جامع القواعد والفوائد الحديثية
جمع وترتيب /
أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد نور الدين الأثري
( ملتقي أهل الحديث , ... )
إن تقرير قواعد علم الحديث واستعمال مصطلحات خاصة بأهله أمرٌ بدأ منذ بدء المسلمين برواية حديث نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، أي في عصر الصحابة رضي الله عنهم بل في عصر الرسول نفسه - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن لاشك أنها كانت في أول أمرها قريبة المأخذ قليلة العدد واضحة المقصد وذلك ما لم يقتض شأنهم وشأن العصر والعلم حينئذ أكثر منه .
ثم توسع الناس في الرواية وكثر اختلافهم فيها وازداد أكثر الناس بعداً عنها وجهلاً بها فاحتاج العلماء إلى بيان قواعد هذا العلم ونشرها بين الناس وتقريرها لهم وتقريبها منهم ، واحتاجوا أيضاً إلى تكثير مصطلحاته طلباً للدقة في التعبير ورغبة في الاختصار في القول ، وهكذا نشأ هذا العلم العظيم الذي انفردت به هذه الأمة دون سائر أمم الدنيا ، وذلك فضل الله والله يؤتي فضله من يشاء .
تكلم علماء الحديث أولاً في بيان بعض هذه القواعد والاصطلاحات من غير أن يدونوها ، ثم دون بعضهم جملاً منها في مصنفاتهم في الرواية أو في العلل ومعرفة الرجال أو في أصول الفقه ، ثم احتاج الناس إلى إفرادها بالتأليف ففعل العلماء ذلك ولا زالوا يفعلونه إلى هذا الوقت .
ولما بدأ إفراد هذا الفن أو بعض أبوابه بالتأليف ، جاءت الكتب المفردة في ذلك متفاوتة في مقدار المسائل والأبواب التي تتناولها .(1/1)
وكان المتأخرون أكثر تصنيفاً فيه من المتقدمين ، ولكن المتقدمين هم - كما لا يخفى - الأعلم الأكمل ، فكانت مؤلفاتهم - وإن كان الغالب عليها عدم الاستيعاب - يغلب عليها النقل عمن تقدم من الأئمة ، وغزارةُ العلم وكثرة الفوائد ، بل إنها أصل هذا الفن وأساسه ومادته وعمدته ، وأما مؤلفات المتأخرين في المصطلح فيغلب عليها التقليد والجمود وقلة الاستقراء وكثرة المناقشات اللفظية وتعقيدها والتأثر بطرائق المتكلمين ؛ بل لقد شارك في التأليف فيه كثير من المتأخرين الذين قل جداً نصيبهم من هذا العلم ، وكثير ممن غلب عليهم الاهتمام بالآراء أو التقليد الجامد للمذاهب غلبة واضحة ! حتى لقد كان من بعض هؤلاء بعض من يعادي أصحاب الحديث !!!
ولقد عقد الدكتور حاتم بن عارف العوني في كتابه (المنهج المقترح لفهم المصطلح) (ص67-170) باباً - هو الثاني من أبواب كتابه - في تأريخ تأثر علوم السنة بالعلوم العقلية وبيان ذلك ، وجعل الفصل الأول من الباب في أثر المذاهب العقدية الكلامية على علوم السنة ، والفصل الثاني منه في أثر علم أصول الفقه على علوم السنة ، وقال (ص90) : (كان لأصول الفقه أثرها على علوم الحديث ومصطلحه من خلال نافذتين للتأثير :
الأولى (وهي مباشرة) : من خلال دراسة كتب أصول الفقه للسنة وعلومها، بمنهجها الكلامي . وقد بينا سابقاً القدر الذي يجب عليه الاستفادة من هذه الدراسة لعلوم السنة ، وأشرنا إلى التفريط الواقع في هذا الصدد .
الثانية (وهي غير مباشرة) : من خلال المنهج الذي بثته في الأوساط العلمية، وأثر المنطق اليوناني الذي شبّعت به أساليب التفكير والتأليف لدى العلماء .
_________________________________________
( تحرير علوم الحديث , لعبد الله الجديع )
شاع بين كثير من طلبة هذا العلم في هذا الزّمان نِزاعٌ بين ما سمّوه ( طريقة المتقدّمين ) و ( طريقة المتأخّرين ) في علوم الحديث .(1/2)
وتحرير محلِّ النّزاع : أن أصحاب التَّفريق رأوا علماء الحديث المتأخرين صاروا إلى الحكم على الأحاديث على ما تقتضيه ظواهر الأسانيد ، والتَّقليد لعبارات بعض متأخري العلماء في الحُكم على الرُّواة ، دون مُراجعة لكلام أئمة الجرح والتَّعديل ، إذ كثيراً ما يختلفون في الرّاوي ، كذلك دون اعتبار للعلل الخفيّة في الرّوايات .
وأيضاً ، رأوا للمتأخرين تساهلاً في إطلاق المصْطلحات ، والتَّوسُع في قبول الحديث المعلول ، بيْنما كان الأوّلون يردُّون مثل تلك الأحاديث .
ومن تساهلهم : تهوين العبارة في الرّواة ، كإطلاق وصف ( ضعيفٌ ) ، أو ( فيه ضعفٌ ) على الرّاوي الواهي السّاقط ، مما يُسهِّل أمره ، ويجعل حديثه مقبولاً ولو اعتباراً ، من أجل خفّة هذا اللّفظ المتأخر في الجرح .
وكذلك يقولون في الحديث : ( ضعيفٌ ) ، وهو في الواقع ( موضوعٌ ) مثلاً .
وأقول : لا ريْب في صحّة هذا المأخذ ، لكن إطلاقه ليس بمحمود ، فإنَّ لمتأخّري العلماء تحريراتٍ نافعةً في هذا العلم ، كالحُفّاظ : أبي بكر البيهقيّ ، والخطيب البغداديّ ، وابن عبد البرّ الأنْدلسيّ ، فأبي الحجاج المزّيّ ، فالذّهبيّ ، وابن كثير الدّمشقي ، وابن قيّم الجوزيّة ، وابن رجب الحنبليّ ، فأبي الفضْل العراقيّ ، فابن حجر العسقلانيّ ، وغيرهم .
وإن كان التّساهل المشارُ إليه يقع من غيرهم ، وربّما من بعضهم تارةً ، فإنّه لا يصلح أن يقام النِّزاع المورثُ إعراضاً عند بعض النّاس عن تحريرات مثل هؤلاء الأعلام .(1/3)
وهذا العلم في تحرير من تقدَّم جميعاً مرْجعه إلى طريقة المتقدّمين ، فلا غنى لهم عن منهاج أهله ، كمالك بن أنس ، وشُعبة بن الحجَّاج ، وسفيان الثّوريّ ، ويحيى بن سعيد القطّان ، وعبد الرّحمن بن مهديّ ، وأحمد بن حنبل ، وعليّ بن المدينيّ ، ويحيى بن معين ، والبُخاريّ ، ومسلم بن الحجّاج ، وأبي زُرعة الرّازيّ ، وأبي حاتم الرازيّ ، وأبي داود السّجستانيّ ، والتّرمذي ، والنّسائي ، وإخوانهم من متقدّمي أئمة هذا الشّأن .
وأما منهاجي في هذا الكتاب ، فقد بنيتُ فيه تحرير أصول هذا العلم على طريق السّلف المتقدمين ، واستفدت من تحريرات المتأخرين ، وعدلْتُ عن ابتكاراتهم في هذا الفنّ ؛ لأنهم جروا على التَّنظير في أكثر ما انفردوا به ، خصوصاً أهل الأصول منهم ، وهذا العلم مستنده إلى النّقل ، وإلى التَّبصُّر في منهج أهله .
فبوْنٌ كبيرٌ مثلاً بين كلام أهل الفنّ في تحرير معنى العدالة والجهالة ومراعاتهم لواقع النّقلة ، وبين ما ضمّنه متأخرو الأصوليّين كتبهم في تفسير ذلك ، والّذي تأثروا فيه بمعناها عند القضاة وداخلوا بين هذا الباب وذاك ، ولم يضربوا له من الأمثال من أحوال النّقلة ما يكشف حقيقته .
_________________________________________
( تحقيق الرغبة في توضيح النخبة , لعبد الكريم الخضير )
هناك دعوةٌ تُرَدَّدٌ على ألسنة بعض طلبة العلم ، وهي الدعوة إلى نبذ قواعد المتأخرين في مصطلح الحديث والأخذ مباشرة من كتب المتقدمين ، وذلك لأن قواعد المتأخرين قد تختلف أحياناً عن مناهج المتقدمين ، فمثلاً: زيادة الثقة أو تعارض الوصل والإرسال أو الوقف والرفع عند المتأخرين في كتبهم النظرية يحكمون بحكم عام مطرد ، فيرجحون قبول الزيادة مطلقاً والحكم للوصل مطلقاً والرفع دائماً ، ومنهم من يرجح ضد ذلك لأنه المتيقن .(1/4)
وإذا راجعنا أحكام المتقدمين كالبخاري وأبي حاتم وأحمد وغيرهم كالدارقطني ، وجدناهم لا يحكمون بحكم عام مطرد بل ينظرون إلى كل حديث على حدة ، تارة يحكمون بالزيادة وقبولها ، وتارة يحكمون بردها لأنها شاذة ، وتارة يحكمون للوصل ، وتارة يحكمون للإرسال ، وهكذا في الرفع والوقف تبعاً لما ترجحه القرائن .
وهي دعوة في جملتها وظاهرها مقبولة ، لكنها لا تصلح أن يخاطب بها جميع الطلبة ، فالمبتدئ في حكم العامي عليه أن يقلد أهل العلم ، وتقليد المتقدمين يجعل الطالب في حيرة لصعوبة محاكاتهم ممن هو في البداية لأنه يلزم عليه أن يقلدهم في كل حديث على حدة ، وهذا يلزم عليه قطع باب التصحيح والتضعيف من قِبَل المتأخرين ، وهذا ما دعى إليه ابن الصلاح - رحمه الله - ، لكنه قول رده أهل العلم عيه وفنَّدوه وقوَّضوا دعائمه .
وأما طالب العلم المتمكّن من جمع الطرق واستيعابها ، وإدامة النظر في أحكام المتقدمين بعد أن تخرّج على قواعد المتأخرين وطبقها في حياته العلمية مدة طويلة ، وحصل عنده مَلَكة تؤهله للحكم بالقرائن ، فهذا هو المطلوب بالنسبة لهذا النوع ، وهذا هو مسلك المتأخرين أنفسهم كالذهبي ، وابن حجر لا تجد لهم أحكاماً مطردة في التطبيق وإن اطرد قولهم في التقعيد للتمرين .
وإذا كان كبار الأئمة في عصرنا وقبله كسماحة شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز ، ومحدث العصر الشيخ ناصر الدين الألباني رحمهما الله ، قد اعتمدا كثيراً على قواعد المتأخرين ، فكيف بمن دونهما بمراحل ، وليست قواعد المتأخرين قواعد كلية لا يخرج عنها أي فرع من فروعها ، بل هي قواعد أغلبية يخرج عنها بعض الفروع كغير هذا العلم من العلوم .(1/5)
ونظير هذه الدعوى دعوى سبقتها ، وهي الدعوة إلى نبذ كتب الفقه ، وطرح كلام الفقهاء وعدم اعتبارها ، والتفقه مباشرة من الكتاب والسنة ، وهي دعوة كسابقتها لا يمكن أن يخاطب بها جميع فئات الطلبة بل يخاطب بها طالب العلم المتمكن الذي لديه أهلية النظر في الأدلة وما يتعلق بها ، فليست كتب الفقه وأقوال الفقهاء دساتير لا يحاد عنها بل ينظر فيها ، فما وافق الدليل عمل به ، وما خالف الدليل ضرب به عُرض الحائط كما أوصى به الأئمة أنفسهم .
وقد اطّلعت أخيراً على كتاب ألّفه فضيلة الشيخ الشريف حاتم بن عارف العوني وفقه الله وسمَّاه : (( المنهج المقترح لفهم المصطلح ، دراسة تأريخية تأصيلية لمصطلح الحديث )) وهو كتاب يدل على دقة فهم وسبر واستقراء انتقد المؤلف فيه بعض المصطلحات التي شاع استعمالها عند المتأخرين كالمتواتر والآحاد وغيرها .
وشدد في هذه المسألة ، وهي مجرد اصطلاح والخلاف فيها لفظي إذ لا نزاع بين أحد أن الأخبار متفاوتة قوة وضعفاً وكثرة في رواتها وقلة وفيما تفيده من القطع أو الظن .
_________________________________________
( الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات , لأبي معاذ طارق عوض الله )
فكما أن القواعد النظرية لهذا العلم تؤخذ من أهله المتخصصين فيه ، فكذلك ينبغي أن يؤخذ الجانب العملي منهم ؛ لا أن تؤخذ منهم فقط القواعد النظرية ،ثم يتم إعمالها عملياً من غير معرفة بطرائقهم في إعمالها وتطبيقها وتنزيلها على الأحاديث والروايات .
... فإن أهل مكة أعلم بشعابها ، وأهل الدار أدرى بما فيه ، وإن أفضل من يطبق القاعدة هو من وضعها وحررها ، ونظم شرائطها ، وحدد حدودها .
... فكان من اللازم الرجوع إلى كتب علل الحديث المتخصصة ، والبحث عن أقوال أهل العلم على الأحاديث ؛ لمعرفة كيفية تطبيقهم هم لتلك القواعد النظرية ، التي يقوم عليها هذا الباب ، ومعرفة فه تنزيلها على الروايات والأسانيد .(1/6)
... وليس هذا جنوحاً إلى تقليدهم ، ولا دعوة إلى تقديس أقوالهم ، ولا غلقاً لباب الاجتهاد ، ولا قتلاً للقدرات والملكات ؛ بل هي دعوة إلى أخذ العلم من أهله ، ومعرفته من أربابه ، ودخوله في بابه وتحمله على وجهه .
... فمن يظن ، أنه بإمكانه اكتساب ملكة النقد ، وقوة الفهم ، وشفوف النظر ، بعيداً عنهم ، وبمعزل عن علمهم ، وبمنأى عن فهمهم ؛ فهو ظالم لنفسه ، لم يبذل لها النصح ، ولم يبغ لها الصلاح والتوفيق ، ولا أنزل القوم منازلهم ، ولا قدرهم أقدارهم .
... فهم أهل الفهم ، وأصحاب الملكات ، وذوو النظر الثاقب ، فمن ابتغى من ذلك شيئاً ، فها هو عندهم ، وهم أربابه ، فليأخذه منهم ، وليأخذ بحظ وافر .
... فمن تضلع في علمهم ، واستزاد من خيرهم ، وتشربهم من فقههم ، واهتدى بهديهم ، واسترشد بإرشادهم ، سار على دربهم ، وضرب على منوالهم ؛ فهو الناصح لنفسه ، المُبتغي لها الصلاح والتوفيق ، وهو من السابقين بالخيرات بإذن الله تعالى .
... هذا ؛ وإن علامة صحة الاجتهاد ، وعلامة أهلية المجتهد ، هو أن تكون أغلب اجتهاداته وأحكامه وأقواله موافقة لاجتهادات وأحكام وأقوال أهل العلم المتخصصين ، والذين إليهم المرجع في هذا الباب .
... وإن علامة صحة القاعدة التي يعتمد عليها الباحث في بحثه ، هو أن تكون أكثر النتائج والأحكام المتمخضة عنها على وفق أقوال أهل العلم وأحكامهم .
... وبقدر مخالفته لأهل العلم في أحكامه على الأحاديث ، بقدر ما يُعلم قدر الخلل في القاعدة التي اعتمد عليها ، أو في تطبيقه هو للقاعدة ، وتنزيلها على الأحاديث .
... فمن وجد من نفسه مخالفة كثيرة لأهل العلم في الحكم على الأحاديث ، فليعلم أن هذا إنما أتي من أمرين ، قد يجتمعان ، وقد يفترقان .
... أحدهما : عدم ضبط القاعدة التي بنى عليها حكمه على وفق ضبط أهل العلم لها .(1/7)
... ثانيهما : ضبط القاعدة نظرياً فقط ، وعدم التفقه في كيفية تطبيقها ، كما كان أهل العلم من الفقه والفهم والخبرة ، بالقدر الذي يؤهلهم لمعرفة متى وأين تنزل القاعدة ، أو لا تنزل .
... فكان هذا من الدوافع القوية إلى الكتابة في هذا الموضوع ؛ لبيان الشرائط التي اشترطها أهل العلم في قواعد هذا الباب ، وخطر الإخلال بها ؛ مع توضيح شيء من فقه الأئمة عند تطبيقهم لهذه القواعد ، وتنزيلها على الأحاديث .
_________________________________________
( إعلام الموقعين عن رب العالمين , ابن قيم الجوزية )
أما أن نقعد قاعدة ونقول هذا هو الأصل ، ثم ترد السنة لأجل مخالفة تلك القاعدة ، فلعمر الله ، لهدم ألف قاعدة لم يؤصلها الله ورسوله أفرض علينا من ردَّ حديث واحد .
_________________________________________
( المنهج المقترح لفهم المصطلح , للشريف حاتم بن عارف آل عوني )
وعليك بالمقياس التالي : إن وجدت قاعدةً من قواعد علوم الحديث المنصوص عليها في كتب علومه ، تخالف تطبيقات أهل المصطلح ، وتناقض صريح تصرفاتهم , فاعلم أن تلك القاعدة منسوفة من أساسها ، مقتلعة من أصولها .
لأن ذاكر تلك القاعدة ، إنما يذكرها على أنها مستنبطة من تطبيق الأئمة ، فإذا وجدنا تطبيق الأئمة يناقضها ، فقد قضي على استنباطه من قاعدة استنباطه !
_________________________________________
فاعلم أن منهج وقواعد المتقدمين والمتأخرين واحد , والقواعد ثابتة لا تتغير , إنما الفرق إنما هو في الملكة والدربة والمران والممارسة والخبرة وكثرة التعامل مع هذا العلم , وفي تطبيق بعض هذه القواعد , فإنما استقي المتأخرين قواعدهم من استقراء أقوال وأفعال وأحوال المتقدمين .
وقواعد علم الحديث عامة وأغلبية - وهي صحيحة في الجملة - , ولكل قاعدة شواذ .(1/8)
واعلم رحمني الله وإياك , أن القواعد المقررة في علم مصطلح الحديث : منها ما يذكر فيه خلاف ولا يحقق الحق فيه تحقيقا واضحا , وكثيرا ما يختلف الترجيح باختلاف العوارض التي تختلف في الجزئيات كثيرا , وإدراك الحق في ذلك يحتاج إلى ممارسة طويلة لكتب الحديث والرجال والعلل , مع حسن الفهم وصلاح النية .
_________________________________________
( ملتقي أهل الحديث , ... )
إنَّ من شأن أهل البدع في هذا الزمان تتبع خطأ كل عالم في قاعدة حديثية ما ، كتوثيق المجاهيل مطلقاً عند ابن حبان رحمه الله ، حتى يصححوا ما يحلوا لهم من الأحاديث التي توافق بدعتهم وهذا شبيه بمن يتتبع زلات العلماء في المسائل الفقهية حيث قال السلف فيهم : من تتبع شواذ العلماء تزندق ، ومن هؤلاء في هذا الزمان : الغماري والكوثري والحبشي ، هذا الثلاثي النتن .
_________________________________________
( تذكرة الحفاظ , الذهبي )
فحق على المحدث أن يتورع في ما يؤديه , وأن يسأل أهل المعرفة والورع ليعينوه على إيضاح مروياته , ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذاً إلا بإدمان الطلب والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم , مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى مجالس العلماء والتحري والإتقان وإلا تفعل :
فدع عنك الكتابة لست منها ولو سودت وجهك بالمداد
قال الله تعالى : {..فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } فإن آنست يا هذا من نفسك فهماً وصدقاً وديناً وورعاً وإلا فلا تتعن ، وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأي ولمذهب فبالله لا تتعب ، وإن عرفت أنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله فأرحنا منك فبعد قليل ينكشف البهرج وينكب الزغل ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ، فقد نصحتك فعلم الحديث صلف فأين علم الحديث ؟ وأين أهله ؟ كدت أن لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب .(1/9)
_________________________________________
( ملتقي أهل الحديث , ... )
فَإِنَّنِى أَكَادُ أَجْزِمُ فِي نَفْسِى ، مِنْ خِلالِ نَظْرَةٍ فَاحِصَةٍ لِوَاقِعِ الْيَوْمِ ، أَنَّ الأَغْلَبَ الأَعَمَّ مِنْ طَلَبَةِ عِلْمِ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ ، بَلْ وَكَثِيراً مِنْ فُضَلاءِ وَقْتِنَا ، وَعُلَمَاءِ زَمَانِنَا ، يُبَادِرُونَ إِلَى أَحْكَامٍ جَائِرَةٍ عَلَى الأَحَادِيثِ الْمُصْطَفَويَّةِ ، عَمَلاً بِظَاهِرِ كَلامِ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَأَحْكَامِهِمْ ، مِنْ غَيْرِ سَبْرٍ لِلرِّوَايَاتِ ، وَالْوُقُوفِ عَلَى مَا يَحْتَفُّ بِهَا مِنْ قَرَائِنَ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهَا .
فَمَا أَيْسَرَهُ عَمَلاً ، وَأَسْهَلَهُ مَنْهَجَاً ، أَنْ يَعْمَدَ أَحَدُهُمْ إِلَى الْحَدِيثِ ، وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَى بَعْضِ مَصَادِرِهِ ، فَيَتَعَرَّفَ عَلَى رِجَالِ إِسْنَادِهِ ، ثُمَّ يُقَابِلَهُمْ بِمَا اخْتَصَرَهُ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ أَوْ الذَّهَبِيُّ أَوْ الْعَسْقَلانِيُّ مِنْ مَرَاتِبِهِمْ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ، وَيَحْكُمَ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ عَلَى الْحَدِيثِ بِالضَّعْفِ أَوْ الصِّحَّةِ ، كَنَحْوِ قَوْلِهِمْ (( هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ، لأَنَّ رَاوِيهِ ضَعِيفٌ )) ، و (( هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، لأَنَّ رَاوِيهِ يَرْوِى الْمَنَاكِيرَ )) ، و (( هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ ، لأَنَّ رَاوِيهِ كَذَّابٌ أَوْ وَضَّاعٌ )) .(1/10)
وَقَدْ أَفْرَزَتْ هَذِهِ السَّطْحِيَّةُ وَالظَّاهِرِيَّةُ كَمَّاً هَائِلاً مِنْ الأَحْكَامِ الْخَاطِئَةِ عَلَى الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ ، وَالآثَارِ الْمُصْطَفَويَّةِ ، حَتَّى تَطَرَّقَ ذَلِكَ إِلَى أَحَادِيثِ (( الصَّحِيحَيْنِ )) و (( السُّنُنِ الأَرْبَعَةِ )) ، وَصَحِيحَى ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ ، وَالْكَثِيرِ مِنْ الأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ ، وَالْفُقَهَاءِ ، وَالأُصُولِيِّينَ .
وَمِنْ مُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فِي ذَلِكَ أَنْ حُمِلَتْ أَحْكَامُ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عَلَى غَيْرِ مَحَامِلِهَا ، وَصُرِفَتْ إِلَى غَيْرِ مَعَانِيهَا ، وَحُرِّفَتْ عَنْ مَوَاضِعَهَا ، فَضْلاً عَنْ الآرَاءِ الْمُنْحَرِفَةِ فِي حَقِّ الْكَثِيرِ مِنْ رُفَعَاءِ الأَئِمَّةِ ، وَعُلَمَاءِ الأُمَّةِ .
_________________________________________
( ملتقي أهل الحديث , ... )
معنى مصطلحات المحدثين : المراد بمصطلحات المحدثين هو جميع الكلمات التي استعملها جميع المحدثين أو بعضهم بمعنى يخالف معناها عند أهل اللغة مخالفة يسيرة أو كثيرة، وتنقسم مصطلحات المحدثين إلى ثلاثة أقسام :
الأول : مصطلحات الرواة ؛ وهو كل ما يرد على ألسنة الرواة من ألفاظ لها معاني مصطلح عليها عند المحدثين ؛ وما يلتحق بها .
ومثال مصطلحات الرواة : صيغ الأداء التي يتلفظ بها الراوي عند التحديث ؛ وقول الراوي (ثبتني فيه فلان) .
الثاني : مصطلحات نقد الرجال ، وما يلتحق بها .
ومثال هذا القسم قول الناقد (هو ثقة) ؛ وقوله (زوَّر أسمعة) .
الثالث: مصطلحات التخريج ؛ وما يلتحق بها .
ومثال هذا القسم قول المخرج : (هذا حديث شاذ) .
فيحسن بمن أراد أن يجمع هذه الأقسام الثلاثة أن يضم إليها ما يقاربها ويلتحق بها من المصطلحات والرموز .(1/11)
أما القسم الأول فيلتحق به كل ما قد يتعلق به من مصطلحات ورموز النساخ والمؤلفين والمحققين والطابعين والوراقين ونحوهم ؛ فإنها - أي مصطلحات النسخ والتقييد قديماً ، ومصطلحات الطبع والتحقيق حديثاً - عند التأمل أقرب في جنسها إلى مصطلحات الرواة .
وأما القسم الثاني فيلتحق به كل ما قد يتعلق به – أو يدخل فيه – من مصطلحات المؤرخين والنسابين ونحوهم؛ فهي – أي مصطلحات التاريخ والوفَيات والأنساب ونحوها – أقرب في جنسها، عند التأمل، إلى مصطلحات علم الرجال.
وأما القسم الثالث فيلتحق به مصطلحات المحدثين في تسمية كتبهم كالمستدرك والمعجم والمشيخة والمصنف والسنن والصحاح؛ وقد يلتحق به كل ما قد يتعلق بالتخريج أو يتكرر وروده في كتب التخريج، من مصطلحات الأصوليين والفقهاء ونحوهم؛ مثل كلمة (ناسخ) و (منسوخ) و (عام) و (خاص) ونحو ذلك .
فائدة : إن كل ما قلته هنا في حق مصطلحات المحدثين ، فهو كذلك في حق قواعدهم ؛ وعليه تكون الأقسام ستة ، ثلاثة للمصطلحات وقد ذكرتها ، ومثلها للقواعد ، ومجموع هذه الأقسام الستة هو المراد بعلم المصطلح .
_________________________________________
( ملتقي أهل الحديث , ... )
منزلة مصطلحات المحدثين من علم الحديث :
علم مصطلح الحديث ينبني في أصله على مجموعة من القواعد ويُستعمل فيه جملة كبيرة من المصطلحات .
وقواعد كل علم هي لبه وحقيقته وجوهره، وهي المعنى المطلوب لذاته والأصل الأول الذي تنشأ منه كل فروع ذلك العلم وثمراته .(1/12)
وأما مصطلحاته فإنما وضعت تيسيراً للتعبير ، وتحرياً للدقة ، واختصاراً للقول؛ وهي - كما هو واضح - لا تُطلبُ معرفة معانيها لذاتها، وإنما يضطر طالب علم الحديث إلى معرفة معانيها، لأنها دخلت في لغة القوم فدارت على ألسنتهم وتكرر استعمالها في مؤلفاتهم، يدخلونها في تعبيرهم عن قواعدهم الكلية والجزئية وأحكامهم الفرعية ونحو ذلك؛ فمن لم يعرفها لن يعرف قواعدهم بل لن يتمكن من مشاركتهم في علمهم أصلاً؛ وكذلك من عرفها ولكنه لم يتقنها ولم يتمكن منها فإنه يظل فهمه لهذا العلم قاصراً مختلاً ونصيبه من التحقيق فيه ناقصاً معتلاً .
فكما لا يمكن لأحد من الناس فهم مرادات المحدثين في هذه الكتب التي صنفوها بدون معرفة لغتهم الكبرى - أعني العربية - فكذلك يتعذر على العربي - ولو كان عارفاً باللغة - الفهم - أو الفهم الصحيح - لكثير من مراداتهم ما لم يكن عالماً بمعاني مصطلحاتهم ؛ وهي جزء مهم، بل ركن ركين، من لغتهم .
والحاصل أن من أراد أن يطلب علم أصول الحديث لن يستغني - سواء كان يروم التبحر والتخصص أم يريد مجرد الاطلاع وأصل المشاركة - عن معرفة معاني مصطلحات أهل هذا الفن وما تعارفوا عليه من ألفاظهم وعباراتهم .
شروط جمع وشرح مصطلحات المحدثين :(1/13)
إن الذي يريد شرح مصطلحات فن من فنون العلم أو يجمعها أو يصنف معجماً لها يجب عليه أن يعلم قبل كل شيء أنه مستقرئ وشارح وموضح ومفسر، وأنه ليس مؤسساً لاصطلاحات جديدة ولا قائماً بتحوير أو تطوير أو تغيير أو تبديل أو اقتراح، إذ المطلوب في اصطلاحات العلماء فهم مراداتهم بها أي فهم معانيها كما أرادوها هم، لا التصرف فيها وفي شرحها بما يوافق المشهور أو الجمهور أو المنطق أو الهوى؛ والاصطلاحات ليست متعلقاً للصواب والخطأ، ولكن قد يقال : أحسن فلان في اختيار هذا الاصطلاح ولم يحسن فلان في اختياره ذاك الاصطلاح، إما لما فيه من غموض، أو إيهام، أو بعد عن المعنى اللغوي للكلمة، أو مخالفة لاصطلاح سائر العلماء قبله، أو غير ذلك، وإن كانت مثل هذه العيوب في اصطلاحات القدماء نادرة جداً بل لعلها معدومة غير موجودة .
وأما الخطأ والصواب فإنما يقعان في القواعد والأحكام .
والحاصل أن المطلوب من الباحث في مصطلحات العلماء فهم مقاصدها، وفي قواعدهم تحرير أدلتها ومعرفة صوابها من خطئها .
ومن المهم النافع جداً معرفة معنى اصطلاح كل عالم عنده، وليس من المهم نقد ذلك الاصطلاح بنحو بيان عدم مطابقته لاصطلاح الجمهور أو لمقتضى اللغة أو المنطق، وإن كان بعض التنبيه على ذلك لا يخلو من فائدة .
بعض أدوات معرفة معاني المصطلحات :
مما ينفع كثيراً في معرفة معاني مصطلحات العلماء التوسع في معانيها اللغوية، وهذا أمر ظاهر لا يحتاج إلى إيضاح؛ ثم إن معرفة اصطلاحات المحدثين على سبيل التفصيل والتحقيق لا تتيسر - بعد معرفة القدر المطلوب من العلم بالعربية - إلا بعد معرفة مناهج المحدثين وقواعدهم في هذا الفن، فمن ظن أنه يمكن معرفة المصطلحات معرفة كافية شافية من غير خوض فيما عداها من مسائل علم المصطلح وأصول الحديث ومناهج العلماء وما يتعلق بذلك من تراجم الأئمة منهم ونحو ذلك فقد ظن عجزاً .
صعوبة استقراء معاني كل المصطلحات الحديثية :(1/14)
إن معرفة معاني مصطلحات كل إمام من أئمة الحديث على سبيل التحقيق والتفصيل، أمر فيه من الصعوبة والغموض ما يعجز - بسببه - عن بعضه أكثر العلماء، فلا بد من أن يشارك في هذا الباب كثير من العلماء وطلاب العلم والمدرسين والطلاب في الجامعات ونحوها .
ولا بد، أيضاً، من التخصص في البحث أحياناً، كأن يختص الدارس ببعض مصطلحات المحدثين أو بمصطلحات بعض المحدثين .
ولا بأس من أن يتوارد على العمل الواحد أكثر من باحث، فإذا تكررت دراسة موضوع بعينه من قبل اثنين من الطلبة أو أكثر، فعسى أن يكون مجموع ما صنعوه أقرب إلى الشمول والاستيعاب، وأن يكون الواقف على دراساتهم أكثر معرفة لحقائق المسائل وأكثر إحاطة بدلائلها، وأكثر تمكناً من اعتبار بعض ما قالوه ببعضه، وعسى أن يناقش المتأخر منهم المتقدم فيقع في مناقشته له ما لا يستغني عن معرفة كثير من طالبي هذا العلم .
حاجة كثير من المصطلحات إلى التحقيق في معانيها :
إن كثيراً من عبارات الجرح والتعديل يُعْوِزها التحقيق في معانيها وإن كثيراً من تلك العبارات يختلف معناها من عالم إلى آخر؛ وقد تواتر التنبيه إلى هذا المعنى ونحوه، في كلام العلماء والدارسين، قديماً وحديثاً؛ ودونك جملة طيبة من ذلك.
قال الإمام الذهبي في (الموقظة( : ( والكلام في الرواة محتاج إلى ورع تام وبراءة من الهوى والميل وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله؛ ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح وما بين ذلك من عرف ذلك الإمام الجهبذ واصطلاحه ومقاصده بعباراته الكثيرة ) .
وجوب التنبه إلى كيفية استعمال المحدث للكلمة الاصطلاحية :(1/15)
ينبغي التنبه إلى أن بعض العلماء كانوا أحياناً يستعملون الكلمة الاصطلاحية - أعني الكلمة التي لها معنى اصطلاحي بالإضافة إلى معناها اللغوي - يريدون بها معناها اللغوي، لا الاصطلاحي؛ ومنهم الحافظ الذهبي، قال قاسم علي سعد في (مباحث في علم الجرح والتعديل) عقب ذكره ألفاظ التعديل عند الذهبي ضمن تراجم الميزان : (هذا، وقد يذكر الذهبي ألفاظاً عدة في الترجمة الواحدة وبين تلك الألفاظ بون واسع فيقصد بها أحياناً المعنى لا المصطلح الدقيق، وكذلك يفعل في التجريح، وقد اقتصرت على ما قصد به المصطلح ) .
_________________________________________
( لسان المحدثين , محمد خلف سلامة )
القواعد :قاعدة الشيء في اللغة هي أصله وأساسه ؛ وأما في اصطلاح العلماء علماء الشرع وغيرهم فالقاعدة هي الأصل الجامع لفروع كثيرة ، والمبيّن لأحكامها في الجملة ؛ وبهذا يُعلم معنى القواعد الحديثية .
ولقد فرّق المتأخرون بين القاعدة والأصل والضابط ؛ قال عبد المجيد جمعة الجزائري في فصل النتائج من كتابه (القواعد الفقهية المستخرجة من أعلام الموقعين) (ص618) :
(- إن الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي لم يتميز إلا في العصور المتأخرة ، حيث اصطلحوا على أن القاعدة هي ما تجمع جزئيات كثيرة من أبواب مختلفة ، والضابط يجمعها من باب واحد .
- إن الأصل أعم من القاعدة ، إذ أنه يجمع جزئيات كثيرة من أبواب مختلفة ، وقد يجمعها من باب واحد ، بخلاف القاعدة فإنها تجمعها من باب واحد ) .
_________________________________________
( ملتقي أهل الحديث , ... )
مما لا يخفى على أحد أهمية تقريب العلوم لطلابها ، ونظراً لطول علم الرجال ، وكثرة شعبه ، اجتهد بعض الأئمة في إعطاء بعض الكليات التي تختصر الطريق على طالب العلم ليستوعب أكبر قدر ممكن من الأحكام الرواة ، إما باسم ، أو حكم عليهم ، وهنا تنبيهات مهمة قبل البدء في هذا الموضوع الطريف اللطيف :(1/16)
التنبيه الأول : أن بعض الأئمة قد يطلق "الكلية" ولا نجد أحداً تعقبه من الحفاظ المتقدمين ولا المتأخرين ، فهذا أعلى أنواع الكليات .
التنبيه الثاني : أن بعض الأئمة قد يطلق "الكلية" ويتعقبه أحد الحفاظ المتقدمين ، فهذا في الدرجة الثانية ، ويليه أن يكون التعقب من حافظ متأخر .
التنبيه الثالث : أن هذه الكليات تعلو قيمتها بقدر مكانة ومنزلة من أطلقها من الأئمة ، فبحسب اطلاعه وحفظه تقوى قيمة "الكلية" .
التنبيه الرابع : أن هذه الكليات تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن تكون عامة في جميع الكتب غير مقيدة برواة كتب معينة .
القسم الثاني : أن تكون الكلية مقيدة بكتب معينة ، وبإمام معين ، كأن تكون الكلية مقيدة برجال الكتب الستة ، من خلال "التقريب" للحافظ ابن حجر ، مثلاً .
التنبيه الخامس : لا يعكر على الاستفادة من هذه الكليات وجود التعقب عليها ، بل إذا حفظ الطالب الكلية ، ثم حفظ التعقب عليها ، حاز خيراً كثيراً .
القواعد الحديثية العامة
( وهي قواعد عامة في الباب كله , لا تهتم بالجزئيات , مثل قواعد الجرح والتعديل العامة , ... )
? في أصول الحديث :
1- لا مشاحة في الاصطلاح .
2- الاصطلاحات تجتمع ولا تتنافر .
3- إن أقرب معنى للمصطلح - من المعاني المذكورة أو المظنونة له - إلى المعنى اللغوي الأصلي للفظ هو أصوب تلك المعاني ، أو أقربها للصواب في فهم المصطلح .
4- المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب , والمرجع في التمييز بين هذا وهذا إلى أهل الحديث , كما نرجع إلى النحاة في الفرق بين نحو العرب ونحو غير العرب .
5- فائدة علم المصطلح : هو تنقية الأدلة الحديثية وتخليصها مما يشوبها من ضعيف وغيره ، ليتمكن من الاستدلال بها .
6- إجماع أهل الحديث علي الشيء حجة .
7- العبرة والمعول في اصطلاحات علوم الحديث علي أهل الحديث , لا علي غيرهم من الفقهاء والأصوليين .(1/17)
8- يحوز اختصار الحديث وروايته بالمعني , والأصل روايته بلفظه عند استحضاره إلا لضرورة .
9- من أقوى حجج المجوزين للرواية بالمعنى : جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم ، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى ، فجوازه بالعربية أولى .
10- الأصل في أمر نقد الأحاديث بناؤه على الاحتياط لا التسامح , ولاسيما في حق عماد الرواية وهو صدق الراوي.
11- المتواتر مقطوع بصحته ونسبته للرسول , وهو يفيد العلم اليقيني .
12- المتواتر يجب العمل به من غير بحث عن رجاله .
13- المتواتر أقوي من الآحاد , لكن لا فرق بين الحديث المتواتر والآحاد في جميع القواعد والأحكام والعمل .
14- أكثر الذين يشترطون العدد في الرواية هم من غير أهل الحديث ، بل أغلبهم من أصحاب الانحرافات كالمعتزلة وغيرهم ممن لا يأخذ بأحاديث الآحاد .
15- أجمع العلماء علي وجوب العمل بالحديث المقبول ( الصحيح والحسن ) , إن لم يخالفه مثله .
16- الحديث الصحيح حجة بنفسه في الأحكام والعقائد .
17- لا يلزم من احتجاج إمام بحديث تصحيحه له .
18- اختلف العلماء في حكم الحديث الضعيف علي اختلاف درجاته .
19- الحديث الضعيف إذا تلقاه العلماء بالقبول فهو مقبول يعمل به ولا يسمى صحيحاً .
20- القاعدة : أن العمل بالحديث الضعيف ما لم يرد خلافه .
21- إذا لم يوجد في الباب شيئاً سوى الحديث الضعيف ، فالحديث الضعيف مقدم على آراء الرجال .
22- إذا كان الحديث ضعيفاً والشيء مطلوباً فعله ، فإنه يكون من المستحبات , لأن ورود الأمر به يوجب للنفس شبهة ، كذلك لا يمكن تأثيم الناس بتركه وهو ضعيف ؛ أما إذا كان نهياً وهو ضعيف فإنه يكون مكروهاً لا حراماً , لأن ورود النهي يوجب للإنسان شبهة في صحته وإن كان ضعيفاً ، وتأثيم الناس بفعله بدون حديث صحيح يحتج به الإنسان عند الله عز وجل لا يجوز فيكون مكروهاً .(1/18)
23- أجمع العلماء علي سقوط الاحتجاج بالحديث الموضوع - وإن صح معناه - , وعدم جواز روايته إلا لبيان حاله .
24- واتفقوا على تحريم رواية الموضوع إلا مقرونا ببيان حاله .
25- ما بني على الروايات الواهية والضعيفة لا يصلح أن يكون ديناً يتعبد الله به .
26- ليس كل ما صح من جهة المعنى ، يكون صحيحا من جهة الرواية .
27- ليس لأحد أن ينسب كل مستحسن إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن كل ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - حسن ، وليس كل حسن قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
28- لسنا ملزمين بأن نقيم نسباً بين كل قول جميل أو حكمة أو مثل ، وبين الوحي وكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنثبت أنه أفصح الناس وأحكمهم ، فإن هذه الحقيقة أنصع من أن تحتاج إلى مثل هذا الإثبات ، وكأننا حين نفعل ذلك نكافئ الكذاب أو المبتدع أو المخطئ بالعناء الذي نبذله لتمرير عمله .
29- ليس مطابقة الحديث للأمر الواقع دليل على صحته أو على تقويته أو على أنه يعتضد بهذا , لا يصح هذا أبداً .
30- الحديث الصحيح مراتب وليس مرتبة واحدة , وتختلف مراتبه باختلاف تحقق و تمكن من شروط القبول في هذا الحديث فكلما كانت تلك الشروط ( شروط الصحة ) أكثر تمكنا كلما كان ذلك الحديث أقوى وأصح , وينطبق هذا علي الحسن والضعيف أيضاً .
31- أعلى مراتب الحديث الصحيح : هو ما اتفق عليه الشيخان ، ثم ما أخرجه البخاري ، ثم ما أخرجه مسلم ، ثم ما كان على شرطهما ولم يخرجاه ، ثم ما كان على شرط البخاري ، ثم ما كان على شرط مسلم ، ثم ما أخرجه الذين اشترطوا في كتبهم الصحة .
32- لا يلزم من قولهم : " ليس في الباب شيء أصح من هذا " أو " هذا أصح شيء في الباب " صحة هذا الحديث .
33- الأقلُّ في هذا العلم يقضي على الأكثر - قاعدة مطردة - ، فالإسناد الذي كل رواته ثقات إلا راوٍ واحد ضعيف ، فحكم هذا الإسناد ضعيف .(1/19)
34- العدد الأقل من حيث تعداد الرواة في طبقة ما ، يقضي على الأكثر في هذا العلم .
35- الأصل في حديث الثقة أنه صحيح , وفي حديث الصدوق أنه حسن , وضعف حديث غيرهما إن لم يجبره شيء .
36- الأصل أن ما يتفرد به ثقةً فهو صحيح ، وما يتفرد به الصدوق الذي هو دون الثقة فحديه حسن ، وما يتفرد به الراوي الضعيف فحديثه ضعيف ، هذه قاعدة عامة .
37- الأصل في الحديث عدم الشذوذ وعدم العلة .
38- العمدة في التصحيح والتضعيف هي الإسناد .
39- كل ما لا يوجد له إسناد , فهو ساقط واه , خارج عن الاحتجاج .
40- قال ابن المبارك : الإسناد من الدين ، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء .
41- لا عبرة بالأحاديث المنقولة في كتب الفقه المبسوطة ، أو كتب التاريخ والتصوف ونحوها ما لم يظهر سندها .
42- صحة السند أو ضعفه لا تستلزم صحة الحديث أو ضعفه .
43- لا تلازم بين صحة السند وصحة المتن ، والعكس أيضاً صحيح فإنه لا تلازم بين ضعف السند وضعف المتن .
44- التصحيح أو التضعيف حكم ، وهذا الحكم يصل إليه المصحح أو المضعف بعد استكمال البحث والنظر ، وبعد الإطلاع والاستقراء والتتبع ، ثم جمع أقوال الأئمة في الراوي ، وجمع طرق الحديث ، فإن غلب على ظنه بعد ذلك صحة الحديث حكم بصحته ، وإن غلب على ظنه ضعفه حكم بذلك ، والمقصود هنا أن هذا المجال يدخله الاجتهاد ، وتتباين فيه أنظار المجتهدين ، وتختلف أحكامهم ، وتتعارض أقوالهم ، وليس بمرضيّ أن يجرّ ذلك إلى التعصب الذميم للرأي ، والتنازع والشقاق والتنابز بالألقاب .
45- اختلاف العلماء في التصحيح والتضعيف إما أن يكون بسبب العلم من خلال توفر الشروط أو خفاء العلل ، أو بسبب اختلاف المناهج التي ساروا عليها .
46- إن النبي إذا أمر بأمر أو نهى عن شيء ثم فعل ما يخالفه ، دل ذلك على أن الأمر ليس للوجوب ، والنهي ليس للتحريم .(1/20)
47- تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه ،وقد ضعف الإمام أحمد وأكثر الحفاظ أحاديث كثيرة بمثل هذا .
48- إننا مأمورون بإتباع الدليل لا بإتباع فلان وعلان , فإذا صح الحديث فلا يلتفت لغيره .
49- القول مقدم على العمل .
50- العبرة برواية الراوي وليس برأيه .
51- يجب العمل بالدليل , وإن لم يعرف أن أحداً عمل به .
52- يجب العمل بالدليل , ولو خالفه من خالفه من السلف الصالح رضوان الله عليهم .
53- لا يشرع ترك الدليل , وإن عمل الناس بخلافه .
54- نحن متعبدون إلي الله بقول النبي وفعله , لا بقول ولا فعل غيره , فإن صح الحديث وجب العمل به , وإن لم يعمل به أحد من قبل , فليس من أحد إلا وتعزب عنه سنة لرسول الله .
55- تضعيف أحاديث رويت عن بعض الصحابة , والصحيح عنهم رواية ما يخالفها .
56- راوي الحديث أعلم بمرويه من غيره .
57- خبر الواحد إن صح الطريق إليه حجة .
58- خبر الواحد المحتف بالقرائن أرجح من العاري عنها .
59- خبر الواحد فيما تعم به البلوى مقبول عند الأكثر , خلافاً لبعض الحنفية .
60- إن مَعْرِفَة الخطأ في حَدِيْث الضعيف يحتاج إِلَى دقة وجهد كبير , كَمَا هُوَ الحال في مَعْرِفَة الخطأ في حَدِيْث الثقة .
61- ليس كل ما يصدر عن الراوي يكون في مرتبة واحدة ؛ إذ إن الرواة ليسوا قوالب .
62- لا يلزم من كون الراوي ضعيفاً ضعفه في جميع رواياته .
63- ليس كل حديث الثقات يكون صحيحاً , وليس كل حديث الضعفاء يكون ضعيفاً .
( المشكلة أن بعض المعاصرين يتعاملون مع الحديث تعامل رياضي , فلابد عندهم أن كل حديث فيه صدوق حديثا حسناً )
64- الحديث الضعيف الإسناد يعبر عنه بلفظ : " ضعيف بهذا الإسناد " لا ضعيف فقط .
65- قال أحمد : الحديث عن الضعفاء قد يُحتاج إليه في وقت , والمنكَر أبداً منكر .(1/21)
66- ما انفرد به ثقة ، فإنه يتوقف فيه حتى يُتابع عليه ، فإن توبع عليه زالت نكارته ، خصوصاً إن كان الثقة ليس بمشتهر في الحفظ والإتقان .
67- المنكر أبداً منكر .
68- نتيجة الاعتبار : معرفة صحة حديث الرجل ، لا الحكم عليه أنه ثقة .
69- المتابعة التامة تعني أن الروايين تحملا هذا عن شيخ واحد .
70- ليس كل ضعيف يصلح للاعتبار .
71- ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه ، بل يتفاوت .
72- ليس كل متابعة ثبتت إلى الراوي المتابع تصلح للاعتداد أو لدفع التفرد .
73- يتقوى الحديث الضعيف بكثرة الطرق ، ومن شرطها أن تكون مفردات هذه الطرق غير شديدة الضعف عند التحقيق .
74- تعدد الطرق من راو واحد قد يكون سببه اضطرابه , أو اضطراب من يروي عنه .
75- كثرة الطرق قد لا تفيد الحديث شيئاً .
76- يغتفر في المتابعات والشواهد ما لا يغتفر في الأصول .
77- فائدة الشواهد والمتابعات أنه ينجبر بها ضعف الضعيف المحتمل الضعف فيرتقي إلي الحسن لغيره , وإلي الصحيح .
78- من دلائل صدق الخبر مجيئه من طريق آخر من غير مواطئة ولا تشاعر ولا تلق من الأول .
79- الروايات الصالحة للتقوية ، لا بد أن يكون المعنى المراد تقويته موجودا في الروايتين .
80- المتابعة لو جاءت بالمعنى كفت ، لكن مع اتحاد الصحابي .
81- تعدد الطرق إنما يقوي الحديث إذا كان الضعف فيها ناشئا من قلة الضبط والحفظ .
82- لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة أن يكون حسنا لأن الضعف يتفاوت فمنه ما لا يزول بالمتابعات , كرواية الكذابين والمتروكين .
83- أنّ كل ما كان ضعفه بسبب عدم ضبط راويه الصدوق الأمين - الذي لم تثلم عدالته - فإنّ كثرة الطرق تقويه . ويضاف إلى هذا ما كان ضعفه لإرسال , أو عنعنة مدلس ، أو لجهالة حال بعض رواته ، أو لانقطاع يسير .
84- متى توبع سيء الحفظ بمعتبر ، وكذا المستور والمرسل والمدلس ، صار الحديث حسنا بمجموع الطرق .(1/22)
85- أمّا إذا كان الضعف شديداً ، فهذا لا تنفعه المتابعات ولا الشواهد ، ولا يرتقي حديثه عن درجة الضعيف ، ومثل هذا من وصف بالكذب ، أو اتهم فيه ، وكذلك من وصف بالفسق ، وكذلك الهلكى ، والمتروكين ، وشديدي الضعف ، فمن كان ضعفه هكذا لا تؤثر فيه كثرة الطرق .
86- من وصف بسوء الحفظ يحتاج إلى متابع ، وتتأكد ضرورة المتابعة في أمور الأحكام والعقائد .
87- لا ينبغي أن نأخذ متن معين حدث فيه وهم , ونجعله شاهدا لرواية شاذة مثله ولكنه يهدر ولا يستدل به , ولا يستشهد , اللهم إلا إن وجدنا من طرق أخرى صحيحة مخارجها أخر , ما يصحح به هذا المتن .
88- المجروحون جرحاً شديداً - كالفساق والمتهمين والمتروكين - لا تنفعهم المتابعات , إذ أن تفردهم يؤيد التهمة عِنْدَ الباحث الناقد الفهم .
89- يكون الحديث غير صالح للمتابعات والشواهد في حالتين : أولاها : أن يكون من رواية غير عدل ,وثانيها : أن يكون من رواية غير عدل ,فإن وجد في الحديث أحد هذين السببين فهو حديث شديد الضعف غير صالح للاعتبار .
90- قاعدة : تقوية الحديث بكثرة الطرق ليست على إطلاقها ، وأن تطبيقها لا يتيسر أو لا يجوز إلا لمن كانت له معرفة بأسانيد الأحاديث ورواتها .
91- المحدثون لا يحسنون ولا يصححون متناً من المتون من مجموع طرق ضعيفة لا تنجبر .
92- التصحيح والتحسين بالشواهد والمتابعات من أخطر القضايا الحديثية ؛ فليتق الناقد ربه فيما يحكم به .
93- لا يلزم من أن يكون الراوي سيء الحفظ أن يكون حديثه وهما لا ينجبر .
94- عند الأئمة التفرد من مظان الغلط تفرد الراوي - غالباً - يثير الريبة .
95- التفرد عموماً ليس طعناً في الراوي أو المروي , وقد يرد الحديث للتفرد بشروط معينة .
96- التفرد كلما تأخر زمن الراوي , كلما ضعف احتمال قبوله .(1/23)
97- أهم الأبواب التي دخل منها الضعف إلى تصحيح الأحاديث وتضعيفها قضية الأسانيد المفردة ، والحكم عليها فقد حُكم الآن على أسانيد كثيرة جدا بالصحة لم تكن معروفة ، فلا فرق عند كثير من الباحثين بين إسناد تداوله الأئمة في عصرهم وأخرجوه في كتبهم ، وبين إسناد عثر عليه الباحث في أحد معاجم الطبراني أو في الكامل لابن عدي أو في بعض كتب الغرائب ، بل حكم على أسانيد بالصحة قد ضعفها الأئمة وفرغوا منها ، وكأننا ننشئ علما جديدا.
98- كلما كثر احتمال الوسائط في المرسل كلما ازداد ضعفا ,وكلما قل عدد الوسائط في المرسل كلما قوى المرسل .
99- إذا روى الحفاظ الأثبات حديثا بإسناد واحد وانفراد واحد منهم بإسناد آخر , فإن كان المنفرد منهم ثقة حافظاً فحكمه قريب من حكم زيادة الثقة في الأسانيد والمتون .
100- زيادة الثقة الأصل أنها مقبولة ( سواء كانت الزيادة في المتن أو في السند ) , إلا إن ثبت أنها زيادة شاذة أو منكرة حينها ترد .
101- قاعدة : الزيادة من الثقة مقبولة , ليست علي إطلاقها , ولكن باحتفاف القرائن تثبت .
102- لا يعرف عن أحد من أئمة الحديث المتقدمين إطلاق القول بقبول الزيادة ، بل الراجح اعتبار الترجيح .
103- إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع أو إرسال واتصال , فإنه لا يحكم فيها بحكم عام , بل تبعاً للقرائن .
104- كبار الأئمة ليس لهم قاعدة مطردة في كل حديث وإنما يدور الأمر مع القرائن , فيحكمون علي كل حديث بعينه بما يليق به .
105- اعلم أن : الراجح ما دل عليه الدليل أو القرائن .
106- إذا ثبت الحديث بحسب القواعد العلمية ، ونقله إلينا العدل الضابط ، وليس في سنده أو متنه ما يخالف أصلاً ثابتاً، فليس لأحد رده لمظنة احتمال الخطأ على راويه ، أو لظن مخالفته للعقل .
107- لا يوجد حديثان صحيحان متضادان لا يمكن الجمع بينهما علي طريقة المحدثين .(1/24)
108- لا يوجد حديث واحد يخالف العقل الصحيح ، إلا وهو عند أهل العلم ضعيف بل موضوع .
109-
110- وقوله تعالى { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } هذا ضرب للفقه القرآني والعقل السليم ، كما يفرق بين ضعف وضعف ، تماما كما يوجد هذا الأمر في الضعف المادي بين رجل ضعيف وبين آخر شديد الضعف .
111- أكثر الأحاديث المسلسلة ضعيفة من جهة تسلسلها , وإن كانت بعض أصولها صحيحة .
112- عامة المسلسلات واهية وأكثرها باطلة لكذب رواتها .
113- نُقل عن مجاهد : (( انقص الحديث ولا تزد فيه )) .
يعني إذا شككت في سماع الشيخ أو شككت في خطئه فاحذفه ؛ ولكن الزيادة هي التي لا تجوز .
114- فالراوي قد يحذف بعض الحديث لكونه شك في خطأ هذه الزيادة , وكذلك يفعلونه في الإسناد أحياناً .
115- بعض الرواة كان إذا نشط أسند الحديث , وإذا كسل أوقفه ؛ وكذلك الحال في الوصل والإرسال .
116- أن الراوي قد ينشط تارة فيسند الحديث , ثم يرسله مرة أخرى .
117- قال سفيان " كنا إذا نشطنا أسندنا , وإذا فترنا أرسلنا " .
118- قد يطلقون كلمة " مسند " على الاتصال .
119- المعاصرة كافية في إثبات الاتصال .
120- عنعنة المعاصر محمولة على السماع , إلا من مدلس .
121- الراوي إذا ثبت لقاؤه بالشيخ ، لا يجري في رواية من رواياته احتمال عدم السماع .
122- كل من عاصر فعنعته محمولة على السماع ، أو كل من كان بإمكانه السماع فعنعنته محمولة على السماع , إذا سلم من التدليس , وبعضهم شرط ثبوت اللقاء ولو مرة .
123- أن الأصل أنه متى روى الراوي عن شيخ , وأمكنه أن يسمع منه فهو متصل ، وهو على السماع حتى يثبت خلاف ذلك , وقيل : الأصل في الراوي أنه لم يسمع ممن روى عنه ، حتى يثبت ذلك بطريق راجح .
124- كما أن الراوي الذي لم يوصف بالتدليس فعنعنته تحمل على السماع ، كذلك الراوي الذي لم يوصف بالإرسال عنعنته تحمل على السماع ، وعلى هذا جرى الإمام مسلم وجرى جمهور علماء المسلمين .(1/25)
... ولا يمكن الاعتماد عملياً إلا على منهج مسلم , إلا إذا ثبت تدليس هذا المعاصر .
125- وقاعدة جمهور المحدثين أن الرواية تقتضي الاتصال وتدل عليه ، إذا ثبت اللقاء بين المعنعِن والمعنعَن عنه ، ولو مرَّة واحدة , وكان بريئا من تهمة التدليس .
126- ولا يمكننا - في هذه الأزمان المتأخرة - أن نعرف صحة سماع كل راوٍ من الأخر غالباً , ولذلك نسلّم للمتقدمين بأحكامهم .
127- الفرق بين المرسل الخفي والتدليس : أن الأول لم يثبت سماع الراوي المعاصر لمن يروي عنه - وإن ثبت اللقاء - ؛ أما التدليس فقد ثبت فيه السماع جملة , وإن لم يثبت السماع في أحاديث بعينها .
128- يشترط لرد الزيادة في المزيد في متصل الأسانيد : التصريح بالسماع في موضع الزيادة , مزيد ضبط من أنقص .
129- زيادة رجل في الإسناد مقبولة : متى كان السند الناقص معنعناً , وإن لم يكن الراوي مدلساً .
130- والقاعدة في المنقطع حتى يقبل : أنّه متى علمت الواسطة ، وكان الحديث يصح بها ، صح .
131- لا فرق بين المبهم ومجهول العين والمنقطع من حيث الاستشهاد , وكلهم له حكم المنقطع .
132- بعض الرواة قد يهم في الرواية فيقلب العنعنة إلى تصريح بالسماع ، وهذا معروف مشهور .
133- رواية الرجل بصيغة محتملة للسماع عمن عاصره ولم يثبت لقاؤه له ولم يكن مدلساً , محمولة علي السماع .
134- وأجمع أهل العلم سلًفا وخلًفا على الاكتفاء بالمعاصرة وعدم التدليس .
135- قد يقع التصرف في صيغ الأداء مِمن جاء بعد الراوي الذي روى بصيغة مشعرة بعدم السماع ، فيرويها بصيغة محتملة للسماع .. فلا يكفي ذلك لوصفه بالتدليس .
136- استشكال النص لا يعني بطلانه .
137- طلب العلو سنة .
138- كلما كثرت الوسائط وطال السند ، كلما كثر تجويز الخطأ واحتماله .
139- النزول مع صحة السند أولى من العلو مع ضعف السند .
140- ربما كان في نزول السند مزية ليست في العلو ، فحينئذ لا تردد في أن النزول أولى .(1/26)
141- إذا كتبت فقمش ، وإذا حدثت ففتش .
142- صاحب الانتخاب يندم ، وصاحب النسخ لا يندم .
143- مَن طلب الحديث لغير الله مُكر به .
144- صاحب الحديث : هو من يستخدم الحديث .
145- ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث .
146- من أسند فقد أحال .
147- إنما يُشكَلُ ما يُشْكِل .
148- أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس .
149- إن جحد الشيخ مرويَّه جزما رُدَّ ، أو احتمالا قبل .
150- يشترط اقتران المناولة والوجادة والوصية والإعلام بالإذن بالرواية .
151- لا تصح الإجازة العامة ، ولا الإجازة للمجهول وبالمجهول وللمعدوم .
152- تخصيص لفظ التحديث بالسماع من الشيخ ، شائع لدى المشارقة .
153- التعبير ب ( قرأتُ ) لمن فرأ ، أفصح بصورة الحال من التعبير بالإخبار .
154- الجمهور على أن السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه ، في الصحة والقوة سواء .
155- الإجازة دون السماع ولو كانت خاصة معينة .
156- الفرق بين عن وأن : في كون الأولى رواية , والثانية حكاية للقصة .
157- التصحيح يريدون به اتصال الإسناد بالسماع فيقولون : سألت فلانا أن يصحح لي هذه الأحاديث فصححها = يعني صرح بالتحديث فيها ، أو لم يصححها = يعني أبَى ذلك أو صحح لي منها كذا يعني : صرح بالتحديث في بعضها دون بعضها الآخر ، فهو لم يسمعه ، ويقولون : أحاديث فلان عن فلان صحاح = سمعها أو ليست بصحاح = لم يسمعها .
158- جرت عادتهم بكتابة السماع وأسماء السامعين في كل مجلس فمن لم يسمع له في بعض المجالس دل ذلك على أنه فاته فلم يسمعه، فإذا أدعى بعد ذلك أنه سمعه ارتابوا فيه لأنه خلاف الظاهر فإذا زاد فألحق اسمه أو تسمعيه بخط يحكي به خط كاتب بالتسميع الأول قالوا : زور .(1/27)
159- إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون : هذا حديث غريب أو فائدة فاعلم أنه خطأ أو دخل حديث في حديث أو خطأ من المحدث أو حديث ليس له إسناد وإن كان قد روى عن شعبة وسفيان . فإذا سمعتهم يقولون : هذا لاشيء فاعلم أنه حديث صحيح .
160- أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب عليهم كتب الغريب دون المشهور ، وسماع المنكر دون المعروف ، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من رواية المجروحين والضعفاء ، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتباً ، والثابت مصدوفاً عنه مطرحاً ، وذلك لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم ، ونقصان علمهم بالتمييز ، وزهدهم في تعلمه ، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة المحدثين ، والأعلام من أسلافنا الماضين .
161- شروط قبول المرسل عند الشافعي وغيره :
وهي أربعة شروط , ثلاثة في الراوي المرسِل , وواحد في الحديث المرسَل :
1. أن يكون المرسِل من كبار التابعين .
2. وإذا سمي من أرسل عنه سمي ثقة .
3. وإذا شاركه الحفاظ المأمونون لم يخالفوه .
4. وأن ينضم إلي هذه الشروط الثلاثة واحد مما يلي :
أ . أن يروي الحديث من وجه آخر مسنداً .
ب . أو أن يروي من وجه آخر مرسلاً , أرسله من أخذ العلم عن غير رجال المرسل الأول .
ت . أو يوافق قول صحابي .
ث . أو يفتي بمقتضاه أكثر أهل العلم .
162- ويمكن تلخيص منهج السلف في تحسين الأحاديث بالشواهد بما يلي :
1. محل إعمال قاعدة تقوية الحديث بتعدد الطرق ، هو في غير الحديث الذي أجمع أئمة الحديث على تضعيفه ، ما لم يكن تضعيفهم مقيداً بطريق بعينه .
2. أن محل تقوية الحديث بتعدد الطرق ، ينبغي أن لا يكون في حديث ضعفه أحد أئمة الحديث ، وقامت القرائن على صحة قوله .
3. أن تتعدد طرق الحديث تعدداً حقيقياً فلا يؤول هذا التعدد إلى طريق واحد ، كما يحصل كثيراً في الأحاديث التي فيها انقطاع أو جهالة أو تدليس .(1/28)
4. أن لا يشتد ضعف الطرق , فلا يقبل التحسين من أحاديث المجاهيل والكذابين والمختلطين وأمثالهم .
5. أن يسلم المتن من النكارة ! .
163- شروط العمل بالحديث الضعيف عند من يعمل به :
1. أن يكون الضعف غير شديد .
2. أن يندرج تحت أصل معمول به .
3. أن يكون الحديث في فضائل الأعمال أو القصص أو المواعظ .
4. أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط .
164- يُعرف المدرج بأمور منها :
1. جمع طرق الحديث .
2. مجيئه مفصلاً من وجه آخر .
3. النص على ذلك من الراوي .
4. استحالة كون النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك .
165- من الشواهد التي تشير إلى أن الخبر موضوع :
1. إقرار واضعه بالوضع ، أو ما ينزل منزلة الإقرار (كأن يحدث عن شيخ ، ثم يتبين أن الراوي ولد بعد وفاة هذا الشيخ ، أو نحو ذلك) ،
2. قرائن في الراوي أو المروي أو فيهما معاً ,
3. ركاكة اللفظ وفساد المعنى والمجازفة الفاحشة ,
4. مخالفة صريحة لما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة ،
5. أو يكون في الحديث سماجة ومجازفة ومخالفة للعقل الصريح , فإذا وجد شيء من ذلك وجب البحث وراء الحديث بدقة حتى نقف على حقيقته .
166- أقسام الوضاعين :
1. منهم زنادقة أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر،
2. ومنهم أهل البدع والأهواء : كالرافضة، والخطابية، يضعون أحاديث تعزز مذاهبهم الباطلة،
3. ومنهم المنتسبون إلى الزهد يضعون أحاديث يرغبون بها الناس، ويرهبونهم بزعمهم، ومثلهم القصاص،
4. ومنهم علماء السلاطين الذين يضعون الأحاديث إرضاءً لحكامهم.
167- شروط تحقيق الاضطراب :
1. اختلاف الروايات بحيث لا يمكن الجمع .
2. تساوي الروايات في القوة بحيث لا يمكن الترجيح .
168- يشترط لرد الزيادة في المزيد في متصل الأسانيد :
1. التصريح بالسماع في موضع الزيادة .
2. مزيد ضبط من أنقص .
أي أن زيادة رجل في الإسناد مقبولة : متى كان السند الناقص معنعناً , وإن لم يكن الراوي مدلساً .(1/29)
169- يعرف اتصال الحديث وانقطاعه بدلالة واحد أو أكثر من ثلاثة أشياء :
الأول : صيغ الأداء . الثاني : اتصاف الراوي بالتدليس أو بانتفائه عنه . الثالث : التاريخ .
170- صيغ الأداء ثلاثة أنواع :
النوع الأول : صيغ دالة بذاتها على الاتصال . النوع الثاني : صيغ دالة بذاتها على الانقطاع .
النوع الثالث : صيغ لا تدل بذاتها على اتصال ولا انقطاع ، بل هي محتملةٌ الأمرين ؛ وتسمى الصيغ المحتملة .
الصيغ الصريحة في السماع ، مثل : ( سمعت ، قال لي ، حدثني ، أخبرني ، قرأت عليه ، قرئ عليه وأنا أسمع ) ؛ وهي كما تقدم تدل بنفسها على السماع ؛ هذا هو الأصل فيها إذا استعملها الثقات من الرواة .
ولكن ينبغي الحذر عند ورود هذه الصيغ من ثلاثة أمور محتملة ، وإن كانت خلاف الأصل والغالب ؛ وهي :
الاحتمال الأول : عدم ثبوت هذه الصيغة عن قائلها ؛ ولذلك ثلاث صور :
الصورة الأولى : عدم ثبوت الإسناد إلى صاحب الصيغة ، وأعني به الراوي المصرح بالسماع ؛ وذلك أن يكون في الإسناد دونه علة ظاهرة كالانقطاع ، أو ضعفِ بعض الرواة .
الصورة الثانية : شذوذ الإسناد إلى صاحب الصيغة ؛ بأن يخالف بعض رواة تلك القطعة من الإسناد ، من هو أوثق منه ، بسبب زيادة في الثقة أو في العدد، فيأتي الراوي بها صريحة ، في حين يأتي الأوثق بالصيغة المحتملة ؛ وقد رد أهل العلم التصريح بالسماع في بعض الأسانيد القوية ؛ كما في بعض الأمثلة الآتية بعد قليل .
الصورة الثالثة : تعليل ذكر تلك الصيغة الصريحة في السماع ، وذلك برجحان وهم من ذكرها ، بقيام المعارض الأرجح ، أو المعارض الذي لا يمكن ردُّه ؛ مثل أن يخالف مقتضى تلك الصيغة ما ثبت من التاريخ أو نحو ذلك مما هو أثبت دلالة من الصيغة .(1/30)
الاحتمال الثاني : أن يتجوز الراوي في استعمالها ؛ فقد استعمل بعض الثقات صيغ صريحة في السماع في ما لم يسمعوه ، تجوزاً أو تدليساً ؛ قال ابن حجر في النكت : ( لأنه قد يدلس الصيغة فيرتكب المجاز ، كما يقول مثلاً : ( حدثنا ) ، وينوي حدث قومنا أو أهل قريتنا ، ونحو ذلك ) .
الاحتمال الثالث : أن يكون ذلك الراوي نفسه ممن لا يصلح للاعتماد عليه في إثبات تلك الصيغة بسبب لينه ؛ فإن الراوي إذا كان ثقة أو صدوقاً فلا كلام ، إلا إذا قام دليل على وهمه في استعمال تلك الصيغة في الرواية عمن لم يسمع منه ذلك المروي ؛ ولكن إذا كان من الضعفاء الذين يعتبر بهم ، فإنه قد ثبتت عدالته ولكنه غير ضابط بل هو سيء الحفظ أو نحو ذلك ؛ فمثله إذا قال : ( حدثني ) فإنه لا يحتمل الكذب لأنه غير متهم به ، ولكنه قد يحتمل الوهم ، فقد يختلط على الراوي - الذي فيه ضعفٌ - ما سمعه عن شيخه بواسطة مع ما سمعه منه بلا واسطة ، لكن احتمال وهمه في ذلك يكون في الغالب غير قوي ، لأنه خبر عن شيخه المباشر ، ولذلك لا يصار إلى توهيمه إلا بدليل أو قرينة كافية ، وإلا بقي قوله: ( حدثني ) دالاً على الاتصال .
الصيغ الدالة على الانقطاع : وهي الصريحة فيه مثل ( بلغني عن زيد ) ، و( حُدثت عنه )، و( قيل عنه ,أو أنه ) ، و( حُكي عنه )، و( رُوي عنه ) وأما إذا قال الراوي ( أخبرونا عن زيد ) فتحتمل أن تلحق بهذه الصيغة ، فيعد الانقطاع هنا صريحاً بين الراوي المذكور وزيد ؛ ولكن الأقرب أنها مثل قول الراوي ( أخبرني رجل عن زيد ) فهو إسناد فيه راو مبهم ، ولا يطلق عليه وصف الانقطاع بين الراوي وزيد ، بل هو إسناد متصل بين الراوي والرجل المبهم ، ومحتمل للاتصال والانقطاع بين الرجل المبهم وزيد .(1/31)
الصيغ المحتمِلة : أي الصيغ المحتمِلة للأمرين , أعني الاتصال والانقطاع - ويسميان عند المحدثين السماع وعدمه - ، ومن أمثلة هذه الصيغ : ( عن , قال , حدث , أخبر , حكى , روى , أملى , ذكر ) ؛ وهذه الصيغ وغيرها من الصيغ المحتملة يعبر عنها المحدثون بلفظة ( عنعنة الراوي ) ؛ فإن كان الراوي مدلساً عبروا عنها بـ ( عنعنة المدلس ) .
وهذه الصيغ المحتملة كثيراً ما توهم السماع خلافاً للواقع ، ومن استعملها بغرض إيهام السماع ممن لم يسمع منه فهو المدلس ، أي الذي يفعل التدليس الأشهر وهو تدليس الإسناد .
الصيغ الصريحة في الاتصال والصيغ الصريحة في الانقطاع حكمها في الأصل الاتصال والانقطاع كما هو واضح ؛ والصيغ المحتملة يحكم لها في الأصل بالاتصال إذا كان الراوي غير مدلس والمذكور فوقه شيخه ، وبالانقطاع إذا لم يجتمع فيها هذان الشرطان ؛ ولكن من العلماء من يزيد على ذلك فيحكم بالاتصال لرواية الراوي غير المدلس ، عن معاصره ، وإن لم يثبت سماعه منه بشرط أن لا يثبت عدم سماعه منه وأن لا يقْوَى الظن بذلك ، أي بعدم السماع .
171- ثلاث طرائق للتحقق من سماع الراوي ممن روى عنه يسلكها الباحثون , وهي :
الطريقة الأولي : النظر في ترجمة الراويين في كتب الجرح والتعديل , فإذا وجد الباحث في الترجمتين أو أحدهما أنه روي عنه حكم بالاتصال بينهما ؛
الطريقة الثانية : كلام أئمة النقد في سماع بعض الرواة ممن رووا عنه نفياً وإثباتاً , وتجده في كتب المراسيل ؛
الطريقة الثالثة : النظر في دلائل ثبوت السماع أو نفيه , كالمعاصرة وإمكان اللقاء ... .
172- المرجحات بين مختلف الحديث - إن لم يمكن الجمع بوجه - ؛ وهي تنقسم إلى سبعة أقسام :
الأوَّل: التَّرجيح بحال الرَّاوي وذلك بوجُوه :
أحدها: كثرة الرُّواة, لأنَّ احتمال الكذب والوَهْم على الأكثر, أبعد من احتماله على الأقل.(1/32)
ثانيها: قِلَّة الوسائط, أي: عُلو الإسْنَاد, حيث الرِّجال ثقات, لأنَّ احتمال الكذب والوهم فيه أقل.
ثالثها: فقه الرَّاوي, سَوَاء كان الحديث مَرْويًا بالمعنى, أو اللفظ, لأنَّ الفقيه إذا سمع ما يمتنع حملهُ على ظاهره بحث عنه, حتَّى يطلع على ما يزول به الإشْكَال, بخلاف العامي.
رابعها: علمه بالنَّحو, لأنَّ العالم به يتمكَّن من التحفُّظ عن مواقع الزَّلل ما لا يتمكَّن منهُ غيره.
خامسها: علمه باللُّغة.
سادسها: حفظهُ, بخلاف من يعتمد على كتابه.
سابعها: أفضليتهُ في أحد الثَّلاثة, بأن يكونَا فَقِيهين, أو نَحَويين, أو حافظين, وأحدهما في ذلك أفضل من الآخر.
ثامنها: زيادةُ ضبطه, أي اعتناؤه بالحديث, واهتمامه به.
تاسعها: شُهرته لأنَّ الشُّهرة تمنع الشَّخص من الكذب, كما تمنعهُ من ذلك التقوى.
عاشرها إلى العشرين: كونه ورعًا, أو حسن الاعتقاد - أي: غير مبتدع - أو جليسًا لأهل الحديث, أو غيرهم من العُلماء, أو أكثر مُجَالسة لهم, أو ذكرًا, أو حُرًّا, أو مشهور النَّسب, أو لا لبس في اسمه, بحيث يشاركه فيه ضعيف, وصعب التمييز بينهما, أو له اسم واحد, ولذلك أكثر ولم يختلط, أو له كتاب يُرجع إليه.
حادي عشرينها: أن تثبت عدالته بالإخبار, بخلاف من تثبت بالتَّزكية, أو العمل بروايته, أو الرِّواية عنه, إن قلنا بهما.
ثاني عشرينها إلى سابع عشرينها: أن يعمل بخبره من زكَّاه, ومعارضه لم يعمل به من زكَّاه, أو يتَّفق على عدالته, أو يُذكر سبب تعديله, أو يكثُر مُزكُّوه, أو يكُونوا عُلماء, أو كثيري الفحص عن أحْوَال النَّاس.
ثامن عشرينها: أن يَكُون صاحب القِصَّة, كتقديم خبر أم سَلَمة زوج النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في الصَّوم لمن أصبحَ جُنبًا. على خبر الفضل بن العبَّاس في منعه, لأنَّها أعلم منه.
تاسع عشرينها: أن يُبَاشر ما رواه.(1/33)
الثَّلاثون: تأخُّر إسلامه. وقيلَ: عكسه لقوة أصالة المُتقدَِّم ومعرفته. وقيلَ: إن تأخَّر موته إلى إسْلام المُتأخِّر, لم يرجح بالتأخير, لاحتمال تأخُّر رِوَايته عنهُ, وإن تقدَّم, أو علم أن أكثر رُواياته مُتقدِّمة على رواية المُتأخِّر رُجِّح.
الحادي والثَّلاثون إلى الأرْبعين: كونهُ أحسن سِيَاقًا واستقصَاء لحديثه, أو أقرب مكانًا, أو أكثر مُلازمة لشيخه, أو سمع من مشايخ بلدهِ, أو مُشَافهًا مُشاهدًا لشيخه حال الأخذ, أو لا يُجيز الرِّواية, بالمعنى, أو الصَّحابي من أكابرهم, أو علي - رضي الله عنه - وهو في الأُقْضية, أو مُعاذ, وهو في الحلال والحرام, أو زيد, وهو في الفرائض, أو الإسْنَاد حِجَازي, أو رُوَاته من بلد لا يرضُون التَّدْليس.
القِسْم الثَّاني: التَّرجيح بالتحمُّل, وذلك بوجوه:
أحدها: الوقت, فيرجح منهم من لم يتحمل بحديث إلاَّ بعد البُلوغ, على من كان بعض تحمُّله قبله, أو بعضه بعده, لاحتمال أن يَكُون هذا مِمَّا قبله, والمتحمل بعده أقوى, لتأهله للضَّبط.
ثانيها وثالثها: أن يتحمَّل بحدَّثنا, والآخر عرضًا, أو عرضًا والآخر كِتَابة, أو مُنَاولة, أو وجَادة.
القِسْم الثَّالث: التَّرجيح بكيفية الرِّواية, وذلك بوجُوه.
أحدها: تقديم المَحْكي بلفظه, على المَحْكي بمعناه, والمُشْكُوك فيه, على ما عرف أنَّه مَرْوي بالمَعْنَى.
ثانيها: ما ذُكر فيه سبب ورُوده, على ما لَمْ يَذْكر فيه, لدلالته على اهتمام الرَّاوي به, حيث عرف سببه.
ثالثها: أن لا يُنكره راويه, ولا يتردَّد فيه.
رابعها إلى عاشرها: أن تَكُون ألفاظه دالة على الاتِّصال, كحدَّثنا, وسمعتُ, أو اتُّفِق على رفْعهِ, أو وصله, أو لم يُختلف في إسناده, أو لم يضطرب لفظه, أو رُوي بالإسناد, وعُزي ذلك لكتاب معروف, أو عزيز, والآخر مشهور.
القسم الرَّابع: التَّرجيح بوقت الورود, وذلك بوجوه:(1/34)
أحدها وثانيها: بتقديم المدني على المَكِّي, والدال على عُلو شأن المُصطفَى - صلى الله عليه وسلم - على الدَّال على الضَّعف: كـ: «بَدَأ الإسْلام غريبًا ...». ثمَّ شهرته, فيكون الدَّال على العلو متأخِّرًا.
ثالثها: ترجيح المُتضمِّن للتَّخفيف, لدلالته على التأخُّر, لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يغلظ في أوَّل أمره, زجرًا عن عادات الجَاهلية, ثمَّ مال للتخفيف.
رابعها: تَرْجيح ما تحمَّل بعد الإسْلام, على ما تحمَّل قبله, أو شكَّ لأنَّه أظهر تأخرًا.
خامسهَا وسَادسها: تَرْجيح غير المُؤرخ, على المُؤرخ بتاريخ مُتقدِّم, وترجيح المُؤرخ بمُقَارب بوفَاته - صلى الله عليه وسلم - , على غير المؤرخ.
القِسْمُ الخامس: التَّرجيح بلفظ الخبر, وذلك بوجوه:
أحدها إلى الخامس والثلاثين: تَرْجيح الخاص على العام, والعام الَّذي لم يُخصص على المُخصَّص, لضعف دلالته بعد التخصيص, على باقي أفْرَاده, والمُطْلق على ما ورد على سبب, والحقيقة على المَجَاز, والمَجَاز المُشبه للحقيقة على غيره, والشَّرعية على غيرها, والعُرفية على اللُّغوية, والمستغنى على الإضمار, وما يقلُّ فيه اللَّبس, وما اتُّفق على وضعه لمُسمَّاه, والمُومي للعلَّة والمَنْطُوق, ومفهوم المُوافقة على المُخَالفة, والمَنْصُوص على حُكمه مع تشبيهه بمحل آخر, والمُسْتفاد عُمومه من الشَّرط, والجزاء على النكرة المنفية, أو من الجمع المعرف على مَنْ وما, أو من الكلِّ, وذلك من الجنس المعرَّف, وما خطابه تكليفي على الوضعي, وما حُكمه معقول المعنى, وما قدم فيه ذكر العِلَّة, أو دلَّ الاشْتقاق على حُكمه, والمقارن للتهديد, وما تهديده أشد, والمُؤكد بالتكرار, والفصيح, وما بلغة قريش, وما دل على المعنى المُراد بوجهين فأكثر, وبغير واسطة, وما ذكر معه مُعَارضة, كـ: «كنتُ نهيتكُم عن زِيَارة القُبُور فَزُوروهَا».(1/35)
والنص والقول, وقولٌ قارنه العمل, أو تفسير الرَّاوي وما قرن حكمه بصفة, على ما قرن باسم, وما فيه زيادة.
القِسْمُ السَّادس: التَّرجيح بالحُكم, وذلك بوجوه:
أحدها: تقديم النَّاقل على البراءة الأصلية على المقرر لها, وقيلَ: عكسه.
ثانيها: تقديم الدَّال على التَّحريم, على الدَّال على الإبَاحة والوجُوب.
ثالثها: تقديم الأحْوط.
رابعها: تقديم الدَّال على نفي الحد.
القِسْمُ السَّابع: التَّرجيح بأمر خارجي:
كتقديم ما وافقه ظاهر القُرآن, أو سُنة أخرى, أو ما قبل الشَّرع, أو القياس, أو عمل الأُمة, أو الخُلفاء الرَّاشدين, أو معه مُرْسل آخر, أو مُنقطع, أو لم يشعر بنوع قدح في الصَّحابة, أو له نظير مُتَّفق على حُكْمه, أو اتَّفق على إخراجه الشَّيْخان.
فهذه أكثر من مئة مُرجح, وثَمَّ مُرجحات أُخر لا تَنْحصر, ومثارها غَلَبة الظَّن.
? في علم الرجال والجرح والتعديل :
1- علم الجرح والتعديل النظري : القواعد التي تنبني عليها معرفة الرواة الذين تقبل رواياتهم أو ترد, ومراتبهم في ذلك .
2- وعلم الجرح والتعديل التطبيقي : إنزال كل راوٍ منزلته التي يستحقها من القبول وعدمه .
3- اجمع العلماء علي جواز جرح الرواة - علي قدر الحاجة - , وأن ذلك من الغيبة الجائزة .
4- جرح الرواة ليس من الغيبة ؛ بل هو من النصيحة .
5- قال ابن دقيق العيد : أعراضُ المسلمين حُفْرَةٌ من حُفَرِ النار وقف على شَفِيرها طائفتان من الناس : المحدِّثون والحُكَّام.
6- خصلتان لا يستقيم فيهما حسنُ الظن : الحكم والحديث .
7- العدالة شرط في الأداء وليس في التحمل , أما الضبط فهي شرط تحمل وأداء .
8- قد وقعت الرواية ممن يجب قبول خبره ، وممن يجب رده ، وممن يجب التوقف فيه ، وهيهات أن يعرف ما هو من الحق الذي بلغه خاتم الأنبياء هن ربه عز وجل ، وما هو الباطل الذي يبرأ عنه الله ورسوله إلا بمعرفة أحوال الرواة .(1/36)
وإذا كان كذلك فلابد من معرفة أحوال الرواة ، فلا بد من بيانها ، بأن يخبر كل من عرف حال راو بحاله ليعلمه الناس , وقد قامت الأمة بهذا الفرض كما ينبغي .
9- عدالة الراوي تارة تثبت بتنصيص معدِّلين على عدالته ، وتارة تثبت بالاستفاضة ، فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم ، وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة ، استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصاً.
10- يعرف كون الراوي ضابطاً بأن نعتبر روايته بروايات الثقاة المعروفين بالضبط والإتقان : فإن وجدنا رواياته موافقة -ولو من حيث المعنى- لرواياتهم ، أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة ، عرفنا حينئذ كونه ضابطاً ثبتاً . وإن وجدناه كثير المخالفة لهم ، عرفنا اختلال ضبطه ، ولم نحتج بحديثه ، والله أعلم .
11- يعرف ضبط الراوي بمدي موافقته أو مخالفته لأحاديث الثقات الأثبات .
12- يعرف ضبط الراوي بموافقة الحفاظ المتقنين الضابطين إذا اعتبر حديثه بحديثهم ؛ فإن كانت أغلب أحاديثه موافقة لأحاديثهم عرف ضبطه ، وإن كثرت مخالفاته اختل ضبطه .
13- اعلم أن المتقدمين كانوا يعتمدون على الحفظ فكان النقاد يعتمدون في النقد عدالة الراوي واستقامة حديثه ، فمن ظهرت عدالته وكان حديثه مستقيماً وثقوه ، ثم صاروا يعتمدون الكتابة عند السماع فكان النقاد إذا استنكروا شيئاً من حديث الراوي طالبوه بالأصل ، ثم بالغوا في الاعتماد على الكتابة وتقييد السماع فشدد النقاد فكان أكثرهم لا يسمعون من الشيخ حتى يشاهدوا أصله القديم الموثوق به المقيد سماعه فيه ، فإذا لم يكن للشيخ أصل لم يعتمدوا عليه وربما صرح بعضهم بتضعيفه ، فإذا ادعى السماع ممن يستبعدون سماعه منه كان الأمر أشد .(1/37)
ولا ريب أن في هذه الحال الثالثة احتياطاً بالغاً لكن إذا عرفت عدالة الرجل وضبطه وصدقه وفي كلامه ، وادعى سماعاً محتملاً ممكناَ ، ولم يبرز به أصلاًَ واعتذر بعذر محتمل قريب ولم يأت بما ينكر فبأي حجة يرد خبره ؟
14- وعلامة المنكر في حديث المحدث ، إذا ما عرضت روايته للحديث عن رواية غيره من أهل الحفظ والرضا ، خالفت روايته روايتهم , أو لم تكد توافقها . فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك ، كان مهجور الحديث ، غير مقبوله ولا مستعمله .
15- طرق اختبار الرواة : للأئمة طرق في اختبار الرواة :
منها النظر في حال الراوي في المحافظة على الطاعات و اجتناب المعاصي ، وسؤال أهل المعرفة به .
قال الحسن بن صالح بن يحيى : كنا إذا أردنا أن نكتب عن الرجل سألنا عنه ، حتى يقال : أتريدون أن تزوجوه ؟؟ .
ومنها أن يحدث أحاديث عن شيخ حي ، فيسأل الشيخ عنها .
مثاله : قول شعبة : قال الحسن بن عمارة : حدثني الحكم ، عن يحيى بن الجزار ، عن علي سبعة أحاديث ، فسألت الحكم عنها ؟ فقال : ما سمعت منها شيئاً .
ومنها أن يحدث عن شيخ قد مات ، فيقال للراوي : متى ولدت ؟ ومتى لقيت هذا الشيخ ؟ وأين لقيته ؟ ثم يقابل بين ما يجيب به وبين ما حفظ من وفاة الشيخ الذي روى عنه ومحل إقامته وتواريخ تنقله .
ومثاله : ما جاء عن عفير بن معدان أن عمر بن موسى بن وجيه حدث عن خالد بن معدان ، قال عفير : فقلت له في أي سنه لقيته ؟ قال سنة ثمان وخمسين ومئة ، في غزاة أرمينية . قلت اتق الله يا شيخ لا تكذب ، مات خالد سنة أربع و خمسين ومئة ، أزيدك أنه لم يغز أرمينية .
ومنها : أن يسمع من الراوي أحاديث عن مشايخ قد ماتوا، فتعرض هذه الأحاديث على ما رواه الثقات عن أولئك المشايخ، فينظر : هل انفرد هذا الراوي بشيء أو خالف أو زاد ونقص؟ فتجدهم يقولون في الجرح (ينفرد عن الثقات بما لا يتابع عليه) ،( في حديثه مناكير) ، (يخطئ ويخالف) ... و نحو ذلك .(1/38)
ومنها : أن يسمع الراوي عدة أحاديث ، فتحفظ أو تكتب ، ثم يسأل عنها بعد مدة ، وربما كرر السؤال مرارا لينظر أيغير أو يبدل أو ينقص ؟
دعا بعض الأمراء أبا هريرة ، وسأله أن يحدث – و قد خبأ الأمير كاتبا حيث لا يراه أبو هريرة – فجعل أبو هريرة يحدث و الكاتب يكتب ، ثم بعد سنة دعا الأمير أبا هريرة ، ودس رجلا ينظر في تلك الصحيفة ، وسأل أبا هريرة عن تلك الأحاديث ؟ فجعل يحدث و الرجل ينظر في الصحيفة ، فما زاد وما نقص و لا قدم ولا أخر .
وسأل بعض الخلفاء ابن شهاب الزهري أن يملي على بعض ولده ، فدعا بكاتب ، فأملى عليه أربع مئة حديث ، ثم إن الخليفة قال للزهري بعد مدة : إن ذلك الكتاب قد ضاع . فدعا الكاتب فأملاه عليه ، ثم قابلوا الكتاب الثاني على الكتاب الأول ، فما غادر حرفا .
وكانوا كثيرا ما يبالغون في الاحتياط ، حتى قيل لشعبة : لم تركت حديث فلان ؟ قال : رأيته يركض على برذون . وقال جرير : رأيت سماك بن حرب يبول واقفا فلم أكتب عنه . وقيل للحكم بن عتيبة : لما لم ترو عن زاذان ؟ قال كان كثير الكلام .
16- نقد الرواة ليس بالأمر الهين ، فإن الناقد لابد أن يكون واسع الإطلاع على الأخبار المروية ، عارًفا بأحوال الرواة السابقين وطرق الرواية , خبيرًا بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم وبالأسباب الداعية إلى التساهل والكذب والموقعة في الخطأ والغلط , ثم يحتاج إلى أن يعرف من أحوال الراوي : متى ولد ؟ وبأي بلد ؟ وكيف هو في الدين والأمانة والعقل والمروءة والتحفظ ؟ ومتى شرع في الطلب ؟ ومتى سمع وكيف سمع ؟ ومع من سمع ؟ وكيف كتابه ؟ ثم يعرف أحوال الشيوخ الذين يحدث عنهم وبلدانهم ووفياتهم وأوقات تحديثهم وعادتهم في التحديث ثم يعرف مرويات الناس عنهم ويعرض عليها مرويات هذا الراوي ويعتبرها بهذا إلى غير ذلك مما يطول شرحه .(1/39)
ويكون مع ذلك متيقظاً ، مرهف الفهم ، دقيق الفطنة مالكاً لنفسه لا يستميله الهوى ولا يستفزه الغضب ولا يستخفه بادر ظن حتى يستوفي النظر ويبلغ المقر ثم يحسن التطبيق في حكمه فلا يجاوز ولا يقصر ، وهذه مرتبة بعيدة المرام عزيزة المنال لم يبلغها إلا الأفذاذ ، وقد كان من أكابر المحدثين وأخلتهم من يتكلم في الرواة فلا يعول عليه ولا يلتفت إليه .
17- منهج مقابلة حديث الراوي بحديث غيره ، ليتبين منه قدر ما يشهد له وما لا يشهد له ، أو ما يخالفه ويناقضه ، هو القاعدة العظمى لتمييز الحفاظ الثقات من غيرهم ، وازداد ظهور ذلك كلما تأخر الزمن بعد الصحابة ، بسبب طول الإسناد وتشعبه المقتضى كثرة الناقلين ، مما تزداد معه مظنة الخطأ والوهم ، مع ضعف الوازع عند كثير من الناس ، مما ظهر معه الكذابون الذين كانوا يتعمدون وضع الحديث : متناً أو إسناداً ، أو جميعاً .
18- المطلوب في الراوي حتى يكون مقبولاً في الرواية أن يكون معروف العين عدل الدين مستقيم الرواية (ضابط) ؛ فإذا اجتمعت حاز الراوي درجة الاحتجاج .
19- إذا كثر شيوخ الراوي , فهذا يدل على أنه اهتم بالعلم واهتم بالطلب .
20- من كثرت أحاديثه واتسعت روايته ، وازداد عدد شيوخه فلا يضر تفرده إلا إذا كانت أفراده منكرة .
21- كثرة الغرائب إنما تضر الراوي في أحد حالين : الأولى: أن يكون مع غرابتها منكرة عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة , الثانية: أن يكون مع كثرة غرائبه غير معروف بكثرة الطلب .
ففي الحال الأولى تكون تبعة النكارة على الراوي نفسه لظهور براءة من فوقه عنها ، وفي الحال الثانية يقال من أين له هذه الغرائب الكثيرة مع قلة طلبه ؟ فيتهم بسرقة الحديث .
22- قد يُوثق الراوي بكثرة رواية الثقات عنه , وإن لم يقترن ذلك بتوثيق الأئمة له ؛ والحد الأدنى ثلاثة من الرواة الثقات ، ثم ما زاد بعد ذلك فهو على خير وبركة .(1/40)
23- والأئمة الذين جاءوا بعدهم لا يجمدون على قولهم , بل يبحثون وينظرون ويجتهدون ويحكمون بما يظهر لهم ، والعارف الخبير الممارس لا يتعذر عليه معرفة الراجح فيما اختلف فيه من قبله ، وعلى فرض أننا لم نعرف من حال راو إلا أن فلان تركه وأن فلان كان يحدث عنه ، فمقتضى ذلك أن صدوق يهم ويخطئ فلا يسقط ولا يحتج بما ينفرد به .
24- ما آفة الأخبار إلا رواتها .
25- ليس من شرط العدل أن لا يفعل معصية بحال .
26- الغفلة عند أهل العلم بمعنيين : الأول : ما فيه المبالغة من إحسان الظن والتساهل في أمور الدنيا وهذا لا يؤثر في الرواية , والثاني : ضعف الذكاء ضعفا شديدا فهو مرتبة بين الجنون والعقل .
27- يَقِلُّ تضعيف الراوي بفعله ما يخرم المروءة .
28- الثقة هو من يجمع العدالة والضبط .
29- ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورًا منها : أن يكون من حدث به ثقة في دينه , معروًفا بالصدق في حديثه .
30- أنه لا تلازم بين العدالة والضبط ، ( فقد يوصف الراوي بأنه حافظ وثقة ومتقن ولكنه ليس بعدل ، وقد يوصف الراوي بأنه عدل في دينه ، ولكنه ليس بحافظ ) .
31- ثبوت العدالة لا يقتضي ثبوت الضبط .
32- الثقة الذي لم يشتهر بالحفظ والإتقان ، يتوقف فيما انفرد به حتى يتابعه غيره .
33- الثقة لا يضره عدم المتابعة .
34- فليس من شرط الثقة أن يتابع في كل ما حدث به ، وإنما شرطه أن لا ينفرد بالمناكير عن المشاهير فيكثر .
35- جرح الراوي بكونه أخطأ لا يضعفه , ما لم يفحش خطؤه .
36- وقوع الأوهام اليسيرة من الراوي لا تخرجه عن كونه ثقة .
37- الوهم والنسيان : أما النسيان فلا يلزم منه خلل في الضبط لأن غايته أنه كان أولاً يحفظ أحاديث فحدث بها ثم نسيها فلم يحدث بها , وأما الوهم فإذا كان يسيراً يقع مثله لمالك وشعبة وكبار الثقات فلا يستحق أن يسمى خللاً في الضبط ولا ينبغي أن يسمى تغيراً غاية الأمر أنه رجع عن الكمال الفائق .(1/41)
38- وإذا احتج في إسناد خبر رواية من لا يعرف بالعدالة عن إنسان ضعيف ، لا يتهيأ إلزاق الوهن بأحدهما دون الآخر ، ولا يجوز القدح من هذا الراوي إلا بعد السبر والاعتبار بروايته عن الثقات غير ذلك الضعيف ،فإن وجد في روايته المناكير عن الثقات ألزق الوهن به لمخالفته الأثبات في الروايات ، وهذا حكم الاعتبار بين النقلة في الأخبار .
39- قبول التلقين قادح تسقط الثقة به .
40- التلقين القادح في الملقن هو أن يوقع الشيخ في الكذب ولا يبين ، فإن كان إنما فعل ذلك امتحاناً للشيخ وبين ذلك في المجلس لم يضره ، وأما الشيخ فإن قبل التلقين وكثر ذلك منه فإنه يسقط .
41- الضبط ضبطان : ضبط صدر , وضبط كتاب .
42- يعرف ضبط الراوي بمدي موافقته أو مخالفته لأحاديث الثقات الأثبات .
43- من خالف الثقات كان حديثه شاذا مردودا .
44- قوة الحفظ وقلة الغلط أمر نسبي بين حافظ وحافظ .
45- حفظ الراوي للحديث ليس بشرط لصحة حديثه .
46- الخطأ في حديث من اعتمد على حفظه أكثر منه في حديث من اعتمد على كتابه .
47- اعتماد الراوي العدل على كتابه دون حفظه لا يعاب عليه ، بل ربما يكون أفضل لقلة خطئه .
48- الصحابة كلهم عدول , بنص القرآن والسنة , وبالإجماع ؛ ومن سب الصحابة فليس بثقة ولا مأمون .
49- توثيق الرجال وتضعيفهم أمرٌ اجتهادي .
50- علم الجرح والتعديل : علم قائم علي الاستقراء .
51- لا يقبل ما يحكى عن الأئمة من الحكم علي الرواة , إلا بالرواية الثابتة عنهم .
52- العلماء مصدقون فيما ينقلون لأنه موكول لأمانتهم مبحوث معهم فيما يقولون لأنه تيتجة عقولهم , والعصمة غير ثابتة لهم فلزم التبصر طلباً للحق والتحقيق لا اعتراضاً على القائل والناقل , ثم إن أتى المتأخر بما لم يسبق إليه فهو على رتبيه ولا يلزمه القدح في المتقدم ولا إساءة الأدب معه , لأن ما ثبت من عدالة المتقدم قاض برجوعه للحق عند بيانه لو سمعه .(1/42)
53- ينبغي أَن لا يُقبل الجرح والتعديل إلا من عدل متيقظ ، فلا يُقبل جرح من أفرط فيه مُجرح بما لا يقتضي رد حديث المحدث , كما لا يُقبل تزكية من أَخذ بمجرد الظاهر فأَطلق التزكية .
54- لا يقبل الجرح إلا بعد التثبت , خشية الاشتباه في المجروحين .
55- لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ، ولا على تضعيف ثقة .
56- لا يُترك حديثُ رجلٍ حتى يجتمع الجميعُ على ترك حديثه .
57- تُقبل التزكية من عارف بأسبابها لا من غير عارف بأسبابها , لئلا يزكي بمجرد ما يظهر له ابتداء من غير ممارسة واختبار .
58- يشترط في الجارح والمعدِّل : العلم والتقوى والورع والصدق والتجنب عن التعصب ومعرفة أسباب الجرح والتزكية ، ومن لم يكن كذلك لا يقبل منه الجرح ولا التزكية .
59- معرفة تصاريف كلام العرب شرط لعالم الجرح والتعديل .
60- الواجب حمل كلام العلماء على ما يقتضيه السياق .
61- كل طبقة من النقاد لا تخلو من متشدد ومتوسط .
62- من تسرع أو وهم أو أثر فيه الغضب أو الرضا فوثق الضعيف فإنه لا يسمى بسبب ذلك متساهلاً وإن تكرر منه ذلك ، إلا إذا كثر ذلك كثرة دالة على ميله إلى توثيق أو تقوية الضعفاء أو دالة على استناده على قواعد متساهلة ؛ وقُلْ نظير ذلك في التشدد ( أي لا يسمى متشدداً أو متساهلاً إلا من كان ذلك ديدناً وصفة لازمة له ولو في طائفة معينة من الرواة كالتابعين مثلاً أو الشيعة أو الناصبة أو أهل الرأي أو في كتاب معين من كتبه دون سائرها ) .
63- وقد يكون نفَس الإمام فيما وافق مذهبه أو في حال شيخه ألطف منه فيما كان بخلاف ذلك ؛ والعصمة للأنبياء والصديقين وحكام القسط ، ولكن هذا الدين مؤيد محفوظ من الله تعالى لم يجتمع علماؤه على ضلالة لا عمداً ولا خطأً؛ فلا يجتمع اثنان على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة ، وإنما يقع اختلافهم في مراتب القوة أو مراتب الضعف .(1/43)
64- إذا وثق المتشدد راوٍ فعض علي توثيقه بالنواجذ , إذا جرح المتساهل راوٍ فعض علي جرحه بالنواجذ .
65- ليس معني أن فلان متساهل ألا يعتبر قوله في التوثيق والتصحيح , وليس معني قولهم أن فلان متشدد أن يرد قوله مطلقاً , فليس هذا مراد الأئمة .
66- ما اشتهر أن فلانا من الأئمة متساهل وفلانا متشدد ليس على إطلاقه , فان منهم من يتساهل تارة ويتشدد أخرى بحسب أحوال مختلفة ومعرفة هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم لا تحصل إلا باستقراء بالغ لأحكامهم مع التدبر التام .
67- لا يقتضي الوصف بالاعتدال أن يكون كلام الجارح والمعدل كله منصفاً معتدلاً بل يقصد الغالب ، وذلك لأن كثيراً من المعتدلين قد يتشددون أو يتساهلون أحياناً ، كما أن بعض المتساهلين قد يتعنتون وبعض المتشددين قد يتسمحون .
68- لا بد أن يعلم أن كلام المتشدد والمتساهل لا يهدر بالمرة إذا انفرد بالكلام على الراوي ، والمتأمل في صنيع الحافظين الذهبي وابن حجر يجد اعتمادهما كلام المتشدد أكثر من اعتمادهما كلام المتساهل .
69- من ثبت من النقاد الثقات أنه متشدد أو متساهل في نقده , فإن تشدده أو تساهله لا دخل له في الأمور التالية :
الأمر الأول : الأحكام التي يرويها عن غيره، لأنه هنا ناقل لا ناقد .
الأمر الثاني : ما يذكره من تفسير لأحكامه أو أحكام الآخرين إذا كانت تلك الأحكام لا تحتمل وجوهاً من المعاني والتفاسير والتأويلات .
الأمر الثالث : ما يذكره من أدلة على صحة أحكامه أو أحكام غيره عنده .
الأمر الرابع : أحكامه التي يقولها من عند نفسه في غير مظان تشدده أو تساهله .
وإنما ينحصر أثر ذلك - أي تشدده أو تساهله - في أمرين :
الأول : نفس أحكامه التي يقولها من عند نفسه في مظان تشدده أو تساهله ، لأنه وإن كان يقولها بناء على ما علمه أو بلغه من حال الرواة فإنها تحتمل احتمالاً قوياً أن تكون مصطبغة بذلك الوصف ، مشربة إياه .(1/44)
والثاني : ما يذكره من إيضاح وتفسير لأقوال العلماء في الرواة وأحكامهم عليهم ، إذا كان ذلك الإيضاح أو التفسير مما يعتريه الاختلاف والاجتهاد ويدخل في أبواب الاحتمالات والظنون .
70- صيغ الجرح والتعديل كثيرا ما تطلق على معان مغايرة لمعانيها المقررة في كتب المصطلح , ومعرفة ذلك : تتوقف على طول الممارسة واستقصاء النظر .
71- نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح , وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة , ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام عرف ذلك الإمام الجهبذ واصطلاحه ومقاصده بعباراته الكثيرة .
72- ألفاظ الجرح والتعديل كثيرة , ولو اعتنى بارع بتتبعها ووضع كل لفظة بالرتبة المشابهة لها مع شرح معانيها لغة واصطلاحاً لكان حسناً .
73- مذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة .
74- التعديل مقبول من غير ذكر أسبابه علي المذهب الصحيح المشهور .
75- إن توثيق الناقد المعاصر أقوى من توثيق المتأخر .
76- النفس إلى كلام المتقدمين من النقاد أميل وأشد ركوناً .
77- إذا وثق الراوي بعض الأئمة المتقدمين ممن عاصره أو كان قريب العهد بعصره فلا يلتفت إلى تضعيف من ضعفه من المتأخرين , إلا في حالات بعينها .
78- يقدم قول الجارح والمعدل لرجل من بلده على من كان من غير بلده .
79- بلدي الرجل أعلم به .
80- مسألة البلدية لا يلجأ إليها إلا عند استواء القرائن وعدم القدرة على الترجيح .
81- الراوي الذي يطعن فيه محدثوا بلده طعنًا شديدًا لا يزيده ثناء بعض الغرباء عليه إلا وهنًا ، لأن ذلك يشعر بأنه كان يتعمد التخليط فيتزين لبعض الغرباء ويستقبله بأحاديث مستقيمة , فطن أن ذلك شأنه مطلًقا فأثنى عليه , وعرف أهل بلده حقيقة حاله .
82- لا يعتبر تصحيح الحديث توثيقاً لرواته .
83- أن خلو الرجل المعروف بالرواية عن التوثيق اللفظي لا يخرجه عن كونه ثقة ، ما لم يصدر فِي حقه تجريح إمام من أئمة النقد .(1/45)
84- ينبغي الجمع بين الأقوال في الجرح والتعديل مهما أمكن .
85- إذا اختلفوا في راوٍ فوثقه بعضهم ولينه بعضهم ، ولم يأت في حقه تفصيل فالظاهر أنه وسط فيه لين مطلقاً ، وإذا فصلوا أو أكثروا الكلام في راوٍ فثبتوه في حال ، وضعفوه في أخرى فالواجب أن لا يؤخذ حكم ذاك الراوي إجمالاً إلا في حديث لم يتبين من أي الضربين هو ، فأما إذا تبين فالواجب معاملته بحسب حاله .
86- لما استعمل الرواة الكذب , استعمل لهم التاريخ .
87- أن الكذب في الكلام ترد به الرواية مطلقاً وذلك يشمل الكذبة الواحدة التي لا يترتب عليها ضرر ولا مفسدة .
88- اجمع العلماء علي عدم الاحتجاج بحديث الكذاب .
89- قد يصدق الكذوب , فيقبل خبره ؛ مثل حديث أبي هريرة " صدقك وهو كذوب " .
90- الكاذب في غير حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلم ترد روايته , ويجب أن يقبل حديثه إذا ثبت توبته .
91- الكاذب في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلم ترد روايته وأن تاب , زجراً للناس لئلا يفشو الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - .
92- قد ينتقي العالم العارف من سماع المتهم ما هو صحيح .
93- المجروحون جرحاً شديداً - كالفساق والمتهمين والمتروكين - لا تنفعهم المتابعات , إذ أن تفردهم يؤيد التهمة عِنْدَ الباحث الناقد الفهم .
94- لم يقبل جمهور العلماء رواية التائب من الكذب , مبالغة في الزجر من الكذب علي النبي - صلى الله عليه وسلم - .
95- ضعف الراوي قد يكون ملازاً له , وقد يكون طارئاً لسبب ما .
96- لا ينبغي الإعلال بضعف راو أو تدليسه ، والإسناد إليه غير ثابت .
97- رواية الثقة عن غير المجروح تقويه , وعن المجروح لا تقويه .
98- التصحيف والسقط قد ينشئان أسماءً لا وجود لها .
99- رواية الثقة عن المجاهيل لا تضره .
100- وانفراد الثقة بمناكير عن مجاهيل لا تضره , وإنما الحمل على أولئك المجاهيل , ولا يترتب على ذلك مفسدة ، ومثل ذلك ما يرويه عن الضعفاء .(1/46)
101- المتابعة للمجهول تعرف حديثه أحياناً إلى مرتبة الصدق .
102- الاختلاف في اسم الراوي أو نسبته أو كنيته لا يدل بحال من الأحوال على جهالة ذلك الراوي ، وقد نص الخطيب وغيره على ذلك .
103- نوع الخطأ الذي يقع فيه الراوي الضعيف مؤثر في الحكم على حديثه من حيث شدة الضعف وخفته .
104- بَعْض الاختلافات تؤثر في حفظ الرَّاوِي وضبطه ، وتقدح في مروياته وصحة الاعتماد عَلَيْهَا والاستدلال بِهَا .
105- الخطأ الذي يضر الراوي : الإصرار عليه هو ما تخشى أن تترتب عليه مفسدة ويكون الخطأ من المصرّ نفسه ، وذلك كمن يسمع حديثاً بسند صحيح فيغلط فيركب على ذلك السند متناً موضوعاً فينبهه أهل العلم فلا يرجع .
106- التعديل علي الإبهام الأصل أنه لا يقبل , إلا بقرائن .
107- شرط قبول الخبر عدالة راويه ، ومن أبهم اسمُه لا تُعرف عينه ، فكيف تعرف عدالته !
108- مجهول العين لا يقبل حديثه حتى يوثقه غيرُ مَن ينفرد عنه ، أو هو إذا كان متأهلا .
109- قول المحدث " رواه جماعة ثقات حفاظ " ثم يعدهم , لا يقتضي أن يكون كل من ذكره ثقات , بحيث لو سئل عنه ذلك المحدث وحده لقال " ثقة حافظ " , وهذا ابن حبان قصد أن يجمع الثقات في كتابه ثم قد يذكر فيهم من يلينه هو نفسه في الكتاب نفسه .
110- رواية المستور لا يطلق القول بردها ولا بقبولها ، بل يتوقف فيها إلى استبانة حاله .
111- ونحو هذا قول المحدث " شيوخي كل هم ثقات " أو " شيوخ فلان كلهم ثقات " فلا يلزم من هذا أن كل واحد منهم بحيث يستحق أن يقال له بمفرده على الإطلاق " هو ثقة " , وإنما إذا ذكروا الرجل في جملة من أطلقوا عليهم ثقات فاللازم أنه ثقة في الجملة , أي أن له حظ من الثقة , وقد تقدم في القواعد أنهم ربما يتجوزون في كلمة " ثقة " فيطلقونها على من هو صالح في دينه , وإن كان ضعيف الحديث أو نحو ذلك .
112- لا تُقبل تزكية من زكي علي الظاهر .
113- ارتفاع الجهالة لا يثبت العدالة .(1/47)
114- فإن سُمي الراوي وانفرد راو واحد بالرواية عنه ؛ فهو مجهول العين , كالمبهم ، فلا يُقبل حديثه إلا أن يُوثقه غير من ينفرد عنه على الأصح ، وكذا من ينفرد عنه على الأصح إذا كان متأهلاً لذلك .
أَو إن روى عنه اثنان فصاعداً ولم يُوثق ؛ فهو مجهول الحال ، وهو كالمستور , قد قبل روايته جماعة بغير قيد ، وردها الجمهور .
115- رواية الثقات عن رجل غير ثقة مما يقويه , أما إذا كان معروفا بالضعف لم تقوه روايته عنه , وإذا كان مجهولا نفعه رواية الثقة عنه .
116- فإن خلا المجروح عن التعديل ؛ قُبل الجرح فيه مجملا غير مبين السبب إذا صدر من عارف على المختار ؛ لأنه إذا لم يكن فيه تعديل فهو في حيز المجهول ، وإعمال قول المجرح أَولى من إهماله .
117- إن خلا المجروح عن التعديل قبل الجرح المجمل فيه .
118- اتفق أهل العلم على أن من جرحه الواحد والاثنان وعدله مثل عدد من جرحه فإن الجرح به أولى , والعلة في ذلك أن الجارح يخبر عن أمر باطن قد علمه ويصدق المعدل , ويقول له : قد علمت من حاله الظاهرة ما علمتها , وتفردت بعلم لم تعلمه من اختبار أمره . وإخبار المعدل عن العدالة الظاهرة لا ينفى صدق قول الجارح فيما أخبر به فوجب لذلك أن يكون الجرح أولى من التعديل .
119- الجرح مقدم على التعديل ، ومحله إن صدر مبينا من عارف بأسبابه ؛ لأنه إن كان غير مفسر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته , وإن صدر من غير عارف بالأسباب لم يُعتبر به أيضا .
120- قاعدة : الجرح مقدم على التعديل عند التعارض ؛ ليست علي إطلاقها .
121- ويمكننا أن نقول إن قاعدة " الجرح مقدم على التعديل " مقيدة بالشروط الآتية :
1. أن يكون الجرح مفسرًا، مستوفيًا لسائر الشروط .
2. أن لا يكون الجارح متعصبًا على المجروح أو متعنتًا في جرحه .
3. أن لا يبين المعدل أن الجرح مدفوع عن الراوي، ويثبت ذلك بدليل الصحيح .
122- الجرح المفسر مقدم علي التعديل .(1/48)
123- قاعدة : إن الجرح لا يقبل إلا مفسراً ؛ هي في من وُثق بتوثيق معتبر .
124- وجه قولهم : إن الجرح لا يقبل إلا مفسراً : هو من اختلف في توثيقه وتجريحه .
125- التعديل مقدم على الجرح المبهم عند التعارض .
126- الجرح المبهم مقبول في الراوي إذا خلا عن تعديل معتبر .
127- الجرح غير المفسر مقبول إلا أن يعارضه توثيق أثبت منه .
128- الجرح غير المفسر قد تقدم في القواعد البحث فيه وأن التحقيق أنه مقبول من أهله إلا أن يعارضه توثيق أثبت منه ، وبالجملة فالذي يخشى من جرح المخالف ومن الجرح الذي لم يفسر هو الخطأ ، فمتى تبين أو ترجح أنه أخطأ لم يؤخذ به .
129- فالتحقيق أن الجرح المجمل يثبت به جرح من لم يعدل نصاً ولا حكماً ، ويوجب التوقف فيمن قد عدل حتى يسفر البحث عما يقتضي قبوله أو رده .
130- أن من جُرح مجملاً وقد وثقه أحد أئمة الحديث : لم يقبل الجرح فيه من أحد إلا مفسراً ، لأنه ثبتت ثقته فلا تسلب عنه إلا بأمر جلي , وأما إذا خلا عن التعديل قُبِل الجرح فيه غير مفسر إذا صدر من عارف ، لأنه إذا لم يعدَّل فهو حيز مجهول ، وإعمال قول الجارح أولى من إهماله .
131- إذا سمعت أن الجرح مقدم على التعديل ورأيت جرحا وتعديلا في رجل وكنت غرا بالأمور أو فدما مقتصرا على منقول الأصول جزمت بأن العمل على جرحه ؛ فإياك ثم إياك والحذر كل الحذر من هذا الظن بل الصواب أن من تثبت أمانته وعدالته وكثر مادحوه ومزكوه وندر جارحوه وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لا يلتفت إلى الجرح فيه بل يعمل فيه بالعدالة وإلا فلو فتحنا هذا الباب وأخذنا بتقديم الجرح على إطلاقه لما سلم لنا أحد من الأئمة إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون .(1/49)
132- وقال ابن عبد البر : " الصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته وثبتت في العلم أمانته وبانت ثقته وعنايته بالعلم لم يلتفت فيه إلي قول أحد , إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة يصح بها جرحته على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة " .
133- إن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه ومزكوه ، وندر جارحه ، وكانت قرينة دالّة على سبب جرحه : من تعصب مذهبي أو غيره ، فلا يُلتفت إلى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة .
134- من ثبتت عدالته , لم يقبل فيه الجرح .
135- من اشتهرت عدالته , لم يقبل جرحه .
136- إذا كان الجارح ضعيفاً فلا يقبل جرحه للثقة .
137- تضعيف الضعيف للثقة لا يعتد به .
138- اضطراب الرواة عن الشيخ , لا يؤثر في الشيخ .
139- لا يسمع قول مبتدع في مبتدع كناصبي في شيعي .
140- الطعن في الراوي لأمر شخصي مردود .
141- الجرح الناشئ عن عداوة دنيوية لا يعتد به .
142- قد يطعن في الراوي حسداً وهو ثقة .
143- كلام الأقران بعضهم في بعض يحتمل ، وطيه أَولى من بثه ، إلا أن يتفق المتعاصِرون على جرح شيخ ، فيعتمد قولهم .
144- كلام الأقران يُطوى ولا يُروى .
145- كلام الأقران في بعضهم لا يقبل .
146- كلام الأقران بعضهم في بعض لا يلتفت إليه .
147- كلام الأقران في بعضهم لا يعبأ به إذا كان بغير حجة .
148- الشهرة لا تنفع الراوي ، فإن الضعيف قد يشتهر .
149- غشيان السلطان للحاجة ليس بجارح .
150- ولاية الحسبة ليست بأمر جارح .
151- جرح الراوي بأنه من أهل الرأي ليس بجرح .
152- لا يجرح الثقة بشهره السيف على الحاكم .
153- الأمية ليست مما يوجب قلة الضبط ، وإنما غايتها أن يكون صاحبها كثير الرواية بالمعنى ، وليس ذلك بقادح .
154- مقولة ( ما أقل من سلم من التدليس ) باطلة , بل لو قيل ( ما أقل من وصف بالتدليس ) لما أبعد النجعة .
155- من دلس لنا مرة فقد أبان لنا عورته .(1/50)
156- من علم حجة على من لم يعلم , ومن حفظ حجة على من لم يحفظ .
157- قال أبو الزناد : أدركت بالمدينة مئة كلهم مأمون , ما يؤخذ عنهم حديث , يُقال : ليس من أهله .
158- لا يؤخذ الحديث إلا من أهله .
159- أدركت بالمدينة مئة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث ، يقال : ليس من أهله .
160- المخضرمون معدودون في كبار التابعين .
161- عدم المفاضلة بين مختلفي الأزمنة .
162- لا يقاس الرجل إلا بأقرانه وأهل زمانه ؛ فلقد قيل : سَعِيد أَعْلَم من حَمَّاد بن زَيْد ، فبلغ ذَلِكَ يَحْيَى بن سَعِيد ، فشق ذَلِكَ عليه ؛ لئلا يقاس الرجل بمن هو أرفع منه لا يَقُول : سُفْيَانُ أَعْلَم من الشعبي .
163- ليس كل من وقع في البدعة فهو مبتدع .
164- لا تقبل رواية المبتدع الداعية .
165- لا تقبل رواية المبتدع غير الداعية ، إذا كانت فيما يقوِّي بدعته .
166- إذا روى المبتدع رواية تقوي مذهبه - وإن كان ثقة - , رُدت عليه .
167- المعتمد في البدعة المكفرة : أن ترد رواية من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة ، أو اعتقد عكس ذلك .
168- ينبغي أن لا يُروى عن مبتدع شيئاً يشاركه فيه غيرُ مبتدع .
169- في رواية المبتدع تفصيل : أولاً من كُفر ببدعته ترد روايته مطلقاً , ثانياً من لم يكفر نفرق بين الداعية وغير الداعية ، فإذا وجدنا موصوفاً ببدعة غير مكفرة ؛ كالقول بالقدر ، أو الإرجاء أو التشيع الخفيف , فإن كان داعياً إلى بدعته رددنا روايته (لأننا لو قبلنا روايته لكان ذلك تأييداً لبدعته) ، فما دام أنه رأس في البدعة فإنه تترك روايته كالتعزير والنكاية به (وهذا في حياته , فإذا مات رُوي عنه) , أما إذا لم يكن داعياً إلى بدعته وكان ممن يتصف بالصدق ، فهذا فيه قيد أنه إن كان في حديثه ما يؤيد بدعته رددناه ، ونقبل أحاديثه التي لا تؤيد بدعته .
...
170- ومن لم يثبت عليه ما يسقط له حديثه , إلا أنه مختلف فيه , فحديثه حسن .(1/51)
171- صرح جمع من العلماء أن حديث المختلف فيه يعد من الحسن , و لا يصار لهذا الحكم إلا بشروط وهي :
1 - أن لا يكون هناك قرينة قوية ترجح أحد الجانبين أي الجرح والتعديل على الآخر ، كأن يكون المعدلون أشهر أو أكثر عدداً ، أو أن يكون الجرح صادراً من غير عدل متيقظ ، أو أن يجرح بما لا يعد جارحاً ، أو غير ذلك من أسباب الطعن غير المعتبرة المتقدمة.
2 - أن لا يكون للراوي أحاديث تستنكر عليه ، وهي التي طعن فيه بسببها فإن هذا يرجح القول بتضعيفه.
3 - أن يكون هذا الراوي مشهوراً بالصدق أو الستر ، وهذا يعني المتهم بالكذب أو فاحش الخطأ لا يكون حديثه حسناً، ولو وثق، إلا أن يكون اتهامه من قبيل التحامل أو من غير متقن أو متعنت .
172- مراتب الجرح والتعديل باختصار (كما في تقريب ابن حجر ) :
مراتب التعديل: مرتَّبةً مِن الأعلى إلى الأسفل:
1- الصحابة.
2- ما جاء التعديل فيها بالمبالغة نحو: أوثق الناس، إليه المنتهى في التثبت.
3- ما كُرِّرَ فيه لفظُ التوثيق، ك: ثقة ثقة.
4- ما انفرد بصيغةٍ دالةٍ على التوثيق، مثل: حجة. ثقة.
5- ما قيل فيه: ليس به بأس.
6- ما أشعر بالقرب من التجريح مثل: ليس بعيداً عن الصواب.
وحُكْمُ هذه المراتب: الاحتجاجُ بالأربع الأُوَلِ، أما الأخرى فلا يحتج بها.
مراتب الجرح: مرتَّبةً مِن الأسهل إلى الأسوأ:
1- نحو قولهم: فيه مقال. فيه ضعف. ليس بذاك القويّ....إلى آخره.
2- نحو قولهم: لا يُحتجُّ به، مضطرب الحديث...إلى آخر ما هنالك.
3- نحو قولهم: رُدَّ حديثه. ضعيفٌ جِدّاً. واهٍ بمرةٍ.
4- نحو قولهم: يسرق الحديث. متَّهَمٌ بالكذب، أو الوضع. ساقط.
5- نحو قولهم: دجّالٌ. كذّاب. وضّاعٌ. يضع. يكذب.
6- ما يدلّ على المبالغة، ك: أكذب الناس. إليه المنتهى في الكذب. ركْن الكذب.(1/52)
وحُكم هذه المراتب أنه: لا يُحتجُّ بأصحابها، لكن، المرتبتان الأُوليان يكتب حديث أصحابهما للاعتبار. وتصنيفُ هذه المراتب أمرٌ اجتهاديٌّ، والعبرة بدلالة اللفظة وحُكْمِ صاحبها.
تعارُضُ الجرح والتعديل: ليس كل جرح وتعديل في الراوي الواحد متعارضاً دائماً، فإذا كان التعارض حاصلاً بين الجرح والتعديل، فإنَّ الحق أن نَدْرسهما كليهما، ونأخذ بما تَصِلُ إليه الدراسة، فإن ثبتا جميعاً، وليس بينهما تعارض، أخذْنا بهما جميعاً، وإلا أخذْنا بالثابت، وإلا رجّحنا.
173- في قواعد الجرح والتعديل :
القاعدة الأولى : يبحث عن رأي كل إمام فيه ، وينص عبارته إن أمكن ، والتثبت من نسبة القول إليه .
القاعدة الثانية : نقد الرواة أمر خطير ، فلا يقبل إلا من ورع في الحكم على الناس ، عالم بإسباب الجرح والتعديل ، ومطلع على أحوال الرواة ، وهذه صفة علماء الجرح والتعديل من أئمة السنة .
القاعدة الثالثة : النظر في كلام الناقد ، وكيف صدر ، وملابسات صدور هذا الحكم .
القاعدة الرابعة : الاستفادة من طريقة الحفاظ العملية تجاه هذا الراوي ، حيث يفسر كلامهم بتطبيقهم العملي .
القاعدة الخامسة : معرفة الألفاظ التي يستخدمها الناقد وتفسيرها .
القاعدة السادسة : معرفة منهج الناقد .
القاعدة السابعة : أن نتعامل مع أقوال العلماء عند تعارضها ، وكذا أقوال الناقد إذا اختلف النقل عنه كما نتعامل عند تعارض نصوص الكتاب والسنة , فنحاول الجمع أولاً بين الأقوال المختلفة ما أمكن .
القاعدة الثامنة : الجرح المفسر مقدم على التعديل بشرط أن يكون الجرح بجارح حقيقي ، وألا يظهر أن الجارح أخطأ كأن يرد المعدل على هذا الجرح رداً في مكانه .
القاعدة التاسعة : الجرح المبهم مقدم على التعديل ؛ لأن الجارح عنده زيادة علم ومعرفة ليست عند المعدل ، إلا إذا لاحت قرائن ، فيقدم التعديل .(1/53)
القاعدة العاشرة : الحكم عليه بموجب الأحاديث التي رواها ، إذا ثبتت عنه أحاديث يعرف باعتبارها حالة من الضبط .
القاعدة الحادية عشرة : ينبغي على الباحث أن يكون دقيقاً في إعطاء الحكم على الرواة من غير تزيّد ولا تقصير .
القاعدة الثانية عشرة : إذا تعارضت أقوالهم ولم يمكن الجمع ولا النسخ ولا الترجيح توقفنا عن قبول حديث هذا الراوي
تنبيه : هذه الضوابط في الجرح والتعديل أمور أغلبية اجتهادية ، لا يعتمد عليها كلياً في الترجيح بين أقوال الناقد ، فقد يظهر لباحث ألا يعمل ببعضها في راو ما ، وقد يظهر له سبب آخر يقتضي الترجيح غير ما ذكر , والله أعلم .
174- ضوابط الترجيح بين الجرح والتعديل عند التعارض :
الضابط الأول : اعتبار منهج ذلك الإمام إلى غيره من الأئمة .
الضابط الثاني : اعتبار اختلاف العقيدة والمذهب بين الجارح والمجروح .
الضابط الثالث : اعتبار المنافسة بين الأقران .
الضابط الرابع : اعتبار ما هو شائع ومشهور عن المعدل أو المجروح .
الضابط الخامس : اعتبار صحة صدور الجرح عن الجارح من عدمه .
الضابط السادس : اعتبار صحة الجرح في حق المجروح من عدم ذلك .
الضابط السابع : اعتبار عدالة الجارح .
الضابط الثامن : اعتبار كون ما جرح به الراوي جرحا في حقيقة أمره أم لا .
الضابط التاسع : اعتبار الإطلاق والتقييد عند الجرح أو التعديل .
الضابط العاشر : اعتبار ما إذا كان للجارح أو المعدل اصطلاحات خاصة به .
الضابط الحادي عشر : اعتبار الترتيب الزمني بين الجارح والمعدل .
الضابط الثاني عشر : اعتبار ما إذا كان المجروح من رواة الصحيحين .
الضابط الثالث عشر : اعتبار سياق الكلام وقرائن الأحوال .
الضابط الرابع عشر : اعتبار ما إذا كان للراوي تميز واختصاص في نوع من علوم الشرع فيوثق في ذلك العلم خاصة دون غيره . إذا لم يثبت عليه ما يسقط روايته مطلقا . وأما في سوى ذلك فقد تقصر درجته عن الاحتجاج أو حتى عن الاعتبار .(1/54)
الضابط الخامس عشر : مراعاة ما إذا كان الراوي المجروح قد أخرج له من لا يروي إلا عن ثقة. فقد رأينا في الوسائل التي تثبت عدالة الرواة أن أحد تلك الوسائل أن يروي عنه شخص ألزم نفسه أن لا يحدث إلا عن الثقات .
الضابط السادس عشر : اعتبار ما إذا كان الجارح أو المعدل على علم وإحاطة بمجموع ما قيل في ذلك الراوي ، وهذا الضابط يكاد يكون ألصق بالمتأخرين من المتقدمين لأنهم أحوج إلى معرفة مجموع ما قيل في ذلك الراوي .
الضابط السابع عشر : اعتبار عدد المعدلين بعدد الجارحين ، وهذا الاعتبار وإن لم يكن محل إجماع بين العلماء بل الجمهور على أن لا قيمة لعدد المعدلين إذا ثبت جرح الراوي .
الضابط الثامن عشر : مراعاة اتحاد المجلس أو اختلافه بين الجارح والمعدل ونعني بهذا الضابط إنه إذا تعارض الجرح والتعديل في شخص ما فإنه يصار إلى اعتبار المجلس بين الجارح والمعدل .
الضابط التاسع عشر : مراعاة حفظ المعدلين قياسا إلى حفظ الجارحين .
الضابط العشرون : مراعاة ما إذا كان للجارح أو المعدل قول آخر متابع له أم لا .
الضابط الحادي والعشرون : اعتبار خبرة الجارح أو المعدل بمدلولات الألفاظ .
175- من ضوابط تعارض الجرح والتعديل :
الأصل المعتبر عند تعارض الجرح والتعديل تقديم الجرح المفسر على التعديل، وتقديم التعديل على الجرح المبهم، ولكن هذا الأصل تقيّده ضوابط متعددة توجد في ثنايا كلام الأئمة عند الموازنة بين الآراء المختلفة في توثيق الراوي وتضعيفه , ومن أهم تلك الضوابط ما يلي :
1 - اعتبار مناهج الأئمة في جرحهم وتعديلهم فإنهم على ثلاثة أقسام . هي : متعنت , معتدل ومتساهل
وفائدة هذا التقسيم : النظر في أقوال الأئمة عند إرادة الحكم على الراوي .(1/55)
فإذا جاء التوثيق من المتشددين ، فإنه يُعضُّ عليه بالنواجذ لشدة تثبُتِهم في التوثيق إلّا إذا خالف الإجماع على تضعيف الراوي أو كان الجرح مفسّرا بما يجرح فإنه يقدم على التوثيق، ولكن إذا جرَّحوا أحداً من الرواة ، فإنه يُنظر هل وافقهم أحد على ذلك ؟. فإن وافقهم أحد على ذلك التضعيف ولم يُوثِّق ذلك الراوي أحدٌ من الحُذَّاق فهو ضعيف ، وإن لم يوافقهم أحد على التضعيف ، فإنه لا يؤخذ بقولهم على إطلاقه، ولكن لا يطرح مطلقاً ، بل إن عارضه توثيق من معتبر فلا يقبل ذلك الجرح إلّا مفسّراً .
وإذا جاء التوثيق من المتساهلين فإنه يُنظر. هل وافقهم أحد من الأئمة الآخرين على ذلك ؟. فإن وافقهم أحد أُخِذَ بقولهم، وإن انفرد أحدهم بذلك التوثيق فإنه لا يُسلَّم له فإن من عادة ابن حبان توثيق المجاهيل .
2 - كل طبقة من طبقات نقّاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط :
والفائدة من معرفة ذلك ، طلب المقارنة بين أقوال النقّاد من الطبقة الواحدة في حكمها على الراوي .
قال الحافظ الذهبي : ((عبد الرحمن بن مهدي كان هو ويحيى القطان قد انتدبا لنقد الرجال، وناهيك بهما جلالة ونُبْلاً وعلماً وفضلاً، فمن جرحاه لا يكاد - والله - ينْدمِلُ جرحه ، ومن وثّقاه فهو الحجّة المقبول، ومن اختلفا فيه اجْتُهد في أمره ونزل عن درجة الصحيح إلى الحسن...)) .
3 - يُتوقف في قبول الجرح إذا خُشِيَ أن يكون باعثه الاختلاف في الاعتقاد أو المنافسة بين الأقران .
4 - لا يقبل الجرح في حق من استفاضت عدالته واشتهرت إمامته ، ولذلك لا يُلتفت إلى كلام ابن أبي ذئب في الإِمام مالك , وفي مقابل ذلك لا يؤخذ بتوثيق إمامٍ لراوٍ اتفق الأئمة على تركه ولذلك أعرضوا عن توثيق الإِمام الشافعي لإِبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي مولاهم .
5 - لا عبرة بجرح لم يصح إسناده إلى الإِمام المحكي عنه .(1/56)
6 - لا يُلتفت إلى الجرح الصادر من المجروح إلّا إذا كان الجارح إماماً له عناية بهذا الشأن وقد خلا الراوي المجروح عن التوثيق ولم تظهر قرينة تدل على تحامل الجارح في جرحه .
7 - لا يلتفت إلى جرح يغلب على الظن أن مصدره ضعيف .
ومن ذلك أن عبد الرحمن بن شريح المعافري ثقة اتفاقاً، لكن شذّ ابن سعد فقال: ((منكر الحديث)).
8 - يُتأنى في الأخذ بجرح الإِمام المتأخر إذا عارض توثيق الأئمة المتقدمين حتى يتبين وجهه بما يجرح الراوي مطلقاً .
9 - قد يقع الجرح بسبب الخطأ في النَّسخ من الكتب.
10 - قال الحافظ ابن حجر: ((مَنْ عُرف من حاله أنه لا يروي إلّا عن ثقة فإنه إذا روى عن رجل وُصِفَ بأنه ثقة عنده، كمالك وشعبة والقطان وابن مهدي...)) ، والإِمام أحمد ، وبقي بن مخلد ، وحريز بن عثمان وسليمان
ابن حرب ، والشعبي .
11 - الرواة الذين أخرج لهم الشيخان أو أحدهما على قسمين:
فالقسم الأول : الذين أخرجا لهم على سبيل الاحتجاج , وهم على قسمين ؛
والقسم الثاني: الذين أخرجا لهم في الشواهد والمتابعات والتعاليق :
12 - تُراعى اصطلاحات الأئمة فيما يطلقونه من ألفاظ الجرح والتعديل ومن ذلك قول يحيى بن معين: ((فلان لا بأس به)) يعني ثقة. , وقوله: ((فلان ليس بشيء)) يعني أن أحاديثه قليلة جداً.
13 - قد تختلف دلالة اللفظ جرحاً وتوثيقاً باختلاف ضبطه. مثل قولهم: "فلان مُوْد" فإن "مُود" بالتخفيف بمعنى هالك . من قولهم: "أوْدى فلان" أي: هلك . وبالتشديد مع الهمزة "مُؤدّ" أي حسن الأداء .
14 - قد يرد التوثيق والتضعيف من الأئمة مُقيَّدين فلا يُحْكَمُ بواحد منهما على الراوي بإطلاق، بل بحسب ما يقتضيان معاً من جرح وتوثيق.
15 - يراعى سياق الكلام الذي ترد أثناءه ألفاظ الجرح والتعديل وقرائن الأحوال التي اقتضت ورودها في الراوي.(1/57)
قال الحافظ ابن كثير: ((والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم بما عُرفَ من عباراتهم في غالب الأحوال وبقرائن ترشد إلى ذلك)) .
فمن ذلك أنه قد يرد التوثيق والتضعيف نسبيَّيْن ، فيكون ذلك مورداً للجمع بين الأقوال وللترجيح بين الرواة.
16 - قد يرِدُ إطلاق التوثيق من الأئمة المتقدمين أكثر شمولاً منه عند المتأخرين وهو عند المتأخرين ، أكثر تحديداً لدرجة الراوي , ومن ذلك أن بعض المتقدمين قد يُطْلقُ لفظ (ثقة) على الثقة ، وعلى الصدوق .
17 - قد يتخصص الراوي في فن من فنون الرواية بسبب ما يبذله فيه من جهد في تلقّيه وأدائه، فيكون حجّة في ذلك الفن ، وأمّا ما سواه من فنون الرواية فقد يحتج به فيه، وقد تقصر درجته عن الاحتجاج، وربما قصرت عن درجة الاعتبار.
18 - قد ترد ألفاظ الجرح والتعديل المنقولة من كتب المتقدمين مختصرة أو محكيّة بالمعنى في كتب المتأخرين لاضطرارهم إلى جمع أكبر عدد من الرواة في كتاب واحد، فيؤثر ذلك الاختصار وتلك الحكاية للفظ الجرح والتعديل في الحكم على الراوي توثيقاً وجرحاً ؛ ولذا يتعيّن توثيق تلك الأقوال من مصادرها الأصلية .
19 - يتأثر الجرح والتعديل الصادران من الأئمة المتأخرين بقدر اطلاعهم على أقوال الأئمة المتقدمين في الحكم على الراوي.
20 - لا يشترط في الرواة المتأخرين ما يشترط في المتقدمين من الضبط والإتقان .
176- أمور لابد من إتباعها عند البحث في كتب الرجال :
من أحب أن ينظر في كتب الجرح والتعديل للبحث عن حال رجل وقع في سند فعليه أن يراعي أموراً :
الأول : إذا وجد ترجمة بمثل ذاك الاسم فليثبت حتى يتحقق أن تلك الترجمة هي لذاك الرجل , فإن الأسماء كثيراً ما تشتبه ويقع الغلط والمغالطة فيها .
والثاني : ليستوثق من صحة النسخة وليراجع غيرها إن تيسر له , ليتحقق أن ما فيها ثابت عن مؤلف الكتاب .(1/58)
الثالث : إذا وجد في الترجمة كلمة جرح أو تعديل منسوبة إلى بعض الأئمة فلينظر إثباته هي عن ذاك الإمام أم لا ؟
الرابع : ليستثبت أن تلك الكلمة قيلت في صاحب الترجمة فإن الأسماء تتشابه ، وقد يقول المحدث كلمة في راو فيظنها السامع في آخر ، ويحكيها كذلك وقد يحكيها السامع فيمن قيلت فيه ويخطئ بعض من بعده فيحملها على آخر .
الخامس : إذا رأى في الترجمة " وثقه فلان " أو " ضعفه فلان " أو " كذبه فلان " فليبحث عن عبارة فلان ، فقد لا يكون قال: " هو ثقة " أو " هو ضعيف " أو " هو كذاب " .
السادس : أصحاب الكتب كثيراً ما يتصرفون في عبارات الأئمة بقصد الاختصار أو غيره وربما يخل ذلك بالمعنى , فينبغي أن يراجع عدة كتب فإذا وجد اختلافاً بحث عن العبارة الأصلية ليبني عليها .
السابع : قال ابن حجر في (لسان الميزان) : "وينبغي أن يتأمل أيضاً أقوال المزكين ومخارجها ،... فمن ذلك أن الدوري قال عن ابن معين أنه سُئل عن محمد بن إسحاق بمفرده فقال: صدوق وليس بحجة ، وهذا حكم على اختلاف السؤال ، وعلى هذا يحمل أكثر ما ورد من اختلاف أئمة الجرح والتعديل ممن وثق رجلاً في وقت وجرحه في وقت آخر ..." .(1/59)
الثامن : ينبغي أن يبحث عن معرفة الجارح أو المعدل بمن جرحه أو عدله ، فإن أئمة الحديث لا يقتصرون على الكلام فيمن طالت مجالستهم له ومكنت معرفتهم به ، بل قد يتكلم أحدهم فيمن لقيه مرة واحدة وسمع منه مجلساً واحداً ، أو حديثاً واحداً ، وفيمن عاصره ولم يلقه ولكنه بلغه شيء من حديثه وفيمن كان قبله بمدة قد تبلغ مئات السنين إذا بلغه شيء من حديثه ، ومنهم من يجاوز ذلك ، فابن حبان قد يذكر في (الثقات) من يجد البخاري سماه في (تاريخه) من القدماء . وإن لم يعرف ما روى وعمن روى ومن روى عنه ، ولكن ابن حبان يشدد وربما تعنت فيمن وجد في روايته واستنكره وإن كان الرجل معروفاً مكثراً ؟ والعجلي قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء ، وكذلك ابن سعد ، وابن معين والنسائي وآخرون غيرهما يوثقون من كان من التابعين أو أتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد ، وإن لم يروا عنه إلا واحد ولم يبلغهم عنه إلا حديث واحد ، فممن وثقه ابن معين من هذا الضرب الأسقع بن الأسلع والحكم بن عبد الله البلوي ووهب بن جابر الخيواني وآخرون .
التاسع : ليبحث عن رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل واصطلاحه مستعيناً على ذلك بتتبع كلامه في الرواة واختلاف الرواية عنه في بعضهم مع مقارنة كلامه بكلام غيره" .
العاشر : إذا جاء في الراوي جرح وتعديل فينبغي البحث عن ذات بين الراوي وجارحه أو معدله من نفرة أو محبة ... .
177- أموراً هامة لابد من مراعاتها قبل الحكم على الراوي ، ليكون الحكم على حديثه صواباً وتتلخص فيما يلي :
1- إذا وجدت في ترجمة الراوي " وثَّقه فلان " أو " ضعفه فلان " أو " كذبه فلان " فلتبحث عن عبارته فقد تكون نقلت عنه بالمعنى ، ولم يذكر ذلك في الراوي نصاً .
2- تراجع لذلك عدة كتب فإن وجدت اختلافاً بينها بحثت عن العبارة الأصلية .(1/60)
3- ينبغي تأمل عبارة المزكي ومخارجها ، ومناسبة ذكرها ، فربما سئل المحدث عن رجل فيحكم عليه بحسب ما عرف من مجموع حاله ، ثم يسمع له حديثاً فيحكم عليه حكماً مناسباً لحاله في ذلك الحديث ، ثم يسمع له حديثاً فيعطيه حكماً آخر .
4- ربما يجرح أحدهم الراوي لحديث واحد يستنكر له .
5- لابد من التوثق والبحث عن رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل واصطلاحه مستعيناً على ذلك بتتبع كلامه في الرواة، واختلاف الرواية عنه في بعضهم مع مقارنة كلامه بكلام غيره .
وقد اختلف كلام ابن معين مثلاً في جماعة يوثق أحدهم تارة ويضعفه أخرى ، وهذا يشعر بأنه ربما كان يطلق كلمة "ثقة" لا يريد بها أكثر من أن الراوي لا يتعمد الكذب ، وقد يطلق كلمة " ليس بثقة " على معنى أن الراوي ليس بحيث يقال فيه ثقة على المعنى المشهور لكلمة ثقة , وقد يُجرح الراوي بما لا يعد جارحاً على التحقيق .
178- وهذه أهم أسباب الطعن التي لا يعول عليها ، وإن صدرت من أئمة من أهل الرسوخ في هذا الشأن :
1- الطعن بسبب الدخول في أمر الدنيا ، كولاية الحسبة أو القضاء ونحوه .
2- الطعن بسبب التحامل الواقع بين الأقران والتعاصر كطعن مالك في ابن اسحق مثلاً .
3- الطعن بسبب اختلاف العقائد والرأي كطعن نعيم بن حماد والجورقاني في بعض أهل الرأي والبدعة .
4- الطعن في راوٍ توهما أن الحمل عليه لتفرد أو نكارة في حين أن الحمل يكون فيه على غيره .
5- الطعن ممن هو ليس أهلاً لذلك لضعف فيه ، كالكديمي والأزدي .
6- الطعن في راوٍ متوهماً أنه راوٍ آخر .
7- الطعن فيه من قبيل التشدد والتعنت .
8- الطعن لعداوة دنيوية كطعن ربيعة بن عبدالله بن ذكوان (أبي الزناد) .
9- الطعن للجهل بحال الراوي أو عينه كما يقع لابن حزم وابن القطان .
10- الطعن بغير طاعن .(1/61)
179- إذا لم يتميز الراوي المهمل : إذا كانوا كلهم ضعفاء أو كلهم ثقات هذا لا يؤثر ، وإنما يؤثر إذا كان أحدهم ثقة والآخر ضعيفا ، فالقاعدة عند العلماء : أنه إذا لم يتميز فالحكم يكون للضعيف ، دائما يغلب جانب الرد .
180-
181- إذا أطلق الراوي اسم شيخه - أي أهمله - , حمل على من هو أشهر بصحبته وروايته عنه أكثر .
182- المهمل إنما يحمل على من يكون لمن أهمله به اختصاص .
183- كل من روى عن متفقي الاسم أن يحمل من أهمل نسبته على من يكون له به خصوصية من إكثار ونحوه .
184-
185-
186- يمكن التمييز بين الرواة في حالة تشابه أسمائهم بأمور منها :
- الرمز المرموز به بجوار كل منهم في كتاب كتقريب التهذيب مثلاً .
- الطبقات , والمشايخ والتلاميذ .
- جمع طرق الحديث .
- الاختصاص .
- البلدان .
187- أهم قواعد تمييز الراوي المهمل :
1 - عن طريق معرفة تلميذ الراوي المهمل .
2 - عن طريق معرفة شيخ الراوي المهمل . وهذا كالمتقدم .
3 - عن طريق النظر في علاقة الرواة عن هذا الراوي المهمل ، ويتضمن ذلك عدة أمور :
أ - فقد يكون التلميذ مختصاً بأحد الراويين المهملين دون الآخر .
ب - أو يكون عُرف من عادة أحد الرواة أنه إذا أطلق اسم شيخه مهملاً فيعني به أحدهما دون الآخر .
ويُعرف هذا بالاستقراء أو بتصريح من الراوي نفسه .
ج - أن يكون بين تلميذ هذا الراوي المهمل وبين شيخه صلة قرابة ونسب .
4 - عن طريق معرفة أوطان الرواة .
5 - عن طريق معرفة طبقة الراوي، وتاريخ ولادته ووفاته .
6 - عن طريق النظر في كيفية تحديث الراوي المهمل عن شيخه .
أ - فقد يكون من عادة الراوي المهمل استخدام صيغة واحدة من صيغ التحديث , لا يستعمل غيرها .
ب - وقد يُعرف عن بعض المحدثين - ممن قد يرد مهملاً - أنهم إذا رووا عن الضعفاء فإنهم لا يذكرونهم بأسمائهم المشهورة ،وإنما بكناهم أو العكس ، فإن كان مشهوراً بكنيته ذكره باسمه ،لكي لا يُعرف .(1/62)
ج - وقد يُعرف عن أحد الرواة المهملين أنه مختص بأحد شيوخه ممن اشترك هو وغيره في الرواية عنهم .
د - ومنها أن يُعرف عن الراوي المهمل أنه مثلاً لا يملي الحديث ، أو أنه أملى أحاديث معدودة ، أو لأناس محدودين كما كان يفعل سفيان الثوري .
هـ - وقد يُعرف عن بعض المحدثين أنهم إذا كان الراوي مشهوراً بلقب ، وكان لا يرضاه فإنهم لا يسمونه به وإن اشتهر به . ومن هؤلاء سفيان الثوري .
و- وقد يُعرف عن أحد الرواة - ممن قد يرد مهملاً - أنه لا يُحدِّث أهل البدع ، أو لا يروي عنهم ، ونحو ذلك ، فهذا أيضاً يفيد في تحديد الراوي المهمل أحياناً .
ز- وقد يُعرف عن الراوي المهمل أنه لم يرو عن شيخ من شيوخه إلا أحاديث معدودة ، أو محددة .
ح - وقد يعرف عن أحد الرواة أنه لا يحدث بحضرة الآخر ممن يشاركه في الاسم .
7 - عن طريق النظر في الأسانيد القريبة من هذا الإسناد الوارد فيه هذا المهمل .
8 - عن طريق تخريج طرق الحديث . قد يرد هذا المهمل في بعض طرق الحديث منسوباً .
9 - وإذا لم يتضح المراد من الطرق السابقة جميعاً ، فهنا يُحمل الأمر على الأقدم منهما والأشهر .
10- ومما ينبغي التنبيه إليه إنه قد يهمل نسب الراوي إذا كان يؤمن أن يلتبس بغيره .
? في علم العلل :
1- اقرب المعاني اللغوية لمعنى العلة في اصطلاح المحدثين هو : المرض ؛ وذلك لأن الحديث الذي ظاهره الصحة إذا اكتشف الناقد فيه علة قادحة ، فإن ذلك يمنع من الحكم بصحته.
2- معرفة الحديث بمنزلة معرفة الذهب ، إنما يبصره أهله .
3- إنكار الحديث عند الجهلة كهانة .
4- معرفة علة الحديث إلهام ، فلو قلت للعالم يعلل الحديث من أين قلت هذا ؟ لم يكن له حجة .(1/63)
5- وهذه " الملكة " لم يؤتها علماء الحديث من فراغ ، وإنما هي حصاد رحلة طويلة من الطلب والسماع والكتابة وإحصاء أحاديث الشيوخ ، وحفظ أسماء الرجال وكناهم وألقابهم وأنسابهم وبلدانهم وتواريخ ولادة الرواة ووفياتهم ، وابتدائهم في الطلب والسماع وارتحالهم من بلد إلى آخر وسماعهم من الشيوخ في البلدان ، من سمع في كل بلد؟ ومتى سمع؟ وكيف سمع؟ ومع من سمع؟ وكيف كتابه؟ ، ثم معرفة أحوال الشيوخ الذين يحدث الراوي عنهم وبلدانهم ووفياتهم وأوقات تحديثهم وعادتهم في التحديث ، ومعرفة مرويات الناس عن هؤلاء الشيوخ ، وعرض مرويات هذا الراوي عليها ، واعتبارها بها ، إلى غير ذلك مما يطول شرحه .
هذا مع سعة الإطلاع على الأخبار المروية ، ومعرفة سائر أحوال الرواة التفصيلية ، والخبرة بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم، وبالأسباب الداعية إلى التساهل والكذب، وبمظنات الخطأ والغلط، ومداخل الخلل , هذا مع اليقظة التامة ، والفهم الثاقب، ودقيق الفطنة ، وغير ذلك .
6- أن العلة أمر خفي فلا تدرك إلا بعد النظر الشديد ، ومضي الزمن البعيد ، كما قال علي بن المديني ، والخطيب .
7- أنَّ معرفة العلة ومأخذها يحتاج إلى دقة فهم وجودة فكر ونظر ، قال ابن دقيق العيد (( إذا تنبهت لهذه الدقائق التي ذكرناها في هذا الحديث ظهر لك احتياج هذا الفن إلى جودة الفكر والنظر، فإنَّ الأمر ليس بالهين ، لا كما يظنه قوم أنه مجرد حفظ ونقل لا يحتاج إلى غيرهما فيه )) .
8- الحاجة في هذا الفن إلى الحفظ الواسع ، والتقصي في جمع الطرق ، قال ابن المبارك : (( إذا أردت أن يصح لك الحديث فاضرب بعضه ببعض )) ، وقال علي بن المديني : (( الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه )) ، وقال يحيى بن معين : (( اكتب الحديث خمسين مرة، فإن له آفات كثيرة )) .
9- الدقة في معرفة مراتب الثقات ، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف .(1/64)
10- اعلم أن معرفة صحة الحديث وسقمه تحصل من وجهين : أحدهما : معرفة رجاله وثقتهم وضعفهم ومعرفة هذا هين لأن الثقات والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التواليف . والوجه الثاني : معرفة مراتب الثقات ، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف ، إمّا في الإسناد ، وإمّا في الوصل والإرسال ، وإما في الوقف والرفع ونحو ذلك ، وهذا هو الذي يحصل من معرفته وإتقانه وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علل الحديث .
11- علم العلل كالميزان لبيان الخطأ والصواب والصحيح والمعوج .
12- علم العلل هو علم ينظر لأوهام الثقات , فحديث المجروح مطروح واه .
13- إن مَعْرِفَة الخطأ في حَدِيْث الضعيف يحتاج إِلَى دقة وجهد كبير , كَمَا هُوَ الحال في مَعْرِفَة الخطأ في حَدِيْث الثقة .
14- إن نظرية العلة مبنية على خلاف القاعدة في معرفة مصدر الخطأ والوهم في الرواية ، إذ الأصل أنه إذا عرف وهم نسب في سلسلة السند إلى الضعيف وأحيل على من قل ضبطه ، لكن التعليل يرقى في النقد لتلمس الخطأ في روايات الثقات المتقنين لأنه لم يسلم من الخطأ أحد حتى الثقات الحفاظ المشاهير .
15- وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل , فإن حديث المجروح ساقط واه , وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات .
16- العلل هو من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها ، ولا يقوم به إلا من رزقه الله فهما ثاقبا وحفظا واسعا ومعرفة تامة بمراتب الرواة ، وملكة قوية بالأسانيد والمتون ، ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل من أهل هذا الشأن كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري ويعقوب بن شيبة وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني ، وقد تقصر عبارة المعلل عن إقامة الحجة على دعواه , كالصيرفي في نقد الدينار والدرهم .(1/65)
17- إن تقييد العلة بكونها خفية قيد أغلبي ، فإن المحدثين إذا تكلموا عن العلة باعتبار أن خلو الحديث منها يعد قيداً لابد منه لتعريف الحديث الصحيح ؛ فإنهم في هذه الحالة يطلقون العلة ويريدون بها المعنى الاصطلاحي الخاص، وهو السبب الخفي القادح وإذا تكلموا في نقد الحديث بشكل عام ؛ فإنهم في هذه الحالة يطلقون العلة ويريدون بها السبب الذي يعل به الحديث سواء كان خفياً أم ظاهراً ، قادحاً أم غير قادح ، وهذا له نظائر عند المحدثين .
18- السبيل إلى معرفة العلة يكون بجمع الطرق والنظر في اختلاف رواته , والاعتبار بمكانهم في الحفظ ومنزلتهم في الإتقان و الضبط , والموازنة والنظر الدقيق في أسانيد الحديث ومتونه .
19- قال علي بن المديني : الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه .
20- والحجة في العلة , إنما هو الحفظ والفهم والمعرفة لا غير .
21- أكثر الحفاظ المتقدمين يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد ، وإن لم يرو الثقات خلاف أن لا يتابع عليه ، ويجعلون ذلك علة فيه ، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري نحوه ، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً ولك في كل حديث نقد خاص ، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه .
22- قاعدة مهمة : حذّاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث ، ومعرفتهم بالرجال ، وأحاديث كل واحد منهم ، لهم فهم خاص يفهمون به أنَّ هذا الحديث يشبه حديث فلان ، ولا يشبه حديث فلان ، فيعللون الأحاديث بذلك ، وهذا مما لا يعبر عنه بعبارة تحصره ، وإنما يرجع فيه إلى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عَنْ سائر أهل العلم .
23- معرفة مراتب الثقات ، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف ، إما في الإسناد , وإما في الوصل والإرسال ، وإما في الوقف والرفع ونحو ذلك ، وهذا هو الذي يحصل من معرفته وإتقانه وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علل الحديث .(1/66)
24- قد يكون الحديث معلولاً من طريق , لكنه صحيح من طرق أخرى .
25- قد يعل الإمام حديثاً , ولا يقصد به إلا وجهاً واحداً منه .
26- وقد كانوا يستدلون باتفاق حديث الرجلين في اللفظ : على أن أحدهما أخذه عن صاحبه .
27- العلة بالمعنى الاصطلاحي الخاص لا تعرف إلا بجمع الطرق والموازنة والنظر الدقيق في أسانيد الحديث ومتونه.
28- لا يمكن الحكم في الاضطراب والاختلاف إلا بجمع الطرق والنظر والموازنة والمقارنة .
29- الاختلاف والاضطراب بَيْنَهُمَا عموم وخصوص , فكل مضطرب مختلف وَلَيْسَ كُلّ مختلف مضطرب .
30- قد تعل بعض الأحاديث بالمعارضة إذا لم يمكن الجمع ولا التوفيق .
31- فإن مسائل تعارض الوصل والإرسال والرفع والوقف ، تكون وفق الطريقة الأولى على قاعدة واحدة ، وهي تقديم الوصل أو الرفع مادام الواصل أو الرافع ثقة ، أما على وفق الطريقة الثانية فتارة يُقَدَّم الوصلُ وتارة يُقَدَّمُ الإرسال ، وكذلك تارة يُقَدَّمُ الرفع وتارة يُقَدَّمُ الوقف ؛ وذلك تبعاً للقرائن التي لا تُدرك إلا بمعرفة ( مدار الإسناد ) واختلاف أصحابه عنه أو عليه ، وترجيح الأحفظ أو الأكثر أو .... .
32- قد تكون العلة بالإرسال في الموصول أو الوقف في المرفوع ، وإسقاط ضعيف بين ثقتين قد سمع أحدهما من الآخر أو الاختلاف على رجل في تسمية شيخه أو تجهيله أو غير ذلك .
33- اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفا لجواز أن يكون الصحابي يسند الحديث مرة ، ويرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويذكره مرة أخرى على سبيل الفتوى ، ولا يرفعه ، فحفظ الحديث عنه على الوجهين جميعاً ، وقد كان سفيان بن عيينة يفعل هذا كثيرا في حديثه فيرويه تارة مسنداً مرفوعاً ، ويقفه مرة أخرى قصدا واعتمادا .
34- قال سفيان " كنا إذا نشطنا أسندنا , وإذا فترنا أرسلنا " .(1/67)
35- إذا استنكر الأئمة المحققون المتن , وكان ظاهر السند الصحة , فإنهم يتطلبون له علة , فإذا لم يجدوا له علة قادحة مطلقاً , أعلوه بعلة ليست بقادحة , ولكنهم يرونها كافية للقدح في هذا المنكر .
وحجتهم في هذا أن عدم القدح بتلك العلة مطلقاً إنما بني على أن دخول الخلل من جهتها نادر , فإذا اتفق أن يكون المتن منكراً ، يغلب على ظن الناقد بطلانه ، فقد يحقق وجود الخلل ، وإذا لم يوجد السبب له إلا تلك العلة فالظاهر أنها هي السبب وأن هذا من ذاك النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها .
وبهذا يتبين أن ما يقع ممن دونهم من التعقب بأن تلك العلة غير قادحة ، وأنهم قد صححوا مالا يحصى من الأحاديث مع وجودها فيها ، إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق ,للهم إلا أن يثبت المتعقب أن الخبر غير منكر .
36- لو عرض للمحدث حديثاً ، فإذا نظر في سنده وجده متصلاً ، ووجد أن رجاله ثقات ، ولكن إذا نظر إلى المتن وجده مخالفاً كما سبق فحينئذ نقول له احكم بأن هذا ليس بصحيح ، وليس في ذمتك شيء .
37- الإطلاع العام والمستمر على السنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ودراسة متونها وأسانيدها يولد عند الشخص ملكة وخبرة لاكتشاف العلل .
38- إن من الحديث حديثاً له ضوء كضوء النهار نعرفه به ؛ وإن من الحديث حديثاً له ظلمة كظلمة الليل نعرفه بها .
39- كثر تعليل الموصول بالمرسل والمرفوع بالموقوف .
40- أكثر العلل تكون علل إسنادية , قد لا تضر بالمتن .
41- غالب ما يقع من التصحيف والخطأ في الأسانيد , إنما يكون بسلوك الرواة الجادة .
42- أغلب العلل الواردة في الأحاديث , فإنها تكون إما بوقف المرفوع أو بإرسال الموصول , أو بنوع من أنواع الإدراج في المتن أو السند أحيانا , أو ترى زيادة في متن من المتون شذ فيها من زادها .
43- المتن قد يكشف علة فنية في الإسناد ، أو يساعد على تأكيد علة ظاهرة .(1/68)
44- مَعْرِفَة الاختلافات في المتون و الأسانيد داخل في علم العلل الَّذِي هُوَ كالميزان لبيان الخطأ والصواب , والصَّحِيْح والمعوج .
45- الاختلافات الحديثية سواء أكَانَتْ في الإسناد أم في الْمَتْن من القضايا الَّتِي أولى لها الْمُحَدِّثُوْنَ لها أهمية كبيرة .
46- الاختلافات مِنْهَا ما يؤثر في صحة الْحَدِيْث ، ومنها ما لا يؤثر ، ومرجع ذَلِكَ إِلَى نظر النقاد وصيارفة الْحَدِيْث .
47- المخالفة مخالفتان : مخالفة تضاد ، وهنا لا بد من الترجيح ، ومخالفة التفرد أو الزيادة .
48- زيادة الثقة الأصل أنها مقبولة , إلا إن ثبت أنها زيادة شاذة حينها ترد .
49- التفرد بحد ذاته لَيْسَ علة ، وإنما يَكُوْن أحياناً سبباً من أسباب العلة ، ويلقي الضوء عَلَى العلة ويبين ما يكمن في أعماق الراوية من خطأ ووهم .
50- ليس كل تفرد أو اختلاف بين الرواة يكون دليلا على الخطأ .
51- التفرد والاختلاف في الأصل ليسا بعلة ، حتى يصحبهما قرينة دالة على الخطأ .
52- أهل البلد أعلم براويهم .
53- العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد .
54- أن الأحاديث إذا اختلفت , لم نذهب إلى واحد منها دون غيره , إلا بسبب يدل على أن الذي ذهبنا إليه أقوى من الذي تركنا .
55- الاختلاف الواقع في المتون بحسب الطرق , ورد بعضها إلى بعض إما بتقييد الإطلاق أو تفسير المجمل أو الترجيح حيث لا يمكن الجمع ، أو اعتقاد كونها وقائع متعددة .
56- إذا اختلفت مخارج الحديث وتباعدت ألفاظه أو كان الحديث في سياق واقعة وظهر تعددها فالذي يتعين القول به أن يجعلا حديثين مستقلين .
57- قد يعل حديث الثقة برواية من هو دونه , سواء كان أقل حفظا أو ضعيفا : ضعفا يسيراً أو وسطاً .
58- إن الحفاظ يردون تفرد الثقة إذا كان في المتن نكارة ، أو انفرد هذا الثقة عن بقية أقرانه بما لا يحتمل انفراده به .(1/69)
59- علل المتن في الغالب آتية مما اشترط الفقهاء للعمل بخبر الآحاد ، وكثير منها يعود للترجيح ، بمعنى أن بعض الفقهاء يرجح العمل بالدليل المعارض عنده على العمل بخبر الآحاد، وذلك كرد بعض الفقهاء خبر الآحاد كأن يكون وارداً فيما تعم فيه البلوى ، أو خالفت فتيا الصحابي الحديث الذي رواه ، وكتقديم بعض العمل بالقواعد العامة أو عمل أهل المدينة على العمل بخبر الآحاد عند المعارضة ، وفي الغالب يرجح ما ذهب إليه جمهور العلماء في هذه القضايا من عدم جعلها علة في الأعم الأغلب .
60- أن الترجيح لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية ، لَكِنْ يختلف الحال حسب المرجحات والقرائن ، فتارة ترجح الرِّوَايَة المرسلة وتارة ترجح الرِّوَايَة الموصولة . وهذه المرجحات كثيرة يعرفها من اشتغل بالحديث دراية ورواية وأكثر التصحيح و التعليل ، وحفظ جملة كبيرة من الأحاديث، وتمكن في علم الرِّجَال وعرف دقائق هَذَا الفن وخفاياه حَتَّى صار الحَدِيْث أمراً ملازماً لَهُ مختلطاً بدمه ولحمه .
61- من جملة المرجحات عندهم قدم السماع , لأنه مظنة قوة حفظ الشيخ .
62- أن الجماعة إذا اختلفوا في إسناد حديث ، كَانَ القول فيهم للأكثر عدداً أو للأحفظ والأتقن ، ويترجح هذا أيضاً من جهة المعنى بأن مدار قبول خبر الواحد على غلبة الظن ، وعند الاختلاف فيما هو مقتض لصحة الحديث أو لتعليله يرجع إلى قول الأكثر عددا لبعدهم عن الغلط والسهو ، وذلك عند التساوي في الحفظ والإتقان ، فإن تفارقوا واستوى العدد فإلى قول الأحفظ والأكثر إتقانا .
63- فأما إذا كان رجال الإسنادين متكافئين في الحفظ أو العدد , أو كان من أسنده أو رفعه دون من أرسله أو وقفه في شيء من ذلك مع أن كلهم ثقات محتج بهم , فههنا مجال النظر واختلاف أئمة الحديث والفقهاء .(1/70)
فالذي يسلكه كثير من أهل الحديث بل غالبهم جعل ذلك علة مانعة من الحكم بصحة الحديث مطلقا فيرجعون إلى الترجيح لأحدى الروايتين على الأخرى ، فمتى اعتضدت إحدى الطريقتين بشيء من وجوه الترجيح حكموا لها , وإلا توقفوا عن الحديث وعللوه بذلك ، ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ، ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث ، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص ، وإنما ينهض بذلك الممارس الفطن الذي أكثر من الطرق والروايات ، ولهذا لم يحكم المتقدمون في هذا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة بل يختلف نظرهم بحسب ما يقوم عندهم في كل حديث بمفرده
64- إذا تنازعت القواعد المثال الواحد ؛ بحيث صار لكل قول قاعدة ترجحه فإن المعتبر به غلبة ظن المجتهد كما قال الزركشي : « واعلم أن التراجيح كثيرة ، ومناطها : ما كان إفادته للظن أكثر فهو الأرجح ، وقد تتعارض هذه المرجحات كما في كثرة الرواة وقوة العدالة وغيره ، فيعتمد المجتهد ما غلب على ظنه » .
65- القاعدة عند نقاد الحديث البحث عن العلة من أعلى ابتداء .
66- الإعلال بالأعلى أولى .
67- لفظ " أصح " في كتب العلل كثيرا ما يراد به : الصحة النسبية .
68- الشك ليس علة في الحديث ، لكن قد يتوقف العلماء في كلمة أو لفظة يقع فيها الشك .
69- تركُ العملِ بالحديث طيلة القرون علةٌ قادحةٌ فيه عند النقاد .
70- أولى الفقهاء جانب النقد الحديثي اهتماماً خاصاً ، وذلك من خلال تتبعهم لأقوال النقاد ، واستعمالها أداة في تفنيد أدلة الخصوم ، وَهُوَ دليل واضح عَلَى عمق الثقافة الحديثية عندهم ، وعلى قوة الربط بَيْنَ هذين العلمين الشريفين .
71-
72-
73-
74-
75- سبل اكتشاف العلة الموجودة في الحديث :(1/71)
- جمع طرق الحديث , والنظر في هذه الطرق طريقا طريقا , ثم النظر الإجمالي إليها مجتمعة , ومقارنة بعضها ببعض , وكذلك النظر فيمن تدور عليه هذه الأسانيد , ومعرفة حاله و كما قال العلماء : ( إن الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تتبين علله ) .
- النظر في كتب العلل , وفي أقوال علماء العلل , بشأن الحديث الذي نقوم بالبحث حوله , وكذلك النظر في كتب الرجال , وكتب الأحاديث الضعيفة و الموضوعة .
- النظر في متون الأحاديث , ومدى موافقتها للقواعد الكلية للشريعة , ومدى مخالفتها لذلك , ومدى إمكانية الجمع , بين المتون التي ظواهرها التعارض من عدمها , فإن هذا يشعرنا بوجود علة في الحديث من عدمها , فمن ثم يحملنا ذلك على البحث و التحري بدقة وراء الحديث .
76- وأما إذا اتحد مخرج الحديث وتقاربت ألفاظه , فالغالب حينئذ على الظن أنه حديث واحد وقع الاختلاف فيه على بعض الرواة , لاسيما إذا كان ذلك في سياقه واقعة تبعد أن يتعدد مثلها في الوقوع .
أ فالذي يسلكه كثير من الفقهاء : أن يحمل اختلاف الألفاظ على تعدد الوقائع ويجعل كل لفظ بمنزلة حديث مستقل، وهذه الطريقة يسلكها الشيخ محي الدين -رحمه الله- في كتبه كثيراً...، وإذا عرف ضعف هذه الطريقة فنقول والله الموفق للصواب :
ب إذا اتحد مخرج الحديث واختلفت ألفاظه :
1) فإما أن يمكن ردّ إحدى الروايتين إلى الأخرى .
2) أو يتعذر ذلك .
فإن أمكن ذلك تعين المصير إليه، ولهذا القسم أمثلة :
أحدها : ما في حديث اعتكاف عمر - رضي الله عنه - ورد إحدى الروايتين إلى الأخرى , على عادة العرب .
الثاني : رد أحداهما إلى الأخرى بتقييد الإطلاق...
الثالث : رد إحديهما إلى الأخرى بتخصيص العام...
الرابع : رد إحدى الروايتين إلى الأخرى بتفسير المبهم وتبيين المجمل...(1/72)
وأما إذا لم يتأت الجمع بين الروايات وتعذر ردّ إحداهما إلى الأخرى فهذا محل النظر ومجال الترجيح ، ولكن أكثر الأحاديث المختلفة لا يتضمن اختلافها اختلاف حكم شرعي ، وبعضها يتضمن ذلك .
77- الفرق بين الرواية عن شخص ، والرواية لقصته من المواضيع الدقيقة في علم الرواية ؛ فهو مزلة قدم سواء للمتكلمين على الأسانيد أو للرواة أنفسهم أيضا .
78- : فرق بين الصيغتين الآتيتين:
أ - عن عروة عن عائشة أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ... .
ب - عن عروة أن عائشة قالت : يا رسول الله ... .
فالثانية يَعُدُّها بعض أهل العلم مرسلة , لأن عروة لم يدرك القصة ؛ بينما الأولى متصلة.
79- أن الراوي إذا روى حديثاً فيه قصة أو واقعة ، فإن كان أدرك ما رواه ، بأن حكى قصة وقعت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين بعضِ الصحابة ، والراوي لذلك صحابي أدرك تلك الواقعة ، فهي محكوم لها بالاتصال ، وإن لم يعلم أنه شاهدها وإن لم يدرك تلك الواقعة ، فهو مرسل صحابي . وإن كان الراوي تابعياً ، فهو منقطع ، وإن روى التابعي عن الصحابي قصة أدرك وقوعها، كان متصلاً ، وإن لم يدرك وقوعَها ، وأسندها إلى الصحابي كانت متصلة . وإن لم يدركها ، ولا أسند حكايتها إلى الصحابي فهي منقطعة .
80- ينبغي أن يلفت النظر إلى هذه الأوجه :
أ - عن نافع بن جبير : عن عثمان بن أبي العاص : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له .
ب - عن نافع بن جبير : أن عثمان بن أبي العاص قال : إنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ج - عن نافع بن جبير : أن عثمان بن أبي العاص قال : قلت : يا رسول الله .
د - عن نافع بن جبير : أن عثمان بن أبي العاص قال : يا رسول الله .
ه - عن نافع بن جبير : أن عثمان بن أبي العاص قال لرسول الله .
فالأوجه ( أ ) , ( ب ) , ( ج ) متصلة , لأن نافعا أخذ القصة من عثمان .
و الأوجه ( د ) , ( هـ ) مرسلة , لأن نافع بن جبير لم ير القصة .(1/73)
و نحو هذا يتكرر كثيرا , فكمثال :
أ - عروة : عن عائشة , أنها قالت : يا رسول الله .
ب - عروة : أن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله .
ج - عروة : أن عائشة قالت : يا رسول الله .
فالوجهان ( أ ) ، ( ب ) متصلان , لأن عروة أخذهما عن عائشة ,
والوجه ( ج ) مرسل , لأن عروة لم يشهد القصة , ولم يذكر أنه أخذ ذلك عن عائشة .
فلينتبه لمثل ذلك , فبمثل ذلك تعل جملة من الأحاديث , والله أعلم .
81- الترجيح بين الروايات يكون بقرائن أغلبية , مثل : العدد , والحفظ , والاختصاص , وسلوك الجادة ، وغرابة السند ، واتفاق البلدان .
82- ويكون الترجيح أيضاً بقرائن خاصة , مثل : رواية الراوي عن أهل بيته , الرواية بالمعنى ، واختلاف المجلس ، وسعة رواية المختلف عليه ، شذوذ السند ، وفقدان الحديث من كتب الراوي ، مخالفة الراوي لما روى ، وجود تفصيل أو قصة في السند أو المتن ، التفرد ، غرابة المتن ، اختلاف ألفاظ الروايتين ، اضطراب إحدى الروايتين ، وجود أصل للرواية ، وجود رواية تجمع الوجهين المختلفين ، تصحيح الحفاظ لإحدى الروايات ، تشابه الاسمين ، رواية أهل المدينة ، احتمال التدليس ممن وصف به ، التصريح بالسماع .
83- والأئمةُ يصرحون أحياناً بهذه القرائن والطرق ، وأحياناً تفهم وتستنبط من صنيعهم ؛ فمن تلك الطرق والقرائن :
1 - الترجيح بالحفظ والإتقان والضبط .
2 - الترجيح بالعدد والكثرة .
3 - سلوك الراوي للجادة والطريق المشهور .
4 - الترجيح بالنظر إلى أصحاب الراوي المقدمين فيه .
5 - الترجيح باعتبار البلدان واتفاقها .
6 - الترجيح بالزيادة .
7 - عدمُ وجودِ الحديث في كتب الراوي الذي رُوي الحديث عنه .
8 - شهرة الحديث وانتشاره من طريق يدل على غلط من رواه من طريق آخر .
9 - وجود قصة في الخبر تدل على صحة الطريق .
10 - التفرد عَنْ إمام مشهور وله تلاميذ كثيرون .
11 - تحديثُ الراوي في مكان ليس معه كتبه .(1/74)
12 - التحديث بنزول مع إمكانية العلو في السماع .
13 - عدم العلم برواية الراوي عمن روى عنه ، أو عدم سماعه منه .
14 - إمكانية الجمع بين الروايات عند التساوي .
15 - رواية الراوي عَنْ أهل بيته .
16 - اختلاف المجالس وأوقات السماع .
17 - ورود الحديث بسلسلة إسناد لم يصح منها شيء
18 - التحديث من كتاب .
19 - ضعف الراوي أو وهمه أو اضطرابه .
20 - مشابهة الحديث لحديث راوٍ ضعيف .
21 - أن يروي الرجل الحديثَ على وجهين : تارةً كذا ، وتارةً كذا ، ثم يجمعهما معاً ؛ فهذا قرينة على صحتهما معاً .
22 - قبول الراوي للتلقين .
23 - ورود الحديث عَنْ راوٍ وقد ورد عنه ما يدل على خلافه موقوفاً .
24 - مخالفة الراوي لمَا روى سواء وُجِد اختلاف أو لم يوجد على تفصيل في ذلك .
25 - اضطراب إحدى الروايات .
26 - دلالة الرواية على الكذب .
27 - شهرة الراوي بأمر معين ؛ كاختصار المتون ، أو الإدراج فيها ، أو الرواية بالمعنى ، أو التصحيف في الألفاظ أو الأسماء ، أو قصر الأسانيد ، أو جمع الرواة حال الرواية .
الفوائد الحديثية الخاصة
( وهي فوائد في مسائل خاصة بشيء من التفصيل , مثل مصطلحات الأئمة , ... )
? في أصول الحديث :
1. أن كل ما في الصحيحين متلقي بالقبول ومحكوم بصحته , إلا أحرف يسيرة جداً انتقدت عليهما .
2. كل ما في الصحيحين متلقي بالقبول ، محكوم بصحة ، وليس فيهما حديث موضوع ، ولا منكر .
3. تلقي العلماء للصحيحين بالقبول ، أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر .
4. ما يقال عن الإمامين البخاري ومسلم : " أنهما لم يلتزما إخراج جميع الصحيح " ليس على إطلاقه ، وإنما هو في الأبواب التي تتعدد فيها الأحاديث .
5. الصفات التي تدور عليها الصحة ، في كتاب البخاري أتم منها في كتاب مسلم وأشد .
6. وقع الاتفاق على وجوب العمل بكل ما صح ، وإن لم يخرجه الشيخان .(1/75)
7. الكتب الحديثية المشهورة إذا اجتمعت على إخراج حديث - مع كثرة الطرق - أفاد العلم اليقيني بصحته إلى قائله .
8. جلالة رواة سند ما واتصافهم بالصفات اللائقة الموجبة للقبول ، يقوم مقام العدد الكثير في إسناد آخر .
9. إذا قال البيهقي والبغوي : أخرجه البخاري , فإنهما يعنيان أن البخاري أخرج أصل الحديث .
10. الحديث الذي يرويه مالك وهو مخالف لأهل المدينة لا يذكره في موطئه إلا نادراً .
11. يطلق البغوي في مصابيحه : " صحيح " علي ما أخرجه البخاري ومسلم , و " حسن " علي ما أخرجه أصحاب السنن , وهو اصطلاح خاص به لم يتابعه عليه أحد .
12. الحديث المقبول = " الجيد " و" القوي " و" الصالح " و" المعروف " و" المحفوظ " و" المجود " و" الثابت " .
13. مراتب المقبول : " الصحيح لذاته " ثم " الصحيح لغيره " ثم " الحسن لذاته " ثم " الحسن لغيره " .
14. مراتب المردود : " مرسل " ثم " منقطع " ثم " معضل " ثم " منكر " ثم " متروك " ثم " موضوع " .
15. فرق بين قولهم " حديث صحيح " و " حديث صحيح الإسناد " و " حديث رجاله ثقات " :
فالأول ضمن لنا شروط الصحة الخمسة ؛ والثاني ضمن اتصال السند وعدالة وضبط الرواة , دون التعرض للشذوذ والعلة ؛ والثالث لم يضمن إلا عدالة الرواة وضبطهم , دون باقي الشروط .
16. قولهم في الحديث " لا أصل له " معناه لا إسناد له .
17. معنى قولهم : " ليس له إسناد " أي إسناد تقوم به الحجة , في الغالب .
18. الإسماعيلي اشترط في معجم شيوخه تبيين الضعيف منهم .
19. إذا قال الصحابي " من السنة " , فإنما يقصد سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - , لا غيره .
20. رواية المخضرمين من قبيل الإرسال ، لا من قبيل التدليس اتفاقا .
21.
22.
23. لابد من مراعاة الدقة في رواية الحديث ، لذلك إن صح الحديث فتقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا...، أو فعل، أو أمر، وما أشبه ذلك من صيغ الجزم .(1/76)
وإن كان الحديث ضعيفاً ترويه بصيغة التمريض, مثل : رُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو يُروى، أو ورد، أو يُحكى، أو يُنقل... ؛ وهكذا تقول أيضا فيما تشك في صحته وضعفه .
24. أن ما جاء معلقاً بصيغة الجزم هو صحيح إلى من جزم البخاري إليه ، وإن جاء بصيغة التضعيف ، فيبقى النظر .
25. إن البخاري لا يخص صيغة التمريض بضعف الإسناد بل إذا ذكر المتن بالمعنى أو اختصره أتى بها .
26. إذا علق البخاري حديث بصيغة الجزم فهو صحيح لمن علقه عنه , وإذا علق حديث بصيغة التمريض فلا يفيد شيء فمنه الصحيح والحسن بل والضعيف .
27. لا تدخل المعلقات فيما انتقده الدارقطني على البخاري ومسلم .
28. إن الإمام البخاري يخرج أحياناً حديثاً كاملاً في الباب للفائدة من لفظة واحدة .
29. أبو حاتم الرازي لا يرى الحسن حجة .
30.
31. بعض العلماء كأحمد وابن المدينى وابن معين وشعبة والشافعي استخدموا الحسن بمعاني متعددة وبدراسة هذه الأحاديث والنظر فيها تبين أنهم يقصدون المعنى اللغوي ولا يقصدون معنا اصطلاحيا بدليل أنهم قبل الترمذي يطلقون الحسن ويقصدون واحدا من المعاني التالية : الأول : أنه مقبول مطلقاً (في أى رتبة من مراتب القبول) , الثاني : أنه الحديث الغريب الذي تفرد بروايته شخص واحد , الثالث : انه منكر مردود ومن ذلك قوله شعبة لما قيل له : لما لم ترو عن العرزمى ؟ , قال : من حسنها فررت .
32. كل العلماء قبل ابن الصلاح إذا أطلقوا الحسن فإنما يطلقونه بالمعنى اللغوي , ولا نستطيع أن نجزم بمعنى معين حتى ننظر في سياق الكلام كي نعرف مقصدهم بالحسن , والذي يعنون به واحدا من المعاني الثلاثة السابقة وهى المقبول مطلقا والغريب والمنكر , أما الترمذي فله اصطلاح في الحسن وقد رجحنا أنه يعنى به الصالح للاحتجاج ومن جاء بعد ابن الصلاح فانه يقصد به المرتبة الوسطي التي بين الصحيح والضعيف .(1/77)
33. مازال الحديث الحسن يحتاج إلى استقراء واسع وشامل لكي نعرف مراد العلماء منه .
34. الترمذي لم يعرّف الحَسَن المطلق ، وإنما عرّف بنوع خاص ، وهو ما يقول فيه : حسن ، من غير وصف آخر .
35. معرفة مراد الترمذي بالحديث الحسن تحتاج إلى دراسة استقرائية دقيقة .
36. وكذا قول الترمذي حسن صحيح , فقد كثر الخلط والغلط في فهمه .
37. رواية المدلس المعنعنة في الصحيحين تحمل على الاتصال .
38. أشهر أنواع التدليس : تدليس الإسناد , تدليس الشيوخ , وإذا أطلق التدليس فالمقصود الأول .
39. حديث المدلس - تدليس إسناد - مردود , ما لم يصرح بالسماع .
40. من ثبت عنه التدليس من العدول ، لا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالتحديث .
41. من الخطأ إلزام المدلسين تدليس الشيوخ بالتصريح بالسماع من شيخه , لأن تدليسه في التصريح باسم الشيخ .
42. كلمة " لا يصح " لا تطلق على الحديث الباطل , وإنما تطلق على الحديث الذي له قوة .
43. الإرسال والتدليس ليسا بجرح ، وهو غير حرام .
44. تدليس التسوية يقدح فيمن تعمد فعله .
45. بعض العلماء عند ترجيح بين إسناد وصل مرة وأرسل أخرى يقولون أحيانا " إن المرسل أصح " , فليس معنى قولهم : إن المرسل أصح أن الحديث صحيح ولكن مرادهم : أن رأي من حكم على الحديث بالإرسال أصح من رأى حكم على الحديث بالاتصال .
46. أحاديث الشاميين يكثر فيها الإرسال والانقطاع ، والإرسال أيضاً كان شائعاً في عصر كبار التابعين .
47. ابن سيرين أصح التابعين مراسيل .
48. مراسيل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير : من أقوي المراسيل .
49. مراسيل الزهري وقتادة والحسن البصري ويحيى ابن أبي كثير رديئة .
50. المدلس لا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالتحديث , ( إلا من دلس تدليس الشيوخ ) .
51. مع أن وجود مدلس قد عنعن في السند لا يعني - بالضرورة - تضعيف حديثه , فقد يكون قد ثبت سماعه لهذا الحديث بالذات أو قد يكون ممن لا يضر تدليسهم .(1/78)
52. إذا كان الراوي مدلساً فطبقته في طبقات المدلسين للحافظ ابن حجر : (الأولى والثانية) تقبل عنعنتهم , (الثالثة فما بعدها) لابد من التصريح .
53. المدلس المكثر عن شيخ ما , يتجوز عن عنعنته في هذا الشيخ خاصة .
54. عنعنة المدلس الثقة المقل من التدليس تقبل إذا كان قد سمع من شيخه مع استقامة السند والمتن مع اشتراط أن يذكر رجلاً زائداً إذا جمعت الأسانيد ، أو كان هناك : (( حدثت )) أو (( أخبرت )) وهذا ليس مطرداً .
55. أكثر البلدان تدليساً : الكوفة والبصرة وبغداد .
56. أقل البلدان تدليساً : مصر والمدينة ونيسابور .
57. تقدم أن التدليس من أهل الحجاز قليل جداً , وكثير ذلك من أهل الكوفة .
58. المدنيون إذا رووا عن الكوفيين زلقوا .
59. أهل الكوفة ليس لحديثهم نور ، لا يذكرون الأخبار .
60. المصريون والشاميون يتسامحون في قولهم :" حدثنا " من غير صحة السماع .
61. ومن عادة مالك إرسال الأحاديث وإسقاط رجل , هي عادة كثير من السلف وهو ما يسمى ( بقصر الأسانيد ) فهم يتحرجون في رفع الأحاديث تورعا من نسبتها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
62. عادة مالك وأيوب والشعبي وحماد بن زيد ومحمد بن سيرين قصر الخبر تورعاً .
63. قد يحذف الراوي بعض الحديث ؛ لكونه شك في خطأ هذه الزيادة .
64. إذا كان الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، ولا هو في المصنفات المشهورة ، ولا في السنن المأثورة ، ولا في المسانيد المعروفة , ولم يخرجوا له أصلاً ولا نظير , فيغلب علي الظن أن به شذوذ أو علة .
65. إذا كان الحديث من عيون المسائل ، وخلت منه كتب السنة المشهورة ؛ فهو أمارة نكارته .
66. قد يطلقون المنكر على الحديث الفرد ، ولو كان راويه مقبولاً ، وهذا اصطلاح لبعض المتقدمين من المحدثين كأحمد والنسائي ، وعليه بعض المتأخرين عنهم كالبرديجي .(1/79)
67. الإمام أحمد يكثر من استعمال لفظ " منكر " ليعبر عن الخطأ في الرواية , مهما كان نوع الخطأ .
68. الحديث الذي فيه قصة أدعى إلى حفظ راويه .
69. إذا روى البخاري لرجل مقروناً بغيره فلا يلزم أن يكون فيه ضعف .
70. إن الإمام البخاري لا يُقْدم على إقران راوٍ بآخر في صحيحه إلا لنكتةٍ مثل : الدلالة على اتحاد لفظ الراويين ، أو بيان أن للشيخ أكثر من راوٍ أو الإشارة إلى متابعة ، أو غير ذلك .
71. قد يقدح ابن حبان في متن حديث بناءً على الفهم والفقه ، ويأتي غيره فيزيل إشكاله .
72. قاعدة ابن خزيمة : إذا علق الخبر لا يكون على شرطه في الصحة , ولو أسنده بعد أن يعلقه .
73. والسيوطي رغم جلالته وعلمه وإطلاعه إلا أنه من المتساهلين في تقوية الأخبار ، ومن أوسع أهل العلم تساهلاً في تقوية الحديث الضعيف بتعدد طرقه ، ومن نظر في كتبه وجد هذا جلياً .
74. ابن حزم عليه رحمة الله يخالف الأئمة في كثير من الأحيان ، وإعمال ظاهر الطرق في تقوية الأخبار أو ردها ، كما عليه كثير ممن تأخر من أهل العلم كابن القطان الفاسي ، وابن حزم لا يعتبر بتعدد طرق الخبر فيما روي موصولاً لا يضره أن يروى من وجه أصح مرسلاً ، فهو يقضي لكل طريق وحده في الغالب .
75. ما سكت عنه أبو داود فهو صالح عنده .
76. غالب ما تفرد به أبو نعيم وابن عساكر والديلمي : ضعيف .
77. أن ما كان موصوفاً بأصح الأسانيد فهو مقدم على غيره .
78. وقال الإمام أحمد : إذا قال ابن إسحاق : " وذكر فلان " فلم يسمعه .
79. إذا حدث إبراهيم النخعي عن رجل عن عبد الله فهو كما قال , وإذا قال : قال عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله .(1/80)
80. قد يقول المحدث: خطبنا فلان، ويقصد أنه خطب أهل بلده، وقد أشار إلى ذلك السخاوي في فتح المغيث فقال: كقول الحسن البصرى: خطبنا ابن عباس ، وخطبنا عتبة بن غزوان، وأراد أهل البصرة بلده، فإنه لم يكن بها حين خطبتهما، ونحوه في قوله: حدثنا أبو هريرة، وقول طاوس: قدم علينا معاذ اليمن، وأراد أهل بلده ؛ فإنه لم يدركه.
81.
82. قال الإمام أحمد : ثلاثة كتب ليس لها أصول : المغازي والملاحم والتفسير .
83. قال أحمد : إذا روينا في الحلال والحرام شددنا , وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا .
84. لابد في أحاديث الأحكام من التشدد .
85.
86. قد يقع الحاكم أثناء استدراكه علي الصحيحين في أوهام, فيعمد - مثلاً - إلى سند فيه هشيم عن الزهري، فيقول فيه : صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه .
وذلك منه بناءً على أن هشيمًا والزهري من رجال الشيخين، وكونهما من رجال الشيخين صحيح كما ذكر الحاكم, لكن هنا نقطة وقع الحاكم بسببها في الوهم، ألا وهي : أن هشيماً ضعيف في الزهري خاصة، فلم يُخرج البخاري ولا مسلم لهشيم عن الزهري وإنما أخرجا لهشيم عن غير الزهري، وأخرجا للزهري من رواية غير هشيم عنه؛ وذلك لأن هشيماً كان قد دخل على الزهري فأخذ عنه عشرين حديثاً، فلقيه صاحب له وهو راجع، فسأله رؤيتها، وكان ثَمَّ ريحٌ شديدة، فذهبت بالأوراق من يد الرجل، فصار هشيم يحدث بما علق منها بذهنه، ولم يكن أتقن حفظها، فوهم في أشياء منها، ضعف في الزهري بسببها.
وكذلك القول في سماك عن عكرمة فهو سند ملفق من رجال الشيخين، فسماك من رجال مسلم، وعكرمة من رجال البخاري، فقوله : سماك عن عكرمة لا من شرط البخاري، ولا من شرط مسلم، ورواية سماك عن عكرمة مضطربة، فيقول الحاكم في إسناد كسماك عن عكرمة : إنه على شرط الشيخين، فيظهر وهمه في ذلك.
? في علم الرجال والجرح والتعديل :
1. إذا اختلفت أقوال عالم بتجريح أو تعديل نتعامل معها وكأنها أقوال لأشخاص آخرين .(1/81)
2. من روي عنه قولان في راو : إذا أمكن الجمع بين قوليه فيجمع فيحمل التضعيف على شيء من حديثه ويحمل التوثيق على ما دون ذلك أو يحمل التوثيق على حديثة المتقدم والتضعيف على حديثه المتأخر , وإذا لم يمكن الجمع نطبق قواعد الجرح والتعديل فيجعل هذان القولان مختلفين كما تقدم .
3. ينبغي أن يُتأمل من أقوال المزكين ، ومخارجها فقد يقول العالم : فلان ثقة ولا يريد أنه ممن يحتج به ، وإنما ذلك على حسب ما هو فيه ووجه السؤال له .
4. كلام الناقد يكون أفضل إذا تكلم في الراوي ولم يتأثر بحديث أو بآخرين .
5. قد يجرح الراوي بما يسمى : بالجرح النسبي , فأحيانا الراوي قد يجرح جرحاً نسبياً ليس جرحاً تاماً يعنى بالنسبة لغيره .
6. إن في مواليد الصدر الأول ووفياتهم اختلاف كثير ؛ لتقدمهم على تدوين كتب الوفيات بمدة كبيرة .
7. وفيات الشيوخ قاعدة لمعرفة أعمار الرواة تحديداً أو تقديراً ؛ فيتبين لك من خلالها : طبقة الراوي ، ومن أدرك من الشيوخ ، ومن أدركه من التلاميذ ومن طابقه وقارنه من أمثاله وأقرانه ، كما تميزه بها عمن رافقه في الاسم وخالفه في زمنه .
8. ليس اختلاف الوفاة دائماً عمدة للتفرقة بين الرواة ؛ لأن كثيراً من الرواة قد اختلف في سنة وفاته فلا يستلزم ذلك التغاير .
9. وقوع الاختلاف في تحديد تاريخ وفاة الراوي في الجملة , إنما هو بمترلة وقوعه في أدلة الأحكام لا يبيح إلغاء الجميع جملة , بل يؤخذ بما لا مخالف له وينظر في المتخالفين فيؤخذ بأرجحهما , فإن لم يظهر الرجحان أخذ بما اتفقا عليه مثال ذلك : ما قيل في وفاة سعد بن أبي وقاص سنة (58,57,56,55,54,51) فإن لم يترجح أحدها أخذ بما دل عليه مجموعها أنه لم يعش بعد سنة (58) ، فإن جاءت رواية عن رجل أنه لقي سعد بمكة سنة (65) مثلاً استنكرها أهل العلم .
10. وتعرف بلد الراوي ببعض القرائن , كمعرفة بلد شيخه والراوي عنه , أو بلد أكثر مشايخه .(1/82)
قال الشيخ المعلمي : " أما صالح بن أحمد ، وهو موصوف في السند نفسه بأنه : تميمي , وحافظ . ويظهر أنه همذاني لأن شيخه والراوي عنه همذانيان " .
11. ألف البخاري كتاب التاريخ الكبير , فذكر فيه جل الرواة , لكنه خال من الحكم المباشر علي الرواة , فاستدرك ذلك أبو حاتم وأبو زرعة , فكان ابن أبي حاتم يسألهم عن الراوي فيحكمون عليه , وزادوا عليه تراجم وفوائد نفيسة , فخرج كتاب الجرح والتعديل .
12. ضبط أسماء الرواة لا يخضع إلى قاعدة في القياس ، إنما العمدة فيه السماع ، فعليك بضبطها وتجويدها وحفظ مواضع اجتماعها وافتراقها تسلم من اللحن والتصحيف .
13. الرواة الذين سكت عنهم ابن أبي حاتم ، فقد نستفيد منه توثيقا بطريق غير مباشر منه ، وإنما على طريقتنا نحن ، فإذا وجدناه يقول : روى عنه فلان وفلان وفلان وسكت ، وهم ثقاة عنده وعند غيره ، فإذاً تطمئن نفسا للاحتجاج بحديث هذا المترجم وإن سكت عنه , لكثرة الرواة الثقات عنه .
14. إن من عادت الحفاظ أنهم يحرصون على أن يذكروا في ترجمة الرجل أقدم شيوخه وأجلهم .
15. قد يكون الراوي ثقة في جانب (كبعض شيوخه أو روايته عن أهل بلد أو إذا حدث من كتابه) , ضعيف في جانب آخر ، فيُضعف ما يرويه في الجانب الذي هو ضعيف , وهو ما يعرف بـ " تجزئة حال الراوي " .
16. قد يكون الراوي ثقة في الجملة ولكنه ضعيف في شيخ معين , أو أن روايته عن أهل بلد ما فيها ضعف .
17. بعض الرواة يضعف إذا روي من حفظه , فإذا حدث من كتابه قُبل .
18. يكون بعض الرواة متقناً في شيخ ، وضعيفاً في غيره .
19. العباد غالباً ينشغلون بعباداتهم وأحوالهم الروحية والقلبية على تعاهد الحديث إذا لم يكن الحديث صنعتهم .
20. الصالحون غير العلماء يغلب على حديثهم الوهم والغلط .(1/83)
21. الفقهاء المعتنون بالرأي حتى يغلب عليهم الاشتغال به : لا يكادون يحفظون الحديث كما ينبغي ، ولا يقيمون أسانيده ، ولا متونه ، ويخطئون في حفظ الأسانيد كثيراً ، ويروون المتون بالمعنى ويخالفون الحفاظ في ألفاظه ، وربما يأتون بألفاظ تشبه ألفاظ الفقهاء المتداولة بينهم .
22. إذا قال الراوي حدثني فلان أو فلان , وهما ثقتان احتج به بلا خلاف , لأن المقصود الرواية عن ثقة مسمى , وقد حصل .
23. أعرف الناس بالرجال : يؤخذ من كلام أهل العلم أن أعرف الناس بالمدنيين مالك , وبالشاميين أبو مسهر الدمشقي , وبالكوفيين ابن نمير , وبالبصريين شعبة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وعلي بن المديني , وبالبغداديين خاصة وبأهل العراق عامة أحمد بن حنبل ويحيى بن معين , وبالرازيين أبو زرعة وأبو حاتم , وبالمصريين ابن يونس .
24. الأصل في الجرح والتعديل الاعتماد على كتب الرجال , لا على تخريج صاحبا الصحيح له أو عدم تخريجه له .
25. كون أصحاب الكتب الستة لم يخرجوا للرجل ليس بدليل على وهنه عندهم , ولاسيما من كان سنه قريباًً من سنهم , وكان مقلاً , فإنهم كغيرهم من أهل الحديث إنما يعنون بعلو الإسناد , ولا ينزلون إلا لضرورة .
26. رواة الصحيحين الذين لم يتعرض لهم بجرح ولا تعديل , الأصل أنهم ثقات .
27. إذا قيل في راوٍ : أنه من رجال الصحيح ؛ فالمراد : في الأصول ، لا في الشواهد و المتابعات ، والله أعلم .
28. رواة مقدمة صحيح مسلم لا يعدون في منزلة رواة صحيح مسلم .
29. عادة ابن حبان في المختلف في صحبته أن يذكره في قسم الصحابة وقسم التابعين .
30. ابن حبان متعنت في الجرح .
31. ابن حبان يتناقض فيذكر الراوي أحياناً في الثقات ، ثم يذكره في المجروحين .
32. من أخرج له ابن حبان في صحيحه , مقتضاه أنه عنده ثقة .
33. شرط ابن حبان في ثقاته وقاعدته فيه ذكر كل مجهول روى عنه ثقة ولم يجرح ولم يكن الحديث الذي يرويه منكر.(1/84)
34. الجهالة عند ابن حبان ليست جرحا .
35. أن من وثقه ابن حبان ، وقد روى عنه جمع من الثقات , ولم يأت بما يُنكر عليه , فهو صدوق يحتج به .
36. وقول ابن حبان في الثقات : " ربما أخطأ " أو " يخطئ " أو " يخالف " أو " يغرب " لا ينافي التوثيق ، وإنما يظهر أثر ذلك إذا خالف من هو أثبت منه .
37. الغالب اتفاق عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان , وإذا اختلفا في الراوي فيستضعف يحيى الرجل فيترك الحديث عنه ، ويرى عبد الرحمن أن الرجل وإن كان فيه ضعف فليس بالشديد فيحدث عنه ، ويثني عليه بما يوافق حاله عنده ; وقد قال تلميذهما ابن المديني : (( إذا اجتمع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي على ترك رجل لم أحدث عنه ، فإذا اختلفا أخذت بقول عبد الرحمن لأنه أقصدهما ، وكان في يحيى تشدد )) .
38. الحاكم إمام مقبول القول في الجرح والتعديل ما لم يخالفه من يرجح عليه .
39. استقرأت كثيرا من توثيق العجلي فبان لي أنه نحو من ابن حبان ( قاله المعلمي اليماني ) .
40. ابن حبان والحاكم كل منهما متساهل في التصحيح ، والحاكم أشد تساهلاً ، وكذلك البزار , وكذلك الهيثمي في مجمع الزوائد .
41. ابن حبان والعجلي متساهلان في توثيق المجاهيل .
42. والتحقيق أن توثيق ابن حبان على درجات :
الأولى : أن يصرح به كأن يقول " كان متقناً " أو " مستقيم الحديث " أو نحو ذلك ,
الثانية : أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم ,
الثالثة : أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة ,
الرابعة : أن يظهر من سياق كلامه أنه عرف ذلك الرجل معرفة جيدة ,
الخامسة : ما دون ذلك .
فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم ، والثانية قريب منها ، والثالثة مقبولة ، والرابعة صالحة ، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل والله أعلم .
43. نعيم بن حماد كان شديداً على أهل الرأي .(1/85)
44. ابن سعد الغالب عليه الاستقامة ، وقد يتشدد .
45. تضعيف ابن سعد فيه نظر , لاعتماده على الواقدي – وهو تالف - .
46. ابن قتيبة وابن النديم لا شأن لهما بمعرفة الرواية والخطأ والصواب فيها وأحوال الرواة ومراتبهم ,وإنما فن ابن قتيبة معرفة اللغة والغريب والأدب ، وابن النديم رافضي وراق ، فنه معرفة أسماء الكتب التي كان يتجر بها .
47. حط الجوزجاني على أهل الكوفة فخاص بمن كان شيعاً يبغض بعض الصحابة أو يكون ممن يظن به ذلك .
48.
49. الحكم في توثيق هؤلاء الأئمة :
• البيهقي : متوسط يقبل توثيقه .
• ابن سعد : فيه شيء من التساهل , وهو كثيرا ما ينقل عن شيخه الواقدي .
• الخطيب : متوسط يقبل توثيقه .
• البزار : متساهل في توثيقه .
• الذهبي : توثيقه مقبول .
• الطبراني : يعتبر بتوثيقه .
• السمعاني : لا بأس به ولكنه نقال (أي ينقل عمن سبقه فهو ليس ناقدا) .
• الحاكم : متساهل في توثيقه .
• ابن حبان : متساهل في توثيقه لكن هذا ليس على إطلاقه , وهو أحسن حالا من الحاكم .
• ابن خزيمة : فيه شيء من التساهل ولكنه أحسن حالا من الحاكم وابن حبان .
• أبو عوانة : لا يتردد في قبول روايته .
• ابن قانع : هو نفسه متكلم فيه .
• الضياء المقدسي : معروف بالتساهل وإن كان خيرا من الحاكم وممن قال بهذا الرأي شيخ الإسلام ابن تيمية ونقله عنه الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث ، وقال السيوطي في اللآلئ : ذكر الزركشي في تخريج الرافعي : أن تصحيحه (أي الضياء) أعلى من تصحيح الترمذي وابن حبان .
50.
51. الحافظ ابن حجر في التقريب له بعض أوهام فيمن يوثق أو يضعف أو يوهم ، ويعرف ذلك بمراجعة المطولات في الرجال كالتهذيب واللسان والميزان والخلاصة .
52.
53.
54.
55. التوثيق الضمني - وهو تصحيح أو تحسين حديث الرجل , أو رواية من لا يروي إلا عن مقبول عنه - مقبول عند بعض أهل العلم .
56. إن نفي صحة الحديث لا يلزم منه ضعف رواته أو اتهامهم بالوضع .(1/86)
57. أرفع ما يوثق به الراوي " أوثق الناس " ثم " ثقة حافظ " ثم " حجة " ثم " ثقة " , ثم من قيل فيه " صدوق " ، ثم " محله الصدق " ويليه " صالح " و " شيخ " .
58. معنى قولهم " احتج به الجماعة " أي أخرج له أصحاب الكتب الستة في الأصول من تلك الكتب ، لا في المتابعات والشواهد .
59. قولهم : " حجة " أرفع من قولهم " الثقة " .
60. حجة تطلق على من هو أرفع من الثقة .
61. قولهم : " الثبت " هو المتثبت في أموره .
62. قولهم : " المتقن " هو من زاد ضبطه على ضبط الثقة .
63. قولهم في الراوي : " ضابط " أو " حافظ " يدل على التوثيق إذا قيل فيمن هو عدل ، فإن لم يكن عدلاً فلا يفيد التوثيق .
64. للعلماء في معني " الثقة " مذاهب : فمنهم من يقصد : العدالة والضبط , وهذا هو الصحيح ؛ ومنهم من يقصد أنه عدل فقط دون التعرض للضبط ؛ ومنهم من يقصد أنه صحيح السماع , والمعني الأخير منتشر عند المتأخرين .
65. قولهم : " ثقة " أعلى من قولهم " يحتج به " , لأنّها تخصيص درجة عليا .
66. قولهم : " موثق " معناه أنه ملحق بـ " الثقة " إلحاقاً ، أو مختلف في توثيقه .
67. قولهم : " وثقوه " أدني من قولهم " ثقة " .
68. قولهم : " ثقة يغرب " أشد من قولهم : " ثقة له أفراد " ، لما يستفاد من معنى الاستغراب .
69. قولهم : " ثقة لا بأس به " أعلى من : " لا بأس به " فقط وأدنى من " ثقة " فقط .
70. قولهم : " ثقة صدوق " أعلى من " صدوق " فقط وأدنى من " ثقة " فقط .
71. إذا قرنوا لفظة : " ثقة " بلفظة : " صدوق " ، فهي تفيد إنزاله ، فثقة لعدالته ودينه ، وصدوق لخفة في ضبطه .
72. الجمع بين لفظين من مرتبتين مختلفتين كـ " ثقة صدوق " تفيد أن درجة الراوي بين هذين المرتبتين .
73. إذا أضيفت عبارة " إن شاء الله " أو " أرجو أن يكون ... " إلي ألفاظ التوثيق , أفادة نزول الراوي عن تلك المرتبة درجة .
74. إقران المشيئة للفظ التعديل منزل له عن مرتبته .(1/87)
75. ابن معين ربما أطلق لفظة " ثقة " لا يريد بها أكثر من أن الراوي لا يتعمد الكذب .
76. ابن معين قد يطلق " لا بأس به " في " الثقة " , وكذا النسائي .
77. ابن عدي قد يطلق " لا بأس به " لمن فيه ضعف .
78. قول ابن عدي : " أرجو أنه لا بأس به " يعني أرجو أنه لا يتعمد الكذب .
79. وقول ابن عدي : " هو عندي من أهل الصدق " يعني أن لم يكن يتعمد الكذب .
80. قد يطلق العالم وصف التوثيق , ويريد أنه عدل في دينه .
81. الساجي قد يطلق " صدوق " على " الثقة " .
82. إن كلمة " صدوق " إنما تفيد إذا لم يكن ثمة جرح .
83. لكل إمام ناقد مصطلحه الخاص في دلالة صدوق .
84. الدلالة المعنوية للصدق تختلف ما بين المتقدمين والمتأخرين ، فعلى حين كان ذا دلالة راجعة إلى العدالة فقط في مفهوم المتقدمين ، ولا تشمل الحفظ بحال من الأحوال ؛ لذا كان أبو حاتم الرازي كثيراً ما يقول : ضعيف الحديث ، أو : مضطرب الحديث ومحله عندي الصدق .
فقد أصبح ذا دلالة تكاد تختص بالضبط عند المتأخرين ، ولذا جعلوا لفظة " صدوق " من بين ألفاظ التعديل .
85. قولهم : " صدوق " و" لا بأس به " و " ليس به بأس " مرتبة واحدة ، وهي تفيد أن الراوي حسن الحديث .
86. قولهم : " ليس به بأس " أعلي من " لا بأس به " , إلا أن كثير من المحدثين لا يفرق بينهما .
87. معنى قولهم في الراوي " أرجو أن يكون صدوقاً " يصف الناقد بهذه الكلمة ونحوها الراوي الذي لم يخبره ولم يظهر له ما ينافي كونَه صدوقاً .
88. قولهم في الراوي : " قريب الإسناد " معناه : قريب من الصواب والصحة ، وقد يعنون به قرب الطبقة والعلو .
89. قولهم : " مقارب الحديث " بفتح الراء معناه أن غيره يقاربه ، وبالكسر هو يقارب حديث غيره ، وهما على معنى التعديل سواء بفتح الراء أو كسرها ، وهي عند الإمام البخاري والترمذي من ألفاظ تحسين حديث الرجل .
90. قولهم في الراوي : " صدوق يخطئ " بمعني أنه لا يحتج بما ينفرد به .(1/88)
91. أبو حاتم معروف بالتشدد , فقد لا تقل كلمة " صدوق " منه عن كلمة " ثقة " من غيره .
92. قولهم : " إلى الصدق ما هو " بمعنى أنه ليس ببعيد عن الصدق .
93. قولهم في الراوي : " ليس بذاك " قد يراد بها فتور في الحفظ .
94. قولهم في الراوي : " ليس بذاك القوي " تلين هين .
95. بين قول النسائي : " ليس بقويٍّ " ، وقوله : " ليس بالقوي " فرق , فالأولي : تنفي القوة مطلقاً وإن لم تثبت الضعف مطلقاً , والثانية : إنما تنفي الدرجة الكاملة من القوة ؛
96. ومثلها الفرق بين قولهم " ليس بثقة " ، وقولهم : " ليس بالثقة " .
97. قول شعبة في راو " كخير الرجال " ليس بتوثيق , فقد يكون الرجل صالحا في نفسه وليس بشيء في الرواية .
98. قولهم في الراوي : " صالح " بلا إضافة تختلف عن قولهم : " صالح الحديث " ، فالأولى تفيد صلاحه في دينه ، والثانية صلاحه في حديثه .
99. قولهم في الراوي : " صالح " معناه أنه يصلح في الشواهد والمتابعات .
100. أبو حاتم الرازي يطلق جملة : " يكتب حديثه ولا يحتج به " فيمن عنده صدوق ليس بحافظ يحدث بما لا يتقن حفظه فيغلط ويضطرب ، ومعنى كلامه : يكتب حديثه في المتابعات والشواهد ، ولا يحتج به إذا انفرد .
101. قول أبي حاتم في الراوي : " شيخ " ليس بجرح ولا توثيق ، وهو عنوان تليين لا تمتين .
102. قولهم في الراوي : " لا يتابع على حديثه " لا يعد جرحاً إلا إذا كثرت منه المناكير ومخالفة الثقات .
103. قول ابن معين في الراوي : " لم يكن من أهل الحديث " معناها : أنه لم يكن بالحافظ للطرق والعلل ، وأما الصدق والضبط فغير مدفوعين عنه .
104. في معني قولهم : " لا سبيل إليه " كأنهم يريدون أنه لا ينبغي الكلام فيه بمدح لضعفه في الرواية , ولا قدح لصلاحه في نفسه .(1/89)
105. " المقبول " عند ابن حجر هو الراوي الذي لم يجرح ووثقه واحد أو اثنان ممن يتساهل بالتوثيق كابن حبان فالحديث ضعيف بهذا السند ، ويُقبل في المتابعات والشواهد ، فإن جاء له طريق أخرى فإنه يكون حسناً لغيره .
106. ومعنى " مقبول " عند ابن حجر : أنه مقبول إذا تُوبِعَ , وإلا فلين .
107. " المقبول " عند غير ابن حجر - كالطحاوي والبيهقي - معناه أنه يحتج به ، وهو أعم من الثقة والصدوق .
108. ارتفاع الجهالة لا يثبت العدالة .
109. بعض حالات مجهول العين تكون بسبب تصحيف أو وهم الراوي في ذكر شيخه , أو يكون قد دُلس اسمه - إن كان الراوي عنه ممن عرف بتدليس الشيوخ - .
110. إن النقاد المتقدمين لا يميزون في الإطلاق بين مجهول العين ومجهول الحال غالباً ، إنما يعبرون بمصطلح مجهول عن كلا الأمرين .
111. أكثر المحدثين إذا قالوا في الراوي : " مجهول " يريدون به غالباً جهالة العين ، وأبو حاتم يريد به جهالة الوصف والحال .
112. اصطلاح الرازيين أبي حاتم وابنه ، وأبي زرعة في " المجهول " : يقصد بها مجهول الحال ، وقد يريدون جهالة العين ، وقد يطلق أبو حاتم : " مجهول " في بعض أعراب الصحابة .
113. أبو حاتم قد يطلق على بعض الصحابة الجهالة لا يريد بها جهالة العدالة ، وإنما يريد أنه من الأعراب الذين لم يروي عنهم أئمة التابعين .
114. كل من يقول فيه الذهبي في الميزان " مجهول " ولا يسنده لأحد ؛ فهو قول أبي حاتم .
115. قول الذهبي : " لا يعرف " يريد جهالة العين أحياناً , ويريد جهالة العدالة أحياناً ، والقرائن هي التي ترشح المراد.
116. إذا روى عن الشيخ اثنان فأكثر ، ولم يوثقه معتبر ولم يجرح ، فقد زالت عنه جهالة العين , وهو يصلح في الشواهد والمتابعات .(1/90)
117. والمجهولون من الرواة فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه ، ويتلقى بحسن الظن إذا سلم من مخالفته الأصول ، وركاكة الألفاظ , وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فيتأنى في رواية خبره ، ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه وتحريه وعدم ذلك , وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم فهو أضعف لخبره سيما إذا انفرد به .
118. حديث المجهول من المتقدمين لا يرد مطلقاً ، فإذا احتفت به القرائن قد يقبل .
119. الجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح .
120. الراوي الضعيف الذي لم يشتد ضعفه أحسن حالا من المجهول ؛ فالأول يستشهد به اتفاقاً, أما الآخر فالاستشهاد به مسألة خلافية .
121. قال الذهبي : ( وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها , حتى النساء المجهولات ) .
122. ابن معين يطلق أحياناً : " لا أعرفه " على من كان قليل الحديث جداً .
123. ابن القطان يتبع ابن حزم في إطلاق التجهيل على من لا يطلعون على حالهم .
124. عادة ابن حزم إذا لم يعرف الراوي يجهله .
125. أسوء ما يجرح به الراوي " أكذب الناس " ثم " كذاب " ثم " متهم " ثم " منكر " , ثم من قيل فيه " ضعيف " ، ثم " مستور " ويليه " فيه مقال " و " لين " .
126. أشد ما يجرح به الراوي " الوضع " ثم " كذبه " في الحديث النبوي ، ثم " سرقة الحديث " ثم " تهمته بالكذب " ، ثم " المتروك " ويليه " المردود " و " المنكر " .
127. قولهم في الراوي : " إلى الضعف ما هو " يعني أنه ليس ببعيد عن الضعف .
128. قولهم في الراوي : " ليس هو كأقوى ما يكون " تضعيف نسبي .
129. قولهم في الراوي : " ضعفوه " أعلي من قولهم " ضعيف " .
130. قولهم في الراوي : " يستضعف " أحسن حالاً من قولهم " ضعيف " .
131. قولهم : " مضعف " معناه أنه ملحق بـ " الضعيف " إلحاقاً ، أو مختلف في ضعفه .(1/91)
132. قولهم في راوٍ : " كان يخطئ " لا يقال إلا فيمن له أحاديث ، لا حديث واحد .
133. قولهم في راوٍ : "سيئ الحفظ كثير الغلط " فمعناه أنه لا يحتج به إلا فيما توبع فيه ، وفيما ليس من مظان الخطأ .
134. قول ابن معين في الراوي : " ليس بشيء " تكون أحياناً بمعنى قلة الحديث , وقد يقولها على وجه الجرح كما يقولها غيره فتكون جرحاً .
135. قولهم : " يغرب " إذا قيلت في الراوي مع جهالته وإقلاله فهو " تالف " .
136. إذا قال ابن معين في الراوي " ليس بشيء " ففي الغالب يعني به أن أحاديثه قليلة ، وفي غير الغالب يريد به تضعيف حديثه .
137. قولهم : " غمزوه " أو " مغموز " معناه : أنه سقط حديثه عن الحجية ، ولكن يستشهد به .
138. فرق بين قولهم : " يروي مناكير " وبين قولهم : " في حديثه نكارة " , ففي الأولى أن هذا الراوي يروي المناكير ، وربما العهدة ليست عليه إنما من شيوخه ، وهي تفيد أنه لا يتوقى في الرواية ، أما قولهم : " في حديثه نكارة " فهي كثيراً ما تقال لمن وقعت النكارة من جهته جزماً أو احتمالاً , فلا يكون ثقة .
139. فرق بين قولهم : " مود " بالتخفيف بمعني هالك من أودي فلان أي هلك , وبين قولهم : " مؤد " مهموزة ثم مشددة بمعني أن الراوي يؤدي اللفظ .
140. فرق بين قولهم : " فلان يعتبر حديثه " وبين قولهم : " فلان يعتبر بحديثه " فالأولي بمعني : ينظر في حديثه ، والثانية أي أن حديثه يصلح في الشواهد والمتابعات .
141. أحياناً يطلق البخاري : " في إسناده نظر " ويريد بذلك الانقطاع ، وقد يريد الجهالة .
142. قولهم : " متروك " ، و " متروك الحديث " بمعنى واحد .
143. فرق بين قولهم : " تركه فلان " ، وقولهم : " لم يرو عنه " .
144. فرق بين قولهم : " تركوه " ، وقولهم : " تركه فلان " , فإن لفظ " تركوه " يدل على سقوط الراوي وأنه لا يكتب حديثه ، بخلاف لفظ : " تركه فلان " فإنه قد يكون جرحاً وقد لا يكون .(1/92)
145. إذا قال الجوزجاني : " رديء المذهب " فمن المعروف أن الجوزجاني يميل إلى النصب , ويطلق هذه الكلمة ونحوها على من يراه متشيعًا ، وأن كان تشيعه خفيفاً , فإذا جرح رجلاً ولم يذكر حجة , وخالفه من هو مثله أو فوقه , فوثق ذلك الرجل والعمل على التوثيق .
146. قولهم : " بين (أو علي) يدي عدل " من باب الجرح الشديد .
147. أدنى المنازل عند البخاري وأردؤها في ألفاظ التجريح هي : " سكتوا عنه " و " فيه نظر " و " منكر الحديث " .
148. إذا قال البخاري في الراوي : " سكتوا عنه " فهو يريد الجرح .
149. إذا قال البخاري : " فيه نظر " فهو يريد الجرح في الأعم الغالب .
150. قول البخاري في الراوي : " لا يحتجون بحديثه " بمثابة قوله : " سكتوا عنه " .
151. قول البخاري في الراوي : " منكر الحديث " معناه عنده لا تحل الرواية عنه , ويطلقها غيره أحياناً في الثقة الذي ينفرد بأحاديث ، ويطلقها بعضهم في الضعيف الذي يخالف الثقات .
152. ربما قالوا : " ليس بثقة " للضعيف أو المتروك .
153. قول ابن حبان في راو " يروي الموضوعات عن الثقات " يحتمل كثرة الغلط وهذا متفق عليه ,ويحتمل التدليس .
154. قولهم : " يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم " فهي تعتبر جرحاً ، وهي محتملة أنه يكذب ، أو أنه يهم .
155. قد يطلق بعض العلماء لفظ " الكذب " علي راوي , ويقصد " الخطأ " , لأن الكذب يتناول إخبار العامد والساهي عن الشيء بخلاف ما هو عليه .
156. ذكر ابن عدي للحديث في ترجمة الراوي يعني أنه من مناكيره ، وإن لم ينص على ذلك .
157. بعض العلماء (مثل يعقوب بن شيبة) يطلق التوثيق ثم يضعف الراوي ويقصد بالثقة العدالة وبالضعف الحفظ .
158. وجود ترجمة في الميزان أو اللسان لا يعني دائماً الجرح .
159. إذا كتب الذهبي في الميزان علامة صح , بجانب ترجمة فمعناه المعتمد توثيقه .
160. من عيوب كتاب ابن الجوزي في الضعفاء , أنه يسرد الجرح ويسكت عن التعديل .(1/93)
161. سليمان الشاذكوني وابن خراش وأبو الفتح الأزدي وابن حميد الرازي : كلهم من الحفاظ المجروحين .
162. ابن خراش رافضي لا يقبل قوله إذا خالف أو انفرد .
163. الشيعة لا يوثق بنقلهم .
164. أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي ليس في نفسه بعمدة ، حتى لقد اتهموه بوضع الحديث .
165. لا يُلتف إلى الأزدي فإن في لسانه في الجرح رهقا , فإنه ضعف جماعة بلا دليل , وهو نفسه على يدي عدل .
166. عادة ابن معين في الرواة الذين أدركهم أنه إذا أعجبته هيئة الشيخ يسمع منه جملة من أحاديثه , فإذا رأى أحاديث مستقيمة ظن أن ذلك شأنه فوثقه , وقد كانوا يتقونه ويخافونه , فقد يكون أحدهم ممن يخلط عمدا ولكنه استقبل ابن معين بأحاديث مستقيمة ولما بعد عنه خلط , فإذا وجدنا ممن أدركه ابن معين من الرواة من وثقه ابن معين وكذبه الأكثرون أو طعنوا فيه طعنا شديدا , فالظاهر أنه من هذا الضرب فإنما يزيده توثيق ابن معين وهنا , لدلالته على أنه كان يتعمد .
167. قولهم : " تعرف وتنكر " المشهور فيها أنها بتاء الخطاب ، وتقال أيضاً : " يُعرف وينكر " بياء الغيبة مبنياً للمجهول ، ومعناها : أن هذا الراوي يأتي مرة بالأحاديث المعروفة ، ومرة بالأحاديث المنكرة ؛ فأحاديث من هذا حاله تحتاج إلى سَبْر وعَرْض على أحاديث الثقات المعروفين .
168. كثيراً ما يكون مدار الحكم على الراوي بالممارسة العملية الحديثية ، وسبر مروياته .
169. يجب استقراء حديث من اختلف فيه أو من مس بقدح .
170. إذا وقع في الراوي اختلاف ولا مرجح , قد يحسن حديثه .
171. الليث بن سعد لا يروي عن المجهولين .
172. شيوخ الطبراني ممن لم يُذكروا في كتاب ميزان الاعتدال للإمام الذهبي , ولا لسان الميزان , جلهم ثقات .
173. لا يضعف بالجهالة من روى عنه البخاري .
174. لا يغتر برواية البخاري عن المختلط ؛ لأنه يعرف صحيح حديثه من سقيمه .(1/94)
175. رواية الإمام البخاري عن المختلط هي قبل اختلاطه ، وبعد اختلاطه ينتقى من حديثه ما صح منه .
176. إذا روى الحسن ومحمد بن سيرين عن رجل فسمياه , فهو ثقة .
177. مالك لا يروي في الغالب إلا صحيحاً إذا رواه مسنداً .
178. إكثار البخاري عن رجل وهو شيخه المباشر : توثيق له ودليل على اعتماده .
179. كل من سكت عنه يحيى بن معين فهو ثقة .
180. من عادة أبي زرعة أن لا يحدث إلا عن ثقة .
181. رواية ابن معين عن الراوي كافية لتوثيقه .
182. أن كل من روى عنه ابن عدي ، ولم يذكره في كتابه " الكامل " بالترجمة والتضعيف ، فهو مقبول الرواية عنده ، خاصة مَن لم يجرحوا بشيء البتة , حتى عند غير ابن عدي .
183. كم من محدث قيل عنه : إنه لا يروي إلا عن ثقة، ثم تجده قد روى عن ضعيف، وعن مجهول .
184. من صرح بأن شيوخه ثقات ولم نجد من عارض هذا التوثيق المجمل من أئمة الجرح والتعديل, فإن روايته يعتد بها .
185. من وصف بأنه لا يحدث إلا عن ثقة :
أحمد بن حنبل - إسماعيل بن أبي خالد - بقي بن مخلد الأندلسي - حريز بن عثمان الرحبي - سليمان بن حرب الأزدي - شعبة بن الحجاج - عامر بن شراحيل الشعبي - عبد الرحمن بن مهدي - عبد الله بن أحمد بن حنبل - مالك بن أنس - محمد بن سيرين - محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب - محمد بن وضاح القرطبي - مظفر بن مدرك الخراساني - منصور بن المعتمر - يحيى بن سعيد القطان - يحيى بن أبي كثير الطائي - أبو داود السجستاني - أبو زرعة الرازي .
ابن سيرين كان لا يروي ولا يأخذ إلا عن ثقة .
186. بقي بن مخلد لا يروي إلا عن ثقة عنده .
187. البخاري لا يروي إلا عن ثقة عنده .
188. شيوخ حريز بن عثمان كلهم ثقات .
189. مشايخ سليمان بن حرب كلهم ثقات .
190. شيوخ ابن أبى ذئب كلهم ثقات , إلا أبو جابر البياضى .
191. منصور لا يروى إلا عن كل ثقة(1/95)
192. كل من حدث عنه مالك فهو ثقة , إلا رجلين ( عطاء الخرساني , عاصم بن عبيد الله ، وعبد الكريم بن أبي المخارق ) .
193. كل من روى عنه مالك فهو ثقة إلا عبد الكريم أبي أمية .
194. تحديث الإمام أحمد ومسد بن مسرهد عن الضعيف يرفعه عن مرتبة متروك .
195. إسنادا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده يحسن حديثهما إن صح السند إليهما .
196.
197. الطبقة الثانية (كبار التابعين) جلهم موثق وقلة قيل فيهم "مقبول" , وليس فيهم متروك إلا مينا بن أبى مينا الخراز.
198. كل من اسمه آدم في الكتب الستة فهو ثقة .
199. كل من اسمه آدم فهو ثقة.
200. كل من اسمه هناد فهو ثقة.
201. كل من اسمه حامد فهو ثقة.
202. كل من اسمه حرام فهو ثقة.
203. كل من اسمه خلاد فهو ثقة.
204. كل من اسمه ضمرة فهو ثقة.
205. كل أبي فروة ثقة , إلا أبا فروة الجزري ( يزيد بن سنان ) .
206. كل من اسمه بُشير - بضم الباء والتصغير - فهو ثقة مطلقاً ؛ أما بَشير - بفتح الباء - ففيهم الثقات والضعفاء .
207.
208. كل من اسمه مجاهد فهو ثقة أو صدوق على الأقل.
209. كل من اسمه كهمس فهو ثقة أو صدوق على الأقل.
210. كل من اسمه أفلح فهو ثقة أو صدوق .
211. كل من اسمه ربعي فهو صدوق أو ثقة.
212. كل من اسمه عبدة في الكتب الستة فهو بين ثقة وصدوق .
213. كل من اسمه أبان في الكتب الستة فهو صدوق أو ثقة , إلا أبان بن أبي عياش .
214. كل من اسمه الأسود فهو ثقة أو صدوق , إلا ابن ثعلبة وابن عبد الله بن حاجب .
215. كل من اسمه عبد الوارث في الكتب الستة ثقة أو صدوق , إلا شيخاً لشعبة عند النسائي اختلف أصحابه في اسمه , ( وهو عبد الوارث أو عبد الأكبر بن أبي حنيفة ) .
216.
217. ليس في الكتب التسعة سوى " قتيبة " واحد : وهو قتيبة بن سعيد ( ثقة ثبت ).
218. ليس في الكتب التسعة سوى راويين باسم : " مسعر " , وكلاهما ثقة .(1/96)
219. ليس في الكتب الستّة سوى راويين باسم : " يعقوب بن إبراهيم " , وكلاهما ثقة .
220. ليس في الكتب الستة اسم " عثّام " سوى واحد ، و هو صدوق .
221. كل من اسمه إبراهيم بن موسى : لا نعلم في أحدٍ منهم طعناً .
222.
223.
224. آل كعب بن مالك كلهم ثقات ، كل من رُوي عنه الحديث .
225. وآل أبي فروة كل من حُدِث عنه ثقة , إلا إسحاق .
226. بنو عبيد ( بن أبى أمية الطنافسي )كلهم ثقات .
227. يعلى ومحمد وعمر وإدريس وإبراهيم أولاد عبيد كلهم ثقات ، وأبوهم ثقة .
228. إبراهيم وموسى ومحمد بنو عقبة كلهم ثقات .
229. سهيل وعباد وصالح بنو أبي صالح السمان كلهم ثقة .
230. إسماعيل وعبد الله ويحيى بنو مسلمة ، كلهم زهاد ثقات .
231. عبد الله وعبيد الله وعبد السلام بنو حبيب بن أبى ثابت كلهم ثقات .
232. عبد الكريم وعلى بن بذيمة ، والحرانيين كلهم ثقات .
233. ما سقط من أهل أيلة إلا الحكم بن عبد الله ؛ كلهم ثقات .
234. زيد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ثقة , وأخوته خمسة كلهم ثقات .
235. أحمد بن سعد بن إبراهيم من ثقات المسلمين ، وأبوه وأهل بيته كلهم ثقات .
236.
237. إسماعيل ويحيى وكثير بنو جعفر كلهم صادقون .
238. إبراهيم وعمران ومحمد بنو عيينة كلهم صالح , وحديثهم قريب من قريب .
239. بني عيينة كلهم صالح .
240.
241. كل من اسمه كلاب ففيه جهالة .
242. كل من يبدأ اسمه بحرف اللام ( مثل : ليث ، لقمان ) فهو إما متكلم في حفظه أو مجهول ، إلا الليث بن سعد .
243. كل من اسمه اليسع إما ضعيف أو متكلم فيه .
244. كل من اسمه عاصم فهو ضعيف , إلا عاصم بن سليمان الأحول .
245. من كان اسمه عاصم ففي حفظه شيء , كل عاصم في الدنيا ضعيف .
246. كل من اسمه رشدين ، فهو ضعيف .
247. رشدين اثنان : رشدين بن كريب مولى ابن عباس , ورشدين بن سعد المصري ؛ وكلاهما ضعيف .
248.(1/97)
249. حديث الشاميين كلهم ضعيف , إلا نفرا منهم : الأوزاعى ، وسعيد بن عبد العزيز ، وعبد الله بن العلاء ابن زبر , وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان .
250.
251. أولاد عبد العزيز بن عمر ضعفاء الحديث , ليس لهم حديث مستقيم .
252. أولاد زيد بن أسلم كلهم ضعيف ، و أمثلهم عبد الله .
253. لا يفلح من آل عاصم ابن صهيب الرومي أحد أبداً .
254. ثلاثة أبيات كانت عند يحيى بن معين من أشر قوم ، المحبّر بن قحدم وولده ، وعلي بن عاصم وولده ، وآل أبي أويس ، كلهم كانوا عنده ضعافاً جداً .
255. كل مدني لم يحدث عنه مالك ففي حديثه شيء .
256.
257. ليس في الكتب الستة اسم " عتيق " سوى لقب الصديق الأكبر .
258. كل رجال الستة من اسمه عَقيل فهو بفتح العين إلا (عُقيل بن خالد بن عَقيل) فهو بضم الأولى وفتح الثانية .
259. كل من اسمه سلّام فهو بالتشديد , إلا عبد الله بن سلام الصحابي المشهور , واختلف في محمد بن سلام البيكندي.
260.
261. جمع الناظم الفقهاء السبعة فقال :
إذا قيل من في العلم سبعة أبحر *** روايتهم ليست عن العلم خارجة
فقل هم عبيد الله، عروة، قاسم *** سعيد، أبو بكر، سليمان، خارجة
262. وهناك جملة من الرواة اشتق حالهم من أسماءهم - وكلهم مجروح - , مثل :
- أحاديث بقية ليست نقية ؛ فكن منها على تقية .
- حديث ( أبي العالية ) الرياحي : رياح .
- من حدث عن أبي جابر البياضي : بيض الله عينيه .
- الرواية عن حرام ( بن عثمان ) : حرام .
- مأمون ( ابن أحمد السلمي ) : ليس مأمون .
- حبة ( بن جوين العرني ) : لا يساوي حبة .
- علي بن غراب : طار مع الغراب .
- عبد الرحمن الأصم : كان عن الحق أصم .
- نوح الجامع : جمع كل شيء إلا الصدق .
- يونس بن محمد البصري = يونس الصدوق : سمي بالضد، وإنما قيل له الصدوق على سبيل التهكم .
- مجالد : يجلد .
263. فائدة في حال رواة أجلاء، لزمهم ألقاب قبيحة :(1/98)
- معاوية بن عبد الكريم الضال : لقب بذلك لأنه ضل الطريق في مكة .
- أبو محمد الطرسوسي, عبد الله بن محمد الضعيف : وإنما كان ضعيفا في جسمه لا في حديثه .
- عارم أبن النعمان محمد بن الفضل السدوسى : وكان عبداً صالحاً بعيداً من العرامة .
264. وهناك جملة من الرواة في أسماءهم ذكر ألوان , مثل :
- جعفر بن زياد الأحمر كوفي " صدوق يتشيّع " .
- أبو خالد الأحمر ، سليمان بن حيّان الأزدي " صدوق يخطئ " .
- إسحاق بن يوسف الأزرق " ثقة " من رجال الشيخين .
- شقران ، قيل اسمه صالح ، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
- الحسين بن الحسن الأشقر ، " صدوق يَهِم ، و هو غالٍ في تشيعه " .
- أشهب بن عبد العزيز القيسي يُقال اسمه مسكين " ثقة فقيه " .
- مسلمة بن عبد الملك الأموي الأمير ، لقبه الجرادة الصفراء " مقبول " .
- مروان الأصفر " ثقة " .
- ممطور الأسود أبو سلام شهير بكنيته " ثقة يرسل " .
265. المحدث الذي ضُعِّفَ بسبب عدم ضبط الكتاب هو سفيان بن وكيع ، كان له ورَّاق سوء يُدْخِل في كتبه ما ليس منها فضُعِّفَ بسببه .
266. وكيع بن الجراح ثقة بين ضعيفين : ابنه ( سفيان ) وأبيه ( الجراح بن مليح ) .
267. الذي اشتهر أنه لا يدلس إلا عن ثقة هو سفيان بن عيينة .
268. شر التدليس تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس ، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح .
269. يتجنب تدليس ابن جريج , فإنه وحش التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما.
270. إذا قال ابن جريج : " قال عطاء " فقد سمعه منه ، وإن لم يقل سمعت .
271. عطية العوفي إذا روي عن أبي سعيد , فهو في الغالب : محمد بن السائب الكلبي , وليس أبو سعيد الخدري .
272. أشهر من وسم بتدليس الشيوخ : الخطيب البغدادي ، وأبو بكر بن مجاهد المقرئ , وابن الجوزي .(1/99)
273. أشهر من وسم بتدليس الإسناد : قتادة , والثوري , والأعمش , وأبو الزبير , والزهري , والسبيعي .
274. أشهر من وسم بتدليس التسوية : الوليد بن مسلم , وبقية بن الوليد .
275. أشهر من وسم بتدليس العطف : هشيم بن بشير .
276. أشهر من وسم بتدليس السكوت : عمر بن علي المقدمي .
277. إذا روى شعبة عن : الأعمش وقتادة وأبي إسحاق السبيعي فلا تضر عَنْعَنَتُهُم ، فإنه قال: كفيتكم تدليس ثلاثة ، ثم ذكرهم , وقال ابن حجر : إن رواية شعبة عن أيّ مدلس تجبر عنعنة ذلك المدلس .
278. إذا كان الراوي عن أبي الزبير هو الليث ، وكان هو يروي عن جابر لا تضر عنعنته ، أما غير ذلك فإن عنعنة أبي الزبير لا تُقْبل في الغالب .
279. من أهل العلم من يقبل رواية ابن لهَيعة إذا كانت من طريق العبادلة - وهم : ابن المبارك , وابن وهب , وابن يزيد المقرئ - .
280. القاعدة في المختلطين : الاحتجاج بما روى عنهم الثقات من القدماء الذين نعلم أنهم سمعوا منهم قبل اختلاطهم، وما وافقوا الثقات في الروايات التي لا نشك في صحتها وثبوتها من جهة أخرى؛ لأن حكمهم وإن اختلطوا في أواخر أعمارهم وحمل عنهم في اختلاطهم بعد تقدم عدالتهم حكم الثقة إذا أخطأ، أن الواجب ترك خطئه إذا علم والاحتجاج بما نعلم أنه لم يخطئ فيه، وكذلك حكم هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقات، وما انفردوا مما روى عنهم القدماء من الثقات الذين كان سمعاهم منهم قبل الاختلاط سواء.
281. في الرواية عن الشيخ الثقة المختلط تفصيل , فمن حدث عنه قبل الاختلاط فقط قُبل , ومن حدث عنه بعد الاختلاط فقط رُد , ومن حدث عنه قبل الاختلاط وبعده - ولم يتميز هذا من ذاك - وجب سبر روايته عنه .
282. الراوي المُختلِط الذي امتنع عن أو مُنع من التحديث بعد اختلاطه , قُبل ما رُوي عنه مطلقاً .
283. فرق بين قولهم في الراوي : " اختلط " وقولهم " تغير بآخره " فالأخير يحتج به ما لم يخالف , وهو من باب الحسن لذاته .(1/100)
284. أشهر المختلطين : سعيد بن أبي عروبة , والمسعودي , وابن لهيعة , وأبو إسحاق السيبعي , وسماك بن حرب .
285. أشهر الوضاعين : الواقدي , ومقاتل , ونوح بن أبي مريم , وميسرة بن عبد ربه , ومحمد بن سعيد المصلوب , وإبراهيم بن أبى يحيى , وغياث بن إبراهيم النخعي .
286.
287. سلسلة العوفيين في التفسير ضعيفة .
288.
289. سفيان إذا روي عن الزهري : فهو سفيان بن عيينة .
290.
291.
292. بعض القواعد لتمييز الراوي المهمل :
من أنفع الوسائل لذلك معرفة الاختصاص ، فهناك رواة مختصون بالرواية عن مشايخ معينين ، فمثلاً:
علي بن المديني وقتيبة بن سعيد ومسدد ومحمد بن سلام البيكندي والحميدي إذا رَوَوْا عن سفيان فهو سفيان بن عيينة.
ومحمد يوسف الفريابي ووكيع بن الجراح ومحمد بن كثير العبدي وعبد الله بن المبارك وعبد الرحمن ابن مهدي وقبيصة بن عقبة كل هؤلاء إذا رَوَوْا عن سفيان فهو سفيان الثوري , كذلك إذا قيل سفيان عن أبيه فهو سفيان الثوري .
* أما لتمييز من اسمه هشام من الرواة مثلاً :
فإذا كان هشام يروي عن قتادة أو يحيى بن أبي كثير فهو : هشام الدستوائي .
وإذا كان هشام يروي عن أنس فهو : هشام بن زيد بن أنس حفيد أنس رضي الله عنه .
وإذا كان هشام يروي عن معمر وابن جريج فهو : هشام بن يوسف الصنعاني .
وإذا كان هشام يروي عن ابن سيرين فهو : هشام بن حسان .
أما هشام الذي يروي عنه البخاري فهو : هشام بن عبد الملك الطيالسي.
وهشام الذي يروي عن أبيه هو : هشام بن عروة بن الزبير.
* أما بالنسبة لعمرو :
فعمرو الذي يروي عنه شعبة والأعمش هو : عمرو بن مرة .
وعمرو الذي يروي عنه سفيان بن عيينة هو : عمرو بن دينار .
وعمرو الذي يروي عنه ابن وهب هو : عمرو بن الحارث .
* أما علقمة :
فعلقمة الذي يروي عن عمر بن الخطاب هو : علقمة بن وقاص الليثي .(1/101)
وعلقمة الذي يروي عن ابن مسعود هو : علقمة بن قيس النخعى . (وإذا روى علقمة عن عبد الله فهو : ابن مسعود)
* جملة من الفوائد في باب المهمل :
سالم إذا روى عن أبيه فهو : سالم بن عبد الله بن عمر . سالم إذا روى عن جابر فهو : سالم بن أبي الجعد .
إسماعيل عن قيس إسماعيل هو : ابن أبي خالد . وقيس هو : قيس ابن أبي حازم.
شعيب عن أنس هو : شعيب بن الحبحاب . أبو اليمان عن شعيب فهو : شعيب بن أبي حمزة.
حميد عن أنس هو : حميد بن أبي حميد الطويل . حميد عن أبي هريرة هو : حميد بن عبد الرحمن بن عوف.
وهذا في غالب الأحوال , والله أعلم .
293. العبادلة من الصحابة : ابن عمر , وابن عمرو , وابن عباس , وابن الزبير .
294. إذا جاء الصحابي اسمه عبد الله مهملاً :
إذا جاء السند مكياً فهو : عبد الله بن عباس . إذا جاء السند مدنياً فهو : عبد الله بن عمر بن الخطاب .
إذا جاء السند كوفياً فهو : عبد الله بن مسعود . إذا جاء السند مصرياً فهو : عبد الله بن عمرو بن العاص .
إذا روى أبو بردة عن عبد الله فعبد الله هو : عبد الله بن قيس (أبو موسى الأشعري) .
188- إحدى عشرة خطوة للجمع والتوفيق بين أقوال ابن معين المختلفة في الرواة :
أولاً : التثبت من صحة نسبة القول إلى يحيى بن معين .
ثانياً : التثبت من صحة اسم الراوي المقصود في نقد ابن معين .
ثالثاً : التثبت من النقل الصحيح عن ابن معين .
رابعاً : ألا يصدر قوله على سبيل المزاح .
خامساً : يجب التثبت من عدم وقوع التصحيف في مصطلحي (لا بأس به) و (ليس بشيء) .
سادساً : قد يطلق ابن معين قوله: (ليس بشيء) ولا يريد بها الراوي، بل: أحاديثه قليلة .
سابعاً : قد يطلق ابن معين قوله: (ليس هذا بشيء) ولا يريد الراوي بل الحديث .
ثامناً : إذا وردت أقوال ابن معين المختلفة في الراوي الواحد في وقت أو أوقات مختلفة وعن نفس راوي أقواله في ذلك الراوي المتكلم فيه ، فالقول المعول عليه الأخير منها .(1/102)
تاسعاً : قد ينفرد أحد الرواة برواية القول السابق لابن معين في راوٍ يخالفه فيه الرواة الآخرون .
عاشراً : إذا اختلفت أقوال الرواة عن ابن معين في الراوي المتكلم فيه فيرجح قول البغداديين عنه في ذلك الراوي .
حادي عشر : يحمل قول ابن معين في توثيق بعض الرواة وتعديلهم على شهادته بدين الراوي لا روايته .
189-
أصح الأسانيد :
أنه لا يحكم لإسناد بذلك مطلقاً من غير قيد, بل يقيد بالصحابي أو البلد .
وقد نصوا علي أسانيد جمعتها وزدت عليها قليلاً , وهي :
عن أبي بكر : إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر .
عن عمر : الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عمر .
: والزهري عن السائب بن يزيد عن عمر .
(ويزاد عليهما عندي : ما سيأتي في أصح الأسانيد عن ابن عمر وهي أربعة أسانيد , لأنه إذا كان الإسناد إلي ابن عمر من أصح الأسانيد ثم روي عن أبيه .كان ما يرويه داخلاً في أصح الأسانيد أيضاً ) .
عن علي : محمد بن سيرين عن عَبيدة - بفتح العين - السلماني عن علي .
: والزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي .
: وجعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي .
: ويحيي بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن سليمان ,وهو الأعمش .عن إبراهيم التيمي عن
... الحارث بن سويد عن علي .
عن عائشة : هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة .
: وأفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة .
: وسفيان الثوري عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة .
: وعبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة .
: ويحيي بن سعيد عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ابن عمر الخطاب عن عائشة .
: والزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة .
عن سعد : علي بن الحسين بن علي عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص .
عن ابن مسعود : الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود .
: وسفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود .
عن ابن عمر : مالك عن نافع عن ابن عمر .
:(1/103)
والزهري عن سالم عن أبيه ابن عمر .
: وأيوب عن نافع عن ابن عمر .
: ويحيي بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر .
عن أم سلمة : شعبة عن قتادة عن عامر أخي أم سلمة عن أم سلمة .
عن أبي موسي : شعبة عن عمرو بن مرة عن أبيه مرة عن أبي موسي الأشعري .
عن أبي هريرة : يحيي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة .
: والزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة .
: ومالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة .
: وحماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة .
: وإسماعيل بن أبي حكيم عن عَبيدة - بفتح العين - بن سفيان الحضرمي عن أبي هريرة .
: ومعمر عن همام عن أبي هريرة .
عن ابن عمرو : عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .
(وفي هذا الإسناد خلاف معروف . والحق أنه من أصح الأسانيد ).
عن أنس بن مالك : مالك عن الزهري عن أنس .
: وسفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس .
: و معمر عن الزهري عن أنس .
(وهذان الأخيران زدتهما أنا , فإن ابن عيينة ومعمر ليسا بأقل من مالك في الضبط والإتقان عن الزهري ).
: وحماد بن زيد عن ثابت عن أنس .
: وحماد بن سلمة عن ثابت عن أنس .
: وشعبة عن قتادة عن أنس .
: وهشام الدستوائي عن قتادة عن أنس .
عن ابن عباس : الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس .
عن جابر : سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر .
عن عقبة بن عامر : الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر .
عن بريدة : الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة .
عن أبي ذر : سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر .
هذا ما قالوه في أصح الأسانيد عن أفراد من الصحابة ,وما زدناه عليهم .
وقد ذكروا إسنادين عن إمامين من التابعين يرويان عن الصحابة , فإذا جاءنا حديث بأحد هذين الإسنادين , وكان التابعي منهما يرويه عن الصحابي .كان إسناده من أصح الأسانيد أيضاً . وهما :(1/104)
شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن شيوخه من الصحابة .
والأوزاعي عن حسان بن عطية عن الصحابة . والله أعلم .
وأوهى الأسانيد :
كما جعلوا بعض الأسانيد أضعفها، والبعض الآخر الإِسناد الكاذب وقد نقل السيوطي في التدريب عن الحاكم أمثلة عديدة لأوهى الأسانيد , قال الحاكم فـ
فأوهى أسانيد الصِّديق : صدَقة الدَّقيقي, عن فَرْقد السَّبخي, عن مُرَّة الطيب عنه .
وأوهى أسانيد أهل البيت : عَمرو بن شمر, عن جابر الجُعْفي, عن الحارث الأعور, عن علي - رضي الله عنه - .
وأوهى أسانيد العُمريين : محمَّد بن عبد الله بن القاسم بن عمر بن حفص بن عاصم, عن أبيه, عن جدِّه .
فإنَّ الثلاثة لا يحتج بهم .
وأوْهَى أسانيد أبي هُريرة : السَّري بن إسماعيل, عن داود بن يزيد الأوْدي, عن أبيه, عنه .
وأوْهَى أسَانيد عائشة : نُسْخة عندَ البَصْريين عن الحارث بن شِبْل, عن أمِّ النُّعمان, عنها .
وأوْهَى أسَانيد ابن مسعود : شَريك, عن أبي فزارة, عن أبي زيد, عنه .
وأوْهَى أسَانيد أنس : داود بن المُحْبر, عن قَحْذم, عن أبيه, عن أبان بن أبي عيَّاش, عنه .
وأوْهَى أسانيد المَكِّيين : عبد الله بن ميمون القَدَّاح, عن شهاب بن خِرَاش, عن إبراهيم بن يزيد الخوزي, عن عِكْرمة, عن ابن عبَّاس .
وأوْهَى أسانيد اليمانيين : حفص بن عُمر العَدَني, عن الحكم بن أبان, عن عكرمة, عن ابن عبَّاس .
قال البَلْقيني فيهما : لعله أراد, إلاَّ عكرمة, فإن البُخَاري يحتج به ؛ قلت : لا شك في ذلك.
وأمَّا أوْهَى أسانيد ابن عبَّاس مُطْلقا : فالسُّدي الصَّغير محمد بن مروان, عن الكَلْبيِّ, عن أبي صالح, عنه .
قال شيخ الإسْلام - يعني ابن حجر- : هذه سلسلة الكَذِب , لا سِلْسلة الذَّهب .
ثم قال الحاكم :
وأوْهَى أسانيد المِصْريين : أحمد بن محمَّد بن الحجَّاج بن رِشْدين, عن أبيه, عن جدِّه, عن قُرَّة بن عبد الرَّحمن, عن كلِّ من رَوَى عنه, فإنَّها نُسْخة كبيرة .(1/105)
وأوْهَى أسَانيد الشَّاميين : محمَّد بن قَيْس المَصْلوب, عن عُبيد الله بن زحر, عن علي بن زيد, عن القاسم, عن أبي أُمَامة.
وأوْهَى أسَانيد الخُرَاسانيين : عبد الرَّحمن بن مليحة, عن نَهْشل بن سعيد, عن الضحَّاك, عن ابن عبَّاس .
? في علم التخريج :
1. التخريج : عزو الحديث إلى مصادره الأصلية المسندة ، فإن تعذرت فإلى الفرعية المسندة ، فإن تعذرت فإلى الناقلة عنها بأسانيدها ، ( مع ذكر ألفاظه المختلفة ) مع بيان مرتبة الحديث غالباً .
2. فائدة التخريج : هو جمع الطرق - من متابعات وشواهد - والوقوف على عللها ومعرفة المحفوظ منها والشاذ , والصحيح والضعيف , كما قال علي بن المديني : ( الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه ) .
3. يصوغ الباحث تخريج الحديث أنه يرتب الكتب الستة بحسب أهميتها , على النحو التالي : البخاري , مسلم , أبي داود , الترمذي , النسائي , ابن ماجة .
ويقدم الكتب الأصلية على الكتب الفرعية , فيقدم : الترمذي من ( الجامع ) على الترمذي من ( الشمائل ) , ومثله أبا داود في ( السنن ) على أبي داود في ( المراسيل ) , وهكذا , ويقدم البخاري مسندا على البخاري معلقا .
4. العزو يختلف إلي المصادر الأصلية عن المصادر الفرعية :
فعند العزو إلى المصادر الأصلية نقول: أخرجه.... البخاري, مسلم ،.....
أمّا عند العزو إلى المصادر الوسيطة فنقول: أورده.... السيوطي, ...
5.
? في علم العلل :
تمت(1/106)