فإن تركها) أي التسمية (عمدا أو سهوا لم يبح) الصيد(1) لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم «إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل» متفق عليه(2).
ولا يضر إن تقدمت لتسمية بيسير(3) وكذا إن تأخرت بكثير، في جارح، إذا زجره فانزجر(4) ولو سمى على صيد فأصاب غيره حل(5) لا على سهم ألقاه ورمى بغيره(6) بخلاف ما لو سمى على سكين ثم ألقهاها وذبح بغيرها(7).
__________
(1) وكذا جهلا، فلا تسقط بحال، بخلاف الذكاة، فإن التسمية تسقط فيها سهوا، والفرق بينهما: كثرة الوقوع وتكرره، بخلاف الصيد.
(2) فمفهومه: إذا لم تذكر اسم الله عليه فلا تأكل.
(3) أي ولا يضر تقديم التسمية عند إرسال السهم، أو الجارحة بزمن يسير عرفا، كالعبادات، وكذا لو تأخرت بزمن يسير عرفا.
(4) عند التسمية إقامة لذلك مقام ابتداء إرساله.
(5) أي المصاب ولو كانت التسمية على غيره.
(6) فلا يحل المصيد، لأنه لما لم يمكن اعتبار التسمية على صيد بعينه، اعتبرت على آلته.
(7) فيحل لأن التسمية في جانب الصيد واقعة على السهم، لا على الصيد
لعدم حضوره بين يديه، بل قد لا يصاب وفي جانب الذكاة، التسمية واقعة على الذبيحة نفسها، لا على السكين فلا يضر الذبح بغيرها.(13/410)
(ويسن أن يقول معها) أي مع باسم الله (الله أكبر كـ) ما في (الذكاة)(1) لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح يقول «بسم الله والله أكبر» وكان ابن عمر يقوله(2) ويكره الصيد للهو(3) وهو أفضل مأكول(4) والزراعة أفضل مكتسب(5).
كتاب الإيمان(6)
__________
(1) أي كما يسن مع التسمية عند الذكاة قول الله أكبر.
(2) أي ويسن أن يقول عند إرسال الآلة، أو الجارحة بسم الله والله أكبر كما يسن ذلك عند الذبح، قياسا عليه، وتقدم في الهدي والأضاحي.
(3) لأنه عبث، وإن كان فيه ظلم للناس، بالعدوان على زروعهم، وأموالهم فحرام، والصيد لحاجة الإنسان جائز، وتقدم، أن الله حرم صيد الحرم، وأن المحرم لا يباح له أن يصيد، ولا يحل له أكل ما صيد لأجله.
(4) لأنه حلال، لا شبهة فيه.
(5) لأنها أقرب إلى المتوكل من غيرها، وأقرب للحل، وفيها عمل اليد، والنفع العام، لابد أن يؤكل منها بلا عوض، وقيل: عمل الرجل بيده، لحديث «أفضل الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور»، وتقدم، وقيل التجارة، ولعله يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، ويسن التكسب، ومعرفة أحكامه ويباح كسب الحلال، لزيادة المال والجاه، والترفه والتنعم، والتوسعة على العيال، مع سلامة الدين والعرض، والمروءة وبراءة الذمة، ويجب على من لا قوت له، وعلى من تلزمه مؤونته، ويكره تركه، والاتكال على الناس.
وقال بعض أهل العلم: الكسب الذي لا يقصد به التكاثر، وإنما يقصد به التوسل إلى طاعة الله من الصلة والتعفف، فهو أفضل، حتى من التفرغ للعبادة، ويستحب الغرس والحرث، واتخاذ الغنم، للخبر.
(6) أي هذا كتاب يذكر فيه أحكام الإيمان، وكفاراتها، والأصل فيها، الكتاب والسنة والإجماع.
وأصل اليمين: اليد المعروفة، سمي الحلف بها، لأن الحالف يعطي يمينه فيه، ويضرب بها على يمين صاحبه، كما في العهد والمعاقدة.(13/411)
جمع يمين(1) وهي الحلف والقسم(2) (واليمين التي تجب بها الكفارة إذا حنث) فيها (هي اليمين) التي يحلف فيها (بـ) اسم (الله) الذي لا يسمى به غيره، كالله، والقديم الأزلي(3) والأول الذي ليس قبله شيء(4).
__________
(1) أي: والأيمان جمع يمين، واليمين: توكيد الحكم المحلوف عليه، بذكر معظم على وجه مخصوص.
(2) بفتح القاف والسين، وكذا الإيلاء، بألفاظ مخصوصة، تأتي أمثلتها.
(3) فالأسم الشريف، علم على ربنا تبارك وتعالى، لا يسمى به غيره، وهو سبحانه القديم بأسمائه وصفاته، الأزلي، لم يزل ولا يزال سبحانه وتعالى.
(4) كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في دعائه أنت الأول فليس قبلك شيء.(13/412)
والآخر الذي ليس بعده شيء(1) وخالق الخلق(2) ورب العالمين(3) والرحمن(4)، أو الذي يسمى به غيره، ولم ينو الغير(5) كالرحيم والخالق(6) والرازق والمولى(7) (أو) بـ (صفة من صفاته) تعالى كوجه الله، وعظمته، وكبريائه، وجلاله وعزته(8).
__________
(1) كما في الخبر، والحي الذي لا يموتي قال تعالى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ } .
(2) وفاطر السموات والأرض.
(3) ورازق العالمين، والعالم بكل شيء، ومالك يوم الدين.
(4) لقوله { قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ } فجعل اللفظين سواء في الدعاء فكانا سواء في الحلف، ونحو ذلك، مما لا يسمى به غيره، تبارك وتعالى.
(5) بل أطلق فإطلاقه ينصرف إلى الله تعالى، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على أن اليمين بالله تعالى، منعقدة بأسماء الله الحسنى، كالرحمن والرحيم والحي، وغيرها.
(6) والعظيم والرب قال تعالى عن نبيه { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } وقال في حق عيسى { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي } .
(7) والقادر، قال تعالى: { فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ } وقولهم: المولى المعتق، والقادر باكتسابه فإن نوى به الحلف بالله تعالى، أو أطلق ولم ينو سوى الله تبارك وتعالى، كان يمينا لأنه بإطلاقه ينصرف إلى الله جل وعلا، فإن نوى به غيره، فليس بيمين لأنه يستعمل في غيره.
(8) وعلوه، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على أن اليمين منعقدة بجميع صفات الله تعالى كعزة الله وجلاله، إلا أبا حنيفة استثنى علم الله، فلم يره يمينا.(13/413)
وعهده وأمانته(1) وإرادته(2) (أو بالقرآن أو بالمصحف)(3) أو بسورة أو آية منه(4) ولعمر الله يمين(5).
__________
(1) عهد الله يمين، قال ابن عبد البر، لا خلاف في ذلك، إلا عمن لا يعتد بقوله، وكذا ميثاقه وكذا علي عهد الله وميثاقه، والحلف بأمانة الله يمين، وفاقا لمالك وأبي حنيفة، وقال الشافعي، لا تنعقد اليمين بأمانة الله، إلا أن ينوي الحلف بصفة الله، لأن الأمانة يراد بها: الفرائض والودائع.
(2) وقدرته جبروته، ونحو ذلك، مما هو صريح في مقصوده ولا يفتقر إلى نية.
(3) أي: أو حلف بالقرآن أو بكلام الله، فيمين لأنه صفة من صفات الله أو حلف بالمصحف، فيمين لأنه عبارة عما في دفتي المصحف، بالإجماع.
(4) أو بحق القرآن أو بالتوراة أو الإنجيل أو الزبور، أو صحف إبراهيم أو موسى، لأنه حلف بصفة من صفات الله، فوجبت الكفارة مع الحنث.
(5) بفتح العين وضمها، الحياة والبقاء، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، وقول لعمرك، جري على رسم اللغة، وذكر صورة القسم، لتأكيد مضمون الكلام وترويجه فقط، لأنه أقوى من سائر المؤكدات، وأسلم من التأكيد بالقسم بالله لوجوب البر به، وليس الغرض اليمين الشرعي، فصورة القسم على الوجه المذكور: لا بأس به، ولهذا شاع بين المسلمين، وقال صلى الله عليه وسلم أفلح وأبيه.
وعنه: ليست يمينا إن لم ينو، وهو قول الشافعي، لأنها لا تكون يمينا إلا بتقدير محذوف، نحو: لعمر الله ما أقسم به، وأيم الله يمين وفاقا لأبي حنيفة ومالك كقوله: وايمن الله، وقال الكوفيون: أيمن جمع يمين، وحق الله يمين، وفاقا لمالك والشافعي.(13/414)
وما لا يعد من أسمائه تعالى، كالشيء والموجود(1) وما لا ينصرف إطلاقه إليه ويحتمله، كالحي والواحد، والكريم(2) إن نوى به الله فهو يمين، وإلا فلا(3) والحلف بغير الله سبحانه وصفاته (محرم)(4) لقوله عليه الصلاة والسلام «من كان حالفا فليحلف بالله، أو ليصمت» متفق عليه(5) ويكره الحلف بالأمانة(6).
(ولا تجب به) أي بالحلف بغير الله (كفارة) إذا حنث(7)
__________
(1) ولا اللفظ ظاهر، في إرادته.
(2) والشاكر ونحو ذلك، مما لا ينصرف إطلاقه إليه، ويحتمله.
(3) أي: إن نوى بنحو هذه الألفاظ: الله تعالى فيمين يترتب عليه ما يترتب على الحلف بالله وإن لم ينو به الله تعالى، أو نوى به غيره، لم يكن يمينا لأن الحلف الذي تجب به الكفارة لم يقصده، ولا اللفظ ظاهر في إرادته، فلم يترتب عليه ما يترتب على اليمين بالله تعالى.
(4) قال ابن عبد البر: هذا أمر مجمع عليه وقال الشيخ: يحرم الحلف بغير الله، وقال ابن مسعود: لأن أحلف بالله كاذبا، أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا، قال الشيخ: لأن حسنه التوحيد أعظم من حسنه الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك.
(5) وقال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» فدلت على تحريمه، وعدم انعقاد اليمين به، وإن حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم لم تنعقد يمينه، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، والشافعي.
(6) والمراد: كراهة التحريم، لقوله: «ليس منا من حلف بالأمانة»، رواه أبو داود، وهذا وعيد شديد، يوجب تحريم الحلف بها.
(7) لأنها إنما وجبت في الحلف بالله، صيانة لأسمائه تعالى، وغيره لا يساويه في ذلك، وقال بعضهم: وكذا الحلف بعتق أو طلاق، وفي الاختيارات اختلف كلام أبي العباس، في الحلف بالطلاق، فاختار في موضع التحريم وتعزيره وهو قول مالك، ووجه لنا.
واختار في موضع آخر: أنه لا يكره، وأنه قول غير واحد من أصحابنا، لأنه لم يحلف بمخلوق، ولم يلتزم لغير الله شيئا، وإنما التزم به كما يلتزم بالنذر، والالتزام لله، أبلغ من الإلتزام به، بدليل النذر واليمين، ولهذا لم تنكر الصحابة على من حلف بذلك، كما أنكروا على من حلف بالكعبة.
وقال ابن القيم في قوله: { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ } الآية فهذا صريح في أن كل يمين منعقدة فهذا كفارتها، وقد أدخلت الصحابة في هذا النص، الحلف بالتزام الواجبات، والحلف بأحد القربات المالية إلى الله، وهو العتق كما ثبت ذلك عن ستة منهم، ولا مخالف لهم من بقيتهم، وأدخلت فيه الحلف، بالبغيض إلى الله، وهو الطلاق كما ثبت ذلك عن علي، ولا مخالف له منهم، فالواجب تحكيم هذا النص العام، والعمل بعمومه، حتى يثبت إجماع الأمة إجماعا متيقنا على خلافه، فالأمة لا تجتمع على خطأ البتة.(13/415)
(ويشترط لوجوب الكفارة) إذا حلف بالله تعالى (ثلاثة شروط(1) الأول أن تكون اليمين منعقدة(2))
وهي اليمين (التي قصد عقدها على) أمر (مستقبل ممكن(3) فإن حلف على أمر ماض كاذبا عالما فهي) اليمين (الغموس)(4) لأنها تغمسه في الإثم، ثم في النار(5) (ولغو اليمين) هو (الذي يجري على لسانه بغير قصد(6) كقوله) في أثناء كلامه (لا والله، وبلى والله)(7).
__________
(1) أن تكون اليمين منعقدة وأن يحلف مختارا، وأن يحنث في يمنيه ويأت مفصلا.
(2) لأن غير المنعقدة، إما غموس أو نحوها، وإما لغو، ولا كفارة في واحد منهما، وأما اليمين المنعقدة، فهي التي يمكن فيها البر والحنث، لكونها للحث والمنع.
(3) قال الوزير: أجمعوا على أن اليمين المتعمدة المنعقدة، هو أن يحلف بالله على أمر في المستقبل أن يفعله ولا يفعله، وإذا حنث وجبت عليه الكفارة اهـ لأن العقد إنما يكون فيه دون الماضي، قال تعالى: { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ } .
فدلت الآية على أن وجوب الكفارة في الأيمان المنعقدة، ولا يكون إلا في المستقبل من الزمان، دون الماضي لعدم إمكان البر والحنث، وغير الممكن كلا شربت ماء الكوز، ولا ماء به، لأنه لغو.
(4) وهي التي يحلف بها على الماضي، كاذبا عالما.
(5) ولا كفارة فيها، لأنها أعظم من أن تكفر، وهو مذهب الجمهور، فروى البيهقي عن ابن مسعود: كنا نعد اليمين التي لا كفارة فيها، اليمين الغموس، وهي من الكبائر للخبر الصحيح.
(6) وظاهره: ولو في الزمن المستقبل، لظاهر الخبر الآتي، ولا كفارة فيها لظاهر { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } .
(7) أي في عرض حديثه.(13/416)
لحديث عائشة مرفوعا: «اللغو في اليمين كلام الرجل في بيته: لا والله، وبلى والله» رواه أبو داود، وروي موقوفا(1) (وكذا يمين عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافه(2) فلا كفارة في الجميع)(3) لقوله تعالى: { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } (4) وهذا منه(5) ولا تنعقد أيضا من نائم وصغير ومجنون ونحوهم(6).
__________
(1) رواه الزهري وغيره: عن عطاه عنها.
(2) فلغو، غير منعقدة وقال الشيخ: وكذا عقدها على زمن مستقبل، ظانا صدقه فلم يكن، كمن حلف على غيره يظن أنه يطيعه فلم يفعل، أو ظن المحلوف عليه خلاف نية الحالف، ونحو ذلك.
(3) أي اليمين الغموس، لما تقدم، ولغو اليمين، وما يظن صدقه فيها حكاه ابن عبد البر إجماعا.
(4) أي لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الإيمان، التي لا يقصدها الحالف، بل تجري على لسانه عادة، واللغو: المطرح من الكلام، لا يعتد به، وإنما يقع من غير قصد ولا عقد.
(5) أي ما ذكر من لغو اليمين، كلا والله، وبلى والله، أو ما يظن صدق نفسه، أو أن غيره يطيعه فيما حلف عليه، ونحو ذلك ولأنه يكثر فلو وجبت به كفارة لشق وحصل الضرر، وهو منتف شرعا.
(6) كزائل العقل بشرب دواء، أو محرم لأنه قول لا يتعلق به حق، فلم يصح منهما، لحديث رفع القلم عن ثلاثة، نائم حتى يستيقظ، ومجنون حتى يفيق، وصغير حتى يبلغ.(13/417)
الشرط (الثاني: أن يحلف مختارا(1) فإن حلف مكرها لم تنعقد يمينه)(2) لقوله عليه الصلاة والسلام: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه»(3) الشرط الثالث: الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف على تركه(4) كما لو حلف أن لا يكلم زيدا، فكلمه مختارا(5) أو يترك ما حلف على فعله كما لو حلف ليكلمن زيدا اليوم، فلم يكلمه (مختارا ذاكرا) ليمينه(6) (فإذا حنث مكرها، أو ناسيا فلا كفارة)(7) لأنه لا إثم عليه(8).
__________
(1) لليمين.
(2) كمن حلف لا يدخل دارا، فحمل مكرها فادخلها، أو خالف ما حلف عليه جاهلا، أو ناسيا المحلوف عليه، فلا كفارة لأنه غير آثم.
(3) فدل الحديث على أن المكره على ما حلف عليه، وكذا الناسي، والجاهل معفو عنه.
(4) فيحنث بذلك الفعل، وإن لم يفعل لم يحنث، ومن لم يحنث لم يهتك حرمة القسم.
(5) ذاكرا ليمينه حنث وأثم، وتجب عليه الكفارة.
(6) حنث، وأثم.
(7) لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
(8) وكذا جاهل حلف لا يدخل دار زيد، فدخلها جاهلا أنها داره.(13/418)
(ومن قال في يمين مكفرة) أي تدخلها الكفارة، كيمين بالله تعالى(1) ونذر وظهار (إن شاء الله، لم يحنث) في يمينه(2) فعل أو ترك إن قصد المشيئة(3) واتصلت بيمينه، لفظا أو حكما(4) لقوله عليه الصلاة والسلام «من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث» رواه أحمد وغيره(5) (ويسن الحنث في اليمين إذا كان) الحنث (خيرا(6)).
__________
(1) أو صفة من صفاته: إن شاء الله، لم يحنث.
(2) قدم الاستثناء، أو أخره.
(3) أي: إن قصد تعليق الفعل، على مشيئة الله وإرادته، بخلاف من قاله تبركا، أو سبق لسانه بلا قصد.
(4) كقطع بنفس أو سعال، أو عطاس، أو قيء أو تثاؤب، وعنه: ينفعه الاستثناء وإن لم يرده إلا بعد الفراغ، حتى لو قال له بعض الحاضرين: قال إن شاء الله، نفعه قال الشيخ: وهو مذهب أحمد الذي عليه متقدموا أصحابه، واختيار أبي محمد وغيره، وهو مذهب مالك، وهو الصواب، اهـ ويعتبر نطقة به، فلا ينفعه بالقلب، إلا من مظلوم كمتأول.
(5) فرواه النسائي والترمذي وحسنه، وقال: رواه غير واحد عن ابن عمر مرفوعا، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، من الصحابة وغيرهم، ولأنه متى قال: لأفعلن إن شاء الله فقد علمنا أنه متى شاء الله فعل، ومتى لم يفعل لم يشأ الله.
(6) لقوله صلى الله عليه وسلم «ماحلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها، إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني» وقال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه.(13/419)
كمن حلف على فعل مكروه، أو ترك مندوب(1) وإن حلف على فعل مندوب، أو ترك مكروه، كره حنثه(2) وعلى فعل واجب، أو ترك محرم، حرم حنثه(3) وعلى فعل محرم أو ترك واجب وجب حنثه(4) ويخير في مباح(5) وحفظها فيه أولى(6) ولا يلزم إبرار قسم(7) كإجابة سؤال بالله تعالى(8).
__________
(1) مثل ما تتعلق به مصلحة، كصلح ودفع شر، وقال الوزير: اتفقوا على أنه لا يجوز أن يجعل اسم الله عز وجل عرضة للأيمان، يمنع من بر أو صلة، وإن كان قد حلف، فالأولى له أن يحنث، إذا حلف على ترك البر، ويكفر.
(2) كأن حلف على فعل ما ندب إليه الشرع، أو ترك ما يكره شرعا، كالحلف في البيع والشراء، كره حنثه فيه، واستحب بره، لما يترتب على بره من الثواب الحاصل بفعل المندوب، وترك المكروه.
(3) ووجب حل اليمين، لما في الحنث من الإثم بفعل المحرم، أو ترك الواجب وتلزمه الكفارة في هذه الصورة.
(4) لما في بره من الإثم بفعل المحرم، أو ترك الواجب.
(5) أي ويخير في حنثه إذا حلف على فعل مباح، أو تركه، أو حل يمينه، وكذا على الخبر بشيء هو صادق فيه، أو يظن صدقه فيه.
(6) أي: وحفظ يمينه في المباح، أولى من الحنث لقوله تعالى: { وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } وإن أفرط كره.
(7) أي: ولا يلزم محلوفا عليه إبرار قسم.
(8) أي: كما لا يلزم إجابة سؤال بالله تعالى، لأن الإيجاب بالتوقيف
ولا توقيف فيه، وقال الشيخ: إنما يجب على معين، فلا تجب إجابة سائل يقسم على الناس.(13/420)
بل يسن(1) ومن حرم حلالا سوى زوجته(2) لأن تحريمها ظهار، كما تقدم(3) سواء كان الذي حرمه (من أمة(4) أو طعام أو لباس أو غيره)(5) كقوله: ما أحل الله علي حرام؛ ولا زوجة له(6) أو قال: طعامي علي كالميتة (لم يحرم) عليه(7) لأن الله تعالى سماه يمينا بقوله { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ } إلى قوله: { قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } (8).
واليمين على الشيء لا تحرمه(9).
__________
(1) أي إبرار القسم، كإجابة سؤال بالله لقوله صلى الله عليه وسلم «من سألكم بالله فأعطوه»، ولا يسن تكرار حلف، فإن أفرط كره.
(2) لم يحرم عليه.
(3) في باب الطلاق، وباب الظهار، وتقدم الكلام فيه موضحا.
(4) له، لم تحرم عليه بذلك.
(5) أو قال: علي حرام إن فعلت كذا، أو إن أكلت هذا الطعام، فهو علي حرام، أو قال: حرام علي هذا الطعام.
(6) فإن كانت له زوجة، فتقدم حكم ذلك موضحا في بابه.
(7) أو قال: هذا الطعام علي كالدم، أو كلحم الخنزير، لم يحرم عليه، قال الشيخ: ولا يجوز التعريض لغير ظالم، وهو قول جماعة، وهو تدليس كتدليس المبيع، نص عليه.
(8) وروي عن ابن عباس، وابن عمر: انه صلى الله عليه وسلم جعل تحريم الحلال يمينا.
(9) ولأنه لو كان محرما، لتقدمت الكفارة عليه، كالظهار.(13/421)
(وتلزمه كفارة يمين إن فعله)(1) لقوله تعالى: { قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } أي التكفير(2) وسبب نزولها: أنه صلى الله عليه وسلم قال «لن أعود إلى شرب العسل» متفق عليه(3) ومن قال هو يهودي، أو كافر(4) أو يعبد غير الله(5) أو برئ من الله تعالى، أو من الإسلام، أو القرآن(6).
أو النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك(7) ليفعلن كذا أو إن لم يفعله، أو إن كان فعله فقد فعل محرما(8) وعليه كفارة يمين بحنثه(9).
__________
(1) أي إن فعل ما حرم على نفسه، من طعام أو شراب، أو لباس أو نحوه وقال الوزير: اتفقوا على أن الكفارة تجب عند الحنث في اليمين، على أي وجه كان، من كونه طاعة أو معصية، أو مباحا.
(2) قال ابن القيم: لكن يمين منعقدة، وقال: إذا حلف ليفعلن كذا، فهو حظ منه لنفسه، وليس إيجاب، ولكن عقد اليمين ليفعلن، فأباح الله له حل ما عقده بالكفارة، وسماها تحلة، وليست رافعة لإثم الحنث.
(3) وذلك لما قال له بعض نسائه، أكلت مغافير قال بل شربت عسلا.
(4) لم يكفر وفعل محرما، قال ابن القيم: اتفق الناس أنه إن قال: إن فعلت كذا فهو يهودي، أنه لا يكفر إن قصد اليمين.
(5) أي: أو قال هو يعبد غير الله، أو يكفر بالله، أو يعبد الصليب ليفعلن كذا.
(6) أو لا يراه الله في موضع كذا، إن فعل كذا.
(7) كأن يستحل الزنا، أو شرب الخمر، أو ترك الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج.
(8) لما في الصحيحين: «من حلف على ملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال» ولأحمد: من قال إنه برئ من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال، وإن كان صادقا لم يعد إلى الإسلام سالما.
(9) لما روي أنه سأل عن الرجل يقول: هو يهودي أو نصراني أو برئ من الإسلام في اليمين يحلف بها، فيحنث عليه كفارة يمين، ولأنه قول يوجب هتك الحرمة، فكان يمينا كالحلف بالله، بخلاف: هو فاسق ونحوه، وتقدم كلام ابن القيم.(13/422)
فصل في كفارة اليمين(1)
(يخير من لزمته كفارة يمين، بين إطعام عشرة مساكين) لكل مسكين مدبر أو نصف صاع من غيره(2) (أو كسوتهم) أي العشرة مساكين، للرجل ثوب يجزئه في صلاته، وللمرأة درع وخمار كذلك(3) (أو عتق رقبة(4) فمن لم يجد) شيئا مما تقدم ذكره(5) (فصيام ثلاثة أيام)(6).
__________
(1) وفيها تخيير وترتيب، فالتخيير بين الإطعام والكسوة والعتق والترتيب فيما بين ذلك وبين الصيام.
(2) سواء كان المطعم واحدا، أو عددا وسواء أطعم البعض برا، والبعض شعيرا أو تمرا أو زبيبا للآية.
(3) أي يجزئها في صلاتها، وأي جنس كساهم خرج به من العهدة، ويجزئ الجديد واللبيس، ما لم تذهب قوته، ويجزئ أن يطعم بعضا، وأن يكسوا بعضا لأن الله خير بين الإطعام والكسوة لا بعض الطعام وبعض الكسوة.
(4) حكاه الوزير وغيره اتفاقا، وأن الحالف مخير في أي ذلك شاء، وأنهم أجمعوا على أنه لا يجزئ فيه إلا عتق رقبة مؤمنة، سليمة من العيوب، خالية من شركة أو عقد عتق، أو استحقاقه، إلا أبا حنيفة فإنه قال: لا يشترط الإيمان.
(5) أي من الإطعام، أو الكسوة أو العتق قيل: كعجز عن فطرة، وقيل: كثمن الرقبة في الظهار.
(6) قال الوزير وغيره: اتفقوا على أن من لم يجد شيئا مما تقدم، انتقل إلى صيام ثلاثة أيام اهـ، وإن قدر بعد شروعه في الصوم فكهدي وتقدم.(13/423)
لقوله تعالى: { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ(1) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ } (متتابعة) وجوبا(2) لقراءة ابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعة(3).
وتجب كفارة نذر فورا بحنث(4) ويجوز إخراجها قبله(5) (ومن لزمته أيمان قبل التكفير، موجبها واحد) ولو على أفعال(6).
__________
(1) أي فكفارة ما عقدتم الأيمان إذا حنثتم { إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } أي: من خير وأمثل قوت عيالكم، أو كسوتهم ما يصح أن يصلي فيه، أو عتق رقبة ويشترط أن تكون مؤمنة وهو قول الجمهور بدأ تعالى بالأسهل فالأسهل، مخيرا الحالف، فأي هذه الخصال فعل أجزأ بالإجماع.
(2) إذا عجز عن أحد ثلاث الخصال المتقدمة، والجمهور على أنها متتابعا.
(3) فدلت هذه القراءة على مشروعية التتابع.
(4) لأنه الأصل في الأمر المطلق.
(5) أي الحنث، فتكون الكفارة محللة لليمين، وإن شاء بعده، فتكون مكفرة، وفي الصحيحين إذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيرا منها، فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك ولأبي داود فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير، فجاءت الأحاديث بالتأخير وبالتقديم، وإن كان الحنث حراما كفر بعده مطلقا، ولا تجزئ كفارة قبل حلف إجماعا، وفي الصحيحين أيضا: الأمر بإبرار القسم، والجمهور أنه على الندب.
(6) متغايرة كما مثل.(13/424)
كقوله: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا أعطيت والله لا أخذت (فعليه كفارة واحدة لأنها كفارات من جنس واحد، فتداخلت كالحدود من جنس(1).
و(إن اختلف موجبها) أي موجب الإيمان، وهو الكفارة (كظهار ويمين بالله) تعالى (لزماه) أي الكفارتان (ولم يتداخلا) لعدم اتحاد الجنس(2) ويكفر قن بصوم(3) وليس لسيده منعه منه(4) ويكفر كافر بغير صوم(5).
باب جامع الأيمان المحلوف بها(6)
__________
(1) كما لو زنا ثم زنا، فلا يحد إلا مرة، هذا المذهب وعنه: لكل يمين كفارة، وهو مذهب أكثر أهل العلم، وإن قال: والله لا أكلت ولا شربت ولا لبست وحنث في واحدة وكفر، انحلت في البقية، لأنها يمين واحدة، قال في المبدع: بغير خلاف، وإن قال: والله لا أكلت، والله لا شربت، فحنث بإحداهما وكفر، ثم حنث في الثاني، لزمته كفارة ثانية.
(2) بل لكل يمين كفارتها، قال الشيخ: من كرر أيمانا قبل التكفير فروايات ثالثها، وهو الصحيح إن كانت على فعل فكفارة وإلا فكفارات ومثل ذلك الحلف بنذور مكفرة وطلاق مكفر.
(3) لا بمال لأنه لا مال له، ومرادهم لا يجزئه غيره، ولو أعطاه سيده ما يكفي في الكفارة.
(4) أي من الصوم سواء كان الحلف والحنث بإذن أولا، وسواء أضر به، أولا.
(5) لأنه لا يصح من الكافر، ويتصور عتقه للمسلم، كأعتق عبدك عني، وعلي ثمنه، أو يدخل في ملكه بإرث.
(6) أي مسائلها.(13/425)
(يرجع في الأيمان، إلى نية الحالف، إذا احتملها اللفظ)(1) لقوله عليه الصلاة والسلام: «وإنما لكل امرئ ما نوى»(2) فمن نوى بالسقف أو البناء السماء(3) أو بالفراش أو البساط الأرض(4) قدمت على عموم لفظه(5) ويجوز التعريض في مخاطبة لغير ظالم(6).
__________
(1) أي احتمل لفظ الحالف نيته، فتتعلق يمينه بما نواه، دون ما لفظ به اتفاقا.
(2) فيرجع في كلام المتكلم على ما أراده، ويقبل منه حكما، مع قرب الاحتمال من الظاهر، لا مع بعده، فتقدم نيته على عموم لفظه.
(3) يرجع فيها إلى نيته وقدمت على عموم لفظه، حيث احتملها اللفظ قال تعالى: { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا } وقال: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } وقال: { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا } .
(4) أي فمن نوى بالفراش أو البساط الأرض قدمت على عموم لفظه، فيرجع فيها إلى نيته، حيث احتملها اللفظ قال تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا } وقال: { وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا } .
(5) حيث احتملها اللفظ، ونوى ذلك به.
(6) للحاجة على الصحيح عندهم من المذهب، وقيل: لا يجوز ذكره
الشيخ، واختاره لأنه تدليس كتدليس المبيع اهـ فإنه كان ظالما لم يجز قولا واحدا، والمنصوص: أنه لا يجوز التعريض مع اليمين.(13/426)
(فإن عدمت النية، رجع إلى سبب اليمين، وما هيجها)(1) لدلالة ذلك على النية(2) فمن حلف ليقضين زيدا حقه غدا، فقضاه قبله، لم يحنث إذا اقتضى السبب، أنه لا يتجاوز غدا(3) وكذا ليأكلن شيئا، أو ليفعلنه غدا (4) وإن حلف لا يبيعه إلا بمائة، لم يحنث إلا إن باعه بأقل منها(5).
__________
(1) أي: لأن السبب يدل على النية، وعنه: يقدم عموم لفظه على سبب اليمين احتياطا وقال الزركشي، اعتمد عامة الأصحاب تقديم النية على السبب.
(2) أي لدلالة سبب اليمين، وما هيجها على النية، وقال ابن القيم: من عرف مراد المتكلم، بدليل من الأدلة، وجب اتباع مراده، والألفاظ لم تقصد لذواتها وإنما هي أدلة يستدل بها على مراد المتكلم، فإذا ظهر مراده، ووضح بأي طريق كان عمل بمقتضاه سواء كان بإشارة، أو كتابة، أو دلالة عقلية أو قرينة حالية أو عادة له مطردة... إلخ.
(3) أو كان السبب يقتضي التعجيل فإن عدما لم يبرأ إلا بالقضاء في الغد.
(4) كأشتريه غدا، أو لأبيعنه غدا، وقال الشيخ: إذا حلف على غيره ليفعلنه فخالفه، إذا قصد إكرامه، لا إلزامه به، لا حنث عليه، لأنه كالأمر، ولا يجب الأمر إذا فهم منه الإكرام، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالوقوف في الصف ولم يقف.
(5) لمخالفته ما حلف عليه، وإن حلف لا يبيعه بمائة، حنث إن باعه بها، وبأقل منها.(13/427)
وإن حلف لا يشرب له الماء من عطش، ونيته أو السبب: قطع منته حنث بأكل خبزه، واستعارة دابته، وكل ما فيه منه(1) (فإن عدم ذلك) أي النية وسبب اليمين الذي هيجها (رجع إلى التعيين) لأنه أبلغ من دلالة الاسم على المسمى، لأنه ينفي الإبهام بالكلية(2) (فإذا حلف لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداء، أو عمامة ولبسه، حنث(3) أولا كلمت هذا الصبي، فصار شيخا) وكلمه حنث(4).
(أو) حلف لا كلمت (زوجة فلان) هذه (أو صديقة فلانا) هذا (أو مملوكة سعيدا) هذا (فزالت الزوجية والملك والصداقة ثم كلمهم) حنث(5).
(أو) حلف (لا أكلت لحم هذا الحمل، فصار كبشا) وأكله حنث(6).
__________
(1) قال ابن القيم: ولو من عليه غيره بإحسانه، فقال: والله لا أكلت له لقمة، ولا شربت له ماء، يريد خلاصه من منته عليه، ثم قبل منه الدراهم والدنانير والشاء، ونحوها لعدة العقلاء واقعا فيما هو أعظم مما حلف عليهن ومرتكبا لذروة سنامه، ولولامه عاقل على كلامه، لمن لا يليق به محادثته، ومن امرأة أو صي، فقالك والله لا كلمته، ثم رآه خاليا به، يؤا كله ويشاربه ويعاشره ولا يكلمه، لعدوه مرتكبا لأشد مما حلف عليه وأعظم وهذا ما فطر الله عليه عباده.
(2) أي: لأن التعيين بالإشارة ينفي الإبهام فهو مقدم على الاسم والصفة، والإضافة كأن يشهد على عين شخص، ثم ذكر ما لو تغيرت صفة التعيين.
(3) لفعله المحلوف عليه، لأنه لبسه.
(4) لأنه كلم الشخص المحلوف على عدم تكليمه، فحنث، عملا بالتعيين، قال الشيخ: فلو حلف لا أكلم هذا الصبي فتبين شيخا، أولا أشرب من هذا الخمر فتبين خلا فالأشبه أنه لا يحنث، إذ الاعتبار بما قصد في قلبه، وهو قصد معينا موصوفا ليس هو هذا العين.
(5) لأنه إذا قدم التعيين على الاسم فلأن يقدم على الإضافة أولى.
(6) إذا لم يكن له نية، ولا سبب يخص الحالة الأولى، والحمل، بفتح الحاء المهملة والميم.(13/428)
(أو) حلف لا أكلت (هذا الرطب) فصار تمرا أو دبسا أو خلا وأكله حنث(1).
(أو) حلف لا أكلت (هذا اللبن فصار جبنا، أو كشكا ونحوه، ثم أكله حنث في الكل)(2) لأن عين المحلوف عليه باقية(3) كحلفه لا لبست هذا الغزل، فصار ثوبا(4).
وكذا حلفه لا يدخل دار فلان هذه، فدخلها وقد باعها، أو وهي فضاء أو مسجد، أو حمام ونحوه(5) (إلا أن ينوي) الحالف(6) أو يكون سبب اليمين يقتضي (ما دام) المحلوف عليه (على تلك الصفة) فتقدم النية وسبب اليمين على التعيين كما تقدم(7).
فصل(8)
__________
(1) ما لم يكن له نية ولا سبب يخص حالته الأولى، لبقاء عين المحلوف عليه.
(2) مما رجع فيه إلى التعيين ونحو الكشك الأقط وغيره، مما يعمل من اللبن.
(3) فحنث بفعل ما حلف على تركه.
(4) فهو يحنث بذلك، للبسه عين ما حلف على ترك لبسه.
(5) كخان حنث.
(6) بيمينه في شيء من هذه الأشياء، ما دام على تلك الصفة والإضافة، أو ما لم يتغير.
(7) أي من قوله: فإن عدمت النية وسبب اليمين الذي هيجها رجع إلى التعيين.
(8) فيما يتناوله الاسم، الدال على إرادة المسمى إذ لا معارض له، فوجب الرجوع إليه.(13/429)
(فإن عدم ذلك) أي النية والسبب، والتعيين (رجع) في اليمين (إلى ما يتناوله الاسم(1) وهو) أي الاسم (ثلاثة شرعي، وحقيقي، وعرفي)(2) وقد لا يختلف المسمى، كالأرض والسماء والإنسان والحيوان، ونحوها(3) (فالشرعي) من الأسماء (ماله موضع في الشرع وموضوع في اللغة) كالصلاة والصوم(4) والزكاة والحج، والبيع والإجارة(5) (فـ) الاسم (المطلق) في اليمين سواء كانت على فعل أو ترك(6).
(ينصرف إلى الموضوع الشرعي الصحيح) لأن ذلك هو المتبادر، أي المفهوم عند الإطلاق(7) إلا الحج والعمرة، فيتناول الصحيح والفاسد(8) لوجوب المضي فيه، كالصحيح(9) (فإذا حلف لا يبيع، أو لا ينكح، فعقد عقدا فاسدا) من بيع أو نكاح (لم يحنث)(10) لأن البيع والنكاح لا يتناول الفاسد(11).
__________
(1) لأنه مقتضاه ولا صارف عنه.
(2) ويقدم عنه الإطلاق، إذا اختلف الأسماء، شرعي فعرفي فلغوي.
(3) كرجل فينصرف اليمين إلى مسماه بلا خلاف.
(4) فإذا قال الشارع: صل تعين فعل الصلة، المشتملة على الأفعال، وكذا الصوم وأما الطواف فقال: المجد والقاضي وغيرهما، ليس بصلاة في الحقيقة ولأنه أبيح فيه الكلام والأكل.
(5) وكالوضوء والغسل، والتيمم والاعتكاف.
(6) من صلاة أو صوم، أو بيع أو نكاح أو غيرها.
(7) ولذلك حمل علي كلام الشارع، حيث لا صارف له عن موضوعه الشرعي.
(8) فإذا حلف لا يحج، فحج حجا فاسدا، حنث وكذا العمرة.
(9) أي فيما يحل ويحرم، ويجب من الفدية وغيرها.
(10) وكذا إن حلف، ما بعت ولا نكحت وقد فعله فاسدا، لم يحنث لقوله تعالى: { وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ } وإنما أحل الصحيح منه وكذا النكاح.
(11) فلا يحنث إلا بالبيع الصحيح، والنكاح الصحيح، إذا حلف لا يفعل ذلك ففعله.(13/430)
(وإن قيد) الحالف (يمينه بما يمنع الصحة) أي بما لا تمكن الصحة معه (كأن حلف لا يبيع الخمر، أو الخنزير حنث بصورة العقد)(1) لتعذر حمل يمينه على عقد صحيح(2).
وكذلك إن قال: إن طلقت فلانة الأجنبية، فأنت طالق، طلقت بصورة طلاق الأجنبية(3).
(و) الاسم الحقيقي: هو الذي لم يغلب مجازه على حقيقته كاللحم(4) فإذا حلف لا يأكل اللحم، فأكل شحما أو مخا، أو كبدا أو نحوه ككلية وكرش وطحال، وقلب ولحم ولسان (لم يحنث)(5) لأن إطلاق اسم اللحم، لا يتناول شيئًا من ذلك(6) إلا بنية اجتناب الدسم(7) (ومن حلف لا يأكل أدما، حنث بأكل البيض، والتمر والملح، والخل والزيتون ونحوه) كالجبن واللبن(8).
__________
(1) وكذا لو حلف لا يبيع الحر، أو ما باع الخمر، أو الخنزير أو ما باع الحر، حنث بصورة العقد.
(2) فتعين كون صورة ذلك محلا له.
(3) لتعين زوجته بتلك الصورة، لتعذر حمل يمينه على طلاق واقع، فتعين كون صورة ذلك محلا له.
(4) أي: والثاني من أقسام الاسم الثلاثة، الحقيقي وهو اللغوي، وهو الذي لم يغلب مجازه عندهم، أي العرفي، على حقيقته اللغوية، كاللحم، فهو اسم حقيقة والحقيقة: اللفظ المستعمل في وضع أول.
(5) أي بأكل شيء من الشحم وما عطف عليه، لأن مطلق اللحم لا يتناول شيئا من ذلك، وكذا لا يحنث بأكل إليه، ومصران ومرق لحم، ونحو ذلك.
(6) كما أنه لو حلف لا يأكل شحما، لم يحنث بأكل لحم أحمر.
(7) فيحنث بذلك كله، وكذا لو اقتضاه السبب، فيحنث لما فيها من الدسم ويحنث بأكل لحم سمك، ولحم محرم لدخوله في مسمى اللحم.
(8) سواء كان من بهيمة الأنعام، أو من الصيد، أو لبن آدمية، حليبا كان أو رائبا أو مائعا أو مجمدا حنث لأن الجميع لبن.(13/431)
(وكل ما يصطبغ به) عادة(1) كالزيت والعسل، والسمن واللحم، لأن هذا معنى التأدم(2).
(و) إن حلف (لا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا أو جوشنا)
أو عمامة أو قلنسوة (أو نعلا، حنث)(3) لأنه ملبوس حقيقة وعرفا(4).
(وإن حلف لا يكلم إنسانا، حنث بكلام كل إنسان)(5) لأنه نكرة في سياق النفي، فيعم(6) حتى ولو قال: تنح أو اسكت(7).
أولا كلمت زيدا، فكاتبه أو راسله حنث(8) ما لم ينو مشافهته(9).
__________
(1) أي من كل ما يغمس فيه الخبز قال تعالى: { وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ } .
(2) وكذا كل ما جرت العادة بأكل الخبز ونحوه به، للأخبار، فمنها ما رواه ابن ماجه: «سيد إدامكم اللحم» وله ائتدموا بالزيت، وحديث نعم الإدام الخل، وغير ذلك.
(3) الجوشن: الصدر، والدرع، وقيل: الدرع، وقيل: الذي يجعل على الصدر، ولا يدخل العقيق، والسبح في مطلق الحلف، على لبس الحلي، إلا من عادته التحلي به، وكيفما لبس الثوب، أو تعمم به، أو ارتدى بسراويل حنث لا بطيه أو افتراشه.
(4) كالثياب، وقيل: لابن عمر إنك تلبس هذه النعال، قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها.
(5) ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا، حرا أو رقيقا.
(6) وقد فعل المحلوف عليه.
(7) أو زجره بكل لفظ، لأنه كلام فيدخل فيما حلف على عدمه.
(8) لقوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } وحديث ما بين دفتي المصحف كلام الله، وصحح في الشرح والمبدع، أن هذا ليس بتكليم، لكن إن نوى ترك مواصلته، أو سبب يمينه يقتضي هجرانه حنث.
(9) أي بالكلام، فلا يحنث بالمكاتبة، ولا المراسلة، لعدم المشافهة فيهما.(13/432)
(و) إن حلف (لا يفعل شيئا فوكل من فله حنث)(1) لأن الفعل يضاف إلى من فعله عنه(2) قال تعالى: { مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ } وإنما الحالق غيرهم(3) (إلا أن ينوي مباشرته بنفسه) فتقدم نيته لأن لفظه يحتمله(4).
(و) الاسم (العرفي ما اشتهر مجازه فغلب) على (الحقيقة(5)
__________
(1) أي الحالف، إذا فعل الوكيل ذلك الشيء، المحلوف على تركه.
(2) المحلوف على تركه، وأمر به، كما لو حلف لا يحلق رأسه، فأمر من حلقه.
(3) أي فدلت الآية: على أن فعل من وكله، كفعله.
(4) وإلا ففعل وكيله كفعله، وقال ابن القيم: ومن الحيل الباطلة، ما لو حلف لا يفعل شيئا، ومثله لا يفعله بنفسه أصلا، كالسلطان لا يبيع كذا، ولا يحرث هذه الأرض، ولا يزرعها، ولا يخرج هذا من بلده، ونحو ذلك، فالحيلة أن يأمر من يفعل ذلك، ويبر في يمينه إذا لم يفعله بنفسه، وهذا من أبرد الحيل وأسمجها وأقبحها وفعل ذلك، هو الحنث الذي حلف عليه بعينه، ولا يشك في أنه حانث أحد من العلماء، ولا أحد من العقلاء.
(5) أي اللغوية حيث أنه لا يعلمها أكثر الناس، فاللفظ قد يكون حقيقة في معنى، ثم يغلب على معنى عرفي.
وقال الشيخ: اللفظ المطلق الذي له حد في العرف، وقد علم أنه لم يزدد
فيما يتناوله الاسم، فإنه ينزل على ما وقع من استعمال الشرع، وإن كان اتفاقيا.(13/433)
كالرواية) في العرف للمزادة، وفي الحقيقة: الجمل الذي يستقى عليه(1) (والغائط) في العرف للخارج المستقذر، وفي الحقيقة لفناء الدار، وما اطمأن من الأرض (ونحوهما)(2) كالظعينة، والدابة والعذرة(3) (فتتعلق اليمين بالعرف)(4) دون الحقيقة لأن الحقيقة في نحو ما ذكر صارت كالمهجورة، ولا يعرفها أكثر الناس(5).
(فإذا حلف على وطء زوجته أو) حلف على (وطء دار، تعلقت يمينه بجماعها) أي جماع من حلف على وطئها لأن هذا هو المعنى الذي ينصرف إليه اللفظ في العرف(6).
(و) تعلقت يمينه (بدخول الدار) التي حلف لا يطؤها لما ذكر(7) (وإن حلف لا يأكل شيئا، فأكله مستهلكا في غيره(8) كمن حلف لا يأكل سمنا، فأكل خبيصا فيه سمن، لا يظهر فيه طعمه) لم يحنث(9).
__________
(1) ذكره في المبدع وغيره، وقال الشارح في موضع، اسم لما يستقى عليه من الحيوانات، والمزادة في العرف: شكل الرواية.
(2) مما غلب العرف فيه على حقيقته.
(3) أي في العرف، وفي الحقيقة فناء الدار، قال علي: ما لكم لا تنظفون عذراتكم يريد أفنيتكم، والظعينة في العرف، المرأة، قال الجوهري: الظعينة المرأة ما دامت في الهودج، وفي الحقيقة: الناقة التي يظعن عليها، والدابة لغة، كل ما دب ودرج وعرفا، الخيل والبغال والحمير.
(4) لأن الحالف لا يريد غيره، فصار كالمصرح به.
(5) فيرجع فيما ذكر إلى العرف، كما بنى عليه فيما مثل.
(6) وكذا لو حلف على ترك وطء زوجته، أكثر من أربعة أشهر، كان موليا.
(7) أي من أن هذا المعنى: هو الذي ينصرف إليه اللفظ في العرف، ويفرق بين أن يكون المقصود، تحريم البقعة على الرجل، فيحنث بإدخال بعض جسده إلى بعضها، لمباشرته بعض المحرم، وبين أن يكون مقصوده، التزام بقعته فإذا خرج بعضه لم يحنث كما في المعتكف.
(8) لم يحنث، حيث أن المستهلك، لا يظهر فيه طعم المحلوف عليه.
(9) أو حلف لا يأكل لبنا فأكل زبدا، لا يظهر فيه طعم اللبن لم يحنث.(13/434)
(أو) حلف (لا يأكل بيضا، فأكل ناطفا لم يحنث)(1) لأن ما أكله لا يسمى سمنا، ولا بيضًا(2).
(وإن ظهر طعم شيء من المحلوف عليه) فيما أكله (حنث)
لأكله المحلوف عليه(3).
فصل(4)
__________
(1) أو حلف لا يأكل شحما، فأكل اللحم الأحمر، لم يحنث.
(2) ولا شحما فلم يحنث، لأن المستهلك في الشيء وجوده كعدمه.
(3) كما لو أكله منفردا وذلك كظهور السمن في الخبيص أو البيض في الناطف ونحو ذلك، ولو حلف لا يشارك فلانا، ففسخا الشركة، وبقيت بينهما ديون مشتركة، أوأعيان فقال الشيخ: تنحل اليمين بانفساخ عقد الشركة.
وإن حلف لا يشم وردا، ولا بنفسجا، فشم دهنهما أو ماء الورد، فقال الشيخ: يتوجه أن يحنث بالماء دون الدهن، وكذلك ماء البان، والينوفر، لأن الماء، هو الحامل لرائحة الورد، ورائحته فيه، بخلاف شجره، فإنه يضاف إلى الورد، ولا تظهر فيه الرائحة كثيرا.
(4) أي في حكم من فعل شيئا، ناسيا أو مكرها، أو فعل بعض المحلوف عليه، أو على من لا يمتنع بيمينه وغير ذلك.(13/435)
(وإن حلف لا يفعل شيئا، ككلام زيد(1) ودخول دار ونحوه(2) ففعله مكرها، لم يحنث)(3) لأن فعل المكره، غير منسوب إليه(4) (وإن حلف على نفسه، أو غيره ممن) يمتنع بيمينه و(يقصد منعه، كالزوجة والولد، أن لا يفعل شيئا، ففعله ناسيا أو جاهلا، حنث في الطلاق والعتاق) بفتح العين (فقط) أي دون اليمين بالله تعالى، والنذر والظهار، لأن الطلاق والعتاق حق آدمي، فلم يعذر فيه بالنسيان والجهل(5).
كإتلاف المال والجناية(6)
__________
(1) ففعله مكرها، لم يحنث ولو حلف لا يعامل زيدا، فعامل وكيله، أو باعه حنث.
(2) كقرية أو بستان أو حمام.
(3) أي ففعل ما حلف على تركه، مكرها بضرب، أو أخذ مال يضره أو تهديد بقتل ونحوه، لم يحنث.
(4) ويحنث بالاستدامة بعد الإكراه، أشبه ما لو دخل مختارا، ولو حلف لا يزوج ابنته، فزوجها الأبعد، أو الحاكم، حنث إن تسبب في التزويج، وإن لم يتسبب فلا، وإن كان المقصود أنها لا تتزوج، حنث بكل حال.
(5) قال الشيخ: إذا حلف على إنسان قاصدا إكرامه، لا يحنث مطلقا إلا
إن كان قاصدا إلزامه، فإنه يحنث اهـ وأما إذا لم يقصد منعه، كما لو قال لزوجته، إن دخلت دار فلان، فأنت طالق، ولم يقصد منعها، وإنما قصد مجرد التعليق، فيقع الطلاق بدخولها، حيث كان، كمن لا يمتنع بيمينه.
(6) أي: كما لا يعذر بإتلاف المال، على الآدمي، والجناية عليه بالنسيان والجهل، وقال الشيخ، وغيره: إذا حلف لا يفعل شيئا، ففعله ناسيا، أو جاهلا، بأنه المحلوف عليه، فلا حنث عليه، ولو في الطلاق والعتاق، وغيرهما، ويمينه باقية، نص عليه، ويدخل في ذلك من فعله متأولا، أو تقليدا لمن أفتاه، أو مقلدا لعالم ميت، مصيبا أو مخطئا.
قال: وقد ظن طائفة أنه إذا حلف بالطلاق، على أمر يعتقده، كما حلف، فتبين بخلافه، أنه يحنث، قولا واحدا، وهذا خطأ بل الخلاف في مذهب أحمد، ولو حلف على نفسه أو غيره، ليفعلن شيئا، فجهله أو نسيه، فلا حنث عليه، إذ لا فرق بين أن يتعذر المحلوف عليه، لعدم العلم، أو عدم القدرة.(13/436)
بخلاف اليمين بالله تعالى، فإنها حق الله تعالى، وقد رفع عن هذه الأمة الخطأ والنسيان(1) (و) إن حلف (على من لا يمتنع بيمينه من سلطان وغيره) كالأجنبي لا يفعل شيئا (ففعله حنث) الحالف (مطلقا) سواء فعله المحلوف عليه، عامدا أو ناسيا، عالما أو جاهلا(2)
(وإن فعل هو) أي الحالف لا يفعل شيئًا، أو من لا يمتنع بيمينه، من سلطان أو أجنبي (أو غيره) أي غير من ذكر (ممن قصد منعه) كزوجة وولد (بعض ما حلف على كله)(3) كما لو حلف لا يأكل هذا الرغيف، فأكل بعضه (لم يحنث) لعدم وجود المحلوف عليه (ما لم تكن له نية) أو قرينة كما لو حلف لا يشرب ماء هذا النهر، فشرب منه، فإنه يحنث(4).
__________
(1) قال تعالى: { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وفي الحديث قال قد فعلت، وحديث «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان».
(2) لإمكان فعل المحلوف عليه.
(3) لم يحنث، قال الشيخ: لأن ما لا يمكن التحرز منه، لا يراد، ولا تقع اليمين عليه.
(4) قال ابن القيم: ومن الحيل الباطلة لو حلف لا يأكل هذا الرغيف أو لا يسكن في الدار هذه السنة، أو لا يأكل هذا الطعام، قالوا: يأكل الرغيف ويدع منه لقمة واحدة، ويسكن السنة كلها إلا يوما واحدا، ويأكل الطعام كله، إلا القدر اليسير منه، ولو أنه لقمة وهذه حيلة باطلة باردة.
ومتى فعل ذلك فقد أتى بحقيقة الحنث، وفعل نفس ما حلف عليه، ثم يلزم هذا المتحيل أن يجوز للمكلف، كل ما نهى الشارع عن جملته، فيفعله إلا القدر اليسير منه، فإن البر والحنث في الإيمان، نظير الطاعة والمعصية في الأمر والنهي، ولذلك لا يبرأ إلا بفعل المحلوف عليه جميعه، لا بفعل بعضه، كما لا يكون مطيعا إلا بفعله جميعه، ويحنث بفعل بعضه، كما يعصي بفعل بعضه.(13/437)
باب النذر(1)
(لغة الإيجاب)(2) يقال: نذر دم فلان، أي أوجب قتله(3) وشرعا: إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى، شيئا غير محال بكل قول يدل عليه(4).
__________
(1) يعقده العبد على نفسه، يؤكد به ما ألزمها به، من الأمور لله عز وجل، وهي تعظيم للخالق، ولأسمائه ولحقه، وأن تكون العقود به وله، وهذا غاية التعظيم فلا يعقده بغير اسمه، ولغير القرب إليه، فإن حلف فباسمه تعظيما وتبجيلا، وتوحيدا وإجلالا، وإن نذر فله توحيدا وطاعة، ومحبة وعبودية والأصل فيه: الكتاب والسنة والإجماع.
(2) أي وإيجاب المرء على نفسه شيئا لم يكن واجبا قبل.
(3) النذر، كعلي لله، أو نذرت لله، ولا يختص بذلك ونحوه، ولا ينعقد بغير القول، ولا بمحال، وفي الشرح، لا يستحب النذر، للنهي عنه، وتوقف شيخ الإسلام في تحريمه، وحرمه طائفة من أهل الحديث، قال: وما وجب بالشرع إذا نذره العبد، أو عاهد عليه الله، أو بايع عليه الرسول، أو الإمام، أو تحالف عليه جماعة، فإن هذه العهود والمواثيق، تقتضي له وجوبا ثانيا، غير الوجوب الثابت بمجرد الأمر الأول، فيكون واجبا من وجهين، ويكون تركه موجبا لترك الواجب بالشرع، والواجب بالنذر، هذا هو التحقيق، نص عليه أحمد، وقاله طائفة من العلماء.
(4) وقال ابن القيم: الملتزم الطاعة لله، لا يخرج عن أربعة أقسام، إما أن يكون بيمين مجردة، أو بنذر مجرد، أو بيمين مؤكدة بنذر، أو بنذر مؤكد
بيمين كقوله { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } فعليه أن يفي به، وإلا دخل في قوله: { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ } وهو أولى باللزوم من أن يقول: لله علي كذا، وقال: فرق بين ما التزم لله، وما التزم بالله، فالأول ليس فيه إلا الوفاء، والثاني يخير بين الوفاء والكفارة.(13/438)
و(لا يصح) النذر (إلا من بالغ عاقل) مختار(1) لحديث «رفع القلم عن ثلاثة»(2).
(ولو) كان (كافرا) نذر عبادة(3) لحديث عمر «إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة» فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «أوف بنذرك»(4) والصحيح منه أي: من النذر (خمسة أقسام) (5).
أحدها: النذر (المطلق مثل أن يقول: لله علي نذر، ولم يسم شيئا فيلزمه كفارة يمين)(6) لما روى عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين» رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب(7).
__________
(1) ولا يصح بغير قول، إلا من أخرس بإشارة مفهومة، كيمينه، لأنه التزام فلم ينعقد بغير قول.
(2) فدل الحديث، على أنه لا يلزم النذر منهم، لرفع القلم عنهم.
(3) أي فيصح، ولكن لا يخلو، إما أن تكون العبادة مما يفتقر إلى نية، كالصلاة والاعتكاف، فلا سبيل له إلى الوفاء به، إلا بعد إسلامه، فصحته إلزامه به بعد الإسلام، للخبر، وخبر «لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله»، أو لا يفتقر إلى نية، كصدقة بدرهم، فيلزم به، ولو قبل إسلامه، لصحته منه.
(4) فدل الحديث: على لزوم وفاء النذر، الواقع حال الكفر، ووجوب فعله بعد إسلامه، إذا كان عبادة.
(5) وعده بعضهم: ستة.
(6) سواء أطلق أو قال: إن فعلت كذا، وفعله ولم ينو بنذره شيئا معينا فتلزمه كفارة اليمين.
(7) فدل الحديث: على وجوب الكفارة إذا لم يسم ما نذره لله عز وجل.(13/439)
(الثاني: نذر اللجاج، والغضب(1) وهو تعليق نذره بشرط يقصد المنع منه) أي من الشرط المعلق عليه(2) (أو الحمل عليه، أو التصديق، أو التكذيب)(3) كقوله إن كلمتك، أن إن لم أضربك(4) أو إن لم يكن هذا الخبر صدقا أو كذبا، فعلي الحج أو العتق ونحوه(5).
(فيخير بين فعله، وكفارة يمين)(6) لحديث عمران بن حصين، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا نذر في غضب، وكفارته يمين» رواه سعيد في سننه(7).
(الثالث: نذر المباح(8) كلبس ثوبه، وركوب دابته)(9) فإن نذر ذلك (فحكمه كـ) القسم (الثاني) يخير بين فعله، وكفارة يمين(10)
__________
(1) سمي بذلك، لأن الحالف قصده، أن لا يكون الشرط فيها، ولا الجزاء فلم يلزمه الشارع، ومن ألحقه بنذر القربة، فقد قال ابن القيم وغيره: إلحاقه بنذر القربة، إلحاق له بغير شبهة، وقطع له عن الإلحاق بنظيره.
(2) أي: إن فعلت كذا فلله علي كذا.
(3) أي، أو يقصد الناذر الحمل، أي الحث على المعلق عليه، أو التصديق عليه إذا كان خبرا، أو التكذيب على ما علقه عليه.
(4) أي فعلي كذا، مما مثل به، ونحوه.
(5) كعلي عتق عبدي، أو مالي صدقة.
(6) إذا وجد الشرط، وإن قصد لزوم الجزاء عند الشرط، لزمه مطلقا، ذكره الشيخ عن أحمد.
(7) فدل على جواز التكفير، إذا وجد الشرط، وإن قصد لزوم الجزاء، فتقدم ما ذكره الشيخ عن أحمد.
(8) أي الثالث، من أقسام النذر الستة، نذر فعل مباح.
(9) وذلك كأن يقول: لله علي أن ألبس ثوبي، أو لله علي أن أركب دابتي.
(10) أي إذا لم يفعل هذا المنذور المباح.
ويأتي قول الوزير: إنه مذهب الثلاثة، واختيار الشيخ: أنه لا شيء عليه، لما روى البخاري بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقال: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم في الشمس، ولا يستظل، ولا يتكلم وأن يصوم، فقال: «مروه فليتكلم وليستظل وليقعد، وليتم صومه»، ولأبي داود في التي نذرت أن تضرب على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدف فقال: «أوفي بنذرك».(13/440)
(وإن نذر مكروها من طلاق أو غيره استحب له أن يكفر) كفارة يمين (ولا يفعله)(1).
لأن ترك المكروه أولى من فعله، وإن فعله فلا كفارة(2) (الرابع: نذر المعصية كـ) نذر (شرب الخمر(3) و) نذر (صوم يوم الحيض(4) و) يوم (النحر) وأيام التشريق(5) (فلا يجوز الوفاء به) لقوله عليه السلام «من نذر أن يعصي الله فلا يعصه»(6)
__________
(1) واستحباب الكفارة، عندهم خروجا من عهدة النذر، والمراد المكروه باعتبار أصله، كما مثل به من الطلاق ونحوه، كأكل ثوم أو بصل وإلا
فالإحرام قبل الميقات مكروه، وإذا نذره من مكان معين، قبل الميقات لزمه، لكون أصله وهو مطلق الإحرام، مشروعا، وعد بعضهم نذر المكروه قسما فتكون الأقسام ستة.
(2) عليه لأنه وفي بنذره.
(3) فلا يجوز الوفاء به، لأن المعصية لا تباح في حال من الأحوال.
(4) وكذا نذر صوم أيام النفاس، لأنه نذر معصية.
(5) أي كنذر صوم يوم النحر، وكذا صوم يوم عيد الفطر، وصوم أيام التشريق، للنهي عن صيامها، ولو قال إن فعلت كذا، فعلي ذبح ولدي، أو معصية غير ذلك، وقصد اليمين، فيمين، وإلا فنذر معصية، فيذبح في مسألة الذبح كبشا، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك.
(6) فدل على أنه لا يجوز الوفاء بنذر المعصية، ومنه النذر للقبور، او لأهل القبور ونحوه فهو نذر معصية لا يجوز الوفاء به ولأن المعصية لا تباح في حل من الاحوال، قال الوزير: إذا نذر أن يعصي الله عز وجل، فاتفقوا على أنه لا يجوز أن يعصي الله عز وجل.
وقال الشيخ: إذا حلف بمباح أو معصية لا شيء عليه، كنذرهما، فإن لم يلزم بنذره، لا يلزم به شيء إذا حلف به، فإن من يقوم: لا يلزم الناذر شيء لا يلزم الحالف بالأولى .
قال الشيخ: ومن أسرج قبرا أو مقبرة، أو جبلا أو شجرة، أو نذر لها أو لسكانها أو المضافين إلى ذلك المكان لم يجز ولا يجوز الوفاء به إجماعا ويصرف في المصالح، ما لم يعلم ربه، ومن الجائز صرفه في نظيره من المشروع، ومن نذر قنديلا، يوقد للنبي صلى الله عليه وسلم صرفت قيمته لجيرانه صلى الله عليه وسلم وهو أفضل من الختمة.(13/441)
.
(ويكفر) من لم يفعله(1) روي هذا عن ابن مسعود، وابن عباس وعمران بن حصين، وسمرة بن جندب رضي الله عنهم(2) ويقضي من نذر صوما من ذلك، غير يوم الحيض(3) (الخامس نذر التبرر مطلقا) أي غير معلق(4).
__________
(1) هذا المذهب عند بعض الأصحاب، والكفارة عليه إن لم يفعله، وكذا نذر المباح من المفردات.
(2) وعنه: لا ينعقد نذره، ولا يلزمه كفارة، وهو قول أبي حنيفة، ومالك والشافعي، قاله الوزير وغيره: واختاره الشيخ الإسلام.
(3) لانعقاد نذره يوم الحيض، فتصح القربة ويلغى التعيين، لكونه معصية وقال المجد، ومن نذر صوم سنة بعينها، لم يتناول شهر رمضان، ولا الأيام المنهي عن صوم الفرض فيها، وعنه: يتناولها، وعنه: يتناول أيام النهي دون أيام رمضان قال الشيخ: والصواب أنه يتناول رمضان، ولا قضاء عليه إذا صامها، لأنه نذر صوم واجب، وغير واجب بخلاف أيام النهي، وإنما تجيء الرواية الثالثة، على قول من لا يصحح نذر الواجب، استغناء بإيجاب الشارع، وأما قضاؤها مع صومها فبعيد، لأن النذر لم يقتض صوما آخر.
(4) أي نذر التقرب مطلقان أي: مما مثل به ونحوه، لا معلقا بشرط، وذكر: أن نذر التبرر ثلاثة أنواع، وما كان في مقابلة نعمة، أو دفع نقمة، أو التزام طاعة ابتداء، كلله على صوم أو صلاة، أو نذر طاعة لم تجب، كاعتكاف، فيلزمه الوفاء به.(13/442)
(أو معلقا كفعل الصلاة، والصيام والحج ونحوه)(1) كالعمرة والصدقة، وعيادة المريض(2) فمثال المطلق، لله علي أن أصوم أو أصلي(3) ومثال المعلق (كقوله: إن شفى الله مريض، أو سلم مالي الغائب، فلله علي كذا) من صلاة أو صوم ونحوه(4) (فوجد الشرط، لزمه الوفاء به) أي بنذره(5) لحديث «من نذر أن يطيع الله فليطعه» رواه البخاري(6) (إلا إذا نذر الصدقة بماله كله) من يسن له(7).
__________
(1) أي غير مقيد بشرط.
(2) وزيارة أخ في الله تعالى، أو شهود جنازة، مما لا يضره، ولا عياله، ولا غريمه، وكان بقصد التقرب، غير معلق بشرط، او علق بشرط كما مثل به.
(3) أو أحج أو اعتكف أو أزور مريضا، ونحوه.
(4) وكذا لو حلف بقصد التقرب، كوالله إن شفى الله مرضي، أورد مالي الغائب، ونحو ذلك، لأصلي أو أصوم، أو أتصدق بكذا.
(5) لمدح الذين يوفون بالنذر، وذم الذين ينذرون ولا يوفون.
(6) فدل الحديث على وجوب الوفاء به، ومن قال: إن قدم فلان أصوم كذا نذر يجب الوفاء به مع القدرة، قال الشيخ: لا أعلم فيه نزاعا، ومن قال ليس هذا بنذر، فقد أخطأ ومن قال: لئن ابتلاني الله لأصبرن، ولئن لقيت عدوا لأجاهدن، ولو علمت أحب العمل إلى الله لأعملن، فنذر معلق بشرط، كقوله: { لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } .
(7) لعله احترز بقوله «من يسن له» عمن لا يسن له ذلك، كالمحجور عليه في ماله، لحق الغرماء، وكذا إذا لم يكن بيده ما هو مباح، بقدر حاجته.(13/443)
فيجزئه قدر ثلثه ولا كفارة(1) لقوله عليه الصلاة والسلام لأبي لبابة، لما نذر أن ينخلع من ماله صدقة لله تعالى «يجزئ عنك الثلث» رواه أحمد(2) (أو) نذر الصدقة (بمسمى منه) أي ماله كألف (يزيد) ما سماه (على ثلث الكل، فإنه يجزئه) أن يتصدق (بقدر الثلث) ولا كفارة عليه، جزم به في الوجيز وغيره(3) والمذهب أنه يلزمه الصدقة بما سماه، ولو زاد على الثلث، كما في الإنصاف، وقطع به في المنتهى وغيره(4) (وفيما عداها) أي عدى المسألة المذكورة، بأن نذر الثلث فما دونه (يلزمه) الصدقة بـ (المسمى) لعموم ما سبق، من حديث «من نذر أن يطيع الله فليطعه»(5).
__________
(1) أي فيجزئه قدر ثلثه يوم نذره، يتصدق به، ولا كفارة عليه، نص عليه.
(2) وقال لكعب، «أمسك عليك بعض مالك»، فهو خير لك، ومن حلف أو نذر لا يرد سائلا، فكمن حلف أو نذر الصدقة بماله كله، قال الشيخ: ويصرف مصرف الزكاة.
(3) ولا يسن لما تقدم من الحديث قريبا.
(4) ففي الإقناع وشرحه، أو نذر الصدقة بألف، وليست كل ماله، لزمه جميع ما نذره، لأنه التزم ما لا يمنع منه شيء، فلزمه الوفاء به، وعبارة المنتهى، ولو ببعض مسمى لزمه.
(5) وما تقدم من قوله: { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ } وغير ذلك، وقال الشيخ: تعليق النذر بالملك، نحو: إن رزقني الله مالا، فلله علي أن أتصدق به، أو بشيء منه يصح اتفاقا، وقد دل عليه قوله: { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } الآية، وتقدم قوله فيمن قال: إن قدم فلان أصوم كذا، نذر يجب الوفاء به مع القدرة.
وقال: فإيجاب المؤمن على نفسه، إيجابا لم يحتج إليه بنذر، وعهد وطلب وسؤال جهل منه وظلم، وقوله: لو ابتلاني الله لصبرت، ونحو ذلك، إن كان وعدا، أو التزاما فنذر، وإن كان خبرا عن الحال ففيه تزكية النفس، وجهل بحقيقة حالها.(13/444)
(ومن نذر صوم شهر) معين كرجب(1) أو مطلق (لزمه التتابع) لأن إطلاق الشهر، يقتضي التتابع(2) سواء صام شهرا بالهلال، أو ثلاثين يوما بالعدد(3) (وإن نذر أياما معدودة) كعشرة أيام، أو ثلاثين يوما (لم يلزمه التتابع) لأن الأيام لا دلالة لها على التتابع(4) (إلا بشرط) بأن يقول متتابعة (أو نية) التتابع(5).
__________
(1) لزمه التتابع.
(2) وعنه: لا يلزمه التتابع، وفاقا لأكثر أهل العلم، فيما إذا لم يعين.
(3) أي فهو مخير، إن شاء صام شهرا هلاليا، من أوله ولو ناقصا، وإن شاء ابتدأ من أثناء الشهر، ويلزمه شهر بالعدد، ثلاثون يوما، وأيهما فعل خرج من العهدة.
(4) لقوله تعالى: { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } .
(5) أي: إلا بشرط أن يقول في نذره: أصوم عشرة متتابعة، أو نية التتابع فيلزم الوفاء بنذره، وإن شرط تفريقها، ففي المبدع: لزمه في الأقيس.(13/445)
ومن نذر صوم الدهر لزمه(1) فإن أفطر كفر فقط بغير صوم(2) ولا يدخل فيه رمضان، ولا يوم نهي(3) ويقضي فطره برمضان(4) ويصام لظهار ونحوه منه(5) ويكفر مع صوم ظهار ونحوه(6) ومن نذر صوم يوم الخميس ونحوه فوافق عيدا أو أيام تشريق أفطر وقضى وكفر(7) وإن نذر صلاة وأطلق فأقله ركعتان قائما لقادر(8).
__________
(1) أي لزمه الوفاء بنذره.
(2) لأن الزمن مستغرق للصوم المنذور.
(3) كيومي العيدين، وأيام التشريق، لأن رمضان لا يقبل صوم غيره، وأيام النهي لا تقبل صوم النذر، فلا كفارة بفطرها، ولا قضاء.
(4) لعذر أو غير عذر، لأنه واجب بأصل الشرع، فيقدم على ما أوجبه على نفسه، وإن نذر صوم سنة معينة، لم يدخل في نذره رمضان، ويوما العيدين، وأيام التشريق، لأن ذلك لا يقبل الصوم عن النذر، وإن نذر صوم سنة وأطلق، لزمه التتابع، ويصوم أثنى عشر شهرا، سوى رمضان وأيام النهي، قالوا: ويلزمه قضاء رمضان وأيام النهي.
(5) أي ويصام لظهار ونحوه، أي كالوطء في نهار رمضان، والقتل، منه، أي من الدهر المنذور صومه، كقضاء رمضان.
(6) يعني كفارة يمين، في جميع المواضع، لأنه سببه.
(7) أي: أفطر وجوبا، لتحريم صومها، وقضي نذرها، لانعقاد نذره ولم يفعله وكفر لفوات المحل، كما لو لم يصمه لمرض.
(8) لأن الركعة لا تجزئ في فرض، لكن إن حلف ليوترن الليلة مثلا، أجزأته ركعا في وقته لأنها أقله.(13/446)
وإن نذر صوما وأطلق(1) أو صوم بعض يوم، لزمه يوم بنية من الليل(2) ولمن نذر صلاة جالسا أن يصليها قائما(3) وإن نذر رقبة، فأقل مجزئ في كفارة(4).
كتاب القضاء(5)
__________
(1) لزمه صوم يوم بنية من الليل، لأنه أقل الصوم، ولو نذر صوم يوم معينا، ثم جهله، فقيل يصوم أسبوعا، وقال الشيخ: بل يصوم يوما من الأيام مطلقا أي يوم كان.
(2) أي أو نذر صوم بعض يوم، لزمه صوم يوم بنية من الليل، لأنه أقل الصوم.
(3) لأن الصلاة قائما أفضل، ومن نذر المشي إلى بيت الله، أو موضع معين من الحرم، لزمه في حج أو عمرة، فإن تركه لزمه كفارة، وقال الشيخ: أما لغير عذر فالمتوجه لزوم الإعادة، كما لو قطع التتابع، في الصوم المشروط فيه التتابع، أو يتخرج لزوم الكفارة والدم، والأقوى، أنه لا يلزم مع البدل عن عين الفعل كفارة، لأن البدل قائم مقام المبدل.
(4) في نحو ظهار، حملا للنذر على المعهود شرعا، إلا أن يعينها فيجزئه ما عينه، وتقدم: أنه إن نذر أن يصلي في المسجد الحرام، لزمه أن يصلي فيه ولا يجزئه في غيره، وهو مذهب مالك والشافعي، ويلزم الوفاء بالوعد، ولما قيل لأحمد: بم يعرف الكذابون؟ قال، بخلف المواعيد، وقاله عمر بن عبد العزيز وغيره، ومذهب مالك، يلزم الوفاء به بسبب، كتزوج وأعطيك كذا.
(5) والفتيا قال الشيخ: والواجب اتخاذ ولاية القضاء، دينا وقربة، فإنها من أفضل القربات، وإنما فسد حال الأكثر، لطلب الرياسة والمال بها، والفتيا هي: تبيين الحكم الشرعي للسائل عنه، وقال أحمد: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا، حتى يكون فيه خمس خصال، وأن يكون له نية، وإلا لم يكن عليه ولا على كلامه نور، وأن يكون له حلم، ووقار وسكينة، وأن يكون قويا على ما هو فيه، وعلى معرفته، والكفاية وإلا مضغه الناس، والخامس معرفة الناس اهـ.
وينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النص مهما أمكن، فإنه يتضمن الحكم والدليل، مع البيان التام، وكان الصحابة والتابعون، يتحرون ألفاظ النصوص، وهي حجة وعصمة، بريئة من الخطأ والتناقض والتعقيد والاضطراب.
ويحرم عليه الفتيا بخلاف النص، ولا يجوز له التزويج، وتخيير السائل، والقاؤه في الإشكال والحيرة، بل عليه أن يبين بيانا مزيلا للإشكال، كافيا في حصول المقصود، لا فرق بين القاضي والمفتي، في جواز الإفتاء، بما تجوز الفتيا به، ووجوبها إذا تعينت ومنصب الفتيا داخل في منصب القضاء، عند الجمهور.(13/447)
لغة: إحكام الشيء، والفراغ منه(1) ومنه (فقضاهن سبع سموات في يومين)(2).
واصطلاحا تبيين الحكم الشرعي(3) والإلزام به(4) وفصل الحكومات(5) (وهو فرض كفاية)(6) لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه(7) و(يلزم الإمام أن ينصب في كل إقليم) بكسر الهمزة (قاضيا)(8).
__________
(1) والقضاء: مصدر قضى يقضي، فهو قاض، إذا حكم، وإذا فصل وإذا أمضى، وقضى فلان واستقضى صار قاضيا.
(2) وبمعنى أوجب قال تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ } وبمعنى إمضاء الحكم ومنه { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ } الآية: أي: أمضينا
وأنهينا وسمي الحاكم قاضيا، لأنه يمضي الأحكام ويحكمها، أو لإيجابه الحكم على من يجب عليه.
(3) وهذا مشترك بين القاضي والمفتي.
(4) أي إن كان فيه إلزام، وهذا مختص بالقاضي، وقد يكون إباحة كحكم الحاكم، بأن الموات إذا بطل إحياؤه، صار مباحا لجميع الناس، وقال الشيخ: هو من جهة الإثبات شاهد، ومن جهة الأمر والنهي مفت، ومن جهة الإلزام بذلك ذو سلطان.
(5) والأصل فيه الكتاب والسنة، وإجماع المسلمين على نصب القضاة للفصل بين الناس.
(6) وفاقا، كالإمامة العظمة، وقال أحمد: لا بد للناس من حاكم، لئلا تذبه حقوق الناس، وقال الشيخ: قد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع، القليل العارض في السفر، وهو تنبيه على أنواع الاجتماع اهـ ويتعين على المجتهد الدخول فيه، إذا لم يوجد غيره، وفيه فضل عظيم لمن قوي عليه، وخطر عظيم لمن لم يؤد الحق فيه.
(7) وإذا أجمع أهل بلد على تركه أثموا.
(8) قال ابن رشد: وتوليته للقاضي، شرط في صحة قضائه، لا خلاف أعرفه فيه، قال الشيخ: والوكالة يصح قبولها على الفور والتراخي، بالقول والفعل، والولاية نوع منها.(13/448)
لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر الخصومات، في جميع البلدان بنفسه(1) فوجب أن يرتب في كل إقليم، من يتولى فصل الخصومات بينهم لئلا تضيع الحقوق(2) (ويختار) لنصب القضاء (أفضل من يجد علما وورعا)(3) لأن الإمام ناظر للمسلمين، فيجب عليه اختيار الأصلح لهم(4) (ويأمره بتقوى الله)(5).
لأن التقوى رأس الدين(6).
__________
(1) قال ابن رشد: ولا خلاف في جواز حكم الإمام الأعظم، اهـ ولأن الإمام الأعظم هو القائم بأمر الرعية، المتكلم بمصلحتهم، المسئول عنهم.
(2) ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وللحاجة إلى ذلك، ولئلا يتوقف الأمر على السفر إلى الإمام، ولما في السفر إليه من المشقة، وكلفة النفقة، وقال الشيخ: تولية قاضيين في بلد واحد، إما أن يكون على سبيل الاجتماع، بحيث ليس لأحدهما الانفراد كالوصيين، والوكيلين، وإما على سبيل الانفراد، أما الأول فلا مانع منه، إذا كان فوقهما من يرد مواضع تنازعهما والثاني يجوز مطلقا.
(3) لأن القضاء بالشيء فرع عن العلم به، والأفضل أثبت وأمكن، وكذا من ورعه أشد لأن سكون النفس إلى ما يحكم به أعظم.
(4) وإن لم يعرف الإمام الأفضل، سأل عمن يصلح، فإن ذكر له من لا يعرفه أحضره وسأله، ليكون على بصيرة، ولأن ربما كان للمسئول غرض غير المطلوب، وكانوا يمتحنون العمال بالفرائض، ونحوها من الغوامض، فإن عرف عدالته ولاه، وإلا لم يوله إلا عند الضرورة.
(5) ليأتمر بأمره وينتهي عما نهى عنه.
(6) أمر الله بها نبيه، وحث عليها، ووعد من اتقاه أعظم الجزاء.(13/449)
(و) يأمره بـ (أن يتحرى العدل) أي إعطاء الحق لمستحقه، من غير ميل(1) (ويجتهد القاضي في إقامته) أي إقامة العدل بين الأخصام(2) ويجب على من يصلح، ولم يوجد غيره، ممن يوثق به، أن يدخل فيه(3) إن لم يشغله عما هو أهم منه(4) ويحرم بذلك مال فيه وأخذه(5) وطلبه وفيه مباشر أهل(6).
__________
(1) ويأمره بالاجتهاد في إقامة الحق، لأن ذلك تذكرة له بما يجب عليه فعله، وإعانة له في إقامة الحق، وتقوية لقلبه، وتنبيه على اعتناء الإمام بأمر الشرع، وأهله.
(2) والعدل محمود محبوب باتفاق أهل الأرض، وهو من المعروف الذي تعرفه القلوب، كما أن الظلم من المنكر الذي تبغضه القلوب وتذمه، قال الشيخ: ومن فعل ما يمكنه، لم يلزمه ما يعجز عنه.
(3) لأن القضاء فرض كفاية، ولا قدرة لغيره على القيام به إذا، فتعين عليه، ولئلا تضيع حقوق الناس، فإن لم يطلب له، أو وجد موثوق به غيره، لم يلزمه الدخول فيه، وإلا لزمه.
(4) أي إن لم يشغله الدخول في القضاء عما هو أهم منه، كأمر دينه فلا يلزمه إذا الدخول فيه، ومع وجود غيره، الأفضل أن لا يجيب، وكره له طلبه إذا.
(5) بأن يبذله طالب القضاء، وكذا أخذ الوالي لذلك، وهو من أكل المال بالباطل.
(6) أي ويحرم طلب القضاء، وفيه مباشر أهل، أي صالح له، ولو كان الطالب أهلا، وإلا جاز بلا مال، وظاهر تخصيص الكراهة بالطلب، أنه لا يكره
تولية الحريص، ولا ينفي أن غيره أولى، ووجه في الفروع، يكره، وصوبه في الإنصاف.
ويحرم الدخول في القضاء على من لا يحسنه، ولم تجتمع فيه شروطه، والشفاعة له وإعانته على التولية، ويحرم الدخول فيه، إذا لم يمكنه القيام بالواجب، لظلم السلطان أو غيره، ويتأكد الامتناع، ويصح تولية مفضول مع وجود أفضل منه، لفعل الصحابة رضي الله عنهم.(13/450)
(فيقول) المولي لمن يوليه(1) (وليتك الحكم، أو قلدتك الحكم(2) ونحوه) كفوضت أو رددت، أو جعلت إليك الحكم(3) أو استنبتك، أو استخلفتك في الحكم(4) والكناية نحو: اعتمدت أو عولت عليك(5) لا ينعقد بها إلا بقرينة نحو: فاحكم(6).
__________
(1) أي فيقول الإمام أو نائبه، ولو غير عدل، لمن يوليه القضاء.
(2) أي ألفاظ التولية الصريحة: وليتك الحكم، وقلدتك الحكم.
(3) أي ونحو وليتك، وقلدتك: فوضت إليك الحكم، أو رددت إليك الحكم، أو جعلت إليك الحكم.
(4) أي: أو استنبتك في الحكم، أو استخلفتك في الحكم، فإذا وجد أحد هذه الألفاظ، وقبل المولى الحاضر في المجلس، أو الغائب بعده، أو شرع الحاضر، أو الغائب في العمل، انعقدت الولاية.
(5) ووكلت إليك، وأسندت الحكم إليك.
(6) أي: لا تنعقد الولاية بكناية منها إلا بقرينة، نحو: فاحكم، أو فتول ما عولت عليك، وما أشبهه، لأن هذه الألفاظ، تحتمل التولية وغيرها، فلا تنصرف إلى التولية إلا بقرينة تنفي الاحتمال.(13/451)
(ويكاتبه) بالولاية (في البعد)(1) أي إذا كان غائبا، فيكتب له الإمام عهدا بما ولاه(2) ويشهد عدلين عليها(3) (وتفيد ولاية الحكم العامة، الفصل بين الخصوم، وأخذ الحق لبعضهم من بعض) أي أخذه لربه ممن هو عليه(4) (والنظر في أموال غير الراشدين) كالصغير والمجنون، والسفيه(5) وكذا مال غائب(6) (والحجر على من يستوجبه، لسفه أو فلس(7).
__________
(1) لأن التولية تحصل بذلك، كالتوكيل.
(2) لأن النبي صلى الله عليه وسلم: كتب لعمرو بن حزم، وكتب عمر إلى أهل الكوفة، وجرى على ذلك ولاة المسلمين.
(3) فيقول: أشهد أني قدوليت فلانا قضاء كذا، فيقيما الشهادة هناك، وقال غير واحد: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يشهد ولا خلفاؤه، وإنما يكتبون ويختمون بما يعلم ضرورة أنه كتاب منهم بالتولية، وجرى على ذلك عمل المسلمين.
(4) لأن المقصود من القضاء ذلك، ولهذا قال أحمد وغيره: لئلا تذهب حقوق الناس.
(5) لأن ترك ذلك يؤدي إلى ضياع أموالهم.
(6) أي وتفيد ولاية القاضي النظر في مال غائب، لئلا يضيع.
(7) أي وتفيد ولايته الحجر، على من يستوجب الحجر عليه، لسفه، أو الحجر لفلس، لأن الحجر يفتقر إلى نظر واجتهاد، فلذلك كان مختصا به.(13/452)
والنظر في وقوف عمله، ليعمل بشرطها(1) وتنفيذ الوصايا(2) وتزويج من لا ولي لها) من النساء(3) (وإقامة الحدود(4) وإمامة الجمعة والعيد) ما لم يخصا بإمام(5) (والنظر في مصالح عمله، بكف الأذى عن الطرقات وأفنيتها(6) ونحوه) كجباية خراج وزكاة، ما لم يخصا بعامل(7) وتصفح شهوده وأمنائه، ليستبدل بمن يثبت جرحه(8).
والاحتساب على الباعة والمشترين، وإلزامهم بالشرع(9)
__________
(1) أي والنظر في وقوف عمله، أي ولايته، ليعمل بشرط الأوقاف، التي في محل نفوذ حكمه، لأن الضرورة تدعو إلى إجرائها، على شرط الواقف، سواء كان له ناظر خاص أولا.
(2) لأن الميت محتاج إلى ذلك، كغيره.
(3) لقوله صلى الله عليه وسلم «فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له»، والقاضي نائب السلطان.
(4) لأنه صلى الله عليه وسلم: كان يقيمها والخلفاء من بعده، ونقل أبو طالب: أمير البلد إنما هو مسلط على الأدب، وليس له مواريث، والوصايا والفروج، والحدود والرجم، إنما يكون هذا في القاضي.
(5) أي وتفيد ولايته إقامة الجمعة، ونصب إمامها، وإقامة العيد، لأن الخلفاء كانوا يقيمونها.
(6) جمع فناء، ما اتسع أمام دور عمله، لأنه مرصد للمصالح.
(7) يجيبها من جهة الإمام.
(8) ويستبقى من يصلح، لأن العادة، في القضاة ذلك، فعند إطلاق الولاية تنصرف إلى ما جرت به العادة.
(9) ذكره في التبصرة، وفي المنتهى، لا يستفيد ذلك، لأن العادة لم تثبت بتولي القضاة لذلك اهـ وتسمى ولاية الحسبة، وهو: جعل من ينظر في الأسواق بين الباعة، والمشترين من المعاملات المحرمة، وإلزامهم بالشرع، بسبب توفية الكيل والوزن، والذرع والسعر، وتقدم حكم التسعير، أما إن تخاصموا في صحة البيع وفساده، وقبض الثمن والمثمن، فله النظر في ذلك.
وقال الشيخ: ما يستفيده بالولاية لا حد له شرعا، بل يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف، لأن كل ما لم يحد شرعا، يحمل على العرف، كالحرز، والقبض(13/453)
(ويجوز أن يولي القاضي عموم النظر في عموم العمل)(1) بأن يوليه سائر الأحكام في سائر البلدان(2).
(و) يجوز أن (يولي خاصا فيهما)(3) بأن يوليه الأنكحة بمصر مثلا(4) (أو) يوليه خاصا (في أحدهما)(5).
بأن يوليه سائر الأحكام ببلد معين(6) أو يوليه الأنكحة بسائر البلدان(7) وإذا ولاه ببلد معين، نفذ حكمه في مقيم به، وطارئ إليه فقط(8)
__________
(1) وخاصا فيهما أو في أحدهما، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يستنيب أصحابه كلا في شيء، وقال ابن رشد: اتفقوا أن القاضي يحكم في كل شيء من الحقوق، سواء كان حقا لله أو حقا للآدميين، وأنه نائب عن الإمام الأعظم في هذا المعنى.
(2) وهذا عام في النظر، عام في العمل.
(3) أي القضاء والعمل.
(4) وهذا خاص في النظر، خاص في العمل.
(5) أي القضاء والعمل، قال الشيخ: ولاية الأحكام يجوز تبعيضها ولا يجب أن يكون عالما في غير ولايته، فإن منصب الاجتهاد ينقسم حتى لو ولاه في المواريث
لم يجب أن يعرف إلا الفرائض والوصايا، وما يتعلق بذلك، وإن ولاه عقود الانكحة وفسخها، لم يجب أن يعرف إلا ذلك، وعلى هذا إذا قال: اقض فيما تعلم، كما يقول أفت فيما تعلم، جاز، ويسمى ما لا يعلم خارجا عن ولايته، كما نقول في الحاكم الذي ينزل على حكمه الكفار، وفي الحكمين في جزاء الصيد.
(6) وهذا عام في النظر، خاص في العمل.
(7) وهذا خاص في النظر، عام في العمل.
(8) لأن الطارئ يصير من أهلها، في كثير من الأحكام، وأما من ليس مقيما بها ولا طارئا إليها، فلم يدخل تحت ولايته، قال القاضي: إذا استأذنت امرأة في غير عمله، فزوجها في عمله لم يصح العقد، لأن إذنها لم يتعلق بالحكم، وحكمه في غير عمله لا ينفذ، فإذا قالت، إذا حصلت في عملك فقد أذنت لك، فزوجها في عمله صح.
قال الشيخ: لا فرق بين أن تقول زوجني إذا صرت في عملك، أو إذا صرت في عملك فزوجني لأن تقييد الوكالة، أحسن حالا من تعليقها، نعم لو قالت زوجني الآن، أو فهم ذلك من إذنها، فهنا أذنت لغير قاض، وهذا هو مقصود القاضي.(13/454)
وإن ولاه بمحل معين، لم ينفذ حكمه في غيره(1).
ولا يسمع بينة إلا فيه، كتعديلها(2) وللقاضي طلب رزق من بيت المال، لنفسه وخلفائه(3) فإن لم يجعل له فيه شيء وليس له ما يكفيه، وقال للخصمين: لا أقضي بينكما إلا بجعل جاز(4) ومن يأخذ من بيت المال، لم يأخذ أجرة لفتياه، ولا لحكمه(5) (ويشترط في القاضي عشر صفات(6)
__________
(1) فلا ينفذ حكمه، إذا سافر لبلد آخر، ولا ينفذ حكمه إذا ولاه القضاء بمجلس أو مسجد معين.
(2) أي: ولا يسمع بينة إلا في محل عمله، وهو محل حكمه، وكذا تعديلها، فتجب إعادة الشهادة إذا سمعها في غير عمله، وإعادة تعديل البينة، إذا سمعها في غير عمله، لأن سماع ذلك في غير محل عمله، كسماعه قبل التولية.
(3) لأن الصديق لما ولي الخلافة، فرضوا له كل يوم درهمين، وعمر رزق شريحا كل شهر مائة درهم، ورزق ابن مسعود نصف شاة كل يوم وخلفاؤه، هم أمناؤه ونوابه، ولهم الأخذ مع الحاجة وعدمها، لما تقدم وعمر أمر بالفرض لمن ولي القضاء، وقال: ارزقوهم واكفوهم من مال الله تعالى، ولأنه لو لم يجز فرض الرزق تعطلت وضاعت الحقوق.
(4) قال الموفق: في الأصح، ولعل المراد قدر كفايته، واستظهره في شرح المنتهى ولا يختص بواحد منهما.
وقال الموفق أيضا وغيره: يحتمل أن لا يجوز، وصوبه في الإنصاف.
(5) ولا لخطه اكتفاء بما يأخذ من بيت المال.
(6) قال الشيخ: فيمن يولى، لا فيمن يحكمه الخصمان، وقال ابن القيم: أقل ما يشترط في القاضي صفات الشاهد، باتفاق العلماء قال الشيخ: لأنه لا بد أن يحكم بعدل.(13/455)
كونه بالغا عاقلا) لأن غير المكلف تحت ولاية غيره، فلا يكون واليا على غيره(1) (ذكرا) لقوله عليه الصلاة والسلام «ما أفلح قوم ولو أمرهم امرأة»(2) (حرا) لأن الرقيق مشغول بحقوق سيده(3) (مسلما) لأن الإسلام شرط للعدالة(4) (عدلا) ولو تائبا من قذف(5) فلا يجوز تولية الفاسق(6) لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } الآية(7) (سميعا) لأن الأصم لا يسمع كلام الخصمين(8).
(بصيرا) لأن الأعمى لا يعرف المدعي من المدعى عليه(9)
__________
(1) وهما يستحقان الحجر عليهما، والقاضي يستحقه على غيره، وبين الحالتين منافاة.
(2) ولأن المرأة ناقصة العقل، قليلة الرأي، ليست أهلا لمحل حضور الرجال.
(3) قال ابن رشد: أما اشتراط الحرية فلا خلاف فيه، وقال الشيخ: لا تشترط الحرية في الحاكم، واختاره أبو طالب، وابن عقيل، وصرح في الإقناع وغيره، أنها تصح ولاية عبد إمارة سرية، وقسم صدقة وفيء، وإمامة صلاة، واستثنى إمامة جمعة وعيد.
(4) ولأن الكفر يقتضي إذلال صاحبه، والقضاء يقتضي إحترامه، وبينهما منافاة، ولأنه لا يجوز أن يكون الحاكم ممن لا يقبل قوله، للآية الآتية.
(5) لقوله تعالى: { إِلا الَّذِينَ تَابُوا } بعد قوله: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } الآية.
(6) نص عليه، فلا يجوز تولية من فيه نقص، يمنع قبول شهادته.
(7) فدلت على عدم قبول قوله، فعدم قبول حكمه من باب أولى.
(8) فلا تجوز توليته.
(9) ولا المقر من المقر له، وقال الشيخ: وقياس المذهب تجوز كما تجوز شهادته، إذ لا يعوزه إلا عين الخصم، ولا يحتاج إلى ذلك، بل يقضي على موصوف كما قضى داود بين الملكين، ويتوجه أن يصح مطلقا، ويعرف بأعيان الشهود والخصوم، كما يعرف بمعاني كلامهم في الترجمة، إذ معرفة كلامه وعينه سواء.
قال: وهو في الحاكم أوسع منه في الشاهد: بدليل الترجمة والتعريف بالحكم دون الشهادة، وما به يحكم أوسع مما به يشهد.(13/456)
(متكلما) لأن الأخرس لا يمكنه النطق بالحكم، ولا يفهم جميع الناس إشارته(1) (مجتهدا) إجماعًا ذكره ابن حزم، قاله في
الفروع(2).
ولو) كان مجتهدًا (في مذهبه) المقلد فيه لإمام من الأئمة(3) فيراعي ألفاظ إمامه، ومتأخرها، ويقلد كبار مذهبه، في ذلك، ويحكم به(4)
__________
(1) فلا تجوز توليته.
(2) مجتهدا هذا المذهب المشهور، وقدمه في الفروع، قال ابن حزم: يشترط كونه مجتهدا إجماعا، وقال الوزير: اتفقوا على أنه لا يجوز أن يولى القضاء من ليس من أهل الاجتهاد، إلا أبا حنيفة، فقال: يجوز وما في الصحيحين إذا اجتهد الحاكم.. الحديث يدل على اشتراط الاجتهاد، ودرجة الاجتهاد لمن فهم مقاصد الشريعة، وتمكن من الاستنباط.
وقال ابن القيم: لا يشترط في المجتهد علمه بجميع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فيما يتعلق بالأحكام، ولكن أن يعلم جمهور ذلك ومعظمه.
وقال الشيخ: الشارع نصوصه كلمات جوامع، وقضايا كلية، وقواعد عامة، يمتنع أن ينص على كل فرد من جزئيات العالم، إلى يوم القيامة، فلا بد من الاجتهاد في جزئيات، هل تدخل في كلمات الجامعة أولا.
(3) واختار في الترغيب، ومجتهد في مذهب إمامه للضرورة، واختار في الإفصاح والرعاية: مقلدا، قال في الإنصاف: وعليه العمل من مدة طويلة، وإلا تعطلت أحكام الناس، وذكر ابن القيم: أن المجتهد هو العالم بالكتاب والسنة، ولا ينافي اجتهاده تقليد غيره أحيانا، فلا تجد أحدا من الأئمة إلا وهو مقلد من هو أعلم منه، في بعض الأحكام.
(4) هذا إنما يتوجه على لزوم التمذهب، والأخذ برخص ذلك المذهب وعزائمه، قال في الفروع: وعدمه أشهر، وقال في أصوله: عدم اللزوم قول جمهور العلماء، فيتخير قال ابن القيم: وهو الصواب المقطوع به، وقال الوزير: عمله بقول الأكثر أولى.
قال الشيخ: ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قتل، ومن كان متبعا لإمام فخالفه في بعض المسائل، لقوة الدليل، أو لكون أحدهما أعلم أو اتقى فقد أحسن، ولم يقدح في عدالته، وقال: في الأخذ برخصه وعزائمه، طاعة غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل أمره ونهيه، خلاف الإجماع، وتوقف في جوازه.(13/457)
ولو اعتقد خلافه(1).
قال الشيخ تقي الدين: وهذه الشروط تعتبر حسب الإمكان، وتجب ولاية الأمثل فالأمثل، وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره، فيولى لعدم، الأنفع من الفاسقين(2) وأقلهما شرا، وأعدل المقلدين، وأعرفهما بالتقليد.
قال في الفروع: وهو كما قال(3) ولا يشترط أن يكون القاضي كاتبا(4) أو ورعا أو زاهدا(5) أو يقظا(6) أو مثبتا للقياس(7) أو حسن الخلق والأولى كونه كذلك(8)
__________
(1) هذا قول ابن حزم، بل إذا لم يعتقد خلافه لقوله تعالى: { لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ } وقال الشيخ: أجمع العلماء على تحريم الحكم، والفتيا بالهوى، وبقول أو وجه، من غير نظر في الترجيح، ويجب العمل بموجب اعتقاده، فيما له وعليه، إجماعا؛ وقال: ليس الإنسان أن يعتقد أحد القولين، في مسائل النزاع فيما له، والقول الآخر فيما عليه باتفاق المسلمين، وقال: لا يجوز التقليد مع معرفة الحكم اتفاقا.
(2) قال ابن القيم: وإن كان غيره أفضل منه؛ وقال: وإن كان أحدهما أعمل، والآخر أورع، قدم فيما قد يظهر حكمه، ويخاف فيه الهوى، الأورع، وفيما ندر حكمه، ويخاف فيه الاشتباه، الأعلم.
(3) فما أحسن كلام الشيخ رحمه الله، وإلا لتعطلت بعض أمور الناس، إذا قلت العدالة.
(4) لأنه صلى الله عليه وسلم: كان أميا وهو سيد الحكام، وليس من ضرورة الحكم الكتابة.
(5) وقال الخرقي، والشيخ وغيرهما، يشترط كونه ورعا، وهو الصواب، وقال: الولاية لها ركنان القوة والأمانة، فالقوة في الحكم، ترجع إلى العلم بالعدل وتنفيذ الحكم، والأمانة ترجع إلى خشية الله.
(6) وقال ابن عقيل: لا مغفلا، وجزم به غير واحد، واستظهر في الفروع، أنه مراد الأصحاب، وحكى عن القاضي لا يليه، وصوبه.
(7) وحدوده وشروطه، وكيفية استنباطه.
(8) أي: أن يكون كاتبا ورعا، زاهدا يقظا، مثبتا للقياس، حسن الخلق
وحسن الخلق: اختيار الفضائل، وترك الرذائل، ورجح في الإنصاف: أنه لا ينعزل قبل علمه، وفي التلخيص: بغير خلاف، ورجحه الشيخ، وقال: هو المنصوص عن أحمد، وذكر أن ولاية القاضي، العقود والفسوخ، فتعظم البلوى بإبطالها قبل العلم، وصوبه في الإنصاف.(13/458)
.
(وإذا حكم) بتشديد الكاف (اثنان) فأكثر (بينهما رجلا يصلح للقضاء)(1) فحكم بينهما (نفذ حكمه في المال، والحدود واللعان، وغيرها) من كل ما ينفذ فيه، حكم من ولاه إمام أو نائبه، لأن عمر وأبيا: تحاكما إلى زيد ابن ثابت، وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم، ولم يكن أحد ممن ذكرنا قاضيا(2).
باب آداب القاضي(3)
__________
(1) بأن اتصف بما تقدم، من شروط القاضي، وقال: الشيخ: العشر صفات، التي ذكرها في المحرر في القاضي، لا تشترط فيمن يحكم الخصمان.
(2) ولحديث أبي شريح: إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، قال: ما أحسن هذا وغير ذلك وعلله في المال فقط، وحكي الوزير: أما النكاح واللعان، والقصاص والحدود، والقذف، فلا يجوز ذلك إجماعا.
(3) الأدب: بفتح الهمزة والدال، يقال: أدب الرجل، بكسر الدال وضمها لغة، إذا صار أديبا في خلق، أو علم، وقال آخرون، الظرف، وحسن التناول.(13/459)
أي أخلاقه التي ينبغي له التخلق بها(1) (ينبغي) أي يسن (أن يكون قويا من غير عنف)(2) لئلا يطمع فيه الظالم(3) والعنف ضد الرفق(4).
__________
(1) أي بيان ما يجب على القاضي، أو يسن له أن يأخذ به نفسه، أو أعوانه من الأداب، التي تضبط أمور القضاة وتحفظهم عن الميل، وقال أحمد: حسن الخلق: أن لا تغضب ولا تحقد، وقال ابن القيم: الحاكم محتاج إلى ثلاثة أشياء، لا يصح له الحكم إلا بها، معرفة الأدلة، والأسباب والبينات، فالأدلة تعرفه الحكم الشرعي الكلي، والاسباب تعرفه ثبوته في هذا المحل المعين، أو انتفاءه عنه، والبينات تعرفه طريق الحكم عند التنازع، ومتى أخطأ في واحد من هذه الثلاثة أخطأ في الحكم.
(2) أي قويا على ما هو فيه، وعلى معرفته، مستظهرا مضطلعا بالعلم، متمكنا منه، وتقدم قول الشيخ، إن الولاية لها ركنان القوة والأمانة.. إلخ.
(3) قال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر، «إني أراك ضعيفا، لا تأمرن على اثنين».. إلخ فالقوي تعظم هيبته، والضعيف يطمع فيه القوي، وهذا أمر معلوم بالضرورة.
(4) والرفق مع القوة، هو السبب لإيصال الحق لمستحقه، من أي شخص كان.(13/460)
(لينا من غير ضعف)(1) لئلا يهابه صاحب الحق(2) (حليما) لئلا يغضب من كلام الخصم(3) (ذا أناءة) أي تؤدة وتأن لئلا تؤدي عجلته إلى ما لا ينبغي(4) «و» ذا (فطنة) لئلا يخدعه بعض الأخصام(5)
__________
(1) فإذا كان ضعيفا قليل البضاعة، غير مضطلع بالعلم، أحجم عن الحق، في موضع ينبغي فيه الإقدام، لقلة علمه بمواضع الإقدام، والإحجام.
(2) لشدة عنفه، أو تنكره للخصوم، أو أحدهما، فتضعف حجته، خوفا من شراسته.
(3) فيمنعه ذلك من الحكم بينهما، قال ابن القيم، فالحلم زينة العلم، وبهاؤه وجماله، وضده الطيش، والعجلة، والحدة والتسرع، وعدم الثبات فالحليم لا يستفزه البذوات، ولا يستخفه الذين لا يعلمون، ولا يقلقه أهل العبث، والخفة والجهل بل هو وقور ثابت.
(4) يملك نفسه عند أوائل الأمور، ولا تملكه أوائلها، وملاحظته للعواقب تمنعه من أن يستخفه دواعي الغضب والشهوة، يتمكن بالحلم والأناءة من تثبيت نفسه عند الخير، فيؤثره ويصبر عليه، وعند الشر فيصبر عنه، والوقار والسكينة، وثمرتهما ونتيجتهما وليس صاحب العلم إلى شيء أحوج منه إلى الحلم والسكينة والوقار، فإنها كسوة علمه وجماله، وإذا فقدها كان علمه كالبدن العاري من اللباس.
(5) قال ابن القيم: ومعرفة الناس أصل عظيم، يحتاج إليه الحاكم، فإن لم يكن فقيها، فيه، فقيها في الأمر والنهي، ثم يطبق أحدهما على الآخر، وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح، فإنه إذا لم يكن فقيها في الأمر ومعرفة الناس، تصور الظالم بصورة المظلوم، وعكسه، والمحق بصورة المبطل وعكسه، وراج عليه
المكر والخداع، والاحتيال، وتصور الزنديق في صورة الصديق، ولبس عليه لجهله بالناس، وأحوالهم وعوائدهم، فلا يميز بين هذا وهذا ولا بد.
وقال: إذا لم يكن فقيه النفس، في الأمارات ودلائل الحال، ومعرفة شواهده وفي القرائن الحالية والمقالية، كفقهه، في كليات الأحكام أضاع حقوقا كثيرة على أصحابها، وحكم بما يعلم الناس بطلانه، ولا يشكون فيه اعتمادا منه على نوع ظاهر، لم يلتفت إلى باطنه وقرائن أحواله.(13/461)
.
ويسن أن يكون عفيفا(1) بصيرا بأحكام من قبله(2) ويدخل يوم اثنين أو خميس(3) أو سبت(4) لابسا هو وأصحابه أجمل الثياب(5).
__________
(1) أي كافا نفسه عن الحرام، لئلا يطمع في ميله بإطماعه.
(2) من القضاة يخاف الله ويراقبه، لا يؤتي من غفلة، ولا يخدع لغرة، لقول علي: لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضيا، حتى تكمل فيه خمس خصال، عفيف حليم، عالم بما كان قبله، يستشير ذوي الألباب، لا يخاف في الله لومة لائم، ويسهل عليه الحكم، وتتضح له طريقته.
(3) لفضلهما ولأنه صلى الله عليه وسلم دخل المدينة يوم الاثنين، وكذا من غزوة تبوك.
(4) لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «بورك لأمتي في سبتها وخميسها» وينبغي أن يدخلها ضحى تفاؤلا.
(5) أي أحسنها، لأنه تعالى يحب الجمال، وقال: { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } لأنها مجامع الناس، وهنا قد يجتمع ما لا يجتمع في المساجد، ولأنه أعظم له ولهم في النفوس.(13/462)
ولا يتطير، وإن تفاءل فحسن(1) (وليكن مجلسه في وسط البلد) إذا أمكن(2) ليستوي أهل البلد في المضي إليه(3) وليكن مجلسه فسيحا، لا يتأذى فيه بشيء(4) ولا يكره القضاء في الجامع(5) ولا يتخذ حاجبا، ولا بوابا بلا عذر(6).
__________
(1) أي: لا يتشاءم بشيء، وإن تفاءل فحسن، لأنه صلى الله عليه وسلم يحب الفأل، وينهى عن الطيرة.
(2) أي ليكن مجلس القضاء في دار واسعة، وسط البلد إذا أمكن.
(3) وإن جعل إليه القضاء في قرى، كان في متوسطها، ليسهل عليهم المضي إليه.
(4) من حر أو برد، وفي المنتهى: على بساط ونحوه، لكن قال الشارح: لم نعلم أنه نقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه، والاقتداء بهم، أولى، وقال الموفق وغيره: إذا افتات عليه الخصم، فله تأديبه، وله أن ينتهره إذا التوى وإن استحق التعزير عزره بما يرى.
(5) وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال: بل هو سنة، وذكره من أمر الناس القديم، وجاء عن عمر وعثمان، وعلي: أنهم كانوا يقضون في المسجد، وكان صلى الله عليه وسلم يجلس فيه، مع حاجة الناس إليه في الفتيا والحكم، ويصونه عما يكره فيه، والحائض توكل، أو تأتي القاضي ببينة، والجنب يغتسل أو يتوضأ وتقدم.
(6) أي: ولا يتخذ حاجبا بلا عذر، فإن كان عذر، فله أن يتخذ حاجبا، ولو في مجلس الحكم، ولا يتخذ بوابا بلا عذر، لحديث ابن عمر: ما من إمام أو وال، يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة، إلا أغلق الله أبواب السماء
دون حاجته، وخلته ومسكنته، رواه أحمد والترمذي ولأن الحاجب ربما قدم المتأخر، وأخر المتقدم، لغرض له، فإن كان ثم عذر، فله أن يتخذ حاجبا، وبوبا إن شاء، ويعرض القصص، فيبدأ بالأول فالأول، ويكون له من يرتب الناس إذا كثروا، فيكتب الأول فالأول، ويجب تقديم السابق على غيره.(13/463)
إلا في غير مجلس الحكم(1) (و) يجب (أن يعدل بين الخصمين في لحظه ولفظه، ومجلسه ودخولهما عليه)(2) إلا مسلما مع كافر، فيقدم دخولا، ويرفع جلوسا(3) وإن سلم أحدهما رد، ولم ينتظر سلام الآخر(4).
__________
(1) فله أن يحتجب في أوقات الاستراحة، لأنها ليست وقتا للحكومة.
(2) أي يجب على القاضي، أن يعدل بين الخصمين، إذا ترافعا إليه، لما روى أبو داود وغيره، عن ابن الزبير قال: قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم، فوجب أن يعدل بينهما في مجلسه، وفي ملاحظته لهما، وكلامه لهما قال ابن رشد: أجمعوا على أنه واجب عليه، أن يسوي بين الخصمين في المجلس.
وقال ابن القيم: نهى عن رفع أحد الخصمين عن الآخر، وعن الإقبال عليه، وعن مشاورته، والقيام له دون خصمه، لئلا يكون ذريعة إلى انكسار قلب الآخر، وضعفه عن القيام بحجته، وثقل لسانه بها، ولا يتنكر للخصوم، لما في التنكر لهم من إضعاف نفوسهم، وكسر قلوبهم وإخراس ألسنتهم علن التكلم بحججهم،خشية معرة التنكر، ولا سيما لأحدهما دون الآخر، فإن ذلك الداء العضال.
(3) أي إلا المسلم مع الكافر إذا ترافعا إليه، فيقدم المسلم دخولا، ويرفعه جلوسا لحرمة الإسلام قال تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ } .
(4) لوجوب الرد فورا.(13/464)
ويحرم أن يسار أحدهما، أو يلقنه حجته، أو يضيقه(1) أو يعلمه كيف يدعي، إلا أن يترك ما يلزمه ذكره في الدعوى(2) (وينبغي) أي يسن (أن يحضر مجلسه فقهاء المذاهب(3) وأن يشاوروهم فيما يشكل عليه) إن أمكن(4) فإن اتضح له الحكم حكم، وإلا أخره(5).
__________
(1) لأنه إعانة له على خصمه، وكسر لقلبه.
(2) كشرط عقد، وسبب إرث ونحوه، فله أن يسأل عنه ضرورة تحريرا للدعوى، وأكثر الخصوم لا يعلمه، وليتضح للقاضي وجه الحكم، وذهب طائفة من أصحاب أحمد، والشافعي، إلى أن يكره للقاضي أن يفتي في مسائل الأحكام المتعلقة به، واحتجوا بأن فتياه تصير كالحكم منه على الخصم، ولا يمكن نقضه وقت المحاكمة، وقد يتغير اجتهاده وقت الحكومة، أو تظهر له قرائن لم تظهر له وقت الإفتاء، فإن أصر، حكم بغير ما يعتقد صحته، وإن حكم بخلافها، طرق الخصم إلى تهمته.
(3) إذا كان في محل حكمه منهم، من يتمذهب للأئمة المشهورين، وإلا فقهاء مذهب يرجعون إلى اجتهاد أحد الأئمة.
(4) وسؤالهم إذا حدثت حادثة، ليذكروا جوابهم، وأدلتهم فيها، فإنه أسرع لا جتهاده وأقرب لصوابه.
(5) أي، وإلا أخر الحكم حتى يتضح، فلو حكم ولم يجتهد، لم يصح حكمه، ولو أصاب الحقن إن كان من أهل الاجتهاد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يشاور أصحابه، في الأمر، إذا حدث وقال: «المستشار مؤتمن وإذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه».(13/465)
لقوله تعالى: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } (1) (ويحرم القضاء وهو غضبان كثيرا)(2) لخبر أبي بكرة مرفوعا (لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان) متفق عليه(3).
(أو) وهو (حاقن(4) أو في شدة جوع أو) في شدة «عطش(5) أو» في شدة «هم أو ملل(6) أو كسل أو نعاس(7) أو برد مؤلم، أو حر مزعج»(8) لأن ذلك كله يشغل الفكر، الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب(9).
__________
(1) فدل عمومها على مشاورة القاضي للفقهاء.
(2) لا يسيرا لا يمنع فهم الحكم، لأن الكثير يشغل الفكر.
(3) فدل على تحريم القضاء، مع الغضب المقلق، لأن الغضب يشوش عليه، قلبه وذهنه، ويمنعه من كمال الفهم، ويحول بينه وبين استيفاء النظر، ويعمي عليه طريق العلم والقصد، بل الغضب غول العقل، فهو نوع من القلب والإغلاق، إذ أنه يغلق على صاحبه باب حسن التصور والقصد ويغتاله كما يغتاله الخمر.
(4) أي ويحرم القضاء وهو حاقن، لأن ذلك يشغل الفكر.
(5) أي ويحرم أن يقضي في شدة جوع يمنعه الفهم، أو في شدة عطش كذلك.
(6) أي: ويحرم القضاء في شدة هم مزعج، أو شدة ملل مفرط، أو شدة خوف مقلق أو شغل قلب مانع من الفهم.
(7) أي: ويحرم أيضا القضاء في شدة كسل، أو شدة نعاس مانع للفهم.
(8) يمنع أحدهما تصور ما يورد عليه، وفهم ما يحكم به.
(9) أي لأن ما مثل به كل واحد منه، يشغل فكر القاضي عن إصابة الحق، في غالب أحوال القضاة فيحرم القضاء معه.(13/466)
فهو في معنى الغضب(1) (وإن خالف) وحكم في حال من هذه الأحوال(2) (فأصاب الحق نفذ) حكمه لموافقته الصواب(3) (ويحرم) على الحاكم (قبول رشوة)(4) لحديث ابن عمر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح(5) (وكذا) يحرم على القاضي قبول (هدية)(6).
__________
(1) ولا يستريب عاقل، أن من قصر النهي، على الغضب وحده، دون الهم المزعج، والخوف المقلق، والجوع والظمإ الشديد، وشغل القلب، المانع من الفهم، فقد قل فقهه وفهمه.
(2) يعني الغضب، وما بعده مما يشغل الفكر، ويمنع الفهم.
(3) وإلا لم ينفذ، وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم القضاء مع ذلك الغضب، ونحوه فلأنه لا يجوز عليه غلط، لا قول ولا فعلا، في حكم بخلاف غيره.
(4) الرشوة هي: ما يعطي بعد طلبه، والهدية: الدفع إليه ابتداء، والرشوة نوعان، أن يأخذ من أحد الخصمين، ليحكم له بباطل، أو يمتنع من الحكم بالحق للمحق، حتى يعطيه وهو من أعظم الظلم.
(5) وصححه ابن حبان وغيره، وهو في السنن وزاد أحمد: والرائش، وهو الذي يمشي بينهما فدل الحديث على تحريم الرشوة، وهو إجماع.
(6) فقبول القاضي: وكذا الوالي والشافع للهدية، أصل فساد العالم، وقال ابن القيم: لأن قبول الهدية، ممن لم تجرد عادته بمهاداته ذريعة إلى قضاء حاجته، فيقوم عنده شهوة لقضاء حاجته.(13/467)
لقوله عليه الصلاة والسلام: «هدايا العمال غلول» رواه أحمد(1) (إلا) إذا كانت الهدية (ممن كان يهاديه قبل ولايته إذا لم تكن له حكومة) فله أخذها كمفت(2) قال القاضي: ويسن له التنزه عنها(3) فإن أحس أنه يقدمها بين يدي خصومة، أو فعلها حال الحكومة، حرم أخذها في هذه الحالة، لأنها كالرشوة(4) ويكره بيعه أو شراؤه(5) إلا بوكيل لا يعرف به(6).
__________
(1) ونقل في البدائع عن ابن عقيل: الهداية، إذا كان للمهدي حكومة محرمة، وإن لم يتبين له حكومة فمكروهة، وجاء الهدية تفقأ عين الحاكم، أي المحبة الحاصلة للمهدي إليه، وفرحته بالظفر بها، وميله إلى المهدي، يمنعه من تحديق النظر، إلى معرفة باطل المهدى، وأفعاله الدالة على أنه مبطل، فلا ينظر في أفعاله، بعين ينظر بها، إلى من لم يهد إليه، لحديث: «حبك الشيء يعمي ويصم»، فالهدية إذا أوجبت له محبة المهدي، فقات عين الحق، وأصمت أذنه.
(2) أي: فله أخذ هدية، والحال ما ذكر، لانتفاء التهمة، كما يجوز أخذ هدية للمفتي مطلقا.
(3) أي ويستحب للحاكم: التنزه عن أخذ الهدية.
(4) فإن خالف الحاكم، فأخذ الرشوة، أو الهدية، حيث حرمت ردتا لمعط، لأنه كأنه أخذهما بغير حق، كالمأخوذ بعقد فاسد.
(5) أي القاضي، خشية المحاباة، والمحاباة كالهدية.
(6) أي: لا يعرف أنه وكيل للقاضي، وكذا قال مالك والشافعي، يكره أن يتولى البيع، والشراء، لكن يوكل وكيلا، لا يعرف أنه وكيل القاضي، وليس له، ولا لوال أن يتجر إلا إن احتاج، وليس له ما يكفيه، فإن الصديق قصد السوق حتى فرضوا له ما يكفيه، وهو كل يوم درهمان.(13/468)
(ويستحب أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود) (1) ليستوفي بهم الحق(2) ويحرم تعيينه قوما بالقبول(3) (ولا ينفذ حكمه لنفسه(4) ولا لمن لا تقبل شهادته له) كوالده وولده وزوجته(5) ولا على عدوه كالشهادة(6) ومتى عرضت له، أو لأحد ممن ذكر حكومة، تحاكما إلى بعض خلفائه، أو رعيته(7) كما حاكم عمر أبيا إلى زيد بن ثابت(8).
ويسن أن يبدأ بالمحبوسين(9) وينظر فيم حبسوا(10) فمن استحق الإبقاء أبقاه(11).
__________
(1) ويفرقهم إذا ارتاب فيما شهدوا.
(2) وتثبت بهم الحجج، والمحاضر.
(3) أي قبول الشهادة، بحيث لا يقبل غيرهم، لوجوب قبول من ثبتت عدالته.
(4) بل يتحاكم هو وخصمه، عند قاض آخر، أو من يختارونه، كما يأتي.
(5) كالشهادة ولو كانت الخصومة، بين والديه، أو بين والده وولده لعدم قبول شهادته لأحدهما على الآخر.
(6) أي: ولا ينفذ حكمه على عدوه، كما لا تقبل الشهادة عليه للتهمة، وقال ابن رشد: اتفقوا على أنه يقضي لمن ليس يتهم عليه، اهـ وعدوه هو الذي يفرح بمساءته ويغتم لفرحه.
(7) أي عرضت لوال، أوقاض.
(8) وحاكم علي رجلا عراقيا إلى شريح، وحاكم يهوديا أيضا إلى شريح، وحاكم عثمان طلحة إلى جبير بن مطعم، وله استخلافهم، في الحكم، مع صلاحيتهم كغيرهم.
(9) أي الذين حسبهم القاضي الذي قبله، وأما سنية البداءة بهم، فلا دليل عليه، ولم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يجب أن تتبع سنته ولا عن خلفائه الراشدين.
(10) لأن الحبس عذاب، وربما كان فيهم من لا يستحقه، فينبغي أن ينفذ ثقة، يكتب أسماءهم، ومن حبسهم وفيهم حبسوا.
(11) أي في الحبس، بقدر ما يراه، لأن التعزير مفوض إليه.(13/469)
ومن استحق الإطلاق أطلقه(1) ثم في أمر أيتام ومجانين، ووقوف ووصايا، لا ولي لهم ولا ناظر(2) ولو نفذ الأول وصية موص إليه، أمضاها الثاني وجوبا(3) ومن كان من أمناء الحاكم للأطفال والوصايا، التي لا وصي لها بحاله، أقره(4).
ومن فسق عزله(5) ولا ينقض من حكم صالح للقضاء، إلا ما خالف نص كتاب الله أو سنة رسوله(6)
__________
(1) أي المحبوس، فإطلاقه وإذنه، وأمره وقرعته، حكم يرفع الخلاف إن كان ثم خلاف.
(2) لأن هذه أموال يتعلق به حفظها، وصرفها في وجوهها، فلا يجوز إهمالها، ولا نظر له مع الولي، أو الناظر الخاص، لكن له الاعتراض إن فعل ما لا يسوغ.
(3) لأن الظاهر أن الأول، لم ينفذها إلا بعد معرفة أهليته، فإن تغيرت حاله، بفسق أو ضعف، ضم إليه قويا أمينا يعينه، وإن لم ينفذ الأول وصيته نظر الثاني، فإن كان قويا أمينا أقره، وإن كان ضعيفا ضم إليه قويا أمينا.
(4) أي على ما هو عليه، لأن القاضي قبله ولاه، وعلم منه: أنهم لا ينعزلون
بعزل القاضي، ولا بموته، بخلاف خلفائه في الحكم، وذكر الشيخ: أن القاضي لو أذن أو حكم لأحد، باستحقاق عقد أو فسخ، فعقد أو فسخ، لم يحتج بعد ذلك إلى حكم بصحته، بلا نزاع.
(5) لعدم أهليته وأقام مكانه أمينا، ويضم إلى ضعيف قويا أمينا، ليعينه وله إبداله، وله النظر في حال قاض قبله، ولا يجب لأن الظاهر صحة أحكامه.
(6) صلى الله عليه وسلم لئلا يؤدي إلى نقض الحكم بمثله، وإلى أن لا يثبت حكم أصلا، ومفهومه أنه إذا لم يكن صالحا ينقض حكمه، وإن كان صوابا، وقال الشيخ: القضاة ثلاثة، من يصلح، ومن لا يصلح، والمجهول فلا يرد من أحكام الصالح إلا ما علم أنه باطل، ولا ينفذ من أحكام من لا يصلح إلا ما علم أنه حق، واختاره الموفق وغيره، وإن كان لا يجوز توليته ابتداء.
وأما المجهول: فينظر فيمن ولاه، فإن كان لا يولي إلا الصالح، جعل صالحا وإن كان يولي هذا تارة وهذا تارة، نفذ ما كان حقا، ورد الباطل، والباقي موقوف، ومن لا يصلح إذا ولي للضرورة ففيه مسألتان، إحداهما على القول: بأن من لا يصلح تنقض جميع أحكامه، هل ترد أحكامه كلها؟ أم يرد ما لم يكن صوابا؟ والثاني: المختار لأنها ولاية شرعية، والثاني: هل تنفذ المجتهدات من أحكامه؟ أم يتعقبها الحاكم العادل؟ وهذا فيه نظر.(13/470)
كقتل مسلم بكافر(1) وجعل من وجد عين ماله عند مفلس، أسوة الغرماء(2).
أو إجماعًا قطعيًّا(3) أو ما يعتقده، فيلزم نقضه(4) والناقض له حاكمه إن كان(5) (ومن ادعى على غيره برزة) أي طلب من الحاكم أن يحضرها للدعوى عليها(6).
__________
(1) أي لا ينقص من قضايا من قبله، إلا كحكمه بقتل مسلم بكافر، لمخالفته النص.
(2) فينقض لأنه لم يصادف شرطه، إذ شرط الاجتهاد عدم النص، ولتفريطه بترك الكتاب والسنة.
(3) أي: ولا ينقض إلا ما خالف إجماعا قطعيا، لأن المجمع عليه ليس محلا للاجتهاد.
(4) لاعتقاده بطلانه، فإن اعتقده صحيحا وقت الحكم، ثم تغير اجتهاده ولا نص ولا إجماع ولم ينقض، ولئلا يفضي إلى نقض الاجتهاد بمثله.
(5) فيثبت السبب المقتضي للنقض، وينقضه هو، دون غيره، وقال الغزي، إذا قضى بخلاف النص والإجماع، هذا باطل، لكل من القضاة نقضه إذا رفع إليه اهـ قال في الإقناع وشرحه، وما ذكروه من أن الناقض له حاكمه، إن كان لا يتصوره فيما إذا حكم بقتل مسلم بكافر، أو يجعل من وجد عين ماله عند مفلس أسوة الغرماء،إذا كان الحاكم يراه، فإنما ينقضه من لا يراه، فقد قالوا: يثبت السبب وينقضه اهـ وذكر الأصحاب، أن حكمه بالشيء حكم يلازمه، وإذا تغيرت صفة الواقعة، فتغير القضاء بها، لم يكن نقضا للقضاء الأول، وقالوا: ثبوت الشيء عند الحاكم ليس حكما به.
وقال الشيخ: تصرف الإنسان فيما بيده، بالبيع والوقف، ونحو ذلك، صحيح وإن لم يشهد له الشهود بالملك واليد، إذا لم يكن له معارض، وإنما الغرض بالصحة رفع الخلاف لئلا ينقضه من يرى فساده، فإن ظهر له خصم يدعي العين، لم يكن هذا الحكم دافعا للخصم، بل هو بمنزلة ذي اليد، إذا ادعى عليه مدع.
قال بعض أهل العلم: وعمل الناس هذه الأزمنة وعلى كلام الشيخ، وإن كان في كلام ابن نصر الله، أنه لا يحكم بالصحة بل بالموجب.
(6) وهي المخدرة، التي لا تبزر لقضاء حوائجها.(13/471)
(لم تحضر) أي لم يأمر الحاكم بإحضارها (وأمرت بالتوكيل) للعذر(1) فإن كانت برزة، وهي: التي تبرز لقضاء حوائجها، أحضرت(2) ولا يعتبر محرم تحضر معه(3).
(وإن لزمها) أي غير البرزة إذا وكلت (يمين أرسل) الحاكم (من يحلفها) فيبعث شاهدين(4) لتستحلف بحضرتهما(5).
(وكذا) لا يلزم إحضار (المريض)(6) ويؤمر أن يوكل فإن وجبت عليه يمين، بعث إليه من يحلفه(7) ويقبل قول قاض معزول عدل لا يتهم(8) كنت حكمت لفلان على فلان بكذا(9) ولو لم يذكر مستنده(10).
أو لم يكن بسجله(11).
__________
(1) كمريض ونحوه، ممن له عذر.
(2) عند القاضي، للدعوى عليها.
(3) لأنه لا سفر هنا يعتبر له المحرم، لكن لا يخلو بها سوى محرمها.
(4) أي فإن توجهت اليمين عليها بعث الحاكم أمينا معه شاهدان.
(5) لان إحضارها غير مشروع، واليمين لا بد منها وهذا طريقه.
(6) ونحوه من ذوي الأعذار.
(7) كغير البرزة للحرج والمشقة.
(8) بأن لم يكن من عمودي نسب القاضي، ونحوه.
(9) قبل قوله، نص عليه.
(10) فلا يلزمه أن يقول: حكمت عليه بإقراره أو ببينة، وقال ابن القيم
إذا قال الحاكم، حكمت بكذا، قبل عند الجمهور، وقال مالك: لا يقبل، لأن هذا مظنة التهمة فوجب رده، كما يرد حكمه لنفسه، وبعلمه، وهذا فقه ظاهر ومأخذ حسن.
(11) ولو أن العادة تسجيل أحكامه، وضبطها بشهود، لأن عزله لا يمنع قبوله قوله، وتلك ليست عادة في كل قطر، وهل ينعزل قبل العلم؟ قال الشيخ: الأصوب أنه لا ينعزل هنا، وإن قلنا ينعزل الوكيل، لأن الحق في الولاية لله، وإن قلنا هو وكيل، والنسخ في حقوق الله لا يثبت قبل العلم، كما قلنا على المشهور، أن نسخ الحكم، لا يثبت في حق من لم يبلغه، وذكره المنصوص عن أحمد، ونص على أن له أن يستخلف بغير إذن الإمام، بخلاف الوكيل.(13/472)
باب طريق الحكم وصفته(1)
طريق كل شيء ما يتوصل به إليه(2) والحكم فصل الخصومات(3) (إذا حضر إليه الخصمان) يسن أن يجلسهما بين يديه(4) و(قال أيكما المدعي) لأن سؤاله عن المدعي منهما لا تخصيص فيه لواحد منهما(5) (فإن سكت) القاضي (حتى يبدأ) بالبناء للمفعول، أي: حتى تكون البداءة بالكلام من جهتهما (جاز) له ذلك(6).
(فمن سبق بالدعوى قدمه) الحاكم على خصمه(7) وإن ادعيا معا أقرع بينهما(8) فإذا انتهت حكومته، ادعى الآخر إن أراد(9) ولا تسمع دعوى مقلوبة(10)
__________
(1) طريق الحكم، الأسباب الموصلة إليه، والحكم لغة: المنع، ومنه سمي القاضي حاكما، لأنه يمنع الظالم من ظلمه، وشرعا: فصل الخصومات، كما ذكره وإنشاء الإلزام لحكمه، بلزوم المنفعة ونحوها، فالإلزام هنا، هو: الحكم، لا الإلزام الحسي، الذي هو الحبس والترسيم، وإن كان بأمره فحكم، وصفة الحكم كيفيته.
(2) أي الشيء حكما كان أو غيره.
(3) أي والحكم شرعا، فصل الخصومات.
(4) لما رواه أبو داود مرفوعا: «قضي أن يجلس الخصمان بين يدي الحاكم». ولأنه أمكن للحاكم في العدل بينهما.
(5) قال في الفروع وهو الأشهر.
(6) ولا يقول القاضي لأحدهما تكلم، لأنه تخصيص، له وتفضيل.
(7) لترجحه بالسبق، فإذا قال خصمه، أنا المدعي لم يلتفت الحاكم إليه، ويقول له أجب خصمك عن دعواه، ثم ادع ما شئت.
(8) وقدم من خرجت له القرعة، لأنها تعين المستحق.
(9) وإن ارتاب من المدعي عليه، ومن القول قوله، وجب عليه أن يستكشف الحال، ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال، وحكى ابن رشد وغيره: الإجماع أن لا يسمع من أحدهما دون الآخر.
(10) بأن يدعي من عليه الحق، على المستحق بأخذ حقه، كأن يقول: أدعي على هذا، أنه يدعي علي بدينار فأحلفني له أنه لا حق له علي، ويشترط في الدعوى انفكاكها عما يكذبها، كأن يدعي على الخليفة، أنه اشترى منه حزمة بقل، قال في القواعد: لا تسمع بغير خلاف.
وقال ابن القيم: لم يزل حذاق الولاة يستخرجون الحقوق، بالفراسة والأمارات، قال: وكذلك إذا ارتاب بالدعوى، سأل المدعي عن سبب الحق، وأين كان، ونظر في الحال، هل تقتضي صحة ذلك، قال: وقل من اعتنى بذلك وصار له فيه ملكة، إلا عرف المحق من المبطل، وأوصل الحقوق إلى أهلها، وذكر قصة سليمان، وسماح الكبرى بشق الولد، وقول الصغرى لا تفعل، وهو ابنها، فأي شيء أحسن من اعتبار هذه القرينة.
وقال: الرجوع إلى القرائن في الأحكام متفق عليه بين الفقهاء، بل بين المسلمين كلهم.(13/473)
.
ولا حسبة بحق الله تعالى، كعبادة وحد وكفارة(1) وتسمع بينة بذلك(2) وبعتق وطلاق من غير دعوى(3) لا بينة بحق معين قبل دعواه(4) فإذا حرر المدعي دعواه، فللحاكم سؤال الخصم عنها، وإن لم يسأله سؤاله(5).
(فإن أقر له) بدعواه (حكم له عليه) بسؤاله الحكم(6) لأن الحق للمدعي في الحكم، فلا يستوفيه إلا بسؤاله(7).
__________
(1) أي: ولا تسمع دعوى حسبة، كعبادة، من صلاة وزكاة وحج، ولا دعوى حد زنا، أو شرب ولا دعوى كفارة ونذر ونحوه، وتسمع بينة بلا دعوى بوكالة، وإسناد وصية، قال الشيخ: وتسمع الدعوى في الوكالة، من غير حضور خصم مدعى عليه، نص عليه، ولو كان الخصم في البلد.
(2) أي بحق لله، وحد، وكفارة ونحوه.
(3) فإذا أحضرت بينة سمعت، فلا يحتاج لدعوى العتيق العتق، أو الزوجة الطلاق.
(4) أي ولا تسمع بينة بحق آدمي معين، قبل دعواه بحقه وتحريرها.
(5) أي فللحاكم سؤال الخصم المدعى عليه، وإن لم يقل للقاضي: أسأل المدعى عليه عن ذلك، لأن شاهد الحال يدل على ذلك.
(6) أي بسؤاله الحاكم الحكم، على المدعى عليه.
(7) أي إذا سأله الحكم عليه، فإن سأله قال الحاكم للمدعى عليه، قضيت عليك له، أو ألزمتك بحقه، أو حكمت عليك بالخروج منه، ونحوه قال الشيخ: والقضاء نوعان، إخبار هو إظهار وإبداء، وأمر هو إنشاء وابتداء
فالخبر: ثبت عندي، ويدخل فيه خبره عن حكمه، وعن عدالة الشهود، وعن الإقرار والشهادة، والآخر وهو: حقيقة الحكم، أمر ونهي، وإباحة ويحصل بقوله: أعطه ولا تكلمه، أو ألزمه وبقوله: حكمت وألزمت.
وقال ابن القيم: الحكم بالإقرار، يلزمه قبوله بلا خلاف، وقال ابن رشد: لا خلاف في وجوب الحكم به، وإنما النظر فيمن يجوز إقراره ممن لا يجوز، وإذا كان الإقرارا محتملا، وقع الخلاف، ولا خلاف بينهم في أن الإقرار مرة واحدة، عامل في المال.(13/474)
(وإن أنكر) بأن قال للمدعي قرضا أو ثمنا، ما أقرضني أو ما باعني(1) أو لا يستحق علي ما ادعاه، ولا شيئا منه(2) أو لا حق له علي، صح الجواب(3) ما لم يعترف بسبب الحق(4).
و(قال) الحاكم (للمدعي إن كان لك بينة فأحضرها إن شئت)(5).
__________
(1) أي وإن أنكر مدعى عليه الدعوى، بأن قال للمدعي قرضا، أو ثمنا، ما أقرضني، أو ما باعني صح جوابه، لنفسه عين ما ادعى به عليه.
(2) أي: أو قال مدعى عليه: لا يستحق علي ما ادعاه، ولا يستحق علي شيئا منه، صح جوابه.
(3) أي أو قال مدعي عليه: لا حق له علي، صح الجواب، لأن قوله: لا حق له علي نكرة في سياق النفي فتعم كل حق.
(4) وهو أن يقول: أقرضتني أو بعتني ونحوه، ولكن مالك علي شيء لم يصح الجواب، ولزمه ما ادعي به عليه.
(5) وأجمعوا على أنه يبدأ بالمدعي، فيسأله البينة إن أنكر المدعى عليه فإن
على المدعي ما يصحح دعواه، ليحكم له، والبينة والدلالة، والحجة والبرهان والآية والتبصرة، والعلامة والأمارة متقاربة المعنى، فإن البينة: اسم لكل ما يبين الحق ويظهره.
قال ابن القيم: هي في كلام الله، وكلام رسول صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة اسم لما يبين الحق، فهي أعم من البينة في اصطلاح الفقهاء، حيث خصوها بالشاهد، أو الشاهد واليمين، ولا حجر في الاصطلاح ما لم يتضمن حجر كلام الله ورسوله عليه، فيقع في ذلك الغلط في فهم النصوص، وحملها على غير مراد المتكلم منها.
وقد حصل بذلك للمتأخرين أغلاط شديدة في فهم النصوص، كلفظ البينة، وقوله: «هل مسحتما سيفيكما»، من أحسن الأحكام، وأحقها بالاتباع، فالدم في النصل شاهد عجيب، ولم تأت في القرآن، مرادا بها الشاهدان، وإنما أتت مرادا بها: الحجة، والدليل والبرهان، مفردة ومجموعة.(13/475)
فإن أحضرها أي البينة، لم يسألها الحاكم، ولم يلقنها(1) فإذا شهدت (سمعها) وحرم ترديدها، وانتهارها وتعنتها(2).
(وحكم بها) أي بالبينة إذا اتضح له الحكم، وسأله المدعي(3) (ولا يحكم) القاضي (بعلمه) ولو في غير حد(4) لأن تجويز القضاء بعلم القاضي، يفضي إلى تهمته، وحكمه بما يشتهي(5)
__________
(1) أي: لا يجوز للحاكم أن يلقن الشهود، ولا يجوز له أن يسأل الشهود عما عندهم، حتى يسأله المدعي ذلك، لأن الحق له، فإذا سأله أن يسأل البينة قال: من كان عنده شهادة، فليذكرها إن شاء، ولا يقول لهما اشهدا، لأنه أمر، وكان شريح، يقول للشاهد: ما أنا دعوتك، ولا أنهاك أن ترجع، ولا يقضي على هذا المتكلم غيرك، وإنما بك أقضي، وبك أتقي يوم القيامة، وإن كانا اثنين قال: بكما.. إلخ.
(2) أي فإذا شهدت عنده البينة سمعها، وحرم عليه ترديدها، وتعنتها، أي: طلب زلتها وانتهارها، أي زجرها، لئلا يكون وسيلة إلى الكتمان وللحاكم
أن يقول للمدعى عليه، ألك فيها دافع أو مطعن، ألك فيها قادح فبينه لي، ولعله إذا ارتاب فيهما، وقال الشيخ: للخصم طلب تسمية البينة، ليتمكن من القدح بالاتفاق.
(3) أي سأل القاضي: الحكم له، لزمه الحكم فورا، ولا يحكم بدون سؤاله.
(4) وهذا مذهب مالك، ومذهب أبي حنيفة والشافعي، جواز القضاء بعلمه في حقوق الآدميين، ويحرم ولا يصح الحكم بضد ما يعلمه، أو مع ليس قبل
البيان.
(5) قال ابن القيم: لأنه ذريعة إلى حكمه بالباطل، ويقول حكمت بعلمي، قال: ولو فتح هذا الباب، ولا سيما لقضاة الزمان، لوجد كل قاض له عدو: السبيل إلى قتل عدوه، ورجمه وتفسيقه، والتفريق بينه وبين امرأته، ولا سيما إذا كانت العداوة خفية، لا يمكن عدوه إثباتها، حتى لو كان الحق، حكم الحاكم بعلمه، لوجب منع قضاة الزمان من ذلك.
قال: وقد ثبت عن أبي بكر وعمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية المنع من ذلك، ولا يعرف لهم في الصحابة مخالف، ولقد كان سيد الحكام، صلوات الله وسلامه عليه، يعلم من المنافقين، ما يبيح دماءهم وأموالهم، ويتحقق ذلك، ولا يحكم فيهم بعلمه، مع براءته عند الله وملائكته، وعباده من كل تهمة.
قال: ولكن يجوز له الحكم بما تواتر عنده، وتظافرت به الأخبار، بحيث اشترك في العلم به هو وغيره، ويجوز له الاعتماد على سماعه بالاستفاضة، لأنها
من أظهر البينات، ولا يتطرق الحاكم تهمة إذا استند إليها، فحكمه بها حكم بحجة، لا بمجرد علمه، الذي لا يشاركه فيه غيره، قال الشارح: ويعمل بعلمه، في عدالة بينة، وجرحها بغير خلاف.(13/476)
.
(وإن قال المدعي مالي بينة، أعلمه الحاكم أن له اليمين على خصمه)(1) لما روي أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم حضرمي وكندي، فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض لي، فقال الكندي: هي أرضي وفي يدي، وليس له فيها حق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي: «ألك بينة؟» قال: لا، قال: «فلك يمينه»(2).
__________
(1) وكذا إن طلبها المدعى عليه، حلفه القاضي.
وقال الجمهور الفقهاء: اليمين تلزم المدعي عليه بنفس الدعوى، لعموم البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
وقال فقهاء المدينة ومالك: لا تجب اليمين إلا بالمخالطة، نظرا إلى المصلحة لئلا يتطرق الناس بالدعاوي، إلى تعنيت بعضهم بعضا، وأذية بعضهم بعضا.
(2) لقوة جانبه بالبراءة الأصلية، قال ابن القيم: وهذه قاعدة الشريعة المستمرة، لأن اليمين إنما كانت في جانب المدعى عليه، حيث لم يترجح المدعي بشيء، غير الدعوى، فيكون جانب المدعى عليه أولى باليمين، لقوته بأصل براءة الذمة، فكان هو أقوى المتداعيين باستصحاب الأصل، فكانت اليمين من جهته.
وقال الشيخ: من ادعى على خصمه، أن بيده عقارا، استغله مدة معينة، وعينه، وأنه يستحقه فأنكر المدعى عليه، وأقام المدعي بينة باستيلائه لا باستحقاقه
لزم الحاكم إثباته والإشهاد به، ثم إن أقام بينة بأنه هو المستحق، وإلا فهو كمال مجهول يصرف في المصالح.(13/477)
وهو حديث حسن صحيح، قاله في شرح المنتهى(1) وتكون يمينه (على صفة جوابه) للمدعي(2) (فإن سأل) المدعي من القاضي إحلافه (أحلفه وخلى سبيله) بعد تحليفه إياه(3) لأن الأصل براءة دمته(4) (ولا يعتد بيمينه) أي يمين المدعى عليه (قبل) أمر الحاكم له و(مسألة المدعي) تحليفه(5).
لأن الحق في اليمين للمدعي، فلا يستوفي إلا بطلبه(6) (وإن نكل) المدعى عليه عن اليمين (قضي عليه) بالنكول(7)
__________
(1) ورواه مسلم وأبو داود؛ وفيه: فقال: إنه لا يتورع من شيء، قال ليس لك إلا ذلك.
(2) كقول المدعي: أقرضتك، ثم يقول المدعى عليه، مالك عندي شيء، فلا يجئه منه، بل يقول ما أقرضتني، على صفة جوابه، ولو قال: عنده لي عشرة دراهم، لم يلزمه أن يسأله هل هي قرض أو غيره.
(3) وقال غير واحد: لا يحلف المدعى عليه، إلا أن ينضم إلى المدعي علم بمخالطته أو معاملته، أو تكون الدعوىتليق بالمدعى عليه، ولا يتناكرها الناس، ولا ينفيها عرف، كما روي عن علي وغيره، وفقهاء المدينة، وتقدم، ولصعوبة الإقدام على اليمين.
(4) قال ابن رشد: اتفقوا على أنها تبطل بها الدعوى عن المدعى عليه، إذا لم يكن للمدعي بينة.
(5) فعلى هذا، لو حلف قبل أمر الحاكم، له، ولو بعد سؤال المدعي تحليفه، لم يجزئه، وكذا لو حلف بأمر الحاكم، قبل سؤال المدعي، فلا بد من سؤال المدعي، والأمر من الحاكم، فإذا سأل المدعي الحاكم إعادتها أعادها.
(6) ولا يحلف مدعى عليه، لا حق له عليه، في شيء مختلف فيه، لا يعتقده مدعى عليه حقا.
(7) فإنه لو صدق المدعي، لدفع المدعى عليه دعواه باليمين، فلما نكل عنها، كان نكوله قرينة ظاهرة، دالة على صدق المدعي، فتقدمت على أصل براءة الذمة، وأما إذا كان المدعي منفردا بمعرفته، ردت اليمين عليه، وكذا إن قوي جانبه، فقال ابن القيم: الذي جاءت به الشريعة، أن اليمين تشرع من جهة أقوى المتداعيين.
فأي الخصمين ترجح جانبه، جعلت اليمين من جهته، وهذا مذهب الجمهور، كأهل المدينة وفقهاء الحديث، كأحمد والشافعي، ومالك وغيرهم، وقال: كما حكم به الصحابة، وصوبه أحمد وغيره، وقال: ما هو ببعيد يحلف ويأخذ واختاره الشيخ: وقال أبو عبيد: رد اليمين له أصل في الكتاب والسنة.
قال شيخ الإسلام ليس المنقول عن الصحابة في النكول ورد اليمين بمختلف بل هذا له موضع، وهذا له موضع، فكل موضع أمكن المدعي معرفته، والعلم به، فرد المدعى عليه اليمين، فإنه إن حلف استحق، وإن لم يحلف لم يحكم له بنكول المدعى عليه، وهذه كحكومة عثمان بن عفان.
قال ابن القيم: وهذا الذي اختاره شيخنا، هو فصل النزاع في النكول، ورد اليمين، وقال: إذا كان المدعى عليه منفردا بمعرفة الحال، فإذا لم يحلف قضي عليه، وأما إذا كان المدعي هو المنفرد، ردت عليه، فإذا لم يحلف لم يقض له بنكول المدعى عليه، فهذا التحقيق: أحسن ما قيل في النكول، ورد اليمين.(13/478)
رواه أحمد عن عثمان رضي الله عنه(1).
(فيقول) القاضي للمدعي عليه (إن حلفت) خليت سبيلك(2) (وإلا) تحلف (قضيت عليك) بالنكول(3) (فإن لم يحلف قضى عليه) بالنكول(4) (فإن حلف المنكر) وخلى الحاكم سبيله(5) (ثم أحضر المدعي بينة) عليه (حكم) القاضي (بها(6) ولم تكن اليمين مزيلة للحق)(7) هذا إذا لم يكن قال: لا بينة لي(8) فإن قال ذلك ثم أقامها لم تسمع، لأنه مكذب لها(9).
فصل(10)
__________
(1) ورواه مالك عن يحيى بن سعيد، عن سالم، عن أبيه، وذلك في غلام
باعه عبد الله بن عمر، فقضى عثمان عليه باليمين، لقد باعه الغلام وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد، وفي طريق أخرى لما أبى أن يحلف حكم عليه عثمان بالنكول.
(2) ولعله إذا كان هو المنفرد بالعلم، لما تقدم.
(3) وينبغي أن يكرره ثلاثا، قطعا لحجته.
(4) بشرط أن يسأله المدعي الحكم، لحديث «شاهداك أو يمينه»، حيث حصر اليمين في جهة المدعى عليه، فهو كإقامة بينة، وتقدم الكلام فيمن ترد عليه اليمين.
(5) وإن كان المدعي هو المنفرد بالعلم، ردت عليه كما تقدم.
(6) لأن الدعوى لا تبطل بالاستحلاف كما لو غابت عن البلد.
(7) بل تكون مزيلة للخصومة.
(8) فإن وجد بينة بعد، ولم يكن علم بها، سمعت.
(9) نص عليه، وقيل: بلى، واختاره ابن عقيل وغيره، قال في الفروع: وهو متجه حلفه أولا، كقوله: لا أعلم لي بينة، قال: وكذا قول: كذب شهودي، وأولى، ولا تبطل دعواه بذلك في الأصح، اهـ فإن قال: لا أعلم هل لي بينة أولا، ثم أقامها بعد، سمعت لأنه ليس بمكذب لها.
(10) أي في بيان: ما تصح به الدعوى، والبينة.(13/479)
(ولا تصح الدعوى إلا محررة)(1) لأن الحكم مرتب عليها(2) ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وإنما أقضي على نحو ما أسمع»(3) ولا تصح أيضا إلا (معلومة المدعى به)(4) أي تكون بشيء معلوم، ليتأتى الإلزام(5) (إلا) الدعوى بـ (ما نصححه مجهولا كالوصية) بشيء من ماله(6) (و) الدعوى (بعبد من عبيده) جعله مهرا ونحوه) كعوض خلع(7).
أو أقر به فيطالبه بما وجب له(8) ويعتبر أن يصرح بالدعوى فلا يكفي: لي عنده كذا، حتى يقول: وأنا مطالبه به(9) ولا تسمع بمؤجل، لإثباته(10)
__________
(1) فإن كانت بدين على ميت، ذكر موته، وحرر الدين، فيذكر نوعه وجنسه، وقدره ولو دفع الورقة إلى القاضي، وقال: ادعى بما في هذه الورقة، لم يقبل إلا بالتكلم، وظاهر كلام الشيخ، صحة الدعوة على المبهم، كدعوى الأنصار قتل صاحبهم ودعوى المسروق منهم، على بني أبيرق، وغيرهم.
(2) أي على الدعوى، والواجب، أن من ادعى مجملا، استفصل الحاكم ما ادعاه.
(3) فدل الحديث على وجوب تحرير الدعوى ليتبين للحاكم وجه الحكم.
(4) فلا تصح على مدعى مجهول.
(5) إذا ثبت المدعى به المعلوم.
(6) بأن وصى له بدابة ونحو ذلك.
(7) أو طلاق على مجهول، كإحدى دوابها.
(8) أي أو أقر بمجهول، بأن ادعى أنه أقر له بمجمل، كمال فتصح، وإذا ثبت طالبه مدع ببيان ما وجب له.
(9) قاله غير واحد من الأصحاب، وقدمه في الفروع.
وقال: وظاهر كلام جماعة، يكفي الظاهر، وقال: هو أظهر، ولو كان المدعى به متميزا مشهورا عند الخصمين والحاكم، كفت شهرته عن تحديده، لحديث الحضرمي والكندي.
(10) لأنه لا يجب الطلب به قبل حلوله، ولا يحبس عليه، وقيل: تسمع، صححه في الترغيب، وفي الرعاية: تسمع بدين مؤجل، لإثباته إن خاف سفر الشهود أو المدين، وأما الإشهاد فتسمع.
قال الشيخ: والثبوت المحض، يصح بلا مدعى عليه، وقد ذكره قوم من الفقهاء، وفعله طائفة من القضاة، وقال: لا يعتبر في أداة الشهادة، قوله: وأن الدين باق في ذمة الغريم إلى الآن، بل يحكم الحاكم باستصحاب الحال، إذا ثبت عنده سبق الحق، إجماعا.(13/480)
غير تدبير، واستيلاد وكتابة(1) ولا بد أن تنفك عما يكذبه(2) فلا تصح على إنسان، أنه قتل أو سرق، من عشرين سنة، وسنة دونها(3).
ولا يعتبر فيها ذكر سبب الاستحقاق(4) (وإن ادعى عقد نكاح أو) عقد (بيع أو غيرهما) كإجارة (فلا بد من ذكر شروطه)(5) لأن الناس مختلفون في الشروط، فقد لا يكون العقد صحيحا عند القاضي(6) وإن ادعى استدامة الزوجية، لم يشترط ذكر شروط العقد(7).
(وإن ادعت امرأة نكاح رجل، لطلب نفقة أو مهر أو نحوهما، سمعت دعواها) لأنها تدعي حقا لها تضيفه إلى سببه(8) (وإن لم تدع سوى النكاح) من نفقة ومهر وغيرهما (لم تقبل) دعواها، لأن النكاح حق الزوج عليها، فلا تسمع دعواها بحق لغيرها(9).
__________
(1) لصحة الحكم بها، وإن تأخر أثرها.
(2) عرفا، كنحو ما مثل به.
(3) كما لو ادعى أنه قتل أباه، أو سرق منه، ونحوه منفردا به.
ثم ادعى على آخر أنه شاركه فيه أو انفرد به، فلا تسمع الثانية، ولو أقر الثاني، إلا أن يقول المدعي غلطت أو كذبت في الأولى.
(4) لعين أو دين لكثرة سببه وقد يخفى على المدعي، ولا يعتبر أيضا في الشهادة بذلك، ذكر السبب، لأن ما صحت الدعوى به، صحت الشهادة به، وما لا فلا.
(5) أي شروط النكاح، أو شروط عقد البيع، أو عقد الإجارة، وتقدمت في مواضعها.
(6) فلا يتأتى له الحكم بصحتها مع جهله بها.
(7) لأنه لم يدع العقد، وإنما يدعي خروجها من طاعته، ويجزئ عن المرأة إن غابت ذكر اسمها ونسبها.
(8) أشبه سائر الدعاوي.
(9) ومتى جحد الزوجية، ونوى به الطلاق، لم تطلق بمجرد ذلك.(13/481)
(وإن ادعى) إنسان (الإرث ذكر سببه)(1) لأن أسباب الإرث تختلف فلابد من تعيينه(2) ويعتبر تعيين مدعى به، وإن كان حاضرا بالمجلس(3) وإحضار عين بالبلد لتعين(4).
وإن كانت غائبة وصفها كسلم(5) والأولى ذكر قيمتها أيضا(6).
(وتعتبر عدالة البينة، ظاهرا وباطنا)(7) لقوله تعالى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } (8).
__________
(1) أي وإن ادعى إنسان على شخص آخر الإرث، ذكر سببه وجوبا.
(2) لأنه لا بد أن تكون الشهادة، على سبب معين، فكذلك الدعوى.
(3) لنفي اللبس بالتعيين.
(4) أي ويعتبر إحضار عين مدعى بها، إن كانت حاضرة بالبلد، لتعين بمجلس الحكم نفيا للبس.
(5) أي: وإن كانت العين المدعى بها، غائبة عن البلد، وصفها مدع، كسلم بأن يذكر ما يضبطها من الصفات.
(6) أي مع وصفها، ويذكر قيمة غير مثلي، وعليه العمل، وكذا إن كانت تالفة، أو كانت في الذمة، ولو غير مثلية، كالمبيع في الذمة بالصفة، ويذكر قيمة نقد البلد، وقيمة جوهر ونحوه، مما لا يصح فيه سلم، لعدم انضباط صفاته، وتكفي شهرة عقار عندهما، وعند حاكم، عن تحديده لخبر الحضرمي والكندي.
(7) هذا المذهب عند بعض الأصحاب.
(8) وقال: { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ } ، وقال: { إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } وعنه: تكفي العدالة ظاهرا، اختاره الخرقي، وغيره، وهو مذهب أبي حنيفة
وعليه العمل، لقبوله صلى الله عليه وسلم شهادة الأعرابي، وقول عمر: المسلمون عدول.
ويحكم بها إن لم يعلم خلافها، وحكى ابن القيم، اتفاق الناس، على أنه لا يجوز للحاكم، أن يحكم بخلاف علمه، وإن شهد بذلك عنده العدول، وإنما يحكم بشهادته، إذا لم يعلم خلافها.(13/482)
إلا في عقد نكاح فتكفي العدالة ظاهرا، كما تقدم(1) (ومن جهلت عدالته سأل) القاضي (عنه) ممن له به خبرة باطنة بصحبة، أو معاملة ونحوهما(2) وتقدم بينة جرح على تعديل(3) وتعديل الخصم وحده، أو تصديقه للشاهد تعديل له(4).
__________
(1) فلا يبطل ولو كانا فاسقين.
(2) كجوار لهما، لمن يزكونه من الشهود، وكذا يعتبر لمزكين، معرفة حاكم خبرتهما، وزكى رجل رجلا عند عمر، فقال: أنت جاره، تعرف ليله ونهاره؟ قال: لا، قال: صحبته في السفر، الذي تظهر فيه جواهر الرجال؟ قال: لا؛ قال: عاملته بالدينار والدرهم؟ قال: لا، قال: لست تعرفه.
وقال أئمة التحقيق، كالشافعي وغيره، كل جريمة، تؤذن بقلة أكتراث مرتكبها بالدين، ورقة الديانة مبطلة للعدالة.
(3) لأن معها زيادة علم، بأمر باطن، خفي على المعدل، وشاهد العدالة يخبر بأمر ظاهر، والجارح مثبت، والمعدل ناف، والمثبت مقدم على النافي.
(4) لأن البحث عن عدالته لحقه، ولأن إقراره بعدالته، إقرار بما يوجب الحكم عليه لخصمه، فيؤخذ بإقراره، وتعديله للشاهد، تعديل له، فيؤخذ بتصديقه الشاهد، كما لو أقر بدون شهادة الشاهد.(13/483)
(وإن علم) القاضي (عدالته) أي عدالة الشاهد (عمل بها) ولم يحتج إلى التزكية(1) وكذا لو علم فسقه(2) (وإن جرح الخصم الشهود كلف البينة به) أي بالجرح(3) ولا بد من بيان سببه عن رؤية أو استفاضة(4) (وانظر) من ادعى الجرح (له ثلاثة أيام إن طلبه(5) وللمدعي ملازمته) أي ملازمة خصمه في مدة الإنظار لئلا يهرب(6).
__________
(1) اكتفاء بعلم الحاكم عدالة الشاهد.
(2) وإن ارتاب في الشهود سألهم كيف تحملوه الشهادة؟ وأين تحملوها؟ قال ابن القيم: وذلك واجب عليه متى عدل عنه أثم، وجار في الحكم، وشهد رجلان، على رجل أنه سرق، فاستراب منهما علي رضي الله عنه، فأمرهما بقطع يده، فهربا وفرق علي شهودا على امرأة فرجعوا، وقال: الله أكبر، أنا أول من فرق بين الشاهدين، وذكر فعل الملك، بالقاضيين الذين شهدا على المرأة المناصحة له بالبغي واختلافهما.
(3) وكذا إن أراد جرحها كلف البينة لحديث «البينة على المدعي». لأن إلزامه في الحال، تضييق عليه، وإنظاره أكثر من ذلك، تأخير للحق عن مستحقه، بلا ضرورة فجمع بين الحقين.
(4) كقوله: رأيته يشرب الخمر، أو يأخذ أموال الناس ظلما، ونحوه، أو سمعته يقذف ونحوه، أو يستفيض عنه ذلك، لاختلاف الناس، في أسباب الجرح.
(5) لأن إلزامه في الحال تضييق عليه وإنظاره أكثر من ذلك تأخير للحق عن مستحقه بلا ضرورة فجمع بين الحقين.
(6) فيضيع حقه.(13/484)
(فإن لم يأت) مدعي الجرح (ببينة حكم عليه)(1) لأن عجزه عن إقامة البينة على الجرح، في المدة المذكورة دليل على عدم ما ادعاه(2) (وإن جهل) القاضي (حال البينة، طلب من المدعي تزكيتهم) لتثبت عدالتهم فيحكم له(3) (ويكفي فيها) أي في التزكية (عدلان يشهدان بعدالته) أي بعدالة الشاهد(4) (ولا يقبل في الترجمة و) في (التزكية و) في (الجرح(5) والتعريف) عند حاكم(6).
__________
(1) بما شهدت به البينة.
(2) فوجب الحكم عليه، لثبوت حقه بالبينة وبطلان دعواه الجرح.
(3) بما شهدوا به، على يقين حالهم، وإن استراب بهم، فتقدم توضيحه.
(4) هذا المشهور في المذهب، أنه لابد في تزكية الشاهد الواحد من عدلين، وفي الشاهدين من أربعة، وعنه: تكفي تزكية الواحد للواحد، وعليه العمل.
(5) أي: ولا يقبل في الترجمة عمن لا يفهم كلامه عند حاكم، لا يعرف لسان الخصم ولا يقبل في التزكية للشهود، إذا جهلت عدالتهم، ولا يقبل في الجرح للشهود عند حاكم، إلا قول عدلين على المذهب.
(6) أي: بالمدعي والمدعى عليه، وقال الشيخ: يتضمن تعريف عين المشهود عليه، والمشهود له والمشهود به، إذا وقعت على الأسماء وتعريف المحكوم له، والمحكوم عليه، والمحكوم به، وتعريف المثبت له، والمثبت عليه، ونفس المثبت في كتاب القاضي إلى القاضي، والتعريف مثل الترجمة سواء، فإنه بيان يسمى هذا الاسم، كما أن الترجمة، كذلك، لأن التعريف قد يكون في أسماء الأعلام والترجمة في أسماء الأجناس، وهذا التعريف لا يختص بشخص دون شخص.(13/485)
(والرسالة) إلى قاض آخر بكتابه ونحوه (إلا قول عدلين)(1) إن كان ذلك فيما يعتبر فيه شهادة عدلين، وإلا فحكم ذلك حكم الشهادة، على ما يأتي تفصيله(2) وإن قال المدعي: لي بينة، وأريد يمينه، فإن كانت بالمجلس، فليس له إلا أحداهما(3) وإلا فله ذلك(4) وإن سأل ملازمته حتى يقيمها أجيب في المجلس(5).
__________
(1) أي ونحوه: كامرأة أرسل إليها لتستحلف، والمذهب لا يقبل فيها، إلا قول عدلين، وعنه يقبل قول واحد، وقال الشيخ: يقبل قول عدل واحد، ويقبل التعديل والجرح باستفاضة، ووجود العداوة لا يمنع التزكية، وعلى هذه الرواية، يصح بدون لفظ الشهادة، وفي الإنصاف: تجب المشافهة.
(2) في الشهادات وتجب المشافهة فيمن يعدل، أو يجرح ونحوه.
(3) أي البينة أو تحليف خصمه لحديث «شاهداك أو يمينه»، ولا يجمع بينهما، لإمكان فصل الخصومة بالبينة، فلم يشرع غيرها، مع إرادة مدع إقامتها وحضورها، ولأن اليمين بدل، فلا يجمع بينها وبين بدلها.
(4) أي: وإلا تكن حاضرة، فله تحليفه في المجلس، ثم إقامة البينة، وقال عمر: البينة الصادقة، أحب إلي من اليمين الفاجرة.
(5) أي، وإن سأل المدعي، ملازمة المدعى عليه، حتى يقيم البينة، أجيب في المجلس، حيث أمكن إحضارها فيه، لأنه من ضرورة إقامتها، ولا ضرر فيه على المدعى عليه.(13/486)
فإن لم يحضرها فيه صرفه(1) لأنه لم يثبت له قبله حق حتى يحبس به(2) (ويحكم على الغائب) مسافة القصر (إذا ثبت عليه الحق)(3).
__________
(1) أي: وإن لم يحضر المدعي، بينته في المجلس، صرف المدعى عليه، ولا ملازمة لغريمه.
(2) ولا يقيم به كفيلا، ولئلا يمكن كل ظالم من حبس من شاء من الناس، ولو بان بعد الحكم، كفر الشهود، أو فسقهم لزمه نقضه، ويرجع بالمال، أو بدله وبدل قود مستوفى على المحكوم له، وإن بان خطؤه في إتلاف، بمخالفة دليل قاطع ضمن، وقال ابن القيم خطأ المفتي كخطأ الحاكم، والشاهد.
(3) قال الشيخ: وإن أمكن القاضي، أن يرسل إلى الغائب رسولا، ويكتب إليه الكتاب والدعوى، ويجاب عن الدعوى بالكتاب والرسول، فهذا هو الذي ينبغي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بمكاتبته اليهود، لما ادعى الأنصاري عليهم قتل صاحبهم، وكاتبهم ولم يحضرهم، وهكذا ينبغي في كل غائب طلب إقراره أو إنكاره إذا لم يقم الطالب بينة.
وإن أقام بينة فمن الممكن أيضا، أن يقال: إذا كان الخصم في البلد، لم يجب عليه حضور مجلس الحاكم، بل يقول: أرسلوا إلي من يعلمني بما يدعى به علي، ويجوز أن يكون الرسول واحدا، لأنه نائب الحاكم، كما كان أنيس نائب النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الحد، بعد سماع الاعتراف، وثبوت الحد، أو يخرج على المراسلة من الحاكم إلى الحاكم.
قال: ونص عليه، فيما إذا أقام ببينة، بالعين المودعة، عند رجل سلمت إليه، وقضى على الغائب.(13/487)
لحديث هند، قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، قال: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»، متفق عليه(1) فتسمع الدعوى والبينة على الغائب مسافة قصر(2) وعلى غير مكلف، ويحكم بها(3) ثم إذا حضر الغائب فهو على حجته(4).
__________
(1) فدل الحديث بصحة الحكم على الغائب بما في معناه.
(2) أي عن القاضي المدعي عنده، ولو شاهدا ويمينا فيما يقبل منه فيه، ويحكم بها، وقال الوزير: اتفقوا على أن الحاكم يسمع دعوى الحاضر، وبينة الغائب اهـ واعتبر في القضاء على الغائب، أن يكون في غير محل ولايته، أما لو كان غائبا بمكان ولايته، ولا حاكم فيه، فإن الحاكم يكتب إلى من يصلح للقضاء، بالحكم بينهما، فإن تعذر فإلى من يصلح بينهما، فإن تعذر قال للمدعي حقق دعواك، فإن فعل أحضر خصمه، وإن بعدت المسافة على المذهب.
وذكر أحمد مذهب أهل المدينة، وأنهم يقضون على الغائب،و قال: هذا مذهب حسن، قال الزركشي: فلم ينكر أحمد سماع الدعوى، ولا البينة وحكى قول أهل المدينة والعراق وكأنه عنده محل وفاق.
(3) أي وتسمع الدعوى على غير مكلف، ويحكم بها لخبر هند، ثم إذا كلف بعد الحكم، فهو على حجته، وكذا المجنون والميت، لأن كلا منهم لا يعبر عن نفسه فهو كالغائب
(4) إن كانت، لزوال المانع، والحكم بثبوت أصل الحق، لا يبطل دعوى القضاء، أو الإبراء ونحوه، مما يسقط الحق، وإن حضر قبل الحكم وقف على حضوره.(13/488)
(وإن ادعى) إنسان (على حاضر في البلد غائب عن مجلس الحكم)(1) أو على مسافر دون مسافة قصر(2) غير مستتر(3) (وأتى) المدعي (ببينة لم تسمع الدعوى ولا البينة) عليه حتى يحضر مجلس الحكم، لأنه يمكن سؤال، فلم يجز الحكم عليه قبله(4).
باب كتاب القاضي إلى القاضي(5)
__________
(1) لم تسمع الدعوى، ولا البينة، إلا بحضرته مجلس الحكم.
(2) لأنه في حكم المقيم.
(3) لتعذر حضوره، فهو كالغائب بل أولى، لأن الغائب قد يكون له عذر بخلاف المتواري.
(4) بخلاف الغائب البعيد إلا أن يمتنع الحاضر بالبلد، أو الغائب دون مسافة القصر، عن الحضور، فيسمع الحاضر الدعوى عليه، والبينة.
(5) أي باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي، وما يقبل فيه، وما لا يقبل وما يجب عليه أن يثبته.(13/489)
أجمعت الأمة على قبوله، أي: كتاب القاضي إلى القاضي(1) لدعاء الحاجة إليه(2) فـ (يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق) لآدمي، كالقرض والبيع، والإجارة(3) (حتى القذف) والطلاق والقود، والنكاح، والنسب(4).
لأنها حقوق آدمي لا تدرأ بالشبهات(5).
و(لا) يقبل (في حدود الله) تعالى (كحد الزنا ونحوه) كشرب الخمر لأن حقوق الله تعالى، مبنية على الستر والدرء بالشبهات(6).
(ويقبل) كتاب القاضي (فيما حكم به) الكاتب (لينفذه) المكتوب إليه(7).
__________
(1) لقوله تعالى: حكاية عن بلقيس (إنه ألقي إلى كتاب كريم) ولأنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي، وإلى قيصر، وإلى كسرى، يدعوهم إلى الإسلام وكاتب ولاته وعماله، وسعاته، وحكى الإجماع عليه غير واحد.
(2) فإن من له حق في غير بلده، لا يمكنه إثباته، والطلب به بغير ذلك، إذ يتعذر عليه السفر بالشهود، وربما كانوا غير معروفين به، فيتعذر الإثبات عند حاكم.
(3) وغصب وصلح، ووصية بمال ورهن، وجناية توجب مالا، قال الوزير: اتفقوا على أن كتاب القاضي إلى القاضي، من مصر إلى مصر، في الحقوق التي هي المال أو ما كان المقصود منه المال، جائز مقبول.
(4) وتوكيل وإيصاء في غير مال، ونحو ذلك، وحتى هنا: إشارة إلى ما في المسألة من الخلاف، قال الوزير: اتفقوا على أن كتاب القاضي إلى القاضي من مصر إلى مصر، في الحدود والقصاص، والنكاح والطلاق، والخلع، غير مقبول إلا مالك، فإنه يقبل عنده كتاب القاضي إلى القاضي، في ذلك كله، وقال الشيخ: يقبل في الحدود، والقصاص عند مالك، وأبي ثور والشافعي أيضا في القصاص.
(5) فوجب قبول القاضي، المكتوب إليه بها.
(6) ولهذا لا تقبل بالشهادة على الشهادة، وكتاب القاضي حكمه، كالشهادة على الشهادة، لأن شهادة القاضي، على شهادة من شهد عنده.
(7) أي فيما حكم به القاضي، الكاتب لذلك الحكم، الثابت عنده لينفذه القاضي المكتوب إليه بذلك الحكم.(13/490)
(وإن كان) كل منهما (في بلد واحد)(1) لأن حكم الحاكم يجب إمضاؤه على كل حال(2).
(ولا يقبل) كتابه (فيما ثبت عنده ليحكم) المكتوب إليه (به إلا أن يكون بينهما مسافة قصر) فأكثر(3) لأنه نقل شهادة إلى المكتوب إليه، فلم يجز مع القرب، كالشهادة على الشهادة(4).
(ويجوز أن يكتب) كتابه (إلى قاض معين(5)
__________
(1) أي الكاتب، والمكتوب إليه.
(2) وإلا تعطلت الأحكام وكثرت الخصومات، وصورة الحكم أن يقول: حكمت لفلان، على فلان، بكذا، وكذا، وقال الشيخ: إذا كان عينا في بلدا لحاكم فإنه يسلمه إلى المدعي، ولا حاجة إلى كتاب، وأما إن كان دينا، أو غائبا في بلد آخر، فهنا يقف على الكتاب، وإذا كان المحكوم به غائبا فلو قيل: ينبغي
أن يكاتب الحاكم، بما ثبت عنده، من شهادة الشهود، حتى يكون الحكم في بلد التسليم كان متوجها.
(3) أي فيقبل كتابه، فيما ثبت عنده، ليحكم المكتوب إليه به، وصورة الثبوت أن يقول: ثبت عندي، أن لفلان على فلان، كذا وكذا ونحوه، قال الشيخ: وإخبار الحاكم، أنه ثبت عندي، بمنزلة إخباره، أنه حكم به، أما إن قال: شهد عندي فلان، او أقر عندي، فهو بمنزلة الشاهد سواء، فإنه في الأول تضمن قوله: ثبت عندي الدعوى والشهادة، والعدالة والإقرار، وهذا من خصائص الحكم، بخلاف قوله: شهد عندي، أو أقر عندي، فإنما يقتضي الدعوى.
(4) ولا يقبل إذا سمع الكاتب البينة وجعل تعديلها إلى الآخر المكتوب إليه، إلا في مسافة قصر فأكثر، والثبوت ليس بحكم، بل خبر بالثبوت قال الشيخ: ويجوز نقله إلى مسافة قصر فأكثر، ولو كانت الذي ثبت عنده، لا يرى جواز الحكم به، لأن الذي ثبت عنده ذلك الشيء، يخبر بثبوت ذلك عنده، قال: وللحاكم الذي اتصل به ذلك الثبوت، الحكم به، وإذا كان يرى صحته.
(5) أي ويجوز لقاضي جهة، أن يكتب إلى قاضي جهة أخرى معين، يعينه في نص كتابه، فيقول: فلان، قاضي البلد أو الجهة الفلانية، ويلزمه قبوله.(13/491)
و) أن يكتبه (إلى كل من يصل إليه كتابه، من قضاة المسلمين) من غير تعيين(1) ويلزم من وصل إليه قبوله(2) لأنه كتاب حاكم من ولايته، وصل إلى حاكم، فلزمه قبوله، كما لو كتب إلى معين(3).
(ولا يقبل) كتاب القاضي (إلا أن يشهد به القاضي الكاتب، شاهدين) عدلين يضبطان معناه، وما يتعلق به الحكم(4) (فيقرأه) القاضي الكاتب (عليهما) أي على الشاهدين (ثم يقول: اشهدا أن هذا كتابي إلى فلان ابن فلان) أو إلى من يصل إليه من قضاة المسلمين(5)
__________
(1) قال الشيخ: وتعيين القاضي الكاتب، كشهود الأصل، وقد يخير المكتوب إليه، قال الأصحاب: ويعتبر تعيينهم لهم، حتى لو قال تابعيان، أشهدنا صحابيان، لم يجز حتى يعيناهما.
(2) ولو لم يعينه، كأن يكتب إلى من يصل إليه، من قضاة المسلمين.
(3) وجب عليه قبوله، فكذا من وصل إليه، من قضاة المسلمين، يلزمه قبوله، كما يلزم المعين.
(4) دون ما لا يتعلق به الحكم، لعدم الحاجة إليه.
(5) وعنه: يجوز العمل بكتابته إذا عرف خطه، وعليه العمل.
وقال ابن القيم: أجمع الصحابة على العمل بالكتاب، وكذا الخلفاء بعدهم، وليس اعتماد الناس في العلم، إلا على الكتب، فإن لم يعمل بما فيه تعطلت الشريعة، وقال: ولم يزل الخلفاء والقضاة، والأمراء والعمال، يعتمدون على كتب بعضهم لبعض، ولا يشهدون حاملها على ما فيها، ولا يقرؤنه عليه، هذا عمل الناس من زمن نبيهم إلا الآن.
قال: والقصد حصول العلم، بنسبة الخط، إلى كاتبه، فإذا عرف وتيقن، كان كنسبة اللفظ إليه، وقد جعل الله في خط كل كاتب، ما يتميز به عن خط غيره، كتميز صورته وصوته، والناس يشهدون شهادة لا يستريبون فيها، على أن هذا فيه خط فلان.
وقال الشيخ: ومن عرف خطه بإقراره، أو إنشاء، أو عقد أو شهادة عمل به كالميت فإن حضر وأنكر مضمونة، فكاعترافه بالضرب، وإنكار مضمونه، ويلزم الحاكم أن يكتب للمدعى عليه، إذا ثببت براءته محضرا بذلك، إن تضرر بتركه، وللمحكوم عليه أن يطالب الحاكم عليه، بتسمية البينة، ليتمكن من القدح فيها باتفاق.(13/492)
.
(ثم يدفعه إليهما) أي: إلى العدلين، الذين شهدا بما في الكتاب(1) فإذا وصلا، دفعاه إلى المكتوب إليه(2) وقالا: نشهد أن هذا كتاب فلان إليك، كتبه بقلمه(3) والاحتياط ختمه بعد أن يقرأه عليهما(4) ولا يشترط(5).
وإن أشهدهما عليه، مدرجا مختوما، لم يصح(6).
باب القسمة(7)
__________
(1) هذا ما ذهب إليه بعض الأصحاب، عملا بالأحوط، عندهم، وتقدم قول الشيخ وتلميذه، وهو المعمول به.
(2) أي فإذا وصل الشاهدان، المدفوع إليها الكتاب، إلى عمل المكتوب إليه، دفعاه إلى القاضي المكتوب إليه.
(3) وأشهدنا عليه.
(4) صونا لما فيه.
(5) أي الختم، لأن الاعتماد على شهادتهما، لا على الختم، وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ولم يختمه، فقيل له: إنه لا يقرأ كتابا غير مختوم فاتخذ الخاتم.
(6) كذا قالوا، رحمهم الله، وتقدم: إذا وجدت وصية الرجل، مكتوبة عند رأسه، وعرف خطه، نفذ ما فيها، وقالوا: لأن ما أمكن إثباته بالشهادة لم يجز الاقتصار فيه على الظاهر، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، إذا لم يقرأه عليهما القاضي، لم يعمل القاضي المكتوب إليه بما فيه، وحجتهم: أنه لا يجوز أن يشهدا إلا بما يعلم.
وقال مالك: يجوز ذلك، ويلزم القاضي المكتوب إليه قبوله، ويقول الشاهدان هذا كتابه دفعه إلينا مختوما، وهذا رواية عن أحمد، اختارها الموفق وغيره.
وقال ابن القيم: لم يشهدا بما تضمنه، وإنما شهدا بأنه كتاب القاضي، وذلك معلوم لهما، والسنة الصريحة، تدل على صحة ذلك، وتقدم جواز الحكم به، إذا عرف خطه.
(7) الأصل فيها: الكتاب والسنة والإجماع قال تعالى: { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَينَهُمْ } وقال: { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ } ومن السنة الشفعة فيما لم يقسم، وكان يقسم الغنائم، وذكر الإجماع غير واحد، والحاجة داعية إليها.(13/493)
من قسمت الشيء إذا جعلته أقساما(1) والقسم بكسر القاف النصيب(2) وهي نوعان، قسمة تراض(3) وأشار إليها بقوله (لا تجوز قسمة الأملاك، التي لا تنقسم إلا بضرر) ولو على بعض الشركاء(4) (أو) لا تنقسم (إلا برد عوض) من أحدهما على الآخر (إلا برضا الشركاء) كلهم(5) لحديث: «لا ضرر ولا ضرار» رواه أحمد وغيره(6) وذلك (كالدور الصغار(7)).
__________
(1) وقاسمه المال، واقتسما، وعرفا، تمييز بعض الأنصباء عن بعض، وإفرازها عنها.
(2) المقسوم وبفتحها: من قسمت الشيء فانقسم.
(3) بأن يتفق عليها جميع الشركاء.
(4) وهو نقص قيمة المقسوم، للحديث الآتي.
(5) لأنها معاوضة بغير رضا.
(6) فدل عمومه، على عدم جواز قسم ما لا ينقسم إلا بضرر.
(7) وكذا الدكاكين الضيقة.(13/494)
والحمام والطاحون الصغيرين(1) والشجر المفرد(2) (والأرض التي لا تتعدل بأجزاء ولا قيمة(3) كبناء أو بئر) أو معدن (في بعضها) أي بعض الأرض(4) (فهذه القسمة في حكم البيع) تجوز بتراضيهما(5).
__________
(1) بحيث يقل الانتفاع بها، ويعتبر الضرر وعدمه، في كل عين على انفرادها.
(2) حيث أنه لا يمكن قسمة كل شجرة مفردة، وكذا كل عين مفردة، بل تعتبر كل واحدة منها على حدتها.
(3) أي لا تتعدل بجعلها أجزاء، ولا تتعدل بقيمة، وعلم منه: أنه لو أمكن قسمه بالأجزاء، مثل أن يكون البئر واسعة، يمكن أن يجعل نصفها لواحد، ونصفها للآخر، ويجعل بينهما حاجز في أعلاها، أو يكون البناء كبيرا، يمكن أن يجعل لكل منهما نصفه، أو أمكن قسمه بالتعديل، كأن يكون في إحدى جانبي الأرض بئر، يساوي مائة، وفي الآخر بئر يساوي مائة، فهو من قسمة الإجبار، لانتفاء الضرر.
(4) لا تمكن قسمتها إلا بضرر، أو ورد عوض، وإن كان المعدن في كلها، وأمكن تعديله بلا ضرر، ولا رد عوض جاز.
(5) أي في حكم البيع، من رد بعيب، وخيار مجلس، وشرط ونحوه، تجوز تلك القسمة بتراضيهما، وقال الموفق وغيره: بيع فيما يقابل الرد، وإفراز في النصيبين، وتمييز الحقين، وليست بيعا، إن لم يكن فيها رد عوض، واختاره الشيخ تقي الدين.(13/495)
ويجوز فيها ما يجوز في البيع خاصة(1) (ولا يجبر من امتنع) منهما (من قسمتها)(2) لأنها معاوضة(3) ولما فيها من الضرر(4) ومن دعا شريكه فيها إلى بيع أجبر(5) فإن أبى باعه الحاكم عليهما(6) وقسم الثمن بينهما على قدر حصصهما(7) وكذا لو طلب الإجارة ولو في وقف(8).
والضرر المانع من قسمة الإجبار نقص القيمة بالقسمة(9) ومن بينهما دار لها علو وسفل، وطلب أحدهما جعل السفل لواحد والعلو لآخر، لم يحبر الممتنع(10)
__________
(1) أي: ويجوز في قسمة التراضي، ما يجوز في البيع خاصة، لأنها نوع من أنواعه.
(2) للخبر وغيره.
(3) فيشترط فيها الرضى منهما، كالبيع.
(4) وتقدم لا ضرر ولا ضرار، ولأنه إتلاف وسفه، يستحق به الحجر، أشبه هدم البناء.
(5) أي: ومن دعا شريكه في الدور الصغار ونحوها، مما تقدم إلى البيع أجبر، وكذا في شركة عبد أو بهيمة، أو سيف ونحوه، إلى البيع، أجبر الممتنع، ليتخلص الطالب من ضرر الشركة.
(6) أي: فإن أبى الممتنع البيع باعه الحاكم عليهما، لأنه حق عليه، كما يبيع الرهن إذا امتنع الراهن.
(7) قال الشيخ: وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك وأحمد.
(8) أي وكذا لو طلب شريكه، أن يؤجر معه، في قسمة التراضي، أجبر الممتنع فإن أصر أجره الحاكم عليهما، وقسم الأجرة بينهما، بحسب المالك أو الاستحقاق، وقد نص أحمد على بيع أشياء، تابعة للوقف، والاعتياض عنها.
(9) لأن نقص القيمة بها ضرر، وهو منتف شرعا، وسواء انتفعوا به مقسوما أو لا ولا يعتبر للضرر، كونهما لا ينتفعان به مقسوما.
(10) قال في الإنصاف: بلا نزاع، وكذا لو طلب أحدهما قسمة السفل، دون العلو، أو بالعكس، أو قسمة كل واحد على حدة، أما لو طلب أحدهما قسمتهما معا، ولا ضرر وجب، وعدل بالقيمة، لا ذراع سفل بذراعي علو، ولا ذراع بذراع، ولا إجبار أيضا في قسمة المنافع، فإن اقتسماها في زمان أو مكان صح جائزا، واختار المجد لزومه، إن تعاقدا مدة معلومة.
قال الشيخ: لا ينفسخ حتى ينقضي الدور، ويستوفي كل واحد حقه، ولو استفوى أحدهما حقه، ثم تلفت المنافع في مدة الآخر، قبل تمكنه من القبض، فقال: يرجع على الأول ببدل حصته، من تلك المدة، ما لم يكن رضي بمنفعة الزمن المتأخر على أي حال كان.(13/496)
.
النوع الثاني: قسمة إجبار(1) وقد ذكرها بقوله (وأما ما لا ضرر) في قسمته(2) (ولا رد عوض في قسمته(3)).
__________
(1) سميت بذلك، لأن الحاكم يجبر الممتنع منهما، إذا كملت شروطه، قال الوزير: اتفقوا على جواز القسمة فيما لا ضرر فيه، اهـ ويشترط لحكمه بالإجبار ثلاثة شروط: أن يثبت عند الحاكم ملك الشركاء، وأن يثبت أن لا ضرر وأن يثبت إمكان تعديل السهام، في العين المقسومة، من غير شيء يجعل فيها.
(2) على أحد الشركاء.
(3) أي من واحد من الشركاء على الآخر.(13/497)
كالقرية(1) والبستان و الدار الكبيرة والأرض) الواسعة (والدكاكين الواسعة(2) والمكيل، والموزون من جنس واحد(3) كالأدهان والألبان ونحوها(4) إذا طلب الشريك قسمتها أجبر) شريكه (الآخر عليها) إن امتنع من القسمة مع شريكه(5).
__________
(1) لإمكان قسمتها، بلا ضرر، وقال الشيخ: في قرية مشاعة قسمها فلاحوها، إذا تهايؤا، وزرع كل منهم حصته، فالزرع له ولرب الأرض نصيبه إلا من ترك من نصيب مالكه، فله أخذ أجرة الفضلة.
(2) سواء كانت متساوية الأجزاء أولا، إذا أمكن قسمتها، بتعديل السهام من غير شيء يجعل معها، وإلا فلا ونص أحمد فيمن أقام بينة بسهم من ضيعة بيد قوم، فهربوا منه: تقسم عليهم، ويدفع إليه حقه، فقد أمر الإمام أحمد أيضا الحاكم: أن يقسم على الغائب، إذا طلب الحاضر، وإن لم يثبت ملك الحاضر.
(3) ولا يجوز رطب بيابس، لحصول الربا.
(4) من سائر الحبوب، والثمار وغيرها، قال الشيخ: وإذا كان بينهما أشجار فيها الثمرة، وأغنام فيها اللبن، والصوف، فهو كاقتسام الماء الحادث، والمنافع الحادثة، وجماع ذلك، انقسام المعدوم، لكن لو نقص الحادث المعتاد، فللآخر الفسخ ويفهم منه: أن الحصرم إذا بلغ جازت القسمة، مع أنها إنما تقسم خرصها، كأنها بيع شاة ذات لبن بشاة ذات لبن، وعلى قياسه: يجوز بيع نخلة ذات رطب، بنخلة ذات رطب لأن الربوي تابع.
(5) لأنه يتضمن إزالة الضرر، الحاصل بالشركة، وحصول النفع للشريكين لأن نصيب كل واحد منهما إذا تميز، كان له أن يتصرف فيه، بحسب اختياره ويمكن من إحداث الغراس والبناء، وذلك لا يمكن من الاشتراك.(13/498)
ويقسم عن غير مكلف وليه(1) فإن امتنع أجبر(2) ويقسم حاكم على غائب من الشريكين بطلب شريكه أو وليه(3) ومن دعا شريكه في بستان، إلى قسم شجره فقط لم يجبر(4) وإلى قسم أرضه أجبر، ودخل الشجر تبعا(5).
(وهذه القسمة) وهي قسمة الإجبار (إفراز) لحق أحد الشريكين من الآخر(6) (لا بيع) لأنها تخالفه في الأحكام(7).
__________
(1) ولو كان وليه حاكما، كما يطلب الشريك الآخر، أو وليه.
(2) أي فإن امتنع ولي غير مكلف عن القسمة، أجبر إذا كملت الشروط، كما تقدم.
(3) لأنها حق عليه، فجاز الحكم عليه، كسائر الحقوق.
(4) أي دون أرضه، لم يجبر على قسم شجره، دون أرضه، لأن الشجر المغروس تابع لأرضه، غير مستقل بنفسه.
(5) للأرض ومن بينهما أرض في بعضها نخل، وفي بعضها شجر غيره، أو يشرب سيحا، وبعضها بعلا، قدم من طلب قسمة كل عين على حدة إن أمكنت تسويته في جيده ورديئة، وإلا قسمت أعيانا بالقيمة، إن أمكن التعديل بالقيمة، وإن أبي أحدهما لم يجبر.
(6) يقال فرزت الشيء وأفرزته إذا عزلته، من الفرزة، وهي القطعة.
(7) والأسباب، فلم تكن بيعا، كسائر العقود ولو كانت بيعا لم تصح، إلا برضا الشركاء.(13/499)
فيصح قسم لحم هدي وأضاحي(1) وثمر يخرص خرصا(2) وما يكال وزنا وعكسه(3) وموقوف ولو على جهة(4) ولا يحنث بها من حلف لا يبيع(5) ومتى ظهر فيها غبن فاحش بطلت(6).
__________
(1) مع أنه لا يصح بيع شيء منها، لكن لا يصح لحم مشوي بنيء ليحصل الربا المحرم.
(2) أي ويصح قسم ثمر يخرص، من تمر وزبيب، وعنب ورطب، خرصا.
(3) أي ويصح أن يقسم ما يكال، من ربوي وغيره، وزنا، وعكسه، وهو ما يوزن كيلا، وإن لم يقبض بالمجلس، وقال ابن القيم: يجوز قسم الدين في الذمم، ويختص كل بما قبضه، سواء كان في ذمة أو ذمم، وهو أولى من قسمة المنافع بالمهايأة، ولا يهدم ذلك قاعدة من قواعد الشريعة، ولا خالف نص كتاب ولا سنة، ولا قول صاحب، ولا قياس من شهد له الشرع باعتبار، وليس في أصول أحمد ما يمنع ذلك، كما ليس في أصول الشريعة ما يمنعها.
(4) قال في الفروع: وظاهر كلام الأصحاب، لا فرق بين جهة أو جهتين واستظهر وإنما تصح إذا كان بلا رد عوض، من أحد الجانبين، وما بعضه وقف بلا رد من رب الطلق.
(5) أي ولا يحنث بالقسمة، من حلف لا يبيع، وإن كان أحد قسميها في معنى البيع، لأن الإيمان مبناها على العرف، وهي لا تسمى بيعا عرفا، وإن كانت في معناه، وقيل يحنث إن قلنا هي بيع، وقال في القواعد: لا تسمى القسمة بيعا في العرف فلا يحنث بها، ولا بالحوالة والإقالة، وإن قيل هي بيوع.
(6) أي ومتى ظهر في قسمة الإجبار، غبن فاحش، بطلت، لتبين فساد الإفراز، بخلاف قسمة التراضي، فإذا حصل على أحد المقتسمين غبن، لم تبطل، وثبت له الخيار.(13/500)
(ويجوز للشركاء أن يتقاسموا بأنفسهم(1) و) أن يتقاسموا (بقاسم ينصبونه(2) أو يسألوه الحاكم نصبه)(3) وتجب عليه إجابتهم، لقطع النزاع(4) ويشترط إسلامه وعدالته، ومعرفته بها(5) ويكفي واحد(6) إلا مع تقويم(7) (وأجرته) وتسمى القسامة بضم القاف(8) على الشركاء (على قدر الأملاك)(9).
__________
(1) ويخبر أحدهما الآخر، أو يستهموا كما يأتي.
(2) لأن الحق لا يعدوهم.
(3) أي القاسم ليقسم بينهم، لأن طلبه حق لهم، فجاز لهم أن يسألوه الحاكم كغيره من الحقوق.
(4) أي يجب عليه نصب قاسم بطلبهم، كالحكم فيما يتخاصمون فيه عنده لقطع النزاع فيهما.
(5) أي ويشترط إسلام القاسم، الذي ينصبه الحاكم، وعدالته، ليقبل قوله في القسمة، ويشترط معرفته بالقسمة، لأنه إذا لم يعرف ذلك، لم يكن تعيينه السهام مقبولا، وإن كان كافرا أو فاسقا، أو جاهلا، لم تصح إلا بتراضيهما.
(6) إذا لم يكن في القسمة تقويم، كالحاكم.
(7) أي فلا يكفي في القسمة واحد مع التقويم، بل لا بد من اثنين، لأنها شهادة بالصحة، فاعتبر فيها اثنان، وقال ابن القيم: الصحيح الاكتفاء بواحد، لقصة عبد الله بن رواحة.
(8) ذكره الخطابي، لما رواه أبو داود، قيل: وما القسامة؟ قال الشيء يكون بين الناس فينتقص منه، قال الخطابي: هذا فيمن ولي أمر قوم، وكان عريفا لهم أو نقيبا لهم، فإذا قسم بينهم سهامهم، أمسك منها شيئا لنفسه يستأثر به عليهم.
(9) سواء طلبوا القسمة، أو طلبها أحدهم.(14/1)
ولو شرط خلافه(1) ولا ينفرد بعضهم باستئجاره(2) وتعدل السهام بالأجزاء إن تساوت(3) كالمكيلات والموزونات غير المختلفة(4) وبالقيمة إن اختلفت(5) وبالرد إن اقتضته(6).
(فإذا اقتسموا أو اقترعوا، لزمت القسمة) لأن القاسم كالحاكم وقرعته كحكمه(7).
__________
(1) فالشرط لاغ، وهو ظاهر كلام الشيخ.
(2) أي القاسم، لأن أجرته على قدر أملاكهم، وكقاسم في أخذ أجرة، وكونها على قدر الأملاك، حافظ ونحوه، فتكون أجرة شاهد يخرج لقسم البلاد وأجرة وكيل وأمين، للحفظ على مالك وفلاح، ذكره الشيخ.
(3) أي وتعدل سهام القسمة، يعد لها القاسم، بأجزاء المقسوم إن تساوت.
(4) أي غير مختلفة الجنس، لأنه يشترط أن تكون من مكيل وموزون جنس وكالأرض التي ليس بعضها أجود من بعض، ولا بناء ولا شجر فيها، سواء استوت الأنصباء، أو اختلفت.
(5) أي وتعدل سهام بالقيمة، إن اختلفت أجزاء المقسوم قيمة، سواء استوت الأنصباء، أو اختلفت فيجعل السهم من الرديء أكثر من الجيد، بحيث تتساوى قيمتها.
(6) أي من الشركاء على الآخر، بأن لم يمكن تعديل بالأجزاء، ولا بالقيمة، فتعدل بالرد، بأن يجعل لمن يأخذ الرديء أو القليل دراهم، على من يأخذ الجيد أو الأكثر.
(7) يلزم العمل بها، وهذا مذهب مالك والشافعي، ولو كان فيها ضرر، أو رد عوض، وكذا تلزم بالقرعة، ولو تقاسموا بأنفسهم، وأما المكيلات والموزونات المتساوية من كل وجه، فقال الشيخ: إذا قسمت لا يحتاج فيها إلى قرعة، نعم، الا الابتداء بالكيل، أو الوزن لبعض الشركاء، ينبغي أن يكون بالقرعة ثم إذا خرجت لصاحب الأكثر، فهل يوفى جميع حقه؟ الأوجه أن يوفى الجميع، كما يواصل مثله في العقار، بين أنصبائه، لأن عليه في التفريق ضررا، وحقه من جنس واحد.(14/2)
(وكيف اقترعوا جاز) بالحصى أو غيره(1) وإن خير أحدهم الآخر، لزمت برضاهم، وتفرقهم(2) ومن ادعى غلطا فيما تقاسماه بأنفسهما، وأشهدا على رضاهما به، لم يلتفت إليه(3) وفيما قسمه قاسم حاكم(4).
__________
(1) كرقاع أو خواتيم، قال أحمد: إن شاء رقاعا وإن شاء خواتيم يطرح ذلك في حجر من لم يحضر، ويكون لكل واحد خاتم معين ثم يقال أخرج خاتما على هذا السهم، فمن خرج خاتمه فهو له، والأحوط كتابة كل شريك برقعة وتدرج في نحو بنادق، ويقال لمن لم يرها، أخرج بندقة على هذا السهم، فمن خرج سهمه فهو له.
(2) قال الشارح: ويحتمل أن لا تلزم فيما فيه رد، بخروج القرعة، حتى يرضيا بذلك، لأن ما فيه رد، بيع حقيقة، والبيع لا يلزم بالقرعة، وخيار المجلس، يثبت في القسمة بمعنى البيع، وهي قسمة التراضي.
(3) أي لم تسمع دعواه، ولا بينته، ولا يحلف غريمه، لانه رضي بالقسم على الصورة التي وقعت، ورضاه بالزيادة في نصيب شريكه يلزمه، واختار الموفق: يقبل قوله مع البينة، وفي الرعاية وغيرها: إلا أن يكون مدعي الغلط، مسترسلا، مغبونا بمالا يتسامح به عادة، وإذا ثبت غبنه، فله فسخ القسمة.
(4) يقبل قول المنكر مع يمينه، إلا أن يكون للمدعي بينة، فتنقض القسمة، لأن حكم عليه بالقسمة، وسكوته استند إلى ظاهر حال القاسم، فإذا قامت البينة بغلطه، كان له الرجوع فيما غلط به.(14/3)
أو قاسم نصباه يقبل ببينة(1) وإلا حلف منكر(2) وإن ادعى كل شيئا أنه من نصيبه، تحالفا ونقضت(3) ولمن خرج في نصيبه عيب جهله، وإمساك مع أرش، وفسخ(4).
باب الدعاوي والبينات(5)
الدعوى لغة: الطلب(6) قال تعالى: { وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ } أي يطلبون(7).
__________
(1) أي وكذا قاسم نصباه بأنفسهما، فقسم بينهما، ثم ادعى أحدهما الغلط فيقبل ببينة.
(2) لأن الأصل عدم ذلك.
(3) أي وإن ادعى كل واحد من الشريكين أن هذا الشيء المقسوم من نصيبه تحالفا أي حلف كل منهما للآخر، على نفي ما ادعاه لأنه منكر، ونقضت القسمة لأن ذلك المدعى به، لم يخرج عنهما، ولا مرجح لأحدهما على الآخر.
(4) لأن ظهور العيب في نصيبه نقص، فخير بين الأرش والفسخ، كالمشتري، ومتى اقتسما فحصلت الطريق، في حصة واحدة منهما، ولا منفذ للآخر بطلت، ومثله لو حصل طريق الماء في نصيب أحدهما، قال الشيخ: وإذا حصلت ظلة دار في نصيبه عند القسمة فهي له بمطلق العقد.
(5) أي حكم ما يدعي الشخص على غيره، من مال أو غيره، والبينة ما يثبت به حقه، من شهود أو يمين، أو غير ذلك، والأصل في الدعوى ما يأتي من قوله: «لو يعطى الناس بدعواهم» الحديث.
والبينات كل ما يبين الحق، قال تعالى: { ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } وقال صلى الله عليه وسلم: «البينة وإلا فحد في ظهرك».
(6) قاله الخطابي وغيره، وقال الموفق: الدعوى في اللغة: إضافة الإنسان إلى نفسه، ملكا أو استحقاقا، أو صفة أو نحو ذلك.
(7) ويتمنون وقال صلى الله عليه وسلم: «ما بال دعوى الجاهلية»، لأنهم كانوا يدعون بها، عند الأمر الشديد بعضهم بعضا وهو قولهم: يا لفلان.(14/4)
واصطلاحا: إضافة الإنسان إلى نفسه، استحقاق شيء في يد غيره، أو ذمته(1) والبينة العلامة الواضحة، كالشاهد فأكثر(2).
و(المدعي: من إذا سكت) عن الدعوى (ترك) فهو المطالب(3) (والمدعى عليه: من إذا سكت لم يترك) فهو المطالب(4) (ولا تصح الدعوى و) لا (الإنكار) لها (إلا من جائز التصرف) وهو الحر المكلف الرشيد(5) سوى إنكار سفيه، فيما يؤاخذ به لو أقر به، كطلاق وحد(6).
__________
(1) أي الغير، من دين ونحوه، وهي على ثلاث مراتب، دعوى يشهد لها العرف، بأنها مشبهة، بأن تكون حقا، ودعوى يشهد بأنها غير مشبهة إلا أنه لم يقض بكذبها، ودعوى يقضي بكذبها، وتنفيها العادة، فهي مرفوضة، غير مسموعة، كما لو شهدت قرائن الحال بكذب المدعي.
(2) أي اثنين وثلاثة، وأربعة، وتارة تنكرون شاهد الحال، ويمين الطالب ويمينا فأكثر، وتارة امرأة فأكثر، وتارة بعلامات يصفها المدعي أو علامات
يختص بها أحدهما، وتارة شبها بينا، وتارة قرائن ظاهرة، ونكول وغير ذلك.
وقال ابن القيم، وغيره: البينة في الشرع: اسم لم يبين الحق ويظهره، وقد نصب سبحانه على الحق علامات، وأمارات تدل عليه، وتبينه، فمن أهدر العلامات والأمارات بالكلية، فقد عطل كثيرا من الأحكام، وضيع كثيرا من الحقوق، والدلالات الظاهرة لا ترد إلا بما هو مثلها، أو أقوى منها.
(3) بكسر اللام، وقيل من يلتمس بقوله أخذ شيء من يد غيره، وإثبات حق في ذمته.
(4) بفتح اللام، وقال في الإنصاف: هذا المذهب وعليه جماهير الاصحاب وقيل المدعى عليه، من ينكر ذلك، وقد يكون كل منهما مدع، ومدعى عليه.
(5) لأن من لا يصح تصرفه، لا قول له في المال، ولا يصح إقراره، ولا تصرفه فلا تسمع دعواه، ولا إنكاره، كما لا يسمع إقراره.
(6) حال سفهه، فيصح منه إنكاره، ويحلف إذا أنكر، حيث تجب اليمين.(14/5)
(وإذا تداعيا عينا) أي ادعى كل منهما أنها له، وهي (بيد أحدهما فهي له) أي فالعين لمن هي بيده (مع يمينه)(1).
إلا أن تكون له بينة) ويقيمها (فلا يحلف) معها اكتفاء بها(2) (وإن أقام كل واحد) منهما (بينة أنها) أي العين المدعى بها (له، قضي) بها (للخارج ببينته(3) ولغت بينة الداخل)(4).
__________
(1) لأن من كل شاهد الحال معه، كان لوثا، فيحكم له بيمينه وقال
الشيخ: يجب أن يفرق بين فسق المدعي، والمدعى عليه، وعدالته فليس كل مدعى عليه يرضى منه باليمين، ولا كل مدع يطالب بالبينة، فإن المدعى به إذا كان كبيرة، والمطلوب لا تعلم عدالته، فمن استحل أن يقتل أو يسرق، استحل أن يحلف لا سيما عند خوف القتل، أو القطع.
(2) أي بالبينة مع اليد، ويسمى من كانت العين بيده الداخل، والخارج من لم تكن العين بيده.
(3) مع يمينه، هذا المشهور من المذهب، وقال أكثر أهل العلم، يقضى بها للداخل لتقوية بينته بوجود العين في يده.
وإن أقام الداخل بينة أنه اشتراها من الخارج، وأقام الخارج بينة أنه اشتراها من الداخل، قدمت بينة الداخل لأنه الخارج معنى، لأنه ثبت بالبينة أن المدعي صاحب اليد، وأن يد الداخل نائبه عنه، وإن ادعى الخارج، أن العين ملكه، وأنه أودعها للداخل، قدمت بينة الخارج، وقال الأصحاب، من ادعى أنه اشترى أو اتهب من زيد عبده، وادعى آخر كذلك، أو ادعى العبد العتق، وأقاما بينتين بذلك صححنا أسبق التصرفين، إن علم التاريخ، وإلا تعارضتا فيتساقطان.
وقال الشيخ: الأصوب أن البينتين لم يتعارضا، فإنه من الممكن أن يقع العقدان لكن يكون بمنزلة: ما لو زوج وليان، وجهل السابق، فإما أن يقرع، أو يبطل العقدان بحكم أو بغير حكم.
(4) عملا ببينة المدعي، على من هي بيده، هذا المذهب وهو من المفردات.(14/6)
لحديث ابن عباس مرفوعًا: «لو يعطي الناس بدعواهم، لا دعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» رواه أحمد ومسلم(1) ولحديث: «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» رواه الترمذي(2) وإن لم تكن العين بيد أحد، ولا ثم ظاهر(3) تحالفا وتناصفاها(4) وإن وجد ظاهر لأحدهما عمل به(5) فلو تنازع الزوجان في قماش البيت ونحوه(6).
__________
(1) فاستدلوا به، على أن البينة على المدعي، وإذا أقامها قضي بها له.
(2) قالوا: وهذا الحديث أيضا: دل على أن المدعي، إذا أقام البينة، قضي له وذلك والله أعلم ما لم يكن مع من هي بيده بينة، وإلا فاليد مع بينته أقوى، والأخذ بقول الأكثر أولى، ودل الحديثان: على أن اليمين على من أنكر، إذا لم يكن مع المدعي بينة.
(3) يعمل به، ولا بينة لأحدهما، وادعى كل منهما أنها كلها له.
(4) أي حلف كل منهما، أنه لا حق للآخر فيها، وتناصفاها، أي قسمت بينهما لاستوائهما في الدعوى، وعدم المرجح لأحدهما كدار أو بهيمة يدعي كل منهما أنها له، فيحلف كل واحد أنها له، وتكون بينهما نصفين، وإن نكل أحدهما فهي للآخر بيمينه.
(5) أي وإن وجد أمر ظاهر، يرجح أنها لأحدهما عمل بهذا الظاهر، فيحلف ويأخذها.
(6) قماش البيت المراد به المتاع، فيشمل الآنية، أو يحمل القماش على المتعارف منه، وتدخل الآنية في قوله ونحوه.(14/7)
فما يصلح لرجل فله، ولها فلها(1) ولهما فلهما(2) وإن كانت بيديهما تحالفا وتناصفاها(3) فإن قويت يد أحدهما كحيوان، واحد سائقه، وآخر راكبه، فهو للثاني لقوة يده(4).
كتاب الشهادات(5)
__________
(1) أي فما يصلح لرجل من قماش البيت فله، كعمامة وقمصان رجال، وجبابهم وأقبيتهم والطيالسة والسلاح وأشباهه، وما يصلح لامرأة من قماش البيت فلها، كحلي وقمص نساء، ومقانعهن ومغازلهن، قال أحمد: في الرجل يطلق المرأة، أو يموت فتدعي المرأة المتاع، فما يصلح للرجل فهو للرجل، وما كان من متاع النساء فللنساء، وما استقام أن يكون بين الرجال والنساء، فهو بينهما.
(2) أي وما يصلح لهما فلهما، كفرش وقماش لم يفصل، وأوان ونحوها، فلهما، وقيل إن كان هناك عادة عمل بها، فالمصحف إن كانت لا تقرأ فله، وصوبه في الإنصاف.
(3) كأرض حرثاها، أو دار سكناها، يدعي كل منهما أنها له، تحالفا وتناصفاها، يحلف كل منهما على النصف المحكوم له به، قاله الموفق وغيره، وجوز الحلف في هذه المسألة على النصف أو الكل، وإن كانت بيد ثلاثة، فادعى أحدهم نصفها، والثاني ثلثها، والثالث سدسها، فهي لهم كذلك، أقام كل واحد منهم بينة أولا، وإن كانت العين بيد غيرهما، واعترف أنه لا يملكها، ففي الكافي تسقط البينتان، ويقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة، حلف وسلمت إليه، وفي رواية بلا يمين، والثالثة: تقسم العين بينهما.
(4) أي الراكب، ويرجح باليد العرفية، إذا استويا في الحسية أو عدمها.
(5) الشهادة حجة شرعية، تظهر الحق المدعى به، ولا توجبه، وظاهر كلام الشيخ وغيره: أنها سبب موجب للحق، وحيث امتنع أداؤها، امتنع كتابتها والأصل في الشهادة، الكتاب والسنة، والإجماع،والاعتبار، لدعاء الحاجة إليها.(14/8)
(واحدها شهادة(1) مشتقة من المشاهدة، لأن الشاهد يخبر عما شاهده(2) وهي الإخبار بما علمه، بلفظ: أشهد أو شهدت(3)
__________
(1) وشهد الشيء إذا رآه وتطلق الشهادة على التحمل والأداء.
(2) وتسمى بينة لأنها تبين ما التبس، وتكشف الحق في المختلف فيه.
(3) هذا المشهور في المذهب، وعنه: لا يلزم وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، واختاره الشيخ وتلميذه وغيرهما، قال الشيخ: ولا يشترط في أداء الشهادة لفظ أشهد، وهو مقتضى قول أحمد وغيره، ولا أعلم نصا يخالفه، ولا يعرف عن صحابي ولا تابعي، واشتراط لفظ الشهادة، ولا يعتبر في أدائها، بدليل الأمة السوداء في الرضاع.
وقال ابن القيم: الإخبار شهادة محضة، في أصح الأقوال، وهو قول الجمهور فإنه لا يشترط في صحة الشهادة لفظ أشهد، بل متى قال الشاهد، رأيت كيت وكيت أو سمعت أو نحو ذلك، كانت شهادة منه، وليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم موضع واحد يدل على اشتراط لفظ الشهادة، ولا عن رجل واحد من الصحابة، ولا قياس ولا استنباط يقتضيه، بل الأدلة المتظافرة من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، ولغة العرب، تنفي ذلك.(14/9)
تحمل الشهادة في غير حق الله تعالى(1) (فرض كفاية) فإذا قام به من يكفي، سقط عن بقية المسلمين(2) (وإن لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه)(3) وإن كان عبدا، لم يجز لسيده منعه(4) لقوله تعالى: { وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا } (5).
قال ابن عباس وغيره: المراد به التحمل للشهادة، وإثباتها عند الحاكم(6) ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك، لإثبات الحقوق والعقود، فكان واجبا، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(7).
__________
(1) مالا كان حق الآدمي، كالبيع والقرض والغصب، أو غيره، كحد قذف.
(2) أي إذا قام بالفرض في التحمل والأداء من يكفي، سقطت الفرضية عن بقية المسلمين، لحصول الغرض، قال الشيخ: يجب على من طلبت منه الشهادة أداؤها، بل إذا امتنع الجماعة من الشهادة، أثموا كلهم، باتفاق العلماء، وقدح ذلك في دينهم وعدالتهم.
(3) تحمل الشهادة، كسائر فروض الكفايات، قال ابن القيم: التحمل والأداء حق، يأثم بتركه، وقال: قياس المذهب، أن الشاهد إذا كتم الشهادة بالحق ضمنه، لأنه أمكنه تخليص حق صاحبه، فلم يفعل، فلزمه الضمان، كما لو أمكنه تخليصه من هلكة فلم يفعل، وطرد هذا، الحاكم إذا تبين له الحق فلم يحكم لصاحبه، فإنه يضمنه لأنه أتلفه عليه، بترك الحكم الواجب عليه.
(4) أي من تحمل الشهادة إذا دعي إلى ذلك.
(5) أي لتحمل الشهادة، فعليهم الإجابة ومذهب الجمهور، أنه فرض كفاية وفي الأداء إذا دعي للأداء، فعليه الإجابة عينا، إذا تعينت عليه، وقال ابن القيم: تعم التحمل والأداء.
(6) ولئلا يؤدي إلى امتناع الناس من تحملها، فيؤدي إلى ضياع الحقوق، فيجب التحمل والأداء، إذا دعي إليها أهل لها، لأن مقصود الشهادة، لا يحصل ممن ليس من أهلها.
(7) أي فالتحمل فرض كفاية، كالأمر بالمعروف، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإلا تعين على من دعي إليه، أو علم أنه إذا كتم الشهادة ضاع حق صاحبه.(14/10)
(وأداؤها) أي أداء الشهادة (فرض عين على من تحملها، متى دعي إليه)(1) لقوله تعالى: { وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } (2) (و) محل وجوبها إن (قدر) على أدائها (بلا ضرر) يلحقه (في بدنه أو عرضه، أو ماله أو أهله)(3).
__________
(1) فيحرم كتمانها، فلو كان بيد إنسان شيء لا يستحقه، ولا يصل إليه مستحقه إلا بشهادتهم، لزم أداؤها وتعين.
(2) أي إذا دعيتم، إلى إقامة الشهادة، فلا تخفوها، ولا تغلوها (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) فاجر قلبه، وعيد شديد بمسخ القلب، وإنما خصه، لأنه موضع العلم بالشهادة، فدلت الآية على فرضية أدائها عينا، على من تحمل متى دعي إليها.
(3) أي: وإن قدر بلا ضرر في بدنه، من ضرب أو حبس أو مشقة سير
أو ماله بأخذ شيء منه، أو تلف ونحو ذلك، أو أهله لغيبته عنهم، وفي عرضه لخوف التبذل بالتزكية، فإن حصل له ضرر بشيء من ذلك، لم تجب وليس المراد أن يلوموه عليها، فإنه ليس بمانع.(14/11)
وكذا لو كان ممن لا يقبل الحاكم شهادته (1) لقوله تعالى: { وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ } (2) (وكذا في التحمل) يعتبر انتفاء الضرر(3) (ولا يحل كتمانها) أي كتمان الشهادة لما تقدم(4).
__________
(1) لم يجب عليه الأداء ولا التحمل، لعدم قبولها عنده، لأن مقصود الشهادة لا يحصل منه.
(2) بأن يدعيا، وهما على حاجة، فيقال قد أمرتما، فليس له أن يضارهما، أو فلا يقال للشاهد شهدت علي، ولا للكاتب كتبت علي، وقيل غير ذلك، والمراد انتفاء الضرر عنهما، ولحديث: «لا ضرر ولا ضرار».
(3) فإن لحقه ضرر بتحمل شهادة أو أدائها، في بدنه أو عرضه، أو ماله أو أهله، لم تلزمه، أو كان الحاكم غير عدل، قال أحمد:كيف أشهد عند رجل ليس عدلا؟ لا أشهد، وفي الإنصاف: يختص الأداء بمجلس الحكم، وفي الإنصاف أيضا: من عنده شهادة لآدمي يعلمها، لم يقمها حتى يسأله، فإن لم يعلمها استحب له إعلامه بها، وقال الشيخ: الطلب الحالي أو العرفي، كاللفظي، علمها أولا، وهو ظاهر الخبر وخبر يشهدون ولا يستشهدون محمول على شهادة الزور، قال في الإنصاف هذا عين الصواب، ويجب عليه إعلامه إذا لم يعلم بها، وهذا مما لا شك فيه، قال الشيخ: إذا أداها قبل طلبه، قام بالواجب وكان أفضل.
(4) من قوله تعالى: { وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } وهذا وعيد يوجب عدم الكتمان مع انتفاء الضرر.(14/12)
فلو أدى شاهد وأبى الآخر، وقال: أحلف بدلي، أثم(1) ومتى وجبت الشهادة لزم كتابتها(2) ويحرم أخذ الأجرة، وجعل عليها، ولو لم تتعين عليه(3) لكن إن عجز عن المشي، أو تأذى به، فله أجرة مركوب(4) ومن عنده شهادة بحد لله، فله إقامتها وتركها(5) (ولا) يحل (أن يشهد) أحد (إلا بما يعلمه)(6).
لقول ابن عباس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة، فقال: «ترى الشمس؟»، قال: نعم، فقال: «على مثلها فاشهد أو دع»، رواه الخلال في جامعه(7).
__________
(1) قال في الترغيب: اتفاقا، لكتمان شهادته.
(2) على من وجبت عليه، لئلا ينساها، وقال أحمد، إذا كان رديء الحفظ.
(3) لأنها فرض كفاية، ومن قام به فقد قام بفرض، ولا يجوز أخذ الأجرة ولا الجعل عليه، وفي الإنصاف، الوجه الثاني: يجوز واختار الشيخ: يجوز لحاجة وقيل يجوز الأخذ مع التحمل.
(4) وفي الرعاية: أجرة المركوب والنفقة على ربها، قال في الإنصاف: هذا إن تعذر حضور المشهود عليه إلى محل الشاهد، لمرض أو كبر أو حبس أو جاه أو خفر.
(5) لأن حقوق الله مبنية على المسامحة، ولا ضرر في تركها على أحد والستر مأمور به، وقال الموفق وجماعة، يستحب ترك ذلك للترغيب في الستر، وفي الفروع، ويتوجه فيمن عرف بالشر والفساد، أن لا يستر عليه وصوبه في الإنصاف.
(6) قال تعالى: { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } وقال: { إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي يعلم ما شهد به عن بصيرة وإيقان.
(7) وأخرجه بن عدي بإسناد ضعيف، وقال البيهقي: لم يرد من طريق يعتمد عليه، وقال ابن حجر: ولكن معنى الحديث صحيح.(14/13)
والعلم إما (برؤية أو سماع) من مشهود عليه(1) كعتق وطلاق، وعقد(2) فيلزمه أن يشهد بما سمع(3) ولو كان مستخفيا حين تحمل(4) (أو) سماع (باستفاضة فيما يتعذر علمه) غالبا (بدونها(5)
كنسب وموت(6)
__________
(1) لأن مدرك الشهادة: الرؤية والسماع.
(2) أي عقد بيع أو إجارة أو صلح أو نكاح، وغير ذلك، والمراد العلم في أصل المدرك لا في دوامه.
(3) أي من معتق أو مطلق، أو بائع ونحو ذلك.
(4) أي تحمله الشهادة، أو غير مستخف فيلزمه الشهادة بما سمع، على ما تقدم.
وقال مالك: إن كان المشهود عليه ضعيفا ينخدع، لم يقبلا عليه وإلا قبلت.
(5) ولا تسمع شهادة باستفاضة، إلا فيما يتعذر علمه بدونها، وذلك بأن يشتهر المشهود به بين الناس، فيتسامعون به بإخبار بعضهم بعضا، والموت قد لا يباشره إلا الواحد.
(6) أما النسب فقال ابن المنذر: لا أعلم أحدا من أهل العلم منع منه، وقال الشيخ: يتوجه أن الشهادة بالدين، لا تقبل إلا مفسرة للسبب، ولو شهد شاهدان،: أن زيدا استحق من ميراث مورثه، قدرا معينا، أو من وقف كذا وكذا، جزءا معينا، أو أنه يستحق منه نصيب فلان، ونحو ذلك.
فكل هذا لا تقبل فيه الشهادة، إلا مع بيان السبب، لأن الانتقال في الميراث والوقف حكم شرعي، يدرك باليقين تارة، وبالاجتهاد أخرى، فلا تقبل حتى يتبين سبب الانتقال، بأن يشهد بشرط الواقف، وبمن بقي من المستحقين، أو يشهدا بموت المورث وبمن خلف من الورثة.
وحينئذ فإن رأى الحاكم أن ذلك السبب يفيد الانتقال حكم به، وإلا ردت الشهادة، وقبول مثل هذه الشهادة، يوجب أن تشهد الشهود، بكل حكم مجتهد فيه، مما اختلف فيه، أو اتفق عليه، وأنه يجب على الحكام الحكم بذلك، فتكون مذاهب الفقهاء مشهودا بها، حتى يقول الشاهد في مسألة الحمارية: أشهد أن هذا يستحق فيحكم به وهو يعتقد عدمه، فيتعين أن ترد مثل هذه الشهادة المطلقة.(14/14)
وملك مطلق(1) ونكاح) عقده ودوامه(2)
(ووقف ونحوها) كعتق وخلع،وطلاق(3) ولا يشهد باستفاضة إلا عن عدد يقع بهم العلم(4) (ومن شهد بـ) عقد (نكاح أو غيره من العقود فلابد) في صحة شهادته به (من ذكر شروطه)(5) لاختلاف الناس في بعض الشروط(6) وربما اعتقد الشاهد ما ليس بصحيح صحيحا(7).
(وإن شهد برضاع) ذكر عدد الرضعات، وأنه شرب من ثديها، أو لبن حلب منه(8).
__________
(1) كقوله: أشهد أن هذا ملك فلان، لاستفاضته عند الشاهد، وخرج بالمطلق ما لو استفاض أنه ملكه اشتراه من فلان، أو ورثه منه، أو وهب له، فهذا ملك مقيد بالشراء، أو الإرث، أو الهبة فلا تكفي فيه الاستفاضة، لأنه لا يتعذر بدونها، فيقول: أشهد أنه ملك فلان اشتراه من فلان.
(2) قيل لأحمد: تشهد أن فلانة امرأة فلان؟ قال: نعم، إذا كان مستفيضا، فأشهد، أقول: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وخديجة وعائشة زوجتاه.
(3) ذكره في المقنع، وقال الشارح: لم يذكره في المغني، ولا في الكافي، ولا رأيته في كتاب غيره، ولعله قاسه على النكاح، والأولى أنه لا يثبت، لأنه يشتهر، بخلاف الخلع والوقف، كأنه يشهد أن هذا وقف زيد، لا أنه أوقفه.
(4) وقيلك عدلان، واختار المجد والشيخ: أو واحد يسكن إليه، والمشهور أنه لو قال: أشهد بالاستفاضة لم يلتفت إليه، فلا بد أن يجزم، واعتماده على الاستفاضة.
(5) كوقوعه بولي وشاهدي عدل، حال خلوهما من الموانع، وبرضاها إن لم تكن مجبرة.
(6) فيجب ذكرها، ليعلم صحة العقد.
(7) أو يرى الشاهد صحة ذلك العقد بدونه دون الحاكم.
(8) لأن الناس يختلفون في عدد الرضعات، وفي الرضاع المحرم، ولا بد من ذكر أنه في الحولين، فلا يكفي أن يشهد أنه ابنها من الرضاع، لاختلاف الناس فيما يصير به ابنها.(14/15)
(أو) شهد بـ (سرقة) ذكر المسروق منه، والنصاب، والحرز، وصفتها(1) (أو) شهد بـ (شرب) خمر وصفه(2) (أو) شهد بـ (قذف فإنه يصفه)(3) بأن يقول: أشهد أنه قال: يا زاني أو يا لوطي، ونحوه(4) (ويصف الزنا) إذا شهد به (بذكر الزمان والمكان) الذي وقع فيه الزنا(5).
(و) ذكر (المزني بها)(6) وكيف كان(7) وأنه رأى ذكره في فرجها(8) (ويذكر) الشاهد ما يعتبر للحكم(9).
__________
(1) أي صفة السرقة، بأن يقول مثلا: خلع الباب ليلا وأخذ، أو أزال رأسه عن ردائه، وهو نائم، وأخذه لتتميز السرقة الموجبة للقطع، من غيرها.
(2) أي وصف الخمر، وهو ما يؤخذ من عصير العنب، وغيره يترك حتى يغلي.
(3) أي القذف ويذكر المقذوف، ليعلم هل يوجب قذفه الحد أو التعزير.
(4) كيا عاهر، ليعلم هل الصيغة صريح فيه، أو كناية.
(5) أي شهد بذكر الزمان، الذي زنا بها فيه، والمكان لتكون الشهادة منهم على فعل واحد، لجواز أن يكون ما شهد به أحدهما، غير ما شهد به الآخر.
(6) لئلا تكون ممن تحل له، أوله في وطئها شبهة.
(7) أي وكيف زنا بها، من كونهما نائمين، أو جالسين أو قائمين.
(8) لأن اسم الزنا، يطلق على ما لا يوجب الحد، وقد يعتقد الشاهد، ما ليس بزنا زننا، فاعتبر ذكر صفته.
(9) في كل ما يشهد فيه، ليتسنى للحاكم الحكم بشهادته.(14/16)
ويختلف الحكم (به في الكل) أي في كل ما يشهد فيه(1) ولو شهد اثنان في محفل، على واحد منهم، أنه طلق أو أعتق(2) أو على خطيب، أنه قال، أو فعل على المنبر في الخطبة شيئا، لم يشهد به غيرهما، مع المشاركة، في سمع وبصر قبلا(3).
فصل(4)
(وشروط من تقبل شهادتهم: ستة)(5) أحدها: (البلوغ(6) فلا تقبل شهادة الصبيان) مطلقا، ولو شهد بعضهم على بعض(7)
__________
(1) كالشاهد على القتل، الموجب للقصاص، يشهد أنه قتله عمدا عدوانا محضا، وإن لم يقل القاتل قتلته عمدا، فإن العمدية صفة قائمة بالقلب، فجاز له ان يشهد بذلك اكتفاء بالقرينة الظاهرة.
(2) قبلا لكمال النصاب.
(3) ولم يكن عدم شهادة الباقين، مانعا لقبول شهادتهما، ولا يعارض هذا قول الأصحاب، إذا انفرد واحد فيما تتوفر الدواعي على نقله، مع مشاركة كثيرين، رد لأنه لم يتم النصاب، ومفهومه، أن الواحد لا يلتفت إليه، للفرق بين شهادة الواحد، وشهادة الاثنين، وبين تقييدهم بكون ذلك الشيء مما توفر الدواعي على نقله، وبين عدم ذلك القيد.
(4) في ذكر موانع الشهادة، التي تحول بين الشهادة، والمقصود منها، والحكمة في اعتبارها، حفظ الأموال والأعراض والأنفس، أن تنال بغير حق فاعتبرت أحوال الشهود، بخلوهم عما يوجب التهمة فيهم، ووجود ما يوجب تيقظهم وتحرزهم.
(5) وعدها بعضهم: سبعة وتعلم بالاستقراء.
(6) قال ابن رشد: اتفقوا على أن البلوغ يشترط حيث تشترط العدالة.
(7) قالوا: ولو شهدوا قبل الافتراق عن الحال، التي تجارحوا عليها وعنه: تقبل ممن هو في حال أهل العدالة، وعنه: لا تقبل إلا في الجراح، إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحالة التي تجارحوا عليها، وذكر القاضي: أنها لا تقبل بالمال.
وقال الشيخ: هذا عجب من القاضي، فإن الصبيان لا قود بينهم، وإنما الشهادة بما يوجب المال، اهـ وقد ندب الشرع إلى تعليمهم الرمي والصراع، وسائر ما يدربهم، ويعلمهم البطش، ومعلوم أنهم في غالب أحوالهم، يجني بعضهم على بعض، ولو لم يقبل قول بعضهم على بعض، لأهدرت دماؤهم، وقد احتاط الشارع بحقن الدماء، حتى قبل فيها اللوث واليمين .
قال ابن القيم: وعلى قبول شهادتهم، تواطأت مذاهب السلف، وقال أبو الزناد، هو السنة، وشرط قبولها، كونهم يعقلون الشهادة، وأن يكونوا ذكورا أحرارا، محكوم لهم بحكم الإسلام، اثنين فصاعدا متفقين غير مختلفين ويكون ذلك قبل تفرقهم، لبعضهم على بعض.
وقال: عمل الصحابة وفقهاء المدينة، بشهادة الصبيان، على تجارح بعضهم بعضا، فإن الرجال لا يحضرون معهم، ولو لم تقبل شهادتهم لضاعت الحقوق، وتعطلت وأهملت مع غلبة الظن، أو القطع بصدقهم، ولا سيما إذا جاءوا مجتمعين، قبل تفرقهم إلى بيوتهم، وتواطئهم، على خبر واحد، وفرقوا وقت الأداء، واتفقت كلمتهم فإن الظن الحاصل حينئذ بشهادتهم، أقوى بكثير من الظن الحاصل من شهادة رجلين وهذا مما لا يمكن دفعه وججده.(14/17)
.
(الثاني: العقل، فلا تقبل شهادة مجنون، ولا معتوه(1) وتقبل) الشهادة (ممن يخنق أحيانا) إذا تحمل وأدى (في حال إفاقته) لأنها شهادة من عاقل(2).
(الثالث: الكلام فلا تقبل شهادة الأخرس، ولو فهمت إشارته) لأن الشهادة يعتبر فيها اليقين(3) (إلا إذا أداها) الأخرس (بخطه) فتقبل(4).
__________
(1) قال أحمد: العقل غريزة، يعني ليس مكتسبا، وهو ما يحصل به الميز بين المعلومات، والمجنون مسلوب العقل، والمعتوه المختل العقل، دون الجنون.
(2) أشبه من لم يجن.
(3) وإنما اكتفي بإشارة الأخرس في أحكامه، كنكاحه وطلاقه للضرورة.
(4) لدلالة الخط على الألفاظ، وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات وفيما
رآه قبل عماه، إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه، وقال الشيخ: إذا سمع صوته صحت الشهادة عليه أداء، كما تصح تحملا فإنا لا نشترط رؤية المشهود عليه، حين التحمل ولو كان شاهدا بصيرا، فكذلك لا يشترط عند الأداء.(14/18)
(الرابع: الإسلام)(1) لقوله تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } (2) فلا تقبل من كافر، ولو على مثله(3) إلا في سفر، على وصية مسلم أو كافر(4) فتقبل من رجلين كتابيين، عند عدم غيرهما(5).
(الخامس: الحفظ) فلا تقبل من مغفل، ومعروف بكثرة سهو وغلط(6) لأنه لا تحصل الثقة بقوله(7).
__________
(1) قال ابن رشد: اتفقوا على أنه شرط في القبول، وأنه لا تجوز شهادة الكافر، واستثنى الوصية للآية.
(2) قال الشيخ أي صاحبي عدل في المقال، وهو الصدق والبيان، الذي هو ضد الكذب والكتمان، كما بينه في قوله: { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا } .
(3) أي ولو على كافر مثله وعنه: تقبل شهادة بعضهم على بعض، واختاره الشيخ وغيره ونصره، وقال الشيخ: إذا فسر الفاسق في الشهادة بالفاجر، وبالمتهم فينبغي أن يفرق بين حال الضرورة وعدمها، كما قلنا في الكفار، وقوله تعالى: { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ } يقتضي أنه يقبل في الشهادة على حقوق الآدميين، من رضوه شهيدا بينهم، ولا ينظر إلى عدالته، كما يكون مقبولا عليهم، فيما ائتمنوه عليه.
(4) لقوله تعالى { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } .
(5) وعنه: تقبل من الكافر مطلقا، فلا يختص القبول بالكتابيين، وقال الشيخ: يعم الكتابيين وغيرهم، وقال: قول أحمد: أقبل أهل الذمة، إذا كانوا في سفر،
ليس فيه غيرهم، هذه ضرورة، يقتضي هذا التعليل، قبولها في كل ضرورة
حضرا وسفرا، وصية أو غيرها، كما قبل شهادة النساء في الحدود، إذا اجتمعن في العرس والحمام، ونص عليه.
وقال: عموم كلام الأصحاب، يقتضي أنها لا تعتبر عدالة الكافرين، في الشهادة في الوصية، في دينهما، وإن كنا إذا قبلنا شهادة بعضهم على بعض، اعتبرنا عدالتهم في دينهم.
(6) وكثرة نسيان.
(7) ولا يغلب على الظن صدقه، لاحتمال أن يكون من غلطه، وتقبل ممن يقل منه السهو والغلط، والنسيان، لأنه لا يسلم منه أحد.(14/19)
(السادس: العدالة)(1) وهي لغة: الاستقامة، من العدل ضد الجور(2) وشرعًا: استواء أحواله في دينه، واعتدال أقوال
وأفعاله(3).
__________
(1) قال ابن رشد: اتفق المسلمون على اشتراطها، في قبول شهادة الشاهد، لقوله تعالى { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ } وقوله { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال: قال الجمهور: هي صفة زائدة على الإسلام، وهو أن يكون ملتزما لواجبات الشرع، ومستحباته، ومجتنبا للمحرمات والمكروهات.
(2) والعدل: مصدر عدل بضم الدال، والجور هو الميل، فالعدل، الاستواء في الأحوال كلها.
(3) قال الشيخ: ورد شهادة من عرف بالكذب، متفق عليه بين الفقهاء، وقال: والعدل في كل زمان ومكان، وطائفة، بحسبها، فيكون الشهيد في كل قوم، من كان ذا عدل منهم، وإن كان لو كان في غيرهم، لكان عدله على وجه
آخر، وبهذا يمكن الحكم بين الناس، وإلا لو اعتبر في شهود كل طائفة، أن لا يشهد عليهم، إلا من يكون قائما بأداء الواجبات، وترك المحرمات، كما كان الصحابة، لبطلت الشهادات كلها، أو غالبها.
وقال: يتوجه أن تقبل شهادة المعروفين بالصدق، وإن لم يكونوا ملتزمين للحدود، عند الضرورة، مثل الحبس، وحوادث البدو، وأهل القرية الذين لا يوجد فيهم عدل، وله أصول، منها: شهادة أهل الذمة، وشهادة الصبيان والنساء، فيما لا يطلع عليه الرجال، والشروط في القرآن في التحمل لا الأداء.(14/20)
(ويعتبر لها) أي: للعدالة (شيئان) أحدهما (الصلاح في الدين وهو) نوعان، أحدهما (أداء الفرائض) أي الصلوات الخمس، والجمعة (بسننها الراتبة فلا تقبل ممن داوم على تركها(1) لأن تهاونه بالسنن، يدل على عدم محافظته على أسباب دينه(2) وكذا ما وجب، من صوم وزكاة وحج(3) (و) الثاني (اجتناب المحارم(4))
__________
(1) أي ترك الرواتب، قال أحمد فيمن يواظب على ترك سنة الصلاة رجل سوء لأنه بالمداومة يكون راغبا عن السنة، وتلحقه التهمة، لأنه غير معتقد لكونها سنة، وعنه: من ترك الوتر، ليس عدلا، قال الشيخ: وكذا من ترك الجماعة، على القول بأنها سنة، لأنه ناقص الإيمان قال: ولا يستريب أحد فيمن صلى محدثا، أو إلى غير القبلة، أو بعد الوقت، أو بلا قراءة أنه كبيرة.
(2) فترد شهادته لذلك.
(3) أي وكأداء الفرائض، أداء ما وجب من صوم، وزكاة وحج، وغيرها.
(4) لأن من أدى الفرائض، واجتنب المحارم، عد صالحا عرفا، وكذا شرعا.(14/21)
بأن لا يأتي كبيرة(1) ولا يدمن على صغيرة(2) والكبيرة: ما فيه حد في الدنيا(3) أو وعيد في الآخرة(4) كأكل الربا(5) ومال اليتيم(6) وشهادة الزور(7).
__________
(1) وقد نهى الله عن قبول شهادة القاذف، وقيس عليه كل مرتكب كبيرة.
(2) وفي الترغيب بأن لا يكثر منها، ولا يصر على واحدة منها، اهـ فإن كل مدمن على صغيرة لا يعد مجتنبا المحارم، وتقدم قريبا قول الشيخ: إن العدل في كل زمان ومكان، وطائفة بحسبها، إلخ، لئلا تضيع الحقوق.
(3) فإن المسلمين عدول بعضهم على بعض، كما قال عمر، إلا مجلودا في حد من حدود الله، لأن الله نهى عن قبول شهادته فقال: { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } والمراد القاذف إذا حد للقذف، لم تقبل شهادته بعد ذلك، بالاتفاق قبل التوبة، وقال { إِلا الَّذِينَ تَابُوا } قال أبو عبيد: وهذا عندي هو القول المعمول به، لأن من قال به أكثر، وهو أصح في النظر، وليس يختلف المسلمون في الزاني المجلود، أن شهادته مقبولة إذا تاب.
(4) قال الشيخ: أو غضب أو نفي إيمان، أو لعنة.
(5) وتقدم تفصيله، وأنه كبيرة، فيمنع من قبول شهادة آكله.
(6) أي وكأكمل مال اليتيم، وأنه كبيرة مانع من قبول الشهادة.
(7) قال عمر: المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجربا عليه شهادة زور، أي إلا من قام به مانع الشهادة، وهو أن يكون قد جرب عليه شهادة الزور، فلا يوثق بعد ذلك بشهادته، والمرة الواحدة من شهادة الزور، تستقل برد الشهادة، وقد قرن الله تعالى في كتابه، بين الإشراك وقول الزور.
وأقوى الأسباب في رد الشهادة: الكذب لأنه فساد في نفس آلة الشهادة
فإن اللسان الكذوب، بمنزلة العضو الذي قد تعطل نفعه، بل هو شر منه فشر ما في المرء لسان كذوب، قال الشيخ: وترد الشهادة بالكذبة الواحدة، وإن لم نقل هي كبيرة، نص عليه.(14/22)
وعقوق الوالدين(1) والصغيرة: ما دون ذلك من المحرمات(2) كسب الناس بما دون القذف(3) واستماع كلام النساء الأجانب على وجه التلذذ به، والنظر المحرم(4) (فلا تقبل شهادة فاسق) بفعل(5) كزان وديوث(6).
أو اعتقاد كالرافضة، والقدرية، والجهمية(7)
__________
(1) وهو كبيرة بنص الشرع، وغير ذلك من الكبائر، المتوعد عليها بحد في الدنيا أو وعيد في الآخرة، وغير ذلك مما تقدم، وغيره.
(2) أي ما دون الكبائر، المنصوص عليها.
(3) والنبز باللقب، ونحو ذلك.
(4) أي فهو صغيرة، إذا أدمن على ذلك، ردت شهادته، وقال الشيخ: من شهد على إقرار كذب مع علمه بالحال، أو كرر النظر إلى الأجنبيات، والقعود في مجالس تنتهك فيها الحرمات الشرعية، قدح ذلك في عدالته.
(5) مما يأتي وغيره، وقال الشيخ: وخبر الفاسق ليس بمردود، بل هو موجب للتبين والتثبت كما قال تعالى: { إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } أي تثبتوا { أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ } وفي القراءة الأخرى: فتثبتوا فعلينا التبين والتثبت إذا جاءنا فاسق، وإنما أمرنا بالتبين، عند خبر الفاسق الواحد، ولم نؤمر عند خبر الفاسقين، وذلك أن خبر الاثنين، يوجب من الاعتقاد، ما لا يوجبه خبر الواحد، أما إذا علمنا أنهما لم يتواطآ فهذا قد يحصل العلم.
(6) وقاتل، ونحوه.
(7) الرافضة فرقة من الشيعة، ومن الزيدية، رفضوا زيدا، والقدرية في عرف المتكلمين، تعلق علم الله وإرادته أزلا، بالكائنات قبل وجودها، فلا حادث إلا وقد قدره الله، أزلا أي سبق علمه به، وتعلقت به إرادته، وفي الحديث القدرية مجوس هذه الأمة، لأنها شاركوهم، في إثبات فاعل غير الله، ولقبوا بالقدرية لقولهم، قدرة العبد مؤثرة، وطائفة سلبت قدرته، والجهمية: هم المنتسبون إلى جهم به صفوان، الذي أظهر مقالة التعطيل.
قال ابن القيم: الفاسق باعتقاده، إذا كان متحفظا في دينه، فإن شهادته مقبولة، وإن حكمنا بفسقه، كأهل البدع، والأهواء، الذين لا نكفرهم كالرافضة، والخوارج، والمعتزلة ونحوهم، هذا منصوص الأئمة، قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء، بعضهم على بعض، إلا الخطابية، فإنهم يتدينون بالشهادة لموافقيهم على مخالفيهم.
ولا ريب أن من يكفر بالذنب، ولا يتعمد الكذب أولى بالقبول، ممن ليس كذلك، ولم يزل السلف والخلف، على قبول شهادة هؤلاء، وروايتهم وإنما منع الأئمة أحمد وغيره، قبول رواية الداعي المعلن ببدعته ورد شهادته هجرا له، وزجرا، لينكف ضرر بدعته عن المسلمين.
قال: وهم أقسام، الجاهل المقلد، الذي لا بصيرة له، فلا يفسق، ولا ترد شهادته، إذا لم يكن قادرا على التعلم، الثاني المتمكن من طلب الحق، ولكن تركه اشتغالا، بدنياه، فحكمه كتارك بعض الواجبات، والثالث من تركه تعصبا، أو معاداة فأقل أحواله: أن يكون فاسقا، فإن كان معلنا ردت إلا عند الضرورة.
وإذا كان الناس فساقا كلهم، إلا القليل، قبلت شهادة بعضهم على بعض، ويحكم بشهادة الأمثل، فالأمثل، هذا هو الصواب، الذي عليه العمل، وإن أنكره كثير من الفقهاء، بألسنتهم وإذا غلب على الظن صدقه، قبلت وحكم بها.(14/23)
ويكفر مجتهدهم الداعية(1) ومن أخذ بالرخص فسق(2).
(الثاني) مما يعتبر للعدالة (استعمال المروءة) أي الإنسانية (وهو) أي استعمال المروءة (فعل ما يجمله ويزينه) عادة كالسخاء، وحسن الخلق(3) وحسن المجاورة(4) (واجتناب ما يدنسه ويشينه) عادة من الأمور الدنيئة، المزرية به(5) فلا شهادة لمصافع، ومتمسخر ورقاص(6).
__________
(1) قال المجد: الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية، فإنا نفسق المقلد فيه، ممن يقول بخلق القرآن، أو بأن ألفاظنا به مخلوقة، أو أن علم الله به مخلوق، أو أن أسماء الله مخلوقة، أو أنه لا يرى في الآخرة، أو يسب الصحابة تدينا، أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد،وما أشبه ذلك فمن كان عالما في شيء من هذه البدع، يدعو إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره.
(2) نص عليه، وذكره ابن عبد البر إجماعا، والفاسق، ليس بعدل، وذلك بأن يتتبعها من المذاهب، وكذا من مذاهب واحد، وتقدم كلام الشيخ، وقال ابن القيم أمر تعالى بالتبين والتثبت، في خبر الفاسق، ولم يأمر برده جملة، فإن الكافر والفاسق، قد يقوم على خبره شواهد الصدق فيجب قبوله والعمل به.
(3) وبذل الجاه.
(4) والمعاملة ونحو ذلك وقال الفتوحي: المروءة كيفية نفسانية، تحمل المرء على ملازمة التقوى، وترك الرذائل.
(5) مما مثل ونحوه.
(6) أي: فلا شهادة مقبولة لمصافع، قال السعدي: صفعه صفعا، ضرب قفاه بجميع كفه، وقال الجوهري: المصافع، من يصفع غيره، ويمكنه من قفاه
فيصفعه والصفح: كلمة مولدة، والمتسخر: هو الذي يأتي بما يضحك الناس، من قول أو فعل، قال الشيخ: وتحرم محاكاة الناس للضحك، ويعزر هو، ومن يأمره، لأنه أذى، ورقاص، وهو: كثير الرقص، والرقص: خلاعة معروفة.(14/24)
ومغن وطفيلي(1) ومتزي بزي يسخر منه(2) ولا لمن يأكل بالسوق، إلا شيئا يسيرا كلقمة وتفاحة(3) ولا لمن يمد رجله بمجمع الناس(4)
__________
(1) المغني: هو الذي يتخذ الغناء صناعة، يؤتى له، لأنه سفه ودناءة يسقط المروءة، وأما الدف في العرس، بلا غناء، فلا يكره، ولا تقبل شهادة شاعر، مفرط بالمدح، بإعطاء أو بالذم بعدمه، ولا مشب بمدح خمر، أو بمرد أو بامرأة محرمة، ويفسق بذلك.
قال الشيخ: ويحرم اللعب بالشطرنج، نص عليه هو وغيره من العلماء، كما لو كان بعوض، أو تضمن ترك واجب أو فعل محرم، إجماعا، وهو شر من النرد، ويحرم النرد بلا خلاف في المذهب.
قال ابن القيم: ويدخل في الميسر، كل أكل مال بالباطل، وكل عمل محرم يوقع في العداة والبغضاء، ويصد عن ذكر الله، وعن الصلاة.
والطفيلي: نسبة إلى رجل، يقال له الطفيل، من غطفان، أكثر من الإتيان إلى الولائم من غير دعوى فسمي طفيلي العرائس.
(2) من كل مافيه سخف ودناءة، لأن من رضيه لنفسه ليس له مروءة، ولا تحصل الثقة بقوله.
(3) ونحوهما من اليسير.
(4) أو يكشف من بدنه ما العادة تغطيته كصدره وظهره، وغير ذلك، مما فيه سخف ودناءة.(14/25)
أو ينام بين جالسين ونحوه(1) (ومتى زالت الموانع) من الشهادة(2) (فبلغ الصبي، وعقل المجنون، وأسلم الكافر، وتاب الفاسق، قبلت شهادتهم) بمجرد ذلك، لعدم المانع لقبولها(3) ولا تعتبر الحرية فتقبل شهادة عبد وأمة، في كل ما يقبل فيه حر وحرة(4) وتقبل شهادة ذي صنعة دنيئة كحجام وحداد وزبال(5).
باب موانع الشهادة وعدد الشهود
وغير ذلك(6)
__________
(1) كأن يخرج عن مستوى الجلوس بلا عذر، أو يحكي المضحكات وغير ذلك، مما فيه دناءة، لأن من رضيه لنفسه، فليس له مروءة، ولا تحصل الثقة بقوله، ولأن المروءة تمنع الكذب، وتزجر عنه، ولهذا يمتنع منه ذو المروءة.
(2) وحصل شرط قبول الشهادة، فيمن لم يكن متصفا به قبل.
(3) أي لعدم المانع لقبول الشهادة، ووجود شرط قبولها، وإذا أدى الفاسق شهادته حال فسقه، ثم ردت، ثم زال المانع، لم تقبل، وإن لم يؤدها حتى تاب قبلت.
(4) هذا الصحيح من المذهب، وحكاه أحمد إجماعا قديما، عن أنس، أنه قال: ما علمت أحدا رد شهادة العبد، قال ابن القيم: وقبول شهادة العبد، هو موجب الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، وأصول الشرع.
(5) وقمام وكباش وقراد، ونخال وصباغ، ودباغ وجزار، ونحوهم قال الشيخ: وتقبل شهادة البدوي على القروي، على الوصية في السفر، وقال: إذا كان البدوي قاطنا مع المدعيين في القرية، قبلت شهادته.
(6) الموانع: جمع مانع، من منع الشيء إذا حال بينه وبين مقصوده، فهذه الموانع تحول بين الشهادة ومقصودها، فإن المقصود بها، قبولها والحكم بها.(14/26)
(لا تقبل شهادة عمودي النسب) وهم: الآباء وإن علوا، والأولاد، وإن سلفوا (بعضهم لبعض)(1) كشهادة الأب لابنه وعكسه(2) للتهمة بقوة القرابة(3).
__________
(1) قالوا: لأن كلا منهما متهم في حق الآخر، وقالوا: ولو لم يجر نفعا غالبا.
(2) كشهادة الابن لأبيه، وحكى ابن رشد: اتفاقهم على رد شهادة الأب، لابنه والابن لأبيه، وكذا الأم لابنها، وابنها لها، وقال ابن القيم: شهادة القريب لقريبه، لا تقبل مع التهمة، وتقبل بدونها، هذا الصحيح، وقال: الصحيح أنها تقبل شهادة الابن لأبيه، والأب لابنه، فيما لا تهمة فيه، نص عليه، والتهمة وحدها مستقلة بالمنع، سواء كان قريبا أو أجنبيا، فشهادة القريب لا ترد بالقرابة وإنما ترد تهمتها.
ولا ريب في دخولهم في قوله تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال: { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } هذا مما لا يمكن دفعه، ولم يستثن الله ولا رسوله من ذلك لا أبا ولا ولدا، ولا أخا ولا قرابة، ولا أجمع المسلمون على استثناء أحد من هؤلاء وإنما التهمة هي الوصف المؤثر في الحكم، فيجب تعليق الحكم به، وجودا وعدما.
(3) والجمهور على تأثير التهمة ولأبي داود: لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين وقال عمر: أو ظنينا في ولاء أو قرابة، والظنين: المتهم، والشهادة، ترد بالتهمة
ودل هذا على أنها لا ترد بالقرابة، وإنما ترد بتهمتها، قال ابن القيم: وهذا هو الصواب الذي ندين الله به.(14/27)
وتقبل شهادته لأخيه، وصديقه، وعتيقه(1) (ولا) تقبل (شهادة أحد الزوجين لصاحبه)(2) كشهادته لزوجته ولو بعد الطلاق(3) وشهادتها له، لقوة الوصلة(4) (وتقبل) الشهادة (عليهم)(5).
__________
(1) أي: وتقبل شهادة الأخ لأخيه، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم، على أن شهادة الأخ لأخيه جائزة، وقال ابن رشد: اتفقوا على إسقاط التهمة في شهادة الأخ لأخيه، ما لم يدفع بذلك عن نفسه عارا على ما قال مالك، وما لم يكن منقطعا إلى أخيه يناله بره وصلته اهـ، وتقبل شهادة الصديق لصديقه، لعموم الآيات وانتفاء التهمة، وردها ابن عقيل بصداقة وكيدة، وعاشق لمعشوقه، لأن العشق يطيش وتقبل شهادة العتيق لمولاه للعمومات.
(2) عند الأكثر لأن كلا منهما يتبسط في مال الآخر، وعنه: تقبل وتقدم، أن المانع التهمة.
(3) سواء كان الفراق بطلاق، أو خلع أو فسخ لنحو عنه إن كانت الشهادة ردت قبل الفراق للتهمة، وفي الإقناع وشرحه، وإن لم تكن ردت قبله، وإنما شهد ابتداء بعد الفراق قبلت، لانتفاء التهمة، وفي التنقيح والمبدع، وغيرهما ما ظاهره، ولو بعد الفراق.
(4) بينهما مخافة التهمة، ولا تقبل شهادة الوصي للميت، ولو بعد عنه له، وكذا شهادة الوكيل لموكله، ولا شريك لشريكه، ولو بعد انفصال الشركة ولا أجير لمستأجره، ولو بعد فراغ الإجارة لاتهمامهم.
(5) لقوله تعالى: { كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } ونص عليه أحمد وقال الموفق: لم أجد خلافا لأحمد.(14/28)
فلو شهد على أبيه، أو ابنه، أو زوجته(1) أو شهدت عليه، قبلت(2) إلا على زوجته بزنا(3) (ولا) تقبل شهادة (من يجر إلى نفسه نفعا)(4) كشهادة السيد لمكاتبه، وعكسه(5) والوارث بجرح مورثه، قبل اندماله، فلا تقبل(6) وتقبل له في دينه في مرضه(7) (أو يدفع عنها) أي عن نفسه بشهادته (ضررا) كشهادة العاقلة بجرح شهود الخطأ(8).
__________
(1) قبلت قال الموفق وغيره: في أصح الروايتين، ولعدم التهمة في ذلك.
(2) شهادتها، كعمودي النسب، وهو المذهب، وعند الخرقي: بلا خلاف.
(3) لأنه يقر على نفسه بعداوته لها، لإفسادها فراشه، وحكمه اللعان، بخلاف شهادته عليها في قتل وغيره، لانتفاء المانع، فكل من لا تقبل شهادته له، فإنها تقبل عليه لأنه لا تهمة فيها.
(4) من المشهود له، كالسيد لعتيقه، أو منقطع إليه ينال نفعه كما قاله ابن القيم وغيره، وكشهادته لشيء يستحق منه، وإن قل، نحو مدرسة أو رباط قال الشيخ في قوم في ديوان أجروا شيئا، لا تقبل شهادة أحد منهم على مستأجره، لأنهم وكلاء أو ولاة وقال: لا تقبل شهادة ديوان الأموال السلطانية على الخصوم.
(5) كشهادة العبد المكاتب لسيده، فإنه يجر إلى نفسه نفعا من سيده، إذا كان في عيال، وكذا إذا شهد له سيده بمال.
(6) لأنه ربما سرى الجرح إلى النفس، فتجب الدية للشاهد بشهادته، فكأنه شهد لنفسه.
(7) أي وتقبل شهادة، وأرث لمورثه في مرضه بدين، لأنه لا حق له في ماله حين الشهادة.
(8) لأنهم متهمون في دفع الدية عن أنفسهم.(14/29)
والغرماء بجرح شهود الدين على المفلس(1) والسيد بجرح من شهد على مكاتبه بدين ونحوه(2) (ولا) تقبل شهادة (عدو على عدوه(3) كمن شهد على من قذفه، أو قطع الطريق عليه)(4) والمجروح على الجارح، ونحوه(5).
__________
(1) أي ومن الموانع، شهادة الغرماء، بجرح شهود على المفلس، لما فيه من توفير لمال عليهم.
(2) أي: وشهادة السيد بجرح، من شهد على مكاتبه بدين ونحوه، لأنه متهم بدفع الضرر عن نفسه.
(3) وهو مذهب مالك، والشافعي، وحجتهم قوله: «لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين» رواه أبو داود، وقال ابن القيم: منعت الشريعة، من قبول شهادة العدو على عدوه، لئلا تتخذ ذريعة إلى بلوغ غرضه من عدوه، بالشهادة الباطلة اهـ، وقد أجمع الجمهور، على تأثيرها في الأحكام الشرعية.
وقال الشيخ: الواجب في العدو أو الصديق ونحوهما، أنه إن علم منه العدالة الحقيقية قبلت شهادتهما، وأما إن كانت عدالتهما ظاهرة، مع إمكان أن يكون الباطن بخلافه، لم تقبل، ويتوجه هذا في الأب ونحوه.
(4) بلا نزاع قاله في الإنصاف، وذلك كمن شهد على من قذفه، لم تقبل شهادته لظهور العداوة بالقذف، وكذا من قطع الطريق عليه، كأن شهدوا: أن هؤلاء قطعوا الطريق علينا، أو على القافلة.
(5) كالمقتول وليه على القاتل، وغير ذلك من أسباب العداوة، لأنها تورث التهمة فتمنع الشهادة.(14/30)
(ومن سره مساءة شخص، أو غمه فرحه، فهو عدوه)(1) والعداوة في الدين غير مانعة، فتقبل شهادة مسلم على كافر،وسني على مبتدع(2) وتقبل شهادة العدو لعدوه، وعليه في عقد نكاح(3) ولا شهادة من عرف بعصبية، وإفراط في حمية(4) كتعصب قبيلة على قبيلة، وإن لم تبلغ رتبة العداوة(5).
فصل في عدد الشهود(6)
(ولا يقبل في الزنا) واللواط (والإقرار به إلا أربعة) رجال(7)
__________
(1) وكذا طلبه له الشر، فلا تقبل ممن شهد على عدوه، للتهمة، والمراد العداوة الدنيوية.
(2) لأن الدين يمنعه، ومن ارتكب محظور في دينه.
(3) لأن ليس فيه ذريعة إلى بلوغ غرضه، وتشفيه من عدوه.
(4) أي ولا تقبل شهادة من عرف بعصبية، أو عرف بإفراط في حمية لقبيلته.
(5) أي العصبية والإفراط في الحمية والعصبية، والتعصب: المحاماة والمدافعة، والإفراط، مجاوزة الحد في حماية القبلية بعضها لبعض، فلم تقبل شهادة بعضهم لبعض، لحصول التهمة بذلك.
(6) لاختلاف الشهود، باختلاف المشهود به، وعدها بعضهم سبعة، تعلم بالاستقراء.
(7) لأنه مأمور فيه بالستر، ولهذا غلظ فيه النصاب، فإنه ليس هناك حق يضيع، وإنما هو حد وعقوبة، والعقوبات تدرأ بالشبهات، بخلاف حقوق الله تعالى وحقوق عباده، التي تضيع إذا لم يقبل فيها قول الصادقين قال ابن رشد: اتفقوا على أنه لا يثبت الزنا، بأقل من أربعة عدول ذكور.
وقال ابن القيم: أما في الزنا فبالنص والإجماع: وأما اللواط فقالت طائفة: هو مقيس عليه في نصاب الشهادة، كما أنه مقيس عليه في الحد، وقالت طائفة: هو داخل في حد الزنا، لأنه وطء في فرج محرم، وقالت طائفة: بل هو أولى بالحد من الزنا، فإنه وطء فرج لا يستباح بحال، والداعي إليه قوي، فهو أولى بوجوب الحد، فيكون نصابه نصاب حد الزنا.
قال: وبالجملة فلا خلاف بين من أوجب عليه حد الزنا، أو الرجم بكل حال، أنه لا بد فيه من أربعة شهود، أو إقرار.(14/31)
يشهدون به، أو أنه أقر به أربعا(1).
لقوله تعالى: { لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } الآية(2) (ويكفي في الشهادة) (على من أتى بهيمة رجلان) لأن موجبه التعزير(3) ومن عرف بغنى، وادعى أنه فقير، ليأخذ من زكاة، لم يقبل إلا ثلاثة رجال(4) (ويقبل في بقية الحدود)(5) كالقذف والشرب(6).
__________
(1) واعتبار الأربعة في الإقرار به، لأنه إثبات له، فاعتبروا فيه، كشهود الفعل.
(2) أي: هلا جاءوا على ما زعموا، بأربعة شهداء، يشهدون بالزنا { فإذا لم يأتوا بالشهداء، فأولئك عند الله هم الكاذبون } ولقوله صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية البينة أي أربعة شهداء، وإلا فحد في ظهرك، وفي لفظ أربعة شهداء.
(3) فلم يجب أربعة كالزنا، إلا بنص يعتمد عليه، ولا يقاس على الزنا في عدد شهود، ولأحد.
(4) لحديث حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه، لقد أصابت فلانا فاقه رواه مسلم.
(5) قال ابن رشد: اتفقوا على أنه تثبت جميع الحقوق، ما عدا الزنا بشاهدين عدلين ذكرين، من غير يمين اهـ وأما الزنا، فإنه بالغ في سترة، كما قدر الله ستره، فاجتمع على ستره شرع الله وقدره، فلم يقبل فيه إلا أربعة، ينتفي معها الاحتمال.
(6) أي كالقذف، فيقبل فيه رجلان، وتقدم وكالشرب، أي شرب المسكر، فلا يقبل فيه إلا رجلان، لأنه يحتاط فيه، ويسقط بالشبهة، فلم تقبل فيه شهادة النساء، ويثبت قذف وشرب بإقراره مرة، بخلاف زنا وسرقة وقطع طريق.(14/32)
والسرقة وقطع الطريق(1) (و) في (القصاص) رجلان(2) ولا تقبل فيه شهادة النساء، لأنه يسقط بالشبهة(3) (وما ليس بعقوبة ولا مال، ولا يقصد به المال(4)، ويطلع عليه الرجال غالبا، كنكاح وطلاق ورجعة(5).
__________
(1) أي: ويقبل في السرقة بشرطها رجلان، يصفانه، كما تقدم ويقبل في قطع الطريق، إذا أخذوا المال، قتلوا أولا، رجلان، ولا تقبل فيه النساء.
(2) أي ويثبت في القصاص في النفس، أو العضو أو الجراحة أو غيرها، رجلان، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك والشافعي.
(3) وقال الوزير: اتفقوا على أن النساء، لا تقبل شهاتهن، في الحدود والقصاص.
(4) أي وما ليس بعقوبة، كالحدود، والقصاص وكذا الإعسار وتقدم وما ليس بمال، لأن المال يقبل فيه شهادة النساء، ولا يقصد به المال، كالسرقة لرد المال، يقبلن فيه.
(5) كنكاح أي كعقد نكاح، فلا يقبل إلا رجلان، وطلاق أي فلا يقبل فيه إلا رجلان، وقال ابن القيم: في حديث عمرو بن شعيب، إذا أقامت شاهدا واحدا على الطلاق، فإن حلف الزوج أنه لم يطلق، لم يقض عليه وإن لم يحلف حلفت المرأة ويقضى عليه، وقد احتج به الأئمة، وذلك لأن الرجل أعلم بنفسه هل طلق أولا، وهو أحفظ لما وقع منه، وإذا نكل، وقام الشاهد الواحد، وحلفت المرأة، كان دليلا ظاهرا على صدقها، قال: ولا شيء أحسن، ولا أقوى من هذه الحكومة
ورجعة قال في الاختيارات، والصحيح قبول شهادة النساء في الرجعة
فإن حضورهن عند الرجعة أيسر من حضورهن عند كتابة الوثائق، وفي مغنى ذوي الأفهام، وتقبل في النشوز، لأنه مما لا يطلع عليه الرجال غالبا.(14/33)
وخلع ونسب وولاء(1) وإيصاء إليه) في غير مال(2) (لا يقبل فيه إلا رجلان) دون النساء(3).
__________
(1) وخلع أي فلا يقبل إلا رجلان، وفي المقنع، إن ادعى رجل الخلع قبل فيه رجل وامرأتان، قطع به الأكثر، وإن ادعته المرأة لم يقبل فيه إلا رجلان قال في الإنصاف: بلا نزاع، ونسب، على أن هذا أخوه ونحوه، وولاء على أن هذا مولاه.
(2) كعلي عياله.
(3) يعني النكاح، وما عطف عليه، قال ابن القيم: وتنازعوا في العتق،و الوكالة في المال، والإيصاء إليه فيه، ودعوى قتل الكافر لاستحقاق سلبه، ودعوى الأسير الإسلام لمنع رقه، وجناية الخطأ والعمد، التي لا قود فيها، والنكاح والرجعة، هل يقبل فيه رجل وامرأتان، أم لا بد من رجلين، على قولين هما روايتان عن أحمد.
قال: وقد استقرت الشريعة، على أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، فالمرأتان في الشهادة، كالرجل الواحد، هذا أولى، فإن حضور النساء عند الرجعة أيسر من حضورهن عند كتابة الوثائق، بالديون وكذا حضورهن عند الوصية وقت الموت، فإذا سوغ فيها فهنا أولى، يوضحه، أنه قد شرع في الوصية، استشهاد آخرين، من غير المسلمين، عند الحاجة، فلأن يجوز استشهاد رجل وامرأتين بطريق الأولى والأحرى.
وقال في المرأة شهادتها بنصف شهادة الرجل، ولم يقيد، وقال للمدعي شاهداك أو يمينه وقد عرف أنه لوأتى برجل وامرأتين حكم له، ولو لم يأت
المدعي بحجة، حلف المدعى عليه، وأن المقصود بالشهادة، أن يعلم بها ثبوت المشهود به، وأنه حق، فإذا عقلت المرأة وحفظت، وكانت ممن يوثق بدينها فإن المقصود حاصل بخبرها، ولهذا تقبل شهادتها في مواضع.
قال شيخنا: ولو قيل يحكم بشهادة امرأة، ويمين الطالب لكان متوجها فالطريق التي يحكم بها الحاكم، أوسع من الطرق، التي أرشد الله صاحب الحق، إلى أن يحفظ حقه بها، قال: وهذا أصل عظيم، يجب أن يعرف، غلط كثير من الناس فيه.(14/34)
(ويقبل في المال، وما يقصد به) المال (كالبيع والأجل، والخيار فيه) أي في البيع(1) (ونحوه) كالقرض، والرهن(2) والغصب، والإجارة والشركة(3) والشفعة، وضمان المال، وإتلافه(4) والعتق والكتابة، والتدبير(5) والوصية بالمال(6).
__________
(1) وكذا الشراء، وتوابع البيع والشراء، من اشتراط صفة في المبيع، أو نقد غير نقد البلد.
(2) وكذا العواري، والودائع، والصلح، والإقرار بالمال، أو ما يوجب المال.
(3) والحوالة والإبراء، والمطالبة بالشفعة، وإسقاطها.
(4) والمساقاة والمزارعة، والمضاربة والجعالة، والهبة.
(5) ومهر وتسميته ورق مجهول.
(6) وكذا الوقف على معين أوله، وظاهره: أن الوصية، وكذا الوقف، إذا كانا لجهة عامة، كالفقراء والمساكين، لا يكتفي فيها بشاهد ويمين لإمكان اليمين من المدعي، إذا كان معينا، وأما الجهة المطلقة، فلا يمكن اليمين فيها، وإن حلف واحد منهم لم يسر حكم يمينه إلى غيره، فلو أمكن حلف الجمع في الوصية
والوقف بأن يوصي أو يوقف على فقراء محلة معينة، يمكن حصرهم ثبت الوقف بشاهد وأيمانهم ولو انتقل الوقف إلى من بعدهم، لم يمنع ذلك ثبوته بشهادة المعينين أولا، كمالو وقف على زيد، ثم على الفقراء، ثبت بشهادته، وانتقل إلى من بعده بحكم ثبوته الأول، ضمنا وتبعا.(14/35)
والجناية إذا لم توجب قودا(1) ودعوى أسير تقدم إسلامه، لمنع رقه(2) (رجلان أو رجل وامرأتان)(3) لقوله تعالى: { فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } (4) وسياق الآية يدل على اختصاص ذلك بالأموال(5)
__________
(1) بحال كالخطأ وما لا قصاص فيه من جنايات العمد، كالهاشمة والمأمومة، والجائفة وقتل المسلم بالكافر، والحر بالعبد، والصبي والمجنون ودعوى قتل الكافر، لاستحقاق سلبه.
(2) ونحوه مما يقصد به المال.
(3) باتفاق المسلمين، ذكره غير واحد، وقال ابن القيم: اتفق المسلمون على أنه يقبل في الأموال، رجل وامرأتان، وكذا توابعها من البيع والأجل فيه، والخيار فيه، والرهن، والوصية للمعين وهبته والوقف عليه، وضمان المال وإتلافه ودعوى رق مجهول النسب، وتسمية المهر وتسمية عوض الخلع.
(4) وقبل ما ذكر قوله: { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } قالوا: والآية وإن كانت في الدين، فدخل قياسا، المواريث، والودائع والغصوب، وسائر الأموال وتقدم أن هذا في الاستشهاد لا في الحكم.
(5) لانحلال رتبة المال عن غيره من المشهود به، لأنه يدخله البذل والإباحة، وتكثر فيه المعاملة، ويطلع عليه الرجال والنساء، فوسع الشرع باب ثبوته.
قال ابن القيم: لم يقل تعالى احكموا بشهادة رجلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، وقد جعل سبحانه المرأة على النصف من الرجل، في عدة أحكام أحدها: هذا، والثاني في الميراث، والثالث في الدية، والرابع في العقيقة، والخامس في العتق.
وقوله: { أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } إن ضلت وذلك لضعف العقل، فلا تقوم مقام الرجل، وفي منع قبولها بالكلية إضاعة لكثير من الحقوق، وتعطيل لها، فضم إليها في الشهادة نظيرتها، لتذكرها إذا نسيت فتقوم شهادة المرأتين مقام شهادة الرجل، ويقع من العلم ما يقع بشهادة الرجل، قال: فما كان فيه من الشهادات، لا يخاف فيه الضلال في العادة، لم تكن فيه على نصف الرجل.(14/36)
.
(أو رجل ويمين المدعي)(1) لقول ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قضي باليمين مع الشاهد» رواه أحمد وغيره(2).
ويجب تقديمه الشهادة عليه(3)
__________
(1) لأن اليمين تشرع في جانب من ظهر صدقه.
(2) قال أحمد: مضت السنة، أن يقضي باليمين مع الشاهد، وقال ابن القيم: الحكم بالشاهد واليمين، حكم بكتاب الله، فإن الله أمر بالحكم بالحق، والرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه حكموا به، ولا يحكمون بباطل، وقال تعالى: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ } وهو مما حكم به، فهو عدل مأمور به، ولا يعارض اليمين على المدعى عليه، فإن المراد به إذا لم يكن مع المدعي إلا مجرد الدعوى، فإنه لا يقضي له بمجرد الدعوى، فأما إذا ترجح جانبه بشاهد أو لوث أو غيره، لم يقض له بمجرد دعواه، بل الشاهد المجتمع من ترجيح جانبه ومن اليمين.
(3) وقال ابن القيم: من شرطها تقدم الشهادة عليه اهـ فيشهد الشاهد أولا، ثم يحلف صاحب اليمين، وقال: إذا عدمت امرأتان قامت اليمين مقامها والشاهد واليمين سكت عنه القرآن، وفسرته السنة، ولم يوجب الله على الحكام، أن لا يحكموا إلا بشاهدين أصلا، وإنما أمر صاحب الحق أن يحفظ حقه بشاهدين أو بشاهد وامرأتين، وهذا لا يدل على أن الحاكم لا يحكم بأقل من ذلك بل حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالشاهد واليمين وبالشاهد فقط، رواه أبو داود وغيره.
وقد ذهب طائفة من قضاة السلف العادلين، إلى الحكم بشهادة الواحد، إذا ظهر صدقه من غير يمين، وعدل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين، وقبل شهادة الأعرابي على الهلال، وأجاز شهادة والواحد في قصة السلب، ولا استحلفه وهو الصواب، ولا معارض لهذه السنة، ولا مسوغ لتركها، والبينة تطلق على الشاهد الواحد، وصوبه.(14/37)
لا بامرأتين ويمين(1) ويقبل في داء دابة، وموضحة طبيب وبيطار واحد، مع عدم غيره(2).
__________
(1) قالوا: لأن النساء لا تقبل شهادتهن في ذلك منفردات، وقال ابن القيم: الحكم بشهادة امرأتين، ويمين المدعي في الأموال، وحقوقها هو مذهب مالك وأحد الوجهين في مذهب أحمد حكاه شيخنا واختاره وظاهر القرآن والسنة، ويدل على صحة هذا القول، فإن الله أقام المرأتين مقام الرجل، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح أليس شهادة المرأتين مثل شهادة الرجل؟ ولا في القرآن ولا في السنة، ولا في الإجماع ما يمنع من ذلك، بل القياس الصحيح يقتضيه.
(2) في معرفة الداء، لأنه يخبر به عن اجتهاده، كالقاضي يخبر عن حكمه، والطبيب هو الذي يعالج الإنسان، والبيطار، هو الذي يعالج الدواب.(14/38)
فإن لم يتعذر فاثنان(1) (وما لا يطلع عليه الرجال) غالبا(2) (كعيوب النساء تحت الثياب، والبكارة والثيوبة، والحيض والولادة(3) والرضاع والاستهلال) أي صراخ المولود عند الولادة(4) (ونحوه) كالرتق والقرن والعفل(5) وكذا جراحة وغيرها في حمام وعرس ونحوهما، ممالا يحضره الرجال (يقبل فيه شهادة امرأة عدل)(6).
لحديث حذيفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة وحدها، ذكره الفقهاء في كتبهم(7).
__________
(1) أي فإن لم يتعذر، بأن كان بالبلد من أهل الخبرة به أكثر من واحد يعلم ذلك فيعتبر أن يشهد به اثنان، كسائر ما يطلع عليه الرجال.
(2) تقبل فيه شهادة النساء، لما يأتي، وقال الوزير: اتفقوا على أنه تقبل شهادتين، فيما لا يطلع عليه الرجال، كالولادة، والرضاع، والبكارة وعيوب النساء، وما يخفى على الرجال غالبا، وقال ابن رشد: لا خلاف في هذا، إلا في الرضاع فإن أبا حنيفة قال: مع الرجال، لأنه عنده من حقوق الأبدان، التي يطلع عليها الرجال والنساء.
(3) فيكفي فيه امرأة عدل، لما يأتي.
(4) فيكفي فيه امرأة عدل.
(5) فالرتق، أن يكون فرجها مسدودا، والقرن: لحم زائد ينبت فيه، والعفل، ورم في اللحمة وتقدم موضحا.
(6) هذا المذهب ونص عليه في رواية الجماعة، وقال الموفق: لا نعلم خلافا، في قبول شهادة النساء منفردات في الجملة.
(7) رواه الدارقطني، والبيهقي وغيرهما، من حديث أبي عبد الرحمن المدائني وهو مجهول، عن الأعمش، عن أبي وائل عن حذيفة، وروي عن علي، أنه أجاز شهادة القابلة، ولا يثبت قال الشافعي: لو ثبت عنه صرنا إليه، ولكن يأتي حديث عقبة ولأنه في معنى يثبت بقول النساء المنفردات فلا يشترط فيه العدد.(14/39)
وروى أبو الخطاب عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يجزئ في الرضاع شهادة امرأة واحدة»(1) (والرجل فيه كالمرأة) وأولى، لكماله(2).
__________
(1) قال ابن القيم: لا يعرف له إسناد وقال: يجوز القضاء بشهادة النساء منفردات في غير الحدود والقصاص، عند جماعة من السلف والخلف، وذكر أنه أرجح الأقوال، قال أحمد: تجوز شهادة المرأة الواحدة في الرضاع، على حديث عقبة وهو في الصحيحين.
قال ابن القيم: فما كان لا يخاف فيه الضلال، في العادة، وتقبل فيه شهادتهن منفردات، إنما هو أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها من غير توقف على عقل، كالولادة إلى آخر ما ذكر، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة، ولا تحتاج معرفته إلى كمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها، من الإقرار بالدين وغيره، فإن هذا معان معقولة، ويطول العهد بها في الجملة.
(2) وظاهره بلا يمين، قال ابن القيم، بعد ما تقدم قريبا، والرجل فيه كالمرأة ولم يذكروا ههنا يمينا، وظاهر نص أحمد: أنه لا يفتقر إلى اليمين، والفرق
بينه وبين الشاهد واليمين، حيث اعتبرت اليمين هناك، أن المغلب في
هذا الباب هو الإخبار عن الأمور الغائبة، التي لا يطلع عليها الرجال، فاكتفى بشهادة النساء، وفي باب الشاهد واليمين، الشهادة على أمور ظاهرة، يطلع عليها الرجال في الغائب، فإذا انفرد بها الشاهد الواحد احتيج إلى تقويته باليمين.
وحكى ابن حزم: القول بتحليف الشهود، عن ابن وضاح، ومحمد بن بشر قال ابن القيم: وليس ببعيد، قد شرع تحليفهما من غير ملتنا، وقاله ابن عباس: فيمن شهدت بالرضاع، قال الشيخ: هذان الموضوعان قبل فيهما الكافر والمرأة للضرورة فقياسه، أن كل من قبلت شهادته للضرورة استحلف قال ابن القيم: وإذا كان للحاكم أن يفرق الشهود، إذا ارتاب بهم، فأولى أن يحلفهم إذا ارتاب بهم.(14/40)
(ومن أتى برجل وامرأتين(1) أو أتى بشاهد ويمين) أي حلفه (فيما يوجب القود، لم يثبت به) أي بما ذكر (قود ولا مال)(2) لأن قتل العمد يوجب القصاص، والمال بدل منه، فإذا لم يثبت الأصل لم يجب بدله(3).
وإن قلنا الواجب أحدهما، لم يتعين إلا باختياره، فلو أوجبنا بذلك الدية، أوجبنا معينا بدون اختياره(4).
(وإن أتى بذلك) أي برجل وامرأتين، أو رجل ويمين (في سرقة ثبت المال) لكما بينته (دون القطع) لعدم كمال بينته(5) (وإن أتى بذلك) أي برجل وامرأتين، أو رجل ويمين (في) دعوى (خلع) امرأه على عوض سماه (ثبت له العوض) لأن بينته تامة فيه(6) (وثبتت البينونة بمجرد دعواه) لإقراره على نفسه(7) وإن ادعته هي، لم يقبل فيه، إلا رجلان(8).
فصل
__________
(1) يشهدون بما يوجب القود، لم يثبت قود ولا مال.
(2) قال في الإنصاف: هذا المذهب مطلقا، وعليه الأصحاب.
(3) جزم به الموفق، والشارح وغيرهما.
(4) أي فلو أثبتنا قتل العمد، بشهادة رجل وامرأتين، أو بشهادة رجل ويمين المدعي، كنا أثبتنا قتل العمد، وإن قلنا الواجب القصاص، أو الدية ولم يتعين المال، إلا باختيار ورثة المقتول، فلو أوجبنا المال، كنا أوجبناه بدون اختيار
الورثة وإن لم يختاروا الدية، كنا أثبتنا القصاص بدون نصاب شهادته، وهو لا يثبت بدونها، وإذا لم يثبت لم يثبت بدله، وهو المال.
(5) لأن السرقة توجب القطع والمال، فإذا قصرت البينة عن القطع، ثبت المال لكمال بينته.
(6) أي ثبت له العوض بدعواه المال عليها، لأن بينة المال وهي رجل وامرأتان أو رجل ويمينه ثابتة في ذلك.
(7) بخلعها على مال، ثبت بتلك البينة.
(8) قال في الإنصاف: بلا نزاع لأن مقصودها الفسخ، وخلاصها من الزوج، ولا يثبت بغير رجلين، وإن اختلفا في عوض الخلع، أو في الصداق، ثبت برجل وامرأتين، أو رجل ويمين المدعي، لأنه مال فثبت ببينته.(14/41)
في الشهادة على الشهادة(1)
(ولا تقبل الشهادة على الشهادة، إلا في حق يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي)(2) وهو حقوق الآدميين(3) دون حقوق الله تعالى، لأن الحدود مبنية على الستر، والدرء بالشبهات(4) ولا يحكم الحاكم (بها) أي بالشهادة على الشهادة (إلا أن تتعذر شهادة الأصل بموت)(5).
__________
(1) والرجوع عنها، وسأل أحمد عن الشهادة على الشهادة فقال: هي جائزة، ولأن الحاجة داعية إليها، لأنها لو لم تقبل، لتعطلت الشهادة على الوقوف وما يتأخر إثباته عند الحاكم، أو ماتت شهوده، وفي ذلك ضرر على الناس، ومشقة شديدة فوجب قبولها، كشهادة الأصل.
وقال أبو عبيد: أجمعت العلماء من أهل الحجاز والعراق، على إمضاء الشهادة على الشهادة في الأموال، إلخ,.
(2) وترد فيما يرد فيه، وهو المذهب وعليه جمهور الأصحاب.
(3) أي: من مال وقصاص، وحد وقذف ونحوها.
(4) والشهادة على الشهادة فيها شبهة لتطرق احتمال الغلط، والسهو، وكذب شهود الفرع فيها، مع احتمال ذلك في شهود الأصل، ولا حاجة إليها في الحد، لأن ستر صاحبه أولى من الشهادة عليه.
(5) قال في الإنصاف: بلا نزاع فيه.(14/42)
أو مرض أو غيبة مسافة قصر(1) أو خوف من سلطان، أو غيره(2) لأنه إذا أمكن الحاكم، أن يسمع شهادة شاهدي الأصل، استغنى عن البحث عن عدالة شاهدي الفرع(3) وكان أحوط للشهادة(4) ولا بد من دوام عذر شهود الأصل إلى الحكم(5) ولا بد أيضا من ثبوت عدالة الجميع(6) ودوام عدالتهم(7) وتعيين فرع الأصل(8).
__________
(1) وقيل تقبل في غيبته فوق يوم ذكره القاضي، وفي الإنصاف في كتاب القاضي، وعنه: في يوم فأكثر، وعند الشيخ: وأقل من يوم كخبره.
(2) لأن شهادة الأصل تثبت نفس الحق، وشهادة الفرع: إنما تثبت الشهادة عليه.
(3) وسماعه من الأصل معلوم، وصدق شاهدي الفرع عليه مظنون، ولا يعدل عن اليقين مع إمكانه.
(4) لأن في شهادة الفرع ضعفا، لتطرق الاحتمالين إليها، غلط الأصل والفرع، فيكون وهنا فيها، ولا تثبت إلا عند عدم شهادة الأصل.
(5) أي إلى صدور الحكم، فمتى أمكنت شهادة الأصل، قبل الحكم وقف الحكم على سماعها، لزوال الشرط، كما لو كانوا حاضرين.
(6) أي شاهدي الأصل، وشاهدي الفرع، إلى صدور الحكم.
(7) فمتى حدث، قبل الحكم من شهود الأصل، أو شهود الفرع، ما يمنع قبوله، من نحو فسق، وقف الحكم لأنه مبني على شهادة الجميع.
(8) أي ولا بد من تعيين شاهدي فرع لأصله، حتى لو قال تابعيان، أشهدنا صحابيان، لم يجز حتى يعيناهما.(14/43)
(ولا يجوز لشاهد الفرع، أن يشهد، إلا أن يسترعيه شاهد الأصل(1) فيقول) شاهد الأصل للفرع (اشهد على شهادتي بكذا(2) أو) اشهد: أني أشهد، أن فلانا أقر عندي بكذا، أو نحوه(3) وإن لم يسترعه لم يشهد(4) لأن الشهادة على الشهادة فيها معنى النيابة، ولا ينوب عنه إلا بإذنه(5) إلا أن (يسمعه يقر بها) أي يسمع الفرع الأصل يشهد (عند الحاكم(6) أو) سمعه (يعزوها) أي يعزو شهادته (إلى سبب من قرض أو بيع، أو نحوه) فيجوز للفرع أن يشهد، لأن هذا كالاسترعاء(7).
ويؤديها الفرع بصفة تحمله(8)
__________
(1) أو يسترعي غيره، وهو يسمع استرعاء الأصل لغيره، وأصل الاسترعاء من قول المحدث لمن يكلمه، أرعني سمعك، أي اسمع مني، وهو استفعال من رعيت الشيء حفظته، تقول، استرعيته الشيء فرعاه، أي: استحفظته إياه فحفظه، فشاهد الأصل يطلب من شاهد الفرع، أن يحفظ شهادته ويؤديها.
(2) أي اشهد أني أشهد بكذا.
(3) كأشهدني على نفسه.
(4) أو إن لم يسترع غيره مع سماعه، لم يشهد.
(5) أي سماعه يسترعي غيره.
(6) فيجوز له أن يشهد، لأن شهادة الأصل بشهادته عند الحاكم، يزول الاحتمال كالاسترعاء.
(7) ولأن نسبة شاهد الأصل الحق إلى سببه، يزول به الاحتمال،
كالاسترعاء.
(8) وإلا لم يحكم بها، فلا يكفي قوله: سمعت فلانا يقول: أقرض فلانا أو لفلان على فلان كذا، بل يقول: أشهد أن فلان بن فلان، وقد عرفته بعينه، واسمه وعدالته، وإن لم يعرف عدالته لم يذكرها، أشهدني أنه يشهد أن فلان بن فلان، على فلان كذا وكذا، أو أشهدني أنه يشهد أن فلانا أقر عندي بكذا، وإن سمعه يشهد غيره، قال: أشهد أن فلان بن فلان، أشهدني على شهادته، أن لفلان بن فلان على فلان كذا.
وإن سمعه يشهد عند الحاكم، قال: أشهد أن فلان بن فلان، شهد على فلان عند الحاكم بكذا، وإن كان نسب الحق إلى سببه، قال: أشهد أن فلان بن فلان، قال: أشهد أن لفلان بن فلان كذا، من جهة كذا، قال في الإقناع: وما عدا هذا المواضع، لا يجوز أن يشهد فيها على الشهادة، وإن أراد الحاكم أن يكتب كتب على ما مر.(14/44)
وتثبت شهادة شاهدي الأصل بفرعين(1) ولو على كل أصل فرع(2) ويثبت الحق بفرع مع أصل آخر(3) ويقبل تعديل فرع لأصله(4) وبموته ونحوه(5).
__________
(1) بأن يشهد الفرعان على الأصلين، كما لو شهدا بنفس الحق.
(2) لأن الفرع بدل الأصل، وقال ابن بطة: لا تثبت حتى يشهد أربعة على كل أصل شاهدا فرع، وبه قال أبو حنيفة، ومالك والشافعي.
(3) كأصلين أو فرعين، وإن حكم بشهادتهما، ثم رجع شهود الفرع، لزمهم الضمان، قال في الإنصاف، بلا نزاع، وإن رجع شهود الأصل لم يضمنوا وهو المذهب ويحتمل أن يضمنوا وصوبه في الإنصاف.
(4) قال في الشرح: بلا خلاف نعلمه.
(5) أي وتقبل شهادة الفرع بموت الأصل ونحوه، كمرضه وغيبته على القول بهما.(14/45)
لا تعديل شاهد لرفقيه(1) (وإذا رجع شهود المال بعد الحكم لم ينقض) الحكم(2) لأنه قد تم ووجب المشهود به، للمشهود له، ولو كان قبل الاستيفاء(3) (ويلزمهم الضمان) أي يلزم الشهود الراجعين بدل المال، الذي شهدوا به، قائما كان أو تالفا، لأنهم أخرجوه من يد مالكه بغير حق(4) وحالوا بينه وبينه(5).
__________
(1) بعد شهادته، أصلا كان أو فرعا، لإفضائه إلى انحصار الشهادة في أحدهما.
(2) جزم به الجمهور، وقال الشيخ: ولو شهد بعد الحكم بمناف للشهادة الأولى، فكرجوعه، وأولى.
(3) أو بعده، ورجوع الشهود بعد الحكم لا ينقضه، لأنهم إن قالوا: عمدنا، فقد شهدوا على أنفسهم بالفسق، فهما متهمان بإرادة نقض الحكم، كما لو شهد فاسقان على الشاهدين بالفسق، فإنه لا يوجب التوقف في شهادتهما، وإن قالوا: أخطأنا، لم يلزمه نقضه أيضا، لجواز خطئهما في قولهما الثاني، بأن اشتبه عليهم الحال.
(4) وإن رجع شهود العتق غرموا القيمة، قال في الإنصاف: بلا نزاع أعلمه، وإن رجع شهود الطلاق قبل الدخول، غرموا نصف المسمى، أو بدله قال: بلا نزاع، وبعده، قال الشيخ: يغرمون مهر المثل، وصوبه في الإنصاف.
(5) ومحله ما لم يصدقهم مشهود له، ويرد ما قبضه أو بدله، لاعترافه، بأخذه بغير حق، وإن لم يقبض شيئا بطل حقه من المشهود به، قال الشيخ في شاهد فاسق قاس بلدا وكتب خطه بالصحة، فاستخرج الوكيل على حكمه، ثم قاس وكتب خطه بزيادة فغرم الوكيل الزيادة، قال: يغرم الشاهد ما غرمه الوكيل من الزيادة بسببه تعمد الكاتب أو أخطأ، كالرجوع.(14/46)
(دون من زكاهم) فلا غرم على مزك، إذا رجع المزكي، لأن الحكم تعلق بشهادة الشهود، ولا تعلق له بالمزكين، لأنه أخبروا بظاهر حال الشهود، وأما باطنه فعلمه إلى الله تعالى(1) (وإن حكم) القاضي (بشاهد ويمين، ثم رجع الشاهد غرم) الشاهد (المال كله) لأن الشاهد حجة الدعوى(2).
__________
(1) وإن رجع المزكي دون المزك فالغرم على المزكي، وقال الشيخ: ولو زكى الشهود ثم ظهر فسقهم، ضمن المزكون قال: وكذلك يجب أن يكون في الولاية، لو أراد الإمام أن يولي قاضيا، أو واليا لا يعرفه، فيسأل عنه، فزكاه أقوام، أو وصفوه بما تصلح معه الولاية، ثم رجعوا وظهر بطلان تزكيتهم فينبغي أن يضمنوا ما أفسده الوالي والقاضي، وكذلك لو أشاروا عليه، وأمروا بولايته.
لكن الذي لا ريبة فيه: ضمان من تعهد المعصية منه؛ مثل من يعلم منه الخيانة أو العجز، ويخبر عنه بخلاف ذلك، أو يأمر بولايته، أو يكون لا يعلم حاله، ويزكيه أو يشير له، فأما إن اعتقد صلاحه وأخطأ فهذا معذور، والسبب ليس محرما.
(2) هذا الصحيح من المذهب نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب، قال أحمد: إنما ثبت ههنا بشهادته، ليست اليمين من الشهادة في شيء، وقال ابن القيم يؤيده وجوه منها، أن الشاهد حجة الدعوى، فكان منفردا بالضمان، ومنها أن اليمين قول الخصم، وليس بحجة على خصمه، ولو جعلناها حجة إنما جعلناها بشهادة الشاهد، وتقدم: أن من شرط اليمين، تقدم شهادة الشاهد.(14/47)
ولأن اليمين قول الخصم، وقول الخصم ليس مقبولا على خصمه، وإنما هو شرط الحكم، فهو كطلب الحكم(1) وإن رجعوا قبل الحكم لغت، ولا حكم ولا ضمان(2) وإن رجع شهود قود أو حد، بعد حكم، وقبل استيفاء لم يستوف ووجب دية قود(3).
باب اليمين في الدعاوي
__________
(1) أي فجرى مجرى مطالبته للحاكم بالحكم، وقال الموفق وغير: ويتخرج أن يضمن النصف، وهو قول مالك والشافعي، لأن يمينه أحد حجتي الدعوى فالله أعلم.
(2) ولا تقبل منهم، لو شهدوا بعد.
(3) أي على المشهود عليه للمشهود له، لأن الواجب بالعمد أحد شيئين، وقد سقط أحدهما فتعين الآخر، ويرجع المشهود عليه بما غرمه من الدية على المشهود له، ويلزم الشهود ضمانها، قال الوزير: إذا رجع شهود القتل بعد استيفائه، وقالوا: تعمدنا قتله، فالمذهب ومذهب مالك والشافعي، عليهما القصاص، وإن قالوا: غلطنا لم يجب إلا الدية.(14/48)
أو بيان ما يستحلف فيه، وما لا يستحلف فيه(1) وهي تقطع الخصومة حالا(2) ولا تسقط حقا(3) و(لا يستحلف) منكر (في العبادات)(4) كدعوى دفع زكاة، وكفارة ونذر(5) (ولا في حدود الله) تعالى، لأنه يستحب سترها(6) والتعريض للمقر بها، ليرجع عن إقراره(7).
__________
(1) وصفة اليمين، وما يتعلق بذلك، واليمين مشروعة، في حق المنكر للردع والزجر، في كل حق لآدمي في الجملة، لقوله: «واليمين على من أنكر».
(2) أي: عند التنازع.
(3) أي تسمع البينة بعدها، وإن رجع حالف وأدى ما عليه، قبل منه، وحل لمدع أخذه.
(4) لأنه حق لله تعالى أشبه الحد.
(5) فإذا قال: دفعت زكاتي أو كفارتي، أو نذري لم يلزمه يمين.
(6) أي ولا يستحلف منكر لحد من حدود الله تعالى، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا، كحد زنا أو سرقة، أو شرب أو محاربة، لأنه يستحب سترها، ولأنه لو أقر بها ثم رجع قبل منه، وخلى سبيله بلا يمين، فلأن لا يستحلف مع عدم الإقرار أولى.
(7) أي ويستحب التعريض للمقر بالحدود، ليرجع عن إقراره، لقوله عليه الصلاة والسلام لماعز: «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟» .(14/49)
(ويستحلف المنكر) على صفة جوابه، بطلب خصمه(1) (في كل حق لآدمي)(2) لما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام «ولكن اليمين على المدعى عليه»(3) (إلا النكاح والطلاق، والرجعة(4) والإيلاء وأصل الرق) كدعوى رق لقيط(5) (والولاء والاستيلاد) للأمة (والنسب(6).
__________
(1) أي ويستحلف المنكر، إذا توجهت عليه اليمين، في دعوى صحيحة على صفة جواب المنكر، بطلب خصمه، وإن لم يطلب خصمه اليمين، لم يستحلف والاستحلاف لا يكون إلا في مجلس الحاكم.
(2) إلا ما استثنى مما يأتي وغيره.
(3) أي المنكر، وتقدم: أنها لما كانت في جانب المدعى عليه، حيث لم يترجح المدعي بشيء، غير الدعوى، فيكون جانب المدعى عليه أولى باليمين لقوته بأصل براءة الذمة.
(4) وبقائها، لاعتبار أن نصاب الشهادة فيها اثنان، ولأن النكاح والطلاق مما لا يحل بذله، فلا يستباح بالنكول.
(5) أي وإلا الإيلاء، فلا يستخلف، وقيل: إذا أنكر مول مضي أربعة أشهر فإنه يستحلف وأصل الرق كدعوى رق لقيط، فلا يستحلف إذا أنكر لأنه محكوم بحريته وإسلامه، إذا كان في بلد فيها مسلم، يحتمل كونه منه.
(6) أي وإلا الولاء، فلا يستحلف من ادعى عليه به إذا أنكر، والاستيلاد للأمة فسره القاضي، بأن يدعي استيلاد أمة فتنكره.
وقال الشيخ: بل هي المدعية ولاء النسب ممن هو مجهول نسبه، فلا يستحلف إذا أنكر.(14/50)
والقود والقذف) فلا يستحلف منكر شيء من ذلك(1) لأنها ليست مالا، ولا يقصد بها المال، ولا يقضي فيها بالنكول(2) ولا يستحلف شاهد أنكر تحمل الشهادة(3) ولا حاكم أنكر الحكم(4) ولا وصي على نفي دين على موص(5).
__________
(1) أي ولا القود في غير قسامة، ولا القذف فلا يستحلف منكر شيء مما تقدم من استثناء النكاح، وما عطف عليه.
(2) ومن لم يقض عليه بنكول، إذا نكل خلى سبيله، ولم يحكم عليه بالنكول في غير المال، وما يقصد به المال، مما تقدم بيانه، والذي يقضي فيه بالنكول، هو المال أو ما مقصوده المال، هذا المذهب وعنه: هو المال أو ما مقصوده المال، وغير ذلك، إلا قود النفس، وعنه: وطرفها.
(3) أو شهد وطلب يمينه أنه صادق في شهادته، فلا يحلف، وتقدم تفريقهم واستحلافهم، إذا استراب في شهادتهم.
(4) أو طلب يمينه أنه حكم بحق، فلا يستحلف عليه، ولا على نفيه أو عدله، أو جوره أو ظلمه، وكل ناكل قيل لا يقضى عليه بالنكول، كاللعان ونحوه، هل يخلى سبيله أو يحبس حتى يقرأو يحلف؟ وجهان، الثاني: يحبس حتى يقرأوا يحلف، هذا المذهب، وقال الشيخ: إذا قلنا يحبس فينبغي جواز ضربه، كما يضرب الممتنع في اختيار إحدى نسائه إذا أسلم، والممتنع من قضاء الدين، وكما يضرب المقر بالمجهول حتى يفسره.
(5) فلا يستحلف، والشاهد يحلف في صورتين، في مسألة الشهادة بالرضاع على الرواية التي ذهب فيها، إلى قول ابن عباس، والثانية، في شهادة الكافر في الوصية في السفر، كما هو معروف في نص القرآن، وقيل شهادة الأعراب
ينبغي تحليفهم معا، لأنهم يتساهلون في الشهادة، تساهلا مشتهرا بينهم وقيل: إذا ارتاب في الشهود، حلف المدعي معهم.(14/51)
وإن ادعى وصي وصية للفقراء، فأنكر الورثة، حلفوا على نفي العلم(1) فإن نكلوا قضى عليهم(2) ومن توجه عليه حق لجماعة، حلف لكل واحد يمينا(3) إلا أن يرضوا بواحدة(4) (واليمين المشروعة) هي (اليمين بالله) تعالى(5) فلو قال الحاكم لمنكر قل: والله لا حق له عندي، كفى، لأنه صلى الله عليه وسلم استحلف ركانة بن عبد يزيد في الطلاق، فقال: والله ما أردت
__________
(1) لأنه يمين على نفي فعل الغير، قال الشيخ: إذا حلف على نفي فعل غيره، حلف على نفي العلم، وذكر في الإنصاف: أنه لا خلاف فيه، مثاله، أن ينفي ما ادعى عليه، من أنه غصب أو جنى ونحوه، وقال: وإذا حلف على فعل نفسه، أو دعوى عليه، أو على فعل غيره، أو دعوى عليه في الإثبات، حلف على البت، مثاله، أن يدعي أن ذلك الغير أقرض، أو استأجر ونحوه، ويقيم بذلك شاهدا فإنه يحلف مع الشاهد على البت، ومثال الدعوى على الغير، إذا ادعى على شخص أنه ادعي على أبيه ألفا، مثلا.
(2) بالنكول، لأنها دعوى بمال.
(3) لأن حق كل واحد منهم غير حق البقية.
(4) أي: إلا أن يرضى جميعهم بيمين واحدة، فيكتفى بها، لأن الحق لهم، وقد رضوا بإسقاطه فسقط.
(5) وظاهره: دون صفة من صفاته لقوله تعالى: { فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ } وقوله: { وَأَقْسَمُوا بِاللهِ } فمن أقسم بالله، فقد أقسم بالله جهد اليمين.(14/52)
إلا واحدة(1) (ولا تغلظ) اليمين (إلا فيما له خطر) كجناية لا توجب قودا، وعتق ونصاب زكاة، فللحاكم تغليظها(2) وإن أبى الحالف التغليظ، لم يكن ناكلا(3).
كتاب الإقرار(4)
__________
(1) ولأن في الله كفاية فوجب أن يكتفي باسمه في اليمين، وجاء في كتاب الله { وَأَقْسَمُوا بِاللهِ } { فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ } { أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ } ولأن لفظالجلالة: علم على ربنا تبارك وتعالى، لا يسمى به غيره.
(2) لا فيما دون ذلك، وتغليظها باللفظ: كوالله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الطالب الغالب الضار النافع، الذي يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، وتغليظها بالزمان: أن يحلف بعد العصر، أو بين الأذان والإقامة.
وتغليظها بالمكان بمكة، بين الركن والباب، وبالقدس: عند الصخرة، وبالمدينة بالروضة، وبقية البلاد عند منبر الجامع، قال ابن رشد: وعليه عمل الخلفاء، وقال الشافعي: ولم يزل عليه العمل بالمدينة ومكة، قال الشيخ: ولا يحلف بطلاق، وفاقا للأئمة الأربعة، وذكره ابن عبد البر إجماعا.
(3) حكي إجماعا، وقطع به الأصحاب، وفي النكت: لأنه قد بذل الواجب عليه، فيجب الاكتفاء به، ويحرم التعرض له، ونظره لجواز أن يقال: يجب التغليظ إذا رآه الحاكم وطلبه، قال الشيخ: قصة مروان مع زيد، تدل على أن القاضي، إذا رأى التغليظ فامتنع من الإجابة، أدى ما ادعى به، ولو لم يكن كذلك، ما كان في التغليظ زجر قط.
قال في النكت: وهذا الذي قاله صحيح، والزجر والردع علة التغليظ، اهـ، وقيل إن أبي التغليظ لزمه، وإلا لم يكن للتغليظ فائدة، وقال الشيخ: متى قلنا هو مستحب، فينبغي أنه إذا امتنع منه الخصم، يكون ناكلا.
(4) آكد من الشهادة فإن المدعى عليه، لا تسمع عليه الشهادة، لأنه إخبار بالحق، على وجه منفية عنه التهمة والريبة، وإن كذب المدعي ببيته لم تسمع، فلو كذب المقر ثم صدقه سمع، ويصح الإقرار بالكتاب، والسنة، والإجماع في الجملة.(14/53)
وهو: الاعتراف بالحق(1) مأخوذ من المقر، وهو المكان، كأن المقر يجعل الحق في موضعه(2) وهو إخبار عما في نفس الأمر، لا إنشاء(3).
__________
(1) وإظهاره لفظا، وقيل إظهار لأمر متقدم، وقال الشيخ: وإن لم يذكر في كتاب الإقرار، أن المقر به كان بيد المقر، وأن الإقرار قد يكون إنشاء، لقوله تعالى: { قَالُوا أَقْرَرْنَا } فلو أقر به وأراد إنشاء تمليك صح.
(2) وفعال، من قر الشيء إذا ثبت، فهو إثبات لما كان متزلزلا، بين الإقرار والجحود.
(3) أي والإقرار: إخبار عما هو ثابت في نفس الأمر، من حق الغير على المقر، وقال الشيخ: التحقيق أن يقال: إن المخبر إن أخبر بما على نفسه، فهو مقر، وإن أخبر بما على غيره لنفسه، فهو مدع، وإن أخبر بما على غيره لغيره، فإن كان مؤتمنا عليه، فهو مخبر، وإلا فهو شاهد، فالقاضي والوكيل، والكاتب والوصي، والمأذون له، كل هؤلاء ما أدوه مؤتمون فيه، فإخبارهم بعد العزل، ليس إقرارا وإنما هو خبر محض، وليس الإقرار بإنشاء، وإنما هو إظهار وإخبار لما هو في نفس الأمر.(14/54)
(ويصح) الإقرار (من مكلف)(1) لا من صغير، غير مأذون في تجارة، فيصح في قدر أذن له فيه(2) (مختار غير محجور عليه) فلا يصح من سفيه إقرار بمال(3) (ولا يصح) الإقرار (من مكره)(4) هذا محترز قوله: مختار إلا أن يقر بغير ما أكره عليه، كأن يكره على الإقرار بدرهم، فيقر بدينار(5) ويصح من سكران(6) ومن أخرس بإشارة معلومة(7)
__________
(1) بما يتصور منه التزامه، فاحترز بالمكلف عن الصبي، والمجنون والنائم، والمبرسم والمغمى عليه، فإنه لا يصح إقراره، بغير خلاف.
(2) دون ما زاد، وإن قال: بعد بلوغه، لم أكن حال إقراري بالغا، فقوله بيمينه إلا أن تقوم به بينة، قال الشيخ: ويتوجه وجوب اليمين عليه، ولا يصح إقرار من مجنون، في غير حال إفاقته، لحديث رفع القلم عن ثلاثة، ولأنه قول ممن لا يصح تصرفه، فلم يصح، كفعله.
(3) من دين أو غيره، اختاره الموفق وغيره، وفي الإنصاف: الصحيح صحة إقراره بمال، وصححه في الفروع، ويتبع به بعد فك الحجر عنه.
(4) لمفهوم «عفي لأمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه».
(5) فيصح قال في الإنصاف: بلا نزاع، أو يكره أن يقر لزيد بشيء، فيقر لعمرو، ومن أقر بحق ثم ادعى أنه مكره، لم يقبل إلا ببينة.
(6) أي يصح إقراره، كطلاق وكذا من زال عقله بمعصية، كمن شرب ما يزيله، عمدا بلا حاجة إليه، لا من زال عقله بسبب مباح، أو بسبب هو معذور فيه، لأنه غير عاقل، ولا معصية كغلط عليه لأجلها.
(7) لقيامها مقام النطق، ككتابة، ولا يصح من ناطق بإشارة، ولا بإشارة معتقل لسانه، يرجى نطقه.(14/55)
ولا يصح بشيء في يد غيره، أو تحت ولاية غيره(1) كما لو أقر أجنبي على صغير، أو وقف في ولاية غيره، أو اختصاصه(2) وتقبل من مقر دعوى إكراه بقرينة(3) كترسيم عليه(4) وتقدم بينة إكراه على طواعية(5) (وإن أكره على وزن مال، فباع ملكه لذلك) أي لوزن ما أكره عليه (صح) البيع(6) لأنه لم يكره على البيع(7) ويصح إقراره صبي أنه بلغ باحتلام، إذا بلغ عشرا(8).
__________
(1) فيشترط كون العين بيد المقر، وولايته واختصاصه، وإلا لم يصح.
(2) أي غير ولي لم يقبل، وأما الولي فيقبل في المال فقط.
(3) دالة على إكراهه على ما أقر به.
(4) وهو أن يجعل عليه حافظ، وكذا سجنه، أو أخذ ماله، أو تهديد قادر على ما هدده به، من ضرب وحبس، أو أخذ ماله ونحوه، لدلالة الحال عليه، قال في النكت، وعلى هذا تحرم الشهادة عليه، وكتب حجة عليه، وما أشبه ذلك في هذه الحال.
(5) كأن تشهد بينة، أنه مكره على إقراره، وأخرى على عدم الإكراه.
(6) قال الخلوتي، ومقتضاه: ولو كان غير قادر على تحصيل ما أكره عليه، من غير ثمن ذلك المبيع، والظاهر أنه غير مراد.
(7) بل على الدفع، وكره الشراء منه، لأنه كالمضطر إليه، وللخلاف في صحة البيع.
(8) أي تمت له عشر سنين، ومثله جارية، تم لها تسع سنين، وقال بعضهم
من أسلم أبوه، فادعى أنه بالغ، فالقول قوله: وقال الشيخ: إذا كان لم يقر بالبلوغ، إلى حين الإسلام، فقد حكم بإسلامه قبل الإقرار بالبلوغ، بمنزلة ما إذا ادعت بانقضاء العدة، بعد أن ارتجعها، وهذا يجيء في كل من أقر بالبلوغ، بعد حق ثبت في حق الصبي، مثل الإسلام، وثبوت الذمة تبعا لأبيه، ولو ادعى البلوغ بعد تصرف الولي، وكان رشيدا، وبعد تزويج ولي أبعد منه.(14/56)
ولا يقبل بسن، إلا ببينة كدعوى جنون(1) (ومن أقر في مرضه) ولو مخوفا ومات فيه (بشيء فكإقراره في صحته) لعدم تهمته فيه(2) (إلا في إقراره) أي إقرار المريض (بالمال لوارثه) حال إقراره، بأن يقول: له علي كذا(3).
أو يكون للمريض عليه دين، فيقر بقبضه منه (فلا يقبل) هذا الإقرار من المريض، لأنه متهم فيه(4) إلا ببينة أو إجازة(5)
__________
(1) أي ولا يقبل إقرار صبي، أنه بلغ خمس عشرة سنة، إلا ببينة، كما أنه لا يقبل دعوى جنون إلا ببينة، لأن الأصل عدمه.
(2) ولأن حالة المرض، أقرب إلى الاحتياط لنفسه، لما يراد منه، وإن أقر بوارث، فقال ابن نصر الله: يسأل عن صورة الإقرار بوارث، هل معناه، أن يقول: هذا وارثي؟ ولا يذكر سبب إرثه، أو أن يقول: هذا أخي، أو عمي أو ابني، أو مولاي فيذكر سبب الإرث، وحينئذ: إن كان نسبا اعتبر الإمكان والتصديق وأن لا يدفع نسبا معروفا.
وقال ابن ذهلان، إذا أقر من هو من قبيلة معروفة، أن أقر بهم إليه فلان، صح لأنه لم يدفع به نسبا معروفا، ولو كان له وارث بفرض.
(3) لم يقبل إلا ببينة، أو إجازة الورثة، لأنه متهم فيه، ولأنه إيصال لمال إلى وارثه، بقوله في مرض موته، ولأنه محجور عليه في حقه، فلم يصح إقراره له، لكن يلزمه الإقرار إن كان حقا، وإن لم يقبل.
(4) أي حال إقراره أو بيعه، أو طلاقه، لإبطال ما وقع منه.
(5) بقبضه أو إسقاطه، وفي رواية: يقبل إذا لم يتهم، وهو مذهب مالك والشافعي، وصوبه في الإنصاف: وقال ابن القيم، من الحيل الباطلة، إذا أراد أن يخص بعض ورثته، ببعض الميراث، وقد علم أن الوصية لا تجوز، وأن العطية في مرضه وصية، أن يقول: كنت وهبت له كذا، وكذا، في صحتي، أو يقر له بدين فيتقدم به، وهذا باطل، والإقرار في مرض الموت لا يصح، للتهمة عند الجمهور، بل مالك يرده للأجنبي، إذا ظهرت التهمة، وقوله هو الصحيح.
وأما إقراره أنه وهبه إياه في الصحة، فلا يقبل أيضا، كما لا يقبل إقراره له بالدين، ولا فرق بين إقراره له بالدين، أو بالعين، وأيضا، هذا المريض لا يملك إنشاء عقد التبرع المذكور، فلا يملك الإقرار به، لاتحاد المعنى الموجب لبطلان الإنشاء فإنه بعينه قائم في الإقرار.(14/57)
(وإن أقر) المريض (لامرأته بالصداق، فلها مهر المثل بالزوجية، لا بإقراره) لأن الزوجية دلت على المهر ووجوبه، فإقراره إخبار بأنه لم يوفه(1).
(ولو أقر) المريض (أنه كان أبانها) أي زوجته (في صحته لم يسقط إرثها) بذلك إن لم تصدقه، لأن قوله غير مقبول عليها بمجرده(2).
(وإن أقر) المريض بمال (لوارث فصار عند الموت أجنبيا) أي غير وارث، بأن أقر لابن ابنه، ولاابن له، ثم حدث له ابن (لم يلزم إقراره) اعتبارا بحالته، لأنه كان متهما(3) (لا أنه) أي الإقرار (باطل) بل هو صحيح، موقوف على الإجازة، كالوصية لوارث(4).
(وإن أقر) المريض (لغير وارث) كابن ابنه، مع وجود ابنه(5) (أو أعطاه) شيئا (صح) الإقرار والإعطاء(6) (وإن صار عند الموت وارثا) لعدم التهمة إذا ذاك(7).
__________
(1) فلا يلتفت إلى ما أقر به، بل تعطى مهر المثل، وإن أقرت في مرضها، أن لامهر لها عليه، لم يصح الإقرار، وإن لم يجز باقي الورثة، ويصح إقراره على موكله وموليه، بما يمكن إنشاؤه لهما فيه، وإقراره بما في ولايته واختصاصه كأن يقر ولي اليتيم ونحوه، أو ناظر الوقف أنه أجر عقاره ونحوه، لأنه يملك إنشاء ذلك، فصح إقراره به.
(2) لأنه متهم، وكما لو أبانها في مرضه.
(3) أي بإقراره له حال كونه وارثا، وكون إقراره حال مرضه، فتناوله قوله: لا وصية لوارث.
(4) وإن أقر لوارث وأجنبي، صح الإقرار للأجنبي، بغير إجازة، كما لو انفرد لعدم التهمة.
(5) أو لأخيه مع ابنه، ونحو ذلك.
(6) لحصول الإقرار والإعطاء إذ ذاك لغير وارث، فلم يتناوله قوله: «لا وصية لوارث».
(7) ولم يوجد ما يسقطه.(14/58)
ومسألة العطية، ذكرها في الترغيب(1) والصحيح أن العبرة فيها بحال الموت، كالوصية(2) عكس الإقرار(3) وإن أقر قن بمال، أو بما يوجبه، كالجناية، لم يؤخذ به إلا بعد عتقه(4) إلا مأذونا له فيما يتعلق بتجارة(5) وإن أقر بحد أو طلاق، أو قود طرف، أخذ به في الحال(6).
__________
(1) أي ومسألة ذكر صحة العطية، ذكرها في الترغيب، واقتصر عليه في الفروع، وشرح المنتهى.
(2) وهو المذهب وعليه: لو صار المعطى حال الموت وارثا، لم تصح العطية كالوصية، وقطع به صاحب الفروع، في تبرعات المريض أن المعتبر وقت الموت في العطية، كالوصية، قال في تصحيح الفروع: وهذا هو المعتمد عليه.
(3) فيصح لعدم التهمة في ذلك، كما تقدم.
(4) عملا بإقراره على نفسه كالمفلس، لأنه لا مال له يرجع إليه فيه، وإنما هو مال لسيده وإن قيل: يملك فملكه غير تام، كما تقدم.
(5) فيقبل إقراره به، للإذن له في التجارة.
(6) لإقراره بما يمكن استيفاؤه من بدنه، دون سيده، لأن سيده لا يملك منه إلا المال، ما لم يكن القود في النفس، وأكذبه سيده، فيؤخذ به بعد عتق، نص عليه، وفي الكافي، أو نكاح، ونظره الشيخ، وقال: فإن العبد لا يصح نكاحه، بدون إذن سيده، لأن في ثبوت نكاح العبد ضررا عليه، فلا يقبل إلا بتصديق سيده اهـ.
وحمل بعضهم كلام الكافي على ما إذا أذن له سيده في النكاح، واختلفا في صدوره فيقبل قول العبد حينئذ لصحته منه، ولو أقر برقة لغير من هو بيده، لم يقبل، وإن أقر السيد، قبل، لأنه في يد السيد، لا في يد نفسه.(14/59)
(وإن أقرت امرأة) ولو سفيهة (على نفسها بنكاح ولم يدعه) أي النكاح (اثنان قبل) إقرارها(1) لأنه حق عليها، ولا تهمة فيه(2) وإن كان المدعي اثنين، فمفهوم كلامه: لا يقبل، وهو رواية، والأصح: يصح إقرارها، جزم به في المنتهى وغيره(3) وإن أقاما بينتين قدم أسبق النكاحين(4) فإن جهل فقول ولي(5) فإن جهل الولي فسخا(6) ولا ترجيح بيد(7).
(وإن أقر وليها) المجبر (بالنكاح) صح إقراره(8) لأن من ملك إنشاء شيء، ملك الإقرار به، كالوكيل يملك عقد البيع، الموكل فيه، فيصح إقراره به(9).
(أو) أقر به الولي (الذي أذنت له) أن يزوجها (صح) إقراره به(10) لأنه يملك عقد النكاح عليها، فملك الإقرار به، كالوكيل(11) ومن ادعى نكاح صغيرة بيده، فرق الحاكم بينهما، ثم إن صدقته إذا بلغت قبل(12).
__________
(1) أي: لواحد.
(2) وكما لو أقرت بمال.
(3) ولفظ المنتهى، أو لاثنين قبل.
(4) لبطلان الثاني بالعقد الأول.
(5) أي فإن جهل أسبق النكاحين، فمن صدقه الولي، على سبق تأريخ نكاحه.
(6) أي النكاحان، كما لو زوجها وليان، وجهل أسبقهما.
(7) فلو كانت يد أحدهما عليه، لم تفد ترجيحا، لأن الحر لا تثبت عليه اليد.
(8) ولو أنكرت، لأنها لا قول لها إذا.
(9) لأنه يملك الإقرار بما وكل فيه.
(10) وإن لم تأذن له لم يصح، وهل يحتاج الإذن إلى إشهاد؟
(11) يملك الإقرار، على ما وكل فيه بلا نزاع.
(12) أي فرق بينهما إن لم تقم بينة، لأنه لا يقبل قوله بمجرده، وإن صدقته بعد البلوغ قبل، لعدم المانع.(14/60)
(وإن أقر) إنسان (بنسب صغير أو مجنون مجهول النسب، أنه ابنه ثبت نسبه)(1) ولو أسقط به وارثا معروفا(2) لأنه غير متهم في إقراره لأنه لا حق للوارث في الحال(3) (فإن كان) المقر به (ميتا ورثه) المقر(4) وشرط الإقرار بالنسب، إمكان صدق المقر(5).
__________
(1) لأن الظاهر أن الشخص لا يلحق به من ليس منه، كما لو أقر بمال.
(2) كما لو أقر بابن، وله أخ.
(3) وإنما يستحق الإرث بعد الموت، بشرط خلوه من مسقط.
(4) وقيل: لا يرثه للتهمة، بل يثبت نسبه من غير إرث، وهو احتمال في المغنى والشرح، وصوبه في الإنصاف.
(5) بأن لا يكذبه الحس، وإلا لم يقبل، كإقراره بأبوة، أو بنوة بمن في سنه، أو أكبر منه.(14/61)
وأن لاينفي به نسبا معروفا(1) وإن كان المقر به مكلفا فلا بد أيضا من تصديقه(2) (وإن ادعى) إنسان (على شخص) مكلف (بشيء فصدقه صح) تصديقه وأخذ به، لحديث «لا عذر لمن أقر»(3) والإقرار، يصح بكل ما أدى معناه، كصدقت، أو نعم(4) أو أنا مقر بدعواك(5) أو أنا مقر فقط(6) أو خذها، أو اتزنها(7).
__________
(1) مثل أن يكون المقر به معروفا أنه ابن فلان، فيدعي أنه ابنه، ولا يصح إقرار من له نسب معروف، بغير هؤلاء الأربعة، الأب والابن والزوج، والمولى، كإقرار جد بابن ابن، أو ابن أب بجد، وكأخ بأخ، أو عم بابن عم.
(2) ويكفي في تصديق والد بولده، وعكسه سكوته إذا أقر به، ولا يعتبر تصديق ولد مقر به، مع صغر الولد أو جنونه.
(3) قال في كشف الخفاء، قال الحافظ لا أصله.
(4) قال في الإنصاف: بلا نزاع قال تعالى: { فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ } ولو قال: ليس لي عليك ألف، فقال: بلى، فهو إقرار.
(5) أو أنا مقر به، كان مقرا، لأن هذه الألفاظ وضعت للتصديق.
(6) هذا المذهب واختاره الشيخ، وفي القواعد الأصولية: أشهر الوجهين، لا يكون إقراره فالله أعلم.
(7) كان مقرا، لأنه عقب الدعوى، فيصرف إليها، ولأن الضمير يرجع إلى ما تقدم، وقال ابن الزاغوني، كأني جاحد لك، أو كأني جحدتك حقك، أقوى في الإقرار من قوله: خذه.(14/62)
أو اقبضها أو أحرزها ونحوه(1) لا إن قال: أنا أقر، أولا أنكر(2) أو يجوز أن تكون محقا ونحوه(3).
فصل(4)
(وإذا وصل بإقراره ما يسقطه، مثل أن يقول: له علي ألف لا تلزمني(5) ونحوه) كله علي ألف من ثمن خمر(6) أوله علي ألف مضاربة، أو وديعة تلفت (لزمه الألف) لأنه أقر به، وادعى منافيا ولم يثبت، فلم يقبل منه(7) (وإن قال) له علي ألف وقضيته، أو برئت منه(8) أو قال (كان له علي) كذا (وقضيته) أو برئت منه (فقوله) أي قول المقر (بيمينه) ولا يكون مقرا(9).
__________
(1) كهي صحاح فهو مقر، هذا المذهب، صححه في التصحيح، وتصحيح المحرر، وجزم به في الوجيز، ولو قال: أعطني ثوبي هذا، أو اشتر ثوبي هذا، أو أعطني ألفا من الذي عليك، أو قال: لي عليك ألف، أو هل لي عليك؟ فقال في ذلك كله، نعم، أو أمهلني يوما، أو حتى أفتح الصندوق أو له علي ألف إلا أن يشاء زيد، أو في علم الله فقد أقر به في ذلك كله، صرح به في الإنصاف.
(2) فلا يكون مقرا، هذا المذهب، وجزم به غير واحد من الأصحاب، لاحتمال أن يكون لشيء غير المدعى به، فليس بإقرار، بل وعد ولا يمكن العمل في هذا إلا بالعرف.
(3) كعسى أو لعل، لأنهما للتشكيك، أو قال: أظن أو أحسب أو أقدر، لاستعمالها في الشك، فلا يكون مقرا، قال في الإنصاف: بلا نزاع.
(4) أي: في حكم ما إذا وصل بإقراره ما يغيره.
(5) أو قد قبضه، أو استوفاه، لزمه الألف، على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب.
(6) أو من ثمن خنزير، أو من ثمن طعام اشتريته، فهلك قبل قبضه، أو تكلفت به على أني بالخيار، لزمه الألف، على الصحيح من المذهب.
(7) لتناقض كلامه، فإن علامة ثبوت الألف عليه في هذه الأمثلة، لا يتصور وإقراره إخبار بثبوته، ولأنه أقر بالألف، وادعى ما لم يثبت معه، فلم يقبل منه.
(8) كأن يقول: اشتريت منه ثوبا، وقضيته أوغصبته كذا، وبرئت منه.
(9) طبق جوابه، ويخلي سبيله حيث لا بينة، قال في الإنصاف: هذا المذهب.(14/63)
فإذا حلف خلي سبيله، لأنه رفع ما أثبته بدعوى القضاء متصلا، فكان القول قوله (ما لم تكن) عليه (بينة) فيعمل بها (أو يعترف بسبب الحق) من عقد أو غصب أو غيرهما فلا يقبل قوله في الدفع، أو البراءة، إلا ببينة لاعترافه بما يوجب الحق عليه(1) ويصح استثناء النصف فأقل في الإقرار(2) فله علي عشرة إلا خمسة، يلزمه خمسة(3) وله هذه الدار ولي هذا البيت، يصح ويقبل ولو كان أكثرها(4).
__________
(1) وقال أبو الخطاب: يكون مقرا، مدعيا للقضاء، فلا يقبل إلا ببينة فأن لم تكن بينة، حلف المدعي أنه لم يقض، ولم يبرئ واستحق، وقال: هذا رواية واحدة، ذكرها ابن أبي موسى، واختاره أبو الوفاء وغيره، وقال ابن هبيرة، لا ينبغي للقاضي الحنبلي، أن يحكم بهذه المسألة، ويجب العمل بقول أبي الخطاب، لأنه الأصل، وعليه جماهير العلماء، فإن ذكر السبب فقد اعترف بما يوجب الحق، من عقد أو غصب، أو نحوهما، فلا يقبل قوله إنه بري منه إلا ببينة.
(2) قال الموفق: لا يختلف المذهب فيه، وفي المبدع: لا نعلم فيه خلافا، وقيل يصح استثناء أكثر من النصف، وهو قول أكثر العلماء.
(3) وله علي عشرة إلا واحد، يلزم تسعة، قال تعالى: { فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا } وفي الحديث: «الشهيد تكفر عنه الخطايا إلا الدين».
(4) أي أكثر الدار، وإن قال له ولي نصفها، صح كما لو قال: إلا نصفها.(14/64)
(وإن قال: له على مائة، ثم سكت سكوتا، يمكنه الكلام فيه، ثم قال: زيوفا) أي معيبة(1) (أو مؤجلة، لزمه مائة جيدة حالة) لأن الإقرار حصل منه بالمائة مطلقا(2) فينصرف إلى الجيد الحال، وما أتى به بعد سكوته، لا يلتفت إليه، لأنه يرفع به حقا لزمه(3) (وإن أقر بدين مؤجل) بأن قال بكلام متصل له علي مائة مؤجلة إلى كذا (فأنكر المقر له الأجل) وقال: هي حالة (فقول المقر مع يمينه) في تأجيله، لأنه مقر بالمال بصفة التأجيل، فلم يلزمه إلا كذلك(4).
__________
(1) لزمه ألف جياد، والزيوف: الرديئة، وقيل: المطلية بالزئبق، بمزاوجة الكبريت.
(2) والإطلاق يقتضي ذلك، كما لو باعه بألف درهم، وأطلق، ولأنه رجع عن بعض ما أقر به، ورفعه بكلام منفصل، فلم يقبل كالاستثناء المنفصل.
(3) لأنه إذا سكت بينهما، أو فصل بكلام أجنبي، فقد استقر حكم ما أقر به، وقالوا: يصح الاستثناء بشرط أن لا يسكت المستثنى، بين المستثنى منه، والمستنثى زمنا يمكنه الكلام فيه، وأن لا يأتي بكلام أجنبي بينهما، وأن يكون المستثنى من الجنس والنوع.
(4) وفي البيع إذا اختلفا في الحلول والتأجيل، فقول مدعي الحلول، فما هناك متفقان على ثبوت أصل الحق، ثم اختلفا في صفته، وهنا الاختلاف في الحق المتصف فقبل قول المقر، لأنها غارم، والقول قول الغارم بيمينه.(14/65)
وكذا لو قال: ثمن مبيع، ونحوه(1) ولو قال: له علي ألف مغشوشة، أو سود لزمه كما أقر(2) (وإن أقر أنه وهب) وأقبض(3) (أو) أقر أنه (رهن وأقبض) ما عقد عليه (أو أقر) إنسان (بقبض ثمن أو غيره) من صداق أو أجرة، أو جعالة ونحوها(4) (ثم أنكر) المقر الإقباض أو (القبض ولم يجحد الإقرار) الصادر منه(5) (وسأل إحلاف خصمه) على ذلك فله ذلك، أي تحليفه فإن نكل حلف هو، وحكم له، لأن العادة جارية، بالإقرار بالقبض قبله(6) (وإن باع شيئا، أو وهبه، أو أعتقه ثم أقر) البائع، أو الواهب، أو المعتق (أن ذلك) الشيء المبيع أو الموهوب، أو المعتق (كان لغيره لم يقبل قوله) لأنه إقرار على غيره(7).
(ولم ينفسخ البيع ولا غيره) من الهبة والعتق (ولزمته غرامته) للمقر له، لأنه فوته عليه(8) (وإن قال لم يكن) ما بعته أو وهبته ونحوه (ملكي ثم ملكته بعد) البيع ونحوه (وأقام بينة) بما قاله (قبلت) بينته (إلا أن يكون قد أقر أنه ملكه(9)
__________
(1) كضمان، وصداق وأجرة وعوض خلع، وغير ذلك، قبل قوله في ذلك، لأن هكذا أقر.
(2) أي لزمه ألف مغشوشة، أو سود، وكذا لو قال: معيبة عيبا ينقصها. لأن اللفظ يحتمله.
(3) أي أنه وهب زيدا كذا، وأقبضه إياه.
(4) كمبيع.
(5) ولا بينة.
(6) وإن باع أو وهب ونحوه، وادعى أن العقد وقع تلجئة، ولا بينة بذلك وسأل إحلاف خصمه على ذلك، لزمه الحلف، فإن نكل قضي عليه.
(7) وتصرفه نافذ.
(8) ببيعه، أو هبته، أو وقفه، أو عتقه.
(9) أي أقر على أنه لم يكن ملكه حال البيع، ثم ملكه بعد، وذكر الشيخ فيما إذا ادعى بائع بعد البيع، أنه كان وقفا عليه، أنه بمنزلة أن يدعي أنه قد ملكه الآن، قال ابن قندس، يدخل في ذلك، لو باع أمته، ثم ادعى أنها أم ولد له.
وقال بعضهم: على قول الشيخ، فعلى هذا لا تسمع بينته بالوقف، لأنه مكذب لها بقوله إنه مكلف، ونقل ابن عطوة عن شيخه، في رجل وقف وقفا وأشهد عليه ثم باعه على رجل، لم يعلم بالحال، أن الوقف والحالة هذه باطل غير لازم، بل يحكم الحاكم ببطلان الوقف، مراعاة وحفظا لمال المغرور، ولو فتح هذا الباب لتسلط كل مكار.. إلخ.(14/66)
أو) قال (إنه قبض ثمن ملكه)(1) فإن قال ذلك (لم يقبل) منه بينة، لأنها تشهد بخلاف ما أقر به، وإن لم يقم بينة لم يقبل مطلقا(2) ومن قال: غصبت هذا العبد من زيد، لا، بل من عمرو(3).
أو غصبته من زيد، وغصبه هو من عمرو(4) أو قال هو لزيد، بل لعمرو، فهو لزيد(5) ويغرم قيمته لعمرو(6).
فصل في الإقرار بالمجمل(7)
__________
(1) كأن قال: بعتك، أو وهبتك، ملكي هذا.
(2) لأن الأصل أنه إنما تصرف فيما له التصرف فيه.
(3) فهو لزيد، لإقراره له به، ولا يقبل رجوعه عنه، لأنه حق لآدمي، ويغرم قيمته لعمرو.
(4) أي أو قال: غصبته من زيد، وغصبه هو من عمرو، فهو لزيد، لأن إقراره بالغصب منه، تضمن كونه له، ويغرم قيمته لعمرو.
(5) لإقراره بالملك له، ولا يقبل رجوعه عنه، لأنه حق آدمي.
(6) أي قيمة العبد في الصور الثلاث، لأنه أقر له بالملك، بعد أن فوته عليه، وقيل: لا إقراره مع إدراك متصل، واختاره الشيخ، وصوبه في الإنصاف، وإن قال: غصبته من زيد، وملكه لعمرو، فهو لزيد، لإقراره باليد له، ولا يغرم لعمرو شيئا لأنه إنما شهد له به.
(7) وهو نقيض المبين، وإنما صح الإقرار بالمجمل، ولم تصح الدعوى به، لكون الإقرار على المقر، والدعوى للمدعي، فيلزمه تبيين ما عليه، عند الجهالة، دون ماله، والمدعي له، داع إلى تحرير دعواه، ولا كذلك المقر.(14/67)
وهو: ما احتمل أمرين فأكثر، على السواء(1) ضد المفسر(2) (إذا قال) إنسان (له) أي لزيد مثلا (على شيء(3) أو) قال له علي (كذا) أو كذا كذا، أو كذا وكذا(4) أو له علي شيء وشيء(5) (وقيل له) أي: للمقر (فسره) أي فسر ما أقررت به، ليتأتى إلزامه به(6) (فإن أبى) تفسيره (حبس حتى يفسره) لوجوب تفسيره عليه(7).
__________
(1) وقيل: ما لا يفهم معناه عند الإطلاق.
(2) أي: المبين.
(3) قيل له: فسر ما أقررت به.
(4) صح الإقرار: قال في الشرح: بغير خلاف.
(5) أو قال: له علي شيء شيء.
(6) أي قال له الحاكم، فسره لأنه يلزمه تفسيره، لأن الحكم بالمجهول لا يصح، فإن فسره بشيء، وصدقه المقر له، ثبت.
(7) لأنه حق عليه، فإذا امتنع منه حبس عليه، كالمال، وكما لو عينه وامتنع من أدائه، وإن امتنع من تفسيره، قيل له، إن بينته وإلا جعلناك ناكلا.(14/68)
(فإن فسره بحق شفعة(1) أو) فسره (بأقل مال، قبل) تفسيره(2) إلا أن يكذبه المقر له، ويدعي جنسا آخر(3) أو لا يدعي شيئا فيبطل إقراره(4) (وإن فسره) أي فسر ما أقر به مجملا (بميتة أو خمر) أو كلب لا يقتنى (أو) بمال لا يتمول (كقشر جوزة) أو حبة بر، أو رد سلام، أو تشميت عاطس ونحوه (لم يقبل) منه ذلك، لمخالفته لمقتضى الظاهر(5) (ويقبل) منه تفسيره (بكلب مباح نفعه) لوجوب رده(6) (أو حد قذف) لأنه حق آدمي كما مر(7).
__________
(1) قبل، لأنه حق واجب يئول إلى المال.
(2) لأن الشيء يصدق عليه أقل مال، قال في الإنصاف، بلا نزاع.
(3) أي: غير الذي فسره به.
(4) لتكذيبه المقر له، ويحلف المقر إن ادعى المقر له جنسا آخر.
(5) ولأن إقراره اعتراف بحق عليه، وهذه المذكورات لا تثبت في الذمة، ورد السلام ونحوه، يسقط بفواته.
(6) أي، ويقبل من المقر بمجمل، تفسيره بكلب مباح نفعه، ككلب صيد، أو ماشية أو زرع، لوجوب رده، فيتناوله الإيجاب.
(7) أي أو فسر ما أقر به مجملا بحد قذف، قيل، لأنه يصح إطلاقه، على ما ذكر ونحوه، حقيقة وعرفا، ولأن حد القذف حق لآدمي فقبل تفسيره به، كما مر في بابه.(14/69)
وإن قال المقر لا علم لي بما أقررت به، حلف إن لم يصدقه المقر له، وغرم له أقل ما يقع عليه الاسم(1) وإن مات قبل تفسيره لم يؤاخذ وارثه بشيء، ولو خلف تركه، لاحتمال أن يكون المقر به حد قذف، وإن قال: له علي مال، أو مال عظيم، أو خطير أو جليل، ونحوه(2) قبل تفسيره، بأقل متمول(3) حتى بأم ولد(4) (وإن قال) إنسان عن إنسان (له علي ألف رجع في تفسير جنسه إليه) أي إلى المقر، لأنه أعلم بما أراده(5).
__________
(1) أي حلف أنه لا علم له بما أقر به، من قولي له علي شيء، أو كذا ونحوه إن لم يصدقه المقر له، وغرم المقر للمقر له، أقل ما يقع عليه الاسم، كالوصية بشيء، فتعطى الورثة أقل ما يقع عليه الاسم، وإن صدقه المقر له خلي سبيله.
(2) كالكثير والنفيس، والعزيز.
(3) لأنه عند الفقير عظيم، ولأنه لا حد له في الشرع، ولا في اللغة، ولا في العرف، ويختلف الناس فيه، فقد يكون عظيما عند بعض، حقيرا عند آخرين.
(4) هذا المذهب، وقال الشيخ: يرجع إلى عرف المتكلم، فيحمل مطلق كلامه على محتملاته، وقال ابن القيم: الحق أنه لا يقبل من الملك ونحوه، تفسيره بأدنى متمول واعتبر الأصحاب العرف، والمقاصد في الإيمان، ولا فرق.
(5) ولأنه يحتمل الدنانير، والدراهم، أو غيرها، ففي الألف إيهام، كالشيء.(14/70)
(فإن فسره بجنس) واحد من ذهب أو فضة أو غيرهما (أو) فسره (بأجناس قبل منه) ذلك لأن لفظه يحتمله(1) (وإن فسره بنحو كلاب، لم يقبل(2) وله علي ألف ودرهم، أو ثوب ونحوه، أو دينار وألف، أو ألف وخمسون درهما أو خمسون وألف درهم، أو ألف إلا درهم، فالمجمل من جنس المفسر معه(3) وله في هذا العبد شرك أو شركة(4) أو هو لي وله أو هو شركة بيننا، أو له فيه سهم، رجع في تفسير حصة
__________
(1) قال في الإنصاف بلا نزاع.
(2) ظاهره: ولو كانت مباحة، لبعده عن الظاهر، وهذا مع ما تقدم، مع أنه إذا قال: له على شيء، أو كذا يقبل تفسيره بكلب مباح نفعه، فلعل ما هنا، إذا فسره بالكلاب التي لا يصح بيعها.
(3) ولا يقبل منه إن فسره بغير ذلك، لأنه ذكر مبهما مع مفسر، فكان المبهم من جنس المفسر، لأن العرب تكتفي بتفسير إحدى الجملتين عن الأخرى، كقوله { وَازْدَادُوا تِسْعًا } أي سنين، ولو قال: له علي بعض العشرة، فله تفسيره بما شاء منها، وإن قال: شطرها فهو نصفها، وقيل ما شاء، ذكره في الرعاية، واقتصر عليه في الإنصاف.
(4) ومقتضى الشركة يقتضي التسوية، وفي النكت، هما فيه سواء، وهو مقتضى القاعدة وفي الإنصاف: لو قيل هو بينهما نصفين، كان له وجه، ويؤيده قوله تعالى: { فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } وأما قوله: أوله فيه سهم، فقال القاضي: السهم سدس، وجزم به في الوجيز.(14/71)
الشريك إلى المقر، وله علي ألف إلا قليلا، يحمل على ما دون النصف(1)) (وإن قال) المقر عن إنسان (له علي ما بين درهم وعشرة، لزمه ثمانية) لأن ذلك هو مقتضى لفظه(2) (وإن قال) له علي (ما بين درهم إلى عشرة أو) قال له علي (من درهم إلى عشرة لزمه تسعة) (لعدم دخول الغاية(3) وإن قال أردت بقولي من درهم إلى عشرة مجموع الأعداد؛ أي: الواحد والاثنين، والثلاثة والأربعة، والخمسة والستة والسبعة والثمانية، والتسعة والعشرة، لزمه خمسة وخمسون(4) وله ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط، لا يدخل الحائطان(5))
__________
(1) وكذا له على ألف إلا شيئا، وإن قال: له علي معظم الألف، أو قريب من ألف، يلزمه أكثر من نصف الألف، ويرجع في تفسيره إليه، ويحلف على الزيادة إن ادعيت عليه.
(2) لأن ذلك ما بينهما، وكذا إن عرفهما بالألف واللام.
(3) بناء على أن الغاية ليست داخلة في المغيا، وهو أبعد استعمالات في اللغة، قال الخلوتي: والصحيح منها، أنها إن كانت من جنس المغيا، دخلت وإلا فلا.
(4) لأن مجموعها كذلك، ولك أن تزيد أول العدد، وهو واحد على العشرة فيصير أحد عشر، وتضربها في نصف العشرة، يبلغ ذلك.
(5) ذكره القاضي محل وفاق، وكذا لو قال: له ما بين هذين الحائطين، ولأنه إنما أقر بما بينهما.(14/72)
وله علي درهم فوق درهم، أو تحت درهم، أو مع درهم، أو فوقه أو تحته، أو معه درهم أو قبله، أو بعده درهم، أو درهم بل درهمان، لزمه درهمان(1) (وإن قال إنسان) عن آخر (له علي درهم أو دينار، لزمه أحدهما) ويرجع في تعيينه إليه لأن أو لأحد الشيئين وإن قال: له درهم بل دينار، لزماه(2) (وإن قال) المقر (له علي تمر في جراب(3) أو) قال له علي (سكين في قراب(4) أو) قال له (فص في خاتم ونحوه) كثوب في منديل، أو عبد عليه عمامة، أو دابة عليها سرج، أو زيت في زق (فهو مقر بالأول) دون الثاني(5) وكذا لو قال: له عمامة على عبد، أو فرس مسرجة
__________
(1) لأن هذه الألفاظ تجري مجرى العطف، لأن معناها الضم، فكأنه أقر بدرهم، وضم إليه آخر.
(2) لأن الأول لا يمكن أن يكون الثاني، ولا بعضه، فلزماه، وكذا نظائره حيث كان المضرب عنه، ليس المذكور بعده، ولا بعضه لزمه الجميع.
(3) بكسر الجيم.
(4) بكسر القاف.
(5) وكذا كل مقر بشيء، جعله ظرفا، أو مظروفا، لأنهما شيئان متغايران لا يتناول الأول منهما الثاني: ولا يلزم أن يكون الظرف والمظروف لواحد، والإقرار إنما يثبت مع التحقيق، لا مع الاحتمال.(14/73)
أو سيف في قرابه ونحوه(1) وإن قال له خاتم فيه فص(2) أو سيف بقراب، كان إقرارا بهما(3) وإن أقر له بخاتم وأطلق، ثم جاءه بخاتم فيه فص، وقال: ما أردت الفص، لم يقبل قوله(4) وإقراره بشجر أو شجرة، ليس إقرارا بأرضها، فلا يملك غرس مكانها، ولو ذهبت(5) ولا يملك رب الأرض قلعها(6) وإقراره بأمة، ليس إقرارا بحملها(7) ولو أقر ببستان شمل الأشجار(8).
وبشجرة شمل الأغصان(9)
وهذا آخر ما تيسر جمعه، والله أسأل أن يعم نفعه وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وسببا للفوز لديه بجنات النعيم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وآله وصحبه على مدى الأوقات.
قال: فرغت منه يوم الجمعة، ثالث شهر ربيع الثاني، من شهور سنة ثلاث وأربعين وألف، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
آخر المجلد السابع من حاشية الروض المربع
شرح زاد المستنقع وبه تم الكتاب
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
نبذة مختصرة
عن مؤلفي هذا الكتاب،
__________
(1) من الظروف وغيرها، أي فإقرار بالأول لا الثاني، لأن الأول لم يتناول الثاني كما تقدم.
(2) كان مقرا بهما، لأن الفص جزء من الخاتم.
(3) فالباء للمصاحبة فكأنه قال: سيف مع قراب، لأن الباء تعلق الثاني بالأول، والوصف يبين الموصوف، ويوضحه فلا يغايره.
(4) لأن الخاتم اسم للجميع، والفص جزء من الخاتم، أشبه ما لو قال: له عندي ثوب فيه علم، وظاهره، لو جاء بخاتم بلا فص، وقال: هذا الذي أردت قبل، لأن لفظه يحتمله.
(5) لأنه تصرف في ملك الغير، بغير إذنه.
(6) وكذا البيع والوقف، لأن الظاهر أنها وضعت بحق، وثمرتها للمقر له، لأنها نماؤها فتتبعها.
(7) لأنه قد لا يتبعها.
(8) والبناء والأرض، لأنه اسم للجميع، إلا أن يمنع مانع، ككون الأرض أرض عنوة.
(9) والعروق والورق لأنه اسم للجميع وفي الثمرة ما سبق من التفصيل في بيع الأصول والثمار.(14/74)
وتاريخ وموضوع كل مجلد، والأشراف على الطبع
(1) بعون الله وتوفيقه تم طبع حاشية الروض المربع شرح زاد المستنقع الطبعة الأولى في سبعة مجلدات سنة 1397- 1400 مقابلة على خط مؤلف الحاشية ثلاث مرات بدقة واتقان وقوبل الروض أيضا على مخطوطة أخرى، ولم يقع من الأخطاء المطبعية ولله الحمد إلا شيء قليل لا يخفى على القارئ.
فهذا الكتاب: مكون من ثلاثة مؤلفات وهي:
(أ) زاد المستنقع ألفه: موسى بن أحمد الحجاوي، اختصره من المقنع وتوفي رحمه الله سنة 968 هـ.
(ب) الروض المربع ألفه: منصور بن يونس البهوتي، شرحا لـ زاد المستنقع فما بين القوسين (...) زاد المستنقع وتوفي رحمه الله سنة 1051 هـ.
(ج) حاشية الروض المربع، شرح زاد المستنقع ألفها الشيخ: عبد الرحمن ابن محمد بن قاسم، وجعلها تعليقا بأرقام، تحت خط فاصل بينهما وبين الروض وتوفي رحمه الله سنة 1392 هـ.
(2) تم طبع المجلد الأول، سنة 1397 واحتوى على ما يلي:
(أ) ترجمة مؤلف الحاشية، ومقدمة عامة، وخطبة لمؤلف الحاشية، وضح فيها رغبة طلاب العلم، في زاد المستنقع وشرحه، مع التعليل لذلك، وبين خطته وطريقته في وضع هذه الحاشية.
(ب) أصول وقواعد وتنبيهات، لمؤلف الحاشية، وخطبتين للشارح والماتن.
(ج) كتاب الطهارة وأول كتاب الصلاة إلى نهاية باب شروط الصلاة وفهرس موجز
(3) تم طبع المجلد الثاني، سنة 1397 وقد احتوى على بقية أبواب وفصول كتاب الصلاة، وفهرس موجز.
(4) تم طبع المجلد الثالث سنة 1397 هـ وقد احتوى على كتاب الجنائز، وكتاب الزكاة، وكتاب الصيام، وأول كتاب المناسك إلى نهاية باب الإحرام، وفهرس ويلاحظ تقديم صفحة 31 على صفحة 30 منه.
(5) تم طبع المجلد الرابع، سنة 1398 هـ وقد احتوى على بقية أبواب وفصول كتاب المناسك، وكتاب الجهاد، وأول كتاب البيع، إلى نهاية: فصل في بيع الثمار، وفهرس.(14/75)
(6) تم طبع المجلد الخامس سنة 1398 هـ وقد احتوى على: بقية أبواب وفصول كتاب البيع، وأول كتاب الوقف، إلى نهاية الفصل الثاني منه، وفهرس.
(7) تم طبع المجلدالسادس سنة 1399 هـ وقد احتوى على بقية أبواب وفصول كتاب الوقف، وكتاب الوصايا، وكتاب الفرائض، كتاب العتق، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب الإيلاء، وفهرس.
(8) تم طبع المجلد السابع، سنة 1400 هـ وقد احتوى على:كتاب الظهار، وكتاب اللعان، وكتاب العدد، وكتاب الرضاع، وكتاب النفقات، وكتاب الجنايات، وكتاب الديات، وكتاب الحدود، وكتاب الأطعمة، وكتاب الإيمان، وكتاب القضاء، وكتاب الشهادات، وكتاب الإقرار، ونبذة مختصرة وفهرس.
(9) قابل جميع المجلدات السبعة، على خط المؤلف للحاشية، وكذا على الروض المخطوط، ووضع الفهارس، والفواصل والأقواس، وغيرها من الأشياء الفنية للطباعة، المشرف على الطبع الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، مدرس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وشارك في ذلك: ابن مؤلف الحاشية: سعد بن عبد الرحمن بن قاسم، مدرس بمعهد الرياض العلمي، وكان تمام ذلك كله، في رمضان، سنة 1400 هـ.
هذا ونسأل الله أن يعمم نفعها، وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فهرس المجلد السابع
من حاشية الروض المربع
الموضوع ... الصفحة
كتاب الظهار ... 3
الأصل فيه واشتقاقه وحكمه ... 3
ذكر كيفية الظهار مع التمثيل ... 4
التصريح بالتحريم وعدمه، ونية الطلاق أو غيره ... 6
إذا قالته لزوجها، وحكم الكفارة عليها ... 7
ذكر من يصح منه، وما يجب فيه كفارة يمين. ... 8
فصل في حكم تعجيل الظهار، أو تعليقه وغير ذلك ... 10
أمثلة للمعجل والمعلق والمؤقت، مع التفصيل في حكم الكفارة والوطء ... 10
لزوم إخراج الكفارة قبل الوطء، مع التوضيح لما تتكرر فيه ... 12
فصل في بيان أحكام كفارة الظهار وغيرها ... 15
ذكر الكفارات وأنها على الترتيب مع الدليل ... 15(14/76)
ذكر المعتبر في الكفارات ومن تلزمه الرقبة ... 16
شروط لزوم شراء الرقبة مع التفصيل والتوضيح للمجزئ منها ... 17
فصل في بيان حكم الصوم في الكفارة والإطعام وما يتعلق بذلك. ... 22
وجوب التتابع في الصوم لجميع الشهرين، مع التفصيل لما قد يتخلله. ... 22
ما يشترط في المسكين، ويجزئ التفكير به، مع التفصيل والتوضيح لنوع الإطعام وقدره. ... 24
وجوب النية في التكفير، مع بيان محلها ... 26
إصابة المظاهر منها في أثناء الصوم أو الإطعام ... 27
كتاب اللعان وما يلحق من النسب ... 29
حكم اللعان وتعريفه، وما يشترط في صحته، وكونه باللغة العربية ... 29
كيفية اللعان من الزوج والزوجة ... 31
ما يسن وقت الملاعنة وما يبطله ... 32
فصل في بيان شروط اللعان، وما يثبت به من الأحكام ... 35
قذف زوجته الصغيرة، أو المجنونة وبيان شرط اللعان ومحترزاته ... 35
ما يحصل من الأحكام إذا تم اللعان ... 37
التوأمان المنفيان أخوان لأم ... 39
فصل فيما يلحق من النسب، وما لا يلحق منه ... 40
إمكان كون الولد من الزوج ولحوق نسبه وعدم الإمكان مع التوضيح ... 40
إمكان لحوق الولد للسيد وعدمه والتفصيل في ذلك ... 41
ذكر تبعية النسب، والدين والحرية ... 45
كتاب العدد ... 46
ذكر الأصل في وجوبها والقصد منها، وتعريفها ... 46
ذكر من تلزمها العدة، مع التوضيح لنوع المفارقة ... 46
ذكر من لا تلزمها العدة، مع بيان نوع المفارقة ... 48
فصل في أصناف المعتدات، وأحكامهن وما يتعلق بذلك ... 51
عدد أصنافهن، مع التفصيل للحامل ... 51
أكثر مدة الحمل، وأقلها، وغالبها ... 52
إلقاء النطفة بدواء مباح، أو شربه لحيض ... 54
فصل في بقية أصناف المعتدات وما يتعلق بذلك ... 55
التفصيل في عدة المتوفى عنها، حرة أو أمة أو مبعضة ... 55
من انقضت عدتها قبل موته ... 58
التفصيل في عدة الحائل حرة أو مبعضة أو أمة مع التحقيق ... 59(14/77)
التفصيل في عدة الصغيرة والآيسة، حرة أو أمة أو مبعضة ... 61
عدة من ارتفع حيضها ولم تدر سببه، حرة أو أمة أو مبعضة، وغيرها مع التحقيق ... 63
عدة امرأة المفقود، مع التفصيل لحالتي غيابه ... 66
ما لا تفتقر إليه امرأة المفقود ... 67
إن تزوجت بعد المدة والعدة وقدم الثاني، وحكم الصداق، مع التفصيل ... 68
فصل في حكم العدة من الغائب وغيره وما تنقضي به ... 71
ابتداء العدة من الغائب الميت أو المطلق ... 71
عدة موطوءة بشبهة أو زنا أو عقد فاسد كمطلقة ... 71
عدة من وطئت وهي معتدة بشبهة أو نكاح فاسد وإباحتها، وحكم الولد ... 72
أمثلة لاستئناف العدة، والبناية عليها ... 76
فصل في حكم الإحداد، وما تجنبه وغير ذلك ... 78
الإحداد فوق الثلاث لغير الزوجة والتوضيح لحكمته وأنه من محاسن الشريعة ... 78
لزومه للمتوفى عنها مدة العدة وعدمه ومن يباح لها وغير ذلك ... 78
تعريف الإحداد مع التوضيح له،وبيان ما لا تمتنع منه ... 81
فصل في سكنى المتوفى عنها والرجعية والبائن وما يتعلق به ... 84
التفصيل في سكنى المتوفى عنها، وجواز خروجها لحاجة ... 84
سكنى الرجعية والبائن مع التوضيح ... 86
باب الاستبراء ... 88
تعريفه والتفصيل لاستبراء الأمة ... 88
ما تستبرأ به الحامل والحائض، والآيسة وغير ذلك ... 91
كتاب الرضاع ... 93
تعريفه وأنه يحرم ما يحرم من النسب، مع الدليل ... 93
المحرم خمس رضعات في الحولين قبل الفطام، وذكر اختيار الشيخ ... 94
ما يبيح الدخول والخلوة، للحاجة وكيفية الرضعة ... 95
السعوط والوجور والحقنة باللبن المحرم ... 96
ذكر اللبن المحرم، وعكسه ... 96
التفصيل في انتشار المحرمية وعدمها وغير ذلك ... 98
أمثلة لفسخ النكاح بسبب الرضاع مع التفصيل في حكم المهر ... 101
الإقرار بالرضاع من أحد الزوجين وحكم النكاح والمهر ... 103
إذا شك في الرضاع أو كماله ولا بينة فلا تحريم ... 105(14/78)
ثبوته بشهادة امرأة مرضية ولم يتقدمها دعوى ... 105
من يكره استرضاعها، والحكمة في ذلك ... 106
كتاب النفقات
أي نفقات الزوجات، والأقارب والمماليك وغيرهم ... 107
تعريف النفقة، والتفصيل لما يلزم الزوج لزوجته. ... 107
اعتبار الحاكم بحالهما عند التنازع وما يفرض للموسرة تحت الموسر ... 108
ما يفرض للفقيرة تحت الفقير ... 110
ما يفرض للمتوسطة مع المتوسط والغنية مع الفقير، وغير ذلك ... 111
ذكر أشياء تلزم الزوج، وأشياء لا تلزمه ... 111
فصل في نفقة الرجعية وغيرها وغير ذلك ... 113
الرجعية كالزوجة دون البائن غير الحامل ... 113
الرجوع في النفقة، ولزوم ما مضى ... 114
من تجب لها النفقة بسبب الحمل ... 115
من سقطت نفقتها بسبب من جهتها أو فعلت ما شرع لها ... 115
من يقبل قوله في النشوز والنفقة مع التحقيق ... 117
لا نفقة ولا سكنى لمتوفى عنها ... 117
وقت دفع القوت أو الكسوة ... 118
لزوم النفقة في غيبة الزوج، وتغريمها إن كان ميتا ... 120
فصل في ابتداء نفقة الزوجة،وحكم الإعسار بها، وغير ذلك ... 122
التفصيل في ابتداء النفقة وبذل الزوجة لزوجها وعدمه ... 122
التفصيل في حالة إعسار الزوج، وحكم الفسخ لها أو الصبر ... 124
غيبة الموسر، وتعذر النفقة أو القدرة عليها، وحكم الفسخ ... 125
باب نفقة الأقارب والمماليك من الآدميين والبهائم ... 127
المراد بالأقارب هنا مع التفصيل في وجوب النفقة لأبويه وإن علوا ولولده وإن سفلوا أو غيرهم ... 127
وجوبها لكل من يرثه بفرض أو تعصيب مع التوضيح والتفصيل ... 129
شروط النفقة على القريب، مع التوضيح لها، وبيان مقدارها على الورثة ... 131
على القريب أيضا نفقة زوجة الفقير كالمرضعة ... 134
لا نفقة مع اختلاف الدين إلا بالولاء ... 135
التفصيل: في الاسترضاع للولد، وحكم الأجرة مع التحقيق ... 136
منع المرضعة إذا تزوجت آخر مع التفصيل ... 139(14/79)
فصل في نفقة الرقيق وتزويجه وتأديبه وغير ذلك ... 140
التفصيل في نفقته وعدم مشقته وإراحته وغير ذلك ... 140
طلب الرقيق الزواج، وتأديبه وتسريه ... 143
فصل في نفقة البهائم، وتحميلها والانتفاع بها، وحلبها ووسمها وغير ذلك ... 145
باب الحضانة ومن تجب له، وذكر الأولى بها، وعكسه وغير ذلك ... 148
تعريف الحضانة، ومن تجب له ... 148
ذكر الأولى بالحضانة على الترتيب، مع التفصيل وبيان الأصلح ... 148
قول الشيخ العمة أحق من الخالة وتحقيقه في ذلك ... 151
جنس النساء مقدم في الحضانة على جنس الرجال ونساء الأب مقدمات على نساء الأم ... 153
وقت اعتبار المحرمية للمحضونة وتسليمها إلى ثقة أو محرمة ... 153
الحضانة لذوي الأرحام مع الترتيب ثم الحاكم ومن سبقت إليه اليد ... 154
انتقال الحضانة إن امتنع أو كان غير أهل ... 155
ذكر من لا حضانة له، والرجوع لها لزوال المانع ... 155
إرادة أحد أبويه السفر، للسكنى أو لحاجة والتفصيل في ذلك ... 157
فصل في تخيير الغلام بعد سبع سنين، واختصاص الأب بالجارية وغير ذلك ... 159
وقت تخيير الغلام بين أبويه إن لم يتفقا مع ذكر الشرطين للخيار. ... 159
مكثه عند من اختار، والغرض منه، وجواز التكرار لاختياره ... 160
التقديم بالقرعة وبيان من لا يقر بيده، مع التحقيق في ذلك ... 160
من تكون عنده الأنثى بعد السبع، وكذا الغلام بعد رشده وحكم الإنفراد مع التفصيل والتوضيح والتحقيق ... 161
المعتوه عند أمه مطلقا ... 163
كتاب الجنايات ... 164
تعريفها وحكم القتل بغير حق وحكمة عقوبة الجناة والمفسدين ... 164
توبة القاتل مقبولة عند الجمهور مع التحقيق ... 165
الجنايات ثلاثة أضرب، مع التفصيل والتوضيح لها ... 165
للعمد تسع صور مع التفصيل والتوضيح للأولى والثانية والثالثة ... 167
التفصيل للصورة الرابعة والخامسة والسادسة ... 170
الصورة السابعة، وما يلحق بها ... 171(14/80)
ذكر الصورة الثامنة والتاسعة مع التفصيل لهما ... 172
الضرب الثاني، وبيان اسمه وما يجب فيه مع التمثيل ... 175
ذكر الضرب الثالث، وأنه نوعان، مع الفرق بينه وبين الثاني، ومن تجب عليه الكفارة والدية ... 176
فصل في المشتركين في القتل والمنفرد أو المتسبب، وغير ذلك وحكمة القصاص ... 179
التفصيل في قتل الجماعة بالواحد، وتمالئهم عليه، وسقوطه عنهم إلى الدية ... 179
فعل الأول بالمجني عليه ما لا يعيش معه، ثم ذبح الثاني له ... 182
إكراه المكلف على قتل مكافئة أو غيره، أو أمر السلطان به، وغير ذلك مع التوضيح للعفو أو الدية وضمانها ... 182
اشتراك الاثنين في قتل لا يجب القود على أحدهما منفردا، مع التفصيل ... 186
باب شروط وجوب القصاص ... 188
عدد شروطه مع التفصيل للأول والثاني والثالث ومحترازاتها ... 188
لا يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد وعكسه يقتل ... 190
يقتل الذكر بالأنثى، والأنثى بالذكر ... 192
ذكر الشرط الرابع ومحترزاته وإرث قاتل بعض دمه ... 193
باب استيفاء القصاص ... 195
ضابطه وحكمته،وعدد شروطه، مع التفصيل للأول منها وحكم الاستيفاء وعدمه ... 195
ذكر الشرط الثاني، مع التوضيح له ... 197
انفراد بعض الورثة بالاستيفاء، وعفو بعضهم عن القصاص ... 198
ذكر الشرط الثالث، مع التمثيل والتفصيل لذلك ... 199
فصل فيمن يستوفى بحضرته، والآلة الماضية، وكيفة الاستيفاء وغير ذلك ... 202
باب العفو عن القصاص ... 205
تعريفه وحكمه في الأديان الماضية والأصل فيه، وأن حكمه الجواز إذا لم يكن ضرر ... 205
تخيير ولي المقتول، مع التفصيل في العفو وفضله، وحكم قتل الغيلة، والتحقيق في ذلك ... 206
التفصيل في العفو وبقاء الدية، والصلح على أكثر منها وغير ذلك ... 207
عفو المجروح ثم السراية، وعفو الموكل، وما يجب لرقيق، وغير ذلك ... 209
باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس من الأطراف والجراح ... 212(14/81)
ثبوته في الطرف والجراح، ومن يقاد به، وكونه عمدا محضا ... 212
القصاص فيما دون النفس نوعان ... 213
ذكر النوع الأول وهو الطرف مع التفصيل له ... 213
عدد شروط القصاص في الطرف مع ذكر الأول وشرط وجوبه ... 215
ذكر الشرط الثاني، مع التفصيل له والتوضيح ... 217
ذكر الشرط الثالث بالتفصيل ... 219
فصل في النوع الثاني فيما دون النفس وهو الجراح مع التفصيل والتحقيق ... 221
ما لا يقتص منه لعدم أمن الحيف أو له بعضه وأرش الزائد ... 223
كيفية القصاص للجرح ... 224
القود من الجماعة في الطرف أو الجرح وعدمه، مع التوضيح ... 225
سراية الجناية مضمونة والقود مهدرة ... 226
لا يقتص من عضو قبل برئه كما لا تطلب له الدية ... 227
التوقف فيما رجي عوده ... 228
كتاب الديات ... 229
الأصل في وجوبها وتعريفها ولزومها بالإتلاف أو التسبب ... 229
وجوبها في العمد في مال الجاني حالة ... 231
وجوب دية شبه العمد والخطأ على العاقلة مع التفصيل ... 232
حكم دية الصغير المغصوب، والمكلف المغلول، مع التعليل ... 232
فصل في المؤدب وأنه لا يضمن ما تلف إذا لم يسرف ... 235
ضمان الجنين إذا سقط، وكذا أمه مع التفصيل للسبب ... 236
عدم ضمان المأمور بفعل، وكذا الأجير، ومتعلم السباحة مع التوضيح ... 239
باب مقادير ديات النفس ... 240
تعريفها وذكر أصول الدية، مع التوضيح والتحقيق ... 240
تغليظ الدية في العمد وشبهه، وتخفيفها في الخطأ مع التفصيل ... 242
التفصيل في دية الكتابي، والمجوسي والوثني ونسائهم ... 245
استواء الذكر والأنثى فيما دون الثلث ... 247
دية الخنثى المشكل، والقن وجراحه مع التفصيل في ذلك ... 247
ما يجب في الجنين إذا سقط ميتا أو حيا، مع التفصيل ... 249
التفصيل في جناية العبد بغير إذن السيد،وبإذنه وغير ذلك ... 251
باب ديات الأعضاء ومنافعها ... 254
وجوب الدية في إتلاف ما في الإنسان منه شيء واحد، أو شيئان مع التمثيل ... 254(14/82)
في أحد الشيئين نصفها، وفي المنخرين ثلثاها، وفي كل جفن ربعها ... 257
في كل أصبع عشر الدية، وفي الأنملة ثلث عشرها ... 258
مفصل الإبهام كدية السن، نصف العشر ... 259
فصل في دية المنافع ... 261
وجوبها في كل حاسة، وفي الكلام والعقل وفي كل منفعة مع التفصيل ... 261
وجوبها في بعض ما تقدم بقدره إن علم وإلا فحكومة ... 263
وجوب الدية في كل واحد من الشعور الأربعة مع التوضيح لها والتفصيل ... 263
ما يجب في عين الأعور، وغيره مع التفصيل ... 265
في يد الأقطع نصف الدية ... 266
باب الشجاج وكسر العظام ... 267
تعريف الشجة وأنها عشر مرتبة مبدوءة بالأخف ... 267
ذكر الخمس الأول وتعريفها، وأنه لا مقدر فيها بل حكومة، إلا ما روي عن أحمد ... 268
ذكر الخمس الأخيرة، مع تعريفها، وما يجب فيها وغير ذلك ... 270
ذكر عدد من العظام، وما يجب فيها ... 275
ذكر ما عدا الجراح وكسر العظام مع التمثيل والتوضيح وبيان ما يجب فيها ... 276
باب العاقلة وما تحمله ... 279
تعريفها وذكرهم بالتفصيل وأن دية الخطأ عليهم ... 279
ذكر من لا عقل عليه، مع التعليل ... 282
التفصيل فيمن لا عاقلة له أو له وعجزت مع التحقيق ... 283
التفصيل فيما لا تحمله العاقلة مع التعليل والتوجيه ... 284
تأجيل ما وجب على العاقلة، وكيفية تحميلهم مع الترتيب ... 287
فصل في كفارة القتل ... 288
الأصل في وجوبها مع التفصيل في موجبها ومن تجب عليه والتحقيق في ذلك ... 288
نوع الكفارة وبيان ما لا تجب فيه وتعددها ... 290
باب القسامة ... 292
الأصل في مشروعيتها وتعريفها مع بيان أول قسامة وقعت وغير ذلك ... 292
لا تكون في دعوى طرف ولا جرح ... 293
عدد شروطها مع التفصيل للأول، وبيان ما قاله أحمد في القسامة وغيره ... 293
ذكر بقية الشروط، وأنه يقاد إذا تمت الشروط ... 295
كيفية القسامة وما يعتبر فيها ... 297(14/83)
التفصيل فيما إذا نكل الورثة، أو كانوا نساء، أو لم يرضوا حلف المدعى عليه، وغير ذلك ... 298
كتاب الحدود ... 300
تعريفها، والأصل في مشروعيتها، وما ينبغي لمن يقيمها ... 300
التفصيل فيمن يجب عليه الحد ... 300
إقامة الإمام له أو نائبه في غير مسجد مع التعليل والتحقيق ... 301
تحريم الشفاعة وقبولها، في حد من حدود الله، وكذا المال لإبطاله ... 303
إقامة السيد الحد على رقيقه، وتعزيره وغير ذلك ... 303
كيفية الضرب في الحد للرجل والمرأة مع التفصيل والتوضيح ... 304
أشد الجلد على الترتيب، مع التفصيل في تأخيره لمرض ونحوه ... 307
الموت في الحد، والحفر للمرجوم ومن يحضر الحد ويبتدئ وغير ذلك ... 309
باب حد الزنا ... 312
تعريفه وحكمه مع بيان عظم جرمه ... 312
حد المحصن، والحكمة في تخصيصه وتعريفه، وشروطه وما يثبت به ... 312
جلد غير المحصن، وتغريبه رجلا كان أو امرأة مع التفصيل ... 315
جلد الرقيق إذا زنى محصنا أو غير محصن على النصف ولا يغرب ... 316
تحريم اللواط مع التفصيل في حده، والتحقيق ... 318
عدد شروط وجوب الحد في الزنا ... 319
ذكر الأول والثاني، مع التفصيل لهما ومحترازاتها ... 319
الثالث: ثبوت الزنا بأحد أمرين، مع التفصيل للأول ... 323
ذكر الأمر الثاني بالتفصيل له ومحترازاته ... 325
التفصيل في حكم المرأة إذا حملت ولا زوج لها ولا سيد ... 328
باب حد القذف ... 330
أصله وحكمه، وتعريفه مع التفصيل، لحد قذف المحصن ... 330
تعزير من قذف غير محصن، مع بيان أن الحد حق للمقذوف ... 332
ذكر صفات المحصن هنا بالتفصيل ... 332
قذف الغائب ومطالبته ومن علم كذبه بالقذف ... 333
ذكر صريح القذف وكنايته مع التمثيل والتوضيح ... 334
ذكر ما يوجب التعزير من الكناية وغيرها ... 336
سقوط الحد بالعفو، وعدم استيفائه بدون طلب، مع التفصيل في المقذوف، إذا مات ... 337
ذكر من قذف ميتا، أو نبيا أو كافرا، وصحت توبته ... 337(14/84)
باب حد المسكر ... 339
تعريفه وحكمه، وما يباح منه للضرورة، ويقدم عليه ... 339
ذكر من عليه الحد بشربه، وعدد الجلد، مع التحقيق والتوضيح ... 341
حكم من وجد منه رائحتها أو حضر شربها وغير ذلك ... 343
ثبوت الحد عليه بإقراره مرة، أو شهادة عدلين ... 343
تحريم ما غلا أو تم له ثلاث ليال أو اشتد ... 344
باب التعزير ... 345
مناسبة الباب لما قبله، وقول الشيخ في أنواعه ... 345
تعريف التعزير، مع بيان ما يجب فيه، والتمثيل له ... 345
إقامة التعزير بدون مطالبة، مع التحقيق في الزيادة على العشر أو النقص ... 347
تعزيره لفطره أو وطء أمة أمرأته ... 349
تحريمه بالمثلة، مع التفصيل في المال وإتلافه ... 350
التفصيل في حكم الاستمناء، وأن العمل بالسياسة هو الحزم وغير ذلك ... 351
باب القطع في السرقة ... 353
الأصل في وجوب القطع، وتعريف السرقة ... 353
ذكر من يجب عليه القطع، مع التفصيل لغيره والتوضيح ... 353
حكم جاحد العارية، والنباش والبطاط ... 355
عدد شروط القطع، مع التفصيل للأول ومحترازاته ... 356
ذكر الشرط الثاني ومحترازاته ... 359
الثالث الحرز، وأنه يختلف، والتفصيل لذلك ... 362
الرابع أن تنتفي الشبهة مع التفصيل والتمثيل ... 366
الخامس والسادس ثبوت السرقة، ومطالبة المسروق، مع التفصيل لهما والتحقيق ... 370
التفصيل في القطع لمن وجب عليه، وحسمه وكيفيتهما وغير ذلك ... 372
التفصيل فيمن سرق من غير حرز بمضاعفة القيمة وعدمها والتخصيص في المسروق ... 375
باب حد قطاع الطريق ... 377
تسميتهم والأصل في حكمهم وتعريفهم وبيان الصواب فيه ... 377
شروط حد المحاربة، والتفصيل في أحكامهم من القتل ... 378
والصلب والقطع والنفي، مع التمثيل، وغير ذلك
توبة من عليه حد من المحاربين أو غيرهم، والأخذ بما للآدميين ... 383
دفع الصائل بالأسهل فالأسهل وحكم المقتول منهما، والدفع عن نفسه وحرمته، وغير ذلك ... 385(14/85)
كيفية دفع المتلصص، وخذف من نظر في بيت غيره مع التفصيل ... 388
باب قتال أهل البغي ... 390
تعريفهم والحكم فيهم بالتفصيل ... 390
فرضية نصب الإمام وأن الناس لا يصلحون إلا بولاة، وما يشترط في الإمام ... 391
مراسلة البغاة، وإزالة المظلمة، وكشف الشبهة وترك قتالهم إن رجعوا ... 392
كيفية قتالهم، وكذا الخوارج مع التفصيل في حكم ذريتهم، وجريحهم وغير ذلك ... 394
التفصيل في أموالهم، وما اتلف حال حربهم ... 396
حكم من أظهر رأي الخوارج ... 396
التفصيل في الطائفتين المقتتلين لعصبية أو رئاسة وضمان ما تلف وغير ذلك ... 397
باب حكم المرتد ... 399
الأصل في حكمه، وتعريفه ... 399
التفصيل في أحوال المرتد مع بيان حكمه ... 400
ذكر ما يكفر بجحوده له ... 402
كفر من سجد لغير الله، أو استهزأ بالدين أو احتقر القرآن وغير ذلك ... 403
فصل في استتابة المرتد، ومن تقبل توبته، وصفتها وغير ذلك ... 405
ذكر كيفية استتابة المرتد، وشرطه مع الدليل لوجوب قتله ... 405
تولي الإمام أو نائبه لقتله ما لم يكن بدار حرب ... 407
التفصيل فيمن لا تقبل توبته في الدنيا، بل يقتل بكل حال ... 407
استتابة الصغير بعد البلوغ، التفصيل لتوبة المرتد، وكل كافر ... 409
كيفية توبته مما كفر بجحوده مع التفصيل ... 410
التفصيل في حكم مال المرتد، ... 412
حكم الساحر والكاهن، والعراف وغيرهم ... 413
تحرينم الطلسم، مع التفصيل في الرقبة وحل السحر ... 414
كتاب الأطعمة ... 415
تعريفها والأصل فيها، مع التفصيل لما يباح من كل طاهر لا مضرة فيه ... 415
إباحة حيوانات البر، واستثناء ما له ناب من السباع، مع التفصيل ... 418
استثناء ما له مخلب من الطير، مع التمثيل له ... 421
استثناء ما يأكل الجيف من الطير، وما هو مستخبث مع التمثيل ... 423
استثناء ما تولد من مأكول وغيره، وما هو مجهول يرد إلى شبهه ... 425
حكم ما تولد من طاهر مع التفصيل ... 426(14/86)
فصل فيما أحل من مطعوم ومشروب، وما يكره ومن اضطر إلى محرم، ومن تجب ضيافته وغير ذلك ... 427
إباحة بهيمة الأنعام وغيرها من الطير والوحش مما هو مستطاب، مع التمثيل والتوضيح ... 427
إباحة حيوان البحر كله إلا المستخبث ... 430
تحريم الجلالة، مع التفصيل فيما يكره أكله ... 430
التفصيل فيما يباح للمضطر أكله ... 432
التفصيل في الاضطرار إلى مال الغير ... 435
ما يباح أكله من الثمر أو الزرع مع التفصيل ... 436
التفصيل في ضيافة المسلم وإنزاله ... 438
باب الذكاة ... 441
تعريفها والأصل فيها ... 441
التفصيل فيما لا يباح إلا بالذكاة وبدونها مع التمثيل ... 441
للذكاة أربعة شروط أحدها: أهلية المذكي، مع التفصيل له ... 443
الثاني الآلة، مع التفصيل لها، واستثناء السن والظفر ... 445
ذكر الشرط الثالث، مع التوضيح له والتحقيق ... 446
طعن الإبل في لبتها وذبح غيرها، وجرح ما عجز عن ذكاته وغير ذلك ... 447
الرابع التسمية عند الذبح، والحكمة فيها مع التفصيل، في حكم تركها سهوا أو عمدا، والتحقيق وغير ذلك ... 450
التفصيل فيما يكره حال الذبح ... 452
تحريم ما ذبح لغير الله، وإباحة الجنين بذكاة أمه ... 453
باب الصيد ... 455
الأصل في مشروعيته، وحكمه وتعريفه وعدد شروطه مع التفصيل للأول ... 455
الثاني الآلة، وهي نوعان. ... 456
التفصيل للنوع الأول ومحترازاته ... 456
ذكر النوع الثاني مع التوضيح والتحقيق ... 458
ذكر الشرط الثالث والرابع، بالتفصيل لهما ومحترازاتهما ... 460
يكره الصيد للهو، مع التفصيل لأفضل مكتسب ... 463
كتاب الأيمان، وكفاراتها ... 464
الأصل فيها وتعريفها مع التفصيل للتي تجب بها الكفارة إذاحنث ... 464
تحريم الحلف بغير الله، وأنه لا تجب به كفارة ... 467
يشترط لوجوب الكفارة إذا حلف ثلاثة شروط ... 468
التفصيل للشرط الأول ومحترازاته مع التمثيل ... 468
ذكر الشرط الثاني والثالث بالتفصيل ... 471(14/87)
الاستثناء في اليمين والتفصيل في أحكام الحنث ... 472
لزوم كفارة اليمين إن فعل ما حرم على نفسه أو قيد عدم صدقه بمحرم ... 475
فصل في كفارة اليمين ... 477
التفصيل في نوعها ومقدارها والتخيير والترتيب ... 477
التفصيل في وقت وجوبها وإخراجها وتكرارها وعدمه وغير ذلك ... 478
باب جامع الأيمان المحلوف بها ... 480
الرجوع إلى نية الحالف، فإن عدمت فإلى سببها، وإلا فالتعيين، مع التفصيل والتحقيق في ذلك ... 480
ذكر مسائل يرجع فيها إلى التعيين ... 482
فصل فيما يتناوله الاسم الدال على المسمى وهو ثلاثة ... 485
إن عدمت النية والسبب والتعيين رجع إلى الاسم ... 485
ذكر الاسم الشرعي بالتفصيل والتمثيل له ... 485
ذكر الاسم الحقيقي بالتفصيل والتمثيل له ... 487
ذكر الاسم العرفي، مع التفصيل له والتوضيح ... 490
فصل فيمن فعل شيئا ناسيا، أو مكرها أو فعل بعض المحلوف عليه وغير ذلك، مع التفصيل والتوضيح للحنث وعدمه ... 493
باب النذر ... 496
الغرض منه والأصل فيه، وتعريفه مع التفصيل في حكمه ومن يصح منه. ... 496
عدد أقسام الصحيح منه، مع التفصيل للأول والثاني، وبيان حكم الوفاء بهما ... 497
ذكر القسم الثالث والرابع ... 499
مع التفصيل في حكم الوفاء بهما وعدمه
ذكر القسم الخامس بالتفصيل وما يلزم به، مع التمثيل والتوضيح ... 501
كتاب القضاء، والفتيا ... 507
اتخاذ ولاية القضاء دينا وقربة وخصال المفتي والفتيا بلفظ النص مهما أمكن وغير ذلك ... 507
تعريف القضاء وحكمه، والتفصيل في ذلك ... 507
لزوم نصب قاضي في كل إقليم واختياره ووصيته، مع التفصيل والتوضيح ... 508
حكم طلب القضاء والدخول فيه، وكيفية توليته مع التفصيل ... 510
التفصيل فيما تفيده الولاية العامة ... 512
ذكر أنواع من تولية القاضي، مع التفصيل لما ينفذ فيه حكمه ... 514
رزق القاضي وخلفائه من بيت المال وأخذه الجعل ... 516(14/88)
ما يشترط في القاضي من الصفات مع التفصيل والتحقيق ... 516
قول الشيخ في اعتبار الشروط حسب الإمكان مع التفصيل في ولاية الأمثل فالأمثل ... 520
تحكيم من ليس بقاض ويصلح له، وما ينفذ فيه حكمه مع التفصيل ... 521
باب آداب القاضي ... 522
المراد بالآداب له، والتفصيل لما يجب منها أو يسن وغير ذلك مع التعليل والتحقيق ... 522
التفصيل في العدل بين الخصمين ... 526
يحرم القضاء وهو غضبان، أوحاقن، أو في شدة جوع..إلخ ... 528
تحريم قبول الرشوة والهدية، مع التفصيل في ذلك ... 529
بيعة وشراؤه، وحكمه بحضرة الشهود وما لا ينفذ في حكمه وغير ذلك ... 530
يبدأ بالمجوسين، ثم بأيتام ومجانين إلخ، مع التفصيل فيما يمضيه أو يقره وما يجوز له أن ينقضه وغير ذلك ... 532
التوكيل لغير البرزة، وإرسال من يحلفها إن لزمها اليمين وكذا المريض ... 535
قبول قول قاض معزول، والتفصيل في ذلك ... 535
باب طريق الحكم وصفته ... 537
تعريف الحكم، وما يقوله القاضي عند حضور الخصمين، مع التفصيل فيمن يقدم للدعوى وغير ذلك ... 537
استخراج الحقوق بالفراسة والأمارات وغير ذلك ... 538
كيفية الحكم على أحد الخصمين وأن القضاء نوعان وغير ذلك ... 539
البينة: اسم لك لما يبين الحق ويظهره ... 541
لا يحكم القاضي بعلمه ... 542
اليمين تكون من جهة أقوى المتداعيين مع التفصيل والتحقيق ... 543
حضور البينة بعد اليمين والحكم بها مع التفصيل ... 546
فصل في بيان ما تصح به الدعوى والبينة ... 547
التفصيل فيما تصح به الدعوى مع التمثيل ... 547
التفصيل في اعتبار عدالة البينة وعدمه مع التمثيل والتوضيح والتحقيق ... 550
إن جهل القاضي حالة البينة طلب تزكيتهم ... 553
التفصيل في الحكم على الغائب مسافة قصر ودونها ... 555
باب كتاب القاضي إلى القاضي وما يقبل فيه وما لا يقبل، وما يجب عليه أن يثبته ... 558(14/89)
قبول كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لآدمي، وفيما حكم به مع التفصيل، وبيان صورة الحكم ... 558
التفصيل في قبول ما ثبت عنده ليحكم به وصورته ... 560
يجوز لقاضي جهة أن يكتب إلى قاضي جهة أخرى، مع التحقيق في الإشهاد عليه والتفصيل ... 560
باب القسمة ... 564
الأصل فيها وتعريفها، وهي نوعان ... 564
النوع الأول قسمة تراض، مع التفصيل والتمثيل ... 564
النوع الثاني قسمة إجبار مع التفصيل وأنها إفراز لا بيع ... 567
تقاسم الشركاء، ونصب قاسم لهم وكيفية القسمة، مع بيان حكم القرعة وكيفيتها وغير ذلك ... 571
دعوى الغلط أو أنه من نصيبه مع التفصيل ... 573
باب الدعاوي والبينات ... 575
الأصل في الدعوى والبينة وتعريفها مع التحقيق ... 575
الضابط للمدعي والمدعى عليه ... 576
التفصيل فيما إذا تداعيا عينا بيد أحدهما مع بيان من تكون له ... 576
التفصيل فيما إذا لم تكن بيد أحدهما، مع التمثيل ... 578
كتاب الشهادات ... 580
كونها حجة شرعية، والأصل فيها وتعريفها مع التحقيق ... 580
التفصيل في تحمل الشهادة وأدائها مع عدم الضرر وغير ذلك ... 581
حكم أخذ الأجرة والشهادة بغير علم ... 584
التفصيل فيما يحصل به العلم مع التمثيل والتوضيح ... 585
يذكر الشاهد ما يعتبر للحكم، ويختلف به ... 588
قبول شهادة الاثنين في محفل لم يشهد به غيرهما ... 588
فصل في ذكر موانع الشهادة والحكمة في اعتبارها ... 590
عدد شروط من تقبل شهادته مع التفصيل للأول والثاني والثالث والتحقيق ... 590
التفصيل للشرط الرابع والخامس والسادس مع التحقيق ... 592
مما يعتبر للعدالة شيئان أحدهما الصلاح في الدين، وهو نوعان ... 594
ذكر النوعين مع التمثيل والتعليل والتحقيق، وغير ذلك ... 594
الثاني استعمال المروءة مع بيانه والتمثيل له ... 598
متى زالت الموانع قبلت الشهادة ... 600
قبول شهادة العبد وذي صنعة دنيئة ... 600
باب موانع الشهادة، وعدد الشهود وغير ذلك ... 601(14/90)
تفسير الموانع، مع التفصيل، والتحقيق لمن لا تقبل شهادته بقوة القرابة أو الوصلة ... 601
التفصيل فيمن لا تقبل شهادتهم للتهمة مع التمثيل ... 603
فصل في عدد الشهود ... 606
التفصيل فيما لا يقبل فيه إلا أربعة رجال، وثلاثة واثنان مع التحقيق ... 606
التفصيل فيما يقبل فيه رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين المدعي، مع التمثيل والتحقيق ... 610
التفصيل فيما يكفي فيه امرأة عدل مع التمثيل والتوضيح ... 614
ذكر أمثلة لم تكمل فيها البينة، وأخرى كملت في بعضها وغير ذلك ... 616
فصل في الشهادة على الشهادة والرجوع عنها ... 618
حكم الشهادة على الشهادة، مع التفصيل لما تقبل فيه، وبيان شروطها والتوضيح لذلك ... 618
التفصيل في رجوع الشهود بعد الحكم ولزوم الضمان وعدمه وغير ذلك ... 622
باب اليمين في الدعاوي وصفتها وما يتعلق بذلك ... 625
التفصيل في بيان ما يستحلف فيه، وما لا يستحلف فيه، وما يقضى فيه بالنكول مع التوضيح ... 625
ذكر صفة اليمين مع التفصيل لما تغلظ فيه، وبيان كيفية التغليظ وغير ذلك ... 628
كتاب الإقرار ... 630
صحة الإقرار وتعريفه، مع التحقيق ... 630
صحة الإقرار، من مكلف مختار غير محجور عليه، مع التفصيل للمحترازات ... 631
التفصيل في إقرار المريض، وما يقبل منه، وغير ذلك ... 633
إقرار المرأة على نفسها أو وليها بالنكاح مع التفصيل ... 637
التفصيل في الإقرار بنسب صغير أو مجنون وثبوت نسبه ... 638
تصديق المدعي والأخذ به، وأن الإقرار يصح بكل ما أدى معناه، مع التمثيل وغير ذلك ... 639
فصل فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره ... 641
التفصيل فيما إذا وصل بإقراره ما يسقطه، أو ما يرفع إثباته ... 641
ما يصح استثناؤه في الإقرار مع التفصيل وبيان شرطه ... 642
إقراره بدين مؤجل وإنكار المقر له الأجل ... 643
إنكار القبض وسؤال الحلف عليه، وعدم قبول الإقرار على غيره وغير ذلك من الصور ... 644
فصل في الإقرار بالمجمل ... 647(14/91)
صحة الإقرار بالمجمل وتعريفه مع التفصيل فيمن أقر بشيء والمطالبة بتفسيره وبيان ما يقبل منه ... 647
نفي العلم لما أقر به، وموته قبل تفسيره ... 649
أمثلة أخرى في الإقرار بالمجمل مع بيان ما يلزم منها ويقبل، مع التعليل والتوضيح ... 649
ختم الكتاب بالدعاء ... 654
نبذة مختصرة ... 655
الفهرس ... 658(14/92)