنين كل منهما يقول ما كانت في حبي فكلاهما طاهر.
قوله: (فإن خرج منها الدهن) أي من جوفها، أو المراد مما يلاقي جلدها.
قوله: (فقربته) أي هي النجسة، وكذا يقدر فيما بعده.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يخرج منها الدهن، فإن بقي ما عليها بحال الجمد بفتح الجيم والميم: أي جامدا فهو دليل أنه عسل، لان العسل إذا أصابته الشمس تلاحمت أجزاؤه وتماسك بعضها ببعض، بخلاف الدبس فإنه ينقشع بعضه عن بعض بحرارة الشمس، أفاده ح.
بقي ما إذا لم يظهر الحال بذلك، وينبغي أن يفصل فيه كما قدمناه آنفا عن الفتح.
قوله: (يعمل بخبر الحرمة الخ) أي إذا أخبره عدل بأن هذا اللحم ذبيحة مجوسي أو ميتة وعدل آخر أنه ذبيحة مسلم لا يحل، لانه لما تهاتر الخبران بقي على الحرمة الاصلية
لا يحل إلا بالذكاة، ولو أخبرا عن ماء وتهاترا بقي على الطهارة الاصلية ا ه.
إمداد.
وظاهره أنه بعد التهاتر في الصورتين لا يعتبر التحري وسنذكرها ما يخالفه في الحظر والاباحة قبل فصل اللبس عن شراح الهداية وغيرهم، فراجعه هناك.
قوله: (أقلها طاهر) كما لو اختلط ثوب طاهر مع ثوبين نجسين، وكذا بالعكس بالاولى.
قوله: (لا أقلها) مثله التساوي فإنه لا يتحرى فيه أيضا كما سيذكره الشارح في الحظر والاباحة، وذكر هناك أن اختلاط الذبيحة الذكية والميتة كحكم الاواني.
ثم الفرق بين الثياب والاواني كما في الامداد أن الثوب لا خلف له في سترة العورة، بخلاف الماء في الوضوء والغسل فإنه يخلفه التيمم.
وأما في حق الشرب فيتحرى مطلقا لانه لا خلف له، ولهذا قال: إلا لضرورة شرب.
ثم اعلم أن ما ذكره الشارح هنا في مسألتي الثياب والاواني موافق لما في نور الايضاح ومواهب الرحمن، ويخالفه ما في الذخيرة وغيرها مما حاصله أنه إن غلب الطاهر في الاواني أو الثياب أو الذبائح تحرى في حالتي الاختيار والاضطرار اعتبارا للغالب، وإلا ففي الاختيار لا يتحرى في الكل، وفي الاضطرار يتحرى في الكل إلا في الاواني لغير الوضوء والغسل، وسيأتي بسطه في الحظر والاباحة إن شاء الله تعالى، وهذا بخلاف ما إذا طلق من نسائه امرأة أو أعتق من إمائه أمة فإنه لا يجوز له أن يتحرى لوطئ ولا بيع وإن كان الغلبة للحلال، وتمامه في الولوالجية وغيرها من كتاب التحري فراجعه.
قوله: (يحرم أكل لحم أنتن) عزاه في التاترخانية إلى مشكل الآثار للطحاوي.
قال ح: أي لانه يضر لا لانه نجس.
وأما نحو اللبن المنتن فلا يضر.
ذكره الشرنبلالي في شرح كراهية الوهبانية ا ه.
قلت: ونقل في التاترخانية عن صلاة الجلابي أنه إذا اشتد تغيره تنجس، ثم نقل التوفيق بحمل الاول على ما إذا لم يشتد، ومثله في القنية، لكن في الحموي عن النهاية أن الاستحالة إلى فساد لا(1/376)
توجب النجاسة لا محالة ا ه.
وفي التاترخانية: دود لحم وقع في مرقة لا ينجس ولا تؤكل المرقة إن تفسخ الدود فيها ا ه.
أي لانه ميتة وإن كان طاهرا.
قلت: وبه يعلم حكم الدود في الفواكه والثمار.
قوله: (شعير الخ) في التاترخانية: إذا وجد الشعير في بعر الابل والغنم يغسل ويجفف ثلاثا ويؤكل،
وفي أخثاء البقر لا يؤكل.
قال في الفتح لانه لا صلابة فيه.
ثم نقل في التاترخانية عن الكبرى أن الصحيح التفصيل بالانتفاخ وعدمه، ويستوي فيه البعر والخثي ا ه: أي إن انتفخ لا يؤكل فيهما وإلا أكل فيهما، وبحث نحوه في شرح المنية، وبما ذكرنا علم أن قوله: صلب مرفوع صفة ثانية لشعير، فافهم.
قوله: (مرارة كل حيوان كبوله) أي فإن كان بوله نجسا مغلظا أو مخففا فهي كذلك خلافا ووفاقا ومن فروعه ما ذكروا: لو أدخل في أصبعه مرارة مأكول اللحم يكره عنده لانه لا يبيح التداوي ببوله، لا عند أبي يوسف لانه يبيحه.
وفي الذخيرة والخانية أن الفقيه أبا الليث أخذ بالثاني للحاجة.
وفي الخلاصة وعليه الفتوى.
قلت: وقياس قول محمد لا يكره مطلقا لطهارة بوله عنده ا ه.
حلية.
قوله: (وجرته كزبله) أي كسر قينة، وهي بكسر الجيم.
وقد تفتح: ما يجره: أي يخرجه البعير من جوفه إلى فمه فيأكله ثانيا كما في المغرب والقاموس، وعلله في التجنيس بأنه واراه جوفه، ألا ترى إلى ما يواري جوف الانسان بأن كان ماء ثم قاءه فحكمه حكم بوله ا ه.
وهو يقتضي أنه كذلك وإن قاء من ساعته، لكن قال بعده في الصبي ارتضع ثم قاء فأصاب ثياب الام: إن زاد على الدرهم منع.
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يمنع ما لم يفحش لانه لم يتغير من كل وجه، فكأنه نجاسته دون نجاسة البول لانها متغيرة من كل وجه وهو الصحيح ا ه.
كذا في فتح القدير.
وظاهره الميل إلى إعطاء الجرة حكم هذا القئ أخذا من التعليل.
قوله: (حكم العصير حكم الماء) أي في أنه تزال به النجاسة الحقيقية، وأنه إذا كان عشرا في عشر لا ينجس بوقوع النجاسة فيه كما في الماء ا ه ح.
وفي أنه لو عصر العنب وهو يسيل فأدمى رجله ولم يظهر أثر الدم لا ينجس عند أبي حنيفة وأبي يوسف كما في المنية عن المحيط قوله: (رطوبة الفرج طاهرة) ولذا نقل في التاترخانية أن رطوبة الولد عند الولادة طاهرة، وكذا السخلة إذا خرجت من أمها، وكذا البيضة فلا يتنجس بها الثوب ولا الماء إذا وقعت فيه، لكن يكره التوضؤ به للاختلاف، وكذا الانفحة، هو المختار.
وعندهما يتنجس، وهو الاحتياط ا ه.
قلت: وهذا إذا لم يكن معه دم ولم يخالط رطوبة الفرج مذي أو مني من الرجل أو المرأة.
قوله: (العبرة للطاهر الخ) هذا ما عليه الاكثر، فتح، وهو قول محمد، والفتوى عليه، بزازية، وقيل العبرة للماء إن كان نجسا، فالطين نجس وإلا فطاهر، وقيل العبرة للتراب، وقيل للغالب، وقيل أيهما كان نجسا
فالطين نجس، واختاره أبو الليث وصححه في الخانية وغيرها، وقواه في شرح المنية وحكم بفساد بقية الاقوال.
تأمل.
وصححه في المحيط أيضا، وعلله بأن النجاسة لا تزول عن أحدهما بالاختلاط، بخلاف السرقين إذا جعل في الطين للتطيين لا ينجس، لان فيه ضرورة إلى إسقاط نجاسته لانه لا يتهيأ إلا به.
حلية.
قوله: (مشى في حمام ونحوه) أي كما لو مشى على ألواح مشرعة بعد مشي من برجله قذر لا يحكم بنجاسة رجله ما لم يعلم أنه وضع رجله على موضعه للضرورة.
فتح.
وفيه عن التنجيس: - مشى في طين أو أصابة ولم يغسله وصلى تجزيه ما لم يكن فيه أثر النجاسة لانه المانع إلا أن يحتاط، أما(1/377)
في الحكم فلا يجب.
قوله: (لانه يصير الماء راكدا) أي لانه يأخذه له من الانبوبة يمنع نزوله إلى الحوض فيصير راكدا، وربما كان على يده نجاسة أو على يد غيره فأدخلها في الحوض في هذه الحالة فيتنجس، فينبغي إذا أراد الاخذ أن يأخذ من الحوض، لان الماء إذا كان نازلا والغرف متدارك فهو في حكم الجاري.
قوله: (التكبير إلى الحمام) أي الدخول إليه أول الغداة بلا ضرورة.
قوله: (لان فيه إظهار مقلوب الكناية) أراد به النيك: أي الجماع، ولم يقل مقلوب الكين مع أنه قلب حقيقي لزيادة التباعد عن التصريح به، لانه مما يطلب كتمانه، ولذا كان من أسمائه السر كما في القاموس.
وعبارة الفيض: إذ فيه إبداء ما يجب إخفاؤه.
والظاهر أنه يحب بالحاء، ولذا قال العلامة الرملي: وأما ما نهى عنه (ص) فهو السباع: أي على وزن كتاب، وهو المفاخرة بالجماع وإفشاء الرجل ما يجري بينه وبين زوجته فذاك ليس من هذا القبيل، بل النهي يقتضي التحريم ا ه.
قوله: (ثياب الفسقة الخ) قال في الفتح: وقال بعض المشايخ: تكره الصلاة في ثياب الفسقة لانهم لا يتقون الخمور.
قال المصنف: يعني صاحب الهداية: الاصح أنه لا يكره، لانه لم يكره من ثياب أهل الذمة إلا السراويل مع استحلالهم الخمر، فهذا أولى ا ه.
قوله: (لجعلهم فيه البول) إن كان كذلك لا شك أنه نجس.
تاترخانية.
قوله: (إن غلب على ظنه) عبارة الخانية: إن كان في قلبه.
مطلب في الامر بالمعروف قوله: (فالامر بالمعروف على هذا) كذا في الخانية، وفي فصول العلامي: وإن علم أنه لا يتعظ ولا ينزجر بالقول ولا بالفعل ولو بإعلام سلطان أو زوجه أو والد له قدرة على المنع: لا يلزمه ولا يأثم
بتركه، لكن الامر والنهي أفضل، وإن غلب على ظنه أنه يضر به أو يقتله لانه يكون شهيدا، قال تعالى: * (أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك) * اي من ذل أو هو ان إذا امرت (ان ذلك من عزم الامور) (لقمان: 71) من حق الامور ويقال: من واجب الامور ا ه.
وتمامه فيه.
مطلب في أول ما يحاسب به العبد قوله: (لما ورد الخ) أي في قوله (ص): اتقوا البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر رواه الطبراني بإسناد حسن وفي قوله (ص): أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته قال العراقي في شرح الترمذي: ولا يعارضه حديث الصحيح: إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء لحمل الاول على حق الله تعالى على العبد، والثاني على حقوق الآدميين فيما بينهم.
فإن قيل: أيهما يقدم؟ فالجواب أن هذا أمر توفيقي، وظواهر الاحاديث دالة على أن الذي يقع أولا المحاسبة على حقوق الله تعالى قبل حقوق العباد، كذا في شرح العلقمي على الجامع الصغير، ولا يخفى ما في ذكر الشارح لهذه الجملة قبيل كتاب الصلاة من رعاية التناسب وحسن الختام.(1/378)
كتاب الصلاة قوله: (شروع الخ) بيان لوجه تأخيرها عن الطهارة، وتقدم في الطهارة وجه تقديمها على غيرها.
قوله: (ولم تخل عنها شريعة مرسل) أي عن أصل الصلاة.
قيل الصبح صلاة آدم، والظهر لداود، والعصر لسليمان، والمغرب ليعقوب، والعشاء ليونس عليهم السلام، وجمعت في هذه الامة، وقيل غير ذلك.
قوله: (بواسطة الكعبة) أي بواسطة استقبالها، وانظر لماذا خصص هذا الشرط مع أنها لم تصر قربة إلا باجتماع سائر شرائطها ط.
وقد يقال: المراد أنها صارت قربة بواسطة تعظيم الكعبة، فإنه سبحانه أمر باستقبالها تعظيما لها، وفي ذلك تعظيم له سبحانه بواسطة تعظيمها، أفاده شيخنا حفظه الله تعالى.
قوله: (دون الايمان) لانه قربة بلا واسطة.
قوله: (لا منه بل من فروعه) أي باعتبار الفعل، وأما بالنظر لحكمها وهو الافتراض فهي منه، لان من متعلق التصديق بما جاء به رسول الله (ص) ط، وأشار الشارح إلى خلاف
من يقول: إن الاعمال من الايمان كالبخاري وغيره.
قوله: (وهي لغة الدعاء) أي حقيقتها ذلك، وهو ما عليه الجمهور وجزم به الجوهري وغيره لانه الشائع في كلامهم قبل ورود الشرع بالاركان المخصوصة، وقيل إنها حقيقة في تحرك الصلوين بالسكون: العظمان الناتئان في أعالي الفخذين اللذان عليهما الاليتان، مجاز لغوي في الاركان المخصوصة، لان المصلي يحركهما في ركوعه وسجوده، استعارة تصريحية في المرتبة الثانية في الدعاء تشبيها للداعي في تخشعه بالراكع والساجد، وتمامه في النهر.
قوله: (فنقلت الخ) اختلف الاصوليون في الالفاظ الدالة على معان شرعية كالصلاة والصوم، أهي منقولة عن معانيها اللغوية إلى حقائق شرعية؟ أي بأن لم يبق المعنى الاصلي مرعيا، أم مغيرة؟ أي بأن يبقى ويزاد عليه قيود شرعية.
قيل بالاول، واستظهره في الغاية معللا بأنها توجد بدون الدعاء في الامي.
وقيل بالثاني، وأنه إنما زيد على الدعاء باقي الاركان المخصوصة، وأطلق الجزء على الكل كما في النهر.
قوله: (وهو الظاهر) الضمير للنقل المفهوم من نقلت، وقوله لوجودها علة الظهور ا ه.
ح، وعلله في البحر بأن الدعاء ليس من حقيقتها شرعا: أي بناء على أنه خلاف القراءة.
قال في النهر: وهو ممنوع.
قلت: فيه نظر، لان الذي من حقيقتها قراءة آية وإن لم تكن دعاء.
تأمل.
قوله: (هي) أي الصلاة الكاملة، وهي الخمس المكتوبة.
قوله: (على كل مكلف) أي بعينه، ولذا سمي فرض عين، بخلاف فرض الكفاية فإنه يجب على جملة المكلفين كفاية، بمعنى أنه لو قام به بعضهم كفى عن الباقين، وإلا أثموا كلهم، ثم المكلف هو المسلم البالغ العاقل ولو أنثى أو عبدا.
قوله: (بالاجماع) أي وبالكتاب والسنة.
قوله: (فرضت في الاسراء (الخ) نقله أيضا الشيخ إسماعيل في الاحكام شرح درر الحكام، ثم قال: وحاصل ما ذكره الشيخ محمد البكري نفعنا(1/379)
الله تعالى ببركاته في الروضة أنهم اختلفوا في أي سنة كان الاسراء بعد اتفاقهم على أنه كان بعد البعثة؟ فجزم جمع بأنه كان قبل الهجرة بسنة، ونقل ابن حزم الاجماع عليه، وقيل بخمس سنين.
ثم اختلفوا في أي الشهور كان؟ فجزم ابن الاثير والنووي في فتاويه بأنه كان في ربيع الاول، قال النووي: ليلة سبع وعشرين، وقيل في ربيع الآخر، وقيل في رجب، وجزم به النووي في الروضة
تبعا للرافعي، وقيل في شوال.
وجزم الحافظ عبد الغني القدسي في سيرته بأنه ليلة السابع والعشرين من رجب، وعليه عمل أهل الامصار ا ه.
قوله: (وإن وجب الخ) هذا مبالغة على مفهوم قوله كل مكلف كأنه قال: ولا يفترض على غير المكلف وإن وجب: أي على الولي ضرب ابن عشر، وذلك ليتخلق بفعلها ويعتاده، لا افتراضها أفاده ح.
وظاهر الحديث أن الامر لابن سبع واجب كالضرب.
والظاهر أيضا أن الوجوب بالمعنى المصطلح عليه لا بمعنى الافتراض لان الحديث ظني، فافهم.
قوله: (بيد) أي ولا يجاوز الثلاث، وكذلك المعلم ليس له أن يجاوزها.
قال عليه الصلاة والسلام لمرداس المعلم.
إياك أن تضرب فوق الثلاث، فإنك إذا ضربت فوق الثلاث اقتص الله منك ا ه.
إسماعيل عن أحكام الصغار للاستروشني، وظاهره أنه لا يضرب بالعصا في غير الصلاة أيضا.
قوله: (لا بخشبة) أي عصا، ومقتضى قوله بيد أن يراد بالخشبة ما هو الاعم منها ومن السوط أفاده ط.
قوله: (لحديث الخ) استدلال على الضرب المطلق، وأما كونه لا بخشبة فلان الضرب بها ورد في جناية المكلف ا ه ح.
وتمام الحديث وفرقوا بينهم في المضاجع رواه أبو داود والترمذي، ولفظه علموا الصبي الصلاة ابن سبع، واضربوه عليها ابن عشر وقال: حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة والحاكم والبيهقي ا ه.
إسماعيل.
والظاهر أن الوجوب بعد استكمال السبع والعشر بأن يكون في أول الثامنة والحادية عشرة كما قالوا في مدة الحضانة.
قوله: (قلت الخ) مراده من هذين النقلين بيان أن الصبي ينبغي أن يؤمر بجميع المأمورات، وينهى عن جميع المنهيات ا ه ح.
أقول: وقد صرح في أحكام الصغار بأنه يؤمر بالغسل إذا جامع وبإعادة ما صلاه بلا وضوء، لا لو أفسد الصوم لمشقته عليه.
قوله: (مجانة) بالتخفيف، قال في المغرب: الماجن.
الذي لا يبالي ما صنع وما قيل له، ومصدره المجون والمجانة اسم منه والفعل من باب طلب ا ه.
قوله: (أي تكاسلا) تفسير مراد ا ه.
ح.
قوله: (فحق الحق أحق) لا يقال: إن حقه تعالى مبني على المسامحة، لانه لا تسامح في شئ من أركان الاسلام ا ه، إسماعيل.
قوله: (وقيل يضرب) قائله الامام المحبوبي ح، عن المنح.
وظاهر الحلية أنه المذهب فإنه قال: وقال أصحابنا في جماعة منهم الزاهدي لا يقتل بل يعذر ويحبس حتى يموت أو يتوب قوله: (وعند الشافعي يقتل) وكذا عند(1/380)
مالك وأحمد، وفي رواية عن أحمد، وهي المختارة عند جمهور أصحابه أنه يقتل كفرا، وبسط ذلك في الحلية.
قوله: (ويحكم بإسلام فاعلها الخ) يعني أن الكافر إذ صلى بجماعة يحكم بإسلامه عندنا خلافا للشافعي لانها مخصوصة بهذه الامة، بخلاف الصلاة منفردا لوجودها في سائر الامم، قال عليه الصلاة والسلام من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا فهو منا قالوا: المراد صلاتنا بالجماعة على الهيئة المخصوصة ا ه.
درر.
وهو طرف من حديث طويل أخرجه البخاري وغيره إلا أنه قال: فهو المسلم إسماعيل.
قوله: (بشروط أربعة) قيد الاما الطرسوسي في أنفع الوسائل كون الصلاة في مسجد، وعليه فالشروط خمسة، لكن قال في شرح درر البحار: في مسجد أو غيره.
قوله: (في الوقت) لانها صلاة المؤمنين الكاملة، وظاهره أنه لو أدرك منها ركعة لا يكفي لعدم كونها في الوقت، وإن كانت أداء فهي غير كاملة، فليس المراد من قوله في الوقت الاداء بل الاخص منه، فافهم.
قوله: (مؤتما) تقييد لقوله مع جماعة احتراز عما لو كان إماما، قال ط: لان الائتمام يدل على اتباع سبيل المؤمنين.
بخلاف ما لو كان إماما فإنه يحتمل نية الانفراد، فلا جماعة ا ه.
أقول: الاحتمال المذكور موجود في المؤتم أيضا فالاولى أن يقال: الامام متبوع غير تابع، والمؤتم تابع لامامه ملتزم لاحكامه، وما قيد به الشارح مأخوذ من النظم الآتي تبعا للمجمع ودرر البحار، وصرح بمفهومه في عقد الفرائد فقال: صلى إماما يحكم بإسلامه، نقله الشيخ إسماعيل.
قوله: (متمما) فلو صلى خلف إمام وكبر ثم أفسد لم يكن إسلاما.
شرح الوهبانية عن المنتقى.
مطلب: فيما يصير الكافر به مسلما من الافعال قوله: (وكذا لو أذن في الوقت) لما ذكر مسألة الصلاة، أراد تتميم الافعال التي يصير بها الكافر مسلما فذكر أن منها الاذان في الوقت لانه من خصائص ديننا وشعار شرعنا، ولذا قيده في المنح تبعا للبحر بكون الاذان في المسجد، فليس الحكم عليه بالاسلام لاتيانه بالشهادتين في ضمن الاذان ليكون من الاسلام بالقول، لانه لا فرق حينئذ بين أن يكون في الوقت أو خارجه، بل هو من الاسلام بالفعل، لوذا صرح بان الشحنة بأنه يحكم بإسلامه بالاذان في الوقت، وإن كان عيسويا
يخصص رسالة نبينا (ص) إلى العرب، لانه ما يصير به الكافر مسلما قسمان: قول وفعل، فالقول مثل كلمتي الشهادتين، فصل فيه أئمتنا لكونه محل اشتباه واحتمال بين العيسوي وغيره، فقالوا: لا بد مع الشهادتين، في العيسوي من أن يتبرأ من دينه لانه يعتقد أنه (ص) رسول الله إلى العرب، فيحتمل أنه أراد ذلك بخلاف غيره فلا يحتاج إلى التبري، وأما الفعل فكلامهم يدل على أنه لا فرق فيه بين العيسوي وغيره كما حققه الامام الطرسوسي أيضا خلافا لما فهمه ابن وهبان، ثم قال ابن الشحنة أيضا: وأما الاذان خارج الوقت فلا يكون إسلاما من العيسوي لانه يكون من الاقوال، فلا بد فيه حينئذ من التبري من دينه ا ه.
قلت: وكذا لا يكون إسلاما من غير العيسوي أيضا لما نقله قبله عن الغاية وغيرها، من أن الكافر لو أذن في غير الوقت لا يصير به مسلما لانه يكون مستهزئا، فتحصل من هذا أن الاذان في الوقت من الاسلام بالفعل، فلا فرق فيه بين كافر وكافر، والاذان خارجه من الاسلام بالقول لكنه لما(1/381)
احتمل الاستهزاء لم يصر به الكافر مسلما مع أنه لو كان عيسويا يزيد أنه فقد شرطه وهو التبري، فافهم واغتنم هذا التحرير، بقي هل يشترط في الاذان في الوقت المداومة أم يكفي مرة؟ يأتي الكلام فيه.
قوله: (أو سجد للتلاوة) أي عند سماع آية سجدة، بزازية: أي لانها من خصائصنا، فإنه سبحانه وتعالى أخبر عن الكفار بأنهم إذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون.
قوله: (أو زكى السائمة) قيده الطرسوسي في نظم الفوائد بزكاة الابل.
واعترضه ابن وهبان بأنه لا خصوصية لذلك، وبأنه قال في الخانية: وإن صام الكافر أو حج أو أدى الزكاة لا يحكم بإسلامه في ظاهر الرواية ا ه.
وأقره ابن الشحنة وصاحب النهر، فعلم أن ما ذكره الشارح خلاف ظاهر الرواية أيضا قوله: (لا لو صلى الخ) محترز القيود السابقة في الصلاة على طريق اللف والنشر المرتب.
قوله: (أو منفردا) لانه لا يختص بشريعتنا ابن الشحنة عن المنتقى.
وفي الذخيرة أن هذا قول أبي حنيفة.
ومن مشايخنا من نفى الخلاف بحمل قوله على ما إذا صلى وحده بلا أذان ولا إقامة فلا يحكم بإسلامه اتفاقا، وحمل قولهما على ما إذا صلى وحده وأتى بهما فيحكم بإسلامه اتفاقا لانه مختص بشريعتنا ا ه.
قلت: لكن في هذا التوفيق نظر لما نقله ابن الشحنة عن صاحب الكافي من أنه لا بد من وجود العبادة على أكمل الوجوه ليظهر الاختصاص بهذه الشريعة ا ه.
ومعلوم أن الانفراد نقصان.
قوله: (أو إماما) قدمنا وجهه.
قوله: (أو فعل بقية العبادات) قال في البحر في باب التيمم: الاصل أن الكافر متى فعل عبادة: فإن كانت موجودة في سائر الاديان لا يكون به مسلما كالصلاة منفردا والصوم والحج الذي ليس بكامل والصدقة، ومتى فعل ما اختص بشرعنا، فلو من الوسائل كالتيمم فكذلك، وإن من المقاصد أو من الشعائر كالصلاة بجماعة والحج الكامل والاذان في المسجد وقراءة القرآن يكون به مسلما، إليه أشار في المحيط وغيره ا ه.
أقول: ذكر في الخانية أنه بالحج لا يحكم بإسلامه في ظاهر الرواية كما مر، ثم ذكر أنه روي أنه إن حج على الوجه الذي يفعله المسلمون يكون مسلما، وإن لبى ولم يشهد المناسك أو شهد المناسك ولم يلب لم يكن مسلما ا ه، فعلم أن هذه الرواية غير ظاهر الرواية، وأشار في الوهبانية إلى ضعفها وإليه يشير إطلاق النظم الآتي وكأن وجهه أن الحج موجود في غير شريعتنا حتى أن الجاهلية كانوا يحجون، لكن قد يقال: إن الحج على هذه الكيفية الخاصة لم يوجد في غير شريعتنا، فصار مثل الصلاة إذا وجدت فيها الشروط الاربعة السابقة، لانها من خواص شريعتنا على وجه الكمال، فكذا الحج الكامل، وإلا فما الفرق بينهما، والظاهر أنه لا تنافي بين ظاهر الرواية وبين الرواية الثانية إذا جعلت الثانية مفسرة لبيان المراد من ظاهر الرواية، وهو الحج الغير الكامل، فتأمل.
وفي فتاوى الشيخ قاسم عن خلاصة النوازل لابي الليث قال: وكذا لو رآه يتعلم القرآن أو يقرؤه لم يكن بذلك مسلما ا ه.
قلت: وهذا أظهر مما ذكره في البحر لما قالوا: لا يمنع الكافر من تعلم القرآن لعله يهتدي، فافهم.
قوله: (ونظمها صاحب النهر الخ) أي قبيل باب قضاء الفوائت.
قوله: (صلى باقتداء) أي بجماعة مقتديا.
قوله: (وأذن أيضا) بإسقاط همزة أيضا للضرورة ح، ثم إن الذي رأيته في النهر غير هذا البيت، ونصه:(1/382)
أو بالاذان معلنا فيه أتى أو قد سجد عند سماع ما أتى اه
ومعنى أتى الثاني ورد عن الله تعالى، وهذا البيت أحسن لما فيه من اشتراط كون الاذان في الوقت لان ضمير فيه عائد على الوقت المذكور في البيت الاول، ومن أن المراد سجود التلاوة، ومن إسقاط مسألة الزكاة لما علمت من أنها خلاف ظاهر الرواية، وأن صاحب النهر اعترض على الطرسوسي في ذكرها وقال: لم أرها لغيره، بل المذكور في الخانية أنه لا يحكم بإسلامه بالزكاة في ظاهر الرواية.
قوله: (معلنا) المراد به أن يسمعه من تصح شهادته عليه بالاسلام، لا أن يؤذن على صومعة أو سطح يسمعه خلق كثير، ولذا لو كان في السفر صح كما في سير البزازية حيث قال: وإن شهدوا على الذمي أنه كان يؤذن ويقيم كان مسلما سواء كان في السفر أو الحضر، وإن قالوا: سمعناه يؤذن في المسجد فلا حتى يقولوا هو مؤذن لانه يكون ذلك عادة له فيكون مسلما ا ه.
وعزاه في شرح الوهبانية إلى محمد، ثم ظاهر هذا يفيد أنه لا بان يكون عادة له، لكن قال في أذان البحر: ينبغي أن يكون ذلك في العيسوية، أما غيرهم فينبغي أن يكون مسلما بنفس الاذان ا ه.
قلت: لكن قد علمت أن الاسلام بالافعال لا فرق فيه بين كافر وكافر خلافا لما فهمه ابن وهبان، فإما أن يجعل ذلك تقييدا لكون الاذان في الوقت إسلاما، أو يكون ذلك رواية محمد فقط تأمل وراجع.
قوله: (كأن سجد) بسكون الدال للضرورة أو للوصل بنية الوقف وأن مصدرية: أي كسجوده، والمراد سجود التلاوة ح.
قوله: (تزكى) تكملة للوزن وهو حال من ضمير سجد: أي كسجوده للتلاوة حال كونه متطهرا عن أرجاس الكفر ح.
قوله: (فمسلم) خبر كافر ح، وزيدت الفاء لوقوع المبتدأ نكرة موصوفة بفعل أريد بها العموم، لان المراد: أي كافر كان عيسويا أو غيره كما قدمنا تقريره، وهذا من المواضع التي يجوز فيها زيادة الفاء في الخير كقولك: رجل يسألني فله درهم، فافهم.
قوله: (منفرد) بالسكون على لغة ربيعة ح، وسكت عن بقية محترزات قيود الصلاة.
قوله: (والزكاة) أي زكاة غير السوائم، وعلى إنشاد البيت الثاني على الوجه الذي نقلناه عن النهر، فالمراد بالزكاة جميع أنواعها كما هو مقتضى إطلاق الخانية عن ظاهر الرواية، قوله: (الحج) بالنصب مفعول مقدم لقوله زد وتقدم بيانه.
قوله: (بدنية محضة) أي بخلاف الزكا ة فإنها مالية محضة، وبخلاف الحج فإنه مركب منهما لما فيه من العمل بالبدن وإنفاق المال.
قوله: (فلا نيابة
فيها أصلا) لا المقصود من العبادة البدنية إتعاب البدن وقهر النفس الامارة بالسوء ولا يحصل بفعل النائب، بخلاف المالية فتجري فيها النيابة مطلقا: أي حالة الاختيار والاضطرار لحصول المقصود من إغناء الفقير وتنقيص المال بفعل النائب، وبخلاف المركبة فتجري فيها النيابة حالة العجز نظرا إلى معنى المشقة بتنقيص المال لاحالة الاختيار نظرا إلى إتعاب البدن كما قرروه في باب الحج عن الغير.
قوله: (أي لا بالنفس الخ) بيان لتعميم النفي المستفاد من قوله أصلا.
قوله: (في الحج) متعلق بقوله صحت وكذا قوله في الصوم.
قوله: (بالفدية) متعلق بالضمير المستتر في(1/383)
صحت لرجوعه إلى النيابة التي هي مصدر: أي كما صحت النيابة بالفدية، ويدل عليه تعلق قوله بالنفس بقوله نيابة المذكور في المتن.
واعلم أن صحة الفدية في الصوم للفاني مشروطة باستمرار عجزه إلى الموت، فلو قدر قبله قضى كما سيأتي في كتاب الصوم ا ه.
ح.
قوله: (لانها) أي الفدية، وقوله لم يوجد أي إذن الشرع بالفدية في الصلاة ح، وهذا تعليل لعدم جريان النيابة في الصلاة بالمال.
وفيه إشارة إلى الفرق بين الصلاة والصوم، فإن كلا منهما عبادة بدنية محضة، وقد صحت النيابة في الصوم بالفدية للشيخ الفاني دون الصلاة، ووجه الفرق أن الفدية في الصوم إنما أثبتناها على خلاف القياس اتباعا للنص، ولذا سماها الاصوليون قضاء بمثل غير معقول، لان المعقول قضاء الشئ بمثله، ولم نثبتها في الصلاة لعدم النص.
فإن قلت: قد أوجبتم الفدية في الصلاة عند الايصاء بها من العاجز عنها، فقد أجريتم فيها النيابة بالمال مع عدم النص، ولا يمكن أن يكون ذلك بالقياس على الصوم، لان ما خالف القياس فعليه غيره لا يقاس.
قلت: ثبوت الفدية في الصوم يحتمل أن يكون معللا بالعجز وأن لا يكون، فباعتبار تعليله به يصح قياس الصلاة عليه لوجود العلة فيهما، وباعتبار عدمه لا يصح، فلما حصل الشك في العلة قلنا بوجوب الفدية في الصلاة احتياطا، لانها إن لم تجزه تكون حسنة ما حية لسيئة، فالقول بالوجوب أحوط، ولذا قال محمد: تجزئه إن شاء الله تعالى، ولو كان بطريق القياس لما علقه
بالمشيئة كما في سائر الاحكام الثابتة بالقياس، هذا خلاصة ما أوضحناه في حواشينا على شرح المنار للشارح.
قوله: (سببها ترادف النعم الخ) يعني أن سبب الصلاة الحقيقي هو ترادف النعم على العبد، لان شكر المنعم واجب شرعا وعقلا ولما كانت النعم واقعة في الوقت جعل الوقت سببا بجعل الله تعالى وخطابه حيث جعله سببا للوجوب كقوله تعالى: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) * (الاسراء: 87) فكان الوقت هو السبب المتأخر، وتمام تحقيق هذه المسألة في المطولات الاصولية.
قوله: (أي الجزء الاول الخ) إذ لو كان السبب هو الكل لزم تقدم المسبب على السبب أو وجوب الاداء بعد وقته فتعين البعض، ولايجوز أن يكون ذلك البعض أول الوقت عينا للزوم عدم الوجوب على من صار أهلا للصلاة في آخر الوقت بقدر ما يسعها، ولا آخر الوقت عينا لانه يلزم أن لا يصح الاداء في أوله لامتناع التقدم على السبب، فتعين كونه الجزء الذي يتصل به الاداء، ويليه الشروع لان الاصل في السبب هو الاتصال بالمسبب كما في شرح المنار لابن نجيم.
قوله: (وإلا فما يتصل به) ما هنا عامة شاملة للجزء الاخير فقوله بعد ذلك وإلا فالجزء الاخير تكرار، وكذا قوله سببها جزء أول اتصل به الاداء والاخصر أن يقول: سببها جزء اتصل به الاداء من الوقت وإلا فجملته ا ه.
ح.
وسبقه إليه ابن نجيم في شرح المنار.
قوله: (هو الجزء الاخير) وهو ما يتمكن فيه من عقد التحريمة فقط عندنا، وعند زفر: ما يتمكن من الاداء فيه، وأجمعوا أن خيار التأخير إلى أن لا يسع إلا جميع الصلاة، حتى لو أخر عنه يأثم ا ه.
ابن نجيم.
قوله: (ولو ناقصا) أي إذا اتصل الاداء بآخر الوقت كان هو السبب، ولو كان ناقصا كوقت اصفرار الشمس فيصح أداء العصر فيه،(1/384)
لانه لما اتصل الاداء فيه صار هو السبب وهو مأمور بأدائه فيكون أداؤه كما وجب، بخلاف عصر أمسه كما يأتي.
قوله: (حتى تجب) بالرفع، لانه تفريع على قوله فالسبب هو الجزء الاخير.
قوله: (أفاقا) أي في آخر الوقت ولو بقدر ما يسع التحريمة عند علمائنا الثلاثة، خلافا لزفر كما في شرح التحرير لابن أمير حاج: أي فيجب عليهما القضاء لاحتياجهما إلى الوضوء لان الجنون أو الاغماء ينقضه وليس في الوقت ما يسعه، وعلم منه أنه لو أفاقا وفي الوقت ما يسع أكثر من
التحريمة تجب عليهما صلاته بالاولى، وأنه لو لم يبق منه ما يسع التحريمة لم تجب عليهما صلاته كما مر في الحيض إذا انقطع للعشر.
قال ح: وهذا إذا زاد الجنون والاغماء على خمس صلوات وإلا وجب عليهما صلاة ذلك الوقت ولو لم يبق منه ما يسع التحريمة بل وما قبله من الصلوات أيضا كما سيأتي.
قوله: (طهرتا) أي ولو كان الباقي من الوقت مقدار ما يسع التحريمة إذا كان الانقطاع على العشرة أو الاربعين، فإن كان أقل والباقي قدر الغسل مع مقدماته كالاستقاء وخلع الثوب والتستر عن الاعين والتحريمة فعليهما القضاء، وإلا فلا ا ه، شرح التحرير، قوله: (وصبي بلغ) أي وكان بين بلوغه وآخر الوقت ما يسع التحريمة أو أكثر كما يفهم من كلامهم في الحائض التي طهرت على العشرة ح.
قوله: (ومرتد أسلم) أي إذا كان بين إسلامه وآخر الوقت ما يسع التحريمة كما في الحائض المذكورة، وحكم الكافر الاصلي حكم المرتد، وإنما خصه بالذكر ليصح قوله وإن صليا أول الوقت وصورتها في المرتد أن يكون مسلما أول الوقت فيصلي الفرض ثم يرتد ثم يسلم في آخر الوقت ح.
قوله: (وإن صليا في أول الوقت) يعني أن صلاتهما في أوله لا تسقط عنهما الطلب والحالة هذه.
أما في الصبي فلكونها نفلا، وأما في المرتد فلحبوطها بالارتداد ح.
وفي البحر عن الخلاصة: غلام صلى العشاء ثم احتلم ولم ينتبه حتى طلع الفجر عليه إعادة العشاء هو المختار، وإن انتبه قبله عليه قضاء العشاء إجماعا، وهي واقعة محمد سألها أبا حنيفة فأجابه بما قلنا ا ه.
قوله: (وبعد خروجه) أي خروج الوقت بلا صلاة.
قوله: (ليثبت الواجب الخ) لانه لو لم يضف إلى جملة الوقت وقلنا بتعين الجزء الاخير للسببية لزوم ثبوت الواجب بصفة النقص في بعض الصور كما في وقت العصر.
قوله: (وأنه الاصل) الواو للحال وهمزة إن مكسورة ح، والضمير يرجع إلى ثبوت الواجب بصفة الكمال المترتب على كون السبب هو جملة الوقت ط.
قوله: (حتى يلزمهم) أي المجنون ومن ذكر بعده، وكذا غيرهم ممن خرج عليه الوقت ولم يصل فيه.
قوله: (هو الصحيح) مقابله ما قيل إن المجنون ونحوه لو أفاق أو طهر أو أسلم في ناقص كان ذلك الوقت الناقص هو السبب في حقهم، لتعذر إضافة السبب إلى جملة الوقت لعدم أهليتهم للوجوب في جميع أجزائه فيجوز لهم القضاء في ناقص آخر لانه كذلك وجب، والصحيح أنه لا يجوز لانه لا نقصان في
الوقت نفسه وإنما هو في الاداء فيه، لما فيه من التشبه بعبدة الشمس كما حققه في التحرير، وسيأتي تمامه.
قوله: (لانه لا خلاف في طرفيه) أي الطرفين الآتيين قال في الحلية: نعم في كون العبرة بأول طلوعه أو استطارته أو انتشاره اختلاف المشايخ كما في شرح الزاهدي عن المحيط.(1/385)
وفي خزانة الفتاوى عن شرح السرخسي على الكافي وذكر فيها أن الاول أحوط والثاني أوسع ا ه.
قال في البحر: والظاهر الاخير لتعريفهم الفجر الصادق به كما يأتي.
ورده في النهر بأن الظاهر الاول، لما في حديث جبريل الذي هو أصل الباب ثم صلى بي الفجر يعني في اليوم الاول حين بزق وحرم الطعام على الصائم وبزق: بمعنى بزغ، وهو أول طلوعه ا ه.
ومثله في الشرنبلالية.
وزاد: ولا ينافيه التعريف لان من شأنه الانتشار فلا يتوقف على انتشاره بأن يكون بعد مضي جانب منه بدليل لفظ الحديث.
قال ح: وأظن أن الاستطارة والانتشار بمعنى واحد كما يفيده كلام الشارح الآتي فهما قولان لا ثلاثة ا ه.
وبما تقرر علم أن المراد أنه لا خلاف في أوله وهو أصل طلوع الفجر الثاني، وإنما الخلاف في المراد من الطلوع وأما عدم الخلاف في آخره فلما صرح به الطحاوي وابن المنذر من أن عليه اتفاق المسلمين قال في الحلية: فلا يلتفت إلى ما عن الاصطخري من الشافعية، مع أنه إذا أسفر الفجر يخرج الوقت وتصير الصلاة بعده إلى الطلوع قضاء ا ه.
وبه يندفع قول القهستاني: إن نفي الخلاف في الطرفين من عدم التتبع.
قوله: (وأول من صلاه آدم) أي حين أهبط من الجنة وجن عليه الليل ولم يكن رآه قبل فخاف، فلما انشق الفجر صلى ركعتين شكرا لله تعالى، فلذا قدمه في الذكر عناية.
قوله: (وأول الخمس وجوبا) قال الرحمتي: الظاهر أن أولها وجوبا العشاء، لان الوجوب بآخر الوقت والاسراء كان ليلا.
قوله: (لانه أولها ظهورا) أي أول الخمس، بناء على أن إمامة جبريل إنما كانت في الظهر صبيحة الاسراء: وأن إقامته له في الصبح كانت في غير صبيحتها والمسألة فيها روايتان أشهرهما البداءة بالظهر كما في أبي السعود.
قوله: (ولا يخفى الخ) جواب سؤال، حاصله أن الصبح إذا كان أول الخمس وجوبا فكيف تركه النبي (ص) صبيحة الاسراء مع
وجوبه عليه ليلا.
وبيان الجواب أنه وإن كان واجبا لا يجب الاداء قبل العلم بالكيفية، لان الخطاب بالمجمل قبل البيان يفيد الابتلاء باعتقاد الحقية في الحال، وإنما يجب العمل بعد البيان كما ذكره الاصوليون، فلا يلزم من الوجوب وجوب الاداء، ونظيره يجب الصوم على المعذور بلا وجوب أداء.
أما الجواب بأنه (ص) كان نائما ولا وجوب على النائم، ففي النهر أنه مردود للاجماع على أن المعذور بنوم ونحوه يلزمه القضاء ا ه.
فرع لا يجب انتباه النائم في أول الوقت، ويجب إذا ضاق الوقت.
نقله البيري في شرح الاشباه عن البدائع من كتب الاصول، وقال: ولم نره في كتب الفروع، فاغتنمه ا ه.
قلت: لكن فيه نظر لتصريحهم بأنه لا يجب الاداء على النائم اتفاقا فكيف يجب عليه الانتباه؟ روى مسلم في قصة التعريس عن أبي قتادة أنه (ص) قال: ليس في النوم تفريط، إنما التفريط أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت الاخرى وأصل النسخة التنبيه بدل الانتباه، وسنذكر في الايمان أنه لو حلف أنه ما أخر صلاة عن وقتها وقد نام فقضاها، قيل لا يحنث واستظهره الباقاني، لكن في البزازية: الصحيح أنه إن كان نام قبل دخول الوقت وانتبه بعده لا يحنث، وإن كان نام بعد دخوله حنث ا ه.
فهذا يقتضي أنه بنومه قبل الوقت لا يكون مؤخرا وعليه فلا يأثم، وإذا لم يأثم لا يجب انتباهه، إذ لو وجب لكان مؤخرا(1/386)
لها وآثما، بخلاف ما إذا نام بعد دخول الوقت، ويمكن حمل ما في البيري عليه.
مطلب في تعبده عليه الصلاة والسلام قبل البعثة قوله: (متعبدا) بكسر الباء.
في القاموس: تعبد تنسك ا ه.
ح، وظاهر قوله في شرح التحرير: أي مكلفا أنه بالفتح، لكن الاظهر الاول لانه بالفتح يقتضي الامر، والكلام فيما قبل البعثة.
تأمل.
قوله: (المختار عندنا لا) نسبه في التقرير الاكملي إلى محققي أصحابنا قال: لانه عليه الصلاة والسلام قبل الرسالة في مقام النبوة لم يكن من أمة نبي قط الخ، وعزاه في النهر أيضا إلى الجمهور، واختار المحقق ابن الهمام في التحرير أنه كان متعبدا بما ثبت أنه شرع: يعني لا على
الخصوص وليس هو من قومهم، وقدمنا تمامه في أوائل كتاب الطهارة.
قوله: (وصح تبعده في حراء) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء يصرف ويمنع من الصرف، وحكي فيه الفتح والقصر، وكذلك حكم قباء، ونظمه بعضهم بقوله: حرا وقبا ذكر وأنثهما معاومد أو اقصر واصرفن وامنع الصرفا وهو جبل بينه وبين مكة ثلاثة أميال.
قال في المواهب اللدنية: وروى ابن إسحاق وغيره أنه عليه الصلاة والسلام كان يخرج إلى حراء في كل عام شهرا يتنسك فيه قال: وعندي أن هذا التعبد يشتمل على أنواع من الانعزال عن الناس والانقطاع إلى الله والافكار.
وعن بعضهم: كانت عبادته عليه الصلاة والسلام في حراء التفكر ا ه.
ملخصا.
قوله: (من أول طلوع الخ) زاد لفظ أول اختيار لما دل عليه الحديث كما قدمناه.
قوله: (وهو البياض الخ) لحديث مسلم والترمذي واللفظ له لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير فالمعتبر الفجر الصادق وهو الفجر المستطير في الافق: أي الذي ينتشر ضوءه في أطراف السماء، لا الكاذب وهو المستطيل الذي يبدو طويلا في السماء كذنب السرحان: أي الذئب ثم يعقبه ظلمة.
فائدة: ذكر العلامة المرحوم الشيخ خليل الكاملي في حاشيته على رسالة الاسطرلاب لشيخ مشايخنا العلامة المحقق علي أفندي الداغستاني أن التفاوت بين الفجرين وكذا بين الشفقين الاحمر والابيض إنما هو بثلاث درج ا ه.
قوله: (إلى قبيل) كذا أقحمه في النهر، والظاهر أنه مبني على دخول الغاية، لكن التحقيق عدمه لكونها غاية مد كما سبق فلا حاجة إلى ذلك اه.
إسماعيل.
قوله: (بالضم) أي وبالمد كما في القاموس ح.
قوله (من زواله) الاولى من زوالها ط.
قوله: (عن كبد السماء) أي وسطها بحسب ما يظهر لنا ط.
قوله: (إلى بلوغ الظل مثليه) هذا ظاهر الرواية عن الامام.
نهاية، وهو الصحيح.
بدائع ومحيط وينابيع، وهو المختار.
غياثية.
واختاره الامام المحبوبي، وعول عليه النسفي وصدر الشريعة.
تصحيح قاسم.
واختاره أصحاب المتون، وارتضاه الشارحون، فقول الطحاوي: وبقولهما نأخذ، لا يدل على أنه المذهب، وما في الفيض من أنه يفتى(1/387)
بقولهما في العصر والعشاء مسلم في العشاء فقط على ما فيه، وتمامه في البحر.
قوله: (وعنه) أي
عن الامام ح.
وفي رواية عنه أيضا أنه بالمثل يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر إلا بالمثلين، ذكرها الزيلعي وغيره، وعليها فما بين المثل والمثلين وقت مهمل.
قوله: (مثله) منصوب ببلوغ المقدر والتقدير.
وعن الامام إلى بلوغ الظل مثله ح.
قوله: (وهو نص في الباب) فيه أن الادلة تكافأت ولم يظهر ضعف دليل الامام، بل أدلته قوية أيضا كما يعلم من مراجعة المطولات وشرح المنية.
وقد قال في البحر: لا يعدل عن قول الامام إلى قولهما أو قول أحدهما إلا لضرورة من ضعف دليل أو تعامل، بخلافه كالمزارعة وإن صرح المشايخ بأن الفتوى على قولهما كما هنا.
قوله: (وعليه عمل الناس اليوم) أي في كثير من البلاد، والاحسن ما في السراج عن شيخ الاسلام أن الا حتياط أن لا يؤخر الظهر إلى المثل، وأن لا يصلي العصر حتى يبلغ المثلين ليكون مأديا للصلاتين في وقتهما بالاجماع، وانظر هل إذا لزم من تأخيره العصر إلى المثلين فوت الجماعة يكون الاولى التأخير أم لا؟ والظاهر الاول، بل يلزم لمن اعتقد رجحان قول الامام.
تأمل.
ثم رأيت في آخر شرح المنية ناقلا عن بعض الفتاوى أنه لو كان إمام محلته يصلي العشاء قبل غياب الشفق الابيض فالافضل أن يصليها وحده بعد البياض.
قوله: (سوى فئ) بوزن شئ، وهو الظل بعد الزوال، سمي به لانه فاء: أي رجع من جهة المغرب إلى المشرق، وما قبل الزوال إنما يسمى ظلا، وقد يسمى به ما بعده أيضا ولا يسمى ما قبل الزوال فيئا أصلا.
سراج ونهر قوله: (يكون للاشياء قبيل الزوال) أشار إلى أن إضافة الفئ إلى الزوال لادنى ملابسة لحصوله عند الزوال فلا تعد إضافته إليه تسامحا.
درر: أي خلافا لشرح المجمع من أنها تسامح، وتبعه في النهر، لان التسامح كما قال بعض المحققين: استعمال اللفظ في غير ما وضع له لا لعلاقة، وهذه الاضافة مجاز في الاسناد، لان الفئ إنما يسند حقيقة للاشياء كالشاخص ونحوه لا للزوال.
قلت: لكن يرد أن الظل لا يسمى فيئا إلا بعد الزوال كما علمت، وبه اعترض الزيلعي على التعبير بفئ الزوال: أي فهو مجاز لغوي عن الظل، وإسناده إلى الزوال مجاز عقلي كما علمت لا لغوي أيضا.
ولا تسامح لانه ليس فيه استعمال كلمة في غير ما وضعت له، والظاهر أنه مراد القهستاني حيث جعل في الكلام مجازين، فافهم.
قوله: (ويختلف باختلاف الزمان والمكان) أي طولا
وقصرا وانعداما بالكلية كما أوضحه ح.
قوله: (ولو لم يجد ما يغرز) أشار إلى أنه إن وجد خشبة يغرزها في الارض قبل الزوال وينتظر الظل ما دام متراجعا إلى الخشبة، فإذا أخذ في الزيادة حفظ الظل الذي قبلها فهو ظل الزوال ح.
وعن محمد: يقوم مستقبل القبلة، فما دامت الشمس على حاجبه الايسر فالشمس لم تزل، وإن صارت على حاجبه الايمن فقد زالت، وعزاه في المفتاح إلى الايضاح قائلا: إنه أيسر مما سبق عن المبسوط من غرز الخشبة إسماعيل.
قوله: (اعتبر بقامته) أي بأن يقف معتدلا في أرض مستوية حاسرا عن رأسه خالعا نعليه مستقبلا للشمس أو لظله ويحفظ ظل الزوال كما مر، ثم يقف في آخر الوقت ويأمر من يعلم له على منتهى ظله علامة، فإذا بلغ الظل طول القامة(1/388)
مرتين أو مرة سوى ظل الزوال فقد خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر، وإن لم يعلم علامة يكيل بدلها ستة أقدام ونصفا بقدمه، وقيل سبعة.
قوله: (من طرف إبهامه) حال من قوله بقدمه أشار به إلى الجمع بين القولين، لانه قيل: إن قامة كل إنسان ستة أقدام ونصف بقدمه.
وقال الطحاوي وعامة المشايخ: سبعة أقدام.
قال الزاهدي: ويمكن الجمع بينهما بأن يعتبر سبعة أقدام من طرف سمت الساق وستة ونصف من طرف الابهام، وإليه أشار البقالي ا ه.
حلية.
أقول: بيانه إذا وقف الواقف على رجله اليسرى ثم نقل اليمنى ووضع عقبها عند طرف إبهام اليسرى ثم نقل اليسرى كذلك وهكذا ست مرات، فإن بدأ بالاعتبار من طرف سمت الساق، يعني من طرف عقب اليسرى التي كان واقفا عليها أولا كان سبعة أقدام، وإن بدأ بالاعتبار من طرف إبهامها كان ستة أقدام ونصف قدم.
ووجه ذلك أن المطلوب أخذ طول ارتفاع القامة، ومبدأ ارتفاعها من جهة الوجه عند نصف القدم ومن جهة القفا عند طرف العقب، فمن لاحظ الاول اعتبر نصف القدم التي كان واقفا عليها وقدر القامة بستة أقدام ونصف، ومن لاحظ الثاني اعتبر القدم المذكورة بتمامها وقدر بسبعة، وعلى كل فالمراد واحد، وهذا الذي قررناه هو الموافق لما رأيته في بعض كتب الميقات.
وحاصله إن حسب كل القدم التي كان واقفا عليها سبعة أقدام، وإن حسب نصفها كان ستة أقدام ونصفا، فافهم.
قوله: (منه) أي من بلوغ الظل مثليه على رواية المتن.
مطلب: لو ردت الشمس بعد غروبها قوله: (بالظاهر نعم) بحث لصاحب النهر حيث قال: ذكر الشافعي أن الوقت يعود لانه عليه الصلام والسلام نام في حجر علي رضي الله عنه حتى غربت الشمس، فلما استيقظ ذكر له أنه فاتته العصر فقال: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فارددها عليه، فردت حتى صلى العصر وكان ذلك بخيبر، والحديث صححه الطحاوي وعياض، وأخرجه جماعة منهم الطبراني بسند حسن، وأخطأ من جعله موضوعا كابن الجوزي، وقواعدنا لا تأباه.
لا تأباه آه قال ح: كأنه نظير الميت إذا أحياه الله تعالى، فإنه يأخذ ما بقي من ماله في أيدي ورثته فيعطى له حكم الاحياء، وانظر هل هذا شامل لطلوع الشمس من مغربها الذي هو من العلامات الكبرى للساعة؟ ا ه.
قال ط: والظاهر أنه لا يعطى هذا الحكم لانه إنما يثبت إذا أعيدت في آن غروبها كما هو واقعة الحديث، أما طلوعها من مغربها فهو بعد مضي الليل بتمامه ا ه.
قلت: على أن الشيخ إسماعيل رد ما بحثه في النهر تبعا للشافعية، بأن صلاة العصر بغيبوبة الشفق تصير قضاء ورجوعها لا يعيدها أداء، وما في الحديث خصوصية لعلي كما يعطيه قوله عليه الصلاة والسلام إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك ا ه.
قلت: ويلزم على الاول بطلان صوم من أفطر قبل ردها وبطلان صلاته المغرب لو سلمنا عود الوقت بعودها للكل، والله تعالى أعلم.
مطلب في الصلاة الوسطى(1/389)
قوله: (وهي الوسطى على المذهب) أي المنقول عن أئمتنا الثلاثة.
وقال الترمذي وغيره: إنه قول أكثر العلماء من أصحاب النبي (ص) وغيرهم، وسميت وسطى لانها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار، وتمام الاستدلال على هذا القول من الاحاديث الصحيحة مبسوط في أول الحلية.
قال ح: وهذا قول من ثلاثة وعشرين قولا مذكروة في الوهبانية وشرحها.
قوله: (وإليه
رجع الامام) أي إلى قولهما الذي هو رواية عنه أيضا.
وصرح في المجمع بأن عليها الفتوى، ورده المحقق في الفتح بأنه لا يساعده رواية ولادراية الخ.
وقال تلميذه العلامة قاسم في تصحيح القدوري: إن رجوعه لم يثبت، لما نقله الكافة من لدن الائمة الثلاثة إلى اليوم من حكاية القولين، ودعوى عمل عامة الصحابة بخلافة خلاف المنقول.
قال في الاختيار: الشفق: البياض، وهو مذهب الصديق ومعاذ بن جبل وعائشة رضي الله عنهم.
قلت: ورواه عبد الرزاق عن عن أبي هريرة وعن عمر بن عبد العزيز، ولم يرو البيهقي الشفق الاحمر إلا عن ابن عمر، وتمامه فيه.
وإذا تعارضت الاخبار والآثار فلا يخرج وقت المغرب بالشك كما في الهداية وغيرها.
قال العلامة قاسم: فثبت أن قول الامام هو الاصح، ومشى عليه في البحر مؤيدا له بما قدمناه عنه، من أنه لا يعدل عن قول الامام إلا لضرورة من ضعف دليل أو تعامل بخلافه كالمزارعة، لكن تعامل الناس اليوم في عامة البلاد على قولهما، وقد أيده في النهر تبعا للنقاية والوقاية والدرر والاصلاح ودرر البحار والامداد والمواهب وشرحه البرهان وغيرهم مصرحين بأن عليه الفتوى.
وفي السراج: قولهما أوسع وقوله أحوط، والله أعلم.
تنبيه: قدمنا قريبا أن التفاوت بين الشفقين بثلاث درج كما بين الفجرين فليحفظ.
قوله: (منه) أي من غروب الشفق على الخلاف فيه.
بحر.
قوله: (ولكن الخ) جواب عن سؤال مقدر تقديره: لم لا يجوز تقديمه بعد دخول وقته؟ أجاب بأنه إنما لا يجوز للترتيب لا لكون الوقت لم يدخل، وهذا على قوله: وعلى قولهما، لانه تبع للعشاء، وأثر الخلاف يظهر فيما لو قدم الوتر عليها ناسيا أو تذكر أنه صلاها فقط على غير وضوء لا يعيده عنده وعندهما عيد.
نهر.
ولم يتعرض للمسقط الثالث وهو كون الفوائت ستا فليراجع.
رحمتي.
قوله: (لوجوب الترتيب) أي لزومه فإنه فرض عملي.
ط.
قوله: (لانهما فرضان عند الامام) لكن العشاء قطعي والوتر عملي، وهذا تعليل للحكمين المذكورين في المتن: الاول كون ما بين غيبوبة الشفق والفجر وقتا لهما معا.
الثاني لو صلاه قبلها، فإن ناسيا سقط الترتيب، وإن عامدا فهو باطل موقوف على ما سيأتي تفصيله في قضاء الفوائت ح.
مطلب في فاقد وقت العشاء كأهل بلغار
قوله: (كبلغار) بضم الباء الموحدة فسكون اللام وألف بين الغين المعجمة والراء، لكن ضبطه في القاموس بلا ألف.
وقال: والعامة تقول بلغار: وهي مدينة الصقالبة ضاربة في الشمال شديدة البرد ا ه.
قوله: (فإن فيها يطلع الفجر قبل غروب الشفق) مقتضاه أنه فقد وقت العشاء والوتر فقط،(1/390)
وليس كذلك، بل فقد وقت الفجر أيضا، لان ابتداء وقت الصبح طلوع الفجر، وطلوع الفجر يستدعي سبق الظلام ولا ظلام مع بقاء الشفق، أفاده ح.
أقول: الخلاف المنقول بين مشايخ المذهب إنما هو في وجوب العشاء والوتر فقط، ولم نر أحدا منهم تعرض لقضاء الفجر في هذه الصورة، وإنما الواقع في كلامهم تسميته فجرا لان الفجر عندهم اسم للبياض المنتشر في الافق موافقا للحديث الصحيح كما مر بلا تقييد بسبق ظلام.
على أنا لا نسلم عدم الظلام هنا، ثم رأيت ط ذكر نحوه.
قوله: (في أربعينية الشتاء) صوابه في أربعينة الصيف كما في الباقاني، وعبارة البحر وغيره: في أقصر ليالي السنة، وإتمامه في ح.
وقول النهر: في أقصر أيام السنة سبق قلم، وهو الذي أوقع الشارح.
قوله: (فيقدر لهما) هذا موجود في نسخ المتن المجردة ساقط من المنح، ولم أر من سبقه إليه سوى صاحب الفيض حيث قال: ولو كانوا في بلدة يطلع فيها الفجر قبل غيبوبة الشفق لا يجب عليهم صلاة العشاء لعدم السبب، وقيل يجب ويقدر الوقت ا ه.
بقي الكلام في معنى التقدير، والذي يظهر من عبارة الفيض أن المراد أنه يجب قضاء العشاء، بأن يقدر أن الوقت: أعني سبب الوجوب قد وجد كما يقدر وجوده في أيام الدجال على ما يأتي لانه لا يجب بدون السبب، فيكون قوله: ويقدر الوقت، جوابا عن قوله في الاول: لعدم السبب.
وحاصله أنا لا نسلم لزوم وجود السبب حقيقة بل يكفي تقديره كما في أيام الدجال.
ويحتمل أن المراد بالتقدير المذكور هو ما قاله الشافعية من أنه يكون وقت العشاء في حقهم بقدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلاد إليهم، والمعنى الاول أظهر، كما يظهر لك من كلام الفتح الآتي حيث ألحق هذه المسألة بمسألة أيام الدجال، ولان هذه المسألة نقلوا فيها الاختلاف بين ثلاثة من مشايخنا وهم البقالي والحلواني والبرهان الكبير، فأفتى البقالي بعدم الوجوب، وكان الحلواني يفتي بوجوب
القضاء، ثم وافق البقالي لما أرسل إليه الحلواني من يسأله عمن أسقط صلاة من الخمس أيكفر؟ فأجاب السائل بقوله: من قطعت يداه أو رجلاه كم فروض وضوئه فقال له: ثلاث لفوات المحل، قال فكذلك الصلاة، فبلغ الحلواني ذلك فاستحسنه ورجع إلى قول البقالي بعدم الوجوب.
وأما البرهان الكبير فقال بالوجوب، لكن قال في الظهيرية غيرها: لا ينوي القضاء في الصحيح لفقد وقت الاداء.
واعترضه الزيلعي بأن الوجوب بدون السبب لا يعقل، وبأنه إذا لم ينو القضاء يكون أداء ضرورة، وهو: أي الاداء فرض الوقت ولم يقل به أحد، إذ لا يبقى وقت العشاء بعد طلوع الفجر إجماعا ا ه، وأيضا فإن من جملة بلادهم ما يطلع فيها الفجر كما غربت الشمس، كما في الزيلعي وغيره، فلم يوجد وقت قبل الفجر يمكن فيه الاداء.
إذا علمت ذلك ظهر لك أن من قال بالوجوب يقول به على سبيل القضاء لا الاداء، ولو كان الاعتبار بأقرب البلاد إليهم لزم أن يكون الوقت الذي اعتبرناه لهم وقت للعشاء حقيقة بحيث تكون العشاء فيه أداء، مع أن القائلين عندنا بالوجوب صرحوا بأنها قضاء وبفقد وقت الاداء، وأيضا لو فرض أن فجرهم يطلع بقدر ما يغيب الشفق في أقرب البلاد، إليهم لزم اتحاد وقتي العشاء والصبح في حقهم، أو أن الصبح لا يدخل بطلوع الفجر.
إن قلنا: إن الوقت للعشاء فقط ولزم أن تكون العشاء نهارية لا يدخل وقتها إلا بعد طلوع الفجر، وقد يؤدي أيضا إلى أن الصبح إنما يدخل وقته بعد طلوع شمسهم وكل ذلك لا يعقل، فتعين ما قلنا في(1/391)
معنى التقدير ما لم يوجد نقل صريح بخلافه.
وأما مذهب الشافعية فلا يقضي على مذهبنا، ثم رأيت في الحلية ذكر ما ذكره الشافعية، ثم اعترضه بأن ظاهر حديث الدجال يفيد التقدير في خصوص ذلك البلد، لان الوقت يختلف باختلاف كثير من الاقطار، وهذا مؤيد لما قلنا، ولله الحمد، فافهم.
قوله: (ولا ينوي القضاء الخ) قد علمت ما أورده الزيلعي عليه من أنه يلزم من عدم نية القضاء أن يكون أداء ضرورة الخ، فيتعين أن يحمل كلام البرهان الكبير على وجوب القضاء كما كان يقول به الحلواني.
وقد يقال: لا مانع من كونها لا أداء ولا قضاء كما سمى بعضهم ما وقع بعضها في الوقت أداء
وقضاء، لكن المنقول عن المحيط وغيره: أن الصلاة الواقع بعضها في الوقت وبعضها خارجه يسمى ما وقع منها الوقت أداء، وما وقع خارجه يسمى قضاء اعتبارا لكل جزء بزمانه، فافهم.
قوله: (فزعم المصنف الخ) أي حيث جزم به، وعبر عن مقابله بقيل ولذا نسبه في الامداد إلى الوهم.
قوله: (وأوسعا المقال) أي كل من الشرنبلالي والبرهان الحلبي، لكن الشرنبلالي نقل كلام البرهان الحلبي برمته فلذا نسب إليه الايساع.
قوله: (ومنعا ما ذكره الكمال) أما الذي ذكره الكمال فهو قوله: ومن لا يوجد عندهم وقت العشاء، أفتى البقالي بعدم الوجوب عليهم لعدم السبب كما يسقط غسل اليدين من الوضوء عن مقطوعهما من المرفقين ولا يرتاب متأمل في ثبوت الفرق بين عدم محل الفرض وبين عدم سببه الجعلي الذي جعل علامة على الوجوب الخفي الثابت في نفس الامر وجواز تعداد المعرفات للشئ فانتفاء الوقت انتفاء المعر ف، وانتفاء الدليل على الشئ لا يستلزم انتفاءه لجواز دليل آخر وقد وجد، وهو ما تواطأت عليه أخبار الاسراء من فرض الله تعالى الصلوات خمسا بعد ما أمر أولا بخمسين، ثم استقر الامر على الخمس شرعا عاما لاهل الآفاق لا تفصيل بين قطر وقطر، وما روي أنه (ص) ذكر الدجال، قلنا: ما لبثه في الارض؟ قال: أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له رواه مسلم فقد أوجب أكثر من ثلاثمائة عصر قبل صيرورة الظل مثلا أو مثلين، وقس عليه، فاستفدنا أن الواجب في نفس الامر خمس على العموم، غير أن توزيعها على تلك الاوقات عند وجودها ولا يسقط بعدمها الوجوب، وكذا قال (ص) خمس صلوات كتبهن الله على العباد ا ه.
وأما الذي ذكره البرهان الحلبي في شرح المنية فهو قوله: والجواب أن يقال: كما استقر الامر على أن الصلوات خمس، فكذا استقر الامر على أن للوجوب أسبابا وشروطا لا يوجد بدونها، وقولك شرعا عاما الخ، إن أردت أنه عام على كل من وجد في حقه شروط الوجوب وأسبابه(1/392)
سلمناه، ولا يفيدك لعدم بعض ذلك في حق من ذكر، وإن أردت أنه عام لكل فرد من أفراد المكلفين في كل فرد من أفراالايام مطلقا فهو ظاهر البطلان فإن الحائض لو طهرت بعد طلوع الشمس لم
يكن الواجب عليها في ذلك اليوم إلا أربع صلوات، وبعد خروج وقت الظهر لم يجب عليها في ذلك اليوم إلا ثلاث صلوات وهكذا، ولم يقل أحد إنه إذا طهرت في بعض اليوم أو في أكثره مثلا يجب عليها تمام صلوات اليوم والليلة لاجل أن الصلوات فرضت على كل مكلف.
فإن قلت: تخلف الوجوب في حقها لفقد شرطه وهو الطهارة من الحيض.
قلنا لك: كذلك تخلف الوجوب في حق هؤلاء لفقد شرطه وسببه وهو الوقت، وأظهر من ذلك الكافر إذا أسلم بعد فوات وقت أو أكثر من اليوم مع أن عدم الشرط وهو الاسلام في حقه مضاف إليه لتقصيره بخلاف هؤلاء، ولم يقل أحد يجب عليه تمام صلوات ذلك اليوم لافتراض الصلوات خمسا على كل مكلف في كل يوم وليلة، والقياس على ما في حديث الدجال غير صحيح لانه لا مدخل للقياس في وضع الاسباب، ولئن سلم فإنما هو فيما لا يكون على خلاف القياس، والحديث ورد على خلاف القياس، فقد نقل الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق عن القاضي عياض أنه قال: هذا حكم مخصوص بذلك الزمان شرعه لنا صاحب الشرع، ولو وكلنا فيه لاجتهادنا لكانت الصلاة فيه عند الاوقات المعروفة واكتفينا بالصلوات الخمس ا ه.
ولئن سلم القياس فلا بد من المساواة، ولا مساواة، فإن ما نحن فيه لم يوجد زمان يقدر للعشاء فيه وقت خاص.
والمفاد من الحديث أنه يقدر لكل صلاة وقت خاص بها ليس هو وقتا لصلاة أخرى، بل لا يدخل وقت ما بعدها قبل مضي وقتها المقدر لها، وإذا مضى صارت قضاء كما في سائر الايام، فكأن الزوال وصيرورة الظل مثلا أو مثلين وغروب الشمس وغيبوبة الشفق وطلوع الفجر موجودة في أجزاء ذلك الزمان تقديرا بحكم الشرع، ولا كذلك هنا، إذ الزمان الموجود إما وقت للمغرب في حقهم أو وقت للفجر بالاجماع فكيف يصح القياس؟ وعلم بما ذكرنا عدم الفرق بين من قطعت يداه أو رجلاه من المرفقين والكعبين وبين هذه المسألة كما ذكره البقالي، ولذا سلمه الامام الحلواني ورجع إليه مع أنه الخصم فيه إنصافا منه، وذلك لان الغسل سقط ثم لعدم شرطه لان المحال شروط، فكذا هنا سقطت الصلاة لعدم شرطها بل وسببها أيضا، وكما لم يقم هناك دليل بجعل ما وراء المرفق إلى الابط وما فوق الكعب بمقدار القدم خلفا عنه في وجوب الغسل، كذلك لم يرد دليل يجعل جزءا من وقت المغرب أو من وقت الفجر أو منهما خلفا عن وقت العشاء،
وكما أن الصلوات خمس بالاجماع على المكلفين، كذا فرائض الوضوء على المكلفين لا تنقص عن أربع بالاجماع، لكن لا بد من وجود جميع أسباب الوجوب وشرائطه في جميع ذلك، فليتأمل المنصف، والله سبحانه وتعالى الموفق ا ه.
كلام البرهان الحلبي.
وقد كر عليه الفاضل المحشي بالنقض.
وانتصر للمحقق بما يطول، فمن جملة ذلك أنه قال: إن ما فعلناه ليس من باب القياس بل من باب الالحاق دلالة، وقول البرهان الحلبي: إن ما نحن فيه لم يوجد زمان يقدر للعشاء فيه وقت خاص ممنوع، وذلك لان من يقدر يجعل لكل صلاة وقتا يختص بها لا يشاركها فيه غيرها ا ه.
أقول: لا يخفى أن القائلين بالوجوب عندنا لم يجعلوا لتلك الصلاة وقتا خاصا بها بحيث يكون فعلها فيه أداء وخارجها قضاء كما هو في أيام الدجال، لان الحلواني قال بوجوبها قضاء،(1/393)
والبرهان الكبير قال: لا ينوي القضاء لعدم وقت الاداء، وبه صرح في الفتح أيضا، فأين الالحاق دلالة مع عدم المساواة؟ فلو كان بطريق الالحاق أو القياس لجعلوا لها وقتا خاصا بها تكون فيه أداء، وإنما قدروه موجودا لايجاب فعلها بعد الفجر، وليس معنى التقدير ما قاله الشافعية كما علمت، وإلا لزم كونها فيه أداء، وقد علمت قول الزيلعي: إنه لم يقل به أحد: أي بكونها أداء، لانه لا يبقى وقت العشاء بعد الفجر.
والاحسن في الجواب عن المحقق الكمال ابن الهمام أنه لم يذكر حديث الدجال ليقيس عليه مسألتنا أو يلحقها به دلالة، وإنما ذكره دليلا على افتراض الصلوات الخمس وإن لم يوجد السبب افتراضا عاما، لاقوله: وما روى معطوف على قوله: ما تواطأت عليه أخبار الاسراء وما أورده عليه من عدم الافتراض على الحائض والكافر يجاب عنه بما قاله المحشي من ورود النص بإخراجهما من العموم.
هذا، وقد أقر ما ذكره المحقق تلميذاه العلامتان المحققان ابن أمير حاج والشيخ قاسم.
والحاصل أنهما قولان مصححان، ويتأيد القول بالوجوب بأنه قال به إمام مجتهد وهو الامام الشافعي كما نقله في الحلية عن المتولي عنه.
قوله: (ولا يساعده) الضمير راجع إلى ما ذكره
الكمال ح.
قوله: (حديث الدجال) هو ما قدمناه في كلام الكمال.
قال الاسنوي: فيستثنى هذا اليوم مما ذكره فالمواقيت، ويقاس اليومان التاليان له، قال الرملي في شرح المنهاج: ويجري ذلك فيما لو مكثت الشمس عند قوم مدة ا ه.
ح.
قال في إمداد الفتاح: قلت، وكذلك يقدر لجميع الآجال كالصوم والزكاة والحج والعدة وآجال البيع والسلم والاجارة وينظر ابتداء اليوم فيقدر كل فصل من الفصول الاربعة بحسب ما يكون كل يوم من الزيادة والنقص، كذا في كتب الائمة الشافعية، ونحن نقول بمثله، إذ أصل التقدير مقول به إجماعا في الصلوات ا ه.
مطلب في طلوع الشمس من مغربها تنبيه: ورد في حديث مرفوع أن الشمس إذا طلعت من مغربها تسير إلى وسط السماء ثم ترجع ثم بعد ذلك تطلع من المشرق كعادتها.
قال الرملي الشافعي في شرح المنهاج وبه يعلم أنه يدخل وقت الظهر برجوعها، لانه بمنزلة زوالها، ووقت العصر إذا صار ظل كل شئ مثله، والمغرب بغروبها.
وفي هذا الحديث أن ليلة طلوعها من مغربها تطول بقدر ثلاث ليال، لكن ذلك لا يعرف إلا بعد مضيها لانبهامها على الناس، فحينئذ قياس ما مر أنه يلزم قضاء الخمس، لان الزائد ليلتان فيقدران عن يوم وليلة وواجبهما الخمس ا ه.
قوله: (لانه وإن وجب) علة لعدم المساعدة ح.
قوله: (أكثر من ثلاثمائة ظهر الخ) فيه أن الوارد أن اليوم كسنة فما قبل الزوال نحو نصف سنة ولا يتكرر فيه الظهر هذا العدد، فالمناسب تعبير الكمال بما مر من قوله: فقد وجب أكثر من ثلاثمائة عصر قبل صيرورة الظل مثلا أو مثلين، لكنه ظاهر في المثلين لانه قريب فمن خمسة أسداس النهار، بخلاف المثل، والاظهر قوله في الشرنبلالية: وإن وجب أكثر من ثلاثمائة عشاء مثلا قبل طلوع الفجر.
قوله: (مثلا) أي إن الصبح والعصر والمغرب والعشاء والوتر كذلك ح.
قوله: (فيه) أي في حديث الدجال.
قوله: (وأما فيها) أي في مسألتنا.
وفي بعض النسخ فيهما: أي في العشاء والوتر.(1/394)
قوله: (فقد فقد الامران) أي العلامة، وهي غيبوبة الشفق قبل الفجر والزمان المعلم، وهو ما تقع الصلاة فيه أداء ضرورة أن الزمان الموجود قبل الفجر هو زمان المغرب وبعده زمان الصبح فلم يوجد الزمان الخاص بالعشاء، وليس المراد فقد أصل الزمان كما لا يخفى، نعم إذا قلنا بالتقدير هنا
يكون الزمان موجودا تقديرا كما في يوم الدجال، فلا يرد على المحقق، والله تعالى أعلم.
تتمة: لم أر من تعرض عندنا لحكم صومهم فيما إذا كا ن يطلع الفجر عندهم كما تغيب الشمس أو بعده بزمان لا يقدر فيها لصائم على أكل ما يقيم بنيته، ولا يمكن أن يقال بوجوب موالاة الصوم عليهم، لانه يؤدي إلى الهلاك.
فإن قلنا بوجوب الصوم يلزم القول بالتقدير، وهل يقدر ليلهم بأقرب البلاد إليهم كما قاله الشافعية هنا أيضا، أم يقدر لهم بما يسع الاكل والشرب، أم يجب عليهم القضاء فقط دون الاداء كل محتمل، فليتأمل، ولا يمكن القول هنا بعدم الوجوب أصلا كالعشاء عند القائل به فيها، لان علة عدم الوجوب فيها عند القائل به عدم السبب، وفي الصوم قد وجد السبب وهو شهود جزء من الشهر وطلوع فجر كل يوم، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم.
قوله: (للرجل) يأتي محترزه.
قوله: (الفجر) أي صلاة الفرض.
وفي صلاة السنة قولان كما يأتي للشارح ط.
قوله: (بإسفار) أي في وقت ظهور النور وانكشاف الظلمة، سمي به لانه يسفر: أي يكشف عن الاشياء خلافا للائمة الثلاثة، لقوله عليه الصلاة والسلام أسفروا بالفجر فإنه أعظم للاجر رواه الترمذي وحسنه وروى الطحاوي بإسناد صحيح ما اجتمع.
أصحاب رسول الله (ص) على شئ ما اجتمعوا على التنوير بالفجر وتمامه في شرح المنية وغيرها.
قوله: (أربعين آية) أي إلى ستين.
قوله: (ثم يعيد بطهارة) أي يعيد الفجر: أي صلاته مع ترتيل القراءة المذكورة ويعيد الطهارة لو فسد بفسادها أو ظهر فساده بعدمها ناسيا.
والحاصل أن حد الاسفار أن يمكنه إعادة الطهارة ولو من حدث أكبر كما في النهر والقهستاني وإعادة الصلاة على الحالة الاولى قبل الشمس.
قوله: (وقيل يؤخر جدا) قال في البحر: وهو ظاهر إطلاق الكتاب، أي الكنز، لكن لا يؤخرها بحيث يقع الشك في طلوع الشمس ا ه.
لكن في القهستاني الاصح الاول ح.
قوله: (مطلقا) أي ولو في غير مزدلفة لبناء حالهن على الستر وهو في الظلام أتم.
قوله: (وتأخير ظهر الصيف) سيذكر أنه يلحق به الخريف، وسنذكر ما يخالفه.
قوله: (بحيث يمشي في الظل) عبارة البحر والنهر وغيرهما: وحده أن يصلي قبل المثل وهي أولى لما أن مثل حيطان مصر يحدث الظل فيها سريعا لعلوها ح.
وقد يقال: إن اعتبار المشي في الظل بيان لاول
ذلك الوقت المستحب، وما في البحر وغيره بيان لمنتهاه.
وفي ط عن الحموي عن الخزانة: الوقت المكروه في الظهر أن يدخل في حد الاختلاف، وإذا أخره حتى صار ظل كل شئ مثله فقد دخل في حد الاختلاف.
قوله: (أي بلا اشتراط الخ) تفسير للاطلاق، وعبارة ابن ملك في شرح المجمع: أي سواء كان يصلي الظهر وحده أو بجماعة ا ه: أي لرواية البخاري كان (ص) إذا اشتد(1/395)
البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة والمراد الظهر، وقوله (ص) إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد فأبردوا بالصلاة متفق عليه، وليس فيه تفصيل، وتمامه في الزيلعي وغيره.
قوله: (وما في الجوهرة وغيرها) كالسراج حيث قال فيهما: وإنما يستحب الابراد بثلاثة شرائط: أن يصلي بجماعة في مسجد جماعة، وأن يكون في البلاد الحارة وأن يكون في شدة الحر.
وقال الشافعي: إن صلى في بيته قدمها، وإن في المسجد بجماعة أخرها ا ه.
قوله: (منظور فيه) تبع في التنظير فيه صاحب البحر اعتمادا على الاطلاق.
وأورده المحشي عليه: ما لو كان في موضع تقام الجماعة فيه في أول الوقت فقط، فإنه لو قلنا يستحب له التأخير يلزم ترك الجماعة التي يعاقب على تركها على المشهور لاجل المستحب والقواعد تأباه، ويدل له كراهتهم تأخير العشاء إلى ما زاد على النصف، وعللوه بتقليل الجماعة، ففي مسألتنا ينبغي أن يكون التأخير حراما حيث تحقق فوت الجماعة ا ه.
ونقل بعضهم مثله عن شرح نظم الكنز للشيخ موسى الطرابلسي وقال: على أنه صرح صاحب البحر فيما تقدم أنه لو شرع في الصلاة مع نجاسة قدر الدرهم وخشي فوت الجماعة يمضي على صلاته ا ه: أي مع أن إزالتها مسنونة أو واجبة ولم تترك الجماعة لاجلها.
أقول: قد يجاب بأن قول البحر: لا فرق بين أن يصلي بجماعة أو لا، معناه أنه يندب له التأخير سواء أراد أن يصلي بجماعة أو مفردا بأن كان لا تتيسر له الجماعة، وليس فيه ما يقتضي أنه يؤخر وإن لزم فوت الجماعة كما لا يخفى، فالتنظير في كلام الجوهرة والسراج في محله، لان ما ذكراه من الشروط الثلاثة هي مذهب الشافعية، صرحوا بها في كتبهم، نعم ذكر شراح الهداية وغيرهم في باب التيمم أن أداء الصلاة في أول الوقت أفضل، إلا إذا تضمن التأخير فضيلة لا تحصل بدونه
كتكثير الجماعة، ولهذا كان أولى للنساء أن يصلين في أول الوقت لانهن لا يخرجن إلى الجماعة، كذا في مبسوطي شمس الائمة وفخر الاسلام ا ه.
والمتبادر منه أنه إذا لم يقصد الصلاة بالجماعة لا يستحب له التأخير هنا، إذ ليس فيه فضيلة، لكن اعترضهم هناك صاحب غاية البيان بأن أئمتنا صرحوا باستحباب تأخير بعض الصلوات بلا اشتراط جماعة، وأن ما ذكروه في التيمم مفهوم والصريح مقدم عليه، وقدمنا الكلام عليه ثم فراجعه.
قوله: (أصلا) أي من جهة أصل وقت الجواز، وما وقع في آخره من الخلاف.
قوله: (واستحبابا في الزمانين) أي الشتاء والصيف ح، لكن جزم في الاشباه من فن الاحكام أنه لا يسن لها الابراد.
وفي جامع الفتاوى لقارئ الهداية: قيل إنه مشروع لانها تؤدي في وقت الظهر وتقوم مقامه.
وقال الجمهور: ليس بمشروع لانها تقام بجمع عظيم، فتأخيرها مفض إلى الحرج، ولا كذلك الظهر وموافقة الخلف لاصله من كل وجه ليس بشرط ا ه.
قوله: (لانها خلفه) علمت جوابه.
على أن القول الثاني وهو المشهور أنها فرض مستقل آكد من الظهر.
قوله: (توسعة للنوافل) أي لكراهتها بعد صلاة العصر.
وقال الامام الطحاوي بعد ذكره ما روي في التأخير والتعجيل: لم نجد في هذه الآثار مما صححت إلا ما يدل على تأخير العصر، ولم نجدما يدل منها على التعجيل إلا ما عارضه غيره فاستحببنا التأخير، ولو خلينا النظر لكان تعجيل الصلوات كلها أفضل، ولكن اتباع ما روي عن رسول الله (ص) ممتواترت به الاحبار(1/396)
أولى، وقد روي عن أصحابه ما يدل عليه ثم ساق ذلك، وتمامه في الحلية.
قوله: (في الاصح) صححه في الهداية وغيرها.
وفي الظهيرية إن أمكنه إطالة النظر فقد تغيرت وعليه الفتوى.
وفي النصاب وغيره: وبه نأخذ، وهو قول أئمتنا الثلاثة ومشايخ بلخ وغيرهم، كذا في الفتاوى الصوفية، وفيها: وينبغي أن لا يؤخر تأخيرا لا يمكن المسبوق قضاء ما فاته ا ه.
وقيل حد التغير أن يبقى للغروب أقل من رمح، وقيل أن يتغير الشعاع على الحيطان كما في الجوهرة.
ابن عبد الرزاق.
قوله: (وتأخير عشاء) أطلقه، وظاهر ما في الهداية التقييد بعدم فوت الجماعة، ويؤخذ من كلام المصنف في مسألة يوم الغيم.
شرنبلالية.
قوله: (إلى ثلث الليل) كذا في الكنز والمختار
والخلاصة وغيرها.
وعبارة القدوري: إلى ما قبل ثلث الليل، وهما روايتان كما في الشرنبلالية عن البرهان، فلا حاجة إلى التوفيق بما في البحر ولا بما في الدرر.
قوله: (قيده في الخانية الخ) وفي الهداية: وقيل في الصيف يعجل كي لا تتقلل الجماعة.
قوله: (كره) أي تحريما كما يأتي تقييده في المتن، أو تنزيها وهو الاظهر كما نذكره عن الحلية.
قوله: (لتقليل الجماعة) يفيد أن المصلي في بيته يؤخرها لعدم الجماعة في حقه.
تأمل رملي: أي لو أخرها لا يكره.
قوله: (أما إليه فمباح) أي أما تأخيرها إلى النصف فمباح لتعارض دليل الندب وهو قطع السمر المنهي، ودليل الكراهة وهو تقليل الجماعة فثبتت الاباحة كما أفاده في الهداية وغيرها.
قلت: لكن نقل في الحلية عن خزانة الاكمل استحباب التأخير إلى النصف وقال: إنه الاوجه دليلا للاحاديث الصحيحة وساقها، وقال: اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي (ص) والتابعين وغيرهم كما ذكره الترمذي ا ه.
(تنبيه): أشرنا إلى أن علة استحباب التأخير في العشاء هي قطع السمر المنهي عنه وهو الكلام بعدها، قال في البرهان: ويكره النوم قبلها والحديث بعدها لنهي النبي (ص) عنهما إلا حديثا في خير، لقوله (ص): لا سمر بعد الصلاة يعني العشاء الاخيرة إلا لاحد رجلين: مصل أو مسافر وفي رواية أو عرس ا ه.
وقال الطحاوي: إنما كره النوم قبلها لمن خشي عليه فوت وقتها أو فوت الجماعة فيها، أما من وكل نفسه إلى من يوقظه فيباح له النوم ا ه.
وقال الزيلعي: وإنما كره الحديث بعدها لانه ربما يؤدي إلى اللغو أو إلى تفويت الصبح أو قيام الليل لمن له عادة به، وإذا كان لحاجة مهمة فلا بأس، وكذا قراءة القرآن والذكر وحكايات الصالحين والفقه والحديث مع الضيف ا ه والمعنى فيه أن يكون اختتام الصحيفة بالعبادة، كما جعل ابتداؤها بها ليمحى ما بينهما من الزلات، ولذكره الكلام قبل صلاة الفجر، وتمامه في الامداد.
ويؤخذ من كلام الزيلعي أنه لو كان لحاجة لا يكره وإن خشي فوت الصبح، لانه ليس في النوم تفريط، وإنما التفريط على من أخرج الصلاة عن وقتها كما في حديث مسلم، نعم لو غلب على ظنه تفويت الصبح لا يحل لانه يكون تفريطا.
تأمل.
قوله: (وأخر العصر) معطوف على فعل الشرط، والمراد باصفرار ذكاء تغيرها بالمعنى السابق.
قوله: (فيه) أي في العصر بمعنى صلاته.
قوله: (لا يكره) لان الاحتراز عن الكراهة مع الاقبال على الصلاة متعذر فجعل عفوا.
بحر.
قوله:(1/397)
(إلى اشتباك النجوم) هو الاصح.
وفي رواية: لا يكره ما لم يغب الشفق.
بحر: أي الشفق الاحمر لانه وقت مختلف فيه فيقع في الشك، وفي الحلية بعد كلام: والظاهر أن السنة فعل المغرب فورا وبعده مباح إلى اشتباك النجوم فيكره بلا عذر ا ه.
قلت: أي يكره تحريما، والظاهر أنه أرد بالمباح ما لا يمنع فلا ينافي كراهة التنزيه، ويأتي تمامه قريبا.
قوله: (أي كثرتها) قال في الحلية: واشتباكها أن يظهر صغارها وكبارها حتى لا يخفى منها شئ، فهو عبارة عن كثرتها وانضمام بعضها إلى بعض ا ه.
قوله: (كره) يرجع إلى المسائل الثلاثة قبله ط.
قوله: (أي التأخير لا الفعل) فيه كلام يأتي.
قوله: (تحريما) كذا في البحر عن القنية، لكن في الحلية أن كلام الطحاوي يشير إلى أن الكراهة في تأخير العشاء تنزيهيا وهو الاظهر ا ه.
قوله: (إلا بعذر الخ) ظاهره رجوعه إلى الثلاثة أيضا لكن ذكر في الامداد في تأخير العصر إلى الاصفرار عن المعراج أنه لا يباح التأخير لمرض وسفر ا ه.
ومثله في الحلية، واقتصر في الامداد وغيره على ذكره الاستثناء في المغرب، وعبارته: إلا من عذر كسفر ومرض وحضور مائدة أو غيم ا ه.
قلت: وينبغي عدم الكراهة في تأخير العشاء لمن هو في ركب الحاج، ثم إن للمسافر والمريض تأخير المغرب للجمع بينها وبين العشاء فعلا كما في الحلية وغيرها: أي بأن تصلي في آخر وقتها والعشاء في أول وقتها، وهو محمل ما روي من جمعه (ص) بينهما سفرا كما يأتي.
قوله: (وكونه على أكل) أي لكراهة الصلاة مع حضور طعام تميل إليه نفسه، ولحديث إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدؤوا بالعشاء رواه الشيخان.
قوله: (وتأخير الوتر الخ) أي يستحب تأخيره، لقوله (ص) من خاف أن لا يوتر من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل رواه مسلم والترمذي وغيرهما وتمامه في الحلية.
وفي الصحيحين اجعلوا آخر صلاتكم وترا والامر للندب بدليل ما قبله.
بحر.
قوله: (فإن فاق الخ) أي إذا أوتر قبل النوم ثم استيقظ يصلي ما كتب له، ولا كراهة فيه بل هو مندوب،
ولا يعيد الوتر، لكن فاته الافضل المفاد بحديث الصحيحين.
إمداد.
ولا يقال: إن من لم يثق بالانتباه فالتعجيل في حقه أفضل كما في الخانية، فإذا انتبه بعد ما عجل يتنفل ولا تفوته الافضلية.
لانا نقول: المراد بالافضلية في الحديث السابق هي المترتبة على ختم الصلاة بالوتر وقد، فاتت، والتي حصلها هي أفضلية التعجيل عند خوف الفوات على التأخير، فافهم وتأمل.
قوله: (يلحق به الربيع الخ) قاله في البحر بحثا.
وقال: لم أره.
وتعقبه في الامداد بما في مجمع الروايات من أنه كذلك في الربيع والخريف، يعجل بها إذا زالت الشمس، فبحث البحر(1/398)
مخالف للمنقول.
قوله: (يوم غيم) أي لئلا يقع العصر في التغير وتقل الجماعة في العشاء على احتمال المطر والطين.
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يندب التأخير في كل الاوقات، واختاره الاتقاني وفي شرح المجمع ودرر البحار والضياء أنه الاحوط لجواز الاداء بعد الوقت لا قبله: أي وفي تعجيله احتمال وقوعه قبله.
وقد يجاب بأن المراد بالتعجيل تأخيرهما قليلا بعد العلم بدخول الوقت، ولهذا قال في الحلية: المستحب تقديمهما يوم غيم على وقتهما المستحب يوم غيره.
تأمل.
قوله: (مطلقا) أي شتاء وصيفا وليس المراد من الاطلاق يوم غيم، ألا وإن أوهمته عبارته لانه غير المنصوص عليه ط.
قوله: (يكره تنزيها) أفاد أن المراد بالتعجيل أن لا يفصل بين الاذان والاقامة بغير جلسة أو سكتة على الخلاف، وأن ما في القنية من استثناء التأخير القليل محمول على ما دون الركعتين، وأن الزائد على القليل إلى اشتباك النجوم مكروه تنزيها، وما بعده تحريما إلا بعذر كما مر قال في شرح المنية: والذي اقتضته الاخبار كراهة التأخير إلى ظهور النجم وما قبله مسكوت عنه، فهو على الاباحة وإن كان المستحب التعجيل ا ه.
ونحوه ما قدمناه عن الحلية وما في النهر من أن ما في الحلية مبني على خلاف الاصح: أي المذكور في المبتغى بقوله: يكره تأخير المغرب في رواية.
وفي أخرى: لا، ما لم يغب الشفق.
والاصح الاول إلا لعذر ا ه.
فيه نظر لان الظاهر أن المراد بالاصح التأخير إلى ظهور النجم أو إلى غيبوبة الشفق، فلا ينافي أنه إلى ما قبل ذلك مكروه تنزيها لترك المستحب وهو التعجيل.
تأمل.
قوله: (وتأخير غيرهما فيه) أي في يوم غيم
يؤخر الفجر كباقي الايام، ويؤخر الظهر والمغرب بحيث يتيقن وقوعهما بعد الوقت قبل مجئ الوقت المكروه كما في الامداد.
قال في النهر: أما الفجر فلتكثير الجماعة، وأما غيره فلمخافة الوقوع قبل الوقت.
قوله: (هذا) أي ما ذكر من التعجيل في يوم غيم والتأخير فيه.
قوله: (ويقل رعاية أوقاتها) أي بعدم ظهور الشمس أو التوقيت بالساعات الفلكية ونحو ذلك ط.
قوله: (فيراعى الحكم الاول) أي المتقدم، وهو تأخير العصر مطلقا والعشاء إلى ثلث الليل وتعجيل ظهر الشتاء الخ.
قال أبو السعود: وهذا البحث للعيني، وأقره صاحب النهر ط.
مطلب: يشترط العلم بدخول الوقت تتمة: يشترط لصحة الصلاة دخول الوقت واعتماد دخوله كما في نور الايضاح وغيره، فلو شك في دخول وقت العبادة فأتى بها فبان أنه فعلها في الوقت لم يجزه كما في الاشباه في بحث النية، ويكفي في ذلك أذان الواحد لو عدلا، وإلا تحرى وبنى على غالب ظنه لما صرح به أئمتنا من أنه يقبل قول العدل في الديانات، كالاخبار بجهة القبلة والطهار والنجاسة والحل والحرمة، حتى لو أخبره ثقة ولو عبدا أو أمة، أو محدودا في قذف بنجاسة الماء، أو حل الطعام وحرمت قبل ولو فاسقا، أو مستورا يحكم رأيه في صدقه أو كذبه ويعمل به، لان غالب الرأي بمنزلة اليقين، بخلاف خبر الذمي حيث لا يقبل ا ه.
ومثله الصبي والمعتوه العاقلان في الاصح، ولا يخفى أن الاخبار عن دخول الوقت من العبادات، فيجري فيه هذا التفصيل، والله تعالى أعلم.
ثم رأيت في كتاب القول من (...) عن معين الحكام ما نصه: المؤذن يكفي إخباره بدخول الوقت إذا كان بالغا عاقلا عالما بالاوقات مسلما ذكرا ويعتمد على قوله ا ه.
وفي صيام القهستاني، وأما الافطار فلا يجوز بقول(1/399)
واحد بل بالمثنى.
وظاهر الجواب أنه لا بأس به إذا كان عدلا صدقه الخ.
قوله: (وحكم الاذان كالصلاة الخ) لانه سنة لها فيتبعها.
قوله: (وكره الخ) أورد أن بعض الصلوات لا تنعقد في هذه الاوقات فلا يناسبه التعبير بالكراهة.
وأجاب عنه في شرح المنية تبعا للفتح بجوابين، حيث قال: استعمل الكراهة هنا بالمعنى اللغوي فيشمل عدم الجواز وغيره مما هو مطلوب العدم، أو هو بالمعنى
العرفي.
والمراد كراهة التحريم لما عرف من أن النهي الظني الثبوت غير المصروف عن مقتضاه يفيد كراهة التحريم، وإن كان قطعي الثبوت فالتحريم وهو في مقابلة الفرض في الرتبة وكراهة التحريم في رتبة الواجب والتنزيه في رتبة المندوب، والنهي الوارد هنا من الاول فكان الثابت به كراهة التحريم، وهي إن كانت لنقصان في الوقت منعت الصحة فيما سببه كامل وإلا أفادت الصحة مع الاساءة ا ه.
وقد أشار الشارح إلى الجوابين مقدما الثاني منهما على الاول.
قوله: (مطلقا) فسره بما بعده.
قوله: (أو على جنازة) أي إذا حضرت في ذلك الوقت وكذا قوله وسجدة تلاوة أي إذا تليت فيه وإلا فلا كراهة كما سيذكره الشارح.
قوله: (وسجدة تلاوة) منصوب عطفا على الجار والمجرور الذي هو خبر كان المقدرة ح.
والاحسن رفعه عطفا على صلاة نائب فاعل كره ليكون مقابلا للصلاة، لان سجدة التلاوة ليست صلاة حقيقية، فافهم.
قوله: (وسهو) حتى لو سها في صلاة الصبح أو في قضاء فائتة بعد العصر فطلعت الشمس أو احمرت عقب السلام سقط عنه سجود السهو، لانلجبر النقصان المتمكن في الصلاة، فجرى مجرى القضاء وقد وجب كاملا فلا يتأدى في ناقص.
حلية.
قوله: (لا شكر.
قنية) هذا مذكور في غير محله، والمناسب ذكره عقب قوله الآتي وسجدة تلاوة لان عبارة القنية يكره أن يسجد شكرا بعد الصلاة في الوقت الذي يكره فيه النفل ولا يكره في غيره ا ه.
وفي النهر أن سجدة الشكر لنعمة سابقة ينبغي أن تصح أخذا من قولهم لانها وجبت كاملة، وهذه لم تجب ا ه.
فتحصل من كلام النهر مع كلام القنية أنها تصح مع الكراهة: أي لانها في حكم النافلة.
ثم قال في النهر عن المعراج: وأما ما يفعل عقب الصلاة من السجدة فمكروه إجماعا، لان العوام يعتقدون أنها واجبة أو سنة ا ه: أي وكل جائز أدى إلى اعتقاد ذلك كره.
قوله: (مع شروق) وما دامت العين لا تحار فيها فهي في حكم الشروق كما تقدم في الغروب أنه الاصح كما في البحر ح.
أقول: ينبغي تصحيح ما نقلوه عن الاصل للامام محمد من أنه ما لم ترتفع الشمس قدر رمح فهي في حكم الطلوع، لان أصحاب المتون مشوا عليه في صلاة العيد حيث جعلوا أول وقتها من الارتفاع، ولذا جزم به هنا في الفيض ونور الايضاح.
قوله: (فلا يمنعون من فعلها) أفاد أن المستثنى
المنع لا الحكم بعدم الصحة عندنا، فالاستثناء منقطع والضمير للصلاة والمراد بها صلاة الصبح.
قوله: (عند البعض) أي بعض المجتهدين كالامام الشافعي هنا.
قوله: (كما في القنية وغيرها) وعزاه صاحب المصفى إلى الامام حميد الدين عن شيخه الامام المحبوبي وإلى شمس الائمة الحلواني، وعزاه في القنية إلى الحلواني والنسفي، فسقط ما قيل: إن صاحب القنية بناه على مذهب المعتزلة(1/400)
من أن العامي له الخيار من كل مذهب ما يهواه.
والصحيح عندنا أن الحق واحد، وأن تتبع الرخص فسق ا ه.
قوله: (واستواء) التعبير به أولى من التعبير بوقت الزوال، لان وقت الزوال لا تكره فيه الصلاة إجماعا.
بحر عن الحلية: أي لانه يدخبه وقت الظهر كما مر.
وفي شرح النقاية للبرجندي: وقد وقع في عبارات الفقها أن الوقت المكروه هو عند انتصاف النهار إلى أن تزول الشمس، ولا يخفى أن زوال الشمس إنما هو عقيب انتصاف النهار بلا فصل، وفي هذا القدر من الزمان لا يمكن أداء صلاة فيه، فلعل المراد أنه لا تجوز الصلاة بحيث يقع جزء منها في هذا الزمان، أو المراد بالنهار الشرعي، وهو من أول طلوع الصبح إلى غروب الشمس، وعلى هذا يكون نصف النهار قبل الزوال بزمان يعتد به ا ه.
إسماعيل ونوح وحموي.
وفي القنية: واختلف في وقت الكراهة عند الزوال، فقيل من نصف النهار إلى الزوال لرواية أبي سعيد عن النبي (ص) أنه نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس.
قال ركن الدين الصباغي: وما أحسن هذا لان النهي عن الصلاة فيه يعتمد تصورها فيها ه.
وعزا في القهستاني القول بأن المراد انتصاف النهار العرفي إلى أئمة ما رواه النهر، وبأن المراد انتصاف النهر الشرعي وهو الضحوة الكبرى إلى الزوال إلى أئمة خوارزم.
قوله: (إلا يوم الجمعة) لما رواه الشافعي في مسنده؟ نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة قال الحافظ ابن حجر: في إسناده انقطاع، وذكر البيهقي له شواهد ضعيفة إذا ضمت قوي ا ه.
قوله: (المصحح المعتمد) اعترض بأن المتون والشروح على خلافه.
قوله: (ونقل الحلبي) أي صاحب الحلية العلامة المحقق ابن أمير حاج عن الحاوي: أي الحاوي القدسي كما رأيته فيه، لكن شراح الهداية انتصروا لقول
الامام.
وأجابوا عن الحديث المذكور بأحاديث النهي عن الصلاة وقت الاستواء فإنها محرمة، وأجاب في الفتح بحمل المطلق على المقيد، وظاهره ترجيح قول أبي يوسف، ووافقه في الحلية كما في البحر، لكن لم يعول عليه في شرح المنية والامداد، على أن هذا ليس من المواضع التي يحمل فيها المطلق على المقيد كما يعلم من كتب الاصول.
وأيضا فإن حديث النهي صحيح رواه مسلم وغيره فيقدم بصحته، واتفاق الائمة على العمل به وكونه حاظرا، ولذا منع علماؤنا عن سنة الوضوء وتحية المسجد وركعتي الطواف ونحو ذلك، فإن الحاظر مقدم على المبيح.
تنبيه: علم مما قررناه المنع عندنا وإن لم أره مما ذكره الشافعية من إباحة الصلاة في الاوقات المكروهة في حرم مكة استدلالا بالحديث الصحيح يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار فهو مقيد عندنا بغير أوقات الكراهة، لما علمته من منع علمائنا عن ركعتي الطواف فيها وإن جوزوا نفس الطواف فيها، خلافا لمالك كما صرح به في شرحه اللباب، والله أعلم.
ثم رأيت المسألة عندنا، قال في الضياء ما نصه: وقد قال أصحابنا: إن الصلاة في هذه الاوقات ممنوع منها بمكة وغيرها ا ه.
ورأيت في البدائع أيضا ما نصه: وما ورد من النهي إلا بمكة شاذ لا يقبل في معارضة المشهور، وكذا رواية استثناء يوم الجمعة غريب فلا يجوز تخصيص المشهور به ا ه.
ولله الحمد.
قوله: (وغروب) أراد به التغير كما صرح به في الخانية حيث قال: عند احمرار الشمس إلى أن تغيب.
بحر وقهستاني.
قوله: (إلا عصر يومه) قيد به لان عصر أمسه لا يجوز وقت التغير لثبوته في الذمة كاملا، لاستناد السببية فيه إلى جميع الوقت كما مر.
قوله: (فلا يكره فعله)(1/401)
لانه لا يستقيم إثبات الكراهة للشئ مع الامر به، وقيل الاداء أيضا مكروه ا ه.
كافي النسفي.
والحاصل أنهم اختلفوا في أن الكراهة في التأخير فقط دون الاداء أو فيهما، فقيل بالاول ونسبه في المحيط والايضاح إلى مشايخنا، وقيل بالثاني وعليه مشى الطحاوي والتحفة والبدائع والحاوي وغيرها على أنه المذهب بلا حكاية خلاف، وهو الاوجه لحديث مسلم وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: تلك صلاة المنافق: يجلس يرقب الشمس حتى إذا
كانت بين قرني الشيطان قام ينقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا ا ه.
حلية، وتبعه في البحر.
ولا يخفى أن كلا الشارح ماش على الاول لا الثاني، فافهم.
قال في القنية: ويستوفي سنة القراءة لان الكراهة في التأخير لا في الوقت ا ه.
قوله: (لادائه كما وجب) لان السبب هو الجزء الذي يتصل به الاداء، وهو هنا ناقص فقد وجب ناقصا فيؤدي كذلك.
وأما عصر أمسه فقد وجب كاملا، لان السبب فيه جميع الوقت حيث لم يحصل الاداء في جزء منه، لكن الصحيح الذي عليه المحققون أنه لا نقصان في ذلك الجزء نفسه بل في الاداء فيه لما فيه من التشبه بعبدة الشمس، ولما كان الاداء واجبا فيه تحمل ذلك النقصان، أما إذا لم يؤد فيه والحال أنه لا نقص في الوقت أصلا وجب الكامل، ولهذا كان الصحيح وجوب القضاء في كامل على من بلغ أو أسلم في ناقص ولم يصل فيه كما تقدم.
والحاصل كما في الفتح أن معنى نقصان الوقت نقصان ما اتصل به من فعل الاركان المستلزم للتشبه بالكفار، فالوقت لا نقص فيه، بل هو كغيره من الاوقات إنما النقص في الاركان فلا يتأدى بها ما وجب كاملا، وهذا أيضا مؤيد للقول بأن الكراهة في التأخير والاداء خلاف ما مشى عليه الشارح، وما ذكره في النهر بحثا لبعض الطلبة مذكور مع جوابه في شرح المنية وغيره، وأوضحاه فيما علقناه على البحر.
قوله: (بخلاف الفجر الخ) أي فإنه لا يؤدي فجر يومه وقت الطلوع، لان وقت الفجر كله كامل فوجبت كاملة، فتبطل بطرو الطلوع الذي هو وقت فساد.
قال في البحر: فإن قيل: روى الجماعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح أجيب بأن التعارض لما وقع بينه وبين النهي عن الصلاة في الاوقات الثلاثة رجعنا إلى القياس كما هو حكم التعارض، فرجحنا حكم هذا الحديث في صلاة العصر وحكم النهي في صلاة الفجر، كذا في شرح النقاية ا ه.
على أن الامام الطحاوي قال: إن الحديث منسوخ بالنصوص الناهية، وادعى أن العصر يبطل أيضا كالفجر وإلا لزم العمل ببعض الحديث وترك بعضه بمجرد قولنا طرأ ناقص على كامل في
الفجر، بخلاف عصر يومه مع أن النقص قارن العصر ابتداء والفجر بقا فيبطل فيهما.
وأجاب في البرهان بأن هذا الوقت سبب لوجوب العصر حتى يجب على من أسلم أو بلغ فيه، ويستحيل أن يكون سببا للوجوب ولا يصح الاداء فيه، وتمامه في حاشية نوح.
قوله: (وينعقد نفل الخ) لما كان قوله وكره شاملا للمكروه حقيقة والممنوع أتى بهذه الجملة بيانا لما أجمله ط.
واعلم أن ما يسمى صلاة ولو توسعا إما فرض أو واجب أو نفل، والاول عملي وقطعي،(1/402)
فالعملي الوتر، والقطعي كفاية وعين، فالكفاية صلاة الجنازة، والعين المكتوبات الخمس والجمعة والسجدة الصلبية، والواجب إما لعينه، وهو ما لا يتوقف وجوبه على فعل العبد، أو لغيره وهو ما يتوقف عليه، فالاول الوتر فإنه يسمى واجبا كما يسمى فرضا عمليا وصلاة العيدين وسجدة التلاوة، والثاني سجدتا السهو وركعتا الطواف وقضاء نفل أفسده والمنذور، والنفل سنة مؤكدة وغير مؤكدة.
واعلم أن الاوقات المكروهة نوعان: الاول: الشروق والاستواء والغروب.
والثاني: ما بين الفجر والشمس، وما بين صلاة العصر إلى الاصفرار، فالنوع الاول لا ينعقد فيه شئ من الصلوات التي ذكرناها إذا شرع بها فيه، وتبطل إن طرأ عليها، إلا صلاة جنازة حضرت فيها، وسجدة تليت آيتها فيها، وعصر يومه، والنفل، والنذر المقيد بها، وقضاء ما شرع به فيها ثم أفسده، فتنعقد هذه الستة بلا كراهة أصلا في الاولى منها، ومع الكراهة التنزيهية في الثانية، والتحريمية في الثالثة، وكذا في البواقي، لكن مع وجوب القطع والقضاء في وقت غير مكروه.
والنوع الثاني: ينعقد فيه جميع الصلوات التي ذكرناها من غير كراهة إلا النفل الواجب لغيره فإنه ينعقد مع الكراهة، فيجب القطع والقضاء في وقت غير مكروه ا ه.
ح.
مع بعض تغيير.
قوله: (لا ينعقد الفرض) أشار إلى ما في الخانية من نواقض الوضوء حيث قال: لو شرع في فريضة عند الطلوع أو الغروب سوى عصر يومه لم يكن داخلا في الصلاة، فلا تنتقض طهارته بالقهقهة، بخلاف ما لو شرع في التطوع ا ه.
قوله: (كواجب) عبارة القهستاني: كالفرائض والواجبات الفائتة، فقيد بالفائتة احترازا عما وجب فيها كالتلاوة والجنازة.
بقي لو شرع في صلاة العيد هل يكون داخلا في الصلاة نفلا أم لا تنعقد أصلا؟
الظاهر الاول، وسيصرح به في بابها، لان وقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح فقبل وقتها لم تجب فتكون نفلا.
تأمل.
قوله: (لعينه) هذا التقييد غير صحيح، فإنه يقتضي أن الواجب لغيره ينعقد في هذه الاوقات، وليس كذلك كما صرح به في البحر والقهستاني والنهر خلافا لما في نور الايضاح.
أفاده ح.
قوله: (وسجدة تلاوة الخ) معطوف على وتر في عبارة الشارح، وأصله الرفع في عبارة المتن عطفا على الفرض.
قال الشارح في الخزائن: وسجود السهو كالتلاوة، فيتركه لو دخل وقت الكراهة اه.
وقدمناه.
قوله: (وصلاة جنازة) فيه أنها تصح مع الكراهة كما في البحر عن الاسبيجابي وأقره في النهر ا ه.
ح.
قلت: لكن ما مشى عليه المصنف هو الموافق لما قدمناه عن ح في الضابط وللتعليل الآتي، وهو ظاهر الكنز والملتقى والزيلعي وبه صرح في الوافي وشرح المجمع والنقاية وغيرها.
قوله: (فلو وجبتا فيها) أي بأن تليت الآية في تلك الاوقات أو حضرت فيها الجنازة.
قوله: (أو تحريما) أفاد ثبوت الكراهة التنزيهية.
قوله: (وفي التحفة الخ) هو كالاستدراك على مفهوم قوله أي تحريما فإنه إذا كان الافضل عدم التأخير في الجنازة فلا كراهة أصلا، وما في التحفة أقره في البحر والنهر والفتح والمعراج لحديث ثلاث لا يؤخرن: منها الجنازة إذا حضرت وقال في شرح المنية: والفرق بينها وبين سجدة التلاوة ظاهر لان التعجيل فيها مطلوب مطلقا إلا لمانع، وحضورها في وقت مباح مانع من الصلاعليها في وقت مكروه، بخلاف حضورها في وقت مكروه وبخلاف(1/403)
سجدة التلاوة، لان التعجيل لا يستحب فيها مطلقا ا ه: أي بل يستحب في وقت مباح فقط، فثبتت كراهة التنزيه في سجدة التلاوة دون صلاة الجنازة.
قوله: (وصح تطوع بدأ به فيها) تكرار محض من قوله وينعقد نفل بشروع فيها ا ه.
ح وقد يجاب بأن المراد أنه يصح أداؤه فيها ويخرج به عن العهدة مع الكراهة، وما مر بيان لاصل الانعقاد وصحة الشروع فيه بحيث لو قهقه انتقض وضوءه، بخلاف الفرض كما قدمناه عن الخانية: تأمل.
قوله: (وقد نذره فيها) أي والحال أنه قد نذر إيقاعه فيها: أي في هذه الاوقات الثلاثة: أي في أحدها، أما لو نذره مطلقا فلا يصح أداؤه فيها.
قوله:
(لوجوبه) أي ما ذكره من المسائل الثلاثة.
قوله: (كما في البحر) وقال أيضا: وقول الزيلعي: والافضل أن يصلي في غيره، ضعيف، قوله: (عن البغية) بضم الباء الموحدة وكسرها: الشئ المبتغى: أي المطلوب، وهو هنا علم كتاب هو مختصر القنية، ذكره في البحر في باب شروط الصلاة ح.
قوله: (الصلاة فيها) أي في الاوقات الثلاثة، وكالصلاة الدعاء والتسبيح كما هو في البحر عن البغية.
قوله: (وكأنه الخ) من كلام البحر.
قوله: (فالاولى) أي فالافضل ليوافق كلام البغية، فإن مفاده أنه لا كراهة أصلا، لان ترك الفاضل لا كراهة فيه.
قوله: (وكره نفل الخ) شروع في النوع الثاني من نوعي الاوقات المكروهة وفيما يكره فيها، والكراهة هنا تحريمية أيضا كما صرح به في الحلية، ولذا عبر في الخانية والخلاصة بعدم الجواز، والمراد عدم الحل لا عدم الصحة كما لا يخفى.
قوله: (قصدا) احترز به عما لو صلى تطوعا في آخر الليل، فلما صلى ركعة طلع الفجر فإن الافضل إتمامها، لان وقوعه في التطوع بعد الفجر لا عن قصد ولا ينوبان عن سنة الفجر على الاصل.
قوله: (ولو تحية مسجد) أشار به إلى أنه لا فرق بين ما له سبب أو لا كما في البحر، خلافا للشافعي فيما له سبب كالرواتب وتحية المسجد ط.
قوله: (وكل ما كان واجبا الخ) أي كان ملحقا بالنفل، بأن ثبت وجوبه بعارض بعد ما كان نفلا.
قوله: (على فعله) أي فعل العبد، والاولى إظهاره مثلا المنذور يتوقف على النذر وركعتا الطواف على الطواف وسجدتا السهو على ترك الواجب الذي هو من جهته ا ه ط.
ويرد عليه سجود التلاوة فإنه يتوقف وجوبه على التلاوة.
وأجاب في الفتح بأن وجوبه في التحقيق معلق بالسماع لا بالاستماع ولا بالتلاوة، وذلك ليس فعلا من المكلف بل وصف خلقي فيه، بخلاف النذر والطواف والشروع فإنها فعله ولولاه كانت الصلاة نفلا ا ه.
قال في شرح المنية: لكن الصحيح أن سبب الوجوب في حق التالي التلاوة دون السماع، وإلا لزم عدم الوجوب على الاصم بتلاوته ا ه.
ونحوه في البحر.
وقد يجاب بأنه وإن كان بفعله لكنه ليس أصله نفلا، لان التنفل بالسجدة غير مشروع، فكانت واجبة بإيجاب الله تعالى لا بالتزام العبد، وتمامه في شرح المنية.
قوله: (وركعتي طواف) ظاهره ولو(1/404)
كان الطواف في ذلك الوقت المكروه ولم أره صريحا، ويدل عليه ما أخرجه الطحاوي في شرح الآثار عن معاذ بن عفراء أنه طاف بعد العصر أو بعد صلاة الصبح ولم يصل، فسئل عن ذلك.
فقال: نهى رسول الله (ص) عن صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ثم رأيته مصرحا به في الحلية وشرح اللباب.
قوله: (وسجدتي سهو) أقول: تبع فيه صاحب المجتبى، ولم يظهر لي معناه هل هو على إطلاقه أو مقيد ببعض الصلوات، فإنه لا وجه لكراهة سجود السهو فيما لو صلى الفجر أو العصر وسها فيهما، وكذا لو قضى بعدهما فائتة وسها فيها فإنه إذا حل له أداء تلك الصلاة كيف لا يحل له سجود السهو الواجب فيها؟ ولعله اشتبه النوع الثاني من الاوقات بالنوع الاول، فإن ذكر سجود السهو نحو النوع الاول صحيح وقد مر، بخلاف ذكره هنا، إلا أن يقال: إنه مقيد ببعض الصلوات وهي التي تكره في هذا النوع كالنفل والواجب لغيره، فكما يكره فعلها يكره سجود السهو فيها، ثم رأيت الرحمتي جزم بأن ذلك سهو، فتأمل وراجع.
قوله: (ولو سنة الفجر) أي ولو كان الذي شرع فيه ثم أفسده سنة الفجر فإنه لا يجوز على الاصح، وما قيل من الحيل مردود كما سيأتي.
قوله: (بعد صلاة فجر وعصر) متعلق بقوله وكره أي وكره نفل الخ بعد صلاة فجر وعصر: أي إلى ما قبيل الطلوع، والتغير بقرينة قوله السابق لا ينعقد الفرض الخ ولذا قال الزيلعي هنا: المراد بما بعد العصر قبل تغير الشمس، وأما بعده فلا يجوز فيه القضاء أيضا وإن كان قبل أن يصلي العصر ا ه.
قوله: (ولو المجموعة بعرفة) عزاه في المعراج إلى المجتبى.
وفي القنية إلى مجد الائمة الترجماني وظهير الدين المرغيناني، وذكره في الحلية بحثا، وقال: لم أره صريحا وتبعه في البحر.
قوله: (ولو وترا) لانه على قوله واجب يفوت الجواز بفوته، وهو معنى الفرض العملي، وعلى قولهما سنة مخالفة لغيرها من السنن، ولذا قالا: لا تصح من قعود، وعن هذا قال في القنية: الوتر يقضى بعد الفجر بالاجماع بخلاف سائر السنن.
قوله: (أو سجدة تلاوة) لوجوبها بإيجابه تعالى لا بفعل العبد كما علمته فلم تكن في معنى النفل.
قوله: (لشغل الوقت به) أي بالفجر: أي بصلاته، ففي العبارة استخدام، ط: أي لان المراد بالفجر
الزمن لا الصلاة، ثم هذا علة لقوله وكره وفيه جواب عما أورده من أن قوله (ص): لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس رواه الشيخان يعم النفل وغيره وجوابه أن النهي هنا لنقصان في الوقت بل ليصير الوقت كالمشغول بالفرض فلم يجز النفل، ولا ما ألحق به مما ثبت وجوبه بعارض بعد ما كان نفلا دون الفرائض وما في معناها بخلاف النهي عن الاوقات الثلاثة فإنه لمعنى في الوقت وهو كونه منسوبا للشيطان فيؤثر في الفرائض والنوافل وتمامه في شروح الهدابة.
قوله: (حتى لو نوى الخ) تفريع على ما ذكره من التعليل: أي وإذا كان المقصود كون الوقت مشغولا بالفرض تقديرا وسنته تابعة له، فإذا تطوع انصرف تطوعه إلى سنته لئلا يكون آتيا بالمنهي عنه.
فتأمل.
قوله: (بلا تعيين) لان الصحيح المعتمد عدم اشتراطه في السنن الرواتب، وأنها تصح بنية النفل وبمطلق النية، فلو تهجد بركعتين يظن بقاء الليل فتبين أنهما بعد(1/405)
الفجر كانتا عن السنة على الصحيح فلا يصليها بعده، للكراهة.
أشباه.
قوله: (وقبل صلاة مغرب) عليه أكثر أهل العلم، منهم أصحابنا ومالك وأحد الوجهين عن الشافعي، لما ثبت في الصحيحين وغيرهما مما يفيد أنه (ص) كان يواظب على صلاالمغرب بأصحابه عقب الغروب، ولقول ابن عمر رضي الله عنهما ما رأيت أحدا على عهد رسول الله (ص) يصليهما رواه أبو داود وسكت عنه والمنذري في مختصره وإسناده حسن، وروى محمد عن أبي حنيفة عن حماد أنه سأل إبراهيم النخعي عن الصلاة قبل المغرب، قال: فنهى عنها، وقال: إن رسول الله (ص) وأبا بكر وعمر لم يكونوا يصلونها وقال القاضي أبو بكر بن العربي: اختلف الصحابة في ذلك ولم يفعله أحد بعدهم، فهذا يعارض ما روي من فعل الصحابة ومن أمره (ص) بصلاتهما، لانه إذا اتفق الناس على ترك العمل بالحديث المرفوع لا يجوز العمل به لانه دليل ضعفه على ما عرف في موضعه، ولو كان ذلك مشتهرا بين الصحابة لما خفي على ابا عمر، أو يحمل ذلك على أنه كان قبل الامر بتعجيل المغرب، وتمامه في شرحي المنية وغيرهما.
قوله: (لكراهة تأخيره) الاولى تأخيرها: أي الصلاة، وقوله إلا يسيرا أفاد أنه ما دون صلاة ركعتين بقدر جلسة، وقدمنا أن الزائد عليه مكروه تنزيها ما
لم تشتبك النجوم، وأفاد في الفتح وأقره في الحلية والبحر أن صلاة ركعتين إذا تجوز فيها لا تزيد على اليسير فيباح فعلهما، وقد أطال في تحقيق ذلك في الفتح في باب الوتر والنوافل.
تنبيه: يجوز قضاء الفائتة وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة في هذا الوقت بلا كراهة، ويبدأ بصلاة المغرب ثم بالجنازة ثم بالسنة، ولعله لبيان الافضلية.
وفي الحلية: الفتوى على تأخير صلاة الجنازة عن سنة الجمعة، فعلى هذا تؤخر عن سنة المغرب لانها آكد ا ه.
بحر.
وصرح في الحاوي القدسي بكراهة المنذورة وقضاء ما أفسده والفائتة لغير صاحب ترتيب، وهو تقييد حسن، وبقي ركعتا الطواف فتكره أيضا كما صرح به في الحلية، ويفهم من كلام المصنف أيضا، فإن قوله وقبل صلاة مغرب معطوف على قوله بعد طلوع فجر فيكره في الثاني جميع ما يكره في الاول، نعم صرح في شرح اللباب أنه لو طاف بعد صلاة العصر يصلي ركعتيه قبل سنة المغرب كالجنازة.
قوله: (وعند خروج إمام) لحديث الصحيحين وغيرهما إذا قلت لصاحبك انصت والامام يخطب فقد لغوت فإذا نهي عن الامر بالمعروف وهو فرض فما ظنك بالنفل؟ وهذا قول الجمهور من أهل العلم كما قاله ابن بطال منهم أصحابنا ومالك، وذكره ابن أبي شيبة عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وغيرهم من التابعين، فما روي مما يدل على الجواز كان قبل التحريم فلا يعارض أدلة المنع، وتمام الادلة في شرحي المنية وغيرهما، ثم هذا معطوف على مقبله فيكره فيه ما يكره فيه كما بينا.
قوله: (لخطبة ما) أتى به ما لتعميم الخطبة، وشمل ما إذا كان ذلك قبلها وبعدها، سواء أمسك الخطيب عنها أم لا.
بحر.
قوله: (وسيجئ أنها عشر) أي في باب العيدين، وهي: خطبة جمعة وفطر وأضحى، وثلاث خطب الحج، وختم ونكاح، واستسقاء وكسوف، والمراد تعداد الخطب المشروعة في الجملة، وإلا فخطبة الكسوف مذهب الشافعي، والظاهر عدم كراهة التنفل فيها عند الامام لعدم مشروعيتها عنده، وبه صرح في الحلية، وكذا خطبة الاستسقاء مذهب الصاحبين، فيقال فيها كذلك وقد يجاب بما في القهستاني حيث نقل رواية عن الامام بمشروعية خطبة الكسوف، ولعل(1/406)
من ذكرها كالخانية وغيرها جنح إلى هذه الرواية، فصح كونها عشرا عندنا، ولا يخفى أن قوله
خروج إمام من الحجرة وقيامه للصلاة قيد فيما يناسبه منها وهو ما عدا خطبة النكاح وخطبة ختم القرآن، فافهم.
وعلة الكراهة في الجميع تفويت لاستماع الواجب فيها كما صرح به في المجتبى.
قوله: (وقيدها) أي قيد الفائتة التي لا تكره حال الخطبة ط.
قوله: (بين كلامي النهاية والصدر) فإن صدر الشريعة يقول: تكره الفائتة، وصاحب النهاية يقول: لا تكره كما في شرح المصنف ح.
قوله: (عند إقامة صلاة مكتوبة) أطلقها مع أنه قيدها في الخانية والخلاصة، وأقره في الفتح وغيره من الشراح بيوم الجمعة، وتبعهم في شرح المنية وقال: وأما في غير الجمعة فلا يكره بمجرد الاخذ بالاقامة ما لم يشرع الامام في الصلاة ويعلم أنه يدركه في الركعة الاولى وكان غير مخالط للصف بلا حائل.
والفرق أنه في الجمعة لكثرة الاجتماع لا يمكن غالبا بلا مخالطة للصف ا ه.
ملخصا.
وسيأتي في باب إدراك الفريضة.
مطلب في تكرار الجماعة والاقتداء بالمخالف قوله: (أي إقامة إمام مذهبه) قال الشارح في هامش الخزائن: نص على هذا مولانا منلا علي شيخ القراء بالمسجد الحرام في شرحه على لباب المناسك ا ه.
وهو مبني على أنه لا يكره تكرار الجماعة في مسجد واحد، وسيذكر في الاذان، وكذا في باب الامامة ما يخالفه وقد ألف جماعة من العلماء رسائل في كراهة ما يفعل في الحرمين الشريفين وغيرهما من تعداد الائمة والجماعات، وصرحوا بأن الصلاة مع أول إمام أفضل، ومنهم صاحب المنسك المشهور العلامة الشيخ رحمة الله السندي تلميذ المحقق ابن الهمام.
فقد نقل عن العلامة الخير الرملي في باب الامامة أن بعض مشايخنا سنة إحدى وخمسين وخمسمائة أنكر ذلك منهم الشريف الغزنوي، وأن بعض المالكية في سنة خمسين وخمسمائة أفتى بمنع ذلك على المذاهب الاربعة، ونقل عن جماعة من علماء المذاهب إنكار ذلك أيضا ا ه.
لكن ألف العلامة الشيخ إبراهيم البيري شارح الاشباه رسالة سماها الاقوال المرضية) أثبت فيها الجواز وكراهة الاقتداء بالمخالف، لانه وإن راعى مواضع الخلاف لا يترك ما يلزم من تركه مكروه مذهب: كالجهر بالبسملة، والتأمين، ورفع اليدين، وجلسة الاستراحة، والصلاة على النبي (ص) في القعدة الاولى،
ورؤيته السلام الثاني سنة، وغير ذلك مما تجب فيه الاعادة عندنا أو تستحب، وكذا ألف العلامة الشيخ علي القاري رسالة سماها (الاهتداء في الاقتداء) أثبت فيها الجواز، لكن نفى فيها كراهة الاقتداء بالمخالف إذا راعى في الشروط والاركان فقط، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى في باب الامامة.
قوله: (لحديث الخ) رواه مسلم وغيره.
قال ط: ويستثنى من عمومه الفائتة واجبة الترتيب فإنها تصلى مع الاقامة.
قوله: (إلا سنة فجر) لما روى الطحاوي وغيره عن ابن مسعود أنه دخل المسجد وأقيمت الصلاة فصلى ركعتي الفجر في المسجد إلى أسطوانة وذلك بمحضر حذيفة وأبي موسى، ومثله عن عمر وأبي الدرداء وابن عباس وابن عمر كما أسنده الحافظ الطحاوي في شرح الآثار، ومثله عن الحسن ومسروق والشعبي.
شرح المنية.
قوله: (ولو بإدراك شهدها) مشى في(1/407)
هذا على ما اعتمده المصنف والشرنبلالي تبعا للبحر، لكن ضعفه في النهر، واختار ظاهر المذهب من أنه لا يصلي السنة إلا إذا علم أنه يدرك ركعة، وسيأتي في باب إدراك الفريضة ح.
قلت: وسنذكر هناك تقوية ما اعتمده المصنف عن ابن الهمام وغيره.
قوله: (تركها أصلا) أي لا يقضيها قبل الطلوع ولا بعده، لانها لا تقضى إلا مع الفرض إذا فات، وقضى قبل زوال يومها ح.
قوله: (وما ذكر من الحيل) وهي أن يشرع فيها فيقطعها قبل الطلوع، أو يشرع فيها ثم يشرع في الفرض من غير قطعها ثم يقضيها قبل الطلوع.
ورده من وجهين: الاول: أن الامر بالشروع للقطع قبيح شرعا وفي كل منهما قطع.
والثاني: أن فيه فعل الواجب لغيره في وقت الفجر وأنه مكروه كما تقدم ح.
قوله: (وكذا يكره غير المكتوبة) فيه للعهد: أي المكتوبة الوقتية، فشملت الكراهة النفل والواجب والفائتة ولو كان بينها وبين الوقتية ترتيب، وكذلك أل في الوقت للعهد: أي الوقت المعهود الكامل وهو المستحب، لما سيأتي في باب قضاء الفوائت من أن الترتيب يسقط بضيق الوقت المستحب، ولو قال: وكذا يكره غير الوقتية عند ضيق الوقت المستحب لكان أولى، أفاده ح.
تنبيه: رأيت بخط الشارح في هامش الخزائن ولو تنفل ظانا سعة الوقت ثم ظهر أنه إن أتم
شفعا يفوت الفرض لا يقطع كما لو تنفل ثم خرج الخطيب، كذا في آخر شرح المنية ا ه.
فتأمل.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان في المسجد أو في البيت بقرينة التفصيل في مقابله ح.
قوله: (في الاصح) رد على من يقول: لا يكره في البيت مطلقا سواء كان قبلها أو بعدها، وعلى من يقول لا يكره بعدها مطلقا سواء كان في المسجد أو في البيت ح.
قوله: (وبين صلاتي الجمع) أي جمع العصر مع الظهر تقديما في عرفة، وجمع المغرب مع العشاء تأخيرا في مزدلفة.
قوله: (وكذا بعدهما) ضمير التثنية راجع إلى صلاتي الجمع الكائن بعرفة فقط لا بمزدلفة أيضا وإن أوهمه كلامه لعدم كراهة النفل بعد صلاتي الجمع بمزدلفة، ويدل على أن هذا مراده قوله كما مر أي قريبا في قوله ولو المجموعة بعرفة فلو قدم قوله وكذا بعدهما كما مر على قوله ومزدلفة لسلم من الايهام، ولو أسقطه أصلا لسلم من التكرار ح.
وذكر الرحمتي ما يفيد ثبوت الخلاف عندنا في كراهة التنفل بعد صلاتي المغرب والعشاء في المزدلفة، لكن الذي جزم به في شرح اللباب أنه يصلي سنة المغرب والعشاء والوتر بعدهما وقال: كما صرح به مولانا عبد الرحمن الجامي في منسكه.
تأمل.
قوله: (تاقت نفسه إليه) إي اشتقات ح عن القاموس.
وافهم أنه إذا لم تشتق إليه لا كراهة، وهو ظاهر ط.
قوله: (ما يشغباله) بفتح الغين المعجمة.
والبال: القلب، وهذا من عطف العام على الخاص لشموله للمدافعة وحضور الطعام، وإنما نص عليهما لوقوع التنصيص عليهما بخصوصهما في الاحاديث، أفاده في الحلية، فافهم.
قوله: (ويخل بخشوعها) عطف لازم على ملزوم فافهم.
قال ط: ومحل الخشوع القلب، وهو فرض عند أهل الله تعالى، وورد في الحديث أن الانسان ليس له من صلاته إلا بقدر ما استحضر فيها، فتارة يكون له عشرها أو أقل أو أكثر.(1/408)
مطلب في إعراب كائنا ما كان قوله: (كائنا ما كان) في هذا التركيب أعاريب ذكرتها في رسالتي المسماة به الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة أظهرها أن كائنا مصدر الناقصة حال وفيه ضمير يعود على الشاغل هو اسمها، وما خبرها، وهي نكرة موصوفة بكان التامة: أي حاكون الشاغل شيئا متصفا بصفة
الوجود، والمعنى: تعليق الكراهة على أي شاغل وجد لا بقيد زائد على قيد الوجود.
قوله: (فهذه نيف وثلاثون وقتا) بفتح النون وكسر التحتية مشددة وقد تخفف وفي آخره فاء: ما زاد على العقد إلى أن يبلغ العقد الثاني كما في القاموس، والمراد هنا ثلاثة وثلاثون على ما يظهر، وهي: الشروق، الاستواء، الغروب، بعد صلاة فجر أو عصر، قبل صلاة فجر أو مغرب، عند الخطب العشرة، عند إقامة مكتوبة وضيق وقتها، قبل صلاة عيد فطر وبعدها في مسجد، وقبل صلاة عيد أضحى، وبعدها في مسجد بين صلاتي جمع عرفة، وبعدهما بين جمع مزدلفة، عند مدافعة بول أو غائط أو كل منهما أو ريح، عند طعام يتوقه، عند كل ما يشغل البال، وما بعد نصف الليل لاداء العشاء لا غير، عند اشتباك نجوم لاداء المغرب فقط.
واعلم أنا قدمنا أن النهي في الثلاثة الاول لمعنى في الوقت، ولهذا أثر في الفرض والنفل وفي البواقي لمعنى في غيره، ولهذا أثر في النوافل دون الفرائض وما في معناها، وبه صرح في العناية وغيرها، لكن كون النهي في البواقي مؤثرا في النوافل إنما يظهر إذا لم يتعلق بخصوص صلاة الوقت كما في الاخيرين، فإن المكر وفيهما الصلاة الوقتية فقط دون غيرها، فإن في تأخير العشاء إلى ما بعد النصفتقليل الجماعة، وفي تأخير المغرب إلى الاشتباك تشبها باليهود كما صرحوا به وذلك خاص بهما، وقدمنا أن الصحيح أنه لا كراهة في الوقت نفسه، وأن الاوجه كما حققه في البحر تبعا للحلية كون الكراهة في كل من التأخير والاداء لا في التأخير فقط، فافهم.
قوله: (وكذا تكره الخ) لما ذكر الكراهة في الزمان استطرد ذكر الكراهة في المكان، وإلا فمحل ذلك مكروهات الصلاة.
قوله: (كفوق كعبة الخ) أي لما فيه من ترك تعظيمها المأمور به، وقوله وفي طريق لان فيه منع الناس من المرور وشغله بما ليس له لانها حق العامة للمرور، ولما رواه ابن ماجة والترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في سبعة مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، ومعاطن الابل، وفوق ظهر بيت الله ا ه.
ومعاطن الابل: مباركها، جمع معطن: اسم مكان، والمزبلة بفتح الميم مع فتح الباء وضمها: ملقى الزبل، والمجزرة بفتح الميم مع فتح الزاي وضمها أيضا: موضع الجزارة: أي فعل
الجزار: أي القصاب.
إمداد.
قوله: (ومقبرة) مثلث الباء ح.
واختلف في علته، فقيل: لان فيها(1/409)
عظام الموتى وصديدهم وهو نجس وفيه نظر، وقيل لان أصل عبادة الاصنام اتخاذ قبور الصالحين مساجد، وقيل لانه تشبه باليهود.
وعليه مشى في الخانية.
ولا بأس بالصلاة فيها إذا كان فيها موضع أعد للصلاة وليس فيه قبر ولا نجاسة كما في الخانية ولا قبلته إلى قبر.
حلية.
قوله: (ومغتسل) أي موضع الاغتسال في بيته.
تأمل.
قوله: (حمام) لمعنيين: أحدهما: أنه مصب الغسالات.
والثاني: أنه بيت الشياطين، فعلى الاول إذا غسل منه موضعا لا تكره، وعلى الثاني تكره، وهو الاولى لاطلاق الحديث إلا لخوف فوت الوقت ونحوه.
إمداد، لكن في الفيض أن المفتى به عدم الكراهة.
وأما الصلاة خارجة: أي موضع جلوس الحمامي، ففي الخانية لا بأس بها، وفي الحلية أنه يتفرع على المعنى الثاني الكراهة خارجه أيضا، وفيها أيضا: لو هجر الحمام، قيل يحتمل بقاء الكراهة استصحابا لما كان، ويحتمل زوالها لان الشيطان كان يألفه لما فيه من كشف العورات ونحو ذلك، والاول أشبه، ولن لم يسق إليه الماء ولم يستعمل فالاشبه عدمها لانه مشتق من الحميم: وهو الماء الحار ولم يوجد فيه.
وعليه لو اتخذ دارا للسكن كهيئة الحمام لم تكره الصلاة أيضا ا ه.
مطلب: تكره الصلاة في الكنيسة تنبيه: يؤخذ من التعليل بأنه محل الشياطين كراهة الصلاة في معابد الكفار لانها مأوى الشياطين كما صرح به الشافعية، ويأخذ مما ذكروه عندنا، ففي البحر من كتاب الدعوى عند قول الكنز: ولا يحلفون في بيت عباداتهم.
في التاترخانية: يكره للمسلم الدخول في البيعة والكنيسة، وإنما يكره من حيث إنه مجمع الشياطين لا من حيث إنه ليس له حق الدخول ا ه.
قال في البحر، والظاهر أنها تحريمية لانها المرادة عند إطلاقهم، وقد أفتيت بتعزير مسلم لازم الكنيسة مع اليهود ا ه.
فإذا حرم الدخول فالصلاة أولى، وبه ظهر جهل من يدخلها لاجل الصلاة فيها.
قوله: (وبطن واد) أي ما انخفض من الارض، فإن الغالب احتواؤه على نجاسة يحملها إليه السيل أو تلقى فيه ط.
قوله: (ومعاطن إبل وغنم) كذا في الاحكام للشيخ إسماعيل عن الخزانة السمرقندية، ثم نقل عن الملتقط
أنها لا تكره في مرابض الغنم إذا كان بعيدا من النجاسة.
وفي الحلية قال (ص): صلوا في مرابض الغنم لا تصلوا في أعطان الابل رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وأخرج أبو داود سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الابل؟ فقال: لا تصلوا في مبارك الابل فإنها من الشياطين وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال: صلوا فيها فإنها خلقت من بركة وأخرجه مسلم مختصرا.
ومعاطن الا به: وطنها ثم غلب على مبركها حول الماء.
والاولى الاطلاق كما هو ظاهر الحديث.
ومرابض الغنم: مواضع مبيتها ا ه.
والظاهر أن معنى كون الابل من الشياطين أنها خلفت على صفة تشبههم من النفور والايذاء، فلا يأمن المصلي من أن تنفر وتقطع عليه صلاته كما قاله بعض الشافعية: أي فيبقى باله مشغولا حال سجوده، وبهذا فارقت الغنم.
ويظهر من التعليل أنه لا كراهة في معاطن الابل الطاهرة حال غيبتها.
تنبيه: استشكل بعضهم التعليل بأنها خلقت من الشياطين بما ثبت أن المصطفى (ص) كان يصلي النافلة على بعيره.
وفرق بعضهم بين الواحد وكونها مجتمعة بما طبعت عليه من النفار المفضي إلى تشويش القلب بخلاف الصلاة على المركوب منها ا ه شبراملسي على شرح المنهاج للرملي.(1/410)