ثناء الأئمة النبلاء على دولة آل سعود الأوفياء الشرفاء
تأليف
أبي عمر أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي
الحمد لله ، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله أما بعد:
فهذا جزء من كتابي : "الحجج القوية على وجوب الدفاع عن الدولة السعودية -حرسَها اللهُ رب البرية-" ذكرت فيه ثناء العلماء على الدولة السعودية ، وأنها دولة إسلامية سلفية أثرية ، وذكرت الأوجه الدالة على قيام هذه الدولة المباركة على التوحيد والسنة .
وسَمَّيْتُهُ : "ثناء الأئمة النبلاء على دولة آل سعود الأوفياء الشرفاء"
والله الموفق لا رب سواه .
أولاً: ما كتبته في التمهيد:
كلام بعض أهل العلم الكبار في الثناء على هذه الدولة وبيان أنها دولة إسلامية
الدولة السعودية دولة إسلامية تطبق الشرع ، والعلماء متفقون على أنها دولة مسلمة وأن ملكها تلزم مبايعته جميع شعبه ، ويجب السمع والطاعة له في المعروف .
ومن أقوال الأئمة في ذلك(1) :
قال مفتي عام المملكة العربية السعودية الإمام محمد بن إبراهيم -رحمهُ اللهُ-: " والحكومة بحمد الله دستورها الذي تحكم به هو كتاب الله وسنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد فتحت المحاكم الشرعية من أجل ذلك تحقيقا لقول الله تعالى : {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}(2) وما عدي ذلك فهو من حكم الجاهلية الذي قال الله تعالى فيه : {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(3)"(4).
__________
(1) وسيأتي مزيد أقوال للعلماء في آخر المبحث الثاني(ص/92) .
(2) سورة النساء(آية/59).
(3) سورة المائدة(آية/50).
(4) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم(12/288-منسوخة على الوورد) .(1/1)
قال شيخ الإسلام عبد العزيز بن باز -رحمَهُ اللهُ- : "الملك عبد العزيز نفع الله به المسلمين وجمع الله به الكلمة، ورفع به مقام الحق، ونصر به دينه، وأقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحصل به من الخير العظيم والنعم الكثيرة ما لا يحصيه إلا الله -عزَّ وجلَّ-.
ثم أبناؤه بعده ، حتى صارت هذه البلاد مضرب المثل في توحيد الله والبعد عن البدع والخرافات.
وهذه الدولة السعودية دولةٌ مباركةٌ، وولاتها حريصون على إقامة الحق، وإقامة العدل، ونصر المظلوم، وردع الظالم، واستتباب الأمن، وحفظ أموال الناس وأعراضهم.
فالواجب التعاون مع ولاة الأمور في إظهار الحق وقمع الباطل والقضاء عليه حتى يحصل الخير"(1).
وسئل الشيخ ابن باز –رحمه الله- :
بعض الإخوة هداهم الله لا يرى وجوب البيعة لولاة الأمر في هذه البلاد ما هي نصيحتكم يا سماحة الوالد ؟
فقال الشيخ –رحمه الله- :
ننصح الجميع بلزوم السمع والطاعة كما تقدم والحذر من شق العصى والخروج على ولاة الأمور بل هذا من المنكرات العظيمة بل هذا دين الخوارج ، هذا دين الخوارج ، ودين المعتزلة .
الخروج على ولاة الأمور والسمع والطاعة لهم في غير المعصية هذا غلط ، خلاف ما أمر به النبي -- صلى الله عليه وسلم -- .
النبي -- صلى الله عليه وسلم -- أمر بالسمع والطاعة بالمعروف وقال: ((من رأى من أميره شيئاً من معصية الله ؛ فليكره ما يأت من معصية الله ، ولا يَنْزِعَنَّ يداً من طاعة)) (2).
وقال: ((ومن أتاكم وأمركم جميع يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاضربوا عنقه)) (3)
__________
(1) من شريط مسجل موجود لسماحته في 29/4/1417هـ. بعنوان "حقوق ولاة الأمر على الأمة".
(2) رواه مسلم في صحيحه(3/1482رقم1855) من حديث عوف بن مالك -- رضي الله عنه --.
(3) رواه مسلم في صحيحه(3/1480رقم1852) من حديث عرفجة -- رضي الله عنه --.(1/2)
فلا يجوز لأحد أن يشق العصى أو أن يخرج عن بيعة ولاة الأمور أو يدعو إلى ذلك فإن هذا من أعظم المنكرات ومن أعظم أسباب الفتنة والشحناء والذي يدعو إلى ذلك هذا هذا هو دين الخوارج إذا شاقق يقتل لأنه يفرق الجماعة ويشق العصى .
فالواجب الحذر من هذا غاية الحذر ، والواجب على ولاة الأمور إن عرفوا من يدعو إلى هذا أن يأخذوا على يديه بالقوة حتى لا تقع الفتنة بين المسلمين" انتهى كلامه -رحمَهُ اللهُ- .
وقال العلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمهُ اللهُ- : "أسألُ اللهَ أن يُديمَ النعمة على أرض الجزيرة وعلى سائر بلاد المسلمين, وأن يحفظَ دولةَ التوحيدِ برعايةِ خادمِ الحرمين الشريفين".
قال الشيخ العلامة الفقيه محمد الصالح ابن عثيمين -رحمه الله- عن الدولة السعودية: "وهي من خير ما نعلمه في بلاد المسلمين تطبيقا للشريعة، وهذا أمر مشاهد ولا نقول إنها تامة مائة في المائة ، بل عندها قصور كثير ، ويوجد ظلم ويوجد استئثار ، لكن الظلم إذا نسبته إلى العدل وجدت أنه اقل .
ومن الظلم أن ينظر الإنسان إلى الخطأ ويغمض عينيه عن الصواب فإذا كان كذلك فالواجب أن الإنسان يحكم بالعدل لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}(1)
وقال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألاّ تعدلوا}. شنئان يعني بغض، ويجرم بمعنى يحمل، يعني لا يحملنكم بغض قوم على ألاّ تعدلوا {اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله}".
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتى عام المملكة حفظه الله :
"المملكة العربية السعودية ومنذ نشأتها منذ ما يزيد على القرنين وهي ولله الحمد، دولة سلفية محكمة لشرع الله وسارت على هذا بخطى ثابتة مستمدة عونها من الله سبحانه
__________
(1) سورة النساء(آية/135).(1/3)
ولا زالت ولله الحمد على هذا المنهج وقد نفع الله بها الإسلام والمسلمين في ميادين كثيرة جداً
ففي مجال العلم الشرعي نشرت العلم الشرعي الصحيح ، وهكذا أيضاً الدعوة إلى الله في أقطار الأرض ،وأيضاً نشرت كتب العلم بل قبل ذلك كتاب الله سبحانه
ثم أيضاً عنيت بحاجات المسلمين في كل مكان ومدت لهم يد العون والمساعدة
ولا زالت تناصر قضايا الأمة وهذا شيء معلوم مشهود يشهد به العدو والصديق،
وأيضاً لها جهودها العظيمة في خدمة الحرمين الشريفين وتيسير سبل الحج والعمرة، وهكذا أيضاً بناء المساجد والمراكز الإسلامية في شتى بقاع الأرض وغير ذلك كثير حتى أصبحت بتوفيق من الله هي مفاءة المسلمين في هذا العصر،
فلله الحمد والمنة ونسأل الله أن يديم علينا هذه النعمة وأن يعزّ هذه البلاد وحكامها .
وأن يلهمهم السداد في القول والعمل وأن يكبت عدوهم، أما من يشكك في هذا ويشكك في منهج هذه الدولة المباركة فهذا إما جاهل أو أن في قلبه مرضا وليحذر المسلم أن ينساق وراء مثل هؤلاء فليس وراءهم إلا الفتنة وإثارة التنازع والشقاق.
والواجب السعي في وحدة الصف وجمع الكلمة، حتى تنضبط الأمور، وفقنا الله وإياكم وسائر إخواننا المسلمين لكل خير ورزقنا جميعاً تقواه والبعد عن أسباب سخطه سبحانه إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد"(1).
وقال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان –حفظه الله-:
__________
(1) جريدة الرياض العدد 12175 السنة 38 الأربعاء 08 شعبان 1422 .(1/4)
"ومن آخر ذلك ما نعايشه الآن من وفود أفكار غريبة مشبوهة إلى بلادنا باسم الدعوة على أيدي جماعات تتسمَّى بأسماء مختلفة مثل: جماعة الإخوان المسلمين ، وجماعة التبليغ ، وجماعة كذا وكذا ، وهدفها واحد ، وهو أن تزيح دعوة التوحيد، وتحل محلَّها ، وفي الواقع أنَّ مقصود هذه الجماعات لا يختلف عن مقصود من سبقهم من أعداء هذه الدعوة المباركة كلهم ، يريدون القضاء عليها لكن الاختلاف اختلاف خطط فقط ، وإلا لو كانت هذه الجماعات حقاً تريد الدعوة إلى الله فلماذا تتعدى بلادها التي وفدت إلينا منها؟ وهي أحوج ما تكون إلى الدعوة والإصلاح ، تتعداها وتغزوا بلاد التوحيد تريد تغيير مسارها الإصلاحي الصحيح إلى مسارٍ معوجٍّ ، وتريد التغرير بشبابها ، وإيقاع الفتنة والعداوة بينهم .
لأنهم رأوا ما تعيشه بلادنا من الوحدة والتلاحم بين قادتها ، وبين أفرادها وجماعتها ، رأوا في بلادنا دولة إسلامية في عقيدتها ومنهجها ، تحكم بالشريعة وتقيم الحدود ، وتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر.
فأرادوا أن يسلبوها هذه النعمة ، ويجعلوها كالبلاد الأخرى تعيش الفوضى ، وفساد العقيدة ، وإلا فما هو هدفها من غزو بلادنا بالذات ، والتركيز عليها ، وترك البلاد الفاسدة .
وإذا كانت هذه الجماعات قد غررت ببعض شبابنا فتأثروا بأفكارها وتَنَكَّروا لمجتمعهم وتشكَّكوا في قادتهم وعلمائهم وانطفأت الغيرة على العقيدة فيهم ، فتركوا الاهتمام بها ، وصاروا يهرفون بما لا يعرفون ، وينعقون بما يسمعون .
فإن في هذه البلاد –ولله الحمد- رجالاً يغارون لدينهم ، ويدافعون عن عقيدتهم ويردون كيد الأعداء في نحورهم ، ولا ينخدعون بالأسماء البَرَّاقة ، ولا يتأثرون بالحماس الكاذب"(1).
قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي -رحمَهُ اللهُ- :
__________
(1) حقيقة الدعوة إلى الله تعالى- المقدمة-.(1/5)
"وبعد هذا ـ حفظكم الله تعالى ـ أُعجِبتُ عند أن نقلت إلى مكة ، كنتُ باليمن عند الباب نحو أربعة حرَّاس ، ومع هذا فلسنا آمنين في بيتنا لا ليلاً ولا نهاراً ، وأنا في فندق دار الأزهر بمكَّة ، بعض الليالي لا يأتيني نومٌ، وأخرج إلى الحَرم نصف اللَّيل وحدي، أشعرُ بنعمةٍ وراحةٍ ولذَّةٍ ليس لها نظير! ليس لها نظير ! أخرج وحدي إلى البيت،
فهذا الأمنُ الّذي ما شاهدتُه في بلَدٍ ، إنَّ سببه هو الاستقامة على كتاب الله وعلى سنَّة رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- ، من المسؤولين، ومن كثير من أهل البلد(1/6)
وصدق ربنا -عزَّ وجلَّ- إذ يقول في كتابه الكريم في شأن أهل الكتاب { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ}(1) ، ويقول سبحانه و تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}(2) ، و يقول سبحانه و تعالى: {وقَالُوا} أي: في شأن قُريشٍ{إن نَّتَّبِع الهُدى معكَ نُتَخَطَّفْ من أرْضِنا} فقال الله سبحانه وتعالى: {أَوِلَم نُمكِّن لَّهم حَرَمًا آمنا يُجبى إليه ثمراتُ كُلِّ شيءٍ رِّزقاً مِّن لَّدُنَّا}(3) ، وقال سبحانه وتعالى: {أَوَلَم يَرَوْا أنَّا جعَلْنَا حَرَمًا آمناً و يُتخطَّف النَّاس مِنْ حَولهِم}(4)، وربُّ العِزَّة يقول في كتابه الكريم –أيضاً-: {وَألَّوِ استقاموا على الطريقةِ لأسقيناهم ماء غدقاً}(5)، وصدق ربُّنا -عزَّ وجلَّ- الَّذي يقول في كتابه الكريم: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}(6) ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ {1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ {2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}.
__________
(1) سورة المائدة(آية/66).
(2) سورة الأعراف(آية/96).
(3) سورة القصص(آية/57).
(4) سورة العنكبوت(آية/67).
(5) سورة الجن(آية/16).
(6) سورة النُّور(آية/55).(1/7)
فالأمن نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى، نعمة عظيمة من الله ، سببه الاستقامة على كتاب الله وعلى سنَّة رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- ، فالأمر أنَّ الاستقامة .. لمَّا استقامت هذه البلاد -وبحمد الله- مكَّن الله لهم ، مع أننا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقهم البطانة الصالحة، وأن يُعيذهم من جلساء السوء، الذين يُزيِّنُون البَاطل، وأن يحرصوا على مجالسة أهل الخير والفضل، وحتى ولو أتوا من الكلام ما يخشن عليهم فإنه كما يقال : صديقك من صدَقَك ، لا من صدَّقك، وعدوُّك من صدَّقك.
فينبغي أن نحمد الله سبحانه وتعالى ، كما أنه يجب على أهل هذا البلد أن يحمدوا الله سبحانه وتعالى ؛ فإنَّ فيها أُناساً ربَّما يكونون شهوانيِّين يطالبون بأشياء من الإباحية وغيرها، ولكن جزى الله المسؤولين خيراً ؛ فقد رأيتُ في جريدة أن الأمير نايفاً -حفظه الله تعالى- طُلب منه ترشيح المرأة ، فقال : "أتريدون أن يبقى الرَّجل هو في بيته و هي تخرج؟ لا ! هذا أمرٌ لا تُحاولوا فيه "، وطُلب منه الانتخابات، فقال : "رأيناها ليست ناجحة في البُلدان المجاورة ؛ فإنَّ الذي ينجحُ فيها هم أهل النُفوذ وأهل الأموال".
وصدق ، ثم بعد ذلك أيضاً هي واردة من قبل أعداء الإسلام.
جمعيَّة حقوق الإنسان استقبلها كثير من النَّاس على ما فيها من الأباطيل، لماذا؟
لأن معناه : الحدود وحشيَّة ، ومعناه تعطيل الكتاب والسنة وإدخال الأنظمة من قبل أعداء الإسلام.
الحكومة السُّعوديَّة -وفقها الله لكل خير- استقبلتها بشرط أن تكون خاضعة للإسلام وللكتاب والسنة، هكذا أيضاً إقامة الحدود ، وإقامة الحدود كما يقول ربُّنا -عزَّ وجلَّ- في كتابه الكريم : {وَلَكُم في القِصَاص حياةٌ}(1) .
__________
(1) سورة البقرة(آية/179)(1/8)
نعم! القتل قليلٌ في هذه البلاد ، وكذلك السّرقة، تضع سيَّارتك عند المسجد أو عند بيتك ولا يأتيها السَّرقُ ولا شيء، ثم بعد ذلك في بُلدان أخرى تضعها وتخرج ولا تراها، بل ربَّما ينهبُونها على الشخص وهو في سيارته؛ فهذا هو بسبب إقامة الحدود ، فجزاهم الله خيراً ، وكما سمعتم قبلُ قول الله -عزَّ وجلَّ-{وَلَكُم في القِصَاص حياةٌ } ، فهكذا السَّارق، إذا علم أنها ستُقطع يدُه، يكفُّ عن سرقته، والزَّاني إذا علم أنه سيجلد إذا كان بِكراً ، أو يُرمى إذا كان مُحْصَنًا خفَّ ذلك ، لا أقول : إنه لا يُوجد ، لكنه يخفُّ ذلك.
من ذلك تمكين هيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ؛ فقد رأينا في جريدة أنَّ الملكَ فهداً -حفظه الله تعالى- أعطى للهيئة نحو "300" سيَّارة، وقال لهم : أنتم هيئة أمرٍ بالمعروف، و نحن هيئة ضبط، وأنتم المسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى، فجزاهم الله خيراً
نعم! أحسنوا في هذا إلى بلدهم وإلى أمتهم وإلى دولتهم، إنه يجب على كلِّ مسلم في جميع الأقطار الإسلامية أن يتعاون مع هذه الحكومة ولو بالكلمة الطيِّبة؛ فإنَّ أعداءها كثيرٌ ، من الداخل ، ومن الخَارج ونعم ! هناك شهوانيون إباحيون من الداخل، ولكنَّ الله كبتَهم بتمكين هذه الدَّولة المباركة والحمد لله ، فيجب على كل مسلم أن يتعاون مع هذه الحكومة.
القصَاصُ أو غير ذلك من الحدود نعمة من الله سبحانه وتعالى على المجتمع، يَعِيبُون علينا إذا أقمنا حدًّا من حدود الله وهم يسحَقون الشُّعُوب سَحقاً!
وهذه الحدود مصلحتها للفرد والمجتمع ؛ فهي للفرد كفَّارةٌ ، كما في الصَّحيحين من حديث عُبادة بن الصَّامت -- رضي الله عنه --، و هي للمجتمع مُحافِظَة على أموالهم ودِمائهم وأعراضهم.
نَعم ! تَخرج إلى الشَّاطئ أو إلى غيره أو إلى أيِّ مكان، ترى الرَّجل وامرأته لا يخشى على نفسه من أحدٍ.(1/9)
هذه الحدود مصلحةٌ ، لما عُطِّلت في كثير من البلاد الإسلامية عجزَ أهلها عن مكافحة السَّرقة ، وعجز أهلها عن مكافحة الجريمة، وعجز أهلها عن مكافحة المسكرات والمخدِّرات؛ والسَّببُ في هذا هو إقامة الحدود ، والله المستعان
وبعد هذا أيضا : بناء المساجد في البلاد الإسلامية وفي غيرها ، إلا أننا ننصحهم: أنهم إذا بَنَوا مسجداً أن يسلِّمُوه لأهل السنَّة ؛ فهم إذا سلَّموه لصوفيٍّ سيَسُبُّهم، و يخطب الجمعة في سبِّهم، وهم إذا سلَّموه لحزبيٍّ أيضاً سيستغله للحزبية، فننصحهم أن يُسلِّموا هذه المساجد لأهل السنَّة المُحبين لهذه الحكومة وللقائمين عليها
وبعد هذا ، مسألة الكِتابة، سُئلتُ عنها غير مرة، والكلام في الأشرطة، فقد أمرتُ الأخ الَّذي يَطبعُ كُتُبي أَلاَّ يُبقي شيئاً في الكلام على السُّعودية ؛ فالله سبحانه و تعالى يقول في كتابه الكريم{هَل جَزَاء الإحسَانِ إلاَّ الإحسَان}(1) ، فقد أحسنوا إلينا وأكرمونا غاية الإكرام، فنحن لسنا ممن يُقابل الإحسان بالإساءة، هذا من فضل الله سبحانه وتعالى.
أنا أقول هذا ، لم يدفعني إليه أحدٌ ، ولم يُلزمني أحدٌ بأن أقوله، بل مِن نفسي أرى أنه يلزمني براءة لذمَّتي "(2) .
فهذا كلام بعض أهل العلم الكبار في الثناء على هذه الدولة وبيان أنها دولة إسلامية(3).
فمن كفر الدولة السعودية فقد اتبع غير سبيل المؤمنين ، وقد سلك سبيل أهل البدع من الخوارج والتكفيريين.
ثانياً : ما كتبته في المبحث الثاني مع الأوجه الدالة على حكم الدولة السعودية -حرسَها اللهُ- بالكتاب والسنة على منهج السلف وهو :
المبحث الثاني
البراهين والأدلة على أن الدولة السعودية قامت على الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح
تَمْهِيد
__________
(1) سورة الرحمن(آية/60)
(2) انظر: شريط براءة الذمة.
(3) وسيأتي مزيدٌ من ثناء العلماء على الدولة السعودية في آخر المبحث الثاني(ص/92).(1/10)
إن الدولة السعوديَّة "المملكة العربية السعوديَّة" قامت على الكتاب والسنَّة على منهج السلف الصالح منذ أن بزغ فجرها ، وشع نورها ، وأَعْلَنَ عن قيامها مؤسِّسُها -رحمَهُ اللهُ- .
وهذا ليس بغريب عليها فإنما هي مقتفية لآثار مؤسسها الأول ، وباذر نواتها الشيخ الإمام محمد بن سعود -رحمَهُ اللهُ- الذي عقد العهد والاتفاق المشهور مع شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمَهُ اللهُ- .
فقد تعاقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب مع الإمام محمد بن سعود -رحمَهُما اللهُ- على نصرة التوحيد والدعوة إليه ، ومحاربة الشرك وأهله.
وذلك أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمَهُ اللهُ- خرج من العيينة سنة 1158 متجهاً إلى بلدة الدرعية ، وأميرها يومئذٍ الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- ، فلَمَّا سمع الإمام بمقدمه قام من فوره مسرعاً إليه ، ومعه أخواه ثنيَّان ومشاري ، فأتاه في بيت محمد بن سويلم ، فسلَّم عليه ، وأبدى غاية الإكرام والتبجيل ،وأخبره أنه يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده.
فأخبره الشيخ بما كان عليه رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- ،وما دعا إليه ،وما كان عليه صحابته -- رضي الله عنهم -- من بعده ، وما أمروا به ، وما نهوا عنه ، وأنَّ كلَّ بدعة ضلالة ، وما أعزَّهم الله به بالجهاد في سبيل الله ، وأغناهم وجعلهم إخواناً.
ثم أخبره بما عليه أهل نجد في زمانه من مخالفتهم لشرع الله ، وسنة رسوله -- صلى الله عليه وسلم -- بالشرك بالله ، والبدع والاختلاف والظلم.
فلَمَّا تحقَّق الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- معرفة التوحيد ، وعلم ما فيه من المصالح الدينية قال له: يا شيخ ، إن هذا دين الله ورسوله الذي لا شك فيه ، فأبشر بالنصرة لك ، ولِما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد.(1/11)
فبسط الأمير محمد يده وبايع الشيخ على دين الله ورسوله ، والجهاد في سبيله ، وإقامة شرائع الإسلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر(1) .
ويلاحظ في هذه البيعة أنها لأمير متغلِّب على بلد تجب طاعته على من تحته من أهل البلد ، والإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- دخل بهذه البيعة في طاعة الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- الذي عاهده على إقامة شرع الله والدعوة إلى توحيده ، ومحاربة الشرك والبدع ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .
ومن هذا اليوم المبارك انطلقت هذه الدعوة الإصلاحية التجديديَّة السلفية بقيادة الإمامين : محمد بن سعود -رحمه الله- بقوَّة السِّنان ، ومحمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- بقوَّة القرآن لنشر الأمن والإيمان ، والخير والنور ، حتى عمَّ خيرها ونورها بلاد العالم الإسلامي ، بل وتعداها إلى سائر أرجاء المعمورة بعز عزيز، أو بذل ذليل ، على الرغم من قوة أعدائها ، ومكرهم ، وكيدهم ، فقد نصرهم الله، وجعل العاقبة لهم ، وخذل أعداءهم –ولله الحمد-.
__________
(1) انظر: تاريخ نجد لابن غنام(1/81) باختصار.(1/12)
وقد قامت بسبب هذه الدعوة المباركة دولة الإسلام في الجزيرة العربية ، فاجتمعت الأمة من بعد الفرقة ، وعزَّت من بعد الذلة ، واغتنت من بعد العالة والفاقة ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، وقد حدث بهذه الدولة المباركة حوادث وفتن انتهت بسقوطها مرَّتين لأسباب معلومة داخليَّة وخارجية ، لكنها –ولله الحمد- عالجت بتوفيق الله هذه الأسباب ، وعادت على يد الملك المجدد الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله- قويَّة عزيزة ، متماسكة ، ولا زال أبناؤه الميامين سائرين على نهج والدهم -رحمه الله- في نصرة هذا الدين، ودعوة الناس إلى التوحيد ، وتحذيرهم من الشرك عبر مؤسساتهم التعليمية والدعوية ، باذلين في سبيل ذلك الجهد والجاه والمال ، فجزاهم الله خيراً عن الإسلام وأهله ، وأعزَّهم بعزِّه ، وأيّدهم بتأييده، ونصرهم ، وثبَّتهم على الهدى إنه ولي ذلك والقادر عليه.
قال تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {40} الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}(1) .
وفي هذا البحث سأذكر الأوجه الدَّالة على أن هذه الدولة قامت ، وما تزال ، ومستمرة -إنْ شَاءَ اللهُ تَعالَى- على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله -- صلى الله عليه وسلم -- على منهج السلف الصالح من عهد مؤسسها الملك المجدد الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمَهُ اللهُ- إلى عهد ابنه البارَّ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود –حفظه الله ووفقه-.
الأدلة على أن الدولة السعودية –حرسها الله- قائمة على الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح
__________
(1) سورة الحج(آية/40-41).(1/13)
إن الملك عبد العزيز -رحمَهُ اللهُ- توجه من الكويت إلى الرياض لرد الحق إلى نصابه ، ولإعادة الحكم بالكتاب والسنة على منهج السلف الصالح .
كما قال العلامة الأديب البارع محمد بن عثيمين -رحمَهُ اللهُ-:
أرضيت آباءك الغر الكرام بما جدَّدت من مجدهم من بعد ما بانوا
نبهت ذكراً توارى منه حين علا للمارقين ضباب فيه دخان
فجئت بالسَّيف والقرآن معتزماً تُمضي بسيفك ما أمضاه قرآن
حتى انجلى الظلم والأظلام وارتفعت للدين في الأرض أعلام وأركان
دينٌ ودنيا وبأس في الوغى وندى تَفيضُ من كفه بالجود خُلجان.
وقال –أيضاً- :
إمام هدى للرشد يهدي ويهتدي مقيم سواء بالرعية يرفق
إلى أن قال -رحمَهُ اللهُ- :
فيا معشر الإخوان دعوة صارخ لكم ناصح بالطبع لا متخلق
يود لكم ما يَمْتَنِيهِ لنفْسه ويعلم أن الحب في الله أوثق
تحاموا على دين الهدى معْ إمامكم وكونوا له بالسمع جنداً تُوَفَّقوا
وإياكم والافتراق فإنَّه هو الهُلْكُ في الدنيا وللدين يوبق
فوالله ثم الله لا رب غيره يمين امرئ لا مُفْترٍ يتَملَّق
لَما عَلِمَتْ نفسي على الأرض مثله إماماً على الإسلام والخلْقِ يُشْفِقُ
قال شيخنا الشيخ صالح العبود بعد ذكر الأبيات السابقة وغيرها: "وصدق ابن عثيمين ؛ فإن عبد العزيز الإمام لَمَّا خرج من الكويت ؛ خرج وهو يريد أن يسترد مكاسب العقيدة السلفية التي اكتسبها آباؤه حين تأثروا بعقيدة السلف الصالح وطبقوها...وما أن أظفره الله بالاستيلاء على الرياض ؛ إلا وكان أول همته تقريبه العلماء ، وتكريمه لآل الشيخ من أجل الشيخ وعهده مع جده ، ولأجل ما يتصفون به من علم راسخ وعمل ثابت".
وسيأتي مزيد بيان لذلك فيما يأتي -إنْ شَاءَ اللهُ تَعالَى- .
الأوجه الدالَّة على أن الدولة السعودية –حرسها الله- قائمة على الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح
الوجه الأول
نظام الحكم في المملكة وقانونها(1/14)
إن نظام الحكم في الدولة السعودية هو القرآن ، ومبناها على الكتاب والسنة على منهج السالف.
جاء في أول نظام وضع للملكة كانت مادته من إملاء الإمام المجدد الملك عبد العزيز -رحمَهُ اللهُ- بمكة سنة 1345هـ وقد جاء فيه : "5- جميع أحكام المملكة تكون منطبقة على كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح"(1)
وأعلنت المملكة العربية السعودية عام 1364هـ للدول العربيَّة: أنَّها ستمتنع عن تنفيذ أي مبدأ في التعليم أو التَّشريع يخالف قواعد الدِّين الإسلامي وأصوله(2) .
وكان الإمام المجدد الملك عبد العزيز -رحمَهُ اللهُ- كلَّما سئل عن دستور بلاده أجاب: دستورنا القرآن وهو يعني تقيّده هو ومملكته بأحكام الشَّرع الإسلامي المستمدة من معاني القرآن ، وما لم يكن فيه فمن حديث رسوله وعمله ، وما لم يكن فيهما فمن قضاء أصحابه وسيرتهم.."(3) .
وقارن كلام هذا الإمام المجدد بكلام الخليفة الراشد عمر بن الخطاب فسترى أنهما ينهلان من معين واحد.
قال أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -- رضي الله عنه --: " إذا جاءك شيء في كتاب الله فاقض به ، ولا يلفتنك عنه الرجال ، فإن جاءك أمر ليس في كتاب الله فانظر سنة رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- فاقض بها ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله وليس فيه سنة من رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- فانظر ما اجتمع الناس عليه فخذ به ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة من رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- ولم يتكلم فيه أحد قبلك فاختر أي الأمرين شئت ؛ إن شئت أن تجتهد برأيك وتقدم ؛ فتقدم ، وإن شئت أن تتأخر ؛ فتأخر ، ولا أرى التأخر إلا خيراً لك"(4).
__________
(1) الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز(ص/90-91) .
(2) انظر: شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز(3/1208) .
(3) انظر: الوجيز(ص/90) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة(4/543) والبيهقي(10/115) وسنده صحيح.(1/15)
وقال عبد الله بن مسعود -- رضي الله عنه -- : " يا أيها الناس ، قد أتى علينا زمان لسنا نقضي ولسنا هناك ، ثم إن الله قد رأى من الأمر ما ترون ، فمن عرض له منكم قضاء بعد اليوم فليقض بما في كتاب الله ، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه -- صلى الله عليه وسلم -- ، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به نبيه فليقض بما قضى به الصالحون ، فإن أتاه أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- ولم يقض به الصالحون فليجتهد برأيه ، ولا يقول: إني أرى ، وإني أخاف ؛ فإنَّ الحلال بَيّن ، والحرام بيِّن ، وبين ذلك أمور متشابهات ، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك"(1).
وجاء في الموسوعة العربية العالمية(16/96) : "اختارت الدولة السعودية في عهد الملك عبد العزيز شكل وشعار الدولة وعلمها الحاليين ، وقام دستور الدولة على القرآن ، ويقوم الحكم فيها على تطبيق أحكام الشرع الإسلامي المستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وما أثر عن الصحابة وتابعيهم بإحسان وما عليه الأئمة الأربعة وصالح سلف الأمَّة ، وتطبق الدولة في المعاملات والأحوال الشَّخصيَّة المشهور من مذهب الحنابلة".
وقد صرح بأن دستور الدولة السعودية هو الكتاب والسنة على منهج السف الصالح : مؤسسها الإمام الملك عبد العزيز آل سعود -رحمَهُ اللهُ- في عدة مواطن وعدة مناسبات أذكر بعضها .
قال الإمام الملك عبد العزيز آل سعود -رحمَهُ اللهُ- أمام المؤتمر الإسلامي سنة1344هـ : "ففي بحبوحة هذا الأمن والحرية التي لا تفيد إلا بأحكام الشرع أدعوكم إلى الائتمار والتشاور في كل ما ترون من مصالح ونظم يطمئن إليها العالم الإسلامي بإقامة شرع الله ، والتزام أحكامه وآداب دينه"(2) .
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة(4/544) والبيهقي(10/115) وسنده صحيح .
(2) انظر: المصحف والسيف(ص/50) .(1/16)
وقال في خطاب له سنَّة 1349هـ : "وإنكم تعلمون أن أساس أحكامنا ونظمنا هو الشَّرع الإسلامي وأنتم في تلك الدائرة –يعني: مجلس الشورى- أحرار في سن كل نظام وإقرار العمل الذي ترونه موافقاً لصالح البلاد على شرط أن لا يكون مخالفاً للشَّريعة الإسلامية لأنَّ العمل الذي يخالف الشَّرع لن يكون مفيداً لأحد ، والضرر كل الضرر هو السير على غير الأساس الذي جاء به نبينا محمد -- صلى الله عليه وسلم --"(1) .
وقال -رحمَهُ اللهُ- سنة 1351هـ : "وإني أرى كثيراً من النَّاس ينقمون على ابن سعود ، والحقيقة ما نقموا علينا إلا لاتباعنا كتاب الله وسنة رسوله ، ومنهم من عاب علينا التمسك بالدين ، وعدم الأخذ بالأعمال العصريَّة ، فأما الدين فوالله لا أغير شيئاً مما أنزل الله على لسان رسوله -- صلى الله عليه وسلم -- ، ولا أتبع إلا ما جاء به ، وليغضب علينا من شاء وأراد ، أما الأمور العصرية التي تعنينا وتفيدنا ويبيحها دين الإسلام فنحن نأخذها ، ونعمل به ، ونسعى في تعميمها ، أما المنافي منها للإسلام فإننا ننبذه ، ونسعى جهدنا في مقاومته ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا مدنية أفضل وأحسن من مدنية الإسلام ولا عِزَّ لنا إلا التمسك به"(2) .
الإمام المجدد الملك عبد العزيز آل سعود -رحمَهُ اللهُ- استلم ملكاً ضائعاً فجمعه، وبلاداً خربة فعمرها ، وشعباً جائعاً ففاض بين يديه الرزق ، فهو ليس رجلاً عظيماً فحسب ولكنه رجلٌ مبارك فقد كان ما بينه وبين الله عامراً ، والملك عبد العزيز -رحمَهُ اللهُ- أسس حكمه على تقوى من الله وهذه شهادة حق لا يجوز كتمانها كما قال الله تعالى: { ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } (3)"(4) .
__________
(1) انظر: المصدر السابق(ص/64) .
(2) انظر: المصحف والسيف(ص/80) .
(3) سورة البقرة(آية/283).
(4) انظر: أسد الجزيرة(ص/27).(1/17)
وقد جاء النظام الأساسي للحكم ونظام الشورى ونظام المناطق ونظام مجلس الوزراء ؛ أنظمة تقوم على النظام الأساسي في الإسلام حيث يستند الحاكم المسلم في إصدار قراراته على القرآن الكريم والسنة المطهرة واجتهاد العلماء، وعلى الإجماع في إطار تبادل المشورة بين رجال دولته والعلماء المختصين والخبراء (1) .
ويؤكد خادم الحرمين الشريفين على أن نظام الحكم في هذه البلاد هو كتاب الله وسنة رسوله -- صلى الله عليه وسلم -- لا محيد عنهما ولا بديل بهما حين أصدر النظام الأساسي للمملكة العربية السعودية في 27 شعبان من عام 1412هـ.
إذ نصت المادة الأولى منه على أن المملكة العربية السعودية : دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة ، دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله -- صلى الله عليه وسلم -- ولغتها العربية وعاصمتها مدينة الرياض.
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد –حفظه الله- : "إن دستورنا في المملكة العربية السعودية هو كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وسنة رسوله -- صلى الله عليه وسلم -- الذي لا ينطق عن الهوى ، ما اختلفنا في شيء إلا رددناه إليهما وهما الحاكمان على كل ما تصدره الدولة من أنظمة ، إننا ثابتون بحول الله وقوَّته على الإسلام نتواصى بذلك جيلاً بعد جيل ، حاكماً بعد حاكم"(2) .
الوجه الثاني
من كلمات الإمام المجدد الملك عبد العزيز آل سعود -رحمَهُ اللهُ-
__________
(1) انظر: اهتمام خادم الحرمين الشريفين بالقرآن وعلومه(ص/18) .
(2) انظر: اتخاذ القرآن أساساً لشؤون الحياة والحكم(ص/51) .(1/18)
الإمام المجدد الملك عبد العزيز آل سعود -رحمَهُ اللهُ- بما وفقه الله منذ صغره للعناية بكتاب الله ، وسنة رسوله -- صلى الله عليه وسلم -- جعل الجانب الديني أهم أهدافه ، بل أهم أعمدة حكمه لمملكته ، حيث كان منذ الأيام الأولى من حياته حتى نهايتها مسلماً تقياً ورعاً ملتزماً بتعاليم الإسلام السمحة(1) .
قال الشيخ ، العلامة ، الأديب ، الشاعر ، لسان أهل السنة ، وسيفها المسلول على أهل الباطل ؛ سليمان بن سحمان -رحمَهُ اللهُ- : "علمت من الملك عبد العزيز أنه يحفظ أجزاء من القرآن الكريم ، ويحفظ "الرحبية" في الفرائض" ، وتعلم "زاد المعاد" في الفقه ، ويحفظ من كتب الأحاديث "الأربعين النووية" ، و"بلوغ المرام" ، وكان يحب قراءة "البداية والنهاية" لابن كثير ، و"تاريخ الرسل والملوك" للطبري ، و"السيرة" لابن هشام ، و"المغني" ، و"الشرح الكبير" ، و"الإنصاف" ، و"تفسير ابن كثير" و"البغوي" ، وكان يحب من الشعر ما تميز بالطابع الإسلامي والنصائح"(2).
وقال شيخ الإسلام عبد العزيز بن باز -رحمَهُ اللهُ- : "والملك عبد العزيز حريص على نشره كتب السلف والعناية بها وتدريسها"(3).
ففي عام (1363هـ) أشار الملك على سماحة الشيخ الجليل عبد العزيز بن باز أن يؤلف كتاباً عن الحج للحجاج وقام الملك -قدس الله روحه- بطباعته على نفقته الخاصة. وهو كتاب التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة .
قال الشيخ ناصر الهماش آل عاصم : "وحدثني سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز أن الملك عبد العزيز إذا جاء لقصره في الخرج كان يحضر درس الشيخ في الدلم بعض الأوقات الذي يقام بالمسجد.
__________
(1) انظر: توحيد المملكة للمانع(ص/314) .
(2) انظر: المصدر السابق(ص/108) .
(3) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة(1/387) .(1/19)
والملك يستأنس بالجلوس مع العلماء ، وهو دمث الخلق معهم ، لين الجانب لهم، حتى أنه حدثني سماحة الوالد الشيخ العالم الجليل عبد العزيز بن باز أنه زار الملك عبد العزيز في قصره بالخرج فلما طلب الاستئذان من الملك عبد العزيز بالرجوع إلى بيته في الدلم قال الملك عبد العزيز مداعباً الشيخ بصوت مرتفع "ليه حاطني مثل وادي محسر من مر عليه أسرع لازم تنام عندنا هذه الليلة" فضحك سماحة الشيخ ووافق ونام تلك الليلة عند الملك عبد العزيز والعلماء الصادقون يعلمون أن الملك عبد العزيز حريص على احترام العلماء فكلمتهم مسموعة عنده وأمرهم وشفاعتهم مقبولة لديه هو دائماً يسترشد بعلمهم ويستفيد من فوائدهم والعلماء يشهدون أن الملك عبد العزيز مدافع ومستميت بالدفاع عن دينه وعن دولة التوحيد ولهذا صار بين الملك والعلماء تفاهم وبذل وعطاء فوقفوا معه في الشدائد والمحن"(1).
وقد سبق ذكر جملة من أقوال الملك عبد العزيز -رحمَهُ اللهُ- يتضح منها جلياً أن هذه الدولة المباركة قامت على الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح ومنهجهم.
وأقواله في ذلك أكثر من أن تحصى ولكني ذاكر بعضها أسأل الله أن ينفع بها قارئها.
قال الملك عبد العزيز -رحمَهُ اللهُ- في مجمع من كبار قومه فيهم العلماء والقواد ، وهو متوجه إلى مكة عام 1343هـ : "إني مسافر إلى مكة لا للتسلط عليها ، بل لرفع المظالم التي أرهقت كاهل عباد الله ، إني مسافر إلى حرم الله لبسط أحكام الشريعة وتأييدها ؛ فلن يكون بعد اليوم سلطان إلا للشرع الذي يجب أن تطأطئ جميع الرؤوس له.
إن مكة للمسلمين كافة ، فيجب أن يكون أمر إدارتها وتنظيمها طبق رغائب العالم الإسلامي"(2).
__________
(1) انظر : أسد الجزيرة(ص/57) .
(2) انظر: صقر الجزيرة(2/315) .(1/20)
ولَمَّا دخل الإمام المجدد الملك عبد العزيز آل سعود -رحمَهُ اللهُ- مكة مظفراً منصوراً وأدى العمرة قال للناس وهم حوله : "ولم يكن يخطر على بالي أن أحضر مكة على هذه الصورة ، بل إنني لو رأيت في المنام ما تمَّ لِيَ الآن لَما عبَّرت رؤياي لدى أحد المشايخ مخافة أن يسخروا مني ، لكن فضل الله لا يُحَدّ ، وهذا من محض إحسانه جل وعلا ، وإكرامه لي ، أسأله تعالى أن ينصر دينه ، ويعلي كلمته ، وأن يوفقني للعمل بكتاب الله ، وإحياء سنة سيد المرسلين إنه سميع مجيب"(1).
وقال -رحمَهُ اللهُ- في خطبة ألقاها بمكة في ذي الحجة عام 1347هـ : "هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يدعو إليها ، وهذه هي عقيدتنا ، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله -عزَّ وجلَّ- خالصة من كل شائبة ، مُنَزَّهَة من كل بدعة ، فعقيدة التوحيد هذه ، هي التي ندعو إليها ، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن وأوصاب"(2).
وقال -رحمَهُ اللهُ- في خطة ألقاها بمكة في محرم عام 1348هـ وهو متوجه إلى الرياض: "وقد نصرنا الله بقوة التوحيد الذي في قلوبنا ، والإيمان الذي في الصدور ، ويعلم الله أن التوحيد لم يملك علينا عظامنا وأجسامنا فحسب ، بل ملك علينا قلوبنا وجوارحنا ، ولم نتخذ التوحيد آلة لقضاء مآرب شخصية ، أو لجر مغنم ، وإنما تمسكنا به عن عقيدة وإيمان قوي ، ولنجعل كلمة الله هي العليا"(3).
__________
(1) انظر: الإمام العادل عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود(1/3) .
(2) انظر: المصحف والسيف(ص/85-86) .
(3) انظر: المصحف والسيف(ص/89) .(1/21)
وقال -رحمَهُ اللهُ- في المدينة النبوية في خطبة ألقاها في المسجد النبوي : " وإن خطتي التي سرت عليها ، ولا أزال أسير عليها ، هي إقامة الشريعة السمحاء ، كما أنني أرى من واجبي ترقية جزيرة العرب ، والأخذ بالأسباب التي تجعلها في مصاف البلاد الناهضة ، مع الاعتصام بحبل الدين الإسلامي الحنيف"(1).
وقال -رحمَهُ اللهُ- في خطبة له أمام حجاج بيت الله الحرام: "والمقصود من هذا الاجتماع هو أن نحدد اسم الإسلام ، ونعمل بمعناه ، والإسلام معناه: الاستسلام لله تعالى ، والطاعة له ، والإيمان بكتابه ورسله ، وقواعد الإسلام قائمة على كتاب الله وسنة رسوله ، وأعمال الخلفاء الراشدين ، وما اتفق عليه الصحابة الكرام ، وما جاء به فيما بعد الأئمة الأربعة فهو حق لا نحيد عن ذلك قط"(2).
وقال -رحمَهُ اللهُ- : "نحن دعاة إلى التمسك بالدين الخالي من كل بدعة"(3).
وقال -رحمَهُ اللهُ- موضحاً أنه سلفي وليس ممن يلهثون وراء التجديد الذي يفقد الدين والعقيدة بل تجديد نابع من الدين الإسلامي الحق : "إننا لا نبغي التجديد الذي يفقدنا ديننا وعقيدتنا ، إننا نبغي مرضاة الله -عزَّ وجلَّ- ومن عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه ، وهو ناصره ، فالمسلمون لا يعوزهم التجديد ، وإنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح"(4).
وقال -رحمَهُ اللهُ-: "والحقيقة أن القرآن الكريم قد جاء بالحرية التامة الكافلة لحقوق الناس جميعاً"(5).
وقال -رحمَهُ اللهُ- : "هل هناك أعظم من التمدن الذي ورد في كتاب الله؟!" (6).
__________
(1) انظر: المصدر السابق(ص/93) .
(2) انظر: المصدر السابق.
(3) انظر: الدعوة في عهد الملك عبد العزيز(1/291) .
(4) انظر: المصحف والسيف(ص/86).
(5) انظر: المصدر السابق(ص/93).
(6) انظر: من وثائق الملك عبد العزيز للسبيت وزملائه(ص/315).(1/22)
ومن أقواله الحكيمة -رحمَهُ اللهُ- : "إن البلاد لا يصلحها غير الأمن والسكون ، لذلك أطلب من الجميع أن يخلدوا للراحة والطمأنينة ، وإني أحذر الجميع من نزغات الشيطان ، والاسترسال وراء الأهواء التي ينتج عنها إفساد الأمن في هذه الديار ، فإني لا أراعي في هذا الباب صغيراً أو كبيراً ، وليحذر كل إنسان أن تكون العبرة فيه لغيره"(1) .
ومن شدة بسط الإمام المجدد الملك عبد العزيز لأحكام الله وشرعه -قولاً وعملاً- ، ونشر ذلك بين شعبة ؛ أصبح يتردد في كل مكان بين الناس في الحضر والبدو وفي القرى والمدن: "الحكم للشرع" ، "السارق تقطع يده" ، "القاتل يقتل" ، "عدل عبد العزيز" ، "التمسك بشريعة الإسلام" ، "الصلاة الصلاة".
بل لقد انتقلت هذه الكلمات إلى عامة المسلمين في جميع البلاد الإسلامية ، في الصحراء وفي المدن والدساكر(2) ، في أعماق بلاد المسلمين ، يهنئ بعضهم بعضاً، بسبب ما وصل إليه الأمن والأمان في البلاد المقدسة ، وعودة بلد من بلدان المسلمين -بل قلب العالم الإسلامي- إلى الحكم بكتاب الله ، ويتمنى أن تحذو بلاد المسلمين الأخرى حذو هذه البلاد(3).
لقد كان الملك عبد العزيز -رحمَهُ اللهُ- قدوة للحكام المسلمين ، ومثالاً رائعاً يحتذى به ؛ بما علم وعمل وقدَّم ، فجزاه الله خير الجزاء ، ورفع مَنْزِلته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاً.
الوجه الثالث
من أقوال الملك سعود بن عبد العزيز -رحمَهُما اللهُ-
__________
(1) المصحف والسيف(ص/217) .
(3) انظر: "الملك عبد العزيز آل سعود بين نصره لله ونصر الله له(ص/150) .(1/23)
لَما توفي الملك عبد العزيز -رحمَهُ اللهُ- ، -وكما قال بعضهم-: " تسابق العلماء وأهل الفضل والإيمان والعلم يبايعون أبناءه الملوك بالملك وتولي أمر الدولة لأنَّ العلماء وأهل الحل والعقد لا يريدون إلا أبناء الملك عبد العزيز ولا يريدون سواهم لأنَّ أبناء الملك عبد العزيز لا يبحثون عن الملك ولكن الملك يبحث عنهم ويحتاجهم أما الشعب كله الوفي المخلص المؤمن صاح صيحة واحدة وبعين دامعة ورفعوا أصواتهم "الملك لله ثم لآل سعود"، لأنَّ أبناءه الملوك هم منابر ومصابيح الهدى وهم مفاتيحُ للخير مغاليقُ للشر وهم شموع تضيء لشعبهم الطريق وعدلهم يعم البلاد ويتساوى فيه الجميع وهم أمراء القلوب وأصحاب الأيادي البيضاء التي أعطت فغمرت وأعانت وأغنت الشعب عن البلاد الأخرى فكم من مريض ومحتاج ومديون فرجوا كربته وكم من مريض ومحتاج دعا لهم وهذا الذي جعل الناس يلتفون حولهم ويُحبونهم وكل يريد القرب منهم ويدافع عنهم ويُضحي بالنفس ليحموهم من الخطر الذي قد يعرض لهم ويدفعوا عنهم كل أذى ويذبوا عنهم الإساءة ويقفوا معهم في الشدائد ببسالة وتضحية، ودع الملك عبد العزيز هذه الدنيا وكانت مدة حكمه ثلاث وخمسين سنة وخمسة أشهر."
وقد قام الملك سعود -رحمَهُ اللهُ- بأعباء الملك حلفاً لوالده الإمام الملك عبد العزيز آل سعود -رحمَهُ اللهُ- فسار على خطى والده -رحمَهُ اللهُ- .
"وتَمَّ على يدي الملك سعود فتح الجامعة الإسلامية ، وكان في المناسبات يشكر الله على ما حبا به الشَّعب السعودي من نعمة التمسك بكتاب الله وسنة رسوله -- صلى الله عليه وسلم -- في السمع والطاعة ولزوم طريق أهل السنة والجماعة.(1/24)
ويَذكر أن أول ما يهم الجميع هو الاعتصام بحبل الله المتين ، واتخاذ الوسائل التي تمكن روح التوحيد الخالص في قلوب أفراد الشعب كافَّة ، حتى يخلص الجميع العبادة لله وحده ، والسير في ذلك بهدي الكتاب والسنة في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة في كل مجال ، وعلى الأخص في المدارس ومراقبة ذلك، وحث الناس على كل ما يأمر به الشرع الإسلامي ومنعهم من كل ما ينهى عنه لأنَّ في ذلك خيري الدنيا والآخرة ، ولأنه شيء من الخير إلا أمر به الإسلام، وليس شيء من الشر إلا ينهى عنه الإسلام"(1).
الوجه الرابع
من أقوال الملك فيصل بن عبد العزيز -رحمَهُ اللهُ-
كان الملك فيصل -رحمَهُ اللهُ- ذا أفق واسع ، وجهد صادق في السير مع المسلمين والدول الإسلامية فيما يحقق للمسلمين جميعاً تضامنهم ، مما دعا الملك فيصل -رحمَهُ اللهُ- لتبني الدعوة إلى مؤتمر القمة الإسلامي في الرباط سنة 1389هـ ، ثم تلته مؤتمرات إسلامية أخرى.
وقد كان الملك فيصل -رحمَهُ اللهُ- لهجاً بالدعوة إلى التضامن الإسلامي ، والاجتماع على الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح كما كان هذا دأب والده وأخيه قبله -رحمَهم اللهُ-.
ففي الكلمة الافتتاحية لإذاعة المملكة العربية السعودية ، وكان افتتاحها الساعة الواحدة بعد ظهر يوم الأحد التاسع من ذي الحجة عام 1368هـ وكانت من الملك عبد العزيز -رحمَهُ اللهُ- وقرأها ابنه الملك فيصل بن عبد العزيز -رحمَهُ اللهُ- وجاء فيها : "أحمد الله الذي جعل هذا البلد الحرام مثابة للناس وأمناً ، أحمده وأشكره ، والشكر لنعمائه أن يسرَّ للناس حج بيته العتيق ، وجعل قلوبهم تهفوا إليه ، ليشهدوا منافع لهم ، وتتآلف قلوبهم بذكر الله في هذه البقاع الطاهرة التي كانت مَنْزلاً للوحي لهدي الناس أجمعين ، وأصلي على رسول الله الذي بعثه بالهدى ودين الحق ، وبعد:
__________
(1) انظر: تاريخ الدولة السعودية لأمين سعيد(3/17-18) .(1/25)
فإنه ليسرنا أن نخاطب إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من هذا البلد الحرام في هذا اليوم المبارك ، ونتناصح ونتواصى بالبر والتقوى ، وندعو الجميع للتمسك بكتاب الله وإخلاص العبادة له"(1).
قال الملك فيصل -رحمَهُ اللهُ- : "ونحن لسنا في حاجة إلى استيراد تقاليدنا من الخارج ، وقد كان لنا تاريخ مجيد ، وقدنا العالم ، ونحن لنا أجداد وأمجاد وتاريخ وتراث ، فلماذا نتنصل من هذا ونلتفت يميناً وشمالاً نتلمس الطريق ونتلمس المبادئ ، تراثنا أشرف تراث ، وتاريخنا أشرف تاريخ ، وأمتنا خير أمة أخرجت للناس ، ونحن لا نقبل أبداً أن يقال عن ديننا وعن شريعتنا : إنه دين التأخر والجمود ، نحن نريد لأمتنا أن تكون قائدة لا مقودة ، وأن تكون في المقدمة لا في المؤخرة ، وبإمكاننا أن نتقدم ونمسك الأمر إذا اتبعنا كتاب الله وسنة نبيه -- صلى الله عليه وسلم -- "(2).
"ومن ضمن ما تدعو إليه مفاوضات الملك فيصل مع رؤساء الدول الإسلامية هو التمسك برسالة الإسلام الخالدة نصاً وروحاً.
وقام الملك فيصل برحلات إلى الأقطار الإفريقية والآسيوية وبعض الدول العربية لشرح وجهة نظر المملكة من منطلق إسلامي تجاه الخطر الصهيوني على العرب والمسلمين"(3).
وقال -رحمَهُ اللهُ- في خطبته في حج عام 1384هـ: "وهو سبحانه وتعالى إنما رضي لنا العزة والكرامة والقوة إذا نحن أخلصنا العبادة وتمسكنا بما أمرنا به سبحانه وتعالى واتبعنا سبيل نبينا صلوات الله وسلامه عليه"
__________
(1) انظر: الملك عبد العزيز والنقلة الحضارية للجزيرة العربية-مجلة الفيصل(عدد252/ص28) .
(2) تاريخ المملكة العربية السعودية للصف الثالث المتوسط(ط1 عام1394/ص289-290) .
(3) انظر: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي(2/354-355) .(1/26)
وقال في خطبته تلك : "وأن شريعتنا هي المحققة للعدالة وللحريَّة والمساواة وللمحبة والأخوة"(1) .
وما زال يدعو إلى تحكيم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح حتى لقي ربَّه نسأل الله أن يتقبله شهيداً ، وأن يتغمده بواسع رحمته.
الوجه الخامس
من أقوال الملك خالد بن عبد العزيز -رحمَهُ اللهُ-
كان الملك خالد -رحمَهُ اللهُ- فاضلاً متواضعاً ، ذا سجايا حسنة وأخلاق فاضلة، ورافق كبار تلاميذ الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمَهُ اللهُ- في الدراسة؛ كالشيخ عبد الله بن حميد .
وكان مما أعلنه الملك خالد في أول جلسة لمجلس الوزراء بعد توليه الْمُلك : شعوره بِعِظَمِ المسؤولية ، ومشقتها التي تحملها هو وأعضاء حكومته ، وبيَّن أن الواجب هو الاستعانة بالله وحده ، والحرص على بذل المجهود ، والاهتمام بكل ما من شأنه إسعاد هذه الأمة وحفظ دينها وإصلاح دنياها ، وبيَّن أن البلاد السعودية ليست مثل بلاد العالم من الناحية الإسلامية ؛ لأنَّ كل المسلمين يتطلعون إليها ، وأن أهل هذه البلاد مغبوطون بشريعة الله، وسنة رسوله، كما هم مغبوطون بثروتهم المادية"(2) .
وقال -رحمَهُ اللهُ- : "كانت الشريعة الإسلامية ، وستظل -إنْ شَاءَ اللهُ- الراية التي نستظل بها ، والمنطلق الذي نسير منه ، والهدف الذي نسعى إليه ، نحتكم لمبادئها ، ونستضيء بنبراسها ، ونعض عليها بالنواجذ ، لا تأخذنا فيها لومة لائم ، ولا تصدرنا عنها عراقيل الزمن ، نجد فيها جوهر العدل ، والعدل أساس الملك"(3) .
__________
(1) انظر: مجلة البحوث الإسلامية/العدد الأول(ص/26).
(2) انظر: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي(2/355-356).
(3) انظر: مجلة البحوث الإسلامية/العدد الأول (ص/8) .(1/27)
وفي عهده -رحمَهُ اللهُ- صدر المرسوم الملكي رقم1/137 في 8/7/1391هـ بتأليف هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة المتفرعة من الهيئة ، ويتضمن المرسوم تكوين الهيئة من عدد من كبار المتخصصين في الشريعة الإسلامية من السعوديين، ويجري اختيارهم بأمر ملكي ، ويجوز عن الاقتضاء وبأمر ملكي إلحاق أعضاء بالهيئة من غير السعوديين ممن تتوفر فيهم صفات العلماء السلفيين.
وتتولى الهيئة إبداء الرأي فيما يحال إليها من ولي الأمر من أجل بحثه وتكوين الرأي المستند إلى الأدلة الشرعية فيه كما تقوم بالتوصية في القضايا الدينية المتعلقة بتقرير أحكام عامة ليسترشد بها ولي الأمر .."
وقد صدر الأمر الملكي رقم1/138 في 8/7/1391 بتعيين سبعة عشر عضواً في هيئة كبار العلماء وهم أصحاب الفضيلة المشايخ :
"محضار عقيل . عبد الرزاق عفيفي . محمد الأمين الشنقيطي. عبد الله خياط. عبد الله بن حميد. عبد العزيز بن باز. عبد العزيز بن صالح. عبد المجيد حسن. محمد الحركان. سليمان بن عبيد. إبراهيم بن محمد آل الشيخ. صالح بن غصون. راشد بن خنين. عبد الله بن غديان. محمد بن جبير. عبد الله بن منيع. صالح بن لحيدان"(1).
ومن خدمته -رحمَهُ اللهُ- للعلم ، وحرصه على نشر العقيدة الصحيحة خطاب الشكر الذي وجهه إلى الشيخ عثمان الصالح بمناسبة صدور العدد الأول من "مجلة البحوث الإسلامية" جاء فيه :
"سعادة الأستاذ عثمان الصالح
رئيس تحرير مجلة البحوث الإسلامية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد اطلعنا على العدد الأول من مجلة البحوث الإسلامية وكان إصدارها جيداً يدل على العمل الجاد المفيد في خدمة العلم والبحث والثقافة.
ونود أن نشكركم وجميع القائمين معكم على ما تبذلونه من الجهود الموفقة لخدمة العلم ورائديه.
راجين للجميع التوفيق والسداد لما فيه خير ديننا وأمتنا . والله يحفظكم.
__________
(1) انظر: مجلة البحوث الإسلامية/العدد الأول عام1395هـ(ص/16-17).(1/28)
خالد بن عبد العزيز"(1).
وما زال الملك خالد -رحمَهُ اللهُ- يدعو إلى تحكيم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح حتى لقي ربَّه نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته.
الوجه السادس
من أقوال خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز –حفظه الله-
لقد سار خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- على طريقة والده وإخوانه الملوك في إعلان التحاكم إلى الكتاب والسنة، وتطبيقهما على منهج السلف الصالح.
وكان -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- عالي الهمة ، قوي الإرادة والعزيمة ، فصيح العبارة، حلو الكلمة ، "بينه وبين الكلمة ألفة ورفع كلفة ، وهو محدث لَبِقٌ ، يخطر على الخطابة والارتجال بمطارف الْمُلْهَمين ، ويلهو بمآزقها على عافية"(2).
وكان خادم الحرمين الشريفين -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- يلهج دائماً بذكر العقيدة الصحيحة، ويدعو إلى تطبيقها ، والعمل بها والدعوة إليها .
وما من مناسبة يوجه فيها خادم الحرمين الشريفين -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- خطاباً للأمة أو كلمة خاصة أو عامة إلا وشدد على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله -- صلى الله عليه وسلم -- .
ولم يكن ذلك منه -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- قولاً بلا عمل ، وأماني بلا وقائع وحقائق.
وتتبع إنجازات خادم الحرمين الشريفين -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- تعجز عن حصرها الكتب والأبحاث ، ودلائلها ظاهرة واضحة ، لا ينكرها إلا جاحد معاند ، ولا يتعامى عنها إلا غوي مارق مارد.
__________
(1) انظر: مجلة البحوث الإسلامية/العدد الثاني(ص/6).
(2) انظر: خادم الحرمين الشريفين الملك فهد السيرة والمسيرة للخريجي(ص/246) .(1/29)
وقد سبق ذكر قول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود –حفظه الله- "إن دستورنا في المملكة العربية السعودية هو كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وسنة رسوله -- صلى الله عليه وسلم -- الذي لا ينطق عن الهوى ، ما اختلفنا في شيء إلا رددناه إليهما وهما الحاكمان على كل ما تصدره الدولة من أنظمة ، إننا ثابتون بحول الله وقوَّته على الإسلام نتواصى بذلك جيلاً بعد جيل ، حاكماً بعد حاكم".
وقال-حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- في كلمة له في وفود الحجيج يوم الخميس 6/12/1402هـ: "قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}(1).
ويقول الرسول -- صلى الله عليه وسلم -- : ((تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)) (2)
ويقول الخليفة عمر -- رضي الله عنه -- : "إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نلتمس العزة بغيرة"(3)
إن أهمية الحكم بكتاب الله وسنة رسوله كبيرة ، ومن لم يحكم بكتاب الله وينفذ ما أمر الله به فسوف يكون هالكاً وسوف يكون الخاسر في الدنيا والآخرة"(4).
__________
(1) سورة آل عمران(آية/110).
(2) رواه الإمام أحمد في مسنده(4/126) ، وابن ماجه في سننه(1/16رقم43) ، وابن أبي عاصم في السنة(1/26-27رقم48)، والطبراني في المعجم الكبير(18/247رقم619) ، وأبو نعيم في المستخرج على صحيح مسلم(1/36) ، والحاكم في المستدرك(1/175)، وفي المدخل(ص/81)، وغيرهم وسنده حسن ، وهو حديث صحيح.
(3) رواه هنَّاد بن السَّرِيّ في الزهد(2/417) ، وابن أبي شيبة في المصنف(7/10، 93) ، والحاكم في المستدرك(1/130) وغيرهم وسنده صحيح.
(4) انظر: وثائق للتاريخ ، وزارة الإعلام(ص/33).(1/30)
وقال خادم الحرمين الشريفين –حفظهُ اللهُ- في كلمة ألقاها بمناسبة صدور النظام الأساسي للحكم بتاريخ 27/8/1412هـ : "حَرِصَ الملك عبد العزيز على إنفاذ منهج الإسلام في الحكم والمجتمع ، مهما كانت الصعوبات والتحديات"(1) .
وقال –حفظه الله- ضمن خطابه في افتتاح المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز في شهر بيع الأول عام 1406هـ -عن والده الإمام المجدد عبد العزيز -رحمَهُ اللهُ- : "يشهد التاريخ أن تطبيق الشريعة الإسلامية كان مبدأ أساسياً في حياته -رحمَهُ اللهُ-... ، وبذلك عَرَفَتْ هذه البلاد تحكيم الشريعة الإسلامية الخالدة في الدقيق والجليل ، وأصبحت مثالاًَ صادقاً في استتباب الأمن والاستقرار"(2).
ومن أقواله وهو في ولاية العهد قبل تسلمه زمام الْمُلك خلفاً لأخيه الملك خالد -رحمَهُ اللهُ- لَمَّا سئل عما يتمناه لأكبر أبنائه وهو ما يتمناه لأبناء أمته : "أريده كأبيه ، كجده ، كأعمامه ، كسيوف أسرته ، كلها مشهرة لخدمة الله ، والأرض ، والناس ، وأريد منه أن ينقل ذلك لأبنائه: ثم قال: "رضاي من رضا ربي علي ، وويلي وويل أبي –كما كان يدعو اللهَ عمرُ بنُ الخطاب خليفة المسلمين- إن لم يغفر لي ربي أو لم يرض عني"(3).
وقال -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- : "والعلاقة بين الحاكم والمحكوم محكومة أولاً وأخيراً بشرع الله كما جاء في كتابه الكريم ، وسنة نبيه -- صلى الله عليه وسلم --"(4).
__________
(1) انظر: الملك عبد العزيز والنقلة الحضارية للجزيرة العربية-مجلة الفيصل(عدد252/ص28).
(2) انظر: مجلة الدارة-شهر رجب عام 1406هـ (ص/9-10) .
(3) انظر: مجلة البحوث الإسلامية/العدد الأول(ص/30-31).
(4) انظر: فكر القائد(ص/185).(1/31)
وقال خادم الحرمين الشريفين -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- في كلمة وجهها من جوار الكعبة المشرفة للمواطنين بمناسبة عيد الفطر المبارك : " أيها الإخوة في الله لا بد لنا من في هذه المناسبة الإسلامية العظيمة من وقفة صادقة نراجع فيها أعمالنا ، ونحاسب فيها أنفسنا ، ونتبصر فيها شؤون ديننا ودنيانا فكلنا يعلم أن الأمة الإسلامية تواجه اليوم أعنف التحديات من أعدائها وتمر في مرحلة دقيقة من تاريخها ، ولا نرى سبيلاً يوصلنا إلى تحقيق أمانينا والتغلب على كيد أعدائنا إلا سبيل العودة إلى الله بالتمسك بكتابه وهدي نبيه"(1).
ومن خدمته - حفظه الله - للعلم ، وحرصه على نشر العقيدة الصحيحة خطاب الشكر الذي وجهه إلى الشيخ عثمان الصالح بمناسبة صدور العدد الأول من "مجلة البحوث الإسلامية" وكان ولياً للعهد يومئذ- جاء فيه :
"يسرني بمناسبة إصدار العدد الثاني من "مجلة البحوث الإسلامية"..
أن أشيد بما قدمت المجلة من مواد وبحوث مفيدة في عددها الأول ، راجياً أن يوفق الله أمتنا الإسلامية لكل ما من شأنه عزتهم وكرامتهم التي تكمن في تمسكهم بعقيدتهم الإسلامية.
وخاصة في هذا الوقت الذي يقف فيه معظم بني الإنسان على مفترق الطرق.
بسبب النشاط المتزايد يوماً بعد يوم من قوى الإلحاد التي تسيرها الصهيونية..
باذلة كل جهد في سبيل التشكيك في القيم الروحية وخاصة العقيدة الإسلامية.
وإنني بهذه المناسبة أهيب بعلماء المسلمين ورجال الفكر ..
أن يضاعفوا جهودهم وجهادهم في الدعوة إلى الله في كل مجال ومكان ؛ امتثالاً لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(2) ...
راجياً الله تعالى أن يجنب أمتنا كل مكروه في أن ينير بصيرتهم
ليروا الحق حقاً ويسلكوه..
ويروا الباطل باطلاً ويجتنبوه..
إنه سميع مجيب.
__________
(1) انظر: "فهد الوطن" لحامد عباس(ص/57) .
(2) سورة العنكبوت(آية/69).(1/32)
فهد بن عبد العزيز آل سعود "(1)
وجهوده في خدمة كتاب الله ، والعلم والتعليم ، والدعوة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي مختلف المجالات الداخلية والخارجية كثيرة لا تحصى ، وظاهرة لا تخفى ، ومذكورة لا تنسى.
حفظهُ اللهُ ورعاه ، وسدد على الحق خطاه ، ووفقه وجميع إخوانه وعماله لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
وعلى ما نقلتُه عن ملوك هذه الدولة المباركة سار بقية أبناء الإمام الجدد الملك عبد العزيز -رحمهُ اللهُ- فمن ذلك:
قال الأمير نايف -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- : "ولا تدرك صعوبة ما بذل من جهد لبلوغ هذه الغاية إلا بالموازنة بين حال الجزيرة العربية قبل الملك عبد العزيز وبعده، فقد تآلفت شرائح المجتمع بلداناً وقبائل وانصهرت في بوتقة وطنية واحدة باحتكامها إلى الشرع الحنيف، ومفارقتها كل العادات والتقاليد التي تخالف شرع الله، حتى استرعى الأمن الذي تعيشه البلاد انتباه المتابعين من جميع أنحاء العالم، الذين عدَّوه حالة فريدة، تستحق أن تكون مضرباً للمثل، ونموذجاً يستوجب الاحتذاء"
ثم قال -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ-: "وقد استطاع الملك عبد العزيز أن يقيم دولة عصرية ثابتة الأركان عزيزة الجانب تتمسك بالإسلام منهجاً للحياة مقدماً الدليل الحي على أنَّ الإسلام ديون ودولة، وأنَّ ما تحقق من انسجام وتوَحُّد بين أبناء هذه البلاد ما كان ليتم إلا على منهج الإسلام الذي لا يعرف التحوُّل والتبدُّل"(2)
__________
(1) -انظر: مجلة البحوث الإسلامية/العدد الثاني(ص/6).
(2) انظر: "وزارة الداخلية النشأة والتطور" كلمة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية(ص/6-7).(1/33)
وقال الأمير نايف بن عبد العزيز -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- : " نحن سلفيون بمنطلقاتها وليس باجتهادات عالم، والكاتب عندما يكتب يجب عليه أن يتفقه بذلك الأمر ويحيط به، وإذا لم يكن متمكناً فخير له أن يترك أهل العلم يتحدثون ويتفرغ هو لما يمكن أن يلم به ويكتب عنه من أمور أخرى، والسلفي لا يقتصر على صاحب مذهب معين، فكل صاحب مذهب هو سلفي بالحجة التي منبعها القرآن الكريم والسنَّة المطهرة".
تنبيه: نقلت فيما سبق جملة من أقوال الإمام المجدد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمَهُ اللهُ- ، ومن أقوال أبنائه البررة ؛ ما يبين أن الدَّولة السعودية قامت على الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح ، وأنها دولة تحكم بالشرع وتدعو إلى ذلك ، وأردت التنبيه هنا إلى أن هناك أقوال كثيرة لم أذكرها من باب الاختصار ، وثمَّة أقوال لعدد من أمراء آل سعود -حفظهُم اللهُ ووفقهم- لم أذكرها من باب الاختصار ، وثَمَّة أعمال تدل على أصالة المنهج في الدولة السعودية ، وأن تلك الأعمال منبثقة من النظام الأساسي للحكم والمبني على الكتاب والسنة ، وسأبين هذا الأمر بشيء من التفصيل في المبحث الثالث -إنْ شَاءَ اللهُ تَعالَى- وبالله التوفيق.
الوجه السابع
شهادة أهل العلم والفضل
"وكبار العلماء في هذه البلاد المملكة العربية السعودية هم النجوم المضيئة للأمة الإسلامية وهم نجوم الحق وكواكب الهدى وإشراقات القلوب، وزكى النفوس، وهم الصفوة الأولياء، والأزكياء أحياء الله بهم قلوباً ميتةً فكم من ضال هدوه بإذن الله وكم من تائه هدوه إلى سبيل الرشد وهم أصحاب القلوب الصافية. "(1)
وقد سبق أن ذكرتُ في التمهيد بعض كلام العلماء في الثناء على هذه الدولة المباركة أعيده بشيء من الاختصار مع الزيادة على ما سبق .
جاء في فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي عام المملكة -رحمهُ اللهُ- :
__________
(1) انظر: أسد الجزيرة(ص/63) .(1/34)
"(4033- الحكومة السعودية لم تحكم بقانون وضعي مطلقاً )
من محمد بن إبراهيم إلى سعادة وكيل وزارة الخارجية .......... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد:
فقد جرى الإطلاع على خطابكم رقم 31/1/2/2758/3 وتاريخ 2/3/86 ومشفوعه خطاب سفارة جلالة الملك في القاهرة بخصوص استفسار محكمة عابدين للأحوال الشخصية عن حكم القانون السعودي فيما يتعلق بنفقة الصغار، ونرغب منكم إشعار هذه المحكمة أن الحكومة السعودية أيدها الله بتوفيقه ورعايته لا تحتكم إلى قانون وضعي مطلقاً ، وإنما محاكمها قائمة على تحكيم شريعة الله تعالى أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو انعقد على القول به إجماع الأمة ، إذ الاحتكام إلى غير ما أنزل الله طريق إلى الكفر والظلم والفسوق ، قال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } ، { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ}.
وقال تعالى : {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ {49} أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(1) ..."
مفتي البلاد السعودية ( ص/ ف 3460/1 في 21/11/1386 ) .
وقال -رحمهُ اللهُ- : " فحكومتنا بحمد الله شرعية دستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلي الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم"(2)
__________
(1) سورة المائدة(آية/49-50).
(2) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم(12/341-منسوخة على الوورد).(1/35)
وقال -رحمهُ اللهُ- : " وعليه نشعركم أن الذي يتعين على المحكمة هو النظر في كل قضية ترد إليها بالوجه الشرعي ، وهذا ولا بد هو الذي يريده جلالة الملك ورئيس مجلس الوزراء حفظه الله ووفقه ، وهو دستور دولته الذي يحرص دائماً على التمسك به وعدم مناقضته أو الحكم بخلافه . والله يحفظكم"(1) .
وقال شيخ الإسلام عبد العزيز بن باز -رحمَهُ اللهُ- : "الملك عبد العزيز نفع الله به المسلمين وجمع الله به الكلمة ورفع به مقام الحق ونصر به دينه وأقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحصل به من الخير العظيم والنعم الكثيرة ما لا يحصيه إلا الله -عزَّ وجلَّ- ثم أبناؤه بعده حتى صارت هذه البلاد مضرب المثل في توحيد الله والبعد عن البدع والخرافات وهذه الدولة السعودية دولة مباركة وولاتها حريصون على إقامة الحق وإقامة العدل ونصر، المظلوم وردع الظالم واستتباب الأمن، وحفظ أموال الناس وأعراضهم فالواجب التعاون مع ولاة الأمور في إظهار الحق وقمع الباطل والقضاء عليه حتى يحصل الخير"(2).
__________
(1) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم(12/270-منسوخة على الوورد).
(2) من شريط مسجل موجود لسماحته في 29/4/1417هـ. بعنوان "حقوق ولاة الأمر على الأمة".(1/36)
وقال سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز -رحمهُ اللهُ- : "وليست الحكومة السعودية متصلبة إلا ضد البدع، والخرافات للدين الإسلامي، والغلو المفرط الذي نهى عنه الرسول-- صلى الله عليه وسلم -- ، والعلماء والمسلمون بالسعودية وحكامهم يحترمون كل مسلم احتراما شديدا ، ويكنون لهم الولاء والمحبة والتقدير، من أي قطر أو جهة كان، وإنما ينكرون على أصحاب العقائد الضالة ما يقيمونه من بدع وخرافات وأعياد مبتدعة، وإقامتها والاحتفال بها، مما لم يأذن به الله ولا رسوله، ويمنعون ذلك؛ لأنه من محدثات الأمور وكل محدثة بدعة، والمسلمون مأمورون بالاتباع لا بالابتداع، لكمال الدين الإسلامي واستغنائه بما شرعه الله ورسوله -- صلى الله عليه وسلم -- ، وتلقاه أهل السنة والجماعة بالقبول من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ومن نهج نهجهم"(1) .
وسئل -رحمَهُ اللهُ- : بعض الإخوة هداهم الله لا يرى وجوب البيعة لولاة الأمر في هذه البلاد ما هي نصيحتكم يا سماحة الوالد ؟
فقال الشيخ –رحمه الله- : "ننصح الجميع بلزوم السمع والطاعة كما تقدم والحذر من شق العصى والخروج على ولاة الأمور بل هذا من المنكرات العظيمة بل هذا دين الخوارج ، هذا دين الخوارج ، ودين المعتزلة .
الخروج على ولاة الأمور والسمع والطاعة لهم في غير المعصية هذا غلط ، خلاف ما أمر به النبي -- صلى الله عليه وسلم --.
النبي -- صلى الله عليه وسلم -- أمر بالسمع والطاعة بالمعروف وقال: ((من رأى من أميره شيئاً من معصية الله ؛ فليكره ما يأت من معصية الله ، ولا يَنْزعن يداً من طاعة)) (2)
وقال: ((من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاضربوا عنقه)) (3)
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة(1/229-230)
(2) رواه مسلم في صحيحه(3/1482رقم1855) من حديث عوف بن مالك -- رضي الله عنه --.
(3) رواه مسلم في صحيحه(3/1480رقم1852) من حديث عرفجة -- رضي الله عنه --.(1/37)
فلا يجوز لأحد أن يشق العصى أو أن يخرج عن بيعة ولاة الأمور أو يدعو إلى ذلك فإن هذا من أعظم المنكرات ومن أعظم أسباب الفتنة والشحناء والذي يدعو إلى ذلك هذا، هذا هو دين الخوارج إذا شاقق يقتل لأنه يفرق الجماعة ويشق العصى .
فالواجب الحذر من هذا غاية الحذر ، والواجب على ولاة الأمور إن عرفوا من يدعو إلى هذا أن يأخذوا على يديه بالقوة حتى لا تقع الفتنة بين المسلمين".
قال سماحة الإمام عبد العزيز بن باز منكراً على من أراد الخروج على هذه الدولة بقول أو فعل: "وهذه الدولة بحمد الله لم يصدر منها ما يوجب الخروج عليها، وإنما الذي يستبيحون الخروج على الدولة بالمعاصي هم الخوارج ، الذين يكفرون المسلمين بالذنوب، ويقاتلون أهل الإسلام، ويتركون أهل الأوثان، وقد قال فيهم النبي-- صلى الله عليه وسلم --إنهم: (( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)) وقال: (( أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة )) متفق عليه. والأحاديث في شأنهم كثيرة معلومة"(1).
وقال الإمام عبد العزيز بن باز – رحمه الله - : "ولا ريب أن بلادنا من أحسن البلاد الإسلامية وأقومها بشعائر الله على ما فيها من نقص وضعف"(2).
وقال -رحمه الله وغفر له- في "بيان حقوق ولاة الأمور على الأمة بالأدلة من الكتاب والسنة، وبيان ما يترتب على الإخلال بذلك" ومحذراً من الدعوات الباطلة والضالة واصفا أصحابها بأنهم دعاة شر عظيم : فكان مما قال : "صارت هذه البلاد مضرب المثل في توحيد الله والإخلاص له، والبعد عن البدع والضلالات، ووسائل الشرك .."
__________
(1) مجموع فتاوى سماحته (4/91)
(2) مجموع فتاوى سماحته (4/162) .(1/38)
وقال: "وهذه الدولة السعودية دولة مباركة نصر الله بها الحق، ونصر بها الدين، وجمع بها الكلمة، وقضى بها على أسباب الفساد وأمّن الله بها البلاد، وحصل بها من النعم العظيمة ما لا يحصيه إلا الله، وليست معصومة، وليست كاملة، كلٌّ فيه نقص فالواجب التعاون معها على إكمال النقص، وعلى إزالة النقص، وعلى سد الخلل بالتناصح والتواصي بالحق والمكاتبة الصالحة، والزيارة الصالحة، لا بنشر الشر والكذب، ولا بنقل ما يقال من الباطل ...".
وقال الشيخ العلامة الفقيه محمد الصالح ابن عثيمين -رحمه الله- عن الدولة السعودية: "وهي من خير ما نعلمه في بلاد المسلمين تطبيقا للشريعة، وهذا أمر مشاهد".
وسئل الإمام محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - عمَّن يقول: إن أكثر الشر في بلد التوحيد مصدره الحكومة، وأن ولاتها ليسوا بأئمة سلفيين؟
فقال -رحمهُ اللهُ- : "ردنا على هذا أنهم كالذين قالوا للنبي -- صلى الله عليه وسلم -- أنه مجنون وشاعر وكما يقال: لا يضر السحاب نبح الكلاب، لا يوجد والحمد لله مثل بلادنا اليوم في التوحيد وتحكيم الشريعة وهي لا تخلو من الشر كسائر العالم، بل حتى المدينة في عهد النبي -- صلى الله عليه وسلم -- كان فيها من بعض الناس شر... "
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتى عام المملكة حفظه الله : "المملكة العربية السعودية ومنذ نشأتها منذ ما يزيد على القرنين وهي ولله الحمد، دولة سلفية محكمة لشرع الله وسارت على هذا بخطى ثابتة مستمدة عونها من الله سبحانه ، ولا زالت ولله الحمد على هذا المنهج وقد نفع الله بها الإسلام والمسلمين في ميادين كثيرة جداً ... أما من يشكك في هذا ويشكك في منهج هذه الدولة المباركة فهذا إما جاهل أو أن في قلبه مرضا وليحذر المسلم أن ينساق وراء مثل هؤلاء فليس وراءهم إلا الفتنة وإثارة التنازع والشقاق"(1) .
__________
(1) جريدة الرياض العدد 12175 السنة 38 الأربعاء 08 شعبان 1422 .(1/39)
وقال معالي الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- : "إن المملكة العربية السعودية مملكة إسلامية ولله الحمد وبحق يحكمها نظام الإسلام وتحكم شريعة الإسلام وأصول عملها وأنظمتها مقيدة بأن لا تخالف الإسلام فإذا استنكرت مثل هذا العمل(1) فإنما تفعل ما تفعله من واقع دينها، ومن موقفها الإسلامي الذي تقف فيه لأنها دولة الحرمين، وبلاد منبع الرسالة، فلا غرو أن تستنكر الفواحش، وأن تستهجن إجرام المجرمين، وأن تندد بإيواء كلِّ مرتكب للإجرام أو يرضى بجرمه"(2) .
وقال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان –حفظه الله-: ".. رأوا ما تعيشه بلادنا من الوحدة والتلاحم بين قادتها ، وبين أفرادها وجماعتها ، رأوا في بلادنا دولة إسلامية في عقيدتها ومنهجها ، تحكم بالشريعة وتقيم الحدود ، وتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر."(3)
وقال الشيخ العلامة حمادٌ الأنصاريُ -رحمهُ اللهُ- : "من أواخر الدولة العباسية إلى زمنٍ قريب, والدول الإسلامية على العقيدة الأشعرية أو عقيدة المعتزلة, ولهذا نعتقد أن الدولة السعودية نشرت العقيدة السلفية عقيدةَ السلف الصالح, بعد مدةٍ من الانقطاع والبعد عنها إلا عند ثلةٍ من الناس" ا. هـ .
__________
(1) يشير إلى حادث تفجير برجي التجارة بنيويورك.
(2) سيأتي ذكر كلامه كاملاً في المبحث الخامس(ص/236).
(3) انظر: حقيقة الدعوة إلى الله تعالى- المقدمة-.(1/40)
وقال -رحمهُ اللهُ- : " أما العلمُ في آسيا -المقارنة بين العلماء في آسيا وإفريقيا: الحقيقة آسيا قبل هذه الدولة ما كان العلمُ في آسيا كما ينبغي قبل هذه الدولة، لأن هذه الدولة -دولة الملك عبد العزيز- هذه الدولة جاءت بخير كبير لآسيا أوّلاً ثم للعالم الآخر ثانيًا، وذلك أنه قبل هذه الدولة ما كان العلماء يُعنون بالتوحيد في آسيا كما يجب، وما كانوا -كذلك- يُعنون بالحديث كما ينبغي تطبيقًا، قد تجد العلماء قبل هذه الدولة يشتغل بعضهم بالحديث هنا في آسيا ولكنهم لا يطبِّقونه -لا يطبِّقون الحديث-، وإنما يعتمدون على مجرّد ما في المذهب -من المذاهب التي يتقيدون بها-، فهذا من ناحية.
وكذلك -أيضًا- ما كانوا يُعنون -أي: العلماء قبل هذه الدولة- ما كانوا يُعنون بالسيرة كما يجب، ولكن بتوفيق من الله عز وجل لما جاءت هذه الدولة -وهي الدولة السعودية التي نرجو أن تكون هي الطائفة المنصورة- لما جاءت هذه الدولة قامت بعمل عظيم، وهو أن هذه الدولة نبّهت العالم الإسلامي إلى أنّ العلم لا بدّ وأن يتركّز على شيئين:
أحدهما: العقيدة -وهي الأساس-.
وثانيًا: القرآن والسنة تطبيقًا، ما هو مجرد قراءة!
فلذلك الآن العلماء من أيام هذه الدولة إلى الآن -إن شاء الله إلى آخر الدنيا- يخالف وضعهم قبل هذه الدولة، حيث إنّ الدولة نشرت العقيدة السلفية، وكذلك أيضًا نشرت السنة النبوية، وكذلك أيضًا نبّهت الناس إلى أن القرآن يجب أن يدرَس كما درسه الصحابة وكما درَسه التابعون -رضي الله عن الجميع-. "(1)
__________
(1) انظر: المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري(2/826-827)(1/41)
وقال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي -رحمَهُ اللهُ- : "فهذا الأمنُ الّذي ما شاهدتُه في بلَدٍ ، إنَّ سببه هو الاستقامة على كتاب الله ، وعلى سنَّة رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- ، من المسؤولين، ومن كثير من أهل البلد، ... فالأمن نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى، نعمة عظيمة من الله ، سببه الاستقامة على كتاب الله وعلى سنَّة رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- ، فالأمر أنَّ الاستقامة .. لمَّا استقامت هذه البلاد -وبحمد الله- مكَّن الله لهم ، ... جمعيَّة حقوق الإنسان استقبلها كثير من النَّاس على ما فيها من الأباطيل، لماذا؟
لأن معناه : الحدود وحشيَّة ، ومعناه تعطيل الكتاب والسنة وإدخال الأنظمة من قبل أعداء الإسلام.
الحكومة السُّعوديَّة -وفقها الله لكل خير- استقبلتها بشرط أن تكون خاضعة للإسلام وللكتاب والسنة، هكذا أيضاً إقامة الحدود ، وإقامة الحدود كما يقول ربُّنا -عزَّ وجلَّ- في كتابه الكريم : {وَلَكُم في القِصَاص حياةٌ}(1)...من ذلك تمكين هيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ؛ فقد رأينا في جريدة أنَّ الملكَ فهداً -حفظه الله تعالى- أعطى للهيئة نحو "300" سيَّارة، وقال لهم : أنتم هيئة أمرٍ بالمعروف، و نحن هيئة ضبط، وأنتم المسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى، فجزاهم الله خيراً.
نعم! أحسنوا في هذا إلى بلدهم وإلى أمتهم وإلى دولتهم، إنه يجب على كلِّ مسلم في جميع الأقطار الإسلامية أن يتعاون مع هذه الحكومة ولو بالكلمة الطيِّبة؛ فإنَّ أعداءها كثيرٌ ، من الداخل ، ومن الخَارج "(2).
__________
(1) سورة البقرة(آية/179)
(2) شريط براءة الذمة.(1/42)
يقول رشيد رضا في مجلته المنار : "وأما معيد هذه النهضة -أي إحياء مذهب أهل السنة والجماعة الذي كان عليه السلف الصالح- ومجدد دولتها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود فهو على شدة تمسكه بالسنة ونشرها واسع الصدر عارف بحاجة الأمة العربية والشعوب الإسلامية إلى التعاون"(1) .
وقال علامة الجنوب الشيخ أحمد بن يحيى النجمي -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ-: "إن محمد سرور ذلكم المارق؛ المبتدع؛ الضال؛ له كلام يفهم منه؛ تكفير الدولة السعودية, ويزعم أنهم محكومون لرئيس أمريكا؛ يقول هذا, وهو مقيم في لندن عاصمة دولة بريطانيا, فكر أخي!! من الأولى بالعبودية للكفار؟ ؛ هل هي الدولة المستقلة ببلدها, وحكومتها ودينها؟!! أم هو محمد سرور المقيم في بريطانيا؛ الخاضع لها والمستجير بها, والمستجدي منها, والحكم للقارئ.
أما العلماء في السعودية فهو يسميهم عبيد عبيد عبيد العبيد, ويقول إن علماء السعودية؛ يأخذون, ولا يستحون ويقول: إن مهمة العالم في السعودية؛ كمهمة قائد الشرطة؛ لا تختلف عنها؛ أي أن مهمة العالم تنفيذ الأوامر فقط.
وأقول: سبحانك ربي ما أعظم نعمة الحياء, وما أعظم نعمة الإيمان؛ إني لأتعجب من هذه الجراءة على الكذب, والبهت, وعدم الاستحياء ولو من الله؛ إذا كان هذا المفتري قد انعدم حياؤه من الناس.
__________
(1) انظر: عناية الملك عبد العزيز بالعقيدة السلفية ودفاعه عنها (ص/27)(1/43)
إن الدولة السعودية تجل علماءها, وتبجلهم وتحترمهم؛ بما لم يكن في دولة من الدول, ولا في بلد من البلدان قط؛ حتى أن رئيس الدولة ليزور كبارهم في بيوتهم ولقد زار الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله الشيخ ابن باز, وزار الملك فهد حفظه الله ابن عثيمين في بعض السنوات حين زار القصيم, وكذلك ولي العهد حفظه الله , ومع ذلك فالدولة تحكم شرع الله في محاكمها, وتحكِّم هيئة كبار العلماء ؛ في بعض الأمور المستعصية, وتأخذ بما وجههم كبار العلماء إليه؛ من شرع الله عز وجل"(1) .فهذا كلام بعض أهل العلم الكبار في الثناء على هذه الدولة وبيان أنها دولة إسلامية قائمة على الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح.
فتبين بما سبق ذكره من الأدلة والبراهين أن الدولة السعودية دولة إسلامية سلفية، قامت على كتاب الله ، وسنة رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- على منهج السلف الصالح .
وأن نظام الحكم في الدولة السعودية هو القرآن الكريم والسنة المطهرة ، وأن الحكم فيها بما أنزل الله ، وأن ملوكها والقائمون عليها يصرحون بذلك ، ويدعون إليه سائر الأمم .
وأن ما سبق ذكره هو الواقع المشاهد ، وهو ما يلهج به كبار العلماء والفضلاء من أهل السنة ، ولا ينكر هذا الأمر إلا حاقد أو حاسد .
ولا يعني هذا عصمتها من الزلل والخطأ والتقصير ، فهذا طبع البشر ، ولا عصمة لأحد من البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
أسأل الله أن يحفظ هذه البلاد من كيد الكائدين ، وعبث العابثين ، وحقد الحاقدين .
وأسأله تعالى أن يتم على هذه البلاد نعمه ، وأن يصلح جميع أحوالها ، وأن يوفق قادتها لكل خير وصواب.
والله الموفق
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه: أبو عمر أسامة بن عطايا العتيبي
__________
(1) الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية ص (39-40)(1/44)