بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله , نحمده تعالى , ونستعينه , ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
[آل عمران]
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } [سورة النساء ]
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } [الأحزاب].
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله , وأحسن الهدي هدي محمد صلى االله عليه وعلى آله وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار .
ثم أما بعد :
فإني أحمد الله الذي يسر لي طلب العلم , وحببه إليّ, كماحبب إليّ نصح المسلمين , وبيان الحق لهم .
وإننا نشاهد في أيامناهذه , إقبالاعلى الحق الصافي المنبثق من القرآن الكريم, وصحيح السنة , على ما كان عليه السلف الصالح , ومن تبعهم .
فهذه نعمة من الله , يمن بها على من يشاء من العباد .
والمسلمون قد سئموا الانحرافات , وذاقوا مرّها , وتجرعوا بسببها الذل, وحصدوا الشر , وخسروا العز والسعادة . ولهذا أصبحوا يبحثون عمن يأخذ بأيديهم إلى الخير من الأمناء , والغيورين على دين الله, ولا شك أن من كان عنده غيرة على دين الله , واهتمام بشأن المسلمين , أنه يسوؤه ما يرى من فتن تجرف المسلمين , وتحول بينهم وبين السعادة , والأمن , والاستقرار
ولا يسعه إلا أن يجرد نفسه , للدفاع عن الحق , وأهله.(1/1)
وقد رأيت أن أدافع عن الحق , وعن مجتمعي ؛ وذلك بالمشاركة بالدعوة إلى الصلاح , والإصلاح , والحفاظ على الأبدان من التلف , والهلاك . وهذه المشاركة بدأت بالخطب والمحاضرات .
ثم رأيت أنها لا تكفي , ولا تفي , فتبين لي أن الحاجة ماسة إلى كتابة بعض الرسائل المفيدة , لاسيما في المواضيع المهمة , ومن ذلك : موضوع الرماية , وما يتعلق بها من أحكام , وما فيها من منافع
و أضرار, وقد جعلت هذه الرسالة خاصة بهذا الموضوع . وسميتها : "تنوير الأبصار بما في الرماية من المنافع والأضرار".
وقد حاولت الاختصار من جهة، والإيضاح من جهة ثانية , لأن الغرض هو إظهار الحقيقة , ومحاربة الدخيلة , وحرصت على أني لا أذكر إلا حديثا صحيحا ؛ لأن ذكر الأحاديث الضعيفة , على سبيل الاحتجاج بها في التأليف, أو غيره دون بيان ضعفها غش للأمة ؛ لأن القارئ يظن أنه من صحيح سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - , وليس كذلك .
وأخيرا جزى الله خيرا إخواني من طلاب العلم , وغيرهم الذين تساعدوا معي في إخراج هذه الرسالة المتواضعة .
فالله المسؤول أن يجعلها ذخرا لي يوم لا ينفع مال , ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم , وأن يجعلها نافعة لعباده ؛ إنه جواد كريم .
الفصل الأول
أهمية تعلم الرماية
إن للرماية أهمية عظيمة , لا يعرفها إلا القليل من الناس ، وهذه الأهمية تظهر جليا بأمور :
1- فضل الرماية وعظم الحاجة إليها(1/2)
قال ربنا سبحانه وتعالى: { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } [الأنفال] . وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - القوة بأنها: الرمي ؛ فقد روى مسلم , وأبو داود , والترمذي , وابن ماجه , وأحمد والطبراني , والبيهقي , وأبو يعلى , وغيرهم من حديث عقبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي)). ففي هذه الآية الكريمة , والحديث النبوي , بيان صريح كافٍ شافٍ ؛ أن تعلم الرماية سبب لانتصار المؤمنين , على الكافرين , وإذا كان الله عزوجل , ورسوله عليه الصلاة والسلام يأمران الصحابة بالإعداد بتعلم الرماية ؛ لمنازلة الأعداء ؛ وقد كانوا رضي الله عنهم أهل جهاد وفرسانا في هذا الميدان .
فمن باب أولى أن يكون أمر الله , ورسوله في حقنا آكد ؛ لإهمال الكثير منا تعلم الرماية, بل صار بعض المسلمين لا يعرف السلاح, وإذا رآه , أو ذكر عنده اشمأز منه.
وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب } [المائدة] .
وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشجع أبناء المسلمين ,على تعلم الرماية, فقد روى البخاري ,وأبو داود , والترمذي , وابن ماجه ,وأحمد من حديث سلمة بن الأكوع , قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قوم ينتضلون, فقال: ((ارموا يا بني إسماعيل ؛ فإن أباكم كان راميا, ارموا وأنا مع بني فلان)) فأمسك أحد الفريقين بأيديهم , فقال: ((مالكم لا ترمون؟)) فقالوا : كيف نرمي وأنت معهم؟! فقال: (( ارموا وأنا معكم كلكم )).
وقد جاء عند الحاكم , وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه , ومن حديث ابن عباس عند ابن ماجة , وأحمد , والحاكم .
وقد جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - , اللهو بالرمي , وتعلمه أفضل أنواع اللهو ؛(1/3)
فقد جاء عند الدارقطني في الأوسط , والبزار , وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه , قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((عليكم بالرمي ؛ فإنه خير لعبكم)) وفي لفظ عند البزار ((من خير لهوكم)) والحديث صحيح .
بل دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى الاشتغال بالرمي ,عند الفراغ , وعند حصول القوت, فقد روى الإمام أحمد , ومسلم , وغيرهما من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه , قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((ألا إن الله سيفتح لكم الأرض وستكفون المؤن, فلا يعجزن أحدكم أن يلهوا بأسهمه)).
2- التحذير من ترك الرماية
جاء من حديث عقبة بن عامر ,رضي الله عنه عند مسلم , قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من علم الرمي ثم تركه فليس منا)) .
وجاء في الحديث الصحيح , عن عقبة بن عامر ,عند الطبراني , وغيره ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها)).
فانظر كيف ذم الرسول - صلى الله عليه وسلم - تارك الرمي بعد تعلمه ؛ لأن تعلم الرمي بقصد مجاهدة الأعداء , يعد عبادة , لأن ذلك نصر للإسلام والمسلمين.
والمتعلم الرامي الحاذق , قد تنصر الأمة به عند حمي الوطيس, والمتعلم للرمي خير من ألف رجل لا يعرفون الرمي, ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص: ((يا سعد ارم فداك أبي وأمي)) رواه البخاري ومسلم , عن علي رضي الله عنه .
فانظر كيف نُصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحد بهذا الرامي المحنك , بل جاء عند الترمذي وابن حبان , والحاكم , وأبي نعيم في الحلية , والدلائل , وابن سعد في الطبقات الكبرى ؛ أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعا لسعد: ((اللهم سدد رميه وأجب دعوته)) ؛ فالانتصار في المعارك على الكفار غالبا ما يحصل من ذوي الفطنة في الرأي والرمي, والله المستعان.
3- الأجور للرماة في سبيل الله:(1/4)
روى أبوداود , والترمذي , والنسائي , والحاكم , والبيهقي , والطيالسي وابن حبان , والبغوي , وغيرهم .من حديث أبي نجيح السلمي ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من رمى بسهم في سبيل الله فهو له درجة في سبيل الله فهو درجة له في الجنة, ومن بلغ بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر)) , وهو صحيح . والمحرر هو: الذي يعتق من العذاب الواقع عليه من أعداء الدين, أو يعتق من العبودية (الرق) فيصير حرا.
وجاء من حديث عمرو بن عبسة عند أحمد , والنسائي , وابن ماجه والطبراني , وغيرهم ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من رمى العدو بسهم في سبيل الله فبلغ بسهمه العدو أصاب , أو أخطأ يعدل رقبة)) , والحديث صحيح.
ومن حديث أبي هريرة عند البزار , ومن حديث معاذ عند الطبراني , ومن حديث عبدالله بن عمرو عند سعيد بن منصور , وهي يشد بعضها بعضا ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل كان له نورا تاما)) , والحديث حسن.
فهنيئا لمن تعلم الرماية ليحقق بها أمورا تخدم الإسلام , والمسلمين.
وماذا يريد المسلم بعد درجات في الجنة , ونورا يوم القيامة , يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
فالإسلام ربّى المسلمين على الشجاعة والبطولة والقوة الإيمانية والقوة البدنية والخبرة العسكرية, ولن ينتصر الإسلام وينتشر في ربوع الأرض إلا عن طريق هاتين القوتين وعن طريق هذا الصنف من الناس .
وقد غفل الكثير من المسلمين عن إعداد العدة لمواجهة أعداء
فيا أيها المسلمون: تسلحوا بالحجج والبراهين الشرعية , وبالأسلحة المادية لتنالوا بهما عز الدنيا , وسعادة الآخرة.(1)
آداب تتعلق بالرماية المشروعة:
__________
(1) - تنبيه:هذه الأحاديث في فضل الرمي تشمل الرمي بالنبال والسلاح الناري. فليست مقصورة على الحالة التي كانت في العصور الأولى .(1/5)
اعلم أيها المسلم الكريم أن ديننا كامل شامل, ومن كماله وشموليته أنه اعتنى بالرماية وآدابها, وقد تقدم أن ذكرنا نبذة عن أهمية تعلم الرماية والممارسة لها, وهنا نذكر نبذة عن آدابها, وهي كالآتي:
1- عند حمل السلاح يحذر المسلم من البطر والعجب, فإن هذه الصفة مهلكة لصاحبها, وتأمّل معي هذا الحديث: أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجّل جمّته, إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة)), فتأمّل هذا الرجل كيف أعجب بنفسه لما لبس الحلة وترجل (أي مشط شعر رأسه) فخسف الله به الأرض, وفي حديث ابن عمر في البخاري وغيره قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به ... )). والعذاب على هذا الصنف في الآخرة أشد, فقد صح عند الإمام أحمد وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((ما من رجل يتعاظم في نفسه ويختال في مشيته إلا لقي الله وهو عليه غضبان)).(1/6)
2- عند الرماية على الغرض وهو ما يسمى بـ"النصع" أو "النشان" أو "الهدف" يحذر الرماة أن يكون الغرض شيئا فيه روح, فقد جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضاً)). بل قد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك, فقد روى مسلم من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن من اتخذ شيئا من الروح غرضا)). فجعل الكلاب أو الطيور أو البهائم أو الشياه غرضا للرمي لا يجوز, لأن فيه تعذيبا للحيوانات وإيذاء وإتلافا لنفس, وقد علمت أن امرأة دخلت النار بسبب هرة عذبتها ولا يجوز قتل شيء من الحيوانات والطيور إلا ما دل عليه الدليل كقتل الكلب الأسود والحية والعقرب والكلب العقور وما كان مؤذيا من الحيوانات والطيور وغير ذلك. وبسبب المبادرة إلى رمي الحيوانات أدى هذا إلى قتل الإنسان في بعض الأحايين ظنا من الرامي أنه حيوان, فلهذا كان المطلوب التأكد من الغرض.
3- لا يمزح بالسلاح, فقد تقدم بيان النهي عن ذلك.
4- لا يكون الغرض في رأس جبل, أو على قرب مطلع الناس, فإن هذا يؤدي إلى ذهاب الرصاص عن الجبل, فربما أصابت إنساناً أو حيواناً وأيضا لا يكون الغرض قريبا من تجمعات الناس.
5- إذا أصاب الغرض مرة فأكثر فليحمد الله على توفيقه له, فإنه من فضل الله عليه, وما له حول ولا قوة, فليحذر من احتقار الآخرين, والترفع عليهم.
6- لينوي بهذا التعليم للرماية الحصول على المباح كالصيد وخدمة الإسلام عند الحاجة.
7- فإن تعلمه من أجل المناضرة والمباهاة أو من أجل أنه يجيد الرماية في أيام الحروب بين القبائل, فهذا غير موفق
8- تعلم الرماية لا يكون في وقت فيه عبادة الله أو طاعة للوالدين, وما أشبه ذلك, كالذين يلعبون في وقت الصلاة, فهذا حرام, لا يجوز.
صور من الرماية المخالفة الشرع :
1- رماية كبيرة:
وهي ما كانت بالآلات القاتلة.(1/7)
2- رماية صغرى:
وهي ما كانت بالآلات غير القاتلة في الغالب.
ونبدأ بالكلام على الكبرى وهي: التي بأيدي الرجال غالباً ونؤخر الكلام عن الصغرى وهي: التي بأيدي الأطفال, وسأذكر صور الرماية الكبرى لكي يتضح للقارئ الكريم اتساع هذه الرماية المخالفة للشرع, وما أدت إليه من أضرار وشرور.
الصورة الأولى: الدفرة:
وهي أن يأتي شخص فأكثر إلى قرية معينة, فإذا وصلوا إلى قرب تلك القرية يرمون من أجل أن يأتي أهل تلك القرية التي سمعت الرماية لينظروا ما الأمر.
وسببها: أن يكون واحد فأكثر من القرية التي جاء إليها الرماة لم يف بأمر يتعلق بالرُماة, أو اُعتدي عليهم, فإن لم تتحرك القرية وتستجيب للرماة عظمت الحجة عليهم. وطالت المسألة وعرضت فهذه الرماية لا تخرج عن أنها عادة جاهلية, ولهذا يسمونها أيضا: "مدعى القبْيَلة".
فهي مدعى جاهلي لأن الناس شرعا يدعون إلى شرع الله وبشرع الله. ولكن بعض القبائل سيطرت عليهم العادات حتى صارت شرعا لهم ، والله المستعان.
الصورة الثانية: عند رد الاعتبار:
عندما يتقدم الجاني إلى المجني عليه يقوم الجاني بطلق مجموعة من الرصاص تسمى (رد اعتبار), وقد يسوق الجاني مذبوحاً يتقدم به إلى المجني عليه يسمى (الهجر), أو الصفى أو الرضوة أو العقر.
وقد تكلمنا عن هذه المسألة: مسألة الذبح للمجني عليه من قبل الجاني في نسخة عنوانها "حكم الإسلام في الهجر", وهذه الرماية بدعة منكرة, لأنها لم تكن من أنواع الصلح المعهود عند المسلمين, فضلا عن أن تكون مشروعة, وأيضا فيها أضرار لا يخفى على اللبيب معرفتها.
الصورة الثالثة: الرماية في مناسبات الولائم:(1/8)
والرماية أيام الولائم, هي أوسع أنواع الرماية المخالفة للشرع, لأن هذه الرماية تستمر من بيت العروس إلى أن يصلوا بها إلى بيت زوجها. وكذا يستقبلها الناس بالرماية لها في أثناء التحرك إلى بيت زوجها, فإذا اقتربت من بيت العروس استقبلهم أصحاب العروس بالرماية, وأيضا الضيوف المدعوون لحضور الوليمة يكون عددهم في الغالب كثيرا. ويأتون مسلحين, فإذا وصلوا بيت العروس استقبلهم أصحاب العروس بالترحيب والرماية لهم.
وهؤلاء الضيوف يردون بالرماية أيضا. مع اختلاف عادات الناس في بعض هذه الصور, إلا أن هذه الرماية تكاد تعم البلاد بأسرها في البوادي والمدن, ولا يستثنى من المدن الكبيرة إلا القليل, وهذه الرماية يستنزفون فيها مبالغ كبيرة في شراء الأسلحة.
وتقع في بعض الأماكن الرماية بالقنابل والبوازيك, وثمنها مرتفع جدا, وغير ذلك من الأسلحة الثقيلة, وتكثر حوادث القتل في مناسبات الزواج بسبب هذه الرماية ما لا تكثر في غيرها من المناسبات.
وحوادث القتل في أيام الأعراس لا تحصى ولا تعد, وقد تعددت أنواع القتل فيها, فمنهم من قتل أمه ومنهم من قتل أخاه.
وأما قتل غير هؤلاء فحدث ولا حرج, بل منهم من قتل نفسه.
وهكذا تأتيك الدواهي من باب الملاهي والهلاك, من باب الفرح والسرور, ولقد أخبرني شخص أن إنسانا من أقربائه في يوم عرسه أخذ الآلي ليرمي ولكن بالطريقة العنترية (بيد واحدة), فانعطفت يده فرجع الآلي فوق هذا القريب ففرغ فيه ثمان عشرة رصاصة, ومع هذا سلم الرجل, وجاءني وهو في كامل الصحة.
فما أكثر العويل في أيام العرس بعد الزغردة, وما أكثر البكاء بعد الضحك, والحزن بعد السرور, فلا أضر على الناس من الجهل.
ومن عجيب ما أخبرني به أخ عن الرماية في أيام العرس: أن امرأة تزوجت ابنتها فلم تجد من يرمي, فقالت لولدها: خذ السلاح -الآلي- وارم, فأخذ يرمي فقتل أمه!.(1/9)
فانظر يا أخي إلى هؤلاء , كيف يجرون إلى أنفسهم الدمار وهم أغنياء عنه؟ أين العقول؟ أين فحول الرجال؟ أين من تنجع فيهم العبر وتوقظهم المحن وتزعجهم الفتن؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الصورة الرابعة: الرماية عند الدخول على الشابة
تحصل هذه الرماية, وهي عادة قبيحة تدل على سخافة فاعلها, وهذه العادة توجد نادرا في بعض البلاد, ولكن أدخلناها هاهنا لبشاعتها.
وهذه الرماية يقوم بها العروس بعد أن يفض بكارة عروسه, وهي إعلان منه للناس أنه رجل على حد زعمهم!؟.
أرأيت كيف يفهم هؤلاء الرجولة؟.
وبعضهم يشترطون هذا الدخول في أول ليلة, فإذا لم يحصل اتهموا الرجل بأنه عاجز. بل بعضهم إذا لم يرم يغرمونه غرامة مالية.
وهذه الرماية فيها مخالفات فإن فيها إزعاجا للناس في منتصف الليل وتخويف لهم وفيه مخالفة للشرع في مسألة العلاقة الزوجية الخاصة بالزوجين, فقد دعا الإسلام إلى الستر.
روى مسلم والبيهقي وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها)) وفي حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتحدث عن الذي يذكر ما يجري بينه وبين زوجته: ( ... فلا تفعل فإنما ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون إليه)) أخرجه أحمد وغيره وهوحسن.
وقد جاء عن عدة من الصحابة.
ففي هذه الرماية فضائح وفيها من قلة الحياء, ما لا يخفى على كل مسلم عاقل.
والذي أحب أن أنبهك إليه: أن بعضهم يكون مربوطا عن طريق السحر, فما يستطيع أن يدخل على زوجته, ولكن يرمي ليسكت أهل هذه التفاهة. فلا سلم من هذه العادة القذرة ولا دخل فعلا على زوجته.(1/10)
وما دام أنه مجبور على الدخول في أول ليلة ربما فض بكارة المرأة بطريقة غير جائزة, وربما أعطى لها مخدرات ليتسنى له أن يفعل بها بطريقة هجومية شرسة, لأنه يخاف الفضيحة في نظرهـ , فإنا لله وإنا إليه راجعون .
أخي المسلم: ننصح لك أن تأخذ لك كتبا نافعة تتفقه فيها في أحكام الزواج والولائم. ومن هذه الكتب: (آداب الزفاف) للألباني رحمه الله تعالى. وكتاب: (تحفة العروس) للاستنبولي.
الصورة الخامسة: عند الموت:
إما لإشعار الناس أن فلانا قد مات ليحضروا جنازته, وإما لأن فلانا وفلانا قد وصلوا بيت هذا الميت, وقد يرمي الواصل لا المستقبل, وبعضهم يرمي ليظهر للناس أنه حزين على الميت, وهذه الرماية هنا ليست من النعي الجائز في الشرع, بل هي من النعي المذموم الجاهلي, فالنعي الجائز هو: إخبار الناس بأن فلانا قد مات ولو بالاتصال هاتفيا, أو بالرسائل وغير ذلك.
الصورة السادسة: الرماية عند حصول المولود:
بعض الناس عندما يحصل له المولود يعبر عن فرحه وسروره بالرماية, وقد يحصل له المولود في منتصف الليل فيرمي في منتصف الليل, فيحصل من إزعاج الناس وترويعهم, وربما ظنوا أنه قد حصل أمر جلل, لأن بعض الناس تكون بينهم وبين آخرين مناوشات وحروب, فيظن بعضهم أن قد غدر أولئك. فلا مبرر لجواز هذه الرماية, وهذه الرماية سواء في الليل أو النهار غير مشروعة لأنها ليست من جنس المشروع عند حصول المولود.
الصورة السابعة: عند الفوز بالانتخابات :
إذا فاز المنتخَب الذي ينتخبه مجموعة من الناس (أي يختارونه) نائبا لهم في مجلس النواب أو غيره, وإذا أردت أن تعرف ما في الانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية وغيرها من مفاسد فارجع غير مأمور إلى كتابنا (تنوير الظلمات بكشف شبه ومفاسد الانتخابات). وهكذا تحصل الرماية أيضا عند فوز طالب بشهادة, وعند فوز فريق بهدف, أو فوز فلان في الملاكمة, وعند فوز فلان بوظيفة رفيعة ... وما أشبه ذلك.(1/11)
وانظر إلى قصور أفهام هؤلاء, فيجعلون مجرد حصول فلان على أمرٍ ما من أمور الدنيا فوزا, وقد يكون وبالا عليه, وقد يُنازل عنه في الغد.
وهؤلاء جهلوا أن حقيقة الفوز هي: الاستجابة لله والرسول, والاستقامة على الكتاب والسنة.
الصورة الثامنة: عند كسوف القمر:
إذا كسف القمر قام بعض الناس بالرماية بعضهم من أجل إعلام الناس بالكسوف وبعضهم ليخففوا على الناس من الخوف على حد زعمهم!. ومن المعلوم أن كسوف القمر آية من آيات الله, دُعينا عند حصوله إلى الصلاة والتكبير والدعاء والاستغفار والصدقة كما هو مبسوط في موضعه , ويكفينا تخويف كسوف القمر. فلمَ يزيدهؤلاء الناس تخويفا, وليته تخويف بما يقرب إلى الله عز وجل, ولكن بما هو عادة قبيحة.
الصورة التاسعة: عند عقد القران:
الجهال من الناس عند إرادة العقد يختفون في مكان لا يعلمه الناس, وربما خرجوا من البلاد ليعقدوا لفلان, خائفين من أن يعقد فلان خيطا حال العقد فيربط الزوج عن زوجته, وهذه عقيدة فاسدة, فإنه لو ربط مليون عقدة ما جرى شيء من طريق هذا العقد, ولكن السحرة إذا سلطهم الله على فلان أرسلوا إليه بجني يمسك بمجامع الشهوة فلا يقدر العروس على زوجته. وعلى هذا الزوج أن يبادر إلى التحصن بالرقية الشرعية, وينظر من يقرأ عليه من كلام الله ويتعاون معه وسيشفى بإذن الله.
فالحذر كل الحذر من الذهاب عند الفجرة الكفرة السحرة والمنجمون الخَسَرَة. فلن يفلح من ذهب إليهم إلا بالتوبة إلى الله.
وعند أن يرمي هؤلاء فبعضهم يعتقد أنه بهذه الرماية يطرد الشياطين وبعضهم يرمي فرحا. ولا يخفاك أن الرصاص لا تطرد الشياطين, وإنما يطرد الشياطين ذكر الله والإقبال على دينه طاعة وخضوعا وانقيادا له سبحانه.
الصورة العاشرة: الرماية عند قبر الميت المقتول ظلما:(1/12)
عند بعض الناس عادة وهي: الرماية عند قبر المقتول بعد الانتهاء من دفنه, وتكون إما قبل الأخذ بالثأر وهي تعني: أنه لابد من الانتقام, وإما بعد أخذ الثأر, فهي تعني أن أصحاب المقتول قد أخذوا بثأرهم, وفي هذه الرماية أغلاط لا ينبغي جهلها, ومنها:
1- الافتخار بنوع من أعظم أنواع الإجرام -عياذا بالله-, فإن هذه الرماية في نظر هؤلاء تدل على شجاعتهم. ونذكّر هؤلاء بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا يوم القيامة)) رواه أبو داود والضياء المقدسي من حديث عبادة. والصرف: الفرض, والعدل: النافلة. فهل يفرح بأي شر وإن قل؟ فما بالك بمن يفرح بقتل مسلم؟. اللهم هب لهؤلاء عقولا.
2- عند رمايتهم على القبر قد يفهم منهم أنهم لن يرجعوا إلى حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - , وهذا انحراف في الإيمان, فقد قال الله سبحانه وتعالى: { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر, ذلك خير وأحسن تأويلا } [النساء].
3- قد جعل الله رد ما تنازع فيه الناس إلى شرعه دليلا على الإيمان به واليوم الآخر, فما بال هؤلاء يفتخرون بعدم الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؟.
وهكذا الجهل يفعل بأصحابه, بل قال الله: ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرج مما قضيت ويسلموا تسليما } [النساء] .
4- هذه الرماية تدل على التعصب الجاهلي المقيت, وقد تكلمنا عليه قبل قليل.
تنبيه: بعضهم يرمي على القبر ليعلم الناس أنه قد وصل.
الصورة الحادية عشرة: الرماية عند الاستحكام على شخص:
وهذه الرماية فيها تهييج للفتن, لأنها تغرس في قلب المحكوم عليه أنه مهزوم, فتأخذه العزة والمكابرة, فيقوم بفتح أبواب الفتن, وفيها تظاهر الرامي بالعجب والتعاظم, وهذه أحوال خطيرة, فالمتكبر منازع لله في كبريائه.(1/13)
فتباً لمسلم لا يملك في حياته مع الناس إلا النخوة الجاهلية, وفيها حمل الناس على أنهم لا يعترفون بالحق ولا يرجعون إليه خشية الملامة, فيصر المسلم على الباطل مهما خسر في ذلك, ولو أن هؤلاء يتأدبون مع الله لكان المستحكم حامدا لله وشاكرا له, لأنه يسر له بأخذ حقه لا بحوله وقوته, وكذلك يشكر لمن رجع إلى الصواب واعترف له بالحق. وإذا كان لا يتوصل إلى الحق إلا بعد مغالطة من قبل خصمه, فهنا يصبر ويتحمل ويأخذ حقه بالطرق الشرعية ويتجنب الفتن.
الصورة الثانية عشرة:
الرماية عند رجوع المسروق والمنهوب وما أشبه ذلك.
الصورة الثالثة عشرة: الرماية إذا ظهر الماء الجوفي:
فأين شكر نعمة الله عند هؤلاء؟ ومن جملة عدم شكر نعمة الله مواجهة نعمة ظهور الماء بالرماية اغترارا بما من الله به عليهم.
الصورة الرابعة عشرة: الرماية عند موت الشاب أوالشابة الذي لم يتزوج:
والرماية من قبل الشباب, وهي بدعة قبيحة.
الصورة الخامسة عشرة: الرماية بالمدفع عند الإفطارفي رمضان:
ومن المعلوم قطعا أن المسلمين يفطرون عند غروب الشمس, ضرب المدفع أم لم يضرب. فهذه الرماية بدعة.
الصورة السادسة عشرة: الرماية عند إرادة شخص (الأخوة) مع قبيلة أخرى:(1/14)
ويسميها العوام: "المخاواة", وصورتها: أن شخصا فأكثر يحصل منه خطأ فلا تقوم معه قبيلته, بل تطلبه أن يتحمل ذلك, أو يكون عليه شيء وقبيلته لا تقوم معه, فيذهب إلى قبيلة أخرى, فإذا وصل إلى القبيلة الأخرى رمى (يسمونها تعشيرة), فيتواجد أهل القبيلة عند المؤاخي هذا فيطلب منهم أن يكون غرامه منهم: دمه من دمهم وقرشه من قرشهم (القرش هو: الريال الحجري في عهد دولة آل حميد الدين). فعلى حسب نظام القبيلة: فقد تقبله وقد تؤخره حتى تعرف ما بينه وبين قبيلته, وبعد ذلك يقبل. وكم حصدت هذه المؤاخاة من عالم!؟. لأن المؤاخي قد يكون قاتلا للنفس التي حرم الله فتناصره القبيلة التي آخى عندها على هذا الإجرام, فتدخل القبيلة في بحر خضم من الفتن العظيمة, وقد يأتي أصحاب القبيلة الأولى يقتلون هذا المؤاخي أو أحد أقربائه, فتقوم القبيلة المؤاخية للرجل بالحرب ضد قبيلته الأولى, وقد يبلغ القتلى بالعشرات, وقد تستمر الحرب سنوات عديدة. ولا شك ولا ريب أن هذه عادة جاهلية محضة قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟, دعوها فإنها منتنة)) متفق عليه.
وإيواؤهم لهذا محرم شرعاً، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((لعن الله من آوى محدثاً...)) رواه مسلم وغيره من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا من الإيواء.
وهذه الحمية حمية جاهلية ليست من الإسلام في شيء, وليست نصرة للمظلوم في الإسلام إلا بقدر ما يكون محقا, وتتحقق المصلحة والنصرة. أما إذا كانت النصرة قائمة على الظلم والعصبية الجاهلية كهذه, فهي نعرة وليست نصرة.
وهناك قضية أخرى وهي: قضية (الربع):
وهذه القضية مثل قضية (المؤاخاة), إلا أن الرجل لا ينفصل من قبيلته الأولى انفصالا كليا, بل جزئيا.
فهو يأتي ويربع عند قبيلة غير قبيلته لتنصره تلك القبيلة التي ربع عندها, فإذا انتهت قضيته رجع إلى قبيلته الأولى.(1/15)
والحكم على هذه الرماية بأنها مدعى جاهلي وأنها عصبية جاهلية كما سبق. نسأل الله أن يهدي قومنا إلى سبيل الرشاد.
الصورة السابعة عشرة: الرماية من قبل الزوج إذا تأخرت المرأة في صناعة الطعام: وهي عادة منكرة.
الصورة الثامنة عشرة: الرماية في يوم عيد الغدير (غدير خم):
وقبل أن نتكلم على هذه الرماية نحب أن نعرفك بمن أحدث هذا العيد, لأنه أمر غريب على المسلمين:
وأول من أحدث بدعة الغدير هو: أحمد بن بويه الملقب/ معز الدولة, في منتصف القرن الرابع الهجري تقريبا, وهو أول ملوك بني بويه. وكان رافضيا, وفي عهده ظهر الرفض واظطُهِد أهل السنة, وكان من أئمة الجور, وقيل: إنه تاب في آخر عمره ورجع عن الرفض, والله أعلم. وللازدياد من المعلومات عنه راجع (المنتظم) لابن الجوزي رحمه الله, و(البداية والنهاية) لابن كثير رحمه الله, و(تاريخ الإسلام) للذهبي رحمه الله, و(شذرات الذهب).
قال ابن كثير رحمه الله في (البداية والنهاية11/229): "في العشر من محرم سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة أمر معز الدولة ابن بويه قبحه الله أن تغلق الأسواق وأن يلبس النساء المسوح من الشعر, وأن يخرجن إلى الأسواق حاسرات وجوههن ناشرات شعورهن يلطمن وجوههن ينحن على الحسين بن علي بن أبي طالب.
وفي العاشر من ذي الحجة أمر معز الدولة ابن بويه بإظهار الزينة وأن تفتح الأسواق في الليل وأن تضرب الدياب والبوقات وأن تشعل النيران في أبواب الأمراء وعند الشرط فرحا بعيد الغدير: غدير خم, فكان وقتا عجيبا مشهورا وبدعة شنيعة ظاهرة" أهـ.
قلت: وهاتان البدعتان القبيحتان: بدعة يوم عاشوراء وبدعة عيد الغدير باقيتان إلى يومنا هذا, وهما من آثاره السيئة.
وأما أول من احتفل بشعار الغدير برفع الأعلام والألوية في اليمن فهو الإما المهدي بن الحسن بن الإمام القاسم بن محمد وذلك عام( 1073) انظر هجر العلم ومعاقله في اليمن 3/1566 الغراس .(1/16)
فانظر بمن يقتدي الرافضة في اليمن وغيرها؟!. وعلى منهج من ينهجون؟, فأين هم من آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم؟.
أم أن الرافضة تستحل نسبة ما تحدثه من بدع وضلالات إلى آل بيت النبوة؟
لو كان علي بن أبي طالب موجودا لنكّل بهم كما نكّل بإمامهم/ عبدالله بن سبأ وحزبه.
ولنذكر نبذة عن الرماية في عيد الغدير:
يخرج روافض اليمن في يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة إلى مكان يختارونه, يدعون أن ولاية علي بن أبي طالب كانت في هذا اليوم في العام العاشر من الهجرة.
فإذا وصلوا تجمعوا وألقوا بعض الكلمات والأشعار حول هذا العيد و"عظمته", ثم بعد ذلك يقومون بالرماية المكثفة إلى الجبل الذي يختارونه.
فمثلا في صعدة: يخرجون إلى جبل يسمونه: "المخروق" شمال صعدة, ويرمون على خرق في هذا الجبل ويدعون أن ذلك الخرق هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
ويحصل من السب لصحابة آخرين ما الله به عليم .
وهذه الرماية تكون مكثفة جدا, لأن دعاة الرفض يقولون للناس: الرصاصة بحسنة إلى عشر حسنات, على حسب نوعية السلاح. فيندفع الناس, ويرمون بطريقة جنونية ويرمون بالأسلحة الثقيلة, وبسبب هذا يحصل القتل في غالب الأحيان, وليس القتل لواحد فقط بل لأكثر من ذلك.
وأما الذين يصابون بدون القتل فحدث ولا حرج.
ولشؤم ما يفعله هؤلاء, فإن السكان القريبون في ذلك المكان يذهبون بالمواشي في هذا اليوم بعيدا عن هؤلاء ويختفون في بيوتهم. فانظر ما تضمنه فعلهم هذا من أمور يجب التنبه لها.
1- جعلوا هذه الرماية عبادة, بدليل أنهم يقولون: الرصاصة بحسنة, وهل يشك مسلم عاقل أن هذا تلبيس على الناس!. فأين البرهان على ذلك من القرآن والسنة المطهرة؟.
2- سهلوا للمسلم أن يقتل أخاه المسلم, وإن قتله فهو في عبادة في نظرهم.(1/17)
3- مدى السخافة فيهم, فكيف يرمون على جبل ويدعون أنه رجل ويرون أنهم ينتقمون من الرجل!؟. فهل يمكن أن أحدا من غيرالرافضة يقبل هذا ويدخل هذا في عقله؟.
4- سبهم لبعض الصحابة: إجرام عظيم لا يجهله مسلم له أدنى معرفة بمنزلة الصحابة في القرآن والسنة المطهرة.
فإذا كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسبُّون فقد طُعِن في الإسلام. لأن الطعن فيهم طعن في الإسلام.
فما موقف المسلم الذي سلم قلبه من الخبث والحقد على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء؟؟؟.
الصورة التاسعة عشرة: الرماية عند قدوم العلماء والمسؤولين ومشائخ القبائل ومن إليهم:
وهؤلاء قدوة للناس ينبغي أنهم لا يقبلون هذا, بل يجب أن يزجروا الناس عن هذه العادة.
وتحصل منافسة وتظاهر بالاحترام لهؤلاء, فتكثر الرماية. بل يرمون بالأسلحة الثقيلة.
وقد حصل مرة أن أحد العلماء زار قرية فاستقبله الناس بالرماية له, فرمى أحدهم بالبازوكة (آر- بي -جي) فوقعت بجانب سيارة العالم, فقام المرافقون وكادوا أن يقتتلوا مع المستقبلين لهم, لأنهم اتهموهم بأن لهم غرضا في هذه الرماية إلى جانب السيارة.
ويحصل فعلا أن بعضهم يحضر في هذه اللقاءات من أجل تفجير الفتن بالقتل وغيره.
وقد أخبرت أن أحد المشائخ جاء زائرا فاستقبله أحد المضيفين وأخذ يرمي بالطريقة العنترية (بيد واحدة) فرجع السلاح فوق الشيخ فقُتِل وجُرح أربعة من مرافقيه, والله المستعان.
فأي تعظيم هذا؟ وأي احترام ؟ وفيه ما يفقد الناس بسببه وجهاءهم بل علماءهم. اللهم بصرنا بعيوبنا.
ملاحظة:
يحق للعلماء وغيرهم أن يشترطوا أن الناس لا يرمون عند استقبالهم, وإذا كانت هذه الرماية لمن هب ودرج حتى للمرأة, فأي ميزة حيال أهل العلم ووجهاء الناس؟ بل فيها إهانة. فتنبّه.
الصورة العشرون: الرماية في الأعياد المشروعة والمبتدعة:(1/18)
لا شك أن الفرح والسرور مطلوب في العيدين. ولكن الرماية عند استقبال الناس سبب لجلب أنواع من النكبات وتراكم الأحزان.
ولقد اسودت حياة أناس وأظلمت في أيام الأعياد بسبب الرماية المذكورة.
وما أكثر المصابين بإصابات خطيرة بل بالقتل في أيام الأعياد. ولقد كان الناس يرمون بالآليات والمسدسات في أيام الأعياد ويحدث ما يحدث. ولكن صار منهم من يرمي بالقنابل والبوازيك.
وأذكر قصة من قصص هؤلاء الرماة, وهي:
ما أخبرني بها أحد الأخوة وسمى لي الأشخاص, قال:
جاء شاب عند عمه المخطوب منه, فبات عنده, فلما أصبح وهو يوم عيد طلع على السقف وأخرج قنبلة ليرمي بها, فتفجرت عليه وقطعت يده من المرفق وقتل اثنين من أصهاره. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الصورة الحادية والعشرون: الرماية الإلحادية:
حصل في رمضان المبارك عام 1420هـ برد شديد في بلدة من بلادنا اليمنية, مما أدى إلى إحراق القات -والقات شجرة خبيثة ابتلي بأكلها كثير من اليمنيين ويوجد في بعض الدول الأفريقية-, فحصل في قرية من قرى "محافظة إب" أن قام بعض السفهاء بإطلاق النار إلى السماء قائلا: لماذا أحرق الله علينا القات؟!.
وهذا القول والفعل إلحاد, وهذا الفعل غريب مريب وجوده في اليمن: بلاد الإيمان والحكمة, والتي أهلها إن لم يكونوا أهل سنة بالفعل فهم على الفطرة.
وهذا الفعل ينافي الفطرة, فضلا عن منافاته التمسك بالإسلام.
والحقيقة التي عليها هؤلاء الرماة أنهم تلوثوا بالإلحاد, لأنهم مغتربون في أمريكا وبريطانيا وغيرهما.
والغالب على المغتربين في بلاد الكفار الانحراف. ولهذا إذا رجعوا إلى بلدانهم أحدثوا أنواعا من الفساد ومحاربة الدعوة والدعاة, وربما وصل ببعضهم الانحراف إلى الإلحاد, ومن ذلك: سب الله وسب رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وتجد في هذا الصنف نفرة عن الإسلام شديدة.
فما أحوج المسلمين إلى الحرص على سلامة دينهم.(1/19)
والذهاب إلى بلاد الكفار للدراسة والعمل: أمر محذور في الإسلام.
فلا يجوز لمن هب ودرج, بل لابد من ضرورة معتبرة في منظور الراسخين في العلم, وإلا فالذاهبون إلى بلاد الكفار معرضون أنفسهم لأنواع من الضلال. والله المستعان.
وإلى هنا نكتفي بما أردت ذكره من صور الرماية.
وهذه الصور لا تخرج كلها عن أنها عادة قبيحة أو بدعة منكرة. وكلا الأمرين مذموم. وهكذا تتصاعد العادات السيئة وتسيطر على جزء كبير من حياة الناس, وهكذا تتحول حياة الناس إلى أخطار تهددهم, بل تدمرهم عند غفلتهم وإهمالهم لإصلاح أنفسهم. والله المستعان.
أهمية اقتناء السلاح
روى البخاري في صحيحه , وغيره ؛ عن عمربن الحارث قال : "ما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - , إلا سلاحه وبغلة بيضاء", فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يترك من الأثاث , والأمتعة إلا ما يتعلق بالجهاد, وبالرغم أنه مات عليه الصلاة والسلام , ودرعه مرهون عند يهودي ؛ في ثلاثين صاعا من الشعير , ولم يبعه.
إن هذه الأمة أمة رسالة , ودعوة إلى الله , وجهاد في سبيل الله , فلا يليق بها أبدا التخلي عن السلاح .
وقد قرن الله سبحانه في كتابه الكريم ؛بين إنزال كتبه , وإرسال رسله , وبين إنزال الحديد, قال سبحانه: { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز } [الحديد]. والاقتران يفيد ؛ أن قوام الدين ؛ بالكتاب المنزل , والحديد الناصر , وبالذات ؛ إذا كان العدو شاهرا سلاحه , يريد القضاء على الأمة المسلمة , كعصرنا هذا.(1/20)
وحمل السلاح ؛ لا يتوقف عند مواجهة العدو فحسب, بل حتى في حال أداء العبادة ؛ إذا خافوا العدو. روى الإمام البخاري , والإمام مسلم رحمهما الله تعالى , عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : "اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة, فأبى أهل مكة أن يدخلوه مكة, فأرضاهم: لا يدخل مكة سلاحا إلا في الغماد". فالسلاح سبب في نشر التوحيد، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له )) رواه أحمد وغيره من حديث ابن عمر وهو صحيح.
أجر صناع الأسلحة عند الله إذا احتسبوا ذلك
لا شك أن المسلم إذا عمل عملاًَ يبتغي به وجه الله تعالى فإنه يثيبه على عمله فقد روى الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ((إن الله عز وجل ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه يحتسب في عمله الخير، والرامي به، ومنبله الممدِّ به)) رواه أبو داود والحاكم وهو حسن.
وقد سئل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الحمر فقال : ((ما أنزل عليّ فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} متفق عليه من حديث أبي هريرة.
فأثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - العمل بعموم الآية ، فيدخل فيها من صنع الأسلحة وأراد بذلك خيراً ومن صنعها وأراد بذلك شراً.(1/21)
أخي المسلم : رأيت هذه النبذة المختصرة التي أثبتت أن التفوق في القدرة الحربية وتصنيع الأسلحة واختراعها كان من نتائجها هزيمة أوروبا على أيدي المسلمين، وفي هذه العصور نفسها كان النصارى في ظلمات عجزهم وجهلهم، ولا يخفى عليك أن المحاربة والدفن لهذه المعلومات وأمثالها كثيرة من قبل المستشرقين ومن إليهم، فقد جعلوها في حكم المعدوم في واقع الأمة الإسلامية، والآن اليهود والنصارى يريدون أن يفصلونا عن ديننا وتاريخنا المجيد وعن ماضينا العتيد وإن ذكروا ذلك فمن باب التشويه والتلبيس الذي يزيد في نفوس ضعفاء المسلمين الكره والنفرة عن تاريخهم.
أشهر أنواع الأسلحة العربية الإسلامية
الأسلحة العربية الإسلامية كثيرة وهي تزداد ما بين الحين والآخر فلم تبق الأسلحة على ما كانت عليه في غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسراياه بل تطورت وتكاثرت، وهذه نبذة عنها:
1- السيف: والسيف كان أشرف الأسلحة عند العرب، وأكثرها غناء في القتال، فالعربي كان يحافظ على سيفه ولا يكاد يفارقه، وهو آخر الأسلحة استعمالاً في المعركة، وسيوف العرب أنواع كثيرة تختلف باختلاف صناعها وأماكن صنعها، وأشهرها السيف اليماني نسبه إلى اليمن والهندواني أو المهند المصنوع في الهند وهو بعد اليماني في الجودة، والمشرفي المصنوع في مشارف الشام، وغير ذلك، وقد ملئت دواوين الشعراء بالتمجيد للسيوف ومدحها، وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((الجنة تحت ظلال السيوف)) رواه البخاري وأحمد وأبو داود وغيرهم من حديث أبي موسى، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له)) رواه أحمد وغيره من حديث ابن عمر وهو صحيح.(1/22)
وكما أن السيف من الأسلحة القديمة فهو أيضا من الأسلحة التي يدوم بقاؤها إلى قيام الساعة، والدليل على هذا ما جاء في صحيح مسلم وغيره من حديث النواس في شأن خروج الدجال وفيه : ((ثم يدعون رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين))
2- الرماح: والرماح تتخذ من فروع الأشجار الصلبة، وأشهرها النبق والشوحط، وهي مختلفة في الطول تتراوح بين الأربعة الأذرع والخمسة وما فوقها، والرماح الطويلة خاصة بالفرسان حيث تساعدهم على حملها الخيول، والرماح القصيرة تستعمل للراجل والفارس، وكثيراً ما تستعمل الرماح عند العرب الذين يسكنون الصحراء ، وقد كان المسلمون يعتنون بتعلم استخدام الرماح ويصرفون الأوقات الطويلة في ذلك ، وتسمى الحربة والنيزك والمطرد والمزراق والعنزة، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ((وجعل رزقي تحت ظل رمحي)) رواه أحمد وابن أبي شيبة وغيرهما من حديث ابن عمر.
فائدة: قال ابن رجب الحنبلي بعد ذكر هذا الحديث : (إشارة إلى أن الله لم يبعثه بالسعي في طلب الدنيا ولا بجمعها واكتنازها...وإنما بعثه داعيا إلى التوحيد بالسيف ومن لازم ذلك أن يقتل أعداءه الممتنعين عن قبول دعوة التوحيد ويستبيح أموالهم ويسبي نساءهم وذراريهم فيكون رزقه مما أفاء الله عليه من أموال أعدائه...) .
3 - القوس والسهم: والقوس في الأصل عود من شجر جبلي صلب يحنى طرفاه بقوة ويشد فيهما وتر من الجلد أو العصب الذي يكون في عنق البعير وهو يشبه قوس المنجدين في هذه الأيام.(1/23)
وأما السهم فهو عود رفيع من شجر صلب في طول الذراع تقريباً يأخذه الرامي فينحته ويسويه ثم يفرض فيه فراضا دائريه ليركب فيها الريش ويشد عليها بالجلد المتين أو يلصقه بالغراء ويربطه ثم يركب في فمه نصلا من حديد له سنتان في عكس اتجاهه، فالقوس كالبندقية للرامي، والسهم كالذخيرة لها، ويسمى السهم والنبل والنشاب، وقد ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - القوس والسهم عمن قبلنا ففي قصة الغلام المشهورة أن الغلام قال للملك : ((إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال: وما هو؟ قال : تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل بسم الله رب الغلام ثم ارم فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني)) ففعل , فقتله.
فالسهم والقوس من الأسلحة القديمة، والذي يرمي بالقوس في سبيل الله له أجر عظيم، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((أيما مسلم رمى بسهم في سبيل الله فبلغ مخطئا أو مصيبا فله من الأجر كرقبة أعتقها من ولد إسماعيل)) رواه أحمد والطبراني عن عمرو بن عبسه وهو صحيح.
ويستمر وجود اسهم والقوس إلى قيام الساعة، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تقوم الساعة حتى يغزو سبعون ألفاً من بني إسماعيل مدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر فإذا جاؤها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرم بسهم قالوا لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها الذي في البحر ثم يقول الثانية لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر ثم يقول الثالثة لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلونها فيغنمون فبينماهم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ إن الدجال قد خرج)) رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
وفي حديث النواس بن سمعان عند مسلم وغيره في شأن خروج يأجوج ومأجوج وفيه ((فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء)) .(1/24)
4 - الخنجر: وهو معروف يحمله المحارب، وقد يحمله غيره، وقد كانت أم سليم في غزوة حنين معها خنجر أعدته لتبعج به المشركين إذا اقتربوا منها، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه مسلم في صحيحه برقم1809
5- الفأس: وهو معروف يحمله كثير من البدو خصوصاً رعاة الإبل والغنم، وجهته الأماميةمسطحة حادة، والجهة الخلفية مدببة حادة ، وهذا النوع أمضاها وأعظمها أثراً ، وأحسن أنواع الفؤوس ما كان من الحديد المعروف بالهندوان.
6- المنجنيق والعرادة: وهذا السلاح شديد النكاية بالأعداء بعيد الأثر في قتلهم فهو يرمي بالحجارة التي تهدم الحصون والأبراج وبقنابله التي تحرق الدور والمعسكرات، وهو يشبه سلاح المدفعية الحديثة.
والعرادة: آلة من آلة الحرب القديمة، وهي منجنيق صغير، والمنجنيق جعل في أول أمره على شكل قاعدة من الخشب السميك مربعة أو مستطيلة يرتفع في وسطها عمود خشبي ثم يركب أعلاه ذراع المنجنيق قابلاً للحركة بحيث يكون ربعه تقريباً للأسفل يتدلى من صندوق خشبي مملوء بالرصاص والحجارة والحديد ونحو ذلك ويختلف حجمه باختلاف المنجنيق وتكون ثلاثة أرباع الذراع للأعلى تتدلى في نهايتها شبكة مصنوعة من حبال قوية يوضع فيها الحجر المراد قذفه، وعند القذف به يجذب على الذراع إلى الأر ... ض بقوة الرجال فيرتفع الثقل المقابل من الحجارة والرصاص والحديد الذي في الصندوق ثم يترك الذراع فجأة فيهوي الثقل ويرتفع على الذراع بالشبكة قاذفا ما فيها من الحجارة إلى الهدف المعين، ومع مرور الزمان شمل التحسين هذا السلاح.
وقد ذكر بعض المؤرخين أن أول من استعمل المنجنيق هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حصار أهل الطائف ولكن الحديث الوارد في ذلك غير صحيح، والصحيح انه مرسل.
وقد روى أبو داود في المراسيل أن يحيى بن سعيد الأنصاري سئل عن حصار أهل الطائف بالمنجنيق فأنكر ذلك ، والصحيح أنه استعمل في عهد بني أمية.(1/25)
7- الدبابة: وهي آلة تتخذ للحرب وهدم الحصون، وسميت بذلك لأنها تدب حتى تصل إلى الحصون ثم يعمل الرجال الذين بداخلها في ثقب أسوارها بالآلات التي تحفر، وكانت أول الأمر عبارة عن هودج مصنوع من كتل خشبية صلبة على هيئة برج مربع له سقف من ذلك الخشب، ولا أر ... ض له، وبين كتل البرج مسافات قليلة يستطيع الرجال العمل من خلالها، وقد يثبت هذا الهودج على قاعدة خشبية لها عجلات أربع أو أكثر أو بكرات صغيرة كالعجل متخذين منها درعاً يقيهم سهام الأعداء من فوق الأسوار، وبمرور الزمان زاد المسلمون من حجم الدبابة فصاروا يصنعونها كبيرة بحيث تجر على ست عجلات أو ثمان وتسع، الواحدة لعشرة رجال أو أكثر يعملون بها على ثقب السور.
8- رأس الكبش وسلم الحصار: يحمل رأس الكبش داخل برج خشبي أو داخل دبابة وهو كتلة خشبية ضخمة مستديرة يبلغ طولها حوالي عشرة أمتار أو أكثر قد ركب في نهايتها مما يلي العدو رأس من الحديد أو القولاذ يشبه رأس الكبش تماماً كما يركب السنان الحديدي على الرمح الخبشي وتتدلى هذه الكتلة من سطح البرج محمولة بسلاسل أو حبال قوية تربطها من موضعين فإذا أراد الجندي هدم سور أوباب قربوا البرج منه ثم وقفوا داخله على العوارض الخشبية ثم يأخذون في أرجحة رأس الكبش للخلف والأمام ويصدمون به السور عدة مرات حتى ينهار.
والسلم هو آلة من آلات الحصار يساعد المحاصر على اعتلاء الأسوار وفتح مغاليق الحصون.
9- الأساطيل البحرية : ذكر صاحب كتاب " صراع العرب خلال العصور" (ص/37) قال : (اهتم معاوية بن أبي سفيان ببناء أول أسطول إسلامي، وقد بلغت قطعه في عهده (170) قطعة بحرية، فتح به جزيرة قبرص ودودوس وبعض جزر اليونان.(1/26)
10- المدافع والأساطيل في عهد محمد الفاتح: لقد مكن الله لمحمد الفاتح العثماني من فتح القسطنطنية بأسلحة حديثة قال اليارون كارادي وهو يتحدث عن فتوحات محمد الفاتح : (إن هذا الفتح لم يفيض لمحمد الفاتح اتفاقا ولا تيسر لمجرد ضعف دولة بنزيطية بل إن هذا السلطان يدبر التدابير للأمة من قبل ويستخدم له كل ما كان في عصره من قوة العلم، فقد كانت المدافع حينئذ حديثة العهد بالإيجاد ، ومع ذلك استخدم مدفعا وزن الكرة التي يرمي بها (300) كيلو جرام، وكان مدى مرماه أكثر من ميل ...إلى أن قال وكان أسطوله المحاصر للبلدة من البحر (120) سفينة حربية ) نقلاً عن كتاب "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" وذكر
صا حب كتاب "العثمانيون في التاريخ والحضارة" ما لفظه : (إن المدافع التي أعدها محمد الفاتح لفتح القسطنطنية بلغت مائتي مدفع) وذكر أن السفن البحرية بلغت (أربعمائة سفينة) وأول من اخترع المدفعية الهاون هم العثمانيون.
آداب من يحمل السلاح:
روى الإمام البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من مرّ بشيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها لا يعقر بكفه مسلما)).
فانظر إلى العناية الإسلامية بالمسلم, فهو يحذر المسلمين أن يتسبب أحدهم في جرح مسلم ولو بدون تعمد, وهذا من حقوق المسلمين على بعضهم بعضا: أن يراعوا حرمات بعضهم بعضا, فالقطرة الواحدة من دماء المسلمين محرمة على المسلم في حال الخطأ فلا تهدر. فكيف بمن يتعمد ذلك؟.
ومن الآداب العظيمة في هذا الباب ما جاء من حديث أبي بكرة عند أحمد والطبراني في الكبير والحاكم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا سل أحدكم سيفا لينظر إليه, فأراد أن يناوله أخاه فليغمده ثم يناوله إياه)) والحديث حسن.(1/27)
ومن هذه الأحاديث وأمثالها نستفيد الحرص التام على صيانة دماء المسلمين. فما أعظمه من دين لو أن له رجالا يعملون به في السراء والضراء.
ظاهرة حمل السلاح في الأعياد بين المسلمين:
روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال للحجاج بن يوسف الثقفي وهو يمشي: "إنك أمرت بحمل السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه".
وقول ابن عمر هذا له حكم الرفع, وظاهر الحديث: كراهة حمل السلاح يوم العيد في غير حضرة العدو.
وجاءت أحاديث فيها التصريح بالنهي عن حمل السلاح يوم العيد لكنها ضعيفة.
وهذه الكراهة: الذي يظهر أنها منصبة على من حمله أشَراً وبطرا ومن حمله للافتخار, أو من حمله وهو لم يتعلم ولم يعرف الرماية.
فإن الإسلام دعا المسلمين إلى حمل السلاح لتعلم الرماية عموما, وهذا الذي ذكرنا هو ترجيح الحافظ ابن حجر في "الفتح" وغيره من العلماء.
إباحة تعلم الرماية في العيد وفي غيره:
روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنهما قالت -وهي تتحدث عن أولاد الحبشة-: "وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب ... -إلى قولها- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((دونكم يا بني أرْفِدَه))".
وانظر حفظك الله ما ينبغي أن يعمل في يوم العيد, فهاهم أبناء المسلمين يتعلمون الرماية على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والرسول - صلى الله عليه وسلم - يراهم وينظر إليهم, فهذا اللهو هو من أفضل أنواع اللهو المستحب.
وتعلم الرماية كما تقدم ليس محصورا في المناسبات فحسب. ولكن يوجد الوقت في المناسبات عند بعض الناس, ما لم يوجد في غيرها.
فلماذا أصيب بعض أبناء المسلمين بالانحراف فجعلوا أيام العيد حروبا طاحنة بينهم وبين إخوانهم المسلمين ؟!.
حمل الأولاد السلاح:
اعلم أيها المسلم: أن السلاح ولا يحابي أحدا, فمن أطلقه انطلق. ومن الخطر المدلهم أن يعطي الأولاد السلاح ويسمح لهم بالتنقل والتجول به في أوساط الناس دون رقيب عليهم, فتحصل منهم الدواهي.(1/28)
كيف لا؟ وغالب ما ذكرناه سابقا من الحوادث إنما هو من قبل الأولاد, كانوا بالغين أو غير بالغين. وعند أن نحذر المسلم من إعطاء ولده السلاح إعطاء مطلقا ندعو المسلم إلى الاهتمام البالغ بتعليم الأولاد حمل السلاح وتعليم الأولاد الرماية وإجادتها.
والفرق شاسع بين من يقوم بتعليم ولده الرماية وحمل السلاح وبين من يعطيه سلاحا وهو لا يجيد حمله فضلا عن أن يجيد الرماية به.
والولد بحاجة إلى إشراف عليه , وإعطاء السلاح ليلبسه بين الناس وبين زملائه أمر يحتاج إلى انتباه واعتناء بالتوجيهات النافعة. ويعلّم الولد أنه لا يضع الرصاص في بيت النار, وإذا أردت أن يتعلم فك السلاح فليبدأ بإخراج جميع الرصاص مع إبعاد مخزن الذخيرة , وإذا طلب منه زميله السلاح لينظر فيه، يبعد جميع الرصاص ويعطيه السلاح بدون الرصاص.
وقد سبق أن ذكرنا أحاديث تدل على مدى تشجيع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأبناء المسلمين على تعلم الرماية. وهل نحن إلا مقتدون به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟.
التساهل أساس لهذه الفتن:
لقد ابتلي بعض المسلمين بالتساهل في أمر الرماية بالطرق المذمومة. وأدى هذا التساهل إلى عواقب وخيمة ما كانوا يتوقعونها, ومن أنواع التساهل عند هؤلاء:
1- ترك الرصاص في بيت النار, ولغير ضرورة. فقد يمشي بين الناس والرصاص في بيت النار, وقد يضع السلاح في بيته والرصاص في بيت النار, بل وبعضهم يفتخر بهذا, عياذا بالله. وبسبب هذا الفعل يكثر القتل, وبالذات في أوساط البيوت, فكم من آباء وأمهات وأخوة وأعمام وعمات قتلوا بسبب هذا؟. ومن أعجب ما أخبرني به رجل: أن رجلا دخل ليصب الماء للضيوف ومعه السلاح, فسقط السلاح عليه ووقع على الأرض والرصاصة في بيت النار, فقرحت الرصاصة ودخلت من حلق صاحب السلاح وخرجت من بين كتفيه. وإلى الله المشتكى.(1/29)
2- عند أخذ السلاح وإعطائه بعض المسلمين يفعلون ذلك بدون حذر, فقد يعطي فلانا السلاح والأمان مفتوح, أو الرصاصة في بيت النار, وقد يعطيه مع القرن دون أن يأخذ القرن, لأن الغالب على من يعطى لهم السلاح أنهم فضوليون يتدخلون فيما لا يعنيهم , بطريقة التعامل مع السلاح. ولو عمل هؤلاء بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكان خيرا وأحسن عاقبة, وفي الحديث: (( ... فإذا أراد أن يناوله أخاه فليغمده ثم يناوله)), رواه أحمد عن أبي بكرة .
3- اللعب بالسلاح والمزاح به. وهذا من الأمور الممنوعة شرعا.
ألا ترى إلى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح, فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار)) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
وقد ذكرت بعض الجرائد أن رجلا عروسا في ليلة العرس دخل على أهله في الغرفة الخاصة بهما, وكلاهما ضيف عزيز على الآخر, فقام هذا العروس وأخذ السلاح وهو معلق فوقه, وجعل ينظر إلى السلاح ويصفه لزوجته ويحركه ويلعب به, وفي منتصف الليل قتل الرجل عروسه, فسمعه أهل البيت فجاءوا ينظرون حقيقة الأمر فوجدوا الرجل قد قتل زوجته. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
4- ترك السلاح في متناول الأولاد, فبعضهم يضع المسدس أوالآلي أوالبندقية أو القنابل على الأرض أو على الرف الذي بإمكان الأولاد أن يصلوا إليه بسهولة.
بل بعضهم يعمل ذلك افتخارا وإظهارا للناس أنه صاحب سلاح كثير.
وكما تعلم أن الغالب على الأولاد كثرة اللعب, لا يقر لهم قرار, وكم فوجئ الآباء بإخراج الجنازة من البيوت بسبب هذا الإهمال, والتساهل, وهذه القضية, أشهر من أن تذكر. ولكن ذكرى لعلهم ينتهون.
أهمية تسلح العالم العربي:(1/30)
للعالم العربي أهمية كبرى في نظر الإسلام أولاً، ولهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا – وحلق بأصيعه الإبهام والتي تليها-قيل أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث))متفق عليه فأفاد الحديث أن فساد العرب أخطر من فساد غيرهم ، وللوطن العربي وعالمه أهمية كبرى في نظر الأعداء فهم يتسابقون عليه، فكيف لا يأخذ بأسباب القوة الدينية والدنيوية؟.فيه أصحاب العقول والمواهب العظيمة. فيه الرجال المقاتلون وأصحاب الغيرة والشهامة.
وأما من جهة الأرض فلها مزايا وخصائص، ومن ذلك:
1- وجود نهري النيل والفرات، والمعارك الآن كبيرة من قبل الدولة اليهودية ومن إليها من أجل استلاب مياه هذين النهرين واغتصاب أرضهما , وقد تم لأمريكا استلاب نهر الفرات ونهر دجلا.
2- الوطن العربيفيه المنافذ البحرية الاستراتيجية , مضيق باب المندب , وقناة السويس , ومضيق هرمز , ومضيق جبل طارق.
3- وفيه الشام، ذات الأرض المباركة ومهبط وحي كثير من الأنبياء، وموقعها الاستراتيجي العظيم.
4- وفيه أكثر من 80/0 من مخزون العالم من النفط.
فالوطن العربي : محط أنظار زعماء اليهود والنصارى وملتقى مطامعهم وميدان تنافسهم لقيادته، وقد أثخن الأعداء الضربة على العالم العربي حتى لا تقوم له قائمة في نظرهم، ولكن بإذن الله ستقوم قائمة العرب، وذلك عند أن يتمسكوا بالإسلام نفسه، وقد أضر بالعرب التفرق والتمزق إلى قوميات وحزبيات ودويلات .(1/31)
ومن هنا ينبغي أن تعلم أن العرب لا عز لهم إلا بالإسلام، فلم ينفع العرب الرجوع إلى القومية العربية بالرغم أنه ظن من ظن منهم أنها موئل العز، وتجاهلوا أن العرب كانوا قبل الإسلام لا قيمة لهم ، فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه حررهم وجعلهم قادة الأمم، ، فالدول والشعوب العربية مضطرة إلى الأخذ بأسباب النصر والقوة، ومن ذلك إعداد الجيوش المقاتلة وتجهيز الأسلحة المتطورة، والبحث عن ذوي الكفاآت والخبرة في القيادة ومواجهة الأعداء.
إعداد الأمة الإسلامية لقيادة العالم
أخي المسلم : لا ينبغي أن تخفى عليك الحقائق فبالرغم مما تعانيه أمة الإسلام من ضعف لم يسبق له مثيل في تاريخها إلا أنها تمتلك مقومات العز والمجد، والنصر، والهداية، والصلاح، وكيف لا وبين يديها القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكيف لا والأمة عندها سياسة الخلفاء الراشدين التي ملأت الدنيا خيراً، وبراً، وعدلاً، فالمستقبل القريب بإذن الله لأمة الإسلام، وقد سردنا الأدلة على ذلك في آخر كتابنا "المؤامرة الكبرى على المرأة المسلمة" وقد قال الله تعالى :{والعاقبة للمتقين} ومهما رأينا الآن من أعمال في المسلمين تخالف الإسلام فإنها لا تجعلنا نيأس إذ أن الذي يعمل الشر يرجى له أن يعمل الخير في الغد، والذي يعمل الشر اليوم قد لا يقبل منه في الغد، لأنه قد يأتي في الغد وهو غير موجود، فالأحوال تتقلب من حسن إلى أحسن، ومن سوء إلى حسن، والعكس , ولهذا قال أحد القادة الذين هزموا في المعركة : (ضربة لا تقتلني لا تزيدني إلا قوة) وأنا أقول: لا يزيد المسلم محاربة الكفار للإسلام إلا حباً للإسلام وإقبالا عليه.(1/32)
فندعو أمة الإسلام حاكماً ومحكوماً، وعالماً ومتعلماً إلى الأخذ بأسباب النصر، فالقوة قوتان لا بد منهما: قوة معنوية، وهي المتمثلة في الرجوع إلى الإسلام نفسه، والعمل به ظاهراً وباطناً، وقوة مادية وهي المتمثلة في إعداد العدة العسكرية لمواجهة أعداء الإسلام، والأخذ بالسياسة الشرعية، وهذا سهل على من سهله الله له.
نسأل الله أن يعز الإسلام وأهله، وأن يذل الشرك وأهله. والله المستعان.
حرمة المسلم في الإسلام
اعلم أيها المسلم: أن حرمة المسلم عند الله أعظم من حرمة الكعبة, قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتواتر: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا)), بل حرمة المسلم أعظم عند الله من الدنيا وما فيها من ماديات, فقد صح عند ابن ماجه والترمذي والنسائي من حديث بريدة وابن عمر والبراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم بغير حق)).
فانظر إلى حرمة المسلم في شرع الله, فهو أغلى من الأرض وما تحويه .ولعظمة حرمة المسلم جعل الله من قتل مؤمنا بغير حق كمن قتل الناس جميعا من مؤمنين وكافرين على أحد التفاسير , قال تعالى: { ومن أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا } [المائدة] .
ولما للمسلم من حرمة عظيمة جعل الله كل من آذاه معرضا لأشد العذاب, فقد روى الترمذي من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لكبهم الله عز وجل في النار)) وهوصحيح.
فالمؤمن الواحد أفضل من جميع الكافرين, ولقد قال عمر بن عبدالعزيز: "والله لمسلم واحد أحب إلي من الروم وماحوت".(1/33)
وقد جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - اجتماع الشر فيمن يحتقر المسلم, كما قال عيه الصلاة والسلام: ((بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) رواه مسلم عن أبي هريرة.
عدد القتلى من المسلمين والكفار
في غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
أخي المسلم لقد غزى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدة غزوات صح منها إحدى وعشرون غزوة، وأوصل بعضهم عددها إلى ثمانية وعشرين غزوة، ولنبقى مع ما صح منها، وقد بلغت سراياه - صلى الله عليه وسلم - سبعاً وأربعين سرية، وهذا العدد شبه متفق عليه عند أصحاب السير، وإن كان بعضهم يذكر أكثر من ذلك،
ومع هذه الغزوات الكثيرة التي قادها النبي - صلى الله عليه وسلم - مجاهداً للكفار تصور كم بلغ قتلى المسلمين فيها، وقتلى المشركين، هاك ما ذكره صاحب كتاب "سيرة رحمة للعالمين" (2/26-262) قال : (عدد قتلى كل من الفريقين (1018) قتيل، المسلمون منهم (259) والكفار (759) وذكر عدد الأسرى الذين أسرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (وعدد أسرى الأعداء يبدو كبيراً أي (6564) أسيراً ولكن هذا العدد أيضاً ضئيل بالنسبة لجزيرة العرب...أطلق منهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - (6347) رجل شفقة ورحمة بدون شرط إلا الأسيرين اللذين قتلا جزاء من الجريمة، وقد بقي (215) أسيراً لم أعرف مصيرهم، وأنا متأكد ومؤمن بأن الرجل الكريم الذي أحسن إلى (6347) رجل لا بد أن يكون (215) قد تمتعوا بلطفه وكرمه، والغالب أن يكون هؤلاء قد أسلموا وبقوا في المسلمين، فلم يعدوا من المعتقين .أهـ .(1/34)
أخي المسلم: انظر بعين الاعتبار والتأمل إلى الرحمة الإلهية بالناس في فرض الجهاد وإلى الرحمة النبوية، لقد فتحت الجزيرة العربية وقضي على المرتدين فيها وعباد الأوثان، وعلى إحداث القتل والنهب والسلب، ولم يحصل من القتلى إلا هذا العدد القليل الذي ذكرنا، وانظر إلى حسن المعاملة حيث أطلق الرسول - صلى الله عليه وسلم - أكثر الأسرى، فالجهاد في سبيل الله هو سبب لبقاء المسلمين وعزهم وأمنهم وسبب لهداية الكفار، وإن لم تدقع الجزية، وبهذا يعيش المسلمون ويعيش الكفار، إذاً فالجهاد في سبيل الله المراد منه إبقاء الناس على خير وسعادة.
ولا يخفى أن من الرحمة الإلهية المهداة تحريم قتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لم يشاركوا في القتال، روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((نهى عن قتل النساء والصبيان)) وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث جيشاً قال : ((انطلقوا باسم الله لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا...)) رواه أبو داود وغيره.
أخي المسلم عند أن تقرأ في "نسختنا" هذه نبذة عن نتائج الحروب التي يقودها الكفار ضد بعضهم بعضاً وضد المسلمين في الفصول الآتية ستعرف كم الفرق بين الجهاد في سبيل الله وبين الحروب التي يقوم بها الكفار.
خطورة حمل السلاح ضد المسلمين:(1/35)
أخي المسلم: إن من أعظم الانتهاك لحرمة المسلم حمل السلاح عليه, وكيف لا يكون كذلك والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا التقى المسلمان وحمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم, فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعا)) رواه مسلم وأحمد وغيرهما عن أبي بكرة, وهو في الصحيحين بلفظ قريب من هذا وفيه: يا رسول الله: هذا القاتل -أي دخل النار- فما بال المقتول؟ قال: ((إنه كان حريصا على قتل صاحبه)). وبإسناد حسن عند البزار عن أبي بكرة رضي الله عنه بلفظ: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إذا أشهر المسلم على أخيه سلاحا فلا تزال الملائكة تلعنه حتى يشيحه عنه)). ومن حديث ابن عمر وجرير وأبي بكرة في الصحيحين ومن حديث ابن عباس في البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)). ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح, فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار)).
إن هذه الأحاديث تبين أخطارا عظيمة يقع فيها من حمل السلاح على المسلم, وهي كالآتي:
1. الإشارة بالسلاح على المسلم محرمة.
2. حمل السلاح على المسلم ورفعه عليه سبب للوقوع في لعنة الملائكة المأمورة من قبل الله بلعن الفاعل.
3. حمل السلاح على المؤمن -وإن لم يضرب به- مؤدي إلى إيصال صاحبه إلى النار.(1/36)
4. حامل السلاح على المسلم ليس على هدي الإسلام ولا على طريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الرحمة بالمسلم والخوف من عذاب الله ومراقبة الله, فالرسول بريء من حامل السلاح ضد أخيه المسلم بغيا وعدوانا, لأن معنى "ليس منا": تبرّؤ منه عليه الصلاة والسلام من حامل السلاح على المسلم. ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : ((ليس منا من ضرب الخدود ... )) متفق عليه من حديث ابن مسعود.وقد فسره حديث أبي موسى في الصحيحين ولفظه: ((أنا بريء من الصالقة).
وهذه البراءة جزئية لا كلية, وتكون على حسب الذنب الذي يرتكبه المسلم, فالبراءة هنا من أعظم أنواع البراءات الجزئية, وهذه البراءة قد تكون سببا لعدم الشفاعة يوم القيامة للمتبرأ منه, وغير ذلك من العقوبات.
أخي المسلم : فإذا كان حامل السلاح على أخيه المسلم يتلقى هذه , فكيف بمن حمل السلاح وضرب به المسلم فعلا ؟.
فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما)) رواه البخاري من حديث ابن عمر وقد جاء عند أبي داود من حديث أبي الدرداء.
فإذا كان المسلم تسد عنه أبواب الخير وتغلق دونه, ويلاحقه الشقاء بقية عمره إلا أن يشاء الله في قطرات يصيبها من دم, فما بالك بمن يقتل مجموعة من المسلمين ظلما وعدوانا ؟.
هاهو القرآن يبين لنا ذلك: يقول الله سبحانه وتعالى: { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها أبدا وغضب الله عليه ولعنه وأعدله عذابا عظيما } [النساء].
وهذا العذاب في قتل مؤمن واحد, فكيف بمن قتل أكثر من مؤمن ظلما وعدوانا ؟.
فأشقى المسلمين هذا الذي يقتل النفس المحرمة, وأشقى منه من اغتبط لقتل مسلم - أي سر وفرح-,
فقد جاء عند أبي داود من حديث عبادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ))من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا)) أي لا يقبل الله منه فريضة ولا نفلا. فلا حول ولا قوة إلا بالله.(1/37)
خطر العصبية على المسلمين:
العصبية الجاهلية مرض مترسب في بعض المسلمين, ويزيد الأمر خطورة وجود الأسلحة النارية وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن العصبية من أمور الجاهلية فقال - صلى الله عليه وسلم - : ((أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن: الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب ... )) رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري.
واستعصاء هذا المرض في أمة الإسلام ليس ناجما عن عدم وجود العلاج, بل عن عدم استخدام هذا العلاج في محله, وهذا الدواء فأين المتداوون؟.
روى الإمام البخاري ومسلم وغيرهما من حديث جابر أن رجلا من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار, فقال الأنصاري: يا للأنصار, وقال المهاجري: يا للمهاجرين, فأخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أوقد فعلوها؟)) فجمعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة)). فما كان من الصحابة الكرام عند أن سمعوا أنها الجاهلية إلا أن تركوها رضي الله عنهم, ولم يعودوا إليها أبدا حتى توفاهم الله.
فما بالك بالكثير من المسلمين يرتكسون في أمور الجاهلية ويعتزون بها؟
ألم يعلموا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : ((أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم, ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية, ومطّلب دم امرئٍ مسلم بغير حق ليهريق دمه)) رواه البخاري والطبراني عن ابن عباس.
فإذا كان مبتغي سنة الجاهلية ولو سنة واحدة أبغض الرجال عند الله, وهي إرادة بالقلب, فكيف بمن يدعو إليها؟ بل كيف بمن يقاتل من أجلها؟ بل كيف بمن يسعى لنشر فتن جاهلية كثيرة؟.
لا يخفاك أن الذي يقبل هذه الجاهلية شقي هين على الله, لا يبالي الله في أي وادٍ أهلكه.(1/38)
روى الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها, فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله, وفاجر شقي هين على الله)).
بل في حديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود: ((إنما هم فحم من فحم جهنم, وليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن)) والحديث حسن.
والجعلان: حيوان يقلّب ما يخرج من الإنسان.
أخي المسلم: إذا قبلت العصبية الجاهلية أهنت أخوة الإسلام, وهي من لوازم إيمان المسلم ونصر المبطل والظالم وصرت ضد المحق والمظلوم, وما أشد هذا الظلم, والظلم ظلما يوم القيامة.
وهذه العصبية الجاهلية يشتد خطرها على المسلمين في بعض الأحايين, وذلك عند أن يتقاتلون بسببها, وتزهق الأنفس المحرمة من أجلها, بل قد يحصد هؤلاء أنفسهم في لحظة من اللحظات, فقد حصل أن قتل ثلاثة عشر شخصا من أسرتين في لحظة واحدة بل وفي يوم العيد بسبب التعصبات.
وإذا وصلت الجاهلية بأصحابها إلى هذا الحد في الدنيا فكيف حالهم يوم لقاء الله؟.
هذا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبرنا, قال: (( يجيء الرجل آخذا بيد الرجل فيقول: يا رب هذا قتلني, فيقول الله له: لم قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون لك العزة, فيقول: فإنها لي, ويجيء الرجل آخذا بيد الرجل, فيقول: أي رب إن هذا قتلني, فيقول الله: لم قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان, فيقول: إنها ليست لفلان, فيبوء بإثمه)) رواه النسائي من حديث ابن مسعود وهو صحيح.
بل ومن عظائم بلاء هذه العصبية الجاهلية أن أصحابها ربما قتلوا البريء, وفي المثل عند بعضهم: (إن لم تجد القاتل فابن عمه), خابوا وخسروا.
أخي المسلم: إن هذه العصبية الجاهلية هي الجالبة لعواقب وخيمة, ومن ذلك:(1/39)
1- قتل النفس المحرمة بغير حق, وهذه ورطة ليس منها مخرج إلا أن يشاء الله, قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)) رواه الترمذي من حديث ابن عمر وهو صحيح. بل يقول الله تعالى: { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدله عذابا عظيما } [النساء] .
2- يتحمل من فتح باب هذه العصبية أوزارا مثل أوزار من قتل بعده بسببه, فقد جاء في البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها -أي وزر- لأنه أول من سن القتل)). وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((...ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)) رواه مسلم وأحمد وغيرهما من حديث جرير. وهذه الفتنة قد تستمر قرونا كثيرة في بعض الأحايين, فقد تحصد الآباء ويأتي الأبناء فتحصدهم ويأتي أبناء الأبناء فتحصدهم وهلم جرا. فالذين أشعلوها وأسسوها تلحقهم الأوزار والذنوب العظيمة إلى قبورهم بعد موتهم بقرون طويلة, فهيهات هيهات أن يسعد صانعوا هذه الفتن.
3- هذه العصبية فيها يُتْمٌ للأطفال وإرمال للنساء، وما أخطر هذا.
4- هذه الفتنة فيها التشريد من البلاد، وياويل من تسبب في هذا.
5- هذه الفتنة فيها محاربة الإسلام, فالمساجد تعطل من المصلين والدعاة يحجبون عن الوصول إلى الأماكن التي تمكنت منها هذه الفتنة.
6- فيها تمزيق الأسر وتمزيق الأمة, وهذا من الخطر بمكان.
7- هي سبب لتمكن أعداء الإسلام من المسلمين والقضاء على المسلمين من قبلهم.
8- فيها قطع صلة الأرحام, وهذا يجلب اللعنة على فاعل ذلك, قال تعال: { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } [محمد] .(1/40)
لقد دعا الإسلام المسلمين إلى الرحمة والتراحم بل رغب في رحمة الحيوان فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((بينما كلب يطيف بركية (البئر) كاد يقتله العطش , إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها له فسقته به فغُفر لها)) متفق عليه عن أبي هريرة.
فإذا كانت رحمة الكلب سبب لمغفرة الله فما بالك برحمة المسلم والإحسان إليه والصبر عليه والعفو عنه وكضم الغيظ عنه والتعاون معه على البر؟.
وبالمقابل امرأة أخرى ظلمت هرة, فدخلت النار روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة وهو في البخاري من حديث ابن عمر, قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت)), فإذا كان ظلم هرة بإهمالها فقط لا بقتلها مباشرة يؤدي بالظالم إلى جهنم, فما بالك بمن يقتل مسلما عمدا؟
اللهم جنبنا أسباب سخطك , إنك على كل شيء قدير .
جرائم استخدام الأسلحة النارية من قبل الكفار
استخدام الكفار للأسلحة يختلف عن استخدامها من قبل المسلمين، فقد تقدم لك أن استخدام المسلمين للسلاح في قتال الكفار من رحمة الله تعالى. واستخدام الكفار للسلاح فيه أخطار بالغة كفيلة بتدمير الشعوب والأمم، وإليك بعض الحقائق عن استخدام الكفار للأسلحة في عصرنا :
1- القنبلة الذرية : لقد قامت أمريكا بإلقاء قنبلتيها الذرية في مدينة هيروشيما وناكازاكي في عام 1945م ، وقد أعلن رئيس بلدية هيروشيما أن الذين هلكوا من اليابانيين يتراوح عددهم بين مئتين وعشرة آلاف (210000) ومئتين وأربعين ألفا (240000) والذين يعرفون السياسة الأمريكية يدركون سبب إلقاء أمريكا القنبلتين في اليابان. ولهذا قال الرئيس الأمريكي هاري ترومان بعد إلقاء القنبلتين : (العالم الآن في متناول أيدينا).(1/41)
أخي المسلم هل من أمان على الناس بعد وجود هذه الأسلحة المدمرة ؟ ألا تستيقظ فإذا كانت قنبلتان تدمر مائتي ألف في حال تجربتها فكيف إذا فجرت في أيام الحرب!!.
2- القتلى والاصابات في الحرب العالمية الأولى ، لقد ذكر صاحب كتاب "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" (ص/291) قال : (أما المصابون في حرب 1914، 1918م الكونيةفبلغ عددهم على الأصح واحد وعشرون مليون نسمة عدد المقتولين منهم سبعة ملايين .
وذكر الحرب العالمية الثانية فقال :(وقدر المسترمكستن عضو البرلمان الانجليزي أن المصابين في الحرب الثانية الكبرى عام 1939 لا يقل عددهم عن خمسين مليونا (50,000،000) وذكر المنصور فوري في كتابه "رحمة للعالمين" (2/263) في الهامش أن صحيفة "همدم" الصادرة في (17) من ابريل سنة 1919م نشرت عدد قتلى الحرب الكونية في الحرب العالمية الأولى ، وبعد أن ذكر ما ذكرته الصحيفة من عدد القتلى في الدول المشتركة في الحرب قال : (المجموع الكلي (38،730000)
ولم تكن هذه الابادات كافية للاعتبار عند هؤلاء الكفار بل إنهم يعدون للحرب العالمية الثالثة على زعمهم وأنها نهاية العالم على أيدي اليهود، وأن اليهود سيقودون العالم، ونحن نقول كما قال الله : {لله الأمر من قبل ومن بعد} [الروم] أما لو جئنا نتصفح استخدام اليهود والنصارى والشيوعيين للسلاح ضد المسلمين دون غيرهم فنجد الابادة التامة للمدن والقرى وتصفية للأرض من وجود مسلم وعلى سبيل المثال: الشيوعية أبادت أكثر من عشرين مليوناً من المسلمين، ولقد كان نصيب شعب شمال القوقاز من الابادة حدود مليونين ونصف، انظر كتاب "الكيد الأحمر" (ص/266-267) بل أباد ت الشيوعية شعوبا إسلامية بأكملها كشعب القرم فقد كان خمسة ملايين في عام 1914م وفي عام 1945م لم يبق منه فرد واحد، وهكذا قل في شعب التركستان ،(1/42)
وهذه الابادة التي قام بها الشيوعيون قد شاركهم فيها النصارى واليهود إلى جانب ما قام به كل من اليهود والنصارى من إبادة المسلمين في أماكن كثيرة من أصقاع الأرض، ولا تنسى ما يقوم به اليهود ضد الفلسطينين من مذابح يندى لها الجبين , وهذه المذابح مستمرة إلى ساعتنا هذه , ناهيك عن الاغتيالات والابادة بأنواع من القصف بالمدافع والصواريخ وغير ذلك مما أبيد به المسلمون،
وهدمت به المنازل بل والمساجد، عن طريق اليهود ويساعدهم إخوانهم النصارى.
وأما النصارى في إبادة المسلمين فلهم جرائم تشمل قارة آسيا، وقارة أفريقيا، وأما قارة أوروبا فقد صرح زعماء النصارى كثيراً أنهم لا يسمحون ببقاء المسلمين فيها، فضلاً عن أن تكون للمسلمين دولة. قال زعيم حزب الصرب النصراني : (أما أنتم أيها المسلمون فسوف نمهد لكم الطريق للرحيل إلى مكة، والمدينة، وإيران، وتركيا، إذ لا يمكن أن تعيشوا هنا فهذه ليست أرضاً إسلامية)
ولا يخفاك ما قام به النصارى الصرب من قتل وإبادة وتشريد للمسلمين، فقد بلغ عدد قتلى المسلمين في البوسنة والهرسك مائة وثمانية وعشرين ألفا في مدة سنة واحدة، نقلاً عن كتاب "حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى..." (ص/323) .
وعندما وصل جرج دبليو بوش إلى كرسي الرئاسة الأمريكية ؛ عين له وزراء صليبيين حاقدين على الإسلام وأهله؛ وكذلك عين كبار المسؤلين في البيت الأبيض من اليهود , ووزارة الدفاع من أجل أن ينفذوا مخططا كبيرا , في بلاد المسلمين , تحت ذرائع كثيرة ؛ وقد صرح بوش في الكنجرس بقوله : ( إنها حملة صليبة جديدة ) ومعنى ذلك أنها حرب دينية ؛ ومن هؤلاء القياديين نائبه : (ديك تشيني) , ووزير الدفاع (مسفلد) وهذان الرجلان قد سخرا حياتهما لخدمة اليهود .(1/43)
وفي عام 2002م شنت أمريكا وحلفائها حربا شرسة على أفغانستان ؛ بدعوى ضرب الإرهابيين –أي الإسلاميين- واستخدمت فيها أسلحة حديثة ومتطورة . وفي عام 2003م قامت أمريكا وبريطانيا بالهجوم على الشعب العربي العراقي ؛ بدعوى نزع أسلحة الدمار الشامل , استخد متا فيها جميع أنواع الأسلحة الفتاكة , بما في ذلك , سلاح كيماوي .
أخي المسلم: بعد هذا العرض المختصر أفلا تجزم بأن الجهاد في سبيل الله رحمة حتى بالكافرين، فكيف لا تعد العدة لتجاهد في سبيل الله؟!. اللهم عليك بالكفار، اللهم ارفع علم الجهاد واقمع أهل الشرك والفساد.
محاربة تصنيع السلاح في الدول العربية والإسلامية
إن أعداء الإسلام من يهود ونصارى يقفون ضد تصنيع السلاح في الدول العربية والإسلامية. كما سيتبين ذلك بالآتي:
أ- إلغاء المصانع الحربية العربية التي تم بناؤها بقدرات عربية في العراق ومصر وغيرهما .
ب- تدمير المفاعل النووي العراقي على مرأى ومسمع من الدول, وكان هذا التدمير أثناء الحرب العراقية الإيرانية عام 1982م من قبل الطائرات اليهودية .
ج- تدمير القمر الصناعي التركي.
د- وقوف أمريكا مع الدولة اليهودية في محاربة فكرة تصنيع الأسلحة.
ه- جهود أمريكا و الدولة اليهودية ضد تصنيع السلاح في باكستانخصوصا : النووي.
و- وقوف أمريكا والدولة اليهودية ضد أي صفقة أسلحة حديثة تريد الدول العربية والإسلامية شراءها.
وبالمقابل مكنت أمريكا إسرائيل من تصنيع الأسلحة التي تأمل أن تقضي بها على العرب بل والمسلمين, ومن ذلك:
أ- صناعة ترسانة نووية كبيرة لم يعرف عددها.
ب- صناعة غواصات وفرقاطات بحرية حديثة.
ج- أصبحت الدولة اليهودية تشترك مع أمريكا في تصنيع الصواريخ المضادة للصواريخ, وغير ذلك من الأسلحة التي تخص هذه الدولة.(1/44)
وما لم يدركه أهل الخبرة والمعرفة بهذا الأمر أكثر وأكثر, ولسان حال أمريكا ودولة اليهود يقول: لنا الحياة ولكم الموت تدميرا وإبادة و ولا يخفى عليك ما تقوم به أمريكا , من إلزام الدول العربية , والإسلامية بالتخفيض من عدد جيوشها ؛ بحيث لا تستطيع أن تقاوم عدوا غزاها .
وعلى المسلمين أن يعلموا علم اليقين أن الأمر كله لله من قبل ومن بعد كما قال الله تعالى: { لله الأمر من قبل ومن بعد } [الروم] .
وقال سبحانه: { أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون } [الزخرف] .
وقال سبحانه: { قل الله أسرع مكرا } [يونس] .
فالله المسؤول أن يعجل بزوال أمريكا والدولة اليهودية إنه على كل شيء قدير.
بداية دخول السلاح الناري اليمن:
ذكر القاضي الوالد المؤرخ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن (1/309-310), وهو يتحدث عن الإمام/ شرف الدين الذي دعا إلى نفسه عام 912,فلما قدم الجراكسة عام (921) قال: (سارع الإمام شرف الدين فمد إليهم يد العون وتحالف معهم على القضاء على السلطان عامر بن عبدالوهاب وتم ذلك بسبب أن الجراكسة كانوا يملكون سلاحا ناريا المعروف بالبنادق العربية, ولم يكن معروفا عند أهل اليمن من قبل, فكان جنود عامربن عبدالوهاب يفرون من هذا السلاح على غير هدى ... ).
فاتضح من هذا أن السلاح الناري دخل اليمن عن طريق الجراكسة الذين قدموا لمطاردة البرتغليين عام (921) فله حدود خمسة قرون تقريبا. وهذه البنادق ما تزال معروفة إلى الآن, وقد كانت تشحن ببارود ومعها فتحة يولع الفتيل فيوضع في تلك الفتحة فيقرح البارود, وتارة تطلق رصاص بواسطة البارود.
وبعد هذا السلاح تكاثرت أنواع السلاح كمثل: السك, والسوراني, والموزر والبشلي.
ثم ظهرت الجرامل والكندة والشيكي الطويل والقصير والمسدسات.(1/45)
وبعد ذلك ظهرت الرشاشات, واتسعت الدائرة أكثر, فتواجد في أوساط الناس الرشاشات والمعدلات والدوشكا (12.7) والقنابل, والبوازيك (آر بي جي) وغير ذلك.
وكلما ظهر سلاح يقدر الناس على شرائه اشتروه واستعملوه في المناسبات في اليمن, فقد كانت الرماية في المناسبات من سابق بالبارود, وهو ما يسمى بـ"التعشيرة", وهو وإن كان فيه أضرار بالغة إلا أنه أقل مما تجدد.
ثم جاءت الأسلحة المتطورة, فاستخدم الناس السلاح كالمسدسات والأوالي والمعدلات. ثم تطور بهم الشر, فصاروا يستخدمون البوازيك والمدافع والقنابل في بعض الأماكن.
بل بعضهم قد يعمل الدنميت الذي ينسف ما وضع من أجله في لحظة.فهل من معتبر؟.
ولا يخفاك أنه كلما كان السلاح أمضى وأقوى كان ضرره في هذا الباب أعظم.
وقد كان الناس يصابون عن طريق الأوالي مثلا, فصاروا يصابون بكثرة عن طريق البوازيك والقنابل وغيرهما.
فمن كان يتوقع هذا؟, لكن الشر إذا لم يحارب ويوقف عند حده زاد انتشارا عند الناس أعظم وأعظم, والضرب بالبوازيك وغيرها يفعله المواطن العادي أما بعض المسؤولين فيضربون بالدبابات والصواريخ وغير ذلك. فنعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
عزة الشعب اليمني المسلح:
مما هو معروف في هذا الشعب أن الأسلحة متوافرة لدى أفراد الشعب فلا تكاد تجد فردا إلا وعنده أنواع من الأسلحة, وممكن أن تقسم الأسلحة عند عموم أفراد الشعب اليمني إلى قسمين:
1- أسلحة شخصية, وهي التي تبقى مع الشخص في السفر والحضر من سلاح أبيض ومسدسات ورشاشات(كلاشنكوف) وغير ذلك.
2- أسلحة في البيت: منها: ما هو مكرر من السلاح الشخصي, ومنها: ما يكون من [ أر-بي جي ] وقنابل وغير ذلك.
وأيضا بعض القبائل عندها السلاح الثقيل إما عند بعض أفرادها وإما تجتمع القبيلة على شراء أسلحة المدافع والرشاشات الثقيلة .(1/46)
إلى جانب ما سبق ذكره . فالشعب اليمني فيه أكثر من ستين مليون قطعة من الأسلحة الخاصة بالشعب , وأما سلاح الحكومة فهو غير ذلك , بل نجد الولد الذي لم يبلغ معه سلاح خاص به.
فالشعب اليمني من أغنى الشعوب بالأسلحة, فهو يتمتع بعزة وقوة وشجاعة, والشعب المسلح له هيبة عظيمة في أوساط الأمم والشعوب, بل ربما تخشاه الدول والشعوب ما لا تخشى دولته.
والشعب المسلح قد يسجل بطولات منقطعة النظير, كما حصل هذا في اليمن في مواجهة الانفصاليين, وهي: حرب قامت بين الدولة , والحزب الاشتراكي , وكانت النهاية أن رُميَ بالحزب الاشتراكي في مزبلة التاريخ إلى غير رجعة إن شاء الله.
وقد كانت مشاركة الشعب للدولة في هذه الحرب مشاركة عظيمة.
الشعب اليمني شعب سُنّي:
الشعب اليمني: مسلم سُنّي. وكيف لا يكون سنيا وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً))عن أبي هريرة في مسلم. وفي البخاري عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا)) قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله؟ قال: ((اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا)) قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله؟ قال: ((اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا)) قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله؟ قال: ((منه الزلازل والفتن ومنه يطلع قرن الشيطان)).
وقد تحقق ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - , فالفتن قد جاءت كثيرة جدا من جهة المشرق قديما وحديثا.
وعند مسلم وغيره من حديث ثوبان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا وإني لبقعر حوضي أذود الناس بعصاي لأهل اليمن وأضرب بعصاي حتى يرفض عليهم)). ومن حديث جبير بن مطعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أتاكم أهل اليمن كقطع السحاب هم خير أهل الأرض)), فقال رجل ممن كان عنده: ولا نحن يا رسول الله؟ حتى أعادها ثلاثا, قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((إلا أنتم)) رواه أحمد وغيره.(1/47)
وفي حديث أبي أمامة عند الطبراني وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله استقبل بي الشام وولى ظهري اليمن وقال: يا محمد إني جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقا, وما خلف ظهرك مددا)).
وإذا أردت المزيد من هذه الأحاديث فارجع إلى كتاب والدنا وشيخنا الشيخ/ مقبل رحمه الله تعالى , في (رياض الجنة في الرد على أعداء السنة).
والأحاديث في فضل اليمن بلغت مرتبة التواتر, ومنها ما سبق ذكره. وهي تدل دلالة واضحة على فضل أهل اليمن, وإن اليمن في الوقت الحاضر زاخرة بالعلم النافع الصادر من كتاب ربنا وسنة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وعلى ما كان عليه سلف الأمة.
ففيها عشرات المراكز, منها الكبيرة ذوات العدد الذي يزيد على الألف, ومنها ما هو دون ذلك من طلاب العلم.
وبما أني خبير باليمن -لأني بحمد الله أتنقل فيها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا في الدعوة إلى الله- فقد وجدت إقبالا عجيبا على دعوة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام: دعوة أهل السنة والجماعة . ففي المحاضرات تقع الحشود بالآلاف.
وما تواجد طلاب العلم في مراكز السنة إلا دليل على مدى الإقبال على سنة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - .
فجماهير المسلمين في هذه البلاد على السنة لا شك في ذلك عند من عرف اليمن الآن.
والذي دعاني إلى كتابة هذه الكلمات مع العلم أن كتابنا في الرماية هو ما أعلمه من تشويهات باليمن, حتى إن بعضهم تجاوز وقال: لا يوجد في اليمن إلا صوفية وشيعة. وأيضاً سنية الشعب اليمني من أعظم أسباب النصر على أعداء الله.
ولا ننكر أن اليمن سيطر عليه التشيع المقيت والتصوف الخبيث مدة من الزمن, ولكن قد تغير الأمر, وقد تحطمت الشيعة وماتت الصوفية.
ولا ننكر وجود أحزاب في اليمن من: علمانية ومبتدعة ضالة, ولكن جماهير المسلمين في هذه البلاد يكرهون التحزبات والفتن ويقبلون على الدعوةالسلفية , فاليمن منبع من منابع العلم الشرعي والفقه والدعوة إلى الله, وكفى بهذا شرفا.(1/48)
وقد عجزت جميع القوى المنحرفة عن إفساد هذا البلد بعد بذل الجهود المتكاثرة في ذلك, فقد أراد أعداء الإسلام أن يكون هذا البلاد منبعا من منابع الفساد.
ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المبطلون.
حكم الإسلام في الدعوة إلى نزع السلاح
من الشعوب الإسلامية:
لقد تقدم بيان شاف لاعتناء الإسلام بحمل السلاح واقتنائه وتعلم الرماية, وبان لك الأمر من الله ورسوله بالإعداد, وهذا الإعداد ما يزال المسلمون مأمورين به ما بقي على وجه الأرض كفار, تارة بالتشجيع على تعلم الرماية وتارة باقتران السلاح بالرسالة المحمدية.
فالسلاح هو شقيق للقرآن الكريم والسنة المطهرة.
فمن خلال هذا ؛ ما أحوجنا إلى أن ندرك جليا أن الدعوة إلى نزع السلاح من قبل بعض الدول من شعوبها إنما هو تقديم رقاب المسلمين للأعداء, هذا من جهة, ومن جهة ثانية هي من أجل أن تنشر تلك الدول ما تريد من الإجرام, فلا تخشى مقاومة, وكان الأحرى بهذه الدول أن تفتخر بشعوبها المسلحة, فهي الجيش إذا حمي الوطيس, فالدولة التي شعبها مسلح عندها جيشان: جيشها في المعسكرات الخاصة بها وهذا جزئي, وجيش كلي وهو: الشعب.
فلا غرابة أن يحارب أعداء الإسلام ومعهم عملاؤهم الشعوب المسلحة.
ومن البلادة أن تكون بعض الشخصيات الإسلامية أذنا صاغية لهذه الدعوة الخبيثة, وربما ظنت أنها تحقق السعادة الكبرى لأمتها.
ويجب أن تعلم أن اليهود والنصارى تنقض مضاجعهم من وجود الشعوب الإسلامية المسلحة لما يعلمون من قوة تلك الشعوب, ويقظتها.
والله ناصر دينه ومعز أولياءه.
والسلاح في الشعوب إنما يكون قوة لها يوم أن تكون الشعوب متدربة على حمله واستعماله.
التشويه بالشعوب الإسلامية المسلحة من قبل أعداء الإسلام(1/49)
لقد حرصت وسائل الإعلم الغربية والعلمانية ؛على التشويه بالشعب اليمني على وجه الخصوص قائلة : بأنه شعب متوحش وشعب همجي, وأن اليمن منزوع منه الأمان, وأن من جاء إلى اليمن فهو معرض لسلبه ونهبه وقتله في أسرع وقت وأن الناس من هذا الشعب منعدمي الأخلاق, إلى آخر ما هو معروف من أنواع الطعن.
وغرضنا بيان ما هو والواقع وما هو المخالف للواقع .
اعلم أيها المسلم: أنه يوجد في اليمن سلبيات بسبب انتشار السلاح وكثرته, وبقاء الجهل والعصبية عند بعض الناس, والتساهل من الدولة في إقامة الحدود, وغير ذلك. ولكن ليس الأمر كما يصوره من يجهل حقيقة الواقع أو يعلم الحقيقة ولكن لحاجة في نفسه جعلوا من الحبة قبة.كما يقال
فاليمن بالرغم أن سكانه يقارب عشرين مليونا وفيه ازدحام في السكان في بعض المناطق إلا أن قضايا القتل هي قليلة بالنسبة لما يصوره المغرضون, وإن كنا لا نحب أن يصاب مسلم بجرح فضلا عما هو أكبر من ذلك.
ولقد جاءنا زائرون من بعض الدول العربية فاستغربوا, ووجدوا الفارق كبيرا جدا بين ما يسمعون من وسائل الإعلام عن اليمن وبين الواقع المشاهد, فتغيرت فكرتهم عما كانوا يسمعونه, فالأمان موجود في أنحاء البلاد عموما, وما يحصل في بعض الأوقات من تقطعات في مكان ما: هذا لا يحكم على البلاد أنها قد صارت لا أمان فيها.
إذ أن النادر لا يحكم به على الأكثر, ولأن الشرور تتجدد ما بين الحين والآخر, والحكم إنما هو للأغلب.
الجزيرة العربية قلب العالم الإسلامي
أخي المسلم من المهم بمكان أن تعرف ما للجزيرة العربية من خصائص عظيمة وشمائل كريمة، وإليك نبذة مختصرة، عن أرض الجزيرة العربية فمن خصائصها ما يلي :(1/50)
1- أرض الجزيرة العربية تقع وسط الكرة الأرضية، فقد أثبتت الدراسة الجغرافية المتعلقة بمكة أن مكة المكرمة هي مركز الكرة الأرضية، ومنتصف العالم، ومعنى هذا أن الأرض اليابسة موزعة حول مكة، وهذا مصداق قوله تعالى :{وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها} [الشورى].
2- الجزيرة العربية أنسب المواقع جغرافياً لأن تكون مركزا لقيادة العالم لتوسطها بين أقصى آسيا شرقاً وأقصى أفريقيا غرباً.
3- الجزيرة العربية أبعد الأقاليم عن مجاورة أصحاب الملل الكفرية.
4- الجزيرة العربية غنية بالذهب الأسود ـ البترول ـ وقد صار البترول في عصرنا عصب الحياة، أثبتت الاحصائيات أن مئاتين من أنواع الصناعات العالمية تقوم على استخدام مادة البترول ومشتقاته، وهذه الثروة العظيمة جعلت الدول الكافرة تتنافس على بسط النفوذ على الجزيرة بكل ما أمكن، وقد تحقق لهاشيء من ذلك، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وأما خصائصها من الجهة الدينية والسياسية: فإليك ما يثلج الصدر وتقر به العين، وتشف له الأسماع، وتشمخ به الأنوف، وترتفع به الرؤوس:
1- الجزيرة العربية هي مهبط الوحيين ـ القرآن الكريم والسنة المطهرة.
2- لغة أهل الجزيرة هي لغة القرآن والسنة المطهرة، وهي لغة جميع المسلمين، لأنها اللغة المصونة للإسلام وأهله من الانحراف.
3- في الجزيرة العربية الكعبة التي هي قبلة أهل الأرض كلهم، وفيها الحرمان ، الحرم المكي، والحرم المدني، ولا يوجد في العالم حرمان سواهما، فهي حرم الإسلام، ولا حرم للإسلام سواها.
4- الجزيرة العربية هي أنظف الأقطار الإسلامية بسبب من الأقليات الكافرة فيها، وقد حرم الإسلام أن يكون في الجزيرة دين غير دين الإسلام.
5- الجزيرة العربية فيها إقامة الحج الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام، فلا يصح أن يقام إلا في الأماكن المحددة فيها.(1/51)
6- عرب الجزيرة فيهم التخلق بالإسلام من كرم وشجاعة، وأمانة وصدق، ولهذا مدحهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك خصوصاً أهل اليمن.
7- الخلافة والملك على المسلمين تكون فيهم إلى قيام الساعة، ولهذا يبايع المهدي السنة في مكة بين الركن والمقام ، ويقيم الخلافة، ويخرج القحطاني ، ويسير على سيرة المهدي عليه السلام.
8- أهل الجزيرة تغلب عليهم الأنفة والحمية والاعتزاز بدينهم، فلا يقبلون الخضوع بسهولة لأعدائهم، فهم أحرص على الحرية والاستقلال.
9- أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الدجال لا يدخل مكة والمدينة، وقد حرم النبي - صلى الله عليه وسلم - القتال في مكة والمدينة.
10- الجزيرة هي المحتضنة للإسلام عند غربته، وحين يحارب في خارج الجزيرة فإنه ينحاز إليها، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها)) رواه مسلم عن ابن عمر.
أخي المسلم: ما ذكرته لك من خصائص الجزيرة فيه الكفاية لبيان وجوب الحفاظ عليها من قبل المسلمين كافة وأهلها خاصة فإن أطماع الكفار فيها واسعة خصوصاً اليهود والنصارى، وهم لا يألون جهداً في الوصول إلى السيطرة عليها والقهر والاستعباد لأهلها، الله ، الله في الجزيرة العربية.
دولة اليهود وما تقوم به من إعداد عسكري
في الوطن العربي(1/52)
من المعلوم أن الدولة اليهودية تصرح أن حدودها من النيل إلى الفرات، فهي تعد العدة لذلك ولغيره، ولنسمع إلى هذا التقرير، قال صاحب كتاب " الإجرام الأمريكي في الخليج والحل الإسلامي" (ص/132) : (فيكفي أن ننقل عن المجلة الدورية "بير سيكتيف" عدد أبريل ما يو 1984م قولها : (لقد أغرقنا إسرائيل بالمال والأسلحة جعلنا من دولة الثلاثة ملايين يهودي تقريباً مارداً عسكرياً أكبر من ألمانيا وانجلتر وفرنسا، وأقوى من (21) دولة عربية مجتمعة بكيانها البالغ عددهم (150) مليوناً). وهذا تقرير آخر صادر من ديوان المحاسبة الأمريكي , ذكره صاحب كتاب "العلاقة الحقيقية بين اليهود والنصارى" وهذا لفظه
: (إن إسرائيل تلقت من أمريكا في عام 82/1983م ما يزيد على (24) مليار منها (16) مليارا في المجال العسكري) ويذكر التقرير أن إسرائيل حصلت من أمريكا حتى الآن على (700) طائرة مقاتلة، و(100) دبابة ثقيلة، وهذا في عام 82-83 م , وأما في عام (1991م) وما بعده , فقد منحت أمريكا الدولة اليهودية كمية كبيرة من كافة الأسلحة المتطورة و وفي 20/3/2003م قامت أمريكا وبريطانيا وإسرائيل بالهجوم على الشعب العراقي بجميع أنواع الأسلحة البرية والبحرية والجوية , وبعد عشرين يوما من القصف المدمر والمعارك الدامية , سقطت العراق بيد الجيوش المعتدية , وبهذا تم لليهود السيطرة على الفرات , وكذلك حصلت الدولة اليهودية على حاجتها من النفط العراقي , فإنا لله وإنا إليه راجعون .
اليهود والنصارىوجيوشهم في الدول العربية
أخي المسلم إن زعماء اليهود والنصارى لا توقف لخططهم المترامية الأطراف للقضاء الكلي على المسلمين، ومن ذلك قيام اليهود والنصارى بإعداد جيوش داخل الدول العربية نفسها، وهذا الاعداد على طريقين:(1/53)
الأولى: إعداد جيش عن طريق الاقليات النصرانية المتواجدة في بعض الدول العربية، وإليك البرهان على ذلك، ذكر إبراهيم السليمان الجبهان في كتابه "ما يجب أن يعرفه المسلم من حقائق عن التبشير والنصرانية" (ص/30) حيث قال وهو يتكلم عن الوثائق اليهودية والنصرانية التي أعدت من قبلهم : (الوثيقة الثالثة هي ملخص من منشور وزعته إحدى المنظمات الإسلامية في الأردن هذا مقطع من الافتتاحية قال غولدمان في مؤتمر المثقفين اليهود إذا أردنا لإسرائيل البقاء والاستمرار في الشرق الأوسط فعلينا أن نفسح الشعوب المحيط بها إلى أقليات متنافرة تلعب إسرائيل من خلالها دوراً طليعيا، وذلك بتشجيع قيام دولة علوية في سورية ودويلة مارونية في لبنان ودويلة صليبية في الأردن ودويلة كردية في العراق ودويلة قبطية في مصر وأن تخلق جواً من الكراهية وعدم الثقة بين السعودية وجاراتها، وبين إيران والدول العربية، وهذا التخطيط ينفذ في كل دولة عربية فيها أقلية نصرانية، وقد بدأ التنفيذ في مصر. وذكرت التعليمات للقائمين على هذا المخطط تأتي من باب الفاتيكان والدول المسيحية تشرف عليه، وذكر أن عدد أفراد الجيش في الأردن بلغ عشرين ألف عام 1966م فتصور كم يكون قد بلغ في عام 2000م.
الطريق الثاني: إعداد جيش من أبناء جلدتنا يقوم في الظاهر شخص أو أشخاص من أبناء جلدتنا على آلاف من جنود المسلمين، ولكن هؤلاء الأشخاص ينفذون مخططا مرسوما من قبل زعماء اليهود والنصارى، وإعداد الجيش بهذه الصورة يكاد أن يكون في الدول العربية وإن لم يكن في كلها فهو في غالبها .
القوة العسكرية الأمريكية في الوطن العربي:
رأيت من الفائدة أن أفرد ذكر القوة العسكرية الأمريكية التي صارت موجودة في الوطن العربي خصوصاً الجزيرة العربية ، وهذه القوة الجدير بنا أن ندرك خطرها على الوطن العربي، والقوة الأمريكية في الوطن العربي منها:
1- الجوية
2- البحرية
3- البرية(1/54)
وهذه القوة دخلت في أوقات مختلفة ولم يكن دخولها متوقفاً على وقت معين 1- فقد دخلت في بداية الحرب العراقية الإيرانية بدعوى حماية ناقلات النفط من أي هجوم إيراني .
2- تعززت تلك القوة بقوة أكثر وأشد فتكا ؛ عام 1990م بدعوى تحرير الكويت , والدفاع عن السعودية .
3-ثم تعززت بقوة أكثر مما سيق بدعوى ضرب الإرهاب في أفغانستان ؛ عام 2001م . وأما في عام 2002- 2003م فقد حشدت أمريكا وبريطانيا أكبر قوة إلى الدول العربية عرفها التاريخ ؛ تشمل مئات الآلف من الجنود ومعهم أحدث الأسلحة المتطورة ؛ من طائرات وصواريخ ودبابات وسفن , بل أصبحت هذه القوة , بهذا الحجم , ؛ ليس لها نظير حتى في أمريكا نفسها كما صرحت بذلك وسائل الإعلام .
القوات البحرية والجوية : ينبغي أن تعلم أنه يوجد في البر على الجزر قواعد ثابتة، وقواعد متحركة على السفن العملاقة، فالسفينة تحمل على ظهرها جميع أنواع الأسلحة، من طائرات وصواريخ، وقاذفات من أحدث أنواع الأسلحة التي صنعتها أمريكا، وهذه القوات والقواعد تتمركز في مياه البحار المحيطة بالجزير ة العربية:
1- مياه الخليج العربي الذي يقع شرق الجزيرة.
2- مياه البحر العربي الذي يقع جنوب الجزيرة.
3- مياه البحر الأحمر الذي يقع غرب الجزيرة.
4- قواعد من جهة الشمال، فهناك قواعد أمريكية في تركيا
ومن ذلك قاعدة (انجرليف الشهيرة) .
تصريح آخر يبين كثرة القواعد الأمريكية في الوطن العربي ، فإليك ما قاله ديك نشني وزير الدفاع الأمريكي سابقا ونائب الرئيس الأمريكي حاليا(30/2/1411هـ قال : (لقد أغلقت (150) قاعدة في أوروبا نهائياً ونقلت إلى الخليج بعد أن ظلت (45) سنة.أهـ .(1/55)
قلت: ، وقد أكدت الدراسات الاستراتيجية عن القواعد العسكرية في الوطن العربي بهذا النص (ويعتبر التواجد العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط حالياً أضخم تواجد مباشر من نوعه تمتلكه الولايات المتحدة ، في تلك المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية ...وطبيعة انتشار ذلك التواجد يمتد من تركيا واليونان والحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط مروراً بمصر والقرن الأفريقي حتى بحر العرب ومياه الخليج...) (الإجرام الأمريكي)
فإذا كانت القواعد المنقولة إلى الخليج بهذا العدد وهي قديمة فكيف بالحديثة؟.
وهنا سؤال: لمن هذه القوة كلها؟ ومن هو عدو أمريكا في الوطن العربي؟
وجوابه : أن هذه القوة للعرب المتمسكين بدينهم وغير المتمسكين، وإن كان المتمسك بدينه هو العدو الأول والآخر ولكن لن تترك من صار علمانيا إذا لم يخضع لها في كل أمر من الأمور. واعتبر بما قامت به أمريكا ضد صدام حسين فبالرغم أن زعماء اليهود والنصارى يعلمون أن صداماً ليس مع الإسلام ومع هذا لم يرحموه ولم يخففوا ضرباتهم عليه ,بل فعلوا به الأفاعيل وبدولته وشعبه، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وعند أن أذكر هذا الكلام لا يعني أني أغرس في قلوب المسلمين الاستسلام والخضوع لأمريكا ومن معها ولكني أريد أن نحسب حساب هذا الخطر ونعد العدة، ونوطن أنفسنا لما يتوقع حصوله في المستقبل، وما أكثر ما يكون النصر للقلة المؤمنة الصادقة مع الله المخلصين له، قال تعالى : {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } [البقرة] وإذا اعتقدت أن لله جنود السماوات والأرض فلن تيأس من نصره لك إن كنت ممن أخذ بالأسباب النافعة، فالنصر ينزل من عند الله ، قال تعالى :{وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم} [الأنفال]
اللهم عليك باليهود والنصارى.
انتهاء السلاح الناري الثقيل قبل نزول المسيح ابن مريم وظهور المهدي(1/56)
ينبغي أن تعلم أخي المسلم أن السلاح الناري الثقيل ينتهي قبل خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم: والأدلة على أن السلاح الناري لن يدوم إلى خروج المهدي ونزول عيسى بن مريم كثيرة، ومنها ما كان بطريق التلميح دون التصريح، ومن ذلك ما جاء في البخاري ومسلم من حديث ابن عمر وأبي هريرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : ((لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الشجر والحجر يا مسلم هذا يهودي خلفي تعالى فاقتله)) وفي رواية لمسلم ((إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود)) .
وأما الأدلة التي فيها التصريح فهي كالآتي:
1- روى مسلم في "صحيحه" من حديث النواس بن سمعان في قصة الجساسة وخروج الدجال وفيه : ((ثم يدعو رجلاً ممتلأ شباباً فيقطعه جزلتين)). وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه وابن خزيمة والحاكم في شأن الدجال ((وإن من فتنته أن سلط على نفس واحدة فيقتلها ينشرها بالمنشار حتى تلقى شقين...))
2- سلاح قوم يأجوج ومأجوج، روى مسلم في شأن خروج يأجوج ومأجوج وفيه ((ثم يهز أحدهم حربته ثم يرمي بها إلى السماء ثم ترجع مختضبة دما للبلاء والفتنة)) وعند ابن ماجه من حديث النواس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((سيوقد المسلمون من قسي يأجوج ومأجوج ونشابهم سبع سنين)) والقسي من القوس، والنشاب من السهام. وفي حديث النواس الطويل الذي رواه مسلم وغيره ((فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء))
3- سلاح عيسى عليه السلام: روى مسلم من حديث أبي هريرة في حديث طويل وفيه ((فينزل عيسى بن مريم فيؤمهم وإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته)).(1/57)
4- سلاح الملائكة الحامية لمكة والمدينة من الدجال: روى مسلم في "صحيحه" في قصة خروج الدجال قول الدجال : (وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان عليّ كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها)) والشاهد من الحديث قوله ((استقبلني ملك بيده السيف صلتاً)).
وقد جاء من حديث محجن بن الأدرع عند أحمد وغيره وفيه التصريح بذلك ، ومن حديث أبي أمامة عند ابن ماجه وابن خزيمة والحاكم.
5- سلاح القحطاني الذي يخرب الكعبة: روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه)).
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتحدث عن صاحب الحبشة : ((كأني به أسود أفحج يقلعها حجراً حجراً)) رواه البخاري وغيره.
وروى الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ((...ولكأني أنظر إليه أصيلع أضيلع يضرب عليها بمسحاته ومعاوله)) والحديث صحيح.(1/58)
6- أسلمة فاتحي القسطنطنية قرب خروج الدجال: روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا نعم يا رسول الله قال : ((لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني إسماعيل فإذا جاءوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها، ثم قالوا:لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر فبينما هم يقسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ فقال : إن الدجال قد خرج)) وفي حديث آخر لأبي هريرة عند مسلم في فتح القسطنطنية وفيه : ((فيفتحون القسطنطنية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح قد خلفكم في أهليكم...)) والشاهد (( قد عقلوا سيوفهم))، وفي حديث ابن مسعود عند مسلم في الملحمة التي بين المسلمين والروم ((فيبعثون عشرة فوارس طليعة، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ أو من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ)).
أخي المسلم: هذه الأدلة كافية في الاستدلال على أن وقت ظهور الآيات الكبرى المذكورة في حديث حذيفة لا يكون سلاح الناس مسلمهم وكافرهم إلا السلاح القديم الذي يسمى بالسلاح الأبيض وما إليه، وأما السلاح الناري فيظهر من هذه الأحاديث أنه لا وجود له في ذلك الزمان،
والله أعلم .
المعاصي سبب الذل والهزيمة:(1/59)
أخي المسلم الكريم: لم أذكر هذه النبذة المختصرة عن تواجد قوى الكفر العسكرية في الوطن العربي خصوصاً ليمتلأ قلبك بالذعر والخوف من أعدائنا، ولا لتعظيم هؤلاء الكفار، وإنما ذكرتها لتعلم أن أعداءنا سلطهم الله علينا بسبب ذنوبنا، ، قال تعالى :{يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} [المائدة]، وقال تعالى :{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد]، وقال تعالى :{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} [الروم]، فالمعاصي خراب للدنيا والدين، فالله يغير حال العبد إذا عصاه ويغير حال الجماعة والأمة إذا اشتركت في المعاصي، فهذه سنة الله في الكون، أن ينصر من نصره، قال تعالى :{إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} [محمد]، ويخذل من خالف أمره، قال تعالى :{إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده} [البقرة]، وقال تعالى :{ومن يهن الله فماله من مكرم} [الحج]، وقال تعالى :{إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين} [المجادلة]، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بين السبابة والوسطى، فقالت زينب: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث)) متفق عليه، من حديث زينب بنت جحش.(1/60)
ومن هنا أدعو المسلمين حاكمهم ومحكومهم وعالمهم وجاهلهم إلى التوبة إلى الله، توبة عامة شاملة، ولا تكون إلا بالتمسك بالإسلام كله ظاهراً وباطناً، في السراء والضراء، وإلا فالأمر خطير، فإن لم تستطع أن تنجو بأمتك أو جماعتك أو أسرتك فانج بنفسك، قال تعالى :{فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} [الأعراف]، وقال تعالى :{فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} [الأنعام].
جبن لا يرضاه مسلم شجاع:
هل من المبررات للشخص الذي ترك الرماية المُحذَّر منها ثم عاد إليها أن الناس لم يتركوها؟
الجواب:
هذا ليس مبررا, إذ المطلوب من المسلم إذا عرف الحق أن يلزمه ويسير عليه غير مكترث بالمبغض والساخط عليه والمحتقر له ولينظر إلى ما يحصل لنفسه من سعادة يوم أن يعلم أن فلانا قد جرى له أو منه كذا وكذا.
وكيف يتراجع عن الحق والمسلم مطالب أن يتمسك بالحق ولو تركه جميع الناس؟.
قال الله تعالى مخاطبا رسوله - صلى الله عليه وسلم - : { فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا } [النساء]
ويقول الله مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم: { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون أنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي اللمتقين } [الجاثية].(1/61)
وقال الله تعالى: { فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم } [التوبة] . وقال تعالى: { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } [آل عمران] . وقال تعالى: { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا } [الأحزاب] .
فليس من طبيعة المؤمن الصادق التضعضع والتقهقر.
فيا أخي: إنما تعظم الأجور لك عند الله يوم أن تتمسك بحق تركه الناس , واعتبر بخديجة رضي الله عنها حين آمنت برسول الله وكفر به الناس, وقد بُشرت بالجنة وهي تمشي على الأرض مع أن الصلوات الخمس والصيام وغير ذلك من الشرائع لم تكن قد نزلت. وها هي امرأة فرعون وهي (آسية) تعيش في قوم ظالمين كافرين وتحت زوج أكفر رجل على وجه الأرض في ذلك العصر. ومع هذا لم تبرر لنفسها أنها معذورة. وقد جعلها الله قدوة للمؤمنين والمؤمنات قال الله تعالى: { وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين } [التحريم].
أخي المسلم:
ما أعظمها من عزة يوم أن يخوض الناس في باطل وأنت في رياض الحق تنعم .
فهذا الإمام أحمد بن حنبل صبر على القيود والضرب بالسياط وغير ذلك من أنواع الإيذاء وديننا لا ينتصر إلا بهذا الصنف.
فادع الله أن ينصرك ويثبتك على دينه, فالمثبّت من ثبته الله , وصدق الله إذ يقول : { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } .
كيف يتعامل الناس في الولائم وغيرها مع من يصرون على الرماية المخالفة للشرع؟
الجواب:(1/62)
1- إذا كان الزواج مثلا عند الشخص الحريص على الابتعاد عن هذه الفتن فالمطلوب منه أن لا يدعوهم ضيفا إلا من كان بعيدا عن هذه الفتن سائرا على تركها, فهذا مما يجعل هذا الشر يختفي.
وأما بالنسبة لأقربائه الذين لا يستطيع تركهم فهؤلاء يدعون ويطلب منهم عدم الرماية, فإن أصروا على الرماية لا يشاركهم في ذلك, ويجعل من يتعاون معه بنصحهم من الحاضرين قدر المستطاع.
وأما أولاده فيلزمهم بالترك ويمنعهم منعا باتا ويأخذ السلاح عليهم إن استدعى الأمر ذلك. فهذا يكون وُفِّق توفيقا عظيما, وقلّ من يوفق هكذا. وهذا سهل على من سهله الله عليه.
2- إذا دعيت إلى عرس وفيه ضيوف خليط فمنهم الرامي ومنهم غير الرامي فالذي ينبغي لك هو أنك لا تحضر إلا إذا كان من أقربائك وتخشى حصول الشقاق بينك وبينهم فتحضر مع التزامك بعدم المشاركة. وإن كان عدم حضورك لا يفتح لك باب فتنة فالمطلوب عدم الحضور، إن الرجل الخير الذي عُرف بمحاربة البدع والعادات القبيحة إذا حضر جعل الناس حضوره مبررا لأخطائهم وإن رأيت المصلحة أنك تحضر للنصح فهذا أمر مطلوب. والشخص الذي دعاك إلى الحضور ولم تحضر حاول أن تعرفه بالسبب الذي جعلك لا تحضر حتى لا يفهم أنك تنتقصه. وما أشبه ذلك.
مسألة:
هل للدولة أن تمنع الناس من هذه الرماية؟
الجواب:
مما لاشك فيه أن من لم ينزجر بكلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - طلب من الحكام أن يوقفوه عند حده, وذلك بمنعه من هذا العمل. فقرار الدولة بمنع هذه الرمايات هو عين الصواب والسداد والشفقة والرحمة بالمجتمع. وهذا من التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله المؤمنين أن يتعاونوا عليه.(1/63)
وبالرغم من أن الدولة قد أصدرت أكثر من قرار بمنع هذه الرمايات لكن في أغلب الأماكن لم ينفذ. وهذا يدل على عدم الاهتمام من قبل بعض المسؤولين بما ينفع المجتمع, بل بعضهم يجعل هذا المنع وسيلة لأخذ الأموال ممن يرمي في أيام الولائم , وهذا لا يكفي في محاربة هذا الضرر. بل المطلوب أن يعاقب من يفعل ذلك بالسجن وغيره على حسب ما يكون داعيا إلى زجر الناس.
مسألة:
هل يجوز للقبائل أن يضعوا لهم قاعدة تأديب
أن من رمى يغرّم كذا وكذا من المال لصالح القرية؟.
الجواب:
اعلم أولاً: أن أفعال الخير تقوم على طيب نفوس أصحاب الأموال وحبهم للخير كما هو معلوم من ديننا.
وأما هذه القاعدة فالأموال تدفع قهرا, فهذا ينافي ما سبق ذكره.
ثانيا: إن هذا الفعل يجعل الناس يتساهلون مع من فعل هذا, فيصير المهم عندهم يدفع فلان كذا وكذا من المال وليس المهم أن يترك الرماية.
ثالثا: هذا المال فتنة للناس كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ((لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال)) رواه الترمذي من حديث كعب بن عياض, وقد تؤخذ هذه الأموال ولا ينفذ بها المشاريع ويستأثر بها شخص فأكثر فتعود فتنة بينهم, وأقل شيء أن تنقض هذه القاعدة.
رابعا: قد يدعى الناس إلى الرماية بصورة أو بأخرى من أجل إكمال المشروع الفلاني, وقد يظن المغرم بالمال أنه فاعل خير وليس كذلك.
فالذي ننصح به ترك هذه القاعدة, ولكن إذا كانت القبيلة معها شيخ, وله قدرة وفيه خير فليمنع قبيلته من الرماية ابتداء. فإن كانت الدولة قد منعت فينفذ هذا وله أن يعاقب من امتنع عن ترك الرماية المذكورة بما يرى أنه أدعى إلى التوبة.
من صور القتل الإجرامي:
وهذا ذكر بعض الأنواع من القتل الإجرامي وهي كالآتي:
1- التقطعات القبلية:
وهي: اجتماع مجموعة من الناس الجهال الغدرة من قبيلة من الذين لا يخافون الله فيقفون في طريق الناس باحثين عن أشخاص من قبيلة أخرى معادية لهم لقتلهم أولأخذ سياراتهم وممتلكاتهم.(1/64)
وهذا الفعل فيه مفاسد عظيمة, منها:
سلب ونهب أموال الناس بدون حق, ومنها: قتل الأنفس البريئة ظلما وعدوانا في بعض الأحيان, لأن الأشخاص المنهوبين قد يقاومون ويدافعون عن أنفسهم فيحصل ما يحصل.
ومنها: ترويع الآمنين, وهذا محرم كما تقدم.
ومنها: تعطيل حركات المسلمين. فكم من أشخاص يتوقفون عن البحث عن الأرزاق وغيره من أجل هذه الفتن؟.
ومنها: تشجيع الناس على السرقة بهذه الصورة.
فهذا الفعل محاربة لله ورسوله وللمؤمنين وإفساد في الأرض, وقد قال تعالى: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } [المائدة] .
ويقول سبحانه: { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد } (البقرة] .
وليس مبررا لهؤلاء أن لفعلوا هذا أتفعل بحجة أن قبيلة بني فلان لم تنصفهم فليطالبوا بحقهم بطرق لا تخالف الشرع, وهذا الفعل منهم من أسبابه عدم اهتمام الدول بحل النزاعات بين القبائل.
فالواجب عليها الاهتمام بحل هذه النزاعات,
وعلى هذا فلا يجوز لأي مسلم أن يشارك في هذه التقطعات, وإن أخذت أمواله وانتهك عرضه, ولا يوفق لهذا الخير واجتناب هذه الفتن وغيرها إلا الراشدون. جعلنا الله منهم.
2- تقطعات في الخبوت وغيرها من قبل بعض العصابات الجاهلية:(1/65)
وهذا أجرام أعظم من الصورة التي قبلها. ففيها المفاسد السابقة وزيادة على ذلك أن الحامل لهم على هذا الفعل هو إرادة الإفساد في الأرض دون أن يكونوا مظلومين, وإرادة أخذ أموال الناس دون ردها, فعلى الدولة أن تنفذ فيهم حكم الله رب العالمين. قال سبحانه: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجهلم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } [المائدة] . وقال تعالى: { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون } [البقرة] . فلا يجوز للدولة أبدا أن تتركهؤلاء على هذه الحالة بل تقيم فيهم الحد الشرعي حتى يكونوا عبرة لغيرهم.
3- رمي المسلمين بالليل:
وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - :((من رمانا بالليل فليس منا)) رواه أحمد عن أبي هريرة والطبراني وغيره عن ابن عباس، وهو صحيح.
والرمي بالليل على المسلمين منتشر بصورة واسعة في بعض الأماكن.
وهذه الرماية تقوم من أجل أغراض كثيرة: فمنهم الرماة من أجل العشق وما إليه, ومنهم الذين يسعون لقتل أشخاص انتقاما, ومنهم من يرمي لنشر الرعب بين الناس, ومنهم ومنهم .
ولا شك أن هذا الفعل من الفساد العظيم وأنه مؤاذاة للمسلمين , تصور معي فضاعة هذا الفعل عند أن يحصل الحادث في بيت من البيوت فيفزع النائمون إثر هذا الحادث وفيه الجروح أو الكسور أو القتل أو الإبادة, وترتفع الأصوات بطلب الغارة والإنقاذ والبكاء وتضج الألسن: لا رحم الله من فعل هذا, قاتله الله, إلى آخر ما هو معروف عند حصول هذا الحادث من كلام الناس.(1/66)
أقول: هذه الأفعال تقوم بها قلوب نزعت منها الرحمة, وقادها فجورها إلى هذا الإجرام, فالواجب على المسلمين أن يتعاونوا بصدق وإخلاص من أجل محاربة هؤلاء المفسدين في الأرض. فالواحد في الغالب لا يعمل شيئا إذا حذّر من هؤلاء عند معرفته بهم, بل قد يصير ضحية.
فالواجب على آباء وأقرباء للمعتدين أن يقفوا مع الحق ضد المعتدين. وهذا لا بد منه, قال تعالى: { لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم } , وقال سبحانه وتعالى: { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا} [النساء] . ولكن ضعف الإيمان جعل بعض الأقرباء يقومون حماة لهؤلاء المعتدين, وما علم هؤلاء الأقرباء أنهم سيتجرعون المرارات في الدنيا والآخرة بسبب هؤلاء, ألم يقل الله سبحانه: { لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير } [الممتحنة]. والواجب على الحكام الأخذ على أيدي هؤلاء.
وقد ابتلينا ببعض المسؤولين في هذه القضايا لا يوجد منهم إلا فتح الأبواب لهؤلاء والتشجيع لهم بصورة أو بأخرى.
4- الاغتيالات والتفجيرات:
وهذه الاغتيالات لأي فرد من أفراد المسلمين ولأي مكان من أماكن الإسلام عمل إجرامي, الإسلام بريء من هذه الأفعال , وكيف لا يكون إجراميا وفيه هتك لحرمات الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة؟ فحرمة النفس المعصومة بالقتل والتدمير؟ وهتك لحرمات المساجد ودور العلم النافع وترويع الآمنين في بيوتهم وفي بيوت الله رب العالمين؟ وهتك لحرمة الأمن والاستقرار.
وهذا العمل قائم على البغي والعدوان والمكر والغدر بالمسلمين.
وقد اتسعت دائرة هذا الفساد وهؤلاء المفسدين, فتارة يقومون بالتفجيرات للمنشآت والمصالح العامة ولأماكن العبادة من مساجد وغيرها, وتارة بالاغتيالات.(1/67)
وقد يكون في مقدمة من يغتال علماء المسلمين, وتارة بالاختطافات, وتارة بالسلب والنهب للأموال وتارة بالتخطيطات للثورات والانقلابات.
فبلاء الأمة بهم عظيم وشرهم مستطير. فهم المحاربون حقا لله ولرسوله, وقد قال الله سبحانه وتعالى: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } [المائدة] . وقال الله سبحانه وتعالى: { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد * وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد } [البقرة] .
وهذا العمل في أوساط المسلمين عرف به من زمن قديم أهل الأفكار المنحرفة والعقائد الضالة, يفعلونه تارة نكاية بالمسلمين وتارة يتقربون به إلى الله رب العالمين على حد زعمهم.
فالمسلمون المعتصمون بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بريؤن من هذا العمل وأهله.ولا بد من الوقوف ضد هؤلاء من جميع المسلمين حكومة وشعبا. والله المستعان
نصيحة للعابثين بالسلاح:
يجب على كل مسلم أن يعلم أن قتل المسلم لأخيه المسلم عمدا أمر لا يتوقع ولا يتصور وجوده بل ممتنع عند كل مسلم ومؤمن يحمل في قلبه الأخوة الإسلامية. قال تعالى: { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } [النساء] . فلم يجعل الله قتل المؤمن لأخيه إلا في حالة واحدة وهي "الخطأ".(1/68)
فما بال أصحاب الرمايات التي تخالف الشرع يسعون لقتل المسلمين بشتى الأنواع , فمنها: التعمد ومنها: التهور ومنها: التساهل وغير ذلك. فهل عقلوا معنى الآية الكريمة: { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأً } [النساء] . فهل الخطأ في الشرع كما يظن هؤلاء أم أنهم لا يبالون بما يلحقون بالمسلمين من أضرار ولو كانت مؤدية إلى إتلافهم وإزهاق أرواحهم؟!. فإننا نناشدهم الله أن يتوبوا إليه من هذا الانحراف.
ونعتقد أنه لا نجاة لهم إلا بالتوبة إلى الله من هذه الفتن وغيرها. فقد طفح الكيل وعظم الخطر واتسع الخرق على الراقع في مسألتنا هذه.
فالبدار البدار إلى التوبة بترك هذه الرماية المبينة في هذا الكتاب.
قال سبحانه وتعالى: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرو واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون } .
فالله المسؤول بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يفتح لنا أبواب التوبة ويغلق عنا أبواب الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه على كل شيء قدير.
الفصل الثاني
المفاسد التي تحصل بسبب الرماية العشوائية,
وفيها مسائل فقهية مهمة:
المفسدة الأولى:
حصول قتل النفس المحرمة, وهذا القتل على ثلاثة أنواع:
أ- يكون بطريق الخطأ من الرامي باعتبار أنه عجز عن الاستمرار في حمل السلاح حال الرمي, فبعضهم تنعطف يده فيقع ما يقع, وإما أن يفاجأ بشيء فيحصل له اضطراب فيرجع بالرصاص على من عنده. وبهذه الصورة قتلت أنفس مسلمة كثيرة, بل الواحد قد يحصد أمة في لحظة بسبب الأسلحة السريعة الثقيلة, بل عن طريق هذه الصورة قتل الشخص أباه أو أخاه أو عمه أو جده أو أمه أو أخته, بل حصل أن عروسا خرج ليرمي لعروسه فرماها, بل بعضهم قتل نفسه!.(1/69)
وأكثر ما يحصل هذا القتل في أيام الأعراس, ويتحول الفرح والسرور إلى بكاء وعويل وحزن.
فالجاهل عدو نفسه!, أيهون على هؤلاء أن يستمروا على هذه العادات القبيحة وهم يرون بأم أعينهم ما تفعله بهم؟ فمن ذا الذي يرضى بقتل المسلم؟ فكيف بقتل أقربائه, بل أقرب الأقرباء إليه؟.قال تعالى: { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } [الحج] .
وإليك بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بهذا القتل
مسألة:
حكم قتل النفس المحرمة :
وضابط قتل الخطأ أن يكون القاتل غير قاصد قتل ذلك المقتول, كأن يرمي صيدا فيصيب إنسانا.
ولو كان القاتل في رميه مخالفا للشرع كهذه الرماية ثم قتل بها مسلما وهو غير قاصد قتل المسلم, فالقتل أيضا خطأ.
وإذا اتضح لنا أن هذا الصنف قاتل للنفس المحرمة من باب الخطأ فعليه أمران:
1- الدية.
2- عتق رقبة مؤمنة.
قال تعالى: { ومن قتل مؤمنا خطأً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصّدّقوا } , فإن لم يجد رقبة يحررها فليصم شهرين متتابعين ., قال الله تعالى: { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فريضة من الله وكان الله عليما حكيما } [النساء] . والدية والصيام يجبان إذا أقر الشخص على نفسه أنه قتل فلانا أو شهد عليه اثنان عدول, فإذا تنازل أولياء المقتول عن الدية بقي عليه الصيام. والله المستعان.
مسألة:
إذا كان القاتل لم يبلغ فالدية على عاقلته:
قال صاحب (المغني 11/481): "لا خلاف بين أهل العلم أنه لا قصاص على صبي ولا مجنون".
قلت: لأنه غير بالغ وهو مرفوع عنه القلم كما هو معلوم من قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((رفع القلم عن ثلاثة: ... وعن الصبي حتى يحتلم)) رواه الترمذي وأحمد وغيرهما عن علي رضي الله عنه, وقد جاء عن صحابة آخرين.(1/70)
وسواء كان الصبي متعمدا أم كان مخطئا, وسواء كانت الرماية مباحة مشروعة أم محذورة ممنوعة كالرماية العشوائية في المناسبات وغيرها. فليس على غير البالغين إلا الدية على عاقلتهم. والله المستعان.
مسألة:
حكم رمي البالغ بطريقة الخطأ اثنين فأكثر:
الواجب شرعاً على من قتل شخصاً فأكثر خطأ , الدية وتكون على القاتل , وعلى عاقلتهعن كل واحد, وعليه صيام شهرين متتابعين عن كل واحد إن لم يجد رقبة , وغير البالغين إذا قتلوا أكثر من واحد فالدية على العاقلة علىحسب القتلى ولا صيام على القتلة إذا كانوا غير بالغين .
مسألة:
إذا قتل نفسه فلا دية له على أحد في هذه الرمايات وغيرها:
وسواء قتلها عمدا أم خطأ, والدليل على ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "أصيب عامر, فقال القوم: حبط عمله: قتل نفسه, فجئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: زعموا أن عامرا حبط عمله؟, فقال: ((كذب من قالها, إن له أجرين اثنين, إنه لجاهد مجاهد, وأي قتل يزيد عليه؟))، وفي خارج "البخاري" ((ارتد عليه سيفه)).
وقول جمهور العلماء: إنه لا دية على أحد كما في "فتح الباري".
تنبيه:
القتل في الرماية الجماعية أيام الولائم على نوعين:
النوع الأول: أن يرمي الشخص نفسه, كأن يرمي بيد واحدة فيرجع السلاح على نفسه, وقد يرجع على غيره من الحاضرين.
أ- النوع الثاني: أن يكون بطريق رجوع الرصاص من السماء. ورجوع الرصاص من السماء قد يقتل وقد تقع في المصاب جروح خطيرة, وقد تكون خفيفة.ومرادنا هنا القتل.
وقد قتل كثير من رجال ونساء وأطفال وحيوانات بسبب رجوع الرصاص من الجو.
مسألة:
ما الحكم الشرعي إذا قتل الشخص في هذه الأماكن رميا ولا يعلم له قاتل؟
الجواب:(1/71)
إن عفا أولياء المقتول عن الدية عن الحاضرين, فهذا مشروع, وإن لم يعفوا فالدية على الحاضرين على قول بعض العلماء, والدليل على ذلك ما جاء في البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((خرج إبليس يوم أُحُد في الناس: يا عباد الله أخراكم؟ فرجعت أولاهم على أخراهم حتى قتلوا اليمان, فقال حذيفة: أبي أبي, فقتلوه, فقال: يغفر الله لكم...)).
فقول حذيفة: يغفر الله لكم: استدل به من قال: إن الدية على الحاضرين.
ولهذا صح عفو حذيفة عنهم, وبعض العلماء قالوا: إن الدية تكون على بيت مال المسلمين. والأول أرجح. والله المستعان.
فالذين يصابون بالرصاصات الراجعة من الجو ديتهم تكون على الحاضرين, ولا يجوز إسقاط دية المسلم بحال من الأحوال, إلا إذا عفا أولياء المقتول.
فعلى الدولة الاهتمام البالغ بهذه القضايا.
وأول مسؤول عن هذه القضية هو صاحب العرس, لأنه استدعى الناس وحدث هذا في ساحته. والله المستعان.
أخي المسلم:
لا تظن أن الصنف الأول ـ وهو القاتل خطأ في الرماية الممنوعة ـ والثاني ـ وهو الذي رمى إلى الجو فرجعت الرصاصة على أحد فقتله ـ ليسا بقتلة ولا فجرة, بل هم كذلك, وإن كانوا في وقت الرماية ليسوا قاصدين لذلك, لأنهم قد شاهدوا أن هذا العمل يؤدي إلى هذا الشر العظيم ولم يتركوه, وأيضا يدخلون في أحاديث الإشارة بالسلاح إلى المسلم, وفاعل ذلك ملعون من قبل الملائكة ويدخلون في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)), وقد تقدم عند الكلام على العصبية الجاهلية, ويدخلون في قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي: ((يقول الله للقاتل: يوم القيامة: لمَ قتلته؟ فيقول: يا رب لتكون العزة لفلان, فيقول الله: إنها ليست لفلان فيبوء بإثمه)). وهذا القاتل رمى أخاه لتكون العزة للعروس أو للقبيلة الفلانية أو للمصرين على بقاء هذه العادة القبيحة.(1/72)
النوع الثالث: يحصل القتل حال الرماية إلى الجو عن طريق الانتقام, يحضر في الاجتماعات هذه الخصم وخصمه, فبعضهم يستغلها فرصة لينتقم من خصمه, وربما يؤدي هذا إلى مقتله في الحال.
مسألة
إذا قتل شخص في الرماية الانتقامية وكان القاتل بينه وبين المقتول ثأر:
فاتهمه المقتول وأولياؤه أنه كان متعمدا وهو يقول إنه كان مخطئا ... فالمعوّل عليه هنا هو أن يطالب أولياء المقتول بالبينة, فإذا جاءوا بالبينة, كقول الشهود: سمعنا فلانا يقول: قتلت فلانا عمدا في اليوم الفلاني, فالحكم عليه بالقتل عمدا, وإن جاءوا بالبينة قائلين: سمعناه يقول سأقتل فلانا, فهذه قرينة عليه بالعمدية وليست بينة, لأنه يحتمل أنه أخطأ.
والأصل في هذه الأحكام: البينة التامة أوالإقرار من الجاني, فإن عجزوا عن إقامة البينة, فيطالب القاتل باليمين على أنه ما قتل فلانا إلا خطأ, فإذا حلف حكم عليه بأنه قتل خطأ.
وهذه المسألة ذكر بعض العلماء مسائل تشابهها في (المغني 12/231-232).
وهذه المفسدة كافية لبيان خطر هذه الرماية وشرها, ولكن عند المنصفين العقلاء الذين يخافون الله ويرحمون عباده ويحرصون على سلامة مجتمعهم, ويحبون الخير والأمان والاستقرار لأسرهم ومجتمعاتهم.
أما الذين تعودوا أن يكونوا مؤججين للفتن ومروجين لها فلا تنتظر منهم إلا المكابرة إذا سمعوا مثل هذه الحقائق, لأنهم لا يجدون لذة الحياة إلا إذا تأججت بالفتن.
المفسدة الثانية : الوقوع في العجب والغرور والكبر والفخر المذموم(1/73)
إن الذين يرمون في أوقات المناسبات يدفعهم إلى ذلك العجب والغرور. وهذه أمراض خطيرة جدا, إذ أن المسلم بحاجة إلى اجتنابها, وقد تقدم الكلام على أن الفخر بالأحساب من أمور الجاهلية, ولا أظن مسلما يجهل خطورة الكبر والغرور والعجب, ولهذا اكتفي بذكر حديث واحد رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)), قيل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا؟ قال: ((إن الله جميل يحب الجمال, الكبر: بطر الحق وغمط الناس)). ومن لم يكن مصابا بهذه الأمراض فهو يفعل هذا مجاراة للناس, وهذا ضعف وخور, المسلم بحاجة إلى أن يرضي الله بترك هذه الرمايات, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس, ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عنه الناس)). رواه الترمذي وأبو نعيم وابن حبان وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها وهو صحيح.
وإذا أراد هؤلاء أن يعرفوا: هل هم مصابون بالأمراض المذكورة فلينظروا موقفهم عند تحذيرهم ونصحهم من هذه الفتن, فإن قبلوا الحق فقد عافاهم الله, وإن أبوا فالمرض باق, ولهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السبق: ((الكبر: بطر الحق وغمط الناس)).
وهل سيقول هؤلاء: إنهم يفعلون هذا ابتغاء مرضات الله؟ ويكون قتل الآلاف من المسلمين هو ابتغاء مرضات الله؟؟؟
المفسدة الثالثة : الإيذاء للناس:
وهذا الإيذاء عن طريق الرماية المذكورة كثير جدا, وقليله منهي عنه, ومن الأدلة على أن قليل الإيذاء منهي عنه ما جاء عند الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه: لا تؤذوا المسلمين)) وهوصحيح.(1/74)
ومؤاذاة المسلمين قد تقع في وضع شوكة في طريقهم, فقد جاء في صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها عن ظهر الطريق, كانت تؤذي الناس)), أو تقع بكلمة سوء وتقع برائحة الكراث والبصل في بيوت الله, كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة .
وتأمل معي كثرةالمؤاذاة للمسلمين في هذه الرماية, فعند حصول القتل فمنهم الباكي, وما أشد المؤاذاة المؤدية إلى البكاء, وهي التي تؤدي إلى حرمان أصحابها من النوم والطعام والشراب والراحة, صغارهم يقولون: أين أبونا؟ أين أمنا؟ أين أخونا؟ من لنا يقوم بأمورنا؟. فلو لم يكن من المؤاذاة إلا هذه لكانت كافية.
وانظر عند حصول جراحات مؤثرة كالمؤدي إلى كسور وإلى قطع عرق أو استنزاف دم أو تكون الإصابة في الحواس, انظر كيف يحصل الرعب والفزع والتحرك إلى من يعالجه, فالذي معه ازعجوا وتركوا أمورهم بغير رغبة, ولكن تفاديا للخطر, وفارقوا أمورهم وراحتهم, والذي في بلد الشخص في قلق شديد, وربما خسروا مبالغ باهضة, وقد يكون الرامي غير معروف , وربما كان أقارب المصاب فقراء فتتراكم عليهم الديون ويمسهم الضر فعلا, وربما بقي المصاب مشوها كمشلول أو أعور أو أعرج إلى غير ذلك من أنواع التشويهات.
ومن المؤاذاة أن يخرج المجني عليه يسأل بين الناس إذا تراكمت عليه الديون.
ومن جملة المؤاذاة أنهم يفزعون الناس عند أن تكون الرماية في الليل, ويزعجون الآمنين, وربما ظن الناس أن حربا قد حصل, وبالذات أنه في بعض الأماكن تكون الحروب قائمة, ويزعجون المصلين إذ أنهم يرمون في وقت الأذان ووقت الصلاة, فلا يحترمون صلاة ولا قرآنا.
وأكثر الناس إيذاؤهم الجيران وبالذات في الأعراس: يؤذون ليل نهار من قبل هذا الصنف. فإلى الله المشتكى.
المفسدة الرابعة : الإسراف والتبذير:
إن هذه الرماية لا تعود على أحد بخير, لا محققا ولا متوقعا, بل هي خسارة محضة وإسراف وتبذير للأموال.(1/75)
وكيف لا تكون كذلك وهذه الرماية في بعض صورها كالرماية في أيام الأعراس تستنزف أموالا بعشرات الآلاف بل مئات الآلاف عند بعضهم, والله يقول: { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } [الإسراء] .ويقول سبحانه: { ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين } [الأعراف].
فعلامَ يغتبط هؤلاء وهاهم غير محبوبين عند الله؟ وقد لحقوا بشياطين الجن والإنس؟!.
ولو أن شخصا من هؤلاء الذين يظنون أنهم عقلاء رأى شخصا يرمي بخمس رصاص إلى الأرض لقال له: أنت مسرف ومبذر, بل مخلول العقل!, مع العلم أنه لو رمى فعلا بالرصاص لما كان مؤذيا لأحد, وإسرافه مقصور على نفسه!.
فلمَ لا يرى هؤلاء فعلتهم هذه؟ إذ أن شرهم لا يقتصر على أنفسهم.
وأين هؤلاء من إنفاق عشر هذه الأموال في أبواب الخير؟ ليتهم يفعلون ذلك. لكنهم غير موفقين إلا أن يشاء الله.
فهم وبال على أنفسهم وأموالهم ومجتمعاتهم, لا يحسنون الخير إذا عملوه ولا يقبلون عليه إذا دُعوا إليه, ولا يكفون عن الشر إذا حُذروا منه إلا قليلا. فنحمد الله الذي عافانا من هذه الشرور.
المفسدة الخامسة :محاربة نعم الله سبحانه:
فالرماية سواء كانت في أيام الأعراس أو الأعياد وما أشبه ذلك فهي محاربة لنعم الله العظيمة على عباده, كالأمن والاستقرار والأخوة في الدين والاجتماع على خير.
فأين الشكر لله والتواضع والإقبال على عبادته سبحانه؟.
وتأمل هذا الحديث لتدرك خطورة المعاصي عند حصول النعم: روى الترمذي والحاكم والبيهقي وعبد بن حميد وغيرهم عن جابر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لم أنهَ عن البكاء, وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين قبيحين: صوت عند نعمة: مزمار شيطان ولعب ... )) والحديث صحيح.(1/76)
ولا يخفى عليك أن هذه المحاربة لنعم الله سبب لزوال النعمة وتبديلها بالنقم, وإلى رفع البركة والخير من هذه النعم. لقد طُلب منا أن نحمد الله ونشكره على الشربة من الماء والأكلة من الخبز, فكيف لا يشكر العبد ربه على ما أنعم به عليه من أمن واستقرار وعافية وحصول على الحلال الطيب كالزواج الشرعي وعلى المولود زينة الحياة الدنيا.
المفسدة السادسة :طاعة الشيطان:
هذه الرماية إنما هي طاعة للشيطان وعصيان للرحمن.
وكيف لا تكون كذلك وهم يفتحون الباب للشيطان بالمخالفات الشرعية؟
فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار)) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
فالشيطان يدفع هم إلى هذا الفعل, فإذا بدأوا به دفعهم أن يدعوا القوة والشجاعة. فإذا انتفخوا بذلك نزع يد أحدهم وحرفها عليه, فلا يدري إلا وهو يحصد من حوله.
فانظر إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار)).
والشيطان له تسلط على بني آدم فقد جاء في البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أنس وصفية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)). فتمكن الشيطان إنما هو للخلخلة والزعزعة كما قال الله سبحانه وتعالى: { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم } [الأسراء].
فهل العاقل يرضى أن يكون للشيطان نصيب منه؟.
المفسدة السابعة :إحياء سنة الجاهلية:
هذه الرماية فيها حظ كثير من إحياء سنة الجاهلية, لأننا قد علمنا أنها لم تكن مباحة, فضلا عن أن تكون مستحبة, فلم يفعلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يدع إليها ولم يفعلها صحابته ولا دعوا إليها, ولم يفعلها أئمة الهدى ولا المسلمون في غالب العصور. بل ولا الآن في معظم البلدان.(1/77)
فهي بدعة محدثة, وأبغض الخلق عند الله الذين يبتغون سنة الجاهلية في الإسلام. روى البخاري وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم, ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية)).
فهلا ترفع المسلم عن هذا وأحيا السنة المحمدية في المناسبات رضي من رضي وسخط من سخط؟.
اللهم فاشهد.
المفسدة الثامنة : فيها تمزيق للمسلمين وإثارة للبغضاء والعداوة بينهم:
إن هذه الرماية جالبة لفتنة عظيمة ألا وهي: تمزيق المسلمين, وإدخالهم في التنازع الذي حرمه الله والإلقاء بهم في القتل. وانظر إلى هذه الفتنة بعين الاعتبار, فكم يحصل فيها من اجتماعات من أجل هذا الخطر؟!.
فإما أن تنفض تلك الاجتماعات بتوقيعات على عدم الرماية المذكورة -وهي مطلب شرعي فيأتي بعض المغرضين والمنحرفين وينقضون هذا الاتفاق ويحيون هذه الجاهلية.
وإما أن الاجتماع ينفض دون الاتفاق على منع الرماية
فهؤلاء المعارضون والناقضون دعاة فتنة يتسببون في القطيعة بين المسلمين والمنافرة والتباغض, فيصير الأب مختلفا مع ولده والجار مع جاره, ولا يبقى احترام لكلمة العقلاء, ويتجرأ الناس على اتباع الباطل والفتن.
وهذا من الخطر بمكان,كيف لا والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يأتي على الناس سنوات خداعة يُصدق فيها الكاذب ويُكذب فيها الصادق, ويؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة)) قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)) رواه أحمد وابن ماجه والحاكم وغيرهم من حديث أبي هريرة وهو صحيح, فاحذر أيها المسلم أن تكون باب فتنة.
أبرز الأسباب المؤدية إلى مفاسد الرماية:
من المعلوم أن كل عمل لابد له من أسباب, وهذه الرماية لها أسباب مخالفة للشرع, منها:
1-*جهل الكثير بدين الله وبحقوق المسلمين وحرمتهم فالواجب على المسلمين الحرص على التفقه في دين الله .(1/78)
2-الانتصار للعادات المخالفة للشرع بعض المسلمين يعلم أن هذا شر, ولكن دفاعا عن عادة القبيلة أو البلاد يصر على بقاء هذه العادة ولو خسر من الشرع ما خسر , وهذا جاهل ولكن جهله أقبح من الذي لا يعلم بالكلية أن هذا شر
وهذا الصنف بلاء الأمة به عظيم, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
3-التساهل من قبل الكثير من وجهاء الناس في هذه القضية من العلماء والدعاة ومشائخ القبائل والأمناء والعقال والمدراء وغيرهم.
فلو أن هذا الصنف جد في إزالة المنكر لحصل الخير الكثير.
وهذا الصنف على كل فرد منه يتحمل اللوم والأوزار بقدر ما فرط. فما بالك بمن يسعى لترسيخ هذا الشر.
4-عدم التعاون على البر والتقوى في هذه المسألة
اعتاد بعض الناس أن يكونوا تارة مخذلين وتارة تاركين الأمور تجري على غير سداد وتارة مجادلين عن الباطل والمبطلين والشر والمنحرفين.
فاتق الله أيها المسلم. يقول الله سبحانه وتعالى: { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما } إلى قوله تعالى: { أمّن يكون عليهم وكيلا } [النساء].
5-عدم المراقبة لله في هذه القضية وأمثالها:
فإن المؤمن لو راقب الله ما عمل هذا العمل لأنه يخشى من عذاب الله وانتقامه منه في الدنيا قبل الآخرة. قال الله تعالى: { ألم يعلم بأن الله يرى } ؟ [العلق ] . وقال سبحانه: { والله يعلم المفسد من المصلح } [البقرة].
6-عدم رحمة الناس
وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) عن جابر وابن مسعود وهو صحيح.
وكيف يكون رحيما بالناس من تسبب في جلب الإيذاء لهم بشيء من أنواعه وصنوفه؟!.
7-عدم محبة الخير للناس(1/79)
وهذا نقص في الإيمان وزعزعة فيه, فقد جاء في البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)). وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد والترمذي وغيرهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((... وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما, وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا)).
8-الإقدام على الرماية ممن لا يحسنها:
ولهذا بعضهم يرمي بالسلاح الثقيل فيصعب عليه أن يتحكم فيه لضعف الرامي فيحصل ما يحصل.
والتقدم إلى الرماية من قبل من لا يحسنها, فبعضهم لا يعرف كيف يمسك بالسلاح فضلا عن أن يكون عارفا كيف يرمي.
9-تسلط الشيطان على من يستخدم السلاح بطريقة مخالفة للشرع:
فالشخص قد يكون عارفا بالرماية والسلاح ليس بثقيل, ولكن ما يشعر إلا وقد جرى منه ما لم يكن في الحسبان.
وهذا الأمر لا ينبغي للرماة أن يتجاهلوه. فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار)) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
ولو أنهم تنبهوا لمعنى هذا الحديث لوجدوا أن هذا حاصل بلا شك.
وإلى هنا نكون قد بينا الأسباب التي أدت إلى هذا التهور في أعراض المسلمين, وإلى إبادتهم والقضاء عليهم, وما بقي فلا تكاد تخرج عما ذكرناه, لأنها متشابهة ومتداخلة. فهذه الأسباب وما شابهها أدت إلى الوقوع في الخطر. والله المستعان.
قضية الأخذ بالثأر
وبعد أن انتهينا من الرماية العشوائية وأسبابها ومفاسدها نذكر الرماية من أجل أخذ الثأر, ونبين ما هو الجائز منها والممنوع.
المطالبة بقتل القاتل في الشرع:
إن قضية الأخذ بالثأر خطيرة إذا لم يحكم فيها شرع الله, أما إذا حكم فيها شرع الله فالخير كله في ذلك.(1/80)
وعلى هذا: يجب أن تعلم أن الإسلام أعطى هذه القضية أهمية بالغة, يقول تعالى: { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا } [الإسراء].
فماذا يريد المسلم بعد هذا التمكين والنصرة له من قبل الله إذا هو أتى للأمور من أبوابها, أما إذا ركب الصعب فذاك خطر مدلهم.
وجمهور العلماء على أن السلطان في هذه الآية لولي المقتول ظلما يستلزم الخيار بين ثلاثة أشياء وهي:
1- طلب القصاص.
2- أو الدية.
3- أو العفو مجانا لغير مقابل.
أما القصاص فقد قال الله تعالى في كتابه: { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } [البقرة]. وقال تعالى: { كتب عليكم القصاص في القتلى } [البقرة] .
أما العفو فقد قال الله تعالى: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } [البقرة].
وروى النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يقاد أو أن يفدى)). وأما من يفدي ويأخذ الدية فقد صح من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية ... )). رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
والآية الكريمة وهي: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف } إنها تشمل العفوين: الأكبر والأصغر, فالأكبر: أن يتنازل أولياء المقتول عن: القصاص والدية, والأصغر أن يتنازلوا عن القصاص أو بعضهم مع طلب الدية.
والدية لها صورتان:
1-أن تكون على حسب التقدير الشرعي.
2-أو يتصالحوا مع أولياء المقتول على ما يتصالحون عليه, ولو بأكثر من الدية الشرعية. ففي حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما المذكور آنفا: ((وما صولحوا عليه فهو لهم)) وهو صحيح.
هذه طريقة شرعية للأخذ بالثأر.
الأخذ بالثأر عند جماهير الناس(1/81)
الثأر هو المطالبة بالدم:
إن قضية الأخذ بالثأر عند جماهير المسلمين صارت قضية مجانبة للشرع الرباني.
وكيف لا وقد أطلقوا لأنفسهم العنان في هذا الباب, فتعدوا من الحدود ما فيه غضب الله وسخطه في الدنيا والآخرة عليهم, وأضاعوا من الحقوق وانتهكوا من المحرمات ما يستحقون الضرب عليه والطرد. وصارت هذه القضية ميدانا واسعا لتأجيج الفتن وإشعالها.
وبسببها قضوا على الأخضر واليابس وصارت دماء المسلمين رخيصة لا تتجاوز قيمة الرصاصة التي يقتل بها المسلم أخاه.
وقد تقدم لك نبذة من الأحاديث حول هذه العصبية الجاهلية, ومن ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)) رواه الترمذي من حديث ابن عمروهو صحيح.
وهؤلاء تركوا الأحكام الشرعية من تثبت وبيانات في بعض الأحوال ومن بحث عن حقهم بطرق شرعية وظنوا أنهم إذا قتلوا قاتل قتيلهم سيستريحون, ولكنهم دخلوا في ليل مظلم, فكيف بمن قتل غير القاتل؟!.
ومن أجل أن يتضح لنا جميعا مدى عناية الإسلام بقضية الأخذ بالثأر أذكر بعض المسائل المهمة حول هذه القضية:
حكم قتل غير القاتل:
قضية لا علاقة لها بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد
أخي المسلم : إن أعظم أنواع الذنوب بعد الشرك بالله هو قتل النفس التي حرم الله بغير حق.
ألا تتصور يا أخي الفعل الشنيع يوم أن يكون المسلم بريئا ليس في رقبته قطرة من دم, ويكون آمنا بأمان الواحد القهار سائرا بعد أموره مجنبا نفسه الفتنة, ومن ثم لا يدري إلا والرصاص تنهال عليه مثل المطر, وبعد ذلك تسمع أهله والناس كلمة واحدة: "لا رحم الله من قتله, وما ذنبه؟ ولقد كان خيرا في مجتمعه؟".(1/82)
بل لقد ركب الشيطان على هذا الصنف وجرهم إلى الازدياد من الإجرام, فسول لهم أن يقتلوا غير القاتل, ولو كانوا قادرين على قتل القاتل من أجل أن تكون النكاية بأهل القاتل أعظم. بل ينظرون إلى الخير من أهل القاتل ويقتلونه. فلم يقتنعوا بقتل غير القاتل .
بل وصل بهم الإجرام إلى أنهم في بعض الأحايين لا يقتلون غير القاتل من أسرة الشخص, بل يقتلون واحدا من القبيلة ليهينوا القبيلة بأسرها ويظهرون بمظهر أنهم أقوياء.
وفي بعض الأحايين قد يقتلون جماعة من الأسرة .
وعلى هذا الإجرام يقوم سرور هؤلاء وفرحهم, بل بعضهم إذا فعل هذا رمى إلى الجو فرحا بما تحقق لهم من نصر -على حد زعمهم-فإنا لله وإنا إليه راجعون .
هؤلاء لو ترك لهم المجال يفعلون هكذا لأبادوا البشرية, ولقد تعدى الأمر إلى أن يترصد هؤلاء لمن يريدون قتله سواء كان قاتلا أو غير قاتل في المدن والمجامع الكبيرة.
بل قد حصل أن بعضهم يترصدون لمن يريدون قتله في المسجد, فإذا خرج من المسجد هجموا عليه .
فيا ويلهم من يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
ويا ويلهم من حكم أحكم الحاكمين, فقد قال الله: { ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا } [الفرقان].
وإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين)) رواه البخاري ومسلم عن عائشة وسعيد بن زيد، والحديث متواتر. فكيف بمن قتل المسلم البريء؟.
فيا أيها المسلمون استجيبوا لله, فقد قال: { ولاتزر وازرة وزر أخرى } [فاطر]. ويقول سبحانه وتعالى: { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } [الأنعام].
وقال الله: { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا } [الإسراء].
فهو منصور إن لم يسرف, أما إذا أسرف فهو مقهور بقهر الله الواحد القهار, قبل كل شيء.
والإسراف بالقتل على أربع صور:
1. أن يقتل اثنين فأكثر بواحد, وهذا كان موجودا في أيام الجاهلية.(1/83)
2. أن يقتل واحدا فقط, ولكنه غير القاتل.
3. أن يقتل القاتل فقط ولكنه يمثل به, وزيادة المثلة إسراف في القتل, والمثلة هنا: هي التشويه بالمقتول كتجديع أنفه وما أشبه ذلك.
4. أن يقبل أولياء المقتول الدية ثم يذهب أحدهم أو مع اتفاقهم فيقتل القاتل, وحتى لو أن أحدهم قتل القاتل بعد أن تنازل بعض أولياء المقتول عن القصاص لكان مسرفا في القتل.
وكل هذه الصور تحصل في أيامنا.
مسألة:
بمَ يثبت السلطان لولي المقتول على القاتل؟.
الجواب:
بواحد من ثلاثة أشياء:
1- إقرار الجاني بالقتل.
2- بالبينة الشاهدة عليه.
3- أيمان القسامة مع وجود اللوث, أما الإقرار فقد أجمع علماء الإسلام على العمل به, لتواتر الأدلة في ذلك, ومنها: ما جاء في البخاري ومسلم من حديث أنس ((أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين, فقيل: من فعل بك هذا؟ فأومت برأسها إلى اليهودي, فاعترف, فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فرُض رأسه بالحجارة)).
وأما الشهود فقوله عليه الصلاة والسلام للأنصار: ((تأتون بالبينة على من قتل)) رواه النسائي وغيره من حديث سهل بن أبي حثمة, وفي حديث عبدالله بن عمر عند النسائي وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للأنصاري: ((أقم شاهدين على من قتله أدفعه إليكم برمته)).
وأما القسامة: فهي : أن يحلف خمسون من أولياء المقتول على فلان فيدفع إليهم برمته كما في صحيح مسلم.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((ليقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته)) من حديث سهل بن أبي حثمة.
فإذا لم يحصل هذا, فلا سبيل لأولياء المقتول على المتهم بالقتل.
مسألة:
من هو الولي
قال سبحانه: { فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل } [الاسراء]؟.
الجواب:
جمهور أهل العلم على أن الولي في الآية هم: الورثة من رجال ونساء وذوي أنساب وأسباب.
فيدخل في الورثة الزوجات والأمهات والأخوات وغيرهن.(1/84)
وبعضهم حصر الولي على العصبة من الرجال دون النساء. وقول الجمهور أرجح.
مسألة
انتظار الأولياء
لأهل العلم قولان مشهوران في قضية الانتظار لبعض أولياء المقتول إذا كانوا غائبين أو صغارا, وما أشبه ذلك.
فمجموعة من العلماء قالوا: لا قصاص حتى يبلغ الصغير ويحضر الغائب, وبعضهم قالوا: لا يلزم, ولعله الأقرب, إذ الصغير والمجنون عاجزان عن حق الاختيار, فيكون أمرهما موكول إلى الكبار, وأما الغائب إن كان قدومه ميسورا فينتظر, والله أعلم.
وأيضا تأخير القصاص بالكلية من أجل هؤلاء ربما ضاع الحق.
مسألة:
هل للحاكم أن يسقط الحد إذا بلغه؟
ليس للحاكم أو الرئيس أن يسقط الحدود إذا بلغته وتمت أسباب إقامتها من إقرار أو بينة أو غير ذلك, والأدلة على ذلك كثير, ومنها:
ما صح عند أحمد والحاكم والبيهقي عن عبادة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أقيموا حدود الله في البعيد والقريب ولا تأخذكم في الله لومة لائم)). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد, وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) متفق عليه عن عائشة. وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب)) رواه أبو داود والنسائي والحاكم عن ابن عمر وهو حسن, وعند أحمد وأبي داود وغيرهما عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم, إلا الحدود)) وهو صحيح .
فهذه الأدلة الصحيحة الصريحة قاضية بوجوب إقامة الحدود, لأنه ليس للإمام أو الحاكم أو الرئيس تعطيلها.
وسواء كانت إقامة الحدود متعلقة بحق الله أو بحق الخلق, وهذا الذي ذكرناه عليه عامة العلماء.
وقد بين - صلى الله عليه وسلم - أن أصحاب الهيئات (وهم أصحاب الخصال الحميدة) تقام عليهم الحدود.(1/85)
وبهذا العدل قامت السماوات والأرض واستنارت الأمة بنور الأمان والاطمئنان.
مسألة:
الشفاعة في الحدود
لا يجوز لمسلم أن يشفع في حد من حدود الله إذا بلغت الحاكم:
وإليك الأدلة على ذلك:
جاء في البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأسامة: ((أتشفع في حد من حدود الله)) قاله عليه الصلاة والسلام عند أن شفع في المرأة المخزومية التي سرقت.
وجاء عند أبي داود وغيره عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره)) والحديث صحيح.
وصح عن ابن الزبير أنه شفع في سارق, فقيل له: تشفع لسارق؟ فقال: "نعم ما لم يؤت به إلى الإمام, فإذا أتي به إلى الإمام فلا عفى الله عنه إن عفى عنه".
فلا يجوز للمسلم أن يشفع في الحدود ولو كان –على زعمه- رحمة منه بالجاني, فقد قال الله سبحانه: { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } [النور].
فإذا كانت الشفاعة لا تجوز رحمة بالجاني فما بالك بمن يشفع لأنه مرتشي؟!.
أخذ الرشوة التي فيها اللعنة, وشفع في أمر يخشى عليه من اللعنة!!!.
فنعوذ بالله من الخذلان.
إيواء القتلة الظلمة:
إن من آوى القتلة الظلمة فهو داخل في اللعنة المذكورة في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لعن الله من ذبح لغير الله, لعن الله من لعن والديه, لعن الله من آوى محدثا, لعن الله من غيّر منار الأرض)) رواه مسلم وغيره.
وإيواء القتلة المعتدين من أجل الدفاع عنهم ونصرتهم على باطلهم جرم عظيم. ولهذا لعن من فعل ذلك, واللعن لا يكون إلا على ذنب عظيم.(1/86)
فالمُحْدِث ملعون, والمناصر له وإن لم يؤه ملعون, لأن الحديث صرح بلعن المؤوي للمحدث, فمن باب أولى أن يكون المناصر له ملعونا وإن لم يؤه. لأن المؤوي إنما لعن لمناصرته للمحدث.
فاتضح من هذا عظم جرم من يدافع عن المحْدثين في أي حدث كان مما يكون إفساداً في الأرض وابتداعا في دين الله.
والله المستعان.
مسألة:
هل يجوز لأولياء المقتول أن يأخذوا حقهم بأيديهم, أي: دون حكم الحاكم؟.
الجواب:
جمهور العلماء يرون وجوب رد إقامة الحدود إلى الأئمة ومن ينوب عنهم, معللين ذلك أن إقامة الحد من جهة أولياء المقتول لا يأمن حصول الظلم والحيف والتشفي إذا اقتص صاحب الحق بيده؟.
إن الأدلة كثيرة على رد إقامة الحدود إلى ولي أمر المسلمين, منها القولية ومنها الفعلية, ومن القولية قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها, فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله, فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله)) رواه الحاكم والبيهقي عن ابن عمر وهو صحيح ، وعن عبدالله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب)) رواه أبو داود وغيره وهو حسن.
والأدلة التي فيها الإذن منه - صلى الله عليه وسلم - للسيد أن يقيم الحد على العبد والأمة، دليل على عدم جواز إقامتها على الحر.
وأما الأدلة الفعلية: فقد كان جميع الصحابة يردون الحدود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وفي عهد الخلفاء الراشدين كانت إقامة الحدود إلى الخلفاء, واستمر الأمر كذلك في عهد القرون المفضلة.
ولما تغير الحكام بدأت المسألة تأخذ مجرى آخر.
وبسبب انحراف الحكام وإهمالهم لما أوجب الله عليهم أفتى بعض العلماء بأنه لا يجب رد إقامة الحدود إلى الأئمة ومن ينوب عنهم, واستدلوا على ذلك بأدلة, ومنها:(1/87)
حديث وائل عند مسلم وغيره: جاء رجل يقود رجلا, فقال: يا رسول الله: هذا قتل أخي, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((أقتلته؟)) قال: نعم, قال: ((كيف قتلته؟)) قال: كنت أنا وهو نحتطب من شجر فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته ... إلى أن قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((دونك صاحبك)).
فقالوا: الرسول - صلى الله عليه وسلم - دفع القاتل إلى ولي المقتول.
قلت: وهذا الحديث ليس دليلا على مسألتنا, لأن هذا حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأصحاب المقتول أن يقتلوه, ومسألتنا في: حكم من أخذ حقه دون حكم الحاكم, فهو استدلال خارج عن محل النزاع.
واستدلوا بما جاء في البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لو أن امرءاً اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح)). وهذا الحديث قد حمله بعض العلماء على أنه للزجر والتغليظ.
ولا تخلو الأدلة في مسألتهم هذه من نظر, وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية تفصيلا حسنا في مجموع الفتاويه (34/176).
فقال: "وقول من قال: لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوابه إذا كانوا قادرين فاعلين بالعدل كما يقول الفقهاء: الأمر إلى الحاكم: إنما هو العادل القادر...إلى أن قال فإذا كان مضيعا للحدود أو عاجزا عنها لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه.
والأصل أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه, فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين, ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها, فإنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
"فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمور أو الرعية ما يزيد على إضاعتها لم يدفع فساد بأفسد منه 0 أهـ والله أعلم.
فخلاصة الأمر في هذه المسألة يتمثل في الآتي:(1/88)
1- الأصل في إقامة الحدود أنها تقام على أيدي ولاة أمور المسلمين بخلاف إقامة الحد على الأعبد والإماء, فهذه يجوز أن يقيمها السيد.
2- إذا كان ولاة أمور المسلمين قائمين بالعدل قادرين عليه, وجب رد الحدود إليهم ولا يجوز إقامتهادونهم.
3- إذا كان الحكام غير عادلين مضيعين للحدود ووجد من يقيم الحدود بالعدل وله قوة ومنعة جاز ردها إليه, فمثلا: لو أن جماعة من الناس فيهم رجل يرتضون بحكمه وهو يحكم بالعدل, فرد الحدود إليه ليقيمها أفضل من ردها إلى من يضيعها أو من يتركها.
4- إذا كان الحكام غير عادلين, وليس مع الناس رجل
عدل يرتضون بحكمه, فهنا لنا ثلاث حالات؟.
الأولى: أن يكون إقامة هذا الحد لا يؤدي إلى فساد مثل الحد أو أكبر فمثلا:
فلان قتل فلانا, وأقر بذلك أنه قتله متعمدا, وأولياء القاتل دفعوا القاتل إلى أولياء المقتول, فهنا يقيم الحد أولياء المقتول ما دام أولياء القاتل قد دفعوا قاتلهم إليهم, قال الله تعالى: { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل } .
فهذا سلطانهم هنا نافذ بهذه الصورة.
الثانية: القاتل يسلم نفسه لأولياء المقتول معترفا بأنه القاتل عمدا, ولكن أولياء القاتل لا يوافقون القاتل على تسليم نفسه وإن قتله أولياء المقتول يتوقع أن أولئك قد ينتقمون.
فهنا لا ينبغي أن يرد الحد إلى أولياء المقتول, لتوقع الفتنة وتسلم القضية للدولة.
الثالثة: أن يتمرد أولياء القاتل والقاتل:
فهنا تسلم القضية للدولة, وإن لم يقام الحد لأن السجن جزء من العقوبة, وسبب لتخفيف الفتن, وعلى حسب ما نرى في جماهير الناس من جهل بالقضايا الشرعية وما إليها فلا يجوز لأي مسلم وأي جهة أن تقدم على تنفيذ حد إلا بعد سؤال الراسخين في العلم.
وما نزال نسمع أن فلانا قتل ولده لأنه فعل كذا وكذا, أو أن فلانا قتل ابنته ...
فإذا كان هذا الظلم حصل من هؤلاء في حق أولادهم فكيف بغيرهم؟
فهذا العمل يقوم على جهل وظلم عريض. عياذا بالله.(1/89)
مسألة:
الحالات التي يقتل فيها أولياء المقتول القاتل:
لا يقتل أولياء المقتول القاتل إلا في إحدى ثلاث حالات:
1- إذا سلمه إليهم أولياؤه.
2- إذ سلمته لهم الدولة, مع عدم معارضة أوليائه في تسليمها القاتل لأولياء المقتول كما حصل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ادفعوه إليهم برمته)) كما تقدم في الحديث, والله أعلم.
3- إذا سلم القاتل نفسه دون معارضة من قبل أوليائه.
الواجب على كل مسلم نحو أخيه المسلم
من أجل إزالة هذه الفتن وغيرها:
الواجب على المسلمين هو النصرة, روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لينصرن الرجل أخاه ظالما أو مظلوما, إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصرة, وإن كان مظلوما فلينصره)).
ومن حديث أنس في البخاري وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((انصر أخاك ظالما أو مظلوما, إن كان ظالما فرده عن ظلمه وإن يكن مظلوما فانصره)).
فنصرة المسلم في باب الخير وفي باب الشر واجبة على كل مسلم يقدر على ذلك.
والنصرة في باب الشر للمسلم تكون ببيان الحكم الشرعي له وبمعاونته على ترك ذلك الشر واجتناب معاونته في باب الشر, فلو أن المسلمين تناصروا هكذا لما وجدت ظلما مستقرا أو شرا مستطيرا فاتضح من هذا أن نصرة المسلم لأخيه المسلم الظالم تكون على صورتين:
1- ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعظمها وهي: رد الظالم وردعه عن ظلمه. وهذا أعظم نصر للمسلم
2- وإذا لم يقدر المسلم على هذا النصر طلب منه من باب أولى أن يجتنب الظلم والشر الذي وقع فيه هذا المسلم, وهذه هي الصورة الثانية. والاجتناب يكون بقوله وبفعله.
ولما ترك الكثير من المسلمين هذه النصرة تحولوا إلى مداهنين ومتعاونين على الإثم والعدوان.(1/90)
فهذا هو البديل لمن أبى أن يتعاون على الخير, ولبئس البديل للظالمين بدلا, بل إن بعض المسلمين يجند نفسه لمحاربة الحق وأهله. وبسبب فعله هذا زاد انتشار الظلم والتعدي على الأعراض والحقوق وخفي الحق. فيا ويله من الله. فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((ما من امرئٍ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته)) رواه أحمد وأبو داود وغيرهما عن جابر وغيره وهو حسن.
أخي المسلم :لا يمكن أن يستقر الأمان ويسود الإخاء الإسلامي بيننا إلا بالسعي لإزالة هذا الشر ومحاربته, وكل على حسب قدرته.
وها أنا أذكر ما ينبغي أن نقوم به جميعا ليتحقق لنا الخير العميم. فما علينا إلا أن نقوم به على وجهه الأكمل ما استطعنا:
والخطبة الواحدة من العالم أو المحاضرة تحول السامعين عن مجار الهلاك بإذن الله , لأنهم إذا سمعوا وفهموا تابوا وأنابوا بإذن الله. والحمد لله لقد وجدنا قرىً ابتليت بهذه الفتن, فلما حصل البيان لهم تركت هذه الفتن أوأغلبها إلى غير رجعة بإذن الله, وإن كان يوجد من فسقة الناس من يحاول أن يثيرها من جديد. فانتشار العلماء بين صفوف الأمة لنشر الحق لا لغيره, هذا كاف في القضاء على جزء كبير من هذه المصائب وإقناع جماهير الناس بما في هذه الفتن من عواقب وخيمة. فنناشد العلماء أن يجعلوا هذه الفتن نصب أعينهم وأن يحاربوها بكل ما أوتوا من قوة. والذين يداهنون مجتمعاتهم ويسهلون لهم هذه الفتن ليسوا محل قبول وائتمان على دين الله, والأمة في غنى عنهم.
1- واجب الدولة:(1/91)
لاشك أن الدولة يزعجها حصول هذه الحوادث وأن الملامة عليها كبيرة إذا لم تعط الأمر أهميته, لأن بيدها السلطة, وهي قوة الردع, ولكن كما يقال: "مخرّب غلب ألف عمّار", فالدولة تسعى بمحاربة هذه الفتن الخطيرة وتبذل في ذلك ما تبذل, ولكن هناك بعض المسؤولين من يعمل مع الطرفين: الطرف الأول الدولة, والطرف الثاني أصحاب الفتن.
وعمل هذا الصنف من المسؤولين مع أصحاب الفتن يتمثل في أمور, منها:
أ- مد الأطراف المتنازعة بالسلاح أو إحدى الجهتين لتتغلب على الجهة الأخرى, وعلى حسب انتماء المتخاصمين يقع التفاعل معهم والمساندة لهم.
ب- تمييع قضايا إقامة الحدود, وهذا ظاهر للناس وأوضح من عين الشمس, بل هذا الأمر يكاد أن يكون هو أساسا هذه الفتن, بل هذا الأمر أدى إلى أن المظلوم لا يبحث عن حقه عن طريق الدولة لمعرفته أن عمره سينتهي وماله سينفد وما توصل إلى حقه. وهذا التساهل والتلاعب بمهام الأمور كهذه أدى إلى التمرد على الدولة, وهذا يعمله الكثير منا فلسنا نطالب الدولة أن تضرب بيد من حديد كما يعبر به من لا يتورع فيما يقول, ولكننا نطالب الدولة بأمر لو قامت به ذابت هذه العظائم كما يذوب الملح في الماء بإذن الله رب العالمين, وهذا الأمر هو: إقامة الحدود الشرعية, وهذا واجب عليها , يقول الله سبحانه وتعالى: { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب } [البقرة]. ويقول عليه الصلاة والسلام: ((إقامة حد من حدود الله خير من مطر أربعين ليلة في بلاد الله)) رواه ابن ماجه عن ابن عمر وهو حسن, وقد جاء من حديث أبي هريرة عند النسائي وغيره.
فدولة بدون إقامة الحدود الشرعية كجسم بلا روح.
وإقامة الحدود في أيامنا صار أمرا صعبا بسبب ضعف إيمان بعض المسؤولين وعدم مراقبتهم لله أو دخولهم في مناصب عرفوا أنهم عاجزون عن إقامة الحدود فيها, ومع هذا لا يتركونها ويطالبون من هو أقدر على إقامتها وأتقى لله منهم.(1/92)
فلهذا: الدولة بحاجة إلى رجال أقوياء أشداء في هذا الباب مزودين بما يحتاجون إليه.
فإذا كان الحاكم يرتشي ما سيقام حد, وإن أقيم حد على فلان فهو إما لأنه ما هناك من يرشي عنه وإما أن الحاكم ارتشى ليقيم عليه الحد.
وهذا أيضا فتح باب فتنة للناس, فلا بد من إغلاق باب الرشوة وإغلاق باب الشفاعة عند الحاكم في باب الحدود, وبدون إغلاق هذين البابين لن تقام الحدود.
ولا يمكن أن يترك الرشوة من تعود عليها إلا أن يشاء الله, ولكن اختيار رجال لهذا الأمر عرفوا بقوة الإيمان والصلاح هو أقرب إلى الوصول إلى هذا المنجز الكبير. وبقيت أشياء يمكن أن تقوم بها الدولة للإصلاح, ولكن هذا الذي ذكرته واكتفيت به هو من أهم وأوجب ما تقوم به الدولة.
2: واجب علماء المسلمين:
هو أهم الواجبات وأبرزها وأنفعها, لما للعلماء من تأثير مباشر على قلوب الناس.
ما ينبغي أن يقوم به الخيرون من المسلمين في أوساط أقوامهم:
ونريد بالخيرين من المسلمين: الذين هم أسبق الناس إلى الخير وأحسن الناس تمسكا بدين الله وشرعه, فهذا الصنف يتكون من طلبة علم ومسؤولين ومن تجار وزراع وعمال وموظفين ومغتربين.
إن هذا الصنف هو أقدر الناس على مجانبة هذه الفتن لأنه يجد قوة في إيمانه ورغبة في التمسك, ولا يخاف ملامة الناس.
وهذا الصنف إن ابتعد عن الفتن سهل للناس ترك هذه الشرور. لأن الناس في بعض القضايا يعرفون الشر ويريدون تركه, ولكن يحتاجون إلى قدوة يفتح لهم الطريق.(1/93)
وهؤلاء الخيرون إذا قاموا بترك هذه العادات فقد دخلوا في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص من أجورهم شيء)) رواه مسلم من حديث جرير بن عبدالله. وقد كان سبب هذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا المسلمين إلى الصدقة, فقام رجل من الأنصار وجاء بصرة كادت يده أن تعجز عنها فوضع تلك الصرة من الذهب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فسُر واستنار وجهه - صلى الله عليه وسلم - , فلما رأى الصحابة هذا الرجل الأنصاري وما قد قام به توافدوا كل يتصدق بما يقدر عليه, فذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الحديث.
والشجاعة تتمثل في: إحياء ما أماته الناس من الحق ولا شجاعة أنفع وأعظم من هذه.
أيها المسلم السني الغيور على الإسلام:
إنك إن قبلت هذه الفتن كنت قد أعطيت الناس الصبغة الشرعية لها, لأن الناس ينظرون إليك أنك لا تعمل إلا بالحق ولا تقبل إلا إياه.
فاحذر أيها الغيور أن يؤتى الإسلام من قبلك, فمتى يصلح الناس إذا كنت فاسدا؟!.
فاتقوا الله أيها المسلمون واستقيموا على الإسلام. والله المستعان.
تنبيه:
بعض الخيرين يكون محذرا من الرماية, ولكن إذا حصلت المناسبة عنده فتح الباب على مصراعيه وربما حصل عنده من الإسراف والتبذير في الرماية ما يفوق غيره, وهذا ناتج عن ضعف في الإيمان والصدق والإخلاص, فإن من خالط كمال الصدق والإخلاص بشاشة قلبه فلا راحة له إلا في تنفيذ شرع الله.
فالصنف الذي يحذر الناس من شر ثم يأتيه داخل في قوله تعالى: { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون } [البقرة], وفي قوله تعال: { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } [الصف]. وهذه مصيبة بعض من يتسلقون المنابر وغيرها, فهم على باب الجنة عند أن يتكلموا عن الإسلام وعلى باب النار عند أن يفعلوا خلاف ذلك.(1/94)
فالحذر الحذر من هذه التحولات.
البديل عن الرماية المخالفة للشرع
أخي المسلم: إننا نفتخر بك أيما افتخار ونعتز بك أيما اعتزاز إذا كنت ممن يجيد الرماية في أكثر من نوع من الأسلحة, فلهذا نحتاج إلى أن تجعل أيام العيدين والولائم والمهرجانات وغيرها فرصة طيبة لتعليم الرماية وتعلمها.
فمن كان عالما بها يعلم غيره, ومن لم يكن عالما بها يتعلم, وهذا يكون بطريقة المنافسة في الحاضرين وتشجيع القوم والالتهاء باللهو المشروع كما قال عليه الصلاة والسلام: ((كل شيء ليس فيه ذكر الله لهو ولعب إلا أن يكون أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الغرضين، وتعليم الرجل السباحة)) رواه النسائي والطبراني والبزار عن جابر بن عبدالله وجابر بن عمير وهو صحيح, وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((تأديبك فرسك ورميك بقوسك وملاعبتك أهلك)) أخرجه القراب في "فضائل الرمي".
فانظر إلى قوله: ((ورمي بين الغرضين)), والغرض هاهنا هو: ما يقصده الرماة من هدف كما نسميه (النّصَع), وتعلمك للرماية تنال به منافع عظيمة في الدنيا والآخرة إذا كان ذلك لأغراض نافعة, ولو لم يكن من هذه المنافع إلا نصرة الإسلام لكفى بذلك شرفا, فكيف ومنافعها كثيرة؟.
وقد تقدم لك أن ذكرنا أن أكثر أحداث القتل في المناسبات هي من قبل من لا يجيد الرماية, بل بعضهم لا يعرف كيف يضع الرصاصة ويخرجها.
وبعض الناس يعجبهم أن يدعوا معرفة كل شيء والخبرة في كل شيء ولو كانوا عاطلين في ذلك , وصدق من قال ((قيمة كل امرء ما يحسنه)).
الفصل الرابع
القسم الثاني من أقسام الرماية:(1/95)
وهذا القسم سمينته: "الرماية الصغرى". لأنه في الغالب لا يقتل, ولكن فيه أضرار لا تخفى على العقلاء من المسلمين, وهذه الرمايات التي سأذكرها بعد قليل تدخل في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا ضرر ولا ضرار)) رواه أحمد وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما, وهو عند ابن ماجه من حديث عبادة, وقد جاء عن صحابة آخرين .
فهذا الحديث قاعدة عظيمة, ومعنى لا ضرر: أي لا يضر الرجل أخاه , ومعنى لا ضرار: أي لا يجازي من ضره بإدخال الضرر عليه وتدخل في حديث عبدالله بن مغفل رضي الله عنه وهو متفق عليه, قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخذف وقال: ((إنها لا تقتل الصيد ولا تنكي\أ العدو ولكنها تفقأ العين وتكسر السن)).
فأفاد الحديث كراهة الخذف وتعريفه كما قال الحافظ ابن حجر في كتاب الصيد: (9/29-30): (أن يرمي بحصاة أو نواه بين سبابتهن أو بين الإبهام والسبابة, أو على ظهر الوسطى وباطن الإبهام).
فهذا الرمي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أنه لا يصاد به ولا ينكى به عدو وبين أن هذه الرماية قد تؤثر تأثيرا بالغا في بعض الأماكن, فقال: ولكنها تكسر السن وتفقأ العين, فنشرع في ذكر بعض الرمايات التي بين أيدي الأطفال وما لها وما عليها .
ذكر بعض أنواع الرمايات الصغرى:
والرماية الصغرى كثيراً ما يلعب بها الأطفال
1- الطمش:
وهي: دسته يأتي فيها (40) حبة مشحونة ببارود, مع كل حبة فتيلة, إذا أشعلت الفتيلة قرحت الحبة.(1/96)
وهذا الطمش يكثر استخدامه في العيدين وفي أيام المناسبات الأخرى, وبالذات الزواج, وقد يستخدمه الكبار في أيام العرس وما أشبه ذلك تخفيفا عليهم من كثرة الخسارة في الرماية بالأسلحة النارية, وهذا الطمش إذا وضع على حطب أو علف قد يشعله ويحرقه, وإذا قرحت الحبة على يد شخص أثرت عليها, وإذا قرحت بجانب آمن خوفته.لأن لها صوتا مزعجا, وقد ذكر لي أخ أن شخصا رمى بدسة طمش فوقعت على أذن شخص فصرع, وأُسعف فتأثر في سمعه. وبعض الأولاد قد يستعملها بصورة أخطر: ومن ذلك أن بعضهم يأخذ معبرا فارغا ويشحنه ببارود وحصى ويضع على فمه حبة طمش ويولعها فتقرح ويقرح ما في داخل المعبر وتسبب ضررا مؤثرا .
فخلاصة القول: إن الرماية بالطمش مكروهة: عملا بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - المتقدم, وإن كراهتها تشتد إذا كانت للمزاح إذ لا يجوز المزاح بها.
فعلى الآباء أن يحذروا الأولاد من المزاح بها والرمي بها في أوساط الناس أو بقربهم فإنهم إذا فعلوا ذلك كانوا مؤذين. ولو أُعطي الأولاد أيام الأعياد والولائم ألعابا أخرى لا يلحق من ورائها ضرر كان هذا أنفع وأبعد عن الإيذاء.
2- الصواريخ :
هذه الصواريخ يطلقها الأطفال وتمشي مسافة, فيحصل الضرر بها إما للرامي أو لغيره وقد أخبرني أحد الأخوة أن صاروخاً انطلق فوقع على شجرة فيها علف فاحترق العلف كله.
3- القنابل !:
يصنع هذه القنابل بعض الأولاد: يأخذون ماسورة هنشين أو أكثر, ويرجزون فيها أحجاراً ثم يضعون بارودا ثم يشعلونها فتنفجر انفجارا قويا, لو وقعت على شخص فأكثر لأدى ذلك إلى إصابات خطيرة ومنها الموت، لذلك يجب أن يمنع أبناء المسلمين من ذلك.
4- مسدسات معها خرز:(1/97)
توضع الخرز في المسدس ثم يطلق بها كما يطلق بالمسدسات القاتلة, وهذه الخرز لو أن حبة وصلت إلى عين مخلوق لفقأتها, فإن كان ولا بد من استخدامها ففي أماكن بعيدة عن الناس مع عدم المزاح بها وهذا لا يكاد يحصل عند الأولاد لعدم انضباطهم. فليُترك شراء هذه المسدسات للأولاد. والله المستعان.
5- الرماية بـ "نجوم الليل" :
هي: شبه صاروخ, وسميت بـ "نجوم الليل" باعتبار أن لها أشعة ملونة ولها فتيل في أسفلها, فإذا أشعلها صاحبها ولم يبادر برميها أثرت على يده بالإحراق, وبالذات التي ليس لها عمود في أسفلها. وإذا انطلقت ومرت على شخص قد تحرق ثيابه وقد تؤثر على جسده, وإذا كانت فاسدة انفجرت على صاحبها وأثرت عليه.
فلا حاجة لها لما تقدم لك من الأدلة على أن كل ما كان فيه ضرر من أنواع الرماية ولا مصلحة فيه فيُترك استعماله.
6- الزيرو !:
وهي عبارة عن مدود فيه أرقام من 10-100 ويرمي عليها الرامي من بعيد بنبلة صغيرة مدببة أكبر من الإبرة, فهذه النبلة لو أصابت أحدا أثرت عليه
مسألة:
إذا أصاب الطفل بهذه الآلات الرامية أحدا تحمل وليه ما نتج عن ذلك من دية أو أرش, وسواء كان الطفل متعمدا أو مخطئا فإذا حصل أن ولداً أصاب عين ولد آخر حتى فقأها بهذه الرماية فعلى ولي الولد نصف الدية, إلا أن يعفوا أولياء المصاب , وهذا لاخلاف فيه قاله ابن قدامة في المغني وقد تقدم .
مجمل أضرار الرمايات الصغرى:
1- الإصابات في أبدان الناس.
2- الإصابات في ثيابهم.
3- إحراق بعض الممتلكات مثل الفراش والعلف وغيرهما.
4- إزعاج الناس على مختلف أحوالهم فمنهم النائم ومنهم المصلي ومنهم المريض ومنهم الآمن.
5- ترويع الأطفال .
6- إثارة الفتن بين الكبار إذا أصيب أولادهم بسبب هذه الرماية.
7- تضييع المال واستخدامه في غير مصلحة شرعية.
8- تضييع أوقات الأولاد في ألعاب مضرة.
9- إضعاف اقتصاد المسلمين لأنه يحصل اسراف كبير للأموال من أجل أخذ هذه الألاعيب.(1/98)
10- تقويت اقتصاد الكفار ما دامت مستوردة من عندهم.
ومن خلال هذه الأضرار يظهر لك أن هذه الرمايات المطلوب اجتنابها، وأقل أحوالها أنها مكروهة.
البديل عن الرمايات الصغرى
أخي المسلم: ربما قدر الله على ولدك بحادثة فأكثر فؤدي إلى أن تتقاتل مع أخيك المسلم وربما قتلته أو قتلك أو حكم عليك بمبلغ كبير بسبب جناية ولدك فأخرجك من راحتك, وربما خرجت تسأل الناس وتهين كرامتك وتذهب حياء وجهك وربما تغربت وفارقت أهلك وأولادك وأنت على أحر من الجمر. وربما تراكمت عليك الديون. ألا ترضى بالبديل عن هذه الأضرار؟.
فالألعاب المباحة للأطفال كثيرة في الأسواق, كالطائرات والسيارات والقلابات والبالونات والمسدسات المائية والنظارات المائية وغيرها كثير. فأنت لا تحتاج إلا لما ينفعك, أما ما يضرك فأنت في غنى عنه, والله المستعان.
الفصل الثالث
شبهات وردود:
اعلم أخي المسلم أن الشيطان يزين للناس الشبهات حتى يقتنعوا بعد مضي من الوقت أنها حق, وربما يستدلون لها من كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - , وهذا من تزيين الشيطان , قال الله تعالى في كتابه الكريم: { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا } [فاطر]. وقال: { وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل } [النحل]. إلى غير ذلك من الآيات.
وبما أن الشيطان يسعى في تزيين الشر لأهله كان من المهم بمكان كشف تزيينه الشر للعباد في مسألة الرماية المخالفة للشرع, ولقد زين الشيطان لبعض الناس وظنوا أنهم على خير, وهم على شفا جرف إن لم يبادروا إلى قبول الحق والتسليم له, وهذه الشبهه خروج على من كان بعيدا عن الحق وأهله .
الشبهة الأولى(1/99)
يقول: بعض الرماة في الأعراس, هذا من باب إعلان النكاح الذي أمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - قلت: أما إعلان النكاح فمطلوب شرعا, فقد جاء عن السائب بن يزيد عند الطبراني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أشيدوا النكاح)) وهو حسن, وفي حديث عبدالله بن الزبير عند أحمد والطبراني والحاكم وغيرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أعلنوا النكاح)) والحديث حسن أيضاً, ومن حديث محمد بن حاطب عند أحمد والترمذي والنسائي والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فصل ما بين الحلال والحرام ضرب الدف والصوت في النكاح)) وهو حسن أيضاً, وهذا الحديث قد بين بما يعلن النكاح به وأنه بضرب الدف وصوت النساء.
أخي المسلم: هذا الاستدلال بالحديث على جواز الرماية في العرس لا تجده عند علماء الشريعة, فلقد قرأنا والحمد لله كتبا كثيرة في النكاح وبالذات كتب المتقدمين, ولم يستنبطوا هذا, ومن شرح من علماء الشريعة هذا الحديث لا يذكرون هذا.
إذاً: فما مدى صحة هذا الاستدلال وهو خارج عن دائرة شروح العلماء؟ بل وقبل هذا لا وجود له في كتاب ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - . وأيضا الولائم متواجدة في حياة المسلمين عموما سابقا ولاحقا, وهم يعلنون النكاح ولم يفعلوا هذا. فاعتبروا يا أولي الأبصار .
فاتضح من هذا الاستدلال القائم عند أصحاب هذه الشبة أمور:
أ- عدم اعتمادهم على تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - في إعلان النكاح, مع أن الحديث يفسر بالقرآن والأحاديث الأخرى , ومن هنا قد جاء تفسيره في الحديث .
ب- لم ير جعوا إلى فهم العلماء الذين شرحوا هذا الحديث سابقا ولا حقا .
ج- مخالفة هؤلاء للمسلمين عموما فلم نسمع عن أهل بلد من البلدان لإسلامية قديما وحديثا أنهم أعلنوا النكاح بالرماية مع وجود الأسلحة معهم . الشبهة الثانية:
قول بعضهم"أنتم تريدون أن تخرجوا العروس كالميت , وهذا قيل لما أخبروا بأضرار الرماية .(1/100)
وحسبنا أن نقول: "هذا من كلام الجهال الذين لا يدرون ماذا يخرج من أفواههم, وإلا فهل معناه أن المسلمين من عهد رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وهكذا إلى عصرنا أساءوا إلى العروس عند أن أخرجوها بدون رماية , فقد زوج الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليا بابنته فاطمة رضي الله عنها وزوج عثمان بابنتيه بل هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج مجموعة من النساء فلم يحصل منه رماية أو حث عليها فهل يكون إكرام العروس بالرماية التي قدعلم ضررها , وهل رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وصحابته أهانوا العروس عند أن لم يرموا يوم عرسه ؟.
ومثل هذا أو قريب منه قول بعضهم: العروس ما معه فرح إلا يوم عرسه.
فلنضع أنفسنا أمام الأمر الواقع, فمن المعلوم أنه لا يكاد يمر عرس إلا وتحصل فيه مصيبة, بل مصائب بسبب الرماية. فما أكثر ما يصبح العروس مسرورا ويمسي مريضا أو باكيا أو حزينا. فأين السرور هنا؟.
وأيضا لو مر يوم العرس بسلام ولم يحصل من هذه المصائب شيء فهل نقابل نعم الله بما يضادها؟ وهل ندخل إلى حياتنا الجديدة بالمعاصي والفتن؟.
الشبهة الثالثة:
قول بعضهم : الدين يسر إذا نصح بعض الناس أن يترك الرماية قال : الدين يسر وهذا حق لا يختلف فيه اثنان, لكن ما هو اليسر في الرماية العشوائية في الولائم وغيرها؟. وفيها تخويف الناس وإرهابهم؟ وفيها الإسراف والتبذير؟ وفيها الفخر والعجب والمجاملة للناس؟ وفيها إصابة الناس بالأضرار الجسيمة؟ فمن قتيل ومن كسير ومن جريح ومن مشلول ومن أعرج ... إلى آخر ما هو معروف من أضرار هذه الرماية.
فلو كان الدين يسراً بهذه الصورة التي ادعاها القائل لكان عسرا في حقيقة الأمر .(1/101)
إذاً اتضح لنا أن الاستدلال بقولهم: "الدين يسر" عكس يسر الإسلام فهؤلاء إما أنهم يعرفون يسر الإسلام ولكن يريدون أن يمشوا عاداتهم باسم يسر الإسلام , وإما أنهم لا يعرفون الإسلام فيظنون أن هذا من حسن الإسلام ويسره, وهؤلاء شرهم أخف, وإن كانوا وبالا على أنفسهم ويجلبون من الشرور ما يندى له الجبين بسبب الرضوخ للجهل.
والله المسؤول أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.
الشبهة الرابعة:
يستدل بعضهم بحديث عائشة رضي الله عنها الذي في الصحيحين وفيه : ((لعب أولاد الحبشة بالحراب والدرق يوم عيد والرسول - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليهم)), والحديث تقدم أنه في الصحيحين. وأنه بستدل به على تعلم الرماية لا على هذه الرماية العشوائية التي يحصل فيها ما لا يرتضيه عاقل .
الشبهة الخامسة:
يستدل بعضهم على جواز الرماية عند خروج الحاج ورجوعه بقوله تعالى: { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } [الحج] وهذا استدلال باطل
فقد قدم رسولنا من الحج ومن المعارك بعد النصر المؤزر ولم يكن أطفال المدينة يستقبلونه بالرماية فضلا عن كبارهم. وهكذا عند خروجه, وهكذا أئمة الهدى عند خروجهم ورجوعهم من الحج. بل وجماهير المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها, ولو كان خيرا لسبقونا إليه , الهم ارزقنا علما نا فعا وعملا صالحا إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير .
الخاتمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فقد وفقني الله لكتابة هذه الأسطر التي أسأل الله أن ينفعني بها في الدنيا والآخرة وأن ينفع بها إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وقد ظهر للقارئ الكريم وجه الخطر في هذه الرمايات واتضح له ذلك من خلال الاطلاع على الرسالة والتمعن في قراءتها.(1/102)
ولا يسع المنصف بعد قراءتها إلا أن يندم ويتأسف على ما جرى ويتجنب الفتن ويسعى جادا للمشاركة في الإصلاح, نابذا وراء ظهره المخذّلين والمنحرفين مستعينا بالله وحده, فنعم المولى ونعم النصير, ثم بإخوانه المشاركين في الخير.
فالله المسؤول أن يوفق جميع المسلمين لكل خير, وأن يدفع عنهم كل سوء ومكروه في الدنيا والآخرة وأن يحبب إليهم الإيمان ويزينه في قلوبهم وأن يكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان ... إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
وكتب أبو نصر محمد بن عبدالله الإمام.
اليمن – معبر .
الفهرس
الموضوع: الصفحة
المقدمة................................................................
الفصل الأول: أهمية تعلم الرماية .......................................
فضل الرماية وعظم الحاجة إليها ........................................
التحذير من ترك الرماية ..............................................
الأجور للرماة.....................................................
آداب عظيمة تتعلق بالرماية ...........................................
صور من الرماية المخالفة للشرع.......................................
أهمية اقتناء السلاح ....................................................
أجر صناع الأسلحة إذا احتسبوا ذلك...........................
أشهر أنواع الأسلحة العربية الإسلامية .................................
آداب من يحمل السلاح...............................................
ظاهرة حمل السلاح في الأعياد بين المسلمين...............................
إباحة تعلم الرماية في العيد و غيره........................................
حمل الأولاد السلاح....................................................
التساهل أساس هذه الفتن...............................................(1/103)
أهمية تسلح العالم العربي...............................................
إعداد الأمة الإسلامية لقيادة العالم.....................................
حرمة المسلم في الإسلام...............................................
عدد القتلى من المسلمين والكفار في غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ................
خطورة حمل السلاح ضد المسلمين.....................................
أخطار العصبية على المسلمين..........................................
جرائم استخدام الأسلحة النارية من قبل الكفار..........................
محاربة تصنيع السلاح في الدول العربية والإسلامية.................
بداية دخول السلاح الناري إلى اليمن....................................
عزة الشعب اليمني المسلح ............................................
الشعب اليمني شعب سني..............................................
حكم الإسلام في الدعوة إلى نزع السلاح من الشعوب الإسلامية.........
التشويه بالشعوب المسلمة من قبل الأعداء خصوصاً اليمن................
الجزيرة العربية قلب العالم الإسلامي................................. ..
دولة اليهود وما تقوم به من إعداد عسكري في الوطن العربي.............
اليهود والنصارى وجيوشهم في الدول العربية.............
القوة العسكرية الأمريكية في الوطن العربي...............................
متى ينتهي السلاح الناري الثقيل........................................
المعاصي سبب الذل والهزيمة...........................................
جبن لا يرضاه مسلم .............................................
كيف يتعامل الناس في الولائم وغيرها مع من يصرون على الرماية المخالفة للشرع؟................................................................
هل للدولة أن تمنع الناس من هذه الرماية ؟...............................(1/104)
هل يجوز للقبائل أن يضعوا لهم قاعدة تأديب ؟...........................
نبذة من صور القتل الإجرامي............................................
نصيحة للعابثين بالسلاح..............................................
الفصل الثاني: مفاسد الرماية العشوائية :
المفسدة الأولى:
قتل النفس المحرمة.........................................
حكم قتل النفس المحرمة خطأ......................................
إذا كان القاتل لم يبلغ فالدية على عاقلته............................
إذا رمى البالغ بطريق الخطأ اثنين فأكثر أو رمى غير البالغ كذلك.....
إذا قتل الرامي نفسه فلا دية له.....................................
القتل في الرماية الجماعية نوعان....................................
إذا قتل الشخص في هذه الأماكن ولا يعلم له قاتل.................
إذا قتل الشخص في الرماية الانتقامية...............................
المفسدة الثانية: الوقوع في العجب والغرور......................
المفسدة الثالثة:إيذاء الناس....................................
المفسدة الرابعة:الإسراف والتبذير............................
المفسدة السادسة:محاربة الله..................................
المفسدة السابعة: طاعة الشيطان...........................
المفسدة الثامنة:إحياء سنة الجاهلية...............................
المفسدة التاسعة: تمزيق المسلمين.....................
أبرز الأسباب المؤدية إلى مفاسد الرماية...................................
قضية الأخذ بالثأر......................................................
المطالبة بقتل القاتل في الشرع......................................
الأخذ بالثأر عند جماهير الناس.....................................
حكم قتل غير القاتل..............................................(1/105)
مسألة: بم يثبت السلطان لولي المقتول على القاتل؟.........................
مسألة: من هو الولي؟...................................................
مسألة: انتظار الأولياء..................................................
مسألة: هل للحاكم أن يسقط الحد إذا بلغه؟.............................
مسألة: الشفاعة في الحدود..............................................
إيواء القتلة الظلمة.......................................................
مسألة: هل يجوز لأولياء المقتول أن يأخذوا حقهم بأيديهم, أي دون حكم الحاكم؟................................................................
مسألة: الحالات التي يقتل فيها أولياء المقتول القاتل.........................
فصل: الواجب على كل مسلم نحو أخيه المسلم من أجل إزالة هذه الفتن....
دور الدولة..........................................................
دور العلماء.........................................................
ما ينبغي أن يقوم به الخيرون من المسلمين في أوساط أقوامهم...............
البديل عن الرماية المخالفة للشرع........................................
القسم الثاني من أقسام الرماية , الرماية الصغرى
ذكر بعض أنواع الرمايات التي يلعب بها الأطفال....................
مسألة: إذا أصاب الطفل بهذه الآلات الرامية أحدا تحمل وليه ما نتج عن ذلك.......
مجمل مفاسد الرمايات الصغرى....................................
البديل عن هذه الرمايات التي بين أيدي الأطفال.....................
الفصل الثالث : شبهات وردود:
الشبهة الأولى أنه من باب إعلان النكاح الذي أمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -
الشبهة الثانية قول بعضهم : أنتم تريدون أن تخرجوا العروس كالميت .
الشبهة الثالثة: قولهم "إن الدين يسر".........................(1/106)
لشبهة الرابعة: الاستدلال بحديث عائشة الذي فيه لعب أولاد الحبشة.....
الشبهة الخامسة: استدلال بعضهم على جواز الرماية عند خروج الحاج
ورجوعه بقوله تعالى: { ومن يعظم شعائر الله ... } الآية.
الخاتمة................................................................
الفهرس...............................................................(1/107)