حاشية البنانى
جمع الجوامع للتاج السبكي من الكتب المهمة في كتب أصول الشافعية
وقد شرحه الجلال المحلي موردا بعض الأمثلة شارحا لها
ثم وضع حاشية على بعض كلمات الشرح العلامة البناني .
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.
قوله:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
الكلام على البسملة شهير لا حاجة إلى الإطالة به. وإنما نذكر هنا تحقيق الخبر والإنشاء في الجملة المقدرة بها البسملة أعني قولنا: أؤلف مستعيناً أو متبركاً بسم الله الخ. فنقول: لا شك أن قولنا مستعيناً أو متبركاً «حال» من فاعل أؤلف، وقد تقرر أن الحال قيد في عاملها فههنا مقيد وقيد. والأول خبر لصدق حد الخبر عليه وهو ما يتحقق مدلوله بدون ذكر داله، ولا شبهة أن التأليف يتحقق خارجاً بدون ذكر أؤلف. والثاني إنشاء لصدق حد الإنشاء عليه وهو ما يتحقق مدلوله بذكر داله فقط، ولا شك أن كلاً من الاستعانة والتبرك لا يتحقق مدلوله بدون ذكر اللفظ الدال عليه وهو قولنا: مستعيناً أو متبركاً، فقد اتضح محل الخبرية والإنشائية في جملة البسملة، وسقط استشكال كونها إنشائية بأن شأن الإنشاء أن لا يتحقق مدلوله بدون ذكر اللفظ الدال عليه، والأمر هنا ليس كذلك لتحقق التأليف بدون ذكر أؤلف، وكونها خبرية بأن الخبر شأنه تحقق مدلوله بدون ذكر اللفظ الدال عليه، وما هنا ليس كذلك لأن الاستعانة مثلاً لا يتحقق مدلولها بدون ذكر اللفظ الدال عليها. والقول بأن الجملة بتمامها إنشائية تبعاً لإنشاء المتعلق غير سديد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 5
قوله:
(على إفضاله)
(1/1)
---(1/1)
لم يوافق الشارح المصنف في الحمد بالجملة الفعلية مع توجيهه لها كمال التوجيه كما سيأتي، إما لأن ما ذكره تكلف رعاية لجانب المصنف، وإما لما أورد على التعبير بالجملة الفعلية كما أوضحه أرباب الحواشي، وإما لأن الجملة الإسمية هي المبدوء بها الكتاب العزيز، ولا صيغة تعدل ما بدىء به ووافقه في إيقاع الحمد في مقابلة نعمة لأنه واجب كما سيقول، ولم يوافقه في التعبير بالنعم بل قال على إفضاله لأمرين: الأول: أن إيقاع الحمد في مقابلة الفعل الصادر من المحمود لا شبهة فيه إذ الحمد هو الثناء على الفعل الجميل، بخلاف قول المصنف على نعم فإنه يحتمل أن تكون النعم جمع نعمة بمعنى إنعام أو بمعنى المنعم به، بل هذا الثاني أقرب لأن المصدر جمعه قليل إذ لا يجمع إلا إذا أريد به الأنواع: الأمر الثاني: الإشارة إلى أن إحسانه بمحض الفعل من غير إيجاب ولا وجوب ففيه رد على المعتزلة، ومن ثم آثر ذكر الأفضال على الإنعام لأن الإفضال هو الإحسان على وجه الفضل. وقول المصنف: على نعم وإن أول بالأنعامات ليس فيه دلالة على أنها بمحض الفضل. وقوله: على إفضاله خبر بعد خبر أو حال من المستكن في متعلق الخبر. وقال سم: متعلق بالحمد ورده شيخنا عفى عنه بأنه يلزم عليه عدم ذكر المحمود عليه لصيرورته حينئذ من جملة صيغة الحمد. وقال: الأحسن إنه متعلق بمحذوف والتقدير وحمدي له على إفضاله أي لأجل إفضاله، وفيه أن تعلقه بالحمد لا يلزم منه ذلك، كما لا يخفى على متأمل، على أن المحمود عليه وبه قد يتحدان ذاتاً ويختلفان اعتباراً كما قرره غير واحد. ومثال ذلك قولك: زيد كريم ثناء عليه لأجل إكرامه لك، فالإكرام من حيث إنه صفة قائمة بالمحمود باعثة للحامد على الحمد محمود عليه، ومن حيث وقوع الثناء به محمود به فلا مانع من تعلقه بالحمد. قوله: (والصلاة) هي من الله التشريف والتعظيم والتكريم. ومن الآدميين والجن والملائكة الدعاء وإن اختلف متعلقه، إذ صلاة الملائكة
(1/2)(1/2)
---
الدعاء بالاستغفار والرحمة لما ورد «من أن الرجل إذا جلس ينتظر الصلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه» وصلاة الآدميين والجن الدعاء بالرحمة والتعظيم، فما شاع من أن الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن الآدميين والجن الدعاء مما ظاهره خلاف ما قلناه يرجع إلى ما قلناه من أنها من الملائكة والإنس والجن الدعاء. قوله: (وآله) الآل له معنيان قريب وبعيد: فالقريب أقاربه من بني هاشم فقط عندنا وهم الذين تمتنع عليهم الزكاة، وعند
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 5
(1/3)
---(1/3)
الشافعي أقاربه من بني هاشم والمطلب وتمتنع الزكاة على الجميع. والبعيد أتباعه مطلقاً أي أتقياء أو غير أتقياء. على الأصح خلافاً لمن خصهم بالأتقياء والمراد في مقام الدعاء الثاني، فلا يرد على الشارح إهمال ذكر الصحب لدخولهم في الآل دخولاً أوّلياً لاتصافهم بالتقوى بل بكمالها، بل سلك الشارح رحمه الله ونفعنا به التورية بذكر الآل، وفيه أن كل واحد من المعنيين باعتبار أحد المقامين فدعوى التورية غير ظاهرة. اللهم إلا أن يقال إنها من حيث أخذ الآل مطلقاً عن اعتبار كونه في مقام الزكاة أو الدعاء، ولا شك أن المعنى القريب له حينئذ أقاربه لأنه المتبادر. قوله: (هذا) الإشارة بهذا إلى ما في الذهن سواء كان وضع الخطبة سابقاً على الشرح أو متأخراً، لأن المشار إليه هو المعاني لأنها المقصودة بالذات، ولا يخفى أن المعاني أمور ذهنية لا خارجية، وأسماء الإشارة إنما يشار بها إلى مشاهد محسوس بحاسة البصر، فاستعمال لفظة هذا في الأمور المعقولة تنزيلاً لها منزلة المحسوس المشاهد بالبصر تنبيهاً على كمال استحضارها في الذهن وظهورها في نظر العقل. ثم إن بنينا على أن أسماء الكتب من قبيل علم الجنس كما هو الحق وعلى أن الذهن لا يقوم به إلا المجمل كان في العبارة حذف مضافين والأصل ومفصل نوع هذا. أما تقدير الأول فلأن الشرح قد فصل فيه ما في الذهن وبين باباً باباً، ومسألة مسألة. وأما تقدير الثاني فلأن المخبر عنه حقيقة الشرح الكلية والمشار إليه بهذا فرد من أفرادها، ومعلوم أن الناطق بلفظة هذا أشخاص متعددون، فلو لم يقدر المضاف الثاني لزم قصر الشرح على ألفاظ المؤلف دون غيرها. وإن بنينا على أن المفصل يقوم بالذهن لم يحتج إلى تقدير المضاف الأول، وإن بنينا على أن أسماء الكتب من قبيل علم الشخص كما قيل به ومعناه أن القائم بذهن الأشخاص متحد ذاتاً ولا يضر تعدد محله على ما فيه من النظر وبنينا على أن المفصل لا يقوم بالذهن كان في العبارة حذف(1/4)
(1/4)
---
المضاف الأول فقط، وإن بنينا على أن المفصل يقوم به لم يكن في العبارة حذف أصلاً هذا تحرير المقام فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 5
قوله:
(اشتدت)
يستعمل اشتد بمعنى قوي وعظيم، وبمعنى تهيأ من قولهم: اشتدت المطايا إذا تهيأت للسير، والمراد هنا الأولان، فلا حاجة لدعوى أن في العبارة استعارة بالكناية وتخييلاً بأن شبهت الحاجة بالمطايا وذكر الاشتداد تخييلاً. قوله: (المتفهمين) أي المحصلين للفهم شيئاً فشيئاً كما تفيده الصيغة. قوله: (لجمع الجوامع الخ) إن أريد به المعنى كان في كل من جميع الجوامع والشرح والألفاظ استعارة بالكناية، بأن شبه جمع الجوامع بشيء معقود عليه غيره، والألفاظ بشيء معقود على غيره، والشرح بإنسان يحل ذلك العقد وإثبات الحل تخييل لكل من الثلاثة. وإن أريد به الألفاظ كان في الكلام استعارتان: تشبيه الشرح بإنسان والألفاظ بشيء معقود على غيره وإثبات الحل تخييل. ويحتمل أن لا يكون في الشرح استعارة بل إسناد الحل إلى ضميره مجاز عقلي، ويحتمل أن يكون في يحل استعارة تبعية بأن شبه بيان الألفاظ بحل الحبل أي فك طاقاته، ويحتمل أن يكون مجازاً مرسلاً من باب إطلاق الملزوم على اللازم، فيراد بحل الألفاظ بيان معانيها إذ الحل يلزمه بيان المعنى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 6
قوله:
(ويبين مراده)
(1/5)
---(1/5)
إسناد البيان إلى الشرح مجاز إذ المبين إنما هو الشارح، أو أنه شبه الشرح بإنسان على طريق الاستعارة المكنية وإثبات التبيين له تخييل. وقوله: مراده يحتمل أن يكون من باب الحذف والإيصال والأصل منه أو فيه، ويحتمل أن يكون من مجاز الحذف أي مراد مؤلفه على حد: {واسأل القرية} (يوسف: 82) ويحتمل أن في الضمير استعارة بالكناية وإثبات الإرادة تخييل وعطف. قوله: ويبين مراده على ما قبله قيل: من عطف الخاص على العام، وقيل: من عطف المغاير. والحق أن يقال: إن أريد بحل الألفاظ بيان معانيها كان عطف قوله: ويبين مراده على ما قبله من عطف الخاص على العام لاستلزام حل الألفاظ بيان المراد حينئذ، وإن أريد بحل الألفاظ بيان الفاعل والمفعول والمبتدأ والخبر مثلاً كان من عطف المغاير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 7
قوله:
(ويحقق مسائله)
التحقيق فسر تارة بإثبات المسألة بدليلها، وأخرى بذكر الشيء على الوجه الحق، أي وإن لم يذكر له دليل، وكلا المعنيين محتمل هنا، وما ذكره من التحقيق وبيان المراد إنما هو في الجملة وإلا فبعض المسائل لم يستدل عليها وبعضها لم يزد في بيانها على ما ذكره المصنف. واعلم أن المسائل تطلق تارة بمعنى النسبة التامة في القضية وهو المناسب لقولهم: المسألة مطلوب خبري يبرهن عليه. وتطلق على مجموع القضية. فإن أريد الأول فظاهر وإن أريد الثاني قدر مضاف في عبارته أي يحقق أحكام مسائله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 7
قوله:
(ويحرر دلائله)
(1/6)
---(1/6)
أي يخلصها عما يخل بوجه الدلالة من التحرير الذي هو تخليص الرقبة من الرق. ففي الكلام استعارة تصريحية تبعية بأن شبه تخليص الدلائل من الشوائب المخلة بوجه الدلالة بتخليص الرقبة من الرق بجامع إزالة النقص عن كل وإفادته الكمال، ثم يشتق من تخليص الدلائل يخلص ويستعار له يحرر بتبعية استعارة التحرير لتخليص الدليل. والدلائل جمع دلالة بمعنى الدليل لا جمع دليل لأن فعيلاً لا يجمع على فعائل، وأما جمع فعالة على فعائل فقياسي. قال في الخلاصة:
وبفعائل أجمعن فعاله
وشبهه ذا تاء أو مزاله
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 7
قوله:
(على وجه الخ)
تنازعه كل من يحل ويبين ويحقق ويحرر. وقوله: سهل للمبتدئين، قد يقال: كيف ذلك مع أن شرحه هذا قد عجزت عن فهمه فحول العلماء؟ وقد يجاب بأنه قال ذلك تواضعاً منه رحمه الله تعالى ونفعنا به كما هو شأن الفضلاء من هضم أنفسهم وعدم إثباتهم لها الفضل، أو أن المراد بالمبتدئين نوع خاص منهم وهم من له قوة ذكاء وفطنة بحيث يقرب من المنتهى في فهم ما يلقى إليه. ولفظ المبتدئين يرسم بياءين: الأولى غير منقوطة لأنها همزة إن كان من ابتدأ بالهمز وإن كان من ابتدأ بالألف اللينة فيرسم بياء واحدة. قوله: (حسن للناظرين) أي المتطلعين أو أصحاب النظر والاستدلال، فالنظر إما نظر البصر أو البصيرة، ويصح أن يراد بالناظرين أصحاب المناظرة والبحث. قوله: (نفع الله به آمين) جملة خبرية لفظاً إنشائية معنى إذ القصد بها الطلب. وآمين اسم فعل بمعنى استجب يسن ختم الدعاء بها ولذا ختمت بها الفاتحة وجاء آمين خاتم رب العالمين يختم بها دعاء العبد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 8
قوله:
(أي نصفك الخ)
(1/7)
---(1/7)
لم يرد الشارح أن ما ذكره في معنى نحمدك يدل عليه لفظ نحمدك إذ الذي يدل عليه الوصف بالجميل، فمعنى نحمدك نصفك بالجميل كما يدل عليه كلام الفائق الذي ذكره الشارح، وإنما ذلك يؤخذ من مقدمتين خارجتين أشار الشارح إلى أولاهما بقوله: وكل من صفاته تعالى جميل. وإلى ثانيتهما بقوله: ورعاية جميعها أبلغ الخ. ولذا لم يكتف بإيراد كلام الزمخشري. وحاصل ما أشار له أنه ذكر ثلاثة أشياء في معنى نحمدك وهي قوله: أي نصفك بجميع صفاتك. فالأولى: الوصف بالجميل. والثانية: كون كل من صفاته جميلاً. والثالثة: كون الوصف بجميعها لا ببعضها. ثم استدل على تلك الأمور المذكورة بقوله: إذ الحمد الخ وكان القياس أن يقول: أي نصفك بصفاتك الجميلة جميعها ليناسب ما ذكره في الاستدلال لكنه اختصر للوضوح. قوله: (المراد بما ذكر) نعت للتعظيم، وما في قوله: بما ذكر واقعة على نحمدك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 8
قوله:
(إذ المراد به الخ)
(1/8)
---(1/8)
علة لقوله: المراد بما ذكر أي إنما كان المراد بما ذكر التعظيم لأن المراد به إنشاء الحمد لا الإخبار به، ولا شك أن مقام إنشاء الثناء مقام تعظيم بخلاف مقام الأخبار بأنه سيحمد، وكان الأولى تعبيره بإنشاء بدل إيجاد لأن الإيجاد إنما يسند للباري جل جلاله، وإن تكلف لذلك العلامة سم بما لا داعي إليه. قوله: (سيوجد) أي لأنه لا يكون حامداً ومخبراً عن ذلك الحمد في آن واحد. وإيضاحه أن يقال: لما كان الحمد لكونه ثناء يتأدى باللسان استحال الاخبار عنه حال التلبس به، إذ كل من المخبر عنه الذي هو الحمد والخبر قول ولا يصح الإخبار عنه إلا بالنظر للاستقبال فلذا قال: سيوجد دون يوجد أو موجود، وكذا القول في قوله سيوجدان إذ الصلاة لكونها دعاء والضراعة لكونها غاية السؤال يستحيل الإخبار عنهما حال التلبس بهما، إذ كل منهما ومن الإخبار عنهما قول، ويستحيل وجود قولين من قائل واحد في زمن واحد، فلا بد من تأخر زمن المخبر عنه عن زمن الإخبار الذي هو الحال، فاندفع ما قيل إن المضارع صالح للحال والاستقبال فلم اقتصر الشارح في تقدير كونه خبراً على أحد محتمليه وهو الاستقبال؟.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 8
قوله:
(لإظهار ملزومها الخ)
(1/9)
---(1/9)
. حاصله أنه أطلق اللازم هنا وهو العظمة، وأريد الملزوم الذي هو التعظيم على طريق الكناية لا المجاز لصحة إرادة المعنى الحقيقي هنا مع المعنى الكنائي بأن يراد هنا العظمة والتعظيم معاً. لا يقال: إظهار العظمة تزكية للنفس والله يقول: {فلا تزكوا أنفسكم} (النجم: 32) لأنا نقول: التزكية المنهى عنها ما كانت لرياء وسمعة ونحو فخر لا ما كانت لنحو إشهار نفسه ليعلم مقامه في العلم مثلاً ليقصد لذلك وما نحن فيه من هذا الثاني. وقوله: لإظهار ملزومها علة لقوله أتى وقوله: الذي هو نعمة نعت للملزوم. وقوله: من تعظيم الله له بيان للملزوم. وقوله: بتأهيله متعلق بتعظيم. وقوله: امتثالاً علة لإظهار فهو علة للعلة وذلك تدقيق. ولما كان اللازم هنا مساوياً للملزوم صح إثبات الملزوم به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 9
قوله:
(الأخصر منه)
أفعل التفضيل المعرف بأل كالمضاف لا يستعمل بمن كما ذكره النحاة فيؤول بأن أل زائدة أو جنسية لا معرفة أو بأن من متعلقة بأخصر مقدراً مدلولاً عليه بالمذكور كما قيل مثل ذلك في قول الشاعر: ولست بالأكثر منهم حصى. البيت. قال شيخنا عفا الله عنه: وفي التأويل الأول نظر لأنه يصير حينئذ الأخصر نكرة وهو قد نعت به نحمد الله وهو معرفة لأن المراد لفظه فيؤدي ذلك لنعت المعرفة بالنكرة. قلت: ويمكن أن يجاب بجعله حينئذ حالاً لا نعتاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 9
قوله:
(للتلذذ بخطاب الله الخ)
(1/10)
---(1/10)
قلت: ولعل السر في ذلك كون حمده حينئذ على وجه الإحسان المشار إليه بقوله : «أن تعبد الله كأنك تراه» لا يقال: القرب الدال عليه الخطاب ينافيه البعد الدال عليه النداء في قوله اللهم. لأنا نقول: لا تنافي لأن القرب من حيث استشعار المراقبة والبعد بعد مكانة أو القرب بالإضافة له تعالى لقوله: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} والبعد مضاف للعبد من حيث تكدره بالمكدرات البشرية. قوله: (إذ القصد بها الخ) علة لما تضمنه قوله الصيغة الشائعة للحمد من كونها صيغة حمد، ووقع في عبارة بعض من كتب أنه علة للعدول وهو سبق قلم. قوله: (لجميع) أخذه من لام الحمد التي هي للاستغراق أو للجنس مع لام لله التي هي للملك، فيفيد ذلك قصر جميع أفراد الحمد على الله تعالى، أما على الاستغراق فظاهر، وأما على الجنس فلأنه لو ثبت فرد منه لغيره لوجد الجنس فيه فلا يصدق أنه مالك لجنس الحمد والواقع خلافه، وكذا لو جعلت لام لله للاختصاص. واحترز بقوله من الخلق عن حمد الخالق فإنه قديم متعال عن الاتصاف بالمملوكية، ولو جعل لام لله للاختصاص حتى تدخل جميع أقسام الحمد ويستغنى حينئذ عن قوله من الخلق كان أحسن.
(1/11)
---(1/11)
قوله: (لا الإعلام بذلك) عطف على قوله الثناء، واسم الإشارة يرجع لمدخول الباء في قوله: بأنه مالك الخ أي لا الإعلام بأنه مالك لجميع المحامد الخ. وفي هذا إيماء إلى أن جملة الحمد لله إذا كانت خبرية لا تفيد الحمد، وهو خلاف ما اختاره جمع من المتأخرين من إفادتها الحمد، لأن المخبر بأن الله تعالى مالك أو مختص بالحمد حامد لوصفه الله بالجميل فيكون ما أتى به حمداً. قلت: وما أشار له الشارح من أن المخبر بالحمد ليس بحامد هو الذي أقول به. قوله: (الذي هو الخ) نعت للإعلام. وقوله: من جملة الأصل الخ أي أن الإعلام بمضمون الخبر أصل كلي تحته جزئيات: منها الإعلام بمضمون قولنا: الحمد لله. ومنها الإعلام بمضمون قولنا: زيد قائم، والإعلام بمضمون قولنا: جاء عمرو إلى غير ذلك. فقوله الذي هو من جملة الأصل الخ أي أن الإعلام بمضمون قولنا الحمد لله فرد من أفراد الأصل في القصد بالخبر وهو الإعلام بمضمون الخبر. وإيضاح هذا الذي أشار له الشارح أن الخبر يقصد منه شيئان: إفادة المخاطب الحكم ويسمى فائدة الخبر، وإفادة المخاطب أنك عالم بالحكم ويسمى لازم الفائدة. مثال الأول: قولك زيد قائم لمن لم يعلم قيام زيد. ومثال الثاني: قولك لمن حفظ القرآن أنت حفظت القرآن، والأول من الشيئين هو الأصل في القصد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 9
قوله:
(من الإعلام بمضمونه)
(1/12)
---(1/12)
بيان للأصل. قوله: (إلى ما قاله) متعلق بعدل. قوله: (لأنه ثناء) علة لعدل. قوله: (برعاية الأبلغية) أي لا بوضع اللفظ كما تقدم ما يفيد ذلك، والباء في قوله برعاية للسببية. قوله: (وهذا بواحدة) أي بصفة واحدة أي وهي ملكية جميع المحامد والإشارة بهذا لصيغة الحمد لله. قوله: (بأن يراد الثناء ببعض الصفات). قيل عليه إذا انتفت رعاية الأبلغية احتمل إرادة الكل كالبعض فلم اقتصر على البعض؟ وأجيب بأن ما ذكره اقتصار على المحقق وطرح للمشكوك فتأمل. قوله: (فذلك البعض) أي من حيث إبهامه أعم مطلقاً من هذه الواحدة لصدقه بها أي وحدها وبها مع غيرها وبغيرها مطلقاً أي قليلاً أو كثيراً، وإنما اقتصر الشارح على الكثير لأنه أبلغ في رعاية الأبلغية. قوله: (في الجملة) أي بالنسبة لبعض التقادير دون بعض، إذ على تقدير إرادة تلك الواحدة به لا أبلغية. قوله: (أيضاً) هو مصدر آض إذا رجع وهو مفعول مطلق حذف عامله أي أرجع إلى الإخبار بكذا رجوعاً، أو حال حذف عاملها وصاحبها أي أخبر بكذا راجعاً إلى الاخبار به. وإنما تستعمل بين شيئين بينهما توافق، ويغني كل منهما عن الآخر، فلا يجوز جاء زيد أيضاً، وجاء زيد وقام عمرو أيضاً، ولا اختصم زيد وعمرو أيضاً اهـ زكريا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 10
قوله:
(نعم الخ)
(1/13)
---(1/13)
استدراك على قوله أبلغ دفع به توهم أن أرجحية الثناء به على الثناء بها من كل وجه. قوله: (من حيث تفصيلها) أي تعيينها بالعبارة وذكرها تصريحاً، وهذه الحيثية تعليلية ومعلولها ثبوت الأوقعية للثناء بها، ومعنى كون الثناء بها أوقع أنه أمكن في النفس، وقد يقال الثناء بها وإن كان أوقع من حيث التعيين فالثناء به أبلغ لشموله لها ولغيرها الكثير كما مر، ومن باب أولى الثناء به مع مراعاة الجميع أي جميع الصفات، هذا وقد يوجه أيضاً اختيار المصنف الثناء بالجملة الفعلية بقصد الموافقة بين الحمد والمحمود عليه، أي فكما أن نعمه تعالى لا تزال تتجدد وتترادف علينا وقتاً بعد وقت نحمده بمحامد لا تزال تتجدد كذا قيل وفيه نظر بين فتأمل. قوله: (بمعنى إنعام) أي لأن الحمد في الحقيقة إنما هو على الإنعام الذي هو من أفعاله تعالى لا على المنعم به إلا باعتبار كونه أثراً عن الإنعام وصادراً عنه. قوله: (للتكثير والتعظيم) التنكير قد يرد للتكثير كما في قولهم: إن له لا بلا، وقد يرد للتعظيم وللتحقير وقد اجتمعا في قوله:
له حاجب عن كل أمر يشينه
وليس له عن طالب العرب حاجب
(1/14)
---(1/14)
أي له حاجب عظيم يحجبه عما يشينه، وليس بينه وبين طالب العرب حاجب حقير وقد يرد للتكثير والتعظيم معاً كما في قوله تعالى: {وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك} (فاطر: 4) أي رسل ذوو عدد كثير وآيات عظام وكما هنا. قوله: (أي إنعامات كثيرة) إن قلت: النعم جمع كثرة والإنعامات جمع قلة لكونه مجموعاً بألف وتاء وهو من قبيل جمع القلة فلا يناسب تفسير النعم به. فالجواب إن وصف الإنعامات بقوله: كثيرة صير المراد منها الكثرة. قوله: (منها الإلهام الخ) خص هذين الشيئين بالذكر دون سائر النعم لاقتضاء المقام إياهما. قوله: (صلة نحمد) أي متعلقة به وهي بمعنى لام التعليل. وقول بعض من كتب على الشرح أراد بقوله صلة نحمد أنها ليست تعليلية لما فيه من سوء الأدب مردود إذ لا يلزم من تعليل حصول الشيء بعلة قصر حصوله على تلك العلة لجواز أن يكون للشيء أسباب كثيرة. وقال سم: وإنما قال وعلى صلة نحمد دفعاً لتوهم أن قول المصنف: على نعم متعلق بالحمد من قوله: يؤذن الحمد وتبعه شيخنا، ولا يخفى بعد هذا الوهم وإنه لا معنى له.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 10
قوله:
(وإنما حمد على النعم الخ)
(1/15)
---(1/15)
ظاهره أن المصنف لم يحمد إلا حمداً مقيداً مع أن لقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون المصنف علق الحمد أولاً بضمير الاسم الكريم ثم بقوله: على نعم إشارة إلى أنه كما يستحق الحمد لذاته يستحقه لصفاته فيكون قد أتى بالحمدين ونبه على الاستحقاقين كما أشار لذلك المولى سعد الدين في قول صاحب التلخيص: الحمد لله على ما أنعم. وقد بين سم أن كلام المصنف جار على هذا المنوال، وأن عبارة الشارح لا تنافي هذا بما فيه تعسف وتمحل فراجعه. فإن قلت: قد صرحوا بأن المحمود عليه لا بد أن يكون فعلاً اختيارياً ومقتضاه عدم صحة حمد الله لذاته وصفات ذاته. قلت: أجيب عن الثاني بأن صفات الذات لما كانت مبدأ لصفات اختيارية نزلت منزلة الصفات الاختيارية. والمراد بكونها مبدأ لها أن لها دخلاً ما في تحققها سواء كان دخل توقف أم لا، فلا يرد النقض بنحو السمع والبصر والحياة وصفات السلوب كعدم الشريك مثلاً. وعن الأول بأن ذاته تعالى لما كانت جامعة لجميع صفات الكمال فالحمد عليها حمد على الصفات فتأمل. وقوله: وإنما حمد على النعم أراد على الإنعامات ليوافق ما قبله، وإنما عبر به مجاراة لكلام المصنف، ولعله لمثل ذلك قال: وإنما حمد على النعم أي في مقابلتها دون أن يقول، وإنما حمد في مقابلة النعم مع كونه أخصر. وقول شيخنا إنما زاد قوله أي في مقابلتها لأن قوله: وإنما حمد على النعم ليس صريحاً في أن الحمد في مقابلة النعم لأنه يحتمل أن معنى قوله: حمد على النعم أوقع الحمد عليها بأن صيرها محمودة وليس بمراد لا يكاد يعقل، ويقال له: الشارح في غنية عن هذا الإيهام على تسليمه وعن هذا التطويل بأن يقول بدل ما قال: وإنما حمد في مقابلة النعم بل الوجه ما ذكرناه فتأمل. وقوله: أي في مقابلتها أي لفظاً ونية. وقوله: لا مطلقاً أي لا حمداً غالياً عن كونه في مقابلة النعمة لفظاً ونية إذ لو حمد حمداً مطلقاً لفظاً ونوى كونه في مقابلة نعمة لكان حمداً مقيداً لا مطلقاً.(1/16)
(1/16)
---
قوله: (لأن الأول واجب) أي أن الحمد في مقابلة نعمة لفظاً ونية أو نية فقط واجب بمعنى أنه يثاب عليه ثواب الواجب لوقوعه واجباً، وليس المعنى أنه إذا أنعم الله على العبد نعمة يجب عليه أن يحمده بالحمد الذي ذكره وهو اللفظي قاله زكريا. قوله: (بما هو شأنها بقوله) الباء الأولى صلة وصف والثانية بمعنى في، لأن الموصوف مدلول النعم والوصف مدلول قوله: يؤذن فظهر بهذا عدم صحة جعل بقوله بدلاً من قوله بما هو شأنها كما توهمه بعض أرباب الحواشي ذكر معناه العلامة سم. ويمكن صحة البدل بتقدير المضاف أي بمدلول قوله: الخ فتأمله. قوله: (عليها) ذكره محاذاة لقول المصنف على نعم، وليفيد أن المؤذن بالزيادة الحمد على النعم لا مطلق الحمد وحذفه المصنف اعتماداً على قوله على نعم. وقال شيخنا: ذكره ليفيد به تقدم النعم المزاد عليها على النعم المزادة إذ المزيد متأخر الوجود عن المزيد عليه ولا حاجة إلى ما قاله، إذ مفاد كون الجملة إنشائية حصول النعم المحمود عليها، بل وكذلك لو فرض كونها خبرية ولفظ الزيادة مشعر بتقدم المزيد عليه. قوله: (أي يعلم) هو تفسير للفظ بحسب معناه الأصلي وإلا فالمراد بالإيذان أن يدل دلالة التزامية على الزيادة كما يفيده قوله: لأنه متوقف الخ إذ المتوقف على شيء مستلزم لذلك الشيء الذي توقف عليه فقد تجوز في المسند الذي هو يؤذن باستعماله بمعنى يدل لا في إسناد يؤذن إلى مرفوعه كما توهم بعض من حشى قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 11
قوله:
(لأنه متوقف الخ)
(1/17)
---(1/17)
انظر هذا فإن مفاده أن لا يوجد حمد مطلق أصلاً إذ ما من حمد إلا وهو متوقف على الإلهام له والاقدار عليه، وقد يجاب بأنه لا يلزم كون الحامد ملاحظاً ذلك بحمده. قوله: (وهلم جرا) الأحسن فيه ما قاله العلامة الجمال بن هشام بعد اطلاعه على كلام غيره فيه وتوقفه في أنه عربي أن معنى هلم تعال لا بمعنى المجيء الحسي ولا بمعنى الطلب حقيقة، بل بمعنى الاستمرار على الشيء وبمعنى الخبر، وعبر عنه بالطلب كما في قوله تعالى: {ولنحمل خطاياكم} (العنكبوت: 12) وقوله عزّ وجلّ: {فليمدد له الرحمن مداً} (مريم: 75) وجراً مصدر جره إذا سحبه ببقائه مصدراً أو جعله حالاً مؤكداً، وليس المراد الجر الحسي بل التعميم كما في السحب في قولهم: هذا الحكم منسحب على كذا أي شامل له، فكأنه قيل هنا واستمر ذلك في كل حمد بزيادة النعم استمراراً أو مستمراً كما يقال: كان ذلك عام كذا وهلمّ وجرّا أي استمر ذلك في بقية الأعوام اهـ القاضي زكريا رحمه الله تعالى. قوله: (فلا غاية الخ) تفريع على قوله: وهلمّ جرّا، والمنفي كل من الغاية والوقوف أي لا غاية ولا وقوف بالحمد عليها أي عندها. وأورد أنه إن كان المراد الاستمرار على الحمد بالفعل لزم أن لا يخلو الشخص طرفة عين عن الحمد وهو لا يصح، وإن كان المراد استحقاق تلك النعم الحمد وإن لم يحصل بالفعل فقد وجد الوقوف على غاية. وأجيب بأن المراد أن شأن النعم ذلك أي كونها لا غاية للحمد عليها يوقف عندها. قوله: (وازداد الخ) مفاد عبارته أن ازداد لا يكون إلا لازماً فلذا لم يقيده باللزوم كما قيد زاد، وعند غيره أنه قد يكون متعدياً وعليه قوله تعالى: {ويزداد الذين آمنوا إيماناً} (المدثر: 31) والشارح يعرب إيماناً تمييزاً محولاً عن الفاعل ذكره سم عن العلامة ناصر الدين اللقاني. وأورد قوله تعالى: {وازدادوا تسعاً} (الكهف: 25) قلت: ويجاب بأن تسعاً منصوب على النيابة عن المفعول المطلق. قوله: (ونصلي) حقه أن يزيد ونسلم(1/18)
(1/18)
---
خروجاً من كراهة إفراد أحدهما عن الآخر قاله زكريا، ويمكن أن يكون نطق به لفظاً ولم يثبته خطاً. قوله: (من الصلاة عليه) أي مأخوذ منها. وقوله: عليه قيد أول مخرج للصلاة ذات الأقوال والأفعال. وقوله: المأمور بها وهي الدعاء الخ قيد ثان مخرج للصلاة عليه غير المأمور بها في حقنا. وهي صلاة الله عليه وهاتان دعوتان استدل عليهما بالحديث الذي ذكره فهو دليل على أن صلاتنا عليه مأمور بها وإن معناها الدعاء لا يقيد الرحمة، إذ لا يدل الحديث على أنها الدعاء بخصوص الرحمة وإن كان معناها الدعاء بها أي الرحمة. قوله: (إلا صدره) أي وهو قوله: أمرنا الله أن نصلي عليك. قوله: (أو وأمر الخ) عطف على قوله: وإن لم يؤمر بتبليغه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 12
قوله:
(قولان)
(1/19)
---(1/19)
خبر مبتدإ محذوف أي هما قولان. قوله: (فالنبي أعم الخ) أي عموماً مطلقاً أي وهو بمعنى الثاني مساو للرسول بالمعنى الأول. وعلى الثاني فمن أوحى إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه فليس بنبي ولا رسول بل ولي فقط، وكذا على الثالث الآتي قوله: (أكثر استعمالاً) أي دوراناً على الألسنة، وانظر هل المراد ألسنة الأصوليين أو مطلق أهل الشرع؟ قوله: (ولفظه) أي من حيث هو باعتبار مادته تارة يستعمل كذا وتارة كذا، ولا يصح عود ضمير لفظه على المهموز فقط ولا على غير المهموز فقط لأن المهموز لا يكون مهموزاً وغير مهموز، وكذا غير المهموز لا يكون غير مهموز ومهموزاً. قوله: (بالهمز) متعلق بمحذوف نعت للفظه أو حال منه على رأي سيبويه المجوز مجيء الحال من المبتدأ أوالأصل واشتقاق لفظه فحذف المضاف وأنيب منابه المضاف إليه، فالحال إنما هو من المضاف إليه في الأصل وشرطه موجود كما هو بين. وقوله: من النبأ خبر المبتدإ أعني لفظه. قوله: (لأن النبي مخبر) يحتمل أن يكون على صيغة اسم الفاعل وأن يكون على صيغة اسم المفعول لأنه مخبر بالإيحاء إليه وهو أنسب بالقول المشهور من الأقوال الثلاثة المذكورة لوجود مأخذ التسمية في كل نبي ولو غير رسول، لأن من لم يؤمر بالتبليغ لا يلزم أن يكون مخبراً لغيره اهـ زكريا. قوله: (قيل إنه مخفف المهموز) فعلى هذا النبي بدون الهمز مأخوذ من النبأ وهو الخبر. قوله: (وقيل إنه الأصل) عرفه ليفيد أنه أصل للمهموز ولو نكره لتوهم أن كلاً فصل برأسه، فعلى هذا يكون المهموز مأخوذاً من النبوة وهو خلاف قوله: قبل من النبأ، أو حاصله أن جعل المهموز من النبأ وغير المهموز من النبوة لا يتمشى على كون أحدهما أصلاً للآخر، ولهذا كان الأنسب أن يقول: وقيل إنه أصل بالتنكير ليفيد أن كلا أصل برأسه، وكان الأنسب أن يقول قبل وقيل إنه مخفف المهموز بالواو ليفيد أن القائل باشتقاق المهموز من النبأ لا يقول بفرعيته عن غير المهموز كذا يظهر فتأمل. قوله:(1/20)
(1/20)
---
(أي الرفعة) وقيل عليه الذي في كلام أهل اللغة أن النبوة المكان المرتفع لا الرفعة. وأجيب بأن الشارح حاك ذلك أي قوله: أي الرفعة عن صاحب القيل فهو من مقول القيل، فالمؤاخذة تتوجه على صاحب القيل لا على الشارح قاله سم. قوله: (المضعف) أي المكرر العين بأن نقل المجرد إلى باب التفعيل لا المضعف الذي لم تسلم حروفه الأصول من التضعيف كمس وظل قاله القاضي زكريا. وحاصله أن المراد بالمضعف هنا غيره بالمعنى المتعارف عند علماء الصرف. قوله: (بإلهام) الباء سببية. وقوله: تفاؤلاً علة ثانية للتسمية على حذف حرف العطف، ولو قدم قوله: تفاؤلاً على قوله بإلهام ليصير الإلهام سبباً للتسمية والتفاؤل معاً كان حسناً، ولا يصح أن يكون قوله: تفاؤلاً علة للعلة أعني قوله: بإلهام كما هو واضح، وقد يمكن أن يكون قوله: تفاؤلاً علة للتسمية المسببة عن الإلهام فهو علة للمعلل مع علته أي تعليل الشيء المقيد بعلة قبل ذلك التعليل وإن استبعد هذا شيخنا. وقوله: سمى به خبر ثان عن قوله: ومحمد أو هو استئناف وهو الأحسن. قوله: (كما روى) الكاف بمعنى اللام. إنه الخ بدل من ما. وقوله: وقد سماه جملة حالية. وقوله: لموت أبيه علة لسماه وفي الحقيقة علة لإسناد سمى إلى ضمير عبد المطلب. وقوله: لم سميت ابنك الخ نائب فاعل قيل. وقوله: ابنك أما من مجاز الحذف أي ابن ابنك أو مجاز الاستعارة بأن شبه ابن الابن بالابن بجامع الحنو والشفقة، وأطلق الابن على ابن الابن على طريق الاستعارة التصريحية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 13
قوله:
(رجاؤه)
(1/21)
---(1/21)
أي مرجوه. قوله: (بلطف) قيد في معنى الهداية فقد فسرها الراغب بالدلالة بلطف. قال: وأما قوله تعالى: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} (الصافات: 23) فعلى التهكم. قوله: (يعني لدين الإسلام) أي فقد أطلق الرشاد مراداً به دين الإسلام إطلاقاً للمسبب على السبب، لأن دين الإسلام طريق موصل للرشاد كما أشار إلى ذلك بقوله: الذي هو الخ. وأشار بقوله لتمكنه وبقوله: كأنه نفسه إلى قوة السبب هنا وشدة العلاقة، ولم يرد أن التجوز باطلاق اسم المسبب على السبب كما هنا أو عكسه يتوقف على قوة السبب إذ لا قائل به بل مطلق التسبب كاف. قوله: (وهذا) أي وصفه بالهداية لدين الإسلام مأخوذ من قوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} (الشورى: 52) أي دين الإسلام، فقد شبه دين الإسلام بالصراط المستقيم بجامع الإيصال في كل، وأطلق الصراط على الدين على طريق الاستعارة المصرحة، فالمجاز في الآية مجاز استعارة، وفي عبارة المصنف مرسل، وأيضاً يمكن أن يراد بالرشاد في عبارة المؤلف حقيقته وإن كانت عبارة الشارح لا تفيد ذلك. وأما في الآية الشريفة فلا يصح أن يراد بالصراط حقيقته ألبتة، فلعله أراد بقوله: وهذا مأخوذ أنه موافق له في الجملة أي من حيث مطلق التجوز وإن كان في عبارته مرسلاً وفي الآية بالاستعارة، ويصح إرادة المعنى الحقيقي في عبارة المصنف فلا تجوز حينئذ، ولا يصح ذلك في الآية أو من حيث الوصف بالهداية في كل وكون المهدى له دين الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 14
قوله:
(من بني هاشم والمطلب الخ)
(1/22)
---(1/22)
قد استدل الشارح على إثبات هذه الدعوى وهي كون آله أقاربه المؤمنين من بني هاشم والمطلب بثلاثة أحاديث. أولها: يفيد أن خمس الخمس لأقاربه المؤمنين من بني هاشم والمطلب. وثانيها: يفيد حرمة الصدقات على آله. وثالثها: يفيد أن من لم تحل لهم الصدقات هم الذين قسم بينهم خمس الخمس، فدل مجموعها على أن آله هم أقاربه من بني هاشم والمطلب، ويستنبط لذلك حينئذ قياس من الشكل الأول نظمه أن يقال هكذا: آله من تحرم عليهم الصدقة ومن تحرم عليهم الصدقة هم أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب، ينتج: آله أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب. دليل الصغرى الحديث الثاني نصاً وكذا الثالث بناء على أن آل أصله أهل. ودليل الكبرى مجموع الأول والثالث. بيانه أن الثالث أفاد حرمة الصدقة على أهل بيته المستحقين لخمس الخمس ولم يعلم منه من أهل بيته الموصوفون بحرمة الصدقة عليهم وإنهم يستحقون خمس الخمس، فأفيد بالأول أن المستحق لخمس الخمس أقاربه المذكورون. وبالثالث أن المستحق لذلك هم الآل الذين تحرم الصدقة عليهم ولا يصح أن يكون دليل الكبرى الأول فقط ولا الثالث فقط، هذا حاصل ما أشار إليه ولك أن تقرر القياس على وجه آخر ونظمه أن تقول هكذا: أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب هم المختص بهم خمس الخمس، ومن اختص بهم خمس الخمس هم آله الذين تحرم عليهم الصدقة ينتج أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب هم آله الذين تحرم عليهم الصدقة. دليل الصغرى الحديث الأول نصاً، ودليل الكبرى الحديث الثالث، وذكر الثاني زيادة إيضاح لاشتماله على ذكر الآل صريحاً وإفادة للعلة المفيدة حرمة الصدقة عليهم وهي كونها أوساخ الناس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 15
قوله:
(ولا غسالة الأيدي)
(1/23)
---(1/23)
عطف على مقدر أي لا كثيراً ولا قليلاً. قوله: (إن لكم في خمس إلخ) قضية الظرفية إنهم لا يستحقون خمس الخمس بتمامه مع أنهم يستحقونه. وأجيب بأن معناه أن لكل منكم، ولا شك أن كلاً إنما يستحق بعضه وبأن خمس الخمس مفرد مضاف فيعم كل خمس خمس فصحت الظرفية قاله سم. ولا حاجة إلى ما قاله من أصله فإن من تأمل موارد الكلم علم أن المقصود من قولنا في هذا الشيء ما يكفيك أن هذا الشيء مستقل بكفايتك واف بها لا تتجاوزه كفايتك إلى غيره بحيث يقصر عن كفايتك، وليس المراد منه أن بعضه كافيك، على أن ما أجاب به ثانياً محض تعسف لا يكاد يتم لمن تأمل. قوله: (أي بل يغنيكم) هذا إنما يتم إذا كانت أو من كلام النبوة، مع أنه يحتمل أن تكون من كلام الراوي شكاً في الواقع منه هل قوله: يكفيكم أو يغنيكم فتكون أو للشك، ولعل الشارح اطلع على أنها من كلام النبوة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 15
قوله:
(والصحيح جواز إضافته الخ)
لعل شبهة من منع إضافة آل إلى الضمير أن الآل إنما يستعمل في الأشراف وذوي الخطر، والمفصح عن ذلك إنما هو الاسم الظاهر لما فيه من إظهار المسمى والتنويه بذكره، ولا كذلك الضمير لاشتقاقه من الإضمار وهو الإخفاء ولذا يسمى كناية، وقد يمنع الحصر بأن حكم الضمير حكم مرجعه دلالة وعدمها. قوله: (لصاحبه) صرح بالإضافة في المفرد تبعاً للتصريح بها في اسم جمعه لأن المراد صاحب مخصوص وهو صاحبه كما أشار لذلك بقوله: بمعنى الصحابي. قوله: (بسيدنا محمد ) تنازعه الفعل والوصف. وقوله: اجتمع أي ولو لم يطل زمن الاجتماع بل مطلق الاجتماع ولو لحظة كاف بخلافه في حق غيره فلا بد من طول المدة، والفرق أن الاجتماع به اللحظة الواحدة يؤثر ما لا يؤثره الاجتماع بغيره السنين ذوات العدد، وقد كان يأتيه البدوي الجلف فحين يجمتع به ينطق بالحكمة لوقته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 16
قوله:
(من عطف الجزء على الكل)
(1/24)
---(1/24)
أي لأن الطرس هو الصحيفة وهي الكتاب قاله الجوهري وغيره، فما قيل إنه غلط فاحش لأن الطرس الورق والسطر حال فيه والحال ليس جزء المحل غلط فاحش. قوله: (من عطف الجزء على الكل) أي وهو كعطف الخاص على العام يحتاج إلى بيان نكتة في عطفه فلذا قال الشارح: صرح به الخ أي صرح بالجزء مع إغناء الكل عنه لدلالته على اللفظ الدال على المعنى الذي هو الأصل المقصود بالذات، فالتصريح به للاعتناء بشأنه بسبب دلالته على ما هو المقصود وهو المعنى بواسطة تضمنه النقوش الدالة على الألفاظ الدالة على المعاني. قوله: (التي يدل عليها باللفظ) أي فإضافة عيون إلى الألفاظ في كلام المصنف من إضافة المدلول إلى الدال. قوله: (ويهتدي بها الخ) فيه إيماء إلى أن في التركيب استعارة مصرحة حيث شبهت المعاني بالعيون الباصرة بجامع الاهتداء بكل، واستعير لفظ العيون للمعاني والقرينة إضافة العيون للألفاظ، فقوله: ويهتدي بها إشارة إلى وجه الشبه بين المعاني والعيون.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 16
قوله:
(وهي العلم)
(1/25)
---(1/25)
ضمير هي يرجع للمعاني، والمراد بالعلم المبعوث به النبي الكريم النسب التامة كقوله: الصلاة واجبة وشرب الخمر حرام والوتر سنة مثلاً، وليس المراد بالعلم الملكة ولا القواعد الكلية ولا الإدراك لها كما هو واضح. وقوله: لعيون الألفاظ متعلق بقامت، ومعنى قامت وجدت. وقوله: مقام بياضها وسوادها الأصل ما قامت الطروس والسطور لعيون الألفاظ قياماً مثل قيام بياضها وسوادها فحذف المصدر وأقيمت صفته مقامه ثم حذفت وأقيم المضاف إليها مقامها ثم أبدل بمرادفه وهو مقام، وإنما شبه قيام الطروس والسطور لمعاني الألفاظ بقيام بياض الطروس وسوادها لها، لأن قوام الطروس بهما لكونهما عرضين قائمين بها لازمين لها وبانتفائهما انتفاؤها، لأن انتفاء اللازم يستلزم انتفاء الملزوم، وكذا قوام المعاني بالطروس، فوجه تشبيه قيام الطروس لمعاني اللفظ بقيام بياض الطروس وسوادها لها كون كل من القيامين به قوام ما هو له ويتوقف وجوده عليه، وتقدير كلام المصنف: ونصلي على نبيك محمد مدة قيام الطروس والسطور لمعاني الألفاظ قياماً مثل قيام بياض الطروس وسواد السطور لها فقد أبد الصلاة لبقاء كتب العلم كما سيقول الشارح. وقوله: أي سطور الطروس تفسير لضمير وسوادها والحامل للشارح على جعل ضمير بياضها للطروس وضمير سوادها للسطور تعبير المصنف بالطروس والسطور، وإلا فالطرس كما مر اسم للصحيفة المشتملة على البياض والسواد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 16
قوله:
(وقيامهم إلى الساعة)
(1/26)
---(1/26)
أي فيكون المصنف قد أبد الصلاة بمدة غايتها قيام الساعة فكأنه يقول: ونصلي على نبيك محمد إلى قيام الساعة. فإن قيل: تأبيد المصنف صلاته إلى قيام الساعة غير متأت. فالجواب أن المؤبد بالمدة المذكورة صلاة الله تعالى عليه أي رحمته له لما مر من أن الصلاة منا معناها الدعاء أي طلب الرحمة من الله تعالى له ، فالمؤبد متعلق صلاة المصنف وهو صلاة الله عليه أي رحمته المطلوبة منه، ويمكن أن يكون المؤبد بالمدة المذكورة صلاة المصنف التي هي الدعاء بها لكن على سبيل الادعاء مبالغة قاله سم. وإنما أبد الصلاة بما ذكر دون الحمد لأن الله عزّ وجلّ هو الغني عن جميع خلقه، فلا ينتفع بحمد حامد ولا بشكر شاكر وإنما ذلك عائد للعبد، فلا فائدة في تأبيد حمده بما ذكر، بخلاف الصلاة عليه فإنه ينتفع بها لكونه عبد الله محتاجاً له تعالى، وإن كان المصلى عليه إنما ينوي بصلاته عود نفعها له، فكان لتأبيد الصلاة فائدة دون تأبيد الحمد قرره شيخنا. قلت: كونه تعالى غنياً عن الخلق غير منتفع بحمدهم لا ينفي فائدة تأبيد حمده من حيث كثرة انتفاع العبد بذلك بل الحمد من أصله وجميع العبادات إنما يعود نفعها على العبد وكيف والله يقول: {لئن شكرتم لأزيدنكم} (إبراهيم: 7) وقد شاع الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده، ونحو ذلك من صيغ الحمد. فقوله: فلا فائدة في تأبيد الحمد ممنوع منعاً ظاهراً، ولعل الوجه في جعل الشارح التأبيد المذكور راجعاً للصلاة دون الحمد أن الحمد قد حصل تأبيده بقوله: يؤذن الحمد بازديادها على ما أوضحه الشارح هناك فتأملها فإنها نكتة دقيقة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 17
قوله:
(ظاهرين على الحق)
(1/27)
---(1/27)
يحتمل أن يكون قوله على الحق خبراً بعد خبر لتزال، أو ظرفاً لغواً متعلقاً بظاهرين أي غالبين على الحق كناية عن تمكنهم منه أو حالاً من المستمكن في ظاهرين، وأن تكون على بمعنى الباء وهو ظرف لغو متعلق بظاهرين أيضاً. قوله: (وهم أهل العلم) أي الطائفة المذكورة أهل العلم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 17
قوله:
(بما هي منه الخ)
أي بكلام وهو الخطبة وضمير هي للصلاة وضمير منه يعود إلى ما. وقوله: من كتب ما يفهم الخ خبران ولفظة ما واقعة على فن وضمير به يعود إلى ما. وقوله: ذلك العلم أي المبعوث به . وتقدير كلامه وأبد الصلاة بقيام كتب العلم لأن كتابه هذا المبدوء بكلام تلك الصلاة منه من كتب فن يفهم به ذلك العلم. وتقرير ما أشار إليه أن المصنف إنما أبد الصلاة بقيام كتب العلم ولم يؤبدها بشيء آخر كبقاء الدنيا مثلاً لمناسبة، وهو أن كتابه هذا لما كان من الكتب التي يفهم بها ذلك العلم ناسب أن يؤبد الصلاة التي اشتملت عليها خطبة كتابه هذا بقيام تلك الكتب. وإيضاح كون كتابه من كتب فن يفهم به ذلك العلم إن العلم المذكور وهو المبعوث به النبي الكريم عليه أشرف الصلاة والتسليم يفهم بعدة فنون كالنحو والبيان والأصول ولكل كتب، وكتاب المصنف هذا من جملة كتب فن يفهم به ذلك العلم وهو فن الأصول، هذا إيضاح كلامه نفعنا الله بعلومه آمين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 17
قوله:
(بضبط المصنف)
(1/28)
---(1/28)
أي وليس هو بالضاد المشددة المدغمة فيها التاء والراء المشددة. والأصل تتضرع اتباعاً لضبط المصنف وإن كان نضرع بالتشديد أبلغ. قوله: (أي نخضع ونذل) بيان لمعناه لغة، وأما معناه هنا فالسؤال بخضوع وذلة كما أشار إليه بقوله: أي نسألك الخ. قوله: (في منع الموانع) مصدر مضاف إلى مفعوله بعد حذف فاعله، والأصل في منعك الموانع. قوله: (أي تعوق) أشار بذلك إلى أن الموانع في كلام المصنف مضمنة معنى العوائق ولذا عديت بعن وإلا فالمنع يتعدى بنفسه والتضمين قياسي. قوله: (هذا الكتاب) إشار به إلى أن جمع الجوامع علم لا اسم جنس. قوله: (تحريراً) هو تمييز محول عن المضاف إليه، والأصل إكمال تحرير جمع الجوامع. قوله: (بقرينة السياق) هي ما يدل على خصوص المقصود من سابق الكلام المسوق لذلك أو لاحقه كما هنا، فإن قوله الآتي وقوله الوارد وقوله البالغ قرينة دالة على أنه قد تم تأليفاً وإن احتمل أنه وصف بذلك ما تخيله في ذهنه لكنه خلاف الظاهر: وأما السباق بالباء الموحدة فهو ما يتبادر إلى الفهم من العبارة وإن لم يكن مراداً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 18
قوله:
(الذي إكماله الخ)
(1/29)
---(1/29)
دفع به إيراد أن يقال قضية قوله عن إكمال جمع الجوامع أن يقول أن تمنع المانع بالإفراد لأن الإكمال شيء واحد فلم جمع المانع؟ وحاصل الدفع أن الإكمال المذكور متضمن خيوراً كثيرة لكثرة المنتفعين به وعلى كل خير مانع فلذا عبر بصيغة الجمع، وإنما قال: وعلى كل خير مانع مع أنه قد يكون للخير الواحد موانع اقتصاراً على المحقق. قوله: (لكثرة الانتفاع به) علة مقدمة على معلولها والأصل الذي إكماله خيور كثيرة لكثرة الانتفاع به. قوله: (فيما أمله) حال من كثرة الانتفاع، وقصد بذلك جواب سؤال تقديره من أين جاء إليه أن في إكمال خيوراً كثيرة؟ فأجاب بأن ذلك فيما يؤمله ويرجوه قيل الذي أمله هو كثرة الانتفاع، فالظرفية في قوله: فيما أمله ظرفية الشيء في نفسه. وأجيب بأن الذي يؤمله أمور كثيرة، وكثرة الانتفاع بعض منها يعني أن المصنف رحمه الله تعالى يؤمل في إكماله كتابه أموراً كثيرة كالقبول ودعاء الناس له وكثرة انتفاعهم فما يؤمله عام وكثرة الانتفاع خاص فالظرفية الأعم للأخص.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 18
قوله:
(إلى جمعه كل مصنف الخ)
(1/30)
---(1/30)
أشار بذلك إلى أن أل في الجوامع استغراقية وأن أجزاء هذا الجمع إفراد لا جموع. قوله: (فيما هو فيه) لفظة ما يراد بها الفن، وضمير هو يعود إلى جمع الجوامع، وضمير في يعود إلى ما، والتقدير أشار إلى جمعه كل مصنف جامع في فن جمع الجوامع فيه أي في ذلك الفن. قوله: (فضلاً عن كل مختصر) أي إذا كان جامعاً لكل مصنف جامع فجمعه لكل مختصر أولى وفضلاً مصدر منصوب أما بفعل محذوف هو حال من مصنف أو صفة له وأما على الحال. هذا وفي استعماله في الإثبات كما هنا نظر لقول ابن هشام: لا يستعمل إلا في النفي نحو: فلان لا يملك درهماً فضلاً عن دينار أي لا يملك درهماً ولا ديناراً وإن عدم ملكه الدينار أولى من عدم ملكه الدرهم قاله القاضي زكريا. وفي بعض التقارير أن بعضهم صرح بأنها تستعمل في الإثبات إذا كان مؤولاً بالنفي كما هنا، فإن قوله: إلى جمعه الخ في قوة قولنا: إنه لا يترك شيئاً الخ. لكن الذي قرره شيخنا أنها تستعمل في الإثبات بلا شرط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 18
قوله:
(يعني مقاصد ذلك)
(1/31)
---(1/31)
دفع لما يتوهم في بادىء الرأي أنه جمع جميع ما في تلك المصنفات ولذا أتى بيعني دون أي التفسيرية جرياً على عادته من الإتيان بها إذا كان ما فسر به اللفظ خلاف المتبادر منه. قوله: (وهي أوضح) أي لأن التثنية نص في المقصود بخلاف المفرد لأنه وإن كان اسم جنس دالاً على الماهية بلا قيد من وحدة أو غيرها فيصدق بالاثنين لكنه ليس نصاً في ذلك فيحتاج إلى قرينة تعين المقصود. قوله: (أصول الفقه الخ) أشار بهذا إلى أن اللام في الأصول لتعريف العهد والمعهود هو أصول الفقه وأصول الدين. قوله: (المختتم بما يناسبه الخ) جواب عما يقال: إن الفنون المشتمل عليها هذا الكتاب ثلاثة لا اثنان وهي: فن أصول الفقه وفن أصول الدين وفن التصوف، فكيف حصرها في اثنين؟ وحاصل الجواب أن الفن الثالث لما ناسب الفن الثاني من حيث أنه علم يتعلق باصلاح النفس وتهذيبها، كما أن الفن الثاني علم يبحث فيه عن العقائد وهي متعلقة بالنفس قائمة بها جعل جزءاً من الفن الثاني لهذه المناسبة وهو كون كل منهما متعلقاً بالنفس كما أشار الشارح لذلك بقوله المختتم إذ خاتمة الشيء جزء منه فصح الحصر في الفنين فقط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 19
قوله:
(من إضافة المسمى إلى الاسم)
(1/32)
---(1/32)
أي فالمراد من المضاف المعنى ومن المضاف إليه اللفظ، وأراد بما قاله دفع توهم أن في قولنا فن كذا إضافة الشيء إلى نفسه وما قاله غير متعين بل يصح كونه من إضافة الأعم إلى الأخص. قوله: (ومن وما بعدها الخ) فيه تساهل إذ البيان إنما هو المجرور فقط، ومثله يقال في جعله المبين قوله بالقواعد القواطع إذ هو المجرور فقط، وقد يقال في الأول إن أريد بالبيان ما مدلوله حقيقة الشيء المبين بالفتح، فالتساهل واضح وإن أريد به ما يبين به حقيقة ذلك الشيء، فلا يخفى أن من لها مدخلية في ذلك لأنها الدالة على أن ما بعدها حقيقة الشيء وتفسير له قاله سم. قوله: (رعاية للسجع) قد يقال تأخير البيان عن المبين مشتمل على نكتة الإجمال ثم التبيين المفيد ذلك تمكن الشيء المبين من النفس فضل تمكن بخلاف تقديمه لما تقرر من أن الشيء الحاصل بعد الطلب أعز من المنساق بلا تعب، وهذه أعني نكتة الإجمال ثم التفصيل نكتة معنوية، ومراعاة السجع لفظية والأولى مقدمة على الثانية، وقد يقال تقديم النكتة المعنوية ليس على إطلاقه بل ما لم يعارضه ما يخل بحسن نظم الكلام وانتساق نسيجه، ولا شك أن في تأخير البيان الإخلال بذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 19
قوله:
(أحكام جزئياتها)
(1/33)
---(1/33)
أي جزئيات موضوعها، وتعرف جزئيات موضوعها هو أن تجعل القاعدة كبرى قياس وتضم إليها صغرى سهلة الحصول لينتج المطلوب كقولنا: أقيموا الصلاة أمر والأمر للوجوب حقيقة فأقيموا الصلاة للوجوب حقيقة. قوله: (نحو الأمر للوجوب حقيقة) هذه قاعدة من أصول الفقه. فإن قيل: لم قدم عند التمثيل للقواعد ما يتعلق بأصول الفقه على ما يتعلق بأصول الدين وعكس عند التمثيل للقواطع؟ أجيب: بأنه قدم في الأول ما يتعلق بأصول الفقه لتقدم أصول الفقه في الكتاب ولكونه المقصود الأهم منه. وقدم في الثاني ما يتعلق بأصول الدين لأن القطعية أكثر في أصول الدين بل كلها قطعية على ما يشير إليه قوله الآتي، فإن من أصول الفقه ما ليس بقطعي، ولم يذكر مثل ذلك في أصول الدين اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 19
قوله:
(والعلم ثابت لله)
هذه قاعدة من أصول الدين باعتبار متعلقها أي المعلومات إذ العلم وغيره من الصفات الذاتية أمر واحد لا تكثر فيه كما تقرر في محله. فإن قيل: ما الحامل للشارح على التمثيل بقوله: العلم ثابت لله المحوج للتأويل بما ذكر؟ وهلا مثل بنفس القاعدة التي هي متعلق العلم هي قولنا: كل شيء معلوم لله؟ وأجيب: بأن الحامل له على ذلك التنبيه على أن المصنف كغيره أراد بالقاعدة أعم مما تكون قاعدة بنفسها أو بما تؤول إليه بدليل تمثيله في فن أصول الدين كما سيأتي بقوله علمه شامل لكل معلوم فإن هذا ليس بقاعدة بنفسه لعدم كلية الموضوع كما تبين بل باعتبار تأويله بقولنا: كل شيء معلوم لله تعالى سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 20
قوله:
(والقاطعة بمعنى المقطوع بها الخ)
(1/34)
---(1/34)
. إن قلت في عبارته تناف لأن قوله بمعنى المقطوع بها يفيد أنه لا تجوز في الإسناد بل في المسند. وقوله: من إسناد ما للفاعل الخ يفيد عكس ذلك من أن التجوز في الإسناد لا في المسند. قلنا: لم يرد بقوله بمعنى المقطوع بها أنها هنا مستعملة بهذا المعنى وإن اسم الفاعل مراد به اسم المفعول حتى يحصل التناقض، بل أراد بذلك بيان حال القواعد في الواقع من أنها مقطوع بها لا قاطعة حتى يظهر التجوز في الإسناد قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 20
قوله:
(لملابسة الفعل)
أراد بالفعل الحدث. قوله: (كالعقل) في التمثيل به للأدلة تجوز إذ الدليل ليس هو نفس العقل بل ما يحكم به العقل كقولنا في إثبات العلم لله مثلاً: الله تعالى فاعل فعلاً متقناً وكل فاعل فعل متقن عالم ينتج الله تعالى عالم، ويمكن أن يكون في العبارة مضاف محذوف أي كنظر العقل أو يؤول العقل بالمعقول وهو المعنى الذي يحكم به العقل. وقوله: المثبت للعلم والقدرة. فيه جعل إثبات العلم والقدرة لله تعالى من القواعد لأن قوله: كالعقل تمثيل لأدلة القواعد، فيرد عليه ما ورد على قوله السابق: والعلم ثابت لله. ويجاب عنه بما أجيب به عن ذاك، فالمعنى كالعقل المثبت لقاعدة العلم والقدرة أي القاعدة المتعلقة بالعلم، والقاعدة المتعلقة بالقدرة وهما قولنا: كل شيء معلوم لله وكل ممكن مقدور لله تعالى. قوله: (والنصوص والإجماع) مفاده أن كلاً منهما قد يفيد القطع، وسيأتي بيان الأول قبل بحث المنطوق والمفهوم والثاني في كتاب الإجماع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 20
قوله:
(المثبتة للبعث والحساب)
(1/35)
---(1/35)
أي لمضمون قولنا: كل مخلوق مبعوث وكل مكلف محاسب، وإسناد ذلك إلى النصوص والإجماع لأنه لاحظ للعقل في الحكم بوقوعه وإنما حظه الحكم بإمكانه. وأما وقوعه فموكول إلى السمع والإجماع. ولما كانت أصول الدين على قسمين: عقلية وسمعية مثل للأول بالعقل وللثاني بالنصوص والإجماع. ولما كان قوله: وكإجماع الصحابة من أمثلة الأدلة المثبتة لأصول الفقه فصله بالكاف تنبيهاً على أنه نوع آخر. قوله: (المثبتة لحجية القياس وخبر الواحد) أي لمضمونهما في قولنا القياس حجة وخبر الواحد حجة. قوله: (حيث عمل الخ) فيه إشارة إلى أن هذا الإجماع سكوتي. فإن قيل: الإجماع السكوتي ظني ولهذا اختلف في حجيته كما سيأتي في باب الإجماع فكيف صح التمثيل به للأدلة القطعية؟ قلنا: قد أشار الشارح بقوله: متكرراً شائعاً الخ إلى أن هذا الإجماع ليس من السكوتي الظني لامتيازه عنه بتكرر العمل به وشيوعه، وكون الذي سكت عنه من الأصول العامة وذلك يوجب القطعية، فقوله: وفاق عادة أي قطعاً. قوله: (الذي هو الخ) صفة للسكوت والضمير مبتدأ وهو عائد على السكوت. وقوله: وفاق خبره والجملة صلة الذي. وقوله: في مثل ذلك المشار إليه القياس وخبر الواحد. وقوله: من الأصول العامة بيان للمثل، وأراد بالمثل كالاستحسان والاستقراء، وأراد بمثل ذلك ومثله أي الذي هو في القياس وخبر الواحد وشبههما الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 21
قوله:
(تغليب)
(1/36)
---(1/36)
أي غلبت القواطع بالنسبة لأصول الفقه والقواعد بالنسبة لأصول الدين، وقد يقال: ما ذكره من التغليب مبني على ما قاله من أن قول المصنف من فن الأصول بيان لقوله: بالقواعد القواطع كما قدمه وهو غير لازم لجواز أن تكون من تبعيضية والجار والمجرور حال من القواعد، والباء في بالقواعد للملابسة وهو حال من ضمير الآتي، والتقدير الآتي حال كونه ملتبساً بالقواعد القواطع حال كونها بعضاً من فن الأصول، وذلك لا يقتضي أن يكون جميع ما فيه قواعد قواطع حتى يحتاج إلى دعوى التغليب لكن ما ذكره من البيان هو الظاهر. قوله: (كحجية الاستصحاب) أي استصحاب الأصل أي التمسك به كاستصحاب الطهارة لمن أيقن بها، ثم شك هل أحدث أم لا؟ فلا يجب عليه وضوء استصحاباً للأصل وهو الطهارة عند الشافعي . وأما عندنا فلاً بل يجب الوضوء، فلو كانت حجة الاستصحاب قطعية لم يخالف فيها في هذه الجزئية الإمام مالك .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 21
قوله:
(ومفهوم المخالفة)
أي بجميع أقسامه العشرة. وهي: الصفة والشرط والغاية والعلة والاستثناء والظرفان والعدد والحصر واللقب كقوله في الغنم السائمة الزكاة، فأوجبها الشافعي رضي الله عنه في السائمة دون المعلوفة عملاً بمفهوم السائمة ولم يعتبره الإمام مالك رضي الله تعالى عنه، فأوجب الزكاة في المعلوفة كالسائمة، فلو كان مفهوم المخالفة حجة قطعية لما خالف الإمام مالك رضي الله تعالى عنه فيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 21
قوله:
(كعقيدة أن الله موجود)
(1/37)
---
أي فإن هذه قضية غير كلية لعدم كلية موضوعها، إذ الحكم فيها على ذات معين وهو الله عزّ وجلّ. والظاهر أن الإضافة في قوله: كعقيدة أن الله موجود بيانية، وأن العقيدة بمعنى المعتقد أي كمعتقد هو أن الله موجود الخ، والداعي لذلك لملايمة لقوله: ومن أصول الدين ما ليس بقاعدة أي والذي من أصول الدين المسائل المعتقدة لا نفس الاعتقاد فليتأمل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 21
قوله:(1/37)
(وإنه ليس بكذا)
أي ليس جسماً ولا عرضاً ولا مركباً ولا في جهة ونحو ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 22
قوله:
(الذي هو الأصل)
أي المقصود. قوله: (من غير إلباس) أي في التعبير بالأصلين بخلاف التعبير بالأصولين فإنه ملبس بجمع الأصولي. وفيه بحث لأن الأصولين بياء واحدة والجمع المذكور بياءين فأين الإلباس. اللهم إلا أن يقال: قد يذهل عن كونه بياءين، فاللبس حاصل. وفيه نظر إذ يمكن مثل ذلك في الأصلين إذ يمكن أنه جمع أصلي بناء على الذهول عن كونه بياءين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 22
قوله:
(مبلغ ذوي الجد الخ)
هو مصدر ميمي كما أشار له الشارح بقوله: أي بلوغ الخ وهو مبين لنوع عامله، والأصل البالغ من الإحاطة بالأصلين بلوغاً مثل بلوغ ذوي الجد والتشمير فحذف الموصوف ووصفه وأقيم المضاف إلى وصفه مقامه ثم أبدل بمرادفه وهو مبلغ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 22
قوله:
(من تلك الإحاطة)
(1/38)
---(1/38)
متعلق بقوله بلوغ. وفي عبارة المصنف حينئذ احتباك وهو أن يحذف من كل من طرفي كلام مماثل ما ذكره في الطرف الآخر، فقد حذف من قوله: البالغ من الإحاطة بالأصلين قوله بلوغاً وذكر مثله بقوله: مبلغ ذوي الجد والتشمير وحذف من قوله مبلغ ذوي الجد والتشمير قوله: من تلك الإحاطة، وقد ذكر مثله في قوله: البالغ من الإحاطة. ثم إن من في قول المصنف من الإحاطة وقوله الشارح من تلك الإحاطة يحتمل كونها بمعنى في على حد قوله تعالى: {أروني ماذا خلقوا في الأرض} (فاطر: 40) أي فيها ويصح كونها تبعيضية. وتقريره أن الإحاطة بالأصلين مقولة بالتشكيك على مراتب، فالكتاب بلغ من تلك المراتب بلوغ ذوي الجد منها وهي المرتبة القصوى وقوله: ذوي الجد هو بكسر الجيم وقد تفتح: الاجتهاد، ومن الفتح قوله: ولا ينفع ذا الجد منك الجد أي لا ينفع صاحب الاجتهاد اجتهاده. وقوله: والتشمير عطفه على ما قبله من عطف المسبب أو اللازم على التسبب أو الملزوم أو بالعكس، والمراد التسبب أو للزوم العرفي الغالبي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 22
قوله:
(أي الجائي)
أراد بالجائي الحاصل فقد أطلق الملزوم وهو المجيء وأريد لازمه وهو الحصول فهو مجاز مرسل علاقته الملزومية والقرينة استحالة الورود الحقيقي. قوله: (تقريباً) إنما قال تقريباً لأن الزهاء مصدر زهوته بمعنى حزرته، والحزر إنما يفيد التقريب فلزم أن يكون الزهاء القدر التقريبي. قوله: (قلبت الواو الخ) جواب سؤال تقديره قضية كونه من زهوته أن يكون زهاو بالواو لكون فعله واوياً.
(1/39)
---(1/39)
قوله: (حال من ضمير الوارد) فيه من المبالغة ما ليست في جعله مفعولاً لوارد كما تقول: ورد المنهل وإن كان الثاني أنسب بما قدمه من تقديم البيان على المبين بأن يجعل من زهاء مائة مصنف بياناً لما بعده، والمعنى عليه أنه وصف كتابه بأنه ورد منهلاً يروى ويمير هو قريب من مائة مصنف في الأصول فروى منه وامتار. فشبه الكتب التي امتد منها كتابه بمنهل يروى ويمير من ورده، وشبه كتابه لكثرة ما فيه بمن ورد ذلك المنهل وكل منهما استعارة تحقيقية، وذكر الأرواء والمير ترشيح هذا على جعله مفعولاً وهو خلاف ما اختاره الشارح من إعرابه حالاً لأنه أبلغ كما تقدم، وعليه فيقال شبه كتابه لكثرة ما اشتمل عليه من الفوائد بالمنهل الذي يروى ويمير بجامع كثرة النفع بكل، واستعير لفظ المنهل للكتاب استعارة تصريحية، وذكر الأرواء والمير ترشيح. لا يقال: جعل يروى ويمير ترشيحاً يقتضى كونهما مستعملين في معناهما الحقيقي وقد حملهما الشارح على المجاز بدليل قوله الآتي، ومن استعمال الجوع والعطش الخ على ما سنبينه فلا يكونان حينئذ ترشيحاً. لأنا نقول: الترشيح لا يلزم أن يكون باقياً على معناه بل يجوز فيه ذلك، وكونه مستعاراً من ملايم المشبه به الملايم المشبه، وكونه مجازاً مرسلاً كما تقرر ذلك عند علماء البيان. ثم إن ما ذكر من جعل منهلاً استعارة إنما يتمشى على مختار السعد ومن حذا حذوه في تجويزهم كون أسد من قولنا: زيد أسد استعارة للرجل الشجاع الذي زيد جزئي من جزئياته، وليس في الترتيب اجتماع الطرفين لأن المستعار له الرجل الشجاع لا زيد كما تقرر في محله. وأما على مذهب القوم الذين يرون ذلك من التشبيه البليغ لوجود الطرفين، فالجاري عليه أن يكون منهلاً تشبيهاً بليغاً بحذف الأداة لا إستعارة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 22
قوله:
(أي كل عطشان الخ)
(1/40)
---(1/40)
إنما قدر المفعول كل عطشان دون كل من ورد مثلاً لأنه أنسب، لأن معنى يروى يزيل العطش، وتعليق إزالة العطش بالعطشان أنسب من تعليقه بنحو من ورد وأعم إذ يشمل غير الوارد أيضاً وأبلغ لما فيه من الإشارة إلى أنه بلغ من الكثرة إلى أن عم جميع البقاع بنحو فيضان ونقل، وكذا يقال في تقدير مفعول يمير. قوله: (إلى ما هو فيه) تخصيص للمفعول المحذوف لعدم إمكان التعميم إلى غير ما هو فيه، ولفظة ما واقعة على فن، وضمير هو يعود إلى جمع الجوامع، وضمير فيه يرجع إلى ما التي أريد بها الفن أي إلى فن جمع الجوامع في ذلك الفن. قوله: (من مار أهله) أتى به دليلاً لقوله: قبل بفتح أوله. واعلم أنه يجوز أن يكون يمير بضم أوله من أمار. قوله: (يعني يشبع كل جائع) أتى بيعني إشارة إلى أن يمير ليس مستعملاً في حقيقته التي هي الإتيان بالميرة بل في لازمه الغالب وهو الإشباع، فهو تفسير مراد لا تفسير مفهوم اللفظ. وفي قوله: أي الطعام الذي من صفته الخ إشارة إلى علاقة استعمال يمير بمعنى يشبع وهو اللزوم الغالب أو السببية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 23
قوله:
(بقرينة السياق)
(1/41)
---(1/41)
أي سياق المدح وهو راجع لقوله: للتعميم. قوله: (تورد) هو قيد فإذا لم تورد لا تسمى منهلاً. قوله: (ووصفه الخ) جواب عن سؤال تقديره: أن الإشباع من صفة الطعام لا الماء فكيف يوصف به المنهل؟ وحاصله أنه لا بدع في ذلك إذ الإشباع قد ثبت للماء في الجملة لثبوته لبعض أفراده كماء زمزم، فالفاء في قوله: فإنه تعليلية. قوله: (ومن استعمال الجوع والعطش الخ) لم يذكر مثل ذلك في قوله: يروى ويمير، فإنهما أيضاً مستعملان في غير معناهما للعلم بذلك مما ذكره في الجوع والعطش لأنهما تابعان لذلك في المعنى، ولم يكتف في التمثيل بقوله: جعت وعطشت إلى لقائك أي اشتقت مع إفادته المعنى المقصود وكونه أخصر مما قاله لئلا يتوهم رجوع قوله: أي اشتقت لجموع الأمرين لا لكل فرد، وأن التجوز في المجموع من حيث هو مجموع كذا قيل. قوله: (أيضاً) أي كما بلغ من الإحاطة المبلغ المتقدم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 23
قوله:
(أي خلاصة)
(1/42)
---(1/42)
أشار إلى أن في العبارة استعارة تصريحية بأن شبه خلاصة ما اشتمل عليه الشرحان بالزبدة بجامع أن كلاً هو المقصود لما هو منه والمرغوب فيه، واستعيرت الزبدة للخلاصة استعارة تصريحية تحقيقية والقرينة إضافة الزبدة إلى ما بعدها. ثم يحتمل أن هذين الشرحين من جملة الكتب المذكورة في قوله: مائة مصنف، وإنما صرح بهما لئلا يتوهم خروجهما عنها مع كثرة فوائدهما. ويحتمل أنهما زائدان عليها وهو المناسب لقول الشارح أيضاً. وأورد أنه لم يشرح المنهاج بكماله بل كمل على ما شرحه والده منه. وأجيب بأنه لم يعتد بما شرحه والده لقلته بالنسبة لما شرحه هو فأطلق أنه شرحه. أو أنه غلب أحد الشرحين لتمامه على الآخر. أو بأن قولك: شرحي على كذا يصدق لغة بشرح البعض من ذلك. وإنما قال: شرحي على المختصر والمنهاج، ولم يقل: شرحي للمختصر والمنهاج باللام بدل على مع أنه أخصر تنبيهاً على تمكن شرحيه من ذينك المتنين تمكن من استعلى على شيء منه. قوله: (وناهيك بكثرة فوائدهما) الباء متعلقة بمحذوف وهي مع مدخولها خبر ناهيك أي ناهيك ثابت بكثرة فوائدهما عن تطلب غيرهما، ويصح كون الباء زائدة وكثرة خبر كما تقدم أو مبتدأ وناهيك خبر. والمعنى أن الذي اشتملا عليه من الفوائد ناهيك وكافيك عن أن تطلب غيرهما، يقال: زيد ناهيك من رجل وناهيك به، ومعنى الأول: أن زيداً بجده وعنايته ينهاك عن تطلب غيره لأن فيه كفايتك. ومعنى الثاني: أن ناهيك حاصل به فلا تطلب غيره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 24
قوله:
(بضبط المصنف)
(1/43)
---(1/43)
لم يرد بذلك إلا اتباع المروي عن المصنف لا أن التنوين يفيد خلاف ما تفيده الإضافة خلافاً لما تمحله سم مما لا فائدة في إيراده فراجعه إن شئت. قوله: (يعني المعنى المقصود منه) أحوجه إلى هذه العناية ورود بطلان الحصر بنحو الخطبة فإنها من مسمى الكتاب. فأجاب بأن المنحصر فيما ذكر المعنى المقصود منه. ثم إن أريد بالمقدمات والسبعة كتب الألفاظ كما هو المختار في مسمى الكتب والتراجم من أنها الألفاظ المخصوصة الدالة على المعاني المخصوصة كان الحصر من قبيل حصر المدلول في الدال، وليس من قبيل حصر الكل في أجزائه ولا الكلي في جزئياته ضرورة أن الألفاظ ليست أجزاء للمعنى المقصود ولا جزئيات له، وإن أريد بها المعاني كما هو قضية قوله: كتعريف الحكم وأقسامه جاز أن يكون الانحصار من قبيل انحصار الكل في أجزائه إن أريد بالمعنى المقصود جملة المعاني المخصوصة المعينة في الواقع، وأن يكون من انحصار الكلي في جزئياته إن أريد بالمعنى الكلي مفهومه الكلي لصدقه على كل واحد من المعاني التي في المقدمات والكتب، إذا علمت هذا فما أطلقه بعض أرباب الحواشي من أن الانحصار انحصار الكلي في الأجزاء إطلاق في محل التقييد. وههنا بحث حاصله: أن يقال: إن أريد بالمقصود المقصود بالذات خرجت المقدمات لأنها ليست مقصودة بالذات مع أن المصنف أدخلها فيه. وإن أريد ما هو أعم من المقصود بالذات دخلت الخطبة لأنها مقصودة للتبرك بما فيها من الحمد والصلاة، ولما فيها من الحث على تعاطي الكتاب بسبب الأوصاف التي وصفه بها، فهي مقصودة في الجملة مع أن المصنف أخرجها عنه. ويجاب باختيار الشق الأول ولا يلزم خروج المقدمات، وإنما يلزم خروجها لو أريد بالمقصود المقصود من العلم وليس كذلك، بل المراد المقصود من الكتاب كما يرشد إليه قوله: منه أي من جمع الجوامع، وقد يكون الشيء مقصوداً من الكتاب دون العلم، والمقدمات مقصودة بالذات من الكتاب وإن لم تكن مقصودة كذلك من العلم،(1/44)
(1/44)
---
ولا ينافي هذا الجواب قول الشارح: الآتي أي في أمور متقدمة أو مقدمة على المقصود بالذات الصريح في أن المقدمات غير مقصودة بالذات، لأن المراد هناك بالمقصود بالذات للعلم لا للكتاب كما هنا، وبذلك تجتمع أطراف كلامه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 24
قوله:
(كمقدمة الجيش)
أي في كونها بكسر الدال. وقوله: للجماعة متعلق بمحذوف صفة لمقدمة الجيش أو حال منها. وقوله: من قدم أي مأخوذة من قدم. قوله: (بمعنى تقدم) لم يقيده باللازم لأنه قد يتعدى كما يقال: زيد تقدمه عمرو فليتأمل. قوله: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) أي بضم التاء وكسر الدال ومعناه لا تتقدموا. قوله: (كمقدمة الرحل) أي مثلها في الفتح. قوله: (في أمور متقدمة الخ). إعلم أن مقدمة الكتاب اسم لطائفة قدمت أمام المقصود لارتباط له بها وانتفاع بها فيه سواء توقف عليها أم لا، ومقدمة العلم ما يتوقف عليه الشروع في مسائله من معرفة حده وموضوعه وغايته. فمقدمة الكتاب اسم للألفاظ المخصوصة الدالة على المعاني المخصوصة. ومقدمة العلم اسم للمعاني المخصوصة، فبين مفهوميهما التباين، وأما في الوجود فبينهما العموم والخصوص المطلق والأعم مقدمة الكتاب والأخص مقدمة العلم، فكلما وجدت مقدمة العلم وجدت مقدمة الكتاب من غير عكس، لأن مقدمة الكتاب قد يكون مدلولها ما يتوقف عليه الشروع في العلم، فتكون مقدمة كتاب من حيث اللفظ، ومقدمة علم من حيث المعنى، ويصدق عليها تعريف مقدمة الكتاب، لأن ما يتوقف عليه الشروع في العلم يرتبط به المقصود وينتفع به فيه، وقد لا يكون مدلولها ذلك، فتكون مقدمة كتاب فقط كمقدمة رسالة الوضع فإنها لم يذكر فيها تعريف الوضع ولا موضوعه ولا غايته، إذا علمت هذا علمت أن ما هنا مقدمة كتاب فقط إذ لم يذكر فيها الأمور الثلاثة أعني الحد والموضوع والغاية، فجعل سم أن ما هنا مقدمة كتاب وعلم أخذاً من قول الشارح: كتعريف الحكم فاسد إذ ليس تعريف الحكم
(1/45)
---(1/45)
واحداً من الثلاثة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 25
قوله:
(إذ يثبتها الأصولي تارة)
أي كقوله: الأفعال بعد البعثة لا تخلو عن حكم وينفيها أخرى كقوله: الأفعال قبل البعثة لا حكم فيها، وأراد أن الإثبات والنفي دليل التوقف إذ إثبات الشيء ونفيه فرع تصوره. وفيه أنه لا يحتاج في تصوّرها إلى التعريف المفيد للكنه بل التصور بوجه ما كاف في صحة الحكم، ويمكن أن يجاب بأن التصور بالتعريف من ما صدقات التصور بوجه ما فالتصور بالتعريف متوقف عليه في الجملة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 25
قوله:
(وسبعة كتب في المقصود بالذات)
(1/46)
---(1/46)
قد شاع استشكال هذه الظرفية وأمثالها، إذ ليست الكتب التي هي الألفاظ المخصوصة على المختار مظروفة في المقصود الذي هو معان مخصوصة بل العكس أقرب لما اشتهر من قولهم الألفاظ قوالب المعاني وهي وإن لم تكن ظروفاً حقيقة فهي دوال عليها. والجواب من وجوه: الأول حمل مثل ذلك على الاستعارة المكنية بأن شبه هنا الدال والمدلول وهما الكتب السبعة، والمقصود بالذات المذكور بالظرف والمظروف تشبيهاً مضمراً في النفس بجامع الارتباط بين شيئين في كل منهما، ولم يصرح من أركان التشبيه بسوى المشبه وهو الدال والمدلول، ودل على التشبيه بذكر ما يخص المشبه به وهو لفظة في. والثاني: حمل ذلك على الاستعارة التبعية بأن شبهت الحالة التي بين مطلق دال ومدلول بالحالة التي بين مطلق ظرف ومظروف، واستعيرت الحالة الثانية للأولى فسرت الاستعارة للحالتين الجزئيتين فاستعير لفظ في الدال على الحالة الجزئية بين الظرف والمظروف للحالة الجزئية بين الدال والمدلول الجزئيين بتبعية الاستعارة في الحالتين المطلقتين. والثالث: حمل ذلك على الاستعارة التمثيلية بأن شبه الهيئة المنتزعة من الدال والمدلول وارتباط أحدهما بالآخر بالهيئة المنتزعة من الظرف والمظروف وارتباط أحدهما بالآخر والجامع شدة التمكن في كل، واستعير للمشبه المركب الدال على المشبه به إلا أنه لم يصرح من المركب المستعار إلا بلفظة في اكتفاء بدلالتها عليه. والرابع: حمله على التشبيه البليغ بحذف الأداة أي وسبعة كتب كأنها في المقصود بالذات لشدة ارتباطها به. والخامس: حمله على حذف المضاف والتقدير في بيان المقصود بالذات، والمراد أن اللفظ الخاص في بيان المقصود بالذات، ولما كان بيانه ممكناً بغير هذه الألفاظ كان البيان محيطاً بها فجعل الشمول العمومي كالشمول الظرفي، ثم إن أريد بالبيان المعنى المصدري فجعل شموله للفظ المخصوص عمومياً تسامح، وإن أريد البيان ما يبين به فلا إشكال. بقي أن يقال: قد يستشكل(1/47)
(1/47)
---
كون الكتب السبعة في المقصود بالذات مع اشتمال السابع على ما ليس منه وهوما ختم به السابع من أوصاف الكتاب. والجواب أولاً: بمنع أن ما ختم به من أوصاف الكتاب من جملة السابع وإن اتصل به حساً. وثانياً: بأن المراد عرفاً بقولنا: الكتاب في كذا إما أن كذا هو المقصود منه بالذات وإما أنه في كذا وما يناسبه، وعلى التقديرين فلا يضر اشتماله على شيء آخر من سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 26
قوله:
(خمسة في مباحث أدلة الفقه)
المباحث جمع مبحث بمعنى محل البحث ويفسر بالقضايا إذ هي محل البحث الذي هو إثبات المحمول للموضوع، فمعنى مباحث أدلة الفقه القضايا المشتملة على إثبات أحوال أدلة الفقه لتلك الأدلة. قوله: (التعادل والتراجيح) إنما لم يأت بهما على صيغة واحدة لأن الأول وصف لها والثاني وصف للمرجح، ولاستواء الأول واختلاف الثاني بكثرة أسبابه أفرد في الأول وجمع في الثاني. قوله: (عند تعارضها) متعلق بالتراجيح وأراد بقوله: بين هذه الأدلة الخ بيان مناسبة ذكر التعادل والتراجيح عقب الأدلة، وبقوله: الرابط لها بمدلولها أي عند المجتهد بيان مناسبة ذكر الاجتهاد عقب ما ذكره. وقوله: وما يتبعه عطف على الاجتهاد. قوله: (وما ضم إليه) أي إلى الاجتهاد لا إلى ما يتبعه لأن الضم إلى المتبوع أولى منه إلى التابع، ولأن اتحاد مرجع الضمائر أولى. قوله: (المفتتح الخ) قصد به بيان أن ضمه إليه أي إلى الاجتهاد بسبب افتتاحه بمسألة من تابعه. قيل: أن مفتتح الشيء منه. فكون المسألة المذكورة من علم الكلام تغليب إذ هي من مسائل الفقه. ورد بأن كون مفتتح الشيء منه أغلبي لا دائمي: فقد صرح النووي في افتتاح خطبة العيد بالتكبير بأن التكبير ليس منها وأن الشيء قد يفتتح بما ليس منه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 26
قوله:
(بمسألة التقليد في أصول الدين)
(1/48)
---(1/48)
هو بتنوين مسألة لأنه افتتحه بقوله: مسألة التقليد في أصول الدين الخ، وقراءته بالإضافة وإن صح لا تفيد هذا المعنى نصاً. قوله: (المختتم بما يناسبه من خاتمة التصوف) قد يقال لما ذكر هنا لفظ خاتمة وتركه فيما مر. ويجاب بأن كلامه فيما مر ناظر إلى المعاني وهنا إلى المباني والتراجم بدليل قوله: المفتتح بمسألة التقليد زكريا. قوله: (الكلام في المقدمات) مبتدأ وخبر. والكلام إن أريد به المتكلم به. وبالمقدمات الألفاظ المخصوصة كما هو المشهور من أن مسمى التراجم والكتب الألفاظ. فالظرفية من قبيل ظرفية الأخص للأعم وإن أريد بها المعاني، فمن ظرفية الدال في المدلول من حيث أن المعنى يؤتى به أولاً ثم يؤتى بالألفاظ على طبقه قاله السعد وفيه شيء، أو من حيث أن تلك المعاني تؤدي بهذه الألفاظ وبغيرها، فنزل العموم الشمولي منزلة العموم الظرفي وإن أريد بالكلام التكلم، ففي الظرفية الأوجه المتقدمة في قول المصنف: سبعة كتب في المقصود بالذات فراجعها. هذا والجاري على قوله: فيما يأتي الكتاب الأول الثاني أن يقول بالمقدمات. وما قيل من أنه لو قال: المقدمات لأوهم أن المذكور بعدها تعريف لها ليس بشيء، وأضعف منه أنه إنما قال الكلام الخ إشارة إلى الاعتناء بشأن المقدمات حتى كان الكلام جميعه منحصراً فيها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 27
قوله:
(افتتحها بتعريف أصول الفقه)
(1/49)
---(1/49)
فيه أن الأولى افتتحه بتذكير الضمير العائد على الكلام لأنه المحدث عنه. وقد أجيب بأنه أشار بجعل الضمير للمقدمات إلى بعضية التعريف منها. قلت: وفيه أنه لا حاجة لهذا إذ يعلم كونه من المقدمات بكونه من الكلام الذي هو عينها. قوله: (ليتصوره طالبه) فيه أن هذا يحصل بذكر تعريف الأصول آخر المقدمات، فالعلة لا تفيد المدعي. وأجيب بأن المراد ليتصوره من أول الأمر. قوله: (الكثيرة) أي جداً فاندفع ما قيل أن الكثيرة تصدق بنحو العشرين ونحوها مثلاً وهي ممكنة التصور بالعد دون الحد. قوله: (ليكون على بصيرة) علة لقوله: ليتصوره فهو علة للعلة أو هو علة للمعلل مع علته. وأورد أنه إن أراد مطلق البصيرة فهو غير متوقف على التعريف. وإن أراد أكمل البصيرة فغير كاف فيها التعريف لتوقفها على بيان الموضوع والغاية أيضاً. وقد يقال: القسمة ثلاثية: مطلق بصيرة وبصيرة كاملة وبصيرة أكمل، والمراد الثانية لأنها المفادة بالتعريف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 27
قوله:
(في تطلبها)
أي تحصيلها شيئاً فشيئاً كما تفيده الصيغة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 28
قوله:
(قبل ضبطها)
أي بسبب التعريف كما هو السياق. قوله: (لم يأمن فوات ما يرجيه الخ) قيل: عليه كان قياس صنيعه أن يقول بدل لم يأمن الخ: لم يكن على بصيرة مع أنه الأخصر. وأجيب بأنه لما كان المترتب على عدم كونه على بصيرة هو ما ذكره آثره بالذكر لكونه ثمرة عدم البصيرة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 28
قوله:
(وضياع الوقت الخ)
عطف على قوله: فوات عطف لازم على ملزوم. قوله: (أي الفن المسمى بهذا اللقب الخ) أشار بذلك إلى أن أصول الفقه في الأصل مركب إضافي لقب قصد به المدح ثم صار اسماً علماً جنسياً على ما هو المشهور لهذا الفن، فالإشعار المذكور بالنظر لهذا المركب قبل التسمية به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 28
(1/50)
---
قوله:
(دلائل الفقه)(1/50)
أراد بالدلائل القواعد أو هو على حذف المضاف أي مسائل الدلائل، وإلا فالدلائل عند الأصوليين مفردات كما تقرر، والدليل على ما حملنا عليه عبارته قوله: السابق الآتي من فن الأصول بالقواعد القواطع مع قول الشارح: إن من فن الأصول بيان لما بعده. والحاصل أن أصول الفقه هي المسائل الكلية المبحوث فيها عن أحوال أدلته بأن تجعل تلك الأدلة المفردة كالأمر والنهي، وما ذكر معه موضوعات لقضايا، وتجعل تلك الأحوال محمولات لها كقولنا: الأمر للوجوب والنهي للتحريم، وعلى هذا القياس فالأمر والنهي وما معهما موضوع علم الأصول لا نفسه. وبما قررناه اتضح لك قولهم: موضوع كل علم ما يبحث فيه من عوارضه الذاتية. وإنما قال دلائل الفقه ولم يقل دلائله مع كونه أخصر لأن الضمير حينئذ لا يصح عوده للفقه لأنه جزء علم، لأن هذا المركب الإضافي قد صار علماً لأصول الفقه، ولا لأصول الفقه لفساد المعنى فتعين الإظهار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 28
قوله:
(أي غير المعينة)
(1/51)
---(1/51)
تفسير باللازم إذ الإجمال لغة الاختلاط. وعرفاً عدم الإيضاح وكلاهما يلزمه عدم التعيين، ولا شك أن الأدلة الإجمالية غير معين فيها الجزئيات لعدم إشعار الكلي بجزئي معين. قوله: (كمطلق الأمر) من إضافة الصفة إلى الموصوف وكذا ما بعده، وأراد بذلك القاعدة المشتملة على مطلق الأمر أي التي جعل موضوعها مطلق الأمر ومحمولها كونه للوجوب، والقاعدة التي جعل موضوعها مطلق النهي ومحمولها كونه للحرمة، وعلى هذا القياس فيما بعده بدليل قوله: (المبحوث عن أولها الخ) أي المخبر عن أولها بكونه للوجوب الخ، إذ البحث الاخبار والحمل، فسقط اعتراض بعضهم بأن التمثيل بمطلق الأمر وما معه غير جيد لأنها مفردات وموافقة شيخنا له محتجاً بأن مفاد قوله: المبحوث تقييد الأمر وما معه بكونه مبحوثاً عنه بما ذكر فهي مفردات مقيدة لا قضايا. قوله: (وغير ذلك) عطف على الأمر والإشارة ترجع للمذكور من الأمر وما معه، وأراد بالغير نحو المطلق والمقيد والظاهر والمؤول العام والخاص. قوله: (مع ما يتعلق به) متعلق بيأتي وأراد بذلك كونها مبحوثاً عنها بنحو قولنا: المطلق يحمل على المقيد والعام يقبل التخصيص، وقول شيخنا أن قوله مع ما يتعلق به يرجع للجميع أي للأمر وما معه، ولغير ذلك فيه أن الأمر وما معه المبحوث عنه بما تقدم غير محتاج في كونه قضية لما يتعلق به على أنه لم يتبين بعد فالصواب ما قلناه أولاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 28
قوله:
(نحو أقيموا الصلاة الخ)
(1/52)
---(1/52)
لم يقيد الأدلة التفصيلية بما يفيد أنها قضايا مع أنه المراد اعتماداً على ما قيد به الإجمالية كما هو واضح، فاندفع قول شيخنا أن مفاد كلامه أن الدلائل التفصيلية مفردات لا قضايا. قوله: (فليست أصول الفقه) كان المناسب أن يقول: فليست من أصول الفقه لكنه حاذى عبارة المصنف في قوله: أصول الفقه دلائله الإجمالية. وقال سم: لو قال فليست من أصول الفقه احتمل شيئين كونها ليست بعضاً من أصول الفقه ولا كلاً، وكونها ليست بعضاً منه بل هي أصوله. وأما قولنا: فليست أصول الفقه فمعناه ليست أصوله كلاً ولا بعضاً. قلت: وكذا قوله فليست أصول الفقه صادق بأن يكون المعنى فليست أصول الفقه كلاً بل هي بعض أصوله على أن الاحتمال الثاني الذي ذكره لا يكاد يتوهم في المقام، فالصواب ما قلناه أولاً. قوله: (وقيل معرفتها) أي معرفة تلك القواعد الإجمالية أي التصديق بوقوع نسبة تلك القضايا أي إدراك وقوعها، فهي في قولنا الأمر للوجوب حقيقة إدراك وقوع ثبوت الوجوب حقيقة لمطلق الأمر، وإدراك وقوع ثبوت التحريم لمطلق النهي وعلى هذا القياس. واعلم أن مسمى كل علم يطلق على مسائله التي هي القواعد الكلية، ويطلق على إدراك تلك القواعد وعلى الملكة الحاصلة من إدراكها، فمن عرف الأصول بدلائل الفقه الإجمالية نظر إلى الأول، ومن عرفه بالمعرفة نظر إلى الثاني. وأما الثالث فلا وجه له هنا، فقد علمت أن كل تعريف من التعريفين صحيح وصواب، فما أفهمته عبارة المصنف من أولوية الأول على الثاني غير مسلم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 29
قوله:
(إذ الأصول لغة الأدلة)
(1/53)
---(1/53)
قيل: عليه أن الأصل لغة ما يبنى عليه غيره سواء كان دليلاً أو غيره، فالدليل فرد من أفراده فكيف هذا الحصر؟ وأجيب بأنه لما كان فرداً من أفراده صح إطلاقه عليه والحصر إضافي أي بالنسبة لعدم إطلاقه على المعرفة أي الأصول الأدلة لا المعرفة. وقد يقال: الأصول المحدث عنه الأصول المضافة للفقه في قولنا: أصول الفقه لا مطلق الأصول وهي بمعنى الأدلة، إذ أصول الفقه ما يستند إليه الفقه والمستند إليه إنما هو الدليل اهـ. سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 29
قوله:
(المتلبس به)
أشار بذلك إلى أن نسبة الشخص إلى الأصول من حيث تلبسه به لا من حيث أنه متهيىء لذلك مثلاً. وأورد أن هذا إنما يتمشى على تعريف أصول الفقه بمعرفة الأدلة لا بالأدلة إذ هي التي يتلبس بها الشخص. وأجيب بأن المراد بالتلبس ما يشمل التلبس بلا واسطة وهو التلبس بالمعرفة والتلبس بالواسطة وهو التلبس بالقواعد بواسطة التلبس بمعرفتها قاله سم. قلت: فالتلبس بالقواعد مجازي لا حقيقي فالجواب ليس بالقوي. واعلم أن مسمى الأصولي هو العارف بالدلائل الإجمالية وبالمرجحات وبصفات المجتهد. وأما المجتهد وهو المستفيد للأحكام الفقهية من الدلائل فهو العارف بالدلائل الإجمالية وبالمرجحات التي بها يعرف ما هو الدليل المفيد للحكم الفقهي من الأدلة التفصيلية عند تعارضها ويكون متصفاً بصفات المجتهد المعبر عنها بشروط الاجتهاد، ففرق بين الأصولي والمجتهد من حيث الصفات المذكورة، فإن المعتبر في مسمى الأصولي معرفتها وفي مسمى المجتهد قيامها به لاستنباطه بها الأحكام بخلاف الأصولي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 29
قوله:
(يعني المرجحات الخ)
(1/54)
---(1/54)
أتى بالعناية لأن حقيقة الطرق هي المسالك، وقد أريد بها هنا المرجحات تشبيهاً لها بالمسالك بجامع التوصل بكل إلى المقصود، واستعير لها لفظ الطرق استعارة مصرحة والقرينة الإضافة، وكذا يقال في قوله: الآتي يعني صفات المجتهد كذا لبعضهم وهو حسن. ولا حاجة لقول شيخنا: الأولى أن يقال: إنما أتى بالعناية لأن المتبادر من طرق استفادة الأدلة الإجمالية أنها الكتاب والسنة، فلما كان حملها على المرجحات خلاف المتبادر منها احتاج إلى العناية. وأما كون المراد بالطرق المسالك فغير متوهم هنا. ولا يخفى أن توجيه الإتيان بالعناية بكون المعنى الذي حمل عليه اللفظ مجازياً أمر مناسب في المحلين بخلاف ما قاله، فإنه وإن صح في الأول لم يصح في الثاني أعني قوله: وبطرق مستفيدها فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 30
قوله:
(وبطرق مستفيدها)
(1/55)
---(1/55)
أشار بذلك إلى أن مستفيدها عطف على استفادتها. واعلم أن الطرق تارة تضاف إلى الفاعل وهو الشخص الذي يتوصل بها إلى محل قصده كما يقال طريق الحاج، وتارة تضاف إلى المفعول أي محل القصد كما يقال طريق مكة، وتعرف الأولى بأنها التي يتوصل بها إلى المطلوب، والثانية بأنها التي توصل إلى المطلوب. وقول المصنف وبطرق استفادتها من الثاني. وقوله: ومستفيدها بالعطف على المضاف إليه كما قال الشارح من الأول، فقول الكمال: إن جعل الشارح مستفيدها عطفاً على المضاف إليه فيه تكلف وألجأه إلى ذلك عدم تكرير المصنف الباء، والأولى كونه عطفاً على المضاف وهو طرق غير جيد، ولعل وجه التكلف الذي أشار إليه أن المفهوم من قولنا: طرق المستفيد الطرق الموصلة إليه وهو فاسد، وقد علمت دفعه بما أسلفناه وعلى ما قاله يصير التقدير والأصولي العارف بطرق استفادتها وبمستفيدها، فإن أراد ما يفيده ظاهر العبارة من العلم بذات المستفيد فهو واضح الفساد، وإن أراد العلم بها من حيث صفاتها أو كان الكلام على حذف المضاف أي بصفات مستفيدها فقد رجع إلى ما قاله الشارح المحقق، فما قاله هو المتكلف لا ما ذكره الشارح سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 30
قوله:
(وبالمرجحات الخ)
(1/56)
---(1/56)
متعلق بتستفاد قدم عليه للحصر لأن استفادة تعيين ما هو الدليل للحكم الشرعي الذي يراد إثباته دون غيره من الأدلة التفصيلية عند تعارضها إنما هي بمعرفة المرجح الذي قام به دون غيره، مثال ذلك أن يدل دليل على وجوب الوتر وآخر على سنيته وأحدهما نص والآخر ظاهر، فالدليل هو الأول لترجحه بكون دلالته نصاً. وإيضاح ما أشار له الشارح يتوقف على ذكر مقدمة يتضح بها إن شاء الله المقام وهي أن يقال: العلم بالأحكام الشرعية الذي هو الفقه مستفاد من الأدلة التفصيلية كما سيقول المصنف، واستفادته منها تتوقف على أمور ثلاثة: الأدلة الإجمالية والمرجحات وصفات المجتهد. أما الأول فلأن الدليل التفصيلي إنما يستدل به على الحكم الذي أفاده بواسطة تركبه مع الدليل الإجمالي الذي هو كلي له بجعل الدليل التفصيلي مقدمة صغرى، ثم يؤتى بالدليل الإجمالي ويجعل كبرى لهذه المقدمة فينتظم من ذلك قياس من الشكل الأول منتج للحكم التفصيلي، كما إذا أردنا الاستدلال بقوله تعالى: {أقيموا الصلاة} (البقرة: 43) على وجوبها فنقول: أقيموا الصلاة أمر والأمر للوجوب حقيقة فينتج أقيموا الصلاة لوجوبها حقيقة، وقد مرّ ذلك في تقرير قول الشارح، والقاعدة أمر كلي يتعرف منه أحكام موضوعه أي جزئيات موضوعة. وأما الثاني فلأن معرفة المرجحات بها يعلم ما هو دليل الحكم دون غيره من الأدلة التفصيلية عند تعارضها كما تقدم بيانه. وأما الثالث فلأن المستفيد للأحكام من الأدلة التفصيلية وهو المجتهد إنما يكون أهلاً لاستفادتها منها إذا قامت به صفات الاجتهاد التي ستأتي فقد علم ابتناء الفقه على هذه الثلاثة فهي أصوله. فإن قيل: مقتضى ما قررته كون الدلائل التفصيلية من أصوله أيضاً لابتناء الفقه عليها كما هو بين. قلنا: مسلم ذلك لكن لما كانت أفرادها غير منحصرة لم يحسن جعلها جزءاً من مسمى الأصول وفي الإجمالية غنى عنها لكونها كلياتها، ويعلم من الكليات حكم الجزئيات، والتعريف إنما يكون(1/57)
(1/57)
---
بالكليات دون الجزئيات، فمسمى أصول الفقه هذه الثلاثة أعني قواعده الإجمالية والمرجحات وصفات المجتهد. والأصولي من يعرف ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 30
وأما المجتهد فهو من يعرف الدلائل المذكورة والمرجحات وقامت به الصفات المذكورة، هذا ما ذهب إليه جمهور الأصوليين من أن أصول الفقه تلك الأمور الثلاثة، وأن المرجحات وصفات المجتهد طريق لاستفادة الأدلة التفصيلية لا الإجمالية، وأن المعتبر في مسمى الأصولي معرفة تلك الأمور الثلاثة، وأما المستفيد للأحكام وهو المجتهد، فالمعتبر في مسماه معرفة تلك الدلائل ومعرفة المرجحات وقيام الصفات المذكورة به كما تقدم كل ذلك، وذهب المصنف رحمه الله تعالى إلى أن أصول الفقه دلائل الفقه الإجمالية فقط كما صرح به هنا، وإن المرجحات وصفات المجتهد طريقان لاستفادة الدلائل الإجمالية وليستا من مسمى الأصول كما قال في منع الموانع. وأجاب عما أورد عليه من أن المناسب حينئذ عدم ذكرهما في تعريف الأصولي بأنه تبع القوم في ذكرهم في تعريف الفقيه ما يتوقف عليه الفقه، فذكر هو في تعريف الأصولي ما يتوقف الأصول عليه إشارة للتوقف المذكور، وسيأتي تفصيل ما ذهب إليه مع رده. فقول الشارح: وبالمرجحات الخ تحقيق يتضمن ما ذكرناه وتمهيد للاعتراض على المصنف بقوله الآتي: وأنت خبير الخ، ورد لما ادعاه المشار إليه بقول الشارح: وأسقطها المصنف الخ. وحاصل ما ادعاه المصنف في منع الموانع أمور أربعة: الأول: أن المستفاد بالمرجحات وصفات المجتهد الدلائل الإجمالية كما يؤخذ من ظاهر تعريفه للأصولي هنا وصرح به في منع الموانع كما يأتي. الثاني: أن المرجحات وصفات المجتهد ليستا من مسمى الأصول. الثالث: إنما ذكروها في كتاب الأصول لتوقف معرفة الأصول على معرفتها. الرابع: أن القوم ذكروا في تعريف الفقيه ما يتوقف عليه الفقه، فنسج الصنف على منوالهم في تعريف الأصولي بما يتوقف عليه الأصول، وقد
(1/58)
---(1/58)
ذكرها الشارح بقوله: وأسقطها المصنف الخ وردها جميعها كما سننبه عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 30
قوله:
(أي بمعرفتها الخ)
إنما لم يقل وبمعرفة المرجحات يستفاد ما يدل على الفقه الخ مع كونه الأخصر والأوضح محاذاة ومجارات لكلام المصنف لأنه أضاف المعرفة إلى المرجحات في قوله: وبطرق استفادتها الخ أي العارف بطرق استفادتها وصرح بالدلائل بذكر الضمير في استفادتها. قوله: (أي ما يدل عليه) لما كان في قوله: دلائل الفقه إجمال إذ يحتمل أن يراد ما يدل على الفقه أو ما يدل عليه الفقه وكان المراد الأول احتاج إلى بيان ذلك بقوله: أي ما يدل عليه وقوله: من جملة دلائله الخ حال من ما في قوله: أي ما يدل عليه أي حال كون ما يدل عليه بعضاً من جملة دلائله، وقوله: عند تعارضها متعلق بيدل، واعترض قوله من جملة دلائله بأن الدال عند التعارض واحد لرجحانه فكيف أطلق على البقية أدلة؟ وأجيب بأن تسميتها أدلة مجاز أو بمعنى أن من شأنها أن تكون أدلة لصلاحيتها لذلك لولا الدليل الراجح، وأشار بقوله: من جملة دلائله التفصيلية إلى رد الدعوى الأولى من الدعاوى الأربع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 32
قوله:
(أي بقيامها بالمرء)
(1/59)
---(1/59)
إنما قال بالمرء لأنه قبل قيامها به لا يسمى مجتهداً ولذا لم يقل به مع كونه أخصر، وأشار بهذا إلى رد الدعوى الثالثة التي مفادها اعتبار المعرفة في المرجحات والصفات مع أن المعتبر في الصفات القيام لا المعرفة. قوله: (فيستفيد) منصوب بأن مضمرة جوازاً لعطفه على اسم خالص وهو استفادة أي أهلاً لأن يستفيد الأدلة فيستفيد أي يستفيد بالفعل ولا يصح رفعه عطفاً على يكون لعدم صحة الترتب، نعم إن أريد بيستفيد يصح أن يستفيد، وليس المراد أنه يستفيد بالفعل صح الرفع بالعطف المذكور. قوله: (ولتوقف الخ) علة قدمت على معلولها وهو قوله: ذكروها. قوله: (التي هي الفقه) في تفسير الاستفادة بالفقه نظر لأنها طلب الفائدة والفقه العلم بالأحكام الشرعية، فإن جعلت السين زائدة وأريد بالفائدة الإدراك صح الحمل المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 32
قوله:
(على المرجحات)
متعلق بتوقف. قوله: (على الوجه السابق) أي من أن المعتبر في المرجحات معرفتها وفي صفات المجتهد قيامها بالمرء. قوله: (في تعريفي الأصول) أي تعريفيه باعتبار إطلاقيه المتقدمين من كونه القواعد الكلية أو معرفتها. وقوله: الموضوع الخ نعت للأصول وفيه أن المراد بالموضوع لفظ الأصول، والمراد من الأصول المنعوت معناه لا لفظه، فلا يصح النعت ولا يصح أن يراد من الأصول الفقه لأن المعرف معناه لا لفظه، وبالجملة فبين قوله: الأصول وقوله: الموضوع تناف. والجواب أن المراد بالموضوع المجعول ولام لبيان تعليلية فاندفع الإشكال.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 32
قوله:
(ومن المرجحات الخ)
(1/60)
---(1/60)
عطف على قوله: من أدلته فتكون الأمور الثلاثة بياناً لما يتوقف عليه الفقه الذي وضع له علم الأصول، وأشار الشارح بقوله: ولتوقف الخ إلى رد الدعوى الثانية التي مفادها أن المرجحات وصفات المجتهد ليستا من مسمى الأصول. قوله: (وأسقطها المصنف) أي المرجحات وصفات المجتهد. وقوله: كما علمت أي من اقتصاره في التعريف على قول أصول الفقه دلائل الفقه الإجمالية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 32
قوله:
(لما قاله)
أي في منع الموانع جواب الأسئلة التي وردت على جمع الجوامع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 33
قوله:
(من أنها ليست من الأصول)
بيان لما قاله: وهذه ثانية الدعاوى الأربعة المتقدمة. قوله: (وإنما تذكر الخ) عطف على خبر إن من قوله: من إنها ليست الخ. وقوله لتوقف معرفته أي الأصول الذي هو الأدلة الإجمالية. وقوله: على معرفتها أي معرفة المرجحات وصفات المجتهد. وقوله: وإنما تذكر الخ ثالثة الدعاوى. قوله: (لأنها طريق إليه) أي لأن المرجحات وصفات المجتهد طريق لمعرفة الدلائل الإجمالية وهذه أولى الدعاوى. قوله: (وذكرها حينئذ الخ) هذه رابعة الدعاوى، وتقدم أن هذا جواب من المصنف عما ورد عليه من أن الظاهر حينئذ عدم ذكرها أي المرجحات والصفات المذكورة أصلاً فلم ذكرتها في تعريف الأصولي؟ وسيأتي في الشارح رد هذا الجواب كغيره. قوله: (من شروط الاجتهاد) بيان لما يتوقف عليه الفقه. قوله: (وهو ذو الدرجة) الضمير للفقيه كما هو صنيعه ويصح عوده للمجتهد. لا يقال: فالتعريف حينئذ للمجتهد لا للفقيه. لأنا نقول: الفقيه قد عرف بالمجتهد فتعريف المجتهد تعريف للفقيه حينئذ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 33
قوله:
(وما قالوا الفقيه الخ)
(1/61)
---(1/61)
أي لم يعرفوه بمفهومه وهو قولهم: الفقيه العالم بالأحكام. قوله: (هذا) أي المذكور من ادعاء هذه الأمور الأربعة المتقدمة. قوله: (لظاهر المتن) إنما قال لظاهر لإمكان الجواب عن الذي في المتن بحمله على حذف المضاف، والأصل بطرق استفادة جزئياتها ومستفيد جزئياتها فيوافق الجمهور. قوله: (الذي بنى عليه الخ) تأمل هذا البناء فإنه لا يلزم من توقف الأدلة الإجمالية عليها عدم كونها من مسمى الأصول إذ لا محذور في توقف بعض أجزاء التعريف على بعض، فهذا البناء غير مسلم وإن سلمه الشارح المحقق. قوله: (وأنت خبير مما تقدم) أي من قولنا: بالمرجحات أي بمعرفتها الخ، وهذا شروع في الاعتراض على المصنف. قوله: (وكان ذلك الخ) اعتذار عن المصنف والإشارة إلى جعل المرجحات وصفات المجتهد طريقاً للإجمالية. قوله: (جزئيات الإجمالية) أي وجزئيات الكلي عينه بدليل صدقه عليها فما ثبت لها يثبت له وقد ثبت للتفصيلية التوقف على المرجحات وصفات المجتهد فيثبت ذلك للإجمالية أيضاً. قوله: (وهو) أي ما سرى إليه. قوله: (على ما ذكر) أي من المرجحات وصفات المجتهد. قوله: (من حيث تفصيلها) أي أن توقف التفصيلية على المرجحات وصفات المجتهد ليس هو من حيث كونها جزئيات الإجمالية المقتضى توقف الإجمالية أيضاً على ما ذكر بل من حيث تفصيلها أي خصوص موادها المفيدة للأحكام لأنه مناط الدلالة لظهور أن وجوب الصلاة إنما استفيد من خصوص مادة أقيموا الصلاة وهو متعلق هذا الأمر الخاص وهو إقامة الصلاة لا من كونه أمراً، والتفصيلية من هذه الحيثية مغايرة للإجمالية وهذا اعتراض على الدعوى الأولى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 33
قوله:
(على أن توقفها الخ)
(1/62)
---(1/62)
الجار والمجرور متعلق بمحذوف جواب شرط محذوف والتقدير: ولو سلمنا أن توقف التفصيلية على ما ذكر من حيث كونها جزئيات الإجمالية المقتضى ذلك توقف الإجمالية على ما ذكر جرينا في الاعتراض على أن الخ. والضمير في توقفها للإجمالية. وقوله: من ذلك حال من صفات المجتهد والمشار إليه المرجحات وصفات المجتهد أي حال كون صفات المجتهد بعض ذلك وهي حال لازمة أتى بها لربط الكلام لا لإخراج شيء. قوله: (من حيث حصولها) أي قيامها بالمرء كما تقدم في التوطئة لا من حيث معرفتها كما زعم المصنف، وهذا أعني قول الشارح: على أن توقفها الخ، اعتراض على الدعوى الثالثة المتقدمة وهي قوله: وإنما تذكر في كتبه لتوقف معرفته على معرفتها بين به أن قوله: لتوقف معرفته على معرفتها غير صحيح بالنسبة لصفات المجتهد، فإن التوقف المذكور عليها من حيث قيامها بالشخص المستفيد وهو المجتهد لا من حيث معرفتها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 33
قوله:
(والمعتبر في مسمى الأصولي معرفتها لا حصولها)
هذا اعتراض على ما تضمنته الدعوى الرابعة من التسوية بين الأصولي والأصول في أن كلاً متوقف على صفات المجتهد من حيث معرفتها بين به أن قوله: وإنما تذكر في معرفة الأصولي لتوقف معرفة الأصول عليها غير قويم، فإن المعتبر في تعريف الأصولي الصفات من حيث المعرفة والتوقف عليه الأصول الصفات من حيث حصولها للشخص وقيامها به، وقد تقدم ما يفيد ذلك في الفرق بين الأصولي والمجتهد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 34
قوله:
(وبالجملة الخ)
(1/63)
---(1/63)
الواو عاطفة لما بعدها على جملة محذوفة والفاء واقعة في جواب، أما المحذوفة بعد العاطف والأصل هذا القول في الاعتراض على سبيل التفصيل، وأما بالجملة فظاهر الخ أي وأما القول الملتبس بالجملة فالباء للملابسة متعلقة بمحذوف. قوله: (لكونها من الأصول) علة لقوله المعقود لها الكتابان أي إنما عقدا لها لكونها من الأصول لا لكون الأصول يتوقف عليها وليست منه كما يزعم المصنف. قوله: (كان يقال الخ) أورد عليه أن ما صنعوا قد مضى فالمناسب كأن قيل حينئذ بدل كان يقال. وأجيب بأن ليس المراد من قوله كان يقال حكاية لفظ القول الصادر عنهم بل ذكر معنى ما قالوه: وفي الإتيان بالكاف إيماء لذلك. قوله: (ولا حاجة إلى تعريف الأصولي) أي بأنه العارف بما ذكر من الدلائل الإجمالية والمرجحات وصفات المجتهد. قوله: (من ذلك) أي من تعريف الأصول.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 34
قوله:
(وأما قولهم المتقدم الخ)
(1/64)
---(1/64)
هذا رد للدعوى الرابعة المتقدمة. قوله: (بيان الماصدق) أي بيان الافراد والماصدق مجرور بإضافة لما قبله وهو مركب من ما وصدق فعلاً ماضياً تركيباً مزجياً مجعولاً اسماً للافراد التي يصدق عليها الكلي. قوله: (والعكس) مبتدأ خبره محذوف أي ثابت والمراد به اللغوي وهو قولنا: ما يصدق عليه المجتهد يصدق عليه الفقيه. قوله: (لا بيان المفهوم) أي حتى يكون تعريفاً. قوله: (وإن كان هو الأصل في التعريف) أي الكثير والغالب. وقضية عبارته هذه أن بيان الماصدق من أقسام التعريف وهو غير صحيح. ويمكن أن يجاب بحمل التعريف على المعنى اللغوي أي البيان لا الاصطلاحي لأنه لا يكون إلا لبيان المفهوم. قوله: (لأن مفهومهما مختلف) علة لقوله: لا بيان المفهوم أي إنما لم يصح أن يراد منه بيان المفهوم لأن مفهومهما مختلف، إذ مفهوم الفقيه العالم بالأحكام الشرعية العملية الخ، ومفهوم المجتهد المستفرغ وسعه في تحصيل ظن بحكم، فلا يصح تعريف أحدهما بالآخر لأن التعريف يستلزم اتحاد المفهوم، فقول المصنف: كذكرهم في تعريف الفقيه الخ غير سديد لأن ما ذكر بيان للماصدق لا تعريف كما تقرر. قوله: (لذلك) أي لعلمه من تعريف الفقه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 34
قوله:
(على أن بعضهم الخ)
أي بعض الأصوليين كالشيخ أبي إسحاق الشيرازي، ومراد الشارح بهذا النقض على المصنف بهذا الإيجاب الجزئي فيما ادعاه من السلب الكلي في قوله: وما قالوا الفقيه الخ، إذ معناه ما قال أحد الخ. قوله: (تصريحاً بما علم التزاماً) علة لقوله: قاله. قوله: (والفقه الخ) أورد عليه أن قوله: دلائل الفقه أريد منه المعنى العلمي لا الإضافي، فلا يصح تعريف الفقه لعدم صحة إرادة معناه الأصلي بكونه جزء علم. وأما ابن الحاجب فقد ذكره مراداً منه المعنى الإضافي المتوقف على معرفة جزأي الإضافة. وقد يجاب بأنه لاحظ المعنى الإضافي تتميماً للفائدة.
(1/65)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 35
قوله:(1/65)
(أي بجميع النسب التامة)
يطلق الحكم ويراد به المحكوم عليه وبه ووقوع النسبة أو لا وقوعها، وخطاب الله المتعلق بفعل المكلف والنسبة التامة بين الطرفين التي هي ثبوت المحمول للموضوع أو نفيه عنه، والمراد هنا هذا، فقوله بجميع النسب الخ، احتراز عن الحكم بالمعاني المتقدمة غير النسبة التامة، والتقييد بالتامة احتراز من الناقصة التي لا يحسن السكوت عليها كالنسبة الإضافية في قولنا: غلام زيد، والتوصيفية في قولنا: الحيوان الناطق، وقوله: بجميع إشارة إلى أن اللام في الأحكام للاستغراق، ولو عبر بكل بدل جميع كان أخصر وأوضح، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن الجميع كثيراً ما يستعمل بمعنى المجموع بخلاف كل فإن الكثير استعماله في الكل الجميعي، وأما استعماله في المجموعي فنادر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 35
قوله:
(أي المأخوذة من الشرع)
بين به أن النسبة من حيث الأخذ، وأورد أن الشرع هو النسب التامة فيلزم اتحاد المأخوذ والمأخوذ منه. وأجيب بأن في العبارة مضافاً محذوفاً أي المأخوذة من أدلة الشرع. فإن قيل: فعلى هذا يلزم اتحاد المنسوب والمنسوب إليه في قوله: الشرعية. والجواب أن الشرع المنسوب إليه يراد به الشارع مجازاً أو قصديا لنسبة المبالغة. قوله: (النبي الكريم) آثر التعبير بالنبي على الرسول لما يلزم على التعبير بالرسول من التكرار له مع المبعوث ولأن النبي أكثر استعمالاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 35
قوله:
(أي المتعلقة بكيفية عمل الخ)
(1/66)
---(1/66)
أي بصفة عمل أي النسب التي متعلقها صفة عمل أي معمول قلبي أو غيره، فالعمل هو المحكوم عليه ومتعلق النسبة التي هي الحكم هنا صفة له. مثلاً قولنا: النية في الوضوء واجبة المحكوم عليه فيه هو النية التي هي عمل قلبي والمحكوم به الوجوب، والحكم ثبوت الوجوب للنية ومتعلقه الذي هو الوجوب وصف للنية، وكذا القول في قولنا: الوتر مندوب، فالحكم فيه هو ثبوت الندبية للوتر ومتعلقه الندبية التي هي صفة للوتر الذي هو عمل غير قلبي والفقه العلم بذلك الحكم أي إدراكه المسمى تصديقاً. فالفقه في المثالين المذكورين إدراك ثبوت الوجوب للنية، وإدراك ثبوت الندبية للوتر، ثم إن كون الأحكام الفقهية عملية أغلبي وإلا فمنها ما ليس عملياً كطهارة الخمر إذا تخلل وكمنع الرق الارث وغير ذلك. قوله: (للأحكام) متعلق بالأدلة وأشار بذلك إلى أن الإضافة في قول المصنف من أدلتها بمعنى اللام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 35
قوله:
(فخرج بقيد الأحكام)
قضيته أن المراد من العلم العلم التصوري مع أن المراد به التصديقي لإضافته إلى الأحكام، فالإخراج بمجموع العلم والأحكام أي بالمقيد وقيده خلاف ما يوهمه تعبير الشارح. قوله: (من الذوات) المراد بها ما لو وجد خارجاً كان قائماً بنفسه فتدخل الماهيات فصح قوله: كالإنسان وسقط ما قيل أن التمثيل للذوات بقوله: كالإنسان وهو ماهية لا يصح إذ لا وجود لها في الخارج بل ولا في الذهن على ما فيه. وقوله: والصفات المراد بالصفة ما لو وجد خارجاً كان قائماً بغيره فتدخل الوجودية وغيرها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 36
قوله:
(العقلية)
(1/67)
---(1/67)
أي التي يحكم بها العقل أي يستقل بذلك من غير استناد إلى حس. وقوله: الحسية أي التي يكون حكم العقل فيها مستنداً إلى الحس، فالحاكم في الجميع هو العقل، لكن إن كان بواسطة إدراك الحس سميت القضية حسية، وإن لم يكن بواسطة ذلك فعقلية، فاندفع ما قيل من أن التمثيل بقوله: والنار محرقة للحسية غير مناسب لأن الحاكم بأن النار الكلية محرقة هو العقل لا الحس، ولا حاجة إلى الجواب بأن اللام في النار للعهد الذهني فتكون جزئية. قوله: (كالعلم بأن الله واحد) لا شك أن الحكم هنا وهو ثبوت الوحدانية غير متعلق بكيفية عمل، إذ متعلقه وهو الوحدانية صفة للذات العلية، ومعنى كونها اعتقادية أن متعلقها حصول علم بخلاف العلمية فإن متعلقها كيفية عمل وإن كان ذلك علماً حاصلاً في القلب أيضاً، فمتعلق الحكم قسمان: كيفية عمل وحصول علم، والحكم الذي متعلقه الأول يسمى عملياً، والذي متعلقه الثاني يسمى اعتقادياً، وإنما أتى بالمثال الثاني أعني قوله: وإن الله يرى في الآخرة إشارة إلى أن المسائل الاعتقادية قسمان: ما دليله العقل كالمثال الأول، وما دليله السمع كالثاني.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 36
قوله:
(علم الله وجبريل الخ)
(1/68)
---(1/68)
أما علم الله فلا يوصف بأنه مكتسب ولا ضروري. أما الأول فلإشعار الاكتساب بسبق الجهل المحال عليه تعالى. وأما الثاني فلأن الضروري يطلق على ما لا يفتقر إلى نظر واستدلال وعلى ما قارنه الاحتياج إليه وهو بالمعنى الأول لا ضير في إطلاقه على علم الله تعالى، لكن لما كان يطلق على الثاني المنزه عنه علمه تعالى كان إطلاق الضروري على علمه تعالى موهماً إرادة المعنى الثاني فامتنع إطلاقه لذلك. وأما علم جبريل بما يلقى إليه من الله فهو بخلق علم ضروري يستفيد به الحكم منه لا بواسطة النظر والاستدلال، وكذا علم النبي الأحكام مما يوحى إليه وهذا واضح بناء على أنه لا يجتهد، وأما على أنه يجتهد فيحتمل أن يقال: إن العلم الحاصل باجتهاده فقه بناء على أن ذلك عن النظر في الأدلة، ويحتمل عدم تسميته فقهاً بناء على أن الله يخلق له علماً ضرورياً يدرك به ما اجتهد فيه قولان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 36
قوله:
(بما ذكر)
(1/69)
---(1/69)
أي بالأحكام الشرعية وهو راجع لعلم الله وجبريل أيضاً فحذف من الأول والثاني لدلالة الثالث عليه. قوله: (للخلافي) المراد به من يأخذ من المجتهد الحكم بدليل غير خاص بل بدليل إجمالي كان يقول الإمام مالك لابن القاسم: لذلك في الوضوء والغسل واجب لوجود المقتضى مثلاً. ويقول الشافعي للمزني: الدلك المذكور ليس بواجب لوجود المنافي. وسمى المذكور خلافياً لأخذه عن إمامه خلاف ما أخذ الآخر عن إمامه. وقوله: من المقتضى والنافي متعلق بالمكتسب. وقوله: المثبت بهما نعت للخلافي وضمير التثنية يعود على المقتضى والنافي، وقوله: ليحفظه علة لقوله المثبت بهما أي إثباته ما يأخذه بهما لأجل حفظه ما يأخذه عن إبطال خصمه ما أخذه عن أمامه، وهذا مبني على أن الخلافي يستفيد بذلك علماً وأنه يبطل بذلك ما يقوله خصمه، والحق أن ذلك لا يفيده علماً ولا يصح أن يحتج به على خصمه، وإنما يستفيد علماً ببيان عين الدليل، فالحق أن قيد التفصيلية لبيان الواقع. ويمكن أن يحترز به عن العلم الذي يستفيده المقلد من الفقيه المجرد عن الدليل فإن ما يستفيده ليس فقهاً وإن كان هو الحكم الشرعي في حقه بواسطة قياس نظمه أن يقال: هذا أفتاه به المفتي وكل ما أفتاه به المفتى فهو حكم الله في حقه ينتج هذا حكم الله في حقه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 37
قوله:
(لظنية أدلته)
(1/70)
---(1/70)
علة مقدمة على معلولها والأصل وإن كان ظناً لظنية أدلته. قوله: (لأنه ظن المجتهد الخ) علة لقوله: وعبروا، وأشار بذلك إلى أن إطلاق العلم على الظن من قبيل المجاز المرسل الذي علاقته المجاورة، كما يفيده قوله: قريب من العلم أو من قبيل مجاز الاستعارة التصريحية بأن شبه الظن لقوته بالعلم، ويحتمل أن تكون علاقة المجاز المرسل هنا الضدية، كذا قال سم وهو بعيد من صنيع الشارح رحمه الله تعالى، وأورد الحكم المجمع عليه فإنه قطعي. وأجيب بأن كون الأحكام الفقهية ظنية أغلبي، وبأن المجمع عليه ظني بحسب دليله الأصلي وهو مستند الإجماع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 37
قوله:
(بمعاودة النظر)
اللام في النظر للجنس لا للعهد لظهور إنه لم يتقدم له نظر في التي لم يجب عنها، أو المراد بالعود الصيرورة على حد قوله تعالى: {أو لتعودون في ملتنا} (إبراهيم: 13) مع أنه لم يكن فيها قط، فالمعنى أو لتصيرن في ملتنا. قوله: (اطلاق العلم الخ) أي العلم الذي أريد به الظن، فالمراد بالعلم الظن أي التهيؤ للظن المذكور، فسقط ما قيل إن في كلامه تدافعاً حيث ذكر أولاً أن العلم مراد به الظن، ثم ذكر ثانياً أن المراد به التهيؤ. قوله: (فخلاف الظاهر) قضيته أن اللازم على جعله قيداً واحداً مخالفة الظاهر فقط، لأن الظاهر اعتبار كل من الأحكام والشرعية على حدته مع أنه يلزم عليه حينئذ استدراك قوله الشرعية وقوله: العلمية.
(1/71)
---(1/71)
قوله: (المتعارف الخ) أشار به إلى أن اللام في الحكم للعهد الخارجي عند البيانيين والذهني عند النحاة وهو المشار به إلى المتقرر في علم المتخاطبين كقولك: جاء القاضي، إذا لم يكن في البلد إلا قاض واحد. والحاصل أن العهد قسمان: خارجي وذهني، والأول أقسام ثلاثة عند البيانيين لأن المعهود إما أن يتقدم ذكره صريحاً كما في قوله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول} (المزمل: 16) وكناية كما في قوله تعالى: {وليس الذكر كالأنثى} (آل عمران: 36) فاللام في الذكر للعهد الخارجي لتقدم المعهود كناية، وهو لفظ ما من قوله: {إني نذرت لك ما في بطني محرراً} (آل عمران: 35) فإنها كناية عن الذكر لأنهم كانوا لا يحررون لخدمة بيت المقدس إلا الذكور، أو يكون معلوماً بين المتكلم والمخاطب كقولك: جاء القاضي إذا لم يكن في البلد إلا قاض واحد، والنحاة يخصون العهد الخارجي بالقسمين الأولين ويسمون الثالث بالذهني، وأما الذهني عند البيانيين فهو المشار به إلى الحقيقة في ضمن فرد غير معين كقولك: ادخل السوق واشتر اللحم حيث لم يقصد إلى سوق ولحم بعينهما، والحكم في كلام المصنف أشير بالأداة فيه إلى معهود تقرر علماً في الأذهان، فالأداة للعهد الخارجي عند البيانيين والذهني عند النحاة، وليست للمعهود المتقدم في قوله: والفقه العلم بالأحكام الشرعية الخ، كما توهم وآثر التعبير بالمتعارف على التعبير بالمعروف مع كونه أخصر إشارة إلى أتمية المعرفة لما في زيادة البناء من زيادة المعنى أي المعروف أتم بالمعرفة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 37
قوله:
(بالإثبات الخ)
(1/72)
---(1/72)
الباء للملابسة متعلقة بمحذوف حال من ضمير المتعارف أي حال كون الحكم ملابساً للاثبات تارة وللنفي أخرى، والإثبات فيما بعد البعثة والنفي فيما قبلها، أو الإثبات باعتبار بعض الأحوال والنفي باعتبار بعض آخر لما سيأتي في كلام الشارح من قوله: ولا يتعلق الخطاب بفعل كل بالغ، وفي كلام المصنف من قوله: والصواب امتناع تكليف الغافل الخ. وقال ناصر الملة والدين: الباء في قوله بالإثبات الخ للسببية والمتعارف في الحقيقة هو النفي والإثبات لا الحكم المنفي والمثبت لكن الإثبات والنفي فرع المثبت والمنفى فهو يستلزمه، فلذا عبر بذلك أي أن تعارف الإثبات والنفي يستلزم تعارف الحكم المثبت والمنفي، إذ لا يتصور أن يكون إثبات الشيء أو نفيه متعارفاً وذلك الشيء غير متعارف، والمراد بقوله: والمتعارف في الحقيقة هو النفي والإثبات المتعارف أو لا وبالذات قاله سم وفيما ذكرناه غني عن هذا كله، ولا يصح أن يكون الباء للتعدية كما هو ظاهر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 38
قوله:
(أي كلامه الخ)
لما كان الخطاب لكونه مصدراً معناه توجيه الكلام نحو الغير للافهام أمراً اعتبارياً لا يتصف بالوجود فلا يصح تعريف الحكم به فسره بالكلام. لا يقال: كان المناسب حينئذ التفسير بيعني لا بأي لأنه حمل الخطاب على المخاطب به وهو مجاز مرسل علاقته التعلق. لأنا نقول: الخطاب صار حقيقة عرفية في المخاطب به، وبهذا يجاب عما حاصله أن المقصود تعريف الحكم المصطلح عليه وهو ما ثبت بالخطاب كالوجوب والحرمة مما هو صفة لفعل المكلف لا نفس الخطاب الذي هو صفته تعالى. فإن قيل: أخذ الخطاب جنساً للحكم يفيد أن ما ثبت بنحو القياس ليس من الحكم مع أنه منه. فالجواب أن نحو القياس كاشف ومظهر لخطابه تعالى وهو معنى كونه دليل الحكم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 38
قوله:
(الأزلي)
(1/73)
---(1/73)
نسبة للأزل وهو عدم الأولية أي الذي لا ابتداء له وهو أعم من القديم لأنه الذي لا ابتداء لوجوده، فيختص بالوجودي بخلاف الأزلي، وقيل: هما بمعنى واحد وهو المعنى المذكور للأزلي، ووصف الكلام بالأزلي بعد وصفه بالنفسي من قبيل الوصف باللازم، وهذا أولى من جعله صفة كاشفة لأنها التي بين بها حقيقة الموصوف وما هنا ليس كذلك سم. قوله: (في الأزل) لا يصح تعلقه بالمسمى ولا كونه حالاً من المستكن فيه لاستلزامهما وجود التسمية في الأزل بل وجود الاستعمال فيه لقوله: حقيقة إذ هي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا فيقتضي ذلك أن التسمية والاسم قديمان وليس كذلك. وأجاب سم بأنه يمكن جعله حالاً من الضمير لكن على معنى المسمى فيما لا يزال ملحوظاً وجوده في الأزل أي يطلق عليه الآن هذا اللفظ إطلاقاً حقيقياً باعتبار تلك الحالة وملاحظتها أي باعتبار تقدم وجوده وعدم أوليته اهـ كلامه. ولا يخفى ما فيه من البعد والتعسف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 39
قوله:
(حقيقة)
(1/74)
---(1/74)
أشار به إلى دفع ما قد يقال إطلاق الخطاب عليه مجاز والحدود تصان عنه. قوله: (أي البالغ العاقل) الأولى الإتيان بيعني بدل أي لأن المعنى الحقيقي للمكلف هو الشخص الملزم ما فيه كلفة، وقد يقال إنه صار حقيقة عرفية في البالغ العاقل فلذا أتى بأي. بقي أن يقال: لم فسره هنا بالبالغ العاقل وفيما يأتي بالملزم ما فيه كلفة؟ وهلا فسره في الموضعين بالملزم ما فيه كلفة بل هو الأولى كما علمت؟ فالجواب أن يقال: لعل السر فيما سلكه كونه أقعد لسلامته من نوع التكرار في المعنى، إذ من جملة التعلق الإلزام فيصير حاصل معنى قوله المتعلق بفعل المكلف الملزم بالفعل على صيغة اسم الفاعل لأنه وصف للخطاب الملزم ما فيه كلفة على صغية اسم المفعول لأن المراد به المكلف ولسلامته من الإبهام في محل الفعل القابل للتعلق، إذ لو فسر بالملزم ما فيه كلفة لم يتبين ذلك المحل إذ لا يتميز بمجرد ذلك من يتعلق الخطاب بفعله من غيره، بخلاف تفسيره بالبالغ العاقل مع موافقته لاستعمال الفقهاء والأصوليين قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 39
قوله:
(تعلقاً معنويا)
أي صلوحياً بمعنى أنه إذا وجد مستجمعاً لشروط التكليف كان متعلقاً به على ما سيأتي بيانه، وهذا التعلق قديم بخلاف التعلق التنجيزي وهو تعلقه به بالفعل بعد وجوده فحادث، فللكلام المتعلق بفعل المكلف تعلقان: صلوحي وتنجيزي، والأول قديم والثاني حادث، بخلاف المتعلق بذات الله وصفاته فليس له إلا تعلق تنجيزي قديم. قوله: (قبل وجوده) أي متصفاً بصفات التكليف فخرج عن ذلك ما لو وجد غير متصف بذلك ككونه صبياً أو مجنوناً أو مكرهاً أو لم تبلغه الدعوة، فقوله قبل وجوده أي وكذا بعد وجوده غير متصف بصفات التكليف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 39
قوله:
(إذ لا حكم قبلها)
(1/75)
---(1/75)
سيأتي في قول المتن: ولا حكم قبل الشرع قول الشارح وانتفاء الحكم بانتفاء قيد منه وهو التعلق التنجيزي وبه يوجه كلامه هنا، وهذا مبني على أن التعلقين معاً معتبران في مفهوم الحكم كما هو صريح كلامه الآتي، وعليه فالحكم حادث لأن المركب من القديم والحادث حادث كما تقرر. وقال العضد في تسمية الكلام في الأزل خطاباً خلاف وهو مبني على تفسير الخطاب. فإن قلنا: إنه الكلام الذي علم أنه يفهم فيسمى. وإن قلنا: إنه الكلام الذي أفهم لم يكن خطاباً وينبني عليه أن الكلام حكم في الأزل أو يصير حكماً فيما لا يزال اهـ فانظره مع كلام الشارح المتقدم من اختياره أن الكلام يسمى في الأزل خطاباً حقيقة، فإن الجاري عليه أن يكون الحكم قديماً غير معتبر فيه التعلق التنجيزي فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 39
قوله:
(فتناول)
أي التعريف لا الفعل لأنه يمنع منه قوله الآتي، والمتعلق بأوجه التعلق إذ المتعلق هناك صفة الخطاب سم. قوله: (الاعتقادي) فيه تساهل إذ ليس بفعل بل هو كيفية. وقد يجاب بأن المراد بالفعل ما يعد فعلاً عرفاً فيشمل الاعتقاد. وقوله الاعتقادي أي كاعتقاد أن الله واحد. وقوله وغيره أي كالنية في الوضوء مثلاً. وقوله والقولي أي كتكبير التحريم. وقوله وغيره أي كأداء الزكاة والحج. قوله: (والكف) عطف على الفعل من عطف الخاص على العام دفعاً لما يتوهم من أنه غير فعل. قوله: (والأكثر من الواحد) فيه ما مر في قوله المتقدم في الخطبة الأخصر منه من أن اسم التفضيل المحلي بأل لا يقترن بمن، وتقدم الجواب عنه بأن أل زائدة أو جنسية لا معرفة أو إن من متعلقة بمحذوف مدلول عليه بالمذكور فراجعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 40
قوله:
(والمتعلق بأوجه التعلق)
(1/76)
---(1/76)
أي والخطاب المتعلق لا الفعل المتعلق. وقوله بأوجه التعلق حال من ضمير المتعلق والباء للملابسة والملابسة هنا ملابسة الكلي لجزئياته وليست صلة كما قد يتبادر قبل التأمل حتى يكون متعلق الخطاب تلك الأوجه. أما أولاً فلأن المصنف جعل المتعلق به فعل المكلف لا تلك الأوجه. وأما ثانياً فلأن معنى تعلق الخطاب بشيء بيان حاله من كونه مطلوباً أو غيره والاقتضاء وغيره مما ذكر لم يتعلق به الخطاب على هذا الوجه بل الخطاب متصف به سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 40
قوله:
(لتناول حيثية التكليف للأخيرين)
(1/77)
---(1/77)
أي الاقتضاء غير الجازم والتخيير. وجه هذا التناول كون الحيثية مستعملة في معنييها من التقييد والتعليل، فمن حيث كونها للتعليل تتناول تعلق الاقتضاء غير الجازم والتخيير بفعل المكلف، ومن حيث كونها للتقييد تفيد تعلق الاقتضاء الجازم فقط بفعل المكلف. وإيضاح هذا أن قولنا من حيث كذا قد يراد به بيان الإطلاق وأنه لا قيد هناك كما في قولنا الإنسان من حيث هو إنسان قابل للعلم، والموجود من حيث هو موجود يمكن الإحساس به. وقد يراد به التقييد كما في قولنا الإنسان من حيث إنه يصح وتزول عنه الصحة موضوع علم الطب، وقد يراد به التعليل كما في قولنا: النار من حيث إنها حارة تسخن، فقول المصنف من حيث إنه مكلف معناه أن يكون التعلق على وجه الإلزام وهو معنى التقييد، أو يكون لسبب وجود الإلزام ولأجل تحققه وهو معنى التعليل، فتناولت الحيثية الاقتضاء الجازم باعتبار معنى التقييد، وتناولت الاقتضاء غير الجازم والتخيير باعتبار معنى التعليل، لأن تعلق الخطاب بفعل المكلف بالنسبة إليهما موقوف على تعلق الخطاب بفعله على وجه الإلزام كما ذكره الشارح، فاندفع قول بعضهم إن تناول الحيثية للأخيرين أي الاقتضاء غير الجازم، والتخيير محل تأمل لأنه مبني على جعلها للتقييد، فلا تتناول حينئذ إلا تعلق الخطاب الجازم بفعل مكلف وقد علمت أنها غير قاصرة عليه، وبحملها على المعنيين ظهر اعتبارها فيما ذكر. وقول العلامة ناصر الملة والدين إنها لا تتناول الإلزام نفسه لأن ما كان لأجل الإلزام لا يتناول الإلزام ضرورة أن العلة غير المعلول مندفع. ووجه اندفاعه أنه مبني على قصر الحيثية هنا على التعليل وليس كذلك بل هي شاملة له وللتقييد، فتتناول الإلزام باعتبار كونها للتقييد وغير الإلزام باعتبار كونها للتعليل كما تقدم فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 40
قوله:
(ألا ترى إلى انتفائهما الخ)
(1/78)
---(1/78)
اعترض بأن الاشتراك في الانتفاء قبل البعثة والوجود بعدها لا يفيد كون خصوص بعضها علة في البعض الآخر انتفاء ووجوداً. وأجيب بأن تعين خصوص التكليف للعلية دون العكس لكون خطاب التكليف هو الأصل وكونه المقصود بالذات من البعثة وهذا بين. قوله: (ثم الخطاب الخ) كأنه إشارة لدفع الاعتراض بخروج للحكم الثابت بنحو القياس. قال في التلويح الثالث أي من الاعتراضات: أن التعريف غير متناول للحكم الثابت بالقياس لعدم خطاب الله تعالى، وأجاب بأن القياس مظهر للحكم لا مثبت له، ولا يخفى أن السؤال وارد فيما ثبت أيضاً بالسنة والإجماع، والجواب كما تقدم أن كلاً كاشف عن الحكم لا مثبت له وهذا معنى كونها أدلة الأحكام اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 41
قوله:
(وخرج بفعل المكلف)
إن قلت: لم سكت عن المتعلق؟ قلنا: لأنه ليس للاحتراز لأنه صفة لازمة للخطاب إذ خطابه تعالى لا يخلو عن التعلق بشيء، فأول الفصول قوله بفعل المكلف قاله ناصر الملة والدين قاله سم. قوله: (المتعلق بذاته وصفاته الخ) كان عليه أن يزيد المتعلق بصفات المكلفين والمتعلق بذوات غير المكلفين وبقية الحيوانات وبصفاتهم وأفعالهم. وقد يقال: لا يجب في بيان الإخراج بالقيود التنصيص على كل ما خرج بل التنبيه بذكر البعض كاف مع أنه لا حصر في عبارته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 41
قوله:
(ولقد خلقناكم)
قد يقال: يغني عن هذا ما قبله وهو قوله: {خالق كل شيء} (الأنعام: 102) فإنه شامل لذوات المكلفين. ويجاب بأنه ذكره تنصيصاً على ما تعلق بذوات المكلفين بالخصوص. وقوله: {خالق كل شيء} (الأنعام: 102) إنما ساقه لما يتعلق بصفته تعالى وإن كان متعلقاً بذوات غير الله تعالى وبصفاتها وأفعالها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 41
قوله:
(فإنه متعلق بفعل المكلف من حيث إنه مخلوق لله تعالى)
(1/79)
---(1/79)
قد يتوهم أن الاستدلال بالآية الشريفة على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى موقوف على جعل ما مصدرية لا موصولة وليس كذلك، لأن المراد بالأفعال في قولنا أفعال العباد مخلوقة لله تعالى الحاصلة بالمصدر أعني ما يشاهد من الحركات والسكنات لا المصدر نفسه الذي هو الإيجاد والإيقاع لأنه أمر اعتباري وهو تعلق القدرة بالمقدور المعبر عنه في جانب الحادث بالمقارنة، وظاهر أن هذا لا يتعلق به الخلق بكونه ليس أمراً وجودياً، وكما لا يتعلق به الخلق لذلك فكذلك لا يتعلق به التكليف، ومن هنا يتضح قولهم المكلف به الحاصل بالمصدر لا المصدر نفسه وإيضاح المقام أن يقال: إذا فعل الإنسان فعلاً كتحريك يده مثلاً فهناك أمور أربعة: أمران مخلوقان لله تعالى في آن واحد وهما الحركة أعني الهيئة المشاهدة والقدرة الحادثة للعبد وهذان أمران وجوديان مخلوقان لله تعالى معاً في آن واحد، وأمران اعتباريان لا يتعلق بهما خلق لكونهما ليسا وجوديين وهما تعلق القدرة القديمة بتلك الحركة وهو إيجادها ومقارنة قدرة العبد المخلوقة لله تعالى لتلك الحركة، وهذا هو المعبر عنه بالمعنى المصدري وبالكسب فالحركة مخلوقة له تعالى مكسوبة للعبد لاتصافها بكسبه وهو مقارنة قدرته المخلوقة لله تعالى لها المعبر عنه بتعلق القدرة الحادثة بالمقدور والموجود يصح اتصافه بالأمور الاعتبارية كوصف الله جل جلاله بكونه قبل العالم وبعده وغير ذلك. هذا تحرير المقام على وجه الاختصار وحينئذ فلا فرق بين جعل ما في قوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} (الصافات: 96) مصدرية أو موصولة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 41
قوله:
(ولا خطاب يتعلق الخ)
(1/80)
---(1/80)
ظاهره أن غير البالغ لا يتعلق بفعله خطاب أصلاً سواء كان الخطاب خطاب تكليف أو وضع وليس كذلك لما سيأتي من أن الثاني يتعلق بفعل غير البالغ كالبالغ. ويجاب بأن المنفي في كلامه هو خطاب التكليف بقرينة أن الكلام فيه لأنه المعرف بما تقدم، لكن كان المناسب في التعبير أن يقول: وخرج بالمكلف بمعناه المذكور غير البالغ فلا يتعلق به الخطاب المذكور، أو يقول: ولا يتعلق الخطاب المذكور بفعل غير البالغ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 42
قوله:
(وولي الصبي والمجنون الخ)
قصد به دفع ما يتوهم من أن وجوب الزكاة في مالهما ووجوب غرم بدل ما أتلفاه مقتض لتعلق خطاب التكليف بهما. وحاصله أن ما يتوهم تعلقه بفعل الصبي والمجنون إنما هو متعلق بفعل وليهما. قوله: (في مالهما) متعلق بوجب إن كان بمعنى ثبت، وإن كان من الوجوب الشرعي فالمجرور متعلق باستقرار محذوف حال من ما الواقع على المؤدي إلى ما وجب أداؤه كائناً في مالهما. وقوله: وضمان المتلف معطوف على أداء، والمراد بالضمان الغرم، وفي العبارة مضاف محذوف أي غرم بدل المتلف من مثل أو قيمة، ولا يصح عطفه على الزكاة لأن المراد بها هنا القدر المؤدي لا دفعه، وإن كان الزكاة تطلق بالاشتراك عليهما، والمراد بالضمان الغرم كما تقدم لا القدر الذي يغرم حتى يصح عطفه على الزكاة، نعم يصح عطفه على الزكاة بتأويل الضمان بالمضمون أي ومضمون المتلف ولا بد من حذف حينيئذ أي المضمون عن المتلف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 42
قوله:
(كما يخاطب الخ)
(1/81)
---(1/81)
تنظير بما قبله بجامع تعلق ضمان المتلف بغير من صدر منه الإتلاف في كل. قوله: (حيث فرط) ظرف ليخاطب ويصح كونه ظرفاً لأتلفته. وقوله لتنزل الخ علة ليخاطب. قوله: (المثاب عليها) يحتمل كونه نعتاً للصبي رافعاً لضميره، ويحتمل كونه نعتاً للعبادة، ثم إن كان نائب الفاعل ضمير الصبي فهو سببي فكان الواجب الإبراز لوجود اللبس لاحتمال كونه نعتاً للصبي، وقد يقال محل الوجوب إذا اختلف المعنى في التقديرين، أما إذا كان مآلهما واحداً كما هنا فلا، وإن كان نائب الفاعل الجار والمجرور فالنعت حقيقي لأن النعت حينئذ مجموع قوله المثاب عليها بخلافه على الأول فإنه المثاب فقط، ويحتمل كونه نعتاً للصحة فيكون مرفوعاً وضمير عليها للصحة وفيه ما تقدم، وقيد بقوله المثاب عليها بياناً لوجه الشبهة في توهم تعلق الخطاب بالصبي وإلا فالصحة تتحقق باستجماع ما يعتبر في الفعل شرعاً وإن لم يتعلق الطلب به كالمباح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 42
قوله:
(ليس لأنه مأمور بها كالبالغ)
اعترض بأنه مشعر بأن أمر البالغ بها علة للصحة وفيه نظر. وكذا قوله: ليعتادها قضيته أن الاعتياد علة للصحة وفيه نظر أيضاً ويجاب عن الأول بأن صحة العبادة تتوقف على الأمر بها في الجملة بدليل أنه لا يصح التعبد بما لم يؤمر به رأساً، ولهذا لو أعاد الظهر منفرداً لغير خلل في فعلها أولاً كانت باطلة فيصح تعليل الصحة للعبادة بالأمر بها. وعن الثاني بأن الاعتياد علة غائية حاملة لحملة الشرع أي العلماء على الحكم بالصحة، وإلا فأحكام الباري منزهة عن الحامل والباعث، وقوله كصلاته وصومه هذا على مذهب الشارح وهو مذهب الإمام الشافعي، وأما عندنا معاشر المالكية فالصبي إنما يثاب على الصلاة دون الصوم، وفرق بتكرار الصلاة كل يوم فشق أمرها بخلاف الصوم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 43
قوله:
(ويرجع ذلك الخ)
(1/82)
---(1/82)
يعني أن الظاهر من قول المصنف الآتي، والصواب امتناع تكليف الغافل الخ الذي هو في قوة الاستثناء من عموم المكلف المدلول للام الداخلة عليه أن ذلك تخصيص في عموم الأشخاص، وفي التحقيق يرجع إلى امتناع تكليف البالغ العاقل في بعض أحواله فهو راجع إلى التخصيص في عموم الأحوال كذا قرر. وفيه أن مفاد هذا كون اللام في المكلف للاستغراق وذلك موجب لاختلال التعريف إذ لا يصدق حينئذ إلا على الخطاب المتعلق بفعل كل مكلف ما عدا ما وقع به التخصيص، ولا يصدق على الخطاب المتعلق بفعل المكلف الواحد كالنبي في خصائصه فالوجه حمل أل في المكلف على الجنس، ويكون مراد الشارح بيان الواقع ودفع ما يتوهم من التعريف قصداً إلى زيادة الفائدة، وإلا فلا ضرورة إلى بيان ذلك هنا لأنه استفيد من التعريف أن كل خطاب تعلق بفعل جنس المكلف فهو حكم قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 43
قوله:
(زاد في التعريف السابق الخ)
(1/83)
---(1/83)
اعترض ذلك من وجهين: الأول: أن من جملة التعريف السابق الحيثية السابقة أعني قوله: من حيث إنه مكلف وليست مذكورة في كلام ابن الحاجب كما ترى، ففي قوله في التعريف السابق تسامح. الثاني: إن هذه الزيادة لا تلزم من جعله منه. قال العضد عن بعض من يجعله منه: خطاب الوضع يرجع إلى الاقتضاء والتخيير إذ معنى جعل الشيء سبباً لشيء اقتضاء العمل به عنده فجعل الزنا مثلاً سبباً لوجوب الحد هو إيجاب الحد عنده، وجعل الطهارة شرطاً لصحة البيع جواز الانتفاع بالمبيع عندها وحرمته عند عدمها وعلى هذا القياس. فالحاصل أن المراد بالاقتضاء ما يعم الصريح والضمني. والجواب عن الأول أن المراد بالحيثية الواقعة في كلام المصنف وبقول ابن الحاجب بالاقتضاء والتخيير واحد، فتعريف المصنف وتعريف ابن الحاجب مؤداهما واحد فهما تعريف واحد لا اثنان، فصح قول الشارح زاد في التعريف السابق على أن دعوى الزيادة في التعريف لا تنافي النقص منه. وعن الثاني بأن مراد الشارح ما يدخله بحسب الظاهر من غير احتياج إلى التكلف الذي لا يليق بالحدود.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 43
قوله:
(لكنه لا يشمل الخ)
(1/84)
---(1/84)
أجيب عن ذلك بأن المراد بالتعلق الوضعي أعم من أن يجعل فعل الملكف سبباً أو شرطاً لشيء، أو يجعل شيء مسبباً أو شرطاً لفعل المكلف، فدخل ما متعلقه غير فعل المكلف كطهارة المبيع سبب لجواز الانتفاع به وكالزوال سبب لوجوب الظهر. وفيه أنه لا يتم في الزوال فإنه ليس سبباً لفعل المكلف إذ هو سبب لوجوب الظهر. إلا أن يقال إنه سبب له بواسطة كونه سبباً لما تعلق به وهو الوجوب ولا يخفى ما فيه من التكلف فتأمل. قوله: (واستعمل المصنف) السين ليست للطلب بل لمجرد التأكيد أي أعمل المصنف بمعنى أطلق. وقوله كغيره تقوية وسند للمصنف وهو إما على حذف مضاف متعلق بمحذوف صفة لمصدر محذوف أي استعمالاً كاستعمال غيره، وإما حال من المصنف أي استعمل المصنف حال كونه مشابهاً لغيره قاله الناصر اللقاني.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 44
قوله:
(للمكان المجازي)
(1/85)
---(1/85)
إنما عدى استعمل باللام إما لأنها بمعنى في كما للناصر وإما لأنه ضمن استعمل معنى استعار كما للشهاب. واعلم أن ثم موضوعة للمكان الحسي البعيد، والمصنف قد استعملها في المكان المعنوي القريب فيكون فيها تجوز من وجهين. أما الأول وهو استعمالها في المكان المعنوي فمجاز استعارة تقريرها أن يقال شبه المعنى المفاد من التعريف المذكور وهو كون الحكم خطاب الله الذي هو علة لنفي الحكم عن غير الله تعالى بالمكان بجامع أن كلاً محل للكون فيه والتردد إليه، فإن المعنى محل للفكر وتردده إليه بملاحظته المرة بعد المرة، كما أن المكان محل للجسم وتردده إليه بإتيانه المرة بعد الأخرى، وطوى ذكر المشبه وذكر اللفظ الدال على المشبه به وهو ثم على طريق الاستعارة المصرحة والقرينة استحالة كون المعنى مكاناً حقيقياً. وأما الثاني فمجاز مرسل، ثم لا يخفى أن تفسير الشارح لها بهنا الذي هو من إشارات القريب ينافي تفسيره لها بعد بذلك الذي هو من إشارات البعيد. ويمكن أن يقال أشار أولاً بهنا إلى قرب المشار إليه لقرب محله وما فهم منه، وثانياً بذلك إلى بعده باعتبار أن المعنى ينقضي بمجرد النطق باللفط الدال عليه أو باعتبار أن المعنى غير مدرك حساً فكأنه بعيد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 44
قوله:
(ويبين في كل محل الخ)
أشار بذلك إلى أن ثم لا دلالة لها على أزيد من مشار إليه بعيد، وأما بيان ذاته وحقيقته فبقرينة خارجية تختلف باختلاف المقامات مثلاً تقول: علمني زيد العلم ومن ثم أكرمته، فالمشار إليه تعليم العلم. وتقول: أكرمت زيداً ومن ثم عظمني فالمشار إليه الإكرام وعلى ذلك فقس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 44
قوله:
(كما سيأتي)
(1/86)
---
. لا يقال: ما هنا من جملة الكل ولا يصدق عليه أنه سيأتي لأنه يبين هنا لا فيما سيأتي. لأنا نقول: ما هنا إنما يبين فيما يأتي أيضاً ضرورة تأخير بيانه عن هذا الكلام المشتمل على الحوالة أعني قوله: ويبين في كل محل الخ.(1/86)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 44
قوله:
(فقوله هنا ومن ثم أي من هنا)
قوله مبتدأ وهو بمعنى مقوله فالمصدر بمعنى المفعول، وقوله هنا متعلق به ومن ثم عطف بيان لقوله بمعنى مقوله إذ المفسر بمن هنا لفظ من ثم لا النطق به والخبر محذوف. وقوله أي من هنا معمول لذلك الخبر المحذوف والتقدير ومقوله الذي هو، ومن ثم يقال في بيانه أي من هنا أي يقال في بيانه هذا اللفظ، ويصح أن يكون الخبر قوله أي من هنا لقيام أي مقام قولنا معناه هنا وإلا فمدخول أي في الأصل عطف بيان لما قبلها، والتقدير فمقوله الذي هو ومن ثم معناه من هنا والأول أوجه اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 44
قوله:
(أي من أجل ذلك)
(1/87)
---
قال العلامة الناصر: حمل من على التعليل والظاهر عدم تعينه وصحة كونها ابتدائية بل هو أظهر لأن ثم للمكان فكون من الداخلة عليه لابتداء الغاية أظهر من كونها للتعليل. وفيه أنه مخالف لما أطبق عليه شراح كافية ابن الحاجب من حملها على معنى التعليل في قول ابن الحاجب ومن ثم اختلف في رحمن وإطباقهم على ذلك يدل على أنه الأرجح أو المتعين، ولعل السر في ذلك ما ذكره الإمام الرضي رضي الله عنه وتبعوه فيه من قوله المقصود من معنى الابتداء في من أن يكون الفعل المتعدي بها شيئاً ممتداً كالسير والمشي ونحوهما، ويكون المجرور بها الشيء الذي ابتدىء منه ذلك الفعل نحو سرت من البصرة، أو يكون الفعل المتعدي بها أصلاً للشيء الممتد نحو: خرجت من الدار إذ يقال خرجت من الدار إذا انفصلت عنها ولو بأقل من خطوة اهـ. ولا يخفى أن نقول في قول الشارح نقول لا حكم الخ بمعنى الاعتقاد، وأن الاعتقاد ليس أمراً ممتداً ولا أصلاً لشيء ممتد إلا بتكلف لا داعي إليه. فظهر أن كونها للتعليل هو الأظهر.(1/87)
قوله: (لا حكم إلا لله) فيه أن يقال: إن التعريف المتقدم ليس للحكم على الإطلاق بل لنوع منه وهو التكليفي كما أشار له الشارح أولاً، وحينئذ فالذي تضمنه التعريف أن الحكم المخصوص هو خطاب الله لا أن الحكم مطلقاً هو ذلك، ومعلوم أن كون المعرف بما تقدم هو الحكم المخصوص لا ينتج اعتقاد أن لا حكم على الإطلاق إلا لله تعالى الذي أفاده قوله نقول: لا حكم إلا لله. اللهم إلا أن يقال: ليس المقصود بقوله: لا حكم إلا لله سلب الحكم على الإطلاق عن غير الله بل سلب الحكم المخصوص وحينئذ يتم ما ذكره المصنف إذ سلب الحكم المخصوص عن غير الله يعلم من كون الحكم المخصوص خطاب الله المذكور ويندفع النظر المذكور، وقد يقال في دفعه أيضاً لا قائل بالفرق بين حكم وحكم، فإذا اختص به تعالى هذا الحكم المخصوص فكذا المطلق يختص به أيضاً.
(1/88)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 45
قوله:
(فلا حكم الخ)(1/88)
أشار بذلك إلى أن مقصود المصنف بقوله: ومن ثم لا حكم إلا لله التمهيد لخلاف المعتزلة بتحكيم العقل والرد عليهم. وفيه أن يقال: أراد بقوله: لا حكم إلا لله نفي الحكم عن غير الله وإثباته له بمعنى أن لا حاكم إلا الله، فهذا محل اتفاق بين الفريقين، إذ المعتزلة لا يجعلون العقل هو الحاكم بل يوافقوننا على أن الحاكم هو الله تعالى، وإنما محل النزاع بيننا وبينهم في أن العقل هو يدرك الحكم من غير افتقار إلى الشرع أو لا؟ فعندهم نعم لقولهم: إن الأفعال في حد ذاتها بقطع النظر عن أوامر الشرع ونواهيه يدرك العقل أحكامها وتستفاد منه، وإنما يجيء الشرع مؤكداً لذلك فهو كاشف لتلك الأحكام التي أثبتها العقل، فلا يصح التمهيد حينئذ وإن أراد بقوله: لا حكم إلا لله نفي إدراك العقل كما هو المراد، فهذا لا يتفرع على ما قبله فلا يتجه قوله ومن ثم وإن صح التمهيد. وقد يجاب باختيار الشق الثاني وهو أن المراد بقوله: لا حكم إلا لله نفي إدراك العقل للأحكام أي لا يدرك الحكم إلا من جهة الله وبواسطة خطابه، ويدل لهذا قول الشارح في شرح قول المصنف الآتي شرعي أي لا يؤخذ إلا من الشرع ولا يدرك إلا به، فحمل حكم الشرع في محل النزاع على الإدراك به، فينبغي أن يكون في التمهيد بهذا المعنى وحينئذ فلا إشكال في التمهيد، وكذا في التفريع بحمل المفرع عليه وهو كون الحكم هو خطاب الله، على أن معناه لا يدرك الحكم إلا بالخطاب المذكور ولا يؤخذ إلا منه. وإنما قال: فلا حكم للعقل ولم يقل فلا حكم لغيره مع أنه مفاد الحصر في قوله: لا حكم إلا لله تنصيصاً على محل النزاع، وأن ذلك الغير منحصر في العقل في الواقع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 45
قوله:
(مما سيأتي عن المعتزلة)
(1/89)
---(1/89)
أي من ترتب المدح والذم عاجلاً والثواب والعقاب آجلاً، ومن وجوب شكر المنعم ومن الحظر والإباحة عقلاً في الجميع فيما قبل ورود الشرع. قوله: (المعبر عن بعضه) أي وهو ترتب المدح والذم عاجلاً والثواب والعقاب آجلاً. وقوله المعبر بالجر نعت لما، فالآتي عن المعتزلة يعبر عنه بالحسن والقبح وهو الترتب المذكور، وبعضه لا يعبر عنه بذلك كوجوب شكر المنعم والحظر الإباحة هذا مفاد كلامه، ويرد عليه أن كلاً من الوجوب والإباحة عبر المعتزلة عنه بالحسن، وأن الحرمة عبروا عنها بالقبح، قال السيد: ذهبت المعتزلة إلى أن الأفعال في ذواتها مع قطع النظر عن أوامر الشرع ونواهيه متصفة بالحسن والقبح، وأرادوا بالقبح كونه الفعل بحيث يستحق فاعله الذم عند العقل، وبالحسن كونه يستحق المدح عنده ثم القبح، هو معنى الحرمة والحسن معنى خلافها وهو متفاوت في مراتبه، فإن كان بحيث يستحق فاعله المدح وتاركه الذم عند العقل فهو الوجوب، وإلا فإن استحق فاعله المدح فقط فهو الندب، أو استحق تاركه المدح فقط فهو الكراهة، أو لا يتعلق بفعله ولا تركه مدح ولا ذم فهو الإباحة اهـ. فلعل المراد بقول الشارح المعبر عنه أي في كلام المصنف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 46
قوله:
(ولما شاركه الخ)
(1/90)
---(1/90)
الضمير في شاركه عائد إلى البعض وكذا ضمير عنه. وقوله: ما يحكم به العقل فاعل شارك وضمير بهما يعود إلى الحسن والقبح. واعترض هذا التركيب بأنه يجب حذف عنه قوله لأن التعبير بهما عنه لا يشاركه فيه غيره كما هو واضح. ويمكن أن يجاب بأن الضمير عائد إلى البعض لا من حيث خصوصه وشخصه بل من حيث عمومه أي كونه شيئاً موصوفاً بالحسن والقبح والحكم على حقيقة الصفة لا خصوصها، كما يقال: علامة الرجل لحيته أي حقيقة اللحية، ولو قال: ولما شاركه في الاتصاف بهما لسلم من هذا التكلف. قوله: (للشيء) إنما لم يقل والحسن للشيء والقبح له مع أنه المراد اختصاراً لوضوح المقام وإيماء إلى أنه قد يوصف الشيء الواحد بالحسن والقبح باعتبارين كما يأتي قريباً في الصدق الضار والكذب النافع، فإن الأول حسن من جهة كونه صدقاً قبيح من جهة إضراره، والثاني قبيح من جهة كونه كذباً حسن من جهة نفعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 46
قوله:
(بمعنى ملاءمة الطبع الخ)
(1/91)
---(1/91)
من أضافة المصدر إلى مفعوله أي ملاءمة الشيء الطبع وإضافة معنى لملاءمة بيانية أي معنى هو ملاءمة الطبع، وكذا القول في قوله ومنافرته، فإذا قيل: هذا الشيء حسن فمعناه ملائم للطبع، وإذا قيل: هذا الشيء قبيح فمعناه منافر للطبع، ثم إن الباء في قوله بمعنى للملابسة متعلقة بمحذوف حال من المبتدأ وهو قوله: والحسن والقبح على رأي سيبويه والتقدير والحسن ملتبساً بمعنى هي ملاءمة الطبع عقلي، ومثل ذلك يقال في القبح أو حال من الضمير في الخبر وهو عقلي على رأي من لا يجوز مجيء الحال من المبتدأ. قوله: (وبمعنى صفة الكمال) في الباء وإضافة معنى إلى صفة ما تقدم في قوله بمعنى ملاءمة، ويزاد هنا أن إضافة صفة إلى الكمال بيانية أيضاً أي صفة هي الكمال فالصفة نفس الكمال، فقولنا العلم حسن أي كمال، وقولنا والجهل قبيح أي نقص. وبهذا يندفع اعتراض العلامة الناصر بقوله: والمراد بالصفة المعنى القائم بالغير فحسن العلم مثلاً هو كونه صفة كمال، والعلم نفسه صفة كمال، فلو قال وبمعنى كونه صفة كمال كان أوفق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 47
قوله:
(وبمعنى ترتب المدح الخ)
(1/92)
---(1/92)
في الباء وإضافة معنى لما بعده ما تقدم في قوله بمعنى ملاءمة الطبع الخ. وإن أريد بالترتب حصوله بالفعل كان في الكلام مضاف محذوف أي استحقاق ترتب الخ، لأن اللازم استحقاق الترتب لا نفس الترتب إذ قد يتخلف وإن أريد به كونه بحيث يستحق ذلك فلا حذف، وقوله عاجلاً وآجلاً ظرفان للمدح والذم والثواب والعقاب الأول للأولين والثاني للأخيرين. ويصح جعل الأول دون الثاني ظرفاً للترتب إن أريد به كون الشخص بحيث يستحق الثواب على الفعل والعقاب على الترك، أو كان على تقدير المضاف كما تقدم لحصول استحقاق الترتب أو الترتب بالمعنى المذكور وهو كون الشخص الخ الآن. وأما إن أريد بالترتب الحصول بالفعل فلا يصح حينئذ كون عاجلاً ظرفاً له، وإنما الظرف له هو قوله آجلاً لأن ذلك إنما يكون في الآخرة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 47
قوله:
(المبعوث به الرسل)
فيه أن هذا القيد مستدرك مع ذكر الشرع، ولا يصح أن يريد به الكشف والبيان لأن الشرع أعم من المبعوث به الرسل لما مر في تعريف النبي والرسول، ولا أن يريد به الاحتراز لأن الشرع حاكم بذلك سواء كان لرسول أو لنبي فالوجه ترك هذا التقييد. وقد يجاب بأن التقييد المذكور جرى على الغالب وبأنه يصح تخريجه على القول الثالث المار أعني استواء النبي والرسول في أن كلاً يعرّف بأنه إنسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، وفي هذا الجواب الثاني نظر فتأمله. قوله: (أي لا يؤخذ ولا يدرك إلا به) عطف قوله ولا يدرك على ما قبله من عطف التفسير، وحينئذ ففي قوله لا يحكم به إلا الشرع مجاز في المسند وهو يحكم إذ المراد به يدرك الحكم وهو مرسل علاقته اللزوم وإنما لم يقل أي لا يدرك إلا من الشرع بدل ما قاله جرياً على ما يقتضيه سياق كلام المصنف. قوله: (في قولهم إنه عقلي) متعلق بالعامل في خلافاً المحذوف والأصل نخالف خلافاً بقولنا إنه شرعي المعتزلة في قولهم إنه عقلي.
(1/93)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 47
قوله:(1/93)
(لما في الفعل من مصلحة أو مفسدة)
قد يقال: حكم العقل على الفعل بالحسن أو القبح لأجل اشتماله على مصلحة أو مفسدة حكم بذلك لوسط فينتظم بذلك قياس وهو أن يقال مثلاً: هذا الفعل مشتمل على مصلحة وكل فعل اشتمل على مصلحة فهو حسن ينتج هذا الفعل حسن فيكون هذا الحكم نظرياً، فتقسيمه بعد ذلك الحكم المذكور إلى نظري وضروري من تقسيم الشيء إلى نفسه وإلى غيره. والجواب أن الحكم لوسط لا ينافي الضرورة مطلقاً وإنما ينافيها إذا كان بترتيب المقدمات والانتقال منها إلى المطلوب المقتضى ذلك تأخر العلم بالحكم المطلوب عن القياس، وأما ما لا يكون كذلك بأن كان معلوماً بدون الترتيب والانتقال المذكورين فلا كالضروريات التي قياساتها معها، كقولنا الأربعة زوج ألا ترى إلى هذا فإنه حكم ضروري مع أنه بوسط وهو انقسامه بمتساويين، وينتظم بذلك قياس هو قولنا الأربعة عدد منقسم بمتساويين، وكل عدد منقسم بمتساويين زوج، وقد صرحوا بأن الضروريات قد تحتاج إلى وسط بدون حركة وفكر فليراجع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 48
قوله:
(أي يدرك العقل ذلك)
تفسير لقوله يحكم به العقل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 48
قوله:
(كحسن الكذب النافع وقبح الصدق الضار)
أي نظراً في الأول لجهة النفع دون الكذب، وفي الثانية لجهة الإضرار دون الصدق. وقوله وقيل العكس أي قبح الكذب النافع وحسن الصدق الضار أي نظراً في الأول لكونه كذباً دون جهة النفع التي اشتمل عليها. وفي الثاني لكونه صدقاً مع قطع النظر عن الذي اشتمل عليه من الإضرار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 48
قوله:
(أو باستعانة الشرع)
(1/94)
---(1/94)
عطف على قوله بالضرورة أي فإدراك الحسن والقبح في هذا القسم موقوف على كشف الشرع عن الحسن والقبح بأمره ونهيه، وأما كشفه عنهما في القسمين الأولين فهو مؤيد لحكم العقل بهما. إما بالضرورة أو النظر، فقوله يدرك ذلك باستعانة الشرع مراده إدراكه بعد مجيء الشرع أن في الفعل جهة حسن أو جهة قبح فقد استعان بالشرع في إدراكهما لتوقف إدراكه إياهما على ورود الشرع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 48
قوله:
(خبر مبتدأ محذوف الخ)
إنما جعله خبر مبتدأ محذوف لكونه لا يصح كونه خبراً عن الحسن والقبح لعدم التطابق بين المبتدأ والخبر لكونه مفرداً والمخبر عنه شيئان. وقوله كل منهما أو كلاهما أشار بالمثالين إلى تقدير المبتدأ مفرداً لفظاً ومعنى وهو قوله كل منهما، أو مفرداً في اللفظ فقط وهو قوله أو كلاهما. قوله: (الأنسب كما قال) بيان لحكمة الاقتصار على هذا المقابل دون عكسه. قوله: (فإن العقاب عندهم الخ) لا يخفى أن هذا إنما يثبت الأنسبية لمقابل الثواب دون مقابل المدح، فلا بد في تتميم ما أشار له من ملاحظة أنه لما ناسب إيثار مقابل الثواب بالذكر ناسب إيثار ما يناسبه وهو مقابل المدح الذي هو الذم للمناسبة بينهما. قوله: (لا يتخلف ولا يقبل الزيادة) فهو أخص بهم وألصق فكان الأنسب عند إرادة الاقتصار على أحد الأمرين إيثاره بالذكر لمزيته باعتبار معتقدهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 48
قوله:
(وشكر المنعم واجب بالشرع)
(1/95)
---(1/95)
هذه المسألة ذكرها أهل السنة بعد التي قبلها على سبيل التنزل مع المعتزلة أي تنزلنا معكم إلى أن العقل يدرك الحسن والقبح بالمعنى المتقدم، لكن يلزمكم أن لا يكون الشكر عقلياً، فإن العقل إذا خلى ونفسه لم يدرك فيه الحسن بالمعنى المتقدم لأن المصلحة المشتمل عليها الشكر إما أن تكون راجعة للمشكور أو إلى الشاكر والأول باطل لأن الرب تقدس وتعالى عن أن ينتفع بشكر شاكر أو عبادة عابد، كيف وقد ثبت له الغنى المطلق ولو كان ينتفع بذلك لزم افتقاره إلى خلقه واللازم محال فكذا الملزوم. وأما الثاني فلأن النعمة الواصلة إلى الشاكر بالنسبة لمسديها وهو الله تعالى حقيرة لأن الدنيا بحذافيرها لا تساوي عند الله جناح بعوضة كما ثبت في الحديث الشريف فلا تستوجب شكراً بل بالقياس على الشاهد ربما أوجب الشكر عليها ضرراً للشاكر، ألا ترى أن نحو السلطان لو أعطى شخصاً فلساً فشكره على ذلك بملأ من الناس كان شكره على ذلك موجباً لعقوبته لما فيه من الازدراء بالمعطي، فلولا أن الله أمرنا بالشكر على النعم مطلقاً لم يكن الشكر واجباً فهو إنما وجب بالشرع لا بالعقل، وقد قرر هذه المسألة ابن الحاجب على أتم وجه، وإيراد المصنف لها على هذا الوجه لا تظهر له فائدة لأنهم إنما ذكروا هذه عقب التي قبلها على سبيل التنزل على طريق أهل الجدل وكلام المصنف لا يفيد ذلك. وقد أجاب العلامة سم عن المصنف بما أطال به بلا طائل تحته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 48
قوله:
(وهو الثناء الخ)
(1/96)
---(1/96)
أشار بذلك إلى أن موضع المسألة الشكر اللغوي خلافاً لما قاله الكمال من أنه العرفي رادّاً بذلك على الشارح، وحمل الشهاب كلام الشارح على العرفي يرد بأن الشارح اعتبر كون الثناء لأجل الإنعام والشكر العرفي لا يعتبر فيه ذلك. لا يقال: إطلاق الثناء على فعل غير اللسان مجاز والحدود تصان عنه. لأنا نقول: الحق أن الثناء لا يختص باللسان لتعريفهم له بالإتيان بما يشعر بتعظيم المنعم لأجل إنعامه، ولئن سلم اختصاص الثناء باللسان فنقول: إنما يمتنع التجوّز في الحدود إذا لم يقترن بالقرينة الواضحة وقد اقترن بها هنا وهي تقسيم الثناء إلى هذه الأقسام. ذكر هذا الجواب الأخير سم والأول هو الأولى فتأمل. قوله: (لإنعامه) تعليل للثناء قال الشهاب : أخذه من تعليق الحكم بالمشتق في قول المصنف: وشكر المنعم واجب وهو يشعر بعلية الوصف للحكم كما تقرر. وقال سم: لا حاجة إلى ذلك لأن الإنعام معتبر في مفهوم الشكر فهو مأخوذ من لفظ الشكر من غير حاجة في إثباته إلى الترتيب المذكور وهو حسن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 49
قوله:
(بالخلق)
(1/97)
---(1/97)
اعترض بأن حقيقة الخلق الإيجاد وهو نوع من الإنعام فلا يصح أن يتعلق به. وأجيب بأن الخلق بمعنى المخلوق وعليه فالرزق في كلامه بكسر الراء. وفيه أن الاعتراض وجوابه مبنيان على أن الباء صلة الإنعام حتى يكون الخلق بمعنى الإيجاد منعماً به مع أنه فرد من أفراد الإنعام وهو غير متعين لجواز كونها للملابسة أي لإنعامه الملابس للإيجاد ملابسة الكلي لجزئيه، فاندفع ما يقال إن الإيجاد نفس الإنعام والشيء لا يلابس نفسه أو للسببية، والمعنى لإنعامه بسبب الإيجاد أي لأجل أنه أنعم بسبب أنه أوجد، فإيجاده سبب لتحقق إنعامه أي تحقق هذا الجنس فإن تحقق الخاص سبب لتحقق العام أو لأن تحقق الفرد سبب في تحقق الحقيقة الكلية. وعلى هذا يضبط الرزق بفتح الراء مصدر كالخلق إلا أن هذا لا يناسب قوله والصحة، فإما أن يحمل قوله والصحة على حذف المضاف أي وإعطاء الصحة، أو يراد بها التصحيح على أنه يصح كون الباء صلة مع بقاء الخلق على مصدريته، وكذا ما بعده على أن يراد بالمصدر الحاصل به، واستعمال المصدر في الحاصل به شائع كثير وحينئذ لا إشكال في صحة التعلق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 49
قوله:
(بأن يعتقد أنه تعالى وليها)
(1/98)
---(1/98)
أي موليها استعمالاً لفعيل بمعنى اسم الفاعل والمراد أنه موليها لا غيره بمعونة المقام. وأورد بأن الاعتقاد من مقولة الانفعال وهو اضطراري فلا يتعلق به الحكم الذي هو الإيجاب لأن الأحكام إنما تتعلق بالأفعال الاختيارية، فالحكم هنا إنما يتعلق بأسباب الاعتقاد المذكور كالنظر، ففي كلامه المقتضى تعلق الإيجاب بالاعتقاد المذكور تسامح وفيه نظر بين، فإن القول المنصور أن الاعتقاد من مقولة الكيف لا من مقولة الفعل ولا الانفعال ولا الإضافة كما قيل بكل، وقد صرحوا بأن المراد بالفعل في قولهم لا تكليف إلا بفعل اختياري ما قابل الانفعال فيدخل الاعتقاد حينئذ في الفعل. بقي أن يقال: إن في قوله بأن يعتقد الخ إشعاراً بأن المنعم عليه إذا أثنى على المنعم بغير ما يفهم صدور تلك النعمة عنه لا يكون ذلك شكراً، وفي قوله بأن يتحدث بها إشعار بذلك أيضاً وهو خلاف ما يفيده تعريفهم الشكر بأنه فعل ينبىء عن تعظيم المنعم بسبب إنعامه من أن المعتبر في الشكر كون الثناء لأجل الإنعام وإن لم يكن فيه دلالة على صدور تلك النعمة من المنعم ولذا قال الفنري : واعلم بأنهم صرحوا بأن الشكر بالجنان اعتقاد اتصاف المنعم بصفات الكمال، أو اعتقاد اتصافه بصفة الإنعام، وأنه ولي النعم في مقابلة إنعامه وجوابه حمل قوله بأن في الموضعين أعني قوله بأن يعتقد وبأن يتحدث على التمثيل كما هي قاعدة بعض مشايخ الشارح من الشافعية، وحينئذ فمخالفة الأسلوب في الموضع الثالث أعني قوله كأن يخضع لمجرد التفنن لا لأنه لما كان الثناء بالقلب واللسان منحصراً فيما ذكره أتى بباء التصوير المفيدة لذلك، ولما كان الثناء بالأركان غير منحصر في الخضوع أتى بالكاف المفيدة لذلك لكونها للتمثيل وهو مبني الإشكال. بقي شيء آخر وهو أن يقال: كل ثناء بفعل خضوع لله تعالى إذ لا يكون ثناء إلا إذا كان خدمة لله تعالى، وكل خدمة خضوع فما اقتضته الكاف من أن فعل الأركان لا ينحصر في الخضوع ممنوع.(1/99)
(1/99)
---
ويمكن أن يجاب بحمل الخضوع على نوع خاص منه وهو سكونها مثلاً كما يفعل بين يدي الملوك من تكتيف اليدين والإطراق بالرأس والعينين، أو يقال الكاف استقصائية وهذا غاية ما يلتمس في الجواب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 50
قوله:
(واجب الخ)
فيه أن مقتضاه أن من ترك الشكر بالمعنى المتقدم يأثم وهو صريح الشارح أيضاً بقوله: فمن لم تبلغه دعوة نبي الخ وهو خلاف ما يفهم من الفروع بل المفهوم منها أنه لا إثم على من ترك الشكر وغفل مطلقاً عن كون الله مولى النعم ولم يتحدث بها ولا لاحظ الخضوع لله تعالى. قوله: (دعوة نبي) الأنسب بالدعوة ذكر الرسول لأنه الذي يدعو وإن أفاده ذكر الدعوة. ويبقى الكلام في قوله بعد الرسل مع أن البعثة تفيده. والجواب بأنه تفنن ليس بذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 50
قوله:
(ولا حكم موجود الخ)
(1/100)
---(1/100)
لما كان متعلق الخبر يحتمل أنه من مادة الوجود فيفيد انتفاء نفس الحكم قبل الشرع وأنه من مادة غير الوجود كالعلم فلا يفيد ذلك بل يحتمل معه وجود نفس الحكم قبل الشرع لأن المنفى علمه فقط فلا يتم الرد على المعتزلة كان محتاجاً إلى بيان ذلك المتعلق. ولا يقال: المتعلق إذا كان كوناً عاماً يجب حذفه. لأنا نقول: الشارح إنما أشار إلى أن المتعلق هذا فهو إشارة إلى تقديره لا أن مراده أن هذا المتعلق يذكر ولا يحذف فهو بمنزلة أن يقول والخبر متعلقه محذوف تقديره موجود، وفي تقدير الشارح المتعلق المذكور قبل الظرف أعني قول المصنف قبل الشرع دليل على أن الظرف متعلق بالخبر المحذوف لا بلفظ الحكم، ويدل على ذلك أنه لو تعلق به كان منصوباً منوناً لأنه شبيه بالمضاف حينئذ مع أن المعروف في لفظ المتن بناؤه على الفتح. اللهم إلا أن يكون جارياً على رأي البغداديين المجوزين نصب الشبيه بالمضاف مع إسقاط تنوينه، وعليه ظاهر لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، وعلى هذا يصح التعلق المذكور ويقدر متعلق الخبر مؤخراً عن الظرف. قوله: (أي البعثة لأحد من الرسل) مفاده تصوير المسألة بما قبل جميع الرسل. ومن ثم قيل تفسيره الشرع بذلك قد يرد عليه وجود الحكم في شرع نبي لم يوجد قبله رسول. ويجاب بأن أول الرسل آدم على نبينا وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
(1/101)
---(1/101)
تنبيه: قوله ولا حكم قبل الشرع ظاهره أنه لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع، فمن لم تبلغه دعوة نبي لا يجب عليه توحيد ولا غيره. واختلف في أهل الفترة كالعرب من انقطاع رسالة سيدنا إسماعيل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام إلى زمن نبينا هل هم مخاطبون في هذه المدة التي هي مدة الفترة بعقائد التوحيد أم لا؟ وأما عدم تكليفهم بالفروع فمحل اتفاق ذهب إلى الأول جماعة قائلين إنهم وإن لم تبلغهم دعوة نبي مرسل لهم فقد بلغتهم دعوة من أرسل إلى غيرهم كسيدنا موسى وهارون وسليمان وداود وغيرهم صلوات الله عليهم أجمعين، فمن كان منهم ذا رأي ونظر ولم يعتقد ديناً فهو كافر، وإذا سمع آية دعوة كانت إلى الله وترك أن يستدل بعقله على صحتها وهو من أهل الاستدلال والنظر كان معرضاً عن الدعوة فهو كافر، وهذا صريح في ثبوت تكليف كل أحد بالإيمان بعد وجود دعوة أحد من الرسل وإن لم يكن مرسلاً إليه، وفي تعذيب أهل الفترة بترك الإيمان والتوحيد، وهذا اعتمده النووي في شرح مسلم حيث قال في حديث مسلم: «إن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو في النار» ، وليس في هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة فإن هؤلاء كانت بلغتهم دعوة سيدنا إبراهيم وغيره عليهم الصلاة والسلام. وإلى الثاني جمهور الأشاعرة من المتكلمين والأصوليين والفقهاء الشافعية وأجابوا عما صح من تعذيب جماعة من أهل الفترة بأنه خبر آحاد لا يعارض القطع بعدم تعذيبهم، وبأنه يجوز أن يكون تعذيب من صح تعذيبه منهم لأمر يختص به يقتضي ذلك علمه الله ورسوله نظير ما قيل في الحكم بكفر الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام مع صباه. ولما دلت القواطع على أنه لا تعذيب حتى تقوم الحجة علمنا أن أهل الفترة غير معذبين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 51
قوله:
(لانتفاء لازمه حينئذ)
(1/102)
---(1/102)
أي حين لا شرع فهو ظرف للانتفاء وتمامه وانتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم. وقوله من ترتب الثواب والعقاب بيان اللازم. وأورد أن ترتب الثواب والعقاب ليس لازماً للحكم لأنه ينفك عنه إذ قد يتحقق الوجوب بعد البعثة. ولم يتحقق الثواب والعقاب كأن يدخل وقت الظهر مثلاً ولم يتلبس الشخص بصلاته بعد فقد تحقق الحكم وهو وجوب الظهر، ولم يتحقق ثواب ولا عقاب، وأيضاً فهذا الدليل بتقدير تمامه إنما ينهض لنفي ما كان ملزوماً للثواب والعقاب دون غيره كالإباحة مع أن المقصود نفي الجميع، وأيضاً فللمعتزلة أن يمنعوا كون ما ذكر لازماً مطلقاً لجواز أن يكون لازماً بشرط وجوب البعثة، فلا يدل انتفاؤه قبلها على انتفاء الحكم. وأجيب عن الأول: بأن المراد ترتب استحقاق الثواب والعقاب، ففي العبارة حذف المضاف وذلك لازم لتحقق الحكم أو يراد بالترتب الاستحقاق بمعنى أنه يلزم من تحقق الوجوب مثلاً كون الفاعل بحيث إن فعل استحق الثواب وإن ترك استحق العقاب وهذا متحقق بعد البعثة غير متحقق قبلها. وعن الثاني بأنه لا قائل بالفرق فإذا انتفى ملزوم الثواب والعقاب انتفى غيره، وأيضاً فقد تقدم أن الطلب غير الجازم والتخيير تابعان في الوجود للطلب الجازم وفي الانتفاء أيضاً. وعن الثالث بأن المعتزلة زعموا أن ذلك لازم مطلقاً حيث أثبتوا الإثم قبل البعثة على ما دل عليه قول الشارح لا يأثم بتركه خلافاً للمعتزلة، وإذا كان لازماً مطلقاً عندهم فانتفاؤه قبل البعثة كما دلت عليه الآية يدل على انتفاء ملزومه وهو الحكم قبلها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 52
قوله:
(بقوله تعالى وما كنا معذبين الخ)
(1/103)
---(1/103)
قال الأصفهاني في شرح المحصول: واعلم أن الاستدلال بالآية يتم إذا كان مقصودنا غلبة الظن في المسألة فإن كانت المسألة علمية فلا يمكننا إثباتها بالدلائل الظنية. ثم أورد أن المراد من الرسول في الآية العقل. سلمنا لكن الآية دلت على نفي تعذيب المباشرة ولا يلزم منه نفي مطلق التعذيب. سلمنا لكن ليس في الآية دلالة على نفي التعذيب قبل البعثة عن كل الذنوب. سلمنا لكن لا يلزم من نفي المؤاخذة قبل البعثة انتفاء الاستحقاق لجواز سقوط المؤاخذة بالمغفرة. ثم أجاب عن الأول بأن حقيقة الرسول النبي المرسل والأصل في الكلام الحقيقة. وعن الثاني بأن شأن العظيم القدر التعبير عن نفي التعذيب مطلقاً بنفي المباشرة. وعن الثالث بأن تقدير الكلام وما كنا معذبين أحداً ويلزم من ذلك انتفاء تعذيب كل واحد من الناس قبل البعثة وذلك هو المطلوب لأن الخصم لا يقول له. وعن الرابع بأن الآية تدل على انتفاء التعذيب قبل البعثة، وانتفاء التعذيب قبل البعثة ظاهراً يدل على عدم الوجوب قبل البعثة، فمن ادعى أن الوجوب ثابت وقد وقع التجاوز عن الذنب بالمغفرة فعليه البيان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 52
قوله:
(الذي هو أظهر في تحقق معنى التكليف)
(1/104)
---(1/104)
أي لأن دلالة العقاب على وجود معنى لفظ التكليف إن لم تكن الإضافة بيانية، أو معنى هو التكليف إن كانت بيانية أظهر من دلالة الثواب عليه لأن العقاب لا يكون إلا عن ترك شيء ملزم به من فعل أو ترك، والثواب يكون على فعل ذلك تارة وعلى غيره التابع في الوجود للملزم به أخرى، وما يدل على شيء بلا واسطة أظهر مما يدل عليه تارة بلا واسطة وتارة بها. قوله: (وانتفاء الحكم الخ) هذا جواب عما يقال: كيف يقال لا حكم قبل الشرع مع أن خطاب الله الذي فسر به الحكم قديم؟ فأجاب بأن الحكم خطاب الله الخ فهو مركب من أمور، فإذا انتفى واحد منها انتفى هو، والتعلق التنجيزي جزء منه وهو منتف قبل الشرع فينتفي الحكم قاله العلامة الناصراي ، والحكم على هذا حادث لأن المركب من القديم والحادث حادث.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 53
قوله:
(بل الأمر أي الشأن الخ)
قال العلامة الناصر : الشان والقصة هو الحديث المطابق لما في نفس الأمر ولا يخبر عن الشان ولا يفسر إلا بجملة صادقة عليه، فقول المصنف موقوف لا يصح أن يكون خبراً عن الشان حينئذ بل هو خبر لمحذوف أي الشان في وجود الحكم هو موقوف أي الوجود موقوف وهو صادق على الشان، فيصح أن يكون خبراً له بخلاف مجرد قوله موقوف إلى وروده لا يصح أن يقال الشان موقوف بل الموقوف وجوده لا نفسه اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 53
قوله:
(أشار بهذا)
أي بقوله: بل الأمر موقوف أي فمن قال بالوقف لم يرد معنى لا ندري هل الحكم ثابت قبل البعثة أو لا، بل أراد أن وجوده متوقف على ورود الشرع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 53
قوله:
(إذ توقف الحكم على الشرع)
(1/105)
---(1/105)
قيل عليه أن هذه العبارة تضمنت توقف الشيء على نفسه لأن الحكم عام فهو شامل لجميع الأحكام والأحكام هي الشرع. وأجيب بأن المراد بالشرع هنا البعثة كما تقدم للشارح تفسيره بها. قوله: (مشتمل عليه) أي محتو عليه احتواء الملزوم على لازمه لا احتواء الكل على أجزائه، إذ من البين أن الانتفاء قبله والوجود بعده خارجان عن مفهوم توقف الحكم على الشرع لا زمان له.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 53
قوله:
(وحكمت المعتزلة العقل)
فعل يأتي للتصيير كقولك: حررت العبد أي صيرته حراً، ويأتي لنسبة الفاعل إلى الفعل كقولك فسقته أي نسبته للفسق والمعنى الأول ههنا لا يصح قطعاً لأن المعتزلة لم يصيروا العقل حاكماً إذ باتفاق منا ومنهم أن الحاكم هو الله لا غيره كما تقدم. والمعنى الثاني يصح هنا ويكون نسبة العقل إلى الحكم من حيث كونه مدركاً له. والحاصل أن ما يفهم من ظاهر قوله: وحكمت المعتزلة العقل غير مراد قطعاً وإنما المراد أنهم جعلوا العقل مدركاً للحكم. وقد يقال: إن هذا أعني قوله وحكمت المعتزلة العقل مكرر مع قوله المار وبمعنى ترتب الذم عاجلاً والعقاب آجلاً شرعي خلافاً للمعتزلة، فإنه يتضمن تحكيم العقل عند المعتزلة. ويجاب بأن هذا أعم مما تقدم لشموله جميع الأفعال واختصاص ما تقدم بالواجب والمندوب والمحرم قاله العلامة الناصر ، وأيضاً ففيما هنا زيادة على ما تقدم من وجه آخر وهو تفصيل مذهبهم بقوله. فإن لم يقض الخ قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 53
قوله:
(في الأفعال)
(1/106)
---(1/106)
المراد بالأفعال ما يعم فعل اللسان والقلب كالاعتقاد والجوارح لما تقدم من أن المراد بالفعل الذي هو مناط التكليف ما يقابل الانفعال. قوله: (فما قضى به) ما واقعة على الحكم ثم يحتمل كونها موصولة وكونها شرطية والمعنى على الأول فالحكم الذي قضى به العقل وعلى الثاني فأي حكم، وقوله فما قضى به مبتدأ، وقوله الآتي فأمر قضائه الخ خبر أو خبر وجزاء شرط على احتمالي ما وستأتي تتمة لذلك. والمراد بالقضاء إدراك ثبوت ذلك الحكم كالإباحة والوجوب لذلك الشيء، فالمعنى فالحكم الذي أدرك العقل ثبوته لذلك الشيء أو فأي حكم أدرك العقل ثبوته لذلك الشيء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 54
قوله:
(في أي شيء منها)
(1/107)
---(1/107)
أي فعل من تلك الأفعال. قوله: (ضروري) يطلق الضروري على المكره عليه وعلى ما لا قدرة على فعله وتركه وعلى ما تدعو الحاجة إليه دعاء تاماً، ومن المعلوم أن الضروري بالمعنيين الأولين لا يتعلق به حكم ألبتة كما سيأتي في قول المصنف: والصواب امتناع تكليف الغافل والملجأ الخ فلم يبق إلا المعنى الثالث، وظاهر تمثيله بالتنفس في الهواء إرادته وحينئذ فهو ضروري معه نوع اختيار حتى يصح تعلق الحكم به، ولا ينحصر حكمه في الإباحة بل يكون واجباً كما إذا ترتب على تركه هلاك أو شديد أذى بل هذا مقتضى كون الضروري المراد هنا ما تدعو الحاجة إليه دعاء تاماً، وقد يكون مندوباً إذا ترتب عليه مصلحة أي على فعله ولم تترتب مفسدة على تركه، فالمراد بالإباحة في كلامه حينئذ الإذن الصادق بالوجوب، فجعل الشارح المنقسم إلى الأقسام الاختياري دون الضروري الذي ذكره غير صحيح بل جعله مقابلاً للاختياري ممنوع لما تقدم. والحاصل أنه يقال للشارح: إن أردت بالضروري المكره عليه أو ما لا قدرة على فعله وتركه فهذا لا يتعلق به حكم أصلاً لأن الحكم لا يتعلق إلا بالأفعال الاختيارية كما هو مقرر، وكما سيأتي في كلام المصنف أيضاً، وإن أردت به ما تدعو الحاجة إليه دعاء تاماً فحصر حكمه في الإباحة ومقابلته بالاختياري كل منهما غير صحيح لما تقدم من أنه ينقسم إلى الإباحة وغيرها وأنه اختياري، فالصواب عدم ذكره الضروري لأنه الأوفق بقصرهم الأحكام على الأفعال الاختيارية، ولذا لم يذكر قسم الضروري العضد في كتابيه المواقف وشرح ابن الحاجب قاله العلامة الناصر مع زيادة إيضاح يقتضيه المقام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 54
قوله:
(لخصوصه)
(1/108)
---(1/108)
أي لخصوص ذلك الاختياري لا لكونه من جملة الاختياريات فقط بل لأمر اختص به وهو متعلق بقضى، والمعنى عليه حينئذ أن منشأ قضائه ملاحظة أمر يختص بذلك الشيء من مصلحة أو مفسدة أو انتفائهما، وليس متعلقاً بقوله اختياري كما جوزه بعضهم مستدلاً بقول الشارح بعد والاختياري لخصوصه ولا دلالة له على ذلك بل قوله الآتي لخصوصه يتعلق بقوله ينقسم لا بالاختياري وهو موافق في المعنى لتعلقه بقضى تأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 54
قوله:
(فأمر قضائه فيه ظاهر)
ضمير قضائه يعود إلى العقل والضمير المجرور بفي يعود إلى الشيء. والمراد بالأمر التفصيل بدليل قوله بعده: وهو أن الضروري الخ فإنه بيان للأمر، وفي الكلام مضاف محذوف أي مقضى قضائه والتقدير حينئذ فتفصيل مقضى قضائه فيه ظاهر، وهذه الجملة خبر عن اسم الشرط الواقع مبتدأ وجزاء له أو خبر عن المبتدأ وهو قوله: فما قضى به الخ، وعلى كل فالجملة خالية من ضمير يربط الخبر بالمبتدأ فإن ما في قوله فما قضى الخ عبارة عن الحكم كما مر، ولا ضمير في الجملة الواقعة خبراً وهي قوله: فأمر قضائه الخ يعود إلى الحكم فيقدر في الجملة ذلك ليحصل الربط والتقدير حينئذ فأمر قضائه به فيه وبه يستقيم الكلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 54
قوله:
(لأنه إن اشتمل على مفسدة فعله الخ)
(1/109)
---(1/109)
لا يخفى أن الضمير المضاف إليه في قوله فعله عائد على الفعل لكن المراد من الفعل المضاف المعنى المصدري ومن المضاف إليه الحاصل به، فلا إشكال حينئذ في إضافة الفعل إلى ضمير الفعل لاختلاف معنى المضاف والمضاف إليه لكن في عبارته تسامح لأنه جعل المشتمل على المصلحة والمفسدة الفعل المضاف الذي أريد منه المعنى المصدري كما هو صريح قوله: لأنه إن اشتمل الخ. مع أن المشتمل على المصلحة والمفسدة هو الفعل بالمعنى الحاصل بالمصدر الذي هو متعلق المصدر وهو المضاف إليه لأنه الذي يتصف بالاشتمال المذكور لكونه وجودياً بخلاف الفعل بالمعنى المصدري فلا يتصف بذلك لعدم كونه وجودياً بل هو اعتباري لأنه عبارة عن تعلق القدرة بالمقدور كما تقدم بيان ذلك بأتم وأوضح مما هنا فراجعه. وأورد على هذا التقسيم أن تعريف كل من المندوب والمكروه غير مانع لصدق تعريف الأول بما اشتمل على مصلحة فعله على الواجب لاشتمال فعله على المصلحة وصدق تعريف الثاني بما اشتمل على مصلحة تركه على المحرم لاشتمال تركه على المصلحة. وأورد أيضاً على تعريف المباح بقوله: وإن لم يشتمل الخ أنه إن أعاد ضمير يشتمل على الفعل ذي الطرفين كما هو الظاهر كان صادقاً على المكروه لأن المكروه لم يشتمل فعله على مصلحة ولا على مفسدة وإن عاد على أحد الطرفين المتعاطفين بأوفى كلامه وهما الفعل والترك، فإن كان العائد عليه الضمير الطرف الأول أعني الفعل كان صادقاً على المكروه كما تقدم لأن تركيبه حينئذ، وإن لم يشتمل فعله على مصلحة ولا مفسدة فمباح، والمكروه كذلك لم يشتمل فعله على مصلحة ولا مفسدة. وإن كان العائد عليه الضمير الطرف الثاني أعني الترك وكان التركيب هكذا وإن لم يشتمل تركه على مصلحة ولا مفسدة فمباح كان صادقاً على المندوب لأنه لم يشتمل تركه عليهما، هذا إيضاح ما أشار له العلامة الناصر والعلامة الشهاب في هذا المقام. وأجاب العلامة سم عن الإيراد الأول بأنه قد حذف من تعريف(1/110)
(1/110)
---
كل من المندوب والمكروه قيد لا بد منه مستفاد من ذكر مقابله لأن وصف أحد المتقابلين بشيء في مقام تمييزه قرينة ظاهرة في اختصاصه به وانتفائه عن المقابل الآخر والمحذوف بقرينة كالثابت، فقوله في حد المندوب أو على مصلحة فعله أي ولم يشتمل تركه على مفسدة فخرج الواجب، وقوله في تعريف المكروه أو على مصلحة تركه أي ولم يشتمل فعله على مفسدة فخرج الحرام. وأجاب عن الإيراد الثاني بأن الضمير في قوله: وإن لم يشتمل يعود على كل من الفعل والترك أي وإن لم يشتمل كل من فعله وتركه على مصلحة ولا على مفسدة فمباح وحينئذ فلا يشمل إلا المباح، ولا يخفى أن كلاً من الجوابين تكلف ينبو عنه مقام التعريف المبني على البيان والإيضاح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 55
قوله:
(فإن لم يقض العقل الخ)
قال الشهاب : هو سلب جزئي لأن ليس بعض سور السلب الجزئي. وقال العلامة الناصر : المراد منه السالبة الجزئية لا ما يؤخذ من ظاهر العبارة من العموم لوقوع النكرة وهي بعض في سياق النفي. قوله: (لخصوصه) متعلق بيقض أي فإن انتفى قضاء العقل في شيء لأجل خصوص ذلك الشيء أي اشتماله على خصوصية هي المصلحة أو المفسدة أو انتفاؤهما بأن لم يدرك فيه شيئاً من ذلك فالمنفي الحكم المتعلق بالخصوص لا مطلق الحكم، فلا ينافي وجود الحكم من حيث العموم أي عموم الدليل لذلك الشيء الذي يراد الحكم عليه ولغيره، فأراد الشارح بقوله لخصوصه دفع ما يتوهم من التناقض في ظاهر عبارة المصنف لأن قوله: فإن لم يقض يفيد نفي الحكم. وقوله فثالثها يفيد ثبوته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 56
قوله:
(مما تقدم)
(1/111)
---(1/111)
أي وهو المصلحة والمفسدة في الفعل أو الترك أو انتفاؤهما عنهما. قوله: (في قضائه فيه لعموم دليله) أي قضائه في ذلك البعض لعموم دليله أي دليل المقضى به، إذ الدليل إنما هو للمقضى به الذي هو المدرك بالعقل وقضاؤه إدراكه فالهاء في دليله للقضاء بمعنى المقضى به أو للمقضى به المقدر إضافته للقضاء ولا بد من مضاف آخر محذوف أيضاً، والأصل في تعيين مقضى قضائه فيه إذ الاختلاف في تعيين المقضى به كما هو بين. قوله: (لعموم دليله) متعلق بقضائه أي لدليل لا يرجع لخصوصه بل يعمه وغيره. قوله: (على أقوال) قد يشكل جعل الثالث مقضياً به مع أنه لا قضاء فيه لما قدمناه من أن الخلاف في تعيين المقضى به، فلعل في العبارة تغليباً أو أراد بالقضاء أعم مما هو على وجه التفصيل كما في غير الثالث، وعلى وجه الإجمال كما في الثالث إذ فيه قضاء بأحد الأمرين من غير تعيين. قوله: (ذكرها) أي تلك الأقوال بمعنى المقولات. ووجه أنه ذكرها أن الهاء في قوله فثالثها عائدة للأقوال ففيه تصريح بأن في المسألة ثلاثة أقوال وصرح بتعيين الثالث بقوله الوقف الخ، وأشار إلى تعيين الأول والثاني بقوله: الحظر والإباحة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 56
قوله:
(مع أنه لا يخلو عن واحد منهما)
(1/112)
---(1/112)
المفهوم من كلامه أن المراد من الإباحة استواء الفعل والترك، وحينئذ فدعوى عدم الخلو عنهما ممنوعة لجواز كونه واجباً أو مندوباً مثلاً، لكن خفيت المفسدة في تركه أو المصلحة في فعله على العقل فلم يدرك فيه شيئاً قاله سم. وقال: ومن هنا ينظر في اقتصار شيخنا العلامة في توجيه قول الشارح مع أنه الخ على قوله إشارة إلى أن القضية مانعة الجمع والخلو معاً لأن ظاهر قوله أنه محظور أو مباح يصدق بانتفائهما معاً. قوله: (وهما القولان المطويان) أي المحظور والمباح القولان المطويان أي لازم المحظور ولازم المباح اللذين هما الحظر والإباحة، ففي كلامه تسامح قاله العلامة الناصر. قوله: (إن الفعل تصرف الخ) هذه صغرى قياس من الشكل الأول حذفت كبراه ونتيجته وتمامه وكل تصرف في ملك الغير بغير إذنه ممنوع فالفعل ممنوع. وقوله: إذ العالم الخ دليل للصغرى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 56
قوله:
(فلو لم يبح له كان خلقهما عبثا)
هذه كبرى قياس شرطي حذفت صغراه وهي الاستثنائية ونتيجته ونظمه هكذا لو لم يبح له الفعل كان خلقهما عبثاً لكن خلقهما ليس بعبث فالفعل مباح. واعلم أن الصغرى في القياس الشرطي، هي الثانية والكبرى هي الأولى عكس القياس الحملي. قوله: (أي خالياً عن الحكمة) تفسير للعبث هنا لأن له معاني أخر. قوله: (ووجه الوقف) لم يقل ودليل الوقف كما قال في الأولين إذ لا حكم فيه معين بخلاف الأولين فإنه فيهما وهو لا يكون إلا عن دليل. قوله: (في الأفعال قبل الشرع) يتنازعه الحظر والإباحة. قوله: (إنما هو لغفلتهم الخ) قد يقال: إن ذلك لا يمنع كون ذلك القول منسوباً للبعض المذكور، والقول ينسب لقائله وإن اعتقد غيره غلطه فيه فكيف يشار إلى نفيه من ذلك البعض بقوله لهم؟ ويمكن أن يجاب بأنه لم يرد النفي حقيقة بل حكماً أي أنه في حكم المنفي عن ذلك البعض لأن صدوره عنه في حكم غير الصادر عنه لعدم جريانه على قواعده.
(1/113)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 57(1/113)
قوله:
(عن تشعب ذلك عن أصول المعتزلة)
فيه بحث لأن الكلام فيما لم يقض العقل فيه لخصوصه بأن لم يدرك فيه مصلحة ولا مفسدة بل قضى فيه لدليل عام فكيف يتفرع ذلك عن أصول المعتزلة أي الحسن والقبح العقليين مع أنهما تابعان للمصلحة والمفسدة والفرض انتفاؤهما إلا أن يقال: المراد بأصولهم هنا مجرد إثبات الحكم قبل ورود الشرع. قوله: (أي كما تقدم) أي في قوله: بل الأمر موقوف إلى وروده. قوله: (أما الأول الخ) في العبارة حذف لا بد منه والأصل أما امتناع تكليف الأول الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 57
قوله:
(فلأن مقتضى التكليف الخ)
المراد بالمقتضى ما يطلب بالتكليف وليس المراد به ما يستلزمه التكليف وإن كان الاقتضاء يستعمل كثيراً في كلامهم بمعنى الاستلزام إذ لا يصح ذلك هنا لظهور أن التكليف لا يستلزم الإتيان بالمكلف به. قوله: (امتثالاً) حال أو مفعول لأجله وعلى كل فلا بد من حذف أي قصد الامتثال، وكان الأولى للشارح أن يذكره فيقول لقصد الامتثال، وأما إن لم يراع الحذف المذكور فهو متكرر مع ما قبله، فإن الامتثال قد فسر بالإتيان بالشيء على الوجه المأمور به وذلك مفاد قوله الإتيان به، وقول سم: الإتيان بالشيء مطلق فيصدق بالإتيان به على الوجه المأمور به وبالإتيان به على غير الوجه المأمور به، وقوله امتثالاً أفاد تقييده بكونه على الوجه المذكور، فالتكرار مندفع يرد بأن مقتضى التكليف بالشيء الإتيان على الوجه المذكور لا مطلقاً فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 57
قوله:
(لا يعلم ذلك)
(1/114)
---(1/114)
الإشارة إلى التكليف. قوله: (فيمتنع تكليفه) غير محتاج إليه إلا لمجرد الإيضاح والتوطئة لما بعده أعني قوله. وإن وجب الخ. قوله: (لوجود سببهما) قد يتوهم منه أن وجوب غرم بدل ما أتلفه ووجوب قضاء الصلاة من خطاب الوضع مع أنه ليس كذلك. وقد يجاب بأن هنا شيئين: اشتغال ذمته بالبدل المذكور والصلاة الحاصل مع الغفلة وهو من خطاب الوضع وهو المشار إليه بقوله: لوجود سببهما. والثاني وجوب أداء البدل ووجوب الفعل للصلاة قضاء وهما حاصلان بعد زوال الغفلة وهذا من خطاب التكليف وهو المشار إليه بقوله: وإن وجب الخ. تتمة: قوله في تعريف الغافل وهو من لا يدري كالنائم والساهي يدخل فيه المجنون وعدم تكليفه محل اتفاق، وكذا يدخل السكران حيث لم يتعد في سكره بل ولو كان متعدياً فيه، لأن الكلام في عدم تعلق التكليف به حال السكر وإن وجب عليه بعد إفاقته ضمان ما أتلفه وقضاء ما فاته من الصلاة، وكذا يدخل فيه المغمى عليه. وقد يجاب بأن من في قوله: وهو من لا يدري الخ عبارة عن البالغ العاقل بقرينة قوله في التعريف المتقدم للحكم خطاب الله المتعلق بفعل المكلف فإن المراد به البالغ العاقل فتأمله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 57
قوله:
(وهو من يدري)
(1/115)
---(1/115)
إنما قيد به لتتم المقابلة بينه وبين الغافل وإلا فلا حاجة إلى ذلك التقييد باعتبار مفهوم الملجأ فإن مفهومه من لا مندوحة له وإن كان لا يدري فبينه وبين الغافل العموم والخصوص المطلق. قوله: (ولا مندوحة له عما ألجىء إليه) أي لا سعة له في الانفكاك عنه. لا يقال: ذكر ألجىء في تعريف الملجأ فيه دور. لأنا نقول: إن الجىء فعل يتوقف فهمه على فهم المشتق منه وهو المصدر أي الإلجاء لا على فهم الوصف أعني الملجأ، فليس قوله ألجىء متوقفاً فهمه على الملجأ بل على المصدر المشتق منه وفيه ان الالجاء معتبر في مفهوم الوصف فالدور باق وأحسن منه ان يقال الملجأ مراد منه المعنى الاصطلاحي أي الشخص المعروف بهذا الاسم، وألجىء مراد منه المعنى اللغوي. أو أن هذا التعريف لفظي. قوله: (يقتله) صفة لشخص جرت على غير من هي له إذ فاعل يقتله هو الملقى فكان الواجب الإبراز، وقد يقال اللبس مأمون هنا لظهور أن القاتل هو الملقى. ويمكن أن يجاب أيضاً بأن جملة قوله يقتله حال من مرفوع الملقى وهو حال مقدرة حينئذ لا مقارنة كما هو واضح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 58
قوله:
(بناء على جواز التكلّيف الخ)
(1/116)
---(1/116)
الأولى أن يقول: بناء على التكليف الخ لأن البناء معناه هنا القياس، ومن المعلوم أن الجواز حكم الأصل وهو التكليف بما لا يطاق، والمقيس عليه محل الحكم لا الحكم ثم مقتضى قوله بناء الخ أن تكليف الملجأ ليس منه وفيه نظر لأن الطاقة هي القدرة، فما لا يطاق لا تتعلق به القدرة الحادثة سواء امتنع لا لنفس مفهومه كخلق الأجسام أو امتنع لنفس مفهومه كالجمع بين الضدين، وسيأتي جواز التكليف بالمحال مطلقاً أي سواء كان ممتنعاً بذاته أي ممتنعاً عقلاً كالجمع بين السواد والبياض وهو المحال لذاته أو ممتنعاً عادة لا عقلاً كالمشي من الزمن والطيران من الإنسان وهو المحال لغيره، وأن الفائدة في جواز التكليف بالمحال وهي الاختبار هل يأخذ في الأسباب جارية فيه أي الملجأ في تكليفه بالنقيض أي نقيض ما ألجىء إليه بأن يضع يده مثلاً على صدره كأنه يريد منع نفسه عن الوقوع، فما رد به الشارح من انتفاء الفائدة في تكليف الملجأ مردود، وما صرح به المصنف هنا من امتناع تكليف المجأ مناف لما يأتي له من جواز التكليف بالمحال مطلقاً. نعم فرق بين تكليف الغافل والتكليف بالمحال حيث منع الأول وأجيز الثاني بانتفاء الفائدة المذكورة في الأول دون الثاني وأن هنا شيئين: تكليف محال وتكليف بالمحال لأن الخلل إن كان راجعاً للمكلف به فالثاني، وإن كان راجعاً لنفس التكليف فالأول، وتكليف الغافل منه فهو تكليف محال لا تكليف بالمحال، وظاهر امتناع الأول لعدم حصول العلم بالتكليف المتوقف عليه الإتيان بالمكلف به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 58
قوله:
(في تكليف الغافل والملجأ)
(1/117)
---(1/117)
انتفاؤها في الثاني قد علمت سقوطه مما قررناه آنفاً. قوله: (وكذا المكره) الإشارة إلى الغافل والملجأ والإفراد في اسم الإشارة بتأويل المذكور. قوله: (يمتنع تكليفه بالمكره عليه أو بنقيضه) المراد يمتنع تكليفه بكل منهما ولا ينافيه التعبير بأو لأنها إذا وقعت في حيز النفي ولو معنى كما في الامتناع هنا كان النفي لكل من المتعاطفات كما قرر الرضي وغيره وعليه قوله تعالى: {ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} (الإنسان: 24) وأورد الكمال هنا أمرين: الأول أن دعوى الخلاف في تكليف المكره بنقيض ما أكره عليه ممنوعة فقد حكى إمام الحرمين وغيره الاتفاق على جواز تكليف المكره بترك ما أكره عليه. الثاني: أن قوله ولا يمكن الإتيان معه بنقيضه. وقوله في المكره على القتل أنه يمتنع تكليفه حال القتل الصادر للإكراه بتركه يقتضي كل منهما أن موضع النزاع تعلق التكليف بفعل المكره حال المباشرة، مع أن الخلاف مع المعتزلة وهم قائلون بانقطاع التكليف حال المباشرة مطلقاً من غير فرق بين فعل المكره وغيره، فلا معنى لتخصيص فعل المكره إلى آخر ما أطال به. والجواب عن الأول: أن ما قاله إمام الحرمين محمول على التكليف به من حيث الإيثار لا من حيث الإكراه كما لشيخ الإسلام وهو بمعنى ما أجاب به المصنف بعد بقوله: وإثم القاتل الخ. وأما الثاني فإن ما قاله الشارح من نسبة تعلق التكليف بالفعل حال المباشرة فهو قول لبعض المعتزلة، وسيأتي تتميم لذلك. وأما الثالث وهو تخصيص المكره بالذكر فلوقوع الخلاف بالفعل مع المعتزلة فيه لا لتخصيص تعلق التكليف بالفعل حال المباشرة به، وقد جرت العادة بأنهم يفرضون النزاع في بعض الجزئيات وإن كان الحكم عاماً.
(1/118)
---(1/118)
قوله:(فإن الفعل للإكراه الخ). قد يقال: مجرد هذا لا يدل على عدم القدرة لأنه يمكنه أن يقصد بالفعل داعي الشرع كما سيأتي في المقابل. والجواب أن مبنى هذا القول أن التكليف إنما يتعلق بالفعل حال المباشرة فلا يتأتى ما ذكر. قوله: (لا يحصل به الامتثال) قوله به متعلق بيحصل والضمير في به يرجع للفعل فالامتثال هو المعجوز عنه وإن وجد الفعل بدونه، وأما النقيض فهو معجوز عنه بنفسه لوجود الفعل المكره عليه، ولا يمكن الإتيان بالنقيض مع الفعل لما يلزم عليه من الجمع بين النقيضين المحال. قوله: (ولا يمكن الإتيان معه الخ) ذكر الظرف وهو قوله معه إشارة إلى أن امتناع التكليف بالنقيض إنما هو حالة القتل كما صرح بذلك بقوله: فإنه يمتنع تكليفه حال القتل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 59
قوله:
(لمكافئه)
قال شيخ الإسلام : أو لغيره المحترم المفهوم بالأولى لأنه إذا امتنع التكليف في المكافىء الذي يجب القود بقتله ففي غيره أولى. وقال العلامة الناصر : وإنما قدره بخصوصه لأن المبالغة المستفادة من لو أظهر فيه إذ ربما يقال في غير المكافىء يكلف بالمكره عليه ارتكاباً لأخف الضررين اهـ. قال سم : وهذا إذا كان المقتول غير مكافىء للمكره، وأما إذا كان المكره غير مكافىء للمقتول فعلى قياس ذلك، يقال: ربما يقال يكلف بنقيض المكره عليه صابراً على العقوبة ارتكاباً لأخف الضررين لأن قتل المكره أخف. بقي أن يقال: إن هذا كله واضح إذا كان كل من المكره به والمكره عليه القتل، أما إذا كان المكره عليه القتل والمكره به القطع مثلاً فلا يظهر هذا التوجيه فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 59
قوله:
(بتركه)
(1/119)
---(1/119)
لم يقل بالمكره عليه وبتركه بل اقتصر على الترك لأن المبالغة إنما تظهر فيه كذا قرره العلامة الناصر . قوله: (وإثم القاتل الخ) جواب سؤال تقديره: إذا كان المكره على قتل المكافىء ليس بمكلف بالقتل ولا بنقيضه كما قلتم فلأي شيء تعلق به الإثم؟ فأجاب بما حاصله: أن الإثم تعلق به من حيث الإيثار أي تقديمه نفسه بالبقاء على مكافئه لقدرته عليه وعلى تركه بسبب أن المكره له خيره بين قتله لمكافئه وبين أن يقتله المكره له إن لم يقتل ذلك المكافىء. وقد يقال: قضية كون التكليف إنما يتعلق بالفعل حال المباشرة عدم القدرة على الإيثار المذكور، فلعل الإثم بالإيثار مبني على جواز تكليفه بالنقيض وكلام الشارح لا يفيد ذلك. قوله: (الذي هو مجمع عليه) ذكر ذلك لأنه إنما يحسن الإيراد إذا كان الإثم المذكور متفقاً عليه بين الخصمين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 60
قوله:
(لإيثاره نفسه بالبقاء)
هذا لا يتأتى إذا كان المكره به غير القتل كالقطع مثلاً إذ لا يتحقق الإيثار بالبقاء إلا إذا كان المكره به مفوتاً لنفس المكره إذا لم يمتثل، إلا أن يجاب بأن هذا مفهوم بالأولى فتأمله قاله سم. قوله: (الذي خيره بينهما المكره) أي بين نفسه ومكافئه، فالهاء في قوله بينهما تتضمن عائد الموصول الواقع صفة لمكافئه لرجوعها له ولغيره، والمطابقة بين الموصول وعائده إفراداً وتثنية لا تشترط بل المدار على وجود العائد فقط، وجعل شيخ الإسلام الذي مثنى في المعنى نعتاً للبقاء المذكور والمقدر مضافاً لمكافئه، والأصل على بقاء مكافئه قال بدليل إتيانه بالعائد مثنى في قوله بينهما، واستدل على استعمال الذي لغير المفرد بقوله تعالى: {وخضتم كالذي خاضوا} (التوبة: 69) وقول الشاعر:
وإن الذي حانت بفخ دماؤهم
هم القوم كل القوم يا أم عامر
(1/120)
---(1/120)
ناقلاً ذلك عن الزمخشري. قوله: (فيأثم بالقتل من جهة الإيثار) الصواب أن يقول فيأثم بالإيثار لأن القتل على ما تقدم له لا دخل له لكونه غير مكلف به أصلاً لعدم القدرة عليه لأنها إنما توجد حال المباشرة وهو إذ ذاك غير مكلف بالقتل ولا بتركه كما قاله الشارح والمكلف به حينئذ إيثار مكافئه بالبقاء أي العزم على ذلك لقدرته عليه وهذا كما تقدم إنما يتمشى على أنه مكلف بالنقيض، وأيضاً إنما يتمشى على أن التكليف يعتبر تعلقه قبل المباشرة وكلام الشارح لا يفيد الأول كما مر ولا الثاني. قوله: (على امتثال ذلك) الإشارة للتكليف بنوعيه. قوله: (كمن أكره على أداء الزكاة فنواها الخ) راجع لقوله يجوز تكليف المكره بما أكره عليه. وقوله: كمن أكره على شرب الخمر الخ راجع لقوله: أو بنقيضه فهو نشر على ترتيب اللف. وقوله: فنواها أي الزكاة الأوضح أن يقول: فنواه بتذكير الضمير الراجع للأداء، وهذا أي القول بجواز تكليف المكره بما أكره عليه أو بنقيضه ناظر إلى ثبوت التكليف قبل مباشرة الفعل، إذ مع المباشرة لا تكليف بواحد منهما لعدم القدرة على ذلك كما قدمه الشارح. قوله: (وإن لم يكلفه الشارع الصبر عليه) فيه أن يقال: مقتضى كونه مكلفاً بالنقيض كون الصبر المذكور واجباً إذ لا يحصل النقيض إلا بالصبر وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب. اللهم إلا أن يكون قوله: وإن لم يكلفه الشارع الخ مبالغة على قوله: أن يأتي بنقيضه مجرداً عن النظر إلى التكليف به قال العلامة الناصر : ويمكن أن يجاب بأن قوله وإن لم يكلفه الشارع الخ إخبار بحسب الواقع، ولا شك أن الشارع لم يكلفه الصبر على ما أكره به، والجواز المذكور بقوله وقيل يجوز الخ عقلي لا واقعي فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 60
قوله:
(والقول الأول للمعتزلة)
(1/121)
---(1/121)
فيه نظر فإن الأصل عندهم ثبوت التكليف قبل المباشرة وانقطاعه حال المباشرة، ومفاد توجيه الشارح القول الأول بما مر من قوله لعدم قدرته على امتثال ذلك، فإن الفعل للإكراه الخ المفيد أن هذا القول نظر في التكليف إلى حال المباشرة مناف لذلك لاقتضائه أنهم قائلون بأن التكليف منظور فيه الحال المباشرة، فهذا التوجيه مناف لأصلهم إذ هو عكس أصلهم المذكور من أن الاعتبار في التكليف بما قبل حدوث الفعل لا بحال حدوثه إذ التكليف عندهم إنما يتعلق قبل الحدوث وينقطع تعلقه حال الحدوث. ويمكن أن يتكلف في الجواب عن الشارح باحتمال أن يراد بالمعتزلة بعضهم، ويؤيده تقييد السيد المعتزلة في قول المواقف: وقالت المعتزلة القدرة قبل الفعل بقوله أي أكثرهم وأن ذلك البعض خالف بقية المعتزلة في قوله إذ التكليف إنما يتعلق حال المباشرة. قوله: (والثاني للأشاعرة) أي لجمهورهم وإلا فسيأتي ما يعلم منه أن من الأشاعرة من قال: إن التكليف إنما يتعلق حال المباشرة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 61
قوله:
(ورجع إليه المصنف آخرا)
(1/122)
---(1/122)
فيه أنه لا معنى لرجوعه إليه مع نفي الخلاف بين الفريقين على ما ادعاه الشارح، إذ قضية انتفاء الخلاف بينهما اتحاد قوليهما، فلا معنى للرجوع من أحدهما إلى الآخر، فالرجوع وانتفاء الخلاف متنافيان. قوله: (ومن توجيههما الخ) أي فإن توجيه الأول بقوله: فإن الفعل للإكراه لا يحصل الامتثال به الخ يدل على فرض كلامه في حال المباشرة. وتوجيه الثاني بقوله لقدرته على امتثال ذلك أن يأتي به لداعي الشرع الخ يدل على فرض كلامه فيما قبلها إذ لا يتأتى الإتيان به لداعي الشرع إلا بعد سبق طلب منه سم. قوله: (يعلم أنه لا خلاف بينهما) أي لعدم تواردهما على محل واحد إذ القائل بالمنع ناظر إلى أن التكليف إنما يتعلق بحال المباشرة، والقائل بالجواز ناظر لتعلقه قبل المباشرة. وفيه أن الخلاف بينهما حقيقي لأن هذا التكليف عند المعتزلة ممتنع حال المباشرة وقبلها، وعند الإشاعرة ثابت قبلها ومستمر عندها. كما سيأتي في محله فقد تسمح في نفي الخلاف بين الفريقين بناء على مجرد عدم توارد قوليهما على محل واحد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 61
قوله:
(وأن التحقيق مع الأول)
(1/123)
---(1/123)
هو ما سيذكره فيما يأتي من أن التكليف إنما يوجد مع الفعل. فقوله: وإن التحقيق الخ بكسر همزة إن فالجملة مستأنفة لا بفتحها إذ لم يعلم من ذلك التوجيه المذكور. واعلم أن تحرير القول في هذا المقام أن كلاً من أهل السنة والمعتزلة قائل بتعلق التكليف ووجوده قبل المباشرة ولا خلاف في ذلك بين الفريقين وإنما الخلاف في وجود القدرة الحادثة قبل المباشرة وعدم وجودها قبلها، بل إنما توجد مع الفعل وفي استمرار التكليف حال المباشرة وعدم استمراره. فعند المعتزلة كل من التكليف والقدرة على الفعل موجود قبل الفعل لأن القدرة مناط التكليف فلا بد من وجودها عنده وإلا لزم تكليف العاجز وهو باطل، وينقطع التكليف عندهم حال المباشرة وعندنا لا توجد القدرة الحادثة إلا مع المباشرة وهو معنى قولنا: قدرة العبد تقارن الفعل وهو المراد بالكسب، وأورد حينئذ لزوم تكليف العاجز. وأجيب بأن مناط التكليف سلامة الآلات والأسباب ويستمر التكليف حال المباشرة هذا هو التحقيق وما أشار له الشارح خلاف التحقيق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 62
قوله:
(ويتعلق الأمر بالمعدوم الخ)
سيأتي أن الأمر هو الإيجاب والندب وهما نوعان من الحكم الذي هو الخطاب المتعلق تعلقاً معنوياً وتنجيزياً معاً فالأمر حينئذ تنجيزي فلا يمكن تعلقه بالمعدوم وإن أمكن أن يتعلق به نفس الخطاب قاله العلامة الناصر . وأجاب سم بأن المراد بالأمر الأمر المعنوي الذي سيشير المصنف إلى أن الأصح تنوع الكلام في الأزل إليه وإلى غيره لا التنجيزي الذي هو قسم من الحكم المتعارف كما سيشير إلى ذلك قول الشارح: وسيأتي تنوع الكلام في الأزل الخ قوله: (بمعنى أنه الخ) أي فمعنى التعلق المعنوي هو كون الشخص إذا وجد بشروط التكليف يكون مأموراً بذلك الأمر النفسي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 62
قوله:
(بشروط التكليف)
(1/124)
---(1/124)
قال العلامة الناصر : ومنها البعثة فلا حاجة إلى زيادة بعد البعثة كما مر لكن يجب كون الباء في بشروط للمعية لا للملابسة اهـ. أي لأن من جملة الشروط البعثة، ولا تصح ملابسة الشخص لها فلذا تعين كون الباء للمعية أي إذا وجد مصاحباً لشروط التكليف لصحة مصاحبة الشخص للبعثة، إذا علمت هذا علمت سقوط ما أطال به سم من قوله بعد نقل ما تقدم عن العلامة. وأقول: إن كان وجه وجوب ما ذكر أنه لا يصدق الوجود إلا على ابتدائه فلا يصدق الوجود ملتبساً بها للزوم تقدم الوجود عليها ففيه نظر، لأنه أيضاً على هذا لا يصدق الوجود مصاحباً لها للزوم تقدمه عليها. فإن قلت: على تقدير كون الوجه ما ذكر لم لم يجعل الظرف من قبيل الحال المقدرة وحينئذ تمكن الملابسة؟ قلت: يلزم عدم توقف كونه مأموراً على وجود شروط التكليف، بل يكون مأموراً قبل وجودها انتفاء بتقدير وجودها والالتباس بها ويجري ذلك في المعية فهو ممنوع. وبالجملة فدعوى الوجوب غير ظاهرة بل يصح حملها على كل من الملابسة والمعية مع حمل وجد على معنى ثبت أو قع وجوده فليتأمل اهـ. وأنه بمعزل عن مراد العلامة وأن ما قاله تعسف لا داعي إليه إلا شغفه بالاعتراض على شيخه وعلى تسليم ما تعسفه مما هو غير مراد للعلامة قطعاً فما حصله بقوله: وبالجملة الخ غير مخلص فتأمله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 62
قوله:
(بأن يكون حالة عدمه)
(1/125)
---(1/125)
أي ولو حكماً بأن يوجد غير متصف بصفات التكليف. قوله: (لنفيهم الكلام النفسي) أي الموصوف بتنوعه إلى الأمر وغيره، ونفي الموصوف يستلزم نفي صفته. قال سم: ولباحث أن يقول هذا النفي لا يقتضي ذلك النفي لما سيأتي أن الأمر عندهم بمعنى الإرادة لجواز أن يثبتوا تعلقاً معنوياً بمعنى إرادة الفعل منه إذا وجد بشروط التكليف اهـ. وقد يقال المنفى تعلق الأمر الذي هو نوع من أنواع الكلام فالاقتضاء المذكور مسلم. قوله: (والنهي وغيره) النهي يشمل غير الجازم كما يشمل الأمر غير الجازم فينحصر قوله وغيره في الإباحة. قوله: (كالأمر) أي فيتعلقان بالمعدوم تعلقاً معنوياً خلافاً للمعتزلة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 63
قوله:
(وسيأتي تنوع الكلام الخ)
إشارة إلى الاعتذار عن المصنف في ترك ذكر النهي وغيره بأنه مفهوم مما سيأتي، ولا يرد أن تعلق الأمر مفهوم أيضاً مما سيأتي فلا حاجة لذكره هنا لأن وجه ذكره التنبيه عليه وعلى مخالفة المعتزلة لئلا يغفل عن ذلك. تتمة: أورد هنا. ما حاصله أن تكليف الغافل أقرب من تكليف المعدوم فكيف جوزتم تكليف المعدوم ومنعتم تكليف الغافل؟ والجواب: أن المعدوم قلنا يكلف بمعنى أنه تعلق به الخطاب في الأزل على تقدير وجوده وبعث الرسل إليه وعلمه خطاب الله تعالى، ومرادنا هنا أن الغافل لا يخاطب في زمن غفلته خطاباً تنجيزياً أي لا يكون تركه الفعل زمن الغفلة موجباً للمؤاخذة كغير الغافل وما وازنه إلا تكليف المعدوم حالة العدم، ويكون الترك حالة العدم موجباً للعقوبة ولا قائل بذلك، فتعلق التكليف بالمعدوم تعلق معنوي والغافل يشاركه في ذلك، والتعلق المعنوي المنفي عن الغافل هو التعلق التنجيزي الذي هو مناط الثواب والعقاب فهما مسألتان متباينتان لا تشتبه إحداهما بالأخرى حتى يرد الإشكال المتقدم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 63
قوله:
(فإن اقتضى الخطاب الفعل الخ)
(1/126)
---(1/126)
قال الكمال : لا يخفى أن إسناد اقتضى إلى الخطاب النفسي مجاز إذ كل من الاقتضاء والتخيير النفسيين خطاب نفسي لا أمر يترتب على الخطاب النفسي مغاير له. والحاصل أنه جعل للاقتضاء اقتضاء أسنده إليه على حد قولهم: جد جده حيث جعلوا للجد جداً اهـ. أي فالقياس أن لو قال: فإن كان الخطاب اقتضاء للفعل ويلزم على ما سلكه المصنف من إسناد الاقتضاء إلى الخطاب التجوز في الإسناد حيث أسند ما حقه أن يسند إلى الفاعل إلى المصدر والتعريف يصان عن المجاز بلا قرينة واضحة. ويمكن أن يجاب بأن التعاريف الضمنية يتسامح فيها سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 63
قوله:
(من المكلف لشيء)
هذان الظرفان متعلقان بالفعل لكن قوله لشيء ظاهره أن المكلف به هو الفعل بالمعنى المصدري الذي هو الإيجاد مع أن المكلف به هو الحاصل بالمصدر الذي هو أثره لما تقدم ففي عبارته تسمح، وكأن الحامل للشارح على ذلك مقابلة المصنف الفعل، لكن المراد بالترك الكف فتصح المقابلة بينه وبين الفعل الذي هو الأثر قاله العلامة الناصر بالمعنى. قوله: (أي فهذا الخطاب يسمى إيجاباً) فالإيجاب عبارة عن الكلام النفسي وكذا الوجوب فهما واحد بالذات مختلفان بالاعتبار، فالحكم إذا نسب إلى الحاكم سمي إيجاباً، وإذا نسب إلى ما فيه الحكم وهو الفعل سمي وجوباً فلذا تراهم يجعلون أقسام الحكم تارة الوجوب والحرمة وتارة الإيجاب والتحريم. قوله: (أو اقتضى الترك) اعترضه العلامة الناصر بأنه يرد عليه كف عن كذا ونحوه فلا يكون تعريف النهي مانعاً، وعلى تعريف الوجوب بما مر فلا يكون تعريفه جامعاً لأن المعتبر الفعل العرفي كما سيقول الشارح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 63
قوله:
(ولا يخرج عن المخصوص)
(1/127)
---(1/127)
جواب سؤال تقديره أن يقال: الكراهة المتحققة حيث كان دليل المكروه إجماعاً أو قياساً لا يصدق عليها الحد المستفاد من التقسيم فتعريفها غير جامع حينئذ. وبيان ذلك أنه اعتبر في حد الكراهة المستفاد من التقسيم كون الاقتضاء بنهي مخصوص، وكل من الإجماع والقياس ليس نهياً أصلاً، فقوله عن المخصوص أي عن النهي المخصوص فليس منشأ السؤال مجرد أن كلاً منهما غير مخصوص وإلا فالإجماع على المخصوص وقياس المخصوص مخصوص. قوله: (إجماعاً أو قياساً) قال شيخ الإسلام: تمييز لدليل المكروه العائد عليه الضمير في لأنه اهـ. والظاهر جواز الحالية من دليل أيضاً لا المفعول لأجله من المكروه سم.
قوله: (وذلك من المخصوص) فيه بحث إذ اللازم للإجماع مطلق المستند أما كونه نهياً مخصوصاً فمن أين بل يجوز أن يكون مستنده غير المخصوص. فإن قيل: الإجماع على الكراهة لا يكون إلا للمستند المخصوص. قلنا: ممنوع ذلك لا دليل عليه سيما وتخصيص الكراهة بما كان بنهي مخصوص اصطلاح حادث متأخر عن عصر الصحابة ونحوهم من أهل الإجماع. وقد يجاب عن هذا بأن حدوثه لا ينافي اعتبار المخصوصية في الكراهة بناء على أن الاصطلاح القديم اعتبار المخصوصية في الكراهة الشديدة التي قصر الاصطلاح الحادث اسم الكراهة عليها فليتأمل اهـ سم. قوله: (المستفاد من أوامرها) أي اللفظية وجعل المستفاد منه أوامر متعددة، والمستفاد شيئاً واحداً عاماً تفسيراً لغير المخصوص على وفق ما يأتي له في قوله الآتي أي العام نظراً إلى جميع الأوامر اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 64
قوله:
(فإن الأمر بالشيء الخ)
(1/128)
---(1/128)
المراد بالأمر والنهي في كلامه اللفظيان لا النفسيان، وأما الأمر النفسي بالشيء فهو عين النهي عن ضده على ما هو التحقيق كما سيأتي. قوله: (المدلول عليه بغير المخصوص) قد يستشكل ذلك لاقتضائه أن لغير المخصوص صيغة دالة على طلب الترك المسمى بخلاف الأولى مع انتفاء الصيغة عن هذا القسم قطعاً إذ ليس فيه إلا صيغة الأمر الدالة على طلب الفعل. اللهم إلا أن يدعى أن فيه صيغة مقدرة. وفيه نظر سم. قوله: (كما يسمى متعلقه بذلك الخ) اعترضه العلامة الناصر. فقال: لا شك أن الخطاب المذكور متعلق بترك الشيء والمسمى بذلك الشيء لا الترك الذي هو متعلق الخطاب. وأجاب سم بأن المراد بالمتعلق المتعلق بالواسطة والشيء المذكور متعلق بالخطاب بواسطة تعلقه بمتعلقه الذي هو الترك، فالشيء متعلق المتعلق ومتعلق المتعلق بشيء متعلق بذلك الشيء بواسطة كونه متعلقاً بمتعلقه، وغاية الأمر أنه أطلق المتعلق الصادق بالمتعلق بلا واسطة وبالمتعلق بالواسطة وأراد الثاني والقرينة على هذه الإرادة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 64
قوله:
(فعلاً كان الخ)
فتمثيله بذلك الذي هو متعلق المتعلق دليل على أنه المراد بالمتعلق، وقد نقل مضمون هذا الجواب عن العلامة المذكور في درسه حيث قال: أراد الشارح بالمتعلق متعلق المتعلق وأنه لا يصح كلامه إلا بهذا التأويل وأن تمثيله يشعر بإرادته. واعلم أن الترك في قول الشارح أو تركا الممثل به لمتعلق المتعلق غير الترك الذي هو متعلق الخطاب، فالأمر بصلاة الضحى يدل على النهي عن تركها والنهي معناه طلب الترك. فحاصل معنى النهي عن تركها حينئذ طلب ترك تركها فالترك الأول هو المتعلق بلا واسطة والثاني هو المتعلق بالواسطة، وقد علم أن المتعلق بلا واسطة لا يكون إلا تركاً، وأن المتعلق بالواسطة قد يكون تركاً كما في ترك الضحى، وقد يكون فعلاً كما في فطر مسافر لا يتضرر بالصوم اهـ سم.
(1/129)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 65
قوله:
(والفرق الخ)(1/129)
بمعنى الفارق أو على ظاهره. وقوله أنه على حذف حرف الجر وهو الباء قاله العلامة الناصر. قوله: (فسمي المخصوص وغيره) يحتمل أن يريد بقسمي المخصوص وغيره الشيئين المطلوبين بالمخصوص وغيره، ويدل على ذلك ما بعده من قوله: إن الطلب في المطلوب الخ. وقوله فالاختلاف في شيء الخ كذا أفاده الشهاب وعليه فالإضافة في قسمي المخصوص حقيقية، ويحتمل أن يريد بهما النهي المخصوص والنهي غير المخصوص كما أفاده العلامة الناصر ، وحينئذ يشكل بأنه لا حاجة للفظة قسمي. ويمكن الجواب بأن فائدتها الإجمال والتفصيل وعليه فالإضافة بيانية واختار هذا الثاني شيخنا. قلت: الأظهر كون المراد بالقسمين اقتضاء الترك غير الجازم بنهي مخصوص واقتضاء الترك غير الجازم بنهي غير مخصوص وهما الكراهة، وخلاف الأولى اللذان هما قسمان من الأقسام الستة للحكم التي ذكرها المصنف، وحينئذ فذكر لفظة قسمي واضح. وقوله: إن الطلب في المطلوب الخ يدل لما قلناه دلالة بينة لمن تأمل. قوله: (في المطلوب الخ) متعلق بمحذوف أي أن الطلب الكائن في ترك المطلوب تركه بالمخصوص.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 65
قوله:
(وقسم خلاف الأولى زاده المصنف الخ)
(1/130)
---(1/130)
اعترضه العلامة الناصر بما نصه أخذ المسمى صحيح، وأما أخذ اسم فلا لأن تسمية الشيء المطلوب تركه بذلك لا تستلزم تسمية طلب تركه بذلك وفيها شناعة ظاهرة {ولله الأسماء الحسنى} (الأعراف: 180) والصفات العلا اهـ. وأجاب سم بما حاصله: أن إطلاقهم اسم خلاف الأولى على الخطاب مجاز من باب إطلاق المتعلق بالكسر على المتعلق بالفتح أو هو على حذف المضاف أي ذو خلاف الأولى، وأن الشناعة قد يخفف أمرها أن الأسامي الاصطلاحية لا يلزم فيها ملاحظة معانيها اللغوية التي هي منشأ المحذور، قال: ولا يخفى صعوبة هذا الاسم على القلوب. وقال شيخ الإسلام : تسمية الخطاب بخلاف الأولى بمعنى أنه مثبت لخلاف الأولى كما أن تسميته بالكراهة كذلك وهو قريب من جواب سم. قوله: (من متأخري الفقهاء) هو على حذف المضاف أي من كلام متأخري الفقهاء وحيث ظرف لمحذوف أي الصادر حيث قال العلامة الناصر : وليس هو ظرفاً للأخذ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 65
قوله:
(في النهاية)
متعلق بمحذوف أي فرق أو فارقاً في النهاية وهو إنما نقل الفرق لكن لما أقره كان قائلاً به فنسب إليه. فاندفع ما قيل: إنه لم يفرق وإنما نقل الفرق قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 66
قوله:
(المقصود غير المقصود)
فسر المقصود بالصريح وغير المقصود بغير الصريح فراراً مما يقتضي غير المقصود من كون الشارع لم يقصد النهي في ضمن الأمر. وقد يقال: المراد بالمقصود المقصود بالقصد الأولى، وبغير المقصود ما لم يقصد بالقصد الأولى بل بالقصد التبعي سم.
(1/131)
---(1/131)
قوله: (أي العام الخ) قال الشهاب : معناه أن النهي المستفاد من الأمر وإن كان في نفسه خاصاً لارتباطه بشيء خاص لكن لتوقف طلبه لترك ذلك الشيء على شيء عام وهو أن الأمر بالشيء نهي عن ضده جاز أن يقال: إنه عام بسبب توقفه على أمر عام. وحاصله أن الأمر بصلاة الضحى مثلاً نهي عن تركها وهذا النهي خاص لخصوص متعلقه، ولكن هذا النهي إنما يثبت إذا ثبت أن كل أمر بشيء نهي عن ضده فلما توقف ثبوته على ثبوت هذا العام وصف بأنه عام. ويمكن أن يؤخذ من هذا دفع ما أورده بعضهم حيث قال: الظاهر أنه لو ورد نهي عام متعلق بأشياء كثيرة كانت من المكروه لأن دلالة العام كلية فهو متعلق بكل فرد فرد منها وخاص بالنسبة إليه وأن أمر الندب نهي خاص بالنسبة إلى ضده سيما إن قلنا: إنه عينه، فالأصوب تعبير إمام الحرمين بالمقصود وغير المقصود أي بالذات وإن كان مقصوداً بالتبع، إذ لا يسوغ نفي قصد الشارع له بالكلية، ووجه الدفع أن المراد بالعموم ما تقدم لا كون النهي متعلقاً بأشياء كثيرة، والنهي الصريح وإن كان عاماً من حيث شموله لأفراد كثيرة مثلاً فليس هو عاماً بالمعنى المتقدم لثبوته لكل فرد منها بمجرد الصيغة من غير توقف على شيء آخر، بخلاف الضمني فإنه إنما يثبت لمتعلقه بواسطة ثبوت ذلك الأمر العام المتقدم وهو قولنا: كل أمر بشيء نهي عن ضده. والحاصل أن المراد بالعموم والخصوص توقف ثبوت النهي لمتعلقه على قاعدة عامة وعدم توقفه لا الشمول لأفراد كثيرة وعدم الشمول قاله سم مع زيادة إيضاح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 66
قوله:
(نظرا)
(1/132)
---(1/132)
متعلق بقوله العام فهو علة له كما هو قضية تقرير العلامة الناصر ويلزم عليه خلو قوله وعدل عن التعليل. ويستشكل حينئذ بأن مجرد الإخبار بالعدول لا فائدة فيه، وصريح تقرير شيخ الإسلام كونه تعليلاً للعدول فهو متعلق بعدل. وفيه أنه إنما يصح كونه تعليلاً للعدول بالنظر للمعطوف دون المعطوف عليه وفيه تكلف. ويمكن أن يختار الأول ويمنع ما تقدم من عدم الفائدة بأن تعليل العام بما ذكر يتضمن تعليل العدول بذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 66
قوله:
(ذكر التخيير سهو الخ)
قد يقال: لا سهو لأنه يقال اقتضى بمعنى اعلم وبمعنى أدى، فغايته أن المصنف استعمل المشترك في معنييه وذلك جائز كما سيأتي. وقال العلامة الناصر : يجوز أن يقال إنه على تضمين اقتضى معنى يصلح لأن يقع على التخيير أيضاً أي أفاد الخطاب التخيير على حد: علفتها تبناً وماء بارداً. على ما عليه المحققون اهـ. وتعقبه سم بأن ذلك من خصائص الواو. وفيه أن الذي هو من خصائصها عطف العامل المحذوف الباقي معموله على العامل المذكور كما يفهم من كلامهم وهو مفاد قول الخلاصة: وهي انفردت بعطف عامل مزال قد بقي معموله لا التضمين المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 66
قوله:
(وإلا فالترك الخ)
(1/133)
---
أي فلا تصح المقابلة في كلامه لأن الترك فعل أيضاً، فالمقابلة إنما تتم إذا أريد بالفعل المعنى العرفي. وقوله: وإلا الخ شرط أي وإن لم نقل أن المقابلة المذكورة بالنظر للعرف وجواب الشرط محذوف تقديره فهي غير صحيحة. وقوله: فالترك الخ علة للجواب المحذوف. ولو قال المصنف: فإن اقتضى الخطاب فعلاً غير كف اقتضاء جازماً فإيجاب أو غير جازم فندب أو كفا اقتضاء جازماً فتحريم الخ لوافق ما سيأتي له وسلم من الاعتراض المتقدم للعلامة الناصر. قوله: (الخطاب النفسي) قيد بالنفسي دفعاً لما يتوهم من أنه اللفظي لأنه الشائع إسناد الورود إليه دون النفسي كما قال وإن كان الإسناد إلى كل مجازاً.(1/133)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 67
قوله:
(وهي فيه أجود الخ)
(1/134)
---
أي لأنها للجمع في الحكم فهي أنسب لإفادتها جمع أفراد المقسم وهو هنا الشيء في الحكم وهذا في تقسيم الكلي إلى حزئياته كما هنا. وأما في تقسيم الكلي إلى أجزائه فالواو متعينة قاله شيخ الإسلام. واعترض جعل الواو للتقسيم هنا العلامة الناصر بأنه يقتضي ورود الخطاب بكون الشيء المذكور منقسماً إلى هذه الأقسام وأن الوضع هو الخطاب الوارد بذلك ولا خفاء في بطلانه إذ الوارد بكون الشيء. أحدها وضع وإن لم يرد غيره فالصواب بشهادة الذوق أن الواو بمعنى أو فليتأمل اهـ. وأجاب سم بما حاصله: أن كون المعنى على جعل الواو للتقسيم ما ذكر ليس بلازم بل يجوز أن يكون المعنى حينئذ وإن ورد بأحد هذه الأقسام أو بكون الشيء واحداً منها. قلت: كون المعنى ما ذكره العلامة واضح لا شبهة فيه إذ المعنى في قولنا مثلاً الكلمة اسم وفعل وحرف أنها منقسمة للثلاثة المذكورة وكذا الحال هنا في قولنا الشيء سبب وشرط الخ معناه منقسم إلى هذه الأقسام، فالخطاب الوارد بكون الشيء سبباً وشرطاً الخ معناه الخطاب الوارد بكونه منقسماً إلى هذه الأقسام. وأما كون المعنى ما ذكره سم فغير صحيح لأن ذلك مفاد أو لا الواو كما هو ظاهر. على أن حاصل ما قاله صحة كون المعنى وإن ورد الخطاب بكون الشيء منقسماً إلى هذه الأقسام، وكون المعنى وإن ورد الخطاب بكون الشيء أحد هذه الأقسام. وعليه ففي الواو إجمال وإيهام خلاف المراد فلا يصح كونها أجود من أو. بل الأجود أو. وهذا على التنزل لصحة كون المعنى ما قاله وإلا فهو ممنوع كما قلنا، وبالجملة فجوابه غير مجد عليه شيئاً إلا المكابرة والتعسف. ثم قال سم: ونظير عبارة المصنف هذه قولهم في تعريف الحكم خطاب الله المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير.
(1/135)
---(1/134)
ولما أورد المعتزلة عليه أن أو للترديد وهو ينافي التحديد. أجاب الإمام وأتباعه بما حاصله: أن أو للتنويع فلو صح اعتراض الشيخ لزم بطلان هذا الجواب الذي أطبقوا على قبوله لأن المعنى حينئذ أن الحكم هو الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين المنقسم تعلقه إلى الاقتضاء والتخيير مع أن الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين بأحد الوجهين حكم مع قطع النظر عن ثبوت التعلق بالوجه الآخر فدل هذا الصنيع منهم على أنه ليس المعنى على التقسيم كما ادعاه الشيخ اهـ. قلت: هذا أعجب من جوابه الأول بما اشتمل عليه من التخليط الذي لا يليق بمثله. أما قوله: إن عبارة المصنف هذه نظير قولهم في تعريف الحكم خطاب الله الخ فواضح الفساد إذ الواقع في عبارة المصنف الواو، وفي قولهم المذكور أو وفرق بين المعنى على الواو والمعنى على أو. وما ذكره بقوله لأن المعنى حينئذ الخ هو المعنى على الواو لا على أو. والمعنى على أو أن الحكم هو الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين ملتبساً ذلك التعلق بأحد هذه الأقسام. وهو الاقتضاء أو التخيير أو الوضع وقد علمت أن الواقع في تعريف الحكم أولا الواو وحينئذ فالمعنى على التقسيم كما هو صريح قول الإمام في جوابه أن أو للتنويع، فقوله فدل هذا الصنيع منهم الخ ممنوع منعاً بيناً، وكذا قوله: فلو صح اعتراض الشيخ لزم بطلان هذا الجواب فإن اعتراض الشيخ بكون المعنى ما ذكره على عبارة الواو، وأما على عبارة أو فليس المعنى كذلك ولا اعتراض حينئذ، ولو كان المعنى واحداً على كل من عبارة الواو وأو لما كان لجعله الصواب كون الواو بمعنى أو معنى. وبالجملة فكلام العلامة سم هنا مما لا معنى له ولا داعي إليه إلا شدة التعصب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 67
قوله:
(أي كون الشيء)
(1/136)
---(1/135)
فيه تساهل بحذف الجار حمله على حكاية المصنف عبارة المختصر قاله الكمال و شيخ الإسلام ، وفي كلام سم تعسف لا حاجة إليه. قوله: (للعلم به معنى) أي لأنه من المعلوم أن الخطاب النفسي لا يكون سبباً ولا شرطاً إنما هو جعل الشيء سبباً لشيء آخر أو شرطاً له الخ. قوله: (مجاز) أي مجاز عقلي من باب الإسناد إلى السبب، فإن الخطاب النفسي المذكور سبب لورود الرسول بما ذكر. ويصح جعل المجاز مرسلاً من إطلاق الملزوم على اللازم فإن من لازم الورود بالشيء التعلق به فالمراد بالورود التعلق مجازاً لعلاقة اللزوم كما تقرر والقرينة استحالة الحقيقة. قوله: (وغير فعله) تحته شيئان ما ليس فعلاً أصلاً وما ليس فعلاً للمكلف بل لغير المكلف فلذا مثل الشارح بأمثلة ثلاثة: الأول: لما هو فعل للمكلف. والثاني: لما ليس فعلاً أصلاً. والثالث: لفعل غير المكلف وهو الصبي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 68
قوله:
(لوجوب الضمان)
المراد بالضمان المضمون من قيمة أو مثل. والمراد بالوجوب المضاف للضمان الثبوت لا الطلب الجازم لأنه بهذا المعنى لا يتعلق إلا بفعل المكلف كما هو ظاهر وبالوجوب المضاف لقوله وأداء الولي المقدر بالعطف الطلب الجازم، ففي إطلاق الوجوب على الثبوت والطلب الجازم شبه استعمال المشترك في معنييه قاله العلامة الناصر، وإنما قال شبه الخ ولم يجعله من استعمال المشترك في معنييه لأن المشترك المستعمل في معنييه لفظ واحد استعمل في معنييه الموضوع لهما، وههنا الوجوب ذكر مرتين بسبب تقديره في المعطوف أعني قوله وأداء الولي إذ تقديره ووجوب أداء الولي الخ. قوله: (لأن متعلقه) أي وهو كون الشيء سبباً أو شرطاً الخ. فخطاب الوضع هو الخطاب المتعلق بكون الشيء سبباً أو شرطاً الخ. قوله: (لما تقدم) أي من قوله المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 68
قوله:
(ومن خطاب الوضع)
(1/137)
---(1/136)
نبه بتكرير من على أن مقصود المصنف بالنسبة للوضع حد خطاب الوضع لا حدود أقسامه أيضاً لأنه إنما تعرض لخطاب الوضع والتقسيم المذكور بعد ليس لنفس الخطاب بل لمتعلق متعلقه، فإن السبب وما معه أقسام للشيء وهو متعلق الكون المذكور الذي هو متعلق الخطاب، ومن ذكر أقسام متعلق المتعلق تعرف أقسام المتعلق وأقسام الخطاب المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 69
قوله:
(وكذا حد الحد)
الحد المضاف مصدر بمعنى التعريف بدليل الباء المتعلقة به والمضاف إليه بمعنى المعرف، وقوله الدافع للاعتراض بالرفع نعت لحد المضاف. ووجه الدفع أن الحد عند الأصوليين بمعنى المعرف سواء كان بالذاتيات أم لا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 69
قوله:
(لأن المميز الخ)
المراد بالمميز هو المقتضى للفعل اقتضاء جازماً من قولنا في تعريف الإيجاب هو الخطاب المقتضى للفعل الخ. والمقتضى للترك الخ من قولنا في تعريف التحريم الخطاب المقتضى للترك الخ. وعلى هذا القياس وفي جعل الاقتضاء فيه خارجاً عن الماهية نظر بين لما سيأتي من أن الاقتضاء هو نفس الخطاب كما يفيده قول الشارح. نعم يختصر الخ إذ لو كان الاقتضاء غير الخطاب لم يكن ما ذكره اختصاراً له ولما تقدم من أن إسناد الاقتضاء إلى الخطاب مجاز من قبيل الإسناد إلى المصدر نحو قولهم جد جده لأن الاقتضاء هو الخطاب كما عليه جمع منهم المولى سعد الدين في حواشي العضد، وجواب سم بعد ذكره ما تقدم بقوله: ويمكن الجواب باحتمال أن الشارح ثبت عنده بنقل أن المميز هنا خارج وبأنه أجاب بذلك على سبيل التنزل مع المعترض، فلا ينافي أنها عنده حدود لا رسوم بعيد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 69
قوله:
(وسيأتي حد الأمر الخ)
(1/138)
---(1/137)
يعني أنه لما حد الأمر والنهي بالاقتضاء المذكور المحدود به هنا ما عدا الإباحة وحدا أيضاً بالقول المقتضى أي الخطاب المقتضى كان المعبر عنه بما عدا الإباحة هنا هو المعبر عنه فيما يأتي بالأمر والنهي نظراً الخ. واعترض ذلك العلامة حفظه الله تعالى حيث قال عقب ما تقدم يعني فيكون الأمر والنهي مرادفين لما عدا الإباحة. واعلم أن الماهية قد تؤخذ بشرط شيء أو بشرط لا شيء تارة ولا بشرط شيء أخرى والثالثة أعم من الأوليين مفهوماً ويتساويان صدقاً كالحيوان المأخوذ تارة بشرط الناطق أو بشرط عدم الناطق، وتارة لا بشرط واحد منهما، وكالطلب المأخوذ في الإيجاب والتحريم بشرط الجزم، وفي الندب والكراهة بشرط عدمه، وفي الأمر والنهي لا بشرط واحد منهما، فغايتهما أنهما مساويان للإيجاب وما عطف عليه صدقاً، وأما أن مفهومهما هو مفهوم الأربعة الذي هو معنى الترادف فلا اهـ. وتعقبه سم بأن الاعتراض المذكور مبني على أن مراد الشارح بقوله فالمعبر عنه الخ اتحاد الأمر والنهي مع ما عدا الإباحة مفهوماً، وليس في كلامه ما يدل عليه ولا ضرورة تحوج إليه، بل يجوز أن يريد بالمعبر عنه الذات المعبر عنها فيكون المقصود من ذلك الاتحاد في الماصدق لا في المفهوم اهـ بمعناه. قلت: تفريع الشارح قوله فالمعبر به الخ على قوله: وسيأتي حد الأمر الخ المفيد أن ما حد به الأمر والنهي هو عين ما حد به الإيجاب وما معه صريح أو كالصريح في أن المعنى على الترادف إذ الحد إنما يبين به المفهوم، إذا علمت ذلك فقول سم بعد جوابه المذكور على سبيل الحط على شيخه العلامة المذكور ما نصه: فحمله في عبارة الشارح على المفهوم ثم الاعتراض عليه لا حامل عليه إلا مجرد محبة الاعتراض كيف كان وذلك لا يليق بالإنسان اهـ. وقوله في صدر جوابه لا يخفى سقوط ما أورده من الاعتراض لأنه بناء على ما تقوّله عليه ونسبه إليه من إرادة الترادف الخ من التبجح وسوء الأدب الذي يرتفع عنه مقام مثله مع(1/138)
(1/139)
---
شيخه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 69
قوله:
(نظراً هنا الخ)
مفعول له للمعبر يعني أن المعبر عنه في الموضعين واحد، واختلفت العبارة فيهما للمناسبة، فعبر عنه هنا بالإيجاب وغيره نظر إلى أنه حكم، والكلام في بيان الأحكام والإيجاب وغيره مناسب للحكم، وعبر عنه فيما يأتي بالأمر والنهي نظراً إلى أنه كلام، والكلام يناسبه الأمر والنهي لأنهما نوعان منه على ما سيجيء إن شاء الله تعالى. قوله: (والفرض والواجب الخ) أي لفظاهما مترادفان إذ الترادف من صفات الألفاظ. وقوله مترادفان أي اصطلاحاً. وأما لغة فمفهومهما مختلف لأن الفرض معناه التقدير أو الحز، والواجب معناه الثابت أو الساقط كما سيأتي. ومترادفان تثنية مترادف بمعنى مرادف. وقوله لمعنى واحد أي لمفهوم واحد إذ الترادف يعتبر فيه الاتحاد في المفهوم. وقوله وهو أي ذلك المعنى الواحد لا بوصفه بكونه مسمى بذينك اللفظين إذ الذي علم مما تقدم ذاته فقط. وقوله كما علم من حد الإيجاب الكاف تعليلية وما مصدرية والتقدير وهو لعلمه من حد الإيجاب وليست الكاف تشبيهية لئلا يشكل بأن ذلك المعنى هو الذي علم من حد الإيجاب لا شيء آخر يشبه المعلوم منه. قوله: (فيأثم بتركها الخ) مفرع على قوله بدليل ظني وليس مفرعاً على التسمية أعني قوله: فهو الواجب لأنه يقتضي حينئذ أن للتسمية دخلاً في عدم الفساد فلا يكون الخلاف لفظياً، ولا يصح قول الشارح الآتي وما تقدم من أن ترك الفاتحة الخ. قوله: (كما يسمى الخ) العامل في هذا الجار والمجرور ما بعد هل، وإنما عمل ما بعدها فيما قبلها وإن كانت أدوات الاستفهام لا يعمل ما بعدها فيما قبلها لأنها متطفلة في الاستفهام لا أصلية فيه كالهمزة، وأيضاً فالاستفهام هنا تقريري لا حقيقي. قوله: (أخذاً الخ) معمول لما تضمنه لا أي انتفت التسمية عنده أخذاً والظرف وهو قوله عنده متعلق بلا لتضمنها معنى الفعل المذكور. وقوله بمعنى حزه أي قطع الخ أي
(1/140)
---(1/139)
فالفرض بمعنى المفروض أي المقطوع به. وأورد أن القطع بالمدلول إنما يكون بقطعية دلالة الدليل لا بقطعية متنه فقط. والدليل الذي ذكر وهو الآية الشريفة لا قطعية فيه من جهة الدلالة، وأيضاً فالقطع بالأحكام ليس من الفقه المعرف بالعلم أي الظن كما تقدم. وأجيب عن الأول بأن القطعي عند الحنفية يجامع مطلق الاحتمال وهو ما لا يكون احتماله ناشئاً عن دليل كما بين ذلك في أصولهم، وعن الثاني كما في أصولهم أيضاً بأن من جملة تفاسيرهم الفقه ما يتناول القطعي سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 70
قوله:
(ساقط من قسم المعلوم الخ)
أي لأن المعلوم. خاص بالمقطوع به ولذا يسمون ما ثبت بقطعي بالواجب علماً وعملاً. وما ثبت بظني بالواجب عملاً فقط. قوله: (وعندنا نعم) الظرف متعلق بنعم لتضمنها معنى يسمى كما مر نظيره. قوله: (وكل من المقدر والثابت الخ) حاصل القول في هذا أنه لا نزاع في تفاوت مفهومي الفرض والواجب لغة، ولا في تفاوت ما ثبت بقطعي وما ثبت بظني، وإنما الخلاف في التسمية، فنحن نقول: إن الفرض والواجب لفظان مترادفان اصطلاحاً نقلاً عن معناهما اللغوي إلى معنى واحد وهو الفعل المطلوب طلباً جازماً سواء ثبت ذلك بدليل قطعي أو ظني، و أبو حنيفة رحمه الله يخص كلاً منهما بقسم ويجعله اسماً له، وقد يتوهم أن من جعلهما مترادفين جعل خبر الواحد بل القياس المبني عليه في مرتبة الكتاب القطعي حيث جعل مدلولهما واحداً وهو غلط ظاهر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 71
قوله:
(ومأخذنا أكثر استعمالا)
بيان لدفع التعارض بين المأخذين. وبيانه أن كلاً منهما استند في دعواه إلى أمر لغوي فتعارض مأخذهما فلا بد من مرجح، والمرجح لنا كثرة الاستعمال، هذا مع أن الحنفية قد نقضوا أصلهم هذا واستعملوا الفرض فيما ثبت بظني، والواجب فيما ثبت بقطعي كقولهم: الوتر فرض وتعديل الأركان فرض. وكقولهم: الصلاة واجبة والزكاة واجبة.
(1/141)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 71
قوله:(1/140)
(أمر فقهي)
هذا يدل على أن الأحكام الوضعية من الفقه، فما نقله الشارح في تعريف الفقه عن بعضهم من جعل الأحكام الشرعية فيه قيداً واحداً جمع الحكم الشرعي المعرف بخطاب الله الخ وهو الخطاب التكليفي غير صحيح لإخراجه الأحكام الوضعية مع أنها من الفقه، وقول الشارح هنا في دفعه خلاف الظاهر غير سديد لأن الاقتصار على خلاف الظاهر يقتضي صحته. قوله: (لا مدخل له في التسمية) أي لأنه ناشىء عن الدليل الذي دل المجتهد على الحكم لا عن التسمية. وقد يقال: ظنية الدليل لما كانت سبباً للتسمية بالواجب ولعدم الفساد بالترك كما نبه عليه الشارح بقوله: فيأثم بتركها الخ كان لعدم الفساد مدخل في التسمية باعتبار سببه، وإن لم يكن له مدخل باعتبار نفسه. والجواب أنه لا يلزم من مدخلية سبب شيء في شيء آخر مدخلية ذلك الشيء المسبب في ذلك الشيء الآخر. والحاصل أن ظنية الدليل تسبب عنها أمران: التسمية بالواجب وعدم الفساد. ولا يلزم من سببية شيء لأمرين سببية أحد الأمرين للآخر كما هو واضح، على أن سببية الظنية للتسمية ليست على حقيقة السببية لأن هذه التسمية أمر اصطلاحي غاية الأمر أنه لوحظ فيها مناسبة الظنية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 71
قوله:
(والمندوب الخ)
مثلها الحسن والنفل المرغب فيه. وقوله مترادفة أي عرفاً لا لغة كما مر نظيره في قوله: والفرض والواجب مترادفان. وقوله وهو أي ذلك المعنى أي المفهوم الواحد. وقوله كما علم أي لعلمه من حد الندب أي علم ذاته لا باعتبار أنه مسمى لتلك الأسماء، إذ لم يعلم ذلك من حد الندب كما تقدم نظير ذلك في شرح قوله: والفرض والواجب مترادفان. قوله: (حيث قالوا) هذه الحيثية كالتي تقدمت في شرح قوله: والفرض والواجب الخ تعليلية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 71
قوله:
(هذا الفعل)
(1/142)
---(1/141)
الإشارة ليست للفعل الجزئي إذ لا يتصور المواظبة عليه ولا فعله مرتين إذ لا يتصور تعدده وإنما يتصور تعدد الجنس بل للفعل المطلوب. وفائدتها بيان أن التفصيل في الفعل المطلوب لا في غيره ولا في مطلق الفعل. فإن قيل: هذا التفصيل لا يتصور مع ما نقل عن بعضهم أن من خصائصه عليه الصلاة والسلام أنه إذا فعل مندوباً وجب عليه المداومة عليه. فالجواب أن كلام الفقهاء صريح في رد هذا المنقول عن بعضهم لأنهم فرقوا في رواتب الصلاة بين المؤكد منها وغير المؤكد بمداومته وعدمها، وهذا صريح منهم في عدم مداومته ، ولأن في الترمذي كأن يدع الضحى حتى نقول لا يصليها. بقي شيء آخر وهو أن يقال ما أمر به صريحاً ولم يفعله في أي الأقسام المذكورة يدخل. قال بعضهم: الظاهر دخوله في المستحب لأنه محبوب للشارع بطلبه صريحاً. وأما ما عزم على فعله ومنعه منه مانع كصوم تاسوعاء فيحتمل أن يلحق بما فعله، ثم إن دل الحال على أنه لو تمكن منه واظب عليه ألحق بالقسم الأول وإلا فبالثاني بخلاف ما رغب فيه ولم يأمر به صريحاً ولا فعله فهو محل القسم الأخير سم باختصار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 72
قوله:
(فهو السنة)
(1/143)
---(1/142)
وجه المناسبة في تسمية ما ذكر بالسنة أن السنة هي الطريقة والعادة وما تكرر فعله من الشخص صار طريقة له وعادة. قوله: (كان فعله مرة أو مرتين) دلت الكاف على عدم الانحصار في المرة والمرتين، ولعل الضابط أن لا يصل إلى حد المواظبة، ويبقى الكلام في ضابط المواظبة، ولعله أن لا يترك إلا لعذر. قوله: (لعمومه للأقسام الثلاثة) أي لصحة حمله على كل منها ومثله الحسن والنفل والمرغب فيه، وليس المراد أنه صادق على الأقسام الثلاثة وغيرها حتى لا يوافقها إذ الأعم بهذا المعنى لا يوافق الأخص أي يرادفه، والمقصود أنه مرادف لكل من الثلاثة. قوله: (والمستحب المحبوب) أي وما فعل مرة أو مرتين محبوب للنفس لعدم تكرره وكثرته إذ لو كثر لربما حصل لها منه الملل والسآمة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 72
قوله:
(والتطوع الزيادة)
أي على ما فعله الشارع. قوله: (والأكثر نعم) أي وقال الأكثر نعم. وقوله ويصدق الخ في معنى العلة للتسمية المستفادة مما تضمنه قوله نعم. قوله: (ومحبوب للشارع بطلبه) أي مطلوب له طلباً نفسياً بسبب طلبه اللفظي، فليس المحبوب ههنا بالمعنى المتقدم كما هو بين، وأيضاً فالمحبة هنا وصف للشارع وفيما تقدم وصف المكلف قوله: (ولا يجب المندوب بالشروع) الباء للسببية أي بسبب الشروع فيه أي لا يكون الشروع فيه سبباً لوجوب إتمامه. وفيه بعد هذا أن يقال: إن كان محل الخلاف مطلق المندوب كما هو الظاهر أو الصريح من المتن، فلم اقتصر الشارح في المعارضة على ذكر الصوم والصلاة وهلا جعل المقيس ما عدا الصوم لا الصلاة فقط، وإن كان محل الخلاف الصوم والصلاة فقط فلم قال الشارح فيما يأتي ففارق الحج والعمرة غيرهما من باقي المندوبات. ويجاب باختيار الأول، ولعل اقتصار الشارح في المعارضة على ما ذكر أنه الذي تعرضوا له صريحاً فلم يتصرف عليهم بالتصريح بما لم يصرحوا به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 72
(1/144)
---
قوله:
(أي لا يجب إتمامه)(1/143)
بين به أن المندوب في قوله: لا يجب المندوب مجاز من إطلاق الكل على البعض، والقرينة قوله بالشروع إذ الجزء الذي به الشروع غير واجب لأنه سبب في الواجب والسبب مقدم على المسبب. وفيه أن يقال: أن السبب يتقدم على المسبب بالذات ويقارنه في الزمان كحركة اليد لحركة الخاتم، وقد يقال ليس في العبارة ما يعين كون السبب نفس الجزء بل يحتمل كونه جعل الجزء وثبوته بمعنى كونه حاصلاً ثابتاً، ولا خفاء في مقارنة هذا الكون للباقي قاله سم. وقد يجاب أيضاً بأن الجزء سبب لوجوب المندوب جميعه لا لإتمامه فقط، والسبب يجوز أن يقارن. بعض المسبب في الزمن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 73
قوله:
(لأن المندوب الخ)
(1/145)
---
أشار بذلك إلى قياس من الأول صغراه قوله: وترك إتمامه المبطل لما فعل منه ترك له. وكبراه قوله: لأن المندوب يجوز تركه فقد قدم في عبارته كبرى القياس على صغراه. ونظمه حينئذ هكذا ترك إتمام المندوب المبطل لما فعل منه ترك له وتركه جائز فينتج ترك إتمام المندوب المبطل لما فعل منه جائز، ونوقش بأنه لا يخلو إما أن يراد بالترك الذي هو موضوع الكبرى عدم الإقدام على فعل المندوب ابتداء، أو ما هو أعم من عدم الإقدام، ومن الإعراض بعد الشروع عن الإتمام، فإن أريد الأول لم يتحد الوسط إذ الترك الذي هو محمول الصغرى بمعنى الإعراض عن الإتمام بعد الشروع، والترك الذي هو موضوع الكبرى بمعنى عدم الإقدام على فعل المندوب ابتداء واتحاد الوسط شرط الإنتاج وإن أريد الثاني فلا يسلم جواز الترك بمعنى عدم الإتمام بعد الشروع، لأن للعبادة بعد التلبس بها من الحرمة ما ليس لها قبله، وحينئذ فيحتاج إلى إثبات كلية الكبرى بإثبات حكمها للنوع الثاني وهو الترك بمعنى الإعراض عن الإتمام بعد الشروع الذي هو محل النزاع، فيثبت ذلك بالحديث المذكور وهو قوله : «الصائم» الخ فيتم القياس حينئذ. وسيأتي الكلام على الحديث المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 73
قوله:(1/144)
(حتى يجب الخ)
هو برفع يجب لأن حتى بمعنى الفاء التفريعية. وقوله منه ضميره يعود للمندوب وهو حال من الصلاة والصوم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 73
قوله:
(بحديث الصائم الخ)
(1/146)
---
قال العلامة للخصم أن يحمل الصائم على مريد الصوم والفائدة في النص على ذلك حينئذ أن النية بمجردها لا يلزم بها شيء. لا يقال: فيكون الصائم مجاز. لأنا نقول: هو أيضاً مجازاً قبل إتمامه إذ حقيقة الصوم الإمساك من طلوع الفجر إلى الغروب، ويترجح المجاز الأول ببقاء صام في قوله: إن شاء صام على حقيقته على الأول دون الثاني اهـ. وحاصل ما أشار إليه أن في الحديث مجازين على كل من قولي الخصمين. فعلى قول من يحمل الصائم على مريد الصوم يكون في الصائم مجاز. وفي أفطر مجاز أيضاً لأن معناه استمر على إفطاره. وعلى قول من يحمل الصائم على المتلبس بالصوم يكون مجاز في صام لأن معناه استمر على صومه، ومجاز في الصائم أيضاً لأن الصائم حقيقة هو الممسك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، لأن حقيقة الصوم شرعاً الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإطلاق الصائم على المتلبس بالإمساك بعض المدة المذكورة مجاز من إطلاق البعض على الكل، ويترجح الحمل الأول ببقاء صام على حقيقته بخلافه على الحمل الثاني، ونازعه سم قائلاً: إن اللازم على حمل الصائم على الملتبس بالصوم مجاز واحد وهو في صام فقط بخلاف حمله على مريد الصوم، فاللازم مجازان قطعاً مجاز في الصائم ومجاز في أفطر، ولا شك أن تقليل المجاز أقرب إلى الأصل وتكثيره أبعد عن الأصل، ودعوى أن الصائم مجاز فيما قبل الإتمام ممنوعة قطعاً بل إطلاق اسم الفاعل على المتلبس بالحدث قبل تمامه حقيقة كما ينص عليه كلامهم الآتي في محله. وقد قال الفقهاء: لو حلف لا يصلي حنث بالشروع الصحيح، ولو أفسد الصلاة لصدق اسم الصلاة عليه، ويلزم على ما قاله إن اسم الفاعل لا يكون حقيقة إلا بعد التمام ولا يقوله أحد بل هو مجاز حينئذ اهـ كلامه.(1/145)
قلت: حيث تقرر أن الصوم حقيقته الشرعية الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس كيف تصح دعوى أن استعمال الصائم فيما قبل التمام حقيقة مع أنه إنما تلبس ببعض الحقيقة لا بكلها، وأما ما
(1/147)
---
أسنده بقوله كما ينص عليه كلامهم فمحمول على حدث يساوي بعضه كله في الإطلاق والتسمية كالضرب مثلاً أو كالصوم حيث يراد منه معناه لغة وهو الإمساك مطلقاً لا ما لا يساوي بعضه كله في ذلك كالصوم حيث يراد منه معناه شرعاً كما هنا، فإن المتكلم به صاحب الشرع، فهو محمول على المعنى الشرعي كما هو بين، ويؤيد هذا تعليل حنث من حلف لا يصلي بالشروع بصدق اسم الصلاة على البعض الذي حصل به الشروع، ويلزم على ما قاله صحة إطلاق القائم حقيقة على نحو الراكع مثلاً وهو فاسد. وأما قوله: ويلزم على ما قاله إن اسم الفاعل لا يكون حقيقة إلا بعد التمام الخ فجوابه أن ذلك غير لازم من كلامه كلياً أصلاً وهو واضح، ولا فيما نحن فيه وهو الصائم بل هو حقيقة في حال التلبس الحاصل عند آخر جزء من النهار إذ به يتحقق التلبس بالحقيقة. على أنه لا مانع من أن نلتزم أن اسم الفاعل الذي هو من قبيل ما نحن فيه لا يكون حقيقة إلا بعد التمام وقوله: ولا يقوله أحد ممنوع بالنسبة لنحو الصائم لحمل قولهم اسم الفاعل حقيقة في الحال على اسم الفاعل من غير هذا القبيل فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 73
قوله:
(ويقاس على الصوم الصلاة)(1/146)
الأولى أن يقول: ويقاس على الصوم غيره ليشمل باقي المندوبات، وأما ما اقتضاه صنيعه من أن المخرج من الأعمال إنما هو الصلاة والصوم فقط فيفيد أن غيرهما من المندوبات متناول للأعمال في الآية حكماً لأن العام المخصوص حجة في الباقي. وقد يجاب بأن الاقتصار على الصوم والصلاة مع عدم اختصاص الحكم بهما لأنهما اللذان تعرض لهما الخصم في كلامه، فلم ير الشارح أن يتصرف عليه بالتصريح بغيرهما وقد تقدم ذلك. قوله: (فلا تتناولهما الأعمال) أي من حيث الحكم وإن تناولتهما من حيث اللفظ لما يأتي من أن العام المخصوص عمومه مراد تناولا لا حكماً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 74
قوله:
(لأن نفله)
(1/148)
---
الضمير عائد للحج المطلق عن كونه فرضاً أو نفلاً لا للحج النفل لئلا يلزم اتحاد المضاف والمضاف إليه، وحينئذ ففي كلامه استخدام حيث أطلق الحج أو لا في قوله: ووجوب إتمام الحج مراداً به المندوب وأعاد عليه الضمير في قوله نفله مراداً به ما هو أعم. ومن المعلوم أن المعنى الأعم مغاير للمعنى الأخص، فقد ذكر الحج بمعنى وأعيد عليه الضمير بمعنى آخر وهو ضابط الاستخدام، فسقط ما قيل إن هذا شبه استخدام لا استخدام لأن معنى الأول بعض معنى الثاني. قوله: (أي التلبس هو) بالجر تفسير للدخول وإشارة إلى أنه مجاز لأن الدخول حقيقة هو العبور في الجسم. قوله: (غيرها في فرضهما) ضمير غيرها للنية. وقوله في فرضهما حال من ضمير غيرها العائد للنية. قوله: (بشرطه) أي وهو كون الصوم في فرض رمضان حاضر، وكون الفطر بتعمد جماع ابتداء فقط عند الشافعية، وبتعمد مطلق المفطر عندنا معاشر المالكية. وقوله: والكفارة في فرض الصوم مبتدأ وخبر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 74
قوله:
(ودون الصلاة مطلقا)(1/147)
أي فرضاً أو نفلاً. قوله: (في وجوب إتمامهما لمشابهتهما لفرضهما فيما تقدم) اعترضه العلامة الناصر بأن التشريك في الحكم بالمشابهة إنما يصح مع الاشتراك في علة الحكم كما هو منصوص عليه في القياس، وما تقدم من النية والكفارة وغيرهما ليس علة لوجوب الإتمام في الفرض ولا من موجبات علته حتى يكون من قياس الدلالة، وهو ما يجمع فيه بلازم العلة أو أثرها أو حكمها إذ علة وجوب الإتمام في الفرض إنما هي كونه فرضاً، وظاهر أن ما تقدم من الكفارة وما معها ليس علة لوجوب الإتمام في الفرض ولا لازماً لعلته وإلا لكان لازماً للصلاة كالحج مع أن الصلاة لا كفارة فيها أصلاً. وأجاب سم بأن القياس الذي أشار له المصنف من قياس الشبه. وحاصله أن نفل الحج فرع تردد بين أصلين: أحدهما فرضه والآخر نفل غيره فألحق بأكثرهما شبهاً وهو فرض الحج.
(1/149)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 75
قوله:
(والسبب الخ)(1/148)
اللام فيه للعهد الذكرى لتقدم ذكره في قوله: وإن ورد سبباً الخ. ثم كان الأولى أن يذكر قوله: وقد عرفت حدودها قبل قوله: وإن ورد سبباً الخ. ويؤخر قوله: وإن ورد سبباً الخ عن المباحث المتقدمة المتعلقة بالفرض والواجب والمندوب، والخلاف فيه الذي ذكره ليكون الكلام مرتبطاً بعضه ببعض والأمر في ذلك سهل. قوله: (أي مؤثر فيه الخ) تفسير للغير. وقوله مؤثر فيه بذاته هو قول المعتزلة. وقوله: أو بإذن الله هو قول الغزالي رحمه الله تعالى. وقوله: أو باعث عليه هو قول الآمدي فالأقوال أربعة. الأول: المعرف للشيء أي الذي جعل علامة يعرف بها الشيء وهو قول جمهور أهل السنة وإليه أشار المصنف بقوله: من حيث إنه معرف للحكم. والثاني: المؤثر في الشيء بذاته. والثالث: المؤثر فيه بإذن الله تعالى. والرابع: الباعث عليه. وأشار المصنف إلى هذه الأقوال الثلاثة بقوله أو غيره أي غير معرف فدخل فيه الأقوال الثلاثة. قوله: (الأقوال الآتية) خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ والخبر محذوف أي هذه الأقوال الآتية أو الأقوال الآتية هذه أو بدل أو عطف بيان على ما قبله من قوله إنه معرف الخ. وقول شيخنا أو الأقوال مبتدأ والخبر قوله تعرض لها الخ بعيد. قوله: (معزوّاً أولها) حال من الأقوال أو من ضميرها في الآتية. قوله: (تعرض لها الخ) جواب سؤال تقديره ظاهر. قوله: (تنبيهاً الخ) اعترضه العلامة الناصر بقوله: لا يخفى أن المعبر عنه بالعلة من المعرف أو غيره قد أخذ عارضاً للمعبر عنه بالسبب حيث قيل ما يضاف الحكم إليه للتعلق من حيث إنه معرف فكيف يتحد المعبر عنه بهما؟ اهـ. وحاصله أن العلة هي نفس المعرف أو المؤثر الخ والمصنف قد جعل المعرف أو المؤثر وصفاً للسبب لا أنه عين السبب، فلا يصح قول الشارح تنبيهاً على أن المعبر عنه هنا بالسبب هو المعبر عنه في القياس بالعلة. وأجاب سم بأن المعبر عنه هنا
(1/150)
---(1/149)
بالسبب هو ذات العلة بعينها، والمأخوذ عارضاً للمعبر عنه بالسبب هنا هو مفهوم تلك الذات. وحاصله أن الذي يصدق عليه السبب هو الذي يصدق عليه العلة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 75
قوله:
(لوجوب الجلد)
لو عبر بالحد كان أولى لشموله الجلد وغيره، وذكر المثال الأول والثاني للإشارة إلى أن السبب يكون فعلاً وغير فعل، وذكر الثالث مثالاً لسبب التحريم لأن الأولين مثالان لسبب الوجوب. قوله: (وإضافة الأحكام إليها كما يقال) مبتدأ وخبر والكاف بمعنى مثل ونبه بذلك، على أن المراد بالإضافة في قول المصنف ما يضاف الحكم إليه الإضافة اللغوية وهي التعلق والارتباط المفاد بلام التعليل أو ببائه أو ما يقوم مقامهما، فالمعنى في قوله السبب ما يضاف الحكم إليه ما يتعلق به الحكم ويستند إليه. قوله: (الذي هو الحق). إن قيل: أيّ حاجة إلى هذا مع قوله سابقاً معزوّاً أولها لأهل الحق؟ أجيب بأنه لا يلزم من عزوه لأهل الحق كونه هو الحق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 76
قوله:
(مبين لخاصته)
اعترضه العلامة بأن المبين عند القوم هو الماهية، والمبين به قد يكون ذاتياً للماهية وقد يكون عرضياً لها وخاصة من خواصها، فكان الأولى أن يكون مبين للماهية بخاصتها. وأجاب سم بأن المراد بالخاصة في كلام الشارح الماهية العرضية. وإيضاحه أن الماهية قسمان: ذاتية وعرضية والأولى هي التي يؤتى في تعريفها بالحد. والثانية هي التي يؤتى في تعريفها بالرسم. فقول الشارح مبين لخاصته معناه مبين لماهية السبب العرضية لأن ما ذكره المصنف في تعريف السبب رسم لا حد. وقول شيخنا يمكن تصحيح عبارة الشارح بضبط قوله مبين بصيغة اسم المفعول وجعل اللام في لخاصته بمعنى الباء فيه أن ما في قوله وما ذكره المصنف واقعة على التعريف وهو مبين بصيغة اسم الفاعل لا اسم المفعول.
(1/151)
---(1/150)
قوله: (الظاهر) احترز به عن الخفي كالعلوق بالنسبة للعدة فلا يكون سبباً لها لخفائه بل السبب الطلاق لظهوره. وقوله المنضبط أي الموجود في جميع المواد كسفر أربعة برد فإنه سبب للقصر دون المشقة لتخلفها في بعض الصور دون السفر المذكور لعدم تخلفه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 76
قوله:
(المعرف للحكم)
اعترضه العلامة بقوله سيأتي أن العلة قد تكون حكماً شرعياً ومعلولها أمر حقيقي كحل الشعر بالنكاح وحرمته بالطلاق علة لحياته كاليد، والعلة هي السبب كما قال الشارح، فيرد ذلك على تعريفي الآدمي والمصنف اهـ. وحاصله أن قيد المعرف للحكم يوجب عدم انعكاس التعريف إذ المعرف للأمر الحقيقي من جملة السبب، والعلة ولا يصدق عليه المعرف للحكم إذ ليس ذلك الأمر الحقيقي من الحكم الشرعي. ويجاب بمنع أن المراد بالحكم الحكم الشرعي المعرف بالخطاب المتقدم، بل المراد به النسبة التامة التي هي ثبوت أمر لأمر أو نفيه عنه فيعم الحكم الشرعي وغيره، والأمر الحقيقي فيما تقدم المعلل هو ثبوته لا نفسه كما هو ظاهر ضرورة أن حل الشعر بالنكاح وحرمته بالطلاق إنما هو علة لثبوت الحياة له لا لذات الحياة إذ لا معنى لذلك، قال في المحصول: فرع إذا جوزنا تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي فهل يجوز تعليل الحكم الحقيقي بالحكم الشرعي؟ ومثاله أن يعلل إثبات الحياة في الشعر بأنه يحل بالنكاح ويحرم بالطلاق فيكون حياً كاليد والحق أنه جائر اهـ. فقد جعل المعلل هو الحكم الحقيقي وفسره بالنسبة قاله سم. قوله: (ولم يقيد الوصف بالوجودي كما في المانع) قد يطلب الفرق بينهما من حيث المعنى حيث اعتبر ذلك القيد في المانع دون السبب اهـ. سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 76
قوله:
(أخره إلى هناك الخ)
(1/152)
---(1/151)
قال العلامة: استعمل لفظة هنا أولاً مجرور. المحل وثانياً مرفوع المحل بدلاً من محل اسم لا معها فإن محلهما رفع بالابتداء، ولا يصح أن يكون بدلاً من اسم لا وحده لأنه معرفة ولا لا تعمل في المعارف، وقوله الآتي الناسب هنا في معنى المناسب هذا الموضع فهو مفعول به فقد أخرج هنا عن الظرفية فجعلها من الظروف المتصرفة وفي كونها من الظروف المتصرفة نظر ووقفة. وأجاب سم بأنهم قد صرحوا بأن هنا من الظروف التي لا تتصرف وبأنها تجر بمن وإلى، وحينئذ فلا إشكال في جر الأولى بإلى، وأما الثانية فيصح جعلها استثناء مفرغاً من ظرف محذوف متعلق بذكرها، والمعنى لا محل لذكرها في محل من المحلات إلا هناك أي في ذلك المحل فهي باقية على ظرفيتها. وأما الثالثة فهي ظرف لمحذوف أي المناسب ذكره هنا، ثم لما حذف المضاف أي ذكر انفصل الضمير واستتر في المناسب فلم تخرج عن الظرفية أيضاً اهـ. ولا يخفى ما فيه من التكلف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 77
قوله:
(من أقسامه)
حال من قوله اللغوي أو صفة له. وقوله أي الجائين نبه بذلك على أنه إنما كان مخصصاً لكونه في معنى الصفة. وقوله لأن اللغوي من أقسامه ضمير أقسامه يعود للشرط لا يقال: الشرط في كلام المصنف مراد به الشرعي لأنه إنما يتكلم على ما وقع في قوله: وإن ورد سبباً وشرطاً الخ فلا يصح جعل اللغوي منه. لأنا نقول: الحصر المذكور ممنوع إذ لا دليل عليه ووقوع الشرط على وجه خاص في قوله: وإن ورد سبباً وشرطاً الخ لا يقتضي الاقتصار في الحوالة على ما وقع فيه ولا يمنع الحوالة على وجه أعم فإنه يتضمن ما تكلم عليه وزيادة الفائدة. قوله: (ومسائله الآتية) بالنصب عطفاً على اسم إن وبالرفع مبتدأ والخبر على الاحتمالين قوله لا محل الخ. قال بعضهم: ضمير مسائله يعود على الشرط لا بقيد اللغوي لأن اللغوي لا يكون إلا متصلاً وفيه نظر بل اللغوي ينقسم إلى المتصل وغيره، نعم المعتبر هو المتصل منه.
(1/153)
---(1/152)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 77
قوله:
(ثم الشرعي المناسب هنا كالطهارة)
الشرعي مبتدأ. وقوله المناسب نعت له وقوله كالطهارة خبره والكاف بمعنى مثل، ويصح أن يكون الشرعي مبتدأ والمناسب خبره، وقوله كالطهارة خبر ثان أو خبر مبتدإ محذوف أي وذلك كالطهارة، ووجه كونه مناسباً هنا أنه يتكلم على أقسام متعلق خطاب الوضع المار في قوله: وإن ورد الخ. والذي من متعلقه هو الشرعي لا غير. قوله: (كالطهارة للصلاة) أي لجوازها إذ الطهارة لا تتوقف عليها ذات الصلاة، وهذا مبني على أن الحقائق الشرعية تطلق على الفاسد كالصحيح. وأما إن قلنا أن الحقائق الشرعية لا تطلق إلا على الصحيح فلا يحتاج إلى تقدير المضاف. قوله: (المراد عند الإطلاق) أي فلا يرد أن منه مانع السبب والعلة، والتعريف لا يشمله فيكون فاسداً. قوله: (المعرف نقيض الحكم) اعترضه العلامة الناصر بقوله: نقيض الحكم رفعه لكن أريد به ههنا حكم معين مضاد لحكم السبب لوصف المانع إشعار به وهو حرمة القصاص المراد من نفي وجوبه لإشعار الأبوة بها فيصدق حينئذ على المانع حد السبب قطعاً، أي ولا ينافي ذلك الصدق اعتبار وجودية الوصف في المانع دون السبب لأن السبب أعم فيصدق بالوجودي فيختل الحد بذلك إلا أن يلتزم أن المانع سبب لحكم ومانع لحكم اهـ. وحاصله أن يقال: أن الأبوة من حيث نفت وجوب القصاص مانع ومن حيث أثبتت حرمته سبب. قوله: (فلا يكون الابن سبباً في عدمه) أورد عليه العلامة ما لم تزل الفضلاء تلهج به فقال: قد يعترض هذا بأن السبب في عدمه هو القتل الذي هو فعله لا الابن فلا ينهض ذلك حكمة اهـ. وأجاب سم بأن المراد هنا السبب البعيد فإن الولد سبب بعيد في القتل إذ لولاه لم يتصور قتله إياه فله مدخل في القتل لتوقفه عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 77
قوله:
(وإطلاق الوجودي الخ)
(1/154)
---(1/153)
يطلق العدمي بمعنى المعدوم ويقابله الموجود، ويطلق بمعنى العدم المطلق ويقابله الوجود المطلق، ويطلق على العدم المضاف إلى الوجودي كقولهم: العمى عدم البصر ويقابله الوجود المضاف، ويطلق على ما يدخل العدم في مفهومه ككون الشيء بحيث لا يقبل الشركة، فإطلاق الوجودي على الأبوة بالمعنى الثالث وهو المراد بقوله نظراً إلى أنها ليست عدم شيء، ويصح إطلاق الوجودي عليها بالمعنى الرابع وهو ما لم يدخل العدم في مفهومه كما هو ظاهر، ويكون في عبارة الشارح حذف والتقدير نظراً إلى أنها ليست عدم شيء ولا داخل العدم في مفهومها، ونفي الوجود عنها المشار إليه بقوله: وإن قال المتكلمون الخ بالمعنى الأول فلم يتوارد الإثبات والنفي على معنى واحد. قوله: (أمر إضافي) أي لأنها نسبة يتوقف تعقلها على نسبة أخرى وذلك معنى الإضافي سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 78
قوله:
(والصحة الخ)
(1/155)
---(1/154)
أورد عليه أن جعله فيما تقدم الصحيح ومقابله من أقسام متعلق خطاب الوضع يفيد أن معرفة الصحة توقيفية لأن معناه حينئذ وإن ورد الخطاب بكون شيء موافقاً إذ الصحة هي الموافقة وهو خلاف ما لـ ابن الحاجب و العضد من أن معرفة الموافقة المذكورة عقلية لا نقلية إلا أن يراد بورود الخطاب بالموافقة وروده بها بالقوّة لأن وروده بالمعتبرات في الصحة في قوّة وروده بأن جامعها موافق فليتأمل. قوله: (وقوعاً) تمييز محول عن فاعل المصدر، والأصل موافقة وقوع الفعل ذي الوجهين الشرع. قوله: (أي الفعل الذي الخ) مبتدأ خبره جملة المبتدأ وخبره من قوله الصحة موافقته الشرع. قوله: (إذ لو وقعت مخالفة) ضمير وقعت يعود على المعرفة لا بمعناها المار لحكمه عليها بأنها لا تقع إلا موافقة، فلا يصح الحكم عليها بمعناها المتقدم بوقوعها مخالفة لما يلزم على ذلك من التناقض في كلامه بل بمعنى مطلق الإدراك ففي عبارة استخدام، وإنما اقتصر على ذكر الموافقة بقوله بخلاف ما لا يقع إلا موافقاً ولم يزد قوله، وبخلاف ما لا يقع إلا مخالفاً لظهور أنه لا يكون صحيحاً وكلامه هنا إنما هو في الصحة وسيأتي الكلام على البطلان. قوله: (أخذاً مما ذكر) أي مأخوذاً وهي حال مقدمة على صاحبها وليس مفعولاً من أجله قاله الناصر . قال سم: أي لفقد شرط المفعول من أجله كما يعرف بالتأمل اهـ. قلت: لعله لاختلال شرط الاتحاد في الفاعل إذ فاعل الموافقة الفعل وفاعل الأخذ الشخص المعرف للموافقة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 78
قوله:
(وإن لم تسقط القضاء)
(1/156)
---(1/155)
أورد أن قوله: فيما تقدم لاستجماعه ما يعتبر فيه شرعاً يفيد أن الصحة تستلزم إسقاط القضاء لأن القضاء إنما يكون مع عدم استجماع الفعل ما يعتبر فيه شرعاً كما هو بين. فقوله: وإن لم تسقط القضاء مناف لقوله: لاستجماعه الخ. والجواب أن المراد بالاستجماع المذكور أعم من الاستجماع بحسب نفس الأمر، ومن الاستجماع بحسب ظن الشخص كصلاة من ظن أنه متطهر ثم تبين له حدثه فإنه مخاطب بالقضاء مع أنها صحيحة لاستجماعها ما يعتبر فيها شرعاً بحسب ظن الشخص المذكور كما سيقول الشارح، وبما قررناه يندفع إيراد العلامة بقوله: تفسير الموافقة باستجماع الفعل ما يعتبر فيه شرعاً يقتضي انتفاءها عن صلاة من ظن أنه متطهر ثم تبين له حدثه فتنتفي صحتها على هذا القول وسيأتي أنها صحيحة عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 79
قوله:
(أي إغناؤها)
(1/157)
---(1/156)
دفع به ما يتوهم من المتن من ثبوت القضاء ثم سقوطه، وبين به أن المراد أن يكون على وجه يمنع ثبوته، ولما كان المراد بالقضاء هنا فعل العبادة ثانياً في الوقت لا القضاء بالمعنى الآتي في قوله: والقضاء الخ احتاج إلى قوله: بمعنى أن لا يحتاج الخ، فسقوط القضاء عبارة عن عدم الاحتياج إلى فعل العبادة ثانياً في وقتها. فإن قيل: هلا قال بدل قوله: أي إغناؤها الخ أي أن لا يحتاج الخ مع كونه أخصر ولم احتاج إلى قوله: أي إغناؤها ثم تفسيره بقوله: بمعنى الخ. أجيب بأن الإغناء أقرب إلى مدلول الإسقاط من عدم الاحتياج إلى الفعل ثانياً في الوقت فلذا فسر به أولاً ثم أردفه بما يزيل إبهامه فتأمل. وقوله: بمعنى أن لا يحتاج بالياء المثناة من تحت وضميره يعود للمكلف المعلوم من المقام. واعترضه العلامة بأن المناسب بقوله: إغناؤها أن يقول: بأن لا تحوج أي العبادة لأن الاحتياج وصف للمكلف والإحواج وصف للعبادة، والمناسب هنا الثاني ليكون الكلام على نسق واحد، فكما أن الإغناء وصف للعبادة يكون الإحواج وصفاً لها أيضاً. وأجاب سم بأن غاية ما يلزم على ما سلكه الشارح تفسير الشيء بلازمه إذ لا حواج يستلزم الاحتياج، وتفسير الشيء بلازمه سائغ شائع، وهذا كله إذا كان يحتاج في عبارة الشارح بالمثناة التحتية المفتوحة، وأما لو قرىء بالفوقية المفتوحة أي بأن لا تحتاج العبادة في إخراجها عن عهدة التكليف بها إلى ما ذكر فلا يرد ما تقدم لصحة وصف العبادة بالاحتياج حينئذ. لا يقال: إسناد الاحتياج إليها مجاز. لأنا نقول: وإسناد الاحواج إليها مجاز أيضاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 79
قوله:
(التي هي أخذاً مما تقدم موافقته الشرع)
(1/158)
---(1/157)
أو رد عليه العلامة فقال هذا التعريف يرد على عكسه الطلاق في الحيض فإنه صحيح غير موافق للشرع. فإن قيل: الطلاق حل لا عقد. قلت: فيرد حينئذ على التعريف المتقدم لمطلق الصحة. وأجاب سم بأن المراد بموافقة الشرع استجماع الفعل ما يعتبر فيه شرعاً. وحاصله استجماع أركانه وشروطه والطلاق المذكور قد استجمع ما يعتبر فيه شرعاً من كونه صادراً من زوج مكلف إلى آخر ما يعتبر فيه مما فصله الفقهاء، وأما خلوه عن الحيض فلم يعتبر فيه لا ركناً ولا شرطاً، وإن كان واجباً في نفسه، وفرق بين ما يعتبر في الشيء بأن يكون ركناً له أو شرطاً فيه، وما يجب معه من غير اعتباره فيه كذلك. والحاصل أن هنا أمرين: حل الطلاق والاعتداد به والخلو عن الحيض معتبر في حله لا في الاعتداد به، كما أن الصلاة لا يعتبر في الاعتداد بها اجتناب غصب سترتها أو مكانها وإن اعتبر ذلك في حلها اهـ. وحاصله أن المراد بالموافقة موافقة خاصة وهي استجماع الشيء ما يعتبر فيه ركناً أو شرطاً لا مطلق الموافقة وهي استجماع الشيء ما يعتبر فيه على وجه الركنية أو الشرطية أو غيرهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 80
قوله:
(فالصحة منشأ الترتب)
(1/159)
---(1/158)
أورد عليه العلامة أن في كلام المصنف تناقضاً لأنه جعل الأثر مسبباً عن الصحة كما هو قضية الباء في قوله: وبصحة العقد وجعله مسبباً عن العقد كما هو قضية إضافته إليه إذ لا معنى لأثر الشيء إلا ما يترتب عليه ويتسبب عنه. ثم أجاب بأن الصحة هي السبب والمؤثر حقية. ولما كانت صفة للعقد وصفة الشيء تعد معه كالشيء الواحد أضيف الأثر للعقد مجازاً شائعاً اهـ. أي مجازاً عقلياً حيث أضيف ما حقه أن يضاف للحال للمحل. قال سم: ويمكن أن يجاب أيضاً بمنع ما بنى عليه هذا الإيراد من أن إضافة الأثر إلى العقد تقتضي أنه مسبب عنه، بل قد يكون معنى الإضافة مجرد تبعية ذلك الأثر للعقد في الحصول وإن كان السبب شيئاً آخر، إذ لا يمتنع أن يكون الشيء سبباً في تبعية أحد شيئين للآخر، فمعنى كون حل الانتفاع أثراً للعقد أنه يتبعه في الحصول، وإن كان سبب التبعية هو الصحة، ويمكن أن يجاب أيضاً بأن السبب التام مجموع العقد وصحته أو العقد بشرط الصحة، فكل منهما سبب ناقص أو أحدهما شرط في سببية الآخر، وحينئذ فلا يتوهم التناقض في التعبير لأن إضافة الأثر باعتبار أنه سبب في الجملة، ودخول الباء على الصحة لسببيتها أيضاً في الجملة أو لاشتراطها في سببية العقد، وشرط السبب سبب في الجملة اهـ. قلت: ما قاله مع كونه تعسفاً لا يفهم من اللفظ وينبو عنه ظاهر كلام الشارح أو صريحه فيما بعد بقوله: فالصحة إلى آخر ما ذكره، فالجواب السديد ما أجاب به العلامة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 80
قوله:
(بمعنى أنه حيثما وجد الخ)
(1/160)
---(1/159)
اعترضه العلامة حيث قال: لا ريب في أن كلاً من الصحة والترتب من الأمور الاعتبارية التي لا وجود لها في الخارج. فالوجود المستند إليها في كلام الشارح إن كان الخارجي لم يصح، وإن كان الذهني فالمتكلمون لا يثبتونه وإن أثبته الحكماء اهـ. وأجاب سم بأن من المقرر المشهور أن الأمر الاعتباري له معنيان: أحدهما ماله تحقق في نفسه مع قطع النظر عن اعتبار معتبر إلا أنه ليس من جملة الأعيان، والآخر ما يكون تحققه باعتبار المعتبر. ولو قطع النظر عن الاعتبار المذكور لم يكن له تحقق. وإن الخارج أيضاً له معنيان: أحدهما ما يرادف الأعيان والآخر خارج النسبة الذهنية بمعنى كون الشيء محققاً في نفسه وهو معنى الواقع ونفس الأمر وهو أعم من الأول، فمعنى كون الشيء موجوداً في الخارج على الأول أنه من جملة الأعيان المحسوسة، ومعنى كونه موجوداً في الخارج على الثاني أنه متحقق في حد نفسه وإن لم يكن من جملة الأعيان، إذا علمت ذلك فنقول: إن كلاً من الصحة والترتب موجودان في الخارج بالمعنى الثاني للخارج لأنهما متحققان في حد أنفسهما، وإن لم يكونا من جملة الأعيان وهما اعتباريان بالمعنى الأول للاعتباري الذي ذكرناه، فإن أراد الشيخ بالاعتبارية في قوله: إنهما من الأمور الاعتبارية المعنى الثاني للاعتباري فغير مسلم قطعاً لما تبين، وإن أراد الأول فالترديد المشار إليه بقوله: إن كان الخ نختار منه الشق الأول. وقوله: لم يصح إن أراد الخارجي بمعناه الأول فمسلم عدم الصحة لكن الشارح لم يرد هذا المعنى فلا وجه للاعتراض، وإن أراد الخارجي بمعناه الثاني، فقوله: لم يصح غير صحيح لما مر اهـ. وما ذكره في معنى نفس الأمر والواقع هو الراجح كما ذكره السيد ، فمعنى كون الشيء موجوداً في نفس الأمر إنه موجود ومتحقق في نفسه، فالأمر في قولهم نفس الأمر بدل عن الضمير أي نفسه. وقيل: المراد بنفس الأمر علم الله تعالى وقيل: اللوح المحفوظ.
(1/161)
---(1/160)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 81
قوله:
(كما لا يقدح الخ)
. اعترضه العلامة بقوله: قد يفرق بينه وبين صحة العقد بأنه مستمر الوجود حال وجود الشرط وهي حالة وجود المانع منعدمة لانعدام موصوفها وهو العقد فكيف يكون السبب المعرف للحكم بجهة وجوده معرفاً وهو معدوم اهـ؟ وأجاب سم بأنه يكفي في كون السبب معرفاً بجهة وجوده في أحد الأزمنة وقد وجد فيما مضى هنا وعرف بذلك الوجود الماضي. فقوله: بجهة وجوده قلنا: ولو في الجملة. وقوله: معرفاً وهو معدوم. قلنا: ممنوع بل إنما عرف باعتبار وجوده السابق بل نقول: إنما عرف السبب هنا بجهة وجوده حال وجوده. وتحقيقه إن العقد الصحيح حال وجوده قد دل على أن أثره يقع بعده متصلاً حيث لا خيار ومنفصلاً عنه بالخيار عند وجود الخيار لأن الشارع جعله أمارة على وقوع أثره بعده، كما أنه جعل الخيار علامة على تأخر الأثر ما دام الخيار فلم يعرف السبب هنا إلا بجهة وجوده حال وجوده لا حال عدمه فتأمله فإنه حسن دقيق اهـ. قلت: ما ذكره من الجوابين غير مجد عليه شيئاً إذ السبب يعتبر فيه مقارنته لمسببه زماناً وما هنا ليس كذلك قطعاً وهو محط قول العلامة فكيف يكون السبب المعرف للحكم بجهة وجوده معرفاً وهو معدوم أي فجعل الصحة سبباً غير صحيح لأن جعلها سبباً هنا إنما يكون بتعريفها الحكم بجهة وجودها حال الحكم وليس الأمر هنا كذلك كما هو بين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 81
قوله:
(ليتأتى له الاختصار فيما يليهما)
(1/162)
---(1/161)
. اعترضه العلامة بأنه لزم على ذلك العطف على معمولي عاملين مختلفين والجمهور على منعه اهـ. وأجاب سم بأنا لا نسلم لزوم العطف المذكور لأن لنا أن نجعل هذا العطف من قبيل عطف الجمل بأن نقدر الخبر وهو الجار والمجرور بعد العاطف لتتم الجملة المعطوفة والتقدير وبصحة العبادة أجزاؤها والخبر يجوز حذفه لدليل، وهو هنا ذكر نظيره في الجملة الأولى أعني قوله: وبصحة العقد الخ. ويؤيد ذلك أن الجمهور قدروا ذلك في صور الامتناع لتخرج عن الامتناع، فالتقدير في قولهم: في الدار زيد والحجرة عمرو وفي الحجرة عمرو وحذف الجار وإبقاء مجروره سائغ إذا دل على الحذف دليل، وإذا جاز حذف الجار مع الدليل جاز قياساً حذف الجار والمجرور لذلك، بل إن حمل الجار في كلامهم على الجنس الشامل للواحد والأكثر شمل ما نحن فيه وكان من أفراد ما ذكروه لاشتماله على جارين، أحدهما الباء الجارة للصحة والثاني صحة الجارة للعبادة اهـ. وقال الكمال : قوله: ليتأتى له الاختصار أي لا لإفادة الحصر كما ظنه في منع الموانع لأنه مستفاد من تقديم المبتدإ اهـ. ووجه الاستفادة المذكورة عمومه وخصوص الخبر فإن ذلك مفيد للحصر كما في الأئمة من قريش والكرم في العرب، وفيه أن يقال: إن استفادته من عموم المبتدإ لا تنافي استفادته من جهة أخرى فيجوز أن يقصد المصنف بتقديم الخبر أن يصير الحصر مستفاداً من جهتين اهتماماً بذلك الحكم. لا يقال: قوله: التقديم لإفادة الحصر يقتضي توقف الحصر عليه. لأنا نقول ذلك ممنوع لجواز أن يريد أن التقديم لإفادة الحصر من تلك الجهة أيضاً قاله سم. قلت: تعليل تقديم الخبر بما ذكره الشارح أولى من تعليله بإفادة الحصر المفاد مع تأخير الخبر الذي هو الأصل لأن التأسيس خير من التأكيد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 82
قوله:
(ليتقدم مرجع الضمير)
(1/163)
---(1/162)
قال العلامة: هذا التقديم للمرجع غير لازم لأنه مع التأخير متقدم رتبة وهو كاف في الجواز اهـ. وتعقبه سم بأن هناك مسألتين: إحداهما: أن يلتبس الخبر المتقدم بضمير المبتدإ المتأخر نحو في داره زيد وهذا جائز قال ابن مالك: إجماعاً وإن نازعه أبو حيان في دعوى الإجماع والثانية: أن يلتبس الخبر المتقدم بضمير ما أضيف إليه المبتدأ المتأخر نحو في داره جلوس زيد، وفي دارها غلام هند، وفي جواز هذا خلاف. وقضية كلام ابن مالك أن الجمهور على المنع فإنه اقتصر على نقل الجواز عن الأخفش حيث قال في تسهيله: ويجوز في داره زيد إجماعاً ولكن في داره قيام زيد وفي دارها عبد هند عند الأخفش اهـ. لكن نوقش بأن المنقول عن البصريين هو الجواز كالأخفش بخلاف الكوفيين فإنهم على المنع، ولا يخفى أن ما نحن فيه من المسألة الثانية ولا شك أن تقديم مرجع الضمير فيما نحن فيه. فيه احتراز عن الوقوع فيما منعه الكوفيون أو الجميع إلا الأخفش على ما لابن مالك، والظاهر أن الشيخ اشتبهت عليه المسألة الثانية بالأولى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 82
قوله:
(أي بالعبادة لا يتجاوزها إلى العقد)
قال العلامة: إشارة إلى أن القصر إضافي لا حقيقي اهـ. وأراد بالمطلوب المطلوب أصالة فلا يرد أن العقد قد يطلب وجوباً أو ندباً فيكون عبادة. وقوله: والمعنى الخ إشارة إلى أن القصر قصر الصفة على الموصوف. وقوله: وتتصف به العبادة. اعترضه العلامة فقال هذا أخص من مدعى المصنف لأن مراده اختصاص لفظ الأجزاء بالعبادة سواء كان بالإثبات فتتصف بمعناه أو بالنفي فلا، ويشهد له قول الشارح قريباً: فاستعمل الأجزاء الخ اهـ. وأجاب سم بأنه لا داعي لحمل الاتصاف في عبارة الشارح على خصوص الاتصاف في الإثبات بل المراد به أعم من الإثبات والنفي كما صرح به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 83
قوله:
(ومنشأ الخلاف الخ)
(1/164)
---(1/163)
معنى كونه منشأ له إن من قال بندب ما وصف فيه بالأجزاء، قال: يوصف به الواجب والمندوب، ومن قال بوجوبه قال لا يوصف به إلا الواجب، وأشار بقوله مثلاً: إلى أن منشأ الخلاف ليس هذا الحديث فقط بل هو وغيره من الأحاديث التي في معناه قاله شيخ الإسلام .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 83
قوله:
(ومن استعماله في الواجب)
أي لأن المراد بالصلاة في الحديث المذكور صلاة الفرض، وقد يقال الصلاة المذكورة نكرة في سياق النفي فتعم الواجبة والمندوبة، فاستعمال الأجزاء فيها على القول الأول لا الثاني فتأمله قاله شيخ الإسلام . وفي جوابه بما حاصله إنا لا نسلم أن استعمال الأجزاء في الواجب في الحديث المذكور إنما هو مبني على كون المراد بالصلاة الفرض بل هو جاز على كون المراد بها ما يعم الفرض والمندوب أيضاً توقف فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 83
قوله:
(ويقابلها البطلان فهو مخالفة الخ)
التقابل على هذا تقابل الضدين بخلافه على القول الثاني المشار إليه بقوله: وقيل في العبادة عدم إسقاط القضاء فهو تقابل العدم والملكة. وأورد على الأول أن الضدين يشترط كونهما وجوديين كما قرر في محله. وأجيب بأن الوجودي يطلق كما مر على الموجود وعلى الوجود المطلق وعلى الوجود المضاف وعلى ما لا يدخل العدم في مفهومه، والمراد ههنا المعنى الثالث والرابع فمعنى كونهما وجوديين أنهما ليسا عدم شيء ولا داخلا العدم في مفهومهما. قوله: (الذي علم أنه مخالفة الخ) فيه أن يقال لا وجه لتخصيص المخالفة إلا كونها الراجح في معنى البطلان، وإلا فالذي علم أنه في العبادة عدم إسقاط القضاء هو الفساد فيها أيضاً. ويمكن توجيه التخصيص أيضاً بأنه إنما اقتصر على المخالفة في معنى البطلان تحريراً لمحل النزاع لأن البطلان بمعنى عدم إسقاط القضاء لا يجري فيه قول أبي حنيفة لأن الفاسد عنده يسقط القضاء كما يأتي قاله العلامة.
(1/165)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 83
قوله:(1/164)
(فكل منهما مخالفة ما ذكر الشرع)
اعترضه العلامة بقوله: سيأتي في بحث النهي تفسير الفساد بعدم الاعتداد بالشيء إذا وقع أي عدم ترتب أحكامه عليه وهو أخص من المخالفة لثبوتها دونه في قولك: لا تفعل كذا فإن فعلته اعتددت به، وإذا ثبت هذا فالصحة المقابلة له بخلافه أي الاعتداد بمعنى ترتب الأحكام اهـ. وأجاب سم بما حاصله: إن دعوى ثبوت المخالفة دونه المفيد كونها أخص منه ممنوعة. وسنده أن المخالفة كما قدمه الشارح عدم استجماع الفعل ما يعتبر فيه شرعاً، وهذا المعنى غير متحقق في المخالفة التي مثل لها بما ذكره لأن قوله: فإن فعلته اعتددت به صريح في أن ترك المنهى عنه غير معتبر في الاعتداد بالفعل وإن طلب معه وجوباً أو ندباً مثلاً قولك: لا تصل في المكان المغصوب فإن صليت فيه اعتددت بصلاتك قد دل قولك فيه: فإن صليت الخ على أن الاحتراز عن إيقاع الصلاة فيه غير معتبر في الاعتداد بالصلاة وإن وجب هذا الاحتراز في الصلاة. والفرق بين المطلوب في الشيء والمطلوب معه مع كون الأول يتوقف عليه الاعتداد دون الثاني واضح، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، وكأن الشيخ سرى إلى ذهنه أن مطلق المخالفة المنهى عنها يتحقق به المخالفة المفسر بها البطلان والفساد وليس كذلك بل المخالفة المفسر بها ما ذكر أخص من مطلق المخالفة فتدبر اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 83
قوله:
(بأن كان منهياً عنه)
(1/166)
---(1/165)
اعترضه العلامة بأن المخالفة هي عدم استجماع الفعل ما يعتبر فيه شرعاً أخذاً مما تقدم وذلك لا يتوقف على وجود نهي، لأن خطاب الوضع بكون الشيء شرطاً أو مانعاً مع العلم بانتفائه أو وجوده كاف في تحقق المخالفة اهـ. وجوابه أن الشارح إنما فسر مخالفة ما ذكر للشرع بكونه منهياً عنه ليصح كونه مقسماً لما كان النهي فيه لأصله وما كان النهي فيه لوصفه لأنه في تقرير مذهب الحنفية وهكذا مذهبهم فسقط الاعتراض بعدم التوقف، على أنه لا يخفى أن الضرورة لاعتبار النهي ثبوته في الواقع بعموم أو خصوص وهو حاصل لتحقق النهي العام عما أخل ببعض معتبراته وإن لم يقع نهي عن خصوص إخلال اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 84
قوله:
(إن كانت لكون النهي الخ)
اعترضه العلامة بأنه جعل علة المخالفة كون النهي عن الفعل لأصله أو لوصفه وقد جعلها قبل ذلك كونه منهياً عنه وذلك تناف. وأجيب بمنع التنافي المذكور إذ حاصل المعنى أن مخالفة ما ذكر للشرع بسبب كونه منهياً عنه تارة تكون لكون ذلك النهي راجعاً لأصله وتارة تكون لكونه راجعاً لوصفه ففيه تعليل المخالفة بالكون منهياً عنه. ثم تفصيل هذا الكون إلى الكون منهياً عنه لأصله والكون منهياً عنه لوصفه وتبيين حكم كل منهما، وإجمال الشيء ثم تفصيله لا يتوهم فيه محذور بوجه أصلاً كما هو واضح اهـ سم. قوله: (كما في الصلاة الخ) أي كالمخالفة التي في الصلاة ملتبسة بدون بعض الشروط والتمثيل للمخالفة لأصله بما اختل منه بعض الشروط فيه نظر. لأن الشرط خارج عن المشروط. ويجاب بأن المراد بالأصل ما يتوقف عليه وجود الشيء ركناً كان أو شرطاً قاله العلامة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 84
قوله:
(وهي ما في البطون من الأجنة)
(1/167)
---(1/166)
فيه أن الأخصر أن يقول وهي الأجنة لاستلزام الجنين كونه في البطن إلا أن يقال تبع في ذلك عبارة القوم. قوله: (أي المبيع) تفسير للركن. قوله: (فهي الفساد) قال العلامة: قد يعارضه نقل المصنف في بحث النهي أن المنهى عنه لوصفه يفيد الصحة إلا أن يراد الفساد هنا للوصف والصحة هناك للموصوف كما يشير إليه تعبيره بالمنهى دون النهي اهـ. وفيه أن هذه المعارضة لا يتوهمها إلا من لم يلاحظ قواعد الحنفية الذين هذا كلامهم وإلا فالفساد عندهم يستلزم الصحة فضلاً عن مجرد أنه لا ينافيها، ولذا قال صدر الشريعة في تنقيحه وإن دل أي الدليل على أن النهي لغيره فذلك الغير إن كان وصفاً له يبطل عنده أي عند الشافعي ويفسد عندنا أي معاشر الحنفية أي يصح بأصله لا بوصفه إذ الصحة تتبع الأركان والشرائط فيحسن لعينه ويقبح لغيره لئلا يترجح العارض على الأصل اهـ. ففسر الفساد بقوله: أي يصح اهـ سم. قوله: (للإعراض) بيان للوصف الراجح له النهي وهو وصف لازم للصوم. قوله: (فيأثم به) أي بالبيع. وقوله: الملك الخبيث أي الضعيف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 84
قوله:
(صح نذره لأن المعصية الخ)
فيه أن يقال: تعليل الصحة بانتفاء المعصية مقتضاه انتفاء الصحة مع المعصية وهو خلاف ما صرح به عنهم بقوله: ولو صامه خرج عن عهدته. قاله العلامة. وقد يقال: المعلل به صحة النذر بمعنى صيغته هو انتفاء المعصية عن صيغته لا عن فعله، ومقتضاه انتفاء الصحة مع المعصية فيه لا في فعله فلا مخالفة فتأمله. قوله: (كما التزمه) أي على الوجه الذي التزمه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 85
قوله:
(فقد اعتد الخ)
(1/168)
---(1/167)
بالبناء للفاعل وضميره يعود على أبي حنيفة. وكذا قوله: أما الباطل فلا يعتد به ضمير يعتد يعود إليه أيضاً إذ لو قرىء بالبناء للمفعول لاقتضى أن عدم الاعتداد بالباطل متفق عليه مع أن بعض الحنفية يعتد بالباطل أيضاً. لا يقال: قول الشارح فقد اعتد بالفاسد متناقض الطرفين إذ من لازم الفساد عدم الاعتداد فلا يصح جمع الشارح بينهما حيث وصف الفاسد بالاعتداد. لأنا نقول: تنافيهما إنما هو مذهب غير الحنفية. وأما مذهب الحنفية فلا تنافي بينهما فيه لما مر من أن الفاسد عندهم صحيح بأصله تترتب عليه فوائد والشارح في مقام بيان مذهبهم فلا تصح دعوى التناقض حينئذ في كلامه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 85
قوله:
(وفات المصنف أن يقول والخلاف لفظي)
فيه أن الشارح فاته أيضاً أن يبين أن الاعتداد بالفاسد دون الباطل لا ينافي كون الخلاف لفظياً كما فعل مثل ذلك في الفرض والواجب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 85
قوله:
(يعني مع فعل البعض الخ)
دفع به فساد التعريف من أوجه ثلاثة: الأول: أن المراد بالبعض المأخوذ في التعريف بعض معين بكونه ركعة. الثاني: كون ذلك في الصلاة لا في الصوم. الثالث: أن ذلك أي فعل البعض إنما هو مع وقوع الباقي في الوقت أو بعده لا قبله والتعريف لم يفد واحداً من الثلاثة كما ترى. ولا يخفى أن المعتبر في صحة التعريف صدق اللفظ دون عناية القرائن فلا فائدة لدفع الشارح بقوله: يعني الخ، ولا لاعتذاره عن المصنف بقوله: كما هو معلوم من محله أي كتب الفقه، لأنه إذا فرض أن المخاطب بالتعريف يعلم أن المراد بالبعض المبهم بعض معين وأنه في الصلاة فقط وأنه مع فعل الباقي في الوقت أيضاً أو خارجه كما مر لم يفده التعريف شيئاً، وللعلامة سم في هذا المقام تعسف في الانتصار للمصنف لا طائل تحته ولا داعي له إلا التعصب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 85
قوله:
(لكن بشرط الخ)
(1/169)
---(1/168)
فيه أن كون المفعول من الصلاة في وقتها ركعة فأكثر معتبر في مفهوم أدائها فجعله شرطاً غير صحيح. قاله العلامة الناصر . وأجاب سم بأن الشارح لم يجعله شرطاً في الأداء بل جعله شرطاً لفعل البعض الآخر بعد الوقت وذلك لا ينافي أنه معتبر في مفهوم الأداء، ولو سلم فالشارح جرى على عرف الفقهاء واستعمالهم فإنهم يطلقون الشرط على ما لا بد منه فيشمل الأركان كما في قولهم: شرط الصوم النية اهـ. قلت: لا يخفى عدم صحة جوابه الأول وبعد الثاني.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 85
قوله:
(إلى مثل ما أضيف إليه المعطوف)
يريد بالمعطوف لفظ كل وفي كونه معطوفاً على بعض نظر لأنه مجرور بمضاف مماثل للمضاف الأول محذوف وقد بقي عمله وهو خبر مبتدأ محذوف، والجملة مقول قيل المعطوف على الجملة الإسمية قبلها والتقدير وقيل: هو فعل كل الخ، فالمعطوف هو جملة قوله: وقيل الخ على جملة قوله: والأداء الخ. وقد يقال: تسميته معطوفاً نظراً للمعنى لأن الكلام في معنى أن يقال: والأداء فعل بعض في القول الراجح وكل في القول المرجوح واتكالاً على وضوح المراد والأمر سهل. قوله: (أو فيه وبعده على الأول). دفع لما يتوهم من قوله: ما فعل من أن المؤدي فيما إذا فعل البعض فقط في الوقت هو المفعول في الوقت فقط. فإن قيل: من أين يستفاد ما قاله من كلام المصنف؟ قلت: من عموم ما في قوله: ما فعل قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 86
قوله:
(لما فعل كله الخ)
(1/170)
---(1/169)
ما عبارة عن المؤدي كما سيقول الشارح وفعل مبتدأ، وقوله: أداء خبره والجملة صلة ما لأنها بمعنى الذي وهي صفة للمؤدي. قوله: (أي للمؤدي) إن قلت: لم لم يقل الشارح بدل قوله: لما الخ أي للمؤدي مع كونه الأخصر؟ قلت: إنما أتى بقوله: لما فعل الخ للإشارة إلى أن اللام في الوقت للعهد الذكرى وهو المار في قوله: في التعريف فعل بعض ما دخل وقته. وأورد العلامة أن في تعريفي الأداء والوقت بما ذكر دوراً ظاهراً لأخذ كل منهما في تعريف الآخر اهـ. أي لأخذه الوقت في تعريف الأداء المقتضي توقف الأداء على الوقت وأخذه الأداء بسبب ذكر المؤدي المشتق من الأداء في تعريف الوقت المقتضي توقف الوقت على الأداء. ويمكن الجواب بجعل الضمير في له الراجع للمؤدي في تعريف الوقت راجعاً له مجرداً عن وصفه بكونه مؤدى بل بمعنى الفعل المطلوب كما ذكروا مثل ذلك في جواب الدور في تعريف العلم بمعرفة المعلوم، وبأن الوقت المأخوذ في تعريف الأداء يؤخذ مضافاً للشيء مجرداً عن وصفه بكونه مؤدى وتصوره بدون تصور معنى المؤدى ممكن فلا دور. ويمكن أن يجاب بأن كلاً من التعريفين لفظي وكثير ما يرتكب حمل التعريف على ذلك لدفع الدور السعد والسيد قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 86
قوله:
(موسعاً الخ)
(1/171)
---(1/170)
المراد بالموسع ما يزيد على مقدار ما يسع وقوع العبادة وبالمضيق ما كان بمقدار ذلك. قوله: (كالنفل والنذر المطلقين) أورد العلامة أن النذر المقيد بزمن كقولك مثلاً: لله علي أن أصلي غداً بين الظهر والعصر ركعتين من المقدر له زمن في الشرع، ولا يخفى أن زمنه مقدر جعلاً لا شرعاً وأن أوجب الشرع الوفاء به وأن الفعل فيه أداء فيرد وقته على عكس تعريف الوقت بما تقدم اهـ. وقد يجاب بأنه ليس المراد بقوله في التعريف المذكور المقدر له شرعاً أن الشارع باشر تقديره، بل المراد كون تقديره معتبراً في الشرع سواء كان المباشر للتقدير فيه الشارع أو غيره. ويجاب أيضاً بالتزام كون المراد بالمقدر شرعاً أن الشارع باشر تقديره ولا يضر هذا فيما نحن فيه لأنه كما أنه مقدر جعلا مقدر شرعاً أيضاً لأن الشارع حدد وقته بالوقت المقدر الذي التزمه الناذر وأوجب مراعاته، ولولا ذلك لم يلزم الناذر ولا معنى لكون الوقت مقدراً شرعاً إلا اعتبار الشرع إياه لذلك العمل قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 86
قوله:
(لا يسمى فعله)
ضمير فعله عائد على ما من قوله: فما لم يقدر الخ. وإضافة فعل للضمير بيانية، فلا يقال: إنه أثبت للفعل فعلا. بقي أن يقال: إن التعبير عن الإيمان بالفعل لا يخلو عن تساهل إذ هو التصديق المخصوص والحق أن التصديق ليس من مقولة الفعل. والجواب أنه فعل اصطلاحاً لما مر من أن المراد بالفعل عند الأصوليين والفقهاء ما قابل الانفعال فيشمل التصديق وإن كان عند الحكماء ليس فعلاً بلا كيفية. قوله: (والقضاء فعل كل الخ) لما كان الراجح في الأداء أنه فعل بعض ما دخل وقته كما يشعر به تقديم المصنف له على القول الثاني اللازم منه كون القضاء فعل كل ما خرج وقته فيفيد أرجحيته على القول الثاني في القضاء قدمه عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 87
قوله:
(والحديث المتقدم الخ)
(1/172)
---(1/171)
هذا وارد على القول الثاني المشار إليه بقوله: وقيل: بعض الخ. وحاصله أن الحديث وارد على بيان القدر الذي تجب الصلاة بإدراكه لا في بيان القدر الذي تكون الصلاة بإدراكه أداء كما يقول صاحب القول الأول الراجح. وقد يقال: الظاهر الذي يدل عليه ذوق العبارة من الحديث الشريف أنه وارد على بيانه القدر الذي تكون الصلاة بإدراكه أداء، إذ لو كان المراد منه بيان القدر الذي تجب بإدراكه الصلاة لكانت العبارة في ذلك من أدرك ركعة من الصلاة فقد وجبت عليه الصلاة مثلاً. قلت: ويلزم حينئذ المجاز في أدرك في الموضعين لحمل الأول على إمكان الإدراك للزومه له، وحمل الثاني على الوجوب للزومه للإدراك أو تسببه عنه، ولا يخفى أن المجاز لا يصار إليه مع إمكان الحقيقة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 87
قوله:
(ولو قال وقته الخ)
. قد يقال: إنما قال المصنف: وقت أدائه ليكون التعريف الأول للقضاء وهو قوله: فعل كل الخ شاملاً لصورة ما إذا أوقع أقل من ركعة في الوقت والباقي خارجه، فإن هذا يصدق عليه فعل كل ما خرج وقت أدائه ولا يصدق عليه فعل كل ما خرج وقته، إذ الزمن المفعول فيه البعض المذكور وقت لفعل ذلك البعض كما هو ظاهر، وحينئذ فلا حاجة لقول الشارح الآتي ولما أطلق البعض الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 87
قوله:
(لأن يفعل)
أشار بذلك إلى أن المراد بالفعل المعنى المصدري لأن القاعدة أن المصدر إذا فسر بأن والفعل فالمراد نفسه لا الحاصل به، وإنما كان المراد به هنا المعنى المصدري دون الحاصل به الذي هو المفعول لأنه يتكرر حينئذ مع قوله له الراجع ضميره لما الواقعة على الحاصل بالمصدر، كما أن كلاً وبعضاً الواقعين في التعريف واقعان على الحاصل بالمصدر بدليل وقوعهما متعلقي الفعل المصدر به التعريف المراد به المصدر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 87
قوله:
(فإن الصلاة المندوبة تقضى)
(1/173)
---(1/172)
هذا على مذهب الشارح لا على مذهبنا معاشر المالكية. قوله: (ويقاس عليها الصوم الخ) مقتضى قياس الصوم عليها وجود الدليل على قضاء الصلاة المندوبة ولعل الشارح لم يذكره لأنه ليس بصدده كذا قيل وفيه نظر. قوله: (أحسن من قول ابن الحاجب) فيه أن ابن الحاجب إنما عبر بوجوب جرياً على مذهبه من اختصاص القضاء بالواجب إلا الفجر فإنه يقضي إلى الزوال فقيل: حقيقة وقيل: مجازاً قاله العلامة، وتعقبه سم بأن هذا لا ينفي أولوية ما قاله المصنف على ما قاله ابن الحاجب، إذ شمول التعريف لسائر المذاهب أحسن من اختصاصه بمذهب بل هو مختص على نفس مذهبه بالبعض نظراً للفجر، بل أولوية ما قاله المصنف على ما قاله ابن الحاجب بناء على القول بجواز التعريف بالأخص وعدم اشتراط الجمع والمنع في التعريف، أما على القول باشتراط ذلك فالتعبير بمقتضى متعين اهـ. قلت: أما قوله: إذ شمول التعريف الخ فقد يقال عليه هو متقيد بتقرير الأصول على مذهبه لا على مذهب غيره إلا تبعاً. وأما قوله: بل أولوية ما قاله الخ فيقال عليه: أن الصورة النادرة لا يعتبر النقض بها كما تقرر فسقط حينئذ ما ادعاه من أولوية أو تعين ما قاله المصنف فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 87
قوله:
(كان أوضح وأخصر)
(1/174)
---
أما الأخصرية فظاهرة، وأما الأوضحية فلما في تعلق قوله: له وقوله: للفعل بقوله مقتض الموجب لجعل المتعلق الثاني بدلاً من الأول بدل الاشتمال من القلق بالنسبة لقوله: لو قال لما سبق لفعله مقتض، وهذا مبني كما علمت على جعل قوله له متعلقاً بمقتض وهو غير متعين بل يجوز كما هو الظاهر تعلقه بسبق ويكون حينئذ فيما قاله المصنف من الإشعار بتأكد ذلك الفعل المستدرك بسبب تعلق قوله: له بسبق وتعلق للفعل بمقتض من تكرار الإسناد ما ليس في قوله لو قال لما سبق لفعله مقتض كذا قرره سم. قوله: (مطلقاً) مفعول مطلق للفعل أو حال منه. قوله: (وإن انعقد سبب الوجوب) أي وهو دخول الوقت والتكليف.(1/173)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 88
قوله:
(وخرج بقيد الاستدراك الخ)
(1/175)
---
قال العلامة: استدراك الشيء وإدراكه الوصول إليه، ولا يخفى أن فعل الصلاة جماعة في وقتها مطلوب وفعلها جماعة بعد وقتها المؤداة فيه لا جماعة يوصل إلى ما سبق له مقتض، فالحد صادق عليه وليس قضاء فهو غير مطرد وإخراجه منه بالقيد المذكور كما فعل الشارح محل نظر. ثم إنه لا يصدق على فعل الصلاة بعد وقتها المؤداة فيه بطهارة مظنونة تبين نفيها لسقوط المقتضى بالفعل الأول فلم يتوصل بالفعل الثاني إلى ما سبق له مقتض وهو قضاء بلا نزاع فيكون الحد غير منعكس فليتأمل. وقد يجاب عن الأول بأن المراد بسبق المقتضى لفعله سبق المقتضى لفعل الشيء في نفسه، وفعل الصلاة في جماعة بعد الوقت توصل به إلى ما سبق له مقتض بحسب وصفه وهو كون الصلاة جماعة في الوقت لا بحسب ذاته لأنه فعل. وأجاب سم أولاً بما حاصله: أن المراد بسبق المقتضى لفعله سبق المقتضى لفعل الشيء في خصوص الوقت فقط والصلاة جماعة بعد الوقت على القول بها وإلا ففي طلبها بل جوازها اختلاف عندنا لم يسبق لها مقتض لأن تفعل في خصوص الوقت فقط بل هي مطلوبة في الوقت وبعده، فإذا وقعت بعد الوقت كانت من العمل بالمقتضى لا من قبيل الاستدراك لما سبق له مقتض. وثانياً: بأنا لو تنزلنا عن ذلك فلنا أن نقول: المفهوم من كلامهم أن الاستدراك ليس مجرد الوصول إلى ما سبق لفعله مقتض بل لا بد مع ذلك من كون الوصول إليه مطلوباً على وجه الجبرية للخلل الواقع أولاً إما بترك الفعل رأساً وإما بفعله على غير وجه الصحة، وحينئذ فلا نسلم أن الإعادة جماعة مطلوبة كذلك. وأجاب عن الثاني بمنع عدم صدق حد القضاء على الصلاة المفعولة بعد الوقت المؤداة فيه بطهارة مظنونة تبين نفيها بل هو صادق عليها. وبيان ذلك أنه بتبين انتفاء الطهارة تبين طلب الفعل مرة أخرى بدليل آخر، فإذا فعله مرة أخرى بعد خروج الوقت صدق عليه أنه استدراك لما سبق له مقتض(1/174)
للفعل وهو الطلب الذي تبين بانتفاء الطهارة وهو معنى قولهم: القضاء بأمر
(1/176)
---
جديد، فقوله: لسقوط المقتضى بالفعل الأول، قلنا: الساقط مقتضى الدليل الطالب للفعل الأول، ولكن هناك دليل آخر عام طالب لفعل ما وقع على خلل مرة أخرى كما قلناه اهـ. قلت: مقتضى قوله في الجواب عن الاعتراض الأول المراد بسبق المقتضى لفعله سبق المقتضى لفعله في خصوص الوقت عدم صحة هذا الجواب الأخير لأن الصلاة المذكورة لم يسبق لفعلها في خصوص الوقت مقتضى لسقوط المقتضى بالفعل الأول كما هو وفاق منه بقوله: قلنا الساقط الخ، وحينئذ فالصلاة المذكورة إنما استدرك بها ما سبق مقتض لفعله بعد الوقت إذ الطلب إنما تعلق بفعلها ثانية عند تبين انتفاء الطهارة وذلك بعد الوقت لا فيه فتأمل. وقد يقال: لعل صدق حد القضاء على ما ذكر مبني على القول المرجوح في صحة العبادة من أنها إسقاط القضاء، وحينئذ فقد توصل بالفعل الثاني إلى ما سبق له مقتض لعدم سقوط المقتضى بالفعل الأول فليتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 88
قوله:
(ولما أطلق البعض في تعريف الأداء الخ)
(1/177)
---(1/175)
أشار بذلك لدفع ما يقال من أن تعريف القضاء بأنه فعل كل ما خرج وقت أدائه غير منعكس لعدم شموله لصورة ما إذا فعل أقل من ركعة في الوقت والباقي خارجه، وقد قدمنا أن هذه الصورة داخلة في التعريف المذكور وأنه لا حاجة لقول الشارح: ولما أطلق الخ. قوله: (للعلم بقيده المتقدم) أي وهو كون ذلك البعض ركعة فأكثر لا أقل من ركعة. قوله: (من أن فعل إلخ) فيه أن الذي خرج بالقيد المتقدم فعل أقل من ركعة في الوقت والباقي خارجه لا أن ذلك قضاء فكان الأقعد في التعبير حذف أن وحذف قضاء قاله العلامة. ويمكن الجواب بتقدير مضاف في الجانبين أي فيضاف إلى حكمه أي الكل حكم ما خرج بالقيد الخ أو بان من في قوله: من أن فعل الخ تعليلية لا بيانية قاله سم. وقوله: فيما تقدم وخرج بقيد الاستدراك إعادة الصلاة المؤداة في الوقت بعده في جماعة مثلاً. فيه أن قضية قوله مثلاً: جواز الإعادة بعد الوقت فرادى وهو خلاف المفهوم من الفروع من امتناع ذلك إلا إذا جرى خلاف في صحة ما وقع في الوقت فتسن الإعادة مطلقاً، لكن إذا أعاده بعد الوقت فالظاهر وصفه حينئذ بالقضاء لأنه استدراك بمراعاة القول بعدم صحة الواقع في الوقت، ويحتمل أنه إشارة إلى جواز الفرادى على سبيل الفرض أو لعل فيه خلافاً فليراجع قاله سم. قلت: وما ذكره الشارح من قوله: وخرج الخ المفيد جواز إعادة الصلاة المؤداة في الوقت بعده في جماعة على أحد قولين وجواز إعادتها بعده فرادى على ما فيه لا يتمشى واحد منهما على مذهبنا معاشر المالكية فإن ذلك غير جائز عندنا كما هو مقرر في الفروع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 89
قوله:
(والفرق بين هذا)
(1/178)
---(1/176)
الإشارة إلى فعل أقل من ركعة في الوقت والباقي خارجه. وقوله: ذي الركعة أي الفعل ذي الركعة في الوقت والباقي خارجه. قوله: (على معظم) احترز بالمعظم عن التشهد والسلام. قوله: (كالتكرير) إنما لم يجعله تكريراً حقيقة لأن التكرير هو الإتيان بالشيء ثانياً مراداً به تأكيد الأول وهنا ليس كذلك إذ ما بعد الركعة مقصود لذاته كالأولى قاله العلامة. قوله: (والمقضى المفعول) ليس هذا تعريفاً كاملاً بل هو من الاكتفاء أي المقضى المفعول السابق الذي علم من تعريف القضاء وهكذا قوله: المؤدى قاله العلامة. قوله: (الذي صدر به) نعت لقوله: ما فعل. قوله: (قال إشارة الخ). قد يقال: هذه الإشارة لا تتوقف على الجمع بين تعريفي المصدر والمفعول بل يكفي فيها الاقتصار على تعريف المؤدى بقوله: ما فعل. ويجاب بأن المراد الإشارة على الوجه الأبين إذ لا يفهم من الاقتصار المذكور إفادة الاعتراض عليه بل مجرد الإشارة إلى إفساد عبارة أخرى مساوية لعبارة ابن الحاجب فليتأمل سم. وإنما أسند ذلك إلى المصنف بقوله: قال إشارة الخ تنبيهاً على أن ذلك لا يخلو عن نظر كما قال الكمال يريد بذلك ما قاله شيخه البرماوي من أن إطلاق الأداء والقضاء في عبارة الأصوليين والفقهاء على المؤدي والمقضي قد صار حقيقة عرفية اهـ. أي بحيث إذا أطلق المصدر المذكور لا يفهم منه إلا المفعول كالخلق إذا أطلق لا يفهم منه إلا المخلوق، إذا علمت ذلك فلا حاجة إلى ما أطال به سم.
(1/179)
---(1/177)
قوله: (وإن كان إطلاقه الخ) إشارة إلى أن شيوعه لا يدفع الاعتراض وقد علمت أن الدافع للاعتراض كونه حقيقة عرفية لا مجرد شيوعه دون صيرورته حقيقة عرفية بحيث يكون المعنى الحقيقي مهجوراً فيه. قوله: (أي بكلمة) أي وإن كان ما فعل أخصر منه حروفاً. وفيه إشارة ألى أن الاختصار كما يتعلق بالحروف يتعلق بالكلمات. فإن قيل: الاختصار الغرض منه تصغير الحجم وهذا إنما يكون في الاختصار باعتبار الحروف. قلنا: قد يتعلق الاختصار بتصغير الحجم في الجملة وهذا لا ينافيه مراعاة الاختصار باعتبار الكلمات في بعض المواضع لبعض الأغراض سم. قوله: (إذ لام التعريف الخ) اعترضه العلامة بقوله: وفي كونها لام التعريف نظر بل الصحيح إنها موصولة. وأجاب سم أن المفعول في كلام المصنف اسم جنس لما تعلق به الفعل واللام فيه إشارة لما فهم من تعريف القضاء فهي معرفة لا موصولة، ويؤخذ ذلك من اقتصار المصنف على قوله: المفعول إذ لو أراد به اسم المفعول لاحتاج إلى أن يقول المفعول خارج الوقت اهـ. قلت: وفيه نظر لأن المتعلق يحذف اختصاراً للعلم به فلا دليل في حذفه على أن المفعول اسم لا صفة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 90
قوله:
(كالجزء من مدخولها)
(1/180)
---(1/178)
فيه تساهل إذ ليست كالجزء من مدخولها كما هو بين إلا أن يريد أنها كالجزء من مدخولها معها أي أنها كالجزء من المجموع كذا قيل، وفيه أنها ليست جزءاً ولا كالجزء حينئذ. قلت: مراده أن المجموع يعد كالكلمة الواحدة من حيث اتصال حرف التعريف بمدخوله وحينئذ فجعل حرف التعريف كالجزء ظاهر. قوله: (فلا تعد فيه كلمة) يريد أن حرف التعريف لما شابه أحد حروف المباني لشدة امتزاجه بمدخوله عد المجموع كالكلمة الواحدة فلم يعد حرف التعريف كلمة لأجل ذلك وإن كان في نفس الأمر كلمة، ولا خفاء في أن مجموع الكلمتين إذا كان يصح أن ينزل منزلة الكلمة الواحدة يكون أخصر باعتبار الكلمات من مجموع الكلمتين الذي لا يصح فيه ذلك، فاندفع قول العلامة أن في استنتاج عدم العد كلمة من كونه كالجزء بل من كونها جزءاً نظراً، وكأنه يشير بالثاني إلى أن أحرف المضارعة جزء من الفعل المضارع وهي تعد فيه كلمة وفيه أنه خلاف المعروف في اصطلاحهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 91
قوله:
(وزاد مسألة البعض الخ)
اعترضه العلامة بأن التعريف في الاصطلاح ليس من المسائل لأنه مركب تقييدي، والمسألة كما تقرر هي القضية أو نسبتها التامة فإطلاق المسألة على التعريف تجوّز. وأجاب سم بأن الإطلاق المذكورة باعتبار لازم التعريف فإنه يستلزم مسألة وحكماً. قلت: هذا لا يغاير قول العلامة: فإطلاق المسألة الخ، فإن التجوّز المذكور باعتبار ذلك الاستلزام، وأحسن منه أن يجاب بأن إطلاقه بالنظر للمعرف مع التعريف أي قوله والأداء فعل بعض الخ. وقوله في القضاء وقيل: بعض الخ المقدر بقوله وقيل: القضاء فعل بعض الخ، ولا خفاء في أن المعرف مع التعريف قضية والمركب التقييدي هو التعريف فقط كما تقرر فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 91
قوله:
(لذات الركعة)
(1/181)
---(1/179)
أي العبادة ذات الركعة. وقوله: بهما أي بالأداء والقضاء أي بعضهم يصفها بالأداء وبعضهم بالقضاء. وحاصل ما أشار إليه أن الأقوال ثلاثة: ظاهر كلام الفقهاء وتحقيق الأصوليين وتحقيق بعض الفقهاء. وقد وجه الشارح زيادة البعض بقيده المبني على الظاهر كما قال باشتمال الركعة على المعظم فجعل ما بعد الوقت تابعاً وهو التحقيق الملحوظ للأصوليين فلزم اتحاد القول الأول والثاني قاله العلامة. وقد يجاب بالفرق بينهما بأنه على ظاهر كلام الفقهاء يكون الجميع أداء حقيقة اكتفاء في وصفه بالأداء حقيقة باشتمال الواقع في الوقت على معظم أفعال الصلاة، وعلى التحقيق الملحوظ للأصوليين لا يكون الجميع أداء حقيقة بل على جهة التوسع والتجوز، فالتبعية مختلفة على القولين فإنها على الأول تبعية تقتضي وصف الجميع بالأداء حقيقة، وعلى الثاني تبعية تقتضي وصفه به مجازاً، لكن بقي أن يقال يشكل عليه أن مقتضى كلامه أن الأصوليين صدر منهم وصف الجميع بالأداء وعكسه مع أن ذلك غير معروف عنهم، وهو الذي يفيده أيضاً قوله: وزاد مسألة البعض إذ هو صريح في أنهم لم يصدر منهم الوصف المذكور، ففي كلامه تناف، وكون الأصوليين لم يذكروا الوصف المذكور هو مفاد قول الزركشي هذا الذي زاده المصنف هو قول الفقهاء دعاهم إلى ذلك ظاهر قوله : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» ولعل الأصوليين لا يوافقونهم على تسميته أداء وعباراتهم طافحة بذلك اهـ. وقول العراقي هذا الذي اعتبره في الأداء من فعل البعض لا يعتبره الأصوليون، والظاهر أنهم لا يسمون فعل البعض أداء ولو كان ركعة وتبع المصنف الفقهاء وما كان ينبغي في اصطلاح الأصوليين اهـ. ويمكن أن يقال في دفع الإشكال إن وصف ذات الركعة بهما بالتبعية المذكورة ليس داخلاً في مفهوم التحقيق، بل ليس التحقيق إلا مجرد انتفاء الأداء، إلا أن الفقهاء لما أثبتوا الأداء أخذاً من الحديث المتقدم كان بالنظر إلى التحقيق تبعياً لا أصلياً.(1/180)
(1/182)
---
والحاصل حينئذ أن الفقهاء قالوا بالأداء نظراً للحديث وإن كان بالنظر إلى التحقيق تبعياً، وأن الأصوليين نظروا إلى مجرد التحقيق فلم يقولوا به مطلقاً، وأن بعض الفقهاء حقق فلا إشكال حينئذ في تباين الأقوال الثلاثة ولا في عدم نسبة الوصف بالأداء إلى الأصوليين قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 91
قوله:
(والعكس)
هو معطوف على قوله: تبعية ويصح عطفه على ما. قوله: (بذلك) أي بالأداء والقضاء أي لم يبال في وصف بعض العبادة بالأداء وبعضها بالقضاء بما يلزم على ذلك من تبعيض العبادة. وقوله: الذي فر منه غيره نعت للتبعيض. ووجه الفرار من ذلك أن وصف بعض العبادة بوصف ووصف بعضها الآخر بضده غير معهود بخلاف وصفها كلها بوصفين باعتبارين مختلفين، فمعهود في الشرع كما سيأتي في الصلاة في المكان المغصوب، فسقط ما قيل من أنه لا وجه للفرار المذكور لأن وصف العبادة بوصفين باعتبارين معهود لما علمته من الفرق بين المسألتين كذا قرر، وأيضاً الوصفان هنا متضادان، وفي الصلاة في المكان المغصوب غير متضادين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 92
قوله:
(وعلى هذا)
(1/183)
---
الإشارة إلى ما حققه بعض الفقهاء. وقوله: والقضاء بالجر عطف على هذا. قوله: (نظراً للتحقيق) أي الملحوظ للأصوليين. قوله: (نظراً للظاهر) أي ظاهر كلام الفقهاء الواصفين لذات الركعة المذكورة بالأداء حقيقة. واعلم أن هذا الذي ذكره من عدم إثم من أخر الصلاة إلى أن أوقع ركعة منها في الوقت والباقي خارجه لا يجري على مذهبنا معاشر المالكية فإن التأخير المذكور حرام عندنا قولاً واحداً وإن كانت أداء بل تأخيرها عن وقتها الاختياري إلى وقتها الضروري بحيث يوقعها كلها فيه كذلك أيضاً بلا خلاف، نعم تأخيرها عن وقتها الاختياري إلى الضروري بحيث يوقع ركعة منها في الاختياري والباقي في الضروري جائز، وهذا أي تقسيم وقت الأداء إلى الاختياري والضروري لا تقول به الشافعية.(1/181)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 92
قوله:
(أي المعاد أي فعل الشيء)
(1/184)
---
أشار بقوله: أي المعاد إلى أن ضمير فعله لما يفهم من الإعادة، وأشار بقوله: أي فعل الشيء إلى دفع اعتراضين واردين على جعل الضمير للمعاد: الأول لزوم الدور في أخذ المعاد في تعريف الإعادة لتوقفه عليها من حيث أنه مشتق منها ومعرفة المشتق فرع معرفة المشتق منه وتوقفها عليه من حيث كونها معرفاً لها. والثاني: كون مسمى الإعادة فعل الشيء ثالث مرة كما هو مفاد قوله: فعل المعاد ثانياً وليس كذلك. وحاصل الجواب الذي أشار إليه الشارح أن يلاحظ المعاد مجرداً عن الوصف أي فعل الشيء. فإن قيل: لم فسر الشارح مرجع الضمير بالمعاد ثم فسره بالشيء؟ وهلا قال من أول وهلة أي فعل الشيء مع كونه المراد والأخصر؟ قلنا: أشار بالتفسير الأول إلى بيان أن الضمير لما يفهم من الإعادة ثم بالتفسير الثاني لدفع الاعتراضين المتقدمين، ولو قال من أول الأمر: أي فعل الشيء لفاته التنبيه على مرجع الضمير وأنه من المتقدم معنى. فإن قيل: لو جعل الضمير عائداً إلى المفعول من قوله: والمقضى المفعول فقيل: والإعادة فعله أي المفعول أي فعل الشيء ثانياً كان أولى لوجهين: أحدهما وضوحه لظهور كون فعل المفعول بمعنى فعل الشيء ثانياً بخلاف فعل المعاد فإنه لا يكون بمعنى فعل الشيء ثانياً إلا إذا أريد به الفعل الذي يصير به الشيء معاداً واللفظ محتمل له ولفعل الشيء ثالثاً بل ظاهر في الثاني وهو خلاف المراد. ثانيهما: أن التصريح بمرجع الضمير هو الكثير الشائع بخلاف الدلالة عليه لزوماً. قلنا: يعارض الوجهين كون المفعول في عبارة المصنف مقيداً بكونه فعل بعد خروج الوقت هو يستحيل فعله ثانياً في الوقت فيحتاج في صحة الكلام إلى عود الضمير عليه بدون قيده ومثل ذلك وإن عهد خلاف الظاهر سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 92
قوله:
(في وقت الأداء له)
(1/185)
---(1/182)
اعترضه العلامة بأن الأوضح والأخصر أن يقول: في وقته. وأجيب بأنه لو عبر بذلك لكان المتبادر منه أنه لا بد من وقوع جميع المعاد في الوقت فلا يشمل ما لو أوقع ركعة منه في الوقت والباقي خارجه فإن الظاهر جوازه وكونه إعادة مع أنه لا يصدق عليه فعله في وقته ويصدق عليه فعله في وقت أدائه قاله سم. وقد قدّمنا نحو هذا في قول المصنف: والقضاء فعل الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 93
قوله:
(كالصلاة مع النجاسة)
كان الأقعد أن يقول: بدون الطهارة ليكون أنسب بقوله من فوات شرط قاله العلامة. قوله: (سهواً) قيد في المسألتين وقيد به للاحتراز عن العمد فإن الفعل معه كالعدم لفساده فالفعل بعده ليس ثانياً فليس إعادة. قوله: (وهي في الأصل) أراد بالأصل القول المتفق عليه بدليل قوله الآتي في القسمين الآخرين على الأصح، وليس المراد بالأصل الحقيقة الشرعية لئلا يقتضي أن إطلاق المكررة على القسمين الآخرين مجاز وليس كذلك في مذهب الشارح، نعم هي مخصوصة على مذهبنا بالمفعولة في وقت الأداء في جماعة بعد الانفراد من غير خلل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 93
قوله:
(الأوفق له الثاني)
فيه رفع أفعل التفضيل الظاهر مع عدم معاقبته الفعل وهو نادر كما أشار له صاحب الألفية بقوله:
ورفعه الظاهر نزر ومتى
عاقب فعلاً فكثيراً ثبتا
وقضية قوله: الأوفق له الثاني موافقة الأول أيضاً له، ومقتضى ذلك أن الفقهاء يطلقون الإعادة على فعل الشيء ثانياً لخلل وفيه نظر سم. قوله: (من فعل الصلاة الخ) بيان لما. وقوله: الذي هو مستحب نعت للفعل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 93
قوله:
(استوت الجماعتان)
(1/186)
---(1/183)
هذا هو القسم المتردد المصنف في شمول التعريف له وهو المراد بقول الشارح: لأحد قسمي الخ. وقوله: أم زادت هو القسم الثاني المختلف فيهما والأصح إطلاق الإعادة عليهما كما أشار له الشارح بقوله: على الأصح. قوله: (فقسم استوائهما) مبتدأ خبره قوله: قد يقال الخ. وقوله: المحتمل بالرفع نعت لقسم وضمير فيه يعود للقسم. وقوله: هي حكمة الخ نعت لفضيلة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 93
قوله:
(يعتبر احتماله)
ضمير احتماله يعود للقسم وإضافة احتمال لضمير القسم من إضافة المصدر إلى الفاعل والمفعول محذوف للعلم به، والتقدير قد يعتبر احتماله للاشتمال المذكور، وأما جعل ضمير احتماله للاشتمال وهو من إضافة المصدر إلى المفعول فيلزم عليه خلو الجملة الواقعة خبراً من ضمير المبتدأ، فما قاله بعض من حشى الكتاب من أن ضمير احتماله للاشتمال غير صحيح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 94
قوله:
(وقد يقال لا)
أي لا يعتبر احتماله. وقوله: فلا أي فلا يتناوله التعريف. وأشار بقوله: قد يقال الخ إلى وجه تردد المصنف المتقدم في شمول تعريف الإعادة لهذا القسم أي قسم الاستواء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 94
قوله:
(الشامل)
(1/187)
---(1/184)
أي الشامل لقسم الاستواء. قوله: (لعذر أو غيره) أي وقسم الاستواء داخل في الغير، قال بعض الفضلاء: لكنه يشمل حينئذ صلاة الرجل منفرداً بعد صلاته جماعة مع أنه غير جائز اهـ. فالأولى أن يقال أنه حذف من التعريف قيداً لظهوره أو دعوى ظهوره وهو كون الثانية جماعة قاله سم. قوله: (وهو كما قال مصطلح الأكثرين) قال العلامة: هو قريب من قول العضد الإعادة قسم من أقسام الأداء في مصطلح القوم وإن وقع في عبارة بعض المتأخرين خلافه، وكأنه أشار بقوله: قال إلى مخالفة غيره. قال التفتازاني : ظاهر كلام المتقدمين والمتأخرين أنها أقسام متباينة وإن ما فعل ثانياً في وقت الأداء ليس أداء ولا قضاء ولم نطلع على ما يوافق كلام الشارح يعني العضد صريحاً اهـ. وبه يعلم أن قوله: وقيل إنها قسيم له ليس على ما ينبغي اهـ. أي لأنه الراجح فلا يناسب حكايته بقيل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 94
قوله:
(فأداء)
. فيه أخذ الأداء في تعريف الأداء حيث قال: العبادة إن وقعت في وقتها ولم تسبق بأداء مختل فأداء وذلك دور ظاهر. وجوابه أن الأداء المعرف مراد به المؤدي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 94
قوله:
(وإلا فإعادة)
قضيته أنها إن وقعت بعد الوقت وكانت قد سبقت بأداء مختل تسمى إعادة لدخول ذلك تحت إلا وليس كذلك قطعاً إذ هذه قضاء والإعادة مخصوصة بما فعل في الوقت كما مر للمصنف. والجواب أن قول الشارح إن وقعت لم يعتبره للاحتراز بل اعتبره هو المقسم والموضوع والمعتبر للاحتراز هو قوله: ولم تسبق بأداء مختل، ولو قال: العبادة الواقعة في الوقت إن لم تسبق الخ كان أوضح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 94
قوله:
(أي المأخوذ من الشرع)
(1/188)
---(1/185)
أشار به إلى أن النسبة للشرع من حيث الأخذ منه. فإن قيل: الشرع عبارة عن الأحكام المبعوث بها النبي فيلزم اتحاد المأخوذ منه. فالجواب أن المأخوذ الحكم المعرف بالخطاب المذكور والمأخوذ منه الأحكام بمعنى النسب التامة. ثم إن قيد الشرعي في كلام المصنف غير محتاج إليه لأن الحكم إذا أطلق في عرف الأصوليين انصرف للشرعي المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 94
قوله:
(من حيث تعلقه)
أشار بذلك إلى أن تغير الحكم بسبب تغير جزئه وهو التعلق التنجيزي، ولا خفاء في تغير المركب بتغير جزئه، فقول الكمال و شيخ الإسلام في قول الشارح من حيث تعلقه أشار بذلك إلى أن التغير حقيقة إنما هو التعلق لا الحكم إذ تغير الحكم محال لأنه خطاب الله أي كلامه النفسي القديم اهـ. غير ظاهر، فإن الحكم عند المصنف والشارح عبارة عن مجموع الخطاب والتعلق التنجيزي كما مر. بقي أن يقال: ظاهر الإضافة في قوله: من حيث تعلقه إن التعلق وصف عارض للحكم وليس داخلاً في مفهومه وهو خلاف ما مر فتجعل الإضافة المذكورة من إضافة الجزء إلى الكل لا المصدر إلى فاعله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 94
قوله:
(كأن تغير من الحرمة الخ)
ضمير تغير يعود إلى الحكم، والحرمة والحل حكمان كما هو بين فينحل التركيب إلى أن الحكم تغير من حكم إلى حكم ولا يخفى ما فيه. قلنا: الحكم المتغير بالكسر مطلق والمتغير إليه خاص كما يفيده قوله: من الحرمة الخ. والمعنى كأن تغير الحكم الكلي أي انتقل من تحققه في جزئي إلى تحققه في جزئي آخر، فقول المصنف: والحكم إن تغير الخ تقريره والحكم من حيث هو إن انتقل من تحققه وتقرره في جزئي صعب إلى تقرره في جزئي سهل فذلك المنتقل إليه رخصة، وأشار الشارح بالكاف في قوله: كأن الخ إلى عدم انحصار التغير في التغير من الحرمة إلى الحل بل مثله التغير من الكراهة إلى الحل كما سيذكره فللرخصة فردان.
(1/189)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 95
قوله:
(إلى الحل له)(1/186)
أي للمذكور من الفعل والترك وأفرد الضمير لأن العطف بأو. قوله: (مع قيام السبب) قال العلامة: عندي إن هذا القيد مستدرك لأن التغير مع فقد السبب له لا للعذر وما زعمه الشارح من أنه للاحتراز عما يذكره بعد فيه نظر اهـ. وأجاب سم بما حاصله: إن كلا من فقد السبب ووجود العذر يصح استناد التغير إليه واستناده للعذر أولى لأن العذر المعين يكفي في انتفاء الحكم، بخلاف فقد السبب المعين فلا يلزم كفايته فيه لجواز أن يخلفه سبب آخر، وحينئذ يصدق التغير للعذر بوجود السبب وانتفائه فيحتاج للتقييد بوجود السبب ليخرج التغير للعذر مع انتفاء السبب فإنه ليس من الرخصة فليس قوله: مع قيام السبب مستدركاً لما علمت. قلت: المراد بالسبب جنس السبب لا المعين كما ادعى، فإذا انتفى سبب معين وخلفه غيره فلا يقال إن الحكم وجد بدون سببه وحينئذ فانتفاء السبب يؤذن بانتفاء المسبب إذ لا يصح وجود المسبب بدون سببه. قوله: (المتخلف عنه) هو على صيغة اسم المفعول والمجرور نائب الفاعل وضمير عنه للحكم الأصلي، ويصح كونه بصيغة اسم الفاعل وفاعله ضمير مستتر يعود على الحكم المنتقل إليه وعنه حينئذ متعلق به كذا قرر شيخنا. وفيه أن الواجب حينئذ إبراز الضمير، وقد يقال: اللبس مأمون لوضوح المقام وفيه تأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 95
قوله:
(فالحكم المتغير إليه)
(1/190)
---(1/187)
المتغير بصيغة اسم المفعول والمجرور بعده نائب الفاعل. وقوله: السهل المذكور نعتان أيضاً للحكم، وأشار بذلك إلى أن الضمير الذي أخبر عنه بالرخصة لا يصح أن يعود للحكم الشرعي الذي تغير لأن الرخصة هي الحكم المتغير إليه لا الحكم المتغير بالكسر. قوله: (وهي لغة السهولة) فيه أن يقال: الشأن والغالب كون المعنى الاصطلاحي فرداً من أفراد المعنى اللغوي وما هنا ليس كذلك فإن المسمى بالرخصة وهو الحكم المذكور لا يطلق عليه سهولة بل سهل أي ذو سهولة إلا أن يجعل قوله: والرخصة لغة السهولة على تقدير المضاف أي ذو السهولة. قوله: (والسلم) أورد عليه أن السلم لا يصدق عليه تعريف الرخصة لأنه لم تتعلق به حرمة أصلاً حتى يتحقق تغير الحكم منها إلى حله قاله العلامة. ويمكن أن يجاب بأنه ليس المراد بالتغير التغير بالفعل بأن تثبت الصعوبة بالفعل ثم ينقطع تعلقها إلى السهولة، بل المراد ما يشمل ورود السهولة ابتداء، لكن على خلاف مقتضى الدليل الشرعي كما يشهد بذلك كلام الأئمة، ولهذا عبر غير المصنف كـ البيضاوي بقوله: الحكم إن ثبت على خلاف الدليل لعذر فرخصه، وظاهر أن السلم وارد على خلاف مقتضى الدليل انظر سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 95
قوله:
(واجبا)
(1/191)
---(1/188)
أي فيأثم بترك الأكل منها فلو ترك الأكل حتى مات يموت حينئذ عاصياً. قوله: (ومن قال القصر مكروه الخ) وارد على ما تضمنه قوله: فالإتمام أولى لإفادته أن القصر في هذه الحالة خلاف الأولى، فقوله: ومن قال القصر الخ أي في هذه الحالة وهي عدم بلوغ السفر ثلاثة أيام. قوله: (وخلاف الأولى) أي مخالف الأولى فالمصدر مؤول باسم الفاعل ليوافق الأحوال التي قبله كذا قاله العلامة، وكأنه يشير بذلك إلى أن بقاءه على مصدريته يلزم عليه كون خلاف الأولى وصفاً لمتعلق الحكم وهو الفعل لأنه حال من فطر مسافر وخلال الأولى اسم للحكم نفسه لا لمتعلقه. وجوابه أن خلاف الأولى كما يطلق على الحكم يطلق على متعلقه كما تقدم ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 96
قوله:
(وأتى بهذه الأحوال اللازمة)
جواب سؤال تقديره: إن الحال اللازمة الشان عدم الإتيان بها فلم أتى المصنف بهذه الأحوال اللازمة؟ فأجاب بأنه إنما أتى بها لبيان أقسام الرخصة. وقوله: لبيان أقسام الرخصة أي استلزاماً لا صريحاً لأن أقسام الرخصة الوجوب والندب والإباحة وخلاف الأولى كما قال، والمذكور في عبارة المصنف الواجب والمندوب والمباح وهي أقسام متعلق الرخصة لا الرخصة، أو في العبارة مضاف محذوف أي أقسام متعلق الرخصة. قوله: (يعني الرخصة كحل المذكورات) الرخصة مبتدأ، وقوله: كحل الخ خبره، والجملة في محل نصب بيعني وفيه نصب يعني للجمل وهو خلاف المعروف من نصبها المفردات قرره شيخنا. قلت: لم يقل أحد أنها لا تنصب إلى المفردات. قوله: (لأنه سبب لوجوب الصلاة تامة والصوم) أي وذلك مستلزم لحرمة القصر والفطر فاندفع ما يقال: إن الكلام في سبب الحرمة لا الوجوب. قوله: (والحاجة إلى ثمن الغلات) اقتصار على ما هو الأغلب في السلم وإلا فقد يكون المسلم فيه حيواناً أو عرضاً. قوله: (وسهولة الوجوب الخ) جواب سؤال تقديره بين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 96
(1/192)
---
قوله:
(وهو الانفراد فيما يطلب فيه الاجتماع)(1/189)
اعترضه العلامة بما نصه: هذا لا يصح لأن الانفراد هو ترك الجماعة فهو متعلق الكراهة ومتعلق الحكم لا يكون سبباً له، وأيضاً فطلب الاجتماع في شيء نهى عن ضده وهو الانفراد فيه فهو متعلق النهي أي الكراهة لا سببها، على أن ابن الحاجب وشارحيه عرفوا الرخصة بما شرع من الأحكام لعذر مع قيام المانع لولا العذر وفسر المانع بالمحرم أي دليل التحريم ومن الواضح خروج الإباحة بعد الكراهة من ذلك اهـ. وأجاب سم بما حاصله: أن هنا أمرين نفس الانفراد وكون ذلك الانفراد فيما يطلب فيه الاجتماع والأول هو متعلق الكراهة ومتعلق النهي وهو مراد الشارح بترك الجماعة، والثاني هو سبب الحكم وسبب الكراهة وهو مراد الشارح بقوله: وهو الانفراد الخ، وهذا واضح لا يحتمل التوقف، وعجيب خفاء ذلك على الشيخ حتى لم يميز بين الأمرين، على أن قوله: الانفراد هو ترك الجماعة ممنوع بل ترك الجماعة أعم، وأما العلاوة التي ذكرها فلا ينبغي الالتفات إليها للقطع بأن الشارح والمصنف غير مقلدين لابن الحاجب وشراحه إلى آخر ما أطال به من مجازفاته التي لا طائل تحتها. قلت: قوله هنا أمران نفس الانفراد وكون ذلك الانفراد فيما يطلب فيه الاجتماع الخ يرد بأن المكروه هو الانفراد المخصوص أي الانفراد فيما يطلب فيه الاجتماع لا مطلق الانفراد، والكون المذكور علته كما زعمه وهو من الوضوح بمكان، فقوله: والأول الخ ممنوع منعاً بيناً. وقوله: على أن قوله الانفراد هو ترك الجماعة ممنوع، جوابه: أن المراد به في هذا المقام ترك الجماعة هذا مراد الناصر فقد علمت صحة ما قاله الناصر من البحث وسقوط ما قاله سم مدعياً كمال ظهوره ووضوحه مع أنه واضح الفساد، وأما العلامة التي ذكرها العلامة فلا يرتاب عاقل في حسن موقعها بعد تقرر البحث المذكور، نعم لو اعترض بمخالفة الشارح لابن الحاجب وشارحيه مجردة عن البحث المذكور لكان للرد عليه بأن الشارح غير
(1/193)
---(1/190)
مقلد لمن ذكر وجه في الجملة، على أن مخالفة الشارح لابن الحاجب وشراحه يعترض بها عليه حيث لم يذكر سندها، إذ من المعلوم الذي لا شبهة فيه تقديم قولهم على قوله، وقول المصنف: أيضاً لبلوغهم في هذا العلم والإحاطة به ما لم يبلغه المصنف والشارح، على أن الشارح هنا قد خالف ظاهر ما للمصنف أيضاً من قصر الرخصة على ما تغير من الحرمة إلى الحل فعليك بالإنصاف ولا تغتر بما هول به سم فإنه محض التعصب والاعتساف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 96
قوله:
(كوجوب الصلوات الخمس)
قال العلامة: فيه نظر لسقوطه عن الحائض والنائم وفاقد الطهورين عند جمع من العلماء. فإن قيل: المراد عدم التغير العام والتغير المنقوض به خاص. قلت: فإباحة الإصطياد حينئذ كالوجوب المذكور اهـ. وأجاب سم بما لا يخلو من تعسف لا فائدة في إيراده.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 97
قوله:
(بمعنى أنه خلاف الأولى)
راجع لقوله: كحل ترك الوضوء الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 97
قوله:
(لما كثروا)
(1/194)
---(1/191)
قال العلامة: فيه شيء وهو أن المشقة في الثبات المذكور ثابتة قبل الكثرة وبعدها اهـ. وأجاب سم بما حاصله: أن المراد بالمشقة مشقة خاصة يعتد بها وهي التي لا تسكن النفس عندها ولا تطيب بتحملها وهذه حاصلة بعد الكثرة لا قبلها وذلك لأنهم حال القلة مفتقرون إلى ثبات القليل منهم لعدم من يقوم بذلك غير ذلك القليل فتهون المشقة عليهم وتطيب بها نفوسهم، فالمشقة الحاصلة إذ ذاك كلاً مشتقة ولا كذلك حال الكثرة لعدم الافتقار إلى ثبات القليل لكثرة من يقوم بذلك فيضعف النشاط وتصعب المشقة وتشتد قوتها، وكان الشارح رمز إلى ذلك بقوله: لما كثروا اهـ. وقول المصنف: وإلا فعزيمة نحوه في العضد، قال التفتازاني : معناه وإن لم يكن كذلك فعزيمة، وظاهره أن الحكم منحصر في الرخصة والعزيمة والحق أن الفعل لا يتصف بالعزيمة ما لم يقع في مقابلة الرخصة فليتأمل الوقوع في مقابلة الرخصة وهل يطرد في أمثلتهم؟ قاله العلامة قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 97
قوله:
(لأنه عزم أمره الخ)
(1/195)
---(1/192)
علة لقوله: يسمى عزيمة. وقوله: وهي لغة القصد اعتراض بين المعلل وعلته. وفي قوله: لأنه عزم الخ إشارة إلى أن العزيمة بمعنى المعزوم فهي فعيل بمعنى مفعول إن كانت صفة مشبهة أو مصدر بمعنى اسم المفعول وهو الذي يدل عليه قوله: وهي لغة القصد. وقوله: صعب على المكلف أي كوجوب الصلوات الخمس وحرمة الاصطياد بالإحرام. وقوله: أو سهل أي كحل ترك الوضوء لمن لم يحدث وإباحة ترك ثبات الواحد من المسلمين للعشرة من الكفار. قوله: (ويصدق عليه تعريف الرخصة) أي دون تعاريف العزيمة وذلك لأنه يصدق مع وجوب ترك الصلاة والصوم أن الحكم تغير من صعوبة وهي وجوب الفعل إلى سهولة وهي وجوب الترك لعذر وهو الحيض مع قيام السبب وهو دخول الوقت، فيكون تعريف الرخصة غير مانع لصدقه على ترك الصلاة والصوم للحائض مع أنه عزيمة، ولا يصدق على وجوب الترك أن الحكم لم يتغير أصلاً ولا أنه تغير إلى صعوبة ولا أنه تغير إلى سهولة لا لعذر لأنه تغيراً إلى سهولة لعذر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 98
قوله:
(ويجاب الخ)
حاصله أن الحيض له جهتان: جهة كونه عذراً في الترك وجهة كونه مانعاً من الفعل، ووجوب الترك نشأ من الجهة الثانية، والمورد إنما لاحظ الجهة الأولى كذا قرره شيخنا، وفيه أن الترك المذكور حينئذ يوصف بكونه عزيمة ورخصة باعتبار جهتي الحيض المذكورتين وليس كذلك، والحق أن مراد الشارح أن وجوب الترك المذكور خارج عن تعريف الرخصة بقولنا: لعذر لأن التغير المذكور لمانع لا لعذر، وداخل في تعريف العزيمة لأنه تغير من صعوبة إلى سهولة لا لعذر بل لمانع، وشرط العذر مأخوذ في تعريف الرخصة أن لا يكون مانعاً كما مر من أمثلتها فجهة العذر في الحيض ملغاة حينئذ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 98
قوله:
(أقرب إلى اللغة)
(1/196)
---(1/193)
أي المعنى اللغوي ووجهه أن وصف الفعل الذي هو متعلق الحكم بالسهولة وكونه مقصوداً قصداً مصمماً إنما هو باعتبار وصف ما تعلق به وهو الحكم فإنه الموصوف بذلك حقيقة، وأشار بقوله: أقرب إلى أن في تقسيم الفعل لهما قرباً للمعنى اللغوي وهو كذلك أي من حيث أن الفعل متعلق الحكم فقربه باعتبار الحكم المتعلق به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 98
قوله:
(أي الوصول بكلفة)
حمل صيغة التفعيل على التكلف ومعناه معاناة الشيء أي أن الفاعل يعاني الفعل ليحصل وهذا متحقق في كل دليل إذ لا بد من ملاحظة الصغرى والكبرى، ووجه الدلالة الذي هو الحد الأوسط وملاحظة الترتيب الخاص وذلك معاناة بلا شبهة وإن اختلفت بالقوة والضعف في إفراد الأدلة، فاندفع ما قيل إنه قد لا يكون في الدليل تكلف كالعالم بالنسبة للصانع، ولئن سلم ذلك فيكفي في صحة التعبير بصيغة التفعل المفيدة للتكلف كون الشان والكثير ذلك فلا يضر خروج بعض أفراد الدليل عن ذلك. واعلم أن الدليل عند المناطقة اسم لمجموع المقدمتين الصغرى والكبرى، وأما عند الأصوليين فالشيء الذي يتوصل بالنظر في حاله ووصفه إلى المطلوب فهو مفرد بخلافه عند المناطقة فمركب، ففي قولنا: العالم حادث وكل حادث له صانع الدليل المنطقي هو مجموع هذا القياس، والدليل الأصولي هو العالم فقط المتوسل بالنظر في وصفه وهو الحدوث إلى المطلوب وهو ثبوت الصانع، وعلى هذا القياس في قولنا: النار شيء محرق وكل محرق له دخان، وقولنا: أقيموا الصلاة أمر والأمر للوجوب حقيقة، وحينئذ فقول المصنف: بصحيح النظر فيه على تقدير المضاف أي النظر في حاله ووصفه بل لا بد من حذف أيضاً في عبارته يتعين اعتباره والتقدير بصحيح النظر في حاله مع غيره أي مع النظر في غير الحال أيضاً لأن التوصل للمطلوب الخبري يتوقف على القياس المتوقف على النظر للصغرى والكبرى والحد الأصغر والأكبر والأوسط والترتيب في المقدمات.
(1/197)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 98(1/194)
قوله:
(بأن يكون النظر فيه الخ)
بيان للنظر الصحيح المشار إليه بقول المصنف: بصحيح النظر. قوله: (كما سيأتي) متعلق بالمنفي لا بالنفي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 99
قوله:
(حذار من التكرار)
أي لأنه إذا أريد بالنظر معناه المعروف الآتي وهو الفكر المؤدي إلى علم أو ظن انحل الكلام إلى قولنا: الدليل ما يمكن علم المطلوب الخبري أو ظنه بصحيح الفكر فيه المؤدي إلى علمه أو ظنه وهو تكرار ظاهر، وهذا كما ترى مبني على قصر العلم المأخوذ في تعريف النظر على العلم التصديقي ولا داعي له بل يصح وهو الظاهر بقاء العلم على إطلاقه من شموله للعلم التصوري والتصديقي إذ النظر طريق للتصور والتصديق ويكون مساق كلامه هكذا الدليل ما يمكن علم المطلوب الخبري أو ظنه بصحيح الفكر فيه المؤدي من حيث هو إلى علم مطلقاً أو ظن، ومفاد هذا حينئذ أن النظر الذي هو في نفسه مفيد للعلم مطلقاً، وللظن مفاده في الدليل العلم التصديقي فقط أو الظن، وهذا لا تكرار فيه للعلم والظن، إذ حقيقة التكرار ذكر الشيء على وجه تقدم ذكره عليه وذلك منتف هنا كما علمت قاله العلامة، وقد يقال: النظر وإن كان معناه الفكر المؤدي إلى مطلق علم المراد به هنا المؤدي إلى علم تصديقي فقط لأخذه في تعريف الدليل، وحينئذٍ فالتكرار واضح ودفعه بما قاله الشارح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 99
قوله:
(كالعالم الخ)
(1/198)
---(1/195)
ذكر أمثلة ثلاثة: الأول مثال للدليل العقلي. والثاني للحسي. والثالث للشرعي. والأول قطعي. والثاني والثالث ظنيان كما أشار له الشارح. قوله: (فبالنظر الخ) متعلق بقوله: تصل الخ الآتي بعده، والباء في قوله: فبالنظر الصحيح سببية أو للآلة وعلى أنها للآلة ففي التركيب استعارة مكنية وتخييل حيث شبه النظر بالآلة الحسية بجامع التوصل بكل إلى المطلوب وطوى ذكر المشبه به ودل عليه بالباء التي هي من ملايمات الآلة الحسية فاستعيرت الآلة للنظر في النفس ودخول الباء عليه تخييل وقرينة لتلك الاستعارة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 99
قوله:
(أي بحركة النفس الخ)
فيه أن يقال: إن كلاً من هذه المذكورات التي تقع حركة النفس فيها وهي الحدوث في المثال الأول والإحراق في الثاني والأمر في الثالث مفرد تستحيل الحركة التي هي الانتقال فيه بل هي واقعة في الحدود أي من الأصغر الذي هو الدليل إلى الأوسط وهو ما تعقله النفس منه ثم منه إلى الأكبر الذي هو المطلوب قاله العلامة. ويمكن أن يجاب بأن في العبارة حذفاً دل عليه قوله: بأن ترتب الخ، والأصل أي بحركة النفس فيما تعقله منها مع غيره بأن ينتقل من الحد الأصغر إليها ثم منها إلى المطلوب، وقد تقدم هذا في قول المصنف: بصحيح النظر فيه الخ غايته أن في العبارة تساهلاً يغتفر مثله مع وضوح المقام ودلالة القرينة قال معناه سم. قوله: (بأن ترتب الخ) تصوير للنظر الصحيح وهو بصيغة المبني للمفعول ونائب الفاعل ضمير يعود على الأدلة وما تعقله النفس من أحوالها والمطلوب ويصح كونه مبنياً للفاعل وهو ضمير يعود للنفس والمفعول محذوف أي بأن ترتب النفس هذه المذكورات من الأدلة وما معها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 99
قوله:
(فالأمر بالصلاة لوجوبها)
(1/199)
---(1/196)
صوابه: فأقيموا الصلاة لوجوبها كما هو ظاهر قاله العلامة. ويمكن الجواب بجعل اللام في الأمر للعهد أي فالأمر المذكور وهو أقيموا الصلاة قاله سم ولا يخفى ما فيه من البعد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 100
قوله:
(لانتفاء وجه الدلالة عنه)
تعليل لعدم التوصل بالفاسد وهو في معنى التعريف للفساد جارياً على تعريف الصحة بما مر من قوله: بأن يكون النظر فيه من الجهة التي من شأنها الخ. فصحة الدليل أن ينظر فيه من الجهة التي شأنها أن ينتقل منها إلى المطلوب وفساده انتقاء النظر فيه من تلك الجهة هذا مفاد كلامه. ويرد عليه انتفاء الترتيب المسمى بالخطأ في البرهان لصورته فإنه فساد فيه، ويصدق عليه تعريف الصحة دون الفساد قاله الناصر . وقوله: يصدق عليه تعريف الصحة لأنه قد نظر فيه من الجهة المذكورة. وقوله: دون الفساد أي لعدم انتفاء النظر فيه من تلك الجهة عنه. والجواب أن الكلام في الصحة والفساد من حيث المادة لا من حيث الصورة إذ هو الذي يتعلق به غرض الأصولي وإن كان ترتيب المقدمات الذي هو الصحة من حيث الصورة لا بد من اعتباره أيضاً كما يشير إليه قول الشارح فيما تقدم بأن ترتب هكذا قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 100
قوله:
(من حيث البساطة الخ)
(1/200)
---(1/197)
اعلم أن من العالم ما هو مركب من العناصر الأربعة: الماء والنار والهواء والتراب كالحيوان والنبات والمعادن. ومنه ما هو بسيط كالعناصر المذكورة، وهذا أي القول بالتركب المذكور غير مضر في العقيدة إنما المضر اعتقاد تأثير العناصر المذكورة في المركب منها كما هو معلوم، ولو أبدل الشارح البساطة بالوجود كان أحسن لأنها صفة تعم جميع العوالم بخلاف البساطة كما تقرر، وإنما كان وجه الدلالة منتفياً عن النظر في نحو الوجود من صفات العالم لتحققه في الباري جل جلاله، فلوكان النظر في العالم من هذه الجهة مؤدياً لثبوت الصانع لزم حدوث الباري جل وعلا وأنه محال. وإنما كان وجه الدلالة منتفياً عن النظر في نحو التسخين من صفات النار لتحققه في الشمس فيلزم أن يكون له دخان وهو باطل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 100
قوله:
(ولكن يؤدي الخ)
ولا عبرة بهذه التأدية لأنها اتفاقية. قوله: (ممن اعتقد الخ) علق الاعتقاد في دليل العالم بكل من المقدمتين وفي دليل النار علق الظن بالكبرى فقط إشارة إلى أن الصغرى في الثاني مسلمة، فلذا علق الظن بالكبرى فقط، ولما كان كل من المقدمتين سواء في الدليل الأول علق الاعتقاد بهما معاً فتأمل. قوله: (أما المطلوب غير الخبري الخ) هذا محترز قول المصنف إلى مطلوب خبري. قوله: (أي يتصور) تفسير لقوله: يتوصل. وقوله: بما يسمى حداً متعلق بيتوصل وقد فصل بين المتعلق ومتعلقه بتفسير المتعلق. وقوله: بأن يتصور بيان لقوله بما يسمى حداً أشار به إلى أن الموصل هو تصور الحد لا ذات الحد وهو واضح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 100
قوله:
(بما يسمى حدا)
(1/201)
---(1/198)
فيه إيهام أن التوصل للمطلوب التصوري بالحد ليس من التوصل بالنظر مع أنه منه، فالتصوري يشارك الخبري في أن كلاً منهما يتوصل إليه بالنظر، ويخالفه في أن الموصل إليه يسمى حداً وقولاً شارحاً كما يسمى هو تصوراً، والموصل إلى الخبري يسمى حجة كما يسمى الخبري المذكور تصديقاً، فالمقابلة في عبارة الشارح غير تامة وكان الأوضح أن لو قال: أما ما يتوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب تصوري فليس بدليل بل هو الحد فقابل بين الحد والدليل لتقابلهما في المتوصل إليه قاله العلامة. وللعلامة سم هنا كلمات واهية رد بها على العلامة لا فائدة لإيرادها. قوله: (وسيأتي حد الحد) جواب سأال تقديره أن الحد الذي أحلت عليه لم يعلم بعد. فأجاب بأنه سيأتي تعريف الحد. وقوله: الشامل بالجر نعت للحد المضاف إليه واسم الإشارة راجع للحد الذي ذكره وهو الحيوان الناطق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 101
قوله:
(واختلف أئمتنا الخ)
(1/202)
---(1/199)
ذكر هذا لتعلقه بالعلم المذكور في تعريف الدليل. قوله: (الحاصل عندهم) تقدير الحصول ليس بلازم لجواز تعلق عقيبه بالعلم نعم تقديره أوضح. قوله: (عادة الخ) اعلم أنه اختلف في حصول العلم عن النظر على أقوال أربعة: الأول: أنه عادي ومعناه أن الله أجرى عادته بخلق العلم عقب النظر المخلوق له أيضاً كخلق الإحراق عند مماسة النار مع جواز تخلف حصول العلم عن النظر كجواز تخلف الإحراق عن المماسة المذكورة وهذا قول الإمام الأشعري . الثاني: أن الحصول المذكور عقلي أي لازم عقلاً فلا يجوز انفكاكه كوجود الجوهر لوجود العرض فلا يصح أي يستحيل تخلف العلم عن النظر، فلا يصح أن يخلق الله تعالى أحدهما بدون الآخر بل إما أن يوجدهما معاً أو يعدمهما معاً كالقول في الجوهر مع العرض، وهذا قول الإمام الرازي وهو المختار عند الجمهور. والثالث: أنه توليدي أي أن العلم المذكور متولد عن النظر كتولد حركة المفتاح عن حركة اليد، ومعناه أن القدرة الحادثة أوجدت النظر فتولد عنه العلم وهذا التولد عادي يجوز تخلفه، فالنظر مقدور للعبد موجود بقدرته الحادثة، والعلم متولد عن مقدوره فيصح وصفه بكونه مقدوراً للعبد أيضاً باعتبار حصوله عن مقدوره وهذا قول المعتزلة أضلهم الله. الرابع: أنه حاصل بالتعليل ومعناه أن النظر علة مؤثرة بالذات في حصول العلم عقبه وهذا قول الحكماء. فقد علمت الأقوال الأربعة والفرق بينها على أتم وجه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 101
قوله:
(ولا انفكاك عنه)
(1/203)
---(1/200)
قد يقال: إنه يمكن الانفكاك عنه بأن يغفل عن النظر ويعتقد ما يناقضه. والجواب عن ذلك من وجهين: الأول: أن الكلام في حصوله عقب النظر بأن يتصل به من غير فاصل وهذا لا ينافي إمكان طرو غفلة يعتقد بسببها ما يناقضه، إذ ليس المدعي دوامه بل حصوله متصلاً بالنظر وإن انقطع بعد ذلك لعارض. والثاني: أن المراد لا قدرة على الانفكاك عنه حيث لا مانع كالغفلة ضرورة أن حصول الشيء مشروط بعدم المانع سم. قوله: (فلا خلاف إلا في التسمية) أي لموافقة الأول للثاني في أن حصول العلم عقب النظر الصحيح إضطراري والثاني للأول في أن حصوله عن النظر وكسب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 101
قوله:
(وهي بالمكتسب أنسب)
أي وتسمية العلم الحاصل عقب النظر بالمكتسب لكون سببه وهو النظر مكتسباً وإن كانت تسمية مجازية من إطلاق ما للسبب على المسبب أنسب من تسميته ضرورياً لما يتوهم من تسميته بالضروري أن أسبابه ضرورية أيضاً وليس كذلك كذا قرر وفيه تأمل. والباء في قوله: بالمكتسب متعلقة بضمير التسمية وعمل ضمير المصدر كما هنا شاذ قاله العلامة. ويمكن الجواب بأنه لا يجب تعلق الباء بضمير التسمية، بل يجوز تعلقها بمحذوف حال من ذلك الضمير على رأي سيبويه أو من ضمير الخبر وهو أنسب على قول الجميع. قوله: (وعدمه) فيه أن يقال: يقدر على الانفكاك عنه بنظر آخر يفيد ما لا يجامع الظن الأول من علم بمتعلقه أو علم أو ظن بخلافه قاله العلامة. والجواب أن عدم الانفكاك باعتبار حصوله عن ذلك النظر الذي هو سببه مع عدم المانع، ولا شك أنه في هذه الحالة لا قدرة على الانفكاك عنه، وليس المراد عدم الانفكاك مطلقاً بمعنى استمرار ذلك، كيف والشارح قد صرح بأنه قد يزول بعد حصوله بقوله: فإنه مع بقاء سببه الخ سم.
(1/204)
---(1/201)
قوله: (لأنه لا ارتباط الخ) اعترضه الكمال وشيخ الإسلام بأنه إنما يتجه كون هذا دليلاً على عدم ثبات الظن بعد حصوله لا على انتفاء حصوله عقب النظر الصحيح، فإن القياس إذا كان صحيح الصورة لا يتخلف عنه حصول الظن أي قيامه بالناظر عقب نظره، ويجري فيه حينئذ قولا اللزوم والعادة وتخلفه بمعنى تبين أن المظنون غير واقع مزيل للظن بعد حصوله يظهر به عدم ثباته لأنه لم يحصل عقب النظر الصحيح اهـ. واعترضه العلامة أيضاً بقوله: فيه نظر إذ السبب الذي قرر به لزوم العلم جار في الظن، وأما استدلاله بزوال الظن مع بقاء سببه لعارض خارج فلا ينتهض لأن لزوم الشيء لسببه لا ينافيه تخلفه عنه لخارج من انتفاء شرط أو وجود مانع، ويكفيك أن النظر سبب للمطلوب من علم أو ظن، والسبب ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته اهـ. وأجاب سم عن الأول بأن وجه استدلال الشارح بما ذكر أنه لما أمكن زوال الظن بطرو المعارض أمكن عدم حصوله ابتداء بمقارنة المعارض لأن المعارض إذا كان منشئاً لسقوط الظن بعد حصوله كان منشئاً لعدم حصوله ابتداء كما هو ظاهر. قال: ثم رأيت السيد السمهودي أجاب بذلك فلله الحمد على موافقة هذا الإمام. وقول الكمال : فإن القياس الخ جوابه أن هذا مسلم عند انتفاء المعارض وما هنا قد وجد المعارض. وعن الثاني بما ملخصه: إن اللزوم الذي أثبته للعلم ونفاه عن الظن هو اللزوم الاستمراري ولا شك أنه ثابت للعلم دون الظن هذا كلامه باختصار. قلت: لا يخفى أن مفاد جوابه عن الأول في قول الشارح المتقدم وعدمه من قوله: والظن كالعلم في قولي الاكتساب وعدمه، فلا تصح دعوى كون الظن الحاصل عن النظر اضطرارياً لا قدرة على الانفكاك عنه، وأن مفاد جوابه عن الثاني يرد جوابه المتقدم عن الإشكال الوارد على قول الشارح وعدمه الذي محصله كون المراد بعدم انفكاك الظن عن النظر أن الظن الحاصل عن نظر باعتبار ذلك النظر الذي هو سببه، ومع عدم المانع كالمعارض لا(1/202)
(1/205)
---
قدرة على دفعه ولا الانفكاك عنه، وهذا لا ينافي أنه يمكن الانفكاك عنه لمعارض، وبالجملة فإن صح ما ذكره في قول الشارح وعدمه بطل ما ذكره هنا من الجواب وصح قول الشارح وعدمه، وإن صح ما ذكره هنا من الجواب صح قول الشارح هنا لأنه لا ارتباط الخ. وبطل قوله فيما تقدم وعدمه، وبطل جواب سم عن الإشكال الوارد عليه، والأول حق دون الثاني فقد علمت أن ما اعترض به الكمال وشيخ الإسلام والعلامة وارد والجواب عن ذلك غير سديد فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 102
قوله:
(وأما غير أئمتنا فالمعتزلة قالوا الخ)
(1/206)
---(1/203)
ظاهره أن هذا مقابل لقولي الكسب وعدمه وليس كذلك لما علمته مما قدمناه من أن العلم الحاصل عن النظر يوصف عندهم بالكسب لكونه متولداً عن كسب العبد وإيجاده بل هو مقابل لقولي اللزوم والعادة، أما مقابلته للأول فمن جهتين: الأولى كون كل من النظر والعلم الحاصل عنه غير مخلوق لله تعالى. والثانية كون الحصول المذكور عادياً. وأما للثاني فمن الجهة الأولى فقط كذا قرره شيخنا. قلت: بل الظاهر أن قوله: وأما غير أئمتنا الخ مقابل لقوله: واختلف أئمتنا إذ معناه وأما غير أئمتنا فلم يختلفوا في أنه كسبي أو ضروري بل قالوا بأنه كسبي فقط كما علمت فالمقابلة صحيحة فتأمل. وقوله: وأما غير أئمتنا فالمعتزلة قالوا غير فيه مبتدأ. وقوله: فالمعتزلة قالوا جملة من مبتدأ وخبر لا تصلح أن تكون خبراً عن غير لعدم الرابط فيقدر الخبر محذوفاً تقديره فاختلفوا كذا قرره شيخنا. وفيه أن الشارح لم يفصل الخلاف بعد ذلك فهذا التقدير لا يصح ولا حاجة للتقدير من أصله فإنه مبني على جعل قوله: فالمعتزلة قالوا جملة من مبتدأ وخبر فلا يصح حينئذٍ الإخبار بها عن غير فيحتاج إلى تقدير خبر لها وليس كذلك، بل لنا أن نجعل قوله: فالمعتزلة خبراً عن غير. وقوله: قالوا استئناف بياني أو حال من المعتزلة أي قائلين ولئن سلم كون قوله: فالمعتزلة قالوا جملة من مبتدأ وخبر فيجوز كونها خبراً عن غير ولا حاجة إلى الرابط لأن المعتزلة عبارة عن ذلك الغير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 103
قوله:
(متولد عن النظر عندهم وإن لم يجب عنه)
(1/207)
---(1/204)
أورد أن التوليد أن يوجب الفعل لفاعله فعلاً آخر فلا يصدق على إفادة النظر الظن إذ لم يجب عنه. وأجيب بأن المراد بإيجاب الفعل فعلاً تأثيره في حصوله وبالوجوب في قوله: وإن لم يجب عند اللزوم وعدم التخلف عنه فلا منافاة. قوله: (والحد عند الأصوليين الخ) أي وأما عند المناطقة فالحد ما تركب من ذاتيات الشيء أي جنسه وفصله كالحيوان الناطق حداً للإنسان، وأما التعريف بالمركب من الذاتي والعرضي كتعريف الإنسان بالحيوان الكاتب بالفعل أو بالعرضي فقط كتعريفه بالكاتب بالفعل فيسمى رسماً لا حداً، فالحد عند الأصوليين مرادف للتعريف عند المناطقة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 103
قوله:
(ما يميز الشيء عما عداه)
(1/208)
---(1/205)
أورد عليه أن هذا التعريف غير مطرد وغير منعكس. أما الأول فلأنه صادق على العقل والعلم إذ كل منهما يميز الشيء عما عداه. وأما الثاني فلا شبهة أن المراد بالشيء الماهية وهي غير أفرادها إذ الجزئي غير الكلي إذ الجزئي لا يقبل الشركة والكلي ليس كذلك، فالافراد المذكورة من جملة ما عدا ذلك الشيء، ومن البين أن الحد لا يميز الماهية عن أفرادها فلم يصدق قوله ما يميز الشيء عما عداه على فرد من أفراد الحد إذ لا فرد منه يميز الماهية عن جميع ما عداها لأن أفرادها من جملة ما عداها هو لا يميزها منها قاله العلامة. والجواب عن الأول أن ما في قولنا: ما يميز الخ كناية عن المحمول بقرينة اعتبار صحة الحمل في التعريف كما هو المشهور. فقوله: ما يميز أي محمول يميز الشيء فاندفع إيراد العلم والعقل إذ لا يصح حملهما على الشيء المميز بهما كما هو واضح. وعن الثاني بأن المراد بما عداه ما خرج عنه مطلقاً وهو ما ليس نفسه ولا فرده، ويدل على ذلك قوله: ولا يميز كذلك إلا ما لا يخرج عنه شيء من أفراد المحدود ولا يدخل فيه شيء من غيرها فإنه قرينة ظاهرة على إرادة ما ذكر إذ اعتبار عدم خروج شيء من أفراد المحدود صريح في أن المراد بالغير الممنوع دخوله ما عدا الماهية وأفرادها قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 104
قوله:
(إلا ما لا يخرج عنه الخ)
(1/209)
---(1/206)
ضمير عنه يعود إلى ما. وفي العبارة مضاف محذوف أي عن مفهوم لأن الخروج المذكور إنما هو عن مفهوم الحد لا عن لفظه المراد بما، وكذا القول في ضمير فيه من قوله: ولا يدخل فيه لما علمت. قوله: (ولا يدخل فيه شيء من غيرها) قال العلامة: يرد عليه أن الماهية المحدودة مغايرة لأفرادها وهي من غيرها وداخلة في الحد قطعاً، فلو قال من غيرهما بتثنية الضمير ليعود على طرفي أفراد المحدود كان حسناً، وقد يدعى أن الضمير في غيرها بالإفراد عائد عليهما بتأويل الجماعة فلا يرد ما ذكر اهـ. وقد يقال: إذا كانت الماهية داخلة في الحد قطعاً كان ذلك دليلاً على أن المراد بالغير ما عداها وعدا أفرادها إذ الماهية موجودة في أفرادها كما هو الحق. قوله: (والأول) أي قولنا: ما يميز الشيء عما عداه. وقوله: والثاني هو قوله: ما لا يخرج عنه شيء الخ. وقوله: وهو بمعنى الخ الضمير عائد للثاني.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 104
قوله:
(لإفراد المحدود)
(1/210)
---(1/207)
قال العلامة: يلزمه الدور لجعل المحدود المشتق من الحد قيداً منه وأنه لا يطرد لصدقه على كل إنسان من قولنا: الإنسان حيوان ناطق وكل إنسان كاتب بالقوة اهـ. والجواب عن الأول أن الشارح أراد بقوله: لإفراد المحدود بيان المعنى لا أنه من جملة التعريف، ووقع نظير ذلك في كلامهم. قال السيد الجرجاني في شرح قول الكافية: الاسم ما دل على معنى في نفسه ما نصه: أي نفس الاسم قال السيد الصفوي: هذا بيان للمعنى لا بيان للمرجع إذ لا وجه لرجوع ضمير في التعريف إلى المعرف للزوم ذكره فيه فيدور وهو فاسد بل الضمير إلى ما لكن لما كانت ما عبارة عن الكلمة وكلمة كذا اسم عبر عنه بالاسم اهـ. وعلى قياسه يقال: المراد الجامع لإفراد ما يراد بيانه، لكن لما كانت في الواقع إفراد المحدود عبر بذلك، ووجه بعضهم كلام الشارح بأنه قصد بيان متعلق الجامع بحسب الواقع ليظهر المراد لا ما لا يعتبر ملاحظته في التعريف حتى يلزم الدور، فاحفظ ذلك فإنه ينفعك في مواضع كثيرة. وعن الثاني بأن المراد الجامع لافراد المحدود من حيث كونها محدودة لما اشتهر من أن قيد الحيثية مراعى في تعريف الأمور التي تختلف بالاعتبار وإن حذفه كذكره، وظاهر أن جمع أفراد الإنسان المفاد بقولنا: كل إنسان كاتب ليس من حيثية كونها محدودة بالحيوان الناطق فتأمل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 104
قوله:
(فيكون مانعا)
(1/211)
---(1/208)
نبه بذلك على أن المنع لازم لمفهوم الاطراد، فتفسير المطرد بالمانع الجاري في العبارات تفسير باللازم، وكذا القول في قوله في المنعكس فيكون جامعاً نبه به على أن الجمع لازم لمعنى الانعكاس، فتفسير المنعكس بالجامع تفسير باللازم. قوله: (فمؤدى العبارتين) أي عبارة الجامع المانع وعبارة المطرد المنعكس. وقوله: والأولى أوضح أي لدلالتها على الجمع والمنع صريحاً بخلاف الثانية. قوله: (بخلاف حده بالحيوان الكاتب بالفعل الخ) اعترضه العلامة بأن مقتضاه أن الحد بالمعنى المصدري من جنس المعرف وإن عدم جمعه سبب لكونه غير معرف. وفيه نظر إذ المعرف هو المحدود به لا الحد مصدراً. فإن قيل: يعود الضمير من قوله: فإنه على الحيوان الكاتب لا على حده. قلنا: فكان الواجب حينئذ أن يقول بخلاف الحيوان الكاتب بالفعل حداً للإنسان إذ ذكر الحد والمخالفة بينه وبين ما قبله لا فائدة له. والجواب أن الاعتراض المذكور مبني على جعل الباء في قوله: بخلاف حده بالحيوان للتعدية صلة للحد وليس ذلك بلازم بل لنا أن نريد بالحد المحدود به والباء للملابسة أي بخلاف حده ملابساً للحيوان الخ. لا يقال: حده هو ما ذكر لا شيء آخر ملتبس به. لأنا نقول: ذلك ممنوع بل حده أعم فالملابسة ملابسة الأعم للأخص والكلي لجزئيه المتحقق بذلك الكلي فيه سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 105
قوله:
(وتفسير المنعكس الخ)
(1/212)
---(1/209)
مبتدأ خبره قوله: الآتي أظهر في المراد الخ. وقوله: المراد بالجر نعت للمنعكس وبه متعلق بالمراد. وقوله: عكس المراد الخ نائب فاعل المراد. وقوله: بما ذكر متعلق بتفسير. وما ذكر هو قوله: الذي كلما وجد المحدود وجد الحد. وقوله: المأخوذ وقوله: الموافق بالجر نعتان لما ذكر ويصح رفعهما على أنهما نعتان لقوله: وتفسير المنعكس والأول أولى لتكون الضمائر كلها على وتيرة واحدة، لأن ضمير عليه من قوله في إطلاق العكس: عليه لما ذكر، فلو جعل ضمير المأخوذ والموافق للتفسير لزم تشتيت الضمائر في العبارة.
قوله: (الموافق في إطلاق العكس عليه للعرف) أي لموافقة ما ذكر في إطلاق العكس عليه للمعنى اللغوي المتعارف في العرف، ومعنى موافقة ما ذكر للمعنى اللغوي أنه فرد من أفراد المعنى اللغوي صادق عليه المعنى اللغوي صدق الكلي على جزئياته، إذا علمت هذا فصواب قول الشارح للعرف زيادة ياء النسبة في العرف إذ الموافقة كما علمت للمعنى العرفي لا للعرف، ويمكن أن يجعل الكلام على حذف المضاف أي متعارف العرف. قوله: (أظهر الخ) لعل وجه الأظهرية أن مفهوم الجامع ثبوتي، واستنتاج الثبوتي من ثبوتي مثله وهو قولنا: كلما وجد المحدود وجد الحد أولى من استنتاجه من النفي وهو قولنا: كلما انتفى الحد انتفى المحدود، وقول بعض من حشى الكتاب وجه الأظهرية ما قدمه من قوله: الموافق الخ، فوجه الأظهرية الموافقة المذكورة غير ظاهر وغير صحيح لمن تأمل قوله: (اللازم لذلك) إنما كان لازماً له لأنه عكس نقيضه الموافق، فإن قولنا: كلما وجد المحدود وجد الحد ينعكس بعكس النقيض الموافق إلى قولنا: كلما انتفى الحد انتفى المحدود، وعكس النقيض الموافق تبديل كل من الطرفين بنقيضه مع جعل كل موضع الآخر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 105
قوله:
(نظراً الخ)
(1/213)
---(1/210)
علة لتفسير ابن الحاجب المنعكس بما قاله. واعلم أن العلامة قد رد ما قاله الشارح منتصراً ومختاراً لما لابن الحاجب بما نصه: اعلم أن الاطراد والانعكاس افتعال وانفعال من الطرد والعكس، والطرد ذكر الشيء على ترتيبه الأصلي مفرداً أو مركباً، والعكس الابتداء بآخر الشيء من كلمة أو حرف ثم بما يليه إلى أوله، ومنه النوع المسمى بقلب الكل في البديع، وقد يقال لتبديل طرفي القضية مع بقاء الحكم والكيف صادقاً أو كاذباً وهذا هو المسمى في الشرح بالعرف، ويقال أيضاً لتبديلهما على وجه يصح، وهذا المعنى لازم لكل قضية وهو المسمى في المنطق بالعكس المستوى، وقد يقال لتلازم الشيئين في الانتفاء كالطرد لتلازمهما في الثبوت وهذا النوع هوالمسمى في القياس بالطرد والعكس بين العلة والحكم إذا علم هذا فقولهم: الحد المطرد المنعكس المسند فيهما الاطراد والانعكاس إلى ضمير المعرف لا يصح فيه المعنى الأول لأنه غير مراد، ولا العرفي والمنطقي لأن الموصوف بهما القضية والمعرف ليس منها فتعين الأخير وهو مدعى ابن الحاجب وهو الحق إذ هو المعنى الثابت لنفس الحد، وقول الشارح الموافق للعرف في إطلاق العكس عليه يعني باعتبار جملة صلة الموصول إنما يلزم منه إن ما فسر به الانعكاس عكس ما فسر به الاطراد لا عكس الحد الذي هو المدعي على أن العرفي إنما يقع في جملة. على أن ما ذكر مباين لذات التعريف، فلا يصح أن يكون عكساً له عرفاً وإن لم يتقيد بالجملة. وبالجملة فهو من اشتباه عكس تفسير وصف شيء بعكس ذلك الشيء فتدبر واعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال اهـ. وقوله: يعني باعتبار صلة الموصول أشار به إلى أن في قول الشارح في إطلاق العكس عليه تساهلاً. والمراد في إطلاق العكس على ما تضمنه فإن تفسير المنعكس هو قوله: الذي كلما الخ. وهذا ليس هو العكس الموافق للعرف لأن هذا مفرد والعكس المذكور قضية بل العكس المذكور هو قوله: كلما وجد المحدود وجد الحد الواقع صلة للموصول(1/211)
(1/214)
---
في التفسير. وقوله: على أن ما ذكر الخ يريد والله أعلم أن ما ذكر جزء من التعريف لأن التعريف مجموع قولنا: المطرد المنعكس والجزء مباين للكل، فلا يصح أن يكون العكس المذكور عكساً للحد بل هو عكس لجزء الحد أي المطرد، فإن معنى المنعكس عكس معنى المطرد، فتفسير أحد جزأي التعريف عكس تفسير جزئه الآخر كما أشار له العلامة بقوله: إنما يلزم منه الخ. وقوله: فهو من اشتباه الخ المراد بالوصف هو قولنا: المطرد وبالشيء الحد الموصوف بذلك، ومعنى ما أشار إليه أن ما ذكره الشارح في معنى المنعكس هو عكس معنى المطرد الذي هو وصف للحد لا أنه عكس للحد نفسه، وجعل ذلك عكساً للحد من اشتباه تفسير عكس وصفه بعكسه، وإنما كان ذلك اشتباهاً بناء على ما يفيده كون المنعكس نعتاً للحد كالمطرد المفيد أن المنعكس هو الحد لا وصفه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 106
(1/215)
---(1/212)
وحاصل كلام العلامة قدس سره إن ما فسر به الشارح المنعكس تبعاً للعضد وغيره غير مناسب لأنه عكس لجزء الحد وهو المطرد لا الحد نفسه مع أنه المراد إذ هو مفاد كون المنعكس نعتاً للحد رافعاً لضميره كالمطرد، وإنما المناسب في تفسير المنعكس ما فسره به ابن الحاجب وغيره وليس اعتراض العلامة متعلقاً بالشارح فقط كما توهم. فأجيب بأن الشارح تابع في ذلك لعدة من الفضلاء بل اعتراضه في الحقيقة على أولئك كما هو قضية قوله: واعرف الرجال بالحق الخ. قلت: ومع كون تفسير المنعكس بما قاله الشارح تبعاً لأولئك خلاف الظاهر مؤد للتجوز في التعريف بدون قرينة إذ المنعكس وصف التعريف لا هو فوصف الحد بالمنعكس في تعريفه بقولنا: الحد هو المطرد المنعكس مجاز فيه بلا قرينة فليتأمل. وحيث كان الأمر كما علمت فلا داعي للشارح إلى إخراج عبارة المصنف عن ظاهرها الظاهر فيما لابن الحاجب لوقوع المطرد والمنعكس فيها نعتين للحد رافعين لضميره، وحملها على ما لأولئك الجماعة مع إمكان كون المصنف يوافق ابن الحاجب في التفسير الذي فسر به بل الظاهر ذلك إذ لو خلفه في ذلك لذكر تفسير العضد المذكور منبهاً بذلك على عدم اختيار ما لابن الحاجب كما هو عادته في مثل ذلك غير سائغ، ومجرد كون ما ذكره العضد من التفسير طريقة الأكثر على تسليمه غير مفيد في حمل العبارة عليه إذ ليس التقليد واجباً في مثل ذلك، على أنا لا نسلم أن التفسير المذكور طريقة الأكثر بل كل من التفسيرين قال به جمع، كما يفيده كلام التفتازاني في تلويحه حيث قال: وأما العكس فأخذه بعضهم من عكس الطرد بحسب متفاهم العرف وهو جعل المحمول موضوعاً مع رعاية الكمية بعينها، يقال كل إنسان ضاحك وبالعكس أي كل ضاحك إنسان، وكل إنسان حيوان ولا عكس أي ليس كل حيوان إنساناً. فلذا قال أي كل ما صدق عليه المحدود صدق عليه الحد عكساً لقولنا: كل ما صدق عليه الحد صدق عليه المحدود فصار حاصل الطرد حكماً كلياً بالمحدود على(1/213)
(1/216)
---
الحد والعكس حكماً كلياً بالحد على المحدود. وبعضهم أخذه من أن عكس الإثبات نفي ففسره بأنه كلما انتفى الحد انتفى المحدود أي كل ما يصدق عليه الحد لم يصدق عليه المحدود فصار العكس حكماً كلياً بما ليس بمحدود على ما ليس بحد، والحاصل واحد وهو أن يكون الحد جامعاً لأفراد المحدود كلها اهـ. وبتأمل ما ذكرناه تعلم سقوط ما أطال به سم رحمه الله تعالى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 106
قوله:
(التلازم في الانتفاء الخ)
اعترضه العلامة بأن المناسب للتعريف بذلك التطارد والتعاكس لا الاطراد والانعكاس المناسب لهما الملازمة اهـ. وأجيب بأن ما عبر به الشارح عبارة القوم فلذا آثرها وغاية ما يلزم عليه مسامحة في التعبير غير مضرة مع وضوح المقام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 107
قوله:
(والكلام في الأزل)
الظرف حال من الكلام على رأي سيبويه أو حال من الضمير في يسمى أي حال كونه ملحوظاً في الأزل أي لا يطلق لفظ الخطاب فيما لا يزال على الكلام النفسي باعتبار ملاحظة كونه في الأزل، ولا يجوز تعلقه بيسمى إذ التسمية حادثة فلا يتصور كونها في الأزل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 108
قوله:
(حقيقة)
بيان لمحل النزاع من أنه التسمية الحقيقية. قوله: (إذ ذاك) مبتدأ خبره محذوف تقديره موجود والإشارة راجعة للأزل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 108
قوله:
(عند وجود من يفهم)
أي متصفاً بشروط التكليف بعد البتة كما تقدم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 108
قوله:
(باللفظ)
أي اللفظ الدال عليه. وقوله كالقرآن. مثال للفظ الدال على الكلام النفسي المذكور وأدخل بالكاف التوراة وغيرها من الكتب السماوية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 108
قوله:
(خرقاً للعادة)
(1/217)
---
حال من فاعل وقع مؤول باسم الفاعل ولا داعي لجعله متعلقاً بمحذوف كما قال شيخنا أي وإنما وقع كذلك خرقاً للعادة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 108
قوله:
(وعلى كل)(1/214)
أي من سماعه نفس الخطاب وسماعه اللفظ الدال عليه. ووجه الاختصاص على الأول ظاهر كالثاني إذ لم يقع لغيره أنه سمع اللفظ الدال على الكلام النفسي من جميع الجهات، كما إن كون كل خارقاً للعادة كذلك، إذ سماع ما ليس بحرف ولا صوت غير ممكن عادة وكذا سماع اللفظ من جميع الجهات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 108
قوله:
(بتنزيل المعدوم الخ)
اعترضه العلامة بقوله: هذا ينافي أن التسمية حقيقية بل هي مجاز حينئذ لعلاقة الأول وإطلاق ما بالفعل على ما بالقوة، وبأن الصحيح ما قاله العضد من أن مبنى الخلاف تفسير الخطاب. فإن قلنا: إنه الكلام الذي علم أنه يفهم كان خطاباً. وإن قلنا: إنه الكلام الذي أفهم لم يكن خطاباً اهـ. وجواب الأول كما نقل عن تقريره أنه ليس كذلك بل هو حقيقة لأنه نزلهم منزلة الموجودين وخاطبهم فوقع الخطاب بعد التنزيل المذكور، فالمجاز في المخاطب لا في الخطاب، وكونه حقيقة لا يستلزم وجود المخاطب حقيقة أي بالفعل. وأما جواب سم عن الثاني بما حاصله: أن قوله: والصحيح ما قاله العضد فإن كان مستند هذا الصحيح نقلاً فلم يأت به وإن كان مجرد استشكال ما قاله الشارح فقد أزلنا إشكاله بما بيناه وكأنه قصد ببيان الإشكال بيان كون التجوز في التنزيل المذكور لا في الخطاب فإنه أجاب بذلك ثم نقله عن العلامة فلا يخفى ما فيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 108
قوله:
(لعدم من تتعلق به هذه الأشياء)
(1/218)
---(1/215)
المراد بالتعلق التعلق التنجيزي أي لعدم من تتعلق به هذه الأشياء تعلقاً تنجيزياً وتمامه، وعدم من تتعلق به هذه الأشياء يستلزم عدم تعلقها وهو يستلزم عدمها لأن الأمر والنهي منها قسمان من الحكم المعتبر في مفهومه التعلق المذكور. وبما قررناه من أن المراد بالتعلق التعلق التنجيزي اندفع ما يقال: إن أريد بعدم التعلق عدم مجموع التعلقين المعنوي والتنجيزي صح قولنا: وعدم من تتعلق به هذه الأشياء يستلزم عدم تعلقها وبطل قولنا: وهو يستلزم عدمها بثبوت الأمر في الأزل متعلقاً تعلقاً معنوياً بالمعدوم، وإن أريد به عدم جميعهما أي كل منهما انعكس الأمر أي صح قولنا: وهو يستلزم عدمها وبطل قولنا: وعدم من تتعلق به هذه الأشياء يستلزم عدم تعلقها بما تقدم من ثبوت الأمر في الأزل متعلقاً بالمعدوم تعلقاً معنوياً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 108
قوله:
(والأصح تنوعه في الأزل إليها بتنزيل المعدوم الخ)
(1/219)
---(1/216)
مقتضاه وجود الأمر والنهي متعلقاً كل منهما التعلق المعنوي والتنجيزي في الأزل، وأن للكلام تعلقاً تنجيزياً قديماً، ووجود ذلك مستلزم لوجود الحكم في الأزل، ووجوده فيه نقيض قوله: فيما مر ولا حكم قبل الشرع. وقوله: ويتعلق الأمر بالمعدوم تعلقاً معنوياً أي لا تعلقاً تنجيزياً قاله العلامة. وأجاب سم بما ملخصه: إن الاقتضاء المذكور ممنوع أما أو لا فالتنوع المذكور لا يتوقف على التعلق التنجيزي بل يكفي فيه المعنوي كما صرح به المصنف فيما مرّ بقوله: ويتعلق الأمر بالمعدوم الخ. وأما ثانياً فقد ذكر العلماء هنا أن التعلق الثابت في الأزل هو المعنوي وبنوا على ذلك دفع التناقض بين ما هنا وبين قولهم السابق، ولا حكم قبل الشرع بأن المنفي هناك تعلق الأحكام لا ذواتها، والمدعى هنا في الأزل ذواتها، ومن المعلوم أن المنفي هو التعلق التنجيزي. ومن هنا يظهر أن الأمر والنهي أعم من الحكم هذا كلامه. قلت: وفيه أن دفع التناقض بما ذكر إنما يتمشى على كون الحكم قديماً غير معتبر في مفهومه التعلق التنجيزي بل المعنوي فقط وهو خلاف ما مشى عليه الشارح. فإن التعلق المعنوي غير محتاج للتنزيل المذكور فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 109
قوله:
(إلا أن يراد أنها أنواع اعتبارية)
(1/220)
---(1/217)
فيه أن مجرد ذلك غير مخلص مع تسليم أن الكلام جنس لما فيه من تسليم وجود الجنس مجرداً وأنه محال، وإنما المخلص ملاحظة كونه ليس جنساً بل هو صفة واحدة كالعلم كما سيقول، وهذا وإن كان مراده هنا إلا أن عبارته غير موفية بذلك، وحمل العلامة الأنواع فيه على أنها أنواع للتعلق وبسط بيان ذلك فراجعه. والحاصل أن الأوضح أن لو قال: والجواب أن جعلها أنواعاً وجعل الكلام جنساً لها ليس على الحقيقة لأن الكلام صفة شخصية لا تعدد فيها كالعلم وهذه عوارض تعرض لها عند التعلق أو أنها أنواع للتعلق لا للكلام كما قال العلامة. قوله: (تحدث عند التعلق) الأولى تتجدد لأن الأمور الاعتبارية لا توصف بالحدوث لأنه الوجود بعد العدم، والأمور الاعتبارية لا وجود لها ويطلق عليها التجدد كما يقال إنه تعالى تجدد له المعية مع العالم والبعدية. ولا يقال: حدثت لأن المعية والبعدية أمران اعتباريان قاله العلامة. قوله: (كما أن تنوعه إليها الخ) أي فهي أمور اعتبارية على القولين إلا أنها على الأصح أمور لازمة غير مفارقة بخلافها على الآخر سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 109
قوله:
(وقدم هاتين المسألتين الخ)
(1/221)
---(1/218)
جواب سؤال تقديره أن هاتين المسألتين متعلقتان بالمدلول وهو المطلوب الخبري فحقهما أن تذكرا بعد الدليل وما يتعلق به وهو النظر لأن الدليل وما يتعلق به مقدم على المدلول وما يتعلق به تقديم الأصل على فرعه. وحاصل الجواب أنه لو ذكرهما بعد النظر مع طول الكلام عليه لم يفهم منه ارتباطهما بالدليل من حيث تعلقهما بالمدلول، بخلاف تقديمهما وجعلهما واليين للدليل، وبهذا يسقط ما اعترض به شيخ الإسلام وما اعترض به الكمال ويستغني عما أطال به سم في توجيه ما قاله الشارح. وقوله: في الجملة نبه به على أن الكلام النفسي وإن كان من جملة المدلول إلا أن هاتين المسألتين وهما قول المصنف والكلام في الأزل الخ غير متعلقتين به من حيث كونه مطلوباً خبرياً كما هو ظاهر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 109
قوله:
(أي حركة النفس في المعقولات)
أطلق الحركة مراداً بها جنسها إذ المراد مجموع الحركتين أي الحركة من المطالب إلى المبادىء ثم من المبادىء إلى المطالب كما هو رأي القدماء لا الثانية فقط كما هو رأي المتأخرين إذ المطلوب إنما يحصل بالمجموع لا بالثانية فقط. وإيضاح كون الحركة الأولى من المطالب إلى المبادىء والثانية من المبادىء إلى المطالب أن الشخص أول ما يخطر بباله المطلوب كوجود الصانع مثلاً فيريد الاستدلال عليه فينظر فيما ينتقل منه إليه كحدوث العالم فهذه الحركة الأولى ثم يأخذ ذلك مرتباً له مع غيره جاعلاً ذلك دليلاً موصلاً للمطلوب أي منتقلاً منه إلى المطلوب وهذه الحركة الثانية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 110
قوله:
(بخلاف حركتها في المحسوسات الخ)
(1/222)
---
تبع الشارح في هذا الأقدمين القائلين بأن العقل لا يدرك المحسوسات أصلاً وإنما تدركها الحواس، والعقل إنما يدرك الأمور الكلية، وأما على طريق المتأخرين القائلين بأن العقل يدرك المحسوسات أيضاً لكن بواسطة الحواس فينبغي أن تسمى حركتها في المحسوسات فكراً أيضاً.(1/219)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 110
قوله:
(المؤدي إلى علم أو ظن)
ينبغي أن يراد بالظن ما يشمل الاعتقاد لأن الفكر قد يؤدي إليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 110
قوله:
(بمطلوب خبري فيهما أو تصوري في العلم)
قوله فيهما خبر مبتدأ محذوف والتقدير وهذا أي التقييد بالخبري جار فيهما أي في العلم والظن لأن كلاً منهما يصح أن يتعلق بالمطلوب الخبري وقوله: أو تصوري عطف على خبري. وقوله: في العلم خبر مبتدأ محذوف والتقدير وهذا أي تقييد المطلوب بالتصوري جار في العلم دون الظن، إذ الظن لا يتعلق بالمطلوب التصوري.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 110
قوله:
(بواسطة اعتقاد أو ظن)
قال العلامة في جعل التعريف المذكور شاملاً للمؤدي بواسطة اعتقاد نظر لا يخفى لأن المؤدي إليه في ذلك هو الاعتقاد لا العلم الذي هو أخص منه، إذ هو اعتقاد مطابق لموجب أي برهان من حس أو عقل والنتيجة تابعة في الإدراك لمقدمات البرهان اهـ. وأجيب بأن المراد بقوله فإنه يؤدي إلى ما ذكر أي جنس ما ذكر الصادق ببعضه وهو المراد، إذ هو إنما يؤدي إلى أحد الأمرين وهو الظن فقط. ومما يوضح هذا المراد أن قولهم إلى العلم أو الظن ليس المراد به إلا أحدهما، إذ لو كان المراد إلى كل منهما لم يصدق التعريف على شيء مطلقاً، إذ ليس لنا فكر يؤدي إلى كل منهما إذ المؤدي إلى الظن لا يؤدي إلى العلم والعكس كذلك قاله سم. وفي جوابه نظر لا يخفى على متأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 110
قوله:
(والإدراك بلا حكم معه تصور)
(1/223)
---(1/220)
قال العلامة: يخرج به إدراك النسبة وطرفيها أو أحدهما مع الحكم مع أنه تصور فهو غير منعكس، ويدخل الحكم نفسه بناء على أنه إدراك مع أنه ليس بتصور فهو غير مطرد اهـ. وجوابه أن المعنى في قوله: والإدراك بلا حكم الخ الإدراك الذي لا يقارن الحكم دائماً بحسب الزمان تصور، وهذا شامل لتصور المحكوم عليه أو به مع الحكم أو النسبة مع الحكم كما لا يخفى، والتصديق هو الإدراك الذي يكون حصوله دائماً مع الحكم، ولا خفاء أن هذا إنما يصدق بالمجموع المركب من التصورات الثلاثة والحكم، وأما دخول الحكم نفسه بناء على تفسيره بالإدراك فقد ألزم القطب صاحب المطالع بمثل ذلك، وأورد عليه لزوم اكتساب التصور من الحجة، وعلل ذلك بأن الحكم لا بد أن يكون تصوراً عند صاحب المطالع واكتسابه من الحجة، ووجه السيد قوله لا بد أن يكون تصوراً بقوله: لأن الحكم إدراك كما عرفت وليس عنده تصديقاً فلا بد أن يكون تصوراً ساذجاً اهـ. فجعل المحذور لزوم اكتساب التصور من الحجة لا مجرد كون الحكم تصوراً، فيجوز أن يلتزم المصنف كونه من التصور فيندفع ذلك الاعتراض، وأما اكتساب التصور من الحجة فشيء آخر غير ما اعترض به العلامة، ويمكن أن يجاب أيضاً بأن المصنف أراد بالإدراك الخ التصور الذي لا يتناول الحكم كما يتبادر من تقييد الإدراك بكونه بلا حكم، فالمراد الإدراك الذي ليس حكماً قاله سم وفيه تأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 110
قوله:
(بتمامه)
هو مناسب لمعنى الإدراك لغة إذ هو بلوغ غاية الشيء ومنتهاه، ومنه الدرك والدرك الأسفل قاله العلامة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 111
قوله:
(فيسمى شعورا)
هذا طريق لبعض المناطقة وهو أن التصور إدراك الشيء بتمامه أي كنهه، فتصور الشيء بوجه ما يسمى شعوراً. والطريق الآخر لهم أن التصور إدراك الشيء مطلقاً أي سواء كان بكنهه أو بوجه ما، فالتصور بوجه ما فرد من أفراد التصور المطلق.
(1/224)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 111
قوله:(1/221)
(يعني الإدراك الخ)
عبر بيعني دون أي لأن ظاهر المتن يفيد أن إدراك بعض المذكورات من النسبة وطرفيها مع الحكم كاف في التصديق وليس كذلك، فلما كان المتن ظاهراً في خلاف المراد عبر بيعني، وأفاد بما ذكره دفع ذلك الوارد على التعريف من ظاهر عبارة المصنف، وفيه أن مفاد ما ذكره كون التصديق عبارة عن مجموع التصورات الثلاث المصحوبة بالحكم، فالحكم مأخوذ قيداً فيها وليس جزءاً من مسمى التصديق وليس كذلك فإن التصديق عبارة عن مجموع التصورات الثلاثة والحكم، فالحكم شطر لا شرط، فالتصديق عبارة عن تصور المحكوم عليه وتصور المحكوم به وتصور النسبة بمعنى خطورها بالبال وهي ثبوت المحمول للموضوع والحكم وهو إيقاع تلك النسبة أو انتزاعها أو إدراك أنها واقعة أو ليست بواقعة. قوله: (وكون الكاتب الخ) فيه أن النسبة ثبوت الكاتب للإنسان لا كون الكاتب ثابتاً له ولعله راعى المعنى. وكذا قوله: وإيقاع أن الكاتب ثابت للإنسان الحكم فيه هو إيقاع ثبوت الكاتب للإنسان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 111
قوله:
(الصادقين في الجملة)
أي بأن يراد بالإنسان في القضية الأولى زيد وفي الثانية عمرو مثلاً، ثم لا حاجة إلى قوله الصادقين الخ فإن الكلام في التصديق ولا مدخل له في الصدق. قاله العلامة. وقد يقال: مراد الشارح أن في تسمية الإدراك المخصوص بالتصديق مناسبة لصدق متعلقه في الجملة، ولم يرد أن التسمية بذلك من حيث صدق المتعلق المفيد للمدخلية المذكورة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 111
قوله:
(وقيل الحكم الخ)
(1/225)
---(1/222)
ظاهره أن تفسيره بما قدمه من الإيقاع والانتزاع مبني على أنه فعل للنفس وليس كذلك بل هو صالح لكونه فعلاً وكونه إدراكاً، ومعنى إيقاع النسبة إدراك وقوعها، ولهذا ترى كثيراً ممن ذهب إلى أنه إدراك عرفه بالإيقاع أو الانتزاع قاله العلامة، وقد قال ما اقتضاه ظاهر الشارح هو الظاهر الذي ذكره غيره، واقتصاره على ذلك لا ينافي احتمال غيره وهو صلوحية تفسير الحكم بالإيقاع لكونه إدراكاً لا فعلاً للنفس. واختلف في الإدراك فقيل: هو انفعال بناء على تفسيره بانتقاش الصورة في الذهن، وقيل: هو كيفية بناء على تفسيره بالصورة الحاصلة في الذهن من توجه النفس إلى تحصيل الشيء وهذا هو الراجح، ويمكن رد الأول لهذا بجعل الإضافة في انتقاش الخ من إضافة الصفة للموصوف. وقوله: قال بعضهم وهو التحقيق ووجهه أنا لم نجد موصلاً لقسمي العلم من التصور والتصديق إلا شيئين: القول الشارح للتصور والحجة للتصديق، وليست الحجة موصلة للتصديق إلا بمعنى الحكم لا بمعنى مجموع التصورات والحكم، ووجه كون الحكم هو الإدراك كما للسعد وغيره أنا إذا راجعنا وجداننا لم نجد للنفس بعد تصور الطرفين فعلاً لها بل إذعاناً وقبولاً للنفس، وقيل: كيفية لها وهو الراجح لأنه صفة وجودية قائمة بالنفس، وقضية تفسير الإدراك بوصول النفس إلى المعنى أنه انفعال كما هو ظاهر فتأمله، ومعنى إدراك أن النسبة واقعة إدراك أنها مطابقة للواقع أي للنسبة التي في الواقع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 111
قوله:
(قال بعضهم وهو التحقيق)
(1/226)
---(1/223)
قال العلامة: كون الحكم هو الإدراك يستلزم استحالة حكم النفس بغير مدركها فلا يكون في الكذب عمداً حكم فلا يكون قسماً من الخبر وهو ظاهر البطلان اهـ. وفيه أن يقال: الخبر لا يتوقف تحققه على تحقق حكم فيه بدليل كلام الشاك فإنه خبر كما صرح به في المطول حيث قال في مبحث الصدق والكذب ما نصه: لا يقال المشكوك ليس بخبر ليكون صادقاً أو كاذباً إذ لا حكم معه ولا تصديق بل هو مجرد تصور كما صرح به أرباب المعقول. لأنا نقول: لا حكم ولا تصديق للشاك بمعنى أنه لم يدرك وقوع النسبة أو لا وقوعها وذهنه لم يحكم بشيء من النفي والإثبات لكنه إذا تلفظ بالجملة الخبرية فقال: زيد في الدار مثلاً فكلامه خبر لا محالة، بل إذا تيقن أن زيداً ليس في الدار فكلامه خبر وهو الظاهر اهـ سم باختصار. قوله: (عبارات) أي عبارات لا يراد ظاهرها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 112
قوله:
(ومن هذا الإطلاق قول المصنف وجازمه)
أي فيكون في عبارة المصنف استخدام حيث ذكر التصديق أولاً بمعنى المركب من الأمور الأربعة المذكورة وأعاد عليه الضمير بمعنى الحكم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 112
قوله:
(من حس الخ)
(1/227)
---(1/224)
ويسمى الحكم الحاصل من الحس حكماً بالمشاهدات، فإن كان الحس من الحواس الظاهرة سميت حسيات كالحكم بأن الشمس مضيئة، وإن كان من الحواس الباطنة سميت وجدانيات كالحكم بأن لنا جوعاً وعطشاً. وقوله: أو عقل أي وحده. وقوله: أو عادة أي بدون اقتضاء عقلي لكن لا بد من انضمام الحس إليها لأنها لا تستقل بإيجاب الحكم وحدها، وقد ظهر بهذا أن قول الشارح: من حس أو عقل أو عادة منفصلة حقيقية لا مانعة خلو فقط قاله العلامة: أي لأن هذه الموجبات الثلاثة وهي: الحس والعقل والعادة المشترك معها الحس لا يمكن اجتماعها ولا اثنين منها لأنه اشترط في الحس أن يكون وحده، وفي العقل كذلك فلا يصح اجتماعهما ولا اجتماع العقل مع العادة. والعادة مع الحس لا يصح اجتماعهما مع الحس غير المنضم إليها وهو القسم الأول. ومن المعلوم أنه لا يصح ارتفاع هذه الموجبات الثلاث. وقصد العلامة بما قاله الرد على شيخ الإسلام حيث جعل قول المصنف من حس الخ مانعة خلو فتجوز الجمع قال: إذ قد يكون الموجب مركباً من حس وعادة كالتواتر، ومن حس وعقل كالحكم بأن الجبل حجر، وقد يقال: لا مانع من صحة ما قاله شيخ الإسلام وعبارته محتمله لكون المنفصلة حقيقية وكونها مانعة خلو سم باختصار. قوله: (أو عادة) لا يقال: العلوم العادية تحتمل النقيض لجواز خرق العادة كأن ينقلب الحجر ذهباً فهي قابلة للتغير، لأنا نقول: إحتمالها للنقيض بمعنى أنه لو فرض وقوع النقيض بأن يصير الحجر ذهباً مثلاً لم يلزم منه محال لذاته لا بمعنى أنه يحتمل الحكم بالنقيض في الحال كما في الظن أو في المآل كما في الجهل المركب والتقليد قاله سم. قوله: (فيكون مطابقاً للواقع) أشار بذلك إلى أن حكمة تقسيم المصنف الاعتقاد إلى مطابق وغيره دون العلم أن العلم لا يكون إلا مطابقاً. واعترض العلامة نسبة المطابقة للحكم بأن المطابق للواقع وغيره إنما هو الحكم بمعنى النسبة التامة لا الحكم بمعنى الإيقاع أو الانتزاع، إذ ليس في(1/225)
(1/228)
---
الواقع شيء يوافقه تارة ويخالفه أخرى، إذ الذي في الواقع هو النسبة التامة التي هي ثبوت المحمول للموضوع أو نفيه عنه، فالذي يعتبر مطابقته له أو عدم مطابقته هو النسبة الدال عليها الكلام الخبري. وإيضاح ما قاله أنا إذ قلنا مثلاً: زيد قائم فلا شك أن بين هذين الشيئين أعني زيد وقائم حالة، ونسبة في الواقع مع قطع النظر عن اعتبار معتبر وخبر مخبر، وتلك النسبة إما الثبوت أو الانتفاء وهذه هي النسبة الخارجية، والنسبة الكلامية المشتمل عليها قولنا: زيد قائم المتقدم التي هي عبارة عن النسبة الذهنية أي القائمة بذهن المخبر بذلك وهي ثبوت القيام لزيد مطابقة للنسبة الخارجية الواقعية التي بين زيد وقائم، إن كانت تلك النسبة الخارجية ثبوت القيام لزيد فيكون قولنا: زيد قائم صدقاً لمطابقة النسبة المشتمل عليها الكلام للنسبة الخارجية، وغير مطابقة للنسبة الخارجية إن كانت النسبة الخارجية غير ثبوتية فيكون كذباً، هذا حاصل كلام العلامة، ويوافقه قول التلخيص لأن الكلام إما خبر أو إنشاء، لأنه إن كان لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه فخبر وإلا فإنشاء اهـ. حيث جعل المطابقة بين النسبة الكلامية والخارجية لا بين الحكم والنسبة الخارجية. وأجاب سم بما حاصله بعد كلام نقله عن السيد الصفوي أن المشهور عندهم اعتبار المطابقة بين الحكم بمعنى الإيقاع أو الانتزاع وبين النسبة الواقعية، وأن تلك المطابقة معناها توافقهما في كونهما ثبوتيين أو سلبيين، وهذا المعنى متحقق في الحكم بمعنى الإدراك اهـ. وفيه أن دعوى المشهورية المذكورة غير مسلمة كما لا يخفى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 112
قوله:
(علم)
(1/229)
---(1/226)
قال العلامة: إطلاق العلم على الإيقاع والانتزاع الذي هو فعل لا إدراك كما عليه الشارح لا يعرف لأحد فيما أعلم، ثم العلم الإلهامي كعلم الملائكة والأنبياء يتناوله تعريف المتن لولا زيادة الشارح قوله: بأن كان لموجب الخ فتركها أصوب، ثم كل علم قابل للتغير أي الزوال بما يضاده كالنوم والغفلة، فإن لم يزد في التعريف قولنا بالتشكيك لم يصدق على علم أصلاً اهـ. ويمكن أن يجاب عن الأول بأن الشارح ماش على أن الحكم إدراك بقرينة قوله: قال بعضهم وهو التحقيق، وليس المقصود من حكاية القول بأنه إدراك بصيغة التمريض تضعيفه بل مجرد الذكر كما عهد ذلك كثيراً في كلامهم. وعن الثاني بأن قول الشارح بأن كان لموجب ليس زيادة في الحد بل بيان لسبب عدم قبول التغير والمراد السبب الغالبي، وكثيراً ما يأتي الشارح بالباء موضع كاف التمثيل كالرافعي والنووي. وعن الثالث بأن المراد عدم قبول التغير حقيقة أو حكماً، والعلم مع نحو النوم والغفلة في حكم الثابت كالإيمان مع ذلك فهو غير قابل للتغير ولا تكون الغفلة والنوم مغيرين سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 114
قوله:
(كاعتقاد المقلد الخ)
(1/230)
---(1/227)
قال العلامة في جعلهم التقليد يفيد المقلد: الاعتقاد والدليل يفيد المجتهد الظن الذي هو أضعف من الاعتقاد إشكال لا يخفى وجهه اهـ. أي ومع كون اعتقاد المقلد المذكور تابعاً لظن المجتهد الذي استفاده من الدليل. وجوابه أن المقلد خال من المزاحمات بخلاف المجتهد فإنه ينظر في الأدلة التي تتعارض وتتزاحم عنده فغاية ما يتم له ترجيح أحد الجانبين على الآخر بخلاف المقلد فإنه لا شغل له بالمزاحم فلا يزال يأنس بمعتقده ويقوى عنده، ومن ثم قال في الاحياء بعد أن بسط مضرة الجدل: فقس عقيدة أهل الصلاح من عوام الناس بعقيدة المتكلمين والمتجادلين فترى اعتقاد العامي كالطود الشامخ في الثبات لا تحركه الدواهي والصواعق، وعقيدة المتكلم الحارث اعتقاده بتقسيمات الجدل كخيط مرسل في الهواء تميله الرياح مرة هكذا ومرة هكذا اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 114
قوله:
(بأن كان معه احتمال نقيض المحكوم به)
ظاهره أن الظن معه احتمال النقيض بالفعل فيكون الظن مركباً من اعتقادين، مع أن المأخوذ من المختصر وشرحه أنه لا يشترط في الظن خطور النقيض بالبال، لكن ينبغي أن يكون بحيث لو خطر بالبال لجوزه. وقال السيد في حاشية العضد المذكور في عبارة القوم: إن الظن هو الحكم بأحد النقيضين مع تجويز الآخر، ويتبادر منه أنه مركب من اعتقادين، فأشار يعني ابن الحاجب إلى أنه بسيط، وأن خطور النقيض الآخر لا يجب أن يكون بالفعل ولعل مرادهم هو هذا لكن التصريح به أولى اهـ. وحينئذ فالشارح تابع في هذه العبارة للقوم. ويمكن الجواب بأن المراد بقوله: بأن كان معه احتمال الخ كون الاحتمال أعم مما بالفعل وما بالقوة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 114
قوله:
(لرجحان المحكوم به على نقيضه)
(1/231)
---(1/228)
قال العلامة: اعلم أن المحكوم به ونقيضه لا رجحان لواحد منهما على الآخر بالنظر لذاته لما سيأتي من أن أحد طرفي الممكن ليس أولى به من الآخر، فإن أريد به هذا فقط ظهر بطلانه، وإن أريد به الرجحان من حيث الدليل فرجحان الدليل إنما يفيد رجحان الحكم لا المحكوم به، فلو قال لرجحان دليله لكان صواباً اهـ. وقد يجاب بأن في العبارة حذف مضاف أي لرجحان دليل المحكوم به بل مضافين أي لرجحان دليل حكم المحكوم به لأن وصف المحكوم به بالرجحان تابع لوصف الحكم بذلك. والحاصل أن وصف الحكم ومتعلقه بالرجحان علته رجحان الدليل. وعبارة الشارح تفيد أن علة أرجحية الحكم رجحان المحكوم به وليس كذلك، وكلام سم هنا تعسف لا فائدة فيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 114
قوله:
(لنقيضه)
(1/232)
---
أي بالنسبة لنقيضه. قوله: (فهو بخلاف ما قبله حكمان) هو مبتدأ وحكمان خبره والظرف حال من المبتدأ والباء للملابسة أي فهو حال كونه ملابساً لخلاف ما قبله حكمان، وبحث في ذلك العلامة بقوله: إن قوله مساو بكسر الواو يستلزم مساوى بفتحها وإن الشك بسيط هو أحدهما على البدل، وقوله: فهو حكمان صريح في أن الشك مركب منهما فالعبارتان متنافيتان فكيف يكون مدلول إحداهما لازماً لمدلول الأخرى كما هو قضية التفريع اهـ؟. وحاصله أن مفاد قوله: مساو لمساواة المحكوم به الخ أن الشك إدراك أحد النقيضين المساوي للآخر فيكون بسيطاً، ومفاد قوله: فهو حكمان إدراك النقيضين معاً، فلا يصح تفريع العبارة الثانية على الأولى لتنافيهما مدلولاً. وقد يجاب بأن المراد بالمساوي مجموع الطرفين وهما الحكمان غير الجازمين. وقوله: على البدل لا ينافي ذلك لأنه متعلق بالمحكوم به لا بالمساواة. فقوله: فهو حكمان تفريع على ما قبله باعتبار المراد منه حينئذ. والحاصل أن الشاك حاكم بمجموع الأمرين أي مدرك لهما ومعتقد لهما اعتقاداً غير جازم وإن كان وقوع كل من متعلقي الحكم وهو المحكوم به على البدل.(1/229)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 115
قوله:
(اعتقادان يتقاوم سببهما)
أي اعتقادان غير جازمين فالمراد حكمان، وقد يقال: الاعتقاد يطلق عند المناطقة على مطلق الإدراك الشامل للتصور فيمكن حمل عبارة الإمام والغزالي على ذلك بأن يراد بالاعتقادين الإدراكان مطلقاً فلا يصح حينئذ الاستشهاد به على أن الشك حكمان لاحتمال أن يكون مرادهما بالاعتقادين حينئذ التصورين. ويجاب بأن الحمل المذكور خلاف الظاهر لأنه خلاف مصطلح الأصوليين، على أن إرادة مطلق الإدراك من الاعتقاد خلاف الظاهر حتى عند المناطقة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 115
قوله:
(ممنوع)
(1/233)
---(1/230)
قال العلامة: وهذا المنع حق لا شك فيه إذ الحكم هو إدراك أن النسبة واقعة أو ليست بواقعة، وهذا الإدراك منتف في الشك والوهم قطعاً والحق أحق أن يتبع. وأجاب سم بأنه إن أراد الإدراك الجازم فمسلم ولكنه لا يفيد أن المصنف لم يحكم بأن فيهما حكماً جازماً بل حكماً غير جازم وإن أراد أن الإدراك مطلقاً منتف فيهما فممنوع. قال الأصفهاني في شرح المحصول ما نصه: فإن قيل: قول المصنف إن لم يكن جازماً فالتردد بين الطرفين إن كان على السوية فهو الشك وإلا فالراجح ظن والمرجوح وهم فيه إشكال. وبيان أن مورد التقسيم هو حكم الذهن بنسبة أمر إلى آخر فيجب أن يكون مشتركاً بين الأقسام كلها، وإلا لم يصح التقسيم وحكم الذهن بنسبة أمر إلى آخر غير موجود في الشك والوهم ضرورة أن الشاك غير حاكم وكذا الواهم بل الشك والوهم ينافيان الحكم بالشيء. قلنا: لا نسلم أن مورد التقسيم غير مشترك بين الوهم والشك بل الواهم حاكم وكذا الشاك، وبيانه أن الظان حاكم فيلزم منه وجود الوهم، وحكمه بالطرف الآخر حكماً مرجوحاً، وأما الشاك فله حكمان متساويان بمعنى أنه حكم بجواز وقوع هذا النقيض بدلاً عن الآخر وبالعكس اهـ. ومنه يظهر مقصود هؤلاء الأئمة من الحكم في الشك والوهم وأنهم لم يريدوا به ما هو المشهور المتبادر وإلا فهم أجل من أن يريدوا ما لا تحقق له فيهما قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 115
قوله:
(أي القسم المسمى بالعلم)
إشارة إلى أن الكلام في العلم التصديقي لا العلم الشامل له وللتصوري، فاللام في العلم عهدية وهو العلم المتقدم في تفسير الحكم فهو المشار إليه بقوله: وجازمه الذي لا يقبل التغير علم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 116
قوله:
(من حيث تصوره بحقيقته)
إشارة إلى أن محل النزاع التصور بالحقيقة لا مطلق التصور. وقوله: بقرينة السياق أي وهو ذكر الخلاف في كونه ضرورياً أو نظرياً وهل يحد أم لا؟.
(1/234)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 116
قوله:(1/231)
(أي يحصل بمجرد التفات النفس إليه الخ)
أي فيكون بديهياً. واعلم أن الضروري يطلق على البديهي وهو ما يحصل للنفس بمجرد تصور الطرفين كإدراك أن الاثنين نصف الأربعة، وعلى ما لا يتوقف على نظر واستدلال، لكن يتوقف على نحو التجربة كإدراك أن السقمونيا مسهلة للصفراء فإن الحكم بكونها مسهلة أي إدراك ذلك متوقف على التجربة فقد علمت بهذا أن الضروري أعم من البديهي، فقول الشارح: من غير نظر واكتساب بعد قوله: بمجرد التفات النفس إليه من ذكر العام بعد الخاص فلا فائدة له. قاله العلامة. وقد يقال فائدته بيان المراد بالضروري هنا وهو أنه الضروري بالمعنى الأعم لا بالمعنى الأخص. وفيه أنه يقال: كان يكفيه حينئذ الإتيان بالعبارة الثانية. ويمكن الجواب بأنه أشار بذلك إلى أن من عبر بالأولى فمراده الثانية قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 116
قوله:
(بجميع أجزائه)
(1/235)
---(1/232)
أي التي هي تصور الطرفين والنسبة والحكم. وحاصل ما أشار إليه من الدليل أن قول الشخص: أنا عالم بأني موجود أو متألم أو ملتذ قضية مشتملة على محكوم عليه ومحكوم به ونسبة وحكم، وقد علم أن التصديق عبارة عن مجموع التصورات الثلاثة والحكم، فهو هنا عبارة عن تصور الشخص ذاته وتصوره علمه بأنه موجود أو متألم أو ملتذ وتصوره ثبوت علمه بذلك لها وإيقاع ثبوت علمه بذلك أي جعله حاصلاً لنفسه أو إدراك كون ذلك الثبوت حاصلاً لها، وهذه التصورات الثلاثة ضرورية، ومن جملتها تصور العلم بأنه موجود أو متألم أو ملتذ فيكون ضرورياً وهو علم تصديقي خاص لتعلقه بمعلوم خاص وهو كونه موجوداً أو متألماً أو ملتذاً جزئي لمطلق العلم التصديقي، فيلزم أن يكون مطلق العلم التصديقي ضرورياً لاندراج الكلي في جزئيه، لأن الكلي جزء لجزئيه لتركبه منه ومن غيره كالإنسان فإنه مركب من الحيوان والناطق كما تقرر فثبت المدعي وهو أن مطلق العلم التصديقي ضروري، هذا إيضاح عبارة الشارح، وفي كلام شيخ الإسلام تخليط في هذا المقام. ومحصل الجواب الذي أشار له الشارح عدم تسليم أن التصديق يعتمد التصور بالكنه والحقيقة بل التصور بوجه ما كاف فيه فلا يتعين أن يكون تصور العلم بأنه موجود الخ الذي هو من أجزاء التصورات المتقدمة تصوراً بالحقيقة، بل يكفي كونه تصوراً بوجه ما، فيكون الضروري تصور مطلق العلم التصديقي بالوجه لا بالحقيقة الذي هو محل النزاع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 116
قوله:
(حكم الذهن الخ)
(1/236)
---(1/233)
أورد هذا التعريف صاحب المواقف وقال: إنه لا غبار عليه، غير أنه يخرج عنه التصور لعدم اندراجه في الاعتقاد اهـ. وأورد على الحد المذكور أن قوله لموجب إن أراد به لموجب صحيح فقوله: مطابق مستدرك لأن ما كان لموجب صحيح لا يكون إلا مطابقاً، وإن أراد ما هو أعم من الصحيح كان غير مانع لدخول الاعتقاد الجازم المطابق لموجب فاسد مع أنه ليس علماً. وأجيب باختيار الأول والقيد لا يجب أن يكون للاحتراز بل قد يكون لتحقق الماهية لما قيل إن ذلك هو الأصل فيه، وتقرير هذا التعريف أن يقال قوله حكم الذهن خرج به الشك والوهم بناء على أنهما لا حكم فيهما. وقوله: الجازم خرج به الظن. وقوله: المطابق خرج به الاعتقاد التقليدي الغير المطابق. وقوله: لموجب خرج به الاعتقاد التقليدي المطابق سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 117
قوله:
(لكن بعد حده)
أي أن الواقع في كلام الإمام أنه حد أو لا العلم ثم قال: إنه ضروري خلاف ما تفيده، ثم في كلام المصنف من أنه حده بعد ذكره إنه ضروري فثم حينئذ في كلامه للترتيب الذكري لا الترتيب المعنوي. وقول الشارح: فحده مع قوله: بأنه ضروري أشار به إلى بيان مقصود المصنف من قوله: قال الإمام ضروري ثم قال: الخ وهو الاعتراض على الإمام بتنافي كلامه حيث جمع بين دعوى ضروريته وحده لأن حده ينافي ضروريته. ثم أجاب الشارح بقوله: الآتي وصنيع الإمام الخ مع تأييد جوابه بكلام الإمام في المحصل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 117
قوله:
(إذ لا فائدة في حد الضروري)
(1/237)
---(1/234)
أي وهي علم الحقيقة من ذلك الحد، فالمراد فائدة خاصة كما يفيده المقام، فلا ينافي أنه يحد لإفادة العبارة عنه كما سيقول. قوله: (وصنيع الإمام) أي في المحصول. قوله: (لا يخالف هذا) أي القول بأنه ضروري لا يحد. قوله: (وإن كان سياق المصنف بخلافه) إضافة سياق لما بعده من إضافة المصدر لفاعله ومفعوله محذوف تقديره صنيع الإمام وباء بخلافه للملابسة وضميره يعود للمشار إليه أي وإن كان سياق المصنف صنيع الإمام ملابساً لخلاف هذا أي خلاف القول بأنه ضروري لا يحد أي أن الإمام يقول: بأنه ضروري ويحد. قوله: (لأنه الخ) علة لنفي المخالفة المذكورة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 117
قوله:
(بناء على قول غيره الخ)
قال شيخ الإسلام فيه إنه لا يتعين بناؤه على ذلك لجواز بنائه على أن المقصود بحده إفادة العبارة عنه اهـ. قلت: ويجاب بأن اقتصار الشارح على البناء المذكور لأنه الذي يقتضيه صنيعه في المحصول حيث حده أولاً ثم ذكر أنه ضروري، وذلك ظاهر في أن المقصود من الحد بيان حقيقة المحدود لا بيان العبارة عنه، فيحمل الحد المذكور على أنه على قول غيره لا على قوله هو فإنه ضروري لا يحد عنده كما يدل عليه كلامه في كتابه المحصل، ولو كان ذكر حده في المحصول لقصد إفادة العبارة عن المحدود لذكره بعد ذكر مختاره من كون العلم ضرورياً بما يفيد أن المقصود به بيان التعبير عن المحدود مع أنه لم يذكره بهذا العنوان، إذ لو ذكره به لما ألزمه المصنف التنافي في كلامه فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 117
قوله:
(مع سلامة حده عما ورد الخ)
قد يرد عليه ما أورده صاحب المواقف على الحد المذكور من أنه مخرج للتصور لعدم اندراجه في الاعتقاد وبين السيد رحمه الله تعالى أن هذا الإيراد يرد على بعض التعاريف المنقولة في المواقف أيضاً عن بعض المعتزلة. وقد يجاب بأن المراد عن مجموع ما ورد على حدودهم.
(1/238)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 118
قوله:
(اختلفوا في حد العلم)(1/235)
يحتمل أن المعنى اختلفوا في حد العلم وعدم حده أو أن المعنى اختلفوا فيما يحد به العلم فيكون الحد في كلامه بمعنى المحدود به. والثاني هو المراد بدليل قوله: وعندي أن تصوره ضروري فإنه يفيد انفراده بالقول بأنه ضروري، فيكون اختلاف غيره إنما هو في القول الذي يحد به العلم مع الاتفاق على أنه نظري، بخلاف الاحتمال الأول فإنه يفيد اختلاف غيره في أن العلم نظري أو ضروري، فيكون البعض قائلاً بأنه ضروري وهو خلاف مفاد قوله: وعندي الخ من انفراده بالقول بأنه ضروري كذا قرره العلامة. قلت: دعوى انفراد الإمام بالقول بأن العلم ضروري ممنوعة لقول المصنف: وقيل ضروري فلا يحد، ودعوى أن قوله: وعندي مفيد للانفراد المذكور لا دليل عليها بل الشائع استعمال الشخص قوله: وعندي، كذا فيما اختاره من قول غيره وفيما قاله من عند نفسه. إذا تقرر هذا فالاحتمال الأول هو المراد لا الثاني فتأمله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 118
قوله:
(لإفادة العبارة عنه)
(1/239)
---(1/236)
مصدر مضاف لمفعوله وفاعله محذوف أي لإفادة الحد العبارة عنه، ومعنى هذا أن الشخص قد يعرف حقيقة الشيء ولا يحسن التعبير عنها فيؤتى بالحد ليستفيد بذلك التعبير المذكور، فليس الحد المذكور حقيقياً لأن الحقيقة معلومة بدونه فلا يكون منافياً للبداهة. قوله: (فالرأي الخ) قضية قول شيخ الإسلام فيه ميل لقول إمام الحرمين اهـ أنه من كلام المصنف، وفيه أن قول الشارح الآتي قال الخ صريح أو كالصريح في أنه من تتمة كلام إمام الحرمين. قوله: (المسبوق بذلك التصور العسر) فيه أن يقال: إن التصور متأخر عن التعريف لاستفادته منه فهو فرعه فلا يصح قوله المسبوق بذلك التصور. وأجيب بأن سبق التصور المذكور بالنسبة للمعرف بكسر الراء وتأخره بالنسبة للمعرف له بفتح الراء فصح قوله المسبوق بذلك التصور الخ. قوله: (تابعاً له) أي لإمام الحرمين فإن الغزالي تلميذ له كما هو معلوم. قوله: (من أقسام الاعتقاد) من تبعيضية متضمنة للبيان وليست للبيان فقط لاقتضائه أن العلم لا يطلق عليه الاعتقاد وهو خلاف قوله: بأنه اعتقاد الخ. قوله: (فليس هذا حقيقته الخ) أي لأن حقيقته متعسرة بل هذا رسم يحصل به التمييز لا حد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 118
قوله:
(ثم قال المحققون لا يتفاوت الخ)
(1/240)
---(1/237)
اعلم أن علم الله تبارك وتعالى صفة واحدة لا تعدد فيها ولا تفاوت فيها بحسب متعلقاتها اتفاقاً، وأما علم المخلوق فاختلف فيه فقال قوم: إنه لا يتفاوت في جزئياته، فالعلم القائم يزيد والقائم بعمرو وغيرهما لا تفاوت فيه من حيث الجزم فهو من قبيل التواطؤ، وقال آخرون: إنه يتفاوت في جزئياته، ثم القائلون بعدم تفاوته في جزئياته ذهب بعضهم إلى أنه لا يتعدد بتعدد المعلوم بل هو صفة واحدة قياساً على علم الله تعالى، وإنما يتفاوت حينئذ بكثرة المعلومات في بعض الجزئيات دون بعض كما في العلم بثلاثة أشياء والعلم بشيئين وهذا قول بعض الأشاعرة، وبعضهم ذهب إلى أنه يتعدد بتعدد المعلومات، فالعلم بهذا الشيء غير العلم بذلك الشيء. وأجاب عن القياس المذكور بأنه خال عن الجامع لأن علم الله قديم وعلم المخلوق حادث، وعلى هذا لا يمكن تفاوت العلم بكثرة المتعلقات، إذ الفرض أن كل معلوم تعلق به علم يخصه. نعم يمكن حصول التفاوت في المعلومات من حيث قلة الغفلة وكثرتها وهو المعبر عنه في قول الشارح الآتي بألف النفس بأحد المعلومين دون الآخر، وهذا قول الأشعري وكثير من المعتزلة، فقول المصنف: ثم قال المحققون: لا يتفاوت أي سواء قلنا باتحاد العلم أو بتعدده كما علم مما قررناه. وقول الشارح بناء على اتحاد العلم الخ متعلق بقول المصنف: وإنما التفاوت الخ دون ما قبله كما يعلم مما قررناه أيضاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 118
قوله:
(فليس بعضها وإن كان ضرورياً أقوى في الجزم الخ)
فإن قيل: من أين يستفاد من عبارة المصنف أن المراد التفاوت في الجزم؟ قلنا: من إطلاق التفاوت وإسناده إلى ضمير العلم لأن المتبادر منه التفاوت في نفسه ولا معنى له إلا التفاوت في جزمه سم. قوله: (وإنما التفاوت بكثرة المتعلقات) التفاوت بها في الحقيقة إنما هو في المتعلقات دون العلم قاله العلامة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 119
(1/241)
---
قوله:
(والجهل انتفاء العلم بالمقصود الخ)(1/238)
اعلم أن المتحصل في المقام أقسام ثمانية: اعتقاد جازم مطابق لموجب وهو العلم، واعتقاد جازم لا لموجب وهو قسمان مطابق وغير مطابق، وظن وهو قسمان أيضاً مطابق وغير مطابق ووهم وشك وخلوّ ذهن، فالمراد بالعلم في قوله: والجهل انتفاء العلم القسم الأول، والقسمان الأولان من قسمي كل من الاعتقاد الجازم لا لموجب والظن وهما الاعتقاد المطابق والظن المطابق فكأنه يقول: والجهل انتفاء اعتقاد المقصود اعتقاداً جازماً لدليل، واعتقاده اعتقاداً جازماً مطابقاً بلا دليل، وظنه ظناً مطابقاً بأن اعتقاد ذلك المقصود اعتقاداً جازماً غير مطابق، أو ظن ظناً غير مطابق أو شك فيه أو توهم أو كان الذهن خالياً منه، فالعلم أقسام ثلاثة والجهل خمسة كما تبين، فقول الشارح: بأن لم يدرك أصلاً هو قسم خلو الذهن. وقوله: أو أدرك على خلاف هيئته يدخل فيه الأقسام الأربعة الباقية، ومنه يعلم أن ما عدا تلك الأقسام الخمسة ليس من مسمى الجهل فتكون من مسمى العلم المذكور في هذا المقام، فقد اشتمل كلام المصنف والشارح على الأقسام جميعاً، وبما قررناه يستغنى عن إيراد سم وجوابه في هذا المحل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 119
قوله:
(وأدرك على خلاف هيئته الخ)
(1/242)
---(1/239)
فيه أن يقال: الإدراك أمر وجودي فكيف يصدق عليه انتفاء العلم الذي هو عدمي؟ ويمكن أن يجاب بأن الشارح لم يقصد حمل انتفاء العلم على الإدراك إذ قوله: أو أدرك ليس بياناً للانتفاء المذكور حتى يكون الانتفاء محمولاً عليه، وإنما قصد بيان سبب الانتفاء، فيكون الجهل هو الانتفاء الحاصل بسبب الإدراك المذكور لا نفس الإدراك المذكور سم. وفيه أن يقال: قصد بيان السببية في المعطوف أعني قوله: أو أدرك الخ يظهر، وأما في المعطوف عليه أعني قوله: بأن لم يدرك أصلاً فلا إذ عدم إدراك الشيء هو انتفاء العلم به. وقد يجاب بعدم تسليم عدم الظهور المذكور في المعطوف عليه. وقوله: إذ عدم الخ ممنوع بأن عدم إدراك الشيء أعم من انتفاء العلم به وانتفاء الأعم يتسبب عنه انتفاء الأخص فليتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 119
قوله:
(ويسمى الجهل المركب)
قد يتوهم من تسميته بالمركب أن مفهومه مركب من جهلين وليس كذلك، فإن مفهومه وهو قولهم إدراك الشيء على خلاف هيئته مفرد كما هو ظاهر، والتحقيق أن المراد بالتركيب الاستلزام فالجهل المركب هو الجهل المستلزم لجهل آخر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 120
قوله:
(ما من شأنه أن يعلم)
(1/243)
---(1/240)
في تفسير المعلوم بذلك فائدتان: إحداهما دفع إشكال تعلق تصور بالمعلوم مع أن التصور هنا بمعنى العلم فينحل الكلام إلى قولنا: علم المعلوم وهو محال لما فيه من تحصيل الحاصل. فأجاب الشارح بأنه ليس المراد المعلوم بالفعل حتى يرد هذا الإشكال، والثانية تقييد المعلوم بما من شأنه أن يعلم ليخرج نحو أسفل الأرض. وأورد العلامة هنا أن بين ما من شأنه أن يقصد ليعلم وما من شأنه أن يعلم عموماً وخصوصاً وجهياً يجتمعان في الإحكام الشرعية فإن شأنها أن تقصد لتعلم، وشأنها أن تعلم وينفرد ما من شأنه أن يعلم فيما تحت الأرضين فإن شأنه أن يعلم وليس شأنه أن يقصد ليعلم وينفرد ما شأنه أن يقصد ليعلم في ذات الله جلّ وعلا، فإن شأنها أن تقصد لتعلم وليس شأنها أن تعلم لتعذر علم حقيقتها، وانتفاء العلم بما شأنه أن يقصد وليس من شأنه أن يعلم كذاته تعالى جهل بسيط يصدق عليه الحد الأول وإدراكه على خلاف ما هو به جهل مركب لا يصدق عليه الحد الثاني فلا يكون منعكساً هذا حاصل كلامه وإيضاحه. وأجيب بمنع أن ما يتعذر علمه شأنه أن يقصد ليعلم بل لا يتصور من العاقل طلب علم ما يتعذر علمه، والذي يفيده النظر أن الذي بينهما العموم والخصوص بإطلاق، وأن ما من شأنه أن يعلم أعم مما من شأنه أن يقصد لانفراده فيما تحت الأرض، فإن شأنه أن يعلم وليس شأنه أن يقصد كذا قرره شيخنا. قلت: قضيته أن تصور ما تحت الأرض على خلاف هيئته جهل مركب لدخوله في المعلوم المفسر بقول الشارح: ما من شأنه أن يعلم وليس كذلك كما هو واضح، والظاهر أن المراد بما من شأنه أن يقصد وما من شأنه أن يعلم في كلام الشارح شيء واحد، واختلاف التعبير تبعاً لعبارة المصنف حيث عبر أولاً بالمقصود وثانياً بالمعلوم. وانظر إلى قول الشارح: ما من شأنه أن يقصد ليعلم حيث زاد ليعلم فإنها تشير لذلك وأنه لا معنى لكون الشيء شأنه أن يعلم إلا كونه يقصد للعلم به، فكون الشيء شأنه أن يعلم مستلزم لأن يقصد ليعلم(1/241)
(1/244)
---
والعكس كذلك، ودعوى أن ما تحت الأرضين شأنه أن يعلم ممنوعة منعاً ظاهراً فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 120
قوله:
(على خلاف هيئته في الواقع)
اعترضه العلامة بأنه مخرج لتصور الشيء على خلاف حقيقته في الواقع كإدراك الإنسان بأنه حيوان صاهل مع أنه جهل قطعاً، فلو قال على خلاف ما هو به لكان أشمل اهـ. وأجيب بأنه يمكن تأويل الهيئة بما للشيء أي الأمر الثابت للشيء أعم من صفته وذاته مجازاً، ويكفي التغاير الاعتباري في نسبة حقيقة الشيء إليه اهـ سم. قوله: (والقولان مأخوذان من قصيدة ابن مكي في العقائد) عبارات تلك القصيدة:
وإن أردت أن تحد الجهلا
من بعد حد العلم كان سهلا
وهو انتفاء العلم
بالمقصودفاحفظ فهذا أوجز الحدود
وقيل في تحديده ما أذكر
من بعد هذا والحدود تكثر
تصور المعلوم هذا جزؤه
وجزؤه الآخر يأتي وصفه
مستوعباً على خلاف هيئته
فافهم فهذا القيد من تتمته
وهذه القصيدة تسمى بالصلاحية لترغيب السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فيها وهي من أحسن تصانيف الأشعرية في العقائد، وكان السلطان صلاح الدين المذكور يأمر بتلقينها الأولاد في المكاتب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 120
قوله:
(عما من شأنه العلم)
قال العلامة: المقام لمن دون ما إلا أن وصفه بعدم العلم قرّ به إلى غير العاقل اهـ. قلت: هي نكتة أبداها العلامة بلغت الغاية في اللطافة والتأييد للشارح. فقول سم متعقباً عليه وأقول فما تطلق أيضاً على العاقل وإن كان قليلاً، ولعل وجه إيثار ما ثقل اجتماع من مع حرف الجر المماثل لها، ولا يخفى عليك أن الشارح ناقل لهذه العبارة عن غيره اهـ كلام من لم يعرف مواقع الكلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 121
قوله:
(لإخراج الجماد والبهيمة عن الاتصاف بالجهل)
(1/245)
---(1/242)
كما يخرج الجماد والبهيمة بقوله انتفاء العلم يخرج النائم والغافل ونحوهما كما قال في شرح المواقف نقلاً عن الآمدي ، وليس الجهل البسيط ضداً للمركب ولا الشك ولا الظن ولا النظر بل يجامع كلاً منها لكنه يضاد النوم والغفلة والموت لأنه عدم العلم عما من شأنه أن يقوم به العلم وذلك غير متصور في حالة النوم وأخواته، وأما العلم فإنه يضاد جميع هذه الأمور المذكورة اهـ. ومقتضاه سلب الإدراك عن نحو النائم والغافل وهو المرضى عندهم. قال العضد في بحث المشتق: قالوا لو لم يصح إطلاق المشتق حقيقة وقد انقضى المعنى لم يصح مؤمن لنائم وغافل لأنهما غير مباشرين وإنه باطل للإجماع، على أن المؤمن لا يخرج عن كونه مؤمناً بنومه وغفلته وتجري عليه أحكام المؤمنين وهو نائم وغافل. الجواب إنه مجاز لامتناع كافر للمؤمن باعتبار كفر تقدم. قال السيد : قوله لم يصح مؤمن لنائم وغافل حقيقة بل جاز السلب لأنهما غير مباشرين للإيمان سواء فسر بالتصديق أو بغيره وإنه باطل للإجماع المذكور، وكذا الحال في عالم فإنه يصح لنائم وغافل ولا يخرج عن كونه عالماً بنومه وغفلته. الجواب أن مؤمن وكذا عالم مجاز في النائم والغافل والإجماع إنما هو على إطلاق المؤمن عليهما في الجملة، وإما بطريق الحقيقة فلا، وإجراء أحكام المؤمنين على النائم مثلاً لا يستلزم كون إطلاقه عليه حقيقة لغوية اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 121
قوله:
(وخرج بقوله المقصود ما لا يقصد الخ)
مفاده نفي كل من قسمي الجهل البسيط والمركب عنه لأنه فسر انتفاء العلم في كلام المصنف بما يشملهما فتكون المقصودية شرطاً فيهما قاله سم. قلت: وهو يؤيد ما قلناه آنفاً من أن عبارتي ما من شأنه أن يقصد ليعلم وما من شأنه أن يعلم متساويتان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 121
قوله:
(بمعنى مطلق الإدراك)
(1/246)
---(1/243)
أي الشامل للتصور والتصديق. قوله: (خلاف ما سبق) حال من معنى في قوله: بمعنى مطلق الإدراك. وقوله: صحيح خبر قوله استعماله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 122
قوله:
(ويقسم حينئذ الخ)
اعترضه العلامة قدس سره بأنه إن أريد بالحكم الإيقاع والانتزاع فالتقسيم حاصر صحيح وإلا فلا لخروجه عنه، وهو قسم من مطلق الإدراك كما مر، ثم على كلا التقديرين لا يصح جعل مسمى التصديق التصور المصحوب بالحكم والحكم خارج عن حقيقته كما هو قضية عبارته اهـ. وإيضاحه أن تقسيم التصور بمعنى مطلق الإدراك الشامل للتصور والتصديق إلى تصور لا حكم معه بمعنى إيقاع النسبة أو انتزاعها وإلى تصور معه حكم بالمعنى المذكور صحيح حاصر للمقسم في ذينك القسمين، لأن مطلق الإدراك لا يخرج عنهما إذ ليس ثم قسم ثالث يطلق عليه الإدراك غيرهما وهذا واضح. وأما تقسيمه إلى القسمين المذكورين مع كون الحكم بمعنى إدراك أن النسبة واقعة أو ليست بواقعة فغير صحيح لأنه غير حاصر لخروج الحكم نفسه وهو قسم من الإدراك، فإدراك الحكم وحده لا يصدق عليه قسم من القسمين المذكورين، إذ لا يصدق عليه تصور لا حكم معه ولا تصور معه حكم وهو من الوضوح بمكان، ثم إن جعله مسمى التصديق التصور المصحوب بالحكم لا يصح لاقتضائه أن الحكم خارج عن مسمى التصديق مع أنه عبارة عن مجموع التصورات، والحكم عند الإمام الجاري على مذهبه كل من المصنف والشارح هذا إيضاح ما أشار له العلامة رحمه الله تعالى. وأجاب سم عن الأول بأن مختار الشارح أن الحكم هو الإيقاع والانتزاع كما أفاده تصديره به أولاً فيما تقدم وحينئذ فالتقسيم صحيح حاصر. وعن الثاني بأن الضمير في قول الشارح وهو التصديق راجع لمجموع التصور والحكم لا للتصور القيد بالحكم كما ظنه العلامة فاعترض فهو كقول الشمسية ويقال للمجموع تصديق اهـ. قلت: أما جوابه الأول فهو متعين في هذا المقام غير أنه ذكر فيما تقدم جواباً عن اعتراض
(1/247)
---(1/244)
العلامة عند قول المصنف وجازمه الذي لا يقبل التغير علم بقوله إطلاق الحكم على الإيقاع والانتزاع الذي هو فعل كما فعل كما عليه الشارح لم يقله أحد، إذ الشارح يختار أن الحكم هو الإدراك لا الإيقاع والانتزاع، وإن حكايته بقيل لا تفيد تضعيفه، وقد نقلنا عنه ذلك فيما تقدم وهو مخالف لما نسبه للشارح هنا من اختياره أنه الإيقاع، ولعل الحق هو الثاني دون الأول، وأما جوابه الثاني ففساده غني عن البيان إذ هو محض المكابرة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 122
قوله:
(والسهو الذهول الخ)
اعلم أن السهو هو زوال الشيء عن المدركة مع بقائه في الحافظة، وأما الذهول والغفلة فيقالان على ذلك وعلى عدم حصول الشيء فيهما أصلاً، وأما النسيان فهو زوال الشيء عنهما معاً بعد حصوله فيهما، فالذهول والغفلة مترادفان وهما أعم مطلقاً من السهو ومباينان للنسيان، كما أن السهو مباين له أيضاً، هذا تقرير كلام الشارح الذي أشار له، وفي كلام غيره ما يخالف ذلك راجع حاشية العلامة. قوله: (الحاصل) أي في الحافظة كما تقدمت الإشارة إليه فاندفع ما يقال إن وصف المعلوم بالحصول مع الذهول عنه تناقض.
(1/248)
---(1/245)
قوله: (أحوال لازمة للمأذون الخ) معنى لزومها كون أقسام الحسن لا تخرج عنها أو أن الجميع لازم للجميع على التوزيع على حد قولهم: حبذا المال فضة وذهباً، ويفيد هذا قول الشارح: أتى بها لبيان أقسام الحسن فالمستفاد منه حينئذ أن كل قسم من أقسام الحسن موصوف بقسم من الأقسام المذكورة أعني الواجب والمندوب والمباح، ولا شبهة إن وصف كل قسم من الأقسام المذكورة بواحد من الأقسام المذكورة التي هي الواجب والمندوب والمباح غير منفك عنه، وليس المراد أنها لازمة لمفهوم الحسن حتى يرد أن كلاً من الوجوب وغيره ينفك عن المأذون بأن يتصف بواحد من الآخرين، فاللازم واحد منها لا بعينه لا كل واحد منها ولا مجموعها كما فهمه العلامة فاعترض بما تقدم. قوله: (وفعل غير المكلف) فعل غير المكلف كالصبي يتناول ما أذن في نوعه كعبادته وما نهى عن نوعه كزناه وسرقته، ومن أبعد البعيد ذهاب أحد إلى وصف الثاني بالحسن، فالوجه تخصيص فعل الصبي الموصوف بالحسن بالأول.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 122
قوله:
(والقبيح فعل المكلف المنهي عنه الخ)
(1/249)
---(1/246)
أراد بالمكلف الملزم ما فيه كلفة لا البالغ العاقل بقرينة قوله المنهى عنه. وقوله: كما دخل الحرام والمكروه. قوله: (لأنه لا يذم عليه) أي وإنما يلام عليه فقط. قوله: (وإن لم يؤمر به) أي بالثناء عليه. قوله: (كما تقدم في أن الحسن والقبح الخ) اعترضه العلامة بقوله: الترتب لزوم شيء على آخر، وفعل المدح والذم ليس لازماً للحسن والقبح، فالمراد ترتب طلبهما أو جوازهما، وترتب المدح والذم محتمل لهما، فقوله كما تقدم الخ ليس بظاهر اهـ. وأجاب سم بما حاصله: أن المستفاد مما هنا أن الأمر بالثناء على الشيء تابع للأمر به كما هو قضية قوله: فإنه يسوغ الثناء عليه وإن لم يؤمر به، ثم قوله نظراً إلى أن الحسن ما أمر بالثناء عليه فإنه دال على أن عدم الأمر بالثناء على المباح لعدم الأمر به، وعليه يكون المراد بقوله: السابق والحسن والقبح بمعنى ترتب المدح والذم شرعي أن الحسن بالمعنى المذكور هو ما أمر بالثناء عليه لكونه مأموراً به بدليل ذكر ترتب الثواب عليه لأنه إنما يكون للمأمور به، وغاية الأمر أن ما ذكره هنا يفهم مما تقدم وإن لم يصرح به، والحوالة كما تكون على المصرح به تكون على ما يفهم ويراد من الكلام وإن لم يصرح به اهـ. ولا يخفى ما فيه من البعد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 123
قوله:
(سواء كان جائز الفعل أيضاً أم ممتنعه)
(1/250)
---
أشار بذلك إلى أن الجواز في قول المصنف: جائز الترك ليس بواجب أي فعله بمعنى الإمكان العام وهو سلب الضرورة أي الوجوب عن الجانب المخالف أعم من أن يكون جائزاً، فيكون الجانب الموافق كذلك أو ممتنعاً، فيكون الجانب الموافق واجباً مثال الأول: ترك الصوم للمسافر فإن الصوم جائز الفعل والترك للمسافر. ومثال الثاني: ترك الصوم للحائض فإن الصوم واجب الترك ممتنع الفعل للحائض، فقول المصنف: ليس بواجب أي فعله عدم وجوب الفعل فيه صادق بجوازه فيكون تركه كذلك بامتناعه فيكون الترك المذكور واجباً كما قدمنا.(1/247)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 123
قوله:
(وإلا لكان ممتنع الترك وقد فرض جائزه)
أي فيكون فيه حينئذ اجتماع النقيضين، وهذا الدليل يسمى عند المناطقة بقياس الخلف بفتح الخاء وضمها وإسكان اللام وهو إثبات الشيء بإبطال نقيضه كما تقول في الاستدلال على أن الحجر مثلاً ليس بإنسان لو كان إنساناً لكان حيواناً لكنه ليس بحيوان فلا يكون إنساناً، ومثله يقال هنا كما أومأ إليه الشارح لو كان واجب الفعل لكان ممتنع الترك لكنه ليس بممتنع الترك لأنه فرض جائزه فلا يكون واجب الفعل لئلا يجتمع النقيضان، هذا وقد يدفع التناقض المذكور بأن شرطه اتحاد الجهة وهو منتف هنا لأن الجواز المذكور إنما هو في حال العذر لا مطلقاً، والمنافي للوجوب هو الجواز المطلق دون المقيد، فزمن الإثبات والنفي مختلفان، وفي قول الشارح الآتي: وجواز الترك لهم لعذرهم إشارة إلى هذا وحينئذ فالدليل المتقدم لا يتم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 124
قوله:
(وقال أكثر الفقهاء الخ)
(1/251)
---
مقابل لقوله: ليس بواجب. قوله: (لقوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه) أي لأن فيه تعليق الحكم بالمشتق المؤذن بعلية مبدإ الاشتقاق لأن الموصول مع صلته في معنى المشتق فيستفاد منه حينئذ أن علة وجوب الصوم شهود الشهر أي حضوره. قوله: (وأجيب بأن شهود الشهر الخ) يعني أن وجوب الصوم له سبب ومانع، ولا يتحقق الوجوب المذكور إلا بوجود سببه وانتفاء مانعه وهو العذر، فالاستدلال بالآية الشريفة على الوجوب حال العذر غير صحيح قاله العلامة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 124
قوله:
(وبأن وجوب القضاء الخ)(1/248)
حاصله أن وجوب القضاء إنما يتوقف على وجود سبب الوجوب لا نفس الوجوب، فلم يكن القضاء بقدر الفائت مقتضياً لتحقق الوجوب حال العذر، إذ لا يلزم من تحقق سبب الوجوب تحقق الوجوب أي وجوب الأداء كما في المعسر إذا اشترى في ذمته، فقد تعلق به سبب الوجوب دون وجوب الأداء لعسره بالأداء، وكما في النائم أيضاً فإنه تعلق به سبب الوجوب وهو البلوغ دون وجوب الأداء، هذا حاصل جواب الشارح. وفيه أنه غير ملاق لما أجيب به عنه وهو الدليل الثاني أعني قوله: ولأنهم يجب عليهم القضاء الخ إذ حاصله أن وجوب القضاء بقدر الفائت يدل على أن القضاء بدل عن الفائت، وكونه بدلاً يدل على أن الفائت واجب كبدله وإلا لم يكن القضاء بدلاً عنه بل هو فعل مقتضب، فالاستدلال به من حيث أن جعل القضاء بدلاً عن الفائت يقتضي كون الفائت واجباً كبدله، وأما كون وجوب القضاء يترتب على تحقق السبب للوجوب أو يترتب على نفس الوجوب فشيء آخر لا تعلق له به ولا تعرض له فيه بوجه، قاله العلامة مع زيادة إيضاح، وجواب سم بعيد غاية البعد بل لا يكاد يصح فلا فائدة في إيراده فراجعه إن شئت تعلم حقيقة ما قلناه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 124
قوله:
(لا على وجوب الأداء)
(1/252)
---(1/249)
قال العلامة: فيه بحث لأن وجوب الأداء إن أريد به الوجوب في الجملة أي أعم من الوجوب على القاضي أو غيره منعت الملازمة في قوله: وإلا الخ. وإن أريد به الوجوب في حق القاضي كما يدل عليه آخر كلامه أي قوله: وجوب الأداء في حقه لم يلزم من ذلك أن التوقف إنما هو على السبب لجواز التوقف على الوجوب في الجملة كما مشى عليه ابن الحاجب وغيره في تعريف القضاء حيث قالوا استدراكاً لما سبق له وجوب مطلقاً اهـ. وأجاب سم بما حاصله اختيار الشق الثاني فإنه قد ينتفي الوجوب في الجملة ويجب القضاء كما إذا عم العذر جميع الخلق فإنه لا وجوب حينئذ مطلقاً مع وجوب القضاء على من أدرك السبب بخلاف الوجوب في الجملة إذا قد يوجد، ولا يجب القضاء لعدم إدراك السبب، وقد ينتفي بأن عم العذر جميع المكلفين ويجب القضاء على من أدرك السبب. قوله: (في الجملة) أي لا في التفصيل لأن المريض قد يمكنه الصوم لكن بمشقة تبيح الفطر وقد لا يمكنه الصوم لعجزه عنه فلا تصح نسبة العجز إليه حساً تفصيلاً شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 124
قوله:
(وقال الإمام الخ)
قال بعضهم: يمكن أن يقال بذلك في المريض أيضاً فيكون مخيراً كالمسافر إلا أن يفرض ذلك في مريض يفضي به الصوم إلى هلاك نفسه أو عضوه فيحرم عليه الصوم حينئذ، فلو صام في هذه الحالة فهل لا يجزيه لأنه حرام أو يجزيه تخريجاً على الصلاة في الدار المغصوبة وهو الظاهر؟ قاله شيخ الإسلام .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 125
قوله:
(والخلف لفظي الخ)
(1/253)
---(1/250)
قد تظهر لهذا الخلاف فائدة وهي كون القضاء بأمر جديد أو بالأول، وفائدة أخرى وهي هل يجب التعرض للأداء أو القضاء في النية هذا وقضية قول الإمام عليه أحد الشهرين وجعل ذلك من الواجب المخير أنه إذا صام شهراً بعد رمضان أنه يكون أداء لا قضاء؟ واعلم أن مبنى الخلاف الذي ذكره المصنف في قوله: جائز الترك ليس بواجب وقال أكثر الفقهاء الخ هل بين الوجوب ووجوب الأداء فرق أم لا؟ ذهب قوم إلى الأول قالوا: الوجوب هو اشتغال الذمة بالشيء ووجوب الأداء تفريغها من ذلك، فمن قام به العذر كالحائض والمسافر تعلق به الأول دون الثاني لتوقفه على زوال العذر، وذهب قوم آخرون إلى الثاني قالوا: لا معنى لوجوب الشيء إلا وجوب إدائه، فمن قام به عذر يتأخر عنه الوجوب إلى زوال العذر، ولما ورد عليهم أن تسمية ما فعل بعد العذر قضاء مقتض لكون الفعل حال العذر واجباً وإلا لم يكن المأتى به بعده قضاء عنه. أجابوا بأن القضاء إنما يعتمد تقدم سبب الوجوب لا وجوب الأداء على ما تقدم، والقول الأول هو المشار إليه بقوله: وقال أكثر الفقهاء الخ. والثاني هو قوله: جائز الترك ليس بواجب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 125
قوله:
(أي مسمى بذلك حقيقة)
أشار بذلك إلى أن موضع الخلاف كونه يسمى مأموراً به تسمية حقيقية أو لا يسمى من غير نظر لكونه متعلق الأمر أي صيغة افعل إذ كونه مأموراً به من هذه الجهة لا خلاف فيه كما سيقول وهو واضح. قوله: (مبني على أن أم ر الخ) المراد بقوله أم ر هذه المادة فتشمل الفعل والوصف والمصدر منها وتكتب في عبارة الشارح مفككة الحروف كما ترى ليفيد ما تقدم من أن المراد المادة المذكورة. قوله: (خلاف يأتي) خبر مبتدأ محذوف أي هو خلاف ويأتي نعت لقوله: خلاف.
(1/254)
---(1/251)
قوله: (أي الأصح ليس مكلفاً به) مقتضاه أن مقابل الأصح القول بأن المباح مكلف به من حيث فعله مع أنه لا قائل بذلك، إذ القائل بأنه مكلف به أراد أنه مكلف به من حيث وجوب اعتقاد كونه مباحاً كما سيقول، وخلاف القاضي المشار إلى مقابله بالأصح إنما هو في المندوب ومثله المكروه بقسميه. والحاصل أن المباح لم يقل أحد أنه مكلف به من حيث ذاته كما قيل بذلك في المندوب والمكروه، وعبارة المصنف وإن كان ظاهرها وجود الخلاف فيه يمكن توجيهها على وجه لا يفيد ذلك بأن يجعل التشبيه في قوله: وكذا المباح في قوله ليس مكلفاً به بقطع النظر عن وصفه بالأصح، فوجه الشبه بين المندوب والمباح كون كل ليس مكلفاً به وإن كان في الأول على الأصح وفي الثاني اتفاقاً، نعم كان الأقعد أن لو قال: والمباح ليس مكلفاً به وكذا المندوب على الأصح ليكون الأصح راجعاً للمندوب فقط، ويكون قد شبه المختلف فهي بالمتفق عليه كما هو الشأن من تشبيه الأضعف بالأقوى، وبما قررنا يسقط قول سم. فإن قيل: هلا عبر بقوله والأصح ليس هو والمباح مكلفاً به فإنه أخصر؟ قلت: ذكرهما جملتين لتحسن الإشارة بقوله: ومن ثم الخ إلى أولاهما لأنها حينئذ كالأصل ولو جمعهما كانت الإشارة إلى بعض الجملة وليس بمستحسن اهـ. لأنه مبني على أن الأصح متعلق بكل من الجملتين وقد علمت أنه متعلق بالأولى فقط وحمل عبارته على ذلك صحيح بما قلناه، فينتفي عنه الاعتراض المتقدم بخلاف ما لو عبر بقوله والأصح ليس هو والمباح مكلفاً به فإنه صريح في تعلق الأصح بكل من المندوب والمباح فيتوجه عليه بالاعتراض المذكور، ولا يمكن دفعه بالحمل المذكور لعدم صحته في عبارته هذه، وحينئذ فوجه ما قاله دون أن يقول والأصح ليس هو والمباح مكلفاً به رجوع التشبيه إلى قوله: ليس مكلفاً به بقطع النظر عن كونه الأصح، فقول الشارح: أي الأصح ليس مكلفاً به خلاف مراد المصنف وإن كان ظاهر عبارته لأن قوله والأصح مقابل لقول القاضي أبي بكر(1/252)
(1/255)
---
المذكور وليس هو قائلاً بأن المباح مكلف به، فلا يصح إدخال كونه غير مكلف به في الأصح فتأمله. وإنما اقتصر المصنف على المندوب مع أن مثله المكروه وخلاف الأولى لكونه المنصوص عليه بخصوصه في كلامهم فلم يتصرف عليهم بزيادة ذكر المكروه بقسميه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 125
قوله:
(وهو أن المندوب الخ)
لم يدرج معه المباح كما هو قضية صنيعه قيل لأن انتفاء التكليف بالمباح لا دخل له في العدول عن التعريف بالطلب إلى التعريف بالإلزام قاله العلامة.
قوله: (أي من أجل ذلك) قال العلامة: مقتضاه أن انتفاء التكليف بالمندوب علة لتعريف التكليف بالإلزام ومقتضى كلام العضد عكسه اهـ. وفي الكمال مثل ذلك. وقد يقال: إن الأمرين متلازمان فيصح تفريع كل منهما على الآخر، فكما يترتب على انتفاء التكليف بالمندوب في نفس الأمر تعريف التكليف بما ذكر كذلك يترتب على تعريف التكليف بما ذكر انتفاء التكليف بالمندوب. وفي كلام شيخ الإسلام التصريح بصحة كل من الأمرين كما ذكرنا وأن العكس الذي هو مقتضى كلام العضد أحسن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 126
قوله:
(كالواجب والحرام)
(1/256)
---(1/253)
إنما ذكرهما وإن كان التكليف بهما محل اتفاق لأجل قوله الآتي تتميماً للأقسام. قوله: (تتميماً للأقسام) أي لا لأن كونه مكلفاً به بهذا المعنى مختص به إذ غيره يشاركه في ذلك كما قال الشارح وإلا فغيره مثله. قوله: (لأنهما مأذون في فعلهما الخ) الأولى أن يقول: لأن المباح مأذون في فعله وتحته أنواع واجب ومندوب ومكروه ومخير فيه لأنه إن منع تركه فواجب وإلا فإن رجح فعله فمندوب أو تركه فمكروه أو سوى بينهما فمخير فيه قاله شيخ الإسلام . وحاصله أن اللائق بالمدعى أعني كون المباح جنساً للواجب هو الاستدلال بصدق الجنس على النوع وغيره لا بصدق شيء على الجنس والنوع كما فعل الشارح، فإن المستفاد منه كون المباح والواجب نوعين لجنس وهو المأذون لا أن المباح جنس للواجب الذي هو المدعي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 126
قوله:
(قلنا واختص المباح الخ)
أي فلا يصح كون المباح جنساً للواجب بل هما نوعان لفعل المكلف المأذون فيه. قوله: (على السواء) أي حال كون المباح والواجب مستويين في اختصاص كل منهما بقيد قاله شيخ الإسلام . قوله: (أي واجب) أتى به لبيان المراد بقوله مأمور به لأنه يشمل المندوب والواجب، وأراد بالواجب الواجب المخير بمعنى أن الواجب في ترك الحرام هو ذلك المباح أو غيره مما يتحقق به ذلك الترك، فذلك المباح واجب من حيث أنه أحد الأمور التي يتحقق بها أي بكل منها الواجب الذي هو ترك الحرام لا من حيث خصوصه، فالكف عن نحو الغيبة لا يتحقق إلا بوجود شيء من المنافيات كالسكوت أو التكلم بغيرها ولو كان حراماً أو مكروهاً، ويكون حينئذ مأموراً به ومنهياً عنه باعتبار جهتين مختلفتين، فظهر أن كف النفس عن الحرام يتوقف على التلبس بمباح أو غيره إذ لا يمكن تحققه إلا به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 127
قوله:
(إذ ما من مباح)
(1/257)
---(1/254)
إلى قوله: وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب إشارة لقياس من الشكل الأول نظمه هكذا المباح لا يتم الواجب إلا به، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ينتج المباح واجب، ولما كانت الكبرى مسلمة ذكرها، ولما كانت الصغرى محتاجة لإقامة الدليل عليها ذكره بثلاث مقدمات واستغنى بذلك عن ذكرها: المقدمة الأولى قوله: إذ ما من مباح إلا ويتحقق به ترك حرام ما، والثانية قوله: وما يتحقق به الشيء لا يتم إلا به، والثالثة قوله: وترك الحرام واجب إلا أنه كان الأقعد أن يقدم المقدمة الثالثة على الثانية لتعلقها بالموصوف وتعلق الثانية بالصفة والمتعلق بالموصوف مقدم على ما يتعلق بالصفة لتقديم الموصوف على صفته، والمراد بالموصوف والصفة هنا الفاعل مع فعله في قوله: يتحقق به ترك حرام فإن الفعل أي الحدث الدال عليه وصف لفاعله، فالموصوف هنا ترك الحرام وصفته تحققه بالمباح. ويمكن أن يقال: راعى هنا تقديم الصفة على الموصوف فجرى على ذلك في تقديم ما يتعلق بها على تقديم ما يتعلق به فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 127
قوله:
(ويأتي ذلك في غيره)
أي أن تحقق ترك الحرام كما يكون بالمباح يكون بغيره وقد قدمنا ذلك. قوله: (والخلف لفظي) يصح رجوعه للمسألتين وإن كان صنيع الشارح رجوعه للمسألة التي قبله فقط أعني قوله: وإنه غير مأمور به. قوله: (قد صرح) أي في بعض كتبه. قوله: (إذ هي انتفاء الحرج) قال العلامة: أي الإثم وهذا الحد لا يطرد لصدقه على المكروه والمندوب مع ما فيه من تعريف الإباحة التي هي أفعال بالانتفاء الذي هو انفعال اهـ. وفيه أن يقال: لعل صاحب هذا الحد لم يرد بالحرج الإثم بل أراد به مطلق اللوم أو إن هذا تعريف بالأعم وهو جائز. وقوله: مع ما فيه الخ فيه أن هذا أمر اصطلاحي لا لغوي، ولا مانع من الاصطلاح على تعيين اللفظ الدال في الأصل على الأفعال للمعنى الذي هو من قبيل الانفعال سم.
(1/258)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 127
قوله:(1/255)
(وهو ثابت قبل ورود الشرع الخ)
حاصل معنى ما أشار له الشارح في هذه المسألة، أن الإباحة المستعملة في عرف الشرع تطلق على معنيين: أحدهما الإباحة الأصلية الثابتة قبل الشرع اتفاقاً. والثاني: تخيير الشارع بين الفعل والترك، فاختلفوا فيها إذا أطلقت في لسان الشرع هل المراد منها المعنى الأول أو الثاني؟ وأما بقية الأحكام فليس لها معنيان حتى يختلف فيها في لسان الشرع، فسقط قول العلامة هذا الدليل بعينه جار في غير الإباحة من الأحكام الأربعة إذ هي ثابتة عندهم قبل ورود الشرع مستمرة بعده كما مر اهـ. ومما يؤيد ما ذكرناه نسبة مقابل الأصح لبعض المعتزلة، ولو كان المراد الاختلاف في الإباحة هل هي ثابتة بالشرع أو بالعقل؟ لم يتجه نسبة ذلك لبعض المعتزلة فإن تحكيم العقل ثابت عن جميعهم لا بعضهم سم. ثم إن تعليل الأصح بأن الإباحة هي التخيير ومقابله بأنها انتفاء الحرج عن الفعل والترك يقتضي أن القولين لم يتواردا على محل واحد فالخلف لفظي أيضاً، فلو أخر المصنف قوله: والخلف لفظي إلى هنا ليعود إلى المسائل الثلاث كان أولى كما نبه عليه الزركشي وغيره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 128
قوله:
(كان قال الشارع نسخت وجوبه)
(1/259)
---(1/256)
أي ولم يبين الحكم الناسخ فإن بينه كأن قال: نسخت وجوبه بالتحريم اقتصر عليه جزماً شيخ الإسلام . قوله: (بقي الجواز) بقاء الجواز بمقتضى النسخ لا ينافيه أنه قد يمتنع العمل به عند المعارض له كما في نسخ استقبال بيت المقدس، فإن الجواز لم يبق معه لأخذ انتفائه من دليل آخر لا من مجرد النسخ، فلا يرد أن يقال: نسخ الوجوب قد لا يبقى معه الجواز فلا يصح قوله: بقي الجواز. قوله: (من الإذن في الفعل) بيان للجواز وقوله: من الإذن في الترك بيان لما في قوله: بما يقومه. قوله: (إذ لا قوام) أي لا وجود للجنس بدون فصل لاستحالة وجوده مجرداً عن فصل بناء على أنه علة له كما ذهب إليه في الشفاء، والجنس هنا هو الإذن في الفعل فإنه قدر مشترك بين الإيجاب والندب والإباحة، وكل منها إنما يوجد بفصله وفصل الإيجاب المنع الجازم من الترك، فإذا ارتفع خلفه فصل آخر يقوم به الجنس وإلا ارتفع الجنس والفرض خلافه شيخ الإسلام .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 128
قوله:
(ولإرادة ذلك الخ)
(1/260)
---
قال العلامة: أي ولإرادة أن الجواز الباقي هو الإذن في الفعل بما يقومه من الإذن في الترك قال ذلك ولا يخفى على ذي لب أن الكراهة يصدق عليها عدم الحرج دون الإذن في الفعل والترك لأنها نهي، ومن ثم كان المكروه من القبيح المعرف بالمنهى عنه دون الحسن المعرف بالمأذون فيه كما مر جميع ذلك، فكيف يصح أن يراد إحدى العبارتين بالأخرى؟ اهـ. وأجاب سم بما حاصله: أن المراد بالإذن في الفعل والترك عدم المنع منهما على سبيل التحتم مجاز العلاقة اللزوم فإن العدم المذكور لازم للإذن المذكور، وقرينة هذا المجاز التفسير المذكور أعني قوله: أي عدم الحرج فإن المتبادر من الحرج الإثم، فالتفسير بعدم الإثم دال على أن المراد بالإذن في الفعل والترك انتفاء الإثم عنهما، وحيث كان المراد من الإذن معناه المجازي المذكور فهو صادق على الكراهة، وصح حينئذ أن يراد بإحدى العبارتين الأخرى.(1/257)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 128
قوله:
(أي عدم الحرج الخ)
(1/261)
---
وجه هذا القول أن الوجوب هو الإذن في الفعل مع المنع من الترك، فإذا انتفى هذا القيد الذي تحقق به الوجوب اللازم منه انتفاء الوجوب ثبت نقيضه وهو عدم المنع من الترك المفيد للإذن في الترك كالفعل، وهذا جار على القاعدة المقررة من أن النفي الوارد على كلام مقيد بقيد يتوجه للقيد فقط. قوله: (وقيل الإباحة) وجه هذا القول أن الوجوب هو الطلب وبارتفاعه يرتفع الطلب، وإذا ارتفع الطلب ثبت التخيير، وهذا غير جار على القاعدة المذكورة من توجه النفي الوارد على كلام مقيد بقيد لذلك القيد، إذ قياس ذلك أن يتوجه للجازم المقيد به الطلب، إذ الوجوب هو الطلب الجازم، وجوابه أن تلك القاعدة أغلبية لا كلية، فقد يتوجه النفي إلى المقيد المستلزم لنفي القيد تبعاً كما هنا. قوله: (وقيل الاستحباب) وجهه أن المرتفع بانتفاء الوجوب هو الطلب الجازم فيثبت الطلب غير الجازم، وهذا على القاعدة المذكورة من أن النفي إنما يتوجه للقيد دون المقيد كالقول الأول. قوله: (وقال الغزالي لا يبقى الجواز الخ) هو مبني على أن النفي يتوجه إلى المقيد وقيده معاً أو على أن النفي يتوجه إلى القيد وقد ينتفي المقيد أيضاً تبعاً لا قصداً. والحاصل أن النفي إذا ورد على مقيد بقيد فالأغلب أن يتوجه النفي إلى القيد فقط، وقد يتوجه إلى المقيد فقط، وقد يتوجه إليهما معاً. قوله: (مسألة الأمر بواحد الخ) المراد بالأمر في كلامه اللفظي بدليل قوله: وجب لا النفسي لئلا يتحد الموضوع والمحمول والأمر المذكور أعم من الملفوظ به والمقدر بدليل ما يأتي قريباً. قوله: (معينة) أي بالنوع لا بالشخص فإن الإطعام والكسوة والتحرير المذكورات في كفارة اليمين قد عينت بنوعها لا بشخصها كما هو ظاهر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 129
قوله:
(فإن في آيتها الأمر بذلك تقديرا)
(1/262)
---(1/258)
أي فإن جملة قوله تعالى: {فكفارته إطعام} (المائدة: 89) الخ وإن كانت خبرية اللفظ فهي إنشائية المعنى، فهي في قوة أن يقال مثلاً: فليكفر بإطعام الخ. قوله: (يوجب واحداً لا بعينه) ظاهره أن الواجب ذات الواحد غير المعين وليس كذلك، بل الواجب هو القدر المشترك بين تلك الأشياء وهو المفهوم الكلي لا من حيث تحققه في جزئي معين وإن كان ذلك من ضرورياته، إذ لا وجود له إلا في ضمن جزئي، بل من حيث تحققه في جزئي غير معين، فقول الشارح: وهو القدر المشترك الخ على حذف مضاف أي ومفهومه أي مفهوم الواحد لا بعينه فحذف المضاف فانفصل الضمير. وقوله: وهو القدر المشترك أي سواء كان متواطئاً أو مشككاً كما سيأتي ما يفيده خلافاً لمن قصره على الثاني وقوفاً مع آية الكفارة وليس بشيء كما هو ظاهر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 129
قوله:
(لأنه المأمور به)
أشار بذلك حيث أورده على سبيل الحصر إلى رد ما قاله ابن الحاجب من أن الأمر بالكلي أمر بجزئيه، فقد رده السيد في حواشي العضد.
قوله: (قلنا إن سلم ذلك الخ) أي لا نسلم أن الأمر تعلق بكل واحد منها بخصوصه على الوجه المذكور فإن ذلك خلاف موضع المسألة من أن الأمر تعلق بواحد مبهم من أشياء معينة، ولئن سلمنا ذلك فلا نسلم أن ذلك يستلزم وجوب الكل المترتب عليه ما ذكر من أنه يثاب على فعلها ثواب فعل واجبات ويعاقب على تركها عقاب ترك واجبات. قوله: (معين عند الله) أي لا يختلف بالنسبة للمكلفين بخلافه على القول الآتي شيخ الإسلام .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 129
قوله:
(إذ يجب أن يعلم الآمر المأمور به الخ)
(1/263)
---(1/259)
أشار بهذا إلى صغرى قياس من الشكل الأول استدل به صاحب هذا القيل وهو المأمور به يجب أن يكون معلوماً للآمر. وقوله: لأنه طالبه الخ دليل هذه المقدمة الصغرى وكبرى هذا القياس وكل ما يكون معلوماً للآمر يلزم أن يكون معيناً عنده ينتج المأمور به يلزم أن يكون معيناً عند الآمر، ولما كانت هذه الكبرى غير مسلمة لم يذكرها الشارح بل أشار إلى ردها بقوله الآتي: قلنا لا يلزم الخ. فإن قيل: لم علل كون الواجب معيناً عند هذا القائل بوجوب العلم المذكور فجعل التعين لازماً لوجوب العلم مع أن التعين لازم للعلم عند القائل باللزوم وجب العلم أم لا؟ قلنا: لأن المطلوب وهو كون الواجب معيناً عند الله تعالى إنما يثبت على تقدير وجوب العلم المذكور ولا يكفي في ثبوته مجرد لزومه للعلم، فإنه إن لم يجب العلم فقد لا يوجد فلا يلزم كون الواجب معيناً عند الله. فإن قيل: لكن قوله الآتي بل يكفي في علمه به الخ يخالف ذلك لأنه يقتضي اعتبار العلم دون وجوبه. قلت: لا يخالفه لأن معناه بل يكفي في علمه الذي يجب أن يكون بقرينة ما صدر به، وإذا علمت هذا علمت اندفاع ما أورده العلامة حيث قال: اعلم أن القائل باللزوم يرى التعين لازماً للعلم وجب العلم أم لا، ويرى وجوب التعين لازماً لوجوب العلم حصل العلم أم لا، والشارح جعل التعين لازماً لوجوب العلم عند هذا القائل مشيراً إلى رده بقوله: لا يلزم وقد علمت ما فيه. وقوله: بل يكفي في علمه رجوع إلى ما حققناه وإلا لقال في وجوب علمه اهـ. قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 130
قوله:
(قلنا لا يلزم الخ)
(1/264)
---(1/260)
هذا رد للكبرى المتقدمة القائلة وكل ما يكون معلوماً للآمر يلزم أن يكون معيناً عنده. وحاصله أنه لا يلزم من وجوب علم الآمر بالمأمور تعينه عنده بل يكفي في علمه به تميزه عن غيره وذلك حاصل على قولنا: فإن المأمور به وهو الواحد المبهم متميز عن غيره وهو ما عدا تلك الإفراد الشائع ذلك المأمور به فيها، فالإعتاق مثلاً في آية الكفارة متميز عما عدا الإطعام والكسوة، وكذا الكسوة متميزة عما عدا الإطعام والإعتاق، وكذا الإطعام متميز عن غير الإعتاق والكسوة فهو أي المأمور به معين من حيث كونه واحداً من تلك المعينات المتميزة عن غيرها، وإن كان مبهماً من حيث الشخص فتعيينه من حيث النوع وإبهامه من حيث الشخص. قوله: (على قولنا) أي وهو أن الواجب واحد لا بعينه. قوله: (من حيث تعينها) متعلق بتميز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 130
قوله:
(أي الواجب في ذلك ما يختاره المكلف الخ)
(1/265)
---(1/261)
يعني الواجب المعين عند الله ما يختاره المكلف بقرينة ما ذكره بعد من أن الأقوال غير الأول متفقة على نفي إيجاب واحد لا بعينه، مع كون القول بذلك من تفاريع القول بأن الواجب واحد معين عند الله كما أفاده كلام العضد وغيره وإن أوهم كلام كثير كالمصنف خلاف هذا، وكلام الشارح فيما يأتي في قوله: ويجوز تحريم واحد لا بعينه يقتضي موافقة الكثير قاله شيخ الإسلام . قلت: جعل ما سيذكره الشارح من قوله: والأقوال غير الأول الخ قرينة على ما ادعاه محل نظر، وكذا دعوى اقتضاء كلام الشارح في تحريم واحد لا بعينه موافقة الكثير المفيدة مخالفة كلام الشارح هنا لما يأتي مع أنه لا تخالف بين كلامه هنا وكلامه فيما يأتي، وكلامه في الموضعين ظاهر في موافقة المصنف كالكثير، وليس في كلامه هنا ما يدل على موافقة العضد كما يوهمه كلام شيخ الإسلام فتأمل. قوله: (بأن يفعله) أي إن ما فعله هو الذي كان واجباً لا أن الفعل هو الذي أوجبه لأنه واجب قبل أن يفعله المكلف وإنما ظهر بفعله وجوبه. قوله: (للاتفاق الخ) علة لكون الواجب ما يختاره المكلف. وقوله: الخروج به أي بما يفعله المكلف. وقوله: لكونه أي مختار المكلف. وقوله: لا لخصوصه أي كونه مختاراً له.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 130
قوله:
(والأقوال غير الأول للمعتزلة)
(1/266)
---(1/262)
فيه تساهل، فإن الأخير منها قيل والثالث يسمى قول التراجم لأن كلاً من الأشاعرة والمعتزلة ينسبه للآخر فاتفق الفريقان على بطلانه قاله شيخ الإسلام . قوله: (لما قالوا الخ) علة لنفي إيجاب واحد لا بعينه وتحريم واحد لا بعينه. وقوله: من أن تحريم الشيء أو إيجابه بيان لما قالوا وهو نشر على غير ترتيب اللف من قوله: على نفي إيجاب واحد الخ. وقوله: لما في فعله الخ نشر على ترتيب اللف من قوله: من أن تحريم الشيء أو إيجابه الخ. قوله: (وإنما يدركها في المعين) فيه نظر بين، لأنه قد تكون المفسدة في فعل الجميع من أشياء معينة دون كل واحد منها، فلا يمتنع تحريم واحد منها لا بعينه إذ بترك أي واحد منها تتعين المفسدة حينئذ، وقد تكون المفسدة في ترك الجميع دون ترك كل واحد منها، فلا يمتنع إيجاب واحد منها لا بعينه إذ بفعل أي واحد منها تتعين المفسدة، فالمفسدة في الفعل أو الترك لا تتوقف على التعين بالمعنى الذي ادعوه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 131
قوله:
(وتعرف المسألة على جميع الأقوال بالواجب المخير)
إسناد المخير إلى ضمير الواجب مجازي، لأن التخيير متعلق بإفراد ذلك الواجب لا بالواجب، فالمخير وصف لإفراد الواجب لا له، فالمعنى المخير في إفراده، فليس معنى قولهم الواجب المخير أنه خير في نفس ذلك الواجب كما يتبادر إلى الفهم من هذه العبارة، إذ الواجب وهو القدر المشترك لا تخيير فيه وإنما التخيير في إفراده، فالقدر المشترك موصوف بالوجوب دون التخيير وإفراده بالعكس. قوله: (وفيها أعلى ثواباً الخ) أي كالإطعام في مسألة الكفارة عندنا معاشر المالكية أو الإعتاق عند الشافعية. قوله: (أي المثاب عليه الخ) إنما فسر الواجب في كلام المصنف بهذا مع كونه خلاف الظاهر لأنه المراد هنا وما يتبادر منه غير مراد إذ الواجب على قولنا هو أحدها لا بعينه فكان المناسب حينئذ يعني دون أي.
(1/267)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 131
قوله:(1/263)
(أخذاً من حديث رواه ابن خزيمة الخ)
لا يضر ضعف هذا الحديث في جزم الشارح بهذا الحكم لأن ذلك من قبيل الترغيب في الفضائل والحث على الاهتمام بالواجبات، ولا نسلم تقييد صحة الاستدلال على مثل ذلك بصحة الحديث بل يسوغ الاستدلال عليه بالضعيف قاله سم. وأشار بذلك لرد ما قاله شيخ الإسلام من أن هذا الحديث يستأنس به كما عبر بذلك النووي ولا يستدل به لأنه ضعيف. قوله: (لأنه لو اقتصر عليه لأثيب عليه ثواب الواجب) أي ثوابه الأكمل وإلا فما قاله جار فيما لو اقتصر على غير الأعلى فإنه يثاب عليه ثواب الواجب أيضاً. وحاصله أن أي فرد اقتصر عليه أثيب عليه ثواب الواجب إلا أن ثواب الواجب في الأعلى أكمل منه في غيره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 132
قوله:
(لا ينقصه)
بفتح الياء وضم القاف متعد كقوله تعالى: {ثم لم ينقصوكم شيئاً} (التوبة: 4) وفيه لغة أخرى ضعيفة وهي ضم الياء وكسر القاف مشددة، وأما ضم الياء وكسر القاف مخففة فليس بلغة أصلاً. قوله: (إن عوقب) قيد بذلك لأن العاصي تحت المشيئة قال تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: 116) قوله: (لأنه لو فعله فقط لم يعاقب) أي فانضمام غيره إليه لا يزيده عقوبة. قوله: (فإن تساوت) هذا مفهوم قوله: وفيها أعلى ثواباً الخ. قوله: (على واحد منها) متعلق بقوله: فثواب الواجب. وبقوله: والعقاب. وقوله: على واحد أي فعلاً بالنظر لقوله: فثواب الواجب وتركا بالنظر لقوله: والعقاب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 132
قوله:
(وقيل في المرتب الخ)
(1/268)
---(1/264)
هذا مقابل لاعتبار التفاوت والتساوي كما سيقول الشارح تفاوتت أو تساوت. قوله: (أولها) أي من حيث أنه أولها. قوله: (من غير ما ذكر لثواب الواجب) الذي ذكر لثواب الواجب هو أعلاها في المتفاوتة وأحدها في المتساوية على القول الأول وأولها مطلقاً على القول الثاني، فقوله الثواب الواجب صلة قوله ذكر كما قررنا. قوله: (من حيث خصوصه) أي خصوص كونه أعلى أو أدنى أو أول، وليس المراد بالخصوص الذات كما هو ظاهر. قوله: (الذي يقع) صفة لأحد. قوله: (نظراً الخ) علة لكون محل ثواب الواجب والعقاب أحدها من حيث خصوصه. قوله: (وإلا كان من تلك الحيثية واجباً) أي واللازم باطل فكذا الملزوم، وقد يقال: لا يلزم من تعينه بعد الإيقاع تعينه في أصل التكليف والمحذور هو الثاني قاله العراقي قاله شيخ الإسلام . وفي الكمال مثله بأتم إيضاحاً منه حيث قال: يقال عليه لا نسلم أن حصول ثوابه الخاص به بعد إيقاعه يستلزم كون تعلق الإيجاب السابق به من حيث خصوصه إذ لا مانع أن يقال افعل أحد هذه الأمور وأياً ما فعلت منها سقط عنك الطلب وإن فعلت منها كذا فلك كذا وإن فعلت كذا فلك كذا اهـ. وحاصله أن المنظور فيه للخصوص هو تفاوت الثواب لا الإيجاب فإنه منظور فيه للقدر المشترك وهذا ظاهر وإن نازع فيه سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 132
قوله:
(وكذا يقال الخ)
(1/269)
---(1/265)
راجع لقوله: ويثاب على كل من غير ما ذكر لثواب الواجب. قوله: (فعلى المكلف تركه) أي ترك القدر المشترك. قوله: (وله فعله في غيره إذ لا مانع من ذلك) أشار به إلى دفع ما يقال من أن الكف عن أحد المعينات الذي هو قدر مشترك بينها يقتضي الكف عنها كلها فينتفي الحرام المخير كما قيل به. وحاصل الدفع المذكور أن يقال: القدر المشترك بينها إنما يوجد في ضمن أي معين منها كما تقرر فالإتيان به في ضمن واحد منها لا ينافي الكف عنه في ضمن آخر كما أشار له الشارح بما ذكره بقوله: فعلى المكلف تركه الخ. قوله: (وهي كالمخير) أي الخلاف فيها كالخلاف في مسألة الواجب المخير. قوله: (فيقال الخ) تفصيل لإجمال قوله فيما تقدم. قوله: (النهي عن واحد الخ) قابل الأمر بالنهي لا بالتحريم كما فعل المصنف لأنه أنسب كما لا يخفى. قوله: (بالمعنى السابق) أي وهو القدر المشترك بينهما في ضمن أي معين منها. قوله: (امتثالاً) قيد الترك بالامتثال لأن الثواب فيه يتوقف على قصد الامتثال به وإن كان الخروج من عهدة النهي حاصلاً بمجرد الترك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 132
قوله:
(وعلى الأول)
(1/270)
---(1/266)
أي أن التحريم لواحد لا بعينه. قوله: (وهي متساوية أو بعضها الخ) الواو حالية والجملة حال من ضمير تركت وضمير فعلت على التنازع، وفيه أن الحال لا يتنازع فيها، فالأولى أن الجملة حال من ضمير فعلت، وحذف مثلها من قوله: تركت فهو من باب الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه. قوله: (على ترك وفعل) نشر مرتب فالترك راجع للثواب والفعل للعقاب. وقوله: سواء فعلت الخ تعميم في الشيئين معاً، وإنما قال: فعلت ولم يقل: تركت لأن الترك لا ترتب فيه. قوله: (من حيث إنه أحدها) أي لا من حيث خصوص كونه آخرها. قوله: (حيث لم ترد بطريقه) نبه بذلك على أنه لا بحث للغة عن تحريم ولا غيره من الأحكام الشرعية نفياً أو إثباتاً لأن ذلك من وظائف الشرع، لكنها لما كانت واردة بطريق الأحكام من الألفاظ الدالة عليها لجري الشريعة المطهرة على الأسلوب العربي نسب عدم ورود تحريم ما ذكر إلى اللغة، فالمراد بالطريق الصيغة التي يفهم منها النهي عن واحد مبهم من أشياء معينة. قوله: (وقوله تعالى الخ) جواب من طرف المعتزلة على سؤال مقدر تقديره ظاهر وجواب هذا الجواب قول الشارح قلنا. وحاصله أن هذه الصيغة يفهم منها النهي المذكور فهي طريق لذلك ولا ينافي ذلك صرفها عن ظاهرها بالإجماع. قوله: (لمستنده) علة مقدمة على معلولها وهو قوله: صرفه يعني أن الإجماع إنما صرف اللفظ المذكور عن ظاهره بسبب مستنده لأنه لا بد له من مستند من كتاب أو سنة. قوله: (مهم الخ) قال العلامة: هذا الحد يتناول مطلق الفرض فلا يطرد، وقد يجاب بأن النظر إلى الفاعل في فرض الكفاية وقع التقييد بتركه، وفي مطلق الفرض وقع ترك التقييد به ولذا صدق على قسميه اهـ. قال سم: ويجاب أيضاً بأن الفرض تمييز فرض الكفاية عن فرض العين لا عن مطلق الفرض على قياس ما أجاب به الشارح عن إيراد سنة الكفاية وبأنا لا نسلم تناول هذا الحد مطلق الفرض، إذ لا يصدق على مطلق الفرض هذا السلب الكلي أعني مضمون قوله: من غير نظر(1/267)
(1/271)
---
بالذات إلى فاعله لثبوت الإيجاب الجزئي وهو النظر بالذات إلى فاعله في الجملة في بعض أفراده.
قوله: (المتقدم حده) يصح رفعه نعتاً لمطلق وجره نعتاً لفرض، والأول هو الذي يدل عليه كلام الشارح الآتي في قول المصنف: وسنة الكفاية كفرضها حيث قال: المنقسم إليها، وإلى سنة العين مطلق السنة المتقدم حده. قوله: (يقصد) أي يطلب من إطلاق اسم السبب على المسبب بقرينة قول الشارح ولم يقيد القصد بالجزم إذ الموصوف بالجزم هو الطلب، ولو كان القصد مراداً منه معناه الحقيقي الذي هو الإرادة لم يتخلف الواجب عن الوجود إذ الكلام في قصد الشارع، وعبر بالحصول دون التحصيل لأن الحصول هو المقصود بالذات، والتحصيل مقصود تبعاً لأجل الحصول لأنه سبب له، وإن كان الذي يتوجه إليه الطلب هو التحصيل لكون الطلب إنما يتعلق بفعل المكلف، ويمكن أن يجعل الحصول مستعملاً في التحصيل مجازاً لعلاقة التعلق فاندفع ما أورده العلامة هنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 133
قوله:
(بالذات الخ)
(1/272)
---(1/268)
أي من غير نظر بالأصالة والأولية إلى الفاعل، وإنما المنظور إليه أولاً وبالذات هو الفعل، والفاعل إنما ينظر إليه تبعاً لضرورة توقف الفعل على فاعل كما قال الشارح. قوله: (في الجملة) هو معنى قول المصنف من غير نظر بالذات إلى فاعله. وقوله: فلا ينظر إلى فاعله إلا بالتبع مفرع على قوله في الجملة الذي معناه عدم النظر بالذات إلى الفاعل، ولا ريب في تفرع كون النظر إلى الفاعل إنما هو بالتبع على عدم النظر له بالذات ولا في مغايرة المفرع للمفرع عليه، وليس في قول الشارح: في الجملة الخ ما يدل على أن قوله: في التعريف من غير نظر الخ زائد على الحد خارج عنه، وليس قيداً منه للاستغناء عنه بإسناد القصد إلى الحصول المشعر عرفاً بقصر القصد على الحصول، بل المفهوم من تعبير الشارح أنه قيد من جملة أجزاء التعريف. وقوله الآتي: وخرج فرض العين الخ صريح في ذلك، إذا علمت ما قلناه علمت سقوط كلام العلامة هنا وأنه خروج عن الظاهر لغير داع إليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 134
قوله:
(كالحرف)
جمع حرفة وهي كما لبعضهم ما يعمل باليد، والصنائع جمع صنعة وهي العلم الحاصل من التمرن على العمل كذا لبعضهم، فالحرفة مباينة للصنعة على هذا، وفي شيخ الإسلام أن معناهما لغة العمل، واصطلاحاً العلم المذكور حيث قال ما نصه: قوله كالحرف والصنائع العطف فيه تفسيري فقد قال الجوهري: الحرفة الصناعة والصناعة حرفة الصانع وعمله اهـ. وفسر العلاء بن نفيس الصناعة بأنها ملكة نفسانية يقتدر بها على استعمال موضوعات ما وغيره بأنها العلم الحاصل من التمرن على العمل وكل من التفسيرين اصطلاحي فظاهر أن الحرفة كالصناعة فيهما فالعطف بحاله اهـ كلام شيخ الإسلام وهو يفيد ترادفهما لغة واصطلاحاً، وبه يعلم أن البعض المتقدم ذكره فسر الحرفة بمعناها اللغوي والصنعة بمعناها الاصطلاحي والمعول عليه ما ذكره القاضي رحمه الله.
(1/273)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 134
قوله:(1/269)
(وخرج فرض العين)
عطف على تناول. قوله: (حيث قصد الخ) هي حيثية تعليل. قوله: (أي واحد) إشارة إلى أن المراد بالعين الذات. قوله: (احترازاً) علة للمنفي وهو قوله: بقيد. وقوله: لأن الغرض علة للنفي وهو ترك التقييد. قوله: (لأن الغرض الخ) قال العلامة: هذا العذر يخرج قوله مهم الخ عن كونه حداً أي معرفاً إذ هو ما يميز الماهية من جميع ما عداها بقرينة تعريفة بالجامع المانع وبالمطرد المنعكس اهـ. وجوابه أن كون التعريف يعتبر فيه تمييز المعرف عن جميع ما عداه إنما هو على طريقة المتأخرين، أما المتقدمون فلا يعتبرون ذلك فيه ولذا جوزوا التعريف بالأعم، وتعريف المصنف المذكور على طريقة المتقدمين، بل في كلام السيد التصريح بأن الصواب ما عليه المتقدمون راجع سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 134
قوله:
(الكافي)
نعت لقيام. قوله: (من عهدته) الضمير للتكليف والإضافة بيانية أي عهدة هي التكليف. وقوله: جميع نائب فاعل يصان. وقوله: عن الإثم متعلق بيصان. قوله: (وإن لم يتعرضوا له) أي صريحاً وإن أخذ من عباراتهم ضمناً. قوله: (بقصد) أي طلبه. قوله: (في الأغلب) احترز بذلك عن مثل النبي . قوله: (ولمعارضة هذا) الإشارة إلى شدة اعتناء الشارع. وقوله: دليل الأول أي وهو قوله لأنه يصان الخ. قوله: (وإن أشار) مبالغة على أشار الأول. قوله: (المفيد) بالجر نعت لعزوه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 135
قوله:
(وأجيب)
(1/274)
---(1/270)
أي من طرف الأول، وفيه أن مضمون هذا الجواب هو الذي يفيده التعريف المتقدم وهو مهم يقصد حصوله الخ. وفيه كما قال الكمال أن يقال عليه من طرف الجمهور هذا حقيق بالاستبعاد أعني إثم طائفة بترك أخرى فعلاً كلفت به اهـ. وقد يجاب بأن هذا إنما يأتي لو ارتبط التكليف بتلك الطائفة بعينها وحدها، وليس الأمر كذلك بل كلتا الطائفتين مستويتان في احتمال الأمر لهما وتعلقه بهما، فليس في التأثيم المذكور تأثيم طائفة بترك أخرى فعلاً كلفت به، بل إذا قلنا بالمختار الآتي من أن البعض مبهم آل الأمر إلى أن المكلف طائفة لا بعينها، فيكون المكلف به القدر المشترك بين الطوائف الصادق بكل طائفة على البدل، فجميع الطوائف مستوون في تعلق الخطاب بهم بواسطة تعلقه بالقدر المشترك فلا إشكال في إثم الجميع سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 135
قوله:
(ويدل لما اخترناه الخ)
(1/275)
---(1/271)
فيه أن يقال: إن القائل بأنه على البعض يكتفي بالواحد لصدق البعض به ولا يشترط أن يكون القائم به جماعة كما تفيده الآية الشريفة إذ الأمة الجماعة، فالدليل أخص من الدعوى. ويجاب بأن ليس المقصود تمام الاستدلال على المدعي المذكور بل القصد أن الآية لها تعلق، واختصاص بهذا المدعى من حيث أن ما دلت عليه من جملة ما صدقات المدعى المذكور فهي حينئذ مقصورة عليه لا تتجاوزه إلى الاستدلال بها على المدعي الآخر أعني كون فرض الكفاية على الكل لدلالتها على خلافه، وهذا هو السر في تعبير الشارح باللام في قوله: لما اخترناه دون على التي هي للإحاطة والاستعلاء على الشيء حقيقة أو حكماً المستفاد منه حينئذ مطابقة الآية للمدعى مع أنه ليس كذلك كما علمت، وأما اللام فإنما تدل على الاختصاص اللازم منه ما تقدم دون الإحاطة هذا حاصل ما قاله العلامة. هذا وقد استدل بالآية المذكورة لقول الجمهور لأنه خاطب الجميع بالأمر على وجه الاكتفاء بفعل البعض كما ذكره البيضاوي في تفسيره وهو يقدح فيما تقدم، على أن الآية المذكورة معارضة بآية: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} (التوبة: 29) ولذا أجاب الكمال عن الاستدلال بالآية المذكورة بما نصه: قد يجاب عنه بأن الآية ونحوها كقوله تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} (التوبة: 122) الآية مؤول بالسقوط بفعل الطائفة جمعاً بينه وبين قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} (التوبة: 29) ونحوه اهـ. وهو تابع لابن الحاجب حيث قال: قالوا فلولا نفر قلنا يجب تأويله على السقوط جمعاً بين الأدلة اهـ. ونازع سم بأن تأويل أدلة المصنف الظاهرة في مطلوبه للجمع بينها وبين ظاهر قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون} (التوبة: 29) الآية ونحوه ليس أولى من العكس. قلت: الأصل في الخطاب بالأحكام الشرعية أن يكون عاماً لا يختص به مكلف دون مكلف لعدم موجب التخصيص، والآية الدالة على كون فرض(1/272)
(1/276)
---
الكفاية على الكل جارية على الأصل، بخلاف الآيات الدالة على كونها على البعض فهي على خلاف الأصل، فلذا وجب تأويلها ليوافق الأصل، فإن ما خالف الأصل وأمكن رجوعه إليه بالتأويل وجب تأويله لذلك، وأما الآيات الدالة على الوجوب على الكل فهي على الأصل، فلا يصح تأويلها لتوافق ما هو على خلاف الأصل كما لا يخفى على كل عاقل فسقط ما قاله سم سقوطاً واضحاً، وبالجملة فالقول بأنه واجب على الكل هو المعتمد لا ما قاله المصنف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 135
قوله:
(البعض مبهم)
مبتدأ وخبر والجملة خبر عن قوله المختار ولم تحتج إلى رابط لأنها عين المبتدأ في المعنى.
قوله: (ثم مداره) أي مبناه على القولين أي على الظن من حيث التعلق أو السقوط كما أشار الشارح إلى ذلك بالتفريع. وقوله في الأول ومن لا فلا يشمل من ظن أن غيره فعله ومن لم يظن شيئاً أصلاً إذ الأصل براءة الذمة. وقوله في الثاني ومن لا فلا صادق بمن ظن أن غيره لم يفعله وبمن لم يظن شيئاً أصلاً، ولا يخفى مناسبة السقوط لقول الكل والوجوب لقول البعض، وقوله: وجب عليه استشكله بعضهم بالاجتهاد فإنه من فروض الكفاية ولا إثم في تركه وإلا لزم تأثيم أهل الدنيا، قال: فإن قيل إنما انتفى الإثم لعدم القدرة قلنا: فيلزم أن لا يكون فرضاً، وقد يقال الوجه حيث انتفت القدرة حتى قدرة التوصل إليه التزام أنه ليس بفرض.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 136
قوله:
(أي يصير بذلك الخ)
(1/277)
---(1/273)
هو بيان للمعنى اللغوي ولذا عبر فيه بأي، ولما لم يكن هذا مراداً لما يلزم عليه من قلب الحقائق أردفه بالمقصود منه بقوله: يعني مثله ولذا أتى بيعني. قوله: (بجامع الفرضية) قال العلامة: قد يعترض كونه جامعاً بأنه لو صح لزم اشتراكهما في وجوب الشروع واللازم منتف اهـ. وقد يجاب أولاً بمنع الملازمة في قوله: لزم اشتراكهما لاستلزامها محالاً لأن الكلام ليس في الشروع في الجملة لوجوبه قطعاً كما هو ظاهر بل في الشروع بالنسبة للجميع فلو وجب كان فرض عين وهو خلاف المفروض. والحاصل أنه قام به مانع من وجوب الشروع بخلاف وجوب الإتمام وثانياً بتسليم الملازمة، ولكن لا نسلم انتفاء اللازم لأن الشروع المعتبر الواجب هو شروع من لا بد منه في أداء الفرض، لكنه في فرض العين هو الجميع، وفي فرض الكفاية هو البعض، فإن شروع طائفة وقيامهم به أمر لازم بحيث لو انتفى أثموا، فقد اشترك الفرضان في أن الشروع واجب فيهما ممن يتأدى به الفرض وإن اختلفت من يتأدى به الفرض فيهما فظهر بهذا ثبوت اللازم وعدم انتفائه فتأمله قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 136
قوله:
(في صف القتال)
(1/278)
---(1/274)
أي في الكون في صف القتال إذ فرض الكفاية هو الكون فيه لا هو أو يراد به المصدر أي الاصطفاف. قوله: (لأن كل مسألة الخ) يؤخذ منه أن المسألة الواحدة تتعين بالشروع فيها لارتباط بعضها ببعض وهو كذلك، والمسألة تطلق على النسبة التامة وعلى القضية بتمامها، وسميت مسألة لأنه يسئل عنها وتسمى بحثاً لكونها يبحث عنها. قوله: (في باب الوديعة) بدل من قوله: في مطلبه بدل البعض من الكل. قوله: (بالنظر إلى الوصول أقعد) أي لإفادته قاعدة كلية تناسب غرض الأصولي لأن غرضه البحث عن الكليات، فالمناسب أن يجعل التعين بالشروع قاعدة وإن استثنى منها نحو تعلم العلم. وقوله: وإن كان أي ما ذكره البارزي بالنظر إلى الفروع أضبط أي من جهة إفادته ما يتعين وما لا يتعين على وجه الحصر. وقوله: إلا الجهاد وصلاة الجنازة أي والحج والعمرة أيضاً. قوله: (من حيث التمييز عن سنة العين مهم الخ) ذكر الحيثية دفعاً لما قد يقال أنه عرفها بما عرف به المصنف فرض الكفاية فيلزم اختلال أحد التعريفين. قوله: (من جهة جماعة) متعلق بقوله: كابتداء السلام وما عطف عليه. وقوله: مثلاً متعلق بالثلاث أي فغيرها مثلها في اعتبار الجماعة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 137
قوله:
(لسقوط الطلب الخ)
فيه دفع لما قيل من أنه قد ينازع في كون سنة الكفاية أفضل من سنة العين لانتفاء العلة وهي السعي في إسقاط الإثم عن الأمة. وحاصل الدفع المذكور أنه كما يسقط الإثم عنهم ثمة يسقط الطلب عنهم هنا ومع هذا فالوجه أفضلية سنة العين على سنة الكفاية نظير ما مر للشارح قاله شيخ الإسلام .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 137
قوله:
(ومن المتكلمين)
أعاد من إشارة إلى أن المراد الأكثر من كل من الفريقين إذ الكلام مع إسقاطها صادق بدون الأكثر من كل الفريقين لكن المجموع أكثر من المقابل فيصدق بكثير من الفقهاء وقليل من المتكلمين وعكسه.
(1/279)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 137
قوله:
(على أن جميع الخ)(1/275)
قدر لفظ على ليصح الحمل في قوله الأكثر أن الخ، فالتقدير حينئذ الأكثر متفقون أو جروا أو نحو ذلك. قوله: (جوازاً) تمييز محول عن المضاف والأصل وقت جواز الظهر فحذف المضاف ثم أتى به تمييزاً لإجمال النسبة الحاصل بحذفه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 137
قوله:
(ففي أي جزء منه الخ)
تفريع على ما دل عليه التأكيد بجميع من استغراق أجزاء المؤكد وهو مجموع وقت الظهر كما يفيده. قوله: الذي يسعه وغيره الواقع نعتاً للوقت المذكور فكأنه يقول جميع مجموع وقت الظهر وقت لأدائه أي كل جزء من أجزاء ذلك المجموع وقت للأداء، وبما قررناه يسقط اعتراض العلامة هنا على الشارح فراجعه، والتعبير بالجواز المراد به ما ذكره الشارح يفهم منه أن وقت الأداء يخرج إذا لم يبق من الوقت ما يسع الصلاة لخروج وقت الجواز حينئذ وهو طريق الأصوليين، فإن كلامهم إنما هو فيما يكون الفعل فيه أداء اتفاقاً بينهم وبين الفقهاء، وبهذا يندفع ما يقال من أن هذا يرد على المصنف حيث ذكر مسألة البعض فيما تقدم، فإن ذلك يفيد أن وقت الأداء يمتد إلى أن يبقى من الوقت ما لا يسع الصلاة بتمامها بل ركعة منها على ما مر إيضاحه، لأن ما ذكره فيما تقدم ليس من محل الاتفاق بل هو زيادة جرى فيها على طريق الفقهاء كما أشار له الشارح ثمة وأشار هنا لما قلناه بقوله: لبيان أن الكلام في وقت الجواز الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 137
قوله:
(ولذلك يعرف الخ)
ضمير يعرف يرجع للمؤدي المدلول عليه بذكر الأداء. وقوله: الموسع، أي الموسع وقته فإسناد الموسع إلى ضمير الواجب مجاز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 138
قوله:
(وإن كان الفعل فيه أداء)
(1/280)
---(1/276)
أي عند الفقهاء لا عند الأصوليين كما قدمنا. وقوله: بشرطه أي وهو كون المفعول منه في الوقت ركعة لا أقل كما تقدم في تعريف الأداء. قوله: (أي مريد التأخير) نبه بذلك على أن المؤخر مجاز في مريده. قوله: (العزم فيه) أي في أول الوقت. وقوله بعد أي: بعد أول الوقت أي لا يجب على مريد التأخير عن أول الوقت العزم في أول الوقت على أن يفعل العبادة بعد أول الوقت في أثنائه أو آخره. قوله: (في قولهم بوجوب العزم) أي فالواجب عند هذا القائل الفعل أول الوقت أو العزم فيه على الفعل أثناءه أو آخره. واعلم أن هذا القول هو الراجح عند الأصوليين وعند الفقهاء من المالكية والشافعية. قوله: (في جواز الترك) صفة للمندوب متعلق بمحذوف أي المشارك له في جواز الترك أي مطلقه إذ هو في الواجب مغيادون المندوب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 138
قوله:
(وأجيب بحصول التمييز الخ)
(1/281)
---(1/277)
قال الكمال : المجيب بذلك هو المصنف في شرح المختصر. وهو محل مناقشة، إذ المراد في جوابه التأخير عن جملة الوقت المقدر، وكلامهم إنما هو في التأخير عن زمن تعلق الوجوب وهو أول الوقت، ومرادهم في الدليل التمييز الحاصل بتمييز المكلف وهو أن يميز المكلف تأخيره الجائز عن غيره بأن يقصد بتأخيره الفعل في الوقت اهـ. قوله: (الأول) أي الجزء الأول من الوقت أي أن وقت الأداء هو القدر الذي يسع فعل العبادة من أول الوقت دون ما زاد على ذلك، فالفعل في ذلك الزائد قضاء عند هذا القائل. قوله: (وإن فعل في الوقت) أي عند غير هذا القائل وإلا فعند هذا القائل لا يسمى ما زاد على ما يسع العبادة من أول الوقت وقتاً أصلاً إذ هو مخصوص عنده بالجزء الأول لا غيره. قوله: (حتى الخ) حتى هنا بمعنى الفاء التفريعية فالفعل بعدها مرفوع. قوله: (ولنقله) أي القاضي المذكور قال بعضهم: إنه الخ، ضمير أنه يعود للمفعول بعد أول الوقت. قوله: (وقيل الآخر) أي الجزء الآخر من الوقت. وقوله: لانتفاء وجوب الفعل قبله أي الوجوب المضيق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 138
قوله:
(وقالت الحنفية)
(1/282)
---(1/278)
أي بعضهم وإلا فالجمهور منهم قائل بما قلناه من إثبات الواجب الموسع قاله شيخ الإسلام . قوله: (ما اتصل به الأداء الخ) أي ما اتصل به فعل العبادة أي وقع فيه على ما سيأتي بيانه. قوله: (من الوقت) أي على قول غيرهم إذ الوقت عندهم شيء واحد لا يتبعض وهو ما فعلت فيه العبادة. قوله: (بأن وقع فيه) لما كان التفسير الأول موهماً كونه قبله أو بعده وليس بمراد دفع ذلك بجعل الملاقاة بمعنى الوقوع فيه، وإنما فسر الاتصال بالملاقاة ثم بين الملاقاة بما ذكر، ولم يفسر الاتصال من أول الأمر بقوله بأن وقع فيه وبحذف قوله أي لاقاه مع أنه الأخصر لأن الملاقاة أقرب لمدلول الاتصال لغة. قوله: (وقع واجباً الخ) قوله واجباً حال من ضمير وقع، ثم لا تخلو إما أن تكون مقارنة لعاملها أو مقدرة، فإن كانت الأولى لزم أن شرط الوجوب وهو البقاء متأخر عنه، والشرط إنما يتقدم أو يقارن مشروطه، وإن كانت مقدرة لزم أن صفة الفعل وهي وجوبه توجد بعد انعدامه، وقد يجاب باختيار الشق الثاني، ومعنى وقع واجباً تبين وقوعه واجباً فالبقاء شرط لتبين الوقوع واجباً وهو مقارن له لأن زمانهما آخر الوقت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 138
قوله:
(بشرط بقائه مكلفا)
(1/283)
---(1/279)
أي بصفة التكليف فليس المراد به هنا الملزم ما فيه كلفة كما لا يخفى، وقضية قوله بشرط بقائه مكلفاً. وقول الشارح فشرط الوجوب عنده الخ أن صفة التكليف لو زالت بعد الفعل وعادت في آخر الوقت لم يكن واجباً وقد قال الأسنوي في شرح المنهاج ما نصه: والثالث وهو رأي الكرخي من الحنفية أن الآتي بالصلاة في أول الوقت إن أدرك الوقت وهو على صفة التكليف كان ما فعله واجباً، وإن لم يكن على صفة المكلفين بأن كان مجنوناً أو حائضاً أو غير ذلك كان ما فعله نفلاً، كذا في المحصول والمنتخب وغيرهما، ومقتضى ذلك أن صفة التكليف لو زالت بعد الفعل وعادت في آخر الوقت يكون أيضاً فرضاً، وكلام المصنف يأباه لأنه شرط بقاءه على صفة الوجوب إلى آخر الوقت، وسبقه الآمدي وصاحب الحاصل و ابن الحاجب إلى هذه العبارة اهـ. قاله سم. قلت: ويمكن تأويل عبارة المصنف والشارح هنا بما يوافق ما في المحصول بأن يراد ببقائه بصفة التكليف إلى آخر الوقت وجود صفة التكليف آخر الوقت سواء استمرت موجودة من أول الوقت إلى الآخر أو زالت بعد الفعل ثم عادت آخر الوقت فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 139
قوله:
(إلى آخر الوقت)
(1/284)
---(1/280)
أي والغاية داخلة هنا عند هذا القائل كما هو ظاهر، وإن كان الأصح أن الغاية بعد إلى خارجة فهي هنا مؤدية معنى حتى فإن ما بعدها داخل فيما قبلها كما تقرر، وقد ضعف الزركشي طريق الكرخي المذكورة بأن كون الفعل حالة الإيقاع لا يوصف بكونه فرضاً ولا نفلاً خلاف القواعد. وأجاب سم بمنع ذلك لأن الممتنع عدم اتصافه في نفس الأمر بأحدهما أما عدم الحكم بأحدهما والتوقف في الحكم إلى التبين فلا فإن الموقوفات كذلك في الشرع كثيرة. قوله: (المتبين به الوجوب) المتبادر أن هذا نعت للآخر والضمير في به للآخر وهذا صحيح، ولا يرد عليه أن التبين بالبقاء لا بالآخر لأن الآخر مقيد بقرينة السياق بحصول البقاء إليه أي المتبين بالآخر الذي جعل البقاء إليه وبهذا يندفع تعيين العلامة كون هذا النعت والضمير لقوله أن يبقى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 139
قوله:
(فوقت أدائه الخ)
(1/285)
---(1/281)
وقت مبتدأ. وقوله كما تقدم الخ خبره وما تقدم هو أن وقت الأداء ما اتصل به الأداء من الوقت أي ما وقع فيه المؤدي كما مر. قوله: (فذكره) أي ما شرطه الكرخي. قوله: (المعلوم مما قدمه) في موضع التعليل لقوله دون الأول. قوله: (لا يفضل عن الواجب) أي لا يزيد عليه بل هو بقدره فقط. قوله: (ومن أخر الخ) من تفاريع القول الأول فقط كما هو ظاهر. قوله: (بأن لم يشتغل به أول الوقت مثلاً) أي أو ثانيه. وحاصله أنه ترك الاشتغال به مع ظن الموت سواء كان ترك الاشتغال به مع ذلك الظن في أول الوقت أو ثانيه وهكذا، فمن ترك الاشتغال به في الجزء الأول وهو مقدار ما يسع العبادة من أول الوقت مع ظن الموت عقب ذلك الجزء كان عاصياً بذلك التأخير، ومثله لو ترك الاشتغال به في الجزء الثاني مع ظنه الموت عقبه، وكذا القول في الجزء الثالث وغيره وإلى هذا أشار بقوله مثلاً. وأشار بقوله مثلاً الثاني إلى أن ظن غير الموت من بقية الموانع كالجنون والإغماء والحيض كالموت قاله شيخ الإسلام قال سم: ولم يتعرضوا لمحترز قوله يسعه منه ومفهومه أنه لو أخر مع ظن الموت عقب ما لا يسعه منه لم يأثم وليس بعيداً لكن لم أقف على نص فيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 139
قوله:
(لظنه فوات الواجب بالتأخير)
(1/286)
---(1/282)
قال العلامة الباء سببية متعلقة بظنه فيفيد أن علة العصيان الظن المتسبب عن التأخير ولا يلزم منه وقوع شيء من الفوات والتأخير بل الظن وحده كاف في العلية وليس كذلك اهـ. وجوابه أن الفرض وقوع التأخير بالفعل. فقوله بالتأخير أي المشروع فيه فيصح حينئذ تعليل العصيان بأنه ظن الفوات بسبب هذا التأخير الذي شرع فيه. وحاصله أنه شرع في شيء يظن أنه يترتب عليه فوات الواجب والشروع فيما يظن به فوات الواجب شروع فيما يفوت الواجب عمداً فيكون معصية لأن العصيان يكفي فيه الظن قاله سم. قوله: (مع ظن السلامة) بقي الكلام فيما إذا شك هل يلحق بظن الموت أو بظن السلامة؟ الظاهر الثاني كما قال شيخ الإسلام لأن الأصل السلامة، فقوله هنا مع ظن السلامة أي أو مع الشك فيها. قوله: (إلى آخر الوقت) متعلق بقوله السلامة ولا يصح تعلقه بآخر لاستلزامه استدراك ومات فيه قبل الفعل لمنافاة موته فيه لفرض تأخيره إلى آخر الوقت سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 140
قوله:
(وجواز التأخير مشروط بسلامة العاقبة)
قال العلامة: إن قلت: هي متأخرة عن جواز التأخير فلا يصح أن يكون مشروطاً بها. قلت: هي على حذف مضاف أي بعلم سلامتها اهـ. وفيه أن هذا غير مخلص إذ العلم متعذر في الحال فهو متأخر أيضاً عن جواز التأخير قاله سم. قوله: (بعد أن أمكنه الخ) المراد بالإمكان هنا الاستطاعة المقررة في الفروع بخلاف قوله الآتي يمكن فعله فيه فإن المراد أن تكون مدة تسعه. قوله: (مع ظن السلامة من الموت) مثله بل أولى منه مع الشك في السلامة أو مع ظن عدمها كما هو ظاهر سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 140
قوله:
(إلى مضي إلخ)
(1/287)
---(1/283)
متعلق بالسلامة، وحاصل ما أشار له أن ما وقته العمر كالحج يخالف غيره من الواجب الموسع فإن غيره إذا أخره الشخص عن فعله أول وقت إلى آخره مع ظن السلامة من الموت إلى آخر الوقت ومات في الوقت قبل الفعل لم يكن عاصياً على الأصح، وأما الحج فإن الشخص إذا أخره بعد القدرة على فعله مع ظن السلامة من الموت إلى مضي وقت يمكنه الفعل فيه ومات قبل الفعل يكون عاصياً، والمراد بالوقت في قوله إلى مضي وقت المدة التي يمكنه فيها فعل الحج من عمره بخلافه في قوله بخلاف ما وقته العمر فإن المراد به كما قال جميع عمر الشخص، ومعنى كون العمر كله وقتاً للحج كون الشخص مخاطباً به في جميع عمره من البلوغ إلى آخره، فإذا عاش الشخص خمسين سنة مثلاً بعد بلوغه وأمكنه الفعل في خمسة مثلاً منها ولم يفعل فإنه يكون عاصياً، وهل عصيانه بآخر سني الإمكان وهي الخامسة في مثالنا لجواز التأخير إليها أو بأولاها لاستقرار الوجوب حينئذ أو العصيان غير مستند إلى سنة معينة من سني الإمكان؟ أقوال أرجحها أولها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 140
قوله:
(لجواز التأخير له)
قضيته أن صاحب القول الأول يقول بالجواز المذكور وإلا لم يكن للتعليل بها فائدة. وقوله بذلك ينافي قوله بالعصيان وجوابه أن الجواز نظراً للظاهر والعصيان نظراً لما في نفس الأمر وفيه شيء. قوله: (من آخر سني الإمكان) قال العلامة: وصف لعام مقدر أي من عام آخر سني الإمكان ولو كان وصفاً لسنة لقال أخرى اهـ. قال سم: ويمكن جعله وصفاً لسنة لتأويلها بعام فإن المؤنث قد يؤول بالمذكر فيعطى حكمه اهـ. وقوله سني الإمكان بتخفيف الياء لا بتشديدها لأن أصله سنين حذفت النون للإضافة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 141
قوله:
(الواجب المطلق)
(1/288)
---(1/284)
المراد بالمطلق ما لا يكون مقيداً بما يتوقف عليه وجوده وإن كان مقيداً بما يتوقف عليه وجوبه كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} (الإسراء: 78) فإن وجوب الصلاة مقيد بما يتوقف عليه ذلك الوجوب وهو الدلوك، وليس مقيداً بما يتوقف عليه وجود الواجب وهو الوضوء والاستقبال ونحوهما. قوله: (بوجوب الواجب) بيان لمحل النزاع إذ هو واجب في نفسه اتفاقاً، وإنما الخلاف هل وجوبه بوجوب ذلك الواجب المتوقف عليه أو وجوبه متلقى من دليل آخر غير دليل الواجب المذكور؟
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 141
قوله:
(إذ لو لم يجب لجاز ترك الواجب المتوقف عليه)
(1/289)
---(1/285)
أي واللازم باطل لأن جواز ترك الواجب يقتضي أنه غير واجب وقد فرض واجباً وهذا محال. واعترض هذا الدليل العلامة بقوله الوجوب الذي وقع مقدماً إن كان هو المقيد بوجوب الواجب كما مر فالتالي غير لازم أي لجواز أن يكون واجباً لدليل آخر غير دليل الواجب، فلا يثبت له الجواز المستلزم لجواز ترك الواجب وإن كان هو الوجوب المطلق، فاللازم حينئذ من الدليل وجوب الفعل المقدور بوجه ما وهو غير محل النزاع أي لأن محل النزاع كونه واجباً بوجوب الواجب لا مطلقاً كما أفاده قول الشارح السابق بوجوب الواجب، هذا حاصل اعتراض العلامة قدس سره. وأجاب سم بقوله: يمكن أن يجاب باختيار الشق الأول، ويوجه لزوم التالي بأن المراد جواز ترك الواجب باعتبار هذا الإيجاب فلا يكون هذا الإيجاب إيجاباً وذلك لأنه إذا كان الفرض أن إيجاب الشيء ليس إيجاباً لما يتوقف عليه فلا جائز أن يثبت إيجاب ذلك الشيء بدون ما يتوقف عليه إذ لا يتم الشيء بدون ما يتوقف عليه. والحاصل أنه يلزم من كون إيجاب الشيء ليس إيجاباً لما يتوقف عليه عدم كون ذلك الإيجاب لذلك الشيء إيجاباً لذلك الشيء لأن الشيء لا يتم بدون ما يتوقف عليه، فإذا لم يكن الإيجاب لذلك الشيء إيجاباً لما يتوقف عليه لم يثبت إيجاب ما يتوقف عليه بطريق آخر، فلا يفيد في كون الإيجاب المستقل بذلك الشيء إيجاباً لذلك الشيء فليتأمل اهـ. قلت هذا الجواب مع ما أطال به فيه من التعسفات لا طائل تحته، فإن ما ادعاه من أنه يلزم من كون إيجاب الشيء ليس إيجاباً لما يتوقف عليه عدم كون ذلك الإيجاب لذلك الشيء إيجاباً لذلك الشيء ممنوع فإن الواجب المذكور إنما يتوقف على مطلق الوجوب لما يتم به ويتوقف عليه لا على الوجوب الخاص وهو المستند لإيجاب الواجب المذكور، ولا يلزم من نفي الوجوب الخاص وهو كونه واجباً بإيجاب ذلك الواجب نفي مطلق الوجوب لجواز كونه مستنداً لدليل آخر، وإنما يصح ما ادعاه لو لم يكن لوجوب ما يتوقف عليه الشيء(1/286)
(1/290)
---
الواجب مستند إلا دليل إيجاب ذلك الشيء وليس الأمر كذلك فتأمل. قوله: (أشد ارتباطاً) أي لأنه يلزم من وجوده وجود المسبب بخلاف الشرط فإنه لا يلزم من وجوده وجود المشروط قاله شيخ الإسلام .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 141
قوله:
(فلا يجب بوجوب مشروطه)
أي بل يجب بوجه آخر كما أشار له بقوله: إذ لا وجود الخ. قوله: (فلا يقصده الشارع بالطلب) أي لأنه لا يقصد بالطلب إلا ما يمكن حصول صورة الشيء بدونه كالوضوء، فإن صورة الصلاة تحصل بدونه بخلاف غسل جزء من الرأس فإن غسل الوجه لا يحصل بدونه، وكذا ترك ضد الواجب كالقعود مثلاً لا يحصل الواجب كالقيام مثلاً بدونه. قوله: (فإنه لولا اعتبار الشرع له لوجد مشروطه بدونه) قال العلامة: فيه نظر لأن اعتباره إن كان باشتراطه لم يفد الدليل وجوبه بوجوب الواجب الذي هو مطلوب الدليل وإن كان بإيجابه بوجوب الواجب منع اللزوم لأن مجرد اشتراطه كاف في انتفاء وجود مشروطه بدونه اهـ.. وجوابه أن الشارح ليس بصدد الاستدلال على أن الشرط المذكور واجب بوجوب مشروطه، بل بصدد الفرق بين الشرط الشرعي وغيره من حيث أن الأول يتصور حصول فعل الشيء بدونه فكان مقصوداً بالطلب من الشارع بخلاف الثاني فإن الفعل لا يمكن بدونه فلا يصح توجه الطلب إليه لأنه حاصل بحصول الفعل، وأما الاستدلال على أن ما يتوقف عليه الشيء واجب بوجوب ذلك الشيء فقد قدمه في قوله: إذ لو لم يجب الخ، وحينئذ فالمختار من تردديه هو الأول. وقوله لم يفد الدليل وجوبه الخ قلنا ليس القصد الاستدلال على أنه واجب مشروطه بل على إمكان وجود المشروط بالنظر لذاته بدون ذلك الشرط، ولا مزية في أنه لولا جعل الشرع له شرطاً لأمكن وجود المشروط بدونه لعدم التلازم بينهما كالوضوء مثلاً فإنه لا يتوقف وجود ذات الصلاة عليه، وحينئذ فالملازمة المذكورة بقوله فإنه لولا اعتبار الشرع الخ صحيحة لا غبار عليها.
(1/291)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 142
قوله:(1/287)
(لاستناد المسبب إليه)
علة مقدمة على معلولها وهو قوله كالذي نفاه والذي نفاه هو الشرط العقلي والعادي. قوله: (فلا يجب) أي بوجوب الواجب أي لا يكون مطلوباً بطلب الواجب لكفاية حصول الواجب في وجوبه. قوله: (كما أفصح به) أي بما ذكره من أنه لاستناد المسبب إليه كالشرط العقلي والعادي فلا يقصد بالطلب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 142
قوله:
(في دفعه)
أي دفع ما أفصح به ابن الحاجب. قوله: (أولى بالوجوب) أي لأنه يؤثر بطرفيه بخلاف الشرط فإنما يؤثر بطرف واحد. قوله: (يؤيد المنع) وجه التأييد أن السبب إذا كان ينقسم كالشرط إلى شرعي وعقلي وعادي فالسبب العقلي والعادي كالشرط العقلي والعادي بل أولى فلا يطلق القول بأن السبب أولى كما فعل المصنف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 142
قوله:
(كالنظر للعلم عند الإمام)
(1/292)
---(1/288)
أي لما مر من أن حصول العلم عقب صحيح النظر عند الإمام عقلي. قوله: (نعم قال بعضهم إلخ) هذا استدراك على قوله ممنوع فيكون القصد به تأييد دفع المصنف. وأورد على قول البعض المذكور أنه يقتضي إخراج الأسباب عن كونها وسائل فلا تكون مقدمة الواجب بل هي الواجب عبر عنها بالمسببات. والجواب أن مقصود ذلك البعض أن الأسباب هي المقصودة بالمباشرة لأنها التي يمكن مباشرتها وهذا لا ينافي أن المقصود بالذات حصول مسبباتها سم. قوله: (بما يتوقف عليه) أي بسبب أو شرط يتوقف وجوبه عليه. واعلم أن الواجب قد يكون مطلقاً النظر إلى مقدمة ومقيداً بالنظر إلى أخرى كالزكاة فإن وجوبها مقيد بالنظر للملك والنصاب لتوقفه عليه، ومطلق بالنظر إلى إفرازها أي إفراز القدر الواجب، فإن وجوب ذلك الواجب غير متوقف على الإفراز المذكور، وكالصلاة فإنها بالنسبة لدخول وقتها واجب مقيد وبالنسبة للطهارة مطلق، وبالجملة فالإطلاق والتقييد أمران إضافيان، فلا بد من اعتبار الحيثية في حدود الأشياء التي تختلف بالإضافة فلذا قال السيد ما نصه: قال الشارح الواجب المطلق هو ما لا يتوقف وجوبه على مقدمة وجوده من حيث هو كذلك اعتبر قيد الحيثية لجواز أن يكون واجباً مطلقاً بالقياس إلى مقدمة ومقيداً بالنسبة إلى أخرى، فإن الصلاة بل التكاليف بأسرها موقوفة على البلوغ والعقل، فهي بالقياس إليها مقيدة، وأما بالقياس إلى الطهارة فواجبة مطلقاً راجع سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 143
قوله:
(فلا يجب تحصيله)
(1/293)
---(1/289)
أي النصاب. قوله: (في الجمعة) أي في محل فعلها أي المسجد. وقوله كما يتوقف وجوبها على وجود العدد أي وجوده في البلد. وحاصله أن الجمعة واجب مقيد باعتبار توقف وجوبها على وجود العدد المعتبر فيها في البلد، وواجب مطلق باعتبار توقف وجودها على حضور العدد المذكور في محل فعلها إذ لا تتم إلا به لكنه غير مقدور عليه، فعنه احترز المؤلف بقوله المقدور الذي لا يتم الواجب المطلق إلا به الخ. فقول الشارح كما يتوقف وجوبها على وجود العدد نظير للمحترز عنه لا أنه منه كما علم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 143
قوله:
(كماء قليل الخ)
تبع في التمثيل به المحصول. ونوقش بأنه إنما يتمشى على مذهب الحنفية من أن الماء باق على طهوريته لأنه جوهر والأعيان لا تنقلب، وإنما تعذر استعماله لأنه إنما يمكن استعماله باستعمال النجاسة لا على مذهب الشارح، أي ومثله مذهب المالكية من تنجس الجميع، ومن ثم مثل بعضهم باشتباه طاهر بمتنجس، وفيه أن هذا لا يناسب التعذر بل هو من قبيل المسألة الآتية في قوله: أو اختلطت منكوحة الخ قاله شيخ الإسلام . وقد يجاب عن الشارح بأنه قد اشتهر أن المثال يتسامح فيه ويكتفي فيه بالفرض فضلاً عن كونه على قول قاله سم. قوله: (أي اشتبهت) أشار به إلى أن اختلطت ليس مستعملاً في معناه الحقيقي بل فيما ينشأ عنه وهو الاشتباه وذلك لأن الاختلاط هو تداخل الأشياء في بعضها بحيث لا يمكن تمييز بعضها عن بعض ويتسبب عن ذلك الاشتباه، فاستعماله فيه مجاز مرسل من إطلاق السبب على المسبب. قوله: (حرمتا) أي ما دام الاشتباه. وقوله أي حرم قربانهما عليه أشار به إلى أن إسناد حرم إلى ضمير المنكوحة والأجنبية مجاز لأن الحرمة إنما يتصف بها الفعل لا الذات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 143
قوله:
(وقد يظهر الحال الخ)
(1/294)
---(1/290)
دفع لما يقال كان الأولى حذف قوله: أو اختلطت لتناول ما قبله له أو إبدال أو بكأن ليكون مدخولها أمثلة لما قبلها شيخ الإسلام . قوله: (في ذلك) أي في صورتي اشتباه المنكوحة ونسيان المطلقة. قوله: (وترك جواب مسألة الطلاق) أي وهو قوله حرمتا. قوله: (ما زدته) أي وهو قوله من زوجتيه. قوله: (بما بعض إلخ) ما عبارة عن الماهية أي بماهية بعض جزئياتها مكروه لأن الأمر كما سيأتي لطلب الماهية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 144
قوله:
(لا يتناول المكروه)
المراد بالتناول التعلق أي لا يتعلق بالماهية المتحققة في ذلك الجزئي المكروه، وأراد بالمكروه المكروه لذاته، وأما لوصفه فيتناوله، وأورد العلامة أن المكروه بمكان من جملة الجزئيات المكروهة، وسيأتي أنه صحيح فيتناوله الأمر فلا يصح العموم. ثم أجاب بأن الكراهة في ذلك ليست للفعل بل لكونه في ذلك المكان، فالمكروه ذلك الكون لا الفعل والجزئي الفعل لا الكون اهـ. وفي هذا الجواب نظر لأن النهي إنما يتعلق بالأفعال والكون المذكور ليس منها، فالوجه استثناء ما ذكر أو تقييد القاعدة، ثم رأيت شيخ الإسلام قيدها فقال: وكل ما ذكره في المكروه منها إذا كان له جهة أو جهتان بينهما لزوم اهـ سم. وقد قدمنا إشارة إلى هذا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 144
قوله:
(وذلك تناقض)
نقض الشيء رفعه هذا معناه لغة، فالنقض لغة الرفع، وأما اصطلاحا فالتناقض هو اختلاف قضيتين بالإيجاب والسلب، فالتناقض في كلامه يصح أن يراد به المعنى اللغوي وهو طلب فعل الشيء وعدمه وطلب ترك الشيء وعدمه، ويصح أن يراد به المعنى الاصطلاحي بأن يقال هذا الشيء مطلوب الفعل هذا الشيء غير مطلوب الفعل، وهذا الشيء مطلوب الترك هذا الشيء غير مطلوب الترك، وعلى التقديرين فالتناقض المشار إليه ضمني لا صريح كما لا يخفى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 144
قوله:
(1/295)
---
(فلا تصح الصلاة الخ)(1/291)
قال العلامة ما نصه: اعلم أن ابن الحاجب وغيره عرفوا الصحة عند المتكلمين بأنها موافقة أمر الشارع، فالصحة تستلزم كون الصحيح مأموراً به فيصح الاستدلال بنفيه على نفيها لأن نفي اللازم يستلزم نفي الملزوم، وإن المصنف عرفها بواسطة الشرع التي لا تستلزم الأمر لوجودها في العقود المباحة فلا يلزم من نفيه نفيها فاستنتاج نفيها من نفيه بقوله فلا تصح اشتباه اهـ. وجوابه أن الذي لا يستلزم الأمر مطلق الصحة وليس الكلام فيه بل في صحة خاصة وهي صحة العبادة وهي تستلزم الأمر بها في الجملة إذ لو لم يؤمر بها مطلقاً لم تكن موافقة للشرع ولا مستجمعة لما يعتبر فيها من عدم وقوعها في هذا الوقت المخصوص، وإنما كان يتم اعتراضه لو كان المصنف قد استدل بنفي الأمر على نفي مطلق الصحة وليس كذلك بل إنما استدل بنفيه على نفي صحة الصلاة قاله سم. وفيه أن الصحة كما مر استجماع الشيء ما يعتبر فيه من شروطه وأركانه، وليس كون العبادة مأموراً بها واحداً منها، فلا يلزم من نفيه نفي صحة العبادة كما لا يلزم من النهي عنها فسادها، فالمتوقف على الأمر والنهي حكمها لا صحتها، فقد اشتبه على سم الحكم بالصحة مع ظهور الفرق بينهما، فهو قد أراد التخلص من الاشتباه فوقع فيه، وبهذا علمت أن الحق ما قاله العلامة فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 144
قوله:
(في الأوقات المكروهة)
أي المكروهة الصلاة فيها فهو مجاز عقلي من إسناد ما للمظروف للظرف. قوله: (وإن كان كراهة تنزيه) عطف على ما قدره الشارح بقوله: إن كان كراهتها فيها الخ وذكر الضمير العائد على الكراهة باعتبار أنها نهي وإلا فكان اللازم التاء كما تقر في العربية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 145
قوله:
(بأن تناولها الأمر)
(1/296)
---(1/292)
قال العلامة: فسر به موافقة الشرع وهي أعم منه إذ هي كما مر استجماع ما يعتبر فيه شرعاً أي من الأركان والشروط اهـ. وجوابه كما مر أن الكلام في صحة الصلاة لا في الصحة مطلقاً، على أن هذا ليس تفسيراً للموافقة بل بيان لسببها لأن الموافقة تتوقف على تناول الأمر وليست عينه قاله سم. وفيه ما مر من أن الأمر بالعبادة أي كونها مأموراً بها ليس من مسمى صحتها، كما أن النهي عنها ليس من مسمى فسادها إذ صحتها استجماعها شروطها وأركانها وفسادها عدم ذلك، وقد قدمنا ذلك قريباً بأوضح من هذا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 145
قوله:
(المستفاد من أحاديث الترغيب)
جواب سؤال قائل إن النافلة لم يؤمر بها فكيف قولكم الأمر بها الخ؟ وحاصل الجواب أن المراد بالأمر الأمر الضمني لا الصريح. قوله: (مع جوازها فاسدة) أشار بذلك إلى رد الاستشكال بأنه إذا جاز الإقدام عليه فكيف لا تصح؟ ووجه الرد ما قرره من لزوم التناقض. قوله: (دل على ذلك حديث مسلم) أي فإنه روى حديث النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب، وفيه فإنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان وحينئذ فيسجد لها الكفار شيخ الإسلام .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 145
قوله:
(وسيأتي أن النهي الخ)
(1/297)
---(1/293)
قال العلامة: سيأتي في بحث النهي أن النهي لخارج أي غير لازم كذا قيد به الشارح. قال المصنف والشارح هناك كالوضوء بماء مغصوب قال الشارح لإتلاف مال الغير الحاصل بغير الوضوء أيضاً. وكالبيع وقت نداء الجمعة لتفويتها الحاصل بغير البيع أيضاً، وكالصلاة في المكان المكروه أو المغصوب اهـ. وأنت تعلم أن لازم الشيء ما يلزم من وجود الشيء وجوده، وقد لا يلزم من وجوده وجود ذلك الشيء لجواز كونه أعم من الملزوم، وكل من الإتلاف والتفويت والتعرض بالصلاة كما ذكره الشارح هنا لازم للوضوء والبيع والصلاة وإن تحقق بغيرها أيضاً، والحكم بأنه في ذلك غير لازم من اشتباه اللازم بالملزوم فتدبر اهـ. وجوابه أن ما ذكره بقوله: وأنت تعلم الخ اصطلاح المناطقة. وأما الأصوليون فلا يطلقون اللازم إلا على المساوي فيريدون بلازم الشيء ما لا ينفك عنه ولا يوجد في غيره وبالخارج عنه ما يوجد مع غيره وإن لم ينفك عن ذلك الشيء، هذا اصطلاح الأصوليين كما أفصح به غير واحد منهم، فسقط الاعتراض المذكور لأنه مبني على مصطلح المنطق كما تقدم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 145
قوله:
(انفصل الحنفية)
(1/298)
---(1/294)
أي تخلصوا من استشكال كونها صحيحة مع كون النهي للتحريم، ومثل الحنفية في ذلك المالكية فإنهم قائلون بالصحة مع كون الكراهة المذكورة للتحريم، ووجه ذلك رجوع النهي إلى خارج لا إلى ذات الصلاة. وقوله أيضاً أي كما انفصل الشافعية بكون النهي راجعاً إلى خارج لكن في كراهة التنزيه كما تقدم. قوله: (أما الصلاة في الأمكنة المكروهة) مقابل لقول المصنف في الأوقات المكروهة. قوله: (ويشوش الخشوع) أي يذهبه أو يضعفه. قوله: (فالنهي في الأمكنة ليس لنفسها) قال العلامة: أي لنفس الأمكنة وهو قضية الكمال أيضاً وفي شيخ الإسلام أن ضمير نفسها للصلاة حيث قال يعني ليس لنفس الصلاة ولا للازمها بخلافه في الأزمنة اهـ. ولعله أقرب معنى وإلا فمجرد نفي كونه لنفس الأمكنة لا يفيد إلا بعد إثبات لزومها للصلاة مع أنه لا لزوم كما سيأتي بخلاف نفي كونه لنفس الصلاة فإنه يفيد لأن كون النهي لنفس الصلاة يفيد فسادها، ونفي كونه لنفسها يفيد صحتها وكنفسها لازمها. واعلم أن معنى قولهم نهى عن كذا لنفسه أو لازمه بيان مرجع النهي فليست اللام للتعليل والمعنى أنه نهى عنه باعتبار نفسه أو باعتبار لازمه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 145
قوله:
(بخلاف الأزمنة)
أي فالنهي عن الصلاة فيها لنفس تلك الأوقات وهي لازمة للصلاة بفعلها فيها، ووجه لزوم الأوقات للصلاة دون الأماكن، مع أن الفعل وهو الصلاة كما يلابس زمانه يلابس مكانه أي يمكن ارتفاع النهي عن الأمكنة بأن تجعل الحمامات مساجد مثلاً ولا يضر زوال الاسم لأن الأمكنة باقية بحالها، وأنه يمكن حال إيجاد الفعل نقله من ذلك المكان إلى مكان آخر، ولم يمكن واحد من هذين الأمرين في الزمان سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 146
قوله:
(أما الواحد بالشخص)
(1/299)
---(1/295)
قال شيخ الإسلام : هو ما يمنع تصوره من حمله على كثيرين كالصلاة في مغصوب اهـ. وهو نص في إرادة الجزئي الحقيقي، ولا ينافيه أنهم قابلوا الواحد بالجنس بالواحد بالشخص كما عبر به العضد ، ومقابل الواحد بالجنس لا ينحصر في الواحد بالشخص بل يشمل الواحد بالنوع لجواز أنهم أرادوا بالواحد بالجنس ما يشمل الواحد بالنوع، ويدل عليه أن بعضهم كـ الأصفهاني في شرح المختصر عبر بدل الواحد بالجنس الواحد بالنوع، وعلى ما ذكره المصنف فلا بد في المثال الذي ذكره بقوله كالصلاة في المغصوب من التقييد بكونها صلاة معينة بشخصها، وكون المصلي تلك الصلاة زيداً مثلاً، وكون المكان المغصوب معيناً أيضاً بكونه بيت عمرو مثلاً. ولقائل أن يقول: أيّ حاجة لفرض هذا الكلام في الواحد بالشخص؟ وهلا فرض في الواحد بالنوع كما هو ظاهر عنوان المسألة بقولهم: الصلاة في المغصوب؟ فإنا نقطع بأن كل فرد من أفراد الصلاة في المغصوب يجري فيه هذا الخلاف فيصح فرضه في النوع الكلي الشامل لهذه الأفراد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 146
قوله:
(فالجمهور من العلماء قالوا الخ)
(1/300)
---(1/296)
الجملة من المبتدأ والخبر الذي قدره الشارح بقوله قالوا خبر عن قوله الواحد والرابط محذوف والأصل فيه قالوا فيه أو الجملة مفرعة على محذوف هو خبر قوله أما الواحد. والأصل أما الواحد بالشخص ففيه خلاف فالجمهور قالوا الخ. قوله: (ولا يثاب فاعلها عقوبة له الخ) اعلم أنه من الجائز على الله أن لا يثيب هذا المصلي في المكان المغصوب أصلاً ويكون ترك إثابته عقاباً على الغصب، وأن يثيبه على الصلاة ثواباً كاملاً، ولا يعاقبه على الغصب أصلاً، وأن يثيبه ذلك الثواب الكامل على الصلاة ويعاقبه على الغصب بدخول النار، وأن يعاقبه على الغصب بحرمان بعض الثواب لا بالنار، فهذه احتمالات أربع أشار المصنف لأولها بقوله: ولا يثاب، ولما بعده بقوله: وقيل يثاب كما أفاد ذلك الشارح. وبيان دخول الاحتمالات الثلاث في قوله: وقيل يثاب أنه صادق بإثابته الثواب الكامل مع عدم المعاقبة أصلاً أو معها بدخول النار أو معها بحرمان بعض الثواب وإثابته بعضه والإثابة تصدق بالبعض والكل وبهذا ظهر أن قوله: وإن عوقب من جهة الغصب الخ استئناف لا مبالغة.
قوله: (تقريب) أي تسهيل للفهم حيث اقتصر على احتمال واحد كما بينا. وقوله رادع أي لحكمه بعدم الثواب أصلاً عقوبة على الغصب. وبيان كون الثاني هو التحقيق استقصاؤه الأحكام وتفصيلها المتبين به المقام دون الأول المبني على الإجمال، هذا وقد يعارض هذا التحقيق ما تقرر في الفروع من سقوط الثواب في الصلوات المكروهة كالصلاة حاقناً أو حاقباً إلى غير ذلك، فإنه إذا أسقطت كراهة التنزيه الثواب فالأولى كراهة التحريم، اللهم إلا أن يحمل السقوط في هذه المكروهات على الردع الزجر ويلتزم حصول الثواب على ما هنا أو يرد ما قاله الشارح من التحقيق فليتأمل سم. قوله: (لا تصح الصلاة مطلقاً) أي فرضاً كانت أو نفلاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 146
قوله:
(ويسقط الطلب عندها)
(1/301)
---(1/297)
أي لا بها فليس سقوط الطلب لازماً للصحة عند القاضي و الإمام بل أعم منها لوجوده مع فساد العبادة كما هنا، وقوله: لأن السلف علة لسقوط الطلب عندها، والمراد بالسلف غالبهم بدليل قوله الآتي: وكان في السلف متعمقون في التقوى الخ. قوله: (وقد كان في السلف الخ) دليل للإمام أحمد. وقوله: متعمقون أي مشددون في الدين أي والمناسب ترك هذا التشديد لنفي الحرج في الدين. قوله: (من المكان المغصوب) أي سواء كان هو الغاصب له أو غيره فيحرم على الشخص المكث والدخول لمكان مغصوب ولو لغيره، ومن ذلك دخول بيوت الظلمة التي يعلم أنها مغصوبة إلا لضرورة فبقدرها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 147
قوله:
(أي نادماً الخ)
اقتصر في تفسير التوبة على جزأين وترك الثالث وهو الإقلاع أي الكف امتثالاً لأن حقيقته غير متصورة حال الخروج لأنه إنما يتم بانتهاء الخروج. قوله: (لتحقق التوبة) أي لوجود حقيقتها. قوله: (على الوجه المذكور) أي تائباً. قوله: (لأن ما أتى به الخ) أي وذلك عند أبي هاشم قبيح لعينه كالمكث فهو منهي عنه لذلك ومأمور به لأنه انفصال عن المكث، وهذا بناء على أصله الفاسد وهو القبح العقلي، لكنه أخل بأصله الآخر وهو منع التكليف بالمحال فإنه قال: إن خرج عصى وإن مكث عصى فحرم عليه الضدين قاله شيخ الإسلام .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 147
قوله:
(إلا حينئذ)
أي حين تمام الخروج. قوله: (من طلب الكف إلخ) بيان لتكليف النهي وكان الأولى إبدال طلب بإلزام ليوافق من أن التكليف إلزام ما فيه كلفة لا طلبة شيخ الإسلام . قوله: (بخروجه) متعلق بانقطاع. وقوله المأمور به نعت للخروج. قوله: (فلا يخلص الخ) مفرع على قوله: مرتبك في المعصية كما هو واضح لا على قوله مع انقطاع تكليف النهي حتى يقال المتفرع هو الخلوص لا عدمه كما توهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 147
قوله:
(فاعتبر)
(1/302)
---(1/298)
أي إمام الحرمين. قوله: (جهة معصية) أي هو شغل ملك الغير. وقوله: وجهة طاعة أي وهي الخروج على الوجه المذكور. وقوله: وإن لزمت الأولى الثانية أي وإن كانت جهة المعصية هنا وهي الشغل المذكور لازمة لجهة الطاعة وهي الخروج المذكور فجهة الطاعة هنا مستلزمة لجهة المعصية دون العكس. قال العلامة: قوله وإن لزمت الخ تنبيه على فساد هذا الاعتبار بأن لزوم المعصية للطاعة يصير الفعل غير مقدور على الامتثال به. قال العضد : فإن قيل فيه الجهتان فيتعلق الأمر بإفراغ ملك الغير والنهي بالغصب كالصلاة في الدار المغصوبة سواء قلنا إنه غلط لأنه لا يمكن الامتثال فيلزم تكليف المحال بخلاف الصلاة في المغصوب فإنه يمكن الامتثال، وإنما جاء الاتحاد باختيار المكلف اهـ. وفيه أن ما قاله من أن قول الشارح: وإن لزمت الخ تنبيه على فساد ما اعتبره الإمام ممنوع بل هو توجيه لكلام الإمام وتنبيه على أن هذا اللزوم لا يضره، ولا يوجب كون ذلك تكليفاً بالمحال وإنما يكون منه لو كانت المعصية هنا معصية حقيقة وهي فعل المنهي عنه مع قيام النهي عنه وعدم انقطاعه لأنه حينئذ يكون مأموراً بفعل ما ألزم بتركه، وليس الأمر هنا كذلك بل إنما هي معصية حكمية بمعنى أنه استصحب حكم السابقة تغليظاً عليه لإضراره الآن بالمالك إضراراً ناشئاً عن تعديه السابق مع انقطاع النهي عنه الآن وعدم إلزامه بالترك، فالفعل مقدور له لتمكنه منه، ومجرد استصحاب عصيانه السابق تغليظاً لا يقتضي عجزه عن الفعل حتى يكون ذلك من التكليف بالمحال قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 148
قوله:
(الأشد)
نعت لضرر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 148
قوله:
(حيث استصحب المعصية مع انتفاء تعلق النهي الخ)
(1/303)
---(1/299)
أي والمعصية إنما تكون بفعل منهى عنه أو ترك مأمور به، وإذا سلم الإمام انقطاع تكليف النهي لم يبق للمعصية جهة، وجوابه أن الإمام لا يسلم أن دوام المعصية لا يكون إلا بفعل منهى عنه أو ترك مأمور به بل يخص ذلك بابتداء المعصية، ولذا حكم ابن الحاجب وغيره على مذهب الإمام بأنه بعيد لا أنه محال، وبهذا يسقط اعتراض العلامة على قول الشارح السابق لبقاء ما تسبب فيه الخ بقوله بقاء الضرر بمجرده لا يستقل بكون الفعل معصية، بل لا بد فيه من وجود نهي أو أمر بضده، أذ هي فعل منهي عنه أو ترك مأمور به، وقد سلم انقطاع تكليف النهي عن الخروج وتعلق الأمر به فيكون طاعة محضة من وجه ومعصية من وجه آخر اهـ. قاله سم.
قوله: (ويدفع استبعاده الخ) وجه ذلك أن حاصل الاستبعاد المذكور دعوى التنافي بين إثبات المعصية بالفعل وعدم التكليف بتركه، وقد وجد نظيره في قضاء من جن بعد ارتداده ثم أفاق وأسلم صلوات زمن الجنون المذكور حيث خوطب بأداء صلوات زمن جنونه مع كونها ساقطة عن المجنون وجعل عاصياً بتركها استصحاباً لمعصية الردة فيكون دافعاً للاستبعاد المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 148
قوله:
(رخصة)
أي بمعناها اللغوي وهي التسهيل لا العرفي الذي هو تغير الحكم من صعوبة إلى سهولة مع قيام السبب الخ كما هو واضح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 148
قوله:
(أما الخارج غير تائب الخ)
محترز قول المصنف والخارج من المغصوب تائباً وكان الجاري على تقريب كلام المصنف أن يقول بدل قوله فعاص فغير آت بواجب والأمر سهل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 149
قوله:
(والساقط)
مبتدأ وخبره قوله قيل يستمر الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 149
قوله:
(على جريح بين جرحى)
(1/304)
---
هو مثال فمثله مريض بين مرضى وصحيح بين أصحاء، والظرف المذكور متعلق بمحذوف نعت لجريح، وكذا جملة قوله يقتله ومرفوع يقتله ضمير الساقط وكان الأولى إظهار الفاعل بأن يقول يقتله الساقط.(1/300)
قوله: (ويقتل كفأه) كيف كفء الجريح لا كفء الساقط، إذ لو سقط عند على حر يقتله إن استمر ويقتل عبداً إن انتقل عنه وجب الانتقال وليس من محل الخلاف، ولو سقط حر على عبد يقتله إن استمر وعبداً آخر إن لم يستمر فمن محل الخلاف، ومثله لو سقط عبد على حر يقتله إن استمر وحراً آخران لم يستمر لأن الحر الآخر يكافىء الحر الأول فهو من محل الخلاف أيضاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 149
قوله:
(في صفات القصاص)
أي من حرية وإسلام وهذا شامل لما إذا كان أحدهم إماماً أعظم أو عالماً وقضيته أن في انتقاله عن الإمام أو العالم الخلاف المذكور لتكافىء الجميع في صفات القصاص، والوجه الذي تقتضيه القواعد استثناء الإمام إذا ترتب على قتله مفاسد في الدين فيجب الانتقال عنه ويحرم الانتقال إليه، وكذا في العالم إذا ترتب على قتله وهن في الدين أو ضياع العلم، وأما إذا لم يترتب على قتلهما ذلك لوجود من يقوم مقامهما فمحل نظر انظر سم، ثم إن محل هذا الخلاف حيث يمكن الساقط الانتقال ما لا يخفى وإلا فهو غير مكلف كما تقدم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 149
قوله:
(قيل يستمر)
قال شيخ الإسلام: أي وجوباً وينبغي ترجيحه إن كان السقوط بغير اختياره لأن الانتقال استئناف فعل بالاختيار بخلاف المكث فإنه بقاء ويغتفر فيه ما لا يغتفر في الابتداء اهـ. ولا يبعد ترجيحه إذا كان السقوط باختياره أيضاً لأن الانتقال استئناف قتل بغير حق وتكميل القتل أهون من استئنافه سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 149
قوله:
(لتساويهما)
(1/305)
---
أي الجريح وكفئه ولك أن تقول كما تقدم إن في الانتقال ابتداء قتل وفي الاستمرار دوامه، والثاني يغتفر فيه ما لا يغتفر في الأول فلا مساواة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 149
قوله:
(أو أحدهما)(1/301)
أراد به الاستمرار أي وجوبه لا الأحد الدائر الشامل للانتقال إذ لم يقل أحد بوجوب الانتقال. وقوله لأن الأذن له في الاستمرار والانتقال أشار به إلى القول بالتخيير. وقوله أو أحدهما أشار به إلى القول بالاستمرار فهو نشر على غير ترتيب اللف في قول المصنف قيل يستمر وقيل يتخير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 149
قوله:
(والمنع منهما لا قدرة على امتثاله)
يحتمل أن هذا مبني على عدم وقوع التكليف بالمحال العادي بناء على إمكان الامتناع منهما عقلاً قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 149
قوله:
(واختار الثالثة في المنخول)
منعه الكمال و شيخ الإسلام بأن قوله في المنخول المختار أن لا حكم مقول على لسان الإمام، فإن المنخول في الحقيقة تلخيص البرهان للإمام، كما يدل عليه تسميته بالمنخول من تعليق الأصول، وتصريح الغزالي في آخره بأنه لم يزد على ما في البرهان، وقد أعاد حجة الإسلام المذكور المقالة الثالثة آخر الكتاب واعترضها اهـ. وقد يقال إقراره الإمام عليها اختيار لها وإن اعترضها بعد في محل آخر، ولو كان اختصاره كلام إمامه مانعاً من نسبته إليه لزم أن لا ينسب إليه شيء من جميع اختصاره إلا إذا صرح بأنه يقول به والظاهر أن ذلك لا يقوله عاقل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 149
قوله:
(ولا ينافي الخ)
(1/306)
---
أي ولا ينافي اختياره المقالة الثالثة، ففاعل ينافي ضمير يعود على الاختيار المذكور، وفي بعض النسخ. ولا تنافي بالتاء المثناة من فوق والفاعل حينئذ ضمير يعود على المقالة الثالثة، ووجه المنافاة المذكورة وإن كانت منفية أن قوله لا تخلو واقعة عن حكم لله معناه أن كل واقعة فيها حكم فهو إيجاب كلي، وقوله هنا لا حكم فيه سلب جزئي وهو يناقض الإيجاب الكلي بناء على ايجاد الحكم في القضيتين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 150
قوله:
(لأن مرادهما)(1/302)
علة لعدم المنافاة. قوله: (فيه) أي في قوله: لا تخلو واقعة عن حكم. قوله: (بالحكم المتعارف) أي الذي هو خطاب الله المتعلق بفعل المكلف الخ. قوله: (بانتفائه) أي انتفاء الحكم المتعارف أي فالمراد بالحكم في قوله لا تخلو واقعة عن حكم الله الحكم بالمعنى الأعم وهو ما يتحقق ويثبت للشيء في نفس الأمر سواء كان الحكم المتعارف أو نفيه، فقوله لا تخلو واقعة الخ أي جزئية من جزئيات الوقائع عن أمر يثبت لها ويتحقق اتصافها به في الواقع أعم من أن يكون هو الحكم المتعارف أو نفيه. وقوله حكم الله هنا أن لا حكم أي أمر الله الثابت لهذه الجزئية على ما تقدم عدم الحكم المتعارف، فالمثبت بقوله حكم لله هنا غير المنفي بقوله لا حكم. قوله: (على أنه) أي الغزالي نقل عنه الخ. قال شيخ الإسلام : استظهار لقوله لأن مرادهما بالحكم الخ اهـ. وفيه نظر إذ لا استظهار في ذلك على ما ذكر، والوجه أنه استدراك على ما فهم مما قبله من أن الإمام لم يختر شيئاً من المقالات المذكورة فليتأمل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 150
قوله:
(لأن قتله أخف مفسدة)
(1/307)
---(1/303)
قال شيخ الإسلام أو لا مفسدة فيه اهـ. يشير بذلك إلى أن الشارح أراد بالكافر في قوله كالكافر الذمي بدليل قوله أخف مفسدة إذ الحربي لا مفسدة في قتله أصلاً، ويصح أن يريد به الأعم من الذمي والحربي، وترك التعليل المتعلق بالحربي وهو أن يقول أو لا مفسدة فيه. قوله: (يجوز التكليف بالمحال الخ) خرج بالتكليف بالمحال التكليف المحال فلا يصح. والفرق بينهما أن الأول يرجع للمأمور به، والثاني للمأمور كمسألة تكليف الغافل والساقط من جبل ونحوهما، وقضية التعبير بالتكليف اختصاص هذا الخلاف بالوجوب ولا يبعد جريانه في الندب أيضاً، وهل يتصور ذلك في الحرمة والكراهة بأن يطلب منه ترك ما يستحيل تركه طلباً جازماً أو غير جازم؟ فيه نظر، ويمكن أن يتكلف تصويره بتحريم نحو المكث تحت السماء. قوله: (سواء كان محالاً لذاته) أي إن استحالته بالنظر لذاته أي نفس مفهومه بمعنى أن العقل إذا تصوره حكم بامتناع ثبوته كالجمع بين السواد والبياض، فإن العقل يحكم بامتناع ذلك لما يلزم عليه من الجمع بين النقيضين كما هو بين. قوله: (أو عقلاً لا عادة كالإيمان الخ) قال شيخ الإسلام : لأن العقل يحيل إيمانه لاستلزامه انقلاب العلم القديم جهلاً. ولو سئل عنه أهل العادة لم يحيلوا إيمانه كذا جرى عليه كثير، والذي عليه الغزالي وغيره من المحققين أن ذلك ليس محالاً عقلاً أيضاً بل ممكن مقطوع بعدم وقوعه، ولا يخرجه القطع بذلك عن كونه ممكناً بحسب ذاته، قال التفتازاني : كل ممكن عادة ممكن عقلاً ولا ينعكس اهـ. وقد يوجه ما قاله الشارح بأن الاستحالة إنما هي باعتبار ملاحظة لزوم انقلاب العلم جهلاً، وهذا الاعتبار أمر عقلي لا مدخل للعادة فيه لأنها إنما ينظر فيها الظاهر الحال قاله سم باختصار. قوله: (أي منعوا الممتنع لغير تعلق العلم) أي فالذي لا يجوز التكليف به من المحال عندهم قسمان: المحال لذاته والمحال عادة الذي هو أحد قسمي المحال لغيره. قوله: (لا فائدة في طلبه(1/304)
(1/308)
---
الخ) يراد بالفائدة الحكمة والمنفعة الراجعة إلى المخلوق بالنظر لقول الغزالي ومن معه من أهل السنة، والعلة والباعث بالنظر لقول المعتزلة، فاندفع قول العلامة قد يقال انتفاء الفائدة في طلبه لا يمنعه لأن أفعاله تعالى لا لعلة ولا لغرض اهـ. لأن أهل الحق مع نفيهم العلة والغرض عن أفعاله تعالى لا ينفون عنها الفوائد بمعنى الحكم والمصالح الراجعة إلى الخلق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 150
قوله:
(وأجيب بأن فائدته الخ)
هذا جواب بالتسليم أي تسليم أنه لا بد في أفعاله تعالى من ظهور الفائدة، مع أنا لا نسلم أنه لا بد من اشتمال فعله تعالى على فائدة مع أنه لا يسأل عما يفعل ولئن سلمنا ذلك فلا نسلم أنه لا بد من ظهورها إذ لا يلزم الحكيم اطلاع من دونه على وجه الحكمة كما قاله القفال في محاسن الشريعة. وأورد العلامة على جواب الشارح أن هذه الفائدة ينفيها قول المستدل لظهور امتناعه للمكلفين اهـ. وقد يجاب بأن الأخذ في الأسباب باعتبار أن المكلف يجوز خرق العادة فيأخذ حينئذ في المقدمات، وفيه أن هذا إنما يتم في المستحيل عادة لا في المستحيل لذاته، فالأحسن أن يجاب بأن المراد بالأخذ في الأسباب ما يشمل طيب النفس وإذعانها للتكليف بذلك، ولا شك أنهما يتصور تعلقهما بالممتنعات قاله سم ولا يخفى ما فيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 151
قوله:
(فيترتب)
(1/309)
---(1/305)
بالرفع على الاستئناف وبالنصب بأن مضمرة بعد الاستفهام. قوله: (دون المحال لغيره) أي بقسميه. قوله: (أي المحال يعني الخ) الحامل له على إعادة الضمير في كونه على مطلق المحال ثم تقييده بالمحال لغير تعلق العلم ولم يعده على قوله ما ليس ممتنعاً توسط المحال لذاته بينهما، ولا يصح عود الضمير عليه لعدم إرادته ولا على ما ليس ممتنعاً للفصل، فتعين عوده لمطلق المحال وتقييده بما ذكر لأن المعنى عليه، وإنما لم يدرج الإمام مع أصحاب القول الثاني لئلا تفوت الإشارة إلى الاختلاف المأخذ كما سيقول الشارح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 151
قوله:
(لما سبق)
أي من أن التكليف بالمحال لتعلق العلم بعدم وقوعه جائز وواقع اتفاقاً. قوله: (من قبل نفسه) أي حكم بمنع طلب المحال المذكور من أجل أنه محال وهو مبني قول الشارح لاستحالته وإيضاحه أن الطلب مع العلم بالاستحالة لا يتصور كونه طلباً حقيقة، إذ طلب الشيء حقيقة فرع عن إمكان حصوله وإلا لكان عبثاً. قوله: (فاختلفا مأخذاً) أي لأن مأخذ الإمام الاستحالة ومأخذ أهل القول الثاني عدم الفائدة في الطلب. قوله: (لا ورود صيغة الطلب له لغير طلبه الخ) قوله له متعلق بالطلب، وقوله لغير طلبه متعلق بورود. قوله: (والإمام ردد بما قاله الخ) أي كما نقله عنه في شرح المختصر بقوله: إن أريد من التكليف بالمحال طلب الفعل فهو محال من العالم باستحالة وقوع المطلوب، وإن أريد ورود الصيغة وليس المراد بها طلب الفعل مثل: {كونوا قردة} (البقرة: 65) فغير ممنوع اهـ. والمصنف قاله هنا لا على وجه الترديد. قوله: (فحكاه المصنف بشقيه) أي حكى ما قاله الإمام بشقيه وهما كونه مطلوباً وورود صيغته لغير طلبه. قوله: (المقصودة له) بالرفع نعت للإشارة. قوله: (والحق وقوع الممتنع بالغير لا بالذات) أي وقوع التكليف بالممتنع بالغير وهو الممتنع عادة فقط، والممتنع عقلاً فقط وهو الممتنع لتعلق العلم بعدم وقوعه.
(1/310)
---(1/306)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 151
قوله:
(أما وقوع التكليف بالأول)
أي الممتنع بالغير وهو قسمان كما تقدم: ممتنع لتعلق العلم بعدم وقوعه وممتنع عادة لا عقلاً، لكن دليل الشارح الذي ذكره إنما يدل على وقوع التكليف بالممتنع لتعلق العلم بعدم وقوعه الذي هو محل اتفاق كما مر دون القسم الأخير أعني الممتنع عادة لا عقلاً فدليله أخص من مدعاه. وفي جواب كل من شيخ الإسلام وسم نظر فراجعهما. قوله: (والقول الثاني) أي المقابل لقول المصنف والحق الخ. قوله: (وقوعه بالثاني) أي وقوع التكليف بالثاني وهو المحال.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 152
قوله:
(لأن من أنزل الله فيه الخ)
(1/311)
---(1/307)
إيضاح ما أشار إليه أن من أنزلت فيه الآية المذكورة قد حكم عليه فيها بأنه لا يصدق النبي في شيء مما جاء به على سبيل السلب الكلي لأن قوله: لا يؤمنون أي لا يصدقون بشيء مما جئت به كما يفيده حذف المعمول في قوة سالبة كلية قائلة لا تصديق لهم بشيء مما جئت به وهم مكلفون من جملة المكلفين بتصديق النبي في جميع ما جاء به الذي من جملته مدلول هذه السالبة الكلية وهو عدم تصديقهم بشيء مما جاء به، وتصديقهم هذا الذي متعلقه عدم التصديق بشيء مما جاء به فرد من أفراد التصديق المنفي الواقع موضوعاً للسالبة الكلية المتقدمة، فهو إيجاب جزئي في قوة قولنا هم مصدقونه في إخباره بأنهم لا تصديق لهم بشيء مما جاء به، وقد علم أن الإيجاب الجزئي يناقض السلب الكلي، فيكونون قد كلفوا بهذا التصديق الذي متعلقه عدم التصديق الكلي مع كون ما كلفوا به من هذا التصديق الجزئي منتفياً لكونه فرداً من أفراد التصديق المنفي الواقع موضوعاً للسالبة المتقدمة، فقد لزم من تكليفهم بهذا التصديق اجتماع النقيضين وهو اللازم على التكليف بالمحال لذاته، فيكون التكليف به من التكليف بالمحال لذاته، وهذا معنى قول الشارح: وفي هذا التصديق تناقض أي وفي هذا التصديق الجزئي وهو تصديقه في خبره عن الله بأنه لا يصدقه في شيء، فالإشارة إلى قوله بتصديقه في خبره الخ. وقوله حيث اشتمل على إثبات التصديق في شيء أي في خبره عن الله بأنه لا يصدقه في شيء، فالمراد بالشيء هو خبره عن الله بما ذكر، والمراد بالشيء في قوله ونفيه في كل شيء الشيء الذي هو متعلق التصديق المنفي بقولنا لا تصديق لهم في شيء كما تقدم. والحاصل أن مضمون ذلك السلب الكلي وقع متعلقاً لذلك التصديق الإيجابي الجزئي فيلزم التناقض لأن التصديق بانتفاء التصديق في كل شيء فرد من أفراد التصديق المنفي بجميع أفراده فيثبت له الانتفاء وقد جعل واجباً. وحاصل الجواب أن من أنزل فيه أنه لا يؤمن لم يقصد إبلاغه ذلك أي أنه لا(1/308)
(1/312)
---
يؤمن فلا يكون مكلفاً بتصديقه فيه فلا يلزم التناقض المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 152
قوله:
(حتى يكلف)
علة للمنفي. وقوله دفعاً للتناقض علة للنفي. قوله: (وإنما قصد إبلاغ ذلك) أي إبلاغ أنه لا يؤمن. وقوله لغيره أي غير من أنزل فيه أنه لا يؤمن. قوله: (من التكليف بالممتنع لغيره) أي وهو الممتنع لتعلق العلم بعدم وقوعه. قوله: (والثالث الخ) صريح أو كالصريح في أن مختار المصنف شامل لقسمي الممتنع لغيره مع أنه صرح في شرح المنهاج بأنه مختص بالممتنع لتعلق العلم بعدم وقوعه وبأن المحال عادة كالمحال لذاته في أنه جائز غير واقع قاله شيخ الإسلام . قلت: كلام المصنف صريح في شمول اختياره لقسمي الممتنع لغيره فلا وجه للاعتراض على الشارح، ويمكن أن يكون المصنف اختار هنا خلاف ما اختاره في شرح المنهاج.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 153
قوله:
(الأكثر على أن حصول الشرط الشرعي الخ)
هذا يخالف ما ذكره في المسألة الآتية من أن التحقيق أن الأمر لا يتوجه إلا عند المباشرة قاله سم. قوله: (ليس شرطاً في صحة التكليف) أي جوازه عقلاً فالمراد بالصحة الجواز بدليل أنه سيتكلم على الوقوع بقوله: والصحيح وقوعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 153
قوله:
(حال عدم الشرط)
ظرف للتكليف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 153
قوله:
(فلا يصح ذلك)
(1/313)
---(1/309)
أي التكليف بالمشروط حال عدم الشرط. قوله: (وإلا الخ) مرتب على قوله هو شرط فيها لا على قوله فلا يصح ذلك لأنه ضروري الحصول عما قبله فلا يقام عليه الدليل، فهو حينئذ مرتب على المفرع عليه، والتقدير وإلا يكن شرطاً فيها، وأشار بقوله فلا يمكن امتثاله لو وقع إلى استدلال صاحب هذا القيل بقياس شرطي مقدمه قوله لو وقع وتاليه قوله فلا يمكن امتثاله فنظمه هكذا لو وقع التكليف بالمشروط حال عدم الشرط لم يمكن امتثاله والتالي وهو عدم إمكان الامتثال باطل لأن التكليف يعتمد إمكان امتثاله بالإتيان بالمكلف به فيبطل المقدم. وحاصل جواب الشارح منع اللزوم المذكور بإمكان الامتثال بأن يؤتى بالمشروط بعد شرطه والامتثال كما يكون بفعل المكلف به في الحال يكون بفعله مع التراخي ومبنى الملازمة في كلام المستدل، على أن الامتثال إنما يتحقق بفعل المكلف به في الحال وليس كذلك. واعلم أن هذا الجواب من الشارح على التنزيل وتسليم أن صحة التكليف تتوقف على إمكان المكلف به بناء على امتناع التكليف بالمحال، وإلا فلنا أن لا نسلم بطلان اللازم المتقدم، وأن صحة التكليف تتوقف على إمكان المكلف به لما مر من جواز التكليف بالمحال مطلقاً قاله سم. قلت: لعل هذا القائل ممن لا يرى جواز التكليف بالمحال فلذا اقتصر الشارح على الجواب الذي ذكره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 153
قوله:
(وقد وقع)
(1/314)
---(1/310)
هذا ترق وزيادة في الجواب عما حصل به المقصود من ثبوت الجواز، فلو قال على أنه قد وقع لكان أقعد. قوله: (وعلى الصحة والوقوع ما تقدم الخ) ما تقدم فاعل بفعل محذوف يتعلق به قوله على الصحة والوقوع تقديره ويدل أو ويتفرع على الصحة والوقوع ما تقدم الخ. ووجه ما قاله أنه إذا كان وجوب الشرط بوجوب المشروط كان مقارناً له في الزمان وإن تأخر عنه في التعقل كما هو شأن المعلول مع علته يقارنها زماناً ويتأخر عنها تعقلاً، ومعلوم أن وجود الشرط متأخر عن وجوبه المقارن لوجوب المشروط فيلزم تأخر وجود الشرط وحصوله عن وجوب المشروط وهو معنى وجوب المشروط حال عدم الشرط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 153
قوله:
(يعني من الأكثر هنا)
قال سم: لعل هذا بناء على ما فهمه من خارج وإلا فهو في حد ذاته غير لازم لجواز أن يكون الأكثر هناك هوا لأكثر هنا، فيكون مقابل الأكثر هناك مقابلهم هنا. قوله: (وهي مفروضة الخ) يعني أن محل النزاع أمر كلي وهو صحة التكليف بالمشروط ووقوعه حال عدم الشرط لكن فرض العلماء ذلك في أمر جزئي وهو تكليف الكافر بالفروع تقريباً للفهم. قوله: (في الجملة) إنما قال في الجملة لأن المتوقف على النية إنما هو بعض المأمورات كالصلاة ونحوها دون البعض الآخر كالعتق والجهاد ونحوهما ودون المنهيات مطلقاً، ولأن الإيمان شرط في النية فهو شرط الشرط، فلذا كان شرطاً في الجملة لأن شرط الشرط شرط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 154
قوله:
( {والذين لا يدعون مع الله} (الفرقان: 68) الخ)
(1/315)
---
وجه الدليل منه أن قوله: {ولا يقتلون النفس} (الفرقان: 68) الخ عطف على صلة {الذين} (الفرقان: 68) مشارك له في الحكم وهو لقيّ الآثام ومضاعفة العذاب، فيكون ذلك من قوله تعالى: {ومن يفعل ذلك} (الفرقان: 68) إشارة إلى الصلة وهو الإشراك وما عطف عليه، فيستفاد منه أن الكافر مخاطب بالنهي عن قتل النفس والزنا لترتيب العذاب المذكور عليهما مع الشرك.(1/311)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 154
قوله:
(لأنها شعاره)
أي علامته. وقوله: والزكاة عطف على الصلاة. وقوله: بكلمة التوحيد أي لأنها تزكي قائلها وتطهره. وقوله: وذلك عطف على الصلاة أي وتفسير ذلك من قوله: ومن يفعل ذلك بالشرك لكونه مفرداً أي موضوعاً للإشارة به إلى المفرد. وقوله: خلاف الظاهر خبر المبتدأ وهو تفسير. ووجه ذلك في الصلاة أن عطف الزكاة المرادة من الإطعام في قوله: ولم نك نطعم المسكين عليها يفيد أن المراد بالصلاة حقيقتها الشرعية، ووجهه في الزكاة أن حمل الإطعام في الآية السابقة على الزكاة يفيد تفسير الزكاة في هذه الآية بحقيقتها الشرعية لأن الآيات يفسر بعضها بعضاً، ووجهه في ذلك أن تفسيره بالشرك خاصة يصير معه ذكر القتل والزنا ضائعاً بالنسبة للوعيد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 154
قوله:
(مطلقا)
أي مأمورات أو منهيات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 154
قوله:
(إذ المأمورات منها)
أي المتوقفة على النية كما يرشد إليه قوله السابق لتوقفها على النية. وقوله هنا مع الكفر فعلها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 154
قوله:
(محمولة عليها)
أي مقيسة عليها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 154
قوله:
(وخلافاً لقوم في الأوامر فقط)
(1/316)
---
لا حاجة إلى الجواب عن الشق الثاني لموافقتهم لنافيه. وأما الأول فيجاب عنه بما مر من أن الامتثال ممكن وبأن فائدة التكليف لا تنحصر في الامتثال قاله شيخ الإسلام .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 154
قوله:
(لما تقدم)
أي من قوله: إذ المأمورات منها الخ وقد علم جوابه.(1/312)
قوله: (من الإيجاب والتحريم) أحسن من قول غيره من الأمر والنهي لأن التكليف كما مر إلزام ما فيه كلفة، وهو خاص بالإيجاب والتحريم، وما نقله المصنف عن والده من التفصيل الذي ذكره تبعه فيه البرماوي واستحسنه، لكن رده شيخه الزركشي بأنه لا وجه له وإنه لا تصح دعوى الإجماع في الإتلاف والجناية بل الخلاف جار في الجميع وأطال في ذلك. وقول المصنف: لا الإتلاف والجنايات قصد به الإيضاح لتعديده المثال وإلا فأحدهما مغن عن الآخر، ومثله قول الشارح متلفه ومجنيه شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 154
قوله:
(وما يرجع إليه)
أي بأن يكون متعلقه سبباً لخطاب التكليف أو شرطاً له أو مانعاً قاله العلامة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 155
قوله:
(ككون الطلاق سبباً لحرمة الزوجة)
مثال لما يرجع من خطاب الوضع إلى خطاب التكليف، وفي العبارة تساهل، وحقيقة التعبير أن يقال كالخطاب الوارد بكون الطلاق الخ إذ الوضع هو الخطاب الوارد بالكون المذكور لا الكون الذي هو متعلقه كما تقدم ذلك في الشرح في تعريف الوضع ومعنى رجوع الخطاب المذكور هنا إلى خطاب التكليف كونه متحداً معه ذاتاً وإن اختلفا بالاعتبار، إذ الخطاب بكون الطلاق سبباً لتحريم الاستمتاع هو الخطاب بتحريم الاستمتاع بسبب الطلاق كما أوضحه العلامة رحمه الله تعالى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 155
قوله:
(لا ما لا يرجع إليه)
(1/317)
---(1/313)
أي بأن يكون متعلقه سبباً لغير خطاب التكليف كالخطاب بكون الإتلاف سبباً للضمان، فإن الضمان ليس من خطاب التكليف إذ ليس هو إيجاباً ولا تحريماً ولا غيرهما. قال سم: وقد يستشكل بأن الإتلاف والجنايات أسباب لوجوب أداء بدل المتلف وأرش الجنابة مطلقاً أو عند المطالبة فقد رجعت إلى خطاب التكليف فلم يصح هذا النفي إلا أن يجاب بما أشار الشارح إلى التقييد به من قوله: من حيث أنها أسباب للضمان أي شغل الذمة أي وأما من حيث أنها أسباب لوجوب أداء ما ذكر فتدخل في قوله: وما يرجع إليه من خطاب الوضع وفيه نظر لاستلزامه موافقة الخصم على سببية الإتلاف لشغل الذمة ومخالفته في سببية وجوب أداء ما لزم الذمة وهو من أبعد البعيد إن لم يكن غير معقول لأن حاصله التزام شغل الذمة وعدم وجوب أداء ما لزمها، وإن التزم الاتفاق على سببية الإتلاف لكل من شغل الذمة، ووجوب الأداء أشكل بالاختلاف في سببية الطلاق للتحريم، فإن التحريم هناك نظير وجوب الأداء هنا فليتأمل اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 155
قوله:
(وترتب آثار العقود الصحيحة)
(1/318)
---(1/314)
قال العلامة: هو مثال أيضاً للوضع غير الراجع وفي كونه من الوضع ومتعلقه نظر إذ الترتب مسبب عن الصحة للعقد التي هي متعلق الوضع اهـ. وحاصله أن مفاد عبارة المصنف أن الترتب المذكور من الوضع الذي متعلقه سبب لغير خطاب التكليف مع أنه ليس من الوضع ولا من متعلقه ولا هو سبب أصلاً لشيء، أما الأول فواضح، وأما الثاني فلأن متعلق الوضع المذكور كون العقد صحيحاً. وأما الثالث فلأن الترتب المذكور مسبب عن التعلق المذكور كما تقدم للمصنف بقوله: وبصحة العقد ترتب أثره. وقد يجاب بأن في العبارة تساهلاً، والمراد كون العقود صحيحة تترتب عليها آثارها، والأصل أن يقول: وصحة العقود المترتبة عليها آثارها بل لا حاجة لزيادة قوله المترتبة الخ إلا لأجل إيضاح كون هذا الوضع سبباً لغير خطاب التكليف وهو الترتب المذكور قاله سم مع زيادة إيضاح له بنوع مخالفة لتقريره. قوله: (كملك المبيع) أي في عقد البيع الصحيح. وقوله: وثبوت النسب أي في عقد النكاح كذلك. وقوله العوض في الذمة جار فيهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 155
قوله:
(نعم الخ)
(1/319)
---(1/315)
استدراك على قوله فالكافر في ذلك كالمسلم، وتنبيه على أن المراد بالكافر الملتزم للأحكام. قوله: (لا تكليف إلا بفعل الخ) قد سبق ما يعلم منه هذا وأعاده لزيادة البيان، ولقوله فالمكلف به في النهي الخ، والمراد بالفعل أثره الحاصل به لا المعنى المصدري لأنه أمر اعتباري لا تحقق له خارجاً فلا يصح التكليف به كما مر. قوله: (وذلك ظاهر في الأمر) فيه أنه لا يظهر في نحو دع وذر وكف. وقد يجاب بأن الظهور باعتبار الغالب في الأوامر أو بأن الظهور المذكور في غير ما يكون في معنى النهي بقرينة المعنى، ويؤيد هذا قول الشارح الآتي في شرح حد الأمر بأنه اقتضاء فعل غير كف مدلول عليه بغير كف ما نصه وسمى مدلول كف أمراً لا نهياً موافقة للدال في اسمه اهـ. فإن فيه إشعاراً بموافقته في المعنى المنهي فيوجه هذا القسم هنا بما يوجه به النهي قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 156
قوله:
(وذلك فعل الخ)
. فيه أن يقال هو وإن كان فعلاً إلا أنه من الأمور الاعتبارية التي لا تحقق لها خارجاً فلا يصح التكليف به لأنه غير مقدور لكونه عدماً. فإن أجيب بأنه مقدور باعتبار حصوله بفعل الضد الذي هو مقدور. قلنا: لا حاجة حينئذ إلى العدول في المكلف به في النهي عما يتبادر من كونه النفي إلى كونه الانتهاء، بل كان يمكنه التزام كونه النفي وهو مقدور باعتبار ما يتحقق به من الضد فليتأمل. وفيه أنه قد لا يحصل مع الانتهاء المذكور فعل الضد فإن المنهي عن شرب الخمر مثلاً إذا ترك الشرب وسائر الأفعال كالأكل وشرب الماء وغير ذلك أي ضد شرب الخمر فإنه لم يحصل هنا إلا الانتهاء من شرب الخمر، ولم يحصل هنا أمر وجودي مضاد لشرب الخمر حتى يتحقق وجود ضد يحصل به الانتهاء المذكور إلا أن يراد بالضد ما يشمل النقيض فليتأمل سم. قلت: كون المراد بالضد ما يشمل النقيض غير مخلص فيما يظهر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 156
قوله:
(1/320)
---
(وذلك مقدور للمكلف بأن لا يشاء فعله الخ)(1/316)
جواب عما ورد على هذا القول من أن الانتفاء عدم والعدم غير مقدور فكيف صح التكليف به؟ وحاصل الجواب: أن تعلق القدرة به باعتبار تعلق سببها به وهو الإرادة. قوله: (الذي يوجد بمشيئته) أي من حيث أنها سبب لتعلق القدرة بالمفعول وإلا فهو إنما يوجد بالقدرة لا بالمشيئة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 156
قوله:
(الحاصل بفعل ضده من السكون)
قال العلامة: السكون عند المتكلمين كونان في آنين في مكان واحد. وعند الحكماء عدم الحركة عما من شأنه، فقول الشارح أولاً بفعل ضده من السكون موافق لقول المتكلمين. وقوله ثانياً بأن يستمر عدمه من السكون موافق لقول الحكماء اهـ. أي ففي عبارته تناف لاقتضاء ما ذكره أولاً أن التقابل بين الحركة والسكون تقابل الضدين وأن السكون وجودي، وما ذكره ثانياً أن التقابل بينهما تقابل العدم والملكة وأن السكون عدمي، وجوابه أن ما قاله من موافقة الشارح قول الحكماء مبني على أن من في قوله بأن يستمر عدمه من السكون بيانية وهو غير لازم لجواز كونها ابتدائية بمعنى أن عدم التحرك ناشىء عن السكون، فلا ينافي إرادة السكون عند المتكلمين، ويؤيد ذلك أن الظاهر اتحاد معنى السكون في الموضعين سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 156
قوله:
(بأن يستمر عدمه)
(1/321)
---(1/317)
قال العلامة: لا ينحصر تحقق الانتفاء في استمرار العدم إذ يمكن تحققه بتجدد العدم، كما إذا نهى عن التحرك من هو متلبس به اهـ. وأجاب سم بأن من معتادات الشارح تبعاً لشيخي مذهبه الرافعي والنووي استعمال بأن بمعنى كاف التمثيل وحينئذ فلا إشكال. قوله: (مع الانتهاء) ظرف ليشترط ولو أبدل مع بمن البيانية لأن ما بعدها بيان للمكلف به كان أحسن. قوله: (امتثالاً) علة للترك كما هو المتبادر من العبارة فهو مفعول لأجله للترك مع أن الامتثال من متعلقات القصد فيعرب حينئذ تمييزاً عن نسبة القصد للترك والأصل قصد الامتثال بالترك. قوله: (لحديث الصحيحين المشهور الخ) إنما يكون الحديث الشريف مفيداً لما قاله إذا كان التقدير فيه إنما الأعمال صحة وكمالاً، والأول في المأمورات والثاني في المنهيات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 157
قوله:
(إلزاماً وقوله إعلاما)
(1/322)
---(1/318)
حالان من ضمير الأمر المستتر في يتعلق، ثم إن أمر الندب الموقت خارج عن هذه العبارة، كما أن أمر الندب مطلقاً ونهي الكراهة والتخيير خارجة عن قوله: لا تكليف إلا بفعل اعتماداً على العلم بذلك فيها من تعريف الحكم السابق قاله العلامة. وقوله حالان الخ أي بتقدير مضاف أي ذا إلزام وذا إعلام إذ الأمر ليس نفس الإلزام والإعلام كما هو ظاهر، ويصح جعل قوله إلزاماً وإعلاماً مفعولاً مطلقاً بحذق المضاف أيضاً أي تعلق إلزام وتعلق إعلام، ولا يضر خروج أمر الندب عما هنا للعلم به بالمقايسة، وكذا خروج أمر الندب مطلقاً، ونهي الكرهة والتخيير عن قوله هنا لا تكليف إلا بفعل للعلم به بالمقايسة أيضاً. وقول العلامة اعتماداً على العلم بذلك فيها من تعريف الحكم السابق يقال عليه لو علم نهي الكراهة مما ذكر علم نهي التحريم أيضاً إذ لا فرق بينهما، والحق أنه لا يعلم منه أن المكلف به في النهي الكف إذ الذي علم منه أن النهي خطاب يتعلق بفعل المكلف، والتعلق به صادق بأن يكون المكلف به عدم الفعل أو الانتهاء المذكور، فالوجه الاستناد في معرفة حكم هذه المذكورات إلى المقايسة قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 157
قوله:
(وقبله إعلاما)
(1/323)
---(1/319)
قال العلامة: قد مر أن الحكم معتبر في مفهومه التعلق التنجيزي ولا يوجد إلا في الوقت وأن الأمر نوع منه لأنه الإيجاب والندب، فإثبات الأمر قبل دخول الوقت إثبات للنوع بدون جنسه أي وهو الحكم وذلك محال، وقد يدفع بأن ذلك إنما يلزم من كونه أمراً حقيقة وهو ممنوع لجواز أن يراد به جنسه أي خطاب الله تعالى الذي سيصير عند التعلق التنجيزي أمراً حقيقة اهـ. وفي كلام سم هنا تعسف لا داعي إليه، والفرق بين التعلق الإعلامي والإلزامي أن الأول هو اعتقاد وجوب الإتيان بالفعل بعد الوقت لا نفس إيجاده، وتعلق الإلزام هو وجوب الإتيان به وإيجاده قاله شيخ الإسلام. قوله: (وإلا يلزم الخ) أي وإن لم نقل أنه ينقطع عند المباشرة الخ. قوله: (وأجيب بأن الفعل الخ) جواب بمنع الشرطية أي الملازمة المذكورة. وحاصله أن لزوم طلب تحصيل الحاصل ممنوع لأن الفعل لم يحصل بعد لانتفائه بانتفاء جزء منه وبيانه. أن الفعل المطلوب ذو أجزاء والأمر يتعلق به أولاً وبالذات وبأجزائه ثانياً وبالعرض والتعلق به لا ينقطع ما لم يحصل الفعل ولا يحصل إلا بتمام حصول جميع أجزائه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 157
قوله:
(قال المصنف وهو التحقيق الخ)
أسنده إلى المصنف ليتبرأ من عهدته فإنه مردود كما ستعرفه. قوله: (إلا حينئذ) أي لأن القدرة التي يكون بها الفعل مقارنة عند الأشعري لا سابقة إذ العرض لا يبقى زمانين كما تقرر. قوله: (وما قيل من أنه الخ) أي وهو يشكل على هذا القول أي لأنه عليه إن أتى بالفعل فذاك وإلا فهو غير مأمور، فلا يكون عاصياً بالترك لأنه لم يترك مأموراً به لعدم تحقق الأمر بعد. وحاصل الجواب إن الملام والذم على فعل المنهي عنه وهو عدم فعل العبادة جميع الوقت لا على ترك المباشرة المذكورة، فالملام على فعل منهي عنه لا ترك مأمور به وهو أي فعل المنهي عنه متحقق بدون المباشرة المذكورة وفيه نظر سيأتي. قوله: (والذم) عطف تفسير على اللوم.
(1/324)
---(1/320)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 158
قوله:
(بأن ترك الفعل)
أي ترك الفعل رأساً، وليس المراد بأن ترك ولو فعل بعد ذلك كما يوهمه قول المصنف فالملام قبلها فإنه مشعر بتوجه اللوم على الترك بعض الوقت ثم فعل العبادة بعد ذلك فيه وليس كذلك. قوله: (ذلك الكف) بيان لمرجع الضمير المستتر في المنهي فالمنهي نعت حقيقي للكف وقد عومل معاملة الفعل المتعدي بنفسه توسعاً، فحذف المصنف الجار والمجرور تخفيفاً، وقول الشارح عنه متعلق بالكف والضمير في عنه للفعل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 158
قوله:
(لأن الأمر بالشيء الخ)
(1/325)
---
قال العلامة: لا يفيد المطلوب وهو أن الكف منهي عنه لأن النهي يتوقف على وجود الأمر وهو على وجود التعلق الإلزامي وهو هنا منتف فينتفي الأمر فينتفي النهي وهو نقيض المطلوب اهـ، وهو وجيه. والجواب بأن النهي النفسي يتوقف على وجود الأمر اللفظي لا النفسي، فلا ينافي حينئذ وجود النهي بدون الأمر النفسي بعيد جداً لا يلتفت له أو هو لا يصح عند القائل. وقد أطال سم هنا وأكثر من التمحلات الباردة. واعلم أن القول بأن الأمر إنما يتعلق بالفعل عند المباشرة مشكل جداً إذ لا خفاء في وجود التعلق قبل المباشرة وإلا لم يعص أحد بالترك وهو خلاف الإجماع. واعلم أيضاً أن القدرة تطلق بإزاء معنيين: القوة المستجمعة لشرائط التكليف وهذه لا توجد إلا عند المباشرة وهو معنى قولهم القدرة الحادثة مقارنة للفعل. والثاني سلامة الأسباب والآلات وهذه سابقة على الفعل وهي المعبر عنها بالاستطاعة وهي مناط التكليف وتعلق الأمر الإلزامي قبل المباشرة. فإن قيل: ما معنى قول السعد مقارنة القدرة الفعل كسب وإيجاد الله له عقب ذلك خلق مفيد تأخر إيجاد الفعل مع أن إيجاد الله تعالى الفعل عند مقارنة العبد به كما قرر؟ قلنا: التأخر هنا بحسب التعقل تأخر المسبب عن سببه فإن الإيجاد المذكور سببه تعلق القدرة الحادثة بالمقدور لا بحسب الزمان فلا إشكال.(1/321)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 158
قوله:
(يصح التكليف ويوجد الخ)
(1/326)
---
أشارا إلى مسألتين: الأولى صحة التكليف مع علم الآمر والمأمور انتفاء شرط وقوعه. والثانية علم المكلف عند وجود الأمر وسماعه بأنه مكلف به، فأشار إلى للأولى بقوله يصح التكليف وتمامها قوله مع علم الآمر وكذا المأمور انتفاء شرط وقوعه، فقوله مع علم الآمر الخ حال من فاعل يصح، وأشار إلى الثانية بقوله: ويوجد وتمامها قوله معلوماً للمأمور أثره الواقع حالاً من مرفوع يوجد العائد على التكليف. فقوله مع علم الآمر الخ وقوله معلوماً الخ حالان من التكليف وهما نشر على غير ترتيب اللف، إذ قوله معلوماً يرجع للمسألة الثانية أعني قوله: ويوجد. وقوله مع علم الآمر الخ يرجع للمسألة الأولى أعني قوله يصح الخ. فقول الكمال أن قول المصنف مع علم الآمر الخ قيد في كل من صحة التكليف ووجوده فيه نظر لما تقرر من أنه قيد في الصحة فقط وهو الموافق لتقرير الشارح خلاف الإمام والمعتزلة في المسألتين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 159
قوله:
(من الحياة والتمييز)
(1/327)
---(1/322)
بيان للشرط. قوله: (مع ما ذكر) أي من علم الآمر والمأمور انتفاء شرط الوقوع. قوله: (وأجيب بوجودها الخ) هذا على التنزل وإلا فإننا نمنع أولاً اعتبار الفائدة على أصلنا معاشر أهل السنة، ثم ما ذكر من الجواب ظاهر في صورة علم الآمر وجهل المأمور، وأما مع علم المأمور فسيأتي في الشرح جوابه عن بعض المتأخرين بما فيه بقوله: وبعض المتأخرين قال بوجودها بالعزم على تقدير وجود الشرط ثم رده ذلك بقوله بعد وكذا ما قبله مندفع فإنه لا يتحقق العزم الخ. واحتج أيضاً القائل بصحة التكليف مع علم الآمر انتفاء شرط وقوع المكلف به فإنه لو لم يصح لم يعص أحد لأن كل فعل لم يأت به المكلف لا بد من انتفاء شرطه كتعلق إرادة الله تعالى به، فلو كان علم الآمر انتفاء شرط وقوعه مانعاً من التكليف لم يكن تارك الصلاة عمداً عاصياً لأنه حينئذ غير مكلف بها لأن الآمر عالم بانتفاء شرطه في وقته وهو باطل إجماعاً شيخ الإسلام . قوله: (وفي قولهم الخ) عطف على قوله في قولهم. وفيه إشارة إلى أنهما مسألتان. وقوله لأنه قد لا يتمكن من فعله الخ قيل عليه إنه استدلال بما هو من صور النزاع، ورد بأنه ليس منها بل منشؤها فالتعليل به صحيح، ويكفي في رده ما أجاب به الشارح شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 159
قوله:
(وبتقدير وجوده ينقطع الخ)
(1/328)
---(1/323)
هذا هو الجواب في الحقيقة وما قبله توطئة له. وحاصله أن طرق الموت أو العجز لا ينفيان تحقق العلم المذكور قبل ذلك غايته أنه ينقطع بذلك التعلق، وبهذا يندفع قول العلامة كون الأصل عدمه لا ينفي احتماله الذي ينفي العلم على قولهم فإن حمل العلم على الظن خالف كلامهم اهـ. قوله: (ينقطع التوكيل) أي والانقطاع فرع الحصول حقيقة. قوله: (حال الجهل) ظرف للموجودة. وقوله بالعزم متعلق بالموجودة. قوله: (وبعض المتأخرين) هو ابن تيمية كما نقله عنه الزركشي. قوله: (في التوبة من الزنا) أي الذي فعله قبل الجب. قوله: (إنها تحيض) أي مثلاً إذ غيره كالموت والجنون كذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 159
قوله:
(وأما عندنا)
أي معاشر أهل السنة. وقوله لأن الميسور أي وهو صوم بعض اليوم الخالي عن الحيض. وقوله بالمعسور أي وهو البعض الآخر الذي فيه الحيض. قوله: (إنها كلفت بالصوم) أي بصوم اليوم كله. قوله: (من النقاء) بيان للشرط. قوله: (وهذا مندفع) الإشارة إلى ما استند إليه المصنف. قوله: (الخالي) صفة لبعض اليوم. قوله: (والنقاء عنه جميع اليوم شرط لصوم جميعه) أي فبطل قوله إنها كلفت بصوم جميع النهار مع علمها بانتفاء شرطه لما علم من أنها إنما كلفت بصوم بعض اليوم مع وجود الشرط وهو النقاء عن الحيض في ذلك البعض الذي كلفت بصومه. قوله: (وكذا ما قبله) أي دعوى وجود الفائدة بالعزم على تقدير وجود الشرط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 160
قوله:
(على ما لا يوجد شرطه الخ)
(1/329)
---(1/324)
رد للمتنازع فيه. وقوله ولا على عدم العود الخ رد للنظير أي نظير المتنازع فيه وهي مسألة المحبوب. وحاصله أن العزم بتقدير شيء تعليق للعزم على وجود ذلك الشيء وهو ينافي تحقق العزم في الحال، فالوجود إنما هو تعليق العزم لا العزم قاله سم. قال: وأقول لو سلم ذلك كان للمصنف ومن وافقه أن يكتفي بتعليق العزم في الفائدة لأنه يدل على الطاعة والانقياد، كما أن الامتناع من تعليقه بأن لا تذعن نفسه لتعليقه يدل على المخالفة وعدم الانقياد اهـ. قلت: ما قاله من أن الموجود في الحال إنما هو التعليق تبع فيه العلامة قدس سره، وقد يقال: التقدير المذكور موجود في الحال وهو سبب للعزم كما هو قضية تعلق قوله بتقدير وجوده بقوله العزم وجعل الباء سببية كما صرح بذلك العلامة نفسه، وحينئذ فالعزم موجود في الحال لتسببه عن التقدير المذكور وليس معلقاً على وجود الشرط كما قاله. وفي كلام الشارح إيماء لذلك حيث قال: فإنه لا يتحقق العزم، فجعل المنفي تحقق العزم لا أصل وجوده وهو ظاهر، فإن تحققه إنما يكون مع وجود الشرط، وحينئذ فقد يقال بكفاية وجود العزم في الفائدة وإن لم يتحقق، ولا حاجة إلى جواب سم الذي ذكره مع بعده عن مراد هذا القائل فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 160
قوله:
(أما مع جهل الآمر)
قال شيخ الإسلام : ولو علم المأمور اهـ. وقد يستشكل حينئذ الفرق بين الاتفاق هنا وحكاية المصنف قولين في صورة علم المأمور كالآمر مع إمكان جريان توجيهي القولين هنا. ويجاب بظهور إمكان الفائدة هنا باعتبار اعتقاد الآمر اهـ سم وفي جوابه بعد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 160
قوله:
(على صحته ووجوده)
(1/330)
---(1/325)
إن قيل: قضيته تعلق قول المصنف مع علم الآمر الخ بكل من قوله يصح وقوله يوجد. ووجهه أن الجهل محترز العلم فإذا كانت مسألة الجهل شاملة لكل من الصحة والوجود كانت مسألة العلم كذلك، قلنا ممنوع ذلك فإن مسألة الوجود السابقة المقصود منها أن المأمور هل يعلم عقب الأمر أنه مكلف أو لا بخلاف هذه، فإن المقصود فيها بيان نفس الوجود قاله سم. أي فلم يلزم من كون الجهل محترز العلم أن تكون مسألته هي مسألة العلم فالملازمة المذكورة ممنوعة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 160
قوله:
(على الترتيب)
الترتيب في اللغة جعل كل شيء في مرتبته كجعل الفعل قبل الفاعل، والمبتدأ قبل الخبر ونحو ذلك، وفي اصطلاح المناطقة جعل الأشياء بحيث يطلق عليها الاسم الواحد، ويكون لبعضها نسبة من البعض الآخر بالتقدم والتأخر وذلك كقولنا: العالم متغير وكل متغير حادث فالعالم حادث، فإن هذا المركب يطلق عليه أنه قياس ودليل، ولبعضه نسبة من بعض بالتقدم والتأخر لتقديم الصغرى على الكبرى وتأخير الكبرى عنها. وفي اصطلاح النحاة ثبوت المحكوم به لأشياء متعددة في أزمنة متتالية كقولك: جاء زيد ثم عمرو ثم بكر، والترتيب المذكور هنا ليس بالمعنى الأوّل ولا الثاني قطعاً بل هو قريب من المعنى الثالث وليس بمعناه حقيقة كما يظهر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 160
قوله:
(كأكل المذكى والميتة فإن كلاً منهما يجوز أكله)
فيه تساهل فإن الأمرين هما أكل المذكى وأكل الميتة والحكم المتعلق بهما هو الجواز، وليس الأمران هما المذكى والميتة كما هو واضح، فكان الأقعد أن يقول كأكل المذكى وأكل الميتة فإن كلاً منهما يجوز والخطب سهل، وأراد بالجواز الإذن الصادق بالوجوب لا المستوى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 161
قوله:
(لكن جواز الخ)
بيان لكون تعلق الحكم على وجه الترتيب.
(1/331)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 161
قوله:
(فيحرم الجمع بينهما لحرمة الميتة حيث قدر على غيرها)(1/326)
فيه إشارة إلى دفع ما اعترض به على التمثيل بأكل المذكى والميتة من أنه لا مدخل للمذكى في الحرمة، وعلة تحريم الجمع إنما تكون دائرة بين المفردين. ووجه دفعه منع كون تحريم الجمع ليس إلا لعلة دائرة بينهما بل تكون لحرمة الميتة حيث قدر على غيرها شيخ الإسلام .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 161
قوله:
(من عمت ضرورته الخ)
فاعل بقوله: تيمم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 161
قوله:
(ثم توضأ الخ)
أي وهذا الوضوء جائز لأن خوف بطء البرء ومثله خوف حدوث مرض خفيف مبيح للتيمم لا موجب له ولا يجب إلا إذا خيف بالوضوء هلاك أو شديد أذى هذا مذهبنا معاشر المالكية، وأما عند الشافعية فقد ذكر بعض الطلبة أن الوضوء المذكور في كلام الشارح وهو الوضوء الذي يخاف معه بطء البرء حرام على المعتمد عندهم ويجوز على قول ضعيف، وعليه فما قاله الشارح إنما يتمشى على مذهبه على القول الضعيف ولعل الشارح لا يرى ضعفه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 161
قوله:
(وإن بطل بوضوئه تيممه لانتفاء فائدته)
(1/332)
---
أي فليس معنى الجمع بينهما اجتماعهما صحة ابتداء ودواماً حتى يقال يمتنع اجتماعهما أو يتصور بأن يؤتى بالتيمم على وجه التعليم مثلاً، بل معناه أن يؤتى بكل منهما صحيحاً وإن بطل التيمم بالوضوء فبطلانه لا ينافي ذلك شيخ الإسلام . قوله: (فإن كلاً منهما يجوز الخ) الأمران هنا هما التزويج من أحد الكفأين والتزويج من الآخر والحكم جواز ذلك، والشارح حمل الأمرين على الكفأين وهو فاسد، فلو قال: فإن كلاً منهما يجوز وحذف قوله التزويج منه لكان أقعد وقد تقدم نظير ذلك. قوله: (كما قال والد المصنف أنه الأقرب) ضمير أنه يعود لكون الواجب كلاً منها بدلاً عن الآخر. وقوله أقرب أي لأنهم قالوا الواجب الإطعام أو الكسوة أو العتق.(1/327)
تنبيه: حاصل ما ذكر من وصف حكم الجمع بين الأمرين في قسمي التعلق على الترتيب والبدل مع حكم الأمرين أنه على ثلاثة أقسام: تحريم وإباحة وسنة، مع جواز الأمرين في الأولين ووجوبهما في الثالث في قسم الترتيب، ومع جوازهما في الأول ووجوبهما في الأخيرين في قسم البدل شيخ الإسلام .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 161
قوله:
(الكتاب الأول في الكتاب)
قد تقدم ما في هذه الظرفية أول الكتاب فراجعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 162
قوله:
(ومباحث الأقوال)
(1/333)
---(1/328)
المباحث جمع مبحث بمعنى مكان البحث، والبحث هو إثبات المحمول للموضوع أو نفيه عنه، فالتقدير والأماكن التي يقع فيها البحث من الأقوال وملخصه والأقوال التي تثبت لها محمولاتها، فالإضافة في قوله: ومباحث الأقوال بيانية وجعل الأقوال أمكنة للبحث من حيث أنها موضوعات تحمل عليها محمولات فكأنها أمكنة وقع فيها البحث، ثم لا يخفى أن الكتاب الأول ليس في نفس الكتاب بل في مباحثه، فلو قدم المصنف مباحث وأضافها إلى الكتاب والأقوال بأن قال الكتاب الأول في مباحث الكتاب والأقوال لكان أجود قاله العلامة. وقد يجاب بأنه من باب الحذف من الأول لدلالة الثاني، والأصل في مباحث الكتاب الخ. ومثل ذلك سائغ شائع في الاستعمال، وبأنه يجوز أن يريد بقوله في الكتاب في تعريف الكتاب بناء على أن ما ذكره بعد التعريف إما راجع لمباحث الأقوال لإمكان رجوعه إليها، فإن قوله ومنه البسملة البحث فيه عن البسملة التي هي قول وهو إثبات محمولها وهو بعضيتها منه لها. وقوله لا ما نقل آحاد البحث فيه عما نقل آحاداً وهو قوله وبحثه سلب ثبوت بعضيته منه عنه، وعلى هذا القياس فإن قيل: هذا ينافي وصف الشارح الأقوال بقوله المشتمل عليها فإن البسملة وما نقل آحاداً لم يثبت كونهما منه حتى يحكم باشتماله عليهما فلا يصح إدراج ذلك في الأقوال المرادة هنا. قلنا: المراد باشتماله عليها الاشتمال في الجملة وإن لم يكن على وجه القطع، وكل من البسملة وما نقل آحاداً قد نقل على أنه منه، أو المراد بالاشتمال التعلق في الجملة وذلك متحقق فيما ذكر قطعاً، وإما راجع لتوضيح الكتاب إذ لا يخفى أن كون البسملة منه دون ما نقل آحاداً مما يميزه بأنه ما ثبت بعضية البسملة منه دون ما نقل آحاداً وذلك من تتمة التعريف ومتعلقاته اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 162
قوله:
(المشتمل عليها)
(1/334)
---(1/329)
جعله العلامة نعتاً للأقوال، وخرج عدم إبراز الضمير لكون النعت سببياً على مذهب الكوفيين لعدم اللبس هنا والتقدير ومباحث الأقوال المشتمل هو أي الكتاب عليها، ويمكن أن يجعل نعتاً للكتاب فيكون حقيقياً لكن على مذهب من يجوّز الفصل بين النعت والمنعوت بالأجنبي كالرضى سم. قوله: (الكتاب القرآن) الكتاب لغة اسم للمكتوب غلب في الشرع على الكتاب المخصوص وهو القرآن المثبت في المصاحف، كما غلب الكتاب في عرف النحاة على كتاب سيبويه، والقرآن لغة مصدر بمعنى القراءة غلب في العرف العام على المجموع المعين من كلام الله تعالى وهو في هذا المعنى أشهر من الكتاب، فلذا جعل تفسيراً له ذكره في التلويح قاله سم. فتعريف الكتاب بالقرآن تعريف لفظي، وكذا تعريف القرآن باللفظ المنزّل الخ لأن الماهية حاصلة بدونه على ما سنبينه، ثم مقتضى كون الكتاب جعل علماً بالغلبة على القرآن انسلاخ معنى العهد عن أل، وتصير حينئذ كالجزء من مدخولها لئلا يلزم اجتماع معرّفين، لكن العلامة الرضى اختار جواز اجتماعهما إذا كان في أحدهما ما في الآخر وزيادة كما هنا قال بدليل يا هذا ويا ألله ويا عبد الله. وما قيل من أنها تنكر ثم تعرف بحرف النداء لا يتم في يا ألله. قال: وما قيل إن العلم كبقية المعارف لا يضاف إلا إذا نكر ممنوع بل يجوز عندي إضافته مع بقاء تعريفه إذ لا مانع من اجتماع تعريفين إذا اختلفا كما مر، وبسط الكلام على ذلك راجع شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 162
قوله:
(أي في أصول الفقه)
(1/335)
---(1/330)
أي لأن بحثه عن اللفظ لكونه الذي يستدل به على الأحكام، بخلاف أصول الدين فإن بحثه عن الصلة الذاتية ومنها إثبات صفة الكلام. قوله: (اللفظ) جنس في التعريف. وقوله المنزل قيد أول وأشار به إلى أن المراد المتكرر نزوله شيئاً فشيئاً كما تفيده صيغة اسم المفعول المضعف، وقد يقال: كان يمكنه حينئذ الاستغناء بقوله المنزل عن قوله على محمد لأن شيئاً مما أنزل على غيره لم يكن كذلك لأنه إنما أنزل دفعة واحدة. ويجاب بأن مبنى التعاريف على الإيضاح والبيان. وقوله على محمد قيد ثان، وأسقطه ابن الحاجب استغناء عنه بقوله للإعجاز إذ المنزل على غيره ليس للإعجاز وجوابه ما تقدم. وقوله للإعجاز قيد ثالث. وقوله المتعبد بتلاوته قيد رابع. وسيأتي الكلام عليها في كلام الشارح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 163
قوله:
(يعني ما يصدق عليه اللفظ الخ)
تنبيه على أن اللفظ المنزل الخ مفعول كلي منحصر في هذا الفرد الخارجي، فالمراد به هنا الفرد الصادق عليه ذلك المفهوم لا نفس المفهوم، فالقرآن عبارة عن مجموع المؤلف المخصوص الذي أوله الفاتحة وآخره الناس كما قال. وتنبيه أيضاً على أن المراد من التعريف أن يبين لمن عرف حقيقة مسمى القرآن وجهل أنه مسماه أن هذا الشخص المعروف بصفة كذا هو مفهوم القرآن لا أن يبين حقيقة المسمى بهذا الشخص إذ هو أخص منها فلا يحمل عليها قاله العلامة. والإشارة في قوله ما يصدق عليه هذا اللفظ المنزل الخ. قوله: (المحتج الخ) بالنصب نعت لما من قوله يعني ما يصدق عليه الخ. فإن محلها النصب بما قبلها وهو خارج مخرج الدليل، على أن المعنى هنا بالقرآن اللفظ المذكور لا مدلوله. تقريره أن يقال: إن القرآن عند الأصوليين أحد الأدلة الخمسة أي أحد الأمور المحتج بها، والاحتجاج إنما هو بأبعاض اللفظ المذكور لا بمدلوله، فيكون القرآن هو اللفظ المذكور لا مدلوله قاله العلامة.
(1/336)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 163
قوله:(1/331)
(خلاف المعنى بالقرآن في أصول الدين)
أي فيطلق القرآن على كل من المعنيين بالاشتراك كما يطلق على كل منهما كلام الله. قوله: (من مدلول ذلك الخ) بيان للمعنى بالقرآن في أصول الدين والإشارة إلى اللفظ المنزل. وقوله القائم بذاته تعالى نعت للمدلول، وقضيته أن القائم بذاته تعالى مدلول اللفظ الذي تقرؤه وهو قضية ظاهر عباراتهم المشهورة من قولهم: القرآن دال على كلام الله تعالى، لكن الذي حققه بعض المتأخرين أن القائم به تعالى يدل على ما يدل عليه هذا اللفظ المقروء، وأن العبارة المذكورة مؤولة بقولنا القرآن دال على ما دل عليه كلام الله وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى كما يفيده النظر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 163
قوله:
(وإنما حدوا القرآن مع تشخصه بما ذكر الخ)
. اعلم أن أسماء العلوم كالكتب أعلام أجناس وضعت لأنواع أعراض تتعدد بتعدد المحال كالقائم بزيد وبعمرو، وقد تجعل أعلام شخص باعتبار أن المتعدد باعتبار المحل يعد عرفاً واحداً، وجعل القرآن علماً شخصياً بهذا الاعتبار الثاني وليس هو علماً شخصياً حقيقياً بأن يكون اسماً للشخص القائم بلسان جبريل فقط للقطع بأن ما يقرؤه كل واحد منا هو القرآن المنزل على النبي ، وقد ذكروا أن الشخص الحقيقي لا يقبل الحد لأنه لا تمكن معرفته إلا بالإشارة إليه، وعلى هذا فوصف القرآن بالشخص الذي لا يحد وهو الحقيقي لمشاركته له في أنه لا تمكن معرفته إلا بالإشارة إليه والقراءة من أوله إلى آخره، فمعنى تشخصه حينئذ أن له حكم الشخص الحقيقي فيما تقدم راجع سم. وقول الشارح بما ذكر يصح تعلقه بقوله: حدوا أو بقوله تشخصه والأول أولى.
(1/337)
---(1/332)
قوله: (ليتميز الخ) قال العلامة العضد بعد ذكر حد القرآن: واعلم أنه إن أراد التمييز فمشكل لأن كونه للإعجاز ليس لازماً بيناً ولأن معرفة السورة تتوقف على معرفته فيدور اهـ. فقول الشارح ليتميز عما لا يسمى باسمه إشارة إلى التمييز في التسمية لا التمييز في الحقيقة تحرزاً عما قاله العضد فتدبر اهـ. وإيضاحه أن التعريف قد يقصد به مجرد تمييز الشيء عما لا يسمى باسمه بالنسبة لمن عرف حقيقة ذلك الشيء ولم يعرف أنه مسمى بذلك الاسم، ويكفي في هذا إيراد لفظ أشهر وذكر أمور تزيل الاشتباه العارض وقد يقصد به بيان حقيقة الشيء، وهذا إنما يكون بالذاتيات واللوازم البينة المفيدة لذلك، ولا يخفى أن تعريف القرآن بما ذكر من الأول إذ المخاطب به من يعرف مسمى القرآن بأنه اللفظ المنزل للإعجاز بسورة الخ. ولكنه لا يعرف أنه يسمى بالقرآن كما مر لا من الثاني، إذ كون القرآن للإعجاز لا يعرف مفهومه ولزومه إلا الأفراد من الناس، فلا يكون لازماً بيناً كما أوضحه السعد في تقرير عبارة العضد المتقدمة. وأما قوله: إن معرفة السورة تتوقف على معرفته فيدور فقد منعه المذكور بأن السورة اسم للطائفة المترجمة من الكلام المنزل قرآناً كان أو غيره بدليل سورة الإنجيل قال: ولهذا احتاج المصنف يعني ابن الحاجب إلى وصف السورة بقوله منه فتأمل اهـ. وفي منازعة سم للعلامة في أن مراد الشارح بقوله ليتميز الخ أن التمييز في التسمية لا الحقيقة، ودعواه أن مراد الشارح التمييز في المدلول لا في مجرد التسمية وإطالته في ذلك نظر لا يخفى فراجعه وتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 163
قوله:
(مع ضبط)
(1/338)
---(1/333)
إشارة إلى فائدة أخرى للحد وهي ضبط أجزائه الكثيرة، فأراد بالكثرة كثرة أجزائه لا جزئياته لما تقدم من أن القرآن اسم لذلك المجموع المركب. وكان المناسب حينئذ أن يقول ولتنضبط كثرته لأنها فائدة أخرى كما تقرر. وجوابه أن يقال: إن المقصود الأصلي من الحد التمييز والضبط المذكور تبعي. وفيه أنه خلاف القاعدة من كون مدخول مع متبوع لا تابع. ويجاب بأن تلك القاعدة أغلبية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 164
قوله:
(من الكلام)
بيان لما من قوله عما لا يسمى باسمه وهو على حذف مضاف أي من بقية الكلام. قوله: (غير الربانية) وتسمى النبوية ووجه خروجها من الحد أن ألفاظها لم تنزل وإنما نزلت معانيها والنبي عبر عنها بلفظه وهي خارجة بالمنزل فقط الذي هو القيد الأول. وقوله والتوراة والإنجيل خارجة بقوله على محمد فهما قيدان كما قدمنا، وكلام الشارح يوهم أنهما قيد واحد والأظهر ما قدمناه من أنهما قيدان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 164
قوله:
(مجازاً عن إظهار الخ)
المتبادر منه أن الإعجاز بهذا المعنى حقيقة لغوية وهو خلاف قول السعد إن الإعجاز إثبات العجز استعير لإظهاره فإنه يقتضي أنه مجاز، فيحمل كلام الشارح على أنه حقيقة عرفية وحينئذ فاستعماله في إظهار صدق الرسول مجاز مبني على مجاز أيضاً لغوي لا عن حقيقة لغوية، والعلاقة في المجازين اللزوم لاستلزام إثبات العجز إظهاره واستلزام إظهاره إظهار صدق النبي . قوله: (وإن أنزل القرآن لغيره) أي كالتدبر لآياته والتفكر في مواعظه. وقوله والاستقصار مبتدأ. وقوله لأنه المحتاج إليه الخ خبره.
(1/339)
---(1/334)
قوله: (حكاية لأقل الخ) خبر عن قوله وقوله بسورة وإنما كان أقل لأن الإعجاز وقع بالقرآن كله بقوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن} (الإسراء: 88) الآية. وبعشر سور منه بقوله تعالى: {قل فأتوا بعشر سور} (هود: 13) الآية. وبسورة بقوله تعالى: {فأتوا بسورة} (البقرة: 23) الآية. والسورة أقل الأمور الثلاثة التي وقع الإعجاز بها وهي أعم من الكوثر وصادقة بها ولم يقع الإعجاز بخصوص الكوثر. وبهذا يسقط اعتراض شيخ الإسلام حيث قال في قول الشارح حكاية لأقل الخ ما نصه: هو في الحقيقة حكاية لكل ما يقع به الإعجاز من السور لا لأقل سورة منه، نعم هو لازم له وعلى ما قاله فالأنسب أن يقول وهو الكوثر لا الصادق به اهـ. وكأن مبني اعتراضه أنه فهم أن مراد الشارح بقوله حكاية لأقل الخ أنه حكاية لأقل السورة التي وقع الإعجاز بها وهو ممنوع، بل إنما أراد بالأقل السورة مطلقاً وأقليتها بالنسبة لكل القرآن وللعشر السور منه اللذين وقع التحدي بهما أيضاً قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 165
قوله:
(ومثلها فيه قدرها)
أي ومثل الكوثر في الإعجاز قدرها من غيرها أي قدرها في عدد الآيات لا في عدد الحروف الصادق بآيتين وبآية وبدونها ليوافق قولهم الإعجاز إنما يقع بثلاث آيات وذلك قدر سورة قصيرة قاله شيخ الإسلام . وقوله بثلاث آيات أي بدون البسملة على رأي من يرى أنها آية من كل سورة وإلا فالكوثر مع البسملة أربع آيات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 165
قوله:
(وفائدته كما قال الخ)
قد يقال من فائدته التنصيص على أن القرآن اسم للكل دون أبعاضه كما مر قاله العلامة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 165
قوله:
(وبالمتعبد بتلاوته أي أبداً الخ)
(1/340)
---(1/335)
معنى كونه متعبداً بتلاوته إن تلاوته عبادة فهي مطلوبة يثاب على فعلها وقد اعترض العلامة كون القيد المذكور لإخراج ما نسخت تلاوته بما نصه فيه نظر، أما أولاً فلأنه أي ما نسخت تلاوته بعض والأبعاض كلها خارجة بسورة منه. وأما ثانياً فلأن القيد المخرج له وهو قوله أبداً يقتضي أنه لا يثبت القرآن لشيء في حياته لجواز أن ينسخ طلب تلاوته فلا يكون طلبه أبدياً. وأما ثالثاً فلأن المزيد لإخراجه وهو المتعبد بتلاوته أبداً إن عاد ضمير تلاوته للفظ المذكور باعتبار نفسه وقد علمت أنه واقع على الكل، فأما الاحتراز عن لفظ منزل للإعجاز بسورة منه لم يتعبد بتلاوته وهو فاسد لانتفائه، وإما للبيان فيكون مستغنى عنه، وإن عاد إليه باعتبار أبعاضه كان للاحتراز عن لفظ منزل للإعجاز بسورة منه وبعض منه غير متعبد بتلاوته أبداً لا عن هذا البعض كما قال اهـ.
(1/341)
---(1/336)
والجواب عن الأول أن الأبعاض التي قصد المصنف إخراجها قسمان: أحدهما ما انتفى عنه أنه القرآن وثبت له أنه بعض القرآن وهذه الأبعاض التي تنسخ تلاوتها، ومعلوم أن المقصود إخراج هذه عن كونها القرآن لا عن كونها بعض القرآن وهي قد خرجت بقوله بسورة منه كما ذكره العلامة نفسه كما مر. والقسم الثاني ما انتفى عنه الأمران أي كونه القرآن وكونه بعض القرآن وهي الأبعاض المنسوخة التلاوة، وهي من الجهة الأولى أي كونها خارجة بما خرج به القسم الأول كما هو ظاهر، وأما من الجهة الثانية أي كونها بعض القرآن فلا تخرج بما خرج به القسم الأول كما لا يخفى فاحتاج المصنف إلى إخراجها بما زاده بقوله المتعبد بتلاوته لكن بواسطة إخراج المجموع المركب مما نسخت تلاوته ومما لم تنسخ تلاوته، وبيان ذلك أن ذلك المجموع يصدق عليه ما قبل ذلك القيد فلا بد من إخراجه بذلك القيد، ومن لازم إخراجه به إخراج البعض المنسوخ منه عن كونه بعض القرآن، فالمقصود بإخراج المجموع المذكور لازمه وهو إخراج ذلك البعض المنسوخ التلاوة عن كونه بعض القرآن، ولذا اقتصر الشارح في الإخراج عليه لأنه المقصود بالذات وإخراج المجموع وسيلة لإخراجه. وعن الثاني بالتزام عدم التسمية بالقرآن في حياته ولا محذور في ذلك أو بأن التسمية بالقرآن في حياته باعتبار الأصل فإن الأصل عدم النسخ أو باعتبار الظاهر. وأجاب بعضهم أيضاً بأن التعريف لما يطلق عليه القرآن بعد وفاته وفي بعد. وعن الثالث باختيار الشق الثاني أعني عود الضمير عليه باعتبار أبعاضه ويكون المحترز عنه المجموع المركب مما نسخت تلاوته ومما لم تنسخ تلاوته، والمقصود من هذا الاحتراز لازمه وهو الاحتراز عن البعض المنسوخ التلاوة لأن إخراج المجموع إخراج لذلك البعض كما قدمنا، وغايته أن ليس المراد بكونه للاحتراز عنه هذا البعض في عبارة الشارح أنه للاحتراز عنه ابتداء بل للاحتراز عنه بواسطة الاحتراز عن المجموع المركب فتأمل قاله سم(1/337)
(1/342)
---
باختصار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 165
قوله:
(منه)
أي مما نسخت تلاوته أبداً. قوله: (ألبتة) بقطع الهمزة. قوله: (وللحاجة الخ) جواب عما يقال إن التعبد بالتلاوة حكم إذ المتعبد بتلاوته معناه المطلوب تلاوته والأحكام لا تدخل الحدود لأن الحد لإفادة التصور والحكم على الشيء فرع تصوره فلو توقف تصوره عليه لزم الدور. وتقرير الجواب أن الحد كما يراد به تحصيل التصور ويراد به تمييز تصور حاصل، والمراد هنا الثاني إذ المراد تمييز القرآن بهذا الاسم عما عداه من بقية الكلام كما مر، والشيء قد يميز بذكر حكمه لمن تصوره بأمر يشاركه فيه غيره زكريا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 166
قوله:
(على الصحيح)
راجع لما قبل الاستثناء أعني قوله: ومنه البسملة أول كل سورة. قوله: (كذلك) أي في أول كل سورة غير براءة فالإشارة إلى أول كل سورة، وكذا الإشارة في قوله الآتي ليست منه في ذلك. والمراد بكون كتابتها بخط السور أنها مكتوبة بالسواد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 166
قوله:
(حتى النقط والشكل)
بالرفع عطف على ما الواقعة فاعلاً لقوله يكتب وبالجر عطفاً على ما المجرورة بمن في قوله مما يتعلق به والجر أولى. قوله: (ومنه سن لنا الخ) ضمير منه يعود على العادة بمعنى الاعتياد ولذا ذكر الضمير. قوله: (وفي غيرها) عطف على قوله في الفاتحة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 167
قوله:
(فصل السورة)
أي تمييزها. قوله: (وهي منه في أثناء النمل إجماعاً) محترز قوله أول كل سورة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 167
قوله:
(وليست منه أول براءة)
(1/343)
---(1/338)
لم يقل إجماعاً كالذي قبله مع أن النووي نقل في مجموعه إجماع المسلمين على هذا لاحتمال أن الشارح تردد لاطلاعه على نحو خلاف أو طعن في الإجماع. قوله: (لا ما نقل آحاداً) أي غير البسملة فإنها نقلت آحاداً أيضاً ليصح العطف بلا فإن شرطها أن لا يصدق أحد متعاطفيها على الآخر. قوله: (لإعجازه) علة لقوله الآتي تتوفر الواقع خبراً لأن ومعناه تكثر وقد ضمنه هنا معنى تجتمع فلذا عداه بعلى. قوله: (على نقله تواتراً) أي في جميع الأعصار. قوله: (لعدالة ناقله) علة لقوله حملاً الخ. قوله: (ويكفي التواتر فيه) أي في العصر الأول وجوابه منع الاكتفاء بذلك. قوله: (والقراءات السبع الخ) اللام فيه للعهد الذهني عند النحاة والخارجي العلمي عند البيانيين كما قرر في موضعه. قوله: (للقراء السبعة) هو من مقابلة المجموع بالمجموع المفيدة للقسمة آحاداً، وإلا فكل من القراءات السبع لم يقل به كل من القراء السبعة وإلا لم يتحقق اختلاف بينهم والفرض خلافه وهذا بين. قوله: (متواترة) أي تواتراً تاماً أي نقلها جمع الخ. أي ولا يضر كون أسانيد القراء آحاداً إذ تخصيصها بجماعة لا يمنع مجيء القراءات عن غيرهم بل هو الواقع، فقد تلقاها عن أهل كل بلد بقراءة إمامهم الجم الغفير عن مثلهم وهلم جراً، وإنما أسندت للأئمة المذكورين ورواتهم المذكورين في أسانيدهم لتصديهم لضبط حروفها وحفظ شيوخهم الكمل فيها اهـ شيخ الإسلام وإنما لم يستدل الشارح على كون القراءات متواترة للعلم بذلك وظهوره لكل أحد سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 167
قوله:
(قيل فيما ليس من قبيل الأداء الخ)
(1/344)
---(1/339)
كأن وجه ذلك إن ما كان من قبيل الأداء بأن كان هيئة للفظ يتحقق بدونها كزيادة المد على أصله وما بعده من الأمثلة أن مقادير زيادة المد وما معه أمر لا يضبطه السماع عادة لأنه يقبل الزيادة والنقصان بل هو أمر اجتهادي، وقد شرطوا في التواتر أن لا يكون في الأصل عن الاجتهاد. فإن قيل: قد يتصور الضبط في الطبقة الأولى للعلم بضبطها ما سمعته منه على الوجه الذي صدر منه من غير تفاوت بسبب تكرر عرضها ما سمعته منه . قلنا: إن سلم وقوع ذلك لم يفد إذ لا يتأتى نظيره في بقية الطبقات فإن الطبقة الأولى لا تقدر عادة على استمرار ضبط ما سمعته منه ، ولو سلم فلا تقدر عادة على القطع بأن ما تلقته الطبقة الثانية جار على الوجه الذي نطق به النبي . وبما تقرر علم أن الكلام فيما زاد على أصل المد وما بعده لا في الأصل فإنه متواتر. والحاصل أنه إن أريد بتواتر ما كان من قبيل الأداء تواتره باعتبار أصله كأن يراد تواتر المد من غير نظر لمقداره وتواتر الإمالة كذلك، فالوجه خلاف ما قال ابن الحاجب للعلم بتواتر ذلك، وإن أريد تواتر الخصوصيات الزائدة على الأصل فالوجه ما قاله ابن الحاجب قاله سم. قلت: مفاده رجوع الخلاف حينئذ للفظ وفيه نظر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 167
قوله:
(كالمد)
أي كزيادة المد كما قررنا وكما يفيده قوله الذي زيد فيه والمجرور نائب فاعل زيد، ويحتمل أن يكون النائب ضميراً يعود على المد وضمير فيه حينئذ يعود على اللفظ المتقدم في قوله هيئة للفظ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 168
قوله:
(متصلاً ومنفصلا)
حالان من المد. وقوله على أصله متعلق بزيد. وقوله في نحو جاء وما أنزل مثال للمتصل والمنفصل وكذا ما بعده الأول من المثالين للمتصل والثاني للمنفصل. وقول المصنف كالمد الخ أمثلة للمنفي وهو بمعنى قول سم تمثيل للمفهوم، أو نقول تمثيل لمتعلق النفي الواقع صلة للموصول اهـ.
(1/345)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 168
قوله:
(أو أقل)(1/340)
عطف على قدر ألفين الخ. وقوله بنصف أي نصف ألف أو واو أو ياء والإشارة بذلك وضمير منه يعودان لقدر ألفين وما بعده. وقوله أو أكثر منه بنصف أو واحد أو اثنين أي فيكون منتهى المد أربع ألفات أو واوات أو ياءات. قوله: (من الفتح) بيان للأصل. وقوله محضة أو بين بين حالان من الإمالة. وقوله بين بين أي بين المحضة والفتحة. وقوله بأن ينحى بالفتحة الخ مثال للمحضة. وقوله أو من الفتحة مثال للتي بين بين وبين الثانية في قولهم بين بين تأكيد للأولى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 168
قوله:
(على وجه القرب منها)
أي أكثر من الفتحة. وقوله أو من الفتحة أي يكون القرب من الكسرة مساوياً للقرب من الفتحة. وقول المصنف والإمالة ينبغي أن يكون الكلام في مقدارها دون أصلها على ما تقدم لظهور تيسر ضبط أصلها دون مقدارها كما مر أيضاً، وكلام الشارح لا ينافي ذلك خلافاً لما أشار إليه الكمال قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 168
قوله:
(من التحقيق)
بيان للأصل. وقوله نقلاً هو وما بعده أحوال من التحقيق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 168
قوله:
(قال أبو شامة والألفاظ المختلف فيها الخ)
(1/346)
---(1/341)
قوله والألفاظ عطف على المد من قوله كالمد، ويجوز أن يراد بالألفاظ التلفظات كما هو الموافق لقول الشارح كألفاظهم فيما فيه حرف، إذ لو أريد به حقيقة اللفظ أشكلت الظرفية في قوله فيما فيه حرف لأن ما فيه حرف هو عين اللفظ. ولقوله في أداء الكلمة إذ تعلقه بالألفاظ إنما يناسب معنى التلفظات إلا أن يكون ذكر الكلمة من الإظهار في موضع الإضمار وتجعل في للسببية والتقدير والألفاظ المختلف فيها بسبب أدائها وباعتباره، ثم رأيت شيخ الإسلام كالكمال قال قوله قال أبو شامة والألفاظ المختلف فيها أي في أدائها اهـ. لكن تقدير في أدائها مع قول الشارح عن المصنف في أداء الكلمة غير مناسب، وأقرب منه ترك ذلك التقدير وجعل قوله في أداء الكلمة مع كونه من قبيل الإظهار موضع الإضمار بدلاً من قوله فيها والتقدير والألفاظ المختلف فيها في أداء الكلمة أي أدائها وحينئذ لا بعد في إبقاء الألفاظ على ظاهرها سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 168
قوله:
(يعني غير ما تقدم)
(1/347)
---(1/342)
أي لأن العطف يقتضي المغايرة. وفيه أن يقال: إن ما حمل المصنف عليه كلام أبي شامة داخل تحت الكاف في قوله كالمد فلا وجه لتخصيص كلام ابن الحاجب بغير ما ذكره أبو شامة، ولا لحمل كلام أبي شامة على خصوص ما ذكر مع أنه عام لذلك، ولما ذكر في الأمثلة المتقدمة وغاية ذلك أن يكون عطف قوله والألفاظ المختلف فيها على المد وما بعده من عطف العام على الخاص ولا مانع منه. بقي أن يقال: لم راعى الشارح الأمثلة في كلام ابن الحاجب دون الممثل له وهو ما كان من قبيل الأداء حتى جعل هذا غير ما تقدم وجعل فيه زيادة على ما تقدم كما سيأتي؟ قلت: لعله لأن تلك الأمثلة هي التي صرح بها ابن الحاجب وفيه نظر لأنه مثل بها لما يعمها وغيرها من الزيادة المذكورة كما تفيده الكاف. إلا أن يجاب بأن إرادة ابن الحاجب بالممثل له ما يشمل زيادة أبي شامة غير معلومة قاله سم. قلت فيه نظر بل إرادته ذلك معلومة لدخول تلك الزيادة تحت الكاف في كلامه، بل لو قدر أن ليس في مثال ابن الحاجب ما يدخلها فلا وجه لدعوى خروجها عن الممثل له وهو ما كان من قبيل الأداء لما تقرر من أن المثال لا يخصص.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 168
قوله:
(بزيادة على أقل التشديد)
متعلق بألفاظهم بمعنى تلفظاتهم والباء فيه للملابسة. وقوله من مبالغة أو توسط بيان للزيادة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 169
قوله:
(لم يتعرضوا)
الضمير للغير باعتبار معناه لا لفظه، وكأن الشارح يشير بذلك إلى أن ما قالاه ضعيف لكونهما لا سلف لهما فيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 169
قوله:
(والمصنف وافق على عدم تراتر الأول)
(1/348)
---(1/343)
أي للزيادة في المد، والثاني الإمالة، والثالث تخفيف الهمزة، والرابع ما نقله عن أبي شامة. فإن قيل: لم وافق المصنف على عدم تواتر الأول وتردد في الثاني؟ قلنا: يمكن أن يوجه بأن الإمالة لمخالفتها حركات الكلمة أغرب فهي أقرب إلى توفر الدواعي على نقلها فهي أبعد عن الغفلة عنها قاله سم وفيه شيء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 169
قوله:
(فيما يظهر)
قد يقال: التواتر ليس مرجعه الظهور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 169
قوله:
(ومقصوده مما نقله الخ)
مبتدأ خبره قوله تلك الزيادة أي ومقصود المصنف مما نقله عن أبي شامة المتناول بظاهره لما قبله من المد والإمالة والتخفيف مع زيادة على ذلك وهي التلفظ بالتشديد بمبالغة أو توسط تلك الزيادة التي مثلها في منع الموانع بالتلفظ بذلك كما قرره الشارح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 169
قوله:
(على أن أبا شامة الخ)
(1/349)
---(1/344)
حاصل ما أشار إليه أن كلام أبي شامة مخالف لما نقله عن المصنف من وجهين: الأول أن كلام أبي شامة خاص بالاختلاف الذي اختلفت الطرق في نسبته للقراء دون ما اتفقت على نسبته لهم كما هو صريح كلامه الآتي، ونقل المصنف يفيد شموله لما اختلفت فيه وما اتفقت عليه. وإيضاح هذا أن لنا اختلافين: اختلافاً اتفقت الطرق على نقله عن القراء بأن تكون قراءة كل من القراء المخالفة لقراءة الآخر قد اتفقت الطرق على إسنادها لقارئها، واختلاف اختلفت الطرق في نقله بأن تكون قراءة القارىء المخالفة لقراءة غيره بعض الطرق تثبتها لقارئها وبعض الطرق تنفيها عنه. والقسم الأول متواتر عند أبي شامة دون الثاني، ونقل المصنف عنه يفيد أن القسمين غير متواترين عنده وليس كذلك. الوجه الثاني: أن كلام أبي شامة يعم بظاهره ما ليس من قبيل الأداء والمصنف قد خصصه بما كان من قبيل الأداء، وسيأتي التنبيه على هذا الثاني في الشرح آخر العبارة، والشارح قد اعترض بالوجه الأول صريحاً ولوح للثاني كما تراه لأن كلام أبي شامة صريح في عدم إرادة جميع الألفاظ، فرد إرادة الجميع التي اقتضتها عبارة المصنف لا بد منه، وليس صريحاً في إرادة ما ليس من قبيل الأداء بل ظاهر فقط فلم يتعين رد حمل المصنف كلامه على ما كان من قبيل الأداء إذ لا مانع منه قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 169
قوله:
(فيما اتفقت الطرق)
أي الرواة. قوله: (عن القراء) أي عن أحدهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 170
قوله:
(بمعنى أنه)
الضمير للحال أو لما من قوله دون ما اختلفت الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 170
قوله:
(وذلك موجود)
الإشارة للاختلاف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 170
قوله:
(أي بل منها الخ)
(1/350)
---
هذا من كلام الشارح وآخر كلام أبي شامة قوله بين القراء. قوله: (بالمعنى السابق) أي كونه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق أي نفيت نسبته إليهم تارة وأبقيت الأخرى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 170
قوله:(1/345)
(وهذا بظاهره)
الإشارة إلى ما اختلفت فيه الطرق. قوله: (على الأصح المتقدم) أي في قوله لا ما نقل آحاداً على الأصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 170
قوله:
(والصحيح أنه ما وراء العشرة)
هذا مذهب الأصوليين، وأما عند الفقهاء فالشاذ ما وراء السبعة هذا قول جمهورهم، وذهب بعضهم إلى أنه ما وراء العشرة كما يقول الأصوليون، فقوله: وقيل ما وراء السبعة هو مذهب الفقهاء كما علمت وإن كان ضعيفاً عند أهل الأصول كما تفيده صيغة التمريض.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 170
قوله:
(وإن حكى البغوي الاتفاق الخ)
أي فإنه بحسب ما وصل إليه فلا يكون حجة على القائل بأن الشاذ ما وراء السبعة. قوله: (أما إجراؤه الخ) مقابل شيء محذوف، والتقدير أما قرآنيته فلا تجوز وأما إجراؤه الخ. وحذف هذا المقابل للعلم به. وقوله مجرى بضم الميم لأنه من أجرى الرباعي. قوله: (الأخبار) وقوله في الاحتجاج: لما كانت عبارة المصنف بظاهرها قد تستشكل من جهة أنه آحاد فلا معنى لإجرائه مجرى الآحاد قدر الشارح ما يبين المراد ويدفع الاستشكال وهو قوله الأخبار وقوله في الاحتجاج. قوله: (لأنه إنما نقل قرآناً الخ) أي ولم ينقل خبراً قرآناً حتى يقال: لا يلزم من انتفاء الأخص انتفاء الأعم، فلا يلزم من انتفاء قرآنيته انتفاء خبريته، بل إنما نقل الأخص وهو القرآنية دون الأعم وهو الخبرية، فبسقوط قرآنيته يسقط الاحتجاج به كما أشار له الشارح. وقوله وعلى الأول أي الاحتجاج بالشاذ. قوله: (فسقطت متتابعات) أي نسخت تلاوة وحكماً والشاذ إنما يحتج به إذا لم ينسخ حكمه.
(1/351)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 170
قوله:
(ولا يجوز ورود ما لا معنى له الخ)(1/346)
أي ما لا معنى له أصلاً لا ما لا يتعذر فهم معناه كما للزركشي وغيره قائلاً: إن خلاف الحشوية فيما له معنى ولكن لا نفهمه كالحروف المقطعة وآيات الصفات، أما ما لا معنى له أصلاً فلا يجوز وروده في كلام الله اتفاقاً. ويشكل على كون محل الخلاف ما ذكر تخصيص الخلاف بالحشوية مع وقوع المتشابه في القرآن، وكون الجمهور منا على الوقف على قوله إلا الله إلا أن لا يراد بفهمه في قوله ولكن لا نفهمه فهم معناه الذي أريد منه في الواقع بل معنى صحيح يضاف إليه وإن لم يكن هو المراد في الواقع وفيه نظر، لأن قول الزركشي السابق وآيات الصفات يدل على إدخال المتشابه في محل الخلاف مع أن له معنى صحيحاً يضاف إليه عينه الخلف وإن سكت عنه السلف فلا وجه حينئذ لتخصيص الخلاف بالحشوية ولا لنفي المعنى الصحيح الذي يضاف إليه فليتأمل. ويشكل على الأول الذي هو كون محل الخلاف ورود ما لا معنى له أصلاً أن الإتيان بالمهمل الذي لا معنى له نقص وهو محال على الله تعالى. وقد يجاب بأن القائل بوروده وهم الحشوية منع كونه نقصاً لجواز أن يكون لحكمه كالابتلاء وما هو كذلك لا يكون نقصاً. والحاصل أنهم اضطربت أقوالهم في محل النزاع في هذه المسألة وتعارضت، والذي صوبه الأسنوي ما قاله المصنف من أن محل النزاع ورود ما لا معنى له أصلاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 170
قوله:
(كالحروف المقطعة أوائل السور)
(1/352)
---(1/347)
قال العلامة: أي كأسماء الحروف المقطعة الخ إذ الموجود هنا أوائل السور أسماؤها لا مسمياتها، وفي التمثيل بها لما لا معنى له أصلاً شيء، إذ المراد منها الحروف التي هي مسمياتها فهي معانيها وإن لم يكن للفظ المنتظم منها معنى اهـ. ولا يخفى أن هذا الإيراد إنما يرد على الحشوية لا على الشارح لأنه ناقل ذلك عنهم، ولهم أن يجيبوا بأن ليس مرادهم بما لا معنى له أصلاً ما لا معنى له في نفسه، بل لا معنى له مرتبطاً بما صاحبه، ومجرد الحروف التي هي المسميات ليست كذلك كما اعترف به الشيخ، ومن هنا يندفع أيضاً ما يقال أن هذه الحروف أسماء لأعداد مخصوصة إلا أن يتبين ارتباط تلك لأعداد بالمقام سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 171
قوله:
(من قول الحسن)
من تعليلية أو ابتدائية أي سموا بذلك لأجل قول الحسن أو تسمية مأخوذة من قول الحسن الخ. وقوله وكانوا يجلسون الخ حال من الهاء في كلامهم.
قوله: (إلى حشي الحلقة) فيه إشارة إلى أن الحشوية بفتح الشين لأنها منسوبة إلى الحشي بالقصر كالفتى ويجوز إسكان الشين على أنها منسوبة إلى الحشو الذي لا معنى له في الكتاب والسنة، وبالوجهين ضبطه الزركشي والبرماوي كما قال شيخ الإسلام. قوله: (إلا بدليل) أي إلا مع دليل. وقوله يبين المراد المراد بالتبيين صرف اللفظ عن ظاهره سواء كان معه تعيين المراد كما هو مذهب الخلف أو لا كما هو مذهب السلف، فاندفع إيراد المتشابه فإنه عنى به غير ظاهره، ولا دليل يبين المراد منه بناء على الوقف على إلا الله فإن مبنى هذا الإيراد قصر الدليل على الدليل المعين للمراد وقد علمت أن المراد به ما هو أعم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 171
قوله:
(كما في العام المخصوص بمتأخر)
(1/353)
---(1/348)
إنما قيد بقوله بمتأخر لكونه أظهر في التمثيل إذ المخصوص بمقارن أو متقدم لا يفهم منه من علم المخصص حين وروده إلا غير ظاهره بقرينة ذلك المخصص، ففي كونه مما عنى به غير ظاهره خفاء بل قد يقال: إن ما يفهم منه بواسطة المخصص هو ظاهره غاية الأمر إنه ظاهره بواسطة المخصص لا في حد ذاته، وقد صرح الإمام في الورقات بأن المؤول بالدليل يسمى ظاهراً بالدليل، فلا يصدق أنه حين وروده عنى به غير ظاهره على الإطلاق فظهر للتقييد فائدة، واندفع اعتراض شيخ الإسلام بأن تقييده بالمتأخر لا مفهوم له إلا أن يقال أنه المتفق عليه سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 171
قوله:
(خلافاً للمرجئة)
لفظ المرجئة بالهمز من أرجأ كاقرأ أو بغيره من أرجى كأعطى وبهما قرىء قوله تعالى: {قالوا أرجه وأخاه} (الأعراف: 111) قوله: (حيث قالوا الخ) تنبيه على أن ذلك يؤخذ من كلامهم لزوماً لا أنهم صرحوا به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 171
قوله:
(لإرجائهم أي تأخيرهم إياها عن الاعتبار)
أي تأخيرهم المعصية عن كونها معتبرة حيث نفوا المؤاخذة بها، فوجودها حينئذ لا اعتداد به لعدم ترتب أثرها عليها، ويصح عود ضمير إياها للآيات والأخبار الواردة في العقاب لعصاة المؤمنين فإنهم أرجؤها أي أخروها عن اعتبار ظاهرها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 172
قوله:
(وفي بقاء المجمل الخ)
خبره مبتدؤه قول الشارح الآتي أقوال. وقوله غير مبين حال من المجمل، ولما كان ظاهر هذه الحال لا يفيد إلا تأكيداً لأن المجمل هو غير المبين أشار الشارح إلى تأويلها بالجار والمجرور بقوله أي على إجماله أي مستمراً وباقياً على إجماله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 172
قوله:
(إلى وفاته )
متعلق بقوله بقاء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 172
قوله:
(لأن الله تعالى أكمل الدين قبل وفاته)
(1/354)
---(1/349)
فيه أن يقال بين هذا وما احتج به عليه من قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} (المائدة: 3) تخالف لصدق هذا على تمام الإكمال في ذلك اليوم، وصدق ذلك أعني قوله لأن الله أكمل الدين قبل وفاته بما بعد ذلك اليوم مما قبل الوفاة مع موافقة الواقع له، إذ قد بينت أحكام بعد ذلك اليوم أيضاً كما هو ظاهر إلا أن يكون المراد أنه أكمل في ذلك اليوم الأصول ونحوها ولم يبين بعده إلا ما هو من فروع ما بين فيه قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 172
قوله:
(ثالثها الأصح لا يبقى المكلف بمعرفته)
قوله ثالثها مبتدأ وضميره للأقوال المقدرة في المتن المدلول عليها بقوله ثالثها وخبره قوله لا يبقى الخ. وقوله الأصح خبر مبتدأ محذوف أي وهو الأصح والجملة معترضة بين المبتدأ وخبره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 172
قوله:
(حذراً من التكليف بما لا يطاق)
فيه أن يقال أن المصنف قائل بجوازه مطلقاً وبوقوع التكليف بالمحال لغيره فلا يتمشى هذا إلا على رأي من لا يرى التكليف بالمحال. وقوله حذراً من التكليف بالمحال تعليل لعدم البقاء المعلل بقوله للحاجة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 172
قوله:
(على أن صواب العبارة الخ)
(1/355)
---
قضيته أن التعبير بمعرفته أو بالعلم به خطأ وليس كذلك إذ المعرفة أو العلم سبب للعمل لأن العمل بالشيء فرع معرفته والعلم به، فغايته أنه عبر بالسبب عن المسبب ولا بدع فيه بل العلم عمل في الجملة، قال في التلويح: وقد يقال العلم عمل بالقلب وهو الأصل. وقوله كما في البرهان يقال عليه أن المصنف لا يلزمه تقليد ما في البرهان. قلت: دعوى أن المعرفة والعلم سبب للعمل ممنوعة بلا شبهة بل هما شرط لصدق حده عليهما دون حد السبب. وأما قوله بل العلم عمل الخ فنقول: إن الأمر كذلك لكنه قاصر على العمل القلبي والقصد ما هو أعم من ذلك فقد تبين لك سقوط ما قاله. سم جميعه وصحة ما اعترض به الشارح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 172
قوله:
(من غير تأمل)(1/350)
متعلق بقوله مشى عليه المصنف.
قوله: (بانضمام تواتر أو غيره) ظاهر كلام المصنف أن التواتر والمشاهدة التي هي المراد بغيره قرينتان، وقول الشارح بالقرائن المشاهدة، ونقل تلك القرائن، إلينا تواتراً يفيد أن التواتر والمشاهدة متعلقان بالقرائن لا أنهما نفس القرائن قاله العلامة، وقد يقال: كلام المصنف صالح لحمله على ما قال الشارح إذ لم يصرح بأن التواتر والمشاهدة قرينتان ولا بأنهما متعلقان بالقرائن، وغاية ما إفادة اليقين بواسطة تواتر أو مشاهدة وهذا صالح لكل من الأمرين، فحمله على ما قال الشارح لا مانع منه حينئذ سم، وإنما لم يقل المصنف وبعدم المعارض العقلي لأن فرض الكلام بعد علم صدق قائلها بسبب المعجزة أو تصديق الصادق وهذا يستلزم عدم المعارض، إذ لا وجود له مع العلم بصدق القائل، وما أشار له المصنف بقوله: والحق أن الأدلة الخ أحد أقوال ثلاثة: ثانيها أنها تفيد اليقين مطلقاً. ثالثها أنها لا تفيد مطلقاً وهو الذي أشار إليه الشارح بقوله الآتي فاندفع توجيه من أطلق الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 172
قوله:
(بانتفاء العلم بالمراد)
(1/356)
---(1/351)
متعلق بتوجيه، قال العلامة هذا القائل ضم إلى هذا في التوجيه أنه لا بد من العلم بعدم المعارض العقلي فلا بد في دفعه مع ما ذكره من قوله والعلم بعدم المعارض من صدق القائل كما زاده السيد أي أن القائل بأنها لا تفيد اليقين وجهه بانتفاء العلم بالمراد منها لتوقفه على العلم بعدم المعارض العقلي، وجوابه أن انتفاء المعارض العقلي قد علم من صدق القائل وهو النبي . وقد يجاب: بأن الشارح لم يرد ما ذكر اكتفاء بقوله فإن الصحابة الخ، فإن علمهم على الوجه المذكور يستلزم العلم بعدم المعارض، على أن إفادة الأدلة اليقين إنما تتوقف على عدم العلم بالمعارض لا على العلم بعدمه، إذ كثيراً ما يحصل العلم من الدليل ولا يخطر المعارض بالبال إثباتاً ولا نفياً فضلاً عن العلم بعدمه، فالمراد بقولهم إفادتها اليقين تتوقف على العلم بعدم المعارض أنه بحيث لو لاحظ المعارض العقل جزم بعدمه كما للسعد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 173
قوله:
(المنطوق والمفهوم)
(1/357)
---(1/352)
المنطوق لغة الملفوظ به والمفهوم لغة ما يستفاد من اللفظ ومعناهما اصطلاحاً ما ذكره المصنف. قوله: (ما دل عليه اللفظ الخ) أي معنى والمراد به ما يعني من اللفظ ويقصد، وليس المراد به ما قابل الذات كما يعلم من تقسيم الشارح المنطوق إلى حكم وغيره. قوله: (في محل النطق) متعلق بدل كما يفيده كلام الشارح بعد، ومعناه أنه دل عليه في مقام إيراد اللفظ فالمحل اعتباري، والمراد بكون المعنى مدلولاً عليه كون اللفظ مستعملاً فيه، وكونه مراداً منه بالذات فشمل المعنى المجازي أيضاً لأن اللفظ استعمل فيه وإن كان هناك انتقال من المعنى الأصلي إليه، ولا يضر عدم شموله غير الصريح وهو ما دل عليه اللفظ التزاماً، لأن ظاهر صنيع المصنف في هذا الكتاب عدم إثباته، وما ذكرناه من تعلق قوله في محل النطق بدل الدال عليه قول الشارح بعد أي اللفظ الدال في محل النطق هو الأوفق بجعل المصنف من أقسام المنطوق نحو مدلول زيد وأسد لأن التعريف على هذا التقدير يتناول ذلك من غير تكلف، وأما ما ذكره العلامة من جعل في محل النطق حالاً من ضمير عليه أي حال كون ذلك المعنى ثابتاً في محل النطق أي محل نطق باسمه وذلك كالحرمة في آية التأفيف فإنها ثابتة في محل نطق باسمه وهو التأفيف، فإنما هو طريقة ابن الحاجب من تخصيص المنطوق كالمفهوم بالحكم، ولا يوافق طريقة المصنف من تعميم ذلك لغير الحكم أيضاً كمدلول زيد مثلاً، وإنما كان خاصاً بالحكم على ما قاله العلامة من الحالية المذكورة لأن مفادها أن المنطوق هو الأمر الثابت لشيء نطق باسمه والثابت لشيء حكم له.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 173
قوله:
(فلا تقل لهما أف)
(1/358)
---(1/353)
مصدر بمعنى تباً وقبحاً مبني على الكسر. قوله: (كزيد) قد يناقش في تمثيل النص به باحتماله معنى مجازياً بناء على جواز التجوز بالعلم، وقد صرح النحاة بأن التوكيد في نحو جاء زيد نفسه لرفع المجاز عن الذات واحتمال أن الجائي رسوله أو كتابه فليتأمل قاله سم. وقد يقال النظر في النص والظاهر لما يدل عليه اللفظ، ولا شك أن مدلول زيد لا يحتمل لفظه غيره لأنه الموضوع له، وأما التجوز المذكور فليس راجعاً لدلالة لفظ زيد بل لدلالة المركب فتأمله. قوله: (بدل المعنى الذي أفاده) احترز بذلك عن المشترك. قوله: (مرجوحاً) مفعول به لاحتمل أو مفعول مطلق له أي احتمالاً مرجوحاً. قوله: (والأول الحقيقي) مبتدأ وخبر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 174
قوله:
(واللفظ الخ)
قال العلامة: إن اعتبر جزء اللفظ من حيث كونه جزءاً كان التقييد بقوله على جزء المعنى ضائعاً إذ الجزء إنما يدل عليه بل يكتفي بقوله إن دل جزؤه، وإن اعتبر أعم من كونه جزءاً أو مفرداً فالحيوان الناطق علماً يدل جزؤه في الجملة على جزء المعنى وهو مفرد داخل في حد المركب خارج عن حد المفرد فيبطل به الأول طرداً والثاني عكساً، فلا بد لتصحيحهما من زيادة القصد فيهما بأن يقال: إن قصد بجزئه الدلالة على جزء المعنى فمركب وإلا فمفرد اهـ. ويجاب باختيار الشق الثاني، لكن قوله على جزء المعنى يعتبر فيه الحيثية أي من حيث أنه جزء المعنى أي المعنى الموضوع له ذلك اللفظ، وقيد الحيثية معتبر في تعريف الأمور التي تختلف بالاعتبار كما تقرر، وحينئذ يخرج عن تعريف المركب ويدخل في تعريف المفرد نحو الحيوان الناطق علماً لأن جزأه وإن دل لكن لا يدل على جزء المعنى من حيث أنه جزء المعنى فلا حاجة إلى زيادة القصد قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 174
قوله:
(وإلا فمفرد)
(1/359)
---(1/354)
فيه أن يقال إن هذا صادق بالمركب لأن تقديره وإن لم يدل جزؤه والمركب كغلام زيد كذلك إذ جزؤه كالغين أو لزاى لا يدل، وجزء المركب شامل لكل من أجزائه الهجائية وكلماته، وقد يجاب بوجهين: أحدهما أن جزأه في قوله لا يدل جزؤه مفرد مضاف فيعم ودلالة العام كلية فيكون معناه كل جزء له، وإذا دخل عليه النفي صح أن يكون من عموم السلب والتقدير وإن لم يدل شيء من أجزائه وإن كان قد يتبادر منه سلب العموم وهو لا يفيد هنا. وثانيهما حمل الإضافة في جزئه على العهد الذهني باصطلاح أهل البيان على ما صرح به غير واحد من أن المضاف إلى معرفة ينقسم انقسام المحلي باللام وحينئذ فهو في معنى النكرة كما تقرر وقد وقع في حيز النفي فيكون عاماً، والمعنى وإن لم يدل شيء من أجزائه فخرج المركب لأنه وإن لم يدل بعض أجزائه وهي حروفه الهجائية فقد دل بعضها الآخر وهو كلماته. بقي أن يقال: هذا لا يصدق على الحيوان الناطق علماً لأن كلاً من لفظ الحيوان والناطق فيه يدل باعتبار الوضع الغير العلمي، والمعنى العلمي هو الماهية الإنسانية مع المشخصات، وكل من معنى لفظ الحيوان وهو الجسم النامي الخ، ومن معنى الناطق وهو المتفكر بالقوة جزء للماهية الإنسانية التي هي جزء المعنى العلمي، فكل منهما جزء من جزء المعنى العلمي، وجزء الجزء جزء مع أنه مفرد، ولهذا صرحوا في كتب الميزان بأنه يدل جزؤه على جزء معناه إلا أن دلالته غير مقصودة فأخرجوه عن حد المركب وأدخلوه في المفرد بقيد قصد الدلالة حيث قالوا اللفظ إن قصد بجزئه الدلالة على جزء المعنى فمركب وإلا فمفرد، والمصنف لم يذكر القصد، ويمكن أن يجاب أيضاً بما تقدم من اعتبار الحيثية المذكورة أي دل جزؤه على جزء المعنى من حيث أنه جزء المعنى، وظاهر أن واحداً من جزء الحيوان الناطق لم يدل باعتبار المعنى الغير العلمي على جزء المعنى العلمي من حيث أنه جزء المعنى العلمي إذ لا يتصور دلالة جزء اللفظ باعتبار أحد وضعيه على(1/355)
(1/360)
---
جزء معنى الوضع الآخر اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 174
قوله:
(أو يكون له جزء غير دال على معنى)
المراد بالدلالة الدلالة الوضعية، والمراد بالوضع ما كان على قانون اللغة، فاندفع ما يقال أن أحرف زيد موضوعة لأعداد فالزاي بسبعة والياء بعشرة والدال بأربعة فلها دلالة، فلا يصح نفي أصل الدلالة عنها، واندفع أيضاً بالتقييد المذكور الدلالة العقلية كدلالة زاي زيد على حياة اللافظ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 175
قوله:
(ودلالة اللفظ على معناه مطابقة)
لم يقل على تمام معناه كما قال غيره للاحتراز عن الجزء لأن الجزء لا يصدق عليه أنه المعنى لأنه بعض المعنى، فالاحتراز عنه حاصل بقوله على معناه من غير احتياج لزيادة لفظ تمام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 175
قوله:
(دلالة مطابقة)
الإضافية فيه من إضافة السبب إلى المسبب، وكذا قوله دلالة تضمن ودلالة التزام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 175
قوله:
(لمطابقة الدال الخ)
. تعليل لكل من الاسمين المفرد والمركب أعني قوله مطابقة. وقوله دلالة مطابقة، وكذا يقال فيما بعده، وهذا المضاف وهو قوله دلالة لا بد منه في تقسيم دلالة اللفظ لأن المطابقة يوصف بها اللفظ والمعنى والدلالة لا يوصف بها إلا اللفظ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 175
قوله:
(لجزئه المدلول)
(1/361)
---(1/356)
أي المدلول عليه باللفظ فهو من باب الحذف والإيصال. قوله: (الذهني) لم يرد به ما لا يمكن انفكاكه عن الملزوم وهو الذي يلزم من تصور ملزومه تصوره وهو اللازم البين بالمعنى الأخص عند المناطقة، بل مطلق اللازم سواء تصور بعد الملزوم بلا مهلة أو بعد التأمل وأعمال الفكر. قوله: (أي عدم البصر الخ) قال السيد: المضاف إذا أخذ من حيث إنه مضاف كانت الإضافة داخلة فيه والمضاف إليه خارجاً عنه، وإن أخذ من حيث ذاته كانت الإضافة أيضاً خارجة عنه، ومفهوم العمى هو العدم المضاف إلى البصر من حيث هو مضاف، فتكون الإضافة إلى البصر داخلة في مفهوم العمى والبصر خارجاً عنه اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 175
قوله:
(والثنتان عقليتان الخ)
تبع فيه المحصول وغيره وهو أحد أقوال ثلاثة ثانيهما أنهما لفظيتان كالأولى اعتباراً بفهم المعنى من اللفظ ولو بواسطة وعليه أكثر المناطقة، وقد يقال هو لازم للمصنف وإن صرح بخلافه لأنه جعل المقسم دلالة اللفظ فأقسامه لفظية، وكون بعضها بواسطة وبعضها بدونها لا يخرجها عن ذلك. ثالثها أن الدلالة التضمنية لفظية كالأولى والالتزامية عقلية لأن الجزء داخل فيما وضع له اللفظ بخلاف اللازم شيخ الإسلام. والحاصل أن في المقام مقدمتين وهما قولنا كلما أطلق اللفظ فهم معناه، وكلما فهم معناه فهم جزؤه وفهم لازمه، فبالنظر إلى المقدمة الأولى تكون التضمنية والالتزامية لفظيتين كالمطابقة، وبالنظر للثانية عقليتين، وبهذا يتبين أن الخلاف المذكور لفظي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 175
قوله:
(ثم المنطوق)
(1/362)
---(1/357)
أراد به المنطوق الصريح وأراد بالمقدر المشار إليه بقوله على إضمار المنطوق غير الصريح ولا يكون إلا في دلالة الالتزام. قوله: (الصدق فيه الخ) عبر في جانب الصدق بفي إشارة إلى أن الصدق ليس صفة للمنطوق بل للكلام الدال عليه، فقوله فيه أي في داله وأتى باللام في جانب الصحة إشارة إلى أن المنطوق يتصف بها والصحة العقلية هي الإمكان والشرعية موافقة الفعل ذي الوجهين الشرع كما مر. قوله: (فيما دل عليه) أي في اللفظ الذي دل عليه أي على ذلك المنطوق وهو المنطوق الصريح والمقدر المذكور الدال على تقديره هذا اللفظ هو المنطوق غير الصريح. واعلم أن ابن الحاجب رحمه الله قسم المنطوق إلى صريح وغير صريح، والأول ما دل عليه اللفظ مطابقة أو تضمناً، والثاني ما دل عليه التزاماً، والمصنف خص اسم المنطوق بالصريح وسمى غير الصريح بمدلول الاقتضاء والإشارة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 176
قوله:
(أي فدلالة اللفظ الخ)
أشار بهذا إلى أن ظاهر تعبير المصنف فيه تساهل لأن قوله فدلالة اقتضاء خبر عن المنطوق وذلك لا يصح لأنها وصف لدلالة اللفظ على ذلك المضمر المقصود كما قاله فلذا حول العبارة إلى ما ترى. قوله: (على معنى ذلك المضمر) متعلق بدلالة وحاصله أن اللفظ في الحديث الشريف المذكور دل على منطوق صريح وهو رفع الخطأ والنسيان، ومنطوق غير صريح وهو رفع المؤاخذة بهما، وقس على ذلك المثال الثاني والثالث. قوله: (في مسند أخي عاصم) سيأتي أن أخا عاصم هو الحافظ أبو القاسم التميمي قدس الله سره ونفعنا به. قوله: (أي أهلها) قيل عليه أن الصحة كما تحصل بتقدير هذا المضاف تحصل بجعل القرية مستعملة في أهلها مجازاً. وأجيب بأن التقدير المذكور بناء على بقاء القرية على حقيقتها وليس في العبارة حصر الصحة في التقدير المذكور حتى يرد ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 176
قوله:
(لا يصح سؤالها عقلا)
(1/363)
---(1/358)
أي بالنظر للعادة فسقط ما قيل أنه يجوز سؤال الجدران ونطقها خرقاً للعادة، فلا يتأتى الحكم بعدم الصحة عقلاً. قوله: (على ما لم يقصد به) أي لم يقصد بالذات وإلا فكل ما دل عليه الكتاب العزيز مما وافق الواقع مقصود كما هو اللائق في حقه تبارك وتعالى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 176
قوله:
(أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم)
قوله ليلة ظرف للرفث لا لأحل وضمن الرفث معنى الإفضاء فعدى بإلى وإلا فالرفث بمعنى الجماع متعد بنفسه. قوله: (للزومه) الضمير للصحة وذكرها لاكتسابها التذكير من المضاف إليه كقوله: إنارة العقل مكسوف بطوع هوى. أي للزوم صحة صوم من أصبح جنباً للمقصود أي للمنطوق المقصود باللفظ أعني قوله: أحل لكم الخ. وقوله في الليل متعلق بجماعهن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 176
قوله:
(الصادق بآخر جزء منه)
(1/364)
---
قال العلامة: هذا مبني على أن الليل صادق بالوقت الممتد من غروب الشمس إلى طلوع الفجر وبأبعاضه وليس كذلك بل حقيقته الأول، فلو قال الصادق بالجماع في آخر جزء منه لكان صحيحاً اهـ. وجوابه أن ما ذكره مبني على أن الصدق هنا بمعنى الحمل وهو ممنوع، إذ لا دليل عليه ولا ضرورة تلجىء إليه، بل يجوز أن يكون بمعنى التحقق، فإن الصدق يرد بمعنى الحمل تارة وأخرى بمعنى التحقق كما تقرر، والمراد هنا الثاني أي المتحقق بآخر جزء منه، إذ يصدق لغة وعرفاً عند بقاء جزء منه أن الليل متحقق موجود وأن الفاعل حينئذ فاعل في الليل، على أن هذه المناقشة مبنية أيضاً على أن الصادق وصف لليل وليس بلازم ذلك لجواز كونه وصفاً للجماع، غاية الأمر أنه يستلزم المسامحة في قوله بآخر جزء منه إذ المعنى حينئذ بالجماع في آخر جزء منه لكن مثل هذه المسامحة معهود شائع ذائع. قوله: (لا في محل النطق) أشار به إلى أن الدلالة في المفهوم ليست وضعية بل انتقالية، فإن الذهن ينتقل من تحريم التأفيف مثلاً إلى تحريم الضرب بطريق التنبيه بالأول على الثاني.(1/359)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 176
قوله:
(من حكم ومحله)
(1/365)
---
أي معاً لا انفراداً وإلا لزم التكرار في قوله الآتي ويطلق المفهوم على محل الحكم أيضاً وإضافة الشيء إلى نفسه في قول المصنف حكمه، ولا يصح الجواب عنه بجعل الإضافة بيانية لأن قوله المشتمل هو عليه مانع من ذلك. وقوله من حكم ومحله بيان لما. وقوله كتحريم كذا مثال للحكم ومحله التحريم للحكم وكذا لمحله، فالحكم المفهوم في آية التأفيف التحريم ومحله الضرب ونحوه وعلى هذا قياس غيره، فقوله كذا كناية عن الضرب في آية التأفيف والإحراق في آية اليتيم. وبما تقرب علم أن الحامل على أن المفهوم في كلامه اسم للحكم ومحله لا أحدهما ما مر وإلا فإطلاقه على أحدهما هو الشائع وإن كان إطلاقه على الحكم أكثر. والحاصل أن المفهوم يطلق على الحكم فقط وعلى محله وعلى مجموعهما، الأول هو الكثير ويليه الثاني والأقل الثالث، خلاف ما يوهمه قول الشارح الآتي ويطلق المفهوم على محل الحكم أيضاً من أن إطلاقه على المجموع هو الكثير وإنه لا يطلق على الحكم نفسه. قوله: (فإن وافق حكمه) الإضافة في حكمه من إضافة الجزء للكل على ما تقدم للشارح من حمل المفهوم على الحكم والمحل. وقوله المشتمل نعت سببي للحكم، ولذا أبرز الضمير العائد على المفهوم بقوله المشتمل هو أي المفهوم وقوله عليه أي على الحكم. قوله: (المنطوق به) نبه به على أن المنطوق في كلام المصنف حذف منه به اختصاراً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 177
قوله:
(ثم هو فحوى الخطاب الخ)
لا يقال: سكت عن الأدون. لأنا نقول: ليس لهم مفهوم أدون قاله شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 177
قوله:
(نظراً للمعنى)
(1/366)
---(1/360)
المراد بالمعنى علة الحكم كالإيذاء في التأفيف والإتلاف في أكل مال اليتيم، وليس المراد بالمعنى ما وضع له اللفظ كما هو بين واضح. وقوله لأشدية الضرب من التأفيف الياء للمصدرية كالضاربية فهو مصدر لا اسم تفضيل حتى يقال إنه اسم تفضيل مضاف فلا يقترن بمن. وقد يجاب على جعله تفضيلاً لا مصدراً بأن الممتنع اقترانه بمن هو المضاف إلى ما هو بعض منه وما هنا ليس كذلك كما لا يخفى وبأن من متعلقة بأشد محذوف. وأورد على قوله نظراً للمعنى لزوم كونه حينئذ قياساً. وأجاب في المختصر بوجهين: أحدهما إنا نقطع بفهم المعنى في محل السكوت لغة قبل الشروع في القياس فلا يكون قياساً، قال السعد: فيه إشارة إلى أن المراد أنه ليس من القياس الذي جعل حجة وإلا فلا نزاع أنه إلحاق فرع بأصل بجامع إلا أن ذلك مما يعرفه كل من يعرف اللغة من غير افتقار إلى نظر واجتهاد بخلاف القياس الشرعي اهـ. وذهب قوم إلى أنه قياس، واحتجوا بأنه لولا المعنى المشترك بين المنطوق والمفهوم لما ثبت حكم المفهوم ولا معنى للقياس إلا ذلك. وثانيهما في المختصر أيضاً أن وجود المعنى المشترك شرط لدلالة الملفوظ على كل مفهوم من حيث اللغة ولا يلزم منه أن يكون قياساً لأن القياس دل على حكم الفرع من حيث المعقول لا من حيث اللفظ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 177
قوله:
(مساو لتحريم الأكل)
فيه أن يقال: إن تحريم الأكل غير منطوق به بل بملزومه وهو التوعد على الأكل، فلا يصدق أن المفهوم موافق للمنطوق أو مساو له. ويجاب بأنه مذكور كناية فإنه أطلق الملزوم وهو قوله: {إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً} (النساء: 10) وأريد لازمه وهو حرمة الأكل فهو في قوة الصريح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 178
قوله:
(لا يسمى بالموافقة المساوي)
(1/367)
---(1/361)
أشار بذلك إلى أن قول المصنف لا يكون الموافقة مساوياً عبارة مقلوبة، والأصل لا يكون المساوي موافقة أي لا يسمى المساوي بالموافقة لأن النزاع في أن المساوي من الموافقة الاصطلاحية أي فرد منها فيسمى باسمها أو ليس منها فلا يسمى بذلك، لا في أن الموافقة من المساوي أولاً إذ لا يتأتى أن تكون فرداً منه لأنها أعم منه على الصحيح، والأعم لا يكون فرداً من الأخص ومباينة له على مقابل الصحيح المشار إليه بقوله وقيل لا يكون الموافقة الخ، والمقابل لا يكون فردا من مقابله، وحينئذ فالمطابق لمحل النزاع أن يقال وقيل لا يكون المساوي موافقة أي لا يسمى بهذا الاسم كما قدمناه، بخلاف عبارة المصنف فإن المفهوم منها عكس ذلك، ومن وجوه التأويل لصحة عبارته حمل الموافقة على اللفظ وتقدير مضاف إلى المساوي والمعنى حينئذ وقيل لا يكون لفظ الموافقة اسم المساوي أي اسماً له لوضعه له اصطلاحاً. وبما تقرر جميعه يعلم اندفاع ما للعلامة في هذا المقام راجع سم. وفي قوله أي لا يسمى الخ إشارة إلى أن المنفي هو التسمية، وأما الحكم فمعمول به اتفاقاً كما قال وإن كان مثل الأولى في الاحتجاج به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 178
قوله:
(وباسمه المتقدم)
أي وهو لحن الخطاب يسمى الأولى أيضاً أي فعلى هذا القول يكون مفهوم الموافقة هو الأولى فقط، ويسمى فحوى الخطاب ولحن الخطاب والمساوي على هذا يسمى مفهوم مساواة، وقوله الأولى نائب فاعل يسمى، وقوله أيضاً أي كما يسمى فحوى الخطاب. وقوله: وفحوى الكلام الخ بيان لوجه التسمية بهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 178
قوله:
(ويطلق المفهوم الخ)
مقابل لقوله السابق من حكم ومحله وقوله أيضاً أي كما يطلق على الحكم ومحله معاً كما قدمه، وله إطلاق ثالث وهو إطلاقه على الحكم وعبارته موهمة قصر إطلاقه على محل الحكم وعلى المجموع فقط وليس كذلك وقد تقدم التنبيه على ذلك.
(1/368)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 178
قوله:
(وعلى هذا)(1/362)
أي ويتفرع على هذا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 179
قوله:
(إمام الأئمة)
لم يرد الشارح بذلك التورك على المصنف في تركه وصف الإمام الشافعي بالإمامة مع وصفه بها الإمامين المذكورين اللذين هما من أتباعه بل مجرد الوصف بذلك، إذ العظيم الكبير شهرته تغني عن تعظيمه ولذا تراهم يقولون: قال مالك قال أبو حنيفة إلى غير ذلك.
قوله: (أي الدلالة على الموافقة) نبه بذلك على أن الإضافة في قوله دلالته إضافة المصدر للمفعول أي دلالة الدليل على المعنى الموافق للمنطوق، ثم إن الموافقة على هذين القولين أعني قول الإمام والقول الذي بعده ليست مفهوماً كما أفاده الشارح بقوله: وكثير من العلماء الخ سيما على القول الثاني منهما من أن الدلالة مجازية أو عرفية، فإن المدلول على هذا منطوق كما صرّح به الشارح، وكلام المصنف يوهم إجراء هذا الخلاف في مفهوم الموافقة وليس كذلك لما علمت. ويجاب بأنه لم يقصد إجراء هذا الخلاف في الموافقة باعتبار أنها مفهوم بل باعتبارها في نفسها، والمقصود بهذا الخلاف مقابلة ما تقدم من كونها مفهوماً. فقوله: ثم قال الشافعي تقديره ثم بعد ما علمت أن الموافقة مفهوم أخبرك بما يخالف ذلك ولهذا قلنا في حل عبارته أو لا أي دلالة الدليل على المعنى الموافق ولم نقل دلالة اللفظ على المعنى المذكور. وثم في كلامه للترتيب الإخباري كما علمت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 179
قوله:
(المسمى بالجلي)
(1/369)
---(1/363)
نعت للقياس أيضاً، وإنما اقتصر على الأولى، والمساوي دون الأدنى لعدم جريان سائر الأقوال المذكورة فيه، وقول شيخ الإسلام سكت عن الأدون لما قدمته من أنهم ليس لهم مفهوم الأدون حتى تكون الدلالة عليه بطريق القياس الأدون اهـ فيه نظر، إذ الدلالة على هذا القول ليست بطريق المفهوم بل بطريق القياس، فانتفاء كون المفهوم أدون لا يقتضي انتفاء كون القياس أدون قاله سم. قلت: ليس في كلام شيخ الإسلام أن انتفاء المفهوم الأدون يفيد انتفاء القياس الأدون إذ مفاد عبارته أنه إنما اقتصر على القياس الأولى والمساوي لأن الموافقة مقصورة عليهما، فذكر الأدون لا يصح إلا لو وجد لهم مفهوم أدون، فيلزم حينئذ ذكر القياس الأدون في ذكر القول بأن الدلالة على الموافقة قياسية، بل كلامه يفيد ثبوت القياس الأدون في نفسه، على أن قضية جواب سم أن ذكر القياس الأدون يصح ذكره هنا، وإنما لم يذكره لما قال مع أنه لا وجه لذكره هنا لأنه خروج عما الكلام فيه، إذ ليس الكلام في مطلق القياس بل في قياس خاص يتعلق بالمقام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 179
قوله:
(عن الأولين)
(1/370)
---
أي الإمام الشافعي وإمام الحرمين. قوله: (لأن ذلك) أي عدم جعلهما المساوي من الموافقة. قوله: (لا الحكم) أي الاحتجاج أي والكلام هنا من حيث الحكم لا التسمية. وقوله كما تقدم أي في قولنا لا يسمى بالموافقة المساوي وإن كان مثل الأول في الاحتجاج به. قوله: (وأما الثالث) أي الإمام الرازي. وقوله ولا نحوه أي نحو مفهوم الموافقة وهو لحن الخطاب أي وعدم التصريح بالتسمية مطلقاً لا يضر في النقل المذكور عنه لأن الكلام في الموافقة من حيث الحكم لا التسمية كما مر. قوله: (وقيل لفظية) أي بطريق المنطوق، فلا يقال إنها لفظية أيضاً على القول بأنها مفهوم كما هو قول المصنف وإن دل عليه اللفظ الخ، لأن دلالة اللفظ عليه بطريق المفهوم لا المنطوق. قوله: (لفهمه) أي الموافقة وذكره باعتبار أنه مفهوم.(1/364)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 179
قوله:
(فقال الغزالي والآمدي من قائلى هذا القول)
فيه إيهام إن غير الغزالي والآمدي من قائلي هذا القول مع قوله بأنها ليست مفهوماً ولا قياسية لا يقول بأنها فهمت من السياق والقرائن وقد يشكل تصور ذلك، ويمكن أن يقال: تخصيص الغزالي والآمدي بذلك لكونهما قد صرحا بذلك لا لإخراج غيرهما عن كونه قائلاً بذلك بل هو قائل بما قاله الغزالي والآمدي. قوله: (فهمت أي الدلالة) وقد علم أن الدلالة هي فهم أمر من أمر فيحل الكلام إلى أن الفهم فهم ولا يخفى فساده ففي العبارة تساهل والمراد فهم مدلول الدلالة، وأمثال هذه المسامحات كثيرة في الكلام فلا يعترض بها. : (والقرائن) عطفه على السياق تفسيري. قوله: (لا من مجرد اللفظ) أي بل من اللفظ بواسطتهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 180
قوله:
(من منع التأفيف)
بدل اشتمال من قوله منها أي الآية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 180
قوله:
(ذو الغرض الصحيح)
(1/371)
---
احتراز من الأحمق فلا اعتداد بقوله. قوله: (لا تشتم) بابه ضرب يضرب كما في المختار. قوله: (وهي مجازية) من مقول الغزالي والآمدي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 180
قوله:
(من إطلاق الأخص)
أي اسم الأخص. وقوله فأطلق المنع الخ أي اللفظ الدال على المنع. قوله: (وأريد المنع من الإيذاء) أي فيكون المراد بقوله تعالى: {فلا تقل لهما} (الإسراء: 23) أي لا تؤذهما، وعلى قياسه القول في آية اليتيم، وقرينة هذا التجوّز المقام كما علم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 180
قوله:
(وقيل نقل اللفظ لها عرفا)
هذا مقابل لقول الغزالي والآمدي أنها فهمت من السياق والقرائن. وقوله للدلالة أي لمدلول الدلالة. وكذا قوله بدلاً عن الدلالة على الأخص.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 180
قوله:
(على هذين القولين)
(1/372)
---(1/365)
وهما كون الدلالة مجازية أو حقيقية عرفية. وقوله على الأول منهما أي وهو القول بأن الدلالة مجازية. قوله: (كما هو ظاهر صدر كلام المصنف) راجع لقوله مفهوم وصدر كلامه الذي أشار له هو قوله: والمفهوم ما دل عليه اللفظ إلى قوله: فموافقة. قوله: (كالبيضاوي) أي فإنه جعل الموافقة في بحث اللغات مفهوماً وفي كتاب القياس قياساً قاله شيخ الإسلام . قوله: (لأن المفهوم مسكوت والقياس إلحاق مسكوت بمنطوق) قد علمت أن المفهوم يطلق على محل الحكم وكذا المنطوق كما ذكره الشارح فيما تقدم قريباً، وأما المسكوت فهو في الاصطلاح محل الحكم فقط، وحينئذ فالحمل في قوله لأن المفهوم مسكوت صحيح، وكذا قوله والقياس إلحاق مسكوت بمنطوق صحيح لا غبار عليه، فإن المسكوت والمنطوق في القياس كل منهما المراد به محل الحكم فاندفع ما للعلامة هنا، وكذا قول شيخنا: إن المراد بالمفهوم الحكم كما يعلم من سياق الشارح، وحينئذ فقوله: والقياس الخ غير ملائم لقوله لأن المفهوم مسكوت لأن المسكوت في القياس محل الحكم كالمنطوق لا الحكم اهـ. وفيه أن كون سياق الشارح يفيد أن المراد بالمفهوم الحكم قد يمنع إذ لا دليل عليه، سيما والشارح إنما أطلقه على مجموع الحكم والمحل أو على المحل وحده، وقد يقال: الظاهر من السياق كون المراد به المجموع، وإنما حملناه هنا على المحل لتصحيح العبارة مع أن السياق قد لا يأباه أيضاً، وعلى ما قاله شيخنا من أن المفهوم مراد منه الحكم لا يصح الحمل في قوله لأن المفهوم مسكوت، لأن المسكوت في الاصطلاح اسم لمحل الحكم كما مر، إلا أن يراد حينئذ بالمسكوت المعنى اللغوي أي الكون غير مذكور وفيه بعد، وقد أطال العلامة سم هنا فراجعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 180
قوله:
(لأن المفهوم مدلول للفظ الخ)
(1/373)
---(1/366)
أي وكون الشيء الواحد مدلولاً للفظ وغير مدلول له تناقض فلا يصح، ثم إن ما ذكره المصنف هنا من التنافي مخالف لقوله في شرح المختصر لا تنافي بينهما، فإن للمفهوم جهتين: هو باعتبار إحداهما مستند إلى اللفظ فكان مفهوماً، وباعتبار الأخرى قياساً، ومن ثم قال السعد : الخلاف لفظي وأشار إليه إمام الحرمين في البرهان وتعقبه جماعة منهم البرماوي بأن للخلاف فوائد: منها أنا إذا قلنا إن دلالته لفظية جاز النسخ به وإلا فلا شيخ الإسلام . وفيه أنه سيأتي في المتن تصحيح النسخ بالقياس وجواز النسخ بالفحوى، وحكاية الشارح الاتفاق على الجواز فيها عن الإمام الرازي و الآمدي ، وقولاً بالمنع فيهما عن حكاية الشيخ أبي إسحاق فهذه الفائدة مبنية على ضعيف عند المصنف قاله سم. قوله: (ويسمى مفهوم مخالفة أيضاً) ويسمى دليل خطاب ولحن خطاب أيضاً قاله شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 181
قوله:
(ليتحقق)
أشار به إلى أن هذه الشروط لوجود حقيقته، فبانتفاء واحد منها تنتفي حقيقته لا أنها شروط للعمل به لاقتضاء ذلك أنه موجود لكنه لا يعمل به وليس كذلك. قوله: (في ذكره بالموافقة) في سببية وباء بالموافقة صلة ذكره أي للخوف الحاصل بسبب ذكره بطريق الموافقة للمنطوق بأن يعطف عليه فيقال على المسلمين وغيرهم، وأراد بالخوف حصول المخوف منه لأنه المتسبب عن الذكر بالموافقة. قوله: (كالجهل) أي من المتكلم بحكم المسكوت، ولا يخفى أن الجهل والخوف المذكورين إنما يتصور أن في غير الله تعالى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 181
قوله:
(وأن لا يكون المذكور)
(1/374)
---(1/367)
أي القيد المنطوق به. وقوله خرج للغالب لم يقل ذكر للغالب مع أن المعنى عليه لئلا يكون في التعبير به مع المذكور تهافت بحسب الظاهر إذ يصير نظم الكلام هكذا وأن لا يكون المذكور ذكر للغالب، ثم إنه لا فرق بين قولنا خرج للغالب وقولنا موافق للغالب، وتفرقة العلامة بينهما باعتبار القصد في الأول دون الثاني أي أن المتكلم إنما صرح بالمنطوق المذكور لكونه غالباً على خلافه فأغلبيته علة لذكره دون خلافه، فيفيد قصد المتكلم ذلك، فلا يقال خرج للغالب إلا فيما إذا كان فيه قصد للمتكلم، وأما موافق الغالب فلا يعتبر فيه ما ذكر من قصد المتكلم بالإتيان بالمنطوق دون المفهوم كون المنطوق هو الغالب، والأغلبية المذكورة لم تكن ملحوظة له عند الإتيان به أي كما يتلمح ذلك من لفظ موافقة، ودعواه أن خلاف الإمام في الثاني فقط كلام لا سند له فيه أصلاً فلا تغتر به.
قوله: (لما سيأتي مع دفعه) أي لتوجيهه الآتي مع دفعه وهو علة لنفيه من قوله في نفيه. فإن قيل: لم خالف إمام الحرمين في هذا الشرط دون ما قبله وما بعده مع أن توجيهه الآتي يمكن جريانه في الجميع؟ قلت: لظهور الفرق بأن التقييد في غير هذا مضطر إليه كما في صورة الجهل من المتكلم بحكم المسكوت أو محتاج إليه كما في صورة جهل المخاطب بحكم المنطوق دون المسكوت، فإن في التقييد احترازاً عن العبث وهو أخبار المخاطب بما يعلمه أو عن الإبهام على المخاطب وإيقاعه في الشك، فإنه لو أطلق له تردد في عموم الحكم وتخصيصه بأحد القسمين ولا كذلك موافقة الغالب فإنه لا ضرورة ولا فائدة معتد بها في التقييد به، فكان حمل القيد على جعله لموافقة الغالب بعيداً ضعيفاً، وكان الأظهر عنده أنه لنفي الحكم عما عدا المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 181
قوله:
(لسؤال)
: أي لجواب سؤال. وقوله أو حادثة أي بيان حكمها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 182
قوله:
(1/375)
---
(أو للجهل بحكمه)(1/368)
أي من المخاطب كما يفيده كلام الشارح بعد وقوله: كما لو سئل الخ نشر على ترتيب اللف من قوله: أو لسؤال أو حادثة أو للجهل بحكمه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 182
قوله:
(فقال في الغنم الخ)
راجع للثلاث مسائل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 182
قوله:
(كموافقة الواقع)
أقول: قد يستشكل الفرق بين هذا أعني موافقة الواقع وما خرج لحادثة، بل قد يقال هذا مما خرج لحادثة أيضاً كما يفيده قوله نزلت كما قال الواحدي الخ. ويفرق بأن الشأن في الحادثة بيان حكمها المضاف إليها لا بيان الحكم في نفسه وإن كان عاماً لها ولما يحدث من ضدها مثلاً، ولا يصح هنا كون القيد لبيان الواقع لأن الغنم لا تختص بالواقع بالسائمة وهو واضح، وأما موافقة الواقع فالشأن فيه بيان الحكم في نفسه ولا نظر فيه للمحكوم عليه، وكان الظاهر عدم التقييد لعموم الحكم لكنه قيد على وفق ما وقع منه ووجد في الخارج، وكون المقصود بيان الحكم في نفسه لا ينافيه قوله نزلت كما قال الواحدي الخ، لأن سبب النزول لا ينافي قصد بيان الحكم في نفسه عاماً لصاحب الواقعة وغيره فتأمل سم. قوله: (أي دون المؤمنين) من كلام الشارح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 182
قوله:
(وإنما شرطوا الخ)
أي إنما كان شرط تحقق مفهوم المخالفة انتفاء ما ذكر من كون المسكوت ترك لخوف وما بعده، لأن هذه فوائد ظاهرة تقتضي ذكر المنطوق دون المسكوت، فإن كون المنطوق به غالب الوجود على المسكوت فائدة ظاهرة في تخصيصه بالذكر دون المسكوت، وكذا الخوف بذكر المسكوت فائدة ظاهرة في تخصيص المنطوق به بالذكر دونه، وكذا القول في الباقي، وإنما كانت ظاهرة لقيام قرائن الأحوال عليها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 182
قوله:
(وهو فائدة خفية)
(1/376)
---(1/369)
أي والمفهوم فائدة خفية، ووجه ذلك أن استفادته بواسطة أن التخصيص بالذكر لا بد له من فائدة. وغير التخصيص بالحكم منتف فتعين قاله العلامة، ومعناه أن استفادة كون المسكوت مخالفاً للمنطوق في الحكم يتوقف على هذين الأمرين كون التخصيص بالذكر لا بد له من فائدة وانتفاء ما عدا التخصيص بالحكم من بقية الفوائد، فيتعين حينئذ كونها التخصيص بالحكم لانتفاء غيرها من الفوائد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 182
قوله:
(وبذلك)
الإشارة للتوجيه المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 182
قوله:
(لما نفاه)
في العبارة حذف مضاف أي لنفي ما نفاه إذ التوجيه المذكور لنفي الشرط المذكور لا لنفسه كما يفيده ظاهر اللفظ والأمر سهل. وقوله بأن المفهوم صلة توجيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 182
قوله:
(من مقتضيات اللفظ)
أي من مدلولاته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 182
قوله:
(فلا تسقطه موافقة الغالب)
أي لتأصل المدلول وعروض الموافقة المذكورة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 182
قوله:
(وقد مشى في النهاية الخ)
كالاستدراك على ما يتوهم ثبوته من الكلام السابق من استمرار إمام الحرمين على القول بنفي الشرط المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(لموافقة الغالب لا مفهوم له)
هما خبران لأن من قوله من أن القيد الخ وإنما لم يكتف بأحدهما المستلزم للآخر ليفيد بذلك صريحاً مخالفته لقوله بنفي الشرط المذكور وموافقته لما قال الجمهور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(وقت التزوج)
ظرف للكبيرة، والمراد بالكبيرة من ليست في حجر الزوج وتربيته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(وهذا وإن لم يستمر عليه مالك الخ)
(1/377)
---
دفع لما يقال من أن هذا القول لم يستمر عليه مالك بل رجع عنه وحينئذ فلا سند لإمام الحرمين فيما قاله، فأجاب بأن له سنداً قوياً وهو داود والإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(فقد نقله الغزالي)(1/370)
أي وغيره كالماوردي وابن الصباغ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(ورواه عنه)
أي عن سيدنا علي رضي الله عنه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(ومرجع ذلك)
أي ما نقل عن داود وعلي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(ليس لموافقة الغالب)
أي بل للاحتراز فيثبت للمسكوت خلاف حكم المنطوق عملاً بمفهوم المخالفة لتحققه حينئذ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(والمقصود مما تقدم الخ)
أن ليس المقصود أي لا حكم للمسكوت أصلاً في الأمثلة السبعة المتقدمة بل المقصود عدم الاستناد في حكم المسكوت للعمل بالمفهوم لأنه لم يتحقق بل لأمر خارج يستفاد به موافقة المسكوت للمنطوق في الحكم تارة ومخالفته له فيه أخرى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(من خارج)
يتعلق بيعلم. وقوله بالمخالفة متعلق بحكم. وقوله أو الموافقة عطف على المخالفة. قوله: (لما سيأتي) أي في المسألة الآتية في الكلام على إنكار أبي حنيفة المفاهيم، والذي سيأتي أنه لا زكاة فيها لموافقته الأصل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(كما في المثال الأول)
أي وهو قول قريب العهد بالإسلام لعبده بحضور المسلمين تصدق بهذا على المسلمين ويريد وغيرهم. وقوله: لما تقدم أي من أن ترك زيادة قوله وغيرهم لخوف الاتهام بالنفاق فإن كون الترك لذلك يعلم منه موافقة المسكوت للمنطوق في حكمه المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(1/378)
---
(وفي آيتي الربيبة والموالاة)
عطف على في المثال الأول.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(فيوجد)
أي التباغض.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(وموالاة المؤمن الخ)
عطف على الربيبة من قوله أن الربيبة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(وقد عم من والاه ومن لم يواله)
أي عم من والى المؤمن مع الكافر، ومن لم يوال المؤمن أصلاً بل والى الكافر فقط، فمن عبارة عن المؤمن الموالي بالكسر وضمير والاه البارز للمؤمن الموالى بالفتح.(1/371)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(ومن المعنى المعلوم الخ)
المراد بالمعنى العلة التي يستند لها الحكم كما مر في قوله السابق نظراً للمعنى أي ومن النظر في المعنى المذكور نشأ خلاف الخ. فإن قيل: كون موافقة المسكوت للمنطوق معلومة من المعنى يقتضي كون الدلالة قياسية لا لفظية فكيف يكون النظر في المعنى المذكور منشأ الخلاف المذكور؟ قلنا: قد سبق ما يعلم منه جواب هذا السؤال في الكلام على مفهوم الموافقة عند قول الشارح الدال عليه نظراً للمعنى الخ فراجعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(ولا يمنع قياس المسكوت الخ)
هذا متعلق بقوله: وشرطه أن لا يكون المسكوت ترك لخوف إلى قوله: أو غيره مما يقتضي التخصيص بالذكر. والمعنى أن وجود ما يقتضي التخصيص بالذكر يمنع تحقق المفهوم، ولا يمنع إلحاق المسكوت بالمنطوق بطريق القياس عند وجود شرطه. وقوله ما يقتضي التخصيص بالذكر فاعل يمنع أي ما يقتضي تخصيص المذكور بالذكر لكونه جواب سؤال أو بيان حادثه أو نحو ذلك من الأمور المارة. وقوله قياس المسكوت مفعول يمنع. وقوله بالمنطوق الباء فيه بمعنى على أو ضمن القياس معنى الربط فعداه بالباء إذ الفرع مربوط بالأصل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
قوله:
(1/379)
---
(لعدم معارضته)
علة لقوله: ولا يمنع وضمير معارضته لما يقتضي التخصيص وضمير له للقياس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 184
قوله:
(بل قيل يعمه)
هذا هو القول الثاني المشار إليه بقوله قبل أو لفظية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 184
قوله:
(المعروض)
فاعل يعم، والمعروض هو اللفظ المقيد بصفة أو نحوها، والعارض هو القيد من صفة ونحوها، فالمعروض في آية الربيبة الربائب والعارض وصفها وهو قوله: {اللاتي في حجوركم} (النساء: 23) الخ. وقس على ذلك غيره، وعبر بالمعروض دون الموصوف وإن كان في المعنى موصوفاً لئلا يتوهم اختصاص ذلك بالصفة. وقوله للمذكور متعلق بالمعروض. وقوله من صفة أو غيرها بيان للمذكور.(1/372)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 184
قوله:
(إذ عارضه)
علة لقوله يعمه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 184
قوله:
(كأنه لم يذكر)
أي فالوصف في آية الربيبة كأنه لم يذكر وكأنه قيل: وربائبكم من نسائكم ومن دون المؤمنين كأنه لم يذكر في آية الموالاة وعلى هذا القياس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 184
قوله:
(وقيل لا يعمه إجماعا)
محل التضعيف قوله إجماعاً فمتعلق التضعيف المشار إليه بقيل حكاية الإجماع على عدم العموم لا عدم العموم في نفسه فإنه الذي اعتمده المصنف وجزم به أولاً وحكى مقابله بصيغة التضعيف في قوله بل قيل يعمه المعروض الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 184
قوله:
(وعدم العموم)
(1/380)
---
أي وهو القول الأول المشار إليه بقوله: ولا يمنع قياس المسكوت أي فتكون الدلالة حينئذ قياسية لا لفظية. قوله: (كما أفادته العبارة) راجع لقوله: وعدم العموم هو الحق أي أفادت عبارة المصنف أن عدم العموم هو الحق حيث جزم أولاً بأنه لا يمنع قياس المسكوت بالمنطوق ما يقتضي التخصيص بالذكر، ثم حكى مقابله من القول بالعموم بقيل المشعرة بتضعيفه وقوى ذلك التضعيف بحكاية الإجماع على عدم العموم وإن سيقت الحكاية المذكورة بقيل. قوله: (بخلاف مفهوم الموافقة) أي فإنه لم يقل فيه الحق عدم العموم بل رجح فيه كون الدلالة عليه لفظية كما مر. قوله: (لأن المسكوت هنا أدون الخ) أي أدون من حيث الحكم لا من حيث العلة فإن علة الحكم في الأصل هي الموجودة في الفرع لا دونها قاله العلامة. قوله: (بمعنى محل الحكم) الحامل للشارح على حمل المفهوم على محل الحكم قول المصنف بعد: وهل المنفي غير سائمتها الخ؟ فإنه يفيد أن المراد بالمفهوم هنا محل الحكم لأن غير السائمة وغير مطلق السوائم محل الحكم لا نفسه، ولو أراد بالمفهوم هنا الحكم لكان المناسب أن يقول بعد وهل المنفى الزكاة في غير سائمتها أو في غير مطلق السوائم سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 184
قوله:(1/373)
(قال المصنف والمراد بها لفظ مقيد لآخر)
(1/381)
---
قال العلامة أي مقلل لشيوعه فلا يرد النعت لمجرد مدح أو غيره كما قيل اهـ. وأشار بذلك لرد ما اعترض به صدر الشريعة في توضيحه وتنقيحه على قولنا أن التخصيص بالصفة يفيد نفي الحكم عما عدا المذكور بأنه قد يوصف الشيء للمدح أو الذم، ولا يراد بالوصف نفي الحكم عما عداه، وقد رده في التلويح بأن المراد بتخصيص الشيء بالصفة نقص شيوعه وتقليل اشتراكه، وذلك بأن يكون الشيء مما يطلق على ماله تلك الصفة وغيره، فيقيد بالوصف ليقصر على ماله تلك الصفة دون القسم الآخر، ثم قال من جملة اعتراضات أوردها: وأما ثانياً فلأن الوصف للمدح أو الذم أو التأكيد ليس من التخصيص بالوصف في شيء لما عرفت، وكان المصنف أي صدر الشريعة فهم من التخصيص بالوصف ذكر الوصف في الجملة، وإنما المراد به الوصف الذي يكون للتخصيص أي نقص الشيوع وتقليل الاشتراك اهـ قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 184
قوله:
(ليس بشرط ولا استثناء ولا غاية)
لا يخفى أن استثناء هذه الثلاثة كتفسير الصفة بما ذكر اصطلاح للأصوليين. فاعتراض شيخ الإسلام بأنه لا حاجة بل لا صحة لاستثنائها إلى آخر ما أطال به غير وارد إذ لا مشاحة في الاصطلاح ولكل أخذ أن يصطلح على ما شاء. قوله: (أي أخذاً من إمام الحرمين) يرجع لقوله: قال المصنف. قوله: (حيث أدرجوا) هي حيثية تعليل أي لأنهم أدرجوا فيها العدد والظرف مثلاً أي لأن المعدود موصوف بالعدد والمخصوص بالكون في زمان أو مكان موصوف بالاستقرار فيه. قوله: (أي الصفة الخ) دفع به ما يتبادر من ظاهر العبارة من أن مجموع الغنم والسائمة هو الصفة لأن القاعدة أن ما بعد الكاف هو المثال، وحينئذ فكان على الشارح أو يقول يعني، ويمكن أن يقال لما كان ما قال هو المتعين إرادته من العبارة ولا يصح غيره صار كأن العبارة حينئذ نص فيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 185
قوله:
(وفي الثاني)
(1/382)
---(1/374)
قضية صنيعه أن الصفة في الثاني السائمة بالتعريف مع أنها في الثانية سائمة بدون الألف واللام. ويمكن الجواب بأن ما اقتضاه كلامه من أن الصفة في الثاني لفظ السائمة بالتعريف منظور فيه للأصل، إذ أصل سائمة الغنم الغنم السائمة فحذفت أل من السائمة ثم قدمت على الموصوف وأضيفت له كما أشار الشارح لذلك بقوله قدم من تأخير. قوله: (وفي صدقة الغنم) بدل من حديث أو عطف بيان عليه. وقوله سائمتها بدل من الغنم. قوله: (لا مجرد السائمة) عطف على سائمة الغنم. قوله: (لاختلال الكلام بدونه) أي فليس القصد به حينئذ التقييد حتى يكون له مفهوم. قوله: (وقيل هو منها) أي وقيل مجرد السائمة منها أي من الصفة. قوله: (الزائد على الذات) أي الأعم من أن تكون غنماً أو غيرها. قوله: (بخلاف اللقب) أي فلا يدل إلا على الذات لكونه جامداً. قوله: (فيفيد) تفريع على قوله هو منها. قوله: (مطلقاً) أي غنماً أو غيرها. وكذا قوله مطلقاً الثاني. قوله: (أن الجمهور على الثاني) أي فينبغي أن يكون هو الأظهر وهو قوي، لأن تعريف الوصف صادق به غايته أن الموصوف مقدر ولا أثر له فيما نحن فيه شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 185
قوله:
(وهل المنفي الخ)
(1/383)
---(1/375)
أي المخرج عن كونه محلاً للزكاة كما قال الشارح. وقوله في المثالين أي قولنا في الغنم السائمة وقولنا في سائمة الغنم. قوله: (وهو معلوفة الغنم) وقوله الآتي: وهو معلوفة الغنم وغير الغنم قد تقرر أن نقيض الأخص أعم مطلقاً من نقيض الأعم كالإنسان والحيوان، فإن نقيض الأول وهو لا إنسان أعم من نقيض الثاني، وهو لا حيوان لصدق الأول على الحمار مثلاً دون الثاني، ومقتضى صنيع الشارح هنا عكس ذلك إذ قوله وهو معلوفة الغنم بيان لنقيض الأخص وهو سائمة الغنم. وقوله وهو معلوفة الغنم وغير الغنم بيان لنقيض الأعم وهو مطلق السوائم. والجواب أن ما ذكره الشارح منظور فيه إلى المحمل الشرعي الذي ذكره الفقهاء فإنهم حملوا غير سائمة الغنم على ما ذكر، وغير مطلق السوائم على ما ذكر الذي قاله الشارح لا إلى المفهوم المعتبر عند أهل الميزان. قوله: (قولان) خبر مبتدأ محذوف. وقوله الأول مبتدأ وخبره قوله ينظر إلى السوم. وقوله ورجحه الإمام الرازي وغيره اعتراض بين المبتدأ وخبره لإفادة تقوية القول الأول. قوله: (في غير الغنم) أي في غير هذا الحديث. قوله: (على وزانها في مطل الغنى ظلم) اعترض ذلك بأن الفرق جلي إذ الغنى مشتق يصح وقوعه نعتاً والغنم بخلافه، وفيه أن يقال أن النظر هنا إلى القيد وعدمه لا إلى الاشتقاق وعدمه، ولا شك أن الغنم مقيد للسائمة فإن السائمة بدون ذكر الغنم تعم الغنم وغيرها فإذا ذكر الغنم كان السوم خاصاً بها.
(1/384)
---(1/376)
قوله: (بالمعنى السابق) أي وهو لفظ مقيد لآخر. قوله: (أي المحتاج دون غيره) يشير به إلى أن المعنى أعط السائل بشرط تحقق الحاجة فيخرج ما انتفى عنه هذا الشرط. قوله: (أي لا وراءه) أي مثلاً ليدخل اليمين والشمال وفوق وتحت، مع أنه لو عبر بدل وراءه بخلفه كان أولى لأن وراء يرد بمعنى أمام كما في قوله تعالى: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً} (الكهف: 79) أي أمامهم. قوله: (أي لا أكثر من ذلك) لم يقل ولا أقل لأن المقام مقام زجر وهو يوهم الكثرة. وقيل لم يقل ولا أقل لأن الأقل مطلوب في حد ذاته إذ الواحدة والثنتان من الضرب إلى الثمانين مطلوبة في حد ذاتها، وإنما اقتصر على نفي الأقل فيما بعده في حديث شرب الكلب لأن المقام لإزالة القذر فيتوهم الاقتصار على مزيلها. وحاصله أن الشارح إنما تعرض في المحلين لنفي المتوهم. قوله: (وغاية) أي مفهوم تركيب يشتمل على الغاية وكذا القول فيما بعده. قوله: (أي فغيره ليس بإله) أي فهو من قصر الصفة على الموصوف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 185
قوله:
(والإله المعبود بحق)
أي المراد بالإله هنا المعبود بحق لأن صحة المفهوم في الآية تتوقف على تفسير الإله بذلك، وأما لو أريد به مطلق المعبود فلا لفساد المعنى حينئذ كما هو ظاهر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 186
قوله:
(منطوقهما)
(1/385)
---(1/377)
أي النفي والاستثناء في المثالين. قوله: (ومفهومهما إثبات العلم والقيام لزيد) قال الكمال: وهو المشهور في الأصول، ثم نقل عن جمع أنه منطوق وأنه استدل على ذلك بأنه لو قال ما له علي إلا دينار كان ذلك إقراراً بالدينار، ولو كان ذلك مفهوماً لم يؤاخذ به لأن المفهوم غير معتبر في الأقارير قال: وهو الذي ينثلج له الصدر، إذ كيف يقال في لا إله إلا الله أن دلالتها على إثبات الألوهية لله بالمفهوم اهـ. وممن نص على أن إثبات الألوهية لله في لا إله إلا الله بالمفهوم المولى التفتازاني . فإنه قال في حواشي العضد: ولا يخفى أن المفهوم في مثل لا إله إلا الله هو أن الله إله ونفى إلهية الغير منطوق، وفي إنما الأعمال بالنيات المفهوم نفي أن الأعمال بدون نية اهـ. وأما استبعاد الكمال المذكور فقد أشار شيخ الإسلام إلى دفعه حيث قال: وعلى المشهور فدلالة لا إله إلا الله على إثبات الإلهية لله بالمفهوم لا بالمنطوق ولا بعد فيه لأن القصد أولاً وبالذات ردّ ما خالفنا فيه المشركون لا إثبات ما وافقونا عليه، فكان المناسب للأول المنطوق وللثاني المفهوم اهـ. وأجاب عن استدلالهم بمسألة الإقرار بأن محل عدم اعتبار المفهوم فيها إذا كان بغير الحصر كما يفهمه كلامهم سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 186
قوله:
(وفصل المبتدأ)
(1/386)
---(1/378)
لو قال وضمير الفصل كان أظهر لمناسبته لما فسر به الصفة من كونها لفظاً مقيداً لآخر، وضمير الفصل يصدق عليه ذلك دون الفصل فإنه ليس لفظاً، ومثل فصل المبتدأ من الخبر بضمير الفصل تعريف الجزأين فإنه مفيد للحصر كما تقرر. قوله: (أي أعلى ما ذكر) أشار بذلك إلى أن الضمير يعود إلى المفاهيم بتأويلها بما ذكر وهو جواب عما يقال: كان المناسب أن يقول وأعلاها أي المفاهيم. قوله: (لسرعة تبادره) علة للصراحة كذا قيل والأولى كونه علة لكونه منطوقاً كما يفيده تعبير الشارح بعد. قوله: (على الترتيب الآتي) أي في المسألة الآتية بقوله مسألة الغاية قيل منطوق الخ. قوله: (المخالفة) هو بكسر اللام حيث وقع صفة للمفهوم كما هنا وحيث أطلق على المفهوم كما في قول المصنف السابق وإن خالف فمخالفة أو أضيف إلى المفهوم كقولنا مفهوم المخالفة فهو بفتح اللام. قوله: (حجة) أي يصح التمسك بها في الأحكام الشرعية على الخلاف. وأما المفاهيم الموافقة فسيأتي آخر المسألة أنها حجة اتفاقاً، وليس معنى الحجية كونه مدلولاً للفظ كما حمله على ذلك العلامة. فاعترض بأنه لا يصح حينئذ إخراج المفاهيم الموافقة من عموم المفاهيم لأن دلالة اللفظ عليها مختلف فيه كما مر. ويأتي في قوله: وإن اختلفوا في طريق الدلالة عليه لأن تفسير الحجية بذلك تفسير للفظ بما لا يفهم منه ولا حاجة تدعو إليه انظر سم. قوله: (إلا اللقب) هو استثناء منقطع إذ لم يذكره في أقسام مفهوم المخالفة المتقدمة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 187
قوله:
(لغة)
(1/387)
---(1/379)
أي باللغة، فاللغة دليل الحجية كما أشار لذلك بقوله: لقول كثير الخ. وكذا القول في قوله شرعاً ومعنى فالثلاثة منصوبة بنزع الخافض، وأما قول الشارح أي من حيث المعنى فمعناه أن الحجية نشأت من جهة المعنى ولم يرد به أن معنى منصوب على التمييز لئلا يفوت الغرض المقصود من أن الحجية نشأت من المعنى، إذ يصير المعنى حينئذ أن معنى المفاهيم حجة وليس بمراد، وعبارة الزركشي: اختلف القائلون به هل نفي الحكم عما عدا المنطوق به من جهة اللغة أي ليس من المنقولات الشرعية بل هو باق على أصله أو من جهة الشرع بتصرف منه زائد على وضع اللغة أو من قبل المعنى أي العرف العام اهـ. قوله: (من لسان العرب) مجاز من إطلاق اسم الآلة على الفعل المؤدى بها أو اسم المحل على الحال. قوله: (وقيل شرعاً) تقدم تعبير الزركشي عن هذا القول بقوله من جهة الشرع بتصرف منه زائد على وضع اللغة، وقضية قوله زائد على وضع اللغة عدم ثبوت المفهوم وحجيته لغة على هذا القول، فإن كان كذلك وإلا أشكل الاستدلال الآتي بفهمه لجواز أن يكون مستند فهمه قضية اللغة قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 187
قوله:
(وقد فهم الخ)
(1/388)
---(1/380)
هذا الدليل أورده العضد كابن الحاجب على أصل المفهوم ثم رده حيث قال: واستدل بقوله تعالى: {أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} (التوبة: 80) فقال عليه الصلاة والسلام: «لأزيدن على السبعين» دل على أنه فهم منه أن ما زاد على السبعين حكمه بخلاف السبعين وذلك مفهوم العدد، وكل من قال به قال بمفهوم الصفة فثبت مفهوم الصفة والحديث صحيح لا قدح فيه الجواب منع فهم ذلك لأن ذكر السبعين للمبالغة، فما زاد على السبعين مثله في الحكم فكيف يفهم منه المخالفة؟ ولعله علم أنه مراد هنا بخصوصه سلمناه لكن لا نسلم فهمه منه ولعله باق على أصله في الجواز إذ لم يتعرض له بنفي ولا إثبات، والأصل جواز الاستغفار للنبي وكونه مظنة الإجابة ففهم من حيث أنه الأصل لا من حيث التخصيص بالذكر اهـ. فإن قيل: كيف مع رده بما ذكر استدل به الشارح؟ قلنا: يحتمل أن ذلك لمتابعة القوم في الاستدلال به وإن كان مردوداً، ويحتمل أنه لعدم الالتفات لهذا الرد لأن ما ذكر فيه خلاف الظاهر المتبادر من سياق فهمه . بقي أن يقال: إن فهمه ما ذكر يجوز أن يكون بالنظر للوضع اللغوي بل قد يقال: إن ذلك هو الأصل لأن الوضع اللغوي والتعويل عليه هو الأصل حتى يثبت الخروج عنه، فمجرد هذا الفهم لا يثبت أن ذلك بالشرع فليتأمل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 188
قوله:
(وهو أنه لو لم ينف المذكور الخ)
(1/389)
---(1/381)
ضمير هو للمعنى وضمير أنه للشأن، وأراد بالمذكور القيد كالسائمة مثلاً، وإسناد النفي إلى المذكور مجاز عقلي من الإسناد إلى السبب والنافي حقيقة هو الشخص. قوله: (وهذا كما عبر عنه الخ) الإشارة لقوله أنه لو لم ينف المذكور الحكم الخ. وحاصل ما أشار إليه أنه لا تنافي بين العبارات الثلاث، لأن المراد بالعقل المعنى المعقول فكل من العقل والعرف العام، والمعنى كناية عن المعنى المذكور لأن المعنى المذكور معقول لأهل العرف العام وناشىء عن نظر العقل، فكما يصح التعبير عنه بالمعنى يصح التعبير عنه بالعقل وبالعرف العام. قوله: (الدقاق) هو القاضي أبو بكر بن محمد بن جعفر يقال إنه كان معتزلي المذهب. وقوله ابن خويز منداد بإسكان الزاي وفتح الميم وكسرها، وقال الزركشي: اشتهر على الألسنة بالميم، وعن ابن عبد البر أنه بالباء الموحدة المكسورة شيخ الإسلام. قوله: (علماً كان الخ) فيه إشارة إلى أن المراد باللقب هنا الاسم الجامد الشامل للعلم الشخصي واسم الجنس، فهو مغاير للقب النحوي مغايرة العام للخاص لشموله للعلم عند النحاة الشامل لأنواعه الثلاثة: الاسم والكنية واللقب. قوله: (إذ لا فائدة لذكره الخ) علة لقوله: واحتج الخ. قوله: (وأجيب) أي من طرف الجمهور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 188
قوله:
(إذ بإسقاطه يختل)
أي لعدم صحة على حج، وفي زكاة لعدم الفائدة. قوله: (المشهور باللقب) أي بالقول به. والدقاق قد اشتهر بهذا اللقب دون الاسم. ففي عبارة الشارح التورية بذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 188
قوله:
(وأنكر أبو حنيفة الكل مطلقا)
(1/390)
---(1/382)
معنى الإطلاق كما يفيده التفصيل الآتي بعده في الخبر وغيره والشرع وغيره والصفة المناسبة وغيرها. ثم إن الإنكار المذكور ثابت عن أبي حنيفة ، ولا ينافيه ثبوت خلافه عن الحنفية إذ كثيراً ما تخالف الحنفية أبا حنيفة فسقط ما للكمال هنا من الإيراد. قوله: (أي لم يقل بشيء من مفاهيم المخالفة) قال العلامة: الأوفق بالإنكار أن يقول أي قال بعدمها لأن الإنكار لشيء قول بعدمه لا عدم قول به اهـ. وقد يجاب بأن ما ذكره الشارح إشارة إلى أن ذلك كاف في مخالفته لما سبق، لأن مجرد عدم القول بها مقابل للقول بها، ومفيد لسقوط حجيتها عنده قاله سم وفيه نظر، فإن عدم القول بالشيء لا يقابل القول به، وإنما يقابله القول بعدمه كما لا يخفى على متأمل فالحق ما قاله العلامة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 189
قوله:
(وإن قال في المسكوت الخ)
(1/391)
---(1/383)
جواب سؤال تقديره ظاهر. قوله: (لأن الخبر له خارجي الخ) أي فإذا كان ذلك الخارجي ثابتاً لزيد ولغيره جاز الإخبار ببعضه وهو الثابت لزيد مثلاً دون البعض الآخر وهو الثابت لغيره كما أوضح ذلك بالمثال. وحاصل ما أشار إليه أن قولنا مثلاً في الشام الغنم له نسبة خارجية توافق النسبة الذهنية، وتلك النسبة هي ثبوت الكون في الشام للغنم، وقد علم أن الغنم يعم السائمة وغيرها، فللنسبة المذكورة حينئذ فردان: أحدهما ثبوت الكون في الشام للغنم السائمة، والثاني ثبوت ذلك للغنم الغير السائمة. وقولنا في الشام الغنم السائمة النسبة فيه وهو ثبوت الكون في الشام للسائمة فرد من فردي النسبة في قولنا في الشام الغنم فالإخبار به لا ينفي الإخبار بالآخر وهو ثبوت الكون في الشام للمعلوفة، وهذا إيضاح ما أشار له على وجه الاختصار. فقوله لأن الخبر أراد به قولنا في الشام الغنم لا قوله في الشام الغنم السائمة كما يوهمه صنيعه. قوله: (المبلغ عنه الخ) هذا مبني على القول بأنه لا يجتهد كما يفيده التعليل بقوله: لأنه تعالى الخ. قوله: (العفر) في الصحاح شاة عفراء يعلو بياضها حمرة. قوله: (لخفة مؤنة السائمة) أي لأن السوم هو الرعي في كلا مباح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 189
قوله:
(ولكون العلة غير الصفة)
اعتذار عن الإمام الرازي وابن الحاجب فيما نقلاه عن إمام الحرمين ونبه بقوله خلاف ما تقدم على أن ما لحظه الإمام الرازي خلاف ما تقدم عن المصنف من أن الصفة لفظ مقيد لآخر ليس بشرط الخ فقوله: ولكون الخ علة لقوله أطلق الإمام الخ. وقوله أطلق الإمام الرازي إنكار الصفة أي الصفة الغير المناسبة. وقوله أطلق ابن الحاجب عنه القول بالصفة أي الصفة المناسبة لأن غير المناسبة من قبيل اللقب فكانها غير صفة فلا تعارض بين الإمام الرازي وابن الحاجب، ومثله المصنف في النقل عن إمام الحرمين.
(1/392)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 189
قوله:
(وأما غيرها)(1/384)
أي الصفة وفي نسخة غيرهما أي غير الصفة التي لا تناسب واللقب قاله شيخ الإسلام . قوله: (وسكت عن الباقي) أي عن الغاية وضمير الفصل وتقديم المعمول لكن الأخير صرح به قاله شيخ الإسلام. والحاصل أن الإمام لم ينف إلا الصفة غير المناسبة. قوله: (كما تقدم) متعلق بالمنفي وهو يدل. قوله: (أما مفهوم الموافقة) هذا محترز تقييد المفاهيم بالمخالفة أول المسألة. قوله: (فاتفقوا على حجيته) أي صحة التمسك به في الأحكام الشرعية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 189
قوله:
(الغاية قيل منطوق)
هو على حذف مضاف أي مفهوم الغاية. قوله: (أي بالإشارة) هو ما يدل عليه اللفظ وليس مقصوداً للمتكلم أولاً كقوله تعالى: {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} (البقرة: 230) فالمنطوق الصريح في الآية عدم الحل له مستمراً إلى أن تنكح زوجاً غيره، والمنطوق الإشاري حلها له بعد نكاح الزوج الآخر. قوله: (كما تقدم) أي في قوله، ثم ما قيل إنه منطوق أي بالإشارة، وقوله كما تقدم الثاني أي في تعداد المصنف المفاهيم. قوله: (يتلوه الشرط) فائدة هذا الترتيب المشار إليه بقوله: يتلوه الشرط فالصفة الخ تظهر عند التعارض، فإذا تعارض مفهوم الغاية والشرط قدم الأول، وكذا إذا تعارض مفهوم الشرط والصفة قدم الشرط وقس الباقي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 190
قوله:
(إذ لم يقل أحد أنه منطوق)
علة لقوله يتلوه أي إنما كان تالياً له ولم يكن في رتبته لأن الشرط لم يقل أحد أنه منطوق أي لا صريحاً ولا إشارة بخلاف الغاية فكانت أقوى منه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 190
قوله:
(فسيأتي قول الخ)
(1/393)
---(1/385)
هذه الفاء للتعليل لكون إنما في رتبة الغاية أي لأنه سيأتي الخ. قوله: (ومثله في ذلك فصل المبتدأ) ضمير مثله يعود للشرط فيكون ضمير الفصل في رتبة الشرط، وفي عبارة بعض الحواشي أن ضمير مثله يعود لإنما، فمفاده حينئذ أن ضمير الفصل في رتبة الغاية لأنه مثل إنما التي هي في رتبة الغاية وهو غير صحيح. قوله: (وتقدم أن مرتبة الغاية الخ) أي فمرتبة النفي والاستثناء أعلى المراتب كما تقدم في قول المصنف وأعلاه لا عالم إلا زيد ثم يليها الغاية ثم الشرط الخ. فالمراد سبعة، ولم يذكر المصنف هنا رتبة النفي والاستثناء استغناء بما قدمه، ونبه الشارح عليه هنا بقوله: وتقدم أن مرتبة الغاية الخ. قوله: (تتلوا الشرط) ذكره مع صحة المعنى بدونه ليذكر علته. قوله: (لأن بعض القائلين به) أي كابن سريج. قوله: (فمطلق الصفة) استشكل بأنه من إضافة الصفة إلى الموصوف فيكون شاملاً للصفة المناسبة وليس بمراد قطعاً. ويجاب إما بأنه على حذف مضاف أي فباقي مطلق الصفة والباقي هو الصفة غير المناسبة، أو بأنه من إطلاق المطلق على المقيد مجازاً وقرينته الاستحالة أي إستحالة أن يراد بالمطلق ما يشمل الصفة المناسبة لما يلزم عليه من تقديم الشيء على نفسه وتأخيره عنه لقوله قبل فالصفة المناسبة أو بأن معنى المطلقة المجردة عن المناسبة فترجع لغير المناسبة، وهذا الأخير ظاهر صنيع الشارح، وبعد هذا فكان الأولى إسقاطه لأنه تقدم أن الصفة غير المناسبة في معنى اللقب وهو لا مفهوم له.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 190
قوله:
(عن المناسبة)
(1/394)
---(1/386)
بكسر السين اسم فاعل لأنه مقابل لقوله فالصفة المناسبة. قوله: (من نعت) بيان لغير العدد. قوله: (غير مناسبات) بكسر السين. قوله: (لدعوى البيانيين) علة لما تضمنه قوله فتقديم المعمول من إثبات مفهوم تقديم المعمول لا لترتيبه مع ما قبله وتأخيره عنه وإن أوهمه ظاهر العبارة فإن العلة المذكورة لا تفيد ذلك. قوله: (المشتمل على نفي الحكم عن غير المذكور) اقتصر على الشق لأنه هو المفهوم وإلا فالقصر إثبات الحكم المذكور ونفيه عن غيره لكن الإثبات منطوق والنفي مفهوم، والكلام هنا في المفهوم فلذا ذكره دون المنطوق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 190
قوله:
(خلافاً للشيخ الإمام)
قد يفهم من عبارته أن اختلاف الشيخ الإمام مع غيره في تفسير مراد البيانيين وفيه نظر، فإن عباراتهم مصرحة بإرادة الحصر بل منهم من عبر بلفظ الحصر، وحينئذ فالظاهر أن الشيخ الإمام لم يذكر ما قاله تفسيراً لمرادهم بل لبيان مختاره فيكون موافقاً لابن الحاجب وأبي حيان في عدم إفادة التقديم الحصر وإن خالفهما في أن الحصر غير الاختصاص وهما يقولان أنهما بمعنى واحد وكلام المصنف لا يفيد هذا القدر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
قوله:
(من جهة خصوصه)
أي وهو وقوع الضرب على معين في المثال الذي يذكره. وقوله كضرب زيد أي الضرب الواقع عليه. فقوله كضرب زيد مصدر مضاف لمفعوله. قوله: (بالنسبة إلى مطلق الضرب) أي الواقع على زيد وغيره. قوله: (لا من جهة خصوصه) أي يكون القصد بالخبر إفادة وقوع مجرد الحدث من غير نظر لمن تعلق به فلا يذكر حينئذ المفعول إلا لكونه محلاً للحكم لا لكونه مقصوداً لذاته دون غيره فيكون الحكم خاصاً به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
قوله:
(فيؤتى بألفاظه في مراتبها)
أي بأن يؤتى بالفعل ثم الفاعل ثم المفعول فتقول: ضربت زيداً.
(1/395)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
قوله:
(من جهة خصوصه كالخصوص بالمفعول)(1/387)
باء بالمفعول سببية أي يقصد الإخبار بوقوع ضرب خاص بسبب تعلقه بمفعول خاص وهو زيد، فالقصد حينئذ الإخبار بالضرب المتعلق بزيد لا بالضرب المطلق، وظاهر أنه لا يلزم من هذا قصر الحكم وهو وقوع الضرب على زيد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
قوله:
(للاهتمام)
متعلق بيقصد وضمير به يعود للخاص المقصود أي للاهتمام بذلك الخاص المقصود.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
قوله:
(فيقدم لفظه)
أي المفعول.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
قوله:
(لإفادة ذلك)
أي قصد الشيء من جهة خصوصه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
قوله:
(فليس في الاختصاص)
أي المفسر بقصد الشيء من جهة خصوصه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
قوله:
(وإنما جاء ذلك)
أي نفي الحكم عن غير المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
قوله:
(واختاره)
أي ما قال الشيخ الإمام. وقوله وأشار إليه الخ وجه الإشارة أنه عبر بدعوى في قوله لدعوى البيانيين ولم يقل لذكر فأفاد بذلك أن ما قاله البيانيون ضعيف لكن قوله بعد والاختصاص الحصر خلافاً للشيخ الإمام صريح أو كالصريح في موافقة الجمهور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
قوله:
(من جملة ما تقدم)
أي حال كون هذا القول من جملة ما تقدم عنه من إنكاره جميع المفاهيم، ولم يصرح المصنف هنا بترجيح إفادة إنما الحصر العلم به من أكثرية القائلين به كما نقله عنهم هنا مع ما قدمه من أنها من المفاهيم شيخ الإسلام. وقوله لا تفيد الحصر أي فلا مفهوم لها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
قوله:
(لأنها أن المؤكدة وما الزائدة الكافة)
(1/396)
---
أي وكل منهما لا يفيد النفي فكذا المركب منهما لا يفيده، وسيأتي رد هذا في الشرح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
قوله:
(وعلى ذلك)
متعلق بمحذوف أي وورد على ذلك الخ. والإشارة إلى نفي إفادة الحصر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
قوله:
(وإن تقدمه)(1/388)
أي تقدم الإجماع خلاف فإنه لا يضر لعدم استقراره برجوع القائلين به، فقد رجع ابن عباس إلى القول بتحريم ربا الفضل لما بلغهم قوله كما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل» الحديث. والجواب عن الحصر في خبر: «إنما الربا في النسيئة» كما أشار إليه الإمام الشافعي أنه حصر إضافي بالنسبة إلى سؤال جماعة عن الربا في المختلفين كذهب وفضة وكتمر وبر لا حصر حقيقي شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
قوله:
(كما في إنما إلهكم الله)
هو من قصر الصفة على الموصوف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 192
قوله:
(فإنه سيق للرد الخ)
أي وكونه مسوقاً للرد يفيد أن المقصود منه حصر الألوهية في الله تعالى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 192
قوله:
(بكسر الهمزة)
أي والقصر أخذه من المهمات للأسنوي، وزعم بعضهم أن كسر الهمزة سهو قال: وإنما هي همزة وصل مفتوحة واللام فيه للتعريف، ولفظ كيا اسم جنس لطائفة من ملوك العجم كتبع لملوك حمير وقيصر لملوك الروم شيخ الإسلام. والهراسي بتشديد الراء نسبة لهراس كعطار بلدة أو بائع الهريسة. وقوله: وصاحبه أي رفيقه في الأخذ عن إمام الحرمين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 192
قوله:
(نحو إنما قام زيد)
(1/397)
---
هو من قصر الصفة على الموصوف. وقوله نحو إنما زيد قائم من قصر الموصوف على الصفة. قوله: (فهما وقيل نطقاً) حالان من مفعول تفيد المحذوف وهو الحصر أي حال كون الحصر مفهوماً وقيل منطوقاً. قوله: (لتبادر) علة لقوله نطقاً. قوله: (وإن عورض) أي الحصر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 192
قوله:
(كما في حديث الربا السابق)
أي وهو إنما الربا في النسيئة مثال لبعض المواضع الذي عورض بما هو مقدم عليه، والمقدم عليه الذي عارضه هو حديث الصحيحين المتقدم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 192
قوله:
(ولا بعد الخ)(1/389)
هذا رد لاستدلال القائل بأن إنما لا تفيد الحصر بأن ما تركبت منهما وهو أن وما الكافة لا يفيد الحصر، فلا تفيد هي الحصر المشار إليه بقوله لأنها أن المؤكدة الخ. وحاصله أن المركب قد يفيد ما لم تفده أجزاؤه كالخبر المتواتر فإنه يفيد العلم مع أنه مركب من آحاد كل منهما على انفراده لا يفيد العلم، وكالحبل المؤلف من الشعرات فإنه يحمل الصخرة العظيمة ولا يثبت هذا الحكم لآحاده التي تركب منها كذا قرر. قلت: قد يقال المركب في هذين المثالين قد وجد جنس ما ثبت له في أجزائه في الجملة بخلاف إنما إذ لا دلالة لجزء من جزأيها الذين تركبت منهما على النفي. قوله: (مع قوله بإنما) أي بإفادتها الحصر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 192
قوله:
(لم يصرح بأنه مفهوم)
(1/398)
---
أي لم يصرح بأن إفادتها ذلك من المفهوم أو من المنطوق، وقد يقال: بل صرح بأنه مفهوم فيما نقل عنه الشارح في مسألة المفاهيم إلا اللقب حجة، وقد يجاب بأنه إنما صرح بأنه مفهوم يفيد الحصر أي لفظ يفهم منه الحصر أي يدل عليه وفهم ذلك منه، ودلالته عليه صادق بكون ذلك بطريق المنطوق أو بطريق المفهوم، وفي هذا الجواب تأمل. قوله: (من حيث إنه من أفراد إن) إشارة إلى أن الفرعية ثابتة لأن المفتوحة من حيث هي لا مختصة بالمركبة مع ما ففرعية المركبة مع ما من حيث كونها فرداً من أفراد أن المفتوحة مطلقاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 192
قوله:
(فهي الأصل)
عرف الأصل هنا وفي القول الثاني لإفادة الحصر من تعريف الطرفين، فالأصلية على الأول منحصرة في المكسورة وعلى الثاني في المفتوحة، ولما لم يستقم هذا المعنى في القول الثالث كما لا يخفى أتى بالأصل منكراً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 192
قوله:
(لأن له محال يقع فيها دون الآخر)
لم يقل لأن كلاً منهما لا يقع في محل الآخر لئلا يشكل بالمحال المشتركة بينهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 192
قوله:
(اللازم له فرعية أنما بالفتح لإنما بالكسر)(1/390)
نبه بذلك على أن المشار إليه بقوله ومن ثم هو كون أن المفتوحة في أنما فرع المكسورة في إنما باعتبار استلزامه فرعية أنما بالفتح لإنما بالكسر. (لأن: المنشأ) في الحقيقة هو فرعية المركب للمركب لا فرعية جزء المركب لجزء المركب الآخر الذي هو مفاد قول المصنف الأصح أن حرف أن فيها الخ، فالمنشئية المذكورة باعتبار استلزام فرعية الجزء للجزء فرعية المركب للمركب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 192
قوله:
(قوّة كلامه تشير إليه)
(1/399)
---
أي لأنه قال إنما القصر الحكم على الشيء أو لقصر الشيء على حكم كقولك: إنما زيد قائم وإنما يقوم زيد وقد اجتمع المثالان في هذه الآية لأن إنما يوحى إليّ مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد، وإنما إلهكم إله واحد بمنزلة إنما زيد قائم اهـ. فنسبة القصرين لإنما بالكسر وجعل إنما إلهكم إله واحد مثالاً للثاني ظاهر في الفرعية، وإلا لما صح التمثيل بالمفتوحة المفيد أنها تفيد ما تفيده المكسورة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 193
قوله:
(في أمر الإله)(1/391)
تخصيص للوحي المقصور ليصدق القصر لا للإشارة إلا أنه إضافي لأن تخصيص الوحي بالوحدانية ليس بالإضافة إلى أمر الإله بل بالإضافة إلى التعدد، إذ القصر الإضافي تخصيص شيء بشيء بالإضافة إلى معنى آخر لا إلى جميع ما عداه كما قاله العلامة أي أن القصر الإضافي تخصيص شيء بشيء بالنسبة لشيء خاص يقابل الشيء المخصوص به لا بالنسبة لجميع ما عدا المخصوص به كقولنا مثلاً: إنما زيد قائم فتخصيص زيد بالقيام بالإضافة إلى مقابله من القعود لا بالإضافة لجميع مقابله ما عدا القيام كما هو واضح، فقول الكمال و شيخ الإسلام في قوله أي في أمر الإله نبه به على أن القصر بإنما إضافي لا حقيقي غير صحيح لما علمت، بل المنبه به على ذلك هو قوله أي لا يتجاوزه إلى أن يكون الإله كغيره الخ، فهو إشارة إلى أن القصر الأول إضافي لأنه قصر الوحي في أمر الله على وحدانيته بالإضافة إلى تعدده فقط لا إلى جميع ما عداها لأن منه ما أوحى إليه به نحو كونه عالماً مريداً قادراً إلى غير ذلك.
(1/400)
---(1/392)
وحاصل القول في المقام أن في الآية الشريفة قصرين: الأول في مجموع قوله {إنما يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد}، والثاني في قوله: {إنما إلهكم إله واحد} فالمقصور في الأول هو الوحي إلى النبي والمقصور عليه حاصل القصر الثاني وهو اختصاص الوحدانية بالإله، وهذا القصر من قبيل قصر الصفة على الموصوف فكان التقدير لا يوحى إليّ في أمر الإله إلا كونه مقصوراً على الوحدانية له لا يتجاوزه الوحي إلى غيره وهو قصر قلب لأن المخاطب يعتقد التعدد، والمقصور في الثاني الإله والمقصور عليه الوحدانية التي هي معنى قوله {إله واحد} وهو من قصر الموصوف على الصفة قصر قلب أيضاً لاعتقاد المخاطب التعدد للإله وعدم الوحدانية كما تقدم، فمعنى القصر الثاني أن الإله مقصور على الوحدانية لا يتجاوزها بأن يكون متعدداً، وهذا الذي قلناه هو المفهوم من كلام الزمخشري المتقدم وهو الذي يفيده النظر الصحيح، وظاهر قول الشارح مقصوراً على استئثار الله بالوحدانية أن القصر الثاني قصر صفة على موصوف لأن استئثاره بالوحدانية معناه اختصاصه بها فلا تكون لغيره بل مقصورة عليه وأنه قصر إفراد مخاطب به من يعتقد شركة غيره له فيها، وفيه أن اعتقاد الشركة في الوحدانية متناف إذ اشتراك اثنين في الوحدانية أي الوحدة في الألوهية محال ولذا اعترضه العلامة وقال: صوابه أن يقول على استئثار الله بالألوهية الدال عليها قوله إله، وحينئذ فيتم كون القصر المذكور قصر إفراد اهـ. وأنت خبير بأن القصر المذكور قصر موصوف على صفة قصر قلب كما هو مفاد قول الزمخشري المار وعبارته هنا الناقل لمعناها الشارح لا تخالف ذلك وإن أوهم قوله على استئثار الله الخ كون القصر قصر إفراد لكنه غير مراد له بقرينة قوله بالوحدانية، وكأنه أراد به أنه لا يتجاوزها إلى تعدد الإله لا عدم مشاركة الغير له فيها فتأمل، بقي أن يقال: أن قصر الوحي على ما ذكر يقتضي أن المخاطب به ممن يقر بالمقصور الذي هو الوحي(1/393)
(1/401)
---
وبثبوته لغير المذكور انفراداً أو شركة فيكون قصر قلب أو إفراد على ما فيه، ولا يخفى أن المخاطب بالآية مشركون ينكرون أصل الوحي فضلاً عن تعلقه بما ذكر، ويمكن الجواب بأنه نزل المنكر منزلة غير المنكر لأن معه من الأدلة على ثبوت الوحي ما أن تأمله ارتدع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 193
قوله:
(ومثل ذلك قوله)
أي قول الزمخشري ومقوله هو أراد الخ. قوله: (التنوخي) بتخفيف النون. قوله: (في الأقصى القريب) أي الأقصى بحسب الوضع واستيعاب المسائل القريب إلى الإفهام فلا تنافي بين وصفه كتابه بالأقصى ووصفه بالقريب. قوله: (من بقاء أن الخ) أي فلا تفيد أنما بالفتح الحصر عندهم. قوله: (وإن لم يصرحوا بذلك) أي ببقائها على مصدريتها أي إن ذلك يؤخذ من كلامهم لزوماً لا صريحاً، وإنما قال فيما علمت ولم يمحض النفي أدباً، إذ لا يلزم من عدم وقوفه على التصريح بذلك عدمه في الواقع، وقد صرح بذلك أبو حيان نقلاً عن السمين في إعرابه. وقوله اكتفاء علة لقوله لم يصرحوا لأنه بمعنى تركوا التصريح. قوله: (بمعنى ملطوف الخ) فسر به اللطف ليصح حمل حدوث الموضوعات عليه وبالعكس واللطف لغة الرأفة والرفق، والمراد به في حقه تعالى غاية ذلك من إيصال الإحسان أو إرادته، ولو عبر بالإحداث كابن الحاجب لم يحتج إلى تأويل الإلطاف بما ذكر لصحة الحمل حينئذ لأن الإحداث كاللطف من أوصافه تعالى. وفي قوله: الملطوف بالناس بها إشارة إلى أن لطف لازم يتعدى إلى مفعولين بالباء التي هي في الأول للتعدية وفي الثاني لها مع السببية لما تقرر أن الفعل الواحد لا يتعدى إلى مفعولين بحرفين متحدى المعنى، وقوله حدوث الموضوعات على حذف مضاف أي وضع الموضوعات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 194
قوله:
(أي ليعبر كل الخ)
(1/402)
---(1/394)
فيه إشارة إلى أن حذف الفاعل للتعميم مع الاختصار. وقوله مما يحتاج إليه بيان لما من قوله عما في ضميره. وقوله لغيره متعلق بيعبر. وقوله حتى يعاونه علة لقوله يعبر. وقوله لعدم استقلاله علة لقوله يعاونه. قوله: (وهي أفيد الخ) اعترض بأنه لا يستقيم لأن أفعل إنما يصاغ من فعل ثلاثي وفعل أفيد أفاد وهو رباعي. وأجيب بأنه إنما صاغه من الثلاثي قال الجوهري: الفائدة ما استفدت من علم أو مال تقول فأدت له فائدة قاله شيخ الإسلام. وأجيب أيضاً بأن الرباعي المبدوء بالهمزة في جواز الصوغ منه ثلاثة أقوال للنحاة، وأفاد رباعي مبدوء بها فيجوز الصوغ منه على أحد الأقوال قاله سم. قوله: (تعرض للنفس الضروري) أي فتدل على المقصود وتفصح عنه حينئذ من غير كلفة. قوله: (وهي الألفاظ الدالة الخ) اعترضه العلامة بقوله فيه تحديد الجمع وإنما يكون للماهية واللفظ الدال عليها مفرد، وقد يجاب بأنه حد لفظي للموضوعات اللغوية في قولك مثلاً الموضوعات اللغوية توقيفية، لكن لا يؤخذ من هذا التعريف أن اللغة تطلق على اللفظ الواحد، بخلاف تعريف ابن الحاجب بأنها كل لفظ وضع لمعنى، ثم تعريف المصنف يشمل المجاز والكناية والحقيقة الشرعية والعرفية وفي صدق المحدود عليها نظر اهـ. أما اعتراضه الأول فجوابه ما قاله، وقد سبقه لذلك العضد فإنه قال في تعريف ابن الحاجب المذكور ما نصه: ولفظ الكل لا يذكر في الحد لأنه للماهية من حيث هي هي ولا يدخل فيها عموم ولأنه يجب صدقه على كل فرد ولا يصدق بصيغة العموم وقد ذكره لأنه يحد الموضوعات اللغوية بصيغة العموم فوجب اعتبارها فيه، فكأنه قال معنى قولنا الموضوعات اللغوية كذا أن كل لفظ وضع لمعنى كذا وكذا اهـ. وأما اعتراضه الثاني فجوابه أن قوله الألفاظ جمع معرف باللام فيفيد العموم الذي دلالته كلية، فيستفاد منه أن كل لفظ موضوع لغوي فقد ساوى قول ابن الحاجب كل لفظ الخ. وأما اعتراضه الثالث فجوابه أن الدلالة المأخوذة في تعريف(1/395)
(1/403)
---
الواضع هي دلالة اللفظ بنفسه، وظاهر حينئذ عدم شمول الحد للمجاز وما معه لأن اللفظ لا يدل على ذلك بنفسه بل بواسطة القرينة، على أنه لا ضير في شمول الحد ما ذكر على ما سيأتي تحقيقه. وقوله الألفاظ دخل فيه الألفاظ المقدرة كالضمائر المستترة وخرج عنه الدوال الأربع وهي: الخطوط والإشارات والعقد والنصب. وقوله على المعاني أي مدلولات الألفاظ معاني كانت أو ألفاظاً بدليل تقسيمه بعد مدلول اللفظ إلى معنى وإلى لفظ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 194
قوله:
(خرج الألفاظ المهملة)
قال العلامة: فيه شيء لدلالتها على معنى كحياة اللافظ. فإن قيل: المعنى ما يعني أي يراد باللفظ. قلنا: بل ما يفهم منه أريد أم لا كما صرحوا به اهـ. وجوابه ما قاله السيد في حواشي شرح الشمسية المعنى إما مفعل كما هو الظاهر من عنى يعني إذا قصد، وإما مخفف معنى بالتشديد اسم مفعول منه أي المقصود، وأياً ما كان فهو لا يطلق على الصور الذهنية من حيث هي هي بل من حيث إنها تقصد من اللفظ، وذلك إنما يكون بالوضع لأن الدلالة اللفظية العقلية أو الطبيعية ليست بمعتبرة، وقد يكتفي في إطلاق المعنى على الصورة الذهنية بمجرد صلاحيتها لأن تقصد من اللفظ سواء وضع لها لفظ أم لا اهـ. قوله: (الآتي في مبحث الإخبار) أي في قوله: والمختار أنه موضوع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 195
قوله:
(لمعانيها)
أي الموضوعة لمعانيها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 195
قوله:
(للحيض والطهر)
أي الموضوع لهما بالاشتراك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 195
قوله:
(يضم إليه)
متعلق بيستنبط، والضمير في إليه لما نقل أي بأن ينضم إليه ذلك على طريق المناطقة حتى يصير قياساً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 195
قوله:
(مما لا حصر فيه)
(1/404)
---(1/396)
ينبغي اعتبار هذا القيد أيضاً في محمول الصغرى أعني قوله هذا الجمع يصح الاستثناء منه ليتحد الوسط فينتج القياس فيصير هكذا هذا الجمع يصح الاستثناء منه من غير حصر وكل ما يصح الاستثناء منه من غير حصر عام فينتج هذا الجمع عام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 195
قوله:
(للزوم تناوله للمستثنى)
فيه بحث لأنه لا يثبت المدعي إذ مجرد التناول للمستثنى، لا يثبت العموم لوجوده في غير العام كالعدد في قولك له: عليّ عشرة إلا ثلاثة قاله سم وقد يجاب بأن قيد عدم الحصر ملاحظ هنا فالتقدير للزوم تناوله للمستثنى مع كونه لا حصر فيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 196
قوله:
(ومدلول اللفظ إما معنى الخ)
قال شيخ الإسلام: قد يقال هذا إنما يناسب اختيار والده أن اللفظ موضوع للمعنى من حيث هو لا اختياره هو أنه موضوع للمعنى الخارجي ولا اختيار الإمام أنه موضوع للمعنى الذهني، ثم أجاب بأنه يناسب كلاً منهما لأن الخلاف المذكور إنما هو في النكرة كما سيأتي، والكلام هنا فيما يشمل المعرفة، وسيأتي أن منها ما وضع للمعنى الخارجي ومنها ما وضع للمعنى الذهني اهـ. وكان وجه قوله لا اختياره هو الخ أن المعنى الخارجي لا يكون إلا جزئياً فلا يصح تقسيمه إلى جزئي وكلي. وقوله ولا اختيار الإمام لأن المعنى الذهني وإن اتصف بالجزئية والكلية لا يتصف بكونه لفظاً فلا يصح عد اللفظ من أقسامه اهـ سم. وفي قوله: أما معنى جزئي الخ إشعار بأن الموصوف إصالة بالجزئية والكلية هو المعنى وإن وصف اللفظ بذلك تبعي على ما سيأتي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 196
قوله:
(كمدلول زيد)
أي ما يصدق عليه لفظ زيد من الذات المشخصة. وقوله كمدلول الإنسان أي مفهومه وهو الحيوان الناطق فقد أطلق المدلول على ما يعم المفهوم والما صدق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 196
قوله:
(كما سيأتي)
(1/405)
---(1/397)
أي في مسألة اللفظ والمعنى إن اتحد الخ. وقوله ما يؤخذ منه ذلك أي حد الجزئي والكلي، وإنما قال يؤخذ منه ذلك ولم يقل وسيأتي ذلك لأن المذكور هناك التقسيم ويؤخذ منه التعريف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 196
قوله:
(اللفظ المستعمل)
عبر باللفظ المستعمل نظراً لتعبير المصنف به وإلا فالمعروف في تعريف القول هو اللفظ الموضوع لمعنى وإن لم يستعمل. قوله: (يعني كمدلول الكلمة بمعنى ما صدقها) أشار إلى أن قول المصنف كالكلمة مثال للمدلول وهو اللفظ المفرد المستعمل، فصحة التمثيل بالكلمة لذلك تتوقف على إضمار مضاف لأن الموصوف بذلك مدلولها، ولما كان مدلولها ما ذكر من القول المفرد وهو كلي فهو صورة ذهنية لا يصدق أنه قول إذ هو اللفظ المخصوص وهو كيفية تعرض للنفس قال لتصحيح التمثل بمعنى ما صدقها. قوله: (أو لفظ مفرد مهمل) أشار بذلك إلى أن قول المصنف أو مهمل عطف على مستعمل فكلا المستعمل والمهمل قسمان من المفرد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 196
قوله:
(كمدلول أسمائها)
نبه بذلك على أن قول المصنف كأسماء حروف الهجاء على تقدير المضاف أي مدلول أسمائها، إذ الأسماء نفسها ليست مهملة لدلالتها على معنى وهو مسماها، قال العلامة: وينبغي أن يقول أي ما صدقه كما في الذي قبله إذ جه مثلاً منطوقاً لزيد غيره منطوقاً لعمرو وفي جلس غيره في جعفر فهو كلي اهـ. وجوابه أنه أراد حروفاً مخصوصة شخصية أي حروف لفظ خاص منطوق به لشخص في وقت خاص، فكأنه يقول أسماء لحروف جلس الذي هو منطوق به في هذا الوقت، وحينئذ فقد أراد بالمدلول الماصدقات فعلم صحة التمثيل، وإنما لم يصرح عقب قوله كمدلول أسمائها بقوله بمعنى ما صدقها اكتفاء بتصريحه به فيما قبله ولأنه سيشير إليه في قوله الآتي وإطلاق المدلول على الماصدق كما هنا شائع فإنه شامل لهذا أيضاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 196
قوله:
(1/406)
---
(أي جه له سه)(1/398)
الهاء في كل منها للسكت جيء بها للوقف قاله شيخ الإسلام أي لأنه لا يوقف على متحرك ولا يمكن تسكين حرف واحد. قوله: (أو لفظ مركب) نبه به على أن قوله أو مركب عطف على مفرد فينقسم كمتبوعه إلى القسمين المستعمل والمهمل ولذا صرح الشارح بهما. قوله: (أو مهمل) أي أو مركب مهمل. فإن قيل: لا يصدق على المركب المهمل حد المركب وهو ما يدل جزؤه على جزء معناه إذ لا معنى له وإلا لم يكن مهملاً. قلنا: المراد بالمركب هنا ما فيه كلمتان فأكثر لا ما ذكر. قوله: (كمدلول لفظ الهذيان) الإضافة في لفظ الهذيان بيانية، وأراد ما يصدق عليه لفظ الهذيان كقولك ديزمركم مقلوب زيد مكرم مثلاً، وإلا فمدلول الهذيان هو ما لا معنى له وهو معنى كلي لا يصدق عليه أنه لفظ مركب مهمل، ولم يصرح الشارح بذلك اكتفاء بقوله بعد: وإطلاق المدلول الخ. قوله: (وإطلاق المدلول على الماصدق كما هنا سائغ) أي من جهة اشتماله على المفهوم الموضع له اللفظ والمدلول أصله المدلول عليه حذف عليه تخفيفاً لكثرة الاستعمال، وقد يقال إن المصنف أطلق المدلول على ما يعم المفهوم والماصدق بدليل قوله: ومدلول اللفظ إما معنى جزئي أو كلي، فلعل قوله وإطلاق المدلول الخ باعتبار بعض ما ذكره المصنف وهو ما عدا قوله أو كلي فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 197
قوله:
(جعل اللفظ دليلاً على المعنى)
(1/407)
---(1/399)
أي تعيين اللفظ للدلالة على المعنى، وهذا شامل لوضع غير اللغة العربية ولا مانع من ذلك بل هو حسن متعين سم. قوله: (فيفهمه الخ) قال العلامة مرفوع على الاستئناف إشارة إلى أن الوضع كاف مع العلم به في الفهم. ثم أورد على تعريف المصنف أنه لا يصدق على إطلاق اللفظ على معناه المجازي لأن الدال عليه مجموع اللفظ والقرينة لا أحدهما، فما رامه الشارح بعد ذلك من اندراج وضع المجاز بأقسامه في التعريف مناف لقوله فيفهمه الخ. والصواب كما أفصح به السيد في حاشية المطول أن المجاز غير موضوع ألبتة لعدم صدق حد الوضع عليه اهـ. وجوابه أن يقال إن الفهم المشار إليه بقول الشارح فيفهمه منه العارف بوضعه أعم من الفهم منه بلا واسطة كما في الحقيقة أو بواسطة كما في المجاز، فإن العارف بوضعه لمعناه المجازي يفهمه منه بواسطة القرينة. وأما قوله: والصواب كما أفصح به السيد في حاشية المطول الخ فيرد عليه أن ما في حاشية المطول معارض بما قاله السيد في حاشية العضد فإنه صرح بأن الخلاف في أن المجاز موضوع أم لا لفظي منشؤه الاختلاف في تفسير الوضع، وذلك أن وضع اللفظ فسر بوجهين: الأول تعيين اللفظ بنفسه للمعنى فعلى هذا لا وضع للمجاز أصلاً لا شخصياً ولا نوعياً لأن الواضع لم يعين اللفظ بنفسه للمعنى المجازي بل بالقرينة فاستعماله فيه بالمناسبة لا بالوضع. والثاني تعيين اللفظ بإزاء المعنى وعلى هذا ففي المجاز وضع نوعي قطعاً إذ لا بد من العلاقة المعتبر نوعها عند الواضع قطعاً. وأما الوضع الشخصي فربما يثبت في بعض اهـ. ولا يخفى أن تفسير المصنف الوضع موافق لهذا الوجه الثاني، فقد علمت أن ما رامه الشارح من الاندراج صحيح حينئذ، وأن قول العلامة: والصواب الخ إطلاق في محل التقييد سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 197
قوله:
(وسيأتي ذكر الوضع الخ)
(1/408)
---(1/400)
الغرض منه أن الوضع ستة أقسام: ثلاثة في الحقيقة وثلاثة في المجاز وكلها مندرجة في الحد المذكور. قوله: (مع انقسامه إلى ما ذكر) لم يقل مع تقسيمه كما قال في الحقيقة لأن المصنف لم يقسمه إلى ما ذكر بل هو منقسم بنفسه لأنه قسيم الحقيقة بأنواعها، فيقابل كل نوع منها نوع منه، فقوله كما يصدق على الوضع اللغوي أي بقسميه. وقوله يصدق على العرفي والشرعي أي بقسميهما فالأقسام ستة. قوله: (إنهما في الحقيقة) أراد بالحقيقة مقابل المجاز لا نفس الأمر يعني أن الحقيقة العرفية والشرعية عند القرافي عبارة عن كثرة استعمال اللفظ في المعنى العرفي أو الشرعي لا أن أهل العرف وضعوا اللفظ لذلك المعنى أو أهل الشرع كذلك. قوله: (بحيث يصير فيه أشهر من غيره) عبارة قلقة مؤد تصحيحها إلى تكلف، وكان الأوضح أن لو قال بحيث يصير أشهر منه في غيره مع أن مراده بما قاله هذا. قوله: (نعم يعرفان) أي يعلمان فهو من المعرفة لا التعريف وضمير المثنى للعرفي والشرعي وهذا استدراك على نفي قول القرافي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 198
قوله:
(ويزيد العرفي الخاص بالنقل)
(1/409)
---(1/401)
أي ككون الفاعل موضوعاً للاسم المرفوع الخ فإن هذا يعرف بالنقل عن أهل الفن كما يعرف بالكثرة المذكورة، فهما طريقان لمعرفة الوضع العرفي الخاص بخلاف العرفي العام فطريقه الكثرة المذكورة، فالمراد بالنقل الإخبار لا نقل اللفظ من معنى إلى آخر كما يفيده قوله الذي هو الأصل في اللغوي أي دون الاستنباط بالعقل فإنه خلاف الأصل. قوله: (ولا يشترط مناسبة اللفظ الخ) أي وعدم الاشتراط لا يقتضي اشتراط العدم فيصدق ذلك بوجود المناسبة تارة وعدمها أخرى. قوله: (في وضعه) متعلق بيشترط. قوله: (خلافاً لعباد) هو أبو سهل بن سليمان الصيمري بفتح الميم أشهر من ضمها نسبة إلى صيمر قرية من آخر عراق العجم وأول عراق العرب وهو من معتزلة البصرة شيخ الإسلام. وقد يقال مقابلة خلافية عباد لعدم اشتراط المناسبة في الوضع لا تخلو عن مسامحة، إذ قوله على الاحتمال الثاني في توجيه كلامه لا يقابل ذلك لأن معناه عدم الحاجة إلى الوضع كما سيأتي، فالمراد المقابلة باعتبار الاحتمال الأول، فالمراد خلافاً له في الجملة أي خلافاً له على أحد الاحتمالين في كلامه، ولم يتعرض المصنف لرد قوله على الاحتمال الثاني بأن يقول مثلاً عطفاً على قوله، ولا يشترط مناسبة اللفظ للمعنى ولا تكفي عن الوضع اكتفاء بفهم رده من أول المسألة، إذ قوله من الإلطاف حدوث الموضوعات الخ يشعر بالاحتياج إليها ولو كفت المناسبة لم تكن محتاجاً إليها، وأيضاً فكلامه لظهور سقوطه على هذا الاحتمال لا يحتاج للتنبيه على رده سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 198
قوله:
(إلا فلم اختص به)
(1/410)
---(1/402)
يجاب بأن المخصص لا ينحصر في المناسبة إذ إرادة الواضع المختار تصلح مخصصاً من غير انضمام شيء آخر إليها، سواء كان الواضع هو الله تعالى كإرادته تخصيص حدوث الحادث بوقت فإنها مخصصة لحدوثه بذلك الوقت مع استواء نسبته إلى جميع الأوقات لإمكانه. أم البشر كإرادتهم تخصيص الإعلام بالأشخاص شيخ الإسلام. قوله: (وقيل بل بمعنى أنها كافية الخ) قال في المحصول: والذي يدل على فساد قول عباد أن دلالة اللفظ لو كانت ذاتية لما اختلفت باختلاف الأمم ولاهتدى كل إنسان إلى كل لغة، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم. قوله: (ذهني خارجي) أوردهما نعتين لمنعوت واحد تنبيهاً على أن المعنى شرط واحد له جهتان: جهة إدراكه بالذهن وجهة تحققه في الخارج، وهل الوضع باعتبار الجهة الأولى أو الثانية أو من غير نظر إلى واحدة منهما؟ الأقوال الآتية كما أوضح ذلك الكمال.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 199
قوله:
(ووجود في الخارج بالتحقق)
هذا كلام ظاهري، والحق أن الكلي لا يوجد في الخارج وإلا لكان جزئياً لعدم قبول ما يتحقق فيه الاشتراك، نعم يتحقق فيه جزئيات مطابقة للحقيقة، وحينئذ فقول الشارح له وجود في الخارج على حذف مضاف أي لمطابقة، ويراد بقوله كالإنسان ما صدقه لا مفهومه إذ الموجود خارجاً الأول لا الثاني. وقوله كالإنسان كان الأنسب كإنسان لأن الخلاف كما سيأتي في النكرة إلا أن تكون اللام جنسية فهو في معنى النكرة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 199
قوله:
(كبحر زئبق)
(1/411)
---(1/403)
أي فليس ذلك من محل الخلاف إذ لا وجود له إلا في الذهن والكلام فيما له الوجودان: الذهني والخارجي. قوله: (لأنا إذا رأينا جسماً من بعيد وظنناه الخ) قال العلامة: قد يقال فيه اعتراف بما يقول الخصم من أن المسمى هو الخارجي لأن ضمير سميناه في المواضع الثلاثة للجسم المرئي وهو خارجي إذ الرؤية إنما تتعلق به وإن انطبعت بسببها صورة في الحس المشترك اهـ. والجواب أن المعنى سميناه باعتبار صورته الذهنية بدليل بقية العبارة ولهذا قال فاختلف الاسم الخ. والحكم بتسمية الجسم المرئي لا يقتضي أن تلك التسمية باعتبار كونه خارجياً كما لا يخفى سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 199
قوله:
(وأجيب الخ)
(1/412)
---(1/404)
أي أجيب بأن اختلاف الاسم التابع لاختلاف المعنى في الذهني إنما هو لظن أن المعنى في الخارج كما هو في الذهن. فقوله لاختلاف المعنى تعليل لاختلاف الاسم أو صفة له أو حال منه. وقوله لظن خبر أن. ويرد على جوابه أنه لا يلزم من كون الاختلاف لظن ما ذكر أن يكون اللفظ موضوعاً للمعنى الخارجي شيخ الإسلام. هذا والظاهر ما قاله الإمام بل هو الحق كما نبه عليه غير واحد لأن الجزئيات الخارجية لا تنحصر ولا تنضبط. قوله: (والتعبير عنه) أي عما في الخارج. قوله: (حسبما أدركه) خبر ثان لقوله التعبير أو حال منه. قوله: (دون الأولين) قال العلامة: فيه بحث لأن القول الثاني يرى استعمال اللفظ في الخارجي المشتمل على الذهني حقيقياً كما سيأتي في اسم الجنس اهـ. وفيه أن الكلام في الخارجي من حيث كونه خارجياً. والقول الثاني لا يرى استعماله فيه حقيقياً من حيث كونه خارجياً بل من حيث اشتماله على الذهبي وليس الكلام فيه سم. قوله: (أي في النكرة) إشارة إلى أن المراد باسم الجنس النكرة لكن لا بمعنى الفرد الشائع بل ما يقابل المعرفة وهو ما وضع لغير معين سواء كان ماهية أو فرداً شائعاً كما أشار إلى ذلك بقوله: لأن المعرفة الخ. فيشمل حينئذ اسم الجنس بالمعنى المشهور وهو ما وضع للماهية من حيث هي هي، والنكرة بمعناها المشهور وهو ما وضع للوحدة الشائعة، وزاد في التفسير كما قال بعض المحققين لفظة في لئلا يتوهم أن النكرة نعت لاسم الجنس، فلا يفيد أن المراد بالنكرة ما تقدم بل ما وضع للماهية من حيث هي هي، وليس مراداً لما علمت من أن المراد بها ما يقابل المعرفة وهو ما وضع لغير معين سواء كان ماهية أو فرداً شائعاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 199
قوله:
(وليس لكل معنى لفظ)
(1/413)
---(1/405)
أي لفظ مفرد مخصوص بذلك المعنى. قال القرافي في شرح المحصول نقلاً عن التبريزي: إن كان المراد باللفظ الموضوع اللفظ الدال كان مخصوصاً به أم لا مفرداً أو مركباً فالظاهر أن هذا واقع لأن الفصيح لا يعجز عن التعبير عما في نفسه، وإن كان المراد ما يدل بالمطابقة مفرداً فاستيعاب الوضع لجميع المعاني غير معلوم بدليل الحال والروائح. ثم قال بعد كلام طويل: وأما الروائح فتحرير الكلام فيها أن لها أجناساً وأجناس أجناس وأنواعاً، فالجنس العالي رائحة وهي تنقسم إلى عطرة ومنتنة، والعطرة تنقسم إلى رائحة مسك وعنبر وغيرهما، فرائحة المسك ونحوها أنواع سافلة فوضعت العرب للجنس العالي رائحة وللمتوسط عطرة ومنتنة واكتفوا في الأنواع السافلة بإضافة اسم الجنس إلى محله فقالوا: رائحة مسك ورائحة عنبر ونحو ذلك ولم يضعوا للأنواع اسماً يخصها اهـ. ببعض زيادة وإلى هذا أشار بقوله: ويدل عليها بالتقييد كرائحة كذا. وقول المصنف بل لكل معنى محتاج ينبغي أن يراد محتاج احتياجاً قوياً وإلا فما من معنى إلا وهو محتاج في الجملة. قال الإمام : المعاني قسمان: أحدهما ما تشتد الحاجة إلى التعبير عنه فيجيب الوضع له لأجل الإفهام بالمخاطبة على الوجه القوي، والثاني ما لا تشتد الحاجة إليه فيجوز فيه الأمران الوضع وعدمه، أما عدم الوضع فلأنه ليس بمحتاج إليه، وأما الوضع فللفوائد الحاصلة به اهـ قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 200
قوله:
(لعدم انضباطها)
(1/414)
---(1/406)
قد يقال: هذا العليل إنما يقتضي تعذر الوضع أو تعسره لا عدم الحاجة إليه سم. قوله: (فليست محتاجة إلى الألفاظ) فيه أنه أن فرعه على قوله لعدم انضباطها فعدم الانضباط لا يدل على عدم الحاجة لأنه إنما ينتج التعذر أو التعسر كما تقدم وإن فرعه على قوله ويدل عليها بالتقييد فيتوجه عليه إن هذا ممكن في سائر المعاني فيلزم استغناء الجميع قاله سم. قوله: (وكذلك أنواع الآلام) قيل: المراد معظمها لا كلها وإلا فالبعض منها له ألفاظ خاصة به كالصداع والرمد، وجوابه إن هذا ليس موضوعاً للألم بل لما ينشأ عنه فالرمد مثلاً موضوع لهيجان العين والألم ينشأ عنه ويضاف إليه فيقال: ألم الرمد، كما يقال رائحة المسك شيخ الإسلام. قوله: (المتضح المعنى من نص أو ظاهر) تفسير المتضح بالنص والظاهر مخرج للمجمل مع أنه لا يدخل في المتشابه لأنه يطلع عليه بالقرائن، وقضية ذلك أنه واسطة بين المحكم والمتشابه ولا مانع من ذلك، ويحتمل أن يراد بالظاهر في كلام الشارح ما يشمل الظاهر بالقرائن وحينئذ فالمجمل إن قامت عليه قرائن فهو من المحكم وإلا فمن المتشابه اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 200
قوله:
(فلم يتضح لنا معناه)
(1/415)
---(1/407)
نبه على أن تعريف المصنف للمتشابه لما استأثر الله بعلمه تعريف بملزوم ذلك عدل إليه عن تعريفه بما لم يتضح معناه المناسب لتعريف مقابله وهو المحكم بما ذكره ليشير إلى مأخذه وهو قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله} (آل عمران: 7) قوله: (وقد يطلع عليه بعض أصفيائه) قال الكمال : قد يقال اطلاع البعض ينافي الاستئثار أي الاختصاص بعلمه فآخر الكلام يدافع أوله اهـ. ويمكن الجواب بأن المراد بالاستئثار أنه لم يجعل للعباد إلى كسبه طريقاً من الطرق المعهودة في الكسب، وهذا لا ينافي الاطلاع على غير الوجه المعتاد لأنه ليس من الطرق المعهودة، ثم رأيت شيخ الإسلام أجاب بنحو ذلك اهـ سم. وأما جواب بعضهم بأن المتشابه قسمان: قسم استأثر الله بعلمه فلم يطلع عليه نبياً مرسلاً ولا ملكاً مقرباً. وقسم استأثر بعلمه وقد يطلع عليه بعض أصفيائه. وعبارة الشارح تفيد ذلك بجعل ضمير منه في قوله: والمتشابه منه للمتشابه به فلا يخفى ما فيه من البعد، ونبوّ كلام المصنف والشارح عنه إذ ضمير منه للفظ كما لا يخفى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 201
قوله:
(منه الآيات والأحاديث الخ)
(1/416)
---(1/408)
قضيته أن الآيات والأحاديث المذكورة على قول الخلف ليست من المتشابه ولعل هذا بناء على أن المراد بالمعنى في قوله المتضح المعنى ما يفهم من اللفظ ويحتمله في الجملة ومع ذلك ففيه نظر، لأن الظاهر أن السلف لا يخالفون في احتمال تلك الآيات والأحاديث لتلك المعاني التي حملها عليها الخلف فهي عند الفريقين محتملة لتلك المعاني، غير أن السلف تركوا حملها عليها احتياطاً، والخلف ارتكبوا الحمل عليها على سبيل الاحتمال لا القطع، وحينئذ لا يتجه الفرق بين السلف والخلف، والحكم بأنها من المتشابه على قول السلف دون الخلف كما دل عليه قوله: على قول السلف الخ. فليتأمل أما لو أريد بالمعنى ما عنى به فقد يقال يصدق حد المتشابه على تلك الآيات والأحاديث على قول الخلف أيضاً لأن ما عنى به غير معلوم عندهم أيضاً، ولا ينافي ذلك تفسيرهم إياها لأنه على سبيل الاحتمال بمعنى أنه يحتمل أن ما يذكر في تفسيرها هو المراد منها اهـ سم. قوله: (في ثبوت الخ) نعت للآيات والأحاديث أي الواردة في ثبوت الصفات الخ. وقوله المشكلة بالرفع نعت للآيات والأحاديث، وبالجر نعت للصفات. وقوله على قول السلف متعلق بالمشكلة. وقوله بتفويض متعلق بقول السلف. وقوله مع قول الخلف حال من فاعل سيأتي العائد إلى قول السلف أي كما سيأتي قول السلف مصاحباً لقول الخلف. وقوله بتأويلها متعلق بقول الخلف. وقوله في أصول الدين متعلق بقوله سيأتي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 201
قوله:
(وهذا الاصطلاح)
(1/417)
---
أي على تفسير المحكم والمتشابه بما قاله المصنف وأشار بذلك إلى أن هذا المعنى طار على المعنى اللغوي، فإن المحكم معناه لغة المتقن الذي لا يتطرق إليه خلل ومنه قوله تعالى: {كتاب أحكمت آياته} (هود: 1) والمتشابه لغة ما تماثلت أبعاضه في الأوصاف ومنه قوله تعالى: {كتاباً متشابهاً مثاني} (الزمر: 23) أي متماثل الأبعاض في الإعجاز. قوله: (واللفظ الشائع لا يجوز الخ) أي لا يجوز عرفاً.(1/409)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 201
قوله:
(إلا على الخواص)
مستثنى من متعلق خفي أي خفي على الناس إلا على الخواص فلا يخفى عليهم. قوله: (من المتكلمين) حال من فاعل يقول وهو مثبتو الحال، وقول بعضهم حال من الواو في مثبتو سبق قلم لأن الواو حرف علامة للرفع فلا يصح مجيء الحال منها. قوله: (أي الواسطة بين الموجود والمعدوم الخ) أي كالعالمية فإنها لا وجود لها في الخارج مع أنها ليست عدم شيء فلا تكون معدومة فيطلق عليها الثبوت دون الوجود.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 202
قوله:
(أي الجسم)
فسر الذات بالجسم لئلا ترد الذات العلية فإنها لا توصف بحركة ولا سكون. قوله: (الشائع) صفة للحركة باعتبار كونها لفظاً وإلا فالأوضح الشائعة. وكذا القول في قوله والمعنى الظاهر له.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 202
قوله:
(والمعنى الظاهر له تحرك الذات)
(1/418)
---(1/410)
أي باعتبار المعنى المتعارف للعوام، فلا ينافي أن تعريفها عند الحكماء هو الكون الثاني في الحيز الثاني أو الكونان في مكانين أو غير ذلك مما قرر في موضعه. قوله: (قال ابن فورك) نقل الشيخ خالد عن القرافي فتح فائه وسم عنه ضمها ففيه اللغتان وهو ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة كما قال الخطيب في شرحه للكتاب. واعلم أنهم اختلفوا في فائدة هذا الخلاف فمنهم من نفاها ولهذا قال الأبياري : ذكر هذه المسألة في الأصول فضول. ومنهم من أثبتها قال القرافي قال المازري : فائدة الخلاف تظهر في جواز قلب اللغة، أما ما يتعلق بالأحكام الشرعية التي مستندها الألفاظ فهذا لا خلاف في تحريم قلبه لما يلزم عليه من تخليط الأحكام وتغيير النظام، وأما ما لا تعلق له بالشرع فقال بعضهم: إن قلنا اللغات توقيفية امتنع تغييرها فلا يسمى الثوب فرساً أو اصطلاحية لم يمتنع وقال السيوطي : والحق أن الخلاف في اللغات الموجودة هل هي توقيفية أو اصطلاحية؟ أما اصطلاح اثنين الآن على تسمية الثوب فرساً مثلاً فلا يجوز قطعاً قاله سم. قوله: (توقيفية) أي وضعية مجازاً من إطلاق اسم السبب الذي هو التوقيف الذي معناه التعليم على متعلق المسبب وهو الإدراك ومتعلقه هو الوضع، وهذا معنى قول الشارح: فعبروا عن وضعه بالتوقيف لإدراكه به. قوله: (بالوحي إلى بعض أنبيائه) أي وهو آدم كما هو مقتضى استدلاله بالآية الآتية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 202
قوله:
(في بعض الأجسام)
(1/419)
---(1/411)
أي كشجرة. قوله: (بأن تدل) بالتاء الفوقية فيكون الضمير للأصوات أو بالتحتية فالضمير لله تعالى. قوله: (عليها) أي على اللغات أو معانيها فالأصوات المخلوقة على الأول هو قول لفظ كذا لكذا كان يسمع منها مثلاً القصعة اسم للجرم المخصوص المجوّف فتكون غير اللغات إذ هي معرّفة لها، وعلى الثاني هي نفس الألفاظ الموضوعة بقرينة إضافة المعاني إليها كان يسمع منها لفظ قصعة فقط مثلاً ويحصل للسامع علم ضروري بمعناها، وكذا على الأول لا بد من العلم أيضاً إذ قول القصعة اسم لكذا مثلاً يتوقف على حصول علم ضروري بالمسمى، فلا بد من العلم الضروري فيهما. قوله: (ومحققو كلامه الخ) فيه إشارة إلى ضعف النقل عنه فهو توجيه للضعف المشار إليه بقول المصنف وعزى إلى الأشعري.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 202
قوله:
(واستدل لهذا القول بقوله تعالى: وعلم آدم الأسماء كلها)
(1/420)
---(1/412)
قال الأصفهاني في شرح المحصول في وجه الاستدلال بالآية: إن علم معناه أوجد فيه العلم لأن التعليم تفعيل وهو لا ثبات الأثر بالنقل عن أئمة اللغة فيكون لإثبات العلم في آدم قال: ويلزم من ذلك التوقيف وذلك لأن الأسماء بأسرها توقيفية على ما صرح به في الآية فيلزم كون الأفعال والحروف أيضاً توقيفية لوجوه ثلاثة: أحدها عدم القائل بالفصل وذلك لأن من الناس من قال بكون الأسماء والأفعال والحروف توقيفية، ومنهم من قال بكون الجميع اصطلاحية، فالقول بكون الأسماء توقيفية دون الأفعال، والحروف قول ثالث وهو باطل بالإجماع. الثاني: أنه يتعذر الإعراب عن جميع المعاني التي في النفس بالأسماء وحدها فلا بد من تعليم الأفعال والحروف ليحصل التمكن من التعبير عن جميع المعاني فتكون الأسماء والأفعال والحروف توقيفية وهو المطلوب. الثالث: هو أن الاسم مشتق من السمة وهي العلامة والأفعال والحروف علامة على مسمياتها فلزم من ذلك دخولهما تحت قوله: {وعلم آدم الأسماء كلها} (البقرة: 31) اهـ. وهذا الثالث هو الذي ذكره الشارح. قوله: (أي وضعها البشر واحداً فأكثر) قال السيد: بأن انبعثت داعيته أو داعيتهم إلى وضع هذه الألفاظ بإزاء معانيها، والقرينة منها أن يقال: هات الكتاب مثلاً من البيت ولم يكن فيه غيره فيعلم أن اللفظ بإزائه سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 203
قوله:
(واستدل لهذا القول بقوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} (إبراهيم: 4))
(1/421)
---(1/413)
. وجه الدلالة منه أن رسول نكرة في سياق النفي فيصدق بأول رسول فيكون إرساله بلسان قومه أي لغتهم، فتكون لغتهم سابقة على إرساله فلا تكون اللغات توقيفية إذ التعليم لا يكون إلا بالوحي كما هو الظاهر الذي جرت به عادة الله تعالى، فلو كانت توقيفية لتأخرت عن البعثة وقد فرض أنها سابقة عليها فيلزم الدور وهو محال، وسيأتي الجواب عن هذا الاستدلال في كلام الشارح الآتي بقوله: فإنه لا يلزم من تقديم اللغة الخ. قوله: (أي القدر المحتاج إليه في التعريف اصطلاحي وغيره محتمل له) فسر عكس ما ذكر بذلك ليوافق المنقول في المحصول وغيره وإلا فعكسه إنما هو القدر المحتاج إليه في التعريف محتمل للتوقيف والاصطلاح وغيره توقيفي كما فسر بذلك بعض الشراح منبهاً على ما فيه. شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 203
قوله:
(والحاجة إلى الأول تندفع بالاصطلاح)
رد لدليل الأستاذ ولم يذكر دليلاً لهذا القيل. قوله: (الذي هو أولها) أي لا التوقيف المذكور في كلام الأستاذ. قوله: (لجواز أن تكون توقيفية ويتوسط تعليمها بالوحي الخ) فيه كما قال العلامة أن لقائل أن يقول بل لا يلزم من كونها توقيفية وإن تعليمها بالوحي التوسط المذكور لجواز أن يكون تعليمها بالوحي للنبي ويكون الوحي بذلك نبوة، ثم النبي علمها العباد بعد ذلك، بل يجوز أن يكون تعليمها للعباد بالوحي سابقاً على النبوة أيضاً، إذ النبوة الوحي إلى إنسان بشرع وكون التعليم شرعاً لا يظهر وإلا لكان الوحي به رسالة فلم يتوسط بين النبوة والرسالة اهـ.
(1/422)
---(1/414)
وفيه أيضاً أن يقال كما لسم: ما المانع من أنه يجوز أن يكون التعليم بعد الإرسال بأن يوحى إليه بشرع ويؤمر بتبليغه بعد التعليم كما يجوز أن يؤمر المكلف بالعبادة قبل وجود ما تتوقف عليه على معنى أن يأتي بها بعد وجوده كما يؤمر المحدث بالصلاة بأن يتطهر ثم يصلي؟ فما المانع أن يؤمر النبي بالتبليغ على معنى أن يعلمهم ما يتوقف عليه فهم المبلغ إليهم ثم يبلغهم؟ نعم لا يتأتى تأخرها في حقه عن الإرسال لتوقف إيصال الشرع إليه عليها اهـ. وقال الكمال : هذا الدفع يتمشى إن كان الذي علمها بالوحي غير آدم، فإن كان آدم كما اقتضاه الاستدلال السابق فهو مبني على أن آدم رسول، ولا شك أنه أمر بتعليم بنيه الشرائع وهو رسول إليهم بهذا المعنى. أما إن أريد بالرسول في الآية من بعث إلى قوم كفار كما هو الظاهر وعليه يدل سياق الآية فليس آدم داخلاً فيها لأن نوحاً أول الرسل بهذا المعنى، كما دل عليه حديث الشفاعة في الصحيح وغيره، ولا يحتاج حينئذ في الدفع إلى ما ذكر أي لجواز علم القوم اللسان المنسوب لهم بواسطة من قبل رسولهم من نبي أو رسول.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 203
قوله:
(قال القاضي وإمام الحرمين والغزالي والآمدي لا تثبت اللغة قياساً وخالفهم ابن سريج الخ)
هذا ظاهر في أنه لا ترجيح عنده لأحد القولين، ومقتضى كلامه في القياس ترجيح الثاني، وعزا الشارح ثم ترجيحه إليه، والذي رجحه ابن الحاجب وغيره الأول لأن اللغة نقل محض فلا يدخلها القياس، والفرق بين هذا وما مر من أن الموضوعات اللغوية تعرف باستنباط العقل من النقل أن الغرض هنا استنباط اسم لآخر وهناك استنباط وصف لاسم. قوله: (فإذا اشتمل معنى اسم الخ) يفهم منه أن الأعلام خارجة عن محل الخلاف لعدم صحة جريان القياس فيها لأنها غير معقولة المعنى. قوله: (كالخمر) مثال للمعنى. وقوله لتخميره مثال للوصف وهو علة لتسمية المسكر المذكور خمراً.
(1/423)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 204
قوله:(1/415)
(ووجد)
عطف على اشتمل. قوله: (في معنى آخر) بإضافة معنى إلى آخر كما هو المناسب لقوله معنى اسم ويصح تنوينه وجعل آخر صفة له، وقول الكمال إذا كان معنى في عبارة الشارح منوناً وآخر وصفاً له كان قوله كالنبيذ على حذف مضاف أي كمعنى النبيذ فيه أنه لا حاجة إلى حذف المضاف، إذ المراد بالنبيذ معناه لا لفظه ولذا قال أي المسكر الخ على قياس ما تقدم في قوله كالخمر، وظاهر أن المراد هنا بالألفاظ إذا أطلقت معانيها لا ذواتها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 204
قوله:
(فيجب اجتنابه الخ)
بيان لفائدة هذا الخلاف بأن من قال بالقياس أدرج نحو النبيذ في الخمر فيثبت تحريمه بنص آية: {إنما الخمر} (المائدة: 90) لا بالقياس على الخمر ومن منعه احتاج في ثبوت تحريمه إلى قياسه على الخمر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 204
قوله:
(وسواء في الثبوت الحقيقة والمجاز)
(1/424)
---(1/416)
قد يستشكل تصور القياس في المجاز بأنه إن كان معناه أنا إذا وجدنا العرب تجوّزت بلفظ عن آخر لعلاقة بين معنى اللفظ المتجوز به الحقيقي ومعنى اللفظ الآخر المتجوّز عنه فلنا أن نتجوّز بلفظ آخر لوجود تلك العلاقة فيه فهذا مما لا خلاف فيه، لأن العرب قد أذنت في ذلك ابتداء إذ المعتبر نوع العلاقة لا شخصها. وإن كان معناه أنا إذا وجدناهم تجوزوا بإطلاق لفظ على آخر لعلاقة بينهما كما تقدم فلنا أن نتجوز بإطلاق لفظ آخر على ذلك اللفظ المتجوز به بأن يراد منه معنى ذلك اللفظ الذي تجوزت به العرب عن غيره لعلاقة بينهما أي بين معنى اللفظ الذي تجوزت به العرب، ومعنى هذا اللفظ الثالث الذي نريد أن نتجوز به عنه فيتوجه عليه حينئذ أن القياس غير صحيح لفقد شرطه وهو وجود علة الأصل وهو اللفظ الذي تجوزت به العرب عن لفظ آخر، والعلة العلاقة بينهما في الفرع وهو هذا اللفظ الثالث الذي نريد أن نتجوز به عن اللفظ المذكور الذي تجوزت به العرب عن لفظ آخر، إذ الموجود فيه العلاقة بينه وبين اللفظ المذكور الذي تجوزت به العرب لا بينه وبين اللفظ الأول الذي تجوزت العرب باستعمال اللفظ المذكور فيه فتأمل قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 204
قوله:
(لأنه أخفض رتبة منها)
(1/425)
---(1/417)
أي وشأن الأعلى أن يلتفت إليه دون الأدنى هذا ولو قيل بعكس ذلك أي يثبت المجاز دون الحقيقة لأنه أخفض رتبة، وشأن الأدنى أن يتوسع فيه ما لا يتوسع في الأعلى لم يكن بعيداً، قاله سم. قوله: (كرفع الفاعل الخ) أي فإنه حصل لنا باستقراء جزئيات الفاعل مثلاً قاعدة كلية هي أن كل فاعل مرفوع لا شك فيها، فإذا رفعنا فاعلاً لم يسمع رفعه منهم لم يكن قياساً لاندراجه تحتها قاله السيد. وأورد على التمثيل برفع الفاعل ونصب المفعول أن الرفع المذكور ونحوه ليس لفظاً، سواء قلنا إن الإعراب معنوي وهو ظاهر أو لفظي فإنه عليه كيفية اللفظ المذكور أي لفظ الفاعل مثلاً وليس هو بلفظ قاله العلامة. وقد يجاب بمنع كون الحركات الإعرابية على القول المشهور من أن الإعراب لفظي ليست ألفاظاً، فقد صرح بكونها ألفاظاً غير واحد بل هو قضية جعل الإعراب لفظياً، وبتسليم ذلك يجاب بأن المراد من قوله كرفع الفاعل الفاعل المرفوع أو الفاعل باعتبار رفعه غايته أن في التعبير تساهلاً يغتفر مثله لوقوعه كثيراً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 205
قوله:
(إلى اعتدالهما)
(1/426)
---(1/418)
قال العلامة: إن أراد الاعتدال في القائلين فقول بعضهم الأكثر على نفيه مقدم فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ. وإن أراد الإعتدال في القولين بسبب الاعتدال في القائلين فكذلك، ويزيد هذا أن الاعتدال والترجيح بتكافؤ الأدلة ورجحانها لا بالنظر إلى استواء القائلين وتفاوتهم اهـ. وجوابه اختيار الشق الأول، وليس المقصود الاستدلال بما أشار إليه على ثبوت الاعتدال في نفس الأمر حتى يتوجه تقديم قول البعض فإن من حفظ الخ. وإنما المقصود أنه لما ثبت عند المصنف بطريق صحيح رد قول البعض المذكور أشار بما ذكر لاستواء القائلين عنده وأنه ليس الأكثر على النفي واختيار الثاني أيضاً. وقوله فكذلك قد علم جوابه. وقوله: ويزيد الخ جوابه استواء القائلين مظنة تكافؤ الأدلة، فالمصنف استند إلى المظنة حيث لم ينهض المخالف بترجيح أدلة النفي قاله سم. قلت: لا يخفى ضعف الجوابين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 205
قوله:
(أي كان كل منهما واحدا)
(1/427)
---(1/419)
دفع لتوهم ما يتبادر من لفظ اتحد الشيئان أي صارا شيئاً واحداً. قوله: (فإن منع تصور معناه) إسناد المنع إلى التصور مجاز عقلي من الإسناد إلى السبب إذ المانع الشخص بسبب التصور المذكور. قوله: (فجزئي) الياء فيه للنسبة والمنسوب إليه الجزء وهو كلي هذا الجزئي الصادق عليه وعلى غيره لتركب الجزئي كزيد من كليه وهو الإنسان أعني الماهية الإنسانية وغيره وهو المشخصات، فالكلي جزء لجزئيه والجزئي كلي لكليه لتركبه منه ومن غيره كما علمت، وكذا الياء في الكلي للنسبة إلى الكل وهو جزئيه كما عرفت. وأتى بقوله فجزئي وكلي نكرتين لأنه لو عرفهما لدل تعريفهما على حصرهما في الألفاظ الواحدة التي لكل منها معنى واحد ولا خفاء في بطلانه قاله العلامة. قوله: (سواء امتنع وجود معناه) المراد بامتناع وجود المعنى وعدم امتناعه امتناع وجود الأفراد وعدم امتناع وجودها، فالمراد بالمعنى الأفراد، وأما المفهوم الكلي فقد تقدم أنه لا وجود له خارجاً وسيأتي لذلك تتمة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 206
قوله:
(أم أمكن)
(1/428)
---(1/420)
المراد به الإمكان العام الصادق بالوجوب كما يفيده ما بعده. قوله: (أو وجد وامتنع غيره) عطف على قوله: لم يوجد. قوله: (كالإله أي المعبود بحق) أي فإن امتناع الشركة فيه ليس من جهة تصور معناه بل باعتبار الإمكان الخارجي ولهذا ضل كثير بالإشراك، ولو كانت وحدانيته تعالى بضرورة العقل لما وقع ذلك من عاقل. قال البرماوي وغيره: وفي ذكر المناطقة هذا المثال نوع إساءة أدب قاله شيخ الإسلام. قوله: (إن استوى معناه في أفراده) لا يخفى أن الاستواء والتوافق والتفاوت من الصيغ التي إنما تسند إلى متعدد وهو في الحقيقة ثابت للأفراد في أنفسها، وأما ثبوته للمعنى فباعتبار وجوده في الأفراد فيصح الإسناد للمعنى بهذا الاعتبار كما فعل المصنف هنا. وفي قوله إن تفاوت معناه وأما الإسناد الحقيقي وهو الإسناد إلى الأفراد فقد أشار له الشارح بقوله لتوافق أفراد معناه. وقوله نظراً إلى اشتراك الأفراد في أصل المعنى. وبما قلناه يجاب عن اعتراض العلامة هنا لا بما أجاب به سم فراجعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 206
قوله:
(مشكك إن تفاوت)
قال ابن التلمساني : لا حقيقة للمشكك لأن ما به التفاوت إن دخل في التسمية فاللفظ مشترك وإلا فهو متواطىء. وأجاب عنه القرافي بأن كلاً من المتواطىء والمشكك موضوع للقدر المشترك، لكن التفاوت إن كان بأمور من جنس المسمى فالمشكك أو بأمور خارجة عن مسماه كالذكورة والأنوثة والعلم والجهل فالمتواطىء شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 206
قوله:
(فأحد اللفظين مثلاً مع الآخر متباين)
(1/429)
---(1/421)
استعمال مع في مثل ذلك شائع عرفاً وإن كان المشهور لغة استعماله بالواو لأن تفاعل موضوع لما يصدر من اثنين فأكثر يقال: تخاصم زيد وعمرو ولا يقال تخاصم زيد مع عمرو، وإنما ارتكبه الشارح لغرض تصحيح عبارة المصنف بقوله فمتباين، ولو عبر بالواو بدل مع بأن قال والآخر للزم أن يقال متباينان، والمصنف إنما نطق به مفرداً شيخ الإسلام. وكان الأقعد أن يقول: فأحد اللفظين متباين مع الآخر فيقيد بالظرف اسم الفاعل لا لفظ أحد كما لا يخفى. وقول المصنف فمتباين يريد به أعم من التباين كلياً أو في الجملة خلاف مصطلح المناطقة من قصره على الأول فيدخل تحته حينئذ العموم والخصوص المطلق والوجهي فتحته ثلاثة أقسام. وبقي عليه المتساويان. ويمكن دخولهما في المتباين بأن يراد بالمعنى في قوله: وإن تعدد اللفظ والمعنى المفهوم أو في المترادف أن أريد بالمعنى المذكور الماصدق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 206
قوله:
(وعكسه إن كان حقيقة فيهما فمشترك)
(1/430)
---(1/422)
يرد عليه شيئان: الأول الضمائر وأسماء الإشارة بناء على أنها موضوعة بالوضع العام لخصوصيات الأشخاص كما هو مختار السيد وغيره إذ يصدق عليه أنه اتحد اللفظ وتعدد المعنى، واللفظ حقيقة في الجميع مع أنها ليست من المشترك اللفظي لاتحاد الوضع فيها، ولا بد في الاشتراك اللفظي من تعدد الوضع كما صرح به السيد وغيره. ويمكن الجواب بأنه جار على المذهب الآخر في الضمائر وأسماء الإشارة من أنها موضوعة للمفهوم الكلي دون الخصوصيات فلم يتعدد المعنى، أو أنه أراد بالمشترك أعم من المشترك حقيقة أو حكماً فإن السيد قال: إن الموضوع بالوضع العام لخصوصيات الأشخاص وإن لم يكن مشتركاً اشتراكاً لفظياً في حكم المشترك اللفظي من حيث الاحتياج إلى قرينة تعين المراد به. والثاني المنقول فإنه لفظ واحد تعدد معناه وهو المنقول عنه وإليه وهو حقيقة فيهما مع أنه ليس بمشترك كما اقتضاه قول المصنف الآتي وهو أي المجاز والنقل خلاف الأصل وأولى من الاشتراك اهـ. فإن أولوية المنقول من المشترك تفيد أن المنقول ليس منه قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 207
قوله:
(لاشتراك المعنيين فيه)
نبه به على أن قول المصنف فمشترك أصله مشترك فيه حذف فيه تخفيفاً لكثرة الاستعمال أو لكونه صار لقباً. شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 207
قوله:
(ولم يقل أو مجازان)
أي لأنه إذا انتفى كونه حقيقة فيهما لا ينحصر في الحقيقة والمجاز بل يصدق بالمجازين أيضاً. قوله: (لأن هذا القسم) أي وهو كونهما مجازين من غير سبق حقيقة لم يثبت، وأما المجازان مع سبق الحقيقة فثابتان كما في قوله:
إذا نزل السماء بأرض قوم
رعيناه وإن كانوا غضابا
(1/431)
---(1/423)
فإن الغيث والنبات معنيان مجازيان للسماء مع كون السماء لها حقيقة وهو الجرم المخصوص، ويمكن دخول هذا القسم في قوله: وإلا فحقيقة ومجاز، فإن قوله ومجاز أي مثلاً بقرينة قوله قبل أي في المعنيين مثلاً، وحينئذ فيشمل المجازين، وأورد على قوله لأن هذا القسم لم يثبت وجوده عسى فإنها موضوعة للرجاء في الزمان الماضي ولم تستعمل فيه أصلاً فلا تكون حقيقة، بل استعملت في كلام الخلق للرجاء المجرد عن الزمان، وفي كلام الله للعلم المجرد، فهما معنيان مجازيان بدون معنى حقيقي قاله العلامة. وأجيب بأن وضع عسر للزمان غير معلوم. قال الصفوي: المفهوم من شرح المفصل أنه لم يثبت وضع عسى للزمان، لكنه لما وجد فيه خواص الفعل قدر ذلك فيه إدراجاً له في نظم أخواته. ومنه يعلم أن المراد الوضع التحقيقي أو التقديري وهي مسألة مهمة اهـ. ومعلوم أن الوضع التقديري لا يكفي في كون اللفظ مجازاً حيث لم يستعمل في هذا الموضوع له المقدر، ولو سلم ذلك فلا نسلم أنها في كلام الله للعلم لجواز أن تكون في كلام الله للرجاء باعتبار المخاطبين كما نص عليه سيبويه في لعل، ونصره الرضي قائلاً: إنما نصرنا مذهبه لأن الأصل في الكلمة أن لا تخرج عن معناها بالكلية فلعل منه تعالى حمل لنا على أن نرجو ونشفق اهـ. فلا يكون حينئذ في عسى مجازان بل مجاز واحد وهو الرجاء قاله سم. قلت: أما ما ادعاه من عدم وضع عسى للرجاء في الزمن الماضي فمردود بما ذكره عن الصفوي فهو شاهد عليه لا له كما هو واضح. وأما قوله: ومعلوم أن الوضع الخ فغير مجد عليه شيئاً. وأما جوابه الثاني فلا يخفى ما فيه فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 207
قوله:
(والعلم ما وضع لمعين)
(1/432)
---(1/424)
قد يقال: النكرة وضع لمعين أيضاً. فقوله خرج النكرة ممنوع. ويجاب بأن المراد وضع لمعين باعتبار تعينه فخرج النكرة فإنه وإن وضع لمعين إذ الواضع إنما يضع لمعين لكن لم يعتبر الواضع التعين قيداً في الوضع في النكرة. وأورد على حد العلم بما ذكر علم الغلبة فإن التعريف المذكور غير صادق عليه مع أنه من أقسام العلم، فلا يكون الحد جامعاً والمعرف بلام الحقيقة، فإن التعريف المذكور صادق عليه لأنه موضوع للحقيقة المعينة لا يتناول غيرها فلا يكون الحد مانعاً قاله العلامة. والجواب عن الأول أن المراد بالوضع في حد العلم الوضع حقيقة أو حكماً وإرادة مثل هذا التعميم، والتعويل عليه في التعاريف شائع والمسامحة بارتكاب مثله كثيرة الوقوع في كلامهم. قال الجامي في شرح الكافية: وقد حد ابن الحاجب العلم بنحو حد المصنف ما نصه: والأعلام الغالبة داخلة في التعريف لأن غلبة استعمال المستعملين بحيث اختص العلم بفرد معين بمنزلة الوضع من واضع معين فكأن هؤلاء المستعملين وضعوا له ذلك اهـ. أي فالمراد بالوضع في هذا الحد هو الوضع حقيقة أو تنزيلاً وحكماً. وعن الثاني بأن المعرف بلام الحقيقة كما يطلق على الحقيقة من حيث هي يطلق عليها في ضمن فرد معين، وفي ضمن فرد غير معين، وفي ضمن جميع الأفراد فهو خارج بقوله: لا يتناول غيره. قاله سم. قلت: وفي جوابه الثاني نظر لا يخفى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 208
قوله:
(فإن كلاً منها وضع لمعين الخ)
(1/433)
---(1/425)
اللفظ قد يكون كلياً وضعاً واستعمالاً كالإنسان لمفهومه، فإنه وضع ملاحظاً فيه القدر المشترك بين الأفراد واستعماله بإطلاقه على كل الأفراد تارة وعلى بعضها أخرى باعتبار اشتمالها على القدر المشترك، وهذا تقدم في قوله وإلا فكلي، وقد يكون جزئياً وضعاً واستعمالاً وهو العلم فإنه وضع لمعين فلا يتناول غيره، وقد يكون كلياً وضعاً جزئياً استعمالاً وهو بقية المعارف، ومعنى وضعه فيها كلياً أن الواضع تعقل أمراً مشتركاً بين الأفراد اشتراكاً معنوياً، ثم عين اللفظ لها ليطلق على كل منها على سبيل البدل إطلاقاً حقيقياً يعين معناه بالقرينة، فأنت مثلاً موضوع لكل مفرد مذكر مخاطب على سبيل البدل كما ذكره الشارح والقرينة المعينة فيه الخطاب، وهذا مثلاً موضوع لكل مفرد مذكر مشار إليه والقرينة المعينة فيه الإشارة الحسية. وتسمية هذا الوضع كلياً وإن كان الموضوع له الجزئيات كما علم باعتبار آلته المستحضر بها الجزئيات وهي الأمر الكلي المشترك بين الأفراد الذي تعقله الواضع عند إرادة الوضع للجزئيات. وأما كون اللفظ جزئياً وضعاً كلياً استعمالاً فغير متصور. وهذا أي كون الموضوع له فيما عدا العلم من المعارف الجزئيات المستحضرة بذلك الأمر الكلي هو مذهب العضد والسيد ومن تبعهما وجرى عليه الشارح. ومذهب السعد وغيره أن الموضوع له المفهوم الكلي لكن اشترط استعماله في الجزئي، فأنت مثلاً موضوع للفرد المذكر المخاطب أي لمفهومه الكلي، لكن شرط الواضع أن لا يستعمل إلا في جزئي، وكذا القول في الإشارة وبقية المعارف كما تقرر في محله مع ما أورد عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 208
قوله:
(وهو أي جزئي يستعمل فيه)
(1/434)
---(1/426)
قد يستشكل بالنسبة للمعرف بأل أو الإضافة من وجهين: أحدهما أنه لا يصدق على الحقيقة من حيث هي ولا على جميع الجزئيات في الاستغراق، إذ لا يصدق على الحقيقة أيّ جزئي إذ ليست من الجزئيات ولا على جميع الجزئيات أي جزئي لأن جملة الجزئيات ليست من الجزئيات مع أن كلاً الأمرين من معاني المعرف بأل أو الإضافة، على أن اللفظ في الثاني مستعمل في الحقيقة في ضمن جميع الجزئيات لا في الجزئيات كما حقق في محله وكما سنذكره قريباً. وقد يجاب بأن ما ذكر باعتبار الغالب فهو باعتبار المعرف بأل أو الإضافة بالنسبة لبعض معانيه وهو الفرد المعين. والثاني أنه لا يصدق على ما فيه أل للعهد الذهني باصطلاح أهل البيان لأن معناه الحقيقة في ضمن فرد ما، فإن أراد بالمعين بالنسبة إليه الحقيقة لم يصدق قوله وهو أي جزئي، أو الفرد لم يصدق قوله وضع لمعين إذ لم يعتبر تعيين الفرد، ويمكن أن يجاب بما تقدم أيضاً وبأنه لم يعتبر هذا القسم لأنه في المعنى كالنكرة كما صرح به البيانيون قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 209
قوله:
(فأنت مثلاً وضع الخ)
(1/435)
---(1/427)
هذا قد يخالفه قوله الآتي واستعمال علم الجنس أو اسمه معرفاً أو منكراً في الفرد المعين أو المبهم من حيث اشتماله على الماهية حقيقي بالنسبة لاسم الجنس المعرف لأن قضية الوضع لأي جزئي يستعمل فيه أن يكون استعماله في الجزئي من حيث نفسه حقيقة لا مجازاً كما اقتضاه مفهوم قوله من حيث اشتماله على الماهية فليتأمل سم. قوله: (فإن كان التعين في المعين خارجياً الخ) بين به علمي الشخص والجنس وسكت عن بقية المعارف وهي تشاركهما في التعين وتفارقهما في أن التعيين فيهما بالوضع وفيها بالقرينة كما مرت الإشارة إليه، ففي المضمرات بقرينة التكلم أو الخطاب أو الغيبة، وفي اسم الإشارة بالإشارة إليه، وفي المعرف بأل بانضمامها إليه، وفي المضاف بإضافته إلى المعرف، وفي الموصول بالصلة أو بأل ظاهرة أو مقدرة كما قيل، وفي المنادى بالقصد والإقبال شيخ الإسلام. قوله: (فلا يخرج العلم العارض الاشتراك) أي لأنه معين من حيث الوضع لا يتناول غيره من تلك الحيثية فلا حاجة إلى أن يزاد في التعريف المذكور بوضع واحد لأن الواضع لما وضعه لشيء بعينه في جميع أوضاعه لم يضعه للآخر أصلاً فهو غير متناول له أصلاً من حيث الوضع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 209
قوله:
(ملاحظ الوجود)
(1/436)
---(1/428)
الأوضح أن لو قال: ملاحظ التعين فيه لأن الوجود في الذهن مشترك بينه وبين سائر الصور الذهنية فلا يتعين به عن سائرها بل إنما يتعين بالمشخصات الذهنية كما أوضح ذلك العلامة ولا حاجة إلى ما تعسفه سم هنا. قوله: (كأسامة علم للسبع) أي لماهيته الحاضرة في الذهن، انظر هل الحضور المذكور وهو ملاحظة التعين في الذهن يعتبر شرطاً في علم الجنس أو شطراً؟ الذي يفهم من كلامهم الأول. قوله: (من غير أن تعين) قال العلامة: الصواب أن يقول من غير أن يلاحظ تعينها في الذهن إذ تعينها في الذهن لا ينفك عنها إذا وجدت ووجودها في الخارج ممتنع اهـ. وقد أطال سم هنا في رد كلام العلامة بما لا طائل تحته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 209
قوله:
(واستعماله في ذلك الخ)
توطئة للدليل على الفرق الذي يذكره بعده. قوله: (كأن يقال أسد أجرأ من ثعالة) المسوغ لوقوع أسد مبتدأ قصد الحقيقة. قوله: (لعلم الشخص) متعلق بالأحكام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 210
قوله:
(ومثله في التعين الخ)
(1/437)
---(1/429)
حاصل الكلام في لام التعريف على ما قاله التفتازاني وغيره أنها إذا دخلت على الاسم فإما أن يشار بها إلى حصة من مسماه معينة بين المتكلم والمخاطب وهي لام العهد الخارجي كما في قوله تعالى: {وليس الذكر كالأنثى} (آل عمران: 36) ونظير مدخولها علم الشخص كزيد. وإما أن يشار بها إلى نفس مسماه وهي لام الجنس، فإن قصد المسمى من حيث هو من غير اعتبار الأفراد كقولنا: الإنسان حيوان ناطق، والرجل خير من المرأة سميت لام الحقيقة والطبيعة، ونظير مدخولها علم الجنس كأسامة وإن قصد من حيث الوجود في ضمن الأفراد، فإن وجدت قرينة البعضية كما هو في قولنا: ادخل السوق واشتر اللحم. وفي التنزيل: {وأخاف أن يأكله الذئب} (يوسف: 13) سميت لام العهد الذهني، ونظيره النكرة في الإثبات بالنظر إلى القرينة لا بالنظر إلى مدلول اللفظ لأن الحضور الذهني معتبر في المعرف دون النكرة وإن كان حاصلاً إذ لا يلزم من حصول الشيء اعتباره، وإن لم توجد قرينة البعضية، ففي المقام الخطابي يحمل على الاستغراق لئلا يلزم ترجيح أحد المتساويين بلا مرجح، ونظيره كل مضافاً إلى النكرة، وفي المقام الاستدلالي على الأقل لأنه المتيقن اهـ. وزاد بعضهم لام الحضور نحو {اليوم أكملت لكم دينكم} (المائدة: 3) وجاءني هذا الرجل. ونظير مدخولها اسم الإشارة شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 210
قوله:
(كما أن مثل النكرة)
أي بمعنى الدال على بعض غير معين بدليل تفسير نظيرها وهو المعرف بلام الجنس بذلك. والفرق بينهما حينئذ ما أشار له السعد أن النكرة تفيد أن مسماها بعض من جملة الحقيقة نحو أدخل سوقاً، بخلاف المعرف نحو ادخل السوق فإن المراد به نفس الحقيقة، والبعضية مستفادة من القرينة كالدخول فهو كعام مخصوص بالقرينة، فالمجرد وذو اللام حينئذ بالنظر إلى القرينة سواء. وبالنظر إلى أنفسهما مختلفان وقد مرت الإشارة لذلك.
(1/438)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 210
قوله:(1/430)
(واستعمال علم الجنس الخ)
قال العلامة: فيه بحث وهو أن التعيين الذهني معتبر في وضع علم الجنس والمعرف بلام الحقيقة ولم يوجد مع الفرد فكيف يكون فيه حقيقة اهـ؟ وأجيب بأن المراد إطلاقه على الفرد من حيث اشتماله على الحقيقة بشرطها كما تفيده عبارة الشارح، ولا يخفى أن هذا هو الإطلاق على الحقيقة بشرطها في ضمن الفرد المعين أو المبهم فلا إشكال وهذا في غاية الوضوح اهـ سم. قلت: الذي في غاية الوضوح خلاف ما قاله ولذا قال بعضهم: الوجه أن إطلاق علم الجنس واسم الجنس المعرف على الفرد مجاز لا حقيقة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 210
قوله:
(معرفاً أو منكرا)
حالان من اسم الجنس. قوله: (نحو هذا أسامة الخ) أمثلة للفرد المعين بقرينة الإشارة. وقوله: أو إن رأيت الخ أمثلة للفرد المبهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 211
قوله:
(وقيل إن اسم الجنس الخ)
مقابل لقول المصنف: وإن وضع للماهية من حيث هي فاسم الجنس وأشار بذلك إلى أن الراجح ما قاله المصنف. قوله: (وإن من زعم دلالته الخ) هذا هو محل الأخذ المذكور وإنما أتى بما قبله للإشارة إلى اتحاد اسم الجنس والمطلق المفرع عليه قوله فالمعبر عنه الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 211
قوله:
(نظراً إلى المقابل في الموضعين)
(1/439)
---
أي لأن اسم الجنس ذكر هنا في مقابلة علم الجنس وهناك في مقابلة المقيد. قوله: (كالمأخوذ مما تقدم صدر المبحث) يعني قوله في تعريف العلم ما وضع لمعين، فإن منطوقه يدل على أن المعرفة ما وضع لمعين ماهية كان أو فرداً، ومفهومه يدل على أن النكرة ما وضع لغير معين كذلك أي ماهية كان أو فرداً، وقد علمت أن المأخوذ مما تقدم أعم مما يؤخذ من الآتي إذ المأخوذ من الآتي إطلاق المعرفة على الفرد المعين والنكرة على الفرد الغير المعين، والمأخوذ مما تقدم إطلاق المعرفة على المعين فرداً أو ماهية، والنكرة على غير المعين فرداً أو ماهية.(1/431)
تنبيه: كل اسم جنس يصح اعتباره نكرة كالعكس، فأسد ورجل مثلاً إن اعتبرتهما دالين على الماهية من حيث هي فاسما جنس، وإن اعتبرتهما دالين على الفرد الشائع فنكرتان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 211
قوله:
(من حيث قيامه بالفاعل)
يعني أن الاشتقاق فعل يتصف به الفاعل على جهة قيامه به والمفعول على جهة وقوعه عليه. وقوله في التعريف رد لفظ إلى آخر يحتمل أنه مصدر المبني للفاعل وأنه مصدر المبني للمفعول، فهو على الأول تعريف له من حيث قيامه بالفاعل. وعلى الثاني تعريف له من حيث وقوعه على المفعول أي اللفظ المردود. ولما كان الاحتمال الأول أظهر من الثاني جزم الشارح به. واعلم أن الاشتقاق تارة يعتبر من حيث العلم به وتارة يعتبر من حيث فعله، فمن لاحظ الاعتبار الأول قال في تعريفه كما حده به الميداني أن تجد بين اللفظين تناسباً في المعنى والتركيب فترد أحدهما إلى الآخر، ومن لاحظ الثاني قال في تعريفه هو اقتطاع لفظ من آخر موافق له فيما ذكر. ولما كان تعريف المصنف كما قال بعض المحققين يقتضي وجود اللفظين المردود منه وإليه قبل وجود الرد لم يكن تعريفاً له باعتبار الفعل بل باعتبار العلم، كما أشار إلى ذلك الشارح بتفسير الرد بالحكم به الذي هو إدراك أن النسبة واقعة أولاً كما مر أنه الحق.
(1/440)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 211
قوله:
(أي فرع عنه)(1/432)
قال العلامة: هذا التفسير يفسد الحد لصدقه حينئذ على المنسوب والمصغر والجمع والتثنية، ولو فسره بظاهره أي مقتطع لم يصدق على شيء من ذلك، على أن ذكره الأصل والفرع في الحد يفسده لتوقف العلم بهما على الاشتقاق فيلزم الدور صرح به التفتازاني اهـ. أما اعتراضه الأول فجوابه أن يقال: إن صحة الاعتراض به تتوقف على ثبوت الاتفاق، على أن المنسوب وما معه ليس من أفراد المحدود أو ثبوت أن الأصح عند المصنف والشارح ذلك، والاعتراض بمجرد الاحتمال لا يصح، والاخلاف في أن المنسوب وما معه هل هو من أفراد المشتق أو لا موجود بل الأكثر على أنه منه، وممن صرح بذلك الإمام فخر الدين الرازي حيث قال في محصوله استدلالاً على أنه لا يشترط في المشتق منه قيامه بمن له الاشتقاق ما نصه: ولأن لفظ اللابن والتامر والحداد والمكي والمدني مشتقة من أمور يمتنع قيامها بمن له الاشتقاق اهـ. وأقره على جعل هذه الأمور من المشتقات شراح كتابه كالأصفهاني والقرافي، ثم على الكلام على الفرق بين الحقيقة والمجاز عد من علامات المجاز نقلاً عن الغزالي امتناع الاشتقاق ثم نقضه بقولهم للبليد حمار وللجمع حمر اهـ. ففيه نص على اشتقاق الجمع من المفرد وإلا لما صح النقض به كما لا يخفى، ولما عرف الصفي الهندي الاشتقاق في قوله قيل هو ما غير من أسماء المعاني عن شكله بزيادة أو نقصان من الحروف أو الحركات أو منهما وجعل دالاً على ذلك المعنى أو على موضوع له غير معين قال: وهو غير جامع فإن التثنية والجمع من أسماء الأعيان كقولك: رجلان ورجال مشتقان من المفرد مع أنه ليس اسم المعنى اهـ. وممن صرح بأن المثنى والجمع ليسا من المشتق القرافي في شرح المحصول حيث قال: التثنية والجمع فيهما قيود الحد أي الذي ذكره الإمام عن الميداني للاشتقاق وليسا منه. قال أيضاً ما نصه: هذا إنما يتجه إذا كان الجمع مشتقاً من
(1/441)
---(1/433)
المفرد حتى يكون حمر مشتقاً من حمار وهو مجاز فيكون للاشتقاق دخل في المجاز، وهذا لم يقل به أحد فيما علمت بل قالوا الحمار مشتق من الحمرة لأنها الغالب على حمر الوحش، ولكن حد الميداني الذي قدمه أول الكتاب يقتضيه في قوله أن تجد بين اللفظين تناسباً في المعنى والتركيب فيكون أحدهما مشتقاً من الآخر اهـ. فقد علمت أن ما اعترض به قد اختلف في عده من المشتق وعدم عده، والاعتراض إنما يكون بما اتفق على أنه ليس من المشتق لأن مادة النقض لا بد أن تكون معلومة كما تقرر. وأما اعتراضه الثاني فجوابه أن هذا التعريف لفظي لما تقرر أن تعاريف الأمور الاصطلاحية إنما هي لفظية قاله سم باختصار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 211
(1/442)
---(1/434)
قوله: (بأن يكون معنى الثاني في الأول) فيه أنه قد يشكل ذلك باشتقاق المصدر المزيد من المجرد كمقتل من قتل إذ لا يصدق بالنسبة إليه أن معنى الثاني في الأول بل معنى الثاني هو معنى الأول. وقد يجاب بأن المراد بكون معنى الثاني في الأول كون معنى الثاني مدلولاً للأول، وهذا صادق بكونه مدلولاً له وحده أو مع غيره بأن يكون بعض مدلوله لا يقال: ينبغي أن يزيد معنى المشتق وإلا فلا فائدة في اشتقاقه. لأنا نقول: قد تكون الفائدة التوسعة في العبارات والمبالغة في المعنى من قولهم زيادة البناه تدل على زيادة المعنى. بقي أن يقال أنه يشكل أيضاً مع قول المصنف الآتي وقد يطرد كاسم الفاعل وقد يختص كالقارورة فإنه لا يصدق على القسم الثاني وهو المختص أن معنى المشتق منه وجد فيه لأنه غير داخل في مفهومه كما سيأتي بيانه. ويجاب إما بأن قوله بان بمعنى كاف التمثيل على عادته كثيراً، وإما بأن معنى كون الثاني في الأول أعم من أن يكون فيه على وجه الجزئية لمعناه، أو على معنى كونه مرجحاً لوضعه له، فالمراد بكون معنى الثاني في الأول تعلق معنى الثاني بالأول الصادق بكونه على وجه الجزئية من معناه، أو وجه اعتباره قيداً في معناه وحينئذ فيشمل نحو المنسوب كالمدني والمكي بناء على شمول المشتق لذلك قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 211
قوله:
(وبمعنى الدلالة مجازاً الخ)
أي مرسلاً من إطلاق الملزوم وهو النطق على لازمه وهو الدلالة أو على وجه الاستعارة التصريحية التبعية بأن شبهت دلالة الحال بالنطق في إيصال المعنى إلى الذهن، واستعير النطق للدلالة ثم اشتق من النطق ناطقة واستعيرت لدالة المشتق من الدلالة بتبعية استعارة النطق للدلالة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 213
قوله:
(كما سيأتي)
(1/443)
---(1/435)
أي في قول المصنف أ م ر حقيقة في القول المخصوص مجاز في الفعل أي حقيقة في الصيغة المخصوصة مجاز في الفعل كقوله تعالى: {وشاورهم في الأمر} (آل عمران: 159) أي الفعل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 213
قوله:
(بمعنى القول حقيقة)
قوله حقيقة حال لازمة من الضمير في قوله بخلافه الراجع للأمر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 213
قوله:
(ولا يلزم من قول الغزالي وغيره الخ)
حاصل ما أشار إليه أن الغزالي وغيره قالوا إن عدم الاشتقاق من اللفظ من علامات كونه مجازاً، ففهم المصنف من كلامهم هذا أنهم مانعون الاشتقاق من المجاز وإن الاشتقاق خاص بالحقيقة كما صرح بذلك في غير هذا الكتاب، وأشار إلى رد ذلك هنا بقوله: ولو مجازاً، ووجه فهمه ما ذكر من كلام الغزالي ومن معه توهمه أن العلامة يلزم انعكاسها كاطرادها، واطرادها هو قولنا كلما وجد عدم الاشتقاق وجد المجاز، وانعكاسها هو قولنا كلما وجد المجاز وجد عدم الاشتقاق، فيلزم حينئذ اختصاص الاشتقاق بالحقيقة، وهذا الذي توهمه مندفع بأن العلامة لا يلزم انعكاسها، فلا يلزم من وجود المجاز وجود عدم الاشتقاق بل يوجد المجاز مع الاشتقاق، وحينئذ فلا يلزم اختصاص الاشتقاق بالحقيقة كما فهم المصنف، فقول الشارح: فلا يلزم من وجود الاشتقاق الخ تفريع على نفي لزوم الانعكاس، ولا خفاء في أن ما ذكره لازم له إذ يلزم من عدم استلزام المجاز عدم الاشتقاق عدم استلزام الاشتقاق الحقيقة لا تفسير لعدم لزوم الانعكاس، وإلا لقال: فلا يلزم من وجود المجاز وجود عدم الاشتقاق، وإنما آثر التعبير بهذا اللازم للتصريح برد ما قاله المصنف وصرح به في غير هذا الكتاب. وبما قررنا يعلم أن الشارح جار في تفسير الانعكاس على ما اختاره فيما تقدم في قول المصنف، ويقال المطرد المنعكس من أن الانعكاس في الحد هو كلما وجد المحدود وجد الحد الذي هو عكس الاطراد وهو كلما وجد الحد وجد المحدود،
(1/444)
---(1/436)
وعلى قياسه هنا يقال الاطراد هو كلما وجدت العلامة وجد المعلم، والانعكاس هو كلما وجد المعلم وجدت العلامة كما أشرنا إليه، وليس جارياً على تفسير الانعكاس بما قاله ابن الحاجب من أنه التلازم في الانتفاء، كما أن الاطراد التلازم في الثبوت، وعلى قياسه هنا الاطراد كلما وجد عدم الاشتقاق وجد المجاز والانعكاس كلما انتفى عدم الاشتقاق انتفى المجاز، وانتفاء عدم الاشتقاق هو ثبوت الاشتقاق لأن نفي النفي إثبات كما ادعاه العلامة قائلاً: لو أراد تفسير الانعكاس على وفق ما مر له لقال: فلا يلزم من وجود المجاز وجود عدم الاشتقاق اهـ. وقد علمت أنه مبني على أن قوله: فلا يلزم الخ تفسير لنفي الانعكاس وليس كذلك بل هو مفرع عليه بذكر لازمه لما بيناه فلا تغفل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 213
قوله:
(كما في الثلم وثلب)
هو الخلل والنقص.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 214
قوله:
(ويقال أيضاً الخ)
أي فالعبارات ثلاثة: صغير وكبير وأكبر وأصغر وصغير وكبير وأصغر وأوسط وأكبر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 214
قوله:
(وقسمه في المنهاج خمسة عشر قسما)
(1/445)
---(1/437)
أردفها بأمثلة في بعضها نظر، فلنوردها بأمثلة مستقيمة تكميلاً للفائدة فنقول: التغيير لفظاً إما بزيادة حرف أو حركة، أو هما نقصان حرف أو حركة، أو هما زيادة حرف ونقصانه، أو زيادة حركة ونقصانها، أو زيادة حرف ونقصان حركة، أو زيادة حركة ونقصان حرف، أو زيادة حرف مع زيادة حركة ونقصانها أو نقص حركة مع زيادة حرف ونقصانه أو نقصان حرف مع زيادة حركة ونقصانها أو زيادة حركة مع زيادة حرف ونقصانه، وإما بزيادة حرف وحركة معاً مع نقصان حرف وحركة معاً. أمثلتها: أما الستة الأولى فنحو: كاذب من كذب، نصر من نصر، ضارب من ضرب، ذهب من ذهاب. ومثل الخامس في المنهاج على مذهب الكوفيين أن المصدر مشتق من الفعل يضرب من ضرب، ومثله غيره على مذهب البصريين وهو الأظهر بسفر جمع سافر اسم فاعل من سفر. والسادس سر من سير، لكن مع اعتبار حركة الإعراب وقد يمثل بصب اسم فاعل من الصبابة. وأما الأربعة التي بعدها فنحو: مدحرج من دحراج حذر وصف من حذر عاد اسم فاعل من عدد رجع من رجعي. وأما الأربعة التي بعدها فنحو: اضرب من ضرب خاف من خوف عد فعل أمر من وعد كال اسم فاعل من كلال. ومثال الخامس عشر: ارم من رمى وتقريرها واضح بعد أن يعلم أن حركات الإعراب لا أثر لها ولا حركات البناء. وما في بعض الأمثلة السابقة من بنائه على اعتبار حركات الإعراب والبناء فإنما ارتكب للضرورة اهـ كمال.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 214
قوله:
(كان أنسب)
قال العلامة: أي بقولهم تحقيقاً أو تقديراً إذ المحقق والمقدر الأثر لا التأثير اهـ. وقال الكمال: كأنه يريد أنه أنسب بتعريف الاشتقاق، فإن حاصل تعريفه إنه الحكم بأن لفظاً مأخوذ من لفظ للتناسب في المعنى، والحروف الأصلية والحاكم لا يقع منه تغيير للفظ، ولكنه يدرك تغيير اللفظ الأول عما كان عليه اهـ. وما قالاه واضح خلافاً لما تكلفه سم في جعل ما سلكه المصنف هو المناسب فراجعه.
(1/446)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 214
قوله:(1/438)
(وقد يطرد المشتق الخ)
المشتق إن اعتبر في مسماه معنى المشتق منه على أن يكون داخلاً فيه بحيث يكون المشتق اسماً لذات مبهمة انتسب إليها ذلك المعنى، فهو مطرد لغة كضارب ومضروب وإن اعتبر فيه ذلك لا على أنه داخل فيه، بل على أنه مصحح للتسمية مرجح لتعيين الاسم من بين الأسماء بحيث يكون ذلك الاسم اسماً لذات مخصوصة يوجد فيها ذلك المعنى فهو مختص لا يطرد في غيرها مما وجد فيه ذلك المعنى كالقارورة لا تطلق على غير الزجاجة مما هو مقر للمائع، وكالدبر أن لا يطلق على شيء مما فيه دبور غير الكواكب الخمسة التي في الثور وهي منزلة من منازل القمر شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 214
قوله:
(ومن لم يقم به وصف الخ)
احترز بالوصف من الاشتقاق من الأعيان، فلا يجب في الاشتقاق منها ما في تامر وحداد ومكي ومدني على ما تقدم. قال السيد في قول الإمام: وهل يشترط قيام الصفة المشتق منها بما له الاشتقاق؟ وكأنه اعتبر الصفة احترازاً عن مثل لابن وتامر مما اشتق من الذوات فإن المشتق منه ليس قائماً بما له الاشتقاق اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 215
قوله:
(حيث نفوا الخ)
أشار به إلى أن ما نقل عن المعتزلة من تجويزهم ما ذكر لم يصرحوا به وإنما أخذ من نفيهم عن الله تعالى صفاته الذاتية المجموعة في قول بعضهم:
حياة وعلم قدرة وإراد
كلام وأبصار وسمع مع البقا
مع موافقتهم على أنه تعالى عالم قادر إلى آخر ما قاله، فما نقل عنهم من ذلك لازم لمذهبهم، ولازم المذهب ليس بمذهب على الصحيح شيخ الإسلام.
(1/447)
---(1/439)
قوله: (لكن قالوا بذاته) تورك على المصنف لاقتضائه أنهم أطلقوا الاسم مع انتفاء قيام الوصف المشتق من لفظه مع أنهم لم يخالفوا في أن من لم يقم به وصف لم يجز أن يشتق له منه اسم لأنهم ما أطلقوا الاسم إلا بعد أثباتهم الصفة على ما سيذكره الشارح بقوله: ففي الحقيقة لم يخالفوا فيما هنا أي وهو أن من لم يقم به وصف لم يشتق له منه اسم. وحاصله أن الاشتقاق عندهم في الكلام باعتبار إطلاق الكلام على خلقه مجازاً وخلقه وصف ثابت له تعالى، فمعنى الكلام في حقه تعالى خلقه إياه وهذه الصفة ثابتة له تعالى، وباعتبارها وقع الاشتقاق غايته أن الاشتقاق وقع من صفة مجازية قائم معناها به تعالى حقيقة بناء على جواز الاشتقاق من المجاز كما هو الصحيح عند المصنف وغيره. وأما بقية الصفات فهم قائلون بثبوت قيام معانيها به تعالى لنفيهم أضدادها عنه، وإنما يخالفونا في قولهم بثبوت ذلك له بذاته لا بصفة زائدة عليها بمعنى أن وجود ذاته تعالى كاف في انكشاف جميع المعلومات والتأثير في جميع المقدورات وتخصيص جميع المرادات وهكذا، لا بمعنى إثبات الصفات وجعلها عين الذات فإنه محال بداهة فلم يشتقوا الاسم إلا لمن قام به معنى المشتق منه، هذا إيضاح ما أشار له الشارح بقوله: ففي الحقيقة لم يخالفوا الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 215
قوله:
(ويزعمون أنها نفس الذات الخ)
(1/448)
---(1/440)
أي بمعنى أن الذات من حيث انكشاف المعلومات بها علم وهكذا، والصفات ليست عندهم من قبيل المعاني بل هي نفس الذات بالاعتبارات المخصوصة. قال التفتازاني في شرح العقائد: زعموا أي المعتزلة والفلاسفة أن صفاته عين ذاته بمعنى أن ذاته تسمى باعتبار التعلق بالمعلومات عالماً وبالمقدورات قادراً إلى غير ذلك قال: ويلزمكم أي معاشر الفلاسفة والمعتزلة كون العلم مثلاً قدرة وحياة وعالماً وحياً وقادراً وصانعاً للعالم ومعبوداً للخلق، وكون الواجب غير قائم بذاته إلى غير ذلك من المحالات اهـ. وقوله تسمى باعتبار التعلق بالمعلومات عالماً لو قال علماً الخ كان أولى. ثم رد قوله: ويلزمكم كون العلم مثلاً قدرة الخ بأنهم إنما يلزمهم ذلك لو أرادوا أن مفهوم الذات وكل من الصفات واحد لأنه المحال وهم لا يقولون به، وإنما يقولون إن الذات يترتب عليها ما يترتب على الصفات وليس ذلك محالاً وإن كان ظاهر النقليات يخالفه. ورد قوله: وكون الواجب غير قائم بذاته أي لأنهم جعلوه نفس العلم والقدرة وغيرهما وهذه غير قائمة بذاتها بأنهم إنما يلزمهم ذلك لو قالوا بمغايرة العلم للذات وهم لا يقولون بها كما عرف مما مر سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 215
قوله:
(ككونه عالماً الخ)
بيان للثمرات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 216
قوله:
(على أن تعدد القدماء الخ)
متعلق بمحذوف أي وترد عليهم بناء على أن الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 216
قوله:
(لا في ذات وصفات)
(1/449)
---
أي لأن الذات مع الصفة شيء واحد، وإنما المحذور تعدد ذوات قديمة كما لزم ذلك النصارى في إثباتهم الأقانيم الثلاثة المسماة عندهم بالأب والابن وروح القدس، وزعموا أن أقنوم العلم انتقل إلى بدن عيسى فجوّزوا الانتقال عليها وهو من خواص الذوات. وبهذا يندفع قول المعتزلة: إن النصارى كفوا بإثبات ثلاثة فكيف بإثبات تسعة أي وهي الذات مع الصفات الثمانية المتقدمة؟
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 216
قوله:
(أني أذبحك)(1/441)
أي أمرت بذبحك بدليل افعل ما تؤمر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 216
قوله:
(واختلافهم الخ)
عطف على اتفاقهم فهو من مدخول البناء. ومعنى كلام المصنف أن اتفاقهم على أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذابح مع اختلافهم في أن إسماعيل مذبوح المتضمن ذلك للقول بأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذابح مع القول بأن إسماعيل عليه الصلاة والسلام غير مذبوح مبني على الأصل المذكور لأنه قد اشتق لإبراهيم عليه الصلاة والسلام على القول بأن إسماعيل عليه الصلاة والسلام غير مذبوح وصف الذابح مع أنه لم يقم به معنى المشتق منه وهو الذبح كما أشار لذلك الشارح بقوله: فالقائل بهذا أي بكونه لم يقطع منه شيء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 216
قوله:
(لكن بمعنى أنه الخ)
أي لكن الذابح بمعنى أنه ممرّ آلة الذبح على محله، فالاشتقاق باعتبار إطلاق الذبح على الأمرار مجازاً، فلم يخالف القاعدة غايته أن الاشتقاق من صفة مجازية نظير ما مر في إطلاق الكلام على خلقه لا بمعنى القطع كما توهم المصنف، فجعل ذلك من تجويزهم الاشتقاق لمن لم يقم به معنى المشتق منه، وإلى هذا أشار الشارح بقوله: فما خالف في الحقيقة أي لأنه لم يشتق إلا من صفة قائمة بالمشتق.
(1/450)
---(1/442)
قوله: (وما هنا أنس الخ) قضيته أن ما في شرح المختصر فيه مناسبة للمقصود وليس كذلك، إذ ما في شرح المختصر ليس مخالفاً لقاعدة من لم يقم به وصف لم يجز أن يشتق له منه اسم. أما اتفاقهم على أن إسماعيل غير مذبوح فلأنه قد نفى عنه معنى المشتق لأن الوصف لم يقم به، وأما اختلافهم في أن إبراهيم ذابح فلأن من قال إنه قطع أطلق عليه الذابح لكونه قام به معنى الذبح حقيقة أى القطع. ومن قال لم يقطع نفى عنه معنى المشتق لكونه لم يقم به الوصف وهو الذبح، فحينئذ كان الظاهر التعبير بالمناسب المفيد حصر المناسبة فيما عبر به هنا، فلعل المناسبة بين ما هنا وما في شرح المختصر من حيث أن مؤداهما واحد من حيث أنه هل وجد قطع والتئام دون إزهاق روح أو لم يوجد قطع أصلاً. وأما الإمرار فمتفق عليه عندهم كما لشيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 216
قوله:
(وعندنا لم يمر الخليل الخ)
أي فعندنا ليس إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذابحاً ولا إسماعيل عليه الصلاة والسلام مذبوحاً لا بمعنى القطع ولا بمعنى إمرار الآلة. وعندهم إبراهيم ذابح اتفاقاً بمعنى ممرّ الآلة لا حقيقة بمعنى إزهاق الروح بالقطع، وإسماعيل مذبوح على اختلاف بينهم بمعنى القطع لا بمعنى الإزهاق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 217
قوله:
(لقوله تعالى: وفديناه بذبح عظيم)
(1/451)
---(1/443)
قال العلامة: قد يقال فديناه أي من الذبح يدل على أن الفداء قبل الذبح أي القطع، وقبل الذبح أعم من قبل التمكن لثبوته بعد التمكن بإمرار الآلة اهـ. ويمكن الجواب بأن المتبادر من المعنى وسياق الآية أن هذا قبل الشروع مطلقاً، ثم رأيت الشارح في شرح قول المصنف في مبحث النسخ والنسخ قبل التمكن تعرض لدفع ما أبداه الشيخ فقال: واحتمال أن يكون النسخ فيه بعد التمكن خلاف الظاهر من حال الأنبياء في امتثال الأمر من مبادرتهم إلى فعل المأمور به وإن كان موسعاً اهـ. قاله سم. قوله: (وجب الاشتقاق) أي ثبت وكان حق المقابلة جاز. وقوله: وجب الاشتقاق أي ما لم يمنع منه، فلا يطلق على الله تعالى فاضل وإن كان الفضل له تعالى لعدم وروده. قوله: (أو قام بالشيء) أي كالمسك مثلاً. قوله: (وعدل عن نفي الجواز الخ) جواب عما يقال: المناسب للتعليل بالاستحالة نفي الجواز لا نفي الوجوب المشعر بالجواز. وحاصل الجواب أن نفي الوجوب يصدق بنفي الجواز فيحصل به المطلوب مع المحافظة على مقابلة الوجوب بعدمه. لا يقال: نفي الوجوب وإن صدق بنفي الجواز الذي هو المراد يوهم الجواز وهو نقيض المراد فلا وجه لرعاية المقابلة مع إيهام نقيض المراد. لأنا نقول: الاستحالة قرينة واضحة على دفع ذلك الإيهام فلا اعتبار به، ولهذا جعلوا الاستحالة من قرائن المجاز، ولم يقل أحد بأن اللفظ معها يوهم الحقيقة وبهذا يسقط اعتراض الكمال على الشارح توجيهه العدل بما ذكر سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 217
قوله:
(والجمهور على اشتراط بقاء الخ)
(1/452)
---(1/444)
اعلم أن موضع هذه الأقوال في المشتق بعد انقضاء المعنى، أما المشتق عند وجود المعنى المشتق منه كالضارب لمباشر الضرب فحقيقة اتفاقاً، وقيل وجوده كالضارب لمن لم يضرب وسيضرب فمجاز اتفاقاً. قوله: (وإلا فآخر جزء منه) أي وإن لم يمكن بقاء المعنى، فوجود آخر جزء منه وإن كان ظاهر العبارة وإلا فبقاء آخر جزء منه، لأن البقاء الذي هو استمرار الوجود غير متأت في الجزء كما سيقول الشارح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 217
قوله:
(يكون المشتق المطلق عليه مجازا)
أي وعلاقته اعتبار ما كان لأنه لا بد من وجود المعنى أو لا. قوله: (كالمطلق قبل وجود المعنى الخ) تنظير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 217
قوله:
(عن الاشتراط)
أي كما يقول الجمهور. وقوله وعدمه أي كما يقول صاحب القول الثاني. قوله: (لتعارض دليليهما) أي وهو القياس في الأول كما أشار إليه بقوله كالمطلق قبل وجود المعنى، والاستصحاب في الثاني المشار بقوله: استصحاباً للأصل.
(1/453)
---(1/445)
قوله: (لتتأتى له حكاية مقابله) أي مع عدم إيهام خلاف المقصود من أنه لا يشترط أصل الوجود وليس كذلك. وإيضاح ذلك أنه لو عبر بالوجود لكانت حكايته هكذا وقيل لا يشترط وجود المعنى والمفهوم منه عدم اشتراط وجوده مطلقاً حتى فيما مضى وليس كذلك لأن الشرط على هذا القول وجوده فيما مضى وإن كان الإطلاق بعد انقضائه لا باعتبار وجوده فيما مضى وإلا كان مجازاً، والفرض أنه حقيقي استصحاباً للأصل. فإن قيل: حكاية المقابل لا تتوقف على التعبير بالبقاء إذ المعنى لو عبر بقوله: وقيل لا يشترط وجود المعنى أنه لا يشترط وجود المعنى حال الإطلاق بل يكفي تقدمه عليه وهذا صحيح مطابق للمراد. قلنا: المتبادر من نفي الوجود نفي وجوده مطلقاً لا نفي وجوده حال الإطلاق، ولو سلم فهو صادق بنفي وجوده مطلقاً ففي التعبير به إيهام قوي لخلاف المقصود مع عدم التنبيه فيه على المقصود قاله سم. قلت: توهم نفي الوجود مطلقاً أي حتى فيما مضى مع فرض الكلام في الإطلاق بعد الانقضاء بعيد جداً، فحكاية القول الثاني لا تتوقف على التعبير بالبقاء. وأورد على قوله لتتأتى له حكاية مقابله الخ أن هذه الفائدة معارضة بإيهام التعبير بالبقاء اشتراطه حقيقة عند الجمهور. ويمكن أن يجاب بأن انصراف البقاء في قوله: وإلا فآخر جزء منه إلى مجرد الوجود لاستحالة اتصافه بالبقاء وإلا لم يكن آخر جزء قرينة على انصراف البقاء فيما قبله إلى ذلك أيضاً، وقد ينظر في هذا بأنه ينافي التوجيه للتعبير بالبقاء، إذ حاصل هذا أن المراد بالبقاء مجرد الوجود وهذا لا يناسب القول المقابل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 217
قوله:
(وإنما اعتبر في القسم الثاني آخر جزء الخ)
(1/454)
---(1/446)
قال العلامة: مقتضى كلام العضد وغيره أن المعتبر في هذا القسم التلبس بأجزاء منه متصلة قال فيه: والتحقيق أن المعتبر المباشرة العرفية كما يقال: يكتب القرآن ويمشي من مكة إلى المدينة إلى آخر ما ذكره، والمراد بالاتصال أن لا يتخللها فصل يعدّ عرفاً تركاً لذلك الأمر وإعراضاً عنه، فالمتكلم مثلاً من يكون مباشراً للكلام مباشرة عرفية حتى لو انقطع كلامه بنحو تنفس أو سعال لم يخرج بذلك عن كونه متكلماً، وكذا لا يخرج عن كونه كاتباً وماشياً بنحو المحتاج إليه من إصلاح القلم والجلوس للاستراحة وهذا كلام واضح. وعلى ما نقله المصنف كالآمدي فالظاهر أن اعتبار آخر جزء يصور بما إذا كان معنى المشتق منه مشتملاً على جميع تلك الأجزاء، إلا فالمعتبر ما تضمنه معنى المشتق منه مثلاً إذا أريد اشتقاق ناطق لمن صدر منه النطق بزيد قائم، فإن أريد بالنطق المشتق منه النطق بجميع الجملة اعتبر آخر حروف هذه الجملة، وإن أريد النطق بجزئها الأول فقط أو الثاني فقط اعتبر آخر ذلك الجزء فقط، وإن أريد النطق بأحد حروف أحد الجزأين اعتبر ذلك الحرف دون غيره، وإن أريد النطق بجزء من أحد الجزأين أو منهما اعتبر ثاني ذينك الحرفين، وإن أريد النطق لا يفيد شيء من ذلك اعتبر أي بعض كان من الجملة حرفاً كان أو أكثر وهذا ظاهر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 218
قوله:
(وفي التعبير فيه بالبقاء تسمح)
أي لأن الجزء لا يتأتى اتصافه بالبقاء الذي هو استمرار الوجود وإلا لم يكن آخراً، وإنما يتصف بالحصول، فلو عبر به كان أولى، وعبارة المحصول المعتبر عندنا حصوله بتمامه إن أمكن أو حصول آخر جزء من أجزائه إن لم يمكن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 218
قوله:
(وما حكاه الآمدي الخ)
(1/455)
---(1/447)
أي إن الذي حكاه الآمدي من عدم الاشتراط في القسم الثاني ذكره في المحصول بحثاً ورده بأنه لم يقل به أحد، وهذا غير ما ذكره المصنف عن الجمهور الموافق لما في المحصول بعد ذكره ذلك ودفعه، لأنه إنما ذكره على لسان الخصم، فاندفع قول الزركشي أن ما نقله المصنف تبعاً للصفي الهندي الجمهور بحث للإمام صرح في المحصول بأنه لم يقل به أحد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 219
قوله:
(وهو اشتراط ما ذكر)
أي وهو بقاء المعنى إن أمكن أو آخر جزء منه إن لم يمكن بقاء المعنى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 219
قوله:
(حقيقة في الحال الخ)
(1/456)
---(1/448)
اعلم أن مدلول الوصف كاسم الفاعل ذات ما متصفة بمعنى المشتق منه من غير اعتبار زمان في ذلك المدلول، فالقائم مثلاً مدلوله ذات ما متصفة بالقيام سواء كان ذلك القيام حاصلاً في الزمن الماضي أو يحصل في الزمن المستقبل، أو حاصلاً في زمن النطق بالمشتق، فالزمان غير معتبر في مفهوم المشتق، بل المعتبر ثبوت معنى المشتق منه لذات المشتق، ولذا قال عبد القاهر في دلائل الإعجاز: إنه لا دلالة لقولنا زيد منطلق على أكثر من ثبوت الانطلاق لزيد وقد يقصد به الحدوث بمعونة القرائن فيكون الزمان ملحوظاً فيه، ولا شك أنه إذا أطلق بالمعنى المتقدم وهو كون مدلوله ذاتاً ما متصفة بمعنى المشتق منه من غير اعتبار زمان في مدلوله كان متناولاً حتى الإطلاق حقيقة لا مجازاً لكل ذات ثبت لها ذلك الاتصاف باعتبار ذلك الاتصاف أي باعتبار حالة قيام تلك الصفة بالذات بالفعل، وإن تأخر الاتصاف المذكور عن زمن الإطلاق أو تقدم لأن الزمان غير معتبر في مدلوله كما مر، فإذا قيل الزاني عليه الحد كان معناه تعلق وجوب الحد بكل ذات اتصفت بالزنا باعتبار اتصافها به أي حالة قيام الزنا بها، وإن تأخر اتصافها به عن النطق بهذا الكلام أو تقدم فالحال التي يشترط كون الإطلاق باعتبارها وبحسبها وهي حال تلبس المشتق بمعنى المشتق منه، أي يشترط أن يكون الإطلاق باعتبار ملابسة المشتق لمعنى المشتق منه، وقيام ذلك المعنى به بالفعل، فقول المصنف حقيقة في الحال أي حقيقة في الملتبس بالمعنى حال تلبسه به، سواء كان ذلك التلبس في حال النطق أو في الحال التي قبله أو في التي بعده، وليس المراد بالحال حال النطق ولا مطلق حال بل الحال التي يكون الإطلاق باعتبارها وبحسبها وهي حال قيام معنى المشتق منه بالمشتق، فقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} (المائدة: 38) معناه كما مر تعلق القطع بكل من اتصف بالسرقة حال تلبسه بها، فيشمل من كان متصفاً بذلك وقت نزول الآية، ومن كان متصفاً(1/449)
(1/457)
---
بذلك قبلها، ومن سيتصف بذلك بعد نزولها باعتبار حالة اتصافه بذلك، وقيام معناه به لأن الإطلاق منظور فيه لحال التلبس لا للزمان، ولا يشمل من لم يتصف بالسرقة حال نزول الآية باعتبار عدم اتصافه الآن، ولكنه سيتصف بذلك في المستقبل إلا مجازاً، أي لا يصح أن يكون إطلاق السارق عليه الآن باعتبار أنه سيقع منه ذلك في المستقبل إطلاقاً حقيقياً بل مجازياً، فزيد الذي لم يباشر السرقة حال نزول الآية لم يكن مشمولاً لها، فإذا باشر السرقة كان مشمولاً لها مطلقاً عليه السارق إطلاقاً حقيقياً. وكذا القول في قوله: {الزانية والزاني فاجلدوا} (النور: 2) وقوله: {اقتلوا المشركين} (التوبة: 5) والحاصل أن الوصف حيث قلنا أن الزمان غير معتبر في مفهومه يكون متناولاً حقيقة عند الإطلاق كل من قام به ذلك الوصف سواء قام به الآن أو في الماضي أو يقوم به في المستقبل، وأما إن استعمل في الزمان بأن أريد منه الحدوث كما مر فإن أريد به المتصف بالوصف في ذلك الزمان كان حقيقة كقولك: زيد ضارب غداً أو أمس أو الآن، وإلا فمجاز كأن يراد من زيد ضارب أي الآن إنه سيضرب أو إنه ضرب فيما مضى، وبما قررناه اندفع ما للعلامة هنا من النظر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 219
قوله:
(في قوله بالثاني)
أي لأنه فهم أن المراد بالحال في قولهم اسم الفاعل حقيقة في الحال حال النطق بالمشتق، فيكون اسم الفاعل إنما يكون حقيقة فيمن تلبس بالمعنى حال النطق، فالتلبس المعتبر إنما هو التلبس الحاصل حال النطق بالمشتق لا الحاصل بعده أو قبله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 220
قوله:
(في نصوص الزاني الخ)
إضافة نصوص لما بعده من إضافة الأعم إلى الأخص أو بيانية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 220
قوله:
(حال النطق)
أي نطق النبي بها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 220
قوله:
(1/458)
---
(والإجماع على تناولها له حقيقة)(1/450)
أي وذلك يستلزم فساد قولهم اسم الفاعل حقيقة في الحال أي حال النطق لاقتضائه أن التناول لما ذكر مجازي مع أن الإجماع على أنه حقيقي. قوله: (بأن المسألة) أي وهي قولهم: اسم الفاعل حقيقة في الحال. قوله: (فإن كان محكوماً عليه) المراد بالمحكوم عليه ما ليس محكوماً به فيشمل نحو المشركين من قوله تعالى: {اقتلوا المشركين} (التوبة: 5) فإنه مفعول به لا محكوم عليه، لكنه يصدق عليه أنه ليس محكوماً به، فاندفع ما قيل إن قوله: فإن كان محكوماً عليه لا يصدق على المفعول به كما في الآية المذكورة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 220
قوله:
(فحقيقة مطلقا)
أي في الزمن الماضي والحال والاستقبال. قوله: (فيما إذا كان محكوماً عليه) متعلق بتأخر وليس قيداً بل مثله المحكوم به، وإنما خصه بالذكر نظراً لجواب القرافي، وإلا فلا فرق بين المحكوم عليه وبه على ما قاله المصنف ووالده كما لا يخفى. قوله: (لا حال النطق) عطف على حال التلبس. وقوله فقط راجع لقوله حال النطق. قوله: (على عمومها) أي في المحكوم به. وعليه وقوله تخصيصها أي قصرها على المحكوم به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 220
قوله:
(وقيل إن طرأ على المحل الخ)
احترز بالوجودي عن العدمي كالسكوت أي ترك الكلام بعد الكلام وبالمناقض عما لا يناقض كالتكلم مع القيام مثلاً فإن التكلم لا يناقض القيام بل يجامعه، فلا تنتفي بطرو غير الوجودي أو غير المناقض على المحل التسمية بالأول إجماعاً، بل تجري فيه الأقوال الثلاثة المارة في قول المصنف والجمهور إلى قوله وثالثها الوقف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 220
(1/459)
---
قوله:
(والخلاف في غير ذلك)
أي فصاحب هذا القيل جعله تحريراً لمحل النزاع، والخلاف المشار إليه هو المتقدم في قول المصنف والجمهور الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 220
قوله:
(والأصح جريانه فيه الخ)(1/451)
اعترضه الكمال بما أوضح شيخ الإسلام سقوطه فراجعه. وتلخص أن في المسألة أقوالاً أربعة الثلاثة المتقدمة في قول المصنف والجمهور الخ. وهذا فكان الأنسب تقديمه على قومه ومن ثم كما لا يخفى. قوله: (الذي هو دال الخ) يشير بذلك إلى أن المشتق على قسمين: ما وضع لذات معينة باعتبار وصف معين ويسمى اسم الزمان والمكان والآلة كمقتل ومفتاح فإنه يدل على خصوصية تلك الذات من أنها زمان أو مكان أو آلة، وما وضع لذات مبهمة ابعتبار وصف معين وهوالمسمى بالصفة كما أشار إلى ذلك العلامة التفتازاني ، وهذا القسم الثاني هو مراد المصنف بالمشتق بدليل قوله: وليس في المشتق الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 220
قوله:
(وهو كما تقدم اللفظ المتعدد الخ)
أورد عليه أن المتعدد مجموع المترادفين. فأكثر فكان عليه أن يقول: هو اللفظ الموافق في الوضع لآخر في معناه كما قال بعضهم. ويمكن أن يقال: إن ما ذكر الشارح تفسير لمعنى المترادف اصطلاحاً، ولا مانع من أن يراد بالمترادف في الاصطلاح مجموع المترادفين فأكثر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
قوله:
(واقع في الكلام)
أي العربي قرآناً أو غيره في الأسماء كالإنسان والبشر. وفي الأفعال كقعد وجلس. وفي الحروف كنعم وجير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
قوله:
(قالا وما يظن مترادفاً فمتباين بالصفة)
(2/1)
---
فيه أن يقال: إنا نقطع بأن العرب تطلق الإنسان حيث لا يخطر ببالها معنى النسيان أو الإنس والبشر حيث لا يخطر ببالها معنى بادي البشرة، وذلك يقتضي عدم اعتبار ذلك في المعنى وإلا لم يتصور إطلاقهم له، واستعماله في معناه من غير ملاحظة ذلك مع أنه جزء المعنى على هذا التقدير، ولا يمكن استعمال اللفظ في معناه من غير ملاحظة جزئه انتهى سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
قوله:
(باعتبار النسيان)
أي فيكون وزنه على هذا إفعاناً وأصله إنسياناً فحذفت لام الكلمة التي هي الياء، وأما باعتبار أنه يأنس فوزنه فعلان.(1/452)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
قوله:
(ظاهر الجلد)
أي جلد الإنسان لأن البشرة هي لغة ظاهر جلد الإنسان لا مطلق جلد فيشمل السمك مثلاً. قوله: (على خلاف الأصل) أي والأصل أن يكون لكل لفظ معنى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
قوله:
(في النظم)
أي لإقامة الوزن أو القافية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
قوله:
(مثلا)
نبه به على أن للمترادف فوائد أخر كتيسير النطق بأحدهما دون الآخر كما في برّ وقمح في حق الألثغ في الراء وكالجناس فقد يقع بأحدهما دون الآخر كما في قوله تعالى: {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً} (الكهف: 104) فإنه يقع بيحسبون دون يظنون شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
قوله:
(وذلك منتف في كلام الشارع)
قد يقال: من فوائد المترادف أن أحد اللفظين قد يناسب الفواصل دون الآخر وذلك متأت في كلام الشارع لاعتبار الفواصل فيه بل قد يقتضيها البلاغة، وغاية الأمر أنا لا نسمي ذلك سجعاً لكن هذا أمر آخر وراء تحقق الفائدة قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
قوله:
(أسماء اصطلاحية)
(2/2)
---
أي اصطلح عليها حملة الشرع من غير أن يكون الشارع وضعها فلا تكون شرعية لأن الشرعية ما وضعها الشارع كما قال.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
قوله:
(والشرعية الخ)
هذه الواو بمنزلة لام العلة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
قوله:
(والحد)
أي الحقيقي وهو القول الدال على ماهية الشيء فخرج اللفظي فهو مترادف قطعاً. والرسمي كحيوان ضاحك فهو غير مترادف قطعاً إذ عرضيات الشيء لا يتصور كونها تفصيلاً لحقيقته، اللهم إلا أن يراد بالمحدود في الرسم اسم الشيء باعتبار وجهه لا باعتبار كنهه، فيصح حينئذ أن يراد بالحد هنا ما يعم الحقيقي والرسمي وهو الموافق لاصطلاح أهل الأصول كما مر. قوله: (ونحو حسن بسن) أي حسن شديد الحسن وكذا قوله عطشان نطشان أي عطشان شديد العطش.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
قوله:
(أي الاسم وتابعه)(1/453)
المراد بالتابع هنا ما لا يذكر إلا مع متبوعه تأكيداً ولو أفرد لم يكن له معنى كما يفيده كلامهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 222
قوله:
(فلأن الحد الخ)
عبارة الحد إذ العضد إذ الحد يدل على المفردات بأوضاع متعددة بخلاف المحدود. قال السيد: قوله إذ الحد يدل على المفردات أي على أجزاء المحدود بأوضاع متعددة، فدلالته عليها تفصيلية، بخلاف المحدود فإنه يدل عليها بوضع واحد فدلالته إجمالية، فهما وإن دلا على معنى واحد لا يدلان عليه من جهة واحدة اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 222
قوله:
(والمحدود أي اللفظ الخ)
لما كان الحد قد يطلق على اللفظ بخلاف المحدود تعرض لبيان أن المراد بالمحدود هنا اللفظ لأنه الذي يوصف بالترادف، وسكت عن بيان أن المراد بالحد اللفظ لأن إطلاقه بهذا المعنى شائع معهود.
(2/3)
---
قوله: (ومن شأن كل مترادفين إفادة كل منهما المعنى وحده) قال الشهاب: لو قال إفادته المعنى كان أخصر وأوضح إذ لا يقال شأن الواحد منهما إفادة كل منهما بل إفادته الخ فليتأمل اهـ. ورده سم بقوله: هذا الإيراد سهو ظاهر منشؤه توهم أن كلا الأولى والثانية عبارتان عن معنى واحد وهو سهو قطعاً بل معناهما متباين، فإن الأولى عبارة عن الأفراد التي كل واحد منها مجموع لفظين متحدي المعنى، والثانية عبارة عن الأفراد التي هي اللفظان المذكوران، فمجموع لفظ الإنسان والبشر مثلاً فرد واحد من أفراد الأولى، ولفظ الإنسان وحده فرد من أفراد الثانية، وكذا لفظ البشر وحده فرد آخر من أفرادها، فمعنى عبارته أن من شأن كل مجموع لفظين متحدي المعنى إفادة كل واحد من ذينك اللفظين المعنى وحده، ولو قال: ومن شأن كل مترادفين إفادته المعنى وحده كما زعم الشيخ أن ذلك أخصر وأوضح كان معناه أن من شأن كل مجموع لفظين متحدي المعنى إفادة ذلك المجموع المعنى وحده، وهذا لا يفيد المطلوب الذي هو أن كلاً من جزأي ذلك المجموع يفيد المعنى وحده فتأمل اهـ.(1/454)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 222
قوله:
(يمنع ذلك)
الإشارة إلى قوله: ومن شأن كل مترادفين الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 222
قوله:
(والعرب لحكمتها الخ)
هذا دليل الاستثنائية المطوية في كلامه كما هو ظاهر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 222
قوله:
(كما أشار إليه)
أي إلى المقابل فإن قوله: والحق الخ يفيد أن هناك قولاً مقابلاً، وأما كون ذلك المقابل البيضاوي فلا إشعار في كلامه به فضمير إليه للمقابل لا بقيد كونه قول البيضاوي وإن كان هو قول البيضاوي في الواقع، ولذا عبر الشارح بما ذكر دون أن يقول ومقابل هذا قول البيضاوي كما أشار إليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 222
قوله:
(يعني المؤكد)
(2/4)
---
أي لأنه المراد بالتأكيد اصطلاحاً. أما التأكيد لغة فهو نفس التقوية ولا تصح إرادته هنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 222
قوله:
(وكأنه أراد الخ)
تورّك على المصنف يعني أن ما ذكره المصنف مبني على أن مراد البيضاوي بقوله لا يفيد نفي إفادة التقوية وليس كذلك، بل كأنه أراد ما في المحصول أن التابع وحده لا يفيد أي المعنى بدون متبوعه، أي لا يفيد معنى متبوعه بدونه فهو على هذا ساكت عن إفادة التقوية لا ناف لها كما فهمه المصنف حيث رد عليه بقوله: والحق الخ، هذا حاصل اعتراض الشارح، وقد يقال إيراد البيضاوي قوله والتابع لا يفيد عقب قوله والتأكيد يقوي الأول ظاهر في إن المراد أن التابع لا يفيد التقوية كما قاله الكمال، فيكون ما فهمه المصنف من عبارته هو الظاهر منها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 222
قوله:
(والحق وقوع كل من الرديفين)
اللام في الرديفين للاستغراق ففي الكلام عمومان: أحدهما متعلق بالرديف وهو مستفاد من كل، والثاني متعلق بمجموع الرديفين مستفاد من اللام، والتقدير يصح وقوع كل رديف من كل رديفين مكان الرديف الآخر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 223
قوله:
(إن لم يكن تعبد الخ)(1/455)
أي إن لم يكن تكليف بلفظه أي لفظ الآخر، ثم إن هذا القيد الأولى عدم ذكره كما للقرافي وغيره لأن المنع حينئذ لعارض شرعي والكلام هنا في اللغة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 223
قوله:
(خلافاً للإمام في نفيه ذلك مطلقا)
(2/5)
---
أي سواء كان من لغة أو لغتين بدليل ما يأتي. قال الشهاب: وانظر هل هذا أي نفي الإمام ما ذكر من باب سلب العموم أو من باب عموم السلب؟ اهـ. قال سم: والذي يقتضيه احتجاج الإمام الثاني لأن حاصل احتجاجه احتمال المانع وهو جار في كل مادة، وقد يشكل ذلك بأنه قد يستلزم امتناع استعمال أحد المترادفين مطلقاً إذ ما من معنى يستعمل فيه أحدهما إلا ويحتمل المانع من استعماله فيه اهـ. قلت: لا يخفى ضعف هذا الإشكال.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 223
قوله:
(وإذا عقل ذلك)
الإشارة إلى الامتناع المستفاد من قوله: لأن ضم لغة الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 223
قوله:
(فلم لا يجوز مثله؟ الخ)
هو استفهام إنكاري بمعنى النفي فينحل الكلام إلى قوله: فيجوز مثله الخ كما يفيد ذلك قوله: أي لا مانع منه. وفيه نظر من وجهين: أما أولاً فلا نسلم قياس كونه من لغة واحدة على كونه من لغتين في نفي الوقوع لعدم وجود علة الانتفاء في الأصل المشار إليها بقوله: لأن ضم لغة الخ في الفرع. وأما ثانياً: فعلى تسليم القياس المذكور فهو إنما أنتج ثبوت الاحتمال كما أشار إليه بقوله: أي لا مانع من ذلك فكيف يحتج به على الجزم بالنفي كما أفاده قول المصنف والشارح في نفيه ذلك مطلقاً؟ فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 223
قوله:
(لما تقدم)
أي من أن ضم لغة الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 223
قوله:
(كتكبيرة الإحرام)
أي فلا يؤتى بدلها بلغة الفرس بأن يقال خد أي بزرك تر خلافاً لمن يقول بصحة ذلك، ومعنى الأول الله، ومعنى الثاني كبير، والثالث دال على أفعل التفضيل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 223
قوله:
(ويكن قال المصنف تامة)(1/456)
هو غير متعين بل يجوز كونها ناقصة واسمها ضمير يعود إلى الرديف أي الآخر وخبرنا تعبد وهو فعل مبني للمفعول.
(2/6)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 223
قوله:
(وهو كما تقدم اللفظ الواحد)
أي سواء كان اسماً كعين أو فعلاً كعسعس بمعنى أقبل وأدبر، أو حرفاً كمن فإنها للابتداء والتبعيض وغيرهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 223
قوله:
(جوازا)
أي إمكاناً وهو إما عام وهو سلب الضرورة عن الجانب المخالف للحكم فيصدق بضرورة جانب الحكم كقولنا الإنسان ناطق بالإمكان العام، وإما خاص وهو سلب الضرورة عن الجانبين أي جانب الحكم ومخالفه معاً كقولنا الإنسان كاتب بالفعل بالإمكان الخاص وهذا الثاني هو مراد الشارح فيكون رداً على قولي الوجوب والامتناع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 223
قوله:
(في نفيهم وقوعه مطلقا)
أي في القرآن والحديث وغيرهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 223
قوله:
(وكالقرء)
عطف على كالعين وأعاد الكاف لأنه راجع إلى المتواطىء كما أن الأول راجع إلى الحقيقة والمجاز. قوله: (للقدر المشترك بين الحيض والطهر وهو الجمع) فيه أن يقال: أن الجمع لا يصدق على واحد من الحيض والطهر إذ الحيض هو الدم المخصوص أو خروجه والطهر هو الخلو عن ذلك فالجمع غير كل منهما، فقضية ذلك أن لا يطلق القرء حقيقة على واحد منهما عند هذا القائل فليتأمل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 223
قوله:
(وما هنا عن الثلاثة أقرب الخ)
(2/7)
---(1/457)
أي لأن نفي الوقوع أعم من القول بالجواز والاستحالة ولكنه أقرب إلى القول بالجواز. قوله: (قيل والحديث) هو قول رابع فيكون مجموع الأقوال سبعة خلافاً لشيخنا في جعله المجموع المذكور ستة بعد قوله: وخلافاً لقوم في القرآن قيل والحديث قولاً واحداً وهو سهو. قوله: (فيطول الخ) قال العلامة: في لزوم الطول نظر إذ البيان قد يتحقق بدونه إذا كان الحكم المنوط خاصاً بالمراد كقولك: شربت من العين، قال سم: ولو سلم الطول ففي لزوم عدم الفائدة نظر إذ في البيان فائدة الإجمال والتفصيل وهي من الفوائد المعتبرة. والحاصل أنا لا نسلم لزوم الطول ولو سلمناه فلا نسلم عدم الفائدة، نعم قد يرد الخصم الجزئية أي فقد يطول فلا يريد عليه نظر العلامة المذكور اهـ. وقوله بلا فائدة قيد كاشف إن أريد الطوف اصطلاحاً ومقيد إن أريد الطول لغة. قوله: (عن ذلك) أي عن الطول بلا فائدة وعن عدم الفائدة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 224
قوله:
(وأجيب باختيار أنه وقع فيهما غير مبين الخ)
(2/8)
---(1/458)
. ويجاب أيضاً باختيار أنه وقع مبنياً والفائدة ما تقدم على تسليم لزوم الطول قاله سم. قوله: (الذي سيبين) نعت لأحد معنييه. قوله: (بعد البيان) ظرف للطاعة والعصيان لا للعزم فإنه موجود الآن. قوله: (الدالة عليها) إشارة إلى أن المراد المعاني المدلول عليها بالألفاظ لا مطلق المعاني لما مر أنه ليس لكل معنى لفظ، فاندفع ما يقال إن قوله: وأجيب بمنع ذلك أي أن المعاني أكثر من الألفاظ ينافي ما قدمه من أنه ليس لكل معنى لفظ لأن الكلام في معان مخصوصة لا في مطلق المعاني كما تقدم. قوله: (المقصود من الوضع) صفة لفهم لا للمراد بقرينة الجواب بعده شيخ الإسلام. قوله: (وأجيب بأنه يفهم بالقرينة الخ) هذا جواب على التنزل والتسليم أن المقصود من كل وضع فهم المراد وإلا فلا نسلم ذلك، بل يجوز وقوعه خالياً عن القرينة التي يفهم بها المراد منه ويحمل على معنييه، والفائدة حينئذ هي الفائدة في المتشابه على القول بأن الوقف على الله قاله سم. قوله: (المبين بالقرينة) أي المبين متعلقه وهو المفهوم، فالمبين نعت للفهم الإجمالي جرى على غير من هو له فلو قال: بدل قوله المبين بالقرينة المستند إلى القرينة كان أوضح قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 224
قوله:
(حاصل في العقل)
يمكن أن يدفع بأن حصوله في العقل لا يلزم أن يكون على وجه إرادة أحدهما إذ قد لا يراد شيء منهما بخلافه بعد سماع اللفظ فليتأمل اهـ سم. وقوله: لم يفد سماعه غير التردد أي من السامع وهو أي التردد المذكور حاصل في العقل قبل السماع فلا فائدة في إسماعه. والجواب المنع لأن الفائدة الاستحضار بعد ما قد يعرض من الغفلة ثم يبحث عن المراد منهما وقد علمت ما في قوله وهو حاصل في العقل بما قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 224
قوله:
(المشترك يصح إطلاقه على معنييه)
(2/9)
---(1/459)
قال شيخ الإسلام: أي سواء استعمل في حقيقته نحو تربصي قرءاً أي طهراً وحيضاً، أم في مجازيه أو حقيقته، ومجازه نحو لا أشتري ويراد السوم وشراء الوكيل أو الشراء الحقيقي والسوم والثلاثة معلومة من كلامه الآتي اهـ. وقال سم: ينبغي أن يتأمل في هذا التعميم مع عدم صدق المشترك على المجاز كما علم من قول المصنف السابق قبيل بحث العلم وعكسه إن كان حقيقة فيهما فمشترك وإلا فحقيقة ومجاز، وقول الشارح في أول المسألة السابقة وهو كما تقدم اللفظ الواحد المتعدد المعنى الحقيقي، وأما قوله: والثلاثة معلومة من كلامه الآتي فالظاهر أنه أراد قوله الآتي. وفي الحقيقة والمجاز الخلاف ثم قال: وكذا المجازان وحينئذ يتوجه عليه عدم علمهما من ذلك إذ هذا لا يدل على أن الحقيقة والمجاز والمجازين من قبيل المشترك بل سياقه صريح في أن ذلك ليس من قبيله خصوصاً مع ملاحظة كلام الشارح فليتأمل اهـ منه. وقوله إطلاقه أي استعماله والاستعمال من صفات المتكلم وهو إطلاق اللفظ وإرادة معناه، والوضع من صفات الواضع وهو جعل اللفظ دليلاً على المعنى، والحمل من صفات السامع وهو اعتقاده ما أراده المتكلم من اللفظ وما اشتمل عليه مراده فالمراتب ثلاثة: وضع واستعمال وحمل، ذكر المصنف الوضع في المسألة السابقة بقوله: المشترك واقع الخ. وذكر هنا الاستعمال بقوله: يصح إطلاقه، والحمل بقوله فيما يأتي ولكن يحمل عليهما الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 225
قوله:
(مثلا)
أي أو معانيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 225
قوله:
(بأن يراد به)
أي كل منهما. وقوله من متكلم واحد الخ تحرير لمحل النزاع لأنه لا يجري في إطلاقه على أحدهما مرة وعلى الآخر أخرى، ولا في إطلاقه على أحدهما مبهماً بل هو مجاز أو حقيقة من حيث اشتماله على المعنى، ولا في إطلاقه على المجموع على خلاف فيه بل هو كذلك، ولا في إطلاقه من متكلمين شيخ الإسلام.
(2/10)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 225
قوله:(1/460)
(كقولك عندي عين الخ)
مثل بثلاثة أمثلة إشارة إلى أن المعنيين قد يكونان متخالفين كالمثال الأول، ومتضادين كالثاني، ومتناقضين كالثالث، وإشارة إلى أنه لا فرق في المشترك بين أن يكون اسماً أو فعلاً، ولكن في جعل الحيض والطهر من المتناقضين تساهل لا يخفى.
قوله: (لأنه لم يوضع لهما معاً) وإنما وضع لكل منهما من غير نظر إلى الآخر. يرد على هذا الدليل إنه أن أريد بقوله من غير نظر إلى الآخر شرط عدم النظر إلى الآخر فهو ممنوع، وإن أريد به عدم شرط النظر فمسلم إلا أن ذلك لا يقتضي التجوّز في محل النزاع وهو استعماله في كل منهما بأن يرادا به في إطلاق واحد، على أن يكون كل منهما مناط الحكم ومتعلق الإثبات و النفي، وقد استدل ابن الحاجب وغيره بأنه يسبق منه إلى الفهم أحد المعنيين على البدل دون الجمع وهو علامة الحقيقة في أحدهما دون الجمع، قال السعد، قيل المصحح للمجاز علاقة الكلية والجزئية وفيه نظر، أما أولاً فالكلام في إرادة كل من المعنيين لا في إرادة المجموع الذي أحد المعنيين جزء منه. وأما ثانياً فلما سبق من أنه ليس كل جزء يصح إطلاقه على الكل، بل إذا كان له تركيب حقيقي وكان إذا انتفى انتفى الكل كالرقبة للإنسان بخلاف الأصبع والظفر ونحو ذلك، هذا وقد يمنع سبق أحد المعنيين من إطلاق المشترك، بل إنما يدعي سبقهما على ما هو مذهب الشافعي، ثم قال: القول بكونه مجازاً عند الاستعمال في كل من المعنيين مشكل لأن كلاً منهما نفس الموضوع له اهـ. وقال العلامة: قوله من غير نظر إلى الآخر أي لا وجوداً ولا عدماً فيتحقق الوضع لكل منهما وجد الآخر معه أم لا، وكون الوضع حقيقة فيهما يتوقف على وضعه لكل منهما لا على وضعه لهما معاً كما قال اهـ من سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 225
قوله:
(أو وضع الواحد)
(2/11)
---(1/461)
عطف على الواضع أي أو تعدد وضع الواحد. وقوله نسياناً للأول مفعول لأجله لتعدد أو هو حال من الاحد أي ناسياً وليس النسيان قيداً بل مثله قصد الإبهام فإنه من مقاصد العقلاء، قال في التلويح: ويكون من الله اختباراً ومن غيره غفلة أو قصد إبهام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 226
قوله:
(وعن الشافعي والقاضي والمعتزلة)
عبر بعن إشارة إلى أن القول بأن ذلك حقيقة عند هؤلاء غير مجزوم به عنده وهو كذلك في حق الشافعي والمعتزلة، فقد اختلف النقل عنهما في أنه حقيقة أو مجاز، والمراد بالمعتزلة أبو علي الجبائي ومن تبعه شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 226
قوله:
(نظراً لوضعه لكل منهما)
(2/12)
---(1/462)
فيه إشارة إلى دفع ما استدل به على منع كونه حقيقة فيهما من أنه يتوقف عن كونه موضوعاً لمجموع المعنيين أي وليس كذلك لأنه لو كان موضوعاً لمجموع المعنيين لما صح استعماله في أحد المعنيين على الانفراد حقيقة ضرورة أنه لا يكون نفس الموضوع له بل جزأه واللازم باطل اتفاقاً. ووجه الدفع أن محل النزاع كما قرره الأئمة استعماله في كل واحد من المعنيين، على أن يكون بمفرده مناط الحكم واستعماله فيهما كذلك حقيقة إنما يتوقف على كونه موضوعاً لكل واحد من المعنيين والأمر كذلك، نعم قد اعترض على هذا بأنه إما أن يكون موضوعاً لكل منهما بشرط انفراده عن الآخر، وإما أن يكون موضوعاً له مع قطع النظر عن انفراده عن الآخر واجتماعه معه، إذ لا يجوز أن يكون موضوعاً لكل واحد بشرط الآخر وإلا لما صح استعماله في أحدهما على الانفراد وهو باطل، وعلى التقديرين يمتنع استعماله فيهما حقيقة، أما على الأول فظاهر، وأما على الثاني فلأن وضع اللفظ عبارة عن تخصيصه بالمعنى أي جعله بحيث يقتصر على ذلك المعنى لا يتجاوزه ولا يراد به غيره عند الاستعمال، فدائماً لا يمكن إلا ملاحظة وضع واحد لأن اعتبار كل من الوضعين ينافي اعتبار الآخر ضرورة أن اعتبار وضعه لهذا المعنى يوجب إرادة هذا المعنى خاصة، واعتبار وضعه للمعنى الآخر يوجب إرادته خاصة، فلو اعتبر الوضعان في إطلاق واحد لزم في كل واحد من المعنيين صفة الانفراد عن الآخر والاجتماع معه بحسب الإرادة بل يلزم أن يكون كل منهما مراداً وغير مراد في حالة واحدة وهو باطل بالضرورة. وأجيب بأن هذا مغالطة منشؤها اشتراك لفظ تخصيص الشيء بالشيء بين قصر المخصص على المخصص به كما يقال في ما زيد إلا قائم إنه لتخصيص زيد بالقيام، وبين جعل المخصوص منفرداً من بين الأشياء بالحصول للمخصص به كما يقال في إياك نعبد نخصك بالعبادة. وفي ضمير الفصل إنه لتخصيص المسند إليه بالمسند، وخصصت فلاناً بالذكر أي ذكرته وحده، وهذا هو(1/463)
(2/13)
---
المراد بتخصيص اللفظ بالمعنى أي تعينه لذلك المعنى وجعله منفرداً بذلك من بين الألفاظ، وهذا لا يوجب أن لا يراد باللفظ إلا ذلك المعنى، وحينئذ فنختار أنه موضوع لكل واحد من المعنيين من غير اشتراط انفراد واجتماع، فيستعمل في هذا تارة من غير استعمال في الآخر وتارة مع استعماله فيه، والمعنى المستعمل فيه في الحالين نفس الموضوع له اللفظ حقيقة، لكن قد يشكل قول المجيب وجعله منفرداً بذلك من بين الألفاظ بوضع المترادفين، إذ لا يصدق الانفراد من بين الألفاظ على واحد منهما بالنظر إلى الآخر إلا أن يراد من بين الألفاظ ولو في الجملة اهـ سم نقلناه بطوله لنفاسته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 226
قوله:
(كالمصحوب بالقرائن المعممة الخ)
(2/14)
---
مثاله قولك عندي عين أشرب منها وأنفق منها. وفي بعض الهوامش بخط بعض العلماء إنه مثال للتجرد عن القرائن وقد يتوهم فساده لأن المصحوب بالقرائن المذكورة لا يصدق عليه التجرد عن القرائن وإنما هو نظير، لكن هذا مدفوع بأن القرائن المعممة لهما غير المعينة لأحدهما فالمصحوب بالمعممة مجرد عن المعينة قاله سم أي فقوله: مثال للتجرد الخ أي مثال لأحد فرديه لأن المتجرد عن القرائن المعينة صادق بالمتجرد عن المعممة وبالمصحوب بها. قوله: (فيحمل عليهما) قال شيخ الإسلام : فيه تجوّز لأنه إذا كان ظاهراً فيهما انصرف إليهما، فالمراد بحمله عليهما انصرافه إليهما اهـ. قال سم: لعل الأولى أن المراد بحمله عليهما اعتقاد السامع إرادة المتكلم إياهما وهذا هو الموافق لقوله بعد ذلك والحمل اعتقاد السامع مراد المتكلم أو ما اشتمل على مراده وهو من صفات السامع سم. قوله: (والمعممة) إن قلت: ما السر في عطف المعممة على المعينة في قول القاضي دون قول الشافعي؟ قلت: إن الإجمال إنما يتحقق عند التجرد عنهما معاً والظهور في المعنيين يتحقق بالتجرد عن القرائن المعينة وبمصاحبة القرائن المعممة قاله العلامة قدس سره.(1/464)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 227
قوله:
(مجمل ولكن يحمل عليهما احتياطا)
كذا نقله عن القاضي الإمام الرازي، لكن الذي في تقريبه أنه لا يجوز حمله عليهما ولا على أحدهما إلا بقرينة، ويبعد أن يقال هذا مقيد لذلك شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 227
قوله:
(منفرداً فقط)
(2/15)
---
إنما زاد فقط على منفرداً لأن استعماله منفرداً لا ينافي استعماله مع الآخر. وقال العلامة: قوله منفرداً فقط فيه نظر لأنه قدم أن الوضع لكل منهما من غير نظر إلى الآخر وعدم النظر إلى الآخر ليس نظراً إلى عدمه اهـ. وجواب سم هنا لا يلتفت إليه فراجعه إن شئت. قوله: (وعلى هذا النفي) أي المشار إليه بقوله: لا أنه لغة. قوله: (في النفي لا الإثبات) أراد بالنفي ما يشمل النهي بالإثبات ما يشمل الأمر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 227
قوله:
(وزيادة النفي الخ)
أي زيادة معنى اللفظ في النفي على معناه في الإثبات معهودة في اللغة. قوله: (وهو أنسب) أي بكلامه السابق لأنه عبر في أول المبحث في الصحة. قوله: (والخلاف فيما إذا أمكن الجمع) أي في الإرادة لا في الخارج فلا يرد نحو أقرأت هند أي حاضت وطهرت فإنه يصح أرادتهما معاً وإن لم يمكن اجتماعهما خارجاً. قوله: (فإن امتنع) أي استحال كما في استعمال صيغة افعل في طلب الفعل والتهديد عليه، فإن التهديد عليه طلب الكف عنه في الحقيقة، واجتماع طلب الشيء وطلب الكف عنه محال. قوله: (على ما سيأتي) أي في أول مبحث الأمر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 227
قوله:
(ولظهور ذلك)
(2/16)
---(1/465)
أي اشتراط الإمكان. قوله: (والأكثر الخ) حاصل ما أشار إليه أنه وقع خلاف بين العلماء هل يجوز جمع المشترك أم لا؟ فقال بعضهم بالجواز وبعضهم بعدمه، ثم وقع خلاف آخر بين من بعدهم هل القول بجواز الجمع مبني على صحة الإطلاق وعدم الجواز مبني على المنع وهو قول الأكثر من العلماء أو ليس الجواز المذكور مبنياً على صحة الإطلاق بل يجوز الجمع ولو على القول بمنع إطلاقه على معنييه؟ فأفاد قول المصنف والأكثر على أن جمعه باعتبار معنييه إن ساغ مبني عليه الخلافين المذكورين الخلاف في بناء جواز جمع المشترك باعتبار معنييه على ما ذكر، والخلاف في جواز جمعه أيضاً لبناء المنع على المنع المستفاد من بناء جواز الجمع باعتبار معنييه على جواز إطلاق المفرد عليهما، وأفاد قوله إن ساغ الخلاف في جواز الجمع كما أفاده البناء المذكور كما علمت لكنه أفاده على وجه أصرح منه في التنبيه عليه، هذا إيضاح ما أشار له الشارح، وأنت خبير بأن هذه الزيادة حينئذ لم تفد فائدة لم تكن حاصلة بدونها وإنما أفادت مجرد الإيضاح والتصريح بما علم التزاماً فالمناسب للاختصار المبني عليه كتابه حذفها لعدم اشتمالها على كبير فائدة مع إيهامها شرطية الشيء في نفسه كما قال العلامة بناء على أنها شرط في قوله والأكثر على أن جمعه الخ، إذ التقدير والأكثر على أن جواز جمعه الخ باعتبار معنييه إن جاز الجمع مبني عليه وإن تكلف سم. الجواب عن ذلك بأن معنى قوله إن ساغ إن قيل بأنه سائغ فالمشروط حينئذ الصحة والشرط القول بها، وبالجملة فذكرها مما يورث الكلام ركاكة بلا ضرورة إليها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 228
قوله:
(وفي الحقيقة والمجاز الخلاف الخ)
(2/17)
---(1/466)
إن قلت: تقرر احتياج المجاز إلى القرينة الصارفة عن إرادة المعنى الموضوع له فكيف يتصور إرادتهما معاً باللفظ الواحد لأن ذلك اللفظ الواحد لا بد له باعتبار جهة المجاز من قرينة صارفة عن إرادة الموضوع له أو لا فكيف مع وجودها يسوغ إرادته مع المجاز؟ قلت: سيذكر الشارح في الكلام على المجاز أن احتياج المجاز إلى القرينة المذكورة مبني على أنه لا يصح أن يراد باللفظ الواحد الحقيقة والمجاز معاً حيث قال: ومن زاد كالبيانيين مع قرينة مانعة عن إرادة ما وضع له أولا مشى على أنه لا يصح أن يراد باللفظ الحقيقة والمجاز معاً اهـ. وفي التلويح. فإن قيل فاللفظ في المجموع مجاز والمجاز مشروط بالقرينة المانعة عن إرادة الموضوع له فيكون الموضوع له مراداً وغير مراد؟ قلنا: الموضوع له هو المعنى الحقيقي وحده فلا بد من قرينة على أنه وحده ليس بمراد وهو لا ينافي كونه داخلاً تحت المراد اهـ. وقول المصنف الخلاف أي الخلاف الممكن جريانه هنا من الخلاف المتقدم، إذ بعض ما تقدم لا يمكن جريانه هنا كالقول بأن إطلاق المشترك على معنييه حقيقة، فإن المتصور هنا كون الإطلاق المذكور أي إطلاق اللفظ على حقيقته ومجازه إما مجازاً أو حقيقة ومجازاً باعتبارين كما سيقول الشارح، وأراد المصنف بالحقيقة والمجاز معناهما مجازاً من إطلاق اسم الدال على المدلول كما سينبه الشارح عليه بعد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 228
قوله:
(خلافاً للقاضي الخ)
(2/18)
---(1/467)
قال العلامة: اعلم أن القاضي قال هناك بالصحة ويلزمه القول بها هنا لعدم الفرق فيثبت الخلاف كله هنا، لكنه قال بعدمه هنا لزعمه الفرق فهو ناف هنا للخلاف الثابت هناك لانتفاء المركب بانتفاء فرد منه. وبهذا يندفع توهم أن مخالفة القاضي تستلزم دعواه الاتفاق وهو لا يقول به اهـ. أي لأن نفي الخلاف بمعنى هيئته الاجتماعية عن شيء لا يفيد نفي جميع أفراد الخلاف عن ذلك الشيء بل يفيد ثبوت بعض أفراده له وهو المراد هنا، وليس في كلام العلامة أعني قوله وبهذا يندفع الخ ما يفيد الاعتراض على الشارح بأنه نسب للقاضي دعوى الاتفاق بقوله في قطعه بعدم صحة ذلك ولا في كلام الشارح ذلك ما يفيد ما ذكر خلافاً لما أبداه سم هنا من الأوهام الفاسدة ونسبته للعلامة والشارح ما لم يقصداه ولا يفيده كلامهما فراجع عبارته في هذا المقام إن شئت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 229
قوله:
(أي أو لا)
قيد به لأنه لا يصح نفي الوضع عن المجاز مطلقاً على ما مشى عليه المصنف بل الوضع الأول خاصة. قوله: (لا تنافي بين هذين) أي لأن التنافي لا يكون إلا إذا كان الوصفان أي الموضوع له وغير الموضوع له لموصوف واحد ومن جهة واحدة أيضاً، وليس الأمر هنا كذلك فإن الموضوع له وصف للمعنى الحقيقي وغير الموضوع له وصف للمعنى المجازي. قوله: (ويحمل عليهما إن قامت قرينة الخ) اشتراط القرينة في الحمل والسكوت عنها في الاستعمال قد يقتضي عدم اشتراطها فيه. وقد يستشكل صحة إرادتهما لغة كما صرح به أول المسألة بدون قرينة. ويجاب بأن قرينة الاستعمال مخالفة لقرينة الحمل لأنه يكفي في قرينة الاستعمال ما يدل على عدم إرادة الحقيقة وحدها كما مر عن التلويح، ومجرد هذا لا يكفي في الحمل عليهما بل لا بد مما يدل على إراد المجاز مع الحقيقة فليتأمل اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 229
قوله:
(كما حمل الشافعي الملامسة الخ)
(2/19)
---(1/468)
لم يبين القرينة التي قامت هنا على إرادة المعنيين، ويمكن أن يقال إنها مشاركة المعنى المجازي للمعنى الحقيقي في المعنى الذي لأجله تعلق الحكم بالمعنى الحقيقي وهو أنه مظنة التلذذ المثير للشهوة وهذا نظير جعل عموم متعلق الأمر في افعلوا الخير قرينة على إرادة المعنيين سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 229
قوله:
(وهو الصحة الراجحة)
إشارة إلى وجه البناء على الصحة. وقوله المبني عليها الحمل عليهما إشارة إلى أن التفريع ليس على مجرد الصحة كما يتبادر من المصنف بل لا بد من ضميمة الحمل. قوله: (ومن ثم عم نحو وافعلوا الخير الخ) أي عم نحو الخير في نحو: وافعلوا الخير، أو عم متعلق وافعلوا الخير والمتعلق المذكور هو الخير بدليل قوله: الواجب والمندوب دون الوجوب والندب. وقد يستشكل بأن قوله: ومن ثم يقتضي أن العموم مسبب عن حمل صيغة افعل على معنييها مع أن حملها على معنييها مسبب عن العموم بدليل قوله بقرينة كون متعلقها كالخير شاملاً الخ. ويجاب بأن المتوقف على حمل الصيغة المذكورة على معنييها هو الحكم بالعموم والمتوقف عليه الحمل المذكور نفس العموم الذي في المتعلق، فعموم المتعلق سبب لحمل الصيغة المذكورة على معنييها، وحملها على معنييها سبب للحكم بذلك العموم والاعتداد به، فلا تنافي بين كلاميه، وأشار بقوله نحو: وافعلوا الخير إلى نحو قوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} (محمد: 33) فيعم الواجب والمندوب دون الحرام والمكروه قاله شيخ الإسلام .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 229
قوله:
(أي مطلوب الفعل)
(2/20)
---(1/469)
تفسير للقدر المشترك. قوله: (فيه الخلاف في المشترك) أي ولا يأتي قطع القاضي بعدم الصحة هنا لانتفاء علته قاله شيخ الإسلام. قوله: (إن قامت قرينة على إرادتهما أو تساويا في الاستعمال) سكت هنا عن القرينة الصارفة عن إرادة الموضوع له كأنه لظهور اعتبارها لعدم إرادة الموضوع له أيضاً سم. قوله: (الحقيقة) هي بوزن فعيلة مشتقة من الحق ومعناه لغة الثبوت قال تعالى: {ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} (الزمر: 71) أي ثبتت وفعيل يستعمل تارة بمعنى فاعل كعليم بمعنى عالم، وتارة بمعنى مفعول كقتيل بمعنى مقتول، فالحقيقة إن كانت بمعنى الفاعل فمعناها الثابت وعلى هذا فالتاء فيها للتأنيث، وإنك انت بمعنى المفعول فمعناها المثبت بفتح الموحدة من حققت الشيء أثبته وفعيل وإن استوى فيه المذكر والمؤنث فلا تدخله التاء الفارقة بينهما فالتاء في الحقيقة ليست للفرق بل لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 230
قوله:
(لفظ)
قيل أولى منه قول لأنه جنس أقرب. ورد بأن القول يطلق على الاعتقاد وليس مراداً فلفظ أولى منه. قوله: (ابتداء) المراد بالوضع ابتداء عدم توقف الوضع المذكور على وضع آخر بأن يكون الوضع الآخر ملاحظاً فيه فيخرج بهذا القيد أعني قوله ابتداء حينئذ المجاز ويدخل المشترك، ويخرج أيضاً نحو الصلاة إذا استعملها أهل الشرع في الدعاء أو أهل اللغة في الأركان المخصوصة لأنه لم يستعمل فيما وضع له ابتداء بالمعنى المذكور، فلا حاجة لقول بعضهم أسقط قيد في اصطلاح التخاطب لإغناء الحيثية عنه، نعم تفسير الوضع ابتداء بما ذكر يوجب استدراك قوله لعلاقة في تعريف المجاز وسيأتي مزيد بيان لذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 230
قوله:
(فخرج المهمل)
(2/21)
---(1/470)
أي بقوله مستعمل كما قاله المحشيان وفيه نظر لأن المراد بالمهمل غير الموضوع لا الموضوع الذي لم يستعمل لأنه ذكر ذلك بقوله وما وضع ولم يستعمل والمهمل قد يستعمل ولو في معنى عقلي كحياة المتكلم فلا يخرج إلا بقيد الوضع، وإنما كان يخرج بقوله مستعمل لو أريد بالمستعمل الموضوع كما أريد ذلك في قوله السابق أو لفظ مفرد مستعمل كالكلمة وليس كذلك إذ لا يتأتى هنا إرادة ذلك مع قوله فيما وضع له فليتأمل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 230
قوله:
(والغلط)
أي خرج بما وضع له الغلط كقولك: خذ هذا الفرس مشيراً إلى حمار. بقي أن يقال: إن من الغلط ما لو قال مثلاً: خذ هذا الفرس مشيراً إلى فرس آخر غير الفرس الذي أراد الآمر بأخذه لظنه أنه هو وفي خروجه بذلك نظر، اللهم إلا أن يكون المراد الغلط اللساني فقط فليتأمل سم.
قوله: (وهي لغوية الخ) لا يقال: الحد الذي ذكره المصنف كغيره للحقيقة اصطلاحاً ولهذا قال العضد: الحقيقة في اللغة ذات الشيء اللازمة له من حق إذا لزم وثبت، وفي الاصطلاح اللفظ المستعمل الخ، وحينئذ فتقسيمها إلى اللغوية والشرعية والعرفية من قبيل تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره لأن الاصطلاحية عرفية وهو باطل. لأنا نقول إنما يرد لو كان المراد باللغوية والشرعية والعرفية ما يسمى حقيقة لغة أو شرعاً أو عرفاً وليس كذلك، بل المراد ما كان الوضع فيه وضعاً لغوياً أو عرفياً أو شرعياً سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 230
قوله:
(باصطلاح أو توقيف)
(2/22)
---(1/471)
اعترض العلامة قوله أو توقيف فقال التوقيف طريق إلى العلم بالوضع لا سبب لتحققه فلو أسقطه وما قبله وقال بأن وضعها واضع اللغة كان سديداً اهـ. وجوابه أن المراد بالوضع أعم من أن يكون صادراً عن أهل اللغة أو ينسب إليهم باعتبار ظهوره عنهم بواسطة الوحي أو العلم الضروري وهم يتمسكون بذلك ويتخاطبون به في محاوراتهم كما للحفيد في حواشي شرح التلخيص. وحاصله أنه لا بد من مسامحة في الوضع ليعم القسمين قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 231
قوله:
(أهل العرف العام)
هو ما لم يتعين ناقله والعرف الخاص ما تعين ناقله، قال سم: وكأن هذا باعتبار الواقع وإلا فيمكن أن يتعين الناقل في الأول ولا يتعين في الثاني فليتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 231
قوله:
(لكل ما يدب)
بكسر الدال كما في المختار فبابه ضرب، ومعنى يدب يعيش على الأرض، والمراد بالأرض ما نزل عن السماء فيشمل الطير والسمك وتخرج الملائكة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 231
قوله:
(ووقع الأوليان)
الأولى قراءته الأولتان بالتاء تثنية أولة وإن كان لغة قليلة كما سيذكره الشارح رعاية لكونه هو الذي قاله المصنف وكتبه بخطه كما قاله الشيخ خالد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 231
قوله:
(جزما)
تبع في الجزم بوقوع العرفية الزركشي قال القرافي : وهو مسلم في العرفية الخاصة وأما العامة فأنكرها قوم كالشرعية شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 231
قوله:
(والكثير الأولى)
(2/23)
---(1/472)
أي واللفظ الكثير. قوله: (بناء على أن بين اللفظ والمعنى مناسبة الخ) قضية هذا نفي العرفية أيضاً فلم اقتصر على الشرعية؟ ويمكن أن يجاب بأن هؤلاء القوم يلتزمون نفي العرفية أيضاً وإنما اقتصر المصنف على الشرعية في النقل عنهم لعدم تصريحهم بنفي غيرها مع احتمال فرقهم بينهما والتصرف في الدليل بحيث يخص الشرعية. واعترض العلامة قوله بناء على أن الخ بقوله هذا لا يتم به المطلوب لأن الشرعية ما وضعه الشارع لمعنى، فأما لمناسبة بينه وبين المعنى الأول فمنقول أو لا لمناسبة فموضوع مبتدأ فالمنقول الشرعي أخص ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم الذي هو المدعي اهـ. وفيه أن مبنى هذا الاعتراض على حمله النقل على الوضع لمناسبة بين الموضوع له والمعنى الأول. ولباحث أن يمنع ذلك لجواز أن يكون المراد بالنقل هنا أعم من ذلك ومن الوضع لا لمناسبة بل هذا هو الظاهر، فإن المعنى الذي اعتبره هذا القائل موجود في القسمين ولا يلزم من تعبيره بالنقل أن المراد المنقول الاصطلاحي قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 231
قوله:
(قالا ولفظ الصلاة الخ)
جواب سؤال ورد عليهما تقديره ظاهر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 231
قوله:
(في الاعتداد به)
أي لا في التسمية، وهذه الأمور المعتبرة في الاعتداد به اعتبرت على وجه الشرطية لا الشطرية وإلا فلا تكون الصلاة مستعمل في معناها اللغوية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 231
قوله:
(وقال قوم وقعت مطلقا)
(2/24)
---
أي دينية كانت أو فرعية بدليل ما بعده، وهذا قول جمهور الفقهاء والمتكلمين والمعتزلة، واختلفوا في كيفية وقوعها فقالت المعتزلة: إنها حقائق وضعها الشارع مبتكرة لم يلاحظ فيها المعنى اللغوي أصلاً ولا للعرف فيها تصرف. وقال غيرهم: إنها مأخوذة من الحقائق اللغوية بمعنى إنه استعير لفظها للمدلول الشرعي لعلاقة فهي على هذا مجازات لغوية لا حقائق شرعية قاله شيخ الإسلام .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 232
قوله:(1/473)
(أي تصديق القلب الخ)
أي فالإيمان وإن كان تصديقاً على وجه خاص وهو التصديق بما علم ضرورة أنه من دين محمد لا يخرج عن كونه مستعملاً في معناه اللغوي وهو مطلق التصديق لصدق الأعم على جميع أفراده وهذا فرد منها،والحاصل أن المراد بمطلق التصديق التصديق من غير اعتبار قيد وذلك لا ينافي صدقه مع وجود القيد، وليس المراد به التصديق بشرط عدم القيد حتى ينافي صدقه على الإيمان. وبما قررناه اندفع ما للعلامة رحمه الله تعالى هنا من النظر بقوله: قد يقال الإيمان شرعاً معناه تصديق النبي في جميع ما علم بالضرورة مجيئه به. ولغة مطلق التصديق فهو أعم من الأول والأعم غير الأخص قطعاً وإن صدق به بدون العكس اهـ. وعبارة الكمال في قول الشارح الآتي كالإيمان فإنها في الشرع مستعملة في معناها اللغوي. واعلم أن الإيمان لغة تصديق القلب مطلقاً. وشرعاً تصديق خاص وهو تصديق القلب بما علم ضرورة أنه من دين محمد . وجعل المتعلق خاصاً لا يقتضي نقل الإيمان عن كونه تصديقاً بالقلب بل هو باق على الاستعمال في المعنى اللغوي اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 232
قوله:
(وإن اعتبر الشارح الخ)
أي على وجه الشرطية كما تقدم نظير ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 232
قوله:
(لا الدينية الخ)
(2/25)
---
اعلم أن المعتزلة أثبتوا الحقائق الشرعية الدينية وهي ما لا يعلم أهل اللغة لفظه أو معناه أو كليهما، قال التفتازاني : والظاهر أن الواقع هو القسم الثاني فقط أي ما لم يعرف أهل اللغة معناه، فالمعتزلة يزعمون أن لفظ الإيمان مثلاً ابتكر الشارع وضعه لمعنى لا يعرفه أهل اللغة وهو العبادات، وخالفهم الشيرازي و الإمامان و ابن الحاجب والمصنف وقالوا: إن الشارع لم يبتكر وضعه لما ذكر وإنما استعمله في معناه اللغوي، وبما قررناه يرد ما أطال به هنا العلامة قدس سره ودعواه إن قول الشارح كالإيمان جار على قول المعتزلة فراجعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 232
قوله:(1/474)
(الذي هو مسمى ما صدق الحقيقة الشرعية)
(2/26)
---
نعت لمعنى من قوله ومعنى الشرعي فتقدير كلامه ومعنى لفظ الشرعي الذي هو معنى لفظ الحقيقة الشرعية إذ المراد بالحقيقة الشرعية ما صدقها كلفظ الصلاة والزكاة والصوم، ولا شك أن المراد من المسمى كالمعنى المفهوم الكلي، وحينئذ فلا شبهة في صحة الحمل في قول الشارح الذي هو مسمى الخ. ولذا أخبر عن معنى الشرعي أي مفهومه الذي هو مفهوم ما صدق الحقيقة الشرعية بقول المصنف: ما لم يستفد اسمه إلا من الشرع. وقول الشارح بعد كالهيئة المسماة بالصلاة تمثيل بجزئي لإيضاح هذا الكلي وهو قولنا ما لم يستفد اسمه الخ من حيث اشتماله على ذلك الكلي وصدق الكلي عليه وتقدير كلامه كالهيئة المسماة بالصلاة فإنه يصدق عليها إنها شيء لم يستفد اسمه إلا من الشرع، وتمثيل الكلي بجزئيه من هذه الحيثية من الوضوح بمكان، وليس في كلام الشارح حمل الجزئي الذي هو الهيئة المسماة بالصلاة على الكلي الذي هو مفهوم الشرعي المراد من معنى الشرعي بهو هو في قوله الذي هو مسمى ما صدق الحقيقة الشرعية كما علمت، وحينئذ يسقط قول العلامة رحمه الله تعالى لا يخف عليك أن الشرعي موضوع بإزاء مفهوم كلي هو شيء لم يستفد اسمه إلا من الشرع، وأن الصلاة مثلا موضوع بإزاء الهيئة المذكورة، وأن الهيئة من جزئيات ذلك المفهوم لا نفسه فهو أخص منه، والأخص لا يحمل على أعمه بهو هو كما فعل الشارح اهـ. وكان ملحظه أن قوله ما لم يستفد اسمه إلا من الشرع وقع محمولاً ومخبراً به عن معنى الشرعي، وقد مثل ذلك المحمول بالهيئة المذكورة والمثال عين الممثل له، فقد وقع حينئذ حمل الهيئة المذكورة والإخبار بها عن المعنى المذكور الذي هو مفهوم كلي وهو مندفع بما تقدم، ولبعض مشايخنا في دفع ما أورده العلامة تكلفات لا حاجة بنا إلى ذكرها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 232
قوله:
(لم يستفد اسمه إلا من الشرع)
(2/27)
---(1/475)
قال العلامة: أي لم يستفد كون اللفظ المخصوص اسماً لذلك الشيء إلا من الشرع، فالمستفاد وصفه بالاسمية لا ذاته، فلو أسقط اسمه لكان أخصر وأظهر اهـ. وجوابه أن عبارة المصنف فيها تجوّز بحذف المضاف والأصل لم يستفد وضع اسمه له إلا من الشرع، وتقدير المضاف لا شبهة في صحته وإنه أمر شائع سائغ حتى صرح ابن مالك بقياسيته حيث استحال الظاهر. فإن قيل: أيّ قرينة على تقدير هذا المضاف؟ قلنا: استحالة الظاهر ولو في الجملة للقطع بأن ذات أكثر الحقائق الشرعية أو ذات كثير منها مستفادة من غير الشرع اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 233
قوله:
(وقد يطلق على المندوب والمباح)
فيه إن هذا خارج عن المبحث لأن قولهم المباح مشروع والمندوب مشروع معناه فعل تعلق به حكم الشارع لا معنى وضع بإزائه لفظ كالصلاة والزكاة. وجوابه أنه لما ذكر المصنف معنى الشرعي لتعلقه بالمبحث لكونه معنى الحقيقة الشرعية التي هي من جملة المبحث ناسب بيان بقية معانيه، فهذا وإن كان خارجاً عن المبحث فله مناسبة به قوية قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 233
قوله:
(ولا يخفى مجامعة الأول)
أي تفسير الشرعي بما لم يستفد اسمه إلا من الشرع لكل من الإطلاقات الثلاثة في الشرع أي على الواجب والمندوب والمباح، إذ يصح أن يطلق على الشيء أنه شرعي بمعنى إن اسمه لم يستفد إلا من الشرع، وإنه شرعي بمعنى إنه واجب أو مندوب أو مباح قاله شيخ الإسلام. قال الشهاب: نعم قد ينفرد عن الإطلاقات الثلاثة بالصلاة في الحمام وغير ذلك من المطلوب الترك كصلاة الحائض فإن تسميته بالصلاة لم يستفد إلا من الشرع ولا يوصف بالواجب ولا المندوب ولا المباح اهـ. وإنما انفرد الشرعي فيما ذكر عن الإطلاقات الثلاثة لأن وصف الصحة ليس داخلاً في مفهوم الشرعي كما نبه على ذلك العلامة رحمه الله تعالى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 233
قوله:
(2/28)
---
(والمجاز)(1/476)
قال السيد: لفظ المجاز إما مصدر ميمي بمعنى الجواز أي الانتقال من حال إلى غيرها، وإما اسم مكان منه بمعنى موضع الانتقال وقد نقل في الاصطلاح إلى المعنى المذكور لمناسبة هي أن اللفظ قد انتقل إلى غير معناه الأصلي فهو متصف بالانتقال وسبب له في الجملة، وأن المستعمل قد انتقل فيه من معنى إلى آخر، هذا هو الظاهر من الشرح يعني العضد وإن أمكن أن يقال في توجيهه نقل المجاز عن معناه اللغوي إلى معنى الجائز ومنه إلى اللفظ المذكور كما هو المشهور اهـ من سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 233
قوله:
(المراد عند الإطلاق)
قيد بذلك للاحتراز عن المجاز في الإسناد، فإن المراد تعريف أحد نوعي المجاز. فإن قيل: لم لم يقيد الحقيقة بمثل ذلك كأن يقول المرادة عند الإطلاق؟ قلنا لعدم الحاجة إلى ذلك لأن كلاً من الحقيقة والمجاز إذا أطلق لا ينصرف إلا لما يكون في غير الإسناد كما قال في المطول، فالمقيد بالعقلي أي من الحقيقة والمجاز ينصرف إلى ما في الإسناد والمطلق أي منهما إلى غيره سواء كان لغوياً أو شرعياً أو عقلياً اهـ. وإنما ذكر ما تقدم في المجاز لئلا يتوهم من قول المصنف الآتي، وقد يكون في الإسناد أن المراد هنا تعريف الأعم وإن هذا الآتي وما معه تفصيل له فليتأمل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 234
قوله:
(وهو المجاز في الأفراد)
(2/29)
---(1/477)
قال العلامة: فيه مناقشة وهو أن المجاز المطلق يراد منه اللفظ والمجاز في قولك المجاز في الأفراد مراد به المصدر الميمي أي التجوز في الأفراد اهـ. ويمكن دفع هذه المناقشة أما أولاً فبأنه لا تتعين إرادة المصدر هنا بل تجوز إرادة اللفظ، وجعل قوله في الأفراد حالاً لا صلة المجاز أي المجاز بمعنى اللفظ حال كونه في الأفراد لا في التركيب، على أنه يمكن تعلق في بالمجاز بمعنى اللفظ لأن فيه معنى الحدث أي التجوز، وذلك مما يكفي لتعلق الظرف وله نظائر، وقد جوز بعضهم تعلق في السموات وفي الأرض بلفظ الجلالة بالمعنى العلمي في قوله تعالى: {وهو الله في السموات وفي الأرض} (الأنعام: 3) نظراً لما فيه من معنى الحدث بحسب الأصل أي الألوهية بمعنى المعبودية. وأما ثانياً فلو سلمنا تعين المصدر يمكن تقدير المضاف أي وهو مجاز المجاز في الأفراد أي مجاز التجوز في الأفراد. وأما ثالثاً فيجوز أن يكون قولنا المجاز في الأفراد اسماً اصطلاحياً للفظ المخصوص فلا يضر كونه في الأصل بمعنى التجوز في الأفراد اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 234
قوله:
(اللفظ المستعمل)
قال سم: شمل المركب وهو صحيح لأن المجاز بمعنى اللفظ يكون مفرداً ومركباً نحو: إني أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى اهـ. وفيه أن هذا مخالف لقوله السابق في تقرير عبارة الشارح أي المجاز حال كونه في الأفراد لا في التركيب وأن المصنف لم يذكره أيضاً فلا وجه لإدخاله في كلامه. قوله: (المستعمل بوضع) خرج به المهملة وما لم يستعمل والغلط ولم يتعرض الشارح لذلك اكتفاء بما قدمه في تعريف الحقيقة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 234
قوله:
(لعلاقة)
(2/30)
---(1/478)
قد يقال: لا حاجة إليه لخروج الحقيقة التي خرجت به بقوله بوضع ثان على ما تقدم في تعريف الحقيقة من أن المراد فيها بالوضع ابتداء أن لا يكون الوضع المذكور باعتبار وضع آخر وملاحظته، المفيد أن المراد بالوضع الثاني في تعريف المجاز أن يكون الوضع فيه باعتبار وضع آخر وملاحظته وهو معنى العلاقة على ما اختاره سم كما تقدم ذلك عنه، ويخرج العلم المنقول أيضاً بقوله بوضع ثان لأن الوضع فيه وإن كان ثانوياً لكن لم يكن ذلك الوضع متوقفاً على ملاحظة الوضع الأول على ما اختاره في معنى الوضع الثاني أيضاً وهو خلاف مفاد الشارح من إخراج العلم المنقول بقوله لعلاقة. وفي جوابه عما ذكر بقوله والأظهر وهو الجواب الشافي أن يقال: المراد بالوضع الثاني في تعريف المجاز ما هو الظاهر من الثاني لأن الثانوية بالمعنى الظاهر متحققة في المجاز أبداً ضرورة أن المجاز عبارة عن اللفظ المستعمل فيما بينه وبين معناه الأول علاقة فلذا احتيج بعد ذكر الوضع إلى قيد العلاقة لإخراج العلم المذكور أي المنقول، وكان ذكر العلاقة مع ذكر قيد الثانوية قرينة، على أن المراد بالثانوية ما يتبادر منها، وهذا بخلاف الوضع الأول في تعريف الحقيقة فإنه لما كانت الأولية بمعناها الظاهري غير مطردة ثم بل قد يكون وضع الحقيقة ثانوياً بالمعنى الظاهر احتيج إلى حمله على ما تقدم اهـ مخالفة لما ذكره في تعريف الحقيقة. وحاصل جوابه أن الأولية في تعريف الحقيقة يراد بها غير المعنى الظاهر منها وهو كون الوضع غير ملاحظ فيه وضع آخر كما مر وأما الثانوية في تعريف المجاز فيراد بها ما هو الظاهر منها لا كون الوضع فيه متوقفاً على ملاحظة وضع آخر، وحينئذ يكون قيد العلاقة غير مستدرك ولا يخفى ما فيه من التعسف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 234
قوله:
(كفضل)
(2/31)
---(1/479)
قال العلامة في التمثيل به للعلم المنقول لا لعلاقة نظر إذ العلاقة في فضل مصدراً وعلماً ظاهرة والمطابق التمثيل له بما مثل به التفتازاني هو جعفر اهـ. وجوابه أن قولهم لعلاقة ليس المراد به وجود ما يصلح أن يكون علاقة في نفس الأمر وإلا لزم التجوز في كثير من الحقائق غير الإعلام لاشتمالها على ما يصح أن يجعل علاقة وهو باطل قطعاً، بل المراد أن يكون الاستعمال باعتبار تلك العلاقة وملاحظتها، وظاهر أن العلم المذكور ليس كذلك للقطع بعدم اعتبار العلاقة في استعماله وإن كان معه ما يصلح أن يكون علاقة، وبهذا تظهر أولوية ما ذكره الشارح عما ذكره السعد لأن فيه تنبيهاً على أن المشترط في المجاز اعتبار ما يصلح أن يكون علاقة لا مجرد تحقق ما يصلح لذلك، فالتمثيل المذكور من دقائق الشارح رحمه الله سم. وقول بعضهم في قول الشارح خرج العلم المنقول أي فلا يوصف بمجاز لعدم العلاقة ولا بحقيقة لكون وضعه غير أولى يرده حمل الوضع الأولى في تعريف الحقيقة على ما تقدم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 235
قوله:
(لا الاستعمال)
عطف على الوضع ومفاده أن وجوب سبق الاستعمال لم يعلم من التقييد المذكور وليس مراداً، بل المراد أنه علم أنه لا يجب سبقه كما أشار إليه الشارح قاله شيخ الإسلام. قوله: (وإلا لعرى الخ) بكسر الراء أي خلا ومضارعه يعرى بفتحها، وأما عرا يعرو كغزا يغزو فمعناه المخالطة ومنه: وإني لتعروني لذكراك هزة. وأما قول صاحب الجوهرة: وقد عرا الدين عن التوحيد. فلضرورة النظر كما قاله في شرحه وفيه شيء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 235
قوله:
(وأجيب بحصولها الخ)
(2/32)
---(1/480)
أي لأنه لولا الوضع الأول لما وجد الثاني. قوله: (والأصح لما عدا المصدر) فيه أن المتبادر منه أنه يجب في استعمال المصدر مجازاً سبق استعماله حقيقة وليس مراداً بل المراد أنه يجب في استعمال مشتقه مجازاً سبق استعماله هو حقيقة كما بينه الشارح. ثم هذا الذي صححه المصنف فيه توقف إذ لا يلزم من كون المشتق مجازاً وجوب سبق استعمال مصدره حقيقة. قوله: (ويجب لمصدر المجاز) قال العلامة: لو قال للمصدر المجاز بالنعت لا الإضافة لكان أولى ليشمل المصدر المجاز الذي لم يشتق منه شيء إلى آخر عبارته. وفيه أنه لا يشمل حينئذ المصدر الذي لم يتجوز فيه بل في مشتقه، مع أن شموله لما ذكره إنما يصح لو كان المصنف يشترط في التجوز بالمصدر أيضاً سبق استعماله في معنى حقيقي وهو غير معلوم بل ظاهر النقل عنه خلافه، ولهذا قال شيخ الإسلام قوله ولا يجب لما عدا المصدر ليس المراد بمفهومه أن المصدر إذا استعمل مجازاً يجب سبق استعماله حقيقة بل إنه إذا استعمل مشتقه مجازاً يجب ذلك كما نبه عليه الشارح بقوله: ويجب لمصدر المجاز اهـ. والحاصل أن عبارة النعت تشمل ما ليس بمعلوم الإرادة ولا تشمل ما هو معلومها. وعبارة الإضافة بالعكس فهي الصواب، فظهر أنه لا معنى لهذا البحث اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 236
قوله:
(فلا يتحقق في المشتق مجاز الخ)
(2/33)
---(1/481)
قال العلامة: ينتقض بنحو عسى وليس ونعم وبئس فإنها مجازات لاستعمالها في الحدث مجرداً عن الزمان ولم تستعمل مصادرها لا حقيقة ولا مجازاً اهـ. وممن صرح بكونها مجازات العضد فقال: وكذا أي لو استلزم المجاز الحقيقة لكان لنحو عسى وحبذا من الأفعال التي لم تستعمل في زمان معين أي لكان لتلك الأفعال حقيقة اهـ. قال السعد: لا يقال: لا نسلم أن هذه مجازات بل لم توضع إلا لمعانيها التي استعملت فيها وإن سلم فلا نسلم عدم الاستعمال غايته عدم الوجدان وهو لا يدل على عدم الوجود. لأنا نقول: الكلام مع من اعترف بأنها أفعال مع الإطباق على أن كل فعل موضوع لحدث وزمان معين من الأزمنة الثلاثة، ولا نعني بعدم الاستعمال إلا عدم الوجدان بعد الاستقراء، على أن عدم جواز استعمال هذه الأفعال في المعاني الزمانية معلوم في اللغة اهـ. وقال السيد: وأما نحو عسى من الأفعال التي لم تستعمل في زمان معين مع كونه داخلاً في مفهوم الفعل فمن إطلاق لفظ الكل على الجزء اهـ. ولا يخفى قوة الإشكال بذلك على المصنف إلا أن يكون تفصيله مقيداً بماله مصدر فتخرج المذكورات إذ لا مصادر لها، ويتكلف الفرق بنحو أن ماله مصدر تفرع عنه. وجوده تفرعاً محققاً فناسب أن يتفرع تجوّزه عن استعماله ولا كذلك ما لا مصدر له قاله سم. قلت: هو جواب حسن لو كان تفصيل المصنف مسلماً في حد ذاته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 236
قوله:
(كالرحمن)
الظاهر أنه تمثيل للمشتق الذي تحقق فيه مجاز وقد سبق استعمال مصدره حقيقة. فقوله وهو من الرحمة وحقيقتها الرقة والحنو الخ بيان لوجوب كونه مجازاً في حقه تعالى لا حقيقة لاستحالة معناه الحقيقي في حقه تعالى، نعم التمثيل به لذلك لا يتوقف على نفي استعماله لغير الله تعالى، فقوله: لم يستعمل الإله تعالى الظاهر أنه لزيادة الفائدة لا لتوقف التمثيل عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 236
قوله:
(2/34)
---
(فمن تعنتهم في كفرهم)(1/482)
قال شيخ الإسلام كغيره أي فخرجوا بمبالغتهم في كفرهم عن منهج اللغة حيث استعملوا المختص بالله في غيره. قال سم: ولي فيه إشكال لأنه حيث كان من الصفات الغالبة ومن لازمها أن يكون القياس جواز إطلاقها على غيره كان هذا الإطلاق من بني حنيفة غايته أنه إطلاق موافق لقياس لغة العرب ونطق بما قياس لغة العرب جواز النطق به ومثله مما يجب صحته، فكيف يحكم بعدم صحته وبأنه خروج عن منهج اللغة؟ لا يقال: إنه صار علماً لله تعالى وإن الواضع شرط أن لا يستعمل في غيره تعالى فلا يصح إطلاقه على غيره تعالى، لأنا نقول: أما الأول فغايته أنه صار علماً بالغلبة ومثله لا يمتنع إطلاقه بالمعنى الوضعي على الغير كما في سائر الأعلام الغالبة. وأما الثاني ففي غاية البعد ولا دليل عليه فلا يصح الجزم بالحكم عليهم بالخطأ بمجرد الاحتمال، وبهذا يظهر قوة ما حكاه بقوله: وقيل إنه معتد به الخ. وضعف قول الكمال فيه أن الشارح إنما أخره لأنه أضعف الوجوه اهـ. قلت: الغلبة هنا تقديرية فهو لم يسبق له استعمال في غير الله تعالى كلفظ الجلالة فسقط إشكاله، وتبين أن الوجه الأول هو الأوجه وضعف ما عداه سيما الأخير الذي استوجهه وقواه والله أعلم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 237
قوله:
(أي إن هذا الاستعمال غير صحيح)
ظاهره أنه لا يصح حقيقة ولا مجازاً وقد يستشكل ذلك اهـ سم. قلت: قد علمت سقوطه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 237
قوله:
(قالا وما يظن مجازاً الخ)
(2/35)
---(1/483)
قال المصنف في شرح المنهاج: وأما من أنكر المجاز في اللغة مطلقاً فليس مراده أن العرب لم تنطق بمثل قولك للشجاع أنه أسد فإن ذلك مكابرة وعناد ولكن هو دائر بين أمرين: أحدهما أن يدعي أن جميع الألفاظ حقائق ويكتفي في كونها حقائق بالاستعمال في جميعها وهذا مسلم ويرجع البحث لفظياً فإنه يطلق حينئذ الحقيقة على المستعمل وإن لم يكن بأصل الوضع ونحن لا نطلق ذلك وإن أراد بذلك استواء الكل في أصل الوضع، فقال القاضي في مختصر التقريب: فهذه مراغمة للحقائق فإنا نفهم أن العرب ما وضعت اسم الحمار للبليد ولو قيل للبليد حمار على الحقيقة كالدابة المعروفة وأن تناول الاسم لهما متساو فهذا دنوّ من جحد الضرورة اهـ كلام المصنف. وفي النهاية للصفي الهندي: فإن عنى الخصم بالحقيقة ما يفيد معنى ولا يحتمل غيره سواء كان ذلك المفيد لفظاً صرفاً أو لا يكون كذلك، لكن يشترط أن يكون بعضه لفظاً إذ الدلائل العقلية لا توصف بكونها حقائق فهو نزاع لفظي فإنا لا نعني بالحقيقة إلا اللفظ الذي يكون مستقلاً بالإفادة بدلالة وضعية، فإن كان الخصم يريد بها غيره فله ذلك إذ لا مشاحة في الألفاظ اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 237
قوله:
(لأنه كذب بحسب الظاهر)
هذا يجري في المجاز العقلي أيضاً، فلعل المراد بالمجاز هنا ما يشمله وإن لم يتعرض له بعد، ويؤيد هذا تعبير العضد بقوله لنا أي على وقوع المجاز في اللغة أن الأسد للشجاع والحمار للبليد، وشابت لمة الليل، وقامت الحرب على ساق مما لا يحصى من المجازات لأنها يسبق منها عند الإطلاق خلاف ما استعملت فيه، وإنما يفهم هو بقرينة وهو حقيقة المجاز اهـ من سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 237
قوله:
(وأجيب بأنه لا كذب مع اعتبار العلاقة)
(2/36)
---(1/484)
قال العلامة: إذا تأملت قول المجيب مع اعتبار العلاقة وقول المستدل بحسب الظاهر وجدت الجواب غير ملاق للدليل، والمناسب سوق الدليل مجرداً عن قوله بحسب الظاهر ثم قال ثم الكذب لازم لإرادة المعنى الحقيقي، فارتفاعه إنما هو بإرادة المعنى المجازي، والدال عليه هو القرينة فانتفاء الكذب لأجل وجود القرينة على المعنى المجازي لا لأجل اعتبار العلاقة كما قال الشارح والعلاقة غير القرينة إذ قولك: رأيت أسداً يرمي العلاقة فيه المشابهة والقرينة يرى اهـ كلام العلامة وهو وجيه جداً وكلام سم هنا لا يعول عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 238
قوله:
(أي عدم الفهم)
(2/37)
---
وجه كونه صفة ظاهرة أنه مما يطلع عليه بالمخاطبة ونحوها، فإن عدم الفهم يظهر بمخاطبة صاحبه ظهوراً تاماً كما لا يخفى على المجرب قاله سم، قلت: الحق أن المراد بظهور الصفة ظهور آثارها كما لا يخفى. قوله: (عن الحقيقة الأصل) وجه الوصف بالأصالة الإشارة إلى تحقيق معنى العدول الذي عبر به، إذ لو لم يكن أصلاً فلا وجه لمعنى العدول إلا أن المجاز لا يستلزم الحقيقة، فلعل هذا الكلام باعتبار الغالب اهـ سم. قلت: أو المراد بالأصل الراجح كما سيعبر به الشارح أو الأصلية باعتبار سبق الوضع. قوله: (كالخراءة) بكسر الخاء وفتح الراء والمد بوزن قراءة قاله الشيخ خالد وفي المصباح أنها بوزن كربة. قوله: (أو جهلها) هو مصدر المبني للمجهول أو من إضافة المصدر إلى مفعوله، وفي جعل الإتيان بالمجاز لجهل الحقيقة عدولا تساهل، إذ العدول يستدعي ترك الحقيقة مع معرفتها، ويمكن أن يراد بالعدول إلى المجاز مطلق الإتيان به دون الحقيقة، فيشمل الإتيان به على وجه العدول أولاً على وجهه، وقول شيخنا مبيناً لمعنى العدول في صورة جهل الحقيقة أن الآتي بالمجاز المذكور يعلم أن لذلك المجاز حقيقة لكنه لا يعلم عينها، فإتيانه بالمجاز حينئذ عدول عن الحقيقة اهـ. لا يخفى تعسفه وعدم إجدائه بعد التعسف فتأمل.(1/485)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 238
قوله:
(فإنه أبلغ من شجاع)
(2/38)
---
قال العلامة: تعبير الشارح بأبلغ الموافق لتعبيرهم في اقتضاء ثبوت البلاغة للحقيقة يقتضي أن المصنف لو قال: أو أبلغيته كان أولى وما اقتضاه التمثيل بزيد أسد الخ وجوابه بعد تمهيد مقدمة وهي أن أفعل التفضيل في قولهم أن المجاز أبلغ من الحقيقة لعله من المبالغة لا البلاغة قال السيد الصفوي: وفيه نظر إذ لا مبالغة في الحقيقة في كثير من المواضع، ولعله إنما قال ذلك دفعاً لما يورد على الأبلغية من أنه لا يجوز صرف كلام الله تعالى ورسوله عن الحقيقة ما أمكن، وكيف ذلك مع أن المجاز أبلغ؟ وجوابه أن أبلغيته إذا وافق مقتضى الحال والحال في كلامهما إنما يقتضي الحمل على الحقيقة، وإن سلم فما المانع من عدم الحمل على الأبلغ لمانع شرعي فتأمل اهـ. وبه يظهر أن التفضيل المقتضى المشاركة بين المجاز والحقيقة في أصل الفعل غير مطرد سواء كان أبلغ من المبالغة أو البلاغة، وحينئذ فيوجه عدول المصنف عن التعبير بأبلغيته بعدم اطراد التفضيل المقتضى للمشاركة في أصل الفعل، إذ قد ينفرد المجاز بالبلاغة بخلاف التعبير ببلاغته أي بالنسبة إليها بمعنى البلاغة الممتاز بها عنها فإنه مطرد سواء تشاركا في الأصل أو لا فهذا من دقائق الكتاب. وأما ما أشار إليه من المناقشة في التمثيل بأن زيداً في المثال المذكور مستعمل في حقيقته وهو من باب التشبيه البليغ، فجوابه أن كون أسد في المثال المتقدم استعارة للرجل الشجاع والقرينة حمله على زيد مما ذهب إليه السعد ونقله غيره عن المحققين، وإذا علمت ذلك علمت اندفاع ما أورده الشهاب على قول الشارح نحو زيد أسد الخ بقوله فيه نظر من وجهين: الأول: أن زيداً في هذا التركيب مستعمل في معناه الحقيقي لأنه من باب التشبيه البليغ. الثاني: أن قضية المتن أن البلاغة في المجاز دون الحقيقة والمثال وإن كان صحيحاً في نفسه غير مطابق للمتن إلا بعناية اهـ. ووجه علم(1/486)
اندفاع الأول واضح، ووجه علم اندفاع الثاني ما علم من أن الحقيقة
(2/39)
---
والمجاز قد يتشاركان في الأصل فيتحقق معنى التفضيل، وقد ينفرد المجاز بالأصل فلا يتحقق، وتعبير الشارح بالأبلغية في مثال مخصوص لا ينافي ذلك كما لا يخفى بعد ما قررناه اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 238
قوله:
(أو شهرته)
قد يقال: لا حاجة مع ذلك لقوله أو جهلها لأنه إذا كفت شهرته مع العلم بالحقيقة فكيف الجهل بها؟ وقد يجاب بأن الجهل بها قد يكون مع عدم شهرته فهما غرضان على أن مقام التفصيل لا يلتفت فيه لمثل ذلك لأن مقام استيعاب. قوله: (كإخفاء المراد عن غير المتخاطبين الجاهل بالمجاز) أي كما إذا أردت أن تعرف مخاطبك دون غيره أنك رأيت إنساناً جميلاً فتعدل حينئذ عن الحقيقة التي يعرفها ذلك الغير إلى المجاز الذي لا يعرفه وتقول: رأيت قمراً مثلاً. قوله: (وليس غالباً على اللغات) الأوضح أن لو قال: وليس غالباً في اللغات كما سيقول الشارح عن ابن جني إلا أن تجعل على في عبارة المصنف بمعنى في على حد قوله تعالى: {ودخل المدينة على حين غفلة} (القصص: 15) أي في حين غفلة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 239
قوله:
(أي ما من لفظ الخ)
(2/40)
---(1/487)
لا يخفى أن المفهوم من هذه العبارة أنه ما من لفظ إلا وهو في أكثر استعمالاته مستعمل في معنى مجازي لأنه حكم بأن كل لفظ مشتمل في الغالب على تجوز، ولا يكون كذلك إلا إذا كان في أكثر استعمالاته كذلك فيكون استعماله مجازاً أكثر من استعماله حقيقة، وهذا هو المتبادر من تعبير الصفي الهندي في نهايته بقوله: المسألة الحادية عشرة في أن الغالب في الاستعمال الحقيقة أو المجاز قيل الحق هو الثاني للاستقراء، أما بالنسبة إلى كلام الفصحاء في نظمهم ونثرهم فظاهر لأن أكثرها تشبيهات واستعارات للمدح والذم وكنايات وإسنادات قول وفعل لمن لا يصلح أن يكون فاعلاً لذلك كالحيوانات والدهر والأطلال والدمن ولا شك أن كل ذلك تجوز. وأما بالنسبة إلى الاستعمال المعلوم فكذلك فإن الرجل يقول: سافرت البلاد، ورأيت العباد، ولبست الثياب، مع أنه ما سافر في كلها ولا رأى كلهم وما لبس كل الثياب. وكذلك يقول: ضربت زيداً مع أنه ما ضرب إلا جزءاً منه اهـ. وحينئذ ينظر في قول شيخ الإسلام في هذا أي قوله: ما من لفظ الخ لا يخفى أن هذا لا يوفى بمدعى ابن جني من أن المجاز غالب على الحقيقة لصدقه بمساواتهما اهـ. لكن يشكل حينئذ استدلاله بقوله: تقول مثلاً رأيت زيداً الخ إذ مجرد ذلك لا يثبت الأكثرية. ويجاب بأنه نبه بذينك المثالين على غيرهما فكأنه يقول وهكذا غير ذلك من الأمثلة قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 239
قوله:
(والمرئي والمضروب بعضه)
(2/41)
---(1/488)
قد يدفع ذلك بأن المفهوم من اللغة أن نحو رأيت زيداً وضربته موضوع للرؤية، والضرب المتعلقين به أعم من أن يعماه أولاً فيكون حقيقة مطلقاً فليتأمل. والضرب قال في المحصول: إمساس جسم لجسم حيواني بعنف قال القرافي في شرحه: الظاهر أنه لا يشترط في المضروب أن يكون حيواناً لقوله تعالى: {أن اضرب بعصاك البحر} (الشعراء: 63) وفي الآية الأخرى: {أن اضرب بعصاك الحجر} (الأعراف: 160) والظاهر أن هذا حقيقة لأن الأصل عدم المجاز اهـ سم. قوله: (وإن كان يتألم بالضرب كله) أي فإنه لا يمنع اشتمال ضربت زيداً على المجاز من حيث أن المضروب بعضه لا كله، لأن الكلام في نسبة الضرب الذي هو إمساس الجسم لا في نسبة التألم الذي هو أثر الإمساس شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 240
قوله:
(حيث تستحيل الحقيقة)
(2/42)
---(1/489)
أي تمتنع عقلاً أو عادة لا شرعاً لما ذكره الشارح من العتق فيما إذ كان مثل العبد يولد لمثل السيد وكان معروف النسب من غيره فإن فيه اعتماد المجاز مع استحالة الحقيقة شرعاً، ثم ينبغي أن لا يكون عدم الاعتماد عند الاستحالة عاماً وإلا فاعتبار المجاز مع الاستحالة كثير كقوله تعالى: {واسئل القرية} (يوسف: 82) وأمثاله، وحينئذ فما ضابط عدم الاعتماد إلا أن يكون عدم الاعتماد بالنسبة لما يترتب على المجاز من الأحكام المناسبة لمدلوله كالعتق في المثال، قال العلامة في قول الشارح إذ لا ضرورة إلى تصحيحه بما ذكر ما نصه: احترازاً عن مثل قوله تعالى: {وجاء ربك} (الفجر: 22) {واسئل القرية} (يوسف: 82) فإن المجاز بالنقصان اعتمد فيه لضرورة الصحة العقلية في كلام الصادق إلى اعتماده وإن آل الأمر معه إلى الحقيقة، وقد ظهر بهذا أن محل الخلاف هو الاعتماد على سبيل الكلية لا في الجملة اهـ. وقد يشتبه قبل التأمل ما هنا بقول المصنف الآتي والإطلاق على المستحيل. والجواب أن المراد بما هنا أنه عند استحالة المعنى الحقيقي يكون المجاز لغواً فلا يترتب عليه حكم، والمراد بما سيأتي أن استحالة المعنى الحقيقي دليل على إرادة المعنى المجازي. والحاصل أن الاستحالة تدل على إرادة المعنى المجازي وهو ما يأتي، وبعد إرادته هل يترتب عليه الحكم فيه الخلاف وهو ما هنا، فاستحالة البنوة في قوله لمن هو أسن منه هذا ابنى قرينة على أن المراد لازم البنوة وهو الحرية وهو ما يأتي، وبعد أن أريد به لازم البنوة من الحرية هل تثبت الحرية فيه الخلاف وهو ما هنا فكم بين المقامين؟ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 240
قوله:
(حيث قال الخ)
(2/43)
---(1/490)
إشارة إلى أن القول باعتماد المجاز حيث تستحيل الحقيقة لازم من كلام الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه لا أنه صرح به. قوله: (وإن لم ينو العتق) أي أما إذا نواه فالعتق اتفاقاً. قوله: (الذي هو لازم للبنوة) أي لأن بنوة المملوك لمالكه تستلزم عتقه. قوله: (صوناً للكلام الخ) مفعول لأجله لقوله: قال إنه يعتق. قوله: (إذ لا ضرورة إلى تصحيحه بما ذكر) قال شيخ الإسلام : أي لجواز تصحيحه بغير العتق كالشفقة والحنو، ولك أن تقول هذا أيضاً مجاز فلا يتم قولهم ولا معتمداً حيث تستحيل الحقيقة بهذا الدليل إلا أن يقال قوله بما ذكر ليس للاحتراز بل لحكاية كلام المخالف بقرينة قوله وألغيناه اهـ. فحاصل جوابه أن معنى كلام الشارح أن هذا الكلام أعني قول السيد المذكور لعبده: أنت ابني لا يحتاج إلى تصحيح بل يعد من لغو الكلام ومهمله، ولا يخفى بعد هذا الجواب ونبوّه عن مواقع عبارة الشارح، وأولى منه وأحسن منه جواب سم بقوله: يمكن أن يجاب بأن المراد أن عدم الاعتماد إنما هو بالنسبة للأحكام كما تقدم لا مطلقاً فلا محذور في مجرد تصحيحه بما ذكر من الحنو والشفقة، ولا ينافي ذلك قول الشارح وألغيناه لجواز أن يريد بإلغائه مجرد عدم ترتب الحكم عليه فليتأمل اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 240
قوله:
(أو المنقول عنه وإليه الخ)
(2/44)
---(1/491)
فيه أن يقال: إن أراد الحمل في نحو هذا المثال بالنسبة لعرف اللغة فليس هذا من باب احتمال اللفظ المنقول عنه وإليه بل من باب احتماله معناه الحقيقي والمجازي لأن استعمال الصلاة في غير الدعاء مجاز في اللغة، وإن أراد بالنسبة لعرف الشرع فكذلك أيضاً، فإن استعمال الصلاة في الدعاء مجاز في عرف الشرع، ويزيد هذا أنه مخالف لقول المصنف الآتي ثم هو أي اللفظ محمول على عرف المخاطب، ففي خطاب الشرع الشرعي لأنه عرفه ثم اللغوي الخ اهـ. وقال المحشيان: واللفظ للكمال قوله مثالهما الخ أي إذا كان التخاطب بعرف اللغة لا بعرف الشرع ولا بالعرف العام لأنه إذا كان التخاطب بأحدهما قدم على اللغوي كما سيأتي اهـ. ويرد عليهما أنه إذا كان التخاطب بعرف اللغة كان المثال الثاني من باب احتمال اللفظ معناه الحقيقي والمجازي لا المنقول عنه وإليه كما هو مراد الشارح قاله سم. قال: ثم رأيت شيخنا العلامة قال ما نصه: قوله أو المنقول عنه ينبغي أن يكون الحمل عليه لا بالنسبة إلى أهل المنقول عنه ولا إلى أهل المنقول إليه بل إلى غيرهما، أما بالنسبة إلى أحدهما كأهل اللغة أو أهل الشرع فهو محتمل لمعنييه الحقيقي والمجازي فيقدم الحقيقي حيث كان فليتأمل اهـ. وأقول: ينبغي أن المراد بغيرهما في قوله بل إلى غيرهما ما يعم السامع والمتكلم إذ مجرد أن السامع الحاصل غيرهما مع كون المتكلم أحدهما لا يكفي في الحمل على المنقول عنه وكونه من تعارض المنقول عنه والمنقول إليه بل هو حينئذ من تعارض الحقيقة والمجاز لأن المتكلم إن كان من أهل اللغة كان المناسب الحمل على المعنى الأول، وكان ذلك من تعارض الحقيقة والمجاز لأن المنقول عنه هو الحقيقة عن المتكلم والآخر عنده مجاز، وإذا كان المتكلم الشارع كان الأمر بالعكس فليتأمل اهـ منه. قوله: (لأفراد مدلوله) علة مقدمة على معلولها وهو قوله: لا يمتنع العمل به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 241
قوله:
(2/45)
---(1/492)
(لا يمتنع العمل به)
أي بل يعمل به اكتفاء بعرف التخاطب من غير احتياج إلى قرينة زائدة عليه. قوله: (مثلاً) أي أو معانيه. قوله: (وما لا يمتنع العمل به) أي بلا قرينة. وقوله أولى من عكسه أي وهو ما لا يعمل به إلا بقرينة تبين المراد منه كما قدمه. قوله: (فالأول) أي اللفظ الذي هو حقيقة في معنى متردد في معنى آخر بين كونه حقيقة فيه أو مجازاً فهو من تعارض المجاز والاشتراك. وقوله والثاني أي اللفظ الذي هو حقيقة في معنى متردد في معنى آخر بين كونه موضوعاً له أيضاً من الواضع الأول فيكون مشتركاً أو منقولاً إليه عند أهل عرف فهو من تعارض النقل والاشتراك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 242
قوله:
(محتمل للحقيقة والمجاز في الآخر)
إنما قال محتمل نظراً لوقوع الخلاف في كونه حقيقة في المعنى الآخر المذكور أو مجازاً، وإن كان القائل بأنه حقيقة فيه جازماً بقوله والقائل بأنه مجاز فيه كذلك، وهذا أولى من جواب العلامة عن تعبير الشارح بقوله محتمل فراجعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 242
قوله:
(في النماء)
هو بالمد وأما بالقصر فصغار النمل. قوله: (قيل والمجاز الخ) ليس المراد بالمجاز هنا مطلقه المقابل للحقيقة بل مجاز خاص وهو المجاز الذي ليس مجاز إضمار إذ الإضمار مجاز أيضاً، ولهذا اقتصر ابن الحاجب على ذكر التعارض بين الاشتراك والمجاز شيخ الإسلام. قوله: (لكثرة المجاز) أي وقلة الإضمار. وقوله وعدم احتياج النقل إلى قرينة أي واحتياج الإضمار إليها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 242
قوله:
(لأن قرينته متصلة)
(2/46)
---(1/493)
أي لازمة له لا تنفك عنه. قال العلامة: لأن الإضمار هو المسمى سابقاً بالاقتضاء وقد سبق أن قرينته توقف الصدق أو الصحة العقلية أو الشرعية عليه، وتوقف صدق الكلام وصحته وصف له لازم وذلك غاية الاتصال اهـ. قوله: (والأصح أنهما سيان) أي واستواؤهما لا ينافي ترجيح أحدهما لمدرك يخصه كما في المثال الآتي، وكذا يقال في قوله: وإن الإضمار أولى من النقل لا ينافي ترجيح النقل في بعض الصور لمدرك يخصه كما في المثال الآتي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 242
قوله:
(مثال الأول)
أي المجاز والإضمار. قوله: (أو مثل ابني الخ) أي فيكون من باب الإضمار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 242
قوله:
(ومثال الثاني)
أي النقل والإضمار. قوله: (فقال الحنفي أي أخذه) أي فنظر إلى الإضمار وقدمه على النقل لأنه أولى منه. قوله: (وقال غيره) أي غير الحنفي وهو الشافعي ومالك. قوله: (والتخصيص أولى منهما) محله في التخصيص في الأعيان، أما التخصيص في الأزمان وهو النسخ فالمجاز والنقل وكذا الإضمار والاشتراك أولى منه، ويفرق بينهما بأن دلالة ما خص في الأول باقية في الجملة وفي الثاني زائلة بالنسخ قاله شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 242
قوله:
(أي من المجاز)
أي وما في مرتبته وهو الإضمار. وقوله والنقل أي وأولى من الاشتراك لأن التخصيص أولى من المجاز والنقل اللذين هما أولى من الاشتراك فيلزم أن يكون التخصيص أولى من الاشتراك أيضاً لأن الأولى من الأولى من شيء أولى من ذلك الشيء، وأما أولوية التخصيص من الإضمار فلأن الأولى من المساوي لشيء أولى من ذلك الشيء أيضاً، وسيأتي التنبيه على ذلك في عبارة الشارح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 242
قوله:
(أما في الأول)
أي أما أولوية التخصيص من المجاز في صورة احتمال الكلام لهما.
(2/47)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 242
قوله:
(بأن يتعدد الخ)(1/494)
ضمير يتعدد للمجاز أي بأن يتعدد المجاز ولا قرينة تعين مجازاً بعينه، مثال ذلك قول القائل: والله لا أشتري وقد قامت قرينة على عدم إرادة المعنى الحقيقي فبقي الكلام محتملاً لإرادة السوم أو الشراء بالوكيل كل منهما مجاز ولا قرينة تعين أحدهما دون الآخر. فقوله: ولا قرينة تعين تنبيه على أن المنفي القرينة المعينة وأما المانعة فلا بد منها لتوقف التجوز عليها كما هو ظاهر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
قوله:
(وأما في الثاني)
أي وأما أولوية التخصيص من النقل في صورة احتمال الكلام لهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
قوله:
(من نسخ المعنى)
أي إزالته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
قوله:
(مثال الأول)
أي الكلام المحتمل لأن يكون فيه تخصيص ومجاز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
قوله:
(فقال الحنفي)
أي ومالك أيضاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
قوله:
(وخص منه الناسي)
أي أخرج منه الناسي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
قوله:
(وقال غيره)
أي وهو الشافعي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
قوله:
(من التسمية)
(2/48)
---
بيان لما يقارنه فهو مجاز مرسل علاقته المجاورة في الجملة، وهذا على حمل ما لم يذكر اسم الله عليه على الميتة بالتجوز المذكور والأولى تأويل بعضهم له بما ذكر اسم غير الله عليه أي مما ذبح للأصنام ونحوها ليوافق قوله تعالى: {وإنه لفسق} (الأنعام: 121) قوله تعالى في الآية الأخرى: {أو فسقا أهل لغير الله به} (الأنعام: 145) قاله شيخ الإسلام، أي فيكون مجازاً علاقته العموم والخصوص حيث أطلق الكلي وهو ما لم يذكر اسم الله عليه الصادق بما ذكر عليه اسم غيره وما لم يذكر عليه اسم أصلاً، وأريد فرد من فرديه وهو ما ذكر عليه اسم غير الله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
قوله:
(على الأول)
أي القول بالتخصيص. وقوله دون الثاني أي القول بالمجاز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
قوله:
(ومثال الثاني)
أي الكلام المحتمل للتخصيص والنقل.(1/495)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
قوله:
(المبادلة مطلقا)
أي صحيحاً كان أو فاسداً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
قوله:
(وقيل نقل الخ)
أي من معناه اللغوي الذي هو المبادلة مطلقاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
قوله:
(إلى المستجمع)
أي العقد المستجمع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
قوله:
(لأن الأصل)
(2/49)
---
أي المستصحب عدم فساده. وقوله: لأن الأصل عدم استجماعه لها. اعترضه العلامة فقال: لا يخفى أن استجماعه لها وهو الموافقة التي هي الصحة خلاف الأصل الذي هو عدم الاستجماع المذكور إذ الأصل في كل حادث عدمه، وعدم الاستجماع المذكور هو الفساد، فالفساد لكونه عدم الاستجماع هو الأصل. فقوله لأن الأصل عدم فساده لا يخفى ما فيه من التهافت والتناقض مع قوله بعده: لأن الأصل عدم استجماعه لها فليتأمل اهـ. وتبعه على ذلك الشهاب . وأجاب سم بأن هذا غفلة عن شروط التناقض التي منها اتحاد القائل مع اختلافه هنا فإن المعلل بالأول غير المعلل بالثاني كما هو بديهي من الكلام. لا يقال: بل القائل واحد وهو الشافعي . لأنا نقول: أما أولاً فلا دليل على أنهما له دون غيره ولو سلم فقد قالهما على اعتقادين فكأنهما بمنزلة قائلين. وبيان ذلك أن المعلل بأن الأصل عدم الفساد هو قائل الأول وهو أن البيع هو المبادلة مطلقاً، ووجه هذا التعليل حينئذ أن الآية علقت الحل ابتداء بمطلق المبادلة إلا أن يصحبها فساد فصار الحل هو الأصل الثابت إلى أن يتحقق الفساد، فالفساد على هذا ملحوظ باعتبار كونه مانعاً من ثبوت الحل لأن وجود المخصص مانع من ثبوت الحكم. والأصل عدم المانع وإن المعلل بأن الأصل عدم الاستجماع الذي هو بمعنى أن الأصل الفساد هو قائل الثاني وهو أن البيع هو المستجمع لشروط الصحة، ووجه هذا التعليل حينئذ أن الآية علقت الحل بالبيع المخصوص وهو المستجمع للشروط، فثبوت الحل متوقف على اجتماع الشروط، فصار اجتماعهما ملحوظاً ابتداء باعتبار كونه شرطاً(1/496)
لثبوت الحل والأصل عدم وجود الشرط. والحاصل أن الشيء الواحد يختلف حكمه باختلاف عنوانه والوجه الذي اعتبر فيه ولوحظ به، فلما اعتبر الفساد على الأول مانعاً من الحل قيل الأصل عدمه لأن الأصل عدم المانع، ولما اعتبر على الثاني الاستجماع الذي هو عدم الفساد شرطاً للحل قيل الأصل عدمه لأن الأصل عدم وجود الشرط
(2/50)
---
فتأمله فإنه في غاية الحسن والدقة لكنه خفي على الشيخين لا يقال: عدم المخصص شرط في الحكم والأصل عدم الشرط فيكون الأصل الفساد فلا فرق. لأنا نقول: الملحوظ في المخصص مانعيته لا شرطية عدمه بدليل ثبوت الحكم عند الجهل بوجود المخصص أو عند عدمه بخلاف ما جعل شرطاً ابتداء لا يكفي جهله بل لا بد من تحققه فتأمل اهـ. وتبعه شيخنا على ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243(1/497)
وأقول: حاصل ما ذكره أن صاحب القول الأول اعتبر الفساد مانعاً، والشك في المانع لا يؤثر لأن الأصل عدمه وصاحب القول الثاني اعتبر الاستجماع شرطاً والأصل عدم وجود الشرط فكان الشرط فيه مؤثراً، وأنت خبير بأن الحل في الآية الشريفة إنما علق بالمبادلة بشرط الصحة وهي استجماعها للشروط على كلا القولين، أما الثاني فظاهر، وأما الأول فلما تقرر ويأتي من أن العام المخصوص عمومه مراد تناولاً لا حكماً، وبأن الشك في المانع شك في الشرط ضرورة أن الشك في أحد المتقابلين شك في الآخر، فالشك في عدم الاستجماع شك في الاستجماع، وإنما يكون الشك في المانع غير مؤثر إذا تحقق وجود الشرط ثم طرأ الشك في وجود المانع كمن تحقق الطهارة ثم شك في حصول الحدث بعدها وليس الأمر هنا كذلك كما هو واضح، ومما يدل لما ذكرناه من اعتبار الاستجماع شرطاً في تحقق الحكم على القول الأول قول الشارح: فما شك في استجماعه الخ، فدل ذلك على أن الشرطية ملحوظة عند كل من القائلين في تحقق الحكم، أما الثاني فلملاحظتها في وضع اللفظ، وأما الأول فلملاحظتها في الحكم، ولو كان مراده أن القائل الأول نظر إلى المانع لقال فما شك في فساده، ولو سلم أن القائل الأول نظر إلى المانع فقول الشارح المذكور إشارة لما قلناه من أن الشك في المانع شك في الشرط هنا، وأما اعتبار الشرطية المذكورة في وضع لفظ البيع على الثاني دون الأول فإنما ينتج تخالف مفهومي البيع على الأول والثاني في حد ذات اللفظ
(2/51)
---(1/498)
المذكور بحسب الوضعين المذكورين فإن المعنى مختلف بحسبهما مفهوماً، وليس الكلام في ذلك بل الكلام في البيع من حيث الحكم عليه بالحل وهو من هذه الحيثية متحد المعنى على القولين كما مر، فالمعنيان من حيث الحكم متحدان ما صدقا وهو المراد هنا وإن اختلفا مفهوماً في حد ذاتهما، وبهذا يسقط جميع ما أطال به مما لا أثر له وليس منشؤه إلا عدم التأمل في مواقع الكلام مع أمره به، ويثبت اعتراض العلامة والشهاب فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
قوله:
(ويؤخذ مما تقدم)
أي في المتن والشارح إذ مساواة الإضمار للمجاز إنما علمت من الشارح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(والمساوي)
عطف على الأولى فهو نعت ثان للمجاز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(والكل)
أي من الأربعة وهي أولوية التخصيص من الاشتراك والإضمار، وأولوية الإضمار من الاشتراك، وأولوية المجاز من النقل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(ووجه الأخير)
أي أولوية المجاز من النقل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(العشرة التي ذكروها الخ)
وهي على ما تقدم: تعارض المجاز والاشتراك، تعارض النقل والاشتراك وقد أشار إلى هذين بقوله: والمجاز والنقل أولى من الاشتراك، تعارض المجاز والإضمار، تعارض النقل والإضمار وقد أشار إلى هذين بقوله قيل والمجاز والنقل أولى من الإضمار، تعارض التخصيص والمجاز، تعارض التخصيص والنقل وإلى هذين الإشارة بقوله: والتخصيص أولى منهما أي من المجاز والنقل فهذه ستة وأما الأربعة الباقية فهي: تعارض التخصيص والاشتراك، تعارض التخصيص والإضمار، تعارض الإضمار والاشتراك، تعارض المجاز والنقل كما أشار إليها بقوله: يؤخذ مما تقدم الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(مثال الأول)
(2/52)
---
أي من الأربعة المذكورة المأخوذة مما تقدم وهو كون التخصيص أولى من الاشتراك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(وقال الشافعي)
أي ومالك أيضاً.(1/499)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(لما ثبت)
أي في اللغة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(لكثرة استعماله)
أي والكثرة علامة الحقيقة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(نحو {حتى تنكح زوجاً غيره})
مثال لغير محل النزاع وأورد أن قضية كون المراد بالنكاح العقد في هذه الآية عدم توقف حلية المطلقة ثلاثاً على وطء الزوج الثاني لها بل مجرد العقد كاف في حليتها للأول وهو خلاف الإجماع. وأجيب بأن اشتراط الوطء إنما أخذ من السنة لا من الآية المذكورة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(بناء على تناول الخ)
يتعلق بالتخصيص. وأشار بقوله: ويلزم الثاني التخصيص وبقوله قبله: ويلزم الأول الاشتراك إلى أن القائل الأول لم يصرح بالاشتراك لكنه لازم من كلامه، وكذا القائل الثاني لم يصرح بالتخصيص لكنه لازم من كلامه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(ومثال الثاني)
أي التخصيص والإضمار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(لأن به يحصل الانكفاف عن القتل)
أي فيكون فيه حياة لمن كان يريد القاتل قتله بالانكفاف عن قتله وحياة لمريد القتل بالانكفاف المذكور لأنه لو صدر منه القتل لقتل قصاصاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(ومثال الثالث)
أي الإضمار والاشتراك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(كالأبنية)
أي كما أنها حقيقة في الأبنية فهي مشتركة. وقوله لهذه الآية الأولى حذفه لأنه محل النزاع والاقتصار على الآية الأخرى.
(2/53)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(ومثال الرابع)
أي المجاز والنقل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(فقيل هي مجاز فيها عن الدعاء بخير الخ)
لا يخفى أن الشارح بمعرض التمثيل لهذه القاعدة لا بصدد بيان أن المختار عند المصنف أنها منقولة وإن كان هو الراجح. فاندفع قول العلامة أن قول الشارح فقيل إنها مجاز خلاف ما مشى عليه المصنف من أنها منقولة اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:(1/500)
(وقد يكون المجاز)
قال شيخ الإسلام قد للتحقيق اهـ. أي لأن كون المجاز لهذه المذكورات كثير لا قليل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(بالشكل أو صفة ظاهرة)
أي بالمشابهة فيهما، وعبارة المنهاج والمشابهة كالأسد للشجاع والمنقوش. وعبارة الأسنوي في شرحه النوع الثالث المشابهة وهي تسمية الشيء باسم ما يشابهه إما في الصفة وهو ما اقتصر عليه الإمام وأتباعه كإطلاق الأسد على الشجاع، أو في الصورة كإطلاقه على الصورة المنقوشة في الحائط وهذا النوع يسمى المستعار لأنه لما أشبهه في المعنى أو الصورة استعرنا له اسمه فكسوناه إياه، ومنهم من قال: كل مجاز مستعار حكاه القرافي اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
قوله:
(لظهور الشجاعة)
فيه أن يقال: إن الشجاعة فسرت بالملكة التي يقتدر بها على اقتحام المهالك وبالاقتحام نفسه، وعلى كل فليست صفة ظاهرة، أما على الأول فلأنها معنى قائم بالنفس. وأما الثاني فلأنها أمر اعتباري لا تحقق له خارجاً، ويمكن أن يكون في العبارة توسع بحذف المضاف أي لظهور أثر الشجاعة قرره شيخنا. قلت: يمكن أن يقال: إن الشارح جار على التفسير الثاني للشجاعة، والمراد من المصدر الحاصل به كما هو المتبادر، وفي كلام سم ما يدل لذلك فراجعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 246
(2/54)
---
قوله:
(كالخمر للعصير)
أي كما في قوله تعالى: {إني أراني أعصر خمراً} (يوسف: 36) وقوله: أو ظناً لا احتمالاً ينبغي أن يراد بالظن والاحتمال ما شأنه في نفسه ذلك، فلا يرد أنه قد يظن عتق العبد في المستقبل بنحو وعد السيد، وأن العصير قد يحصل اليأس من تخمره لعارض فينتفي ظن تخمره اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 246
قوله:
(وبالضد)
في العبارة مضاف محذوف أي وبضدية الضد لأن العلاقة هي الضدية لا الضد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 246
قوله:
(كالمفازة للبرية المهلكة)
أي وكقوله تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم} (آل عمران: 21) والمراد الإنذار.(2/1)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 246
قوله:
(والمجاورة)
قال سم: لم أر لها ضابطاً وقضية إطلاقها صحة التجوز بإطلاق نحو الأرض على النابت فيها من شجر أو غيره، ولفظ الشفة على الأسنان، ولفظ السقف على الجدار، بل ولفظ المسجد على ملاصقه من نحو الدور ولا يخلو ذلك من غرابة وبعد اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 246
قوله:
(والزيادة والنقصان)
قال العلامة ابن جماعة : أوردوا ذلك في أنواع العلاقة فيكون علاقة. وفيه حينئذ بحث لأنه يتعين أن يصدق عليه العلاقة وهو اتصال أمر بأمر في معنى وفي النفس من الصدق عليه حينئذ شيء اهـ. ويمكن أن يجاب بأن في تعبيرهم بالعلاقة بالنسبة لهذين النوعين تسمحاً إذ لا حاجة إلى العلاقة بينهما لأن اللفظ لم يخرج عن موضوعه إلى استعماله في غيره فليتأمل سم.
(2/55)
---
قوله: (فالكاف زائدة) هو رأي كثيرين، والحق كما للتفتازاني وغيره أنها ليست بزائدة لأن ذلك من الكناية التي هي أبلغ من التصريح كما تقرر لأنها كدعوى الشيء ببينة حيث أريد من نفي مثل المثل نفي المثل لاستلزام نفي مثل المثل نفي المثل كما في قولهم: مثلك لا يبخل مراداً منه أنت لا تبخل لاستلزام نفي البخل عن مثله نفيه عنه. وفي شيخ الإسلام احتمالات أخر فراجعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 246
قوله:
(نحو {واسأل القرية} أي أهلها)(2/2)
قال المصنف: ولقائل أن يقول: يحتمل أن الله تعالى خلق في القرية قدرة الكلام ويكون ذلك معجزة لذلك النبي ويبقى اللفظ على حقيقته. لا يقال: الأصل عدم هذا الاحتمال، لأنا نقول: هذا معارض بأن الأصل عدم المجاز اهـ. وفي العضد. قولهم: {واسأل القرية} (يوسف: 82) حقيقة فإنها تجيبك أو أن الجدار خلقت فيه إرادة ضعيف اهـ. وقوله فإنها تجيبك قال السيد : لأن الله سبحانه وتعالى قادر على إنطاقها وزمان النبوة زمان خرق العوائد فلا يمتنع نطقها بسؤال النبي اهـ. وقوله ضعيف قال السيد: لأن جواب الجدار غيرو اقع على وفق الاختيار في عموم الأوقات، بل إذا وقع فإنما يقع بتحدي النبي عليه الصلاة والسلام به ولم يكن كذلك فيما نحن فيه هكذا في الأحكام، وأما خلق الإرادة في الجدار فليس مما جرت به العادة فلا يقع إلا بالتحدي أيضاً اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 246
قوله:
(فقد تجوز أي توسع الخ)
(2/56)
---(2/3)
نبه بذلك على أن المجاز هنا بغير المعنى المتقدم وهو كلمة تغير إعرابها بزيادة أو نقصان، أو الإعراب المتغير إليه المذكور فهو صفة للإعراب أو للفظ باعتبار تغير حكم إعرابه، بخلاف المجاز بالمعنى المتقدم فإنه صفة للفظ باعتبار استعماله في المعنى الثاني، وهذا أي كون المجاز هنا بالمعنى المذكور آنفاً اختيار السكاكي ، والذي عليه الأصوليون كما صرح به السيد في حاشية المطول أن المجاز هنا جار على المعنى المتقدم وهو المحكى بقول الشارح وقيل يصدق الخ وصنيع الشارح يفيد نسبة ما قاله السكاكي للأصوليين حيث رجحه وحكى مقابله بقيل قال معناه العلامة. وقد يقال: لا نسلم أنه نبه بذلك على أن المجاز هنا بالمعنى الذي ذكر، بل يحتمل أنه نبه بذلك على أن المجاز هنا بمعنى المتوسع فيه بل هو المتبادر من كلامه ولهذا قال الكمال : إنه نبه بقوله أي توسع على الخلاف في أن ما ذكر من الزيادة والنقصان مجاز بالمعنى الاصطلاحي أم بالمعنى المتوسع فيه وهو معنى لغوي اهـ سم. قلت: فكان اللائق بالشارح حمله على المعنى الاصطلاحي وتقريره على وفق ذلك كما هو مذهب الأصوليين، وحكاية كونه بالمعنى اللغوي بقيل عكس ما صنعه، ويستفاد منه حينئذ أن حمله على اللغوي ذكره الأصوليون أيضاً، وللعلامة سم في هذا المقام تطويل بلا طائل تحته فراجعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 247
قوله:
(حيث استعمل نفي مثل المثل الخ)
(2/57)
---(2/4)
لا حاجة لذكره النفي في الأول والسؤال في الثاني، إذ التجوز المذكور في استعمال مثل المثل في المثل والقرية في أهلها لا في استعمال نفي مثل المثل في نفي المثل، وسؤال القرية في سؤال أهلها كما هو ظاهر والأمر سهل. قوله: (وليس ذلك من المجاز في الإسناد) أي لأن الإسناد فيه على هذا التقدير إلى ما هو له وهذا راجع لقوله: وقيل يصدق عليه الخ. قوله: (والسبب للمسبب) في الكلام حذف والتقدير وسببية السبب منسوباً للمسبب، وكذا قوله والكل للبعض تقديره وكلية الكل منسوباً للبعض، وكذا قوله: والمتعلق تقديره وتعلق المتعلق منسوباً للمتعلق لأن العلاقة هي السببية والكلية والتعلق.
(2/58)
---(2/5)
قوله: (فهي مسببة عن اليد الخ) فيه أن المسبب عن اليد المقدور وهو الشيء المفعول لا القدرة، فلا بد حينئذ من حمل القدرة على المقدور مجازاً للعلاقة المذكورة فيكون مجازاً مبنياً على مجاز، وأما مع إبقاء القدرة على حقيقتها فلا تكون علاقة المجاز المذكور السببية بل المحلية لأن اليد محل للقدرة لقيام القدرة بها، وقول بعضهم أن القدرة قائمة بنفس الشخص خلاف الصواب قرره شيخنا. قلت: كون القدرة قائمة بنحو اليد مما هو آلة لا يجاد الفعل المقدور يلزم منه أن يكون إسناد القدرة إلى اليد ونحوها حقيقة وإلى الشخص مجازاً، وكذا إسناد الفعل إليها حقيقة وإلى الشخص مجازا وإنه باطل اتفاقاً، فالحق أن القدرة المرادة هنا وهي القدرة الحادثة التي تقارن الفعل زماناً وإن تقدمت عليه تعقلاً صفة قائمة بذات الشخص وهي القوة المستجمعة لشرائط الإتيان بالشيء، والاتصاف بها متوقف على سلامة آلاتها وأسبابها التي يتأتى الإتيان بذلك الشيء، ويعبر عن السلامة المذكورة بالقدرة أيضاً وهي الاستطاعة، فظهر بهذا صحة كون اليد سبباً للقدرة بمعنى القوة المذكورة لتوقفها عليها لكونها آلتها، ألا ترى إلى انتفاء قدرة الشخص عما يزول باليد كالكتابة ونحوها عند عدم سلامة اليد أو قطعها؟ وإن ما جعله شيخنا خلاف الصواب هو الصواب بلا ارتياب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 247
قوله:
(والمتعلق الخ)
(2/59)
---(2/6)
أي تعلقه كما قدمنا والمراد بالتعلق المذكور اتصاف المتعلق بالفتح بمعنى المتعلق بالكسر وقيام ذلك المعنى به كما هو في المثالين. قوله: (أي المسبب للسبب) أي مسببية المسبب منسوبة إلى السبب على قياس ما مر. قوله: (والبعض للكل) يشترط في البعض المذكور أن يكون له من بين سائر الأبعاض مزيد ارتباط بالكل بحيث ينعدم الكل بانعدامه كالمثال الذي ذكره الشارح، أو بحيث يكون المعنى المقصود من الكل إنما يحصل به كإطلاق العين على الربيئة أي الجاسوس فإن المعنى المقصود منه إنما يوجد بالعين. قوله: (وما بالفعل على ما بالقوة) قضية سياقه أن التقدير قد يكون بما بالفعل على ما بالقوة ولا يخفى فساده، فلا بد في تصحيحه من حذف مضافين والتقدير وقد يكون بإطلاق لفظ ما بالفعل على ما بالقوة أي بإطلاق لفظ الشيء المتصف بصفة بالفعل على الشيء المتصف بتلك الصفة بالقوة، ويعبر عن هذا بمجاز الاستعداد، وأورد عليه أن هذه العلاقة يغني عنها قوله فيما مر أو باعتبار ما يكون أي يؤول إليه. وأجيب بالمنع فإن المستعد للشيء قد لا يؤول إليه بأن يكون مستعداً له ولغيره، قال شيخ الإسلام: وفيه نظر لأن ما ذكره فيه يأتي في باعتبار ما يكون ظناً مع أن الجواب بذلك لا ينحصر فيما ذكره آخراً اهـ.. وأقول: يمكن الفرق بأن النظر فيما سبق إلى مجرد الأول وهنا إلى مجرد الاستعداد فليتأمل اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 248
قوله:
(وقد يكون المجاز في الإسناد)
(2/60)
---(2/7)
قال شيخ الإسلام: مراده بالمجاز مطلقه لا ماعرفه بما مر اهـ. وينبغي أن يراد بمطلقه ما يسمى بلفظ المجاز إذ ليس بين المجاز المار تعريفه، والمجاز في الإسناد قدر مشترك لاختلاف حقيقتهما لأن ذلك لفظ مخصوص وهذا إسناد كذلك، إلا أن يراد بالقدر المشترك بينهما أحد الأمرين الصادق بكل منهما، وقول المصنف في الإسناد قد يقتضي المعنى تعلقه بالمجاز بمعنى التجوز، لكن الموجود في عبارته ضمير المجاز وهو لا يعمل، وإن عبر الشارح بالاسم الظاهر إيضاحاً للمعنى فينبغي تعلقه إما بيكون حملاً لها على التمام أو بمحذوف حملاً لها على النقصان سم. قوله: (بأن يسند الشيء لغير من هو له لملابسة) قال العلامة: عرفه البيانيون بإسناد الفعل أو معناه إلى ملابس له غير ما هو له بتأول فخرج نحو قولك الحيوان جسم، وقولك جاء زيد غالطاً مريداً عمراً. وقول الدهري: أنبت الربيع البقل. وقولك: جاء زيد وأنت تعلم أنه لم يجيء. والثالث والرابع داخلان في عبارة الشارح اهـ. وما زعمه من دخول الثالث والرابع ممنوع منعاً واضحاً، أما الرابع فلخروجه بقوله لملابسة بينهما ضرورة أن الإسناد فيه ليس لأجل الملابسة، وأما الثالث فلخروجه بقيد الحيثية المفهومة من قوله غير ما هو له أي من حيث أنه غير ما هو له لأن الأمور التي تختلف بالاعتبار يعتبر فيها قيد الحيثية حتى أنه يكون بمنزلة المذكور كما هو مشهور، والإسناد هنا ليس لغير من هو له من حيث أنه غير من هو له ضرورة اعتقاد المتكلم أنه إلى ما هو له قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 248
قوله:
(لكون الآيات الخ)
(2/61)
---(2/8)
بيان للعلاقة. قوله: (عادة) أي لا حقيقة لأن السبب الحقيقي هو الله تعالى. قوله: (فمنهم من يجعل المجاز الخ) أي كابن الحاجب فإنه يجعل المجاز فيما يذكر من ذلك في المسند على ما سيجيء. قوله: (ومنهم من يجعله في المسند إليه) أي وهو السكاكي فإنه يجعل المسند إليه في ذلك استعارة مكنية كما هو معروف. قوله: (فمعنى زادتهم على الأول ازدادوا بها) قال العلامة قدس سره: يعني فزاد المسند مجاز في ازداد ووقع بين الفاعل وهو ضمير المؤمنين والمفعول وهو ضمير الآيات قلب فجعل كل مكان الآخر ولا يخفى ما فيه من التعسف، والأقرب ما قاله العضد إن زادت مجاز في التسبب العادي أي تسببت في الزيادة اهـ أي فهو مجاز مرسل علاقته المسببية، وفي جواب سم من التعسف ما لا يخفى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 249
قوله:
(إطلاقاً للآيات)
أي لضميرها واعترض هذا القول بأن فيه خللاً من وجهين: الأول أن إطلاق الآيات عليه تعالى مع كون الأسماء توقيفية كما هو المختار غير سائع. الثاني: إطلاق اسم المؤنث عليه تعالى. قلت: وقد يمنع بأن الممتنع هو الإطلاق الحقيقي لا المجازي، ولئن سلم فهذا الإطلاق وقع في كلام الله تعالى، والخلاف إنما هو في إطلاق غيره في كلامه عليه فهذا غير محل النزاع كما قاله سم. قوله: (وقد يكون المجاز في الأفعال والحروف) أي أصالة من غير اعتبار تجوز في المصدر بالنسبة للأفعال وفي المتعلق بالنسبة للحروف. وحاصله أن الأصوليين يقولون بالتجوز في المشتق والحروف أصالة أي من غير اعتبار تجوز في المصدر والمتعلق بخلاف البيانيين فإن التجوز فيما ذكر عندهم إنما هو بتبعية التجوز في المصدر والمتعلق كما هو مقرر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 249
قوله:
(مثاله في الأفعال ونادى الخ)
(2/62)
---(2/9)
أي فاستعمل الماضي في المستقبل لتحقق الوقوع فيكون مجازاً علاقته الملزومية لاستلزام وقوع الشيء فيما مضى تحقق وقوعه. قوله: (واتبعوا ما تتلوا الخ) أي فعبر بالمستقبل عن الماضي لاستحضار تلك الصورة الماضية مجازاً لعلاقة السببية فإن المضارع تستحضر به الصور الماضية. قوله: (فهل ترى لهم من باقية أي ما ترى) أي فعبر بالاستفهام عن النفي بجامع عدم التحقق في كل فيكون مجازاً علاقته الملزومية لاستلزام الاستفهام عن الشيء عدم تحققه. قوله: (ومنع الإمام المجاز في الحرف مطلقاً) أي منع مجاز الإفراد في الحرف مطلقاً لا بالذات كما يقول الأصوليون، ولا بالتبع كما يقول البيانيون، فالمنفي في كلام الإمام مجاز الإفراد لا التركيب كما يدل عليه تعليله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 249
قوله:
(فإن ضم إلى ما الخ)
أي إلى عامل ينبغي ضمه إليه أو إلى معمول كذلك. قوله: (بل ذلك الضم قرينة مجاز الإفراد) أي لأن الحرف لا يسند ولا يسند إليه، ومجاز التركيب إسناد الشيء إلى غير ما هو له. قوله: (نحو قوله تعالى {ولأصلبنكم في جذوع النخل} أي عليها) قال شيخ الإسلام : استعمل في التي للظرفية في الاستعلاء لعلاقة هي مشابهة تمكنهم على الجذوع لتمكن المظروف في ظرفه اهـ. وقضيته أن ذلك من قبيل الاستعارة. وقد يقال: ظاهر كلام النقشواني أنه من قبيل المجاز المرسل والقرينة الضم إلى ما لا ينبغي فهو قريب من جعل الاستحالة قرينة قاله سم، أي فهو مجاز علاقته اللزوم لاستلزام ظرفية الشيء في الشيء التمكن منه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 250
قوله:
(وبأن الاسم المشتق الخ)
(2/63)
---(2/10)
ويعترض عليه أيضاً بأن اسم الفاعل يراد به المفعول واسم المفعول يراد به الفاعل من غير تجوز في أصلهما كما ذكر ذلك الأصفهاني في شرح المحصول حيث قال: الثاني أي من وجوه النظر قوله المشتق لا يدخل عليه المجاز إلا بعد الدخول على المصدر يبطل باسم الفاعل إذا أريد به المفعول واسم المفعول إذا أريد به الفاعل مع عدم دخول المجاز في المصدر كما بينا في أمثلة المجاز اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 250
قوله:
(وكأن الإمام فيما قاله نظر إلى الحدث مجرداً عن الزمان)
عبارة الإمام ظاهرة في موافقة هذا الجواب فإنه قال: وأما الفعل أي وأما عدم دخول المجاز فيه بالذات فهو لفظ دال على ثبوت شيء لموضوع غير معين في زمان معين، فيكون الفعل مركباً من المصدر وغيره، فلما لم يدخل المجاز في المصدر استحال دخوله في الفعل الذي لا يفيد إلا ثبوت ذلك المصدر لشيء اهـ. ثم قال: وأما المشتق الخ لكن يرد على جواب الشارح ما مر عن الأصفهاني وهو اسم الفاعل إذا أريد به المفعول واسم المفعول إذا أريد به الفاعل مع عدم التجوز في المصدر نحو: ماء دافق أي مدفوق، وسر كاتم أي مكتوم، وحجاباً مستوراً أي ساتراً، وأنه كان وعده مأتياً أي آتياً على أحد الأقوال، إلا أن يجيب بأن الإمام يمنع التجوز في ذلك، إذ كل من اسم الفاعل والمفعول فيما ذكر يمكن تصحيح ظاهره أو يمنع عدم التجوز في المصدر لجواز أن يكون اسم الفاعل إنما تجوز به عن المفعول بعد التجوز بمصدر المعلوم عن مصدر المجهول، وأن يكون اسم المفعول إنما تجوز به عن الفاعل بعد التجوز بمصدر المجهول عن المعلوم فليتأمل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 250
قوله:
(ولا يكون المجاز في الأعلام)
(2/64)
---(2/11)
أي مرتجلة أو منقولة لمناسبة أو غيرها كما سيذكره الشارح. واعلم أن هنا مقامين: الأول أن العلم باعتبار استعماله في المعنى العلمي هل هو مجاز أم لا؟ والثاني هل يصح التجوز باستعماله في معنى آخر مناسب للمعنى العلمي؟ وكلام المصنف كغيره في الأول وهو الذي خالف فيه الغزالي ، وبه يصرح كلام الشارح بقوله لصحة الإطلاق عند زوالها، وقوله لأنه لا يراد منه الصفة، وقد كان قبل العلمية موضوعاً لها، وحينئذ فكلام المصنف لا ينافي التجوز باستعمال العلم في معنى مناسب للمعنى العلمي، وأنك إذا قلت: رأيت اليوم حاتماً تريد به شخصاً غيره شبيهاً به في الجود كان مجازاً لأنه استعارة كما تقرر في محله، ولما التبس الحال على بعضهم توهم أن كلام المصنف في المقام الثاني وأن خلاف الغزالي فيه فاعترض بأن ما قاله المصنف خلاف ما عليه المحققون، وأن ما قاله الغزالي في غاية الحسن والدقة فلا وجه لرده، وقد علمت فساد توهمه واعتراضه راجع سم.
قوله: (أي لم يسبق لها استعمال في غير العلمية) التعبير بالاستعمال جرى على الغالب من أنه إذا لم يسبق الاستعمال لم يسبق الوضع وإلا فالمعتبر في المجاز سبق الوضع لا الاستعمال كما تقدم. فالمراد بنفي سبق الاستعمال في عبارة الشارح نفي سبق الوضع إطلاقاً للملزوم على اللازم لاستلزام الاستعمال الوضع، وبهذا يسقط اعتراض العلامة على قول الشارح فواضح بقوله غير واضح إذ المجاز يكفي فيه سبق الوضع بمجرده اهـ. وقوله في غير العلمية اللام في العلمية للحضور أي في غير العلمية الحاضرة ذهناً فيخرج عن تعريف المرتجل ما استعمل علماً ثم نقل علماً أيضاً، وبه يندفع ما أورده شيخ الإسلام كالكمال هنا سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 250
قوله:
(فواضح)
أي لفوات العلاقة في القسم الثاني أعني الأعلام المنقولة لغير مناسبة، وفوات سبق الوضع في القسم الأول وهو الأعلام المرتجلة.
(2/65)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 251
قوله:
(فكذلك)(2/12)
أي مثل ما ذكر من القسمين في عدم التجوز. قوله: (لصحة الإطلاق عند زوالها) أي فلا يصدق عليه حد المجاز حينئذ لعدم وجود العلاقة بين المنقول عنه وإليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 251
قوله:
(وهذا خلاف في التسمية)
أي للاتفاق في العلم المنقول على أن المراد بلفظه المعنى الموضوع له ثانياً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 251
قوله:
(وعدمها أولى)
من وجوه الأولوية اعتبار العلاقة في المجاز وهي منتفية في العلم قطعاً سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 251
قوله:
(أي المعنى المجازي)
فيه إطلاق المجاز على المعنى وهو صحيح خلافاً لبعضهم. قال في التلويح: ثم إطلاق المجاز والحقيقة على نفس المعنى أو على إطلاق اللفظ على المعنى واستعماله فيه شائع في عبارات العلماء مع ما بين اللفظ والمعنى من الملازمة الظاهرة فيكون مجازاً لا خطأ، وحمله على خطأ العوام من خطأ الخواص اهـ قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 251
قوله:
(ومن المصحوب بها المجاز الراجح)
أي لأن تبادر المعنى المجازي فيه إنما هو بواسطة القرينة التي هي كثرة الاستعمال فيه فلم يخرج بذلك عن كونه مجازاً وأنه لولا القرينة لتبادر منه المعنى الحقيقي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 251
قوله:
(ويؤخذ مما ذكر أن التبادر من غير قرينة تعرف به الحقيقة)
(2/66)
---(2/13)
يرد عليه المشترك فإنه حقيقة مع عدم التبادر المذكور لأنه لا يتبادر شيء من معنييه أو معانيه، ويجاب أما أولاً فالعلامة لا يلزم انعكاسها فلا يلزم من عدم التبادر بدون القرينة عدم الحقيقة فلا يضر تخلف العلامة المذكورة عن المشترك. وأما ثانياً فلا نسلم الانتقاض المذكور أما على قول الشافعي رضي الله عنه ومن وافقه من أن المشترك عند التجرد من القرينة ظاهر في معنييه أو معانيه فواضح، وأما على قول غيره فكل واحد من معنييه أو معانيه يتبادر على البدل، فالمتبادر منه إما هذا أو هذا كما أوضح ذلك السيد. وقال العلامة في قول الشارح ويؤخذ منه الخ ما نصه: الذي يؤخذ من الإثبات النفي فالمأخوذ منه حينئذ هو أن انتفاء تبادر غير المعنى علامة الحقيقة لا تبادر المعنى كما قال الشارح وإلا انتقض بالمشترك ويدل لما قلناه قول العضد. ومنها أن يتبادر غيره إلى الفهم لولا القرينة عكس الحقيقة فإنها تعرف بأن لا يتبادر غيره لولا القرينة اهـ. ثم اعلم أن هذا الأخذ مبني على وجوب انعكاس العلامة وقد نفاه الشارح فيما مر اهـ. وحاصله أن الشارح بنى ما قاله على وجوب انعكاس العلامة وهو خلاف المشهور وما مشى عليه هو نفسه فيما مر وخالف القاعدة من أن المأخوذ من الإثبات النفي فورد عليه حينئذ المشترك، وإن أجيب عنه فعليه مؤاخذة من جهتين وهو كلام في غاية السداد خلافاً لما تعسفه سم مما يظهر لمن سلك جادة الإنصاف أنه من التغيير في الوجوه الحسان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 251
قوله:
(وصحة النفي)
(2/67)
---(2/14)
أي صدقه في الواقع لا الصحة لغة لصحة قولك ما أنت بإنسان، وهذا القيد أهمله الشارح مع الحاجة إليه، ويمكن أن يقال: إنما أهمله اعتماداً على ما هو المتبادر من صحة النفي من أن المراد بها الصحة في نفس الأمر. واعترض على هذه العلامة بأنه يلزم عليها الدور لتوقفها على أن المجاز ليس من المعاني الحقيقية وكونه ليس منها يتوقف على كونه مجازاً. وأجيب بأن صحة نفيه باعتبار التعقل لا باعتبار أن يعلم كونه مجازاً فينفيه، وبأن الكلام ليس في معنى جهل كون اللفظ حقيقة أو مجازاً فيه بل في معنى علم كون لفظه حقيقة أو مجازاً فيه، ولم يعلم أيهما المراد فيعلم بصحة النفي كونه مجازاً. قوله: (بأن لا يطرد الخ) اعترضه الكمال وشيخ الإسلام بأن حاصله يرجع إلى أنه لا يطرد مجاز من المجازات في جزئيات مدلوله لانتفاء التعبير به في بعضها بأن يعبر بالحقيقة بدله كالتعبير بالشجاع بدل الأسد في بعض ذوي الشجاعة، ولا شك أن مثل ذلك يأتي في الحقيقة التي لها مجاز فإنه يصح التعبير في بعض جزئيات مدلولها بالمجاز بدلها اهـ. ويمكن أن يجاب بأن حاصل كلام الشارح أن المراد صحة إطلاق اللفظ على كل فرد من أفراد ذلك المعنى مع إمكان العدول في بعض الأفراد إلى إطلاق يكون حقيقياً، وبوجوب الاطراد صحة إطلاق اللفظ على كل فرد من أفراد المعنى مع عدم إمكان العدول في بعض الأفراد إلى إطلاق يكون حقيقياً، ألا ترى إلى قوله بخلاف المعنى الحقيقي إلى قوله لانتفاء التعبير الحقيقي بغيرها؟ قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 252
قوله:
(فلا يقال واسأل البساط أي صاحبه)
(2/68)
---(2/15)
قال القرافي في شرح المحصول: قلنا لا نسلم أنه يمتنع بل كلام سيبويه وغيره يقتضي الجواز. قال سيبويه: لا يصح أن يقال: قامت هند ويراد غلامها يعني لأن قرينة التعذر في القرية هي الدالة على الإضمار ولا تعذر هنا في هند فلا يجوز إضمار بغير دليل، وهذا يقتضي صحة اسأل البساط لقرينة التعذر فيصرف السؤال إلى صاحبه كما يصرف لأهل القرية اهـ كلام القرافي. قلت: وقد ذكر النحاة ما يصرح بقياسية جواز نحو: اسأل البساط فقد ذكر ابن مالك في تسهيله أنه يجوز حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه في إعرابه، وقسم ذلك إلى قياسي وغير قياسي، وذكر أن ضابط ذلك أنه إن امتنع استقلال المضاف إليه بالحكم فهو قياسي نحو: {واسأل القرية} (يوسف: 82) {واشربوا في قلوبهم العجل} (البقرة: 93) إذ القرية لا تسئل والعجل لا يشرب، وإن لم يمتنع ذلك فهو سماعي اهـ. وهو مصرح بما ذكر وبه يزداد الإشكال ومما يقويه أن المعتبر في العلاقة نوعها لا شخصها وهي متحققة ههنا. والحاصل أن كلام الأصوليين مصرح بامتناع نحو: اسأل البساط أي صاحبه، وكلام النحاة مصرح بجواز ذلك، وكلام الأصوليين مشكل مع كون المعتبر نوع العلاقة لا شخصها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 252
قوله:
(وبالتزام تقييده)
أعاد الباء فيه بخلاف ما قبله وما بعده كأنه لدفع توهم أنه قيد لما قبله وفيه بعد قاله شيخ الإسلام. قوله: (أي لين الجانب) تفسير لجناح فهو تفسير للمضاف. وقوله أخفض مجاز عن حقق أو حصل فينحل التقدير إلى قوله: وحقق أو حصل لهما لين جانب الذل أي حصل لهما لين جانبك الحاصل بواسطة الذل لهما، وهذا معنى صحيح لا ريب في صحته خلافاً لما ادعاه العلامة من عدم صحته، وتعين كون قول الشارح أي لين الجانب تفسيراً للمضاف إليه الذي هو الذل لا للمضاف ولا للمضاف والمضاف إليه معاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 253
قوله:
(أي شدته)
(2/69)
---(2/16)
تفسير لنار وكان الواجب تأنيث الضمير العائد للحرب لكونها مؤنثة قال الله تعالى: {حتى تضع الحرب أوزارها} (محمد: 4) ويمكن الجواب بأنه جرى على لغة تذكير الحرب وإن كانت قليلة أو على تأويلها بالقتال مثلاً. قوله: (على المسمى الآخر) أي المسمى الحقيقي وهذا يسمى المشاكلة وهي التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقاً نحو: {ومكروا ومكر الله} (آل عمران: 54) فإطلاق المكر على المجازاة عليه مجاز لوقوعه في صحبته أو تقديراً نحو قوله تعالى: {أفأمنوا مكر الله} (الأعراف: 99) فالمعنى والله أعلم أفأمنوا حين مكروا مكر الله أي مجازاته على مكرهم، فعبر عن المجازاة على المكر بالمكر لوقوعه في صحبته تقديراً
قوله: (بأن ألقى شبهه) أي شبه عيسى عليه الصلاة والسلام، ووقع في كلام بعض المحشين تفسير ضمير شبهه بالمقتول وهو سهو. قوله: (على من وكلوا) بفتح الكاف مخففة أي ربطوا به قتله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 253
قوله:
(لما لم يروا الآخر)
أي وهو صاحبهم. قوله: (متوقف على وجوده) أي تحقيقاً أو تقديراً كما مر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 253
قوله:
(فإطلاق المسؤول عليها المأخوذ من ذلك مستحيل الخ)
(2/70)
---(2/17)
قال العلامة: قوله مستحيل خبر إطلاق، وفي كون الإطلاق مأخوذاً من الآية وكونه مستحيلاً تناقض ومخالفة للمتن في أن المستحيل هو المطلق عليه لا الإطلاق، إلا أن يؤول بأن المراد المستحيل عليه ذلك الإطلاق، فاندفع التناقض بأن المأخوذ الإطلاق عليها من حيث هي، والمستحيل إنما هو الإطلاق عليها مراداً بها إلا بنية. قلنا: فالإطلاق المأخوذ غير المستحيل فلا يصح الحكم بأنه هو فليتأمل، والذي يتعين أن يقال وهو مقتضى المتن أطلق سؤال القرية على معنى هو أبنيتها وهو مستحيل واستحالته يعرف بها أن المراد استفهام أهلها، وهذا معنى صحيح لا تكلف فيه ولا خروج عن ظاهر العبارة اهـ. قوله: (في نوع المجاز) أي في كل نوع من أنواعه كالسببية والمسببية والكلية والجزئية إلى غير ذلك من بقية العلاقات، فإذا سمع المجاز في صورة من صور نوع منه كالسببية مثلاً جاز لنا أن نتجوز في سائر صور هذا النوع، وكذا القول في باقي الأنواع. قوله: (لصحة التجوز في عكسه مثلاً) أشار بقوله مثلاً إلى أنه يكتفي بذلك في غير عكس ذلك النوع من بقية الأنواع على هذا القول قاله شيخ الإسلام. قلت: لا يخفى بعد هذا القول.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 253
قوله:
(ولا يشترط السماع في شخص المجاز إجماعا)
(2/71)
---(2/18)
فيه إشارة إلى أن نقل غيره كابن الحاجب الخلاف بقوله: ولا يشترط النقل في الآحاد على الأصح محمول على غير الأشخاص كما حمله عليه في شرح المختصر حيث قال: محل الخلاف آحاد الأنواع لا الأشخاص إذ الشخص الحقيقي لا يصح كونه محلاً للخلاف لأن أحداً لا يقول لا أطلق الأسد على هذا الشجاع إلا إذا أطلقه عليه العرب بعينه وأطال في بيان ذلك ثم قال: فقد تحرر أن الخلاف في الأنواع لا في الجنس ولا في جزئيات النوع الواحد، وسبقه إلى ذلك القرافي شيخ الإسلام. قوله: (غير علم) أي فالعلم ليس معرباً أو هو معرب واقع في القرآن اتفاقاً والخلاف في غيره على ما سيأتي. قوله: (في معنى وضع له في غير لغتهم) خرج به الحقيقة والمجاز العربيان إذ كل منهما مستعمل فيما وضع له في لغتهم وإن كان الوضع في الأول ابتدائياً وفي الثاني ثانوياً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 254
قوله:
(فلا يكون كله عربيا)
(2/72)
---(2/19)
أي لكن كله عربي بدليل الآية فليس فيه عربي وغيره، وحمل الآية على الكل حقيقة وهي أولى عن الحمل على الغالب لأنه يصير حينئذ مجازاً والحقيقة أرجح فالحمل عليها أولى. فإن قيل: هذا النفي أي نفي كونه عربياً لازم لأن العلم الأعجمي واقع في القرآن بلا خلاف كما قاله الشارح كغيره فلا يكون كله عربياً. قلت: أجاب شيخ الإسلام بأنه اتفقت فيه لغة العرب وغيرهم اهـ. وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لم يحتج للاحتراز عنه بقوله: غير علم كما لم يحتج إلى الجواب عن نحو: استبرق وفسطاس ومشكاة، بل يجوز أن يلتزم أنه أعجمي، ولا ينافي ذلك كون كله عربياً نظراً إلى ما ذكره السعد كغيره من أن الأعلام بحسب وضعها العلمي ليست مما ينسب للغة دون أخرى، ولا يرد على ذلك منع الصرف نظراً لكون الوضع في العجمة فهي وإن كانت لا تنسب إلى لغة دون أخرى إلا أن لها مزية بغير العربية لكون الوضع من ذلك الغير، وبذلك يخرج الجواب عن قول العضد وابن الحاجب أن إجماع أهل العربية على أن منع صرف إبراهيم ونحوه للعجمة والعلمية يوضح ما ذكرناه من وقوع المعرب فيه أي في القرآن اهـ. وأجاب شيخ الإسلام بأن الإجماع المذكور لا يقتضي كونه معرباً لجواز اتفاق اللغتين فيه، وإنما اعتبرت عجمته حتى منع الصرف لأصالة وضعها اهـ. ولعل المراد بأصالة الوضع مع فرض اتفاق اللغتين بها سبق الوضع المذكور أو كونه أشبه بطريقتهم قاله سم. قلت: وقد يبحث في جواب سم بأن مقتضى كون وضع العلم لا ينسب إلى لغة دون أخرى عدم اعتبار كون الوضع في اللغة الأعجمية، إذ لا معنى للنظر لكون الوضع في العجمة إلا نسبته إليها. وفي جواب شيخ الإسلام بأن الأصالة المذكورة بعد تسليمها لا تقتضي منع الصرف مع كون اللفظ عربياً إذ الفرض اتفاق اللغتين فيه، على أن اعتبار العجمة من حيث الأصالة والسبق فقط خلاف المتبادر من قولهم ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة بل المتبادر منه اختصاص وضعه بالعجم والتبادر علامة الحقيقة(2/20)
(2/73)
---
فيكون معرباً كما أخذ ذلك من الإجماع المذكور ابن الحاجب والعضد فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 254
قوله:
(وأن يسمى كما مشى عليه في شرح المختصر)
يرد عليه أنه يشكل حينئذ الاستدلال بالآية لأنهم جعلوا وجه الاستدلال بالآية أنه لو اشتمل القرآن على غير عربي لم يكن كله عربياً وذلك مناف لقوله: {قرآناً عربياً} (يوسف: 2) فيقال: لا نسلم المنافاة لأنه حيث سلم وقوع العلم فيه مع كونه من المعرب لم يكن كله عربياً، وحينئذ لا يصح الاستدلال بقوله: {قرآناً عربياً} (يوسف: 2) على نفي ما عدا العلم من المعرب عنه. وقد يجاب بتخصيص الخلاف بغير العلم، ويجعل وجه الاستدلال من الآية أن الأصل والمتبادر من العربي ما هو عربي بجميع أجزائه، لكن دل الدليل على عدم عربية الأعلام الواقعة فيه دون الأجناس الواقعة فيه فتبقى على الأصل سم. قوله: (حيث لم يقل ذلك) يعني أنه لم يصرح بأنه يسمى لكن أخذ تسميته من كلامه. قوله: (فيما لم يضعوه له) أي لا ابتداء ولا ثانياً وإنما الواضع له غيرهم. قوله: (في معنى) أي واحد وهو إشارة إلى أن التقسيم إلى الأقسام الثلاثة بالنسبة إلى استعماله في معنى واحد فقط، وأما تقسيمه فيما سبق فبالنسبة إلى جملة معانيه. قوله: (أو حقيقة ومجاز باعتبارين) أي حقيقة في معنى ومجاز في ذلك المعنى بعينه. وقوله باعتبارين أي بوضعين لواضعين كما يشير إلى ذلك التمثيل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 255
قوله:
(بالإمساك المعروف)
(2/74)
---(2/21)
أي وهو إمساك جميع النهار القابل للصوم بنية. قوله: (لكل ما يدب) بكسر الدال بأنه ضرب يضرب كما في المختار وأريد بيدب لازمه وهو يعيش. قوله: (خصها العرف العام بذوات الحوافر وأهل العراق بالفرس) تفسيره العام فيما سيأتي بما يتعارفه جميع الناس ينافي العام هنا إذا لم يرد به ذلك لخروج أهل العراق عنهم، فلعل تفسيره العرف العام بما سيأتي بالنظر للغالب. قوله: (وفي الخاص بالعكس) أي حقيقة شرعية أو عرفية مجاز لغوي. فإن قيل: لا يخفى أن الإمساك الخاص فرد من أفراد مطلق الإمساك والدابة المخصوصة فرد من أفراد ما يدب على الأرض، ومن المعلوم أن استعمال الأعم كالمتواطىء في بعض أفراده حقيقته. أجيب بأن هذا صحيح إذا لم يعتبر من حيث الخصوص، أما إذا اعتبر من حيث الخصوص فيكون مجازاً. قوله: (باعتبار واحد) أي باعتبار وضع واحد من واضع واحد. قوله: (فإذا انتفى انتفيا) أي لأن القاعدة أن المركب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 255
قوله:
(ففي خطاب الشرع الخ)
أي فاللفظ الوارد في مخاطبة الشارع يحمل على المعنى الشرعي وإن كان له معنى عرفي أو لغوي أو هما كما سيذكره الشارح. قوله: (لأن عرفه) أي اصطلاحه والمفهوم منه. قوله: (لبيان الشرعيات) أي الأسماء الشرعيات. قوله: (واستمر) أي إلى وقت الحمل، ولا حاجة إلى زيادة هذا القيد أعني قوله: واستمر لأن العرف العام إنما حمل عليه اللفظ لظهور إرادته بسبب تعارف الناس له، ووجوب هذا التعارف زمن الخطاب دون ما بعده كاف في ذلك، فإذا انتهى استمراره ونقل إلينا أنه كان زمن الخطاب ثابتاً حمل اللفظ عليه قاله العلامة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 255
قوله:
(فحصل من هذا الخ)
(2/75)
---(2/22)
قال شيخ الإسلام: حاصله أنه لا ينتقل من معنى من المعاني الثلاثة إلى ما بعده إلا إذا تعذر حمله على حقيقته ومجازه، والعرف الخاص كالعام في ذلك، فإذا اجتمعا فالظاهر تقديم العام على الخاص اهـ. وفيه أنه إن أراد بالعرف الخاص عرف المخاطب بكسر الطاء فلا وجه للتردد بقوله: فالظاهر الخ لأن هذا داخل في قول المصنف ثم هو محمول على عرف المخاطب لأنه يفيد أن العرف الخاص الذي هو عرف المخاطب مقدم على غيره مطلقاً وإن أريد به عرف غيره فلا وجه للحمل عليه. وقال العلامة: فإن قلت التقييد بالعام والسكوت عن الخاص يشعر بعدم الحمل عليه فما علته؟ قلت: اللفظ المحمول على أحد هذه المعاني الثلاثة هو اللفظ الواقع في خطاب الشارع كما يقتضيه صنيع المتن والمعنى العرفي الخاص لا يريده الشارع فليتأمل. وأما قوله: إلا إذا تعذر حمله على حقيقته ومجازه فيمكن أن يستفاد من إطلاق الشارح هنا مع قوله الآتي وسيأتي في مبحث المجمل الخ وهذا الذي أفاده كلامه من تقديم المعنى المجازي في كل مرتبة على ما بعدها صرح به غيره، ففي شرح العراقي: فإن تعذر حمله على هذه الحقائق حمل على مجازاتها وينزل مجاز كل واحدة منزلتها اهـ. وسيشير الشارح لذلك بقوله: وسيأتي في مبحث المجمل الخ كما مر قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 256
قوله:
(وأن ما له معنى عرفي عام ومعنى لغوي يحمل أو لا على العرفي العام)
(2/76)
---(2/23)
ينبغي أن يستثنى ما إذا كان المتكلم له أيضاً عرف خاص وتكلم فيما يناسب ذلك الخاص كالنحوي إذا تكلم بمسألة نحوية فالوجه الحمل على عرفه الخاص قاله سم. قلت فيه: إن موضع البحث خطاب الشارع لا مطلق الخطاب فلا وجه للاستثناء المذكور. قوله: (محمله) مصدر بمعنى المفعول أي المعنى الذي يحمل عليه. قوله: (وعدل عنه الخ) أي لأن الموجب للإجمال أو الحمل على اللغوي هو الفساد وهو مدلول النهي، لكن لما كان النهي نفياً في المعنى صح التعبير به عنه. وأورد الكمال عليه أن استعمال النفي في معنى النهي مجاز يحتاج إلى القرينة مع انتفائها هنا وأنه حينئذ يخرج النفي بمعناه الظاهر ولم يتعرضا لبيان حكمه، مع أنه قد يقال: مقتضى دليل كل منهما أنه كالنهي، فإذا كان كذلك فكان يمكن حمل النفي في عبارة المصنف على المعنى الأعم الشامل للنفي حقيقة، ولما هو في معنى النفي وهو النهي لتضمنه النفي، وإن لم يوافق عبارتهما لجواز أن المصنف أشار بالنفي بالمعنى العام إلى إلحاق النفي الحقيقي بالنهي الذي اقتصر عليه إلا أن يكون المصنف صرح بأنه أراد بالنفي مجرد النهي فليتأمل اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 256
قوله:
(أي لم يتضح المراد منه)
قال العلامة أي الذي هو غير الشرعي واللغوي لأن كلاً منهما تمتنع إرادته كما أفاده قوله: إذ لا يمكن الخ، وما تمتنع إرادته لا يكون اللفظ مجملاً فيه أي محتملاً له ولهذا لم يقل لم يتضح المراد منهما اهـ. وفيما قاله نظر بل يجوز بل يتعين أن يكون المراد أحدهما إذ لا مانع من إرادة ذلك وهو المتبادر من الكلام بل صرح به العضد، ولا ينافيه قوله: إذ لا يمكن الخ إذ ليس المراد الإمكان عقلاً بل مجرد الاستبعاد مع إمكان ذلك، وتنظير الشيخ فيما صرح به العضد لا يفيد وما عبر به الشارح لا ينافي ذلك اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 256
قوله:
(وقال الآمدي اللغوي)
(2/77)
---(2/24)
فإن قلت: يلزم الآمدي أن الحائض منهية عن الدعاء بخير الذي هو المعنى اللغوي للصلاة التي نهيت عنها وإنه يجب ترك مطلق الإمساك يوم العيد حتى عن الكلام وغيره لشمول الصوم لغة لذلك والتزام ذلك إن لم يكن قطعي البطلان فهو من أبعد البعيد من العقل. قلت: اللزوم متوجه ولكن يحتمل أن مراد الآمدي أن الصلاة التي نهيت الحائض عنها هي ذات الركوع والسجود لكنها لفسادها لفقد شرطها من الخلو عن الحيض خارجة عن المعنى الشرعي، داخله في المعنى اللغوي ولو مجازا وان الصوم يوم العيد المنهي عنه هو امساكه عن المفطرات بنية الذي هو المعنى الشرعي لكنه لفساده بفقد شرط من شروطه وهو قبول اليوم للصوم كان خارجاً عن المعنى الشرعي المختص بما استجمع الشروط داخلاً في المعنى اللغوي كما مر في الصلاة بالنسبة للحائض فلم يلزم ما ذكر. فإن قلت: فإذا كان الفساد لغوياً مجازاً فلم لم يجعله الآمدي شرعياً مجازاً؟ قلت: قد يفرق باختصاص الشرعي مطلقاً عنده بالمعتد به. فإن قلت: على هذا لا يتحقق خلاف بالنسبة للمحمول لأنه واحد عنده وعند غيره غاية الأمر أنه يدخله في اللغوي وغيره يدخله في الشرعي. قلت: قد يلتزم ذلك لكنه في غاية البعد، ثم رأيت العضد نقل مختار الآمدي عن قوم حيث قال رابعها أي المذاهب لقوم لا إجمال فيهما أي الإثبات والنفي إذ يتعين في الإثبات الشرعي وفي النهي اللغوي. ثم قال: احتج الرابع القائل بظهوره في الإثبات الشرعي عليه بما ذكرتم أنتم أي من أن عرف الشرع استعماله فيه وذلك يقتضي ظهوره فيه عند صدوره عنه، وفي النهي في اللغوي بتعذر الحمل على الشرعي للزوم صحته وأنه باطل كبيع الحر والخمر والملاقيح والمضامين كل ذلك مما نهى عنه الشرع وشيء منه لا يصح، الجواب ما تقدم من أن الشرعي ليس هو الصحيح وأنه يلزم في قوله دعى الصلاة أيام أقرائك أن يكون المنهى عنه اللغوي وهو الدعاء وبطلانه ظاهر اهـ. وهو صريح في اللزوم المذكور في السؤال المتقدم اهـ(2/25)
(2/78)
---
سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 257
قوله:
(وأجيب الخ)
قضية هذا الجواب أن كلامهما في النهي المقتضى للفساد وكلام العضد السابق ظاهر في ذلك أيضاً، ويبقى الكلام فيما لا يقتضي الفساد ولم يتبين من كلامهما حكمه فليتأمل اهـ سم. قلت: يمكن أن يقال: محمله عنده الشرعي لأن موجب الحمل على اللغوي تعذر المعنى الشرعي، وذلك إنما يكون مع النهي المقتضى للفساد دون ما لا يقتضي فتأمل. قوله: (ولم يذكرا هذا القسم) أي ما له معنى شرعي ومعنى لغوي، أما القسمان الآخران وهما ما له معنى شرعي ومعنى عرفي وما له المعاني الثلاثة فلم يذكراهما شيخ الإسلام. قوله: (مثال الإثبات منه) أي من القسم الذي ذكراه. قوله: (ذات يوم) أي طائفة من الزمان صاحبة هذا الاسم وهو اليوم. قوله: (وهو نفل) جملة معترضة. قوله: (بنية) متعلق بصحته. قوله: (وسيأتي في مبحث المجمل الخ) المراد من هذا الكلام التنبيه على قسم آخر زائد على ما هنا، وقد يدعي اندراجه في قول المصنف، ففي الشرع الشرعي لأن الشرعي فيه أعم من أن يكون اللفظ المحمول عليه حقيقة أو مجازاً قاله العلامة. وقد يقال على تقدير اندراجه فيما هنا يكون مراد الشارح بما ذكره دفع توهم خصوص ما هنا بالحقيقة مع بيان ما فيه من الخلاف سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 257
قوله:
(في تقديم المجاز الشرعي على المسمى اللغوي)
(2/79)
---(2/26)
مثاله قوله : «الطواف بالبيت صلاة» فقد اجتمع فيه مجاز شرعي وحقيقة لغوية، فقيل يحمل على المجاز الشرعي، وقيل يحمل على الحقيقة اللغوية، وهذا خلاف المقرر في الفروع من أن تقديره الطواف كالصلاة فيكون تشبيهاً بليغاً لا مجازاً شرعياً ولا حقيقة لغوية. قوله: (وفي تعارض المجاز الخ) أراد بالمجاز والحقيقة معناهما بدليل قوله مجمل لا يحمل على أحدهما. وقوله فالحقيقة المتعاهدة الكرع منه. وقوله: بأن غلب استعمال المجاز ليس على منواله لأنه أراد بالمجاز اللفظ، ويمكن أن يكون في العبارة حذف أي بأن غلب استعمال اللفظ في المجاز والخطب سهل ولا حاجة لما تكلفه سم. قوله: (مجمل) قد يقال: هذا ينافي ما قدمه في قوله: ومن المصحوب بها المجاز الراجح. ويجاب بأن المراد بها القرينة المانعة أي الصارفة عن الحقيقة إلى المجاز لا المعينة. قوله: (لرجحان كل منهما من وجه) أي وهو الأصالة في الحقيقة والغلبة في المجاز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 258
قوله:
(فالحقيقة المتعاهدة الكرع منه بفيه)
(2/80)
---(2/27)
إنما كانت هذه هي الحقيقة لأن من لابتداء الغاية فتقتضى أن يكون ابتداء شربه منه. قال العلامة: لقائل أن يقول: الكرع منه مجاز أيضاً إذ النهر حقيقة هو الأخدود أي الشق المستطيل فهو مجاز والحقيقة مهجورة اهـ. وجوابه أنه ليس الكلام في تعارض حقيقة النهر ومجازه بل في تعارض حقيقة الشرب ومجازه، والمراد من النهر هنا ماؤه إما بالتجوز بلفظ النهر عن مائه أو بتقدير المضاف أي ماء النهر، والشرب من ماء النهر له قطعاً حقيقة ومجاز، فحقيقته الكرع منه بفيه، ومجازه الشرب مما يغترف به منه، والتجوز في الأطراف لا ينافي كون الإسناد حقيقة، فالتجوز في النهر بما تقدم لا ينافي أن إيقاع الشرب عليه إذا كان على وجه الكرع يكون حقيقة، ألا ترى أن التجوز بالأمير عن الجيش لا ينافي كون الإسناد في هزم الأمير الجند حقيقة، وكذا التجوز بالقتل عن الضرب الشديد لا ينافي كون الإيقاع حقيقياً في قولك: قتلت زيداً بمعنى ضربته ضرباً شديداً سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 258
قوله:
(ولم ينو شيئا)
جملة حالية من فاعل حلف أو معطوفة على جملة حلف وهو أولى. قوله: (أو لا يحنث بواحد منهما) أي لا بالأول دون الثاني ولا بالثاني دون الأول، وليس المراد أنه لا يحنث لو فعلهما معاً إذ لا شبهة في الحنث حينئذ.
(2/81)
---(2/28)
قوله: (فإن هجرت الحقيقة) هذا محترز قوله الراجح. قوله: (فيحنث بثمرها) أي بأكل ثمرها دون أكل خشبها. ففي العبارة حنث دل عليه الكلام وقوله الذي هو الخ نعت للمضاف المحذوف وهو لفظ أكل لأن الحقيقة المهجورة هي الأكل من الخشب لا نفس الخشب كما يقتضيه ظاهر العبارة لولا التقدير فإن الخشب معنى حقيقي للنخلة مستعمل غير مهجور، والطلع من الثمر والجريد ونحوه من الخشب، فاندفع ما يقال أن سكوته عن الطلع والجريد ونحوه يدل على أنهما ليسا من الحقيقة ولا من المجاز راجع سم. قوله: (وإن تساويا) هذا محترز قوله المرجوحة. قوله: (تتميم) قال العلامة: بقي ههنا إشكال وهو أن المجاز الراجح حقيقة عرفية لأن غلبة استعمال اللفظ في معناه المجازي يعرف بها وضعه له كما اختاره الشارح أو نفس وضعه له كما نقله عن القرافي في تعريف الوضع، وإذا صار حقيقة عرفية في هذا المعنى صار مجازاً في المعنى الأول وإلا كان مشتركاً والمجاز خبر منه، وإذا صار حقيقة عرفية في هذا المعنى مجازاً في المعنى الأول كان هذا المعنى لكونه حقيقياً مقدماً على الأول لكونه مجازاً بقضية ما قدمه المصنف من أن الحقيقة مقدمة على المجاز فاختياره هنا أن اللفظ مجمل ينافي ذلك اهـ. وتعقبه سم بما لا يجدي نفعاً فراجعه إن شئت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 258
قوله:
(بالإجماع)
(2/82)
---(2/29)
قال العلامة: متعلق بثبوت وفي تقديره فصل بين الموصوف وهو حكم وصفته وهي يمكن بأجنبي إلا أن يتعلق باستقرار محذوف صفة أولى لحكم اهـ. قال سم: لا نسلم امتناع هذا الفصل وإنما يكون ممتنعاً لو كان من جملة المتن بخلاف ما إذا كان من الشارح لبيان مراد المتن اهـ. وقد يقال: كلام الشارح مع المتن ينزل منزلته فهما كلام واحد حكماً. قوله: (في ذلك المراد) أي الذي هو الحكم المذكور. قوله: (لأن الملامسة حقيقة في الجس باليد مجاز في الجماع) اعترض بأنه حقيقة في التقاء البشرتين الصادق بالجماع وفيه نظر، قال في الصحاح: اللمس المس باليد ويكنى به عن الجماع اهـ. لكن عبر في القاموس بقوله لمسه مسه بيده والجارية جامعها والملامسة المماسة والمجامعة اهـ. قوله: (وأجيب بأنه يجوز أن يكون المستند غيرها) هذا منع لقوله لا مستند غيرها. وقوله: واستغنى الخ منع لقوله: وإلا لذكر. وقوله كما هو العادة أي الاستغناء بذكر الإجماع عن ذكر المستند في المسائل الإجماعية لكون الإجماع حجة. قوله: (فتدل على نقضه الوضوء) أي مطلقاً أي كان معه قصد لذة أو وجودها أم لا. كما أن اللمس عند الأول غير ناقض كذلك، ومذهبنا معاشر المالكية النقض به أن صاحبه قصد لذة أو وجودها وإلا فلا فهو كالتوسط بين القولين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 259
قوله:
(الكناية لفظ الخ)
(2/83)
---(2/30)
اعلم أن للبيانيين في الكناية طريقين. الأول: أنها اللفظ المستعمل في معناه الحقيقي لينتقل منه إلى لازمه كقولنا طويل النجاد مستعملاً في طول حمائل السيف لكن لا لذاته بل لأجل أن ينتقل منه للازمه وهو طول القامة، وعلى هذا فهي حقيقة لأن اللفظ لم يستعمل إلا في معناه الحقيقي وإن كان القصد منه لازمه. والثاني: أنها اللفظ المستعمل في لازم معناه مع جواز إرادة معناه الحقيقي كإطلاق طويل النجاد مراداً منه طول القامة فقط، أو طول القامة مع طول حمائل السيف، وعلى هذا فهي ليست حقيقة ولا مجازاً، أما الأول فلأن اللفظ لم يستعمل فيما وضع له. وأما الثاني فلأن المجاز لا يصح معه إرادة المعنى الحقيقي، إذا علمت هذا فتعريف المصنف للكناية بما قاله جار على الطريق الأول بلا شبهة إذ قوله مراداً منه حال من معناه وضمير منه يعود له أي لمعناه. وقوله لازم المعنى لفظة المعنى إظهار في موضع الإضمار لزيادة الإيضاح، فاندفع اعتراض العلامة قدس سره أن مفاد عبارة المصنف أن الكناية هي اللفظ المستعمل في معناه ولازمه معاً فتكون حينئذ مجازاً لا حقيقة، فلا يصح قوله فهي حقيقة ومبنى اعترضاه على جعل قوله مراداً منه حالاً من ضمير استعمل العائد على اللفظ وجعل ضمير منه اللفظ لا إلى قول معناه وإلا لقال مراداً منه لازمه، وقد علمت صحة ما سلكه المصنف، وحينئذ فتعريفه مساو لتعريف غيره، ولا ريب في تفرع قوله فهي حقيقة على تعريفه المذكور، هذا خلاصة القول في هذا المقام وفيه كفاية عما أطال به العلامة سم رحمه الله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 259
قوله:
(كما في قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه الصلاة والسلام الخ)
(2/84)
---(2/31)
قال العلامة: في التمثيل بذلك بحث لأنه يلزم من استعماله في معناه الذي هو إرادته به إخبار بغير الواقع اهـ. قلت: قد تقرر أن المقصود من الكناية هو اللازم وهو الذي يتعلق به الإثبات والنفي دون المعنى الحقيقي. قال في التلويح: وأما عند علماء البيان فالكناية لفظ قصد بمعناه معنى ثان ملزوم له: أي لفظ استعمل في معناه الموضوع له لكن لا يتعلق به الإثبات والنفي ويرجع إليه الصدق والكذب، بل لينتقل منه إلى ملزومه فيكون هو مناط الإثبات والنفي ومرجع الصدق والكذب، كما يقال: فلان طويل النجاد قصداً بطول النجاد إلى طول القامة فيصح الكلام وإن لم يكن له نجاد قط بل وإن استحال المعنى الحقيقي كما في قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} (طه: 5) وقوله: {والسموات مطويات بيمينه} (الزمر: 67) وأمثال ذلك، فإن هذه كلها كنايات عند المحققين من غير لزوم كذب، لأن استعمال اللفظ في معناه الحقيقي وطلب دلالته عليه إنما هو لقصد الانتقال منه إلى ملزومه إلى آخر ما أطال به، ولا يخفى أن قوله من غير لزوم كذب الخ يدل على أن الإخبار بغير الواقع إنما يكون كذباً إذا لم يكن المقصود به الانتقال المذكور وهذا جار في التعريض بلا فرق، وإذا كان المعنى الحقيقي غير مقصود بالذات للإخبار عنه وإنما المخبر عنه المنتقل إليه وأنه يصح إطلاق اللفظ كناية وإن لم يكن المعنى الحقيقي موجوداً ما تقدم عن السعد، وقد علمت أن التعريض كالكناية، فمعنى كون اللفظ مستعملاً في معناه الحقيقي فيهما تصور المعنى الحقيقي في الذهن لينتقل منه إلى المعنى الآخر، فالمعتبر تصوره في الذهن لا وجوده في الخارج، فقد تبين سقوط ما قاله العلامة، وكذا سقوط قول الشهاب فيه حزازة لعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الصغائر ولو سهواً على الراجح اهـ. لأنه إذا لم يتحقق الكذب فلا صغيرة أصلاً لا عمداً ولا سهواً، وكان وجه الكناية حقيقة مع انتفاء المعنى الحقيقي أو استحالته كما مر أن(2/32)
(2/85)
---
تحقق المعنى وعدم تحققه أمر خارج عن مدلول اللفظ بناء على أنه موضوع للمعنى الذهني لا للخارجي، لكن هذا يشكل على ما مشى عليه المصنف من وضع اللفظ للمعنى الخارجي دون الذهني، اللهم إلا أن يخص ذلك بغير الكناية والتعريض، أو يكون ما عرف به الكناية والتعريض مبنياً على قول غيره من وضع اللفظ للذهني دون الخارجي فليتأمل سم باختصار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 260
قوله:
(نسب الفعل)
أي وهو تكسير الأصنام. وقوله: كأنه غضب أي كبير الأصنام. وقوله: تلويحاً علة لقوله نسب. وقوله لما يعلمون علة لقوله لا يصلح. وقوله من عجز كبيرها بيان لما يعلمون. قوله: (فهو حقيقة أبداً) ما ذكره المصنف من أن التعريض بالنسبة لمعناه الأصلي حقيقة أبداً طريقة لبعض البيانيين، وذهب آخرون إلى أن التعريض بالنسبة للمعنى الأصلي قد يكون حقيقة، وقد يكون مجازاً، وقد يكون كناية لأنه إن استعمل في معناه الموضوع هو له فحقيقة أو في غيره فمجاز أو في معناه الحقيقي مراداً منه لازمه فكناية كما تقرر في موضعه، وأما المعنى التعريضي فإنما يستفاد من سياق الكلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 261
قوله:
(بخلافه في الكناية الخ)
(2/86)
---(2/33)
هذا يفيد أن قول المصنف فيما تقدم فإن لم يرد المعنى وإنما عبر بالملزوم عن اللازم فهو مجاز من تتمة تعريف الكناية وأنها تنقسم إلى كونها حقيقة تارة وهي ما إذا استعمل اللفظ في معناه لينتقل منه إلى لازمه، ومجازاً أخرى وهي ما إذا استعمل اللفظ في لازم المعنى، ويشعر بهذا إشعاراً قوياً قوله في التعريض فهو حقيقة أبداً، فتقييده بالأبدية يشعر بأن الكناية ليست حقيقة على التأبيد بل تكون تارة حقيقة وتارة مجازاً وهو تابع في ذلك لوالده فإن الكناية عنده تنقسم إلى حقيقة: ومجاز كما نقل ذلك عنه السيوطي في إتقانه حيث قال: وفيها أي الكناية أربعة مذاهب. أحدها: أنها حقيقة قال ابن عبد السلام وهو الظاهر لأنها استعملت فيما وضعت له وأريد به الدلالة على غيره. والثاني: أنها مجاز. الثالث: أنها لا حقيقة ولا مجاز وإليه ذهب صاحب التلخيص لمنعه في المجاز أن يراد المعنى الحقيقي مع المجازي وتجويزه ذلك فيها. الرابع: وهو اختيار الشيخ تقي الدين السبكي أنها تنقسم إلى حقيقة ومجاز فإن استعمل اللفظ في معناه مراداً منه لازم المعنى فهو حقيقة وإن لم يرد المعنى، وإنما عبر بالملزوم عن اللازم فهو مجاز لاستعماله في غير ما وضع له ليفيد غير ما وضع له، فالمجاز فيها أن يراد به غير موضوعه استعمالاً وإفادة اهـ. وقد صرح الزركشي بأن المصنف تابع لوالده في انقسام الكناية إلى الحقيقة والمجاز، وهذا مفاد قول الشارح بخلافه في الكناية كما تقدم، لكن نازع شيخ الإسلام في نسبة ذلك إلى المصنف حيث قال: وأما نسبة الرابع للمصنف فوهم إذ قوله فهو مجاز عائد إلى اللفظ لا إلى الكناية كما صرح به الشارح اهـ. أي فلا يكون قوله فإن لم يرد المعنى الخ من تمام تعريف الكناية كما هو المتبادر من العبارة وإلا لقال فهي أي الكناية مجاز، لكن قد يقال استدلاله بذلك لا يخلو عن ضعف لجواز أن يكون تصريح الشارح بقوله أي اللفظ لدفع استشكال تذكير الضمير مع عوده للكناية وهي(2/34)
(2/87)
---
مؤنثة للإشارة إلى عدم عود الضمير لها، ويقوي ذلك قوله بخلافه في الكناية كما تقدم فإنه ظاهر في الإشارة به، إلى أن قيد الأبد في التعريض مقابل للتفصيل في الكناية وقد أوله أعني قول الشارح بخلافه في الكناية كما تقدم العلامة بقوله أي فإن اللفظ فيها قد يستعمل في غير معناه وإن كان مجازاً لا كناية اهـ. ولا يخفى بعده.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 261
قوله:
(أي هذا مبحث الحروف)
المبحث اسم مكان البحث، والبحث حمل المحمولات على الموضوعات كما تقدم أي هذا محل إثبات أحوال الحروف لها وحملها عليها. قوله: (التي يحتاج الفقيه الخ) المراد بالفقيه المجتهد، ونبه بذلك على بيان العذر في ذكرها في هذا الفن. قوله: (لكثرة وقوعها في الأدلة) بيان لوجه الاحتياج، وقد يقال: الاحتياج لا يتوقف على الكثرة بل على مجرد الوقوع، ويمكن أن يقال: التقييد بالكثرة مع كونه الواقع للإشارة إلى مزيد الاحتياج ففيه تأكيد العذر في ذكرها. قوله: (لكن سيأتي منها) أي من الحروف بمعنى الأدوات ففي العبارة استخدام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 262
قوله:
(تغليب للأكثر)
(2/88)
---(2/35)
قد يستغنى عن دعوى التغليب بأن إطلاق الحروف على الكلمات مطلقاً إطلاق آخر لهم قال الصفار في شرح كتاب سيبويه: إن الحرف يطلقه سيبويه على الاسم والفعل اهـ. والتغليب مجاز كما نبه عليه في شرح التلخيص. قوله: (عدها بالقلم الهندي) المراد بعدها ذكرها بالعبارة عنها. فإن قيل: القلم الهندي ليس عبارة بل هو رمز للعبارة عنها. قلنا: ممنوع بل هو عبارة عنها لأن تلك الأشكال تدل على لفظ وهو قولك: واحد اثنان الخ. كما أن الأشكال العربية تدل على ذلك سم. قوله: (للجواب والجزاء) المراد بكونها للجواب أنها لا تقع إلا في كلام يجاب به من تكلم بكلام آخر إما تحقيقاً وإما تقديراً، فلا تقع في كلام مقتضب إبتداء من غير أن يكون هناك ما يقتضي الجواب، والمراد بالجزاء ما يكمون جزاء الشرط، ومن المعلوم أن الشرط استقبالي فيلزم أن يكون الجزاء كذلك، ولذا شرط في النصب بها كون الفعل بعدها استقبالياً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 262
قوله:
(الشلوبين)
(2/89)
---(2/36)
هو بفتح اللام وضمها لقب الأستاذ أبي علي وهي بلغة الأندلس الأبيض الأشقر قاله شيخ الإسلام. قوله: (وقد تتمحض للجواب) من تتمة قول الفارسي وهو محترز قوله غالباً. قوله: (أي إن زرتني) تنبيه على أن المراد بالجواب في قوله قال سيبويه للجواب جواب الشرط وقد تقدمت الإشارة لذلك. قوله: (لانتفاء استقباله) أي لأن المعنى أصدقك الآن، وكذا قول الآخر له: أحبك المراد به الحال لأنه إخبار عن حب قائم به وقت التكلم. قوله: (المشترط في نصبها) أي وفي الجزاء بها. قوله: (أي إن كنت قلت ذلك حقيقة الخ) فيكون القول المذكور وجوابه استقباليين لأن كون القول المذكور حقيقة لم يعلم إلا بعد، والتصديق المذكور مرتب عليه فلا يكون موجوداً الآن أيضاً. قوله: (وسيأتي عدها من مسالك العلة) تنبيه على فائدتها وعلى أنه يمكن الاستغناء به عن ذكرها هنا بما يأتي. وقوله: لأن الشرط علة للجزاء توجيه لعدها من مسالك العلة وتنبيه على تضمن جملتها معنى الشرط والجزاء سم. قوله: (للشرط) أي موضوعة للشرط يطلق الشرط على نفس أداته وعلى فعل الشرط وعلى تعليق حصول مضمون جملة على حصول مضمون أخرى وهو الذي أشار له فلا حاجة إلى ما ذكره شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 262
قوله:
(إن الكافرون الخ)
(2/90)
---(2/37)
كرر المثال إشارة إلى أنه لا فرق بين الجملة الإسمية والفعلية وكذا تكرير المثال للزيادة. قوله: (والزيادة) فيه تساهل فإن الزيادة ليست معنى بل معناها التأكيد. قوله: (للشك) انظر هل المراد به مطلق التردد أو التردد على حد سواء؟ واعلم أن التحقيق إن أولا حد الشيئين أو الأشياء وهذه المعاني المذكورة لها إنما يفيدها السياق والقرائن. قوله: {قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم} قال بعضهم: هي فيه للإضراب لا للشك. قوله: (والإبهام على السامع) ويعبر عنه بالتشكيك والمراد به التعمية على المخاطب مع علم المتكلم بالحال، فالشك من جهة المتكلم والإبهام من جهة السامع، كما أشار لذلك الشارح شيخ الإسلام، وفي كون الآية من ذلك نظر، بل الظاهر أن أو فيها لتنويع الأمر الآتي كذا قال بعضهم. قلت: وفيه نظر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 263
قوله:
(والتخيير)
اعلم أنه لا تنافي بين نسبة التخيير والإباحة لأو ونسبتهما إلى صيغة الأمر لأن كلاً منهما له دخل في ذلك، إذ لا يفادان إلا منهما، ولملازمة كل منهما لصيغة الأمر وأيضاً فإن إلى الصيغة تارة وإلى أو أخرى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 263
قوله:
(بين المعطوفين)
فيه تغليب للمعطوف لكونه أخصر على المعطوف عليه ولو لم يغلب لقال بين المعطوف والمعطوف عليه. قوله: (نحو خذ من مالي الخ) إنما كانت أو فيه للتخيير لأن الأصل في مال الغير الحرمة حتى ينص على حله وأو نص في أحدهما فيمتنع الجمع بينهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 263
قوله:
(وسموا الثاني بالإباحة)
المراد بها الإباحة اللغوية لا الشرعية لأن الكلام في المعاني اللغوية للحروف قبل ظهور الشرع. قوله: (وقد زعمت ليلى بأني فاجر الخ) الزعم الدعوى بلا دليل وضمن زعمت معنى تحدثت فعداه بالباء وكون أو في البيت لمطلق الجمع كالواو خلاف الظاهر، والظاهر أنها فيه للإبهام على السامع.
(2/91)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 263
قوله:
(تقسيم الكلي إلى جزئياته)(2/38)
ضابطه كما تقرر أن يصدق اسم المقسم على كل من الأقسام كتقسيم الكلمة إلى الاسم الفعل والحرف، فإن الكلمة يصح حملها على كل واحد من الأقسام. وأما تقسيم الكل إلى أجزائه فضابطه عدم صدق المقسم على واحد من الأقسام، بل إنما يصدق على المجموع من حيث هو مجموع كتقسيم الكلام إلى الاسم أو الفعل أو الحرف، إذ لا يصح حمل الكلام على الاسم وحده أو الفعل كذلك أو الحرف كذلك، وكقولهم السكنجبيل خل أو ماء أو عسل فإنه ينقسم إلى هذه الثلاثة وهو اسم للمجموع منها، ومن هذا قول الحماسي:
وقالوا لنا ثنتان لا بد منهما
صدور رماح أشرعت أو سلاسل
يقال: أشرعت أي سددت أي لا بد من القتل والأسر، فأشار للأول بقوله صدور رماح أشرعت وللثاني بقوله أو سلاسل شيخ الإسلام. قوله: (فيصدق الخ) أي يحمل لأن الصدق إذا أضيف للمفردات فالمراد به الحمل، وإذا أضيف إلى الجملة والقضية فالمراد به التحقق، وضمير يصدق يعود للكلي أو للكلمة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 263
قوله:
(وبمعنى إلى)
بقي كونها بمعنى إلا كقولك: لأقتلن الكافر أو يسلم قال شيخ الإسلام: وكأن المصنف استغنى عن هذا بذكر كونها بمعنى إلى بناء على قول الرضي وغيره أن المعنيين يرجعان إلى شيء واحد اهـ. وزاد بعضهم كونها بمعنى كي نحو: لأطيعن الله أو يغفر لي فإن هذه لا تصح لواحد من المعنيين بل هي بمعنى كي التعليلية سم.
(2/92)
---
قوله: {نحو وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} وجه الإضراب في الآية الشريفة أنه أخبر بأنهم مائة ألف باعتبار حال من يراهم أي أن من يراهم يقول إنهم مائة ألف ثم أخبر ثانياً بعددهم في نفس الأمر، فالأول باعتبار ما يظنه الرائي، والثاني باعتبار ما في نفس الأمر، هذا وظاهر كلام الكشاف وجماعة من المفسرين أن أوفى الآية المذكورة للشك لكن باعتبار حال الناظر، والمعنى أن من نظر إليهم يشك في كونهم مائة ألف أو يزيدون عليها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 264
قوله:(2/39)
(هذا يقال لمن قصر سلامه كالوداع الخ)
قال الكمال منتقد والصواب أن يقال لمن قصر الزمن بين وداعه وسلامه بهذا صرح الحريري في شرح اللمحة وعبارته الخامس من معاني أو أن تكون للتقريب كقولك: ما أدري أسلم أو ودع فدخول أو فيها لتقريب الزمان ما بين السلام والوداع اهـ. وقال شيخ الإسلام مثله. قلت: وهو وجيه وبذلك يحصل اشتباه السلام بالوداع مع كون الموضوع وجودهما معاً، وأما على ما قاله الشارح فالموجود السلام فقط، وقصر مدته لا تقتضي اشتباهه بخصوص الوداع. لوجود قصر المدة في غيره أيضاً، وما قاله سم مؤيداً لكلام الشارح فمن التعسف الذي لا يلتفت إليه، وقول بعض من حواشي الكتاب بعد إيراد الاعتراض المذكور ما نصه: والجواب أن قصر السلام يستلزم قصر الزمن المذكور فهو من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم فيكون كناية والأمر في ذلك سهل اهـ كلام بمعزل عن المقام. قوله: (وهو عطف بيان أو بدل) أي عند البصريين، وأما الكوفيون فقالوا إنه عطف نسق لأن أي عندهم من حروف العطف. قوله: (تفسير لما قبله) أي لسبب ما قبله بدليل قوله بعد ولا يكون ذلك إلا عن ذنب. قوله: (من خبرها) أتى بمن إشارة إلى أن المفعول من جملة الخبر وهو المختار لأن المراد الإخبار بالمجموع لا بالجملة وحدها وإن كان المسمى بالخبر اصطلاحاً هو الجملة.
(2/93)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 264
قوله:
(أي لا أتركك)(2/40)
كان القياس أن يقول أي لا أقلاك لكنه عبر بالترك مجازاً عن القلى لاستلزام القلى الذي هو البغض للترك، وكان ينبغي للمصنف ذكر إي بكسر الهمزة وسكون الياء ليستوفي جميع أقسامها وهي حروف جواب بمعنى نعم، ولا يجاب بها إلا مع القسم في جواب الاستفهام نحو قوله تعالى: {ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق} (يونس: 53) وأجاب القرافي بأن احتياج الفقيه لهذه اللفظة نادر فلذا لم يذكروها، وزاد الأخفش لأي المشددة قسماً وهي أن تكون نكرة موصوفة نحو مررت بأي معجب لك كما يقال بمن معجب لك قال ابن هشام: وهذا غير مسموع شيخ الإسلام. قوله: (وقيل لا يدل) لجواز نداء القريب بما للبعيد توكيداً، ويجوز أن يوجه عدم الدلالة أيضاً بأن البعيد في النداء أعم من بعيد المسافة وبعيد الرتبة كما هنا قاله سم. ووجه التأكيد في نداء القريب بما للبعيد أنه كتكرير نداء القريب. قوله: (للشرط) ينبغي إعرابه حالاً ليعطف عليه قوله وموصولة وما بعده بالنصب ويجوز إعرابه خبر مبتدأ محذوف فتكون المعطوفات بعده مرفوعة قاله سم. قوله: (بأن تكون صفة الخ) فيه إشارة إلى أن الصفة قد تكون جامدة مؤولة بالمشتق كما أشار إلى ذلك بقوله أي كامل الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 264
قوله:
(أي كامل في صفات الرجولية)
في زيادة صفات إشارة إلى أن الزيادة والنقص باعتبار الصفات لأن الرجولية في حد ذاتها لا تزيد ولا تنقص لأن ماهيتها واحدة لا تفاوت في أفرادها من حيث ذاتها بل من حيث صفاتها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 265
قوله:
(ووصلة)
أي متوصل بها إلى نداء ما فيه أل، وهذا مبني على أن المنادى هو المعرف بأل لا نفس أي، وأما من جعل أي نفس المنادى والمعرف نعتاً لها فلا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 265
قوله:
(ومفعولاً به)
(2/94)
---(2/41)
اختيار لما ذهب إليه طائفة من النحاة من انفكاكها عن الظرفية والأكثر على أنها ملازمة للظرفية، وأوّلوا ما ظاهره يوهم الخروج عنها بما يرده إليها. وقوله ومفعولاً به وبدلاً من المفعول به ينبغي أن يكون مثل ذلك العطف على المفعول به وعلى البدل لأن المعطوف على المفعول به مفعول به والمعطوف على البدل بدل، والظاهر أيضاً جواز التوكيد اللفظي قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 265
قوله:
(أي اذكروا حالتكم هذه)
ذكر الشارح زبدة المقصود وإن كان الظاهر أن يقول: اذكروا زمن ذلك إلا أن ذكر الزمن ليس إلا لذكر ما فيه وهي الحالة المذكورة، وكذا يقال في المثال الآخر لا يقال لكن ما ذكره لا يفيد المضي مع أن كونها مفعولاً به أو بدلاً منه من أقسام كونها للماضي كما هو صريح عبارة المصنف. لأنا نقول: أما أولاً فلو سلم عدم إفادته ما ذكر لكنه لا ينافيه بل يمكن حمله عليه وذلك كاف في التصحيح، وأما ثانياً فلا نسلم عدم إفادته ذلك لأن المضي يستفاد من الإشارة في قوله حالتكم هذه لأن المشار إليه مضمون قوله كنتم قليلاً فكثركم المفيد للمضي لكون الفعل فيه ماضياً ومنه الجعل المذكور إذ هو إشارة إلى مضمون قوله: إذ جعل فيه أنبياء المفيد أيضاً للمضي لما ذكر اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 265
قوله:
(التي هي الجعل المذكور)
أي وما عطف عليه، فالمراد بالنعمة الإنعام لا بدال الجعل المذكور منها لا المنعم به، وفي جعل إذ بدلاً من المفعول به في الآية تسامح لأن البدل هو ما بعدها كما هو ظاهر قرره شيخنا وفيه نظر يعلم مما ذكرناه عن سم في القولة التي قبل هذه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 265
قوله:
(ومضافاً إليها اسم زمان)
(2/95)
---(2/42)
لا يخفى أنها لا تخرج بذلك عن الظرفية غايته أنها ظرفية مقيدة ويكفي ذلك في تعدد المعنى ومنه حينئذ ووقتئذ والإضافة في ذلك بيانية، ويمكن أن يجعل من فوائدها الإجمال والتفصيل لإجمال الحين والوقت وتفصيل إذ بإضافتها لما بعدها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 265
قوله:
(وللمستقبل في الأصح)
ينبغي أن يجري فيها حينئذ المفعولية والبدلية ولعله تركهما لعدم تصريحهم بهما سم. قوله: (وقيل ليست للمستقبل الخ) حاصله أنها دائماً للماضي لكن إما حقيقة وإما تأويلاً وهي في الآية المذكورة للماضي تأويلاً وإن كان مستقبلاً في الواقع لتحقق وقوعه كالماضي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 265
قوله:
(والتعليل مستفاد من قوة الكلام)
أي على القول الثاني، ولا يلزم جريان الثاني في كل ما يصلح فيه الأول لأنه لا يجري في نحو قوله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} (الزخرف: 39) لاختلاف زمن الفعلين، والقول الأول عزى لسيبويه وصرح به ابن مالك في بعض نسخ التسهيل شيخ الإسلام. وبهذا الذي ذكره شيخ الإسلام يندفع ما أورده الكمال في هذا المقام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 266
قوله:
(وظاهر أن الضرب الخ)
من تتمة الثاني القائل بأنها ظرف وهو إيضاح لكون التعليل مستفاداً من قوة الكلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 266
قوله:
(وللمفاجأة)
المفاجأة المصادفة بغتة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 266
قوله:
(بعدّ بينا أو بينما)
قيل إن بينا أصله بين أشبعت فتحة النون فتولد عنها الألف وبينما هي بينا زيدت فيها الميم تأكيداً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 266
قوله:
(حرفاً كما اختاره ابن مالك الخ)
(2/96)
---(2/43)
قال في المغني: وعلى القول بالظرفية فقال ابن جني عاملها الفعل الذي بعدها لأنها غير مضافة إليه، وعامل بينا أو بينما محذوف يفسره الفعل المذكور، وقال الشلوبين إذ مضافة للجملة فلا يعمل فيها الفعل ولا في بينا وبينما لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا فيما قبله وإنما عاملهما محذوف يدل عليه الكلام واد بدل منهما والمعنى حين أنا قائم حين جاء زيد اهـ. وفي شرح التسهيل للدماميني. فإذا قلت بينا أو بينما أنا قائم إذ أقبل عمرو فعلى القول بزيادة إذ يكون الفعل الواقع بعد هو العامل في بينا كما يكون كذلك لو كانت إذ غير موجودة، وعلى القول بأنها حرف مفاجأة فالعامل في بينا وبينما فعل محذوف يفسره ما بعد إذ وهو أقبل في المثال المذكور اهـ. وقضية ما ذكر أنه لا يتأتى الإبدال على الظرفية المكانية فينبغي أن تتعلق بالعامل المحذوف اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 266
قوله:
(فاجأ مجيئه)
هذا على أنها حرف والمفاجىء هو ما بعدها ولا محل له وهي إنما دلت على المفاجأة فقط. وقوله أو مكانه أو زمانه هذا على أنها ظرف زمان أو مكان، وهما بالنصب عطف على وقوفي، وبالرفع عطف على مجيئه لأن المفاجأة مفاعلة من الجانبين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 266
قوله:
(وقيل ليست للمفاجأة)
(2/97)
---
مقابل لقوله وللمفاجأة. وقوله وهي في ذلك ونحوه زائدة أي والمعنى حينئذ جاء زيد بين أجزاء زمان وقوفي. قوله: (السابع إذا للمفاجأة) أي موضوعة للمفاجأة مع كونها حرفاً أو ظرف زمان أو مكان ولهذا أطلق المفاجأة وذكر الخلاف في كونها حرفاً أو ظرف زمان أو مكان. قوله: (بأن تكون بين جملتين) قال في المغني: وتختص بالجمل الاسمية ولا تحتاج إلى جواب ولا تقع في الابتداء ومعناها الحال لا الاستقبال اهـ. قوله: (حرفاً وفاقاً للأخفش وابن مالك) قال في المغني: ويرجحه قولهم خرجت فإذا إن زيداً بالباب بكسر إن لأن إن لا يعمل ما بعدها فيما قبلها اهـ.(2/44)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 266
قوله:
(والزمخشري ظرف زمان)
قال المغني: وزعم أن الزمخشري أن عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجأة وقال في قوله تعالى: {ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} (الروم: 25) التقدير ثم إذا دعاكم فاجأتم الخروج في ذلك الوقت ولا يعرف هذا لغيره وإنما ناصبها عندهم الخبر المذكور في نحو: خرجت فإذا زيد جالس، أو المقدر في نحو: فإذا الأسد أى حاضر وإن قدرت أنها الخبر فعاملها مستقر أو استقر، وإذا قلت خرجت فإذا الأسد صح كونها عند المبرد خبراً أي ففي الحضرة الأسد ولم يصح عند الزجاج لأن الزمان لا يخبر به عن الجثة ولا عند الأخفش لأن الحرف لا يخبر به ولا عنه، فإذا قلت فإذا القتال صحت خبريتها عند غير الأخفش وتقول خرجت فإذا زيد جالس أو جالساً فالرفع على الخبرية، وإذا نصب به والنصب على الحالية والخبر إذا إن قيل: إنها ظرف مكان وإلا فهو محذوف، نعم يصح أن تقدرها خبراً عن الجثة مع قولنا: إنها زمان إذا قدرت حذف مضاف كأن تقدر في نحو فإذا الأسد أي فإذا حضور الأسد اهـ من سم. قوله: (ففي ذلك المكان الخ) مفعول قدر أي فمن قدر هذا اللفظ. قوله: (وترك معنى المفاجأة) أي تركه مع كونه مراداً.
(2/98)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 266
قوله:
(وهل الفاء فيها زائدة)(2/45)
قد توجه الزيادة بتزيين اللفظ. قوله: (أو عاطفة) الظاهر أن العطف غير مقصود من التركيب المذكور وعلى أنه مقصود فالتعقيب المفاد به مستغنى عنه بالمفاجأة، ولهذا استظهر بعضهم كونها زائدة. قوله: (مضمنة معنى الشرط) قالوا لأنها معمولة للجواب فانظره حيث صدر الجواب بالفاء فإن فاء السببية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. قوله: (فتجاب بما يصدر بالفاء) معناه كما هو ظاهر أن هذا الحكم من فروع تضمنها معنى الشرط وليس في هذه العبارة حصر جوابها فيما يصدر بالفاء، فقول شيخ الإسلام: إن هذا قيد مضر ممنوع إذ لم يذكر على وجه القيدية بل على وجه التفريع. والجواب الذي يجب تصديره بالفاء هو الذي لا يصلح جعله شرطاً بأن يكون جملة اسمية أو فعلية فعلها طلب أو جامد أو مقرون بقد أو بحرف تنفيس أو منفي بما أو لن أو إن وقد نظم ذلك في قوله بعضهم:
اسمية طلبية وبجامد
وبما وقد وبلن وبالتنفيس
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 267
قوله:
(وندر مجيئها للماضي)
هذا محترز قوله للمستقبل، فقوله غالباً راجع إليه أيضاً، فعلم أن المصنف صرح بمحترز قوله للمستقبل دون قوله للشرط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 267
قوله:
(2/99)
---(2/46)
(نحو {والليل إذا يغشى} في كون هذا للحال نظر لأن الليل لم يرد به ليل موصوف بحال ولا بغيره فكذا إذا يغشى، وقول الشارح فإن الغشيان مقارن لليل لا يظهر به معنى الحال الذي هو أحد الأزمنة الثلاثة بدليل مقابلته بالاستقبال والماضي. واعلم أن إذا هنا تتعلق بمحذوف أي وعظمة الليل إذا يغشى لا بفعل القسم لفساد المعنى كما لا يخفى، أو بدل من الليل كما قاله السعد اهـ سم. وعبارة السعد في التلويح إذ قد تستعتمل لمجرد الظرفية من غير اعتبار شرط وتعليق كقوله تعالى: {والليل إذا يغشى} (الليل: 1) أي أقسم بالليل وقت غشيانه على أنه بدل من الليل، إذ ليس المراد تعليق القسم بغشيان الليل وتقييده لذلك الوقت اهـ. قلت: ووجه فساد المعنى على تعلق إذا يغشى بفعل القسم كما قاله سم ظاهر لاقتضائه إن وقت الغشيان ظرف للقسم ووقت له وهو ظاهر الفساد، إذ الوقت المذكور مقسم به لا ظرف للقسم ووقت له، وبهذا يظهر توجيه قول التفتازاني قدس الله سره إذ ليس المراد تعليق القسم بغشيان الليل وتقييده بذلك الوقت.
قوله: (أي ألصقت مروري بمكان يقرب منه)
بيان للمعنى الحقيقي أي أن المعنى الحقيقي لقولنا مررت بزيد هو إلصاق المرور بالمكان الذي يقرب منه، فما أفاده قولنا مررت بزيد من إلصاق المرور بنفس زيد مجاز وهذا المجاز عقلي لأنه أسند الإلصاق المفاد من الباء إلى زيد وحقه أن يسند للمكان الذي يقرب منه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 267
قوله:
(والتعدية كالهمزة)
(2/100)
---(2/47)
أشار بذلك إلى أن المراد بالتعدية التصيير أي تصيير ما كان فاعلاً مفعولاً وجعل ما كان لازماً متعدياً كما تراه في قوله تعالى: {ذهب الله بنورهم} (البقرة: 17) إذ الأصل ذهب نورهم فجعل الفاعل مفعولاً واللازم متعدياً، وقيل ذهب الله بنورهم كما يفعل ذلك بالهمزة التي هي الأصل في ذلك فيقال أذهب الله بنورهم، وأما التعدية بمعنى إيصال معنى الفعل إلى الاسم فيشترك فيها كل حرف جر يتعلق وهو ما ليس بزائد ولا شبيهاً بزائد. قوله: (والاستعانة) لم يذكرها ابن مالك في تسهيله وأدرجها في السببية وقال في شرحه: النحويون يعبرون عن هذه بالاستعانة وآثرت التعبير بالسببية لأجل الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى فإن استعمالها فيها جائز بخلاف الاستعانة فيها شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 268
قوله:
(بأن تدخل على آلة الفعل)
أي حقيقة ككتبت بالقلم أو مجازاً كقوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} (البقرة: 45) شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 268
قوله:
(والسببية)
استغنى بها عن ذكر التعليل لأن العلة والسبب واحد، وغاير ابن مالك بينهما ومثل للتعليلية بقوله تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرَّمنا} (النساء: 160) والفرق بينهما عند من غاير بينهما أن العلة موجبة لمعلولها بخلاف السبب فإنه كالأمارة شيخ الإسلام. قلت: إن أراد بقوله موجبة لمعلولها أنها مؤثرة فيه بذاتها فهو خلاف ما عليه أهل الحق، وإن أراد أنها معرفة له بمعنى أنها علامة عليه كما هو قول جمهور أهل الحق فهي السبب فالفرق المذكور غير متجه. قوله: (والمصاحبة) ويعبر عنها بالملابسة أيضاً وهي التي يصلح في محلها لفظة مع أو يغني عنها وعن مصحوبها الحال نحو قوله تعالى: {قد جاءكم الرسول بالحق} (النساء: 170) أي مع الحق أو محقاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 268
قوله:
(والبدلية)
(2/101)
---(2/48)
هي التي يصلح في موضعها لفظة بدل، والفرق بينها وبين المقابلة كما قال بعضهم: إن البدلية أخذ شيء بدل شيء من غير أن يعطى الآخذ شيئاً بخلاف المقابلة فإنها أخذ شيء وإعطاء شيء آخر في مقابلته، وأيضاً فالشيئان في البدلية يمكن أخذهما معاً بخلاف المقابلة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 268
قوله:
(فقال كلمة)
ضمير قال لعمر رضي الله تعالى عنه. وقوله كلمة خبر محذوف أي هي كلمة وأراد بالكلمة قوله : «لا تنسنا يا أخي من دعائك» فأطلق الكلمة على الكلام مجازاً شائعاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 268
قوله:
(لتقريب المنزلة)
أي منزلة سيدنا عمر أي رتبته ومكانته منه وشرف وعظم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 268
قوله:
(والمجاوزة كعن)
لم يبين معنى المجاوزة في شرح الكافية للفاضل الجامي أي مجاوزة شيء لشيء وتعديته عن شيء آخر، وذلك إما بزواله عن الشيء الثاني ووصوله إلى ثالث نحو: رميت السهم عن القوس إلى الصيد، أو بالوصول وحده فقط نحو: أخذت عنه العلم، أو بالزوال وحده نحو: أديت عنه الدين اهـ. وقوله: أو بالوصول وحده فقط أي بوصول الشيء إلى آخر من غير أن يزول مضمون ذلك عن الشيء الأول، فإن العلم قد وصل إلى الآخذ من المأخوذ عنه من غير أن يزول عن المأخوذ عنه اتصافه بالعلم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 268
قوله:
(نحو وقد أحسن بي)
أي إليّ أي جعلني منتهى إحسانه فإن الإحسان الصادر منه تعالى قد وصل وانتهى إليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 269
قوله:
(والتوكيد)
(2/102)
---
مثل للزيادة للتوكيد بمثالين إشارة إلى أنها تزاد مع الفاعل ومع المفعول، وقد تزاد أيضاً مع المبتدأ نحو بحسبك درهم ومع الخبر نحو قوله تعالى: {أليس الله بكاف عبده} (الزمر: 36) شيخ الإسلام. ووجه كونها للتوكيد فيما ذكر كونها بمنزلة التكرير فالمعنى في قولنا بحسبك درهم حسبك درهم حسبك درهم وعلى هذا القياس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 269
قوله:
(وفاقاً للأصمعي)(2/49)
هو بفتح الميم لا بضمها كما يجري على الألسنة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 269
قوله:
(مجازا)
أي بعلاقة السببية لتسبب الري والالتذاذ عن الشرب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 269
قوله:
(موجباً الخ)
أشار بالأمثلة إلى أن المراد بالموجب ما يشمل الخبر والأمر وبغير الموجب ما يشمل النفي والنهي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 269
قوله:
(كأنه مسكوت)
كأن هنا للتحقق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 269
قوله:
(فيما إذا وليها جملة)
قيد كونها للإضراب بذلك لأجل تقسيم الإضراب إلى الإبطالي والانتقالي، فلا ينافي أن معنى الإضراب حاصل لها فيما إذا عطفت المفرد لكن ليس هو المنقسم إلى هذين القسمين فإن الإضراب معه لا للإبطال بل لجعل ما قبلها مسكوتاً عنه وإثبات الحكم لما بعدها في الإيجاب، وأما في غير الإيجاب فللانتقال قاله شيخ الإسلام. وقد يقال: يمكن إجراء الانقسام إلى الإبطالي والانتقالي في المفردات أيضاً نظراً إلى أنها فيها في الإثبات لإبطال الحكم أي حكم المتكلم لا المحكوم به فليتأمل قاله سم. وقوله: إذا وليها جملة أي وليست عاطفة حينئذ كما هو قول الجمهور من أنها إنما تعطف المفردات، ويحتمل أن يريد مع كونها عاطفة بناء على قول ابن مالك إنها تعطف الجمل أيضاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 269
قوله:
(للإبطال لما وليته الخ)
(2/103)
---(2/50)
فيه رد على قول ابن مالك إن بل الإضرابية لا تقع في التنزيل لا للانتقال، وسبقه إلى ذلك جماعة منهم أبو حيان وابن هشام والمرادي فإنهم ردوا عليه بهذه الآية وبقوله تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون} (الأنبياء: 26) وأجيب عنه بأن الإضراب في الآيتين لا يتعين كونه للإبطال لاحتمال أنه للانتقال من جملة القول لا من جملة المقول، وجملة القول إخبار من الله تعالى عن مقالتهم وهو صدق لم يبطله الإضراب، وإنما أفاد الانتقال من إخبار عن الكفار إلى اخبار وقع الوصف فيه من النبي والملائكة صلوات الله عليهم أجمعين. شيخ الإسلام. قلت: لم يدع أبو حيان ومن معه تعين كونها في الآيتين المذكورتين للإبطال حتى يجاب بما ذكر بل مجرد صحة كونها فيهما للإبطال وهو كاف في الرد على ابن مالك في قوله بتعين كونها للانتقال، هذا وكونها في الآيتين المذكورتين للإبطال هو الظاهر الذي يفيده ذوق الكلام فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 269
قوله:
(اسم ملازم للنصب الخ)
ظاهر صنيعه أنها اسم ملازم للنصب سواء كانت بمعنى غير الاستثنائية أو بمعنى من أجل. وحاصل القول فيها أن الذي اختاره ابن هشام وغيره أنها اسم ملازم للنصب والإضافة وهي بمعنى غير الاستثنائية، واختاره ابن مالك أنها حرف استثناء قال: لأن معنى إلا مفهوم منها ولا دليل على اسميتها، وأما إذا كانت بمعنى من أجل فالظاهر أن يقال فيها حينئذ إنها حرف تعليل مبني على الفتح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 269
قوله:
(بمعنى غير)
أي وكونها بمعنى غير لا يستلزم أن يثبت لها سائر أحكامها كما لا يخفى، ويوضح عدم الاستلزام أن القضايا في كتب التصانيف كثيراً ما يراد بها الإهمال وإن كانت بصورة الكلية قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 270
قوله:
(بيد أني الخ)
يقال بيد بالباء وبالميم بدلها.
(2/104)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 270
قوله:
(وأنا أفصحهم)(2/51)
أي فيلزم أن يكون أفصح جميع العرب، وهذه المقدمة أعني قول الشارح وأنا أفصحهم مستفادة من قوله : «أنا أفصح من نطق بالضاد» فإن من من صيغ العموم فشمل قريشاً وغيرهم، فالمعنى حينئذ أنا أفصح من نطق بالضاد من جميع العرب لأني من قريش وأنا أفصحهم، ويستنبط حينئذ من ذلك قياس من الشكل الأول نظمه هكذا أنا أفصح قريش وقريش أفصح العرب فينتج أنا أفصح العرب دليل الصغرى قوله أنا أفصح من نطق بالضاد لأن معناه كما تقدم أنه أفصح من جميع العرب، ودليل الكبرى قوله بيد أني من قريش كما أشار له الشارح بقوله أي الذين هم الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 270
قوله:
(إلى آخر ما تقدم)
أي وهو قوله: «بيد أني من قريش» .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 270
قوله:
(أهل الغريب)
أي العلماء الذين تقيدوا بذكر الأحاديث الغريبة وشرحها والغريب ما انفرد به راو واحد كما أشار له في الألفية بقوله: وقل غريب ما روى راو فقط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 270
قوله:
(وإنه من تأكيد المدح بما يشبه الذم)
وجه ذلك أنه ليس هناك شيء يمكن استثناؤه من المدح بالفصاحة إلا كونه من قريش إن كان ذماً ومعلوم أنه ليس من الذم فهو من غاية المدح فالمعنى ليس هناك ما يمكن استثناؤه فهو أبلغ في المدح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 270
قوله:
(في الإعراب والحكم)
المراد بالحكم المحكوم به كما هو واضح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 270
قوله:
(والمهلة)
بفتح الميم معناها التأني في الشيء، وأما بضمها فعكارة الزيت كذا قرره بعضهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 270
قوله:
(وخالف بعض النحاة في إفادتها الترتيب)
(2/105)
---(2/52)
لا يخفى أن هذا يستلزم المخالفة في المهلة لأن الترتيب أعم، ونفي الأعم يستلزم نفي الأخص، فقوله: كما خالف بعضهم في إفادتها المهلة يعني فقط دون أصل الترتيب. وقوله قالوا أي البعضان لمجيئها لغيرهما أي لغير الترتيب، والمهلة يعني قال البعض لمجيئها لغير الترتيب اللازم منه مجيئها لغير المهلة أيضاً، وقال البعض الآخر: لمجيئها لغير المهلة مع إفادتها أصل الترتيب، وليس المراد اتفاق البعضين على أنها جاءت لغير المعنيين كما قد يتوهم لأن الثاني إنما ينفي المهلة فقط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 270
قوله:
(كهز الرديني)
أي الرمح الرديني نسبة إلى ردينة امرأة كانت تقوم الرماح بخط هجر، والعجاج الغبار، والأنابيب جمع أنبوبة وهي ما بين العقدتين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 270
قوله:
(وتارة يقال إنها في الأول ونحوه للترتيب الذكرى)
أي الإخباري لا الوجودي أي ترتيب الخبر لا المخبر عنه كقول الشاعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه
ثم قد ساد بعد ذلك جده
لكن هذا الجواب يفوت به التراخي إذ لا تراخي بين الاخبارين هذا وقد أجيب عن الآية بأجوبة أخر منها أن العطف على محذوف أي من نفس واحدة أنشأها ثم جعل منها زوجها. ومنها أن العطف على واحدة بتأويلها بتوحدت أي انفردت. ومنها أن الذرية أخرجت من ظهر آدم كالذر ثم خلقت حواء من قصيره قاله شيخ الإسلام، وأشار الشارح بقوله: وتارة يقال الخ إلى أن الجواب الأول هو الشائع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 270
قوله:
(وأما مخالفة العبادي)
مقابل لمحذوف أي أما مخالفة بعض النحاة فصريحة، وأما مخالفة العبادي فمأخوذة أي فضمنية مأخوذة الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 271
قوله:
(قائلين)
حال من هو وغيره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 271
قوله:
(فيه)
(2/106)
---
أي في التركيب المذكور الذي أتى فيه بالواو بدل ثم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 271
قوله:
(وإن قال الأكثر إنه الخ)(2/53)
مبالغة على قوله هو وغيره وضمير إنه لقوله بطناً بعد بطن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 271
قوله:
(لانتهاء الغاية)
أي آخر المغيا. وقوله غالباً حال من انتهاء أي حال كون انتهاء الغاية غالباً عليها من بين سائر المعاني التي لها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 271
قوله:
(وهي حينئذ)
أي حين إذ تكون لانتهاء الغاية إما جارة الخ أي فكونها لانتهاء الغاية جنس تحته هذه الأنواع الثلاثة، وفي كلام المغني ما يشعر بذلك. قوله: (نحو سلام هي) أي ذات سلام أي تسليم من الملائكة، فإنهم لا يمرون بأحد من المؤمنين ليلتها إلا سلموا عليه. وقوله: سلام هي خبر مقدم ومبتدأ مؤخر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 271
قوله:
(وإما عاطفة)
(2/107)
---
سكت عن حكم ترتيبها حينئذ. وقد قال ابن الحاجب: إنها فيه كالفاء. وقال ابن مالك كالواو فإنك تقول: حفظت القرآن حتى سورة البقرة وإن كانت أول ما حفظت. وقال ابن إياز: إنها للترتيب لا كترتيب الفاء وثم لأنهما يرتبان في الوجود الخارجي وهي ترتب في الوجود مطلقاً حتى يترتب ما بعدها على ما قبلها ذهناً من الأضعف إلى الأقوى أو بالعكس، وإن كانت ملابسة الفعل له قبل ملابسته لغيره أو معه نحو: مات كل أب لي حتى آدم، ونحو: جاء القوم حتى خالد إذا جاؤوا معاً وخالد أضعفهم أو أقواهم وهذا أوجه ما قيل فيه، لكن الأوجه اعتبار الترتيب الذهني فقط وإن جاء معه الترتيب الخارجي بتعقيب أو مهلة في صور شيخ الإسلام. قوله: (نحو فما زالت القتلى الخ) البيت لجرير، ودجلة بفتح الدال وكسرها نهر بغداد والأشكل ما خالط بياضه حمرة. قوله: (وندر للاستثناء) ينبغي هنا أنها ليست للغاية لأن الغاية صالحة للدخول ولذا ذكر السيوطي أن الغاية داخلة مع حتى الجارة على الأصح ومع العاطفة اتفاقاً دون إلى عند عدم القرينة اهـ. والاستثناء يقتضي الإخراج من الحكم فليتأمل. قوله: (ليس بغالب ولا نادر) أي بل هو متوسط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 271
قوله:(2/54)
(الثالث عشر رب)
هي حرف خلافاً للكوفيين في دعوى أنها اسم قاله ابن هشام شيخ الإسلام. قوله: (يوم القيامة) ظرف ليكثر. وقوله إذا عاينوا بدل من يوم بدل بعض من كل. قوله: (لم يلده) هو بسكون اللام وفتح الدال أو ضمها وأصله بكسر اللام وسكون الدال ثم خفف بسكون اللام فالتقى ساكنان فحركت الدال لالتقاء الساكنين بالفتحة تخفيفاً أو بالضم اتباعاً للهاء شيخ الإسلام. قوله: (وكأنه لم يعتد بهذا البيت) أي لعده إياه شاذاً. قوله: (وقرره في الآية الخ) قد يقال: الآية مسوقه للتخويف وهو إنما يناسبه التكثير قاله ابن هشام. قوله: (فلا يفيقون) هو بضم الياء من أفاق.
(2/108)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 271
قوله:
(وابن مالك نادر)
هو معنى قول من قال للتقليل قليلاً وللتكثير كثيراً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 271
قوله:
(والأصح أنها قد تكون اسما)
إنما قدم الكلام على اسميتها مع أن حرفيتها الأصل لقلة الكلام على كونها اسماً وقد جرت العادة بتقديم ما يقل الكلام عليه كما هو مشهور وكون الاسمية أهم بالبيان لغرابة اسميتها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 272
قوله:
(بأن تدخل عليها من)
أي بسبب دخول من عليها وإنما كان ذلك سبباً دالاً على اسميتها لما تقرر من عدم صحة دخول حرف جر على حرف جر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 272
قوله:
(نحو غدوت الخ)
أي نزلت وقت الغدوة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 272
قوله:
(وتكون بكثرة حرفاً الخ)
عطف على قوله قد تكون ولا حاجة لجعله معطوفاً على تكون فتكون قد مسلطة عليه، وقيد الكثرة مأخوذة من قد الداخلة على المضارع فإنها قد تفيد التكثير كقوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه} (النور: 64) لكن لا بد من قرينة حالية أو قالية أو خارجية كما هنا كذا لبعضهم ولا حاجة إليه كما تقدم، وجعل قد في الآية للتكثير قد يقال إنه خلاف الظاهر بل الظاهر إنها للتحقيق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 272
قوله:
(للاستعلاء)
(2/109)
---(2/55)
أي العلو فالسين والتاء زائدتان. فإن قلت: إنها اسماً معناها العلو أيضاً لأنها بمعنى فوق. قلت: قد يفرق بأن معناها اسماً مطلق العلو أي المفهوم الكلي ولا كذلك إذا كانت حرفاً فإن معناها علو جزئي لأن معاني الحروف جزئية كما تقرر، وتأتي على بمعنى الباء كقوله تعالى: {حقيق على أن لا أقول} (الأعراف: 105) الخ، وبمعنى من كقوله تعالى: {إذا اكتالوا على الناس يستوفون} (المطففين: 2) ومنه خبر: «بني الإسلام على خمس» أي بني بمعنى ركب منها، وبهذا يجاب عما يقال: إن الخمس هي الإسلام فكيف يكون الإسلام مبنياً عليها والمبني غير المبنى عليه؟ وأجاب عنه الكرماني بأن الإسلام هو المجموع والمجموع غير كل واحد من أركانه شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 272
قوله:
(مع حبه)
أي حب المال. وقوله: والمصاحبة كمع إشارة إلى أن مع أصل في المصاحبة، وكذا القول في كل ما دخلت عليه الكاف من قوله: كعن. وقوله كفى الخ. وحاصله أن مع أصل في المصاحبة، وعن أصل في المجاوزة، وفي أصل في الظرفية، ولكن أصل في الاستدراك واستعمال على في هذه المعاني بطريق الحمل على تلك الحروف والتبعية لها في ذلك.
قوله: (رضيت عليه أي عنه) لا يصدق معنى المجازوة المتقدم على هذا كما لا يخفى على متأمل. نعم يمكن ذلك باعتبار ما يتسبب عن الرضا من إزالة العقوبة المترتبة على الذنب عنه بسبب الرضا، فالمعنى أن العقوبة المذكورة تجاوزته بالرضا أي أزيلت عنه به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 272
قوله:
(والتعليل)
إنما لم يقل كاللام كما قال في المصاحبة كمع وفي المجاوزة كعن إشارة إلى أن أصالة التعليل ليست مختصة باللام بل اللام وغيرها كالباء ومن في ذلك سواء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 272
قوله:
(ودخل المدينة)
المراد بها مدينة فرعون وهي منف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 272
(2/110)
---
قوله:
(والزيادة)
أراد بها التأكيد وإلا فالزيادة ليست من المعاني كما يوهمه العطف.(2/56)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 272
قوله:
(لا أحلف على يمين أي يمينا)
أبقاه بعضهم على ظاهره واستدل به على صحة إطلاق اليمين على المحلوف عليه، وبعضهم بتضمين أحلف معنى الاستعلاء أي لا أحلف مستعلياً على يمين، ذكر هذا الثاني شيخ الإسلام ولا يخفى بعده.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 272
قوله:
(وقيل هي حرف أبدا)
أي في جميع أحوالها وهذا قول السيرافي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 272
قوله:
(ولا مانع من دخول حرف جر على آخر)
أي في اللفظ لكن يقدر لذلك الحرف مجرور محذوف كما ذكره بعضهم، فيقال في نحو غدوت من على السطح أي من شيء على السطح فيقدر له مجرور وهكذا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 272
قوله:
(علا في الأرض)
أي تعاظم وتكبر فيها. وقوله: أما علا يعلو ففعل أي اتفاقاً وليس ذلك من محل النزاع ولذا أخره الشارح عن حكاية الأقوال مع تغيير أسلوب التعبير، وحينئذ فالقول بأنها اسم أبداً والقول بأنها حرف أبداً مخصوص بغير هذا. قوله: (تقول قام زيد الخ) كرر الأمثلة لأن الأول ليس فيه تخلل زمن طويل، والثاني فيه ذلك مع الشروع في الفعل، والثالث فيه ذلك مع عدم الشروع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 273
قوله:
(والتعقيب مشتمل على الترتيب المعنوي وإنما صرح به الخ)
قضيته أنه إنما صرح به لأجل العطف المذكور وأنه يمكن الاستغناء عن ذكره وفيه نظر لأنه مع السكوت عنه لا يعلم أنه معنى وضعي للفاء، إذ لا يلزم بل ولا يتبادر من كونه لازماً لمعناها أنها موضوعة له أيضاً سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 273
قوله:
(وهو)
(2/111)
---(2/57)
أي الترتيب الذكري في عطف مفصل على مجمل تبع فيه ابن هشام وهو لا يختص بذلك كما أفاده قول الرضي الترتيب الذكري أن يكون المذكور بعد الفاء كلاماً مرتباً في الذكر عما قبلها، سواء كان ما بعدها تفصيلاً لما قبلها ولم يكن نحو: {ادخلوا أبواب جهنم} (الزمر: 72) الآية. ونحو: {وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة} (الزمر: 74) الآية. فإن ذم الشيء ومدحه يصح بعد جري ذكره شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 273
قوله:
(إنا أنشأناهن إنشاء)
أي أوجدناهن إيجاداً من غير ولادة وهذا مجمل تفصيله. قوله: فجعلناهن الخ. وقوله عرباً جمع عروب وهي الحسناء أو المتحببة إلى زوجها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 273
قوله:
(ويلزمها التعقيب)
أشار به إلى تحرير ما أطلقه ابن الحاجب في أماليه من قوله فاء السببية لا تستلزم التعقيب بدليل صحة قولك إن يسلم فهو يدخل الجنة ومعلوم ما بينهما من المهلة، فإن السببية في كلامه تشمل العاطفة والرابطة للجواب بالشرط، وانفكاكها عن التعقيب إنما هو في الثانية كما نبه عليه الشارح. وقوله: ويلزمها التعقيب اقتصر عليه مع استلزامها الترتيب أيضاً لاستلزام التعقيب له، وإنما ذكرهما المصنف مع استلزامها لهما للخلاف فيهما ولأن الفاء ترد كثيراً لهما مجردين عن السببية شيخ الإسلام.
قوله: {فوكزه موسى} الوكز الضرب بجمع كفه. قوله: نحو {إن تعذبهم فإنهم عبادك} الاستشهاد مبني على أن الجواب هو قوله: فإنهم عبادك إما على أنه علة للجواب المحذوف كما للبيضاوي وغيره، والمعنى: إن تعذبهم فلا اعتراض عليك فإنهم عبادك فلا لأن الجواب حينئذ متسبب على الشرط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 273
قوله:
(للظرفين)
(2/112)
---(2/58)
فيه تسمح وحق العبارة للظرفيتين لأن الكلام في عد المعاني ولا يخفى أن المعنى هو الظرفية لا الظرف، والفرق بينهما أن الظرف هو اسم الزمان أو المكان كيوم، وهنا مثلاً قال صاحب الخلاصة: الظرف وقت أو مكان الخ، والظرفية كون الشيء مستقراً فيه غيره أو كون الشيء زماناً أو مكاناً لغيره. قوله: (والأصل اركبوها) هذا إذا لم يضمن اركبوا معنى حلوا وإلا فلا زيادة ولا تأكيد كما هو بين. قوله: (والأصل زهدت ما رغبت فيه) أي لأن زهد فيه متعد بنفسه وهو بفتح الهاء بمعنى حزر، وقد رأى حزرت وقدرت ما رغبت فيه وليست زهد فيه بكسر الهاء ضد رغب فإنها إنما تتعدى بفي، وكان الأولى للشارح التمثيل بما مثل به ابن هشام وهو ضربت فيمن رغبت والأصل ضربت من رغبت فيه لأن ما مثل به يحتمل أن زهد فيه ضد رغب وأن ما بعدها منصوب بإسقاط الخافض.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 273
قوله:
(أي يكثركم بسبب هذا الجعل)
جعل صاحب الكشاف في هنا للظرفية المجازية حيث قال: جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير مثل: {ولكم في القصاص حياة} (البقرة: 179) قال في المغني بعد حكايته كونها للسببية الأظهر قول الزمخشري أي لأنه أبلغ. قوله: (هذا ذراع في الثوب) يعني إذا رأيت قدر ذراع من ثوب فيه عيب فأردت تعييبه يقال لك هذا كما أشار إلى ذلك الشارح بقوله يعني فلا يعبيه لقلته. قوله: (فينصب المضارع بعدها) هذا إذا دخلت كي على أن المصدرية مضمرة كما مثل به أو ظاهرة في ضرورة الشعر كقوله:
فقالت أكل الناس أصبحت مانحا
لسانك كيما أن تغر وتخدعا
بخلاف ما إذا دخلت على ما الاستفهامية نحو كيمه أي لمه في السؤال عن علة الشيء أو على ما المصدرية كقوله:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما
يرجى الفتى كيما يضر وينفع
شيخ الإسلام. قوله: (بأن تدخل عليها اللام) أي ولو كانت تعليلية لم يصح دخول حرف التعليل عليها وقد تكون كي مختصرة من كيف كقوله:
(2/113)
---
كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت(2/59)
قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم
شيخ الإسلام. قوله: (اسم لاستغراق أفراد المنكر) شمل المنكر الموصوف والمضاف نحو: {كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار} (غافر: 35) بتنوين قلب وتركه كما يشمله مجرداً عن ذلك قاله شيخ الإسلام. وفي سم ما يخالفه ونص عبارته: قال في المغني فإذا قلت أكلت كل رغيف لزيد كانت لعموم الأفراد، فإن أضفت الرغيف إلى زيد صارت لعموم أجزاء فرد واحد، ومن هنا وجب في قراءة غير أبي عمرو وابن ذكوان: {كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار} (غافر: 35) بترك تنوين قلب تقدير كل بعد قلب ليعم أفراد القلوب كما عم أجزاء القلب اهـ. وقوله: فإن أضفت الرغيف الخ أي بأن قلت: أكلت كل رغيف زيد. وقوله لعموم أجزاء فرد واحد قد يخالفه ما يأتي من أن المفرد المضاف إلى معرفة يفيد العموم فإن قضية ذلك عموم رغيف المضاف إلى زيد في المثال وأن المعنى: أكلت كل فرد من أفراد الرغيف المنسوبة إلى زيد، والفرق بين نحو هذا المثال وما في الآية ظاهر لأن القلب فيها لم يضف إلى معرفة حتى يعم فليتأمل اهـ. قلت: ولعل الظاهر ما قاله شيخ الإسلام، كما أن الظاهر ما يأتي من أن المفرد المضاف إلى معرفة يفيد العموم في الأفراد لا في الأجزاء. وقول المصنف اسم لاستغراق الخ ظاهر في أن استغراق الأفراد مدلول لكل دون المضاف إليه وهو الموافق لما يأتي في مبحث العموم من عد كل من صيغ العموم، فيكون مدلول المضاف إليه نفس الحقيقة، ومدلول كل استغراق أفرادها، نعم المناسب لطريق المناطقة أن يكون الاستغراق مدلولاً للمضاف إليه لأنهم يجعلون كلاً لمجرد التسوير والمحكوم عليه هو المضاف إليه كل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 274
(2/114)
---(2/60)
قوله: {كل حزب بما لديهم فرحون} جمع الخبر باعتبار معنى المضاف إلى كل، ومثله قوله: كل العبيد جاؤوا كما وحده باعتبار لفظ كل في قوله: كل الدراهم صرف. قوله: (كل العبيد جاؤوا الخ) أي فكل فيهما لاستغراق أفراد المعرف المجموع، واستشكله السبكي بأن ما أفاده كل من إحاطة الأفراد أفاده الجمع المعرف قبل دخولها عليه. وأجاب بأن أل تفيد العموم في مراتب ما دخلت عليه وكل مفيدة للعموم في أجزاء كل من تلك المراتب، وما أجاب به قول مردود لأنه يقتضي عدم جواز استثناء زيد في نحو: جاءني الرجال إلا زيداً إذ لم يتناوله لفظ الجمع، ولأن المحققين قالوا في نحو قوله تعالى: {والله يحب المحسنين} (آل عمران: 134) أن معناه كل فرد لا كل جمع، والجواب المرضي أن الجمع المعرف يفيد ظهور العموم في الاستغراق وكل الداخلة عليه تفيد النص فيه شيخ الإسلام. قوله: (للتعليل) أي بحسب الظاهر وعرف التخاطب وإلا فهي في الآية الشريفة المذكورة لبيان الحكمة لأن أفعال الله تعالى ليست لعلة بمعنى الباعث على الشيء لأن الفاعل لعلة لا يكون مختاراً كيف وهو الفاعل المختار؟ فالعلة إذا أسندت إلى فعله تعالى كان المراد بها الحكمة كما تقرر في موضعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 274
قوله:
(والاستحقاق الخ)
اعلم أن بين الاستحقاق والاختصاص عموماً وخصوصاً مطلقاً، فالاستحقاق أعم مطلقاً من الاختصاص، فكل اختصاص استحقاق ولا ينعكس كما تراه في المثالين المذكورين، فإن النار مع كونها مستحقة للكفار ليسوا مختصين بها بل يشاركهم فيها عصاة المؤمنين وإن كان تأبيدها مختصاً بالكفار بخلاف الجنة فإنها مع كونها مختصة بالمؤمنين مستحقة لهم، وأما الملك فهو أخص من كل منهما مطلقاً، فكل مملوك فهو مختص بمالكه ومستحق له ولا عكس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 275
قوله:
(أي العاقبة)
(2/115)
---(2/61)
تفسير الصيرورة بالعاقبة ليس حقيقياً إذ الصيرورة هي الانتقال من شيء إلى شيء، والعاقبة نفس الشيء المنتقل إليه، فهو مجاز من إطلاق المصدر الذي هو الانتقال من شيء إلى شيء على اسم المفعول الذي هو ذلك الشيء المنتقل إليه لعلاقة التعلق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 275
قوله:
(وشبهه)
أي شبه التمليك من حيث الحجر والأمر والنهي وغير ذلك. قوله: نحو {وما كان الله ليعذبهم} الخ) وجه التأكيد فيه عند الكوفيين أن أصل ما كان ليفعل ما كان يفعل ثم أدخلت اللام زيادة لتقوية النفي كما دخلت الباء في ما زيد بقائم لذلك فعندهم هي حرف زائد مؤكد غير جار بل ناصب، ولو كان جاراً لم يتعلق بشيء لزيادته فكيف وهو جار؟ ووجهه عند البصريين أن الأصل ما كان قاصداً للفعل ونفي قصد الفعل أبلغ من نفيه فهي عندهم حرف جر متعلق بخبر كان المحذوف والنصب بأن مضمرة وجوباً اهـ. وبه يعلم أن كونها لتأكيد النفي ثابت على المذهبين وعلى زيادة اللام وعدم زيادتها، لكن قد يقال: قضية توجيه التوكيد عند البصريين أن المفيد له تقدير القصد دون اللام اهـ. سم. قلت: ويمكن أن يقال لما كانت اللام واسطة في تقدير الخبر لوقوع الخبر جاراً ومجروراً وهو موجب لتقدير المتعلق نسب ذلك لها وفيه نظر، وقد يناقش في التوجيه المذكور بأنه كما يجوز تقدير المتعلق قاصداً يجوز تقديره فاعلاً فلا يكون فيه تأكيد حينئذ، فلعل الوجه ما قاله الكوفيون فتأمل وبما قررناه تعلم ما في عبارة الشارح فإن قوله فهي في هذا ونحوه لتوكيد نفي الخبر الداخلة عليه ظاهر في طريقة الكوفيين. وقوله المنصوب فيه المضارع بأن الخ ظاهر في طريق البصريين، وظاهر أيضاً في نسبة التوكيد للام على قول البصريين بل صريح في ذلك، إلا أن يجاب عن هذا الثاني بما ذكرناه فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 275
قوله:
(في قراءة الجحدري)
(2/116)
---(2/62)
أي وهي شاذة. قوله: {لدلوك الشمس} أي لزوالها وهو ميلها عن وسط السماء وإنما كانت اللام فيه بمعنى بعد لأن المراد بإقامة الصلاة فعلها، ومعلوم أن الفعل إنما يكون بعد الزوال لا عنده. قوله: (بأن كانت للتبليغ) أي المخاطبة والمشافهة بالقول المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 276
قوله:
(أما اللام غير الجارة)
هذا محترز قوله الجارة. قوله: (في الجملة الاسمية) حال من الهاء في معناه وفي بمعنى مع وكذا في المعطوف وهو قوله وفي المضارعة والماضية. قوله: (فزيد الشرط الخ) اعترضه العلامة بقوله قد يقال الشرط هو الجملة ومعنى وجودها حصول مضمونها سواء كان الخبر فيها كوناً مطلقاً كما مثل أو خاصاً كقولك: لولا زيد أمس هلك الناس، وما قاله الشارح إن صح فإنما هو في الكون العام الذي أوجبه الجمهور دون الخاص الذي جوزه محققو المتأخرين، وعبارة المغني لربط امتناع الثانية بوجود الأولى وهو نص فيما قلناه اهـ. ويمكن أن يجاب عن الأول بأن قوله فزيد الشرط المراد منه زيد باعتبار وصفه ضرورة أن المعلق عليه انتفاء مضمون الجملة الثانية هو ثبوت الوجود لزيد لا لذاته، فقوله فزيد أي زيد باعتبار تحقق وجوده، وعن الثاني بأن الشارح مختار لقول الجمهور دون ما حققه المتأخرون، وللعلامة سم هنا تعسفات أضربنا عن ذكرها لقلة جدواها. قوله: (وفي المضارعة) أي المضارع صدرها فهو مجاز عقلي أو المشتملة على فعل مضارع فهو مجاز مرسل من تسمية الكل باسم الجزء وكذا القول فيما بعده. قوله: (وهو) أي ما قالوه من الإفك محل التوبيخ. قوله: (وقيل ترد للنفي) أي حرفاً كما ولم وهذا القول للقزويني. قوله: {إلا قوم يونس} أي وهذا الاستثناء متصل كما لا يخفى. قوله: (لم يثبتوا ذلك) أي المعنى المحكى بقيل وهو كونها للنفي. قوله: (والاستثناء حينئذ) أي حين إذ كانت للتوبيخ فالاستثناء منقطع لأن القرية حينئذ معينة لا عموم فيها بخلافها على القول الأول.
(2/117)
---(2/63)
قوله: (حرف شرط للماضي الخ) أي حرف موضوع لتعليق حصول مضمون جملة على حصول مضمون أخرى في الماضي، وعبارة التلخيص: ولو للشرط في الماضي مع القطع بانتفاء الشرط قال السعد : أي لتعليق حصول مضمون الجزاء بحصول مضمون الشرط فرضاً في الماضي. وقوله مع القطع بانتفاء الشرط قال السعد: فيلزم انتفاء الجزاء اهـ أي فانتفاء الجزاء بطريق اللزوم سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 276
قوله:
(لما كان سيقع)
أي للدلالة على انتفاء فعل كان يقع لو وقع غيره، والانتفاء المذكور أخذ من قوله سيقع فإنه دال على أنه لم يقع، فانحل معنى العبارة إلى أنها للدلالة على انتفاء الجزاء الذي وقوعه بوقوع الشرط، ومعلوم أن انتفاءه لا يجامع وجود الشرط إذ لو وجد الشرط لوجد هو فيكون الشرط حينئذ منتفياً فقد ساوت عبارة سيبويه هذه عبارة المعربين كما أشار له الشارح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 276
قوله:
(حرف امتناع لامتناع)
(2/118)
---(2/64)
يحتمل أن يكون معنى هذه العبارة أنها لامتناع الأول لامتناع الثاني بمعنى أنه يستدل بامتناع الثاني على امتناع الأول كما هو اختيار ابن الحاجب، ووجهه أن الأول ملزوم والثاني لازم، أو الأول سبب والثاني مسبب، وانتفاء اللازم أو المسبب يدل على انتفاء الملزوم أو السبب دون العكس لجواز كون اللازم أعم أو كون المسبب له أسباب متعددة، فلا يلزم حينئذ من نفي الملزوم أو السبب نفي اللازم أو المسبب، وهذه طريقة المناطقة وأهل التوحيد وعليها قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} (الأنبياء: 22) فإنه إنما سيق للاستدلال على نفي تعدد الآلهة بنفي الفساد، ويحتمل أن معناها أنها تدل على امتناع الثاني لأجل امتناع الأول بمعنى أن علة انتفاء الثاني في الخارج هي انتفاء الأول من غير التفات إلى أن علة العلم بانتفاء الجزاء ما هي فسببية انتفاء الثاني لانتفاء الأول بحسب الخارج لا بحسب العلم فإن انتفاءهما معلوم للسامع، وإنما المقصود بيان سبب انتفاء الثاني في الخارج ما هو، وليس المقصود الاستدلال حتى يرد أن انتفاء الملزوم أو السبب لا يوجب انتفاء اللازم أو المسبب بخلاف العكس، وهذا اختيار السعد راداً به على ابن الحاجب كما هو مقرر في شرحه للتلخيص. قلت: وإذا تأملت وجدت الحق ما قاله ابن الحاجب، وعبارة سيبويه ظاهرة فيه وعبارة المعربين تحتمله كما علمت، وكذا عبارة التلخيص بدون حمل السعد لها على ما ذكره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 277
قوله:
(ظاهر في هذا أيضا)
(2/119)
---(2/65)
أي كما أنه ظاهر في تعليق الوجود بالوجود. قوله: (ومرادهم الخ) قال شيخ الإسلام رحمه الله: أشار به إلى أن هذا القول صحيح نظراً للأصل، ولا ينافيه ما خرج عنه مما قاله أي فتضعيف المصنف له بتصحيح ما يشمل الأمرين منتقد مع أن في لفظ ما صححه تفكيكاً، إذ قوله امتناع ما يليه إنما يكون باعتبار لو. وقوله: واستلزامه لتاليه إنما يكون بدونه اهـ. ويجاب بأن المصنف لم يرد بتضعيف هذا القول أنه خطأ مطلقاً بل إنما ذكره أولى منه لعدم احتياجه في تصحيحه إلى النظر إلى الأصل، وأما ما ذكره من التفكيك فممنوع فإن غاية ما يلزم منه أنها دالة على ذلك الامتناع وعلى ذلك الاستلزام وهذه الدلالة لا محذور فيها بوجه لأن الشيء يتصف حال امتناعه بأنه إذا وجد استلزم وجوده وجود غيره، ألا ترى أن طلوع الشمس يتصف حال عدمه بأنه مستلزم لوجود النهار؟ بمعنى أن وجود النهار لا ينفك عن وجوده وهذا واضح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 277
قوله:
(هو الأصل)
أي الغالب الكثير، قال السيد: إنها تستعمل في شرط لم يبق من الأمور التي يتوقف عليها الجزاء إلا هو أراد أن الغالب في استعمالها ذلك. قوله: (في أمثلة) أي أربعة في المتن أولها قوله: لو كان إنساناً لكان حيواناً. قوله: (على حاله) أي مثبتاً قوله: (لمجرد الربط) أي التعليق المجرد عن الدلالة على الانتفاء. وقوله: كان أي فإنها لمجرد الربط كذلك لكن في الاستقبال بخلاف لو فإنها للربط في الماضي. قوله: (من انتفائهما) أي الذي هو الأصل. وقوله: أو انتفاء الشرط فقط أي الذي هو مقابل الأصل المعبر عنه بقوله قبل فلا ينافيه ما سيأتي في أمثلة، وهذان أي الأصل وخلافه هما المرادان بقوله الآتي من القسمين. قوله: (والصحيح) أي والقول الصحيح بقطع النظر عن مرادهم، أو والقول الأولي في الضبط لعدم احتياجه إلى البناء على الغالب وهذا أولى كما مرت الإشارة إليه.
(2/120)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 277
قوله:
(امتناع ما يليه الخ)(2/66)
خبر قوله والصحيح وفي العبارة حذف دل عليه المقام أي الصحيح أن مدلوله امتناع الخ، لأن القول الصحيح كون مدلولها ذلك لا نفس الامتناع كما هو ظاهر. قوله: (لتاليه) أي تالي ما يليه والتالي هو الجواب. قوله: (فالأقسام أربعة) أي أقسام المقدم والتالي أربعة لأنهما إما منفيان أو مثبتان أو الأول منفي والثاني مثبت أو العكس. قوله: (ثم ينتفي التالي) أي قطعاً لا ظناً أو احتمالاً. قوله: (إن ناسب المقدم) أي كان لازماً له وهذا لا مفهوم له وإنما هو تصريح بالواقع فإنه معلوم من قوله واستلزامه لتاليه، ولذا قال شيخ الإسلام قوله: إن ناسب يغني عنه ما بعده لأن المدار عليه، ولو أبدل إن ناسب بقوله إن ساواه أغنى عما بعده قاله أيضاً شيخ الإسلام، أي لأن الغرض من قوله ولم يخلف المقدم غيره كون المقدم مساوياً للتالي بمعنى أن التالي اللازم ليس له ملزوم سوى المقدم فيكون ملزوماً مساوياً، ونفي الملزوم المساوي يوجب نفي اللازم. قوله: (بأن لزمه عقلاً) أي كما في قولنا: لو كان متكلماً لكان حياً. وقوله أو عادة أي كما في الآية الشريفة. وقوله: أو شرعاً أي كقولنا: لو صلى لتوضأ مثلاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 278
قوله:
(أي خروجهما عن نظامهما الخ)
فيه إشارة إلى أن ما في الآية حجة إقناعية لا قطعية، وذهب بعضهم إلى أنها قطعية والمراد بفسادهما عدم وجودهما وهو الحق. قوله: (للزومه له) أي لزوم الفساد للتعدد. قوله: (من التمانع) بيان للعادة. وقوله وعدم الاتفاق عليه عطف على التمانع تفسيري أو عطف لازم على ملزوم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 278
قوله:
(المفاد بلو)
(2/121)
---(2/67)
نعت لانتفاء التعدد. قوله: (ولم يخلف التعدد غيره) قال الشهاب: لك أن تقول بل يخلفه اختيار الصانع المختار للفساد اهـ. وجوابه أن الفساد إنما يترتب على تعلق الإرادة به بالفعل ولم يوجد ذلك لا على تحقق الإرادة في نفسها وإلا لوجد كل شيء يصح أن تتعلق به وهو فاسد. قوله: (نظراً الخ) علة لقوله ينتفى. قوله: (إلى الأصل) أي الكثير الغالب وهو انتفاء الجواب لانتفاء الشرط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 278
قوله:
(الدلالة على انتفاء التعدد الخ)
أي الاستدلال بانتفاء الفساد على انتفاء التعدد كما هو رأي المناطقة وأهل التوحيد وهو محتار ابن الحاجب كما مر. وقوله لأنه أظهر أي في الانتفاء لأن انتفاء الملزوم يوجب انتفاء اللازم دون العكس كما مر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 278
قوله:
(أي كان له خلف الخ)
إشارة إلى أنه ليس المراد بقول المصنف لا إن خلفه تحقق الخلف بل أن يعلم أن هناك خلفاً قد يتحقق وقد لا يتحقق، فإن تحقق ثبت التالي وإلا لم يثبت، ولهذا قال الشارح: فلا يلزم انتفاء التالي ولم يقل فلم ينتف التالي، وبهذا يفصح مثال المصنف، فإن الشيء فيه قد يكون حماراً فيلزم وجود التالي، وقد يكون حجراً فلا يلزم كما قال الشارح لجواز الخ. قوله: (فلا يلزم انتفاء التالي) أي فلا ينتفي على سبيل القطع بل على سبيل الاحتمال كما سينبه عليه بعد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 278
قوله:
(فالحيوان مناسب للإنسان)
(2/122)
---(2/68)
أي لازم له ولا يخفى أن الحيوان جزء التالي والإنسان جزء المقدم، لكن لما كانا هما المقصود من المقدم والتالي أطلق على الإنسان المقدم وعلى الحيوان التالي إطلاقاً للكل على جزئه. قوله: (للزومه له) أي لزوم الحيوان للإنسان. قوله: (لأنه جزؤه) أي لأن الحيوان جزء الإنسان لتركبه منه ومن الناطق والجزء لازم للكل عقلاً لتركبه منه. قوله: (المفاد بلو) نعت لانتفاء الإنسان. قوله: (أما أمثلة بقية الأقسام) أي المذكورة في قوله فالأقسام أربعة فإن الذي ذكره المصنف مثال للمثبتين وبقي مثال المنفيين، ومثال كون الأول مثبتاً دون الثاني وعكسه وقد تكفل بذلك الشارح. قوله: (ويثبت التالي) عطف على قوله: ثم ينتفي التالي، ويؤخذ من تقرير هذا القسم وأمثلته تحقق الخلف هنا، وعلى هذا يتحصل من كلام المصنف أن الخلف قسمان: أحدهما أن يعلم وجوده ولا يلزم تحققه وهو ما أشار إليه بقوله السابق لا إن خلفه. والثاني ما علم تحققه في المادة المفروضة وهو ما أشار له هنا سم. فقول المصنف ويثبت التالي أي قطعاً وجزماً فيكون حينئذ للجواب على ما اختاره المصنف من التفصيل ثلاثة أحوال: انتفاؤه قطعاً وهو المشار إليه بقوله: ثم ينتفي التالي، وانتفاؤه احتمالاً وهو المشار إليه بقوله: لا إن خلفه الخ. وثبوته قطعاً وهو المشار إليه بقوله هنا: ويثبت الخ. قوله: (بقسميه) أي المثبت والمنفي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 279
قوله:
(إن لم يناف انتفاء المقدم)
أي إن لم يناف التالي أي ثبوته انتفاء المقدم المفاد بلو، وقوله وناسب أي ناسب ثبوته انتفاء المقدم. قوله: (أما بالأولى) إشارة إلى أن قول المصنف بالأولى أو المساواة أو الأدون تفصيل للمناسبة. قوله: (المأخوذ الخ) نعت لمدخول الكاف وهو قوله: لو لم يخف الله لم يعصه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 279
قوله:
(رتب عدم العصيان الخ)
(2/123)
---(2/69)
أي قبل دخول لو، وقوله: على عدم الخوف أي المبين بالإجلال. وقوله: وهو أي عدم العصيان. وقوله بالخوف متعلق بأنسب. وقوله: المفاد بلو نعت للخوف، ووجه كون الخوف هو المفاد بلو أن لو تدل على انتفاء ما يليها وهو في المثال المذكور انتفاء الخوف فتكون دالة على انتفاء ذلك النفي ونفي النفي إثبات. قوله: (فيترتب عليه الخ) أي فيترتب ثبوت التالي وهو عدم العصيان عليه أي على الخوف. وقوله أيضاً أي كما يترتب على عدم الخوف، لكن ترتبه على الخوف المفاد بلو أولى من ترتبه على عدم الخوف، فالتالي ههنا قد ناسب ثبوته انتفاء المقدم المفاد بلو في ترتبه عليه بالأولى من ترتبه على ثبوت المقدم وهو عدم الخوف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 279
قوله:
(في قصده)
أي المتكلم أو المرتب المفهوم من رتب. ومثله ما يأتي في كلامه، ومن هذا القسم قوله تعالى: {ولو أسمعهم لتولوا} (الأنفال: 23) الآية وليس هو مع قوله: {ولو علم الله فيهم خيراً} (الأنفال: 23) قياساً اقترانياً وإلا لأنتج ولو علم الله فيهم خيراً لتولوا وهو محال، إذ لو علم فيهم خيراً لم يتولوا بل أقبلوا، فالمراد أن عدم علم الخير سبب لعدم الإسماع. وقوله ولو أسمعهم لتولوا كلام مستأنف على طريقة: لو لم يخف الله لم يعصه، فالمعنى أن التولي حاصل بتقدير الإسماع فكيف بتقدير عدمه؟ ذكر ذلك التفتازاني في المطول مع زيادة قاله شيخ الإسلام . وحاصله أن لو في الجملة الأولى من الاستعمال الغالب وهو ما انتفى فيه الشرط والجزاء معاً فهو من القسم الأول في كلام المصنف أعني قوله. ثم ينتفي التالي إن ناسب ولم يخلف المقدم غيره، وفي الجملة الثانية من الاستعمال الثاني الغير الغالب وهو بقاء الجزاء على حاله مع انتفاء الشرط وهو من القسم الثالث في كلام المصنف أعني قوله: ويثبت التالي إن لم يناف وناسب بالأولى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 279
قوله:
(2/124)
---
(قال أخو المصنف)(2/70)
أي وهو العلامة بهاء الدين في شرح التلخيص.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(أو المساواة)
عطف على قوله بالأولى أي أو ناسب ثبوت التالي انتفاء المقدم المفاد بلو كما ناسب ثبوته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(للرضاع)
علة لقوله لما حلت فليس من جملة التالي بل هو بيان للخلف الذي خلف المقدم في ترتب التالي عليه كما يترتب على المقدم، وكذا يقال في المثال الذي بعده.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(المأخوذ الخ)
نعت لمدخول الكاف كما تقدم في نظيره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(أي هند)
هو اسم أم سلمة زوج النبي .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(لما بلغه)
ظرف لقوله .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(إنها الخ)
مقول قوله .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(رتب)
أي قبل دخول ولو كما مر نظيره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(المبين)
نعت لعدم كونها ربيبة. وقوله: المناسب نعت لعدم كونها ربيبة أيضاً أو لكونها ابنة أخي الرضاع إذ المراد منهما واحد لأن كونها ابنة أخي الرضاع بين به عدم كونها ربيبة. وقوله هو أي عدم حلها. وقوله له أي لعدم كونها ربيبة أو لكونها ابنة أخي الرضاع، وبما تقرر علم أن قوله المناسب نعت جار على غير من هو له لرفعه غير ضمير المنعوت كما علمت لأن فاعله وهو ضمير هو يرجع لعدم الحل كما قرر. وقوله فيترتب أي عدم حلها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(المفاد)
(2/125)
---
نعت لكونها ربيبة، ووجه كون أنها ربيبة وهو المفاد بلو يعلم مما قدمناه في قوله: لو لم يخف الله لم يعصه من أن نفي النفي إثبات. وقوله المناسب نعت أيضاً لكونها ربيبة لكنه سببي لرفعه الضمير العائد لعدم الحل، وضمير له يعود على كونها ربيبة يعني أن عدم الحل مناسب لكونها ربيبة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(كمناسبته للأول)
أي لعدم كونها ربيبة المبين بكونها بنب أخي الرضاع.(2/71)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(والمعنى)
أي معنى الحديث المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(بإرادته)
متعلق بتحدثن. وقوله جوزن خبر المبدأ وهو قوله: والنساء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(على وفق الآية)
أي فلا مفهوم له لأن الوصف المذكور خرج للغالب كما مر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(ويجمع الخ)
بناء على أن مسمى الاسمين واحد وليس كذلك، فإن لأم سلمة من أبي سلمة بنتين زينب ودرة كما ذكره الذهبي وابن سيد الناس وغيرهما، ونقله النووي في تهذيبه في ترجمة أم سلمة عن ابن سعد مع ذكر أن زينب أسن من درة قاله شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(أو الأدون)
عطف على الأولى أي أو ناسب ثبوت التالي انتفاء المقدم المفاد بلو بالأدون من مناسبته لثبوت المقدم بأن كان ترتب ثبوت التالي على انتفاء المقدم المفاد بلو دون ترتبه على نفس المقدم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
قوله:
(بالأخوة)
متعلق بالرضاع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(انقلب على المصنف سهوا)
(2/126)
---
أي صار الشرط جواباً والجواب شرطاً، ووجه الانقلاب المذكور أن معنى الأدونية كما مر كون ترتب ثبوت التالي على انتفاء المقدم المفاد بلو دون ترتبه على نفس المقدم، وانتفاء المقدم في المثال المذكور عبارة عن ثبوت إخوة النسب، والمقدم هو انتفاء إخوة النسب المبين بإخوة الرضاع، ولا شك أن ترتب التالي وهو عدم الحل على إخوة النسب المفادة بلو أشد منه على إخوة الرضاع المبين به نفس المقدم وهو انتفاء إخوة النسب، فيكون هذا المثال من قبيل لو لم يخف الله لم يعصه بلا شك، فالصواب حينئذ أن يقال: لو انتفت إخوة الرضاع لما حلت للنسب كما قال الشارح خلافاً لما ادعاه العلامة هنا وتكلفه فراجعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(رتب)
أي على التصويب المذكور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(المبين)(2/72)
نعت لعدم إخوتها من الرضاع. وقوله المناسب هو لها نعت أيضاً لعدم إخوتها من الرضاع، أو نعت لإخوتها من النسب لأنه بيان له فمآلهما واحد كما مر نظيره، وهو نعت سببي كما مر نظيره أيضاً، وضمير هو الفاعل بالمناسب يعود على عدم الحل وضمير لها يعود لإخوتها من الرضاع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(فيترتب)
أي عدم الحل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(المفادة بلو)
نعت لإخوتها من الرضاع ووجه كونها مفادة بلو تقدم بيانه. وقوله المناسب نعت ثان لإخوتها من الرضاع سببي نظير ما قبله، وضمير هو لعدم الحل، وضمير لها للإخوة من الرضاع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(للأول)
أي الأخوة من النسب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(في الموضعين)
أي وهما قوله: كقولك لو كان إنساناً الخ. وقوله: كقولك لو انتفت إخوة النسب الخ.
(2/127)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(عن أسلوبه)
أي أسلوب ما يستشهد به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(ولو قال بدل المساواة المساوي لكان أنسب بقسميه)
أي الأدون والأولى لكونهما وصفين فيكون هو كذلك لو قال المساوي. وقوله لكان أنسب أي وأخصر أيضاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(في الموضعين)
أي هنا وفيما تقدم من قوله لو لم تكن ربيبة لما حلت للرضاع المأخوذ من قوله : «لو لم تكن ربيبتي لما حلت» الخ. وقوله: لوافق الاستعمال أي الاستعمال الكثير وهو حذف اللام في جواب لو المنفى: ولفظ الحديث المذكور مجرد منها كما أشار له الشارح، ووقع في بعض الحواشي أن الموضعين هما قوله هنا لو انتفت إخوة النسب الخ. وقوله لو كان إنساناً لكان حيواناً وهو سبق قلم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(فيما ذكر من الأمثلة)
أي الخمسة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(هذا القسم)(2/73)
أي وهو ثبوت التالي مع انتفاء المقدم الشامل للمناسب الأولى والمساوي والأدون، وإن كانت الأمثلة المذكورة من المناسب الأولى شيخ الإسلام. وقد مثل المصنف للمنفيين وبقي المثبتان والشرط المنفي والجواب المثبت وعكسه وقد تكفل الشارح بذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(ما نفدت كلمات الله)
أي معلوماته تعالى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(ومن الأول فلو أن لنا كرة الخ)
(2/128)
---
وجه التنصيص على هذه الآية وقوع النزاع في كون لو فيها للتمني فقد قال في المغني: والرابع أي من أقسام لو أن تكون للتمني نحو: لو تأتيني فتحدثني قيل ومنه: {فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين} (الشعراء: 102) ولهذا نصب فنكون في في جوابها كما انتصب فأفوز في جواب ليت في: {يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً} (النساء: 73) ولا دليل في هذا أي في نصب فنكون على أنها للتمني لجواز أن يكون النصب في فنكون مثله في: {إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً} (الشورى: 51) في قول ميسون:
ولبس عباءة وتقر عيني
أحب إليّ من لبس الشفوف
اهـ فأشار الشارح إلى أن احتمال ذلك لا يمنع كون لو في الآية المذكورة للتمني، وأن النصب في جواب التمني، وأن التمني هنا أقرب من حمل لو هنا على غير التمني كالشرطية والتكلف في تقدير الجواب سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
قوله:
(وهو في التحضيض بحث الخ)(2/74)
فإن قلت: لم عكس هنا ترتيب المتن فبدأ بالتحضيض ثم بالعرض ثم بالتمني؟ قلت: يحتمل أنه لمراعاة مراتب الطلب في الثلاثة فإنه في التحضيض أقوى منه في العرض، وأما في التمني فإنه مختلف فيه، فمنهم من قال: إن التمني لطلب المتمنى. ومنهم من قال: إنه لحالة نفسانية يلزمها الطلب، ويحتمل أنه لما أراد بيان الطلب بدأ بما يليه حينئذ وهو التحضيض ثم الأقرب إلى ذلك فالأقرب سم. قلت: ولا يخفى ضعف الجواب الثاني، وقد سلك الشارح طريق النشر المرتب أولاً ثم المشوش ثانياً وهو أولى كما تقرر مع ما اشتمل عليه من ملاحظة مراتب الطلب كما قال سم. والأول مراعاة لكلام المصنف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 282
قوله:
(ولو بظلف محرق)
(2/129)
---
نقل في المغني تمثيله أيضاً بقوله تعالى: {ولو على أنفسكم} (النساء: 135) وقال السفاقسي: ولو على أنفسكم لو شرطية بمعنى إن وحذف كان بعد لو كثير، وقدره أبو البقاء: ولو شهدتم على أنفسكم ودل عليه شهداء، وقدره الزمخشري: ولو كانت الشهادة وبالاً على أنفسكم سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 282
قوله:
(والمعنى تصدقوا بما تيسر الخ)
أي فقوله: ولو بظلف محرق كناية عن هذا التعميم. وقوله: إلى الظلف مثلاً أشار بقوله مثلاً إلى أن ليس المراد المبالغة بخصوص الظلف. وقوله: فإنه خير من العدم أي فإن التصدق بما تيسر أو فإن التصدق بما بلغ في القلة إلى الظلف مثلاً خير من العدم أي عدم التصدق رأساً سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 282
قوله:
(حرف نفي)(2/75)
أي لجزء مدلول المضارع التضمني وهو الحدث. وقوله: واستقبال أي لجزئه الآخر وهو الزمان. وأما قوله: ونصب فهو للفظه فالإضافة في قوله حرف نفي واستقبال إضافة الدال للمدلول. وفي قوله حرف نصب إضافة المؤثر إلى أثره ثم إن النصب حكم من أحكامها لا معنى لها فكان المناسب تأخيره عن النفي والاستقبال، ولو قدمه عليهما لأمكن أن يقال: إنما قدمه لظهور أثره في اللفظ، وأما توسيطه كما صنع فلا وجه له على أنه كان ينبغي له ذكر النصب على وجه يفيد أنه غير داخل في معنى لن كان يقول حرف نفي واستقبال وهو ناصب للمضارع فإن كلامه موهم أن كلاً من الأمور الثلاثة داخل في مفهوم لن وليس كذلك كما علمت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 282
قوله:
(للمضارع)
يرجع للأمور الثلاثة المذكورة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 282
قوله:
(وهو فيما إذا أطلق النفي)
ضمير هو للخلاف لا للتأييد كما سبق إلى وهم بعض المحشين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 282
قوله:
(مفرقا)
(2/130)
---
حال من الفاعل فيكون بكسر الراء أو من المفعول أي حال كون ذلك مفرقاً في الكشاف لا في موضع واحد فيكون بفتح الراء والأول هو الظاهر.
قوله: (بخلاف لا أقيم) فلن أخص من لا لانفراد لن عنها بإفادة التأكيد بعد اشتراكهما في مطلق النفي. وقوله: كما في إني مقيم وأنا مقيم أي ونظير ذلك في الإثبات إني مقيم فإنه أخص من أنا مقيم لانفراده عنه بالتأكيد بعد اشتراكهما في مطلق الإثبات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 282
قوله:
(وقولك في شيء لن أفعله مؤكد على وجه التأبيد)
فيه دلالة ظاهرة على أن صاحب الكشاف أراد بالتأكيد ما يشمل التأبيد الذي هو نهاية التأكيد، فما نقل عن المفصل كالكشاف من أنها للتأكيد لا يتعين حمله على تأكيد لا يشمل التأبيد قاله سم، أي بل يحمل على الفرد الكامل للتأكيد وهو التأبيد حتى يتوافق كلامه في كتبه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 283
قوله:
(والمعنى أن فعله ينافي حالي الخ)(2/76)
فيه إشارة إلى أن النفي بلن ليس لمجرد نفي الوقوع بل مع نفي اللياقة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 283
قوله:
(تضعيف الخ)
قد يقال: التضعيف مستفاد من قوله خلافاً فلا حاجة لقوله زعمه حينئذ إلا أن يريد التضعيف على الوجه الأتم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 283
قوله:
(لما قال غيره)
علة للتضعيف والمراد بالغير ابن عصفور وابن هشام وغيرهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 283
قوله:
(لا دليل عليه)
أي من كلام العرب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 283
قوله:
(خلاف الظاهر)
أي لأن التأسيس هو الأصل.
(2/131)
---
قوله: (وقد نقل التأبيد الخ)تصريح بما يؤخذ من قوله السابق كالزمخشري فإنه يفيد عدم اختصاص ذلك بالزمخشري وأراد بالغير ابن عطية فإنه قال في تفسيره في قوله تعالى: {لن تراني} (الأعراف: 143) لو أبقينا هذا النفي على ظاهره لتضمن أن موسى عليه الصلاة والسلام لا يراه أبداً ولا في الآخرة، لكن ورد في الأحاديث المتواترة أن أهل الإيمان يرونه يوم القيامة اهـ. فيحتمل كما قال بعضهم أن يكون مراد ابن عطية أن التأبيد موضوعها لغة كما يقول الزمخشري، وأن يكون مراده أن التأبيد مستفاد من كون الفعل الواقع بعدها في معنى النكرة الواقعة في سياق النفي فتعم كل رؤية ما لم يرد ما يخصصه، وقد يرد هذا أي كون الفعل من قبيل النكرة وقد وقع في سياق النفي فيعم، وقد تقرر أن العموم في الأشخاص يستلزم العموم في الأحوال والأزمنة فليتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 283
قوله:
(حتى قال بعضهم)
أي كالسعد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 283
قوله:
(ولا تأبيد قطعا)
أي اتفاقاً وهذا محترز قوله سابقاً وهو فيما إذا أطلق النفي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 283
قوله:
(وفيه بعد)(2/77)
أي لأن السياق ينافيه ولأن المعطوف بثم إنشاء لكونه دعاء وعطف الإنشاء على الإنشاء هو المناسب. وقال الكمال: لو كان خبراً لكان للنفي في الاستقبال ولا معنى له هنا اهـ. وقد سبقه إليه الشمني راداً به على الدماميني. ويمكن أن يجاب عنه بأن الإخبار ببقائهم في المستقبل بناء على ما فهمه من القرائن المقتضية للبقاء عادة أو بأنه أخرج الدعاء مخرج الخبر مبالغة وكأن الاستجابة قد حصلت فأخبر عنها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 283
قوله:
(وللتعجب)
(2/132)
---
إنما غير الأسلوب حيث لم يقل وتعجبية ليشمل جميع الأقوال في التعجبية، فقد قيل إنها نكرة تامة خبرية وهو الأصح وهي حينئذ مبتدأ خبرها ما بعدها، وقيل نكرة موصوفة بما بعدها والخبر محذوف وجوباً، وقيل استفهامية دخلها معنى التعجب، وقيل موصولة صلتها ما بعدها والخبر محذوف وجوباً، وعلى هذا فاقتصار الشارح على قوله فما نكرة تامة الخ لأنه الأصح، وحينئذ يمنع قول شيخ الإسلام أنه أشار به إلى أن قول المصنف وللتعجب قسيم لقوله موصوفة اهـ فليتأمل سم. قلت: فالظاهر حينئذ عطف قوله وللتعجب على قوله موصولة وما بعده عطف عام على خاص، لكن مقتضى قول الشارح فما نكرة تامة عطفه على موصوفة، فيفيد أن التعجبية قسم للموصوفة وقسم من النكرة كما قال شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 283
قوله:
(وشرطية زمانية)
أي دالة على الشرط والزمان فتكون بمنزلة متى، فالتقدير في الآية الشريفة والله أعلم استقيموا لهم متى استقاموا لكم أي أيّ زمن استقاموا لكم. وقول الشارح: أي استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم إنما يأتي على كونها مصدرية ظرفية فلعل ذلك حل بحسب المعنى لا بحسب تقدير كونها شرطية زمانية فليتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
قوله:
(أي زمانية)
ليس المراد بكونها زمانية أنها تدل على الزمان وضعاً بل المراد أنه حذف من التركيب زمان مضاف يدل عليه بالقرينة وأقيمت هي مقامه قاله الشمني.(2/78)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
قوله:
(كافة عن عمل الرفع)
قال في المغني: ولا تتصل إلا بثلاثة أفعال: قل وكثر وطال، وعلة ذلك شبههن برب ولا تدخل حينئذ إلا على جملة فعلية صرح بفعلها اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
قوله:
(أو الرفع والنصب)
قال في المغني: وهي المتصلة بأن وأخواتها. وقوله أو الجر قال في المغني: وتتصل بأحرف وظروف ثم فصل ذلك وأطال فيه فراجعه.
(2/133)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
قوله:
(لابتداء الغاية)
ليس المراد ظاهره فإن ابتداء الغاية معنى اسمي لاستقلاله فلا يكون من معاني الحروف بل المراد ابتداء جزئي اعتبر حالة لغيره بحيث لا يتصور إلا تبعاً له، وكذا يقال في بقية المعاني سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
قوله:
(لابتداء الغاية)
الغاية نهاية الشيء ولا معنى لكون من لابتداء آخر الشيء، فالمراد بالغاية ذلك الشيء الممتد كالسير مثلاً إطلاقاً لاسم الجزء على الكل، وينبغي أن يكون الشيء الممتد في أنه من سليمان مجيء الكتاب لا نفس الكتاب لأنه ليس شيئاً ممتداً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
قوله:
(أو غيرهما)
قد يقال: يمكن أن يتوسع في المكان بأن يراد به ما يشمل الحقيقي والحكمي فيكون الغير المذكور داخلاً في المكان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
قوله:
(أي ورودها لهذا المعنى أكثر من ورودها لغيره)
يعني أن الغلبة تصدق بقلة المقابل وبكثرته لكن دون كثرة المقابل الآخر الذي هو الأغلب والمراد هنا هذا الثاني.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
قوله:
(أي بعضه)
إشارة إلى ما قاله ابن هشام أن علامتها إمكان سد بعض مسدها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
قوله:
(فاجتنبوا الرجس من الأوثان)
(2/134)
---(2/79)
أشار بهذا المثال إلى أنها تقع بعد غير ما ومهما وإن كانا بها أولى. قال في المغني: وكثيراً ما تقع بعد ما ومهما وهما بها أولى لإفراط إبهامهما نحو: {ما يفتح الله للناس من رحمة} (فاطر: 2) {ما ننسخ من آية} (البقرة: 106) {وقالوا مهما تأتنا به من آية} (الأعراف: 132) وهي ومحفوضها في ذلك في موضع نصب على الحال. ومن وقوعها بعد غيرهما: {يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق} (الكهف: 31) الشاهد في غير الأولى فإن تلك للابتداء اهـ. وقوله في موضع نصب على الحال قال الدماميني: أما في ما يفتح الله للناس من رحمة فالحالية ظاهرة وذو الحال ما لأنها في محل نصب مفعول يفتح، وكذا {ما ننسخ من آية} وأما مهما تأتنا به من آية فالظاهر أن مهما مبتدأ والحال لا تقع منه على الصحيح، فممكن أن يكون ذو الحال ضمير الجر من به، أو تجعل مهما من باب المنصوب على الاشتغال لكن هذا هنا مرجوح اهـ. وأجيب بأن مهما وإن كان الراجح كونه مبتدأ مفعول في المعنى والمفعول في المعنى يصح إتيان الحال منه، وإنما الممتنع إتيان الحال من المبتدأ الذي ليس بفاعل ولا مفعول في المعنى اهـ وهو حسن سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
قوله:
(أي بدلها)
إشارة إلى ما قاله الرضي أنه يعرف البدل بصحة قيام بدل مقامها اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 285
قوله:
(وتنصيص العموم)
(2/135)
---(2/80)
وهي الزائدة في نحو: ما جاءني من رجل فإنه قبل دخولها يحتمل نفي الجنس ونفي الوحدة ولذلك يصح أن تقول بل رجلان، ولا يصح ذلك بعد دخول من، وشرط زيادتها تقدم نفي أو نهي أو استفهام بهل وتنكير مجرورها وكونه فاعلاً أو مفعولاً به أو مبتدأ، وتقييد المفعول بقولنا به لإخراج بقية المفاعيل، وكأنه وجه منع زيادتها في المفعول معه وله وفيه أنها في المعنى بمنزلة المجرور بمع وباللام وبفي ولا تجامعهن من ولكن لا يظهر حينئذ للمنع في المفعول المطلق وجه وقد خرّج عليه أبو البقاء: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} (الأنعام: 38) فقال من زائدة وشيء في موضع المصدر أي تفريطاً ولم يشترط الأخفش واحداً من الشرطين الأولين، ولم يشترط الكوفيون الأول. ذكر هذا كله ابن هشام سم.
قوله: {والله يعلم المفسد من المصلح} {حتى يميز الخبيث من الطيب} نقله ابن هشام عن ابن مالك ثم قال وفيه نظر لأن الفصل مستفاد من العامل، فإن ماز وميز بمعنى فصل والعلم صفة توجب تمييزاً قال: والظاهر أن من في الآيتين للابتداء أو بمعنى عن، ويجاب بأن هذا لا يمنع استفادة الفصل منها في الآيتين أيضاً غايته أنه مستفاد من العامل ذاتاً ومنها بواسطته لأن الحرف لا يفيد بنفسه. ومثل الشارح بمثالين إشارة إلى أن من تفيد الفصل بواسطة معنى العامل كما في الأول أو لفظه كما في الثاني اهـ شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 285
قوله:
(أي لمعناها)
دفع لما يتوهم من ظاهر العبارة أن من موضوعة للدلالة على المرادفة بل المعنى أنها مرادفة للباء في معناها كما أشار له الشارح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 285
قوله:
(أي به)
(2/136)
---
أي لأن الطرف آلة النظر، ويصح كونها على بابها إذا اعتبر كون الطرف مبدأ النظر، والأول نقله ابن هشام عن يونس، والثاني قاله هو راداً عليه، وقد علمت مبنى كل من القولين فلا خلاف في المعنى. قوله: (أي عليهم) هذا إن لم يضمن النصر معنى المنع وإلا فهي على بابها.(2/81)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 285
قوله:
(واستفهامية)
قد تشرب معنى النفي قال ابن هشام: وإذا قيل من يفعل هذا إلا زيد فهي استفهامية أشربت معنى النفي ومنه قوله تعالى: {ومن يغفر الذنوب إلا الله} (آل عمران: 135) قال: ولا يتقيد جواز ذلك بأن يتقدمها الواو خلافاً لابن مالك بدليل {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (البقرة: 155) شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 285
قوله:
(ونعم من هو الخ)
نعم فعل ماض وفاعله مستتر وجوباً عائد على متعقل في الذهن، ومن نكرة بمعنى رجلاً تمييز كما قال الشارح وكون مرفوع نعم ضميراً مستتراً كما هنا من القليل والكثير أن يكون فاعل نعم وبئس مقترناً باللام أو مضافاً للمقرون بها كما يفيد ذلك قول الخلاصة:
مقارني أل أو مضافين لما
قارنها كنعم عقبى الكرما
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 285
قوله:
(ومن تمييز)
أي لفاعل نعم المستتر. قوله: (بضم الهاء) تنبيه على أن المراد لفظه ودفع توهم أنه عائد لما قبله. قوله: (وقد زكأت) أي التجأت والمزكأ الملجأ وزناً ومعنى. قوله: (لم يثبت ذلك) الإشارة بذلك إلى كون من في البيت نكرة تامة مميزة. قوله: (خبره هو محذوف) قد يستشكل وصف هو مع كونه معرفة إذ المراد لفظه، فيكون علماً بالنكرة وهي لفظ محذوف. والجواب أن العلم قد ينكر كما في قولك: مررت بسيبويه كذلك هذا أي وخبره لفظ مسمى بهو محذوف، ذكر مثله الدماميني في الكلام على هذا المحل في قول المغني قلت: ويحتاج إلى تقدير هو ثالث.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 285
(2/137)
---
قوله:
(والمخصوص بالمدح محذوف)
أي هو راجع إلى بشر أيضاً هذا هو هو الثالث. قال الدماميني: ويحتاج إلى تقدير هو رابع على القول بأن المخصوص خبر مبتدأ محذوف اهـ قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 286
قوله:
(هو المشهور)(2/82)
دفع به ما يرد على كون التقدير هو هو من عدم الفائدة لاتحاد المبتدأ والخبر. وحاصله أنهما وإن اتحدا لفظاً فقد تغايرا معنى لأن هو الثاني بمعنى المشهور في السر والعلن. قوله: (وفيه تكلف) أي لكثرة التقدير وتعلق المجرور بالجامد وهو الضمير وإن تضمن معنى الفعل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 286
قوله:
(على منواله)
أي على منوال الإيجابي أي طريقته من حيث اعتبار الإيجاب في المطلوب بها يعني أن اعتبار الإيجابي ونفي السلبي في المطلوب بها سهو، وإنما ذلك في مدخولها لا في المطلوب بها ومبنى السهو المذكور اشتباه المطلوب بها بمدخولها. والحاصل أنها لا تدخل على منفي أصلاً اتفاقاً، وأما ما يطلب بها من الحكم فتارة يكون إيجابياً وتارة يكون سلبياً، يقال: هل قام زيد؟ فيجاب بنعم أي قام أو بلا أي لم يقم، وما ذكرناه في معنى قول الشارح على منواله أحسن مما ذكره شيخ الإسلام فراجعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 286
قوله:
(أخذا)
بمعنى مأخوذاً علة للتقييد بالإيجابي ونفي السلبي. قوله: (فهي لطلب التصديق الخ) تفريع على لازم السهو وهو كون الصواب أنها لطلب التصديق أي الحكم بالثبوت أو الانتفاء. قوله: (أي الحكم) فيه إشارة إلى أن مسمى التصديق هو الحكم فقط فيكون بسيطاً وهو الراجح كما تقدم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 286
قوله:
(وتشركها في هذا)
(2/138)
---(2/83)
أي في طلب التصديق. قوله: (بطلب التصور) أي تصور المحكوم عليه أو به، ولذا مثل بمثالين: الأول للأول والثاني للثاني. لا يقال: هذا تصديق في المثالين وهو مسبوق بالتصور فطلب التصور تحصيل للحاصل. لأنا نقول: المطلوب تصور أحد الطرفين معيناً كما أفاده الشارح بقوله: فيجاب بمعين وهو غير التصور السابق على التصديق نبه على ذلك السعد شيخ الإسلام. لا يقال: طلب التصور المذكور يلزمه التصديق وهو الحكم على ذلك المعين فهي في المثالين لطلب التصديق. لأنا نقول: هذا اللازم غير مقصود للسائل وإن كان يحصل بالتصور المذكور لأن مقصوده بيان المحكوم عليه من هو أو المحكوم به كذلك مع علمه بوجود حكم قطعاً فالحكم غير ملتفت إلى السؤال عنه وإن كان حاصلاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 286
قوله:
(فيجاب بمعين)
أي يجاب السؤال بمعين فيكون النائب ضمير السؤال، ويصح أن يكون النائب قوله بمعين فلا ضمير في يجاب، وهذا كله على أن فيجاب بالتحتية المثناة، وأما إن كان بالمثناة الفوقية فنائب الفاعل ضمير الهمزة والإسناد حينئذ مجازي كما هو ظاهر. قوله: (وبالدخول الخ) عطف على بطلب التصور. قوله: (بينا الخ) أي بين أزمنة اغتساله لأن بين لا تضاف إلا إلى متعدد. قوله: (جراد من ذهب) أي ذهب بصورة الجراد، وفي بعض التقارير أن المراد بالجراد الجماعة من الذهب منقول ذلك عن بعض أهل الكشف. قوله: (يحثي) يقال حتى يحثي مثل رمى يرمي، وحثا يحثو مثل دعا يدعو.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 286
قوله:
(ولكن لا غنى لي عن بركتك)
(2/139)
---(2/84)
دل ذلك على أن مقصوده صلوات الله وسلامه عليه إظهار الفاقة والحاجة إلى فضل الله تعالى، فأخذه ذلك من حيث إظهار الحاجة إلى فضل الله وأن أحداً لا يستغني بحال عن فضل الرب عز وجل، وليس ذلك لأجل الشره في تحصيل المال كيف ومقام من دونه يجل عن ذلك فكيف به ؟ وعلى هذا يحمل من أخذ من الدنيا فوق حاجته من أهل الله بل ينبغي لكل أحد أن لا يتناول ما زاد على الحاجة إلا بهذا القصد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 287
قوله:
(وقد تبقى)
أي الهمزة الداخلة على منفي. قوله: (أي أحق انتفاء فعلك) تحويل للاستفهام عن ظاهره لئلا يكون ضائعاً لأن المتكلم نفى الفعل بإخباره فلا فائدة في الاستفهام عن النفي فتعين صرفه للاستفهام عن حقية ذلك النفي. قوله: (ألا اصطبار لسلمى) هو استفهام عن النفي لا عن المنفى أي هل لا صبر لها أول لها صبر، والاستفهام في البيت ليس على منواله في المثال كما لا يخفى لوجود الإخبار بالنفي في المثال، فتعين صرف الاستفهام إلى حقية ذلك النفي بخلاف البيت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 287
قوله:
(الذي لاقاه أمثالي)
أي وهو الموت عشقاً. قوله: (من حروف العطف) قيد بذلك لتخرج واو القسم وواو الحال وواو الاستئناف وواو الجملة المعترضة كقوله: إن الثمانين وبلغتها الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 287
قوله:
(بين المعطوفين)
غلب في التثنية المعطوف لأنه أخصر وإلا فالمعطوف عليه هو الأصل غالباً، والتقييد بالغالب احترازاً من عطف الأشرف على غيره كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة، وعطف أولي العزم على غيرهم في آية: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم} (الأحزاب: 7) الآية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 287
قوله:
(في الحكم)
المراد بالحكم المحكوم به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 287
قوله:
(لأنها تستعمل)
(2/140)
---(2/85)
أي لغة وهذا دليل لكونها لمطلق الجمع. قوله: (واستعمالها في كل منها من حيث إنه جمع استعمال حقيقي) أي لما تقرر من أن استعمال الكلي في الجزئي من حيث كون الجزئي مشتملاً على ذلك الكلي حقيقة كاستعمال الإنسان في زيد من حيث اشتمال زيد على الحقيقة الإنسانية، وأما استعمال الكلي في الجزئي من حيث خصوص ذلك الجزئي فمجاز كما تقرر، وعنه احترز الشارح بقوله: من حيث إنه جمع أي، وأما استعمالها في واحد منها من حيث إنه مقيد بذلك القيد من بعدية أو قبلية أو معية فمجاز لأنه استعمال للكلي في جزئيه من حيث خصوصه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 287
قوله:
(فإذا قيل الخ)
تفريع على الأقوال الثلاثة. قوله: (لإيهامه تقييد الجمع بالإطلاق) أي فلا يصدق بمعية ولا تقدم ولا تأخر، وإنما يصدق على قولنا مثلاً: جاء زيد وعمرو. ولا يصدق على مثل قولنا: جاء زيد وعمرو معه أو قبله أو بعده، بخلاف مطلق الجمع فإنه صادق بالجميع، وهذا الإيهام أخذه المصنف من ابن هشام وعزاه الشارح إليه كالمتبرىء منه إشارة إلى أن مؤدى العبارتين واحد، لأن المطلق هنا ليس للتقييد بعدم القيد بل لبيان الإطلاق كما يقال الماهية من حيث هي والماهية لا بشرط. وسبب توهم الفرق بينهما الفرق بين الماء المطلق ومطلق الماء مع الغفلة عن كون ذاك اصطلاحاً شرعياً، وما نحن فيه اصطلاح لغوي شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 287
قوله:
(أي اللفظ المنتظم الخ)
(2/141)
---(2/86)
أشار بذلك إلى أن المراد من الأمر في كلام المصنف لفظه لا مسماه، ولهذا قرىء مفككاً للإشارة إلى أن المراد لفظ الأمر أي ما تركب من هذه المادة سواء كان بصيغة المصدر أو غيره خلافاً لسم، ولو لم يقرأ مفككاً لكان المتبادر مسماه لأن كل حكم ورد على اسم فهو وارد على مسماه إلا لقرينة وهي هنا التفكيك المذكور. قوله: (بصيغة الماضي) أي بصورته لأجل تحقق التفكيك لا لتخصيص لفظ الماضي بالحكم. قوله: (مفككاً) حال من الماضي والتفكيك بحسب اللفظ والخط أيضاً. قوله: (حقيقة في القول المخصوص) أي فمسمى لفظ الأمر لفظ وهو القول المخصوص المعبر عنه بصيغة افعل، وأما مسمى القول المخصوص فهو طلب الفعل طلباً جازماً أو غير جازم على ما سيأتي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 288
قوله:
(الدال على اقتضاء فعل الخ)
هذا هو المناسب لحد المصنف الأمر النفسي بما يأتي، والمناسب لحد الشارح له أيضاً بما يأتي أن يقال أي الدال على القول المقتضى لفعل الخ، والمراد بالدال الدال بالوضع كما هو المتبادر، فاندفع ما قيل إن الحد يصدق بنحو: أوجبت عليك كذا وإن تركته عاقبتك مع أنه ليس بأمر بل خبر شيخ الإسلام. قلت: قد يجاب عن دخول مثل أوجبت باعتبار قيد آخر في التعريف يدل عليه الكلام وهو كون ذلك الدال صيغة اقبل، كما يجاب به عن دخول الاستفهام في الحد المذكور فإنه دال على اقتضاء فعل على ما سيأتي تحقيقه كما قاله سم. قوله: (ويعبر عنه بصيغة افعل) أي ويعبر عن القول المخصوص بصيغة افعل، والمراد بها كما سينبه عليه الشارح كل ما يدل على الأمر من صيغه، فيدخل صيغة افعل واسم الفعل كصه والمضارع المقرون باللام نحو لينفق. قوله: (أي قل لهم صلوا) أي فالمراد بالأمر في الآية صيغة الأمر. قوله: (لتبادر القول الخ) علة لقوله حقيقة في القول المخصوص الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 288
قوله:
(وقيل هو الخ)
(2/142)
---(2/87)
ضمير هو يعود للفظ المنتظم من حروف أم ر المتقدم ذكره. قوله: (كالشيء) الأولى أن يقول وهو مفهوم أحدهما، إذ القدر المشترك بين شيئين مثلاً لا بد أن يكون مختصاً بهما، والشيء ليس كذلك لأنه يعم القول المخصوص والفعل وغيرهما، وما ذكرناه من أن القدر المشترك مفهوم أحدهما هو الذي اعتمده السعد التفتازاني ورد قول من جعله الشيء أو الشأن بما ذكرناه. قوله: (حذراً من الاشتراك والمجاز) قد نوقش هذا التعليل بأن الحمل على الوضع للقدر المشترك إنما يكون أولى من المجاز والاشتراك إذا لم يقم دليل على أحدهما، وقد قام دليل على كون الأمر مجازاً في الفعل وهو تبادر القول المخصوص منه دون الفعل، ولو لم يقيد بذلك لأدى إلى ارتفاع المجاز والاشتراك رأساً لإمكان حمل كل لفظ يقال على معنيين على أنه موضوع للقدر المشترك بينهما، وهذه المناقشة مأخوذة من العضد، ولم يتعرض لها الشارح اكتفاء بسياق هذا القول بصيغة التمريض. قوله: (أي لصفة من صفات الكمال) إشارة إلى أن التنوين في قوله لأمر الخ للتعظيم كما يفيده المقام. قوله: (جدع) بالدال والعين المهملتين بمعنى قطع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 288
قوله:
(والأصل في الاستعمال الحقيقة)
(2/143)
---(2/88)
من تتمة الدليل فهو مرتبط بقوله لاستعماله فيها أيضاً. والفرق بين الشأن والصفة والشيء كما قال شيخ الإسلام أن الشأن معنى رفيع يقوم بالذات، والصفة معنى مطلق يقوم بالذات، والشيء هو الموجود فالصفة أعم مطلقاً من الشأن والشيء أعم مطلقاً منهما. قوله: (وأجيب بأنه فيها مجاز) أي لما مر من تبادر القول المخصوص إلى الذهن من لفظ الأمر وهو علامة الحقيقة. وقوله بأنه فيها مجاز أي كما أنه مجاز في الفعل، وإنما اقتصر المصنف كغيره على كونه مجازاً في الفعل مع قصوره عن تناول المذكورات من الشأن والصفة والشيء لأنه المقابل للقول من حيث إنهما قسمان للمقصود وهو الدال على الحكم ذكره شيخ الإسلام. قوله: (بين الخمسة) بين متعلق بالهاء من منه لتضمنها معنى الفعل أي الاشتراك والتقدير الأشهر من الاشتراك بين الخمسة ففيه إعمال ضمير المصدر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 289
قوله:
(حد اللفظي به)
أي فيقال في حده قول دال على اقتضاء فعل الخ أي فيؤخذ تعريف الأمر اللفظي من ذكر حكمه في كلام المصنف ضمناً، وأما النفسي فصريحاً كما أشار له الشارح. قوله: (وهو الأصل) أي العمدة أي لأنه منشأ التعلق والتكليف واللفظي ليس إلا وسيلة إليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 289
قوله:
(وحده)
ينبغي أن يكون مرجع الضمير في حده الأمر الواقع في الترجمة أعني قوله الأمر، والظاهر أن المراد به الأعم اللفظي والنفسي بدليل قول الشارح وهو لفظي ونفسي، ففي قوله وحده نوع استخدام، وأما رجوعه لقوله أمر فلا يصح إلا بغاية التعسف لأن المراد به اللفظ وليس حده بمعنى اللفظ ما ذكر سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 289
قوله:
(اقتضاء فعل غير كف مدلول عليه بغير كف)
(2/144)
---(2/89)
المراد بالفعل ما يسمى فعلاً عرفاً أعم من كونه فعل اللسان أو القلب أو الجوارح، فالمراد بالفعل نحو الأمر والشأن. وأورد على هذا التعريف أنه غير جامع لخروج اقتضاء الصوم في نحو: صوموا لأنه اقتضاء لفعل هو كف لأن الصوم كف عن المفطرات مدلول عليه بغير كف وهو صوموا وغير مانع لتناوله بعض أفراد النهي كالطلب المفهوم من نحو: لا تترك الصلاة إذ يصدق أنه طلب فعل وهو المنهي عن تركه، وذلك الفعل غير كف مدلول عليه بغير كف فيتناوله تعريف الأمر مع أنه نهي، فيكون التعريف غير مانع كذا قيل، وعندي أن إيراد هذا فاسد من أصله لأن مدلول لا تترك طلب فعل هو ترك الترك، إذ معنى لا تترك الصلاة أطلب منك ترك تركها وترك تركها فعل هو كف مدلول عليه بغير كف، وذلك الغير هو لا تترك فهو خارج بقوله غير كف مدلول عليه بغير كف لأن هذا كف مدلول عليه بغير كف وهو لا تترك. وأما المنهى عن تركه كالصلاة مثلاً فليس مدلولاً لهذه الصيغة بل هو لازم لمدلولها خارج عنه، وأورد أيضاً أنه يتناول الطلب بالاستفهام لأنه طلب فعل غير كف مدلول عليه بغير كف مع أنه لا يسمى أمراً. وما ذكرناه من أنه طلب فعل صرح به السيد في حواشي القطب فقال: ولقائل أن يقول الفهم وإن لم يكن فعلاً بحسب الحقيقة بل هو انفعال أو كيف، لكنه يعد في عرف اللغة من الأفعال الصادرة عن القلب والمتبادر من الألفاظ معانيها المفهومة منها بحسب اللغة، فيصدق على الاستفهام أنه يدل بالوضع على طلب الفعل، قال: وأيضاً المطلوب بالاستفهام هو تفهيم المخاطب للمتكلم لا الفهم الذي هو فعل المتكلم والتفهيم فعل بلا شبهة فيلزم ما ذكرناه. فإن قلت: التفهيم ليس فعلاً من أفعال الجوارح والمتبادر من لفظ الفعل إذا أطلق هو الفعل الصادر من الجوارح. قلت: فعلى هذا يلزم أن لا يكون قولك فهمني وعلمني وما أشبههما أمراً وهو باطل قطعاً اهـ كلام السيد قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 289
(2/145)
---
قوله:
(فتناول)(2/90)
أي التعريف. وقوله: الاقتضاء مفعول تناول. وقوله: أي الطلب تفسير للاقتضاء، ويصح أن يكون الاقتضاء فاعل تناول وما بعده تفسير له. وقوله: الجازم مفعوله. وقوله: لما ليس بكف معمول للاقتضاء على كل حال. وفيه على الأول الفصل بين المصدر ومعموله بالأجنبي وهو قوله الجازم وغير الجازم فإنه معمول تناول، وقد فصل به بين المصدر وهو الاقتضاء ومعموله وهو قوله لما ليس الخ وفيه عمل المصدر بعد وصفه عليهما معاً. لا يقال: قوله لما ليس الخ مجرور وهو يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره. لأنا نقول: اللام زائدة للتقوية لا جارة. قوله: (ولما هو كف الخ) أي فالأمر نوعان طلب فعل غير كف وطلب كف مدلول عليه بكف ونحوه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 290
قوله:
(وسمى مدلول كف)
أي وهو طلب الكف. قوله: (موافقة للدال في اسمه) أي لموافقة المدلول وهي اقتضاء الكف داله وهو كف في تسميته أمراً كما يسمى داله وهو كف بذلك أي إنما سمى مدلول كف بالأمر لأجل الموافقة المذكورة وإلا فهو نهي لصدق اقتضاء الكف المأخوذ في حده عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 290
قوله:
(ويحد النفسي أيضا)
يحتمل أن المراد كما يحد بالاقتضاء المذكور، ويحتمل أن المراد كما يحد اللفظي بالقول الخ، لكن المراد بالقول المحدود به النفسي القول النفسي لا اللفظي، فالمشاركة بين اللفظي والنفسي حينئذ في أن كلاً يحد بالقول وإن كان لفظياً في الأول ونفسياً في الثاني.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 290
قوله:
(على قياس قول المحققين)
(2/146)
---(2/91)
أي لأن الأمر قسم من الكلام المشترك عند المحققين بين اللفظي والنفسي، وذلك يستلزم كون الأمر مشتركاً بينهما، لأن المقسم يلزم اعتباره في أقسامه، ونبه الشارح بقوله وكل من الأمر والقول مشترك الخ، على أن ما اقتضاه كلام المصنف هنا من أن الأمر حقيقة في اللفظي والنفسي خلاف ما اختاره في بحث الأخبار من أن الكلام المنوع إلى أمر وغيره حقيقة في النفسي مجاز في اللفظي شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 290
قوله:
(ولا يعتبر فيه علواً الخ)
من فوائد هذا الكلام الجواب عما سواه يورد على المصنف من أن تعريفه غير مانع إذ يدخل فيه ما ليس بأمر وهو ما انتفى فيه العلو والاستعلاء أو أحدهما مع أنه ليس بأمر لاعتبارهما أو أحدهما فيه، وحاصل الجواب منع اعتبارهما أو أحدهما فيه، فدخول ما انتفيا أو أحدهما فيه في الأمر صحيح لأنه من أفراده، وإلى هذا الذي ذكرناه أشار الشارح بقوله: حتى يعتبر في حده أيضاً سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 290
قوله:
(حتى يعتبر في حده الخ)
راجع للمنفى لا للنفي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 291
قوله:
(بأن يكون الطالب عالي الرتبة)
أي بحسب الواقع ونفس الأمر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 291
قوله:
(بأن يكون الطلب بعظمة)
أي تعاظم فإن الاستعلاء إظهار العلو كان هناك علو في الواقع أم لا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 291
قوله:
(لإطلاق الأمر دونهما)
علة لقوله ولا يعتبر فيه علو ولا استعلاء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 291
قوله:
(قال عمرو الخ)
دليل لعدم اعتبار العلو فإن عمرو بن العاص من أتباع معاوية، ففي قوله له أمرتك دليل على عدم اعتبار العلو في الأمر وعمرو من أفصح العرب الموثوق بكلامهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 291
قوله:
(2/147)
---
(وكان من التوفيق الخ)
أراد بالتوفيق فعل ما يوافق الصواب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 291
قوله:
(هو رجل من بني هاشم الخ)(2/92)
إنما نص الشارح على ذلك دفعاً لما يتوهم من أن المراد به علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه لما كان من العداوة بينه وبين معاوية وعمرو المذكور، فنبه الشارح على أن المراد بابن هاشم غير علي لأن الواقع كذلك، وأيضاً فمقام عمرو ينبو عن هذا وحاشاه أن تحمله عداوته لعليّ على أن يأمر بقتله أو يرضى بذلك، بل حاشاه وحاشا سيدنا معاوية أن يحصل منهما تنقيص لسيدنا علي رضي الله عنهم وما يؤثر من ذلك، فمن كذب المؤرخين الذي يحرم نقله واعتقاد صحته كيف وهما من أكابر الصحابة الذين هم أئمة الهدى ومصابيح الاهتداء رضوان الله عليهم أجمعين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 291
قوله:
(ويقال أمر فلان)
أي يقال ذلك لغة وهو دليل على عدم الاستعلاء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 291
قوله:
(غير أبي الحسين)
أخذ استثناءه هنا من ذكر المصنف له بعد في القائلين بالاستعلاء. قوله: (ومن هؤلاء) أي المعتبرين لأحد الأمرين على التعيين. قوله: (واعتبر أبو علي) أي الجبائي من رؤوس المعتزلة وكذا ابنه فقول الشارح من المعتزلة يرجع لهما. قوله: (إرادة الدلالة باللفظ على الطلب) الأوضح إرادة الطلب باللفظ. وحاصله أن الجبائي وابنه يعتبران في كون الصيغة أمراً إرادة المأمور به منها لأن الأمر عندهما هو الإرادة لأنهما من المعتزلة القائلين بأن الأمر هو الإرادة، وعبارة المصنف والشارح غير موفية بالمراد لإيهامهما أن المراد بالطلب النفسي مع أنهما لا يقولان به بل المراد به إرادة المأمور به كما قررنا، ولو قال: واعتبر أبو علي وابنه إرادة المأمور به من اللفظ كان أقعد وأوضح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 291
قوله:
(والطلب)
(2/148)
---(2/93)
أي الذي هو الاقتضاء الواقع جنساً في حد الأمر النفسي، وهذا جواب سؤال تقديره أن معرفة المحدود متوقفة على معرفة الحد، فلا بد أن يكون الحد بجميع أجزائه معلوماً وأجلى من المحدود، وقد أخذ الاقتضاء الذي معناه الطلب في تعريف الأمر وهو خفي يحتاج إلى بيان، فالتعريف به تعريف بالأخفى، والجواب ما ذكره بقوله والطلب بديهي. قوله: (أي متصور بمجرد التفات النفس إليه) هو تفسير للبديهي. وقوله من غير نظر تفسير لمجرد التفات النفس، فالبديهي ما يحصل بمجرد التفات النفس إليه بلا زيادة على ذلك من حدس أو تجربة بخلاف الضروري فإنه ما لا يتوقف على نظر واستدلال، وإن توقف على نحو الحدس والتجربة فالبديهي أخص من الضروري. قوله: (لأن كل عاقل يفرق بالبديهة الخ) فيه أن يقال لا يلزم من بداهة التفرقة بين الشيء وغيره كون ذلك الشيء في نفسه بديهياً أي معلوماً كنهه بالبديهة، نعم يلزم منه أن يكون معلوماً من وجه بالبديهة قاله الزركشي راجع شيخ الإسلام، فقول الشارح: وما ذاك أي التفرقة المذكورة لا لبداهته لا يسلم حينئذ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 291
قوله:
(فاندفع ما قيل)
أي اعتراضاً على الحد. قوله: (بما يشتمل) أي بتعريف يشتمل ذلك التعريف عليه أي على الطلب. قوله: (المحدود باقتضاء فعل الخ) أي لا للفظي إذ لا نزاع في كونه غير الإرادة. قوله: (لذلك الفعل) أي وأما الإرادة لغيره فليست بأمر بلا خلاف. قوله: (لامتناعه) أي لسبق العلم القديم بانتفائه والممتنع غير مراد بالاتفاق منا ومنهم، قال شيخ الإسلام: لكن قال الأسنوي في شرح المنهاج: والتزموا أي المعتزلة أن الله يريد الشيء ولا يقع ويقع وهو لا يريده اهـ. وبهذا قد يتوقف في أن الممتنع غير مراد عندهم قاله سم فراجع بسط المسألة فيه. قوله: (ولم يمكنهم إنكار الاقتضاء) أي لوجوده ولا بد ضرورة عدم إنكار التكليف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 292
(2/149)
---
قوله:
(قالوا إنه الإرادة)(2/94)
أي قالوا إنه الإرادة فراراً، من كونه نوعاً من الكلام النفسي. قوله: (القائلون بالنفسي اختلفوا هل للأمر صيغة تخصه) اعلم أنه لا خلاف في أنه يعبر عن الأمر القائم بالنفس بمثل أمرتك، وعن الإيجاب بمثل أوجبت عليك وألزمتك، وعن الندب بمثل ندبت لك هذا الأمر، وإنما الخلاف في مدلول صيغة افعل ما هو، وعبارة المصنف قاصرة عن هذه الإفادة، فكان صواب التعبير أن يقال اختلفوا هل صيغة افعل مخصوصة بالطلب أم لا؟ لكن المصنف تابع في هذه العبارة للأصوليين وقد أشار إلى ما يفيد المراد منها وأن ظاهرها غير مراد بقوله بعد والخلاف في صيغة افعل فنبه بذلك، على أن هذا الخلاف المذكور في الترجمة هو ما أشار له بقوله: والخلاف الخ وأن معناه أنه اختلف هل صيغة افعل تخص الأمر أم تستعمل فيه وفي غيره لاأنه اختلف هل للأمر صيغة تخصه أم لا؟ وأن الأصوليين قد تسمحوا في إطلاق عبارة الترجمة سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 292
قوله:
(تخصه)
اعلم أن يخص يرد تارة بمعنى ينفرد وتارة بمعنى يقصر، والثاني هو المراد هنا كما أشار له الشارح بقوله: بأن تدل عليه دون غيره إذ لو أريد المعنى الأول لقيل بأن لا يشاركها غيرها في الدلالة عليه، وهذا لا ينافي دلالتها على غيره أيضاً وليس مراداً. قوله: (والنفي) أي القول بالنفي المشار إليه بقوله: وقيل لا منقول عن الشيخ. واختلف أصحابه في علة النفي فقيل للوقف وقيل للاشتراك، وقد يقال تعليل النفي بالاشتراك واضح وأما بالوقف فلا إذ الوقف لا ينتج النفي المذكور، فلعل المراد بالنفي ما يشمل عدم الجزم. وحاصله أن الواقع من الشيخ النفي فاحتمل أن يكون ذلك لكون الصيغة مشتركة بين الأمر وغيره، واحتمل أن يكون لتوقفه في أن الصيغة حقيقة في الأمر أو في غيره مما وردت له فهو غير جازم بشيء من ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 292
قوله:
(2/150)
---
(وقيل للاشتراك بين ما وردت له)(2/95)
ظاهره ثبوت الاشتراك بين جميع ما وردت له، والشارح شرح المتن على هذا الظاهر ولم يلتفت لما نقله الكمال عن شرح المختصر، وشيخ الإسلام عن التلويح مما حاصله أنه لم يقل أحد باشتراكها بين جميع المعاني التي وردت لها، كأنه لعدم اتضاح ثبوت هذا النفي عنده أو لاطلاعه على ما يخالفه، وإلا فالقطع حاصل باطلاع الشارح على ما في شرح المختصر وما في التلويح، فاندفع ما أشار له الكمال و شيخ الإسلام من الاعتراض عليه بذلك فليتأمل سم. قلت: مجرد احتمال عدم ثبوت النفي المذكور عنده أو اطلاعه على ما يخالفه من غير بيان ذلك كاف في دفع الاعتراض عنه. قوله: (والمراد بها كل ما يدل على الأمر من صيغة) أي وإنما اختاروا التعبير بأفعل لخفته وكثرة دورانه في الكلام. قوله: (بخلاف ألزمتك) بيان لما احترز عنه بقوله: والخلاف في صيغة أفعل. قوله: (وترد لستة وعشرين معنى) هذا وما بعده ليس في حيز قوله مسألة القائلون بالكلام النفسي ولا المتن يقتضي أنه في حيزه، فلا يرد عليه ما يأتي من حكاية المصنف مذهب عبد الجبار مع أنه ينكر الكلام النفسي كما أورده الزركشي بناء على زعمه أن المسألة بجملتها مفرعة على الكلام النفسي سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 292
قوله:
(والندب والإباحة الخ)
(2/151)
---(2/96)
سيأتي أن الصحيح عند الجمهور أنها حقيقة في الوجوب فقط فتكون فيما عداه مجازاً يحتاج لعلاقة وهي بين الوجوب والندب والإرشاد المشابهة المعنوية لاشتراكها في الطلب، وبينه وبين الإباحة الإذن وهي مشابهة معنوية أيضاً، وكذا بينه وبين الامتنان وبينه وبين إرادة الامتثال، وأما بينه وبين التهديد فالمضادة لأن المهدد عليه حرام أو مكروه سم. قوله: (ويصدق مع التحريم والكراهة) لم يلتفت إلى قول المصنف في شرح المنهاج عقب ذلك كذا قيل، وعندي أن المهدد عليه لا يكون إلا حراماً كيف هو مقترن بذكر الوعيد اهـ. كأنه لعدم ارتضائه وكأنه يمنع لزوم اقتران المهدد عليه بذكر الوعيد المنافي للكراهة، ويؤيد المنع قوله الآتي ويفارق التهديد بذكر الوعيد قال الشهاب أي المتوعد به. قلت: الظاهر ما قاله المصنف فإن المكروه لا يصحب تهديداً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 293
قوله:
(بخلاف الندب)
أي فإن المصلحة فيه أخروية، نعم قد يقترن بالإرشاد نية امتثال المرشد بفعل ما أرشد إليه فتجتمع فيه المصلحتان. وقال شيخ الإسلام : قوله والمصلحة فيه دنيوية أي فلا ثواب فيه، فإن قصد به الامتثال والانقياد إلى الله تعالى أثيب عليه لكن لأمر خارج، وكذا إن قصدهما أي الامتثال وتحصيل المصلحة الدنيوية لكن ثوابه في هذه دون ماقبلها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 293
قوله:
(بعد أن وضعه)
أي في نسخة رجع عنها إلى هذه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 293
قوله:
(كقولك لآخر عند العطش اسقني ماء)
(2/152)
---(2/97)
فإن الغرض من هذا الأمر إرادة الامتثال قال الكمال: إنما يتمحض هذا لإرادة الامتثال إذا لم يكن هذا القول بين السيد وعبده، فإن كان من السيد لعبده تصور أن يكون للوجوب بمعنى ترجح الفعل من غير منع من الترك لا بمعنى الإيجاب والندب اللذين هما نوعان من خطاب الله المتعلق بفعل المكلف اهـ. وقد يقال الشرع ورد بإيجاب طاعة العبد للسيد فيتحقق هناك وجوب بخطاب الشارع يثاب على فعله ويعاقب على تركه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 293
قوله:
(كقولك لمن طرق الباب ادخل)
فيه إشارة إلى أن المراد بالإذن هنا غير الإباحة لأنها حكم شرعي، وبعضهم أدخله في الإباحة بناء على أنها رفع المنع من الفعل لا أحد الأحكام الخمسة كما في الكمال. قوله: (والتأديب) هو لتهذيب الأخلاق وإصلاح العادات بخلاف الندب فإنه لثواب الآخرة شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 293
قوله:
(أما أكل المكلف مما يليه فمندوب)
هذا مبني على أن الصبي لا يخاطب بالمندوب ولذا كانت الصيغة في الحديث المذكور للتأديب ومذهبنا معاشر المالكية أن الصبي يخاطب بالمندوب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 294
قوله:
(بذكر الوعيد)
أي المتوعد به فهو تخويف بشيء مخصوص بخلاف التهديد، وبعضهم لم يفرق بينهما وبين جعل الإنذار من التهديد كالمصنف وهو الظاهر. قوله: (ويفارق الإباحة بذكر ما يحتاج إليه) وفرق بعضهم بأن الإباحة تكون في الشيء الذي سيوجد بخلاف الامتنان.
(2/153)
---(2/98)
قوله: {ادخلوها بسلام آمنين} أي فالسلام والأمن قرينة على كون الصيغة للإكرام. قوله: (والتسخير) اعترض بأن اللائق تسميته سخرية بكسر السين وضمها لا تسخيراً فإن التسخير نعمة وإكرام قال الله تعالى: {وسخر لكم ما في السموات} (الجاثية: 13) وجوابه أن التسخير كما يستعمل في الإكرام كذلك يستعمل في التذليل والامتهان فقول الشارح أي التذليل والامتهان إشارة إلى أنه يطلق بهذا المعنى فلا اعتراض. قوله: (أي الإيجاد عن العدم) عن بمعنى بعد.
(2/154)
---(2/99)
قوله: نحو {كن فيكون} التمثيل به مبني على ما ذهب إليه جماعة من المفسرين كالبيضاوي وصاحب الكشاف من أنه ليس هنا قول حقيقة بل تعلق القدرة بالشيء فالمراد بقوله تعالى: {كن} (آل عمران: 47) تمثيل سرعة وجود ما تعلقت به الإرادة والقدرة بشرعة امتثال المطيع أمر المطاع فوراً دون توقف، وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة وليس هنا قول ولا كلام، وإنما وجود الأشياء بالخلق والتكوين مقروناً بالعلم والإرادة والقدرة، فالكلام أي قوله: {كن فيكون} (آل عمران: 47) مسوق للتمثيل على طريق الاستعارة بأن شبه حاله تعالى في إيجاد الأشياء عند تعلق الإرادة والقدرة بها بحال امتثال المطيع أمر المطاع فوراً من غير توقف ولا افتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة بجامع السرعة، ولا يخفى أن المشبه به غير موجود، وذهب بعضهم إلى أن ذلك أي قوله: {كن} (آل عمران: 47) حقيقي، وأن الله أجرى عادته في تكوين الأشياء أن يكون بهذه الكلمة وإن لم يمتنع تكوينها بغيرها، والمعنى نقول له أحدث فيحدث عقب هذا القول، والمراد الكلام الأزلي القائم بالذات لا اللفظي لأنه حادث فيحتاج إلى خطاب آخر ويتسلسل اهـ. قوله: والمعنى نقول له احدث فيحدث عقب هذا القول يتأمل مع قوله: والمراد الكلام الأزلي إلخ إلا أن يراد بالقول في قوله عقب هذا القول تعلق الكلام الأزلي بالإيجاد والتعلق حادث، وكذا قوله بهذه الكلمة يراد بالكلمة تعلق الكلام الأزلي لكن على هذا ربما لا يغاير الأول الذي ذهب إليه جماعة من المفسرين قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 294
قوله:
(والإهانة)
(2/155)
---(2/100)
قال شيخ الإسلام : وضابطها أن يؤتى بلفظ يدل على الخير والكرامة ويراد منه ضد ذلك وبهذا فارق التسخير. وأقول: بقي مفارقته للاحتقار وقد قال الأسنوي: والفرق يعني بين الاحتقار والإهانة أن الإهانة إنما تكون بقول أو فعل أو ترك قول أو ترك فعل كترك إجابته والقيام له ولا تكون بمجرد الاعتقاد. والاحتقار قد يحصل بمجرد الاعتقاد، فإن من اعتقد في شخص أنه يعيبه ولا يلتفت إليه يقال إنه احتقره ولا يقال إنه أهانه. والحاصل أن الإهانة هي الإنكاء كقوله تعالى: {ذق} (الدخان: 49) الاحتقار عدم المبالاة كقوله: {بل ألقوا} (طه: 66) اهـ. وقضية فرقه أن الاحتقار أعم مطلقاً من الإهانة وأن الإهانة قد تكون بغير اللفظ أيضاً بخلاف ما ذكره شيخ الإسلام في ضابطها فليتأمل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 294
قوله:
(والتسوية)
قال القرافي : المستعمل في التسوية هو المجموع المركب من صيغة أفعل وأو فلا يصدق أن المستعمل في التسوية صيغة الأمر، وكذا قوله والتمني فإن المستعمل في التمني صيغة الأمر مع صيغة ألا لا الصيغة وحدها اهـ. واعلم أنهم صرحوا بجعل التسوية من معاني الصيغة وبأنها من معاني أو فيمكن أن تكون معنى لكل منهما بشرط مصاحبة الآخر، وبه يجاب عما أورده القرافي ، وأما ما قاله في التمني فقد يمنع بأن الصيغة وحدها مستعملة فيه من غير توقف على لفظة ألا وإن اتفق وجودها في هذا المثال سم. قوله: (وما الإصباح منك بأمثل) أي ليس فيه قضاء أرب أيضاً فهو كالليل لكن المهموم يطلب الانتقال من حالة إلى أخرى لشدة الضجر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 295
قوله:
(وإن عظم)
(2/156)
---(2/101)
إشارة إلى الجواب عما يقال: كيف يوصف السحر المذكور بالاحتقار مع وصف الله له بالعظم؟ وحاصل الجواب أنه وإن عظم في نفسه فهو محتقر بالنسبة إلى معجزة موسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (بمعنى تذكير النعمة) لا يخفى أن هذا معنى مجازي للإنعام إذ حقيقته إسداء النعمة، والحامل للشارح على تفسيره بذلك أنه الواقع في كلام إمام الحرمين الذي ذكر أن الإنعام من معاني صيغة أفعل، وفيه أنه حينئذ يتكرر مع الامتنان وقد يفرق كما لشيخ الإسلام اختصاص الإنعام بذكر أعلى ما يحتاج إليه كما في المثال. قلت: القياس عكس ما ذكر أي اختصاص الامتنان بذكر أعلى ما يحتاج إليه فتأمل. قوله: (والتعجب) أي تعجب المخاطب والأولى والأوفق بسابقه ولاحقه التعبير بصيغة التفعيل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 295
قوله:
(والجمهور قالوا إلخ)
شروع في بيان المعنى الحقيقي من معاني صيغة أفعل، قوله: (فقط) بيان للمراد لأن المعنى على الحصر وإن لم يكن في العبارة ما يفيده. قوله: (لغة أو شرعاً أو عقلاً) تمييز للوجوب أو منصوب بإسقاط الخافض. قوله: (وجه أولها) أي كون الوجوب مستفاداً من اللغة. قوله: (إن أهل اللغة إلخ) فيه أن يقال هذا إنما ينتج كونها حقيقة في الوجوب لا أنها حقيقة فيه فقط كما هو المدعي. قوله: (مثلاً راجع للسيد) أي ومثله كل ذي ولاية كالزوج والحاكم والأب. قوله: (بها) أي بصيغة أفعل أو باللغة وهو على الأول متعلق بأمر وعلى الثاني بيحكمون والباء حينئذ للسببية أي يحكمون بذلك بسبب اللغة. قوله: (والثاني) مبتدأ خبره قوله أجاب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 295
قوله:
(لمجرد الطلب)
(2/157)
---(2/102)
أي الطلب المجرد عن التحتم فالطلب جنس وجزمه فصله المقوّم له كما أشار له الشارح بقوله: وجزمه المحقق للوجوب. قوله: (بأن يترتب العقاب) أي استحقاق العقاب متعلق بالمحقق. وقوله إنما يستفاد خبر إن في قوله: وإن جزمه. قوله: (أجاب) أي عن دليل القول الأول بمنع كون الوجوب مأخوذاً من اللغة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 295
قوله:
(مأخوذ من الشرع)
ينبغي أن يراد بالشرع ما هو أعم من شريعة نبينا محمد إذ اللغة موجودة قبل بعثته والشريعة المستفاد منها ذلك على هذا القول شريعة سيدنا إسماعيل عليه الصلاة والسلام. قوله: (يصير المعنى) أي معنى الصيغة. قوله: (وقوبل بمثله) أي عورض إذ المعارضة هي المقابلة على سبيل الممانعة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 296
قوله:
(من غير تجويز ترك)
أي وليس هذا القيد مذكوراً. قوله: (لأنه المتيقن من قسمي الطلب) قال الشهاب رحمة الله تعالى عليه: منع ظاهر إذ المتيقن مطلق الطلب لا خصوص أحد القسمين. وقال شيخ الإسلام : وعورض هذا من جانب القائل بالوجوب بأن الموضوع للشيء محمول على فرده الكامل إذ الأصل في الأشياء الكمال والكامل من الطلب ما اقتضى منع الترك وهو الوجوب دون الندب اهـ. وقد يرد على هذه المعارضة أن الحمل على الفرد الكامل ليس قاعدة كلية ولا متفقاً عليها كما يفيده التلويح، فالأولى المعارضة بأن الإذن في الترك الذي يتحقق به الندب لا دليل عليه فهو قيد زائد والأصل عدمه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 296
قوله:
(من حيث إنه طلب)
(2/158)
---(2/103)
أي لا من حيث إنه مقيد بالجازم أو بغير الجازم فإن استعماله فيه حينئذ مجاز لا حقيقة لما تقرر من أن الكلي إذا استعمل في جزئيه من حيث خصوصه فهو مجاز، وإن استعمل فيه من حيث إنه مشتمل على الكلي فهو حقيقة. قوله: (والوجوب الطلب الجازم كالإيجاب) جواب سؤال تقديره أن الطلب مشترك بين الإيجاب والندب كما مر في تقسيم الحكم، لا بين الوجوب والندب، والوجوب لكونه من صفات فعل المكلف غير الإيجاب الذي هو من صفات فعل الله تعالى. وحاصل الجواب أنهما متحدان بالذات وإن تغايرا بالاعتبار كالكسر والانكسار، إذ ليس لنا في الخارج كسر وانكسار، وإن تغايرا بالنظر إلى فعل الفاعل والمفعول شيخ الإسلام. وأشار الشارح إلى الاتحاد المذكور بقوله تقول منه وجب كذا أي طلب الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 296
قوله:
(وقيل هي مشتركة بينهما)
أي اشتراكاً لفظياً بأن تعدد الوضع واللفظ واحد. قوله: (بمعنى لم يدروا أهي حقيقة الخ) أي فلا يحكمون إلا بقرينة، وأما بدونها فالصيغة عندهم من المحمل وحكمه التوقف شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 296
قوله:
(بين الثلاثة)
أي الوجوب والندب والإباحة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 296
قوله:
(لا نعرفه في غيره)
أي غير المختصر. قوله: (مع الوجوب والندب) أي لا مع غيرهما إذ ليس في غيرهما إرادة الامتثال. قوله: (وقال أبو بكر الأبهري) أي في أحد قوليه كما عبر به المصنف في شرح المختصر، أو في أحد أقواله كما عبر به الأسنوي، والذي رجع إليه آخراً هو قول الجمهور شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 296
قوله:
(المبتدأ)
صفة لأمر النبي أي بأن كان باجتهاد منه . قوله: (بين الخمسة الأول) أي المصدر بها المعاني الواردة لها صيغة أفعل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 296
قوله:
(2/159)
---
(وقيل بين الأحكام الخمسة)(2/104)
فيه خفاء بالنسبة للتحريم والكراهة، وقد يوجه ذلك كما لشيخ الإسلام و الكمال بأنه مبني على أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، أو على أن الصيغة وردت للتهديد وهو يستدعي ترك الفعل المنقسم إلى الحرام والمكروه فليتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 296
قوله:
(فلا تحتمل تقييده بالمشيئة)
أي فلا تحتمل الصيغة تقييد الطلب بالمشيئة. قوله: (واستفادة الوجوب الخ) من تتمة التعليل. وقوله عليه أي على هذا المختار. قوله: (بالتركيب من اللغة والشرع) أي فالمستفاد من اللغة جزم الطلب ومن الشرع الوجوب، والوجوب أخص من جزم الطلب لأنه الجزم الذي توعد على تركه. وحاصله أن المستفاد من اللغة الطلب الجازم، والمستفاد من الشرع كون ذلك الطلب الجازم متوعداً على تركه، وقد اتضح كون هذا القول الذي اختاره المصنف غير القول بأنها للوجوب شرعاً من وجهين كما قال: الأول: أن جزم الطلب مستفاد من الصيغة لغة على مختار المصنف بخلافه على القول المذكور فإنه إنما استفيد من الشرع والمستفاد من الصيغة لغة مجرد الطلب. والثاني: أن الوجوب مستفاد من مجموع اللغة والشرع على مختار المصنف ولا كذلك على القول المذكور بل هو مستفاد من الشرع، وأما مغايرته لكل من قولي دلالتها على الوجوب لغة ودلالتها عقلاً فواضح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 296
قوله:
(من ترتب العقاب)
بيان لخاصة الوجوب. قوله: (مستفادة من الشرع) أي وإن كان الجزم مستفاداً من اللغة على هذا المختار دون السابق لكن لا يخفى أنه كاف في الفرق بينهما فلا تصح دعوى اتحادهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 297
قوله:
(هي في غير ما ذكر فيه مجاز)
(2/160)
---
ما عبارة عن المعنى وضمير ذكر يرجع إليها وضمير فيه يرجع للقول، أي وعلى كل قول هي في غير المعنى الذي ذكر في ذلك القول مجاز، والمعنى أن كل معنى ذكر لها في قول هي حقيقة فيه ومجاز في غيره عند ذلك القائل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 297
قوله:(2/105)
(وفي وجوب اعتقاد الوجوب قبل البحث خلاف العام)
اعترضه بعضهم بأن الخلاف في العام إنما ذكره المحققون في الحمل على العموم قبل البحث عن المخصص، قال في التلويح: حكم العام التوقف فيه عند عامة الأشاعرة حتى يقوم دليل عموم أو خصوص، وعند جمهور العلماء إثبات الحكم في جميع ما يتناوله اللفظ قطعاً عند مشايخ العراق من الحنفية، وظناً عند جمهور الفقهاء والمتكلمين وهو مذهب الشافعي، فإذا كان تناوله له ظناً عنده فكيف يجب اعتقاد عمومه؟ وكذلك حمله الأمر على الوجوب مشروط بعدم الصارف عنه كما هو شأن الحقيقة، ولا شك أن هذا إنما يفيد الظن لا الاعتقاد، فالحق أن يقال: يجب حمله على الوجوب لا أنه يجب اعتقاد الوجوب. ويمكن أن يجاب بحمل العبارة على حذف المضاف أي اعتقاد اعتباره عمومه وثبوت الحكم بحسب الظاهر حيث لم يظهر صارف. وحاصله أنه يجب عند انتفاء ظهور الصارف المذكور اعتقاد اعتبار العموم وثبوت الحكم ليتأتى التمسك والعمل به لأن العموم هو المعنى الأصلي الحقيقي للفظ، فيجب اعتبار حيث لم يظهر الصارف عنه، ويجري نظير هذا فيما هنا من اعتقاد الوجوب، فالمعنى أنه يجب اعتقاد اعتبار الوجوب وثبوت حكمه بحسب الظاهر حيث لم يظهر صارف عنه لأنه الحقيقة والأصل عدم الصارف، ويمكن أن يراد بالاعتقاد في كلام المصنف والشارح ما يشمل الظن وحينئذ فلا إشكال راجع بسط المسألة في سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 297
قوله:
(فإن ورد الأمر الخ)
(2/161)
---(2/106)
عطف على مقدر تقديره هذه الأقوال المتقدمة إذا لم يرد الأمر بعد حظر فإن ورد بعد حظر إلخ، وظاهر الاقتصار على الحظر عدم جريان هذا الخلاف في وروده بعد نهي التنزيه بل يتفق حينئذ على أنه للوجوب قاله سم. قوله: (أي افعل) إشارة إلى أن المراد بالأمر اللفظي بقرينة قوله ورد، وقد يقال: الورود قد يستعمل في النفسي مجازاً كما قدمه الشارح في قول المصنف: وإن ورد سبباً وشرطاً إلخ فالأولى جعل القرينة قوله فللإباحة فإن الأمر النفسي هو عين الإباحة والوجوب لا أنه دال على ذلك، وفي قوله أي افعل إشارة أيضاً إلى ما حكي عن القاضي أبي بكر من أن التعبير بافعل بعد الحظر أولى من تعبير الجمهور بالأمر بعد الحظر، لأن افعل يكون أمراً تارة وغير أمر أخرى، والمباح لا يكون مأموراً به وإنما هو مأذون فيه، والمراد بافعل كل ما دل على الأمر كما علم مما مر، وقد ذكر المصنف أن في افعل ثلاثة أقوال: الإباحة والوجوب والوقف وحكي فيه قول رابع وهو الندب كقوله للمغيرة في خطبته انظر إليها فإنه أحرى أن تدوم بينكما أي المودة والألفة. وخامس وهو إسقاط الحظر ورجوع الأمر إلى ما كان قبله من وجوب أو غيره شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 297
قوله:
(قال الإمام أو استئذان)
(2/162)
---(2/107)
هذا لا ينافي قول الإمام بالوجوب مع أبي الطيب وغيره كما يأتي، لأن المقصود بهذا أن الإمام جعل ما بعد الاستئذان من محل الخلاف أيضاً، وعبارته الأمر الوارد عقب الحظر أو الاستئذان للوجوب خلافاً لبعض أصحابنا سم. قوله: (فللإباحة) أي شرعاً كما أشار إلى ذلك بقوله: لغلبة استعماله فيها فإن هذه الغلبة كما ذكره بعضهم في عرف الشرع. قوله: (والسمعاني) هو بفتح أوله وقيل بكسره شيخ الإسلام. قوله: (كما في غير ذلك) أي في الصيغة المبتدأة التي لم تسبق بحظر ولا استئذان. قوله: (ومن استعماله بعد الحظر في الإباحة الخ) كرر الأمثلة إشارة إلى كثرتها كما قال لغلبة استعمالها. قوله: (فرض كفاية) أي فيكون ما أدى إليه من القتل كذلك. قوله: (وأما بعد الاستئذان) عطف على قوله بعد الحظر. قوله: (أي لا تفعل) إشارة إلى أن المراد النهي اللفظي بقرينة قوله للتحريم وقوله للكراهة، وإلا لقال إنه التحريم أو الكراهة، وبدليل قوله وقيل للإباحة إذ النهي النفسي لا يتصور أن يكون للإباحة لأنه طلب الكف والطلب لا يكون إباحة سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 298
قوله:
(بعد الوجوب)
(2/163)
---(2/108)
قضية اقتصارهم على الوجوب أنه بعد الندب للتحريم بلا خلاف وهو غير بعيد لأنه الأصل سم. قوله: (كما في غير ذلك) أي في غير الوارد بعد الوجوب وهو النهي المبتدأ من غير سبق وجوب. قوله: (وفرقوا إلخ) كأن المراد المقصود بالذات من النهي دفع المفسدة ومن الأمر تحصيل المصلحة، وإلا فدفع المفسدة متضمن لتحصيل المصلحة وبالعكس فليتأمل سم. قوله: (واعتناء الشارع بالأول أشد) ومن هنا كان من القواعد الشرعية المقررة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. قوله: (على قياس أن الأمر للإباحة) أي بجامع حمل الطلب على أدنى مراتبه في كل، فكما أن أدنى مراتب طلب الفعل الإباحة كذلك أدنى مراتب طلب الكف الكراهة. قوله: (من تحريم أو إباحة) أي بعد ورود الشرع. تنبيه: سكت عن النهي بعد الاستئذان وهو ما وقع جواباً بعد الاستئذان وحكمه التحريم كالواقع بعد الوجوب ومنه خبر مسلم عن المقداد قال: «أرايت إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذمني بشجرة فقال أسلمت لله تعالى أفأقتله يا رسول الله إن قالها؟ قال لا» ومما ورد منه للكراهة خبر مسلم أيضاً: «أأصلي في مبارك الإبل؟ قال لا» قاله شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 298
قوله:
(أي افعل)
أشار بذلك أن المراد به الأمر اللفظي وهو صيغة افعل بقرينة قوله لطلب الماهية إذ المعنى أنه موضوع لطلب الماهية والوضع من خاصية اللفظ، والمراد بافعل كل ما دل على الطلب كما مر للشارح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 299
قوله:
(فيحمل عليها)
(2/164)
---(2/109)
أي على المرة من جهة أنها ضرورية إذ لا وجود للماهية إلا في الفرد لا من جهة أنها مدلول اللفظ، إذ مدلوله القدر المشترك وهو طلب الماهية المتحقق في المرة وفيما زاد عليها. قوله: (وقيل المرة مدلوله) يحتمل أن يراد أن مدلوله الماهية بقيد تحققها في المرة فقط أو أن مدلوله نفس المرة. قوله: (ويحمل على التكرار على القولين بقرينة) أي يحمل على التكرار حقيقة بالنسبة للأول ومجازاً بالنسبة للثاني. قوله: (في طائفة) حال من الاثنين وفي بمعنى مع على حد قوله تعالى: {ادخلوا في أمم} (الأعراف: 38) قوله: (مطلقاً) أي علق بشرط أو صفة أولا. قوله: (إن علق بشرط) الباء بمعنى على أو ضمن علق معنى ربط. قوله: (بحسب تكرار المعلق به) أي وهو الشرط والصفة. وقوله: {وإن كنتم جنباً} (المائدة: 6) مثال للشرط وقوله: {والزانية} (النور: 3) إلخ مثال للصفة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 299
قوله:
(ويحمل المعلق المذكور على المرة بقرينة)
(2/165)
---
وذلك كقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} (آل عمران: 97) فهذه الآية الشريفة قد علق فيها الأمر أي صيغته المستفادة من الكلام على شرط أو صفة لأنها في تقدير أن يقال: من استطاع فليحج أو ليحج المستطيع، فقضيتها تكرر الحج بتكرر الاستطاعة، لكن قامت القرينة الدالة على المرة وهي الحديث: «ألعامنا هذا أم للأبد؟ فقال لا بل للأبد» . قوله: (فإن لم يعلق الأمر فللمرة). الأولى أن يقول فلطلب الماهية أو فليس للتكرار إلا أن يثبت أن القائل بأن الأمر للتكرار إن علق أنه إن لم يعلق يكون للمرة. قوله: (وقيل بالوقف) هو قول خامس تحته قولان في معناه أولهما أنه مشترك بين المرة والتكرار. وثانيهما أنه حقيقة في أحدهما ولا نعرفه، وظاهر أن كلاً من القولين ينتج الوقف عن القول بأنه للمرة أو للتكرار، أما على الثاني فلعدم علم الموضوع له، وأما على الأول فلأن المشترك لا يحمل على أحد معنييه إلا بقرينة.(2/110)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 299
قوله:
(قولان)
خبر مبتدأ محذوف أي هما قولان في معنى الوقف. قوله: (ومنشأ الخلاف) أي المذكور من أوّل المبحث إلى هنا. قوله: (كأمر الحج والعمرة) مثال للمرة. وقوله: وأمر الصلاة والزكاة والصوم مثال للتكرار. قوله: (فهل هو حقيقة فيهما) أي في المرة والتكرار فيكون مشتركاً، وهذا هو القول الأول من قول الوقف. وقوله أو في أحدهما الخ هو الثاني من قولي الوقف. قوله: (أو هو للتكرار) أي مطلقاً وهذا مذهب الأستاذ ومن معه. قوله: (أو المرة) هذا هو القول الثاني في كلام المصنف المشار له بقوله وقيل المرة مدلوله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 299
قوله:
(أو في القدر المشترك)
هذا هو القول الأول المصدر به في كلام المصنف كما قاله الشارح. قوله: (إن التعليق بما ذكر) أي من شرط أو صفة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 299
قوله:
(2/166)
---
(مشعر بعليته)
أي بعلية ما ذكر من الشرط والصفة. قوله: (إن التكرار حينئذ) أي حين التعليق. قوله: (إن سلم مطلقاً) يعني لا نسلم أولاً إن التعليق بالشرط أو الصفة مشعر بالعلية مطلقاً بل إنما يشعر بها إذا ثبتت عليه المعلق به من خارج نحو: إن زنى زيد فاجلدوه، فإنما لم تثبت عليته مثل: إذا دخل الشهر فاعتق عبداً من العبيد فالمختار أنه لا يقتضي التكرار بتكرار ما علق به، ثم إن سلم إشعار التعليق بذلك مطلقاً أي سواء ثبتت عليه المعلق به من دليل خارجي عن الشرط أو الصفة أو لم يثبت بل اقتصر على فهمها من التعليق ليس التكرار مستفاداً من الأمر بل إما من الخارج أو التعليق المشعر بالعلية المقتضية لوجود المعلول كلما وجدت علته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 300
قوله:
(ما يمكن)
احترز بذلك عن أوقات الضرورة كالأكل والنوم. قوله: (فهم يقولون) أي الأستاذ ومن معه. قوله: (وبالتكرار فيه) أي في المعلق وجعل بعض من حشى الكتاب ضمير فيه لما يمكن من زمان العمر سهو.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 300
قوله:(2/111)
(ولا لفور)
عطف على قوله أول البحث لا التكرار. وقوله ولا لفور أي ولا لتراخ كما يستفاد من قوله الآتي خلافاً لمن منع، وحينئذ فالأقوال في الفور والتراخي ستة، كما أن الأقوال المتقدمة في المرة والتكرار ستة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 300
قوله:
(بالفعل)
(2/167)
---
متعلق بالمبادرة وأخره لئلا يتوهم عود الضمير على الفعل لو قدمه على عقب وروده. قوله: (ومنهم القائلون بأنه للتكرار) أي من القوم القائلين بأنه للفور القائلون بأنه للتكرار وهو ظاهر لاستلزام التكرار الفور لأن التكرار في جميع ما يمكن من أزمنة العمر ومن جملتها الزمان الأول. قوله: (في الحال) أي حال ورود الأمر. وقوله على الفعل متعلق بالعزم. وقوله بعد ظرف للفعل أي العزم في الحال على الفعل بعده. قوله: (أي التأخير) دفع به توهم أن المراد بالتراخي امتداد الفعل مع الشروع فيه فوراً أي في أول الوقت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 300
قوله:
(والمبادر ممتثل)
جار في جميع الأقوال لا في القول بالاشتراك فقط، ومحل كونه ممتثلاً بالمبادرة إذا لم تقيد الصيغة بفور ولا تراخ فإن قيدت بأحدهما فهي بحسب ما قيدت به. قوله: (خلافاً لمن منع امتثاله بناء على قوله الأمر للتراخي) المنع المذكور مردود إذ ليس منع امتثاله معتقد أحد كما قاله أبو إسحاق و إمام الحرمين وغيرهما، لأن القائلين بالتراخي إنما أرادوا به التراخي جوازاً لا وجوبا كما صرح به جمع من المحققين، نعم حكى ابن برهان عن غلاة الوافقين إنا لا نقطع بامتثاله بل نتوقف فيه إلى ظهور الدلائل لاحتمال إرادة التأخير شيخ الإسلام. قلت قوله لأن القائلين بالتراخي إنما أرادوا به التراخي جوازاً فيه أنه لا يظهر حينئذ فرق بين هذا القول والقول بأنه للقدر المشترك. قوله: (استعماله فيهما) أي في الفور والتراخي. وقوله: كأمر الإيمان راجع للفور. وقوله: وأمر الحج راجع للتراخي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 300
قوله:
(فهل هو حقيقة فيهما)(2/112)
(2/168)
---
هذا هو القول الثالث في كلام المصنف المشار إليه بقوله: وقيل هو مشترك. قوله: (أو في أحدهما الخ) هو القول بالوقف. قوله: (أو هو للفور) هو المطوي في قوله خلافاً لقوم. قوله: (أو التراخي) هو القول المأخوذ من قوله خلافاً لمن منع. قوله: (لأنه يسد عن الفور) أي ينوب عنه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 300
قوله:
(لامتناع التقديم)
أي على الوقت شرعاً. قوله: (لوقت من فور أو تراخ) يحتمل أنه على حذف المضاف من البيان أو المبين أي من ذي فور أو تراخ أو لحال وقت من فور أو تراخ وفيه نظر، إذ الفور والتراخي وصفان للفعل في الحقيقة دون الزمان إلا على سبيل المجاز سم. قوله: (لإشعار الأمر) أي إعلامه وسماه إشعاراً لأنه دلالة اللفظ على لازم المعنى وفيها خفاء بالنسبة لدلالة اللفظ على معناه. قوله: (لأن القصد منه الفعل) أي مطلقاً، وشرح ذلك ما قاله ابن الهمام أن نحو صم يوم الخميس مقتضاه أمران: التزام الصوم وكونه يوم الخميس فإذا عجز عن الثاني لفواته بقي اقتضاء الصوم، وقد أشار الشارح إلى الجواب بمنع اقتضاء الأمرين بقوله: والقصد من الأمر الأول الخ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 301
قوله:
(كالأمر في حديث الصحيحين الخ)
(2/169)
---
ذكر حديثين: أولهما دال على حكم النسيان، وثانيهما على حكم الرقاد والغفلة التي هي أعم من النسيان، ويبقى حكم الترك عمداً ولعله مستفاد بالقياس على المذكورات بل هو أولى لأنه إذا وجب القضاء مع العذر فمع عدمه أولى سم. قوله: (في لمعه وشرحه) أي ولم يثبت عنه خلاف ذلك فلا يرد أنه قد يذكر خلاف ذلك في غيرهما سم. قوله: (أي بالشيء على الوجه الذي أمر به) يعني لأن تعليق الحكم بالوصف يشعر بأن الحكم على الذات من حيث الوصف لا بالنظر إلى مجرد الذات. قوله: (للمأتى به) متعلق بالأجزاء واللام لتقوية العامل كما في قوله تعالى: {فعال لما يريد} (البروج: 16) {مصدقاً لما بين يديه} (آل عمران: 3).(2/113)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 301
قوله:
(بناء على أن الأجزاء الكفاية في سقوط الطلب الخ)
حاصله بناء الخلاف في المسألة على الخلاف في تفسير الأجزاء، والذي قاله غيره حتى المصنف في شرح المختصر أن الخلاف فيها إنما هو على تفسير الأجزاء بأنه إسقاط القضاء، أما إذا فسر بالكفاية في سقوط الطلب كما هو المختار فالإتيان يستلزم الأجزاء بلا خلاف، فالمسألة مفرعة على ضعيف كذا قيل، وأنت خبير بأن معنى قولهم بلا خلاف أي عند القائل بهذا التفسير كما أنه كذلك عند القائل بذلك التفسير، فليست المسألة مفرعة على ذلك بل عليهما معاً كما قرره الشارح شيخ الإسلام. قوله: (بأن يحتاج الخ) أي فالمراد بالقضاء فعل العبادة ثانياً لا معناه الحقيقي من أنه فعلها خارج الوقت. قوله: (ليس أمراً لذلك الغير) أي ليس أمراً من الآمر الأول لذلك الغير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 301
قوله:
(وقيل هو أمر به)
(2/170)
---(2/114)
هذا مذهبنا معاشر المالكية، وينبني على هذا الخلاف كون الصبي مأجوراً على صلاته على القول بأن الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء وعدم كونه مأجوراً، بل فائدة ذلك تمرينه فقط على العبادة على القول الثاني، ورد شيخ الإسلام القول بأن الأمر بالأمر بالشيء أمر به بأنه يلزم عليه أن القائل لغيره: مر عبدك بكذا يكون متعدياً لكونه آمراً للعبد بغير إذن سيده، وأنه لو قال للعبد بعدما ذكر: لا تفعل يكون تناقضاً ولم يقل بذلك أحد اهـ فيه أن اللازم من ذلك أمر العبد بواسطة سيده وعلى لسانه وذلك يستلزم الإذن، وأن قوله للعبد بعدما ذكر: لا تفعل إضراب عن الأمر فهو ناسخ له فتأمل. قوله: (وإلا فلا فائدة فيه لغير المخاطب) قد يعارض بأنه قد ينشأ عن أمرالمخاطب لغيره امتثال ذلك الغير قاله سم. قلت: قد يقال الامتثال في الحقيقة لكون المخاطب مبلغاً عن الآمر الأول لا لكونه هو الآمر، فالامتثال لأمر الآمر الأول، نعم كونه على لسان المخاطب أدعى للامتثال في نحو أمر الولي للصبي قوله: (وقد تقوم قرينة الخ) أي وحينئذ فلا خلاف في أن غير المخاطب مأمور بالأمر الأول. قوله: (مره فليراجعها) القرينة هنا قوله فليراجعها فإنه أمر للغائب، فيكون ابن عمر رضي الله عنهما مأموراً منه . قوله: (بلفظ يتناوله) أي يتناول ذلك اللفظ الأمر. قوله: (أي في ذلك اللفظ) أي باعتبار متعلقه أي مفعوله. قوله: (ليتعلق به ما أمر به) علة للدخول وإن كان معلولاً بحسب الخارج.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 301
قوله:
(وسيأتي تصحيحه في مبحث العام الخ)
(2/171)
---(2/115)
اعتذار عن الاعتراض على المصنف بالتناقض بين كلاميه، وهذا الاعتذار يأباه ما أجاب به المصنف في منع الموانع من حمل ما هنا على الإنشاء مطلقاً، وما هناك على ما يعم الإنشاء والخبر من غير مبلغ كالنبي عن الله، والوزير عن الأمير، قال الزركشي: ولا يخفى ما فيه من التعسف مع وروده في الصورة التي يجتمعان فيها قال: ولو جمع بينهما بحمل ما هنا على خطاب شامل له نحو: إن الله يأمر بكذا وحمل ما هناك على خطاب لا يشمله نحو: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} (البقرة: 67) كان أولى، واستشكله تلميذه البرماوي بأن الخطاب إذا لم يكن شاملاً له فليس من محل الخلاف، فلذا سلم الشارح تنافيهما واعتذر عن المصنف بما ذكره اهـ شيخ الإسلام. وحاصله أن في اعتذار الشارح عن المصنف بما ذكر إشارة إلى رد جواب المصنف عن التنافي بما ذكره في منع الموانع، وأن الأولى له أن يجيب بما ذكره الشارح، هذا والمعتمد أنه لا يدخل مطلقاً أي خبراً أو أمراً خلافاً لما هنا وما في مبحث العام أيضاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 302
قوله:
(كما في قوله لعبده تصدق الخ)
(2/172)
---(2/116)
القرينة فيه إن التصدق تمليك وهو لا يتصور في المالك لما يتصدق به إذ المالك لا يملك نفسه ويد عبده كيده. قوله: (والأصح أن النيابة تدخل المأمور الخ) أي يجوز ذلك عقلاً ويقع شرعاً أيضاً، ثم إن الخلاف بيننا وبين المعتزلة في البدني دون المالي فإنه لا خلاف فيه، وكلام الشارح والمصنف شامل للمالي والبدني، ويمكن توجيهه بالنظر إلى المجموع على معنى أن الأصح دخول النيابة المأمور به مطلقاً خلافاً لمن خص الدخول بالمالية وبهذا يندفع ما أورده الكمال هنا سم. قوله: (بشرطه) أي وهو العجز. قوله: (إلا لمانع) مستثنى من محذوف أي يجوز ذلك ويقع إلا لمانع أي فإذا انتفى المانع جازت بدون ضرورة عندنا دون المعتزلة فنحن نشترط للجواز عدم المانع وهم يشترطون له الضرورة. قوله: (كما في الصلاة) لم يبين المانع فيها ولا يصح أن يكون هو منافاة النيابة للمقصود من كسر النفس وقهرها لأن هذا هو حجة المعتزلة في البدني مطلقاً وقد صرح بردها، نعم يمكن أن يجعل المانع كون المقصود الكسر والقهر على أكمل الوجوه كما دل عليه تصرف الشرع وذلك لا يحصل مع النيابة وإن حصل معها مطلق الكسر والقهر فليتأمل سم. قوله: (إلا لضرورة) استثناء من قوله: لا تدخل البدني.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 302
قوله:
(لما فيها من بذل المؤنة)
أي إن كانت النيابة بالاستئجار. وقوله أو تحمل المنة أي إن كانت بغير أجرة. قوله: (بشيء معين) نبه به على أنه لا خلاف في تغاير مفهومي الأمر والنهي ولا في لفظهما كما سيذكره بعد، بل في أن الشيء المعين إذا أمر به فهل ذلك الأمر نهي عن ضده أو مستلزم له بمعنى أن ما يصدق عليه أنه أمر نفسي هل يصدق عليه أنه نهى عن ضده أو مستلزم له؟ قاله شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 303
قوله:
(إيجاباً أو ندبا)
(2/173)
---(2/117)
آثر التعبير بالإيجاب دون الوجوب وإن كانا واحداً بالذات، وإنما يختلفان اعتباراً، فالطلب من حيث إضافته للفاعل يعبر عنه بالإيجاب، ومن حيث إضافته للمفعول يعبر عنه بالوجوب لكون الطلب هنا من القسم الأول، ويمكن أن يكون أشار بذلك أيضاً إلى التورك على المصنف في تعبيره بالوجوب في قوله الآتي، وقيل أمر الوجوب الخ وإن المناسب تعبيره بالإيجاب لما علمت من أن الطلب هنا منظور فيه لتعلقه بالفاعل كذا قرره شيخنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 303
قوله:
(عن ضده الوجودي)
فيه أن يقال: لا حاجة لتقييد الضد بالوجودي لأن الضد هو الأمر الوجودي كما تقرر. وأجيب بأن للتقييد به فائدتين: الأولى دفع التوهم إذ كثيراً ما يراد بالضد غير الوجودي ولو مجازاً بل كون الضد لا يكون إلا وجودياً ليس متفقاً عليه كما يفيده قول شيخ الإسلام، مع أنه أي الضد مقيد به أي بالوجودي على المشهور اهـ. وبهذا يقوى التوهم المذكور فيحتاج لدفعه بما ذكر. الثانية: الإشارة إلى رد ما في المنهاج فقد قال الكمال : فليس محل النزاع أن الأمر بالشيء نهي عن ضده الذي هو ترك ذلك الشيء خلافاً لما ذهب إليه في المنهاج مستدلاً عليه بما استدل به القاضي من أن المنع من الترك جزء مفهوم الإيجاب فالدال عليه يدل على ذلك بالتضمن اهـ. وحيث اشتمل التقييد على هاتين الفائدتين المهمتين فدعوى عدم الحاجة إليه ممنوعة، وكذا دعوى كونه لبيان الواقع لا للاحتراز كما لشيخ الإسلام، وعبارة المنهاج التي أشار لها الكمال هي قوله الخامسة وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه لأنه جزؤه والدال عليه يدل عليها بالتضمن سم. قلت: الرد على ما في المنهاج بالتعبير بالضد لا بالقيد المذكور إذا الواقع في عبارته النقيض لا الضد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 303
قوله:
(إنه يتضمنه)
(2/174)
---(2/118)
المراد بالتضمن الاستلزام لا الدلالة التضمنية المعروفة عند المناطقة على ما سيجيء. قوله: (فالأمر بالسكون الخ) مفرع على القولين. قوله: (كما يكون الشيء الواحد بالنسبة إلى شيء قرباً) فيه مسامحة ظاهرة أي قريباً وبعيداً أو ذا قرب وذا بعد. قوله: (إنه لما لم يتحقق) بفتح أوله أي يوجد ولا يخفى أن توقف الشيء على الشيء مؤذن بالغيرية، فالدليل المذكور إنما ينتج الاستلزام المعبر عنه بالتضمن دون العينية كما هو ظاهر لمن تأمل، فقوله كان طلبه طلباً للكف لا يسلم. قوله: (ولكون النفسي الخ) هو جواب اعتراض على حكاية المصنف عن عبد الجبار وأبي الحسين لأن الكلام في الأمر النفسي وهما من المعتزلة المنكرين للكلام النفسي المنقسم إلى الأمر وغيره. وحاصل هذا الجواب أن الكلام في الطلب الذي هو مفاد الأمر اللفظي وذلك الطلب يثبته الفريقان أعني أهل السنة والمعتزلة إلا أنهما مختلفان في حقيقة ذلك الطلب، فأهل السنة يقولون إنه الكلام النفسي، والمعتزلة يقولون إنه الإرادة لا الكلام النفسي لأنهم لا يقولون به سم باختصار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 303
قوله:
(والملازمة في الدليل ممنوعة لجواز أن لا يحضر الضد حال الأمر فلا يكون مطلوب الكف به)
(2/175)
---(2/119)
قد يقال: ما المانع من أن يجاب عنه بأن طلب الشيء إنما يكون مفرعاً عن ملاحظته ويستحيل مع الذهول عنه إذا كان مطلوباً له بالقصد بخلاف ما إذا كان مطلوباً له بالتبعية لتوقف المطلوب بالقصد عليه كما هنا فإن فعل الشيء يتوقف على ترك ضده، فطلب الفعل يتوقف على ملاحظة الفعل لأنه قصدي بخلاف ترك ضده المتوقف هو عليه لا يتوقف طلبه على ملاحظته بل يكفي فيه ملاحظة المطلوب بالقصد، ثم رأيت في نهاية الصفي الهندي ما يؤيد ذلك فإنه ذكر جواباً ثم عقبه بقوله سلمنا، لكن لما جاز أن يكون الأمر بالشيء أمراً بما يتوقف عليه وجوده مع كونه مغفولاً عنه فلم لا يجوز أن يكون الأمر بالشيء نهياً عن ضده؟ وإن كان مغفولاً عنه سلمنا لم لا يجوز أن يقال إنه نهى عنه بشرط الشعور؟ فليتأمل اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 304
قوله:
(فلا يكون مطلوب الكف به)
أي لأن الإنسان لا يتصور منه طلب ما لا شعور له به، ولا يخفى أن هذا إنما يتصور في أمر غير الشارع اللهم إلا أن يراد حضور الاعتبار لا الحضور في الذهن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 304
قوله:
(لأن الضد فيه)
(2/176)
---(2/120)
أي في أمر الندب. وقوله لا يخرج به أي بوقوعه فيه. وقوله عن أصله أي أصل الضد وبين الأصل بقوله من الجواز. قوله: (وإن شمل قول ابن الحاجب) أي احتمل الشمول لأن كلامه يحتمل الشمول المذكور وعدمه. قوله: (منهم من خص الوجوب دون الندب) هذا مقول ابن الحاجب . وقوله العين مفعول شمل. وقوله أيضاً أي كما شمل التضمن. وقوله أخذاً بالمحقق علة لقوله اقتصر، ووجه كون ما قاله المصنف أخذاً بالمحقق أن التضمن قال به في أمر الوجوب كل من الآمدي وابن الحاجب، وأما العينية فلم يقل بها إلا ابن الحاجب بناء على شمول كلامه لها، فالتضمن قد اتفقا عليه بخلاف العينية، ولا خفاء في أن المتفق عليه أقوى مما لم يتفق عليه، فأراد الشارح بالمحقق المتفق عليه، وقرر العلامة قول الشارح أخذاً بالمحقق بما نصه أي لاحتمال كلام ابن الحاجب أن من القائلين بالتضمن من خص الخ فيساوي ما هنا، وأن من الأصوليين من يخص أمر الوجوب بهذا الخلاف فيشمل العين والتضمن فأخذ المصنف بالمحقق اهـ. قوله: (بالنظر إلى ما صدقه) أي فرده المعين واحترز به عن النظر إلى مفهومه وهو الأحد الدائر بين تلك الأشياء فإن الأمر حينئذ نهي عن الضد الذي هو ما عدا تلك الأشياء سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 304
قوله:
(وبالوجودي عن العدمي)
(2/177)
---(2/121)
أي ترك المأمور به فالأمر به نهي عنه الخ قال العلامة: أي عن الترك الذي هو عدم الفعل، وفيه أن النهي لكونه تكليفاً لا يتعلق إلا بفعل اهـ. وجواب سم غير سديد. قوله: (والتضمن هنا يعبر عنه بالاستلزام) قال العلامة: يقتضي أن التضمن حقيقة والاستلزام مجاز، وكون النهي في ضمن مسمى الأمر وفيه نظر إذ النهي خارج عن حقيقة الأمر قطعاً لا جزء منها فالاستلزام تعبير حقيقي بخلاف التضمن فإنه مجازي اهـ. قوله: (لاستلزام الكل للجزء) فيه إيهام أن النهي عن الضد جزء معنى الأمر، وليس بمراد للقائل بأن الأمر بالشيء يتضمن النهي عن ضده، وإنما مراده أنه لازم له وعبر عنه بالتضمن تنزيلاً لما لزم المعنى منزلة الموجود في ضمنه شيخ الإسلام. ثم هذا كله مبني على أن الشارح أراد بقوله: والتضمن هنا التضمن المذكور في المتن وهو تضمن الأمر النهي عن ضده الوجودي وذلك غير لازم لجواز أنه أراد به تضمن الأمر بالنهي عن ضده العدمي المذكور بقوله: وبالوجودي عن العدمي الخ. وعلى هذا يتضح قوله لاستلزام الكل للجزء، ويسقط اعتراض العلامة المتقدم فإن التعبير بالتضمن حينئذ حقيقي أخذاً مما تقرر من تركب الأمر من طلب الفعل والمنع من الترك، فالمنع من الترك على هذا داخل في حقيقته لا أمر خارج عنها سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 304
قوله:
(وقيل يتضمنه على معنى الخ)
أشار بذلك إلى أن التضمن بمعنى استلزام الوجود تقديراً بسبب استلزام تحقق المأمور به الكف عن ضده. قوله: (وأما النهي النفسي الخ) فائدة الخلاف فيه وفي نظيره السابق أن المكلف إذا خالف هل يستحق العقاب بتركه المأمور به فقط في الأمر، وبفعل المنهى عنه فقط في النهي أو بارتكاب الضد أيضاً، والمبنى عليه ما ذكره من التباين ضعيف كما يعلم من مسألة لا تكليف إلا بفعل شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 305
قوله:
(فواضح)
(2/178)
---(2/122)
أي واضح جريان الخلاف المتقدم فيه قوله: (فالكلام في واحد منه أياً كان الخ) أي واحد مبهم بخلاف ما مر من أن الأمر بالشيء الذي له أكثر من ضد واحد نهي عن أضداده كلها لأنه لا يتأتى الإتيان بالمأمور به إلا بالكف عنها كلها شيخ الإسلام. قوله: (والنهي اللفظي يقاس بالأمر اللفظي) أي فيقال إن النهي اللفظي ليس عين الأمر اللفظي ولا يتضمنه على الأصح. قوله: (غير متعاقبين) حال من الأمران على رأي سيبويه. وقوله بمتماثلين متعلق بالأمران. وقوله: أو متخالفين عطف عليه. وقوله أو متعاقبين عطف على غير متعاقبين. وقوله بعطف متعلق بمتعاقبين. وقوله غير أن خبر الأمران. قوله: (فيعمل بها جزماً) أي اتفاقاً. قوله: (من عادة أو غيرها) بيان للمانع ويدخل في العادة التعريف الآتي. قوله: (وقيل بالوقف) أي فيفيد طلب ركعتين في المثال المذكور ويتوقف في الأخريين. قوله: (بعادي) أي بأمر يمنع عادة من التكرار مثل التعريف واندفاع الحاجة بمرة في مثالي الشارح الآتيين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 305
قوله:
(وذلك في غير العطف)
(2/179)
---(2/123)
إنما صور الشارح المسألة بغير العطف لأنه لما حكم برجحان التأسيس في المعطوف والمتبادر منه أنه بسبب العطف علم أن العطف من مرجحات التأسيس، فعلى تقدير وجود مرجح للتأكيد في المعطوف يكون غاية ذلك وجود مرجح لكل منهما، ومعلوم أن ذلك إنما يناسبه التعارض والتوقف دون تقديم التأكيد سم. قوله: (بناء على أرجحية التأسيس حيث لا عادي) أي وأما لو بنينا على أرجحية التأكيد في المعطوف حيث لا عادي كما هو القول الثاني في المسألة المشار إليه بقول المصنف وقيل التأكيد فلا تعارض حينئذ بل يترجح التأكيد بالأولى كما لا يخفى. قوله: (لاحتمالهما) محله ما لم يوجد مرجح آخر لأحدهما فيقدم كما في عبارة العضد، والشارح اقتصر على صورة ما إذا لم يوجد مرجح للتأسيس سوى العطف ولا للتأكيد سوى العادة وهو صورة التعارض الموجبة للوقف مجاراة لكلام المصنف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 305
قوله:
(وإن منع من التكرار العقل)
(2/180)
---(2/124)
مفهوم قوله: ولا مانع من التكرار. قوله: (نحو اقتل زيداً اقتل زيداً) أي فإنه يستحيل عقلاً قتل من قتل لما فيه من تحصيل الحاصل. وقول بعض المحشين: ولا يخفى أن حكم العقل بالاستحالة في ذلك بملاحظة العادة وإلا فمجرد العقل لا يحيل ذلك إذ يمكن بالنظر إلى القدرة الإلهية أن ترد الروح بعد زهوقها ثم يقتل مرة أخرى لكن العادة لم تجر بذلك اهـ خروج عن الموضوع. لأن الكلام في تعلق القتل به في حال كونه مقتولاً لا في إمكان رد الروح له ثم قتله وعدم إمكانه، فقوله: ولا يخفى الخ لا معنى له. قوله: (اقتضاء كف عن فعل الخ) ينبغي أن المراد بالفعل نحو الأمر والشأن فيشمل القول والفعل المعروف والقصد وغيرها، وقد يقال الحد المذكور غير جامع لأنه لا يتناول اقتضاء الكف عن الكف المعبر عنه بنحو لا تكف إذ ليس هو اقتضاء كف عن فعل بل اقتضاء كف عن كف، إذ معنى لا تكف طلب الكف عن الكف، كما أن معنى لا تفعل طلب الكف عن الفعل، فإن قيل: المراد بالفعل ما يشمل الكف. قلنا: المقابلة ظاهرة في خلاف ذلك اهـ سم. قوله: (ونحوه كذر ودع) إشارة إلى أن الأوضح في التعريف أن يقول بغير نحو كف، أو إشارة إلى أن زيادتها ليست ضرورية لوضوح أن ليس المراد خصوص كف إذ لا وجه للخصوصية. فتعين أن المراد كف وما شاركه في ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 306
قوله:
(وتناول الاقتضاء الجازم)
يصح أن يكون الاقتضاء مفعول تناول والجازم نعت له وفاعله ضمير التعريف، ويصح أن يكون فاعله الاقتضاء والجازم مفعوله. قوله: (ويحد أيضاً بالقول الخ) أي بالقول النفسي، وأشار بذلك إلى أن النهي النفسي كالأمر النفسي كما يحد بالاقتضاء يحد بالقول، وإسناد الاقتضاء للقول في قوله بالقول المقتضى إسناد مجازي كما هو ظاهر. قوله: (على ما ذكر) أي على الاقتضاء أو القول المقتضى. قوله: (مطلقاً) أي نفسياً كان أو لفظياً.
(2/181)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 306
قوله:
(وقضيته الدوام)(2/125)
أي يلزمه الدوام وليس هو للدوام لأن الدوام لازم لامتثال النهي، فإنك إذا قلت لغيرك: لا تسافر فقد منعته من إدخال ماهية السفر في الوجود، ولا يتحقق امتثال ذلك إلا بامتناعه من جميع أفراد السفر وهو المراد بالدوام فكان لازماً للامتثال ينتفي بانتفائه الامتثال، فالامتثال الذي هو مقصود النهي ملزوم للدوام فكان مقتضاه لا مدلوله اهـ. شيخ الإسلام. وقال مثله الكمال. وقد يقال: إذا كان النهي منعاً من إدخال ماهية الفعل في الوجود كما اعترفتم به فهو منع من كل فرد من أفرادها، إذ لا يتصور المنع من إدخالها في الوجود إلا بالمنع من كل فرد، فكما أنه لا يتحقق الامتثال إلا بالمنع من جميع أفراد المنهي عنه كذلك لا يتحقق المنع المذكور إلا بذلك، فالدوام كما هو لازم للامتثال لازم للمنع من إدخال الماهية في الوجود فكان مقتضاه وكان أيضاً مدلوله دلالة عقلية، إذ الدلالة الوضعية لا تتصور هنا لأن الكلام في النهي النفسي لا في صيغته، فقولكم فكان مقتضاه لا مدلوله ممنوع بل هو مقتضاه ومدلوله جميعاً، نعم قد يقال: التعبير بالاقتضاء أنسب من التعبير بالدلالة لأن الدلالة يتبادر منها الوضعية وهي غير مرادة هنا، على أنه قد يقال أيضاً لا نسلم استلزام الامتثال للدوام وتوقفه عليه حتى يكون قضية النهي ذلك لأن الكلام في النهي المطلق ومعناه طلب الامتناع عن الفعل والامتناع عن الفعل يتحقق بالامتناع عنه في الجملة للقطع بأنه امتناع عن الفعل، وأما الامتناع عنه المقيد بالدوام فإنما يفيده النهي المقيد بالدوام، وليس الكلام فيه إلا أن يجاب بأن معنى لا تضرب لا يكون منك ضرب أو لا توجد ضرباً، فالمنهي عنه نكرة في سياق النفي أو النهي فتعم مع مراعاة ما يأتي من أن عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة والبقاع قاله سم.
(2/182)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 306
قوله:
(إذ السفر فيه مرة)(2/126)
فيه أن اليوم الواحد قد يسافر فيه أكثر من مرة إلا أن يحمل كلامه على سفر يستغرق اليوم جميعه.
قوله: (وقيل قضيته الدوام مطلقاً) أي قيد بالمرة أو لم يقيد، فالفرق بين هذا القول والذي قبله أن قضية النهي لا تنحصر في الدوام على الأول بل تتحقق في المرة إن قيد بها وتنحصر في الدوام على الثاني، والتقييد بالمرة يصرفه عن قضيته، ثم إن القول الأول أوجه من الثاني كما يشعر بذلك تقديمه، وحكاية مقابله بقيل، ووجه ذلك أن الكلام في النهي النفسي بمعنى الكلام النفسي لا بمعنى الصيغة ما هو صريح كلام المصنف، ولا يخفى أنه إنما اقتضى الدوام لإطلاق المنع فيه الشامل للمنع عن كل فرد أو لتوقف الامتثال عليه على ما تقدم بيانه، فيكون المنع والامتثال بحسب زمان النهي، فإن كان مطلقاً اقتضى المنع على الدوام والامتثال كذلك، أو مخصوصاً اقتضى ذلك على وجه الخصوص لا على الدوام، فالدوام حينئذ ليس بقضيته على الإطلاق، ومن هنا يظهر اندفاع ما قد يتوهم من قياس ما هنا على العام إذا استعمل في الخاص حيث لم يخرج بذلك عن كون العموم قضية اللفظ وإن صرف عنه في هذا الاستعمال، وذلك لأن العموم موضوع العام على الإطلاق، والدوام ليس موضوع النهي كذلك قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 307
قوله:
(للتحريم والكراهة)
لم يقل وخلاف الأولى لأنه مما أحدثه المتأخرون ولأنه إنما يستفاد من أوامر الندب لا من صيغة النهي والكلام في معانيها سم.
(2/183)
---
قوله: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} المراد بالخبيث الرديء وبالانفاق التصدق أي لا تعمدوا إلى الرديء فتتصدقوا به، بل الذي يطلب أن يتصدق الإنسان بما يستحسنه ويختاره لا بما لا تأنقه نفسه وتعافه كالتصدق بالخبز اليابس العفن وترك التصدق بالسالم الغض {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} (آل عمران: 92) وأتى الشارح بنحو في مثال التحريم دون ما بعده للاكتفاء بما فهم من الأول اختصاراً.(2/127)
قوله: (والإرشاد) الفرق بينه وبين الكراهة كما يشير إليه التمثيل بالآية المذكورة تبعاً لإمام الحرمين أن المفسدة المطلوب درؤها في الإرشاد دنيوية، وفي الكراهة دينية نظير ما مر في الفرق بينه وبين الندب من أن المصلحة المطلوبة فيه دنيوية وفي الندب دينية.
قوله: (والتقليل والاحتقار ولا تمدن عينيك) الآية لا يتعين أن يكون الشارح جعلهما شيئاً واحداً كما قاله الكمال وشيخ الإسلام، بل يجوز أن يكون جعلهما شيئين، ولكنه اقتصر على التمثيل بالآية لهما إشارة إلى صلاحيتها لكل منهما وإلى أنهما قد تصح إرادتهما معاً في في الموضع الواحد، وإلى أن الاحتقار لا يتعين أن يتعلق بالمنهي فقط كما اقتضاه كلام البرماوي، بل قد يتعلق بالمنهى عنه أو بمتعلقه، وحينئذ يندفع عنه اعتراض البرماوي على جعلهما شيئاً واحداً بقوله: فمن يجعلهما واحداً ويمثل لهما بالآية كالأردبيلي وشيخنا البدر الزركشي فليس بجيد اهـ سم. والتقليل يكون في الكمية والمقدار والاحتقار يكون في الكيفية والقدر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 307
قوله:
(أزواجاً منهم)
أي أصنافاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 308
قوله:
(سبق قلم)
أي أن الذي في أصله وهو البرهان بالقاف لكن المصنف سها فكتبه بالعين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 308
قوله:
(واليأس)
(2/184)
---
كان المراد به الإياس أي إيقاع اليأس وتحصيله لهم لا أن ذلك حاصل لهم كما هو مفاد التعبير باليأس لأنه لم يكن حاصلاً لهم وقت الاعتذار وإلا لم يكن للاعتذار معنى.(2/128)
قوله: (وفي الإرادة والتحريم ما تقدم) أشار بالأول إلى ما ذكره في الأمر بقوله: واعتبر أبو علي وابنه إرادة الدلالة باللفظ على الطلب، وبالثاني إلى ما ذكره فيه بقوله: والجمهور على أنه حقيقة في الوجوب الخ. ثم لا يخفى أن قول الشارح والجمهور على أنها حقيقة في التحريم الخ لم يستوف جميع الأقوال السابقة في الأمر إذ منها أنه حقيقة في القدر المشترك وغير ذلك مما مر، فقول المصنف ما في الأمر أي في الجملة لعدم اعتبار جميع ما مر في الأمر هنا بل بعضه ما هو ظاهر بملاحظة ما تقدم وما هنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 308
قوله:
(جمعا)
تمييز محول عن المضاف أي عن جمع متعدد، وكذا القول في قوله: وفرقاً وجميعاً الأصل وعن فرق متعدد وعن جميعه. قوله: (كالحرام المخير) أي المخير فيما يترك من أفراده ليخرج بتركه عن عهدة النهي، فلا منافاة في وصف الحرام بالمخير لأن متعلق التخيير إفراد المنهى عنه ومتعلق الحرمة المنهى عنه الذي هو القدر المشترك بينها وهو أحدها لا بعينه وقد تقدم مثل هذا في الواجب المخير فراجعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 308
قوله:
(تلبسان)
حال من النعلين والنعل مؤنث.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 308
قوله:
(فهو منهى عنه)
ضمير هو للتفريق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 308
قوله:
(أخذاً من حديث الصحيحين الخ)
محل الأخذ قوله: لينعلهما جميعاً أو ليخلعهما جميعاً لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 308
قوله:
(لبساً أو نزعا)
تمييزان من الضمير في عنهما. قوله: (في ذلك) أي في اللبس والنزع.
(2/185)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 308
قوله:
(فيصدق بالنظر إليهما الخ)
جواب عما يقال: إن الزنا والسرقة منهي عن كل منهما على حدته فأين النهي عنهما جميعاً؟ وحاصل الجواب أن النهي لما كان عن كل منهما فإن نظر إليهما معاً صدق أن النهي عن متعدد، وإن نظر إلى كل منهما على حدته صدق أن النهي عن واحد.(2/129)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 308
قوله:
(ومطلق نهي التحريم)
أي الذي لم يقيد بما يدل على فساد أو صحة كما يؤخذ مما يأتي للشارح. قوله: (المستفاد) بالجر نعت لنهي التحريم وبالرفع نعت لمطلق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 309
قوله:
(أي عدم الاعتداد الخ)
فسر الفساد بلازم تفسيره السابق في خطاب الوضع وهو مخالفة الفعل ذي الوجهين الشرع لأنه المقصود من الحكم بالفساد قاله شيخ الإسلام ، ومثله للكمال. قال سم: ولأنه المقصود بالبحث هنا، والذي هو محل النزاع لأن أبا حنيفة رضي الله عنه لا يخالف في أن النهي يدل على مخالفة المنهى عنه للشرع أخذاً من قول الشارح في الصحة والفساد في قول المصنف ويقابلها البطلان وهو الفساد خلافاً لأبي حنيفة ما نصه في قوله مخالفة ما ذكر الشرع بأن كان منهياً عنه الخ، ولأن القول بأن الفساد باللغة أو المعنى أي العقل لا يتصور في الفساد بالمعنى السابق الذي هو مخالفة ذي الوجهين الشرع كما لا يخفى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 309
قوله:
(وقيل لغة الخ)
القائل بالأول يمنعه بأن معنى صيغة النهي لغة إنما هو الزجر عن الفعل لا عدم الاعتداد. قوله: (وقيل معنى) أي عقلاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 309
قوله:
(مما له ثمرة)
(2/186)
---
بيان للغير. قال شيخ الإسلام : لك أن تقول ما فائدته إذ كل ما ينهى عنه له ثمرة اهـ. ويمكن أن يجاب بأن المراد بالثمرة شيء يقصد حصوله من المنهى عنه فينتفي حصوله كالوطء حيث يقصد به حصول النسب، فينتفي حصول ذلك من الوطء زنا وهذا غير متحقق على الإطلاق فأي شيء يقصد حصوله من شرب الخمر أو لبس أحد النعلين مثلاً فينتفي حصوله فليتأمل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 309
قوله:
(كما تقدم)
أي في مسألة مطلق الأمر لا يتناول المكروه الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 309
قوله:
(في جملة الشمول)
هو قول المتن: وكذا التنزيه إذ هو شامل للنهي عن صلاة النفل المذكورة وغيرها سم نقلاً عن شيخه الشهاب.(2/130)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 309
قوله:
(مطلقاً أي سواء رجع النهي فيما ذكر الخ)
قال العلامة: إذا تأملت تفسير الإطلاق والتفصيل المذكور في المعاملات وجدتهما متساويين في المعنى فلا معنى للإطلاق في محل والتفصيل في آخر اهـ. وقد سبقه إلى هذا الإيراد الكمال و شيخ الإسلام مع زيادة، ولعله إنما ارتكب هذا الطريق مع الإيهام المذكور لأنه لم يتضح له شمول كلام ابن عبد السلام لغير المعاملات فاحتاط الاحتراز عن إطلاق كلام ابن عبد السلام، ولم يبال بهذا الإيهام لظهور اتجاه التسوية بينهما، وقد يقال: الفصل المذكور لا يفيد ذلك الاحتراز فإن قضية مقابلة التفصيل بالإطلاق شمول الإطلاق لاحتمال الدخول، فالحق عدم اندفاع الاعتراض بهذا الطريق فليتأمل. وأما قول شيخ الإسلام: ويجاب بأنه إنما فصلها عما عداها بالنظر إلى زيادة ابن عبد السلام فإنه زادها في المعاملات فقط كما فهمه المصنف والشارح، لكن الأنسب حينئذ التعبير في المعاملات بمطلقاً، وفيما عداها بقوله إن رجع إلى نفسه أو لازمه ففيه نظر، لأن مجرد هذا التعبير لا يفيد حكم زيادة ابن عبد السلام فليتأمل سم.
(2/187)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 309
قوله:
(سواء رجع الخ)
قال الشهاب: المراد بالمرجوع إليه علة النهي اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 309
قوله:
(إلى نفسه كصلاة الحائض)
فينبغي أن يراد بالرجوع إلى نفسه ما يشمل الرجوع إلى الجزء قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 310
قوله:
(أم لازمه)
أي المساوي بمعنى أنه كلما وجد الصوم وجد الإعراض، وكلما وجد الإعراض أي بنية وجد الصوم أي الإمساك بنية فالتلازم من الجانيين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 310
قوله:
(لفساد الأوقات)
أي الفساد الذي اشتملت عليه الأوقات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 310
قوله:
(اللازمة لها بفعلها فيها)(2/131)
بهذا فارق صحة الصلاة في المكان المنهى عنه لأنه ليس بلازم لها لجواز ارتفاع النهي عنه قبل فعلها فيه كأن جعل الحمام مسجداً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 310
قوله:
(لانعدام المبيع)
أي انعدام تيقنه وإلا فهو موجود احتمالاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 310
قوله:
(تغليباً له على الخارج)
أي لما فيه من حمل لفظ النهي على حقيقته كنهيه عن بيع الطعام قبل قبضه. وقول المصنف إلى أمر داخل فيها يتنازعه كل من رجع ورجوع وأعمل الأول فصح عطف لازم على قوله داخل قاله الشهاب، وكأن غرضه بهذا الاحتراز عن تعلق الاحتمال بصورة الرجوع للازم أيضاً، وإلا فالعطف في نفسه صحيح مع إعمال الثاني قاله سم. قلت: وتقدير الشارح في قول المصنف أو لازم أو رجع إلى أمر لازم يدل لما قاله الشهاب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 310
قوله:
(اللازمة بالشرط)
(2/188)
---
أي اللازمة للعقد بسبب اشتراطها فيه، وقد يقال الزيادة ليست خارجة لأنها من جملة المعقود عليه، إلا أن يجاب بأن مرجع النهي ليس الزيادة بل الاشتمال عليها كما هو الظاهر من كونه مدخول لام التعليل، والاشتمال يوصف باللزوم باعتبار أن متعلقه الذي هو الزيادة بمعنى المزيد لازم بالشرط، ثم رأيت عبارة الأسنوي مشيرة إلى أن المراد بالزيادة كون أحد العوضين زائداً حيث قال: لأن النهي عن بيع الدرهم بالدرهمين إنما هو لأجل الزيادة وذلك أمر خارج عن نفس العقد لأن المعقود عليه من حيث هو قابل للبيع، وكونه زائداً أو ناقصاً من أوصافه لكنه لازم اهـ قاله سم. وقوله اللازمة بالشرط لعل المراد الشرط بحسب المعنى، وإلا فأي شرط في قوله بعتك هذا الدرهم بهذين الدرهمين فيقول قبلت مثلاً. بقي أن يقال: لم عبر بالشرط؟ وهلا قال: اللازمة بالعقد عليها فليتأمل قاله سم أيضاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 310
قوله:
(فلاستدلال الأولين)(2/132)
أي من علماء السلف رضي الله تعالى عنهم. قوله: (وأما في غيرهما) أي غير العبادات والمعاملات. وقوله فظاهر أي فظاهر فساده لعدم ترتب ثمرته عليه كما مر. قوله: (بفوات ركن) أي كانعدام المبيع في بيع الملاقيح وقوله أو شرط أي كانعدام طهارة المبيع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 310
قوله:
(ولا نسلم أن الأولين الخ)
من تتمة كلام الإمام و الغزالي أي لا نسلم أن الأولين استدلوا بمجرد النهي بل مع فوات ركن أو شرط عرف من خارج عن النهي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 310
قوله:
(ودون غيرها)
عطف على قوله: دون المعاملات. قوله: (فإن كان مطلق النهي لخارج الخ) هذا قسيم قوله مطلقاً فيما عدا المعاملات. وقوله أمر داخل أو لازم في المعاملات سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 310
قوله:
(أي غير لازم)
(2/189)
---
أي مساو وهو اللازم الأعم فالمنفي اللازم المساوي لا مطلق اللازم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 310
قوله:
(لإتلاف مال الغير)
تعليل للنهي عن الوضوء بالماء المغصوب، فإن الإتلاف خارج عن الوضوء غير لازم له لحصوله بغيره كالإراقة. قوله: (لتفويتها الخ) تعليل للنهي عن البيع وقت نداء الجمعة والتفويت المذكور خارج عن ماهية البيع غير لازم له لحصوله بغيره كالنوم مثلاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 310
قوله:
(في المكان المكروه)
كالحمام ومعاطن الإبل. قوله: (أي الفساد) زاد الشارح لفظة أي حرصاً على بقاء سكون الدال في لم يفد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 311
قوله:
(سواء لم يكن لخارج أو كان)
السر في تقديم عدم كونه لخارج وتأخيره في قول أبي حنيفة الآتي إنه أولى بالحكم هنا لا هناك، بل الأولى بالحكم هناك هو الخارج، فإن المؤخر في محل المبالغة بلو، فالنهي لغير خارج أولى بإفادة الفساد من النهي لخارج فيؤخر الأدون حكماً في كل قول ليكون في محل المبالغة بلو.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 311
قوله:
(فالصور المذكورة)(2/133)
هي الوضوء بمغصوب والبيع وقت نداء الجمعة والصلاة في المكان المكروه أو المغصوب. وقوله للخارج متعلق بالمذكورة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 311
قوله:
(ولفظه حقيقة)
(2/190)
---
أي في مدلوله من الكف والفساد كما يعلم من كلام الشارح الآتي قاله شيخ الإسلام، وأراد بكلام الشارح الآتي قوله لأنه لم ينتقل عن جميع موجبه من الكف والفساد أي بل عن بعض موجبه وهو الفساد الذي انتفى بدليل، لكن في إطلاق هذا التفسير مع المبالغة المذكورة نظر لأنه فيها غير مستعمل في جميع موجبه بدليل التعليل المذكور حتى يكون حقيقة سم. قوله: (للأمر بمراجعتها) أي فالأمر بمراجعتها دليل على انتفاء الفساد عن طلاقها المنهي عنه إذ لو لم يصح طلاقها لما احتيج إلى مراجعتها. قوله: (لأنه لم ينتقل عن جميع موجبه) أي لأن لفظ النهي لم ينتقل حيث ينتفي الفساد لدليل عن جميع مقتضاه ومدلوله من الكف والفساد بل عن بعضه فقط وهو الفساد وفيه بحث، لأن هذا التوجيه لا يصحح كونه حقيقة بل يصح كونه مجازاً، لأن حاصله أنه مستعمل في بعض موجبه، وبعض موجبه ليس هو معناه الموضوع له بل جزء معناه، واستعمال اللفظ في جزء معناه مجاز بلا إشكال، وأما تنظيره بالعام المخصوص ففيه بحث لظهور الفرق بأن ذاك مستعمل في جميع معناه، غاية ما في الباب أن الحكم غير شامل لجميع معناه وهذا لا يقدح لأن مدار كون اللفظ حقيقة على استعماله في تمام معناه وإن لم يتعلق الحكم بتمام معناه قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 311
قوله:
(فإنه حقيقة فيما بقي)
(2/191)
---(2/134)
فيه أن يقال: إن الباقي من العام جزئيات له وإطلاق العام على جزئياته حقيقي بخلاف ما هنا فإن الباقي جزء لا جزئي، والكل لا يطلق على جزئه إلا مجازاً فالتنظير بالعام لا وجه له. قوله: (لما سيأتي) أي من قوله لأن النهي عن الشيء يستدعي إمكان وجوده. قوله: (نعم المنهي الخ) استدراك عن سؤال مقدر تقديره أن أبا حنيفة يقول: إن النهي لا يفيد الفساد مع أنه قائل بفساد صلاة الحائض وبيع الملاقيح المنهي عنهما. فأجاب بأن الفساد ليس من النهي بل عرض للنهي حيث استعمل مجازاً عن النفي. قوله: (غير مشروع) أي غير موجود شرعاً أي منتف شرعاً لا يتصور شرعاً بل حساً فقط. قوله: (مجازاً عن النفي) أي استعير النهي للنفي بجامع انتفاء عدم الفعل في كل وإن كان اقتضاء النهي العدم من جهة القيد واقتضاء النفي العدم من الأصل. قوله: (الذي الأصل الخ) نعت للنفي وقوله الأصل أن يستعمل فيه مبتدأ وخبر صلة الذي وضمير يستعمل يعود للنفي وضمير فيه يعود لغير المشروع. وقوله: إخباراً علة لقوله: يستعمل فيه وضمير عدمه لغير المشروع، وقوله: لانعدام محله علة لعدمه من قوله إخباراً عن عدمه، والمراد بالمحل البدن الظاهر والمبيع في المثالين المذكورين.
(2/192)
---(2/135)
قوله: (أما غيره كالزنا بالزاي فالنهي فيه على حاله وفساده من خارج) لعل هذا إنما يفارق ما هو من جنس المشروع من جهة أن النهي هنا على حاله وهناك مجاز عن النفي، وأما كون الفساد من خارج فهو فيهما سم. قوله: (يستدعي إمكان وجوده) أي شرعاً. قوله: (وإلا كان النهي عنه لغواً) أي عبثاً فيمتنع وأجاب عنه المحققون كـ ابن الحاجب بأنه إنما يمتنع بغير هذا المنع لا به كالحاصل يمتنع تحصيله بغير هذا التحصيل لا به شيخ الإسلام. قوله: (كقولك للأعمى لا تبصر) تنظير لما قبله لأنه فيما لا يمكن حساً وما قبله فيما لا يمكن شرعاً شيخ الإسلام. قوله: (فيصح) تفريع على قوله يفيد الصحة. قوله: (لا مطلقاً) أي عن نذره وغيره. وقوله: لفساده بوصفه علة لقوله لا مطلقاً وأشار بهذا إلى أن قول أبي حنيفة والمنهى عنه لوصفه يفيد الصحة معناه يفيد الصحة للمنهى عنه بدون وصفه لا مع وصفه فإنه مع وصفه فاسد كما صرح بذلك العضد ، وهذا معنى قول الحنفية: إن المنهى عنه لوصفه بأن دل الدليل على ذلك أو أطلق النهي صحيح بأصله فاسد بوصفه معاملة أو عبادة سم. قوله: (فتصح مطلقاً) أي نذرت أم لا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 311
قوله:
(لأن النهي عنها)
أي عن الصلاة في الأوقات المكروهة. قوله: (لخارج) أي غير لازم وهو التشبيه بعباد الشمس الحاصل بغيرها أيضاً. قوله: (كما تقدم) أي في مسألة مطلق الأمر لا يتناول المكروه. قوله: (ويصح البيع المذكور) أي لعدم إفادة النهي الفساد. قوله: (لفساده بها) أي لفساد البيع بالزيادة وهي الدرهم الثاني في المثال المذكور. قوله: (وإن كان يفيد الخ) الواو للحال وضمير كان للبيع، وقوله يفيد بالقبض أي لا بنفسه. وقوله الملك أي ملك الزيادة. وقوله: الخبيث أي الحرام الواجب الرد لعدم جواز الانتفاع به فالمفيد للاعتداد القبض لا البيع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 312
قوله:
(فيعمل به في ذلك)
(2/193)
---(2/136)
أي في الفساد وعدمه. قوله: (وقيل إن نفى عنه القبول) ليس هذا من تمام ما قبله على ما يوهمه كلامه لأنه نفي وما قبله نهي فهو حكم مستقل كما أشار له الشارح بقوله: أي نفيه عن الشيء يفيد الصحة له الخ حيث استأنف التقدير، فكان الأولى للمصنف أن يعبر بما يفيد ذلك كأن يقول: أما نفي القبول فقيل دليل الصحة وقيل دليل الفساد شيخ الإسلام. قوله: (لظهور النفي في عدم الثواب) مثاله قوله : «من أتى عرّافاً فسأله عن شيء فصدقه لم يقبل الله له صلاة أربعين يوماً» .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 312
قوله:
(دون الاعتداد)
أي دون عدم الاعتداد. قوله: (بناء للأول) أي إفادة الفساد. قوله: (وللثاني) أي إفادة الصحة. قوله: (قد يصح الخ) قال العلامة: قد يقال صحته إن حصلت فمن خارج فلا يفيدها نفي الأجزاء كما هو المدعي اهـ. وحاصله أن نفي الأجزاء بمعنى إسقاط القضاء لا إشعار له بالصحة. فإذا قيل هذه الصلاة غير مجزئة بمعنى غير مسقطة للقضاء لم يكن هذا مفيداً لصحة تلك الصلاة كما هو مدعى المصنف والشارح بل ذلك ظاهر في عدم الصحة إذ هو المتبادر من عدم إسقاط القضاء، وبالجملة فلا دلالة لنفي الأجزاء بمعنى إسقاط القضاء على الصحة، والصحة إن كانت فمن خارج وهذا من الوضوح بمكان، ولا يخفى ما في جواب سم من البعد ومن الضعف سيما في جوابه الثاني فراجعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 312
قوله:
(كصلاة فاقد الطهورين)
هذا على مذهب الشارح وهو قول ضعيف عندنا، والمعتمد سقوط الصلاة وقضاؤها معاً بعدم الماء والصعيد، قال في المختصر: وتسقط صلاة وقضاؤها بعدم ماء وصعيد. قوله: (لتبادر عدم الاعتداد) أي المقصود من الفساد ولذا فسر الفساد به فيما سبق. قوله: (وعلى الفساد) أي وجاء على الفساد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 313
قوله:
(في الأول)
أي نفي القبول. قوله: (وفي الثاني) أي نفي الأجزاء.
(2/194)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 313
قوله:
(لفظ الخ)(2/137)
بناء على القول بأن العموم من عوارض الألفاظ دون المعاني على ما رجحه فيما يأتي، ونبه عليه الشارح ثمة وأما على القول بأنه من عوارض المعاني فيعرف بأنه أمر شامل الخ كما يؤخذ من كلام الشارح الآتي، والمراد على الأول لفظ واحد لتخرج الألفاظ المتعددة الدالة على معان متعددة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 313
قوله:
(يستغرق الخ)
أي شأنه ذلك فتدخل فيه الشمس والقمر والسماء والأرض، فإن كلاً منها عام وإن انحصر في الواقع في واحد وسبعة. وقوله الصالح له قيد لبيان الماهية لا للاحتراز إذ ليس لنا لفظ يستغرق ما لا يصلح له ليحترز عنه، فمن مثلاً إنما تصلح للعقلاء لا لغيرهم وما بالعكس، فإن قيل: إذا أريد بالصلوح صلوح الكلي لجزئياته خرج نحو: المسلمين والرجال، أو صلوح الكل لأجزائه خرج نحو: لا رجل قلنا أريد الأعم فيتناولهما وهذا بالنظر إلى تناول العلم لأفراده كما رأيت، فلا ينافي ما يأتي من أن مدلوله لا كل ولا كلي بل كلية لأن ذلك بالنظر إلى الحكم، وهذا بالنظر إلى اللفظ شيخ الإسلام. قوله: (دفعة) بفتح الدال اسم للمرة وأما بضمها فهو الشيء المدفوع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 313
قوله:
(خرج به النكرة في الإثبات)
(2/195)
---(2/138)
قد يقال: يخرج أيضاً صيغة العموم إذا أريد بها بعض الأفراد الذي لا حصر فيه بقرينة، كما إذا أريد بلفظ المشركين جميع الشيوخ منهم مثلاً مع نصب قرينة على ذلك بناء على أن المراد بقوله الصالح له جميع ما يصلح له كما هو ظاهر العبارة إلا أن يقال: قياس قول الشارح الآتي كما يصدق على المشترك المستعمل في إفراد معنى واحد لأنه مع قرينة الواحد لا يصلح لغيره دخول في صيغة العموم المذكورة لأنها مع القرينة لا تصلح لغير من وجدت فيه القرينة، وقول المصنف الصالح له جار على غير من هو له إذ التقدير يستغرق المعنى الصالح هو أي اللفظ له، وقد يقال: لا يتعين ذلك وإن أفاده كلام الشارح، بل يجوز أن يكون جارياً على من هو له وأن التقدير يستغرق المعنى الصالح هو أي المعنى له أي اللفظ وصلاحية المعنى للفظ لكون اللفظ موضوعاً له ولو في الجملة، بل يلزم من صلاحية اللفظ للمعنى صلاحية المعنى للفظ. فإن قلت: حينئذ يتحقق الالتباس ويلزم امتناع التركيب على المذهبين المعروفين في المسألة. قلت: المتجه عندنا أن تأثير الالتباس مشروط بما إذا صح إرادة أحد المعنيين دون الآخر، أما إذا صح إرادة كل منهما كما هنا فلا أثر له لحصول المقصود بكل تقدير قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 313
قوله:
(أو اسم عدد)
عطف على مفردة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 314
قوله:
(لا من حيث الآحاد)
قيد في النكرة المثناة والمجموعة واسم العدد. قوله: (فإنها) أي النكرة في الإثبات بأنواعها المذكورة تتناول ما تصلح له على سبيل البدل، فالمفردة تتناول كل فرد فرد، والمثناة تتناول كل اثنين اثنين، والمجموعة تتناول كل جمع جمع، والخمسة مثلاً تتناول كل خمسة خمسة تناول بدل لا شمول في الجميع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 314
قوله:
(من غير حصر)
(2/196)
---(2/139)
أي في اللفظ ودلالة العبارة لا في الواقع، قال في التلويح: ومعنى كون الكثير غير محصور أن لا يكون في اللفظ دلالة على انحصاره وإلا فالكثير المتحقق محصور لا محالة. لا يقال: المراد بما ليس محصوراً ما لا يدخل تحت الضبط والعد بالنظر إليه. لأنا نقول: فحينئذ يكون لفظ السموات موضوعاً لكثير محصور ولفظ ألف ألف موضوعاً لكثير غير محصور، والأمر بالعكس ضرورة أن الأول عام والثاني اسم عدد اهـ من سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 314
قوله:
(خرج به اسم العدد من حيث الآحاد)
قال في التلويح: لا يقال هذا القيد يعني قوله غير محصور مستدرك لأن الاحتراز عن أسماء العدد حاصل بقيد الاستغراق لما يصلح له ضرورة أن لفظ المائة مثلاً إنما يصلح لجزئيات المائة لا لما تضمنته المائة من الآحاد. لأنا نقول: أراد بالصلوح صلوح اسم الكلي لجزئياته أو الكل لأجزائه، فاعتبر الدلالة مطابقة أو تضمناً، وبهذا الاعتبار صارت صيغ الجموع وأسمائها مثل الرجال والمسلمين والرهط والقوم بالنسبة إلى الآحاد مستغرقة لما تصلح له فدخلت في الحد اهـ. وقد قدمنا عن شيخ الإسلام نحو هذا فسقط ما للكمال هنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 314
قوله:
(ومثله النكرة المثناة)
ترك المجموعة لما سيأتي من الخلاف في عمومها كما قاله الشهاب، أو لأنه لا حصر فيها من جهة الأحاد ليحترز عنها به كما قاله سم وهو أحسن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 314
قوله:
(ومن العام الخ)
(2/197)
---(2/140)
أي فما زعمه بعضهم من أن هذه المذكورات ليست منه بناء على ما زاده الإمام وأتباعه في الحد من قولهم بوضع واحد مردود والزيادة مخلة بالحد. وقوله في حقيقتيه أي فيكون اللفظ شاملاً لأفراد الحقيقتين، وذلك كالقرء مثلاً فهو شامل لأفراد الحيض والطهر. وقوله أو حقيقته ومجازه أي فيكون اللفظ شاملاً لأفراد المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ومثاله اللمس يراد به الجس باليد والوطء. وقوله أو مجازيه أو فيكون اللفظ شاملاً لأفراد المعنيين المجازيين ومثاله الشراء مراداً به السوم والشراء بالوكيل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 314
قوله:
(على الراجح المتقدم)
أي في قوله: مسألة المشترك يصح إطلاقه على معنييه الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 314
قوله:
(لأنه مع قرينة الواحد لا يصلح لغيره)
رد لما قيل إن زيادة الإمام في تعريف العام قوله بوضع واحد للاحتراز عن خروج المشترك إذا استعمل في أحد معانيه بقرينة عن الحد فإنه عام ولم يستغرق جميع ما يصلح له من المعاني، ووجه الرد أنه إذا كان مع قرينة الواحد لا يصلح لغيره فهو مستغرق لجميع ما يصلح له قاله شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 314
قوله:
(وغير المقصودة وإن لم تكن نادرة)
إشارة إلى أن غير المقصودة أعم مطلقاً من النادرة، لأن ما لا يقصده المتكلم مما يتناوله اللفظ العام قد يكون انتفاء قصده لندوره، فلا يخطر بالبال غالباً، وقد يكون لقرينة دالة عليه وإن لم يكن نادراً، وكلام المصنف في منع الموانع يدل على أن بينهما عموماً وخصوصاً من وجه، وبه صرح البرماوي قال: لأن النادر قد يقصد وقد لا يقصد، وغير المقصود قد يكون نادراً وقد لا يكون شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 314
قوله:
(من صور العام)
(2/198)
---(2/141)
متعلق بالنادرة وغير المقصودة. فإن قيل: لا حاجة إلى التنصيص على هاتين الصورتين لأن كلاً منهما أن تناوله العام فهو من أفراده وإلا فهو خارج عنه. قلنا: نص عليهما لبيان الخلاف فيهما أو لبيانه مع الإشارة إلى أن الحد للعام المقطوع به على القاعدة في مثل ذلك اهـ شيخ الإسلام. وتعقبه سم بأن المقصود تناول حكم العام لهما كما يصرح به تقرير الشارح، وفي ذلك خلاف صحح منه المصنف التناول، وليس المراد بيان العام لفظاً لهاتين الصورتين، فدعوى عدم الحاجة إلى التنصيص عليهما ممنوعة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 315
قوله:
(نظراً للمقصود)
أي ما يقصده المتكلم بالعام عادة والنادر مما لم تجر العادة بقصده، ففي اقتصار الشارح في تعليل عدم دخول النادرة وغير المقصودة في العام على قوله نظراً للمقصود ما يفيد أن غير المقصودة أعم مطلقاً من النادر كما تقدمت الإشارة إليه في كلامه أيضاً. ثم إن عدم القصد والخطور بالبال لا يتأتى في كلام من لا يعزب عن علمه شيء إلا أن يكون ذلك بالنسبة إلى كلامه باعتبار حال المخاطبين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 315
قوله:
(لا سبق)
بفتح الباء الموحدة المال المأخوذ في المسابقة، ويصح أن يكون اسم مصدر بمعنى المسابقة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 315
قوله:
(إلا في خف)
أورد عليه أنه من قبيل المطلق لكونه نكرة مثبتة فعمومه بدلي لا شمولي مع أن المقصود هنا هو الثاني. وأجاب شيخ الإسلام بأن وجه كونه للعموم شمولاً أنه في حيز الشرط معنى والتقدير إلا أن كان في خف، والنكرة في سياق الشرط تعم فسقط تنظير الكمال هنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 315
قوله:
(ومثال غير المقصودة وتدرك بالقرينة)
(2/199)
---
لا إشكال في هذا مع قوله الآتي أو قصد انتفاء صورة لم تدخل قطعاً إذ لا يلزم من عدم القصد قصد الانتفاء وفرق بينهما، فإن المراد بكونها غير مقصودة انتفاء القصد عنها بإثبات أو نفي وأين هذا من قصد انتفائها؟ سم.(2/142)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 315
قوله:
(بشراء عبيد فلان)
أي وهو جمع مضاف فيعم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 315
قوله:
(ولم يعلم به)
أي ولم يعلم الموكل به وهذا هو القرينة أو القرينة العتق فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 315
قوله:
(أخذاً من مسألة الخ)
قال الشهاب : لا يخفى أن المأخوذ لتعينه بالإضافة أولى بهذا الحكم من المأخوذ منه اهـ. قال سم: إن أراد الاعتراض فهو غير وارد لأن الأخذ يكون بالأولى والمساواة والأدون، ولما نصوا في الأصل على المأخوذ منه توجه الأخذ بالأولى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 315
قوله:
(بأن يقترن بالمجاز الخ)
أي باللفظ المجاز، ثم ما ذكره قاصر عما يفيد العموم بوضعه كمن وما. ويجاب بأنه أراد بالمجاز المعنى وبأداة العموم العام فيتناول ما ذكر أو بحمل بأن في كلام الشارح على معنى كأن على عادة الشارح من استعمال بأن للتمثيل، والأول لشيخ الإسلام والثاني لسم، وقد يناقش في الثاني بأن الظاهر من قول الشارح في توجيه المقابل وهي تندفع في المقترن بأداة عموم الخ أن الخلاف خاص بما فيه أداة عموم لا ما يدل على العموم بوضعه فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 315
قوله:
(فيصدق عليه)
أي على المجاز المقترن به أداة عموم ما ذكر أي أن العام قد يكون مجازاً كعكسه أي كما يصدق عليه عكسه وهو أن المجاز قد يكون عاماً، والغرض التنبيه على أن ما اعترض به الزركشي من أن عبارة المتن مقلوبة وأن الصواب أن يقال وإن المجاز قد يكون عاماً مردود وأن كلاً من العبارتين صحيح شيخ الإسلام.
(2/200)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 316
قوله:
(على خلاف الأصل)
أي الراجح وهو الحقيقة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 316
قوله:
(كما في المثال السابق)
أي كالقرينة التي في المثال السابق. وقوله من الاستثناء بيان للقرينة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 316
قوله:
(وهذا أي أن المجاز لا يعم الخ)(2/143)
لو قال: وكون المجاز لا يعم لكان أخصر، وكان الأنسب بكلام المصنف أن يقول أي إن العام لا يكون مجازاً، لكنه راعى عبارة الأصوليين غير المصنف.
(2/201)
---
قوله: (كالمقتضي) بكسر الضاد والتشبيه في عدم العموم، وليس الغرض التشبيه في نقل القول بنفي العموم فيه عن بعض الحنفية فإن القول بنفي عموم المقتضي نقله المصنف في شرح المختصر عن جماهير أصحابنا، وإنما الغرض التشبيه في نفي العموم إذ الحاجة إلى تصحيح الكلام تندفع بتقدير لفظ يحصل ذلك فلا حاجة إلى تقدير زائد عليه، وفرق الصحيح بأن المقتضي لم يقترن بدليل عموم لأنه ليس بملفوظ وإنما يقدر لصحة الملفوظ فيقتصر على القدر الضروري بخلاف المجاز المقترن بذلك، إذ لو لم يحمل على العموم لزم منه إلغاء دليل العموم شيخ الإسلام. ومثال المقتضي وهو ما لا يصح المعنى فيه بدون تقدير قوله : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» الخ، فالضرورة إلى تصحيح الكلام المذكور تندفع بتقدير بعض الألفاظ لا كلها كأن يقدر هنا الإثم أي رفع إثم الخطأ الخ. فليس المقتضي عاماً أي متناولاً لجميع ما يصح تقديره لما تقدم، وقال في التلويح بعد أن قرر ذلك بنحو ما في الشارح: وأجيب بأنه إن أريد الضرورة من جهة المتكلم في الاستعمال بمعنى أنه لم يجد طريقاً لتأدية المعنى سواه فممنوع لجواز أن يعدل إلى المجاز لفائدة من فوائده أي السابقة في بحث المجاز، ومنها زيادة البلاغة في المجاز وإن أمكن تأدية المراد بالحقيقة، ولأن المجاز واقع في كلام من يستحيل عليه العجز عن استعمال الحقيقة والاضطرار إلى المجاز، وإن أريد الضرورة من جهة الكلام والسامع بمعنى أنه لما تعذر العمل بالحقيقة وجب الحمل على المجاز ضرورة لئلا يلزم إلغاء الكلام، فلا نسلم أن الضرورة بهذا المعنى تنافي العموم فإنه يتعلق بدلالة اللفظ وإرادة المتكلم، فعند الضرورة إلى حمل اللفظ على معناه المجازي يجب أن يحمل على ما قصده المتكلم، واحتمله اللفظ إن عاماً(2/144)
فعام وإن خاصاً فخاص، بخلاف المقتضي فإنه لازم عقلي غير ملفوظ به فيقتصر منه على ما تحمل به صحة الكلام من غير إثبات العموم الذي هو من صفات اللفظ خاصة. ثم
(2/202)
---
قال: واعلم أن القول بعدم عموم المجاز لم نجده في كتب الشافعية ولا يتصوّر من أحد نزاع في صحة قولنا جاءني الأسود الرماة إلا زيداً، وتخصيصهم الصاع بالمطعوم مبني على ما ثبت عندهم من علية الطعم في باب الربا لا على عدم عموم المجاز اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 316
قوله:
(بانيا)
أي بعض الشافعية. وقوله: عليه أي على أنه لا يعم. قوله: (أي ما يحل) بضم الحاء من الحلول أي ما يظرف في الصاع. وقوله: أي مكيل الصاع تفسير لما يحل أي ففيه مجاز حيث أطلق اسم المحل على الحال فيه فهو مجاز مرسل علاقته المحلية. قوله: (حيث قال) ظرف لقوله بانياً عليه الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 317
قوله:
(لما تقدم)
أي من أن المجاز ثبت على خلاف الأصل الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 317
قوله:
(لما ثبت من أن علة الربا عندنا الخ)
هذا على مذهب الشارح وهو مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، وأما مذهبنا معاشر المالكية فعلة الربا فيما ذكر الاقتيات والادخار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 317
قوله:
(وعلى الأول)
أي القول بعموم المجاز. قوله: (يخص عمومه بما الخ) أي بالحديث الذي أثبت علية الطعم لحرمة الربا شيخ الإسلام. قوله: (فيسقط تعلق الحنفية الخ) أي يسقط تمسكهم واستدلالهم به. قوله: (في الربا) متعلق بتعلق. وقوله في الجص متعلق بالربا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 317
قوله:
(والحديث في مسلم)
(2/203)
---(2/145)
قال الكمال أي أصله في مسلم وإلا فلفظ رواية مسلم خاص بالتمر والحنطة لا عموم له في المكيلات فلا ينطبق على مقصود التمثيل وهو نفي العموم بالحمل على بعض أفراد المكيل اهـ. وقد يقال: قد يكون مقصود الشارح بحديث مسلم أنه قرينة في الجملة على عدم إرادة العموم في الرواية الأولى فلا يرد ما أشار إليه الكمال سم. قوله: (تمر الجمع) بفتح الجمع وهو نوع من التمر رديء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 317
قوله:
(دون المعاني)
نبه بذلك على دفع ما يوهمه ظاهر تعبير المصنف من أن كون العموم من عوارض الألفاظ مختلف فيه مع أنه متفق عليه، وإنما موضع الخلاف اختصاص ذلك بالألفاظ أو عدم اختصاصه بها، فمرجع الأصحية في كلامه إلى القيد الذي زاده الشارح أعني قوله دون المعاني. قوله: (حقيقة) حال من العموم بمعنى العام أي حال كون استعمال العام في المعنى حقيقة، ثم إنه لا تنافي بين تعريف المصنف العام بأنه لفظ وحكاية الخلاف في كونه من عوارض الألفاظ فقط دون المعاني أولا لأنه ذكر أولا المختار من الخلاف ثم حكى الخلاف بعد ذلك. قوله: (كمعنى الإنسان) إشارة إلى ما ذهب إليه بعض المحققين كالسيد وغيره من أن الكلي لا وجود له في الخارج ولا في ضمن الجزئيات، لأنه لو وجد في الخارج لانحصر فيما وجد فيه بل الموجود في الخارج صورة مطابقة لما في الذهن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 317
قوله:
(أو خارجياً كمعنى المطر والخصب)
(2/204)
---(2/146)
فيه أن يقال: لا فرق بين نحو الإنسان ونحو المطر، والخصب في أن معنى كل مفهوم كلي غير موجود خارجاً والموجود خارجاً جزئياته إلا أن يكون القصد إلى مجرد التمثيل مع صحة جريان ما قيل في كل في الآخر، أو يقال إن شمول المطر والخصب الخارجي للأماكن أظهر من شمول الإنسان الخارجي قاله سم. قوله: (فالعموم الخ) تفريع على أن العموم من عوارض الألفاظ والمعاني. قوله: (والمطر والخصب مثلاً في محل غيرهما في محل آخر) أي فلا عموم فيهما بل هما شخصيان فلا يصدق عليهما حد العام وهو الأمر الشامل لمتعدد. قوله: (فاستعمال العموم فيه) أي في الخارجي قوله: (وعلى الأول) أي القول بأنه من عوارض الألفاظ فقط. قوله: (وعلى الأخيرين) متعلق بمتعلق الخبر في قوله الحد السابق للعام من اللفظ أي والحد السابق كائن للعام من اللفظ على القولين الأخيرين وهما كون العموم من عوارض الألفاظ والمعاني، وكونه من عوارض المعاني الذهنية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 317
قوله:
(الحد السابق للعام الخ)
الحد مبتدأ والسابق نعت له وللعام خبره كما تقدم الإيماء إليه. قوله: (لأنه أهم) أي لأنه المقصود واللفظ وسيلة إليه. وحاصله أن صيغة التفصيل لما كان لها شرف ومزية بوضعها للتفصيل والزيادة ناسب عند إرادة التمييز بين الألفاظ والمعاني في الوصف بالعموم تخصيصها بالمعاني لأنها أشرف من الألفاظ ليكون اللفظ الأشرف مستعملاً فيما يتعلق بالأشرف، وليس المقصود من توجيه الشارح المذكور أن صيغة التفضيل استعملت في المعنى للدلالة على التفضيل فيه كما توهمه بعضهم، فاعترض بأن الأعم لم يرد به معنى التفضيل بل الشمول مطلقاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 318
قوله:
(كما علم مما تقدم)
(2/205)
---(2/147)
أي من قوله قيل والمعاني. قوله: (ولم يترك وللفظ عام الخ) قوله: وللفظ عام مفعول يترك أي لم يترك هذا القول أعني قوله وللفظ عام. وقوله المعلوم مما قدمه نعت لقوله للفظ عام، والذي قدمه المعلوم منه وصف للفظ بالعام هو قوله: والأصح أنه من عوارض الألفاظ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 318
قوله:
(لشقي ما قيل الخ)
الشقان هما جانب المعنى وجانب اللفظ وإن كان أحد الشقين وهو جانب اللفظ معلوماً مما قدمه. قوله: (ليظهر المراد) علة للحكاية وهي علة لقوله لم يترك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 318
قوله:
(ومدلوله أي العام الخ)
المراد بالعام هنا ما صدقاته أي الألفاظ والصيغ الدالة على العموم لا المفهوم المعرف بما سبق، إذ لا يتصور كونه كلية بالمعنى الذي ذكر هنا لانتفاء الحكم فيه، وقد أشار الشارح إلى هذا بقوله أي العام في التركيب من حيث الحكم عليه فاحترز بذلك عن دلالته مجرداً عن تركيبه مع غيره وعن دلالته لا من حيث الحكم عليه، فإن مدلوله في هذه الحالة هو مفهومه المتقدم إذ النظر فيه حينئذ من حيث تصوره وأنه مدلول للفظ فهو ملاحظ من حيث ذاته لا من حيث تركيبه مع غيره والحكم عليه بذلك الغير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 318
قوله:
(من حيث الحكم عليه)
ينبغي أن يراد بالحكم عليه ما يعم الحكم عليه بحسب المعنى بدليل ما ذكره من الأمثلة فيشمل كونه مفعولاً به مثلاً.
(2/206)
---(2/148)
قوله: (كلية) أي قضية كلية أي يتحصل منه مع ما حكم به عليه قضية كلية، ففي الكلام مسامحة إذ الكلية مدلول القضية لا مدلول العام، وكذا قوله في محكوم فيه على كل فرد إذ المحكوم فيه على كل فرد هو القضية لا اللفظ العام ففيه تساهل، والأصل محكوم في التركيب المشتمل عليه أي التركيب الذي جعل فيه اللفظ المذكور موضوعاً ومحكوماً عليه، وجعل غيره محكوماً به عليه، وحاصل معنى ما أشار إليه أن العام إذا وقع في التركيب محكوماً عليه فإن الحكم يتعلق بكل فرد فرد من أفراد معناه. وأورد الأصفهاني هنا إشكالاً وهو أن قوله تعالى: {اقتلوا المشركين} (التوبة: 5) يكون أمراً لكل واحد واحد من أفراد المسلمين بقتل كل واحد واحد من أفراد المشركين وهو محال لاستحالة أن يقتل كل واحد من المسلمين كل واحد من المشركين. ثم أجاب بأن الآية الشريفة مدلولها التكليف بالمحال، فمن قال بوقوعه فلا إشكال عليه، وأما من قال بخلافه فجوابه أنه ظاهر دل العقل على خلافه فيحمل على الممكن دون المستحيل اهـ. قال المصنف نقلاً عن والده: وعندي أن السؤال لا يستحق جواباً لأن الفرد الواحد من المسلمين يقدر أن يقتل جميع المشركين اهـ كلام المصنف. أي ولا ينافي ذلك أن الواحد إذا قتل جميع المشركين أو بعضهم استحال قتل غيره جميع المشركين، وذلك لسقوط التكليف حينئذ عن الغير بالنسبة للمقتول من الكل أو البعض. نعم لقائل أن يقول: إن الفرد الواحد من المسلمين الممتنع عادة حياته في جميع الأزمان يمتنع أن يقتل جميع المشركين في جميع الأزمان كما هو قضية العموم إلا أن يقال: العموم في هذه الآية عموم عرفي فالمأمور بقتلهم مشركو زمان القاتل فقط سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 318
قوله:
(مطابقة)
(2/207)
---(2/149)
يحتمل أنه معمول لمحذوف أي دال عليه كما يشعر بذلك تقرير الشارح حيث قال فما هو في قوتها الخ. فيكون صفة لمصدر محذوف والتقدير دال عليه دلالة مطابقة. ويحتمل حاليته من كل فرد أي حال كون كل فرد مطابقة أي ذا مطابقة لأنه مدلول عليه مطابقة إلا أن مجيء المصدر حالاً وإن كثر غير مقيس. وقوله: إثباتاً أو سلباً صفة مصدر محذوف وهو الحكم المفهوم من قوله: محكوم فيه أي حكماً إثباتاً أو سلباً أي ذا إثبات أو سلب. وقوله خبراً أو أمراً قال الشهاب حال من مدلول والأحسن أنه حال من إثبات لأن في الأول مجيء الحال من المبتدإ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 319
قوله:
(نحو جاء عبيدي)
راجع لقوله إثباتاً خبراً. وقوله: وما خالفوا راجع لقوله سلباً نفياً. وقوله فأكرمهم راجع إلى إثباتاً أمراً. وقوله ولا تهنهم راجع إلى سلباً نهياً. وفائدة قوله ولا تهنهم بعد قوله فأكرمهم التنبيه على أنه يكرمهم إكراماً لا تشوبه إهانة على حد قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} (الأنعام: 82).
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 319
قوله:
(لأنه في قوة قضايا الخ)
(2/208)
---(2/150)
بين به قول المصنف مطابقة ولخص فيه جواب الأصفهاني عن سؤال عصريه القرافي الذي مضمونه أن دلالة العام على بعض أفراده خارجة عن الدلالات الثلاث المطابقة والتضمن والالتزام، لأن المطابقة دلالة اللفظ على تمام ما وضع له والفرد المذكور ليس تمام ما وضع له لفظ العام، والتضمن دلالة اللفظ على جزء المعنى الموضوع له ذلك اللفظ، والفرد المذكور جزئي لا جزء، والالتزام دلالة اللفظ على خارج عن معناه لازم لمعناه، والفرد المذكور بعض المعنى لا لازم له وإلا لكان غيره من الأفراد كذلك فلا يوجد حينئذ المعنى الموضوع له اللفظ وهو ظاهر البطلان، وحينئذ فإما أن يبطل حصر الدلالة في الأقسام الثلاثة أو لا يكون العام دالاً على كل فرد فرد الذي هو معنى الكلية. وحاصل جواب الشارح لا نسلم خروجه عنها بل هو داخل في المطابقة بناء على أن المراد بقولهم فيها دلالة اللفظ على تمام مسماه الأعم من الدلالة على تمام المسمى أو الدلالة على ما هو في قوة تمام المسمى، وحاصل جواب الأصفهاني أن الأقسام الثلاثة المذكورة إنما هي في لفظ مفرد خال من الحكم وذلك لا يتأتى هنا فلا يدل قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} (التوبة: 5) على وجوب قتل زيد المشرك لكنها تتضمن ما يدل عليه، فدلالتها عليه إنما هو لتضمنها ما يدل عليه وذلك الدال دل عليه مطابقة كما بينه الشارح بقوله: وكل منها الخ، مع تصريحه بمراد الأصفهاني بقوله فما هو في قوتها الخ. وحاصله أن العام دال على ما ذكر مطابقة بواسطة كونه متضمناً لما يدل مطابقة، فيرجع الجواب إلى منع أن دلالة العام ليست داخلة في الدلالات الثلاث بل هي داخلة في المطابقة بواسطة ما تضمنته القضية المندرجة تحت العام هذا، وحصر الأصفهاني الدلالات الثلاث في المفرد لا يساعده عليه كلام المناطقة إلا أن يحمل على أنها في المفرد حقيقة ومباشرة ليصح استدراكه المذكور بقوله لكنها تتضمن ما يدل عليه الخ المفيد أن المطابقة تكون في المركب(2/151)
(2/209)
---
أيضاً فتكون فيه مجازاً أو بواسطة قاله شيخ الإسلام، وبه يندفع اعتراض الكمال على قول الشارح فما هو في قوتها الخ بأنه زائد على كلام الأصفهاني الذي قصد الشارح تلخيصه وغير ملائم له لأن دلالة المطابقة في كلام الأصفهاني ليست لصيغة {اقتلوا المشركين} التي هي في قوة تلك القضايا فقد صرح الأصفهاني بنفيه الخ اهـ. وقد جرى الآمدي تبعاً لشيخه التلمساني على أن دلالة العام على الفرد من أفراده تضمنية ووجهه بإلحاق الجزئي بالجزء، فإن كلاً من أفراد العام جزء باعتبار أنه بعض ما صدق عليه العام وإن كان جزئياً باعتبار دلالة العام في التركيب على كل فرد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 319
قوله:
(دال عليه مطابقة)
(2/210)
---(2/152)
أي دال على ثبوت الحكم له مطابقة لأن المدلول عليه ثبوت الحكم لذلك الفرد لا الفرد من حيث ذاته، فقوله دال عليه أي على ثبوت الحكم له كما قلنا، أو دال عليه من حيث الحكم عليه بما حكم به على العام، ومن هنا تعلم أن المراد بقولهم دلالة العام على الفرد مطابقة دلالته على ثبوت الحكم له أو عليه محكوماً عليه بالحكم الثابت للعام. واعلم أن العلامة اعترض على كون دلالة العام على فرده مطابقة بأن المطابقة هي دلالة اللفظ على تمام ما وضع له من حيث إنه موضوع له، وأن العام موضوع لجميع الأفراد من حيث هو جميعها لا لكل واحد منها، فكل واحد منها بعض الموضوع له لإتمامه، فيكون العام دالاً عليه تضمناً لا مطابقة، وما استدل به من أنه في قوة قضايا فجوابه أن ما في قوة الشيء لا يلزم أن يساويه في أحواله وأحكامه. قوله: (على مجموع الأفراد) المجموع هو المركب من الأفراد باعتبار الهيئة التركيبية، فالحكم إذا أسند إلى المجموع لا يتحقق بفعل البعض، بل لا يتحقق إلا بفعل جميع الأفراد من حيث الاجتماع وعدم استقلال الفرد منهم أو البعض بالحكم، فما يقال: إن المجموع يصدق بالبعض لا يصح إلا في صورة النفي على ما سنبينه، وحينئذ فالفرق بين إسناد الأمر إلى الجميع وإسناده إلى المجموع استقلال كل فرد بالحكم في الأول دون الثاني.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 320
قوله:
(وإلا لتعذر الاستدلال به في النهي)
(2/211)
---(2/153)
مقتضاه أنه لا يتعذر الاستدلال على تقدير الكل في الأمر وهو صحيح لأن أمر المجموع بشيء طلب للفعل من المجموع، ولا يتحقق الفعل من المجموع إلا بفعل الجميع، إذ المجموع هو المركب من الأفراد باعتبار الهيئة التركيبية، فلو فعل البعض فقط لم يمتثل الأمر إذ الفاعل البعض لا المجموع، وهذا بخلاف نهي المجموع عن شيء إذ هو طلب أن لا يجتمعوا على ذلك الشيء، فنهي المجموع هو النهي عن الاجتماع وذلك يتمثل بكف بعضهم دون بعض. والحاصل أن أمر المجموع معناه اجتمعوا فافعلوا. وذلك لا يتحقق بفعل البعض ونهي المجموع معناه لا تجتمعوا فتفعلوا وذلك يتحقق بكف البعض، ولا يخفى أن نهي المجموع إنما يمتثل بكف البعض إذا كان معناه ما ذكر، وأما إذا كان معناه طلب الكف من المجموع فهو لا يتحقق كف المجموع فيه إلا بكف جميع الأفراد لا ببعضها فهو مساو لأمر المجموع قاله العلامة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 320
قوله:
(لأن النظر في العام إلى الأفراد)
(2/212)
---(2/154)
علة لقوله: ولا كلي. قوله: (ودلالته على أصل المعنى قطعية) أي لأنه لا يحتمل خروجه بالتخصيص بل ينتهي إليه التخصيص كما يأتي في بابه. قوله: (فيما هو غير جمع) شامل للمثنى مع أن أصل المعنى فيه اثنان لا واحد. وقوله: والثلاثة أو الاثنين فيما هو جمع أي على الخلاف في أقل الجمع كما سيأتي مع ترجيح الأول. وقوله فيما هو جمع شامل لجمع الكثرة مع أن أصل المعنى فيه أحد عشر لا ثلاثة أو اثنان، على أنه سيأتي عن الأكثر أن أفراد الجمع المعرف آحاد لا جموع من ثلاثة أو اثنين، فكلامه كغيره إنما يأتي في الجمع المنكر وهو في المعرف على قول الأقل. قوله: (وهو عن الشافعي) خص الشافعي رضي الله عنه بالذكر مع أن القول المذكور محل وفاق لأنه قد اشتهر عنه إطلاق القول بأن دلالة العام ظنية، وحمله إمام الحرمين على ما عدا الأول فخصه المصنف بالذكر تنبيهاً على تقييد ما اشتهر عنه من الإطلاق شيخ الإسلام. قوله: (لاحتماله) أي كل فرد بخصوصه ما عدا الأول. وقوله للتخصيص أي الإخراج من حكم العام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 321
قوله:
(وعن الحنفية قطعية)
أي عن أكثرهم ومرادهم بالقطع عدم الاحتمال الناشىء عن الدليل لا عدم الاحتمال مطلقاً كما صرحوا به. وقوله للزوم معنى اللفظ له قطعاً أي سواء كان اللفظ عاماً أم خاصاً. وجواب الشافعية منع قطعية اللزوم. قوله: (أو غير ذلك) أي كالتقييد في المطلق والنسخ في المحكم. قوله: (فيمتنع التخصيص بخبر الواحد وبالقياس) أي يمتنع التخصيص بما ذكر للكتاب والسنة المتواترة كما في كتب الحنفية، وقد يقال: قضية قطعية دلالة العام عندهم امتناع تخصيص الآحاد أيضاً عندهم بما ذكر، لأن دلالتها على كل فرد بخصوصه قطعي أيضاً إلا أن يدفع بأنه لا يتأتى حصول القطع بالمعنى مع ظنية المتن فليحرر من كتبهم سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 321
قوله:
(كانت دلالته)
(2/213)
---(2/155)
أي على كل فرد بخصوصه قطعية اتفاقاً فيه أن يقال: الدال على العموم هو الدليل القائم والكلام في دلالة العام في نفسه، وقد يقال: إن الدليل لما دل قطعاً على انتفاء التخصيص علم أن العام باق على عمومه قطعاً. قوله: (وعموم الأشخاص) الإضافة على معنى في وأراد بالأشخاص أفراد العام سواء كانت ذواتاً أو معاني. قوله: (يستلزم عموم الأحوال الخ) أي والتعميم ليس بالوضع حتى يحتاج إلى صيغة بل بالاستلزام، فيسقط ما قاله القرافي وغيره من أن العام في الأشخاص مطلق في المذكورات لانتفاء صيغة العموم فيها، نعم شكك القرافي على ما قاله بأنه يلزم عليه عدم العمل بجميع العمومات في هذا الزمان لأنه قد عمل بها في زمن ما، والمطلق يخرج من عهدة العمل به بصورة. ورد بأن محل الاكتفاء في المطلق بصورة إذا لم يخالف الاقتصار عليها مقتضى صيغة العموم من الاستغراق، فإذا قال: من دخل داري فاعطه درهماً فدخل قوم أول النهار وأعطاهم لم يجز حرمان غيرهم ممن دخل آخر النهار لكونه مطلقاً فيما ذكر لما يلزم عليه من إخراج بعض الأشخاص بغير مخصص، فمحل كونه مطلقاً في ذلك في أشخاص عمل به فيهم لا في أشخاص آخرين، حتى إذا عمل به في شخص ما في حالة في مكان ما لا يعمل به فيه مرة أخرى ما لم يخالف مقتضى صيغة العموم، فلو جلد زان لم يجلد مرة أخرى إلا بزنا آخر شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 321
قوله:
(لأنها لا غنى للأشخاص الخ)
(2/214)
---(2/156)
هذا دليل لاستلزام الأشخاص للمذكورات، ولا يلزم من ذلك استلزام العموم للعموم، وقد يقال بل يلزم، وليس المراد بعموم الأحوال مثلاً ثبوت الحكم متكرراً لكل شخص بتكرر الأحوال لأن تكرر الحكم مسألة أخرى لا تثبت إلا بدليل، بل المراد به ثبوت الحكم لكل شخص من غير اعتبار حال بعينه بل أي حال اتفق كان الحكم ثابتاً له معه، مثلاً قوله تعالى: {اقتلوا المشركين} (التوبة: 5) معناه الأمر بقتل كل مشرك في أي حال كان عليه لا في كل حال. وقوله: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} (النور: 2) معناه الأمر بجلد كل زانية وزان في أي حال كانا عليه لا في كل حال، فوجه الاستدلال حينئذ أن الأحوال مثلاً لما كانت لازمة للأشخاص وجب اعتبار أي فرد اتفق منها، وهذا معنى كلام الشارح بقوله أي على أي حال الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 322
قوله:
(وخص منه المحصن)
أي أخرج عن عموم الأحوال في الآية. قوله: (أي لا يقر به كل منكم) هو من باب عموم السلب لا سلب العموم، فإن هذه العبارة صالحة لكل منهما والأول هو المراد كما يفيده المقام. قوله: (أي كل مشرك على أي حال) أي حال الذمة أو الحرابة. وقوله وفي أي زمان ومكان أي في الأشهر الحرم وغيرها وفي الحرم وغيره. قوله: (كأهل الذمة) دخل بالكاف المؤمن والمعاهد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 322
قوله:
(فما خص به العام)
أي من حيث المذكورات. قوله: (مبين للمراد بما أطلق فيه على هذا) لفظة ما عبارة عن المذكورات من الأحوال وما معها وضمير فيه يرجع لها ونائب فاعل أطلق ضمير العام، والتقدير فما خص به العام من حيث المذكورات من الأحوال وما معها مبين للمراد بالأحوال وما معها التي أطلق العام فيها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 322
قوله:
(كل والذي الخ)
(2/215)
---(2/157)
إنما قدم كل لأنها أقوى صيغ العموم. وقوله: وقد تقدمت أي في مبحث الحروف. وقوله: والذي والتي قال الشهاب لهما استعمالان أن يقعا على شخص معهود وهو الذي تكلم عليه النحويون وأن يقعا على من يصلح أي كل من يصلح له وهو المراد هنا اهـ. وقضيته أنه لا خلاف بين الفريقين في إثبات كل من المعنيين، ويخالفه تضعيف القول بالاشتراك الآتي، فلعل الأصوليين قام عندهم دليل العموم فقط فرجحوه، والنحويين قام عندهم دليل الخصوص فرجحوه سم. قوله: (وتقدمتا) أي في الحروف. وقوله: وأطلقهما الخ جواب سؤال تقديره إطلاقهما يقتضي أنهما عامان في جميع استعمالاتهما وليس كذلك إذ لا عموم لأي الواقعة صفة لنكرة أو حالاً من معرفة ولا لما الواقعة نكرة موصوفة أو تعجبية، وحاصل الجواب أنه سوغ الإطلاق ظهور عدم العموم فيهما فيما ذكر من هذه الأمثلة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 322
قوله:
(ومتى للزمان)
قيده ابن الحاجب وغيره بالمبهم وعليه فلا يقال: متى زالت الشمس فأتني شيخ الإسلام. ومعنى العموم في الزمان التوسعة فيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 323
قوله:
(وأين وحيثما للمكان)
قال الشهاب، هذا يقتضي مكانية حيثما في قوله:
حيثما تستقم يقدر لك الله نجاحاً في غابر الأزمان
وفيه نظر اهـ. وقد يجاب إما بأنهم أرادوا بالمكان ما يشمل الاعتباري، وإما بأنها استعملت في هذا المثال في غير المكان تجوزاً سم. قوله: (حيثما كنت آتيك) في نسخة أتيتك بصيغة الماضي، وفي نسخة آتيك بصيغة المضارع بإثبات الياء والقياس حذفها للجازم لكنه يحسن رفع المضارع بعد فعل الشرط الماضي، قال في الخلاصة: وبعد ماض رفعك الجزا حسن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 323
قوله:
(وجميع)
عطف على من الاستفهامية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 323
قوله:
(ونظر المصنف فيها)
(2/216)
---(2/158)
أي في جميع. قوله: (ولذلك شطب الخ) أي لأجل التنظير المذكور وهو البحث فيها بأنها لا تفيد العموم وإنما هو من المضاف إليه، ولقائل أن يقول: إذا شطب عليها لأجل النظر المذكور فكيف ساغ للشارح إدراجها تحت قول المصنف ونحوها؟ ثم إن نظر المصنف هو الحقيق بالنظر إذ لا يلزم من إفادة المضاف إليه العموم عدم إفادة هذا المضاف التنصيص على العموم لكنه من ألفاظ التوكيد. ويمكن أن يجاب عن الأول بأن إدراج الشارح لها في قول المصنف ونحوها إشارة لرد النظر المذكور، وهذا على ما هو الظاهر من جر جميع عطفاً على أمثلة النحو فإن رفعها كنحوها عطفاً على كل فلا إشكال. وأما الثاني وهو التنظير في نظر المصنف فهو صحيح، ويوجه التنظير في نظره أيضاً بأن المعرفة التي تضاف إليها لا يجب أن تكون من ألفاظ العموم كما في قولك: جميع العشرة عندي فإن الظاهر صحة هذا التركيب، وعموم جميع فيه لصدق تعريف العام عليها، ولا يضر دلالة المضاف إليه على الحصر لأن عدم الحصر إنما يعتبر في اللفظ العام وهو هنا المضاف لا المضاف إليه، وكما في قولك: جميع زيد حسن فإنه لا عموم في المضاف إليه قطعاً سم مع زيادة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 323
قوله:
(مما قامت فيه قرينة الخصوص)
(2/217)
---(2/159)
أي وهي المرور أي فهما في هذا المثال ونحوه من العام الذي أريد به الخصوص للقرينة المذكورة، فلا ينافي أنهما للعموم وضعاً على أنه قد يقال: لم لا يجوز أن يكونا في المثال المذكور للعموم وذكر المرور لا يمنع من ذلك لجواز أن يكون المرور قد وقع بكل من اتصف بالصلة؟ فليتأمل. قوله: (للعموم حقيقة) خبر كل وما عطف عليه. وقوله: حقيقة حال من الضمير في متعلق الخبر المحذوف أي حال كون كل وما عطف عليه حقيقة في العموم أي مستعملة فيه بوضع أول سم. قوله: (أي وقيل للخصوص حقيقة) فيه أنه في غاية البعد بالنسبة لكل ونحوها كما لا يخفى، وتضعيف هذا القول وما بعده دليل على مخالفة النحاة في الموصولات حيث جعلوها للخصوص فإنهم عدوها من المعارف سم. قوله: (للواحد في غير الجمع الخ) جار على ما قدمه في دلالة العام على أصل المعنى وفيه ما تقدم، فلو قال أي للواحد المفرد وللاثنين في المثنى وللاثنين أو الثلاثة في الجمع كان أولى شيخ الإسلام. قوله: (لأنه المتيقن) أي لأنه ثابت على كل من احتمال العموم والخصوص فهو ثابت على كل حال.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 323
قوله:
(والعموم مجاز)
(2/218)
---(2/160)
أي واستعماله في الأمثلة السابقة في العموم مجاز وهو جواب سؤال تقديره ظاهر قوله: (وقيل مشتركة) أي اشتراكاً لفظياً بأن تعدد الوضع. قوله: (وقيل بالوقف) اختلف في محله على أقوال: فقيل على الإطلاق، وقيل في الوعد والوعيد دون الأمر والنهي ونحوهما، وقيل عكسه، وقيل غير ذلك شيخ الإسلام. قوله: (والجمع المعرف) مثل الجمع اسم الجمع، وفي قوله المعرف إشارة إلى أنه لا تنافي بين جعل جمع السلامة مفيد للعموم كما مثل به وبين قول النحاة: إن جمع السلامة جمع قلة، ومدلول جمع القلة عشرة فأقل لأن كلامهم في الجمع المنكر، وكلام الأصوليين في المعرف قاله إمام الحرمين. وقال غيره: لا مانع من أن يكون أصل وضعه للقلة وغلب استعماله في العموم بعرف أو شرع فنظر النحاة إلى أصل الوضع والأصوليون إلى غلبة الاستعمال شيخ الإسلام. قلت: كلام المصنف إنما يتمشى على ما قاله إمام الحرمين كما هو بين فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 324
قوله:
(ما لم يتحقق عهد)
ينبغي اعتبار هذا القيد في الموصولات أيضاً فإنها قد تكون للعهد كما هو مصرح به، وقد يقال: لا حاجة إلى هذا القيد لأن الكلام في المعنى الوضعي للجمع المعرف وهو العموم، ولا يخفى أنه ثابت مع تحقق العهد، غايته أنه انصرف عن معناه لقرينة العهد غير أن ذلك لا يمنع ثبوت ذلك المعنى له. ويمكن أن يجاب بوجوه: منها إنما قيد به ليظهر الاختلاف واستدلال الأول بالتبادر ومنع المقابل لذلك إذ مع تحقق العهد لا يظهر ذلك إذ التبادر حينئذ سببه العهد. الثاني: أنه موضوع مع العهد للمعهود فيكون عند الإطلاق موضوعاً للعموم وعند العهد للمعهود حتى يكون استعماله فيه حقيقياً كما هو المتبادر من قوة كلامهم. الثالث: أنه لما احتمل أن يكون مع العهد موضوعاً للمعهود احتاط بالتقييد المذكور، وانظر لم لم يزد بعد قوله: ما لم يتحقق عهد أو تقم قرينة على إرادة الجنس سم.
(2/219)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 324
قوله:
(مطلقا)(2/161)
أي احتمل معهوداً أم لا. قوله: (فهو عنده للجنس) أي من حيث هو الصادق بكل فرد وببعض الأفراد. قوله: (كما في تزوجت النساء وملكت العبيد) مثل بمثالين للإشارة إلى أنه لا فرق بين الجمع واسمه، واسم الجمع ما دل على أفراده دلالة المركب على أجزائه. وأما الجمع فدلالته عليها دلالة تكرار العطف. قوله: (في نفيه العموم عنه إذا احتمل معهود) قد يقال: المفهوم من هذا عدم مجامعة العموم عنده لاحتمال المعهود وهذا ينافي التردد بين العموم والعهد عند ذلك الاحتمال، فيشكل كل من الحكم والتفريع في قوله فهو عنده الخ. ويجاب بأن المعنى خلافاً له في نفيه الجزم بالعموم سم. قوله: (متردد بينه وبين العموم) الظاهر أن وجه ذلك اشتراكه بينهما حينئذ. قوله: (أما إذا تحقق عهد الخ) مفهوم قوله: ما لم يتحقق عهد. قوله: (والأكثر آحاداً الخ) تلخيص لما ذكره التفتازاني وصححه في المطول من أن عموم الجمع المعرف سواء قلنا: إن أفراده آحاد أو جموع محله إذا لم تقم قرينة تصرفه إلى إرادة الجموع، فإن قامت لم يكن من قبيل العام ولم يكن ذلك قادحاً في العموم لأن الخروج حينئذ عن العموم لأمر خارج لا بوضع اللفظ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 324
قوله:
(ويؤيد صحة استثناء الواحد)
لم يقل ويدل عليه لاحتمال الانقطاع في الاستثناء، وقد يقال: الاحتمال المخالف للظاهر لا يمنع الاستدلال في الظنيات سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 325
قوله:
(نعم قد تكون قرينة الخ)
(2/220)
---(2/162)
يحتمل أنه تقييد لمحل الخلاف في كون الأفراد آحاداً لا جموعاً، ويحتمل أنه تقييد لأصل عموم الجمع سواء قلنا: إن أفراده آحاد أو قلنا: إنها جموع كذا قال الكمال، ويحتمل أنه تقييد لهما جمعاً، ويحتمل أنه تقييد لقول الأكثر إن أفراده آحاد. وهذا أنسب بسياقه بدليل تأخيره جواب الأول عن استدلال الأكثر بقوله: والأول يقول الخ عن هذا الاستدراك، ولو كان هذا استدراكاً عليهما لكان الأنسب تأخيره عن الجواب المذكور كما هو ظاهر. بقي أن يقال: لا يخفى أن هذه القرينة صارفة للجمع عن العموم فكان الأولى أن يزيد المصنف ما يخرجه عقب قوله ما لم يتحقق عهد كأن يقول: أو تقم قرينة على إرادة المجموع. ويمكن أن يجاب بأن كلام المصنف في معاني اللفظ الحقيقية، وإذا استعمل اللفظ المذكور في المجموع كان الاستعمال مجازياً وجوازه معلوم من مبحث المجاز مع عدم اختصاصه بما هنا، بخلاف ما إذا استعمل في المعين المعهود فإن الظاهر أنه حقيقي فاحتاج إلى الإشارة فليتأمل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 325
قوله:
(والمفرد المحلي مثله)
(2/221)
---(2/163)
إنما لم يذكر المفرد المضاف مع أنه مثله كما سيذكره الشارح، لأن خلاف الإمام إنما هو في المحلي كما ذكره الكمال عند قول الشارح: والمفرد المضاف إلى معرفة الخ، وقول المصنف مثله قد يشمل إجراء خلاف إمام الحرمين إذا احتمل معهود، إذ المعنى يفيد التسوية بين المفرد المحلي والجمع في ذلك عند إمام الحرمين، ولا ينافي ذلك ذكره خلافه الآتي فقط لجواز أنه إنما ترك هذا لفهمه من المماثلة فليتأمل سم. قلت: المثلية المذكورة كما تشمل إجراء خلاف إمام الحرمين تشمل إجراء خلاف أبي هاشم أيضاً، فاقتصاره على إجراء خلافية إمام الحرمين لا وجه له حينئذ، والحق أن المثلية المذكورة غير شاملة لواحد من الخلافين، إذ لو كان الأمر كذلك لكان نظم عبارة المصنف هكذا، والجمع المعرف باللام أو الإضافة للعموم ما لم يتحقق عهد، والمفرد المحلي مثله خلافاً لأبي هاشم الخ. قوله: (وخص منه الفاسد) أي بناء على تناول العقد له كالصحيح. قوله: (خلافاً للإمام مطلقاً) أي سواء تميز مفرده بالتاء كتمر أو بالوحدة كرجل أم لا سواء تحقق عهد أم لا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 325
قوله:
(نحو الدينار خير من الدرهم)
القرينة هنا معنوية وهي كثرة القيمة. قوله: (ليكون قيداً فيما قبله) أي وهو قوله إذا لم يكن واحده بالتاء. قوله: (إلا هاء وهاء) بالمد والقصر وكلاهما اسم فعل بمعنى خذ كناية عن التقابض. قوله: (وكان مراد إمام الحرمين الخ) فلا يكون الحديث المذكور حجة على إمام الحرمين وحجة للغزالي فقط لموافقة إمام الحرمين للغزالي حينئذ. قوله: (أما إذا تحقق عهد) هذا محترز قول الشارح ما لم يتحقق عهد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 325
قوله:
(فليحذر الذين يخالفون عن أمره)
(2/222)
---(2/164)
ضمن يخالفون معنى يخرجون فعداه بعن. قوله: (أي كل أمر لله) قيل يلزم عليه حيث محذور وهو أن الوعيد في الآية مترتب على مخالفة كل الأمور دون بعضها، وجوابه أن المراد بقوله أي كل أمر لله أي أمر لله، وإنما عبر بقوله أي كل أمر لأنه أظهر في بيان معنى العموم، ويمكن أن يقال ما ذكره بظاهره هو معنى الآية، ولكن حكم البعض معلوم من دليل آخر، ومجرد السكوت في الآية عنه لا محذور فيه، وقد تؤول الآية بالسلب الرافع للإيجاب الكلي أي لا يمتثلون كل أمر له بل بعض الأمور فقط فتفيد ترتب الوعيد على البعض فقط قاله سم. قلت: قوله وقد تؤول الآية الخ فيه أنه حينئذ ليس من قبيل العام وأنه مخالف لقول الشارح وخص منه أمر الندب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 326
قوله:
(في سياق النفي)
(2/223)
---(2/165)
أي النفي ولو معنى فيشمل النهي نحو: لا تضرب أحداً، والاستفهام الإنكاري نحو: {هل تعلم له سميا} (مريم: 5) هل من خالق غير الله؟ {هل تحس منهم من أحد}؟ وشمل النفي جميع أدواته كما ولن وليس ولا. قوله: (بأن تدل عليه بالمطابقة) تفسير لدلالتها عليه وضعاً. وقوله كما تقدم أي في قول المصنف ومدلوله كلية. قوله: (من أن الحكم في العام) أي بسبب العام أو في التركيب الذي فيه العام أي الذي وقع فيه العام محكوماً عليه. وقوله: مطابقة مفعول مطلق عامله محذوف أي ودال عليه مطابقة أي دلالة مطابقة أي ذات مطابقة، ويحتمل أنه حال من كل فرد أي حال كون كل فرد مطابقة أي ذا مطابقة لكن مجيء المصدر حالاً وإن كثر سماعي فالأول أولى. قوله: (لزوماً) يؤيده قول النحاة أن لا في نحو: لا رجل في الدار لنفي الجنس فإن قضيته أن العموم بطريق اللزوم دون الوضع. وقال في منع الموانع ما نصه: غير أنا نفيدك هنا أن اختياري في مسألة أن دلالة النكرة المنفية هل هو باللزوم أو بالوضع؟ التفصيل فأقول: إنه باللزوم في المبنية على الفتح وبالوضع في غيرها، والقول باللزوم على الإطلاق قول الحنفية و الشيخ الإمام الوالد ، وبالوضع مطلقاً قول الشافعية مطلقاً اهـ. وفي شرح المنهاج قال ما نصه: اختلفوا في أن النكرة في سياق النفي هل عمت لذاتها أو لنفي المشترك فيها؟ والثاني قول الحنفية، وظاهر كلام غيرهم من الشافعية الأول اهـ. ولا يخفى أن الثاني أي أنه بالوضع هو الموافق لما قدمه المصنف من أن دلالة العام كلية وأنه محكوم فيه على كل فرد مطابقة قاله سم. قلت: ولعل هذا الخلاف مبني على خلاف آخر وهو: هل النكرة مرادفة لاسم الجنس فيكون مدلولها الماهية من حيث هي أو غير مرادفة له بل مدلولها الفرد الشائع: فليتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 326
قوله:
(دون الثاني)
(2/224)
---(2/166)
لعل وجهه أنه لا يتصور وجود فرد بدون الماهية، وحينئذ فلا يتأتى إخراج بعض الأفراد بعد نفي الماهية لاستلزام نفيها نفي الجميع كذا قيل، وقيل: لأن النفي على الثاني يتوجه للماهية وهي مفردة فلا يتوجه قصد تخصيصها، وقد يقال: ما المانع من صحة قصد نفي الماهية باعتبار وجودها في بعض أفرادها قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 326
قوله:
(نصاً إن بنيت على الفتح)
هو شامل للمفردة والمجموعة جمع تكسير وكان مراده على الفتح أو نائبه فيشمل المثنى والمجموع جمع سلامة، ثم هو في الجمع مبني على أن أفراد الجمع آحاد كما قدمه الشارح، ويرد عليه بعد هذا كله ما إذا كان اسم لا منصوباً نحو: لا صاحب برّ ممقوت، فلو قال نصاً إن وقعت بعد لا العاملة عمل إن كان أولى.
قوله: (وظاهر إن لم تبن) فيه أن يقال: إن أراد إن لم تبن مطلقاً كان مفهومه ومفهوم قوله إن بنيت على الفتح متنافيين في المبنية على غير الفتح، وإن أراد إن لم تبن على الفتح كان دالاً على الظهور في المبنية على غيره وفيه نظر ظاهر. وقد يجاب عن هذا النظر بما تقدم من أن المراد بالبناء على الفتح ما يعم البناء على الفتح أو نائبه، لكن يبقى النظر حينئذ من جهة أخرى وهو اقتضاؤه الظهور في اسم لا إذا كان منصوباً كما مر إلى أن يؤول قوله: إن بنيت على الفتح على معنى إن وقعت بعد لا العاملة عمل إن. وقوله إن لم تبن على معنى إن لم تقع بعد لا العاملة عمل إن بأن وقعت بعد العاملة عمل ليس، وهذا مع بعده وتكلفه قد يشير إليه صنيع الشارح فتأمله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 327
قوله:
(فيحتمل نفي الواحد)
أي احتمالاً مرجوحاً إذ الغرض أنه ظاهر في العموم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 327
قوله:
(قال المصنف مراده العموم البدلي الخ)
(2/225)
---(2/167)
تأمله فإنه لا فرق بين المثال والآية في أن المراد من كل العموم الشمولي، إذ المعنى في المثال من يأتني بأي مال. وفي الآية وإن استجارك أي أحد، وتفسيره الشمولي في الآية بأن المعنى: وإن استجارك كل واحد المفيد نفي إرادة ذلك من المثال لاقتضائه أن المعنى من يأتي بكل مال أي بجميع الأموال ممنوع، أما أولاً فلأن الشمول كما يفسر بذلك يفسر بمعنى أي شيء كما قلنا. وأما ثانياً فلأن حمل الشمول في الآية على ما ذكره يفيد قصر الإجارة على استجارة الجميع دون البعض وهو فاسد قطعاً، فتعين أن المراد في الآية ما قلناه، فالحق أن مراد الإمام بالعموم الشمولي لا البدلي سيما والمتبادر من العموم إنما هو الشمولي لا البدلي إذ الأول هو معنى العموم، وما قلناه من مساواة المثال للآية في العموم الشمولي هو معنى ما أشار له العلامة، وللعلامة سم هنا كلام لا يعول عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 327
قوله:
(وقد يعمم اللفظ عرفا)
أي في العرف فهو منصوب بنزع الخافض.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 327
قوله:
(كالفحوى)
(2/226)
---(2/168)
أي كاللفظ الدال على الفحوى ليناسب قوله: وقد يعمم اللفظ ويقدر مثله في قوله: ومفهوم المخالفة لذلك قاله شيخ الإسلام، وظاهر اقتصاره على ما ذكر أنه لا يقدر مثله في قوله كترتيب الحكم على الوصف وفيه نظر لأنه مثال لقوله أو عقلاً المعطوف على قوله عرفاً المتعلق بقوله: وقد يعمم اللفظ فيكون التقدير وقد يعمم اللفظ عقلاً كترتيب الخ، فلا بد أن يقدر مثله في قوله كترتيب أيضاً ليصح أن يكون مثالاً للفظ المعمم عقلاً. فإن قيل: هذا التقدير في هذه المواضع صحيح في نفسه لكن يمنعه قول المصنف والشارح الآتي والخلاف في أنه أي المفهوم مطلقاً لا عموم له لفظي إلى أن قال الشارح بناء على أن العموم من عوارض الألفاظ الخ فإنه دال على أن الكلام هنا أي في قول المصنف كالفحوى. وقوله: ومفهم المخالفة في نفس المفهوم لأنه الذي يصح بناء تسميته بالعام على ما ذكر لا في اللفظ الدال عليه لأن اللفظ يصح أن يسمى عاماً سواء قلنا: إن العموم من عوارض الألفاظ والمعاني أو من عوارض الألفاظ فتعين أن الكلام في نفس المفهوم، وحينئذ فكيف يصح وقوعه تمثيلاً لقوله: وقد يعمم اللفظ؟ قلنا: هذا مبني على أن قول المصنف والشارح والخلاف في أنه أي المفهوم لا عموم له لفظي متعلق بقوله: وقد يعمم اللفظ عرفاً كالفحوى الخ وهو ممنوع بل هو استئناف مسألة تتعلق بنفس المفهوم. فإن قلت: إذا كان استئنافاً وليس متعلقاً بما قبله فما موقعه هنا؟ قلت: موقعه أنه لما ذكر فيما قبله أن اللفظ الدال على المفهوم حصل له التعميم عرفاً على قول ناسب أن يبين حكم نفس المفهوم في العموم سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 327
قوله:
(على قول)
(2/227)
---(2/169)
أي ضعيف. وقوله تقدم أي في مبحث المفهوم من أن الدلالة على الموافقة لفظية عرفية شيخ الإسلام. ومعنى تعميم اللفظ الدال على الفحوى أن اللفظ الذي كان دالاً على الفحوى بطريق المفهوم صار موضوعاً لجميع الأفراد الشاملة لما كان قبل نقل العرف منطوقاً، ولما كان مفهوماً منه فيصير معنى قوله تعالى: {فلا تقل لهما أف} (الإسراء: 23) النهي عن جميع الإيذاءات. ومعنى قوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى} (النساء: 10) الخ تحريم جميع الإتلافات كما أشار إلى ذلك الشارح. قوله: (خلاف ما تقدم) حال من إطلاق على رأي سيبويه لأنه مبتدأ. وقوله صحيح خبره. وقوله إنه للأولى بدل مما تقدم. وقوله منه حال من الأولى والضمير لمفهوم الموافقة.
قوله: {وحرمت عليكم أمهاتكم}عطف على الفحوى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 328
قوله:
(نقله العرف من تحريم العين إلى تحريم جميع الاستمتاعات)
اعترضه الكمال بما حاصله: أنه يأتي في مبحث المجمل ما يؤخذ منه أن هذا من باب الإضمار الذي دليل مضمره العرف وأنه تقدم أن الإضمار أرجح من النقل. وأجاب شيخ الإسلام بأن ما تقدم فيما إذا لم يكن النقل مبنياً للمضمر وهذا بخلافه على أن كلاً منا ليس في الخلاف في ترجيح النقل على الإضمار أو عكسه بل في الخلاف في استفادة العموم من أيهما، وغايته أن الخلاف في هذا مبني على الخلاف في ذاك، ولا يلزم من البناء على شيء الاتحاد في الترجيح اهـ.
قوله: (على معنى أنه كلما وجدت العلة وجد المعلول) ليس هذا بياناً لكون اللفظ عاماً بل بيان لمعنى العقل الذي هو سبب في تعميم اللفظ كما هو مقتضى عبارة المصنف حتى يصير لفظ العلماء في مثال الشارح دالاً على كل فرد بواسطة المعنى سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 328
قوله:
(إذا لم تجعل اللام فيه للعموم)
(2/228)
---(2/170)
أي بأن جعلت للجنس احترازاً عما إذا جعلت للعموم، فإن العموم حنيئذ بالوضع لا بالعقل سم. وقوله ولا عهد الواو فيه للحال أي وأما إذا كانت للعهد فلا عموم أصلاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 328
قوله:
(وكمفهوم المخالفة)
عطف على قوله: كترتيب الحكم والتقدير وكاللفظ الدال على مفهوم المخالفة. وحاصل المعنى أن اللفظ صار عاماً في إفراد مفهوم المخالفة بواسطة العقل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 328
قوله:
(على قول تقدم)
أي في مبحث المفهوم وهو ضعيف، أي والصحيح أن دلالته باللفظ لا بالعقل، وعلى التقديرين ليس منطوقاً له إذ لم يوضع اللفظ له ولا نقله العرف إليه، وإنما الخلاف هل دلالة اللفظ على المفهوم به أو بحكم العقل؟ قوله: (إن دلالة اللفظ الخ) بدل من قوله فهمزة أن مفتوحة ويجوز كسرها على أن الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً وفيه بعد والأول هو الظاهر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 329
قوله:
(على أن ما عدا المذكور)
ما عبارة عن المفهوم والمذكور هو المنطوق. وقوله: بخلاف حكمه خبر إن الثانية وباء بخلاف للملابسة وضمير حكمه يعود للمذكور. وقوله بالمعنى خبر إن الأولى. وقول شيخ الإسلام متعلق بدلالة اللفظ أراد التعلق المعنوي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 329
قوله:
(المعبر عنه هنا بالعقل)
دفع لما قيل إنه لم يذكر العقل فيما سبق. وحاصل الدفع أنه ذكره بالمعنى لأن المراد بالعقل هنا هو المعبر عنه بالمعنى فيما سبق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 329
قوله:
(وهو)
(2/229)
---(2/171)
أي المعنى. وقوله: إنه ضميره للشأن. وقوله المذكور فاعل ينف والمراد به المنطوق كالسائمة في قوله : «في الغنم السائمة زكاة» وكالغنى في قوله : «مطل الغنى ظلم» وقوله عما عداه أي عن المفهوم وهو غير السائمة في الأول وغير الغنى في الثاني. وأورد على هذا الدليل وهو قوله: لو لم ينف المذكور الحكم عما عداه لم عداه لم يكن لذكره فائدة أنه إن أراد جميع ما عداه منعنا الملازمة لحصول الفائدة قطعاً بنفيه عن بعض ما عداه، وإن أراد عن بعض ما عداه لم يثبت المطلوب وهو عموم المفهوم. سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 329
قوله:
(أي المفهوم مطلقا)
أي موافقة أو مخالفة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 329
قوله:
(بناء الخ)
أي بناء للخلاف المذكور. وقوله: على أن العموم من عوارض الألفاظ والمعاني راجع لقوله: هل يسمى. وقوله: أو الألفاظ فقط راجع لقوله: أولا. فإن قيل: هذا الخلاف معلوم من قوله السابق والصحيح أنه من عوارض الألفاظ الخ فلم ذكره هنا؟ قلت: للتنبيه على كون الخلاف لفظياً ولأنه لما ذكر أن اللفظ الدال عليه وصف بالعموم بواسطة العرف أو العقل ناسب أن ينبه على حكم نفيه لئلا يغفل عنه سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 329
قوله:
(وأما من جهة المعنى)
بيان لمفهوم قوله لفظياً لأن مقتضى كون الخلاف لفظياً الاتفاق في المعنى. لا يقال: هذا الاتفاق في المعنى مناف لما سبق من تصحيح أن العموم من عوارض الألفاظ دون المعاني لأنه صريح في عدم عروضه للمعاني فينا فيه الاتفاق هنا في المعنى. لأنا نقول: هذا توهم فاسد لأن الذي سبق أن المعنى لا يوصف بالعموم بمعنى أنه لا يطلق عليه لفظ العموم حقيقة، والمذكور هنا أن المفهوم شامل لجميع الصور، بمعنى أن الحكم المفهوم متعلق بكل ما عدا المذكور وشتان ما بين المقامين ذكره سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 329
قوله:
(2/230)
---
(بما تقدم)
أي بسبب ما تقدم وهو متعلق بشامل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 329
قوله:
(من عرف الخ)(2/172)
اقتصاره على العرف والعقل كأنه لتقدم ذكرهما آنفاً، وإلا فمن المعلوم أن المفهوم شامل لجميع صور ما عدا المذكور على غير قول العرف والعقل من المجاز واللغة والشرع سم. قوله: (وإن صار) أي المفهوم به أي بسبب العرف منطوقاً أي مدلولاً عليه في محل النطق يعني أن تلك الصيرورة لا تمنع كون الكلام في المفهوم بحسب الأصل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 329
قوله:
(أو عقل)
لم يقل وإن صار به منطوقاً كالذي قبله لأنه لم يقل أحد بنقل اللفظ إلى مفهوم المخالفة ودلالته عليه في محل النطق، والذي تقدم في قوله وكمفهوم المخالفة. حاصله أن دلالة اللفظ على حكم المسكوت لا في محل النطق قطعاً، لكن هل هو بطريق الوضع أو بطريق العقل بخلاف دلالة اللفظ على مفهوم الموافقة فإنها في محل النطق على ذلك القول سم. قوله: (والخلاف في أن الفحوى) أي نفس الفحوى لا عمومه لأن الذي تقدم في بحث المفهوم هو الأول كما لا يخفى سم. قوله: (على أن المثالين) هما قوله كالفحوى وقوله كمفهوم المخالفة. قوله: (بدل هذا) أي بدل قوله إن الفحوى بالعرف الخ. وقوله فيهما على قول أي لو قال والخلاف فيهما على قول.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 330
قوله:
(كان أخصر وأوضح)
. أما الأول فلسقوط جملة في الفحوى الخ. وأما الثاني فلإيهام ما عبر به اعتماد ما ذكره بخلاف قولنا على قول فإن المتبادر منه مرجوحيته سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 330
قوله:
(ومعيار العموم)
(2/231)
---
أي دليل تحققه الاستثناء من معناه كما أشار إليه الشارح بقوله: فكل ما صح الاستثناء منه الخ. وفي العبارة مضاف محذوف أي ومعيار العموم صحة الاستثناء دل عليه قول الشارح: فكل ما صح الخ. وكل في قوله فكل ما صح بالضم وترسم مفصولة عن ما لأنها موصولة بخلاف ما إذا كانت ظرفية فإنها ترسم متصلة بكل نحو قوله تعالى: {كلما أضاء لهم مشوا فيه} (البقرة: 20).
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 330
قوله:
(مما لا حصر فيه)(2/173)
زاده جواباً عن الإيراد على قول المصنف كغيره ومعيار العموم الاستثناء، وزاد في التلويح جوابين آخرين حيث قال: فإن قيل المستثنى منه قد يكون خاصاً اسم عدد نحو عندي عشرة إلا واحداً، أو اسم علم نحو: كسوت زيداً إلا رأسه، أو غير ذلك نحو: صمت هذا الشهر إلا يوم كذا، وأكرمت هؤلاء الرجال إلا زيداً فلا يكون الاستثناء دليل العموم. أجيب بوجوه: الأول أن المستثنى منه في مثل هذه الصورة وإن لم يكن عاماً لكنه يتضمن صيغة عموم باعتبارها يصح الاستثناء وهو جمع مضاف إلى المعرفة أي جميع أجزاء العشرة وأعضاء زيد وأيام هذا الشهر وآحاد هذا الجمع. الثاني: وذكر ما أجاب به الشارح. الثالث: إن المراد استثناء ما هو من أفراد مدلول اللفظ لا ما هو من أجزائه كما في الصور المذكورة اهـ باختصار اهـ سم. قوله: (للزوم تناوله للمستثنى) أي من غير حصر كما قدمه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 330
قوله:
(ومن نفي العموم فيها)
(2/232)
---
قال الكمال: أي من نفي كونها للعموم حقيقة وذلك يتناول القائل بأنها للخصوص حقيقة وأن استعمالها للعموم مجازي والقائل بأنها مشتركة والقائل بالوقف اهـ. وفي شمول نفي العموم فيها للقول بالاشتراك والقول بالوقف نظر ظاهر إذ لا نفي على هذين، والظاهر أنه خاص بالقول الأول، وأما من قال بالاشتراك فيجعل الاستثناء قرينة إرادة أحد المعنيين وهو العموم، ومن قال بالوقف يقول الاستثناء يدل على إرادة العموم مع احتمال أنه حقيقة وأنه مجاز فليتأمل قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 330
قوله:
(إلا أن تخصص فيعم فيما يتخصص به)(2/174)
فإن قلت: هل يصدق عليه حينئذ العموم بالمعنى المراد فيما سبق؟ قلت: نعم لأنه قد استغرق الصالح له من غير حصر لأنه لا يصلح إلا لمن صدق عليه الوصف وقد استغرق جميع أفراد ما صدق عليه، وقد ذكر في التلويح كالتوضيح أن من ألفاظ العموم عندهم النكرة الموصوفة بصفة عامة وهي التي لا تختص بفرد من أفراد تلك النكرة، كلا أجالس إلا رجلاً عالماً، فإن العلم مما لا يخص واحداً من الرجال، بخلاف لا أجالس إلا رجلاً يدخل داره وحده قبل كل أحد، فإن هذا الوصف لا يصدق إلا على فرد واحد وذلك لوجهين: أحدهما الإستعمال في قوله تعالى: {ولعبد مؤمن خير من مشرك} (البقرة: 221) وقوله: {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى} (البقرة: 263) للقطع بأن هذا الحكم عام في كل عبد مؤمن وكل قول معروف. الثاني: أن تعليق الحكم بالوصف المشتق سواء ذكر موصوفه أو لم يذكر يشعر بأن مأخذ اشتقاق الوصف علة لذلك فيعم الحكم بعموم علته اهـ. باختصار. ومثال الشارح لا يظهر فيه الوجه الثاني ولا يضر ذلك لاستقلال كل من الوجهين في التوجيه، نعم فيه ما سيأتي بيانه اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 330
قوله:
(نحو قام رجال كانوا في دارك إلا زيداً منهم)
(2/233)
---(2/175)
قال الكمال: هذا المثال وإن تمشى فيه ما ادعاه من العموم فيما تخصص به فلأمر يخص المثال من كون الدار حاصرة لهم، ولا يتمشى فيما مثل به ابن مالك من قوله: جاءني رجال صالحون إلا زيداً اهـ. واعترضه شيخ الإسلام حيث قال: قد يوجه عمومه فيما تخصص به بوجوب دخول المستثنى في المستثنى منه لولا استثناء لكون الدار حاصرة للجميع، ويرد بمنع وجوب ذلك، وأن الدار حاصرة للجميع لجواز أن لا يكون زيد منهم، ولهذا احتيج إلى ذكر منهم، مع أن في عموم ذلك نظراً إذ معيار العموم صحة الاستثناء لا ذكره وهنا لا يعرف إلا بذكره. وأما ما اختاره ابن مالك من جواز الاستثناء من النكرة في الإثبات نحو: جاءني قوم صالحون إلا زيداً فهو مخالف لقول الجمهور، إذ الاستثناء إخراج ما لولاه لوجب دخوله في المستثنى منه وذلك منتف في المثال، نعم إن زيد عليه منهم كان موافقاً لهم لكن فيه ما مر آنفاً اهـ. وقوله: وإن الدار حاصرة للجميع. قد يقال ولو سلم إنها حاصرة للجميع فكونها كذلك لا يقتضي العموم فيما تخصص به لصدق اللفظ بجماعة ممن كانوا في الدار ولا يتبادر من اللفظ جميع من كانوا في الدار ويجاب بأن الاستثناء دليل العموم فيما تخصص به وإلا لم يحتج إليه، والظاهر من الاستثناء هو الاحتياج إليه وقوله ولهذا احتيج إلى ذكر منهم يخالفه قول الشهاب قوله منهم حال من زيد يعني لا يستثنى زيد مثلاً في هذا التركيب إلا إذا كان من جملة الرجال المحدث عنهم، فلا يلزم ذكر لفظة منهم في التركيب حين الإخبار اهـ. وقوله في توجيه نظره إذ معيار العموم صحة الاستثناء لا ذكره، قد يقال: من لازم ذكره على وجه صحيح صحته، ولا شك في صحة هذا التركيب مع صحة هذا الاستثناء. وقوله: وأما ما اختاره ابن مالك الخ فيندفع به إيراد الكمال هذا المثال على الشارح فيقال كلامه مبني على مذهب الجمهور. واعلم أن ما تقدم عن التلويح قد يدل على العموم فيما مثل به ابن مالك أيضاً سم.
(2/234)
---(2/176)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 331
قوله:
(كما نقله المصنف عن النحاة)
عبارته في شرح المنهاج قال النحاة ولا تستثنى المعرفة من النكرة إلا إن عمت نحو: ما قام أحد إلا زيداً، أو تخصصت نحو: جاء رجال كانوا في دارك إلا زيداً منهم اهـ سم. قلت: ظاهر عبارة النحاة المذكورة أنه لا بد من ذكر منهم في التركيب كما قال شيخ الإسلام خلاف ما قاله الشهاب، إذ لو كان المراد ما قاله الشهاب لذكر ذلك على وجه يشعر بعدم الاحتياج إليه في التركيب بأن يقال إذا كان منهم. قوله: (نحو جاء عبيد لزيد) ليس بعام أي في جميع أفراده وإلا فهو عام فيما تخصص به، إن قيل إلا زيداً منهم لما قدمه من أن الجمع المنكر إذا خصص يعم فيما تخصص به وهو هنا مخصص بقوله لزيد فلو تركه كان أولى، ومع ذلك ففيه ما مر قاله شيخ الإسلام، وقد يتعذر بأن التمثيل يتسامح فيه وبأن لزيد ليس صفة بل متعلق بجاء سم. قوله: (كما في رأيت رجالاً) أي لأنه لا يمكن رؤية جميع أفراد الرجال. قوله: (والأصح أن أقل مسمى الجمع ثلاثة لا اثنان) قال شيخ الإسلام: الحق به كما قال البرماوي كل ما دل على جمعية دلالة الجموع كناس وجيل بخلاف نحو قوم ورهط لأن دلالته على المجموع لا على الجميع اهـ. وأقول: كلام التلويح دال على إلحاق نحو قوم ورهط أيضاً فإنه قال: اختلفوا في منتهى التخصيص إلى أن قال: والمختار عند المصنف إن كان جمعاً مثل الرجال والنساء، أو في معناه مثل الرهط والقوم يجوز تخصيصه إلى الثلاثة تفريعاً على أنها أقل الجمع اهـ فتأمله اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 331
قوله:
(فقد صغت قلوبكما)
(2/235)
---(2/177)
أي مالت قلوبكما لتحريم مارية وهو علة للتوبة، وجواب الشرط محذوف تقديره تقبلاً. قوله: (أي عائشة وحفصة) تفسير للضمير في تتوبا وفي قلوبكما. قوله: (لتبادر الزائد) علة لقوله مجاز وكلام المصنف. قوله: (ومتضمنه) هو بصيغة اسم الفاعل أي المحتوى عليه أي المضاف الذي هو ضمير عائشة وحفصة فإن المضاف إليه وهو ضميرهما محتو على المضاف وهو قلوب احتواء الكل على جزئه لأن القلب جزء من الشخص. قوله: (بخلاف نحو جاء عبداً كما) أي مما لم يتضمن فيه المضاف إليه المضاف. قوله: (لكن ما مثلوا به) هو على حذف مضاف أي لكن مقتضى ما مثلوا به، وبهذا يجاب عن قول الشهاب في الإخبار به أي بقوله مخالف عن ما مثلوا به نظر، وما ليست مصدرية لقوله به فكان الأولى أن يقول تمثيلهم اهـ قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 332
قوله:
(مخالف لاطباق النحاة الخ)
(2/236)
---(2/178)
اعتمدت طائفة أن الخلاف في الجمعين وفرقت بينهما بوجه آخر منهم الأصفهاني شارح المحصول فإنه قال ما نصه: التنبيه الرابع الجواب عن أشكال عرض لبعضهم يعني القرافي وهو أنه قال لي نحو عشرين سنة أورد هذا السؤال على الفضلاء ولم يحصل لي ولا لهم جواب وهو أن الخلاف في هذه المسألة وهو أن أقل الجمع اثنان أو ثلاثة غير مضبوط ولا متصور، وسببه أنه إن فرض قولهم أقل الجمع اثنان أو ثلاثة في صيغة الجمع الذي هو جيم ميم عين امتنع إثباته في غيرها، إذ لا يلزم من ثبوت الحكم لصيغة ثبوته لغيرها، وإن كان في مدلول هذه الصيغة فإن مدلول هذه الصيغة كل ما يسمى جمعاً، وصيغ العموم قسمان: جمع قلة وجمع كثرة، واتفق النحاة على أن جمع القلة موضوع للعشرة فما دونها إلى الاثنين أو الثلاثة على الخلاف، وجمع الكثرة موضوع لما فوق العشرة. قال صاحب المفصل وغيره: وقد يستعمل كل منهما مكان الآخر، وتصريحهم بالاستعارة يقتضي أن كلاً منهما يستعمل في موضع الآخر مجازاً، وأن جمع الكثرة موضوع لما فوق العشرة، فإن استعمل فيما دون العشرة كان مجازاً، فنقول: موضع الخلاف إن كان جمع الكثرة فلا يستقيم لأن أقل الجمع على هذا التقدير أحد عشر والاثنان والثلاثة إنما يكون اللفظ فيهما مجاز، والبحث في هذه المسألة ليس في المجاز لأن إطلاق لفظ الجمع على الاثنين أو الثلاثة لا خلاف فيه، إنما الخلاف في كونه حقيقة، بل لا خلاف أن لفظ الجمع يجوز إطلاقه، وإرادة الواحد مجازاً فكيف الاثنان؟ وإن كان الخلاف في جمع القلة فلا يتجه لأنهم ذكروا أمثلتهم في جموع الكثرة، فدل على أن مرادهم في تصوير المسألة ليس حصرها في جمع القلة. قال الأصفهاني : والجواب الحق عن ذلك أن كون أقل الجمع اثنين أو ثلاثة هو على الإطلاق سواء كان ذلك جمع قلة أو جمع كثرة. ونقول: جمع الكثرة يصدق على ما دون العشرة حقيقة، وأما جمع القلة فلا يصدق على ما فوق العشرة، فإن ساعد على ذلك منقول الأدباء فلا(2/179)
(2/237)
---
كلام، وإلا فمن خالف فهو محجوج بالأدلة الأصولية الدالة على عموم الجمع على الإطلاق، وكيف لا يدعي إجماع الأدباء على ذلك ومنهم المولى التفتازاني في التلويح فإنه أشار في تقرير كلام التنقيح وشرحه إلى التردد في أن أقل جمع الكثرة ثلاثة أو لا. ثم بعد أن بسط الكلام على الخلاف في أن أقل الجمع ثلاثة أو اثنان قال ما نصه: واعلم أنهم لم يفرقوا في هذا المقام بين جمع القلة وجمع الكثرة، فدل بظاهره على أن التفرقة بينهما إنما هي في جانب الزيادة، بمعنى أن جمع القلة مختص بالعشرة فما دونها وجمع الكثرة غير مختص لا أنه مختص بما فوق العشرة، وهذا أوفق بالاستعمالات، وإن صرح بخلافه كثير من الثقات اهـ. ولما نقله عنه الدماميني في باب الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر من شرحه للتسهيل عقبه بما نصه هذا كلامه ويعني بالمقام المشار إليه مقام التعريف بما يفيد الاستغراق يريد أن العلماء لم يفرقوا في هذا المحل بين:
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 332
{فاقتلوا المشركين} (التوبة: 5) وأكرم العلماء مثلاً حيث جعلوا كلاً منهما شاملاً للثلاثة وما فوقها إلى غير النهاية. فدل عدم الفرق بحسب الظاهر في هذه الحالة على أن التفريق بينهما حال كونهما منكرين إنما هو في جانب الزيادة كما قال. وحاصله أن الجمعين متفقان باعتبار المبدإ مفترقان باعتبار المنتهى، فمبدأ كل منهما الثلاثة، ومنتهى جمع القلة العشرة ولا نهاية لجمع الكثرة، وبهذا التقرير لا يحتاج إلى أن نقول في محل من المحال هذا مما استعير فيه جمع القلة لجمع الكثرة اهـ. نعم في حواشي التلويح الخسروية ما نصه: وجه عدم التفرقة أن كلامهم في الجمع المعرف سواء كان جمع قلة أو كثرة فلا بعد أن لا يبقى بينهما فرق بعد التعريف حيث قصد بهما الاستغراق، وهذا لا يخالف ما صرح به الثقات لأن تصريحهم في المنكر فليتأمل اهـ. ويتأمل في قول الدماميني لا يحتاج إلى أن نقول الخ اهـ سم.
(2/238)
---(2/180)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 332
قوله:
(وشاع في العرف الخ)
هو من كلام المصنف جواب سؤال تقديره: لم حمل جمع الكثرة في مسألة الإقرار والوصية على الثلاثة كما تدل عليه عبارته في شرح المنهاج حيث قال: ولقائل أن يقول: اتفقت الفقهاء على أن من أقر بدراهم قبل منه تفسيرها بثلاثة وهي جمع كثرة وأقله باتفاق النحاة أحد عشر فما الجمع بين الكلامين؟ اللهم إلا أن يدعي الفقيه إن العرف شاع في إطلاق دراهم على ثلاثة واشتهر فصار حقيقة عرفية وهي مقدمة على اللغوية، ولا يكفيه أن يقول إطلاق جمع الكثرة على القلة يصح مجازاً، والأصل براءة الذمة عما زاد فقبلنا تفسيره بثلاثة لذلك. لأنا نقول: لا يقبل من اللافظ بحقائق الألفاظ في الأقارير التفسير بالمجاز، ألا ترى أن من أقر بأفلس لا يقبل منه التفسير بفلس واحد وإن صح إطلاق الجمع على الواحد مجازاً اهـ. وقضيته أن إطلاق دراهم على ثلاثة مجاز لغوي وهو ممنوع، بل محل كون جمع الكثرة مجازاً في العشرة وما دونها فيما ورد له جمع قلة وإلا كان مشتركاً بينهما كما صرح به الرضي بقوله: واعلم أنه إذا لم يأت للاسم بناء إلا بناء جمع القلة كأرجل في الرجل وإلا جمع الكثرة كرجال في الرجل فهو مشترك بين القلة والكثرة، وقد يستعار أحدهما للآخر مع وجود ذلك الآخر اهـ. ويوافقه قول ابن مالك:
وبعض ذي بكثرة وضعاً يفي
كأرجل والعكس جاء كالصفي
(2/239)
---(2/181)
إذ قوله وضعا صريح في الاشتراك، ولا شك أنه لم يرد لدراهم جمع قلة فيكون استعماله في الثلاثة حقيقياً فلا حاجة إلى الاعتذار بشيوع العرف لأن الحاصل حينئذ أنه محتمل للقلة والكثرة حقيقة، والأصل براءة الذمة مما زاد، وبهذا يظهر ما في كلام الكمال حيث صرح بالتجوّز فيما لم يرد له جمع قلة، وما في قول الشارح وما مثلوا به من جمع الكثرة الخ لما تقرر أنه مشترك بينهما فيجوز أن يكون تمثيلهم به من حيث إنه للقلة، نعم ما سلكه المصنف يحتاج إليه في نحو قولهم فيما لو قال: إن تزوجت النساء أو اشتريت العبيد فزوجتي طالق أنه يحنث بثلاثة لورود جمع القلة للعبيد كأعبد، بقي أن يقال: اعتذار المصنف المذكور بقوله وشاع الخ إنما هو في مسألة الإقرار أو الوصية بدراهم، وقد يقال بجريان مثله في رجال الذي مثل به الشارح بأن يدعي عرفاً شيوعه في ثلاثة أيضاً، وأجرى شيخ الإسلام الخلاف في كل جمع كثرة شاع في القلة حيث قال بعد كلام قرره وحمل فيه الدراهم في كلام المصنف على التمثيل ما نصه: فيكون الخلاف في جمعي القلة والكثرة في الأول وضعاً وفي الثاني شيوعاً اهـ. وفيه نظر اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 334
قوله:
(كما قال الصفي الخ)
متعلق بقال المصنف، أي قال المصنف قولاً مماثلاً لقول الصفي الهندي الخلاف في عموم الجمع المنكر أي المذكور بقول المصنف والأصح أن الجمع المنكر ليس بعام في أن كلاً منهما تقييد لمحل الخلاف وإن كان المقيد به متعاكساً والخلاف مبتدأ وفي عموم متعلق به وفي جمع الكثرة خبره سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 334
قوله:
(لاستواء الواحد والجمع الخ)
(2/240)
---(2/182)
إشارة إلى قرينة هذا المجاز وسكت عن بيان علاقته، ويمكن أن تكون الكلية والجزئية لأن الواحد من الجمع جزء منه سم. قلت: قوله إشارة إلى قرينة هذا المجاز غير ظاهر، بل لو قيل إنه إشارة إلى علاقة هذا المجاز وأنها لمشابهة فيكون مجاز استعارة حيث شبه الواحد بالجمع في كراهة التبرج، ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه لم يكن بعيداً، وأما القرينة فحالية فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 335
قوله:
(في كراهة التبرج له)
قال شيخ الإسلام في قوله له أي للرجل القائل فهو متعلق بالكراهة لا بالتبرج اهـ. زاد شيخنا الشهاب: ويحتمل التعلق بالتبرج وعود الضمير للمذكور من الواحد والجمع اهـ. ويدل على صحة ما قاله ما ذكره ابن هشام أن الضمير قد يعود على المعنى كما تعود الإشارة وجعل من ذلك قوله تعالى: {لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لاقتدوا به} (الرعد: 18) أي بذلك سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 335
قوله:
(على بابه)
أي للثلاثة أو الاثنين والأولى أن يفسر بأنه الجمع الأعم من أقله وما زاد عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 335
قوله:
(على بابه)
أي للثلاثة أو الاثنين والأولى أن يفسر بأنه الجمع الأعم من أقله وما زاد عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 335
قوله:
(لأن من برزت الخ)
قال الشهاب : أي فالموبخ عليه هو اللازم العادي اهـ. أقول: أو التهيؤ لذلك بأن يسهل عليها ذلك وتطيب به نفسها وإن لم يوجد بالفعل سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 335
قوله:
(والأصح تعميم العام بمعنى المدح والذم الخ)
(2/241)
---(2/183)
فيه أمور: الأول أنه قد يقال لم عبر بتعميم دون عموم. ويجاب بأن اللفظ عام وضعاً فلا وجه لاختلافهم في عمومه، وإنما الاختلاف هل يعتد بعمومه ويعمل به أم لا؟ فأشار إلى ذلك بتعبيره بالتعميم بمعنى االاعتداد بعمومه والعمل به. الثاني: ذكر المدح والذم إنما هو على وجه التمثيل، والمراد إن سوق العام لغرض آخر كالمدح أو الذم هل ينصرف بذلك عن عمومه أم لا؟ الثالث: إن الباء في بمعنى للملابسة والإضافة بيانية والتقدير حال كون العام ملتبساً من حيث سياقه بمعنى هو المدح أو الذم. الرابع: أن الشارح أشار بقوله بأن سيق لأحدهما إلى أن الواو بمعنى أو، وقرينة ذلك عدم اجتماع المدح والذم غالباً وإن أمكن باعتبارين. الخامس: أن شيخ الإسلام قال: وسكت أي الشارع عن بيان مفهوم ما زاده بقوله لم يسق لذلك وهو ما إذا عارض العام المذكور عام آخر سيق لذلك فكل منهما عام وظاهر أنهما يتعارضان فيحتاج إلى مرجح اهـ. وقد يجاب عن سكوت الشارح عما ذكر بأنه إنما سكت عنه لدخوله في منطوق كلام المصنف، فيستفاد منه الاعتداد بعموم الأول كمعارضه فيحتاج إلى الترجيح كما يعلم من باب التعادل والتراجيح. والسادس: أنه سكت الشارح والمحشيان عن مفهوم قول المصنف عام آخر وهو ما إذا عارضه خاص سيق لذلك أولا، والقياس أنه يقدم عليه في القسمين. السابع: قوله إذا ما سيق لذلك لا ينافي تعميمه، قال شيخ الإسلام : تعليل لتعميم العام بمعنى المدح أو الذم اهـ. ويجوز كونه تعليلاً لتقييد الشارح بقوله: لم يسق لذلك اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 335
قوله:
(لأنه لم يسق للتعميم)
أي بل إنما سيق للمدح أو الذم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 335
قوله:
(جمعا)
تمييز محول عن المفعول أي يعم جمع الأختين في الوطء بملك اليمين. وقوله وعارضه في ذلك أي عمومه للأختين بملك اليمين جمعاً.
(2/242)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 335
قوله:
(فحمل الأول)(2/184)
أي قوله: وما ملكت أيمانكم على غير ذلك أي على غير جمع الأختين بالملك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 336
قوله:
(بأن لم يرد تناوله)
أي على القول الأول. وقوله أو أريد ورجح الثاني الخ أي على القول الثالث.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 336
قوله:
(بأنه محرم)
أي والأول مبيح والمحرم مقدم على المبيح لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 336
قوله:
(الممكن نفيها)
دفع لاستدلال الخصم بأنه لو كان عاماً لما صدق لأنه لا بد بين أمرين من مساواة من وجه وأقله المساواة في سلب ما عداهما عنهما. وحاصل الدفع أن المراد نفي مساواة يصح انتفاؤها وإن كان ظاهراً في العموم فهو من قبيل ما يخصصه العقل نحو: الله خالق كل شيء أي كل شيء يخلق اهـ سم.
قوله: (لتضمن الفعل المنفي لمصدر منكر) عبارة العضد لنا أنه نكرة في سياق النفي لأن الجملة نكرة باتفاق النحاة، ولذلك يوصف بها النكرة دون المعرفة، فوجب التعميم كغيره من النكرات، وليس هذا قياساً في اللغة بل استدلال بالاستقراء اهـ. وقوله لأن الجملة نكرة قال السعد: دفع لما قيل أن التمثيل بلا يستوي ليس بحسن لأن المراد بالنكرة اسم الجنس ويستوي فعل هذا، ولكن تصريحهم بأن التعريف والتنكير من خواص الأسماء ينفي كون الجملة نكرة والمحققون من النحاة على أن المراد بتنكير الجملة أن المفرد الذي ينسبك منها نكرة، وعموم الفعل المنفي ليس من جهة تنكيره بل من جهة أن ما تضمنه من المصدر نكرة، فمعنى لا يستوي زيد وعمرو لا يثبت استواء بينهما اهـ. وبه يظهر حسن صنيع الشارح وعدوله عن صنيع العضد سم.
(2/243)
---(2/185)
قوله: (نظراً إلى أن الاستواء المنفى الخ) قال العضد في تقرير هذا الدليل: قالوا أولاً المساواة مطلقاً أي في الجملة أعم من المساواة بوجه خاص وهو المساواة من كل وجه فلا يدل عليه لأن الأعم لا إشعار له بالأخص بوجه من الوجوه فلا يلزم من نفيه نفيه. الجواب: أن ما ذكرتم من عدم إشعار الأعم بالأخص إنما هو في طرف الإثبات لا في طرف النفي، فإن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص، ولولا ذلك لجاء مثله في كل نفي فلا يعم نفي أبداً اهـ. وبه يعلم أن تقرير الشارح لهذا الدليل أعني قوله نظراً إلى أن الخ يحتاج إلى تتميم، وإن حق التعبير بدل قوله إن المنفى هو الاشتراك من بعض الوجوه أن يقول: إن المنفى مطلق الاشتراك. ودعوى سم أن عبارة الشارح وافية بجميع معنى عبارة العضد غير مسلمة كما ترى فتأمل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 336
قوله:
(يستفاد من الآية الأولى الخ)
فيه أن المتجه حمل الفاسق في الآية على الكافر لقوله: {وأما الذين فسقوا} إلى قوله: {ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} (السجدة: 20) فإن قوله: {وأما الذين} الخ تفصيل للمؤمن والفاسق وبيان لحكمهما، وهذا يقتضي أن المراد بالفاسق الكافر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 336
قوله:
(فهو لنفي جميع المأكولات)
أي من حيث كونها مأكولة.
(2/244)
---(2/186)
قوله: (المتضمن) على صيغة اسم المفعول نعت للأكل، وإنما كان متضمناً على زنة المفعول لتضمن اللفظ له لدلالة الفعل على الحدث والزمان فهو جزء مدلوله ومتضمن له الفعل. وقوله المتعلق بصيغة اسم الفاعل نعت للأكل أيضاً، وضمير بها للمأكولات أو أفراد الأكل وعلم من تمثيل المصنف بلا أكلت وإن أكلت تصوير المسألة بأن يكون الفعل متعدياً غير مقيد بشيء وهو الذي ذكره الغزالي و الإمام والآمدي وغيرهم، وعلى هذا لا يتناول الأفعال القاصرة، لكن القاضي عبد الوهاب في كتاب الإفادة قال الفعل في سياق النفي هل يقتضي العموم كالنكرة في سياق النفي لأن نفي الفعل نفي لمصدره؟ فإذا قلنا: لا يقوم كأنا قلنا لا قيام وعلى هذا التصوير تعم المسألة القاصر قاله الزركشي، ويمكن أن يكون عدم تقييد الشارح الفعل بالمتعدي لذلك سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 336
قوله:
(وقال أبو حنيفة لا تعميم فيهما)
أي وضعاً بل لزوماً كما سيذكره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
قوله:
(لأن النفي)
أي في المسألة الأولى وهي: لا أكلت. وقوله: والمنع أن في المسألة الثانية وهي إن أكلت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
قوله:
(وإن لزم منه)
أي من المذكور وهو نفي حقيقة الأكل ومنعها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
قوله:
(على خلاف تسوية الخ)
حال من قيل وخلاف بمعنى مخالفة، ويمكن أيضاً تعلقه بعبر سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
قوله:
(لا المقتضى الخ)
وهو وما عطف عليه بالجر عطفاً على العام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
قوله:
(ما لا يستقيم من الكلام)
الأظهر أن من تبعيضية فالمقتضى كلام مخصوص. وقوله يستقيم أي يصدق. وقوله يسمى أي ذلك الأحد مقتضى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
قوله:
(فإنه)
(2/245)
---(2/187)
أي المقتضى بالكسر لا يعم تفسير لقول المصنف لا المقتضى وما بعده علة لنفي العموم أو هو علة لعدم العموم لكن بانضمام ما بعده والأول الأظهر. قوله: (من مثله) أي مثل هذا التركيب. قوله: (وقيل يقدر جميعها) أي وهو القول بتعميم المقتضى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
قوله:
(فإنه لا يقتضي العموم في المعطوف)
قال شيخ الإسلام: أجرى العطف في كلام المصنف على معناه المصدري، ولو جعله بمعنى المعطوف لكفاه أن يقول: فلا يعم ولكان أنسب بما قبله وما بعده، على أن التعبير بشيء منهما تجوزاً بالنظر إلى المثال، لأن الكلام فيه إنما هو في متعلقي المعطوف المعطوف عليه لا فيهما نفسهما اهـ. وحاصله إيرادان: أما الأول فقد يجاب عنه بأن الحامل على الإجراء المذكور أنه ظاهر اللفظ مع صحته فلا ضرورة إلى العدول عنه وفيه نظر، لأن العطف بالمعنى المصدري مع فوات مناسبته لما قبله وما بعده لا يتأتى تعميمه إلا بغاية التعسف. وأما الثاني فيمكن دفعه بالوجه الأول في قول شيخنا الشهاب ما نصه. قوله ولا ذو عهد عطف على مسلم وبكافر المقدر عطف على بكافر الملفوظ، ويصح أن يكون المعطوف عليه لفظ مسلم والمعطوف ذو عهد وهما المحدث عنهما وعمومهما باعتبار قيدهما وهما بكافر الأول والمقدر اهـ. وقوله بكافر المقدر أي على الخلاف فإن الحنفي يقدره و الشافعي إنما يقدر بحربي. وقوله: وعمومهما أي على الخلاف فإن الشافعي يمنع عموم العطف، والعطف على الوجه الأول في كلام الشيخ من عطف مفردين على مفردين وعلى الثاني عطف مفرد على مفرد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
قوله:
(قلنا في الصفة ممنوع)
أي وأما في الحكم فمسلم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
قوله:
(وخص منه)
أي أخرج منه غير الحربي فيقتل به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
قوله:
(بل يقدر بحربي)
(2/246)
---
أي يقدر ذلك من أول الأمر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
قوله:
(والفعل المثبت ونحو كان يجمع في السفر)(2/188)
قيد الفعل المثبت بقوله بدون كان ليغاير ما عطف عليه لأن الأصل في العطف المغايرة، وكان يمكن ترك التقييد وجعل هذا العطف من قبيل عطف الخاص على العام، ونكتته دفع ما يتوهم من عموم المعطوف نظراً لما يأتي من أنه قد تستعمل كان مع المضارع للتكرار، وقد يقال: لا حاجة لجمع المصنف بينهما بل كان يكفيه الاقتصار على الفعل المثبت والتمثيل له مع كان وبدونها كما فعل ابن الحاجب، أو الاقتصار على كان يجمع في السفر لفهم غيره بالأولى لأنه إذا لم يعم مع أنه يستعمل للتكرار فغيره أولى. ويجاب بأن الحامل له على صنيعه إرادة الاختصار مع حصول المطلوب لأنه لو اقتصر على الفعل المثبت بلا تمثيل لتوهم عدم شموله لكان مع المضارع لمزيته بأنه قد يستعمل للتكرار فيتوهم تعميمه أو مع التمثيل للخالي عن كان فقط فكذلك، أو لما اقترن بكان توهم القطع بعدم التعميم في الخالي عنهما مع جريان الخلاف فيه فللّه دره سم.
قوله: (فلا يعم أقسامه) كذا عبر في المختصر، وعبر العضد بقوله: لا يعم أقسامه وجهاته، قال المولى التفتازاني : جعل المختلفات بالذات كالنفل والفرض في مثال صلى داخل الكعبة أقساماً وبالحيثيات كالعشاء بعد الحمرة، وبعد البياض أي في مثال صلى بعد غيبوبة الشفق جهات، ولما كان التقسيم كما يكون بالذات يكون بالإعتبار اقتص في المتن على ذكر الأقسام ووجه الإختيار الشارح طريق المختصر.أنه أخص (قوله اذ لا يشهد اللفظ الخ) قد يقال كيف لا يشهد اللفظ بذلك مع ما يأتي له من انه قد تستعمل كان مع المضارع للتكرار والجريان العرف على ذلك؟ ويجاب بأن المراد لا يشهد بذلك باعتبار الاستعمال الأكثر أو لا يشهد بذلك بدون القرينة، وأما استعمال كان مع المضارع للتكرار فهو مع القرينة كما قاله شيخ الإسلام.
(2/247)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
قوله:
(وقيل يعمان ما ذكر حكما)(2/189)
أي لا لفظاً أي يجوز أن تكون هذه الصلاة فرضاً وأن تكون نفلاً، ويجوز أن يكون هذا الجمع جمع تقديم، وأن يكون جمع تأخير جوازاً على سبيل البدل، لأن الواقع منه صلاة واحدة كما ذكره الشارح بقوله: ويستحيل وقوع الصلاة الواحدة فرضاً ونفلاً الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 338
قوله:
(وقد تستعمل كان الخ)
أي وهذا لا يرد على ما تقدم لأن هذا الاستعمال لقرينة وما نحن فيه في الاستعمال بدون قرينة كما مر، ثم أن التحقيق أن المفيد للاستمرار هو المضارع بدون كان وكان إنما تفيد مضى الفعل أي الحدث الدال عليه المضارع كما قال السعد ، ويشهد لذلك قولهم بنو فلان يكرمون الضيف ويأكلون الحنطة فإنه يفيد أن ذلك عادتهم، ويؤيد ذلك ما تقرر في المعاني أنه يقصد بالمضارع الاستمرار التجددي بحسب المقام، فقد علم أن إفادة المضارع التكرار لا يتقيد بمقارنة كان قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 338
قوله:
(ولا المعلق الخ)
بالجر عطفاً على قوله لا المقتضى. وقوله لفظاً تمييز محول عن المضاف أي ولا تعميم لفظ المعلق حكمه بعلة الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 338
قوله:
(لكن يعمه قياسا)
(2/248)
---(2/190)
قال شيخ الإسلام: لا ينافي في تسميته عقلاً في قوله أو عقلاً كترتيب الحكم على الوصف الخ لأن المراد منهما واحد، وإنما عاد ذلك لبيان الخلاف في أن عمومه وضعي أو قياسي اهـ. وفيه أن يقال لا حاجة في ذلك للجمع بين الموضعين لا مكان الاقتصار على أحدهما مع بيان الخلاف، بل الفرق بين الموضعين أن اللفظ في الأول أعني قوله كترتيب الحكم الخ صالح لشموله لمتعدد كلفظ العلماء في قولك: أكرم العلماء بخلافه هنا فإن لفظ الخمر غير شامل لغيره مما تجري فيه العلة المذكورة. بقي أن يقال: إذا كان العموم المذكور قياساً فالوجه ذكر هذه المسألة في باب القياس لاهنا. وجوابه أن المتعلق بباب القياس أصل الإلحاق لا بيان لعموم المراد هنا فذكرها هنا لذلك، ولئن سلم أن محلها باب القياس فيقال وجه ذكرها هنا أنه لما قيل بالعموم فيها لفظاً ناسب ذكرها هنا سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 338
قوله:
(خلافاً لزاعمي ذلك)
تصريح بما علم التزاماً من ذكر الأصح أو هو لدفع توهم أن في المفهوم تفصيلاً عند المخالف من كونه إما مجملاً أو بعضه عاماً وبعضه خاصاً مثلاً فنص على ذلك بقوله خلافاً الخ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 339
قوله:
(وإن ترك الاستفصال الخ)
أي ترك الشارع طلب التفصيل في حكاية حال الشخص، والمراد بالحكاية الذكر والتلفظ كقول غيلان لرسول الله : إني أسلمت على عشر نسوة مستفتياً فلفظه حكى به حالته. وقول الشارح في حكاية الحال متعلق بترك، ويجوز كون في للمصاحبة والمقال بمعنى القول واللفظ، وشمل حكاية الحال كون الحاكي صاحب القول وكونه غيره سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 339
قوله:
(فلولا أن الحكم)
(2/249)
---(2/191)
أي وهو إمساك الأربع ومفارقة الباقي يعم الحالين أن الترتيب والمعية لما أطلق الكلام أي الجواب، وقال إمام الحرمين : فيه نظر عندي وذلك لجواز كون النبي عالماً بصورة الواقعة فلهذا لم يستفصل فلا يكون ذلك كالعموم في المقال اهـ. وقوله عالماً بصورة الواقعة أي بأن تزوجهن معاً لفساد العقد حينئذ فله إمساك أي تزوج أربع أي أربع منهن. لا يقال: وبأنه تزوجهن مرتباً فله إمساك الأربع الأول لصحة نكاحهن وفساد نكاح من بعدهن لأن هذا لا يناسبه إطلاق قوله أمسك أربعاً. ويمكن أن يجاب عن النظر المذكور بوجهين: الأول أن إطلاقه في الجواب وإن كان عالماً بصورة الواقعة يعم الحالين وإلا لاستفصل لأن إطلاق الجواب يوهم السامعين، وكل من بلغه الجواب عموم الحكم ويحمل العمل به مع كثرة من أسلم على أكثر من العدد الشرعي. والثاني أن كونه عليه الصلاة والسلام عالماً بصورة الواقعة خلاف الظاهر لظهور انتفاء أسباب العلم بذلك من نحو المخالطة وبتقديره، فلا شبهة لعاقل أن الظاهر أنه تزوجهن مرتباً لأنه الغالب بل لا يكاف يقع تزوج العشرة معاً، فلو فرض كونه عالماً بالواقعة كان الظاهر علمه بالترتيب، وظاهر أن إطلاق قوله أمسك أربعاً أنه لا فرق بين إمساك الأوليات أو غيرهن والمسألة ظنية يكفي فيها مثل ذلك. والحاصل أن الظاهر عدم علمه عليه أفضل الصلاة والسلام، وأنه بتقديره يكون الظاهر الترتيب، وعلى كل منهما يثبت المطلوب لأن الظنيات يكتفي فيها بالظن، وظاهر تقرير الشارح وغيره بناء الجواب على عدم علمه بالواقعة، ولعل اقتصارهم على ذلك لأنه الظاهر سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 339
قوله:
(وسيأتي تأويل الحنفية الخ)
أي بناء على أنه مجمل والتأويل المذكور لدليل قام عندهم.
(2/250)
---(2/192)
قوله: (اتق الله) قال الشهاب : خاطبه بالتقوى تكليفاً لأن سبب التكليف وهو القدرة بمعنى سلامة الأسباب والآلات قائم والعصمة لا تنافي ذلك، قال أبو منصور الماتريدي: العصمة لا تزيل المحنة أي الابتلاء وهو التكليف اهـ قاله سم. ثم إن محل الخلاف ما يمكن فيه إرادة الأمة معه ولم تقم قرينة على إرادتهم معه، بخلاف ما لا يمكن فيه ذلك نحو: {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك} (المائدة: 67) أو أمكن فيه ذلك وقامت قرينة على إرادتهم مع نحو: {يأيها النبي إذا طلقتم النساء} (الطلاق: 1) الآية، وليس من محل الخلاف أيضاً ما لا يمكن فيه إرادة النبي بل المراد به الأمة نحو: {لئن أشركت ليحبطن عملك } : قوله: (يشمل الرسول عليه الصلاة والسلام) قال السعد : أي بحسب الحكم المستفاد من التركيب اهـ أي كما شمله اللفظ. قال العضد لنا ما تقدم أنه ممن يتناوله اللفظ لفة فوجب الدخول فيه عند التركيب اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 339
قوله:
(وإن اقترن بقل)
قال السعد : ليس المراد صريح لفظ القول أي فقط بل يدخل فيه مثل بلغهم كذا وكذا، أو اكتب إليهم كذا، وما أشبه ذلك اهـ.
(2/251)
---(2/193)
قوله: (لأنه ورد على لسانه للتبليغ لغيره) عبارة العضد قالوا أولاً إنه عليه الصلاة والسلام آمر أو مبلغ، فإن كان آمراً فلا يكون مأموراً لأن الواحد بالخطاب الواحد لا يكون آمراً ومأموراً معاً، وإن كان مبلغاً فلا يكون مبلغاً إليه لمثل ذلك. فإن قيل: قد يكون آمراً مأموراً من جهتين. قلنا: الآمر على رتبة من المأمور ولا بد من المغايرة. الجواب لا نسلم أنه آمر أو مبلغ بل الآمر هو الله تعالى والمبلغ جبريل وهو حاك لتبليغ جبريل ما هو داخل فيه اهـ. وقوله: لا يكون آمراً ومأموراً معاً قال في العقود: أي بالقطع الضروري أو لأن الآمر طالب والمأمور مطلوب. وقوله لمثل ذلك أي للقطع والمغايرة بين الآمر والمأمور. وقوله: فإن قيل قد يكون آمراً مأموراً من جهتين قال السعد . فإن قيل: فمثله يرد على التبليغ ولا يتأتى الجواب بمثل ما ذكر إذ لا يشترط كون المبلغ أعلى. قلنا: لا بد أن يكون وصول الخطاب إلى المبلغ قبل وصوله إلى المبلغ إليه وهذا في الواحد محال وإن تعددت جهاته وهو ظاهر اهـ. وبما تقرر يعلم أن الشارح ذكر دليل هذا القول دون جوابه ولعله لإشكال إطلاق نفي التبليغ عليه ، وكان وجه تعرضه لدليل الثاني والثالث دون الأول ظهور دليله إذ لا شبهة في تناول اللفظ له اهـ سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 340
قوله:
(وإنه يعم العبد)
أي شرعاً إذ لا كلام في أنه يعمه لغة، وعبارة العضد خطاب الشرع بالأحكام بصيغة تتناول العبيد لغة مثل: يأيها الناس يأيها الذين آمنوا هل تتناول العبيد شرعاً حتى يعمهم الحكم أو لا بل يختص بالأحرار الأكثر على أنه يتناول العبيد سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 340
قوله:
(ويتناول الموجودين)
عطف على يشمل الرسول فهو من محل الخلاف، وكان الأولى أن يقول: والأصح الخ كما قال في الذي قبله. وقوله الموجودين أي بصفة التكليف.
(2/252)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 340
قوله:
(دون من بعدهم)(2/194)
هذا هو محط الخلاف، قال السعد: أي بعد الموجودين في زمن الوحي وقيل من بعد الحاضرين مهابط الوحي، والأول هو الوجه، ويدل عليه ما ذكر في الاستدلال أنه لا يقال في المعدومين يأيها الناس اهـ. وبالأول جزم الشارح بقوله: وقت وروده سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 340
قوله:
(وقيل يتناولهم أيضا)
قال العضد لنا أي على الأول أنا نعلم قطعاً أنه لا يقال للمعدومين {يأيها الناس} (البقرة:2) ونحوه وإنكاره مكابرة، ولنا أيضاً أنه امتنع خطاب الصبي والمجنون بنحوه وإذا لم يوجهه نحوهم مع وجودهم لقصورهم عن الخطاب فالمعدوم أجدر أن يمنع لأن تناوله أبعد اهـ. واعترضه السعد فقال: واعلم أن القول بعموم النصوص لمن بعد الموجودين وإن نسب إلى الحنابلة فليس ببعيد إلى أن قال: وما ذكره المحقق من أن إنكاره مكابرة حق فيما إذا كان الخطاب للمعدومين خاصة، وأما إذا كان للمعدومين والموجودين ويكون إطلاق لفظ الناس أو المؤمنين على المعدومين على سبيل التغليب فلا، ومثله سائغ في الكلام، وكذا الاستدلال الثاني ضعيف لأن عدم توجه التكليف بناء على دليله لا ينافي عموم الخطاب وتناوله لفظاً اهـ. وقوله: لأن عدم توجه التكليف الخ معناه أن قيام الدليل على عدم تكليف نحو الصبي حتى كان خارجاً من حكم هذا الخطاب الآن لا ينافي عمومه له وتناول اللفظ له حتى يستدل بعدم توجهه له على عدم توجهه للمعدوم سم. قلت: قد يناقش في تضعيفه الأول بأن التغليب مجاز والكلام في التناول بحسب الحقيقة فتأمله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 341
قوله:
(قلنا بدليل آخر)
أي المساواة المذكورة بدليل آخر وليس تقديره قلنا التناول بدليل آخر إذ الآول لا يقول بالتناول أصلاً. فقوله قلنا الخ رد لكون المساواة دليل التناول هذا معنى العبارة.
(2/253)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 341
قوله:
(لا منه)(2/195)
أي من نحو {يأيها الناس} (البقرة: 21) وحاصله أنه لا خلاف أن الموجودين بعد الخطاب وقبله ولا خلاف في أنهم سواء في الحكم، وإنما الخلاف في أن غير الموجودين هل هم داخلون في الخطاب أم لا؟
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 341
(2/254)
---
قوله:
(من الشرطية)
كذا في المختصر، وعبر العضد بقوله ما لا يفرق فيه بين المذكر والمؤنث مثا من وما وإن كان العائد مذكراً فإنه يعم المذكر والمؤنث عند الأكثر. قال السعد: يشير إلى أن ذكر من الشرطية لمجرد التمثيل والضابط للألفاظ التي لا يفرق فيها بين المذكر والمؤنث وكان لها عموم مثل من وما الموصولتين والشرطيتين وغير ذلك اهـ. وكان تقييده بقوله وكان لها عموم المراد منه العموم الاستغراقي لمناسبة أن هذه المباحث مما له عموم استغراقي وإلا فلا مانع من جريان الكلام فيما هو أعم من الاستغراقي والبدلي، ثم رأيت قول شيخ الإسلام هذا مع أن الظاهر عدم تقييد من بشيء مما ذكر أي من كونها شرطية أو استفهامية أو غير ذلك لتشمل من التامة والموصوفة لكن عمومها في الإثبات عموم بدلي لا شمولي اهـ قاله سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 341
قوله:
(لأن المرأة لا يستتر منها)
فيه حيث لم يعلله بأن من لا تتناول المرأة كما هو الظاهر ولو بنيت هذه المسألة على هذا الخلاف إشعار بجواز بناء هذا القول على القول الراجع من هذا الخلاف أيها فيكون الحديث المذكور من العام المخصوص بغير المرأة وحاصله أنه أشار الى بناء القول الأول في نظر المرأة على الراجع من هذا الخلاف وجوز في القول الثاني بناءه على الراجع أيضا بناء على تخصيص الحديث بغير المرأة نظرا للمعنى المذكور وهو كونه لا يستتر منها سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 341
قوله:
(جمع المذكر السالم)
(3/1)
---(2/196)
نبه به على أنه محل الخلاف فخرج به اسم الجمع كقوم وجمع المذكر المكسر وما يدل على جمعية بغير ما ذكر كالناس فلا يشمل الأولان النساء قطعاً ويشملهن الثالث قطعاً. قال الزركشي وفي بعض النسخ وكذا المكسر وضميرهما وهو استدراك على تصويرهم المسألة بالجمع السالم فإن المكسر كذلك ولم أر تصريحاً بذلك بل رأيت في بعض المسودات أن جمع التكسير لا خلاف في عدم الدخول فيه، ويشهد له أنه لو وقف على بني زيد فإنه لا يدخل فيه البنات، نعم إن قامت قرينة على الدخول دخلن على الأصح كما لو وقف على بني تميم وهاشم فإن القصد الجهة اهـ. والتحقيق كما في العضد أن المكسر لا يشمل الإناث إن دل بمادته كرجال وإلا ففيه الخلاف السابق اهـ شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 341
قوله:
(كالمسلمين)
فيه إشارة إلى أن محل الخلاف فيما فيه وصف يناسب الإناث أيضاً كالمسلمين بخلاف نحو الزيدون.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
قوله:
(ظاهرا)
تمييز محول عن المجرور بفي والأصل وإن جمع المذكر السالم لا يدخلن في ظاهره أي بقطع النظر عن القرينة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
قوله:
(لا يقصد الشارع الخ)
أو رد عليه أن جعل المضارع جواباً للما لا يتمشى إلا على مذهب ابن عصفور. ويمكن أن يجاب بأن لما إنما تحتاج إلى الجواب إذا قصد بها التعليق، أما إذا لم يقصد بها إلا مجرد الظرفية فلا تحتاج إلى جواب، وحينئذ فقوله لا يقصد خبران ولما متعلقة به سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
قوله:
(قصر الأحكام عليهم)
المراد القصر بحسب اللفظ بأن لا يراد تناول اللفظ لهن ولا بيان حكمهن بهذا اللفظ ولا يراد به إلا الرجال، وبيان حكمهم لا قصر الحكم في الواقع، فاندفع قول الشهاب فيه بحث فإنه ليس فيه تعرض للقصر غاية الأمر السكوت عنهن قاله سم.
(3/2)
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
قوله:
(وقيل يشملهم فيما يتشاركون فيه)(2/197)
قال الكمال : الشمول هنا هل هو بطريق العادة العرفية أو الاعتبار العقلي؟ فيه الخلاف، وعلى هذا ينبني استدلال الأئمة بمثل قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر} (البقرة: 44) الآية فإن هذه الضمائر لبني إسرائيل قال: وهذا كله في الخطاب على لسان نبينا . وأما خطابهم على ألسنة أنبيائهم فهي مسألة شرع من قبلنا، والقول بأنه يعمهم بطريق الاعتبار العقلي وهو القياس لا ينفيه المصنف إنما ينفي العموم من حيث اللفظ بالصيغة أو العادة اهـ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
قوله:
(في عموم خطابه)
أي في عموم متعلق خطابه لظهور أن الدخول إنما هو في المخاطب به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
قوله:
(نحو والله بكل شيء عليم)
إن قلت: هذا لا خطاب فيه. قلت: المراد بقولهم المخاطب هل يدخل في خطابه أم لا؟ ما عبر به بعضهم أن المتكلم بكلام يصلح لشموله هل يدخل فيه أو لا؟ سواء كان ثم خطاب أم لا؟ لأن المستفيد له بمنزلة المخاطب، وإفادة المتكلم له بمنزلة الخطاب شيخ الإسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
قوله:
(لا أمرا)
مثله النهي كما صرح به في شرح المختصر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
قوله:
(وقيل لا يدخل مطلقاً الخ)
هذا هو التحقيق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
قوله:
(والأول ناظر إلى أن المعنى من جميع الأموال)
(3/3)
---
النظر إلى ذلك هو الموافق لما مر من عد الجمع المعرف بالإضافة من صيغ العموم وإن مدلول العام كليا يتناول الأفعال القاصرة، لكن القاضي عبد الوهاب في كتاب الإفادة قال الفعل في سياق النفي هل يقتضي العموم كالنكرة في سياق النفي لأن نفي الفعل نفي لمصدره؟ فإذا قلنا: لا يقوم كأنا قلنا لا قيام وعلى هذا التصوير تعم المسألة القاصر قاله الزركشي، ويمكن أن يكون عدم تقييد الشارح الفعل بالمتعدي لذلك سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
قوله:
(وقال أبو حنيفة لا تعميم فيهما)
أي وضعاً بل لزوماً كما سيذكره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 343
قوله:(2/198)
(لأن النفي)
أي في المسألة الأولى وهي: لا أكلت. وقوله: والمنع أن في المسألة الثانية وهي إن أكلت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 343
قوله:
(وإن لزم منه)
أي من المذكور وهو نفي حقيقة الأكل ومنعها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 343
قوله:
(على خلاف تسوية الخ)
حال من قيل وخلاف بمعنى مخالفة، ويمكن أيضاً تعلقه بعبر سم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 343
قوله:
(لا المقتضى الخ)
وهو وما عطف عليه بالجر عطفاً على العام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 343
قوله:
(ما لا يستقيم من الكلام)
الأظهر أن من تبعيضية فالمقتضى كلام مخصوص. وقوله يستقيم أي يصدق. وقوله يسمى أي ذلك الأحد مقتضى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 343
قوله:
(فإنه)
أي المقتضى بالكسر لا يعم تفسير لقول المصنف لا المقتضى وما بعده علة لنفي العموم أو هو علة لعدم العموم لكن بانضمام ما بعده والأول الأظهر. قوله: (من مثله) أي مثل هذا التركيب. قوله: (وقيل يقدر جميعها) أي وهو القول بتعميم المقتضى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 343
قوله:
(قد يقال الخ)
(3/4)
---
هذا الاعتراض منقول عن المصنف، وأشار الشارع إلى دفعه بقوله: بأن لا يراد الخ فإنه في النسخ كان الحكم مراداً ثم وقع بخلافه في العام فإنه يتبين عدم إرادته أصلاً، وهذا ما قاله الصفوي شارح المنهاج النسخ هو الإزالة والتخصيص بيان مراد المتلفظ بالعام. قوله: (لأن القصر الخ) هذا معنى ما وإلا وإنما وليس مراداً هنا بل المراد إخراج بعض ما تناوله اللفظ بلا تعرض للباقي كما في التلويح، وهذا من فوائد قوله بأن لا الخ فللّه دره.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 3
قول الشارح:
(ويصدق هذا الخ)(2/199)
أي يصدق القصر بمعنى أن لا يراد الخ لأن عدم الإرادة صادق بإرادة البعض فقط باللفظ وبإخراج بعض ما تناوله عنه. قوله: (ثبوته باعتبار ما يفهم الخ) هذا لا يظهر إذا كان المخصص الاستثناء لما صرحوا من أنك إذا قلت جاء القوم فقد نسبت أولاً المجيء إلى القوم على احتمال أن يكون على طريقة الإيجاب بالقياس إلى الكل أو إلى البعض، والسلب بالقياس إلى البعض الآخر، لأن تقرر الإيجاب والسلب بعد تمام الكلام، وقد يقال ظهور الإسناد للكل لا ينافي الاحتمال.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 3
قوله:
(والعام دلالته على كل فرد مستقلة)
(3/5)
---
كيف هذا مع الحكم بأن مدلوله الهيئة المركبة من الآحاد، وعندي أن كونه واحداً لا يقتضي أن الهيئة الاجتماعية هي المدلول الموضوع له لما عرفت أول المبحث أن الاجتماع شرط في استغراق العام بمعنى أن يكون الاستغراق في مرات ولو كان المدلول هو الهيئة كما قالوا كيف يتأتى لقائل أن يقول: إن العام استغرقها مع أنها شيء واحد؟ وكيف يقال مع ذلك القابل للتخصيص حكم ثبت لمتعدد؟ وهل هذا إلا تناقض ويلزمه عدم الفرق بين الجمع واسمه؟ وعلى هذا فمعنى كون مدلوله واحداً هو أن الأفراد لما كان استغراقها دفعياً حصلت لها وحدة اعتبارية باعتبار اجتماعها في الاستغراق فبهذا تعد واحداً وإن كانت تلك الوحدة في الحقيقة راجعة إلى الاستغراق، وفي السعد على العضد التحقيق في مفهوم العام أنه الآحاد التي دل العام عليها باعتبار أمر اشتركت فيه فتأمل والله الهادي إلى الصواب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 3
قوله:
(قلت الظاهر أن يقال الخ)
(3/6)
---(2/200)
هذا لا يفيد لأن الكلام إنما هو مع الحكم. قوله: (حتى يشمل أسماء العدد) وثبوت الحكم لمتعدد جاء من ثبوته للمجموع الذي هو مدلول اسم العدد. قوله: (ثم قال أردت واحداً الخ) أي الذي هو بمنزلة التخصيص بالاستثناء وغيره لأنه تخصيص. ثم أجاب بأن الكلام في الصحة لغة فيه أنه يتضمن تسليم أنه لغو عرفاً وعقلاً فيقتضي عدم وقوعه في كتاب الله وكلام رسوله والكلام في عامهما وتخصيصه، فالأولى أن يقال: لما كان المخصص لبيان أنه لم يدخل فهو كالتكلم بما يدل على الواحد ابتداء وهو لا يعد عبثاً لا عرفاً ولا لغة كذا في الفنري على التلويح، وفيه أنه لا مانع من التزام عدم وقوعه مثل هذه الصورة في كلامهما والكلام في جواز التخصيص مطلقاً لغة لا بقيد كونه في كلام الله ورسوله. بقي أن الصفوي شارح المنهاج قال عن أبي الحسين : إن القائل إذا قال أكلت كل رمانة في البيت وفيه ألف رمانة ولم يأكل إلا واحدة وقال: أردت ذلك عابه أهل اللغة وذلك دليل الامتناع لغة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 4
قوله:
(ويتقيد انتهاء التخصيص الخ)
أي لأن التخصيص يرفع العموم العارض لا أصل المعنى وقد مر تحقيقه. قوله: (لكن لا بد من فرق) قد يقال العام المخصوص مستعمل في معناه حقيقة ولو خصص إلى الواحد كان نسخاً لا تخصيصاً بخلاف المراد به الخصوص. وحاصله أن عمومه مراد تناولاً والتخصيص لا يرفع إلا العموم العارض، فلا بد أن يبقى أصل معناه بخلاف المراد به الخصوص.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 5
قول الشارح:
(والأخيران متقاربان)
(3/7)
---(2/201)
لعل فرض القولين فيما إذا كان التخصيص في غير محصور أو في عدد كثير، وعبارة العضد فإن كان أي التخصيص في غير محصور أو في عدد كثير فالمذهب الأول وهو أنه لا بد من بقاء جمع يقرب من مدلوله وإلا عدّ لاغياً ومخطئاً. وعبارة الصفوي: اختار أبو الحسين أنه لا بد من بقاء كثرة بعد التخصيص وإن لم يعلم قدرها. وعبر المصنف عن هذا المذهب بقوله: يجوز تخصيص العام ما بقي من أفراده عدد غير محصور اهـ. قال بعضهم: من قال إنه لا بد أن يبقى قريب من مدلوله بين أن المراد به غير محصور، ومن عد بالتقارب نظر إلى المفهوم وهذا ظاهر على كلام الصفوي، أما على كلام العضد فيقال: إن كان في غير محصور فلا بد أن يبقى غير محصور، وإن كان في عدد كثير فلا بد أن يبقى عدد كثير، ولا شك أن القول الأول من أفراد الثاني وهو معنى التقارب فتأمل. واعلم أن قول المصنف: والحق جوازه الخ ظاهره العموم فيما إذا كان المخصص الاستثناء، وأما إذا كان غيره وعبارة العضد المختار أنه إن كان التخصيص بالاستثناء أو البدل جاز إلى واحد وإلا فإن كان بمتصل غيرهما كالصفة والشرط جاز إلى اثنين وإن كان بمنفصل، فإن كان في محصور قليل جاز إلى اثنين كما تقول: قتلت كل زنديق وقد قتلت اثنين وهم ثلاثة أو أربعة فإن كان في غير محصور إلى آخر ما تقدم نقله عنه، ووجه إخراج الاستثناء والبدل أن الحكم لا يتم إلا بعد الاستثناء، فالحكم إنما أسند لما عدا المستثنى فلا لغو وكذلك البدل لأنه المقصود بالحكم، فكأنه ابتدأ إليه من أول الأمر، هذا والمصنف مطلع، ومخالفة الفقهاء كما حكاه حيث صححوا الاستثناء إلى الواحد ولو في الجمع لعله لمدرك فقهي.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 5
قول المصنف:
(والعام المخصوص عمومه مراد)
(3/8)
---(2/202)
أي ليصح الإخراج إلا أنه ليس مستعملاً مع المخصص في الكل وإلا بطل التخصيص بل فيما عدا المخرج لكن لا باستعمال ثان بل بالاستعمال الأول بعينه غايته أنه طرأ إخراج البعض وهو لا يغير تناوله الأول للبعض الباقي فلذا كان حقيقة إذ المجاز إنما يكون باستعمال ثان. والحاصل أن عمومه الوضعي مراد، والمخصص لا ينافيه بل يحتاج إليه لضرورة الإخراج وإرادة الباقي باللفظ بعد التخصيص. قوله: (ليست باستعمال اللفظ فيه) بإرادة غير الأولى بل هي الأولى طرأ عليها إخراج ما عدا المراد، والاستعمال هو الاستعمال الأول بعينه، وغير المصنف فهم أن إرادة البعض منه واستعماله فيه إرادة واستعمال آخران فقال: إنه حينئذٍ مجاز وهو باطل لما عرفت، مع أنه يرد عليه أنه عدول للمجاز مع إمكان الحقيقة، وبهذا يظهر أن جزم المصنف بأن عمومه مراد لا ينافي عدم جزمه بأنه حقيقة لأن إرادة عمومه لأجل الإخراج لا ينافي أنه مستعمل مع المخصص في الباقي. فإن قلنا بالاستعمال الأول وهو الأشبه فحقيقة وإلا فمجاز، نعم إن قلنا إنه مع المخصص مستعمل في الكل كما قال العضد في أحد جوابين عن إشكال كونه حقيقة بأن يكون المراد بقول القائل: أكرم بني تميم الطوال أكرم من بني تميم من قد علمت من صفتهم أنهم الطوال سواء عمهم الطول أو خص بعضهم ولذلك يقول: وأما القصار منهم فلا تكرمهم ويرجع الضمير إلى بني تميم لا إلى الطوال منهم انتهى. كان لا معنى للتردد حينئذٍ لكن المصنف لم يجر على ذلك، هذا وأما العام المراد به الخصوص فإنه استعمل في الخاص ابتداء استعمالاً آخر، وما قلناه في الفرق نبه عليه السعد والزركشي ويؤخذ من كلام الشارح الآتي.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 6
قوله:
(بأن الأولى حقيقة)
(3/9)
---(2/203)
صوابه بأن الأول عمومه مراد. قوله: (لا من حيث الحكم والتركيب) أي مع المخصص فإنه من حيث الحكم المأخوذ من التركيب مع المخصص مخرج منه البعض. قوله: (تشكل معه الخ) قد عرفت أن الإشكال جاء من إرادة البعض منه مع المخصص مع ظن أنه باستعمال ثان فمحل الإشكال هو استعماله في البعض لا الكل،وبه يندفع إيراد العام المراد به الخصوص. ألا ترى إلى قول الشارح فيه نظر الحيثية الجزئية بعد قوله كان مجازاً قطعاً؟ المفيد أن الخلاف في العام المخصوص إنما هو بالنظر لتلك الحيثية. والحاصل أن المحشي فهم أن المصنف بين كون العام المخصوص حقيقة على استعماله في تمام معناه قبل التخصيص وهو خطأ فاحش، بل هو مبني على استعماله في الباقي. قوله: (وإن الكلام هنا في دلالة العام الخ) فيه نظر بل الكلام في دلالة لفظ العام في ذاته والحكم تابع له، ألا ترى إلى قول الشارح الآتي: لأن تناول اللفظ للبعض الباقي الخ فإنه صريح في أن الكلام في لفظ العام، وبه صرح السعد في حواشي العضد ناقلاً له عن الإمام وغيره، والذي غر المحشي هنا كلام الشارح الآتي: فقد علمت الخ. وقد علمت أن محل الخلاف هو الاستعمال في الباقي بعد التخصيص. قوله: (وفيه ما مر) فيه ما مر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 7
قول الشارح:
(من حيث أن له أفرادا)
أي فهو من قبل الكلي من جهة تناوله لأفراده لا كلي حقيقة كما سيأتي عن شيخ الإسلام. قوله: (فإن المراد بالكلي القضية) كلام لا وجه له بل المراد به هنا ذو الأفراد وإن كان لا يصدق على كل منهما صدق الكلي الحقيقي، وبه تعلم قوله بعد وفيه أن هذا غير متأت هنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 8
قوله:
(باستعمال العام في جزئي)
(3/10)
---(2/204)
أي استعمال لفظه فقط. وحاصله أنه نظر للفظ العام وحده وإن لم توف العبارة بذلك. قوله: (فيه أن العام الخ) قد عرفت أن المصرح به هو أن الكلام في لفظ العام وبه تنطق عبارة العضد وغيره من الأئمة، وأما قوله: مدلوله المجموع فقد تقدم ما فيه، وبالجملة كل ما كتب هنا منشؤه عدم التثبت وكيف مع قول الشارح مثاله الخ ثم قال أي نعيم: وقوله أي رسول الله فإنه صريح في أن المستعمل في غير معناه هذان اللفظان لا القضيتان، وأما قوله تسمح على خلاف ما قدمه فمعناه أن الأولى أن يقول كلية لأن الحكم على كل فرد فرد إنما هو من تعدد أفراده لا من كونه كلياً لما علمت أنه ليس بكلي من قبيله، فالمراد بكونه كلية أن ما يدل عليه أفراد لا جزئيات فليتأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 8
قول الشارح:
(والتناول الخ)
فيه أن المدار على الاستعمال وهو هنا الأول بعينه ولم يشترط في الحقيقة عدم إخراج بعض ما دل عليه اللفظ. قول المصنف: (وقيل مجاز الخ) من تأمل ما تقدم علم عدم استقامة التقريب أعني سوق الدليل على ما يناسب المصنف وكذا باقي الأقوال الآتية. قول المصنف: (قال الأكثر حجة مطلقاً) أي لإجماع الصحابة على الاستدلال به من غير نكير، ولأنه كان متناولاً للباقي قبل التخصيص، والأصل بقاؤه على ما كان عليه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 9
قول الشارح:
(بخلاف المبهم الخ)
أي المبهم المعبر عنه بعبارة أما لو قيل هذا العام مخصوص أو لم يرد به الكل فليس بحجة اتفاقاً قاله العضد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 9
قول الشارح:
(والخلاف إن لم نقل إنه حقيقة)
أي لأنه حينئذٍ يتبادر منه الباقي، والاحتمال المرجوح لا يضر إذ التكليف بالظاهر بخلاف ما لو كان مجازاً فإن الاحتمالين متساويان، ولذا عبر في الأقوال المتقدمة عن المانع بالشك وبه يندفع ما في الحاشية تأمل.
(3/11)
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 9
قول المصنف:
(ويتمسك بالعام الخ)(2/205)
إذا تأملت قول الشارح الآتي لأن التمسك بالعام إذ ذاك بحسب الواقع فيما ورد لأجله تعلم أن قول المصنف: ويتمسك الخ بمنزلة أن تقول يتمسك بالعام فيما ورد لأجله من الوقائع اتفاقاً، فالمصنف رحمه الله اعتمد فيما قاله الذي ظاهره العموم فيما ورد له وغيره على الواقع فإنه لم يقع التمسك إلا فيما ورد له العام، فقول الشارح: لأن التمسك الخ معناه أن التمسك في زمنه لم يقع فيما ورد لأجله، أما غيره من الوقائع في زمنه فعلى الخلاف كالوقائع بعده، ولا يغني عن هذا قوله فيما يأتي وصورة السبب قطعية لأن ما هنا في التمسك قبل البحث وما سيأتي في كونه قطعياً أو ظنياً وبهذا يسقط كل ما في الحواشي هنا فتأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 10
قول الشارح:
(واقتصر الآمدي الخ)
كيف يجب الاعتقاد مع عدم جواز التمسك عن الصيرفي فإنه من جملة أهل الاتفاق الذي نقله الآمدي فيما مر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 10
قول الشارح:
(وثالثها الخ)
أي ثالث الأقوال في المؤقت، وأما الخلاف الذي حكاه المصنف فيما إذا ضاق الوقت فهو في ضمن هذا الخلاف.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 10
قول الشارح:
(لا بد من القطع)
أي الظن القوي وفيه أن المدار على مطلق الظن كباقي الأدلة. قوله: (المخصص حقيقة إرادة المتكلم) أي المخصص في الواقع هو الإرادة، وهذا لا يستلزم أن إطلاق المخصص عليه حقيقة لأن إسناد التخصيص في الظاهر لغيره لا له تدبر. قوله: (لا يستلزم ما قالوه) إن سلم فهو لا ينافيه. قوله: (على نوعي الاستخدام) أي نوعين منه وإلا فهو أكثر كما بين في محله. قوله: (مع قوله ويجب اتصاله) لا مانع من عود ضميره للاستثناء من قوله أحدهما الاستثناء.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 10
قوله:
(3/12)
---
(والظاهر أنه ملحق)
فيه أنه من المنفصل وهو ما يستقل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 11
قول الشارح:
(شبه التناقض)(2/206)
لم يجعله تناقضاً لأنه إنما يكون بين قضيتين أو مفردين كما قاله السيد، وهنا بين إثبات شيء ونفيه في قضية واحدة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 11
قول الشارح:
(أي الآحاد جميعها)
أخذه من أل الاستغراقية، وفي العضد حكاية لهذا المذهب المراد بعشرة في هذا التركيب هو معنى عشرة باعتبار أفراده لم يتغير، وظاهره أن يقرأ أفراده بالكسر والمآل واحد وعلى كل يقابل المذهبين الآتيين. واعلم أن عبارة ابن الحاجب في شرح المفصل هكذا: لا يحكم بالنسبة إلا بعد ذكر المفردات بكمالها في كلام المتكلم، فإذا قال: قام القوم إلا زيداً فهم القيام أولاً بمفرده وفهم القوم بمفرده وإن منهم زيداً، وفهم إخراج زيد منهم بقوله إلا زيداً ثم حكم بنسبة القيام إلى هذا المفرد الذي خرج منه زيد اهـ. قال بعض المحققين: حاصله أنك إذا قلت: جاء القوم فقد نسبت أولاً المجيء إلى القوم على احتمال أن يكون على طريقة الإيجاب للكل أو الإيجاب للبعض والسلب للبعض الآخر، وذلك لأن تقرر الإيجاب والسلب بعد تمام الكلام فإذا قلت: إلا زيداً متصلاً بجاء القوم تقرر السلب بالقياس إلى زيد والإيجاب بالقياس إلى ما بقي، وليس معنى الإخراج إلا المخالفة في الحكم بعد التشريك في النسبة اهـ. فالاستثناء متأخر عن النسبة متقدم على الحكم فهو إخراج من النسبة وبالمخالفة بالباقي في الحكم، فيدخل المستثنى في النقيض والعامل مسند إليهما معاً، لكن بالنسبة للمستثنى منه على طريق الإيجاب، وبالنسبة للمستثنى على طريق سلب الحكم بالنسبة عنه. وقول بعض المحققين على احتمال أن يكون الخ أشار بذكر الاحتمال إلى أنه لا تناقض في النسبة أيضاً لعدم القطع بها للكل. وقوله: وليس معنى الإخراج إلا المخالفة الخ هذه المخالفة جاءت من إخراج المستثنى
(3/13)
---(2/207)
من النسبة وقصر الحكم على الباقي فإنه يفيد أنه مخالف للمستثنى منه في حكمه الآتي بعد، وإذا خولف به في حكمه فقد دخل في نقيض ذلك الحكم، فيكون نفياً لحكم المستثنى منه عن المستثنى، وإن كان النفي لازماً للدخول في النقيض فصدق قوله الآتي الاستثناء من الإثبات نفي، وصدق أيضاً قوله المتقدم والقابل له حكم ثبت لمتعدد، لأن الإخراج من النسبة بمعنى منع الدخول فيها والمخالفة بالحكم بمعنى قصره على ما عدا المستثنى إنما هو لأجل منع تعدي ذلك الحكم له الذي كان ظاهراً من اللفظ فاندفع ما أورده سم هنا فتأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 11
قول المصنف:
(ثم أسند إلى الباقي)
أي حكم بالنسبة له.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 12
قول الشارح:
(فكأنه قال له عليّ الباقي)
هذا بيان للحكم على الباقي. وقوله: أخرج منها ثلاثة بيان لإخراج الثلاثة من النسبة مع المخالفة بها عن حكم المستثنى منه المقتضي دخولها في النقيض وهو معنى النفي. وقوله: وليس في ذلك إلا إثبات أي ليس فيما حكم عليه وهو السبعة إلا الإثبات ولا نفي فيها أصلاً حتى يأتي التناقض إنما النفي في الثلاثة المخرجة ولا إثبات فيها أصلاً، وإنما لم يتعرض لحكم المستثنى لعدم الإثبات فيه الذي هو أصل الشبهة. قوله: (إنما هو بحسب الظاهر دون الحقيقة) قد عرفت أن التخصيص وهو قصر الحكم بالمعنى المتقدم موجود حقيقة وسيأتي له ذلك على الأثر. قوله: (لأن تخصيص الحكم يتحقق الخ) هذا حق لكن لا يناسب الإشكال فإنه مبني على أن التخصيص بحسب الظاهر وما قاله في الجواب بحسب الحقيقة. قوله: (ويؤيد ذلك ما تقدم) التأييد من جهة أنه ليس المراد بالقصر خصوص الإخراج من الحكم وإن كان في العام المراد به الخصوص لا مخالفة بشيء عن حكم شيء كما هو في العام المخصوص.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 12
قوله:
(وأن يجاب عن الأول)
(3/14)
---(2/208)
قد عرفت أنه لا حاجة إليه مع فساده لأنه بقي حقيقة كما تقدم. قوله: (فهو باعتبار الدلالة على النسبة الخارجية) فإن قيل: كما أن المخالفة في النسبة النفسية هي عدم الحكم النفسي فكذلك في الخارجية هي عدم الحكم الخارجي، وقد ذكر العضد أن في الاستثناء إعلاماً بعدم التعرض وهو يستلزم عدم الحكم ضرورة فيكون فيه دلالة على المخالفة. قلنا: الإعلام بعدم التعرض للشيء ليس إعلاماً بعدم ذلك الشيء وعدم التعرض إنما يستلزم عدم الحكم الذكري أو النفسي لا الخارجي. واعلم أنه يرد على هذا الجواب بحث وهو أن ما ذكر إنما يأتي فيما له خارج وهو الخبر دون الإنشاء الذي هو العمدة في الأحكام قاله السعد .
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 13
قول الشارح:
(أي معناه)
أشار به إلى أنه ليس لازم معنى عشرة إلا ثلاثة كما حل عليه العضد كلام القاضي، بل هو اسم مركب مدلوله سبعة وهو المذهب يرد عليه أمور كثيرة منها أن التسمية بثلاثة ألفاظ فصاعداً إذا جعلت اسماً واحداً على طريقة حضرموت وبعلبك من غير أن يلاحظ فيها الإعراب والبناء الأصليان بل يكون بمنزلة زيد وعمرو، ويجري الإعراب المستحق على الحرف الأخير ليس من لغة العرب بلا نزاع كما نبه عليه صاحب الكشاف، ولا شك أن عشرة إلا ثلاثة إذا جعل اسماً للسبعة كان الإعراب المستحق في صدره فلم يكن محكياً على أصل منقول عنه، إذ يختل إعراب عشرة بحسب العوامل، أما إذا أجرى الإعراب المستحق على كل واحد من تلك الألفاظ مثل: إني عبد اللّه، وإني عبد الرحمن، أو أبقيت الألفاظ على ما كانت عليه من الإعراب والبناء على طريق الحكاية مثل: برق نحره وتأبط شراً فلا نزاع فيه قاله السعد بياناً لما في العضد، وانظره هنا ففيه فوائد مهمة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 14
قول المصنف:
(والاستثناء من النفي إثبات)
(3/15)
---(2/209)
لا يرد عليه ما لو قال: لا ألبس إلا الكتان فقعد عرياناً ولا أشكوه إلا من الشرع، فترك الشكوى حيث لا يحنث على المعتمد لأنه لا استثناء لأن لفظ إلا هنا نقله العرف لمعنى الصفة مثل سوى وغير والأيمان تتبع المنقولات العرفية، فمعناه لا ألبس سوى الكتان، ولا أشكوه من سوى الشرع، كذا نقله القرافي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام لكنهم قالوا: إن الذي يتبع العرف مطلقاً هو الحلف بغير الطلاق أما به فيتبع اللغة متى اشتهر وإن اشتهر العرف، اللهم إلا أن يكون المعنى اللغوي هنا غير مشهور، والأولى أن يقال: إن الإثبات بحسب المقصود من النفي والمقصود منع نفسه من لبس ما سوى الكتان فيكون الاستثناء متضمن المنع فتبقى الإباحة وكذا الثاني تأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 14
قول الشارح:
(فيهما)
كذا قاله المصنف في منع الموانع رداً على من قال إن خلافه في الأول فقط، وكون الخلاف فيهما هو الموافق للمعنى الآتي إذ لا وجه للتفرقة، ولعل منشأ ذلك القيل ما نقل أن أبا حنيفة يقول: حكم المستثنى من الإثبات النفي، لكن في العضد و الأسنوي أنه إنما حكم عليه بالنفي عنده بالبراءة الأصلية لا من الاستثناء فتدبر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 15
قول الشارح:
(فقال إن المستثنى من حيث الحكم الخ)
سيأتي أن الحكم عنده هو إيقاع المتكلم وانتزاعه وجعل المحشي له الثبوت انتقال نظر أو أن الثبوت بمعنى الإثبات.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 15
قوله:
(وهو الكلام الذي دخله النفي)
فيه أن الاستثناء ليس من الكلام فالصواب ما بعده. قوله: (على إثبات) صوابه على النفي الخ إذ العكس إنما هو فيه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 15
قول الشارح:
(يدل الأول على إثبات القيام)
(3/16)
---(2/210)
سيأتي أن مدلوله الثبوت بمقتضى الدخول في النقيض فالدلالة على الإثبات لزوماً وإنما منع ذلك ليتوارد الخلاف على محل واحد إذ الذي نفاه أبو حنيفة هو الدلالة على الإثبات وإن كانت الدلالة على الثبوت منفية عنده أيضاً إلا أن ذلك لعدم وضع اللفظ عنده للثبوت الخارجي. قوله: (من ثبوت القيام) المراد به الإثبات لأن كلام أبي حنيفة فيه إلا أن يكون نفيه بنفي ملزومه وكان في الشارح احتباك فتأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 15
قوله:
(لكونه لازماً له)
المراد باللزوم الانتقال في الجملة كما تقرر في البيان لا الذهني المعتبر في دلالة الالتزام. قوله: (بحسب الوضع) زاده سم على السعد ليثبت المدعي إذ هم موافقون على إفادته عرفاً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 16
قول الشارح:
(على أن المستثنى من حيث الحكم الخ)
المراد بالحكم المحكوم به أي المنشأ من جهة ما يحكم به عليه خارج من المحكوم به المعين يعني أن الحكم الموجود معنا ليس مما يحكم به عليه، فالحكم الأول عام والثاني خاص.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 16
قول الشارح:
(فيدخل في نقيضه)
إذ لا واسطة بين النقيضين، وهذا يفيد أن الدلالة على حكم المستثنى بطريق اللزوم وقد يدعي نقله عرفاً لذلك. واعلم أن هذا الخلاف مبناه خلاف آخر وهو: هل الألفاظ موضوعة للصور الذهنية أو الخارجية؟ قال بالأول أبو حنيفة وبالثاني الشافعي، ويحتمل أنه مبني على أنها موضوعة للصور الذهنية لأن لها متعلقات هي النسب الخارجية، فإما أن يعود الاستثناء إلى تلك الصور بلا واسطة أو لمتعلقاتها بواسطتها. والثاني هو الظاهر لأنها هي المقصودة إذ لا يقصد من يقول قام زيد إفادة حكمه على زيد بالقيام بل ذلك عدوه لازم الفائدة التي هي ثبوت قيامه خارجاً تدبر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 16
قول المصنف:
(إن تعاطفت فللأول)
(3/17)
---(2/211)
أي لوجوب تساوي المعاطيف في الحكم. وقوله: فكل لما يليه أي لقربه وهو دليل الرجحان بلا مانع. وقوله: ما لم يستغرقه أي لوجود المانع حينئذٍ. والمعنى ما لم يستغرق كل من الاستثناءات ما يليه وإن لم يكن ما يليه منها ليشمل ما في قول الشارح: وإن استغرق غير الأول لأن الأول لم يستغرق المستثنى منه لا استثناء آخر، ثم إن المراد بالأول هو المستثنى منه سواء كان واحداً أو متعدداً، والمتعدد مفردات أو جمل كما يفيده قوله والوارد بعد جمل الكل فهو المستثنى منه فلا حاجة إلى زيادة تعدد المستثنى منه، إذ لا تعدد له في الحقيقة لأن الجمل المتعاطفة والمفردات في الحقيقة مستثنى منه واحد، ولم يقيد هنا بعدم الاستغراق لأنه لا مرجع صحيح غير الأول لمنع العطف أن يرجع كل لما يليه فهي ترجع إليه وإن كانت مستغرقة فيبطل ما به الاستغراق، بخلاف ما لا عطف فيه لإمكان الرجوع لغير ما يليه وهو الأول تدبر. قول المصنف: (ما لم يستغرقه) أي ما لم يستغرق كل ما يليه فلا يعود له، والكلام من باب عموم السلب فصح جعل استغراق الكل أو البعض مفهوماً لا من باب سلب العموم حتى يكون منطوقاً ويبطل الحكم في كلام المصنف تدبر. قوله: (نحو له عليّ عشرة الخ) هذا مما تعدد فيه المستثنى منه وهو مفرد، ولا يصح جعله جملاً لئلا يتكرر مع قوله بعد: وعلى قياس ذلك الخ.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 16
قوله:
(لكن المطابق الخ)
تأمله. قوله: (ويحتمل أن يحمل الخ) هذا الاحتمال هو الظاهر للقرب مع عدم المانع بل هو المأخوذ من قول المصنف: فكل لما يليه ما لم يستغرقه على ما قررناه سابقاً لا على ما قرره فتأمل. ثم رأيت في العضد ما هو صريح في هذا. قوله: (إلى أن النزاع في كونه غرضاً الخ) أي النزاع المأخوذ من التقييد بالغرض في هذا القول وعدم التقييد به في غيره، إذ يؤخذ من ذلك نزاع في أنه هل يشترط وحدة الغرض أو لا؟ وليس المراد النزاع في أصل المسألة تدبر.
(3/18)
---(2/212)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 17
قول الشارح:
(لأنه الظاهر مطلقا)
إذ الأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في المتعلقات.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 18
قول المصنف:
(وقيل مشترك وقيل بالوقف)
اتفقا مع قول أبي حنيفة في العود للأخيرة دون غيرها لكن عندهما لعدم الدليل في الغير وعنده لدليل العدم كذا في العضد والسعد. ووجه اتفاقهما معه أنه على كل من احتمالي الاشتراك تدخل الأخيرة إما في ضمن الكل أو وحدها وكذلك في احتمالي الوقف. ثم إنه يرد على دليل الاشتراك أن الأصل عدمه والمجاز أولى منه كما مر. قوله: (وإلا فالقرينة الخ) هذا إذا كان معنى الخلاف أنه حقيقة فيما ذا، أما إذا كان معناه أنه لماذا يعود كما هو ظاهر الشارح فلا حاجة لهذا تأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 18
قول الشارح:
(وحيث وجدت الخ)
أي حيث وجدت قرينة على المراد على أي قول من الأقوال فليس ذلك من محل الخلاف، ومراده بذلك دفع ما أورده من قال برجوعه للأخيرة على القول الأول من أنه لو رجع إلى الجميع لرجع له في آية القذف. وحاصل الدفع أنا إنما نقول برجوعه للجميع عند عدم القرينة والقرينة هنا موجودة وهو أن الجلد حق آدمي لا يسقط بالتوبة. قوله: (بأن هذه مفردات لا جمل) إن أراد مفردات حقيقة فلا، وإن أراد في قوتها منع قياسها عليها لأنه قياس في اللغة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 18
قول الشارح:
(وفي عوده إلى الثانية الخ)
(3/19)
---(2/213)
رد على العضد القائل بأنه عائد إلى التفسيق ورد الشهادة اتفاقاً. قوله: (في وقوع الحكم) الأولى في عود الاستثناء. قوله: (لم يعلم حكم إحداها الخ) فيه أن ما تقدم لا فرق فيه بين ما علم حكمه وما لا. قوله: (وهو عطف الخ) الوصل غير قاصر على العطف كما هو معلوم. قوله: (عن النسبة) فيه شيء. قوله: (لأن المصنف لم يعتبر ذلك) يعني أنه لم يعتبر أنه لا بد من التسوية بينهما في حكم مذكور بل مقتضاه أنه لا يسوى بينهما في حكم غير مذكور يفيده قول الشارح أي فيما لم يذكر من الحكم، لكن عذر الشهاب عبارة المتن فإنها توهم ذلك ولذا أولها الشارح. قوله: (قلت اعتبار ذلك يتوقف الخ) لا وجه له بل القران هو عطف إحدى الجملتين على الأخرى كما في المصنف، وقد عرفت أن الذي غرهم عبارة المتن.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 19
قول الشارح:
(بمعنى صيغته)
(3/20)
---(2/214)
في التلويح يطلق الشرط على ما يتوقف عليه الشيء، وعلى ما علق عليه أحكم بتوقف عليه أم لا، وكلاهما شائع في عرف الشرع، والشرط في العرف العام ما يتوقف عليه وجود الشيء. وفي اصطلاح المتكلمين ما يتوقف عليه الشيء ولا يكون داخلاً في الشيء ولا مؤثراً فيه. وفي اصطلاح النحاة ما دخل عليه شيء من الأدوات المخصوصة الدالة على سببية الأول ومسببية الثاني ذهناً أو خارجاً، سواء كان علة للجزاء مثل إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، أو معلولاً مثل إن كان النهار موجوداً فالشمس طالعة أو غير ذلك، ومحل النزاع أي في كونه مخصصاً كما قال به الشافعي أو لا كما قال به أبو حنيفة هو الشرط النحوي اهـ. وحينئذٍ فالمراد باللغوي هو النحوي كما يدل عليه قول العضد: أما اللغوي فمثل قولنا: إن دخلت الدار من قولنا: أنت طالق إن دخلت الدار فإن أهل اللغة وضعوا هذا التركيب ليدل على أن ما دخلت عليه أن هو الشرط والأمر المعلق به هو الجزاء هذا وأن الشرط اللغوي صار استعماله في السببية غالباً فيقال: إن دخلت الدار فأنت طالق، والمراد أن الدخول سبب للطلاق الخ ما ذكره. ومجموع هذا الكلام صريح في أن الشرط المخصص هو مدخول الأداة وتسمية المجموع من الأداة ومدخولها شرطاً إنما هو باعتبار الدلالة على أن المدخول شرط، ويؤيد هذا قول الشارح العلامة بعد قوله أكرم بني تميم إن جاؤوا أي الجائي منهم فإنه يدل على أن المخصص هو جاؤوا غايته أنه بواسطة الرابطة وهو الأداة، وحينئذٍ فدخول الشرط اللغوي في تعريف المصنف لا غبار عليه، ثم إن إفادته التخصيص بناء على ما قاله العضد من أن هذا التركيب قد يستعمل في شرط شبيه بالسبب من حيث إنه يستتبع الوجود وهو الشرط الذي لم يبق للمسبب أمر يتوقف عليه سواه، فإذا وجد ذلك الشرط فقد وجد الأسباب والشروط كلها فيوجد المشروط، فإذا قيل: إن طلعت الشمس فالبيت مضيء فهم منه أنه لا يتوقف إضاءته إلا على طلوعها ولذلك أي ولأنه يستعمل فيما(2/215)
(3/21)
---
لم يبق للمسبب سواه يخرج ما لولاه لدخل لغة أي بحسب اللغة ودلالة اللفظ وإن لم يدخل في الواقع ويحكم العقل أو الشرع. فإذا قلت: أكرم بني تميم إن دخلوا فلولا الشرط لعم وجوب الإكرام جميعهم مطلقاً لوجود المقتضى بأمره، فإذا ذكر الشرط علم أنه بقي شرط لولاه لكان المقتضى تاماً فاستتبع مقتضاه، فيقتضي الوجود لو وجد الشرط والعدم لولاه فيقصر الإكرام على الداخلين الدار ويخرج غير الداخلين إياها، ولولاه لما خرجوا وكانوا داخلين في حكم وجوب الإكرام انتهى، إلا أنه جعل المعلق الوجوب لا الإكرام وحينئذٍ فيلزم من وجود الشرط وجود المشروط فبدل الشارح الوجوب بالإكرام لأنه إنما يوجد عند الامتثال فيتحقق حقيقة الشرط فلله دره. ثم اعلم أن كونه لم يبق للمسبب أمر يتوقف عليه سواه ليس من حقيقة الشرط بل معناه أنه استعمل التركيب في شرط لم يبق غيره وذلك لا ينافي أن نفس الشرط لا يلزم من وجوده الوجود فليتأمل ليتضح الحال ويزول الإشكال. قوله: (أي الشرط من حيث هو) هذا تعميم لا بيان لما قبله. قوله: (مراد به الأداة بالمعنى المتقدم) لم يتقدم بيان الأداة بل الصيغة.
............................................................................
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 19
قول الشارح:
(وهو المخصص)
لأن مدار التخصيص على المعنى أو يقال هو المخصص باعتبار داله كما قاله المحشي على ما فيه ولو كان مدلوله عقلياً فإنه من حيث دخول الأداة عليه لغوي فاندفع ما في سم تأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 21
قول المصنف:
(وهو كالاستثناء الخ)
(3/22)
---(2/216)
حاصله أنه قيل: إن الشرط على الخلاف في الاتصال في الاستثناء، وقيل: لا بل واجب الاتصال والأول الأصح، وأنه قيل: إنه عائد على الخلاف في العود في الاستثناء الذي الأصح منه أنه عائد إلى الكل، وقيل: لا بل عائد إلى الكل اتفاقاً والأول أصح. قال المصنف: وعلى ذلك الأصح هو أولى بالعود، وبهذا يندفع ما أطال به بعضهم هنا فتأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 21
قوله:
(لشمل المفردات كان أولى)
فيه أن الخلاف إنما هو في الحمل أما المفردات فمحل وفاق.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 22
قوله:
(أو الواو عاطفة)
لا يصح العطف هنا أصلاً، ومثله يقال فيما بعد تأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 22
قوله:
(الأولى فقال لأنه جواب أما)
فيه أن جواب أما في المتن وهذا لا يصح جواباً وهو ظاهر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 22
قوله:
(ودلت القرينة الخ)
احتراز عن كونها لتحقيق العموم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 22
قوله:
(مع أن الغاية شملها الخ)
إن كان ذلك من اللفظ فلا وإن كان من قرينة فليس الكلام فيه لأن الكلام على ما يكون عمومه بالقرينة سيأتي في المثال الثاني فالحق مع المصنف فليتأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 22
قول المصنف:
(وكذا قطعت الخ)
إنما كانت ما لتحقيق العموم لاستفادته من قولنا أصابعه بالقرينة، إذ لو كان المعنى قطع الخنصر أولاً ثم انتهى القطع بالبنصر بعده بلا فاصل لم يبق بعد التخصيص أقل الجمع فعلمنا أنه ليس للتخصيص بل لتحقيق العموم تأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 22
قوله:
(لا نعلم فيه خلافا)
من هنا قصر الشارح الخلاف على العقل لكن لما لم يكن فرق بينه وبين الحس قال: ويأتي الخ يعني أنه وإن لم يقل به هو آت في الحس تدبر.
(3/23)
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 22
قول الشارح:
(لأنه لا تصح إرادته)(2/217)
عبارة العضد قالوا أولاً: لو كان مثل ذلك تخصيصاً لصحت إرادة العموم لغة واللازم باطل، أما الملازمة فلأن تلك مسمياته لغة وإطلاق اللفظ على مسمياته لغة صحيح قطعاً، وأما انتفاء اللازم فلأن ذلك لا يصح لعاقل، فإذا قلنا هذا خالق كل شيء يفهم منه لغة أنه أراد به غير نفسه ولو أراد به نفسه لخطىء لغة. الجواب أن التخصيص للمفرد وهو كل شيء ويصح أنه أراد الجميع به لغة فإذا وقع في التركيب فما نسب إليه وهو المخلوقية والمقدورية هو المانع من إرادة الجميع وقصره على البعض وهو غير نفسه، والعقل هو القاضي بذلك ولا معنى للتخصيص عقلاً إلا ذلك والحق أنه يصلح في التركيب للجميع أيضاً لغة، ولو أراد لم يخطأ لغة، وإنما يكذب في المعنى والخطأ لغة غير الكذب في الخبر انتهى. وبه تعلم سقوط كثير من الحاشية. قوله: (فيه بحث الخ) لا وجه له فإن المعنى أنه لا يراد من اللفظ لغة كما عرفت. قوله: (لا خلاف فيه) قد عرفت أن فيه الخلاف. قوله: (فليس في إطلاقه الخ) لكن فيه مخالفة الاصطلاح من الكل بناء على مذهب المخالف أنه لا يصح إرادته من اللفظ لغة إن أريد من حيث اللفظ فممنوع هذا هو المراد والمنع مسلم وهو وجه الضعف كما عرفت. قوله: (ويحتمل أن المعنى) قد عرفت أنه ليس كذلك.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 22
قول الشارح:
(لا تصح إرادته بالحكم)
(3/24)
---(2/218)
أما باللفظ لغة فيراد وهذا هو الفرق بين المذهبين. قوله: (دون الشذوذ) لا وجه له مع بيان الشارح معنى كونه لفظياً وهو الاتفاق على الرجوع للعقل، ثم الاختلاف في أن ما أخرجه العقل هل يسمى إخراجه له تخصيصاً أو لا، وكونهم يعتبرون في التخصيص صحة الإرادة بالحكم لا يترتب عليه شيء سوى ما مر. قوله: (لأنهم يعتبرون الخ) إن كان بياناً لمذهب الشذوذ فليس كذلك بل هم يعتبرون تناول اللفظ له لغة وليس بمتناول عندهم، وإن كان بياناً لمذهب الشافعي فكان الصواب قصره عليه، اللهم إلا أن يراد أن عدم صحة الإرادة بالحكم علة عند الجميع، لكن عند الشذوذ تقتضي عدم تناول اللفظ وعند الشافعي تقتضي عدم التسمية بالتخصيص تدبر. واعلم أنه هل يقدم الحس على العقل أو العقل عليه؟ قال بكل طائفة، قال بعضهم: ولا معنى له لإمكان العمل بهما، وفيه أنه إذا كان أفراد العام عشرة مثلاً وعملنا بهما بطل العام وكان نسخاً لا تخصيصاً، وكذلك إن لزم على العمل بهما بقاء أقل من أقل الجمع فالحق أن للخلاف معنى أي معنى تأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 23
قوله:
(وليست علة)
أي مانع من التعليل. قوله: (إلى الفاعل) والمفعول تأمله.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 24
قول الشارح:
(فقصر بيانه على القرآن)
حيث جعل البيان علة الإنزال فلا يبين بغير المنزل فلا تبين السنة بغير القرآن هذا معناه. وأما قول المحشي والقصر باعتبار مفهوم ما نزل إلى آخر كلامه فغير مستقيم لأنه لا تعرض هنا لعدم تبيين غير المنزل مطلقاً بل لعدم تبيين السنة بغير المنزل فتأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 24
قوله:
(فإن أجمعوا عليه الخ)
هذا هو المراد بالظن في كلام ابن أبان كـ الكرخي .
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 24
قول الشارح:
(قال ابن أبان)
(3/25)
---(2/219)
هو من الحنفية، قال الشارح: بخلاف ما لم يخص أو خص بظني اعلم أن مقابلة قول الكرخي بقول ابن أبان تقتضي أن الظني الذي هو بعض مفهوم قول ابن أبان هو الظن الذي هو بعض منطوق قول الكرخي وهذا لا شبهة فيه، ثم إن الكرخي من الحنفية المانعين تخصيص الكتاب بخبر الواحد والقياس إلا أن عندهم نوعاً من الخبر يسمونه المشهور وهو ما كان آحاداً في القرن الأول ثم بعده، رواه في كل عهد قوم يؤمن تواطؤهم على الكذب وتلقته الأمة بالقبول، فهو وإن كان آحاداً باعتبار أصله لكنه يفيد ظناً يكاد أن يكون يقيناً، وهذا النوع يخصص الكتاب دون الآحاد الصرف لعدم تلقي الأمة له بالقبول، فهذا النوع هو المراد بالظن في كلام الكرخي كما قاله المحقق التفتازاني في حاشية العضد، فيجب أن يكون هو المراد في كلام ابن أبان لمقابلته لكلام الكرخي ، وبه يظهر أن هذا الكلام على غاية من التحقيق، وأنه ليس المراد بالظن خبر الواحد الذي في المتن والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم اعلم أن قول المصنف: وثالثها إن خص بقاطع مع قوله: وقال الكرخي بمنفصل يقتضي أن قول ابن أبان يعمم في المنفصل والمتصل وهو صريح قول العضد. وقال ابن أبان: إنما يجوز إن كان العام قد خص من قبل بدليل قطعي متصلاً كان أو منفصلاً، ومعلوم أن المتصل لا يكون إلا لفظاً، وحينئذٍ فقول الشارح وهذا مبني الخ مشكل إذ اللفظ قد يكون قطعياً والفرض الفرق بين القطعي والظني لفظاً كان أو غيره، اللهم إلا أن يدعي أن اللفظ بالنظر لنفسه لا يكون قطعياً لتوقفه على انتفاء الاحتمالات وهو خارج عنه، كذا نقل سم الإشكال عن شيخ الإسلام. وأجاب عنه. وعبارة العضد قال ابن أبان إذا خص بدليل مقطوع صار العام ظني الدلالة بالنسبة إلى الآحاد. وقال الكرخي مثل ذلك إلا أنه زاد قيداً فقال: الخاص ظني والعام قطعي لم يضعف بصرفه عن حقيقته إلى المجاز لأن المخصص بالمنفصل مجاز عنده دون المتصل، والقطعي يترك بالظن إذا ضعف بالتجوز إذ لا(2/220)
(3/26)
---
يبقى قطعياً إذ نسبته إلى مراتب التجوز بالجواز سواء وإن كان ظاهراً في الباقي فارتفع مانع القطع انتهى. وإذا تأملت هذه العبارة عرفت أن مراد الشارح الفرق بين قولي ابن أبان و الكرخي بأن ابن أبان لم يشترط خروج العام إلى المجاز بل المدار على ما يضعف الدلالة، سواء أخرجه كالعقل أو لا كالنصوص القاطعة متصلة أو منفصلة. فإن قلت: من أين يعلم أن غير العقل لا يخرج العام إلى المجاز عند ابن أبان ؟ قلت: من تقييده جواز التخصيص بالآحاد بالتخصيص بالقاطع إذ لو أخرجه غير العقل ولو ظنياً إلى المجاز لكفى في ضعف الدلالة كما كفى ذلك عند الكرخي ، فلما قيد بالقاطع علم أنه أي العام المخصوص بقاطع متصلاً أو منفصلاً عنده حقيقة. والحاصل أن ابن أبان يعمم في المخصص بالاتصال والانفصال، وهذا معلوم من مقابلته لقول الكرخي المقيد بالمنفصل وأنه يقول بأن المخصوص باللفظ حقيقة، وهذا معلوم من التقييد بالقاطع، ومن هنا علمت دقة نظر الشارح، وأن قوله: لضعف دلالته معناه أنه ضعفت دلالته بسبب التخصيص بقاطع مع بقائه على كونه حقيقة لا مجازاً وإلا نافى مبني هذا القول الآتي في الشارح، وأن قوله: وهذا مبني الخ الإشارة فيه لأصل القول لا لقوله أو خص بظني لأن كونه حقيقة موجود خص بظني أو قطعي فليتأمل تأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 24
قول المصنف:
(وعندي عكسه)
أي في صورة التخصيص بالظن دون ما لم يخص كما بينه الشارح. قول المصنف: وقال الكرخي بمنفصل أي مستقل، وإن كان يجب في التخصيص عند الحنفية أن لا يتراخى المخصص وإلا كان نسخاً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 27
قول الشارح:
(لضعف دلالته حينئذ)
(3/27)
---(2/221)
لأنه مجاز عند الكرخي حينئذٍ ونسبته إلى جميع مراتب التجوز على السواء فلا يمكن أن يكون قطعياً فضعف. واعلم أن كلام ابن أبان و الكرخي هنا إنما هو في جواز التخصيص وعدمه وإن كان العام المخصوص ليس بحجة عند الأول مطلقاً وعند الثاني إنما يكون حجة إن خص بمتصل كما في المنهاج وغيره.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 27
قوله:
(أما المقطوع فيجوز الخ)
فيه أن مقابلة قول الجبائي بما يعده من الأقوال صريحة في وقوع الخلاف في الجلي وهو ما قطع فيه بنفي الفارق وهو المقطوع به على كلامه، وقد صرح بجريان الخلاف فيه الصفوي شارح منهاج البيضاوي .
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 27
قول الشارح:
(المستند إلى نص خاص)
أما المستند إلى عام فلا يخصص بل يحصل به التعارض ويصار إلى الترجيح بالقرائن.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 27
قول الشارح:
(لأن القياس أقوى عنده الخ)
قدم الشارح أن القياس يعم المستند لخبر الواحد في قوله: ولو كان خبر واحد ووجه كونه أقوى أن الذي قاس لما استند في قياسه إلى النص الذي هو خبر الواحد صار كأنه رواه فقيه. بقي أن هذا الكلام يقتضي أن ابن أبان يقول خبر الآحاد إذا رواه الفقيه يخص به الكتاب فيحمل ما تقدم على خلافه والله أعلم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 27
قول المصنف:
(مخصصاً من العموم بنص)
(3/28)
---(2/222)
كما إذا خص من قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} (سورة التوبة: الآية 103) الفقير بنص وقيس به المديون، ومفهوم ذلك أن أصل القياس إذا كان مخصوصاً من عام آخر فلا يكون القياس مخصصاً لهذا العام لأن الأصل المستند إليه القياس لا يصلح أن يكون مبيناً لهذا العام لعدم تناوله شيئاً من أفراده، فكذا القياس المستنبط منه لا يصلح مبيناً للعام، فلو اعتبر لم يكن إلا معارضاً وحينئذٍ يصار إلى الترجيح، وفيه أن عدم صلوح الأصل للبيان لعدم تناوله شيئاً من أفراده لا يستلزم عدم صلوح القياس لذلك لتناوله للبعض المخصوص به قاله السعد في التلويح. قوله: (قياساً على من زنى ببهيمة غيره) أي مع نص على المقيس عليه وفيه أنه حينئذٍ خص من العام أصل القياس تدبر. قوله: (ثم يقاس القياس المتقدم) أي يقاس على البهيمة المخرجة من غير هذا النص العام بنص خاص، هذا حقيقة الكلام لكن فيه أن العام وهو مملوكة الغير متناول للبهيمة فيما يخصص العام الآخر يخصصه تأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 28
قول الشارح:
(بمفهوم حديث ابن ماجه الخ)
إنما لم يعكس بأن يجعل منطوق الأول مخصصاً لمفهوم الثاني بحال التغير لأنه لا يبقى حينئذٍ للشرط فائدة قاله السعد في حاشية العضد لأن المفهوم حينئذٍ الماء القليل المتغير يحمل الخبث فلا يكون القليل الغير المتغير حاملاً للخبث فلا يكون لتقييد الماء بالكثير وهو القلتان فائدة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 28
قول الشارح:
(ثم فعله)
(3/29)
---(2/223)
قال العضد : فإن لم يثبت وجوب اتباع الأمة له فهو تخصيص له فقط وإن ثبت، فإن كان ثبوته بدليل خاص في ذلك الفعل فهو نسخ لتحريمه وإن بدليل عام في جميع أفعاله، فالمختار أن ذلك الدليل العام يصير مخصصاً بالأول وهو العموم المتقدم ذكره فيلزم على الأمة موجب ذلك القول ولا يجب عليهم الاقتداء في العمل اهـ. أي لأنه حينئذٍ يكون عملاً بالدليلين فبالأول حيث حرم علينا الوصال وبالثاني حيث وجب اتباعه في غير ذلك، بخلاف ما لو أبقى الثاني على عمومه وجوز صوم الوصال لنا أيضاً فإن العام الأول يبطل بالكلية قاله السعد .
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 29
قول الشارح:
(أو أقر من فعله)
قال العضد : فلو تبين معنى هو العلة لتقريره حمل عليه من يوافقه في ذلك المعنى إما بالقياس وإما بقوله : «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» وأما إذا لم يتبين فالمختار أنه لا يتعدى إلى غيره لتعذر دليله، أما القياس فظاهر، وأما حكمي على الواحد حكمي على الجماعة فلتخصيصه إجماعاً بما علم فيه عدم الفارق.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 29
قول الشارح:
(بل ينسخان حكم العام)
هذا هو وجه إفراد هذه المسألة عما تقدم، إذ الخلاف فيه تخصيص أو عدم تخصيص، وأما هنا فهو تخصيص أو نسخ وهذا كاف.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 29
قوله:
(كالمحلى بأل الخ)
فيه أن وجه القول بالتخصيص في الضمير هو اتحاد الراجع والمرجع، ولا يوجد ذلك في اسم الإشارة لتعينه بالإشارة لا بتقدم اللفظ، نعم المحلى باللام الظاهر منه عين الأول تأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 29
قول الشارح:
(لقرينة)
فاستعمال الضمير في الرجعيات مجاز من استعمال ما للكل في الجزء.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 30
قول الشارح:
(وقيل: لا الخ)
(3/30)
---
فيه أنه يلزم عليه تخصيصان: أحدهما في المرجع والآخر في الراجع واللازم على عدم التخصيص واحد في الراجع فهو أرجح.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 30
قول المصنف:
(وأن العادة بترك الخ)(2/224)
يعني أن عادة عامة الناس بفعل شيء أو تركه بعد ورود النهي أو الأمر عنه أو به تخصص العام أي تقصره بالنظر للكل وإن لم يكن البعض فعل أو ترك لأن العادة لا تخص واحداً دون واحد، فمتى أقرها أقر الكل وهذا مغاير لقوله فيما مر وتقريره في الأصح، لأن ذاك في تقرير بعض فعل وتقرير البعض لا يخصص في حق الكل بل البعض الفاعل، أما غيره فإما بالقياس أو الخبر السابقين فإن استوعبت جميع الأفراد كان نسخاً، نعم المصنف خالف في المسألة السابقة في شرح المختصر واختار التعميم وإن لم يظهر المعنى ما لم يظهر ما يقتضي التخصيص وهو لا يضر أيضاً لأنه حينئذٍ يكون نسخاً إذ قد استوعب جميع الأفراد بخلاف ما هنا لبقاء بعض المأمور به أو المنهي عنه على حاله، ومن هنا ظهر الفرق بين هذه المسألة والتي بعدها لأن هذه مفروضة فيما إذا رأينا العادة بعد ورود العام، فلا يقال العام ورد على المعتاد فيقصر عليه بلا حاجة إلى إجماع أو تقرير كما هو في المسألة الآتية ولا تلك فيما إذا كانت قبل وروده فيقال ينزل عليهما العام أولاً. فحاصل النزاع فيها هل العادة الواقعة قبل العام تصلح للتخصيص أم لا ولا إجماع ولا تقرير؟ إذ هما إنما يعتبران للتخصيص بعد ورود الإيجاب أو التحريم لا قبله لأنهما قبله لا يحملان على موافقة الأمر أو النهي بل على العدم الأصلي، فلو اتفق أنهما قبله وبعده فالاعتبار بهما إنما هو من حيث كونهما بعده. وحاصل النزاع فيما قبلها هل العادة الواقعة بعد ورود العام على خلافه تخصصه بالنظر للكل وإن لم يكن البعض خالف بواسطة الإقرار أو الإجماع أو لا؟ فليتأمل فقد اشتبه الحال على أقوام حتى قال سم حيث قيد الأولى بالإقرار أو الإجماع، فلا فرق بين
(3/31)
---(2/225)
تقدمها وتأخرها إذ لا فرق بين تقدم الخاص وتأخره، وكذا يتجه في الثانية أنه لا فرق لأن الفرض مجرد الاعتياد من غير تقرير انتهى. ولم يدر أنه لو تقدمت الأولى لم يكن الخلاف فيها إلا مجردة عن الإجماع أو التقرير بناء على أنه يتخصص بالمعتاد عرفاً كما تخصصت الدابة بذوات الأربع بعد كونها في اللغة لكل ما يدب، وكما أنه لو قال: اشتر لحماً والمعتاد في البلد تناول لحم الضأن لم يفهم سواه، فغلبة العادة تستلزم غلبة الاسم وهو يقتضي تخصيص الحكم بالغالب وإن كان لحماً مطلقاً حمل على مقيد وما نحن فيه عام ترك ظاهره لاعتياد الخاص كما نص على ذلك كله العضد . وبه يعلم بطلانه في الثانية أيضاً. نعم قد يفرق بأن العادة في العام تخرج منه بعض المدلول بخلافها في المطلق فإنها تعين الحصة الشائعة فعمل بها في الثاني دون الأول فليتأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 30
قوله:
(وجب العمل بمقتضاه تقدمت العادة الخ)
صريح في أنه إذا وجد الإجماع أو التقرير قبل ورود العام يعمل بهما ويترك العام إذا ورد ولا قائل به فالحق ما تقدم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 32
قول الشارح:
(فقيل يعم)
فإن قيل: لا خفاء في أن حكمه إنما وقع في صورة مخصوصة فكيف صح الحمل على العموم؟ قلنا: يحتمل أنه قضى بطريق يفهم منه العموم. فإن قيل حينئذٍ يكون نقلاً للحديث بالمعنى لا حكاية للفعل الذي هو المقصود والكلام فيه. قلنا: مثل هذا القول ملحق بالفعل ولذا قال إمام الحرمين الفعل أو ما يجري مجراه هذا ما يتعلق بحكاية الفعل، وأما في نحو الفرد فظاهر لجواز أن يصدر عنه النهي عن كل بيع غرر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 32
قوله:
(باللغة)
أي ما يتعلق بمعرفة المعاني الوضعية والمعنى أي ما يتعلق باستنباط الأحكام الشرعية. قوله: (منقدحاً) أي ظاهراً مختلجاً في الذهن.
(3/32)
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 32
قوله:
(من علمه وعدالته)(2/226)
لا خفاء في أن احتمال القول بعموم الحكم بناء على الخطأ في الاجتهاد أو بعموم الصيغة بناء على الخطأ في معرفة مدلولات الألفاظ إنما يخالف ظاهر العلم لا العدالة، نعم لو قيل يحتمل أنه توهم العموم فيما ليس بعام أو علم عدم العموم وتعمد نقل العموم كذباً توجه أن هذا ينافي ظاهر علمه وعدالته.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 32
قوله:
(لأنه من ضرورته)
أي الاحتمال من ضرورة الظهور وإلا كان نصاً لا ظاهراً، فلو كان الاحتمال قادحاً في الظاهر وموجباً لتركه لزم ترك كل ظاهر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 32
قوله:
(قلت إذا تأملت الخ)
فيه أنه على أي حال لا يخرج عن كونه بحسب ظنه سواء وافق الواقع أو لا، وكونه عدلاً عالماً، وإن سوغ له نقل العموم لا يسوغ لنا اتباعه إذ لم يخرج عن كونه مجتهداً، وقولهم فيؤدي إلى ترك الظاهر إن كان المراد ترك الظاهر من الاجتهاد فتركه لازم وإلا قلد المجتهد مجتهداً، وإن كان المراد ترك ظاهر النص فلا إذ نحن مكلفون بالعمل بظواهر النصوص دون ظواهر الاجتهادات تأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 32
قوله:
(بل الغرر الشديد)
أي أو غير الشديد مع عدم الحاجة إلى احتماله والقاعدة كما قال الإمام النووي في شرح مسلم أن كل ما فيه غرر شديد أو قليل لغير حاجة فهو باطل وما لا فلا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 33
قوله:
(قلت اللازم من جوابه الخ)
(3/33)
---(2/227)
فيه أن اللازم أنه مطلق الحق به غيره بطريق القياس كما يفيده النظر للعلة لا أنه عام فلا يعم حينئذٍ غير السائل، هذا هو الموافق لـ سعد العضد ، إلا أنه قال: ظاهر الشارح أن موافقة الجواب السؤال في الخصوص محل اتفاق. ونقل عن الشافعي دلالة الجواب على جواز الوضوء بماء البحر لكل أحد مصيراً منه، إلى أن ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال منزل منزلة العموم في المقال اهـ. أقول: وهو لا ينافي الاتفاق على الموافقة في الخصوص إذ العموم من دليل آخر تدبر. قوله: (لكان حينئذٍ مساوياً) فيه أن معنى الأخص بحسب المفهوم أن مفهومه أخص.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 33
قوله:
(وأورد أن قوله في المثال الثاني عليك كفارة الخ)
قال السعد في التلويح نعني بغير المستقل ما لا يكون كلاماً مفيداً بدون اعتبار السؤال أو الحادثة مثل نعم فإنها مقررة لما سبق من كلام موجب أو منفي استفهاماً أو خبراً انتهى. ومثله يؤخذ من تمثيل الشارح لغير المستقل بما مثل به إذ قوله فلا إذاً ويجزيك لا يفيد بدون السؤال، بخلاف عليك كفارة كالظهار فإنه مفيد قطعاً، وحينئذٍ فلا حاجة لما قالوه تأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 33
قوله:
(في تقدير عليك كفارة الخ)
فيه شيء تأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 34
قوله:
(لزيادة الفائدة)
الأولى لأن خلافهم وقع كذلك كما في العضد وغيره، أما ما ذكره فيرد عليه أنه كان يمكن التعميم أيضاً في الأخص بل والمساوي.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 34
قول الشارح:
(لوروده فيه)
أي فلا بد أن يكون مطابقاً له وفيه أن معنى المطابقة هو الكشف عن السؤال وبيان حكمه وقد حصل مع الزيادة، ولئن سلم وجوب المطابقة بمعنى المساواة فذلك إن لم يلزم على تركها المحافظة على الأحكام الشرعية.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 34
قوله:
(3/34)
---
(وهي لا تقاتل)
هذا هو قرينة الخصوص، وفيه أن المرتدة لا تقاتل ولذا قال سم: إن في كونه قرينة شيئاً.(2/228)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 34
قول المصنف:
(وصورة السبب الخ)
هذا في الحقيقة جواب عما ورد على اعتبار عموم العام الوارد على سبب خاص كما في شروح المختصر. وحاصله أنه لو اعتبر عمومه لجاز إخراج السبب منه بالاجتهاد وبطلانه قطعي ومتفق عليه. وحاصل الجواب أنا لا نسلم الملازمة للقطع بدخوله في الإرادة ولا بعد أن يدل دليل على إرادة خاص فيصير كالنص فيه والظاهر في غيره. وحاصل الدليل هنا على الدخول هو أنه لما ورد لبيانها ولم يرد منه ما تخصص الحكم بغيرها، فلو لم تدخل للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو لا يجوز، ومن هنا ظهر وجه منع التخصيص بالاجتهاد دون غيره مما لا يلزم منه التأخير المذكور كالاستثناء مثلاً فإن به يكون الجواب ولا تأخير هذا على ما عليه الأكثر، أما على ما عليه الشيخ الإمام فلا إشكال ويكون منعاً لدعوى الاتفاق والقطع لكن يلزم عليه تأخير البيان عن وقت الحاجة. بقي أن الشيخ الإمام بين كونها ظنية بأن المقصود الجواب، وكما يحصل بإدخالها في حكم العام يحصل بإخراجها بأن يراد بالفراش في الحديث الآتي الكامل وهو فراش الزوجة فإنها التي يعدّ لها الفراش دون الأمة، وفيه أنه حينئذٍ من العام المراد به الخصوص دون العام المخصوص، أما على بيان الشارح بقوله نظراً الخ فالأمر ظاهر، لكن يمنعه ما نقله المحشي عن ابن الهمام . ثم إن ظاهر كلام الشارح أن النزاع في عين صورة السبب وهو ابن زمعة ويصرح به ما قاله الشيخ الإمام ، وصرح السعد بأن أبا حنيفة لم يخرج عينها بل نوعها لأن عين صورة السبب داخلة قطعاً واتفاقاً حتى قال الغزالي : إن أبا حنيفة لم يبلغه قصة ولد زمعة هذا ما عندي هنا والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة الحال.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 34
قوله:
(3/35)
---
(على إرادة بيان حكم صورة السبب)
صوابه على إدخال صورة السبب فإن بيان حكمها قد يكون بإخراجها من حكم العام كما لـ لشيخ الإمام .
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 35(2/229)
قوله:
(لفظ وليدة)
أي في قول عبد بن زمعة: هو أخي وابن وليدة أبي.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 35
قوله:
(لم أعتبر الخ)
إنما اعتبر لأن أخذ الميثاق إنما هو ببيان الكتاب كما نطق به قوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس} (سورة آل عمران: الآية 187).
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 35
قوله:
(فالمناسب له الأمر)
نعم هو المناسب لكن الخاص هو الأمانة لا الأمر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 36
قول المصنف:
(مسألة إن تأخر الخاص الخ)
(3/36)
---
اعلم أنه إن تأخر الخاص عن إمكان العمل بالعام كان نسخاً عندنا. وقالت الحنفية: إن تأخر عن إمكان العمل أو عن إمكان اعتقاد جواب الحكم مثلاً كان نسخاً إما للحكم أو لوجوب اعتقاده وإن لم يتأخر عن ذلك بأن كان موصولاً بالعام وهو المعبر عنه بالمقارنة الآتية كان تخصيصاً، فيشترط في المخصص عندهم أن يكون موصولاً كما في التلويح وحاشية العضد، أما العام المتأخر عن الخاص فهو ناسخ عندهم وإن لم يتأخر أصلاً بأن كان موصولاً لعدم إمكان التخصيص بالعام وهو ظاهر، ولا بالخاص المتقدم لأن المخصص لا يتقدم وإن رد هذا بأنه متقدم لفظاً متأخر حكماً أي تتقدم ذاته ويتأخر وصف كونه بياناً، وإن تقارن العام والخاص بأن كانا معاً وذلك بأن كان أحدهما قولاً والآخر فعلاً، إذ لا يتأتى في قولين تعارضا. أما المقارنة بأن يعقب أحدهما الآخر موصولاً به فهو التخصيص عندهم كما علمت كل ذلك في التلويح وحواشيه وحاشية العضد السعدية. قوله: (متراخياً) لا حاجة إليه بعد قول المصنف عن العمل. قوله: (أو إلى أن يبقى منه بعد الورود ما لا يسع) فيه أنه قد يكون الماضي حينئذٍ لا يسع أيضاً فيكون تخصيصاً لا نسخاً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 36
قوله:
(هذا محترز قول المصنف تأخر)
فيه نظر ظاهر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 36
قول الشارح:
(أو تأخر العام عن الخاص مطلقا)
أي سواء كان عن الخطاب أو العمل.(2/230)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 37
قول المصنف:
(وقيل إن تقارنا تعارضا)
(3/37)
---
قد عرفت المقارنة بهذا المعنى عند الحنفية شرط في التخصيص فلا يمكن أن يقولوا إنه حينئذٍ ناسخ. قوله: (لكن قول صدر الشريعة فإن لم يعلم التاريخ حمل على المقارنة) قال شارحه بعد ذلك مع أن أحدهما في الواقع يجوز أن يكون ناسخاً بناء على تأخره، وأن يكون مخصصاً بناء على أن يكون الخاص هو المتأخر مع كونه موصولاً انتهى بمعناه الذي شرحه عليه السعد والحواشي، فيعلم أنه ليس المراد بالمقارنة المحمول عليها هي التي ذكرها الشارح بأن يعقب أحدهما الآخر، لأن حكم ذلك التخصيص عندهم، بل المراد بها أن يكونا معاً بأن كانا قولاً وفعلاً الأول عام والثاني خاص. وحاصل المراد أنه إن جهل التاريخ يحمل على حال المقارنة بمعنى أنه يعطي حكم المتقارنين من أنه يحصل التعارض، وإن كان الواقع لا يخلو من أن يكون أحدهما ناسخاً والآخر منسوخاً أو مخصصاً والآخر عاماً إذ الفرض أن لا مقارنة حقيقة بل جهل التاريخ فقط، وإنما حكم بالتعارض عندهم حينئذٍ لأن الخاص عندهم لا ينسخ إلا عند التأخر، أما عند التقدم فالعام ناسخ لما مر، وعند الشافعي الخاص ناسخ مطلقاً، وإنما ترك صورة المعية الحقيقية لأن الكلام فيما هو أعم من النسخ والتخصيص ومعها لا يمكن النسخ إنما يمكن التخصيص بالأولى مما لو تقدم الخاص. قوله: (فعند الشافعي يخص به) يعني أن هذا حكم المقارنة الحقيقية عند الشافعي فيعطي للمقارنة الحكمية إذ لا تزيد الثانية على الأولى وكلاهما لا يزيد على تقدم الخاص هذا هو حقيقة الكلام وقد فهمه سم على غير وجهه فبنى عليه كلامه هنا وكلامه فيما يأتي والكل لم يصادف محلاً فليتأمل. قول المصنف: (وقيل إن تقارنا الخ) هذا بعض مفهوم وإلا وسيأتي بعض آخر في قوله: وقالت الحنفية. قوله: (وإلا فكونه أقوى مرجح لكن الخ) حقه أن يقول لكنه غير خارج.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 37
قوله:
(قلنا الفرق الخ)(2/231)
(3/38)
---
مبني على التسليم بالنسبة لها، وأما التأخر عن العمل فنحن معهم، وبه تعلم ما كتبه المحشي على قوله كعكسه من قوله فيما إذا عمل بالعام فإنه مبني على أن التأخر عن العمل وهو مخالف للإطلاق السابق فليتأمل. قوله: (بأن المراد أعم من التراخي) هو كذلك ونص عليه حواشيه أيضاً، فإن العام متى تأخر لا يكون عندهم إلا ناسخاً لعدم كونه مخصصاً ولا كون الخاص مخصصاً له وإن رد هذا الأخير، وإنما قيد المصنف هنا بالمتأخر لقوله: فإن جهل فالوقف أو التساقط إذ المعنى جهل تأخر العام أو الخاص، فإنه لو لم يقيده بالتأخر لصدق بجهل اتصال الخاص، وحينئذٍ لا يكون الحكم الوقف أو التساقط بل يطلب في مورد الخاص دليل لاحتمال أن يكون متصلاً فيكون الحكم التخصيص، ومن هنا ظهر وجه اقتصار المصنف على احتمال أن يكون كل منهما منسوخاً، ولم يذكر احتمال أن يكون العام مخصصاً بأن يكون الخاص موصولاً به، وبهذا تعلم أن صورة جهل التاريخ في كلام المصنف هي المذكورة سابقاً بعد إلا، فإن قول الشارح هناك أو جهل تاريخهما معناه أو لم يعقب أحدهما الآخر وجهل تاريخهما فهي في كلام المصنف مفروضة فيما علم عدم عقبية أحدهما كما عرفت، ثم هذا كله لا ينافي قول الحنفية بالنسخ عند تأخر العام سواء كان موصولاً أو مفصولاً فليتأمل. وبه يندفع ما قاله سم. ثم إن قول المصنف: وقالت الحنفية وإمام الحرمين: العام المتأخر الخ مراده به بيان مخالفتهم لبعض ما دخل تحت إلا، وهو ما ذكره الشارح بقوله: أو تأخر العام عن الخاص مطلقاً أي عن الخطاب أو العمل، فقوله كعكسه ناظر فيه لمذهبهم في صورة التأخر عن الخطاب لكن هذا إن وافقهم إمام الحرمين وإلا قصر على المتأخر عن العمل. قوله: (قلت الخ) هذا خطأ صريح فإنك قد علمت المراد بالمقارنة في عبارة صدر الشريعة، وفي هذا القدر كفاية لك في هذا المقام والله سبحانه وتعالى أعلم. قوله: (ليس قيداً) انظر وجهه ولعله فهم أن معنى الخارج الخارج(2/232)
عن اللفظ
(3/39)
---
فقال: إن المرجح قد يكون من اللفظ كبلاغته مثلاً، لكن المراد الخارج عن الخصوص والعموم فهو قيد لأنهم يشترطون في المخصص المقارنة أي كونه موصولاً وهي المقارنة المارة في كلام الشارح. قوله: (قلت الذي يفيده ما تقدم الخ) هذا أيضاً خطأ واضح نصوا في كتبهم على خلافه وقد مر فتدبر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 38
قول المصنف:
(وقالت الحنفية المتأخر ناسخ)
لأنه وإن كان الخاص في هذا المقام شاملاً لما كان عاماً متناولاً لشيء آخر كما قاله السعد إلا أنه ليس موصولاً، ففي صورة المقارنة يكون المتأخر مخصصاً، فقولهم العام الآتي بعد الخاص ناسخ مطلقاً سواء كان موصولاً أو مفصولاً فيما إذا كان العموم ليس وجهياً نص عليه السعد وغيره وذلك لأنه لو نسخ الأول لكان نسخ ما لا يتناوله منه كالرجال فيمن بدل دينه فاقتلوه بغير دليل تأمل.
(المطلق والمقيد)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 39
قوله:
(فالمنفي اعتباره لا وجوده)
من المعلوم أن الكلام الآن في بيان حقيقة المطلق أعني ماهيته الذهنية ولا شك أن وجودها الذهني ينفرد عن القيد إنما لزوم القيد في الموجود الخارجي، فما هنا انتقال نظر من ماهية المطلق إلى المطلوب في نحو قولك اضرب فإن المطلوب الفرد الموجود خارجاً وهو لا ينفك عن القيد تدبر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 40
قوله:
(وهو قرينة حذف المضاف)
أي مع تعيينه. قوله: (وذلك فاسد) لا فساد فيه فإن الكلام في الماهية الذهنية كما عرفت.
(3/40)
---(2/233)
قول المصنف: (الدال على الماهية بلا قيد) قال السعد في حاشية العضد: الماهية بشرط لا شيء لا توجد في الأعيان بل في الأذهان والتي لا بشرط مقارنة العوارض ولا التجرد عنها بأن أخذت مع تجويز أن تقارنها العوارض وأن لا تقارنها وتكون مقولاً على المجموع حال المقارنة الحق وجودها في الأعيان لكن لا من حيث كونها جزءاً من الجزئيات المحققة على رأي الأكثر بل من حيث إنه يوجد شيء تصدق عليه وتكون عينه بحسب الخارج وإن تغايرا بحسب المفهوم انتهى وإنما قال لا من حيث كونها جزءاً الخ لما قال في شرح المقاصد أنه ليس بمستقيم لأن الموجود من الإنسان مثلاً إنما هو زيد وعمرو وغيرهما من الأفراد، وليس في الخارج إنسان مطلق وآخر مركب منه ومن الخصوصية هو الشخص وإلا لما صدق المطلق عليه ضرورة امتناع صدق الجزء الخارجي المغاير بحسب الوجود للكل، وإنما التغاير بين المطلق والمقيد في الذهن دون الخارج فلذا قلنا إن المطلق موجود في الخارج لكونه نفس المقيد ومحمولاً عليه كالإنسان المشروط بالنطق والحيوان اللامشروط به فإن الثاني أعم فيصدق على الأول ضرورة صدق المطلق على المقيد اهـ. وقوله: ويكون مقولاً على المجموع حال المقارنة أي يقال على المقيد بالقيد إذ هو الماهية من حيث هي شخصية، وليس المراد أن التشخص جزء من المقول عليه ضرورة أنه أخذ مطلقاً عنه وجوداً وعدماً، هذا فإن كان هذا هو المراد بالمطلق كان لا غبار على كلام المصنف أصلاً، وكان غير محل النزاع الذي هو هل الماهية موجودة أم لا؟ وهو موضوع الطبيعية وهو الماهية بشرط الإطلاق كما يدل عليه كلام كثير من المحققين منهم الطوسي فإن الحق في ذلك أنه غير موجود، وإنما الموجود الهويات الخارجية نص عليه عبد الحكيم في حواشي القطب و السيد الزاهد في حواشي التهذيب، لكن الشارح عند قوله: وليس بشيء جرى على قول الأكثر الذي هو خلاف التحقيق حيث قال: إن الكلي جزء من الموجود وجزء الموجود موجود، وفيه أن(2/234)
(3/41)
---
قوله جزء الموجود موجود مسلم، ولكن قوله إن الكلي جزء من الموجود ممنوع سواء كان الكلي هو الماهية لا بشرط كما مر أو بشرط الإطلاق فإن الحق أنه أمر انتزاعي والموجود ليس إلا الهويات الخارجية فليتأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 40
قوله:
(وقد يتوقف في خروجه)
بناء على أن المراد بالغير مقابل الوحدة وهو التعدد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 42
قوله:
(متعلق بالأفراد)
قد عرفت أنه لا فرق بين الفرد والماهية بالمعنى المتقدم إلا بالاعتبار وهما واحد بالوجود الخارجي واللفظ ظاهر في المشترك فلا يعدل عنه بلا ضرورة كما بينه العضد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 42
قوله:
(هو موضوع القضية المهملة)
قال السيد الزاهد : موضوعها هو الماهية من حيث هي لا يلاحظ معها إطلاق ولا غيره من العوارض، وحينئذٍ يصح إسناد أحكام الأفراد إليها لاتحادها معها ذاتاً ووجوداً وإن اختلفا اعتباراً إذ الفرد ليس إلا الماهية من حيث هي مشخصة، فالماهية من حيث هي مرآة لا يمكن أن يحكم عليها، والمرئي هو الماهية من حيث إن الأفراد متحدة معها لا الأفراد من حيث إنها أفراد بخصوصياتها، فالمرآة والمرئي في الحقيقة ههنا متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، وكما يصح إسناد أحكام الأفراد إليها كما عرفت يصح إسناد أحكام العموم أيضاً، فالأول نحو الإنسان كاتب. والثاني نحو الإنسان نوع، فالماهية في هذه الملاحظة واحدة بالوحدة المبهمة ومتكثرة بتكثر الأفراد، وحاملة لأحكام العموم والخصوص كل باعتبار لا من حيث هي لأنها من حيث هي لا تصلح محكوماً عليها أصلاً، إذ لا يمكن أن يثبت لها في هذه المرتبة حكم، فظهر أن موضوعها ليس هو النكرة وإن اشتهر في كلام بعض المناطقة وتبعه الكمال لكن أوله الدواني في حاشية التهذيب فانظره.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 42
قوله:
(3/42)
---
(باعتبار وجودها في أفرادها)(2/235)
هذا على كلام الشارح الآتي، والحق أن يقال باعتبار أنها متحدة مع الأفراد ومثله يقال في نظيره الآتي قريباً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 43
قوله:
(من حيث إنها شيء واحد)
أي يؤخذ من حيث يلاحظ معه الإطلاق في المفهوم دون الحقيقة بأن يلاحظ المطلق مطلقاً من غير أن يؤخذ الإطلاق قيداً وإلا لا يكون مطلقاً، وحينئذٍ لا يصح إسناد أحكام الأفراد إليه لأن الحيثية الإطلاقية تأبى عنه قاله الزاهد .
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 43
قوله:
(من حيث وجودها)
الأولى حذف الإمكان وليس في عبارة سم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 43
قوله:
(فإن المطلق عندهما هو الدال على الماهية مع الوحدة)
الماهية مع الوحدة الشائعة هي الحصة المحتملة لحصص كثيرة مما يندرج تحت أمر مشترك ومعنى احتمالها لذلك أنها ممكنة الصدق عليه، وكون ذلك هو المطلق عندهما صرح به العضد والسعد والمصنف.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 43
قوله:
(هو الأولى)
لا وجه له مع الاتحاد المتقدم فهو خروج عن معنى اللفظ الظاهر منه بلا دليل، هذا على ما نقلناه عن السعد وعلى ما قاله سم لا أولوية أيضاً، فإن الحكم على كل حال إنما يتعلق بالأفراد لما علمت أن المطلق عليه موضوع المهملة وهو لا يصلح للحكم عليه إنما لوحظ مرآة له من حيث اتحاد الأفراد به، نعم لو قيل إنه موضوع الطبيعية لم يكن الحكم على الأفراد. والحاصل أن حقيقة المطلق هو الماهية لأنه المعنى الظاهر من اللفظ، وهذا لا يستلزم أن الطلب المتوجه إليه متوجه إلى الماهية من حيث هي لما قال الشارح من أن الوحدة ضرورية، فيكون التوجه إليها من حيث اتحادها مع الأفراد أو وجودها فيها تدبر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 43
قوله:
(مخالف لما قدمه الخ)
(3/43)
---(2/236)
فيه أن المصنف قال في منع الموانع معنى قولنا موضوع للمعنى الخارجي أنه المقصود من وضعه للمعنى الصالح للخارج والذهن وهو المشترك، وقد تقدم الكلام هناك بما لا مزيد عليه. بقي أن كلام المحشي يفيد أنه على رأي الآمدي موضوع للخارجي وفيه نظر، لأن الفرد الشائع هو أن يكون الفردية لا على التعيين معتبرة في حقيقته فيصدق في نفسه على كثيرين على وجه البدلية كالصورة الحاصلة للطفل، قال الشيخ في أوائل طبيعيات الشفاء: أول ما يرتسم في خيال الطفل صورة شخص رجل وصورة شخص امرأة من غير أن يتميز له رجل هو أبوه عن رجل ليس أباه وامرأة هي أمه عن امرأة ليست أمه وهذا هو المعنى الذي يسمى منتشراً اهـ.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 44
قوله:
(قلت هذه غفلة عجيبة الخ)
ما قاله قاله سم جواباً ثانياً فانظر ما يصنع المحشي . قوله: (النكرة العامة) أي لما شاع في جنسه ونوعه ولما في الإثبات والنفي والمطلق عند الآمدي النكرة في الإثبات وعند ابن الحاجب الشائع في جنسه لا نوعه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 44
قول الشارح:
(بالنكرة في سياق الإثبات)
اعترضه العضد تبعاً لابن الحاجب بأن نحو كل رجل من العام لا المطلق مع أنها نكرة في الإثبات ولذا عدل ابن الحاجب لما قاله.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 44
قول المصنف:
(بمطلق الماهية)
وهو الحدث الذي تضمنته صيغة الأمر أو نحو اطلب ضرباً فهو مطلق لفظاً أي غير مقيد بقيد لفظي وإن كان لفظه دالاً على الوحدة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 44
قول الشارح:
(لأن المقصود الوجود)
(3/44)
---(2/237)
هذا تعليل لأصل ما بني عليه وهو الدلالة على الوحدة وليس تعليلاً لقوله قالا الخ لأن تعليله قوله: من ثم وفي هذا التعليل نظر من وجهين: أما أولاً فلأنه بعينه وارد على ما قالاه لأن الفرد الشائع أمر كلي كما حققه الشريف في حاشية العضد، وقد قال ابن الحاجب نفسه: إن المطلوب في الواجب المخير واحد مبهم وهذا كله مناف لهذا التعليل. وأما ثانياً فلأن الوجود عند الطلب والكلام في مدلوله في ذاته. فإن قيل: مدلوله عند الطلب ذلك وعند عدمه الماهية. قلنا: هو حينئذٍ مجاز وليس الكلام فيه، أو قيل مدلوله في الحالين الوحدة حملاً لما لا طلب فيه على حال الطلب. قلنا عدول عن الظاهر من اللفظ بلا داع.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 45
قوله:
(وهما معترفان الخ)
(3/45)
---
إن أراد أنه تعلق بمطلق الماهية ظاهراً فلا نزاع فيه أو ظاهراً وباطناً فلا ودون إثباته خرط القتاد. وأما قوله: والمطلق هو اللفظ المنكر فمسلم ونقول إنه المصدر. وأما قوله: لصدقه على الفعل بأقسامه فإن أراد به الصيغة فباطل لأنها لا تدل على وحدة ولا ماهية، وإن أراد به المادة وهو المصدر فمسلم اهـ ومدلوله الماهية. فإن قيل: إن الماهية التي هي مدلول المصدر الذي في ضمن الفعل مقيدة بزمن الفعل فلا يصدق عليها المطلق. قلت: هو موجود في اعتق رقبة ولا شك أنه مطلق فالمراد الإطلاق بغير هذا تدبر. قوله: (الذي عليه المحققون الخ) فهي أمور اعتبارية وعليه عبد الحكيم في حواشي القطب وإن برهن على الوجود بناء على أنها جزء الموجود، ومثله السيد الزاهد فليس في الخارج سوى الهويات أي الأشخاص. ثم إن قول المصنف: وليس بشيء المعلل بكلام الشارح يحتمل أن المراد به الإلزام يعني أن قولهما بأن الموجود الواحد الشائع لا يتم إلا إن قلنا بأنه موجود في ضمن الجزئي الخارجي، وحينئذٍ لا حاجة إلى العدول عن مدلول اللفظ الظاهر منه وهو الماهية بلا قيد لأنه يقال فيها ذلك وهذا لا يستلزم أنه قائل بهذا.(2/238)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 45
قول المصنف:
(وقيل إذن فيه)
لأنه لو اعتبر ذلك الإشعار لكانت النكرة في الإثبات للعموم الشمولي ولا قائل به ولكان من العام دون المطلق.
(خاتمة): الماهية في ذاتها لا واحدة ولا متكثرة واللفظ الدال عليها من غير تعرض لقيد ما هو المطلق ومع التعرض لكثرة معينة هو اسم العدد، ولكثرة غير معينة هو العام ولوحدة معينة هو المعرفة ولوحدة غير معينة هو النكرة قاله صاحب الكشف .
قول المصنف مسألة: (المطلق والمقيد الخ) عقب العام به لكون المطلق كالعام والمقيد كالخاص بل قيل إن المطلق والمقيد نوعان من العام والخاص.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 46
قول الشارح:
(ويزيد المطلق والمقيد الخ)
(3/46)
---
حاصل أقسام هذه المسألة أنهما إما مثبتان أو منفيان أو أحدهما مثبت والآخر منفي مع اتحاد الحكم والموجب فيهما في المسائل الثلاث أو اختلف الموجب مع اتحاد الحكم أو عكسه فيهما فهي تسعة، وإنما لم يفصل المصنف في غير متحدي الحكم والسبب حملاً عليهما وسيأتي بيانه، ثم إنه بقي قسم رابع وهو ما إذا اختلف الحكم والسبب وتركه المصنف لعدم تأتي الحمل أو النسخ فيه إذ لا علاقة لأحدهما بالآخر كما في العضد وأشار إليه المصنف في شرح المنهاج تدبر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 46
قول الشارح:
(ويزيد الخ أيضا)
(3/47)
---(2/239)
إنما قال ويزيد الخ لأن قوله: وإن اتحد حكمهما إلى قوله: حمل المطلق عليه النسخ والتقييد فيهما إنما هو بمنطوق القيد لأنه لما اتحد السبب والحكم وورد الخطاب بالمطلق والمقيد تعين العمل بالمقيد أي بمنطوق القيد وإلا لما يقع الامتثال بمنطوقه ولا نظر في ذلك لمفهوم القيد وإن كان له مفهوماً ضرورة أنه قيد، ويدل لذلك قول العضد كغيره أن المقيد بيان للمطلق حتى إن المراد برقبة هو المؤمنة، وقول السعد من جملة كلام ذكره سبب كون المقيد ناسخاً للمطلق هو أن المطلق يفيد جواز الإتيان بأي فرد كان والخروج عن العهدة بذلك والمقيد ينافيه لدلالته على أنه لا يخرج عن العهدة إلا بالإتيان بالمقيد اهـ المقصود منه، فإذا عرفت ذلك عرفت أنه لا يأتي نظيره في العام والخاص بأن يكون للخاص مفهوماً كأن يقال: أعتق أي رقيق أعتق مؤمناً مع اتحاد السبب لأن العام لما تناول غير المؤمن احتجنا للمفهوم لإخراج غير المراد بالحكم بخلاف المطلق فإنه احتمل المؤمن وغيره فقيد بالمؤمن لإفادة حكم شرعي لم يكن قبل. قال العضد : إن في التقييد حكماً شرعياً لم يكن ثابتاً قبل، وأما التخصيص فهو دفع لبعض الحكم الأول فقط اهـ. فالمقصود في الأول إفادة اعتبار الإيمان وهو بلفظ مؤمنة أي منطوقه، وفي الثاني إخراج غير المؤمن وهو إنما يكون بالمفهوم. فإن قلت: قول الشارح في الجواب الآتي: قلنا الفرق بينهما أن مفهوم القيد حجة يقتضي أن التقييد بالمفهوم لا المنطوق. قلت هذا وإن قاله من يعول عليه ليس بشيء بل معناه أنا حيث اعترفنا بأنه قيد كان له مفهوماً قطعاً وإلا كان ذكره وتركه سواء فلم يكن قيداً، وإذا كان له مفهوم وجب العمل بمنطوقه بخلاف ما لا مفهوم له فذكره وتركه سواء فلا عمل بمنطوقه ولا مفهومه، وبهذا يظهر وجه قول المصنف فيما إذا كانا منفيين، فقائل المفهوم يقيد به لأنك قد عرفت أن العام إنما يكون لإخراج منه في مثل ما تقدم بالمفهوم لأنه ليس المراد إفادة اعتبار(2/240)
(3/48)
---
شيء بل إخراج ما دخل ولو لم نقل بالمفهوم ههنا ولم يعتق مكاتباً أصلاً فقد امتثل المقيد أيضاً لصدق أنه لم يعتق مكاتباً كافراً فليتأمل في هذا المقام فإنه من المداحض وبه تعلم ما في الحواشي. قوله: (أعتق أي رقيق الخ) هذا على طريق الحنفية القائلين بأن التناول على البدل من العام كما في حاشية العضد والمقصد التمثيل فلا يضر. قوله: (وقوله وإن كان أحدهما أمراً الخ يتصور مثله الخ) فيه أنه في العام التخصيص بالمنطوق أي بمنطوق كافراً إذا خرج الكافر من العام به بخلافه في المطلق فإن تقييده بضد الصفة كما في الشارح.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 47
قوله:
(وقوله وإن اختلف السبب الخ)
قد عرفت أنه في مثل هذا التقييد بالمنطوق في المطلق والتخصيص في العام بالمفهوم، ومثله يقال في قوله: وإن اتحد الموجب الخ فتدبر لتعرف كيفية استخراج دقائق هذا الكتاب.
قول المصنف: (وقيل المقيد ناسخ الخ) مقابل لحمل المطلق على المقيد عند تأخر المقيد عن وقت الخطاب والنسخ عند هذا القائل لوجوب اعتقاد المطلق على إطلاقه، وهذا كما قالت الحنفية: إن الخاص المتأخر عن الخطاب بالعام ناسخ لذلك أي وجوب اعتقاد العموم، وقد تقدم تنبيه الشارح عليه في قوله بعد قول المصنف وقالت الحنفية و إمام الحرمين العام المتأخر عن الخاص ناسخ له.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 48
قوله:
(كعكسه على احتمال فيه)
(3/49)
---(2/241)
ثم إنه بقي مما بعد إلا ما إذا تأخر المطلق على المقيد مطلقاً وقد قالت الحنفية فيه: إنه مطلق قيد بالمقيد المتقدم، على خلاف قولهم في تأخر العام عن الخاص من أن العام ناسخ وفرقوا بأن تقدم المقيد قرينة على إرادته من المطلق بخلاف تقدم الخاص فإن المتقدم لا يخصص المتأخر والعام لا يخصص الخاص وإن رد الأول كما تقدم، وما إذا تقارنا أو جهل تاريخهما ولعلهم يقولون في ذلك بالوقف أو التساقط في جهل التاريخ، ويحمل المطلق على المقيد في المقارنة لوجود القرينة فليتأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 49
قول المصنف:
(وهي خاص وعام)
(3/50)
---(2/242)
أي فإن تأخر الخاص عن وقت العمل بالعام كان ناسخاً وإلا خصص كما هو حكم العام والخاص. قول المصنف: (فالمطلق مقيد بضد الصفة) ظاهره أنه لا نسخ هنا وإن تأخر المقيد عن وقت العمل والظاهر خلافه، فلعل معناه أنه مقيد بضد الصفة، ثم إن تأخر عن العمل كان نسخاً وإلا كان تقييداً. قول المصنف: (وإن اختلف السبب الخ) أي سواء كانا مثبتين أو منفيين أو مختلفين، ثم إنه على قول أبي حنيفة الأمر ظاهر إما على الحمل لفظاً أو قياساً، فالظاهر أن يقال: إن كانا مثبتين وتأخر المقيد عن العمل كان نسخاً بلا قياس على غير قول الشافعي وبه على قوله لما سيأتي أنه ينسخه بالقياس وإلا كان تقييداً، وإن كانا منفيين فالمسألة عام وخاص فيجري فيها ما تقدم إلا أنه هنا بالقياس، وقد تقدم أنه يخص بالقياس فيكون النسخ أو التخصيص هنا به. قول المصنف: (وإن اتحد الموجب فيهما الخ) أي وكانا مثبتين أو منفيين أو مختلفين فعلى الخلاف، أما على قول أبي حنيفة فظاهر، وأما على الحمل لفظاً أو قياساً فالظاهر أن يقال إن كانا مثبتين وتأخر المقيد عن العمل بالمطلق فهو ناسخ لفظاً أو قياساً وإلا كان مقيداً لفظاً أو قياساً، وإن كانا منفيين فالمسألة عام وخاص، فإن تأخر المقيد عن العمل بالعام كان نسخاً لفظاً على قول غير الشافعي وقياساً على قوله وإلا كان تخصيصاً كذلك وإن كانا مختلفين فالمطلق مقيد بضد الصفة، ثم إن تأخر المقيد عن العمل بالمطلق كان نسخاً لفظاً أو قياساً وإلا كان تقييداً كذلك إذ لا يسوغ القول بأنه تقييد مع التأخر عن العمل في جميع ما تقدم وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وإنما ترك المصنف جميع ذلك اختصاراً اعتماداً على أول المسألة، مثال ما إذا كانا منفيين هنا: لا تطعم رجلاً دخل دارك بلا إذن، لا تكس رجلاً فاسقاً دخل دارك بلا إذن. ومثال ما إذا كانا مختلفين مع اتحاد السبب أن يقال في كفارة اليمين: لا تطعم عشرة كفاراً اكس عشرة فيقيد الثاني بنقيض(2/243)
(3/51)
---
الصفة وهو الإسلام. قول المصنف: (والمقيد بمتنافيين) هذا من قسم اختلاف السبب مع اتحاد الحكم وقد مرت تفاصيله فتدبر، وتقرير هذا المبحث على هذا الوجه من النفائس التي انفرد بها هذا التعليق، وفي التلويح في هذا المقام زيادات في تأييد مذهبهم ورده ينبغي الوقوف عليها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 49
(الظاهر والمؤوّل)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 51
قول الشارح:
(أي راجحة)
إنما فسر بذلك لإخراج المؤول أيضاً لأن دلالة المؤوّل بواسطة الدليل ظنية أيضاً لكنها ليست براجحة وإلا كانت مساوية لدلالة الظاهر، فيكون التأويل فاسداً كما في العضد إذ لا يعدل عن معنى اللفظ الظاهر منه بنفسه إلى ما يساويه بدليل فلا بد أن يكون دلالة المؤول بواسطة الدليل أرجح ولذا قال الغزالي : المعنى المؤول إليه احتمال يعضده دليل يصير به أغلب على الظن من المعنى الذي دل عليه الظاهر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 51
قول الشارح:
(مرجوح في الرجل الشجاع)
أي عند استعماله بلا قرينة دالة على المعنى المجازي وإلا كان راجحاً عن الظاهر، فالمراد أنه يحتمل ذلك احتمالاً عقلياً وإن لم يصح إرادته من اللفظ لعدم وجود القرينة كما في الفنري على المصنف، ثم إنه لا يلزم أن يكون المؤول مجازاً بل قد يكون لفظاً مشتركاً ترجح أحد معانيه أو معنييه لدليل على معناه الآخر الظاهر من اللفظ، ولا بد أن يصير المعنى المؤول إليه أرجح من المعنى الظاهر، قال العضد: فالتأويل بلا دليل أو بدليل مرجوح أو مساو فاسد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 51
قوله:
(ككتابه ورسوله ولهذا الخ)
(3/52)
---(2/244)
هذا اشتباه لأن الاحتمال ليس في العلم بل في الإسناد كما سيصرح به وإجراء المجاز في نفس العلم لا يظهر، أما فيما اشتهر بصفة كخاتم فالمجاز في الحقيقة ليس في المعنى العلمي بل في عارضه كما نبه عليه السيد في أحد المواضع، وأما فيما لم يشتهر كزيد فهو وإن ذكره لفظاً في شرح المفتاح تبعاً لـ لموادني حيث قال: لا نسلم أن الاستعارة تعتمد على الإدخال فإن المقصود في الاستعارة المبالغة، وذلك كما يحصل بجعل المشبه من جنس المشبه به إذا كان اسم جنس يحصل بجعله عينه إذا كان شخصاً مردود بما قاله المحقق عبد الحكيم من أن جعله عينه إن كان لا عن قصد فهو غلط وإن كان قصداً فإن كان بإطلاقه عليه ابتداء فهو وضع جديد، وإن كان بمجرد ادعاء من غير تأويل فهو دعوى باطلة وكذب محض فلا بد من التأويل بإدخاله فيه. والحاصل أن استعمال المشبه به في المشبه ليس بحسب الوضع الحقيقي وهو ظاهر، فلو لم يعتبر الوضع التأويلي لم يصح استعماله فيه، فظهر بهذا اندفاع ما كتبه سم هنا برمته. قول المصنف: (على المحتمل المرجوح) أي لولا الدليل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 52
قول الشارح:
(يترجح على الظاهر الخ)
فلا بد أن يكون دليل المرجوح أرجح من الظاهر في القريب والبعيد جميعاً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 52
قول الشارح:
(وبعيد)
أي يعترف الخصم ببعده لكن ارتكبه لدليل رجحه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 52
قول الشارح:
(كالمسلم)
أي قياساً عليه وهذا هو الدليل الأقوى من الظاهر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 53
قول المصنف:
(على ستين مدا)
والمد عندهم نصف صاع كذا بخط الجوهري وهو الظاهر من كون الواجب ثلاثين صاعاً على ستين لكل منهم مد كما هو تأويلهم وبه يندفع ما في الحاشية.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 53
قول الشارح:
(لأن القصد الخ)
(3/53)
---
هذا هو الدليل الأقوى من الظاهر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 53
قول الشارح:
(كسائر تصرفاتها)
هذا هو الدليل الأقوى وهو القياس.(2/245)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 53
قوله:
(مع إمكان أن المذكور الخ)
اكتفى بالإمكان لكفايته في المنع. وقال الشارح: الظاهر قصده لبيان البعد تدبر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 53
قوله:
(لكن تفوت المناسبة الخ)
أي لروايتي الرفع ورواية النصب والأولى أن يقتصر على ذلك في توجيه صنيع الشارح كما في سم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 53
قوله:
(قلت لا ضعف الخ)
ضعفه ظاهر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 53
قول الشارح:
(بخلاف الحي الممكن الذبح)
يفيد أن غير الممكن بأن مكث زمناً لا يسع الذبح من الميت وبعد ذلك المدار في الفروع في وجوب الذبح على أن يكون فيه حياة مستقرة تأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 53
قول الشارح:
(فيكون الجواب عن الميت)
أي لا عن خصوص الحي كما هو مدعي المستدل، أما كونه عنهما معاً فلم يقل به أحد فاندفع اعتراض الناصر، وما قلناه في دفعه هو ما قاله سم خلافاً لما في الحاشية، وفي سم أيضاً أنه يصح أن يكون معناه، فيكون الجواب عن الميت إما وحده أو مع غيره لا عن الحي وحده كما قال به المخالف، وإن كان الحي لا يقول أحد فيه بذلك الحكم لكنه لدليل آخر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 53
قول الشارح:
(إذ بيان المصرف لا ينافيه)
(3/54)
---
يعني أن ما قالوه مسلم لو لم يحصل بيان المصرف ببيان الاستحقاق أيضاً أما إن حصل به فلا نسلم أن لا مقصود سوى بيان المصرف فليكن الاستحقاق بصفة التشريك أيضاً مقصوداً عملاً بظاهر اللفظ قاله الآمدي أي فقصر الأفراد أحد أمرين مقصودين من الآية ويلزم أن يكون المقصود الآخر متنازعاً فيه حتى يصح ما قاله الناصر فاندفع ما في الحاشية تدبر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 53
قول الشارح:
(لغير صارف)(2/246)
لعل المعنى من غير صارف قوي وإلا فالقياس الآتي صارف لكن يلزم أن لا يكون المؤول إليه أقوى من الظاهر وقد مر أنه شرط، وما يتوهم من أن ما يأتي جواب للشارح دون غيره أو أن ما هنا مبني على الظاهر قبل الجواب ففيه أنه لا يكون حينئذٍ بعيداً بل باطلاً، وقد يقال: إن المعنى لغير صارف ظاهر لنا وإلا فلا بد منه عند المؤول وإن كان لا اطلاع لنا عليه فليتأمل في هذا الموضع وأمثاله.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 54
قول الشارح:
(دل على نفي اجتماع الولدية والعبدية)
أي مع الاستقرار وإلا فالدخول في الملك لا بد منه حتى يعتق، ثم إنه قد يقال المنفي اجتماعه إن كان الولدية والعبدية بمعنى المخلوقية فمسلم لكن ذلك موجود بالنسبة لله دون العباد وإن كان بمعنى الملكية فممنوع بدليل المكاتب فإنه يملك ابنه ولا يعتق عليه لضعف ملكه فتأمل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 54
(المجمل)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 54
قوله:
(أي الذي لا خفاء فيه)
بأن كان بيناً بنفسه بأن لم يسبق له خفاء أو سبق ووقع بيانه هذا في العضد، فقوله لا ما وقع عليه البيان أي لا خصوصه. قوله: (من قبيل الظاهر والمؤول) فإبانة الشارع دليل التأويل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 54
قول الشارح:
(وهو العرف)
فهو من الظاهر.
(3/55)
---(2/247)
قوله: (احتمال الباء أن تكون صلة) وهو الظاهر فالمراد الكل صريح في أن كون المراد الكل أو البعض مبنياً على كونها صلة أولاً، وكلام العضد صريح في أنه إنما يبنى على العرف حيث قال: فإن ثبت عرف في إطلاقه على الكل اتبع كما هو مذهب مالك والقاضي أبي بكر و ابن جني ولا إجمال، وإن ثبت عرف في إطلاقه على البعض اتبع كما هو مذهب الشافعي و القاضي عبد الجبار و أبي الحسين البصري ولا إجمال أيضاً، والذي أوقع المحشي فيما قال هو أن العضد قال بعد ما تقدم قالوا في بيان العرف للبعض العرف في مسحت يدي بالمنديل إنما هو للبعض لتبادر ذلك إلى الفهم عند إطلاقه. الجواب أن الباء للاستعانة والمنديل آلة والعرف في الآلة ما ذكره بخلاف غيره مثل مسحت وجهي وبوجهي حيث الباء صلة انتهى ففهم من قوله بخلاف غيره أن العرف فيه مسح الكل وهو غير لازم لجواز أن يتردد فيه عرفاً بدليل قوله: فإن ثبت عرف الخ مع جزمه بأن الباء صلة لاحتماله كل بعض.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 55
قوله:
(قال الزركشي وهو اضطراب الخ)
راجعت ابن الحاجب و العضد في الموضعين فرأيت ما فيهما هو الذي جرى عليه الشارح في الموضعين. وحاصله أنه متى دل العرف على خصوص المقدر فلا إجمال وإلا فهو مجمل، فالاضطراب وقع للزركشي من بعض شروح ابن الحاجب فإن بعضهم شرح المتن في هذا المقام على خلاف وجهه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 55
قوله:
(كالزركشي والشارح)
فيه أن الشارح نص فيما تقدم على أنه لا إجمال في هذا الحديث للقرينة. قوله: (أثبته نظراً لذاته الخ) قال السعد على مثل هذا الكلام أنه ليس بشيء إذ لم يعرف اصطلاح على ذلك بل كلام القوم صريح في خلافه اهـ. ويفيده قوله وقد أشار السعد الخ.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 55
قول الشارح:
(متردد بين الطهر والحيض وقوله فيما بعد صالح الخ)
(3/56)
---(2/248)