الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى
جامعة المرقب
كلية الآداب والعلوم / ترهونة
قسم اللغة العربية - الدراسات العليا - شعبة الدراسات الإسلامية
بحث مقدّم استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الإجازة العالية "الماجستير" في الدراسات القرآنية
بعنوان
تنبيه العطشان على مورد الظمآن
في الرسم القرآني
لأبي علي حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي المتوفى سنة 899 هـ
من أول المخطوط إلى باب "حذف الياء في القرآن الكريم "
دراسة وتحقيق
إعداد الطالب : محمد سالم حرشة
إشراف الدكتور : رجب محمد غيث
شكر وتقدير
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل الله فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبد ه ورسوله أرسله بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه ، وسراجا منيرا ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فعملا بقوله تعالى : { لَن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }(1)، فإنني أحمد الله وأشكره وأستغفره ، وأتوكل عليه ، وأثني عليه الخير كله ، فهو المستحق للحمد والثناء بما أنعم وتفضل . ومن إنعامه وتفضلهه أن وفقني لإتمام هذا البحث .
وعملا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ))(2).
لذا أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى جامعة المرقب بعامة ، وكلية الآداب والعلوم بترهونة بخاصة ، على رعايتها لي في دراستي وإتمام هذا البحث المتواضع .
كما أنني أتوجه بالشكر الجزيل إلى المشرف على هذه الرسالة : الدكتور رجب محمد غيث ، الذي وجدت في خلقه ، ورحابة صدره ، ما ذلّل كثيرا من الصعاب فجزاه الله أحسن الجزاء .
__________
(1) سورة إبراهيم ، من الآية 9 .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، 2 : 295 ، حديث 7926 ، مؤسسة قرطبة ، مصر(1/1)
ولا يفوتني – أيضا – أن أتوجه بخالص شكري وتقديري إلى كل من له فضل عليّ ، من الأقارب والأباعد ، سائلا الله العلي القدير أن يجازي الجميع الجزاء الأوفى .
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد:
فإن العلوم تشرف بشرفها ، وعلم الرسم من أشرف العلوم لأنه يتعلق بالقرآن الكريم فقد حظي القرآن الكريم في تنزلاته الأولى إلى جانب حفظ القلوب بتدوين الأقلام ، وأن الكتابة لم تنفك أبدا عن الحفظ بل سارت معه جنبا إلى جنب في سائر ظروف التنزيل ومختلف أطواره ومراحله على الرَّغم من قلة مواد الكتابة ، وندرة وسائلها آنئذ ، ثم توالت كتابة القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ثم في عهد عثمان بن عفانَ رضي الله عنه أيضا .
وما زال القرآن ينتقل من جيل إلى جيل بصورة وحيدة فريدة متعارفٍ عليها ، تعتمد على المحفوظ في الصدور والمدون في السطور ، وهذا شيء لم يتوافر لأي كتاب سماوي آخر .
وقد فطن علماؤنا الأجلاء إلى هذه الحقيقة الساطعة حين جعلوا إلى جانب الحفظ عنصر الكتابة ضابطا من ضوابط القراءة الصحيحة .
ولارتباط القراءة بخط المصاحف تتبع القراء هجاء المصاحف ، وتركوا سائر القراءات التي تخالف الكتاب .
وحينئذ لاحظ علماء القراءات هيئة هذا الرسم ، وخاصة تلك الحروفُ التي تميزت بزيادة أو حذف أو بدل .
ومما يزيد في أهمية معرفة هجاء المصاحف بيان معرفة اختلاف القراء في بعض الأحرف . ولن يتسنى لقارئ القرآن معرفة بعض الأحرف التي اختلف فيها القراء إلا بعد معرفة رسم هذه الأحرف . وهو باب مهمٌ في القراءة ، ولذلك نجدُ الكتب المؤلفة في القراءات خصت فيها بابا لذكر مرسوم المصاحف .(1/2)
من هنا سعى العلماء إلى تأليف كتب خاصة بالرسم القرآني ، منها ما هو منثور ومنها ما هو منظوم ، من بين هذه المنظومات : منظومة العلامة محمد بن محمد بن إبراهيم الشريشي الشهير بالخراز المتوفى سنة 718 هـ ، والموسومة بـ " مورد الظمآن في رسم القرآن" الذي اعتمد فيها على مصادر مهمة في هجاء المصاحف ، وهي المقنع لأبي عمرو الداني ، والتنزيل لأبي داود سليمانَ بن نجاح والعقيلة لأبي القاسم للشاطبي ، والمنصف لأبي الحسن المرادي .
ونظرا لأهمية هذه القصيدة فقد تعددت عليها الشروح والتعليقات ، من بينها كتاب " تنبيه العطشان على مورد الظمآن " ، للعلامة حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي ، موضوع هذه الرسالة . الذي وصف بأنه من أهم شروح المورد .
أسباب اختياري للموضوع
الحق أن هناك أسبابا عدة دفعت بي إلى هذا العمل ، منها : -
* أن الله منّ عليّ بحفظ كتابه العزيز ، فرأيت أنه من الواجب عليّ أن أساهم بجهد متواضع في هذا المجال ، فكانت بدايتي في الجامعة الأسمرية للعلوم الإسلامية ، وذلك باختياري موضوعا يتصل بالقرآن وعلومه(1).
ثم بعد ذلك بدأت في الدراسات العليا وأنهيت السنة التمهيدية بنجاح ، واخترت موضوعا في علم الرسم القرآني ، وبعد عون من الله وجلسات مع شيخنا الأستاذ الدكتور رجب محمد غيث ، وافق فيها على دراسة وتحقيق كتاب : "تنبيه العطشان على مورد الظمآن" للعالم حسين بن على بن طحلة الرجراجي الشوشاوي .
* أن المؤلفات في علم رسم القرآن أغلبها لا يزال مخطوطا .
* أهمية القصيدة المشروحة .
* أن أغلب مؤلفات الشوشاوي لا تزال مخطوطة ، لم تلق العناية والتحقيق(2).
__________
(1) وهو : " أضواء على القراءات والقراء " .
(2) فيما أعلم أن مؤلفات الرجراجي طبع منها كتاب : " الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة تحقيق إدريس
عزوزي ، منشورات وزارة الأوقاف والشؤؤن الإسلامية ، المغرب . وطبع أيضا بتحقيق الأمين عبد الحفيظ
الرغروغي ، نشر كلية الآداب والتربية – جامعة سبها .(1/3)
* كونه – حسب علمي – ثاني أهم شروح مورد الظمآن ، بعد كتاب التبيان لابن آجطا .
* أما الناظم محمد بن محمد بن إبراهيم الخراز – رغم شهرة قصيدته – ، فهو الآخر لم تحظ شخصيته بالدراسة المطلوبة .
فلعلّ هذه الرسالة تقدّم شيئا مفيدا وجديدا ، بدراستها لجوانب من شخصية الناظم والشارح ، وفي تحقيقها لموضوع الرسم القرآني .
أما مصادر ومراجع هذا البحث ، فهي متنوعة ، وقد كانت الكتب المؤلفة في علم الرسم القرآني هي المصدر الأول لهذا البحث ، وفي مقدّمتها كتاب المقنع والمحكم لأبي عمرو الداني ، ومختصر التبيين لهجاء التنزيل لأبي داود ، وبعض شروح المورد ، كالتبيان لابن آجطّا .
كذلك أفدت من كتب القراءات والتفسير والحديث ، إلى جانب كتب اللغة والمعاجم وأفدت – أيضا – من الكتب والأبحاث الحديثة في موضوع الرسم والقراءات القرآنية وقد أشرت إليها في أثناء هذا البحث ، وأثبتها في آخره ، مرتبة على حروف الهجاء .
وفي أثناء هذه الدراسة واجهتني صعوبات ، منها :
- قلّة المصادر المطبوعة في هذا العلم ، الأمر الذي جعل الحصول عليها أمرا شاقا .
- أن أغلب مصادر هذا الكتاب لا يزال مخطوطا ، مما جعلني أرتحل إلى بعض البلدان العربية ، مثل مصر والأردن والمغرب الأقصى ، والتي تحصلت منها على بعض هذه المصادر .
- الأحاديث الضعيفة التي أوردها الشارح وجرّدها من السند ، مما صعّب مهمة تخريجها .
- شخصية الناظم والشارح ، فرغم اشتهارهما بتآليفهما القيمة ، فإنهما مغموران ، من حيث الكتابة عنهما والترجمة لهما ، وقد تطلّب هذا الأمر جهدا كبيرا ، ووقتا غير يسير ، من البحث والتفتيش ، ومراسلة من لهم دراية في هذا المجال ، حتى ظفرت بمعلومات تلقي الضوء على هاتين الشخصيتين ، اللتين لم تعطهما كتب التراجم حقهما في الحديث عنهما .
خطة البحث
قسمت البحث إلى قسمين : قسم دارسي وقسم لتحقيق النص .
القسم الأول : الدراسة .(1/4)
ويتكون من تمهيد وثلاثة فصول : خصصت الفصل الأول للحديث عن الناظم والنظم ، وخصصت الفصل الثاني لدراسة جوانب من حياة الشارح وآثاره ، وجعلت الفصل الثالث في دراسة الشرح .
الفصل الأول : المصنِف والمتن .
وفيه مبحثان :
المبحث الأول : الناظم .
أ- عصره .
ب - حياته ، واشتملت على :
1- اسمه ونسبه .
2- نشأته وتعلمه .
3- شيوخه وتلاميذه .
4- مكانته العلمية وثناء العلماء عليه .
5- آثاره العلمية .
6- وفاته .
المبحث الثاني : مورد الظمآن "المتن" .
أ- التعريف بمورد الظمآن .
ب- منهجه واصطلاحاته .
جـ - الشروح على مورد الظمآن .
الفصل الثاني : الشارح : عصره وحياته .
وفيه مبحثان :
المبحث الأول : عصره .
المبحث الثاني : حياته ، وفيها :
1- اسمه ونسبه .
2- نشأته وتعلمه.
3- شيوخه وتلاميذه .
4- مكانته العلمية وثناء العلماء عليه .
5- آثاره العلمية .
6- وفاته .
الفصل الثالث : الشرح "تنبيه العطشان على مورد الظمآن" .
وفيه مبحثان :
المبحث الأول : التعريف العام بكتاب "تنبيه العطشان" .
أ- اسم الكتاب وتوثيقه .
ب- منهجه وأسلوبه .
جـ- مصادر الكتاب .
د- القيمة العلميّة للكتاب .
المبحث الثاني : وصف النسخ الخطية ، وفيه :
أ- وصف النسخ المخطوطة وأماكن وجودها .
ب- نماذج من المخطوطات المعتمدة في التحقيق .
القسم الثاني : التحقيق .
اتبعت في تحقيق النصّ ما يلي :
* حرصت على أن أحقّق نصّ هذا الكتاب تحقيقا علميا ، وإخراجه خاليا من التحريف والتصحيف ، وتقديمه كما وضعه المؤلف أو قريبا منه .
* اعتمدت على ثلاث نسخ من أصل ست نسخ اطلعت عليها(1).
* نسخت الجزء المخصص للتحقيق من المخطوط نسخا كاملا ، وأثبتتُ ما جاء فيه في الصلب ، ثم شرعت في مقابلة النسخ بعضها ببعض ، متبعاً في ذلك طريقة النسخة الأم .
__________
(1) تكلمت عنها بالتفصيل في المبحث الثاني من الفصل الثالث .(1/5)
* وضعت الساقط من النسخ الأخرى بين معقوفين [..... ] مشيرا إلى النسخة التي سقط منها .
* وضعت الآيات القرآنية بين قوسين مزهرين ( ( ، والقراءات الشاذة بين قوسين هكذا ( ..... ) ، والأحاديث النبوية الشريفة بين قوسين هلاليين هكذا (( .... )) والنصوص المنقولة من المصادر بين علامتي تنصيص " .......... " .
* اتبعت الرسم الإملائي المتعارف عليه في الكتابة .
* ضبطت أبيات القصيدة ورقّمتها ، حتى تتميز عن سائر الأشعار الأخرى .
* قمت بترجيع النصوص التي يتناولها الكتاب إلى مصادرها الأصلية ، أو إلى مكان وجودها في كتب علوم القرآن والتفاسير وغيرها من الكتب .
* نسبت الآيات القرآنية إلى سورها ، وأشرت إلى رقم الآية باعتبار العدّ المدني الثاني ، ورسمت الآيات القرآنية بالرسم العثماني على ما اختاره الحافظ أبو عمرو الداني ، وضبطها بما يوافق رواية قالون عن نافع المدني .
* خرّجت القراءات الواردة في النص ، وذلك بالرجوع إلى مصادرها .
* خرّجت الأحاديث النبوية الشريفة والآثار الواردة في المخطوط ، من كتب الأحاديث الصحيحة والمسانيد والكتب الخاصة بتخريج الأحاديث .
* خرّجت الشواهد الشعرية التي تمكنت من الوقوف عليها ، من دواوين الشعر ومصادر اللغة العربية .
* ترجمت لأغلب الأعلام بإيجاز ، مع ذكر مصادر ترجمتهم .
* شرحت بعض الألفاظ اللغوية التي تحتاج إلى شرح وأحلتها إلى مصادرها .
* ربطت أجزاء الكتاب بعضها ببعض – عند ذكر الشارح مسألة سابقة أو لاحقة – وذلك بذكر رقم الصفحة .
* وضعت فهارس عامة لخدمة البحث ، وقد شملت :
- فهرسا للآيات القرآنية الواردة في المتن حسب ترتيب السور في المصحف ، واكتفيت بذكر السورة ورقم الآية ؛ لكثرة الآيات الواردة في المتن .
- فهرسا للقراءات القرآنية .
- فهرسا للأحاديث النبوية الواردة في المتن .
- فهرسا للأعلام الوارد ذكرهم في المتن .
- فهرسا للأشعار .
- فهرسا للكتب الواردة في المتن .(1/6)
- فهرسا للبلدان والأماكن .
- فهرسا للمصادر والمراجع مع مراعاة ترتيب حروف المعجم .
- فهرسا تفصيليا لموضوعات الكتاب .- فهرسا للبلدان والأماكن .
- فهرسا للمصادر والمراجع مع مراعاة ترتيب حروف المعجم .
- فهرسا تفصيليا لموضوعات الكتاب .
هذا مُجمل ما قمت به في إعداد هذا البحث ، الذي بذلت فيه من الجهد ما أستطيع ، شاكرا كل من ساعدني وهيّأ لي ظروف البحث والتحصيل ، وأعانني على إنجاز هذا العمل المتواضع ، الذي أعترف بعجزي وتقصيري فيه .
{ وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ ?ُنِيبُ }(1).
المحقق
محمد سالم حرشة
قسم الدّراسة
تمهيد
أ- تعريف الرسم العثماني :
الرسم في اللغة : الأثر ، وقيل بقية الأثر(2)، ويرادفه الكتابة والزبر والسطر ، والخط(3).
قال الشوشاوي : " الرسم في اللغة الأثر المتبع "(4).
وأما في الاصطلاح : فقد قسموه إلى قسمين : رسم قياسي ورسم اصطلاحي .
فالرسم القياسي عرفوه بأنه : تصوير اللفظ بحروف هجائه ، بتقدير الابتداء به والوقف عليه(5).
أما الرسم الاصطلاحي ، فهو عندهم : علم تعرف به مخالفة الرسم العثماني للرسم القياسي(6).
والأصل في المكتوب أن يكون مطابقا تماما للمنطوق من غير زيادة ولا نقص ، لكن المصاحف العثمانية خالفت هذا الأصل .
وتنحصر مخالفة الرسم العثماني للرسم القياسي في ست قواعد ، وهي :
__________
(1) سورة هود ، من الآية 88 .
(2) لسان العرب لسان العرب لابن منظور ، مادة " رسم " ، 12: 248 ، ط1 ، دار صادر ، بيروت .
(3) سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين لعلي محمد الضباع ، ص 27 ، ط1 ، مطبعة المشهد الحسيني
(4) تنبيه العطشان ، ص 106 .
(5) فتح المنان ، ورقة 5 ، الإتقان للسيوطي ، 2 : 166 ، عالم الكتب ، بيروت .
(6) فتح المنان ، ورقة 5 .(1/7)
الحذف ، والزيادة ، والهمز ، والإبدال ، والوصل والفصل ، وما فيه قراءتان فكتب على إحداهما(1).
ب- نشأة علم الرسم العثماني :
لم تعرف البشرية كتابا حظي بالعناية والاهتمام على مدى الأزمان بمثل ما حظي به القرآن الكريم ، من حيث كتابته ورسمه وإعرابه بالنقط .
فكانت عناية الرسول - صلى الله عليه وسلم - فائقة بكتابة القرآن ، ومنع أصحابه من كتابة شيء غير القرآن ، روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ))(2).
كانت كتابة القرآن منثورة ومتفرقة في اللخاف ، والعسب والأكتاف والرقاع .
ثم لما كَثُر القتل في موقعة اليمامة لقرّاء القرآن في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، أمر أبو بكر الصديق بإشارة من عمر بن الخطاب ، زيد بن ثابت أن يجمع القرآن في صحف ، فكانت الصحف عند أبي بكر ، ثم عند عمر في حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر ، وهو المسمى بالجمع الثاني(3).
__________
(1) انظر تفصيل ذلك في : النشر في القراءات العشر لابن الجزري ، أشرف على تصحيحه
ومراجعته علي محمد الضباع ، 2 : 128 ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الإتقان ، 2 : 167 .
(2) أخرجه مسلم في صحيحه ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم ،
4 : 2298 حديث 3004 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
(3) انظر : صحيح البخازي ، تخريج وضبط وتنسيق الحواشي : صدقي العطار ، كتاب فضائل القرآن ، باب
جمع القرآن ، 3 : 322 ، ط1 ، دار الفكر ، بيروت ، 2003 م ، الإتقان ، 1 : 57 ، المصاحف لابن أبي
داود السجستاني ، ص 6 ، مؤسسة قرطبة للنشر والتوزيع ، القاهرة .(1/8)
ثم لما اختلف القراء في قراءته في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، كما لاحظ ذلك حذيفة بن اليمان ، أمر عثمان زيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث ، فنسخوا ما في الصحف الأولى في مصاحف . وقال عثمان - رضي الله عنه - للرهط القرشيين : " إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن ، فاكتبوه بلسان قريش ، فإنه إنما نزل بلسانهم "(1).
عدد المصاحف التي نسخها الخليفة عثمان - رضي الله عنه - :
اختلف العلماء في عدد النسخ التي جمع فيها عثمان القرآن ، قيل : أربع نسخ ، وقيل : سبع نسخ .
قال الشوشاوي : " والمشهور الذي عليه الجمهور ، أربع نسخ ، إحداها إلى المدينة ، وأخرى إلى البصرة ، وأخرى إلى الكوفة ، وأخرى إلى الشام "(2).
وقد أشار الإمام الشاطبي إلى هذين القولين ، فقال :
وسار في نسخ منها مع المدني كوف وشام وبصر تملأ البصرا
وقيل مكة والبحرين مع يمن ضاعت بها نسخ في نشرها قطرا(3)
قال أبو عمرو الداني : " أكثر العلماء على أن عثمان بن عفان لما كتب المصحف جعله أربع نسخ "(4).
جـ - مصادر التأليف في الرسم العثماني :
تنحصر مصادر التأليف في ثلاثة أنواع :
أولا : المصاحف :
إن المصدر الأول لفن الرسم القرآني ، هو المصحف الإمام مصحف عثمان بن عفان والمصاحف المنسوخة منه .
__________
(1) المقنع في معرفة مرسوم أهل الأمصار مع كتاب النقط ، تحقيق : محمد أحمد دهمان ، ص 4 ،
مكتبة النجاح ، طرابلس ، ليبيا . د. ت ، الإتقان ، 1 : 59 ، المصاحف ، ص 19 .
(2) تنبيه العطشان ، ص 133 ، من هذا البحث .
(3) الوسيلة إلى كشف العقيلة للسخاوي ، تحقيق وتقديم : مولاي محمد الطاهري ، ص74، ط2 ، مكتبة الرشد ،
2003 م .
(4) المقنع ، ص 9 .(1/9)
وقد وردت نصوص كثيرة للعلماء ، تضمنت إشارات إلى رؤيتهم للمصحف الإمام الخاص بسيّدنا عثمان ، والمصاحف المنسوخة منه ، والوقوف على الطريقة التي رسمت بها ألفاظ القرآن الكريم .
ومن أمثلة هذه النصوص : قول أبي عبيد فيما نقل عنه الإمام السخاوي : " رأيت في الإمام مصحف عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في البقرة : { اهْبِطُواْ مِصْرًا } بالألف "(1).
وأخرج الداني بسنده عن أبي عبيد : " رأيت في الإمام مصحف عثمان بن عفان ..... في سورة البقرة : { خَطايَاكُمْ } بحرف واحد ، والتي في الأعراف : { خَطِيَاتُكُمْ } بحرفين "(2).
وكان من أكثر علماء الرسم رجوعا إلى المصاحف العتق : علم الدين السخاوي ، من ذلك – مثلا – : أن أبا عمرو الداني ذكر أن الألف مرسومة بعد الواو في قوله تعالى : { سَبْعَ سَمَاوَاتٍ }(3).
قال علم الدين السخاوي : " وهذا الذي ذكره أبو عمرو الداني – رحمه الله – فيه نظر ، فإني كشفت المصاحف القديمة التي يوثق برسمها وتشهد الحال بصرف العناية إليها ، فإذا هم قد حذفوا فيها الألفين من الـ : { سَمَاوَاتٍ } في فصلت كسائر السور ، وكذا رأيتها في المصحف الشامي "(4).
كذلك كان الحافظ ابن الجزري يتأمل في بعض الحروف في المصاحف الأمهات مثل قوله : " ثم رأيتها – { يَبْنَؤُمَّ }(5)– بالمصحف الكبير الشامي الكائن بمقصورة الجامع الأموي المعروف بالمصحف العثماني "(6).
ثانيا : الرواية :
لقد ظهر في كل مصر من الأمصار الإسلامية أئمة قرّاء ، صرفوا عنايتهم إلى رواية كيفية رسم الكلمات إلى جانب روايتهم لأوجه القراءات القرآنية .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 60 . وانظر الوسيلة ، ص 101 .
(2) المقنع ، ص 15 .
(3) سورة فصلت ، من الآية 11 . المقنع ، ص 19 .
(4) الوسيلة ، ص 221 .
(5) سورة طه ، من الآية 92 .
(6) النشر ، 1 : 455 .(1/10)
وهذا ما يؤكده الداني في مقدمة المقنع ، إذ يقول : " هذا كتاب أذكر فيه – إن شاء الله – ما سمعته من مشيختي ، ورويته عن أئمتي من مرسوم خطوط مصاحف أهل الأمصار ........ وما انتهى إلي ذلك ، وصح لديّ منه عن الإمام "(1).
ومن هؤلاء الأئمة الذين روي عنهم الرسم :
بالمدينة : نافع بن أبي نعيم المدني ، الذي انتهت إليه رئاسة الإقراء بالمدينة .
وقد نقل لنا ذلك عنه جماعة من روّاته ، منهم : سليمان بن جماز(2){ت170 هـ }،
والغازي بن قيس الأندلسي(3){ت 199 هـ } ، وعيسى بن مينا الملقب بقالون(4){ت 220 هـ} .
وبالبصرة : إمام القراء أبو عمرو البصري {ت 154 هـ } ، وممن روى عنه حروف رسم القرآن : يحيى بن المبارك اليزيدي(5){ت 202 هـ } ، وأيوب بن المتوكل(6){ت 200 هـ } .
وبالكوفة : حمزة بن حبيب الزيات(7){ت 156 هـ } ، وعليّ بن حمزة الكسائي(8)، وممن روى عنهما : خلف بن هشام(9){ت 229 هـ} ، ويحيى بن زياد الفراء(10){ت 207 هـ } .
وبالشام : عبد الله بن عامر الشامي {ت118 هـ } ، وممن روى عنه : يحيى بن الحارث الذماري(11){ت 145 هـ } .
ثالثا : الكتب المؤلفة في علم الرسم :
سأذكر أهم المؤلفات التي وقفت عليها أو ذكرتها بعض المصادر .
__________
(1) مقدمة كتاب المقنع .
(2) ذكر هذه الرواية صاحب كتاب المصاحف ، ص 41 .
(3) ذكر الرواية الداني في المقنع ، ص 50 وغيرها .
(4) ذكر هذه الرواية الداني في عدة مواضع من كتاب المقنع ، منها : 11 ، 22 ، 44 ، 103 ، 117 .
(5) الفهرست للنديم ، تحقيق محمد أحمد ، المقالة السادسة ، الفن الثالث ، ص 47 ، المكتبة التوفيقية .
(6) المقنع ، ص 105 .
(7) المصاحف ، ص 41 ، المقنع ، ص 78 .
(8) المقنع ، ص 68 .
(9) المصدر نفسه ، ص 37 .
(10) 10) انظر المقنع ، ص 74 .
(11) 11) انظر المقنع ، ص 90 .(1/11)
* اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق ، لعبد الله بن عامر ، ذكره ابن النديم(1)وروى أبو عمرو الداني بسنده عن ابن عامر حروفا عن مصاحف أهل الشام(2).
* المقطوع والموصول في القرآن ، لعبد الله بن عامر(3).
* هجاء المصاحف ، ليحيى بن الحارث الذماري(4).
* مقطوع القرآن وموصوله ، لحمزة بن حبيب الزيات(5).
* مقطوع القرآن وموصوله ، وكتاب الهجاء ، لعلي بن حمزة الكسائي(6).
* هجاء السنة ، للغازي بن قيس الأندلسي ، ذكره أبو عمرو الداني ، ونقل منه في عدة مواضع(7).
* اختلاف أهل الكوفة والبصرة والشام في المصاحف لأبي زكريا يحيى بن الفراء(8)
* كتاب فضائل القرآن ، لأبي عبيد القاسم بن سلام ، عقد فيه أبو عبيد فصلا سماه : "حروف القرآن التي اختلفت فيها مصاحف أهل الحجاز والعراق"(9).
* اختلاف المصاحف ، لخلف بن هشام البزار(10).
* هجاء المصاحف ، لمحمد بن عيسى الأصبهاني(11).
* كتاب اختلاف المصاحف ، لأبي حاتم السجستاني(12).
__________
(1) الفهرست ، ص 58 .
(2) انظر المقنع ، ص 110 .
(3) الفهرست ، ص 59 .
(4) الفهرست ، ص 59 .
(5) الفهرست ، ص 59
(6) معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار ، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي ، تحقيق أبي عبد
الله محمد حسن الشافعي ، ص 77 ، ط1 ، دار الكتب العلمية بيروت ، 1997 م .
(7) انظر : المقنع ، ص 22 ، 51 ، غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري ، 2 : 2 ، ط3 ، دار الكتب
العلمية ، 1982م .
(8) الفهرست ، ص 58 .
(9) حققه : مروان العطية ، وآخرون ، دار ابن كثير للطباعة ، دمشق .
(10) 10) الفهرست ، ص 58 .
(11) 11) انظر : المقنع ، ص 23 ، غاية النهاية ، 2 : 223 .
(12) 12) انظر : الفهرست ، ص 58 ، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، لحاجي خليفة ، 1 : 33 ، دار
الكتب العلمية ، بيروت .(1/12)
* هجاء المصاحف ، لأحمد بن إبراهيم الورّاق(1).* كتاب المصاحف ، لأبي بكر بن أبي داود السجستاني . وقد عقد فيه عدة فصول في اختلاف خطوط المصاحف ، وما اجتمع عليه كتابتها ، وما كتب فيها على غير الخط(2).
* الردّ على من خالف مصاحف عثمان(3)، وكتاب الهجاء ، لأبي بكر الأنباري .
* اللطائف في جمع هجاء المصاحف(4)، لأبي بكر محمد بن مقسم العطّار .
* كتاب الهجاء(5)، لأبي بكر أحمد بن مهران النيسابوري .
وأشهر من ألّف في القرن الخامس الهجري : أبو عمرو الداني ، وأبو داود سليمان بن نجاح .
* المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار مع كتاب النقط(6)، الاقتصاد في رسم المصحف(7)، لأبي عمرو الداني .
* التبيين لهجاء التنزيل(8)، ومختصر التبيين لهجاء التنزيل(9)، لأبي داود .
* هجاء مصاحف الأمصار(10)، لأبي العباس أحمد بن عمّار المهدوي .
* كتاب المنصف(11)،
__________
(1) 13) انظر : الفهرست ، ص 59 ، غاية النهاية ، 1 : 34 .
(2) 14) انظر كتاب المصاحف ، من ص 103 – 117 .
(3) انظر : الفهرست ، ص 113 ، كشف الظنون ، 2 : 1703 ، بغية الوعاة ، 1 : 214 .
(4) انظر : كشف الظنون ، 2 : 1553 ، بغية الوعاة ، 1 : 90 .
(5) النشر ، 2 : 128 .
(6) وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق محمد أحمد دهمان ، نشر مكتبة النجاح ، ليبيا .
(7) ذكره : ابن الجزري في غاية النهاية ، 1 : 505 ، وحاجي خليفة في كشف الظنون ، 1 : 135 .
(8) وهو في ست مجلدات ، ذكر ذلك الذهبي في معرفة القراء ، ص 252 .
(9) طبع هذا الكتاب بتحقيق أحمد بن أحمد شرشال ، نشر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف .
(10) توجد منه نسخة في دار الكتب المصرية ، بالقاهرة ، تحت رقم "64" قراءات ، ولدي منها صورة .
(11) ذكره : ابن آجطا في التبيان ، ورقة 17 ، والرجراجي في تنبيه العطشان ، ص 184 ، وابن عاشر في فتح
المنان ، ورقة 35 .(1/13)
لأبي الحسن علي بن محمد المرادي ، وهو أحد مصادر الخراز في منظومته .
* اللطائف في رسم المصاحف(1)، لأبي العلاء الحسن بن أحمد الهمداني .
ثم تطور التأليف في هذه المرحلة ، حيث تركزت جهود العلماء بعملين تعلّق بهما الناس ودرسوهما ، وهما قصيدتان في رسم المصحف : الأولى من نظم القاسم بن فِيرُّهْ الشاطبي ، والثانية من نظم محمد بن محمد بن إبراهيم الشريشي ، الشهير بالخراز .
أولا : عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد(2)، لأبي محمد القاسم بن فِيرُّهْ الشاطبي ، وهو نظم لكتاب المقنع . وعلى هذا النظم عدّة شروح ، منها :
* الوسيلة إلى كشف العقيلة(3)، لعلم الدين السخاوي .
* الدرة الصقيلة في شرح أبيات العقيلة(4)، لأبي محمد عبد الغني ، الشهير باللبيب
* جميلة أرباب المراصد في شرح عقيلة أتراب القصائد(5)، لإبراهيم الجعبري .
* تلخيص الفوائد وتقريب المتباعد "شرح على العقيلة"(6)، لأبي البقاء علي بن القاصح .
* مورد الظمآن في رسم أحرف القرآن(7)، لمحمد بن محمد الشريشي الشهير بالخراز . ولهذا النظم شروح كثيرة ، منها :
__________
(1) 10) النشر ، 2 : 138 .
(2) 11) طبع ضمن كتاب إتحاف البررة بالمتون العشرة التي جمعها الشيخ محمد علي الضباع . وعلى هذه
المنظومة شروحا ، ذكر معظمها الأستاذ مولاي الإدريسي في مقدمة تحقيقه لكتاب الوسيلة إلى كشف
العقيلة ، ص 63 ، 64 .
(3) 12) طبع هذا الكتاب بتحقيق مولاي محمد الإدريسي ، نشر مكتبة الرشد .
(4) 13) حققها الأستاذ عبد العالي زعبول في رسالة علمية ، بجامعة محمد الخامس بالرباط ، تحت إشراف الدكتور
التهامي الراجي ، سنة 1991 – 1992 م .
(5) توجد منه نسخة في المكتبة الأزهرية ، تحت رقم "22244" . انظر فهرس المكتبة ، 1 : 66 .
(6) طبع بمراجعة الشيخ عبد الفتاح القاضي ، بمصر .
(7) توجد منه نسخ عديدة في مكتبات العالم ، وقد طبع بتحقيق محمد الصادق قمحاوي .(1/14)
* التبيان في شرح مورد الظمآن(1)، لعبد الله بن عمر بن آجطا الصنهاجي .
* إعانة المبتدئ على معاني ألفاظ مورد الظمآن(2)، لسعيد بن سليمان السملالي .
* تنبيه العطشان على مورد الظمآن ، لحسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي ، وهو الكتاب الذي أقوم بتحقيق ودراسة القسم الأول منه .
وهناك شروح أخرى للمورد كشرح ابن عاشر وشرح المارغني ، بيّنت بعضا منها في المبحث الثاني من الفصل الأول .
ولم تتوقف حركة التأليف في موضوع الرسم عند هذا الحدّ ، بل كانت هناك مؤلفات كتبت خارج نطاق العقيلة والمورد ، فقد ألّف أبو العباس أحمد بن محمد المراكشي الشهير بابن البناء ، كتابا سماه : "عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل"(3)، جعله في توجيه ما خالف قواعد الخط من رسم المصحف .
وقد عقد كلّ من ابن الجزري في النشر(4)، والسيوطي في الإتقان(5)، والزرقاني في مناهل العرفان(6)، والدمياطي في الإتحاف(7)، أبوابا وفصولا أوجزوا فيها ما ورد في كتب الرسم من قضايا وموضوعات .
__________
(1) توجد منه نسخ متعددة ، منها : نسخة الخزانة الحسنية ، رقم "4702" ، والخزانة العامة بالرباط ،
رقم "3551" .
(2) توجد منه نسخة في الخزانة العامة بالرباط ، تحت رقم "2646" .
(3) طبع هذا الكتاب بتحقيق هند شلبي ، نشر دار الغرب الإسلامي ، 1990 م .
(4) انظر النشر ، 2 : 128 – 194 .
(5) انظر الإتقان ، 2 : 166 – 173 .
(6) انظر مناهل العرفان ، 1 : 362 – 404 ، ط3 ، دار إحياء الكتب العربية ، مصر .
(7) 10) إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر للدمياطي ، ص 137 – 144 ، دار الكتب العلمية ،
بيروت ، 2001 م .(1/15)
وتوالى التأليف في موضوع الرسم القرآني في أواخر القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر الميلادي ، اعتمد أغلبها على القصيدتين الرائدتين في الرسم : العقيلة ، ومورد الظمآن(1).
الفصل الأول
المصنِف والمَتن
وفيه مبحثان :
المبحث الأول : المصنف "صاحب المنظومة " .
أ- عصره .
ب - حياته ، واشتملت على :
1- اسمه ونسبه .
2- نشأته وتعلمه .
3- شيوخه وتلاميذه .
4- مكانته العلمية وثناء العلماء عليه .
5- آثاره العلمية .
6- وفاته .
المبحث الثاني : مورد الظمآن " المتن " .
أ- التعريف بمورد الظمآن واهتمام العلماء به .
ب- منهجه واصطلاحاته .
جـ- الشروح على مورد الظمآن .
المبحث الأول : المصنف
أ- عصره .
في القرن الثامن الهجري الذي عاش فيه العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد الشريشي الشهير بالخراز ، كانت مدينة فاس العاصمة السياسية لدولة بني مرين .
فقد قسم المرينيون دولتهم إلى أقاليم تُدار بواسطة عمّال يعينهم السلاطين بأنفسهم من هذه الأقاليم :
فاس ، سلا ونواحيها ، مراكش وجميع بلاد السوس ، مكناسة ونواحيها ، رباط تازي ونواحيها ، وغيرها(2).
أما الناحية الفكرية ، فقد شهد المغرب الأقصى في عهد المرينيين نشاطا كبيرا خلافا لما كان عليه في عهد الموحدين(3).
__________
(1) 11) من تلك المصنفات كتاب : " إرشاد القراء والكاتبين إلى معرفة رسم الكتاب المبين" لأبي عبيد رضوان بن
محمد المعروف بالمخللاتي ، وكتاب : " سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين " للشيخ علي محمد
الضباع ، وغيرهما .
(2) انظر تاريخ المغرب الإسلامي في العصر المريني ، للدكتور محمد عيسى الحريري ، ص 101 ، ط2 ،
دار القلم للنشر والتوزيع ، الكويت.
(3) انظر المغرب عبر التاريخ – عرض لأحداث المغرب وتطوراته في الميادين السياسية والدينية
والاجتماعية والعمرانية والفكرية منذ ما قبل الإسلام إلى العصر الحاضر – لإبراهيم حركات ، 2 : 141 ،
ط2 ، دار الرشاد الحديثة – الدار البيضاء – المغرب ، 1984 م .(1/16)
وقد دعم سلاطين بني مرين الحياة الفكرية ، ولم يفرضوا على العلماء وجهة نظر معينة ، ولم يضعوا أمامهم أية عوائق تعوق إمامتهم ، بل لقد انضم كثير من العلماء إلى المجالس العلمية لسلاطين بني مرين ، وشغل بعضهم مناصب كبرى في الدولة ، كابن خلدون ، وابن الخطيب ، وابن الأحمر ، وغيرهم . كما كان كثير من السلاطين محبّا للعلم مولعا بأهله ، منهم على سبيل المثال : السلطان أبو الحسن بن أبي سعيد ، كان من كبار العلماء ، كثير الجلوس مع الأدباء(1).
كما كان لسلاطين بني مرين تشجيع كبير للعلم والعلماء ، من خلال بناء المدارس وتزويد المساجد بالخزائن العلمية ، ومساعدة الطلبة بالمنح والجوائز(2).
أما المذهب السائد في عصر الدولة المرينية ، فهو مذهب الإمام مالك - رضي الله عنه - ، ولم ينافسه أي مذهب آخر ، وقد اكتسب الفقهاء اعتبارا فائقا في هذا العصر بسبب الإقبال الكبير على العلوم الدينية بشكل عام(3).
كما اهتم العلماء بدراسة القرآن الكريم ، باعتباره المصدر الأول للتشريع الإسلامي وازدهرت بعض العلوم المتصلة بالقرآن الكريم ، كعلم القراءات ، فكان من مشاهير هذا العلم : أبو عبد الله محمد الشريشي الشهير بالخراز ، صاحب مورد الظمآن في رسم القرآن ، وأبو الحسن بن بري صاحب الدرر اللوامع(4).
ب- حياته :
1- اسمه ونسبه :
هو محمد بن محمد بن إبراهيم أبو عبد الله الأموي الشريشي الشهير بالخراز(5).
__________
(1) انظر النبوغ المغربي في الأدب العربي ، لعبد الله كنون ، 1 : 198 ، ط3 ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت .
(2) انظر المغرب عبر التاريخ ، 2 : 73 .
(3) انظر تاريخ المغرب الإسلامي ، ص 340 ، المغرب عبر التاريخ ، 2 : 146
(4) انظر النبوغ المغربي ، 1 : 219 ، تاريخ المغرب الإسلامي ، ص 341 ، 342 .
(5) انظر ترجمته في :
1- ... غاية النهاية في طبقات القراء ، 2 : 237 .
2- ... معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة ، اعتنى به وجمعه مكتب تحقيق التراث ، 3 : 617 ، ط1 ،
مؤسسة الرسالة ، 1993 م .
3- ... شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ، لمحمد بن محمد مخلوف ، خرّج حواشيه وعلق عليه : عبد المجيد خيالي ، 1 : 309 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
4- ... النبوغ المغربي ، 1 : 219 .
5- ... الأعلام للزركلي ، 7 : 33 ، ط11 ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1995 م .
6- ... مجلة الإحياء ، العدد العاشر ، سنة 1997 م ، ص 189 ، مطبعة المعارف ، الرباط .(1/17)
ونسبه : الأموي الشريشي . قال الشوشاوي : " وهو أموي النسب ، أي من بني أمية "(1). والشريشي : نسبة إلى مدينة بالعدوة الأندلسية ، يقال لها "شريش"(2).
وشهرته الخراز ، جاء هذا الاسم من كونه كانت حرفته الخرازة(3).
2- نشأته وتعلمه :
في المصادر التي اطلعت عليها لم أجد من يشير إلى تاريخ ميلاده .
وقد أشار ابن آجطا إلى ذلك بقوله : " وأما مولده ووفاته فلم أقف على تحقيق ذلك ولا رأيته عند من يوثق به "(4).
أما عن نشأته ، فقد نشأ ببلاد الأندلس ، وبما أنه اشتغل في حرفة الخرازة ، فطلبه للعلم لم يكن مبكّرا ، وقد سكن مدينة فاس ، ولعله انتقل إليها وهو صغير ، لنزوح أكثر أهل شريش إلى المغرب عندما سقطت في يد الأسبان سنة 662 هـ(5).
3- شيوخه وتلاميذه :
أولا : شيوخه :
من أسباب نبوغه وتألقه إدراكه لشيوخ أجلاء وأئمة أكابر في القراءة والضبط وعلم العربية ، منهم :
– الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الحق الأنصاري المعروف بابن القصاب المتوفى سنة 690 هـ ، صاحب أول مدرسة فنية اهتمت بقراءة نافع(6).
__________
(1) انظر مقدمة تنبيه العطشان على مورد الظمآن ، ص 60 .
(2) انظر فتح المنان المروي مورد الظمآن ، ورقة 2 ، مخطوط محفوظ في جامعة قاريونس ، برقم "313" .
(3) انظر القراءات والقراء بالمغرب ، لسعيد إعراب ، ص 34 ، ط1 ، دار الغرب الإسلامي ، 1990 م .
(4) التبيان في شرح مورد الظمآن لابن آجطا ، ورقة 4 ، مخطوط محفوظ في الخزانة الحسنية ، برقم "4702"
(5) انظر القراءات والقراء بالمغرب ، ص 34 .
(6) انظر : غاية النهاية ، 2 : 204 ، قراءة الإمام نافع عند المغاربة من رواية أبي سعيد ورش – مقوماتها
البنائية ومدارسها الأدائية إلى نهاية القرن العاشر الهجري ، لعبد الهادي حميتو ، 2 : 337 ، منشورات
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، المملكة المغربية ، طبعة 2003 م .(1/18)
– الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي الفاسي المعروف بابن آجروم ، النحوي ، صاحب المقدمة المشهورة في النحو ، كان من مؤدبي مدينة فاس توفي سنة 723 هـ(1).
– كما يمكن اعتبار الشيخ علي بن محمد بن بري الرباطي ، توفي سنة 715هـ أحد شيوخه ، لأنه لقيه وأخذ عنه أرجوزته الشهيرة(2)، وله السبق في شرحها(3).
ثانيا : تلاميذه :
ذكرت المصادر والمراجع أنه كان يعلّم الصبيان ، وهذا يدلّ على أن له تلاميذ ، من بينهم :
- أبو محمد عبد الله بن عمر الصنهاجي المعروف بابن آجطّا ، تعلم بفاس ، وجلس على كرسيّ الإقراء ، وأخذ عنه كثيرون ، وهو أول من شرح مورد الظمآن ، لذلك اشتهر بالشارح الأول . توفي بفاس سنة 750 هـ(4).
- أبو محمد عبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن بن محمد بن علي الحضرمي السبتي ، من أهل فاس ، وبها ولد سنة 676 هـ ، كان مشاركا في كثير من العلوم ، ولي الكتابة لأبي الحسن المريني ، توفي في تونس سنة 749 هـ(5).
__________
(1) انظر : بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ، للسيوطي ، تحقيق : محمد أبو الفضل ، 1 : 238 ،
ط2 ، دار الفكر ، 1979 م ، سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس ، للشيخ
محمد بن إدريس الكتاني ، تحقيق : عبد الله الكتاني وآخرون ، 2 : 126 ، دار الثقافة ، الدار البيضاء .
(2) انظر : معجم المؤلفين ، 2 : 518 ، القراءات والقراء ، لسعيد إعراب ، ص 34 ، قراءة الإمام نافع
عند المغاربة ، 2 : 387 .
(3) بعنوان القصد النافع في شرح الدرر اللوامع في أصل مقرأ نافع ، حققته نعيمة شابلي في رسالة علمية
بجامعة محمد الخامس ، بالرباط ، تحت إشراف الدكتور التهامي الراجي ، سنة 1994- 1995 م .
(4) انظر القراءات والقراء ، لسعيد إعراب ، ص 34 .
(5) انظر جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس ، لأحمد بن القاضي المكناسي ، ص444 ،
دار المنصور ، الرباط ، 1973م .(1/19)
4- مكانته العلمية وثناء العلماء عليه :
جهود الخراز في التعليم وتكريس حياته لخدمة القرآن الكريم ، جعلته يتبوأ مكانة رفيعة عند العلماء ، ومؤلفاته الجليلة هي مصدر شهرته ، والتي من أشهرها أرجوزة مورد الظمآن .
وصفه الشارح الأول بقوله : " وكان إماما في مقرأ نافع مقدما فيه لا غير ، إماما في الضبط عارفا بعلله وأصوله "(1).
وقد وصفه الصنهاجي بـ : " الأستاذ المحقق المقرئ المعلم للكتاب العزيز "(2).
وقال عنه ابن الجزري بأنه : " إمام كامل ، مقرئ متأخر "(3).
وأثنى عليه الإمام الشوشاوي بقوله : " كان مفتوح البصيرة في التأليف "(4).
ونعته عبد الله كنون بقوله : " كان إمام القراء بفاس "(5).
كما وصفه المارغني بقوله : " الشيخ الإمام ، صاحب العلوم الرفيعة والمؤلفات البديعة "(6).
وقال فيه محمد مخلوف : " الإمام الفقيه العمدة الأستاذ الفاضل القدوة "(7).
5- آثاره العلمية :
خلّف الإمام الخراز – رحمه الله – آثارا قيّمة في علوم القرآن وغيرها من العلوم
قال ابن عاشر : " وله تواليف – رحمه الله – من أجلّها هذا النظم ، وله نظم في الضبط سماه عمدة البيان ، وله تأليف في الرسم مثل : "مورد الظمآن" منثور لا منظوم ، وله شرح على الحصرية ، وله شرح على البرية مشهور معروف عند الناس " ، ثم ذكر بعد ذلك شرح العقيلة ، وقال : " وقد رأيت لبعض الشيوخ النقل عنه لكن لم أعثر عليه "(8)، وعلى هذا تكون مؤلفاته على النحو التالي :
__________
(1) التبيان ، ورقة 4 .
(2) الدرر الحسان في اختصار كتاب التبيان في شرح مورد الظمآن للصنهاجي ، ورقه : 1 ، مخطوط محفوظ
في مركز جهاد الليبيين ، برقم "64" .
(3) غاية النهاية ، 2 : 273 .
(4) تنبيه العطشان ، ص 61 .
(5) النبوغ المغربي ، 1 : 219 .
(6) دليل الحيران ، ص 5 .
(7) شجرة النور الزكية ، 1 : 309 .
(8) انظر فتح المنان المروي بمورد الظمآن ، ورقة 3 .(1/20)
- مورد الظمآن في رسم القرآن(1).
- عمدة البيان في ضبط القرآن(2).
- القصد النافع لبغية الناشئ والقارئ في شرح الدرر اللوامع(3).
- شرح على عقيلة أتراب القصائد للشاطبي(4).
- شرح على الحصرية(5).
- اختلاف القراء في الوقف الذي ينسب إليه(6).
- المهذب المختصر "رجز" ، نقل منه محمد شقرون في طرره على المورد(7).
- تأليف في الرسم آخر منثور لا منظوم . قال عنه ابن آجطا رأيته وطالعته(8).
6- وفاته :
ذكرت أغلب المصادر أن وفاة الإمام الخراز – رحمه الله – كانت سنة 718 هـ(9)بمدينة فاس ودفن بالجيزين منها ، وهو الموضع المعروف الآن بباب الحمراء(10).
__________
(1) قال عنها ابن الجزري : " إنها لطيفة ، أتى فيها بزوائد على المقنع والتنزيل والعقيلة " .
انظر غاية النهاية ، 2 : 237 .
(2) ذكره : ابن مخلوف في شجرة النور الزكية ، 1 : 309 ، وكحالة في معجم المؤلفين ، 3 : 617 . وقد شرحها
الرجراجي وسماها : "حلة الأعيان على عمدة البيان" ، توجد منه نسخة في الخزانة الحسنية ، رقم "674" ،
والخزانة العامة ، رقم "659" ق .
(3) ذكره : كحالة في معجم المؤلفين ، 3 : 617 ، وابن مخلوف في شجرة النور ، 1 : 309 .
(4) ذكره ابن عاشر في فتح المنان ، ورقة 3 .
(5) انظر مقدمة تنبيه العطشان ، ص 61 .
(6) انظر القراءات والقراء بالمغرب ، ص 35 .
(7) انظر تقييد طرر على مورد الظمآن ، لوحة 46 ، مخطوط محفوظ في الخزانة الحسنية ، رقم "4497" .
(8) التبيان ، ورقة 4 .
(9) انظر: معجم المؤلفين ، 3 : 617 ، شجرة النور ، 1 : 309 ، الأعلام لخير الدين الزركلي ، 7 : 33 ،
النبوغ المغربي ، 1 : 219 ، فهرس خزانة القرويين ، لمحمد العابد الفاسي ، 3 : 146 ، ط1 ، 1983 م .
(10) انظر : فتح المنان ، ورقة 2 ، القراءات والقراء بالمغرب ، ص 35 .(1/21)
أما شراح المورد فلم يحددوا تاريخاً معينا لوفاته ، كما في قول ابن آجطا : " وكنت أردت أن أذكر في هذا الموضع تاريخ مولده وتاريخ وفاته ، فلم أجد ذلك محققا عند من أثق به "(1).
وقال المارغني : " وهو ممن أدرك آخر القرن السابع وأول الثامن ، ولم أقف على ذلك "(2).
المبحث الثاني : مورد الظمآن " المتن "
أ- التعريف بمورد الظمآن وأهمّيته .
أما اسم هذه الأرجوزة فقد جاء بعدة أسماء ، منها ما ذكره المنتوري : "مورد الظمآن في معرفة رسم القرآن"(3)، وسماها ابن الجزري : "مورد الظمآن في معرفة حكم رسم القرآن"(4)، وجاء مطبوعا بعنوان : "مورد الظمآن في رسم القرآن"(5).
تقع أرجوزة مورد الظمآن في أربعة وخمسين وأربعمائة بيت ، ثم ألحق بها قسم الضبط الذي يقع في أربعة وخمسين ومائة بيت ، فيكون مجموع أبيات المورد مع الذيل "608" ثمانية وستمائة بيت ، خلافا لما ذكره الناظم آخر متن الضبط ، وهو "514" بيت .
وقد نقل ابن آجطا من كلام الخراز ما يلي : " لما انتهى نظم هذا الرجز في التاريخ المذكور بلغ أربعمائة بيت وسبعة وثلاثين بيتا ، ثم انتسخ وانتشر ورواه بذلك أناس شتّى ، ثم عثرت فيه على مواضع كنت وهمت فيها فأصلحتها ، فبلغ أربعة وخمسين بيتا مع أربعمائة "(6).
تعتبر منظومة الخراز من أهم ما أُلف في الرسم ، فقد جاءت جامعة لما ورد في أمهات مصادر الرسم ، شاملة للمشهور من أوجه الخلاف بينها ، معتمدا في ذلك على المقنع للداني ، والتنزيل لابن نجاح .
__________
(1) التبيان ، ورقة 4 .
(2) التبيان ، ورقة 4 ، دليل الحيران لإبراهيم المارغني ، ص 6 ، طبعة 1326 هـ ، المطبعة العمومية ، تونس
(3) فهرسة المنتوري ، لوحة 29 ، مخطوط محفوظ في الخزانة الحسنية ، تحت رقم "1578" .
(4) غاية النهاية ، 2 : 237 .
(5) طبع ومعه الذيل في ضبط القرآن ، بتحقيق محمد الصادق قمحاوي .
(6) خاتمة التبيان لابن آجطا .(1/22)
وقد بيّن ابن خلدون أهميّة هذه المنظومة ، ومدى انتشارها في الآفاق ، حيث قال: " نظم الخراز أرجوزة زاد فيها على المقنع خلافا كثيرا عزاه لناقليه ، واشتهرت بالمغرب واقتصر الناس على حفظها ، وهجروا بها كتب أبي عمرو وأبي داود والشاطبي في الرسم "(1).
فقد كان المظهر الأول من مظاهر العناية بالأرجوزة روايتها وحفظها ، وتدريسها في مدارس المغرب والأندلس والأزهر الشريف .
أما المظهر الثاني من مظاهر العناية بها ، فقد كان في الشروح والحواشي والتعليقات التي وضعت عليها(2).
ب- منهجه واصطلاحاته .
تحدّث الناظم في مقدّمة مورد الظمآن عن بعض مبادئ هذا الفن ، وذكر أن أول من جمع الرسم القرآني هم الصحابة رضي الله عنهم ، وأن اتّباعه أمر واجب ، حيث قال :
وبعد فاعلم أن أصل الرسم * ثبت عن ذوي النهى والعلم
جمعه في الصحف الصديق * كما أشار عمر الفاروق
وبعده جرده الإمام * في مصحف ليقتدي الأنام
إلى أن قال :
وجاء آثار في الاقتداء * بصحبه الغرّ ذوي العلاء(3)
ثم اعتمد على أصول في تدوين مسائل هذا الفن ، وهي :
كتاب المقنع ، لأبي عمرو الداني(4).
كتاب التنزيل ، لأبي داود سليمان بن نجاح(5).
وأضاف من العقيلة الزيادات على المقنع ، قال الخراز(6):
والشاطبي جاء في العقيلة * به وزاد أحرفا قليلة
واقتبس من المنصف مسائل لم يذكرها صاحب التنزيل ، حيث قال(7):
وربما ذكرت بعض أحرف * مما تضمن كتاب المنصف
__________
(1) مقدّمة ابن خلدون ، ص 311 ، ط1 ، دار الفكر العربي ، بيروت ، 1997 م .
(2) قراءة الإمام نافع عند المغاربة ، 2 : 434 .
(3) انظر متن مورد الظمآن ، ص 3 ، 4 .
(4) لعلّ الذي اعتمد عليه الخراز كتاب المقنع الكبير للداني ، لكن الكتاب المطبوع والمتداول المقنع الصغير ،
بتحقيق أحمد دهمان .
(5) المطبوع والمتداول مختصر التنزيل لأبي داود بتحقيق أحمد شرشال .
(6) انظر متن مورد الظمآن ، ص 5 .
(7) المصدر السابق ، ص 6 .(1/23)
وضمّن الخراز نظمه قواعد لتقريب المقصود ، منها :
- الاكتفاء بالحرف مما جاء مكررا، فإذا كانت الكلمة مطردة اقتصر فيها على ذكر حذف ما وقع أولا ، لاتحاد الحكم في الجميع ، أما الكلمات غير المطردة ، فإنه يقيد بقيد يميزها عن غيرها ، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله(1):
وفي الذي كرر منه أكتفي * بذكر ما جا أولا من أحرف
منوعا يكون أو متحدا * وغير ذا جئت به مقيدا
والتقييد يكون بعدة أشياء ، منها :
التقييد بالمجاور ، كقوله : (( إلا الذي مع خلال قد ألف )) .
التقييد بالحرف، كقوله : (( لابن نجاح خاشعا والغفار )) .
التقييد بالسورة ، كقوله : (( والحذف في الأنفال في الميعاد )) .
وقد ذكر الشوشاوي أن هذه القيود سبعة(2)، وجمعها في هذا البيت :
جاور بحرف سورة وترجمة * إضافة ورتبة وحركة
- من اصطلاحات الناظم : أن يشير بالحكم في حال كونه مطلقا إلى جميع الشيوخ ، كقوله : " وللجميع الحذف في الرحمن "(3).
- قاعدة " عنهما " ، المراد بها الشيخان ، وإلى ذلك أشار الناظم(4):
وكل ما جاء بلفظ عنهما * فابن نجاح مع دان رسما
- قاعدة " عنه " ، المراد بها أبو داود ، إلا في موضع واحد ، فإنها للداني ، وهو قول الناظم : " ثم الداني قد جاء عنه في تكذبان "(5).
- من اصطلاحات الناظم – أيضا – : أنه كلما ذكر حكما لواحد من الشيوخ ، وسكت عن غيره ، ولم يذكر له شيئا ، فإن ذلك يدلّ على أن هذا الأخير سكت عن هذا الحكم ، وإن ذكره بعكسه يذكره على النحو الذي وجده . قال الناظم(6):
وكل ما لواحد نسبت * فغيره سكت إن سكت
وإن أتى بعكسه ذكرته * على الذي من نصه وجدته
__________
(1) نفس المصدر .
(2) انظر تنبيه العطشان ، ص 193 من البحث .
(3) انظر تنبيه العطشان ، ص 222 .
(4) انظر تنبيه العطشان ، ص 200 .
(5) انظر تنبيه العطشان ، ص 354 .
(6) انظر تنبيه العطشان ، ص 203 .(1/24)
ومُجمل القول : أن الناظم ذكر خمس قواعد تنصيصا : قاعدة التكرار ، وقاعدة التقييد ، وقاعدة الإطلاق ، وقاعدة عنهما ، وقاعدة الإسناد .
وذكر خمس قواعد أخرى تلويحا : قاعدة عنه ، وقاعدة الألف واللام ، وقاعدة المنون ، وقاعدة الإضافة ، وقاعدة الترجمة .
قال الشوشاوي : " وهذه عشر قواعد وعليها يدور فهم الكتاب فافهمها "(1).
ثم خصّص الأبواب الثلاثة الأولى لحذف حروف العلة : الألف والياء والواو .
والذي أقوم بتحقيقه حذف الألف في القرآن الكريم ، وهو من أوسع أبواب هذا الكتاب ، فقد بلغ هذا الباب مع المقدمة نصف الكتاب تقريبا .
جعل الناظم حذف الألف في ست تراجم ، وهي :
- حذف الألف في سورة الفاتحة .
- حذف الألف في سورة البقرة .
- حذف الألف من سورة آل عمران إلى سورة الأعراف .
- حذف الألف من سورة الأعراف إلى سورة مريم .
- حذف الألف من سورة مريم إلى سورة صاد
- حذف الألف من سورة صاد إلى آخر القرآن .
جـ - أهم شروح المورد .
ممّا يدلّ على أهمية هذا النظم كثرة الشروح والحواشي والتعليقات ، التي كتبت حوله ، والتي ذُكر أنها ناهزت المائة(2). وسأذكر بعض هذه الشروح التي وقفت عليها أو ذكرتها بعض المصادر .
* التبيان في شرح مورد الظمآن(3):
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 205 .
(2) انظر تاريخ القراءات في المشرق والمغرب ، لمحمد المختار ولد إبّاه ، ص 504 ، منشورات المنظمة
الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة " إيسيسكو " ، 2001 م .
(3) توجد منه نسخ متعددة ، منها : في الخزانة الحسنية ، تحت رقم "4702" ، والخزانة العامة ، رقم "3549" ،
ورقم "3551" .(1/25)
لأبي محمد عبد الله الصنهاجي ، المعروف بابن آجطّا ، المتوفى سنة 750 هـ(1)، وهو أول شروح المورد ، استهل الشارح كتابه بمقدّمة ، بيّن فيها الأسباب التي دفعته لتأليف هذا الشرح ، ثم شرع في التعريف بشيخه ، وذكر تآليفه ، ثم انتقل إلى شرح أبيات النظم ، واعتمد في شرحه على مصادر متنوعة ، منها في علم الرسم : المقنع للداني والتنزيل لأبي داود .
* إعانة المبتدئ والصبيان على معاني ألفاظ مورد الظمآن(2)، لأبي عثمان سعيد بن سليمان الكرامي السملالي ، المتوفى سنة 899 هـ(3).
لم يأت فيه بمقدمة أو تمهيد ، بل شرع مباشرة في شرح أبيات النظم ، مقتصرا في ذلك على تحليل ألفاظ النظم ، دون ذكر التعليلات والخلافات .
* تنبيه العطشان على مورد الظمآن :
لحسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي ، المتوفى سنة 899 هـ ، موضوع هذه الرسالة .
* فتح المنان المروي بمورد الظمآن(4):
لأبي محمد عبد الواحد بن عاشر ، المتوفى سنة 1040 هـ(5)، صاحب الأرجوزة الفقهية المشهورة بالمرشد المعين .
__________
(1) انظر ترجمته في سلوة الأنفاس ، 2 :118 .
(2) توجد منه نسخة في الخزانة الحسنية ، رقم "6046" ، والخزانة العامة بالرباط ، رقم "1254" ق ، ضمن
مجموع من 187 – 218 .
(3) انظر ترجمته في درة الحجال في غرة أسماء الرجال لأبي العباس المكناسي ، تحقيق مصطفى عبد القادر ،
ص 432 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2002 م .
(4) توجد منه خمس نسخ في المكتبة الأزهرية ، 1 : 100 ، ونسخة في جامعة قاريونس ، برقم "313" .
(5) انظر ترجمته في شجرة النور ، 1 : 434 .(1/26)
وهو من الشروح المشهورة والجليلة التي وضعت على المورد ، نظرا لوفرة المصادر المعتمدة فيه ، خاصة الشروح السابقة ، وطريقته في الشرح : تقوم على تحليل الألفاظ وبيان المعاني التي تتضمنها الأبيات مع إعرابها ، وقد ذيّل شرحه بنظم يقع في ستة وأربعين بيتا ، سماه : "الإعلان بتكميل مورد الظمآن" ، قام بشرحه الشيخ إبراهيم المارغني ، وسماه : "تنبيه الخلان على الإعلان بتكميل مورد الظمآن" .
* دليل الحيران على مورد الظمآن(1):
للشيخ إبراهيم بن أحمد المارغني التونسي المتوفى سنة 1349 هـ(2).
طريقته في هذا الشرح : تقوم على إيراد المعنى الإجمالي للبيت أو الأبيات المراد شرحها ، ثم يقف بعد ذلك عند عبارات كلّ بيت بالشرح ، وقد انفرد ببيان ما جري به العمل في تونس ، كما أنه يأتي على إعراب البيت أحيانا . وقد أشار في مقدّمته أنه اختصره من كتاب "فتح المنان" لابن عاشر ، وشرح ضبط الخراز للتّنَسي .
* لطائف البيان في رسم القرآن شرح مورد الظمآن :
لأحمد بن محمد أبي زيتحار .
وهو شرح ميسر وضع خصيصا لطلبة معاهد القراءات في الأزهر الشريف .
ومن الحواشي والتعليقات والطرر التي وُضعت على منظومة مورد الظمآن :
* بيان الخلاف والتشهير والاستحسان وما أغفله مورد الظمآن(3):
لابن القاضي المتوفى سنة 1082 هـ(4).
جمع فيه المسائل الخلافية في الرسم ، وما جرى به العمل في المغرب والأندلس وقد استدرك خلافات أغفلها الخراز في مورد الظمآن ، وابن نجاح في التنزيل .
__________
(1) وقد طبع الكتاب عدة طبعات ، منها طبعة تونس سنة 1326 هـ .
(2) انظر ترجمته في تراجم المؤلفين التونسيين ، لمحمد محفوظ ، 4 : 229 ، رقم "494" ، ط1 ، دار الغرب
الإسلامي ، بيروت ، لبنان ، 1985 م .
(3) توجد منه نسخة في مركز جهاد الليبيين ، رقم "122" .
(4) انظر ترجمته في سلوة الأنفاس ، 2 : 252 .(1/27)
*إصلاحات ابن جابر(1):
وهي أرجوزة استدرك بها على الخراز في 47 موضعا .
* تقييد طرر على مورد الظمآن ، لمحمد شقرون المغراوي(2):
أول التقييد : " الحمد لله الكريم الوهاب الرحيم الوهاب ..... " ، وآخره قوله : " ولا يتقدم شيء من الصلة على الموصول ، انتهى ما قيّد على الخراز "(3).
اعتمد فيه المؤلف على مصادر كثيرة ، منها : شرح ابن آجطا ، وشرح اللبيب على العقيلة ، وينقل كثيرا عن شيخه ابن غازي ، كما اعتمد المؤلف في نقله على شرح الخراز للعقيلة ، والمهذب المختصر للخراز – أيضا – .
الفصل الثاني
عصر الشارح وحياته
وفيه مبحثان :
المبحث الأول : عصر الشارح .
المبحث الثاني : حياته ، وفيها :
1- اسمه ونسبه .
2- نشأته وتعلمه .
3- شيوخه وتلاميذه .
4- مكانته العلمية وثناء العلماء عليه .
5- آثاره العلمية .
6- وفاته .
المبحث الأول : عصر الشارح
كلّ القرائن تدلّ على أن الشوشاوي ولد في مستهلّ القرن التاسع الهجري ، باعتبار أن أحد مؤلفاته كانت سنة 842 هـ(4).
__________
(1) أوردها بنصها كاملة عبد الهادي احميتو في كتابه "قراءة الإمام نافع" ، 2 : 446 .
(2) هو محمد بن شقرون بن أحمد بن أبي جمعة المغراوي الوهراني ، الفقيه العالم ، المتكلم ، الحافظ . قدم فاس
ودرس بها ، وأخذ عن أبي العباس الدقون ، وابن غازي . من مؤلفاته : " جامع جوامع الاختصاص والتبيان
فيما يعرض بين المعلمين وآباء الصبيان " . توفي سنة 930 هـ .
انظر سلوة الأنفاس ، 3 : 353 .
(3) توجد منه نسخة في الخزانة الحسنية ، رقم "4497" ، ضمن مجموع من 43 – 62 .
(4) وهو كتاب : " تنبيه العطشان على مورد الظمآن " ، الذي أقوم بتحقيق القسم الأول منه ، فقد ورد في نهاية
النسخ الموجودة لدي ، أنه انتهى من تصنيفه سنة 842 هـ .(1/28)
وعلى هذا يمكن القول : بأن الشوشاوي عاصر نهاية الدولة المرينيّة وبداية الدولة الوطاسية ، التي شهدت تدهورا وتخلفا لم تكن عليه في بداية الدولة المرينيّة .
فقد أصبح للوزراء نفوذ على السلاطين ، وأصبحت السلطة الحقيقية بأيديهم ، يتصرفون فيها كيف ما يشاءون ، من ذلك : عزلهم القضاة والولاة ، وجعل مكانهم من هو أقلّ منهم شأنا ، مما عرّض الأمة الإسلامية للضعف والمهانة(1).
كما بدأ الاعتداء البرتغالي والأسباني على سواحل المغرب سنة 803 هـ ، منها غزو مدينة تطوان ، والاستيلاء على مدينة سبتة سنة 818 هـ(2).
إضافة لما ذُكر وقعت في عهد السلطان عبد الحق محنة كبرى ، وهي قيامه بمذبحة رهيبة استهدفت الوزراء والحجاب ، فكان ذلك سببا من الأسباب التي أدت إلى مقتل السلطان عبد الحق وانحلال دولة بني مرين ونهايتها(3).
أما في عهد الوطاسيين ، فقد ازداد الوضع تدهورا باستيلاء البرتغال على أكثر شواطئ المغرب ، وما حلّ بالمواطنين من نزاع وشقاق وفساد في الأخلاق والدين(4)
أما في جنوب المغرب ، وبمنطقة السوس – بلد الشوشاوي – : فإنها لم تعرف استقرارا خلال هذه الفترة ، حيث وقعت حوادث وفتن ، منها :
__________
(1) انظر الاستقصا لأخبار دول المغرب ، لأبي العباس أحمد بن خالد الناصري ، تحقيق : جعفر الناصري
ومحمد الناصري ، 2 : 96 ، ط1 ، دار الكتاب الدار البيضاء ، 1997 م .
(2) المصدر نفسه ، 2 : 210 .
(3) انظر المغرب عبر التاريخ ، 2 : 63 .
(4) انظر قبائل المغرب لعبد الوهاب منصور ، 1 : 133 ، المطبعة الملكية ، الرباط ، 1968 م .(1/29)
ثورة عمرو بن سليمان السيّاف ، بيان هذه القصة : أنه لمّا قتل الشيخ محمد بن سليمان الجزولي سنة 870 هـ ، وقيل إنه مات مسموما على يد بعض الفقهاء ، كان عمرو بن السيّاف أحد تلاميذه ، فلما سمع بمقتله قام يطالب بثأره ممن قتله من الفقهاء فانتقم منهم ، ثم أخذ يدعو إلى الصلاة ، ويقاتل عليها ، ولم يقف عند هذا الحدّ ، بل ادّعى علم الغيب ، وقاتل كلّ من ينكر عليه ذلك ، وسمّي أتباعه بالمريدين ، ومخالفيه بالجاحدين ، واستمرت ثورته عشرين سنة ، إلى أن قُتل سنة 890 هـ ، فاستراح الناس من شرّه(1).
ولقد وصف الرحالة والمؤرّخ حسن الوزان الحالة السياسة لبلاد السوس ، فقال : إن سكان بلاد حاحا في حروب أهليّة لا تنقطع(2).
ويقول عن مدينة تارودانت : بسط المرينيّون نفوذهم على سوس ، واتخذوا من تارودانت مركزا لإقامة نائب السلطان في هذا الإقليم ، وتخضع تارودانت لحكم الأعيان ، ويتداول أربعة منهم مجتمعين السلطة لمدة لا تزيد عن ستة أشهر(3).
هذه بعض نماذج من أوصاف الحسن الوزان لبعض مدن سوس ، والتي اتسمت بالفوضى والحروب القائمة بين الأهالي .
أما الحياة الفكرية ، فقد شهدت تقدّما ملحوظا في هذه الفترة على الرغم من الاضطرابات والفتن التي كانت تشهدها البلاد أواخر الدولة المرينيّة .
فها هي مدينة فاس قد شهدت حركة علميّة ، وازدهارا ثقافيّا كبيرا ، من ذلك : كثرة بناء المدارس والمساجد فيها ، التي كانت تشعّّ بالعلم والعلماء(4).
__________
(1) انظر : الاستقصا ، 2 : 122 ، المغرب عبر التاريخ ، 2 : 170 ، 171 .
(2) انظر وصف أفريقيا للحسن بن محمد الوزان الفاسي ، ترجمه عن الفرنسية : محمد حجي ، محمد الأخضر ،
ص 95 – 98 ، ط2 ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1983 م .
(3) انظر وصف أفريقيا ، ص 117 – 118 .
(4) انظر المغرب عبر التاريخ ، 2 : 134 – 136 .(1/30)
كما استمرت العناية بشؤون المدارس في عهد الوطاسيين ، وانتشرت الكتاتيب وكانت الآيات القرآنية تكتب في ألواح خشبية ، وتحفظ ، ثم تُُمحى ليكتب غيرها من الآيات الموالية(1).
وبما أن موطن الشوشاوي منطقة السوس ، فإنه لابدّ لنا من إلقاء نظرة على الحركة العلمية فيها ، حيث كانت هذه الفترة تزخر بالعلوم ، تكاد تضاهي مدينة فاس يصف العلامة المختار السوسي هذه الفترة ، قائلا : " كان القرن التاسع قرنا مجيدا في سوس ، ففيه ابتدأت النهضة العلمية التي رأينا آثارها في التدريس والتأليف وكثرت تداول الفنون " ، ويقول بعد ذلك : " زخرت سوس عِلْما بالدراسة والتأليف ، والبعثات تتوالى إلى فاس ومراكش وإلى الأزهر ، حتى كان كلّ ما يدرس في القرويين يكاد يدرس في سوس "(2).
وفي هذه الفترة بدأ الاهتمام بإنشاء الخزانات وتنظيمها في إقليم سوس ، كخزانة الأسرة العمرية ، وخزانة الأسرة التاتلتية(3).
وقد كان من أهم مظاهر النشاط الفكري في هذه الفترة ظهور عدد كبير من الفقهاء والصوفييّن، واستمرت العناية بشؤون المدارس في هذه الفترة ، من بينها : المدرسة البرحيلية نسبة إلى أولاد برحيل من قبيلة المنابهة بضاحية تارودانت ، والتي أسّسها العلامة حسين الشوشاوي ، وأمضى فيها حياته ، ثم تتابعت الدراسة فيها إلى أوائل القرن الثالث عشر ، ثم ضعفت بعد ذلك(4).
__________
(1) المصدر نفسه ، 2 : 223 ، 224 .
(2) انظر سوس العالمة ، للعلامة محمد المختار السوسي ، ص 20 ، مطبعة فضالة المحمدية ، 1960 م .
(3) المصدر نفسه ، ص 169 ، 173 .
(4) انظر : المغرب عبر التاريخ ، 2 : 225 ، سوس العالمة ، ص 159 .(1/31)
وقد اعتنى السوسيّون بأكثر من عشرين عِلما ، من بينها علم القراءات ، الذي كان من الفنون السوسيّة التي سايرت عصرهم العلمي من قديم ، حيث كان هذا العلم يدرّس بمؤلفات الشاطبي(1)، وابن بري(2)، والخراز(3)، وكانوا يتبارون على حفظها عن ظهر قلب ، علاوة على حفظ القراءات السبع أو العشر(4).
كما كان للسوسيّين – أيضا – مؤلفات في هذا الفن ، من بينها مؤلفات الشوشاوي – التي كان لها الصدارة في هذا الجانب – ، كشرحه على قصيدة الخراز ، المسمى : "تنبيه العطشان على مورد الظمآن" ، و "حلة الأعيان على عمدة البيان" ، وشرحه على نظم ابن بري ، المسمى : "الأنوار السواطع على الدرر اللوامع"(5).
ومُجمل القول : أن ازدهار الحركة العلمية في هذه الفترة يرجع إلى نشاط علمائها وهمّتهم العالية ، ونبوغهم الذي لا مثيل له عند الأمم ، ثم إلى اهتمام ملوك بني مرين وبني وطاس بالحياة العلمية ، وذلك بتوفير الجو الملائم للعلماء لأداء رسالتهم العلمية على أكمل وجه .
المبحث الثاني : حياته :
1- اسمه ونسبه :
هو حسين بن علي بن طلحة الرجراجي ، الشوشاوي . وكنيته أبو علي(6).
__________
(1) انظر ترجمته في غاية النهاية ، 2 : 20 .
(2) انظر ترجمته في معجم المؤلفين ، 2 : 518 .
(3) انظر ترجمته في : غاية النهاية ، 2 : 237 ، شجرة النور الزكية ، 1 : 309 .
(4) انظر الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية " ملحق 1 " ، لعبد العزيز بن عبد الله ، ص 65 ،
مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، الرباط ، 1976 م .
(5) انظر سوس العالمة ، ص 32 .
(6) من مصادر ترجمته :
1- ... الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام للعباس المراكشي ، 3 : 148 ، المطبعة الملكية ، الرباط ، 1974 م .
2- ... درة الحجال ، ص 126 .
3- ... طبقات الحضيكي ، لوحة 112 ، مخطوط محفوظ في الخزانة العامة بالرباط ، رقم "1753" .
4- ... خلال جزولة لمحمد المختار السوسي ، 4 : 160 ، تطوان ، المغرب ، د . ت .
5- ... كشف الظنون ، 2 : 1296 .
6- ... كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج ، لأحمد بابا التنبكتي ، دراسة وتحقيق محمد مطيع ، 1 : 192 ، طبعة 2000 م ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، المملكة المغربية .
7- ... المغرب عبر التاريخ لإبراهيم حركات ، 2 : 252 .
8- ... معجم المؤلفين لكحالة ، 3 : 254 .
9- ... النبوغ المغربي لعبد الله كنون ، 1 : 204 .
10- ... هدية العارفين للبغدادي ، 5 : 316 ، ط1992 ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
11- ... المعسول للعلامة محمد المختار السوسي ، 6 : 169 ، مكتبة الطالب ، الرباط ، 1960 م .
12- ... سوس العالمة ، ص 160 .
13- ... الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية ، لعبد العزيز بن عبد الله ، 2 : 30 ، مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية .
14- ... أسفي وما إليه قديما وحديثا لمحمد الكانوني العبدي ، تحقيق : علال ركوك وآخرون ، تقديم محمد بنشريفة ، ص 21 ، منشورات جمعية البحث والتوثيق والنشر ، 2005 م .(1/32)
وفي بعض المصادر المترجمة له أن اسمه حسن(1)، وبعضها كنّاه بأبي عبد الله(2). وكان الاعتماد فيما أثبته على ما جاء في المخطوطات الموجودة لدي ، وهو : حسين .
والرجراجي : نسبة إلى قبيلة رجراجة ، وهي من قبائل المصامدة ، والمصامدة كما قال ابن خلدون : هم من ولد مصمود بن يونس من شعوب البربر ، وهم أكثر قبائل البربر(3)، وتسكن قبيلة رجراجة في جبل الحديد أحد جبال بلاد حاحا ، بالقرب من نهر " تانسيفت" ، وعددهم في ذلك الوقت أربعمائة أسرة ، حفظ منهم القرآن والمدونة ثلاثمائة رجل ، وثلاثمائة امرأة(4).
أما الشوشاوي : فهو نسبة إلى مدينة شوشاوة أو شيشاوة الواقعة جنوب المغرب بالقرب من مدينة مراكش ، وهي من مواطن الرجراجيّين الأصلية ، كما بيّن ذلك المختار السوسي بقوله : ومواطنهم الأصلية ما بين شيشاوة إلى " أحمر " ، " والشاظمية " حيث أضرحة أسلافهم ، ثم امتدّت فروع منهم إلى سوس(5).
2- نشأته وتعلّمه :
__________
(1) انظر نيل الابتهاج ، ص 163 .
(2) انظر : معجم المحدثين والمفسرين ، والقراء بالمغرب الأقصى ، لعبد العزيز بن عبد الله ، ص 19 ،
طبعة 1972 م ، الأعلام للزركلي ، 2 : 247 .
(3) انظر : تاريخ ابن خلدون ، 6 : 427 ، منشورات دار الكتاب اللبناني ، 1968 م ، قبائل المغرب ، 1 : 324
(4) انظر وصف أفريقيا ، ص 112 ، رجراجة وتاريخ المغرب ، لمحمد الرجراجي ، ص 7 ، ط1 ، منشورات
جمعية البحث والتوثيق والنشر ، 2004 م .
(5) انظر المعسول ، 14 : 137 .(1/33)
لم أجد في كتب التراجم التي اطّلعت عليها تاريخا محدّدا لمولده ، ولكن استنادا على ما جاء في كتابه : ( تنبيه العطشان على مورد الظمآن ) – الذي أقوم بتحقيقه – من قول ناسخه ، أنه : " طواه أوائل شهر رمضان المعظم عام اثنين وأربعين وثمان مائة "(1)، فإنه يمكن القول بأن ولادته في الغالب تكون أول القرن التاسع .
أما عن نشأته ، فقد نشأ وترعرع في رجراجة أشرف قبائل مصمودة ، والتي أنجبت عشرات الأعلام في مختلف ميادين المعرفة ، والشوشاوي من أبرزهم .
وكتب التراجم التي عثرت عليها لم تتحدث عن تنقلات هذا العالم ورحلاته ، إلا ما ذكره العلامة المختار السوسي : " كان سيّدي حسين انتقل من المحل الذي يسكن فيه والده إلى شيشاوة ، ثم إلى "فسفاس" ، حيث بنى زاوية ، ثم بنى زواية أخرى في أولاد برحيل "(2).
أما عن تعلّمه ، فالظاهر أنه لم يدرس بفاس ، بدليل عدم ذكره في كتب التراجم الخاصة بفاس ، لكن يمكن القول بأنه أتمّ دراسته بجنوب المغرب ، لازدهار العلوم وقتئذ بمراكش وما حولها ، فقد وصفها الكانوني : " بأنها نظرا لما حَوتْه من حضارة وعلوم وفنون ، كانت مهدا للحضارة ، وعاصمة للدولة الموحدية والسعدية "(3)، ثم انتقل من شيشاوة إلى بلاد السوس ، كما في مصادر ترجمته التي تشير إلى وفاته بتارودانت من إقليم السوس ، ولكنه من غير شك قد جاب المناطق المغربيّة ، أو على الأقل المناطق القريبة لإقليم سوس ، ولعلّه استقرّ بعد ذلك في إقليم سوس ، يُفهم ذلك من تأسيسه مدرسة في هذا الإقليم ، وتدريسه فيها طيلة حياته(4).
3- شيوخه وتلاميذه .
أولا : شيوخه :
__________
(1) انظر تنبيه العطشان على مورد الظمآن ، الورقة الأخيرة من النسخة " جـ " .
(2) خلال جزولة ، 4 : 160 .
(3) أسفي وما إليه ، ص 42 .
(4) سوس العالمة ، ص 160 .(1/34)
مما لا شكّ أن عالما مثل الشوشاوي قد تلقّى العلم عن كبار الشيوخ ، لكن كتب التراجم ، ومصنفات الشوشاوي نفسه ، لم تذكر لنا ولو شيخا واحدا ، وإنما أشار بعضها إلى اثنين من أقرانه ، قد يكونان استفادا منه ، واستفاد منهما ، وهما :
1- عبد الواحد بن الحسن الرجراجي ، شيخ وادي نون ، تصدّر للإقراء ، وألّف في ظاءات القرآن ، وطاءاته ، ودالاته ، وذالاته . توفي سنة 900 هـ(1).
وقد نسب له المختار السوسي أرجوزة في الرسم قال عنها : أنها معروفة عند القرّاء السوسيّين(2).
وقد ذكر هذه الرفقة أحمد التنبكتي ، بقوله : " حسين بن علي الرجراجي الشوشاوي رفيق عبد الواحد الرجراجي "(3).
2- يحيى بن مخلوف السوسي ، أبو زكريا ، الفقيه ، الأستاذ الصالح ، أخذ عن أحمد الونشريسي ، وعن شيوخ بجاية ، وغيرهم . توفي سنة 927 هـ(4).
وقد أثبت هذه الرفقة المختار السوسي ، بقوله : " ومن أقران الشوشاوي ، وإن كان هذا أكبر منه ، العلامة يحيى بن مخلوف السوسي "(5).
ثانيا : تلاميذه :
إن من أسّس مدرسة وأمضى حياته في التدريس ، لابدّ أن يكون قد تخرّج عليه عدد من التلاميذ ، لكن كتب التراجم لم تحفظ لنا إلا تلميذا واحدا ، وهو : داود بن محمد التوتلي التاملي ، الفقيه ، صاحب المجموع في الوثائق ، كان فقيها عالما صالحا ، تخرّج على يديه جماعة منهم : حسين بن داود الرسموكي ، وانتفع به خلق كثير(6).
قال العلامة المختار السوسي : أخذ رضي الله عنه عن العالم الجليل حسين الشوشاوي(7).
__________
(1) انظر : درة الحجال ، ص 356 ، معجم المحدثين والمفسرين والقراء ، ص 25 .
(2) انظر سوس العالمة ، ص 178 .
(3) نيل الابتهاج ، ص 163 .
(4) انظر : جذوة الاقتباس ، القسم الثاني ، ص 544 ، درة الحجال ، ص 449 ، نيل الابتهاج ، ص 638 .
(5) خلال جزولة ، 4 : 161 .
(6) انظر : درة الحجال ، ص 137 ، سوس العالمة ، ص 160 .
(7) انظر المعسول ، 6 : 169 .(1/35)
وقال الحضيكي في طبقاته : " وممن أخذ عنه وتفقه على يده تلميذه : سيدي داود ابن محمد بن عبد الحق التاملي ، صاحب أمهات الوثائق "(1).
4- مكانته العلمية وثناء العلماء عليه :
يعتبر الشوشاوي من صفوة العلماء في عصره ، وأحد الأعلام في سوس.
فقد قال عنه الكانوني – وهو يتحدّث عن العلماء الذين نبغوا في هذا العصر – : " الإمام الأصولي المقرئ ، ذو التآليف النافعة ، منها كتاب الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة في علوم القرآن ، وتنبيه العطشان على مورد الظمآن في رسم القرآن ورفع النقاب عن تنقيح الشهاب "(2)، كما أثنى عليه في موضع آخر ووصفه بأنه نظّار ، فقال : " الإمام الأستاذ المقرئ النظّار الواصلي ، صاحب رفع النقاب عن تنقيح الشهاب في الأصول "(3).
كما تقوم شهرته على المؤلفات الجليلة التي خلّفها ، وتلقّاها الناس من بعده بالقبول ألف في الأصول ، والقراءات ، والفقه ، والطب ، وعلوم القرآن ، وبرز في مختلف الفنون ، واشتهر في كثير من ميادين المعرفة .
وذكره العلامة المختار السوسي في طليعة الذين اشتهروا بالتأليف في معظم الفنون ، وأثنى عليه بأنه انفرد بالتأليف في الطب في القرن التاسع الهجري(4).
واعتمد السوسيون على بعض مؤلفاته ككتابه : "رفع النقاب عن تنقيح الشهاب" الذي كان بعض علماء سوس لا يدرسون إلا بهذا الكتاب(5).
وأثنى عليه في المعسول بقوله : " حسين الشوشاوي العلامة الأصولي "(6).
__________
(1) طبقات الحضيكي ، لوحة 113 .
(2) آسفي وما إليه قديما وحديثا ، لمحمد بن أحمد الكانوني ، ص 91 .
(3) المصدر نفسه ، ص 21 .
(4) انظر سوس العالمة ، ص 32 ، وما بعدها .
(5) المصدر نفسه ، ص 43 .
(6) المعسول ، 6 : 169 .(1/36)
ومما يدلّ على مكانة الشوشاوي – أيضا – تقديمه على أقرانه ، فقد قال عنه العلامة المختار السوسي : " ومن أقران الشوشاوي – وإن كان هذا أكبر منه – العلامة يحيى بن مخلوف السوسي ....... ولعله لم يدرك مقام الشوشاوي العلامة الكبير "(1).
5- آثاره العلمية :
أكثر مؤلفات الشوشاوي كانت في علوم القرآن والقراءات لبروزه في هذا الفن ، ولاهتمام السوسيّين بهذا العلم ، وله تآليف أخرى في مختلف العلوم ، وقد توصلت إلى معرفة أحد عشر مؤلفا من مؤلفاته(2).
أولا : كتب الشوشاوي في علوم القرآن :
* الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة(3):
هذا الكتاب من تأليفه ، وليس شرحا على كتاب آخر ، وموضوع الكتاب يتناول علوم القرآن ، وقد رتب الشوشاوي كتابه على عشرين بابا في هذا العلم .
ومما يدلّ على أهمية هذا الكتاب انتشار نسخه انتشارا كبيرا في الشرق والغرب(4).
* تنبيه العطشان على مورد الظمآن :
وهو شرحه لنظم الخراز ، وسيأتي الحديث عنه في الفصل الثالث من هذه الدراسة .
__________
(1) خلال جزولة ، 4 : 161 .
(2) قد سبقني لحصر أغلب هذه المؤلفات الأستاذ الأمين الرغروغي ، في مقدّمة تحقيقه لكتاب الفوائد الجميلة
على الآيات الجليلة ، ص 63 ، وإن كنت قد اطّلعت على مؤلفات أخرى ، فلا أنكر استفادتي مما كتبه ،
فجزاه الله عنا خيرا .
(3) نُسب هذا الكتاب للشوشاوي في : طبقات الحضيكي ، لوحة 112 ، خلال جزولة ، 4 : 161 ، كشف
الظنون ، 2 : 1296، سوس العالمة ، ص 177 ، النبوغ المغربي ، 1 : 227 ، هدية العارفين ، 5 : 316 ،
الأعلام للزركلي ، 2 : 247 .
(4) من هذه النسخ : ما في المكتبة الأزهرية برقم "22252" ، والمكتبة الوطنية بالجزائر برقم "313" .
وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق إدريس عزوزي ، منشورات وزارة الأوقاف والشؤؤن الإسلامية ، المغرب .
وطبع أيضا بتحقيق الأمين عبد الحفيظ الرغروغي ، منشورات كلية الآداب والعلوم والتربية بجامعة سبها(1/37)
* حلّة الأعيان على عمدة البيان(1):
هو شرح وضعه الشوشاوي على عمدة البيان ، لناظمه محمد بن محمد الخراز ، وموضوع الكتاب : أحكام الضبط في القرآن الكريم .
أتى فيه بمقدّمة مسهبة جعلها في عشرين فصلا ، تحدّث فيها عن : أحكام نقط المصحف ، وعدد الآي ، وحكم التخميس والتعشير ، ونحوها . ثم قسّم كتابه إلى ثمانية أبواب ، متتبعا هذه الأبواب الثمانية بالشرح والتحليل .
وقد نهج في شرحه طريقته المعتادة ، بحصره عناصر البيت في أسئلة متوالية ، ثم يجيب عنها بجواب مفصل .
توجد لهذا الكتاب أكثر من نسخة ، منها :
نسخة في الخزانة العامة بالرباط ، تحت رقم "659" ق ، وهي تامة خالية من تاريخ النسخ ، عدد صفحاتها "368" ، من القطع المتوسط ، كتبت بخط مغربي جيد
وتوجد من هذا الكتاب نسخة أخرى محفوظة في الخزانة الملكية ، تحت رقم "674" ، عدد صفحاتها "335" صفحة ، من القطع الكبير ، كتبت بخط مغربي متوسط .
* الأنوار السواطع على الدرر اللوامع :
في المصادر التي اطّلعت عليها لم يذكر أحد ممن ترجم له هذا الكتاب إلا أن الأستاذ الرغروغي ذكره بعنوان : "شرح الدرر اللوامع" . ولم يشر إلى مكان وجوده(2). وقد وجدت له نسخة في الخزانة العامة بالرباط ، تحت رقم "1204"ق ، وهو مجلد يقع في "343" صفحة من القطع المتوسط ، مكتوب بخط مغربي متوسط كتبت هذه النسخة عام 921 هـ ، على يد أحمد بن محسن .
وتوجد منه نسخة أخرى في المكتبة الوطنية بالجزائر(3)، تحت رقم "379" ، تحصّلت على صورة منها .
__________
(1) ذكره : عبد الله كانون في النبوغ ، 1 : 228 ، والعلامة المختار السوسي في سوس العالمة ، ص 177 .
(2) انظر الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة ، ص 65 .
(3) انظر فهرس المخطوطات العربية في المكتبة الوطنية بالجزائر وتونس ، لهلال ناجي ، ص 17 ط1 ،
عالم الكتب ، بيروت ، 1999 م .(1/38)
وهذا الكتاب شرح وضعه الشوشاوي على منظومة ابن بري ، المتوفى سنة 731 هـ ، في التجويد والقراءات ، والمسماة "الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع" .
بدأ في شرح الأبيات مباشرة دون مقدمة ، وطريقته في ذلك هي : أن يورد البيت ثم يشرح معناه ، ذاكرا ما فيه من أقوال وتعليلات ، ثم ينتهي بإعراب البيت كاملا .
* رسالة في أحكام تعليم القرآن :
ذكر الشوشاوي فيها ما يتعلق بأحوال حامل القرآن ، وقدّم لها بتمهيد ، ضمّنه سبعة مسائل ، منها : ما مثل حامل القرآن ، والخالي منه ، وما مثل البيت الذي يقرأ فيه القرآن ........ إلخ(1).
ثم عقد بابا لهذه الرسالة ، ذكر فيه عدة مسائل ، أجاب عليها أحيانا بإجابة مطولة وأحيانا بإجابة مختصرة .
توجد لهذه الرسالة نسخة في مركز جهاد الليبيّين ، تحت رقم "61" ، ضمن مجموع ، عدد أوراقها "10" ورقات ، كتبت بخط مغربي دقيق على يد عبد الرحمن المغربي .
* إعانة المبتدئ في القراءات :
ذكره عبد العزيز بن عبد الله في معجم المحدثين ، وأشار إلى وجوده في مكتبة جامعة القرويين ، تحت رقم "248"(2).
ثانيا : كتب الشوشاوي الأخرى :
* رفع النقاب عن تنقيح الشهاب(3):
وهو شرح لـ "تنقيح الفصول في الأصول" لشهاب الدين أبي العباس بن إدريس القرافي المالكي المتوفى سنة 684 هـ(4)، وهذا الكتاب من الكتب المشهورة والمعتمدة عند السوسيّين(5).
فالقرافي رتّب كتابه على مائة فصل ، وجعله في عشرين بابا ، منها :
__________
(1) انظر رسالة في ذكر ما يتعلق بأحوال حامل القرآن ، للشوشاوي ، " مخطوط " ، ورقة 1 .
(2) انظر معجم المحدثين والمفسرين والقراء ، ص 19 .
(3) ذكره : حاجي خليفة في كشف الظنون ، 2 : 1296 ، وأحمد بابا في نيل الابتهاج ، ص 163 ،
وابن القاضي في درة الحجال ، ص 126 ، والمختار السوسي في سوس العالمة ، ص 177 .
(4) انظر ترجمته في شجرة النور ، 1 : 270 .
(5) انظر سوس العالمة ، ص 43 .(1/39)
في الألفاظ ، في المطلق والمقيد ، في الاجتهاد ، في القياس .
شرح الشوشاوي هذه الأبواب شرحا وافيا ، معلّلا ومرجّحا ، وقد تخلّى عن طريقته المعهودة في السؤال والجواب إلى طريقة أخرى ، وهي حصر الجواب في نقط سماها بالمطالب ، ويخرج من مطالب إلى فروع .
توجد من هذا الكتاب نسخة في الخزانة الملكية ، تحت رقم "8435" ، عدد صفحاتها "286" صفحة ، من القطع الكبير ، مكتوبة بخطوط مغربية مختلفة ، على يد أحمد الكنسوسي .
* قرّة الأبصار على الثلاثة الأذكار(1):
هذا الكتاب من تأليفه ، تعرّض فيه لتفصيل الكلام على ثلاثة أذكار ، رتّبه في ثلاثة أبواب :
الباب الأول : شرح فيه لفظ " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ، وأورد فيه مائة وستين سؤالا(2).
الباب الثاني : فيما يتعلق بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وأورد فيه مائة وعشرة أسئلة(3).
الباب الثالث : فيما يتعلق بالصّلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجعله في ثلاثين سؤالا(4).
وقد استوفى الإجابة على جميع هذه الأسئلة ، وضمنّها قواعد وفوائد .
* مجموعة في الطب(5):
وكتابه هذا مزيج بين الطبّ الروحاني ، والطبّ المعتمد على النباتات ، جمع فيه أكثر من "127" علاجا ، منها : علاج بياض العين : خذ رماد الرمان ، فيملى منه قشر بيضة ، ويجعل على النار حتى يذهب منه الثلثان ثم تسحقه إذا برد ، وتكحل به عند النوم .
__________
(1) توجد منه نسخة في المكتبة الوطنية بالجزائر ، تحت رقم "763" ، وعندي منها صورة .
(2) انظر قرة الأبصار على الثلاثة الأذكار للرجراجي ، " مخطوط " ، ورقة 2 .
(3) انظر قرة الأبصار ، ورقة 9 .
(4) المصدر نفسه ، ورقة 27 .
(5) ذكره المختار السوسي في سوس العالمة ، ص 177 .(1/40)
توجد من هذا المخطوط نسخة محفوظة في الخزانة الملكية ، تحت رقم "7533" عدد صفحاته "12" صفحة ، مكتوب بخط مغربي دقيق بمداد أسود ، وقد أصابت الرطوبة بعض أجزائه ، مبتور الآخر ، ينتهي بعبارة : " وتجعل مرودا في كل عين وأنت على قفاك وتصبر ساعة لحرارته فإنه شفاء من كل داء إن شاء الله تعالى " .
* تقييد في حصر اللغات التي نزل بها كلام الله :
حصر الشوشاوي في هذا التقييد اللغات التي نزل بها كلام الله – تعالى – ، وهي أربع لغات : العربية والعجمية والعبرانية والسُريانية .
أوله : " حصر اللغات التي نزل كلام الله أربع ............. " .
آخره : " وفي المشي بالجمع أربعة ................ " .
نسخة يبدو أنها غير تامة ، مكتوبة بخط مشرقي متوسط ، ضمن مجموع ، من 58 – 60 ، محفوظة في الخزانة الحسنية ، تحت رقم "12027" .
* نوازل فقهية(1):
أشار العلامة المختار السوسي إلى عدم وجود هذا الكتاب ، قائلا : " وأما نوازله الفقهية إن كان المعنِي بها مؤلفا خاصّا ، فإني لم أقف عليها قط ، وإنما رأيت له فتاوى متفرّقة "(2).
6- وفاته :
ذكرت كتب التراجم أن وفاة الشوشاوي – رحمه الله تعالى – كانت في آخر القرن التاسع الهجري(3).
__________
(1) ذكره : الحضيكي في طبقاته ، لوحة 113 ، والمختار السوسي في سوس العالمة ، ص 177 ، وابن القاضي
في درّة الحجال ، ص 126 ، وأحمد بابا في نيل الابتهاج ، ص 163 ، و في كفاية المحتاج لمعرفة من
ليس في الديباج ، 1 : 192 ، وخير الدين الزركلي في الأعلام ، 2 : 247 .
(2) خلال جزولة ، 4 : 161 .
(3) انظر : نيل الابتهاج ، ص 163 ، درة الحجال ، ص 126 ، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام
3 : 148 ، معجم المؤلفين لكحالة ، 3 : 254 ، كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج ، 1 : 192
المعسول ، 6 : 169 ، كشف الظنون ، 2 : 1296 .(1/41)
وقد ورد في بعضها تحديد وفاته بسنة 899 هـ(1).
وقيل : أن سبب موته سقوط كتبه عليه(2).
وأكثر الكتب التي ترجمت له ذكرت أنه توفي بتارودانت ، لكن المختار السوسي ذكر أنه دفن بأولاد برحيل بقبيلة المنابهة(3).
رحم الله هذا العالم ، وأسكنه فسيح جناته ، ودام عمله وتراثه نورا نستضيء به ونهتدي به إلى سواء السبيل .
الفصل الثالث
دراسة الشرح " تنبيه العطشان على مورد الظمآن "
وفيه مبحثان :
المبحث الأول :دراسة الكتاب ، وتشمل :
أ- اسم الكتاب وتوثيقه .
ب- منهجه وأسلوبه .
جـ- مصادر الكتاب .
د- القيمة العلمية للكتاب .
المبحث الثاني : وصف النسخ الخطية ، ويشمل :
أ- وصف النسخ المخطوطة وأماكن وجودها .
ب - نماذج من النسخ الخطية للكتاب .
المبحث الأول : دراسة الكتاب
أ- نسبته لمؤلفه :
تحقّقت من صحة نسبة هذا الكتاب إلى حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي ، من خلال كتب التراجم وفهارس المخطوطات .
فقد أطلقت عليه كتب التراجم اسم : "شرح مورد الظمآن"(4)، و جاء في فهارس المخطوطات باسم : "تنبيه العطشان على مورد الظمآن"(5).
__________
(1) انظر : هدية العارفين ، 5 : 316 ، الأعلام للزركلي ، 2 : 247 .
(2) خلال جزولة ، 4 : 160 .
(3) انظر : المعسول ، 6 : 169 ، سوس العالمة ، ص 177 .
(4) - نسبه له : أحمد بابا التنبكتي في نيل الابتهاج ، ص163 ، وكفاية المحتاج ، 1 : 192 .
- المختار السوسي في سوس العالمة ، ص 177 ، وخلال جزولة ، 4 : 161 .
- الزركلي في الأعلام ، 2 : 247 .
- عبد الله كنّون في كتاب " النبوغ المغربي " ، 1 : 227 .
- عمر رضا كحالة في معجم المؤلفين ، 3 : 254 .
(5) - فهرس الخزانة الحسينية بالقصر الملكي ، تصنف محمد الخطابي ، 6 : 61 ، تحت رقم "5729" ، ط1 ،
الرباط ، 1987 م .
- فهرس خزانة القرويين بفاس ، 3 : 149 ، تحت رقم "1041" .
- فهرس المخطوطات بمركز جهاد الليبيين ، إعداد إبراهيم الشريف 1 : 33 ، تحت رقم "66" ، ط1 ،
طرابلس ، ليبيا ، 1989م .
- فهرس مخطوطات دار الكتب الناصرية بتمكروت ، ص 101 ، تحت رقم "1648" ، وزارة الشؤون
والأوقاف الإسلامية ، المملكة المغربية ، طبعة 1985 م .
- فهرس مخطوطات مكتبة عبد الله كنون لعبد الصمد العشاب ، ص 183 ، تحت رقم "10336" ، وزارة
الأوقاف والشؤون الإسلامية ، المملكة المغربية ، طبعة 1996 م .(1/42)
وثبت اسم الحسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي ، في أوائل النسخ التي وقفت عليها ، وكذلك في آخرها ، مع اختلاف النسّاخ والعصور ، مما يؤكّّد نسبة الكتاب لمؤلّفه .
ب- منهجه وأسلوبه :
ممّا لا شك فيه أن منهجيّة الشرح لنظم ما يرجع إلى طبيعة النظم ، وإلى اختيار الشارح طريقة معينة في شرحه ، ومن ثَمّ تتعدد المناهج في الكتاب الواحد بين مطوّل – كما حصل في هذا الكتاب – ومختصر ومتوسط .
استهلّ الشوشاوي شرحه بمقدّمة مسهبة ، لم يبيّن فيها أسباب تأليفه للكتاب ، ومصادره ، وهي طريقة اتّبعها في مؤلّفاته الأخرى التي اطّلعت عليها .
تقوم منهجيّة الشوشاوي في أغلب مؤلّفاته على طريقته السؤال والجواب ، إلا أنه في شرحه لهذا الكتاب ، قد تخلّى شيئا مّا عن طريقته المعتادة ، إلى حصر الكلام في مطالب ، ثم يجيب عنها بأجوبة متتابعة .
مثال ذلك : قوله في صدر الكتاب : " قال الناظم أبو عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم الأموي الشريشي – عفا الله عنه – : هكذا ثبت في نسخة الناظم بخطّ يده – رحمه الله تعالى – ، وفي هذه المقدّمة عشرة مطالب :أحدها : ما اسم الناظم ؟ ، ثانيها : ما نسبه ؟ ، ثالثها : ما بلده ؟ ، رابعها : ما فنونه من العلم ؟ ......... "(1).
وإنني من خلال دراستي لهذا الشرح حاولت تلخيص منهجه وأسلوبه في النقاط التالية :
* يمتاز أسلوبه بالسهولة والوضوح في أغلب الأحيان لولا الإطناب الذي يعتري أغلب موضوعاته ، من ذلك – مثلا – شرحه لقول الناظم : (( جمعه في الصحف الصدّيق كما أشار عمر الفاروق )) ، تطرق للحديث عن الأحرف السبعة ، واستغرق منه أكثر من أربع ورقات(2).
* تتبعه لألفاظ الناظم بالشرح والتحليل والنقد أحيانا .
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 60 .
(2) تنبيه العطشان ، ص 114 – 118 .(1/43)
* حصره لعناصر الموضوع الذي يعالجه وذلك بإيراد الأسئلة المتوالية التي قد تصل إلى عشرين سؤالا ، ثم يعقبها بأجوبة متتابعة ، كشرحه لقول الناظم : (( وبعده جرّده الإمام في مصحف ليقتدي الأنام )) ، حيث قال : " وهاهنا عشرون سؤالا .............. الخ "(1).
* تعليله وتوجيهه لأغلب الأحكام كما يتضح ذلك في تعليله وتوجيهه لحذف الألف من : { أَيُّهَ } حيث ذكر في تعليله ثلاثة أوجه : حملا للخط على اللفظ ، الاكتفاء بالفتحة عن الألف ، الإشارة إلى القراءة الأخرى(2).
* ذكره مناسبة البيت الذي يشرحه بما قبله ، وربط كلام الناظم الذي يشرحه بالمواضع الأخرى .
* وفرة الأمثلة في هذا الكتاب ، فلا تكاد تخلو مسألة من مثال أو أكثر .
* تعرض الإمام الشوشاوي لأمور أهملها الناظم أو أغفلها ولم يشر إليها ، ونبّه عليها بقوله : تنبيه أو تنبيهان أو تنبيهات ، مثال ذلك عند شرحه لقول الناظم : (( وللجميع السيئات جاءا بألف إذ سلبوه الياءا )) ، حيث قال : " تنبيه : ينبغي أن يذكر هاهنا قوله تعالى : { وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشََاتُ فِي الْبَحْرِ كَالاْعْلامِ } فإن أبا داود قال في التنزيل: " وكتبوا في بعض المصاحف المنشئات بألف ثابت" ، ثم قال : " فعلى الناظم درك ، لأنه لم ينبّه عليه ، فينبغي أن يذكر هاهنا هذا البيت :
عن بعضها في المنشئات الثبتُ حكاه في التنزيل خبر ثبتٌ(3)
* تفسيره لأغلب الكلمات الغريبة في المتن ، مثل : السندس ، القسطاس ، الطلح(4)، وغيرها .
* ترجمته أحيانا للأعلام في المتن ، كأبي عمرو الداني ، وأبي داود ، والشاطبي ، وغيرهم(5).
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 127 ، وما بعدها .
(2) تنبيه العطشان ، ص 516 .
(3) تنبيه العطشان ، ص 296 .
(4) انظر تنبيه العطشان ، 138 ، 143 .
(5) انظر تنبيه العطشان ، ص 193 ، 199 ، 196 .(1/44)
* استدراكه على الناظم وإصلاحه لبعض الأبيات ، مثل قوله : " وينبغي أن تزاد هذه الأبيات هاهنا ، بعد قوله : (( ما لم يكن شدّدا أو إن نبرا )) .
وما تصدر من الجموع بهمزة شهر في المسموع
إثبات ثانيه كآمنين وآخرون قل ولا آمّين
كما هو المعروف في الهمزات في مرتضى الكتاب والنحاة(1)
* يذكر في كثير من نقولاته المراجع التي رجع إليها واقتبس منها ، كالمقنع والتنزيل والميمونة والمنبهة ، وهذا يرفع من قدر المؤلف ، وعند نقله من شروح المورد التي سبقته ، فإنه يكتفي بقوله : " قال بعضهم " ، أو " قال بعض الشراح " ، كما في شرحه لقول الناظم : " وَعَنْهُ حَذْفُ خَاطِئُونَ خَاطِئِينْ " ، حيث قال : " وقال بعض الشرّاح : إنما ذكر الناظم هذه الألفاظ هاهنا مع اندراجها في عموم الحذف المتقدم لاختصاص أبي داود بحذفها دون أبي عمرو ............ "(2).
* إيراده لبعض الإحصائيات ، مثل قوله : " وعدد ألفات القرآن على قراءة نافع ، ثمانية وأربعون ألْفا وسبع مائة وأربعون ألِفا ، وعدد الياءات خمسة وعشرون ألْفا وتسعمائة وتسع ياءات ، وعدد الواوات خمسة وعشرون ألْفا وخمسمائة وست واوات(3).
* ذكره للقراءات المشهورة وأحيانا الشاذة ، كما في قوله تعالى : { تَسَّقَطْ } ، حيث قال : " وفي هذا اللفظ في السبع ثلاث مقارئ كلها بالألف في اللفظ :
أحدها : { تَسَّقَطْ } بفتح التاء وتشديد السين وفتح القاف ، وهى قراءة نافع .
الثاني : { تَسَاقََطْ } بفتح التاء والسين الخفيفة وفتح القاف ، وهي قراءة حمزة .
الثالث : { تُسَاقِطْ } بضم التاء وتخفيف السين وكسر القاف ، وهي قراءة حفص عن عاصم . فهذه ثلاث قراءات مشهورات في السبع .
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 242 ، من هذا البحث .
(2) تنبيه العطشان ، ص 280 .
(3) تنبيه العطشان ، ص 220 .(1/45)
وقرئ خارج السبع بقراءتين أخريين كلتاهما بالياء إحدى هاتين القراءتين الشاذتين : (يَسّاقَط) بالياء المفتوحة وتشديد السين وفتح القاف .
والقراءة الثانية من هاتين القراءتين الشاذتين : (يُسَاقِط) بالياء المضمومة وفتح السين المخففة وكسر القاف .
فهذه خمس قراءات : ثلاث في السبع ، وقراءتان خارج السبع "(1).
*اهتمامه باللغة ، فتراه دائما يشرح أوّلا كلام الناظم شرحا لغويا مستدلا على ذلك بالقرآن والسنة وكلام العرب ، ثم يبين المقصود منها في النظم . كشرحه لقول الناظم (( محمد ذي الشرف الأثيل صلى عليه الله من رسول )) ، حيث قال : " واختلف اللغويون في أصل الصلاة : قيل : أصلها الدعاء ، وقيل : أصلها الانحناء والانعطاف
فأما الأول – وهو أن أصلها الدعاء – فدليله الكتاب والسنة وكلام العرب .
فالكتاب قوله تعالى في أموات الكفار : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا } ، وقوله تعالى : { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاتَِكَ سَكَنٌ لَّهُمْ } ، أي أن دعواتك رحمة لهم .
ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا دّعي أحدكم إلى وليمة فليجب إن كان مفطرا ، وإن كان صائما فليصل لهم )) ، أي فليدع لأهل المنزل بالبركة .
ومن كلام العرب ، قول الأعشى :
تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرَّبَتْ مُرْتَحَلاً يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا
عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا"(2)
* في نهاية كل بيت لا يفوته إعراب كلام الناظم .
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 494 .
(2) تنبيه العطشان ، ص 94 ، 95 ، من هذا البحث .(1/46)
* تأثره بصاحب النظم ، ويتجلّى ذلك في تصويبه لمعظم آرائه ، من ذلك – مثلا – : ما جاء في : "فصل حذف الألف المعانق للام" ، والذي أورد فيه اثني عشر اعتراضا ، أجاب على أغلبها ، وقال في الباقي إنها لازمة(1).
* إبداء رأيه في بعض أقوال الناظم ومناقشة من سبقه في هذا الشرح ، مثال ذلك : ما جاء عن بعض الشراح أن قول الناظم : (( وللجميع الحذف في الرحمن )) أنه من الأحكام المطلقة ، حيث قال : " هكذا مثّل بعض الشرّاح هاهنا للحكم المطلق ، والأولى عندي أن الحكم في هذه الأمثلة ليس بمطلق ، وإنما هو مقيّد بجميع الشيوخ ، لأن قوله : (( وللجميع الحذف في الرحمن )) أسنده الناظم إلى جميع الرواة ، فكيف يقال مطلق مع إسناده؟! "(2).
* ومما يؤخذ على الشوشاوي : أنه أورد روايات وأحاديث ضعيفة ، مثل ما روي أن أوّل ما كتب في اللوح المحفوظ : " أنا الله لا إله غيري من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر نعمائي فليطلب إلها سوائي "(3).
ومثل الحديث : " أصحابي كالملح للطعام فإذا ذهب الملح فسد الطعام "(4).
* التكرار في بعض المواضع ، كحديثه عن معنى الاضطراب في قول الناظم : (( ولا يكون بعده اضطراب ....... )) ، ثم كرر الكلام بكامله في شرحه لقول الناظم : (( باب اتفاقهم والاضطراب ......... ))(5).
__________
(1) انظر تنبيه العطشان ، ص 392 ، وما بعدها .
(2) تنبيه العطشان ، ص 199 .
(3) انظر تنبيه العطشان ، ص 71 .
(4) انظر تنبيه العطشان ، ص 157 .
(5) انظر تنبيه العطشان ، ص 144 ، 212 .(1/47)
* استدراكه على الناظم في بعض الأحيان بأنه غفل عن بعض الألفاظ ، في حين أنه لم يغفل عنها ، مثال ذلك قول الشوشاوي : " واعترض قوله : (( ميقات )) : لأنه يقتضي أنه محذوف مطلقا ، مع أن أبا داود نصّ في التنزيل على أن قوله تعالى في سورة النبأ : { إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا } بألف ثابتة ، وهذا من الألفاظ الخمسة المحذوفة لأبي داود ، وقد أغفلها الناظم – رحمه الله – "(1).
جـ - مصادر الكتاب :
لاشكّ أن غزارة مادة هذا الكتاب ودقّة معلوماته تدل على رجوع المؤلف إلى كثير من المصادر في مختلف العلوم ، اعتمد على بعضها ونقل منها كثيرا ، واستفاد من بعضها في مسائل معينة . وعلى هذا يمكن تقسيم مصادر هذا الكتاب من حيث الاعتماد عليها إلى قسمين : مصادر أصليّة ، ومصادر مساعدة .
أولا : المصادر الأصلية :
وهي التي اعتمد عليها الشارح ونقل منها كثيرا ، وهذه الكتب في علم الرسم والضبط :
* المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار لأبي عمرو الداني{ت 444 هـ}
* المحكم في نقط المصاحف ، لأبي عمرو الداني .
* مختصر التبيين لهجاء التنزيل ، لأبي داود سليمان بن نجاح {ت 496 هـ } .
* المنصف(2)، لأبي الحسن على بن محمد المرادي {ت 564 هـ } .
* عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد ، للإمام الشاطبي {ت 590 هـ } .
* الميمونة الفريدة(3)، لأبي عبد الله القيسي {ت 749 هـ } .
* بعض شروح المورد ، كـ : "التبيان في شرح مورد الظمآن" لأبي محمد عبد الله الصنهاجي ، المعروف بابن آجطا {ت750 هـ } .
وقد يصرّح الشوشاوي باسم المؤلف والكتاب أحيانا ، وقد يذكر اسم المؤلف فقط وقد يذكر اسم الكتاب فقط ، وقد يقتبس القول من غير إشارة إلى أحد .
ثانيا : المصادر المساعدة :
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 465 .
(2) لم أجد هذا الكتاب .
(3) توجد من هذا المخطوط نسخة في الخزانة الحسنية ، تحت رقم "4558" .(1/48)
وهي التي لم يرجع إليها إلا قليلا ، وشملت الفنون التالية : فنّ التفسير وعلوم القرءان ، السنة وعلومها ، الفقه ، اللغة والنحو .
مصادره في التفسير وعلوم القرءان :
1- معاني القرآن ، لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء ، {ت 207 هـ } .
2- فضائل القرآن ، لأبي عبيد القاسم بن سلام ، {ت 224 هـ } .
3- تأويل مشكل القرآن ، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، {ت 276 هـ } .
4- جامع البيان في تفسير القرآن ، لمحمد بن جرير الطبري ، {ت 310 هـ } .
5- كتاب الغريبين(1): غريبي القرآن والحديث ، لأبي عبيد أحمد بن محمد الهروي {ت 401 هـ } .
6- التحصيل من التفصيل لمعاني التنزيل(2)، لأبي العباس أحمد بن عمار المهدوي {ت 440 هـ } .
7- الأرجوزة المنبهة على أسماء القراء والرواة ، لأبي عمرو الداني .
8- الكشّاف ، لأبي القاسم محمود الزمخشري ، {ت 538 هـ } .
9- المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، لأبي محمد عبد الحق الأندلسي ، {ت 541 هـ } .
10- أحكام القرآن ، لأبي بكر حمد عبد الله بن العربي ، {ت 543 هـ } .
11- حرز الأماني ووجه التهاني ، المشهورة بالشاطبية ، لأبي القاسم بن فيرّه الرعيني الأندلسي .
12- الوسيلة إلى كشف العقيلة لعلم الدين علي بن محمد السخاوي ، {ت 642 هـ } .
13- الدرر اللوامع في مقرأ نافع ، لأبي الحسن علي بن محمد الرباطي الشهير بابن برّي ، {ت 731 هـ } .
14- الدرّة الصقيلة في شرح أبيات العقيلة ، لأبي محمد عبد الغني المشهور باللبيب .
مصادره في السنة النبوية :
1- صحيح البخاري ، {ت 256 هـ } .
2- صحيح مسلم ، {ت 261 هـ } .
3- تأويل مشكل الحديث ، لابن قتيبة ، {ت 276 هـ } .
__________
(1) طبع هذا الكتاب بتحقيق أحمد فريد المزيدي ، نشر المكتبة العصرية ، بصيدا .
(2) يوجد منه الجزء الثاني " يبدأ من سورة الكهف إلى آخر القرآن" ، مخطوط في الخزانة العامة بالرباط ،
تحت رقم "89" ق .(1/49)
4- القبس في شرح موطأ مالك بن أنس(1)لأبي بكر محمد بن العربي {ت 543 هـ}
مصادره الفقهية :
1- الرسالة ، لأبي زيد القيرواني ، {ت 389 هـ} .
2- الاستذكار في مذهب علماء الأمصار ، لأبي عمر بن عبد البر ، {ت 463 هـ}
3- الذخيرة ، لشهاب الدين القرافي ، {ت 684 هـ} .
مصادره في اللغة العربية :
1- ديوان النابغة : زياد بن معاوية الذبياني ، {ت 18 ق هـ} .
2- ديوان امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي ، {ت 80 ق هـ} .
3- ديوان الفرزدق : همام بن غالب بن سفيان التميمي ، {ت 110 هـ} .
4- إصلاح المنطق ، لابن السكيت ، {ت 244 هـ} .
5- مختصر العين ، لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي ، {ت 379 هـ} .
6- تاج اللغة ، لإسماعيل بن حماد الجوهري .
7- ديوان الأعشى : عامر بن الحارث بن رباح الباهلي .
8- سر الصناعة ، لأبي الفتح عثمان بن جني ، {ت 392 هـ} .
9- شرح الفصيح ، لأبي عبد الله محمد بن هشام اللخمي ، {ت 570 هـ} .
مصادره في النحو :
1- الكتاب ، لأبي بشر عمرو بن قنبر ، المعروف بسيبويه ، {ت 180 هـ} .
2- الجمل ، لأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي ، {ت 337 هـ} .
3- الخصائص ، لابن جني ، {ت 392 هـ} .
4- المقدّمة في النحو لأبي موسى عيسى بن عبد العزيز الجزولي ، {ت 616 هـ}
5- الألفية ، لزكريا بن معطي(2)، {ت 628 هـ} .
6- شرح المفصل ، لأبي عمرو ابن الحاجب ، {ت 646 هـ } .
7- شرح جمل الزجاج ، لأبي الحسن علي بن عصفور ، {ت 669 هـ} .
8- الألفية ، لابن مالك : جمال الدين محمد بن مالك الأندلسي ، {ت 672 هـ} .
__________
(1) طبع هذا الكتاب بتحقيق : أيمن نصر الأزهري ، وعلاء إبراهيم الأزهري ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
(2) طبع هذا الكتاب بشرح ابن الخباز ، تحقيق حامد محمد العبدلي ، نشر دار الأنبار ، بغداد .(1/50)
9- المشكاة والنبراس شرح كتاب الكراس(1)للجزولي ، تأليف إبراهيم بن عبد السلام أبي إسحاق العطّار ، {ت 677 هـ} .
10- شرح الألفية ، للحسن بن قاسم المرادي ، {ت 749 هـ} .
مصادره في السيرة النبوية :
1- الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض ، {ت 544 هـ} .
2- الشفا في شرف النبي المصطفى لابن سبع(2).
د- القيمة العلميّة للكتاب :
إن مؤلفات الشوشاوي تعدّ كلها ذات أهميّة في تاريخ التراث ، وبخاصّة في القرآن وعلومه ، لما امتاز به مؤلفها من سعة ودراية في هذا العلم .
وكتابه : "تنبيه العطشان على مورد الظمآن" ، يعتبر من أهم ما صنف في علم الرسم القرآني . وتتجلى أهميّته في أمور كثيرة ، منها :
- جلالة موضوعه : فهو يتعلق برسم المصحف الشريف .
- أهمية القصيدة المشروحة : فهي "مورد الظمآن في رسم القرآن" ، للإمام أبي عبد الله الخراز ، التي اعتمد فيها على أربعة كتب ، تعدّ من أهم ما صنّف في علم الرسم القرآني .
- أسلوبه المتميز بالسهولة والوضوح ، بعيدا عن التكلّف والتعقيد .
- كونه من بين المصادر القليلة التي اعتنت بتوجيه ظواهر الرسم على النحو الذي تُوجّه به أصول القراءات القرآنية .
- غزارة مادته ، وكثرة مصادره ، فقد احتفظ لنا بآراء كثيرة ، استقاها من مصادر لا نعلم عن بعضها غير عناوينها ، وبعض النقولات المتفرقة في بعض الكتب .
- استدراكه على منظومة الخراز في الأحرف التي أهملها أو غفل عنها – رحمه الله – فقد ضمّ الكتاب مجموعة أبيات للمؤلف استدرك بها على الخراز ، ذكرت أمثلة منها عند الحديث عن منهجه .
ومما يدلّ على أهمية هذا الشرح : اعتبار الشوشاوي من العلماء الذين نبغوا في عصره بسبب مؤلفاته التي من بينها : "تنبيه العطشان على مورد الظمآن"(3).
__________
(1) توجد منه نسخة مصورة في الخزانة العامة بالرباط ، تحت رقم "354" .
(2) لم أجد هذا الكتاب .
(3) انظر أسفي وما إليه للكانوني ، ص 91 .(1/51)
كما نوّه بأهمية هذا الشرح الأستاذ سعيد إعراب ، بقوله : " ومن أهم الشروح تنبيه العطشان على مورد الظمآن ، لأبي علي الحسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي {ت 900 هـ } ، دفين أولاد برحيل بقبيلة المنابهة "(1).
وفي خاتمة مقدّمته لتحقيق كتاب مختصر التبيين لهجاء التنزيل ، نصح الدكتور أحمد شرشال بتحقيق بعض الكتب الجامعة للرسم والضبط ، من بينها كتاب : "تنبيه العطشان على مورد الظمآن" ، و"حلة الأعيان" للشوشاوي – أيضا – ، اللذين وصفهما بقوله : " فلم أر كتابا أوسع وأشمل منها "(2).
مما سبق يتضّح أن لهذا الكتاب أهميّة كبيرة في هذا العلم ، وأثرا في الكتب التي أُلّفت بعده ، وخاصة شروح المورد ، مثل "فتح المنان" لابن عاشر .
المبحث الثاني : وصف النسخ الخطية
أ وصف النسخ الخطية وأماكن وجودها :
بحثت في المكتبات وفهارس المخطوطات ، وتمكّنت من الاطلاع على ست نسخ لهذا الكتاب .
النسخة الأولى :
__________
(1) القراءات والقراء ، ص 46 .
(2) مختصر التبيين لهجاء التنزيل ، لأبي داود سليمان بن نجاح ، دراسة وتحقيق أحمد بن أحمد شرشال
1 : 406 ، المملكة العربية السعودية ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، 1421هـ .(1/52)
وهي التي اعتمدتها أصلا ، تحصّلت عليها من دار الكتب الوثائقية المصرية في القاهرة ، تحت رقم "1قراءات ش" رمزت لها بالرمز "م" ، عدد أوراقها 227 ورقة يقع القسم الأول – الذي أقوم بتحقيقه – في 127 ورقة ، من الورق الكبير ، حجم : 19 × 12.5 سم ، وعدد الأسطر في الصفحة الواحدة : 25 سطرا ، في كل سطر 15 كلمة تقريبا ، لم يرد فيها اسم الناسخ ، ولا تاريخ الفراغ من النسخ ، وهي مكتوبة بخط مغربي دقيق ، يصعب قراءته أحيانا ، ومدادها أسود ، كتبت أبيات النظم ، وأبيات الشعر الأخرى بحروف بارزة ، وهذه النسخة مقروءة ومقابلة بأصل يدلّ على ذلك ما ورد في حواشي هذه النسخة من إضافات لبعض الكلمات التي سقطت ووضعت علها علامة : " صح " ، وهي كاملة ليس بها نقص سوى بعض الكلمات ، أو الجمل وهي قليلة ، وفي متنها زيادات هامة ، لذا اعتمدتها أصلا .
بداية المخطوط : " بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
يقول العبد المذنب الراجي عفو ربه ورضوانه ، وإحسانه وأفضاله ، حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي خار الله له ولطف به بمنه وكرمه .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه الطيبين . وبعد : فهذا كتاب سمّيته بتنبيه العطشان على مورد الظمآن ، ومن الله أسأل الإعانة والتوفيق بمنه إلى سواء الطريق والتحقيق ............... " .
نهاية المخطوط : تم الكتاب المسمى تنبيه العطشان مما عني بجمعه وتصنيفه العبد المذنب الراجي عفو ربه ورضوانه وإحسانه وأفضاله حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي لطف الله به بمنه ، وطواه في العشر الأولى من شهر الله المعظم شهر رمضان .................... " .
النسخة الثانية :(1/53)
وهي النسخة التي رمزت لها بالرمز "ج" ، تحصلت عليها من مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي ، مصورة من الخزانة العامة بالرباط ، ثم اطلعت على الأصل في هذه الخزانة الذي يحمل رقم "663" ق ، تقع في 161 ورقة ، ويقع القسم الأول منها في "95" ورقة من الورق الكبير، مقاسها 29 × 19 سم ، وعدد الأسطر في الصفحة الواحدة :31 سطرا ، في كل سطر 15 كلمة تقريبا ، وهي تامة مكتوبة بخط مغربي جيد جدا ، وبمداد أسود ، كتبت العناوين وأبيات النظم بحروف كبيرة بمداد أسود ، وكتبت أبيات الشعر باللون الأحمر أحيانا وباللون الأزرق أحيانا وفي كتابتها بعض الأخطاء الإملائية والتحوير والتبديل في الألفاظ ، وفي الحاشية بعض التصحيحات ، مما يدلّ مقابلت هذه النسخة على نسخ أخرى ، نسخها علي بن مسعود بن عبد الله الفلالي ، وكان الفراغ منها يوم الاثنين أول ربيع الثاني سنة 1015 هـ .
بداية المخطوط : " بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد و آله وصحبه وسلم تسليما .
يقول العبد المذنب الراجي عفو ربه ورضوانه ، وإحسانه وأفضاله ، حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي خار الله له ولطف به بمنه وكرمه .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه الطيبين . وبعد : فهذا كتاب سمّيته بتنبيه العطشان على مورد الظمآن ، ومن الله أسأل الإعانة والتوفيق بمنه إلى سواء الطريق والتحقيق ............... " .
نهاية المخطوط : " تم الكتاب المسمى تنبيه العطشان مما عني بجمعه وتصنيفه العبد المذنب الراجي عفو ربه ورضوانه وإحسانه وأفضاله حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي لطف الله به بمنّه ، وطواه في العشر الأولى من شهر الله المعظم شهر رمضان عام ثمان وأربعين وثمانمائة ، عرّفنا الله خيره بمنه ، والصلاة على محمد وآله ، والحمد لله رب العالمين .................. " .
النسخة الثالثة :(1/54)
وهي النسخة المرموز إليها بالرمز "ز" ، تحصلت عليها من مكتبة الأزهر الشريف ، والموجودة تحت رقم "22282" عدد أوراقها 158 ورقة ، يقع القسم الأول منها في "102" ورقة ، من الورق الكبير ، مقاسها: 18.5 × 14.5 سم ، وعدد الأسطر في الصفحة الواحدة : 24 سطرا ، في كل سطر 15 كلمة تقريبا ، كتبت بخط النسخ المعتاد ، وبمداد أسود وهي تامة سالمة من كل آفة ، وبهامشها بعض الشروح والتعليقات ، نسخها أحمد بن محمد الشرّادي ، بتاريخ 1157 هـ . ومكتوب على الورقة الأولى : " من كتب حسن جلال باشا الحسيني – رحمه الله – وصية للأزهر الشريف " .
بداية المخطوط : " بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
يقول العبد المذنب الراجي عفو ربه ورضوانه ، وإحسانه وأفضاله ، حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي خار الله له ولطف به بمنّه .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه الطيبين . وبعد : فهذا كتاب سمّيته تنبيه العطشان على مورد الظمآن ، ومن الله أسأل الإعانة والتوفيق بمنه إلى سواء الطريق والتحقيق ............... " .
نهاية المخطوط : " تم الكتاب المسمى تنبيه العطشان مما عني بجمعه وتصنيفه العبد المذنب الراجي عفو ربه ورضوانه وإحسانه وأفضاله حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي .................. " .
النسخة الرابعة :(1/55)
وهي في الخزانة الحسنية ، تحت رقم "5729" ، مقاسها : 30 x 22 سم ، عدد أوراقها 126 ورقة ، في كل صفحة "40" سطرا ، في كل سطر 15 كلمة تقريبا . تاريخ النسخ : 906 هـ ، على يد أبي بكر موسى بن عثمان ، كتبت بخط مغربي دقيق بمداد أسود على ورق قديم من الحجم المتوسط ، أبيات الناظم والعناوين بخط بارز وبلون مخالف ، أصابتها الرطوبة من جميع جوانبها ، حتى أصبح نصفها غير مقروء ، ولولا ذلك لجعلتها من النسخ المعتمدة في التحقيق ، لأنها أقدمها . في أولها بعض الأدعية والفوائد .
تبتدئ كسائر بالبسملة والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يقول العبد المذنب الراجي عفو ربه ورضوانه ، وإحسانه وأفضاله ، حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي خار الله له ولطف به بمنه ............... " .
وتنتهي بقوله : " تم الكتاب المسمى بتنبيه العطشان على مورد الظمآن مما عني بجمعه وتصنيفه العبد المذنب الراجي عفو ربه .................. " .
النسخة الخامسة :
توجد في الخزانة العامة بالرباط ، تحت رقم "624" ق ، كتبت بخط مغربي متوسط على يد : أبي القاسم بن منصور ، بتاريخ : 968 هـ ، عدد أوراقها "180" ورقة ، مقاسها : 30 x 44 سم ، عدد الأسطر 39 سطرا ، في كل سطر 13 كلمة تقريبا ينتهي القسم الأول منها عند الورقة : 105 ، وهي نسخة تامة ليس بها نقص ، وبها أخطاء كثيرة .
أولها : " بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد و آله وسلم تسليما .
يقول العبد المذنب الراجي عفو ربه ورضوانه، وإحسانه وأفضاله ، حسين بن علي بن طلحة الرجراجي ثم الشوشاوي خار الله له ولطف به بمنه وفضله .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه الطيبين .
وبعد : فهذا كتاب سمّيته بتنبيه العطشان على مورد الظمآن ، ومن الله أسأل الإعانة والتوفيق بمنه إلى طريق المستقيم والتوفيق ........... " .(1/56)
وآخرها : " تم الكتاب المسمى بتنبيه العطشان مما عني بجمعه وتصنيفه على يد العبد المذنب الراجي عفو ربه ورضوانه وإحسانه وأفضاله حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي لطف الله به بمنه ويُمنه .................. " .
النسخة السادسة :
توجد في الخزانة العامة بالرباط – أيضا – ، تحت رقم "676" ق ، ضمن مجموع ، من 11 – 198 ، أي أن عدد أوراقها: 187 ورقة من الحجم الكبير ، وعدد الأسطر "33" سطرا ، ومتوسط كلمات السطر "15" كلمة ، كتبت بخط مغربي لا بأس به على يد ناسخها : علي بن عمر الجزولي ، عام 972هـ ، وقد كثر فيها التصحيف والسقط .
تبتدئ كباقي النسخ : " بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
يقول العبد المذنب الراجي عفو ربه ورضوانه، وإحسانه وأفضاله ، حسين بن
علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي خار الله له ولطف به بمنه....... " .
وتنتهي : " تم الكتاب المسمى بتنبيه العطشان مما عني بجمعه وتصنيفه على يد العبد المذنب الراجي عفو ربه ورضوانه وإحسانه وأفضاله حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي لطف الله به بمنه .................. " .
وهناك نسخة سابعة تحصّلت عليها من مركز جهاد الليبيين بطرابلس ، تحمل رقم "66" ، لم أشر إليها لسقوط أكثر من ثلثي النسخة .
النسخ المعتمدة :
من بين هذه النسخ التي ذكرت اعتمدت في المقابلة على النسخ الثلاثة الأولى بنفس الترتيب ، واكتفيت بها ، لسببين :
1- اعتقادي بسلامة النصّ المحقق واستقامته بالنسخ الثلاث كما وضعه المؤلف أو قريبا منه .
2- حرصا منّي على عدم إثقال الهوامش ، بإثبات مزيد من الفوارق التي لا تؤثر في المعنى .
واعتمدت النسخة الأولى من هذه النسخ أصلا ، وهي التي من دار الكتب القومية لكونها الأكمل والأحسن ، وخلوها من السقط والتحريف ، رغم عدم معرفة تاريخ نسخها .(1/57)
وتأتي في المرتبة الثانية نسخة الخزانة العامة بالرباط ، والتي رمزت لها بالرمز "جـ" ، لجودة خطها ولوجود بعض التصحيحات ، مما يدلّ مقابلة هذه النسخة على نسخة أخرى ، لعلها تكون الأصل .
أما نسخة الأزهر الشريف فتأتي في المرتبة الثالثة ، فرغم أنها كتبت متأخرة عن عصر المؤلف ، إلا أنه يوجد بهامشها بعض الشروح والتعليقات ، مما يدلّ على أهميتها .
نماذج من نسخ كتاب
" تنبيه العطشان على مورد الظمآن "
المعتمدة في التحقيق
صورة الورقة الأولى من كتاب : " تنبيه العطشان على مورد الظمآن "
المشار إليه في التحقيق بـ : (م)
صورة الورقة الأخيرة من كتاب : " تنبيه العطشان على مورد الظمآن "
المشار إليه في التحقيق بـ : (م)
صورة الورقة الأولى من كتاب : " تنبيه العطشان على مورد الظمآن "
المشار إليه في التحقيق بـ : (جـ)
صورة الورقة الأخيرة من كتاب : " تنبيه العطشان على مورد الظمآن "
المشار إليه في التحقيق بـ : (جـ)
صورة الورقة الأولى من كتاب : " تنبيه العطشان على مورد الظمآن "
المشار إليه في التحقيق بـ : (ز)
صورة الورقة الأخيرة من كتاب : " تنبيه العطشان على مورد الظمآن "
المشار إليه في التحقيق بـ : (ز)
قسم التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمّد [وعلى](1)آله وصحبه أجمعين(2).
يقول العبد المذنب الراجي عفو ربه ورضوانه ، وإحسانه وأفضاله ، حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي ، خار(3)الله له ولطف به بمنّه وكرمه(4).
__________
(1) ساقطة من : " جـ " ، " ز" .
(2) في جـ ، ز : " وصحبه وسلم تسليما " .
(3) أي : جعل الله له فيه الخير .
انظر القاموس المحيط للفيروزأبادي ، ضبط وتوثيق يوسف البقاعي ، إشراف مكتب البحوث
والدراسات ، مادة " خير " ، ص 351 ، طبعة 2005 م ، دار الفكر ، بيروت .
(4) في ز : " بمنه وفضله وإحسانه " .(1/58)
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة على محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه الطيّبين .
وبعد :
فهذا كتاب سمّيته بـ"تنبيه العطشان على مورد الظمآن" ، ومن الله أسأل الإعانة والتوفيق بمنّه إلى سواء الطريق والتحقيق .
قال الناظم أبو عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم الأموي الشريشي – عفا الله عنه – : هكذا ثبت في نسخة الناظم بخطّ يده – رحمه الله [تعالى](1)– ، وفي هذه المقدّمة عشرة مطالب :
أحدها : ما اسم الناظم ؟ ، ثانيها : ما نسبه ؟ ، ثالثها : ما بلده ؟ ، رابعها : ما فنونه من العلم ؟ ، خامسها : ما تواليفه ؟ ، سادسها : لأي شيء ذكر اسمه ؟ ، سابعها : لأي شيء عبّر بالماضي في موضع المستقبل ؟ فقال : قال ، مع أنه لم يقل بعدُ شيئا ، ولكن سيقوله ، ثامنها : ما مولده ؟ ، تاسعها : ما وفاته ؟ ، عاشرها : ما أحسن الكتب المصنفة في علم الرسم ؟
أما اسمه فهو : أبو عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الأموي الشريشي الشهير بالخراز(2)، قدّس الله روحه وبرّد ضريحه بمنّه .
وأما نسبه ، فقد ذكره وهو أموي النسب ، أي من بني أميّة(3).
وأما بلده ، فقد ذكره – أيضا – وهو شريش مدينة بالأندلس أعادها الله للإسلام بمنّه ، ولكن سكناه بمدينة فاس ، وكان يعلم فيها الصبيان إلى أن توفي فيها ، وقبره فيها معروف رحمة الله عليه .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(2) أضاف الناسخ في حاشية النسخة ز : " لأنه كانت صناعته الخرازة في أول عمره ، فاشتهر بذلك " .
(3) هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم أبو رويم ، ويكنى بغيرها . أحد القراء السبعة . أخذ القراءة عرضا عن
جماعة من تابعي أهل المدينة ، وروى القراءة عنه عرضا وسماعا : عيسى بن مينا قالون ، وعثمان بن سعيد
الملقب بورش ، وغيرهما . توفي سنة 169 هـ . يُنظر غاية النهاية ، 2 : 330 – 334 ، رقم 3718 .(1/59)
وأما فنونه ، فهي : علم القراءة ، والرسم ، والضبط ، واللغة العربية ، وغير ذلك من علوم القرآن ، وكان إماما مقدّما في مقرأ نافع ، وكان أدرك أشياخا جلّة أئمة في علوم القرآن وأخذ عنهم .
وأما تواليفه ، فهي : مورد الظمآن هذا ، وله – أيضا – تأليف آخر في الرسم مثل مورد الظمآن ، لكنه منثور لا منظوم(1)، وله شرح على الدرر اللوامع(2)، وله شرح على الحصرية(3)، وله عمدة البيان على الضبط(4)، وكان مفتوح البصيرة في التأليف نظمًا ونثرًا .
وأما لأيّ شيء ذكر اسمه [ فإنما ذكره ](5)تعظيما للتأليف ؛ لأن التأليف إذا جُهل مؤلّفه فهو وضيع القدر حقير الحضر ، إذ بمعرفة المؤلف يعْظم التأليف ، ولأجل هذا قال الشاعر(6):
وَمَنْ يَكْتُبُ الْكِتَابَ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَهُ كَبِنْتٍ لَهَا أُمٌ وَلَيْسَ لَهَا أَبُ
__________
(1) قال عنه ابن آجطا : " رأيته وطالعته " . التبيان ، ورقة 4 .
(2) الدرر اللوامع ، منظومة لأبي الحسن على بن محمد الرباطي الشهير بابن بري ، ( ت 731 هـ ) .
انظر : معجم المؤلفين ، 2 : 518 ، النبوغ المغربي ، 1 : 219 .
(3) الحصرية قصيدة في قراءة نافع لأبي الحسن علي بن عبد الغني القيرواني الحصري ، ( ت 468 هـ ) .
انظر غاية النهاية ، 1 : 550 .
(4) سبقت الإشارة إلى هذا التأليف ومكان وجوده في القسم الدراسي ، ص 35 .
(5) ساقطة من : " جـ " ، وفي ز : " فإنما ذكر اسمه " .
(6) لم أعثر على هذا البيت فيما رجعت إليه من مصادر .(1/60)
وأما لأيّ شيء عبّر بالماضي في موضع المستقبل ، فقال : قال ، فقيل : قال هذا بعد فراغه من التأليف ، فالمَقول على هذا حقيقة لأنه ماض لفظا ، وقيل إنما قال : قال بلفظ الماضي ، لأنه قال في نفسه ، فالمقول على هذا – أيضا – حقيقة لأنه ماض لفظا ومعنى ، لكن القول في الأول لفظي ، والقول هاهنا نفسي لا لفظي ، لأن القول يطلق على النفسي كما يطلق على اللفظي ، ومنه قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ }(1). واختُلف في إطلاق القول على النفساني ، فقيل : حقيقة ، وقيل : مجاز . وقيل : إنما عبّر بالماضي عن المستقبل ، لقرب الوقوع لصحة عزمه عليه ، لأن قريب الوقوع كالواقع ومنه قوله تعالى : { أَتََى أَمْرُ اللّهِ }(2)وهو يوم القيامة ، لأنه قريب الوقوع في المعنى ، إلا أن هذا محقق الوقوع ، والأول مظنون الوقوع . وقيل : إنما عبّر بالماضي عن المستقبل تنبيها على قوّة رجائه ، كما تقول : إذا تقوّى رجاؤك بحصول شيء قد حصل ذلك إن شاء الله .
وقيل : إنما عبّر بالماضي عن المستقبل ، لأجل التفاؤل بحصول مقصوده .
وقيل : عبّر بالماضي عن المستقبل ، لجواز ذلك في اللغة لا لقصد معنى من المعاني ، لأن التعبير بالماضي عن المستقبل ، والتعبير بالمستقبل عن الماضي جائزان . مثال التعبير بالماضي عن المستقبل ، [ قوله تعالى : { أَتََى أَمْرُ اللّهِ } ، ومثال التعبير بالمستقبل عن الماضي ](3)، قوله تعالى : { فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِئَآءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }(4)، أي فلم قتلتموهم ؟
وأما مولده ووفاته ، فلم أقف على تحقيق ذلك ولا رأيته عند من يوثق به(5).
__________
(1) سورة المجادلة ، من الآية 8 .
(2) سورة النحل ، من الآية 1 .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) 10) سورة البقرة ، من الآية 90 .
(5) سبقت الإشارة إلى تاريخ وفاته في القسم الدراسي .(1/61)
وأما أحسن الكتب المصنفة في علم الرسم : فهو هذا الكتاب المسمى بـ"مورد الظمآن" ، لأن ناظمه أتقنه غاية الإتقان ، واختصره من كتب الأئمة المُقتدى بهم في هذا الشأن ؛ لأنه جمع فيه أربعة كتب : اثنين منظومين واثنين منثورين(1). جعله الله له دخرا ، وأثابه بالجنة أجرا بمنّّه . ثم قال :
[1] الحَمْدُ للهِ العَظيمِ المِنَنِ **** ومُرسِلِ الرُّسْلِ بِأهْدَى سَنَنِ
وفي هذا الصدر عشرون تنبيها :
لم خطب ؟ ، وهل لا يشرع في مقصوده من غير خطبة ؟ ، ولم خصّت الخطبة بالحمد دون غيره من الأذكار ؟ ، وما معنى الحمد ؟ ، وما الفرق بينه وبين الشكر ؟ وما الفرق بينه وبين المدح ؟ ، وما الفرق بينه وبين الثناء ؟ ، وما أقسامه ؟ ، وما فائدة التقسيم ؟ ، وأي المحامد أفضل ؟ ، وما حكمه ؟ ، وهل هو متلقّى من السمع أو من العقل ؟ ، وهل هو قديم أو حادث ؟ ، ولم عدل عن التعبير بالفعل إلى التعبير بالاسم ؟ ، ولم عدل عن التعبير بالتنكير إلى التعبير بالتعريف ؟ مع أن التنكير أصل والتعريف فرع ، ولم عدل عن التعبير بالإضافة إلى التعبير بالألف واللام ؟ ، ولم أضاف الحمد إلى الله دون سائر أسمائه ؟ فقال : (( الحمد لله )) ، ولم يقل : الحمد للرحمن ، أو للرحيم ، أو للسميع ، أو للبصير ، أو غير ذلك ، وما معنى اللام في قوله : (( لله )) ؟ ، وما معنى الله ؟ ، وهل هو جامد أو مشتق ؟ ، وهل هو منقول أو مرتجل ؟
أما افتتاح كتابه بالخطبة : فللاقتداء بالمصنّفين قبله ، لأنهم يبتدئون كتبهم بالخطبة فخَطَب الناظم كما خطبوا ، لجريان العادة به أول كل مُهمّ ، مما للناس فيه خوض وعليه منهم إقبال .
وأما افتتاح خطبته بالحمد دون غيره من سائر الأذكار ، فقال : (( الحمد لله )) ، ولم يقل الشكر لله ، أو المدح لله ، أو الرضى لله ، أو غير ذلك ، ففي ذلك عشرة أقوال :
__________
(1) المنظومان : العقيلة للشاطبي ، والمنصف للبلنسي ، والمنثوران : المقنع للداني ، والتنزيل لأبي داود .(1/62)
قيل : إنما بدأ كتابه بالحمد دون غيره تأدّبا بآداب الشريعة ؛ لأن الله تعالى أدّب به نبيّه - عليه السلام - ، فقال : { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَمٌ }(1).
وقيل إنما فعل ذلك : تبرّكا وتيامُنا بالذكر الجميل ، وهو : { الْحَمْدُ لِلَّهِ } ؛ لقوله - عليه السلام - : (( ما من أحد أحب من الله في المدحة ولذلك حمد نفسه ))(2).
وقال – أيضا – : (( أولى الناس بالله وأولاهم بما عنده المكثر من حمده ))(3). ويروى (( أولى الناس بالله وأولاهم بما عنده حامده على السرّاء والضرّاء )) .
فإذا كان الحمد من الله بهذه المنزلة ، فلم لا يجب الافتتاح به عند المهمّات وحلول الملمّات ؟
وقيل افتتح كتابه بالحمد : اقتداء بكتاب الله تعالى ؛ لأنه مفتتح بالحمد لله .
وقيل : اقتداء بسائر الكتب المنزلة ، إذ ما من كتاب نزل إلا وفي أوله الحمد لله ، قالوا : أول التوراة أول سورة الأنعام ، وهو قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ } إلى قوله : { تََمْتََرُونَ }(4)، وآخره خاتمة هود وهي قوله : { وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }(5)إلى آخرها ، وقيل آخرها : خاتمة بني إسراءيل وهي قوله تعالى : { قُلُ ا دْعُواْ اللَّهَ أَوُ ا دْعُواْ الرَّحْمَانَ }(6)إلى آخرها
__________
(1) سورة النمل ، من الآية 61 .
(2) أخرجه البخاري بلفظ : " عن عبد الله - رضي الله عنه - قال : لا أحد أغير من الله ، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها
وما بطن ، ولا شيء أحبّ إليه المدحُ من الله ، ولذلك مدح نفسه " .
صحيح البخاري ، تخريج وضبط وتنسيق الحواشي : صدقي العطار ، كتاب التفسير ، باب ولا تقربوا
الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، 3 : 178 ، حديث 4634 .
(3) لم أعثر على هذا الحديث .
(4) سورة الأنعام ، الآية 1 .
(5) سورة هود ، من الآية 122 . وفي ز : " وآخر التوراة خاتمة هود .
(6) سورة الإسراء ، من الآية 109 .(1/63)
وقيل : اقتداء بالنبي - عليه السلام - في خطبه ومواعظه ورسائله .
وقيل اقتداء [بأهل](1)الجنة عند دخولهم الجنة ، [لأنهم](2)يقولون : { الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي هَدَ انَا لِهَاذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَ انَا اللّهُ }(3)، ويقولون : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ }(4).
وقيل : اقتداء بالمصلين عند دخولهم الصلاة .
وقيل إنما بدأ بالحمد : توطئة للدعاء في قوله بعد(5): (( ملتمسا في كل ما أروم عون الإله فهو الكريم )) ؛ لقوله - عليه السلام - )) من بدأ بالثناء قبل الدعاء استجيب له ، ومن بدأ بالدعاء قبل الثناء فهو على الرجاء والخوف ))(6).
وقيل : بدأ بالحمد توطئة لقضاء حاجته ؛ لأن الإنسان إذا أراد حاجته يثني على المولى أوّلا ، ثم يطلب حاجته .
وقيل إنما بدأ كتابه بالحمد : رجاء للتمام وخوفا من النقصان ، لقوله - عليه السلام - : ((كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد فهو أقطع أو أجدع أو أجذم أو أخذج أو أبتر ))(7)
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) ساقطة من : " ز " .
(3) سورة الأعراف ، من الآية 42 .
(4) سورة فاطر ، الآية 34 .
(5) تنبيه العطشان ، ص 208 .
(6) 10) روى الأعمش عن إبراهيم ، قال : " كان يقال إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء استجيب ، وإذا بدأ بالدعاء
قبل الثناء كان على الرجاء " .
فتح الباري لأحمد بن حجر العسقلاني ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، ومحب الدين الخطيب ،
11 : 147 ، دار المعرفة ، بيروت ، 1379 هـ .
(7) أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة بلفظ : " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح
بذكر الله عز وجل فهو أبتر أو قال أقطع " .
مسند الإمام أحمد ، 2 : 359 ، حديث 8697 . وأخرجه ابن ماجه ، 1 : 610 ، دار الفكر العربي ،
بيروت .(1/64)
على اختلاف الأحاديث ، ومعاني هذه الألفاظ متقاربة ، فهي راجعة إلى معنى القطع والنقصان . قوله : أقطع ، أي مقطوع الشرف ، أي ناقص الشرف ، وقوله : أجدع أي مقطوع الشرف وناقصه – أيضا – ، لأنك تقول : جدعت أنفه ، أي قطعته ، وقوله : أجذم ، أي مقطوع الشرف أي ناقص الشرف ، ومنه قولهم : " سيف جذماء" ، أي قاطعة ، ومنه قولهم – أيضا – : " جذمت يداه " أي قطعت(1)، ومنه قوله - عليه السلام - : (( من قرأ القرآن وتلف له لقي الله عز وجل أجذم ))(2)، أي مقطوع الحجة(3)، ومنه قول أبي القاسم الشاطبي(4)– رحمه الله – :
وما ليس مبدوءا به أجذم العلا(5)
__________
(1) زاد في جـ : " يداه " .
(2) أخرجه أحمد عن سعد بن عبادة بلفظ : " .... وما من أحد يتعلم القرآن ، ثم نسيه إلا لقي الله عز وجل أجذم "
مسند أحمد ، 5 : 284 ، حديث 22509 .
(3) زاد في جـ ، ز : " وناقص المنزلة " .
(4) هو الإمام أبو القاسم بن فيرّه بن خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي الأندلسي . ولد سنة 538 هـ بشاطبة من
قرى الأندلس ، وأخذ القراءات عن الإمام أبي الحسن علي بن هذيل على الإمام أبي داود سليمان بن نجاح
عن الإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني مصنف كتاب التيسير . من أشهر مؤلفاته : "حرز الأماني
ووجه التهاني" ، وهي قصيدة مشهورة في القراءات ، ولها شروح كثيرة من أحسنها وأدقها : شرح الشيخ
إبراهيم الجعبري المسمى : بـ " كنز المعاني " ، وهو شرح مفيد ومشهور . توفي سنة 590 هـ .
انظر : غاية النهاية ، 2 : 20 – 23 ، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لجمال الدين يوسف بن
تغرى بردي ، 6 : 136 ، دار النشر المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر ، مصر .
(5) هذا البيت من بحر الطويل ، وهو للشاطبي في قصيدته المسماة : حرز الأماني ووجه التهاني " ، وصدره :
" وثلثت أن الحمد لله دائما " . إرشاد المريد إلى مقصود القصيد ، لعلي محمد الضباع ، ص 7 .(1/65)
أي ناقص الشرف والمنزلة والرفعة ، وقوله : أخدج ، أي مقطوع التمام ناقص الشرف – أيضا – ، ومنه قوله - عليه السلام - : (( كل ركعة أو كل صلاة لم يُقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ))(1)أي ناقصة التمام ومقطوعة التمام ، وقوله في اللفظ الآخر أبتر ، أي مقطوع الشرف وناقص الشرف ، ومنه قوله تعالى : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ }(2)، أي هو الأقطع ، وذلك أن أبا جهل(3)لعنه الله يقول : إن محمدا - عليه السلام - تنقطع أوامره بموته ، إذ لم يترك ولدا ، فأخبر الله - عز وجل - أن هذا هو الأبتر(4)، لأن كفره ينقطع بموته .
وأما معنى الحمد ، فللمتكلمين فيه حدود وكلام فيه مقبول ومردود ، وذكروا في حقيقته عشرين قولا :- قيل : الحمد هو الثناء ، وقيل : الثناء الحسن ، وقيل الثناء الكامل ، وقيل : الثناء الحسن والذكر الجميل ، وقيل : الثناء على المحمود بجميع المحامد الحسنة ، وقيل : الثناء على المحمود بصفاته المحمودة ، وقيل : الثناء على المحمود بصفاته المحمودة شرعا ، وقيل : الثناء على المحمود بصفات الكمال ومحاسن الأمور من الأقوال والأفعال ، وقيل : هو الشكر . قاله الطبري(5)،
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه ، 1: 274 ، رقم "840" ، عن عائشة ، وبآخره "--- بأم الكتاب فهي خداج " ،
وأخرجه الدارمي ، تحقيق : فواز أحمد ، وخالد السبع ،1: 283 ، ط1 ، دار الكتاب العربي ، بيروت .
(2) سورة الكوثر ، الآية 3 .
(3) هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي ، أشد عداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في صدر الإسلام ، وأحد سادة
قريش وأبطالها . انظر : الطبقات الكبرى لمحمد بن سعيد الزهري ، 5 : 444 ، دار صادر ، بيروت .
(4) 10) في ز : " أن قائل هذا هو الأبتر " .
(5) انظر تفسير الطبري ، 1 : 59 ، دار الفكر ، بيروت .
والطبري : هو محمد بن جرير بن يزيد ، الإمام أبو جعفر الطبري ، البغدادي أحد الأعلام ، وصاحب
التفسير والتاريخ ، ولد سنة 224 هـ ، من أهم مؤلفاته : "جامع البيان في تفسير القرآن" ، "تاريخ الطبري"
توفي سنة 310 هـ . انظر غاية النهاية ، 2 : 106 – 108 ، الأعلام ، 6 : 96 .(1/66)
وقيل : هو المدح ، وقيل : هو الرضي . قاله سيف الدين(1)، وقيل : ما يناقض الذم . قاله إسماعيل بن أحمد صاحب تاج اللغة في كتاب الصحاح(2)، وقيل : إشاعة الجميل وإظهاره بالقول ، وقيل : الثناء بذكر أوصاف الكمال والإجلال والإنعام والإفضال . قاله أبو علي ناصر الدين(3)، وقيل : الشكر الكامل والثناء الجميل ، وقيل : ذكر مجيد مطرب عن سماعه ، صادر عن رضى النفس وصفاء القلب ، وقيل : ما أرضى به المسخوط وحلّ بسببه المربوط ، وقيل : ما هزّ به العطاف وانجر به الانعطاف ، وقيل : ذكر المحمود بما فيه من خصال السؤدد(4)
__________
(1) لم أجد له ترجمة .
(2) ورد " إسماعيل بن أحمد " في جميع النسخ الموجودة لدي ، ولعل الصواب هو : " إسماعيل بن حماد "
كما في ترجمته : إسماعيل بن حماد الجوهري ، أبو نصر ، أول من حاول الطيران ، ومات في سبيله .
لغوي ، أديب ، من أشهر كتبه " الصحاح " ، وله كتاب العروض ، ومقدمة في النحو .
انظر بغية الوعاة ، 1 : 446 . وانظر قوله في تاج اللغة ، تحقيق : أحمد عبد الغفور عطا ، 2 : 466 ،
مادة " حمد " ، ط4 ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1987 م .
(3) هو أبو علي ناصر الدين منصور بن أحمد بن عبد الحق الزواوي المشدالي ، الإمام العالم الحافظ ، رحل
صغيرا مع أبيه للشرق . روى عن ابن الحاجب وأخذ عنه أبو منصور الزواوي وغيره . توفي سنة 731هـ .
انظر شجرة انور الزكية ، 1 : 312 ، رقم 796 .
(4) السؤؤد معناه : السيادة ، أي بما فيه من خصال السيادة .
انظر القاموس المحيط ، ص 263 ، " سود " .(1/67)
حقا ، وقيل : الثناء على المحمود بما فيه من المدح . وأما الفرق بينه وبين الشكر ، ففيه خمسة أقوال : قيل : هما مترادفان ، فالحمد هو الشكر والشكر هو الحمد ، قاله الطبري(1)، وقيل : هما متباينان . قاله ابن عطية(2). ...
فالحمد : هو الثناء على المحمود بما فيه من الأوصاف الجميلة ، كالعلم والصبر والحياء والشجاعة . والشكر : هو الثناء على المشكور بما فيه من الإحسان والإنعام لغيره ، وحرّر بعضهم الفرق بينهما ، فقال : الحمد هو الثناء على المحمود بما فيه من المدح ، والشكر : هو الثناء على المشكور بما أوْلاك من المنح .
فالحمد على هذا القول : من صفات الذات ، والشكر : من صفات الفعل .
وقيل : الحمد أعم من الشكر ، قاله أبو القاسم الزمخشري(3)؛
__________
(1) انظر تفسير الطبري ، 1 : 60 .
(2) قال ابن عطية : " ذهب الطبري إلى أن الحمد والشكر بمعنى واحد ، وذلك غير مرضي ، وحُكي عن بعض
الناس : أن الشكر ثناء على الله بأفعاله وإنعامه ، والحمد ثناء بأوصافه ..... " ثم قال : " وهذا أصح من أنهما
بمعنى واحد . انظر المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، للقاضي ابن عطية الأندلسي ، تحقيق
عبد السلام عبد الشافي ، 1 : 66 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2001 م .
وابن عطية : هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحيم بن عطية الغرناطي ، أبو محمد ، ولد سنة 481 هـ ،
وكان فقيها جليلا ، عارفا بالأحكام والحديث والتفسير . ولي القضاء بمدينة المرية ، وكان غاية في الذكاء .
ألف كتابه المسمى المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز . توفي سنة 546 هـ .
انظر : الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب لابن فرحون ، دراسة وتحقيق مأمون الجنان ، ص275 ،
ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1996 م .
(3) هو محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الزمخشري ، أبو القاسم ، كان واسع العلم ، كثير الفضل ، معتزلاً
قويّا في مذهبه ، ولد سنة 497 هـ ، أخذ الأدب عن أبي الحسن علي بن المظفر النيسابوري ، وغيره ، ولقّب
بجار الله . من مؤلفاته : "الكشاف في التفسير" ، "الفائق في غريب الحديث" . توفي سنة 538 هـ .
انظر : بغية الوعاة ، 2 : 279 ، 280 ، رقم 1977 .
وانظر قوله في الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل ، تحقيق : عادل عبد الموجود ، علي معوض ،
1 : 111 ، ط1 ، مكتبة العبيكان ، 1998 م .(1/68)
لأن الحمد يكون على السرّاء والضرّاء ، ويكون على مقابل النعمة وعلى غير مقابل النعمة ، والشكر
يكون على السرّاء دون الضرّاء ، لقوله : { لَن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }(1)، والشكر يكون – أيضا – على مقابل النعمة ولا يكون على غير مقابل النعمة ، فتقول على هذا القول : "حمدت فلانا لعلمه أو لشجاعته" ، "وحمدته على ما أوْلاني من الإحسان" ، وتقول : "شكرت فلانا على ما أوْلاني من الإحسان" ، ولا تقول شكرت فلانا لعلمه أو لشجاعته ، وتقول : "حمدت الله [تعالى](2)على كل حال على السرّاء والضرّاء" ، وتقول : " شكرت الله تعالى على السرّاء" ولا تقول شكرت الله تعالى على الضرّاء .
وقيل : الشكر أعم من الحمد ؛ لأن الحمد لا يكون إلا بشيء واحد ، وهو القول .
مثاله قوله تعالى : { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَمٌ }(3)، وقوله : { وَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }(4). وأما الشكر ، فيكون بثلاثة أشياء : يكون بالقول وبالفعل وبالاعتقاد(5). مثال كونه بالقول ، قوله تعالى : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }(6)، وقوله - عليه السلام - : (( التحدث بالنعمة شكر ))(7). ومثال كونه بالفعل ،
__________
(1) سورة إبراهيم ، من الآية 9 . وفي جـ : " لقوله تعالى " .
(2) ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(3) سورة النمل ، من الآية 61 .
(4) سورة يونس ، من الآية 10 .
(5) في جـ : " أو بالفعل أو بالاعتقاد " .
(6) سورة الضحى ، الآية 11 .
(7) أخرجه أحمد عن النعمان بن بشير بلفظ : "التحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر ، ومن لا يشكر القليل لا يشكر
الكثير ، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله والجماعة بركة والفرقة عذاب" وعن قتادة : "من شكر النعمة
إفشاؤها" . مسند أحمد ، 4 : 278 ، كشف الخفاء ومزيل الإلباس لإسماعيل العجلوني ، تحقيق أحمد
القلاش ، 1 : 354 ، ط4 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت .(1/69)
قوله تعالى : { اعْمَلُواْ ءَالَ دَاوُودَ شُكْرًا }(1)أي عملا صالحا ، وقوله تعالى : { لَن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } ، وقوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(2)، أي تمتثلون .
وقوله - عليه السلام - : (( أفلا أكون عبدا شكورا ))(3)، أي ممتثلا ، ومنه قول أبي محمد(4)في جامع الرسالة : " ويشكر فضله عليه بالأعمال بفرائضه " .
ومثال كونه بالاعتقاد ، قوله تعالى : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ }(5).
ومثال كون الشكر بالثلاثة – أعني القول والفعل والاعتقاد – ، قول الشاعر(6):
أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ منّي ثَلاَثَةًً يَدي وَلسَاني وَالضَّميرَ الْمُحَجَّبَا
__________
(1) سورة سبأ ، من الآية 13 .
(2) 10) سورة المائدة ، من الآية 21 ، وغيرها . وتعالى ساقطة من : " ز " .
(3) أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب التهجد ، باب قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ترم قدماه ، 1 : 267 ،
حديث 1130 ، وأخرجه مسلم في صحيحه ، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة ، 4 : 2171 ،
حديث 2819 ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
(4) هو أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني ، من مشاهير فقهاء المالكية ، أحد الفضلاء ، ولد سنة 310 هـ
من مؤلفاته : "الرسالة" ، و"النوادر والزيادات على المدونة" ، و"إعجاز القرآن" . توفي سنة 386 هـ .
انظر : الديباج ، ص 222 .
وانظر قوله في الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني ، جمع : صالح الأزهري
ص 389 ، ط1 ، المكتبة العصرية ، بيروت ، 2000 م . وفي ز : " ومنه قول الشيخ أبي محمد ..... " .
(5) سورة النحل ، من الآية 53 .
(6) هذا البيت من بحر الطويل ، وهو من شواهد أبي الفتح الأبشيهي ، ولم ينسبه لأحد .
المستطرف في كل فن مستظرف ، حققه وقدم له سعد محمد ، ص 255 ، مكتبة الصفا ، القاهرة ، 2005 م .(1/70)
ومعنى قولهم الشكر بالقول : أن تشكر الله بلسانك ، كقولك : " الشكر لله " ، ومعنى قولهم الشكر بالفعل : أن تمتثل الأمر وتجتنب النهي ، ومعنى قولهم الشكر بالقلب : أن تعتقد [أن](1)النعمة من الله تعالى ، وأنه المالك لها والمنعِم بها .
القول الخامس : أن الحمد والشكر كل واحد منهما أعمّ من وجه وأخصّ من وجه ، بيان العموم في الحمد : أن الحمد يكون على السرّاء والضرّاء ، بخلاف الشكر فلا يكون إلا على السرّاء ، وأن الحمد يكون – أيضا – في مقابل النعمة(2)، بخلاف الشكر فلا يكون إلا في مقابل النعمة .
وبيان الخصوص في الحمد : أنه لا يكون إلاّ بالقول ، بخلاف الشكر فإنه يكون بالثلاثة(3): [القول والفعل والاعتقاد] .
وبيان العموم في الشكر : أن الشكر يكون بثلاثة(4)أشياء : القول والفعل والاعتقاد بخلاف الحمد فإنه لا يكون إلا بالقول . وبيان الخصوص في الشكر : أن الشكر لا يكون إلا على السرّاء ، بخلاف الحمد فإنه يكون على السرّاء والضرّاء ، والشكر – أيضا – لا يكون إلا في مقابل النعمة ، بخلاف الحمد فإنه يكون في مقابل النعمة وفي غير مقابل النعمة(5).
وأما الفرق بين الحمد والمدح ، ففيه قولان : قيل هما مترادفان ، فالحمد هو المدح والمدح هو الحمد ، ولا فرق بينهما إلا تقديم بعض الحروف وتأخيرها ، كالجَبْذ والجَذْب(6).
__________
(1) ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(2) زاد في جـ : " وفي غير مقابل النعمة " ، وفي ز : " وفي غير مقابلها " .
(3) في جـ : " بثلاثة أشياء "، وما بين المعقوفين سقط من ز ، وفيه : " المتقدمة " .
(4) في جـ : " في ثلاثة أشياء " .
(5) في ز : " وفي غير مقابلها " .
(6) وهما بمعنى واحد ، وهو : مدّك الشيء ، والجبذ لغة تميم .
انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة " جذب " ، 1 : 258 .(1/71)
وقيل : المدح أعم من الحمد ؛ لأن المدح يكون بأوصاف موجودة وبأوصاف معدومة ، بخلاف الحمد فإنه لا يكون إلا بأوصاف موجودة ، دليل هذا قوله - عليه السلام - : ((احثوا التراب في وجوه المداحين ))(1)، أي خيبوهم من العطاء ، لأنهم إلى الكذب أقرب ، ولم يروَ عنه قط أنه حثّ التراب في وجوه من مدحه ، لأن أوصافه متحققة موجودة ، بخلاف غيره فإن أوصافه متوهّمة معدومة .
وهاهنا ثلاثة ألفاظ : الحمد والمدح والمدهُ(2)، فلا خلاف أن المده بالهاء مبدلة من الحاء ، وإنما الخلاف فيما بينهما وبين الحمد وقد تقدّم القولان .
وأما الفرق بينه وبين الثناء ، ففيه ثلاثة أقوال :
قيل : هما مترادفان ، وهما ظاهر كلام الشيخ أبي محمد في الجنائز(3)في قوله : " يثني على الله – تبارك وتعالى – " ، يعني بالثناء : الحمد لله الذي أمات وأحيا ، الذي تقدّم أول الباب .
وقيل : الحمد أعم من الثناء ، لأن الحمد يطلق على المكرّر وعلى غير المكرّر ، بخلاف الثناء فإنه لا يطلق إلا على المكرّر ؛ لأنه مأخوذ من الثناء بالقصر ، وهو العطف ، لأنك تقول : ثنيت الشيء أثنيته ثنيا إذا عطفت بعضه على بعض ، ذلك معنى التكرار .
وقيل : الثناء أعم من الحمد ؛ لأن الثناء يكون بخير ويكون بشر، بخلاف الحمد فإنه لا يكون إلا بخير .
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه ، باب النهي عن المدح ، 4 : 2297 ، حديث 3002 ، ونصه : " عن مجاهد
عن أبي معمر ، قال : قام رجل يثني على أمير من الأمراء فجعل المقداد يحثي عليه التراب ، وقال : ثم
أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نحث في وجوه المداحين التراب " .
واخرجه ابن ماجه بلفظ مسلم في باب المدح ، 2 : 1232 ، حديث 3742 .
(2) انظر لسان العرب ، مادة " مده " ، 13 : 540 .
وفي ز : " فلا خلاف أن المده بالهاء معناه المدح ، لأن الهاء مبدلة من الحاء ...... " .
(3) انظر الثمر الداني ، ص 173 .(1/72)
والدليل على أن الثناء يكون بخير ويكون بشر ، قوله - عليه السلام - لأصحابه حين مرّّ عليهم بجنازة فأثنوا عليها بخير ، ثم مرّ عليهم بجنازة أخرى فأثنوا عليها بشر ، فقال لهم - عليه السلام - : (( أنتم شهداء الله في أرضه فمن أثنيتم عليه بخير وجبت له الجنة ، ومن أثنيتم عليه بشر وجبت له النار ))(1).
وأما أقسام الحمد ، فهي ستة أقسام(2)بيانها أن تقول : الحمد على قسمين : مطلق ومقيّد . فالمطلق لا ينقسم ، مثاله قولك : " الحمد لله على كل حال " ، ومنه قوله تعالى : { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ }(3).
والمقيّد على قسمين : مقيّد بنفي ، ومقيّد بإثبات .
فالمقيّد بنفي لا ينقسم ، مثاله قوله : " الحمد لله الذي لا شريك له " ، ومنه قوله تعالى : { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا }(4).
والمقيّد بإثبات على قسمين : إثبات وجود ، وإثبات حال .
فالوجود على قسمين : وجود فعل ووجود صفة .
مثال الفعل : " الحمد لله الخالق " و" الحمد لله الرازق " ، ومنه قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ }(5)، وقوله : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ }(6).
ومثال الصفة : " الحمد لله العالم " و " الحمد لله القادر " .
وإثبات الحال على قسمين : حال نفسيّة ، وحال معنويّة .
مثال الحال النفسيّة : " الحمد لله القديم " و " الحمد لله الباقي " .
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب الجنائز ، باب ثناء الناس على الميت ، 1 : 323 ، حديث 1367 .
وأخرجه مسلم ، باب فيمن يثني عليه بخير أو شر من الموتى ، 2 : 655 ، حديث 949 .
(2) في جـ : " فهي على ستة أقسام " .
(3) سورة النمل ، من الآية 61 .
(4) سورة الإسراء ، من الآية 110 .
(5) سورة الأنعام ، من الآية 1 .
(6) سورة الكهف ، من الآية 1 .(1/73)
ومثال الحال المعنويّة : " الحمد لله على كونه عالما " و " الحمد لله على كونه قادرا " . فإن قلت : فما هذا الحمد الذي بدأ به الناظم كتابه هذا ، من أقسام الحمد الستة المذكورة ؟
قلنا : هو الحمد المقيّد بإثبات وجود فعل .
وأما فائدة التقسيم [في الحمد إلى الأقسام المذكورة ففائدته](1): ليُعلم أي المحامد أفضل .
وأما أفضل المحامد ، ففيه خمسة أقوال :
قيل : الحمد المطلق لعمومه ؛ لأن المطلق أعمّ من المقيّد وللأعمّ مزيّة على الأخصّ . وقيل : الحمد المقيّد لكثرته في القرآن .
وقيل أفضل المحامد : " اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك "(2)قاله الشافعي(3)، لأنه - عليه السلام - كثيرا ما يقوله .
وقيل أفضل المحامد : " الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافي مزيده " ، حجّته أن آدم - عليه السلام - لما أهبط من الجنة ، قال : يا ربّ علّمني حمدا أحمدك به يجمع لي جميع المحامد ، فقال له يا آدم : قل ثلاث مرات بالغداة وثلاث مرات بالعشي : " الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافي مزيده "(4).
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من ز ، وفيه : " فهي " .
(2) نص الحديث : " اللهم أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ،وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء
عليك أنت كما أثنيت على نفسك " . أخرجه مسلم في كتاب الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود ،
1 : 352 ، حديث 486 .
(3) هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان الشافعي ، أحد الأئمة الأربعة ، وأعلم أهل وقته في الفقه والفتوى
ولد سنة 150هـ ، وانتشر مذهبه انتشار مذهب أبي حنيفة ، وله أتباع كثيرون . توفي سنة 204 هـ .
انظر : شجرة النور ، 1 : 43 ، الفهرست للنديم ، ص 291 ، الأعلام ، 6 : 26 .
(4) ضعّف هذه الرواية ابن حجر في تلخيص التحبير ، حيث قال بعد ذكره للرواية : " هذا معضل " .
انظر تلخيص التحبير لابن حجر العسقلاني ، تحقيق عبد الله هاشم المدني ، 4 : 171 ، المدينة المنورة .(1/74)
وقيل أفضل المحامد : " الحمد لله بجميع محامده كلها ما علمت منها وما لم أعلم(1)عدد خلقه كلهم ما علمت منه وما لم أعلم " ، حجّته أن رجلا حجّ ، فقال : هذا الحمد في طوافه ، ثم أراد في العام المقابل أن يقول – أيضا – فسمع هاتفا يقول له : مهلا عليك يا هذا ، لقد أتعبت الحفظة ، فإنهم يكتبون ثوابه من [العام](2)الماضي إلى الآن وتظهر فائدة الخلاف فيمن حلف ليحمدنّ الله بأفضل محامده بماذا يبرّ في يمينه ، فيبرّ عند كل قائل بما هو مذهبه .
ومن أراد أن يخرج من الخلاف ، فليحمد الله بجميع الأقوال الخمسة المذكورة .
فإن قلت : هل يؤخذ من كلام الناظم أن أفضل المحامد عنده الحمد المقيّد ، لأنه بدأ به كتابه وختمه به في قوله(3): (( قد انتهى والحمد لله على ما منّ من إنعامه وأكملا )) ؟
قلنا : لا يؤخذ منه شيء ، وإنما حمد الله على حسب ما يليق بكل موضع .
وأما حكم الحمد : فهو واجب ، والدليل على وجوبه : الكتاب والسنة والإجماع .
فالكتاب قوله تعالى : { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَمٌ } ، وقوله : { وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }(4)، وقوله : { وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }(5)، وقوله : { مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنتُمْ }(6)، وقوله : { لَن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }(7)، وقوله : { أَنُ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ }(8).
__________
(1) زاد في ز : " على جميع نعمه كلها ما علمت منها وما لم أعلم " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) انظر متن مورد الظمآن ، ص 41 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 151 .
(5) سورة آل عمران ، من الآية 144 .
(6) سورة النساء ، من الآية 146 .
(7) سورة إبراهيم ، من الآية 9 .
(8) سورة لقمان ، من الآية 13 .(1/75)
ومن السنة ، قوله - عليه السلام - : (( أفلا أكون عبدا شكورا ))(1)، وقوله : (( للطاعم الشاكر ما للصائم الصابر ))(2).
وقوله : (( النعمة وحشيّة فقيّدوها بالشكر ))(3)، وقوله : (( ينادي مناد يوم القيامة ألا لِيَقم الحامدون ، فتقوم زمرة فينصب لهم لواء ، فيدخلون الجنة ، قيل له ومن الحامدون يا رسول الله ، فقال : الذين يشكرون الله تعالى على كل حال ))(4).
ورُوي أن أول ما كتب في اللوح المحفوظ : (( أنا الله لا إله غيري من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر نعمائي فليطلب إلها سوائي ))(5).
والإجماع منعقد على وجوب حمد الله – تبارك وتعالى – ، الحمد لله على كل حال كما يجب الحمد له .
وأما هل هو متلقى من السمع أو من العقل ، فوجوب الحمد ثابت بالدليل السمعي الذي تقدّم من الكتاب والسنة والإجماع لا بالدليل العقلي ؛ لأن العقل لا يحسن ولا يقبح عند جميع أهل السنة .
__________
(1) 10) سبق تخريج الحديث في ص 9 .
(2) 11) أخرجه أحمد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " ثم للطاعم الشاكر ما للصائم الصابر " ،
وأخرجه النيسابوري باختلاف قليل في اللفظ .
مسند أحمد ، 2 : 289 ، حديث 7876 ، المستدرك على الصحيحين ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ،
4 : 151 ، حديث 7195 ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
(3) ذكره المناوي في فيض القدير ، 5 : 456 ، ط1 ، المكتبة التجارية الكبرى ، مصر ، 1356 هـ .
(4) هذا الحديث أورده الغزالي في إحياء علوم الدين ، وبذيله كتاب المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في
تخريج ما في الأحياء من الأخبار ، للعلامة زين الدين عبد الرحيم العراقي ، 4 : 86 ، الدار اللبنانية .
(5) قال الهيثمي : " فيه سعيد بن زياد بن هند " ، وهو متروك .
مجمع الزوائد لعلي الهيثمي ، 7 : 207 ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، فيض القدير ، 4 : 470 .(1/76)
وأما هل الحمد قديم أو حادث ؟ فإن قلت : قديم فقد أخطأت ، وإن قلت : حادث فقد أخطأت – أيضا – ، وإنما يقال : حمدا لله – تعالى – لنفسه ولمن أثنى عليه من عباده قديم ؛ لأن حمده كلامه ، وكلامه قديم ، وحمد المخلوق لخالقه – تعالى – أو لمخلوق مثله حادث ، لأن حمده كلامه ، وكلامه حادث .
وأما لم عدل عن التعبير بالفعل إلى التعبير بالاسم ، فقال : (( الحمد )) ، ولم يقل أحمد أو نحمد ؟
فإنما فعل ذلك بثلاثة(1)أوجه :
أحدها : اقتداء بكتاب الله تعالى .
والثاني : أن التعبير بالفعل يقتضي تخصيص الحمد بالزمان ، بخلاف الاسم فإنه لا يقتضي زمانا دون زمان ، فإنه مطلق في كل زمان .
الوجه الثالث : أن التعبير بالفعل يقتضي تخصيص الحمد بالمتكلّم به دون غيره ، بخلاف الاسم فإنه لا يختص بالمتكلّم به دون غيره ، بل يقتضي الحمد لله مطلقا على كل حال من الحامد ومن غيره .
وأما لم عدل عن التعبير بالتنكير إلى التعبير بالتعريف ، فقال : (( الحمد )) ولم يقل حمدا لله ، مع أن التنكير أصل والتعريف فرع ، والتعبير بالأصل أولى من التعبير بالفرع ؟
فإنما فعل ذلك لوجهين(2):
أحدهما : إتباعا لكتاب الله - عز وجل - .
__________
(1) في جـ : " لثلاثة " ، ولعله هو الصواب .
(2) زاد في ز : " أحدهما إتباعا لكتاب الله عز وجل ، الثاني : أن التعريف عام والتنكير خاص ، فللأعم مزية
على الأخصّ ، وأما لم عدل على التعبير بالإضافة إلى التعبير بالألف واللام ، مع أن الإضافة تقتضي
التعريف أيضا فإنما فعل ذلك لوجهين ............ " .(1/77)
والثاني : أن التعريف بالألف واللام أقوى من التعريف بالإضافة ، كما هو المعروف عند النحاة ؛ لأن الألف واللام في الحمد تقتضي العموم والشمول والإحاطة والاستغراق لجميع صور الحمد ووجوهه ، إذ لا تحصى محامده جل وعلا ، وفي الألف واللام – أيضا – إشارة إلى عدد الحامدين على اختلاف لغاتهم وتباعد أماكنهم وتباين خلقهم ، { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ? }(1)، فيؤجر الإنسان بحسب ذلك إذا سرت(2)إليه النية ، وانبعثت إليه الهمّة ، إذ نيّة المؤمن أبلغ من عمله وأوسع من علمه .
وأما لم أضافه إلى الله دون سائر أسمائه ؟ ففي ذلك خمسة عشر قولا :
قيل : لأنه الاسم المعروف عند الملائكة قبل خلق آدم وذريّته .
وقيل : لأنه الاسم المعروف عند جميع الخلائق .
وقيل : لأنه الاسم الذي إذا ارتفع من الأرض قامة الساعة ، لقوله - عليه السلام - : (( لا تقام الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله ))(3).
وقيل : لأنه اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجيب ، قاله ابن حنبل(4).
__________
(1) سورة الإسراء ، من الآية 44 .
(2) في جـ : " صارت " .
(3) أخرجه الإمام مسلم وأحمد عن أنس ، بلفظ : " لا تقام الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله " .
صحيح مسلم ، باب ذهاب الإيمان آخر الزمان ، 1 : 131 ، حديث 148، المسند ، 3 : 259 ، حديث 13755
(4) هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل البغدادي ، الإمام الثقة ، الأمين ، الحافظ . ولد سنة 164 هـ ، كان
من علماء أئمة الحديث ، انتشر مذهبه بكثير من بلاد الشام . من مؤلفاته : "كتاب المسند" ، "كتاب العلل" .
توفي ببغداد سنة 241 هـ .
انظر : البداية والنهاية لابن كثير ، 10 : 325 – 343، ط4 ، منشورات مكتبة المعارف ، بيروت ، 1982م
الفهرست ، المقالة السادسة ، الفن السادس ، ص 314 ، شجرة النور الزكية ، 1 : 43 .
وفي جـ : " الرحمن بن حنبل " .(1/78)
وقيل : لأنه الاسم الذي وقع به الإعجاز ، لأنه لا يقدر أحد من الجبابرة أن يتسمى به ، لقوله تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ? سَمِيًّا }(1)، أي هل تعلم أحدا يتسمى بأسمائه ؟ أي هل تعلم لهذا الاسم مسمى غير الله ؟
وقيل : لأنه الاسم الذي يسقط به القتل عن الكفار ، لقوله - عليه السلام - : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ))(2).
وقيل : لأنه اسم لا يختل بزوال حرف منه ، فإذا أزيل منه الألف بقي : { لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ }(3)، وإذا أزيلت منه الألف واللام ، بقي : { لَّهُ? مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ }(4)، وإذا أزيلت الأخرى ، بقي : { هُوَ الأَوَّلُ وَاءَلاْخِرُ }(5).
وقيل : لأنه ينسب إليه جميع الأسماء ولا ينسب هو إلى غيره ، فتقول – مثلا – : الرحمن من أسماء الله وغير ذلك من الأسماء ، ولا تقل الله من أسماء الرحمن مثلا .
وقيل : لأنه اسم وغيره صفة .
وقيل : لأنه اسم دال على الذات الموصوفة بجميع الصفات ، وغيره اسم دال على الذات الموصوفة بصفة واحدة .
وقيل : إنما أضيف إليه لمقابلة العموم بالعموم ، أعني عموم الحمد بعموم الله ، لأن الحمد يعم جميع المحامد ، والله يعم جميع الأسماء الحسنى والصفات العُلى .
وقيل : لكثرة الدعاء واليمين بهذا الاسم دون غيره .
وقيل : اقتداء بكتاب الله جل وعلا .
وقيل : اقتداء بسائر الكتب المنزلة .
__________
(1) سورة مريم ، من الآية 64 .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، 4 : 386 ،
حديث 7284 .
وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، 1 : 51 ، حديث 20 .
(3) كما في سورة البقرة ، من الآية 283 .
(4) كما في سورة البقرة ، من الآية 106 .
(5) سورة الحديد ، من الآية 3 .(1/79)
وقيل : لاختصاص هذا الاسم بجميع الابتداءات وبجميع الانتهاءات ، لأنك تقول في جميع الابتداءات : " بسم الله " ، وتقول في جميع الانتهاءات : " الحمد لله " .
وأما معنى اللام في قوله (( لله )) ، فيصح في معناها ثلاثة معاني :
أحدها : الاختصاص ، والثاني : الاستحقاق ، والثالث : الملك .
تقدير الكلام على أن معناها الاختصاص : الحمد مختصّ لله - عز وجل - ، كقولك : "هذا أخ لزيد " ، أي مختص لزيد .
وتقديره على أن معناها الاستحقاق : الحمد مستحقّ لله - عز وجل - ، كقولك : "اللجام للفرس " ، أي مستحق للفرس .
وتقديره على أن معناها الملك : الحمد مملوك لله - عز وجل - ، إذ هو المالك لجميع الأشياء(1)، كقولك : " الدار لزيد " ، أي مملوكة لزيد .
وأما معنى الله : فهو الظاهر بالربوبية بالدلائل(2)المحتجبة عن جهة التكييف عن الأوهام .
وقيل معناه : المعبود بحقّ .
وقيل معناه : المتصف بصفات الكمال المنزّه عن صفات النقص .
وأما هل هو جامد أو مشتق ؟ ، ففيه قولان : [ مذهب جمهور النحاة أنه مشتق ](3)ومذهب جمهور الفقهاء(4)أنه جامد ليس فيه معنى صفة أصلا كسائر الأعلام الجوامد .
وأما هل هو منقول أو مرتجل ؟ ، ففيه قولان – أيضا – : مذهب جمهور النحاة أنه منقول من الجنسية إلى الاختصاص ، وهو منقول من ((أله)) ، لأن ((إلها)) جنس يقع على كل معبود عبد بحق أو بباطل ، لقوله تعالى : { اجْعَل لَّنَا إِ لَهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ }(5)، ثم دخل عليه الألف واللام ، فصار اسما علما خاصا بالبارئ جلّ وعلا
__________
(1) في جـ : " مالك بجميع الأشياء " .
(2) في جـ : " بالدليل " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) منهم الشافعي والخطابي والغزالي وغيرهم . انظر تفسير ابن كثير ، 1 : 20 ، دار الفكر ، بيروت .
(5) سورة الأعراف ، من الآية 138 .(1/80)
قال بعض الفقهاء ناكثا على هذا القول : هذا مليح وليس بصحيح ؛ لأنه ردّ الفرع أصلا معا(1)، والأصل فرعا مع أنه محجوج بالجماعة من أهل التأويل والصناعة .
ومذهب جمهور الفقهاء : أنه اسم مرتجل علَم غير مسبوق باسم آخر ينقل عنه .
قال بعض الفقهاء : " الله " اسم علم ليس بمنقول ولا مشتق على الصحيح من القول ، وهو قول أهل التأويل وأهل المعرفة بأسرار التنزيل .
هذا ما يتعلق بقوله : (( الحمد لله )) .
قوله : (( العظيم المنن )) ، معناه : الكثير المنن ، أي الكثير العطايا والهدايا ؛ لأن المنن : هي العطايا وهو جمع ومفرده منّة ؛ لأنك تقول في المفرد منّة ، وتقول في الجمع منن ، كما تقول : ملّة وملل ، وعلّة وعلل ، وفتنة وفتن ، ونحلة ونحل ، ومنحة ومنح ، وسدرة وسدر ، وقربة وقرب ، وغير ذلك ؛ لأن : (( فِعلة )) بكسر الفاء وسكون العين يجمع على : (( فِعَل )) بكسر الفاء وفتح العين قياسا .
وقوله(2): (( العظيم )) هو نعت (( لله )) في اللفظ ، وهو في المعنى نعت ((للمنن)) تقدير الكلام : الحمد لله ذي المنن العظيمة ، أي صاحب العطايا والهدايا الكثيرة .
فقوله : (( العظيم )) نعت جار على غير من هو له ؛ لأنه جار على الله في اللفظ وهو في الحقيقة للمنن ، تقدير الكلام : الحمد لله العظيمة مننه .
فقوله : (( المنن )) هو في الحقيقة فاعل .
فقوله : (( العظيم )) اسم فاعل يقدّر بالفعل الذي أخذ منه ، والألف واللام فيه موصولة بمعنى الذي ، تقدير الكلام : الحمد لله الذي عظمت مننه .
__________
(1) في جـ : " مع أنه مقتدى " .
(2) في ز : " قوله " .(1/81)
ومثال قوله : (( العظيم المنن )) ، قولك : " مررت بالرجل الحسن الوجه " ، فقولك : " الحسن " وصف جار على غير من هو له ؛ لأنه جار على الرجل في اللفظ ، وهو في الحقيقة وصف للوجه ؛ لأن تقديره : مررت بالرجل ذي الوجه الحسن ، ولكن لما حذف "ذي" من الكلام جرى الوصف على غير من هو له ، فصار"مررت بالرجل الحسن الوجه" ، فالوجه في الحقيقة هو فاعل بقولك الحسن ؛ لأن اسم الفاعل يعمل عمل الفعل ؛ لأن تقديره : مررت بالرجل الذي حسن وجهه ، كقولك : " مررت برجل ضاحكة أمه " ، " ومررت برجل جميلة أخته " ، فضاحكة وجميلة في المثالين نعت جار على غير من هو له ، وما بعده فاعل به ، تقديره : ضحكت أمه ، وجملت أخته .
فإن قلت : لم أدخل الناظم الألف واللام في المضاف في قوله : (( العظيم المنن )) مع أن الألف واللام لا تجتمع مع الإضافة ؟
قلنا : يجوز دخول الألف واللام هاهنا في المضاف ؛ لأن إضافته غير محضة ، أي غير خالصة للإضافة ؛ لأن المضاف هنا أصله النعت كما تقدّم تقديره ، والمضاف هاهنا أصله الرفع ؛ لأنه فاعل في الأصل ، كما تقدّم لنا تقديره .
وقوله(1): (( المنن )) ، معناه : العطايا ؛ لأن المنّ يطلق على ثلاثة معانٍ :
أحدها : الإعطاء ، ومنه قوله تعالى : { هَاذَا عَطَآؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }(2)، أي فاعط يا سليمان أو أمسك بغير حساب عليك في الإعطاء و لا في الإمساك ، وقوله تعالى : { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ }(3)، أي ولا تعط يا محمد عطية فتعطى أكثر منها ، وهذا مخصوص به - عليه السلام - ؛ لأنه مأمور بأجل الأخلاق وأعظمها .
__________
(1) في جـ : " قوله " .
(2) سورة ص ، الآية 38 .
(3) سورة المدثر ، الآية 6 .(1/82)
والمعنى الثاني : الإنعام والإفضال ، ومنه قوله تعالى : { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ }(1)، أي تفضلنا وأنعمنا عليهما بالنبوءة والرسالة ، وقوله تعالى : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }(2)، أي أنعم عليهم وتفضل عليهم .
والمعنى الثالث : تعداد النعمة على المنعم عليه ، وهو أمر مذموم وفاعله من الثواب محروم ، ومنه قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى }(3).
فالمنّ معناه : تعداد النعمة على المنعَم عليه ، نحو أن يقول المنعِم للمنعَم عليه : ألم أحسن إليك ؟ ألم أطعمك ؟ ألم أنفق عليك؟ أو يقول : ألم أنفق على فلان ؟ أو ألم أفعل معه خيرا؟ ، وما في معنى هذا . وهذا معنى المنّ في هذه الآية .
ومعنى الأذى : قيل : أن يزجره ، وقيل : أن يذكر إحسانه لمن لا يريد المنعم عليه أن يعلمه . والمن والأذى من مبطلات الصدقات وكلاهما مذمومان ؛ لأن ذلك يبطل على المنعم فعله ، ويكدر على المنعم عليه حاله .
أنشد أبو حنيفة(4) - رضي الله عنه - في هذا :
عَطَاءُ ذِي الْعَرْش ِخَيْرٌ مِنْ عَطَائِكُمُ وَسَيْبُهُ وَاسِعٌ يُرْجَى وَيُنْتَظَرُ
__________
(1) سورة الصافات ، من الآية 114 .
(2) سورة آل عمران ، من الآية 164 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 263 .
(4) هو النعمان بن ثابت التميمي بالولاء ، أصله من بلاد فارس ، ولد سنة 80 هـ ، إمام الحنفية ، الفقيه المحقق ،
أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة ، انتشر مذهبه بالكوفة والشام والعراق ، من كتبه : كتاب الفقه الأكبر ،
كتاب الرد على القدرية . توفي سنة 150 هـ .
انظر : الفهرست ، الفن الثاني من المقالة السادسة ، ص 281 ، البداية والنهاية ، 10 : 107 ، غاية النهاية ،
2 : 342 ، رقم 3745 .(1/83)
أَنْتُمْ يُكَدِّر مَا تُعْطُونَ مَنُّكُمُ وَاللهُ يُعْطِي فًلاَ مَنَّ وَلاَ كَدَرُ(1)
قوله : (( ومرسل الرسل )) هو معطوف على قوله : (( العظيم )) ، أي الحمد لله مرسل الرسل ، والرسل جمع رسول . يقال : الرسُل والرسْل بضم السين وتسكينها ، والضمّ هو الأصل والتسكين للتخفيف ، نظيره في الضمّ والإسكان في الجمع : كتب وصحف وسحب .
والرسل مفرده : رسول ، والرسول فعول بمعنى مفعول ، وهو قليل نادر في اللغة ، فمعناه المرسل .
واختلف في تسمية الرسول بالرسول على قولين :
قيل : مأخوذ من الرسل وهو التتابع شيئا فشيئا .
وقيل : مأخوذ من الإرسال وهو البعث والإنفاذ .
فمن الأول ، قولهم : " رسل اللبن " إذا تتابع ، وقولهم : " جاء القوم أرسالا " ، إذا تبع بعضهم بعضا ، ومنه قولهم : " الترسّل " وهو التمهّل في الأمر ، ومنه قولك لمن أراد أن يخرج من شيء كان فيه : " على رسلك " ، أي تتابع ما كنت فيه .
ومن المعنى الثاني الذي هو البعث [والإنفاذ : لأنه مبعوث إلى غيره ومنفذ إليه](2)
[ والإنفاذ : أرسل فلان إلى فلان بكذا ، أي بعث إليه وأنفذ إليه بكذا .
ووجه مناسبة الرسل للمعنى الأول الذي هو التتابع : أنه رسول ، لتتابع الوحي إليه ، ولأجل تتابع التبليغ إليه – أيضا – .
ووجه مناسبة الوجه الثاني الذي هو البعث والإنفاذ : لأنه مبعوث إلى غيره ومنفذ إليه ](3).
قوله : (( ومرسل الرسل )) ، أي باعث الرسل إلى العباد ، والدليل على بعث الرسل إلى العباد الكتاب والسنة والإجماع .
__________
(1) نسب السيوطي هذه الأبيات للشاعر يوسف بن محمد النحوي التوزري .
انظر بغية الوعاة ، 2 : 362 .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " ز " .
(3) ما بين القوسين المعقوفين ، مقدار أربعة أسطر ، سقط من : " جـ " .(1/84)
أما الكتاب ، فقوله تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ ?ُمَّةٍ رَّسُولاً }(1)، وقوله : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ }(2)، وقوله: { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا }(3)، وغير ذلك(4)
ومن السنة قوله - عليه السلام - : (( بعثت إلى الأحمر والأسود ))(5)قيل الأحمر : الإنس ، والأسود : الجن ، وقيل الأحمر : العجم ، والأسود العرب .
والإجماع منعقد على إرسال الرسل ، فمن أنكر ذلك فهو كافر ؛ لأنه قد خرق الإجماع .
قوله : (( بأهدى سنن )) ، أي بأرشد سنن ؛ لأن الهدى معناه الإرشاد ، هذا أصله ، ثم يطلق في الكلام على ثلاثة عشر معنىً :
يطلق على الإرشاد ، ومنه قوله تعالى : { مَنْ يَّهْدِ اللَّهُ فَهْوَ الْمُهْتَدِي }(6)، وقوله : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }(7)، ومنه قولنا : " هدانا الله" ، أي أرشدنا الله ومنه قولك : "هديت فلانا الطريق" ، أي أرشدته إليه ودللته عليه .
__________
(1) سورة النحل ، من الآية 36 .
(2) سورة الحديد ، من الآية 24 .
(3) سورة المؤمنون ، من الآية 44 .
(4) في جـ : " إلى غير ذلك " .
(5) طرف من الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده ، ونصه كاملا : " عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - ثم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : بعثت إلى الأحمر والأسود وبعثت إلى الناس عامة ، وأحلّت لي
الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، ونصرت بالرعب من مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، فأيما
رجل أدركته الصلاة فليصل حيث أدركته " . مسند أحمد ، 3 : 304 ، حديث 14303 .
وأخرجه الدارمي في سننه ، باب الغنيمة لا تحل لأحد قبلنا ، 2 : 295 ، حديث 2467 .
(6) سورة الأعراف ، من الآية 178 .
(7) سورة القصص ، من الآية 56 .(1/85)
المعنى الثاني : الدعوة ، ومنه قوله تعالى : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى }(1)، أي فدعوناهم .
والفرق بين الدعوة والإرشاد : أن الدعوة عامة والإرشاد خاص ، لقوله تعالى : { وَاللّهُ يَدْعُواْ إِلَى دَارِ السَّلَمِ وَيَهْدِي مَنْ يَّشَآءُ اِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }(2).
المعنى الثالث : البيان ، ومنه قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ }(3)أي أولم يبين لهم
المعنى الرابع : الإصلاح ومنه قوله تعالى: { وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَآ نِينَ }(4)
المعنى الخامس : التوحيد ، ومنه قوله تعالى : { وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ [ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ] }(5).
المعنى السادس : الإلهام ، ومنه قوله تعالى : { قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ? ثُمَّ هَدَى }(6)، أي ألهمه إلى ما يصلحه .
المعنى السابع : التثبيت ، ومنه قوله تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }(7)، أي ثبّتنا على الصراط المستقيم .
المعنى الثامن : السنة ، ومنه قوله تعالى : { فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ }(8).
المعنى التاسع : الرسول - عليه السلام - ، ومنه قوله تعالى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى }(9)
المعنى العاشر : القرآن ، ومنه قوله تعالى : { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُّؤْمِنُواْ إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى }(10).
__________
(1) سورة فصلت ، من الآية 16 .
(2) سورة يونس ، الآية 25 .
(3) سورة السجدة ، من الآية 26 .
(4) سورة يوسف ، من الآية 52 .
(5) سورة القصص ، من الآية 57 . وما بين المعقوفين سقط من : " ز " .
(6) سورة طه ، من الآية 49 .
(7) سورة الفاتحة ، الآية 5 .
(8) 10) سورة الأنعام ، من الآية 91 .
(9) 11) سورة البقرة ، من الآية 37 .
(10) 12) سورة الإسراء ، من الآية 94 .(1/86)
المعنى الحادي عشر : التوراة ومنه قوله تعالى: { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى }(1)
الثاني عشر : التقدّم ، ومنه قولهم : "أقبلت هوادي الخيل" إذا بدت أعناقها .
الثالث عشر : التمهّل والتمايل ، ومنه قولهم : " تهادت المرأة في مشيتها" ، إذا
تمهلت وتمايلت ، وهناك معنيان آخران ، وهما الرابع عشر والخامس عشر .
الرابع عشر : الطريق ، ومنه قول ابن مسعود(2): " إن أحسن الهدي هدي محمد - عليه السلام - " ، أي أحسن الطرق طريق محمد - عليه السلام - .
الخامس عشر : ما يُهدى إلى بيت الله الحرام ليُذبح أو يُنحر للمساكين ، ولكن هذان المعنيان الآخران يقال فيهما "الهَدْي" بفتح الهاء وسكون الدال ، بخلاف المعاني المتقدّمة ، فإنما يقال فيها "الهُدي" بضم الهاء وفتح الدال ، ويقال : "هداك الله هدياً وهداية" ، ويقال : "أهديت الهدية إلى فلان إهداء" أي أرسلتها إليه ، وأهديت الهدية إلى مكّة إهداء – أيضا – ، [و"هديت وأهديت المرأة إلى زوجها إهداء" ](3)، أي زففتها إليه .
__________
(1) 13) سورة غافر ، من الآية 53 .
(2) هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن سعد بن هذيل الهذلي - رضي الله عنه - ، كان من السابقين
الأولين ، شهد بدرا ، ولازم النبي - عليه السلام - ، أحد من جمع القرءان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأقام في الكوفة
سنوات يقرئ أهلها القرآن ، ويعلمهم الفقه . توفي بالمدينة سنة 32 هـ .
انظر : الإصابة في تمييز الصحابة ، لابن حجر العسقلاني ، 2 : 368 – 370 ، رقم 4954 ، ط1 ، دار
إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1328 هـ ، معرفة القراء الكبار ، ص 14 .
(3) ما بين المعقوفين سقط من " ز " .(1/87)
قوله : (( بأهدى سنن )) ، أي بأرشد طريق ، لأن السنن هو الطريق الذي يُمشى فيه . يقال : "السََنَن" بفتح السين والنون معا ، ويقال : بضمهما معا ، ويقال : بضم السين وفتح النون . هذه ثلاثة أضباط ذكرها أرباب اللغة .
يقال : "تنحّ عن سنن الطريق" ،[ وتنح عن سنة الطريق أي عن محجّة الطريق ، فالسنن والسنة بمعنى واحد ، وهو الطريق] والطريقة ، ومنه قوله [ تعالى] : { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }(1)، وقوله[ تعالى] : { سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا }(2)، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ))(3).
قوله : (( بأهدى سنن )) ، معناه : أرسل الله - عز وجل - الرسل بأرشد طريق ، أي بطريق الإرشاد ، أي بدين الإرشاد وهو دين الإسلام ، لقوله تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ }(4).
__________
(1) سورة النساء ، من الآية 26 . و" تعالى " ساقطة من " جـ " ، وما بين المعقوفين سقط من " ز " . .
(2) سورة الإسراء ، من الآية 77 . و" تعالى ط ساقطة من " ز ".
(3) أخرجه أبو داود والترمذي بزيادة لفظ : " المهديين " .
سنن أبي داود ، تحقيق محمد عبد المجيد ، باب لزوم السنة ، 4 : 200 ، حديث 4607 ، دار العلم
للملايين ، سنن الترمذي ، تحقيق : أحمد شاكر وآخرون ، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع ،
5 : 44 ، حديث 2626 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت . وفي جـ : " عليه السلام " .
(4) سورة آل عمران ، من الآية 19 ، وفي جـ : " لأن قوله تعالى " ، والصواب ما أثبت من الأصل .(1/88)
قوله : (( بأهدى سنن )) ، أي أرسل الرسل مصحوبين بأهدى سنن ، فالباء هاهنا للمصاحبة ، كقوله تعالى : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ? بِالْهُدَى }(1)أي مصحوبا بالهدى ، ومنه قوله تعالى – أيضا – : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بالْحَقّ ِ }(2)أي مصحوبا بالحق
واعترض قوله : (( بأهدى سنن )) بأن أهدى ((أفعل)) ، وأفعل في العربية ، إنما يستعمل بين شيئين مشتركين في الوصف إلا أن أحدهما أرجح من الآخر ، وهذا لا يصح هاهنا ، لأن طريق الرسل لا يشاركه طريق ، لأن طريق الرسل طريق تصديق وإيمان ، وطريق غيرهم طريق تكذيب وكفر ، ولا اشتراك بين الطريقين .
أجيب عن هذا بأن قيل : (( أفعل )) هاهنا ليس للمفاضلة ، فمعنى (( أفعل )) هاهنا فاعل ، كقولك : "العالم أفضل من الجاهل" و"المؤمن أفضل من الكافر" ، ومنه قولهم : "العسل أحلى من الخل" .
فقوله : (( بأهدى سنن )) ، أي بطريق راشد ، وهو من باب تقديم الصفة على الموصوف ، لأن الهدى صفة للسنن .
الإعراب : (( الحمد )) مبتدأ ، (( لله )) جار ومجرور متعلّق بالثبوت والاستقرار في موضع خبر المبتدأ ، (( العظيم )) نعت ، و (( المنن ))(3)مضاف إليه ، (( ومرسل)) عطف على (( العظيم )) ، (( الرسل )) مضاف إليه ، (( بأهدى )) جار ومجرور متعلق بحال محذوفة ، أي مصحوبين ، (( سنن )) مضاف إليه . ثم قال :
[2] ليبلّغوا الدَّعْوَةَ لِلْعِبَادِ **** وَيُوَضِّحُوا مَهَايِعَ الإرْشَادِ
__________
(1) سورة التوبة ، من الآية 33 .
(2) سورة البقرة ، من الآية 118 .
(3) في جـ : " المنن " .(1/89)
ذكر الناظم في هذا البيت : علّة الإرسال المتقدّم في البيت الذي قبله ، وهو جواب عن سؤال مقدّر ، كأنه قيل له : ما فائدة إرسال الرسل؟ ، فقال : ليبلّغوا الدعوة للعباد فاللام في قوله : (( ليبلّغوا ))(1)لام كي ، ويقال لها – أيضا – لام العلّة ، أي أرسل الله - عز وجل - الرسل كي يبلّغوا ، أي يوصلوا الدعوة إلى العباد .
ومعنى (( الدعوة )) : [أي](2)هي المطالبة بالأوامر والنواهي التي كلّف الله بها عباده ، أو تقول معناها : مطالبة العباد بعبادة المعبود ، وكلاهما بمعنى واحد ، فكأنه يقول : أرسل الله – تعالى – الرسل ليبلّغوا عن الله – تعالى – إلى عباده ما أمرهم به ونهاهم عنه .
يقال : دعاه يدعو دعوة ، إذا طالبه باتباع طريقته وإجابته إلى ما سأل(3)، فدعوة الرسل – عليهم السلام – أمَمَهم : هي طلبهم من أمَمهم اتباع طريقتهم وإجابتهم إلى ما سألوه .
فقوله : (( ليبلّغوا الدعوة للعباد )) ، أي ليوصلوا دعوة الله - عز وجل - إلى العباد التي هي أوامره ، ونواهيه ، واللام في قوله : (( للعباد )) بمعنى إلى(4).
كقوله تعالى : { سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ }(5)، أي إلى بلد ميت .
قوله : (( للعباد )) جمع عبد ، سمّي العبد عبدا ، لِتَذَلُّلِهِ وخضوعه ، كما سُمّيت(6)الطريق الجادة معبّدا لتذللّها بوطء الإقدام عليها .
__________
(1) في جـ : " ليبلّغوا الدعوة " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) انظر لسان العرب ، مادة " دعا " ، 14 : 261 .
(4) زاد في جـ , ز : " قوله تعالى : { سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } أي إلى بلد ميت ، فقوله : (( للعباد )) أراد بالعباد
هاهنا الجن والإنس ، والجن كُلّف كما كُلّف الإنس ، لقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } ".
(5) سورة هود ، من الآية 118 .
(6) في جـ : " سمي " .(1/90)
والعبد يجمع على خمسة عشر(1)جمعا :
أحدها : عباد ، كما قال الناظم نحو : كلاب .
والثاني : عبيد ، نحو : كليب .
والثالث : عُبُد ، نحو : سقف .
والرابع : أعبد ، نحو : أكلب .
الخامس : عبدان بضم العين ،نحو : طهران ، ودحلان .
السادس : عبدان بكسر العين ، نحو : جحشان .
السابع : عبدان بكسر العين والباء وتشديد الدال .
الثامن : عبدا بالقصر .
التاسع : عبداء .
العاشر : معبودا بالقصر .
الحادي عشر : معبوداء بالمد .
الثاني عشر : عبودا مثل شيوخا .
الثالث عشر : معبدة .
الرابع عشر : أعابدا .
الخامس عشر : عبدون .
قوله : (( ويوضحوا مهايع الإرشاد )) الإيضاح هو البيان . تقول : أوضحت كذا ، إذا بيّنته ، وهذا كلام واضح ، أي بيّن جليّ ظاهر ، أي فأرسل الله الرسل إلى العباد – أيضا – ليبيّنوا لهم مهايع الإرشاد . والمهايع : جمع مفرده مَهْيَع(2)، والمهيع : هو الطريق الواضح البيّن ، وهو من صفات الطريق ، وليس كل طريق مهيع .
يقال : طريق مهيع ، إذا كان واضحا(3).
قال حسّان بن ثابت الأنصاري(4) - رضي الله عنه - :
__________
(1) جاء في القاموس المحيط ، ص 268 ، أن عبد يجمع على أربعة عشر جمعا ، وهي : عبدون ، وعبيد ،
وأعبد ، وعباد ، وعبدان ، وعِبدان ، وعِبدّان ، ومعبدة ، ومعابد ، وعبداء ، وعبدي ، وعُبُد ، وعَبد ،
ومعبوداء " .
(2) انظر لسان العرب ، مادة " هيع " ، 8 : 379 .
(3) زاد في جـ : " بيّنا " .
(4) هو حسّان بن ثابت بن المنذر الأنصاري ، ويكنى أبا الوليد وأبا الحسام ، وهو من شعراء الجاهلية ، ثم كان
أغلب شعره في الإسلام لمدح النبي - عليه السلام - . انظر : الشعر والشعراء لابن قتيبة ، تحقيق : أحمد محمد
شاكر ، 1 : 305 ، ط3 ، دار الحديث ، القاهرة ، 2001 م ، وانظر هذه الأبيات في ديوانه ، تحقيق بدر
الدين حاضري ، ومحمد حمامي ، ص 130 ، ط2 ، دار الشرق العربي بيروت ، 1998 م .(1/91)
إِنَّ الصَّنِيعَةَ لاَ تَكُونُ صَنِيعَةً حَتَّى يُصَابَ بِهَا الطَّرِيقُ الْمَهْيَعُ
وَإِذَا صَنَعْتَ صَنِيعَةًً فَاقْصِدْ بِهَا اللَّهَ أَوْ فِي ذِي الْقَرَابَةِ أَوْ دَعِ
وقوله : " الطريق المهيع " ، فيه إضافة الموصوف إلى صفته كقولك : مسجد الجامع .
قوله : (( مهايع )) روي في عوضه مناهج(1).
والمناهج : جمع منهج ، وهو – أيضا – من صفات الطريق كما تقدّم في المهيع ، وهما مترادفان بمعنى واحد . يقال الطريق والمنهج والمنهاج والنهج ، أي الطريق المستمر الظاهر البيّن الواضح ، ومنه قوله تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا }(2). الشريعة والشرعة(3): هي الطريق الموصلة إلى النجاة ، والمنهاج : هو الطريق المستمر الظاهر .
__________
(1) انظر التبيان ، ورقة 5 .
(2) سورة المائدة ، من الآية 50 .
(3) تقديم وتأخير في " جـ " .(1/92)
قوله : (( الإرشاد )) ، معناه : الهدى والسداد والصلاح والفلاح ، لأن الرسل – صلوات الله تعالى عليهم – ، بيّنوا للعباد طرائق الهدى والرشاد ومنهاج الصلاح(1)والسداد ، ولا أعظم مصلحة ولا أجلّ منفعة في العاجل وفي الآجل من معرفة الطريق الموصل إلى معرفة الرب - جل جلاله - ، فبلّغوا عن ربهم وبذلوا في النصح جهدهم ، فبشروا وأنذروا وأبلغوا عن ربهم ، وما قصروا فانقطع العذر ووقعت الحجّة على الخلق بعد ذلك ؛ لقوله تعالى : { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ }(2)، [ أي مبشرين لثواب على الطاعة ومنذرين لعقاب على المعصية ، لئلا يكون للناس على الله حجّة ](3)فيقول ما أرسلت إلينا رسولا [فيتبع](4)فيعلمنا دينك يا ربنا [فنعلم](5)، ولكن أرسل الله – تعالى – الرسل إلى العباد فانقطع عذرهم وثبتت الحجّة عليهم بسبب ذلك ، وقال تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }(6)، وقال تعالى : { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ? لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءَايَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى }(7)وقوله تعالى : { مِّن قَبْلِهِ? } أي من قبل النبي - عليه السلام - ، وقيل من قبل القرآن ، وقال - عليه السلام - : (( من جاءه الإعذار فلا حظ له في الاعتذار ))(8).
قوله : (( ليبلّغوا الدعوة )) [في هذا](9)البيت ثلاثة اعتراضات :
__________
(1) في جـ : " ومناهج الصلاح " .
(2) سورة النساء ، من الآية 164 .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) سورة الإسراء ، من الآية 15 .
(7) 10) سورة طه ، الآية 133 .
(8) 11) لم أعثر على هذا الحديث .
وفي جـ : " وقال النبي - عليه السلام - " .
(9) ساقطة من : " جـ " .(1/93)
الأول : أن قوله : (( ليبلّغوا الدعوة )) يقتضي أن فائدة الرسل هي تبليغ الدعوة ، مع أن فائدة الإرسال في الحقيقة : هي قطع العذر والحجّة ، لئلا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل .
أجيب عن هذا بأن قيل : تبليغ الدعوة للعباد يستلزم قطع العذر والحجّة لهم ، فاكتفى الناظم – رحمه الله – بذكر التبليغ عن ذكر قطع العذر والحجّة ، وهذا من باب الاجتزاء بالسبب عن المسبّب ؛ لأن التبليغ سبب قطع العذر والحجّة(1).
الثاني : من جهة التَّكرار ، وذلك أن الشطر الثاني تَكرار للشطر الأول ، لأن مقتضى الشطرين واحد في المعنى ، لأن الدعوة معناها الأوامر والنواهي التي كلّف الله بها عباده(2).
أجيب عن هذا بأن قيل : الشطر الأول راجع إلى التجميل(3)، والشطر الثاني راجع إلى التفصيل ، فكأنه يقول : ليبلّغوا الدعوة إلى العباد مُجملة ثم يوضحها مفصّلة ؛ لأن الرسل – عليهم السلام – يبيّنون معنى الكتب ، فيبيّنون ما أجمل فيها ويفسّرون للعباد ما أُبهم فيها ، ويخصّصون العام ويقيّدون المطلق ، وما في معنى ذلك ، ويدلّ على هذا قوله تعالى : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }(4)، والعلماء يقولون : السنة تبيّن القرآن .
الثالث : من جهة التناقض ، وذلك أن قوله : (( ليبلّغوا الدعوة للعباد )) يقتضي أنهم بلغوا الأوامر والنواهي ؛ لأن الدعوة تشملهما .
__________
(1) تقديم وتأخير في جـ .
(2) زاد في جـ ، ز : " كما تقدّم ، ومهايع الإرشاد ، هي – أيضا – الأوامر والنواهي التي كلف الله بها عباده "
(3) في جـ : " التحقيق " ، لعل الصواب ما جاء في الأصل بناء على الكلام الذي بعده .
(4) سورة النحل ، من الآية 81 .(1/94)
وقوله : (( ويوضحوا مهايع الإرشاد )) يقتضي أنهم بيّنوا الأوامر دون النواهي وليس كذلك ، بل بيّنوا – عليهم السلام – مهايع الإرشاد ومهايع الإفساد(1)– أيضا –
الإعراب : (( ليبلّغوا )) ناصب ومنصوب ، فهو متعلق بقوله : (( ومرسل )) (( الدعوة )) مفعول ، (( للعباد )) جار ومجرور متعلق بـ (( يبلغوا )) ، (( ويوضحوا )) معطوف على (( ليبلّغوا )) ، (( مهايع )) مفعول ، (( الإرشاد )) مضاف إليه ، وقوله : (( مهايع )) هو بياء غير مهموز ، لأنها متحركة في مفرده ، لأن مفرده : ((مَهْيَعْ)) .
ثم قال :
[3] وَخَتَمَ الدَّعْوَةَ وَالنُّبُوءَةْ **** بخَيْرِ مُرْسَلٍٍ إِلَى الْبَرِيئَةْ
الفاعل بقوله : (( ختم )) هو الله – تعالى – ، أي وختم الله – تعالى – ، البيت .
والختم يطلق على معنيين : أحدهما : التمام . والثاني : الطبع .
مثال الختم بمعنى التمام ، كقولك : "ختمت القرآن" ، أي أتممته وفرغت منه ، وكقولك : "ختمت العمل" ، أي فرغت منه وأتممته وأتيت على آخره .
ومثال الختم بمعنى الطبع ، كقولك : "ختمت الكتاب" أي طبعته ، أي جعلت عليه الطابع ، ومنه قوله - عليه السلام - : (( كرم الكتاب ختمه ))(2)،
__________
(1) زاد في جـ : " فهذا تناقض . أجيب عنه بأن قيل : هذا من باب الاستغناء بأحد الضّدّين عن الآخر ، كقوله
تعالى : { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } يعني والشر ، وقوله تعالى : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } يعني والبرد ، فقول الناظم :
((ويوضحوا مهايع الإرشاد)) ، يعني ويوضحوا مهايع الإفساد – أيضا – " .
(2) أخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما في الأوسط ، وقال الهيثمي : " وفيه محمد بن مروان
السدي الصغير ، وهو متروك " .
المعجم الأوسط ، باب العين ، تحقيق : طارق بن محمد ، وعبد الحسن الحسيني ، 4 : 162 ،
حديث3872 ، دار الحرمين ، القاهرة ، 1415 هـ ، مجمع الزوائد ، 8 : 99 .(1/95)
أي طبعه ، لأن طبع الكتاب كرامة له وزينة له ، لئلا يطلع على ما فيه ، وقد قيل في قوله تعالى : { إِنِّيَ ?ُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ }(1)، أي مطبوع عليه .
والمعنيان المذكوران – أعني التمام والطبع – {صادقان}(2)في النبي - عليه السلام - فيصح فيه معنى التمام ، وذلك أن عمل الله – تبارك وتعالى – في تفضيل من فضّله بالرسالة والنبوءة ، قد أتمّه وفرغ منه بمحمد - عليه السلام - .
ويصح فيه – أيضا – معنى الطبع ، وذلك أن الله – تبارك وتعالى – طبع على الرسالة والنبوءة بمحمد - عليه السلام - ، وأقفل على باب النبوءة به - عليه السلام - ، فلا يفتح ذلك الباب لأحد بعده - عليه السلام - .
والدليل على ختم النبوءة والرسالة به - عليه السلام - : الكتاب والسنة والإجماع .
فالكتاب ، قوله تعالى : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِـ?ــِينَ }(3)، قرئ : { خَاتِمَ }(4)، بفتح التاء وكسرها .
__________
(1) سورة النمل ، من الآية 29 .
(2) ما أثبت من " جـ " ، لأنه بياض في الأصل .
(3) سورة الأحزاب ، من الآية 40 .
(4) قرأ عاصم بفتح التاء ، وقرأ الباقون بكسرها .
انظر : المبسوط في القراءات العشر لأبي بكر أحمد بن الحسين الأصفهاني ، تحقيق : سبيع حمزة حاكمي ،
ص 301 ، ط2 ، دار القبلة للثقافة الإسلامية ، جدة ، 1988م . وزاد في جـ : " بوجهين " .(1/96)
فالخاتم بالفتح : هو الطابع ، أي ختموا به - عليه السلام - ، فهو كالخاتم والطابع لهم . وبالكسر : على أنه خَتَمَهم ، أي جاء آخرهم ، ومنه قوله - عليه السلام - : (( مثلي ومثل الأنبياء قبلي مثل رجل بنى دارا وأكملها وأحسنها وترك منها موضع لبنة ، فصار يقول ما أحسنها لو تمت ، فأنا اللبنة التي تم بها بناء الأنبياء – عليهم السلام – وكمل بها جمالهم ، وأنا سيد أولاد آدم وأول الأنبياء فضلا ، وآخرهم بعثا ، قد ختم بي حديثهم ، فلا نبيّ بعدي ولا رسول ))(1).
وانعقد الإجماع على أنه - عليه السلام - آخر الأنبياء .
فإن قلت : قد انعقد الإجماع على أن نبي الله عيسى - عليه السلام - سينزل آخر الزمان ، وهو بعد النبي - عليه السلام - .
قلنا : إذا نزل يكون متبعا لشريعة محمد - عليه السلام - ولا يكون متبعا لشريعة نفسه الأولى فإنها قد نُسخت بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - (2)، ولأجل هذا قال بعض العلماء : فإذا نزل عيسى صلى مأموما تحقيقا للاتباع ، لئلا يدنس بغبار الشبهة وجهُ : لا نبيّ بعدي(3).
__________
(1) أخرجه البخاري باختلاف في اللفظ ، كتاب المناقب ، باب خاتم النبيين ، 2 : 385 ، حديث 3534 ،
وأخرجه مسلم ، بلفظ مختلف – أيضا – ، باب ذكر كونه - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين ، 4 : 1790 ، حديث 2286
(2) في جـ : " عليه السلام " .
(3) قال ابن قتيبة: " لا تناقض ولا اختلاف في هذا الحديث ، لأن المسيح - عليه السلام - نبي متقدّم رفعه الله تعالى
ثم ينزله في آخر الزمان عَلَماً للساعة ، ولا ينسخ شيئا مما أتى به محمد - صلى الله عليه وسلم - ، بل يقدّمه ويصلي خلفه " .
انظر تأويل مختلف الحديث في الرّد على أعداء أهل الحديث ، للإمام ابن قتيبة ، ص 126 ، عالم الكتب .(1/97)
قوله : (( الدعوة )) أي المطالبة وهي التي تقدّمت ، في قوله في البيت الذي قبله : (( ليبلّغوا الدعوة للعباد )) ، أي وختم الله دعوة الأنبياء للعباد إلى امتثال أوامره ونواهيه ، بمحمد - عليه السلام - .
وقوله : (( النبوءة )) ، إخبار الله – تعالى – عبدًا من عباده بالغيب وتأييده بالمعجزات الدالة على صدقه .
والنبوءة يصح في اشتقاقها معنيان :
أحدهما : أن تكون مأخوذة من النبأ الذي هو الخبر ، ومنه قوله تعالى : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّيَ أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }(1)، وقوله تعالى : { تِلْكَ مِنْ أَنبَآءِ الْغَيْبِ }(2)، وقوله تعالى : { نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ? }(3)، وقوله تعالى : { فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ? قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَاذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ }(4).
والمعنى الثاني : أن تكون مأخوذة من النبْوَة وهو المكان المرتفع ، وهذان المعنيان المذكوران صادقان في النبي - صلى الله عليه وسلم - (5)، لأنه يُخبَر بالغيب من عند الله(6)– تعالى – ، ويُخبِر هو العباد بالغيب ، وهو – أيضا – رفيع الدرجات وعليّ المنزلة عند الله – تبارك وتعالى – .
فإذا قلنا(7)مأخوذ من النبأ [ الذي هو الخبر فهو : (( فعيل )) بمعنى مفعل ، لأنه يخبِر العباد بالغيب ، ويُخبَر هو من عند الله – أيضا – بالغيب .
وإذا قلنا مأخوذ من النبوة ](8)فهو : (( فعيل )) على بابه ، أي رفيع المنزلة والمكانة عند الله - عز وجل - .
__________
(1) سورة الحجر ، الآية 49 .
(2) سورة هود ، من الآية 49 .
(3) سورة يوسف ، من الآية 36 .
(4) سورة التحريم ، من الآية 3 .
(5) في جـ : " عليه السلام " .
(6) في جـ : " تبارك وتعالى " .
(7) في جـ : " فإذا قلنا هو ... " .
(8) 10) ما بين المعقوفين ، مقدار خمسة أسطر ، سقط من : " جـ " .(1/98)
يقال : النبيء والنبي بالهمزة والإدغام ، فإذا كان بالهمزة ، فهو مأخوذ من النبأ ولا إشكال ، وإذا كان بالإدغام ، فيصح فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون – أيضا – من النبأ إلا أنه سُهّلت فيه الهمزة بالبدل .
وثانيهما : أن يكون من النبوة فقلبت فيه الواو ياء فأدغم الياء في الياء .
وكذلك يقال فيه النبوءة والنبوّة بالوجهين المذكورين – أيضا – أعني الهمزة مع المد أو الإبدال مع الإدغام . وقد قرئ بالوجهين في القرآن في { النَّبُوءَةَ }(1).
فإن قلت : فهل يجوز أن يقال النبيء لكل مخبر أو لكل رفيع القدر من الناس ؟ لأن ذلك صادق فيه لغة .
قلت : لا يجوز ذلك ، وإن كان(2)صادقا من جهة اللغة .
قوله : (( الدعوة والنبوءة )) يظهر منه : أن الرسول والنبيء متباينان ، لأن قوله :
(( الدعوة )) تقدّم لنا أن معناها : المطالبة ، والمطالبة تتضمّن الرسالة ، لأن الرسول يطالب العباد بالعبادة وهذا [هو](3)القول الصحيح عند العلماء .
واختلف العلماء في النبي والرسول(4)، هل هما مترادفان أو متباينان على قولين :
__________
(1) قرأ نافع { النَّبِـ?ـِينَ والأَنَبِئَآءَ } و { النُّبُو?ءَةَ } و { النَّبِي?ءَ } حيث وقع بالهمز ، وترك قالون الهمز في
قوله تعالى : { لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ } ، و { بِيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } ، في سورة الأحزاب ، من الآية 50
من الآية 53 . هذا في حال الوصل ، أما في حال الوقف فيعود إلى أصله بالهمز .
انظر : التيسير في القراءات السبع للداني ، عني بتصحيحه أتويرتزل ، ص 63 ، ط1 ، دار الكتب العلمية
بيروت ، 1996 م . وفي جـ : " في النبيء " .
(2) في جـ : " ولو كان " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) قال القاضي عياض : " والصحيح الذي عليه الجمهور : أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا " .
انظر الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، تحقيق عامر الجزار ، ص 170 ، دار الحديث ، القاهرة ، 2004 م .(1/99)
قيل : مترادفان ، فكل نبيّ رسول ، وكل رسول نبيّ . دليله قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِي?ءٍ }(1)?، فأثبت الإرسال لهما معا ، لقوله أول الكلام : { وَمَا أَرْسَلْنَا } .
وقيل : متباينان . دليله هذه الآية بعينها ؛ لأنه عطف أحدهما على الآخر ، والعطف يؤذِن(2)بالمغايرة والتباين بين المتعاطفين .
فإذا قلنا : مترادفين فلا كلام .
وإذا قلنا متباينين ، ففيه أربعة أقوال :
أصحّها : أن الرسول من أمره الله – تعالى – بالتبليغ ، والنبيّ من لم يأمره بالتبليغ ولكنه يخبره الله تعالى بالغيب .
الثاني : أن الرسول من يأتيه الوحي في اليقظة ، والنبيّ من يأتيه في النوم .
الثالث : أن الرسول من أتى بشريعة مبتدأة ، أو بنسخ في بعض الأحكام من شريعة متقدّمة ، والنبيّ من ليس كذلك .
الرابع : أن الرسول من أُنزِل عليه الكتاب والنبيّ بخلافه .
فهذه أربعة أقوال بالتباين إلى القول بالترادف ، فهي إذًا خمسة أقوال .
قوله : (( بخير مرسل إلى البريئة )) ، أي ختمها بأفضل مبعوث إلى البريئة ، لأن البعث هو الإرسال ؛ لأن كل واحد منهما يعبّر به عن الآخر ، لقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا }(3)أي بعثنا رسلنا ، وقال : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ ?ُمَّةٍ رَّسُولاً }(4)أي أرسلنا .
قوله : (( إلى البريئة )) أي إلى الخلق ؛ لأن البريئة هم الخلق ؛ لقوله تعالى :
{
__________
(1) سورة الحج ، من الآية 50 .
(2) يؤذن : أي يعلم بالشيء . انظر لسان العرب ، مادة " أذن "، 13 : 12 .
(3) سورة الأنعام ، من الآية 43 .
(4) سورة النحل ، من الآية 36 .(1/100)
?ُوْ لَكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَةِ }(1)، وقوله : { ?ُوْ لَكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيََََََََةِ }(2)، أي خير الخلق وشر الخلق . ويقال البريئة بالمد والهمز ، ويقال البرية بالإدغام كما تقدّم في النبوة . وقد قرئ بالوجهين في السبع(3)قوله تعالى : { خَيْرُ الْبَرِيَةِ }(4).
فإذا كان بالهمز ، فهو مأخوذ من قولهم : برأ الله الخلق يبرؤهم برءا [ وبروءا](5)
أي خلقهم وأنشأهم ، ومنه قوله تعالى : { فَتُوبُواْ إِلَى بَارِ كُمْ }(6)، أي خالقكم .
وإذا كان بالإدغام ، فيحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون مسهّلا من الهمزة(7).
الثاني : أن يكون مأخوذا من قولهم : "بريت القلم" إذا سويته(8)على صورة لم يكن عليها قبل ، لأنه كان قصبة ثم صار(9)قلما .
الثالث : أن يكون مأخوذا [ من قولهم ](10): البرى المقصور وهو التراب .
فإذا قلنا مأخوذ من برأ الله الخلق ، أومن بريت القلم ، فهي : (( فعيلة )) بمعنى مفعولة أي مبروءة مخلوقة على الأول ، ومبرية أي مسواة على الثاني .
__________
(1) سورة البينة ، من الآية 6 .
(2) سورة البينة ، من الآية 6 .
(3) قرأ نافع وابن ذكوان { الْبَرِيَةِ } بهمزة مفتوحة بعد ياء ساكنة في الآيتين ، وقرأ الباقون بياء مشددة من
غير همزة فيهما . انظر : التيسير، ص 182 ، المبسوط ، ص 413 .
(4) في جـ : " خير البريئة وشر البريئة " .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) سورة البقرة ، من الآية 53 .
(7) في جـ : " عن الهمزة " .
(8) 10) في جـ : " أي سويته " .
(9) 11) في جـ : " فصار " .
(10) 12) ساقطة من : " جـ " .(1/101)
وإذا قلنا مأخوذة من البرى الذي هو التراب ، فهي : (( فعيلة )) على بابها منسوبة إلى البرى ، فالياء فيها في القول الأول هي مبدلة من الهمزة ، وفي القول الثاني هي الياء الأصلية التي في بريت القلم ، والياء في القول الثالث – الذي هو البرى الذي هو التراب – هي ياء النسب . والتاء في ((البريئة)) على كل قول : للمبالغة في شدّة الافتقار وإلى تعلّق القدرة بها ، كالتاء في قولهم : "رجل علاّمة ونسّابة وروّاية" و"رجل حمولة وملولة وفروقة" .
ووجه مناسبة الإنسان إلى البَرء الذي هو الخلق : أن الله – تعالى – خلقه وأنشأه واخترعه من العدم إلى الوجود .
ووجه مناسبته إلى برْي القلم : أن الله – تبارك وتعالى – سوّاه(1)وجعله على صورة لم يكن عليها قبل .
ووجه مناسبته إلى البرى الذي هو التراب : أنه نسبه إلى أصله الذي منه خلق آدم - عليه السلام - .
قوله : (( بخير مرسل إلى البريئة )) ، أي ختم الله - عز وجل - الرسالة والنبوءة بأفضل مبعوث إلى الخلق ولا خلاف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل الأنبياء – عليهم السلام – .
قال ابن عباس(2) - رضي الله عنه - : " إن الله تعالى فضّل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - على أهل السماء وعلى الأنبياء صلوات الله عليهم " .
__________
(1) في ز : " خلقه من تراب " .
(2) وهو ابن العباس ، عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هشام ، ابن عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . بحر التفسير
وحبر الأمة ، عرض القرآن كله على أبَيّ بن كعب ، قال فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم فقهه في الدين وعلمه
التأويل " ، ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات ، وتوفي بالطائف سنة 68 هـ .
انظر : الإصابة لابن حجر ، 2 : 330 – 332 ، رقم 4781 ، معرفة القراء ، ص 22 – 25 .(1/102)
وقال - عليه السلام - : (( أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا ، وأنا خطيبهم إذا وفدوا وأنا مبشرهم إذا يئسوا ، لواء الحمد بيدي ، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر ))(1). [وقال – أيضا – : (( أنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر ))(2)، وقال – أيضا – )) أنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ))(3)، وقال – أيضا – : (( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ))(4)] ، وقال – أيضا – : (( أنا حبيب الله ولا فخر ))(5)، وقال – أيضا – : (( أنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ))(6).
وانعقد الإجماع على أنه - عليه السلام - أفضل الخلائق أجمعين .
__________
(1) أخرجه الدارمي في سننه باختلاف في اللفظ ، باب ما أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفضل ، 1 : 39 ، حديث 47 ،
وأخرجه الترمذي في سننه عن أنس بن مالك في كتاب المناقب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، باب فضل
النبي - صلى الله عليه وسلم - ، 5 : 585 ، حديث 3610 .
(2) أخرجه الدارمي في سننه ، 1 : 39 ، حديث 47 .
وزاد في ز : " وفي بعضها أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وأنا قائدهم إذا وفدوا وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وأنا
شفيعهم إذا حبسوا وأنا مبشرهم إذا يئسوا لواء الكرم بيدي وأنا أكرم ولد ءادم على ربي ولا فخر " .
(3) أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة بلفظ : " قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول
من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع " .
صحيح مسلم ، كتاب الفضائل ، باب تفضيل نبينا - صلى الله عليه وسلم - على جميع الخلائق ، 4 : 1782 ، حديث 2278 .
(4) أخرجه الإمام أحمد في المسند ، 3 : 2 ، حديث 11000 .
(5) أخرجه الترمذي في سننه ، كتاب المناقب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، 5 : 585 ، حديث 3610 .
(6) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، 3 : 2 ، حديث 11000 .(1/103)
قوله : (( وختم الدعوة والنبوءة بخير مرسل إلى البرية )) أخبر الناظم في هذا البيت بأمرين أجمع العلماء على كل منهما :
أحدهما : أنه - عليه السلام - آخر الأنبياء .
الثاني : أنه أفضل الأنبياء – عليهم السلام – .
قال بعض العلماء : الحكمة في تأخير محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى آخر الأنبياء ، تشريفا له لتعلق النفوس والخواطر به وبدينه وبحال أمته ، إذ الغائب ليس كالشاهد وكرامة له ولأمته ؛ لئلا يطول به وبهم البقاء في الأرض ، وتزكية لمقامه ورفعة لشأنه ، إذ هو شاهد بصحة ما تقدّمه من الكتب والأديان ، تصديقا لقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ ?ُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }(1)، والشهادة لا تصح إلا بعد العلم بالمشهود به وعليه ، وذلك لا يصح [ إلا مع التأخير .
قوله : (( وختم الدعوة والنبوءة )) ، اعترض قوله : (( وختم )) من جهة العربية ، لأنه عطف الفعل على الاسم ، لأن قوله : ((وختم)) هو فعل معطوف ](2)على الاسم في قوله : (( ومرسل )) ، لأن تقديره : الحمد لله مرسل الرسل وختم الدعوة والنبوءة ولا يصح عطف الفعل على الاسم ولا بالعكس ، وإنما يعطف الفعل على الفعل ويعطف الاسم على الاسم .
أجيب عنه بأن قيل : الفعل هاهنا مقدّر بالاسم ، تقديره : وخاتم الدعوة والنبوءة ، لأنه يجوز عطف الفعل على الاسم إذا كان الفعل مقدّرا بالاسم ، نحو قوله تعالى :
{
__________
(1) سورة البقرة ، الآية 142 .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/104)
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا }(1)، أي والمقرضين الله قرضا حسنا ، وقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ }(2)، أي وقابضات ، وقوله تعالى : { سَوَ?اءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ }(3)، أي دعاؤكم والصمت عنهم .
فقول(4)الناظم : (( وختم الدعوة والنبوءة )) ، تقديره : الحمد لله مرسل الرسل وخاتم الدعوة والنبوءة بخير مرسل إلى البرية .
الإعراب : (( وختم )) الواو حرف عطف ، (( ختم )) فعل ماض ، (( الدعوة )) مفعول ، (( والنبوءة )) معطوف [عليه](5)، (( بخير )) جار ومجرور متعلق بـ (( ختم )) ، (( مرسل )) مضاف إليه ، (( إلى البريئة )) جار ومجرور متعلق بـ (( مرسل )) . ثم قال :
[4] مُحَمَّد ذِي الشَّرف الأَثَِيل **** صَلّى عَلَيْهِ اللَّهُ مِنْ رَسُولٍ
قوله : (( محمد )) هو بدل من قوله : (( بخير )) ، و (( محمد )) اسم عربي على وزن : (( مفعّل)) وهو من أوزان المبالغة والتشديد الذي فيه يقتضي التكثير .
واختلف العلماء في ذلك التكثير الذي يقتضيه ذلك الاسم الذي هو محمد ، على ثلاثة أقوال(6):
أحدها : سمي محمدا ، لكثرة أوصافه المحمودة من الدين ، والعلم ، والصبر ، والحياء ، والشكر ، والعدل ، والزهد ، والتواضع ، والعفو ، والعفّة ، والجود ، والشجاعة ، وغير ذلك مما لا يُحصى كثرة .
القول الثاني : سمي محمدا ، لكثرة حمد الناس له .
__________
(1) سورة الحديد ، من الآية 17 .
(2) سورة الملك ، من الآية 19 .
(3) سورة الأعراف ، من الآية 193 .
(4) في جـ : " فقال " .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) انظر الشفا للقاضي عياض ، ص 245 .(1/105)
القول الثالث : [ سمي محمدا ، لكثرة حمد الناس والملائكة له ؛ لأنه يحمد في السموات وفي الأرض ويدل على هذا القول ](1)ما رواه بعض العلماء في مولده : أنه - عليه السلام - لما ولد أمر عبد المطلب(2)بجزور فنحرت ، ودعا رجال قريش وكانت سنتهم في المولود إذا ولد في استقبال الليل أن يجعل عليه قِدرا حتى يصبح ، ففعلوا ذلك بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فأصبح وقد انشق عنه القدر ، وهو شاخص ببصره إلى السماء ، فلما حضر رجال قريش وطعموا قالوا لعبد المطلب بم سمّيت ولدك هذا ؟ قال : سمّيته محمدا ، قالوا : ما هذا من أسماء آبائك ، فقال : أردت أن يحمد في السموات والأرض فهذا الخبر يدلّ على أنه سمّي محمدا ، لأنه يحمد في السموات(3)والأرض
ولك أن تقول : سُمّي محمّدا لاشتماله على الأوصاف المحمودة ، وكثرة حمد الناس وحمد الملائكة له - صلى الله عليه وسلم - .
وإنما قلنا محمّد من أوزان المبالغة : لأن أصله من حمَّد يُحمّد تحميدا ، فاسم الفاعل حامد ، واسم المفعول محمود ، فإذا أريد المبالغة ، فيقال في اسم المفعول محمد ، مثاله قولك : "كسرت الإناء فهو مكسور" ، فإذا أردت المبالغة في كسره شقفا ، فتقول : كسرته فهو مكسر ، إذا لم تُبق في الإناء شيئا ، فمحمود لا مبالغة فيه ومحمّد فيه المبالغة ، كالمكسور والمكسر .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) هو عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف ، جدّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، نشأ في كنف عمه ، ولقب بالفياض لجوده ،
وهو أحد حلماء قريش وحكمائها ، عاش مائة وأربعين سنة .
انظر : الإصابة ، 3 : 157 ، والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ، بهامش كتاب الإصابة ،
1 : 15 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
(3) في جـ ، ز : " السماء " .(1/106)
ويدل على الفرق بين محمد ومحمود ، قول الشاعر(1):
فَلَسْتَ بِمَحْمُودٍ وَلاَ بِمُحمَّدٍ وَلَكِنَّمَا أَنْتَ الَحَبْنَطىّ الحُبَاتِرُ
الحبنطي : كبير البطن ، والحباتر : هو القصير ، والعطف دليل المغايرة .
وقول الشاعر(2):
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَ عَبْدَهُ بِبُرْهَانِهِ لَلَّهُ أَعْلَى وَأَمْجَدُ
وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ
فمحمد – عليه الصلاة والسلام(3)– ضعّف الله - عز وجل - فيه المحامد تضعيفا أربى على كلّ تضعيف ، وكثّر فيه المحامد تكثيرا [ أزيد على كل تكثير ](4)، وذلك التضعيف هو الحكمة في كونه - عليه السلام - ختم به على النبوءة وفي كونه خاتم النبوءة بين كتفيه ، لأنه لما مُلئ حكمة وإيمانا ويقينا ، ثم ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء بالمسك الأذفر(5)، ووضع الخاتم بين كتفيه ، لأنه الموضع الذي يوسوس منه ابن آدم ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم من وسواس الشيطان .
__________
(1) هذا البيت من بحر الطويل لموسى بن جابر ، وهو من شواهد ابن دريد في الاشتقاق ، تحقيق عبد السلام
هارون ص 8 ، ط1 ، دار الجيل ، بيروت . وانظر القاموس المحيط ، مادة "حبط" ، ص 595.
(2) هذان البيتان لحسان بن ثابت في ديوانه ، ص 92 ، وفيه : " ......... من اسمه كي يجله ........ " .
(3) في جـ : " عليه السلام " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) الأذفر بالدال المعجمة يطلق على شدة الرائحة ، طيبة كانت أو خبيثة ، ومعنى المسك الأذفر : الرائحة الطيبة
انظر لسان العرب ، مادة " ذفر " ، 4 : 289 .(1/107)
قوله : (( ذي الشرف الأثيل )) ، معناه : الجاه ، والشأن ، والقدر ، والرفعة ، والعظمة . ومنه قولهم : "فلان له شرف في قومه" ، أي له رفعة وشأن في قومه ، ومنه قولهم : "فلان شريف في الناس" ، أي عظيم القدر ورفيع الشأن ، ومنه قولهم : "شرف الأرض" ، أي ما ارتفع من الأرض ، ومنه قول أبي محمد في الرسالة(1): "ولا يزال يلبي دبر الصلوات(2)وعند كل شرف " ، أي وعند كل مرتفع من الأرض
قوله : (( ذي الشرف )) ، أي صاحب الرفعة ، والعظمة ، والجاه الرفيع ، والشأن العظيم .
وقوله : [ (( الأثيل )) ](3)بالثاء المعجمة ، قيل : معناه الأصيل ، وقيل : معناه العظيم ، وقيل : معناه المجتمع ، لأنه يقال : "فلان اتخذ لنفسه أُثلة" ، أي اتخذ لنفسه أصلا ، وأُثلة كل شيء : أصله ، ويقال – أيضا – : أثّل الله ملكه ، أي عظّمه .
ويقال – أيضا – : تأثّّل فلان مالا ، إذا جمعه(4).
قال الزبيدي(5)في مختصر العين: " أثل يأثل أثولا إذا تاثل "(6).
__________
(1) انظر الثمر الداني ، ص 216 .
(2) في جـ : " دبر كل صلاة " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) انظر لسان العرب ، مادة " أثل " ، 11 : 9 .
(5) هو أبو بكر محمد بن حسن بن مذحج ، الأديب ، النحوي ، اللغوي ، الشاعر ، المحدث ، كان أحد أعلام
عصره في النحو وحفظ اللغة . أخذ العربية عن أبي علي القالي ، وأبي عبد الله الرباحي . من آثاره : " أبنية
سيبويه " ، " طبقات النحوين واللغويين " ، " مختصر العين " . توفي سنة 379 هـ تقريبا .
انظر بغية الوعاة ، 1 : 84 , 85 ، رقم 136 .
(6) مختصر العين ، لمحمد حسن الإشبيلي الزبيدي ، باب الثلاثي المعتل ، لوحة 110 ، مخطوط محفوظ في
الخزانة العامة بالرباط ، رقم "3922" .(1/108)
فتقدير كلام [ الناظم على الأقوال الثلاثة : صاحب الشرف الأصيل ، أو العظيم ، أو المجتمع . والأوْلى والأحسن : المعنى الأول ، وهو الأصيل القديم ، لأن ](1)الناظم – رحمه الله – أراد أن شرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أصيل قديم ليس بطارئ ولا بحادث ، بل هو أصلي قديم توسّل به آدم - عليه السلام - وهو في طيّ العدم ، فلم يزل نوره ينتقل في الأصلاب الطاهرة ، والأرحام الزاكية إلى أن بعثه الله من أشرف بيت في العرب ، وأزكاها في الحسب ، وأرفعها في النسب ، وهذا غاية في المجد ونهاية في الشرف ، ولم يزل الشعراء يمدحون الشرف بقدمه وتأصّله . قال الشاعر ، وهو الفرزدق(2):
وَمَا زَالَ بَانِي الْمَجْدِ فِينَا وَبَيْتُهُ وَفِي النَّاسِ بَانِي بَيْتِ مَجْدٍ وَهَادِمُهْ
وَكُنَّا وَرِثْنَاهُ عَلَى عَهْدِ تُبَّعٍ طَوِيلاً سَوَارِيهِ شَدِيداً دَعَائِمُهْ
وقال امرؤ القيس(3):
__________
(1) 10) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) هذه الأبيات في ديوانه ، ص 207 ، دار صادر للطباعة والنشر ، بيروت .
والفرزدق : هو همّام بن غالب بن ناجية بن محمد بن سفيان بن دارم بن حنظلة بن مالك بن مرّ التميمي
أبو فراس ، المعروف بالفرزدق ، الشاعر المشهور . توفي سنة 110 هـ .
انظر : معجم الأدباء لياقوت الحموي ، 5: 601 – 605 ، رقم 1021 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت
1991 م . والشعر والشعراء ، 1 : 343 .
(3) هذه الأبيات من قصيدة يصف فيها مغامراته وصيده وسعيه إلى المجد . انظر شرح ديوان امرؤ القيس لحجر
عاصي ، ص92 ، ط1 ، دار الفكر العربي ، بيروت ، 1994 م .
وامرؤ القيس هو : امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي ، أشهر شعراء العرب على الإطلاق ، يماني
الأصل ، أقام بحضر موت قرابة خمس سنين ، ثم جعل ينتقل مع أصحابه في أحياء العرب يشرب ويغزو
ويلهو ، وعندما بلغه نبأ وفاة أبيه على يد بني أسد ، قال : " رحم الله أبي ! ، ضيعني صغيرا وحملني دمه
كبيرا . وقد ثأر لأبيه من بني أسد ، وقال في ذلك شعرا كثيرا . توفي سنة 80 ق هـ .
انظر الأعلام ، 2 : 11 .(1/109)
فَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيشَةٍ كَفَانِي وَلَمْ أَطْلُبْ قَلِيلٌ مِنَ الْمَالِ
وَلَكِنَّمَا أَسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلِ وَقََدْ يُدْرِكُ الْمَجْدَ الْمُؤَثَّلَ أَمْثَالِي
قوله : (( صلّى عليه الله من رسول )) ، قالوا الصلاة على ثلاثة أقسام :
الصلاة من الله ، والصلاة من الملائكة ، والصلاة من العباد .
فصلاة الله – تعالى – على من صلّى عليه رحمة ، وصلاة الملائكة على من صلوا عليه دعاء واستغفار ، وصلاة العباد على من صلوا عليه عبادة .
ومنهم من قال الصلاة على أربعة أقسام :
الصلاة من الله على غير محمد [ - عليه السلام - ](1)من العباد رحمة ، والصلاة من الله على محمد - عليه السلام - تشريف وزيادة تكريمة . قاله عياض(2)– رحمه الله – ، والصلاة من الملائكة دعاء واستغفار ، والصلاة من العباد عبادة .
قال القرافي شهاب الدين(3):
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) انظر كتاب الشفاء بتعريف حقوق المصطفى ، ص 302 .
وعياض : هو أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى عياض اليحصبي الأندلسي ، ثم
السبتي المالكي . ولد سنة 470 هـ . من أهم مؤلفاته : "ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ذكر فقهاء
مالك" ، و"كتاب الشفا في شرف المصطفى" . توفي سنة 544 هـ .
انظر : سير أعلام النبلاء لمحمد بن أحمد الذهبي ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط ، محمد نعيم ، 20 : 212 ،
ط9 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الديباج المذهب ، ص 270 ، وفيات الأعيان لشمس الدين أحمد بن خلكان
تحقيق : إحسان عباس ، 3 : 483 ، طبعة 1968م ، دار الثقافة بيروت ، وفي شذرات الذهب لعبد الحي
العكري ، 4 : 238 ، دار الكتب العلمية بيروت ، د. ت .
(3) هو شهاب الدين ، أبو العباس أحمد بن أبي العلا ، إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله الصنهاجي البهنسي
المصري ، الإمام العلامة ، أحد العلام المشهورين ، انتهت إليه رئاسة الفقه على مذهب مالك – رحمه الله –
أخذ كثيرا من علومه عن الشيخ الملقب بسلطان العلماء : عزالدين بن عبد السلام الشافعي ، له مؤلفات مفيدة
منها : كتاب " الذخيرة " في الفقه المالكي ، وكتاب " القواعد " ، وكتاب " شرح المهذب " وغيرها .
توفي سنة 684 هـ .
انظر : الديباج ، ص 128 – 130 ، شجرة النور الزكية ، 1 : 270 ، كشف الظنون ، 1 : 825 .(1/110)
"لا يصح تفسير الصلاة في حقّ الله [تعالى](1)بالرحمة ؛ لأن معنى الرحمة رقّة [في](2)الطبع ، وذلك محال في حقّ الله ، وإنما معناها الإحسان وردَ عليه هذا الورود المذكور في إطلاق الرحمة في حق الله - عز وجل - " .
واختلف العلماء في معنى الرحمة في حق الله – تعالى – على قولين :
قيل : إرادة الإحسان .
وقيل : نفس الإحسان .
ولأجل هذا اختلفوا ، هل يجوز أن يقال : اللهم اجعلنا في مستقرّ رحمتك أولا ؟
فمن قال معناها : إرادة الإحسان قال لا يجوز ؛ لأن الإرادة صفة ذاتية .
ومن قال معناها : نفس الإحسان وهو الجنة قال بالجواز ، وهو الظاهر من قوله تعالى : { وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّ احِمِينَ }(3).
وهاهنا سؤال ، وهو : كيف يقال صلّى الله على محمد ؟ مع أن الصلاة معناها الدعاء ، والدعاء بعلى إنما يكون بالشر ، بخلاف الدعاء باللام فإنما يكون بالخير .
فالجواب عنه فيه قولان :
أحدهما : قاله ابن عبد ربه(4)في شرح الجمل(5): " إن الصلاة معناها الاستنزال تقديره : اللهم أنزل على محمد رحمتك ، وهو من باب تشريك فعل معنى فعل آخر "
القول الثاني : قاله ابن السيد البطليوسي في الاقتضاب(6):
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) سورة الأعراف ، من الآية 151 .
(4) هو أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب بن حُدير ، مولى هشام بن عبد الرحمن بن معاوية ، عالم الأندلس
بالأخبار والأشعار ، وأديبها وشاعرها . توفي سنة 328 هـ .
انظر بغية الوعاة ، 1 : 371 ، رقم 727 .
(5) لم أقف على هذا الشرح .
(6) ما جاء في كتاب الاقتضاب : " الصلاة منه تعالى : الرحمة ، ومن الملائكة الدعاء ، ومن الناس الدعاء
والعمل جميعا " .
الاقتضاب في شرح أدب الكتاب لابن السيد البطليوسي ، ص 6 ، ط1987 م .
والبطليوسي هو : عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي الفاضل الأديب ، كان عالما باللغات والآداب ،
متبحّرا فيها . ولد سنة 444 هـ . انتصب لإقراء علوم النحو ، واجتمع إليه الناس ، من مؤلفاته : "الاقتضاب
في شرح أدب الكتّاب" ، "شرح الموطأ" ، "المسائل المنثورة" في النحو . توفي سنة 521 هـ .
انظر : بغية الوعاة ، 2 : 55 ، 56 ، رقم 1422 ، وكشف الظنون ، 1 : 48 ، الأعلام ، 4 : 123 .(1/111)
بأن الصلاة هاهنا معناها الاستعطاف ، تقديره : اللهم اعطف على محمد رحمتك .
فجواب البطليوسي أولى من جواب ابن عبد ربه ، لأن ابن عبد ربه اعتبر المعنى دون اللفظ ، لأن لفظ الصلاة مغاير للفظ الإنزال ، وأما البطليوسي اعتبر اللفظ والمعنى معا ، لأن لفظ الصلاة مأخوذ من الصلوين ، وهما عرقان في الظهر إلى الفخذين ينحنيان وينعطفان في الركوع والسجود .
تنبيه جهله كثير من الأئمة ، وهو قولهم : الصلاة معناها الدعاء أو معناها الرحمة يقتضي هذا أن هذه الألفاظ الثلاثة مترادفة – أعني الصلاة والدعاء والرحمة – ، وذلك لا يصح ؛ لأنها متباينة لا مترادفة ، فلا يصح تفسير أحدهما بالآخر منهما ؛ لأن الدعاء أعمّ من الصلاة وأعمّ من الرحمة ؛ لأن الدعاء يكون بخير ويكون بشر ، بخلاف الصلاة والرحمة فلا تكونان إلا بخير ، ولا يفسر العام بالخاص ولا بالعكس .
والصلاة – أيضا – أقوى من الرحمة ، والأقوى مباين للأضعف ، ولأجل هذا خصّت الصلاة بالأنبياء والملائكة على الصحيح دون غير الصلاة من الرضى والرحمة والغفران ، وما في معناها ؛ لأن الأنبياء والملائكة أقوى المراتب من غيرهم ، فيستعمل الأقوى مع الأقوى ، ويستعمل الأضعف مع الأضعف للمناسبة ، فقولك : "اللهم صل على محمد" أبلغ وأقوى وآكد من قولك : "اللهم ارحم محمدا" ، وقولك : "صليت على الميت" ، معناه على قول ابن عبد ربه – رحمه الله – استنزلت الرحمة من الله على الميت ، ومعناها على قول البطليوسي : "استعطفت الرحمة من الله على الميت " . انظر كتاب الاقتضاب على شرح آداب الكتاب(1)، فمعنى الصلاة إذًا هي الرحمة الكثيرة ، فهي مقيّدة لا مطلقة .
واختلف اللغويون في أصل الصلاة :
قيل : أصلها الدعاء .
وقيل : أصلها الانحناء والانعطاف .
فأما الأول – وهو أن أصلها الدعاء – فدليله الكتاب والسنة وكلام العرب .
__________
(1) للبطليوسي ، ص 6 .(1/112)
فالكتاب قوله تعالى في أموات الكفار : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا }(1)وقوله تعالى : { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ }(2)، أي أن دعواتك رحمة لهم .
ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليجب إن كان مفطرا وإن كان صائما فليصل لهم ))(3)، أي فليدع لأهل المنزل بالبركة(4).
وقوله - عليه السلام - للذي قال هل بقي علي من برّ والدي شيء أبرّهما به بعد مماتهما ؟ (( فقال : نعم ، الصلاة لهما أو عليهما ))(5)،
__________
(1) سورة التوبة ، من الآية 85 .
(2) سورة التوبة ، من الآية 104 .
(3) لم أقف على هذا الحديث بهذا اللفظ ، ولكن ورد بلفظ مختلف ، كالذي رواه مسلم عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " ثم إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب " ، وما رواه أحمد في المسند عن نافع عن ابن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " ثم إذا نودي أحدكم إلى وليمة فليأتها " .
صحيح مسلم ، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوته ، 2 : 1053 ، حديث 1429 .
مسند أحمد ، 2 : 20 ، حديث 4712 .
(4) قال القرطبي : " الصلاة أصلها في اللغة الدعاء ، مأخوذة من صلى يصلي إذا دعا ، ومنه قوله - عليه السلام - :
( إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان مفطرا فليطعم ، وإن كان صائما فليصل ، أي فليدع ) .
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، تحقيق : أحمد البردوني ، 1 : 168 ، ط2 ، دار الشعب ، القاهرة .
(5) أخرجه ابن ماجه والنيسابوري عن أبي أسيد مالك بن ربيعة ، قال : " ثم بينما نحن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه
رجل من بني سلمة ، فقال يا رسول الله : هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به من بعد موتهما ، قال : نعم
الصلاة عليهما والاستغفار لهما ، وإيفاء بعهودهما من بعد موتهما ، وإكرام صديقهما ، وصلة الرحم
التي لا توصل إلا بهما " .
سنن ابن ماجه ، باب صِلْ من كان أبوك يَصِِل ، 2 : 1208 ، حديث 3664 ، المستدرك على الصحيحين
4 : 171 ، حديث 7260 .(1/113)
أي الدعاء لهما .
ومن كلام العرب ، قول الأعشى(1):
تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرَّبَتْ مُرْتَحَلاً يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا
عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا
وقال آخر(2):
َوَقَابَلَهَا الرِّيحُ فِي دَنِّهَا وَصَلَّى عَلَى دَنِّهَا وَارْتَسَمْ
أي : دعا لهما بالسلامة من التغيير والفساد .
وأما القول الآخر بأن أصلهما الانحناء والانعطاف : فهي مأخوذة من الصلوين ، وهما عرقان في الظهر إلى الفخذين ينحنيان وينعطفان في الركوع والسجود فأصلهما في المحسوسات ، ثم عبّر عن هذا المعنى مبالغة في التعطف والحنو .
قال الشاعر(3):
فَمَا زِلْتُ فِي لِينِي لَهُ وَتَعَطُّفِي عَلَيْهِ كَمَا تَحْنُو عَلَى الْوَلَدِ الأُمُّ
فقولك : "صليت عليه" على هذا ، معناه : دعوت له دعاء من يحنّ عليه ويتعطف عليه . وقوله : "صلى الله على محمد" على هذا ، معناه : انحناء وتعطفا وترحما على محمد - صلى الله عليه وسلم - . وسموا الرحمة صلاة إذا أرادوا المبالغة في الرحمة .
__________
(1) الأعشى : هو عامر بن الحارث بن رباح الباهلي ، من همدان ، شاعر جاهلي . يكنى أبا قحفان ، من أشهر
شعره : رائية له في رثاء أخيه لأمه .
انظر الأعلام ، 3 : 250 .
وهذان البيتان في ديوانه ، شرح وتعليق : محمد حسن ، ص 137 ، ط2 ، المكتب الشرقي للنشر والتوزيع ،
بيروت ، لبنان ، وهما من شواهد : الأصفهاني في كتاب الأغاني ، تحقيق : سمير جابر ، 8 : 226 ، ط2 ،
دار الفكر ، بيروت ، والبطليوسي في الاقتضاب ، ص 6 .
(2) البيت من المتقارب وهو للأعشى – أيضا – في ديوانه ص 196 ، وهو من شواهد : ابن منظور في اللسان
مادة " رسم " ، 12 : 248 ، وابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن ، ص 255 .
(3) هذا البيت لأوس بن معن المزني ، وهو من شواهد الأصفهاني في كتاب الأغاني ، 12 : 77 .(1/114)
فإن قلت : لماذا قال الناظم : (( صلى عليه الله )) بلفظ الماضي ؟ مع أن المراد صلاة مستقبلة لا صلاة ماضية ، لأن الطلب لا يتعلق بالماضي وإنما يتعلق بالمستقبل
قلنا : التعبير بالخبر عن الطلب آكد وأقوى في اقتضاء وقوع المطلوب ، حتى كأنه واقع ، مثاله قولك : "غفر الله لفلان" ، أو "رحم الله فلانا" ، أو"رضي الله عن فلان" ، فهذا آكد من قولك : "اللهم اغفر له" ، "وارحمه" ، "وارض عنه" ،
فالتعبير بالماضي عن المستقبل في الدعاء أحسن وأولى على التفاؤل .
قوله : (( من رسول )) ، في قوله : (( من )) ثلاثة أوجه(1):
أحدها : أن تكون زائدة على قول الأخفش(2)القائل بزيادتها في الإعراب ، تقديره على هذا : صلى عليه الله رسولا ، فيكون الرسول حالا من الضمير في (( عليه )) .
الثاني : أن تكون للبيان لما في الضمير من الإبهام ، تقديره على هذا : صلى عليه الله وهو رسول .
الثالث : أن تكون للتبعيض ، تقديره : صلى عليه الله من بين سائر رسله ، فخصّه
بالصلاة عليه تشريفا له على غيره ، كما في قوله تعالى : { إِنَّ اللَهَ وَمَلَكَتَهُ? يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيءِ }(3)الآية .
__________
(1) انظر : كتاب الأزهية في علم الحروف ، لعلي بن محمد الهروي ، تحقيق عبد المعين الملّوحي ،
ص 225 ، ط2 ، مطبوعات مجْمع اللغات بدمشق ، 1993 م .
(2) هو سعيد بن مسعدة أبو الحسن الأخفش الأوسط . قرأ النحو على سيبويه ، وروى عنه أبو حاتم السجستاني .
من مؤلفاته : " معاني القرآن " ، " الأوساط في النحو " ، " الاشتقاق " . توفي سنة 221 هـ .
انظر بغية الوعاة ، 1 : 590 ، 591 ، رقم 1244 .
(3) سورة الأحزاب ، من الآية 56 , وزاد بعدها في ز :" فإذا قلنا من للتبعيض يكون قوله : ((رسول)) تمييزا
فيه معنى التعجب , كقولهم : لله دره من فارس " .(1/115)
الإعراب : (( محمد )) بدل ، (( ذي )) نعت ، (( الشرف )) مضاف إليه ، (( الأثيل )) نعت ، (( صلى )) فعل ماضي ، (( عليه )) جار ومجرور متعلق بـ (( صلى )) ، (( الله)) فاعل ، (( من رسول )) جار ومجرور . ثم قال :
[5] وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الأَعْلاَمِ **** مَا انْصَدَعَ الْفَجْرُ عَنِ الإظْلاَمِ
قوله : (( وآله )) ، أي صلى الله على آل محمد - عليه السلام - .
وهاهنا سؤالان : ما أصله ؟ ، وما معناه ؟ أما أصله ، ففيه قولان(1):
أحدهما ، وهو المشهور عند النحاة : أن أصله أهل ، ثم أبدلت الهاء همزة ، فاجتمعت همزتان ، فأبدلت الثانية ألفا ، فصار : "آل" .
وإنما قلنا : أصله الهاء ، بدليل ظهور الهاء في تصغيره وفي إضافته ، لأنك تقول في تصغيره "أهيل" ، وتقول في إضافته : "أهل فلان" ، "وأهلك" ، "وأهل الفضل" وغير ذلك . والتصغير والإضافة هما مردّ الأشياء إلى أصولها . وإنما أُبدلت الهاء هاهنا همزة ، لاشتراكهما في مخرجهما ، وهو أقصى الحلق ، وكل واحد من الهاء والهمزة قد تبدل من الأخرى . مثال إبدال الهاء همزة : [ هيهات ، لأنه يقال : أيهات وكقولك : ماء ، أصله ((موه)) تحرّك حرف العلّة وانفتح ما قبله فقلبت ألفا فصار ((ماها)) ، فقلبت الهاء همزة] فصار ماء . والدليل على أن أصله الهاء : تصغيره وتكسيره ، لأنك تقول في تصغيره : ((مويه)) ، وفي تكسيره : ((أمواه)) ((ومياه)) ، والتصغير والتكسير هما مما يردّ الأشياء إلى أصولها(2).
__________
(1) انظر الاقتضاب ، ص 8 .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/116)
وكذلك قولهم : "أل فعلت كذا" ، أصله : هل فعلت كذا ، أو غير(1)ذلك مما أُبدلت فيه الهاء همزة . ومثال إبدال الهمزة هاء قولهم : "هيّاك" في إياك ، وقولهم : "هزيد منطلق" ، أصله : أزيد منطلق ، وكذلك قولهم : "لهن" في لئن ومنه قول الشاعر(2):
أَلاَ يَا سَنَا بَرْقٍ عَلَى قُلَلِ الْحِمَى لَهِنّكَ مِنْ بَرْقٍ عَلَىَّ كَرِيمُ
وكذلك قولهم : "أرقْت(3)الماء" و"أرحت الماشية" و"أردت كذا" ؛ لأنه يقال : "هرقت" و"هرحت" و"هردت" ، وغير ذلك مما أبدلت فيه الهمزة هاء .
القول(4)الثاني : أن أصله : "أولٌ" ، تحرك حرف العلّة وانفتح ما قبله فقلبت ألفا ، والدليل على هذا : أن الكسائي(5)حكى في تصغيره ((أويل)) .
فمقتضى هذا : أن ألفه منقلبة عن واو ، كالألف في : "باب" أو"دار" ونحوه ، ولكن المشهور ما قدّمناه ، وهو مذهب سيبويه(6)
__________
(1) في جـ : " وغير ذلك " .
(2) هذا البيت لرجل من بني نمير ، وهو من شواهد : الخوارزمي في شرح المفصل في صنعة الإعراب
تحقيق عبد الرحمن العثيمين ، 1 : 273 ، ط1 ، مكتبة العبيكان ، الرياض ، وابن منظور في اللسان ،
15 : 1763 ، " قذي " .
(3) أراق الماء يريقه إذا صبّه . انظر لسان العرب ، مادة " روق " ، 10 : 135.
(4) في جـ : " والقول الثاني " .
(5) هو علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان ، الإمام أبو الحسن الكسائي ، مولى بني أسد ، إمام الكوفيين في
النحو واللغة ، وأحد القراء السبعة المشهورين ، وسمي الكسائي لأنه أحرم في كساء . قرأ على حمزة ، ثم
اختار لنفسه قراءة . من مؤلفاته : "معاني القرآن" ، "مختصرا في النحو" ، "القراءات" . توفي سنة 183هـ
انظر : غاية النهاية ، 1 : 535 – 540 ، رقم 2212 ، بغية الوعاة ، 2 : 162 – 164 ، رقم 1701 .
(6) هو عمرو بن عثمان بن قنبر إمام البصريين سيبويه ، أبو بشر ، مولى بني الحارث بن كعب ، أخذ عن
الخليل ويونس ، وأبي الخطاب الأخفش ، وعيسى بن عمر . من أشهر مؤلفاته : "الكتاب" ، الذي قال
عنه الأزهري : وقد نظرت في كتابه ، فوجدت فيه علما جما . واختلف في تاريخ ومكان وفاته ، فقيل
توفي بالبيضاء سنة 180هـ ، وقيل غير ذلك . انظر بغية الوعاة ، 2 : 229 ، 230 ، رقم 1863 .(1/117)
والمحققين من النحاة .
هذا جواب السؤال الأول .
وأما السؤال الثاني ، وهو قولنا : ما معنى آل محمد - عليه السلام - ؟ ففيه ثمانية أقوال :
قيل : أهله ، وقيل : أولاده ، وقيل : أهل بيته ، وقيل : قومه ، وقيل : أتباعه من أمته كما يقال آل فرعون لاتباعه من قومه ، وقيل : جميع أمته ، وقيل : نفسه ، وقيل : أولاد علي والعباس(1)وجعفر(2)وعقيل(3)وحمزة(4)الذين تحْرم عليهم الصدقة ، وهم أهل ورثته – عليهم السلام – لولا المنع من ذلك ، وهو قوله - عليه السلام - : (( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ))(5).
__________
(1) هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم عم الرسول - صلى الله عليه وسلم - . ولد قبل النبي بسنتين ، حضر بيعة العقبة مع الأنصار
قبل إسلامه ، هاجر قبل الفتح ، وشهد الفتح وحنين . توفي بالمدينة سنة 32 هـ .
انظر الإصابة ، 2 : 271 ، رقم 4507 .
(2) هو أبو عبد الله جعفر بن أبي طالب وكان أكبر من شقيقه علي رضي الله عنهما بعشرين سنة ، وهو من
السابقين الأولين . هاجر الهجرتين ونشر الدين بالحبشة ، وعلى يده كان إسلام النجاشي . توفي سنة 8 هـ .
انظر الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، 1 : 210 .
(3) هو عقيل بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي الهاشمي ، يكنى أبا زيد ، تأخر إسلامه إلى عام الفتح ،
وقيل أسلم بعد الحديبية ، وشهد غزوة مؤتة ، وقيل أنه توفي في خلافة معاوية .
انظر الإصابة ، 2 : 494 ، رقم 5628 .
(4) 10) هو حمزة بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف القرشي أبو عمارة ، عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأخوه من الرضاعة
ولد قبل النبي بسنتين ، ونشأ بمكة ، وأسلم في السنة الثانية من البعثة ، واستشهد في السنة الثالثة للهجرة .
انظر : الإصابة ،1 : 353 ، رقم 1826 ، الأعلام ، 2 : 278 .
(5) قال ابن حجر : " اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرها بلفظ : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ) فقد أنكره
جماعة من الأئمة" ، وأخرجه الدار قطني في العلل ، من رواية أم هانئ عن فاطمة عليها السلام
عن أبي بكر الصّدّيق بلفظ : " إن الأنبياء لا يورثون " .
فتح الباري ، 12 : 8 ، علل الدار قطني ، تحقيق محفوظ الرحمن السلفي ، 1 : 238 ، ط1 ، دار طيبة
الرياض ، 1985 م .(1/118)
قال بعض الفقهاء : ومن فسّر آله في باب الصلاة والإحرام بغير هذا فقد غلط .
قوله : (( وآله )) يؤخذ منه : أن الآل تجوز إضافته إلى الضمير ، وهو القول الذي عليه جمهور النحاة ، وقيل : لا تجوز إلا في ضرائر الشعر(1)وهو مذهب الكسائي فلا يجوز عنده صلى الله على محمد وآله ، وإنما يقال وأهله .
قال أبو محمد بن السيد(2): هذا القول غير صحيح ، إذ لا قياس يعضده ولا سماع يؤيده ، والصحيح إجازة إضافته إلى الظاهر والمضمر لورود ذلك كثيرا .
فمن ذلك [قول](3)عبد المطلب(4):
وَانْصُرْ عَلَى آلِ الصَّلِيـ ـــــــــبِ وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلَكْ .
وقال آخر(5):
أَنَا الْفَارِسُ الْحَامِي حَقِيقَةً وَالِدِي وَآلِي كَمَا تَحْمِى حَقِيقَةَ آلِكَا
وقال آخر(6):
إِذَا وَضَعَ الْهَزَاهِرُ آلَ قَوْمٍ فَزَادَ اللهُ آلَكُمُ ارْتِفاعَا
فأضافه في هذه الأبيات إلى المضمر والمظهر .
تنبيه : اعلم أن الآل لا يضاف إلى البلاد ، فلا تقول : "فلان من آل الكوفة(7)
__________
(1) أي ضرورات الشعر .
(2) تقدمت ترجمته في ص 92 ، وانظر هذا القول في الاقتضاب في شرح أدب الكتاب ، ص 6 .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) البيت من بحر الكامل ، وهو من شواهد ابن مالك في شرح تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، تحقيق : محمد
عبد القادر عطا ، وطارق فتحي السيد ، 3 : 110 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2001 م .
(5) هذا البيت من بحر الطويل وهو لخفاف بن ندبة ، كما جاء في كتاب الاقتضاب في شرح آداب الكتاب ، لابن
السيد البطليوسي ، ص8 ، دار الجيل ، بيروت ، 1987 م ، وشرح التسهيل ، 3 : 109 .
(6) قائل هذا البيت هو المقاسي العائذي . ذكره صاحب الاقتضاب ، ص 8 .
(7) الكوفة والبصرة مدينتان مشهورتان بالعراق ، ويطلق عليهما اسم البصرتان ، وقد بسط الكلام عنهما ياقوت
الحموي في معجم البلدان ، 1 : 430 – 441 .(1/119)
– مثلا – ، ومن آل البصرة ، أوغير ذلك من البلاد ، وإنما تقول : "من آل فلان" ، أو "من آل بيت فلان" أو غير ذلك . قاله أبو علي الدينوري(1)في كتاب "الموضوع في إصلاح المنطق" .
واعترض قوله : (( وآله )) ، بأنه عطفه على المضمر المخفوض من غير إعادة الخافض ، وهو ممنوع عند البصريين ، صوابه أن يقول : وعلى آله بإعادة على ، فلا يجوز عندهم أن تقول : "زيد سلمت عليه وعمر" ، وإنما تقول : "سلمت عليه وعلى عمر" بإعادة على .
أجيب عنه بأن قيل : إنما استعمل هذا لتعذر النظم بغير ذلك ، ويجوز في الشعر ما لا يجوز في غيره ، ومنه قول الشاعر(2):
فَالْيَوْمَ قَرَّبَتْ تَهْجُونَا وَتَشْتُمُنَا فَاذْهَبْ فَمَا بِكَ وَالأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ
فعطف : " والأيام " على الكاف المخفوض بالباء ولم يعد الخافض .
ولك أن تقول : إنما استعمل هذا على مذهب الكوفيين القائلين بجواز ذلك ، دليلهم قوله تعالى(3): { وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَّآءَلُونَ بِهِ? وَالأَرْحَامَ }(4)على قراءة الخفض وهي قراءة حمزة(5).
__________
(1) هو أحمد بن جعفر الدينوري ، أبو علي ، نحوي لغوي ، أصله من الدينور ، قدم البصرة ودخل بغداد ، ثم قدم
مصر وبها توفي سنة 289 هـ . من مؤلفاته : "إصلاح المنطق" ، "المهذّب في النحو" .
انظر معجم المؤلفين ، 1 : 114 ، بغية الوعاة ، 1 : 301 ، رقم 553 .
(2) البيت بلا نسبة في : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين ، لكمال الدين أبي
البركات عبد الرحمن بن الأنباري ، ومعه كتاب الانتصاف من الإنصاف لمحمد عبد الحميد ، 2 : 464 ،
دار إحياء التراث العربي ، وشرح ابن عقيل لألفية ابن مالك ، 3 : 240 ، مكتبة دار التراث ، القاهرة .
(3) سورة النساء ، من الآية 1 .
(4) زاد في ز : " بكسر الميم من الأرحام " .
(5) هو حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الزيات . أحد القراء السبعة . أخذ القراءة عرضا عن سليمان
الأعمش ، وأبي إسحاق السبيعي ، وطلحة بن مصرف ، وغيرهم . وروى القراءة عنه : سلام بن سليم ،
والكسائي ، والفراء ، وغيرهم . توفي سنة 156 هـ . انظر غاية النهاية ، 1: 261 ، رقم 1190 .
وقرأ الباقون بنصب الميم من { الأَرْحَامَ } . انظر : التيسير ، ص 78 .(1/120)
وأجاب البصريون(1)عن هذا بأن قالوا : هو مخفوض بواو القسم ، تقديره : وحقِّ الأرحام ، وجواب القسم ، قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }(2).
قوله : (( وصحبه )) ، أي صلى الله على محمد وعلى أصحابه ، وفي هذا اللفظ مطلبان :
أحدهما : ما عدد الألفاظ التي يجمع بها الصاحب ؟
الثاني : ما معنى أصحابه - عليه السلام - ؟
أما جموعه ، فهي عشرة [ألفاظ](3):
صَحْبٌ ، وصُحْبٌ ، وصُحُبٌ ، وأصْحاب ، وصِحابٌ ، وصَحابٌ وصَحابةٌ ، وصِحابةٌ ، وصَحبان ، وصِحبان .
واختلف في اللفظ الأول منها ، وهو : (( صَحْب )) بفتح الصاد وسكون الحاء ، قيل : جمع صاحب(4)، وقيل : اسم جمع لا مفرد له من لفظه .
قال بعضهم : وصاحب الرجل من بينه وبينه مخالصة وملابسة وإن قلّت ، ثم تختلف أحوالهما ومراتبهما على حسب ما هي عليه من ضعف وقوّة .
وفعل صحبته : صحبة ، فإن حسنت وتضاعفت واتصفت بالرعاية والاعتناء والكلاءة(5)والحياطة والتفقد وحسن الموالاة ، قيل : صَحِبَه صحابة .
فلفظ الصحابة مصدر ، يسمى به عند قصد المبالغة في تحقيق معانيها بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فازوا بصحبة تمنّاها المتقدّمون ، وحزن على فوتها المتأخّرون ، وليس في مفاخر جبريل في السماء أعزّ وأفخم من صُحبَة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقاموا لها وبها حقّ القيام ، لقّبوا بالصحابة وصار علما في حقهم ، فرقا بينهم وبين من سواهم ممن حرم مثواهم وحجب عن علاهم .
وأما المراد بأصحابه - عليه السلام - ، ففيه ثمانية أقوال :
[
__________
(1) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، 5 : 3 .
(2) سورة النساء ، من الآية 1 .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) زاد في جـ ، ز : " وقيل : اسم جمع لا مفرد له ، نحو : رهط ونفر وإبل وغنم ، ونظيره في القولين ركب ،
قيل : جمع راكب " .
(5) أي الحفظ . انظر لسان العرب ، مادة " كلأ " ، 1 : 145 .(1/121)
قيل : من ولد قي زمانه ](1)، وقيل(2): من ولد في زمانه وبلّغ في زمانه ، وقيل : من رآه ولو مرّة واحدة ، وقيل : من روى عنه ولو حديثا واحدا ، وقيل : من رآه وطالت صحبته معه ، [ وقيل : من رآه وروى عنه وطالت صحبته معه ](3)، وقيل كل من غزا معه غزوة أوغزوتين وقعد معه سنة أو سنتين ، قاله سعيد بن المسيب(4) - رضي الله عنه - ، وقيل : أصحابه هم الملازمون له المهتدون بهديه [حتى](5)فاضت عليهم أنواره ، وظهرت عليهم بركته وأسراره - صلى الله عليه وسلم - . قاله شهاب الدين [ - رضي الله عنه - ](6).
قوله : (( الأعلام )) نعت لصحبه ، معناه : المشاهير ، مفرده علم ، كقولك : "بصر وأبصار" ، "وخبر وأخبار" ، "وقلم وأقلام" ، "وقدم وأقدام" ، وسُمي الصحابة بالأعلام ، لشهرتهم - رضي الله عنهم - ، كما سُمي علم الثوب ، وعلم الجيش ، وعلم الأمير ، والرجل المعظم بالعلم ، لشهرة ذلك .
ومنه تسمية الجبل بالعلم لشهرته ، ومنه قوله تعالى : { وَمِنْ ءَايَاتِهِ الْجَوَار?ِ فِي الْبَحْرِ كَالاْعْلاَمِ }(7)، وقوله تعالى : { وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَاتُ فِي الْبَحْرِ كَالاْعْلامِ }(8)أي كالجبال .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) انظر الإصابة ، 1 : 9 .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) هو أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي
المدني ، وردت الرواية عنه في حروف القرآن ، قرأ على ابن عباس وأبي هريرة ، وروى عن عمر وعثمان
وقرأ عليه محمد بن مسلم الزهري . توفي سنة 94 هـ .
انظر : غاية النهاية 1 : 308 ، رقم 1354 ، وفيات الأعيان ، 2 : 375 ، 262 ، شذرات الذهب ، 1 : 102.
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) ما بين المعقوفين سقط من : " ز " .
(7) سورة الشورى ، الآية 30 .
(8) سورة الرحمن ، الآية 22 .(1/122)
قوله : (( ما انصدع الفجر عن الإظلام )) (( ما )) مصدرية فيها معنى الظرف ، أي صلّى عليه الله وعلى آله وأصحابه ، مدة انشقاق الفجر عن الظلام ، معناه : صلّى الله عليهم ما دامت الدنيا ؛ لأن الفجر لا يزال يطلع حتى تنقضي(1)الدنيا .
واعتُرض قوله : (( ما انصدع الفجر عن الإظلام )) ، لأن الظلام هو الذي ينشق عن الفجر فيطلع الفجر ، وأما الفجر فلا ينشق عن الظلام بدليل المحسوس ، فعكس الناظم هذا المحسوس المشاهد .
أجيب عنه : بأنه جائز ، وهو من فصيح الكلام ، ويسمى عندهم بالقلب ، وقد ورد في القرآن والحديث وكلام العرب .
فمن القرآن ، قوله تعالى : { وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ }(2)أي بلغت الكبر .
ومن الحديث قوله - عليه السلام - : (( زينوا القرآن بأصواتكم ))(3)، أي زينوا أصواتكم بالقرآن .
ومن كلام العرب قولهم(4): "إذا طلعت الشِّعرى استوى العود على الحرباء" ، أي استوى الحرباء على العود .
ومنه قولهم : "عرضت الناقة على الحوض" ، أي عرضت(5)الحوض على الناقة
ومنه قولهم(6): "أدخلت القلنسوة في رأسي" ، أي أدخلت رأسي في القلنسوة ، وقولهم(7): "أدخلت الخف في رجلي" ، أي أدخلت رجلي في الخف .
ومن هذا المعنى ، قول الشاعر(8):
__________
(1) في جـ , ز : " حتى تنقرض الدنيا " .
(2) سورة آل عمران ، من الآية 40 .
(3) أخرجه أبو داود في سننه ، باب استحباب الترتيل في القراءة ، 2 : 74 ، حديث 1468 .
وأخرجه ابن ماجه في سننه ، باب في حسن الصوت بالقرآن ، 1 : 426 ، حديث 1342 .
(4) انظر تفسير الطبري ، 17 : 27 . والجامع لأحكام القرآن ، 1 : 11 .
(5) في جـ : " عرض " .
(6) انظر الجامع لأحكام القرآن ، 17 : 156 .
(7) انظر الجامع لأحكام القرآن ، 9 : 25 .
(8) هذا البيت من الطويل وهو بلا نسبة في : خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب لعبد القادر البغدادي ،
تحقيق : عبد السلام هارون ، 4 : 235 ، ط1 ، مكتبة الخانجي ، القاهرة 1986 ، والوساطة للجرجاني ،
تحقيق : محمد البجاوي ، ومحمد أبو الفضل إبراهيم ، ص 465 ، المطبعة العصرية ، صيدا ،
والجامع لأحكام القرآن ، 9 : 382 .(1/123)
تَرَى الثَّوْرَ مُدْخِلٌ الظِّلَّ رَأْسَهُ وَسَائِرُهُ بَادٍ إِلَى الشَّمْسِ أَجْمَعُ
أي مدخل رأسه في الظل .
وقال آخر(1):
كَيْفَ صَبْرٌٌ عَلَى الْمُدَامِ إِذَا مَا عَثَرَ الرَّوْضُ فِي ذُيُولِ النَّسِيمِ
أي عثر النسيم في ذيول الروض ، لأن النسيم هو الذي يعثر في ذيول الروض ، فقال(2)الناظم : (( ما انصدع الفجر عن الإظلام )) [أي ما انصدع الإظلام عن الفجر مثل هذا بعينه ، قول الشيخ أبي محمد في الرسالة(3): " فأول الوقت انصداع الفجر"](4)معناه انشقاق الظلام عن الفجر ، ومعنى الإظلام بكسر الهمزة ضد النور ومنه قول النابغة(5):
تَبْدُوا كَوَاكِبُ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ لاَ النُّورُ نُورٌ وَلاَ الإِظْلاَمُ إِظْلاَمُ
الإعراب : (( وءاله [وصحبه](6)) معطوفان على الضمير المخفوض بـ ((على)) في قوله في البيت قبله : (( عليه )) والهاء فيهما مضاف إليه ، (( الأعلام )) نعت لـ (( صحبه )) ، قوله : [ (( ما انصدع )) ](7)(( ما )) مصدرية فيها معنى الظرف ، أي دوام أو مدة(8)،
__________
(1) لم أعثر على هذا البيت فيما رجعت إليه من مصادر .
(2) في جـ : " فقول الناظم " .
(3) انظر الثمر الداني ، ص 54 .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) هو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني ، أبو أمامة ، المضري ، الشاعر الجاهلي الشهير ، أحد
شعراء الطبقة الأولى ، ويقال أنه أشعر العرب . توفي نحو سنة 18 ق . هـ .
انظر : الشعر والشعراء ، 2 : 157 ، الأعلام للزركلي ، 3 : 54 ، 55 .
والبيت من البسيط في ديوانه ، ص 105 ، المكتبة الثقافية ، بيروت .
(6) ساقطة من : " جـ " .
(7) ساقطة من : " جـ " .
(8) زاد في ز : " إبقاء انصداع الفجر فهي ظرفية ومصدرية ، لأنها تقدّر بالظرف وبالمصدر معا ، والعامل
فيها صلّى " .(1/124)
قوله : (( انصدع )) فعل ماض ، (( الفجر )) فاعل ، (( عن الإظلام )) جار ومجرور متعلق بـ (( انصدع )) . ثم قال :
[6] وَبَعْدُ فَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الرَّسْمِ **** ثَبَتَ عَنْ ذَوِي النُّهَى وَالْعِلْمِ
لمّا أثنى الناظم على الله – تبارك وتعالى – بما هو أهله ، وصلّى على نبيه - عليه السلام - (1)، وأراد أن يشرع في مقصوده ، أتى بكلمة تقتضي الاستئناف ، وهي كلمة (( بعد )) ، فقال : (( وبعد فاعلم )) ، وهاهنا عشرة مطالب :
ما معنى (( بعد )) هاهنا؟ ، وما فائدتها؟ ، وما الدليل على استعمالها في الخطب؟ ، ومن الذي نطق بها أولا؟ ، وما معنى الفاء التي بعدها؟ ، وما العامل فيها؟ ، ولم بني على الحركة؟ ، ولم اختصّ(2)بتلك الحركة؟ ، وما كيفية استعمالها؟
أما معناه : فهو كلمة موضوعة للفصل بين الكلام المعتاد والخوض في المراد .
وأما فائدتها : فهي الفصل بين الكلام المتقدّم والكلام المتأخر ، حتى لا يتوهّم أن المتقدّم متأخر أو أن(3)المتأخر متقدّم .
وأما الدليل على استعمالها في الخطب : فهي أن النبي - عليه السلام - كان يستعملها في خطبته ، وكذلك الخطباء قبله وبعده إلى هلم [جرّا](4).
وأما أول من نطق بها ، ففيه ثلاثة أقوال :
الأول(5): أن أوّل من نطق بها نبي الله داود - عليه السلام - ، قالوا : وهو المراد بفصل الخطاب في قوله تعالى : { وَءَاتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ }(6)، وفصل الخطاب هو هذه الكلمة .
__________
(1) في جـ " نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - " .
(2) 10) في جـ ، ز : " خصّ " .
(3) في جـ ، ز : " ولا أن المتأخر متقدّم " .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) في جـ : " القول الأول " .
(6) سورة ص ، من الآية 19 .(1/125)
وقيل : فصل الخطاب هو الكلام الموصوف بجزالة ، وفصاحة ، ونهاية ، من إحكام ، وإتقان ، فلذلك وصف به القرآن في قوله تعالى : { إِنَّهُ? لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ }(1).
القول الثالث : أن فصل الخطاب هو الإصابة والفهم في علم القضاء بين الناس .
القول الرابع : أن فصل الخطاب هو البينة على المدعِي(2)واليمين على المدعَى عليه .
القول(3)الخامس : أن فصل الخطاب هو الشاهد واليمين .
هذه خمسة أقوال(4)في معنى قوله تعالى : { وَفَصْلَ الْخِطَابِ } .
فيؤخذ من القول الأول : أن أول من نطق بكلمة (( بعد )) هو نبي الله داود - عليه السلام - .
الثاني : أن أول من نطق بها هو سحبان وايل(5)الذي تُنسب إليه الفصاحة ويُضرب به المثل في البلاغة(6)، وهو الذي قال(7):
لَقَدْ عَلِمَ الْحَيُّ الْيَمَانُونَ أَنَّنِي إِذَا قُلْتُ أَمَّا بَعْدُ أَنِّي خَطِيبُهَا
القول الثالث : أن أول من نطق بها قس بن ساعدة الإيادي(8)،
__________
(1) سورة الطارق، الآيتين ، 13 ، 14 .
(2) في جـ : " الداعي " .
(3) في جـ : " والقول " .
(4) انظر الجامع لأحكام القرآن ، 15 : 162 – 164 .
(5) هو سحبان بن زفر بن إياس بن عبد شمس بن الأجب الباهلى الوائلى ، المعروف بسحبان وائل ، كان
يضرب بفصاحته المثل ، فيقال : أفصح من سحبان وائل .
انظر البداية والنهاية لابن كثير ، 8 : 71 .
(6) 10) في جـ : " المبالغة " .
(7) 11) البيت من الطويل ، لسحبان وائل ، وهو من شواهد : البغدادي في خزانة الأدب ، 10 : 369 ،
وابن منظور في اللسان ، 1 : 461 ، " سحب " .
(8) هو قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك ، بن إياد ، أحد حكماء العرب ، ومن كبار خطبائهم ، ويقال :
إنه أول من قال في كلامه " أما بعد " ، وهو معدود في المعمرين ، طالت حياته ، وأدركه النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل
النبوة . توفي سنة 23 ق هـ تقريبا .
انظر : كتاب المعارف ، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، ص 36 ، ط2 ، دار الكتب العلمية ، بيروت
لبنان ، 2003 م ، الأعلام ، 5 : 196 .(1/126)
وهو أول من كتب من فلان إلى فلان ، وأول من خطب بها ، وأول من أقرّ بالبعث من غير سماع ، وكان يُضرب به المثل في ذكاء العقل وكان في الفترة التي بين عيسى ومحمد(1) - عليه السلام - رآه النبي - عليه السلام - قبل بعثه بسوق عكاظ(2)على جمل أورق وهو يعظ الناس(3)وقال فيه النبي - عليه السلام - : (( يبعث يوم القيامة أمة وحده ))(4)، وذكر أنه عاش سبعمائة سنة " ، قاله ابن سبع(5)في كتاب الشفا في شرف المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
وأما معنى الفاء في قوله : (( فاعلم )) ، فهي فاء الجواب ، لأنها جواب لما تضمّنته كلمة (( بعد )) من الشرط ، تقديره : مهما يكن كلام بعد ما تقدّم فاعلم أن أًصل الرسم .
__________
(1) قال ابن قتيبة : " بين عيسى ومحمد صلى عليه الله وسلم ، ستمائة سنة " .
انظر كتاب المعارف ، ص 34 .
(2) وهي سوق للتجارة ، والأدب ، والشعر ، والحرب ، والسلم ، والعادات ، لعامة أهل الجزيرة ، وهي تقع
جنوب مكة إلى الشرق .
انظر أسواق العرب في الجاهلية والإسلام لسعيد الأفغاني ، ص277 ، ط2 ، دار الكتاب الإسلامي ،
القاهرة ، 1993 م .
(3) زاد في ز : " يقال جمل أورق , وناقة ورقاء , والجمع ورق , وهى الإبل التي خالط سوادها البياض "
وانظر لسان العرب ، مادة " أرق " ، 10 : 5 .
(4) انظر مسند البزار ، تحقيق : محفوظ الرحمن زين الله ، 4 : 166 ، ط1 ، مؤسسة علوم القرآن ،
بيروت ، 1409 هـ ، مجمع الزوائد ، 9 : 418 . وورد هذا القول – أيضا – في الجامع لأحكام القرآن
في شأن زيد بن عمرو بن نفيل ، 2 : 127 .
(5) لم أجد له ترجمة .(1/127)
وأما العامل فيه(1)، فهو صفة المبتدأ المقدّر ، تقديره : أما القول المقول بعد ما تقدّم ذكره ، فاعلم أن أصل الرسم ، وخبر هذا المبتدأ المقدر هو الجواب ، وهو قوله : (( فاعلم أن أصل الرسم )) ، لأن الجواب يغني عن الخبر لقيامه مقامه .
وأما لم بني ؟ ، فقيل : [ لشبهه بالحرف في الافتقار إلى تقدير الإضافة ](2)، ولقطعه عن الإضافة ، وقيل لخروجه عن النظائر ، وقيل لتضمّنه معنى الحرف ، وهو لام الإضافة(3).
وأما لم بني على الحركة ؟ ، فقيل : لالتقاء الساكنين ، وقيل : لأن بناءه عارض وليس بلازم ، وذلك أن قبل وبعد له أربعة أوجه ، يعرب في ثلاثة أوجه ، ويبنى في وجه واحد :
أحد الأوجه الثلاثة التي يعرب فيها : أن يصرّح بالمضاف إليه .
الثاني : أن يحذف وينوى لفظا ومعنى .
الثالث : أن يحذف ولا ينوى أصلا لا لفظا ولا معنى .
فهذه الثلاثة الأوجه(4)يعرب في جميعها قبل وبعد .
الرابع : أن يحذف وينوى لفظا لا معنى(5).
مثال ما إذا صرح بالمضاف إليه ، قولك : "جئت قبلك وبعدك" ، و"جئت من قبلك ومن بعدك" .
ومثال ما إذا حذف المضاف إليه وينوى في اللفظ والمعنى ، قول الشاعر(6):
__________
(1) زاد في ز : " فهو فعل محذوف تقديره مهما أذكر لك كلاما بعدما تقدّم فاعلم وقيل العامل فيه " .
(2) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " , " ز " .
(3) زاد في ز : " فقوله تعالى : { لِلَهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن? بَعْدُ } ، تقديره : لله الأمر من قبل كل شيء ومن بعد
كل شيء ، وقيل : إنما بنى لشبهه بالحرف في الافتقار ، لافتقاره إلى ما يضاف إليه " .
(4) في جـ : " فهذه ثلاثة أوجه " .
(5) في جـ : " لفظا ومعنى " ، ولعل الصواب ما أثبت .
(6) هذا البيت من الطويل ، وهو من الشواهد التي استهد بها النحاة ، ولم ينسبوها لقائل معين .
انظر : شرح ابن عقيل ، 3 : 72 ، شرح الأشموني المسمى منهج السالك إلى ألفية ابن مالك ، حققه وشرح
شواهده ووثق آراه وعرّف بالنحاة ووضع فهارسه : عبد الحميد السيد عبد الحميد ، 2 : 502 ، المكتبة
الأزهرية للتراث ، القاهرة .(1/128)
وَمِنْ قَبْلِ نَادَى لِكُلِّ مَوْلىً قَرَابَةًً فَمَا عَطَفَتْ مَوْلىً عَلَيْهِ الْعَوَاطِفُ
[رواه التقاة بخفض اللام من غير تنوين](1).
ومثال ما إذا حذف المضاف إليه ولا ينوى أصلا لا لفظا ولا معنى ، قول الشاعر(2):
فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ وَكُنْتُ قَبْلاً أَكَادُ أَغُصُّ بِالْمَاءَ الْحَمِيمِ
وقال آخر(3):
وَنَحْنُ قَتَلْنَا الأَسْدَ أَسْدَ خَفِيَّةٍ فَمَا شَرِبُوا بَعْدٌ عَلَى لَذَّةٍ خَمْرَا
ومنه قوله تعالى على قراءة شاذة(4): { لِلَّهِ الاْمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن? بَعْدُ }(5)، بخفض { قَبْلُ } و { بَعْدُ } مع التنوين .
ومثال الوجه الرابع الذي ينوى فيه (( قبل وبعد )) ، وهو : أن يحذف المضاف إليه وينوى معنى لا لفظا ، قولك : "ليس الأمر من قبل ومن بعد" ، وقول الناظم : (( وبعد فاعلم )) من هذا القسم الرابع ، ولأجل ذلك بناه .
وأما لم اختص بتلك الحركة؟ ، فتقول لتخالف حركة بنائه حركتي إعرابه ، أو تقول : لأنها حركة لا تكون للكلمة في حال إعرابها .
وأما كيفية استعمالها ، فلها ثلاثة استعمالات :
أحدها : أن تكون مع أما [ فتقول أما بعد ](6).
ثانيها : أن تستعمل (( بعد )) دون أما .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) هذا البيت من الوافر ، وهو ليزيد بن الصعق ، وله رواية أخرى " بالماء الفرات " ، كما في شرح
الأشموني، 2 : 203 ، وهو من شواهد البغدادي في الخزانة ، 1 : 426 ، والفراء في معاني القرآن ،
تحقيق ومراجعة : محمد على النجار 2 : 320 ، دار السرور .
(3) هذا البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في : خزانة الأدب ، 6 : 501 ، واللسان ، 3 : 93 ، " بعد " ،
ومعاني القرآن للفراء ، 2 : 321 .
(4) قرأ الجحدري والعقيلي { قَبْلِ } بالخفض من دون تنوين ، وقرأ آخرون بالخفض والتنوين .
انظر الكشاف ، 4 : 565 .
(5) سورة الروم ، من الآية 3 .
(6) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/129)
ثالثها : أن تستعمل أما دون (( بعد )) .
فمثال استعمالهما قول(1)أبي محمد في الرسالة(2): "أما بعد أعاننا الله وإياك" .
ومثال استعمال (( بعد )) دون "أما" ، قول الناظم هاهنا : (( وبعد فاعلم )) .
وقول ابن بري(3)[ أيضا ] : " وبعد فاعلم أن علم القرآن " .
ومثال استعمال "أما" دون (( بعد )) قول أبي علي الفارسي(4)، وأبي الفتح ابن جني(5): "أما على إثر ذلك " .
قوله : (( وبعد فاعلم )) ، أي وبعد حمد الله – تبارك وتعالى – والثناء عليه بما هو أهله ، والصلاة على محمد - عليه السلام - ، فاعلم أيها المخاطب ، وأيها الطالب لعلم الرسم وأيها الراغب في علم الرسم .
__________
(1) زاد في جـ : " الشيخ " .
(2) انظر الثمر الداني ، ص 6 .
(3) انظر النجوم الطوالع على الدرر اللوامع في أصل مقرأ نافع للمارغني ، ص 8 ، دار الطباعة الحديثة ،
الدار البيضاء . و" أيضا" ساقطة من : " جـ " .
(4) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سليمان بن أبان ، الإمام أبو علي الفارسي ، النحوي المشهور ، روى
القراءة عرضا عن أبي بكر بن مجاهد ، وروى عنه عرضا عبد الملك النهرواني ، وأخذ النحو عن أبي
إسحاق الزجاج ، ثم عن أبي بكر بن السرّي ، وانتهت إليه رئاسة علم النحو ، وقد أخذ عنه أئمة كبار ،
كابن جني ، وأبي الحسن الربعي وغيرهم . من مؤلفاته : كتاب "التذكرة" ، و"الحجّة " و" الإيضاح" ،
وغير ذلك . توفي سنة 377 هـ .
انظر : غاية النهاية ، 1 : 207 ، رقم 951 ، وبغية الوعاة ، 1 : 496 ، رقم 1030 .
(5) هو عثمان بن جني ، أبو الفتح النحوي ، الأديب ، والعالم بالنحو والتصريف ، وعلمه بالتصريف أقوى
وأكمل من علمه بالنحو . من أهم مؤلفاته : "الخصائص في النحو" ، "سر صناعة الإعراب" ، "المحتسب
في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها" ، وغير ذلك . توفي سنة 392 هـ .
انظر بغية الوعاة ، 2 : 132 ، رقم 1625 .(1/130)
قوله : (( أن أصل الرسم )) ، الأصل في اللغة : أول الشيء الذي تكوَّن منه وتنشأ منه ، كقولك : " أصل الإنسان [النطفة](1)، أي أول الإنسان الذي تكون وتنشأ منه هي النطفة ، وكقولك : "أصل النخلة النواة" ، أي أولها الذي تنشأت(2)منه هو النواة وكقولك(3): "أصل السنبلة البُرّة" ، أي أولها الذي تنشأت منه هو البرة ، أي هو الحبة .
قوله: (( الرسم )) الرسم في اللغة الأثر المتبع(4)، ومنه قول امرؤ القيس(5):
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَعِرْفَانِ وَرَسْمٍ عَفَتْ آيَاتُهُ مُنْذُ أَزْمَانِ
أَتَتْ حِجَجٌ بَعْدِي عَلَيْهَا فَأَصْبَحَتْ كَخَطِّ زَبُورٍ فِي مَصَاحِفِ رُهْبَانِ
وسمي الخط رسما : لأنه أمر يتبع ويقتدى به .
قوله : (( أن أصل الرسم )) ، معناه أن أصل الخط ، أو أن أول الخط : القرآن العظيم ، ثبت وصح عن أصحاب النهى والعلم ، أي عن أولي العقول والعلم .
والنهى : هي العقول مفرده نُهية ، كقولك : "كُدية وكدى" و"مرية ومرى" ، وسمي العقل نهية ؛ لأنه ينهى صاحبه عن الوقوع في الرذائل .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ما اكتسب المرء مثل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى ))(6)،
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) في جـ : " انتشأت "
(3) في جـ : " وقولك " .
(4) في جـ , ز : " هو الأثر المتبع " .
(5) هذان البيتان من بحر الطويل ، يصف فيهما الشاعر رحلته إلى بلاد الروم .
انظر : شرح ديوان امرؤ القيس ، ص 114 ، والكتاب ، 4 : 205 .
(6) ورد هذا الحديث في شعب الإيمان ، ولفظه : " ..... عن موسى بن عبيدة عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر
بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ما اكتسب المرء مثل عقل يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردى " .
قال البيهقي هذا إسناد ضعيف .
شعب الإيمان لأبي بكر أحمد البيهقي ، تحقيق : محمد السعيد زغلول ، 4: 161 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ،
بيروت ، 1410 هـ . وفي جـ : " وينهى عن ردى " .(1/131)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( إن لكل شيء دعامة [ودعامة](1)المرء عقله فبقدر عقله تكون عبادته لربه ، أما سمعتم قول الفاجر : { لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } ))(2).
وقال الحسن البصري(3) - رضي الله عنه - : "ما استودع الله أحدا عقلا إلا استنقذه به يوما ما "
قوله : (( والعلم )) حقيقة العلم : معرفة المعلوم على ما هو به ، قاله القاضي أبو بكر الطيب الباقلاني(4).
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) سورة الملك ، من الآية 10، والحديث رواه الحارث في مسنده عن أبي سعيد الخدري ، وفيه : "ودعامة
المؤمن ....." بدل المرء ، كما أورده المناوي في فيض القدير .
انظر : مسند الحارث ، تحقيق : حسين الباكري ، 2 : 813 ، حديث 840 ، ط1 ، مركز خدمة السنة
والسيرة النبوية ، المدينة المنورة ، 1992 ، فيض القدير ، 5 : 425 .
(3) هو الحسن بن أبي الحسن بن يسار ، أبو سعيد مولى زيد بن ثابت ، كان مولده لسنتين بقيتا من خلافة عمر ،
ونشأ بوادي القرى ، روى عن عمران بن حصين ، وابن عباس ، وأنس ، وخلق من الصحابة ، وروى عنه
مالك بن دينار ، وهشام بن حسان ، وغيرهما . توفي سنة 110 هـ .
انظر : سير أعلام النبلاء ، 4 : 563 ، كتاب المعارف ، ص 250 .
وانظر هذا القول في كتاب التبيان ، ورقة 8 .
(4) هو القاضي أبو بكر بن محمد بن الطيب المعروف بالباقلاني ، البصري ، ثم البغدادي ، الملقب بسيف السنة
ولسان الأمة ، كان إماما عالما ، صنف في الرد على المعتزلة والرافضة وغيرهم . انتهت إليه رئاسة مذهب
الإمام مالك في وقته . توفي سنة 403 هـ .
انظر تاريخ قضاة الأندلس ، لابن الحسن النباهي الأندلسي ، ضبط وشرح وتقديم : الدكتورة مريم
طويل ، ص 141 ، ،ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1995 م .(1/132)
وقيل : "ما تكون به الذات عالمة" ، قاله أبو الحسن الأشعري(1).
وقيل : "صفة يتأتى للمتصف بها إتقان الفعل وإحكامه" ،[ قاله ابن فورك(2)] .
وقيل : "صفة توجب تمييزا لا يحتمل النقيض" ، وهذا أصح الحدود ، قاله أبو عمرو بن الحاجب(3)في الأصول .
فكأنه يقول : اعلم أن أول الرسم الذي يرسم في المصاحف ثابت عند أولي العقول والعلم ، وهم الصحابة – رضوان الله عليهم – ، لأنهم أول من جمع القرآن في مصحف ، والذي أمر بجمعه أولا هو أبو بكر الصّدّيق(4)
__________
(1) هو إسحاق بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال ، أبو الحسن الأشعري ، المتكلم ، صاحب التصانيف
في الردّ على الملحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة ، وسائر أصناف المبتدعة . سكن بغداد إلى أن توفي
بها سنة 330 هـ . انظر تاريخ بغداد لأبي بكر الخطيب ، 11 : 346 ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
(2) هو أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك الأديب المتكلم الأصولي ، روي أن تصانيفه بلغت قرابة المائة في
علوم شتى . توفي سنة 406 هـ . انظر : شذرات الذهب ، 2 : 181 . وما بين المعقوفين سقط من " ز " .
(3) هو عثمان بن عمرو بن أبي بكر بن يونس بن الحاجب الكردي ، أبو عمر ، المقرئ النحوي الأصولي الفقيه
أخذ بعض القراءات عن الشاطبي ، وبرع في الأصول والعربية . من مصنفاته : " الجامع بين الأمهات "
في الفقه ، مختصرا في الأصول ، " الكافية " في النحو ، و" الشافية " في التصريف . توفي سنة 646 هـ
انظر : غاية النهاية ، 1 : 508 ، رقم 2104 ، الديباج المذهب ، ص 289 .
وانظر هذا القول في شرح العضد للقاضي عبد الرحمن الإيجي على مختصر منتهى الأصول ، لابن الحاجب
ضبطه : فادي نصيف ، وطارق يحيى ، ص 13 ، ،ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2000م .
(4) هو أبو بكر الصّدّيق بن أبي قحافة خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وروى عنه كبار التابعين
انظر : الإصابة 4 : 169 ، رقم 4820 .(1/133)
- رضي الله عنه - ، كما سيأتي في البيت الذي هو بعد هذا البيت .
قوله : (( وبعد فاعلم )) البيت ، اعترض هذا البيت بوجهين :
أحدهما أن قوله : (( ثبت عن ذوي النهى والعلم )) ظاهره يقتضي أن الصحابة كلهم جمعوا القرآن في المصحف ، مع أن الذي جمعه بعضهم لا كلهم ، لأن الذي جمعه [هو] أبو بكر أولا ، ثم عثمان(1)آخرا – رضي الله عنهما – .
أجيب عن هذا بأن قيل : كل واحد من الإمامين – رضي الله عنهما – ما جمعه حتى استشار فيه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشاروا له بأنه رأي رشيد وأمر سديد ، فقد جمعوه كلهم في المعنى .
الاعتراض الثاني ، قوله : (( أن أصل الرسم )) ظاهره يقتضي أن أصل الخط مطلقا خط القرآن ، وخط الكلام إنما ثبت ذلك عن الصحابة - رضي الله عنهم - ، وليس كذلك في الإجماع ، لأن الخط ثابت قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - (2)لأن الكتابة قديمة وليست بحادثة في زمان الصحابة - رضي الله عنهم - ، لأن الناس يكتبون قبل النبي - عليه السلام - .
أجيب عن هذا بأن قيل : قوله : (( أصل الرسم )) يريد رسم القرآن لا غير ذلك ، فالألف واللام في الرسم للعهد المتقدّم علما لا ذكرا ، يدلّ عليه سياق الكلام ، لأن الناظم لم يتعرض هاهنا إلا لرسم القرآن ولم يتعرض لغيره من رسم الكلام .
وهاهنا عشرة فروع ، وهي :
__________
(1) الخليفة الراشد ، وهو الذي ينسب إليه الرسم القرآني الذي نحن بصدده .
انظر الإصابة ، 2 : 462 ، رقم 5448 ، الطبقات الكبرى ، 3 : 53 – 72 .
(2) في جـ , ز : " عليه السلام " .(1/134)
ما حكم الكتابة من حيث الجملة ؟، وما الأصل فيها ؟ ، وما حكم الإجارة عليها؟ ، وما فائدتها؟ ، ومن الذي بدأ بالكتابة أولا ؟، ومن الذي بدأ بالكتابة بالقلم العربي(1)؟ ، ولم لا يكتب النبي - عليه السلام - ؟ ، لأنه أمي لا يكتب - صلى الله عليه وسلم - وهل يجوز كتب القرآن في الأحجار والأمدار أم لا؟ ، وهل يجوز محو القرآن بغير القرآن(2)أم لا ؟ ، وهل يجوز محو القرآن بالأقدام أم لا ؟
أما حكمها : فالذي عليه جمهور العلماء الجواز ، قال أبو الحسن اللخمي(3): "هذا هو الصحيح ، ولا ينبغي أن يختلف فيه لتقاصر الأعمار وقلة الأفهام " .
وقد روي عن بعض السلف الكراهة خيفة الاتكال على الكتابة ، ويتركون الحفظ .
وقد قيل لبعضهم : هل كنتم تكتبون العلم والحديث؟ ، فقال : لا . فقيل له : هل كنتم تقولون : أعد علينا؟ ، فقال :لا . وما ذلك إلا لرجحان عقولهم ، فنسأل الله –تعالى – أن يمنّ علينا ببعض ما منّ به عليهم بمنّه .
ومن كلام العلماء في هذا المعنى ، قولهم : خير الفقه ما حضرت به ، وقولهم : حرف في قلبك خير من ألف في كتابك ، وقولهم : لا خير في علم لا يعبر معك الوادي ، ولا يعمر بك النادي ، والنادي(4)هو المجلس .
__________
(1) في جـ : " بالقلم أولا " .
(2) في جـ , ز : " بغير الماء " .
(3) هو أبو الحسين علي بن محمد بن الربعي ، المعروف باللخمي . فقيه مالكي ، له دراية بالأدب والحديث ،
قيرواني ، بقي بعد أصحابه فحاز رئاسة إفريقية جملة . أخذ عنه جماعة ، منهم أبو عبد الله المارزي .
من آثاره : تعليق على المدونة سمّاه "التبصرة" ، "فضائل الشام" . توفي سنة 478 هـ .
انظر الديباج المذهب ، ص 298 .
(4) في جـ , ز : " والنادي والندى " .(1/135)
قال تعالى : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ? }(1)، أي أهل ناديه ، أي أهل مجلسه على حذف المضاف . أنشد [أبو عبد الله](2)الشافعي - رضي الله عنه - :
عِلْمِي مَعِي حَيْثُ مَا مَشَيْتُ يَنْفَعُنِي قَلْبِي وِعَاءٌ لَهُ لاَ بَيْتِي وَصُنْدُوقِ
إِنْ كُنْتُ فِي الدَّارِ كاَنَ الْعِلْمُ فِيهَا مَعِي أَوْ كُنْتُ فِي السُّوقِ كَانَ الْعِلْمُ فِي السُّوقِ(3)
وقال الشاعر(4):
يَا مَنْ يَرَى الْعِلْمَ جَمْعَ الْمَالِ وَالْكُتُبِ خُدِعْتَ وَاللهِ لَيْسَ الْجِدُّ كَاللَّعِبِ
الْعِلْمُ وَيْحَكَ مَا فِي الصَّدْرِ تَجْمَعُهُ حِفْظًا وَفَهْمًا وَإِتْقَانًا فِدَاكَ أَبِ
لاَ مَا تَوَهَّمَهُ الْعِنْدِيُّ مِنْ سَفَهٍ إِذْ قَالَ مَا تَبْتَغِي عِنْدِي وَفِي كُتُبِ
وأما الأصل فيها ، فهو كلام الله – تعالى – ، وكلام الرسول - عليه السلام - ، وكلام العرب وكلام العلماء .
فأما كلام الله – تعالى – ، فمنه قوله : { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَّشَآءُ وَمَنْ يُّؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ ?ُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا }(5). قيل(6): الحكمة هاهنا هي الكتابة .
__________
(1) سورة العلق ، الآية 18 .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) هذه الأبيات في ديوانه ، صححه وقدم له : الدكتور إحسان عباس ، ص 50 ، ط1 ، دار صادر ، بيروت .
وهي بلفظ : " علمي معي حيث ما يمّمت ينفعني * قلبي وعاء له لا بطن صندوق
إن كنتُ في البيت كان العلم معي * أو كنتُ في السوق كان العلم في السوق " .
(4) لم أعثر على هذه الأبيات في المصادر التي راجعتها .
(5) سورة البقرة ، من الآية 268 .
(6) روي ذلك عن أبي العالية . والحكمة عند علماء التفسير : معرفة القرآن والعلوم الدينية ، مع الفهم والإصابة
في القول والخشية من الله ، وقيل غير ذلك .
انظر : تفسير ابن كثير ، 1 : 322 ، والجامع لأحكام القرآن ، 3 ، 330 .(1/136)
وقوله تعالى : { أَوْ أَثَرَةٍ مِّنْ عِلْمٍ }(1)، قيل : المراد به الخط – أيضا – على قول من حمله على خط الحروف ، والصحيح عند من فسّره بالخط خط التراب لا خط الحروف ، وينسب ذلك إلى ابن عباس(2) - رضي الله عنه - .
قال ابن العربي(3): ولا يصح ذلك عن ابن عباس، وإنما معنى الآية : أو علم يؤثر وينقل عن الحفظ وإن لم يكن مكتوبا ، فإن المنقول عن الحفظ مثل المنقول عن الكتب . وقوله تعالى : { نُ? وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ }(4)فأقسم بالخط كما أقسم بالقلم ، وقوله تعالى : { اقْرَأ وَرَبُّكَ الاْكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ }(5)، فوصف نفسه بأنه علّم بالقلم ، كما وصف نفسه بالكرم .
__________
(1) سورة الأحقاف ، من الآية 3 .
(2) انظر تفسير الطبري ، 26 : 2 .
(3) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن العربي المعافري ، الأندلسي ، المالكي ،
يكنى أبا بكر ، الإمام العلامة ، القاضي ، آخر علماء الأندلس . ولد بإشبيلية سنة 486 هـ ، وولي القضاء
بإشبيلية ، ورحل إلى مكة ومصر والشام وبغداد ، ولقي بها علماء كثيرين . من آثاره : أحكام القرآن ،
المحصول في الأصول ، القبس على موطأ مالك بن أنس . توفي بمراكش ، ودفن بفاس سنة 543 هـ .
انظر : الديباج ، 376 – 378 ، تاريخ قضاة الأندلس ، ص 137 – 139 ، وانظر هذا القول في أحكام
القرآن لابن العربي راجع أصوله محمد عبد القادر عطا ، 4 : 124 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1996 م
(4) سورة القلم ، الآية 1 .
(5) سورة العلق ، الآيتين 3 ، 4 .(1/137)
وأما الرسول(1) - عليه السلام - ، فمنه قوله - عليه السلام - : (( استعمل يدك ))(2)، قاله للذي شكا إليه النسيان ، وقوله : (( استعن على حفظك بيمينك ))(3)، وقوله : (( قيدوا العلم بالكتابة ))(4).
وقد قال ابن عمر(5): " أفأكتب عنك كل ما أسمع يا رسول الله ، فقال نعم ، فقال له وإن كان في الغضب والرضا ، فقال وإن كان في الغضب والرضا فإني لا أقول إلا حقا"(6).
__________
(1) في جـ : " وأما كلام الرسول .... " . لعله هو الصواب . وفي ز :" وأما كلام النبي عليه السلام " .
(2) لم أعثر على هذا الحديث .
(3) 10) أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ، وذكر فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للذي شكا إليه انه يسمع الحديث فيعجبه
ولا يحفظه : " استعن بيمينك " ، فأومأ - صلى الله عليه وسلم - بيده للخط ، وقال عقبه ليس إسناده بذلك القائم ، وفي سنده
الخليل بن مرة ، وهو منكر .
سنن الترمذي ، باب ما جاء في الرخصة ، 5 : 39 ، حديث 2666 .
(4) 11) أخرجه الدارمي في سننه ، ولفظه : " قيدوا العلم بالكتاب " بدل : " الكتابة " . كما أخرجه الحاكم في
مستدركه ، وصحح وقفه على عمر بن الخطاب وأنس بن مالك .
سنن الدارمي ، باب من رخص في كتابة العلم ، 1 : 138 ، حديث 497 ، المستدرك على
الصحيحين ، كتاب العلم ، 1 : 188 ، 189 ، حديث 359 ، 360 .
(5) هو عبد الله بن عمرو بن العاص ، الصحابي الجليل . وردت عنه الرواية في حروف القرآن العظيم ، وهو
أحد الذين حفظوا القرآن الكريم في حياة النبي توفي سنة 65 هـ ، وقيل 69 هـ .
انظر : الإصابة ، 2 : 351 ، رقم 4847 ، غاية النهاية ، 1 : 439 ، رقم 1835 .
وفي جـ : " وقال ابن عمر" .
(6) أخرجه الإمام أحمد والدارمي بهذا المعنى .
مسند أحمد 2 : 162 ، حديث 6510 ، سنن الدارمي ، باب من رخّص في كتابة العلم ، 1 : 136 ،
حديث 484 .(1/138)
وأما كلام العرب ، فمنه قولهم : "الخط أحد اللسانين وحسن الخط إحدى الفصاحتين" ، وقولهم : "ما كتب قرّ وما حفظ فرّ" .
وأما كلام العلماء ، فمنه ما أنشد سحنون(1) - رضي الله عنه - :
الْعِلْمُ صَيْدٌ وَالْكِتَابَةُ قَيْدُهُ قَيِّدْ صُيُودَكَ بِالْقُيُودِ الْمُوثِقَةِ
وَمِنَ الْجَهَالَةِ أَنْ تَصِيدَ حَمَامَةً وَتَدَعَهَا مَعَ الأَوَانِسِ مُطْلَقَةً(2)
وقال آخر(3):
تَعَلَّمَ قِوَامَ الْخَطِّ يَا ذَا التَّأذُّبِ وَلاَزِمْ لَهُ التَّعْلِيمَ فِي كُلِّ مَكْتَبِ
فَإِنْ كُنْتَ ذَا مَالٍ فَخَطُّكَ زِينَةٌ وَإِنْ كُنْتَ مُحْتَاجًا فَأَفْضَلُ مَكْسَبِ
وقال بعض العلماء : الكتابة من أجلّ صناعة البشر ، وأعلى شأن ، ومن أعظم منافع الخلق من الإنس والجن ، لأنها حافظة بما يخاف عليه من النسيان ، وقاضية بالصواب من القول إذا حرفه اللسان ، ومبقية للحكم والعلوم على ممرّ الدهور والأزمان .
__________
(1) هو عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي ، أبو سعيد ، سُحنون بضم السين ، الشامي الأصل ، المغربي ،
القيرواني ، العالم الزاهد الفقيه البارع . ولد سنة 160 هـ . ورحل في طلب العلم ، وسمع من ابن القاسم ،
وابن وهب ، وأشهب ، وغيرهم ، وتفقه عليه خلق كثير . ولي القضاء في القيروان . من مصنفاته :
"المدونة" في الفقه المالكي التي عليها اعتماد أهل القيروان وشمال إفريقية . توفي سنة 240 هـ .
انظر : الديباج ، ص 263 – 268 ، وفيات الأعيان ، 3 : 180 ، رقم 382 ، شجرة النور الزكية ،
1 : 103 ، 104 ، هدية العارفين ، 5 : 569 .
(2) وقد أنشد الشافعي مثل هذين البيتين ، فقال :
" العلم صيد والكتابة قيده * قيد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيد غزالة * وتتركها بين الخلائق طالقة "
انظر ديوان الشافعي ، ص 47 .
(3) لم أقف على هذين البيتين .(1/139)
وقال آخر : لولا ما عقدته الكتب من تجارب الأولين ، لانحلّ مع النسيان عقود الآخرين . وقد أخطأ من اعتمد على حفظه ، وأغفل تقييد العلم في كتبه ، ثقة بما استقر في نفسه ، لأن التشكك معترض ، والنسيان طارئ عارض .
وقال آخر(1): الكتابة سبب إلى تخليد كل فضيلة ، وذريعة إلى توريث كل حكمة جليلة ، وموصلة لنا ما لفظ به الحكماء من الألفاظ الجميلة ، ومبلّغة إلى الأمم الآتية أخبار القرون الخالية ، ومعارف الأمم الماضية حتى كأن الخالف شاهد(2)السالف ، والجاهل يأخذ عن العارف . فمتى أردت مجالسة إمام من الأئمة الماضيين ، ومحادثة شيخ من الشيوخ المتقدّمين ، فانظر في كتبه التي صنفها ومجموعاته التي ألفها ، ونوادره التي رسمها ، وحكمه التي أحكمها ، فإنك تجده مخاطبا لك ومعلما ومرشدا ومفهما(3)، مع ما يحصل لك من الأُنس بكتابه ، وما تستفيد من حكمه وصوابه .
وقال آخر : فكم من كلمة رافعة ، وحكمة نافعة ، وموعظة جامعة ، وقصة واقعة وحجّة قاطعة ، وسنة ساطعة ، قد خزّنها الأول للآخر ، ونقشها في الحجارة والدفاتر حنوّا من هذا البشر الذي يرحم بعضه بعضا ، ويدلّه على ما يختار لنفسه ويرضى ، ولم يزل الفقهاء من كل جيل ، والنبلاء من كل قبيل ، والناطقون بكل جميع(4)على اختلاف القول منهم والقيل ، يدوّنون ما يقع من الكلم النافعة ، والحكم الجامعة ، ويسارعون إلى حفظها بالكتابة ، خوفا من ذهابها أشد المسارعة ، نظما ونثرا حتى انتشرت في العالم نشرا ، فكم من كلمة قد نفع الله بها قائلها ، وحكمة ظاهرة على متناولها ، وفائدة قد تبينت بالكتابة لسائلها .
__________
(1) ذكر السخاوي مثل هذا الكلام في وصف الكتابة . انظر الوسيلة ، إلى كشف العقيلة للسخاوي ، تحقيق وتقديم
مولاي محمد الطاهري ، ص4 ، ط2 ، مكتبة الرشد ، 2003 م .
(2) في جـ : " يشاهد " .
(3) في جـ : " ومفقها " .
(4) في جـ , ز : " جميل " ، لعله هو الصواب .(1/140)
وقال بعضهم : الكتابة منزلة شريفة ، في البيان لطيفة(1)، لا سيما إن كان صاحبها ذا لسان ، وخط حسن وبنان ، فتجتمع فيه حكمتان ، وتحصل له فصاحتان ، حكمة في يده وفي لسانه(2)وفي بنانه .
وقد وُجد عمود من رخام نقش عليه ذو القرنين(3)هذه الأبيات :
يَلُومُ الَّلاَئِمُونَ مِنَ الْجَهْلِ جَهْلاً وَدَاءُ الْجَهْلِ يَبْرَأُ بِالدَّوَاءِ
وَعِلْمُ الْعَالِمِ النَّحْرِيرِ جَهْلٌ إَذَا مَا خَاضَ فِي بَحْرِ الْهَوَاءِ
إِذَا كَانَ الإِمَامُ يَحِيفُ جَوْراً وَقَاضِي الأَرْضِ يُدْهِنُ فِي الْقَضَاءِ
فَوِيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ لِقَاضِي الأَرْضِ مِنْ قَاضِي السَّمَاءِ
وغير هذا من كلام الحكماء والبلغاء كثير لا يحصيه لسان ، ولا يسعه ديوان ، لولا الكتابة لما سُمع ، ولما به انتُفع .
وأما حكم الإجارة على الكتابة ، ففيه ثلاثة أقوال ، ثالثها : الكراهة ، كالأقوال الثلاثة التي في بيع كتب الفقه : الجواز والمنع والكراهة .
وأما فائدتها ، فهي أربعة أشياء(4):
إثبات الحفظ ، وتقريب الفهم ، وإذهاب النسيان ، وتوصيل العلم .
وأما الذي بدأ بالكتابة أولا ، ففيه قولان :
قيل : آدم ، وقيل : نبي ا لله إدريس(5).
__________
(1) في جـ ، ز : " وحكمة في البيان لطيفة " ، لعلها سقطت سهوا من الأصل .
(2) في ز : " وفصاحة في لسانه وفي بنانه " .
(3) اختُلف في اسمه ، قيل : كان اسمه عبد الله بن الضحّاك بن مد ، وقيل : مصعب بن عبد الله بن قنان بن
منصور بن عبد الله . انظر : البداية والنهاية ، 2 : 104 ، 105 ، تفسير ابن كثير ، 3 : 101 – 105 .
(4) في ز : " وأما فائدة الكتابة ........" .
(5) وهو نبي الله إدريس - عليه السلام - أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة ، وسمي بهذا الاسم لكثرة ما يدرس في كتب الله
تعالى . انظر البداية والنهاية ، 1 : 99 .(1/141)
قال أبو محمد بن قتيبة(1): أول من بدأ بالكتابة هو نبي الله إدريس .
وقال كعب الأحبار(2): " أول من بدأ بالخط هو آدم - عليه السلام - ؛ لأنه كتب جميع الخطوط في الطين وطبخه ، فلما غرقت الأرض في زمان نوح ، بقيت تلك الكتب والخطوط لم تغرق ، فأصاب كل قوم كتابهم وبقي الكتاب العربي ، حتى خصّ الله به إسماعيل - عليه السلام - "(3).
وأما الذي بدأ بالخط العربي ففيه خمسة أقوال :
قيل(4):آدم ، قاله كعب الأحبار ، وقيل نبي الله هود(5)،
__________
(1) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، الدينوري . أصله من فارس ، كان عالما باللغة وغريب القرآن
ومعانيه والشعر والفقه . ولد بالكوفة سنة 213 هـ ، وتلقى العلم على كثير من العلماء ، منهم السجستاني ،
والأصمعي . ومؤلفاته بلغت أكثر من ستين مؤلفا ، منها : "تأويل مشكل القرآن" ، "غريب القرآن" "غريب
الحديث" ، "المعارف" ، "الشعر والشعراء" ، وغيرها . توفي ببغداد سنة 270 هـ ، وقيل سنة 276 هـ .
انظر الفهرست ، المقالة الثانية ، الفن الثالث ، ص 115 .
وانظر قول ابن قتيبة في كتاب المعارف ، ص 13 .
(2) هو أبو إسحاق كعب بن مانع بن ذي هجن الحميري ، كان من كبار علماء اليهود. أسلم في زمن أبي بكر ،
وأخذ منه الصحابة كثيرا من أخبار الأمم الماضية ، وروى عنه جماعة من التابعين . توفي سنة 32 هـ .
انظر : الأعلام ، 5 : 228 .
(3) انظر هذا القول في الإتقان للسيوطي ، 2 : 166 .
(4) المصدر نفسه .
(5) هو هود بن عبد الله بن رباح بن جاوب بن عاد بن عوص بن أرص بن سام بن نوح ، نبي عربي من قوم
عاد الأولى .
انظر : كتاب المعارف ، ص 17 ، البداية والنهاية ، 1 : 120 ، ذكر ابن كثير في البداية والنهاية ،
2 : 218 ، أن التيجان لابن هشام ، كما ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون ، 1 : 518 ، أن كتاب التيجان
لابن هشام صاحب السيَر .(1/142)
قاله صاحب التيجان ؛ لأن الله - عز وجل - أنزل عليه في صحيفة " يا هود : إن الله آثرك وذريتك بسيد الكلام ، وبهذا الكلام يكون لذريتك من بعدك استطالة وفضيلة على جميع العباد ، إلى يوم القيامة " .
وقيل : أول من بدأ بالكتابة بالخط العربي رجل اسمه مرامر بن مرّة(1)، من أهل الأنبار قاله أبو محمد بن قتيبة في كتاب المعارف(2).
وقيل(3): أول من بدأ بالكتابة بالخط العربي ، ثلاثة رجال(4)مرامر بن مرّة ، وأسلم بن سدرة(5)، وعامر بن خذرة(6)، فمرامر وضع الصور(7)، وأسلم وضع الوصل والفصل ، وعامر وضع الإعجام ، هذا القول حكاه المقري(8).
__________
(1) هو مرامر بن مرة الطائي ، أحد من يقال إنهم وضعوا الخط العربي أو نقلوه من طريقة إلى أخرى في
الجاهلية . انظر الأعلام ، 7 : 200 .
(2) قال ابن فارس : " الذي نقوله إن الخط توقيفي لقوله تعالى : { عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } ، وقال :
{ نُ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } ، وأن هذه الحروف داخلة في الأسماء التي علّم الله آدم . الإتقان ، 2 : 166 .
(3) انظر كتاب المصاحف ، ص 4 .
(4) في جـ : " رجل اسمه " .
(5) لم أجد له ترجمة .
(6) لم أجد له ترجمة .
(7) أي صور الحروف .
(8) اشتهر بهذا اللقب عدد من العلماء ، والذي يترجح لي هو : أبو القاسم بن محرز المقري القيرواني ، كان فقيها
نبيلا . من مؤلفاته : تعليق على المدونة سماه التبصرة ، القصد والإيجاز . توفي نحو سنة 450 هـ .
انظر : الديباج ، ص 325 .(1/143)
وقيل(1): أول من بدأ بالخط العربي ثمانية رجال ، وهم ملوك مدين أسماؤهم : أبجد ، هوّز ، إلى آخره(2)، حكاه عروة بن الزبير(3) - رضي الله عنه - .
وهذا القول إنما يجري على القول بأن هذه الحروف أسماء الملوك ؛ لأن في هذه الحروف(4)عند أهل العلم ثلاثة أقوال :-
قيل : هي أسماء الملوك ، وقيل : هي أسماء الحروف ، وقيل : هي أسماء الشياطين .
قال محمد بن سحنون(5): "هي أسماء الشياطين ألقوها على ألسنة العرب في الجاهلية فكتبوها" .
وأما لماذا لم يكتب النبي - صلى الله عليه وسلم - (6)، فقيل : لئلا يظن أنه صنّف القرآن ، لقوله تعالى : { وَلاَ تَخُطُّهُ?بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }(7).
وقيل : لأنه بعث لتبيض السوداء لا لتسويد البياض ، وقيل غير ذلك .
انظر كنز اليواقيت(8).
__________
(1) انظر الإتقان ، 2 : 166 .
(2) والتتمة : حطي ، كلمن ، صعفض ، قرست ، تخذ ، ضغش ، وهي ثمانية وعشرون حرفا .
(3) هو أبو عبد الله ، عروة بن الزبير بن العوام ، المدني ، تابعي . ولد سنة 22 هـ . وردت الرواية عنه في
حروف القرآن وروى عن أبويه وعائشة ، وروى عنه أولاده والزهري ، وغيرهم . توفي سنة 93 هـ ،
وقيل سنة 95 هـ .
انظر : غاية النهاية ، 1 : 511 ، رقم 2114 ، الإصابة ، 2 : 477 ، رقم 5521 ، الأعلام ، 4: 226 .
(4) 10) في جـ : " هذه الأحرف .... " .
(5) 11) كتاب آداب المعلمين ، لمحمد بن سحنون ، تحقيق حسن حسني عبد الوهاب ، مراجعة وتعليق : محمد
العروسي ، ص 134 ، ط2 ، دار الكتب الشرقية ، تونس ، 1972 م .
(6) 12) في جـ , ز : " عليه السلام " .
(7) 13) سورة العنكبوت ، من الآية 48 .
(8) 14) ورد في تفسير القرطبي أن القاضي أبا الوليد الباجي ومن تبعه ، قالوا : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتب يوم
الحديبية وقد بنوا كلامهم هذا على أحاديث أكثرها وارد من طريق الآحاد . فالمسألة فيها خلاف بين العلماء .
ثم قال القرطبي : " الصحيح في هذا الباب أنه ما كتب ولا حرفا واحدا وإنما أمر من يكتب " .
انظر : الجامع لأحكام القرآن ، 13 : 352 ، 353 ، تفسير ابن كثير ، 3 : 418 .(1/144)
وأما هل [يجوز أن](1)يكتب القرآن في الأحجار والأمدار(2)أم لا ؟
فلا يجوز ، لقوله - عليه السلام - : (( أكرموا القرآن ولا تكتبوه في حجر ولا مدر ، ولكن اكتبوه فيما لا يمحى ))(3).
وأما هل يمحى القرآن بغير الماء أم لا ؟
فلا يجوز ، لقوله - عليه السلام - : (( لا تمحو كلام الله باللسان ولكن بالماء ))(4).
وأما هل يمحى بالأقدام أم لا؟
فلا يجوز ، لقوله - عليه السلام - : (( لا تمحوا كلام الله بالأقدام ))(5). انظر كتاب فضائل القرآن لأبي عبيد(6). هذا تمام الفروع العشرة فلنرجع إلى كلام الناظم .
فقوله : (( وبعد فاعلم أن أصل الرسم )) ، يعني رسم القرآن لا رسم الكلام .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) المدر : قطع الطين اليابس ، وقيل غير ذلك . انظر لسان العرب ، 5 : 162 ، " مدر" .
(3) هذا الحديث رواه الديلمي عن عائشة ، ولفظه : " أكرموا القرآن ولا تكتبوه على حجر ولا مدر ولكن اكتبوه
فيما لا يمحى ولا تمحوه بالبزاق ، ولكن امحوه بالماء " . الفردوس بمأثور الخطاب ، للديلمي ،
تحقيق السعيد بن بسيوني زغلول ، 1 : 74 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1986م .
(4) الحديث رواه الديلمي عن عائشة بلفظ : " ولا تمحوه بالبزاق وامحوه بالماء " .
الفردوس بمأثور الخطاب ، 1 : 74 .
(5) ما ورد في كتاب فضائل القرآن : " لا تكتبوا القرآن إلا في شيء طاهر " .
فضائل القرآن لأبي عبيد ، تحقيق : مروان العطية ، وآخرون ، ص 121 ، ط2 ، دار ابن كثير ، بيروت .
(6) هو أبو عبيد القاسم بن سلام ، الهروي ، الأزدي ، محدث وفقيه وأديب . ولد سنة 154 هـ ، وروي عن ابن
الأعرابي والكسائي والإمام الشافعي ، وغيرهم . تولى قضاء طرطوس . من مؤلفاته : "غريب القرآن" ،
"غريب الحديث" ، وغيرها . توفي بمكة سنة 224 هـ .
انظر : الفهرست ، المقالة الثانية ، الفن الثاني ، ص 107 ، كشف الظنون ، 2 : 1207 .(1/145)
الإعراب : قوله : (( وبعد )) الواو حرف عطف ، (( بعد )) ظرف منصوب على الضم كما تقدّم ، قوله : (( فاعلم )) جواب لما تضمنه (( بعد )) من الشرط ، (( اعلم )) فعل أمر ، (( أن أصل )) أن واسمها ، (( الرسم )) مضاف إليه ، (( ثبت )) فعل ماض في موضع خبر إن ، (( عن ذوي )) جار ومجرور والعامل فيه ثبت ، (( النهى )) مضاف إليه ، (( والعلم )) معطوف على (( النهى )) . ثم قال :
[7] جَمَعَهُ فِي الصُّحُفِ الصِّدّيقُ **** كَمَا أشَارَ عُمَرُ الفَارُوقُ
لما ذكر في البيت الذي فرغ منه أن أصل رسم القرآن ثبت وصحّ عن الصحابة - رضي الله عنهم - ، أراد أن يذكر هاهنا من فعل ذلك منهم ، فذكر في هذا البيت : أن أبا بكر الصّدّيق - رضي الله عنه - هو الذي جمعه أولا بإشارة عمر بن الخطاب(1) - رضي الله عنه - إليه بذلك .
قوله : (( جمعه في الصحف )) ، أي ألّفه ، والضمير عائد على الأصل المتقدّم وهو القرآن ، أي جمع وألف أبو بكر الصّدّيق(2)في الصحف . والصحف : مفرده صحيفة ، وله جمعان : صحف ، وصحائف ، ويجوز تسكين الحاء من صحف تخفيفا ، أعني في غير هذا البيت ، وأما في هذا البيت فليس فيه إلا الضم ؛ لئلا يكسر الوزن . والصحيفة اسم لما يُكتب فيه ، قال الشاعر(3):
__________
(1) هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي بن كعب بن لؤي أمير المؤمنين ، أبو حفص القرشي
العدوى الفاروق . أسلم وعمره سبع وعشرون سنة ، وهو أحد السابقين الأولين ، وأحد العشرة المشهود
لهم بالجنة ، وأحد الخلفاء الراشدين ، روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة وتسعة وثلاثين حديثا . توفي
وله ثلاث وستون سنة .
انظر : تاريخ الخلفاء لعبد الرحمن السيوطي ، تحقيق : محمد عبد المجيد ، ص 108 – 136 ، ط1 ،
مطبعة السعادة ، مصر ، 1995م ، الأعلام ، 5 : 45 .
(2) زاد في جـ : " رضي الله عنه " .
(3) هذا البيت لابن مروان النحوي ، وهو من شواهد السيوطي في همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ،
تحقيق عبد العال مكرم ، 4 : 171 ، عالم الكتب ، القاهرة ،2001 ، والبغدادي في الخزانة ، 3 :21 .(1/146)
أَلْقَى الصَّحِيفَةَ كَيْ يُخَفِّفَ رَحْلَهُ وَالزَّادَ حَتَّى نَعْلَهُ أَلْقَاهَا
قال بعضهم : الصحيفة مشتقة من الصحفة التي يجعل فيها الطعام ، والصحفة مشتقة من الصحة تفاؤلا ، والمناسبة بين الصحيفة والصحفة : أن كل واحد منهما يجعل فيه ما ينتفع به .
قال بعضهم : ولما سمّت العرب آلة الطعام صحفة ، وأخذوها من الصحة تفاؤلا ، وزادوا فيها الفاء طلبا لفشوّها ، وعرضت آلة تحتاج لترفع ما ينتفع به في مصالح الدين والدنيا ، سموها بذلك الاسم ، وفرّقوا بينهما بزيادة الياء ، وأعطت مع ذلك مبالغة وزيادة تنبيها على أن الانتفاع بما يرفع(1)فيها أعظم من الانتفاع بما يرفع في الصحفة من الطعام .
وقوله : (( الصّدّيق )) هذا وصفه [رحمه الله ](2)ورضي الله عنه ، وهو وجه مبالغة ، نحو : "شرّيب" و"سكّين" ، لكثرة الشراب وكثرة السكن .
قيل : سمي بالصّدّيق ، لأنه أوّل من صدّق النبي(3) - صلى الله عليه وسلم - .
وقيل : لأنه صدقه في كل ما جاء به(4)في حديث الإسراء .
__________
(1) في جـ : " يرتفع " .
(2) ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(3) في جـ : " رسول الله " . وزاد بعدها في ز : " من الرجال ومن الصبيان سيدنا علي كرّم الله وجهه ، ومن
النساء سيدتنا خديجة ، ومن الموالي سيدنا زيد بن حارثة رضي الله عنهم " .
(4) في جـ : " في جميع ما جاء به " .(1/147)
وقال بعضهم : فيه نزل قوله تعالى : { وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ? }(1)فالذي جاء بالصدق محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والذي صدق [به](2)أبو بكر - رضي الله عنه - واسمه(3)عبد الكعبة ، فلما أسلم سمّاه النبي - عليه السلام - عبد الله ، وقيل عتيق ، لقوله - عليه السلام - إياه : ((أنت عتيق من النار ))(4)واسم أبيه عثمان بن عامر ، وكنية أبيه : أبو قحافة ، ولكن غلبت كناهما على أسمائهما ، فيقال : أبو بكر بن أبي قحافة ، وأبو بكر هو الخليفة بعد النبي - عليه السلام - بنصّه - عليه السلام - على ذلك ، لقوله - عليه السلام - : (( إن الله [تعالى](5)جعل أبا بكر خليفتي على دين الله فاسمعوا له وأطيعوا ترشدوا ))(6).
وقال - عليه السلام - : (( ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعدي أفضل من أبي بكر ))(7)
__________
(1) سورة الزمر ، من الآية 32 .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) زاد في جـ ، ز : " في الجاهلية " .
(4) 10) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير للطبراني ، تحقيق حمدي السلفي ، 1 : 53 ، ط2 ، مكتبة العلوم
والحكم ، الموصل .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) رواه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب ، 5 : 357 ، حديث 8427 ، ونصه : " يا عم إن الله عز وجل
جعل أبا بكر خليفتي على دين الله عز وجل ووحيه فأطيعوه بعدي تهتدوا واقتدوا به ترشدوا "
(7) رواه الديلمي في الفردوس ، بلفظ : " ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين على أحد
أفضل من أبي بكر " ، ورواه أبو نعيم في الحلية بلفظ قريب منه ، وقال غريب .
الفردوس بمأثور الخطاب ، 5 : 351 ، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، لأبي نعيم الأصبهاني
3 : 325 ، ط4 ، دار الكتاب العربي ، بيروت، 1405 هـ .(1/148)
ومدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر ، ومدة عمره ثلاث وستون سنة ، وقيل ستون سنة كالقولين في عمر(1)النبي - عليه السلام - .
وقوله(2): (( كما أشار عمر الفاروق )) ، يعني أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - هو الذي نبّه أبا بكر على جمع القرآن وتأليفه .
وقوله : (( الفاروق )) ، سماه بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أسلم ، لأنه فرّق بين الحق والباطل .
قال - عليه السلام - : (( إن الله لينطق بالحق على لسان عمر ))(3).
وقال - عليه السلام - : (( إن الشيطان يهرب من عمر فجّا بعد فجّ ))(4).
قال بعضهم : وفيه نزل قوله تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّبِي?ءُ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }(5).
قال ابن مسعود(6): " فما زلنا أعزّة منذ أسلم - رضي الله عنه - " .
__________
(1) في جـ ، ز : " كالقولين في سن النبي " .
(2) في جـ : " قوله " .
(3) أخرجه الترمذي بلفظ : " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه " ، كما رواه ابن ماجه باختلاف في اللفظ
سنن الترمذي ، باب في مناقب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، 5 : 617 ، حديث 3682 ،
سنن ابن ماجه ، باب فضل عمر رضي الله عنه ، 1 : 40 ، حديث 108 .
(4) أخرجه البخاري بلفظ : " يا ابن الخطاب : والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير
فجك" . صحيح البخاري ، كتاب فضائل الصحابة ، باب مناقب عمر بن الخطاب ، 2 : 419 ، حديث 3683
(5) سورة الأنفال ، الآية 65 .
(6) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار ، باب إسلام عمر بن الخطاب ، 2 : 458 ، حديث 3863 .(1/149)
وعمر : هو الخليفة بعد أبي بكر ، بأمر أبي بكر بالخلافة حين حضرته [الوفاة](1)، فقال الصحابة له حين قدمه : ولّيت علينا رجلا فظّا غليظا شديد الغضب ، فقال : إن سألني الله يوم القيامة عن ذلك(2)، أقول له : ولّيت على خلقك خير خلقك – رضي الله عنهما – ، فعمر خليفة الخليفة ، وكان الناس يدعونه أولا(3): خليفة خليفة رسول الله .
فطال عليهم(4)، فقال له المغيرة(5): أنت أميرنا ، فأمرهم عمر بإثبات هذه الكلمة ، وهو أول من سُمّي بأمير المؤمنين ، ومدة خلافته عشر سنين وأشهر ، ومدة عمره خمسون سنة(6) - رضي الله عنه - .
قوله : (( جمعه في الصحف الصّدّيق )) ، فيه أربعة أسولة(7):
أحدها : أن يقال لِمَ لَمْ يجمعه النبي - عليه السلام - ؟
جوابه : مخافة أن يرد النسخ في بعض الألفاظ ، فيحتاج إلى إسقاط اللفظ المنسوخ ولا يمكن إسقاطه من المصحف ، ولا من صدور الحفاظ ، لأن الناس يبادرون حفظه إذا كتب في المصحف ، لأن النسخ يرد على الألفاظ كما يرد على الأحكام .
الثاني : أن يقال من أي شيء جمعه ؟
فاعلم أنه جمعه من الرقاع والأضلاع ، ومن العسب واللخاف ، ومن صدور الرجال . ومعنى العسب : جمع عسيب ، وهو عسب النخيل ، ومعنى اللخاف : جمع لخفة ، وهي حجارات بيض رقاق .
فإن قلت : جمعه من الصحف ، وجعله في صحف ، فما فائدته إذًا ؟ فإنه جعله في مثل ما هو فيه .
__________
(1) 10) ساقطة من : " جـ " .
(2) 11) في جـ : " عن ذلك يوم القيامة " .
(3) 12) في جـ ، ز : " وكان الناس أولا يدعونه " .
(4) زاد في جـ : " الاسم " .
(5) هو المغيرة بن أبي شهاب عبد الله بن عمرو بن المغيرة ، أبو هاشم المخزومي الشامي . قرأ القرآن على
عثمان بن عفان ، وعليه قرأ ابن عامر اليحصبي . توفي سنة 91 هـ .
انظر غاية النهاية ، 2 : 305 ، رقم 3635 .
(6) في جـ : " خمس وخمسون سنة " .
(7) يقال : سوال وأسولة بمعنى أسئلة .
انظر لسان العرب ، 11 : 350 ، " سول " .(1/150)
قلنا : جمعه من صحف مفترقة بين الأيدي ، وهو غير مرتّب فيها ، وجعله في صحف مجتمعة في يد واحدة ، وهو مرتّب فيها ، كما هو مرتّب في مصحف عثمان - رضي الله عنه - كما سيأتي في جمع عثمان - رضي الله عنه - في قوله : (( وبعده جرده الإمام )) البيت .
السؤال الثالث : أن يقال لأي شيء ينسب جمع القرآن للصّدّيق ؟ مع أن الذي جمعه إنما هو زيد بن ثابت الأنصاري(1) - رضي الله عنه - .
فجوابه : أن زيد بن ثابت وإن كان هو الذي تولى جمعه في المصحف ، فالذي جمعه حقيقة هو الآمر له بذلك ، والآمر له بذلك : أبو بكر الصّدّيق - رضي الله عنه - ؛ لأن الآمر هو الذي تنسب إليه الأفعال ، وإن كانت الأعوان هم المباشرون للأفعال ، لأنهم يقولون : قتل الأمير ، وسجن ، وضرب ، وأطلق ، وغير ذلك ، فينسب إليه الفعل وإن كان غيره هو الذي يتولّى ذلك .
السؤال الرابع : أن يقال لأي شيء اختار أبو بكر زيد بن ثابت دون غيره من الكتّاب والحفّاظ ؟
__________
(1) هو زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن النجار الأنصاري الخزرجي . كاتب الوحي ، ولد في المدينة ونشأ
بها ، ويقال إنه شهد أحدا ، وشهد بيعة الرضوان ، وجمع القرآن في عهد أبي بكر - رضي الله عنه - . له اثنان وتسعون
حديثا . توفي سنة 45 هـ .
انظر : الإصابة ، 1 : 561 ، رقم 2880 ، غاية النهاية ، 1 : 296 ، رقم 1305 .(1/151)
جوابه أن تقول : لأنه يكتب الوحي للنبي - عليه السلام - ويكتب عنه للملوك ويترجم عنه بالرومية ، والقبطية ، والحبشية ، والفارسية ، والسريانية(1)وغير ذلك من اللغات ، و[قد](2)قال له - عليه السلام - : (( إني تأتيني كتب من الملوك لا أحب [أن](3)يطلع عليها ، فهل تستطيع أن تتعلم السريانية ؟ فقلت له : نعم ، فتعلمتها في سبع عشرة ليلة ))(4).
وكان - رضي الله عنه - آية في الذكاء والفهم ، ولأنه حفظ القرآن كله في عهده - عليه السلام - ، ولأنه عرض القرآن عليه - عليه السلام - بعد العرضة الأخيرة عرضها(5) - عليه السلام - على جبريل .
الإعراب : قوله : (( جمعه )) فعل ماض ومفعول ، (( في الصحف )) جار ومجرور متعلق بـ (( جمعه )) ، (( الصّدّيق )) فاعل ، (( كما )) الكاف للتشبيه ، وهو نعت لمصدر محذوف ، تقديره : جمعا كما ، وقوله : (( ما )) مصدرية ، تقديره : جمعه جمعا مماثلا لإشارة عمر ، (( أشار )) فعل ماض ، (( عمر )) فاعل ، (( الفاروق )) نعت . ثم قال :
[8] وَذَاكَ حِينَ قَتلُوا مُسَيْلَمةْ **** وانقَلبَتْ جُيُوشُهُ مُنهَزِمَةْ
لمّا ذكر الناظم أن الذي جمع القرآن من الصحابة أولا هو أبو بكر ، أراد أن يبيّن هاهنا وقت جمعه ، فقال : (( وذاك حين قتلوا مسيلمة )) البيت ، الإشارة في قوله : (( وذاك)) عائدة على الجمع الذي دلّ عليه قوله قبله : (( جمعه )) ، لأن الفعل يدلّ على
__________
(1) وهي لغة يتكلم بها أهل بابل . انظر الفهرست ، ص 21 .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) أخرجه الإمام أحمد عن زيد بن ثابت بلفظ : " قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تحسن السريانية " فذكر الحديث
مسند أحمد ، 5 : 182 ، حديث 21627 .
(5) في جـ ، ز : " التي عرضها ... " . لعله هو الصواب .(1/152)
مصدره ، تقديره : وذاك الجمع حين قتلوا مسيلمة(1)، أي وجمع أبو بكر القرآن حين قتلوا ، يعني الصحابة دلّ عليه سياق الكلام ، ولأنهم تقدّم ذكرهم أولا في قول الناظم(2): (( وآله وصحبه الأعلام )) .
قوله : (( وانقلبت جيوشه منهزمة )) ، أي ورجعت جنوده على أعقابها ؛ لأن معنى الانقلاب هو الرجوع على الأعقاب . والجيوش هي الجنود والعساكر ، وهو جمع جيش ، وسمي الجند بالجيش لكثرة موجه وغليانه ، يقال(3): جاشت القدر تجيّش إذا اشتدّ غليانها وهاج بعضها في بعض ، فصار عاليها سافلها وسافلها عاليها قوله : (( وذاك حين قتلوا مسيلمة )) البيت ، هذا منه إشارة إلى السبب الذي من أجله جمع أبو بكر الصّدّيق القرآن ، وبيان ذلك : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما توفي ، ارتدّت العرب وارتدّت بنو حنيفة ، وهم قبيلة مسيلمة الكذاب وطلب منهم أبو بكر - رضي الله عنه - الزكاة ، فامتنعوا فأهمّ ذلك أبا بكر ، وعظم الأمر على المسلمين ، فجيّش أبو بكر - رضي الله عنه - جيوشا من المسلمين ، فأمر عليهم خالد بن الوليد المخزومي(4)
__________
(1) هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب ، الحنفي ، مدعي النبوة ، وقيل اسمه هارون ، ومسيلمة لقبه ، عُرف
في الجاهلية برحمن اليمامة . قتله خالد بن الوليد سنة 12 هـ .
انظر : البداية والنهاية ، 5 :50 ، الأعلام ، 7 : 226 .
(2) تنبيه العطشان على مورد الظمآن ، ص 95 .
(3) انظر لسان العرب لابن منظور ، 6 : 277 ، " جيش " .
(4) هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، القرشي ، الصحابي . سيف الله أبو سليمان ،
أسلم سنة 7 هـ ، بعد خيبر . كان من أشرف قريش في الجاهلية ، وكان مظفرا خطيبا فصيحا . وروى له
المحدثون 18 حديثا ، وأخباره كثيرة . مما كُتب في سيرته : " خالد بن الوليد " لعمر رضا كحالة ،
و " موجز سيرة خالد بن الوليد " لصادق عرجون . توفي سنة 21 هـ .
انظر : الطبقات الكبرى ، 7 : 394 ، الإصابة ، 1 : 413 ، رقم 2201 ، الأعلام 2 : 300 .(1/153)
- رضي الله عنه - ، وكان أمير بني حنيفة [حينئذ](1): مسيلمة الكذاب لعنه الله ، فتقاتل الفريقان تقاتلا شديدا لم يشاهد(2)المسلمون مثله قبل ، فانهزم المسلمون أولا ، فقتل منهم ألف ومائتان ، وقتل فيهم سبعمائة قارئ من حملة القرآن ، وفي ذلك قتل اليزيد بن الخطاب(3)، ثم ثار البراء بن مالك(4) - رضي الله عنه - مع من سَلِم من جيش المسلمين فردّ الهزيمة .
وانهزم جيش مسيلمة الكذاب ، ودخلوا حديقة وأغلقوا بابها ، ثم حُمل البراء بن مالك على درقته(5)وألقى بنفسه عليهم ، حتى صار معهم في الحديقة ، وفتح باب الحديقة للمسلمين فدخل المسلمون الحديقة ، وقتلوا مسيلمة الكذاب – لعنه الله – ، وقتلوا جيوشه إلا من أطال الله عمره ، وقُتل من الكفار حينئذ عشرة آلاف .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(2) في جـ : " لم يشهد " .
(3) زاد في جـ ، ز : " رضي الله عنه " . وفي ز : " زيد بن الخطاب " ، وهو الصواب .
وهو زيد بن الخطاب بن نفيل ، القرشي ، العدوي . أخو عمر بن الخطاب ، وهو أكبر منه سنا ، يكنى أبا عبد
الرحمن ، وقد أسلم قبله ، حيث كان من المهاجرين الأولين ، وشهدا بدرا وما بعدها ، وحمل راية المسلمين
في اليمامة إلى أن استشهد سنة 12 هـ .
انظر : البداية والنهاية ، 6 : 336 ، والاستيعاب لابن عبد البر ، 1 : 541 .
(4) هو البراء بن مالك بن النضر النجاري ، أخو أنس بن مالك ، شهد أحدا وما بعدها من المشاهد مع
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أحد الفضلاء ، ومن الأبطال الأشداء . قتل شهيدا سنة 20 هـ .
انظر : الإصابة لابن حجر ، 1 : 279 – 280 ، رقم 620 ، الاستيعاب ، 1 : 137 .
(5) الدرقة : هي الحجفة وهي ترس من جلود ليس فيه خشب ، ويجمع على : أدراق ، ودرق ، ودراق .
انظر: لسان العرب 10 : 95 ، " درق " . ومختار الصحاح للرازي ، تحقيق : محمود خاطر ، 1 : 85
" درق " ، مكتبة لبنان ناشرون ، بيروت ، 1995م .(1/154)
وتسمى تلك الحديقة حديقة الموت ، قالوا والذي قتل مسيلمة هو الرجل الذي قتل حمزة بن عبد المطلب(1) - رضي الله عنه - ، ولذلك رُوي عنه أنه قال : " قتلت خير الناس ، وقتلت شرّ الناس " .
فلما رجع المسلمون من هذه الغزوة العظيمة ، قام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فأشار على أبي بكر الصّدّيق بأن يجمع القرآن ، وقال(2)عمر لأبي بكر : إن القتل [قد](3)استحرّ(4)يوم اليمامة بقرّاء القرآن ، وإني أخاف أن يستحرّ القتل بالقرّاء في المواطن كلها ، فيذهب القرآن بذلك ، فقال له أبو بكر : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ، فقال عمر : هو والله خير ، فقال أبو بكر : فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر ، ثم إن أبا بكر قال لزيد بن ثابت : اجمع القرآن واكتبه في مصحف واحد ، لأنك كنت تكتب الوحي للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنت رجل شاب عاقل ، لا نتهمك ، فقال(5)زيد بن ثابت : فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال لما كان عليّ أثقل مما كلفني من جمع القرآن ، فقال زيد بن ثابت : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ، قال زيد بن ثابت : فلم يزل أبو بكر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح الله صدر أبي بكر وعمر ، ورأيت في ذلك مثل الذي رأَيا .
فقال زيد بن ثابت : فجعلت أتتبّع القرآن من الرقاع والأضلاع ، ومن العسب واللخاف ، ومن صدور الرجال .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص 96 .
(2) في جـ ، ز : " فقال " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) استحرّ بمعنى : اشتد ، أي اشتد القتل يوم اليمامة .
انظر لسان العرب ، 4 : 179 ، " حرر " .
(5) في جـ ، ز : " قال " .(1/155)
فجمع القرآن كله من صحائف متفرقات بين الأيدي ، وجمعه في صحف مجتمعات في موضع واحد ، ورتبه فيها كما هو مرتب في مصحف عثمان - رضي الله عنه - ، فبقيت تلك الصحائف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم كانت عند عمر حتى توفاه الله ثم كانت عند حفصة(1)بنت عمر ، حتى جمع منها القرآن في مصحف عثمان - رضي الله عنه - .
فتحصّل مما تقدّم : أن السبب الذي من أجله جمع أبو بكر القرآن هو مخافة ذهابه(2)بذهاب قرّائه .
وقد بيّن هذا كله الحافظ أبو عمرو في كتاب المنبهة(3)، فقال :
واستمعن قولي في المصاحف وما أنصّه عن الأسالف
من شأنها في زمن الصّدّيق والمرتضى عثمان ذي التوفيق
لما توفي رسول الله صلى عليه دائما الله
وولي الصّدّيق أمر الأمة من بعد ما جرت أمور جمّة
ارتدت العرب في البلدان وأعلنت بطاعة الشيطان
__________
(1) هي أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما . قال الذهبي : تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد
انقضاء عدتها من خنيس بن حذافة ، أحد المهاجرين إلى الحبشة ، رُوي لها في الصحيحين 60 حديثا . ولدت بمكة
سنة 18 هـ ، وتوفيت سنة 45 هـ .
انظر : سير أعلام النبلاء ، 2 : 227 ، شذرات الذهب ، 1 : 52 ، الأعلام ، 2 : 264 ، 265 .
(2) في جـ : " ذهاب القرآن " .
(3) هو أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو الداني الأموي القرطبي ، المعروف في زمانه ، الإمام العلامة ،
وشيخ مشايخ المقرئين . وابتدأ يطلب العلم وهو في الرابعة عشر من عمره ، رحل إلى مصر ، ومكث فيها
سنة ، ورحل إلى الأندلس ، ثم رجع إلى قرطبة . له تآليف تزيد على المائة ، من أشهرها : "التيسير
في القراءات السبع" ، "المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار" ، "المحكم في نقط المصحف" في
الضبط . عاش حياته كلها للقرآن الكريم متعلما ومعلما . توفي بمدينة دانية سنة 444 هـ .
انظر : غاية النهاية لابن الجزري ، 2 : 503 ، رقم 2091 ، معرفة القراء ، 226 – 228 .(1/156)
ومنعت فريضة الزكاة وفرضها قُرن بالصلاة
رءا خليفة النبي المصطفى جهادهم فريضة وشرفا
فجيش الجيوش والعساكر نحوهم ووجّه الأكابر
من المهاجرين والأنصار مرتجيا لنصرة القهار
فحقق الإله ما رجاه ورضي الله الذي رآه
وأيّد الجيش الذي أعدّه فقتلوا وأسروا المرتدّة
ولجأ البعض إلى الحصون وصالحوا على التزام الدين
وذاك بعد محنة وشدّة جرت على الصحب من أهل الردّة
واستشهد القرّاءة الأكابر يومئذ هناك والمشاهر
ووصل الأمر إلى الصّدّيق فحمد الله على التوفيق
وقال عند ذلك الفاروق مقالةً أيدها التوفيق
إني أرى القتل قد استحرّا بحاملي القرآن واستمرّا
وربما قد دار مثلُ ذاك عليهم فَعُدموا بذاك
فاسْتدرِك الأمر وما قد كانا وأعمل على أن تجمع القرآنا
وراجع الصّدّيق غير مرة فشرح الله بذاك صدره
فقال لابن ثابت إذ ذاكا إني لهذا الأمر قد أراكا
قد كنت في الغداة والعشي تكتب وحي الله للنبيّ
فأنت عندنا من السبّاق فاجمع كتاب الله في الأوراق
ففعل الذي به قد أمره معتمدا على الذي قد ذكره
وجمع القرآن في الصحائف ولم يميّز أحرف التخالف
بل رسم السبع من اللغات وكل ما صح من القرات
فكانت الصحف في حياته عند أبي بكر إلى مماته
ثمّة عند عمر الفاروق حين انقضت خلافة الصّدّيق
ثمّة صارت بعد عند حفصة لما توفي كما في القصّة(1)
قوله : (( وذاك حين قتلوا مسيلمة )) البيت ، هو إشارة إلى هذه القصّة [المذكورة](2)نظما ونثرا .
__________
(1) هذه الأبيات في الأرجوزة المنبهة على أسماء القراء والرواة وأصول القراءات وعقد الديانات بالتجويد
والدلالات ، لأبي عمرو الداني ، تحقيق محمد الجزائري ، ص 107 – 110 ، ط1 ، دار المغني ، الرياض .
(2) ساقطة من : " جـ " .(1/157)
قوله : (( مسيلمة )) نذكر هاهنا [ستة مطالب ، وهي ](1): اسمه وصفته ، وحاله مع النبي - عليه السلام - ، وحاله مع من تبرك به وحاله مع سجاح(2)وبلده .
أما اسمه – لعنه الله – ، فهو : هارون بن حبيب الحنفي(3)من بني حنيفة ، وكنيته أبو تمامه ، ولقبه مسيلمة ، قاله أبو عمر بن عبد البر(4)في الاستذكار(5).
وأما صفته : فهو قبيح الخلقة ، ذميم الصورة ، وصفاته على عكس النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) وهي سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان الثغلبية ، كان يقال لها مدعية النبوة . عزمت على محاربة
أبي بكر ، وذهبت إلى اليمامة فهادنها مسيلمة ، ثم عادت إلى قومها عندما أحسّت بقرب خالد من اليمامة.
(3) انظر : البداية والنهاية 6 : 320 ، الأعلام ، 3 : 78 .
(4) في جـ : " الحنيفي لعنه الله " .
(4) هو أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر ، الإمام الحافظ ، شيخ علماء الأندلس ، وكبير
محدثيها ، سمع من سعيد بن نصر وعبد الوارث ، وأحمد بن قاسم البزار ، وغيرهم ، وسمع منه جماعة ،
منهم : أبو العباس الدلائي ، وأبو محمد بن أبي قحافة ، وأبو عمرو سفيان بن القاضي . من مؤلفاته :
"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والمسانيد" ، "الاستذكار بمذهب علماء الأمصار" . توفي سنة 463 هـ .
انظر : الديباج المذهب ، ص 440 ، شجرة النور ، 1 : 176 .
(5) انظر الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني وآثار وشرح
ذلك كله بالإيجاز والاختصار ، للإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر ، وثّق أصوله وخرّج نصوصه
ورقمها وقنن مسائله ووضع فهارسه : عبد المعطي أمين ، 8 : 17 ، دار قتيبة للطباعة والنشر ، دمشق .(1/158)
وأما حاله مع النبي - صلى الله عليه وسلم - : فاعلم أن مسيلمة الكذاب – لعنه الله – أحد الكذابيْن اللذيْن ادّعيا النبوءة في زمان النبي - عليه السلام - : أحدهما : كذاب صنعاء(1)، والآخر كذاب اليمامة . فكذاب صنعاء : وهو الأسود بن كعب العنسي(2)كان يزعم أن ملكين يكلمانه . أحدهما : شهيق والآخر شريف . قال بعض العلماء : هذان الكذابان هما المراد بقوله تعالى : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ ?ُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } ، وقوله تعالى : { سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللَّهُ }(3)[ المراد به عبد الله بن أبي سراح(4)
__________
(1) صنعاء اسم لموضعين : أحدهما باليمن وهي العظمى ، والأخرى قرية في دمشق ، وصنعاء قصبة اليمن
وأحسن بلادها، كان اسمها قديما أزال ، تشبه دمشق لكثرة فواكهها وتدفق مياهها ، وتقع على خط الاستواء ،
ويكون فيها الجوّ معتدلا والساعات متقاربة صيفا وشتاء .
انظر معجم البلدان لياقوت الحموي ، 3 : 426 ، دار الفكر ، بيروت .
(2) هو عبهلة بن كعب بن عوف العنسي ذو الخمار ، من أهل اليمن ، أسلم وارتد أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسمى نفسه
رحمان اليمن ، كان مقتله قبل وفاة النبي - عليه السلام - . انظر البداية والنهاية ، 6 : 307 – 311 .
(3) سورة الأنعام ، من الآية 94 .
(4) 10) هو عبد الله بن سعد بن أبي السراح بن الحارث بن حبيب ، أسلم قبل الفتح وهاجر ، وكان يكتب الوحي
للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ارتدّ مشركا . توفي سنة 36 هـ . انظر الاستيعاب ، 3 : 919 .(1/159)
المرتد ، وسبب ارتداده : أنه كان يكتب الوحي للنبي - عليه السلام - ، فلما نزل قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلَلَةٍ مِّن طِينٍ }(1)، فكتبها إلى قوله : { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا ءَاخَرَ } ، فقال : "تبارك الله أحسن الخالقين" قبل أن يأمره النبي بكتابتها ، فقال له النبي - عليه السلام - : اكتبها ، فكذلك أنزلت ، فارتدّ ولحق بالكفار ، وقال : سأنزل مثل ما أنزل الله ، والعياذ بالله – تعالى – من الشرك والنفاق بمنّه وفضله ](2).
وقد ذكر النبي - عليه السلام - هذين الكذابين – أيضا – [ أعني مسيلمة الكذاب والأسود العنسي ](3)، فقال : (( رأيت في المنام أن في يدي سوارين من ذهب فأهمني ذلك فأوحى(4)إليّ أن أنفخهما ، فنفختهما فطارا فتأوّلتهما بالكذابين اللذين أنا بينهما كذاب صنعاء وكذاب اليمامة ))(5).
__________
(1) 11) سورة المؤمنون ، الآية 12 .
(2) ما القوسين المعقوفين ، مقدار ستة أسطر ، سقط من : " جـ " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) زاد في جـ : " الله " .
(5) أخرجه البخاري عن أبي هريرة في كتاب المغازي ، باب قصة الأسود العنسي ، 3 : 106 ، حديث 4379 ،
وأخرجه مسلم عن أبي هريرة ، في باب رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، 4 : 1781 ، حديث 2274 .(1/160)
وكان مسيلمة الكذاب يزعم أن جبريل - عليه السلام - ينزل عليه بالقرآن ، وكان قد اتخذ من يخبره بما ينزل على النبي - عليه السلام - من القرآن وغيره ، ويخبره بأحوال النبي - عليه السلام - ، ولما سمع ذكر(1)الرحمن ، سمى نفسه بالرحمن ، ولما اشتهر القرآن عند النبي - عليه السلام - وعند الناس عَلِم أنه لا يمكنه ادّعاءه لاشتهاره ، صار يخترع القرآن من تلقاء نفسه ، ويأتي بفجور وتخليط وتبديل وتخبيط ، كقوله – لعنه الله – : "والزارعات زرعا(2)والحاصدات حصدا ، والطاحنات طحنا ، والخابزات خبزا ، والثاردات ثردا" .
"يا ضفدع بنت ضفدعين نقي إلى ما تنقّين ، لا الماء تكدرين ولا الشراب(3)[ثم](4)أعلاك في الماء وأسفلك في الطين" .
وسمع(5)– أيضا – لعنه الله سورة الفيل ، فقال : "الفيل ما الفيل وما أدراك ما الفيل [دابة](6)له ذنب وثيل(7)، وخرطوم طويل" . إلى غير ذلك من فجوره لعنه الله . ورُوي عنه – لعنه الله – : أنه أرسل رسولين إلى النبي(8) - صلى الله عليه وسلم - فقال لهما النبي - عليه السلام - : (( أتشهدان أن مسيلة الكذاب رسول الله؟ ، فقالا : نعم ، فقال(9)النبي - عليه السلام - : لولا أن الرسول لا يقتل لضربت أعناقكما))(10).
__________
(1) في جـ : " ذلك " .
(2) في جـ : " والنازعات نزعا " .
(3) زاد في جـ : " تمنعين " . وفي ز : " تملكين " .
(4) ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(5) في جـ ، ز : " وقد سمع " .
(6) 10) ساقطة من : " جـ " .
(7) 11) الوثيل : الضعيف ، والوثيل : الحبل من الليف . انظر لسان العرب ، مادة " وثل " ، 11 : 722 .
(8) 12) في جـ ، ز : " إلى رسول الله " .
(9) 13) زاد في جـ ، ز : " لهما " .
(10) 14) أخرجه أحمد في مسنده ، 1 : 390 ، حديث 3708 ، وانظر سيرة ابن هشام ، تحقيق وضبط وشرح :
مصطفى السقّا وآخرون ، 4 : 247 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .(1/161)
وقد كتب – لعنه الله – كتابا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال فيه : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، سلام عليك . أما بعد : فقد اشتركت معك في الأرض ، فلنا نصف الأرض ، ولقريش النصف ، ولكن قريشا يعتدون .
وكتب(1)إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابا قال فيه : (( من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ، سلام على من اتبع الهدى . أما بعد : فـ { إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَّشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ? وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }(2).
فلما وصله كتاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أخفاه ، وكتب عن النبي - عليه السلام - كتابا وصله بثبوت الشراكة بينهما في الأرض ، وأخرج الكذاب – لعنه الله – ذلك الكتاب [الكذاب](3)إلى قومه ، فاقتنعوا بذلك .
وأما حاله مع من تبرّك به(4): فقد رُوي عن مسيلمة الكذاب – لعنه الله – أن رجلا أتاه بمولود له ، فقال له يا أبا ثمامة : أريد أن تبارك لي في هذا المولود ، فمسح يده على رأس المولود ، فقرع المولود ، وقرع كل مولود له .
وجاءه رجل آخر ، فقال له يا أبا ثمامة : إني رجل ذو عيال ، وليس لي مولود يبلغ سنتين حتى يموت ، غير هذا المولود ، وهو ابن عشر سنين ، وولد عندي ولد أمس ، فأحب أن تبارك لي فيه ، وأن يطيل الله عمره ، فجعل له اللعين عمره أربعين سنة ، فانصرف عنه الرجل فرحا مسرورا ، فما انقضى ذلك اليوم حتى مات المولودان معا الكبير والصغير ، فلما ماتا قالت أمهما : فوالله ما لأبي ثمامة منزلة عند الله مثل منزلة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) في جـ ، ز : " فكتب " .
(2) سورة الأعراف ، من الآية 127 . وانظر الأعلام ، 7 : 226 .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) انظر هذه الفضائح في البداية والنهاية لابن كثير ، 6 : 327 .(1/162)
وقد رُوي أن بني حنيفة حفروا بئرا ماؤها عذب فرات ، فجاءوا لمسيلمة(1)وقالوا له يا أبا ثمامة : نريد منك أن تقف لنا على هذا البئر لتبارك لنا فيه ، فأتى وبصق فيها فصار ماؤها ملحا أجاجا ، وغير ذلك من فضائحه لعنه الله .
وأما حاله مع سجاح التميمية ، فبيان ذلك : أن امرأة من بني تميم اسمها سجاح ادّعت أنها نبية ، وكانت قبيلتها تزعم أنها أولى بالنبوة من مسيلمة الكذاب ويقولون : الملك في أقربنا من سجاح ، وفي هذه المرأة يقول عطارد بن حاجبة(2)وكان كاتبها :
أَضْحَتْ نَبِيَّتُنَا أُنْثَى نَطُوفُ بِهَا وَأصْبَحَتْ أَنْبِيَاءُ اللهِ ذُكْرَانَا(3)
وقد جيّشت هذه المرأة جيوشا إلى قتال مسيلمة الكذاب ، فلما قدمت عليه قال لها : تعاليْ نتدارس النبوة أيّنا أحق بها . فقالت له سجاح : قد أنصفت ، فكانت متفقة معه على الكذب وعلى الافتراء على الله – تعالى – ، حتى قُتل مسيلمة الكذاب لعنه الله ، فأخذ خالد بن الوليد - رضي الله عنه - هذه المرأة التي هي سجاح ، فأسلمت ورجعت عما كانت عليه والتحقت بقومها .
وأما بلد مسيلمة الكذاب – لعنه الله – : فهي مدينة باليمن ، اسمها الآن اليمامة ، وكان يقال لها حجر اليمامة .
قال ابن السّكّيت(4):
__________
(1) في ز : " فجاءوا مسيلمة ..... " .
(2) هو عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي . ارتد بعد وفاة النبي - عليه السلام - ، وتبع سجاح ، ثم عاد إلى
الإسلام . توفي نحو سنة 20 هـ .
انظر : الإصابة ، 2 : 483 ، رقم 5566 ، الأعلام ، 4 : 236 ، البداية والنهاية ، 5 : 41 .
(3) ثم قال بعد هذا البيت : فلعنة الله رب الناس كلهم * على سجاح ومن بالكفر أغوانا .
هذه الأبيات من البسيط ، وهي من شواهد الأصفهاني في كتاب الأغاني ، 10 : 40 .
(4) هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن السكيت ، إمام في اللغة والأدب ، وأخذ عن البصريين والكوفيين ،
كالفراء ، وأبي عمرو الشيباني ، وغيرهم ، وكان معلما ببغداد ، وعهد إليه المتوكل العباس تأديب أبنائه
له مؤلفات كثيرة ، منها : "إصلاح المنطق" ، "الأضداد" ، وغيرها . توفي سنة 244 هـ .
انظر : بغية الوعاة ، 2 : 349 ، رقم 2159 ، الأعلام 8 : 159 .(1/163)
حجر اليمامة بفتح الحاء وسكون الجيم ، معناه : قصبة اليمامة(1).
ويقال لها – أيضا – جوّ اليمامة ، وهي معروفة في اليمن .
واليمامة في الحقيقة : اسم امرأة زرقاء ، يقال لها زرقاء اليمامة(2)، تضرب بها الأمثال في حدة البصر ، فيقال في المثل : "أبصر من زرقاء اليمامة" ، وسمّيت هذه المدينة باسم تلك المرأة .
وهذه المرأة اسمها : اليمامة بنت مرة ، من ذرية آرم بن سام بن نوح ، وقد رُوي أن تبّع بن تبان بن تبّع(3)
__________
(1) ما جاء في إصلاح المنطق : " حجر اليمامة بكسر الحاء " وليس بفتحها " .
انظر إصلاح المنطق لابن السكيت ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ، وعبد السلام هارون ، 1 : 17 ، ط4 ، دار
المعارف ، القاهرة ، 1949 م .
(2) يقال لها زرقاء اليمامة ، ويقال لها جوّ ، ويقال أن اسمها عنيز ، كانت حادة البصر تنذر قومها من الجيوش
الغازية .
انظر : شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام ، لبشير يموت ، تحقيق وتنقيح وشرح : عبد القادر محمد مايو
ص 108 ، ط1 ، دار العربي ، حلب ، 1998 م ، الأعلام ، 3 : 44 .
(3) وهو حسان بن تبان بن عمرو بن كليكرب بن تبع ، من ملوك حمير في اليمن ، وآخر التتابعة ، رجع مُلك
اليمن كله له بعد هلاك مضر وربيعة .
انظر : البداية والنهاية ، 2 : 163 ، الأعلام للزركلي ، 2 : 176 .(1/164)
لما جيّش الجيوش لحصر هذه المدينة التي هي اليمامة [فسار إليها حتى بقي بينه وبين اليمامة ثلاثة أيام ، فقال له رباح ابن مرة أخو اليمامة](1)بنت مرة : أيّها الملك إن لي أختا تزوجها رجل في هذه المدينة ليس على وجه الأرض أبصر منها ، تبصر الراكب على مسيرة ثلاثة أيام ، وأخاف أن تُنذر بنا قومها ، فقال له الملك تبّع : وما الرأي في ذلك؟ ، فقال له رباح بن مرة : الرأي في ذلك أن تأمر أهل العسكر أن يقتلعوا أشجارا ويحملوها أمامهم ، فأمرهم بذلك ففعلوه ، فنظرة اليمامة فرأتهم ، فقالت يا قوم : إني رأيت عجبا(2)، قالوا : وما هو؟ ، قالت : رأيت الأشجار تمشي على وجه الأرض تحملها الرجال ، وإني أرى رجلا خلف
شجرة ينهش كتفا ، أو يخصف(3)نعلا ، فكذّبوها ، فأنشدت(4)أبياتا تحرّضهم فيها على الحرب والتهيّء للقتال ، وهي هذه الأبيات(5):
إِنِّي أَرَى شَجَرًا مِنْ خَلْفِهَا بَشَرُ وَكَيْفَ يَجْتَمِعُ الأَشْجَارُ وَالْبَشَرُ
ثُورُوا بِِأَجْمَعِكُمْ فِي صَدْرِ أَوَّلِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَاعْلَمُوا ظَفَرُ
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) في جـ : " تعجبا " .
(3) الخصف : النعل ذات الطِّرَاق ، وكل طراق خصفة ، وخصف النعل يخصفها : خرزها .
انظر : القاموس المحيط للفيروزأبادي ، ص 724 ، " خصف ".
(4) في جـ : " وأنشدت " .
(5) أول هذه الأبيات : خذوا حذركم يا قوم ينفعكم ** فليس ما أرى بالأمر يحتقر .
انظر شاعرات العرب ، ص 109 .(1/165)
فلم يعبأ القوم بما قالته لهم ، حتى أصبح عليهم عدوهم فقتلوهم ، وأفنوهم وسبّوا ذراريهم ، فلما فرغوا ، دعا الملك باليمامة بنت مرة ، فنزعت عيناها ، ووجدوا في عيونها عروقا سوداء بعد أن سألها(1)الملك عن ذلك ، فقالت : إني أكتحل بحجر أسود يقال له الأثمد(2)، فإني أكتحل به فيبقى في عيني . وهي أول من اكتحل بالأثمد ، فاتخذه الناس من ذلك الوقت إلى الآن .
وإلى هذه المرأة أشار النابغة في شعره ، فقال(3):
احْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الْحَيِّ إِذْ نَظَرَتْ إِلَى حَمَامٍ شِرَاعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ(4)
يَحُفُّهُ جَانِبًا نِيقٍ وَتُتْبِعُهُ مِثْلَ الزُّجَاجَةِ لَمْ تُكْحَلْ مِنَ الرَّمَدِ
قَالَتْ: أَلاَ لَيْتَمَا هَذَا الْحَمَامُ لَنَا إِلَى حَمَامَتِنَا وَنِصْفُهُ فَقَدِ
فَحَسَبُوهُ فَأَلْفَوْهُ كَمَا حَسَبَتْ تِسْعًا وَتِسْعِينَ لَمْ تَنْقُصْ وَلَمْ تَزِدِ
فَكَمَلَتْ مِائَةً فِيهَا حَمَامَتُهَا وَأَسْرَعَتْ حِسْبَةً فِي ذَلِكَ الْعَدَدِ
__________
(1) في جـ ، ز : " فسألها " .
(2) الأثمد : هو حجر للكحل . انظر القاموس المحيط ، ص 245 ، " ثمد " .
(3) هذه الأبيات من بحر البسيط ، وقد قالها ضمن قصيدة طويلة يمدح فيها النعمان ، ويعتذر إليه .
انظر : ديوان النابغة ، ص 35 .
(4) الثمد :هو الماء القليل الذي لا مادة له ، وقيل هو الذي يظهر في الشتاء ويذهب في الصيف . والنيق هو الجبل
انظر : لسان العرب لابن منظور ، 3 : 105 ، " ثمد " ، القاموس المحيط ، ص 834 ، " نيق " .(1/166)
وذلك أن هذه المرأة التي هي زرقاء اليمامة ، قعدت ذات يوم في قصرها ، فنظرت إلى الجو [ فرأت](1)حماما يطير ، فتمنت أن يكون لها مثل ذلك الحمام ومثل نصف ذلك الحمام إلى حمامة كانت عندها ، فيكون عدد الحمام مائة كاملة ، والذي قالت حين رأت(2)هو هذا البيت(3):
لَيْتَ الْحَمَامَ لِيَهْ إِلَى حَمَامَتِيَهْ وَنِصْفَهُ قِدَيَهْ تَمَّ الْحَمَامُ مِيَهْ(4)
هذا البيت من بحر البسيط والهاء في الثلاثة الأشطار الأولى هي هاء السكت والاستراحة والوقف ، والياء قبل الهاءات الأولى الثلاثة هي ياء المتكلم وهي مفتوحة
واعلم أن عدد الحمام الذي رأته المرأة هو ست(5)وستون ، نصفه ثلاث وثلاثون مجموع ذلك تسع وتسعون إلى حمامتها ، فالجملة إذًا مائة كاملة .
انتهى الكلام في المطالب الستة المذكورة . فلنرجع إلى كلام الناظم ، فنقول :
قوله : (( وذاك حين قتلوا مسيلمة )) البيت ، أي وجمع الصّدّيق - رضي الله عنه - القرآن حين قتل الصحابة(6) - رضي الله عنهم - مسيلمة الكذاب وانقلبت جيوشه(7)وانهزمت .
الإعراب : قوله : (( وذاك )) الواو حرف عطف ، ذا مبتدأ ، والكاف حرف خطاب ، (( حين )) ظرف زمان العامل فيه ثابت أو مستقر وهو خبر المبتدأ ، (( قتلوا)) فعل ماض وفاعل ، (( مسيلمة )) مفعول ، (( وانقلبت )) الواو حرف عطف ، ((انقلبت)) فعل ماض وعلامة التأنيث ، (( جيوشه )) فاعل ومضاف إليه ، (( منهزمة )) حال من الجيوش ، وهي حال مؤكدة مبالغة في انقلابهم ؛ لأن الانهزام معناه الانقلاب . ثم قال :
[
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) زاد في جـ ، ز : " هذا الحمام " .
(3) 10) زاد في جـ ، ز : " وهو قولها " .
(4) 11) انظر ديوان النابغة ، ص 35 ، هامش .
(5) في جـ ، ز : " ستة " .
(6) في ز : " قتلوا الصحابة " . لعل الصواب ما أثبت ، لأن الفعل يجرّد إذا أسند إلى اثنين أو أكثر .
(7) في جـ : " جنوده " .(1/167)
9] وَبَعْدَهُ جَرَّدهُ الإِمَامُ **** فِي مُصْحَفٍ لِيَقْتَدِي الأَنَامُ
لمّا ذكر الناظم الجمع الأول وهو جمع أبي بكر الصّدّيق - رضي الله عنه - ، أراد أن يذكر الجمع الثاني وهو جمع عثمان[ بن عفان](1) - رضي الله عنه - واسمه عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، وكنيته أبو عمر ، وقيل أبو عبد الله ، واجتمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عبد مناف ، وولي الخلافة بعد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بإجماع الصحابة واجتهادهم - رضي الله عنهم - ، ومدة خلافته اثنا عشر سنة ، وعمره(2)ثمانون سنة ، وقيل اثنتان وثمانون سنة ، وقيل أربع وثمانون ، وقيل ست وثمانون سنة ، وقيل ثمانية وثمانون . ولقبه النبي - عليه السلام - بـ "ذي النورين" ، لأنه تزوج بنتي النبي - عليه السلام - وهو المراد بقول الناظم : (( الإمام )) .
والإمامة على قسمين : إمامة كبرى ، وهي إمامة الخلافة ، وإمامة صغرى ، وهي إمامة الصلاة ، والإمامتان مجتمعتان في عثمان - رضي الله عنه - .
والإمامة لغة : كل ما يُقتدى به ، ولذلك سمي إبراهيم - عليه السلام - إماما في قوله تعالى : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا }(3)، أي يُقتدى بك .
وسُمي الكتاب إماما ؛ لأنه يُقتدى بما فيه ، قال تعالى : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ }(4)، أي بكتابهم الذي جُمعت فيه أعمالهم .
وسُمي اللوح المحفوظ إماما ؛ لأنه يُقتدى بما فيه ، قال تعالى : { وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ }(5)، وهو اللوح المحفوظ .
وسُمي الطريق إماما ، لأنه يُقتدى به ، قال تعالى : { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ }(6)، أي بطريق واضح .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) في جـ : " ومدة عمره " .
(3) سورة البقرة ، من الآية 123 .
(4) سورة الإسراء ، من الآية 71 .
(5) سورة يس ، من الآية 11 .
(6) سورة الحجر ، من الآية 79 .(1/168)
قوله : (( وبعده [جرده الإمام](1)) الضمير في (( بعده )) عائد على الجمع المتقدّم في قوله أولا : (( جمعه في الصحف الصّدّيق )) ، أي وبعد الجمع المتقدّم جرده عثمان بن عفان . الضمير في (( جرده )) عائد على القرآن ، دلّ عليه السياق ، أو عائد على الرسم المتقدّم في قوله : (( أن أصل الرسم )) وهو رسم القرآن .
وقوله : (( جرده )) معناه لخّصه ، وسلخه ، وكتبه مجرّدا من الأحرف السبعة(2)التي أنزل الله - عز وجل - بها القرآن ، وأذن لعباده أن يقرءوا بها ، لقوله - عليه السلام - : (( نزل القرآن على سبعة أحرف وكلها شاف كاف فاقرءوا كيف شئتم ))(3)، فأخذ منها عثمان حرفا واحدا وهو حرف قريش ، وترك الستة الباقية .
قوله : (( ليقتدي الأنام )) اللام هي لام "كي" ، ويقال لها : لام العلّة ، يعني : أن العلّة التي من أجلها جرد الإمام القرآن من السبعة الأحرف ، وجعله على حرف واحد منها ، إنما هي الاقتداء .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) للعلماء أقوال في معنى الأحرف السبعة ، أوصلها بعضهم إلى أربعين قولا .
انظر : الإتقان ، 1 : 45 – 50 ، مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني ، 1 : 131 ، النشر في
القراءات العشر لابن الجزري 1 : 20 – 53 ، فضائل القرآن لابن حجر العسقلاني ، شرح وتقديم
السيد الجميلي ، ص 49 – 85 ، ط1 ، منشورات دار ومكتبة الهلال ، بيروت ، 1986 م .
(3) وردت رواية هذا الحديث بنقل صحيح من عدة وجوه بهذا المعنى .
أخرجه البخاري ومسلم بلفظ : " أن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه " .
وأخرجه أحمد بن حنبل ، ونصه : " إن القرآن نزل على سبعة أحرف " .
صحيح البخاري ، كتاب فضائل القرآن ، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ، 3 : 324 ، حديث 4992 ،
صحيح مسلم ، باب بيان أن القرآن نزل على سبعة أحرف ، 1 : 560 ، حديث 818 ، مسند أحمد ، 1 : 24
حديث 158 .(1/169)
قوله : (( الأنام )) ، الأنام هم الخلق . قال تعالى : { وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأََنَامِ }(1)، أي للخلق .
قوله : (( ليقتدى )) الاقتداء : هو الاتباع . قال الله تعالى : { فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ }(2)، وقال – أيضا – : { وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }(3).
وهاهنا خمسة ألفاظ : الاتباع ، والاقتفاء ، والاقتداء ، والافتقار ، والتأسي ، وهي كلها بمعنى واحد ، ومعناها : تتبع(4)الخبر المنقول ، والدخول في الأثر المعمول(5).
وقيل : الاقتفاء أبلغ(6)وآكد من الاتباع ؛ لأن الاتباع معناه : موافقة الأقوال والأفعال ، وقد يقع الإخلال في بعض الأحوال .
والاقتفاء معناه : ترك الإهمال والإخلال بسرّ حقائق الأفعال ، فمعنى قولهم : اقتفاء الأثر ، كناية عن المبالغة فيه ، وأخذ النفس بمطالعة أسراره وأغواره(7)، ومن هذا المعنى تسمية القافة لأهل المعرفة بأسرار الخلقة وتشبيه الجسوم بالمعاني الخفية يقال : قاف ويقوف قيافة يقفوا(8)، إذا اتبع وهو من المقلوب ، نحو : "جبذ" و"جذب" .
قوله : (( ليقتدى )) سكّن الناظم الياء ، مع أن الفعل منصوب بلام ((كي)) ؛ لتعذّر النظم بتحريكها ، وأيضا يجوز حذف الفتحة في حرف العلّة في بعض اللغات ، كما يجوز حذف الضمة والكسرة ، ومنه قول النابغة :
رَدَّتْ عَلَيْهِ أَقَاصِِيهِ وَلَبَّدَهُ ضَرْبُ الْوَلِيدَةِ بِالْمَسْحَاةِ فِي الثَّأْدِ(9)
والثأد : هو المكان الندي .
__________
(1) سورة الرحمن ، الآية 8 .
(2) سورة الأنعام ، من الآية 91 .
(3) سورة الزخرف ، من الآية 22 .
(4) في جـ ، ز : " تسمع " .
(5) في جـ : " المفعول " .
(6) زاد في جـ ، ز : " وأقوى " .
(7) الغور : القعر من كل شيء .
انظر القاموس المحيط ، مادة " غور " ، 408.
(8) المصدر نفسه ، مادة " قوف " ، ص 763 .
(9) هذا البيت في ديوانه ، ص 30 ، وانظر معنى "الثأد" في القاموس المحيط ، مادة " ثأد " ، ص 245 .(1/170)
قوله : "أقاصيه" ، يعني أقاصِيَه بفتح الياء فقدر الفتحة في الياء .
وقوله : (( ليقتدى الأنام )) هذا إشارة إلى السبب الذي من أجله جمع الإمام عثمان بن عفان القرآن ، مجرّدا على حرف واحد ، وبيان ذلك(1): أن السبب الذي من أجله جرّده عثمان على حرف واحد ، هو كثرة الاختلاف الواقع بين الناس في القرآن في زمانه ، حتى نسب بعضهم إلى بعض الكفر ، ويقول بعضهم لبعض : قراءتي أولى من قراءتك ، وظهرت بينهم في ذلك منازعة ومباغضة عظيمة ، وذلك حين جيش حذيفة بن اليماني(2) - رضي الله عنه - جيوش الشام والعراق عند فتح أرمينية وأذربيجان(3)،
__________
(1) انظر : في تاريخ القرآن وعلومه ، لمحمد الدسوقي ، ص 60 ، 61 ، ط1 ، المنشأة العامة للنشر والتوزيع ،
طرابلس ، ليبيا ، 1983 م .
(2) هو حذيفة بن حِسل اليماني بن جابر بن عمرو بن ربيعة العبسي ، الغطفاني ، يكني بأبي عبد الله ، الصحابي
الجليل - رضي الله عنه - . شهد أحدا والخندق وما بعدهما . ووردت عنه الرواية في حروف القرآن . توفي سنة 36 هـ .
انظر : الإصابة 1 : 317 ، رقم 1647 ، غاية النهاية ، 1 : 203 ، رقم 938 ، الأعلام ، 2 : 171 .
(3) أرمينية وأذربيجان : منطقتان كانتا ببلاد فارس ، بها عمارة كثيرة وعُمران ، فتح المسلمون أرمينية في زمن
عثمان بن عفان سنة 24 هـ ، وفتحوا أذربيجان في زمن عمر بن الخطاب .
انظر معجم البلدان ، 1 : 128 ، 129 .(1/171)
فلما شهد حذيفة ذلك الاختلاف ، فقال لعثمان - رضي الله عنه - : يا أمير المؤمنين بادر القرآن واجمعه على حرف واحد ، قبل أن يختلف الناس [فيه](1)اختلاف اليهود والنصارى ، فاستشار عثمان في ذلك الجمع(2)المهاجرين والأنصار ، فحضّوه على ذلك وحرّضوه عليه ، ولا منازع له في ذلك ولا مخالف ، فأرسل عثمان - رضي الله عنه - إلى حفصة بنت عمر – رضي الله عنهما – أن أرسلي إلينا الصحائف ننسخها في المصحف(3)، ففعلت ذلك ، فقال عثمان(4): أي الناس أعرب؟ فقالوا : سعيد بن العاص(5)، فقال : وأي الناس أكتب؟ ، فقالوا : زيد بن ثابت ، فقال عثمان - رضي الله عنه - : فليملّ سعيد ، وليكتب زيد ، وأحضر عثمان معهما رجلين : عبد الله بن الزبير(6)وعبد الرحمن ابن الحارث(7)،
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) أي جمع القرآن على حرف واحد .
(3) في جـ ، ز : " في المصاحف " .
(4) في جـ ، ز : " عثمان - رضي الله عنه - " .
(5) هو سعيد بن العاص بن سعيد بن أميّة ، الأموي ، القرشي ، من مشاهير الصحابة ، وفصحاء
قريش ، أحد الذين كتبوا لعثمان . ولد سنة 3 هـ ، وتوفي سنة 59 هـ .
انظر : الإصابة ، 2: 47 ، رقم 3268 ، الطبقات الكبرى ، 5 : 30 .
(6) هو عبد الله بن الزبير بن العوام ، القرشي ، الأسدي ، أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة بعد الهجرة ، شهد
فتح إفريقيا في زمن عثمان ، وبويع له بالخلافة سنة 64 هـ ، قتله الحجاج بن يوسف في أيام عبد الملك بن
مروان سنة 73 هـ .
انظر : الإصابة ، 2 : 309 ، رقم 1535 ، غاية النهاية ،1 : 419 ، رقم 1771 .
(7) هو أبو محمد ، عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة ، المخزومي القرشي ، المدني ، أحد الذين عهد
إليهم عثمان بن عفان نسخ المصحف . كان من روّاة الحديث ، وروي عنه أولاده ، أبو بكر والمغيرة ،
وغيرهم ، ولد في السنة الأولى للهجرة ، وتوفي سنة 43 هـ .
انظر : الأعلام للزركلي ، 3 : 303 .(1/172)
فقال عثمان لزيد [بن ثابت](1): إذا اختلفت أنت مع الرهط الثلاثة القريشيين(2)، فاكتبوه بلسان قريش ، فإن القرآن نزل بلغة قريش ، فلم يختلفوا في شيء إلا في حرف واحد ، وهو: { التَّابُوتُ } في سورة البقرة(3)، فقال زيد : "التابوه" بالهاء ، وقال الرهط القريشيون : "التابوت" بالتاء ، فارتفعوا إلى عثمان ، فقال لهم : اكتبوه بالتاء(4).
فتحصّل من هذا : أن السبب الذي من أجله جمع عثمان القرآن وجرده على حرف واحد هو : الاختلاف الواقع بين الناس بزمانه(5).
وقد بيّن أبو عمرو هذا كلّه في كتاب المنبهة(6):
وولي الناسَ الرضى عثمانُ وبايع الكل له ودانُوا
فحضهم معا على الجهاد فانبعث القوم على معاد
وقصدوا مصححين النية نحو أذربيجان وأرمينيّة
فاجتمع الشامي والعراقي في ذلك الغزو على وفاق
فسمع البعض قراءة البعض فقبلوا قراءتهم بالنقض
واختلفوا(7)في أحرف التلاوة حتى بدت بينهم العداوة
ووصل الأمر إلى عثمان أخبره حذيفة بالشأن
وما جرى بينهم هناك وما رءا من أمرهم في ذاك
فقال هذا الأمر فأدركه فهو مفضل فلا تتركه
فجمع الإمام من بالدار من المهاجرين والأنصار
وقال قد رأيت أمرا فيه مصلحة وهو ما أحكيه
رأيت أن أجمع هذه الصحف في مصحف بصورة لا تختلف
أدخله ما بين دفتين فصوب الكل لذي النورين
ما قاله وما رءا من ذلك(8)ولم يكن مخالفا هناك
وقال لابن ثابت تولى هذا فأنت الثقة المعلى
لذاك قد قدمك الصّدّيق فأنت لا شك به حقيق
لكنني أشرك في الكتابة معك أفرادا من الصحابة
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) زاد في جـ ، ز : " في شيء " .
(3) 10) في الآية 246 .
(4) 11) انظر القصة بتمامها في : صحيح البخاري ، كتاب فضائل القرآن ، باب جمع القرآن ، 3 : 322 ،
حديث 8749 ، المقنع ، ص 4 ، الإتقان ، 1 : 57 ،
(5) 12) في جـ ، ز : " في زمانه " .
(6) زاد في جـ ، ز : " فقال " .
(7) في جـ : " واختلف " .
(8) في جـ : " من ذاك " .(1/173)
متى اختلفتم في الكتابة فارفعوا خلافكم إليّ لا تضيعوا
وجردوا حرف قريش إني أثرته على اجتهاد مني
وهو الذي القرآن به نزلا فلا أرى عنه إذا أن يعدلا
فاجتمعوا وكتبوا الإمام(1)واجتهودا ونصحوا الأنام(2)
ونسخوا من ذلك الإمام مصاحفا تبقى مع الأيام
ووجهوا بها إلى الآفاق فحصلت بالشام والعراق
وشققوا الصحف والمصاحفا بعد وما مرسومه قد خالفا
فارتفع الخلاف والتلاوة وزالت البغضاء والعداوة
من ذاك العصر إلى ذا العصر بكل قطر وبكل مصر
فهذه القصة في المصاحف كما رواها خالف عن سالف(3)
قوله : (( وبعده جرده الإمام )) التجريد يقتضي المجرّد منه والمجرّد .
فالمجرّد : هو الحرف الذي كتب عليه عثمان - رضي الله عنه - القرآن .
والمجرّد منه : هو الستة الأحرف الباقية ؛ لأن القرآن نزل على سبعة أحرف .
والدليل على هذا : أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، قال : سمعت هشام بن حكيم(4)يقرأ سورة الفرقان على خلاف ما أقرأُها عليه ، فأتيت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له يا رسول الله : إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على خلاف ما أقرأتنيها ، فقال له - عليه السلام - : اقرأ ، فقرأ كما سمعته ، فقال - عليه السلام - : هكذا أنزلت ، فقال لي : اقرأ فقرأت ، فقال - عليه السلام - : هكذا أنزلت . (( إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه ))(5)،
__________
(1) في جـ ، ز : " الإماما " .
(2) في جـ ، ز : " الأناما " .
(3) انظر الأرجوزة المنبهة ، ص 110 – 114 .
(4) هو هشام بن حكيم بن حزام بن خويلد القرشي ، الأسدي ، صحابي ابن صحابي ، أسلم يوم فتح مكة ، كان من
فضلاء الصحابة وخيارهم . توفي بعد 15 هـ .
انظر : الإصابة ، 3 : 603 ، رقم 8963 ، الاستيعاب ، 3 : 593 .
(5) أخرجه : البخاري في صحيحه ، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ، 1 : 1909 ،حديث 4706 ،
ومسلم في صحيحه ، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف ، 1: 560 ، حديث 818 ، والترمذي في سننه ،
باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ، 5 : 193 ، حديث 2943 .(1/174)
وفي لفظ آخر : ))نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف فاقرءوا كيف شئتم))(1). فلا يجوز لأحد أن يقرأ بما يخالف المرسوم في مصحف عثمان - رضي الله عنه -
وأما القراءة باللغات الموافقة للمرسوم في مصحف عثمان ، فهي جائزة لثبوت صحتها بنقل العدول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما هو المعروف عند القراء(2)السبعة الناقلين عن الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين(3).
وهاهنا عشرون سؤالا :
أحدها ما فعل عثمان - رضي الله عنه - بالصحائف حين نسخ منها المصاحف؟
فقيل : ردّها إلى حفصة ، وقيل : بل خرقها ، أي مزّقها وشقّقها ، قطعا لمادة الخلاف ، وهذا القول هو المشهور(4)، وعليه الجمهور .
قال أبو عمرو في المنبهة(5):
وشققوا الصحف والمصاحفا بعد وما مرسومه قد خالفا
السؤال الثاني : ما عدد النسخ التي جمع(6)فيها عثمان القرآن؟
ففيه قولان(7): - قيل أربع نسخ ، - قيل سبع نسخ .
والمشهور الذي عليه الجمهور أربع نسخ : إحداها إلى المدينة ، وأخرى إلى البصرة وأخرى إلى الكوفة ، وأخرى إلى الشام .
ومن قال هي سبع نسخ ، قال الخامسة إلى اليمن ، والسادسة إلى البحرين ، والسابعة إلى مكّة .
وقد أشار أبو القاسم الشاطبي في العقيلة إلى هذين القولين ، فقال(8):
__________
(1) سبق تخريجه في ص 128 .
(2) في جـ : " الفقهاء " .
(3) في جـ : " رضوان الله عليهم أجمعين " .
(4) نقل ابن أبي داود في رواية أنها كانت أربعة .
انظر كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستاني ، ص 20 ، مؤسسة قرطبة للنشر والتوزيع ، القاهرة .
(5) انظر الأرجوزة المنبهة ، ص 113 .
(6) في جـ : " اجتمع " .
(7) ذكر أبو عمرو الداني القولين ، وقال : " والأول أصح وعليه الأئمة " .
انظر : المقنع ، ص 9 ، الإتقان للسيوطي ، 1 : 60 .
(8) انظر شرح تلخيص الفوائد وتقريب المتباعد على عقيلة أتراب القصائد ، لابن القاصح ، راجعه وعلّق عليه :
الشيخ عبد الفتاح القاضي ، ص 15 ، مطبعة مصطفى الحلبي وأولاده ، مصر .(1/175)
وَسَارَ فِي نُسَخٍ مِنْهَا مَعَ الْمَدَنِي كُوفٍ وَشَامٍ وَبَصْرٍ تَمْلَأُ الْبَصَرَا
وَقِيلَ مَكَّةَ وَالْبَحْرَيْنِ مَعْ يَمَنٍ ضَاعَتْ بِهَا نُسَخٌ فِي نَشْرِهَا قُطُرَا
السؤال الثالث : هل ترتيب القرآن في مصحف عثمان كترتيبه في مصحف أبي بكر أم لا؟
فاعلم أن الترتيب العثماني كالترتيب الصّدّيقي باتفاق العلماء ؛ لأن ترتيب القرآن معلوم عند الصحابة - رضي الله عنهم - ، تعلموا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
السؤال الرابع : هل ترتيب القرآن في المصحف بالوحي أو بالاجتهاد؟
فاعلم أن ترتيبه في المصحف بالوحي من الله – تعالى – إلى رسول الله(1) - صلى الله عليه وسلم - ، لأن النبي - عليه السلام - يعلّم ترتيب القرآن لأصحابه - رضي الله عنهم - ، ويقول لهم : هذه الآية تُكتب بعد آية كذا [ في سورة كذا](2).
السؤال الخامس : هل ترتيب القرآن في الإنزال كترتيبه في المصحف أم لا ؟
فاعلم أن الترتيب الإنزالي مخالف للترتيب المصحفي باتفاق ، ولأنهم قالوا(3): أول ما نزل من القرآن أول سورة العلق ، إلى قوله : { مَا لَمْ يَعْلَمْ }(4)، وقيل : سورة المدّثّر .
__________
(1) في جـ : " إلى الرسول " .
(2) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) اختلف العلماء في أول ما نزل من القرآن ، وآخر ما نزل ، فالمشهور في أول ما نزل سورة العلق ، وآخر ما
نزل ، قوله تعالى : { وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ...... } ، سورة البقرة ، من الآية 280 .
انظر : الإتقان ، 1 : 23 – 28 ، مناهل العرفان ، 1 : 86 – 93 .
(4) سورة العلق ، من الآية 5 .(1/176)
وآخر ما نزل من القرآن ، قوله [ تعالى](1): { وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }(2)، وقيل : قوله تعالى : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَللَةِ }(3)إلى آخره ، وقيل : قوله تعالى : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ }(4).
السؤال السادس : هل ترتيب القرآن في المصحف كترتيبه في اللوح المحفوظ أم لا ؟ ، فاعلم أن ترتيبه في المصحف كترتيبه في اللوح المحفوظ .
السؤال السابع : لأي شيء أسقط عبد الله بن مسعود أم القرآن من مصحفه ؟ مع أنها من القرآن بإجماع ، لثبوتها في مصحف عثمان .
فالجواب أن تقول : إنما أسقطها من مصحفه ؛ لأن العلّة التي من أجلها جمع القرآن في المصحف مأمونة على الفاتحة ، [ وهي مخافة الشك والنسيان وهذه العلّة مأمونة على الفاتحة ](5)؛ لأنها تثنى في كل صلاة ، وتقرأ في كل ركعة ، ولأنها واجبة على كل مكلّف ، بخلاف غيرها من السور فلا تجب ، لقوله تعالى : { فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ }(6). ولأجل هذا قال أنس(7)
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) سورة البقرة ، الآية 280 .
(3) سورة النساء ، من 175 .
(4) سورة التوبة ، من الآية 126 . وزاد في ز : " إلى آخره " .
(5) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) سورة المزمل ، من الآية 20 .
(7) هو أبو حمزة ، أنس بن النضر ، الأنصاري ، الخزرجي ، من فقهاء الصحابة ، وأحد المكثرين من الحديث ،
أقام في المدينة ، ثم مكث بالبصرة إلى أن توفي سنة 93 هـ .
انظر : الإصابة لابن حجر ، 1 : 71 ، رقم 277 ، الاستيعاب لابن عبد البر ، 1 : 71 .(1/177)
- رضي الله عنه - : "كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران جدّ فينا ، أي جلّ في عيوننا ، وعظم في صدورنا" . ولا يجوز أن يجاب عن هذا بأن يقال : إنما أسقطها ؛ لأنها ليست عنده من القرآن ، لأن هذا لا يقوله عاقل لخرق الإجماع ، فضلا عن هذا الحبر العظيم ، وفيه قال النبي - عليه السلام - : (( من أحب أن يقرأ القرآن غضّا كما أنزل فليقرأه قراءة ابن أم عبد ))(1).
وفيه قال عمر(2): (( كُنيف مُلئ علما )) ، والكنيف تصغير كنف ، والكِنْفُ هو الوعاء
السؤال الثامن : لأي شيء – أيضا – أسقط ابن مسعود المعوذتين من مصحفه ؟ مع أنهما من القرآن بإجماع ، لثبوتهما في مصحف عثمان .
فقال أبو محمد بن قتيبة في كتاب تأويل المشكل(3): " إنما أسقطهما من مصحفه ظنًّا منه أنهما ليستا من القرآن ، وأنهما كسائر التعوذات " ، كقوله - عليه السلام - : ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ))(4)،
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب بلفظ : " من سره .........إلخ " ، 1 : 38 ، حديث 265 ،
وأخرجه ابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن مسعود ، 1 : 49 ، حديث 138 ،.
(2) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ، 9 : 349 ، حديث 9735 .
وانظر القاموس المحيط في معنى الكنف ، ص765 ، " كنف" .
(3) تأويل مشكل القرآن ، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، علّق عليه ووضع حواشيه :
إبراهيم شمس ، ص 34 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2002 ف .
(4) أخرجه أبو داود عن ابن عباس ، ولفظه : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين أعيذكما بكلمات الله التامة
من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة ، ثم يقول : كان أبوكم يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق " .
سنن أبي داود ، باب في القرآن ، 4 : 235 ، حديث 4737 .
كما أخرجه الترمذي ، 4 : 396 ، حديث 2060 ، وابن ماجه ، 2 : 1164 ، حديث 3525 ، باختلاف يسير(1/178)
وغير ذلك من التعوذات ، لأنه رآه - عليه السلام - يعوذ بها الحسن(1)والحسين(2)، وغيرهما من الناس ، كما يعوذهما بغير المعوذتين من التعوذات ، فظن أنهما كسائر التعوذات ، وانفرد بهذا كما انفرد بالتطبيق ، وهو جمع اليدين بين الركبتين في الركوع " .
السؤال التاسع : لأي شيء أثبت أبيّ بن كعب(3)في مصحفه القنوت وجعله في مصحفه ؟ مع أنه ليس من القرآن ، مع أنه لم يكن في مصحف عثمان بإجماع .
فأجاب عنه أبو محمد بن قتيبة في كتاب تأويل المشكل ، فقال(4): إنما أثبته في مصحفه ظنًّا منه أنه عنده من القرآن ، لأنه لما رءا النبي - عليه السلام - يدعو بها في الصلاة على الدوام ظن أنه من القرآن ، وقد انفرد بهذا ، وهو مردود عليه بالإجماع .
السؤال العاشر : ما معنى قول عثمان ناظرا في المصحف بعد كماله ؟ فقال في المصحف : لحن ستقيمه [العرب](5)بألسنتها ، إذ لا يجوز [على](6)عثمان أن يرى خطأً في المصحف ، فيتركه على حاله .
ففي الجواب عن هذا ثلاثة أقوال :
__________
(1) الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي . ولد سنة ثلاث من الهجرة . وتوفي سنة 49 هـ .
انظر الإصابة ، 1 : 328
(2) الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي . ولد في المدينة المنورة ونشأ في بيت النبوة .
توفي سنة61 هـ . انظر الإصابة ، 1 : 332 .
(3) هو أبيّّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار ، أبو المنذر الأنصاري ،
عرض القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أخذ عنه القراءة : ابن عباس وأبو هريرة وعبد الله بن السايب ، وغيرهم .
شهد بدرا ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه : " أقرؤهم للقرآن " . توفي سنة 20 هـ .
انظر : معرفة القراء ، ص 13 ، 14 ، غاية النهاية ، 1 : 31 ، رقم 131 .
(4) انظر تأويل مشكل القرآن ، ص 34 .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) ساقطة من : " جـ " .(1/179)
أحدها : أن هذا الخبر غير صحيح ولا منقول عن عثمان - رضي الله عنه - ، وقيل : أراد باللحن هاهنا المجاز ، أي لحن في اعتقاد الجاهل بغير لغة قريش ، وقيل : أراد باللحن هنا المجاز – أيضا – أي لحن في اعتقاد الجاهل بأحكام الخط ، وذلك في الأحرف التي خالف خطها قراءتها ، نحو قوله تعالى : { لأَاْوْضَعُواْ }(1)، و { لأَاْذْبَحَنَّهُ? }(2)، و { بِأَييِّكُمُ }(3)، و { بِأَيَيْدٍ }(4)، { وَلأُوْصَلِّبَنَّكُمْ }(5)، و { سَـ?ُوْرِيكُمْ }(6)، وغير ذلك من الألفاظ التي زيد فيها الألفات ، أو الواوات ، أو الياءات(7)؛ لأن هذه الألفاظ لو قرئت كما رسمت ، لاختلّ المعنى .
وقد بيّن الشاطبي هذا في العقيلة(8):
وَكُلُّ مَا فِيهِ مَشْهُورٌ بِسُنَّتِهِ وَلَمْ يُصِبْ مَنْ أَضَافَ الْوَهْمَ وَالْغِيَرَا
وَمَنْ رَوَى سَتُقِيمُ الْعُرْبُ أَلْسُنَهَا لَحْنًا بِهِ قَوْلَ عُثْمَانٍ فَمَا شُهِرَا
لَوْ صَحَّ لاَحْتَمَلَ الإِيمَاءَ فِي صُورٍ فِيهِ كَلَحْنِ حَدِيثٍ يَنْثُرُ الدُّرَرَا
__________
(1) في قوله تعالى : { ..... وَلأَاْوْضَعُواْ خِلَلَكُمْ ...... } ، سورة التوبة ، من الآية 47 .
(2) في قوله تعالى : { ..... أَوْ لأَاْذْبَحَنَّهُ? أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَنٍ مُّبِينٍ } ، سورة النمل ، من الآية 21 .
(3) في قوله تعالى : { .... بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ } ، سورة القلم ، من الآية 6 .
(4) في قوله تعالى : { وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيَيْدٍ .... } ، سورة الذاريات ، من الآية 47 .
(5) من الآية 70 في طه ، وفي الشعراء ، من الآية 49 ,
(6) 10) في سورة الأعراف ، من الآية 145 ، وسورة الأنبياء ، من الآية 37 .
(7) 11) في جـ : " زيدت فيها الألفات أو الياءات ، أو الواوات " .
(8) 12) انظر تلخيص الفوائد ، ص 5 – 7 . وزاد في جـ : " فقال " .(1/180)
وَقِيلَ مَعْنَاهُ فِي أَشْيَاءَ لَوْ قُرِئَتْ بِظَاهِرِ الْخَطِّ لاَ تَخْفَى عَلَى الْكُبَرَا
لأَاوْضَعُوا وَجَزَاؤُا الظَّالِمِينَ لأَاذْ بَحَنَّهُ وَبِأَيَيْدٍ فَافْهَمِ الْخَبَرَا
السؤال الحادي عشر : ما معنى قول عائشة(1)– رضي الله عنهما – : " في المصحف أحرف هي خطأ من الكاتب" ؟ ، قالت ذلك حين سُئلت عن إعراب ثلاثة أحرف ، وهي : قوله تعالى : { لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ }(2)الآية ، وقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابُونَ وَالنَّصَارَى }(3)في المائدة ، وقوله تعالى : { قَالُواْ إِنَّ هَاذَانِ لَسَاحِرَانِ }(4).
ففي الجواب عن هذا قولان :
أحدهما(5): أن هذا الخبر ليس بصحيح عن عائشة .
الثاني(6): أن المراد باللحن هاهنا المجاز ، أي هي خطأ في اعتقاد الجاهل بغير لغة قريش ، لأن هذه الحروف كتبت على غير لغة قريش .
السؤال الثاني عشر : هل يجوز لكاتب المصحف أن يكتب بعض السورة أو بعض الآية ويترك البعض الآخر(7)؟
__________
(1) هي عائشة بنت أبي بكر الصّدّيق ، أم المؤمنين رضي الله عنها ، أفقه نساء المسلمين ، وأعلمهن بالدين
والأدب ، وكان أعلام الصحابة يسألونها عن الدين . توفيت سنة 58 هـ .
انظر : الإصابة ، 8 : 16 ، رقم 11457 ، وفيات الأعيان ، 3 : 16 ، رقم 318 .
وفي جـ : " ما معناه قول عائشة " .
(2) سورة النساء ، من الآية 161 .
(3) سورة المائدة ، من الآية 71 .
(4) سورة طه ، من الآية 62 .
(5) انظر تأويل مشكل القرآن ، ص 36 .
(6) انظر المقنع ، ص 118 ، 119 .
(7) في جـ : " هل يجوز لكاتب المصحف أن يترك بعض السور وبعض الآية ويكتب البعض " .(1/181)
فقال أبو محمد بن قتيبة في كتاب تأويل المكشل(1): يجوز ذلك ولكن هذا على طريق المجاز ، والأفضل أن يكتبه على ترتيب المصحف ، ودليل ذلك(2): أنه - عليه السلام - مرّ ببلال(3)وهو يقرأ آية من سورة كذا وآية من سورة كذا ، فسأله - عليه السلام - عن ذلك ، فقال : أخلط الطيب بالطيب ، فقال له - عليه السلام - : (( اقرأ السورة على هيئتها ))(4)[ فنهاه - عليه السلام - عن ذلك ](5).
السؤال الثالث عشر : ما سبب الاختلاف في المصاحف بالحذف والإثبات ، والقطع والوصل ، وبالزيادة والنقصان ، وغير ذلك ؟ وهل لا يُكتب الحرف على وجه واحد في جميع المصاحف ؟ ، أعني أن تكتب الكلمة في جميع المصاحف بالحذف خاصّة ، أو بالإثبات خاصّة ، أو بالقطع خاصّة ، أو بالوصل خاصّة ، أو بالزيادة خاصّة ، أو بالنقصان خاصّة ، أو بغير ذلك .
فسبب ذلك يختلف باختلاف المسائل والأبواب .
فتارة يكون سببه : الاختصار ، أو الإعلام بالوجوه السبعة التي نزل بها القرآن ، لقوله - عليه السلام - : (( نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف ، فاقرءوا كيف شئتم ))(6)، كما يقال كثيرا في حذف الألف .
__________
(1) انظر تأويل مشكل القرآن ، ص 36 .
(2) في جـ : " والدليل على ذلك " ..
(3) 10) هو بلال بن رباح الحبشي ، أبو عبد الله ، مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وخازنه على بيت ماله ، أحد السابقين
للإسلام ، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . توفي في دمشق سنة 20 هـ .
انظر الأعلام ، 2 : 73 .
(4) 11) أخرجه أبو عبيد عن سعيد بن المسيب . قال السيوطي هو مرسل صحيح . انظر الإتقان ، 1 : 109 .
(5) 12) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " ، وما بين المعقوفين في ز : " فنبهه عليه السلام على الأفضل " .
(6) سبق تخريجه في ص 128 .(1/182)
وتارة يكون سببه : الاكتفاء بالحركات عن الحروف ، كما يقال كثيرا في حذف الياء والواو(1). وتارة يكون سببه : التنبيه على التحقيق أوالتسهيل ، كما يقال في باب الهمز . وتارة يكون سببه : الفرق بين متشابهين ، أو غير ذلك ، كما يقال في زيادة حروف العلّة في المواضع التي زيدت فيها . وتارة يكون سببه : التنبيه على الأصل ، أو على وفاق اللفظ ، كما يقال في باب المقطوع والموصول . وتارة يكون سببه غير ذلك . وستقف على جميع ذلك مبيّنا في مواضعه إن شاء الله .
قال أبو عمرو في المحكم(2): " وليس شيء من الرسم ، ولا من النقط الذي اصطلح عليه السلف الصالح – رضوان الله عليهم – إلا وقد حاولوا به وجها من الصحة والصواب ، وقصدوا فيه طريقا من اللغة والقياس ، لموضعهم من العلم ، ومكانتهم من الفصاحة . علم ذلك من علمه وجهله من جهله . والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم(3)" .
السؤال الرابع عشر : هل يجوز في الاختلافات الكائنات [ في المصاحف ](4)بالحذف في بعضها والإثبات – مثلا – في بعضها أن تجمع في كلمة واحدة أم لا ؟
فذلك لا يجوز لوجهين : لأنه بدعة محدثة ، ولأنه يوحي(5)إلى الالتباس .
__________
(1) علّل الزرقاني كتابة عثمان - رضي الله عنه - مصاحف متعددة ، قصد اشتمالها على الأحرف السبعة ، لذلك كتبت هذه
المصاحف متفاوتة في الإثبات والحذف ، وغيرها ، وجعلت خالية من النقط والشكل تحقيقا لهذا الاحتمال .
(2) انظر مناهل العرفان ، 1 : 252 .
(3) المحكم ، ص 196 .
(3) اقتباس من قوله تعالى : { وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } ، سورة الحديد ،
من الآية 28 .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) في ز : " يؤدي " . لعله هو الصواب .(1/183)
السؤال الخامس عشر : هل يجوز أن تجمع قراءات شتى في كلمة واحدة – أعني أن تكتب الكلمة بجميع الوجوه التي تقرأ بها عند القراءة – أم لا(1)؟
فاعلم أن ذلك لا يجوز ، لأن ذلك يؤدي إلى الالتباس والتخليط(2).
السؤال السادس عشر : ما الحكمة في نزول القرآن باللغة العربية دون غيرها من سائر اللغات؟
فإنما ذلك : لأنها لغة الذي أنزل عليه ، وهو نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، لقوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ? }(3)، أي إلا بلغة قوم ذلك النبي ، لأنه لو أنزل(4)عليه باللغة العجمية ، لكان ذلك تكليف ما لا يطاق .
السؤال السابع عشر : هل في القرآن شيء من ألفاظ العجم أم لا ؟
فاختلف أرباب الأصول(5)على قولين :
__________
(1) كلمة " أم لا " في جـ ، ذكرت بعد : " كلمة واحدة " .
(2) انظر المقنع ، ص 126 .
(3) سورة إبراهيم ، من الآية 5 .
(4) في جـ : " نزل " .
(5) زاد في ز : " في هذا " .(1/184)
ولكن مذهب المحققين : أن في هذا القرآن ألفاظًا من اللغة العجمية(1)، ودليله وجود ذلك في القرآن ، نحو قوله تعالى : { مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ }(2)، و { الْقُسْطَاسِ }(3)و { سِجِّيلٍ }(4)، و { كَمِشْكَواةٍ }(5)، وقوله تعالى : { إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ }(6)، وغير ذلك من الأسماء الأعجمية ؛ لأن هذه الألفاظ المذكورة لم تضعها العرب ، وإنما وضعها العجم .
ومعنى هذه الألفاظ المذكورة(7):
السندس(8): رقيق الديباج ، والإستبرق : غليظ الديباج ، والقسطاس(9):
__________
(1) وهو ما اختاره السيوطي في الإتقان ، 1 : 136 .
(2) في مثل قوله تعالى : { .... وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ.... } ، سورة الكهف ، من الآية 31 .
(3) في مثل قوله تعالى : { ..... وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ .... } ، سورة الإسراء ، من الآية 35 .
(4) كقوله تعالى : { ...... وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ } ، سورة هود من الآية 81 .
(5) في قوله تعالى : { ..... مَثَلُ نُورِهِ? كَمِشْكَواةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ.... } ، سورة النور ، من الآية 35 .
(6) سورة البقرة ، من الآية 135، وفي الأصل : و { إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ..... } ، وما أثبت من " جـ " ،
وهو الصواب .
(7) 10) عدّ السيوطي أكثر من مائة لفظة من الألفاظ التي وقع فيها الخلاف ، هل هي عربية أم أعجمية ، وقال
معقبا عليها : " فهذا ما وقفت عليه من الألفاظ المعربة في القرآن ، بعد الفحص الشديد سنين ، ولم تجتمع
قبل في كتاب قبل هذا " . انظر الإتقان ، 1 : 136 – 140 .
(8) 11) قال ابن منظور في لسان العرب : "لم يختلف أهل اللغة في أنهما معرّبان " ، 6 : 107 ، " سندس " .
(9) 12) القسطاس : هو أعدل الموازين وأقومها ، وقيل : هو ميزان العدل .
انظر : مختار الصحاح للرازي ، 1 : 223 ، ولسان العرب ، 6 : 176 .(1/185)
الميزان والسجيل(1): هو الجبل ، والمشكاة(2): هي الكوّة .
ودليل من قال(3)ليس في القرآن شيء من اللغات العجمية ، قوله تعالى : { ءَا اعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ }(4)؛ لأن معناه(5): أيوجد في القرآن لفظ عجمي ولفظ عربي؟ أي : فلا يتنوع القرآن إلى هذين النوعين – أعني اللفظ العربي واللفظ العجمي – ؛ لأن الهمزة في الآية الكريمة هي همزة الاستفهام على طريق الإنكار .
وتأوّل أصحاب هذا القول ما تقدّم من الألفاظ العجمية الواقعة في القرآن ، بأنها مما اتفقت فيه اللغتان : لغة العرب ، ولغة العجم ، كالتنور ، والصابون .
وتأوّل المحققون الآية المذكورة – أعني قوله تعالى : { ءَا اعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } – بأن معناها كلام أعجمي ، ومخاطب عربي ، فلا يمكن أن ينزل القرآن بلغة العجم مع كون النبي من العرب ، لقوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ? } .
وقد بيّن ابن الحاجب(6)في كتاب الأصول هذا الخلاف ، فقال(7): " مسألة في القرآن المعرّب ، وهو عن ابن عباس وعكرمة(8)
__________
(1) 13) السجيل : هو الشيء الضخم ، يقال : ناقة سجلاء ، أي عظيمة .
انظر اللسان : 11 : 325 ، " سجل " .
(2) 14) المشكاة : هي الكوة التي ليست بنافذة .
انظر : مختار الصحاح ، 1 : 145 ، ولسان العرب ، 14 : 441 ، "شكا" .
(3) منهم الأمام الشافعي ، وابن جرير ، وأبو عبيدة ، والقاضي أبو بكر .
انظر : الإتقان ، 1 : 135 ، 136 ، والجامع لأحكام القرآن ، 1 : 68 .
(4) سورة فصلت ، من الآية 43 .
(5) زاد في جـ : " عنده " .
(6) سبق التعريف به في ص 49 .
(7) شرح العضد على مختصر منتهى الأصول لابن الحاجب، ص 52 ، 53 .
(8) هو عكرمة بن عبد الله المدني ، مولى عبد الله بن عباس ، فقيه تابعي ، عالم بالتفسير ،
روى الحديث عن ابن عباس وعائشة وعمر ، وغيرهم . توفي سنة 105 هـ ، وقيل 106 هـ .
انظر : وفيات الأعيان ، 3 : 265 ، رقم 421 ، غاية النهاية ، 1 : 515 ، رقم 2132 .(1/186)
- رضي الله عنهم - ، ونفاه الأكثرون لنا : أن المشكاة هندية(1)، وإستبرق وسجيل فارسية ، وقسطاس رومية .
قولهم : "اتفقت فيه اللغتان" ، كالصابون والتنور بعيد ، وإجماع أهل العربية على أن نحو : { إِبْرَاهِيمَ } منع من الصرف للعجمة والتعريف ، يوضحه المخالف ما ذكره في الشرعية(2)، وبقوله: { ءَا اعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } ، فنهى(3)أن يكون متنوعا .
وأجيب : بأن المعنى من السياق ، أكلام أعجمي ، ومخاطب عربي ، لا يفهمه وهم يفهمونه(4)؟ ، ولو سلم نفى التنويع ، فالمعنى أعجمي لا يفهمه " .
السؤال الثامن عشر : لماذا نزل القرآن بلغات عديدة من لغات العرب؟ ، وهل لا نزل بلغة واحدة منها ؟
فإنما ذلك : لأجل التسهيل والتيسير(5)، لأنه لو نزل بلغة واحدة من لغات العرب لكان في ذلك مشقة عظيمة ؛ لأن لغات العرب متعددة لا واحدة ، ولأجل هذا قال محمد بن قتيبة في كتاب تأويل المشكل(6): وكل هذه الحروف كلام الله - عز وجل - نزل بها الروح الأمين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك أنه كان يعارضه في كل شهر من شهور رمضان ، بما اجتمع عنده من القرآن فيحدث [الله](7)إليه من ذلك ما يشاء ، [ وينسخ ما يشاء](8)، وييسّر على عباده ما يشاء . فكان من تيسيره : أن أمره بأن يُقرئ كل قوم بلغتهم ، وما جرت عليه عادتهم .
فالهذلي يقرأ : ( عتى حِينٍ )(9)،
__________
(1) زاد في ز : " والسندس " .
(2) في جـ : " ما ذكر في الشرعية " .
(3) في جـ ، ز : " فنفى " .
(4) 10) في جـ : " يفهمونها " .
(5) انظر مناهل العرفان ، 1 : 145 ، النشر ، 1 : 22 .
(6) انظر تأويل مشكل القرآن ، ص 32 .
(7) ساقطة من : " جـ " .
(8) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(9) في سورة المؤمنون ، من الآية 55 ، وغيرها .
وفي ز : " فالهذيلي " .(1/187)
والأسدي يقرأ : ( تِِعلمون )(1)، والتميمي : يهمز ، والقرشي : لا يهمز ، والآخر يشم ، والآخر لا يشم . وهذا مما لا يطوع به كل لسان ، ولو أراد كل فريق من هؤلاء أن يزول عن لغته ، وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا(2)لاشتدّ ذلك عليه ، وعظمت المحنة فيه ، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة له ، وتذليل للسان ، وقطع للعادة ، فأراد الله بلطفه ورحمته أن يجعل لهم متسعا في اللغات ، ومتصرفا في الحركات ، فسهّل(3)عليهم في المقال ، كما سهّل عليهم في الأحكام من أمور الدين والدنيا .
السؤال التاسع عشر : لم(4)نزل القرآن على سبعة أحرف دون أقل أو أكثر ؟
فإنما ذلك : لحكمة علمها الله – تبارك وتعالى – في هذا العدد دون غيره من الأعداد ، ولأجل هذا قيّد الله بهذا العدد أصنافا من مخلوقاته ، لأن السموات سبعة ، والأراضين سبعة ، والبحار سبعة ، والأيام سبعة ، والليالي سبعة ، وأطوار الإنسان سبعة ، كما في قوله : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلَلَةٍ مِّن طِينٍ }(5)الآية ، وأرزاقه سبعة ، كما في قوله تعالى : { إنَّا صَبَبْنَا الْمَآء صَبًّا }(6)الآية ،
وجوارحه سبعة ، وسجوده على سبعة ، كما في قوله - عليه السلام - : ((أمرت أن أسجد على سبعة آراب(7)
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { .... فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } ، سورة البقرة ، من الآية 21 .
(2) الكهل : من جاوز أربعا وثلاثين إلى إحدى وخمسين سنة .
انظر : القاموس المحيط ، ص 950 ، " كهل " ، لسان العرب ، 11 : 600 ، " كهل " .
(3) في جـ : " وسهل " .
(4) في جـ ، ز : " لماذا " .
(5) 10) سورة المؤمنون ، الآية 12 .
(6) 11) سورة عبس ، الآية 24 .
(7) الإرب بالكسر هو العضو ، وجمعه آراب ، أي أعضاء ، والمراد بالسبعة هي : الجبهة واليدان والركبتان
والقدمان .
انظر : لسان العرب ، 1 : 210 ، " أرب " ، مختار القاموس ، 1 : 5 ، " أرب " .(1/188)
)(1)، وطوافه سبعة أشواط ، ودرجات النخيل سبعة ، وأبواب الجنة سبعة على قول بعضهم ، والمشهور ثمانية أبواب ، وأبواب النار سبعة ، وأصناف الملائكة سبعة كل سماء بصنف(2)، وعمر الدنيا سبعة أيام من أيام الآخرة وغير ذلك من ذوات الأسابيع .
وقيل : إنما نزل القرآن على هذا العدد دون غيره من الأعداد ؛ لأن القرآن نزل من سبعة أبواب ، والدليل على هذا قول عبد الله بن مسعود(3) - رضي الله عنه - : " نزلت الكتب كلها من باب واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف " .
السؤال العشرون : ما المراد بالأحرف السبعة(4)التي نزل بها القرآن المذكور في قوله - عليه السلام - : (( نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف ، فاقرءوا كيف شئتم ))(5)؟
فاختلف العلماء في هذه الأحرف(6)
__________
(1) أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس بلفظ : " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ، على الجبهة واليدين
والركبتين ، وأطراف القدمين ، ولا نكفت الثياب والشعر " .
صحيح البخاري ، كتاب الأذان ، باب السجود على الأنف ، 1 : 196 ، حديث 812 ،
صحيح مسلم ، باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة ، 1 : 354
حديث 490 .
(2) في جـ : " بصنفها " .
(3) قال ابن عبد البر : وهو حديث عند أهل العلم لا يثبت ، ومجمع على ضعفه .
انظر التمهيد لابن عبد البر ، تحقيق : مصطفى بن أحمد العلوي , ومحمد عبد الكبير البكر ، 8 : 275 ،
وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ، المغرب .
(4) في جـ : " بالسبعة الأحرف " .
(5) سبق تخريجه ، ص 70 .
(6) قال ابن الجزري : " وأما المقصود بهذه السبعة ، فقد اختلف العلماء في ذلك ، مع إجماعهم على أنه
ليس المقصود أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه ، إذ لا يوجد ذلك إلا في كلمات يسيرة ، نحو :
{ أُفٍّ } ، { جِبْرِيلَ } ، { أَرْجِهِ } .
النشر ، 1 : 24 .
وفي حاشية ز : " بل انتهت الأقوال في ذلك إلى نيف وثمانين قولا " .(1/189)
على خمسة أقوال :
فقيل : هو وعد ووعيد وحلال [وحرام](1)ومواعظ وأمثال واحتجاج .
وقيل : حلال وحرام(2)، وأمر ، ونهي ، وخبر ماض ، وخبر آتٍ ، وأمثال .
وقيل : سبع لغات في الكلمة الواحدة .
قال ابن قتيبة في مشكل الحديث(3): " هذه الأقوال الثلاثة باطلة ، فإن من قال فلان يقرأ بحرف أبي عمرو(4)– مثلا – لا يريد شيئا مما ذكروا ، أي لا يريد أن فلانا يقرأ بحلال دون حرام أو بالعكس ، أو يقرأ بوعد دون وعيد أو بالعكس ، أو يقرأ بأمر دون نهي أو بالعكس ، وما في معنى هذا ، ولا يوجد – أيضا – في كتاب الله - عز وجل - حرف قرئ على سبعة أوجه " .
القول الرابع : وهو الذي اختاره أبو عبيد الهروي(5)
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) في جـ : " حرام وحلال " .
(3) هذا القول ليس في تأويل مشكل الحديث ، بل هو في تأويل مشكل القرآن ، ص 29 ، 30 .
(4) هو أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان بن عبد الله بن الحسين بن الحارث بن حجر التميمي المازني
البصري ، أحد القراء السبعة ، ولد سنة 68 هـ ، وفي سنة ولادته أقوال كثيرة . قرأ في مكة والمدينة ،
وقرأ – أيضا – بالكوفة والبصرة ، وليس في القراء السبعة أكثر شيوخا منه . توفي بالكوفة سنة 154 هـ .
انظر : غاية النهاية ، 1 : 288 – 292 ، رقم 1283 ، معرفة القراء الكبار للذهبي ، ص 58 – 62 .
(5) هو أبو عبيد ، أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي عبيد العيدي الهروي . والهروي نسبة إلى
إحدى مدن خراسان . الأديب اللغوي البارع ، وهو تلميذ أبي منصور الأزهري . من مؤلفاته : "الغريبين"
و"ولاة هراة" . توفي سنة 401 هـ .
انظر : وفيات الأعيان ، 1 : 95 ، 96 ، رقم 36 ، كشف الظنون ، 2 : 1206 ، سير أعلام النبلاء ،
17 : 149، طبقات الشافعية لأبي بكر بن أحمد بن قاضي شهبة ، تحقيق : الحافظ عبد العليم خان ، 2 : 175،
رقم 135 ، ط1 ، عالم الكتب ، بيروت ، 1407 هـ .(1/190)
في كتاب الغريبين(1): أن المراد بالسبعة الأحرف المذكورة هي سبع لغات مفترقات في القرآن(2)، أي نزل بعض القرآن بلغة قريشية ، وبعضه بلغة هذيلية ، وبعضه بلغة هوازية ، وبعضه بلغة يمانية ، وبعضه بلغة تميمية ، وبعضه بلغة أسدية ، وبعضه بلغة حارثية .
القول الخامس : وهو الذي اختاره أبو محمد بن قتيبة في كتاب[تأويل](3)المشكل : أن المراد بالسبعة الأحرف المذكورة : سبعة أوجه من اللغات مفترقة في القرآن ، وهي : إما الاختلاف في الحركات دون المعنى والخط ، نحو قوله تعالى : { مَيْسُرَةٍ }(4)، لأنه قرئ بالفتح والضم(5).
وإما الاختلاف في اللفظ(6)خاصّة : { كَالْعِهْنِ }(7)، قرئ : { كَالْعِهْنِ } ، وقرئ : (كالصوف)(8)، وهما في المعنى واحد .
__________
(1) انظر الغريبين في القرآن والحديث لأبي عبيد الهروي ، تحقيق ودراسة أحمد فريد المزيدي ، 2 : 426 ، ط1
المكتبة العصرية ، صيدا ، بيروت ، 1999 م .
(2) في ز : " سبع لغات متفرقات في القرآن " .
(3) انظر تأويل مشكل القرآن ، 33 ، 34 .
وكلمة "تأويل" سقت من : " جـ " ، " ز " .
(4) في قوله تعالى : { .... فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسُرَةٍ.... } ، سورة البقرة ، من الآية 279 .
(5) قرأ نافع : { .... مَيْسُرَةٍ ..... } ، بضم السين ، وقرأ الباقون بفتحها .
انظر : التيسير ، ص 71 ، المبسوط ، ص 137 ، النشر ، 2 : 236 .
(6) في جـ ، ز : " في الخط " .
(7) 10) في قوله تعالى : { وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ } ، سورة القارعة ، الآية 4 .
(8) 11) وهي قراءة ابن مسعود .
انظر مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع ، لابن خالويه ، ص 179 ، عالم الكتب ، بيروت .(1/191)
وإما الاختلاف في المعنى خاصّة ، كـ { إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ }(1)، قرئ : { فُزِّعَ } ، وقرئ : { فَزَّعَ }(2)، فمعنى { فُزِّعَ } : كشف الفزع [عن قلوبهم](3)، ومعنى { فَزَّعَ } : كشف الغطاء عن قلوبهم(4).
وإما الاختلاف في الحركات والمعنى ، كـ { بَعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا }(5)، لأنه قرئ : { بَاعِدْ } ، وقرئ : { بَاعَدَ }(6).
وإما الاختلاف في المعنى والخط ، كقوله تعالى : { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ }(7)لأنه قرئ : { وَطَلْحٍ } ، وقرئ : و(طلع)(8)، فالطلح : هو الموز(9)، والطلع : هو طلع النخيل .
__________
(1) سورة سبأ ، من الآية 23 .
(2) قرأ ابن عامر ويعقوب ، ووافقهم الأعمش : " فَزَّع " ، وقرأ الباقون : " فُزِّعَ " .
انظر الميسر في القراءات الأربع عشرة ، لمحمد خاروف ، مراجعة محمد كريم راجح ، ص 431 ، ط3 ،
دار ابن كثير ، دمشق ، 2001 م .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) قال ابن عباس : خلّي الفزع عن قلوبهم ، وقال مجاهد : كشف عن قلوبهم الغطاء يوم القيامة .
انظر : الجامع لأحكام القرآن ، 14 : 295 ، تفسير الطبري ، 22 : 89 .
(5) سورة سبأ ، من الآية 19 .
(6) في هذه الكلمة عدّة قراءات ، منها : قراءة الجمهور { بَعِدْ } ، وقراءة ابن كثير وأبو عمرو وهشام ،
ووافقهم اليزيدي ، وابن محيصن { بَعِّدْ } ، وقراءة يعقوب " بَاعَدَ " .
انظر : الميسر ، ص 430 .
(7) سورة الواقعة ، الآية 31 .
(8) قرأ " وطلع منضود " بالعين : علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .
انظر : مختصر في شواذ القرآن ، ص 151 ، الجامع لأحكام القرآن ، 17 : 208 .
(9) روي هذا التفسير عن ابن عباس ، وعن أبي هريرة ، وعن أبي سعيد ، وعن علي - رضي الله عنه - .
انظر : تفسير ابن كثير ، 4 : 289 ، تفسير الطبري ، 27 : 181 .(1/192)
وإما الاختلاف بالتقديم والتأخير ، نحو قوله تعالى : { وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ }(1)، [لأنه قرئ : { وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ } ](2)، وقرئ(3): ( وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ ) .
وإما الاختلاف بالزيادة والنقصان ، نحو قوله تعالى : { وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ }(4)لأنه قرئ بإثبات الهاء وبحذفها(5). هذه سبعة أوجه متفرقة في القرآن .
والفرق بين القول الرابع و[القول](6)الخامس ، مع أن كل واحد منهما يقول : المراد بالسبعة الأحرف سبع لغات متفرقات في القرآن ، أن الاختلاف في القول الرابع أعم من الاختلاف في القول الخامس ، لأن الاختلاف في القول الرابع إما بالحروف والحركات أو(7)بأحكام التلاوة من التفخيم ، والترقيق ، والإظهار ، والإدغام(8)، وغير ذلك ، بخلاف القول الخامس فالاختلاف فيه بما ذُكر خاصّة .
هذا تمام الأسولة العشرين(9)المذكورة .
__________
(1) 10) سورة ق ، من الآية 19 .
(2) 11) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) 12) نسبها ابن جني لسعيد بن جبير وطلحة ، ونسبها ابن خالويه لأبي بكر الصديق وأبَيّ – رضي الله عنهما –
انظر : المحتسب في تبيين وجوه القراءات والإيضاح عنها ، لأبي الفتح عثمان بن جني ، تحقيق : علي
ناصف ، عبد الفتح شلبي ، 2 : 283 ، القاهرة ، 1999 م ، مختصر في شواذ القرآن ، ص 145 .
(4) 13) سورة يس ، من الآية 34 .
(5) 14) قرأه شعبة وحمزة والكسائي وخلف : { عَمِلَتْ } بغير هاء ، وقرأ الباقون : { عَمِلَتْهُ } بالهاء .
انظر : إتحاف فضلاء البشر ، ص 467 ، تقريب النشر في القراءات العشر ، لابن الجزري ، وضع
حواشيه عبد الله محمد الخليلي ، ص 183 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2002 م .
(6) ساقطة من : " جـ " .
(7) في جـ : " وإما " .
(8) انظر النشر ، 1 : 28 .
(9) في جـ : " العشرون " .(1/193)
فلنرجع إلى كلام الناظم ، فقوله : (( وبعده جرده الإمام )) البيت تقدّم معناه .
الإعراب : (( وبعده )) حرف عطف وظرف مخفوض به ، العامل في الظرف جرده ، قوله : (( جرده )) فعل ماض ومفعول ، (( الإمام )) فاعل ، (( في مصحف )) جار ومجرور متعلق بجرده ، (( ليقتدي )) ناصب ومنصوب ، حذفت فتحة الياء للوزن ، وقد تقدّم ، والعامل في اللام في قوله : (( ليقتدي )) إذ هي لام الجر في الأصل هو (( جرده )) . (( الإمام )) فاعل . ثم قال :
[10] َوَلا يَكُونَ بَعْدَهُ اضْطِرَابُ **** وَكَانَ فِيمَا قَدْ رَءَا صَوَابُ
قوله : (( ولا يكون )) يصح نصبه عطفا على قوله : (( ليقتدي الأنام )) ، تقديره : ليقتدي الأنام وينتفي الاضطراب ، ويصح رفعه على الاستئناف .
والضمير في قوله : (( بعده )) عائد على التجريد الذي دلّ عليه قوله في البيت قبله(( جرّده )) ، تقديره : ولا يكون بعد التجريد المذكور اضطراب .
والاضطراب : هو الاختلاف وهو ضد الاتفاق ، والاضطراب : افتعال من الضرب في الأرض ، وهو السير فيها ، قال الله تعالى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ }(1).
ووجه المناسبة بين الاختلاف في القول والضرب في الأرض : أن كل واحد منهما فيه الانتقال ، لأن الضرب في الأرض : هو الانتقال من مكان إلى مكان ، والاضطراب في القول : هو انتقال من قول إلى قول .
ومنه قولك : "اضطرب قول فلان في هذه المسألة" ، تريد أنه لم يثبت على قول واحد فيها ، بل قال فيها قولا ، ثم انتقل(2)إلى قول آخر .
__________
(1) سورة النساء ، من الآية 100 .
(2) زاد في جـ : " عنه " .(1/194)
وأصل اضطرب : "اضترب" بالتاء ، ثم أبدلت التاء طاء ، وعلّة هذا البدل هي التباعد الذي بين الضاد والتاء ؛ لأن الضاد حرف مطبق مستعل ، والتاء حرف منفتح مستفل ، فأبدلت التاء طاء ، لأن الطاء يشارك التاء في المخرج والإهمال ، و يشارك الضاد في الاستعلاء والإطباق(1)، ولأجل هذا أبدلت التاء طاء ليتجانس الكلام ويتشاكل .
قوله : (( وكان فيما قد رءا صواب )) يصح أن تكون (( كان )) تامة لا تحتاج إلى خبر ، فهي بمعنى الوقوع والحصول ، تقديره : ووقع وحصل الصواب فيما رآه ، ويصح أن تكون ناقصة تحتاج إلى خبر ، واسمها صواب ، وخبرها فيما قد رءا ، تقديره : وكان الصواب ثابتا أو مستقرا فيما قد رآه عثمان ، وهذان التقديران صحيحان – أيضا – في قوله أول البيت : (( ولا يكون )) .
الإعراب : قوله : (( ولا يكون )) تقدّم إعرابه بوجهين ، وهما إما معطوف ، وإما مستأنف ، وفي معناه – [ أيضا ](2)– وجهان : إما ناقصة ، وإما تامة ، قوله : (( بعده )) ، إذا جعلنا (( يكون )) ناقصة ، فالعامل في الظرف هو محذوف ، تقديره : ولا يكون اضطراب ثابتا أو مستقرا بعده ، وإذا جعلناها تامة ، فالعامل في الظرف هو (( يكون )) بعينه ، تقديره : ولا يقع أو لا يحصل بعده اضطراب ، وقوله : (( وكان فيما قد رءا صواب )) تقدّم فيه إعرابان ومعنيان . ثم قال :
[11] فَقِصَّةُ اخْتِلاَفِهِمْ شَهِيرَهْ **** كَقِصَّةِ الْيَمَامَةِ الْعَسِيرَهْ
__________
(1) للمزيد حول معرفة مخرج الطاء والتاء ، انظر : نهاية القول المفيد في علم تجويد القرآن المجيد ، للشيخ
محمد مكي الجريسي ، تدقيق : أحمد علي حسن ، مراجعة : الشيخ محمد علي الضباع ، ص 65 , 66 ، ط1
مكتبة الآداب ، القاهرة ، 2001 م . المدخل والتمهيد في علم القراءات والتجويد ، لعبد الفتاح إسماعيل
شلبي ، ص 171 – 174 ، ط2 ، مكتبة وهبة ، القاهرة ، 1999 م .
(2) ساقطة من : " ز " .(1/195)
قوله : (( فقصة )) القصة هنا بكسر القاف ، يقال القُصة بالضم ، والقَصة بالفتح ، والقِصة بالكسر(1).
فالقُصة بالضم : هي الناصية ، والقَصة بالفتح : هي الجيّار(2)، والقِصة بالكسر : هي الحكاية ، وهي المراد هاهنا ، ويقال قصّه يقصّه قصصا ، إذا اتبع أثره ، لأن أصل القصص : تتبع الأثر ، ومنه قوله تعالى : { وَقَالَتْ لاخْتِهِ? قُصِّيهِ }(3)، أي اتبعي أثره ، وذلك أن القاص وهو الحاكي : يتبع الآثار(4)فيُخبر بها .
قوله: (( فقصة اختلافهم )) ، [أي فخبر اختلافهم](5)، أو حديث اختلافهم [أو حكاية اختلافهم](6)، أي اختلاف الصحابة مشهور كشهرة خبر اليمامة العسيرة ، وقد تقدّمت قصتها(7).
واليمامة : مدينة باليمن ، وهي قاعدة من قواعد اليمن ، وهي مدينة مسيلمة الكذاب .
قوله : (( العسيرة )) ، أي الشديدة الصعيبة(8)، يقال : عسر الأمر يعسر عسرا ، أي صعب ، فهو عسير وعسر ، والعَسِر(9): هو الشديد ، قال الله تعالى : { هَاذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }(10)، وقال – أيضا – : { فَذَالِكَ يَوْمَذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌعَلَى الْكَافِرِينَ }(11)، أي شديد صعب غير سهل .
__________
(1) انظر : مختار الصحاح للرازي ، 1 : 225 . ولسان العرب لابن منظور ، 7 : 73 – 78 ، " قصص " .
(2) ومعنى القَصة – أيضا – : الجصة ، وقيل معنى الجيّار : هو الجص ، وقيل معناه : الذي يجد في جوفه حرّا
شديدا . انظر : لسان العرب ، 4 : 157 ، " جير " ، القاموس المحيط ، ص 563 ، " قصص " .
(3) سورة القصص ، من الآية 10 .
(4) في جـ : " الأخبار " .
(5) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(7) في ص 125 ، وما بعدها .
(8) في جـ : " أي الشديدة أي الصعيبة " .
(9) في جـ : " والعِسر والعُسر ... " .
(10) سورة القمر ، من الآية 8 .
(11) سورة المدثر ، الآيتين 9 ، 10 .(1/196)
قوله : (( كقصة اليمامة العسيرة )) أي الشديدة الصعبة ، وكيف لا تكون شديدة وقد سفكت فيها الدماء ، وقتلت فيها النفوس ، وقد تقدّم لنا أنه قتل فيها من المسلمين ألف ومائتان(1)، وقتل فيهم سبع مائة قارئ من حملة القرآن ، وقتل من الكفار عشرة آلاف ، كما تقدّم في قول الناظم : (( وذاك حين قتلوا مسيلمة )) ، وأي شيء أعظم من هذا ؟!
قوله : (( فقصّة اختلافهم )) البيت ، جمع الناظم في هذا البيت بين السببين في الجمعين : أشار بالشطر الأول من البيت إلى سبب جمع عثمان ، وهو قوله : (( فقصّة اختلافهم شهيرة )) ، لأن سبب جمعه : هو اختلاف الصحابة في زمانه ، كما تقدّم بسطه(2).
وأشار بالشطر الثاني إلى سبب جمع الصّدّيق ، وهو قوله : (( كقصّة اليمامة العسيرة )) ، لأن قصّة اليمامة العسيرة متضمنة لسبب جمع أبي بكر ، لأنها سبب لخوف ذهاب القرآن .
فقصّة اليمامة إذاً : هي سبب السبب ، فسبب السبب هو سبب [في](3)الحقيقة ، فقول(4)الناظم – رحمه الله – : (( كقصّة اليمامة العسيرة )) هو إشارة إلى السبب الذي من أجله جمع أبو بكر الصّدّيق القرآن ، كما تقدّم بسطه في قوله : (( جمعه في الصحف الصّدّيق )) البيت .
__________
(1) في جـ : " ألف ومائتين " .
(2) في ص 132 ، وما بعدها .
(3) 10) ساقطة من : " جـ " .
(4) 11) في جـ : " فقال " .(1/197)
الإعراب : (( فقصّة )) [الفاء جواب الشرط مقدر ، تقديره : إن سألت عن اختلاف الصحابة فقصة اختلافهم شهيرة ، ويحتمل أن تكون](1)الفاء للابتداء ، (( اختلافهم )) مضاف ومضاف إليه ، (( شهيرة )) خبر المبتدأ ، قوله : (( كقصة )) الكاف تشبيه يصح أن يكون في موضع نصب على أنه نعت لمصدر محذوف ، تقديره : شهيرة [مثل](2)شهرة قصة اليمامة العسيرة ، ويصح أن يكون في موضع رفع(3)نعت لشهيرة ، قوله : (( كقصة )) مخفوض بكاف التشبيه ، (( اليمامة )) مضاف إليه ، (( العسيرة )) نعت لليمامة . ثم قال :
[12] فَيَنْبَغِي ِلأَجْلِ ذَا أَنْ نَقْتَفِي **** مَرْسُومَ مَا أَصَّلَهُ فِي الْمُصْحَفِ
ذكر [الناظم](4)في هذا البيت : أن اتباع ما رسمه عثمان بن عفان في مصحفه واجب ، لأن قوله : (( فينبغي )) معناه يجب ، كقول الشيخ أبي محمد في الرسالة(5): " ولا ينبغي لمن أكل الكراث أو الثوم أو البصل نياً أن يدخل المسجد " ؛ لأن ذلك يجب عليه تركه .
الإشارة في قوله : (( ذا )) تعود على التجريد المدلول عليه بالفعل في قوله أولا : (( وبعده جرده الإمام )) ، معناه : فيجب لأجل تجريده في المصحف الاقتداء به ؛ لأن اتباع السلف الصالح ، واقتفاء آثارهم واجب ، لأن عثمان جرّده في المصحف بمحضر الصحابة وإرشادهم إياه على ذلك كما تقدّم .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) بياض في " جـ " .
(3) في جـ : " في موضع حرف " ، وهو تصحيف .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) الثمر الداني ، ص 396 .(1/198)
قوله : (( أن تقتفي )) الاقتفاء : هو الاتباع . قال الله تعالى : { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى ءَاثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ }(1)، أي أتبعنا آثارهم برسلنا وأتبعنا الرسل بعيسى ابن مريم ، وقيل : الاقتفاء أبلغ وآكد من الاتباع ؛ لأن [معنى](2)الاتباع : هو الموافقة في الأقوال والأفعال ، وقد يقع الإخلال في بعض الأحوال . ومعنى الاقتفاء : ترك الإهمال والإخلال بسر حقائق الأفعال ، ومعنى قولهم "اقتفاء الأثر" على هذا : كناية عن المبالغة فيه ، وأخذ النفس بمطالعة أسراره وأغواره . ولأجل هذا يقال : القافة لأهل المعرفة بالأسرار الخليقية ، وتشبيه الجسوم بالمعاني الخفية .
قوله : (( مرسوم ما أصله في المصحف )) ، معناه : يجب علينا أن نتبع المرسوم الذي جعله عثمان أصلا في المصحف .
واعترض قوله : (( مرسوم ما أصّله )) بأنه أضاف فيه الشيء إلى نفسه ، [لأن المرسوم هو الشيء الذي أصّله في المصحف](3)، والشيء الذي أصّله في المصحف هو المرسوم .
أجيب بأن قيل : إضافة الشيء إلى نفسه تجوز إذا اختلف اللفظان ، كقوله تعالى : { حَقُّ الْيَقِينِ }(4)، وقوله : { عِلْمَ الْيَقِينِ }(5).
الإعراب : (( فينبغي )) الفاء حرف عطف ، (( ينبغي )) فعل مضارع ، (( لأجل )) جار ومجرور متعلق بـ (( ينبغي )) ، (( ذا)) مضاف إليه ، (( أن نقتفي )) ناصب ومنصوب سكّنه لأجل القافية ، (( مرسوم )) مفعول ، (( ما)) مضاف إليه ، (( أصّله )) ماض ومفعول (( في المصحف )) جار ومجرور متعلق بـ (( أصّله )) . ثم قال :
[13] وَنَقْتَدِي بِفِعْلِهِ وَمَا رَءَا **** فِي جَعْلِهِ لِمَنْ يَخُطُّ ملجأ
__________
(1) سورة الحديد ، من الآية 26 .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) سورة الواقعة ، من الآية 98 .
(5) سورة التكاثر ، من الآية 5 .(1/199)
معناه : يجب علينا أن نقتدي بفعل عثمان ، لأن الاقتداء هو الاتباع ، لأنك تقول : "اقتديت بكذا" و"اقتديت بفلان في كذا" ، أي اتبعته ، لأن الاقتداء(1)يتعدّى بحرف الجر ، ومنه قوله تعالى : { فَبِهُدَاهمُ اقْتَدِهْ }(2)، وقوله : { وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }(3).
قوله : (( ونقتدي بفعله(4)) وفعل عثمان : هو تجريد القرآن في المصحف كما تقدّم .
قوله : (( وما رءا في جعله لمن يخط ملجأ )) ، أي ويجب علينا أن نقتدي بما رءا عثمان في جعله ملجأ لمن يخط ، أي تصييره(5)ملجأ لمن يخط ؛ لأن الجعل هنا معناه التصيير ، نحو قولك : "جعلت الطين خزفا" ، أي صيّرته خزفا ، و"جعلت الخشبة تابوتا" ، [أي صيّرتها تابوتا](6)، والضمير في (( جعله )) يصح إعادته على فعل عثمان ، ويصح إعادته على عثمان ، كما هو المعروف في إضافة المصدر إلى المفعول ، وهو فعل عثمان ، أو الفاعل وهو عثمان .
فإذا قلنا يعود الضمير على الفعل – أعني فعل عثمان – ، فتقديره : وما رءا عثمان في جعل فعله ملجأ أي في تصيير فعله ملجأ .
وإذا قلنا يعود الضمير على عثمان ، فتقديره : وما رءا عثمان في جعل عثمان(7)فعله ، أي في تصيير عثمان فعله ملجأ لمن يخط .
قوله : (( ملجأ )) الملجأ : هو المكان الذي يلجأ إليه ، ويفرغ إليه ، وهو الحصن ، والحرز ، والحمى ؛ لأنه يُرجع إليه عند الاحتياج .
قوله(8): (( ملجأ )) ، أي مكانا يرجع إليه عند خوف الشك والالتباس .
قوله : (( لمن يخط )) ، أي لمن يكتب .
__________
(1) في جـ : " لأن اقتدى .... " .
(2) سورة الأنعام ، من الآية 91 .
(3) سورة الزخرف ، من الآية 22 .
(4) في جـ : " ونقتفي بفعله وما رءا " .
(5) في جـ ، ز : " أي في تصييره " .
(6) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(7) في جـ : " في جعله فعله " .
(8) في جـ ، ز : " وقوله " .(1/200)
وقوله(1): (( ونقتدي بفعله وما رءا )) البيت ، اعتُرض هذا البيت بأربعة أوجه :-
أحدها : من جهة التكرار ، وذلك أن هذا البيت تكرار للذي قبله ، وهو قوله : (( فينبغي لأجل ذا أن نقتفي مرسوم ما أصّله في المصحف )) ، لأن [ما](2)أصّله عثمان في المصحف ، هو فعله ورأيه الذي ذكر في هذا البيت .
أجيب عنه : بأنه كرّره(3)للمبالغة في الاقتداء بفعل عثمان ؛ لأن التكرار يقتضي المبالغة والتأكيد في المكرّر ، ومنه قوله تعالى : { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كََلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ }(4)، ومنه قوله - عليه السلام - : (( فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط ))(5)، ومنه قول الشاعر(6):
كَمْ نِعْمَةٌ كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ
__________
(1) في جـ ، ز : " قوله " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) في جـ : " ذكره " .
(4) سورة التكاثر ، الآيات : 3 ، 4 ، 5 .
(5) أخرجه مسلم عن أبي هريرة ، ولفظه : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ثم ألا أدلكم على ما يمحو الله به
الخطايا ويرفع به الدرجات ، قالوا بلى يارسول الله ، قال : إسباع الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا
إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط " .
كما رواه الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة ، بفلظ : " ...... فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط "
صحيح مسلم ، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره ، 1 : 219 ، حديث 251 ، مسند الإمام
أحمد ، 2 : 303 ، حديث 8008 ، سنن النسائي ، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة ، باب الفضل في إسباغ
الوضوء ، 1 : 89 ، حديث 143 ، مكتب المطبوعات الإسلامية ، حلب ، 1986 م .
(6) ذكره أبو هلال العسكري بلا نسبة ، وزاد في آخره : ........ كانت لكم وكم " .
الصناعتين : الكتابة والشعر ، تحقيق : علي محمد البجاوي ، ومحمد أبو الفضل ، ص 193 ، صيدا .(1/201)
الاعتراض الثاني : من جهة التكرار – أيضا – ، وذلك أن هذا البيت تكرّر بعضه [مع بعض](1)، لأن قوله : (( ونقتدي بفعله )) هو معنى قوله : (( وما رءا في جعله لمن يخط ملجأ )) .
أجيب عنه : بأنه كرّره(2)مبالغة في الاقتداء ، كما تقدّم في جواب الأول .
الاعتراض الثالث : من جهة المعنى ، وذلك أن السبب الذي رءا عثمان - رضي الله عنه - في فعله هذا : هو الاختلاف الواقع في القرآن(3)بين الناس في زمانه ، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يقول الناظم : ونقتدي بما رآه عثمان ؟ فنسب الاقتداء إلى السبب الذي رآه عثمان في جعل القرآن كما تقدّم ، لأن ذلك السبب هو الاختلاف ، فكيف نقتدي بذلك الاختلاف؟ ، فهذا كلام غير معقول .
أجيب عنه بأن قيل : قوله : (( في جعله )) ، معناه من جعله ، فتكون (( في)) بمعنى ((من)) التي للبيان ، تقديره : ونقتدي بالذي رآه عثمان ، وهو جعله لمن يخط ملجأ .
والصحيح عندي : أن هذا الاعتراض غير لازم ؛ لأن (( ما)) في قوله : ((وما رءا)) ليست بموصولة كما زعمه المعترض ، وإنما هي مصدرية ، تقدّر مع الفعل بالمصدر ، تقديره : ونقتدي برأيه ، أي برأي عثمان في جعله ملجأ لمن يخط .
الاعتراض الرابع : من جهة التناقض ، وذلك أن قوله : (( ملجأ لمن يخط )) يقتضي أنه ملجأ لمن يكتب ، وظاهره قوله أولا : (( ولا يكون بعده اضطراب )) ، وقوله : (( فقصّة اختلافهم شهيرة )) أنه ملجأ لمن يقرأ ، لأن سبب فعل عثمان : هو الاختلاف في القراءة لا في الخطّ .
أجاب بعضهم عن هذا بأن قال(4): أطلق الناظم الخط على القراءة مجازا ، لأنه إذا خطه [فقد](5)قرأه ، أي ملجأ لمن يقرأ ، فيوافق ما تقدّم من الاختلاف في القراءة
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) 10) في جـ : " بأنه تكرّر " .
(3) في جـ : " الاختلاف في القرآن الواقع ... " .
(4) انظر التبيان ، ورقة 13 .
(5) ساقطة من : " جـ " .(1/202)
ويحتمل أن يجاب عنه بأن يقال : لا تناقض بين الكلامين ، وإنما هو من باب زيادة فائدة على فائدة ، بيان ذلك قوله(1): (( ولا يكون بعده اضطراب )) أفاد أنه ملجأ لمن يقرأ ، وقوله هاهنا : (( ملجأ لمن يخط )) أفاد أنه ملجأ – أيضا – لمن يكتب(2)فلا تناقض بين الكلامين .
الإعراب : (( ونقتدي)) الواو حرف عطف ، نقتدي [فعل](3)مضارع منصوب سكنه للقافية ، (( بفعله )) جار ومجرور ، ومضاف إليه [تعلق الجار بنقتدي](4)، قوله (( وما رءا)) الواو حرف عطف ، (( ما )) مصدرية ، (( رءا )) ماض ، (( في جعله )) جار ومجرور ، ومضاف إليه ، تعلق الجار بـ (( رءا )) ، قوله : (( لمن )) جار ومجرور متعلق [ بمحذوف كائنا لمن يخط ، ولا يصح تعلّقه بملجأ ، لأن ملجأ اسم مكان ، واسم المكان واسم الزمان واسم المصدر ، لا تعمل عمل الفعل على المشهور في اسم المصدر ، وقيل يعمل اسم المصدر كالمصدر ، ودليل هذا القول الشاذ ،
قول عائشة – رضي الله عنها – : " من قبلة الرجل امرأتَه الوضوء "(5)،
__________
(1) زاد في جـ : " بيان ذلك أن قوله .... " ، وفي ز : " بيان ذلك قوله أولا ..... " .
(2) في جـ : " أفاد أنه أيضا ملجأ لمن يكتب " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) أخرجه الإمام مالك في الموطأ عن ابن شهاب في كتاب الصلاة ، باب الوضوء من مسّ فرجه ، ص 54
ط3 ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، 1983 م .(1/203)
فأعملت – رضي الله عنها – اسم المصدر الذي هو القبلة ، فمصدر قبل الرجل امرأته : هو التقبيل لا القبلة ، وهذا المجرور الذي هو (( لمن يخط )) في الأصل نعت لملجأ ، ولكن إذا قدّم نعت النكرة عليها انتصب على الحال ، كقولهم : "هذا رجل مقبل" ، فإذا قدّم صار حالا ، فيقال : "هذا مقبلا رجل" ، فقوله إذا : (( لمن يخط )) متعلق بحال من الهاء في جعله كائنا لمن يخط ملجأ ، وقوله : (( ملجأ )) مفعول بالمصدر الذي هو جعله ، والمفعول الأول محذوف ، تقديره : جعل عثمان المصحف ملجأ ، هذا إذا قلنا بإضافة المصدر إلى الفاعل الذي هو عثمان ، وإذا قلنا بإضافته إلى المفعول الذي هو المصحف ، فالمفعول الأول هو في جعله ، تقديره : في جعل المصحف ملجئا](1). ثم قال :
[14] وَجَاءَ آثَارٌ فِي الاقتِدَاءِ **** بِصَحْبِةِ الْغُرِّ ذَوِي العَلاَءِ
لمّا ذكر الناظم وجوب الاقتداء بما فعل عثمان - رضي الله عنه - ، أراد أن يذكر هنا الدليل على وجود ذلك ، فقال : (( وجاء آثار )) ، أي جاء وأتى وورد آثار ، وهو جمع مفرده أثر نحو : خبر وأخبار ، وبصر وأبصار ، وقلم وأقلام ، وقدم وأقدام .
والآثار(2): هي الأحاديث والأخبار ، لأن الأثر والحديث والخبر مترادفة على معنى واحد ، على مذهب الجمهور من أرباب الحديث ، وقيل : إن الأثر مخصوص بالموقوف على الصحابة ، أي دون المرفوع إلى النبي - عليه السلام - .
__________
(1) ما بين القوسين المعقوفين ، مقدار اثني عشر سطرا ، سقط من : " جـ " ، وفيه : " بجعله ، ملجأ مفعول
بالمصدر وهو جعله ، يخط مضارع " .
(2) انظر القاموس المحيط ، ص 308 ، " أثر " .(1/204)
فقول الناظم(1): (( وجاء آثار في الاقتداء )) برواية فيها(2)بهمزتين محققتين ، ولو قيل : (( وجاءت آثار )) بزيادة تاء التأنيث مع نقل حركة همزة آثار [إليها](3)، لصح الوزن ، ولكن الرواية ما ذكرنا .
وإنما قلنا يجوز هاهنا أن يقال : (( وجاءت آثار )) بزيادة تاء التأنيث ؛ لأن آثار جمع تكسير ، وجمع التكسير حكمه حكم المؤنث المفرد الذي لا يعقل في إثبات علامات التأنيث وحذفها ؛ لأن المؤنث الذي لا يعقل يجوز إثبات علامات التأنيث في فعله ، ويجوز حذفها ، مثاله : " طلعت الشمس" و"طلع الشمس" ، وتقول في جمع التكسير : " قالت الرجال" و"قال الرجال" ، وتقول : "جاءت الآثار" و"جاء الآثار"
قوله : (( وجاء آثار))(4)، أي جاءت(5)أحاديث عن النبي - عليه السلام - في الترغيب والتحريض على اتباع الصحابة - رضي الله عنهم - .
وقوله : (( بصحبه )) تقدّم لنا أول الكتاب(6)تفسير هذا اللفظ وألفاظ جموعه .
وقوله : (( الغرّ )) هو جمع مفرده : أغر ، نحو : أحمر وحمر ، وأصفر وصفر .
ومعنى الأغر(7): المشهور ، ومنه فرس أغر ، أي مشهور بغرته ، وهي(8)البياض الذي في وجهه ، لأنه يمتاز [بها](9)ويشتهر بها بين الخيل .
فقول الناظم : (( بصحبه الغرّ)) ، أي بصحبه المشهورين بين الناس ، كشهرة الفرس الأغرّ بين سائر الخيل ، غرى من الغرّة .
__________
(1) في جـ : " فقال الناظم " .
(2) في جـ ، ز : " برواية فيه " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) زاد في جـ ، ز : " البيت " .
(5) في جـ : " جاء " .
(6) في قول الناظم : " وآله وصحبه الأعلام * ما انصدع الفجر عن الإظلام " ، ص 95 .
(7) قال ابن منظور : " الأغر : الأبيض من كل شيء " .
انظر اللسان ، 5 : 14 ، " غرر " .
(8) في جـ , ز : " وهو " .
(9) ساقطة من : " جـ " .(1/205)
قوله : (( ذوي العلاء )) هو وصف للصحابة على جهة التأكيد ، لا على جهة التقييد معناه : أصحاب العلاء ، أي أصحاب الشرف ، والشأن ، والجاه العظيم عند الله – تبارك وتعالى – ، يقال : العلاء بفتح العين مع المد ، والعُلى بضم العين مع القصر ولا يقال في هذا البيت إلا بالمد وفتح العين ، [لأجل القافية](1).
الإعراب : (( وجاء )) ماض ، (( آثار)) فاعل ، (( في الاقتداء )) جار ومجرور متعلق بـ (( جاء )) ، قوله : (( بصحبه )) جار ومجرور ومضاف إليه ، تعلق الجار بالاقتداء ، قوله : (( الغرّ)) نعت ، (( ذوي )) نعت – أيضا – ، (( العلاء )) مضاف إليه ما قبله . ثم قال :
[15] مِنْهُنَّ مَا وَرَدَ فِي نصّ الخَبَرْ **** لَدَى أَبِي بَكْرِ الرِّضِىّ وَعُمَرْ
أراد أن ينبّه هنا على الآثار الواردة في الاقتداء بالصحابة - رضي الله عنهم - ، فقسّم الآثار على قسمين :
أحد القسمين : حديث خاص بالشيخين أبي بكر وعمر(2).
والقسم الآخر(3): حديث عام للصحابة كلّهم من غير تخصيص .
فالقسم الخاص بالشيخين إليه أشار بهذا البيت ، فقال : (( منهن ما ورد في نصّ الخبر )) البيت ، أراد قوله - عليه السلام - : (( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ))(4).
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) زاد في جـ : " رضي الله عنهما " .
(3) في جـ : " والقسم الثاني " .
(4) أخرجه الإمام أحمد في المسند عن حذيفة ، 5 : 382 ، حديث 23293 ، وأخرجه الترمذي في سننه ،
باب في مناقب أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – ، 5 : 609 ، حديث : 3662 .
وأخرجه النيسابوري في المستدرك على الصحيحين ، كتاب معرفة الصحابة ، 3 : 79 ، حديث 4454 .(1/206)
قوله : (( منهن )) الضمير عائد على الآثار ؛ لأن الآثار جماعة غير عاقلة ، والجماعة غير العاقلة يُضمر لها بالهاء والنون ، وبالهاء والألف ، فيقال : منهن أو منها ، إلا أن المختار في اللغة التفصيل بين الكثرة والقلّة ، فيقال : منها في الكثرة ومنهن(1)في القلة ، ومنه قوله تعالى : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَالِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ }(2)، فقوله : { مِنْهَا } يعني من الاثنى عشر ، وقوله : { فِيهِنَّ } يعني في الأربعة الحرم ، ولا يضمر للجماعة غير العاقلة بالهاء والميم ، ولا يضمر بالهاء والميم إلا للجماعة [من](3)المذكّرين العاقلين .
وقوله : (( ما ورد )) (( ما )) ، موصولة بمعنى الذي ، تقديره : الحديث أو الأثر الذي ورد ، ويصح أن تكون نكرة موصوفة ، تقديره : منهن حديث أو أثر(4).
وقوله : (( ورد )) أي جاء وأتى ، تقول : "ورد كتاب الأمير" و"ورد كتاب فلان" و"ورد فلان علينا" ، أي جاء وقدم ، والأصل في الورود القدوم [والوصول](5)على الماء خاصّة(6)، ولكن يستعمل في غير الماء على جهة الاتساع والمجاز .
__________
(1) في جـ : " هذا " ، لعله يقصد بالإشارة منهن .
(2) سورة التوبة ، من الآية 36 .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) في ز : " منهن الحديث أو الأثر " .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) انظر لسان العرب ، 3 : 457 ، " ورد " .(1/207)
قوله : (( في نصّ الخبر )) ، أي في لفظ الحديث ، وأصل النصّ : الارتفاع ، ومنه قولهم : "نصّ فلان في السير" ، إذا رفع سيره ، ومنه قوله في الحديث في سيره - عليه السلام - من عرفة إلى مزدلفة : (( كان - عليه السلام - يسير العنق فإذا وجد فجوة نصّ ))(1)، العَنَقُ : سير خفيف ، والفجوة : هي السعة والفسحة(2).
وقوله : (( نصّ)) ، أي رفع السير إلى أقصى غايته ، ومنه : "منصّة العروس" الشيء الذي تحلّ عليه من كرسي أو غيره ، ومنه قوله(3): "نصّت الغزال جيدها" أي رفعت(4).
ومنه قول امرؤ القيس(5):
وَجِيدٍ كَجِيدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ إِذَا هِيَ نَصَّتْهُ وَلاَ بِمُعَطَّلِ
ومنه النصّ عند العلماء ؛ لأنه رفع الإشكال والالتباس .
وقوله : ((لدى أبي بكر الرضى وعمر)) ، أي في أبي بكر وعمر ، كقوله تعالى : { لَدَى الْحَنَاجِرِ }(6)، أي في الحناجر .
وقوله : (( الرضى )) فعيل(7)بمعنى مفعول ، معناه المرضي ، كقتيل وجريح ، أي مقتول ومجروح .
__________
(1) أخرجه البخاري عن عروة عن أبيه في كتاب الحج ، باب السير إذا دفع من عرفة ، 1 : 397
حديث 1666 ، وأخرجه مسلم في باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة ، 2 : 936 ، حديث 1235 .
(2) انظر القاموس المحيط ، ص 821 ، " عنق " ، ص 1188 ، " فجو " .
(3) 10) في جـ : " ومنه قولهم " .
(4) 11) في جـ : " رفعته " .
(5) انظر شرح ديوان امرؤ القيس ، ص 14 . والرئم : الظبي الأبيض ، ونصته : رفعته .
(6) سورة غافر ، من الآية 17 .
و رسمت في النسختين :"لدا" ، والصواب رسمها :"لدى" بالألف المقصورة ، كما رسمت في المصحف
الشريف .
(7) في جـ : " وهو فعيل " .(1/208)
قوله : (( أبي بكر )) أسقط الناظم التنوين هاهنا للالتقاء الساكنين ، مع أن اللغة المشهورة أن يكسر ولا يحذف ، فإنما فعل الناظم ذلك : إما لضرورة الوزن ، وإما اعتبار اللغة الشاذة ، ومنه قوله تعالى على القراءة الشاذة(1): { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [اللَّهُ الصَّمَدُ] }(2)بإسقاط التنوين من { أَحَدٌ } للالتقاء الساكنين .
ومن هذه اللغة قول الشاعر(3):
فَأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ وَلاَ ذَاكِرَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً
فأسقط التنوين من (( ذاكرا )) .
الإعراب : قوله : (( منهن )) جار ومجرور متعلق بالثبوت والاستقرار الذي هو [خبر](4)المبتدأ بعده ، [قوله](5): (( ما )) مبتدأ وخبره المجرور [قبله](6)، قوله : (( ورد )) فعل ماض ، (( في نصّ )) جار ومجرور متعلق بورد ، (( الخبر )) مضاف إليه ، قوله : (( لدى )) ظرف متعلق بورد ، (( أبي بكر )) مضاف ومضاف إليه (( الرضى )) نعت ، (( وعمر )) معطوف . ثم قال(7):
[16] وَخَبرٌ جَاءَ عَلَى العُمُومِ **** وَهوَ أصْحَابِي كالنُّجُومِ
هذا هو القسم الثاني ، وهو الحديث العام في الاقتداء بجميع الصحابة - رضي الله عنهم - .
قوله : (( وخبر )) ، أي ومن الآثار المذكورة حديث جاء في الاقتداء عامًّا لجميع الصحابة لا خاصا كما في الحديث الأول .
__________
(1) وهي قراءة نصر بن عاصم .
انظر : مختصر في شواذ القرآن ، ص 183 ، الجامع لأحكام القرآن ، 8 : 116 .
(2) سورة الإخلاص ، الآيتين 1 , 2 .
وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) هذا البيت من المتقارب ، وهو لأبي الأسود في ديوانه ، صنعة أبي سعيد السكري ، تحقيق محمد حسن آل
ياسين ، ص 54 ، ط1 ، بيروت ، 1982 م ، ضرائر الشعر لابن عصفور ، ص 81 ، ط1 ، دار الكتب
العلمية ، بيروت 1999 م .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) ساقطة من : " جـ " .
(7) 10) زاد في جـ : " رحمه الله " .(1/209)
وقوله : (( وهو أصحابي كالنجوم )) [ تفسير لهذا الخبر العام لجميع الصحابة - رضي الله عنهم - ](1)وهو قوله - عليه السلام - : (( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ))(2)، فاكتفى الناظم بأول الحديث اختصارا إذ فيه إشارة إلى آخره .
واعترض كلام الناظم في هذا البيت والذي قبله ، بأن قيل : ظاهر كلامه في هذين البيتين ، يقتضي أن الآثار الواردة في الصحابة - رضي الله عنهم - منحصرة(3)في قسمين : قسم خاص بالشيخين ، وقسم عام بجميع الصحابة ، مع أنه وردت الآثار في الصحابة ، بعضها خاص(4)بأبي بكر ، وبعضها خاص بعمر ، [وبعضها خاص بعثمان ، وبعضها خاص بعلي](5)، وبعضها خاص بالخلفاء الأربعة ، وبعضها عام بجميع الصحابة ، خلافا للخبر الذي نقله الناظم في جميعهم .
مثال ما جاء في أبي بكر دون غيره ، قوله - عليه السلام - : (( ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعدي أفضل من أبي بكر ))(6).
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) ذكر هذا الحديث الزرقاني في شرحه بهذا اللفظ ، 2 : 203 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
وضعّفه ابن حزم في كتابه الإحكام ، 6 : 243 ، ط1 ، دار الحديث ، القاهرة .
وأسنده الديلمي إلى ابن عباس ، بلفظ : " أصحابي بمنزلة النجوم من السماء ، بأيما أخذتم اهتديتم ، واختلاف
أصحابي لكم رحمة " . الفردوس بمأثور الخطاب ، 4 : 160 ، حديث 6497 .
(3) في جـ : " محصورة " .
(4) في جـ : " خاصّة " في الموضعين .
(5) هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ، القرشي الهاشمي ، يكنى أبا الحسن . أول من أسلم من الصبيان ،
هاجر وشهد بدرا والحديبية والمشاهد كلها ، وهو ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، له خمسمائة وثلاثون حديثا .
استشهد ليلة الجمعة ، سنة 40 هـ .
انظر : معرفة القراء الكبار ، ص 11 ، 12 ، كتاب المعارف لابن قتيبة ، ص117 .
وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) سبق تخريجه في ص 116 .(1/210)
ومثال ما جاء في عمر دون غيره ، قوله - عليه السلام - : (( إن الله ينطق بالحق على لسان عمر ))(1)، وقوله : (( إن الشيطان يهرب من عمر فجاّ بعد فجّ ))(2).
ومثال ما جاء في عثمان دون غيره ، قوله - عليه السلام - : (( ألا أستحي ممن استحيت منه ملائكة السماء ))(3)، وسماه النبي - عليه السلام - بذي النورين ، لأنه تزوج بنتي النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ومثال ما جاء في علي - رضي الله عنه - ، قوله - عليه السلام - : (( من كنت مولاه فعلي مولاه ))(4)، وقوله : (( علي مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ))(5).
ومثال ما جاء في الخلفاء الأربعة كلهم ، قوله - عليه السلام - : (( من سرّه أن يحيا حياتي و يموت مماتي ، ويأكل من جنات عدن غرس ربي ، فليقتد بهؤلاء الأربعة ، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهما وعلما ، فالويل لمن كذبهم ، فلا تناله شفاعتي ))(6).
__________
(1) سبق تخريجه في ص 116 .
(2) سبق تخريجه في ص 116 .
(3) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة ، بلفظ : (( ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة )) .
صحيح مسلم ، 4 : 1866 ، حديث 2401 ، وأخرجه أحمد في المسند ، 6 : 62 ، حديث 24375 .
(4) أخرجه النيسابوري في المستدرك ، 3 : 118 ، حديث 4577 .
(5) أخرجه مسلم والترمذي وابن حبان ، ولفظه : " عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه ، قال : قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي ثم أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " .
صحيح مسلم ، باب من فضائل علي بن أبي طالب ، 4 : 1870 ، حديث 2404 ، سنن الترمذي ،
باب مناقب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، 5 : 638 ، حديث 3724 ، صحيح ابن حبان ، ، تحقيق :
شعيب الأرنؤوط ، 15 : 370 ، حديث 6926 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت .
(6) أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن عباس بلفظ : " من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة
عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي ، فانهم عترتي خلقوا من
طينتي رزقوا فهما وعلما ، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي للقاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي " .
حلية الأولياء ، 1 : 86 .(1/211)
قوله : (( عترتي )) العِترة بكسر العين وسكون التاء المهملة ، قيل : أهل بيته ، وقيل : بنو عبد المطلب(1).
وقوله - عليه السلام - : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ))(2).
وقال - عليه السلام - : (( من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله ، ومن أحب عليّا فقد استمسك بالعروة الوثقى ))(3).
ولقد أحسن الشاعر قائلا(4):
أَجَلُّ مَا قَدَّمَ الإِنْسَانُ مِنْ عَمَلٍ يَرْجُو بِهِ الأَجْرَ فِي سِرٍّ وَفِي عَلَنِ
حب الإمَامِ أَبِي بَكْرٍ وَصَاحِبِهُ وَحُبُّ عُثْمَانَ وَالْمَوْلَى أَبِي الْحَسَنِ
ومثال ما جاء في عموم الصحابة ، قوله - عليه السلام - : (( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ))(5)، وقوله - عليه السلام - : (( أصحابي كالملح للطعام فإذا ذهب الملح فسد الطعام ))(6)،
__________
(1) وقيل عترة النبي - صلى الله عليه وسلم - : أهل بيته الأقربون والأبعدون منهم .
انظر لسان العرب ، 4 : 538 ، " عتر " .
(2) سبق تخرجه ، ص 78 .
(3) روى محمد بن مقاتل العبادي بسنده عن أيوب السختياني ، يقول : " من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ، ومن
أحب عمر فقد أوضح السبيل ، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله ، ومن أحب عليا فقد استمسك بالعروة
الوثقى ومَنْ أحسن القول في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد برئ من النفاق " .
كتاب الثقات ، لمحمد بن حبان البستي ، تحقيق السيد شرف الدين أحمد ، 9 : 87 ، ط1 ، دار الفكر ،
بيروت ، 1975م .
(4) لم أعثر على هذه الأبيات .
(5) سبق تخريجه ، ص 155 .
(6) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ، 10 : 18 ، بلفظ : " مثل أصحابي كالملح في الطعام " ، وقال : "رواه
أبو يعلى والبزار بنحوه ، وفيه إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف" .(1/212)
وقوله - عليه السلام - : (( لاتؤذوني في أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ(1)مدّ أحدهم ولا نصيفه ))(2).
قال أبو عبيد الهروي : يقال النصف والنصيف ، كما يقال العشر والعشير(3).
وقد ورد في أصحاب النبي - عليه السلام - من الأحاديث العامة والخاصّة ما لا يحصى ، فإذا كان الأمر كذلك ، فكيف حصر الناظم الأحاديث الواردة في الصحابة في حديث الشيخين أبي بكر وعمر ، وحديث العموم كما تقدّم ؟
__________
(1) في جـ : " ما تبلغ " .
(2) أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة بلفظ : ((لا تسبوا أصحابي ، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ
مد أحدهم ولا نصيفه )) ، وأخرجه أبو داود بلفظ : (( لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم
مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )) .
صحيح البخاري ، 2 : 416 ، حديث 3673 ، سنن أبي داود ، باب النهي عن سبّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،
4 : 214 ، حديث 4658 .
(3) انظر كتاب الغريبين ، 6 : 1848 .(1/213)
أجيب عن هذا : بأن [ كلامه لا يقتضي حصر الأحاديث الواردة في الاقتداء بالصحابة في هذين الحديثين دون غيرهما ؛ لأن (( من )) في قوله : (( منهن )) للتبعيض ، فكأن الناظم – رحمه الله – يقول : بعض الأحاديث الواردة في الاقتداء خاصّة وبعضها عامة ، فـ](1)المراد – [والله أعلم](2)– بقول الناظم : (( منهن ما ورد في نصّ الخبر [لدى أبي بكر الرضى وعمر](3)) : الإشارة إلى جميع أحاديث الخصوص ، فمن جملة الأحاديث الخاصّة ببعض الأصحاب : حديث الشيخين المذكور ، فقوله : (( منهن ما ورد في نصّ الخبر )) البيت ، مثال في المعنى لأحاديث الخصوص ، فكأن الناظم يشير بهذا البيت إلى جميع أحاديث الخصوص ، فيندرج في ذلك الحديث الخاص بالشيخين ، والخاص بأحدهما ، والخاص بغيرهما كما ذكرنا مثال كل ذلك .
ويشير بقوله : (( وخبر جاء على العموم )) إلى جميع أحاديث العموم ، فيندرج [في](4)ذلك هذا الحديث الذي ذكر الناظم وغيره من أحاديث العموم ، فكأن الناظم – رحمه الله – يقول : وجاء آثار في الاقتداء بالصحابة ، منها آثار خاصّة بالبعض ومنها آثار عامّة للجميع .
[ فإن قلت : إن كثيرا من الأحاديث التي ذكرت ليس فيها الاقتداء بالصحابة ، وليس فيها إلا مجرّد التفضيل ، فإن الناظم – رحمه الله – إنما استدل بالحديثين المذكورين في النظم على وجوب الاقتداء بالصحابة ، لذكر الاقتداء في الحديثين المنظومين ، فإن الناظم إنما استدل بالحديثين المنظومين على صحّة قوله : (( وجاء آثار في الاقتداء بصحبه الغر ذوي العلاء )) .
قلت : ذكر التفضيل يدلّ على الاقتداء ، فإن التفضيل سبب وجوب الاقتداء بالأفضل ](5).
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) ما بين المعقوفين ، مقدار ستة أسطر ، سقط من : " جـ " .
وزاد في ز : " فالاقتداء مذكور في المعنى ، وإن لم يذكر في اللفظ لأن التفضيل يستلزمه لوجوب الاقتداء
بالأفضل " .(1/214)
الإعراب : قوله : (( وخبر )) الواو حرف عطف ، (( خبر )) مبتدأ خبره محذوف دلّ عليه ما قبله ، تقديره : ومنهن خبر ، فخبره جار ومجرور متعلق بالثبوت والاستقرار ، قوله : (( جاء )) [فعل](1)ماض ، (( على العموم )) جار ومجرور متعلق بـ (( جاء )) ، وقوله : (( وهو )) مبتدأ ، (( أصحابي )) مبتدأ ثان ، ومضاف إليه ، وهو ياء المتكلم(2)، وقوله : (( كالنجوم )) الكاف لتشبيه ومعناها مثل ، وقوله : (( النجوم )) مضاف إليه ، أضيف إليه كاف التشبيه ، وقوله : (( كالنجوم )) هو خبر المبتدأ الثاني وهذا المبتدأ الثاني مع خبره هو خبر المبتدأ الأول . ثم قال :
[17] وَمَالِكٌ حَضَّ عَلَى الإتِّبَاعِ **** لِفِعْلِهِمْ وَتَرْكِ الابْتِدَاعِ
لمّا استدلّ الناظم على وجوب الاقتداء بالصحابة بقول النبي - عليه السلام - ، أراد أن يستدل – أيضا – بقول مالك(3) - رضي الله عنه - ، لأنه إمام الأئمة ، وإمام المدينة ، وشيخ الطريقة ، وإمام الحقيقة ، وقد جمع بين الفقه والحديث والقياس ، بخلاف غيره من الأئمة الأربعة ، لأن الشافعي(4)إمام في الفقه ، وأبو حنيفة(5)إمام في القياس ، وأحمد بن حنبل(6)إمام في الحديث ، ومالك - رضي الله عنه - إمام في الثلاثة .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) زاد في جـ : " وقوله : ((كالنجوم)) الكاف للتشبيه ، ومعناها : مثل ، وقوله : ((النجوم)) مضاف إليه ،
أضيف إليه كاف التشبيه " .
(3) إمام دار الهجرة - رضي الله عنه - ، انتشر مذهبه بالحجاز والبصرة ، وبإفريقية والمغرب والأندلس .
انظر ترجمته في : الديباج المذهب ، 56 – 79 ، شجرة النور ، 1 : 80 – 83 ، وفيات الأعيان ، 4 : 135 ،
رقم 550 .
(4) تقدمت ترجمته في ص 65 .
(5) سبق التعريف به في ص 75 .
(6) تقدمت ترجمته في ص 72 .(1/215)
ولهذا قال النبي - عليه السلام - (1): (( يوشك أن تضرب أكباد الإبل في طلب العلم ، فلا يوجد عالم أعلم من عالم المدينة ))(2)، وقد خرّجه البخاري(3)ومسلم(4)،
__________
(1) في جـ : " صلى الله عليه وسلم " .
(2) ذكر الشارح أن هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم ، اطلعت على الصحيحين ولم أجد فيهما الحديث ، وقد
أخرجه النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بلفظ قريب منه ، ونصه : " عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ثم يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل ، فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة
قال النيسابوري : "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه " ، كتاب العلم ، 1 : 168 ، حديث 307 .
وأخرجه الترمذي في سننه باختلاف في اللفظ – أيضا – ، كتاب العلم ، باب ما جاء في عالم المدينة ،
5 : 47 ، حديث 2680 .
(3) هو محمد بن إسماعيل ، أبو عبد الله ، شيخ الإسلام ، وإمام الحفاظ لحديث سول الله - صلى الله عليه وسلم - ، صاحب الجامع
الصحيح المعروف بصحيح البخاري ، وغيره من التصانيف . توفي سنة 256 هـ .
انظر : سير أعلام النبلاء ، 12 : 391 ، معجم المؤلفين ، 3 : 130 ، وفيات الأعيان ، 1 : 455 .
(4) هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري ، صاحب الصحيح أحد الأئمة الحفاظ وأعلام
المحدثين ، رحل إلى الحجاز والعراق والشام ومصر ، وسمع يحيى بن يحيى النيسابوري ، وأحمد بن حنبل
وغيرهم ، وروى عنه الترمذي وكان من التقات . توفي بنيسابور سنة 261 هـ .
انظر : البداية والنهاية ، 11 : 33 ، وفيات الأعيان ، 5 : 194 ، رقم 717 .(1/216)
وفسّره الأئمة بمالك ابن أنس - رضي الله عنه - بشّر(1)النبي - عليه السلام - في هذا الحديث قبل خلقه ، ولهذا قال الشافعي - رضي الله عنه - : مالك أستاذي وعنه أخذت العلم ، وهو حجّة فيما بيني وبين ربي ، وما منّ علي أحد بمثل ما منّ به علي مالك ، وإذا ذُكر العلماء فمالك هو النجم الثاقب(2).
معنى الثاقب : المرتفع المستعلي . يقال : ثقب الطائر إذا ارتفع واستعلى ، ومنه تسمية زحل بالثاقب ، لارتفاعه واستعلائه(3).
وقد ذُكر هاهنا نسبه وبلده ومولده وعمره .
أما نسبه : فهو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ، وهو منسوب إلى بني أصبح ، وهو صريح النسب ، ولا يصح قول من قال مولى بني تميم بالعتق ، وإنما هو مولى(4)بالتحالف والتعاقد على عادة العرب ، ومالك الذي هو جده ، هو من كبار التابعين ومن كبار العلماء والفضلاء ، وأبو عامر الذي هو جده الأعلى ، هو من أصحاب النبي - عليه السلام - وقد شهد معه المغازي كلها ، غير بدر .
وأما بلده : فهو مدينة النبي - عليه السلام - وبها ولد ، وبها توفي ، ولذلك يقال له إمام المدينة .
وأما مولده : فقيل ولد سنة تسعين ، وقيل ولد سنة ثلاث وتسعين .
وأما عمره : فقيل تسعون سنة ، وقيل أربع وتسعون سنة . وقد انتهت إليه الرحلة من الأقطار والأمصار ، وبمذهبه أخذ أهل المغرب كلهم - رضي الله عنهم - .
وقوله : (( ومالك حضّ على الاتباع )) الحضّ بالضاد ، هو الترغيب والتحضيض والحث والندب ، أي : ومالك رغّب وحثّ على اتباع فعل الصحابة - رضي الله عنهم - . يقال :
__________
(1) زاد في جـ ، ز : " به " .
(2) انظر الإرشاد للخليل بن عبد الله القزيني ، تحقيق محمد سعيد إدريس ، 1 : 210 ، ط1 ،
مكتبة الرشد الرياض .
(3) انظر القاموس المحيط ، ص 61 ، " ثقب " .
(4) في جـ : " مولاهم " .(1/217)
حضضت فلانا على الشيء بمعنى حرّضته(1)عليه ، ومنه قوله تعالى : { حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ }(2)، وقوله تعالى : { وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ }(3)
قوله : (( على الإتباع )) بقطع همزة الإتباع ، ولا يصح نقل حركة الهمزة هاهنا إلى لام التعريف قبلها ، لئلا يكسر الوزن .
قوله : (( الإتباع )) ، معناه : الاقتداء والاقتفاء .
وقوله : (( وترك الابتداع )) ، قال بعضهم : هذا تفسير للاتباع ، لأن الإنسان إذا ترك الابتداع ، فقد استعمل الإتباع .
ومعنى الابتداع : إحداث ما لم يكن ، ومنه قوله تعالى { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضِ }(4)، أي محدّثها ومخترعها بعد أن لم تكن على غير مثال سبق .
وكان مالك - رضي الله عنه - كثيرا ما يتمثل بهذا البيت(5):
وَخَيْرُ أُمُورِ الدِّينِ مَا كَانَ سُنَّةًً وَشَرُّ الأُمُورِ الْمُحْدَثَاتُ الْبَدَائِعُ
الإعراب : قوله : (( ومالك )) يصح أن يكون مبتدأ وخبره ما بعده ، ويصح أن يكون فاعلا بفعل مضمر ، يدلّ عليه الفعل الذي بعده ، تقديره : وحضّ مالك على الاتباع ، من باب الاشتغال ، قوله : (( على الإتباع )) جار ومجرور متعلق بـ(( حضّ )) قوله : (( لفعلهم )) جار ومجرور ، ومضاف إليه [ما قبله](6)تعلق الجار بالاتباع ، قوله : (( وترك الابتداع )) معطوف ومضاف إليه . ثم قال :
[18] إذْ مَنَعَ السَّّائِلَ مِنْ أَنْ يُحْدِثَا **** فِي الأُمَهَاتِ نَقْطَ مَا قَدْ أُحْدِِثَا
__________
(1) في جـ : " أي حرضته " .
(2) سورة الأنفال ، من الآية 66 .
(3) سورة الماعون ، الآية 3 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 116 .
(5) ذكره : أحمد المقري في نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ، شرح وضبط وتعليق : مريم قاسم طويل ،
يوسف علي طويل ،7 : 268 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، وابن فرحون في الديباج ، ص 71 .
(6) ساقطة من : " جـ " .(1/218)
ذكر الناظم في هذا البيت أن رجلا سأل مالكا - رضي الله عنه - عن نقط المصاحف الكبائر هل يجوز أم لا ؟ فمنعه من ذلك .
ونصّ السؤال ما قاله أبو عمرو الداني في المحكم ، قال : " قال أشهب(1)سئل
مالك ، فقيل له : أرأيت من استكتب مصحفا اليوم ، أترى أن يكتب على ما أحدثه الناس من الهجاء اليوم؟ ، فقال : لا أرى ذلك ، ولكن يكتب على الكتْبة الأولى ، وأما المصاحف الصغار التي يتعلم فيها الصبيان وألواحهم ، فلا أرى بذلك بأسا "(2).
فنهى مالك - رضي الله عنه - هذا السائل عن نقط المصاحف الكبار دون المصاحف الصغار والألواح .
واعتَرض بعضهم قول الناظم : (( ومالك حضّ على الإتباع )) ، بقوله في هذا البيت : (( إذ منع السائل من أن يحدثا )) البيت ، لأن مقتضى هذا البيت هو النهي على الابتداع خاصّة ، وليس فيه الحضّ(3)على الاتباع كما هو مقتضى قوله : (( ومالك حضّ على الإتباع )) وليس في مقتضى(4)ما تقدّم عن أشهب عن مالك من السؤال والجواب ، إلا النهي على الابتداع ، وليس فيه الحض على الإتباع .
__________
(1) وهو أبو عمر ، أشهب بن عبد العزيز ، بن داود القيسي ، العامري ، الجعدي ، فقيه ، وعالم ورع ، تفقه على
الإمام مالك ، وتفقه عليه بنو الحكم وسحنون وغيرهم ، وانتهت إليه الرئاسة بمصر بعد ابن القاسم .
ولد سنة 140 هـ ، وتوفي سنة 204 هـ .
انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان ، 1 : 238 ، رقم 100 ، والديباج المذهب لابن فرحون ، 1 : 98 ، 99 .
(2) المحكم في نقط المصاحف ، لأبي عمرو الداني ، تحقيق : عزة حسن ، ص 11 ، ط2 ، دار الفكر .
وأخرج ابن أبي داود عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا : " لا بأس بنقط المصحف بالنحو " .
انظر المصاحف ، ص 143 .
(3) في جـ : " النصّ على الاتباع " .
(4) في جـ : " بمقتضى ما تقدّم " .(1/219)
فأجاب المعترض المذكور عن هذا الاعتراض بأن قال : وإن لم يذكر في السؤال المذكور [عن أشهب](1)الحضّ على الإتباع ، فهو مذكور في المعنى ، لأن النهي عن الشيء أمر بضدّه ، فالنهي عن الابتداع أمر بالاتباع ، وهذا الاعتراض عندي غير صحيح ؛ لأن قول المعترض ليس في السؤال المذكور عن أشهب إلا النهي عن الابتداع ، وليس فيه الحضّ على الاتباع ، هذا لا نسلمه ، لأن فيه – أيضا – الحضّ على الاتباع ، وهو قوله : "ولكن يكتب على الكتبة الأولى" ، وذلك عين الحضّ على الاتباع .
قوله : (( إذ منع السائل )) إذ هاهنا يصح أن تكون للتعليل ، كقوله تعالى : { وَلَنْ يَّنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ }(2)، أي لأجل ظلمكم ، ويصح أن تكون بمعنى الحين والوقت ، كقوله تعالى : { وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ }(3)، أي حين كنتم قليلا
فإذا جعلناها تعليلا ، فهي تعليل لقول الناظم ، ففي الكلام حذف ، تقديره : وإنما قلنا حضّ مالك على الاتباع إذ منع السائل من الإحداث ، ولا يصح أن يكون تعليلا لقول مالك ؛ لأن منع مالك السائل من الإحداث ، ليس بعلّة للحضّ على الاتباع وترك الابتداع .
وإنما العلّة لمالك في الحضّ على الاتباع : هي مخافة الإحداث والبدعة ، لا منع السائل . تأمَّله .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) سورة الزخرف ، من الآية 138 .
(3) سورة الأعراف ، من الآية 85 .(1/220)
وأما إذا جعلنا (( إذ )) بمعنى الحين والوقت ، فلا تعليل فيه ، وإنما هو بمجرد الحين والوقت ، فتقديره : حين منع أو وقت منع ، نظيره قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ? يَاقَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِئَآءَ }(1)الآية ، وقوله تعالى : { وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ }(2)، { وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ }(3)، وهو كثير .
قوله : (( إذ منع السائل )) البيت ، الفاعل بـ (( منع )) مالك(4) - رضي الله عنه - ، والمراد بالسائل : هو الرجل الذي سأله عن شكل المصحف ، كما تقدّم عن أشهب(5).
قوله : (( من أن يحدثا )) ، أي من أن يبتدع ويخترع .
قوله : (( في الأمهات )) يعني بالأمهات : المصاحف الكمّل الكبار .
وقوله : (( نقط )) ، أي شكل ومحص(6)وضبط ، لأن النقط ، والشكل ، والضبط ، والمحص [هنا](7)بمعنى واحد .
وقوله : (( ما قد أحدثا )) ، أي الذي قد أحدثا وهو المصحف ، لأنه محدث في زمان الصحابة ، إذ لم يكن في زمان النبي - عليه السلام - .
والمراد بالفعلين في آخر الشطرين [معنى](8)واحد ، هو الابتداع والاختراع .
__________
(1) سورة المائدة ، من الآية 22 .
(2) سورة الأعراف ، من الآية 85 .
(3) سورة الأنفال ، من الآية 26 . وفي جـ : " وقوله : { وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ .... } .
(4) في جـ : " هو مالك " .
(5) تقدّمت ترجمته قريبا .
(6) قال الراغب الأصفهاني : " أصل المحص : تخليص الشيء مما فيه عيب كالفحص " ثم قال : " والمحص :
يقال في إبراز شيء عما هو متصل به " .
المفردات في غريب القرآن ، ضبطه وراجعه محمد عيتاني ، ص 466 ، " محص " ، دار المعرفة ، بيروت
(7) ساقطة من : " جـ " .
(8) ساقطة من : " جـ " .(1/221)
الإعراب : قوله : (( إذ )) ظرف لما مضى من الزمان ، والعامل فيه (( حضّ )) إذا جعلناها لمجرد الوقت ، وإذا جعلناها للتعليل ، فالعامل فيها فعل محذوف ، تقديره : وإنما قلنا حضّ مالك على الاتباع إذ منع السائل ، أي لأجل منع السائل من الإحداث ، (( منع )) فعل ماض ، (( السائل )) مفعول ، (( من أن يحدثا )) جار ومجرور ، لأن التقدير(1)من الإحداث تعلق الجار بـ (( منع )) ، (( أن يحدثا )) ناصب ومنصوب ، والألف فيه لإطلاق القافية ، وليست للتثنية ، لأن فاعله واحد ، وهو عائد على ((السائل)) ، قوله : (( في الأمهات )) جار ومجرور متعلق بـ (( يحدثا )) ، قوله : ((نقط)) مفعول، ((ما)) مضاف إليه ، قوله : (( قد )) حرف تحقيق ، قوله : ((أحدثا )) فعل ماض مركب ، والألف فيه لإطلاق القافية – أيضا – . ثم قال :
[19] وإنما رَءَاهُ لِلصّبْيَانِ **** فِي الصُّحْفِ وَالأَلْوَاحِ لِلْبَيَانِ
هذا الذي ذُكر في هذا البيت : هو من تمام الجواب المتقدّم لأن مالكا - رضي الله عنه - أجاب السائل بالنهي عن النقط في الأمهات الكبار، وبجوازه في المصاحف(2)الصغار التي يتعلم فيها الصبيان ، وفي ألواحهم .
قوله : (( وإنما رآه )) يعني جوّزه مالك للصبيان ، لأن الرؤية هنا قلبية لا بصرية ، وهي تحتاج إلى مفعولين ، تقديره : رءاه جائزا ، أو مباحا للصبيان .
وقوله(3): (( في الصحف )) يعني بالصحف : المصاحف الصغار ، وهو جمع صحيفة ، والصحيفة : اسم لما يكتب فيه ، وله جمعان : صحائف ، وصحف بضم الحاء ، ويجوز(4)
__________
(1) في جـ : " تقديره " .
(2) في جـ : " وبجوازه في المصاحف والمصاحف الصغار " .
(3) في جـ : " قوله " .
(4) في حاشية النسخة ز : " قوله ويجوز تسكينه ، ورد قراءة في قوله تعالى : { مَا فِي الصُّحُفِ الاْولَى } .
قال ابن عطية في تفسيره على الآية : وقرأ الجمهور : { فِي الصُّحُفِ } بضم الحاء ، وقرأت فرقة :
{
فِي الصُّحْفِ } ، بسكونها " .(1/222)
تسكينه تخفيفا ، كرسل ، وكتب ، ولا يجوز هنا في النظم إلا إسكان الحاء لضرورة الوزن .
قوله : (( والألواح )) جمع لوح .
قوله : (( للبيان )) هذا علّة جواز النقط للصبيان في صحفهم وألواحهم ، وهي البيان ؛ لأن [الصبيان](1)لا يفهمون المرفوع والمنصوب والمخفوض والمجزوم ، وما في معنى ذلك ، إلا بنقط وتشكيل . فمن أجل ذلك أباح لهم مالك ذلك .
واعترض قوله : (( للصبيان )) بأن قيل : مفهومه أنه لا يجوز للكبار في الصحف الصغار التي يتعلمون فيها وفي ألواحهم ، مع أن العلّة في الصغار والكبار هاهنا واحدة وهي البيان .
أجيب عن هذا بأن قيل : لا اعتراض على الناظم في هذا ، لأنه اتبع [في هذا](2)مالكا - رضي الله عنه - ، لأنه أجاب السائل الذي سأله بإجازته في المصاحف الصغار التي يتعلم منها الصبيان ، وفي ألواحهم .
وأجاب بعضهم عن هذا بأن قال : قوله : (( للصبيان )) يقتضي أن المقصود المتعلم سواء كان صغيرا أو كبيرا فيؤخذ من التعليل بالبيان : أن تشكيل المصحف جائز في المصاحف الصغار وفي الألواح ، سواء كان ذلك للصغار أو للكبار .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) ساقطة من : " جـ " .(1/223)
الإعراب : قوله : (( وإنما )) الواو حرف عطف ، (( إنما )) : ((إن)) حرف تأكيد [ونصب](1)، قوله : (( ما )) هي كافة ، وقيل مهيئة وموطئة ، قوله : ((رآه )) فعل ومفعول ، قوله : (( للصبيان )) جار ومجرور [ في موضع المفعول الثاني لـ (( رءا)) إلا أنها اعتقادية وهو متعلق بمحذوف ، تقديره : كائنا للصبيان ، أي جائزا لهم ، واللام في قوله (( للصبيان )) لام الجواز والإباحة ، قوله : (( في الصحف )) جار ومجرور متعلق بذلك المحذوف – أيضا – ، لأنه محل الجواز والإباحة ، قوله : (( والألواح )) معطوف ، قوله : (( للصبيان )) جار ومجرور متعلق بذلك المحذوف – أيضا – ؛ لأنه علّة الجواز والإباحة ؛ لأن اللام فيه لام الجواز والإباحة ، فالمجرورات الثلاثة إذا متعلقة بمتعلق واحد ](2). ثم قال :
[20] وَالأُمَّهَاتُ مَلْجَأ للنَّاسِ **** فَمُنِعَ النَّقْطُ لِلالْتِبَاسِ
قوله : (( والأمهات )) مقابل قوله قبل : (( في الصحف )) ، لأن الصحف هي المصاحف الصغار ، ومقابل الصغار هو الكبار ، وهي المراد هاهنا(3)بالأمهات ، فالأمهات(4): هي المصاحف الكمّل الكبار .
قوله : (( ملجأ للناس )) ، أي مهرب ومرجع يفزع إليها الناس ، ويرجعون [إليها](5)إذا اختلفوا في شيء من القرآن ، أو شكّوا [فيه](6)، فينظرون في الأمهات المذكورة فيرتفع الإشكال .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) ما بين القوسين المعقوفين ، مقدار ستة أسطر ، سقط من " جـ " ، وفيه : " متعلق بـ (( رءا )) ، قوله :
((في الصحف)) جار ومجرور ، متعلق بـ (( رءا )) أيضا ، قوله : (( والألواح )) معطوف ، قوله :
(( للبيان )) جار ومجرور متعلق بـ (( برءا )) أيضا " .
(3) في جـ : " هنا " .
(4) في جـ : " والأمهات " .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) ساقطة من : " جـ " .(1/224)
قوله : (( فمنع النقط )) ، أي منع مالك السائل المذكور عن نقط المصاحف الكبار [أي](1)للالتباس ، وهو الاختلاط . تقول التبس عليّ هذا الأمر ، أي اختلط عليّ ، واللبس هو الخلط ، ومنه قوله تعالى : { وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ }(2)، أي : ولا تخلطوا(3).
قوله(4): (( فمنع النقط للالتباس )) اعترض هذا الكلام بأن قيل : ظاهره أن العلّة التي من أجلها منع مالك نقط المصحف ، هي مخافة الالتباس ، وليس الأمر كذلك ، بل العلّة التي من أجلها منع مالك نقط المصحف ، هي : مخافة الإحداث ، كما تقدّم في السؤال المذكور ، [وجواب مالك له](5).
أجيب عن هذا بأن قيل : ليس هذا من قول مالك وتعليله ، وإنما هذا من قول الناظم وتعليله ، وتبع الناظم في هذا التعليل بالالتباس أبا عمرو الداني ، في كتاب المحكم(6)، لأن أبا عمرو نهى في المحكم عن نقط المصحف بالسواد بالحبر(7)، أو غيره من السواد ، لأن السواد يحدث في المصحف تغييرا ، أو تخليطا ، أو التباسا وتبع الناظم في هذا التعليل بالالتباس أبا عمرو [إذ](8)بذلك علّل .
اعترض(9)هذا الجواب بأن قيل : التعليل بالالتباس الذي علّل به أبو عمرو ، إنما هو خاص بالسواد دون الحمرة وغيرها مثلا ، والناظم علّل النقط مطلقا بالالتباس(10)لا فرق بين السواد وغيره ، وهو مخالف لأبي عمرو الداني ، لأن أبا عمرو جوّزه بلون يخالف لون السواد ، ومنعه(11)بالمداد مخافة الالتباس .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(2) سورة البقرة ، من الآية 41 .
(3) في جـ : " أي لا تخلطوا " .
(4) 10) في جـ : " وقوله " .
(5) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) انظر المحكم ، ص 19 .
(7) في حاشية النسخة ز : " الحبر بالكسر هو المداد " .
(8) ساقطة من : " جـ " .
(9) في جـ ، ز : " واعترض " .
(10) في جـ : " للالتباس " .
(11) في جـ : " ومعناه " . وهو تصحيف ظاهر .(1/225)
فقوله : (( للالتباس )) هو تعليل الداني ، وليس بتعليل مالك ، والذي علّل به مالك هو مخافة الإحداث والابتداع ، لا مخافة الالتباس .
فعلى قول مالك : يُمنع النقط مطلقا كان بسواد أو غيره ، وعلى قول أبي عمرو : يُمنع بالسواد ويجوز بغيره .
وهاهنا سبعة أسولة :
أحدها : لماذا لم ينقط أبو بكر وعمر المصحف حين كتبوه؟
فإنما لم يفعلوا(1)ذلك : لإبقاء الفسحة في القرآن بالوجوه السبعة التي أذن الله لعباده في القراءة بها .
السؤال الثاني : من الذي بدأ بنقط المصحف ؟
ففيه ثلاثة أقوال(2):-
قيل : أبو الأسود الدؤلي(3).
وقيل : يحيى بن يعمر(4)، وقيل : نصر بن عاصم الليثي(5)،
__________
(1) في جـ : " فإنما فعلوا ذلك " ، ولعله هو الصواب .
(2) قال أبو عمرو الداني : "يحتمل أن يكون يحيى ونصر أول من نقطاها للناس في البصرة ، وأخذا ذلك عن أبي
الأسود ، إذ كان السابق إلى ذلك ، والمبتدئ به ، وهو الذي جعل الحركات والتنوين لا غير" .
المحكم ، ص 6 .
(3) 10) هو أبو الأسود بن عمرو بن سفيان الدؤلي ، قاضي البصرة . ثقة جليل ، أول من وضع مسائل في النحو ،
بإشارة علي كرم الله وجهه ، أسلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يره . أخذ القراءات عرضا عن عثمان بن
عفان ، وعليّ بن أبي طالب . توفي سنة 69 هـ .
انظر : معرفة القراء ، ص 31 ، غاية النهاية ، 1 : 345 ، رقم 1493 .
(4) هو أبو سليمان يحيى بن يعمر العدواني البصري ، تابعي جليل . قرأ عن ابن عمر وابن عباس وعلى أبي
الأسود الدؤلي ، وقرأ عليه أبو عمرو بن العلاء وغيره . قال الذهبي : " وهو أول من نقط المصحف " .
توفي سنة 106 هـ .
انظر : معرفة القراء ، ص 37 ، غاية النهاية ، 2 : 381 ، رقم 3873 .
(5) هو نصر بن عاصم الليثي البصري ، تابعي ، عرض القرآن على أبي الأسود ، وروى القراءة عنه عرضا
أبو عمرو البصري ، وعبد الله بن إسحاق الحضرمي ، وروى عنه الحروف عون العقيلي ، ومالك بن دينار
ويقال : أنه أول من نقط المصاحف وخمسها وعشرها . توفي بالبصرة سنة 90 هـ .
انظر : غاية النهاية ، 2 : 336 ، رقم 3728 ، معرفة القراء ، ص 39 .(1/226)
وكان يقال له نصر الحروف(1).
قال أبو عمرو(2): ويحتمل أن يكون هذا اختلاف حال لا اختلاف مقال ، وأن يحيى بن يعمر ، ونصر بن عاصم ، أول من نقط المصاحف بالبصرة ، وأخذا ذلك عن أبي الأسود الدؤلي ، لأنه السابق بذلك ، ولكن لم يضع إلا الحركات والتنوين(3).
قال أبو عمرو في المقنع(4): وأكثر العلماء على أن المبتدئ بذلك هو أبو الأسود الدؤلي ، ولكن لم يضع إلا الحركات والتنوين لا غير ، وضعها بالنقاط كما تقدّم ، وأن الخليل بن أحمد(5)هو الذي جعل الهمزة والتشديد والروم والإشمام(6)، وهو الذي وضع الشكل المأخوذ من الحروف .
__________
(1) في جـ : " ناصر الحروف " .
(2) انظر المقنع لأبي عمرو الداني ، ص 125 .
(3) في جـ : " إلا على الحركات والتنوين " .
(4) انظر المقنع ، ص 25 .
(5) هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري ، صاحب العربية ومنشئ علم العروض وصاحب
كتاب العين المعروف المشهور . روى الحروف عن عاصم وعبد الله بن كثير ، وروى عنه الحروف بكار
ابن عبد الله العودي . وهو أول من جمع حروف المعجم في بيت واحد . توفي سنة 175 هـ ، وقيل غير ذلك
انظر : بغية الوعاة ، 1 : 557 – 560 ، رقم 1172 ، معجم الأدباء ، 3 : 300 – 303 ، رقم 401 ،
غاية النهاية ، 1 : 275 ، رقم 1242 ، سير أعلام النبلاء ، 7 : 429 ، الأعلام ، 2 : 314 .
(6) الروم عند القراء : عبارة عن النطق ببعض الحركة . وقيل هو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب
معظمها . وعند النحاة عبارة عن النطق بالحركة بصوت خفي .
والإشمام : هو عبارة عن الإشارة إلى الحركة من غير صوت ، وقيل : أن تجعل شفتيك على صورتها
إذا لفظت بالضمة ، ولا تكن الإشارة إلا بعد سكون الحرف .
انظر : النشر ، 2 : 121 ، التيسير ، باب ذكر الوقف على أواخر الكلم ، ص 54 .(1/227)
والدليل على أن أبا الأسود الدؤلي - رضي الله عنه - هو الذي ابتدأ بالنقط(1): أن زياد بن أبي سفيان(2)والي البصرة ، بعث إلى أبي الأسود الدؤلي ، فقال له : يا أبا الأسود إن هذه الحمراء قد كثرت وأفسدت من ألسن العرب ، فهلاّ وضعت شيئا يصلح به
الناسُ كلامهم ، ويعرفون به كتاب الله - عز وجل - ، فامتنع أبو الأسود من ذلك ؛ إذ هو بدعة ثم وجّه زياد رجلا ، فقال له : أقعد في طريق أبي الأسود ، فإذا مرّ بك ، فاقرأ شيئا من القرآن ، وتعمّد فيه اللحن(3)، ففعل الرجل ذلك ، فلما مرّ به أبو الأسود فرفع الرجل صوته ، فقال : { ..... أَنَّ اللَّهَ بَرِي?ءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ? }(4)، فخفض اللام من قوله : { وَرَسُولُهُ? } فاستعظم ذلك أبو الأسود ، فقال :عز وجل الله أن يتبّرأ من رسوله ، فرجع من فوره إلى زياد ، فقال له : يا هذا قد أجبتك إلى ما سألت ، فابعث إلىّ ثلاثين رجلا من النبلاء العقلاء ، فبعثهم زياد إليه ، فاختار منهم أبو الأسود عشرة ، ثم لم يزل يختار ، حتى اختار منهم رجلا هو أعقلهم وأنبلهم ، فقال له أبو الأسود : خذ المصحف ، وصبغا يخالف لون المداد ، فإذا فتحت شفتي ، فانقط نقطة واحدة فوق الحرف ، وإذا ضممتهما فانقط النقطة أمام الحرف ، وإذا كسرتهما فانقط [النقطة](5)أسفل الحرف ، فإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غنة ، فانقط نقطتين ، فابتدأ بالمصحف من أوله حتى أتى على آخره .
__________
(1) القصة بتمامها رواها أبو عمرو الداني بسنده إلى العتبي في المحكم ، ص 3 ، 4 .
(2) 10) هو زياد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية ، ويسمى زياد بن أبيه ، لم يكن من القراء ولا من الفقهاء ، ولكنه
كان معروفا ، وكان كاتبا لأبي موسى الأشعري ، وقد روى عن عمر ، ورُويتْ عنه أحاديث . توفي
بالكوفة سنة 53 هـ .
انظر الطبقات الكبرى ، 7 : 99 .
(3) في جـ : " وتعمد به اللحن " .
(4) سورة التوبة ، من الآية 3 .
(5) ساقطة من : " جـ " .(1/228)
قال أبو عبد الله القيسي(1)– رحمه الله – في كتابه المسمى بالميمونة مشيرا إلى الأقوال الثلاثة المذكورة :
فَالأَوَّلُ الَّذِي ابْتَدَأَ بِالنَّقْطِ الدُّؤَلِي ذُو الْحِجَا وَالْقِسْطِ
وَقِيلَ نَجْلُ يَعْمُرَ التَّقِيّ وَذَاكَ يَحْيَ الْعَالِمُ الذَّكِيّ
وَقِيلَ ذَاكَ نَصْرُ نَجْلُ عَاصِمِ طُوبَى لِذِي التَّقْوَى الذَّكِيّ الْعَالِمِ(2)
السؤال الثالث : من الذي بدأ بتشكيل المصاحف(3)المأخوذ من صور الحروف ؟
فالذي اخترع ذلك هو : الخليل بن أحمد - رضي الله عنه - وهو الذي وضع الهمز ، والتشديد ، والروم ، والإشمام .
واشتهر ذلك في زمانه في سائر البلدان ، وانتشر العمل به(4)في كل عصر وأوان .
وإلى هذا أشار أبو عبد الله القيسي ، فقال(5):
وَاخْتَرَعَ الشَّكْلَ الَّذِي فِي الْكُتُبِ الزَّاهِدُ الْخَلِيلُ ثِقْ بِالمَغْرِبِ
وَهْوَ الَّذِي مِنْ صُوَرِ الْحُرُوفِ مَأْخُوذٌ أَسْرَعُوا إِلَى الْمَوْصُوفِ
كَذَا أَتَى عَنِ الإِمَامِ الأَوْحَدِ الْعَالِمُ الْعَلاَّمَةُ الْمُبَرَّدِ
وَالْهَمْزَ وَالشَّدَّ وَالإِشْمَامَ جَعَلْ وَالرَّومَ ذَا الْخَلِيلُ نِعْمَ مَا فَعَلْ
السؤال الرابع : هل يجوز جمع النقط والشكل في مصحف واحد أم لا ؟
فهو جائز ، وقال أبو عبد الله القيسي(6):
وَإِنْ جَعَلْتَ بَعْضَهُ مُدَوَّرًا(7)وَبَعْضَهُ شَكْلاً فَلاَ ضَرَرَا
__________
(1) لم أجد له ترجمة ، إلا ما ذكر في أول كتابه الميمونة : أبو عبد الله محمد بن سليمان بن موسى القيسي .
الميمونة الفريدة ، لأبي عبد الله القيسي ، ورقة 2 ، مخطوط بالخزانة الحسنية ، رقم "4558" .
(2) المصدر نفسه ، ورقة 2 .
(3) في جـ : " المصحف " .
(4) في جـ : " به العمل " .
(5) انظر الميمونة الفريدة ، ورقة 2 ، 3 .
(6) المصدر نفسه ، ورقة 5 .
(7) الشكل المدوّر يسمى نقطا لكونه على صورة الإعجام الذي هو نقط بالسواد . انظر المحكم ، ص 22 .(1/229)
السؤال الخامس : من الذي بدأ بالتخميس والتعشير(1)؟
ففيه قولان : المأمون(2)، وقيل الحجاج(3).
وقال أبو عمرو في كتابه المحكم(4): قال قتادة(5)بدءوا فنقطوا ثم خمسوا وعشروا .
قال أبو عمرو : هذا يدلّ على فائدتين : إحداهما أن الصحابة وأكابر التابعين هم المبتدئون بالنقط(6)، ورسم الخموس والعشور ؛ لأن حكاية قتادة لا تكون إلا عنهم إذ هو من التابعين .
__________
(1) ذكر أبو عمرو الداني أن الذي بدأ بالتخميس والتعشير هو : نصر بن عاصم الليثي .
انظر المقنع ، ص 125 .
(2) وهو أبو العباس ، عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور سابع الخلفاء من بني
العباس في العراق . ولد سنة 170 هـ ، أكمل ما بدأ به جده في الحركة العلمية . من تصانيفه : أعلام النبوة ،
حجج مناقب الخلفاء . توفي سنة 218 هـ .
انظر هدية العارفين ، 5 : 439 . وفي ز : " قيل المأمون " .
(3) هو أبو محمد ، الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر الثقفي ، الطائي ، قائد داهية
خطيب ، ولد ونشأ في الطائف وانتقل إلى الشام ، كان عاملا لعبد الملك بن مروان على العراق وخراسان ،
وكان سفّاكا سفّاحا باتفاق المؤرخين . دامت له الإمارة عشرين سنة . توفي سنة 95 هـ .
انظر : وفيات الأعيان ، 2 : 29 ، رقم 149 ، الأعلام ، 2 : 168 .
(4) في جـ : " في كتاب المحكم " .
(5) هو أبو الخطاب قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز السدوسي البصري الضرير الأكمه ، حافظ ومفسر ، عالم
بالعربية ، أحد الأئمة في حروف القرآن . روى القراءة عن أبي العالية وأنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب
وغيره ، وروى عنه أبان بن يزيد العطار ، وغيره ، وكان يضرب بحفظه المثل . توفي سنة 118 هـ .
انظر : غاية النهاية ، 2 : 25 ، رقم 2611 ، معجم الأدباء ، 5 : 6 ، رقم 734 .
(6) في ز : " والعشور والخموس ورسم التخميس والأعشار " .(1/230)
والفائدة الثانية : أن قوله : " بدءوا " يدلّ على أن ذلك كان على اتفاقهم وما اتفقوا عليه أو جلّهم ، فلا شك في صحته ولا جرم في استعماله(1).
السؤال السادس : ما حكم التخميس والتعشير والخواتم ، وتعديد الآيات وما في معنى ذلك في المصحف؟
ففي ذلك ثلاثة أقوال : قيل(2): يجوز مطلقا ، وقيل(3): يكره مطلقا .
وقيل(4): يجوز بالسواد ، ويكره بالحمرة ، وهو قول مالك - رضي الله عنه - .
قال أبو عمرو(5): " والذي عليه الأكثر من أهل العلم : جواز جمع(6)ذلك ، وانعقد عليه الإجماع بعد التابعين إلى الآن " .
وقال أبو عبد الله القيسي مشيرا إلى القول الثالث(7)في التعشير :
وَمَالِكٌ قََدْ كَرِهَ التَّعْشِيرَا بِحُمْرَةٍ فَكُنْ بِهِ خَبِيرَا
وَجَائِزٌ عَنْهُ أَتَى بِالحِبْرِ(8)بَادِرْ لأَخْذِ الْعِلْمِ عَنْ ذَا الْحَبْرِ(9)
السؤال السابع : ما حكم نقط المصاحف وتشكيلها ؟
ففي ذلك ثلاثة أقوال(10):
__________
(1) 10) انظر المحكم ، ص 2 ، 3 .
(2) قال الزرقاني : وللعلماء كلام طويل في ذلك ، بين الجواز بكراهة والجواز بلا كراهة .
انظر مناهل العرفان ، 1 : 410 .
(3) روى أبو عمرو الداني بسنده عن مجاهد أنه كره التعشير والطيب في المصحف .
انظر المحكم ، ص 15 .
(4) ذكر أبو عمرو بسنده إلى عبد الله بن عبد الحكم ، أنه سمع مالكا يقول :" تعشير المصاحف بالحبر لا بأس
به " . انظر المصدر السابق .
(5) المقنع ، ص 125 .
(6) في جـ : " جميع ذلك "
(7) في جـ : " الثاني " .
(8) الحبر بكسر الحاء هو المداد ، والحبر بفتح الحاء هو العالم .
انظر لسان العرب ، 4 : 157 ، " حبر " .
(9) انظر الميمونة الفريدة ، ورقة 3 .
(10) بعد ذكره للأقوال الثلاثة ، استحب الزرقاني الإعجام والشكل وذلك صيانة للمصحف من اللحن والتحريف
انظر مناهل العرفان ، 1 : 402 .(1/231)
قيل : مباح مطلقا ، قاله ربيعة بن أبي عبد الرحمن وجماعة(1).
وقيل : مكروه مطلقا ، قاله(2)عبد الله بن عمر(3)، وعبد الله بن مسعود(4)وجماعة ، وكانوا يقولون : جردوا القرآن ولا تخلطوا به ما ليس منه(5).
وقيل : مكروه في الأمهات مباح في الأجزاء ، وهو قول مالك - رضي الله عنه - لأنه سُئل عن تشكيل المصحف ، فقال(6): أما في الأمهات فلا أراه ، وأما في الصغار والألواح ، فلا أرى به بأسا .
حجّة الجواز مطلقا : البيان(7)، حجّة الكراهة مطلقا : مخافة الإحداث ، وقيل : مخافة الالتباس بين الشكل والحرف ، لأنه ربما يزاد في صورة الشكل ، فيتوهّم متوهّم أنه حرف من الكلمة ، فيزيد في تلاوتها .
وحجّة الجواز في الأجزاء والألواح والكراهة في الأمهات الكبار : التوسّط بين القولين ، فكرِه ذلك في الأمهات مخافة الإحداث ، وجوّز ذلك في الأجزاء والألواح ، لأجل البيان في حقّ المتعلمين ، ولولا البيان للمتعلمين ، ما أباحه مالك في الأجزاء والألواح مخافة الإحداث ؛ لأنه - رضي الله عنه - كثير الترغيب في الاتباع والتحضيض على ترك الابتداع .
وقد سأله رجل عراقي ، فقال له يا أبا عبد الله : لم تقرءون(8): {
__________
(1) 10) روي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، والليثي جواز الشكل . انظر المقنع ، ص 125 .
(2) 11) روى أبو عمرو الداني بسنده عن عبد الله ، قال : " جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء " .
وروى بسنده – أيضا – عن عبد الله بن مسعود ، أنه قال : " جرّدوا القرآن " .
انظر المحكم ، ص 10 .
(3) 12) تقدمت ترجمته ، ص 110 .
(4) 13) سبق التعريف به في ص 78 .
(5) 14) في جـ : " ولا تخلطوا بما ليس منه " .
(6) انظر هذا القول في : المقنع ، ص 125 ، الإتقان ، 2 : 171 .
(7) أي بيان ما استشكل نطقه وفهمه .
(8) قرأ حفص بفتح الياء من قوله تعالى : { وَلِي نَعْجَةٌ } ، وقرأ الباقون بإسكانها ، وقرأ نافع والبزي
بخلف عنه وحفص وهشام : { وَلِيَ دِينِ } بفتح الياء ، وقرأ الباقون بإسكانها .
انظر التيسير ، ص 153 ، 183 .(1/232)
وَلِي نَعْجَةٌ }(1)بسكون الياء ، وتقرءون : { وَلِيَ دِينِ }(2)بفتح الياء ، فقال له مالك - رضي الله عنه - : ويلكم يا أهل العراق لم يبق لكم من العلم ، إلا لم وكيف ، القراءة سنة تؤخذ من أفواه الرجال ، فكن متّبعا ولا تكن مبتدعا .
الإعراب : قوله : (( والأمهات )) مبتدأ ، (( ملجأ )) خبره ، (( للناس )) جار ومجرور متعلق [ بصفة محذوفة ، تقديره : ملجأ كان للناس ، ولا يصح تعلقه به ؛ لأن ملجأ اسم مكان ، لأن اسم الزمان واسم المكان لا يعملان عمل الفعل ، واختلف في اسم المصدر ، هل يعمل كالمصدر أم لا ؟
المشهور لا يعمل ، والشاذ يعمل ، ومن الشاذ قول عائشة – رضي الله عنها – :
" من قبلة الرجل امرأته الوضوء "(3)، فأعملت اسم المصدر وهو القبلة ، لأنه اسم مصدر وليس بمصدر ، لأن مصدر ((قبل)) تقبيل لا قبلة ، فعلى هذا القول يصح أن يتعلق الجار في قول الناظم : (( للناس )) بقوله : (( ملجأ )) إن أريد به اسم المصدر ، ولكن لا بد فيه من حذف مضاف ، تقديره : والأمهات ذات ملجإ للناس ، أي ذات التجاء للناس ، ولكن حَمْل الكلام على المشهور أولى من حمله على الشاذ ](4)، (( فمنع )) ماض ، الفاعل به مالك ، (( النقط )) مفعول ، قوله : (( الالتباس )) جار ومجرور متعلق بـ (( منع )) . ثم قال :
[21] وَوَضَعَ النَاسُ عَلَيْهِ كُتُبا **** كُلٌّ يُبِينُ عَنْهُ كَيْفَ كُتِبَا
ذكر في هذا البيت : أن العلماء المتولّعين بهذا الشأن ، المعتنين برسم القرآن ألّفوا تصانيف على الرسم(5).
قوله : (( ووضع الناس )) ، أي : جعل وألقى وألّف وصنّف وجمع .
__________
(1) سورة ص ، من الآية 22 .
(2) سورة الكافرون ، من الآية 6 .
(3) سبق تخريجه ، ص 151 .
(4) ما بين المعقوفين ، مقدار تسعة أسطر ، سقط من " جـ " ، وفيه : " بملجئا " .
(5) من أشهرها : كتاب المقنع للداني ، والتنزيل لابن نجاح ، والعقيلة للشاطبي ، كما سيأتي بيانه قريبا .(1/233)
وقوله : (( الناس )) يعني بالناس هنا(1)العلماء ، وقد قيل لعبد الله بن المبارك(2) - رضي الله عنه - من الناس ، قال : العلماء ، فقيل له ومن الملوك ، فقال : الزّهاد ، فقيل له ومن السفلة(3)، قال : الذين يأكلون الدنيا بالدين .
وقوله : (( عليه )) الضمير يعود على الرسم المذكور أولا في قوله : (( وبعد فاعلم أن أصل الرسم )) .
وقوله : (( كتبا )) ، أي تواليف وتصانيف ، وهو جمع كتاب ، نحو : شهاب وشهب وحجاب وحجب ، ويجوز تسكينه ، فيقال : كتْب بسكون التاء تخفيفا ، ولا يجوز [هنا](4)في البيت إلا التحريك لضرورة الوزن .
والكتاب يطلق على المصدر ، وعلى المكتوب ، نحو اللباس ، لأنه يطلق على المصدر وعلى الملبوس ، وهو الثوب ، فالمراد من معنى الكتاب هاهنا : المكتوب .
قوله: (( ووضع الناس عليه كتبا )) ، أي كتب العلماء عليها مكتوبات ، أي تأليفات وتصنيفات .
قوله : (( كل يبين عنه كيف كتبا )) معناه : كل واحد منهم يبين عنه كيف كتبا ، فالتنوين في قوله : (( كلٌ )) عوض من الإضافة ، كقوله تعالى : { كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ }(5)، أي كل واحد منهم .
وقوله : (( يبين )) ، أي يوضّح ويظهر ، لأن البيان : هو الإيضاح والظهور ، يقال : بان الشيء يبين ، إذا وضح(6)وظهر .
قوله : (( عنه )) ، أي عن الرسم المذكور .
__________
(1) في جـ : " هم العلماء " .
(2) أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي ، مولى بني حنظلة ، ولد سنة 118 هـ ، كان قد
جمع بين العلم والزهد ، تفقه على سفيان الثوري ومالك بن أنس – رضي الله عنهما – ، وروى عنه الموطأ
توفي سنة 182 هـ . انظر وفيات الأعيان ، 3 : 32 ، 33 ، رقم 322 .
(3) في جـ : " وما السفلة " .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) سورة الأنبياء ، من الآية 92 .
(6) في جـ : " إذا أوضح " .(1/234)
قوله : (( كيف كتبا )) ، معناه : كيفية كتابته ، أي على أيّ صورة كتب في مصحف عثمان - رضي الله عنه - ، هل بحذف أو بإثبات ، وهل بزيادة(1)أو بنقصان ، وهل بقطع أو بوصل ، وهل بربط أو بمدّ ، وهل بصورة أو بغير صورة ، أو غير ذلك مما سيأتي في موْضعه(2)مبيّنا إن شاء الله .
قوله : (( كل يبين )) ولم يقل يبيّنون : مراعاة للفظ (( كل )) ؛ لأن لفظه مفرد ، وإن كان معناه الجمع ، فراعى الناظم لفظه ولم يراع معناه ، مثاله قوله تعالى : { إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ إِلاَّ ءَاتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا }(3)، فأفرد اسم الفاعل ، وهو { ءَاتِي } ولم يقل آتوا ، مراعاة للفظ (( كل )) دون معناه ، والألف في آخر الشطر الأخير هو ألف الصلة لإطلاق القافية .
الإعراب : قوله : (( ووضع )) ماض ، (( الناس )) فاعل(4)، (( عليه )) جار ومجرور متعلق بـ (( وضع )) ، (( كتبا )) مفعول ، قوله : (( كل )) مبتدأ بدأ بالنكرة لأنها مضافة في المعنى ، تقديره : كل واحد منهم ، قوله : (( يبين )) فعل مضارع ، ((عنه)) جار ومجرور متعلق بـ (( يبين )) ، قوله : (( كيف )) في موضع نصب على الحال من الضمير المستتر في كُتِب ، نحو قوله تعالى : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ }(5)، لأن { كَيْفَ } في موضع نصب بـ { تَكْفُرُونَ } ومعناه سؤال عن الحال ، أيْ على أيّ حال كُتب ، وقوله : (( كتبا )) ماض مركب ، ويحتمل أن تكون (( كيف )) هاهنا بمعنى كما لأن كيف تكون بمعنى كما . قاله الزجاجي في معاني الحروف(6)،
__________
(1) في جـ : " أو بزيادة " .
(2) في جـ ، ز : " في مواضعه " .
(3) سورة مريم ، من الآية 93 .
(4) في جـ : " ووضع الناس فاعل " .
(5) سورة البقرة ، من الآية 27 .
(6) هو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي ، النحوي البغدادي ، صاحب الجمل ، كان إماما في علم
النحو . أخذ النحو عن محمد بن العباس اليزيدي ، وأبي بكر ابن دريد ، وغيرهم ، وسكن دمشق وانتفع الناس
به وتخرجوا عليه ، وأخذ عنه أحمد بن شرام النحوي ، وأبو محمد بن أبي نصر . من مؤلفاته : "الجمل"
في النحو ، "اللامات" ، "الأمالي" . توفي سنة 339 هـ ، وقيل غير ذلك .
انظر : بغية الوعاة ، 2 : 77 ، رقم 1479 ، وفيات الأعيان ، 3 : 136 ، رقم 367 .(1/235)
وقال : "مثاله قولك : اعمله كيف تشاء ، أي اعمله كما تشاء " ، وقول الناظم على هذا : (( كل يبين عنه كيف كتبا )) ، أي كل يبيّن عنه كما كتبا ، والكاف في قولنا (( كما )) نعت لمصدر محذوف ، تقديره : يبيّن عنه تبيينا ، مثل كتابته في مصحف الإمام ، فتكون ما مصدرية ، أو تقول تقديره : تبيينا ، مثل التبيين الذي كتب في مصحف الإمام(1)، فتكون ما موصولة على هذا التقدير . ثم قال :
[22] أَجَلُّهَا فَاعْلَمْ كِتَابُ المُقْنِعِ **** فَقَدْ أَتَى فِيهِ بِنصّ مُقْنِعٍ
هذا هو الكتاب الأول من الكتب التي لخّص منها الناظم كتابه ، وذكر في هذا البيت : أن أفضل الكتب المؤلفة في علم الرسم ، هو كتاب المقنع .
وقوله : (( أجلها )) ، أي : أفضلها وأعظمها منفعة ، وأكثرها فائدة .
يقال(2): جلّ الشيء ، إذا عظم ، والجليل معناه : عظيم القدر .
فالمقصود هنا بقوله : (( أجلّها )) : عظيم المنفعة ، كثير الفائدة ، وليس أنه يريد عظيم الجرم ، وكيف لا يكون هذا التأليف عظيم المنفعة كثير الفائدة ، ومؤلفه - رضي الله عنه - كان إماما في علوم القرآن ، حافظا ضابطا لها ، بلغ فيها الغاية القصوى ، والنهاية العظمى .
نذكر هاهنا نسبه ، وبلده ، وتواليفه ، وولادته ، ووفاته ، وعمره - رضي الله عنه - .
أما نسبه : فهو أبو عمرو عثمان بن سعيد [بن عثمان بن سعيد](3)الأموي ، المشهور بابن الصّيرفي القرطبي ، ولكن يقال له الداني ، لأنه انتقل من قرطبة(4)،
__________
(1) في ز " في مصحف عثمان " .
(2) انظر : لسان العرب ، 11 : 116 ، " جلل " ، مختار القاموس ، 1 : 46 ، " جلل " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) قرطبة مدينة من أعظم مدن الأندلس ، وقاعدة من قواعدها ، تنتهي أحوازها في الغرب إلى أحواز إشبيلية .
انظر معجم البلدان ، 2 : 434 .(1/236)
وسكن دانية إلى أن توفي بها - رضي الله عنه - . ودانية : هي مدينة عظيمة في بلاد الأندلس ، أعادها الله إلى الإسلام بمنّه . فهذا بيان بلده ونسبه .
وأما تواليفه ، فقال أبو بكر اللبيب(1)في شرح العقيلة : رأيت لأبي عمرو الداني مائة وعشرين تأليفا ، [منها أحد عشر تأليفا](2)في الرسم ، أصغرها جرما كتاب المقنع" ، قال : "وسمعت من يوثق به من أصحابنا : أن أبا عمرو الداني له مائة ونيف وثلاثون تأليفا في علم القرآن : [من قراءة](3)، ورسم وضبط وتفسير ، وغير ذلك(4).
وأما ولادته : فقد ولد سنة [إحدى](5)وسبعين وثلاث مائة ، وعمره ثلاث وسبعون سنة ، وأخذ عنه العلم خلق كثير ، وناس عظيم ، وكان عظيم البركة ، مجاب الدعوة - رضي الله عنه - ونفعنا به بمنّه . وكان يقال : أبو عمرو الداني قارئ الأندلس ، وأبو الوليد الباجي(6)
__________
(1) لم أجد له ترجمة .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) انظر الدرة الصقيلة في شرح أبيات العقيلة ، لأبي بكر اللبيب ، تقديم وتحقيق عبد العلي زعلول ، [ رسالة
علمية ] ، ص 147 ، جامعة محمد الخامس ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، الرباط ، 1991- 1992 م .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) هو سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث ، القاضي أبو الوليد الباجي ، الفقيه المتكلم ، الأديب الشاعر
ولد سنة 403 هـ ، وأخذ بالأندلس عن أبي الإصبغ ، ومحمد بن إسماعيل ، وغيرهم ، ورحل مع أبيه إلى
الحجاز ومكث فيها ثلاثة أعوام مع أبي ذرّ ، ثم رحل إلى بغداد والشام ، ورجع إلى الأندلس ، وانتهت إليه
رئاستها . من مؤلفاته : "الاستيفاء" ، "المنتقى في شرح الموطأ" ، "المهذّب في اختصار المدونة" .
توفي سنة 494 هـ .
انظر : الديباج المذهب ، 197 – 200 ، تاريخ قضاة الأندلس ، ص 125 ، معجم الأدباء ، 3 : 393 .(1/237)
فقيهها ، وأبو عمر بن عبد البرّ محدثها(1)، رضي الله عنهم .
وأما وفاته : فقد توفي يوم الاثنين في نصف شوال سنة أربع وأربعين وأربع مائة ودفن بعد صلاة العصر ، وحضر جنازته خلق عظيم ، وخرج إلى جنازته كل من في دانية ، ولم يبق أحد إلا وقد خرج من الرجال والنساء ، والكبار والصغار ، والأقوياء والضعفاء ، ولم يبلغ نعشه إلى قبره إلا قرب المغرب ، لكثرة زحام الناس عليه ، وليس بين قبره وداره إلا مسافة قريبة جدا ، ولو كان ما بينهما بعيدا لما دفن تلك الليلة ، ومشى السلطان بن مجاهد(2)على رجليه أمام النعش ، وهو يقول : لا طاعة إلا طاعة الله ، لما شهد من كثرة الخلق وازدحام الناس ، وختم الناس عليه القرآن في تلك الليلة واليوم الذي يليها ، أكثر من ثلاثين ختمة ، وبات الناس على قبره أكثر من شهرين .
قوله : (( كتاب المقنع )) يعني المقنع الكبير ، وفيه مقدار ثمانين ورقة صغارا ، والمقنع الصغير أقل من ذلك ، وهو مقدار أربعين ورقة صغارا ، وهما مقنعان ، والمراد هنا الكبير دون الصغير .
__________
(1) 10) في جـ : " رضي الله عنهما " ، وفي حاشية ز : " الإمام ابن عبد البر رحمه الله هو تلميذ الباجي ،
وهو أكبر منه سنا " .
(2) هو مجاهد بن يوسف بن علي العامري ، مؤسس الدولة العامرية في دانية . ولد بقرطبة ، وانتقل إلى دانية
فاستقرّ بها . توفي سنة 436 هـ .(1/238)
واعترض قوله : (( كتاب المقنع )) بأن فيه إضافة الشيء إلى نفسه ، لأن الكتاب هو المقنع والمقنع هو الكتاب ، [ فالمقنع في الحقيقة هو صفة للكتاب ، ولا تصح إضافة الموصوف إلى صفته ، فلا يجوز أن تقول : زيد العاقل ، بإضافة زيد إلى العاقل ، لأن الموصوف مع صفته ، كالشيء الواحد ، والشيء الواحد لا يضاف إلى نفسه ، لأن المقصود بالإضافة هو تعريف المضاف ، أو تخصيصه بالمضاف إليه ، والشيء الواحد لا يتعرف ولا يتخصّص بنفسه ، فقول الناظم إذا : (( كتاب المقنع )) فيه إضافة الموصوف إلى صفته وذلك ممنوع عند البصريين(1)] .
أجاب بعضهم عن هذا : [ بأن ليس هذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته ، وإنما هذا من باب حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، فقول الناظم : (( كتاب المقنع)) ، تقديره على هذا : كتاب الشيء المقنع ، وقال بعضهم : قوله : (( كتاب المقنع )) أتى به الناظم على مذهب الكوفيين القائلين : بجواز إضافة الموصوف إلى صفته واستدلوا بما سمع من ذلك ](2)، كقولهم : مسجد الجامع ، و { عِلْمَ الْيَقِينِ }(3)، و { حَقُّ الْيَقِينِ }(4)، [و { عَيْنَ الْيَقِينِ } ](5).
{ وَحَبَّ الْحَصِيدِ }(6)، وعرق النساء ، قال ابن هشام(7)
__________
(1) انظر الأعلام ، 5 : 278 .
(2) انظر الإنصاف في مسائل الخلاف ، 2 : 436 – 438 .
و ما بين القوسين المعقوفين ، مقدار خمسة أسطر ، سقط من : " جـ " .
(2) ما بين القوسين المعقوفين ، مقدار أربعة أسطر ، سقط من : " جـ " .
(3) سورة التكاثر ، من الآية 5 .
(4) سورة الواقعة ، من الآية 98 .
(5) سورة التكاثر ، من الآية 7 .
وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " . زاد في ز " ودار الآخرة ، وجانب الغربي ، و حبل الوريد " .
(6) سورة ق ، من الآية 9 .
(7) هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن هشام بن خلف اللخمي ، أندلسي ، عالم أديب ، له تصانيف مفيدة ، منها :
"شرح الفصيح" ، "كتاب الفصول" ، "المجمَل في شرح أبيات الجمل" . توفي سنة 537 هـ .
انظر : بغية الوعاة ، 1 : 48 ، رقم 80 ، الأعلام ، 5 : 318 .(1/239)
في شرح الفصيح(1): " عرق النساء هو عرق يستبطن الفخذين ، حتى يصير إلى الحافر " ، وألِفه منقلبة إما من واو وإما من ياء ؛ لأنه يقال في تثنيته : نَسَوَانِ ، وَنَسَيَان .
فالكوفيون يقولون : مسجد الجامع لا حذف فيه أصلا ، وكذلك ما أشبهه ، كما مثلنا ذلك ، والبصريون يقولون : لا بدّ فيه من تقدير محذوف ، فقولك مسجد الجامع تقديره : مسجد المكان الجامع . [ والجانب الغربي ، تقديره : جانب المكان الغربي ، ودار الآخرة ، تقديره : دار الرجعة ، أو الحلقة ، أو الكرة الآخرة . وصلاة الأولى ، تقديره : صلاة الساعة الأولى . وحبة الحمقى ، تقديره : حبة البقلة الحمقى . و { عِلْمُ الْيَقِينِ } ، تقديره : وعلم الشيء اليقين ](2)، وقولهم: حب الحصيد ، تقديره : حب النبت الحصيد ، وكذلك ما أشبهه . فقول الناظم : على مذهب الكوفيين لا حذف فيه وعلى قول البصريين لا بد فيه من الحذف ، [وهو حذف الموصوف](3)، تقديره : كتاب التأليف المقنع(4).
وقوله : (( فقد أتى فيه بنصّ مقنع )) ، أي جاء فيه(5)أبو عمرو ، وإن لم يتقدّم في الذكر ، فإن ذكر التأليف يدلّ عليه ، لأن التأليف لا بد له من مؤلف .
__________
(1) شرح الفصيح لابن هشام اللخمي ، دراسة وتحقيق : مهدي عبيد جاسم ، ص 121 ، ط1 ، وزارة الثقافة
والإعلام ، بغداد ، 1988م .
(2) هذه الأمثلة ناقصة من : " جـ " ، لعلها تكون اختصارا من الناسخ .
(3) ما بين المعقوفين من : " جـ " .
(4) زاد في جـ ، ز : " والصحيح أن هذا ليس من باب إضافة الشيء إلى نفسه ، وإنما هذا من باب إضافة
الموصوف إلى الصفة ، أو تقول : من باب إضافة العام إلى الخاص والموصوف مخالف لصفته لا مرادف
لها ، وكذلك العام مخالف للخاص وليس مرادفا له " .
(5) في جـ : " به " .(1/240)
وقوله(1): (( بنصّ مقنع )) ، أي بلفظ كاف عن غيره ، أي يكفي قارئه عن غيره ، ويقنع ناظره عن النظر في غيره من كتب الرسم ، فقد استعمل الناظم في هذا البيت التجنيس ، وهو من بديع الكلام .
ومعنى التجنيس : اتفاق الألفاظ واختلاف المعاني ، لأن المقنع في الشطر الأول اسم للكتاب ، وفي الشطر الثاني بمعنى الكفاية والقناعة .
الإعراب : (( أجلها )) مبتدأ ومضاف إليه ، قوله : (( فاعلم)) أمر ، ((كتاب المقنع )) خبر المبتدأ ومضاف إليه ، ((فقد)) حرف تحقيق ، ((أتى)) ماض ، ((فيه)) جار ومجرور متعلق بـ (( أتى )) ، فقوله : (( بنصّ )) متعلق أيضا بأتى ، (( مقنع )) نعت .
ثم قال :
[23] وَالشَّّاطِبَيُُّ جَاءَ فِي الْعَقِيلَةِ **** بِهِ وَزَادَ أَحْرُفاً قَلِيلَةْ
هذا هو الكتاب الثاني من الكتب التي لخّص منها الناظم كتابه ، وذكر(2)في هذا البيت أن الشاطبي جاء في كتابه المسمى بالعقيلة ، وهو الشاطبية الصغرى(3)، وهي التي سماها : عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد ، أي جاء فيها به ، أي بالمقنع أي بكل ما في المقنع ، وزاد علي ما في المقنع أحرفا قليلة ، أي كلمات قليلة وهي معلومة في العقيلة عند [من](4)تتبعها فيها، وعرف ما في المقنع .
وإلى ذلك أشار الشاطبي – رحمه الله – بقوله في العقيلة(5):
وَهَاكَ نَظْمَ الَّذِي فِي مُقْنِعٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَفِيهِ زِيَادَاتٌ فَطِبْ عُمُرَا
قوله : (( والشاطبي )) نذكر هاهنا اسمه ، وبلده ، وولادته ، ووفاته ، وعمره وحاله - رضي الله عنه - .
__________
(1) في جـ : " قوله " .
(2) في جـ ، ز : " فذكر " .
(3) والشاطبية الكبرى هي : القصيدة اللامية ، المسماة : "حرز الأماني ووجه التهاني" .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) انظر الوسيلة ، ص 86 .(1/241)
أما اسمه : فهو أبو القاسم محمد بن فيرّهْ بن أبي القاسم الرعيني الشاطبي، وقولنا في اسم أبيه : " فيرّه" ، الظاهر أنه اسم أعجمي ، فيكون الهاء فيه من نفس الكلمة ، فلا ينصرف للعجمية والتعريف ، وقولنا "الرعيني" انتساب إلى قبيلته ، وقولنا " الشاطبي " انتساب إلى بلده ، وهي " شاطبة " . هذا بيان اسمه وبلده .
وأما ولادته : فقد ولد في آخر سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة .
وأما وفاته : فقد مات يوم الأحد بعد صلاة العصر في اليوم الثامن والعشرين(1)من جمادي الآخر ، سنة تسعين وخمسمائة ، ودفن في يوم الاثنين .
وأما عمره : فهو اثنان(2)وخمسون سنة .
وأما حاله : فهو رجل عالم بعلوم القرآن وعلوم(3)اللغة العربية ، وعلوم الرؤيا وعلوم الحديث ، حافظ للبخاري ومسلم والموطأ ، وقد نظم كتاب " التمهيد "(4)، لابن عبد البر في قصيدة دالية ، في خمسمائة بيت ، فمن حفظها فقد أحاط بكتاب التمهيد .
__________
(1) في جـ : " والعشرون " .
(2) في جـ : " اثنين " .
(3) في جـ : " وعلم العربية " .
(4) واسمه : التمهيد لما في الموطأ من المعاني والمسانيد للحافظ أبي عمر بن عبد البر ، وهو في فقه الحديث ،
واختصره في كتاب سماه : الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ
من معاني وآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار .
انظر كشف الظنون ، 2 : 1907 .(1/242)
وكان لا يجلس للإقراء إلا على طهارة ، وعلى هيئة وخضوع ووقار ، وكان ينهى جلساءه عن الكلام في غير العلم(1)، ولا يتكلم في سائر أوقاته إلا بما تدعوه إليه الضرورة(2)، وكان يُطلع أصحابه على أشياء يفعلونها في السرّ ولا يعلمها [منهم](3)إلا الله(4)، وكان إذا جلس عنده من لا يعرفه فيعتقد أنه يبصر ، ولا يشك في ذلك ، ولا يظهر منه ما يظهر(5)إذ هو أعمى - رضي الله عنه - ، وذلك لشدة ذكاء عقله ، ورجحانه - رضي الله عنه - ونفعنا به ، وكان – رحمه الله – يأخذ القراءة عن أبي الحسن بن هذيل(6)عن أبي داود(7)
__________
(1) في جـ : " وكان ينهى جلسائه في الكلام على غير العلم " .
(2) زاد في جـ ، ز : " وكان رجلا صالحا ذا فراسة " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) زاد في جـ : " تعالى " .
(5) في جـ ، ز : " ولا يظهر منه ما يظهر من الأعمى إذ هو أعمى " . لعل هذا هو الصواب .
(6) هو علي بن محمد بن علي بن هذيل ، أبو الحسن البلنسي ، إمام ثقة عالم ، زاهد . ولد سنة 470 هـ ، وقرأ
الكثير على أبي داود، وهو أجلّ أصحابه . انتهت إليه رئاسة الإقراء في مكانه ، وقرأ عليه أبو القاسم
الشاطبي ، ومحمد بن سعيد المرادي ، وغيرهم . توفي سنة 564 هـ .
انظر غاية النهاية ، 1 : 573 ، رقم 2329 .
(7) هو أبو داود سليمان بن نجاح بن أبي القاسم الأموي ، شيخ القراء . ولد سنة 413 هـ ، وأخذ القراءات عن
أبي عمرو الداني ولازمه كثيرا ، وهو من أجل أصحابه ، وقرأ عليه إبراهيم بن جماعة البكري ، الداني ،
وأبو الحسن علي بن هذيل ، وغيرهم . من مؤلفاته : "كتاب البيان الجامع لعلوم القرآن" ، "التبيين لهجاء
التنزيل" . توفي ببلنسية سنة 496 .
انظر غاية النهاية ، 1 : 316 ، رقم 1392 .(1/243)
عن أبي عمرو الداني ، وأخذ القراءة – أيضا – عن أبي عبد الله محمد بن العاص النفزي(1) - رضي الله عنهم - .
قوله : (( والشاطبي جاء )) [البيت](2)ذكر في هذا البيت : أن الشاطبي ذكر في كتابه جميع ما في كتاب المقنع ، وزاد على ما في المقنع(3)كلمات قليلة .
وعدد ذلك ستة مواضع :
أحدها ، قول(4)الناظم : (( وفي العقيلة على الإطلاق * فليس لفظ منه باتفاق )) .
الثاني(5): (( وجاء في يحيى إطلاق لدى * عقيلة ولابن حرب(6)وردا )) .
الثالث : قوله(7): (( وفي ينبؤا في العقيلة أُلف * وليس قبل الواو فيهن أُلِف )) .
__________
(1) هو محمد بن علي بن أبي العاص ، أبو عبد الله النفزي ، الشاطبي ، مقرئ ، محقق . قرأ القراءات على
ابن غلام الفرس ، وقرأ عليه الإمام أبو القاسم الشاطبي ، وغيره . توفي سنة 554 هـ تقريبا .
انظر غاية النهاية ، 2 : 204 ، رقم 3263 .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) 10) في جـ : " على ما في كتاب المقنع " .
(4) 11) تنبيه العطشان ، ص 421 .
(5) 12) أخبر الناظم في هذا البيت : أنه جاء عن الشاطبي في العقيلة إطلاق الحذف في لفظ { يُحْـ?ـيَ } ، وأنه
ورد إطلاق الحذف لأبي العباس ابن حرب في تأليفه الموضوع في الرسم ، وسكت الشيخان عن
موضع الأحقاف . انظر : الوسيلة ، ص 344 ، دليل الحيران ، ص 147 .
وفي جـ ، ز : " الثاني قوله " .
(6) 13) هو عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي البغدادي ، الحنبلي ، المعروف بابن حرب ، عالم فاضل .
من تصانيفه : "الاعتقاد المروي عن أحمد بن حنبل" .
معجم المؤلفين ، 2 : 333 ، هدة العارفين ، 5 : 633 .
(7) أطلق الشاطبي الخلاف في لفظ { يُنَبَّؤُاْ } في سورة القيامة ، من حيث تصوير الهمزة بالواو بعدها ألف ،
أو رسمه بالألف ، وهذا من زيادات العقيلة على المقنع ، لأن أبا عمرو لم يذكر في { يُنَبَّؤُاْ } إلا الواو وبعدها
ألف . انظر : المقنع ، ص 56 ، الوسيلة ، ص 387 ، دليل الحيران ، ص 171 .(1/244)
الرابع(1): (( وفي العقيلة أتى سقياها * ولم يجيء بالياء في سواها )) .
الخامس(2): (( وجاء أيضا لإالى جيء معا * لدى العقيلة(3)وكل نسفعا )) .
السادس : قوله(4): (( ولم يجيء لفظ القوى في مقنع * ومن عقيلة وتنزيل وُعِي ))
وهذه المواضع الستة المذكورة هي المشار إليها بقوله : (( وزاد أحرفا قليلة )) .
الإعراب : قوله : (( والشاطبي )) مبتدأ ، أو فاعل بفعل مضمر دلّ عليه الفعل الذي بعده ، فيكون من باب الاشتغال ، قوله : (( جاء )) فعل ماض ، (( في العقيلة )) جار ومجرور متعلق بـ (( جاء )) ، قوله : (( به )) جار ومجرور متعلق – أيضا – بـ (( جاء )) قوله : (( وزاد )) فعل ماض ، (( أحرفا )) مفعول ، (( قليلة )) نعت . ثم قال :
[24] وَذكَرَ الشَّيْخُ أَبُو دَاوُدَ **** رَسْمًا بِتَنْزِيلٍ لَهُ مَزِيدَا
__________
(1) أخبر الناظم أنه أتى في العقيلة لفظ { سُقْيَاهَا } بالياء للشاطبي، وجاء عن الشيخين بألف ثابتة عن بعض كتاب
المصاحف ، وبحذف الألف عن بعضها الآخر .
انظر : المقنع ، ص 63 ، مختصر التبيين ، 5 : 1300 ، الوسيلة ، ص 400 ، دليل الحيران ، ص 205 .
وفي جـ ، ز : " الرابع قوله " .
(2) أخبر الناظم في هذا البيت أن الشاطبي ذكر الخلاف في زيادة الألف في : { لإَاْلَى } ، { جِاْےءَ } ، وهذا من
زيادات العقيلة على المقنع لأن أبا عمرو لم يذكرهما في المقنع وإنما ذكرهما في المحكم .
انظر : المحكم ، ص 174 ، 175 ، دليل الحيران ، ص 185 . وفي جـ ، ز : " الخامس قوله " .
(3) في جـ : " لدى القيامة " ، وهو تصحيف ظاهر .
(4) ذكر الناظم في هذا البيت أن لفظ { الْقُوَى } لم يذكره أبو عمرو الداني في المقنع ، وقد ذكره الشاطبي في
العقيلة وأبو داود في التنزيل . انظر : الوسيلة ، ص 405 ، دليل الحيران ، ص 214 .(1/245)
هذا هو الكتاب الثالث من الكتب التي لخّص منها الناظم هذا الكتاب ، وهو الكتاب المسمى بالتنزيل(1)لأبي داود ، فذكر(2)الناظم في هذا البيت : أن الشيخ أبا داود ذكر في كتابه التنزيل(3)كل ما في العقيلة والمقنع وزاد عليها .
قوله : (( رسما )) ، أي مرسوما ، أطلق المصدر على اسم المفعول ، كقولهم : عدل ورضي ، أي : معدول ومرضيٌ ، أي : ذكر الشيخ أبو داود في تنزيله ؛ لأن الباء بمعنى في ، مرسوما مزيدا ، أي : زائدا على ما في العقيلة والمقنع .
ولنذكر هنا : اسمه وبلده وولادته ووفاته وعمره وحاله .
فأما(4)اسمه : فهو أبو داود سليمان بن أبي القاسم نجاح(5)، مولى أمير المؤمنين هشام بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل بالأندلس - رضي الله عنهم - .
وأما بلده : فهو بلنسيّة ، وهو معدود من أهله(6).
وأما ولادته : فقد ولد سنة ثلاثة عشر وأربع مائة .
وأما وفاته : فقد توفي يوم الأربعاء ، بعد صلاة الظهر ، ودفن يوم الخميس عند
صلاة الظهر ، بمدينة بلنسية ، وذلك في رمضان لست عشرة(7)ليلة خلت منه .
وأما عمره : فهو ثلاث وثمانون(8)سنة .
__________
(1) واسمه : " التبيين لهجاء التنزيل " ، ويسمى أحيانا الكتاب الكبير ، وقد اختصر أبو داود هذا الكتاب ، وسماه
"مختصر التبيين لهجاء التنزيل" ، وقد طبع هذا الكتاب وحقّق .
انظر مختصر التبيين لهجاء التنزيل ، 1 : 255 – 258 .
(2) في جـ : " قد ذكر " .
(3) و في جـ : " في كتاب التنزيل " .
(4) في جـ : " وأما " .
(5) في جـ : " بن نجاح " .
(6) في جـ ، ز : " من أهلها " .
(7) في جـ : " ستة عشر ليلة " .
(8) في جـ : " ثلاث وثمانين " .(1/246)
وأما حاله : فهو رجل عالم بعلوم القرآن وغيره ، وله تواليف كثيرة في القرآن وغيره ، وأخذ عنه العلم ناس كثير وعدد عظيم ، وهو قد أخذ العلم عن أبي عمرو الداني ، وأبي عمر بن عبد البر ، وعن أبي الوليد الباجي ، وغيرهم من شيوخه ، وكان رجلا فاضلا صالحا مجاب الدعوة ، وكان - رضي الله عنه - [ يكتب في كل ليلة ](1)عشرين ورقة كبارا ، ثم يقوم إلى حزبه من الليل ، وكان حسن الخط جيد الضبط ، وهو مشهور بالفضل والصلاح والعلم ، - رضي الله عنه - ونفعنا به .
الإعراب : قوله : (( وذكر )) فعل ماض ، (( الشيخ )) فاعل ، (( أبو داود )) بدل ، (( رسما )) مفعول ، (( بتنزيل )) جار ومجرور ، متعلق بـ (( ذكر )) ، قوله : (( له )) جار ومجرور ، متعلق بمحذوف صفة لتنزيل ، تقديره : بتنزيل ثابت ، (( له )) الضمير عائد على أبي داود ، قوله : (( مزيدا )) نعت لقوله : (( رسما )) . ثم قال :
[25] فَجِئْتُ فِي ذَاكَ بِهَذَا الرَّجَز **** لَخّصْتُ مِنْهُنَّ بِلَفْظٍ مُوجَزِ
قوله : (( فجئت في ذاك الرجز(2)) الإشارة عائدة على الرسم المذكور أولا ، تقديره : [جئت](3)وأتيت بهذا الرَّجز في الرسم المذكور ، وهو رسم القرآن ، أي في بيان رسم القرآن ، ويحتمل أن تعود الإشارة في(4): (( ذاك )) على ما في الكتب الثلاثة المذكورة ، وهي : المقنع ، والتنزيل ، والعقيلة ، [وتكون في بمعنى الباء](5)ويكون الباء في قوله : (( بهذا )) بمعنى في ، تقديره : جئت بذاك في هذا الرجز(6)، أي في هذا الكتاب ، ولكن هذا التأويل بعيد ؛ لأنه يكون تكرار لقوله بعد : (( وكل ما قد ذكروه أذكر )) البيت .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) في جـ ، ز : " بهذا الرَّجز " ، وهو الصواب ، بناء على البيت الذي قبله .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) زاد في جـ : " قوله " بعد في .
(5) 10) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) زاد في جـ : " أي أتيت بما في تلك الكتب بهذا الرجز" .(1/247)
قوله : (( بهذا الرجز))(1)هو نوع من أنواع الشعر ، وهو مسدس في دائرته ، وهو مبني من مستفعل ست مرات .
وقوله : (( لخصت منهن بلفظ موجز )) التلخيص : هو التهذيب والتصفية ، أي صفيت وهذبت وحرّرت هذا الرَّجز ، أي هذا الكتاب من تلك الكتب المذكورة ، أو تقول : لخصت الرسم منهن في هذا الرَّجز .
فقوله : (( لخّصت [منهن](2)) مفعول محذوف ، يحتمل أن يكون الملخّص الرَّجز ، ويحتمل أن يكون الرسم .
[ قوله : (( بلفظ موجز )) ، أي بلفظ مختصر ، لأن الإيجاز هو الاختصار](3)قوله : (( موجز )) الواو فيه غير مهموز في الأصل ، إذ لا أصل له في الهمز ؛ لأنه اسم مفعول من أوجز ، ويقال في أصله الثلاثي : وجز الكلام وجازة ولا يجوز إبدال هذه الواو همزة في النثر ، ويجوز إبدالهما همزة في الشعر ، ومنه قول الشاعر(4):
أُحِبُّ الْمُؤْقِدِينَ إِلَى مُؤْسَى
بهمزة الواو في : الموقدين إلى موسى .
قال ابن عصفور(5): " ولا يجوز إبدال الواو الساكنة المضموم ما قبلها همزة إلا في الشعر ، فاستشهد بالبيت المتقدّم ، فعلى هذا [يجوز](6)إبدال الواو همزة في قول الناظم : (( بلفظ موجز )) ؛ لأن هذا شعر .
__________
(1) في جـ ، ز : " قوله بهذا الرجز ، الرَّجز هو نوع ... " .
(2) ساقطة من : " ز " .
(3) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) هذا البيت لجرير ، وعجزه : " وجعده إذا أضاءها الوقود " .
ضرائر ابن عصفور ، ص 176 .
(5) هو علي بن مؤمن بن محمد بن علي أبو الحسن بن عصفور ، حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس .
ولد سنة 597 هـ . من مصنفاته : "الممتع في التصريف" ، ثلاثة شروح على الجمل .
انظر بغية الوعاة ، ، 2 : 210 ، رقم 1810 .
(6) انظر ضرائر الشعر ، ص 173 .(1/248)
واعتُرض قوله : (( بهذا الرَّجز )) من جهة العروض بأن قيل : ظاهر كلامه يقتضي أن كتابه هذا كله من بحر الرَّجز ، وليس الأمر كذلك ، لأنه أتى في هذا الكتاب بأبيات من السريع ، والسريع خلاف الرَّجز ، ومن ذلك قوله بعد هذا : (( أثبته وجاء ربانيون عنه بحذف مع ربانيين )) ، لأن هذا هو الضرب الموقوف من السريع
أجيب عنه بأن قيل : المراد بالرَّجز هاهنا : الرَّجز في اللغة ، [ لأن الرَّجز في اللغة](1): هو الشعر الذي تقاصرت أجزاؤه ، ولذلك يقولون : قال الراجز .
الإعراب : (( فجئت ))(2)حرف عطف ، وفعل ماض ، وفاعل ، قوله : ((في ذاك)) جار ومجرور ، متعلق بـ (( جئت )) ، والكاف حرف خطاب ، قوله : (( بهذا))(3)جار ومجرور ، متعلق بـ (( جئت )) أيضا ، (( الرَّجز )) نعت لـ (( هذا )) ، قوله : ((لخصّت)) ماض ، وفاعل ، قوله : (( منهن )) متعلق بـ (( لخّصت )) ، وقوله : (( بلفظ )) جار ومجرور ، متعلق بحال محذوفة ، تقديره : مصحوبا بلفظ موجز ، قوله : (( موجز)) نعت للفظ ، قوله : (( لخّصت منهن بلفظ موجز )) هذه الجملة في موضع الحال ، أي حالة كون هذا الرَّجز ملخصّا موجزا ، ويصح أن تكون في موضع الحال من التاء في : (( فجئت )) ، تقديره : [فجئت](4)به حالة كونه ملخّصا(5)موجزا . ثم قال :
[26] وَفْقَ قِرَاءَةِ أَبِي رُوَيْمِ **** الْمَدَنِيِّ ابْنِ أَبِي نُعَيْمِ
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " . والصواب ما جاء في الأصل .
(2) في جـ : " قوله فجئت " .
(3) في جـ : " بهذا الرَّجز " .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) في جـ : " ملخصّا له " .(1/249)
ذكر في هذا البيت : أنه أتى بكتابه هذا على موافقة قراءة نافع دون غيره ، ولم يذكر فيه قراءات القرّاء غير نافع ، وإن كان أبو عمرو وأبو داود والشاطبي ذكروا قراءة غير نافع كما ذكروا قراءة نافع ، ولأجل هذا سكت الناظم في كتابه هذا عما يقرؤه نافع بغير ألف ويقرؤه غيره بألف ، مثال ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران { وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ }(1)لأنه قرئ في السبع(2): { وَيُقَاتِلُونَ } ، وقوله تعالى في سورة الأنبياء : { قُل رَّبِّ احْكُم بِالْحَقِّ }(3)قرئ في السبع(4): { قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ } وقوله تعالى في سورة الزمر : { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ? }(5)قرئ في السبع(6): { عِبَادَهُ? } . ولم يتعرض الناظم لذلك ، وكذلك ما قرأه نافع بغير واو ، وقرأه غيره بواو ، كقوله – تعالى – في سورة آل عمران : { سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ }(7)، لأنه قرئ في السبع(8): { وَسَارِعُواْ } بالواو .
__________
(1) سورة آل عمران ، من الآية 21 .
(2) وهي قراءة حمزة وحده ، وقرأ الباقون { وَيَقْتُلُونَ } بفتح الياء وسكون القاف بلا ألف وضم التاء .
انظر : التيسير في القراءات السبع ، ص 73 ، شرح الشاطبية للضباع ، ص 169 .
(3) سورة الأنبياء ، من الآية 111 .
(4) انفرد حفص عن عاصم بهذه القراءة ولم يوافقه أحد من القراء السبعة ولا من العشرة .
انظر : التيسير ، 126 ، المبسوط في القراءات العشر ، ص 255 .
(5) سورة الزمر ، من الآية 35 .
(6) 10) وهي قراءة حمزة والكسائي ووافقهما من العشرة : أبو جعفر وخلف . انظر المبسوط ، ص 323 .
(7) 11) سورة آل عمران ، من الآية 133 .
(8) 12) قرأ نافع وابن عامر : { سَارِعُواْ } بغير واو قبل السين ، والباقون بالواو . انظر التيسير ، ص 75 .(1/250)
وكذلك ما قرأه نافع بغير باء وقرأه غيره بالباء ، في قوله تعالى في سورة آل عمران(1): { جَآءُو بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ }(2)، لأنه قرئ عند [نافع](3): بغير باء في الموضعين ، وقرئ عند غيره : بالباء في الموضعين ، أعني : { وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ } ، وغير هذا ، وهو كثير . ولم يتعرض الناظم لشيء من ذلك ولم يتعرض إلا لما وافق لفظه قراءة نافع دون ما خالفها .
قوله : (( وفق قراءة أبي رويم )) البيت ، نذكر(4)هاهنا اسمه وكنيته وبلده ووفاته وحالته .
أما اسمه : فهو نافع بن عبد الرحمن بن نعيم المدني ، مولى(5)جعونة بن شعوب الليثي ، حليف حمزة بن عبد المطلب(6)، وقيل حليف العباس بن عبد المطلب(7)، وقيل حليف بني هاشم على الإطلاق ، وأصله من أصبهان ، وهو من الطبقة الثانية بعد الصحابة ، وهو من الموالي ، لأن القراء كلهم موالي إلا اثنين : أبو عمرو بن العلاء(8)وابن عامر(9)،
__________
(1) في جـ : " كقوله تعالى في آل عمران " .
(2) سورة آل عمران ، من الآية 184 .
(3) قرأ ابن عامر : { وَبِالزُّبُرِ } بزيادة الباء بعد الواو ، وهشام بخلف عنه في : { وَبِالْكِتَابِ } . فالحذف عن
هشام من جميع طرق الداجوني إلا من شذ ، والإثبات عنه من جميع طرق الحلواني إلا من شذ ، وهو الأصح
عن هشام كما في النشر .
انظر : النشر ، 2 : 245 ، المبسوط ، ص 150 ، التيسير ، ص 77 . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ "
(4) في جـ : " قد ذكر " .
(5) مصادر ترجمته : غاية النهاية ، 2 : 330 ، رقم 3718 ، معرفة القراء ، ص 64 .
وفي جـ : " هو مولى جعونة " .
(6) تقدمت ترجمته في ص 96 .
(7) سبق التعريف به في ص 96 .
(8) سبق التعريف به في ص 142 .
(9) هو عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة بن عامر بن عبد الله بن عمران اليحصُبي ، نسبة إلى يحصب
إمام أهل الشام في القراءة والذي انتهت إليه مشيخة الإقراء بها . ولد سنة ثمان من الهجرة ، وثبت سماعه من
جماعة من الصحابة ، منهم معاوية بن أبي سفيان ، وغيره . وروى عنه القراءة يحيى بن الحارث الذماري
ويزيد بن مالك ، وغيرهما . توفي بدمشق سنة 118 هـ .
انظر : غاية النهاية ، 1 : 423 – 425 ، معرفة القراء الكبار ، ص 46 – 49 .(1/251)
ولهذا قال الشاطبي(1):
أَبُو عَمْرِهِمْ وَالْيَحْصُبِيُّ ابْنُ عَامِرٍ صَرِيحٌ وَبَاقِيهِمْ أَحَاطَ بِهِ الْوَلاَ
وأما كنيته فله خمس كناة : أبو رويم ، وأبو نعيم ، وأبو عبد الله ، وأبو عبد الرحمن وأبو الحسن ، وبكل كنية [منها](2)دعي أجاب .
وأما بلده : فهي مدينة النبي - عليه السلام - ، ولأجل ذلك قال الناظم : (( المدني )) ونسبه إلى مدينته - عليه السلام - (3)، قالوا : صلى بالناس في مسجد النبي - عليه السلام - ستين سنة ، حتى توفي فيها - رضي الله عنه - .
وأما وفاته : فقد توفي سنة تسع وستين ومائة في خلافة الهادي(4)، وقيل سنة تسع وخمسين ومائة في خلافة المهدي(5)، والأول أصح .
__________
(1) 10) شرح الشاطبية ، للضباع ، ص 15 .
(2) 11) ساقطة من : " جـ " .
(3) 12) في جـ : " إلى مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - " .
(4) هو الهادي بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد ، يكنى أبا محمد . بويع له بالخلافة بعد أبيه وكان
بجرجان وقت موت المهدي ، وتولى له البيعة ببغداد أخوه هارون الرشيد . تولى الخلافة سنة 169 هـ .
انظر تاريخ بغداد لأبي بكر الخطيب ، 13 : 21 .
(5) هو محمد بن عبد الله المنصور بن محمد ، أبو عبد الله المهدي بالله . من خلفاء الدولة العباسية .
توفي سنة 169 هـ . انظر المصدر نفسه ، 5 : 391 .(1/252)
وأما حاله : فهو رجل عالم فاضل صالح . قرأ على مالك الموطأ وقرأ عليه مالك القرآن ، وهو رجل كثير السواد وفيه دعابة ، أي مزاح ، وكان إذا جلس للإقراء تشم منه رائحة المسك ، فقيل له : أتتطيب كلّما جلست للإقراء يا أبا عبد الله ؟ ، فقال : لا ولكن رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم فبصق في فمي ، وفي بعضها : تفل في فمي ، وفي بعضها : وهو يقرأ في فمي . وقرأ نافع على سبعين من التابعين ، وقرأ على نافع مائتان وخمسون رجلا - رضي الله عنه - ، وكان لما حضرته الوفاة قال له أبناؤه : أوصنا ، فقال لهم : { اتَّقُواْ اللََّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنَكُمْ وَأَطِيعُواْ اللََّهَ وَرَسُولَهُ? إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }(1).
الإعراب : قوله : (( وفق )) مصدر في موضع الحال إما من التاء في قوله : (( فجئت )) وإما من : (( الرَّجز )) ، تقديره على الأول : فجئت بهذا الرَّجز ، حالة كوني موافقا لقراءة نافع ، وتقديره على الثاني : فجئت بهذا الرَّجز ، حالة كون هذا الرَّجز موافقا لقراءة نافع ، قوله : (( قراءة )) مضاف إليه ، وكذلك : (( أبي )) ، وكذلك (( رويم )) ، قوله : (( المدني )) نعت(2)، قوله : (( أبي )) مضاف إليه ، وكذلك ما بعده . ثم قال :
[27] حَسََبَمَا اشْتَهَرَ فِي الْبِلاَدِ **** بِمَغْرِبٍ لِحَاضِرٍ وَبَادِ
نبّه في هذا البيت : على أن المقرأ الذي وافقه في هذا الرَّجز هو المقرأ المشهور عند نافع دون غير المشهور عنه ؛ لأن أبا عمرو(3)ذكر في كتاب التعريف(4)
__________
(1) سورة الأنفال ، من الآية 1 .
(2) زاد في جـ ، ز : " قوله : " ابن " نعت .
(3) في ز : " لأن أبا عمرو الداني ..... " .
(4) انظر التعريف في اختلاف الرواة عن نافع ، لأبي عمرو الداني ، تحقيق التهامي الراجي ، ص 164 ،
مطبوعات وزارة الأوقاف المغربية ، مطبعة فضالة المحمدية ، 1982 م .(1/253)
عشر طرق لنافع ، فذكر في هذا البيت : أن رجزه هذا وافق به مقرأ نافع المشهور عنه في بلاد المغرب ، عند الحاضر ، وعند البادي ، أي عند ساكن الحاضر وساكن البادي ، فاللام في قوله : (( لحاضر )) بمعنى عند ، والحاضر هو ساكن الحاضرة ، والبادي هو ساكن البادية . يقال : الحضري والبدوي ، [ ويقال : الحاضري ](1)والبادي بياء النسب فيهما ، ولكن أسقط الناظم ياء النسب منهما للوزن .
قوله : (( بمغرب )) وإنما قال ذلك ، لأن أهل المغرب كلهم أخذوا بقراءة نافع، كما أخذوا بمذهب مالك – رضي الله عنهما – ، ويقال لكل واحد منهما : إمام الحرم ، أحدهما في القرآن(2)، والآخر إمام في الفقه .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) في جـ ، ز : " أحدهما إمام في القرآن " ، وهو الأنسب للسياق .(1/254)
الإعراب : قوله : (( حسبما )) نعت لمصدر محذوف ، تقديره : وفاقا أو موافقة ، مثل ما اشتهر في البلاد ، [ و(( ما )) في قوله : (( حسبما )) يصح أن تكون موصولة ، ويصح أن تكون مصدرية ، تقديره على أنها موصولة : موافقة مثل الذي اشتهر في البلاد ](1)، أي : مثل المقرأ الذي اشتهر في البلاد ، أو مثل الوجه الذي اشتهر في البلاد ، وتقديره على أنها مصدرية : موافقة مثل اشتهاره في البلاد ، أي : مثل اشتهار مقرأ نافع في البلاد ، والفاعل بـ (( اشتهر )) ضمير مستتر في الفعل عائد على (( ما )) إذا قلنا موصولة ، وإذا قلنا مصدرية فالفاعل به مقرأ نافع ، قوله : (( في البلاد )) متعلق بـ (( اشتهر )) ، وقوله : (( بمغرب )) متعلق بـ (( اشتهر )) – أيضا – ؛ لأن قوله : (( بمغرب )) هو بدل من قوله : (( في البلاد )) [ وفيه حذف مضاف ، أي في بلاد المغرب ، وقوله : (( مغرب )) هو معرف لا منكر ، لأنه تعرف بالعلمية ، وإذا دخلت عليه الألف واللام ، فهي للغاية لا للتعريف ، وهذا البدل هو ](2)بدل البعض من الكل ، كقوله تعالى : { لِلَّذِينَ ا سْتُضْعِفُواْ لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ }(3)، لأن قوله : { لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ } بدل من قوله : { لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ } والباء في قوله : (( بمغرب )) بمعنى في ، وقوله : (( لحاضر )) متعلق – أيضا – بـ (( اشتهر )) ، وقوله : (( وبادي )) معطوف . ثم قال :
[28] وَرُبَّمَا ذَكَرْتُ بَعْضَ أَحْرُفِ **** مِمَّا تَضَمَّنَ كِتَابُ الْمُنْصِفِ
__________
(1) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) سورة الأعراف ، من الآية 74 .(1/255)
ذكر الناظم هنا : الكتاب الرابع من الكتب التي لخّص منها كتابه ، وذكر في هذا البيت : أنه يأتي في هذا الرَّجز ببعض كلمات قليلة من كتاب المنصف(1)، لأن رب تدل على التقليل ، ويقال : ربّ بالتشديد والتخفيف ، وهما لغتان مشهورتان ، وهما – أيضا – قراءتان(2)في قوله تعالى : { رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ }(3)وكأنه يقول : وأنا أذكر كلمات قليلة . وفي ربّ أربع لغات : لغتان في عدم التاء : التشديد والتخفيف ، ولغتان مع التاء : التشديد والتخفيف – أيضا – .
وقوله : (( مما تضمن كتاب المنصف )) ، أي مما جمّع أو حصّل كتاب المنصف وهو الكتاب المشهور عند الناس بالبلنسي ، وناظمه هو الأستاذ الأجل أبو الحسن على بن محمد المرادي البلنسي(4)، نسبه مرادي ، وبلده بلنسيّة ، وهي قاعدة من قواعد الأندلس ، أعادها الله إلى الإسلام بمنّه .
وكان هذا الرجل(5)في دولة الموحدين ، في دولة الأمير يوسف بن عبد المؤمن بن علي(6)،
__________
(1) المنصف : نظم في الرسم القرآني للشيخ أبي الحسن على بن محمد المرادي الأندلسي البلنسي . ذكره ابن
عاشر في فتح المنان ، ورقة 35 ، وسعيد إعراب في كتابه القراءات والقراء ، ص 38 . ولقد بحثت في
الخزانات وفهارس المخطوطات فلم أقف على هذا الكتاب ، لعلّ نسخه قليلة أو نادرة ، كما قال الشوشاوي :
" ..... فإني لم أطالع من المنصف إلا نسخة واحدة ..... " . تنبيه العطشان ، ص 357 .
(2) قرأ نافع وعاصم بتخفيف الباء ، ووافقهما من العشرة أبو جعفر، وقرأ الباقون بتشديدها .
انظر : التيسير ، ص 110 ، المبسوط ، ص 220 ، النشر ، ص 301 ، البدور الزاهرة ، ص 173 .
(3) سورة الحجر ، الآية 2 .
(4) تقدمت ترجمته في ص 177 .
(5) في جـ : " هذا الرَّجز " .
(6) هو يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي الكومي . ولد سنة 533 هـ ، وبويع له بعد وفاة أبيه . كان حازما
شجاعا مدبرا . توفي سنة 580 هـ . انظر الأعلام ، 8 : 241 .(1/256)
وكان فراغه من نظم المنصف ، من شعبان(1)عام ثلاث وستين وخمسمائة .
وأما مولده ، ووفاته ومدة عمره ، فلم أقف عليه عند أحد(2).
قوله : (( وربما ذكرت بعض أحرف )) البيت ، فيه تنبيه على أنه كثر(3)من غير المنصف ، وهو المقنع والتنزيل ، وذلك أن عمدة الناظم في هذا الرَّجز ، إنما هي على المقنع والتنزيل ، وأكثر نقله إنما هو من التنزيل ، فأكثر(4)نقله إذًا من التنزيل ، ثم يليه المقنع ، ثم يليه المنصف ، لأنه ذكر منه اثني عشر(5)موضعا ، ثم(6)العقيلة لأنه لم يذكر منه إلا ما زاد على المقنع ، وهي ستة مواضع كما تقدّم(7)، وكما ستقف عليه في موضعه إن شاء الله .
واعتُرض هذا البيت بوجهين :
أحدهما ، قوله : (( كتاب المنصف )) فأضاف الشيء إلى نفسه ، فالجواب عنه كما تقدّم في كتاب المقنع(8).
الاعتراض الثاني(9): أنه فرّق بين الكتاب الرابع ، وهو كتاب المنصف ، وبين الكتب الثلاثة : المقنع والتنزيل والعقيلة .
صوابه أن يذكر كتاب المنصف حيث ذكرها ، فيذكر هذا بعد قوله : (( وذكر الشيخ أبو داود رسما بتنزيل له مزيدا)) ، فيقول : وربما ذكرت بعض أحرف ، إلى آخر ما ذكر من الأبيات المتعلّقة بكتاب المنصف ، ثم بعد ذلك يقول : فجئت في ذلك بهذا الرَّجز ، إلى آخره ، لأن الناظم لخّص كتابه هذا من تلك الكتب الأربعة كلها ، لا من بعضها .
__________
(1) زاد في جـ : " في النصف " .
(2) ذكر ابن الجزري أنه ولد سنة 470 هـ ، وتوفي سنة 564 هـ . انظر غاية النهاية ، 1 : 573 ، رقم 2329
(3) في جـ : " كثير " .
(4) في جـ : " وأكثر " .
(5) في جـ : " ثمانية عشر موضعا " ، والصواب ما جاء في الأصل ، كما جاء في دليل الحيران على مورد
الظمآن للمارغني ، ص 26 .
(6) زاد في جـ ، ز : " يليه " .
(7) 10) في ص 119 .
(8) 11) وفي جـ : " كما تقدّم في قوله كتاب المقنع " .
(9) 12) في جـ : " واعترض الثاني " .(1/257)
الإعراب : قوله : (( وربّما )) هو حرف تقليل ، وأصله حرف جرّ ، ولا محل له من الإعراب ، ولا يعمل فيه ما قبله ، لأن له صدر الكلام ، لأن التقليل الذي يقتضيه يقرّبه من النفي الذي له صدر الكلام ، و (( ما )) التي دخلت عليه فيها قولان : قيل كافة ، وقيل موطئة ؛ لوقوع الفعل بعدها ، قوله : (( ذكرت )) ماض وفاعل ، قوله : (( بعض )) مفعول ، (( أحرف )) مضاف إليه ، قوله : (( مما )) جار ومجرور ، متعلق
[ بصفة محذوفة ، أي أحرف كائنة مما تضمن ](1)، قوله : (( تضمن )) ماض ، ((كتاب)) فاعل ، (( المنصف )) مضاف إليه . ثم قال :
[29] لأَنَّ مَا نَقَلَهُ مَرْوِيُّ **** عَنِ ابْن لُبٍّ وَهُوَ القَيْسِيُّ
يريد أن ما ذكره صاحب المنصف ، وإن لم يتقدّم له ذكر ؛ لأن التأليف يدلّ على مؤلّفه .
قوله : (( مروي عن ابن لب )) ، أي منقول ، ومذكور ، ومحكي عن ابن لب ، وهو القيسي ، وهو شيخ صاحب المنصف .
الإعراب : قوله : (( لأن ما نقله )) متعلق بفعل مضمر ، أي وإنما ذكرت ذلك ؛ لأن ما نقله مروي ، قوله : (( ما )) موصولة بمعنى الذي ، (( نقله )) ماض ومفعول ، قوله : (( مروي )) خبر إن ، قوله : (( عن ابن )) جار ومجرور ، متعلق بمروي ، (( لب )) مضاف إليه ، قوله : (( وهو القيسي )) مبتدأ وخبره . ثم قال :
[30] وَشَيْخُهُ مُؤْتَمَنٌ جَلِيلٌ **** وَهْوَ الَّذِي ضَمَّنَ إِذْ يَقُولُ(2)
ذكر في الشطر الأول من هذا البيت : شيخ ابن لب ، وهو المغامي(3)،
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " ، وفيه : " بذكرت " .
(2) في حاشية النسخة " جـ " تعليق وهو : " أظن – والله أعلم – أن هذا البيت ليس من كلام الناظم " .
(3) هو أبو عبد الله ، محمد بن عيسى بن فرج التجيبي المغامي الطليطي ، إمام مقرئ ضابط . قرأ على
الداني ومكي ، وأحمد بن عمار المهدوي ، وغيرهم ، وقرأ عليه أبو بكر بن عياش وغيره . توفي بإشبيلية
سنة 485 هـ .
انظر : غاية النهاية ، 2 : 224 ، رقم 3344، معرفة القراء ، ص 248 ، شذرات الذهب ، 2 : 376 .(1/258)
وهو من الفضلاء – رحمه الله – ، وهو من طبقة(1)أبي داود ، وكان يروي عن أبي داود ، وأبي عمرو ، وأبي محمد مكي(2).
قوله : (( وشيخه )) ، أي وشيخ ابن لب مؤتمن ، أي ذو أمانة في نقله وروايته ،
وقوله : (( جليل )) ، أي عظيم القدر في العلم والفضل .
وقوله : (( وهو الذي ضمن إذ يقول )) الضمير في قوله : (( وهو )) عائد على مؤلف المنصف ، أي والبلنسي الذي هو صاحب المنصف ، هو الذي ضمّن كتابه ، أي أودع كتابه حين يقول ؛ لأن (( إذ )) هنا بمعنى الحين ، والشيء المضمّن(3)في كتابه [هو](4)قوله : (( حدثني عن شيخه المغامي )) البيت ، ويحتمل أن يعود الضمير – أعني (( وهو )) – على الشيخ المذكور ، ويكون الضمير العائد على الموصول محذوفا ، والفاعل بقوله : (( ضمن )) صاحب المنصف ، تقديره : وهذا الشيخ هو الذي ضمنه صاحب المنصف كتابه حين يقول : (( حدثني )) إلى آخره .
الإعراب : (( وشيخه )) مبتدأ ، (( مؤتمن )) خبره ، (( جليل )) نعت ، أو خبر بعد خبر ، قوله : (( وهو )) مبتدأ ، (( الذي )) خبره ، (( ضمّن )) فعل ماض ، وفيه ضمير مستتر عائد على الموصول ، قوله : (( إذ )) ظرف بمعنى حين ، والعامل فيه (( ضمن )) ، (( يقول )) مضارع . ثم قال :
[31] حَدَّثَنِي عَنْ شَيْخِهِ المَغَامِي **** ذِي العِلْمِ بِالتَّنْزِيلِ وَالأَحْكَامِ
الفاعل بـ (( حدّث )) هو ابن لب ، والمفعول به هو البلنسي ، أي حدثني ابن لب عن شيخه الذي هو المغامي .
__________
(1) في جـ : " ومن طبقة " .
(2) هو مكي بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار القيسي ، أبو محمد القيرواني ثم الأندلسي . إمام بوجوه
القراءات وعللها ، متبحر في علم النحو وعلوم القرآن . كثير التآليف ، منها : "التبصرة" ، "مشكل إعراب
القرآن" . توفي سنة 437 هـ . انظر : معرفة القراء ، ص 220 ، غاية النهاية ، 2 : 309 ، رقم 3645 .
(3) في جـ : " المتضمن " .
(4) ساقطة من : " جـ " .(1/259)
قوله : (( ذي العلم بالتنزيل والأحكام )) هذا صفة المغامي ، أي صاحب العلم بالقرآن : من تفسيره ورسمه وقراءته ، وصاحب العلم بالأحكام : من الحلال والحرام والناسخ والمنسوخ ، وغير ذلك .
وهذا الذي ذكره الناظم في هذه الأبيات الثلاثة ، من قوله : (( لأن ما نقله مروي )) إلى هنا(1)، هو الذي أشار إليه أبو الحسن البلنسي في المنصف ، إذ قال فيه(2):
إن كنت قد أخذته رواية عن ابن لب من ذوي الرواية
وكان شيخا خصّ بالإتقان في عصره من أهل هذا الشأن
حدثني عن شيخه المغامي ذي العلم بالتنزيل والأحكام
فكل(3)ما ذكرته فعنه أخذته فيما استفدت منه
وإلى هذه الأبيات الأربعة المذكورة في المنصف ، أشار الناظم بهذه الأبيات الثلاثة المذكورة قبل .
الإعراب : (( حدثني )) فعل ماض ، ونون الوقاية مفعول ، (( عن شيخه )) جار ومجرور ، ومضاف إليه ، تعلق الجار بـ (( حدث )) ، قوله : (( المغام )) نعت ، قوله : (( ذي )) نعت ، (( العلم ))(4)مضاف إليه ، (( بالتنزيل )) تعلق بذي العلم(5)، (( والأحكام )) معطوف . ثم قال :
[32] جَعَلْتُهُ مُفَصََّلاً مُبَوَّبًا **** فَجَاءَ مَعَ تَحْصِيلِهِ مُقَرََّبَا
جعل هاهنا معناها : صيّر ، أي صيّرته ، أي صيرت هذا الرَّجز وهذا الكتاب مفصّلا مبوّبا ، أي ذا فصول وذا أبواب .
والفصل في اللّغة(6): هو القطع ، ومنه تسمية المفصل مفصّلا ، لكونه محل القطع ، ويطلق في الّلغة – أيضا – على الحاجز بين شيئين ، كقولك : هذا فصل الفدّادين(7)، أي الحاجز بينهما .
__________
(1) في جـ : " هاهنا " .
(2) فتح المنان ، ورقة 36 ، نقلا عن المنصف .
(3) في جـ : " وكل " .
(4) في جـ : " قوله العلم " .
(5) في جـ : " تعلق بالعلم " .
(6) انظر القاموس المحيط ، ص 938 ، " فصل " .
(7) قال الفيروزأبادي : " الفدادون : هم الجمّالون ، والرعيان ، والبقارون ، والحمّارون ، والفلاحون " .(1/260)
ومعناه في الاصطلاح : الحاجز بين الكلام السابق ، والكلام اللاحق .
وقوله : (( مبوّبا )) ، أي جعلته ذا أبواب .
والباب : عبارة عن المدخل والمخرج ، وقيل حقيقته : فرجة في ساتر يتوصل بها من ظاهر إلى باطن ، وهو على قسمين(1): حسي ، ومعنوي .
فالحسي : هو الحقيقي ، أو هو ما يدرك بالحواس ، كأبواب الدور(2)والحوانيت .
والمعنوي : هو المجازي ، وهو ما يدرك بالمعنى ، كأبواب الكتاب والحوائج(3).
وقولنا في حقيقة الباب : فرجة في ساتر يتوصل بها من ظاهر إلى باطن ، فالعلم هو الفرجة ، والجهل هو الساتر ، فتوصل بالعلم من ظاهر الجهل إلى باطنه الذي هو معرفة المعلوم .
وقوله : (( فجاء مع تحصيله مقربا )) ، أي فجاء هذا الرَّجز مع حفظه مقرّبا لفهم حافظه ، لأنه لو جعله مجموعا من غير فصول(4)ولا أبواب ، لبعُد فهمه على قارئه
واعترض قوله : (( مفصّلا مبوّبا )) بأن قيل : ظاهر الكلام(5)أن تراجم هذا الرَّجز كلها [هي](6)فصول وأبواب ، وليس الأمر كذلك ، لأنه أتى فيه بغير الأبواب والفصول ، لأنه لم يذكر إلا ثلاثة أبواب : باب اتفاقهم والاضطراب ، وقوله : (( باب ورود حذف إحدى اللامين )) ، وقوله : (( باب حروف وردت بالفصل )) .
وذكر غير الأبواب في باقي التراجم ، كالقول ، وهاك ، ومن ، وما جاء ، مثال القول : (( [القول](7)فيما قد أتى في البقرة )) ، ومثال هاك : (( وهاك ما من مريم لصاد )) ، ومثال من : (( من آل عمران إلى الأعراف )) ، ومثال ما جاء : (( [ ما جاء](8)من أعرافها لمريم )) .
__________
(1) القاموس المحيط ، ص 276 ، " فدد " .
(5) في جـ : " وهو قسمان " .
(2) في جـ : " كأبواب الدار " .
(3) قال الناسخ في حاشية النسخة ز : " عله التراجم " يعني بدل كلمة الحوائج .
(4) في جـ : " فصل " .
(5) في ز : " بأن ظاهر كلامه " .
(6) ساقطة من : " جـ " .
(7) ساقطة من : " جـ " .
(8) ساقطة من : " جـ " .(1/261)
أجيب عنه بأن المراد هنا بالفصل(1): الفصول على بابها ، وأراد بالأبواب التراجم ، لأن التراجم أعمّ ، ولكن هذا الجواب يقتضي أن الترجمة خلاف الفصل ، مع أن الترجمة أعم من الفصل والباب وغيرهما ، فلو استغني بقوله : (( مفصّلا )) عن قوله : (( مبوّبا )) ، أو استغني بقوله : (( مبوّبا )) عن قوله : (( مفصّلا )) لكفى ، فيفسّر ذلك بالترجمة لكان أولى .
والجمع بين اللفظين يقتضي : أن الفصل والباب مقصودان بعينهما ، فكلامه معترض على كل تقدير ، لأنه إذا حملنا قوله : (( مفصّلا )) على التراجم بَقِيَ قوله : ((مبوّبا)) لا محل له ، وإذا حملنا قوله : (( مبوّبا )) على التراجم ، بقي قوله : (( مفصّلا )) لا محل له – أيضا – وإذا حملنا قوله : (( مفصّلا )) على الفصول بذاتها وحملنا قوله : (( مبوّبا )) على الأبواب بعينها ، يعترض عليه بالقول : ((وهاك)) ، و((من)) ، و((ما جاء)) ، من التراجم الباقية ، فكلامه إذا لا يَسْلم من الاعتراض(2).
والظاهر – والله أعلم – أنه أراد بقوله : (( مفصّلا )) الفصول بذاتها ، وأراد بقوله : (( مبوّبا )) التراجم ؛ لأن الترجمة أعمّ من : ((الباب)) ، و((القول)) ، ((وهاك)) و((من)) ، و((ما جاء)) ، بخلاف الفصل .
__________
(1) في جـ ، ز : " الفصول " .
(2) في ز : " لا يسلم من التعارض " .(1/262)
والدليل على أنه أراد بالفصول هاهنا الفصول بذاتها : المواضع التي ذكرها الناظم فيها الفصول هي [من](1)الأقسام التي احتوت عليها الترجمة ، كقوله في ترجمة حذف الياء : (( فصل وقل إحدى الحواريين )) ، لأنه احتوت عليه ترجمة حذف الياء وهي قوله : (( القول فيما سلبوه الياء )) ، لأنه من أقسام تلك الترجمة ، وكقوله(2)في ترجمة حذف الواو : (( فصل وقل إحداهما قد حذفت )) ، لأنه احتوت عليه ترجمة حذف الواو ، وهي قوله : (( وهاك واوا سقطت في الرسم )) ، لأنه من أقسام تلك الترجمة ، وكقوله : (( فصل وما بعد سكون حذفا )) ، لأنه احتوت عليه ترجمة الهمزة(3)، وهي قوله : (( وهاك حكم الهمز في المرسوم )) ، فلو قال : ((جعلته مترجما مهذّبا فجاء مع تحصيله مقرّبا)) ، لسَلِم من الاعتراض . والله أعلم .
الإعراب : (( جعلته )) ماض وفاعل ومفعول ، وقوله : (( مفصّلا )) مفعول ثان ، وقوله : (( مبوّبا )) معطوف بإسقاط حرف العطف(4)، (( فجاء )) ماض ، قوله : ((مع)) ظرف ، وهو هاهنا ظرف زمان ، تقديره : فجاء في وقت تحصيله مقربا ، لأن النحاة يقولون : (( مع )) ظرف لمكان الاصطحاب ، أو وقته على ما يليق بالمصاحب وقوله : (( تحصيله )) مخفوض بالظرف ، ومضاف إليه ، وقوله : (( مقربا )) حال من الضمير في جاء . ثم قال :
[33] وَحَذْفُهُ جِئْتُ بِهِ مُرَتَّبَا **** لأَِنْ يَكُونَ الْبَحْثُ فِيهِ أَقْرَبَا
ذكر في هذا البيت : أنه جاء بحذف هذا الرَّجز مرتّبا ، أي الحذف المذكور(5)، وفي هذا الرَّجز أتيت مرتبا ، معناه : جئت به بتقديم المتقدّم ، وتأخير المتأخّر ، وتوسيط المتوسّط ، لأن ذلك هو معنى الترتيب ، وضدّه التنكيس ، والأشياء تعرف بأضدادها .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) في جـ : " وقوله " .
(3) في جـ : " الهمز " .
(4) في جـ : " واو العطف " .
(5) في حاشية النسخة ز : " الضمير في قوله : وحذفه عائد على حذف الألف خاصة " .(1/263)
وقوله : (( لأن يكون البحث فيه أقربا )) هذا تعليل لقوله : جعلته مرتبا لا منكسا ، كأنه يقول : إنما جعلته مرتبا ، ولم أجعله منكوسا معكوسا ؛ لكي يكون(1)البحث والتفتيش فيه قريبا للفهم ، وبيان ذلك : أن من أراد النظر في الحرف هل هو محذوف أو ثابت ، فإن كان في أم القرآن ، فإنه يقصد في الترجمة الأولى من الرَّجز ، وإن كان في البقرة ، فإنه يقصد في الترجمة الثانية من الرَّجز ، وإن كان فيما بين آل عمران والأعراف ، فإنه يقصد في تلك الترجمة ، إلى آخر تراجمه .
ولو لم يجعله مرتبا ، فإنه لا يمكن الاطلاع على الحرف إلا بعد نظر كثير وبحث كثير(2). والضمير في قوله : (( وحذفه )) عائد على الرَّجز ، والضمير في (( به )) عائد على الحذف ، أي جئت بحذف هذا الرَّجز ، أي جئت بالحذف المذكور في هذا الرَّجز ، والضمير في قوله : (( فيه )) يعود على الحذف ، أي لأن يكون التفتيش في الحذف المذكور في هذا الرَّجز قريبا للفهم .
واعترض قوله : (( وحذفه جئت به مرتبا )) بأن قيل : ظاهره [يقتضي](3)أنه رتّب حذف الألف وحذف الياء وحذف الواو ، لأن الحذف يعم الألف والياء والواو(4)وليس الأمر كذلك ، لأن حذف الياء والواو(5)لم يأت به مرتبا ، كما فعل في حذف الألف .
أجيب عنه بأن قيل : المراد بالحذف هاهنا حذف الألف خاصّة ، فقوله : (( وحذفه))(6)، أي وحذف [الألف](7)المذكور في هذا الرَّجز جئت به مرتبا .
__________
(1) في جـ : " لأن يكون " .
(2) في جـ ، ز : " كبير " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) في جـ : " والواو والياء " .
(5) في جـ : " وحذف الواو " .
(6) زاد في جـ : " هو على حذف المضاف تقديره ألفه ، أي ألف هذا الرَّجز " .
(7) ساقطة من : " جـ " .(1/264)
الإعراب : (( وحذفه )) مبتدأ ومضاف إليه ، قوله : (( جئت )) ماض وفاعل ،((به)) متعلق بـ (( جئت )) ، قوله : (( مرتبا )) حال من الضمير المجرور بالباء ، قوله : ((لأن يكون)) اللام لام العلّة ، وهي في الأصل لام الجر ، لأن ما بعدها مجرور في المعنى ، تقديره : لكون البحث فيه قريبا ، قوله : (( البحث )) اسم يكن(1)، قوله : ((فيه)) جار ومجرور متعلق بالبحث ، قوله : (( أقربا )) خبر يكون . ثم قال :
[34] وَفِي الذِي كُرِّرَ مِنْهُ أَكْتَفِي **** بِذِكْرِ مَا جَاءَ أَوَّلاَ مِنْ أَحْرُفِ
ذكر الناظم في هذا البيت : أن اللفظ الذي تكرّر في القرآن ، وهو محذوف مطلقا ، أنه يجتزئ(2)منه بذكر اللفظ الأول منه ، وينسحب عليه ذلك الحكم حيث ما ورد وكيف ما ورد ولا يعيد عليه الكلام بعد ذلك .
قوله : (( وفي الذي كرّر منه أكتفي )) معناه : وأجتزئ في اللفظ الذي تكرّر منه ، أي من الحذف ، الضمير يعود على الحذف المتقدّم في البيت قبله ، وهو قوله : (( وحذفه جئت به مرتبا )) وهو على حذف المضاف ، تقديره : من ذي الحذف ، وهو
اللفظ ، أي واجتزئ من اللفظ المتكرّر المحذوف في جميع القرآن بذكر(3)اللفظ الأول منه في القرآن ، ولا أعيد ذكره بعد ذلك . مثال ذلك ، قوله(4): (( وحذفوا ذلك ثم الأنهار )) ، وقوله(5): (( ميثاق الأيمان والأموال إيمان العدوان والأعمال )) ، لأن هذه الألفاظ متكرّرة في القرآن وهي محذوفة مطلقا ، فذكرها الناظم في ترجمة البقرة خاصّة ، وينسحب [عليها](6)ذلك الحكم حيثما وقعت .
__________
(1) في جـ ، ز : " يكون " .
(2) أي يكتفي ، لأن الاجتزاء له معان ، منها : الاكتفاء .
انظر : لسان العرب ، 1 : 46 ، " جزأ " ، مختار القاموس ، للرازي ، 1 : 43 ، " جزأ " .
(3) في جـ : " أن يذكر " .
(4) تنبيه العطشان ، ص 304 .
(5) تنبيه العطشان ، ص 347 .
(6) ساقطو من : " جـ " .(1/265)
وقوله : (( بذكر ما جاء أولا )) ، أي بذكر اللفظ الذي جاء من أحرفه ، أي من ألفاظه في أول القرآن ، فيؤخذ من هذا : أن كل ترجمة تحتوي على ما فيها ، وعلى ما بعدها ، ولا تحتوي على ما قبلها . وهذه قاعدة من قواعد هذا الكتاب(1).
الإعراب : قوله : (( وفي الذي [كرّر](2)) جار ومجرور متعلق بـ (( أكتفي )) ، قوله : (( منه )) متعلق بقوله : (( كرّر)) ، وقوله : (( بذكر )) متعلق بـ (( أكتفي )) ، وقوله : (( ما )) مضاف إليه ، وهي موصولة بمعنى الذي ، قوله : (( جاء )) فعل [ماض](3)وسقطت همزته للوزن ، وقوله : (( أولا )) إما ظرف مكان وإما حال(4)، [ تقديره على ظرف مكان : بذكر ما جاء في أول تلك الكلمة ، وتقديره على الحال : بذكر ما جاء سابقا من أشخاص تلك .
واعلم أن هذا اللفظ الذي هو (( أول )) له ثلاثة معان : ظرف زمان ، وظرف مكان واسم غير ظرف ، وهو من الأسماء اللازمة للإضافة ، فإذا قطع عن الإضافة فله ثلاثة استعمالات : إما أن ينوى معناه دون لفظه فيبنى على الضمير ، أو ينوى لفظه ومعناه معا ، فيعرب إعراب المضاف من غير تنوين ، وإما لا ينوى لا لفظه ولا معناه ، فيعرب وينوى كما فعل الناظم هاهنا ، وهذه الأوجه الثلاثة ذكرها أبو علي(5)في قوله : " بهم بدأت به من أول " ، وقوله : (( من أحرف )) متعلق بحال محذوفة من الضمير المستتر في (( جاء )) ، أي ما جاء كائنا من أحرف ، هذا على إعراب (( أولا )) بالظرف وأما إذا جعلنا (( أولا )) اسما غير ظرف ، يكون قوله : (( من أحرف )) حال من الضمير المستتر في (( أولا )) ، تقديره : سابقا كائنا من أحرف ](6).
__________
(1) في جـ : " وهذا من قواعد هذا الكتاب " .
(2) ساقطة من : " ز " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) في جـ : " إما حال وإما ظرف " .
(5) تقدمت ترجمته ، ص 105 .
(6) 10) ما بين القوسين المعقوفين مقدار أحد عشر سطرا ، سقط من " جـ " ، وفيه : " من أحرف متعلق بأولا "
لعلّه يكون اختصارا من الناسخ .(1/266)
ثم قال :
[35] مُنَوَّعًا يَكُونُ أًوْ مُتَّحِدَا **** وَغَيْرُ ذَا جِئْتُ بِهِ مُقَيَّدَا
ذكر في هذا البيت : أن ذلك اللفظ المتكرّر المحذوف في جميع القرآن ، سواء كان متحد اللفظ أو منوع اللفظ ، إذ هو على قسمين : متحد(1)، ومنوع .
ومعنى المتحد : أن يكون اللفظ في جميع القرآن على صورة واحدة من غير زيادة في أوله ، ولا في آخره .
مثاله : { بَاخِعٌ }(2)، و { عَاصِمَ }(3)، و { صَلْصَالٍ }(4)، و { غَضْبَانَ }(5).
ومعنى المنوع : أن يكون اللفظ على صورة مختلفة ، إما بالزيادة في أوله ، كالألف واللام ، أو بالزيادة في آخره ، كاتصال الضمير به(6).
__________
(1) في جـ : " متحدا " .
(2) كما في قوله تعالى : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى ءَاثَارِهِمْ....... } ، سورة الكهف ، من الآية 6 .
(3) مثل قوله تعالى : { .... مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ....... } ، سورة يونس ، من الآية 27 .
(4) كقوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } ، سورة الحجر ، الآية 6 .
(5) كما في قوله تعالى : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ? غَضْبَانَ أَسِفًا..... } ، سورة الأعراف ، من الآية 150 .
(6) ورد في حاشية النسخة ز : " قال بعضهم : المنوع : تدخله الزيادة واللفظ واحد " .(1/267)
مثاله : { الأَبْصَارُ }(1)، و { أَبْصَارَهُمْ }(2)، و { الأَزْوَاجَ }(3)، و { أَزْوَاجِهِمْ }(4)وغير ذلك .
وقوله : (( وغير ذا جئت به مقيّدا )) يعني أن اللفظ الذي حذف في بعض المواضع دون البعض يقيّده بقيد ، أو يميّزه عن غيره ، والتقييد المشار إليه هاهنا يكون بسبعة أشياء ، وهو : المجاور ، والحرف ، والسورة ، والترجمة ، والإضافة ، والمرتبة ، والحركة . وهذه القيود السبعة مجموعة في هذا البيت ، وهو قولنا :
جَاوِرْ بِحَرْفٍ سُورَةٍ وَتَرْجُمَهْ إِضَافَةٍ وَرُتْبَةٍ وَحَرَكَهْ
[ونحن نذكر أمثلتها على تأولها في هذا البيت](5)، فنقول :
مثال التقييد بالمجاور ، قوله(6)بعد : (( إلا الذي مع خلال قد ألف )) .
__________
(1) مثل قوله تعالى : { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ...... } ، سورة الأنعام ، من الآية 104 .
(2) كقوله تعالى : { خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ.... } ، سورة البقرة ، من الآية 6.
(3) كما في قوله تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا....... } ، سورة يس ، من الآية 35 .
(4) 10) مثل قوله تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآ هِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } ،
سورة الرعد ، من الآية 25 .
(5) 11) ما بين المعقوفين سقط من : " ز " .
(6) 12) تنبيه العطشان ، ص 313 .(1/268)
ومثال التقييد بالحرف ، [قوله](1): (( لابن نجاح خاشعا والغفار )) أعني قوله : (( والغفار )) ، لأن الألف واللام قيد له ، احترازا من قوله في سورة نوح : { إِنَّهُ? كَانَ غَفَّارًا }(2)، ومثاله [أيضا] قوله(3): (( نكالا الطاغوت ثم الإخوان )) ، أعني قوله : (( نكالا )) ، لأنه قيده بالتنوين ، [لأن التنوين](4)نون ساكنة في اللفظ ، احترازا من قوله تعالى : { نَكَالَ اءَلاْخِرَةِ }(5).
ومثال التقييد بالسورة ، قوله(6): (( والحذف في الأنفال في الميعاد )) .
ومثال التقييد بالترجمة ، قوله : (( أضغان ألواح وفي لواقع )) ، أعني قوله : ((ألواح)) ، وذلك أن الترجمة قيْد لقوله : (( ألواح )) ، وأراد قوله تعالى : { وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ }(7)، احترازا مما وقع قبل هذه الترجمة ، كقوله تعالى في سورة الأعراف : { وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ }(8)فإنه ثابت ؛ لأنه فوق ترجمته ، لأن كل ترجمة تحتوي على ما فيها ، وعلى ما بعدها ، ولا تحتوي على ما قبلها . وهذا من قواعد هذا الرَّجز .
__________
(1) 13) تنبيه العطشان ، 524 . و" قوله " ساقطة من جـ .
(2) 14) سورة نوح ، من الآية 10 .
(3) 15) تنبيه العطشان ، ص 343 . و" أيضا " ساقطة من جـ .
(4) التنوين : هو نون ساكنة تلحق آخر الاسم لفظا ، وتفارقه في الخط والوقف .
انظر الرائد في تجويد القرآن ، لمحمد سالم محيسن ، ص6 ، ط2 ، دار محيسن للطباعة والنشر ، 2002 م .
وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) سورة النازعات ، من الآية 25 .
(6) تنبيه العطشان ، ص 472 .
(7) سورة القمر ، الآية 13 .
(8) سورة الأعراف ، من الآية 150 .(1/269)
وأما اللفظ الثاني ، وهو قوله: (( لواقع )) هو من المقيّد بالحرف ، لأن اللام قيد له ، احترازا من الذي ليس فيه لام ، كقوله تعالى في سورة الشورى : { وَهْوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ }(1)وقوله تعالى : { سَالَ سَآ لٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ }(2).
ومثال التقييد بالإضافة ، قول الناظم(3): (( أسمائه رهبانهم موازين)) أعني قوله : (( رهبانهم )) ، وقوله(4)– أيضا – : (( وعن أبي داود أدبارهم ثم بغير الرعد أعناقهم)) ، لأن هذه الألفاظ الثلاثة ، وهي : { رُهْبَانَهُمْ }(5)، و { أَدْبَارَهُمْ }(6)و { أَعْنَاقَهُمْ }(7)، مقصودة بعينها ، لأنه قيّدها بالإضافة ، ولا يدخل فيها المنون ، ولا ذو الألف واللام ، ولا يدخل فيها إلا ما أضيف إلى الهاء والميم ، كما سيأتي في موضعه(8)إن شاء الله .
ومثال التقييد بالرتبة ، قوله(9): (( وكاتبا وهو الأخير عنهما )) ، لأنه قيده بالمرتبة وهي الأخيرة .
__________
(1) سورة الشورى ، من الآية 20 .
(2) سورة المعارج ، الآية 1 .
وفي جـ : ذكر أولا آية المعارج ، ثم ذكر آية الشورى .
(3) تنبيه العطشان ، ص 462 .
(4) تنبيه العطشان ، ص 469 .
(5) 10) في قوله تعالى : { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ .... } ، سورة التوبة ، من الآية 31 .
(6) 11) مثل قوله تعالى : { ...... الْمَلكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ..... } ، سورة الأنفال ، من الآية 51 .
(7) 12) في قوله تعالى : { ...... وَأُوْ لَكَ الأَغْلَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ....... } ، سورة الرعد ، من الآية 6 .
(8) 13) في ص 469 .
(9) انظر تنبيه العطشان ، ص 419 .(1/270)
ومثال التقييد بالحركة ، قول الناظم : (( [ثم](1)سرابيل معا أنكاثا )) ، لأنه قيده بالفتحة ، بدليل قوله : ((معا)) ولا يدخل فيه قوله تعالى : { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ }(2)
وهذه القيود السبعة المذكورة(3)تارة يقيد اللفظ بواحد منها ، كما تقدّم في الأمثلة المذكورة ، وتارة يقيّد بأكثر من واحد منها ، كقوله : (( ووسط العقود حرف ومعا )) ، لأنه قيّده بالسورة والمرتبة الوسطية ، ومثاله قوله – أيضا – : (( وأثبتت آياتنا الحرفان في يونس ثالثها وثان )) ، لأنه قيده بالسورة ، والمرتبة الثالثة والثانية(4).
فهذه(5)سبعة قيود ، وكلها واردة في حذف الألف ، وإليها أشار الناظم بقوله : (( وغير ذا جئت به مقيّدا )) .
وهناك قيْد ثامن ، وهو التجريد ، ولكن لم يرد في حذف الألف ، مثاله قول الناظم في باب الهمزة : (( ثم بلا لام معا أنباء )) ، لأنه قيّده بالتجريد من اللام ، احترازا مما فيه اللام ، وهو قوله تعالى : { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الاْنبَآءُ يَوْمَذٍ }(6).
قوله : (( وغير ذا جئت به مقيّدا )) اعترض بعضهم هذه الإشارة ، واستشكلها غاية الإشكال ، فقال : ظاهر الكلام يقتضي أن الإشارة عائدة على المنوع والمتحد المتقدّمين قبلها ، فتقديره : وغير هذين المنوع والمتحد ، جئت به مقيّدا ، مع أنه ليس هنالك غيرهما ، إذ ليس في القرآن إلا هذان القسمان – أعني المنوع والمتحد –وليس هنالك ثالثا يكون محلا لهذا الغير ، فالغير المذكور في قوله : (( وغير ذا )) لا محل له على هذا ، وهذا وجه الإشكال .
أجيب عن هذا بأن قيل : هاهنا أربعة أقسام :
قسمان في المنوع ، وقسمان في المتحد .
__________
(1) ساقطة من: " جـ " ، " ز " .
(2) سورة إبراهيم ، من الآية 52 .
(3) تقدم ذكرها قريبا .
(4) في جـ : " الثنائية والثلاثية " .
(5) في جـ : " هذه " .
(6) سورة القصص ، من الآية 66 .(1/271)
فالقسمان اللذان في المنوع : المحذوف المطلق ، والمحذوف المقيّد .
مثال المحذوف المطلق ، قول الناظم : (( ميثاق الإيمان والأموال )) البيت ، فإن هذه الألفاظ متنوعة في القرآن بالتنوين(1)والألف واللام ، والإضافة ، وهي كلها محذوفة مطلقا من غير تقييد .
ومثال النوع الثاني من المنوع ، وهو المحذوف المقيّد ، قول الناظم : (( وعنهما الكتاب غير الحجر )) إلى آخره .
ومثال المحذوف المطلق في المتحد ، قول الناظم(2): (( وفي استقاموا باخع وعاصم )) ، لأن هذه الألفاظ محذوفة مطلقا ، وهي متحدة الصورة ، ومثاله – أيضا – قول الناظم : (( غضبان جاوزنا وفي صلصال )) .
ومثال المحذوف المقيّد [في المتحد](3)، قول الناظم : (( إلا إناثا ورباع الأولا كذا قياما في العقود نقلا )) ، لأن هذه الألفاظ الثلاثة المذكورة في هذا البيت متحدة الصورة ، وقيّدها الناظم ، قيّد اللفظ الأول بالمجاور ، وقيّد الثاني بالمرتبة الأوليّة ، وقيّد الثالث بالسورة .
فهذه أربعة أقسام : قسمان في المنوّع ، وقسمان في المتحد .
فقول الناظم : (( وغير ذا جئت به مقيّدا )) الإشارة تحتوي على قسمين من الأقسام الأربعة ، [ وهما المنوّع المطلق والمتحد المطلق ، والغير يحتوي – أيضا – على قسمين من الأقسام الأربعة ](4)وهما المنوّع المقيّد ، والمتّحد المقيّد ، كأنه يقول في التقدير : وغير المحذوف المطلق(5)فيه نوعان : المنوع ، والمتحد .
__________
(1) في جـ : " بالتنزيل " ، وهو تصحيف ظاهر ، لعله من الناسخ .
(2) تنبيه العطشان ، ص 460 .
(3) تنبيه العطشان ، ص 438 .
وما ببن المعقوفين سقط من : " ز " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) زاد في جـ : " بنوا عليه لأن المحذوف المطلق " .
وزاد في ز : " بنوعيه جئت به مقيدا بنوعيه " .(1/272)
والمحذوف المقيّد(1)فيه – أيضا – نوعان : المنوّع والمتّحد ، فبان بهذا التقدير أن الإشارة تعود على المحذوف المطلق دلّ عليه سياق الكلام .
الإعراب : قوله : (( منوعا )) خبر يكون مقدّم ، واسم يكون عائد على اللفظ المكرّر(2)، قوله : (( أو متحدا )) معطوف ، قوله : (( وغير )) مبتدأ ، [قوله](3): ((ذا)) مضاف إليه ، قوله : (( جئت )) ماض(4)وفاعل ، قوله : (( به )) جار ومجرور متعلق بـ (( جئت )) ، قوله : (( مقيّدا )) بفتح الياء على أنه اسم مفعول ، حال من الضمير في (( به )) ، ويصح – [أيضا](5)– ضبط الياء بالكسر ، على أنه اسم فاعل فيكون حالا من التاء في قوله : (( جئت )) . ثم قال :
[36] وَكُلَّ مَا قَدْ ذَكَرُوهُ أَذْكُرُ **** مِنِ اتِّفَاقٍ أَوْ خِلاَفٍ أَثَرُوا(6)
ذكر في هذا البيت : أنه يذكر في هذا الرَّجز جميع ما ذكر(7)الشيوخ الأربعة في كتبهم الأربعة ، مما اتفقوا على رسمه ، أو اختلفوا في رسمه ، سواء كان ذلك من حذف الألف ، أو من حذف الياء ، أومن حذف الواو ، وسواء كان ذلك مما رسم بالألف ، أو مما رسم بالياء ، أو مما رسم بالواو ، وسواء كان ذلك مما زيد فيه الألف أو مما زيد فيه الياء ، أو مما زيد فيه الواو ، وسواء كان ذلك مما صوّرت همزته بالألف ، أو مما صوّرت بالياء ، أو مما صوّرت بالواو ، أو مما لا صورة لها ، وسواء كان ذلك مما رسم مقطوعا أو موصولا ، وسواء كان ذلك مما رسم ممدودا أو مربوطا ، وإلى هذا كله أشار [بهذا](8)البيت قائلا : (( وكل ما قد ذكروه أذكر )) ، أي وأذكر كل ما ذكروا(9).
__________
(1) في جـ : " المتحد " .
(2) في جـ : " المتكرّر " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) زاد في جـ : " في موضع الخبر " .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) في ز : " أثرُ " .
(7) في جـ ، ز : " ما ذكره " .
(8) ساقطة من : " جـ " .
(9) في جـ ، ز : " ذكروه " .(1/273)
وقوله : (( من )) بيان لجنس ما وقعت عليه (( ما )) ، لأن الجنس الذي وقعت عليه (( ما )) مجهول ، فبيّّنه بقوله : (( من اتفاق أو خلاف )) ، لأن (( من )) هاهنا لبيان الجنس ، كقوله تعالى : { فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الاْوْثَانِ }(1).
وقوله : (( أو )) بمعنى الواو ، أي من اتفاق وخلاف(2)، كقوله تعالى : { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِمًا أَوْ كَفُورًا }(3).
وقوله : (( أثروا )) ، أي نقلوه عن المصاحف ، يقال : أثرت الحديث ، آثره أثرا ، إذا نقلته عن غيرك ، ويقال : الحديث المأثور ، معناه المنقول عن السلف إلى الخلف
وقوله : (( وكل ما قد ذكروه أذكر )) البيت ، اعتُرض هذا البيت : بأنه لم يذكر من الحجج والتوجيهات التي ذكرها الشيوخ في كتبهم إلا قليلا ، [كقوله](4): (( إذ سلبوه الياء )) ، وقوله : (( إذ كان أيضا واوه مفقودا ))(5)، وقوله : (( لما سلبا من صورة الهمز به إذ كتبا )) ، وقوله : (( بكسرة من قبلها اكتفاء ))(6)، وقوله : (( على وفاق اللفظ إذا تألفت ))(7).
أجيب عن هذا الاعتراض بأن قيل : قوله : (( وكل ما قد ذكروه أذكر )) يريد من الأحكام لا من التعليلات .
__________
(1) سورة الحج ، من الآية 28 .
(2) في جـ : " من اتفاق أو خلاف " .
(3) سورة الإنسان ، من الآية 25
(4) ساقطة من : " ز " .
(5) تنبيه العطشان ، ص 324 .
(6) 10) وهي علة حذف الياء المحذوفة لغير جازم . انظر دليل الحيران ، ص 135 .
(7) 11) وهي علة وصل كلمات أصلها أن ترسم بالقطع ، ورسمت بالوصل موافقة للفظ .
انظر دليل الحيران ، ص 228 .(1/274)
الإعراب : قوله : [(( وكل )) ](1)الواو حرف عطف ، (( كل )) مفعول مقدّم(2)، قوله : (( ما )) مضاف إليه موصولة ، (( قد )) حرف تحقيق ، قوله : (( ذكروه )) ماض وفاعل ومفعول في موضع الصلة ، والعائد الهاء ، وقوله : (( أذكر )) مضارع وقوله : (( من اتفاق )) جار ومجرور ، متعلق [ بحال محذوفة من (( ما )) المضاف إليها (( كل )) في قوله : (( وكل ما )) ، وصحّ الحال من المضاف إليه هاهنا ، لكون المضاف مثل جزء من المضاف إليه ، وقوله : (( اتفاق أو خلاف )) هما مصدران بمعنى اسمي مفعول ، وهذه الجملة المجرورة في موضع الحال من (( ما )) ، تقديره : وأذكر جميع المرسوم الذي ذكروه كائنا من اتفاق أو خلاف ، أي في حال كونه متفقا عليه ، وفي حال كونه مختلفا فيه ، ويصح أن تكون الجملة المجرورة في قوله : (( من اتفاق أو خلاف )) في موضع الحال من إلى (( ما )) ، وهو (( كل )) من قوله : (( وكل ما )) ، والعامل في الحال على التقديرين هو : (( أذكر )) ، ويصح أن يكون الجار في قوله : (( من اتفاق أو خلاف )) متعلقا بحال محذوفة من الهاء في قوله : (( ذكروه )) ، فيكون العامل في الحال (( ذكروه )) ](3)، وقوله : (( أو خلاف )) معطوف ، وقوله : (( أثروا )) ماض وفاعل ، وهو في موضع صفة(4)، وحذف منه الضمير ،[تقديره](5): أي أثروهما أو نقلوهما . ثم قال :
[37] وَالحُكْمُ مُطْلَقًا بِهِ إليهمُ **** أُشِيرُ فِي أَحْكَامِ مَا قَدْ رَسَمُوا
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) زاد في جـ " بأذكر " . وفي ز : " قوله كل ..." .
(3) ما بين المعقوفين ، مقدار تسعة أسطر، سقط من : " جـ " ، وفيه : " متعلق بذكروه " .
(4) في جـ ، ز : " في موضع الصفة " .
(5) ساقطة من : " جـ " .(1/275)
ذكر في هذا البيت : أنه متى ذكر حكما من الأحكام ، ولم يقيّده باسم شيخ من الشيوخ المذكورين ، [فتعلم](1)أن ذلك الحكم اتفقوا عليه كلهم . وهذا – أيضا – قاعدة من قواعد هذا الرَّجز ، مثال ذلك قوله(2): (( وللجميع الحذف في الرحمن )) ، وقوله(3): (( كذاك لا خلاف بين الأمة )) ، وقوله(4): وحذفوا ذلك ثم الأنهار )) ، لأن هذا(5)كلّه لم يصرّح فيه باسم واحد من الشيوخ المذكورين ، فهو حكم مطلق على جميعهم ، ولا يقيّد بواحد دون آخر .
هكذا مثّل بعض الشرّاح(6)هاهنا للحكم المطلق ، والأوْلى عندي أن الحكم في هذه الأمثلة ليس بمطلق ، وإنما هو مقيّد بجميع الشيوخ ، لأن قوله : (( وللجميع الحذف في الرحمن )) أسنده الناظم إلى جميع الرواة ، فكيف يقال مطلق مع إسناده؟! ، وكذلك قوله : (( لا خلاف بين الأمة )) ، لأن نفي الخلاف يقتضي إثبات الاتفاق ، وهو مسند إلى الجميع – أيضا – فكيف يقال مطلق؟! ، وكذلك قوله : (( وحذفوا ذلك ثم الأنهار )) لأن الواو عائد على جميعهم ، فكيف يقال هذا مطلق مع أنه أسنده إلى جميعهم ؟!
__________
(1) ساقطة من : " ز " .
(2) سيأتي في ترجمة الفاتحة .
(3) سيأتي في ترجمة الفاتحة أيضا .
(4) سيأتي في ترجمة البقرة .
(5) 10) في جـ : " ذلك " .
(6) منهم ا بن آجطا ، حيث قال : " وللجميع الحذف في الرحمن " ، أي عن جميع الكتب والرواة وعن
المصاحف، فهو من الأحكام المطلقة . انظر التبيان ، ورقة 44 .(1/276)
والصحيح أن مثال الحكم المطلق ، قول(1)الناظم : (( واحذف تفادوهم يتامى ودفاع )) ، وقوله(2): (( واحذف بواعدنا مع المساجد )) وقوله(3): (( وحذف ادارأتم رهان حيث يخادعون والشيطان )) ، وغير ذلك من الأحكام التي لم يقيّدها الناظم لا ببعض الرواة ولا بجميعهم(4).
أما إذا قيّد الحكم بالبعض أو بالجميع ، فهو مقيّد لا مطلق ، وإنما الحكم المطلق : هو الذي لم يقيّد أصلا لا ببعض ولا بكل .
قوله : (( والحكم مطلقا )) البيت ، في هذا البيت تقديم وتأخير ، تقديره : والحكم أشير به إليهم مطلقا في أحكام ما قد رسموا(5)، ومعنى أشير : أقصد وأنوي ، أي أقصد بذلك الحكم ، وأنوي بذلك الحكم جميع الشيوخ ، وقوله : ((رسموا)) ، أي كتبوا
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 310 .
(2) تنبيه العطشان ، ص 363 .
(3) تنبيه العطشان ، ص 317 .
(4) وهو ما ذهب إليه الشيخ المغراوي بقوله : قول الشارح أن " وللجميع الحذف في الرحمن " ، من الأحكام
المطلقة ليس بشيء ؛ إذ هو نصّ صريح في تعيين الاتفاق لا مطلق ، وإنما المطلق ما كان مثل قوله :
" واحذف تفادوهم " . انظر تقييد طرر على مورد الظمآن ، لوحة 45 .
(5) في " جـ " تقديم وتأخير : " والحكم مطلقا في أحكام ما قد رسموا أشير به إليهم " .(1/277)
الإعراب : (( والحكم )) مبتدأ ، وخبره في قوله : (( أشير به إليهم )) ، ويصح النصب في قوله : (( والحكم )) من جهة العربية ، وإن لم يكن رواية ، لأنه لم يروعن الناظم هنا إلا الرفع ، وإنما قلنا يصح فيه النصب ، لأنه يصح أن يكون مفعولا بفعل مضمر ، دلّ عليه (( أشير )) فيكون من باب الاشتغال ، تقديره : وأنسب الحكم مطلقا إليهم ، فيقدّر هذا الفعل من معنى (( أشير )) لا من لفظه ، لأنه يتعذر ، تقديره : من لفظ ((أشير)) ، لأن (( أشير )) لا يتعدّى بنفسه ، وإنما يتعدى بحرف الجر ، نظير هذا قوله تعالى : { وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا }(1)، أي ويعذب الظالمين ، وقوله : ((مطلقا)) [ حال من الهاء في (( به )) والعامل في الحال (( أشير )) ](2)والمجرور في قوله : (( به )) ، وفي قوله : (( إليهم )) متعلقان بـ (( أشير )) ، وقوله(3): (( أشير )) مضارع ، وقوله : ((في أحكام)) متعلق بقوله : (( مطلقا )) ، تقديره : والحكم مطلقا في الأحكام ، وقوله : (( ما )) مضاف إليه ، وهي موصولة بمعنى التي ، أي في أحكام الحروف التي قد رسموها ، وقوله : (( قد )) حرف تحقيق ، وقوله : (( رسموا)) ماض(4)وفاعل ، أي رسموه بحذف الرابط بين الصلة والموصول . ثم قال :
[38] وَكُلَّ مَا جَاءَ بِلَفْظِ عَنْهُمَا **** فَابْنُ نَجَاحٍ مَعَ دَانٍ رَسَمَا
ذكر في هذا البيت قاعدة أخرى ، وهي : أن كل حكم قيّده الناظم بلفظة (( عنهما )) فإن ذلك الحكم للشيخين : أبا عمرو الداني ، وأبا داود .
__________
(1) سورة الإنسان ، من الآية 31 .
(2) ما بين المعقوفين سقط من جـ ، وفيه : " حال من الحكم " .
(3) في جـ : " قوله " .
(4) في جـ : " فعل ماض " .(1/278)
مثال ذلك قول(1)الناظم : (( وعنهما الكتاب غير الحجر )) ، وقوله(2): (( وعنهما الصاعقة الأولى أتت )) ، وقوله(3): (( وعنهما روضات قل والجنات )) .
وقوله : (( بلفظ عنهما )) يعني بكسرة واحدة تحت الظاء ؛ لأنه مضاف إلى (( عنهما )) ، لأن (( عنهما )) هاهنا مقدرة باسم ، لأنه على حذف مضاف ، تقديره : بلفظ كلمة عنهما ، كقول النحاة : "باب كان" ، و"باب ظن" ، و"باب إن" ، أي باب هذه الكلمة أو هذه اللفظة .
وقوله : (( رسما )) الألف فيه للتثنية ، راجع إلى أبي داود وأبي عمرو الداني ومعناه ذكر ، ولا يخرج عن هذه القاعدة إلا موضع واحد ، وهو قول(4)الناظم في ترجمة البقرة : (( والأولان عنهما قد سكتا )) ، فإن ضمير التثنية في قوله : (( عنهما )) عائد على اللفظين لا على الشيخين ، لأن سياق الكلام يدلّ على ذلك .
فقول الناظم : (( وكل ما جاء بلفظ عنهما )) البيت [ يريد إلا هذا الذي جاء بلفظ عنهما](5)ذكر الناظم قاعدة (( عنهما )) وسكت عن قاعدة (( عنه )) ، لأن هذه اللفظة(6)خاصّة بأبي داود حيث ما وردت في هذا الرَّجز ، إلا في موضع واحد ، وهو قول(7)الناظم في ترجمة البقرة : (( ثم الداني قد جاء عنه في تكذبان )) ، فإنه عائد على أبي عمرو الداني ، لأن سياق الكلام يدلّ عليه ، فالأوْلى أن يذكر الناظم هذه القاعدة – أيضا – فيقول – مثلا – بعد هذا البيت :
وَكُلُّ مَا جَاءَ بِلَفْظِ عَنْهُ فُابْنُ نَجَاحٍ رَسَمَهْ فَافْهَمْهُ
[ وقولنا : رسمه ، هو بإسكان الهاء للوزن](8).
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 307 .
(2) تنبيه العطشان ، ص 312 .
(3) تنبيه العطشان ، ص 268 .
(4) تنبيه العطشان ، ص 419 .
(5) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " ، " ز " .
(6) في جـ : ط هذه الألفاظ " .
(7) تنبيه العطشان ، ص 354 .
(8) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/279)
الإعراب : (( وكل )) مبتدأ ، وخبره في الشطر الآخر ، وقوله : (( ما )) مضاف [إليه](1)، وهي إما موصولة بمعنى الذي وإما نكرة موصوفة ، تقديرها [موصولة : وكل الحكم الذي جاء، وتقديرها نكرة ](2): وكل حكم جاء ، وقوله : (( جاء )) ماض وقوله : (( بلفظ )) [ متعلق بحال محذوفة من ضمير (( جاء )) ، والباء للمصاحبة ، تقديره : جاء مصحوبا بلفظ عنهما ](3)، وقوله : (( عنهما )) مضاف إليه في المعنى ، أي بلفظ هذه الكلمة ، وقوله : (( فابن )) مبتدأ ثان ، وخبره في قوله : (( رسما )) ، وهذا المبتدأ [الثاني](4)وخبره في موضع خبر المبتدأ الأول ، وقوله : (( فابن نجاح )) أدخل الناظم الفاء في خبر المبتدأ ؛ لأن المبتدأ [هاهنا](5)فيه معنى الشرط ، تقديره : [ومتى جاءكم بلفظ عنهما ، أو إن جاءكم بلفظ عنهما فابن نجاح مع دان رسما ](6)،
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " وفيه : " متعلق بـ ((جاء)) " .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) ما بين المعقوفين في جـ : " وكل ما جاء بلفظ عنه * فإنه لابن نجاح قُلْهُ
إلا الذي ورد في المثنى * فإنه لداني يا ذا المعنى
أو إن جاء حكم بلفظ عنهما * فابن نجاح مع دان رسما ".(1/280)
وقوله : (( نجاح )) مضاف إليه ، وقوله : (( مع )) [ ظرف تضمّن معنى المصاحبة ، وهو في موضع الحال من فاعل (( رسم )) المستتر العائد على ابن نجاح ، أي فابن نجاح رسمه في حال كونه مصاحبا لأبي عمرو في حكم ذلك اللفظ ، والعامل في الظرف (( رسما )) ، والألف في (( رسما )) ألف الصلة لإطلاق القافية ، وليست الألف على هذا للتثنية ، لأن الفاعل بـ (( رسم )) ضمير مفرد عائد على ابن نجاح ، ومفعول (( رسم )) محذوف ، تقديره : فابن نجاح رسمه ، وهذا الضمير المحذوف بعد ((رسما)) هو الرابط بين المبتدأ الأول وخبره ، وأما الرابط بين المبتدأ الثاني وخبره ، فهو الضمير المستتر في (( رسم )) العائد على ابن نجاح ](1)، وقوله : (( دان )) مخفوض بالظرف ، أسقط منه الناظم(2)ياء النسب لضرورة الوزن(3)، [وقوله : (( رسما )) ماض ، وألف الصلة ، ويحتمل أن يكون قوله : (( فابن نجاح )) مفعولا لم يسم فاعله محذوف ، تقديره : وكل ما جاء بلفظ عنهما ، فيراد به ابن نجاح مصاحبا لدان ، فقد تم الكلام ](4)، وقوله : (( رسما )) ماض(5)وفاعل وهو ألف
التثنية ،[ العائد على الشيخين ، وقوله : (( رسما )) هذه جملة تأكيد ، وهي مما رسمناه بالألف في قوله : (( رسما )) على هذا التأويل ألف التثنية ، وعلى التأويل الأول ألف الصلة](6). ثم قال :
[
__________
(1) ما بين المعقوفين ، مقدار سبعة أسطر ، سقط من " جـ " ، وفيه : " ظرف والعامل فيه حال محذوفة ،
أي فابن نجاح كائنا مع الداني " . لعله يكون اختصارا من الناسخ .
(2) في جـ : " حذف منه ياء النسب .... " .
(3) في جـ : " وإعرابه إعراب قاض للضرورة " .
(4) 10) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) 11) في جـ : " فعل ماض " .
(6) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " والضمير الرابط بين المبتدأ والخبر محذوف تقديره رسمناه ،
أي رسما ذلك الحكم " .(1/281)
39] وَأَذْكُرُ الَّتِي بِهِنَّ انْفَرَدَا **** لَدَى الْعَقِيلَةِ عَلَى مَا وَرَدَا
ذكر في هذا البيت : أنه يذكر المواضع التي زادها أبو القاسم الشاطبي على ما في المقنع ، وقد نبّه على هذا(1)قبل في قوله(2): (( والشاطبي جاء في العقيلة به وزاد أحرفا قليلة )) ، وقد تقدّم هناك أن تلك المواضع التي زادها الشاطبي على ما في المقنع هي ستة مواضع وقد تقدّمت .
وقوله : (( وأذكر التي بهن انفردا )) ، أي وأذكر في هذا الرَّجز المواضع [ أو الكلمات أو الألفاظ ](3)التي انفرد بهن صاحب العقيلة عن أبي عمرو الداني [وغيره](4)، والفاعل بـ (( انفرد )) هو الشاطبي المتقدّم في قوله أولا : (( والشاطبي جاء في العقيلة )) البيت ، والألف في قوله : (( انفردا )) وفي قوله : (( وردا )) ألف الصلة لإطلاق القافية .
وقوله : (( لدى العقيلة على ما وردا )) ، فـ (( لدى )) هاهنا بمعنى في ، كقوله تعالى : { لَدَى الْحَنَاجِرِ }(5)، أي : في الحناجر .
وقوله : (( على ما وردا )) ، أي : أذكر ذلك(6)على الوجه الذي ورد في العقيلة .
الإعراب : قوله : (( وأذكر )) حرف عطف و مضارع(7)، قوله : (( التي )) مفعول ، قوله : (( بهن )) جار ومجرور متعلق بـ (( انفردا )) ، قوله : (( انفردا )) ماض ، وقوله : (( لدى)) ظرف ، (( العقيلة )) مخفوض بالظرف [ تعلق الظرف بحال محذوفة من الضمير المجرور في قوله : (( بهن )) ، تقديره : انفرد بهن كائنة في العقيلة ، والعامل في الحال (( انفرد )) ](8).
__________
(1) في جـ : " وقد نبّه على ذلك " .
(2) انظر تنبيه العطشان ، ص 176 .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) سورة غافر ، من الآية 17 .
(6) في جـ : " أي أذكر ذلك " .
(7) في جـ : " وفعل مضارع " .
(8) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/282)
قوله : (( على ما ورد )) جار ومجرور [ متعلق بحال محذوفة من التي ، تقديره : أذكرها كائنة على الوجه الذي ورد في العقيلة ](1)، [ قوله](2): ورد فعل ماض . ثم قال :
[40] وَكُلُّ مَا لِوَاحِدٍ نَسَبْتُ **** فَغَيْرُهُ سَكَتَ إِنْ سَكَتُّ
ذكر في هذا البيت قاعدة أخرى : أنه مهما(3)ذكر حكما ، ونسبه لبعض الأئمة وسكت عن البعض ، فتعلم أن المسكوت عنه لم يتعرض لذلك الحكم أصلا ، لا بنفي ولا بإثبات ، مثال ذلك قول(4)الناظم : (( والحذف في المقنع في ضعافا وعن أبي داود جاء أضعافا )) ، وقوله(5): (( والحذف في التنزيل في بياتا )) ، وقوله(6): (( وعن أبي داود أيضا واحد )) ، وغير ذلك .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " ، وفيه : " متعلق بـ (( أذكر )) " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) في جـ : " متى " .
(4) تنبيه العطشان ، ص 426 .
(5) تنبيه العطشان ، ص 459 .
(6) تنبيه العطشان ، ص 363 .(1/283)
الإعراب : (( وكل )) مبتدأ ، وخبره في الشطر الثاني ، وقوله : (( ما )) مضاف إليه ، وهي إما موصولة بمعنى الذي ، وإما نكرة موصوفة ، تقديره : وكل حكم نسبته لكل واحد من الأئمة ، بحذف الضمير العائد على الموصول ، أو الموصوف على التقديرين المذكورين ، أي نسبته ، [ وقوله : (( لواحد )) متعلق بـ (( نسبت )) ](1)وقوله : (( نسبت )) ماض(2)وفاعل ، وقوله : (( فغيره )) هو مبتدأ ثان ، وخبره في الجملة البعدية(3)بعده ، وهذا المبتدأ الثاني مع خبره هو خبر المبتدأ الأول ، وأدخل الناظم الفاء على خبر المبتدأ [في قوله](4): (( فغيره )) ؛ لأجل ما تضمنه المبتدأ الأول من معنى الشرط ، لأن تقديره : ومتى نسبت أو إن نسبت ، ويصح أن يكون قوله : (( وكل ما )) منصوبا على الظرف ، كقوله تعالى : { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ }(5)، وقوله : { كُلَّمَا جَآءَ امَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ }(6).
وقوله : { كُلَّمَا ?ُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا [ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ](7)}(8)، وغير ذلك
فتكون (( كلما )) على هذا كلمة واحدة ظرفية ، فيها معنى الشرط ، والعامل في (( كلما )) هو جوابه(9)، وهو قوله : (( فغيره سكت إن سكت )) تقدير(10)الكلام على هذا : وكلما نسبت حكما من الأحكام إلى واحد من الشيوخ ، فغيره سكت إن سكت ، وقوله : (( سكت )) فعل ماض ، وقوله : (( إن سكت )) حرف شرط ، وفعل ماض ، وفاعل : وهو تاء المتكلم . ثم قال :
[
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) في جـ : " فعل ماض " .
(3) في جـ : " الفعلية " .
(4) 10) ساقطة من : " جـ " .
(5) 11) سورة البقرة ، من الآية 19 .
(6) 12) سورة المؤمنون ، من الآية 44 .
(7) ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(8) سورة الملك ، من الآية 8 .
(9) في جـ : " جوابها " .
(10) في جـ : " وتقدير " .(1/284)
41] وَإِنْ أَتَى بِعَكْسِهِ ذَكَرْتُهُ **** عَلَى الَّذِي مِنْ نَصِّهِ وَجَدْتُهُ
ذكر في هذا البيت : أن غير الذي نسب إليه الحكم إنْ ذكر هو عكس ذلك الحكم المنسوب ، فإنه يذكره كما ذكره ذلك .
قوله : (( وإن أتى بعكسه )) ، أي وإن جاء غير الذي نسبت(1)إليه الحكم فعكسه ، أي بخلاف ذلك الحكم المنسوب ذكرته ، أي فإني أذكره على الذي من نصّه وجدته ، أي على الوجه الذي وجدته في منصوصه(2)، أي في منصوص ذلك الإمام .
[ وقوله : (( وجدته )) ، وجدت هاهنا تعدّى إلى مفعول واحد ، معناه : على الذي أصبته في منصوص ذلك الإمام ](3)، ومعنى ذلك : أن يذكرها إمام بالحذف ويذكرها الآخر بالإثبات أو بالعكس ، أو يذكرها إمام بغير خلاف ويذكرها الآخر بخلاف ، أو غير ذلك .
مثال ذلك ، قول(4)الناظم : (( ولأبي عمرو من المعاهدة عاهد في الفتح وأولى عاهدوا وكلها لابن نجاح وردوا )) ، وقوله(5): (( وضمن الداني منه المقنعا وباطل من قبل ما كانوا معا )) .
واعلم أن الناظم – رحمه الله – ذكر هنا خمس قواعد ، وهي :
* قاعدة التكرار ، وإليها أشار بقوله : (( وفي الذي كرّر منه أكتفي )) البيت .
* وقاعدة التقييد ، وإليها أشار بقوله : (( وغير ذا جئت به مقيّدا )) .
* وقاعدة الإطلاق ، وإليها أشار بقوله : (( والحكم مطلقا به إليهم )) .
* وقاعدة عنهما ، وإليها أشار بقوله : (( وكل ما جاء بلفظ عنهما )) البيت .
* وقاعدة الإسناد ، وإليها أشار بقوله : (( وكل ما لواحد نسبت )) البيت .
وهذه القواعد الخمسة ذكرها الناظم تنصيصا .
وهناك – أيضا – خمس قواعد ذكرها الناظم تلويحا ؛ لأنها تؤخذ من سياق كلامه وهي :
* قاعدة عنه ، لأن هذه اللفظة خاصّة بابن نجاح .
__________
(1) في جـ : " نسبته " .
(2) في جـ : " نصوصه " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) تنبيه العطشان ، ص 349 .
(5) تنبيه العطشان ، ص 353 .(1/285)
* وقاعدة الألف واللام ، لأنها عامة لذي الألف واللام ، والمنون والمضاف .
* وقاعدة المنون ، لأنها عامة للمنون ، وذي الألف واللام ، والمضاف .
* وقاعدة الإضافة ، لأنها خاصّة بالمضاف .
* وقاعدة الترجمة ، لأن الترجمة تخصّ ما فيها ، وما تحتها دون ما فوقها .
وهذه عشر قواعد ، وعليها يدور فهم هذا الكتاب ، فافهمها(1).
الإعراب : قوله : (( وإن أتى )) حرف عطف وحرف شرط ، (( أتى )) فعل ماض (( بعكسه )) متعلق بـ (( أتى )) ، وقوله : (( ذكرته )) جواب الشرط ، وقوله(2): (( ذكرته )) ماض وفاعل ومفعول ، وقوله : (( على الذي )) متعلق [ بحال محذوفة من الهاء في (( ذكرته )) ، أي : ذكرته كائنا على الذي من نصّه وجدته ](3)، وقوله : (( من نصّه )) متعلق بـ (( وجدته )) ، وقوله : (( وجدته )) فعل [ماض وفاعل](4)ومفعول . ثم قال :
[42] ِلأَجْلِ مَا خصّ مِنَ البَيَانِ **** سمّيته بِمَوْرِدِ الظَّمْآنِ
هذا البيت فيه تقديم وتأخير ، تقديره : سمّيته بمورد الظمآن لأجل ما خصّ من البيان .
[ قوله : (( لأجل )) معمول لقوله : (( سمّيته )) ، فقدّم المعمول على العامل : إشعارا بالحصر ](5).
قوله : (( سمّيته )) ، أي : لقّبت هذا الرَّجز ، أو هذا الكتاب بمورد الظمآن .
والمورد : هو مكان الورود ، وهو الموضع الذي يُشرَب منه ، وأصل الورود القدوم ، والوصول إلى الماء ، ثم يستعمل في غير ذلك على جهة المجاز ، كهذا(6)الموضع .
__________
(1) في ز : " فافهمه " .
(2) في جـ : " قوله " .
(3) ما بين القوسين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " بذكرته " .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) غير واضحة في " جـ " .(1/286)
والظمآن : هو العطشان ، يقال : ظمأ يظمؤا ظمأ ، بالظاء المعجمة إذا عطش ، واسم الفاعل ظمآن ، نحو عطش يعطش ، فهو عطشان(1). فهو مثله في المعنى ، وفي التصريف .
ووجه المناسبة بين هذا الكتاب ، وبين [ الذي يشرب منه العطشان : أن ](2)الموضع الذي يشرب منه العطشان ، إذا شرب منه زال عطشه ، وكذلك هذا الكتاب إذا ورده من أصابه عطش الجهل والشكّ بأحكام الرسم ، زال عنه جهله وشكّه .
قوله : (( لأجل ما خصّ من البيان )) اللام لام العلّة ، أي إنما سمّيته بهذا(3)الاسم لأجل اختصاصه بالبيان .
[ومعنى البيان](4): الإيضاح والكشف . أي : لأجل اختصاصه بإيضاح الرسم والكشف عن أحكامه ، لأن ناظمه(5)أتقنه غاية الإتقان ، واقتدى فيه بالأئمة المُقتدَى بهم في هذا الشأن ، ولخصّه من أربعة كتب : اثنين منظومين واثنين منثورين كما تقدّم(6)قبله(7).
الإعراب : قوله : (( لأجل )) جار ومجرور متعلق بـ (( سمّيت )) ، وقوله :(( ما )) إما موصولة ، وإما مصدرية ، وهو أولى وأحسن ، تقدير الموصولة : لأجل الذي خصّ من البيان ، وتقدير المصدرية : لأجل اختصاصه بالبيان ،[وتكون ((من)) بمعنى الباء ، كقوله تعالى : { يَحْفَظُونَهُ? مِنْ أَمْرِ اللَّهِ }(8)، أي بأمر الله ، وقوله تعالى : { يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ? عَلَى مَنْ يَّشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ? }(9)، أي بأمره ،
__________
(1) انظر لسان العرب ، 6 : 318 ، " عطش " . وفي ز : " عطش يعطش عطشا فهو عطشان " .
(2) ما بين القوسين المعقوفين ساقط من : " جـ " .
(3) في جـ : " سميت هذا " .
(4) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) في جـ ، ز : " الناظم – رحمه الله – " .
(6) في ص 62 .
(7) في جـ ، ز : " قبل " .
(8) سورة الرعد ، من الآية 12 .
(9) سورة غافر ، من الآية 14 .(1/287)
وقوله تعالى : { تَنَزَّلُ الْمَلَكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ }(1)، أي بكل أمر](2).
واعترض هذا الكلام إذا جعلناها موصولة ، بحذف الضمير الرابط بين الصلة والموصول من غير وجود شرطه ، لأن الضمير الرابط بين الصلة والموصول لا يجوز حذفه ، إذا كان مجرورًا بحرف الجر إلا بشرطين :
اتحاد حرف الجار(3)، واتحاد المتعلّق به(4).
فإذا وُجد هذان الشرطان خار حذفه ، وإن عُدما أو أحدهما ، فلا يجوز حذفه .
وهاهنا أربعة أوجه :
إما وجودهما معا ، وإما عدهما معا ، وإما وجود اتحاد الحرف دون المتعلّق ، وإما وجود اتحاد المتعلّق دون الحرف .
مثال وجودهما معا : مررت بالذي مررت به .
ومثال عدمهما معا : مررت بالذي رضيت(5).
ومثال وجود اتحاد الحرف دون المتعلّق : مررت بالذي فرحت به .
ومثال اتحاد المتعلّق دون الحرف : رغبت في الذي رغبت عنه .
فهذه أربعة أوجه ، ثلاثة ممنوعة ، وواحد جائز . فقول الناظم : (( لأجل ما خصّ من البيان )) عدمت منه الشروط كلها .
__________
(1) سورة القدر ،الآية 4 .
(2) 10) ما بين المعقوفين سقط من :" جـ " .
(3) 11) في جـ : " اتحاد الحرف " .
(4) 12) في جـ : " واتحاد المتعلّق " .
(5) زاد في جـ : " عنه " .(1/288)
أجاب بعضهم بأن قال : هذا جارٍ على اللغة القليلة القائلة بجواز حذف هذا الضمير من غير شرط ، ومنه قوله تعالى : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ }(1)، لأن تقديره : بما تؤمر به ، وقال : قوله تعالى – أيضا – : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ }(2)، لأن تقديره : ما كان لهم الخيرة فيه ، ولكن هذا الجواب لا نسلّمه ، فنقول في قوله تعالى : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } ما مصدرية ، تقديره : فاصدع بأمرنا ، ونقول في قوله تعالى : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } ((ما)) نافية لا موصولة . فإعراب الآيتين بما هو مشهور أولى من أعرابهما بما هو شاذ ، وهكذا نقول – أيضا – في إعراب هذا البيت .
__________
(1) سورة الحجر ، من الآية 94 .
(2) سورة القصص ، من الآية 68 .(1/289)
فـ (( ما )) في قوله : (( لأجل ما خصّ )) مصدرية ، لا موصولة ، تقديره : لأجل اختصاصه بالبيان . ولنا أن نقول هي موصولة في هذا البيت ، والضمير المحذوف هو منصوب لا مخفوض ، فيكون (( خصّ )) بمعنى أعطى ، لأن من خصّ بشيء فقد أُعطيه ، فكأنه يقول : لأجل ما أعطيه من البيان ، ففي قولنا أعطيه : ضميران ، أحدهما مرفوع ، وهو الذي ركّب له الفعل ، وهو عائد على هذا الرَّجز ، والضمير الثاني : هو [الهاء](1)العائد على (( ما )) ، أو (( ما )) واقعة على البيان ، لأن (( من )) في قوله : (( من البيان )) ، أي لبيان جنس ما وقعت عليه (( ما )) ، فيكون هذا من باب تشريك الأفعال ، ومثال هذا الإعراب على جهة التشريك لفعل معنى فعل آخر ، قوله(2)تعالى : { ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ? الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ }(3)فقوله : { يُبَشِّرُ } ، معناه يعطي ، لأن من بُشّر بشيء ، فكأنه أُعطيه ، والضمير المحذوف هو منصوب(4)لا مخفوض ، قوله : (( خصّ )) ماض مركّب ، وقوله : ((من البيان)) جار ومجرور متعلق بـ (( خصّ )) [ إن جعلنا (( ما )) مصدرية ، وأما إن جعلنا (( ما )) موصولة : فهو متعلق بحال محذوفة من العائد المحذوف ، تقديره : لأجل ما أعطيه كائنا من البيان على التأويلين المذكورين ](5)، وقوله : (( سمّيته )) ماض وفاعل ومفعول ، وقوله : (( بمورد الظمآن )) جار ومجرور ومضاف إليه ، تعلق الجار بـ (( سمّيته )) . ثم قال :
[43] مُلْتَمِسًا فِي كُلِّ مَا أَرُومُ **** عَْونَ الإِِلَهِ فَهُوَ الكَرِيمُ
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) زاد قبلها في جـ : " إعراب " .
(3) سورة الشورى ، من الآية 21 .
(4) في جـ : " المنصوب " .
(5) ما بين القوسين المعقوفين ساقط من : " جـ " .(1/290)
طلب الناظم – رحمه الله – [من الله](1)– تبارك وتعالى – أن يعينه في كل ما يرومه . واختلف لأي شيء لجأ إلى الله(2)بسؤال المعونة :
قيل إنما لجأ إلى الله بسؤال المعونة : لئلا يكون هذا التأليف من الأشياء التي لا تتم إلا بالدعاء . وفي الحديث : (( إن من الأعمال ما لا يتم إلا إذا ابتدئ بالدعاء وطلب المعونة والهدى ))(3).
وقيل إنما لجأ إلى الله بسؤال المعونة : [مخافة أن يصيبه كسل وعجز قبل تمامه ، فدعا الله – تعالى – أن يعينه على تمامه](4)، لعلمه أن ما أعان الله عليه يتم ، وما لم يعن عليه لا يتم ، فدعا الله – تعالى – أن يعينه على تمام مقصوده ، ولقد أتم الله له مقصوده ، وأنجح(5)له مرغوبه ، وفي مثل هذا قال الشاعر(6):
إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلْفَتَى فَأَكْثَرُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ
وقال آخر(7):
إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلْفَتَى أَتَتْهُ الرَّزَايَا مِنْ طَرِيقِ الْفَوَائِدِ
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " ز " .
(2) في جـ : " لجأ إليه " .
(3) لم أعثر على هذا الحديث .
(4) زاد في جـ : " وقيل إنما لجأ إلى الله بسؤال المعونة " . وما بين المعقوفين سقط من : " ز " .
(5) في جـ : " نجح " .
(6) هذا البيت استشهد به الصنعاني في شرحه لقوله - عليه السلام - : (( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن
الضعيف ، وفي كل خير )) ، كما استشهد به السخاوي في معرض شرحه للبيت السادس من العقيلة .
انظر : سبل السلام ، تحقيق محمد عبد العزيز الخولي ، 4 : 207 ، ط4 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت
الوسيلة إلى كشف العقيلة ، ص 22 .
(7) هذا البيت من شواهد ابن منظور في اللسان ، "عون" .(1/291)
قوله : (( ملتمسا )) ، أي طالبا ؛ لأن الالتماس هو الطلب ، ومنه قوله تعالى : { فَالْتَمِسُواْ نُورًا }(1)، أي فاطلبوا نورا ، ومنه قوله - عليه السلام - : (( التمسوها في العشر الأواخر ))(2)، أي اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر .
وقوله : (( في كل ما أروم )) ، أي في كل ما أحاول(3)، يقال(4): أروم كذا ، أي أحاوله .
وقوله : (( عون الإله )) فالإعانة والمعونة(5)، ألفاظ مترادفة بمعنى واحد ، وحقيقتها : تقوية العبد على ما وقع العجز عن الوفاء بقيامه ، كأنه يقول : أطلب من الله – تعالى – أن يقوّيني [وأن يعينني](6)في جميع ما أحاوله من نظم هذا التأليف وغيره من أموره .
قوله : (( فهو الكريم )) ، أي الله - عز وجل - هو الكريم ، هذا(7)من أسمائه باتفاق .
واختلف العلماء في معناه :
قيل : الحسن ، وقيل : المحسن .
__________
(1) سورة الحديد ، من الآية 13 .
(2) أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب فضل ليلة القدر ، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر
الأواخر ، 1 : 478 ، حديث2021 ، وأخرجه مسلم في صحيحه ، باب فضل ليلة القدر والحث على
طلبها ، 2 : 823 ، حديث 1165 ، وأخرجه الترمذي في سننه ، باب ما جاء في ليلة القدر ، 3 : 158 ،
حديث 792 .
(3) في جـ : " أحاوله " .
(4) انظر القاموس المحيط ، ص 890 ، " حول " .
(5) في جـ : " العون والإعانة والمعونة " .
(6) ساقطة من ك " جـ " .
(7) في جـ ، ز : " وهذا " .(1/292)
فإذا قلنا معناه : الحسن ، فهو من صفات الذات ، ومعناه نفي النقصان ، والعرب تقول للشيء الحسن : كريم ، ومنه قوله تعالى : { وَمَقَامَ كَرِيمٍ }(1)، أي حسن ، وقوله – أيضا – : { وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا }(2)أي ثوابا حسنا ، ومنه قوله تعالى : { كِتَابٌ كَرِيمٌ }(3)، أي حسن في خطّه ، وقيل حسن في لفظه ، وقيل حسن بطبعه
وإذا قلنا معناه : المحسن ، فهو من صفات الفعل ، فمعناه كثير الإحسان .
وقوله : (( أروم )) مع قوله : (( الكريم )) استعمل الناظم هاهنا إرداف(4)الياء على الواو ، وهو جائز ، يجوز إرداف الياء على الواو ، كما فعل الناظم هاهنا ، ويجوز إرداف الواو على الياء(5)، ومنه قول الشاعر(6):
كَأَنَّ سُيُوفَنَا مِنَّا وَمِنْهُمْ مَخَارِيقٌ بِأَيْدِي لاَعِبِينَا
إِذَا تُلَّتْ عَلَى الأَبْطَالِ يَوْمًا رَأَيْتَ لَهَا جُلُودَ الْقَوْمِ جُونَا
__________
(1) سورة الدخان ، من الآية 25
(2) سورة الأحزاب ، من الآية 44 .
(3) سورة النمل ، من الآية 29 .
(4) في جـ : " إرداف الواو على الياء " .
(5) 10) الإرداف : هو تتابع شيء خلف شيء ، والردف في الشعر حرف ساكن من حروف المد واللين يقع قبل
حرف المد اللين ليس بينهما شيء . زاد في جـ : " أيضا " .
انظر : لسان العرب ، 9 : 114 ، " ردف " ، القاموس المحيط ، ص 731 ، " ردف " .
(6) 11) هذان البيتان لعمرو بن كلثوم ، وهما في ديوانه ، وضعه علي أبو زيد ، ص 86 ، ط1 ، دار سعد الدين
دمشق ، وهي من شواهد : الخوارزمي في المفصل ، 3 : 183 ، أبو زيد القرشي في جمهرة أشعار العرب
شرحه وضبطه وقدم له : علي فاعور ، ص 188 ، ط2 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1992 م .
في جميع النسخ الموجودة لدي : "إذا تلت على الأبطال ..." ، وفي القصيدة : "إذا وضعت عن الأبطال ..."
والمخراق يطلق على عدة أشياء ، منها : السيف . انظر القاموس المحيط ، ص 790 ، " خرق " .(1/293)
ولا يجوز إرداف الياء والواو على الألف ، ولا إرداف الألف عليهما ، ولا يردف على الألف غيره ، و يجوز إرداف حرف اللين على حرف المد ، واللين غير الألف ويجوز إرداف حرف المد واللين غير الألف على حرف اللين .
ومنه قول الشاعر(1):
كَأَنَّ مُتُونَهُنَّ مُتُونُ غُذْرٍ تُصَفِّفُهَا الرِّيَاحُ إِذَا جَرَيْنَا
كَأَنَّ سُيُوفَنَا مِنَّا وَمِنْهُمْ مَخَارِيقٌ بِأَيْدِي لاَعِبِينَا
فأردف بحرف المد في قوله : ((لاعبينا)) على حرف اللين في قوله : ((جرينا)) ، ويسميه أهل القوافي بالسناد ، وهو عيْب عندهم .
ويجوز – أيضا – التعاقب بالضمة على الكسرة وبالعكس في حرف الروي ، ولكن هو عيب عندهم ويسمونه بالإقواء(2)، ومنه قول النابغة(3):
أَفِدَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا لَمَّا تَزُلْ بِرَحَالِنَا وَكَأَنَّ قَدِِ
زَعَمَ الغُدَافُ أَنَّ رِحْلَتَنَا غَدًا وَبِذَاكَ خَبَّرَنَا الْغُدَافُ الأَسْوَدُ
فأردف بالضمة على الكسرة فى حرف الروي ، لأنه يجوز التعاقب بين الضمة والكسرة ، كما يجوز التعاقب بين الحرفين المتولّدين عنهما ، وهما الواو والياء .
[
__________
(1) هذان البيتان لعمرو بن كلثوم ، وهما في ديوانه بلفظ : " كأن غضونهن .... " ، ص 95 ، وفي الشعر
والشعراء لابن قتيبة ، 1 : 96 ، وشرح المفصل الخوارزمي، 3 : 183 .
والمتون : فضول الدرع أو وسطها ، والمخراق : ما تلعب به الصبيان من الخرق المفتولة .
(2) الإقواء : هو اختلاف حركة الروي المطلق في حرفين متتاليين .
انظر العروض وإيقاع الشعر العربي ، لمحمد علي سلطان ، ص 126 ، ط2 ، دار العصماء ، دمشق .
(3) ويروى في الشطر الأول من البيت الثاني : " زعم البوارح ...... " بدل الغداف .
هذان البيتيان في ديوانه ، ص 38 ، وفي كتاب الأزهية للهروي ، ص 211 .(1/294)
ومعنى الغداف : هو الغراب السابغ الريش ، يقال : أغدف اليل ، إذا أرخى سدوله وأغدفت المرأة القناع ، إذا أرخته ](1).
الأعراب : قوله (( ملتمسا )) حال من التاء في (( سمّيته )) ، وقوله(2): (( في كل )) جار ومجرور متعلق بـ (( ملتمسا )) ، وقوله : (( ما )) مضاف إليه موصولة ، أو نكرة موصوفة ، وقوله : (( أروم )) فعل مضارع(3)وهو صلة الموصول ، أو صفة الموصوف(4)، وقوله : (( عون )) مفعول ، وقوله : (( الإله )) مضاف إليه ، وقوله : (( فهو الكريم )) مبتدأ وخبر . ثم قال :
[44] بَابُ اتَّفَاقِهِمْ وَالاِضْطِرَابِ **** فِي الْحَذْفِ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ
هذا هو الباب الأول من أبواب هذا الرَّجز ، وهذا الباب كثير المنفعة ، عظيٍم الفائدة ، لأن الناظم ذكر فيه جموع(5)السلامة للمذكر والمؤنث ، من أول القرآن إلى آخره وفاقا و خلافا ، مختارا ومزيفا(6).
فإذا تقرّر هذا ، ففي هذه الترجمة عشرة مطالب :
* ما معنى الباب ؟
* وما معنى الاتفاق ؟
* وما معنى الاضطراب ؟
* وما معنى الحذف ؟
* وما معنى (( من )) ؟
* وما معنى فاتحة الكتاب ؟
* وما أسماء الفاتحة ؟
* وما الحروف التي تحذف عند أهل الرسم ؟
* وما علّة حذفها دون غيرها ؟
* وما أقسام الحذف عند أهل الرسم ؟
أما معنى الباب(7): فالباب كناية عن المدخل والمخرج ، أي عبارة عن الموضع(8)[الذي](9)يدخل منه ويخرج منه ، وقيل : حقيقته فرجة في ساتر يتوصل بها من ظاهر إلى باطن ، وهو على قسمين : حسّي ومعنوي .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) في جـ : " قوله " .
(3) في جـ : " ماض " ، والصواب ما جاء في الأصل .
(4) زاد في جـ : " وحذف العائد " .
(5) في جـ : " جمع " .
(6) في جـ : " أو خلافا مختارا أو مزيفا " .
(7) في جـ : " معناه " .
(8) في جـ : " المدخل " .
(9) ساقطة من : " ز " .(1/295)
فالحسّي : هو الحقيقي(1)، وهو ما يدرك بالحواس ، كأبواب الدور(2)والحوانيت .
والمعنوي : هو المجازي ، وهو ما يدرك بالمعنى ، كأبواب الكتاب والحوائج .
وقولنا(3)في حقيقة الباب : فرجة في ساتر يتوصل بها من ظاهر إلى باطن ، بيانه في أبواب الكتب : أن العلم هو الفرجة ، والجهل هو الساتر ، فيتوصل بالعلم من ظاهر الجهل إلى باطنه الذي هو معرفة المعلوم .
وأصل بابٌ : " بوَبٌ " تحرّك حرف العلّة ، وانفتح ما قبله(4)فقلب ألفا ، فصار : " باب " ، والدليل على أن أصله الواو : تصغيره وتكسيره(5)، لأنك تقول في تصغيره : " بوَيْبٌ " ، وتقول في تكسيره : " أبواب " .
وأما معنى الاتفاق : فهو الاشتراك في حالة واحدة من غير مخالفة .
__________
(1) في جـ : " الحقيقة " .
(2) في جـ : " الدار " .
(3) في جـ : " وقلنا " .
(4) في جـ : " ما قبلها " .
(5) تقديم وتأخير في : " جـ " .(1/296)
وأصله : اوتفق موتفق اوتفاقا(1)، فأصل هذه التاء [ المدغمة في تاء الافتعال](2)هو الواو . والدليل على أن أصلها الواو ، قولك : " الوفاق " ، " والموافقة " ، "والوفق" وعلّة إبدال هذه الواو تاء ؛ لئلا يكثر تغيير الواو بتغيير ما قبلها ، لأنها إذا انكسر ما قبلها تبدل ياء ، وإذا انفتح ما قبلها تبدل ألفا ، وإذا انضمّ ما قبلها تبدل واوا ، فتقول إذا انكسر ما قبلها : " ايتفق " ، وتقول إذا انفتح ما قبلها " ياتفق " ، وتقول إذا انضمّ ما قبلها " موتفق " ، فلما كثر تغيير هذه الواو بتغيير ما قبلها ، قلبوها تاء ؛ لقرب التاء من مخرج الواو ، ونظير الاتفاق : الاتزان والاتعاد والاتعاظ(3)، وشبه ذلك ، لأن أصل التاء في جميعها الواو ، لأن الاتزان من الوزن والاتّعاد من الوعد ، والاتعاظ من الوعظ ، فهذا البدل المذكور هاهنا قياسي في باب ((افتعل)) إذا كان فاؤه واوا ، وقد جاء البدل سماعيا في بعض الكلمات ، نحو :" تجاه وتراث [وتكاة] وتقات" ، لأن التّجاه فعال من الوجه ، وتراث هو فعال من ورث ، وتكات فعلة من توكأت ، وهو اسم لما يتوكأ عليه ، وتقات فعلة من وَقيتُ .
__________
(1) في جـ : " يتفق يوتفق يتفقا " .
(2) ما بين القوسين المعقوفين ساقط من : " جـ " .
(3) في جـ : " الاتعاظ والاتعاد " .(1/297)
وأما معنى الاضطراب ، فمعناه : الاختلاف ، وهو ضدّ الاتفاق ، والاضطراب : هو افتعال من الضرب في الأرض ، وهو السير فيها ، قال الله تعالى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ }(1)، ووجه المناسبة بين الاختلاف في القول ، والضرب [في الأرض](2): أن كل واحد منهما فيه انتقال ، لأن الضرب في الأرض هو الانتقال من مكان إلى مكان ، والاضطراب في القول : هو انتقال من قول إلى قول ، ومنه قولك : "اضطرب قول فلان في هذه المسألة" ، تريد أنه لم يثبت على قول واحد فيها ، بل قال فيها قولا ، ثم انتقل عنه إلى قول آخر . وأصله : اضترب يضترب اضترابا ، ثم أبدلت التاء طاء ، وإنما أبدلت التاء هاهنا : فرارا من التباعد الذي بين الضاد والتاء ، لأن الضاد حرف مطبق مستعل ، والتاء حرف منفتح مستفل ، وإنما أبدلت التاء طاء لأن الطاء يشارك كل واحد من الضاد والتاء ، لأن الطاء [يشارك](3)الضاد في الاستعلاء والإطباق ، ويشارك التاء في المخرج والإهمال ، ولأجل هذا أبدلت التاء طاء ، ليتجانس الكلام ويتشاكل(4).
وأما معنى الحذف بالذال المعجمة ، معناه : الإزالة والانتزاع والإسقاط ، لأنك تقول حذفت كذا ، إذا أزلته وانتزعته من موضعه .
__________
(1) سورة النساء ، من الآية 100 .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " ز " .
(3) ساقطة من : " ز " .
(4) تقدّم ذكر معنى الاضطراب ، في قوله : " ولا يكون بعده اضطراب..." . أرى أنه لا داعي لتكرار هذا الكلام
بكامله مرة أخرى ، وإن كان هو إجابة عن السؤال الذي طرحه ، فبإمكانه القول : تقدّم ذكر معنى
الاضطراب في قول الناظم........... إلى آخره . والله أعلم .(1/298)
وأما معنى (( من )) في قوله : (( من فاتحة الكتاب )) ، فقال بعضهم(1): (( من )) هاهنا لابتداء الغاية ، وانتهاء الغاية هو آخر القرآن ، وقال {لأنه تعرض }(2)في هذه الترجمة لما ذكر في الفاتحة من الرحمن والصراط ، وجموع السلامة إلى آخر القرآن { وهذا يقتضي أن }(3)تكون (( من )) لابتداء الغاية ، وهذا عندي غير صحيح ، لأن كون الناظم ذكر حكم { الرَّحْمَانِ } و { الصَّرَاطَ } وجموع السلامة في هذه الترجمة من أول القرآن إلى آخره ، لا يقتضي ذلك أن تكون (( من )) في قوله : (( من فاتحة الكتاب )) لابتداء الغاية ، وإنما ذكر الناظم حكم ما ذكر من فاتحة الكتاب إلى آخر القرآن على { عادته من أنه }(4)يذكر اللفظ أولا ، وينسحب(5)عليه ذلك الحكم من تلك الترجمة إلى آخر القرآن ، كما أشار إليه أولا في قوله في القاعدة التي أصّلها في ذلك ، فقال(6): ((وفي الذي كرّر منه أكتفي بذكر ما جاء أولا من أحرف)) والصحيح – والله أعلم – [أن](7)(( من )) هاهنا بمعنى في ، تقديره : في الحذف في فاتحة الكتاب ؛ لأن الناظم لم يترجم هاهنا إلا لما وقع في الفاتحة ، كقوله في الترجمة التي بعد هذه : (( القول فيما قد أتى في البقرة )) ، فالتصريح بـ (( في )) هنالك : يدلّ على أن (( من )) هاهنا بمعنى في ، ولك أن تقول هي لابتداء الغاية ، وانتهاء الغاية هو آخرها ، تقديره : من أول فاتحة الكتاب إلى آخر فاتحة الكتاب .
__________
(1) انظر الدرر الحسان في اختصار كتاب التبيان في شرح مورد الظمآن ، لمحمد بن خليفة الصنهاجي ، ورقه 8
(2) ما أثبت من " جـ " . لأنه في الأصل بياض .
(3) ما أثبت من " جـ " ، لأنه في الأصل بياض .
(4) ما أثبت من " جـ " ، لأنه في الأصل بياض .
(5) في جـ ، ز : " فينسحب " .
(6) تقدم في ص 192 .
(7) ساقطة من : " جـ " .(1/299)
وأما معنى فاتحة الكتاب ، فإنما سميت(1)هذه السورة بالفاتحة ، فقيل : لأنها فاتحة الكتاب ، وقيل : لأنها افتتاح سائر الكتب المنزلة ، لأنه روي :" ما من كتاب نزل إلا وهو مفتتح بالحمد لله " .
وقيل(2): لأنها افتتاح الصلاة ، وقيل : لأنها افتتاح كلام آدم - عليه السلام - ، لأنه لما تحرك فيه الروح فعطس فأُلهم ، فقال : الحمد لله .
وأما أسماء [هذه](3)الفاتحة(4)، فلها أحد عشر(5)اسما :
يقال لها : سورة الفاتحة ، وسورة الحمد ، وأم القرآن ، والسبع المثاني ، والقرآن العظيم ، والوافية ، والكافية ، والشافية ، وأساس القرآن ، وسورة السؤال ، وسورة الصلاة .
أما تسمّيتها بالفاتحة فقد تقدّم .
وأما تسمّيتها بالحمد ، فسمّيت بذلك : لذكر الحمد فيها(6). هذا من باب تسمية الشيء بجزء منه .
__________
(1) في جـ : " ولماذا سميت " .
(2) انظر الإتقان ، 1 : 52 .
(3) ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(4) بسط بعض العلماء الكلام على أسما سورة الفاتحة .
انظر : الجامع لأحكام القرآن ، 1 : 111- 113 ، تفسير ابن كثير ، 1 : 9 ، 10 ، الإتقان ، 1: 52 ، 53 .
(5) ذكر الشوشاوي في كتاب " الفوائد الجميلة " أن أسماء الفاتحة ستة عشر اسما ، بزيادة : فاتحة الكتاب ،
وفاتحة القرآن ، والحمد لله ، والحمد لله ب العالمين ، وأم الكتاب .
انظر الفوائد الجميلة ، ص 478 .
(6) في جـ : " فسميت بذكر الحمد فيها " .(1/300)
وأما تسمّيتها بأم القرآن ، فقيل سميت بذلك : مأخوذ من الإمامة التي هي التقدّم ، يقال أمّه يؤمّه [أمًّا](1)، إذا تقدّمه ، ومنه تسمية الإمام في الصلاة إماما ، لتقدّمه بالناس ، ومنه تسمية السلطان إماما لتقدّمه بالرعيّة ، ومنه تسمية الراية إماما لتقدّمها بالجيش(2)، وسميت بأم(3)القرآن على هذا ، لأنها تؤمّ القرآن ، أي أنها تتقدّمه ؛ إذ هي المتقدّمة فيه .
وقيل(4): سميت بأم القرآن مأخوذ من "الأُم" الذي هو أول الشيء ، ومنه تسمية اللوح المحفوظ بأم الكتاب ، لقوله تعالى : { وَعِندَهُ? ?ُمُّ الْكِتَابِ }(5)، وهو اللوح المحفوظ ، لأنه أول كل كتاب ، ومنه تسمية مكة بأم القرى ، لقوله تعالى : { لِتُنذِرَ ?ُمَّ الْقُرَى }(6)، يعني مكّة ، لأنها أول بناء بُني في الأرض ، لقوله تعالى : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا }(7)، لأن الكعبة أول ما بني في الأرض ، ثم
دحيت الأرض من تحتها ، أي بسطت ، وسميت بأم القرآن على هذا لأنها أول القرآن
وقيل : سميت بأم القرآن مأخوذ من أُمّ الشيء الذي هو أصله ، ومنه تسمية الوالدة بالأم ، لأنها أصل الولد ، فسميت هذه السورة بأم القرآن على هذا ، لأنها أصل العلوم ومنها توالد العلم ، ولأجل هذا قال علي بن أبي طالب : " لو أردت أن أوقر(8)
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) في جـ : " ومنه تسمّيته إماما ، لتقدّمه بالجيش " .
(3) في جـ : " أم " .
(4) انظر مجمع البيان في تفسير القرآن لأبي علي الطبرسي ، وضع حواشيه وخرّج آياته وشواهده : إبراهيم
شمس الدين ، 1 : 20 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1997 م .
(5) 10) سورة الرعد ، من الآية 40 .
(6) 11) سورة الشورى ، من الآية 5 .
(7) 12) سورة آل عمران ، من الآية 95 .
(8) قال الفيروزأبادي : الوقر : ثقل في الأذن ..... ، ووقِر بالكسر : الحمل الثقيل " .
انظر القاموس المحيط ، مادة " وقر " ، ص 444 .(1/301)
سبعين جملا على تفسير فاتحة الكتاب لفعلت " .
وقيل : سميت بأم القرآن مأخوذ من الأم الذي هو المصير ، ومنه قوله تعالى في جزاء الكفرين : { فَأُمُّهُ?هَاوِيَهْ }(1)، أي فمصيره هاوية ، فسميت فاتحة الكتاب بأم القرآن على هذا ، لأن جميع معاني الكتب المنزلة ترجع إليها(2).
وقد ورد في بعض الأخبار(3): أن جميع ما أودع الله تعالى في الكتب المنزلة أودعه في الكتب الأربعة : التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والفرقان ، وكل ما أودعه الله في الكتب الأربعة أودعه في القرءان ، وكل ما أودعه الله – تعالى – في الفرقان أودعه في فاتحة الكتاب .
وقيل : سميت بأم القرآن مأخوذ من الأم الذي هو معظم الشيء ، ومنه قوله تعالى : { مِنْهُ ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ ?ُمُّ الْكِتَابِ }(4)، أي معظم الكتاب ، سميت بذلك لعظمة ثوابها .
والدليل على ذلك ، قوله - عليه السلام - : (( من قرأ فاتحة الكتاب فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ))(5).
وقال : (( من قرأ فاتحة الكتاب فكأنما قرأ ثلثي القرآن ))(6).
وقال : (( ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثل فاتحة الكتاب ))(7).
__________
(1) سورة القارعة ، الآية 8 .
(2) زاد في جـ : " وتصير إليها " .
(3) هذا الأثر رواه البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن بزيادة " ثم أودع علوم القرآن المفصل ، ثم أودع علوم
المفصل فاتحة الكتاب " . كما أورد السيوطي في الإتقان .
شعب الإيمان ، 2 : 450 ، حديث 2371 ، الإتقان ، 2 : 157 .
(4) سورة آل عمران ، من الآية 7 .
(5) أخرجه أبو عبيد بسنده عن الحسن .
فضائل القرآن ، باب فضل فاتحة الكتاب ، ص 221 .
(6) عزاه الإمام إسماعيل العجلوني لمسند عبد بن حُميد .
انظر كشف الخفاء ، 2 : 106 .
(7) روى الترمذي عن أبيّ بن كعب ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل
أم القرآن " .
سنن الترمذي ، باب ومن سورة الحجر ، 5 : 297 ، حديث 3125 .(1/302)
وأما تسمّيتها بالسبع المثاني(1): فهذا اللفظ مركب من لفظين ، أحدهما : السبع ، والثاني : المثاني . فأما كونها سبعا(2)، فلأنها سبع آيات ، والدليل على ذلك ، قوله - عليه السلام - : (( قال الله تعالى : يا ابن آدم أنزلت عليك سبعا ثلاثا لي ، وثلاثا لك وواحدة بيني وبينك ، فالثلاثة التي لي : { الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } ، والثلاثة التي لك : { اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّآلِّينَ } ، والواحدة التي بينك وبينك : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ))(3)، يعني من العبد العبادة ومن الله الإعانة .
وقال - عليه السلام - : (( قال الله تعالى " جعلت القرآن سبع أسباع ، وجعلت فاتحة الكتاب سبع آيات ، وجعلت كل آية منها تعدل سبعا من القرآن ))(4)، وقال – أيضا – : (( لو وضعت فاتحة الكتاب في كفّة الميزان ، ووضع القرآن كله في الكفة الأخرى لرجحت فاتحة الكتاب سبع مرات ))(5).
قالوا : وفيها سبع آيات ، وخمس وعشرون كلمة ، ومائة وعشرون حرفا ، وليس فيها سبعة أحرف يجمعها " فجش ثظخز " .
وأما اللفظ الثاني ، وهو المثاني : ففي كون الفاتحة [مثاني](6)خمسة أقوال :
__________
(1) في جـ : " وإنما سميت بالسبع المثاني " .
(2) في جـ ، ز : " فأما كون الفاتحة سبعا " .
(3) لم أعثر على هذا الحديث .
(4) أيضا لم أعثر على هذا الحديث .
(5) رواه الديلمي في الفردوس عن أبي الدرداء باختلاف قليل في اللفظ .
انظر الفردوس بمأثور الخطاب ، 3 : 144 ، حديث 4386 .
(6) ساقطة من : " جـ " .(1/303)
قيل : مأخوذ من الثناء ، وقيل : مأخوذ من الثنيا ، وهو الاستثناء ، وقيل : مأخوذ من التثنية الذي هو [التكرير ، وقيل : مأخوذ من التثنية الذي هو](1)الانقسام بين شيئين ، وقيل : مأخوذ من التثنية الذي هو الانقسام بين اثنين .
دليل القائل بأنها مأخوذة من الثناء : لذكر الثناء على الله – تبارك وتعالى – فيها
ودليل القائل بأنها مأخوذة من الثنيا : لأن الله – تبارك وتعالى – استثناها من الكتب المنزلة ولم يعطها لأحد ، بل ادّخرها حتى أعطاها لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأمّته .
ودليل القائل بأنها مأخوذة من التثنية – الذي هو التكرير – : لأنها تتكرّر في كل صلاة .
ودليل القائل بأنها مأخوذة من التثنية الذي هو الانقسام بين شيئين : لأنها منقسمة بين الثناء والدعاء ، أولها ثناء وآخرها دعاء(2).
ودليل القائل بأنها مأخوذة من التثنية الذي هو الانقسام بين اثنين : الحديث الصحيح : (( قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل . يقول العبد : { الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } يقول الله : حمدني عبدي . يقول العبد : { الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ } يقول الله : أثنى عليّ عبدي يقول العبد : { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } ، يقول الله : مجّدني عبدي . يقول العبد : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } يقول الله : هذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل . يقول العبد : { اهدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّآلِّينَ } يقول الله تعالى : هذه لعبدي ولعبدي ما سأل ))(3).
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) انظر الإتقان ، 1 : 53 .
(3) ورد هذا الحديث في كثير من كتب الحديث ، منها : صحيح مسلم ، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة
وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها ، 1 : 296 ، حديث 395 .
سنن الترمذي ، باب ومن سورة الفاتحة ، 5 : 201 ، حديث 2953 .(1/304)
وأما تسمّيتها بالقرآن العظيم عند القائل به : فلأن جميع معاني القرآن وجميع معاني الكتب المنزلة مطويّة فيها ، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها ، والأصل في تسمية الفاتحة بالسبع المثاني والقرآن العظيم على القول بذلك ، قوله تعالى : { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ }(1)، إلا أن العلماء اختلفوا في هذه الألفاظ الثلاثة : وهي السبع ، والمثاني ، والقرآن العظيم .
أما السبع ففيه قولان : فقيل : سبع آيات ، وهي آيات الفاتحة(2)كما تقدّم ، وقيل(3): سبع سور ، وهي السبع الطوال الأولى في القرآن .
وأما المثاني ، فاختلف فيه – أيضا – على ثلاثة أقوال : فقيل : المراد به الفاتحة كما تقدّم ، وقيل : المراد به السبع الطوال ، وقيل(4): القرآن كله ، لأن الله(5)سماه بالمثاني ، فقال : { اللَهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِي }(6)، وسمي القرءان مثاني ، لأنه تثنى فيه القصص والأخبار والأوامر والزواجر ، وغير ذلك .
وإذا قلنا : المراد به السبع الطوال ، فلأن القصص والأخبار تثنى فيها – أيضا – .
وأما القرآن العظيم ، فاختلف فيه – أيضا – ، فقيل : المراد به الفاتحة ، وقيل : القرآن كلّه .
فإذا قلنا : المراد بالقرآن العظيم الفاتحة ، والمراد بالسبع – أيضا – الفاتحة ، فكرّر الفاتحة باسمها ، تشريفا لها على غيرها .
وإذا قلنا : المراد بالقرآن العظيم القرآن كله ، فنقول : كرّر السبع من المثاني مع اندراجها في القرآن ، تخصيصا وتشريفا لها(7)على غيرها .
__________
(1) سورة الحجر ، الآية 87 .
(2) في جـ : " قيل سبع آيات ن وقيل آيات الفاتحة " .
(3) وهو قول ابن عباس . انظر الجامع لأحكام القرآن ، 10 : 55 .
(4) زاد في جـ : " المراد به " .
(5) زاد في جـ : " تبارك وتعالى " .
(6) سورة الزمر ، من الآية 22 .
(7) زاد في جـ : " وتعظيما " .(1/305)
قال ابن العربي : الصحيح أن السبع المثاني والقرآن العظيم : هو أم القرآن ، لقوله - عليه السلام - في حديثه الصحيح لأبي بن كعب : "لأعلمنك سورة ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها ، وهي أم القرآن وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته(1).
[ وقال ابن العربي في كتاب القبس(2): وإنما خصّ النبي - عليه السلام - في هذا الحديث هذه الكتب الثلاثة دون غيرها ، كالزبور والصحف ، لأن هذه الكتب الثلاثة أفضل سائر الكتب ، فإذا كان الشيء أفضل الأفضل ، كان أفضل الأفضل المفضول ، كقولك زيد أفضل العامّة ، فهو أفضل الناس(3)] .
انظر قوله تعالى : { مِنَ الْمَثَانِي } ، { مِنَ } هاهنا هل هي للتبعيض أو للبيان ؟
قولان : إذا قلنا المراد بالمثاني : القرآن كله ، فهي للتبعيض ، لأن السبع بعض القرآن .
وإذا قلنا المراد بالمثاني : السبع ، فهي للبيان ، تقديره : و هي المثاني .
__________
(1) أخرجه البخاري عن أبي سعيد بن المعلى في كتاب التفسير ، باب ما جاء في فاتحة الكتاب ، 3 : 129 ،
حديث 4474 ، بلفظ : " لأعلمنك أعظم سورة من القرآن ، قال : الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني
والقرآن العظيم الذي أوتيته " ، وأخرجه أحمد بهذا اللفظ ، 4 : 211 ، وأخرجه الترمذي عن أبي
ابن كعب ، 5 : 297 ، حديث 3125 ، وانظر أحكام القرآن لابن العربي ، 3 : 113 .
(2) انظر القبس في شرح موطأ ابن أنس ، للقاضي أبي بكر محمد بن العربي ، تحقيق : أيمن نصر الأزهري ،
وعلاء إبراهيم الأزهري ، 1 : 312 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1998 م .
(3) ما بين المعقوفين ساقط من : " جـ " .(1/306)
وقال - عليه السلام - : ((أعطيت السبع الطوال مكان التوراة ، وأعطيت المئين مكان الإنجيل ، وأعطيت المثاني مكان الزبور ، وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتم البقرة من تحت العرش ، وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى ، وفصلت والحواميم والمفصل لم يعطهن نبي قبلي ))(1).
وأنشد أبو عبيدة(2):
حَلَفْتُ بِالسَّبْعِ اللَّوَاتِي طُوِّلَتْ وِبَمئِينٍ بَعْدَهَا قَدْ أُميَتْ
وَبِمَثَانِ ثُنِيَتْ فَكُرِّرَتْ وَبِالطَّوَاسِينَ اللَّوَاتِي ثُلِّثَتْ
وَبِالْحَوَامِيمَ اللَّوَاتِي سُبِّعَتْ وَبِالْمُفَصَّلِ اللَّوَاتِي فُصِّلَتْ(3)
وأما تسمية الفاتحة بالوافية(4): فلأنها لابد أن تكون وافية في الصلاة لا يجوز النقصان منها بخلاف السورة(5).
وأما تسمّيتها بالكافية : فلأنها تكفي عن غيرها من السور في الصلاة ، ولا يكفي غيرها عنها .
وأما تسمّيتها بالشافية ، فلقوله - عليه السلام - : (( أم القرآن هي الشفاء من كل داء إلا السام ))(6)، يعني الموت .
__________
(1) رواه الإمام أحمد ، 4 : 107 ، ورواه البيهقي في شعب الإيمان ، 2 : 487 ، وفي إسناده عمران القطان ،
كما أخرجه أبو عبيد بسنده عن واثلة بن الأسقع في فضائل القرآن ، باب فضائل السبع الطوال ، ص 255 .
(2) هو أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي ، مولاهم البصري النحوي ، صاحب التصانيف ، الإمام العلامة البحر
ولد سنة 110 هـ . حدّث عن هشام بن عروة ورؤبة بن العجاج وأبي عمرو بن العلاء ، وغيرهم .
انظر سير أعلام النبلاء ، 9 : 445 .
(3) هذه الأبيات من شواهد ابن منظور في اللسان ، 12 : 363 ، " طسم " .
(4) في جـ : " وأما تسمّيتها بالوافية " .
(5) انظر الإتقان ، 1 : 53 .
(6) أخرجه الدارمي عن عبد الملك بن عمير ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" فاتحة الكتاب شفاء من كل داء " .
انظر سنن الدارمي ، باب فضل فاتحة الكتاب ، 2 : 538 ، حديث 3370 .(1/307)
وأما تسميتها بأساس القرآن ، فلقوله - عليه السلام - : (( أساس الكتب القرآن ، وأساس القرآن فاتحة الكتاب ))(1).
وأما تسميتها بسورة السؤال : فلأن الله – تبارك وتعالى – علّم فيها أدب السؤال ، وهو تقديم الثناء على الدعاء(2).
وأما تسميتها بسورة الصلاة : فلأن الصلاة لا تصح إلا بها ، ولا تصح بغيرها من السور ، لقوله - عليه السلام - : (( كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ))(3).
انتهى المطلب السابع ، وهو أسماء فاتحة الكتاب .
وأما الحروف التي تحذف عند أهل الرسم ، فهي ثلاثة أحرف : الألف والياء والواو ، [وهي الحروف التي تزاد – أيضا – في الرسم ، وهي الحروف التي يقال لها حروف العلّة ](4)، وهي التي يقال لها حروف المد واللين .
وأما علّة حذف هذه الحروف من الرسم دون غيرها ، فلثلاثة أوجه :
أحدها : أن هذه الحروف إذا حذفت يبقى ما يدلّ عليها ، وهو الحركات التي قبلها بخلاف غيرها من الحروف ، فإذا حذفت لا يبقى ما يدلّ عليها .
__________
(1) ورد في تفسير القرطبي ، أن النص المذكور : هو من قول ابن عباس وليس حديثا .
انظر : الجامع لأحكام القرآن ، 1 : 113 ، تفسير ابن كثير ، 1 : 9 .
(2) أورد السيوطي سبب تسميتها بسورة السؤال ، قائلا : " قال المرسي : لأن فيها أدب السؤال ، لأنها بدأت
بالثنا قبله " . الإتقان ، 1 : 54 .
(3) أخرجه : مالك في الموطأ عن أبي هريرة ، باب القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة ، ص 85
بلفظ : " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج " ، والترمذي في باب ومن سورة الفاتحة ،
5 :201 ، 2953 ، وابن ماجة ، 1 : 274 ، حديث 840 ، عن عائشة ، وبآخره : " بأم الكتاب فهي خداج "
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " ز " .(1/308)
والوجه الثاني : أن هذه الحروف متولّدة عن هذه الحركات ، إذ هي فروع والحركات أصول ، فيستغنى بأصولهن عنهن ، لأن الألف متولد ومتفرّع عن الفتحة والياء متولّدة ومتفرّعة(1)عن الكسرة ، والواو متولّدة ومتفرّعة(2)عن الضمة .
والوجه الثالث : أن هذه الحروف الثلاثة أكثر سائر الحروف في القرآن ، والمقصود بالحذف التخفيف والاختصار ، فلو أثبتت هذه الحروف في المصحف لكان المصحف كله ألفات وياءات وواوات .
قالوا(3): وعدد ألفات القرآن على قراءة نافع ، ثمانية وأربعون ألْفا وسبع مائة وأربعون ألِفا ، وعدد الياءات خمسة وعشرون ألْفا وتسعمائة وتسع ياءات ، وعدد الواوات خمسة وعشرون ألْفا وخمسمائة وست واوات . فلو أثبتت هذه الحروف كلها في المصحف لكان المصحف كله ألفات وياءات وواوات .
وأما أقسام الحذف عند أهل الرسم ، فهي أربعة أقسام :
حذف اختصار ، وحذف اقتصار ، وحذف إشارة ، وحذف اقتصار وإشارة .
فأما(4)حذف اختصار ، فمعناه : ما حذف منه الألف حيث ما ورد للاختصار والتخفيف كجموع السلامة وغيرها(5).
وأما حذف اقتصار ، فمعناه : ما حذف منه الألف في بعض المواضع دون بعض كـ { الْمِيعَدِ } في الأنفال(6)و { الْكَفِرُ } في الرعد(7).
__________
(1) في جـ ، ز : " متفرع " .
(2) في جـ ، ز : " متفرع " .
(3) انظر : كشف الغمام عن ضبط مرسوم الإمام ، لأبي بكر الحسن بن علي المنبهي الشهير بالشبّاني ، لوحة
128 ، مخطوط محفوظ في الخزانة الحسنية ، تحت رقم "2142" .
(4) في جـ : " وأما " .
(5) كالعالمين في قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، كما سيتضح قريبا .
(6) في قوله تعالى : { ........ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَدِ ....... } ، من الآية 42 .
(7) في قوله تعالى : { ....... وَسَيَعْلَمُ الْكَفِرُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ } ، من الآية 43 .(1/309)
وأما حذف إشارة ، فمعناه : ما حذف [منه](1)الألف في الخط اتفاقا ، واختلف القراء في قراءته بالألف ، نحو قوله تعالى : { وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَرَى تُفَدُوهُمْ }(2)أعني اللفظين معا ، فإن القراء اختلفوا في هذين اللفظين فمنهم من يقرأهما بالألف ، ومنهم من يقرأهما بغير الألف(3)، فحذف منه الألف في الخط إشارة لمن يقرأهما بغير ألف .
وأما حذف اقتصار وإشارة معا ، فمعناه : ما حذف منه الألف في بعض المواضع
دون البعض ، واختلف القراء فيه دون غيره من ألفاظه ، كقوله تعالى : { إِذَا مَسَّهُمْ
طَفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ }(4)في سورة الأعراف ، فإن قوله هاهنا : { طَفٌ } محذوف دون الذي وقع في سورة " ن والقلم " فإنه ثابت ، وهو قوله : { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآ فٌ مِّن رَّبِّكَ }(5)، فالذي في سورة الأعراف اختلف القراء فيه فمنهم من قرأ بالألف ومنهم من قرأ بغير الألف(6).
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) سورة البقرة ، من الآية 84 .
(3) قرأ حمزة { أَسْرَى } بفتح الهمزة وسكون السين من غير ألف ، وقرأ الباقون بضم الهمزة وألف بعد السين ،
وقرأ نافع وعاصم وأبو جعفر ويعقوب { تُفَدُوهُمْ } بضم التاء وألف بعد الفاء ، وقرأ الباقون بفتح التاء ،
وسكون الفاء من غير ألف .
انظر : النشر : 2 : 18 ، المبسوط ، ص 119 ، البدور الزاهرة ، ص 33 ، الكنز في القراءات العشر لعبد
الله بن عبد الله الواسطي ، تحقيق : هناء الحمصي ، 128 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1998 م .
(4) سورة الأعراف ، من الآية 201 .
(5) 10) سورة القلم ، من الآية 19 . وفي جـ ، ز :" وهو قوله تعالى .." .
(6) 11) قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب { طَيْفٌ } بغير ألف . وقرأ الباقون { طَفُ } بالألف .
انظر : المبسوط ، ص 186 ، إتحاف فضلاء البشر ، ص 184 ، النشر ، 2 : 275 .(1/310)
وأما الذي في " نون والقلم " فهو ثابت الألف خطا ولفظا باتفاق ، فحذف الألف في الذي في الأعراف اقتصارا وإشارة ، أي اقتصارا على هذا الذي في الأعراف دون الذي في " نون والقلم " ، وإشارة – أيضا – إلى من قرأه بغير الألف ، وكذلك قوله تعالى : { وَجَعِلُ الَّيْلِ سَكَنًا }(1)، فحذْفه حذف اقتصار وإشارة ، لأن هذا الذي وقع في سورة الأنعام هو المحذوف دون غيره ، وهو الذي اختلف فيه القراء – أيضا – منهم من قرأه باسم فاعل ، ومنهم من قرأه بفعل ماض(2)، فهو إذاً حذف اقتصار وإشارة . وهذا التقسيم جرى به اصطلاحهم ، وإلا فحذف الاختصار يعم جميع الأقسام الأربعة . هذا تمام المطالب العشرة .
فقول الناظم : ((باب اتفاقهم والاضطراب في الحذف من فاتحة الكتاب)) ، تقديره : هذا باب [أذكر لك فيه](3)مواضع اتفاق أهل الرسم ، ومواضع اختلاف أهل الرسم في الحذف الوارد في فاتحة الكتاب ، والضمير في قوله : (( اتفاقهم )) راجع إلى الأئمة الأربعة المذكورين أولا في قوله(4): (( ووضع الناس عليه كتبا )) إلى آخر ما ذكر هنالك ، ولا يصح أن يعود هذا الضمير على المصاحف ، لأن الهاء والميم لا يضمر به إلا لجماعة العقلاء ، ولو أراد المصاحف ، لقال : باب اتفاقها ، ولكن نسبة الخلاف إلى أهل الرسم مجاز ، ونسبة الخلاف إلى المصاحف حقيقة ، لأن المصاحف هي التي اختلفت ، ونقل أهل الرسم ذلك عن المصاحف .
__________
(1) سورة الأنعام ، من الآية 97 .
(2) قرأ الكوفيون بفعل ماض { جَعَلَ } ، وقرأ الباقون من العشرة باسم الفاعل { جَعِلُ } .
انظر : التيسير، ص 87 ، تحبير التيسير للجزري ، ص 111 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1983م
البدور الزاهرة ، ص105 .
(3) ما بين القوسين المعقوفين ساقط من : " جـ " .
(4) انظر تنبيه العطشان ، ص 171 .(1/311)
الإعراب : قوله : (( باب )) خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : هذا باب بيان اتفاقهم ، ففيه حذف مضاف ، وقوله : (( اتفاقهم )) [مضاف](1)ومضاف إليه ، وقوله : (( الاضطراب )) معطوف ، وقوله : (( في الحذف )) جار ومجرور والعامل فيه الاضطراب ، [ كما هو المختار عند النحاة ، لأن النحاة يقولون : إذا تقدّم عاملان على معمول واحد ، فلك إعمال ما شئت فيه منهما ، والمختار عند البصريين إعمال العامل الثاني ، والمختار عند الكوفيين إعمال العامل الأول](2)، فإذا أعملت الأول أثبتت للثاني ما يحتاج إليه من فضلة أو عمدة ، [ويجوز حذف الفضلة](3).
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) ما بين القوسين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " ولا يصح أن يعمل فيه الأول الذي هو اتفاقهم في
الحذف واضطرابهم فيه ، أي في الحذف ، ولكن لما رأينا الناظم حذف معمول العامل الأول الذي هو الاتفاق
وعلمنا أنه أعمل المختار إعمال العامل الثاني " .
(3) ما بين المعقوفين ساقط من : " جـ " .(1/312)
وإذا أعملت الثاني أثبتت(1)للأول ما يحتاج إليه من فضلة ، وأضمرت ما يحتاج إليه من عمدة . فقول الناظم : (( باب اتفاقهم والاضطراب في الحذف )) تقدم فيه عاملان وهما : الاتفاق والاختلاف على معمول واحد ، وهو قوله : (( في الحذف )) فالمختار أن يعمل فيه الثاني ويحذف(2)معمول الأول لدلالة الثاني عليه ، [ تقديره : باب اتفاقهم فيه والاضطراب في الحذف ، وتقديره على إعمال الأول : باب اتفاقهم في الحذف والاضطراب فيه](3)، وقوله : (( من فاتحة الكتاب )) جار ومجرور ومضاف إليه والعامل فيه [حال محذوفة ، تقديره : في الحذف كائنا في فاتحة الكتاب ، هذا إذا قلنا بأن (( من )) في قوله : (( من فاتحة الكتاب )) وعائية بمعنى (( في )) ، وأما إذا جعلنا ((من)) لابتداء الغاية ، فيصح أن يكون حالا من الحذف – أيضا – ، تقديره : في الحذف في حال كونه مبتدأ من فاتحة الكتاب ، ويصح أن يكون حالا من ضمير الرسّام ، تقديره : هذا بيان اتفاقهم واضطرابهم في حذفهم في حال كونهم مبتدئين من فاتحة الكتاب ، ويصح أن يكون حالا من ضمير الناظم ، تقديره : هذا بياني في ذلك في حال كوني مبتدأ من فاتحة الكتاب ؛ لأنه يجوز حذف صاحب الحال ، كقولك : جاء الذي ضربت جالسا ، أي ضربته ، ويجوز – أيضا – حذف الحال مع عامله ، كقولك : بعْته بدرهم فصاعدا ، تقديره : فذهب الثمن فصاعدا](4). ثم قال :
[45] وَلِلْجَمِيعِ الْحَذْفُ فِي الرَّحْمَنِ **** حَيثُ أَتَى فِي جُمْلَةِ القُرْءانِ
بدأ الناظم هاهنا بما بدأ به في الترجُمة ، وهو الاتفاق ، وهذا من باب ردّ الصدور على الصدور .
__________
(1) في جـ ، ز : " حذفت " .
(2) في جـ : " أعمل فيه الناظم الثاني وحذف ..... " .
(3) ما بين القوسين المعقوفين ساقط من : " جـ " .
(4) ما بين المعقوفين ، مقدار تسعة أسطر ، سقط من " جـ " ، وفيه : " صفة محذوفة ، تقديره : في الحذف
الكائن في فاتحة الكتاب " .(1/313)
قوله : (( وللجميع )) يعني : أن أهل الرسم كلهم جاء عنهم الحذف في ألف { الرَّحْمَانِ } حيث ما ورد في القرآن ، قالوا : وهذه من الأحكام المطلقة التي أشار إليها أولا في قوله(1): (( والحكم مطلقا به إليهم )) البيت ، وتقدّم لنا هنالك أن الحكم المسند إلى جميعهم كالمسند إلى بعضهم ، فهو مقيّد لا مطلق كما تقدّم .
وقوله : (( في الرحمن )) ، أي في ألف { الرَّحْمَانِ } ، فيه حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مُقامه ، كقوله تعالى : { وَسَْلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا }(2)، أي : وسئل أهل القرية وأصحاب العير .
وقوله : (( حيث أتى في جملة القرآن )) ، وكذلك حيث أتى في غير القرآن إذا أتى بالألف واللام ، وأما إن أتى بغير الألف واللام ، فإنه ثابت ولم يأت في جميع القرآن إلا بالألف واللام ، ومثال ذلك قوله تعالى في الفاتحة : { الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ } ، وقوله في سورة سبحان : { قُلُ ا دْعُواْ اللّهَ أَوُ ا دْعُواْ الرَّحْمَنَ }(3)، وقوله في سورة الفرقان : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ }(4)، وغير ذلك .
الإعراب : قوله : (( الحذف )) يصح أن يكون مبتدأ ، ويصح أن يكون فاعلا بفعل مضمر ، تقديره مبتدأ : والحذف ثابت أو مستقرّ للجميع في ألف الرحمن(5)فيكون المجروران – أعني قوله : (( للجميع )) ، وقوله : (( في الرحمن )) – متعلقين بالثبوت والاستقرار(6)،
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 198 .
(2) سورة يوسف ، من الآية 82 .
(3) في الآية : 109 .
(4) في الآية : 59 .
(5) في جـ : " والحذف ثابت للجميع في الرحمن " .
(6) قال ابن مالك في باب المبتدأ والخبر : " وأخبروا بظرف أو بحرف جر ناوين معنى كائن أو استقر" .
انظر شرح ابن عقيل ، ص 209 .(1/314)
وتقديره على أنه فاعل بفعل مضمر : وجاء الحذف للجميع في الرحمن ، فيتعلق المجروران بـ (( جاء )) ، وقوله(1): (( حيث )) ظرف مكان والعامل فيه إما [حال من](2)الثبوت والاستقرار على الإعراب الأول ، وإما [حال من الحذف](3)على الإعراب الثاني .
و(( حيث )) فيه ثلاث لغات : ضمّ الثاء وفتحها وكسرها ، واللغة الفصيحة ضمّ الثاء ، وحيث فيه ثلاث أسولة : لم بني ؟ ، ولم بني على الحركة ؟ ، ولم اختصّ بتلك الحركة؟
إنما بني : لشبهه بالحرف في الافتقار ، لافتقاره إلى جملة يضاف إليها ، وقيل : لتضمنّه معنى حرف الإضافة ، وهو اللام .
وبني على الحركة : للالتقاء الساكنين .
واختصّ بالضمة : لأنها حركة لا تكون للظروف في حال إعرابها .
وبني على الفتحة على لغة الفتح : طلبا للتخفيف ، وبني على الكسرة على لغة الكسر : لأن الكسرة أصل في التخلص من التقاء الساكنين .
وقوله : (( أتى)) فعل ماض ، وقوله : (( في جملة القرآن )) متعلق بـ (( أتى ))(4). ثم قال :
[46] كَذَاكَ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الأُمَّةْ **** فِي الْحَذْفِ فِي اسْمِ اللهِ وَاللَهُمَّهْ
ذكر الناظم في هذا البيت : لفظين وأن أهل الرسم اتفقوا كلهم على حذف الألف فيهما .
قوله : (( كذاك لا خلاف بين الأمة )) البيت ، معناه : كما اتفقوا على حذف الألف في الرحمن كذلك اتفقوا – أيضا – على حذف الألف في هذين اللفظين – أيضا – .
وقوله : (( بين الأمة )) ، أي بين جماعة أهل الرسم ، لأن لفظ الأمة يطلق على ثمانية معان(5):
يطلق على الجماعة ، ومنه قوله تعالى : { وَجَدَ عَلَيْهِ ?ُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ }(6)، أي جماعة من الناس .
__________
(1) في جـ : " قوله " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " وإما جاء " .
(4) زاد في جـ ، ز : " ومضاف إليه " .
(5) انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبية ، ص 254 .
(6) سورة القصص ، من الآية 22 .(1/315)
ويطلق ويراد به الدين ، ومنه قوله تعالى : { إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ }(1)، أي على دين .
ويطلق على الحين ، ومنه قوله تعالى : { وَادَّكَرَ بَعْدَ ?ُمَّةٍ }(2)، أي بعد حين .
ومن قرأه ( بَعْدَ إِمَّةٍ ) بكسر الهمز ، فمعناه بعد نعمة له ، أي بعد [أن](3)أنعم عليه بالنجاة ، ومن قرأه بعد أمة أو أمْة ، بفتح الهمز وفتح الميم ، أو سكون الميم(4)، فمعناه [بعد](5)نسيان .
ويطلق ويراد به اتباع الأنبياء – عليهم السلام – ، كقولك : نحن من أمة محمد - عليه السلام - (6).
ويطلق ويراد به الرجل الذي يُقتدى به في الخير ، ومنه قوله تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ ?ُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا }(7)، أي كان إماما يُقتدى به .
ويطلق ويراد الرجل المنفرد بدين لا يشاركه فيه أحد ، كما قال النبي - عليه السلام - (8)في زيد بن عمرو بن نفيل(9):
__________
(1) سورة الزخرف ، من الآية 21 .
(2) سورة يوسف ، من الآية 45 .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) قرأ ابن عباس وعكرمة والضحاك : { َ بَعْدَ أَمَةٍ } بفتح الهمزة وتخفيف الميم ، وقرأ الأشهب العقيلي
{ بَعْدَ إمَّةٍ } بكسر الهمز .
انظر مختصر في شواذ القرآن ، ص 68 .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) في جـ : " صلى عليه الله وسلم " .
(7) سورة النحل ، من الآية 120 .
(8) في جـ : " صلى عليه الله وسلم " .
(9) هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزي بن رباح بن عبد الله بن كعب بن لؤي القرشي ، ابن أخي الخطاب
والد عمر بن الخطاب . اعتزل الأوثان وفارق الأديان من اليهود والنصارى وغيرها من الأديان إلا دين
الحنيفية دين إبراهيم - عليه السلام - ، حتى مات بمكة ، وقيل بأرض البلقاء .
انظر : البداية والنهاية ، 2 : 237 – 240 ، المعارف لابن قتيبة ، ص 35 .(1/316)
" أنه يبعث يوم القيامة أمة وحده "(1)وقال – أيضا – في قسّ بن ساعدة الإيادي(2): " أنه يبعث يوم القيامة أمة وحده " .
ويطلق ويراد به قامة الإنسان ، ومنه قولك : فلان حسن الأمة ، أي حسن القامة .
ويطلق ويراد به أم الإنسان أي والدته ، كقولك : هذه أمة زيد ، أي أمه .
والمراد من هذه المعاني الأول ، وهو الجماعة كما تقدّم .
وقوله : (( في الحذف في اسم الله واللهمه )) [ وإنما ذكر اسم الله في هذه الترجُمة لأنه وقع في الفاتحة ، وهو قوله تعالى : { لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }(3)، فينسحب عليه الحكم بالحذف حيث ما وقع في القرآن ، وكيف ما وقع ، سواء كان متصلا بالزوائد أو مجرّدا من الزوائد ، فيندرج فيه : { اللَهََُ أَحَدٌ } ، { وَاللَهُ } ، { فَاللَهُ } ، { بِاللَهِ } ، { لِلَّهِ } ، وغير ذلك](4)يريد الألف المعانقة للام وهي الملفوظ بها ، ولا يريد الألف الكائنة في الأصل بين اللامين [في قوله تعالى : { لِلَّهِ }(5)] ، لأنها ساقطة لفظا وخطا ، وإنما تعرّض الناظم هاهنا للألف الملفوظ بها ، وأما الألف التي لا يلفظ بها فلا يتعرّض لها(6).
__________
(1) أخرجه النيسابوري في المستدرك ، 3 : 238 ، حديث 4956 ، كما أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ،
باب ما جاء في زيد بن عمرو بن نوفل ، 9 : 417 .
وذكر ابن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن زيد ، فقال : " يبعث يوم القيامة أمة وحده بيني وبين عيسى بن مريم "
فتح الباري ، 7 : 145 .
(2) سبق التعريف به في ص 103 .
(3) سورة الفاتحة ، من الآية 1.
(4) ما بين القوسين المعقوفين ساقط من : " جـ " .
(5) مثل قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، سورة الفاتحة ، الآية 1 .
(6) في جـ : " وأما الألف التي لا يلفظ بها هاهنا فلم يتعرض لها ....." .(1/317)
وبيان هذا : أن هذا الاسم(1)العظيم الذي هو الله ، اختلف العلماء فيه ، فقال جمهور الفقهاء وبعض النحاة(2): هو اسم جامد مرتجل ليس بمشتق ولا منقول ، بل هو علَم على الله – تبارك وتعالى – وضع بحروفه هكذا ، أي لم يشتق من غيره [و لا نقل عن غيره](3).
وذهب جمهور النحاة وبعض الفقهاء : إلى أنه اسم مشتق وأنه منقول .
وإذا قلنا(4): بأنه منقول ، فاعلم أنه منقول من الجنس إلى الاختصاص وهو منقول من ((إله)) ، لأن ((إلها)) يقع على كل معبود بحقّ أو بباطل ، لقوله تعالى : { اجْعَل لَّنَا إِ لَهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ }(5)، ثم دخلت(6)عليه الألف واللام ، فصار اسما خاصا بالبارئ جل وعلا .
قال بعض الفقهاء ناكثا على هذا القول : هذا مليح وليس بصحيح . فإنه ردّ الفرع أصلا والأصل فرعا .
وإذا قلنا : بأنه مشتق ، فقيل : بأنه مشتق من قولهم : أله بالمكان ، إذا أقام فيه على حالة واحدة لا تتبدل ، ومنه قول الشاعر(7):
أَلِهْنَا بِدَارٍ مَا تَبِينُ رُسُومُهَا كَأَنَّ بَقَايَاهَا وِشَامٌ عَلَى الْيَدِ
[وقيل مشتق من قولهم : وَله إليه إذا افتقر إليه ، ومنه قول الشاعر(8)](9):
وَلِهْتُ إِلَيْكُمْ فِي قَضَايَا تَنُوبُنِي فَأَلْفَيْتُكُمُ فِيهَا كِرَامًا مَمَاجِدَا
[
__________
(1) في ز : " واعلم أن هذا الاسم العظيم ..." .
(2) 10) منهم الشافعي ، وأبو المعالي والخطابي ، ومن النحاة : الخليل وسيبويه .
انظر : الجامع لأحكام القرآن ، 1 : 103 ، تفسير ابن كثير ، 1 : 20 .
(3) 11) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) في جـ : " فإذا قلنا " .
(5) سبق تخريجها في ص 15 .
(6) في جـ : " أدخلت " .
(7) لم أعثر على هذا البيت .
(8) كذلك لم أعثر على هذا البيت .
(9) ما بين القوسين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " وغيره " .(1/318)
وقيل مشتق من قوله : لاه إذا احتجب ، ومنه قول الشاعر(1)](2):
لاَهَ رَبِّي عَنِ الْخَلاَئِقِ طُرًّا حَجَبَ الْخَلْقَ لاَ يُرَى وَيَرَانَا
وقيل غير هذا . وعلى هذا الخلاف المذكور في اشتقاقه ، تركّب الخلاف في أصل هذا الاسم ، لأنهم اختلفوا في أصله على ثلاثة أقوال :
قيل : أصله ((إله)) بالهمز ، وقيل : أصله ((ولاه)) بالواو ، وقيل : أصله ((لاه)) .
فمن قال مشتق من ((أله)) فقال أصله ((إله)) بالهمز .
ومن قال مشتق من ((وله)) ، قال أصله ((ولاه)) بالواو .
ومن قال مشتق من ((لاه)) قال أصله ((لاهٌ)) ، وأصل لاَهٍ لوهٌ ، لأنه من لاه يلوه ، تحرك حرف العلّة وانفتح ما قبله فقلبت ألفا فصار لاه(3).
فإذا قلنا أصله ((إله)) بالهمز ، فأدخلت عليه الألف واللام ، فصار الإله ، فحذفت الهمزة تخفيفا على غير قياس ، وقيل حذفت على قياس النقل ، فأدغمت اللام في اللام على القولين ، ثم فخّمت اللام تعظيما لاسم الله - عز وجل - فصار الله .
وإذا قلنا أصله : ((ولاه)) بالواو فقلبت الواو همزة كما قلبت في : وسادة ووعاء ووشاح ، فيقال : إسادة وإعاء وإشاح ، فيرجع بعد هذا البدل إلى القول الأول .
وإذا قلنا أصله : ((لاه)) ، فأدخلت عليه الألف واللام فأدغمت اللام في اللام ، ثم فخّمت اللام تعظيما كما تقدّم .
واختلف العلماء في الألف واللام في اسم الله - عز وجل - على أربعة أقوال :
قيل : للتعريف ، وقيل : للتعظيم ، وقيل : للتعويض ، أي عوض من الهمزة(4)، وقيل للعهد ، أي الإله الذي عهدت منه الألوهية ، ولا يجوز أن يقال للجنس ، ومن قال للجنس فهو كافر ، لأن الجنس هو الواقع على أشخاص متعددة متجانسة والله – تبارك وتعالى – لا شبيه له ولا نظير .
__________
(1) لم أعثر على هذا البيت .
(2) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " وغيره " .
(3) انظر المفردات في غريب القرآن ، ص 31 ، " أله " .
(4) زاد في جـ ، ز " المحذوفة " .(1/319)
وقوله : (( واللهمه )) الهاء التي بعد الميم في كلام الناظم هي هاء السكت والاستراحة(1)، واختلف العلماء في أصل هذا الاسم على قولين(2):
قال البصريون أصله : يا الله فلما كثر استعماله خفف بحذف حرف النداء من أوله ، ثم عُوّض بميم الجمع في آخره ، وإنما شدّدت هذه الميم مع أن ميم الجمع خفيفة لا شديدة ، ليقابل الحرفان بالحرفين ، لأن حرف النداء حرفان والميم المشدّدة حرفان – أيضا – ، فقوبل الحرفان بالحرفين .
وقال الكوفيون أصله : يا الله أُمّنا بخير ، معناه أقصدنا بخير ، فلما كثر استعماله خفّفت بحذف الجملة الأخيرة كلها ، وهي قولك أمّنا بخير ، وأبقيت الميم خاصّة من حروف الجملة ، فضمّت إلى الله فصار اللهمّ .
ونظير هذا في الحذف قولهم : مُ الله وأصله أيمن الله ، وقولهم : أيْشٍ هذا ، وأصله : أي شيء ، وقولهم : ويلمه ، وأصله : ويل أمه ، وقولهم : ألا تا ، وأصله : ألا تركبون ، وقولهم : ألا فا ، أي ألا فاركبوا ، ومنه قول الشاعر(3):
نَادَوْهُمُ إِذِ الْجَمُوا أَلاَتَا؟ قَالُوا جَمِيعًا كُلُّهُمْ : أَلاَفَا
وقوله في الشطر الأول " ألا تا " ، أي ألا تركبون ، وقوله في الشطر الثاني : "ألا فا" ، أي ألا فاركبوا ، فاستغنى بحرف واحد عن الجملة ، لكثرة استعمال هذا في كلامهم ، ومن هذا قول الشاعر(4):
__________
(1) قال ابن الجزري : " أتي بهاء السكت بيانا للفتحة قبلها " .
النشر ، 2 : 88 .
(2) انظر التعليقة على كتاب سيبويه لأبي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ، تحقيق وتعليق عوض بن حمد الفوزي
1 : 389 – 344 ، مطبعة الأمانة ، القاهرة .
(3) هذا البيت من شواهد : أبي زيد الأنصاري في النوادر ، ص 127 ، المطبعة الكاثوليكية ، بيروت ، 1894 م
وأبي عمرو الداني في المحكم ، ص 52 .
(4) الرجز بلا نسبة في لسان العرب ، 9 : 359 ، " وقف " ، ونسبه ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن للفراء ،
ص 189 ، وفي المحتسب منسوب للوليد بن عقبة ، 2 : 204 .(1/320)
قُلْنَا لَهَا قِفِي فَقَالَتْ : قَافِ
أي فقالت وقفت ، فلما كثر استعمال هذا كلّه في كلامهم خففوه بالحذف . وقولهم : اللهم ، هو من هذا لمّا كثر استعماله خففوه بالحذف ، كما تقدّم في قول الكوفيين .
وضعّف البصريون مذهب الكوفيين(1)بثلاثة أوجه :
أحدها : كثرة الحذف .
الثاني : امتناع العطف ، لأنه لا يقال : اللهم وارحمنا بالعطف ، وإنما يقال : اللهم ارحمنا .
الثالث : أن هذا الأصل لا يرجع إليه في بعض الأحوال ؛ إذ لا يقال : اللهم أمنا بخير ، ومن عادتهم في المخفّف الحذف في مثل هذا : أن ينطقوا بأصله في بعض الأحوال ، كقولهم : "أيمن الله" في "مُ الله" ، وغير ذلك مما تقدّم .
وضعّف الكوفيون مذهب البصريين ، بأن قالوا : " لو كانت الميم عوضا من حرف النداء لما خار دخول حرف النداء على اللهم ؛ إذ لا يجوز الجمع بين العوض والمعوض منه ، وقد جمع بين الميم وحرف النداء في هذا الاسم " ، ومنه قول الشاعر(2):
وَمَا عَلَيْكِ أَنْ تَقُولِي كُلَّمَا سَبَّحْتِ أَوْ هَلَّلْتِ : يَا اللَّهُمَّ مَا
ارْدُدْ عَلَيْنَا شَيْخَنَا مُسَلَّمًا فَإِنَّنَا مِنْ خَيْرِهِ لَنْ نَعْدَمَا
وقوله : (( كذاك لا خلاف بين الأمة )) البيت ، أي كما اتفقوا على حذف ألف { الرَّحْمَانِ } كذلك اتفقوا على حذف ألف الله وألف اللهم ، وهذا – أيضا – من الأحكام المطلقة كما قاله بعضهم .
واعترض قوله : (( في اسم الله )) بأن ظاهره يقتضي أن هذا اللفظ الذي هو الله لا يحذف إلا إذا اتصل باسم ، نحو قوله تعالى في سورة النمل : { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَانِ
__________
(1) في جـ : " الكوفيون " .
(2) هذان البيتان من شواهد : الأنباري في الإنصاف ، 1 : 342 ، والفراء في معاني القرآن ، 1 : 203 .(1/321)
الرَّحِيمِ }(1)، وقوله تعالى في سورة هود : { بِسْمِ اللهِ مُجْرَااهَا وَمُرْسَاهَا }(2)وليس الأمر كذلك ، بل يحذف الألف من هذا اللفظ مطلقا .
أجيب عن هذا : بأن المراد بالاسم هاهنا اللفظة أو الكلمة ، تقديره : في الحذف في لفظة الله ، أو في كلمة الله .
الإعراب : قوله : (( كذاك )) الكاف للتشبيه(3)و (( ذا )) للإشارة ، والكاف للخطاب ومعود الإشارة هو الحذف المتقدّم في ألف الرحمن ، أي مثل الحذف في ألف الرحمن و الكاف بمعنى مثل ، وهو في موضع الرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر ، تقديره : وهو كذاك . في البيت تقديم وتأخير ، تقديره : لا خلاف بين الأمة في الحذف في اسم الله واللهم كذاك ، أي مثل ذلك ، أي مثل الحذف المتقدّم في ألف الرحمن ، وقوله : (( لا خلاف )) ((لا)) تبرئة ، و (( خلاف )) اسمها مبني معها ، وفيه ثلاثة أسولة : لم بني ؟ ، ولم بني على الحركة ؟ ، ولم اختصّ بتلك الحركة ؟
إنما بني : لتضمنه معنى حرف الاستغراق وهو " من " .
وبني على الحركة : لتمكّنه في موضع ما .
واختصّ بتلك الحركة : طلبا للتخفيف .
وقوله : (( بين الأمة )) ظرف ومخفوض والعامل فيه محذوف وهو خبر المبتدأ الذي هو اسم (( لا )) ، تقديره : لا خلاف ثابت أو مستقرّ بين الأمة ، وقوله : (( في الحذف )) متعلق به – أيضا – ، وقوله : (( في اسم الله )) [إما متعلق بصفة محذوفة وإما](4)متعلق بحال محذوفة ، تقديره على الصفة : في الحذف الكائن في اسم الله ، وتقديره على الحال : في الحذف كائنا في اسم الله ، وقوله : (( واللهمه )) معطوف والهاء للسكت والاستراحة . ثم قال :
[47] لِكَثْرَةِ الدَّوْرِ وَالاِسْتِعْمَالِ **** عَلَى لِسَانِ لاَفِظٍ وَتَالِ
__________
(1) سورة النمل ، من الآية 30 .
(2) سورة هود ، من الآية 41 .
(3) في جـ : " الكاف كاف التشبيه " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " ز " .(1/322)
ذكر في هذا البيت : تعليل الحذف في الألفاظ الثلاثة المتقدّمة في البيتين ، وهي ألف : { الرَّحْمَانِ } ، وألف : { اللَّهِ } ، وألف : { اللَّهُمَّ } . وهذا البيت جواب [عن](1)سؤال مقدّر ، كأنه قيل له : لأي شيء حذف الألف من أسماء الله تعالى الثلاثة المذكورة ، فقال : لكثرة الدور والاستعمال(2)، أي لأجل كثرة دورها واستعمالها ، يقال : دار الشيء يدور دورًا ودورانا ، إذا تكرر ، فالدور : هو التكرار ، والاستعمال – أيضا – ، معناه : التكرار هاهنا ، فالدور والاستعمال هنا مترادفان .
وقوله : (( على لسان لافظ وتال )) اللافظ : هو المتكلم هنا بكلام غير القرآن ، والتالي : هو المتكلم بالقرآن . كأنه يقول(3): إنما حذفت الألف من هذه الألفاظ الثلاثة ، لكثرة دورها واستعمالها على لسان المتكلم بها في غير القرآن ، وكثرة دورها واستعمالها على لسان المتكلم بها في القرآن ، لأن هذه الألفاظ {كثر}(4)دورها على ألسنة الناس بين ذاكر وداع وحالف وقارئ ، ويحتمل أن يكون هذا من باب التلفيف الأول للأول ، والثاني للثاني ، تقديره : لكثرة الدور على لسان لافظ ، وكثرة الاستعمال على لسان التالي ، ويحتمل العكس ، والأظهر كونهما مترادفين .
قوله : (( لكثرة الدور والاستعمال )) البيت ، [ يحتمل أن يرجع هذا التعليل إلى الألفاظ الثلاثة كما تقدّم ، ويحتمل أن يكون هذا التعليل راجعا إلى أقرب المذكورين ، وهما : الله واللهم ](5).
__________
(1) سقطت من : " جـ " .
(2) زاد في جـ : " اللام لام الأجل والعلّة " . واختلف المصنفون لكتب الرسم في حدّ كثرة الدور ، فمنهم من
قال : ثلاث مرات فأكثر ، ومنهم من قال : خمس مرات ، ومنهم من قال : سبع مرات .
انظر : المقنع ، ص 22 .
(3) في جـ : " يقال " .
(4) ما أثبت من " جـ " ، لأنه في الأصل بياض .
(5) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/323)
أما استعمالهما في غير القرآن ، فهو كثير في اللفظين معا ، وأما استعمالهما في القرآن فلفظ { اللَّهِ } أكثر من لفظ { اللَّهُمَّ } ، لأن لفظ { اللَّهِ } أكثر من لفظ الإحصاء وأعظم من الاستقصاء .
وأما لفظ { اللَّهُمَّ } ، فلم يرد في القرآن إلا في مواضع مخصوصة ، وهي قوله تعالى في سورة آل عمران : { قُلِ اللَّهُمَّ مَلِكَ الْمُلْكِ }(1)، [ وقوله تعالى في سورة المائدة : { قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآ دَةً مِّنَ السَّمَآءِ }(2)](3)، وقوله تعالى في سورة الأنفال : { وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَاذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ }(4)، وقوله تعالى في سورة يونس : { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَمٌ }(5)، وقوله تعالى في سورة الزمر : { قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ }(6)
واعترض قوله : (( لكثرة الدور )) بأن قيل : هذا التعليل غير مناسب للحذف في الخط ، وإنما هو مناسب للفظ ، ولكن اللفظ لم يحذف منه هذا(7)الألف .
أجيب عنه : بأن هذا من باب حمل الخط على اللفظ(8).
__________
(1) سورة آل عمران ، من الآية 26 .
(2) سورة المائدة ، من الآية 116 .
(3) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) سورة الأنفال ، من الآية 32 .
(5) سورة يونس ، من الآية 10 .
(6) سورة الزمر ، من الآية 43 .
(7) في جـ : " هذه " .
(8) في جـ : " الألفاظ " .(1/324)
الإعراب : قوله : (( لكثرة )) جار ومجرور والعامل فيه محذوف ، تقديره : حذف لكثرة الدور[ أو تقول تعلق بالحذف المذكور قبله ](1)، وقوله : (( الدور )) مضاف إليه ، وقوله : (( الاستعمال )) معطوف ، [ وقوله : (( على لسان )) جار ومجرور والعامل فيه : لكثرة الدور والاستعمال ](2)، وقوله : (( لافظ )) مضاف إليه ، وقوله : (( وتال )) معطوف . ثم قال :
[48] وَجَاءَ أَيْضًا عَنْهُمْ فِي العَالَمِينَ **** وَشِِِبْهِهِ حَيْثُ أَتَى كَالصَّادِقِِينَ(3)
ذكر الناظم في هذا البيت : أن أهل الرسم كلهم اتفقوا(4)على حذف ألف { الْعَالَمِينَ } وشبهه من جمع المذكر السّالم وجمع المؤنث السّالم حيث جاء في القرآن
وقوله : (( وجاء )) أي أتى وورد الحذف .
وقوله : (( أيضا )) ، معناه : معاودة ورجوعا ، وهو مصدر من ءاض يئيض [أيضا](5)، إذا رجع ، ومنه قولك : قال أيضا ، وفعل أيضا ، إذا رجع إلى قولٍ أو رجع إلى فعلٍ .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) 10) ما بين المعقوفين ساقط من : " جـ " .
(3) 11) في متن مورد الظمآن المطبوع : " وجاء أيضا عنهم في الصادقين * وشبهه حيث أتى كالعالمين " .
(4) 12) في جـ ، ز : " اتفقوا كلهم .. " .
(5) ساقطة من : " جـ " .(1/325)
وذلك أن الناظم رجع إلى الحذف المتقدّم ، كأنه يقول : كما جاء الحذف عن أهل الرسم في الألفاظ الثلاثة المتقدمة ، جاء الحذف عنهم – أي عن أهل الرسم – في ألف { الْعَالَمِينَ } وشبهه . وإنما عيّن ذكر { الْعَالَمِينَ } بنصّه ، لأنه هو الوارد في فاتحة الكتاب ، فلما ذكر { الْعَالَمِينَ } أراد أن يبيّن حكم جمع السلامة مطلقا ، مذكرا أو مؤنثا ، من أول القرآن إلى آخره ، وقوله : (( وشبهه )) يعني و شبهه في كونه جمع السلامة فيندرج في هذا الشبه نوعان : جمع المذكر السّالم ، وجمع المؤنث السّالم ؛ لأن الناظم مثّل هذا الشبه المذكور بمثول من النوعين ، مثّل جمع المذكر السّالم ، بقوله : (( كالصادقين )) ومثّل جمع المؤنث السّالم ، بقوله في البيت الثاني : (( ونحو ذريات مع آيات ومسلمات وكبينات )) .(1/326)
ومثال جمع المذكر السّالم – أيضا – : { الصَّابِرِينَ }(1)، { والْخَاشِعِينَ }(2){ والْقَانِتِينَ }(3){ والذَّاكِرِينَ }(4){ والْحَافِظِينَ }(5)و { الْكَافِرِينَ }(6)و { الْمُنَافِقِينَ }(7)و { الْفَااسِقِينَ }(8)و { الظَّالِمِينَ }(9)و { الْخَاسِرِينَ }(10)، وسواء كان مرفوعا أو منصوبا أو مخفوضا ، وسواء كان بواو أو كان بياء ، مثال الياء : جميع ما تقدّم .
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { ..... إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } ، سورة البقرة ، من الآية 154.
(2) في مثل قوله تعالى : { ..... وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } ، سورة البقرة ، من الآية 44 .
(3) كقوله تعالى : { .... وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ } ، سورة آل عمران ، من الآية 17 .
(4) في قوله تعالى : { ....... وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ ....... } ، سورة الأحزاب ، من الآية 35 .
(5) في قوله تعالى : { ..... وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ ......... } ، سورة الأحزاب ، من الآية 35 .
(6) في مثل قوله تعالى : { ..... وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } سورة البقرة ، من الآية 18 .
(7) في مثل قوله تعالى : { ..... رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا } ، سورة النساء ، من الآية 60 .
(8) في مثل قوله تعالى : { ..... وَمَا يُضِلُّ بِهِ? إِلاَّ الْفَااسِقِينَ } ، سورة البقرة ، من الآية 25 .
(9) 10) في مثل قوله تعالى : { ..... وَلاَ تَقْرَبَا هَاذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ } ، سورة البقرة ، من الآية 34 .
(10) 11) في مثل قوله تعالى : { ...فَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ? لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ } سورة البقرة ، من الآية 63(1/327)
ومثال الواو : { الْكَافِرُونَ }(1)، و { الْمُنَافِقُونَ }(2)، و { الْفَاسِقُونَ }(3)و { الظَّالِمُونَ }(4)، و { الْخَاسِرُونَ }(5)، وغير ذلك .
ويحتمل أن يريد بقوله : (( وشبهه )) شبهه في كونه جمع المذكر السّالم .
وأما جمع المؤنث السّالم فقد ذكره في البيت الثاني ، وهو قوله : (( ونحو ذريت مع آيات )) البيت .
فتحصّل في المراد بـ (( شبهه )) تأويلان : تأويل العموم ، وتأويل الخصوص ، وتأويل العموم أولى لموافقته كلام أبي عمرو الداني في المقنع ، لأنه جمع بين المذكّر والمؤنث في الحكم أوّلا ، ثم فصل بينهما في الأمثلة ، ونصّه في المقنع(6): " وكذلك اتفقوا على حذف الألف من الجمع السّالم(7)الكثير الدور في المذكر والمؤنث جميعا " فالمذكر كذا ، والمؤنث كذا وكذا ، فجمع بينهما في التأصيل ، ثم فرق بينهما في التمثيل ، كذلك فعل الناظم .
__________
(1) 12) في مثل قوله تعالى : { ..... وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } ، سورة البقرة ، من الآية 252 .
(2) 13) في مثل قوله تعالى : { إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هؤلاء دِينُهُمْ .... } ، سورة الأنفال ،
من الآية 50 . و في جـ : " المنافقين والفاسقين " .
(3) 14) في مثل قوله تعالى : { ....... وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ } ، سورة البقرة ، من الآية 98 .
(4) 15) في مثل قوله تعالى : { ..... وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } ، سورة البقرة ، من الآية 252 .
(5) 16) في مثل قوله تعالى : { ...... وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } ، سورة البقرة ، من الآية 26 .
(6) المقنع ، ص 22 .
(7) في جـ : " المسلم " . وكذا في المقنع .(1/328)
الإعراب : قوله : (( وجاء )) فعل ماض ، وقوله : (( أيضا )) مصدر ، وقوله : (( عنهم )) متعلق بـ (( جاء )) وكذلك (( في العلمين )) ، وقوله : (( وشبهه )) معطوف ، وقوله : (( حيث )) ظرف مكان والعامل فيه حال محذوفة من (( العالمين )) ، تقديره : في العالمين كائنا حيث أتى ، وقوله : (( أتى )) فعل ماض والفاعل به : إما الجمع وإما كل واحد من الاثنين المذكورين قبله ، وهما قوله : (( العالمين )) وقوله : (( وشبهه )) ، فيعود الضمير في (( أتى )) على كل واحد منهما على البدلية لا على الاجتماعية ، تقديره على الأول : حيث أتى هذا الجمع وهو جمع السلامة ، وتقديره على الثاني : حيث أتى كل واحد من العالمين وشبهه من جمعي السلامة ، وقوله : (( كالصادقين )) الكاف في موضع خفض نعت أو بدل من (( شبهه )) ، أي وشبهه مثل الصادقين ، ويحتمل أن يكون في موضع نصب مفعول بفعل مضمر ، تقديره : أعني مثل الصادقين . ثم قال :
[49] وَنَحْوِ ذُرِيَّاتِ مَعْ آيَاتِِ **** وَمُسْلِمَاتٍ وَكَبَيِّنَاتِ
ذكر الناظم في هذا البيت : مثال جمع المؤنث السّالم ؛ لأنه لما مثّل في البيت الأول جمع المذكر السّالم ، بقوله : (( الصادقين )) مثّل جمع المؤنث السّالم ، بقوله : (( ونحو ذريت(1)) البيت .
وقوله : (( ذريات )) بكسرة واحدة تحت التاء ، لضرورة الوزن .
فمثّل جمع المؤنث السّالم بأربعة أمثلة ، وإنما كثّر الأمثلة في جمع المؤنث السّالم للبيان .
__________
(1) في جـ : " ذريات مع آيات " .(1/329)
ومثال جمع المؤنث السّالم – أيضا – : { الْمُؤْمِنَاتِ }(1)، { وَالْمُتَصَدِّقَاتِ }(2)و { الطَّيِّبَاتِ }(3)، و { الْخَبِيثَاتِ }(4)، و { الظُّلُمَاتِ }(5)، و { الْغُرُفَاتِ }(6)، [والـ { قُرُبَاتْ } ](7)، {
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { .... أَنْ يَّنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ...... } ، سورة النساء ، من الآية 25 .
(2) في مثل قوله تعالى : { ..... وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ ...... } ، سورة الأحزاب ، من الآية 35 .
(3) في مثل قوله تعالى : { الْيَوْمَ ?ُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ..... } ، سورة المائدة ، من الآية 5 .
(4) في قوله تعالى : { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ...... } ، سورة النور ، من الآية 26 .
(5) في مثل قوله تعالى : { اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } ، سورة البقرة ، الآية 255 .
(6) في قوله تعالى : { .......وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ ءَامِنُونَ } ، سورة سبأ ، من الآية 37 .
(7) في قوله تعالى : { ..... وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللهِ ...... } ، سورة التوبة ، من الآية 100 .
وما بين المعقوفين سقط من : " ز " .(1/330)
وَالْحُرُمَاتُ }(1)، و { الْحُجُرَاتِ }(2)، و { الْبَنَاتُ }(3)، والأخوات(4)، والـ { ?ُمَّهَاتُ }(5)، و { ثَيِّبَاتٍ }(6)و { مَرَّاتٍ }(7)، وغير ذلك .
الإعراب : قوله : (( ونحو )) معطوف على (( الصادقين )) ، وقوله : (( ذريات )) مضاف إليه ، وقوله : (( مع )) ظرف ، وقوله : (( آيات )) مخفوض بالظرف [والعامل فيه حال محذوفة من (( ذريات )) ، تقديره : كائنا مع آيات](8)، وقوله : (( مسلمات )) معطوف على ((آيات)) ، وقوله : (( وكبينات )) معطوف على (( الصادقين )) – أيضا – لأن الكاف بمعنى : مثل أو نحو ، أي : ونحو بينات – أيضا – . ثم قال :
[50] مِنْ سَالِمِ الجَمْعِ الذِي تَكَرَّرَا **** مَا لَمْ يَكُنْ شُدِّدَ أَوْ إِنْ نُبِِرَا
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { ........ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ....... } ، سورة البقرة ، من الآية 193 .
(2) في قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَّرَآءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } ، سورة الحجرات ، الآية 4 .
(3) 10) في مثل قوله تعالى : { أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ } ، سورة الطور ، الآية 37 .
(4) 11) في مثل قوله تعالى : { .... وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ ..... } ، سورة النساء ، من الآية 23 .
(5) 12) في مثل قوله تعالى : { ..... وَ?ُمَّهَاتُ نِسَآ كُمْ ..... } ، سورة النساء ، من الآية 23 .
(6) 13) في مثل قوله تعالى : { ..... ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا } ، سورة التحريم ، من الآية 5 .
(7) 14) في قوله تعالى : { ..... ثَلَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صلاةِ الْفَجْرِ ..... } ، سورة النور ، من الآية 56 .
(8) 15) ما بين القوسين سقط من : " جـ " .(1/331)
ذكر الناظم في هذا البيت : تفسير الشبه المذكور في قوله : (( وشبهه حيث أتى )) وهو جواب عن سؤال مقدر ، كأنك قلت له : وشبه العالمين في هذا(1)، فقال : من سالم الجمع(2)، فـ (( من )) في قوله : (( من سالم [الجمع](3)) للبيان ، أي لبيان الشبه المذكور .
وقوله : (( من سالم الجمع )) فيه إضافة الصفة إلى الموصوف(4)، فقوله : (( من سالم الجمع )) ، تقديره : من الجمع السّالم ، معناه الجمع السّالم من تغيير المفرد(5)كـ { الصَّادِقِينَ } و { الصَّابِرِينَ } ، وغيره من الأمثلة المذكورة في جمع المذكر السّالم ، وكـ { مُسْلِمَاتٍ } و { مُؤْمِنَاتٍ } ، وغيره مما ذكر من أمثلة جمع المؤنث السّالم ، لأن مفرد { الصَّادِقِينَ } و { الصَّابِرِينَ } : الصادق والصابر ، فالمفرد في هذين الجمعين سالم من التغيير ، [ والمفرد في { الْمُسْلِمَاتِ } و { الْمُؤْمِنَاتِ } : المسلمة والمؤمنة ، فالمفرد في هذين الجمعين سالم من التغيير ](6)– أيضا – .
قوله : (( من سالم الجمع )) ، أي من الجمع السّالم احترازا من تغيير الجمع ، أي احترازا من الجمع المغيَّر ، أي من الجمع الذي تغيّر فيه مفرده ، وهو المعبّر عنه بجمع التكسير .
__________
(1) 16) في جـ : " في ما ذا " . لعله هو الصواب ؛ لأن هذا الكلام عن سؤال مقدر .
(2) 17) زاد في جـ : " أي هو سالم الجمع " .
(3) 18) ساقطة من : " جـ " .
(4) زاد في جـ : " لأنه لا يجوز إضافة الصفة إلى الموصوف ، ويجوز إضافة الموصوف إلى الصفة ، كما تقدّم
في قوله كتاب المقنع وكتاب المنصف " .
(5) في جـ ، ز : " مفرده " .
(6) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/332)
والتكسير : هو التغيير ، مثاله : { رِجَالٌ }(1)و { عِبَادٌ }(2)ونحوه ، لأن المفرد تغيّّر في هذين الجمعين ، لأن مفرد رجال : رجل ، فتغيّرت صيغة المفرد في صيغة الجمع بتغيير حركة الراء والجيم بزيادة الألف بعد الجيم ، ومفرد عباد : عبد ، وقد(3)تغيّرت فيه – أيضا – صيغة مفرده بتغيير حركة العين وتغيير سكون الباء وبزيادة الألف بعد الباء .
وقوله : (( من سالم الجمع )) احترازا من جمع التكسير ، فإنه لا يحذف منه إلا ما ذكره الناظم في الأبواب الخمسة المذكورة بعد هذا الباب ، كقوله(4): (( ديار أبواب )) وكقوله(5): (( ميثاق الإيمان والأموال أيمان العدوان والأعمال )) أعني ما هو جمع تكسير في هذا البيت ، وكقوله(6): (( وحذفوا ذلك ثم الأنهار وابن نجاح راعنا والأبصار )) أعني ما هو جمع تكسير في هذا البيت – أيضا – وهو : { الأَنْهَارُ }(7)و { الاْبْصَارُ }(8)، وغير ذلك مما سيذكره(9)في موضعه(10)إن شاء الله تعالى .
ولم يتعرّض الناظم في هذا الباب لشيء من جمع التكسير ، وإنما تعرّض فيه لجمع السلامة ؛ إذ هو الوارد في الفاتحة ، ولذلك قال : (( من سالم الجمع )) .
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { ..... فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَّتَطَهَّرُواْ ...... } ، سورة التوبة ، من الآية 109 .
(2) في مثل قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ .... } ، سورة الأعراف ، من الآية 194 .
(3) في جـ : " فقد " .
(4) تنبيه العطشان ، ص 313 .
(5) تنبيه العطشان ، ص 347 .
(6) تنبيه العطشان ، ص 304 .
وفي جـ : " وقوله " .
(7) 10) سورة البقرة ، من الآية 24 .
(8) 11) سورة آل عمران ، من الآية 13 .
(9) 12) زاد في جـ : " جمعه " .
(10) 13) في جـ ، ز : " مواضعه " .(1/333)
وقوله : (( الذي تكررا )) ، أي من الجمع السالم الذي تكرر في القرآن ، وهذا القيد ليس بشرط ، لأن الجمع السّالم محذوف مطلقا سواء تكرّر في القرآن أو لم يتكرّر ، وإنما ذكره الناظم اقتداء بالأئمة(1)الذين لخّص هذا الرَّجز من كتبهم ، لأنهم كلهم ذكروا هذا التكرار ، وإن لم يكن شرطا في الحذف .
فقوله : (( الذي تكررا )) [إذا](2)ليس بشرط ، فهو حشو في الكلام هاهنا ، وإنما ذكره الناظم اقتداء بالأئمة ، كما قاله بعد في قوله(3): (( وليس ما اشترط من تكرر حتما لحذفهم سوى المكرّر )) إلى آخر ما قال هنالك .
قال بعض الشرّاح(4): التكرار الذي ذكره الناظم هاهنا يحتمل أن يريد به تكرار الألفاظ ، وهو الظاهر من كلام أبي عمرو في المقنع ، ويحتمل أن يريد به تكرار الأوزان ، وهو الظاهر من كلام أبي داود في التنزيل ، وهذا فيه نظر .
ولا يصح أن يريد الناظم – رحمه الله – بالتكرار هنا تكرار الأوزان ولم يرد(5)بالتكرار إلا تكرار الألفاظ ، بدليل قوله بعد : (( وليس ما اشترط من تكرر حتما )) ، لأنه لو أراد تكرار الأوزان لما احتاج إلى هذا الاعتذار ، لأن كل لفظ من ألفاظ جمع(6)السلامة تكرّر وزنه في القرآن ، وأما لفظه ففيه متكرّر وفيه غير متكرّر .
وقوله – أيضا – : الظاهر من كلام أبي عمرو في المقنع تكرار الألفاظ لا نسلمه لأن أبا عمرو مثّل في المقنع بالمتكرّر وغير المتكرّر ، ولأنه مثّل بـ { ثَيِّبَاتٍ } وهو غير متكرر في القرآن ، ولم يأت إلا في سورة التحريم ، وكذلك صاحب التنزيل مثّل بالمتكرّر وغير المتكرّر – أيضا – .
__________
(1) وهم : أبو عمرو الداني ، وأبو داود ، والشاطبي ، وأبو الحسن البلنسي .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) تنبيه العطشان ، ص 300 .
(4) منهم ابن آجطا في التبيان ، ورقة 44 .
(5) في جـ : " يذكر " .
(6) في جـ : " جموع " .(1/334)
ونصّه في المقنع : " وكذلك اتفقوا على حذف الألف من الجمع السالم الكثير الدور في المذكر والمؤنث جميعا ، فالمذكر : { الْعَالَمِينَ } و { الصَّالِحِينَ } و { الصَّابِرِينَ } " إلى آخر أمثلته(1)، ثم قال : " والمؤنث : { الْمُسْلِمَاتِ } و { الْمُؤْمِنَاتِ } و { الطَّيِّبَاتِ } ، إلى أن قال : و { ثَيِّبَاتٍ } "(2).
ونصّه في التنزيل : " وكذلك حذفوها من الجمع السّالم الكثير الدور في المذكر والمؤنث معا"(3)، ثم مثل بأمثلة عديدة(4)من النوعين المتكرّر وغير المتكرّر ، فلا فرق بين عبارة الشيخين إذًا ، حيث مثّل كل واحد منهما بالمتكرّر وغير المتكرّر .
وقوله : (( ما لم يكن شدّد أوإن نبرا )) استثنى الناظم – رحمه الله – من جمعيْ السلامة مذكره ومؤنثه نوعين :
أحدهما : الجمع الذي بعد ألفه حرف مشدّد .
الثاني : الجمع الذي بعد ألفه حرف مهموز .
وإلى هذين النوعين أشار بقوله : (( ما لم يكن شدّد أوإن نبرا )) .
__________
(1) في جـ : " الأمثلة " .
(2) المقنع ، ص 22 .
(3) مختصر التبيين ، 2 : 30 .
(4) في جـ : " عائدة " .(1/335)
ومثال الذي بعد ألفه حرف مشدّد : { الضَّآلِّينَ }(1)، و { الضَّآلُّونَ }(2)و { الظَّآنِّينَ }(3)، و { الْعَآدِّينَ }(4)، { بِضَآرِّينَ }(5)، { حَآفِّينَ }(6).
ومثال الذي بعد ألفه حرف مهموز : { الْفَآ زُونَ }(7)، { التَّآ بُونَ }(8){ السَّآ حُونَ }(9)و { الصَّآ مِينَ }(10)،
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { ..... غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّآلِّينَ } ، سورة الفاتحة ، من الآية 7.
(2) في مثل قوله تعالى : { .....لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ } ، سورة آل عمران ، من الآية 89 .
(3) في قوله تعالى : { ..... الظَّآنِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ....... } ، سورة الفتح ، من الآية 6 .
(4) في قوله تعالى : { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْلْ الْعَآدِّينَ } ، سورة المؤمنون ، الآية 114 .
(5) في قوله تعالى : { ......وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ...... } ، سورة البقرة ، من الآية 101 .
(6) في قوله تعالى : { وَتَرَى الْمَلَكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ...... } ، سورة الزمر ، من الآية 72 .
(7) في مثل قوله تعالى : { ...... أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْ لَكَ هُمُ الْفَآ زُونَ } ، سورة التوبة ، من الآية 20 .
(8) 10) في قوله تعالى : { التَّآ بُونَ الْعَابِدُونَ ........ } ، سورة التوبة ، من الآية 113 .
(9) 11) في قوله تعالى : { التَّآ بُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّآ حُونَ...... } سورة التوبة ، من الآية 113 .
(10) 12) في قوله تعالى : { ..... والصَّآ مِينَ والصَّامَاتِ .... } ، سورة الأحزاب ، من الآية 35 .
وفي الأصل : الصائمون ، وما أثبت من " جـ " ، لأنه هو الصواب .(1/336)
و { الْقَآ مِينَ }(1)، و { السَّآ لِينَ }(2)
{ قَآ لُونَ }(3)، { قَآ مُونَ }(4).
هذا مثال المشدود(5)والمهموز في جمع المذكر السّالم .
ومثال المشدّد في جمع المؤنث السّالم ، قوله تعالى { وَالصَّافَّاتِ صَفًّا }(6)، وقوله : { صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ }(7).
ومثال المهموز : { وَالصَّامَاتِ }(8){ تَابَاتٍ }(9){ سَاحَاتٍ }(10)، إلا أن المشدّد والمهموز في جمع المؤنث السّالم لا يوجدان في القرآن إلا فيما فيه ألفان ، ولا يوجدان فيما فيه ألف واحدة ، وسيأتي التنبيه على ذلك(11).
وقوله : (( أو إن نبرا )) معناه : أو إن همز ، لأن الهمز والنبر(12)عند الناظم مترادفان ، لأنه عبّر بالنبر هنا عن الهمز ، وعبّر بالهمز عن النبر في البيت الذي بعد هذا ، وهو قوله : (( وفي الذي همز منه شهرا )) .
واختلف النحاة في الهمز والنبر :
قيل : مترادفان ، وهو مذهب الجمهور وهو مذهب سيبويه .
__________
(1) 13) في قوله تعالى : { ...... وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآ فِينَ وَالْقَآ مِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } ، سورة الحج ، من الآية 24 .
(2) 14) في مثل قوله تعالى : { ...... وَالسَّآ لِينَ وَفِي الرِّقَابِ ....... } ، سورة البقرة ، من الآية 176 .
(3) 15) في قوله تعالى : { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآ لُونَ } ، سورة الأعراف ، الآية 3 .
(4) 16) في قوله تعالى : { وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَتِهِمْ قَآ مُونَ } ، سورة المعارج ، الآية 33 .
(5) 17) في جـ : " المشدّد " .
(6) سورة الصافات ، الآية 1 .
(7) سورة الملك ، من الآية 19 .
(8) سورة الأحزاب ، من الآية 35 .
(9) سورة التحريم ، من الآية 5 .
(10) سورة التحريم ، من الآية 5 .
(11) في ص 248 .
(12) في جـ : " النبر والهمز " .(1/337)
وقيل : متباينان ، وهو مذهب الخليل بن أحمد ، فالهمز عنده هو المحققة والنبر هو الهمزة غير المحققة(1).
واعلم أن الهمز في اصطلاح النحاة والقراء له معنيان : يكون مصدرًا لهمزة أهمز همزا ، ويكون اسم جنس مفرده همزة ، نحو : ثمر ونخل ، لأن المفرد ثمرة ونخلة .
وقد بيّن الحافظ أبو عمرو هذا في كتاب المنبهة(2)، فقال :
وَالْهَمْزُ وَالنَّبْرُ هُمَا لَقْبَانِ لِوَاحِدٍ بِذَاكَ يُعْلَمَانِ
وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحُرُوفِ النَّبْرُ تَعْبِيرٌ عَنِ التَخْفِيفِ
لِلْهَمْزِ وَالْهَمْزُ أَشَدُّ مِنْهُ وَالأَوَّلُ الصَّحِيحُ فَالْزَمَنْهُ
وَالْهَمْزُ جَمْعٌ وَهْوَ أَيْضًا مَصْدَرُ وَبَابُهُ التَّحْقِيقُ وَهْوَ الأَكْثَرُ
فِي مَذْهَبِ الْقُرَّاءِ فِي الْمَعْمُولِ مِنَ الرِّوَايَةِ وَفِي الْمَنْقُولِ
قوله(3): (( من سالم الجمع الذي تكررا [ ما لم يكن شدّد أو إن نبرا](4)) اعترض هذا البيت بسبعة(5)اعتراضات :
__________
(1) وإلى هذا الإشكال أشار أبو بكر اللبيب بقوله : " اختلف العلماء من القراء والنحويين في النبرة والهمزة ،
هل هما سواء أم بينهما فرق ؟ فزعم الخليل أن النبرة دون الهمزة ... ومذهب سيبويه – وهو قول الجمهور –
أنهما سواء ولا فرق بينهما ، وأن الهمزة المخففة تسمى نبرة وتسمى النبرة همزة " .
الدرة الصقيلة ، ص 462 .
(2) انظر الأرجوزة المنبهة ، ص 236 .
(3) في جـ : " وقول الناظم " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " ، وفيه : " البيت " .
(5) في جـ : " بستة اعتراضات " .(1/338)
الأول : [ من جهة الإجمال ](1)، قوله : (( ما لم يكن شدّدا )) ظاهره [يقتضي](2)أن الجمع إذا كان فيه حرف مشدّد فإنه خارج عن الحكم الذي تقدّم بالحذف ، سواء كان ذلك الحرف المشدّد قبل الألف أو بعد الألف بحائل ، أو بعد الألف بغير حائل . ولا يصح ذلك ؛ لأن أهل الرسم لا يستثنون من الحذف المذكور إلا الذي بعد ألفه حرف مشدّدة من غير حائل بين الألف والحرف المشدّد لا غير(3)، وأما إذا كان المشدّد قبل الألف ، أو كان بعد الألف مع حائل بين الحرف المشدّد والألف ، فإنه باق على(4)الحذف في النوعين .
ومثال الذي وقع فيه المشدّد قبل ألفه : { الصَّابِرِينَ } ، و { الصَّادِقِينَ } .
ومثال الذي وقع فيه المشدّد بعد ألفه وبينهما حائل : { رَبَّانِّ?ـينَ }(5)، و { الرَّبَّانِيُّونَ }(6)و { الْحَوَارِيُّونَ }(7)و { الْحَوَارِـ?ّينَ }(8).
__________
(1) ما بين القوسين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " أن " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) في جـ : " لا غيره " .
(4) في جـ : " في الحذف .... " .
(5) في قوله تعالى : { ..... وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِـ?ّينَ ...... } ، سورة آل عمران ، من الآية 78 .
(6) في مثل قوله تعالى : { ..... وَالرَّبَّانِيُونَ والأَحْبَارُ ...... } ، سورة المائدة ، من الآية 46 .
(7) 10) في مثل قوله تعالى : { ......قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ ....... } ، سورة آل عمران ، من الآية 51 .
(8) 11) في قوله تعالى : { ..... وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِـ?ّينَ...... } ، سورة المائدة ، من الآية 113 .(1/339)
ومثال المشدّد قبل الألف في جمع المؤنث السّالم : { والطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِِينَ }(1)، وقوله : { مُبَيَّنَاتٍ }(2).
ومثال مشدّده بعد ألف(3): { والصَّافَّاتِ } .
فقول الناظم – رحمه الله – : (( ما لم يكن شدّد [أو أن نبرا](4)) يقتضي أن الألف في هذه الأنواع الثلاثة ثابتة ، لقوله : (( ما لم يكن شدّد )) ، أي ما لم يكن الجمع مشدّدا ، وظاهره أعم من الأنواع الثلاثة المذكورة ولا قائل به .
فاعلم أن المراد بالإثبات من هذه الأنواع : هو الجمع الذي وقع بعد ألفه حرف مشدّد من غير حائل بينه وبين الألف ، مثاله(5): { الضَّآلُّونَ } و { الضَّآلِّينَ }
و { الظَّآنِّينَ } و { الْعَآدِّينَ } { بِضَآرِّينَ } { حَآفِّينَ } .
فقول الناظم : (( ما لم يكن شدّد )) معناه : ما لم يكن الحرف الذي بعد الألف من غير حائل مشدّد(6)، وقولنا بعد الألف : احترازا مما قبل الألف ، وقولنا من غير حائل : احترازا مما بعد الألف مع حائل ، وقد تقدّم تمثيله .
الاعتراض الثاني : أن قوله : (( أو إن نبرا )) ظاهره يقتضي أن الجمع إذا كان فيه حرف مهموز فإنه خارج عن الحكم المتقدّم بالحذف ، سواء كان الحرف المهموز قبل الألف أو كان بعد الألف بحائل ، أو بعد الألف بغير حائل ، وليس الأمر كذلك ، إذ المراد عند الأئمة بالاستثناء هاهنا : هو الذي بعد ألفه حرف مهموز بغير حائل بينه وبين الألف .
__________
(1) 12) في قوله تعالى : { ..... وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ...... } ، سورة النور ، من الآية 26 .
(2) 13) في مثل قوله تعالى : { ...... وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ ءَايَاتٍ مُّبَيَّنَاتٍ ....... } ، سورة النور ، من الآية 34 .
(3) 14) في جـ : " الألف " .
(4) 15) ساقطة من : " جـ " .
(5) 16) تقدم تخريج هذه الأمثلة قريبا .
(6) في جـ : " مشدّدا " .(1/340)
مثاله : { الْفَآ زُونَ } ، و { التَّآ بُونَ } ، و { السَّآ حُونَ } ، و { الصَّآ مِينَ }(1)،
و { الْقَآ مِينَ } ، و { السَّآ لِينَ } ، { قَآ مُونَ } ، { قَآ لُونَ } .
ومثاله في المؤنث : { تَابَاتٍ } ، { سَاحَاتٍ } .
ومثال الذي بعد ألفه حرف مهموز بحائل بينهما : { الْخَاطُِونَ }(2)
[ { الْخَاطِينَ } ](3){ خَاسِينَ }(4){ فَمَلُِونَ }(5).
ومثاله قبل الألف : { خَطِيَاتُكُمْ }(6)، { مِّمَّا خَطِيَاتِهِمْ ?ُغْرِقُواْ }(7).
فقول الناظم : (( أو إن نبرا )) ، معناه : ما لم يكن الحرف الذي بعد الألف من غير حائل مهموزا . وقولنا من غير حائل : احترازا مما إذا كان بينهما حائل فإنه باق على حكم الحذف مثاله قد تقدّم(8).
الاعتراض الثالث : من جهة التناقض ، وذلك أن قوله هنا(9): (( من سالم [الجمع](10)) يقتضي أن الألف المعانق للام إذا كان في جمع السلامة محذوف ، وظاهر كلامه بعد في فصل المعانق للام : أنه ثابت لصاحب المقنع ، لأنه قال هنالك(11): (( وحذفت في مقنع خلئف حيث أتت )) إلى آخر ما ذكر هنالك بالحذف لصاحب المقنع .
فظاهر كلامه هنا : أن الألف المعانق للام في جمع السلامة محذوف ، وظاهر كلامه هناك على الألف المعانق للام أنه ثابت للمقنع ، لسكوته عنه ، وهذا تناقض .
__________
(1) في جميع النسخ ، (الصائمون ) ، والصواب : { الصَّآ مِينَ } .
(2) سورة الحاقة ، من الآية 37 .
(3) سورة يوسف ، من الآية 29 ، و { الْخَاطِينَ } سقطت من : " جـ " .
(4) في سورة البقرة ، من الآية 64.
(5) سورة الصافات ، من الآية 66 .
(6) سورة الأعراف ، من الآية 161 .
(7) سورة نوح ، من الآية 26 .
(8) قريبا .
(9) 10) تنبيه العطشان ، ص 233 .
(10) 11) ساقطة من : " جـ " .
(11) 12) تنبيه العطشان ، ص 395 .(1/341)
مثال ذلك في جمع المذكر السّالم ، قوله [تعالى](1): { لَّبِثِينَ }(2){ لَعِبِينَ }(3){ اللَّعِنُونَ }(4){ اللَّعِبِينَ }(5).
ومثاله في المؤنث ، قوله تعالى : { وَالْمُرْسَلَتِ عُرْفًا }(6)، [وقوله ](7): { فَالْحَامِلَتِ وِقْرًا }(8)، وقوله : { جِمَالَتٌ صُفْرٌ }(9)، وقوله : { الْمَثَلَتُ }(10).
فالجواب عنه : أن حكمه الحذف لاندراجه في جمع السلامة ، [ ويدل على ذلك ما قال أبو عمرو في المقنع : " وكذلك حذفوها بعد اللام في قوله { اللَّعِنُونَ } و { مِنَ اللَّعِبِينَ } ] "(11).
فقول الناظم – رحمه الله – : (( من سالم الجمع الذي تكررا )) يريد سواء كان ألفه معانقا للام أو غير معانق له .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) في قوله تعالى : { لََّبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا } ، سورة النبأ ، الآية 23 .
(3) في مثل قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَعِبِينَ } ، سورة الأنبياء ، الآية 16 .
(4) في قوله تعالى : { ...... ?ُوْ لَكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّعِنُونَ } ، سورة البقرة ، من الآية 158 .
(5) في قوله تعالى : { قَالُواْ أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّعِبِينَ } ، سورة الأنبياء ، الآية 55 .
(6) سورة المرسلات ، الآية 1 .
(7) ساقطة من : " جـ " .
(8) سورة الذاريات ، الآية 2 .
(9) سورة المرسلات ، من الآية 33 .
(10) 10) سورة الرعد ، من الآية 7 .
(11) 11) المقنع ، ص 18 .
وما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/342)
الاعتراض الرابع : من جهة المعنى ، وذلك أن قوله : (( من سالم الجمع )) يقتضي خروج الوصف الجاري على الله – تبارك وتعالى – بصورة الجمع السّالم ، كقوله تعالى : { وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }(1)، وقوله تعالى : { وَإِنَّا لَهُ? لَحَافِظُونَ }(2)وغير ذلك ، مع أنه(3)محذوف باتفاق ، وإنما قلنا يقتضي كلام الناظم خروج هذا القسم ، لقوله : ((من سالم الجمع)) ، والله – تبارك وتعالى – واحد لا جمع ، يقتضي كلامه أن هذا الوصف الجاري على الله – تبارك وتعالى – ثابت ، لأن الله – تعالى – ليس بجمع ، وإنما هو واحد لا شريك له .
فالجواب عنه : أن هذا اللفظ نزّله الله – تبارك وتعالى – على نفسه منزلة(4)المذكر السّالم ، فحكمه حكم المذكر السّالم باتفاق أصحاب الرسم ، لأن المعتبر هاهنا اللفظ دون المعنى .
الاعتراض الخامس : من جهة المعنى – أيضا – ، وذلك أن قوله : (( من سالم الجمع )) يقتضي خروج جمع المؤنث السّالم إذا سُمي به مفرد ، لأنه بعد التسمية مفرد ، وليس بجمع ، كقوله تعالى : { فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ }(5)،لأن هذا اللفظ علم مكان مخصوص(6)، كقولهم : " أذرعات " لمكان مخصوص .
فالجواب عنه أن تقول : هذا اللفظ هو جمع المؤنث السّالم قبل التسمية ، فلما سُمي به [بقي](7)محكيا على حاله قبل [التسمية](8)، فالتنوين فيه تنوين الحكاية والمقابلة لنون جمع المذكر السّالم .
وفي إعراب هذا النوع ، ثلاثة أقوال :
المشهور منها : إعرابه كإعراب جمع المذكر السّالم بالتنوين مطلقا .
الثاني : أن يعرب إعراب جمع المؤنث السّالم من غير تنوين مطلقا .
__________
(1) 12) سورة الأنبياء ، من الآية 47 .
(2) 13) سورة الحجر ، من الآية 9 .
(3) 14) في جـ : " من أنه .... " .
(4) زاد في جـ : " جمع " .
(5) سورة البقرة ، من الآية 196 .
(6) في جـ ، ز : " علم على مكان مخصوص " .
(7) ساقطة من : " جـ " .
(8) ساقطة من : " جـ " .(1/343)
الثالث : أن يعرب إعراب مفرد(1)من غير تنوين مطلقا ، لأنه لا ينْصرف ، وهذا القول للكوفيين ، والأولان للبصريين .
الاعتراض السادس : من جهة النقل ، [ وذلك أن قوله ](2): (( من سالم الجمع )) يقتضي أن مثل قوله تعالى : { وَءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لاِمْرِ اللَّهِ }(3)، وقوله تعالى : { بِسَلمٍ ءَامِنِينَ }(4)، وقوله تعالى : { وَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ }(5)، وقوله تعالى : { اءَلاْمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ }(6)، وقوله تعالى : { وَصِبْغٍ لَّلاكِلِينَ }(7)، وقوله : { ءَلاَيَاتٍ }(8)، وشبه ذلك من الجمع المفتتح بالهمزة الممدودة .
فإن كلام الناظم يقتضي أن هذا النوع محذوف ، لأنه جمع السلامة فيندرج في قوله : (( من سالم الجمع )) وليس الأمر كذلك ، لأن الألف في هذا النوع ثابت على المشهور كما هو مقتضى نصوصهم في باب الهمزة .
[ قال أبو عمرو في المحكم : وكل همزة مفتوحة بعدها ألف يجوز فيها وجهان : أحدهما : حذف صورة الهمزة وإثبات الألف بعدها ، والثاني : إثبات صورة الهمزة وحذف الألف بعدها ، والوجه الأول هو الأوجه ](9).
قلت : وينبغي أن تزاد هذه الأبيات هاهنا(10)، بعد قوله : (( ما لم يكن شدّد أو إن نبرا )) .
وَمَا تَصَدَّرَ مِنَ الْجُمُوعِ بِهَمْزَةٍ شُهِرَ فِي الْمَسْمُوعِ
إَثْبَاتُ ثَانِيهِ كَآمِنِينَ وَآخَرُونَ قُلْ وَلاَ آمِّينَ
__________
(1) في ز : " جمع المؤنث السالم " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ "
(3) سورة التوبة ، من الآية 107 .
(4) سورة الحجر ، من الآية 46 .
(5) 10) سورة الجمعة ، من الآية 3 .
(6) 11) سورة التوبة ، من الآية 113 .
(7) 12) سورة المؤمنون ، من الآية 20 .
(8) 13) سورة البقرة ، من الآية 163 .
(9) انظر المحكم ، ص 164 . وما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(10) هذه الأبيات من استدراكات الشارح على الناظم .(1/344)
كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفِ فِي الْهَمْزَاتِ فِي مُرْتَضَى الْكُُتَّابِ وَالنُّحَاةِ
[ أو تقول :
وَمَا فُتِحْ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَهْ فَأَلِفُهْ بِثَبْتَهَا مَشْهُورَهْ
وقولنا : وما فتح بإسكان الحاء للوزن ، وقولنا فألفه بإسكان الهاء – أيضا – ](1)
أو تقول :
وَمَا مِنَ الْجَمْعِ بِهَمْزَةٍ فُتِحْ فَصَيْدُهُ فِي الْهَمَزَاتِ قَدْ ذُبِحْ
وَذَاكَ حِينَ تَلْتَقِي الأَمْثَالُ فَمِنْ(2)هُنَاكَ يُشْرَبُ الزُّلاَلُ(3)
كَنَحْوِ آخِذِينَ مَعْ آيَاتٍ وَلَيْسَ ذَا مِنْ بَابِ قَانِتَاتٍ
وقولنا : (( وليس ذا من باب قانتات )) ، معناه : وليس آيات من الجمع [المؤنث](4)الذي اجتمع فيه ألفان ، كـ { قَانِتَاتٍ } وإنما هو من الجمع الذي فيه ألف واحدة ، فحكم { ءَايَاتٍ } وبابه حكم ما فيه ألف واحدة .
ولك أن تقول في الجواب عن هذا الاعتراض : أن هذا الاعتراض لا يلزم الناظم ، لأن في كلامه ما يدلّ على أن الجمع المصدر بالهمزة الممدودة غير مراد هنا ، وهو تمثيل الناظم بـ (( آيات )) في قوله : (( ونحو ذريت مع آيات )) ، لأن ذلك مثال ما فيه ألف واحدة ، لأنه ذكر بعدُ ما فيه ألفان ، في قوله : (( وجاء في الحرفين )) .
[ الاعتراض السابع : من جهة النقل – أيضا – ، وذلك أن قوله : (( من سالم الجمع )) يقتضي أن ألف الصلوات الذي هو جمع المؤنث السّالم محذوف من غير خلاف ، نحو قوله تعالى : { أَصلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ ُ }(5)، وليس الأمر كذلك ، لأن أبا عمرو ذكر فيه الخلاف .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط أيضا من : " جـ " .
(2) في جـ : " ومن " .
(3) قال الفيروزأبادي : " ماء زُلال ..... سريع المرّ في الحلق ، بارد صاف ، سهل سلس " .
القاموس المحيط ، ص 909 ، " زلل " .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) سورة هود ، من الآية 87 .(1/345)
قال أبو عمرو في المقنع ، في باب ما رسمت الألف فيه واوا على لفظ التفخيم ومراد الأصل : ووجدت في جميعها { وَصلاتِ الرَّسُولِ }(1)، و { إِنَّ صلاتِكَ سَكَنٌ لَّهُمْ }(2)في التوبة ، و { أَصلاتُكَ تَأْمُرُكَ } في هود ، و { عَلَى صلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ }(3)في المؤمنون . فهذه الأربعة المواضع بالواو ، وربما أثبتت الألف بعد الواو في بعضها وربما حذفت(4).
وإن أردت استدراك هذا ، فتزيد هاهنا هذا البيت ، وهو قولنا :
وَمُقْنِعٌ فِي الصَّلَوَاتِ الْخُلْفَا أَعْنِي مُضَافًا نَصُّهُ لاَ يُخْفَى ](5).
وفائدة الجمع على أربع أقسام :
جمع لفظ ومعنى ، وجمع لفظ دون معنى ، وجمع معنى دون لفظ ، ومحمول على الجمع وليس به .
مثال الجمع لفظا ومعنى : { التَّآ بُونَ الْعَابِدُونَ }(6)الآية ، وقوله : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ }(7)الآية .
ومثال الجمع لفظا دون معنى ، قوله تعالى : { وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } ، وقوله : { وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ }(8)، وقوله : { وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ }(9)، [وقوله تعالى : { فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ } ، لأن { عَرَفَاتٍ } اسم لمكان واحد فهو جمع لفظ دون معنى](10).
__________
(1) سورة التوبة ، من الآية 100 .
(2) سورة التوبة ، من الآية 104 .
(3) سورة المؤمنون ، من الآية 9 .
(4) انظر المقنع ، ص 54 ، 55 .
(5) ما بين القوسين المعقوفين ، مقدار عشرة أسطر ، سقط من : " جـ " .
(6) في جـ : " { التَّآ بُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ } ، سورة التوبة ، من الآية 113 .
(7) سورة الأحزاب ، من الآية 35 .
(8) سورة الأنبياء ، من الآية 81 .
(9) 10) سورة الأنبياء ، من الآية 80 .
(10) 11) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " .(1/346)
ومثال الجمع معنى دون لفظ ، قوله تعالى : { فَتِلْكَ بِيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُواْ }(1)أي خاويات ، وقوله تعالى : { فِي الاْيَّامِ الْخَالِيَةِ }(2)، أي في الأيام الخاليات وذلك أن الجمع إنما يوصف بالجمع ، كما أن المفرد إنما يوصف بالمفرد .
ومثال المحمول على الجمع ، قوله تعالى : { ثَمَانِينَ جَلْدَةً }(3)، وقوله : { ثَلَثُونَ شَهْرًا }(4)، وقوله : { ثَلثِينَ لَيْلَةً }(5)، وقوله تعالى : { وَأُوْ لَتُ الاْحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَّضَعْنَ حَمْلَهُنَّ }(6)، وقوله تعالى : { وَإِن كُنَّ أُوْ لَتِ حَمْلٍ }(7).
__________
(1) 12) سورة النمل ، من الآية 54 .
(2) 13) سورة الحاقة ، من الآية 23 .
(3) سورة النور ، من الآية 4 .
(4) سورة الأحقاف ، من الآية 14 .
(5) سورة الأعراف ، من الآية 142 .
(6) سورة الطلاق ، من الآية 3 .
(7) سورة الطلاق ، من الآية 5 .(1/347)
وإنما قلنا في هذا القسم : محمول على الجمع وليس بجمع ، لأنه يرفع بالواو وينصب ويخفض بالياء ، هذا في المذكر ، وهو قوله : { ثَمَانِينَ } و { ثَلَثُونَ } و { ثَلَثِينَ }(1). وأما { أُوْ لَتُ } فإنه يرفع بالضمة وينصب ويخفض بالكسرة ، وذلك حكم جمعٍ السلامة ، ولكن ذكر الناظم ثلاثة ألفاظ من هذه الألفاظ الأربعة المذكورة في هذا القسم ، وهو : (( ثمانين وثلاثين وثلاثون )) ، لأنه ذكر ثلاثون وثلاثين في قوله بعد(2): ((كيف ثلاثون ثلاثة ثلاث)) ، وذكر ((ثمانين)) في قوله بعد(3)– أيضا – (( وفي ثمانين ثماني معا )) ، ولم يذكر اللفظ الرابع ، وهو { أُوْ لَتُ } ولكن وإن لم يذكره بالتنصيص ، فيؤخذ له حكمه من إطلاقه في هذا الباب في جموع السلامة ، لأنه حكمه حكم جمع السلامة ، فلو سكت عن الثلاثة الألفاظ المذكورة لحكم بحذفها – أيضا – ، لأنها تعرب إعراب جمع المذكر السّالم ، ولكن نصّ عليها بنصّ يخصّها وذلك في قوله : (( كيف ثلاثون ثلاثة ثلث )) ، وقوله بعد : (( وفي ثمانين ثماني معا وفي ثمانية أيضا جمع )) .
والمراد بالحذف في هذه الأقسام الأربعة المذكورة جميعها ما عدا الجمع معنى دون لفظ ، لأن الألف في قوله تعالى : { خَاوِيَةً } ، وفي قوله : { فِي الاْيَّامِ الْخَالِيَةِ } ثابتة ، لأن المعتبر هو الجمع في اللفظ ، ولا عبرة بكونه مجموعا في المعنى .
فقوله : (( من سالم الجمع )) البيت ، تندرج فيه هذه الأربعة المذكورة(4)ما عدا الجمع معنى دون لفظ كما تقدّم .
[ فإذا قلت : من أين يؤخذ أن ما حمل على جمع السلامة في إعرابه محمول عليه – أيضا – في حذفه ؟
__________
(1) في جـ : " وثلاثين وثلاثون " .
(2) تنبيه العطشان ، 403 .
(3) تنبيه العطشان ، ص 437 .
(4) في جـ : " هذه الأقسام الأربعة جميعها " .(1/348)
قلنا : يؤخذ ذلك من قول الناظم أولا : (( وجاء أيضا عنهم في العالمين )) ، لأنه جعل (( العالمين )) من جمع المذكر السّالم ، مع أنه ليس بجمع المذكر السّالم حقيقة ، لأنه ليس بعلم وإنما هو اسم جنس وهو اسم لكل موجود سوى الله – تبارك وتعالى –
وكذلك أبو عمرو وغيره ، مثّل لجمع المذكر السّالم بـ (( العالمين )) ، قال في المقنع : " فالمذكر { الْعَالَمِينَ } و { الصَّادِقِينَ } و { الصَّابِرِينَ } "(1)، وكذا وكذا . فيؤخذ من ذلك : أن ما حمل عليه في إعرابه محمول عليه – أيضا – في حذفه ](2).
الإعراب : قوله : (( ما لم يكن )) (( ما)) [ظرفية](3)مصدرية فيها معنى الشرط ، تقديره : مدة [ كون سالم الجمع غير مشدّد ولا منبر ](4)، و(( لم يكن )) مضمر عائد على سالم الجمع ، وخبره في (( شدّد )) ، وقوله : (( شدّد )) فعل ماض مركّب والمفعول الذي لم يسمّ فاعله(5)مضمر عائد على سالم الجمع ، تقديره : ما لم يكن الجمع السّالم مشدّدا ، أي ما لم يكن الحرف الذي يلي ألفه مشدّدا ، وقوله : (( أو أن نبرا )) ((أو)) حرف عطف ، وقوله : (( أن )) زائدة ، نحو قولك : ما إن جاء أحد ، أي ما جاء أحد ، فقوله : (( أو إن نبرا )) ، تقديره : أو نبرا ، معناه أو همزا ، وقوله : (( نبرا )) الألف فيه لإطلاق القافية ، و (( نبرا )) فعل ماض مركّب لما لم يسمّ فاعله ، والمفعول الذي لم يسمّ فاعله مضمر عائد على سالم الجمع ، أي : ما لم يكن سالم الجمع منبورا ، [أي مهموزا](6)، أي ما لم يكن الحرف الذي يلي ألفه مهموزا . ثم قال :
[51] فَثَبْتُ مَا شُدِّدَ مِمَّا ذُكِّرَا **** وَفِي الَّذِي هُمِزَ مِنْهُ شُهِِرَا
__________
(1) المقنع ، ص 22 .
(2) ما بين القوسين المعقوفين ، مقدار ثمانية أسطر ، سقط من : " جـ " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " أو دوام " .
(5) زاد في جـ : " هو " .
(6) ساقطة من : " ز " .(1/349)
ذكر الناظم هاهنا : حكم النوعين اللذين استثناهما من سالم الجمع في البيت قبل هذا ، وهو قوله : (( ما لم يكن شدّد أو إن نبرا )) فذكر في هذا البيت حكم النوعين في المذكر ، فذكر في الشطر الأول من هذا البيت حكم المشدّد في المذكر ، فقال : (( فثبت ما شدّد مما ذكّرا )) .
فقوله : (( فثبت )) يصح أن يكون فاعلا بفعل مضمر ، تقديره : فجاء عن الأئمة ثبت ما شدّد مما ذكّرا ، ويصح أن يكون مبتدأ محذوف الخبر ، تقديره : ثبت مما شدّد مما ذكّرا معلوم أو معروف ، ويصح أن يكون خبراً محذوف المبتدأ ، تقديره : فالحكم ثبت ما شدّد مما ذكّرا .
ومعنى هذا الشطر : أن حكم جمع المذكر السّالم الذي جاء بعد ألفه حرف مشدّد ، إنما هو الإثبات باتفاق من غير خلاف ، لأن قوله : (( فثبت ما شدّد مما ذكّرا )) من الأحكام المطلقة التي نبّه عليها أولا ، فهذا يُحمل على اتفاق أهل الرسم .
قوله(1): (( فثبت ما شدّد مما ذكّرا )) ، أي : فجاء عن جميعهم ثبت ألف الجمع الذي شدّد من الجمع الذي ذكّر ، وهو الجمع المذكّر .
وقوله : (( مما ذكّرا )) احترازا من الجمع الذي أنّث ، وهو جمع المؤنث السّالم ، وسيأتي(2)الذي بعد هذا .
وقوله : (( فثبت ما شدّد مما ذكّرا )) بيّن في هذا الشطر الأول حكم المشدّد من المذكّر ، ومثاله(3): { الضَّآلِّينَ } و { الضَّآلُّونَ } و { الظَّآنِّينَ } و { الْعَآدِّينَ } { بِضَآرِّينَ } { حَآفِّينَ } .
__________
(1) في جـ : " فقوله " .
(2) في جـ ، ز : " وسيأتي في البيت الذي بعد هذا " . لعله هو الصواب .
(3) سبق تخريج هذه الأمثلة في ص 239 .(1/350)
وقوله : (( وفي الذي هُمز منه شُهرا )) ذكر الناظم في هذا الشطر حكم المهموز من جمع المذكّر السّالم ، لأن قوله : (( وفي الذي هُمز منه شُهرا )) هو كلام مستأنف وليس بمعطوف على ما قبله ، لأن عطفه عليه يقتضي وجود الخلاف في المشدّد في الجمع المذكر السّالم ، وليس الأمر كذلك ؛ لأن أهل الرسم نقلوا الاتفاق بالإثبات في المشدّد من جمع المذكّر ، ولم يذكروا فيه خلافا أصلا .
فقوله : (( وفي الذي هُمز منه شُهرا )) هو كلام مستأنف لحكم المهموز من جمع المذكّر(1)، ومعنى كلامه : أن الجمع الذي هُمز منه جمع المذكّر المشهور فيه الإثبات ، لأن قوله : (( شُهرا )) فعل ماض مركّب لما لم يسمّ فاعله ، والمفعول الذي لم يسمّ فاعله هنا هو مضمر عائد على الإثبات المذكور في الشطر الذي قبله .
في الكلام تقديم وتأخير ، تقديره : وشُهر الإثبات في الذي همز منه ، أي : في الجمع الذي هُمز من جمع المذكر السّالم والضمير في قوله : (( منه )) عائد على الجمع المذكّر السّالم .
وقوله : (( همز(2)) معناه : في الذي همز منه الحرف الذي بعد ألفه من غير حائل ، كما تقدّم .
ومثاله(3): { الْفَآ زُونَ } ، و { التآ بُونَ } ، و { السَّآ حُونَ } { وَالصَّآ مِينَ }(4)، { وَالْقَآ مِينَ } ، { وَالسَّآ لِينَ } ، { قَآ لُونَ } ، { قَآ مُونَ } .
وقوله : (( وفي الذي هُمز منه شُهرا)) مفهومه : أن الحذف فيه غير مشهور وهو كذلك ، فقد بيّن الناظم في هذا البيت حكم النوعين في المذكّر ، فذكر في المشدّد الاتفاق على الإثبات ، وذكر في المهموز الخلاف في الحذف ، لأن الإثبات هو المشهور ، والحذف غير مشهور .
__________
(1) في ز : " في جمع المذكّر السالم ... " .
(2) في جـ ، ز : " همز منه " .
(3) سبق تخريج هذه الأمثلة في ص 239 .
(4) في الأصل " الصائمون " ، والصواب ما أثبت كما في " ز " ، " جـ " .(1/351)
الإعراب : (( فثبت )) فاعل أو مبتدأ أو خبر ، وقوله : (( ما )) مضاف إليه ، ((شدّد)) ماض مركّب ، (( مما ذكّر )) (( من )) للبيان والألف في آخر الشطرين لإطلاق القافية ، وقوله : (( ذكّر )) ماض مركّب ، وقوله : (( وفي الذي )) متعلّق بـ (( شُهرا )) وقوله : (( منه )) [ تعلق بحال محذوفة من الضمير المستتر في هُمز ، تقديره : وشُهر الثبت في اللفظ الذي هُمز كائنا من الجمع المذكر السّالم ](1). ثم قال :
[52] وَالْخُلْفُ فِي التَّأْنِيثِ فِي كِلَيْهِمَا **** وَالْحَذْفُ عَنْ جُلِّ الرُّسُومِ فِيهِمَا
لمّا ذكر حكم النوعين المشدّد والمهموز في المذكّر في البيت الذي قبله ، أراد أن يبيّن في هذا البيت حكم النوعين في المؤنّث ، فقال : (( والخلف في التأنيث في كليهما )) ، أي : والخلف ثابت أو مستقرّ في التأنيث ، أي : في جمع المؤنث ، لأن التأنيث ضد التذكير ، يعني في ألف جمع المؤنث .
وقوله : (( في كليهما )) ضمير التثنية عائد على النوعين ، أي : في كلا المشدّد والمهموز .
وقوله : (( والحذف عن جلّ الرسوم فيهما )) ، أي : والحذف منقول أو مروي(2)أو جاء أو آت أو وارد(3)عن جلّ ، أي : عن كثير الرسوم .
وقوله : (( الرسوم )) جمع رسم ، يصح أن يريد بالرسم المصاحف على إطلاق المصدر على اسم المفعول ، تقديره على هذا : عن جلّ المرسومات ، ويصح أن يريد به الرسم على بابه : الذي هو الخط ، فيكون في الكلام حذف مضاف ، تقديره على هذا : عن جلّ أهل الرسوم .
ففي قوله : (( الرسوم )) إذا تأويلان(4):
قيل : المصاحف ، وقيل : أصحاب المصاحف .
فمعنى قوله : (( عن جلّ الرسوم )) إما عن جلّ المصاحف ، وإما عن جلّ أصحاب المصاحف .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " متعلق بهمزا " .
(2) في جـ : " ومروي " .
(3) في جـ : " ورد" .
(4) انظر التبيان ، ورقة 22 .(1/352)
وقوله : (( فيهما )) ضمير التثنية عائد على النوعين ، أعني(1)المشدّد والمهموز .
وقوله : (( والحذف عن جلّ الرسوم فيهما )) مفهومه : أن قليل الرسوم جاء بالإثبات في النوعين ، وهو كذلك .
ومثال(2)المشدّد ، قوله تعالى : { وَالصَّافَّاتِ صَفًّا } .
ومثال(3)المهموز ، قوله تعالى : { وَالصَّامَاتِ } ، [ { تَابَاتٍ } ](4)، { سَاحَااتٍ } وغير ذلك .
واعترض هذا البيت على الناظم – رحمه الله – ، بأن قيل : يقتضي الإتيان بهذا البيت أن جمع المؤنث المشدّد والمهموز مما فيه ألف واحدة وارد في القرآن ، وليس الأمر كذلك ، إذ لم يرد في القرآن إلا فيما فيه ألفان ، نحو : { وَالصَّافَّاتِ } ، { وَالصَّامَاتِ } ، كما تقدّم تمثيله .
أجيب عن هذا بأن قيل : تبِع الناظم في هذا ما في المقنع ، لأن الحافظ ذكر في المقنع(5)حكم المشدّد والمهموز من المؤنث ، ثم ذكر بعده حكم ما اجتمع فيه ألفان من المؤنث ، فالدّرك إذًا على صاحب المقنع – رحمه الله – .
فالأوْلى الاستغناء عن هذا البيت بذكر ما اجتمع فيه ألفان ؛ لأن حكم ما اجتمع فيه ألفان يشمل(6)المشدّد والمهموز وغيرهما ، كما سيأتي في البيتين بعد هذا .
__________
(1) في جـ : " عن " .
(2) سبق تخريج هذا المثال في ص 237 .
(3) سبق تخريج هذه الأمثلة في ص 237 .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) انظر المقنع ، ص 22 ، 23 .
(6) في جـ : " يشتمل " .(1/353)
الإعراب : (( والخلف(1)) مبتدأ أو فاعل [وخبر المبتدأ في المجرور الذي بعده](2)وقوله : ((في كليهما)) جار ومجرور ومضاف إليه والمجروران متعلقان بـ ((جاء)) على إعراب قوله : (( والخلف )) بالفاعل ، أو متعلقان بالثبوت والاستقرار على إعرابه بالمبتدأ ، [ وقوله : (( في كليهما )) بدل من قوله : (( في التأنيث )) ، تقديره : والخلف في ذي التأنيث في كليهما ، أي : في كلا نوعيه ](3)، وقوله : (( والخذف )) مبتدأ أو فاعل ، وقوله : (( عن جل الرسوم )) جار ومجرور ومضاف إليه ، وقوله : (( فيهما )) جار ومجرور – أيضا – والمجروران متعلقان إما بـ (( جاء )) وإما بالثبوت والاستقرار كما تقدّم ، لأن إعراب قوله : (( والحذف )) كمثل إعراب قوله : (( والخلف )) . ثم قال :
[53] وَجَاءَ فِي الْحَرْفَيْنِ نَحْوُ الصَّادِقَاتْ **** وَالصَّالِحَاتِ الصَّابِرَاتِ الْقَانِتَاتْ
[54] وَبَعْضُهُمْ أَثْبَتَ فِيهَا الأَوَّلاَ **** وَفِيهِمَا الْحَذْفُ كَثِيرًا نُقِلاَ
ذكر الناظم في هذين البيتين حكم المؤنث الذي اجتمع فيه ألفان .
فقوله : (( وجاء )) يعني الحذف المذكور قبله في قوله : (( والحذف عن جلّ الرسوم فيهما )) .
وقوله : (( في الحرفين )) يعني الألفين .
وقوله : (( نحو )) ، أي : مثل ، لأن النحو والشبه والنظير بمعنى واحد(4).
وقوله : (( الصادقات الصالحات الصابرات القانتات )) ، أي : والصالحات والصابرات والقانتات ، بإسقاط حرف العطف ، وإسقاط حرف العطف جائز ، ومنه قولهم : " أكلت شحما لحما " ، أي : شحما ولحما ، ومنه قولهم – أيضا – : " أكلت لحما سمكا ثمرا " ، أي : " أكلت لحما وسمكا وثمرا " .
__________
(1) في جـ : " قوله والخلف " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " .
(3) أيضا ما بين المعقوفين سقط من " جـ " .
(4) انظر القاموس المحيط ، 1123 ، " شبه " .(1/354)
ومنه قول الشاعر(1):
مَالِي لاَ أَبْكِي عَلَى عَلاَّتِي صَبَائِحِي غَبَائِقِي قََيْلاَتِي
يريد : وغبائقي وقيلاتي .
وقال آخر(2):
مَنْ يَكُ ذَا بَتٍّ فَهَذَا بَتِّي مُصَيِِّفٌ مُقَيِِّظٌ مُشَتِّي
مِنْ غَزْلِ أُمِّي ثُمَّ نَسْجِ بِنْتِي تَخِذْتُهُ مِنْ نَعَاجٍ سِتِّ
سُودٍ جِعَادٍ مِنْ نِعَاجِ الدَّشْتِ
يريد : ومقيظ ومشتي .
وقال آخر(3):
كَيْفَ أَصْبَحْتَ كَيْفَ أَمْسَيْتَ مِمَّنْ يَزْرَعُ الْوُدَّ فِي فُؤَادِ الْكَرِيمِ
يريد : وكيف أمسيت .
وقوله : (( وبعضهم [ أثبت فيه الأولا](4)) ، أي : وبعض أهل الرسم .
وقوله : (( أثبت فيها )) ، أي : في الجموع المذكورة .
وقوله : (( الأولا )) ، أي : الألف الأول . ذكّر الناظم الألف هاهنا وأنُّثه في موضع آخر ، لأن الحروف كلها تذكر وتؤنث ما عدا الهمزة ، فإنها لا تذكّر(5).
وقوله : (( وفيهما )) ، أي : [وفي](6)الألفين .
__________
(1) البيت من بحر الرجز ، وهو بلا نسبة في الخصائص ، لابن جني ، تحقيق عبد الحميد هنداوي ، 1 : 297 ،
ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت . والعلات جمع علة وهي الضرة ، والصبائح جمع صبوح ، والغبائق
جمع غبوق ، وهو آخر النهار ، وقيلاتي هو وقت الظهيرة .
انظرالقاموس المحيط ، مادة : " علل " ، ص 932 ، " غبق " ، ص 822 ، " قيل " ، ص 947 .
(2) هذا البيت من بحر الرجز لرؤبة بن العجاج ، وهو من شواهد سيبويه في الكتاب ، 2 : 79 .
(3) هذا البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة عند : السيوطي في همع الهوامع ، 5 : 274 ، وابن جني في
الخصائص ، 1 : 297 ، وشرح الأشموني ، 3 : 215 .
(4) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " .
(5) انظر الدرة الصقيلة ، ص 212 .
(6) ساقطة من : " جـ " .(1/355)
الإعراب : وقوله : (( الحذف )) مبتدأ [ وخبره في قوله : (( نقلا )) ، تقديره : والحذف نقل فيهما كثيرا ، والمجرور في قوله (( فيهما )) متعلق بـ (( نقلا )) ](1).
وقوله : (( كثيرا )) إما نعت لمصدر محذوف ، تقديره : نقل كثيرا ، وإما حال من الضمير المستتر في (( نقلا)) ، تقديره : والحذف نقل فيهما حالة كونه كثيرا .
والألف في آخر الشطرين لإطلاق القافية .
وقوله (( وجاء في الحرفين )) البيتين ، كلام الناظم في هذين البيتين فيما اجتمع فيه ألفان مطلقا كان مشدّدا أو مهموزا أو غيرهما ؛ لأن هذا الحكم المذكور يعمّ الثلاثة الأنواع ، إذ كذلك ذكر أبو عمرو وأبو داود(2)مثل ما ذكر الناظم .
ومثله(3)– أيضا – قوله تعالى : { وَالصَّافَّاتِ صَفًّا } الآية ، وقوله : { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا } الآية ، وقوله : { وَالْمُرْسَلَتِ عُرْفًا } الآية ، وقوله : { وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا } الآية ، وغير ذلك .
واعترض كلام الناظم هاهنا بستة(4)اعتراضات :
الأول : من جهة التناقض ، وذلك أن قوله : (( وجاء في الحرفين )) يقتضي أن الألفين محذوفان من غير خلاف .
وقوله : (( وبعضهم أثبت فيه الأولا )) يقتضي أن الخلاف في الأول دون الثاني وأن الثاني محذوف من غير خلاف .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) قال أبو عمرو : " وما اجتمع فيه ألفان من جمع المؤنث السّالم ، فإن الرسم في أكثر المصاحف ورد بحذفهما
معا ، سواء كان بعد الألف حرف مضعّف أو همزة " ، ثم مثّل بعدة أمثلة .
انظر : المقنع ، ص 23 ، مختصر التبيين ، 2 : 33 .
(3) سورة الصافات والذاريات والمرسلات والنازعات ، الآية 1 .
(4) في جـ : " بخمسة " .(1/356)
وقوله : (( وفيهما الحذف كثيرا نقلا )) يقتضي أن الخلاف فيهما معا ، وأن الحذف أكثر من الإثبات ، وهذا تدافع بين الكلام الأول والثاني والثالث . فإن أول الكلام يقتضي الحذف في الأول دون الثاني(1).
الاعتراض الثاني : من جهة التناقض – أيضا – فيما بين هذا الكلام والكلام الذي قبله في البيت قبل هذين البيتين ، وبيان ذلك : أن قوله في هذين البيتين يقتضي الخلاف في الألفين سواء كان الجمع مشدّدا أو مهموزا ، أو غير مشدّد ولا مهموز ، وقوله في البيت قبل هذين البيتين : (( والخلف في التأنيث في كليهما )) يقتضي أن الخلاف في الأول في المشدّد والمهموز ، وأن الألف الثاني في المشدّد والمهموز باق على الحذف المذكور في سالم الجمع أولا ، فتناقض كلام الناظم في المشدّد والمهموز لأن الكلام الأول يقتضي الخلاف في الأول(2)دون الثاني في المشدّد والمهموز ، وكلامه هاهنا في هذين البيتين يقتضي الخلاف في الألفين معا في المشدّد والمهموز – أيضا – ، لأن كلامه في هذين البيتين يعمّ المشدّد والمهموز وغيرهما .
الاعتراض الثالث : من جهة التكرار ، وبيان ذلك : أن ذكر المشدّد والمهموز في جمع المؤنث السّالم في البيت المتقدّم ، وهو قوله : (( والخلف في التأنيث في كليهما )) البيت ، مندرج فيما ذكر في هذين البيتين ، لأن قوله : (( وجاء في الحرفين )) يعني الألفين الكائنين في جمع المؤنث مطلقا ، سواء كان مشدّدا أو مهموزا أم لا(3).
__________
(1) في جـ ، ز : " فإن أول الكلام يقتضي الحذف فيهما معا من غير خلاف ، وآخر الكلام يقتضي الخلاف فيهما
معا ، ووسط الكلام يقتضي الخلاف في الأول دون الثاني " .
(2) قبلها في جـ ، ز : " الألف " .
(3) هكذا في جميع النسخ الموجودة لدي ، ولعل المناسب للسياق أن يقال : " أو لا " .(1/357)
ولأجل هذا قلنا أولا في كلامنا على البيت المتقدم(1): والأولى(2)الاستغناء عن هذا البيت بذكر(3)ما اجتمع فيه ألفان ، لأن حكم ما اجتمع فيه ألفان يشمل(4)المشدّد والمهموز وغيرهما .
أجيب عن الاعتراض الثاني والثالث – بالتناقض والتكرار بين هذين البيتين والبيت الذي قبلهما – : بأن الناظم تبِع في ذلك أبا عمرو(5)الداني في المقنع ، لأنه ذكر في المقنع حكم المشدّد والمهموز من جمع المؤنث السّالم ، ثم ذكر بعده حكم ما اجتمع فيه ألفان سواء كان مشددا أو مهموزا أو غير مشدّد ولا مهموز ، فالدّرك إذاً على أبي عمرو في المقنع لأنه(6)قال في المقنع(7)ما هو نصّه : وإن جاء بعد الألف
همزة أو حرف مضعّف نحو(8): { السَّآ لِينَ } { وَالْقَآ مِينَ } و { الْخَآ نِينَ }(9){ وَالصَّآ مِينَ } و { الظَّآنِّينَ } و { الْعَآدِّينَ } و { حَآفِّينَ } وشبهه ، أثبتت الألف في ذلك على أني تتبعت مصاحف أهل المدينة وأهل العراق والعُتُق القديمة(10)، فوجدت فيها مواضع كثيرة مما بعد الألف فيه همزة قد حذفت الألف منها ، وأكثر ما وجدته في جمع المؤنث السّالم لثقله ، والإثبات في المذكّر أكثر .
فصل
__________
(1) وهو : " والخلف في التأنيث في كليهما * والحذف عن جل الرسوم فيهما " .
(2) في جـ : " فالأولى " .
(3) بعدها في "جـ " : " حكم " .
(4) في جـ : " يشتمل " .
(5) في جـ : " أبو عمرو " .
(6) في جـ : " إذ " .
(7) انظر المقنع ، ص 22 ، 23 .
(8) سبق تخريج أغلب هذه الأمثلة في ص 238 ، 239 .
(9) سورة يوسف ، من الآية 52 .
(10) في جـ : " المتقدمة " ، والمقنع في ص 22 : " القديمة " كالأصل .(1/358)
وما اجتمع فيه ألفان من جمع المؤنث السّالم فإن الرسم في أكثر المصاحف ورد بحذفهما جميعا ، سواء كان بعد الألف حرف مضعّف أو همزة ، نحو : { الصَّالِحَاتِ }(1){ وَالْحَافِظَاتِ } { وَالنَّازِعَاتِ } و { السَّابِقَاتِ }(2){ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا }
و { النَّفَّاثَاتِ }(3){ وَالْعَادِيَاتِ }(4){ وَالصَّادِقَاتِ }(5){ وَالصَّامَاتِ [ و { ثَيِّبَاتٍ } و { تَابَاتٍ } و { سَاحَااتٍ } ](6){ والْمُنَافِقَاتِ } ، وشبهه . انتهى نصّه .
وهذا كلام مشكل ، وبيان إشكاله : أن قوله وأكثر ما وجدته في جمع المؤنث لثقله [أي : وأكثر ما وجد الحذف في جمع المؤنث لثقله](7)، يقتضي هذا أن المشدّد والمهموز من جمع المؤنث [وارد في القرآن](8)فيما فيه ألف واحدة ، بدليل قوله : " وما اجتمع فيه ألفان من جمع المؤنث السّالم ، فإن الرسم في أكثر المصاحف ورد بحذفهما جميعا سواء كان بعد الهمز حرف مضعف أو همزة " ، فالأولى الاستغناء بقوله : " وما اجتمع فيه ألفان " المسألة ، عند قوله(9): " وأكثر ما وجدته في جمع المؤنث لثقله " .
فالاعتراض الوارد على الناظم وارد في الحقيقة على أبي عمرو الداني ، لأن الناظم تبعه في هذا . وعبارة أبي داود في " التنزيل " أحسن من عبارة أبي عمرو الداني .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 24 .
(2) سورة النازعات ، من الآية 4 .
(3) سورة الفلق ، من الآية 4 .
(4) 10) سورة العاديات ، من الآية 1 .
(5) 11) سورة الأحزاب ، من الآية 35 .
(6) 12) ما بين المعقوفين سقط من ط جـ " ، وفيه " غيابات وتائبات " .
(7) 13) ما بين المعقوفين سقط من : " ز " .
(8) 14) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(9) المقنع ، ص 23 .(1/359)
قال أبو داود في التنزيل(1): " وما اجتمع فيه ألفان من جمع المؤنث السّالم وسواء كان بعد الألف حرف مضعّف أو همزة ، ففيه اختلاف(2)بين المصاحف ، فبعضها حذف الألف الثاني وأثبت الأول وبعضها – وهو الأكثر – حذف منها الألفين على الاختصار وتقليل حروف المد ، وبذلك أكتب ، وإياه أختار ، نحو : { الصَّالِحَاتِ } " وكذا إلى آخر المثول . انتهى نصّه .
فذكر أبو داود : حكم ما اجتمع فيه ألفان ، سواء كان مشدّدا أو مهموزا أو غيرهما ، بكلام واحد ، وذكر الخلاف في الأول خاصّة وذكر الحذف في الثاني من غير خلاف
الاعتراض الرابع : من جهة الإجمال ، لأن كلام الناظم في هذين البيتين لم يبيّن فيه أي طريق(3)سلك الناظم ، هل طريقة أبي عمرو ؟ أو طريقة أبي داود ؟ أو سلك طريقتهما معا ؟
أجاب بعضهم(4)عن هذا ، بأن قال(5): سلك الناظم طريقتهما معا ، وجمع في هذين البيتين بين طريقتيهما . فأوّل الكلام طريقة أبي داود ، وهو قوله : (( وجاء في الحرفين )) إلى قوله : (( أثبت فيه الأولا(6)) ، وآخر الكلام طريقة أبي عمرو ، وهو قوله : (( وفيهما الحذف كثيرا نقلا )) ، ولكن هذا الجواب ضعيف ؛ لأن بيان طريقتي الشيخين لا يُفهم من هذين البيتين ، وإنما يفهم ذلك من كتبهما كما تقدّم في نصوصهما
__________
(1) مختصر التبيين ، 2 : 33 ، 34 .
(2) في جـ : " خلاف " ، وفي التنزيل " اختلاف " كالأصل .
(3) في جـ : " طريقة " .
(4) منهم ابن آجطا في التبيان ، ورقة 23 .
(5) في جـ : " قيل " .
(6) في جـ : " وبعضهم أثبت فيه الأولا " .(1/360)
الاعتراض الخامس : من جهة النقل ، وذلك أن قوله : (( وجاء في الحرفين )) يقتضي اندراج { ءَايَاتٍ } و { اءَلاْيَاتِ } ، وشبهه في هذا الكلام ، لأنه اجتمع فيه ألفان مع أن حكمه حكم ما فيه ألف واحدة ، كـ { مُسْلِمَاتٍ } و { مُؤْمِنَاتٍ } . قد تقدّم التنبيه على هذا في قوله(1): (( من سالم الجمع الذي تكررا )) فلينظر هنالك .
وقد رُوي أن الناظم اعترض عليه كلامه في هذين البيتين بالتناقض ، وهو الاعتراض الأول كما تقدّم ، ففكّر قليلا ، ثم بدل الشطر الآخر من البيتين ، وهو قوله : (( وفيهما الحذف كثيرا نقلا )) بشطر آخر ، فقال(2): (( ولكن حذفه كثيرا نقلا ))
ولكن هذا وإن قاله فالدّرك باقٍ عليه ، لأنه لم يبيّن أي طريقة سلك ، هل طريقة أبي داود؟ أو طريقة أبي عمرو؟ ، لأن كلام الناظم قبل هذا التبديل هو على طريقة أبي عمرو ، وكلامه بعد هذا التبديل هو على طريقة أبي داود . وكان حقّه أن يبيّن طريقتيهما لالتزامه ذلك في الصدر ، في قوله(3): (( وكلما قد ذكروه أذكر )) ، وإلا فظاهر إطلاقه هاهنا يؤذن أن هذا الكلام طريقتهما معا ، وليس الأمر كذلك ، ولو روجع في هذا لبيّنه غاية بيانه ، لسهولة النظم عليه – رحمه الله – ، ولا يُفهم طريق الأشياخ من كلام الناظم هاهنا ؛ إذ كلامه لا يسلم من الاعتراض على كل حال ، والأوْلى والأبْين أن تقول عوض هذه الأبيات الثلاثة ، هذه الأبيات :
وَالْخُلْفُ فِي التَّأْنِيثِ فِي الْحَرْفَيْنِ لِلدَّانِي فِي مُقْنِعٍ دُونَ مَيْنِ
وَالْحَذْفُ فِيهِمَا اخْتِيَارُ الْحَبْرِ بِالْهَمْزِ أَوْ بِالشَّدِّ أَوْ بِالْغَيْرِ
كَقَوْلِهِ الصَّافَّاتِ تَائِبَاتٍ وَعَابِدَاتٍ قُلْ وَبَاسِقَاتٍ
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 233 .
(2) انظر : التبيان ، ورقة 22 ، قراءة الإمام نافع عند المغاربة ، 2 : 446 .
(3) تنبيه العطشان ، ص 197 .(1/361)
وَالْحُكْمُ فِي التَّنْزِيلِ حَذْفُ اللاحِقْ وَالْحَذْفُ مَشْهُورٌ لَهُ بِالسَّابقْ
أو تقول
وَالأَلِفَانِ اجْتَمَعَا فِي الْجَمْعِ مُسَلَّمًا كَيْفَ أَتَى فِي السَّمْعِ
فَالْحَذْفُ فِيهِمَا مَعَ الرُّجْحَانِ فِي مُقْنِعِ الإِمَامِ أَعْنِي الدَّانِي
كَذَا بِأَوَّلٍ لَدَى التَّنْزِيلِ وَاحْذِفْ لَهُ الثَّانِي بِلاَ تَهْوِيلِ
أو تقول
وَمَا أَتَى جَمْعًا بِأَلِفَيْنِ تَضْعِيفًا أَوْ هَمْزًا بِِغَيْرِ دَيْنِ
فَالدَّانِي قَدْ حَكَى الْخِلاَفَ فِيهِمَا وَاخْتَارَ حَذْفًا فِيهِمَا فَلْيُفْهَمَا
وَابْنُ نَجَاحٍ حَذَفَ الْمُؤَخَّرَا فِي الأَوَّلِ الْحَذْفُ كَثِيرًا شُهِرَا
أو تقول
وَجَمْعُ تَسْلِيمٍ بِهِ حَرْفَاهُ فَمُقْنِعٌ حَذْفُهُمَا ارْتَضَاهُ
وَهَكَذَا التَّنْزِيلُ فِي الأُولَى وَفِي ثَانِيهِمَا الْحَذْفُ بِلاَ مُخْتَلِفِ
وإن شئت أن تجمع بين طريقتي الشيخين فتقول :
وَأَلِفًا جَمْعَ الْمُؤَنَّثَاتِ شَدًّا أَوْ نَبْرًا أَوْ سِوَاهُ يَأْتِي
ثَالِثُهُمَا أَنْ يُثْبِتَ الْمُقَدَّمُ وَالْحَذْفُ فِيهِمَا هُوَ الْمُعَظَّمُ
[الاعتراض السادس : من جهة النقل – أيضا – ، وذلك أن قول الناظم : ((وفيهما الحذف كثيرا نقلا)) يقتضي الخلاف في الألفين في قوله تعالى : { جِمَالَتٌ صُفْرٌ }(1)مع أن أبا عمرو لم يذكر الخلاف إلا في الأول ، وأما الثاني فقد ذكر فيه الحذف في جميع المصاحف ، ونصّه(2)في باب ما اختلف فيه مصاحف أهل الأمصار بالإثبات والحذف : " وفي المرسلت في بعض المصاحف { جِمَالَتٌ } بألف بعد الميم وفي بعضها { جِمَالَتٌ } ، وليس في شيء من المصاحف ألف قبل التاء" . هذا نصّه في المقنع . وإن شئت استدركت(3)هذا ، فَزدْ بعد ما تقدّم هذا البيت ، وهو قولنا :
__________
(1) سورة المرسلات ، من الآية 33 .
(2) انظر المقنع ، ص 98 ، 99 .
(3) في ز : " استدراك هذا " .(1/362)
وَاحْذِفْ جِمَالاَتٌ بِالاِتِّفَاقِ أُخْرَى وَجَا الأَوَّلُ بِالشِّقَاقِ
وجا هو بإسقاط الهمزة للوزن ، مع حذف ألفه للالتقاء الساكنين سكون الألف وسكون لام التعريف ](1).
فإذا تقرّّر هذا فاعلم أن جمع المؤنث السّالم في هذا الباب على خمسة أقسام :
قسم مفرده مؤنث لفظا ومعنى ، نحو : { الصَّادِقَاتِ } و { الصَّالِحَاتِ } .
وقسم مفرده مذكر لفظا ومعنى ، مثاله : { فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ }(2)، وقوله : { فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ }(3)، وقوله : { فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ }(4).
وقولهم في هذا القسم : جمع مؤنث مجازا ، لأنه جمع مذكر لأن مفرده : نحس ، ومعدود ، ومعلوم ، فالمفرد في جميعها مذكر لا مؤنث ، ولكن جمع على صورة جمع المؤنث السّالم .
وقسم مفرده مؤنث لفظا مذكر معنى ، نحو : "طلحات" و"حمزات" ، لأنه اسم للمذكر ، ولم يوجد هذا النوع في القرآن .
وقسم مفرده مذكر لفظا مؤنث معنى ، نحو : { ثَيِّبَاتٍ } و { السَّمَاوَاتِ }(5)و { ?ُمَّهَاتُ } لأن مفرده : ثيب ، وسماء ، وأم . ومثاله من كلام العرب : "هند" و"دعد" ، لأنك تقول في الجمع : "هندات" و"دعدات" .
وقسم مفرده جمع ، نحو قوله تعالى : { جِمَالَتٌ صُفْرٌ } ، لأن مفرده : جمال ، زيدت فيه الهاء للمبالغة ، وهو جمع : جمل ، فهو جمع الجمع .
وقسم لا مفرد له من لفظه ، وهو { ?ُوْ لَتُ } ، نحو قوله تعالى : { وَإِن كُنَّ ?ُوْ لَتِ حَمْلٍ } ، وقوله : { وَ?ُوْ لَتُ الأَحْمَالِ }(6). فهذه خمسة أقسام .
__________
(1) ما بين القوسين المعقوفين ، مقدار تسعة أسطر ، سقط من " جـ " .
(2) سورة فصلت ، من الآية 15 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 201 .
(4) سورة الحج ، من الآية 26 .
(5) سورة البقرة ، من الآية 116 ، وغيرها .
(6) سبق تخريج هذه الأمثلة في ص 244 .(1/363)
واعلم أن المعتبر في هذا الباب في جمع المؤنث : هو الجمع بالألف والتاء ، كما أن المعتبر في جمع المذكر : هو الجمع بالواو والنون أو بالياء والنون ، سواء كان مفرده مذكرا أو مؤنثا ، وسواء كان مفرده واحدا أو جمعا ، فالمعتبر في هذا الباب هو اللفظ كما تقدّم .
وهاهنا خمسة تنبيهات :
أحدها : في الألفاظ التي يتوهّم فيها أنها جمع تكسير(1).
والثاني : في الألفاظ التي يتوهّم فيها أنها جمع سلامة وهي جمع تكسير .
والثالث : في الألفاظ التي يتوهّم فيها أنها جمع سلامة وهي مفرد(2).
والرابع : في الألفاظ التي يتوهّم فيها أنها مفرد وهي جمع سلامة .
والخامس : في الألفاظ التي هي جمع المؤنث السّالم باتفاق ، ولو تغيّر فيها سكون مفرده بحركة .
__________
(1) زاد في جـ : " وهي جمع سلامة " .
(2) في جـ : " مفردة " .(1/364)
فأما الألفاظ التي يتوهّم فيها أنها جمع تكسير وهي جمع سلامة فهي : { الْبَنَاتِ }(1)والأخوات(2)والـ { ?ُمَّهَاتُ }(3)، وإنما قلنا [قد](4)يتوهم في هذه الألفاظ أنها جمع تكسير ، لأن المفرد قد تغيّر في جميعها ، وذلك شأن جمع تكسير(5)، لأن مفرد البنات بنت ، فتغير(6)فيه كسرة الباء في المفرد بفتحها في الجمع ، ومفرد الأخوات أخت فتغير(7)فيه ضمة الهمزة في المفرد بفتحها في الجمع ، ومفرد الأمهات : أم ، فتغير(8)مفرده بزيادة الهاء في الجمع .
وهذا كله من شأن جمع التكسير ، وليس هذا بجمع التكسير ، وإنما هو جمع المؤنث السّالم اعتبارا بأصله .
[ فأما البنات ، فالدليل على أن جمعه جمع سلامة : نصبه بالكسرة كجره ، ومنه قوله تعالى : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ }(9)، وقوله : { وَخَرَّقُواْ لَهُ? بَنِينَ وَبَنَاتٍ }(10)وغير ذلك . ويدلّ على أن جمعه جمع سلامة – أيضا – : جمع مذكره بجمع السلامة ، لأنه يقال في ابن : بنون وبنين ، لأنهم لما أرادوا جمعه ردوه إلى أصله ، فحذفوا منه ألف الوصل وفتحوا الباء ، لأن الجمع يرد الشيء إلى أصله ، فكما جمعوا مذكره جمع السلامة ، فكذلك يكون جمع مؤنثه .
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { ..... وَخَرَّقُواْ لَهُ? بَنِينَ وَبَنَاتٍ..... } ، سورة الأنعام ، من الآية 101 .
(2) في مثل قوله تعالى : { ..... وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ ...... } ، سورة النساء ، من الآية 23 .
(3) في مثل قوله تعالى : { ....... حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ?ُمَّهَاتُكُمْ ...... } ، سورة النساء ، من الآية 23 .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) هكذا في جميع النسخ . ولعل الصواب أن يقال : " وذلك شأن جمع التكسير " .
(6) في " جـ " : فتغيرت " .
(7) 10) في " جـ " : فتغيرت " .
(8) 11) في " جـ " : " فتغيرت " .
(9) 12) سورة النحل ، من الآية 57 .
(10) 13) سورة الأنعام ، من الآية 101 .(1/365)
قال المكي(1)في مشكل الإعراب(2)في سورة المدثر في قوله تعالى : { وَبَنِينَ شُهُودًا }(3): " أصل بنين : ((بنيين)) على وزن ((فاعلين)) تحرك حرف العلّة وانفتح ما قبله ، فقلبت ألفا ، ثم حذفت الألف للالتقاء الساكنين ، ثم كسر ما قبل الياء ، وإنما كسر ما قبل ياء الجمع هاهنا مع أن حقه أن يفتح كسائر المقصور ، نحو : { الْمُصْطَفَيْنَ }(4)، الأعلين(5)ليجري جمعه على مفرده في الإعلال ، لأن حقّ مفرده أن يكون مقصورا ، نحو : "عصى" و"رحى" ، لأن أصله : ((بَنَيٌ)) ، فحقه أن يكون حكمه حكم المقصور في الإفراد والجمع " . انتهى .
فتبيّن بهذا : أن ((بنات)) جمع سلامة ، كما أن ((بنين)) جمع سلامة ، فالجمع فيهما باعتبار أصلهما لا باعتبار فرعهما . وبالله التوفيق بمنّه .
وقد نصّ أبو إسحاق العطار(6)في شرحه للكراس في باب الفاعل أن بنات جمع سلامه ، ونصّه : " وقد حكى سيبويه عن العرب(7): جاء ((جواريك)) وجاء ((بناتك)) ، فسوّى بين جمع التكسير الذي هو جواريك ، وبين ((بناتك)) الذي هو جمع المؤنث السّالم "(8).
__________
(1) تقدمت ترجمته ، 188 .
(2) انظر مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب القيسي ، تحقيق ساسين محمد السوّاس ، 2 : 424 ،
مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق ، 1974 م
(3) سورة المدثر ، الآية 12 .
(4) في قوله تعالى : { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ } ، سورة ص ، الآية 46 .
(5) ليست من القرآن .
(6) لم أجد له ترجمة .
(7) انظر الكتاب ، 2 : 35 . وفي ز : " على أن العرب " ، ثم ذكر في الحاشية : " علّه يقولون " .
(8) المشكاة والنبراس شرح كتاب الكراس للجزولي ، لأبي إسحاق العطار ، لوحة 111 ، مخطوط في الخزانة
العامة بالرباط ، رقم "354" .(1/366)
انتهى نصّه . ومعنى قوله : " سوى بينهما " ، أي في حذف علامة التأنيث هكذا ذكر العطار في باب الفاعل في قول أبي موسى(1)، ولا تلزم في الجمع مطلقا فتبيّن بهذا كله : أن البنات جمع سلامة اعتبارا بأصل مفرده .
قال أبو محمد مكي– رحمه الله – ](2): " أما البنات فأصل مفرده ((بَنَيَة)) على وزن (( فعلّة )) ، والدليل على أن أصلها الياء : كسرة أوله ، لتدلّ الكسرة على أن المحذوف منه الياء ، فأصله إذا ((بنية)) ، فحذف آخره على غير قياس ، وقيل لكثرة الاستعمال ، فبقي الاسم على حرفين الياء والنون ، فزيدت التاء للإلحاق ، أي لإلحاق هذا البناء ببناء جذع – مثلا – وكسرت الباء في أوله ، لتدل الكسرة على الياء المحذوفة . فتبيّن بهذا أن البنات جمع سلامة وليس جمع تكسير .
وأما الأخوات : فأصل مفرده ((أخوة)) على وزن ((فعلة)) ، والدليل على أن أصلها الواو : جمعه ، لأنك تقول في جمعه أخوات ، فأصل مفرده إذا ((أخوة)) ، فحذف آخره على غير قياس ، وقيل لكثرة الاستعمال فبقي الاسم على حرفين الهمزة والخاء فزيدت التاء للإلحاق ، أي لإلحاق هذا البناء ببناء قُفل – مثلا – وضمت الهمزة في أوله ، لتدل على الواو المحذوفة . فتبيّن أن الأخوات جمع سلامة وليس بجمع تكسير
__________
(1) هو عيسى بن عبد العزيز الجزولي ، أبو موسى ، النحوي المشهور ، استقر بمراكش ، وهو من كبار العلماء
الذين امتازوا بجودة الفكر وحسن التعليل . من مؤلفاته : " المقدمة في النحو " ، أمالي في النحو " ، " شرح
على الإيضاح لأبي علي الفارسي " . توفي سنة 607 هـ .
انظر موسوعة مشاهير رجال المغرب ، لعبد الله كنون ، 2 : 6 – 21 ، ط2 ، دار الكتاب اللبناني ، 1994 م .
(2) 10) ما بين القوسين المعقوفين ، مقدار 21 سطرا ، سقط من : " جـ " .(1/367)
هكذا ذكره المكي في مشكل الإعراب(1)في قوله تعالى : { يَاـ?ُخْتَ هَارُونَ }(2)في سورة مريم ، فجعل التاء في ((أخت)) و((بنت)) زائدة ، وأن الياء في بنت هو الأصل
وقال أبو الفتح بن جني في سر الصناعة(3): التاء في أخت وبنت بدل من لام الكلمة التي هي الواو ، فأصلهما أخوة وبنوة ، وليست التاء فيهما بعلامة التأنيث كما يظنّ من لا خبرة له بهذا الشأن ، والدليل على أن أصل أخت الواو ، قولهم في جمعه : أخوات ، والدليل على أن أصل بنت الواو : أن إبدال التاء من الواو أكثر من إبدالها من الياء ، فحمله على الأكثر أولى من حمله على الأقل .
فالتاء في : ((أخت)) و((بنت)) على قول المكي زائدة ، وعلى قول أبي الفتح أصلية لأنها بدل من لام الكلمة . [ وذكر المرادي(4)في شرح الألفية في باب الوقف أن : أخوات وبنات مما ألحقّ بجمع المؤنث السّالم ، نحو : { ?ُوْ لَتُ } فخرج مما ذكرنا أن جمع البنات والأخوات : اختلف فيه النحاة ، قيل جمع سلامة ، وقيل جمع تكسير " .
__________
(1) مشكل إعراب القرآن ، 2 : 55 ، 56 .
(2) سورة مريم ، من الآية 27 .
(3) انظر سر الصناعة ، 1 : 149 .
(4) هو الحسن بن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علي ، أبو محمد ، المعروف بابن أم قاسم المرادي . قرأ
القراءات على العلامة مجد الدين إسماعيل ، وأخذ العربية عن أبي عبد الله الطنجي ، وغيره . من مؤلفاته :
"شرح الشاطبية" ، "شرح الألفية" ، "غاية الإحسان" في النحو . توفي سنة 749 هـ .
انظر : بغية الوعاة ، 1 : 517 ، رقم 1070 ، غاية النهاية ، 1 : 227 ، رقم 1038 .
وانظر هذا القول في توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك للمرادي ، شرح وتقديم عبد الرحمن
سليمان ، 3 : 1462 ، 1463 ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 2001 م .(1/368)
قلت – والله أعلم – : يحتمل هذا الخلاف أن يكون اختلاف مقال ، ويحتمل أن يكون اختلاف حال ، وذلك بالنظر إلى أصله والنظر إلى حاله . فمن نظر إلى أصله قال : جمع سلامة ، وهو مقتضى كلام مكي في مشكل الإعراب ، ومن نظر إلى حاله قال : جمع تكسير وهو مقتضى كلام المرادي](1).
وأما الأمهات ، نحو قوله(2)تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ?ُمَّهَاتُكُمْ }(3)وقوله تعالى :
{ مَا هُنَّ ?ُمَّهَاتِهِمْ إِنْ ?ُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ا لَّى وَلَدْنَهُمْ }(4)، فالدليل على أنه جمع سلامة نصبه بالكسرة كجره ، نحو قوله تعالى : { مَا هُنَّ ?ُمَّهَاتِهِمْ } فأصل مفرده أمهة [على وزن ((فُعلهة)) ](5).
قال ابن عصفور(6): " تزاد الهاء سماعا في مفرده وفي جمعه " ، ومنه قول الشاعر(7):
أُمَّهَتِي خِِنْدُفٌ وَإِلْيَاسُ أَبِي
فزادها في المفرد ، أي : أمتي خندف ، وهو اسم امرأة . فتبيّن بهذا : أن ((الأمهات)) جمع سلامة وليس بجمع تكسير .
وأما الألفاظ التي يتوهّم فيها أنها جمع سلامة وهي جمع تكسير ، فهي : { الاْجْدَاثِ } ، و { الاْصْوَاتِ } ، و((الأبيات)) ، و((الأقوات)) .
__________
(1) ما بين المعقوفين ، مقدار سبعة أسطر ، سقط من " جـ " .
(2) في جـ : " كقوله تعالى " .
(3) سورة النساء ، من الآية 23 .
(4) سورة المجادلة ، من الآية 2 .
(5) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " .
(6) تقدمت ترجمته ، ص 180 .
(7) هذا البيت لقصي بن كلاب ، وهو من شواهد : أبي علي القالي في الأمالي ، 2 : 301 ، طبعة دار الآفاق
الجديدة ، 1980 م ، والطبري في تاريخه ، 1 : 513 ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت .(1/369)
مثال ذلك قوله تعالى : { فَإِذَا هُم مِّنَ الاْجْدَاثِ }(1)، وقوله تعالى : { إِنَّ أَنكَرَ الاْصْوَاتِ }(2)، وقوله تعالى : { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا }(3).
وإنما قلنا يتوهّم في هذا أنه جمع سلامة : لكونه مجموعا بالألف والتاء ، وذلك شأن جمع المؤنث السّالم ، ولكن هو جمع تكسير ، وذلك أن مفرد { الاْجْدَاثِ } : جدث بالثاء المعجمة وهو القبر ، وقد تبدل هذه الثاء فاء ، فيقال : جدف ، ويقال في جمع جدث أجداث ، ولا يقال في جمع جدف أجداف ، لأن هذا البدل مخصوص بمفرده دون جمعه ، لأنه لم يسمع هذا البدل في جمعه ، فيقولون : { الاْجْدَاثِ } ولا يقولون الأجداف ، قاله(4)أبو الفتح ابن جني في سرّ الصناعة . فتبين بهذا أنه جمع تكسير .
وأما { الاْصْوَاتِ } فمفرده صوت . وأما ((الأبيات)) فمفرده بيت . وأما ((الأقوات)) فمفرده قوت ، فهذه الألفاظ كلها جمع تكسير ، وإن جُمعت بالألف والتاء لتغيّر مفردها في الجمع ، ولأن التاء في جمعها أصلية وليس بزائدة .
وأما الألفاظ التي يتوهّم فيها أنها جمع سلامة وهي مفرد لا جمع ، فهي : { مَرْضَاتِ } و { التُّرَاثَ } ، كقوله تعالى : { ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ }(5)، [ وقوله تعالى : { وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ }(6).
أما { مَرْضَاتِ } فهو ](7)مفرد لأن أصله : مرضوة على وزن مفعلّة ، تحرك حرف العلّة وانفتح ما قبله(8)فقلبت ألفا ، فصار مرضات ، والدليل على أن أصله الواو ، لأنه من الرضوان .
__________
(1) سورة يس ، من الآية 50 .
(2) سورة لقمان ، من الآية 18 .
(3) سورة فصلت ، من الآية 9 .
(4) انظر سر الصناعة ، 1: 267 .
(5) سورة البقرة ، من الآية 264 .
(6) سورة الفجر ، الآية 21 .
(7) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " .
(8) 10) في جـ : " ما قبلها " .(1/370)
وأما { التُّرَاثَ } ، فأصله : وُراث على وزن ((فُعال)) ، فقلبت الواو تاء ، فصار تراثا ، فالتاء فيه أصلية في موضع لام الكلمة ، وليست بزائدة .
وأما الألفاظ التي يُتوهّم فيها أنها مفرد وهي جمع سلامة ، فهي : { الْمَثُلَتُ } [ و { ثُبَاتٍ } ، وذلك قوله تعالى : { وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَتُ }(1)، وقوله تعالى : { فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ }(2)](3).
أما { الْمَثُلتُ } فمفرده : ((مَثُلة)) ، ويجوز في مفرده أربعة أوجه :
ضم الميم والثاء ، أو ضم الميم وسكون الثاء ، أو فتح الميم وسكون الثاء(4).
وهذه الأوجه الأربعة قرئى(5)بها في جمع هذا اللفظ(6)في قوله تعالى : { وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَتُ } ، وفي معناه قولان(7): قيل العقوبات الشديدات ، وقيل الأمثال .
__________
(1) سورة الرعد ، من الآية 7 .
(2) سورة النساء ، من الآية 70 .
(3) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " .
(4) ذكر في " جـ " الوجه الرابع وهو : " أو فتح الميم وضم التاء " ، وهو الصواب ، وقد سقط من الأصل .
(5) قرأ القراء الأربعة عشر { الْمَثُلتُ } بفتح الميم وضم التاء ، والأوجه الثلاثة الأخرى قرئ بها في الشاذ ،
قرأ بضم الميم والتاء { الْمَثُلتُ } عيسى بن عمر ، وقرأ بسكون التاء وفتح الميم { الْمَثُلتُ } وضم الميم
وسكون التاء { الْمَثُلتُ } يحيى بن وثاب . انظر مختصر في شواذ القرآن ، ص 70 .
(6) في جـ : " هذه الألفاظ " .
(7) انظر : تفسير الطبري ، 13 : 105 ، الجامع لأحكام القرآن ، 9 : 284 .(1/371)
وأما { ثُبَاتٍ } فمفرده : ((ثُبة)) بالثاء المعجمة ، وأصله تَبْوة على وزن فعلة ، فحذف واوه فبقي على حرفين ، وتقول في تصغيره ((تُبيّةٌ)) ، ومعنى الثُبة(1): الجماعة من الناس ، يقال : ثبيْت الشيء إذا جمعته ، ويقال ثبيت على الرجل ، إذا أثنيت عليه بجميع محاسنه .
وأما ((التبت)) بالتاء المهملة – ولم يرد في القرآن – ، فمعناه : اسم لوسط الحوض فأصله ((توبة)) ، لأن تصغيره ((تُويبة)) ، فحذف عينه لأنه من تاب يتوب إذا رجع وسمي وسط الحوض بذلك ؛ لأن الماء يرجع إليه .
وأما الألفاظ التي هي جمع سلامة باتفاق وإن تغيّر فيها سكون مفرده بحركة ، فهي : الـ { قُرُبَت }(2)و { الْغُرُفَاتِ }(3)و { الظُّلُمَاتِ }(4){ وَالْحُرُمَاتِ }(5)و { الْحُجُرَاتِ }(6). وهذه الألفاظ كلها جمع سلامة ولا عبرة بهذه الحركات ، لأنها حركة الإتباع . انتهى الكلام في هذين البيتين .
__________
(1) انظر : تفسير الطبري ، 1 : 164 ، تفسير ابن كثير ، 1 : 525 ، لسان العرب ، مادة " ثوب " ، 1 : 245 .
(2) في قوله تعالى : { ..... وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ...... } ، سورة التوبة ، من الآية 100 .
(3) 10) في قوله تعالى : { ....... وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ ءَامِنُونَ } ، سورة سبأ ، من الآية 37 .
(4) 11) في مثل قوله تعالى : { اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ } ، سورة البقرة ، الآية 255 .
(5) 12) في مثل قوله تعالى : { ........ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ....... } ، سورة البقرة ، من الآية 193 .
(6) 13) في قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَّرَآءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } ، سورة الحجرات ، الآية 4 .(1/372)
الإعراب : قوله : (( وجاء )) ماض ، (( في الحرفين )) متعلق بـ (( جاء )) ، وقوله : (( نحو )) نعت أو بدل ، وقوله : (( الصادقات )) مضاف إليه ، والثلاثة الألفاظ [بعده](1)معطوفات عليه ، وقوله : (( وبعضهم )) مبتدأ ومضاف إليه ، وقوله : (( أثبت )) ماض في موضع الخبر(2)(( فيها )) متعلق بـ (( أثبت )) ، وقوله : (( الأولا )) مفعول والألف في آخره لإطلاق القافية ، وقوله : (( وفيهما )) متعلق بـ (( نقلا )) ، وقوله : (( الحذف )) مبتدأ وخبره في (( نقلا )) ، وقوله : (( كثيرا )) إما حال من الضمير المستتر في (( نقلا )) ، وإما نعت لمصدر محذوف ، أي : نقلا كثيرا ، وقوله : (( نقلا )) ماض مركّب ، والألف فيه لإطلاق القافية . ثم قال :
[55] وَأَثْبَتَ التَّنْزِيلُ أُولَى يَابِسَاتْ **** رِسَالَةَ الْعُقُودِ قُلْ وَرَاسِيَاتْ
[56] رَجَّحَ ثَبْتَهُ وَبَاسِقَاتِ **** وَفِي الْحَوَارِيِّينَ مَعَ نَحْسَاتِ
[57] أَثْبَتَهُ وَجَاءَ رَبَّانَيُّونْ **** عَنْهُ بِحَذْفٍ مَعَ رَبَّانِيِّينْ
لمّا ذكر الناظم – رحمه الله – القاعدة في جموع السلامة ، وهي : الحذف ، أراد أن يذكر ما هو خارج عن تلك القاعدة ، فيكون ثابتا إما باتفاق على الإثبات وإما باختلاف ، فبدأ هاهنا بما انفرد به أبو داود دون أبي عمرو [الداني ](3)إلى قوله : (( وعنهما روضات قل والجنات )) .
وقوله : (( وأثبت التنزيل )) ، أي : وأثبت صاحب التنزيل ، وهو أبو داود ونسب الخلاف إلى صاحب التنزيل وغيره من المؤلفين[ في الرسم](4)مجاز لا حقيقة ، لأن الإثبات والحذف منسوبان في الحقيقة إلى الصحابة الذين جمعوا القرآن في المصحف - رضي الله عنهم - ، ونسبة ذلك إلى غيرهم مجاز .
[
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) بعدها في " جـ " : وقوله " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) ساقطة من ك " جـ " .(1/373)
وقوله : (( أولى يابسات )) يريد الألف الأولى من كلمة { يَابِسَاتٍ } ](1).
وقوله : (( أولى )) يعني الألف ، أنّث الألف هاهنا وذكّره في موضع آخر ، لأن الحروف كلها تذكر وتؤنث ، ما خلا الهمزة ، فإنها تؤنث ولا تذكر .
اعترض قوله : (( أولى يابسات )) بأن هذا الكلام مشكل ، لأنه ليس فيه ما يُفهم منه أن المراد به الألف الأولى من الكلمة ، أو المراد به الكلمة الأولى من هذه الكلمة ، لأن هذه الكلمة وقعت في القرآن في موضعين في سورة يوسف - عليه السلام - وهما قوله
تعالى : { وَ?ُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلأُ }(2).
وقوله : { وَ?ُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّيَ أَرْجِعُ }(3).
فقول الناظم : (( أولى يابسات )) كلام مُجمل لا يُفهم منه هل أراد أولى الألفين أو أولى الكلمتين .
أجيب عنه بأن قيل : اتّكل الناظم في بيان ذلك على نصّ أبي داود في التنزيل ، لأنه ذكر في التنزيل أن المراد الألف الأولى من هذه الكلمة ، ونصّه في التنزيل(4): " وكذلك حذفوها - يعني الألف - بين السين والتاء من { يَابِسَاتٍ } ولا خلاف بينهم في إثباتها بين الياء والباء " .
فقول الناظم : (( أولى يابسات )) ، أي أولى الألفين من { يَابِسَاتٍ } .
__________
(1) ما بين المعقوفين ، سقط من " جـ " .
(2) سورة يوسف ، من الآية 43 . ورسمت في جـ : " الملؤا " ، والصواب ما أثبت ، لأن لفظ "الملؤا" المرسوم
بالواو في القرآن في أربعة مواضع : ثلاثة في سورة النمل ، وموضع في سورة المؤمنون .
وقد أصلح الشيخ ابن غازي هذاالبيت بقوله : " الألف الأولى من لفظ يابسات * رسالة العقود قل وراسيات "
انظر تقييد طرر على مورد الظمآن ، لوحة 47 .
(3) سورة يوسف ، من الآية 46 .
(4) مختصر التبيين ، 3 : 718 ، دليل الحيران 41 .(1/374)
وقوله : (( رسالة العقود )) ، أي : أثبت أبو داود – أيضا – الألف الأولى من رسالة العقود ، وهو قوله تعالى : { فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالََتَِهِ? }(1)ونصّه في التنزيل(2): " وكتبوا : { فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالََتَِهِ? } بألف قبل اللام وبغير ألف بعدها واجتمعت على ذلك المصاحف فلم تختلف " .
وقوله : (( رسالة )) يعني بنصب التاء مع إفراد هذا اللفظ ، إنما أتى به الناظم على جهة الإفراد مع أن نافعا يقرؤه بالجمع ، ليتزن له النظم ، ولأجل ذلك أتى به على جهة الإفراد ، وفيه في السبع قراءتان مشهورتان(3): قراءة القراء كلهم بالإفراد إلا نافعا وابن عامر [ فإنهما](4)قرءاه بالجمع .
وقوله : (( رسالة العقود )) قيّده بالسورة احترازا من غيره ، كقوله تعالى في سورة الأنعام : { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالََتَِهِ? }(5)، وقوله تعالى في سورة الأعراف : { ?ُبَلِّغُكُمْ رِسَالََتِ رَبِّي }(6).
وقوله : (( قل ورسيت )) هذا ابتداء كلام ، وخبره فيما بعده ، وهو من باب التضمين . ومعنى التضمين : أن يكون معنى بيت في بيت آخر بعده ،لأن معنى قوله : (( قل ورسيت )) في أول البيت الذي بعده ، وهو قوله : ((رجح ثبته وبسقت)) .
وقوله : (( قل )) هذه اللفظة كثيرا ما يأتي الناظم بها في هذا الرَّجز ، وليس لها معنى إلا تهيّأ للنظم .
__________
(1) سورة المائدة ، من الآية 69 .
(2) مختصر التبيين ، 3 : 453 .
(3) لم يذكر الشارح شعبة ، وهو مع نافع وابن عامر . انظر : التيسير ، ص 83 ، تحبير التيسير ، ص 107 ،
الكنز في القراءات العشر ، ص 151 ، البدور الزاهرة ، ص 93 .
(4) ساقطة من : " جـ "
(5) سورة الأنعام ، من الآية 125 . وقد ذكر أبو عمرو الداني حذف الألف بعد اللام في الحرفين .
انظر : المقنع ، ص 11 .
(6) سورة الأعراف ، من الآية 61 .(1/375)
وقوله : (( رجح ثبته )) ، أي : ميّل وثقّل ثبته ، لأن الترجيح معناه : التمييل والتثقيل ، لأنك تقول : "رجّحت الميزان" ، أي : ميّلته وثقّلته حتى رجح [ ومن هذا المعنى قولهم في لعبة الصبيان : "الأرجوحة" ، يقال : الأرجوحة والمرجوحة ، وهي لعبة معلومة ، وهو أن يوضع ](1)وسط الخشبة على تلّ ويقعد غلامان في طرفيهما ، فيميل أحدهما بالآخر .
فقوله : (( رجح ثبته )) ، أي : رجح وميّل وثقّل وشهّر أبو داود ثبت الألف الأول من { رَاسِيَاتٍ }(2)، وكذلك الألفمن { بَاسِقَاتٍ }(3).
واعترض قوله في هذين الكلمتين : (( رجح ثبته )) بأن قوله : (( رجح ثبته )) يقتضي الخلاف بالحذف والإثبات [ في الألف الأولى من هاتين الكلمتين إلا أن الإثبات هو الراجح ](4)، وليس الأمر كذلك في التنزيل ، بل لم يذكر في التنزيل في الألف الأول في هاتين الكلمتين إلا الإثبات ، ونصّه في التنزيل(5)في سورة قاف : " باسقات بحذف الثانية وإثبات الأولى " ، وقال(6)في سورة سبأ : " وكتبوا { رَاسِيَاتٍ } بحذف الألف الثانية التي بين الياء والتاء وإثبات الأولى " . فهذا نصّه في هذين اللفظين ، وليس في هذا النص ما يدلّ على الخلاف أصلا .
قلت : صوابه أن يقول : (( نَقل تبتَه وباسقات )) .
[
__________
(1) ما بين القوسين المعقوفين سقط من " جـ " .
(2) في قوله تعالى : { .... وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ .... } ، سورة سبأ ، من الآية 13 .
(3) في قوله تعالى : { وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } ، سورة ق ، الآية 10 .
(4) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " .
(5) مختصر التبيين ، 4 : 1135 .
(6) مختصر التبيين ، 4 : 1010 .(1/376)
و قوله : (( وفي الحواريين مع نحسات )) [ هذا – أيضا – مما استثناه أبو داود بالإثبات وذكر الناظم هاهنا لفظين ، وهما : { الْحَوَارِّ?ـينَ } و { نَحْسَاتٍ }(1)](2).
وقوله(3): (( في الحواريين مع نحسات )) ، فيه تضمين كالذي قبله ، لأن معناه فيما بعده ، وهو قوله : (( أثبته )) ، تقديره : وأثبت أبو داود الألف في الحواريين(4)يريد كان بالياء أو بالواو، مثاله قوله تعالى : { قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِّ?ـينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ }(5).
وعِلّة الإثبات في ألف { الْحَوَارِّ?ـينَ } : ليكون عوضا من الياء المحذوفة من هذه الكلمة ، كما سيأتي في حذف الياء(6)، فلما حذفوا منه الياء وأثبتوا الألف ؛ لئلا يجتمع في الكلمة حذفان ، لأن ذلك يكون إحجافا بها ، كما فعلوا في إثبات الألف في { دَاوُودَ } وفي { إِسْرَآءِيلَ } ، كما سيأتي في أسماء الأعاجم(7)إن شاء الله .
فإن قلت : هذه العلّة ظاهرة في { الْحَوَارِّ?ـينَ } بالياء ، فما علّة إثبات الألف في { الْحَوَارِيُّونَ } بالواو ، لأنه لم يحذف منه شيء كما حذف من { الْحَوَارِّ?ـينَ } بالياء ؟
__________
(1) في قوله تعالى : { ..... فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ ..... } ، سورة فصلت ، من الآية 15 .
(2) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " .
(3) في جـ : " قوله " .
(4) 10) زاد في جـ : " والألف في نحسات ، وقوله : (( وفي الحواريين )) " .
(5) 11) سورة الصف ، من الآية 14 .
(6) 12) في قول الناظم : " فصل وقل إحدى الحواريينا * محذوفة وإحدى الأميينا " . دليل الحيران ، ص 146 .
(7) 13) في قول الناظم : " وباتفاق أثبتوا داود * إذ كان أيضا واوه مفقودا " . تنبيه العطشان ، ص 323 .(1/377)
قلت : حمل { الْحَوَارِيُّونَ } بالواو على { الْحَوَارِّ?ـينَ } بالياء ، فثبت الألف فيهما معا ليتفق حكم اللفظين مرفوعا ومنصوبا [ومخفوضا](1)، وأيضا الأصل الإثبات ، فبقي { الْحَوَارِيُّونَ } على الأصل الذي هو الإثبات(2).
وأما { نَحْسَاتٍ } فقد ثبت الألف فيه على أصل الإثبات(3).
وقوله : (( وجاء ربانيون عنه بحذف مع ربانيين )) معناه : وجاء عنه ، أي عن أبي داود ((رَبَّانِيُّونَ)) مع { رَبَّانِينَ } بالحذف(4)، أي بحذف الألف في هذين اللفظين
واعترض هذا بأن قيل : لم ذكر الناظم هذين اللفظين بالحذف هاهنا مع أنهما مندرجان في عموم قوله أولا : (( من سالم الجمع الذي تكررا )) لأنهما جمع المذكر السّالم من الهمز والتضعيف ، فذكرهما هاهنا تكرارا لهما ، لاندراجهما في العموم المتقدّم ؟
أجيب عن هذا بأن قيل : لما ذكر الناظم { الْحَوَارِـ?ّينَ } ورأى أن علّة إثبات الألف فيه : لأجل الياء المحذوفة منه ، خاف أن يتوهم المتوهم أن الألف في { رَبَّانِـ?ّينَ } ثابتة – أيضا – لأجل الياء المحذوفة منه ، فكأنه يقول لا يتوهم أن الألف في { رَبَّانِـ?ّينَ } ثابتة لحذف الياء فيهما كما حذفت في { الْحَوَارِـ?ّين } ، بل حذفت الألف في { رَبَّانِـ?ّينَ } ولو حذفت الياء فيها .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) انظر تقييد طررعلى مورد الظمآن ، لوحة 47 .
(3) قال أبو داود : " و { نَحْسَاتٍ } بألف ثابتة . مختصر التبيين ، 4 : 1083 .
(4) نصّ أبو داود على حذف ألف هذا الجمع ، حيث قال : " وكتبوا { رَبَّانِـ?ّينَ } بياء واحدة مع حذف الألف قبل
النون " . ولم يتعرض له الداني ، فأخذ له بعضهم بالحذف ، لدخوله في عموم حذف ألف الجمع المذكر ،
وأخذ له بعضهم بالإثبات في المنصوب بالياء ، والحذف في المرفوع ، كما في مصحف الجماهيرية .
وقد رجّح المارغني الحذف ، إتباعا لأبي داود .
انظر : مختصر التبيين ، 2 : 356 ، دليل الحيران ، ص 41 .(1/378)
فإن قلت : هذا الجواب ظاهر في { رَبَّانِـ?ّينَ } بالياء ، لأنه هو الذي يتوهم فيه أنه مثل { الْحَوَارِـ?ّينَ } في حذف الياء ، ولأي شيء ذكر الناظم ((رَبَّانِيُّونَ)) بالواو هاهنا مع أنه مندرج في سالم الجمع المذكر أولا ؟
قلنا : ذكره على سبيل الانجرار .
فإن قلت : لأي شيء ثبت الألف في { الْحَوَارِـ?ّينَ } وحذفت في { رَبَّانِـ?ّينَ } ، ما الفرق بينهما ؟ مع أن كل واحد منهما حذف منه إحدى الياءين .
قلنا الفرق بينهما – والله أعلم – : أن { رَبَّانِـ?ّينَ } أولى بالحذف ، لأن حروفه أكثر من حروف ((حواريين)) لأن { رَبَّانِـ?ّينَ } تسعة أحرف ، لأن فيه حرفين مشدّدين ، وهما الباء والياء ، وحروف حواريين ثمانية أحرف ، فما هو أكثر حروفا ولو بحرف واحد أولى بالحذف من غيره .(1/379)
الإعراب : قوله : (( وأثبت )) حرف عطف وفعل ماض ، (( التنزيل )) فاعل ، وقوله : (( أولى يابسات )) مفعول ومضاف إليه ، وقوله : (( رسالة )) معطوف بإسقاط حرف العطف ، وقوله : (( العقود )) مضاف إليه ، [ وقوله : (( قل )) فعل أمر ، وقوله : (( راسيات )) مبتدأ وخبره (( رجح )) ، وقوله : (( رجح )) فعل ماض ، وقوله : (( ثبت )) مفعول ومضاف إليه ](1)، وقوله : (( وباسقات )) معطوف ، وقوله : ((وفي الحواريين)) متعلق بقوله : (( أثبته )) ، وقوله(2): (( مع )) ظرف والعامل في الظرف [ حال محذوفة من (( الحواريين )) ، أي كائنا مع (( نحسات ))](3)وقوله : (( نحسات )) مخفوض بالظرف ، وقوله : (( جاء )) ماض ، (( ربانيون )) فاعل ، وقوله : (( عنه )) متعلق بـ (( جاء )) ، وقوله : (( بحذف )) متعلق [ بحال محذوفة ، أي : مصحوبا بالحذف ](4)، وقوله : (( مع )) ظرف والعامل في هذا الظرف [ حال من الضمير المستتر في متعلق الظرف الذي قبله ، تقديره : وجاء ربانيون عنه مصحوبا بالحذف في حال كونه كائنا مع ربانيين ](5)، وقوله : (( ربانيين )) مخفوض بالظرف . ثم قال :
[58] ثُمَّ بَنَاتٍ فِي ثَلاَثِ كَلِمَاتْ **** فِي النَّحْلِ وَالأَنْعَامِ مَعْ لَهُ البَنَاتْ
ذكر الناظم في هذا البيت : أن المحذوف من ألفاظ { الْبَنَاتِ } ثلاثة ألفاظ ، لأن قوله : (( ثم بنات )) معطوف على قوله : (( وجاء ربانيون عنه بحذف [مع ربانيين](6)) ، أي : ثم جاء بالحذف عن أبي داود – أيضا – بنات في ثلاث كلمات
__________
(1) ما بين القوسين المعقوفين سقط من " جـ " .
(2) في جـ : " قوله " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " أثبته " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " بجاء " .
(5) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " جاء " .
(6) ساقطة من : " جـ " .(1/380)
الكلمة الأولى : في النحل ، وهي قوله تعالى : { وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ? وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ }(1).
والثانية : في سورة الأنعام ، وهي قوله تعالى : { وَخَرَّقُواْ لَهُ? بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ }(2).
والثالثة : في سورة والطور ، وهي قوله تعالى : { أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ }(3)
وقوله : (( له )) قيْد لهذا اللفظ ، ولم يقيّده بالسورة ، لأن النظم لم يتزن له إلا بذلك فذكر الناظم أن المحذوف من لفظ { الْبَنَاتِ } : هو هذه المواضع الثلاثة ، وما عدا هذه الألفاظ الثلاثة من لفظ { الْبَنَاتِ } ، فهو ثابت الألف(4).
واعترض هذا البيت بأن قيل : لأي شيء ذكر النظم حذف الألف في ألفاظ البنات؟ مع أنه مندرج في العموم المتقدّم في قوله(5)(( من سالم الجمع الذي تكرّرا )) ، والمقصود هاهنا أن يذكر ما خرج عن ذلك العموم بالإثبات اتفاقا أو خلافا .
أجيب عن هذا بأن قيل : يُفهم من ذكر المحذوف من { الْبَنَاتِ } ، أن كل ما عدا هذه المواضع الثلاثة ثابت الألف ، فقد ذكر الناظم هاهنا المستثنى(6)بالإثبات في المعنى ، وإن لم يذكره بالنصّ ، فإن حكم المسكوت عنه يُفهم من المنطوق به .
فإن قلت : فهلاّ يذكر الثابت من ألفاظ البنات ويُفهم من ذلك حكم الباقي .
__________
(1) سورة النحل ، من الآية 57 .
(2) سورة الأنعام ، من الآية 101 .
(3) سورة الطور ، الآية 37 .
(4) لأبي داود ، كقوله تعالى : { أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ } ، سورة الصافات ، الآية 153 ، ولم ينصّ على
هذه الكلمات أبو عمرو الداني ، لأنها مندرجة في عموم حذف ألف جمع المؤنث السّالم .
(5) تنبيه العطشان ، ص 233 .
(6) في جـ : " المستثنات " .(1/381)
قلنا : إنما ذكر المحذوف دون الثابت ؛ لقلّة المحذوف وكثرة الثابت ، فلو ذكر الثابت هاهنا لكان ذلك مخالفا لقوله في الصدر(1): (( لخّصت منهن بلفظ موجز )) ، أي مختصر ، وذكر الكثير دون القليل(2)مخالف للاختصار ، وذلك أن الثابت من لفظ { الْبَنَاتِ } كثير ، ومن ذلك في سورة هود - عليه السلام - : { هؤلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ }(3)وفيها : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ }(4)، وفي سورة الحجر : { هؤلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ }(5)، وفي سورة والصافات : { أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ }(6)، وفيها –أيضا – : { أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ }(7)، وفي سورة الزخرف : { أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ }(8).
فلما كان الثابت من لفظ { الْبَنَاتِ } أكثر من المحذوف منه ، عدل الناظم عن ذكر الثابت إلى ذكر المحذوف ؛ لقلّته ، إذ المقصود الإيجاز والاختصار ، كما تقدّم في الصدر ، ولو ذكر الثابت هاهنا لكان ذلك مخالفا للغرض المقصود من الكتاب .
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 179 .
(2) في جـ : " وذكر التكثير دون التقليل " .
(3) سورة هود ، من الآية 77 .
(4) سورة هود ، من الآية 78 .
(5) سورة الحجر ، من الآية 71 .
(6) سورة الصافات ، من الآية 149 .
(7) 10) سورة الصافات ، الآية 153 .
(8) 11) سورة الزخرف ، الآية 15 .(1/382)
وقال بعض الشرّاح(1): إنما ذكر الناظم المحذوف من هذا اللفظ ولم يذكر الثابت منه ويسكت عن المحذوف ، لأن هذا الجمع جمع تكسير وليس بجمع سلامة ؛ لأنه تغيّر فيه بناء الواحد ، لأن مفرده مكسور الباء ساكن(2)النون ، وجمعه مفتوح الباء والنون ، ولو لم يذكره الناظم هاهنا لما دخل له في قوله : (( من سالم الجمع )) ، لأنه ليس بجمع سالم ، وإنما هو جمع تكسير لتغيير مفرده(3)، ولكن لما كان هذا الجمع مشابها لجمع السلامة في كونه مجموعا بالألف والتاء ، وفي كونه ينصب بالكسرة كما يجمع بنون : بالواو والنون في الرفع ، وبالياء والنون في النصب والخفض . فلأجل ذلك ذكر الناظم هذا الجمع هاهنا ، ولولا هذا الشبه الذي بينه وبين جمع المؤنث السّالم لكان الأليق به أن يذكره في الباب الذي بعد هذا ، حيث يذكر جمع التكسير ، لأنه جمع تكسير ، كـ"ديار" و"أبواب" ، ولكن هذا الجواب عندي بعيد ، وذلك أن هذا الجمع لا نسَلم أنه جمع تكسير مشابه لجمع سلامة ، وإنما هو جمع سلامة مشابه لجمع تكسير ، والدليل على ذلك من وجهين :
أحدهما : أصله ، والآخر : إعرابه .
لأن أصله (( بَنَيَة )) ، فجُمع على أصله ، فلم تتغيّر في جمعه حركة الباء ولا حركة النون ؛ إذ المعتبر أصله لا حاله ، وإنما هذا التغيير الذي ظهر في الجمع ليس بتغيير لأصله ، لأنه موافق لحركات أصله ، فليس فيه تغيير إذًا .
والوجه الثاني : أنه يعرب بالكسرة في النصب كما هو إعراب جمع المؤنث السّالم اتفاقا وإطلاقا ، فلو لم يذكر الناظم هذا اللفظ هاهنا ، لدخل له في سالم الجمع المتقدّم لأنه سالم الجمع . وبالله التوفيق .
__________
(1) منهم ابن آجطا في التبيان ، ورقة 24 .
(2) في جـ : " وساكن " .
(3) زاد في جـ : " في جمعه " .(1/383)
الإعراب : قوله : (( ثم )) حرف عطف ، وقوله : (( بنات )) [ معطوف على (( ربانيون )) أو تقول ](1)فاعل بفعل محذوف ، أي جاء بنات بالحذف ، وقوله : (( في ثلاث كلمات )) جار ومجرور ومضاف إليه ، والعامل في المجرور [ حال محذوفة من الحذف المحذوف ، تقديره : وجاء بنات بالحذف في حال كون الحذف كائنا في ثلاث كلمات ، وقوله : ((في النحل)) بدل من قوله : )) في ثلاث كلمات ))](2)وقوله : (( في النحل )) متعلق بالحال المحذوفة(3)– أيضا – وقوله : (( والأنعام )) معطوف ، وقوله : (( مع )) ظرف ، وقوله : (( البنات ))(4)مخفوض بالظرف والعامل في الظرف العامل المحذوف . ثم قال :
[59] وَفِي صِرَاطَ خُلْفُهُ وَسَوْءَاتْ **** وَعَنْهُمَا رَوْضَاتِ قُلْ وَالْجَنَّاتْ
ذكر الناظم في هذا البيت لفظ : { الصِّرَاطَ } ، وليس من جموع السلامة التي شرع في حكمها ، لأنه واقع في سورة الفاتحة وهذه الترجُمة ترجُمة الفاتحة ، وإنما أتى به في أثناء الجموع لأنه واقع [ في الفاتحة ](5)بين جمعين ، لأن قبله { الْعَالَمِينَ } وبعده { الضَّآلِّينَ } ، فلأجل هذا أتى به بين الجموع ، ولم يؤخّر فيه الكلام حتى يفرغ من ذكر الجموع .
__________
(1) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " الفعل المحذوف " .
(3) في جـ : " بالفعل المحذوف " .
(4) في جـ : " له البنات " .
(5) ساقطة من : " جـ " .(1/384)
وقوله : (( وفي صراط خلفه )) الضمير في (( خلفه )) يعود على أبي داود ، لأنه المذكور قبله في الأبيات المذكورة قبله ، معناه : وجاء الخلاف عن أبي داود في ألف { الصِّرَاطَ } بالحذف والإثبات ، يعني سواء كان معرفا بالألف واللام ، أو بالإضافة أو كان منكّرا ، [ لأن قوله : (( صراط )) منكّر ](1)فأتى به الناظم على صورة التنكير ، ليندرج فيه التعريف ، لأن التنكير أصل والتعريف فرع منه ، والفرع تابع لأصله .
مثال ذلك ، قوله تعالى في هذه السورة – أعني سورة الفاتحة – : { اهدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }(2)وقوله : { صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ }(3)، وقوله : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ }(4)، وقوله : { وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا }(5)، وقوله : { إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }(6).
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من :" جـ " .
(2) سورة الفاتحة ، الآيتين 5 ، 6 .
(3) سورة الأعراف ، من الآية 15 .
(4) سورة الشورى ، من الآيتين 49 ، 50 .
(5) سورة النساء ، الآية 67 .
(6) سورة سبأ ، من الآية 6 .(1/385)
واعترض(1)قوله : (( وفي صراط خلفه )) بأن قيل : ظاهره يقتضي التساوي بين الحذف والإثبات عند أبي داود في لفظ { الصِّرَاطَ } ، وليس الأمر كذلك ، لأنه اختار فيه الحذف على الإثبات ، لأنه قال في التنزيل : وكتبوا في المصاحف الصراط بغير الألف وفي بعضها بالألف وكلاهما حسن ، والأول أختار(2). يعني الحذف ، فكان حقّ(3)الناظم أن يذكر أن المختار عند أبي داود الحذف ، لالتزامه في الصدر أن يذكر كلما ذكروه ، لقوله : (( وكلما قد ذكروا أذكر )) كما ذكر مختار أبي داود في الباب الذي بعد هذا في ألف { الدِّيَارِ } في قوله(4): (( إلا الذي مع خلال قد ألف فرسمه قد استحب بالألف )) ، فكان حقّه أن يختار الحذف فيه كما اختاره أبو داود .
وقوله : (( وسوءات )) يعني أن أبا داود ذكر الخلاف – أيضا – بالحذف والإثبات في ألف (( وسوءات )) ، نحو قوله تعالى : { لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا }(5)، وقوله تعالى : { بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا }(6)، وقوله(7): { يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ }(8).
وقوله : (( وعنهما روضات قل والجنات )) ، أي : وعن الشيخين أبي عمرو وأبي داود ، لأن لفظة (( عنهما )) متى ذكرها الناظم ، فالمراد بها الشيخان(9)، كما قال في الصدر(10).
وقوله : (( روضات قل والجنات )) هذا معطوف على قوله : ((وفي صراط خلفه)) تقديره : وجاء خلفهما في روضات وفي الجنات .
__________
(1) في جـ : " اعترض " .
(2) انظر مختصر التبيين ، 2 : 55 ، 56 .
(3) 10) في جـ : " من حقّ ... " .
(4) 11) انظر تنبيه العطشان ، ص 313 .
(5) سورة الأعراف ، من الآية 19 .
(6) سورة الأعراف ، من الآية 21 .
(7) في جـ : " وقوله تعالى " .
(8) سورة الأعراف ، من الآية 25 .
(9) في جـ : " الشيخين " .
(10) في قوله (( وكلما جاء بلفظ عنهما فابن نجاح مع دان رسما )) .(1/386)
فقوله : (( روضات )) هو مخفوض عطفا على (( صراط )) ، إلا أن قوله : (( روضات )) هو بكسرة واحدة تحت التاء ، وبذلك يتزن النظم وأتى به على الحكاية كما كان في القرآن .
وقوله : (( والجنات )) هو – أيضا – معطوف على قوله : (( وفي صراط )) .
قوله : (( روضات قل والجنات )) أراد الناظم بهاتين الكلمتين(1)الواقعتين في سورة عسق ، وهما قوله تعالى : { وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ }(2)، ولم يذكر الناظم غيرهما مما وقع في غير هذه السورة .
واعترض قوله : (( وعنهما روضات قل والجنات )) باعتراضين :
الأول(3): أن ظاهر كلامه يقتضي أن الخلاف في هاتين الكلمتين حيثما وقعتا في القرآن ، وليس الأمر كذلك ، لأن الشيخين : أبا عمرو وأبا داود ، قيّدا الخلاف بالكلمتين الواقعتين في سورة الشورى دون غيرهما(4).
الاعتراض الثاني : أن قوله : (( وعنهما روضات قل والجنات )) ظاهره [يقتضي](5)أن أبا عمرو ذكر الخلاف بالحذف والإثبات في هاتين الكلمتين ، كما ذكره أبو داود فيهما ، وليس الأمر كذلك ، لأن أبا عمرو لم يذكر في المقنع في هاتين
الكلمتين الواقعتين في سورة الشورى إلا الإثبات .
ونصّه في المقنع : " وقال محمد بن عيسى الأصبهاني(6)
__________
(1) في جـ : " بهاتين الكلمتين الكلمتين الواقعتين ..." .
(2) سورة الشورى ، من الآية 20 .
(3) في جـ ، ز : " الاعتراض الأول " .
(4) 10) وقد ذكر الخلاف أبو داود ولم يرجح شيئا ، وقال : " وكلاهما حسن " . قال ابن القاضي : { روضات
الجنات } العمل بالإثبات " . انظر : مختصر التبيين ، 3 : 534 ، الخلاف والتشهير والاستحسان
وما أغفله مورد الظمآن لأبي زيد القاضي ، ورقة 9 ، " مخطوط بمركز جهاد الليبيين ، رقم 122 " .
(5) 11) ساقطة من : " جـ " .
(6) هو محمد بن عيسى بن إبراهيم بن رزين ، أبو عبد الله التميمي الأصبهاني ، إمام كبير مشهور ، قرأ على
نصير بن يوسف ، وخلاد ، وغيرهما ، وقرأ عليه محمد الأصبهاني وجماعة . من مؤلفاته : كتاب الجامع في
القراءات ، وكتابا في الرسم . توفي سنة 253 هـ . انظر : غاية النهاية ، 2 : 223 ، رقم 3340 .(1/387)
في كتابه " في هجاء المصاحف " { قَوْمٌ طَاغُونَ }(1)في والذاريات والطور، { يَلْقَ أَثَامًا }(2)في الفرقان ، { رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ } في عسق ، { وَلاَ كِذَّ بًا }(3)في النبأ . الستة كلها مرسومة بالألف . قال أبو عمرو : وكذلك رأيتها في مصاحف أهل العراق "(4). وهذا نصّه . والعجب من الناظم : كيف نسب الخلاف لأبي عمرو في هاتين الكلمتين مع أنه لم يذكر فيهما إلا الإثبات ؟!
الإعراب : قوله : (( وفي صراط )) جار ومجرور ، وقوله : (( خلفه )) مبتدأ ومضاف إليه وخبره في المجرور قبله ، وهو متعلق بالثبوت والاستقرار ، تقديره : وخلفه ثابت أو مستقرّ في صراط ، ويصح أن يكون ((خلفه)) فاعلا ، تقديره : وجاء خلفه في صراط ، (( وسوءات )) معطوف ، [فيكون (( روضات )) على هذا فاعلا محكيا على حذف المضاف](5)، ويصح أن يتعلق بالثبوت والاستقرار ، تقديره : [وخلف روضات قل والجنات ثابت أو مستقرّ عنهما ، فيكون روضات على هذا مبتدأ محكيا على حذف المضاف](6)، وقوله : (( قل )) فعل أمر ، ومعناه في هذا النظم [لتهيء النظم](7)حيث ما ورد ، وقوله : (( والجنات )) معطوف . ثم قال :
[60] وَبَيِّنَاتٍ مِنْهُ ثُمَّ فَاكِهُونْ **** كَيْفَ أَتَى وَفِي انفِطَارٍ كَاتِبِينْ
__________
(1) سورة الذاريات ، من الآية 53 ، سورة الطور ، من الآية 30 .
(2) سورة الفرقان ، من الآية 68 .
(3) في قوله تعالى : { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّ بًا } ، سورة النبأ ، الآية 35 .
(4) المقنع ، ص 23 .
(5) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " قوله : وعنهما ، جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقديره :
وجاء الخلف عنهما في روضات قل والجنات " .
(6) في جـ : " والخلف ثابت أو مستقرّ عنهما في روضات قل والجنات .
(7) ساقطة من : " جـ " .(1/388)
يعني أن { بَيِّنَاتٍ مِّنْهُ }(1)ذكر فيه الشيخان – أيضا– الخلاف بالحذف والإثبات(2)لأن قوله : (( وبينات )) معطوف على قوله : (( روضات )) ، أي : وجاء الخلاف عن الشيخين – أيضا – في { بَيِّنَاتٍ مِّنْهُ } .
وقوله(3): (( منه )) قيْد لهذا اللفظ ، قيّده بالمجاور ، وأراد قوله تعالى في سورة فاطر : { فَهُمْ عَلَى بَيِّنَاتٍ مِّنْهُ } وفيه قراءتان مشهورتان في السبع بالإفراد والجمع : قراءة ابن كثير(4)وأبو عمرو وحفص(5)
__________
(1) سورة فاطر ، من الآية 40 .
(2) 10) روى أبو عمرو بسنده عن أبي عبيد ، قال : " رأيتها في بعض المصاحف بالألف والتاء " قال أبو عمرو :
" وكذلك وجدت أنا ذلك في بعض مصاحف أهل العراق الأصلية القديمة ، ورأيت ذلك في بعضها بغير ألف"
كما ذكر أبو داود : أن { بَيِّنَاتٍ } كتبوه في المصاحف من غير ألف قبلها على الاختصار، وفي بعضها
بألف على الجمع . والحذف هو المختار ؛ رعاية للقراءتين .
انظر : المقنع ، ص 39 ، مختصر التبيين ، 4 : 1018
(3) في جـ " قوله " .
(4) هو عبد الله بن كثير الداري ، مولى عمرو بن علقمة الكناني ، والداري نسبة لبيع العطور ، إمام أهل مكة ،
وأحد القراء السبعة . ولد بمكة سنة 45 هـ ، ولقي بها عبد الله بن الزبير وغيره . أخذ القراءة عرضا عن
عبد الله بن السائب ومجاهد بن جبر . وروى القراءة عنه إسماعيل بن القسط والخليل بن أحمد ، وغيرهم .
كان فصيحا بليغا ، وقد بقي هو الإمام المجتمع عليه في مكة حتى توفي سنة 120 هـ .
انظر : غاية النهاية ، 1 : 443 – 445 ، رقم 1852 ، معرفة القراء ، ص 49 .
(5) هو حفص بن سليمان أبو عمرو الأسدي الغاضري البزاز . ولد سنة 90 هـ ، وأخذ القراءة عرضا وتلقينا
عن عاصم ، ونزل بغداد فأقرأ بها وجاور بمكة فأقرأ بها . وروايته اليوم يأخذ بها أكثر أقطار العالم الإسلامي
روى القراءة عنه عرضا وسماعا عمرو بن الصباح وعبيد بن الصباح وغيرهما . توفي سنة 180 هـ .
انظر : غاية النهاية ، 1 : 254 ، رقم 1158 ، معرفة القراء ، ص 84 .(1/389)
بالإفراد ، وقراءة نافع وابن عامر وأبو بكر(1)والكسائي بالجمع(2).
وهذا اللفظ الواقع في سورة فاطر : مما اختلف القراء في قراءته واختلفت(3)المصاحف في رسمه .
قوله : (( ثم فكهون )) هو معطوف – أيضا –(4)على المختلف فيه عند الشيخين معناه : وجاء { فَاكِهُونَ } بالخلاف عن الشيخين .
وقوله : (( كيف أتى )) سواء(5)جاء هذا اللفظ بواو أو بياء .
وقد ورد هذا اللفظ في القرآن في أربعة مواضع :
أولها في سورة يس : { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغْلٍ فَاكِهُونَ }(6)وهو الذي ذكر الناظم لفظه ، لأنه هو الذي جاء بالواو ، وفي سورة الدخان : { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ
فِيهَا فَاكِهِينَ }(7)، وفي والطور : { فَاكِهِينَ بِمَا ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ }(8)، وفي المطففين : { انقَلَبُواْ فَاكِهِينَ }(9).
هذه المواضع [الأربعة](10)اختلفت المصاحف في ألفها بالحذف والإثبات .
__________
(1) هو شعبة بن عياش بن سالم أبو بكر الحناط الأسدي النهشلي الكوفي ، راوي عاصم . ولد سنة 95 هـ ، وقد
عرض على عاصم القرآن ثلاث مرات ، وعرض عليه القرآن أبو يوسف يعقوب بن خليفة الأعشى ، وهو
أجلّ أصحابه وأضبطهم لروايته . وكان إماما كبيرا عالما عاملا . توفي سنة 193 هـ .
انظر : معرفة القراء ، ص 80 ، غاية النهاية ، 1 : 325 – 327 ، رقم 1421 .
(2) انظر : التيسير ، ص 148 ، غيث النفع في القراءات السبع ، لعلي الصفاقسي ، ضبط وتصحيح :
محمد شاهين ، ص 233، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1999 م .
(3) في جـ : " واختلف " .
(4) في جـ : " أيضا معطوف " .
(5) في جـ : " أي سواء " .
(6) سورة يس ، الآية 54 .
(7) 10) سورة الدخان ، الآية 26 .
(8) 11) سورة الطور ، من الآية 16 .
(9) 12) سورة المطففين ، من الآية 31 .
(10) 13) ساقطة من : " جـ " .(1/390)
واختلف القراء في هذه المواضع المذكورة : أما الذي في سورة المطففين ، فحذْف الألف منه قراءة مشهورة في السبع(1)، قرأ بها عاصم(2)في رواية حفص [عنه](3)وقرأ الباقون بالألف ، وأما بقية المواضع فليس فيها في السبع إلا إثبات الألف ، ووقع خارج السبع ثلاثة أقوال(4): أحدها قراءتها(5)، واختلف المصاحف في رسمها .
وقوله : (( وفي انفطار كتبين )) هذا – أيضا – معطوف على المختلف فيه المتقدّم أي : وجاء { كَاتِبِينَ } بالخلاف عن الشيخين – أيضا – ، وأراد قوله تعالى في سورة الانفطار : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ }(6)، وقيّده بالسورة احترازا من غيره ، كقوله في سورة الأنبياء – عليهم السلام – : { وَإِنَّا لَهُ? كَاتِبُونَ }(7).
__________
(1) انظر : التيسير ، ص 179 .
(2) هو أبو بكر عاصم بن بهدلة أبي النجود ، شيخ الإقراء بالكوفة ، وأحد القراء السبعة ، كان أحسن الناس
صوتا بالقرآن ،أخذ القراءة عن أبي عبد الرحمن السلمي ، وروى القراءة عنه حفص بن سليمان ، وغيره .
توفي سنة 127 هـ .
انظر : غاية النهاية ، 1 : 346 ، رقم 1495 ، معرفة القراء ، ص 51 .
(3) ساقطة من : " جـ ” .
(4) قرأ الموضع الأول وهو قوله تعالى : { فَاكِهُونَ } في يس ، الحسن وأبو جعفر بغير ألف .
انظر : مختصر في شواذ القرآن ، ص 126 ، الجامع لأحكام القرآن ، 15 : 44 .
(5) لم يذكر في الأصل هذه الأقوال ، لعلها تكون سقطت سهوا من الناسخ ، بدليل ذكرها في جـ ، ز ، وهي :
" قراءتها كلها بغير الألف لا فرق بين المواضع الأربعة ، القول الثاني : قراءة الذي في يس والدخان بغير
الألف ، قراءة الذي في يس خاصة بغير ألف ، فعلى هذا تكون هذه الموضع كلها مما اختلف القراء في
قراءتهما " .
(6) سورة الانفطار ، الآيتين 10 ، 11 .
(7) سورة الأنبياء ، من الآية 93 .(1/391)
وقوله (( فاكهون )) و (( كاتبين)) أردف الناظم بالياء على الواو ، وهو جائز كما تقدّم لنا في قوله : (( ملتمسا في كل أروم عون الإله فهو الكريم ))(1).
الإعراب : قوله : (( وبينات منه )) معطوف على قوله : (( روضات )) وكذلك قوله : (( فكهون )) معطوف عليه – [أيضا](2)– ، وقوله : (( كيف )) سؤال عن حال وهو في موضع نصب على الحال من ضمير الفاعل المستتر في (( أتى )) ، كقوله تعالى : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ }(3)، لأن { كَيْفَ } في موضع نصب بـ { تَكْفُرُونَ } ، وقوله : (( وفي انفطار )) متعلّق بحال محذوفة ، تقديره : وكاتبين واقعا(4)في انفطار ، أي في سورة الانفطار . ثم قال :
[61] وَمُقْنِعٌ بِآيَةٌ لِلسَّائِلِينْ **** وَأَثْبَتَ التَّنْزِيلُ أُخْرَى دَاخِرِينْ
قوله : (( ومقنع )) ، أي : وذكر صاحب المقنع الخلاف ، لأنه أتى بهذا في سياق الخلاف .
وقوله : (( بآية )) الباء بمعنى في ، كقوله تعالى : { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَاذَا الْبَلَدِ }(5)، أي في هذا البلد ، كقولك : أقمت بالبصرة أو بالكوفة أو بموضع كذا .
وقوله : (( بآية للسائلين )) قيده بالمجاور ، وأراد قوله تعالى في سورة يوسف - عليه السلام -
{
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 208 .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) 10) سورة البقرة ، من الآية 27 .
(4) 11) في جـ : " الواقع " .
(5) سورة البلد ، الآية 2 .(1/392)
لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ? ءَايَاتٌ لِّلسَّآ لِينَ }(1)، احترازا مما وقع في غير هذه السورة ، كقوله تعالى : { بَلْ هُوَ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ ?ُوتُواْ الْعِلْمَ }(2)وقوله : { وَفِي الأَرْضِ ءَايَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ }(3)، وقوله : { إِنَّ فِي ذَالِكَ ءَلاَيَاتٍ }(4)وقوله : { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ }(5)، وقوله : { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ اءَلاْيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ }(6)، وغير ذلك .
وقوله : (( بآية )) هكذا بالرفع على الحكاية ، وأتى به الناظم على قراءة الإفراد وهي قراءة ابن كثير ، لأنه يقرأه بالتوحيد ، ويقف عليه بالهاء ، والباقون بالجمع(7)فحذفه حذف إشارة .
وقوله : (( وأثبت التنزيل أخرى داخرين )) ، معناه : وأثبت صاحب التنزيل ألف الكلمة الأخيرة من كلمات { دَاخِرِينَ }(8)، وأراد قوله تعالى في سورة المؤمن : { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }(9).
__________
(1) سورة يوسف ، الآية 7 .
(2) سورة العنكبوت ، من الآية 50 .
(3) سورة الذاريات ، الآية 20 .
(4) سورة المؤمنون ، من الآية 30 ، وغيرها .
(5) سورة الأنعام ، من الآية 159 .
(6) سورة آل عمران ، الآية 57 .
(7) انظر : النشر ، 2 : 293 ، التيسير ، ص 104 ، المبسوط في القراءات العشر ، ص 208 .
(8) حيث قال : " و { دَاخِرِينَ } بألف ثابتة " . مختصر التبيين ، 4 : 1078 .
(9) 10) سورة غافر ، من الآية 60 .(1/393)
وقوله : (( أخرى )) قيّده بمرتبة التأخير ، احترازا مما وقع قبلها من كلمات { دَاخِرِينَ } في القرآن ، وذلك أن ألفاظ { دَاخِرِينَ } وقع في القرآن في أربعة مواضع : اثنان بالواو واثنان بالياء ، أحدها هذا الثابت المستثنى المذكور ، والثاني في سورة النحل ، وهو قوله تعالى : { سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ }(1)، والثالث في سورة النمل : { وَكُلٌّ ءَاتُوهُ دَاخِرِينَ }(2).
والرابع في سورة والصافات : { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ }(3).
فهذه الألفاظ الثلاثة محذوفة الألف باتفاق .
الإعراب : (( ومقنع ))(4)فاعل بفعل مضمر ، تقديره : وذكر مقنع أو نقل مقنع ، أي : وذكر أو نقل صاحب المقنع خلافا ، وقوله : (( بآية )) ، أي في { ءَايَاتٌ لِّلسَّآ لِينَ } وهو متعلق بالفعل المذكور المحذوف ، [ ويصح أن يكون مبتدأ ((مقنع)) على حذف المضاف ، تقديره : وخلف مقنع ثابت أو مستقرّ في { ءَايَاتٌ لِّلسَّآ لِينَ } ، وقوله : (( بآية )) في موضع الخبر ](5)، قوله(6): (( وأثبت التنزيل )) فعل ماض وفاعل ، وقوله : (( أخرى )) مفعول ، وقوله : (( داخرين )) مضاف إليه . ثم قال :
[62] وَبَعْدَ وَاوٍ عَنْهُمَا قَدْ أُثْبِتَتْ **** لَدَى سَمَاوَاتٍ بِحَرْفِ فُصِّلَتْ
[63] وَحُذِفَتْ قَبْلُ بِلاَ اضْطِرَابِ **** فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ
ذكر في البيت الأول من هذين البيتين : أن الألف الواقعة بعد الواو في { سَمَوَاتٍ } في سورة فصلت هو ثابت عن الشيخين : أبي عمرو وأبي داود .
__________
(1) 11) سورة النحل ، من الآية 48 .
(2) 12) سورة النمل ، من الآية 89 .
(3) سورة الصافات ، الآية 18 .
(4) في جـ : " قوله ومقنع " .
(5) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) في جـ : " وقوله " .(1/394)
وقوله : (( قد أثبتت )) يعني الألف ، أنّث الألف هاهنا وذكرها في موضع آخر ، لأن الحروف كلها تذكر وتؤنث ، ما خلا الهمزة فإنها تؤنث ولا تذكر .
وقوله : (( عنهما )) عن الشيخين .
وقوله : (( لدى سماوات )) ، أي في سماوات ، لأن (( لدى )) هنا بمعنى في ، كقوله(1): { لَدَى الْحَنَاجِرِ }(2)، أي في الحناجر .
وقوله : (( بحرف فصلت )) ، أي في كلمة فصلت ، أطلق الحرف هاهنا على الكلمة ، كقول صاحب الجمل(3): باب الحروف التي ترفع الاسم وتنصب الخبر ، هي كان وأمسى ، وكذا وكذا . يعني الكلمات التي ترفع الاسم وتنصب الخبر .
وقوله : (( بحرف فصلت )) ، وهي حم السجدة ، وأراد قوله تعالى في هذه السورة : { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ }(4)، وقيّده بالسورة احترازا مما وقع في غير هذه السورة فإنه محذوف الألف بعد الواو باتفاق .
وقوله : (( وحذفت قبل بلا اضطراب )) البيت ، أي : وحذفت الألف الواقعة قبل الواو في { سَمَوَاتٍ } بلا اضطراب ، أي من غير خلاف(5)بين أرباب المصاحف .
وقوله : (( في كل موضع من الكتاب )) ، أي في كل موضع من القرآن من غير استثناء .
__________
(1) في جـ : " كقوله تعالى " .
(2) سورة غافر ، من الآية 17 ، ورسمت { لَدَى } في النسختين بالألف ، والصواب ما أثبت .
(3) انظر كتاب الحلل في إصلاح الجمل لأبي عبد الله السيد البطليوسي ، تحقيق سعيد عبد الكريم ، ص 157 ،
دار الطليعة للطباعة والنشر ، بيروت .
(4) سورة فصلت ، من الآية 11 .
(5) في جـ : " اختلاف " .(1/395)
واعترض كلامه هاهنا : بأن ظاهر كلامه أن الألف الكائن بعد الواو في { السَّمَاوَاتِ } في غير فصلت مختلف فيه بالحذف والإثبات ، لأنه لم يذكرهاهنا بالإثبات إلا الذي في فصلت ، وأما الواقع في غير فصلت فلم يذكره ، فيؤخذ من سكوته هاهنا عنه أنه باقٍ على القاعدة المتقدّمة فيما اجتمع فيه ألفان ، فيؤخذ من ذلك أنه مختلف فيه ، وأن الحذف أكثر من الإثبات ، كما تقدّم فيما اجتمع فيه ألفان في قوله(1): (( وفيهما الحذف كثيرا نقلا )) وليس الأمر كذلك ، لأن الألف الواقعة بعد الواو في { السَّمَاوَاتِ } في غير سورة فصلت هي محذوفة(2)باتفاق ، وظاهر كلام الناظم هاهنا أنه مختلف فيه . والدليل على أنه محذوف باتفاق : نص المقنع والتنزيل(3)؛ لأن الشيخين ذكرا في كتابيهما الاتفاق على حذفه .
قال أبو عمرو في المقنع : وكذلك حذفوها يعني الألف بعد الواو في قوله { السَّمَاوَاتِ } و { سَمَاوَاتٍ } في جميع القرآن إلا في موضع واحد ، فإن الألف مرسومة فيه ، وهو قوله في فصلت : { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } ، فأما التي بعد الميم فمحذوفة في كل موضع بلا خلاف(4). وهذا نصّه .
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 249 .
(2) في جـ : " في غير فصلت محذوفة .... " .
(3) ونصّه في التنزيل عند قوله تعالى : { فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } في سورة البقرة : " و { سَمَاوَاتٍ } بحذف
الألفين قبل الواو وبعدها هنا وفي جميع القرآن ، سواء كان معرفا أو غير معرف ، إلا موضعا واحد في
حم السجدة : { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } ، فإنهم أثبتوا الألف بعد الواو خاصة هنالك وحذفوها قبلها " .
مختصر التبيين ، 2 : 111 . و في جـ : " ونص التنزيل " .
(4) قال علم الدين السخاوي : " وهذا الذي ذكر أبو عمرو فيه نظر ؛ فإني كشفت المصاحف القديمة التي يوثق
برسمها : فإذا هم قد حذفوا الألفين من السموت " . انظر : المقنع : ص 19 ، الوسيلة ، ص 221 .(1/396)
ولم يذكر الخلاف في حذف الألف عند الواو في غير فصلت ، فلو قال :
وَحُذِفَتْ قَبْلُ بِلاَ اضْطِرَابْ وَبَعْدُ حَيْثُ جَاءَ فِي الْكِتَابْ
لكان أولى .
الإعراب : قوله : (( وبعد واو )) ظرف ومخفوض به والعامل فيه (( أثبتت )) ، وقوله : (( عنهما )) متعلق بـ (( أثبتت )) – أيضا – ، وقوله : (( لدى سماوات )) ظرف ومخفوض به والعامل في الظرف (( أثبتت )) – أيضا – ، وقوله : (( بحرف فصلت )) جار ومجرور ومضاف إليه [ وقوله : (( بحرف فصلت )) الباء بمعنى في ، أي في كلمة فصلت ، وهذه الجملة المجرورة هي بدل من الجملة الظرفية قبلها ](1).
وقوله : (( وحذفت )) ماض مركّب ، وقوله : (( قبل )) ظرف زمان مبني على الضم والعامل فيه محذوف ، وهو حال محذوفة(2)، تقديره : وحذفت الألف كائنة قبل الواو(3).
و(( قبل )) فيه ثلاثة أسولة : لم بني ؟ ، ولم بني على الحركة ؟ ، ولم اختصّ بتلك الحركة ؟
إنما بني : لتضمنّه معنى الحرف وهو لام الإضافة ، وقيل لخروجه عن نظائره حيث قطع من(4)الإضافة التي هي أصل الظروف .
وبني على الحركة : للالتقاء الساكنين .
واختصّ بتلك الحركة : لأنها حركة لا تكون للكلمة في حال إعرابها ، أو تقول : لتخالف حركة بنائه حركتي إعرابه ، وهما واحد في المعنى .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " والعامل في الجار صفة محذوفة ، تقديره : سماوات الكائن
في فصلت " .
(2) في جـ " وهو صفة محذوفة أو حال محذوفة ....." .
(3) في جـ : " تقديره كونه صفة : وحذفت الألف الكائنة قبل الواو ، وتقديره كونه حالا ...." .
(4) في جـ ، ز : " عن " .(1/397)
وقوله : (( بلا اضطراب )) ((لا)) هاهنا بمعنى غير ، أي : بغير اضطراب ، وهو متعلق [ بحال محذوفة – أيضا – ، أي كائنة بغير اضطراب ، تقديره في المعني : حذفت في حال كونها متفقا عليها ](1)، وقوله : (( في كل موضع )) متعلق بـ ((حذفت)) ، وقوله : (( من الكتاب )) [ جار ومجرور في موضع النعت لموضع ، تقديره : في كل موضع كائن من الكتاب ، ويصح أن يكون بمعنى في ، أي في الكتاب ، أي في كل موضع كائن في الكتاب ](2). ثم قال :
[64] وَأُثْبِتَتْ آيَاتُنَا الْحَرْفَانِ **** فِي يُونُسٍ ثَالِثُهَا وَالثَّانِي
ذكر الناظم في هذا البيت : أن { ءَايَاتُنَا } ثابت(3)في موضعين خاصّة ، وذلك في سورة يونس - عليه السلام - .
وقوله : (( وأثبتت )) يعني الألف ، أي : وأثبتت ألف { ءَايَاتُنَا } ، يعني بلا خلاف لأن هذا حكم مطلق أتى به في سياق المتفق عليه ، لأن قبله : (( وحذفت قبل بلا اضطراب )) .
وقوله : (( آياتنا )) يريد هذا اللفظ المضاف إلى نون المضمر دون غيره .
وأما غير هذا اللفظ : فهو مندرج بالحذف في سالم الجمع المذكور أولا ، نحو قوله تعالى : { ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ }(4).
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " بحذفت " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " من بمعنى في ، أي في الكتاب ، وهو متعلق بحذفت أيضا " .
(3) في جـ : " ثابت الألف " .
(4) سورة العنكبوت ، من الآية 50 .(1/398)
وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ ءَلاَيَاتٍ }(1)، وقوله : { ءَايَاتِي }(2)، و { ءَايَاتِكَ }(3)، و { ءَايَاتِهَا }(4)، وغير ذلك .
وقوله : (( الحرفان )) ، أي الكلمتان ، فأطلق هاهنا الحرف على الكلمة كما تقدّم في قوله : (( بحرف فصلت )) .
وقوله : (( في يونس ثالثها والثاني )) ، أي ثالث هذه الكلمة في يونس(5).
أما الثاني المستثنى بالإثبات ، فهو قوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءنَا ائْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَاذَا }(6).
أما الثالث المستثنى بالإثبات – أيضا – فهو قوله تعالى : { وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن? بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي ءَايَاتِنَا }(7).
__________
(1) سورة المؤمنون ، من الآية 30 ، وغيرها .
(2) في مثل قوله تعالى : { سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ } ، سورة الأعراف ، من الآية 146
(3) في قوله تعالى : { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ...... } سورة البقرة ، من الآية 128 .
(4) وردت في جميع النسخ " آياتهم " ، وهذه الكلمة غير موجودة في القرآن . لعلها تكون : { ءَايَاتِهَا } ، - وهي
التي أثبتها – كما في قوله تعالى : { .... وَهُمْ عَنْ ءَايَاتِهَا مُعْرِضُونَ } ، سورة الأنبياء ، من الآية 32 .
(5) زاد في جـ : " وثاني هذه الكلمة في يونس " .
(6) بعدها في " جـ " : { أَوْ بَدِّلْهُ } ، سورة يونس من الآية 15 .
(7) سورة يونس ، من الآية 21 .(1/399)
وقوله : (( في يونس )) قيّده بالسورة والمرتبة واحترز بالسورة مما وقع منه في غير يونس ، كقوله تعالى في سورة الأنعام : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ? }(1)، وقوله [تعالى](2): { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ }(3)، وغير ذلك ، وهو كثير . وقيّده بالمرتبة الثانئية والثلاثية احترزا من أربعة ألفاظ في هذه السورة ، وهي : الأول والرابع والخامس والسادس .
فالأول قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِالْحياةِ الدُّنْيَا وَاطْمََنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ ءَايَاتِنَا غَافِلُونَ }(4)، والرابع قوله تعالى : { وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِايَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ }(5)، والخامس قوله تعالى : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلإيْهِ? بَِايَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ }(6)، والسادس قوله تعالى : { وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ ءَايَاتِنَا لَغَافِلُونَ }(7).
فحصل مما ذكرنا : أن الثابت من ألفاظ { ءَايَاتِنَا } لفظان خاصّة ، وهما الثاني والثالث في سورة يونس ، وهكذا قال صاحب المنصف – أيضا – ، لأنه قال(8):
__________
(1) سورة الأنعام ، من الآية 68 .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) 10) بعدها في " جـ " : { ..... خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } ، سورة مريم ، من الآية 72 .
(4) 11) سورة يونس ، الآية 7 .
(5) 12) سورة يونس ، من الآية 73 .
(6) 13) سورة يونس ، الآية 75 .
(7) 14) سورة يونس ، من الآية 92 .
(8) لم أعثر على كتاب المنصف .(1/400)
آيَاتُنَا فِي يُونُسٍ حَرْفَانِ عَلَيْهِمُ آيَاتُنَا وَالثَّانِي
مِنْ قَبْلِ وَبَعْدِ مَكْرِ أَلِفٍ مَعْرُوفَهْ وَغَيْرَ دَيْنِ عِنْدَنَا مَحْذُوفَهْ
الإعراب : قوله : (( وأُثبتت )) ماض مركّب وعلامة التأنيث ، وقوله : (( آياتنا )) مفعول لم يسمّ فاعله ، وقوله : (( الحرفان )) بدل من (( آياتنا )) ، وقوله : (( في يونس )) متعلق بحال محذوفة(1)، تقديره : الحال واقعين في يونس ، وقوله : (( ثالثها )) بدل من الحرفان ، أو تقول هو خبر مبتدأ مضمر ، تقديره : وهما ثالثها ، (( والثاني )) معطوف على قوله : (( ثالثها )) . ثم قال :
[65] وَالْحَذْفُ عَنْهُمَا بِأَكَّالُونَ **** وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ فَعَّالُونَ
[66] كَيْفَ أَتَى وَوَزْنُ فَعَّالِينَ **** كُلاًّ وَعَنْهُ ثَبْتُ جَبَّارِينَ
ذكر الناظم هاهنا حكم وزن (( فعّالون )) ووزن (( فعّالين )) ، فقال : (( والحذف عنهما بأكّالون )) يريد أن الشيخين أبا عمرو وأبا داود اتفقا على حذف : { أَكَّلُونَ لِلسُّحْتِ }(2)في سورة المائدة ، وإنما ذكر هذين الوزنين هاهنا بالحذف مع اندراجهما في عموم قوله أولا(3): (( من سالم الجمع الذي تكررا )) ؛ لأجل الاختلاف الواقع بين الشيخين في هذين الوزنين ، لأن أبا عمرو لم يحذف من هذين الوزنين إلا حرفا واحدا ، وهو قوله تعالى : { أَكَّلُونَ لِلسُّحْتِ } كما قال الناظم ، وما بقي من هذين الوزنين ثابت عنده ، وإنما قلنا ثابت عنده لسكوته عنه ، ولا يصح أن يقال الباقي من هذا الوزن(4)محذوف عنده ، لأنه لو كان محذوفا عنده لما ذكر { أَكَّلُونَ } بالحذف دون غيره .
__________
(1) زاد في جـ : " متعلق بصفة محذوفة أو حال محذوفة ، تقديره : للصفتان الواقعتان في يونس" .
(2) سورة المائدة ، من الآية 44 .
(3) تنبيه العطشان ، ص 233 .
(4) انظر : التبيان ، ورقة 26 ، دليل الحيران 45 ، سمير الطالبين ، ص 27 . وفي جـ : " من هذين الوزنين "(1/401)
وأما أبو داود : فقد حذف الوزنين معا ، واستثنى من ذلك حرفا واحدا ، وهو { جَبَّارِينَ }(1)في المائدة والشعراء .
وقوله : (( والحذف عنهما بأكالون )) معناه : جاء الحذف أو الحذف جاء عن الشيخين بـ (( أكّالون )) ، أي في ألف { أَكَّلُونَ لِلسُّحْتِ } ، فالباء بمعنى في ، كقوله تعالى : { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَاذَا الْبَلَدِ }(2).
وقوله : (( وعن أبي داود فعالون )) ، أي وجاء الحذف ، أو الحذف جاء(3)عن أبي داود في ألف هذا الوزن وهو فعّالون .
وقوله : (( كيف أتى )) ، أي كان معرّفا أو منكّرا .
مثال المعرّف : { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ }(4).
ومثال المنكّر : { أَكَلُونَ } ، و { سَمَّاعُونَ }(5)، و { طَوَّافُونَ }(6)، و { قَوَّامُونَ }(7).
وقوله : ((ووزن فعّالين)) ، أي وجاء وزن فعّالين بالحذف –أيضا– لأبي داود(8).
وقوله : (( كلاًّ)) ، أي جميعا ، سواء كان معرّفا أو منكّرا .
__________
(1) سورة المائدة ، من الآية 24 ، وسورة الشعراء من الآية 130 .
وانظر مختصر التبيين ، 2 : 317 .
(2) سورة البلد ، الآية 2 .
(3) في جـ : " جاء الحذف ن والحذف جاء " .
(4) سورة الذاريات ، الآية 10 .
(5) في مثل قوله تعالى : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّلُونَ لِلسُّحْتِ.... } ، سورة المائدة ، من الآية 44 .
(6) في قوله تعالى : { .... طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ... } ، سورة النور ، من الآية 56 .
(7) في قوله تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءُ... } ، سورة النساء ، من الآية 34 .
(8) انظر مختصر التبيين ، 2 : 317 ، 318 .(1/402)
مثال المعرّف : { التَّوَّابِينَ }(1)، { لِلأَوَّابِينَ }(2).
ومثال المنكّر : { قَوَّامِينَ }(3)في النساء والمائدة .
وقوله : (( وعنه ثبت جبارين )) ، أي : وعن أبي داود ، لأن كلمة (( عنه )) خاصّة بأبي داود ، كما أن كلمة (( عنهما )) خاصّة بالشيخين أبي عمرو وأبي داود ، أي جاء عن أبي داود ثبت ألف { جَبَّّارِينَ } في المائدة والشعراء .
الإعراب : قوله : (( والحذف )) فاعل بفعل مضمر ، أي وجاء الحذف أو مبتدأ محذوف الخبر ، تقديره : والحذف ثابت أو مستقرّ(4)، وقوله(5): (( وعنهما )) متعلق بـ (( جاء )) على الإعراب الأول ، ومتعلق بالثبوت والاستقرار على الإعراب الثاني ، وقوله : (( بأكّالون )) متعلق بما تعلق به (( عنهما )) على الإعرابين ، وقوله : (( وعن أبي داود فعّالون )) [ مبتدأ وخبره في المجرور الأول ، تقديره : وحذف ألف فعّالون ثابت أو مستقرّ عن أبي داود ، ففيه حذف مضافين ، ويصح أن يكون فاعلا بفعل مضمر ، تقديره : جاء فعّالون ، (( عن أبي داود )) جار ومجرور متعلق
بـ (( جاء )) على هذا الإعراب الأخير ](6)،
__________
(1) في قوله تعالى : { .... إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } ، سورة البقرة ، من الآية 220 .
(2) في قوله تعالى : { .... فَإِنَّهُ? كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا } ، سورة الإسراء ، من الآية 25 .
(3) سورة النساء ، من الآية 134 ، وسورة المائدة ، من الآية 9 .
(4) 10) زاد في جـ : " أو جاء عنهما " .
(5) 11) في جـ : " قوله " .
(6) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " قوله فعالون فاعل بفعل مضمر ، تقديره : وجاء فعالون
عن أبي داود متعلق بجاء " .(1/403)
وقوله : (( كيف ))(1)سؤال عن حال وهو في موضع نصب على الحال من الفاعل بـ (( أتى )) ، وقوله : (( أتى )) ماض [مركب](2)، وقوله : (( ووزن فعالين )) فاعل بفعل مضمر – أيضا – ، أي وجاء [ وزن فعالين بالحذف ويصح أن يكون معطوفا على فعالون ](3)، وقوله : (( كلا )) حال من فاعلين معناه جميعا ، [ وقوله : (( وعنه )) جار ومجرور متعلق بفعل مضمر ، أي وجاء ثبت جبارين عنه ، وقوله : (( ثبت )) فاعل بـ (( جاء )) ](4)، وقوله : (( جبارين )) مضاف إليه . ثم قال :
[67] وَعَنْهُ حَذْفُ خَاطِئُونَ خَاطِئِينْ **** بِغَيْرِ أُولَى يُوسُفٍ وَخَاسِئِينْ
ذكر الناظم في هذا البيت ثلاثة ألفاظ بالحذف لأبي داود ، وإنما ذكرها مع اندراجها في عموم الحذف المتقدّم في قوله(5): (( من سالم الجمع )) لأجل ما استثنى منه ، وهو اللفظ الأول في سورة يوسف - عليه السلام - من ألفاظ { الْخَاطِِينَ } .
وقال بعض الشرّاح(6): إنما ذكر الناظم هذه الألفاظ هاهنا(7)مع اندراجها في عموم الحذف المتقدم ، لاختصاص أبي داود بحذفها دون أبي عمرو ، وهذا لا نسَلمه بل نقول هي محذوفة لأبي عمرو – أيضا – لاندراجها [لأبي عمرو](8)في العموم المتقدّم وإن لم ينصّها بتعيينها ، وإنما ذكرها الناظم هاهنا بالنسبة إلى أبي داود ، ولأجل ما استثنى منه أبو داود كما تقدّم ، ويحتمل أن يقال : إنما ذكر هذين اللفظين وهما { خَاطُِونَ } ، و { خَاطِِينَ } مع اندراجهما في الجمع المتقدّم ؛ لئلا يتوهم متوهم أن الألف فيهما ثابت لأجل حذف صورة الهمزة منهما .
__________
(1) في جـ : " كيف أتى " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " ثبت جبارين عنه " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " (( وعنه ثبت )) فاعل بجاء " .
(5) تنبيه العطشان ، ص 236 .
(6) كابن آجطا في التبيان ، ورقة 27 .
(7) في جـ : " هنا " .
(8) ساقطة من : " جـ " .(1/404)
وقوله : (( حذف خاطئون خاطئين )) ، معناه : وجاء حذف ألف { خَاطُِون } بالواو و { خَااطِِينَ } بالياء عنه ، أي عن أبي داود ، لأن كلمة (( عنه )) خاصّة بأبي داود ، كما أن لفظة (( عنهما )) خاصّة بالشيخين .
مثال(1)الـ { خَاطُِونَ } بالواو ، قوله تعالى : { لاَ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطُِونَ }(2).
ومثال الـ { خَاطِِينَ } بالياء : الثلاثة الألفاظ الواقعة في سورة يوسف - عليه السلام - ، اللفظ الأول منها ، هو قوله تعالى : { وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِِينَ }(3)هذا(4)هو المستثنى بالإثبات في قوله : (( بغير أولى يوسف )) .
اللفظ الثاني هو قوله تعالى : { قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِينَ }(5). اللفظ الثالث هو(6)قوله تعالى : { قَالُواْ يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِِينَ }(7).
وقوله : (( بغير أولى يوسف )) الباء بمعنى في ، أي في غير أولى يوسف ، أي غير الكلمة الأولى في يوسف(8).
وقيّد الناظم هذا الحرف بشيئين : السورة والمرتبة ، أعني المرتبة الأولى .
وقوله : (( وخاسئين )) يعني وجاء – أيضا – عن أبي داود حذف ألف { خَاسِِينَ } وأراد قوله تعالى : { قِرَدَةً خَاسِِينَ }(9)في البقرة والأعراف .
واعترض قوله : (( وخاسئين )) بوجهين :
__________
(1) في جـ : " ومثال " .
(2) سورة الحاقة ، الآية 37 .
(3) سورة يوسف ، من الآية 29 .
(4) في جـ : " وهذا " .
(5) سورة يوسف ، الآية 91 .
(6) في جـ : " واللفظ الثالث هو " .
(7) سورة يوسف ، الآية 97 .
(8) في جـ : " في غير الكلمة الأولى في غير يوسف " . والصواب ما أثبت .
(9) سورة البقرة ، من الآية 64 ، سورة الأعراف ، من الآية 166 .(1/405)
أحدهما : أن ظاهره يقتضي أنه ثابت لأنه عطفه على الثابت ، وهو قوله : (( أولى يوسف )) ، وليس الأمر كذلك ، لأن أبا داود قال في التنزيل(1): " { قِرَدَةً خَاسِِينَ } بحذف الألف " في البقرة وفي الأعراف .
فجوابه أن تقول : قوله : (( وخاسئين )) معطوف على قوله : ((خاطئون خاطئين)) وليس بمعطوف على قوله : (( أولى يوسف )) ، وإن كان أقرب إليه ، بدليل كلامه في التنزيل .
الاعتراض الثاني : لأي شيء ذكر الناظم { خَاسِِينَ } بالحذف ؟ مع أنه مندرج في عموم الجمع المتقدّم .
فجوابه : إنما ذكره – والله أعلم – : مخافة أن يتوهّم متوهّم أنه ثابت لأجل حذف الياء التي هي صورة الهمزة فيه ، كما تقدّم في أحد التعليلين في ذكر حذف الألف في { خَاطُِونَ } ، و { خَاطِِينَ } ، ولكن يلزمه على هذه العلّة أن يذكر – أيضا –قوله تعالى : { فَمَلُِونَ مِنْهَا الْبُطُونَ }(2)، فينصّ على حذفه – أيضا – ، لأنه ربما يتوهّم متوهّم أنه ثابت لما حذف منه – أيضا – .
الإعراب : (( وعنه )) جار ومجرور ، وقوله : (( حذف )) إما فاعل بفعل مضمر تقديره : وجاء حذف ، والجار متعلق بهذا الفعل على هذا التقدير ، ويصح أن يكون (( حذف )) مبتدأ والخبر محذوف ، تقديره : وحذف خاطئون خاطئين وخاسئين ثابت أو مستقرّ ، أو جاء عنه ، فيكون الجار على هذا التقدير متعلقا بهذا المحذوف الذي هو خبر المبتدأ ، وقوله : (( خاطئون )) مضاف إليه ، وقوله : (( خاطئين )) معطوف بإسقاط حرف العطف ، وقوله : (( بغير أولى يوسف )) جار ومجرور ومضاف إليه– أيضا – ، وقوله : (( وخاسئين )) معطوف على [قوله](3): (( خاطئين )) والجار متعلق بمحذوف ، أي الواقع في غيره(4). ثم قال :
[
__________
(1) 10) مختصر التبيين ، 2 : 156 .
(2) 11) سورة الصافات ، من الآية 66 ، وغيرها .
(3) ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(4) في ز : " أي واقعا في غيره " .(1/406)
68] ثُمَّ مِنَ المَنْقُوصِ وَالصَّابُونَا **** وَمِثْلُهُ الصَّابِينَ مَعْ طَاغِينَا
[69] وَفَوْقَ صَادٍ قَدْ أَتَتْ غَاوِِينَا **** وَمِثْلُهُ الحَرْفَانِ مِنْ رَاعُونَا
ذكر الناظم هاهنا الجمع المنقوص ، فذكر في هذين البيتين : أن أبا داود حذف منه ستة ألفاظ وهي : { الصَّابُونَ } { وَالصَّابِينَ } و { طَاغِينَ } و { غَاوِينَ } و { رَاعُونَ } في موضعين .
قوله : (( ثم من المنقوص )) قوله : (( من )) للتبعيض ، أي من بعض المنقوص .
وقوله : (( المنقوص )) [صفة](1)حذف موصوفها ، وهو الجمع ، أي من الجمع المنقوص .
وقوله : (( والصابون )) إما فاعل بفعل مضمر ، تقديره : ثم جاء الصابون بالحذف عن أبي داود ، وإما مبتدأ [وخبره محذوف](2)، تقديره : ثم والصابون جاء بالحذف عن أبي داود ، وأراد قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابُونَ وَالنَّصَارَى }(3)في المائدة .
وقوله : (( ومثله الصابين )) ، أي : ومثل { الصَّابُونَ } في الحذف { الصَّابِينَ } وأراد قوله تعالى في البقرة : { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِينَ }(4).
وقوله : (( مع طاغين )) ، كقوله تعالى : { قَالُواْ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ }(5)في سورة نون والقلم .
وقوله : (( وفوق صاد )) يؤخذ من هاهنا : أنه يجوز في القرآن سورة كذا فوق سورة كذا ، وسورة كذا تحت سورة كذا اعتبارا بخط المصحف .
ومن هذا قول ابن بري : " وأعكسه في النمل وفوق الروم"(6).
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) سورة المائدة ، من الآية 71 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 61 .
(5) سورة القلم ، الآية 31 .
(6) عجز هذا البيت قوله : " لكَتْبه بالياء في المرسوم " .
شرح الدرر اللوامع في قراءة نافع ، للشيخ عبد الرحمن بن محمد الفاسي " مخطوط " ، ورقة 69 .(1/407)
وقوله(1): (( وفوق صاد قد أتت غاوينا )) فيه تقديم وتأخير ، أي : وقد أتت غاوينا فوق صاد ، أي : وقد جاءت كلمة غاوينا [من](2)فوق سورة صاد ، وهي الكلمة التي في سورة والصافات ، وأراد قوله تعالى : { فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ }(3).
هذا هو المحذوف ، لأنه هو الذي ذكره أبو داود بالحذف وسكت عن غيره ، فيقتضي ذلك أن غيره من ألفاظ { غَاوِينَ } ثابت عنده . ومنه قوله تعالى في سورة الحجر(4): { إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ }(5)، وقوله تعالى في الشعراء : { وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } ، وقوله تعالى فيها – أيضا – : { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ }(6).
وقوله : (( وفوق صاد )) قيّده بالمرتبة ، وهي المرتبة الفوقية ، ولك أن تقول : بل قيّده بالسورة ، وهي سورة والصافات ؛ لأن السورة التي هي فوق صاد هي سورة والصافات ، واحترز بهذا التقييد من الحجر والشعراء ، إذ هما ثابتان عنده في السورتين ، وهي ثلاثة ألفاظ في السورتين المذكورتين ، ولم يذكر أبو داود من ألفاظ { غَاوِينَ } إلا الذي في سورة والصافات(7)، وسكت عن غيره ، فيقتضي ذلك أن غيره ثابت عنده .
وقوله : (( ومثله الحرفان من راعونا )) الضمير في قوله : (( ومثله )) يعود على ما تقدّم ، ويصح أن يعود على (( غاوين )) ، تقديره على الأول : ومثل ما تقدّم في الحذف الحرفان من راعون ، وتقديره على الثاني : ومثل غاوين في الحذف الحرفان من راعون .
وقوله : (( الحرفان )) يعني الكلمتين ، أطلق الحرف هاهنا على الكلمة .
__________
(1) في جـ : " قوله " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) سورة الصافات ، الآية 32 .
(4) في جـ : " الحجرات " ، والصواب ما أثبت .
(5) سورة الحجر ، من الآية 42 .
(6) سورة الشعراء ، الآيتين : 91 ، 94 .
(7) انظر : مختصر التبيين ، 4 : 1034 ، دليل الحيران ، ص 46 .(1/408)
وقوله : (( من راعون )) أراد قوله تعالى في سورة المؤمنين وسورة المعارج : { وَالَّذِينَ هُمْ لاِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ }(1).
وهاهنا تنبيهان : أحدهما : لماذا سمي هذا الجمع منقوصا ؟
الثاني : ما عدد ألفاظه في القرآن ؟
أما وجه تسميته منقوصا : فلأنه نقصت منه لام الكلمة . وبيان ذلك : أن { الصَّابُونَ } أصله على قراءة نافع الذي يقرأ بغير همزة : ((صابيون)) ، على وزن (( فاعلون )) ، فاستثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى الباء قبلها ، فالتقى ساكنان سكون الياء وسكون الواو ، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين ، فصار : ((صابون)) ، فدخل عليه الألف واللام ، فصار { الصَّابُونَ } .
وأصل { الصَّابِينَ } بالياء على قراءة نافع الذي يقرأ بغير همزة : ((الصابيين)) ، على وزن (( فاعلين )) ، فاستثقلت الكسرة على الياء فنقلت إلى الباء قبلها ، فالتقى ساكنان وهو(2)الياء التي هي لام الكلمة وياء الجمع ، فحذفت الياء التي هي لام الكلمة ، فصار : ((صابين)) ، فدخلت عليه الألف واللام ، فصار { الصَّابِينَ } .
وأما على قراءة غير نافع(3)فلا نقصان فيها أصلا . وبيان ذلك : أن { الصَّابُونَ }
{ وَالصَّابِينَ } كان بالواو أو بالياء ، فيه قراءتان : قراءة نافع بغير همزة ، وقراءة غيره بهمزة . من قرأه بغير همزة ، فهو من قولهم : صبا يصبو صبوّا ، إذا مال .
ومن قرأه بالهمزة ، فهو مأخوذ من قولهم : صبأ يصبأُ صُبوءا ، إذا خرج .
__________
(1) سورة المؤمنون ، الآية 8 ، سورة المعارج ، الآية 32 .
(2) في جـ : " وهما " .
(3) في جـ ، ز : " وأما على قراءة غير نافع بالهمزة ... " .(1/409)
واختُلف في { الصَّابِينَ } ، قيل : قوم بين اليهود والنصارى ، وقيل : قوم يعبدون الملائكة ، ويقرءون الزبور ويصلون إلى القبلة ، وسمي هذا القوم ((بالصابين)) لأنهم مالوا عن الحقّ ، ولأنهم خرجوا عن الحقّ على القولين المذكورين(1).
وهذا أصل { الصَّابُونَ } و { الصَّابِينَ } ومعناه .
وأصل { طَاغِينَ } و { غَاوِينَ } و { رَاعُونَ } : يُفهم من ذلك الأصل الذي ذكرنا أولا في { الصَّابُونَ } و { الصَّابِينَ } .
وأما عدد ألفاظه في القرآن ، فهي عشرون لفظا ، وهي :
{ الصَّابُونَ } ، و { الصَّابِينَ } ، { وَالنَّاهُونَ }(2)، و { الْعَآدُونَ }(3)، { عَآدُونَ }(4)
{
__________
(1) قال بالأول مجاهد والحسن وقتادة وابن أبي نجيح ، وغيرهم . و قال بالثاني الحسن وقتادة أيضا . وقال ابن
كثير – بعد ذكره لهذه الأقوال – : " وأظهر الأقوال عندي – والله أعلم – قول مجاهد ومتابعيه : أنهم قوم
ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ، ولا المجوس ، ولا المشركين ، وإنما هو قوم باقون على فطرتهم " .
انظر : تفسير الطبري ، 1 : 319 ، الجامع لأحكام القرآن ، 1 : 434 ، تفسير ابن كثير ، 1 : 105 .
(2) في قوله تعالى : { اءَلاْمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ ..... } ، سورة التوبة ، من الآية 113 .
(3) في مثل قوله تعالى : { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذَالِكَ فَ?ُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } ، سورة المؤمنون ، الآية 7 .
(4) في قوله تعالى : { ..... بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } ، سورة الشعراء ، من الآية 166 .(1/410)
سَاهُونَ }(1)، { بَادُونَ }(2)، { وَالْعَافِينَ }(3)، { الْعَالِينَ }(4)، { عَالِينَ }(5){ الْقَالِينَ }(6)، { الْبَاقِينَ }(7)، { رَاعُونَ } ، { طَاغُونَ } ، { طَاغِينَ } ، { لِلطَّاغِينَ }(8)، { غَاوِينَ } ، { الْغَاوِينَ } ، { الْغَاوُونَ } ، { لِلْغَاوِينَ } .
وإنما ذكرت هذين التنبيهين : لأنهما يشكلان على المبتدئين .
وقوله : (( ثم من المنقوص )) إلى آخر البيتين ، اعترض كلامه في هذين البيتين بأن قيل : لأي شيء ذكر هذه الألفاظ بالحذف ؟ مع اندراجها في عموم الجمع بالحذف أولا . جوابه من وجهين :
أحدهما : أنه ذكرها لأجل ما استثنى من هذا الجمع المنقوص للشيخين ، لأن أبا داود لم يذكر بالحذف من هذا الجمع إلا هذه الألفاظ الستة المذكورة في هذين البيتين ، وأما غيرهما فهو محمول عنده على الإثبات .
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } ، سورة الذاريات ، الآية 11 .
(2) في قوله تعالى : { .... يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الاْعْرَابِ .... } ، سورة الأحزاب ، من الآية 20 .
(3) في قوله تعالى : { .... وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } ، سورة آل عمران ، من الآية 134 .
(4) في قوله تعالى : { .... بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ } ، سورة ص ، من الآية 74 .
(5) في قوله تعالى : { .... فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا عَالِينَ } ، سورة المؤمنون ، من الآية 47 .
(6) في قوله تعالى : { قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ } ، سورة الشعراء ، الآية 168 .
(7) في مثل قوله تعالى : { ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ } ، سورة الشعراء ، الآية 120 .
(8) في مثل قوله تعالى : { هَاذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَابٍ } ، سورة ص ، الآية 54 .(1/411)
وأما أبو عمرو فلم يذكر من هذا الجمع بالإثبات إلا حرفا واحدا(1)، وهو قوله تعالى : { قَوْمٌ طَاغُونَ }(2)في والذريات وفي والطور ، وما عداه فهو محمول عنده على الحذف ، لاندراجه في عموم سالم الجمع المذكور أولا(3).
والوجه(4)الثاني : إنما ذكرها مخافة أن يتوهّم متوهمّ أن ألفها ثابتة لأجل ما حذف منها ، وهو لام الكلمة كما تقدّم .
__________
(1) حيث قال : " قال محمد بن عيسى الأصبهاني في كتابه في هجاء المصاحف : { قَوْمٌ طَاغُونَ }
في الذاريات والطور مرسوم بالألف " ثم قال : " وكذا رأيتها أنا في مصاحف أهل العراق " .
انظر : المقنع ، ص 23 .
(2) 10) سورة الذاريات ، من الآية 53 .
(3) 11) لم ينصّ أبو عمرو الداني تعيينا على الجمع المنقوص لا بحذف ولا بإثبات إلا في { طَاغُونَ } ، فحمل
بعضهم هذا الجمع على الإثبات على الأصل ، كما في مصحف الجماهيرية ، وحمل بعضهم هذا الجمع
على الحذف ، لاندراجه في جمع المذكر السالم ، كما عند الشارح .
(4) 12) في جـ : " الوجه الثاني " .(1/412)
الإعراب : قوله : (( ثم )) حرف عطف ، وقوله : (( من المنقوص )) جار ومجرور متعلق [ بحال محذوفة وصاحب الحال هو قوله : (( والصابون)) ](1)والصابون فاعل بفعل مضمر ، أي ثم جاء والصابون عن أبي داود كائنا من الجمع المنقوص بالحذف ، فيكون (( من المنقوص )) متعلقا بهذا الحال(2)المذكورة ويحتمل أن يكون (( والصابون )) مبتدأ وخبره محذوف وهو متعلق بالجار الذي هو من المنقوص ، أي ثم والصابون جاء من المنقوص عن أبي داود بالحذف ، [وقوله : ((من المنقوص)) على هذا في موضع الحال من الضمير المستتر في جاء المحذوف ، تقديره : ثم حذف والصابون جاء كائنا من المنقوص عن أبي داود بالحذف ، ويصح أن يكون قوله : (( والصابون )) معطوفا على قوله : (( خاطئون )) ، تقديره : وعنه خاطئون وكذا وكذا وحذف والصابون كائنا من المنقوص ، فيكون قوله : (( من المنقوص )) حالا مقدّمة على كل وجه ، وهي حال مؤكدة ](3)، وقوله : (( ومثله )) معطوف على (( والصابون )) ، [ أو معطوف على (( خاطئون )) ](4)، وقوله : (( الصابين )) بدل من (( مثله )) ويصح أن يكون (( الصابين )) مبتدأ محكيا وخبره ((مثله)) مقدّم عليه ، تقديره : والصابين مثله ، أي مثل الصابون في الحذف(5)[ويحتمل أن يكون (( مثله )) مبتدأ و (( الصابين )) خبره ](6)، وقوله (( مع )) ظرف ، وقوله : (( طاغين )) مخفوض بالظرف [ والعامل في الظرف الذي هو (( مع )) حال من الـ (( طاغين )) ، تقديره : ومثله حذف الصابين كائنا مع طاغين ](7)،
__________
(1) 13) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) 14) في جـ : " الفعل " .
(3) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) في جـ : " بالحذف .
(6) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(7) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " ..(1/413)
وقوله : (( وفوق صاد )) ظرف ومخفوض بالظرف[والعامل في الظرف (( أتت ))](1)وقوله : (( قد )) حرف تحقيق ، وقوله : (( أتت )) ماض وعلامة التأنيث ، وقوله : (( غاوينا )) فاعل والألف في آخر الأشطار الأربعة لإطلاق القافية . ثم قال :
[70] وَعَنْهُ وَالدَّانِيِّ فِي طَاغُونَا **** ثبْتٌ وَمَا حَذَفْتَ مِنْهُ النُّونَا
[71] فَعَنْهُ حَذْفُ بَالِغُوهُ بَالِغِيهْ **** وَصَالِحُ التَّحْرِيمِ أَيضًا يَقْتَفِيهْ
قوله : (( وعنه )) الضمير عائد على أبي داود .
وقوله : (( والداني )) هكذا بخفض الياء ، أي وعن الداني .
وقوله : (( في طاغونا )) ، أي في ألف { طَاغُونَ } على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مُقامه .
وقوله : (( ثبت )) ، أي وجاء ثبت الألف عن الشيخين أبي عمرو وأبي داود في ألف { طَاغُونَ } ، وأراد قوله تعالى في والذاريات : { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ? بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ }(2)وقوله في والطور : { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُم بِهَاذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ }(3)
وقوله : (( ثبت )) هو حدّ الكلام .
وقوله : (( وما حذفت منه النونا )) كلام مستأنف مبتدأ ، ليس بمعطوف أصلا .
وقوله : (( وعنه والداني في طاغونا ثبت )) ، اعتُُرض بوجهين :
أحدهما : تفريقه بين الشيخين ، وذلك خلاف عادته ، لأن عادته أن يجمعهما في الضمير ، فيقول (( وعنهما )) ، ولم يفعل ذلك هاهنا . صوابه أن يقول – مثلا – : وعنهما معا لدى طاغونا .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) سورة الذاريات ، الآية 53 .
(3) سورة الطور ، الآية 30 .(1/414)
والوجه الثاني : أنه عطفه على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض ، لأنه قال : (( وعنه والداني )) ، وكان صوابه أن يقول : وعنه وعن الداني ، بإعادة الخافض ، لأن البصريين لا يجوز عندهم : مررت بك وعمرو ، بخفض عمرو ، وإنما الجائز عندهم : مررت بك وبعمرو بإعادة الباء ، وكذلك لا يجوز عندهم أن تقول : زيد سلمت عليه وعمرو ، وإنما تقول سلمت عليه وعلى عمرو بإعادة على .
أجيب عنه بأن قيل : إنما استعمل الناظم هذا لتعذّر الوزن عنده إلا بهذا ، ويجوز في الشعر ما لا يجوز في غيره ، ومنه قول الشاعر(1):
فَالْيَوْمَ قَرَّبَتْ تَهْجُونَا وَتَشْتُمُنَا فَاذْهَبْ فَمَا بِكَ وَالأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ
فعطف ((والأيام)) على الكاف المخفوض بالباء من غير إعادة الخافض ، ولم يقل وبالأيام . ولك أن تقول : إنما استعمل هذا على مذهب الكوفيين القائلين بجواز ذلك ، ودليلهم على جوازه قوله تعالى : { وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَّآءَلُونَ بِهِ? وَالأَرْحَامَ }(2)بكسر الميم من { الأَرْحَامَ } على قراءة حمزة .
وأجاب البصريون عن هذه القراءة بأن قالوا : هو مخفوض بواو القسم وليس بمعطوف تقديره : وحقّ الأرحام وجواب القسم قوله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }(3)
وقوله (( وما حذفت منه النونا )) هذا كلام مستأنف مبتدأ وخبره فيما بعده ، ولا يصح أن يكون معطوفا على ما قبله ، لأن عطفه على ما قبله يقتضي أن يكون الداني نصّ على إثبات الألف في الجمع المحذوف النون ، وليس كذلك ، لأن أبا عمرو لم يذكر الإثبات أصلا في الجمع المحذوف النون ، وإنما أطلق الكلام في جمع المذكّر السّالم ، فيقتضي كلامه أن لا فرق بين الجمع التام والجمع المحذوف النون .
__________
(1) سبق تخريج هذا البيت ، في ص 98 .
(2) سورة النساء ، من الآية 1 . وقد تقدم توضيح ما في { الأَرْحَامَ } من قراءات في ص 98 .
(3) سورة النساء ، من الآية 1 .(1/415)
وأما أبو داود فقد ذكر الجمع المحذوف النون بالإثبات ، واستثنى منه ثلاثة ألفاظ ، وهي : { بَالِغُوهُ } و { بَالِغِيهِ } { وَصَالِحُ } التحريم ، فإذا بطل عطْف هذا الكلام على ما قبله ، تعيّن أن يكون هذا الكلام مستأنفا ، كما قلنا ، وخبره فيما بعده ، وهذا من باب التضمين ، وهو أن يكون معنى بيت في بيت آخر .
وقوله : (( وما حذفت منه النونا )) (( ما )) موصولة بمعنى الذي ، وهي واقعة على الجمع ، تقديره : والجمع الذي حذفت منه النون يعني للإضافة .
وقوله : (( فعنه حذف بالغوه بالغيه وصالح التحريم أيضا يقتفيه )) ، معناه : فجاء عن أبي داود حذف ثلاثة ألفاظ من هذا الجمع الذي حذفت نونه ، وهي : { بَالِغُوهُ } و { بَالِغِيهِ } ، { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ }(1).
وقوله : (( بالغوه )) ، مثاله قوله تعالى : { بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ }(2).
وقوله : (( بالغيه )) ، مثاله قوله تعالى : { إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ }(3).
وقوله : (( وصالح التحريم )) ، أراد قوله تعالى في سورة التحريم : { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } .
وقوله : (( بالغوه بالغيه وصالح التحريم )) يؤخذ منه : أن ما عدا هذه الألفاظ الثلاثة من الجمع المحذوف نونه ثابت لأبي داود ، كقوله تعالى : { حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }(4)، وقوله تعالى(5): { ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ }(6)، وقوله [تعالى](7): { إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلاً }(8)، وغير ذلك .
__________
(1) سورة التحريم ، من الآية 4 .
(2) سورة الأعراف ، من الآية 134 .
(3) سورة النحل ، من الآية 7 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 195 .
(5) في جـ : " وكقوله " .
(6) سورة النساء ، من الآية 96 ، وغيرها .
(7) ساقطة من : " جـ " .
(8) سورة الدخان ، من الآية 14 .(1/416)
وقوله : (( التحريم )) ليس بقيْد لهذا اللفظ ، لأنه متّحد ليس بمتعدد في القرآن ، لأنه ليس في القرآن { صَالِحُ } على صورة الجمع إلا هذا ، وكل ما وقع في القرآن من هذا اللفظ فهو مفرد ، كقوله تعالى : { يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا }(1)، وقوله تعالى : { يَاصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا }(2)، وكقوله تعالى(3): { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ? }(4)، وليس في القرآن { صَالِحُ } بالجمع إلا قوله تعالى في سورة التحريم : { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } ، لأن أصله : ((صالحون)) ، فحذفت منه نون الجمع للإضافة ثم حذفت منه – أيضا – واو الجمع في الخط اكتفاء بالضمة عنها ، كما سيأتي في حذف الواو(5)في بابه إن شاء الله ، فبقي { صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } .
فإذا تبيّن أنه متحد اللفظ فلا يصح تقييده بقوله : (( التحريم )) ، وإنما أضافه الناظم إلى (( التحريم )) للبيان ، أي لبيان موضعه في القرآن ، رفعا للبيان إلى أقصى غايته .
وقوله : (( وصالح التحريم )) أراد قوله تعالى : { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } .
واختلف العلماء(6)في معناه :
__________
(1) سورة الأعراف ، من الآية 76 .
(2) 10) في جـ : " { ..... يَاصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَاذَا ...... } ، سورة هود ، من الآية 61 .
(3) 11) في جـ : " وقوله تعالى " .
(4) 12) سورة فصلت من الآية 45 .
(5) 13) في قول الناظم : " ويمح في حم مع وصالح * الحذف في الخمسة عنهم واضح " .
(6) قال العلاء بن زياد وقتادة وسفيان : " هم الأنبياء عليهم السلام " ، وقال السدي : " هم أصحاب رسول الله "
وقال عكرمة وسعيد بن جبير: " أبو بكر وعمر" .
انظر : الجامع لأحكام القرآن ، 18 : 189 ، تفسير الطبري ، 28 : 162 ، تفسير ابن كثير ، 4 : 390 .(1/417)
قيل : الأنبياء عليهم السلام ، وقيل : خيار المؤمنين ، وقيل : أبو بكر وعمر – رضي الله عنهما – ، وقيل : مفرد ، والمراد به جنس المؤمنين ، فعلى الأقوال الثلاثة الأُولى جمع(1)، وعلى القول الرابع هو مفرد لفظا ، ومعناه : الجمع .
وقوله : (( أيضا )) هو مصدر ءاض يئيض [أيضا](2)، إذا رجع ، ومعنى قوله : (( أيضا )) رجوعا .
وقوله : (( يقتفيه )) ، أي يتبعه ، لأن الاقتفاء معناه الاتباع . والضمير في قوله : (( يقتفيه )) يعود على المذكور ، تقديره : وصالح المؤمنين يتبع المذكور في الحكم المذكور .
ومعنى قولنا : يتبع المذكور في الحكم المذكور ، أي يتبع المذكور الذي هو { بَالِغُوهُ } و { بَالِغِيهِ } في الحكم المذكور الذي هو الحذف .
وقوله : (( وما حذفت منه النون )) إلى آخره ، في هذا الكلام تنبيهان :
الأول : أن يقال ما الموجب لحذف هذه النون المحذوفة من هذا الجمع ؟
الثاني : ما عدد ألفاظ هذا الجمع في القرآن ؟
أما الموجب لحذف النون من هذا الجمع ، فهو : الإضافة ، لأن نون الجمع لا تثبت مع الإضافة ، [ لأن نون الجمع عوض من التنوين فكما لا يثبت التنوين مع الإضافة فكذلك نون الجمع – أيضا – لا تثبت مع الإضافة ](3)، لأن العوض كالمعوَّض منه في الحكم .
__________
(1) في جـ " هو جمع " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/418)
وأما عدد ألفاظ هذا الجمع في القرآن الكريم ، فهي عشرون لفظا ، وهي : { حَاضِرِي }(1)، { عَابِرِي }(2)، { ظَالِمِي }(3)، { بَاسِطُواْ }(4)، { نَاكِسُواْ }(5)، { كَاشِفُواْ }(6)، { صَالُواْ }(7)، { لَصَالُواْ }(8).
{
__________
(1) في قوله تعالى : { .... حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.... } ، سورة البقرة ، من الآية 195 .
(2) في قوله تعالى : { .... وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ.... } ، سورة النساء ، من الآية 43 .
(3) في قوله تعالى : { ... ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ.... } ، سورة النساء ، من الآية 96 .
(4) في قوله تعالى : { ... وَالْمَلكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ..... } ، سورة الأنعام ، من الآية 94 .
(5) في قوله تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ..... } ، سورة السجدة ، من الآية 12 .
(6) 10) في قوله تعالى : { إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآ دُونَ } ، سورة الدخان ، الآية 14 .
(7) 11) في مثل قوله تعالى : { ..... إِنَّهُمْ صَالُواْ النَّارِ } ، سورة ص ، من الآية 58 .
(8) 12) في قوله تعالى : { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ الْجَحِيمِ } ، سورة المطففين ، الآية 16 .(1/419)
بِتَارِكِي }(1)، { لَتَارِكُواْ }(2)، { وَجَاعِلُوهُ }(3)، { مُوَاقِعُوهَا }(4)، { بَالِغُوهُ }(5)، { بَالِغِيهِ } ، { نَاكِسُواْ }(6)، { وَصَالِحُ } ، { بِئَاخِذِيهِ }(7)، { رَآدُّوهُ }(8)، { بِرَآدِّي }(9){ لَذَآ قُواْ }(10).
وأصل كل واحد من هذه الألفاظ إثبات نون الجمع ، ولكن لما أضيف حذف منه نون الجمع ، لأن نون الجمع لا تجتمع مع الإضافة .
وقول الناظم : (( وما حذفت منه النونا )) اعترض(11)هذا الكلام بخمسة أوجه :
__________
(1) في قوله تعالى : { .... وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي ءَالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ .... } ، سورة هود ، من الآية 53 .
(2) في قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ أَا نَّا لَتَارِكُواْ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } ، سورة الصافات ، الآية 36 .
(3) في قوله تعالى : { .... إَنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } ، سورة القصص ، من الآية 6 .
(4) في قوله تعالى : { وَرَءَا الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّواْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا .... } ، سورة الكهف ، من الآية 52 .
(5) ذكر بعدها في " جـ " : " لعله بقي ....." .
(6) تكرر هذا اللفظ مرتين ، فعلى هذا يكون هذه الألفاظ ، تسعة عشر لفظا .
(7) في قوله تعالى : { .... وَلَسْتُم بِاخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ .... } ، سورة البقرة ، من الآية 266 .
(8) في قوله تعالى : { .... إَنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ ....... } ، سورة القصص ، من الآية 6 .
(9) في قوله تعالى : { .... فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ..... } ، سورة النحل ، من الآية 71 .
(10) 10) في قوله تعالى : { إِنَّكُمْ لَذَآ قُواْ الْعَذَابِ الاْلِيمِ } ، سورة الصافات ، الآية 38 .
(11) 11) في جـ : " فعنه إلى آخره اعترض ...." .(1/420)
أحدها : لأي شيء أدخل الناظم الفاء في خبر المبتدأ ؟ في قوله : (( فعنه )) لأنه في موضع خبر المبتدأ الذي هو (( ما )) في قوله : (( وما حذفت منه النون )) مع أن الفاء لا تدخل على خبر المبتدأ ، إذ لا يجوز أن نقول : زيد فقائم ، بإدخال الفاء على قائم .
أجيب عن هذا بأن قيل : إنما أدخل الفاء هاهنا على خبر المبتدأ لما في الموصول من الإبهام ، فأشبه الموصول الشرط بما فيه من الإبهام ، ومنه قوله تعالى : { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ? مُلَقِيكُمْ }(1)، ومنه قوله تعالى – [أيضا](2)– : { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ }(3)، قاله(4)المكي في إعراب الآيتين المذكورتين .
وقال أبو الفتح بن جني في سر الصناعة في باب الفاء : إنما دخلت الفاء هاهنا جوابا لما تضمنته الصلة من معنى الشرط ، لأن قوله تعالى : { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ } ، تقديره : إن فررتم من الموت(5).
__________
(1) 12) سورة الجمعة ، من الآية 8 .
(2) 13) ساقطة من : " جـ " .
(3) 14) سورة البقرة ، من الآية 273 .
(4) 15) انظر مشكل الإعراب ، 2 : 377 .
(5) 16) انظر سر الصناعة ، 1 :267 .(1/421)
الاعتراض الثاني : أن يقال لأي شيء أسقط الناظم الضمير الرابط بين المبتدأ والخبر ؟ لأن قوله : (( فعنه حذف بالغوه )) إلى آخره ، ليس فيه ضمير يعود على المبتدأ ، لأنه لا يجوز حذف الضمير الرابط بين المبتدأ والخبر إلا في شذوذ ، لأن قولهم(1): " السمن منوان بدرهم " ، أي منوان منه بدرهم ، وقوله(2): " البُرُّ صاعان منه بدرهم "(3)، ومنه قوله تعالى على قول : { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً }(4)منهم(5)، وقيل الخبر في قوله :
{ أُوْ لَكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ }(6)وأما قوله : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } [فهي](7)جملة اعتراضية بين الخبر وذي الخبر .
فقول الناظم على هذا : (( فعنه حذف بالغوه بالغيه )) لابد فيه من ضمير يعود على المبتدأ ، تقديره : فعنه حذف بالغوه بالغيه منه ، {أي مما حذفت منه }(8)النون ، لأن (( ما )) موصولة بمعنى الذي ، وعليها يعود هذا الضمير المقدّر هاهنا .
قال بعض الشرّاح(9): ولو قال الناظم بعد قوله : (( و ما حذفت منه النون )) :
أَثْبَتَهُ التَّنْزِيلُ إِلاَّ حَرْفًا تُذْكَرُ قَدْ خَصَّصَهَا فَحُذِفَا
أو قال :
أَثْبَتَهُ التَّنْزِيلُ إِلاَّ كَلِِمَا رَسَمَهَا بِالْحَذْفِ فِيمَا رَسَمَا
__________
(1) في جـ : " نحو قولهم " .
(2) في جـ : " وقولهم " .
(3) في جـ : " البر صاعان بدرهم ، أي صاعان منه بدرهم " .
(4) سورة الكهف ، من الآية 30 .
(5) في جـ ، ز : " أي من أحسن عملا منهم " .
(6) سورة الكهف ، من الآية 31 .
(7) ساقطة من : " جـ " .
(8) ما أثبت من " جـ " ، لأنه في الأصل بياض .
(9) انظر التبيان ، ورقة 28 .(1/422)
لم يكن في الكلام إشكال ولا احتاج إلى إعراب ولا اعتذار ، ولكن غفل هذا الشارح(1)عن الفاء في قوله : (( فعنه )) إذ لابد من تعويض(2)بالواو ، إذ لا مدخل للفاء على قوله : (( فعنه )) ، لأن خبر المبتدأ على هذه الأبيات ، وهو قوله : (( أثبته التنزيل )) .
الاعتراض الثالث : من جهة التناقض ، وبيانه أن قوله تعالى : { لَذَآ قُواْ الْعَذَابِ الأَلِيمِ }(3)، يؤخذ من قوله أولا أنه مختلف فيه ، وذلك من قوله(4): (( وفي الذي همز منه شهرا )) لأنه جمع مهموز ويؤخذ من قوله هاهنا : (( وما حذفت منه النون )) المسألة ، أنه ثابت من غير خلاف عند أبي داود .
أجيب عنه بأن قيل : كلامه أولا في المهموز الذي لم يحذف منه النون بالنسبة إلى أبي داود ، وكلامه هاهنا في المهموز الذي حذفت منه النون بالنسبة إلى أبي داود
فيقتضي هذا أن الألف في قوله تعالى : { لَذَآ قُواْ الْعَذَابِ الاْلِيمِ } ثابت ، ولكن الأَوْلى والألْيق أن ينصّّ على إثباته هاهنا ، فأقول {استدراكا ، وبيانا}(5)لهذا :
لَذَائِقُوا بِمُقْتَضَى النَّجَاحِِ أَثْبِتْ وَمَا عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحِ
الاعتراض الرابع : أن قوله تعالى : { وَلَسْتُم بَِاخِذِيهِ }(6)ظاهره أنه محذوف لأبي عمرو ، لاندراجه له في جمع المذكر السّالم ، إذ لم يستثن محذوف النون من غيره(7).
أجيب عن هذا بأن قيل : تقدّم لنا في قوله(8): (( من سالم الجمع الذي تكررا )) أن الجمع المفتتح بالهمزة الممدودة خارج عن هذا ، وأن حكمه في أبواب الهمز ، وأنا أقول حكمه في(9)هذا البيت :
__________
(1) 10) أي ابن آجطا . انطر التبيان ، ورقة 27 .
(2) 11) في جـ : " تعويضها " .
(3) 12) سورة الصافات ، من الآية 38 .
(4) 13) تنبيه العطشان ، ص 246 .
(5) ما أثبت من " جـ " ، لأنه في الأصل بياض .
(6) سورة البقرة ، من الآية 266 .
(7) في جـ : " من غيره " .
(8) تنبيه العطشان ، ص 233 .
(9) في جـ : " أقول في حكمه " .(1/423)
وَالثَّبْتُ فِي بِئَاخِذِيهِ اشتَهَرَا عُنْصُرُه فِي الْهَمْزِ قَدِ انْفَجَرَا
الاعتراض الخامس : من جهة الحكم ، وذلك أن الناظم ذكر الجمع الذي حذفت منه لامه ، وذكر الجمع الذي حذفت منه نونه وسكت عن الجمع الذي حذفت منه لامه ونونه معا ، وذلك في ستة مواضع ، وهي : قوله تعالى : { مُّلَقُواْ اللَّهِ }(1)، وقوله : { مُّلَقُواْ رَبِّهِمْ }(2)، وقوله [ تعالى ] : { مُّلَقُوهُ }(3)، وقوله تعالى : { وَكُلٌّ ءَاتَُوهُ دَاخِرِينَ }(4)، وقوله تعالى : { صَالُواْ النَّارِ }(5)، وقوله [تعالى] : { لَصَالُواْ الْجَحِيمِ }(6).
وهذه الألفاظ ترجع إلى ثلاثة ، وهي : { مُّلَقُواْ } و { صَالُواْ } و { ءَاتَُوهُ } .
وهذه الألفاظ الثلاثة هي كلها جمع المذكر السّالم حذفت منه لامه ونونه معا ، بيان ذلك : أن { مُّلَقُواْ } أصله ((ملاقيون)) ، على وزن (( مفاعلون )) ، فاستثقلت الضمة على الياء ، فنقلت إلى القاف قبلها ، فالتقى ساكنان فحذف الياء لالتقاء الساكنين ، فصار ((ملاقون)) ، فلما أضيف إلى ما بعده حذفت النون للإضافة – أيضا – ، فصار { مُّلَقُواْ } ، فهو إذاً قد حذفت منه لامه للالتقاء الساكنين ونونه للإضافة . وهكذا تقول في { ءَاتَُوهُ } وفي { صَالُواْ } ، وسكت عنه الناظم . أجيب عن هذا بأن قيل : أما { مُّلَقُواْ اللَّهِ } و { مُّلَقُواْ رَبِّهِمْ } و { مُّلَقُوهُ } ، فقد ذكره الناظم في فصل الألف المعانق للام في قوله(7): (( وفي الملاقات سوى التلاق )) .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 247 .
(2) سورة البقرة ، من الآية 45 ، وفي جـ : " وقوله تعالى " .
(3) سورة البقرة ، من الآية 221 . و" تعالى " ساقطة من : " جـ " .
(4) سورة النمل ، من الآية 89 .
(5) 10) سورة ص ، من الآية 58 .
(6) 11) سورة المطففين ، من الآية 16 . و" تعالى " ساقطة من : " جـ " .
(7) 12) تنبيه العطشان ، ص 400 .(1/424)
وأما { ءَاتَُوهُ } ، فقد تقدّم لنا أن الجمع المفتتح بالهمزة الممدودة خارج عن هذا الباب ، وأن بابه باب الهمزة .
وأما { صَالُواْ } و { لَصَالُواْ } ، فقد ذكرهما الناظم في المعنى ، وإن لم يذكرهما في اللفظ ، وذلك أن الناظم ذكر أن أبا داود لم يحذف من الجمع المنقوص اللام إلا ستة أحرف ، فيؤخذ من مفهوم ذلك : أن { صَالُواْ } و { لَصَالُواْ } ثابت الألف ، لأنه من محذوف اللام . وذكر الناظم – أيضا – أن أبا داود لم يحذف من الجمع المحذوف النون إلا ثلاثة ألفاظ ، فيؤخذ من مفهوم ذلك – أيضا – : أن الألف في { صَالُواْ } و { لَصَالُواْ } ثابت ، لأنه محذوف النون ، فاتفق المفهومان من الكلامين على الجمعين المتقدمين على أن الألف في { صَالُواْ } و { لَصَالُواْ } ثابت ، ولكن الأحسن التنصيص على حكم هذا الجمع الذي حذف منه لامه ونونه معا ، ولذلك أقول هاهنا استدراكا لحكم هذه الأبيات :
وَإِنْ حَذَفْتَ النُّونَ مَعْ نُقْصَانِ وَذَاكَ فِي ثَلاَثَةِ مَبَانِ
مُلاَقُوا جَاءَ بِالْحَذْفِ كُلٌ قَالُوا وَمُقْتَضَى التَّنْزِيلِ ثَبْتُ صَالُوا
وَاشْتَهَرَ الإِثْبَاتُ فِي ءَاتُوهُ فِي بَابِ حُكْمِ الْهَمْزِ فَانْظُرُوهُ
فقد انتهى كلام الناظم هاهنا في أقسام جمع المذكر السّالم .
فحاصل أقسام جمع المذكر السّالم أن تقول جمع المذكر السّالم على أربعة أقسام :
أحدها : ثابت اللام والنون معا ، نحو : { الصَّابِرِينَ }(1)و { الصَّادِقِينَ }(2).
والثاني : محذوف اللام والنون معا ، نحو قوله تعالى : { صَالُواْ النَّارِ }(3)، وقوله : { لَصَالُواْ الْجَحِيمِ }(4).
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { ..... وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } ، سورة البقرة ، من الآية 154 .
(2) سورة آل عمران ، من الآية 17 .
(3) سورة ص ، من الآية 58 .
(4) سورة المطففين ، من الآية 16 .(1/425)
الثالث : محذوف اللام دون النون ، نحو { الصَّابُونَ }(1){ { وَالصَّابِينَ }(2).
الرابع : محذوف النون دون} اللام نحو : { بَالِغُوهُ } { بَالِغِيهِ }(3).
أو تقول : أقسام جمع { المذكر السّالم سبعة أقسام :
أحدها السّالم من الهمز ومن الحذف في آخره }(4).
الثاني : الذي وزنه ((فعّالون)) و((فعّالين)) .
الثالث : المهموز آخره ، نحو : { الْخَاطُِونَ }(5)و { الْخَاطِِينَ }(6).
الرابع : المهموز أوله ، نحو : { ءَاخَرُونَ }(7){ وَءَاخَرِينَ }(8).
الخامس : المحذوف لامه دون نونه .
السادس : المحذوف نونه دون لامه .
السابع : المحذوف لامه ونونه معا . وقد تقدّم حكم هذه الأقسام المذكورة كلّها .
__________
(1) سورة المائدة ، من الآية 71 .
(2) كقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِينَ.... } ، سورة البقرة ، من الآية 61 ،
وما بين القوسين أثبت من " جـ " لأنه بياض في الأصل .
(3) سورة الأعراف ، من الآية 134 ، و سورة النحل ، من الآية 7 .
(4) ما أثبت من جـ ، لأنه في الأصل بياض .
(5) سورة الحاقة ، من الآية 37 .
(6) 10) سورة يوسف ، من الآية 29 .
(7) في مثل قوله تعالى : { وَءَاخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ ... } ، سورة التوبة ، من الآية 103 .
(8) في مثل قوله تعالى : { .... سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ .... } ، سورة المائدة ، من الآية 43 .(1/426)
الإعراب : قوله : (( وعنه )) جار ومجرور متعلقه محذوف ، وقوله : (( والداني )) معطوف على الضمير المخفوض بـ (( عن )) ، وقوله : (( في طاغون )) متعلق بمحذوف – أيضا – ، وقوله : (( ثبت )) فاعل بفعل محذوف ، تقديره : وجاء ثبت عنه وعن الداني في طاغون ، وبهذا الفعل تعلقت هذه المجرورات الثلاثة ، [ ويصح أن يكون قوله : (( ثبت )) مبتدأ فتعلقت المجرورات الثلاثة باستقرار محذوف ](1)، وقوله : (( وما حذفت )) (( ما )) مبتدأ وخبره في قوله : (( فعنه حذف بالغوه ))(2)وقوله : (( وحذفت )) ماض وفاعل ، وهو صلة الموصول ، وقوله : (( منه )) متعلق بـ (( حذفت )) ، وقوله : (( النونا )) مفعول ، وقوله : (( فعنه )) جواب (( ما )) لما [ تضمنته من معنى الشرط في الموصل من معنى الإبهام](3)، وهذا الجار متعلق بفعل محذوف ، تقديره : فجاء عنه ، وقوله : (( حذف )) فاعل ، وقوله : (( بالغوه )) مضاف إليه محكي ، وقوله : [ بالغيه ] معطوف ، [ ويصح أن يكون حذف مبتدأ ، تقديره : فحذف بالغوه بالغيه ثابت عنه ](4)، وقوله : (( وصالح التحريم )) مبتدأ ومضاف إليه ، وقوله : (( أيضا )) مصدر ، وقوله : (( يقتفيه )) جملة في موضع خبر المبتدأ . ثم قال :
[72] وَلِلْجَمِيعِ السَّيِّئَاتِ جَاءَا **** بِأَلِفٍ إِذْ سَلَبُوهُ الْيَاءَا
ذكر الناظم في هذا البيت : أن ألف { السَّيَِّاتِ } ثابت لجميع أهل الرسم سواء كان بالألف واللام أو لا .
__________
(1) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) في جـ : " فعنه حذف بالغوه بالغيه " .
(3) ما بين المعقوفين في جـ : " في الموصول من معنى الإبهام " ، وفي ز : " تضمنته من معنى الشرط " .
(4) أيضا ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/427)
مثال ذلك قوله تعالى : { وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّاتِ }(1)، وقوله تعالى : { فَأَصَابَهُمْ سَيَِّاتُ مَا كَسَبُواْ وَالَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَؤُلآَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيََِّاتُ مَا كَسَبُواْ }(2)، وقوله تعالى : { فَأُوْ لَكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيَِّاتِهِمْ حَسَنَاتٍ }(3).
قوله : (( وللجميع السيئات جاء بألف )) ، أي جاء لفظ { السَّيَِّاتِ } بألف ثابت لجميع أهل الرسم .
وقوله : (( إذ سلبوه الياء )) هذا جواب عن سؤال مقدر ، كأنك قلت له : ما العلّة الموجبة لإثبات الألف في السيئات باتفاق ؟ مع أنه جمع سلامه .
فقال : (( إذ سلبوه الياء )) .
فقوله : (( إذ )) للتعليل ، كقوله تعالى : { وَلَنْ يَّنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ }(4)، أي : ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب لأجل ظلمكم ، أي : لن يخفف عنكم العذاب باشتراككم فيه ، بل كل واحد منكم يناله نصيبه من العذاب .
وقوله : (( سلبوه الياء )) ، أي : انتزعوه الياء ، أي : انتزعوا من لفظ { السَّيَِّاتِ } الياء التي هي صورة الهمزة . يقال : سلب الله عقله ، أي : انتزعه منه .
وفي الحديث : (( من قتل قتيلا فله سلبه ))(5)، أي فله [ما](6)انتزع عنه من اللباس وغيره .
__________
(1) سورة الشورى ، من الآية 23 .
(2) سورة الزمر ، من الآية 48 .
(3) سورة الفرقان ، من الآية 70 .
(4) سورة الزخرف ، الآية 38 .
(5) أخرجه البخاري عن أبي قتادة بلفظ : " من قتل قتيلا له عليه بيّنة فله سلبه " في كتاب المغازي ، باب قول
الله عز وجل : { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } ، 3 : 90 ، حديث 4321 .
(6) ساقطة من : " جـ " .(1/428)
فعلّة إثبات الألف في { السَّيَِّاتِ } إذًا : هي مخافة توالي حذفين في كلمة واحدة ، وهو معنى قول الناظم : (( إذ سلبوه الياء )) ، لأنهم لما حذفوا منه صورة الهمزة خافوا إن حذفوا منها {الألف – أيضا – أن يجتمع في الكلمة حذفان }(1).
واعترَض بعض الشرّاح(2)هذه العلّة ، فقال : "هذا التعليل ينتقض بحذف الألف في { خَاطِِينَ } و { خَاطُِونَ }(3)و { خَاسِِينَ }(4)، فإنهم حذفوا فيها الألف مع سلب الياء منها ، فسلب الياء موجود في هذه الألفاظ كما هو موجود في { السَّيَِّاتِ } ، فقال : بل ألف { السَّيَِّاتِ } أحقّ وأولى بالحذف من { خَاطُِونَ } و { خَاطِِينَ } و { خَاسِينَ } ، لوجهين : أحدهما : أن [لفظ](5){ السَّيَِّاتِ } أكثر دورا في القرآن من هذه الألفاظ .
الثاني : أن { السَّيَِّاتِ } جمع مؤنث ، وهذه الألفاظ جمع مذكر ، والمؤنث أثقل من المذكر ، فالأولى حذف الألف في { السَّيَِّاتِ } كما هو محذوف في هذه الألفاظ المذكورة لوجود العلّة في الجميع " .
قلت : الفرق بين { السَّيَِّاتِ } وهذه الألفاظ : أن الحذفين(6)في { السَّيَِّاتِ } متواليان من غير حائل بينهما ، بخلاف الحذفين في { خَاطُِونَ } و { خَاطِِينَ } و { خَاسِِينَ } ، لأن الحذفين في هذه الألفاظ حَالَ بينهما حرف وهو الطاء في { خَاطُِونَ } و { خَاطِِينَ } والسين في { خَاسِِينَ } ، والحذفان في الكلمة بغير حائل أجحف(7)وأثقل من الحذفين وبينهما حائل . فمن أجل هذا أثبت الألف في { السَّيِّاتِ } دون هذه الألفاظ .
__________
(1) ما أثبت من " جـ " ، لأنه في الأصل بياض .
(2) انظر : التبيان ، ورقة 67 ، تقييد طرر على مورد الظمآن ، لوحة 48 . وفي جـ : " بعض الشيوخ " .
(3) تقديم وتأخير في جـ : " { خَاطُِونَ } و { خَاطِِينَ } " .
(4) سبق تخريج هذه الأمثلة ، في ص 281 .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) في جـ : " الحذف " .
(7) في جـ : " أجحف بها " .(1/429)
وهذه العلّة التي علّل بها الناظم إثبات الألف في { السَّيَِّاتِ } علّل(1)بها – أيضا – إثبات الألف في { إِسْرَآءِيلَ } على المشهور ، كما سيأتي إن شاء الله في قوله(2): (( وفي إسراءيل ثبت على المشهور لما سلبا من صورة الهمزة به إذ كتبا )) .
تنبيه : ينبغي أن يذكر هاهنا قوله تعالى : { وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشََاتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلاَمِ }(3)فإن أبا داود قال في التنزيل(4): وكتبوا في بعض المصاحف { الْمُنشَاتُ } بألف ثابت . قلت : وقول أبي داود " { الْمُنشََاتُ } بألف ثابت " يحتمل أن يريد الألف الذي هو صورة الهمزة(5)، ويحتمل[أن يريد](6)ألف البناء ، لأن أبا عمرو ذكر في المحكم(7)في نظائر هذا اللفظ ، نحو : { مََارِبُ }(8)و { مََابِ }(9){ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا }(10)وشبه ذلك من كل همزة مفتوحة بعدها ألف وجهين :
أحدهما : حذف صورة الهمزة وإثبات الألف التي بعدها ، وهو المشهور .
والآخر : عكسه وهو الشاذ(11).
__________
(1) في جـ : " هل بها " وهو تصحيف .
(2) تنبيه العطشان ، ص 323 .
(3) سورة الرحمن ، الآية 22 .
(4) انظر مختصر التبيين ، 4 : 1168 ، 1169 .
(5) في جـ : " الذي في صورة الهمزة " .
(6) ساقطة من : " جـ " .
(7) انظر المحكم ، ص 164 .
(8) في قوله تعالى : { .... وَلِي فِيهَا مََارِبُ أُخْرَى } ، سورة طه ، من الآية 17 .
(9) 10) في مثل قوله تعالى : { .... وَاللّهُ عِندَهُ? حُسْنُ الْمََابِ } ، سورة آل عمران ، من الآية 14 .
(10) 11) سورة يونس ، من الآية 87 .
(11) 12) وصف الشارح هذا الوجه بالشاذ ، مع أن الخراز جعل هذا الوجه هو القياس في كتابه شرح العقيلة ، نقل
ذلك المغراوي في طرره ، حيث قال : " وقد نصّ أبو عبد الله الخراز على احتمال كون الألف الموجودة
صورة للهمزة ، واحتمال كونها ألفا للجمع وحذف صورة الهمزة . والأول هو القياس " .
تقييد طرر على مورد الظمآن ، لوحة 48 .(1/430)
فإن أراد أبو داود إثبات الألف الذي هو صورة الهمزة ، فلا درك على الناظم ، لأن الألف الثاني محذوف . وإن أراد إثبات الألف الثاني فعلى الناظم درك ، لأنه لم ينبّه عليه ، فينبغي أن يذكر هاهنا هذا البيت(1):
عَنْ بَعْضِهَا فِي الْمُنْشَئَاتُ الثَّبْتُ حَكَاهُ فِي التَّنْزِيلِ حَبْرٌ ثبتٌ
الإعراب : قوله : (( وللجميع )) جار ومجرور متعلق بـ (( جاء )) ، وقوله : (( السيئات )) مبتدأ وخبره (( جاء )) ، وقوله : (( بألف )) متعلق [ بحال من فاعل جاء ، أي جاء مصحوبا بألف ](2)، وقوله : (( إذ )) ظرف لما مضى من الزمان والعامل في هذا الظرف صفة محذوفة ، تقديره : بألف ثابتة إذ سلبوه الياء ، وقوله : ((سلبوه)) فعل [ماض](3)وفاعل ومفعول ، وقوله (( الياء )) مفعول ثان لـ (( سلب )) ، والألف في آخر الشطرين لإطلاق القافية . ثم قال :
[73] وَلَيْسَ مَا اشْتُرِطَ مِنْ تَكَرُّرِ **** حَتْمًا لِحَذْفِهِمْ سِوَى الْمُكَرَّرِ
[74] وَإِنًَّمَا ذَكَرْتُهُ اقْتِفَاءَ **** سَنَنهِمْ وَبِهِمُ اقْتِدَاءَ
هذا بيان التكرار المذكور في قوله أولا(4)من : (( من سالم الجمع الذي تكررا)) ، فأراد الناظم – رحمه الله – أن يبيّن هاهنا : أن التكرار المذكور أولا ليس بشرط في حذف الألف في جموع السلامة ، بل تحذف جموع السلامة سواء تكرّرت في القرآن
أو لم تتكرّر .
{وقوله}(5): (( وليس ما اشترط من تكرر حتما )) ، أي : ليس التكرار المشترط في كلامي أولا شرطا محتوما ، أي لازما .
وقوله : (( حتما )) ، أي لازما . يقال : هذا أمر محتوم ، أي لازم وواجب .
__________
(1) 13) في جـ : " هذه الأبيات " ، مع أنه بيت واحد .
(2) 14) ما بين المعقوفين سقط من جـ ، وفيه : " بجاء " .
(3) ساقطة من : " ز " .
(4) تنبيه العطشان ، ص 233 .
(5) ما أثبت من : " جـ " ، لأنه في الأصل بياض .(1/431)
وقوله : (( لحذفهم سوى المكرّر )) هذا جواب عن سؤال مقدّّر ، كأنه قيل له : لماذا قلت ليس التكرار بشرط لازم محتوم ؟
فأجاب ، فقال : (( لحذفهم سوى المكرّر )) . اللام في قوله : (( لحذفهم )) لام العلّة ، أي : لأجل حذف الشيوخ الجمع السّالم الذي لم يتكرر ، لأن أبا عمرو ذكر في أمثلة جمع السلامة { ثَيِّبَاتٍ }(1)مع أنه لم يأت إلا في سورة التحريم ، وأبو داود ذكر أمثلة كثيرة ذكرها الناظم بعد هذين البيتين ، فلو كان التكرار شرطا لازما لما حذفوا غير المكرّر .
وقوله : (( وإنما ذكرته )) البيت ، هذا جواب – أيضا – عن سؤال مقدّر ، كأنه قيل له : فإذا كان التكرار ليس بشرط لازم ، فلأي شيء ذكرته أنت أوّلا ؟ فإن اشتراط ما لا يفيد عبث .
فأجاب ، فقال : وإنما ذكرته اقتفاء بسنتهم ، أي إنما ذكرت التكرار ، وإن لم يكن شرطا لازما اقتفاء سنتهم ، أي اقتداء(2)طريقتهم ، لأن الاقتفاء والاقتداء والاتباع(3)بمعنى واحد ، أي اقتداء واقتفاء واتباعا لسنتهم ، أي طريقتهم .
وقوله : (( وبهم اقتداء )) ، أي اقتديت بهم في ذكره ، فذكرته كما ذكروه .
وقوله : ((وبهم اقتداء)) تكرار لقوله : ((اقتفاء بسنتهم)) فذكره الناظم – رحمه الله – للبيان والتنصيص على الاقتداء .
انظر قوله : (( وليس ما اشترط من تكرّر )) إلى آخر البيتين ، اعتقد الناظم – رحمه الله – أن ذكر الشيوخ تكرار الجمع السّالم لا يفيد شيئا ، وهذا الاعتقاد بعيد عن منصب الأئمة المقتدى بهم ، فكيف يذكرون شيئا لا فائدة في ذكره(4)؟!
__________
(1) في قوله تعالى : { .... ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا } ، سورة التحريم ، من الآية 5 .
(2) في جـ : " أي اقتفاء " .
(3) زاد في جـ : " مترادفة " .
(4) في جـ : " لذكره " .(1/432)
قلت – والله أعلم – : يحتمل أن يكونوا ذكروا التكرار تنبيها على علّة حذف الألف في الجموع السلامة من الجملة ، كأنهم يقولون في المعنى : العلّة في حذف الجموع السلام تكررها في القرآن ، وكثرة دورها فيه من حيث التجميل لا من حيث التفصيل لأن ما كثر دوره فشأنهم أن يخففّوه ، والحذف من أنواع التخفيف ، فحمل الكلام على هذا أولى من إلغائه ؛ إذ حمل الكلام على فائدة أولى من إعرائه عن فائدة .
الإعراب : قوله : (( وليس )) فعل ماض ، وقوله : (( ما )) اسم (( ليس )) موصولة بمعنى الذي ، وقوله : (( اشترط )) ماض مركّب ، وقوله : (( من تكرر )) بيان ما وقعت عليه (( ما )) وهو متعلق بـ (( اشترط )) ، وقوله : (( حتما )) خبر (( ليس )) ، قوله : (( لحذفهم )) جار ومجرور ومضاف إليه والجار متعلق بمحذوف ، تقديره : وإنما قلنا(1)لا يشترط لحذفهم ، وقوله : (( سوى )) مفعول بالحذف ، وقوله : ((المكرّر)) مضاف إليه ، وقوله : (( وإنما )) الواو حرف عطف (( إنما )) (( إن )) حرف تأكيد و (( ما )) كافة ، وقيل مهيئة وموطئة(2)، وقوله : (( ذكرته )) ماض وفاعل ومفعول(3)، وقوله : (( اقتداء )) معطوف على (( اقتفاء )) . ثم قال :
[75] فَقَدْ أَتَى الْحَذْفُ بِلَفْظِ الْفَاتِحِينْ **** عَلَى انْفِرَادِهِ وَلَفْظِ الْغَافِرِينْ
[76] وَمُتَشَاكِسُونَ ثُمَّ الْخَالِفِينَ **** وَالْحَامِدُونَ مِثْلُهَا وَسَافِلِينَ
[77] وَحَسَرَاتٍ غَمَرَاتٍ قُرُبَاتْ **** وَحَرْفِ مَطْوِيَّاتُ مَعَ مُعَقِّبَاتْ
__________
(1) في جـ : " وإنما قلت " .
(2) في جـ : " وتوطئة " .
(3) زاد في جـ ، ز : " قوله : ((اقتفاء)) مفعول من أجله ، وقوله : ((سننهم)) مضاف ومضاف إليه أيضا ،
وقوله : ((وبهم)) جار ومجرور متعلق باقتداء بعده " .(1/433)
ذكر الناظم – رحمه الله – في هذه الأبيات الثلاثة : جموع السلامة التي لم تتكرّر في القرآن ، ومع ذلك فهي محذوفة وما ذكره في هذه الأبيات هو بيان لقوله : (( لحذفهم سوى المكرّر )) ، أي غير المكرّر في القرآن .
فذكر الناظم في هذه الأبيات أحد عشر لفظا : ستة ألفاظ من جمع المذكر السّالم ، وخمسة ألفاظ من جمع المؤنث السّالم .
قوله(1): (( فقد أتى الحذف بلفظ الفاتحين على انفراده )) ، أي جاء الحذف ، أي : [جاء](2)حذف الألف في لفظ { الْفَاتِحِينَ } ، فالباء وعائية بمعنى في ، كقوله تعالى : { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَاذَا الْبَلَدِ }(3)، وقوله : زيد بالبصرة ، وعمرو بالكوفة .
وقوله : (( الفاتحين )) أراد قوله تعالى في سورة الأعراف : { رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ }(4)ولم يأت في القرآن إلا في هذا الموضع ولذلك قال الناظم (( على انفراده )) ، أي على اتحاده إذ لم يتكرّر .
وقوله : (( ولفظ الغافرين )) على انفراده – أيضا – ، وأراد قوله تعالى في سورة الأعراف – أيضا – : { أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ }(5).
وقوله : (( ومتشاكسون )) ، أي وجاء الحذف – أيضا – في ألف { مُتَشَاكِسُونَ } على انفراده ، وأراد قوله تعالى في سورة الزمر : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ }(6).
__________
(1) في جـ : " فقوله " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) سورة البلد ، الآية 2 .
(4) سورة الأعراف ، من الآية 88 .
(5) سورة الأعراف ، من الآية 155 .
(6) سورة الزمر ، من الآية 28 .(1/434)
وقوله : (( ثم الخالفين )) ، أي : جاء الحذف – أيضا – في ألف { الْخَالِفِينَ } على انفراده(1)، وأراد قوله تعالى في سورة التوبة : { فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ }(2).
وقوله : (( والحامدون مثلها )) ، أي : مثل هذه الألفاظ الأربعة المذكورة قبله ، أي مثلها في الحذف والانفراد ، وأراد قوله تعالى في سورة التوبة : { الْحَامِدُونَ السَّآ حُونَ }(3).
وقوله : (( وسافلين )) أي و { سَافِلِينَ } مثل ما تقدّم – أيضا – في الحذف والانفراد وأراد قوله تعالى في سورة والتين والزيتون : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ }(4)
وقوله : (( وحسرات )) ، [ أي : و { حَسَرَاتٍ } ](5)مثل الألفاظ المذكورة(6)في الحذف ، إلا أن هذا اللفظ ورد في القرآن في موضعين :
أحدهما في سورة البقرة وهو قوله تعالى : { كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ }(7).
والثاني في سورة فاطر وهو قوله تعالى : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ }(8)
وقوله : (( وحسرات )) يؤخذ من ذكر { حَسَرَاتٍ } هاهنا أن التكرار المذكور المراد به ما هو أكثر من موضعين ، لأن { حَسَرَاتٍ } قد وقع في موضعين ، ومع ذلك جعلوا له حكم غير المكرّر .
وقوله : (( غمرات )) ، أي : وغمرات مثل ما تقدّم – أيضا – في الحذف والانفراد وأراد قوله تعالى في سورة الأنعام : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ }(9).
__________
(1) في جـ : " مع انفراده " .
(2) سورة التوبة ، من الآية 84 .
(3) سورة التوبة ، من الآية 113 .
(4) 10) سورة التين ، الآية 5 .
(5) 11) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) 12) زاد في جـ ، ز : " أيضا " .
(7) 13) سورة البقرة ، من الآية 166 .
(8) سورة فاطر ، من الآية 8 .
(9) سورة الأنعام ، من الآية 94 .(1/435)
وقوله (( قربات )) ، أي : وقربات مثل ما تقدّم – أيضا – في الحذف مع الانفراد وأراد قوله تعالى في سورة التوبة : { وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ }(1).
وقوله : (( وحرف مطويات )) ، أي : وكلمة مطويات ، أطلق الحرف هاهنا على الكلمة ، وأراد قوله تعالى في سورة الزمر : { وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ? }(2)[أسقط منه المؤلف التنوين للوزن ](3).
وقوله : (( مع معقبات )) ، وأراد قوله تعالى : { لَهُ?مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ? }(4). هذه الألفاظ الأحد(5)عشر : ورد كل واحد منها في موضع واحد في القرآن ، إلا لفظا واحد منها ورد في موضعين ، وهو { حَسَرَاتٍ } ورد في موضعين كما تقدّم . ولكن هو كالوارد في موضع واحد ، لأن التكرار المراد هنا ما تكرّر أكثر من موضعين .
واعترض قوله : (( فقد أتى الحذف بلفظ الفاتحين )) الأبيات الثلاثة ، بأن قيل : ظاهره يقتضي أن جمع السلامة الذي لم يتكرّر محصور في هذه الألفاظ الأحد عشر وليس الأمر كذلك ، لأن غير المكرّر [ورد](6)في مواضع كثيرة غير ما ذكر الناظم هاهنا وكلّها محذوفة .
__________
(1) سورة التوبة ، من الآية 100 .
(2) سورة الزمر ، من الآية 64 .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) سورة الرعد ، من الآية 12 .
(5) في جـ : " الإحدى عشر " .
(6) ساقطة من : " جـ " .(1/436)
مثال ذلك : { لَنَاكِبُونَ }(1){ كَالِحُونَ }(2){ وَارِدُونَ }(3){ خَامِدُونَ }(4)
{ مُتَبَرِّجَاتٍ }(5){ مُّتَجَاوِرَاتٌ }(6){ الْمَثُلَتُ }(7){ صَدُقَاتِهِنَّ }(8){ وَالذَّارِيَاتِ }(9)
{ وَالنَّازِعَاتِ }(10)[الآية](11){ وَالْعَادِيَاتِ }(12)، وغير ذلك .
أجيب عنه بأن قيل : إنما أتى الناظم بهذه الألفاظ للتمثيل لا للحصر .
__________
(1) في قوله تعالى : { وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاءَلاْخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } ، سورة المؤمنون ، الآية 75 .
(2) 10) في قوله تعالى : { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } ، سورة المؤمنون ، الآية 105 .
(3) 11) في قوله تعالى : { ....... حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } ، سورة الأنبياء ، من الآية 97 .
(4) 12) في قوله تعالى : { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإذَاهُمْ خَامِدُونَ } ، سورة يس ، الآية 28 .
(5) في قوله تعالى : { ..... غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ..... } ، سورة النور ، من الآية 58 .
(6) في قوله تعالى : { وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ..... } ، سورة الرعد ، من الآية 4 .
(7) في قوله تعالى : { ....... وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَتُ..... } ، سورة الرعد ، من الآية 7 .
(8) في قوله تعالى : { وَءَاتُواْ النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً...... } ، سورة النساء ، من الآية 4 .
(9) في قوله تعالى : { وَالذَّرِيَاتِ ذَرْوًا } ، سورة الذاريات ، الآية 1 .
وفي جـ : " والذاريات الآية " .
(10) في قوله تعالى : { وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا } ، سورة النازعات ، الآية 1 .
وفي جـ : " والمرسلت الآية " .
(11) ساقطة من : " جـ " .
(12) في قوله تعالى : { وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا } ، سورة العاديات ، الآية 1 .
وفي جـ : " والعاديات الآية " .(1/437)
الإعراب : (( فقد ))(1)حرف تحقيق ، (( أتى )) ماض (( الحذف )) فاعل ، ((بلفظ)) جار ومجرور متعلق بـ (( أتى )) ، (( الفاتحين )) مضاف إليه ، وقوله : (( على انفراده)) متعلق [ بحال محذوفة أي كائنا على انفراده ](2)وهذه الجملة المجرورية في موضع الحال من (( الفاتحين )) والعامل فيه (( أتى )) ، [ أي أتى الحذف في الفاتحين في حال كونه منفردا ](3)، وقوله : (( ولفظ )) معطوف على [قوله](4): (( بلفظ )) ، وقوله : (( والغافرين )) مضاف إليه (( ومتشاكسون )) معطوف ، وقوله : (( ثم الخالفين )) معطوف ، وقوله : (( والحامدون )) مبتدأ وخبره (( مثلها )) ، وقوله : (( سافلين )) إلى آخر الأمثلة معطوفات على (( الحامدون )) وخبر المبتدأ هو (( مثلها )) تقديره : والحامدون وسافلين وحسرات وغمرات وقربات وكلمة مطويات مع معقبات مثلها ، أي : مثل ما تقدّم في الحذف والانفراد ، ويصح في قوله : (( وسافلين وحسرات وغمرات )) إلى آخرها الخفض(5)على (( الفاتحين )) ، وقوله : (( مطويات )) يصح فيه الرفع على الحكاية ، ويصح الخفض على الإضافة ، [والعامل في (( مع )) حال من (( مطويات )) ، تقديره : كائنا مع معقبات](6). ثم قال :
[78] أَوْرَدَهَا مَوْلَى الْمُؤَيَّدِ هِشَامْ **** وَهَاهُنَا اسْتَوْفيْتُ فِي الْجَمْعِ الْكَلاَمْ
ذكر الناظم في هذا البيت : أن الذي ذكر هذه الألفاظ هو أبو داود بن سليمان ابن نجاح .
قوله (( أوردها )) الضمير يعود على الألفاظ الأحد عشر المذكورة ، أي ذكرها ونقلها وحكاها ، أي جاء بها وأتى بها .
__________
(1) قبلها في جـ : " فقوله : قد أتى ...." .
(2) 10) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " ، وفيه " بجاء " .
(3) 11) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه " أي جاء منفردا " .
(4) 12) ساقطة من : " جـ " .
(5) 13) زاد في جـ ، ز : " على العطف " .
(6) 14) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/438)
قوله : (( مولى المؤيد هشام )) [ أي ](1)عتيق المؤيد هشام . يقال المولى [ للمولى](2)الأسفل ويقال – أيضا – المولى(3)للمولى الأعلى . فمعنى المولى الأسفل : هو العتيق ، ومعنى المولى الأعلى : هو المعتِق ، والمراد هاهنا(4)المولى الأسفل ، لأن هشام هو المولى الأعلى ، لأن هشام بن عبد الرحمن(5)هو الذي أعتق نجاحا أبا سليمان بن نجاح .
وقوله : (( مولى المؤيد ))(6)معناه : عتيق المؤيد هشام ، أي ابن العتيق المؤيد هشام .
قوله : (( المؤيد )) ، أي المنصور المقوّى المعَانُ . يقال : أيّده الله ، أي نصره(7)وقوّاه وأعانه ، لأن التأييد والنصرة والإعانة بمعنى واحد(8)، ومنه قوله تعالى – أيضا – : { هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ? }(9)، أي نصرك وأعانك وقوّاك بنصره وبالمؤمنين .
وقوله : (( هشام )) هو أبو الوليد هشام بن عبد الرحمن أمير المؤمنين بالأندلس .
[
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) في جـ : " ويقال المولى أيضا " .
(4) زاد في جـ : " هو " .
(5) هو هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ، أبو الوليد ، ثاني ملوك الدولة
الأموية بالأندلس . ولد بقرطبة ، وبويع بعد وفاة أبيه ، فحسنت سياسته ، وكان حازما شجاعا ، راغبا في
الفتح ، وأحبه الناس لعدله ، واستمر على ذلك إلى أن توفي بقرطبة سنة 403 هـ .
انظر الأعلام ، 8 : 86 .
(6) في جـ : " مولى المؤيد هشام " .
(7) في جـ : " أي نصره الله ....." .
(8) زاد في جـ ، ز : " ومنه قوله تعالى : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } أي نصرناه وقويناه وأعناه بروح القدس " .
وانظر القاموس المحيط ، ص 241 ، " أيد " .
(9) سورة الأنفال ، من الآية 63 .(1/439)
وقوله : (( وهاهنا استوفيت في الجمع لكلام )) ، أي في هذا الموضع وآخر هذه الأبيات المذكورة ، تمّ كلامي وانتهى نظامي وكمل مقالي في جموع السلامة ، فلا أعيد عليها الكلام بعد هذا الباب أصلا ](1).
وقوله : (( استوفيت ))(2)، أي : وفّيت وكمّلت وتمّمت الكلام على الجمع السّالم ، يعني جمع المذكر السّالم وجمع المؤنث السّالم ، فالألف واللام في قوله : (( الجمع )) للعهد المتقدّم في قوله : (( من سالم الجمع الذي تكرّرا )) .
وقوله : (( استوفيت )) المراد بـ ((استفعل)) هاهنا فعل ، وليس المراد به طلب ، لأن ((استفعل)) تارة يكون بمعنى الطلب ، نحو : "استخرج" ، وتارة يكون بمعنى فعل ، نحو : استكبر ، وهو المراد هاهنا ، لأن معنى قوله : (( استوفيت )) وفّيت وكمّلت وتمّمت كلامي وقولي ونظامي على جمع السلامة .
وقوله : (( في الجمع )) ، أي على الجمع ، لأن (( في )) بمعنى على ، كقوله تعالى : { وَلاَوْصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ }(3)، أي على جذوع النخل .
وقوله : (( في الجمع )) [موصوف](4)حذفت صفته ، أي في الجمع السّالم .
__________
(1) 10) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) في جـ : " وهاهنا استوفيت " .
(3) سورة طه ، من الآية 70 .
(4) ساقطة من : " جـ " ، " ز " .(1/440)
الإعراب : [ قوله : (( أوردها )) فعل ماض ومفعول ، وقوله : (( مولى )) فاعل ومضاف إليه ، (( هشام )) بدل من (( المؤيد )) ](1)، وقوله(2): (( وهاهنا )) الواو حرف عطف ، و (( ها )) تنبيه و (( هنا )) ظرف مكان ، العامل(3)فيه (( استوفيت )) وبني (( هاهنا )) لشبهه بالحرف في الافتقار ، لافتقاره(4)إلى المشار إليه ، وقيل : بني لتضمنه معنى الإشارة ، وقوله : (( استوفيت )) ماض وفاعل ، وقوله : (( في الجمع )) متعلق بـ (( الكلام )) ، وقوله : (( الكلام )) مفعول . ثم قال :
[79] الْقَوْلُ فِيمَا قَدْ أَتَى فِي الْبَقَرَةْ **** عَنْ بَعْضِهِمْ وَمَا الْجَمِيعُ ذَكَرَهْ
لمّا فرغ الناظم – رحمه الله – من ترجُمة الفاتحة شرع هاهنا في ترجُمة البقرة ، وذلك منه ترتيب حسن ، لأن سورة الفاتحة هي السورة الأولى من سور القرآن ، وسورة البقرة هي السورة الثانية .
وقوله : (( القول فيما أتى في البقرة )) ، أي : هذا القول موضوع أو مؤلَّف أو مصنَّف في الحذف الذي قد جاء في سورة البقرة .
وقوله : (( عن بعضهم )) ، أي : عن بعض أهل الرسم ، ولا يصح أن يعود الضمير على المصاحف، لأن الهاء والميم لا يضمر بهما إلا للجماعة العاقلة ، فلو أراد المصاحف لقال عن بعضها .
وقوله : (( وما الجميع ذكره )) ، أي : وهذا القول – أيضا – موضوع أو مصنَّف أو مؤلَّف في الحذف الذي ذكره جميع أهل الرسم .
فقد ترجم الناظم – رحمه الله – للحذف المختلف فيه والحذف المتفق عليه ، فأشار إلى الحذف المختلف فيه بقوله : (( القول فيما قد أتى في البقرة عن بعضهم )) ، وأشار إلى الحذف المتفق عليه بقوله : (( وما الجميع ذكره )) .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) في جـ : " قوله " .
(3) في جـ : " والعامل " .
(4) في جـ : " ولافتقاره " .(1/441)
الإعراب : قوله : (( القول )) يصح أن يكون مبتدأ وخبره محذوف ، تقديره : هذا القول ثابت أو مستقرّ أو موضوع [أو مؤلف](1)أو مصنف ، ويصح أن يكون خبر المبتدأ محذوف ، تقديره على هذا : هذا بيان القول ، أو هذا شرح القول ، فيكون في الكلام على هذا حذف شيئين : المبتدأ والمضاف ، وقوله : (( فيما )) جار ومجرور متعلق بالثبوت والاستقرار على إعراب القول بالمبتدأ ، أو هو متعلق بالقول على إعراب القول بخبر المبتدأ ، وقوله : (( قد )) حرف تحقيق ، وقوله : (( أتى )) فعل ماض ، وقوله : (( في البقرة )) متعلق بـ (( أتى )) ، وقوله : (( عن بعضهم )) متعلق بـ ((أتى)) – أيضا – ، وقوله: (( وما )) موصولة معطوفة على (( ما )) الأولى ، وقوله : (( الجميع )) مبتدأ وخبره (( ذكره )) ، وقوله : (( ذكره )) فعل ماض وفاعل ومفعول والهاء تعود على (( ما )) ، وهي الرابطة بين الصلة والموصول . ثم قال :
[80] وَحَذَفُوا ذَلِِكَ ثُمَّ الأَنْهَارْ **** وَابْنُ نَجَاحٍ رَاعِنَا وَالأَبْصَارْ
قدّم(2)في الباب ما أخّر في الترجُمة ، لأنه قدّم في الترجُمة الاختلاف وأخّر الاتفاق وعكس هاهنا ، وهو جائز ويسمّى عندهم بردّ الأعجاز على الصدور ، ومنه قوله تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } ، ثم قال : { فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ }(3)، فبدأ بما أخّر .
وقوله : (( وحذفوا ذلك )) هذا الضمير في قوله : (( حذفوا )) عائد على جميع أهل الرسم لأنه أسند هذا الحكم إلى جميعهم ، وهذا من الأحكام المطلقة كما قالوا ، وتقدّم التنبيه على ذلك في قوله(4): (( والحكم مطلقا به إليهم أشير في أحكام ما قد رسموا ))
__________
(1) ساقط من : " جـ " .
(2) في جـ ، ز : " قدّم الناظم " .
(3) سورة آل عمران ، من الآية 106 .
(4) تنبيه العطشان على مورد الظمآن ، ص 199 .(1/442)
وقوله : (( وحذفوا ذلك )) يريد ألف { ذَ الِكَ } على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مُقامه ، كقوله تعالى : { وَسَْلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا }(1)، أي : وسئل أهل القرية وأصحاب العير .
وقوله : (( ذلك )) يريد مطلقا ، سواء دخل عليه حرف عطف أو غيره أو لا ، وسواء اتصل به نون أو ميم أم لا(2).
مثال ذلك : { ذَالِكَ }(3)، { وَذَالِكَ }(4)، { فَذَالِكَ }(5)، { ذَالِكُمْ }(6)، { ذَالِكُنَّ }(7)، { ذَالِكُمَا }(8)، { وَكَذَالِكَ }(9)، وغير ذلك .
__________
(1) سورة يوسف ، من الآية 82 .
(2) أجمع علماء الرسم على حذف الألف من : { ذَالِكَ } .
انظر : المقنع ، ص 16 ، مختصر التبيين ، 2 : 61 .
(3) في مثل قوله تعالى : { ذَالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ..... } ، سورة البقرة ، من الآية 1.
(4) في مثل قوله تعالى : { .... وَذَالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ، سورة النساء ، من الآية 13 .
(5) في مثل قوله تعالى : { فَذَالِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَالِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } ، سورة الأنبياء ، من الآية 29 .
(6) في مثل قوله تعالى : { ..... وَفِي ذَالِكُم بَلآءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } ، سورة البقرة ، من الآية 48 .
وفي جـ : " ذلكما ، ذلكم ، ذلكن ..." .
(7) في قوله تعالى : { قَالَتْ فَذَالِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ..... } ، سورة يوسف ، من الآية 32 .
(8) في مثل قوله تعالى : { .... ذَالِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي.... } ، سورة يوسف ، من الآية 37 .
(9) 10) في مثل قوله تعالى : { وَكَذَالِكَ جَعَلْنَاكُمْ ?ُمَّةً وَسَطًا.... } ، سورة البقرة ، من الآية 142 .
وزاد في ز : " كذلكم " ، في قوله تعالى : { .... كَذَالِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ.... } ، سورة الفتح ، من الآية 15 .(1/443)
وقوله : (( ذلك )) يعني ذلك باللام . وأما قوله تعالى : { فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ }(1)فليس هذا(2)بمحله ؛ لأن ألفه ألف التثنية ، وسيأتي في موضعه(3)، حيث قال الناظم : (( مع المثنى وهو في غير الطرف )) إلى آخره .
وقوله : (( ثم الأنهار )) ، أي : وحذفوا كلهم ألف { الأَنْهَارُ } ، سواء كان معرفا أو منكّرا ، نحو قوله تعالى : { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ }(4)، وقوله : { فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ? وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى }(5).
وهو محذوف كيفما جاء ، لأن الألف واللام لاستغراق الجنس .
وقوله : (( وابن نجاح راعنا والأبصار )) ، أي وحذف ابن نجاح دون أبي عمرو ألف { رَاعِنَا } وألف { الأَبْصَارِ } .
وقوله : (( راعنا )) ورد في القرآن في موضعين في هذه السورة – أعني سورة البقرة – : { لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ا نظُرْنَا }(6)، وقوله في النساء : { وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ }(7).
[
__________
(1) 11) سورة القصص ، من الآية 32 .
(2) 12) في جـ : " هاهنا" .
(3) 13) تنبيه العطشان على مورد الظمآن ، ص 355 .
(4) 14) سورة البقرة ، من الآية 24 . وغيرها .
(5) 15) سورة محمد ، من الآية 16 .
(6) سورة البقرة ، من الآية 103 .
(7) في جـ : { وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ..... } ، سورة النساء ، من الآية 45 .(1/444)
وقوله : (( والأبصار )) الألف واللام لاستغراق الجنس ، فيندرج فيه المعرّف بالألف واللام ، نحو قوله تعالى : { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ }(1)والمضاف ، نحو قوله تعالى : { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ }(2)، والمنكّر ، نحو قوله تعالى : { وَأَبْصَارًا وَأَفْدَةً }(3)] .
__________
(1) سورة الأنعام ، من الآية 104 .
(2) سورة البقرة ، من الآية 6 .
(3) سورة الأحقاف ، من الآية 25 . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/445)
وقوله : (( والأبصار )) يريد { الأَبْصَارَ } بالباء ، أي بنقطة واحدة تحت الباء ، ولا يريد { وَالأَنصَارِ }(1)بالنون بنقطة واحدة فوق النون ، لأن ألف { الأَنصَارِ } بالنون ثابت باتفاق أهل الرسم ، لأنه من الألفاظ العشرة التي نصوا عليها بالإثبات ، وهي هذه الألفاظ : { النَّهَارِ }(2)و { الْعَذَابِ }(3)و { الْحِسَابِ }(4)و { الْعِقَابِ }(5)و { الْجَبَّارُ }(6)و { النَّارَ }(7)و { الْفُجَّارِ }(8)و { السَّاعَةُ }(9)
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ.... } سورة التوبة ، من الآية 101 .
(2) في قوله تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ... } ، سورة البقرة ، من الآية 163.
(3) في مثل قوله تعالى : { .... يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ...... } ، سورة البقرة ، من الآية 48 .
(4) في مثل قوله تعالى : { ..... وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } ، سورة البقرة ، من الآية 200 .
(5) 10) في مثل قوله تعالى : { .... وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ..... } ، سورة البقرة ، من الآية 195 .
(6) 11) في قوله تعالى : { ..... السَّلَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ.... } ، سورة الحشر ، من الآية 23 .
(7) 12) كقوله تعالى : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ..... } ، سورة البقرة ، من الآية 23 .
(8) 13) في مثل قوله تعالى . { .... أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } ، سورة ص ، من الآية 27 .
(9) 14) كقوله تعالى : { ....حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَاحَسْرَتَنَا.... } ، سورة الأنعام ، من الآية 41 ..(1/446)
و { الأَنصَارِ } من النصرة ، هذه الألفاظ التسعة ذكرها أبو داود في التنزيل(1)، وزاد عليها أبو عمرو في المقنع عاشرا وهو { الْبَيَانَ }(2)، فصارت الألفاظ عشرة ألفاظ كلها ثابتة الألف حيثما وردت وكيفما جاءت . وقد جمعت هذه الألفاظ في هذه الأبيات :
وَأَلِفُ السَّاعَةِ وَالْعِقَابِ وَأَلِفُ الْعَذَابِ وَالْحِسَابِ
وَأَلِفُ النَّهَارِ وَالْجَبَّارِ وَأَلِفُ الْبَيَانِ وَالْفُجَّارِ
وَأَلِفُ النَّارِ مَعَ الأَنْصَارِ ثَبَتَ فِي الْخَطِّ لَدَى الأَخْيَارِ
الإعراب : (( وحذفوا )) ماض وفاعل ، وقوله : (( ذلك )) مفعول ، (( ثم الأنهار )) معطوف ، (( وابن نجاح )) فاعل بفعل محذوف ، أي وحذف ابن نجاح ، أو مبتدأ وخبره محذوف ، تقديره : وابن نجاح حذف ، وقوله : (( راعنا )) مفعول ، وقوله : (( والأبصار )) معطوف . ثم قال :
[81] وَعَنْهُمَا الْكِتَابُ غَيْرَ الْحِجْرِ **** وَالْكَهْفِ فِي ثِانِيهِمَا عَنْ خُبْرِِ
[82] وَمَعَ لَفْظِ أَجَلٍ فِي الرَّعْدِ **** وَأَوَّلُ النَّمْلِ تَمَامُ الْعَدِِّ
وقوله(3): (( وعنهما )) يريد عن الشيخين : أبي عمرو وأبي داود ، لأن لفظة ((عنهما)) خاصّة بهما كما تقدّم في صدر الكتاب ، في قوله(4): (( وكل ما جاء بلفظ عنهما فابن نجاح مع دان رسما )) .
وقوله : (( وعنهما الكتاب )) ، أي وجاء حذف { الْكِتَابِ } عن الشيخين ، فالمضمر هو الحذف ، ولا يصح أن يكون المضمر هاهنا الإثبات ، لأن هذا في سياق الحذف المذكور قبله في قوله : (( وحذفوا ذلك ثم الأنهار )) البيت .
__________
(1) 15) انظر مختصر التبيين ، 2 : 89 ، 90 .
(2) 16) في قوله تعالى : { .... عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } ، سورة الرحمن ، من الآية 2 . وانظر المقنع ، ص 44 .
(3) في جـ ، ز : " قوله " .
(4) تنبيه العطشان ، ص 200 .(1/447)
وقوله : (( وعنهما الكتاب )) ، يريد(1)سواء كان معرّفا بالألف واللام أو بالإضافة أو منكّرا .
وقوله : (( غير الحجر )) هذا استثناء من الحكم بالحذف ، فاستثنى الناظم من ألفاظ الكتاب أربعة ألفاظ ، لأنها ثابتة ، وهي : الثاني في سورة الحجر ، والثاني في سورة الكهف .
فالثاني في الحجر [هو](2)قوله تعالى : { وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ }(3)هذا هو الثابت في هذه السورة .
وأما الأول [في هذه السورة] ، فهو محذوف ، وهو قوله تعالى : { الَرَ تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْءَانٍ مُّبِينٍ }(4).
واللفظ الثاني المستثنى بالإثبات هو [اللفظ](5)الثاني في سورة الكهف ، وهو قوله تعالى : { وَاتْلُ مَا ?ُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ }(6).
وأما الأول في هذه السورة فهو محذوف ، وهو قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ }(7).
واللفظ الثالث المستثنى بالإثبات – أيضا – قوله(8)تعالى في سورة الرعد : { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ }(9).
__________
(1) زاد في جـ : " مطلقا " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) سورة الحجر ، الآية 4 .
(4) سورة الحجر ، الآية 1 . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) سورة الكهف ، من الآية 27 .
(7) سورة الكهف ، من الآية 1 .
(8) في جـ : " وهو قوله " .
(9) سورة الرعد ، من الآية 39 .(1/448)
وأما ما وقع في سورة الرعد قبل هذا اللفظ وبعده ، [فهو](1)محذوف ، إ ذ قبله لفظان ، وهما قوله تعالى : { أَلَمِّرَ تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ }(2)، وقوله تعالى : { وَالَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا ?ُنزِلَ إِلَيْكَ }(3)، وبعده لفظان – أيضا – ، وهما قوله تعالى : { وَعِندَهُ??ُمُّ الْكِتَابِ }(4)، وقوله تعالى : { وَ[مَنْ] عِندَهُ?عِلْمُ الْكِتَابِ }(5).
واللفظ الرابع المستثنى بالإثبات ، هو(6)قوله تعالى في سورة النمل : { طَسِ تِلْكَ ءَايَاتُ الْقُرْءَانِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ }(7)، هذا هو الثابت في هذه السورة .
وأما غير هذا في هذه السورة ، فهو محذوف ، وهما لفظان(8)، وهما قوله تعالى: { إِنِّي ?ُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ }(9)، وقوله : { اذْهَب بِّكِتَابِي هَاذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ }(10)
فقول الناظم : (( وعنهما الكتاب غير الحجر )) ، أي جاء حذف { الْكِتَابِ } عنهما إلا الـ { كِتَابِ } الواقع في الحجر والكهف .
وقوله : (( ثانيهما )) ، أي ثاني اللفظين وقد تقدّما .
وقوله : (( عن خبر )) في هذا اللفظ مطلبان :
أحدها : ما متعلق هذا الكلام ؟
الثاني : هل هو مضاف أو مقطوع(11)؟
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) سورة الرعد ، من الآية 1 .
(3) سورة الرعد ، من الآية 37 .
(4) سورة الرعد ، من الآية 40 .
(5) سورة الرعد ، 44 ، ومن سقطت من : " جـ " .
(6) في جـ : " وهو " .
(7) سورة النمل ، من الآية 1 .
(8) 10) بل هي أربعة ألفاظ في سورة النمل ، { ....قَالَ الَّذِي عِندَهُ? عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ } ، { ....إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } .
(9) 11) سورة النمل ، من الآية 29 .
(10) 12) سورة النمل ، من الآية 28 .
(11) 13) زاد في ز بعدها : " من الإضافة " .(1/449)
ففيه وجهان : أحدهما : أن يكون مضافا إلى ياء المتكلم ، والآخر : أن يكون أصله منونا ، ولكن حذف منه التنوين للقافية .
وأما معناه : فمعناه العلم والمعرفة ، لأنك تقول : خَبَرْت الشيء أُخْبِره خِبْرة وَخُبْرا ، أي : علمتُه وعرفتُه .
وأما هل هذا اللفظ راجع إلى الناظم ، أو هو راجع إلى الأشياخ ، [ففيه وجهان](1)، تقديره على رجوعه إلى الناظم : ثبت هذا اللفظ الثاني في السورتين عن علمي ومعرفتي بهذا الحكم من كتب الأشياخ ، هذا تقديره إذا كان مضافا ،
وأما إذا كان منوّنا ، فتقديره : عن علم مني ومعرفة مني بهذا من كتبهم ، فكأنه يقول على قصد الإضافة : ثبت هذا اللفظ الثاني في السورتين عن علمي ومعرفتي وعن اختباري وامتحاني واستقصائي واجتهادي ومطالعتي لكتبهم ، فوجدت الثابت في هاتين(2)السورتين هو الثاني فيهما ، وكأنه يقول على قصد عدم الإضافة : ثبت هذا اللفظ الثاني في السورتين عن علم مني ومعرفة مني وعن اختبار وامتحان واستقصاء واجتهاد ومطالعة مني لكتبهم ، هذا تقدير رجوعه إلى الناظم مع إضافته ومع قطعه .
وأما رجوعه إلى الأشياخ ، فتقديره : ثبت هذا اللفظ الثاني في السورتين عن علم ومعرفة [ من الأشياخ ومعرفة منهم بهذا الحكم من المصاحف ، فكأنه يقول : ثبت هذا اللفظ الثاني في السورتين عن علم ومعرفة ](3)من الشيوخ ، واختبار وامتحان واستقصاء واجتهاد ومطالعة منهم للمصاحف ، فوجدوا فيها أن الثابت في هاتين السورتين هو اللفظ الثاني فيهما .
وقوله : (( ومع لفظ أجل في الرعد )) ، أي وغير الكتاب الواقع مع لفظ { أجل } ، وقيّده بالسورة والمجاور ، احترازا من الواقع في غير هذه السورة ، ومن الواقع في هذه السورة قبل وبعد كما تقدّم .
وقوله : (( وأول النمل تمام العد )) ، أي واللفظ الأول في النمل هو تمام العد وكمال عدّتها .
__________
(1) 14) ساقطة من : " جـ " .
(2) في جـ : " هذين " .
(3) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/450)
واعترض هذا البيت بأن قيل : ظاهر كلامه أن هذا مخصوص بالشيخين ، وليس الأمر كذلك ، صوابه أن يقول : وعنهم الكتاب ، لأنه ذكره الأئمة الأربعة(1).
أجيب عنه بأن قيل : المعتمد عليه عند الناظم المقنع والتنزيل ؛ إذ هما أصول وغيرهما فروع ، لأن العقيلة تابع للمقنع ، وكتاب المنصف تابع للتنزيل ، فنسبة الحكم إلى الشيخين كنسبته إلى الجميع ، فلأجل هذا يقول الناظم في بعض المواضع : (( وعنهما )) والمراد جميع [أهل](2)الرسم كهذا الموضع .
الإعراب : قوله : (( وعنهما )) جار ومجرور متعلق بمحذوف ، وقوله : ((الكتاب)) إما فاعل ، تقديره : وجاء الكتاب عنهما فيتعلق الجار بـ (( جاء )) ، وإما مبتدأ ، تقديره : والكتاب ثابت أو مستقرّ أو جاء عنهما بالحذف فيتعلق الجار بهذا المحذوف الذي هو خبر المبتدأ ، وقوله : (( غير )) استثناء ، وقوله : [(( الحجر )) مضاف إليه](3)، (( والكهف )) معطوف ، وقوله : (( في ثانيهما )) جار ومجرور ومضاف إليه ، وتعلق الجار بمحذوف ، تقديره : أعني [ألف](4)الكتاب الواقع في ثاني السورتين ، وقوله : (( عن خبر )) متعلق – أيضا – بهذا المحذوف ، وقوله : (( ومع )) الواو للعطف (( مع لفظ )) ظرف ومخفوض بالظرف والعامل في الظرف صفة محذوفة ، تقديره : والكتاب الواقع مع لفظة (( أجل )) ، وقوله : (( في الرعد )) متعلق بالصفة المحذوفة المذكورة – أيضا – ، وقوله : (( وأول النمل )) مبتدأ ومضاف إليه وقوله : (( تمام العد )) خبر المبتدأ ومضاف إليه . ثم قال :
[83] وَاحْذِفْ تُفَادُوهُمْ يَتَامَى وَدِفَاعْ **** كَذَا بِتَنْزِيلٍ فِرَاشًا وَمَتَاعْ
__________
(1) وهم : الداني ، وأبو داود ، والشاطبي ، والبلنسي .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) ساقطة من : " جـ " .(1/451)
ذكر الناظم في هذا الشطر الأول من هذا البيت : ثلاثة ألفاظ وأطلق الحكم فيها فهو منسوب لجميع أهل الرسم ، فهذا من الأحكام المطلقة المشار إليها أولا في قوله(1): (( والحكم مطلقا به إليهم )) البيت .
وقوله: (( واحذف تفادوهم )) ، أي ألف { تُفَدُوهُمْ } ، وهو متّحد اللفظ ، وأراد قوله تعالى في هذه السورة : { وَإِنْ يَّأتُوكُمْ أُسَرَى تُفَدُوهُمْ }(2)وفيه في السبع قراءتان مشهورتان : قرأه نافع وعاصم والكسائي بضم التاء والألف ، وقرأه ابن كثير [وابن عامر](3)وأبو عمرو بن العلا وحمزة بفتح التاء وسكون الفاء(4)، ورسْمه بغير الألف يحتمل القراءتين معا ، فمن قرأه بغير ألف فذلك حقيقة رسمهم(5)ومن قرأه بألف قدّر حذف الألف تخفيفا ، وأشار لمن قرأه بغير ألف .
فحذفه حذف إشارة ، فيكون هذا مما اتفقوا على رسمه واختلفوا في قراءته .
وقوله : (( يتمى )) هو – أيضا – متفق على حذفه ، وحذفه حذف تخفيف واختصار .
وقوله : (( يتمى )) أراد الألف الأولى ، وأما الألف الثانية فمحلها ترجُمة(6): (( وهاك ما بألف قد جاء والأصل أن يكون رسما ياء )) .
وقوله : (( ودفع )) هو – أيضا – متفق على حذفه(7)،
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 198 .
(2) سورة البقرة ، من الآية 84 .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) ووافقهم يعقوب على قراءة ضم التاء وألف بعدها { تُفَدُوهُمْ } .
انظر : النشر : 2 : 218 ، والتيسير ، ص ، 64 ، المبسوط، ص 119 .
(5) في جـ ، ز : " رسمه " .
(6) متن مورد الظمآن ، ص 33 .
(7) في الموضعين : هنا وفي الحج ، وروى الحرفين أبو عمرو بسنده عن قالون عن نافع الحذف ، ووافقه
أبو داود ، والشاطبي ، واتفقت المصاحف على ذلك .
انظر : المقنع ، ص 10 ، مختصر التبيين ، 2 : 299 ، الوسيلة ، ص 108 .(1/452)
وحذفه حذف إشارة ؛ إذ فيه في السبع قراءتان مشهورتان : قرأه نافع بكسر الدال وفتح الفاء مع الألف وقراءة باقي القراء بفتح الدال وسكون الفاء(1)، ورسمه بغير ألف يحتمل القراءتين ، فمن قرأه بغير ألف فذلك حقيقة رسمه ، ومن قرأه بألف قدّر حذف الألف تخفيفا وأشار لمن قرأه بغير ألف ، وهذا – أيضا – مما اتفقوا على رسمه واختلفوا في قراءته .
وقوله : (( كذا بتنزيل [فراشا ومتاع](2)) الباء بمعنى في ، أي في الكتاب المسمى بالتنزيل المنسوب لأبي داود .
وقوله : (( فراشا ومتاع )) ، أي وجاء حذف ألف { فِرَاشًا } وألف { مَتَاعٍ } في التنزيل(3).
وقوله : (( فراشا )) هو متّحد ، وأراد قوله تعالى في سورة البقرة : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا }(4)، وليس في القرآن غيره ، وحذفه تخفيفا .
وقوله : (( ومتاع )) هذا اللفظ متكرر في القرآن(5)،
__________
(1) وافق نافع من العشرة أبو جعفر ويعقوب .
انظر : النشر في القراءات العشر ، 2 : 230 ، تحبير التيسير ، ص 64 ، البدور الزاهرة ، ص 50 .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) انظرهما في مختصر التبيين ، 2 : 102 ، 120 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 21 .
(5) لفظ { مَتَاعٌ } بالنصب والرفع ، جملته إحدى وثلاثون موضعا .
انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي ، ص 765 ، ط4 ، دار المعرفة ، بيروت(1/453)
ومتعدّد في هذه السورة – أيضا – ، لأنه وقع في هذه السورة في مواضع ، منها قوله تعالى : { وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ }(1)، وقوله(2): { مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ }(3)، وقوله : { مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ }(4).
وحيثما وقع هذا اللفظ في القرآن فهو محذوف ، لأن الناظم أطلقه ولم يقيّده .
واعتُرض قوله : (( كذا بتنزيل فراشا ومتاع )) بأن قيل : كيف نسب الناظم هذا إلى التنزيل دون المنصف ؟ ، لأن صاحب المنصف ذكرهما كما ذكرهما صاحب التنزيل ، فكان حقّه أن ينسبهما – أيضا – لصاحب المنصف ، لقوله أولا(5): (( وكلّ ما قد ذكروه أذكر )) .
أجيب عنه بأن قيل : اعتماد الناظم كثيرا على المقنع والتنزيل ، لأنه قد يذكر المقنع ويستغني به عن العقيلة ، ويذكر التنزيل ويستغني به عن المنصف ، كما فعل هاهنا ، وذلك أن الأصل من الكتب الأربعة التي ينقل منها الناظم اثنان : المقنع والتنزيل ، وأما العقيلة والمنصف : فهما فرعان تابعان لهما ، لأن العقيلة تابع للمقنع والمنصف تابع للتنزيل .
وإنما يعتني الناظم بذكر ما زاده هذان الفرعان على الأصلين ، فيذكر زيادة العقيلة على المقنع ، وزيادة المنصف على التنزيل ، لأن كل ما في العقيلة هو في المقنع ، وكل ما في المنصف هو في التنزيل ، إلا تلك الزيادات المشار إليها ، فإن الناظم يعتني بذكرها فلا يتركها .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 35 .
(2) في جـ : " وقوله تعالى " ، سورة البقرة ، من الآية 234 .
(3) زاد مثالا آخر في جـ : " وقوله : { .... مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } " ، سورة البقرة ، من الآية 239
(4) سورة البقرة ، من الآية 238 ، وزاد في ز : "وقوله : { ... وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } " ، سورة يس ، من الآية 43
(5) تنبيه العطشان ، ص 197 .(1/454)
الإعراب : (( واحذف )) فعل أمر ، (( تفادوهم )) مفعول ، وقوله : ((يتامى ودفاع)) معطوفان ، وقوله : (( كذا )) جار ومجرور في موضع النصب على النعت لمحذوف تقديره : جاء فراش ومتاع في التنزيل محذوفا كذا ، أي مثل ذا ، والإشارة تعود على المذكور ، وهو (( تفادوهم )) و (( دفاع )) ، وقوله : (( فراشا )) فاعل محكي ((ومتاع)) معطوف عليه . ثم قال :
[84] وَعَنْهُمَا الصَّاعِِقَةُ الأُولَى أَتَتْ **** وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ حَيْثُ مَا بَدَتْ
ذكر الناظم في الشطر الأول من هذا البيت : أن اللفظة الأولى من ألفاظ { الصَّعِقَةِ } أتت بالحذف عن الشيخين ، وأراد باللفظة الأولى قوله تعالى في هذه السورة : { فَأَخَذَتْكُمُ الصعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ }(1).
وقوله : (( الأولى )) قيّده الناظم بالمرتبة الأولية احترازا من سائر ألفاظها ، كقوله تعالى في سورة النساء : { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ }(2)، وقوله في حم السجدة : { صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ }(3)، وقوله فيها – أيضا – : { فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ }(4)، وقوله تعالى في سورة والذاريات : { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ }(5). [ واختلف القراء في هذا اللفظ الواقع في والذاريات : قرأه الكسائي بغير ألف على وزن فَعْلة بفتح الصاد وسكون العين ، وقرأه الباقون بالألف(6)] .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 54 .
لم يوافق أبو عمرو الداني أبا داود على حذف الألف إلا في هذا الموضع ، وتبعه الإمام الشاطبي .
انظر : المقنع ، ص 10 ، الوسيلة ص 107 .
(2) سورة النساء ، من الآية 152 .
(3) سورة فصلت ، من الآية 12 .
(4) سورة فصلت ، من الآية 16 .
(5) سورة الذاريات ، من الآية 44 .
(6) انظر : المبسوط ، ص 350 ، النشر ، 2 : 377 . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/455)
وقوله : (( الصاعقة الأولى )) ليس فيه قراءة في السبع غير هذه ، وفي خارج السبع قراءة بغير ألف(1)، ولعلها كانت في ذلك الزمان مشهورة ، فعلى القراءة المشهورة : هو مما اتفقوا على رسمه وعلى قراءته ، وعلى القراءة الشاذة : هو مما اتفقوا على رسمه واختلفوا في قراءته .
{ وقوله}(2): (( وعن أبي داود حيثما بدت )) ، أي وجاءت هذه اللفظة عن أبي داود حيث ما بدت ، أي حيثما ظهرت . يقال : بدا الشيء يبدوا بدوًا ، إذا ظهر ، وفي قول الناظم : (( حيث ما بدت )) بلاغة وحسن عبارة ، لأنها عبارة وافية حصل بها المقصود لفظا ومعنى ، مع اختصار اللفظ .
فحذف { الصَّعِقَةُ } { الأولى حذف اختصار عند أبي عمرو}(3)، وهو حذف اختصار وتخفيف عند أبي داود ، وإن اعتبرنا القراءة الشاذة ، فنقول : هو حذف إشارة – أيضا – .
الإعراب : قوله : (( وعنهما )) متعلق بـ (( أتت )) ، وقوله : (( الصاعقة )) مبتدأ وخبره (( أتت )) ، وقوله : (( الأولى )) نعت ، وقوله : (( وعن أبي داود )) متعلق بـ (( أتت )) ، وقوله : (( حيث )) ظرف مكان ، و (( ما )) زائدة [ عوضا من الإضافة إلى الجملة (( وحيث )) هاهنا شرطية لاقترانها بـ (( ما )) وجواب الشرط محذوف ، تقديره : وحيث ما بدت حذفت عن أبي داود والعامل في الظرف (( بدت )) ](4)، وقوله : (( بدت )) ماض وعلامة التأنيث . ثم قال :
[85] مَعَ الصَّوَاعِقِ اسْتَطَاعُوا الأَلْبَابْ **** ثُمَّ الشَّيَاطِينُ دِيَارٌ أَبْوَابْ
[
__________
(1) وهي قراءة ابن محيصن ، ونسبها ابن خالويه لعلي بن أبي طالب .
انظر : مختصر في شواذ القرآن ، ص 13 ، إتحاف فضلاء البشر ، ص 179 .
(2) ما أثبت من : " جـ " ، لأنه في الأصل بياض .
(3) ما أثبت من : " جـ " ، لأنه في الأصل بياض .
(4) ما بين القوسين المعقوفين سقط من " جـ" ، وفيه : " والعامل في الظرف أتت " .(1/456)
86] إِلاَّ الَّذِي مَعَ خِلاَلٍ قَدْ أُُلِفْ **** فَرَسْمَهُ قَدِ اسْتَحَبَّ بِالأَلِفْ
وقوله(1): (( مع الصواعق )) ، أي جاء – أيضا – عن أبي داود حذف ألف الصواعق حيث ما بدت . ففي هذه السورة قوله تعالى : { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي ءَاذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ }(2)، وفي سورة الرعد : { وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَّشَآءُ }(3).
وقوله : ((استطاعوا)) ، أي جاء ألف { اسْتَطَاعُواْ } محذوفا عن أبي داود – أيضا – حيث ما بدت(4). ففي هذه السورة : { حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ }(5)وفي الكهف : { وَمَا اسْتَطَاعُواْ لَهُ?نَقْبًا }(6)، وفي سورة يس : { فَمَا اسْتَطَاعُواْ مُضِيًّا وَلاَ يَرْجِعُونَ }(7)، وفي والذاريات : { فَمَا اسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ }(8).
وقوله : (( الألباب )) ، أي جاء هذا اللفظ عن أبي داود بالحذف(9)– أيضا – حيث ما بدا ، ولم يأت في القرآن إلا بالألف واللام . ففي هذه السورة : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حياةٌ ياَ?ُوْلِي الأَلْبَابِ }(10)، وقوله : { وَاتَّقُونِ ياَ?ُوْلِي الأَلْبَابِ }(11)ويحذف حيث ما وقع في القرآن .
__________
(1) في جـ : " قوله " .
(2) سورة البقرة ، من الآية 18 .
(3) سورة الرعد ، من الآية 14 .
(4) ولم يتعرض له أبو عمرو الداني .
انظر : مختصر التبيين 2 : 267 .
(5) سورة البقرة ، من الآية 215 .
(6) سورة الكهف ، من الآية 93 .
(7) سورة يس ، من الآية 66 .
(8) سورة الذاريات ، من الآية 45 .
(9) 10) انظر مختصر التبيين ، 2 : 245 .
وقد ورد هذا اللفظ في ستة عشر موضعا . انظر المعجم المفرس لألفاظ القرآن الكريم ، ص 744 .
(10) 11) سورة البقرة ، من الآية 178 .
(11) 12) سورة البقرة ، من الآية 196 .(1/457)
وقوله : (( ثم الشياطين )) ، أي جاء لفظ { الشَّيَاطِينِ } – أيضا – عن أبي داود بالحذف حيث ما بدا ، كقوله تعالى : { وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ }(1)، وغير ذلك
واعتُرض قوله : (( ثم الشياطين )) بأن قيل : لماذا فرّق الناظم – رحمه الله – بين أبي عمرو وأبي داود في ذكر لفظ(2){ الشَّيَاطِينِ } ؟ لأنه ذكره هاهنا لأبي داود ، وذكره لأبي عمرو بعد هذا في قوله : (( كذا الشياطين بمقنع أثر )) ، وذلك خلاف عادته ، لأنه يقول في حكم المنسوب للشيخين : (( وعنهما)) ، ولماذا فرّق بين الشيخين هاهنا ؟
أجيب عنه بأن قيل : إنما فرق بينهما ، ليُفرد أبا عمرو بالتعقيب الذي ذكره عليه في قوله(3): (( وفي ذاك نظر )) كما سيأتي إن شاء الله .
وقوله : (( ديار )) ، أي جاء – أيضا – عن أبي داود لفظ (( ديار )) بالحذف ، ولم يأت هذا اللفظ في القرآن منكّرا ، ولكن أتى به الناظم منكّرا إذ لم يتهيّأ له النظم إلا بذلك ، ولأن التنكير أصل والتعريف فرع ، فيندرج تحت أصله ، وإنما ورد في القرآن بالإضافة أو بالألف واللام .
ومثال المضاف في هذه السورة : { وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ }(4)، وقوله : { وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ }(5)، وقوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ }(6)، وقوله : { وَقَدْ ?ُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا }(7)، وهو محذوف الألف حيثما ورد في القرآن .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 101 .
(2) في جـ : " ألف " .
(3) تنبيه العطشان ، ص 323 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 83 .
(5) سورة البقرة ، من الآية 84 .
(6) سورة البقرة ، من الآية 241 .
(7) سورة البقرة ، من الآية 244 .(1/458)
والمعرف بالألف واللام ، مثاله قوله تعالى في سورة الإسراء : { فَجَاسُواْ خِلَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً }(1)، ولكن لم يأت هذا اللفظ بالألف واللام في القرآن إلا في هذا الموضع خاصّة .
وقوله : (( أبواب )) ، أي جاء لفظ أبواب – أيضا – عن أبي داود بالحذف مطلقا ، كان منكّرا أو معرّفا بالإضافة أو بالألف واللام(2).
مثال المضاف ، قوله تعالى في هذه السورة : { وَأْتُواْ الْبِيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا }(3).
ومثال المعرّف الألف واللام : { مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ }(4).
ومثال المنكّر : { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ }(5)، وقوله : { أَبْوَابًا وَسُرُرًا }(6)في الزخرف .
وقوله : (( إلا الذي مع خلال قد ألف ))(7)هذا استثناء من قوله : (( ديار )) ولا يصح أن يرجع إلى قوله : (( أبواب )) ، وإن كان أقرب مذكور ، لأن اللفظ الذي وجد مع (( خلال )) هو لفظ (( ديار )) ، وليس بلفظ (( أبواب )) .
__________
(1) سورة الإسراء ، من الآية 5 .
(2) قال أبو داود : " { وَأْتُواْ الْبِيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } بحذف الألف حيث ما وقعت وكيف ما تصرفت " .
ولم يتعرض لها الداني .
انظر : مختصر التبيين ، 2 : 251 ، دليل الحيران ، ص 53 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 188 .
(4) سورة ص ، من الآية 49 .
(5) سورة الحجر ، من الآية 45 .
(6) سورة الزخرف ، من الآية 33 .
(7) زاد في جـ : " أي جاء لفظ الديار عن أبي داود بالحذف إلا الذي وجد معه " .(1/459)
وقوله : (( إلا الذي مع خلال )) ، أي جاء لفظ { الدِّيَارِ } عن أبي داود بالحذف إلا اللفظ الذي وجد معه لفظة { خِلَلَ } ، وأراد قوله تعالى في سورة الإسراء : { فَجَاسُواْ خِلَلَ الدِّيَارِ } ، فإن أبا داود ذكر فيه وجهين : الحذف والإثبات ، واستَحَب من الوجهين رسمه بألف ثابت(1).
وقوله : (( قد ألف )) ، أي وُجد وعُهد . يقال : أَلِفت الشيء إذا عهدته واستأنست به
وقوله : (( قد استحب بالألف )) الفاعل بـ (( استحب )) هو أبو داود المتقدّم قبله في قوله : (( وعن أبي داود حيث ما بدت )) .
وقوله : (( [بألف](2)) ، أي بألف ثابت .
الإعراب : (( مع الصواعق )) ظرف ومخفوض به ، وما بعده معطوفات عليه والعامل في الظرف حال محذوفة من الصاعقة ، تقديره : حذفت الصاعقة عن أبي داود كائنة مع الصواعق(3)، وقوله : (( الأحرف )) استثناء ، وقوله : (( الذي )) مستثنى منصوب بالاستثناء ، وقوله : (( مع )) ظرف والعامل فيه [ حال محذوفة من الضمير المستتر في ألف ، تقديره : إلا الذي ألف كائنا مع خلال ](4)، وقوله : (( خلال )) مخفوض بالظرف ، وقوله : (( قد )) حرف تحقيق ، وقوله : (( ألف )) فعل ماض مركّب ، وقوله : (( فرسمه )) مفعول مقدّم ، وقوله : (( استحب )) فعل ماض بسيط ، وقوله : (( بألف )) جار ومجرور متعلق بـ (( رسمه )) . ثم قال :
[87] وَالْحَذْفُ عَنْهُمْ فِي الْمَسَاكِينِ أَتَى **** وَالْخُلْفُ فِي ثَانِي الْعُقُودِ ثَبَتَا
__________
(1) حيث قال – بعد أن ذكر عددها – : " وأستحب كتْب هذا الذي في بني إسراءيل بألف على اللفظ ، ولا أمنع
من كتبه بغير ألف " . انظر مختصر التبيين ، 2 : 174، 175 .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) في جـ : " والعامل في الظرف فعل محذوف ، وهو أتت في البيت قبله ، تقديره : أتت الصاعقة بالحذف
مع الصواعق " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " ألف ، تقديره : إلا اللفظ الذي ألف مع خلال " .(1/460)
فقوله : (( والحذف عنهم )) هذا حكم مطلق ، والمراد به جميع أهل الرسم .
وقوله : (( في المساكين )) يريد { الْمَسِاكِينَ } بالياء بعد الكاف ، وهو جمع مسكين ليس يريد به المساكن من غير ياء بعد الكاف ، وهو المنزل ، كقوله تعالى : { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً }(1)، وقوله : { وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا [ أَحَبَّ ] }(2)، وقوله : { وَارْجِعُواْ إِلَى مَا ?ُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ }(3)، [ وقوله : { فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ } ](4)، وقوله : { وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ }(5).
ومعنى المساكين بالياء : الفقراء . ومعنى المساكن بغير ياء المنزل(6).
فتكلّم الناظم في هذا الباب على { الْمَسَاكِينِ } بالياء . وتكلّم في ترجُمة(7): (( ما جاء من أعرافها لمريم )) – أعني المساكن – بغير ياء في قوله : (( مساكن تزور )) .
وقوله : ((مساكين)) سواء كان معرّفا بالألف واللام ، كقوله تعالى في هذه السورة : { وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ }(8)، أو كان منكّرا ، كقوله تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ }(9)، وقوله : { فَكَانَتْ لِمَسكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ }(10)
__________
(1) سورة التوبة ، من الآية 73 .
(2) سورة التوبة ، من الآية 24 . و { أَحَبَّ } ساقطة من : " جـ " .
(3) سورة الأنبياء ، من الآية 13 .
(4) سورة القصص ، من الآية 58 .
وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) سورة العنكبوت ، من الآية 18 .
(6) في جـ : " المنزل والمنازل " .
(7) تنبيه العطشان ، ص 459 .
(8) سورة البقرة، من الآية 176 .
(9) سورة البقرة ، من الآية 183 .
(10) 10) سورة الكهف ، من الآية 78 .(1/461)
وقوله : (( والخلف في ثان العقود ثبتا )) هذا – أيضا – حكم مطلق بالخلاف لجميع أهل الرسم ، لأنهم كلهم ذكروا الخلاف في اللفظ الذي في سورة العقود(1)، وهو قوله تعالى في كفارة الصيد : { أَوْ كَفَّارَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ }(2)، وقيّده بالثاني احترازا من الأول في هذه السورة ، وهو قوله تعالى في كفارة اليمين : { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ }(3)، ولم يختلف القراء في شيء من ألفاظ { مَسَاكِينَ } إلا في قوله تعالى في البقرة : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ? فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ } قرأه نافع وابن ذكوان(4)بالجمع مع إضافة فدية إلى طعام ، وقرأه الباقون بالإفراد مع تنوين فدية ورفع طعام مع إضافته(5).
__________
(1) 11) روى أبو عمرو الداني بسنده الإثبات والحذف في باب ما اختلفت فيه مصاحف أهل الأمصار ، كما
ذكر أبو داود الإثبات والحذف ، وقد رجح الحذف المارغني حملا على نظائره .
انظر : المقنع ، ص 93 ، مختصر التبيين ، 3 : 460 ، الوسيلة ، ص 125 ، دليل الحيران ، ص 54 .
(2) 12) سورة المائدة ، من الآية 97 .
(3) 13) سورة المائدة ، من الآية 91 .
(4) هو عبد الله بن أحمد بن بشر بن ذكوان بن عمرو بن حسان بن داود بن حسون بن سعد بن النضر ، أبو محمد
القرشي الدمشقي ، الإمام الأستاذ الشهير الراوي الثقة ، شيخ الإقراء بالشام ، وإمام جامع دمشق .
أخذ القراءة عن أيوب بن تميم ، وروى القراءة عنه : أحمد بن نصر بن شاكر ، وإسحاق بن داود ، وغيرهم .
ألّف كتاب "أقسام القرءان وجوابها" . توفي سنة 242 هـ .
انظر : غاية النهاية ، 1 : 404 ، رقم 1720 ، معرفة القراء ، ص 117 – 119 .
(5) وافق نافع وابن ذكوان من العشرة : أبو جعفر .
انظر : التيسير ، ص 67 ، النشر ، 2 : 226 ، الكنز ، ص 133 ، البدور الزاهرة ، ص 43 .(1/462)
وهذا اللفظ(1)مما اتفق المصاحف على رسمه واختلف القراء في قراءته . فمن قرأه بغير ألف فذلك حقيقة رسمه ، ومن قرأه بألف(2)قدّر حذف الألف تخفيفا ، وإشارة لمن يقرأ بغير ألف ، فحذفه إذاً حذف اختصار وإشارة ، وحذف ما بقي من ألفاظ { الْمَسَاكِينَ } حذف تخفيف واختصار .
الإعراب : (( والحذف )) مبتدأ وخبره (( أتى )) والمجروران متعلقان بـ (( أتى )) وقوله : (( والخلف )) مبتدأ وخبره (( ثبتا )) والمجرور متعلق بـ (( ثبتا )) والألف في قوله : (( ثبتا )) لإطلاق القافية . ثم قال :
[88] وَحُذِفَ ادَّارَأْتُمْ رِهَانُ **** حَيْثُ يُخَادِعُونَ وَالشَّيْطَانُ
[89] كَذَا الشَّيَاطِينُ بِمُقْنِعٍ أُثِرْ **** فِي سَالِمِ الْجَمْعِ وَفِي ذَاكَ نَظَرْ
هذا الحكم مطلق – أيضا – لجميع أهل الرسم ، ذكر الناظم هاهنا خمسة ألفاظ كلها محذوفة باتفاق لإطلاق الحكم فيها .
وقوله : (( وحذف ادارأتم ))(3)أراد قوله تعالى : { فَادَّرَ تُمْ فِيهَا }(4)وأراد الألف الأولى الملفوظ بها ، وأما الألف الثانية فموضع ذكرها باب الهمزة(5).
وقوله : (( رهان )) ، أراد قوله تعالى : { فَرِهَنٌ مَّقْبُوضَةٌ }(6)، وفيه في السبع قراءتان مشهورتان : قرأه نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بالألف وكسر الراء ، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو بغير ألف مع ضم الراء والهاء(7)، فرسمه بغير ألف يحتمل القراءتين معا ، فهو مما اتفق المصاحف على رسمه واختلف القراء في قراءته ، فحذف هذا اللفظ حذف تخفيف وإشارة .
__________
(1) زاد في جـ : " خاصة " .
(2) في جـ : " بالألف " .
(3) في جـ : " وحذف ادارأتم رهان " .
(4) سورة البقرة ، من الآية 71 .
(5) في قول الناظم : والحذف في الرؤيا في ادارأتم ** والخلف في امتلئت واطمأننتم .
متن مورد الظمآن ، ص 29 .
(6) سورة البقرة ، من الآية 282 .
(7) انظر : النشر ، 2 : 237 ، المبسوط ، ص 137 ، إتحاف فضلاء البشر ، ص 214 .(1/463)
وقوله : (( حيث يخادعون )) ، أي حذف هذا اللفظ {حيث جاء في القرآن}(1)وورد في القرآن في ثلاثة مواضع موضعان في البقرة ، وهما قوله تعالى : { يُخَدِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يُخَدِعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ }(2)، وفي النساء : { يُخَدِعُونَ اللّهَ وَهْوَ خَادِعُهُمْ }(3).
فأما الأول في البقرة والذي في سورة النساء ، فليس فيهما قراءة بحذف الألف ، فحذف الألف فيهما تخفيفا واختصارا .
وأما الثاني في سورة البقرة ، وهو قوله تعالى : { وَمَا يُخَدِعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ } ففيه في السبع قراءتان مشهورتان : قرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو بالألف وضم الياء وفتح الياء وكسر الدال ، وقرأه ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بغير ألف مع فتح الياء وسكون الخاء وفتح الدال(4). فرسمه بغير الألف يحتمل القراءتين معا ، وحذف هذا الموضع حذف تخفيف وإشارة .
وقوله : (( والشيطان )) ، سواء كان معرفا أو منكّرا .
مثال المعرّف : { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا }(5).
ومثال المنكّر : { إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا لَّعَنَهُ اللَّهُ }(6).
__________
(1) ما أثبت من " جـ " ، لطمسها في الأصل .
(2) سورة البقرة ، من الآية 8 .
(3) سورة النساء ، من الآية 141 . وذكر الناسخ في حاشية النسخة ز : " وأما قوله تعالى : { وَهْوَ خَادِعُهُمْ }
فقد ذكره الشاطبي في عقيلته ، فقال : يخادعون الإله وهو خادعهم حذفهما فهما في مقنع ذكرا " .
انظر : تلخيص الفوائد ، ص 19 ، الخلاف والتشهير والاستحسان ، ورقة 6 .
(4) انظر : التيسير ، ص 62 ، تقريب النشر ، 122 .
(5) سورة النساء ، من الآية 75 .
(6) سورة النساء ، من الآية 116 .(1/464)
وقوله : (( كذا الشياطين )) يريد بحذف الألف لجميعهم ، لأن جميع الأئمة الأربعة نصّوا كلهم على حذف ألف { الشَّيْطَانِ }(1)، ولا يتوهّم أنه محذوف في المقنع دون غيره .
وقوله : (( بمقنع ))(2)الباء بمعنى في ، أي في مقنع أبي عمرو الداني .
وقوله : (( أثر )) ، أي نقل . يقال : أثرت الحديث ءاثره أثْرا ، إذا نقلتَه عن غيرك ومنه الحديث المأثور ، معناه : المنقول ينقله الخلف عن السلف .
وقوله : (( بمقنع أثر في سالم الجمع )) ، معناه : نقل لفظ { الشَّيَاطِينِ } في أمثلة جمع المذكر السّالم ، لأن أبا عمرو ذكر { الشَّيَاطِينِ } في أمثلة جمع المذكر السالم ، ونصّه في المقنع : " وكذلك اتفقوا على حذف الألف من الجمع السّالم الكثير الدور في المذكر والمؤنث جميعا ، فالمذكر { الْعَالَمِينَ } و { الصَّادِقِينَ } و { الصَّابِرِينَ } و { الْفَاسِقِينَ } و { الْكَافِرِينَ } و { الشَّيَاطِينِ } "(3).
فذكر { الشَّيَاطِينِ } في مثول جمع المذكر السّالم مع أنه جمع تكسير ، وليس بجمع سلامه ، لأنه تغيّر فيه بناء الواحد لأن مفرده ((شيطان)) ، وجمعه شياطين ، وتعديد هذا الجمع في أمثلة جمع المذكر السّالم غير صحيح .
__________
(1) انظر : المقنع ، ص 18 ، مختصر التبيين ، 2 : 188 .
(2) في جـ : " بمقنع أثر " .
(3) المقنع ، ص 22 ، وفي جـ : { المنفقين } بعد { الفسقين } ، وقد تقدم تخريج هذه الأمثلة ، ص 231 .(1/465)
وقوله : (( وفي ذاك نظر )) ، أي : وفي ذاك تعقيب وتنبيه على الحافظ – رحمه الله – ، معناه : وفي ذكر { الشَّيَاطِينِ } في أمثلة جمع المذكر السّالم وهْم وغلط ، لأنه جمع تكسير ، وهذا يدلّك على تصديق قولهم : " لكل عالم هفوة " ، لأن أبا عمرو الداني – رحمه الله(1)– مع جلالة قدره ونهاية إدراكه ، مثّل جمع المذكر السّالم بمثال جمع التكسير ، ولو سئل عن ذلك لقال جمع تكسير ، فسبحان من لا عيب فيه وعلا . [ وقرأ الحسن : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ }(2)بالواو .
وقال أبو العباس المهدوي في كتاب التحصيل(3): " هذا غير جائز في العربية ومخالف للخط " ](4).
وقوله : (( أثر ونظر )) في آخر الشطرين فيه(5)التعاقب بالفتح والكسر في الحرف الذي قبل حرف الروي ، وهو جائز وكذلك عكسه جائز – أيضا – ، وهو التعاقب بالكسر على الفتح في الحرف الذي قبل حرف الروي ، وكذلك يجوز – أيضا – التعاقب بين الضم ، وهاتين الحركتين المذكورتين ، فحصل من هذا : أنه يجوز التعاقب بين الحركات الثلاثة في الحرف المذكور . ومنه قول امرئ القيس(6)
فَلَمَّا دَنَوْتُ تَسَدَّيْتُهَا فَثَوْبًا نَسِيتُ وَثَوْبًا أَجُرُّ
وَلَمْ يَرَنَا كَالِىءٌ كَاشِحٌ وَلَمْ يَفْشُ مِنَّا لَدَى الْبَيْتِ سِرٌّ
وَقَدْ رَابَنِي قَوْلُهَا : يَا هَنَاهُ ! وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرًّا بِشَرٍّ
__________
(1) في جـ ، ز : " رضي الله عنه " .
(2) سورة الشعراء ، الآية 210 .
انظر : المحتسب ، 2 : 133 ، الجامع لأحكام القرآن ، 13 : 142 .
(3) التحصيل من التفصيل لمعاني التنزيل، لأبي العباس المهدوي ، لوحة 85 ، جزء يبدأ من سورة الكهف
إلى آخرالقرآن ، مخطوط في الخزانة العامة بالرباط ، تحت رقم "89" ق .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) في جـ : " ففيه " .
(6) هذه الأبيات في ديوانه بشرح حجر عاصي : 58 ، 59 ، في قصيدة يصف فيها فرسه وخروجه إلى الصيد .(1/466)
ففي هذه الأبيات الثلاثة تعاقب بين الحركات الثلاثة في الحرف الذي قبل حرف الروي ، لأنه أتي بالضمة في البيت الأول ، وأتى بالكسرة في البيت الثاني ، وأتى بالفتحة في البيت الثالث .
ومعنى قوله(1): تسديتها ، أي علوتها ، ومعنى : " الكالئ " هذا الرقيب ، ومعنى " الكاشح " هو : المبغض ، ومعنى يا هناه : يا رجل ، أو يا إنسان ، وأكثر ما يستعمل هذا اللفظ في الجفاء والغلظة في القول .
وقوله : (( كذا الشياطين بمقنع أثر )) ، اعتُرض هذا البيت بأن قيل : ظاهره يقتضي أن هذا اللفظ مذكور في المقنع دون غيره ، وليس الأمر كذلك ، لأن الأئمة الأربعة كلهم ذكروه ، وهو مناقض لقوله أولا(2): (( ثم الشياطين ديار أبواب )) ، بيان مناقضة هذا مع ذاك : أن قوله هاهنا ، يقتضي أنه مذكور في المقنع خاصّة ، وظاهر قوله أولا أنه مذكور في التنزيل خاصّة ، لأنه ذكره أولا لأبي داود خاصّة ، ولو أراد الشيخين معا ، لقال : (( وعنهما )) على عادته .
أجيب عن هذا بأن قيل : قوله : (( كذا الشياطين )) ، معناه : أن { الشَّيَاطِينَ } محذوف الألف بالاتفاق كالألفاظ التي قبله ، لأنه شبّهه بها في حكمها .
وقوله : (( بمقنع أثر في سالم الجمع )) كلام قصد(3)به الناظم صاحب المقنع دون غيره ، وبيان هذا : أن الشيوخ [كلهم](4)ذكروا لفظ { الشَّيَاطِينِ } بالحذف لا فرق بين صاحب المقنع وغيره ، إلا أن صاحب المقنع انفرد عنهم بذكره في جمع المذكر السّالم ، وليس ذلك المحل بمحله ، فوافق أبو عمرو في حكم هذا اللفظ غيره وخالفهم في الإتيان في غير محله ، لأنه ذكره في جمع السلامة مع أن محله جمع تكسير .
__________
(1) انظر القاموس المحيط ، ص 1165 ، " سدي " ، ص 48 ، " كلأ " ، ص 217 ، " كشح " .
(2) تنبيه العطشان ، ص 313 .
(3) في جـ : " خصّ " .
(4) ساقطة من : " جـ " .(1/467)
الإعراب : قوله : (( وحذف )) ماض مركّب ، وقوله : (( ادارأتم )) مفعول لم يسمّ فاعله محكي ، وقوله : (( رهان )) معطوف ، وقوله : (( حيث )) ظرف مكان والعامل فيه (( حذف )) ، تقديره : وحذف ((يخادعون)) حيث جاء ، [ وحذف الناظم الجملة التي تضاف إليها (( حيث )) ، وهي قولنا : جاء ، لدلالة ما قبلها عليها ](1)، وقوله : ((يخادعون)) معطوف ، وكذلك (( الشياطين )) ، وقوله : (( كذا )) جار ومجرور في موضع الخبر الذي هو (( الشياطين )) ، تقديره : والشياطين كذا ، والإشارة عائدة على المذكور ، أي والشياطين كهذا المذكور ، أي مثل هذا المذكور في الحذف ، وقوله : (( بمقنع )) جار ومجرور متعلق بـ (( أثر )) ، وقوله : (( أثر )) فعل ماض مركّب ، وقوله : (( في سالم الجمع )) متعلق بـ (( أثر )) – أيضا – ، وقوله : (( وفي ذاك )) متعلق بالثبوت والاستقرار ، وقوله : (( نظر )) مبتدأ وخبره في المجرور قبله . ثم قال :
[90] وَعَنْهُمَا أَصْحَابُ مَعَ أُسَارَى **** ثُمَّ الْقِيَامَةِ مَعَ النَصَارَى
ذكر الناظم في هذا البيت : أربعة ألفاظ اتفق الشيخان على حذفها حيث جاء في القرآن(2)، وكلها متكرّرة في القرآن ، إلا قوله : { ?ُسَرَى } فهو في موضع واحد
في هذه السورة ، وهو قوله تعالى : { وَإِنْ يَّأتُوكُمْ ?ُسَرَى تُفَدُوهُمْ }(3)وحذفها كلها حذف اختصار ، إلا قوله : { ?ُسَرَى } فإن حذفه حذف إشارة ، وفيه في السبع قراءتان مشهورتان : قرأة حمزة بسكون السين على وزن فعْلى ، وقرأه الباقون بالألف وضم الهمزة(4)على وزن (( فُعالى )) .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) في جـ ، ز : " على حذف ألفهما حيث ما جاءت في القرآن ...." .
(3) سورة البقرة ، من الآية 84 .
(4) وكذا في القراءات العشر ، انفرد حمزة بهذه القراءة . انظر : التيسير ، ص 64 ، النشر ، 2 : 218 .(1/468)
وقوله : (( أصحاب )) كان معرّفا أو منكّرا(1). مثاله معرفا(2)، قوله تعالى : { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ }(3)، وقوله : { أَصْحَابُ النَّارِ }(4)، وقوله : { أَصْحَابُ الأَعْرَافِ }(5).
ومثاله منكّرا ، قوله تعالى : { أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ?إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا }(6).
وقوله : (( ثم القيامة )) لم يوجد [هذا اللفظ ](7)إلا معرّفا ، كقوله تعالى : { إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }(8).
وقوله : (( النصارى )) ، يريد كان معرّفا أو منكّرا(9).
مثاله معرّفا ، قوله تعالى : { وَالصَّابِينَ وَالنَّصَارَى }(10).
ومثاله منكّرا ، قوله تعالى : { وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ }(11)
__________
(1) في جـ : " أي معرفا أو منكّرا " . وفي ز : " سواء كان معرّفا أو منكّرا " .
(2) في جـ : " مثال المعرف " .
(3) سورة البقرة ، من الآية 81 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 38 .
(5) سورة الأعراف ، من الآية 47 .
(6) سورة الأنعام ، من الآية 71 .
(7) ساقطة من : " جـ " .
(8) 10) زاد في جـ : " وهو كثير " ، سورة آل عمران ، من الآية 54 .
(9) 11) في جـ : " يعني سواء كان معرفا أو منكّرا " .
(10) 12) سورة الحج ، من الآية 17 .
(11) 13) سقطت كلمة { مِنَ } من الأصل ، والصواب ما أثبت من : " جـ " . سورة المائدة ، من الآية 15 .(1/469)
الإعراب : قوله : (( وعنهما )) متعلق بمحذوف ، وقوله : (( أصحاب )) بضمة واحدة من غير تنوين للوزن ، وقوله : (( أصحاب )) إما مبتدأ وإما فاعل ، فتقديره كونه مبتدأ : وأصحاب جاء عنهما بالحذف ، فيتعلق الجار بهذا المحذوف ، وتقديره كونه فاعلا : وجاء أصحاب عنهما بالحذف ، فيتعلق الجار – أيضا – بهذا المحذوف [ وقوله : (( مع أسارى )) ظرف ومخفوض والعامل في الظرف هو حال محذوفة ، تقديره : كائنا مع أسارى ، وقوله : (( ثم القيامة )) فيه روايتان الرفع والخفض ](1)إن عطفته على(( أصحاب )) رفعته ، وإن عطفته على (( أسارى )) خفضته ، وقوله : (( مع النصارى )) ظرف ومخفوض به ، والعامل في الظرف هو حال محذوفة ، أي كائنا مع النصارى . ثم قال :
[91] وَبَعْدَ نُونٍ مُضْمَرٍ أَتَاكَ **** حِشْوًا كَزِدْنَاهُمْ وَءَاتَيْنَاكَ
ذكر الناظم في هذا البيت : أن الألف الواقعة بعد نون الضمير محذوفة للشيخين ، لأنه عطفه على قوله : (( وعنهما أصحاب مع أسارى )) ولكن تقدّم لنا أن الناظم كثيرا ما يقول : (( وعنهما )) في موضع اتفاق الأئمة الأربعة ، وذلك أن الأئمة الأربعة : اتفقوا كلّهم على حذف الألف الواقعة بعد نون الضمير إذا وقعت في وسط الكلمة(2).
__________
(1) 14) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) انظر : المقنع ، ص 17 ، مختصر التبيين ، 2 : 73 ، الوسيلة ، ص 274 .(1/470)
وقوله(1): (( أتاك حشوا )) ، أي بشرط إتيان هذه الألف في حشو الكلمة ، أي في وسطها ، ومنه تسمية الحشا بالحشا ، وهو ما تنطوي عليه الأضلاع لأنه وسط الإنسان(2). ومثله الناظم ، بقوله : (( كزدناهم )) ، كقوله تعالى : { وَزِدْنَاهُمْ هُدًى }(3)ومثله بقولك(4): (( وءاتيناك )) ، كقوله تعالى : { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي }(5)ومثاله – أيضا – : { وَءَاتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا }(6){ وَءَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا }(7){ وَءَاتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ }(8)، وقوله : { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا }(9)، وقوله : { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ }(10)، وقوله : { وَنَجَّيْنَاهُ }(11)وقوله : { أَنجَيْنَاكُم }(12)وقوله : { مَّكَّنَّاهُمْ }(13){ مَكَّنَّاكُمْ }(14)و { أَنجَيْنَاكُم } و { أَغْوَيْنَاكُمْ }(15)، وغير ذلك .
__________
(1) في جـ : " قوله " .
(2) انظر لسان العرب ، 14 : 178 ، " حشا " .
(3) سورة الكهف ، من الآية 13 .
(4) في جـ ، ز : " بقوله أيضا " . ولعله هو الصواب ، لأن الضمير يعود على الناظم .
(5) سورة الحجر ، من الآية 87 .
(6) سورة الكهف ، من الآية 83 .
(7) سورة مريم ، من الآية 11، وبعدها في جـ : " وحنانا " .
(8) سورة ص ، من الآية 19 .
(9) 10) سورة الكهف ، من الآية 64 .
(10) 11) سورة الأنبياء ، من الآية 78 .
(11) 12) سورة الأنبياء ، من الآية 70 ، وفي جـ : " فنجينه" .
(12) 13) سورة الأعراف ، من الآية 141 .
(13) 14) سورة الأنعام ، من الآية 7 .
(14) 15) سورة الأعراف ، من الآية 9 .
(15) 16) سورة الصافات ، من الآية 32 .(1/471)
وقوله : (( حشوا )) قيّده بالمرتبة الوسطى احترازا ممّا إذا وقع طرفا ، فإنه ثابت باتفاق ، كقوله تعالى : { وَءَاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا }(1)، وقوله : { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ }(2)، وقوله : { وَأَغْرَقْنَا ءَالَ فِرْعَونَ }(3).
وقوله : { وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ }(4)، وقوله : { وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ? لِبَنِي إِسْرَآءِيلَ }(5)وقوله(6): { أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ } ، وغير ذلك .
وإنما ثبت(7)الألف في الطرف ؛ لئلا يلتبس بضمير جماعة المؤنث ، نحو قوله تعالى : { وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا }(8)، وقوله [ تعالى ] : { وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ }(9)وقوله : { وَأَقِمْنَ الصلاةَ وَءَاتِينَ الزكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ? }(10)وغير ذلك . والألف في (( أتاكا )) (( وآتيناكا )) لإطلاق القافية .
__________
(1) 17) سورة النساء ، من الآية 162 .
(2) 18) سورة لقمان ، من الآية 11 .
(3) 19) سورة الأنفال ، من الآية 55 .
(4) سورة الأعراف ، من الآية 165 .
(5) سورة الإسراء ، من الآية 104 .
(6) سورة الأحزاب ، من الآية 66 ، وفي جـ : " وقوله تعالى " .
(7) في جـ : " وإنما ثبتت .... " .
(8) سورة النساء ، من الآية 21 .
(9) سورة يوسف ، من الآية 31 . و" تعالى " ساقطة من : " جـ " .
(10) سورة الأحزاب ، من الآية 33 ، و " تعالى " سقطت من " جـ " .(1/472)
الإعراب : (( وبعد نون [مضمر](1)) ظرف مخفوض به والعامل في الظرف محذوف ، تقديره : وجاء عنهما حذف الألف الواقعة بعد نون مضمر ، وقوله : (( مضمر )) نعت ، وقوله : (( أتاك )) ماض في موضع النعت ، وقوله : (( حشوا )) ظرف والعامل فيه (( أتاك )) ، وقوله : (( كزدناهم )) الكاف في موضع الرفع على خبر المبتدأ المحذوف ، تقديره : وذلك كزدناهم ، أي وذلك مثل زدناهم ، وقوله : (( وآتيناك )) معطوف . ثم قال :
[92] وَالأَعْجَمِيَّةُ كَنَحْوِ لُقْمَانْ **** وَنَحْوِ إِسْحَاقَ وَنَحْوِ عِمْرَانْ
[93] وَنَحْوِ إِبْرَاهِيمَ مَعْ إِسْمَاعِيلْ **** ثَمَّتَ هَارُونَ وَفِي إِسْرَاءِيلْ
[94] ثَبْتٌ عَلَى الْمَشْهُورِ لَمَّا سُلِبَا **** مِنْ صُورَةِ الْهَمْزِ بِهِ إِذْ كُتِبَا
[95] وَبِاتِّفَاقٍ أَثْبَتُوا دَاوُدَا **** إِذْ كَانَ أَيْضًا وَاوُهُ مَفْقُودَا
شرع الناظم هاهنا في أسماء الأعاجم ، فذكر منها : ما يحذف ألفه اتفاقا ، وما يثبت ألفه اتفاقا ، وما هو مختلف فيه . فهذه ثلاثة أقسام ، بدأ الناظم هاهنا بالقسم الذي يحذف اتفاقا .
فقوله : (( والأعجمية )) معطوف على قوله : (( وعنهما أصحاب مع أسارى )) ، ولكن وإن أسند الناظم هذا الحكم للشيخين ، فهو مسند في المعنى إلى الأئمة الأربعة كلّهم ، لأنهم كلّهم ذكروا الأسماء الأعجمية كما ذكرها الشيخان .
وقد تقدّم لنا أن الناظم – رحمه الله – كثيرا ما يقول : (( وعنهما )) مع أن المراد الشيوخ كلّهم ، وسبب ذلك : لأن الأصل من الشيوخ الشيخان ، أبو عمرو وأبو داود ، وأما غيرهما فهو فرع إذ هو تابع لهما ، لأن العقيلة تابع للمقنع وكذلك المنصف تابع للتنزيل ، فقوله : (( والأعجمية )) ، معناه : وجاء عن الشيخين وغيرهما حذف الأعجمية ، أي حذف ألف الأسماء الأعجمية .
وقوله : (( والأعجمية )) صفة لموصوف محذوف ، تقديره : والأسماء الأعجمية .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " ، " ز " .(1/473)
مثاله قوله تعالى : { وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ? }(1)[ أي أول فريق كافر به ](2)وقوله : { وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ }(3)، [ أي كالقوم الذي خاضوا ](4)، وقوله :
{ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ }(5)، أي قوم مردوا على النفاق ، وهو – أيضا – موصوف حذفت صفته ، كقوله تعالى : { اءَلاْنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ }(6)، [ أي بالحقّ ](7)البيّن لنا ، وقوله : { إِنَّهُ? لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ }(8)، أي من أهلك الناجين ، وقوله : { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا }(9)، أي وزنا نافعا .
وقوله : (( والأعجمية )) ، تقديره : والأسماء الأعجمية المستعملة كثيرا ؛ إذ كلامه هاهنا في الأسماء الأعجمية التي تستعمل على الألسن كثيرا ، وسيأتي الكلام على التي لا تستعمل كثيرا في قوله(10): (( وما أتى وهو لا يستعمل فألف فيه جميعا يجعل )) ، فقوله إذًا : (( والأعجمية )) قبله محذوف وبعده محذوف ، تقديره : والأسماء الأعجمية المستعملة كثيرا . وهذان المحذوفان هاهنا صرّح بهما أبو عمرو في المقنع ، [ فقال في المقنع ](11): " واتفق كتاب المصاحف على حذف الألف في الأسماء الأعجمية المستعملة "(12).
وقوله : (( كنحو لقمان ونحو إسحاق ونحو عمران ونحو إبراهيم مع إسماعيل ثمت هارون وفي إسرءيل )) هذه ستة أمثلة كلّها محذوفة باتفاق .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 40 .
(2) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) سورة التوبة ، من الآية 69 .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) سورة التوبة ، من الآية 102 .
(6) سورة البقرة ، من الآية 70 .
(7) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(8) سورة هود ، من الآية 46 .
(9) سورة الكهف ، من الآية 100 .
(10) 10) تنبيه العطشان ، ص 328 .
(11) 11) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(12) 12) المقنع ، ص 21 .(1/474)
ومثالها – أيضا – { إِلْيَاسَ }(1)و { يَاسِينَ } في قوله تعالى : { سَلَمٌ عَلَىءَالِ يَاسِينَ }(2)، لأنه من أسماء الأعاجم(3).
واختلف في معناه ، قيل معناه : إدريس ، وقيل معناه : إلياس . والدليل على أن { إِلْيَاسَ } و { يَاسِينَ } من الأسماء الأعجمية : كونهما لا ينصرفان للعجمة والتعريف
[ وقال أبو إسحاق العطار في شرح الكراس لأبي موسى : " أسماء الأنبياء كلّها أعجمية إلا أربعة : نوح ، وصالح ، وهود ، وشعيب " ](4).
وقوله : (( ثمت هارون )) حرف عطف دخلت عليه تاء التأنيث ، وليس في الحروف ما يؤنث إلا أربعة أحرف ، وهي : " ثم " ، و" رب " ، و" لا " ، و" بل " اثنان باتفاق ، وهما : " ثمّ " و" ربّ " ، واثنان بالخلاف ، وهما : " لا " و" بل " . فيؤنث " ثمّ " و" ربّ " و" لا " بالتاء ، فتقول(5): " ثمت " و" ربت " و" لات " ، ويؤنث " بل " بالألف ، فيقال بلى .
هذا على القول بأن الألف في " بلى " لتأنيث الكلمة ، ويقال : " لات " – أيضا – على القول بأن التاء فيه لتأنيث الكلمة . وهاهنا تنبيهان :
__________
(1) 13) في موضعين : في سورة الأنعام الآية 86 ، وفي سورة الصافات الآية 123 .
(2) 14) سورة الصافات ، الآية 130 .
(3) 15) علّّق الناسخ في حاشية النسخة "جـ" ، بقوله : " والكاف في قوله : ((كنحو)) هي للحصر لا للتشبيه ولا
يدخل هاهنا : إلياس ، وياسين ، ونمارق وزرابي ، وزكرياء وغير هؤلاء ، لأنهم جرى عليهم بالإثبات "
وذكر المغراوي نقلا عن الخراز في المهذّب قوله : " والنص في إلياس فيه نظر * وثبته فيما رأيت أجدر "
قال المارغني : " والعمل على إثباتهما " . أي : { إِلْيَاسَ } و { يَاسِينَ } .
انظر : تقييد طرر على مورد الظمآن ، لوحة 50 ، دليل الحيران ، ص 58 .
(4) لم أجد هذا القول في كتابه "المشكاة والنبراس في شرح كتاب الكراس" . وما بين المعقوفين سقط من "جـ" .
(5) في جـ ، ز : " فيقال " .(1/475)
الأول : أن الألف المراد هاهنا هي الألف إذا كانت في حشو الكلمة ، كالأمثلة المذكورة ، وأما إذا كان الألف في آخر الكلمة ، نحو { عِيسَى }(1)و { مُوسَى }(2)فلم يتكلّم عليه هاهنا ، وإنما موضعه في ترجمة(3): (( وهاك ما بألف قد جاء والأصل أن يكون رسما ياء )) .
والتنبيه الثاني : قوله تعالى : { زَكَرِيَّآءُ }(4)، لأنه ثابت الألف ولا يدخل في قول الناظم (( والأعجمية )) ، لأنه وإن كان أعجميا ، فإنه ثابت الألف .
والعلّة في حذف الألف من الأسماء الأعجمية : التخفيف والاختصار ، لأنها ثقيلة ولأجل ثقلها منعت من الصرف .
قوله(5): (( وفي إسراءيل ثبت على المشهور )) هذا من باب التضمين ، لأن معناه فيما بعده . فذكر في ألف { إِسْرَآءِيلَ }(6)
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ .... } ، سورة البقرة ، من الآية 51 .
(2) في مثل قوله تعالى : { وَإِذْ وَعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ..... } ، سورة البقرة ، من الآية 50 .
(3) انظر دليل الحيران ، ص 197 .
(4) في مثل قوله تعالى : { .... وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّآءُ .... } ، سورة آل عمران ، من الآية 37 .
(5) في جـ : " فقوله " .
(6) سورة البقرة ، من الآية 39 . وجملته ثلاثة وأربعون موضعا ، واختلفت المصاحف في حذف وإثبات ألف
إسرائيل ، فقال أبو عمرو الداني : " وكذلك { إِسْرَآءِيلَ } رسم بالألف في أكثر المصاحف ، لأجل حذف
الياء التي هي صورة الهمزة " ، ثم قال : "وقد وجدت ذلك في بعض مصاحف المدينة والعراقية العتق
القديمة بغير ألف ، وإثباتها أكثر" . واختار أبو داود رسمها بغير ألف : حملا على المتفق على حذفها .
انظر : المقنع ، ص 22 ، مختصر التبيين ، 2 : 115 ، دليل الحيران ، ص 57 ، المعجم المفهرس ، ص 41(1/476)
وجهين : بالإثبات والحذف ، ولكن المشهور الإثبات ، ثم بيّن علّة القول المشهور بالإثبات ، فقال : (( لما سلبا من صورة الهمزة به إذ كتبا )) .
قوله(1): (( لما سلبا )) ، أي لما نزع وسلب لفظ { إِسْرَآءِيلَ } من صورة الهمزة ، وبيان ذلك : أن أصل هذا الاسم أن يكتب بياءين ، أحدهما الياء التي هي صورة الهمزة ، والثاني الياء التي بعدها ، فكرهوا اجتماع ياءين في محل واحد من غير حائل بينهما ، فحذفوا الياء التي هي صورة الهمزة ، فلما حذفوا الياء التي هي صورة الهمزة أثبتوا الألف ؛ لئلا يجتمع حذفان : حذف الألف وحذف الياء . وإلى هذه العلّة أشار الناظم بقوله : (( لما سلبا من صورة الهمزة به إذ كتبا )) .
وقوله : (( به )) هذا الضمير [ فيه ثلاثة تأويلات ](2):
يحتمل عوده على الهمزة ، [ ويحتمل عوده على السلب ، لأن (( سلبا )) يدلّ على السلب ](3)، ويحتمل عوده على لفظ { إِسْرَآءِيلَ } .
فتقدير إعادته على الهمزة : لما سلبا من صورة الهمز حين كتب بالهمز دون الصورة ، فيكون(4)(( إذ )) بمجرد الظرف من غير تعليل ، وهو بمعنى حين ، كقوله تعالى : { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ }(5)، أي حين بعث فيهم رسولا من أنفسهم .
[ وتقدير إعادة الضمير على السلب : لما سلبا من صورة الهمز حين كتبوا صورة الهمزة ](6).
وتقدير إعادة لفظ { إِسْرَآءِيلَ } على الضمير : لما سلبا من صورة الهمزة الكائنة به ، أي فيه ، أي في لفظ { إِسْرَآءِيلَ } حين كُتب(7)، لو كتب على الأصل .
[
__________
(1) في جـ : " فقوله " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) في جـ : " فتكون إذ .... " .
(5) سورة آل عمران ، من الآية 164 .
(6) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(7) في جـ : " إذ كتبا ، أي لأجل ان كتب بصورة الهمز " .(1/477)
فقوله: (( به )) على هذا حال من الضمير ، أي كائنة فيه أو حال من الهمز ، أي في حال كون الهمز كائنا فيه ، أي في لفظه دون خطه .
واعتُرض التأويل الأول : بأن صورة الهمزة غير موجودة في مصحف عثمان - رضي الله عنه - ، وإنما أحدثت في زمن الخليل – رضي الله عنه– ](1).
وقوله : (( وباتفاق أثبتوا داود)) البيت ذكر الناظم في هذا البيت : الاتفاق على إثبات الألف في { دَاوُودَ }(2).
وقوله : (( إذ كان أيضا واوه مفقودا )) هذا تعليل في إثبات الألف في هذا الاسم ، وهو جواب عن تقدير سؤال ، كأنه قيل له : لماذا أثبتوا الألف في { دَاوُودَ } ؟ مع أنه مستعمل على الألسن ، فقال : لأن واوه مفقودة ، أي معدومة محذوفة .
وأصل الفقد : عدم الشيء بعد وجوده ، ومنه تسمية المفقود بالمفقود .
وقوله : (( إذ كان أيضا واوه مفقودا )) يعني : أنه لما حذفوا إحدى الواوين من { دَاوُودَ } كرهوا أن يحذفوا منه الألف – أيضا – ، لأن حذف حرفين من الكلمة(3)إجحاف بها .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " فتكون إذ على هذا التأويل للتعليل ، كقوله تعالى: { وَلَنْ يَّنفَعَكُمُ
الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } ، ولكن هذا التأويل بعيد ، لأنه كثير الحذف والتأويل الأول
أقرب ، وقوله : لما سلبا من صورة الهمز به إذ كتبا ، هذه العلّة إنما تصح على القول بأن إسرائيل مركب
أو على اعتبار حاله قبل التركيب ، فأصله أن يكتب بياء واحدة لأن همزته أول الكلمة ، فأصله أن ترسم ألفا"
(2) سورة البقرة ، من الآية 249 . و أجمع كتاب المصاحف على رسمه بواو واحدة ، والمشهور حذف الواو
الثانية الساكنة ، واتفق الجميع على إثبات الألف .
انظر : المقنع ، ص 36 ، المحكم ، ص 173 ، مختصر التبيين ، 2 : 299 ، دليل الحيران ، ص 58 .
(3) غير واضحة في : " جـ " .(1/478)
وقوله : (( أيضا )) ، أي رجوعا ومعاودة ، وإنما قال : (( أيضا )) إشارة إلى أن العلّة في إثبات ألف { دَاوُودَ } ، كالعلّة في إثبات ألف { إِسْرَآءِيلَ } .
وهاهنا سؤال ، وهو أن يقال : ما الفرق بين { دَاوُودَ } و { إِسْرَآءِيلَ } ؟ فإن ألف { دَاوُودَ } ثابت باتفاق ، وألف { إِسْرَآءِيلَ } مختلف فيه ، مع أن كل واحد منهما أعجمي وكل واحد منهما حذف منه حرف ، لأن { دَاوُودَ } حذف منه إحدى الواوين و { إِسْرَآءِيلَ } حذف منه إحدى الياءين .
فالفرق بينهما : أن { إِسْرَآءِيلَ } أكثر ثقلا من { دَاوُودَ } من ثلاثة أوجه(1):
أحدها : أن { إِسْرَآءِيلَ } أكثر حروفا من { دَاوُودَ } ، لأن { إِسْرَآءِيلَ } سبعة أحرف بالمحذوف منه ، و { دَاوُودَ } خمسة أحرف بالمحذوف منه .
والوجه الثاني : أن { إِسْرَآءِيلَ } مركب من اسمين على قول ، أحدهما : ((إسرا)) والآخر : ((إيل)) ، فمعنى ((إسرا)) : عبد ، ومعنى ((إيل)) : الله ، فمعناه على هذا : عبد الله ، والتركيب ممّا يوجب الثقل ، لأنه من موانع الصرف .
والوجه الثالث : أن { إِسْرَآءِيلَ } كثيرا ما يوجد في القرآن مضافا إليه ، نحو : { يَابَنِي إِسْرَآءِيلَ }(2)، والمضاف مع المضاف إليه كالشيء الواحد ، فكأن { يَابَنِي إِسْرَآءِيلَ } كلّه اسم واحد ، فكثرت حروفه ، فخفّفوه بالحذف(3).
__________
(1) قال المارغني : " وما ذكره الناظم من تشهير الإثبات في إسراءيل خاص بأبي عمرو ، وأما أبو داود فاختار
فيه الحذف " . دليل الحيران ، ص 53 .
(2) سورة البقرة ، من الآية 39 ، وغيرها .
(3) في جـ ، ز : " فخففت بالحذف " .(1/479)
فهذه الأوجه المذكورة [كلّها](1)تقتضي حذف ألف { إِسْرَآءِيلَ } ولولا أن أهل الرسم ذكروا الإثبات فيه عن أكثر المصاحف(2)لكان الحذف فيه أقيس ، لأجل هذه العلل المذكورة ، لأن وجود علّة واحدة منها توجد في غيره فتؤثّر فيه الحذف .
الإعراب : (( والأعجمية )) معطوف على قوله أولا : (( أصحاب )) وقوله : ((كنحو)) الكاف في موضع خبر المبتدأ محذوف ، تقديره : وذلك كنحو لقمان إلى قوله (( ثمت هارون )) والكاف زائدة في المعنى ، لأن معناها معنى (( نحو )) ، ونظيره قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ? شَيْءٌ }(3)، أي ليس مثله شيء ولكن إنما فعل الناظم ذلك ؛ إذ لم يتهيّأ له النظم إلا بذلك ، وقوله : (( وفي إسراءيل )) متعلّق بمحذوف ، تقديره : وجاء في { إِسْرَآءِيلَ } ثبت ، فيكون (( ثبت )) فاعلا ، أو تقول تقديره : وثبت جاء في { إِسْرَآءِيلَ } ، فيكون (( ثبت )) مبتدأ والخبر(4)في المجرور قبله وقوله : ((على المشهور )) متعلّق بقوله : (( ثبت )) ، وقوله : (( لما )) ظرف والعامل فيه (( ثبت )) ، وقوله : (( لما )) ظرف اسمية بمعنى حين ، كقوله تعالى : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا }(5)، وقوله : (( سلبا )) ماض مركّب والألف في آخره لإطلاق القافية ، وقوله : (( من صورة الهمز )) جار ومجرور ومضاف إليه متعلّق بـ ((سلبا)) ، وقوله : ((به)) جار ومجرور ، وهو متعلّق بـ ((كتبا)) إذا قلنا يعود الضمير في ((به)) على الهمز(6)الموجود في الخطّ ، [ وكذلك إذا قلنا يعود الضمير على السلب ](7)،
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) انظر المقنع ، ص 22 .
(3) سورة الشورى ، من الآية 9 .
(4) في جـ : " وخبره " .
(5) سورة غافر ، من الآية 84 ، وبعد هذه الآية في " جـ " : " أي لما رأوا بأسنا " .
(6) في جـ : " الهمزة " .
(7) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " ..(1/480)
وهو متعلّق بمحذوف إذا قلنا الضمير يعود على لفظ { إِسْرَآءِيلَ } تقديره : من صورة كائنة به(1)، أي كائنة فيه ، [ تقديره في حال كون الصورة كائنة فيه تقديرا ، كما تقدّم والتأويل الثالث ، أو تقول هو متعلّق بمحذوف – أيضا – إذا قلنا يعود الضمير على الهمز الموجود في اللفظ على التأويل الثالث ، تقديره : من صورة الهمزة كائنا به ، أي في حال كون الهمز كائنا فيه لفظا ](2)، و قوله (( إذ )) ظرف لما مضى من الزمان ، [ والعامل فيه (( سلبا )) فـ (( إذ )) هاهنا لمجرد الظرف من غير تعليل ، وهو بمعنى حين ، كقوله تعالى : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ } ](3)، وقوله : (( كتبا )) ماض مركّب ، والألف فيه لإطلاق القافية ، وقوله : (( وباتفاق )) متعلّق بـ (( أثبتوا )) بعده ، وقوله : (( أثبتوا )) ماض وفاعل ، وقوله : (( داود )) مفعول ، وقوله : (( إذ )) ظرف لما مضى من الزمان ، وفيه معنى التعليل والعامل فيه (( أثبتوا )) ، وقوله : (( أيضا )) مصدر ، وقوله (( واوه )) اسم (( كان )) ، وقوله : (( مفقودا )) خبر (( كان )) . ثم قال :
[96] وَمَا أَتَى وَهْوَ لاَ يُسْتَعْمَلْ **** فَأَلِفٌ فِيهِ جَمِيعًا يُجْعَلْ
[97] كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ طَالُوتَا **** يَاجُوجَ مَا جُوجَ وَفِي جَالُوتَا
ذكر الناظم هاهنا القسم الثاني ، وهو الثابت باتفاق من أسماء الأعجمية .
فقوله : (( وما أتى وهو لا يستعمل )) ، معناه : والاسم الأعجمي الذي جاء غير مستعمل على ألسنة العرب كثيرا .
فقوله : (( فألف فيه جميعا يجعل )) ، معناه : فألف يثبت فيه جميعا .
وقوله : (( يجعل )) ، أي يثبت .
__________
(1) في جـ : " الصورة الكائنة به " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من جـ ، وفيه : " كما تقدّم " .
(3) سورة آل عمران ، من الآية 164 . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/481)
وقوله : (( كقوله سبحانه طالوتا )) هذا اللفظ وقع في هذه السورة – أعني سورة البقرة – في موضعين ، وهما قوله تعالى : { قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا }(1)، وقوله [تعالى] : { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ }(2).
وقوله : (( ياجوج وماجوج )) أراد قوله تعالى في سورة الكهف : { إِنَّ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الارْضِ }(3)، وقوله تعالى في سورة الأنبياء –عليهم السلام– { إِذَا فُتِحَتْ يَاجُوجُ وَمَاجُوجُ }(4).
واختلف القرّاء في همز الألف في هذين اللفظين : همزه عاصم ، ولم يهمزه الباقون(5).
واختلف النحويون في هذين اللفظين(6)– أيضا – هل [هما](7)أعجميان ، وهو ظاهر كلام الناظم ، لأنه ذكرهما مع الأسماء الأعجمية ، وقيل هما عربيان(8).
فإذا قلنا : هما عربيان فاختلف في اشتقاقهما ، فقيل : مشتقان من قولهم : " أجحت النار" ، وقيل : من يجج ومج ، أعني اشتقّ { يَاجُوجَ } من يجج ، واشتقّ { مَاجُوجَ } من مج . فإذا قلنا : [هما](9)مشتقان من أجحت النار ، فالهمزة فيهما أصلية في موضع فاء الفعل ، فوزنهما : ((يفعول)) و((مفعول)) . وإذا قلنا(10): هما مشتقان من يجج ومج ، فالألف فيهما زائدة ، فوزنهما : ((فاعول)) .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 245 .
(2) سورة البقرة ، من الآية 247 . و"تعالى" ساقطة من : " جـ " .
(3) سورة الكهف ، من الآية 90 .
(4) في جـ ، ز : " { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَاجُوجُ وَمَاجُوجُ } " ، سورة الأنبياء ، من الآية 95 .
(5) انظر : التيسير ، ص 118 ، المبسوط ، ص 239 .
(6) في جـ ، ز : " الاسمين " .
(7) ساقطة من : " جـ " .
(8) انظر الحجة للقراء السبعة لأبي علي الفارسي ، تحقيق : بدر الدين قهوجي ، بشير حويجات ، 5 : 172 ،
ط1 ، دار المأمون للتراث ، بيروت ، 1992 م .
(9) ساقطة من : " جـ " .
(10) 10) في جـ : " فإذا قلنا " .(1/482)
فإذا قلنا : هما أعجميان أو عربيان ، فلا ينصرفان على التقديرين ، إذا كانا(1)أعجميين فلا ينصرفان للعجمة والتعريف ، وإذا كانا عربيين فلا ينصرفان – أيضا – للتأنيث والتعريف ؛ إذ هما اسمان للقبيلة .
وقوله : (( وفي جالوتا )) هذا اسم أعجمي باتفاق ، تقديره : هذا وفي { جَالُوتَ } ألف يجعل . يدلّ على هذا التقدير ما قبله ، وأراد قوله تعالى في هذه السورة : { قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ? }(2)، وقوله : { وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ }(3)
وقوله : (( كقوله سبحانه طالوتا )) البيت . هذه أربعة أسماء .
ومثالها – أيضا – قوله تعالى : { بِبَابِلَ }(4)، والدليل على أن بابل اسم أعجمي : كونه لا ينصرف ، وإنما لا ينصرف للعجمة والتعريف .
الإعراب : (( وما أتى ))(5)(( ما )) موصولة بمعنى الذي ، وهي مبتدأ ، وخبره في قوله : (( بألف فيه جميعا يجعل )) ، وقوله : (( أتى )) فعل ماض ، وقوله : (( لا يستعمل )) مبتدأ وخبره ، وهي جملة حالية من ضمير (( أتى )) ، وقوله : (( فألف )) أدخل الناظم الفاء على خبر المبتدأ [ جوابا لما تضمّنته الصلة من معنى الشرط أو تقول ](6): لشبه الموصول بالشرط في الإبهام(7)،
__________
(1) 11) في جـ : " لأنه إذا كانا " .
(2) 12) سورة البقرة ، من الآية 247 .
(3) 13) سورة البقرة ، من الآية 249 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 101 . ولم يتعرّض له الشيخان صراحة ، وإنما هو من زيادة الرجراجي .
(5) في جـ : " قوله : وما أتى وهو لا يستعمل " .
(6) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(7) زاد في جـ : " نظيره قوله تعالى : { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ }
وقوله تعالى : { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ } ، ومثاله : الذي يأتيني فله درهم " .(1/483)
وقوله : (( ألف )) مبتدأ وخبره الجملة بعده ، وساغ الابتداء بالنكرة هاهنا ، لأنها موصوفة في المعنى ، لأن تقديره : فألف ثابت جعل فيه، وقوله : (( فيه )) متعلّق بـ (( يجعل )) ، وقوله : (( جميعا )) حال من الضمير في (( فيه )) والعامل في الحال (( يجعل )) ، وقوله : ((كقوله)) جار ومجرور ومضاف إليه ، وهو في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : وذلك كقوله سبحانه ، وقوله : (( سبحانه )) مصدر مضاف ،[ قاله(1)الخليل وسيبويه. وقيل اسم مصدر ](2)وهو ملازم للإضافة والعامل فيه فعل يلزم إضماره ، تقديره : أسبح الله تسبيحا ، ولكن لا يظهر هذا الفعل ، ((وسبحان الله)) اسم ملازم للإضافة ، وقد جاء في الشعر غير مضاف ، قال الشاعر(3):
سُبْحَانَهُ ثُمَّ سُبْحَانًا نعُوذُ بِهِ وَقَبْلَنَا سَبَّحَ الْجُودِيُّ وَالْجُمُدُ(4)
ذكره بالبناء في شرح المقدمة ](5)،
__________
(1) انظر الكتاب ، 1 : 420 .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) هذا البيت لأميه ابن أبي الصلت ، وهو من شواهد سيبويه في الكتاب ، 1 : 390 ، والسيوطي في همع
الهوامع ، 10 : 115 ، وابن منظور في اللسان ، 3 : 132 ، " جمد " .
(4) الجودي : جبل بالجزيرة استوت عليه سفينة نوح عليه السلام ، والجُمُد : ما ارتفع من الأرض .
انظر القاموس المحيط ، ص 249 ، " جود " ، " جمد " .
(5) قال أبو موسى الجزولي في باب البناء : " والواقع موقع المبني : ما كان اسما للفعل والمشبه به ، والقسم
الآخر : ما أضيف إلى الجمل من أسماء الزمان " . المقدمة الجزولية في النحو، تحقيق وشرح : شعبان
محمد وآخرون ، ص 240 ، ط1 ، 1988 م . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/484)
وروي بالنصب مع التنوين ، وروي بالنصب من غير تنوين على أنه لا ينصرف للعلمية والزيادتين ، أعني بالعلمية الجنسية ، لأنه اسم علم للتسبيح ، (( طالوت )) مفعول بالقول(1)، وقوله : (( ياجوج وماجوج )) معطوفان ، وقوله : (( وفي جالوت )) جار ومجرور في موضع خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره : وفي جالوت ألف يجعل ، والألف في (( طالوتا )) و (( جالوتا )) لإطلاق القافية . ثم قال :
[98] وَعَنْ خِلاَفٍ قَلَّ فِي هَارُوتَا **** هَامَانَ قَارُونَ وَفِي مَارُوتَا
ذكر الناظم في هذا البيت : القسم الثالث ، وهو القسم المختلف فيه بالحذف والإثبات إلا أن الإثبات هو المشهور فيها(2)، وهي أربعة ألفاظ ، وهي : { هَارُوتَ } { وَمَارُوتَ }(3)و { هَامَانَ }(4)و { قَارُونَ }(5).
وقوله : (( وعن خلاف )) ، تقديره : وفي { مَارُوتَ } وما عطف عليه ألف يجعل عن [خلاف](6)قليل .
وقوله : (( قلّ )) ، معناه : قليل ، لأنه نعت لـ (( خلاف )) .
و(( قلّ )) في كلام العرب له معنيان : أحدهما التقليل ، والآخر النفي .
__________
(1) 10) في جـ : " بدل من قوله " .
(2) قال أبو عمرو الداني : " والأكثر على إثبات الألف " ، ثم قال : " وفي كتاب هجاء السنة الذي رواه الغازي
بن قيس عن أهل المدينة : { هَارُوتَ وَمَارُوتَ } و { قَارُونَ } بغير ألف رسما لا ترجمة . ووجدت في
مصاحف أهل العراق : { هَامَانَ } بألف بعد الهاء ، وفي كلّها بغير ألف بعد الميم " .
واختار أبو داود الحذف في هذه الأسماء .
قال المارغني – بعد ذكر الخلاف – : " والعمل عندنا على الإثبات " .
انظر : المقنع ، ص 22 ، مختصر التبيين ، 2 : 115 ، الوسيلة ، ص 292 ، دليل الحيران ص 59 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 101 .
(4) سورة القصص ، من الآية 7 .
(5) سورة القصص ، من الآية 76 .
(6) ساقطة من : " جـ " .(1/485)
مثال (( قلّ )) الذي بمعنى التقليل(1): قلّ من يصنع هذا من الناس ، أي من يصنع هذا من الناس قليل ليس بكثير .
ومثال (( قلّ )) الذي بمعنى النفي ، قولك [أيضا](2): قلّ ما يكون(3)كذا ، أي لا يكون أصلا . والمراد من المعنيين : التقليل ، أي قلّ الحذف وكثر الإثبات في هذه الألفاظ الأربعة .
الإعراب : قوله : (( وعن خلاف )) جار ومجرور متعلّق بـ (( يجعل )) وفي البيت تقديم وتأخير ، تقديره : وألف يجعل – أيضا – في { هَارُوتَ } وما بعده عن خلاف ، وقوله : (( قلّ )) ماض [ في موضع النعت لقوله : (( خلاف )) ، تقديره : عن خلاف قليل](4)، وقوله : (( في ماروت )) متعلّق بـ (( يجعل )) – أيضا – . ثم قال :
[99] لَكِنْ بِمِيكَالَ اتِّفَاقًا حُذِفَتْ **** مَعْ أَنَّهَا كَلِمَةٌ مَا اسْتُعْمِلَتْ
ذكر الناظم في هذا البيت أن ألف { مِيكَلَ } محذوف باتفاق ، وأراد قوله تعالى في هذه السورة : { وَجِبْرِيلَ وَمِيكَلَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ }(5).
وقوله : (( لكن )) أتى هاهنا بحرف الاستدراك ، وهو (( لكن )) ، لأن هذا استدراك لحكم مخالف للحكم الذي قبله ، لأن الناظم ذكر [ قبل هذا : أن الاسم الأعجمي القليل
الاستعمال يثبت ألفه ، ثم استدرك هاهنا الحذف في ألف { مِيكَلَ } ، ولو كان لا يستعمل ، والباء في قوله : ](6)(( بميكائل )) وعائية بمعنى في ، أي حذفت الألف في { مِيكَِلَ } باتفاق .
وقوله : (( بميكال )) أتى به الناظم على غير قراءة نافع للوزن .
__________
(1) بعدها في جـ ، ز : " قولك " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) في جـ : " قلّ من يكون ...." .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) سورة البقرة ، من الآية 97 .
(6) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/486)
وقوله : (( مع أنها كلمة ما استعملت )) هذا منه تنبيه على علّة الحذف في الأسماء الأعجمية المستعملة وهو كثرة الاستعمال ، لأن ما كثر استعماله على الألسن ثقيل ، فاستعمل فيه الحذف في الخطّ لثقله في اللفظ .
واختلف في علّة حذف ألف { مِيكَلَ } مع أنه قليل الاستعمال ، ولم يأت في القرآن إلا في موضع واحد ، كما ذكر على ثلاثة أقوال(1):
قيل : لأنه كثير التغيير باللغات والقراءات ، وفيه في السبع ثلاث قراءات(2): قرأه نافع بالهمز من غير ياء بعد الهمزة ، وقرأه حفص وأبو عمرو بن العلا بغير همز ولا ياء ، وقرأه الباقون بالياء بعد الهمز . وقرئ خارج السبع [ بقراءتين أخريين(3): أحدهما ((ميكاييل)) بياءين ، والأخرى ((ميكيل)) بالياء بعد الكاف من غير ألف .
فهذه خمس قراءات وهي ](4)– أيضا – لغات ، فلما كثرت تغييرات هذا الاسم حذف ألفه ، لأن الحذف من أنواع التغيير ، والتغيير يأنس بالتغيير .
وقيل : حذفت ألفه لكثرة حروفه .
وقيل : حذفت ألفه لتركيبه ، لأنه روي أنه مركب من اسمين ، وهما : ((ميكا)) ومعناه عبد ، و((إيل)) ومعناه الله ، فـ ((ميكائيل)) على هذا : عبد الله ، كما قيل في إسراءيل كما تقدّم .
__________
(1) انظر : دليل الحيران ، ص 59 .
(2) انظر : التيسير ، ص 65 ، غيث النفع ، ص 45 .
(3) الأولى قراءة الأعمش ، والثانية قراءة ابن محيصن .
انظر : مختصر في شواذ القرآن ، ص 16 ، الجامع لأحكام القرآن ، 2 : 38 .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(1/487)
الإعراب : قوله : (( لكن )) اسم (( لكن )) محذوف وهو الأمر والشأن ، وقوله : (( بميكال )) متعلّق بقوله بعده : (( حذفت )) ، وقوله : (( اتفاقا )) مصدر في موضع الحال من الضمير المستتر في قوله : (( حذفت )) ، تقديره : متفقا على حذفها ، وقوله : (( مع )) ظرف والعامل فيه [ حال محذوفة من الضمير المستتر في قوله (( حذفت )) ، تقديره حذفت كائنة مع أنها ، وقوله : (( مع أنها )) إلى آخره جملة حالية تقديره : حذفت في حال كونها غير مستعملة ](1)، وقوله : (( أنها )) إن واسمها وخبرها (( كلمة )) ، وقوله : (( ما )) نافية ، وقوله : (( ما استعملت ))(2)ماض مركب وعلامة التأنيث . ثم قال :
[100] وَلاَ خِلاَفَ بَعْدَ حَرْفِ الْمِيمِ **** فِي الْحَذْفِ مِنْ هَامَانَ فِي الْمَرْسُومِ
هذا تقييد لقوله أولا : (( هامان )) ، لأنه ذكر أولا : أن ألف { هَامَانَ } ثابت على الكثير في قوله(3): (( وعن خلاف قلّ في هاروت وهامان )) البيت ، ولا يُدرى هل الأول أو الثاني أو هما معا ، فقال(4)ذلك هاهنا ، وأن المراد بما تقدّم هو الألف الأول وأما الألف الثاني(5)، فهو محذوف باتفاق .
وقوله : (( ولا خلاف بعد حرف الميم )) البيت ، فيه تقديم وتأخير ، تقديره : ولا خلاف في المرسم في الحذف بعد حرف الميم من هامان ، والمرسوم هو مصحف عثمان - رضي الله عنه - .
فالحاصل ممّا ذكرنا في الأسماء الأعجمية ، أنها على ثلاثة أقسام :
قسم محذوف باتفاق ، وقسم ثابت باتفاق ، وقسم مختلف فيه .
فالقسم المحذوف باتفاق : هو ما كثر استعماله ، وهو تسعة أسماء ، وهي :
{
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " ، وفيه : " حذفت " .
(2) في جـ : " وقوله : " استعملت " .
(3) تقدّم قريبا
(4) في جـ ، ز : " فقيد " .
(5) في جـ : " الآخر " .(1/488)
إِبْرَاهِيمَ }(1)، و { إِسْمَاعِيلَ }(2)، و { إِسْحَاقَ }(3)، و { عِمْرَانَ }(4)، و { هَارُونَ }(5)، و { لُقْمَانَ }(6)، و { سُلَيْمَانَ }(7)، و { إِلْيَاسَ } ، و { يَاسِينَ }
ويلحق بهذا الاسم { مِيكَِلَ } ، وإن كان غير مستعمل للعلّة المذكورة(8).
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ? بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ..... } ، سورة البقرة ، من الآية 123 .
وجملته تسعة وستون موضعا . انظر المعجم المفرس لألفاظ القرآن الكريم ، ص 2 ، 3 .
(2) في مثل قوله تعالى : { ...... وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ..... } ، سورة البقرة ، من الآية 124 .
وجملته اثنا عشر موضعا . المصدر السابق ، ص 42 .
(3) في مثل قوله تعالى : { .... قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ ءَابَآ كَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ..... } ، سورة البقرة ،
من الآية 132 . ووقع في سبعة عشر موضعا . انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، ص 426 .
(4) في مثل قوله تعالى : { .... وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } ، سورة آل عمران ، من الآية 33 .
ووقع في ثلاثة مواضع لا غير . المصدر نفسه ، ص 593 .
(5) 10) في مثل قوله تعالى : { .... وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وَءَالُ هَارُونَ... } ، سورة البقرة ، من الآية 246
وجملته عشرون موضعا . انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، ص 827 .
(6) 11) في مثل قوله تعالى : { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ..... } ، سورة لقمان ، من الآية 11 ، موضعان لا غير .
(7) 12) في مثل قوله تعالى : { وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ.... } ، سورة البقرة ، من الآية 101 .
(8) في ص 332 .(1/489)
والقسم الثابت باتفاق : هو ما لا يستعمل ، وهي(1)خمسة أسماء ، وهي :
{ طَالُوتَ } ، و { جَالُوتَ } ، و { يَاجُوجَ } ، { وَمَاجُوجَ } ، و { بَابِلَ } ، ويلحق بهذا الاسم { دَاوُودَ } ، وإن كثر استعماله للعلّة المذكورة [فيه](2).
والقسم المختلف فيه : فالإثبات فيه أرجح عند أبي عمرو(3)والحذف فيه أرجح عند أبي داود(4)وهو أربعة أسماء ، وهي : { هَارُوتَ } { وَمَارُوتَ } و { هَامَانَ } و { قَارُونَ }(5)، فجملة الأسماء الأعجمية المقصودة هاهنا عشرون لفظا ، وهي هذه الأسماء التي ذكرناها .
__________
(1) في جـ : " وهو " .
(2) وهي فقد واوه . انظر تنبيه العطشان ، ص 323 . و"فيه" سقطت من : " جـ " .
(3) بعد ذكره اختلاف المصاحف في حذف وإثبات الألف في هذه الأسماء ، قال أبو عمرو : " والأكثر على
إثبات الألف " . المقنع ، ص 22 .
(4) قال أبو داود : " وأنا أختار كتب هذه الخمسة الأسماء بغير ألف " . مختصر التبيين ، 2 : 115 .
(5) سبق تخريج هذه الأمثلة ، ص 331 .(1/490)
الإعراب : (( ولا خلاف )) (( لا )) نفي وتبرية ، (( خلاف )) اسم (( لا )) وهو مبني معها ، وهو مبتدأ وخبره في قوله : (( في الحذف )) ومتعلّق هذا الجار محذوف ، تقديره : ثابت أو مستقر ، وقوله : (( خلاف )) مبني ، وفيه ثلاثة أسولة : لم بني ؟ ولم بني على الحركة ؟ ولم خصّ بتلك الحركة ؟ إنما بني : لتضمّنه معنى حرف الاستغراق وهو (( من )) . وبني على الحركة : لتمكّنه في موضع (( ما )) . واختصّ بتلك الحركة : طلبا للتخفيف . وقوله : (( بعد )) ظرف والعامل فيه الثبوت والاستقرار ، تقديره : ولا خلاف ثابت أو مستقر [بعد حرف الميم ، وقوله : ((حرف)) مخفوض بالظرف ، وقوله : ((الميم)) مضاف إليه ، وقوله : (( في الحذف )) متعلّق بالثبوت والاستقرار – أيضا – ، تقديره : ولا خلاف ثابت أو مستقر](1)في الحذف ، وقوله : (( من هامان)) جار ومجرور متعلّق بمحذوف ، و (( من )) بمعنى في ، تقديره : حرف الميم الكائن في { هَامَانَ } ، ويصح أن يتعلّق (( من هامان )) بالحذف ،
فيبقي حرف (( من )) على حاله ، وقوله : (( في المرسوم )) متعلّق بالثبوت والاستقرار – أيضا – ، تقديره : ولا خلاف ثابت أو مستقر في المرسوم . ثم قال :
[101] وَصَالِحٌ وَخَالِدٌ وَمَالِكْ **** وَفِي سُلَيْمَانَ أَتَتْ كَذَلِكْ
ذكر الناظم في هذا البيت : أربعة ألفاظ بالحذف من غير خلاف ، لأنه عطفها على قوله : (( ولا خلاف بعد حرف الميم في الحذف من هامان في المرسوم )) ، تقدير الكلام : ولا خلاف في الحذف من { هَامَانَ } و { صَالِحُ } ومن { خَالِدٌ } ومن { مَلِكَ } ، يعني حيث ما وقعت هذه الألفاظ في القرآن .
وقوله(2): (( وفي سليمان أتت كذلك )) ، معناه : أتت الألف في { سُلَيْمَانَ } بالحذف كذلك ، أي كما أتت بالحذف في الأسماء التي قبلها .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " ز " .
(2) في جـ : " قوله " .(1/491)
وقوله : (( وصالح )) ، مثاله قوله تعالى : { يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا }(1).
وقوله : (( وخالد )) ، مثاله : { خَالِدًا فِيهَا }(2).
وقوله : (( ومالك )) ، مثاله قوله تعالى : { وَنَادَوْاْ يَامَلِكُ }(3)في سورة الزخرف
وقوله(4): (( وفي سليمان )) ، مثاله قوله تعالى : { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ }(5).
واعتُرض هذا البيت من أربعة أوجه :
أحدها : ذكر { سُلَيْمَانَ } مع هذه الأسماء ، مع أن { سُلَيْمَانَ } أعجمي ، وهذه الأسماء الثلاثة – أعني صالحا وخالدا ومالكا – كلّها عربية ، وكان حقّ الناظم أن يذكر { سُلَيْمَانَ } مع الأسماء الأعجمية المتفق على حذفها .
أجيب عنه بأن قيل : إنما ذكره مع هذه الأسماء اتباعا للحافظ في المقنع ، لأنه ذكر في المقنع { سُلَيْمَانَ } مع هذه الأسماء الثلاثة ، فالدّرك على الحافظ إذاً لا على الناظم . ونصّه في المقنع : " وكذلك حذفوها من { سُلَيْمَانَ } و { صَالِحُ } و { خَالِدٌ } و { مَلِكَ } وليست بأعجمية لما كثر استعمالها "(6).
الاعتراض الثاني : ذِِكْره { خَالِدًا } هنا يقتضي أن { خَالِدًا } ورد في القرآن اسما علما ، لذكره إياه مع الأسماء الأعلام ، وليس الأمر كذلك ؛ إذ لم يقع في القرآن { خَالِدًا } اسم علم ، وإنما وقع فيه صفة لا علما ، كقوله تعالى : { خَالِدًا فِيهَا } وذِكْره مع هذه الأسماء يؤذن أنه ورد في القرآن اسما علما ، وليس الأمر كذلك .
__________
(1) سورة الأعراف ، من الآية 76 ، وجملته أربعة وأربعون موضعا ، سواء كان اسما أو كان صفة .
انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، ص 504 .
(2) سورة النساء ، من الآية 92 ، وهو في أربعة مواضع . المصدر نفسه ، ص 290 .
(3) من الآية 77 في الزخرف ، ومن الآية 26 في آل عمران .
(4) في جـ : " قوله " .
(5) سورة الأنبياء ، من الآية 80 .
(6) المقنع ، ص 21 .(1/492)
أجيب عنه – أيضا – بأن قيل : فعل ذلك اتباعا للحافظ كما تقدّم .
الاعتراض الثالث : ذِكْره { صَالِحًا } هاهنا [يقتضي](1)أنه لا يحذف منه إلا ما كان اسما علما ، لذكره إياه مع الأسماء الأعلام ، مع أن أبا داود نصّ في التنزيل(2)على أن { صَالِحًا } محذوف مطلقا حيث ورد في القرآن ، سواء كان اسما أو كان صفة .
مثال الاسم ، قوله : { قَالُواْ يَاصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَاذَا }(3)، وقوله : { يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } .
ومثال الصفة ، قوله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ? }(4)، وقوله : { إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا }(5).
أجيب عنه : بأنه فعل ذلك اتباعا للحافظ في المقنع .
[ الاعتراض الرابع : ذِكْره مالكا – أيضا – هاهنا يقتضي أنه لا يحذف منه إلا ما كان اسما علما لذكره إياه مع الأسماء الأعلام ، وليس الأمر كذلك ، لأنه محذوف مطلقا سواء كان اسما علما أو كان صفة ، مثال الاسم قوله تعالى : { وَنَادَوْاْ يَامَلِكُ } ومثال الصفة قوله تعالى : { قُلِ اللَّهُمَّ مَلِكَ الْمُلْكِ }(6).
أجيب عنه بأن قيل : فعل ذلك – أيضا – اتباعا للحافظ في المقنع .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) انظر مختصر التبيين ، 2 : 107 .
(3) 10) سورة هود ، من الآية 61 .
(4) سورة فصلت ، من الآية 45 .
(5) سورة مريم ، من الآية 59 . وفي جـ ، ز : " { إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا } " ، سورة الفرقان
من الآية 70 .
(6) سورة آل عمران ، من الآية 26 .(1/493)
انظر قوله : (( وصالح وخالد )) هل يندرج فيهما { صَالِحَيْنِ }(1)و { خَالِدَيْنِ }(2)فالظاهر – والله أعلم – أنهما مندرجان ، فيحذف الألف في المثنى كما يحذف في المفرد ، فينبغي على هذا أن يزاد بعد قوله : (( وصالح وخالد ومالك )) البيت ، هذا البيت ، وهو قولنا :
وَصَالِحَيْنِ خَالِدَيْنِ حُذِفَا كَمَا لِمُفْرَدٍ بِِذَا قَدْ عُرِفَا ](3)
الإعراب : (( وصالح وخالد ومالك )) معطوف على قوله : (( من هامان )) ، وقوله : (( وفي سليمان )) متعلّق بـ (( أتت )) ، وقوله : (( كذلك )) الإشارة عائدة على الألفاظ المتقدّمة قبله ، وهي { هَامَانَ } وما عطف عليه ، والكاف في (( كذلك )) في موضع نصب نعت لحال محذوفة ، تقديره : أتت محذوفة كذلك . ثم قال :
[102] طُغْيَانٌ أَمْوَاتٌ كَذَا لاِبْنِ نَجَاحْ **** وَعَنْهُمَا فِي الْحِجْرِ خُلْفُ فِِي الرِّيَاحْ
[103] وَسُورَةُ الْكَهْفِ وَنصّ الْفُرْقَانِ **** كَذَا بإِبْرَاهِيمَ عَنْ سُلَيْمَانْ
[104] وَالْبِكْرِ وَالشُّورَى وَنصّ الْمُقْنِعِ**** بِالْحَذْفِ فِي الثَّلاَثِ عَنْ تَتَبُّعِ
[105] وَجَاءَ أُولَى الرُّومِ بِالتَّخْيِيرِ **** لاِبْنِ نَجَاحٍ لَيْسَ بِالْمَأْثُورِ
[106] وَكلَّمَا بَقِيَ عَنْهُ فَاحْذِفِ **** وَلَفْظُ إِحْسَانٍ أَتَى فِي المنصف
ذكر الناظم في الشطر الأول من هذه الأبيات الخمسة : لفظين اختصّ بهما أبو داود ، وهما : ((طغيان)) و((أموات)) .
وقوله : (( طغيان أموات )) ، معناه : وألف ((طغيان)) و { أَمْوَاتٌ } أتت بالحذف كما تقدّم لابن نجاح .
وقوله : (( طغيان )) يريد سواء كان معرّفا أو منكّرا ،لأن الناظم أتى به منكّرا ليندرج(4)المعرّف تحت المنكّر ، لأن التنكير أصل للتعريف .
__________
(1) سورة التحريم ، من الآية 10 .
(2) سورة الحشر ، من الآية 17 .
(3) ما بين المعقوفين ، مقدار تسعة أسطر ، سقط من: " جـ " .
(4) في جـ : " فيندرج " .(1/494)
مثال المعرّف ، قوله تعالى في هذه السورة : { وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }(1)
ومثال المنكّر ، قوله تعالى في سورة المائدة : { طُغْيَانًا وَكُفْرًا }(2)، وحذف هذا اللفظ تخفيفا واختصارا .
وقوله : (( طغيان )) هذا اللفظ ممّا حذفه أبو داود من وزن (( فعلان )) .
وقوله : (( أموات )) يريد سواء كان معرّفا أو منكّرا .
مثال المنكّر ، قوله تعالى في هذه السورة : { وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ }(3)، وقوله [فيها] – أيضا – : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُّقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَآءٌ }(4)، [وقوله في سورة آل عمران : { وَلاَ تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتا بَلْ أَحْيَآءٌ }(5)، وقوله في سورة النحل : { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ }(6)] .
ومثال المعرّف ، قوله تعالى في سورة فاطر : { وَمَا يَسْتَوِي الاْحْيَآءُ وَلاَ الاْمْوَاتُ }(7)، وحذف هذا اللفظ – أيضا – تخفيفا واختصارا .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 14 .
(2) سورة المائدة ، من الآية 66 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 27 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 153 ، و"فيها" سقطت من : " جـ " ، " ز " .
(5) سورة آل عمران ، من الآية 169 .
(6) سورة النحل ، من الآية 21 . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(7) سورة فاطر ، من الآية 22 .(1/495)
قوله : (( وعنهما في الحجر خلف في الرياح )) إلى قوله : (( ونصّ الفرقان ))(1)، معناه : أن الشيخين أبا عمرو وأبا داود اتفقا على ذكر الخلاف في ثلاثة ألفاظ من ألفاظ الرياح(2): أحدهما ، قوله تعالى في الحجر : { وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ }(3)والثاني ، قوله تعالى في [سورة] الكهف : { تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ }(4)، والثالث قوله تعالى في سورة الفرقان : { وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَحَ نُشُرا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ? }(5)
وقوله : (( كذا بإبراهيم عن سليمان والبكر والشورى )) ، معنى هذا : أن سليمان ابن نجاح ذكر الخلاف دون أبي عمرو في ثلاثة ألفاظ – أيضا – أحدها في سورة
إبراهيم قوله تعالى : { اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيَاحُ }(6)، والثاني قوله تعالى في سورة البقرة : { وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ }(7)، والثالث قوله تعالى في سورة الشورى : { إِنْ يَّشَأْ يُسْكِنِ الرِّيَحَ }(8).
فهذه الثلاثة ذكر فيها أبو داود الخلاف كما ذكره في الثلاثة الأولى ، فهي إذا ستة ألفاظ ذكرها كلّها أبو داود بالخلاف(9)، ووافقه أبو عمرو في الثلاثة الأولى وخالفه في الثلاثة الأخرى ، إذ لم يذكر فيها إلا الحذف(10).
وقوله : (( ونصّ المقنع بالحذف في الثلاث عن تتبع )) ، يعني : أن أبا عمرو نصّ في المقنع على الحذف في هذه الثلاثة الأخيرة من غير خلاف .
__________
(1) في جـ : " إلى قوله ولفظ إحسان ، تكلّم في هذه الأشطار على ألف الرياح " .
(2) 10) انظر : المقنع ، ص 94 ، 95 ، مختصر التبيين ، 2 : 235 .
(3) 11) سورة الحجر ، من الآية 22 .
(4) 12) سورة الكهف ، من الآية 44 ، و"سورة" سقطت من : " جـ " .
(5) 13) سورة الفرقان ، من الآية 48 .
(6) سورة إبراهيم ، من الآية 21 .
(7) سورة البقرة ، من الآية 163 .
(8) سورة الشورى ، من الآية 30 .
(9) انظر المختصر ، 2 : 34، 235 .
(10) انظر المقنع ، ص 10 ، 12 ، 13 .(1/496)
وقوله : (( عن تتبع )) ، معناه : عن مطالعة واستقصاء ، كأنه يقول : تتبعت المقنع بالنظر والمطالعة والاستقصاء ، فما رأيت فيه في هذه الثلاثة [الألفاظ الأخيرة](1)إلا الحذف .
وقوله : (( عن تتبع )) يصح في هذا اللفظ أن يكون أصله : (( تتبعي )) بإضافته إلى ياء المتكلّم ، ويصح فيه أن يكون أصله (( تتبع ٍ)) بالتنوين ، ولكن حذف ذلك للقافية كما تقدّم لنا في قوله(2): (( عن خبر )) .
تقديره مضافا إلى ياء المتكلّم : عن تتبعي للمقنع بالنظر ، فما رأيت في هذه الألفاظ الثلاثة إلا الحذف .
وتقديره منونا : عن تتبع مني للمقنع بالنظر ، فما رأيت في هذه الألفاظ الثلاثة إلا الحذف ، ويصح رجوعه إلى صاحب المقنع ، تقديره : عن تتبع من الداني في المصاحف بالنظر فما رأى(3)فيها في هذه الثلاثة إلا الحذف .
وقوله : (( وجاء أولى الروم بالتخيير(4)لابن نجاح ليس بالمأثور )) ، معنى هذا البيت: أن ابن نجاح خيّر في لفظ { الرِّيَاحَ } في سورة الروم بالحذف والإثبات من تلقاء نفسه(5)، وليس ذلك بروايته عن المصاحف ، ولأجل ذلك قال الناظم : (( ليس بالمأثور )) ، أي ليس هذا التخيير بالمنقول عن المصاحف ، وإنما هو اجتهاد من أبي داود – رحمه الله – .
وقوله : (( أولى الروم )) أراد قوله تعالى : { وَمِن ءَاياتِهِ? أََنْ يُّرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ }(6).
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) تنبيه العطشان ، ص 309 .
(3) في جـ : " فما رأيت " .
(4) علّق الناسخ في حاشية النسخة " ز " قائلا : " خيّر فيه أبو داود ، وقد اختار لنفسه فيه الحذف ،
ولو قال الشيخ : وبعد ما قيد فيه اختار ** لنفسه الحذف به اقتصار " .
(5) 10) زاد في جـ : " من اجتهاده " .
(6) سورة الروم ، من الآية 45 .(1/497)
وقوله : (( أولى الروم )) قيّده الناظم بالمرتبة الأولية ، احترازا من الثاني في سورة الروم ، وهو قوله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا }(1)، فهو محذوف عند أبي داود من غير خلاف .
واعترض قول الناظم : (( وجاء أولى الروم بالتخيير )) لأن ظاهره يقتضي أن الحذف والإثبات(2)في هذا اللفظ سواء ، لأن ذلك(3)يقتضي التسوية ، وليس الأمر كذلك ، لأن أبا داود اختار أن يكتب بالحذف لأنه قال في التنزيل : " وقد وقع في الروم حرفا واحدا ، اجتمع القراء على قراءته بالألف على الجمع من أجل قوله : { مُبَشِّرَاتٍ } وليس رواية فيه عن كتبة المصاحف رضوان الله عليهم ، واختياري أن يكتب على الاختصار بحذف الألف"(4). ومن حقّ الناظم – رحمه الله – أن يذكر أن المختار لأبي داود الحذف دون الإثبات ، لما ذكر ذلك في لفظ { الدِّيَارِ } في قوله أولا : (( فرسمه قد استحبّ بالألف )) لأنه التزم أن يذكر كلما ذكروه .
__________
(1) سورة الروم ، من الآية 47 .
(2) في جـ : " بالإثبات والحذف " .
(3) زاد في جـ : " التخيير " .
(4) مختصر التبيين ، 2 : 237 .(1/498)
وقوله : (( وكلّ ما بقي فاحذف )) ، معناه : فاحذف أيها المخاطب عن أبي داود لما بقي من ألفاظ { الرِّيَاحِ } والذي بقي من ألفاظ { الرِّيَاحِ } غير ما ذكر خمسة ألفاظ : أحدها في الأعراف ، قوله تعالى : { وَهْوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نُشُرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ? }(1)، والثاني في النمل ، وهو قوله تعالى : { وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نُشُرا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ? أَا لَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }(2)، والثالث في الروم ، قوله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا } ، [والرابع في فاطر ، قوله تعالى : { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا } ](3)، والخامس في سورة الجاثية ، قوله تعالى : { وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ءَايَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }(4).
فهذه خمسة مواضع مع السبعة الأولى جملة ذلك اثنا عشر موضعا ، وهذه الألفاظ الاثنا عشر اختلف القراء فيها جميعا بالجمع والإفراد(5).
وهذا ممّا اختلفت المصاحف في رسمه واختلف القراء في قراءته ، ولم يتفق القراء إلا على الذي في أول سورة الروم كما تقدّم . وهذه الألفاظ المذكورة الاثنا عشر على طريقة أبي عمرو على ثلاثة أقسام :
__________
(1) سورة الأعراف ، من الآية 56 .
(2) سورة النمل ، من الآية 65 .
(3) سورة فاطر ، من الآية 9 .
(4) سورة الجاثية ، من الآية 4 .
(5) 10) فنافع وأبو جعفر بالجمع في جميع هذه المواضع ، ووافقهما ابن كثير في البقرة والحجر والكهف والجاثية ،
وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب بالجمع في البقرة والأعراف والحجر والكهف والفرقان والنمل
وثاني الروم وفاطر والجاثية ، وقرأ حمزة وخلف بالجمع في الفرقان ، وقرأ الكسائي بالجمع في الفرقان
وفي الحجر ، واتفقوا على الجمع في أول الروم .
انظر : إتحاف ، ص 196 ، المبسوط ، ص 124 ، النشر ، 2 : 223 .(1/499)
قسم بالحذف عنده من غير خلاف ، وهي ثلاثة : في البقرة وإبراهيم والشورى .
وقسم بالخلاف عنده ، وهي ثلاثة – أيضا – : وهي في الحجر والكهف والفرقان
وقسم سكت عنه ، وهي الستة الباقية .
وهذه الألفاظ المذكورة الاثنا عشر – أيضا – على طريقة أبي داود على ثلاثة أقسام – أيضا – : قسم بالخلاف عنده ، وهي الستة المذكورة في النظم في قوله : ((وعنهما في الحجر)) إلى قوله (( والشورى )) .
وقسم بالتخيير عنده بين الحذف والإثبات ، إلا أن الحذف أحسن من الإثبات ، وهو الأول في سورة الروم .
وقسم بالحذف من غير خلاف عنه ، وهي الخمسة الباقية .
قال أبو بكر بن عبد الغني الشهير باللبيب في شرح العقيلة(1): اعلم أن لفظ الرياح في كتاب الله تعالى ينقسم على ثلاثة أقسام : قسم اختلف القراء فيه بالجمع والإفراد ، وقسم اتفق القراء فيه على القراءة بالجمع ، وقسم اتفق القراء فيه على قراءته بالإفراد .
فأما الذي اختلف القراء فيه بالجمع والإفراد ، فهو أحد عشر موضعا : في البقرة والأعراف ، وإبراهيم ، والحجر ، والكهف ، والفرقان ، والنمل ، والروم وهو الثاني وفاطر ، والشورى ، والجاثية .
وأما الذي اتفق القراء عليه في الجمع(2)، فهو : الأول في الروم ، لأجل قوله : { مُبَشِّرَاتٍ } .
وأما الذي اتفق القراء على قراءته بالإفراد ، فهو ما {بقي ، نحو قوله}(3)تعالى : { رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ }(4)، وقوله : { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ }(5)، وقوله : { الرِّيحَ الْعَقِيمَ }(6)، وقوله : { فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ? رُخَآءً }(7)وشبه ذلك .
__________
(1) انظر الدرة الصقيلة ، ص 229 .
(2) في جـ : " بالجمع " .
(3) ما أثبت من " جـ " ، لأنه في الأصل بياض .
(4) سورة آل عمران ، من الآية 117 .
(5) سورة الأنبياء ، من الآية 80 .
(6) سورة الذاريات ، من الآية 41 .
(7) سورة ص ، من الآية 35 .(1/500)
وقوله : (( ولفظ إحسان أتى في المنصف )) هذا هو الموضع الأول من الألفاظ التي انفرد بها صاحب المنصف المنبّه عليها في صدر الكتاب بقوله(1): (( وربما ذكرت بعض أحرف ممّا تضمّن كتاب المنصف )) .
وقوله : (( ولفظ إحسان أتى في المنصف )) ، معناه : جاء لفظ ((إحسان)) بالحذف في المنصف ، [يعني](2)سواء كان معرّفا أو منكّرا ، لأنه أتى به منكرا ، فيندرج تحته المعرّف ، لأن التنكير أصل للتعريف .
مثال المعرّف ، قوله تعالى : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ }(3)، وقوله : { هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ }(4).
ومثال المنكّر ، قوله تعالى : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }(5)، وقوله : { إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا }(6).
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 184 .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) سورة النحل ، من الآية 90 .
(4) سورة الرحمن ، الآية 59 .
(5) سورة البقرة ، من الآية 82 ، وغيرها .
(6) سورة النساء ، من الآية 61 .(2/1)
الإعراب : قوله : (( طغيان )) مبتدأ وجاز الابتداء بالنكرة هاهنا ، لأنه عام ، وخبر المبتدأ في قوله : (( كذا )) ، وقوله : (( أموات )) معطوف ، وقوله : (( كذا )) جار ومجرور في موضع الخبر ، وهو متعلّق بالثبوت والاستقرار ، تقديره : مثل ذا وقوله : (( لابن نجاح )) متعلّق بما تعلّق به الذي قبله ، وقوله : (( وعنهما في الحجر )) متعلّق(1)بالثبوت والاستقرار إذا جعلنا قوله : (( خلف )) مبتدأ ، أو متعلّقان بفعل محذوف إذا جعلنا قوله : (( خلف )) فاعل بفعل محذوف ، وكذلك(2)المجرور في قوله : (( في الرياح )) مثل المجرورين المتقدّمين قبله ، وقوله : (( وسورة الكهف ونصّ الفرقان )) معطوفان ومضاف إليهما ، وقوله : (( كذا بإبراهيم عن سليمان )) ، قوله : (( كذا )) في موضع خبر للمبتدأ المحذوف ، تقديره : واللفظ الواقع في إبراهيم كذا ، أي مثل ذا(3)، وقوله : (( بإبراهيم )) متعلّق بصفة محذوفة ، وهي صفة المبتدأ المحذوف ، { وقوله : (( عن سليمان )) }(4)متعلّق بما تعلّق به الكاف في قوله : (( كذا )) ، وقوله : (( والبكر والشورى )) معطوفان ، وقوله : (( ونصّ المقنع )) مبتدأ ومضاف إليه ، وقوله : (( بالحذف )) في موضع خبر المبتدأ ، وهو متعلّق بمحذوف ، أي جاء الحذف وكذا المجروران بعده متعلّقان بـ (( جاء )) – أيضا – وقوله : (( وجاء )) ماض ، وقوله : (( أولى )) فاعل ، (( الروم ))(5)مضاف إليه ، وقوله : (( بالتخيير )) متعلّق بـ (( جاء ))(6)،
__________
(1) في جـ: " متعلّقان " .
(2) في جـ : " وكذا " .
(3) في جـ : " مثل كذا " .
(4) ما أثبت من " جـ " لأنه في الأصل بياض .
(5) 10) في جـ : " وقوله : " الروم " .
(6) 11) زاد في جـ : " أيضا " ..(2/2)
وقوله : (( لابن نجاح )) متعلّق بـ (( جاء )) أو (( بالتخيير )) ، وقوله : (( ليس )) ماض واسمها مستتر فيها عائد على ((التخيير)) ، وقوله : (( بالمأثور )) في موضع خبر (( ليس )) [ فالباء في قوله ((بالمأثور)) زائدة ، نحو قوله تعالى : { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ? }(1)](2)، وقوله : (( وكل )) مفعول مقدّم لقوله : (( فاحذف )) ، وقوله : (( ما )) مضاف إليه وهي موصولة بمعنى الذي ، وقوله : (( بقي )) ماض ، وقوله : (( عنه )) متعلّق بقوله بعده : (( فاحذف )) ، وقوله : (( فاحذف )) أمر [ والفاء في قوله : (( فاحذف )) زائدة .
مثاله قولهم : زيدا فاضرب وعمرا فاشكر ، وبزيد فامرر ، ومنه قوله تعالى : { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ }(3)، ذكره ابن جني في سر الصناعة في زيادة الفاء(4)] ، وقوله : (( ولفظ )) مبتدأ ، وقوله : (( إحسان )) مضاف إليه ، وقوله : (( أتى )) ماض في موضع خبر المبتدأ ، وقوله : (( في المنصف )) متعلّق بـ (( أتى )) . ثم قال :
[107] مَعَ شَعَائِرٍ وَجَاءَ حَذْفُ ذَيْنْ **** فِي نصّ تنْزِيلٍ بِغَيْرِ الأَوَّلَيْنْ
المعيّة تقتضي التشريك [والتساوي](5)في الحكم ، معناه : أن لفظ ((إحسان)) مع لفظ { شَعَآ رَ } جاء بالحذف في المنصف من غير استثناء(6)وفي نصّ التنزيل لأبي داود إلا اللفظين الأولين منهما ، فإنهما ثابتان ، فالأول من لفظ ((إحسان)) : قوله تعالى في
__________
(1) سورة الزمر ، من الآية 35 .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) سورة المدثر ، الآيات : 3 ، 4 ، 5 ، 6 ، 7 .
(4) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) زاد في جـ : " وقوله : وجاء حذف ذين ، أي وجاء حذف هذين اللفظين وهما لفظ إحسان ولفظ شعائر
بالحذف " .(2/3)
سورة البقرة : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى }(1)، والأول من لفظ { شَعَآ رَ }
هو قوله تعالى في سورة البقرة – أيضا – : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآ رِ اللَّهِ }(2)
الإعراب : (( مع )) ظرف [والعامل فيه حال محذوفة من ضمير مستتر في قوله : (( أتى )) ، تقديره : ولفظ إحسان أتى كائنا مع شعائر](3)، وقوله : (( شعائر )) مخفوض بالظرف لا ينصرف ، وقوله : (( وجاء )) ماض ، وقوله : (( حذف )) فاعل وقوله : (( ذين )) مضاف إليه وهي تثنية (( ذا )) ، وقوله : (( في نصّ تنزيل )) جار ومجرور ومضاف إليه ، والعامل في الجار (( جاء )) ، وقوله : (( بغير الأولين )) جار ومجرور ومضاف إليه متعلّق بـ (( جاء )) والباء بمعنى في ، أي جاء الحذف في غير الأولين . ثم قال :
[108] حَيْثُ أَصَابِعَهُمْ وَالْبُرْهَانْ **** نَكَالاً الطَّاغُوتُ ثمَّ الإِخْوَانْ
ما ذكر في هذا البيت كلّه محذوف لأبي داود ، لقوله قبله : (( في نصّ تنزيل )) .
قوله : (( حيث أصابعهم )) ، أي جاء حذف ألف { أَصَابِعَهُمْ } حيث ما ورد في القرآن(4)، كقوله تعالى في سورة البقرة : { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي ءَاذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ }(5)، وقوله في سورة نوح - عليه السلام - : { جَعَلُواْ أَصَابِعَهُمْ فِي ءَاذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ }(6).
وقوله : (( والبرهان )) الألف واللام فيهما لاستغراق الجنس(7)كان معرّفا بالإضافة أو منكّرا .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 82 .
(2) سورة البقرة ، من الآية 157 .
(3) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " والعامل فيه أتى " .
(4) ورد في موضعين ذكرهما الشارح .
(5) سورة البقرة ، من الآية 18 .
(6) سورة نوح ، من الآية 7 .
(7) في جـ : " لاستغراق الجنس سواء ... " .(2/4)
مثال المضاف : { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }(1).
ومثال المنكّر ، قوله تعالى في سورة النساء : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ }(2)، وقوله تعالى في سورة المؤمنين : { لاَ بُرْهَانَ لَهُ? بِهِ? }(3)[ وقوله : (( والبرهان )) هذا ممّا حذفه أبو داود من وزن فعلان ](4).
وقوله : (( نكالا )) أراد قوله تعالى في سورة البقرة : { نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا }(5)، وقوله تعالى في سورة المائدة : { نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(6)قيّده الناظم احترازا من الذي في سورة والنازعات : { نَكَالَ اءَلاْخِرَةِ }(7)فإنه ثابت
وقوله : (( الطاغوت )) ، مثاله قوله تعالى : { أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ }(8).
وقوله : (( الإخوان )) الألف واللام فيه لاستغراق الجنس ، سواء كان معرّفا بالإضافة أو منكّرا .
مثال المضاف ، قوله تعالى في هذه السورة : { وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ }(9).
ومثال المنكّر : { فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ? إِخْوَانًا }(10)وقوله : { إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ }(11)
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 110 .
(2) سورة النساء ، من الآية 173 .
(3) سورة المؤمنون ، من الآية 118 .
وفي حاشية ز : " قيل : وأما برهانان فلا يدخل ، إذ المثنى لا يدخل تحت المفرد إذ لو أراد ذلك لقال :
حيث أصابعهم والبرهان * مع المثنى منه ثم الإخوان
وعنه من نكالا المنكّر * واحذف له الطاغوت حيث يظهر " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) سورة البقرة ، من الآية 65 .
(6) 10) سورة المائدة ، من الآية 40 .
(7) 11) سورة النازعات ، من الآية 25 .
(8) 12) سورة البقرة ، من الآية 256 .
(9) سورة البقرة ، من الآية 218 .
(10) سورة آل عمران ، من الآية 103 .
(11) سورة الحجر ، من الآية 47 .
ولفظ ((الإخوان)) حذفه أبو داود حيث ما وقع وكيف ما تصرف ، ولم يتعرّض له أبو عمرو الداني .
انظر : مختصر التبيين ، 2 : 280 ، دليل الحيران ، ص 63 .(2/5)
الإعراب : (( حيث )) ظرف والعامل فيه محذوف [ لأنه في موضع النصب على الحال من قوله : (( أصابعهم )) ](1)، تقديره : وجاء أصابعهم في التنزيل بالحذف [كائنا](2)حيث وقع(3)، [ وقوله : (( حيث )) حذف الناظم الجملة التي تضاف إليها ((حيث)) لدلالة ما قبلها عليها ، تقديره : حيث جاء ](4)، وقوله : (( أصابعهم )) فاعل بفعل محذوف [ أو معطوف على قوله : (( ذين )) في قوله : (( وجاء حذف ذين )) ](5)وما بعده معطوفات عليه . ثم قال :
[109] إِيَّايَ حَافِظُوا وَبَاشِرُوهُنَّ **** ثُمَّ تَرَاضَوْا وَتُبَاشِرُوهُنَّ
كلّ ما ذكر في هذا البيت محذوف(6)لأبي داود ، لقوله أولا : (( في نصّ تنزيل )) .
وقوله : ((إياي [حافظوا](7)) ، مثاله قوله تعالى في هذه السورة : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ }(8)، وقوله : { وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ }(9).
وقول الناظم : (( إياي )) مقيّد بالإضافة إلى ياء المتكلّم ولا يدخل فيه المضاف إلى غيره فإنه ثابت ، كقوله تعالى : { وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ }(10)، وقوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }(11)، وقوله : { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ }(12)، وغير ذلك .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(3) في جـ : " حيث ما وقع " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) في جـ : " فهو لأبي داود " .
(7) 10) ساقطة من : " جـ " .
(8) 11) سورة البقرة ، من الآية 39 .
(9) 12) سورة البقرة ، من الآية 40 .
(10) 13) سورة يونس ، من الآية 28 .
(11) 14) سورة الفاتحة ، الآية 4 .
وفي جـ : " وقوله تعالى " .
(12) 15) وفي جـ : { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَآءَ } ، سورة الأنعام ، من الآية 42 .(2/6)
وقوله : (( حافظوا )) أراد قوله تعالى : { حَافِظُواْ عَلَى الصلاتِ }(1).
وقوله : (( وباشروهن )) أراد قوله تعالى : { فَاءَلاْنَ بَاشِرُوهُنَّ }(2).
وقوله : (( ثم تراضوا )) أراد قوله تعالى : { إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ }(3)
وقوله : (( وتباشروهن )) أراد قوله تعالى : { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ] }(4)، وإنما ذكر الناظم { بَاشِرُوهُنَّ } و { تُبَاشِرُوهُنَّ } ولم يستغن بأحد اللفظين عن الآخر ؛ لاختلاف صيغهما ، كمثل : { اسْتَطَاعُواْ } و { اسْطَاعُواْ }(5)
فإذا اختلفت الصيغ فلا يدخل بعض الألفاظ في بعض ، وأما إذا اختلف الإعراب واتفقت الصيغ ، فإن بعض الألفاظ يدخل في بعض ، فيستغنى بذكر بعضها عن [بعض](6).
الإعراب : قوله : (( إياي )) إلى آخر البيت ، كلّها معطوفات . ثم قال :
[110] كَذَا أَصَابَتْهُمْ أَصَابَتْكُمْ وَمَا **** أَصَابَكُمْ لَدَى الثَّلاََثِ كَيْفَمَا
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 236 .
انفرد بالحذف أبو داود ، ولم يتعرّض له الداني .
انظر : مختصر التبيين ، 2 : 291 ، دليل الحيران ، ص 63 .
(2) سورة البقرة ، من الآية 186 .
قال أبو داود : " { وَبَاشِرُوهُنَّ } بغير ألف ، وكذا { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ } بغير ألف إجماع من المصاحف " ،
ولم يتعرّض لهما الداني ، فأخذ له بعضهم بالإثبات كما في مصحف الجماهيرية .
انظر : مختصر التبيين ، 2 : 250 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 230 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 186 .
(5) في قوله تعالى : { فَمَا اسْطَاعُواْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُواْ لَهُ? نَقْبًا } ، سورة الكهف ، الآية 93 .
(6) ساقطة من : " جـ " .(2/7)
ذكر الناظم في هذا البيت : ثلاثة ألفاظ بالحذف لأبي داود – أيضا – لقوله أولا : (( في نصّ تنزيل )) ، وهذه الألفاظ الثلاثة مقصودة ، لا يحذف منها إلا ما كان على هذه الصيغة التي ذكرها الناظم دون غيرها .
وقوله : (( كذا )) الإشارة تعود على الألفاظ المتقدّمة بالحذف قبلها لأبي داود .
وقوله : (( أصابتهم )) ، مثاله قوله تعالى في هذه السورة : { [وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ] الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ }(1).
وقوله : (( أصابتكم )) ، مثاله قوله تعالى في النساء : { فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا }(2).
وقوله : ((وما أصابكم)) ، مثاله قوله تعالى : { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ }(3)وقوله : { وَلَنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ }(4).
وقوله : (( لدى الثلاث )) ، معناه : جاء بالحذف في هذه الكلمات الثلاث بعينها أعني لابد أن تكون بالكاف والميم ، أو بالهاء والميم مع التاء ، وأما إن كانت(5)بالكاف دون الميم ، أو بالهاء دون الميم ، أو بالهاء والميم دون التاء ، أو بغير كاف ولا هاء ولا تاء ، أو بتاء خاصّة فهو ثابت .
مثاله بالكاف دون الميم : { مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ }(6).
ومثاله بالهاء دون الميم : { فَأَصَابَهُ? وَابِلٌ }(7).
ومثاله بالهاء والميم دون التاء : { فَأَصَابَهُمْ سَيَِّاتُ مَا عَمِلُواْ }(8).
__________
(1) سورة البقرة ، من الآيّتين 154 ، 155 .
وما بين المعقوفين سقط من : " ز " .
(2) سورة النساء ، من الآية 71 .
(3) سورة آل عمران ، من الآية 166 .
(4) سورة النساء ، من الآية 72 .
(5) في جـ : " كان " .
(6) سورة النساء ، من الآية 78 .
وزاد في جـ : " الآية " .
(7) سورة البقرة ، من الآية 263 .
(8) سورة النحل ، من الآية 34 .(2/8)
ومثاله بغير كاف ولا هاء ولا تاء : { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ }(1).
ومثاله بالتاء خاصّة : { صِرٌّ أَصَابَتْ }(2).
وقوله : (( كيفما )) هذا راجع إلى اللفظ الأخير ، وهو { أَصَابَكُمْ } ، معناه سواء كان قبله لفظ (( ما )) أو لم يكن ، كقوله تعالى : { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ } ، ومثاله إذا لم يكن قبله لفظ (( ما )) ، قوله تعالى : { وَلَنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ }
واعترض قوله : (( لدى الثلاث كيفما )) لأن(3)ظاهره يقتضي أن هذه الألفاظ الثلاثة محذوفة مطلقا ، سواء كانت متصلة بهذه الحروف التي وصلها(4)بها الناظم أو كانت مجردة عنها ، وليس الأمر كذلك ، لأنها لا تحذف إلا إذا اتصلت بهذه الحروف المذكورة ، كما تقدّم بيانه [ فجوابه : أن الناظم فسّر مراده ](5).
وقد سُئل الناظم عن قوله : ((كيفما)) فقال راجع إلى اللفظ الأخير ، وهو { أَصَابَكُمْ } أي سواء كان قبله لفظ ما أو لم يكن ، فلولا أن الناظم فسّر مراده بهذا لكان مشكلا ، لأنه ربما يتوهّم رجوعه إلى الألفاظ الثلاثة ، لكن ارتفع الإشكال بتفسير الناظم كلامه – رحمه الله – ولكن هذا التفسير الذي فسّر به الناظم [ رحمه الله ](6)كلامه
قد لا يطّلع عليه القارئ لهذا الكتاب ، فبقي الإشكال ، فلو جعل عليه عوض قوله : (( وما )) (( كذا )) وجعل عوض قوله : (( كيفما )) ((حيثما)) لزال الإشكال(7).
__________
(1) سورة الحديد ، من الآية 21 .
(2) سورة آل عمران ، من الآية 117 .
وفي جـ : { فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ } .
(3) في جـ : " بأن " .
(4) 10) في جـ : " وصل " .
(5) 11) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) 12) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(7) في حاشية " جـ " : " كذا أصابتهم أصابتكم كذا * أصابكم لدى الثلاث حيثما " ،
وهو من استدراكات الشارح على الناظم .(2/9)
الإعراب : (( كذا )) في موضع خبر المبتدأ ، وقوله : (( أصابتهم )) مبتدأ وما بعده معطوفان عليه ، تقديره : أصابتهم أصابتكم وأصابكم كذا ، وقوله : (( لدى الثلاث )) ظرف ومخفوض به والعامل في الظرف محذوف ، تقديره : جاء(1)الحذف لدى الثلاث ، أي في الثلاث ، و(( لدى )) بمعنى في ، وقوله : (( كيفما )) سؤال عن حال و (( ما )) زائدة للتأكيد ، والعامل في (( كيف )) فعل محذوف ، تقديره : واحذف أصابكم كيفما جاء . ثم قال :
[111] مِيثَاقٌ الإيمَانُ وَالأَمْوَالُ **** أَيْمَانٌ الْعُدْوَانُ وَالأَعْمَالُ
كلّ ما ذكر في هذا البيت فهو محذوف لأبي داود لقوله أولا : (( في نصّ تنزيل ))
وقوله : (( ميثاق )) كيفما ورد ، سواء كان معرّفا أو منكّرا .
مثال المعرّف بالألف واللام ، قوله تعالى : { وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ }(2).
ومثال المعرّف بالإضافة ، كقوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآءِيلَ }(3)وكقوله [تعالى] : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ }(4).
ومثال المنكّر : { وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا }(5).
وقوله : (( الإيمان )) كان معرّفا أو منكّرا ، كقوله تعالى : { قُلْ بِئْسَ مَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ? إِيمَانُكُمْ }(6)، [وقوله] : { لِيَزْدَادُواْ إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ }(7)، وقوله : { وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا }(8).
__________
(1) في جـ : " وجاء " .
(2) سورة الرعد ، من الآية 22 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 82 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 62 .
و "تعالى" ساقطة من : " جـ " .
(5) سورة النساء ، من الآية 153 .
(6) سورة البقرة ، من الآية 92 .
(7) سورة الفتح ، من الآية 4 .
و"وقوله " ساقطة من : " جـ " .
(8) سورة الأحزاب ، من الآية 22 .
قال أبو داود :" { إِيمَانُكُمْ } بحذف الألف بين الميم والنون حيث ما وقع " .
ولم يتعرّض له أبو عمرو الداني .
انظر : مختصر التبيين ، 2 : 184 .(2/10)
وقوله : (( الأموال )) سواء كان معرّفا أو منكّرا .
مثال المعرّف : { وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ }(1)، وقوله(2): { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ }(3).
ومثال المنكّر : { وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا }(4).
وقوله : [ (( الأيمان )) ](5)كان(6)معرّفا أو منكّرا .
مثال المعرّف بالألف واللام : { بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ }(7).
ومثال المعرّف بالإضافة : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ }(8).
ومثال المنكّر : { أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ }(9).
وقوله : (( أيْمان )) يريد الأيمان محذوف الألف ، سواء كان جمع يمين الذي هو الحلف ، أو جمع يمين الذي هو الجارحة ، لأن النوعين محذوفان في التنزيل(10).
مثال الأيمان الذي هو جمع يمين بمعنى الحلف ، قوله تعالى : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ }(11)، وقوله : { وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ }(12).
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 154 .
(2) زاد في " جـ " مثالا آخر ، وهو قوله تعالى : " { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ } " ،
سورة البقرة ، من الآية 187 .
(3) سورة النساء ، من الآية 2 .
(4) سورة التوبة ، من الآية 69 .
(5) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) في جـ : " سواء كان ... " .
(7) سورة المائدة ، من الآية 91 .
(8) سورة البقرة ، من الآية 223 .
(9) سورة المائدة ، من الآية 110 .
(10) 10) ولم يتعرّض لهما أبو عمرو الداني . قال المارغني : " والعمل عندنا على الحذف " .
انظر : مختصر التبيين ، 2 : 285 ، دليل الحيران 65 .
(11) 11) سورة المائدة ، من الآية 91 .
(12) 12) سورة الأنعام ، من الآية 110 ، وغيرها .(2/11)
ومثال الأيمان الذي هو جمع يمين بمعنى الجارحة ، قوله تعالى : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَالِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ }(1)، وقوله : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا }(2).
وقوله : (( العدوان )) هذا – أيضا – ممّا حذفه أبو داود من وزن ((فعلان)) .
قوله(3): (( العدوان )) سواء كان معرّفا أو منكّرا .
مثال المعرّف : { تَظَّهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }(4)، [ وقوله تعالى : { وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }(5)] .
ومثال المنكّر : { فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ }(6)، وقوله تعالى : { وَمَنْ يَّفْعَلْ ذَالِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا [ وَكَانَ ذَالِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا ] }(7).
وقوله : (( والأعمال )) سواء كان معرّفا أو منكّرا .
مثال المعرّف : { لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ }(8).
ومثال المنكّر : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالاْخْسَرِينَ أَعْمَالاً }(9).
الإعراب : قوله : (( ميثاق )) وما بعده معطوفات . ثم قال :
[112] ثُمَّ مَواقِيتُ أَحَاطَتْ وَالِدَهْ **** وَِلأَبِي عَمْرٍو مِنَ الْمُعَاهَدَهْ
[113] عَاهَدَ فِي الْفَتْحِ وَأُولَى عَاهَدُوا **** وَكلّها لاِبْنِ نَجَاحٍ وَارِدُ
__________
(1) 13) سورة النساء ، من الآية 3 .
(2) 14) سورة النساء ، من الآية 36 .
(3) 15) في جـ ، ز : " وقوله " .
(4) سورة البقرة ، من الآية 84 .
(5) سورة المائدة ، من الآية 3 . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) سورة البقرة ، من الآية 192 .
(7) سورة النساء ، الآية 30 . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(8) سورة القصص ، من الآية 55 .
(9) سورة الكهف ، من الآية 99 .(2/12)
قوله : (( ثم مواقيت أحاطت والده )) هذه الألفاظ الثلاثة كلّها محذوفة لأبي داود ، لقوله أولا : (( في نصّ تنزيل )) .
وقوله : (( مواقيت )) أراد قوله تعالى في هذه السورة : { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ }(1).
وقوله : (( أحاطت )) أراد قوله تعالى في هذه السورة – أيضا – : { بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ? خَطِيَاتُهُ? }(2)، وهو متحد اللفظ .
[ وقوله : (( والده )) أراد قوله تعالى في هذه السورة – أيضا – : { لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا }(3)] .
وقوله : (( والده )) الهاء قيد لهذا اللفظ احترازا من المجرد من الهاء ، فإنه ثابت ، كقوله تعالى : { لاًَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَّلَدِهِ? وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَّالِدِهِ? [شَيًْا] }(4)فهذان اللفظان ثابتان ، فإن قوله – أيضا – : { هُوَ جَازٍ عَنْ وَّالِدِهِ? } ثابت – أيضا – وإن كان فيه الهاء ، لأن المقصود بالحذف هو المقيّد بهاء التأنيث ، وأما المضاف إلى هاء الضمير فهو ثابت .
وقوله : (( ولأبي عمرو من المعاهدة )) هذا من باب التضمين ، لأن معنى هذا الشطر في الشطر الذي بعده .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 188 .
(2) سورة البقرة ، من الآية 80 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 231 . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) 10) سورة لقمان ، من الآية 32 ، و { شَيًْا } سقطت من : " ز " .(2/13)
وقوله : (( من المعاهدة )) يعني ما تصرف من لفظ المعاهدة ، وليس يريد لفظ المعاهدة ، [ لأن لفظ المعاهدة ](1)الذي هو المصدر لم يوجد في القرآن ، وكذلك مضارعه لم يوجد في القرآن ، والذي وُجد في القرآن لفظ الماضي ، فكأن الناظم يقول : حذف أبو عمرو من الماضي من المعاهدة لفظين خاصّة : أحدهما { عَهَدَ } في سورة الفتح وهو قوله تعالى : { وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَنُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }(2).
اللفظ الثاني قوله تعالى في سورة البقرة : { أَوَكُلَّمَا عَهَدُواْ عَهْدًا }(3).
قيّد الناظم اللفظ الأول في كلامه بسورة الفتح ، احترازا من الواقع في غير هذه السورة ، كقوله تعالى في سورة براءة : { وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ }(4).
وقيّد اللفظ الآخر بالمرتبة الأولى ، احترازا من غيره ، كقوله تعالى : { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ }(5).
وقوله : (( وكلّها لابن نجاح وارد )) ، معناه : ألفاظ المعاهدة واردة لأبي داود ، فيندرج ما تقدّم وغيره ، كقوله تعالى : { إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ }(6).
[ وقوله تعالى ] : { رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ }(7)، وقوله تعالى : { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الاْدْبَارَ }(8)، وغير ذلك .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) سورة الفتح ، من الآية 10 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 99 .
(4) في جـ : { وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَنْ ءَاتَانَا مِن فَضْلِهِ? } ، سورة التوبة ، من الآية 76 .
(5) سورة البقرة ، من الآية 176 .
(6) سورة التوبة ، من الآية 4 .
(7) سورة الأحزاب ، من الآية 23 .
وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(8) سورة الأحزاب ، من الآية 15 .(2/14)
الإعراب : قوله : (( ثم مواقيت أحاطت والده )) كلّها معطوفات ، وقوله : (( ولأبي عمرو )) متعلّق بفعل محذوف ، تقديره : وجاء ، أو متعلّق بالثبوت والاستقرار ، وقوله : (( من المعاهدة )) كذلك ، وقوله : ((عاهد )) إما فاعل وإما مبتدأ ، وقوله : (( في الفتح )) متعلّق بصفة محذوفة ، تقديره : عاهد الواقع في الفتح ، أو متعلّق بحال محذوفة ، تقديره : عاهد واقعا في الفتح ، (( وأولى )) معطوف ، وقوله : (( عاهدوا )) مضاف إليه ، وقوله (( وكلّها )) مبتدأ ومضاف إليه ، وقوله : (( لابن نجاح )) متعلّق بـ (( وارد )) ، و (( وارد )) خبر المبتدأ . ثم قال :
[114] تِجَارَةٌ أَمَانَتَهُ مَنَافِعْ **** غِِشَاوَةٌ شَفَاعَةٌ وَوَاسِعْ
كلّ ما ذكر في هذا البيت محذوف لأبي داود(1)، لقوله قبله : (( وكلّها لابن نجاح وارد )) .
وقوله : (( تجارة )) سواء كان معرّفا بالألف واللام أو بالإضافة أو منكّرا .
مثاله بالألف واللام : { قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ }(2).
ومثاله بالإضافة : { فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ }(3).
ومثاله منكرا : { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً }(4).
وقوله : (( أمانته )) هذا اللفظ مقصود بعينه ، لأنه قيّده بالإضافة ، أراد قوله تعالى في هذه السورة : { فَلْيُؤَدِّ الَّذِي ا ؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ? }(5)، احترازا من قوله : { إِنَّا عَرَضْنَا الاْمَانَةَ }(6)فإنه ثابت .
__________
(1) ولم يتعرّض لهذه الألفاظ أبو عمرو الداني .
انظر دليل الحيران ص 66 .
(2) سورة الجمعة ، من الآية 11 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 15 .
(4) في ز : { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ } ، سورة البقرة ، من الآية 281 .
(5) سورة البقرة ، من الآية 282 .
(6) سورة الأحزاب ، من الآية 72 .(2/15)
وقوله : (( منافع )) ، كقوله تعالى : { قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ }(1)، وقوله تعالى : { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ }(2).
وقوله : (( غشاوة )) أراد قوله تعالى في هذه السورة : { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ }(3)، وقوله في الجاثية : { وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ? غِشَاوَةً }(4).
وقوله : (( شفاعة )) ، كقوله تعالى في هذه السورة : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ }(5)وقوله فيها – أيضا – : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ }(6)، وقوله فيها : { وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ }(7)، وقوله تعالى : { قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا }(8)وقوله تعالى : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }(9).
وقوله : (( وواسع )) ، كقوله تعالى في هذه السورة : { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }(10)، وقوله : { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ }(11).
الإعراب : قوله : (( تجارة )) وما بعده كلّها معطوفات . ثم قال :
[115] شَهَادَةٌ فِعْلُ الْجِهَادِ غَافِِلُ **** ثُمَّ مَنَاسِكَكُمْ وَالْبَاطِلُ
كلّ ما ذكر في هذا البيت : فهو محذوف لأبي داود ، لقوله أولا : (( وكلّها لابن نجاح وارد )) .
وقوله : (( شهادة )) يريد سواء كان معرّفا بالألف واللام أو بالإضافة أو منكّرا .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 217 .
(2) سورة المؤمنون ، من الآية 22 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 6 .
(4) 10) سورة الجاثية ، من الآية 22 .
(5) 11) سورة البقرة ، من الآية 47 .
(6) 12) سورة البقرة ، من الآية 122 .
(7) 13) سورة البقرة ، من الآية 252 .
(8) 14) سورة الزمر ، من الآية 41 .
(9) 15) سورة المدثر ، الآية 48 .
(10) سورة البقرة ، من الآية 114 .
(11) سورة النجم ، من الآية 31 .(2/16)
مثاله بالألف واللام ، قوله تعالى في هذه السورة : { وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ }(1).
ومثاله بالإضافة : { وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَتِهِمْ قَآ مُونَ }(2).
ومثاله منكرا : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ? مِنَ اللَّهِ }(3).
وقوله : (( فعل الجهاد غافل )) يريد سواء كان هذا الفعل ماضيا ، أو أمرا ، أو مضارعا كلّه محذوف .
مثال الماضي : { وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ?ُوْ لَكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }(4).
ومثال الأمر ، قوله تعالى : { وَجَاهِدُواْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ? }(5).
ومثال المضارع : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآ مٍ }(6).
وقوله : (( فعل الجهاد )) قيّده الناظم بالمرتبة الفعلية احترازا من الاسم فإنه ثابت ، كقوله تعالى : { جِهَادًا كَبِيرًا }(7)، وقوله : { حَقَّ جِهَادِهِ? } .
واعترض هذا التقييد بالفعل ، فإنه يقتضي أن الاسم ثابت حيث ما وقع في القرآن وليس الأمر كذلك ، لأن أبا داود قال في التنزيل في سورة الممتحنة : { خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي } بحذف الألف(8).
[ وهذا من الألفاظ الستة المستدركة على الناظم بالحذف لابن نجاح نصّ على حذفها في التنزيل ، وقد جمعناها في بيتين من الرَّجز التام ، وهو قولنا :
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 282 .
(2) سورة المعارج ، الآية 33 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 139 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 216 .
(5) سورة الحج ، من الآية 76 .
(6) سورة المائدة 56 . ذكر مثال المضارع أولا ثم الأمر في " جـ " .
(7) سورة الفرقان ، من الآية 52 .
(8) 10) سورة الممتحنة ، من الآية 1 .
وقد نصّ أبو داود على إثبات موضع الفرقان ، ولم يتعرّض له أبو عمرو الداني .
انظر : مختصر التبيين ، 4 : 1198 ، دليل الحيران ، ص 67 .(2/17)
وَاحِدَةٌ حَاجَجْتُمْ الأَيِامَى وَالْجَاهِلِيَّةِ وَنَادَيْنَهُ
ثُمَّ كَذَا خَرَجْتُمْ جِهَادًا عَنِ النَّجَاحِ حَذْفُهَا سُقْنَاهُ ](1).
وقوله : ((غافل)) كقوله تعالى في هذه السورة : { وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }(2)وقوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ }(3).
وقوله : (( ثم مناسككم )) هذا اللفظ مقصود بعينه ، لأنه قيّده بالإضافة إلى الكاف والميم ، وأراد قوله تعالى في هذه السورة : { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ }(4)، واحترز به من قوله تعالى : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا }(5)، فإنه ثابت .
وقوله : (( والباطل )) ، أي لفظ { الْبَاطِلِ } محذوف – أيضا – لأبي داود مطلقا ، سواء كان معرّفا أو منكّرا من غير تقييد .
مثال المعرّف في هذه السورة : { وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ }(6).
ومثال المنكّر : { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَاذا بَاطِلاً }(7).
الإعراب : قوله : (( شهادة )) ، وما بعده كلّها معطوفات . ثم قال :
[116] وَضمّن الدَّانِي مِنْهُ الْمُقْنِعَا **** وَبَاطِلٌ مِنْ قَبْلُ مَا كَانُوا مَعَا
__________
(1) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) سورة البقرة ، من الآية 73 ، وغيرها .
(3) سورة إبراهيم ، من الآية 44 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 198 .
(5) سورة البقرة ، من الآية 127 .
(6) سورة البقرة ، من الآية 41 . وفي جـ : " مثال المعرف قوله تعالى في هذه السورة ...... " .
(7) في جـ : { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَاذا بَاطِلاً } ، سورة آل عمران ، من الآية 191 .(2/18)
قوله : (( وضمّن الداني )) ، أي أودع الداني من لفظ { الْبَاطِلِ } في كتابه المقنع لفظين بالحذف خاصّة ، وهما في سورة الأعراف وسورة هود ففي سورة الأعراف : { إِنَّ هؤلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }(1)، وفي هود : { وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }(2). وقوله : (( وباطل من قبل ما كانوا معا )) قيّده بالمجاورة وهو { مَّا كَانُواْ } احترازا من غيره ، لأن أبا عمرو لم يذكر بالحذف إلا هذين اللفظين خاصّة(3).
وقوله : (( معا )) ، أي جميعا ، ولو وقع هذا اللفظ المقيّد بالمجاورة في القرآن [ في أكثر ](4)من هذين الموضعين ، لاندرج في قوله : (( معا )) ، لأن لفظ (( معا )) يشمل اثنين فأكثر ، لأن معناه جميعا . ومنه قول الخنساء(5):
َومَاتُوا رِجَالِي وَبَادُوا مَعَا وَغُودِرَ قَلْبِي بِهِمْ مُسْتَفِزَّا(6)
__________
(1) سورة الأعراف ، الآية 139 .
(2) سورة هود ، من الآية 16 .
(3) 10) ذكر أبو عمرو الداني هذين الموضعين بالحذف بسنده في الباب المروي عن قالون عن نافع بالحذف وسكت
عن غير هذين الموضعين ، إلا أنه نصّ على إثبات ألف وزن "فاعل" ممّا يعني ثبوت المواضع الأخرى
انظر : المقنع ، ص 11 ، الوسيلة ، ص 143 .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) هي الخنساء بنت عمرو بن الحارث بن الشريد بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف ، واسمها تماضر
والخنساء لقب غلب عليها ، وهي جاهلية كانت تقول الشعر في زمن النابغة الذبياني .
انظر : الأغاني ، 15 ، 72 ، الشعر والشعراء ، 1 : 343 – 347 .
(6) هذا البيت للخنساء في ديوانها بلفظ : " وأفنى رجالي فبادوا معا فغودر قلبي بهم مستفزا " ، ص 65 ،
المكتبة الثقافية ، بيروت . وذكره الأشموني في شرحه ولم ينسبه لأحد ، 2 : 496 ، بلفظ :
" فأصبح قلبي بهم مسفزا * وأفنى رجالي فبادو معا "(2/19)
الإعراب : قوله : (( وضمّن الداني )) فعل ماض وفاعل ، وقوله (( منه )) متعلّق بـ (( ضمّن )) ، وقوله : (( المقنعا )) مفعول ثان لـ (( ضمّن )) ويحتمل أن يكون ظرفا والألف في (( المقنعا )) لإطلاق القافية ، وقوله : (( وباطل )) مفعول أول لـ (( ضمّن )) وقوله : (( من قبل )) جار ومجرور متعلّق بصفة محذوفة أو بحال محذوفة ، تقديره على الصفة : وباطل الكائن من قبل ما كانوا ، وتقديره على الحال : وباطل كائنا من قبل ما كانوا ، وقوله : (( ما كانوا )) مخفوض بالظرف ، وهو محكي ، وقوله : ((معا)) حال . ثم قال :
[117] مَعَ الْمُثَنّى وَهْوَ فِي غَيْرِ الطَّرَفْ **** كَرَجُلاَنِ يَحْكُمَانِ وَاخْتُلِفْ
[118] لاِبْنِ نَجَاحٍ فِيهِ ثُمَّ الدَّانِي **** قَدْ جَاءَ عَنْهُ فِي تكذّبان
قوله : (( مع المثنى )) المعيّة تقتضي التشريك والمساواة في الحكم ، يعني : أن أبا عمرو الداني أودع في المقنع – أيضا – ألف التثنية بالحذف ، لأن هذا الكلام محمول على قوله قبله : (( وضمّن الداني منه المقنعا )) البيت ، أي ضمّن الداني وأودع في المقنع ألف التثنية بالحذف .(2/20)
وقوله : (( وهو في غير الطرف )) هذه الجملة في موضع الحال ، أي حالة كون ألف التثنية واقعا في غير طرف الكلمة ، يعني أن ألف التثنية محذوف بشرط أن يقع في حشو الكلمة ، أي في وسط الكلمة ، وسواء كان في وسط الكلمة بنون التثنية بعده (( كرجلان ))(1)، وقوله : (( يحكمان )) ، أو كان في وسط الكلمة بغير نون التثنية ، نحو: { يَدَاهُ }(2)و { يَدَاكَ }(3)، وسواء كان ألف التثنية – أيضا – في اسم ، كان أو فعل ، كما مثّلهما الناظم بقوله : (( كرجلان ويحكمان )) لأنه مثّل بالاسم وبالفعل .
وقوله : (( في غير الطرف )) احترازا ممّا إذا وقع في الطرف ، فإنه ثابت باتفاق سواء كان في الاسم أو كان في الفعل .
مثاله في الاسم ، قوله تعالى : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ }(4)، وقوله : { ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ }(5)، وقوله : { إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ }(6).
__________
(1) في جـ ، ز : " كقوله رجلان " .
(2) كقوله تعالى : { .... بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ .... } ، سورة المائدة ، من الآية 66 .
(3) كقوله تعالى : { ذَالِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } ، سورة الحج ، الآية 10 .
(4) سورة المسد ، الآية 1 .
(5) سورة المائدة ، من الآية 97 ، وغيرها .
(6) سورة طه ، من الآية 46 .(2/21)
ومثاله في الفعل ، قوله تعالى : { طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّآ فِينَ }(1)، وقوله [تعالى] : { أَن تَفْشَلاَ }(2)، وقوله : { إِلاَّ أَنْ يَّخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ }(3)، وقوله : { أَنْ يَّتَمَآسَّا }(4)، { وَاسْتَبَقَا }(5).
ومثال ألف التثنية في الحشو خاصّة ، قوله تعالى : { عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ }(6)، [وقوله] : { نَضَّاخَتَانِ }(7)، وقوله : { مُدْهَآمَّتَانِ }(8)، وقوله : { فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ }(9)، لأن الألف في قوله هاهنا : { فَذَانِكَ } ألف التثنية ، وأما ألف (( ذا )) ، فهي محذوفة لفظا وخطا ؛ لدخول ألف التثنية عليها .
ومثاله في الطرف خاصّة ، قوله تعالى في البقرة(10): { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً } إلى قوله { مِمَّا كَانَا فِيهِ }(11)، وكذلك قوله تعالى في الأعراف : { فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا } إلى قوله : { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا }(12)، فإن ألف التثنية في هذه الآيات كلّها في الطرف إلا حرفا واحدا ، وهو قوله تعالى : { يَخْصِفَانِ } .
__________
(1) سورة النمل ، من الآية 15 .
(2) سورة آل عمران ، من الآية 122 . و"تعالى" ساقطة من " جـ " .
(3) سورة البقرة ، من الآية 227 .
(4) سورة المجادلة ، من الآية 3 .
(5) في جـ : " وقوله : { وَاسْتَبَقَا الْبَابَ } " ، سورة يوسف ، من الآية 25 .
(6) 10) سورة الرحمن ، من الآية 49 .
(7) 11) سورة الرحمن ، من الآية 65 . و"قوله" ساقطة من " جـ " .
(8) 12) سورة الرحمن ، الآية 63 .
(9) 13) سورة القصص ، من الآية 32 .
(10) 14) سورة البقرة ، من الآية 34 . وزاد في جـ : " خاصّة " .
(11) 15) سورة البقرة ، من الآية 35 .
(12) 16) سورة الأعراف ، من الآيات : 18 ، 19 ، 20 ، 21 ، 22 ، 23 .(2/22)
ومثال النوعين الحشوية والطرفية ، قوله تعالى في المائدة : { حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ } إلى قوله : { أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا }(1)، فاجتمع النوعان في آية واحدة
ومثال النوعين في كلمة واحدة ، قوله تعالى في سورة التحريم : { فَخَانَتَاهُمَا }(2)
فإن قلت : لأيّ شيء حذف ألف التثنية في الوسط دون الطرف ؟ مع أن حذفها في الطرف أولى من حذفها في الوسط ، لأن الطرف محل التغيير ، إذ الحذف من أنواع التغيير .
قلنا : لأن حذفها في الطرف يؤدي إلى الالتباس بين المفرد والتثنية ، كقوله تعالى : { أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ } ، وقوله تعالى : { وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا } ، إذ لو حذف الألف هاهنا لالتبس الاسم المفرد بالمثنى(3).
وقوله : (( واختلف )) هذا من باب التضمين ، لأن معناه في البيت الذي بعده ، يعني : أن ابن نجاح ذكر الخلاف في ألف التثنية الواقع في الوسط حيث ما وقع في القرآن من غير استثناء .
وقوله : (( ثم الداني قد جاء عنه في تكذّبان )) يعني : أن أبا عمرو الداني ذكر الخلاف في قوله تعالى : { تُكَذِّبَانِ }(4)، ولم يذكر في غيره إلا الحذف .
__________
(1) 17) سورة المائدة ، من الآيتين : 108 ، 109 .
(2) 18) سورة التحريم ، من الآية 10 .
(3) في جـ : " لالتبس فعل المفرد مع فعل التثنية " ثم زاد بعدها : " وكذلك قوله : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } " .
(4) روى الداني بسنده عن محمد بن عيسى عن نصير ، في باب ما اختلف فيه مصاحف أهل الأمصار، قال :
" وفي الرحمن كتبوا في بعض المصاحف { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } بالألف وفي بعضها { تُكَذِّبَانِ } بغير
ألف من أول السورة إلى آخرها" ، ووافقه الشاطبي . وأما أبو داود فقد نقل الخلاف في ألف التثنية مطلقا
واختار الإثبات .
انظر: المقنع ، ص 98 ، مختصر التبيين ، 2 : 188 ، 430 ، 4 : 1166 ، الوسيلة ، ص231 .(2/23)
وقوله : (( قد جاء عنه في تكذّبان )) ، أي قد جاء الخلاف عن الداني في ألف { تُكَذِّبَانِ } خاصّة دون غيره من ألفات التثنية .
وقوله : (( قد جاء عنه )) هذا الضمير عائد على أبي عمرو الداني ، وهذا اللفظ الذي هو (( عنه )) حيث(1)وقع في هذا الرّجز ، فهو مخصوص بأبي داود ، إلا في هذا الموضع ، فإنه عائد على أبي عمرو الداني .
فإذا تقرّر هذا ، ففي هذا الكلام عشرة تنبيهات :
أحدها : ما الموصوف بقوله : (( المثنى )) هل الاسم أو الفعل أو اللفظ ؟ وأيًّا ما كان فباطل .
فإن قلنا : الموصوف هو الاسم خاصّة فلا يصح ، لأن الناظم مثّل بالفعل كما مثّل بالاسم ، وإن قلنا : الموصوف هو الفعل خاصّة ، فلا يصح – أيضا – ، لأن الناظم مثّل بالاسم كما مثّل بالفعل ، وإن قلنا : الموصوف هو اللفظ ، لأن اللفظ يشمل الاسم والفعل معا ، فلا يصح – أيضا – ، لأن ذلك التقدير يقتضي حذف الألف في قوله :
[ { عَامَيْنِ }(2)، وقوله : { دَآ ِبَيْنِ }(3)، و { حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }(4)، و { شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ }(5)] وشبههما ، لأنه لفظ مثنى ، ولا قائل بحذفه .
أجيب عن هذا التنبيه بأن قوله : (( المثنى )) ليس بصفة ، وإنما هو اسم مصدر ، معناه التثنية ، وليس باسم المفعول وإنما هو اسم مصدر الذي هو التثنية .
فقوله : (( مع المثنى )) ، معناه : مع التثنية ، أي مع ألف التثنية على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه .
__________
(1) في جـ ، ز : " حيث ما وقع ..." .
(2) في قوله تعالى : { وَفِصَلُهُ? فِي عَامَيْنِ } ، سورة لقمان ، من الآية 13 .
(3) في قوله تعالى : { وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآ بَيْنَ } ، سورة إبراهيم ، من الآية 35 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 231 .
(5) سورة النساء ، من الآية 91 . وما بين المعقوفين سقط من جـ ، وفيه : " تعالى صالحين خالدين وعامين " .(2/24)
التنبيه الثاني : لماذا سكت الناظم عن أحد الوجهين في قوله تعالى : { أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بِيُوتًا }(1)، وذلك أن قول الناظم : (( وهو في غير [الطرف](2)) يقتضي أن ألف التثنية في { تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا } ثابت باتفاق ، لأنه طرف الكلمة ، وليس الأمر كذلك ، لأنه مختلف فيه ، فقيل بالإثبات ، وقيل بالحذف(3).
وسبب الخلاف هل صورة الهمزة التي قبل ألف التثنية تثبت(4)أو تحذف؟
فمن أثبت صورة الهمزة حذف ألف التثنية ؛ لئلا يجتمع بين صورتين متماثلتين . ومن حذف صورة الهمزة أثبت ألف التثنية ، وهذا هو المشهور الذي عليه كثير المصاحف ، ولم يذكر الناظم فيه إلا الإثبات هاهنا وكذلك لم يذكر فيه – أيضا – إلا الإثبات في باب الهمز في فصل ما يؤدي إلى اجتماع صورتين ، في قوله(5): ((مئارب نئا رءا تبوءا )) . وقد أشارأبو عبد الله القيسي إلى هذين الوجهين في الميمونة ، فقال(6):
وَجْهَانِ فِي تَبَوَّءَا الْمُخْتَارُ الْحَذْفُ فِي الأُولَى حَكَى الأَحْبَارُ
أجيب عن هذا التنبيه : بأن الناظم إنما سكت عن الوجه الآخر بالحذف في ألف التثنية في { تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا } ، لضعفه وشذوذه .
التنبيه الثالث : لما ذا سكت الناظم عن مختار أبي داود في ألف التثنية ؟
__________
(1) سورة يونس ، من الآية 87 .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) واختار أبو عمرو الداني إثبات ألف التثنية ، حيث قال : " والأوجه أن تكون هاهنا ألف التثنية لأن الهمزة قد
تستغني عن الصورة ، فلا ترسم خطا " ، وقال : " إلا أن الثانية هاهنا ألف التثنية لا غير " ، كما اختاره
أبو داود .
انظر : المقنع ، ص 26 ، المحكم ، ص 163 ، الوسيلة ص 300 ، مختصر التبيين ، 3 : 667 – 668 .
(4) في جـ : " هل تثبت صورة الهمزة التي قبل ألف التثنية أو تحذف " .
(5) انظر دليل الحيران ، ص 177 .
(6) انظر الميمونة الفريدة ، ورقة 41 .(2/25)
لأنه اختار فيه في التنزيل الإثبات ، لأنه قال في التنزيل بعد ذكر الخلاف فيه ، ثم قال : وبالألف أختار لمعنيين : أحدهما موافقة لبعض المصاحف ، والثاني : إعلاما بالتثنية(1). وهذا الاعتراض لازم للناظم لأنه التزم أن يذكر ما ذكروه .
التنبيه الرابع : لماذا سكت عن الإثبات في ألف { فَتَيَانِ } لصاحب المنصف ؟
لأنه قال في المنصف(2): " وَفَتَيَانِ مِثْلُهَا وَأَخْبَارْ ثُمَّ سُوَاعًا وَكَذَاكَ أَبْكَارْ " ، ولكن انظر هذا اللفظ في نسخ المنصف وابحث عليه ، فإني لم أطالع من المنصف إلا نسخة واحدة ، فإن كان صوابا فأثبته ، وإن كان خطئا فأزله .
أجيب عن سكوته عنه : لضعفه وشذوذه .
__________
(1) انظر مختصر التبيين ، 3 : 667 – 668 .
(2) لم أقف على هذا الكتاب ولم أجد من يشير إليه في فهارس المخطوطات التي وقفت عليها .(2/26)
التنبيه الخامس : لماذا سكت الناظم عن مختار بعض الشيوخ من الإثبات في ألف التثنية في موضع الالتباس ؟ كقوله تعالى : { بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }(1){ وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ }(2)، لأنه قال : المختار في مثل هذا إثبات الألف ؛ لئلا يلتبس المفرد بالتثنية ، بخلاف قوله تعالى(3): { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ }(4)فإنه لا يخاف عليه الالتباس ، لأن قوله بعده : { مَبْسُوطَتَانِ } يدلّ على التثنية ، ومثال ما يخاف عليه الالتباس – أيضا – قوله تعالى : { وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ }(5)، وقوله تعالى : { وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ }(6)[بخلاف](7)قوله تعالى : { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ }(8)، وقوله : { عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ }(9)[وقوله : { فَكَانَ أَبَوَ هُ مُؤْمِنَيْنِ }(10)] ، فإن النون يدلّ على التثنية ، وهذا الذي خيف عليه الالتباس وقع [في القرآن](11)في أربعة مواضع ، وهي : { قَدَّمَتْ يَدَاهُ } ، و { قَدَّمَتْ يَدَاكَ } ، { وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ } ، { وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ } .
أجيب عن هذا : بأنه سكت عنه لأنه مذهب النحاة وليس بمذهب أهل المصاحف .
__________
(1) سورة الحج ، من الآية 10 .
(2) سورة الكهف ، من الآية 56 ، وزاد في جـ : " وقوله " .
(3) زاد بعدها في جـ : " مثلا " .
(4) سورة المائدة ، من الآية 66 .
(5) سورة الكهف ، من الآية 28 .
(6) سورة يوسف ، من الآية 84 .
(7) ساقطة من : " جـ " .
(8) سورة الرحمن ، الآية 49 .
(9) سورة الرحمن ، من الآية 65 .
(10) 10) سورة الكهف ، من الآية 79 .
وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(11) 11) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(2/27)
التنبيه السادس : من جهة المناقضة ، وذلك أن قوله هاهنا (( مع المثنى )) يقتضي أن ألف التثنية المعانق للام محذوف لأبي عمرو الداني ، كقوله تعالى : { الثَّقَلَن }(1)و { أَضَلَّنَا }(2)، وقوله في فصل الألف المعانق للام(3): (( وحذفت في مقنع خلائف )) إلى آخره ، يقتضي أن الألف المعانق للام ثابت في التثنية ، إذ لم يذكره في الألفاظ المحذوفة لصاحب المقنع ، وقوله هاهنا – أيضا – : (( مع المثنى )) يقتضي أن أبا داود ذكر الخلاف في ألف التثنية ، وإن كان معانقا للام ، لإطلاقه هنا ، وقوله في فصل الألف المعانق للام : (( ومع لام ذكره تتبعا )) يقتضي أن ألف التثنية المعانق للام محذوف لأبي داود من غير خلاف ، لأنه أطلقه هنالك(4)– أيضا – .
فهذا – أيضا – تناقض .
أجيب عن هذا بأن قيل : الألف المعانق للام الذي تكلّم عليه الناظم هنالك هو الذي ليس بألف التثنية ، وقوله هاهنا : (( مع المثنى )) ، يعني سواء كان معانقا للام أم لا ، وتكلّم الناظم هاهنا على ألف التثنية مطلقا ، كان معانقا أو مفارقا ؛ [ لأنه مثّل ألف التثنية هاهنا بالمعانق والمفارق ، لقوله : (( كرجلان يحكمان )) ](5)، وتكلّم فيما يأتي في المعانق [ الذي ليس بألف التثنية ](6).
__________
(1) 12) سورة الرحمن ، من الآية 29 .
(2) 13) سورة فصلت ، من الآية 28 .
(3) 14) تنبيه العطشان ، ص 339 .
(4) 15) في جـ : " هناك " .
(5) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " دون المفارق لهما " .(2/28)
التنبيه السابع : من جهة المناقضة [أيضا](1)، وذلك أن قوله هاهنا : (( مع المثنى)) يقتضي أن قوله تعالى : { أَوْ كِلاَهُمَا }(2)محذوف لأبي عمرو من غير خلاف ، وقوله بعد هذا(3): (( وأو كلاهما بخلف جاء )) ، يقتضي أن فيه الخلاف [مطلقا](4)لأبي عمرو وغيره .
أجيب عن هذا : بأن هذا قد خرج بدليله فلا يعترض به ، فقول الناظم هاهنا : ((مع المثنى)) يريد [إلا](5)قوله تعالى : { أَوْ كِلاَهُمَا } فإنه خرج بدليه بعد هذا ، إذا قلنا ألفه ألف التثنية ، وإذا قلنا [أن ألفه](6)ليس بألف التثنية ، فلا كلام ولا اعتراض .
التنبيه الثامن : من جهة التناقض – أيضا – ، وذلك أن قوله هاهنا : [ (( مع المثنى)) ](7)يقتضي أن ألف التثنية في قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا جَآءَ نَا }(8)محذوف لأبي عمرو الداني من غير خلاف ، لأنه أُطلق هاهنا ، وقوله فيما يأتي بعد(9): (( ورسم الأولى اختير في جاءنا )) ، يقتضي أن فيه الخلاف بالوجهين من الحذف والإثبات .
أجيب عن هذا بأن قيل : هذا خرج(10)بدليله فلا يعترض به ، فقول الناظم هاهنا : (( مع المثنى )) يريد إلا قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا جَآءَ نَا } ، فإن فيه وجهين عند جميعهم الحذف والإثبات(11)، والحذف أحسن ، بدليل قوله بعد هذا : (( ورسم الأولى اختير في جاءنا )) .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) سورة الإسراء ، من الآية 23 .
(3) تنبيه العطشان ، ص 454 .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " ، " ز " .
(7) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(8) 10) سورة الزخرف، من الآية 37 .
(9) 11) تنبيه العطشان ، ص 518 .
(10) 12) في جـ : " قد خرج بدليله " .
(11) 13) في جـ : " الإثبات والحذف " .(2/29)
التنبيه التاسع : لماذا قال بحذف ألف التثنية في الوسط دون الطرف ؟ لقوله : (( في غير الطرف )) ، مع أن حذفه في الطرف أولى من حذفه في الوسط ، لأن الطرف(1)محل التغيير ، والحذف نوع من أنواع التغيير .
أجيب عن هذا بأن قيل : إنما لم يحذف ألف التثنية في الطرف ، مخافة الالتباس بين المفرد والتثنية ، لأنه إذا حذف في الطرف فلا يُدرى هل ذلك للمفرد أو للمثنى كما تقدّم بيانه(2).
التنبيه العاشر : من جهة علم العروض والقوافي ، وذلك أن الناظم في كلامه التعاقب بالكسرة في قوله : (( واختلف )) على الفتحة في قوله : (( الطرف )) ، مع أن الأحسن عندهم في حركة الحرف الذي قبل حرف الروي اتفاق الحركة ، أو تعاقب الكسرة على الضمة ، أو تعاقب الضمة على الكسرة ، وأما تعاقب الفتحة على إحداهما أو تعاقب إحداهما على الفتحة ، فذلك غيره أحسن وأصوب في القوافي(3)الساكنة .
أجيب عن هذا : بأنه جائز ، إذ لا قائل بمنعه ، ولكن غيره أحسن ولا يضرّ الناظم كونه ترك الأحسن ، لأنه استعمل الجائز ، وقد تقدّم الاستشهاد على ذلك في قول الناظم(4): (( كذا الشياطين بمقنع أثر في سالم الجمع وفي ذاك نظر )) .
__________
(1) في جـ : " الأطراف " .
(2) تنبيه العطشان ، ص 358 .
(3) في جـ : " القافية " .
(4) تنبيه العطشان ، ص 319 .(2/30)
الإعراب : قوله : (( مع ))(1)ظرف ومخفوض بالظرف والعامل في الظرف [حال محذوفة من لفظ الباطل ، تقديره : وضمّن الداني المقنع لفظ الباطل المذكور كائنا مع المثنى ](2)، وقوله : (( وهو )) مبتدأ ، وقوله : (( في غير الطرف )) متعلّق بالثبوت والاستقرار ، [ وقوله : (( وهو في غير الطرف )) جملة حالية من ألف التثنية تقديرها متوسطا ](3)، وقوله : (( كرجلان )) متعلّق بمحذوف لأنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : وذلك كرجلان ، أي مثل رجلان ، وقوله : (( يحكمان )) معطوف ، وقوله : (( واختلف )) ماض مركب ، وقوله : (( لابن نجاح )) متعلّق بـ (( اختلف )) ، وقوله : (( فيه )) كذلك ، وقوله : (( ثم )) حرف عطف ، وقوله : (( الداني )) مبتدأ [ وخبره الجملة بعده ](4)، وقوله : (( قد )) حرف تحقّيق ، (( جاء )) ماض ، (( عنه )) متعلّق بـ (( جاء )) ، (( تكذّبان )) كذلك . ثم قال :
[119] وَفِي الأَخِيرِ الْحَذْفُ مِنْ نِدَاءَ **** رَجَحَ عَنْهُمَا وَنَحْوِ مَاءَ
ذكر الناظم في هذا البيت : أن الحذف هو المشهور في الألف المبدلة من التنوين إذا كانت قبله همزة وقبل الهمزة ألف ، والوجه الآخر – الذي هو غير المشهور – ، وهو إثبات ألف النصب وحذف [الألف] الذي قبل الهمزة(5)، مثّل الناظم ذلك بمثالين :
__________
(1) في جـ ، ز : " مع المثنى " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " قوله وضمّن " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) قال أبو عمرو : " واتفقت المصاحف على حذف ألف النصب إذا كان قبلها همزة قبلها ألف ، نحو : { مَآءً }
وما كان مثله ، لئلا تجتمع ألفان ، وقد يجوز أن تكون هي المرسومة ، والمحذوفة الأولى والأول أقيس " .
كما اختار أبو داود الوجه الأول . وكلمة " الألف " ساقطة من " جـ " .
انظر : المقنع ، ص 26 ، المحكم ، ص 66 ، مختصر التبيين 2 : 103 .(2/31)
أحدهما قوله : (( من نداء )) ، والآخر قوله : (( ونحو ماء )) .
ومثاله – أيضا – : { بِنَآءً }(1)، { وَنِدَآءً }(2)، و { فِدَآءً }(3)، و { مِرَآءً }(4)و { افْتِرَآءً }(5)، و { جَزَآءً }(6)، و { عَطَآءً }(7)، و { سَوَآءً }(8)، و { هَبَآءً }(9)، و { عِشَآءً }(10)، و { ضِيَآءً }(11)، و { نِسَآءً }(12)،
__________
(1) في قوله تعالى : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَآءَ بِنَآءً... } ، سورة البقرة ، من الآية 21 .
(2) في قوله تعالى : { ... كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً.... } ، سورة البقرة ، من الآية 170 .
(3) في قوله تعالى : { .... فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً..... } ، سورة محمد ، من الآية 4 .
(4) في قوله تعالى : { ..... فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءًَ ظَاهِرًا..... } ، سورة الكهف ، من الآية 22 .
(5) في مثل قوله تعالى : { .... افْتِرَاءً عَلَيْهِ..... } ، سورة الأنعام ، من الآية 139 .
(6) في مثل قوله تعالى : { جَزَآءً وِفَاقًا } ، سورة النبأ ، الآية 26 .
(7) في قوله تعالى : { .... عَطَآءً حِسَابًا } ، سورة النبأ ، من الآية 36 .
(8) في مثل قوله تعالى : { لَيْسُواْ سَوَآءً..... } ، سورة آل عمران ، من الآية 113 .
(9) 10) في مثل قوله تعالى { .... فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُورًا } ، سورة الفرقان ، من الآية 23 .
(10) 11) في قوله تعالى : { وَجَآءُو أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } ، سورة يوسف ، الآية 16 .
(11) 12) في قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَآءً وَالْقَمَرَ نُورًا..... } ، سورة يونس ، من الآية 5 .
(12) 13) في مثل قوله تعالى : { .... وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً.... } ، سورة النساء ، من الآية 1 ..(2/32)
و { إِنْشَآءً }(1)، و { أَسْمَآءً }(2)و { أَعْدَآءً }(3)، و { أَحْيَآءً }(4)، و { مُكَآءً }(5)، و { جُفَآءً }(6)، و { غُثَآءً }(7)و { دُعَآءً }(8)، و { رُخَآءً }(9).
وإلى هذه الألفاظ المذكورة أشار الناظم بالنحو في قوله : (( ونحو ماء )) ، يعني وشبه ذلك من كل كلمة اجتمع فيها ألفان : ألف النصب ، وألف قبله ، وبينهما همزة .
والعلّة في حذف إحدى الألفين ؛ لئلا يجتمع في الكلمة ألفان ، لأن الهمزة ليست بحاجز حصين ، لبعدها وخفائها ، ولأنها لا صورة لها في بعض الأحوال .
والعلّة في ترجيح حذف الآخر دون الأول ، لوجهين :
أحدهما : أنه في الطرف والأول في الوسط ، والطرف أولى بالحذف من الوسط لأن الأطراف محل التغيير ، والحذف من أنواع التغيير .
__________
(1) 14) في قوله تعالى : { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } ، سورة الواقعة ، الآية 37 .
(2) 15) في قوله تعالى : { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ? إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَا.... } ، سورة يوسف ، من الآية 40 .
(3) 16) في قوله تعالى : { إِنْ يَّثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً..... } ، سورة الممتحنة ، من الآية 2 .
(4) 17) في قوله تعالى : { أَحْيَآءً وَأَمْوَاتًا } ، سورة المرسلات ، الآية 26 .
(5) 18) في قوله تعالى : { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً... } ، سورة الأنفال ، من الآية 35 .
(6) 19) في قوله تعالى : { .... فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً.... } ، سورة الرعد ، من الآية 19 .
(7) 20) في قوله تعالى : { ..... فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً ...... } ، سورة المؤمنون ، من الآية 41 .
(8) 21) في قوله تعالى : { .... إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً..... } ، سورة البقرة ، من الآية 170 .
(9) 22) في قوله تعالى : { فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ? رُخَآءً..... } ، سورة ص ، من الآية 35 .(2/33)
والوجه الآخر : مراعاة للغة الأخرى التي لا تبدل من تنوين النصب ألفا ، كما لا تبدل من تنوين الرفع والخفض .
وقوله : (( في الأخير ))(1)البيت ، أي : والحذف رجح ومال واشتهر عن الشيخين من ألف الأخير ، من نحو : { نِدَآءً } و { مَآءً } .
وقوله : (( رجح )) يؤخذ منه أن حذف الألف الأولى دون الثاني مرجوح كما تقدّم .
فإذا حذف الألف الأول : [ فلك في إلحاقه وجهان ، والمختار إلحاقه ](2).
وإذا حذف الألف الثاني : فلك في إلحاقه وجهان ، والمختار عدم إلحاقه . [ قاله أبو عمرو في المقنع ](3).
فإن قيل : ما الفرق بين { نِدَآءً } و { أَندَادًا }(4)؟ فإن الألفين ثابتان في { أَندَادًا }(5)باتفاق دون { نِدَآءً }(6)، فإن إحدى الألفين محذوفة [باتفاق](7)، مع أن كل واحد من النوعين اجتمع فيه ألفان بينهما حرف واحد ، وأحد الألفين في طرف الكلمة ، وما الفرق بين النوعين ؟
فالفرق بين النوعين : أن الألفين إذا كانت بينهما همزة ، كأنهما اجتمعا في كلمة واحدة من غير حائل بينهما ، لأن الهمزة غير حاجز حصين ، لبعدها وخفائها ، بخلاف غيرها من الحروف . وهاهنا تنبيه : انظر قوله تعالى : { بََلآءً حَسَنًا }(8)هل يندرج في هذا الفصل ، فيكون فيه الوجهان المذكوران أولا يندرج فيه ؟
__________
(1) في جـ ، ز : " وفي الأخير الحذف " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " فلابد من إلحاقه بالحمرة " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " قال أبو عمرو في المحكم في هذا النوع ثلاثة أوجه ،
وجه واحد في إثبات الآخر ، ووجهان في حذفه " ، وفي ز : " قاله أبو عمرو في المحكم " .
انظر : المقنع ، ص 26 ، المحكم ، ص 65 .
(4) زاد في جـ : " وبين أحياء ، وأفواجا ، ونحوهما " .
(5) زاد في جـ : " وأفواجا ونحوهما " .
(6) زاد في جـ : " وأحياء " .
(7) ساقطة من : " جـ " .
(8) سورة الأنفال ، من الآية 17 .(2/34)
فالظاهر عندي – والله أعلم – : أنه لا يندرج فيه ، لأن الهمزة فيه لم تقع بين ألفين وإنما وقعت بين لام وألف ، لأن المشهور عند أهل الرسم : أن القرن الأيمن من لام الألف هو الألف ، والقرن الأيسر هو اللام ، وإذا قلنا بالقول الشاذ : أن القرن الأيمن هو اللام والقرن الأيسر هو الألف ، يصح الوجهان المذكوران في هذا الفصل ، ولكن
حمل الكلام على المشهور أولى من حمله على المهجور .
فإن قلت : بل وقعت الهمزة بين ألفين باعتبار حلّ التظفير ، فتصوّر فيه الوجهان على القول المشهور – أيضا – كما يتصوّران على القول الشاذ .
قلنا : صورة التظفير حالة موجودة ، وصورة حل التظفير حالة مفقودة ، واعتبار الموجود أولى من اعتبار المفقود .
الإعراب : قوله : (( الحذف )) مبتدأ ، وقوله : (( وفي الأخير )) متعلّق بـ (( رجح )) وخبر المبتدأ (( رجح )) ، وقوله : (( من نداء )) جار ومجرور متعلّق بـ (( الأخير )) ، وقوله : (( نداء )) أتى به محكيا كما سمع في القرآن ، كقولهم : " دعنا من ثمرةٌ " كأنه سمع يقول : ثمرةٌ ، فقال له : دعنا من ثمرةٌ ، فأتى به محكيا كما سمعه ، وقوله : (( عنهما )) متعلّق بـ (( رجح )) ، وقوله : (( نحو )) معطوف ، وقوله : (( ماء )) مخفوض بالإضافة ، وهو محكي . ثم قال :
[120] وَاحْذِفْ بِوَاعَدْنَا مَعَ الْمَسَاجِدْ **** وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ أَيْضاً وَاحِدْ
قوله : (( واحذف بواعدنا )) هو حكم مطلق لجميع الرواة .
وقوله : (( بواعدنا )) الباء بمعنى في ، [أي في واعدنا وفي المساجد](1).
__________
(1) ما بين المعقوفين في جـ : " كأنه يقول : واحذف لجميع أهل الرسم الألف في واعدنا وفي المساجد " .(2/35)
مثال { وَعَدْنَا } ، قوله تعالى في البقرة : { وَإِذْ وعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً }(1)، وقوله في الأعراف : { وَوَعَدْنَا مُوسَى ثَلثِينَ لَيْلَةً }(2)، وقوله في طه : { وَوَعَدْنَكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الاْيْمَنَ }(3)، ولم يقع في القرآن إلا في هذه المواضع الثلاثة .
وحذفه حذف إشارة لأبي عمرو [بن العلا](4)الذي يقرأه بغير ألف ، فهو ممّا اتفقت المصاحف على رسمه واختلف القراء في قراءته .
وقوله : (( مع المساجد )) هو محذوف الألف لجميعهم ، سواء كان معرّفا أو منكّرا
مثال المعرّف ، قوله تعالى في هذه السورة : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ }(5)وقوله فيها – أيضا – : { وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ }(6)، وقوله : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ }(7)، وقوله : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ }(8).
ومثال المنكّر ، قوله تعالى : { وَصلاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا سْمُ اللَّهِ كَثِيرًا }(9)
وقوله : (( وعن أبي داود أيضا واحد )) ، يعني أن أبا داود حذف ألف { وَاحِدٍ } ، سواء كان معرّفا أو منكّرا ، لأنه أتى به منكرا ، فيدخل تحته المعرّف ، لأن التنكير أصل للتعريف .
مثال المنكّر ، قوله [تعالى] في هذه السورة : { لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ }(10).
ومثال المعرّف : { وَهْوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }(11).
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 50 .
(2) سورة الأعراف ، من الآية 142 .
(3) سورة طه ، من الآية 78 .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) سورة البقرة ، من الآية 113 .
(6) سورة البقرة ، من الآية 186 .
(7) سورة التوبة ، من الآية 18 .
(8) سورة الجن ، من الآية 18 .
(9) 10) سورة الحج ، من الآية 38 .
(10) سورة البقرة ، من الآية 60 . و" تعالى " سقطت من : " ز " .
(11) سورة الرعد ، من الآية 18 .(2/36)
واعترض قوله : (( واحد )) بأن ظاهره يقتضي أن { وَاحِدَةً } بالهاء ثابت ، وليس الأمر كذلك ، لأن أبا داود ذكر الحذف – أيضا – في واحدة بالهاء ، حيث ما وقع في القرآن(1)، كقوله تعالى : { مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ }(2)، وكان حقّ الناظم أن يذكر اللفظين معا بالحذف ، كما ذكرهما أبو داود ، والأولى أن يقول في هذا الشطر :
وَابْنُ نَجَاحٍ وَاحِدَهْ وَوَاحِدْ(3).
ليشمل اللفظين لفظ المذكر ولفظ المؤنث .
الإعراب : قوله : (( واحذف )) أمر ، وقوله : (( بواعدنا )) متعلّق [ بحال من الألف ، تقديره : واحذف الألف كائنا في واعدنا ](4)، وقوله : (( مع )) ظرف متعلّق به – أيضا – (( المساجد )) مخفوض بالظرف ، وقوله : (( وعن أبي داود )) متعلّق بـ (( احذف )) ، (( داود )) مضاف إليه ، وقوله : (( أيضا )) مصدر ، وقوله : (( واحد )) مفعول ، وسكّنه الناظم للقافية . ثم قال :
[121] وَكَيْفَ أَزْوَاجٌ وَكَيْفَ الْوَالِدَيْنْ **** وَفِي العظام عَنْهُمَا فِي الْمُؤْمِنِينْ
كلّ ما ذكر في هذا البيت : فهو لأبي داود خاصّة ، لأن قبله : (( وعن أبي داود أيضا واحد )) .
وقوله : (( وكيف أزواج )) ، يعني أن لفظ { الاْزْوَاجَ } محذوف لأبي داود كيفما وقع ، سواء كان معرّفا بالألف واللام أو بالإضافة أو منكّرا .
مثاله بالألف واللام : { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الازْوَاجَ كُلَّهَا }(5).
ومثاله مضافا : { وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآ هِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ }(6).
__________
(1) انظر مختصر التبيين ، 2 : 390 ، 391 .
(2) سورة النساء ، من الآية 1 .
(3) كما في المتن المطبوع ، ص 14 .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " ، وفيه : " باحذف " .
(5) سورة يس ، من الآية 35 .
(6) سورة غافر ، من الآية 7 .(2/37)
ومثاله منكّرا : { لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ }(1).
وقوله : (( وكيف الوالدين )) ، أي حذف أبو داود لفظ الوالدين بالتثنية كيفما ورد في القرآن(2)، سواء كان معرّفا بالألف واللام أو بالإضافة ، ولا يصح أن تقول كان منكّرا ، لأنه لم يأت في القرآن منكّرا .
مثاله بالألف واللام : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }(3)، وقوله تعالى : { مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ }(4).
ومثاله بالإضافة : { وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ }(5)، وقوله تعالى : { أَنِ ا شْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ }(6)، وقوله تعالى : { نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ }(7)، وقوله تعالى : { رَّبِّ غْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ }(8).
وقوله : (( وفي العظام عنهما في المؤمنين )) معنى هذا الشطر : أن الشيخين أبا عمرو وأبا داود ، اتفقا على حذف الألف في العظام الواقع في سورة المؤمنين ، وهي سورة قد أفلح المؤمنون .
واعترض هذا الشطر : بأن ظاهره يقتضي أن ألفاظ العظام الواقعة في سورة المؤمنين كلّها محذوفة لأبي عمرو كأبي داود ، وليس الأمر كذلك ، لأن أبا عمرو لم يذكر بالحذف من ألفاظ العظام إلا الأولين في سورة المؤمنين ، وذلك أن في هذه السورة من ألفاظ العظام أربعة ألفاظ :
__________
(1) سورة النساء ، من الآية 56 ، وفي جـ : " وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ " .
(2) حيث قال : " وبالوالدين حذف الألف " ، ولم يتعرّض له أبو عمرو الداني .
انظر : مختصر التبيين ، 2 : 172 ، دليل الحيران ، ص 70 ، 71 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 82 .
(4) سورة النساء ، من الآية 7 .
(5) سورة لقمان ، من الآية 13 .
(6) سورة لقمان ، من الآية 13 .
(7) سورة النمل ، من الآية 19 .
(8) سورة نوح ، من الآية 30 .(2/38)
الأول والثاني هما قوله تعالى : { فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَمًا فَكَسَوْنَا الْعِظَمَ لَحْمًا }(1)فهذان هما اللذان ذكرهما أبو عمرو بالحذف .
وأما اللفظ الثالث ، فهو قوله تعالى : { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ }(2).
وأما الرابع ، فهو قوله تعالى : { أَا ذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ }(3)
فهذه أربعة ألفاظ فلم يذكر الحافظ منها إلا الأولين دون الآخرين ، ذكره في الباب المروي عن نافع(4). وظاهر إطلاق الناظم أن الحافظ ذكرها كلّها ، وليس الأمر كذلك . وقد روي : أن الناظم ذكر له هذا في مجلسه ففكّر قليلا ، فبدل هذا الشطر بشطر آخر فقال(5): (( وعنهما العظام أولى المؤمنين )) ، ولكن فيه اعتراض(6)، لأن قوله (( أولى )) لم يتناول إلا اللفظ الأول دون الثاني .
وقد رُوي عنه – أيضا – أنه قال(7): (( وعنهما العظام حرفا المؤمنين )) ولكن هذا – أيضا – ما زال فيه الاعتراض ، لأنه قوله حرفا يحتمل اللفظين الأولين ، ويحتمل الأخيرين ، ويحتمل الأوسطين ، ويحتمل الأول والثالث ، ويحتمل الثاني والرابع .
__________
(1) سورة المؤمنون ، من الآية 14 .
(2) سورة المؤمنون ، الآية 35 .
(3) 10) سورة المؤمنون ، من الآية 83 .
(4) 11) وهما من الحروف التي رواها أبو عمرو بسنده عن قالون عن نافع بالحذف فيهما .
انظر : المقنع ، ص 12 ، دليل الحيران ، ص 71 .
(5) انظر الدرر الحسان في اختصار كتاب التبيان ، ورقة 20 .
(6) في جـ : " ولكن هذا بقي فيه اعتراض " .
(7) والتي رءا المارغني أنها أحسن الإصلاحات . انظر : التبيان ، ورقة 38 ، دليل الحيران ، 71 .(2/39)
وقال بعضهم(1)في إصلاح هذا الشطر : (( عظم قد أفلح عنهما في الأولين )) فقوله : (( عظم )) أتى به على القراءة الأخرى ، ليتزن النظم ، وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر(2)، لأنهما يقرآن اللفظين الأولين من هذه السورة بالإفراد ، وهما قوله تعالى : { فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَمًا فَكَسَوْنَا الْعِظَمَ لَحْمًا } ، وقوله : (( عظم )) أتى به على قراءة الإفراد كما قلنا . وقوله : (( قد أفلح )) لابد فيه من نقل حركة الهمزة ولابد فيه – أيضا – من إسكان الحاء ؛ إذ بذلك يتزن النظم .
وقال بعضهم(3)في إصلاح هذا الشطر – أيضا – : (( عظم الفلاح عنهما في الأولين )) .
وقوله : (( وكيف أزواج وكيف الوالدين )) اعترض هذا البيت من جهة علم القوافي وذلك أن الناظم استعمل في هذا البيت السناد ، وهو : إرداف حرف المد واللين في قوله : (( المؤمنين )) على حرف اللين في قوله : (( الوالدين )) ، مع أن ذلك قليل في الشعر عندهم .
أجيب : بأنه استعمل الجائز ولا يضرّه ترك الأحسن مع استعمال الجائز ، والدليل على جوازه ، قول الشاعر(4):
كَأَنَّ مُتُونَهُنَّ مُتُونُ غُذْرٍ تُصَفِّفُهَا الرِّيَاحُ إِذَا جَرَيْنَا
كَأَنَّ سُيُوفَنَا مِنَّا وَمِنْهُمْ مَخَارِيقٌ بِأَيْدِي لاَعِبِينَا
__________
(1) انظر التبيان ، ورقة 39 .
(2) انظر : التيسير ، ص 129 ، غيث النفع ، ص 195 .
(3) انظر إصلاحات ابن جابر المثبتة في موسوعة عبد الهادي حميتو ، 2 : 447 .
(4) الشاعر هو عمرو بن كلثوم ، وقد سبق تخريج هذين البيتين ، ص 210 .(2/40)
الإعراب : قوله : (( وكيف )) سؤال عن حال(1)، وقوله : (( أزواج )) إما فاعل بفعل محذوف ، أي جاء أزواج ، أو مبتدأ وخبره محذوف ، تقديره : وأزواج جاء بالحذف أو محذوف ، [ وقوله : (( وكيف )) في موضع النصب على الحال من أزواج والعامل في الحال هو الفعل المحذوف ، تقدير الكلام : وجاء أزواج بالحذف كيف جاء ، أي على أيّ حال جاء ، أو أزواج جاء بالحذف كيف جاء ، أي على أيّ حال جاء](2)، وقوله : (( وكيف الوالدين )) الإعراب كالإعراب ، وقوله : (( وفي العظام )) متعلّق بمحذوف ، تقديره : وجاء الحذف في العظام ، والحذف(3)ثابت أو مستقرّ في العظام ، وقوله : (( عنهما )) ، وقوله : (( في المؤمنين )) هذان المجروران متعلّقان بما تعلّق به (( في العظام )) . ثم قال :
[122] وَغَيْرُ أَوَّلٍ بتَنْزِيلٍ أَتَيْنْ **** كُلاًّ وَالأَعْنَابُ بٍغًيْرِ الأَوَّلَيْنْ
قوله : (( وغير أول بتنزيل أتين كلا )) ، معناه : أن ألفاظ العظام كلّها محذوفة في التنزيل لأبي داود غير اللفظ الأول منها ، فإنه ثابت عنده(4)، وهو قوله تعالى في سورة البقرة : { وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِرُهَا }(5).
وقوله : (( أتين )) جمع الناظم هذا الضمير ، وهو النون ، لأنه نون جماعة المؤنثة كقوله : " الهندات أتين " ولم يقل "أتت" اعتبارا بالألفاظ ، ولو قال – أيضا – "أتت" بإفراد الضمير لجاز ، لأن الجماعة غير العاقلة حكمها في الإضمار حكم المؤنث .
__________
(1) في جـ : " الحال " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) في جـ ، ز : " أو تقول والحذف ... " .
(4) سكت أبو داود عن اللفظ الأول في البقرة ولم يذكره ، وقال المارغني بحذف ألف العظام حيث ما وقع إلا لفظ
القيامة : { أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ? } فقال بإثباته . انظر دليل الحيران ، ص 72 .
(5) سورة البقرة ، من الآية 258 .(2/41)
وقوله : (( والأعناب بغير الأولين )) يعني أن ألفاظ { الأَعْنَابِ } محذوفة – أيضا – في التنزيل إلا اللفظين الأولين ، فإنهما ثابتان عنده لسكوته عنهما ، وهما قوله تعالى في البقرة : { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ?جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ }(1)، وقوله تعالى في سورة الأنعام : { وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ }(2).
الإعراب : قوله : (( وغير )) يصح أن يكون مبتدأ وخبره (( أتين )) ، ويصح أن يكون منصوبا على الاستثناء من النون الذي هو ضمير الفاعل في (( أتين )) فهو استثناء مقدّم ، تقديره : وأتين كلا غير الأولين ، وقوله : (( أول )) مضاف إليه ، وقوله : (( بتنزيل )) متعلّق بـ (( أتين )) ، وقوله : (( أتين )) فعل ماض ، وقوله : ((كلا)) حال من النون في (( أتين )) ولا يصح أن يكون تأكيد ، لأن (( كلا )) لا يكون تأكيد إلا بالإضافة [ كقولك ](3)كلّها – مثلا – ، وقوله : (( والأعناب )) يصح أن يكون معطوفا على النون في (( أتين )) ، وجاز عطفه على الضمير المرفوع من غير تأكيد ، لأجل الفصل الواقع بينهما ، لأن الفصل يقوم مقام التأكيد ، ومنه قوله تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ [مِنْ ءَابَآ هِمْ] }(4)، وقوله تعالى : { مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ ءَابَآؤُنَا }(5)، ويصح أن يكون قوله : (( والأعناب )) فاعل بفعل مضمر
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 265 .
(2) سورة الأنعام ، من الآية 100 .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) سورة الرعد ، من الآية 25 . و { مِنْ ءَابَآهِمْ } سقطت من : " جـ " .
(5) سورة الأنعام ، من الآية 149 .(2/42)
أي وجاء الأعناب في التنزيل ، ويصح أن يكون مبتدأ والخبر محذوف ، تقديره : والأعناب جاء أوأتى في التنزيل بالحذف ، وقوله : (( بغير الأولين )) جار ومجرور ومضاف إليه ، والباء في (( غير )) بمعنى في ، تقديره : في غير الأولين ، وقوله : ((بغير)) متعلّق بمحذوف ، أي واقعا(1)في غير الأولين . ثم قال :
[123] لَكِنْ عِظَامَهُ لَهُ بِالأَلِفِ **** وَكُلُّ ذَلِكَ بِحَذْفِ الْمُنْصِفِ
ذكر الناظم في الشطر الأول من هذا البيت : أن قوله تعالى في سورة القيامة : { أَيَحْسِبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ? }(2)ثابت الألف في التنزيل(3).
وقوله : (( له )) الضمير يعود على التنزيل المذكور قبله ، والباء في (( به)) بمعنى في ، أي في التنزيل .
وقوله : (( وكل ذلك بحذف المنصف )) الإشارة تعود على الألفاظ المتقدّمة ، وهي ألفاظ { الْعِظَامِ } ، وألفاظ { الأَعْنَابِ } ، يعني أن ألفاظ { الْعِظَامِ } ، وألفاظ { الأَعْنَابِ } محذوفة مطلقا في المنصف من غير استثناء . وهذا ممّا انفرد به صاحب المنصف .
فالخارج ممّا تقدّم : أن ألفاظ { الْعِظَامِ } و { الأَعْنَابِ } عند صاحب المنصف محذوفة مطلقا ، واستثنى أبو داود لفظين من { الْعِظَامِ } ولفظين من { الأَعْنَابِ } ، وأثبت أبو عمرو { الأَعْنَابِ } كلّه ، وكذلك { الْعِظَامِ } إلا الأولين في سورة المؤمنين حذفهما(4)، وحذفهما حذف إشارة لقراءة الإفراد(5)، وهما ممّا اختلف القراء في قراءته واتفق المصاحف على رسمه .
__________
(1) في جـ : " الواقع " .
(2) سورة القيامة ، من الآية 3 .
(3) انظر مختصر التبيين ، 4 : 1244 .
(4) في جـ : " حذفها " .
(5) التي قرأ بها ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم .
انظر : التيسير ، ص 129 ، المبسوط ، ص 261 ، النشر ، 2 : 328 .(2/43)
واعترض قوله : (( لكن عظامه له بالألف )) بأن قيل : لماذا فرّق الناظم بين { عِظَامَهُ? } ، وقوله : (( وغير أول )) ؟ لأن اللفظ الأول الذي في البقرة ، وهذا اللفظ الذي هو { عِظَامَهُ? } في سورة القيامة ثابتان معا في التنزيل ، وكان حقّ الناظم أن يجمعهما في الاستثناء .
أجيب عن هذا بأن قيل : إنما فرّق بين اللفظين ، لأن القافية لم تساعده على الجمع بينهما ، فمن أجل ذلك فرّق بينهما .
الإعراب : (( لكن ))(1)حرف استدراك [ واسم (( لكن )) محذوف ، وهو الأمر والشأن وخبر (( لكن )) الجملة بعدها ](2)، وقوله : (( عظامه )) إما فاعل بفعل مضمر أي :جاء عظامه ، وإما مبتدأ وخبره محذوف ، وقوله : (( له )) متعلّق بـ (( جاء ))
المتقدّم ، أو متعلّق بالثبوت والاستقرار الذي هو [خبر المبتدأ ، تقديره : عظامه ثابت أو مستقر في التنزيل ، ويحتمل أن يكون (( عظامه )) اسم (( لكن )) وخبر (( لكن )) ما بعده ](3)، وقوله : (( وكل ذلك )) مبتدأ ومضاف إليه ، وقوله : (( بحذف المنصف )) جار ومجرور ومضاف إليه ، وتعلّق الجار بالثبوت والاستقرار ، أو تقول تعلّق بـ ((جاء)) ، تقديره : وكل ذلك جاء بحذف المنصف . ثم قال :
[124] وَالْحَذْفُ عَنْهُمَا بِهَمْزِ الْوَصْلِ **** إِذَا أَتَى مِنْ قَبْلِ هَمْزِ الأَصْلِ
[125] مِنْ نَحْوِ وَأْتُوا فَأْتِ قُلْ وَفَسْئَلُوا **** وَشِبْهِهِ كَنَحْوِ وَسْئَلْ وَسْئَلُوا
__________
(1) في جـ : " قوله لكن " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه المبتدأ " .(2/44)
شرع الناظم في هذه الأبيات إلى قوله (( كذا وقاتلوهم في البقرة )) في المواضع التي تحذف [فيها](1)صورة همزة الوصل ، وهي سبعة مواضع : ستة منها بالاتفاق وموضع واحد بالخلاف ، وهو { أَفَاتَّخَذتُّم } كما سيأتي(2).
الأول منها : إذا دخلت همزة الوصل على همزة الأصل وقبلها واو أو فاء ، وبهذا القسم بدأ الناظم هاهنا ، فقال : )) والحذف عنهما بهمز الوصل )) البيت ، يعني أن الشيخين : أبا عمرو وأبا داود ، اتفقا على حذف صورة همزة الوصل إذا أتت همزة الوصل قبل همزة الأصل(3).
وقوله : (( بهمز الوصل )) الباء وعائية بمعنى في ، كقوله تعالى : { وَأَنتَ حِلٌ بِهَاذَا الْبَلَدِ } ، أي في هذا البلد ، أي وجاء الحذف عن الشيخين ، أو الحذف وارد وثابت عن الشيخين في صورة همزة الوصل إذا أتى همز الوصل قبل همز الأصل .
وقوله : (( من نحو وأتوا فأت )) هذا مثال همزة الوصل الداخلة على همزة الأصل وقبل همزة الأصل واو أو فاء .
فقوله : (( وأتوا )) ، مثاله إذا كان قبلها واو .
وقوله : (( فأت )) ، مثاله إذا كان قبلها فاء .
وقوله : (( وأتوا )) ، يعني كقوله تعالى : { وَأْتُواْ الْبِيُوتَ }(4)، وقوله تعالى : { وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }(5)، وقوله تعالى : { وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }(6).
وقوله : (( فأتوا )) ، كقوله تعالى : { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ [مِّن مِّثْلِهِ? ] }(7).
[
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) في قول الناظم : " وَلَتَّخَذْتَ وَبِخُلْفٍ يُرْسَمُ * لاِبْنِ نَجَاحٍ فِي أَفَاتَّخَذْتُم " .
تنبيه العطشان ، ص 381 .
(3) انظر : المقنع ، ص 26 ، مختصر التبيين ، 2 : 26 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 188 .
(5) سورة يوسف ، من الآية 93 .
(6) سورة النمل ، من الآية 31 .
(7) سورة البقرة ، من الآية 22 . و { مِّن مِّثْلِهِ? } سقطت من : " جـ " .(2/45)
وقوله تعالى : { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ? }(1)، وقوله : { فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ? مُفْتَرَيَاتٍ }(2)] ، وقوله : { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ }(3)، وقوله تعالى : { فَأْتُواْ بِهِ? عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ }(4)، وقوله : { فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }(5).
وقوله : (( من نحو وأتوا فأت )) إشارة بالنحو إلى كلّ ما دخل عليه واو أو فاء من همزة الوصل الداخلة على همزة الأصل(6)، كقوله تعالى : { وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ }(7)، وقوله تعالى : { وَأْمُرْ قَوْمَكَ }(8)، وقوله تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصلاةِ }(9)، وقوله تعالى : { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ }(10)، [ وقوله تعالى : { فَأْتِ بِهِ? إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ }(11)] ، وقوله تعالى : { فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ }(12)، وقوله تعالى : { فَأْتِ بَِا يَةٍ [إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ] }(13)،
__________
(1) سورة يونس ، من الآية 38 .
(2) سورة هود ، من الآية 13 .
وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) سورة البقرة ، من الآية 221 .
(4) سورة الأنبياء ، من الآية 61 .
(5) سورة القصص ، من الآية 49 . وفي جـ : " قوله تعالى " ، وزاد مثالا آخر في جـ ، ز :
" قوله تعالى : { فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } " .
(6) في جـ : " الوصل " .
(7) سورة الطلاق ، من الآية 5 .
(8) سورة الأعراف ، من الآية 145 .
(9) سورة طه ، من الآية 131 .
(10) 10) سورة لقمان ، من الآية 16 .
(11) 11) سورة الشعراء ، من الآية 30 .
وما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " وقوله تعالى : { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } ،
وقوله تعالى : { فَأْتُواْ بِهِ? } " .
(12) 12) سورة البقرة ، من الآية 257 .
(13) 13) سورة الشعراء ، من الآية 154 .
وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(2/46)
وقوله تعالى : { فَأْتَنَِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }(1)، وقوله تعالى : { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ }(2)، وقوله تعالى : { فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }(3)، وقوله تعالى : { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ? }(4)، وقوله تعالى : { فَأْوُواْ إِلَى الْكَهْفِ }(5).
__________
(1) 14) سورة هود ، من الآية 32 ، وغيرها .
(2) 15) سورة الشعراء ، من الآية 14 .
(3) 16) سورة إبراهيم ، من الآية 13 .
(4) 17) سورة البقرة ، من الآية 278 .
(5) 18) سورة الكهف ، من الآية 16 .(2/47)
وقوله : (( من نحو وأتوا فأتوا )) يؤخذ من هذين المثالين : أن صورة همزة [الوصل](1)لا تحذف هاهنا ، إلا إذا دخل عليها واو أو فاء ، كما مثّل به الناظم ، احترازا ممّا إذا تقدّم عليها غير الواو والفاء ، فإن صورتها ثابتة باتفاق ، كقوله تعالى : { ثُمَّ ئْتُواْ صَفًّا }(2)، وقوله : { يَاصَالِحُ ئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا }(3)، وقوله : { أََوِ ئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }(4)، وقوله : { أَنِ ئْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }(5)، وقوله : { فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ }(6)، وقوله : { إِلَى الْهُدَى ئْتِنَا }(7)، [ وقوله] : { وَمِنْهُم مَّنْ يَّقُولُ ئْذَن لِّي }(8)، وقوله : { لِقَآءَنَا ئْتِ بِقُرْءَانٍ }(9)، وقوله : { وَقَالَ الْمَلِكُ ئْتُونِي بِهِ? }(10)، وقوله : { قَالَ ئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم }(11)، وقوله تعالى : { [فِي السَّمَاوَاتِ] ئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَاذَا }(12)، وقوله تعالى : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ? إِلاَّ أَن قَالُواْ ئْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }(13)،
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) سورة طه ، من الآية 63 .
(3) سورة الأعراف ، من الآية 76 . وفي جـ : " وقوله تعالى ......" .
(4) سورة الأنفال ، من الآية 32 .
(5) سورة الشعراء ، من الآية 9 .
(6) سورة البقرة ، من الآية 282 .
(7) سورة الأنعام ، من الآية 71 .
(8) سورة التوبة ، من الآية 49 . وقوله سقطت من : " ز " .
(9) سورة يونس ، من الآية 15 .
(10) 10) سورة يوسف ، من الآية 50 .
(11) 11) في جـ : " { قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ } " ، سورة يوسف ، من الآية 59 .
(12) 12) سورة الأحقّاف ، من الآية 3 . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(13) 13) سورة العنكبوت ، من الآية 29 ..(2/48)
وقوله تعالى : { مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ئْتُواْ بَِابَآ نَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }(1)، وقوله تعالى : { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا }(2)، وشبه ذلك .
فإن صورة همزة الوصل ثابتة في هذه الأمثلة وما يشاكلها باتفاق .
وقوله : (( فأت )) يثبت في بعض النسخ [بضم التاء مع إثبات الواو بعد التاء وأظنه تصحيفا ](3)، وفي بعضها بكسر التاء من غير واو(4)وهو أولى وأحسن ، لأن التمثيل بمضموم التاء ، لا يصح إلا بحذف الواو للوزن ، وذلك تغيير للفظ التلاوة ، بخلاف مكسور التاء فليس فيه كسر ولا تغيير ، فالتمثيل بما لا تغيير فيه أولى من التمثيل بما فيه تغيير .
والعلّة في حذف صورة همزة الوصل الداخلة على همزة الأصل مع الواو والفاء دون غيرهما : أن الواو والفاء صارتا كأنهما من نفس الكلمة ، لكونهما لا يمكن الوقف عليهما ، فاستُغنىَ بهما عن همزة الوصل لذلك ، لأنهما لا ينفصلان عما بعدهما لا في الاتصال ولا في الوقف ، فقامتا مقام ألف الوصل لذلك ، بخلاف غيرهما ، فإنه ينفصل عنها في حالة الوقف ، لإمكان الوقف عليه والابتداء بما بعده .
__________
(1) 14) سورة الجاثية ، من الآية 24 .
(2) 15) سورة فصلت ، من الآية 10 . وزاد في جـ : " { قَالَتَا أَتَيْنَا طَآعِينَ } " .
(3) 16) كما في الأصل " م " . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) 17) كما في جـ ، ز ، والمتن المطبوع ، ص 14 .(2/49)
واعترض على هذه العلّة بالنقض بالأمر من الفعل الثلاثي ، كقوله تعالى : { فَاذْكُرُواْ اللَّهَ }(1)، وقوله : { فَاذْكُرُونِي }(2)، وقوله : { وَاعْلَمُواْ }(3)وقوله : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ?لاَ إ لَهَ إِلاَّ اللَّهُ }(4)، وشبه ذلك . فإن الألف ثابت فيه باتفاق مع أن الواو والفاء داخلان هنا – أيضا – على همزة الوصل ولا يمكن الوقف عليهما ، ولا يمكن انفصالهما عما بعدهما .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 197 .
(2) سورة البقرة ، من الآية 151 .
(3) في مثل قوله تعالى : { .... وَاعْمَلُواْ صَالِحًا .... } ، سورة سبأ ، من الآية 11. .
(4) سورة محمد ، من الآية 20 .(2/50)
أجيب عن هذا بأن قيل : الواو والفاء تارة يعتبر(1)أصلهما ، وتارة يعتبر حالهما ، فإذا اعتبر أصلهما ، وهو أنهما كلمة جيء بها لمعنى ، فيقتضي ذلك أن تثبت صورة همزة الوصل معهما ، وإذا اعتبر حالهما ، وهو اتصالهما بما بعدهما اتصالا لا يمكن انفكاكهما عنه ، فيقتضي ذلك أن تُحذف صورة همزة الوصل معهما ، فاعتبر أصلهما في بعض المواضع ، واعتبر حالهما في بعض المواضع ، أعني اعتبر أصلهما مع همزة الوصل الداخلة على غير همزة الأصل ، واعتبر حالهما مع همزة الوصل الداخلة على همزة الأصل ، وهذان الاعتباران المذكوران في هذين الحرفين هما سبب الخلاف بين القراء في تحريك [ الهاء وتسكينها في { وَهْوَ }(2){ وَهْيَ }(3)وفي { فَهْوَ }(4){ فَهْيَ }(5)، وهما – أيضا – سبب الخلاف بين القراء في تحريك ](6)لام الأمر وتسكينها ، إذا دخل عليها واو أو فاء ، كقوله تعالى : { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ }(7)، وقوله : { لِيَكْفُرُواْ بِمَا ءاتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ }(8)
__________
(1) في جـ : " تعتبر " .
(2) في مثل قوله تعالى : { .... فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهْوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ، سورة البقرة ، من الآية 28 .
(3) في مثل قوله تعالى : { ..... وَهْيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا..... } ، سورة البقرة ، من الآية 258 .
(4) في مثل قوله تعالى: { .... فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهْوَ خَيْرٌ لَّهُ?..... } ، سورة البقرة ، من الآية 183 .
(5) في مثل قوله تعالى : { .... فَهْيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً..... } ، سورة البقرة ، من الآية 73 .
(6) 10) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(7) 11) سورة الحج ، من الآية 27 .
(8) 12) سورة العنكبوت ، من الآية 66 ..(2/51)
وهما – أيضا – سبب الخلاف بين النحاة في نصب الفعل ورفعه بـ(( إذاً )) إذا دخل عليها واو أو فاء ، نحو قوله تعالى : { وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلاَّ قَلِيلاً }(1).
وقول الناظم : (( والحذف عنهما بهمز الوصل )) ، فيه خمسة أسولة :
ما حقّيقة همزة الوصل ؟ ، وما اسمها(2)؟ ، وما رسمها ؟ ، وما الأصل فيها ؟ ، وما فائدتها ؟
أما حقّيقتها : فهي الهمزة [الزائدة](3)الثابتة في الانفصال الساقطة في الاتصال .
وأما أسماؤها : فلها اسمان : همزة الوصل ، وألف الوصل . وذلك بالنظر إلى الخطّ والنظر إلى اللفظ ، فبالنظر إلى الخطّ تسمى ألف الوصل ، لأنها لا ترسم إلا بالألف ، وبالنظر إلى اللفظ تسمى همزة الوصل ، لأنه ينطق بالهمزة ولا ينطق بالألف .
وأما رسمها : فإنها ترسم بالألف مطلقا باتفاق ، لأنها لا تكون إلا في أول الكلمة ، سواء تحركت بفتح أو ضم أو كسر ، بخلاف همزة القطع ، فإنها تارة تصور بألف ، وتارة بواو ، وتارة بياء ، وتارة بغير صورة .
وأما أصلها ، هل الحركة أو السكون ، ففيه قولان للنحاة :
قال سيبويه(4): اجتلبت متحركة ، إذ لا يجلب ساكن(5).
وقال الأخفش(6): " اجتلبت ساكنة ثم حركت للالتقاء الساكنين ، لأنها حرف والأصل في الحرف البناء ، والأصل في البناء السكون " ، وهذا الخلاف المذكور بين سيبويه والأخفش إنما هو في كيفية جلبها ، هل جلبت متحركة أو جلبت ساكنة ؟ ولا خلاف أن أصلها السكون ، وإنما الخلاف هل جلبت بذلك الأصل الذي هو السكون ، قاله الأخفش ، أو جلبت متحركة على خلاف ذلك الأصل ، قاله سيبويه .
__________
(1) 13) سورة الإسراء ، من الآية 76 .
(2) في جـ ، ز : " وما أسماؤها " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) انظر الكتاب ، 4 : 257 .
(5) في جـ : " إذ لا يجلب ساكن إلى ساكن " .
(6) تقدمت ترجمته في ص ، 95 .(2/52)
وأما فائدتها : فهي التوصل إلى النطق بالساكن ، لأن العرب ما تبتدئ(1)بساكن ولا تقف على متحرك ، ولأجل هذا سماها الخليل بن أحمد(2)بـ((سلّم اللسان)) ، لأنها يتوصل بها إلى النطق بالساكن ، كما يتوصل بالسلم إلى الصعود .
وقيل : إنما سميت بهمزة الوصل ، لأنها تسقط في الوصل(3).
وقول الناظم : (( قل وفسئلوا وشبهه كنحو وسئل وسئلوا )) تكلّم الناظم هاهنا على النوع الثاني من المواضع السبعة التي تحذف فيها صورة همزة الوصل ، وهو الأمر من السؤال إذا دخل عليه واو أو فاء ، مثّله الناظم بثلاثة أمثلة ، وهي : { فَسَْلُواْ } { وَسَْلْ } { وَسَْلُواْ } . فذكر الناظم مثالا واحدا في الفاء ، وهو قوله : )) فسئلوا (( ، وذكر مثالين في الواو ، وهما قوله : (( وسئل وسئلوا )) .
وقوله : (( فسئلوا )) ، كقوله تعالى : { فَسَْلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ }(4).
وقوله : (( وشبهه )) يعني ممّا دخل عليه الفاء ، كقوله تعالى : { فَسَْلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ }(5)، وقوله [تعالى] : { فَسَْلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ }(6)، وقوله تعالى : { فَسَْلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ ا لَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ }(7).
وقوله : (( كنحو وسئل وسئلوا )) ، هذا مثال الواو .
وقوله : (( وسئل )) ، كقوله تعالى : { وَسَْلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا }(8).
__________
(1) في جـ ، ز : " لا تبتدئ " .
(2) في جـ : " سماها ابن أحمد " .
(3) في جـ : " الأصل " .
(4) سورة النحل ، من الآية 43 .
(5) سورة الأنبياء ، من الآية 63 .
(6) سورة يونس ، من الآية 94 . و" تعالى " ساقطة من : " جـ " .
(7) سورة يوسف ، من الآية 50 .
(8) سورة يوسف ، من الآية 82 .(2/53)
وقوله : (( وسئلوا )) ، كقوله تعالى : { وَسَْلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ? }(1)، ومثاله – أيضا – قوله تعالى : { وسَْلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ }(2)، وغير ذلك .
والعلّة في حذف الوصل هاهنا في الأمر من السؤال : أن الواو والفاء قامتا مقام ألف الوصل ، لا تصالهما بما بعدهما في الوصل(3)والوقف ، إذ لا يمكن الوقف عليهما لكونهما على حرف واحد .
واعترض على هذه العلّة بالنقض بالأمر من الثلاثي ، نحو : { وَاذْكُرُواْ }(4){ فَاذْكُرُواْ } وشبهه .
وأجيب : بأن الواو والفاء تارة يقدّران بالاتصال ، وتارة يقدّران بالانفصال ، كما تقدّم في النوع الأول .
وقيل(5): العلّة في حذف ألف الوصل في الأمر من السؤال : إشارة إلى قراءة النقل ، وهي لغة معروفة ، وهي قراءة ابن كثير والكسائي ، لأنهما نقلا حركة الهمزة إلى السين ، فحذفت الهمزة واعتدّ بحركة النقل في الأمر من السؤال ، فلما تحركت السين استغني بذلك عن همزة الوصل .
وأجمع القراء على النقل في قوله تعالى : { سَلْ بَنِي إِسْرَآءِيلَ }(6)، [ وقوله تعالى : { سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَالِكَ زَعِيمٌ }(7)] .
الإعراب : (( والحذف )) إما فاعل وإما مبتدأ ، وقوله : (( عنهما )) ، وقوله : (( بهمز الوصل )) هذان المجروران متعلّقان بـ (( جاء )) أو بالثبوت والاستقرار إذا جعلنا الحذف مبتدأ ، وقوله : (( إذا )) ظرف متعلّق بالمحذوف المتقدّم ،
__________
(1) سورة النساء ، من الآية 32 .
(2) سورة الأعراف ، من الآية 163 .
(3) في جـ : " الأصل " . والصواب ما أثبت .
(4) في مثل قوله تعالى : { وَاذْكُرُواْ اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ .... } ، سورة البقرة ، من الآية 201 .
(5) انظر دليل الحيران ، ص 73 .
(6) 10) سورة البقرة ، من الآية 209 .
(7) 11) سورة القلم ، الآية 40 . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(2/54)
وقوله : (( أتى )) فعل ماض ، وقوله(1): (( من قبل همز الوصل )) متعلّق بـ (( أتى )) وقوله : (( من نحو )) هذا الجار لا متعلّق له ، لأنه لبيان الجنس ، وقوله : (( وأتوا)) مضاف إليه محكي ، وقوله : (( فأتوا )) معطوف محكي – أيضا – ، وقوله : (( قل )) فعل أمر ، وقوله : (( فسئلوا )) معطوف محكي – أيضا – ، وقوله : (( كنحو )) معطوف [أيضا](2)، أي وكنحو ، (( وسئل )) مضاف إليه ، وقوله : (( وسئلوا )) معطوف محكي(3). ثم قال :
[126] وَقَبْلَ تَعْرِيفٍ وَبَعْدَ لاَمِ **** كَلَلَّذِي لَلدَّارُ لِلإِسْلاَمِ
تكلّم الناظم على الموضع الثالث من المواضع السبعة التي تحذف فيها ألف الوصل ، وهو ألف الوصل الداخلة على لام التعريف ، إذا كانت قبلها لام أخرى ، وسواء كانت تلك اللام للتأكيد ، أو للابتداء ، أو للجرّ . لأن الناظم مثّل باللامات الثلاثة .
فقوله : (( للذي )) مثال لام التأكيد ، وأراد قوله تعالى : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا }(4).
وقوله : (( للدار )) مثال لام الابتداء ، وأراد قوله تعالى : { وَلَلدَّارُ اءَلاْخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }(5).
وقوله : (( للإسلام )) مثال لام الجر ، كقوله تعالى : { أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ? لِلإِسْلاَمِ }(6).
__________
(1) في جـ : " قوله " .
(2) في جـ : " قوله " .
(3) من هنا يبدأ النقص من النسخة " جـ " ، إلى قول الناظم : " ولتخذت وبخلف يرسم ...... " .
(4) سورة آل عمران ، من الآية 95 .
(5) سورة الأنعام ، من الآية 33 .
(6) سورة الزمر ، من الآية 21 .(2/55)
وقوله : (( كللذي )) مثاله في التأكيد ، قوله تعالى : { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ }(1)، وقوله تعالى : { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَََلاخِرَةَ وَالاولَى }(2)
وقوله : (( للدار )) مثاله في الابتداء ، قوله تعالى : { وَلََلاخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الاولَى }(3).
وقوله : )) للإسلام (( مثاله في الجر ، قوله تعالى : { وَلِلَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى }(4)وقوله : { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ }(5)، وقوله : { لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ [وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ] }(6)
ومثاله في الكلام : للالتباس ، للالتقاء ، للالتفات . فإن ألف الوصل المصاحب للام التعريف محذوف ، وأما ألف الوصل المصاحب للام الأصل فهو ثابت .
والعلّة في حذف ألف الوصل بين اللامين المذكورين : كراهية اجتماع ثلاثة أمثال وهي اللامان والألف ، لأن صورة الألف مماثلة لصورة اللام ، لأن الألف محذوف في اللفظ محذوف – أيضا – في الخطّ ، حملا للخطّ على اللفظ .
__________
(1) سورة آل عمران ، من الآية 67 .
(2) سورة الليل ، الآيتين : 12 ، 13 .
(3) سورة الضحى ، الآية 4 .
(4) سورة الأعراف ، من الآية 180 .
(5) سورة الحشر ، من الآية 7 .
(6) سورة الأحزاب ، من الآية 37 .
{ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } سقطت من : " ز " .(2/56)
وقوله : (( وقبل تعريف وبعد لام )) شرط الناظم – رحمه الله – هاهنا أن ألف الوصل إنما يحذف إذا وقع بين اللامين ، إحداهما لام التعريف ، فيؤخذ من مفهوم كلامه : أنه إذا لم يقع بين لامين لا يحذف ، نحو قوله تعالى : { فَادَّ رَاتُمْ فِيهَا }(1)، وقوله : { وَازَّيَّنَتْ }(2)، { وَاعْلَمُواْ }(3){ وَاعْبُدُواْ }(4).
ويؤخذ منه – أيضا – : أنه إذا وقع بعد لام ، ولم يقع قبل لام التعريف ، فإنه لا يحذف – أيضا – ، نحو قوله تعالى : { لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ }(5)، وقوله تعالى : { لاِبْنِهِ? وَهْوَ يَعِظُهُ? }(6)، وقوله تعالى : { إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }(7)، وقوله : { إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً }(8)، وقوله : { وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً }(9)، وقوله : { لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ }(10).
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 71 .
(2) في قوله تعالى : { .... وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا..... } ، سورة يونس ، من الآية 24 .
(3) في مثل قوله تعالى : { .... وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } ، سورة البقرة ، من الآية 193 .
(4) في مثل قوله تعالى : { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ? شَيًْا..... } ، سورة النساء ، من الآية 36 .
(5) سورة آل عمران ، من الآية 159 .
(6) سورة لقمان ، من الآية 12 .
(7) 10) سورة العنكبوت ، من الآية 48 .
(8) 11) سورة الإسراء ، من الآية 42 .
(9) 12) سورة الإسراء ، من الآية 73 .
(10) 13) سورة الأنبياء ، من الآية 17 .(2/57)
ويؤخذ منه – أيضا – : أنه إذا وقع قبل لام التعريف ولم يقع بعد لام أخرى ، أنه لا يحذف – أيضا – ، كقوله تعالى : { واللَّهُ }(1)، و { تَاللَّهِ }(2)، { بِاللَّهِ }(3)
{ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } ، { وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ }(4)، وغير ذلك .
وقوله : (( وقبل تعريف )) يؤخذ من هذا : أن آلة التعريف هي اللام خاصّة دون الألف ، وهو مذهب سيبويه(5).
وقيل : آلة التعريف الألف واللام معا ، وهو مذهب الخليل .
ودليل سيبويه على أن الألف مع لام التعريف هو ألف الوصل ، ثلاثة أشياء :
أحدها : سقوطها في الوصل ، وقال اجتلبت لام التعريف ساكنة مبالغة في خفتها ، ثم أتى بالهمزة ، ليصح الابتداء بالساكن الذي هو التعريف .
والدليل الثاني : أن المفيد للتنكير هو حرف واحد وهو التنوين ، فينبغي – أيضا – أن يكون المفيد للتعريف حرفا واحدا وهو اللام ، حملا للتعريف على التنكير ، لأن التعريف نقيض التنكير ، لأن الشيء يُحمل على نقيضه ، كما يُحمل على نظيره .
والدليل على أن سقوط ألف الوصل في الوصل أصل ، وسقوط ألف القطع في الوصل فرع ، وادعاء الأصل أولى من ادعاء الفرع ، لأن سيبويه ادعى : أن المحذوف في الوصل هو ألف الوصل ، وادعى الخليل : أن المحذوف في الوصل هو ألف القطع .
__________
(1) 14) في مثل قوله تعالى : { .... واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ } ، سورة البقرة ، من الآية 18 .
(2) 15) في مثل قوله تعالى : { قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ.... } ، سورة يوسف ، من الآية 73 .
(3) 16) في مثل قوله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللّهِ.... } ، سورة البقرة ، من الآية 7 .
(4) سورة الأحزاب ، من الآية 35 .
(5) انظر الكتاب ، 3 : 357 .(2/58)
وأجاب الخليل عن الدليل الأول – وهو حذفها في الوصل – : بأن حذفها تخفيفا لكثرة الاستعمال ، كما حذفت همزة الأصل في الأمر ، من : ((أخذ)) ، و((أمر)) ، و((أكل)) . فيقال : ((خذ)) ، ((مُر)) ، ((كُل)) ، فحذفت همزة الأصل في الأمر من هذه الأفعال الثلاثة : تخفيفا لكثرة استعمالها .
وأجاب عن الدليل الثالث وهو ادعاء الأصل أصل ، إذ سقوط ألف الوصل أصل وسقوط ألف القطع في الوصل فرع ، بأن قال الخليل : هذا الدليل مقابل بمثله ، وهو أن ادعاء الأصالة للألف أصل ، وادعاء زيادته فرع ، وادعاء الأصل أولى من ادعاء الفرع ، لأن سيبويه ادعى زيادة الألف ، وادعى الخليل أصالته ، ودليل الخليل على أن الألف مع لام التعريف هو ألف القطع ، وأنه مع اللام حرف واحد مفيد للتعريف ، كـ"هل" ، و"بل" ، ثلاثة أشياء :
أحدها : تحريك هذه الهمزة بالفتح ، إذ لو كانت همزة وصل لما فتحت ، لأن همزة الوصل لا تكون مفتوحة ، ولا تكون إلا مضمومة أو مكسورة .
والدليل الثاني : ثبوتها مع همزة الاستفهام ، كقوله تعالى : { قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ [حَرَّمَ] }(1)، وشبهه .
فلو كانت هذه الهمزة همزة الوصل ، لما ثبت هاهنا في الوصل ، لأن همزة الوصل لا تثبت في الوصل .
والدليل الثالث : أ ن هذه الهمزة تثبت كثيرا في الشعر ، ومنه قول الشاعر(2):
وَلاَ تُبَادِرُوا فِي الشِّتَاءِ وَلِيدَنَا ألْقِدْرَ يُنزِلُهَا بِغَيْرِ جِعَالِ
والجعال : ما يتنزل به القِدر من خرقة أو غيرها .
وقال آخر(3):
__________
(1) سورة الأنعام ، من الآية 144 .
(2) هذا البيت من بحر الكامل ، وقد نسبه ابن منظور لسيبويه .
انظر : الكتاب ، 4 : 263 ، اللسان ، 6 : 190 ، " كأس " .
وانظر معنى الجعال في القاموس المحيط ، 879 ، " جعل " .
(3) هذا البيت من البسيط ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ، تحقّيق بدر الدين حاضري ومحمد حمامي ،
ص 193 ، ط2 ، دار الشرق العربي ، بيروت ، 1998 م .(2/59)
لَتَسْمَعُنَّ وَشِيكًا فِي دِيَارِكُمُ اللهُ أَكْبَرُ يَا ثَارَاتِ عُثْمَانا
وقال آخر(1):
وَإِذَا اصْطَنَعَتْ صَنِيعَةً فَاقْصِدْ بهَا اللهَ أَوْ فِي ذِي الْقَرَابَةِ أَوْ دَعِ
فقد ثبتت هذه الهمزة التي مع لام التعريف ، في هذه الأبيات كلّها في الوصل ، فلو كانت همزة وصل لسقطت في الوصل .
أجاب سيبويه عن الدليل الأول ، وهو تحريكها بالفتح : لأنها إنما حركت بالفتح من باب مقابلة الشذوذ بالشذوذ ، إعلاما بالشذوذ ، وذلك أن أصل همزة الوصل أن تدخل على الأفعال ، أو على الأسماء المخصوصة ، وأما دخولها على الحرف فهو شاذ ، وتحريك همزة الوصل إنما يكون بالضم أو بالكسر ، وأما تحريكها بالفتح فهو شاذ ، فحركت همزة الوصل هاهنا مع لام التعريف بالفتح : مقابلة الشذوذ بالشذوذ إعلاما بالشذوذ .
وأجاب عن الدليل الثاني ، وهو ثبوتها مع همزة الاستفهام في قوله تعالى : { قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ } وشبهه : لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر .
وأجاب عن الدليل الثالث ، وهو ثبوتها في الأبيات المذكورة : بأن ذلك ضرورة .
الإعراب : قوله : (( وقبل تعريف )) ظرف ومخفوض به ، والعامل في الظرف محذوف ، تقديره : والحذف عنهما بهمز الوصل الكائن ، أو كائنا قبل لام التعريف ، فيكون العامل في هذا الظرف إذاً : إما صفة محذوفة ، وإما حال محذوفة . وقوله : (( وبعد لام )) الإعراب كالإعراب ، وقوله : (( كللذي )) جار ومجرور في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره : وذلك مثل للذي ، وقوله : (( للدار للإسلام )) معطوفان . ثم قال :
[127] وَبَعْدَ الاِسْتِفْهَامِ إِنْ كَسَرْتَا **** كَقَوْلِهِِ يَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَا
__________
(1) هذا البيت لحسان بن ثابت ، في ديوانه ،ص 130 .(2/60)
ذكر الناظم في هذا البيت : الموضع الرابع من المواضع السبعة التي تحذف فيها ألف الوصل ، وهو همزة الوصل المكسورة بعدها همزة الاستفهام ، مثّله الناظم بقوله تعالى : { يَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ }(1)، وذلك أن أصله : ((أإستكبرت)) ، فحذفت همزة الوصل ، وقد ورد هذا في كتاب الله - عز وجل - في سبعة مواضع :
الأول في البقرة : { قُلْ أَتَّخَذتُّمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا }(2).
والثاني في مريم : { وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ }(3).
والثالث في سبأ : { جَدِيدٍ أَفْتَرَى }(4).
والرابع في والصافات : { أَصْطَفَى الْبَنَااتِ عَلَى الْبَنِينَ }(5).
والخامس في صاد : { أَتَّخَذْنَاهُمْ سُخْرِيًّا }(6).
والسادس في صاد – أيضا – : { يَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ } .
والسابع في المنفقين : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ }(7).
وقوله : (( وبعد الاستفهام إن كسرتا )) يعني : أن صورة همزة الوصل تحذف بشرط أن تكون مكسورة بعد همزة الاستفهام ، كما تقدّم في أمثلتها ، احترازا ممّا إذا لم تكن مكسورة بعد همزة الاستفهام ، كقوله تعالى : { ءَآلذَّكَرَيْنِ } وشبهه ، لأن همزة الوصل هاهنا مفتوحة بعد همزة الاستفهام ، وليست مكسورة ، ولأجل ذلك لا تحذف هاهنا .
وورد هذا النوع في القرآن في ثلاثة ألفاظ في ستة مواضع ، وهي :
{ ءَآلذَّكَرَيْنِ } في موضعين في الأنعام .
__________
(1) سورة ص ، من الآية 74 .
(2) سورة البقرة ، من الآية 79 .
(3) سورة مريم ، من الآية 78 .
(4) سورة سبأ ، من الآيتين : 7 ، 8 .
(5) سورة الصافات ، الآية 153 .
(6) سورة ص ، من الآية 62 .
(7) سورة المنافقون ، من الآية 6 .(2/61)
و { ءَآللَّهُ } في موضعين في يونس : { ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّه تَفْتَرُونَ }(1)، وفي النمل : { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا تُشْرِكُونَ }(2).
و { ءَآ لَنَ } في موضعين في يونس : { ءَآ لَنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ? تَسْتَعْجِلُونَ }(3)وقوله : { ءَآ لَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ }(4).
واعتُرض قوله في هذا البيت : (( وبعد الاستفهام إن كسرتا )) بأن ظاهره يقتضي أن همزة الوصل المفتوحة بعد همزة الاستفهام لا تحذف صورتها ، لأنه قال : (( إن كسرتا )) ، فاشترط في حذفها أن تكون مكسورة ، فيؤخذ من مفهومه : أنها إذا كانت غير مكسورة لا تحذف اتفاقا ، وليس الأمر كذلك ، لأن أصحاب الرسم اختلفوا في صورة همزة الوصل في مثل قوله تعالى : { ءَآلذَّكَرَيْنِ } على قولين : بالإثبات والحذف ، لأنهم اختلفوا في هذا على قولين : فقيل الصورة الثابتة هاهنا هي صورة همزة الوصل ، وحذفت صورة همزة الاستفهام ، وقيل بالعكس .
أجيب عن هذا بأن قيل : اعتمد الناظم هنا على القول المشهور ، وهو إثبات صورة همز ة الوصل وحذف صورة همزة الاستفهام في { ءَآلذَّكَرَيْنِ } ونحوه ، وسكت عن الوجه الآخر ، وهو حذف صورة همزة الوصل وإثبات صورة همزة الاستفهام .
وقيل الجواب عن هذا : أن الناظم بيّن ذلك في ما يؤدي إلى اجتماع صورتين في قوله(5): (( وما يؤدي إلى اجتماع صورتين )) البيت .
فإن قلت : لماذا ثبتت همزة الوصل المفتوحة بعد همزة الاستفهام وحذفت همزة الوصل المكسورة بعد همزة الاستفهام ؟
__________
(1) سورة يونس ، من الآية 59 .
(2) سورة النمل ، من الآية 61 .
(3) 10) سورة يونس ، من الآية 51 .
(4) 11) سورة يونس ، من الآية 91 .
(5) انظر دليل الحيران ، ص 176 .(2/62)
قلنا : إنما ثبتت همزة الوصل المفتوحة مع همزة الاستفهام ؛ لئلا يقع الالتباس بين الاستفهام والخبر ، لاتفاق حركتهما ، لأن كل واحدة منهما مفتوحة ، فلو حذفت همزة الوصل فلا يُدرى هل ذلك استفهام أو إخبار ، ومثله في الكلام ، قوله : "ءالرجل خير من المرأة" بالاستفهام ، وقولك : "ءالدينار خير من الدرهم" بالاستفهام ، وقولك : "ءالتمر خير من الجراد" بالاستفهام ، لأنك إذا حذفت همز الوصل في قوله – مثلا – الرجل خير من المرأة ، فلا يُدرى هل أنت مستفهم أم مخبر ، فإذا أثبت همزة الوصل وقلت أالرجل خير من المرأة ، علم السامع أنك مستفهم .
وحذفت همزة الوصل في مثل قوله تعالى : { أَطَّلَعَ الْغَيْبَ } : للأمن من الالتباس لاختلاف حركتي الهمزتين ، لأن همزة الاستفهام مفتوحة ، وهمزة الوصل مكسورة
الإعراب : قوله : (( وبعد الاستفهام )) ظرف ومخفوض به ، والعامل في الظرف إما صفة محذوفة ، وإما حال محذوفة ، تقديره على سياق كلام الناظم : والحذف عنهما بهمز الوصل الواقع ، أو واقعا بعد همزة الاستفهام ، وقوله : (( إن )) حرف شرط ، وقوله : (( كسرتا )) ماض وفاعل ، والألف لإطلاق القافية ، وجواب الشرط محذوف ، تقديره : إن كسرت حذفته ، وقوله : (( كقوله )) جار ومجرور في موضع خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره : وذلك مثل قوله ، وقوله : (( يدي أستكبرت )) مفعول للقول ، وهو محكي والألف فيه لإطلاق القافية . ثم قال(1):
[128] وَلَتَّخَذْتَ وَبِخُلْفٍ يُرْسَمُ **** لاِبْنِ نَجَاحٍ فِي أَفَاتَّخَذْتُمُ
ذكر الناظم في هذا البيت : الموضع الخامس ، والموضع السادس من المواضع السبعة التي تحذف فيها صورة همزة الوصل ؟
الموضع الأول من هذين الموضعين بالاتفاق ، وهو قوله تعالى : { قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذتَّ عَلَيْهِ أَجْرًا }(2).
__________
(1) من هنا تبدأ مرة أخرى النسخة " جـ " .
(2) سورة الكهف ، من الآية 76 .(2/63)
والموضع الثاني بالخلاف لابن نجاح كما ذكره الناظم ، وهو قوله تعالى : { قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ? أَوْلِيَآءَ }(1)في الرعد .
وقوله : (( ولتخذت )) معطوف على قوله أولا : (( والحذف عنهما بهمز الوصل )) تقديره : والحذف عنهما بهمز الوصل في : { لَتَّخَذتَّ عَلَيْهِ أَجْرًا } ، لأن أصله : ((اتخذت)) ، دخلت عليه اللام التي هي جواب { لَوْ } ، فصار ((لاتخذت)) بلام الألف وحذفت الألف التي هي صورة همزة الوصل ، فصار { لَتَّخَذتَّ } .
والعلّة في حذف ألف الوصل في قوله تعالى : { لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذتَّ عَلَيْهِ أَجْرًا } إشارة إلى القراءة الأخرى ، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو(2)، لأنهما قرءاه بلام وتاء مفتوحة مخفّفة وكسر الخاء ، وهو لغة في ((اتخذ)) ، لأنه يقال : ((اتخذ)) بهمز الوصل ، ويقال : ((تخذ)) على وزن ((عمل)) ، وهما لغتان .
فإن قلت : لماذا حذفت ألف الوصل في قوله تعالى : { لَتَّخَذتَّ عَلَيْهِ أَجْرًا } وثبت الألف في قوله تعالى : { لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا }(3)؟
قلنا : جمْعا بين اللغتين . والله أعلم .
وقوله : (( وبخلف يرسم لابن نجاح في أفاتخذتم )) هذا هو الموضع السادس .
وقوله : (( وبخلف )) هو من باب التضمين ، لأنه متعلّق بما بعده ، وليس بمتعلّق بما قبله .
وقوله : (( بخلف يرسم )) ، معناه : ويرسم الألف ، أي ويثبت الألف ، أي ويرسم ألف الوصل في { أَفَاتَّخَذتُّم } مصحوبا بالخلاف لابن نجاح ، وأراد قوله تعالى في سورة الرعد : { قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذتُّم مِّن دُونِهِ? أَوْلِيَآءَ } .
__________
(1) سورة الرعد ، من الآية 17 .
(2) ووافقهما من العشرة : يعقوب الحضرمي .
انظر : التيسير ، ص118 ، النشر ، 2 : 314 ، المبسوط ، ص 237 , إتحاف فضلاء البشر ، ص 371 .
(3) سورة الأنبياء ، من الآية 17 .(2/64)
واعترض هذا بسكوته عن مختار ابن نجاح ، لأنه ذكر الخلاف في هذا اللفظ ، ثم اختار الإثبات فيه ، لأنه قال في التنزيل : " { قُلْ أَفَاتَّخَذتُّم } كتبوه في بعض المصاحف، بألف بين الفاء ، والتاء ، وفي بعضها بغير ألف ، والأول أختار"(1).
الإعراب : قوله : (( ولتخذت )) يصح أن يكون فاعلا بفعل مضمر ، تقديره : وجاء لتخذت(2)بحذف ألف الوصل ويصح أن يكون مبتدأ والخبر محذوف ، تقديره : ولتخذت جاء بالحذف – أيضا – ويصح أن يكون ظرفا ، لأنه محل الحذف ، تقديره : والحذف جاء عنهما في لتخذت ، وقوله (( وبخلف )) متعلّق بحال محذوفة ، تقديره : مصحوبا بخلف(3)، وقوله : (( يرسم )) فعل مضارع مركب لما لم يسم فاعله ، والمفعول الذي لم يسم فاعله هو الألف ، تقديره : ويرسم ألف الوصل ، وقوله : (( لابن نجاح )) وكذلك قوله : (( في أفاتخذتم )) المجروران متعلّقان بـ (( يرسم )) ، تقديره : ويرسم ألف الوصل في أفاتخذتم لابن نجاح مصحوبا بالخلاف(4). ثم قال :
[129] وَحَذْفُ بِسْمِ اللهِ عَنْهُمْ وَاضِحْ **** فِي هُودَ وَالنَّمْلِ وَفِي الْفَوَاتِحْ
[130] وَأَغْفَلَ الدَّانِي مَا فِي النَّمْلِ **** فَرَسْمُهُ كَهَذِهِ عَنْ كُلٍّ
ذكر الناظم في هذين البيتين : الموضع السابع من السبعة المواضع التي تحذف فيها ألف الوصل ، وهو ألف الوصل الكائن بين الباء والسين من { بِسْمِ }(5).
__________
(1) مختصر التبيين ، 3 : 739 .
(2) زاد في جـ ، ز : " أيضا " .
(3) في جـ : " بالخلاف " .
(4) في جـ : " بالخلف " . وفي ز بعدها : " أي حالة كون الألف مصحوبا بالخلاف " .
(5) في جـ : " بسم الله " .(2/65)
وقوله : (( وحذف بسم الله )) البيت ، معناه : وحذف {ألف { بِسْمِ اللَّهِ } واضح ، أي بيّن ظاهر جلي عنهم ، أي عن جميع }(1)أهل الرسم في سورة هود ، وفي سورة النمل ، وفي أوائل السور في المصحف(2).
وقوله : (( في هود )) أراد قوله تعالى : { بِسْمِ اللَّهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا }(3).
[وقوله : ((والنمل)) أراد قوله تعالى : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ } ](4).
وقوله : (( وفي الفواتح )) أراد قوله تعالى : { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ } المكتوب في أوائل السور .
وقوله : (( وأغفل الداني ما في النمل )) يعني أن أبا عمرو الداني غفل عن ذكر { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ } الواقع في سورة النمل ونسيه ، ولو سئل عنه لقال بحذفه
[ وقوله : (( فرسمه كهذه عن كل )) ، أي وكتْب هذا اللفظ الذي في النمل مثل كتْب هذه الكلمة الواقعة في هود والواقعة في فواتح السور ](5)عن كلٍّ ،
أي عن جميع أهل الرسم [من غير خلاف](6)عندهم في ذلك .
وقوله : (( وحذف بسم الله عنهم واضح )) البيتين ، يؤخذ منه : أن الألف في { بِسْمِ اللَّهِ } في غير هذه المواضع الثلاثة المذكورة ثابت ، كقوله تعالى : { فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ }(7)، وقوله : { اقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ }(8).
__________
(1) ما بين القوسين أثبت من " جـ " ، " ز " . لأنه في الأصل مطموس وغير واضح .
(2) في جـ : " المصاحف " .
(3) سورة هود ، من الآية 41 .
(4) سورة النمل ، من الآيتين 30 ، 31 . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(7) في موضعين ، في الآية 99 من سورة الواقعة ، والآية 52 من سورة الحاقة .
(8) سورة العلق ، من الآية 1 .(2/66)
والحاصل في الألف في { بِسْمِ اللَّهِ } بالنسبة إلى حذفه وإثباته عند النحاة ، ثلاثة أوجه :
وجه يحذف فيه اتفاقا ، وهو : إذا قلت { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ } .
ووجه يثبت فيه اتفاقا ، وهو : إذا دخلت على اسم الله غير الباء ، كقولك : "لاسم الله حلاوة" ، و[قولك](1): "ليس اسم كاسم الله" ، وقولك : "لاسم محمد حلاوة" ، وقولك : "ليس اسم كاسم محمد" .
ووجه مختلف فيه ، والمشهور إثبات الألف ، وهو : إذا قلت { بِسْمِ اللَّهِ } خاصّة دون { الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ } ، وكذلك إذا أضيف الاسم إلى غير(2)لفظة الله من أسمائه ، كقولك : "بسم الخالق" ، أو "بسم الرزاق" ، ومنه قوله تعالى : { فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } ، وقوله تعالى : { اقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ } .
هذا حاصله عند النحاة ، وأما عند القراء فكما ذكر الناظم .
واختلف النحاة(3)في علّة حذف ألف الوصل في الخطّ من { بِسْمِ اللَّهِ } على أربعة أقوال :
قيل : لكثرة الاستعمال ، وقيل : حملا للخطّ على الوصل ، وقيل : للزوم الباء لهذا الموضع ، فاستغنى عنها بالباء ، وقيل : لتحرك السين في الأصل ، لأن أصله عند البصريين : (( سُمو )) بضم السين ، وقيل (( سِمو )) بكسر السين .
من قال هو من : سما يسمو ، [أصله](4)(( سُمو )) بضم السين ، ونظيره : ((علا يعلو ومن قال هو من : سَمِي يَسمي ، قال أصله : (( ِسمو )) بكسر السين ، نظيره : (( على يَعلى )) ، وأصل الياء في (( سَمِيَ )) وفي (( عَلِيَ )) الواو ، ثم قلبت الواو ياء لوقوعها بعد كسرة .
__________
(1) ساقطة من : " ز " .
(2) في جـ : " على غير " .
(3) انظر الإنصاف في مسائل الخلاف ، 1 : 6 – 16 .
(4) ساقطة من : " ز " .(2/67)
وقال الكوفيون : أصله (( وَسْم )) من السمة التي هي العلامة ، من وَسم يَسِمُ ، ومنه قوله تعالى : { سَنَسِمُهُ?عَلَى الْخُرْطُومِ }(1)، فأصله على هذا (( وسم ))
ثم نقلت الفاء(2)إلى موضع اللام ، وقد نبّه [ أبو زكريا بن معطي في ألفيّّته ](3)على هذين القولين ، فقال(4):
واشتق الاسم من سما البصريون واشتقه من وسم الكوفيون
والمذهب المقدم الجلي دليله الأسماء والسُّمي
فاستدل أبو زكريا(5)على قوة مذهب البصريين القائلين : بأنه مأخوذ من : سما يسمو إذا علا وارتفع ، بدليلين : التكسير والتصغير ، لأن جمعه في التكسير : أسماء ، وتصغيره ، سُمَى . ولو كان مأخوذا من : وسمه يسمه ، إذا جعل له علامة ، لكان تكسيره : أوسام ، وتصغيره : وسيم ، ولا يقال كذلك .
[
__________
(1) سورة القلم ، الآية 16 .
(2) في جـ " الواو " .
(3) هو أبو الحسين يحيى بن معطي بن عبد النور ، زين الدين المغربي ، الزواوي االنحوي . ولد سنة 564 هـ ،
وقرأ على الجزولي وسكن دمشق طويلا ، واشتهر هناك بالتدريس والتأليف . توفي سنة 628 هـ .
من آثاره : "الألفية" في النحو ، "البديع في صناعة الشعر" ، "قصيدة في القراءات السبع" .
انظر : بغية الوعاة 2 : 344 ، رقم 2146 ، الأ علام ، 9 : 192 .
وما بين المعقوفين في جـ : " أبو عمرو الداني " .
(4) انظر الغرّة المخفية لابن الخباز في شرح الدرة الألفية لابن معطي ، تحقيق حامد محمد العبدلي ، 1 : 83 ،
دار الأنبار ، بغداد .
(5) في جـ : " أبو داود " .(2/68)
وهاهنا تنبيه : وهو أن الناظم – رحمه الله – أغفل لفظا ثامنا من المواضع التي تحذف فيها ألف الوصل ، وهو قوله تعالى : { يَبْنَؤُمَّ }(1)في سورة طه ، ولكن وإن سكت عنه هاهنا ، فقد ذكره في باب الهمز ، في الهمزة التي ترسم على إفراد الاتصال بالزوائد ، في قوله : (( وهؤلاء ثم يبنؤما وأؤنبئ بواو حتما ](2).
الإعراب : قوله : (( وحذف )) مبتدأ ، وقوله : (( بسم الله )) مضاف إليه محكي ، وقوله : (( عنهم )) [ متعلّق بـ (( واضح )) ، و (( واضح )) خبر لمبتدأ ، وقوله : (( في هود )) جار ومجرور والعامل في المجرور إما صفة محذوفة ، أو حال محذوفة ، وتقدير الصفة ](3): بسم الله الكائن في هود ، وتقدير الحال : بسم الله كائنا في هود ، وقوله : (( هود )) لم يصرفه للضرورة ، وهو مصروف(4)في الاختيار ، لأنه عربي لأن أسماء الأنبياء – عليهم السلام – كلّها أعجمية ، إلا أربعة : "محمد وهود وصالح وشعيب" ، فإنها عربية ، وقوله : (( والنمل )) معطوف ، وقوله : (( وفي الفواتح )) معطوف على قوله : (( في هود)) ، وقوله : (( وأغفل الداني )) فعل وفاعل ، وقوله : (( ما )) موصولة بمعنى الذي ، وقوله : (( في النمل )) جار ومجرور متعلّق بالثبوت والاستقرار وهو محذوف ، لأنه صلة الموصول ، وقوله : (( فرسمه )) مبتدأ ومضاف إليه ، وقوله : (( كهذه )) جار ومجرو في موضع خبر المبتدأ ، أي مثل هذه وقوله : (( عن كل )) متعلّق بالثبوت والاستقرار . ثم قال :
[131] كَذَا وَقَاتِلُوهُمْ فِي الْبَقَرَةْ **** وَقَبْلَهُ ثَلاَثَةٌ مُقْتَفَرَةْ
تعرّض الناظم هاهنا لما حذف عن جميع أهل الرسم من ألفاظ القتال ، فذكر منها في هذا البيت أربعة ألفاظ في سورة البقرة :
__________
(1) سورة طه ، من الآية 92 .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) في ز : " منصرف " .(2/69)
أحدها قوله تعالى : { وَقَتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ }(1)، وإلى هذا اللفظ أشار الناظم بقوله : (( كذا وقاتلوهم في البقرة )) ، وقيّده بالسورة احترازا من الواقع في غير هذه السورة ، كقوله تعالى في سورة الأنفال : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ }(2)
والألفاظ المذكورة في الشطر الثاني ، هي قوله تعالى في البقرة قبل هذا اللفظ المذكور : { وَلاَ تُقَتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَتَلُوكُمْ }(3)وإلى هذه الألفاظ الثلاثة أشار الناظم بقوله : (( وقبله ثلاثة مقتفرة )) ، أي ووقع قبل هذا اللفظ الأول المذكور من ألفاظ القتال ثلاثة ألفاظ مقتفرة ، أي متتابعة متوالية ، لأن الاقتفار معناه : الاتباع ، لأن العرب تقول اقتفرت أثره ، أي اتبعت أثره ، ومنه قول الشاعر(4):
وَلاَ يَزَالُ أَمَامَ الْقَوْمِ يَقْتَفِرُ
أي يتّبع . وقوله : (( وقبله ثلاثة مقتفرة )) هذه الألفاظ الثلاثة فيها في السبع قراءتان مشهورتان : قراءة حمزة والكسائي بالثلاثي من القتل ، وقرأها الباقون بالرباعي من القتال(5)، فحذفها إذاً حذف إشارة واقتصار .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 192 .
(2) سورة الأنفال ، من الآية 39 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 190 .
(4) هذا البيت لأعشى باهلة يمدح المنتشر بن وهب ، حيث يقول :
لا يتأرى لما القدر يرقبه ولا يعض على شر سوفه الصفر
لا يغمر الساق من أين ولا نصب ولا يزال أمام القوم يقتفر
وهو من شواهد : الخطيب في تهذيب إصلاح المنطق ، تحقيق فخر الدين قباوة ، ص 431 ، ط1 ، دار الآفاق
الجديدة ، بيروت ، 1983 م ، وابن منظور في اللسان ، 5 : 111 ، " قفر " .
(5) انظر : التيسير ، ص 68 ، غيث النفع ، ص 55 .(2/70)
الإعراب : قوله : (( كذا )) جار ومجرور في موضع خبر مقدم ، وقوله : (( وقاتلوهم )) مبتدأ ، أي وألف قاتلوهم كذا ، وقوله : (( في البقرة )) متعلّق بصفة محذوفة أو حال محذوفة ، تقدير الصفة : وقاتلوهم الواقع في البقرة ، وتقدير الحال : واقعا في البقرة ، وقوله : (( وقبله )) ظرف ومخفوض به ، والعامل في الظرف (( مقتفرة )) ، وقوله(1): (( ثلاثة )) معطوف ، ويصح أن يكون قوله : (( ثلاثة )) مبتدأ وخبره في الظرف قبله ، تقديره : وثلاثة متتابعة كائنة أو مستقرة قبله ، وقوله : ((مقتفرة)) نعت لـ (( ثلاثة )) فيكون العامل في الظرف على هذا خبر المبتدأ ، وهو الثبوت والاستقرار ، وإذا جعلنا قوله : (( ثلاثة )) معطوفا ، فيكون العامل في الظرف (( مقتفرة )) . ثم قال :
[132] وَآلُ عِمْرَانَ بِهَا الأَخِيرُ **** وَفَلَقَاتَلُوكُمُ مَأْثُورُ
قوله : (( وآل عمران بها الأخير )) ، يعني : أن اللفظ الأخير من ألفاظ القتال في سورة آل عمران محذوف باتفاق – أيضا – وأراد قوله تعالى : { وَ?ُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيَِّاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ? حُسْنُ الثَّوَابِ }(2)، وقيّده بالمرتبة الأخيرة احترازا ممّا قبله ، وهو قوله تعالى : { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ }(3)، وقوله في أول السورة : { قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }(4).
__________
(1) في جـ : " وقبله " .
(2) سورة آل عمران ، من الآية 195 .
(3) سورة آل عمران ، من الآية 167 .
(4) سورة آل عمران ، من الآية 13 .(2/71)
وقوله : (( وفلقاتلوكم مأثور )) ، أي وقوله تعالى في سورة النساء : { وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَتَلُوكُمْ }(1)مأثور ، أي مروي عن جميعهم بالحذف – أيضا – وإنما لم يقيّده ، لأن لفظه قيّده ، إذ ليس في القرآن لفظ يشبهه .
الإعراب : قوله : (( وآل عمران )) مبتدأ ، وقوله : (( عمران )) مضاف إليه ، ولا ينصرف للتعريف والعجمة ، وقوله : (( بها )) جار ومجرور متعلّق بـ (( الأخير )) والباء في (( بها )) بمعنى في ، أي فيها ، وقوله : (( الأخير )) نعت ، أو بدل من ((آل))(2)، وفي الكلام على هذا حذف مضاف ، تقديره : وقتال آل عمران الأخير بها [ وخبر المبتدأ محذوف ، تقديره : محذوف – أيضا – لجميعهم ، ويصح أن يكون قوله : (( وآل عمران )) معطوفا على قوله : (( وقاتلوهم في البقرة )) ، وقوله : (( الأخير )) نعت أو بدل ](3)، وقوله : (( وفلقاتلوكم )) مبتدأ ، وقوله : (( مأثور )) خبر المبتدأ . ثم قال :
[133] وَمَوْضِعٌ فِي الْحَجِّ وَالْقِتَالِ **** ثَمَانِ أَحْرُفٍ عَلَى التَّوَالِ
قوله : (( وموضع في الحج )) أراد قوله تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ }(4)، قرأه نافع وابن عامر وحفص بفتح التاء ، وقرأه الباقون بكسر التاء(5)
__________
(1) سورة النساء ، من الآية 89 .
(2) في جـ : " أو بدل لآل " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " محذوف لجميعهم " .
(4) سورة الحج ، من الآية 37 .
(5) وافق أبو جعفر : نافع وابن عامر وحفص على فتح تاء { يُقَتََلُونَ } .
انظر : التيسير ، ص 128 ، المبسوط ، ص 258 ، النشر ، 2 : 326 .(2/72)
وقوله : (( والقتال )) أراد قوله تعالى : { وَالَّذِينَ قَتَلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُّضِلَّ أَعْمَالَهُمْ }(1)وهذا الحرف ذكره الحافظ في المقنع(2)، ولم يذكره صاحب العقيلة .
واعترض قوله : (( والقتال )) بأن ظاهر العطف على ما تقدّم يقتضي أنهم كلّهم ذكروه ، مع أن صاحب العقيلة لم يذكره .
أجيب عنه بأن قيل : قوله : (( كذا وقاتلوهم في البقرة )) إلى آخره معطوف على قوله : (( والحذف عنهما بهمز الوصل )) ، وليس بمعطوف على قوله : (( وحذف بسم الله عنهم واضح )) .
وقوله : (( ثمان أحرف )) ، أي هذه ثمانية أحرف ، أي ثمانية ألفاظ من ألفاظ القتال
وقوله : (( على التوال )) ، أي على الترتيب ، أي أتيت بها على تواليها وترتيبها في المصحف ، لأنه ذكر ما في البقرة منها ، ثم ما في آل عمران ، ثم ما في النساء ، ثم ما في الحج ، ثم ما في سورة القتال .
وقوله : (( على التوال )) يريد على تواليها في السور لا في السورة ، لأن ألفاظ القتال التي في البقرة لم يذكرها على تواليها ، لأنه قدّم الآخر منها ، فقال : (( كذا وقاتلوهم في البقرة )) ، ثم قال : (( وقبله ثلاثة مقتفرة )) .
الإعراب : (( وموضع ))(3)معطوف على قوله : (( وفلقاتلوكم )) ، وقوله : (( في الحج )) متعلّق بصفة محذوفة ، أي موضع كائن في الحج ، وقوله : (( في القتال )) معطوف ، وقوله : (( ثمان أحرف )) خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : هذه ثمان أحرف أصله ثماني أحرف ، فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت ، فصار ثماني بسكون الياء فحذف الناظم الياء بعد النون لضرورة الوزن ، وقوله : (( على التوال )) متعلّق بمحذوف ، تقديره : أتت على التوال ، أو أتيت بها على التوال . ثم قال :
[134] أُولَى تَشَابَهَ وَإِنْ تَظَّاهَرَا **** تَظَّاهَرُونَ وَكَذَا تَظَاهَرَا
__________
(1) سورة محمد - عليه السلام - ، من الآية 5 .
(2) انظر : المقنع ، ص 14 .
(3) في جـ : " قوله وموضع " .(2/73)
ذكر في هذا البيت أربعة ألفاظ كلّها محذوفة للشيخين .
قوله : (( أولى تشابه )) يعني أن الكلمة الأولى من { تَشَبَهَ } محذوفة باتفاق من الشيخين ، أراد قوله تعالى في سورة البقرة : { إِنَّ البَقََرَ تَشَبَهَ عَلَيْنَا }(1).
وقوله : (( أولى ))(2)قيّده بالمرتبة الأولى احترازا من غيره ، كقوله : { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ }(3).
[ وقوله : (( وإن تظاهرا )) أراد قوله تعالى في سورة التحريم : { وَإِن تَظَّهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ }(4)] .
وقوله : (( وإن تظاهرا )) هذا الحرف الذي هو قوله : (( وإن )) ليس بقيد لهذا اللفظ ، لأنه متحد ، وإنما هو للبيان خاصّة .
وقوله : (( تظاهرون )) أراد قوله تعالى في البقرة : { تَظَّهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }(5).
وقوله : (( تظاهرا ))(6)أراد قوله تعالى في سورة القصص : { قَالُواْ سَاحِرَانِ تَظَهَرَا }(7).
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 69 .
واقتصر أبو عمرو على هذا الموضع ، فذكره بسنده عن قالون عن نافع بالحذف ، وسكت عن الباقي .
قال المارغني : " والعمل عندنا على حذف جميع الألفاظ المشتقة من مادة شبه " .
انظر : المقنع ، ص 10 ، دليل الحيران ، ص 78 .
(2) في جـ ، ز : " أولى تشابه " .
(3) سورة آل عمران ، من الآية 7 . وفي جـ : " كقوله تعالى " .
(4) سورة التحريم ، من الآية 4 . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) سورة البقرة ، من الآية 84 .
(6) في جـ : " كذا تظاهرا " .
(7) سورة القصص ، من الآية 48 .(2/74)
الإعراب : قوله : (( أولى )) معطوف بإسقاط حرف العطف ، وقوله : (( تشابه )) مضاف إليه ، [وقوله](1): (( وإن تظاهرا )) معطوف ، وقوله : (( تظاهرون )) معطوف ، وقوله : (( وكذا )) جار ومجرور في موضع خبر مقدم ، وقوله : ((تظاهرا)) مبتدأ ، وخبره قوله(2): (( كذا )) . ثم قال :
[135] وَأَطْلَقَ الْجَمِيعَ فِي التَّنْزِيلِ **** بِأَيَّمَا لَفْظٍ عَلَى التَّكْمِيلِ
ذكر الناظم في هذا البيت : أن جميع الألفاظ الثلاثة المذكورة محذوفة لأبي داود من غير تفصيل .
قوله(3): (( وأطلق الجميع في التنزيل )) ، أي وأطلق أبو داود جميع أفعال القتال وجميع ألفاظ التشابه ، وجميع ألفاظ الظهار في كتابه المسمى بـ " التنزيل " بالحذف من غير تفصيل(4)، كما فصّل أبو عمرو كما تقدّم .
وقوله : (( بأيما لفظ [على التكميل](5)) ، أي بأي لفظ جاءت هذه الألفاظ الثلاثة
وما زائدة في قوله : (( أيما )) ، كقوله تعالى : { أَيَّمَا الاْجَلَيْنِ قَضَيْتُ }(6)، وقوله : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ }(7)، وقوله : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ }(8).
وقوله : (( على التكميل )) ، أي على كمال هذه الألفاظ وتمامها ، أي عمّها في التنزيل وأكملها بالحذف من غير استثناء ، لأنه ذكر في التنزيل(9)أفعال القتال بالحذف سواء كان الفعل ماضيا أو مضارعا [أو أمرا](10).
مثال الماضي قوله تعالى : { فَإِن قَتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ }(11).
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) في جـ : " في قوله " .
(3) في جـ : " وقوله " .
(4) 10) انظر مختصر التبيين ، 2 : 252 ، 158 ، 176 .
(5) 11) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " ، " ز " .
(6) سورة القصص ، من الآية 28 .
(7) سورة آل عمران ، من الآية 159 .
(8) سورة النساء ، من الآية 154 .
(9) انظر مختصر التبيين ، 2 : 252، 253 .
(10) ساقطة من : " جـ " .
(11) سورة البقرة ، من الآية 190 .(2/75)
ومثال المضارع : { وَلاَ تُقَتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَتِلُوكُمْ فِيهِ }(1)
ومثال الأمر : { وَقَتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ }(2).
وذكر في التنزيل(3)– أيضا – أن ألفاظ التشابه محذوفة مطلقا من غير تفصيل ، سواء كان اسما أو فعلا .
مثال الفعل ، قوله تعالى : { إِنَّ البَقَرَ تَشَبَهَ عَلَيْنَا } ، وقوله : { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } ، وقوله : { فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ }(4)، وقوله : { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ }(5)
ومثال الاسم : { مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ }(6)، وقوله : { وَأُتُواْ بِهِ? مُتَشَابِهاً }(7)وقوله : { كِتَابًا مُّتَشَابِهًا }(8).
وذكر في التنزيل(9)– أيضا – أن ألفاظ الظهار محذوفة من غير تفصيل ، سواء كان اسما أو فعلا .
مثال الفعل : { وَإِن تَظَّهَرَا عَلَيْهِ }(10)، وقوله : { سَاحِرَانِ تَظَهَرَا }(11).
وقوله : { تَظَّهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ } ، وقوله : { وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ }(12)، { وَظَاهَرُواْ عَلَى إِخْرَاجِكُمْ }(13)، وقوله : { وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا }(14).
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 190 .
(2) سورة البقرة ، من الآية 192 .
(3) انظر مختصر التبيين ، 2 : 158 .
(4) 10) سورة الرعد ، من الآية 18 .
(5) 11) سورة البقرة ، من الآية 117 .
(6) 12) سورة الأنعام ، من الآية 142 .
(7) 13) سورة البقرة ، من الآية 24 .
(8) 14) سورة الزمر ، من الآية 22 .
(9) 15) انظر مختصر التبيين ، 2 : 176 .
(10) 16) سورة التحريم ، من الآية 4 .
(11) 17) سورة القصص ، من الآية 48 .
(12) سورة الأحزاب ، من الآية 26 .
(13) سورة الممتحنة ، من الآية 9 .
وفي جـ ، ز : "وقوله : { وَظَاهَرُواْ عَلَى إِخْرَاجِكُمْ } " .
(14) سورة التوبة ، من الآية 4 .(2/76)
ومثال الاسم ، قوله تعالى : { ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ? }(1)، وقوله تعالى : { أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ }(2)وقوله [تعالى] : { وَظَاهِرُهُ? مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ }(3)، وقوله : { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحياةِ الدُّنْيَا }(4)، وقوله : { قُرًى ظَاهِرَةً }(5)، وقوله تعالى : { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ?ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً }(6).
تنبيه : مثّّل بعض الشرّاح هاهنا بقوله تعالى : { وَ?ُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ }(7)، وقوله تعالى : { فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ }(8)، وبقوله : { ظَاهِرِينَ فِي الاْرْضِ }(9)ولا ينبغي أن يمثل بهذين اللفظين هاهنا ، لأن التمثيل بهما يقتضي أن صاحب التنزيل انفرد بحذفهما دون غيره من الشيوخ ، وليس الأمر كذلك ، لأن هذين اللفظين – أعني { مُتَشَابِهَاتٌ } و { ظَاهِرِينَ } – يحكم بحذفهما لجميع أهل الرسم لا لصاحب التنزيل ولا لغيره ، لأنهما مندرجان في جمع السلامة المتقدّم في بابه(10).
وقوله : (( الجميع )) أراد به الألفاظ الثلاثة ، وهي أفعال القتال ، وألفاظ التشابه وألفاظ الظهار .
__________
(1) سورة الأنعام ، من الآية 121 .
(2) سورة الرعد ، من الآية 34 .
(3) سورة الحديد ، من الآية 13 .
و" تعالى " سقطت من : " جـ " .
(4) سورة الروم ، من الآية 6 .
(5) سورة سبأ ، من الآية 18 .
(6) سورة لقمان ، من الآية 19 .
(7) 10) سورة آل عمران ، من الآية 7 .
(8) 11) سورة الصف ، من الآية 14 .
(9) 12) سورة غافر ، من الآية 29 .
وفي جـ : " وبقوله تعالى ....." .
(10) 13) في قول الناظم : "من سالم الجمع الذي تكررا" . انظر تنبيه العطشان ، ص 233 ، وما بعدها .(2/77)
واعترض قوله : (( وأطلق الجميع في التنزيل )) بأن ظاهره يقتضي أن ألفاظ القتال محذوفة في التنزيل مطلقا ، لا فرق بين الاسم والفعل ، وليس الأمر كذلك ، لأنه لم يذكر في التنزيل بالحذف إلا أفعال القتال ، وأما الاسم فهو ثابت ، كقوله تعالى : { قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ }(1).
والأولى [ أن يستبدل هذا البيت ببيت آخر ، فيقال ](2):
وَصَرَّحَ التَّنْزِيلُ بِالإِجْمَالِ فِي دَيْنٍ وَالْفِعْلُ مِنَ الْقِتَالِ
أو يقال(3):
وحَذَفَ التَّنْزِيلُ أَفْعَالَ الْقِتَالْ وَعَنْهُ فِي هَذَيْنِ تَعْمِيمُ الْمَقََالْ
الإعراب : قوله : (( وأطلق )) [فعل ماض](4)، يصح فيه البسط والتركيب ، وقوله : (( الجميع )) مفعول على البسط ومفعول لم يسم فاعله على التركيب ، وقوله : (( في التنزيل )) متعلّق بـ (( أطلق )) وقوله : (( بأي )) متعلّق بمحذوف ، أي جاء بأي لفظ و (( ما )) زائدة ، وقوله : (( لفظ )) مضاف إليه ، وقوله : ((على التكميل)) متعلّق بـ (( أطلق )) . ثم قال :
[136] وَالْمُنْصِفُ الأَسْبَابَ وَالْغَمَامَ قُلْ **** وَابْنُ نَجَاحٍ مَا سِوَى الْبِكْرِ نَقَلْ
ذكر أن صاحب المنصف حذف ألف { الاْسْبَابِ } و { الْغَمَامَ } من غير استثناء ، وهذا ممّا انفرد به صاحب المنصف ، وابن نجاح حذفهما معا – أيضا – أعني اللفظين : لفظ { أَسْبَابَ } ولفظ { الْغَمَامِ } ما عدا ما وقع في سورة البقرة من لفظ الأسباب والغمام ، فإنهما ثابتان عنده(5)،
__________
(1) 14) سورة آل عمران ، من الآية 167 .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) في جـ : " أو يقول " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) سكت أبو داود عنهما ، فاعتبرهما الشارح ثابتين . قال المارغني :" والعمل عندنا على الحذف في الجميع" .
انظر : دليل الحبران ، ص 78 .(2/78)
وهو قوله تعالى : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ }(1)، وقوله : { فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ }(2)، وقوله : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ }(3).
وأما غير هذا فهو محذوف عند ابن نجاح كصاحب المنصف ، كقوله تعالى في سورة الأعراف : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ }(4)، وقوله تعالى في الفرقان : { وَيَوْمَ تَشَّقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَامِ }(5)، وقوله تعالى في سورة صاد: { فَلْيَرْتَقُواْ فِي الاْسْبَابِ }(6)وقوله تعالى في سورة المؤمن : { لَّعَلِّيَ أَبْلُغُ الاْسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ }(7).
الإعراب : قوله : (( والمنصف )) فاعل بفعل محذوف ، أي حذف المنصف أو نقل المنصف ، [ وقوله : (( الأسباب )) مفعول ](8)، وقوله : (( والغمام )) معطوف ، وقوله : (( قل )) فعل أمر ، وقوله : (( وابن نجاح )) مبتدأ ومضاف إليه ، وقوله : ((ما)) موصولة بمعنى الذي ، وهي مفعولة ، لقوله : (( نقل )) ، وقوله : (( سوى )) ظرف والعامل في الظرف محذوف ، وهو الثبوت والاستقرار ، تقديره : الذي ثبت أو استقر في سوى البكر ، أي في غير سورة البكر ، وقوله : (( البكر )) مخفوض بالظرف ، وقوله : (( نقل )) فعل ماض في موضع خبر المبتدأ . ثم قال :
[137] وَمَعَ لاَمٍ ذِكْرَهُ تَتَبَّعَا **** نَجْلُ نَجَاحٍ مَوْضِعًا فَمَوْضِعاً
تعرّض الناظم هاهنا لذكر الألف المعانق للام ، فذكر في هذا البيت : أن ابن نجاح تتّبع الألف المعانق للام المفردة بالحذف في جميع القرآن .
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 56 .
(2) سورة البقرة ، من الآية 208 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 165 .
(4) سورة الأعراف ، من الآية 160 .
(5) سورة الفرقان ، من الآية 25 .
(6) 10) سورة ص ، من الآية 9 .
(7) 11) سورة غافر ، من الآيتين 36 ، 37 .
(8) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(2/79)
وقوله : (( مع لام ذكره تتبعا )) البيت ، في البيت تقديم وتأخير ، تقديره : وتتبع ابن نجاح ذكر الألف الكائنة مع اللام موضعا فموضعا .
وقوله : (( مع لام )) قبله محذوف وبعده محذوف ، تقديره : والألف الواقع مع لام مفردة .
وأما حكم الألف الواقع مع اللامين فسيأتي في قوله(1): (( فإن لم يكن ما بين لامين فقد )) البيت ، ومعنى (( تتبعا )) ، أي استقصى أبو داود ذكره ، أي ذكر الألف المعانق للام المفردة ، وحذفها حيث ما جاءت في القرآن موضع بعد موضع من أول القرآن إلى آخره ، إلا الألفاظ التي استثناها أبو داود ، كما سيأتي فيما بعد هذا .
الإعراب : قوله : (( ومع لام )) ظرف ومخفوض به ، والعامل في الظرف محذوف ، تقديره : والألف الواقع أو الكائن أو المستقر(2)مع لام ، وقوله : (( ذكره )) مفعول مقدّم ومضاف إليه ، وقوله : (( تتبعا )) فعل ماض ، والألف لإطلاق القافية(3)وقوله : (( نجل )) فاعل ، وقوله : (( نجاح )) مضاف إليه ، وقوله : (( موضعا )) بدل من الهاء في (( ذكره )) ، تقديره : ذكر مواضعه ، ويجوز أن يكون قوله : (( موضعا )) ظرفا ، والعامل فيه إما (( ذكره )) ، وإما (( تتبعا )) ، تقديره : في مواضعه ، وقوله : (( فموضعا )) الفاء حرف عطف و (( موضعا )) معطوف .
ثم قال :
[138] كَنَحْوِ الإِصْلاَحِ وَنَحوِ عَلاَّمْ **** سِوَى قُلْ إِصْلاَحٌ وَأُولَى ظَلاَّمْ
قوله : (( كنحو الإصلاح )) ، النحو ، والشبيه ، والنظير ، والمثل ، بمعنى واحد .
وقوله : (( كنحو [الإصلاح](4)) ، أراد قوله تعالى : { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ }(5).
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 412 .
(2) في جـ : " والألف الواقع والكائن والمستقر" .
(3) في جـ ، ز : " والألف فيه لإطلاق القافية " .
(4) ساقطة من : " جـ " .
(5) سورة هود ، من الآية 88 .(2/80)
وقوله : (( ونحو علام )) ، أراد قوله تعالى : { عَلاَّمُ الْغُيُوبِ }(1)، وكقوله : { لَكِنَّ }(2)بالتشديد ، و { لَكِنْ }(3)بالتخفيف ، وقوله : { وَالْمَلَِكَةُ }(4)، وقوله : { سَلَمٌ عَلَيْكُمْ }(5)، وغير ذلك .
وقوله : (( سوى قل إصلاح )) شرع هاهنا في المواضع التي سكت عنها أبو داود في التنزيل ، فهي عنده ثابتة على الأصل(6)، وهي ثلاثة عشر لفظا : أولها : { قُلْ إِصْلاَحٌ } ، وآخرها : { لاَزِبٍ }(7).
وقوله : (( سوى )) من حروف الاستثناء ، ومعناه : إلا .
وقوله : (( قل إصلاح )) أراد قوله تعالى : { قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ }(8)في البقرة
وقوله : (( قل )) قيْد لهذا اللفظ(9)احترازا من غيره ، كقوله تعالى : { إِنْ يُّرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا }(10).
__________
(1) سورة المائدة ، من الآية 111 .
(2) في مثل قوله تعالى : { .... وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ ..... } ، سورة البقرة ، من الآية 101 .
(3) في مثل قوله تعالى : { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } ، سورة البقرة ، الآية 11 .
(4) في مثل قوله تعالى : { .... وَالْمَلكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } ، سورة البقرة ، من الآية 160 .
(5) سورة القصص ، من الآية 55 .
(6) نصّ أبو داود على حذف اللفظ الذي بعده { إِصْلاَحًا } ، بقوله : " بحذف الألف بين اللام والحاء وقد ذكر " .
انظر مختصر التبيين ، 2 : 286 .
(7) سورة الصافات ، من الآية 11 .
(8) 10) سورة البقرة ، من الآية 218 .
(9) 11) في جـ : " قيّد هذا اللفظ " .
(10) 12) سورة النساء ، من الآية 35 .(2/81)
وقوله : (( وأولى ظلام )) ، أي الكلمة الأولى في القرآن من ((ظَلاَّم)) ، أراد قوله تعالى في آل عمران : { ذَالِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ }(1)، وقيّده بالمرتبة الأولى احترازا من غيره ، كقوله تعالى : { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ }(2)وشبهه ، فإنه محذوف عنده .
الإعراب : (( كنحو )) جار ومجرور في موضع رفع خبر المبتدأ المحذوف ، تقديره : مثاله كنحو ، وقوله : (( الإصلاح )) مضاف إليه ، وقوله : (( ونحو )) معطوف ، وقوله : (( علاّم )) مضاف إليه ، وقوله : (( سوى )) حرف استثناء ، وقوله : (( قل إصلاح )) مخفوض بـ (( سوى )) [محكي](3)، وقوله : (( وأولى )) معطوف ، وقوله : (( ظلام )) مضاف إليه . ثم قال :
[139] تِِلاَوَتَهْ وَسُبُلَ السَّلاَمِ **** وَمِثْلُهَا الأَوَّلُ مِنْ غُلاَمِ
وقوله : (( تلاوته )) ، أراد قوله تعالى في سورة البقرة : { يَتْلُونَهُ? حَقَّ تِلاَوَتِهِ? }(4)، فسكّن الناظم الهاء لضرورة الوزن .
__________
(1) 13) سورة آل عمران ، الآية 182 .
(2) 14) سورة فصلت ، من الآية 45 .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) سورة البقرة ، من الآية 120 .(2/82)
وقوله : (( وسبل السلام )) ، أراد قوله تعالى في سورة العقود : { يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ? سُبُلَ السَّلمِ }(1)، وقيّده بالمجاور احترازا من غيره ، كقوله تعالى : { السَّلَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ }(2)، وقوله : { سَلمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ }(3)وقوله : { سَلَمٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }(4)، وقوله : { سَلَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ }(5)، وقوله : { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلمٌ }(6)وقوله [تعالى] : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ? سَلَمٌ }(7)، وقوله تعالى : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلَمًا }(8)، وقوله تعالى : { إِلاَّ قِيلاً سَلَمًا سَلَمًا }(9)وقوله تعالى : { قَالُواْ سَلمًا قَالَ سَلمٌ }(10)وغير ذلك .
وقوله : (( ومثلها الأول من غلام )) ، أراد باللفظ الأول من { غُلُمٌ } قوله تعالى في آل عمران : { قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَمٌ }(11)، وقيّده الناظم بالمرتبة الأولى احترازا من غيره ، كقوله تعالى في سورة مريم : { قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَمٌ }(12)وشبهه .
__________
(1) سورة المائدة ، من الآية 18 .
(2) سورة الحشر ، من الآية 23 .
(3) سورة الرعد ، من الآية 25 .
(4) سورة النحل ، من الآية 32 .
(5) سورة الزمر ، من الآية 70 .
(6) سورة إبراهيم ، من الآية 26 .
(7) سورة الأحزاب ، من الآية 44 .
و" تعالى " ساقطة من : " جـ " .
(8) 10) سورة الفرقان ، من الآية 63 .
(9) 11) سورة الواقعة ، من الآية 27 .
(10) 12) سورة هود ، من الآية 68 .
(11) 13) سورة آل عمران ، من الآية 40 .
(12) 14) سورة مريم ، من الآية 7 .(2/83)
الإعراب : قوله : (( تلاوته )) معطوف ، (( وسبل السلام )) كذلك ، وقوله : (( ومثلها )) مبتدأ ومضاف إليه ، وقوله : (( الأول )) خبر المبتدأ ، وقوله : (( من غلام)) [ متعلّق بحال من الأول ، تقديره : كائنا من غلام ](1). ثم قال :
[140] وَكُلَّ حَلاَّفٍ غِلاَظٌ لاَهِيَةْ **** وَمِثْلُهَا التَّلاَقِ مَعْ عَلاَنِيَةْ
قوله : (( وكل حلاف )) ، أراد قوله تعالى في نون والقلم : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ }(2).
وقوله : (( وكل )) ليس بقيد ، وإنما هو للبيان ، لأنه متحد .
وقوله : (( غلاظ )) ، أراد قوله تعالى في سورة التحريم : { عَلَيْهَا مَلَكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ }(3).
وقوله : (( لاهية )) أراد قوله تعالى في سورة الأنبياء – [عليهم السلام ](4)– : { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ }(5).
وقوله : (( ومثلها التلاق ))(6)، أي ومثل الكلمة المذكورة بالاستثناء لأبي داود .
{ التَّلاَقِ } ، وأراد قوله تعالى في سورة المؤمن : { لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاَقِ }(7).
وقوله : (( مع علانية )) ، كقوله تعالى : { سِرًّا وَعَلاَنِيَةً }(8).
الإعراب : قوله : (( وكل حلاف غلاظ لاهية )) كلّها معطوفات ، وقوله : (( ومثلها )) مبتدأ أو خبر مقدّم مضاف ، وقوله : (( التلاق )) مبتدأ أو خبر ، وقوله : (( مع )) ظرف ، وقوله : (( علانية )) مخفوض بالظرف ، والعامل في الظرف حال محذوفة ، تقديره : مستثنى مع علانية . ثم قال :
[
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " متعلّق بالأول " .
(2) سورة القلم ، الآية 10 .
(3) سورة التحريم ، من الآية 6 .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " ، " ز " .
(5) سورة الأنبياء ، من الآية 3 .
(6) في جـ ، ز : " ومثلها التلاق مع علانية " .
(7) سورة غافر ، من الآية 14 .
(8) سورة البقرة ، من الآية 273 .(2/84)
141] ثُمَّ فُلاَناً لاَئِمِ وَلاَزِبْ **** وَأُطلِقَتْ فِي مُنْصِفٍ فَالْكَاتِبْ
[142] مُخَيَّرٌ فِي رَسْمِهَا وَحُذِفَتْ **** فِي مُقْنِعٍ خَلاَئِفأً حَيْثُ أَتَتْ
قوله : (( فلانا لائم ولازب )) هذه الثلاثة الألفاظ هي مستثنات لأبي داود بالإثبات كالتي قبلها .
وقوله : (( فلانا )) ، أراد قوله تعالى في سورة الفرقان حكاية عن(1)الظالم : { لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً }(2).
وقوله : (( لائم )) ، أراد قوله تعالى في المائدة : { وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآ ِ مٍ }(3)
وقوله : (( ولازب )) ، أراد قوله تعالى في والصافات : { مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ }(4).
وهاهنا انتهى كلام الناظم في الألفاظ المستثناة لأبي داود ، وهي كلّها ثابتة لأبي داود من قوله : (( قل إصلاح )) إلى قوله : (( ولازب )) ، وهي ثلاثة عشر حرفا كما تقدّم .
وقوله : (( وأطلقت في منصف )) ، معناه : وأطلق صاحب المنصف هذه الألفاظ الثلاثة عشر بالحذف .
وقوله : (( فالكاتب )) هذا من باب التضمين ، لأن معناه في أول البيت الذي بعده ، وهو قوله : (( مخير في رسمها )) ، ومعنى قوله : (( فالكاتب مخير في رسمها )) ، أي فالذي يكتب المصحف ، أو اللوح مخيّر في كتب هذه الألفاظ الثلاثة عشر ، إن شاء كتبها بالإثبات على مذهب أبي داود ، وإن شاء كتبها بالحذف على مذهب صاحب المنصف ، لأن صاحب المنصف حذف الألف المعانق(5)مطلقا ، لا فرق عنده بين اللام المفردة واللامين . ونصّه في المنصف(6):
وحذفوا الألف بعد اللام في إله ثم في السلام
وفي أولئك وفي لكنا ومثلها أصلابكم رسمنا
__________
(1) في جـ : " على " .
(2) سورة الفرقان ، من الآية 28 .
(3) سورة المائدة ، من الآية 56 .
(4) سورة الصافات ، من الآية 11 .
(5) في جـ ، ز : " الألف المعانق للام " .
(6) ذكر هذه الأبيات ابن آجطا نقلا عن المنصف . التبيان ، ورقة 32 .(2/85)
وفي الملئكة والبلاد وفي غلام كل ذاك باد
وفي سلسلا وفي خلائف وفي ثلاثة بلا مخالف
ومثله البلاغ والخلاق ثم ملقوا وكذا يلقوا
وفي الضلال بعد والضلالة وفي ظلالهم وفي الكلالة
ومن سلالة ولا خلال ومن خلاله كذا الأغلال
واللعنون مثلها واللعنين واللت أيضا بعد ثم اللعبين
في كلّ ما قد أثبتوا بلام أو باثنتين الحذف في الإمام
فتحصّل من هذه النصوص : أن صاحب المنصف حذف الألف المعانق للام مطلقا من غير تفصيل .
فقول الناظم : (( وأطلقت في منصف )) يقتضي أن صاحب المنصف لم يذكر بالحذف إلا هذه الألفاظ الثلاثة عشر المستثناة لأبي داود ، وليس الأمر كذلك ، بل أطلق صاحب المنصف الحذف في الألف المعانق للام مطلقا .
أجاب بعضهم عن هذا بأن قال : قوله : (( وأطلقت )) يعني الألف المعانق للام لا فرق بين هذه الألفاظ الثلاثة عشر ، وغيرها .
وقوله : (( فالكاتب مخيّر في رسمها )) ، معناه على هذا : فالكاتب مخيّر في رسم الألف المعانق للام مطلقا ، إن شاء حذفها مطلقا ، كما قال صاحب المنصف ، وإن شاء أثبت منه هذه الثلاثة عشر لفظا ، كما قال أبو داود .
وقوله : (( وحذفت في مقنع )) هذا كلام مستأنف تعرّض فيه الناظم لمذهب صاحب المقنع في الألف المعانق للام .
وقوله : (( خلائف )) ، أراد قوله تعالى في الأنعام : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلفَ
الأَرْضِ }(1)، وقوله في يونس : { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ }(2)
وفيها – أيضا – : { وَجَعَلْنَاهُمْ خَلفَ }(3)، وقوله في سورة فاطر : { هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَفَ فِي الاْرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ? }(4).
__________
(1) سورة الأنعام ، من الآية 167 .
(2) سورة يونس ، من الآية 14 .
(3) سورة يونس ، من الآية 73 .
وفي الأصل : (( وجعلنكم خلئف )) ، وما أثبت من " جـ " ، وهو الصواب .
(4) سورة فاطر ، من الآية 39 .
وفي الأصل : (( وهو الذي جعلكم خلئف في الأرض )) والصواب ما أثبت
من : " جـ " ، " ز " .(2/86)
وإلى هذه المواضع المذكورة أشار الناظم بقوله : (( حيث أتت )) ، أي حيث جاءت
هذه اللفظة التي هي { خَلَفَ } .
الإعراب : قوله : (( ثم فلانا لائم ولازب )) معطوفات ، وقوله : (( وأطلقت )) ماض مركب وعلامة التأنيث ، وقوله : (( في منصف )) متعلّق بـ (( أطلقت )) ، وقوله : (( فالكاتب )) مبتدأ ، وقوله : (( مخير )) خبره ، وقوله : (( في رسمها )) متعلّق بـ (( مخير )) ، وقوله : (( وحذفت )) ماض مركب وعلامة التأنيث ،[وقوله](1)
(( في مقنع )) متعلّق بـ (( حذفت )) ، وقوله : (( خلائف )) مفعول لم يسم فاعله ونوّنه الناظم لضرورة الوزن ، وقوله : (( حيث )) ظرف والعامل فيه (( حذفت )) ، وقوله : (( أتت )) ماض وعلامة التأنيث . ثم قال :
[143] كَيْفَ ثَلاَثُونَ ثَلاَثَةٌ ثَلاَثُ **** سَلاَسِلُ وَفِي النِّسَاءِ وَثُلاَثُ
كلّ ما ذكر في هذا البيت فهو محذوف للمقنع(2).
قوله : (( كيف ثلاثون )) ، أي سواء كان هذا اللفظ بواو أو بياء .
ومثال(3)الواو قوله تعالى : { وَحَمْلُهُ?وَفِصَالُهُ?ثَلَثُونَ شَهْرًا }(4).
ومثال الياء قوله تعالى : { وَوَ عَدْنَا مُوسَى ثَلثِينَ لَيْلَةً }(5).
وقوله : (( ثلاثة )) ، مثاله قوله تعالى : { فَصِيَامُ ثَلَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ }(6)، وقوله : { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَثَةَ قُرُوءٍ }(7)، { وَعَلَى الثَّلَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ }(8).
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) في جـ ، ز : " في المقنع " .
(3) في جـ : " مثال " .
(4) سورة الأحقّاف ، من الآية 14 .
(5) سورة الأعراف ، من الآية 142 .
(6) سورة البقرة ، من الآية 195 .
(7) سورة البقرة ، من الآية 225 .
(8) سورة التوبة ، من الآية 119 . وفي جـ : " وقوله ..... " .(2/87)
وقوله : (( ثلاث )) نحو قوله تعالى : { ثَلَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا }(1)، وقوله : { ثَلَثَ مَرَّاتٍ }(2)، وقوله : { ثَلَثُ عَوْرَاتٍ }(3)، وقوله : { فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَثٍ }(4).
وقوله : (( سلسل )) نحو قوله تعالى : { سَلَسِلاً وَأَغْلَلاً وَسَعِيرًا }(5)، وقوله : { إِذِ الاْغْلَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَسِلُ }(6).
وقوله : (( وفي النساء وثلث )) ، أراد قوله تعالى : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلَثَ وَرُبَعَ }(7)، وقيّده بالسورة احترازا من الذي وقع في سورة فاطر : { أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ }(8)، فإنه محمول على الإثبات عند أبي عمرو(9)، لأنه سكت عنه .
واعتُرض قوله : (( ثلاثون )) بالتكرار ، لأنه مندرج في جمع المذكر السّالم .
__________
(1) سورة مريم ، من الآية 9 .
(2) سورة النور ، من الآية 56 .
(3) 10) سورة النور ، من الآية 56 .
(4) 11) سورة الزمر ، من الآية 7 .
(5) 12) سورة الإنسان ، من الآية 4 .
(6) 13) في جـ ، ز : " وقوله تعالى : { ...... وَالسَّلَسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ } " ، سورة غافر ، من الآية 71 .
(7) 14) سورة النساء ، من الآية 3 .
(8) 15) سورة فاطر ، من الآية 1 .
(9) 16) كما في مصحف الجماهيرية . وقد اتفق الشيخان على حذف الموضع الذي في النساء ، وحذف أبو داود
الموضعين ، وأطلق الحذف الشاطبي ، فقال : " وكل ذي عدد " . وذكر الداني أن ألفاظ { ثَلَثَةٌ } ،
{ وَثَلَثَ } ، { ثََلَثِينَ } محذوفة حيث وقعت .
انظر : المقنع ، ص 11، 18 ، مختصر التبيين ، 4 : 1016 ، الوسيلة ، ص 282 .(2/88)
أجيب عنه : بأنه ليس بجمع المذكر السّالم في الحقّيقة لعدم شرط الجمع المذكر السّالم ، الذي هو العاقل ، لأن عقود الأعداد الثمانية ، هي مما حمل على جمع المذكر السّالم ، وليست بجمع المذكر السّالم حقّيقة ، كما بيّنه غير واحد من النحاة(1).
فذكر الناظم هذا اللفظ : تنبيها على أن جمع المذكر السّالم محذوف مطلقا ، كان حقّيقيا أو مجازيا ، إذ المعتبر في الجمع السّالم صورة اللفظ ، كما تقدّم في أقسام الجمع(2)في الباب الأول .
الإعراب : قوله : (( كيف )) سؤال عن حال ، وهو في موضع نصب على الحال من قوله : (( ثلاثون )) ، وقوله : (( ثلاثون )) معطوف ،[ والعامل في الحال حذفت ، تقديره : وحذفت ثلاثون ](3)كائنا على كل حال من واو أو ياء ، وقوله : (( ثلاثة ثلاث سلاسلا )) معطوفات ، وقوله : (( وفي النساء )) جار ومجرور ، وقوله : (( ثلاث )) معطوف وتعلّق الجار بصفة محذوفة ، تقديره : وثلاث الواقع في النساء ، أو متعلّق بحال محذوفة ، تقديره : وثلاث واقعا في النساء . ثم قال :
[144] ثُمَّ خِلاَفَ بَعْدَ مَقْعَدِهِمْ **** لَكِنْ أُولَئِكَ وَقُلْ لاَمَسْتُمْ
كلّ ما ذكر في هذا البيت : فهو محذوف لأبي عمرو الداني .
__________
(1) انظر أسرار العربية لأبي سعيد الأنباري ، تحقيق وتعليق : بركات يوسف هبود ، ص 66 ، ط1 ، دار الأرقم
للطباعة والنشر ، ببيروت ، 1999 م .
وفي حاشية ز : " بل لأنه لا واحد له من لفظه ، فهو اسم جمع كما عند المرادي ، والله أعلم " .
(2) انظر تنبيه العطشان ، ص 243 .
(3) ما بين المعقوفين في جـ : " تقديره وثلاثون " .(2/89)
وقوله : (( خلاف بعد مقعدهم )) ، أراد قوله تعالى في سورة التوبة : { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلفَ رَسُولِ اللَّهِ }(1)، وقيّده بالمجاور احترازا من غيره ، نحو قوله تعالى في المائدة : { أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ }(2)، وقوله : { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ }(3)في الأعراف وطه والشعراء .
وقوله : (( لكن )) سواء كان مشددا أو مخففا ، وسواء اتصل به ضمير أم لا ، نحو { لَكِنْ }(4)بسكون النون { وَ لَكِنَّ }(5)بتشديد النون { وَ لَكِنَّهُ? }(6){ وَ لَكِنَّكُمْ }(7)
و { لَّكِنَّاْ هُوَ اللَّهُ رَبِّي }(8)، [ { وَأُوْ لَِكُمْ }(9)، { وَ?ُوْ لَِكَ هُمُ }(10)
__________
(1) سورة التوبة ، من الآية 82 .
(2) سورة المائدة ، من الآية 35 .
(3) من الآية 123 في سورة الأعراف ، ومن الآية 70 في سورة طه ، ومن الآية 49 في سورة الشعراء .
(4) في مثل قوله تعالى : { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } ، سورة البقرة ، الآية 11 .
(5) في مثل قوله تعالى : { .... وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ ..... } ، سورة البقرة ، من الآية 101 .
(6) في قوله تعالى : { ... وَلَكِنَّهُ?أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَ اه ..... } ، سورة الأعراف ، من الآية 176 .
(7) 10) في قوله تعالى : { .... وَ لَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ، سورة الروم ، من الآية 56 .
وزاد في جـ : " { وَ لَكِنَّهُمْ } " .
(8) سورة الكهف ، من الآية 37 .
(9) في مثل قوله تعالى : { .... وَ?ُوْ لَكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا } ، سورة النساء ، من الآية 90 .
(10) سورة آل عمران ، من الآية 10 . وما بين المعقوفين في جـ ، ز : " وقوله أولئك يريد أيضا كيف جاء
سواء كان متصلا بالضمير أم لا ، نحو { ?ُوْ لَكَ } و { ?ُوْ لكَ هُمُ } ، { وَ?ُوْ لَكُمْ } " .(2/90)
] .
وقوله : (( قل لامستم )) ، أراد الموضعين : { أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَآءَ }(1)في سورة النساء وسورة المائدة .
الإعراب : (( ثم )) حرف عطف ، وقوله : (( خلاف )) معطوف ، وقوله : (( بعد))(2)ظرف ومخفوض به ، والعامل في الظرف محذوف ، تقديره : الواقع أو واقعا ، وقوله : (( لكن أولئك وقل لامستم )) معطو فات ، وقوله : (( قل )) فعل أمر . ثم قال :
[145] وَفِي الْمُلاَقَاتِ سِوَى التَّلاَقِ **** وَفِي غُلاَمَيْنِِ وَفِي الْخَلاَّقِ
كلّ ما ذكر(3)في هذا البيت لأبي عمرو – أيضا – .
وقوله : (( وفي الملاقات )) ، أي وحذفت الألف المعانقة للام لصاحب المقنع في الملاقات ، كقوله تعالى : { مُّلَقُواْ اللَّهِ }(4)، وقوله : { مُّلَقُواْ رَبِّهِمْ }(5)، وقوله : { مُّلَقُوهُ }(6)، وقوله : { مُلَقِيكُمْ }(7)، وقوله : { فَمُلَقِيهِ }(8)، وقوله : { فَهْوَ لَقِيهِ }(9)، وقوله : { حَتَّى يُلَقُواْ يَوْمَهُمُ }(10)، وقوله : { مُلََقٍ حِسَابِيَهْ }(11).
قال أبو عمرو في المقنع(12): " وكذلك حذفوها في { مُّلًَقُواْ } و { مُّلَقُوهُ } و { فَمُلَقِيهِ } و { يُلَقُواْ } حيث وقع " .
وقوله : (( وفي الملاقات )) يريد ما تصرف من هذا المصدر ، فأما هذا اللفظ بعينه فلم يقع في القرآن .
__________
(1) سورة النساء ، من الآية 43 . وغيرها .
(2) في جـ ، ز : " بعد مقعدهم " .
(3) في جـ ، ز : " كلّ ما ذكر الناظم " .
(4) سورة البقرة ، من الآية 247 .
(5) سورة البقرة ، من الآية 45 .
(6) سورة البقرة ، من الآية 221 .
(7) 10) سورة الجمعة ، من الآية 8 .
(8) 11) سورة الانشقاق ، من الآية 6 .
(9) 12)سورة القصص ، من الآية 61 .
(10) 13) سورة الزخرف ، من الآية 83 . وفي جـ : " وقوله تعالى ..." .
(11) 14) سورة الحاقة ، من الآية 19 .
(12) 15) المقنع ، ص 18 .(2/91)
ذكر الناظم – رحمه الله – في هذا الرجز سبعة مصادر لم يردها بعينها ، وإنما أراد الألفاظ المتصرفة منها ، وهي :
المعاهدة ، كما قال(1): [ (( ولأبي عمرو من المعاهدة )) ] .
والثاني : الملاقات ، كما قال هنا : (( وفي الملاقات سوى التلاق )) .
والثالث والرابع : النزاع والتنازع ، كما في قوله(2): (( والفعل من نزاع أو تنازع )) .
والخامس والسادس : الاستئذان والمراودة ، كما في قوله(3): (( كذا رواسي والاستئذان فعل المراودة والبنيان )) .
والسابع المناجات ، كما في قوله(4): (( كذا المناجات له قد وقعت )) .
وقوله : (( سوى التلاق )) ، أي [إلا قوله تعالى] : { لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاَقِ }(5)، فإنه سكت عنه في المقنع ، فهو عنده ثابت لسكوته عنه ، وهو – أيضا – ثابت عند أبي داود ، ولم يبق حذفه إلا لصاحب المنصف(6).
وقوله : (( وفي غلامين )) ، أراد قوله تعالى في الكهف : { وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَمَيْنِ }(7).
وقوله : (( وفي الخلاق )) ، مثاله قوله [تعالى] في الحجر : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّقُ الْعَلِيمُ }(8).
وقوله : (( وفي الخلاق )) هذا من الأوزان التي أشار إليها الناظم بعد في آخر الجزء الرابع [ من هذا الرجز ](9)إلى مختتم القرآن ، في قوله(10): (( ووزن فعال وفاعل ثبت في مقنع إلا الذي تقدّمت )) .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " عاهد في الفتح وأولى عاهدوا " .
(2) تنبيه العطشان ، 433 .
(3) تنبيه العطشان ، 487 .
(4) تنبيه العطشان ، ص 532 .
(5) سورة غافر ، من الآية 14 .
(6) التبيان ، ورقة 33 .
(7) سورة الكهف ، من الآية 81 .
(8) سورة الحجر ، الآية 86 .
(9) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " ، وفيه : " من صاد " .
(10) 10) تنبيه العطشان ، ص 536 .(2/92)
الإعراب : قوله : (( وفي الملاقات )) متعلّق بمحذوف ، أي وحذفت في الملاقات وقوله : (( سوى )) ظرف ومخفوض به ، والمجروران كالأول . ثم قال :
[146] وَفِي الْمَلَئِكَةِ حَيْثُ تَأْتِي **** وَالَّلاَتَ ثُمَّ الَّئِي ثُمَّّ الَّتِي
كلّ ما ذكر في هذا البيت محذوف لأبي عمرو الداني – أيضا – .
وقوله : (( وفي الملئكة )) ، يعني : سواء كان معرّفا ، كقوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلكَةِ اسْجُدُواْ ءَلاِدَمَ }(1)، أو منكّرا ، كقوله تعالى : { عَلَيْهَا مَلَكَةٌ }(2)
وقوله : (( حيث تأتي )) ، أي حيث جاءت هذه الكلمة .
وقوله : (( واللات )) أراد قوله تعالى في والنجم : { أَفَرََايْتُمُ اللَّتَ وَالْعُزَّىا }(3)
وقوله : (( ثم الئي )) ، أي حيث وقع ، وجاء هذا اللفظ في أربعة مواضع :
في سورة الأحزاب : { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ا لَّى }(4).
وفي سورة المجادلة : { إِنْ ?ُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ا لَّى وَلَدْنَهُمْ }(5).
وفي سورة الطلاق : { وَا لَّى يَسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ } ، { وَا لَّى لَمْ يَحِضْنَ }(6).
وقوله : (( ثم التي )) ، كقوله تعالى في النساء : { وَا لَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ
مِن نِّسَآ كُمْ }(7).
الإعراب : قوله : (( وفي الملئكة )) متعلّق بمحذوف ، أي وحذفت في الملئكة ، وقوله : (( حيث تأتي )) ظرف ومضارع ، والعامل في الظرف (( حذفت )) ، وما بقي معطوف(8). ثم قال :
[147] كَذَا إِلَهٌ وَبَلاَغٌ وَغُلاَمْ **** وَالآنَ إِيلاَفٍ مَعاً ثُمَّ سَلاَمْ
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 33 .
(2) سورة التحريم ، من الآية 6 .
وفي جـ : " { عَلَيْهَا مَلَكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ } " .
(3) سورة النجم ، الآية 19 .
(4) سورة الأحزاب ، من الآية 4 .
(5) سورة المجادلة ، من الآية 2 .
(6) سورة الطلاق ، من الآية 3 .
(7) سورة النساء ، من الآية 15 .
(8) في جـ : " معطوفات " .(2/93)
كلّ ما ذكر في هذا البيت : فهو محذوف لأبي عمرو الداني .
وقوله : (( كذا إله )) ، أي كما حذفت الألف لأبي عمرو في الألفاظ المتقدّمة ، كذلك حذفت في هذه الألفاظ .
وقوله : (( إله )) سواء كان معرّفا أو منكّرا ، كقوله : { وَإِ لَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ }(1)وقوله : { وَإِ لَهُنَا وَإِ لَهُكُمْ وَاحِدٌ }(2)، وقوله : { لاَّ إِ لَهَ إِلاَّ هُوَ }(3)، وقوله : { إَ لَهَهُ?هَوَاهُ }(4)وغير ذلك .
[ ويندرج فيه المثنى – أيضا – والله أعلم ، نحو قوله تعالى : { لاَ تَتَّخِذُواْ إِ لَهَيْنِ اثْنَيْنِ }(5)] .
وقوله : (( وبلاغ )) ، يعني سواء كان معرّفا أو منكّرا .
مثال المعرّف : { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ }(6).
ومثال المنكّر : { هَاذَا بَلَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ? }(7).
وقوله : (( وغلام )) سواء كان معرّفا أو منكّرا .
مثال المعرّف : { وَأَمَّا الْغُلَمُ فَكَانَ أَبَوَ هُ مُؤْمِنَيْنِ }(8).
ومثال المنكّر : { حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَمًا }(9)، وقوله : { أَنَّى يَكُونُ لِي غُلمٌ }(10)في آل عمران ومريم ، لأن أبا عمرو أطلق الحذف في لفظ { الْغُلَمُ } ، وأما أبو داود فقد استثنى اللفظ الأول في القرآن بالإثبات ، وهو الذي في سورة آل عمران ، كما تقدّم(11).
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية162 . وفي جـ : " كقوله تعالى " .
(2) سورة العنكبوت ، من الآية 46 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 162 .
(4) سورة الفرقان ، من الآية 43 .
(5) سورة النحل ، من الآية 51 . .
ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(6) سورة الرعد ، من الآية 41 .
(7) سورة إبراهيم ، من الآية 54 .
(8) سورة الكهف ، من الآية 79 .
(9) سورة الكهف ، من الآية 73 .
(10) 10) سورة آل عمران ، من الآية 40 ، وسورة مريم ، من الآية 19 .
(11) 11) تنبيه العطشان ، ص 394 .(2/94)
وقوله : ((الآن )) ، كقوله تعالى : { اءَلاْنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ }(1)، { اءَلاْنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ }(2)، وقوله : { فَاءَلاْنَ بَاشِرُوهُنَّ }(3)، وقوله : { اءَلاْنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ }(4).
انظر قوله : (( الآن )) أتى به الناظم مقصورا ، وهل يندرج فيه الممدود أم لا ؟ وهو قوله تعالى في سورة يونس : { ءَآ لَنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ? تَسْتَعْجِلُونَ }(5)، وقوله فيها – أيضا – : { ءَا لنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ }(6).
والظاهر أنه مندرج فيه ، فلا فرق بين الممدود والمقصور ، والله أعلم .
وقوله : (( إيلاف معا )) ، يعني الموضعين ، وهما قوله تعالى : { لإِـ?ــلَفِ قُرَيْشٍ
إِ ـ?ــلَفِهِمْ }(7).
وقوله: (( ثم سلام )) ، يعني سواء كان معرّفا أو منكّرا ، كقوله تعالى : { السَّلَمُ الْمُؤْمِنُ }(8)، أو منكّرا ، كقوله تعالى : { قَالُواْ سَلَمًا قًالً سَلَمٌ }(9)، لأن أبا عمرو أطلق الحدف في هذا اللفظ ، وأما أبو داود فقد استثنى منه بالإثبات { سُبُلَ السَّلَمِ } كما تقدّم(10).
فإذا تقرّر هذا ففي هذا الفصل اثنا عشر اعتراضا :
__________
(1) 12) سورة الأنفال ، من الآية 67 .
وفي " جـ " تقديم وتأخير في هذه الأمثلة .
(2) 13) سورة البقرة ، من الآية 70
(3) 14) سورة البقرة ، من الآية 186 .
(4) 15) سورة يوسف ، من الآية 51 .
(5) سورة يونس ، من الآية 51 .
(6) سورة يونس ، من الآية 91 .
(7) سورة قريش ، الآية 1 .
(8) سورة الحشر ، من الآية 23 .
ومن هنا يبدأ النقص في النسخة " جـ " .
(9) سورة هود ، من الآية 68 .
(10) انظر تنبيه العطشان ، ص 340 .(2/95)
الاعتراض الأول : من جهة النقل ، بالنسبة إلى أبي داود ، بيانه : أن ظاهر كلام الناظم : (( سوى قل إصلاح )) إلى آخره ، أن أبا داود لم يثبت من الألف المعانق للام إلا هذه الألفاظ المذكورة في النظم ، وليس الأمر كذلك ، لأن الألف في قوله تعالى : { الرَّسُولاَ }(1)، و { السَّبِيلاَ }(2)، وفي قوله : { الأَخِلاَّءُ }(3)، وفي قوله : { الْجَلآءَ }(4)، وشبهه ثابت باتفاق .
أجيب عن هذا بأن قيل : سكت الناظم عن هذا اتكالا على الشرّاح واعتمادا على بيانهم ، واعتمادا – أيضا – على كتاب التنزيل ، لأن أبا داود تتبع في التنزيل الألف المعانق للام بالحذف في جميع القرآن ، ولم يذكر في ذلك { الرَّسُولاَ } و { السَّبِيلاَ } ، وأشبهاهما(5)، فقول الناظم : (( ومع لام ذكره تتبعا )) البيت ، يريد ما لم تكن الألف في الطرف ، لأن الهمزة وجودها في مثل هذا كالعدم .
الاعتراض الثاني : من جهة التناقض بالنسبة إلى أبي داود – أيضا – ، بيانه : أن ظاهر قوله : (( ومع لام ذكره تتبعا )) إلى آخره ، أن الألف المعانق للام في الاسم المثنى في : { الثَّقَلَنِ }(6)و { أَضَلَّنَا }(7)محذوف لأبي داود من غير خلاف ، وظاهر قوله أولا في ألف التثنية أنه مختلف فيه لابن نجاح لأنه قال هناك(8): (( واختلف لابن نجاح فيه )) ، فهذه مناقضة .
__________
(1) سورة الأحزاب ، من الآية 66 .
(2) سورة الأحزاب ، من الآية 67 .
(3) سورة الزخرف ، من الآية 67 .
(4) 10) سورة الحشر ، من الآية 3 .
(5) 11) بل نصّ على إثباتهما ، حيث قال : " وكتبوا في جميع المصاحف : { الظُّنُونَا } ، وكذا { الرَّسُولاَ } ،
و { السَّبِيلاَ } بألف " .
مختصر التبيين ، 4 : 999 .
(6) سورة الرحمن ، من الآية 29 .
(7) سورة فصلت ، من الآية 28 .
(8) تنبيه العطشان ، ص 354 .(2/96)
أجيب عن هذا بأن قيل : كلام الناظم هنا في غير ألف التثنية ، وأما ألف التثنية فقد تقدّم في موضعه ، فقول الناظم : (( ومع لام ذكره تتبعا )) البيت ، يريد ما لم يكن هذا الألف ألف التثنية ، بدليل ما تقدّم .
الاعتراض الثالث : من جهة التناقض – أيضا – بالنسبة إلى أبي عمرو الداني ، بيانه : أن قوله : (( وحذفت بمقنع )) إلى آخره ، يقتضي أن ألف التثنية المعانق للام ثابت إذا لم يذكره في هذه الألفاظ المحذوفة لأبي عمرو الداني . وظاهر قوله : (( في ألف التثنية مع المثنى وهو في غير الطرف )) أنه محذوف لأبي عمرو، فهذه مناقضة
أجيب عن هذا – أيضا – بأن قيل : كلام الناظم هاهنا في غير ألف التثنية ، وأما ألف التثنية فقد تقدّم في موضعه ، كان معانقا أو مفارقا . فقول الناظم : (( وحذفت في مقنع )) إلى آخره ، يريد ما لم تكن هذه الألف ألف التثنية بدليل ما تقدّم .
الاعتراض الرابع : من جهة التناقض – أيضا – بالنسبة إلى أبي عمرو الداني ، بيانه : أن ظاهر قوله : (( وحذفت في مقنع )) إلى آخر البيت ، يقتضي أن الألف المعانق في جمع السلامة ثابت لأبي عمرو ، لأنه لم يذكره في هذه الألفاظ المحذوفة لأبي عمرو وغيره ، مثاله : { اللَّعِنُونَ }(1)، و { اللَّعِبِينَ }(2)، وظاهر قوله أولا(3): (( من سالم الجمع الذي تكررا )) : أنه محذوف لأبي عمرو وغيره ، فهذه مناقضة – أيضا – .
أجيب عن هذا بأن قيل : كلام الناظم هاهنا في الألف المعانق للام في غير جمع السلامة ، وأما إذا كان الألف المعانق للام في جمع السلامة ، فهو محذوف باتفاق .
وقال أبو عمرو في المقنع(4): " وكذلك حذفوها بعد اللام في قوله : { اللَّعِنُونَ } و { مِنَ اللَّعِبِينَ } " ، ومثل ذلك في التنزيل(5).
__________
(1) سورة البقرة ، من الآية 158 .
(2) سورة الأنبياء ، من الآية 55 .
(3) تنبيه العطشان ، ص 231 .
(4) المقنع ، ص 67 .
(5) انظر مختصر التبيين ، 2 : 232 .(2/97)
فقول الناظم : (( وحذفت في مقنع )) إلى آخر البيت ، يريد ما لم تكن هذه الألف المعانقة للام في جمع السلامة ، بدليل ما تقدّم .
الاعتراض الخامس : من جهة التناقض – أيضا – بالنسبة إلى أبي داود بيانه : أن ظاهر كلام الناظم : (( ومع لام ذكره تتبعا )) يقتضي أن الألف في قوله تعالى : { مُّلَقُواْ } ، و { مُّلَقُوهُ } محذوف ، وظاهر قوله أولا(1): (( ثم من المنقوص والصابونا )) . وقوله(2): (( وما حذفت منه النونا )) إلى آخر الكلامين هنالك : أن الألف في { مُّلَقُواْ } و { مُّلَقُوهُ } ثابت ، لأنه لم يذكره في المحذوف لأبي داود لا في المنقوص اللام ولا في محذوف النون ، لأن هذا اللفظ منقوص اللام ومحذوف النون ، لأن أصله : ((ملاقيون)) ، على وزن (( مفاعلون )) ، فالياء هي لام الكلمة ، فاستثقلت الضمة على الياء ، فنقلت إلى القاف بعد إزالة حركته ، فالتقى ساكنان سكون الواو وسكون الياء ، فحذف الياء لالتقاء الساكنين ، فصار ((ملاقون)) ، فلما أضيف حذفت منه النون ، فصار { مُّلَقُواْ } فقد حذفت منه لامه ونونه .
أجيب عن هذا بأن قيل : حكم هذا اللفظ لأبي داود قد تقدّم في الباب الأول في قوله (( ثم من المنقوص والصابونا )) ، وفي قوله : (( وما حذفت منه النونا )) إلى آخرهما .
__________
(1) تنبيه العطشان ، ص 282 .
(2) تنبيه العطشان ، ص 286 .(2/98)
الاعتراض السادس : من جهة التناقض بالنسبة إلى أبي عمرو الداني – أيضا – بيانه : أن قول الناظم هاهنا : (( وحذفت في مقنع )) إلى آخره ، يقتضي أن الألف المعانق للام في قوله تعالى : { الْبَلَؤُاْ الْمُبِينُ }(1)، وفي قوله : { بَلَؤٌاْ مُّبِينٌ }(2)في سورة الدخان ثابت لأبي عمرو الداني ، لأنه لم يذكره الناظم هاهنا في هذه الألفاظ المحذوفة لأبي عمرو الداني ، وظاهر قوله في باب الهمز(3): (( وليس قبل الواو فيهن ألف )) ، لأن الألف في هذين الموضعين محذوف لأبي عمرو ولغيره ، فهذه مناقضة بالنسبة إلى أبي عمرو الداني .
أجيب عن هذا : بأن كلامه هاهنا مقيّد بكلامه هناك ، فقول الناظم هاهنا : (( وحذقت في مقنع )) إلى آخره ، وكذلك : { الْبَلَؤُاْ } ، و { بَلَؤٌاْ مُّبِينٌ } بدليل كلامه في باب الهمز .
الاعتراض السابع : من جهة التناقض بالنسبة إلى أبي عمرو الداني – أيضا – بيانه : أن قوله : (( وحذفت في مقنع )) إلى آخره ، يقتضي أن الألف المعانق للام في
قوله تعالى : { مَوْلَانَا }(4)، و { مَوْلَاكُمْ }(5)، ونحوهما ثابت لأبي عمرو الداني ، إذ لم يذكره الناظم هاهنا في هذه الألفاظ المحذوفة لأبي عمرو الداني ، وظاهر قول الناظم بعد(6): (( وإن على الياء قلبت ألفا فارسمه ياء وسطا أو طرفا )) ، فأن الألف المعانق للام في { مَوْلَانَا } و { مَوْلَاكُمْ } ، ونحوهما محذوف لأبي عمرو الداني وغيره ، فهذه مناقضة بالنسبة إلى أبي عمرو الداني .
أجيب عن هذا : بأن كلامه هاهنا في ألف البناء دون ألف الانقلاب عن الياء .
__________
(1) سورة الصافات ، من الآية 32 .
(2) سورة الدخان ، من الآية 106 .
(3) متن مورد الظمآن ، ص 30 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 285 .
(5) سورة الأنفال ، من الآية 40 .
(6) متن مورد الظمآن ، ص 33 .(2/99)
الاعتراض الثامن : من جهة التناقض بالنسبة إلى أبي عمرو الداني ، بيانه : أن قوله : (( وحذفت في مقنع )) إلى آخره ، يقتضي أن الألف المعانق للام في { الصلاةَ }(1)ونحوه ثابت لأبي عمرو الداني ، إذ لم يذكره الناظم في الألفاظ المحذوفة لأبي عمرو الداني ، وهذا مناقض لقوله بعد(2): (( وكيفما الحياة أو الصلاة )) إلى آخره .
أجيب عن هذا : بأن كلامه هاهنا في ألف البناء دون ألف الانقلاب عن الواو .
الاعتراض التاسع : من جهة التناقض بالنسبة إلى أبي عمرو الداني – أيضا – بيانه : أن قوله : (( وحذفت في مقنع )) ، يقتضي أن الألف في { عَلَى }(3)و { إِلَى }(4)و { بَلَى }(5)ثابت ، وهذا مخالف لقوله بعد(6): (( والياء عنهما بما قد جهلا )) إلى آخره .
أجيب عنه : بأن ذلك خرج بدليله .
الاعتراض العاشر : من جهة التناقض بالنسبة إلى أبي داود ، بيانه : أن قوله : ((ومع لام ذكره تتبعا)) يقتضي أن الألف في قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ? مَن تَوَلاَّهُ }(7)محذوف لأبي داود ، وهذا مناقض لقوله بعد(8): (( ومن تولاّه عصاني ))
أجيب عن هذا : بأن كلامه هاهنا في ألف البناء دون ألف المنقلبة عن الياء .
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصلاةَ.... } ، سورة البقرة ، من الآية 2 .
(2) متن مورد الظمآن ، ص 26 .
(3) في مثل قوله تعالى : { ?ُوْلَكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ.... } ، سورة البقرة ، من الآية 4 .
(4) في مثل قوله تعالى : { ..... ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ.... } ، سورة البقرة ، من الآية 28 .
(5) في مثل قوله تعالى : { بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً.... } ، سورة البقرة ، من الآية 80 .
(6) متن مورد الظمآن ، ص 35 .
(7) سورة الحج ، من الآية 4 .
(8) متن مورد الظمآن ، ص 34 .(2/100)
الاعتراض الحادي عشر : من جهة التناقض بالنسبة إلى أبي عمرو الداني – أيضا – ، بيانه : أن قوله : (( وحذفت في مقنع )) إلى آخره ، يقتضي أن الألف المعانق للام في قوله تعالى : { اللَّهُ }(1)، و { اللَّهُمَّ }(2)ثابت لأبي عمرو الداني لأنه لم يذكر هذين اللفظين في الألفاظ المحذوفة لأبي عمرو الداني ، وهذا مناقض لقوله في الباب الأول(3): (( كذاك لا خلاف بين الأمة في الحذف في اسم الله واللهمه )) .
أجيب عن هذا : بأن هذين اللفظين خرجا بدليلهما .
الاعتراض الثاني عشر : أن الناظم ذكر هاهنا الألف المعانق للام في غير موضعه ، لأن محله هو الباب الأول ، وهو ترجمة فاتحة الكاتب ، لأن الألف المعانق للام واقع في فاتحة الكتاب في قوله تعالى : { الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }(4)، فينبغي للناظم أن يذكر حكم الألف المعانقة للام في ترجمة الفاتحة ، لما وقع في جموع السلامة كما هو عادته ، وهذا الاعتراض لازم على مقتضى عادته ، لأن عادته إذا وقع لفظ محذوف في ترجمة مقدّمة ، فإنه يذكره هنالك ، وينسحب عليه الحكم إلى آخر القرآن . هذا تمام الاعتراضات المذكورات . وبالله التوفيق .
الإعراب : (( كذا )) جار ومجرور ، وهو في موضع الرفع لأنه خبر لمبتدأ بعده ، وقوله : (( إله )) مبتدأ ، وما بعده كلّها معطوفات عليه . ثم قال :
[148] وَكُلُّهُمْ فِي الْجِنِّ الآنَ ذَكَرُوا **** بِأَلِفٍ حَسَبَمَا قَدْ أَثَرُوا
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { يُخَدِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ ءَمَنُواْ..... } ، سورة البقرة ، من الآية 8 .
(2) 10) في مثل قوله تعالى : { قُلِ اللَّهُمَّ مَلِكَ الْمُلْكِ..... } ، سورة آل عمران ، من الآية 26 .
(3) 11) تنبيه العطشان ، ص 224 .
(4) سورة الفاتحة ، من الآية 1 . وفي حاشية النسخة " ز " : " يعني في قوله اسم الله " .(2/101)
ذكر في هذا البيت أن قوله تعالى : { فَمَنْ يَّسْتَمِعِ اءَلاْنَ يَجِدْ لَهُ? شِهَابًا رَّصَدًا }(1)ثابت الألف عند جميع أهل الرسم ، وهو مستثنى من قوله في البيت الذي قبله : (( والآن إيلاف معا )) .
وقوله : (( وكلّهم في الجن الآن ذكروا )) ، أي وجميع أهل الرسم ذكروا { اءَلاْنَ } الواقع في سورة الجن بألف ثابت .
وقوله : (( حسبما قد أثروا )) ، أي مثل ما قد رووا عن المصاحف .
واعترض قوله : (( وكلّهم في الجن )) بأنه مناقض لما قبله ، لأن ظاهره يقتضي أن ابن نجاح أثبت هذا اللفظ ، وظاهر ما قبله أنه حذفه ، لأنه لم يذكره في الألفاظ التي استثناها الناظم بالإثبات ، وهي الثلاثة عشر المذكورة أولا(2)في قوله : (( سوى قل إصلاح )) إلى قوله : (( لازب )) .
أجيب عنه : بأن قوله : (( وكلّهم في الجن الآن ذكروا )) البيت ، تقييد لما تقدّم ، وبيان له ، لأن أبا داود نصّ في التنزيل(3)على إثبات الألف في قوله تعالى : { فَمَنْ يَّسْتَمِعِ اءَلاْنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا } في سورة الجن ، كما نصّ عليه غيره(4).
فيزاد هذا اللفظ إذاً(5)على الألفاظ الثلاثة عشر المستثنيات لأبي داود بالإثبات ، فتكون الألفاظ عند أبي داود إذاً أربعة عشر .
__________
(1) سورة الجن ، من الآية 9 .
(2) من هنا تبدأ النسخة " جـ " .
(3) انظر مختصر التبيين ، 5 : 1234 .
(4) واتفقت المصاحف على إثبات الألف في هذا الموضع ، بخلاف نظائره ، فإنها محذوفة .
انظر : المقنع ، ص 19 ، دليل الحيران ، ص 83 ، سمير الطالبين ، ص 30 .
(5) في جـ : " أيضا " .(2/102)
الإعراب : قوله : (( وكلّهم )) مبتدأ ومضاف إليه [ وخبر المبتدأ الجملة بعده ](1)، وقوله : (( في الجن )) متعلّق بـ (( ذكروا )) ، وقوله : (( الآن )) مفعول مقدم ، وقوله : (( ذكروا )) فعل ماض وفاعل ، وقوله : (( بألف )) متعلّق بـ (( ذكروا )) ، وقوله : (( حسبما )) نعت لمصدر محذوف ، تقديره : ذكرا حسبما قد أثروا ، أي ذكروا مثل ما قد أثروا ، و (( ما )) بعد (( حسب )) موصولة بمعنى الذي ، أي ذكروه ذكرا مثل الذي قد أثروا ، [ أي مثل الذكر الذي قد ذكروه ، والضمير الرابط بين الصلة والموصول محذوف ، أي أثروه ، ويصح أن تكون (( ما )) مصدرية ](2)، أي مثل أثرهم ونقلهم ذلك عن المصاحف . ثم قال :
[149] وَأَوْكِلاَهُمَا بِخُلْفٍ جَاءَ **** وَلَيْسَ يَرْسُمُونَ فِيهِ يَاءَ
ذكر الناظم في هذا البيت أن الألف المعانق للام في قوله تعالى : { أَوْ كِلاَهُمَا }(3)مختلف في إثباته وحذفه .
وقوله : (( بخلف جاء )) ، أي جاء هذا اللفظ بخلف لجميع أهل الرسم ، لأن هذا حكم مطلق لجميهم .
واعترض هذا : بسكوته عن مختار أبي داود من الوجهين في هذا اللفظ ، لأن أبا داود ذكر في هذا اللفظ وجهين : الإثبات والحذف ، ثم قال : والأول أختار(4)، يعني الإثبات ، ومن حقّ الناظم أن يذكر أن الإثبات أحسن من الحذف عن أبي داود .
وقوله : (( وليس يرسمون فيه الياء )) يعني : أن هذا الألف إذا حذف لا يرسم الياء في موضعه باتفاق أهل الرسم .
قال أبو عمرو في المقنع(5): " وليس في شيء من المصاحف فيه ياء " .
وذكر أبو داود في التنزيل مثل هذا(6). فذكر الناظم هذا كما ذكروه .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) سورة الإسراء ، من الآية 23 .
(4) انظر مختصر التبيين ، 3 : 788 ، 789 .
(5) المقنع ، ص 94 .
(6) انظر مختصر التبيين ، 3 : 789 .(2/103)
فإن قلت : لماذا أتي الناظم بقوله : (( وليس يرسمون فيه ياء )) ؟ مع أن جميع الألفات المحذوفات المذكورات في هذا الباب كذلك يرسمون في موضعها ياء .
ولماذا خصّص الناظم { أَوْ كِلاَهُمَا } بهذا الذكر ؟ مع أن غيره مشارك له في هذا(1).
قلنا : إنما خصّصه بهذا التنبيه دون غيره ، مخافة أن يتوهّم متوهّم أن ألفه مكتوب بالياء إذا حذف ، لأنه ينقلب إلى الياء إذا أضيف إلى الضمير في حال الخفض والنصب ، كقولك : رأيت الزيدين كليهما ، ومررت بالزيدين كليهما .
ويحتمل أن يخصّصه بهذا التنبيه ، لأنه ممال عند حمزة والكسائي اتباعا لكسرة الكاف ، فنبّه عليه الناظم : بأنه لا يرسم الياء في موضع هذا الألف ، وإن كان مُمالاً عند من أماله ، مخافة أن يتوهّم متوهّم أنه مكتوب بالياء ، لأجل إمالته عند من أماله من القراء .
وقول الناظم : (( وليس يرسمون فيه ياء )) ولو كان منقلبا عن ياء في بعض الأحوال ، ولو كان – أيضا – ممالا عند بعض القراء .
واعلم أن النحاة اختلفوا في (( كلا )) على قولين(2):
قال الكوفيون : هو تثنية في اللفظ والمعنى .
وقال البصريون : هو مفرد في اللفظ وتثنية في المعنى .
واستدلّ الكوفيون على أنه مثنى لفظا ومعنى : بأن العرب تقول : جاء الزيدان كلاهما ، ورأيت الزيدين كليهما ، [ومررت بالزيدين كليهما](3)، فيرفع بالألف ، وينصب ويخفض بالياء كغيره من اللفظ المثنى .
__________
(1) في جـ : " مشارك له في هذا الذكر " .
(2) انظر الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب ، تحقيق موسى العليلي ، 1 : 120 – 122 ، وزارة الأوقاف
والشؤون الدينية ، العراق .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(2/104)
واستدلّ البصريون على أنه مفرد لفظا ومثنى معنى : بأن العرب تخبر عنه تارة بالمفرد وتارة بالتثنية ، فتقول : كلاهما قائم ، وكلاهما قائمان ، بالإفراد باعتبار لفظه وبالتثنية باعتبار معناه ، نظيره : " كل " لأنه مفرد لفظا مجموع معنى ، فتقول : كل قائم ، وكل قائمون .
واختلف البصريون في ألف " كلا " هل أصلها الواو أو أصلها الياء(1).
قيل : أصلها الياء ، لأن الغالب على لام الكلمة الياء ، كما أن الغالب على عين الكلمة الواو .
وقيل : أصلها الواو .
وقال أبو العباس المهدوي : " أصلها واو فيه معنى التأنيث ، ولأجل ما فيه من معنى التأنيث أماله من أماله من القراء ، وهو حمزة والكسائي "(2).
واختلفوا – أيضا – في { كِلْتَا }(3):
قال الكوفيون : هو تثنية لفظا ومعنى ، كما تقدّم في " كلا " .
وقال البصريون : هو مفرد لفظا مثنى معنى ، كما تقدّم – أيضا – لهم في " كلا " واستدلوا بقوله تعالى : { كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ ءَاتَتْ ?ُكْلَهَا }(4)، فأخبر عنها بالمفرد ، لقوله : { ءَاتَتْ } ، ولم يقل : "ءاتتا" .
فالألف في { كِلْتَا } على قول الكوفيين :ألف التثنية ، والتاء التي قبل الألف تاء التأنيث ، وهي زائدة للتأنيث .
وقال البصريون : الألف فيه للتأنيث ، ووزنه ((فعلى)) ، نحو ((ذكرى)) .
__________
(1) في جـ : " هل أصلها الياء أو أصلها الواو " .
(2) وقفت على الجزء الثاني من هذا الكتاب ، الذي يبدأ من سورة الكهف إلى آخر القرآن ، أما الجزء الأول فلم
أقف عليه .
(3) قال أبو عمرو : " وكذلك وجدت فيها – في مصحف العراق وغيرها – { كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ } في الكهف بالألف
وذلك على أن الألف للتثنية ، أو على مراد التفخيم ، إن كانت للتأنيث " .
انظر المقنع ، ص 44 .
(4) سورة الكهف ، من الآية 32 .(2/105)
واختلف البصريون في أصل التاء التي قبل الألف ، قيل : أصلها الواو ، وقيل : أصلها الياء ، والمشهور – وهو قول سيبويه – [ وصرح به ابن الحاجب في شرح المفصل(1)]: أن أصلها الواو ، فأصلها ((كلوا)) ، ثم أبدلت الواو تاء ، لأن التاء كثيرا ما تبدل من الواو ، نحو : تجاه ، وتراث ، وثلاث ، وتقاة .
الإعراب : قوله : (( وأوكلاهما )) مبتدأ ، وقوله : (( بخلف )) متعلّق بـ (( جاء )) وقوله : (( وليس )) فعل ماض واسمها [مستتر](2)فيها عائد على لفظ { أَوْ كِلاَهُمَا } وقوله : (( يرسمون )) فعل مضارع وفاعل وعلامة رفع الفعل ، وهو في موضع خبر (( ليس )) ، وقوله : (( فيه )) جار ومجرور متعلّق بـ (( يرسمون )) ، وقوله : (( ياء )) مفعول . ثم قال :
[150] فَإِنْ يَكُنْ مَا بَيْنَ لاَمَيْنِ فَقَدْ **** حُذِفَ عَنْ جَمِيعِهِمْ حَيْثُ وَرَدْ
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) ساقطة من : " جـ " .(2/106)
لمّا فرغ الناظم من ذكر الألف المعانق للام المفردة ، شرع هاهنا في هذا البيت في ذكر الألف الكائن بين لامين ، فذكر في هذا البيت : أن الألف الكائن بين لامين محذوف عند جميع أهل الرسم حيث ما جاء في القرآن من غير استثناء ، مثاله : { كَلَلَةً }(1)، و { سُلَلَةٍ }(2)، { وَأَغْلَلاً }(3)، { وَظِلَلُهُم }(4)، { وَلاَ خِلَلٌ }(5)، وغير ذلك .
واعترض هذا البيت بأن قيل : ظاهره يقتضي أن الألف إذا كان بين لامين ، فهو محذوف باتفاق ، وسواء كان بين لامين حرف آخر غير الألف ، أو لم يكن بين اللامين الألف ، وليس الأمر كذلك ، لأن الألف المحذوف هاهنا بالاتفاق ، وهو الألف الواقع بين لامين من غير حرف آخر بين اللامين وإذا كان بين اللامين حرف
آخر مع الألف ، فليس بمحل الاتفاق ، كقوله تعالى : { وَحَلآ لُ أَبْنَآ ِكُمُ }(6)، وشبهه .
فقول الناظم : (( فإن لم يكن ما بين لامين )) ، يريد من غير حائل بينها غير الألف(7).
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { ..... وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَللَةً.... } ، سورة النساء ، من الآية 12 .
(2) في مثل قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلَلَةٍ مِّن طِينٍ } ، سورة المؤمنون ، الآية 12 .
(3) في قوله تعالى : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَسِلاً وَأَغْلَلاً وَسَعِيرًا } ، سورة الإنسان ، الآية 4 .
(4) في قوله تعالى : { .... وَظِللُهُم بِالْغُدُوِّ وَاءَلاْصَالِ } ، سورة الرعد ، من الآية 16 .
(5) في مثل قوله تعالى : { .... مِّن قَبْلِ أَنْ يَّأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلَلٌ } ، سورة إبراهيم ، من الآية 33 .
(6) سورة النساء ، من الآية 23 .
(7) وقد أجمع علماء الرسم على حذف الألف الواقعة بين اللامين إذا كانت وسطا ، ذكر ذلك أبو عمرو الداني
في فصل ما أجمع عليه كتّاب المصاحف ، ووافقه أبو داود والشاطبي .
انظر : المقنع ، ص 17 ، مختصر التبيين ، 2 : 98 ، الوسيلة ، ص 270 ، دليل الحيران ، ص 83 .(2/107)
الإعراب : [ (( فإن لم يكن )) ](1)الفاء حرف عطف (( إن )) حرف شرط (( يكن)) مجزوم بـ (( إن )) واسم يكون : الألف ، وقوله : (( ما )) زائدة ، وقوله : (( بين )) ظرف ، والعامل فيه محذوف ، تقديره : كائنا بين لامين ، ويصح أن تكون تامة بمعنى الوقوع ، أي فإن يقع الألف بين لامين فلا يحتاج إلى خبر على هذا ، وقوله : (( لامين )) مخفوض بالظرف ، وقوله : (( فقد )) الفاء جواب الشرط (( قد )) حرف تحقّيق ، (( حذف )) ماض مركب ، (( عن جميعهم )) متعلّق بـ (( حذف )) ، وقوله : ((حيث)) ظرف والعامل فيه [حال من ضمير](2)(( حذف )) ، وقوله : (( ورد )) فعل ماض . ثم قال :
[151] وَمَا أَتَى تَنْبِيهاً أَوْ نِدَاءَ **** كَقَوْلِهِ هَاتَيْنِِ يَا نِسَاءَ
ذكر الناظم في هذا البيت : أن الألف المصاحبة للهاء التي للتنبيه ، والألف المصاحب للياء التي للنداء ، محذوفان عن جميع أهل الرسم ، لأن هذا أتى به بعد المتفق عليه بالحذف ، وهو قوله قبله : (( فإن يكن ما بين لامين فقد حذف عن جميعهم حيث ورد )) .
فقوله : (( وما أتى تنبيها أو نداء )) ، أي : والألف الذي جاء مصاحبا لهاء التنبيه أو مصاحبا لياء النداء محذوف عن جميعهم .
وقوله : (( كقوله هاتين يا نساء )) [ أتى الناظم بمثالين : مثال الهاء التي للتنبيه وهو : { هَاتَيْنِ }(3)، ومثال التي للنداء ، وهو : { يَانِسَآءَ }(4)
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " فإن " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) في قوله تعالى : { قَالَ إِنِّيَ ?ُرِيدُ أَنْ ?ُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ.... } ، سورة القصص ، من الآية 27 .
(4) في مثل قوله تعالى : { يَانِسَآءَ النَّبِيءِ مَنْ يَّأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ.... } ، سورة الأحزاب ، من الآية 30 .
وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " . ...(2/108)
] الأول للأول ، والثاني للثاني ، تقدير الكلام : وما أتى تنبيها ، كقوله تعالى : { ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } ، وما أتى نداء ، كقوله تعالى : { يَانِسَآءَ النَّبِيءِ } .
وقوله : (( هاتين )) يريد وما أشبهه ، كقوله : { هَاذَا }(1)، و { هَاذِهِ? }(2)، و { هَاذَانِ }(3)، و { هَاهُنَا }(4)، { أَهَاذَا الَّذِي }(5)، و { أَهَاكَذَا }(6)، و { هؤلاء }(7)و { هَاانتُمْ }(8)، وشبه ذلك . وذكر أبو عمرو في المقنع(9)وغيره من أهل الرسم في أمثلة هاء التنبيه : { هَاانتُمْ } ، فهي عند أهل الرسم هاء التي للتنبيه .
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { ..... قَالُواْ هَاذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ.... } ، سورة البقرة ، من الآية 24 .
(2) في مثل قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبَا هَاذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ.... } ، سورة البقرة ، من الآية 34 .
(3) في مثل قوله تعالى : { .... قَالُواْ إِنَّ هَاذَنِ لَسَاحِرَانِ..... } ، سورة طه ، من الآية 62 .
(4) في مثل قوله تعالى : { .... مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا..... } ، سورة آل عمران ، من الآية 154 .
(5) من الآية 36 في سورة الأنبياء ، ومن الآية 41 في سورة الفرقان لا غير .
(6) في قوله تعالى : { ..... أَهَاكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ? هُوَ.... } ، سورة النمل ، من الآية 43 .
(7) في مثل قوله تعالى : { ... فَقَالَ أَنبِونِي بِأَسْمَآءِ هَاؤُلآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ، سورة البقرة ، من الآية 30 .
(8) 10) في مثل قوله تعالى : { هَاانتُمْ هَؤُلآءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ? عِلمٌ.... } ، سورة آل عمران ، من الآية 65 .
(9) 11) انظر المقنع ، ص 16 .(2/109)
واختلف النحاة في { هَاانتُمْ } على قولين(1)، قيل : هاء التي للتنبيه ، وقيل : الهاء مبدلة من همزة الاستفهام ، وأصله أأنتم بهمزتين ، همزة الاستفهام وهمزة أنتم فأبدلت همزة الاستفهام هاء ، فصار { هَاانتُمْ } ، لأن همزة الاستفهام قد تبدل هاء ، ومنه قولهم : هزيد منطلق ، أصله : أزيد منطلق ، فأبدلوا(2)همزة الاستفهام هاء .
ومنه قول الشاعر(3):
وَأَتَى صَوَاحِبَهَا فَقُلْنَ : هَذَا الَّذِي مَنَحَ الْمَودَّةَ غَيْرَنَا وَجَفَانَا ؟!
يريد : أذا الذي ، فأبدل همزة الاستفهام هاءً .
__________
(1) 12) انظر الجامع لأحكام القرآن ، 4 : 108 .
(2) 13) في جـ : " فأبدلت " .
(3) البيت من الكامل ، لجميل بُثينة في ديوانه ، شرح أشرف عَدوة ، ص 208 ، ط1 ، عالم الكتب ، بيروت .
وهو من شواهد الزمخشري في المفصل في علم العربية ، شرح : محمد بدر الدين النعماني الحلبي ،
ص 369 ، ط دار الجيل بيروت . قال شارحه : " لم أر من ذكر له قائلا " .
وقد ذكر ابن الجزري أن هذا البيت أنشده الحافظ أبو عمرو الداني . انظر النشر ، 1 : 402 .(2/110)
وقول الناظم : (( يا نساء )) ، يريد وما أشبهه ، كقوله تعالى : { يَانُوحُ }(1){ يَاهُودُ }(2)، { يَالُوطُ }(3)، { يَاشُعَيْبُ }(4)، { يَاصَالِحُ }(5)، { يَاهَرُونُ }(6)، { يَاَادَمُ }(7)، { يَاأَيُّهَا }(8)، { يَاـ?ُوْلِي }(9)، { يَابُنَيِّ }(10)، [ { يَابَنِيَّ }(11)
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { قَالُواْ يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا.... } ، سورة هود ، من الآية 32 .
(2) في قوله تعالى : { قَالُواْ يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ.... } ، سورة هود ، من الآية 53 .
(3) في مثل قوله تعالى : { قَالُواْ يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَّصِلُواْ إِلَيْكَ..... } ، سورة هود ، من الآية 80 .
(4) في مثل قوله تعالى : { ..... لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ..... } ، سورة الأعراف ، من الآية 87 .
(5) في مثل قوله تعالى : { .... وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا..... } ، سورة الأعراف ، من الآية 76 .
(6) في قوله تعالى : { قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ..... } ، سورة طه ، من الآية 91 .
(7) في مثل قوله تعالى : { قَالَ يَاَادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآ هِمْ.... } ، سورة البقرة ، من الآية 32 .
(8) في مثل قوله تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ.... } ، سورة البقرة ، من الآية 20 .
(9) 10) في مثل قوله تعالى : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حياةٌ يَا?ُوْلِي الأَلْبَابِ.... } ، سورة البقرة ، من الآية 178 ،
(10) 11) في مثل قوله تعالى : { قَالَ يَابُنَيِّ لاَ تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ..... } ، سورة يوسف ، من الآية 5 .
(11) 12) في مثل قوله تعالى : { وَقَالَ يَابَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن? بَابٍ وَاحِدٍ.... } ، سورة يوسف ، من الآية 67 ..(2/111)
] ، { يَابَنِي }(1)، { يَاوَيْلَتَى }(2)، { يَاأَسَفَى }(3)، { يَاحَسْرَتَى }(4)، { يَارَبِّ }(5)، وغير ذلك .
والعلّة في حذف الألف المصاحبة للهاء التي للتنبيه والياء التي للنداء ، هو : الاختصار ، لأن الكلمتين صارتا كالكلمة الواحدة الطويلة ، فخففت بحذف الألف ، وهذا مذهب جميع أهل الرسم ، وهو مذهب – أيضا – جمهور النحاة ، وقال بعض النحاة بالتفصيل في الألف المصاحبة لياء النداء ، بين أن يكون بعدها ألف آخر أم لا فإن كان بعدها ألف آخر ، نحو : { يَاأَيُّهَا } ، و { يَا?ُخْتَ هَارُونَ }(6)، فعلّة حذفها مخافة اجتماع ألفين في الخطّ ، وإن لم يكن بعدها ألف ، فعلّة حذفها الاختصار ، كما قال الجمهور ، نحو : { يَاصَالِحُ } ، و { يَاشُعَيْبُ } ، وشبه ذلك(7).
واختلفوا – أيضا – في المحذوف فيما وقع فيه ألف بعد ألف النداء ، نحو : { يَاأَيُّهَا } هل المحذوف ألف النداء ، أو ألف الهمزة ؟
فقال أهل الرسم مع جمهور النحاة : المحذوف هو ألف النداء .
__________
(1) 13) في مثل قوله تعالى : { يَابَنِي إِسْرَآءِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ... } ، سورة البقرة ، من الآية 39
وفي جـ : " { يَابَنِي إِسْرَآءِيلَ } " .
(2) 14) في مثل قوله تعالى : { .... قَالَ يَاوَيْلَتَى أَعَجَزْتُ...... } ، سورة المائدة ، من الآية 33 .
(3) 15) في قوله تعالى : { .... وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ..... } ، سورة يوسف ، من الآية 84 .
(4) 16) في قوله تعالى : { .... يَاحَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطْتُّ فِي جَن?بِ اللَّهِ..... } ، سورة الزمر ، من الآية 53 .
(5) 17) في مثل قوله تعالى : { وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ.... } ، سورة الفرقان ، من الآية 30 .
(6) 18) سورة مريم ، من الآية 27 .
(7) 19) انظر المحكم ، ص 153 .(2/112)
وقال بعض النحاة : المحذوف هو ألف الهمزة ، وحجّتهم على ذلك : قالوا لأنه(1)جاء بالثقل ، إذ به وقع التكرار والاجتماع بين صورتين .
وحجّة أهل الرسم وجمهور من النحاة القائلين بأن المحذوف الأول فيما وقع بعده ألف ، أربعة أوجه :
أحدها : وقوع ألف النداء في الطرف ، بخلاف الذي بعده ، فإنه واقع في أول الكلمة ، والذي وقع في الطرف أولى بالحذف من الذي وقع في أول الكلمة ، لأن الأطراف محل التغيير ، والحذف من أنواع التغيير .
والوجه الثاني(2): أن ألف النداء ساكن ، بخلاف الذي بعده ، وحذف الساكن أولى من حذف المتحرك .
والوجه الثالث : أنه محمول على ألف النداء الذي لم يقع بعده ألف ، نحو : { يَانُوحُ } وشبهه ، لأن ألف النداء محذوف هناك باتفاق ، فحُمل عليه هذا .
والوجه الرابع : أنه محمول على الساكنين ، لأن الذي يغيَّر من الساكنين إنما هو الأول منهما ، فيغيَّر بالحذف أو بالإدغام أو بالتحريك ، وكذلك هاهنا يغير ، فحذفه كنظائره(3).
وقوله : (( وما أتى تنبيها أو نداء )) اعترض من جهة النقل ، وذلك أن كلامه يقتضي أن الألف بعد حرف النداء محذوف باتفاق حيث ما ورد ، وليس الأمر كذلك لأن قوله : { يَبْنَؤُمَّ }(4)في طه ، مختلف في الألف المصاحب لياء النداء ، قيل بالحذف وهو المشهور ، وقيل بالإثبات ، ذكر هذا القول : أبو الحسن السخاوي(5)
__________
(1) زاد في جـ ، ز : " هو الذي " .
(2) في جـ : " الوجه الثاني " .
(3) وإلى الوجه الرابع ذهب الكسائي وغيره من النحويين ، وقال به أبو عمرو الداني .
انظر المحكم ، ص 155 .
(4) في قوله تعالى : { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِيَ.... } ، سورة طه ، من الآية 92 .
(5) في الوسيلة ، ص 367 .
والسخاوي هو علم الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد بن غطاس الهمداني . ولد سنة 558 هـ ،
وقرأ القراءات على الإمام الشاطبي ، وممن قرأ عنه القراءات أبو الفتح محمد الأنصاري ، وتصدر للتدريس
والإقراء بدمشق . من مؤلفاته : " فتح الوصيد في شرح القصيد " ، " الوسيلة إلى كشف العقيلة " .
توفي سنة 643 هـ . انظر : غاية النهاية ، 1 : 568 ، رقم 2318 ، معرفة القراء ، ص 340 .(2/113)
وأبو العاصي(1)في كتاب الكشف(2).
أجيب عنه : بأن الناظم إنما سكت عن هذا ، لأن الشيوخ الذين لخّص هذا الرجز من كتبهم لم يذكروا فيه إلا الإثبات .
وقول الناظم : (( وما أتى تنبيها أو نداء )) اعترضه بعض الشرّاح(3)بأن قال :
ظاهره يقتضي بأن الألف هي التي تأتي للتنبيه أو للنداء ، وليس الأمر كذلك ، بل الذي يأتي للتنبيه أو للنداء ، هو الحرف الذي قبل الألف ، وهو الهاء أو الياء .
أجيب عن هذا بأن قيل : لا نسلم أن الهاء أو الياء هي التي تأتي للتنبيه أو للنداء ، بل الذي يأتي للتنبيه أو للنداء ، هو مجموع الحرفين ، أعني الهاء والياء المصاحبة لها ، فمجموعهما هو المفيد للتنبيه ، وكذلك المفيد للنداء هو مجموع الياء والألف المصاحبة لها ، فالألف على هذا مقتضية للتنبيه وللنداء مع الحرف الذي قبله فقول الناظم : (( وما أتى تنبيها أو نداء )) ، يعني أن الألف يقتضي التنبيه أو النداء مع مصاحبة الذي قبله ، ولا يقال أن الألف لا يقتضي التنبيه أو النداء ، وإنما الحرف الذي قبل الألف هو الذي يقتضي ذلك ، بل نقول الألف يقتضي ذلك مع مصاحبته للحرف الذي قبله .
__________
(1) لم أجد له ترجمته في المصادر التي رجعت إليها .
(2) قال الشبّاني : " وحُكي عن الكشف لأبي العاصي : الإثبات والحذف – أيضا – مع حذف ألف الوصل " .
كشف الغمام ، ورقة 128 .
(3) منهم ابن آجطا في التبيان ، ورقة 33 .(2/114)
الإعراب : قوله : (( وما )) مبتدأ وهي موصولة بمعنى الذي ، تقديره : والألف الذي وخبر المبتدأ محذوف ، تقديره : وحذف عن جميعهم ، يدلّ عليه ما قبله ، وقوله : (( أتى )) فعل ماض ، وقوله (( تنبيها )) مفعول من أجله ، أو حال على حذف مضاف ، أي أتى ذا تنبيه ، وقوله : (( أو نداء )) معطوف ، وقوله : (( كقوله )) جار ومجرور ومضاف إليه ، والكاف هاهنا في موضع الرفع على أنه خبر لمبتدأ [ محذوف ](1)، أي وذلك كقوله تعالى ، وقوله : (( هاتين )) مفعول بالقول(2)، وقوله : (( يا نساء )) معطوف . ثم قال :
[152] وَلَيْسَ هَاؤُمُ وَهَاتُوا مِنْهَا **** لِعَدَمِ التَّنْبِيهِ فَاعْلَمْ مِنْ هَا
ذكر الناظم في هذا البيت لفظين ، وهما قوله تعالى : { هَاآؤُمُ اقْرَءُواْ كِتَابِيَهْ }(3)وقوله تعالى : { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ }(4)، وذكر أن الهاء في هذين اللفظين ليست للتنبيه ، فالألف فيهما ثابت .
وقوله : (( منها )) ، أي من هاء التنبيه .
وقوله : (( لعدم التنبيه )) ، أي لأجل عدم التنبيه من هائهما ، أي من هاء { هَاآؤُمُ } و[هاء](5){ هَاتُواْ } .
وقوله : (( فاعلم )) حشو أتى به تهيئا وتوطئة للنظم .
وقوله : (( منها )) الأول متصل ، لأنه ضمير متصل عائد على هاء التنبيه ، أي من الهاء التي للتنبيه .
__________
(1) ساقطة من : " جـ " .
(2) في جـ : " بدل من قوله " .
(3) سورة الحاقة ، من الآية 18 .
(4) سورة البقرة ، من الآية 110 .
وفي جـ : " { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } " .
(5) ساقطة من : " ز " .(2/115)
و(( من ها )) الثاني منفصل ، لأنه ظاهر وليس بضمير ، أي لعدم التنبيه من كلمة ((ها)) ، أي من الكلمة التي هي ((ها)) ، وإنما ذكر الناظم هاذين اللفظين مع أنهما ليسا من التنبيه الذي شرع فيه : مخافة أن يتوهّم متوهّم أن الهاء فيهما للتنبيه ، فيحذف الألف فيهما ، فنبّه الناظم على أنهما ليسا من هاء التنبيه ، فالألف فيهما ثابت لأنهما ليسا من التنبيه ، وإنما هما اسمان من أسماء الأفعال ، فمعنى { هَاآؤُمُ } : خذوا كتابي فانظروا ما فيه لتقفوا على نجاتي وفوزي(1)، ومعنى { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } : أحضروا برهانكم ، ومعنى البرهان : إقامة الدليل على الدعوى .
وقوله تعالى : { هَاآؤُمُ } هو اسم فعل أمر للجماعة ، وهذا الاسم الذي هو ((ها)) يقال بالقصر ويقال بالمد ، وهو الأفصح الأشهر ، وقد ورد الضبطان في الحديث في قوله - عليه السلام - : " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا هاء وهاء "(2).
يقال ممدودا أو يقال مقصورا ، والأفصح الأشهر المد .
واختلف المحدثون في معناه في هذا الحديث(3):
فقيل : معناها "وها" أن يقول كل واحد من المبيعين لصاحبه خذ .
وقيل : معناه أن يقول كل واحد منه لصاحبه خذ وأعط .
وقد تقدّم لنا أن يقال : "هاء" بالمد و"هاء" بالقصر والمد أفصح وأشهر .
__________
(1) انظر : الجامع لأحكام القرآن ، 18 : 269 ، تفسير ابن كثير ، 4 : 416 .
(2) أخرجه البخاري وابن ماجة ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يخبر عن رسول الله صلى عليه الله وسلم أنه قال :
"الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير
بالشعير ربا إلا هاء وهاء " .
صحيح البخاري ، كتاب البيوع ، باب بيع الشعير بالشعير ، 2 : 32 ، حديث 2174 ، سنن ابن ماجة
باب الصرف وما لا يجوز متفاضلا يدا بيد ، 2 : 757 ، حديث 2253 .
(3) انظر فتح الباري، 4 : 378 .(2/116)
فإذا قلنا : المد ، ففي ضبط الهمزة ثلاث لغات : الفتح ، والكسر ، والسكون ، والفتح(1)الأفصح الأشهر ، لأنه لغة القرآن لقوله تعالى : { هَاآؤُمُ اقْرَءُواْ كِتَابِيَهْ }
وهاهنا خمس لغات ، ذكرها أبو الفتح بن جني في سر الصناعة في آخر حرف الكاف منه :
اللغة الأولى ، وهي أفصحها ، إذ هي لغة القرآن : أن ينطق بالهمزة دون الكاف مطلقا ، فتقول "هاء" بفتح الهمز للواحد ، و للواحدة بكسر الهمزة "هاء"(2)، وللتثنية "هاؤما" ، وللذكور "هاؤم" ، وللإناث "هاؤن" .
اللغة الثانية : أن ينطق الكاف بدون همزة مطلقا ، فتقول : "هاكَ" ، "هاكِ" ، "هاكما" ، "هاكم" ، "هاكن" .
اللغة الثالثة : أن ينطق بالهمزة والكاف معا مطلقا بفتح الهمزة في جميعها ، فتقول : "هاءكَ" ، "هاءكِ" ، "هاءكما" ، "هاءكم" ، "هاءكن" .
اللغة الرابعة : أن ينطق به كما تنطق بالأمر من خاف ، فتقول : "هَأْ" ، "هاءا" ، "هاءوا" ، "هأن" .
اللغة الخامسة : أن ينطق به على صورة واحدة مطلقا للواحد والواحدة والتثنية والجماعة ، فتقول : "هأ" في جميعها ، كما تقول في "صهْ" و"مهْ "(3).
وزاد بعضهم لغة سادسة ، وهي : أن تنطق به كما تنطق بالأمر(4)فتقول : "هاء" بكسر الهمزة للواحد ، وللواحدة : "هاءي" ، وللتثنية : "هاءيا" ، وللذكور : "هاءوا" وللإناث : "هاءين" .
__________
(1) في ز : " والفتح هو الأفصح الأشهر ..... " .
(2) في جـ : " وللواحدة هاء بكسر الهمز " .
(3) انظر سر صناعة الإعراب ، 1 : 319 ، 320 .
(4) بعدها في جـ : " من لاقا " .(2/117)
الإعراب : قوله : (( وليس )) فعل ماض ، وقوله : (( هاؤم )) اسم (( ليس )) ، وقوله : (( وهاتوا )) معطوف ، وقوله : (( منها )) جار ومجرور متعلّق بالثبوت والاستقرار ، وقوله : (( لعدم التنبيه )) جار ومجرور متعلّق بـ (( ليس )) ، وقوله : (( فاعلم )) فعل أمر ، وقوله : (( من ها )) متعلّق بقوله : (( لعدم ))(1). ثم قال :
[153] وَلَفْظُ سُبْحَانَ جَمِيعاً حُذِفَا **** لَكِنَّ قُلْ سُبْحَانَ فِيهِ اخْتُلِفَا
ذكر الناظم هاهنا أن ألف { سُبْحَانَ } محذوف باتفاق ، لأن هذا حكم مطلق .
مثاله : { سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }(2)وقوله : { سُبْحَانَ رَبِّكَ }(3)، وقوله : { سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }(4)، وقوله : { سُبْحَانَهُ? وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ }(5)وغير ذلك .
وقوله : (( لكن قل سبحان فيه اختلفا )) استدرك الناظم في هذا الشطر الخلاف في لفظ واحد(6)، وهو قوله تعالى : { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً }(7)، وقيّده بالمجاور احترازا من غيره ، والألف في آخر الشطرين لإطلاق القافية .
__________
(1) في جـ : " لعدم التنبيه " .
(2) سورة الصافات ، الآية 159 .
(3) سورة الصافات ، من الآية 179 .
(4) سورة الأنبياء ، من الآية 86 .
(5) سورة الأنعام ، من الآية 101 .
(6) ذكر أبو عمرو اختلاف المصاحف فيه ، ثم قال : " ورأيته أنا في مصاحف أهل العراق العتق بالألف " ،
وذكر الخلاف – أيضا – ابن نجاح في لفظ { سُبْحَانَ } ، حيث قال : " ففي بعض المصاحف بألف بين الحاء
والنون ، وفي بعضها بغير ألف " . قال ابن القاضي : " والعمل على الحذف " . وذلك في بعض مصاحف
أهل المغرب ، وفي بعضها بالألف كما في مصحف الجماهيرية .
انظر : المقنع ، ص 17 ، 95 ، مختصر التبيين ، 3 : 796 ، الخلاف والتشهير والاستحسان ورقة 8 ،
سمير الطالبين ، ص 33 .
(7) سورة الإسراء ، من الآية 93 .(2/118)
الإعراب : (( ولفظ )) مبتدأ ، (( سبحان )) مضاف إليه لا ينصرف للزيادتين والعلمية(1)، لأنه اسم علم للتسبيح ، وقوله : (( جميعا )) حال من الضمير المستتر في
(( حذفا )) ، و (( حذفا )) ماض مركب في موضع خبر المبتدأ ، وقوله : (( لكن )) حرف استدراك ، وقوله : (( قل سبحان )) اسم (( لكن )) ، وقوله : (( فيه )) متعلّق بـ (( اختلفا )) ، وقوله : (( اختلفا )) ماض مركب . ثم قال :
[154] وَكَاتِباً وَهْوَ الأَخِيرُ عَنْهُمَا **** وَمُقْنِعٌ لَدَى الثَّلاَثِ مِثْلَ مَا
[155] وَابْنُ نَجَاحٍ ثَالِثًا قَدْ أَثْبَتَا **** وَالأَوَّلاَنِ عَنْهُمَا قَدْ سَكتَا
قوله : (( وكاتبا )) هكذا بالنصب ، لأنه معطوف على اسم (( لكن )) في قوله قبله : (( لكن قل سبحان فيه اختلفا )) ، معناه : اختلف عن الشيخين أبي عمرو وأبي داود في { كاتبا } الأخير .
وقوله : (( الأخير )) قيّده بمرتبة التأخير احترازا ممّا قبله ، وذلك أن ألفاظ الكاتب في القرآن(2)في أربعة مواضع ، وهي كلّها في آخر سورة البقرة ، فذكر الناظم أن الشيخين اتفقا على ذكر الخلاف في اللفظ الأخير منها ، وهو قوله تعالى : { وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا }(3).
وقوله : (( لدى الثلاث مثل ما )) ، معناه : وذكر صاحب المقنع الخلاف – أيضا – في الثلاث الألفاظ الباقية ، كما ذكر الخلاف في اللفظ الرابع .
فتبيّن بهذا : أن أبا عمرو الداني ذكر الخلاف في الألفاظ الأربعة كلّها(4).
وقوله : (( لدى )) بمعنى في .
وقوله : (( الثلاث )) أي الثلاث الكلمات .
__________
(1) في جـ : " والعلميتين " .
(2) في جـ ، ز : " وردت في أربعة مواضع " .
(3) سورة البقرة ، من الآية 282 .
(4) نقل أبو عمرو الداني الخلاف في هذه المواضع الأربعة ، وهو مقصور على مصاحف أهل العراق ، وقال
الغازي بن قيس في كتابه : " { كَاتِبٌ } في البقرة بالألف " . انظر : المقنع ، ص 23 .(2/119)
وقوله : (( مثل ما )) أي : مثل الذي تقدّم ، (( فما )) موصولة بمعنى الذي ، وحذف الناظم صلة الموصول ، لدلالة ما تقدّم عليها ، تقدير كلامه : وذكر مقنع في الثلاث الكلمات مثل الخلاف الذي ذكر في الكلمة الرابعة [ فإن العرب قد تحذف بعض الكلام إذا كان فيما أُبقي دليل على ما ألقي ، ومنه قول الشاعر(1):
فَإِنَّ الْمَنِيَّةَ مَنْ يَخْشَهَا فَسَوْفَ تُصَادِفُهُ أَيْنَمَا
تقديره : أين ما ذهب أو أين ما كان ](2).
وقوله : (( وابن نجاح ثالثا [ قد أثبتا ](3)) ، أي وصرح ابن نجاح بالإثبات في
اللفظ الثالث ، وهو قوله تعالى : { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ }(4).
وقوله : (( والأولان عنهما قد سكتا )) ، معناه : أن اللفظين الأولين من هذه الألفاظ الأربعة سكت عنها ابن نجاح ، لم يذكرهما لا بحذف ولا بإثبات ولا بغير ذلك ، والمراد بالأولين قوله تعالى : { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَّكْتُبَ }(5)، فخرج من هذا أن الألفاظ الأربعة لأبي عمرو كلّها بالخلاف ، وأما أبو داود فهي عنده على ثلاثة أقسام :
قسم صرّح فيه بالخلاف ، وهو اللفظ الرابع ، وقسم صرّح فيه بالإثبات ، وهو اللفظ الثالث ، وقسم سكت عنه ، وهو الأولان .
واعترض هذان البيتان بوجهين :
__________
(1) البيت للنمر بن تولب وهو من شواهد البطليوسي في الاقتضاب ص 363 ، وابن قتيبة في المشكل ، ص 138
(2) ما بين القوسين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) سورة البقرة ، من الآية 281 .
(5) سورة البقرة ، من الآية 281 . وزاد في جـ : " { كما علمه الله } " .(2/120)
أحدهما : سكوت الناظم عن مختار أبي عمرو ، لأن أبا عمرو اختار إثبات الألف في لفظ ((الكاتب)) في الألفاظ الأربعة ، لأنه قال في المقنع بعد ذكر الخلاف في الألفاظ الأربعة : وإثبات الألف عندي أوجه ، لقلة دوره في القرآن ، ولئلا يشتبه بقوله : { كِتَابَ }(1)و { كِتَابًا }(2).
ومن حقّ الناظم أن يذكر أن أبا عمرو اختار فيه إثبات الألف ، لالتزامه أن يذكر كلما ذكروه .
الوجه الثاني : أنه أطلق لفظة (( عنهما )) على غير الشيخين في قوله : (( والأولان عنهما قد سكتا )) ، لأن الضمير هاهنا عائد على اللفظين الأولين ، وذلك مناقض لقوله أولا(3): (( وكلما جاء بلفظ عنهما )) البيت .
أجيب عن هذا : بأن الضمير هاهنا في قوله : (( عنهما )) تعين إعادته على اللفظين ولا يمكن إعادته على الشيخين ، فليس هاهنا التباس أصلا .
__________
(1) في مثل قوله تعالى : { .... كِتَابَ اللّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، سورة البقرة ، من الآية 100 .
(2) في مثل قوله تعالى : { .... كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ ..... } ، سورة الزمر ، من الآية 22 .
وانظر المقنع ، ص 24 .
(3) تتبيه العطشان ، ص 200 .(2/121)
الإعراب : وقوله(1): (( وكاتبا )) معطوف على اسم (( لكن )) وهو مبتدأ ، (( الأخير )) خبره ، وقوله : (( عنهما )) متعلّق بمحذوف ، أي اختلف عنهما(2)، وقوله : (( ومقنع )) فاعل بفعل محذوف ، أي وذكر مقنع ، وقوله : (( لدى الثلاث )) ظرف ومخفوض به ، [ والعامل في الظرف ذكر ](3)، وقوله : (( مثل )) مفعول ، وقوله : (( ما )) مضاف إليه ، وقوله : (( وابن نجاح )) مبتدأ ومضاف إليه وخبره فيما بعده ، وقوله : (( ثالثا )) مفعول مقدّم ، لقوله : (( أثبتا )) ، وقوله : (( الأولان )) مبتدأ وخبره قوله : (( سكتا )) ، والألف في آخر الشطرين لإطلاق القافية . ثم قال :
[156] وَاحْذِفْ يُضَاعِفْهَا لَدَى النِّسَاءِ **** وَمَعْهُ لِلدَّانِي سِوَاهُ جَاءِ
[157] وَذَكَرَ الْخُلْفَ بِأُولَى الْبَقَرَةْ **** ثُمَّ بِحَرْفَيِ الْحَدِيدِ ذَكَرَهْ
[158] وَلأَبِي دَاوُدَ جَاءَ حَيْثُمَا **** إِلاَّ يُضَاعِفْهَا كَمَا تَقَدَّمَا
[159] وَفِي الْعَقِيلَةِ عَلَى الإِطْلاَقِ **** فَلَيْسَ لَفْظٌ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ
تعرّض الناظم هاهنا لأفعال المضاعفة ، وأما الاسم من المضاعفة فقد ذكره في الباب الذي بعد هذا في قوله(4): (( والحذف في المقنع في ضعافا وعن أبي داود جاء أضعافا )) ، وفي قوله(5): (( وجاء عنهما بلا مخالفة في لفظ باركنا وفي مضاعفة )) .
__________
(1) في جـ : " قوله " .
(2) في جـ ، ز : " أي اختلف عنهما فيه ..... " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) تنبيه العطشان ، ص 426 .
(5) تنبيه العطشان ، ص 427 .(2/122)
قوله : (( واحذف يضاعفها لدى النساء )) هذا حكم مطلق ، يعني أن قوله تعالى في سورة النساء : { وَإِن تَكُ حَسَنَةٌ يُضَاعِفْهَا }(1)محذوف عن جميعهم ، ولم يخالف فيه إلا صاحب العقيلة ، فإنه ذكر فيه الخلاف(2)، لأنه ذكر الخلاف في جميع أفعال المضاعفة كما نصّ عليه الناظم في قوله : (( وفي العقيلة على الإطلاق )) البيت .
وقوله(3): (( لدى النساء )) ، (( لدى )) بمعنى في ، معناه الواقع في سورة النساء ، وإنما ذكر سورة النساء(4)للبيان ، ولم يرد به التقييد ، لأن هذا اللفظ بعينه لم يقع في القرآن إلا في سورة النساء .
وقوله : (( ومعه للداني سواه جاء )) في هذا الشطر تقديم وتأخير ، تقديره : وسواه جاء معه للداني ، أي : وسوى هذا اللفظ الذي في النساء آتٍ بالحذف للداني مع الذي في النساء ، لأن أبا عمرو الداني ذكر في المقنع أن أفعال المضاعفة كلّها بالحذف(5)كقوله تعالى في سورة هود - عليه السلام - : { يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ }(6)، وقوله في سورة الفرقان : { يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا }(7)، وقوله في سورة الأحزاب : { يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ }(8).
__________
(1) سورة النساء ، من الآية 40 .
(2) والحذف أقوى رعاية لقراءة التشديد . انظر الوسيلة ، ص 110 .
(3) في جـ ، ز : " قوله " .
(4) في جـ : " وإنما ذكر في سورة النساء " .
(5) ذكرها أبو عمرو فيما رواه بسنده عن قالون عن نافع بالحذف ، إلا ثلاثة ألفاظ : { فَيُضَاعِفُهُ? }
في سورة البقرة والحديد ، و { يُضَاعَفُ لَهُمْ } في سورة الحديد .
انظر المقنع ، ص 11 ، 92 ، 98 .
(6) سورة هود ، من الآية 20 .
(7) سورة الفرقان ، الآية 69 .
(8) 10) سورة الأحزاب ، من الآية 30 .(2/123)
وقوله في سور التغابن : { إِن تُقْرِضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ }(1)، وغير ذلك .
وقوله : (( وذكر الخلاف بأولى البقرة )) ، يعني : أن الداني ذكر الخلاف في ثلاثة ألفاظ من أفعال المضاعفة : الأول في سورة البقرة ، وهو قوله تعالى : { فَيُضَاعِفَهُ? لَهُ? أَضْعَافًا كَثِيرَةً }(2)، وقيّده بالأول احترازا من الذي بعده : { وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَّشَآءُ }(3)، فإنه محذوف عند الداني من غير خلاف ، واللفظان الباقيان من الثلاثة التي ذكرها الداني بالخلاف ، أشار إليها الناظم بقوله : (( ثم بحرفي الحديد ذكره )) ، أي ذكر الداني الخلاف – أيضا – في حرفي ، أي في كلمتي الحديد ، وهما قوله تعالى في سورة الحديد : { فَيُضَاعِفَهُ? لَهُ? وَلَهُ? أَجْرٌ كَرِيمٌ }(4)، وقوله : { يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ }(5).
فخرج من هذا : أن أبا عمرو الداني ذكر الحذف في أفعال المضاعفة ، إلا ثلاثة ألفاظ ذكر فيها الخلاف .
وقوله : (( ولأبي داود جاء حيثما إلا يضاعفه كما تقدّما )) ، يعني : أن الخلاف جاء لأبي داود في جميع أفعال المضاعفة ، [ وإنما قلنا الفاعل بـ (( جاء )) هو الخلاف ، لأنه عطفه على الخلاف ](6)، لأن الفاعل بـ (( جاء )) هو الخلاف المذكور في البيت الذي قبله ، يعني : أن أبا داود ذكر الخلاف في جميع أفعال المضاعفة إلا يضاعفها في النساء ، فإنه لم يذكر فيه الخلاف ، ولم يذكر فيه أبو داود إلا الحذف ، كما تقدّم في قوله : (( واحذف يضعفها لدى النساء )) .
__________
(1) سورة التغابن ، من الآية 17 .
(2) سورة البقرة ، من الآية 243 .
(3) سورة البقرة ، من الآية 260 .
(4) سورة الحديد ، من الآية 11 .
(5) سورة الحديد ، من الآية 17 .
(6) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(2/124)
فخرج ممّا ذكره الناظم في هذا البيت الثالث : أن أبا داود ذكر الخلاف في جميع أفعال المضاعفة إلا { يُضَاعِفْهَا } في النساء ، فلم يذكر فيه إلا الحذف كما تقدّم .
واعترض هذا البيت الثالث ، وهو قوله : (( ولأبي داود جاء حيثما )) البيت : بأنه يقتضي أن أبا داود ذكر الخلاف في جميع أفعال المضاعفة إلا قوله : { يُضَاعِفْهَا } فلم يذكر فيه إلا الحذف ، وليس الأمر كذلك ، لأن أبا داود لم يذكر في التنزيل في أفعال المضاعفة إلا الحذف ، وذكر أن ذلك إجماع من المصاحف(1)، ولم يذكر الخلاف أصلا ، وإنما ذكر الخلاف فيها في اللفظ لا في الخطّ ، لأن من القراء من يقرأها بالألف ، ومنهم من يقرأها بغير ألف(2).
فذكر أبو داود اختلاف القراء في هذه الألفاظ ، ولم يذكر اختلاف المصاحف فيها ،
بل ذكر اتفاق المصاحف فيها على الحذف وذكر اختلاف القراء فيها(3)، فينبغي إصلاح هذا الموضع بما يقتضي نسبة الحذف لأبي داود في جميع أفعال المضاعفة دون خلاف . قال بعض الشرّاح في إصلاحه(4):
وَاحْذِفْ يُضَاعِفْهَا لَدَى النِسَاءِ وَغَيْرَهُ لاِبْنِ نَجَاحِ جَاءِ
وَالْخُلْفُ للدَّانِي بِأُولَى الْبَقَرَهْ ثُمَّ بِحَرْفَيِ الْحَدِيدِ ذَكَرَهْ
__________
(1) انظر مختصر التبيين ، 2 : 239 .
(2) قرأ بالقصر والتشديد ، ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو جعفر ، ويعقوب ، والباقون بالألف مع التخفيف .
انظر : النشر ، 2 : 228 ، إتحاف فضلاء البشر ، ص 206 ، البدور الزاهرة ، ص 77 .
(3) قال أبو داود : " وكتبوا في جميع المصاحف : { فَيُضَاعِفُهُ? لَهُ? } بحذف الألف بين الضاد والعين ، حيث
ما وقع ، وكذا : { يُضَاعَفُ } ، و { مُّضَاعَفَةً } ، واختلف القراء في حذف الألف وإثباتها .
انظر : مختصر التبيين ، 2 : 239 ، دليل الحيران ، ص 88 .
(4) قال هذه الأبيات ابن آجطا في التبيان ، ورقة 34 .(2/125)
ويسقط البيت الثالث ، وهو قوله : (( ولأبي داود جاء حيثما إلا يضاعفها كما تقدما ))
[ مع الشطر الأخير من البيت الأول ، وهو قوله : (( ومعه للداني سواه جاء )) ](1).
وقال بعضهم في إصلاح هذا الموضع(2):
وَاحْذِفْ يُضَاعِفْهَا لَدَى النِسَاءِ وَعَنْهُمَا أَيْضًا سِوَاهُ جَاءِ
وَالْخُلْفُ للدَّانِي بِأُولَى الْبَقَرَهْ ثُمَّ بِحَرْفَيِ الْحَدِيدِ ذَكَرَهْ(3)
وقال بعضهم في إصلاح هذا الموضع [ بدل البيت الثالث ، تقديره ](4):
وَلأَبِي دَاوُدَ جَاءَ حَيْثُمَا الْحَذْفُ مِنْ غَيْرِ خِلاَف رَسَمَا
وهذا أحسن ، لأنه ليس فيه إلا تبديل شطر واحد .
وقوله : (( وفي العقيلة على الإطلاق فليس لفظ منه باتفاق )) ذكر في هذا البيت : أن صاحب العقيلة ذكر الخلاف في جميع أفعال المضاعفة من غير تفصيل ، وهذا من زيادة العقيلة على ما في المقنع ، لأن أبا عمرو لم يذكر في المقنع الخلاف إلا في ثلاثة ألفاظ : في البقرة والحرفان في الجديد ، وأما غير ذلك ، فقد ذكر فيه الخلاف لا غير ، وأما صاحب العقيلة فقد ذكر الخلاف في الجميع(5).
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " ولكن هذا ليس بشيء لأنه أصلح شيئا وأفسد شيئا ، وذلك أنه
نسب الحذف لأبي داود في جميع أفعال المضاعفة ، وذلك إصلاح لما أفسد الناظم ، ولكن قوله : والخلف
بأولى البقرة " البيت ، يقتضي : أن الداني لم يذكر من ألفاظ المضاعفة إلا هذه الألفاظ الأربعة ، أعني هذه
التي ذكر فيها الخلاف واللفظ الأول الذي ذكره بالحذف في النساء ، وذلك منه إفساد لما أصلح الناظم ،
فإن هذا الشارح راقب شيئا حتى فاته شيء ، وإصلاحه كالإصلاح " .
(2) انظر إصلاحات ابن جابر التي أثبتها الدكتور عبد الهادي احميتو في موسوعته ، 2 : 448 .
(3) زاد في جـ : " هذا أحسن من الأول " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) انظر الوسيلة ، ص 110 – 112 .(2/126)
الإعراب : قوله : (( واحذف )) أمر ، (( يضاعفها )) مفعول ، وقوله : (( لدى النساء )) ظرف ومخفوض به ، [ والعامل في الظرف حال محذوفة ، أي واقعا في النساء ](1)، قوله : (( ومعه )) ظرف ومخفوض به ، والعامل في الظرف [ حال من الضمير المستتر في جاء ، تقديره : وسواه جاء في حال كونه كائنا معه ](2)، وقوله : (( للداني )) متعلّق بـ (( جاء )) ، وقوله : (( سواه )) مبتدأ وخبره (( جاء )) وهو اسم فاعل ، وقوله : (( وذكر )) ماض ، (( الخلف )) مفعول ، (( بأولى )) متعلّق بـ (( ذكر )) ، (( البقرة )) مضاف إليه ، (( ثم بحرفي الحديد )) متعلّق بـ ((ذكره)) (( الحديد )) مضاف إليه ، (( وذكره )) ماض ومفعول ، وقوله : (( ولأبي داود )) متعلّق بـ (( جاء )) ، وقوله : (( حيثما )) ظرف ، و (( ما )) زائدة ، والعامل في الظرف [ محذوف بعد (( حيثما )) ، لأن (( حيث )) هاهنا شرطية ولا يعمل فيها ما قبلها ، وجوابها محذوف ، لدلالة ما قبلها عليه ، تقديره : حيثما وقعت أفعال المضاعفة وقع الخلاف فيها ](3)، وقوله (( إلا )) حرف استثناء ، وقوله : (( يضاعفها )) مستثنى ، وقوله : (( كما )) جار ومجرور ، (( تقدما )) ماض(4)والألف لإطلاق القافية ، وقوله : (( كما تقدما )) الكاف في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، [ أي حكمه كما تقدما ، و (( ما )) موصولة ، أي حكمه حكم الذي تقدّم ](5)
__________
(1) ما بين المعقوفين في جـ : " والعامل في الظرف صفة محذوفة ، أي الواقع في النساء ويصح أن يعمل
فيه واحذف " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " جاء " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " الخلف أو جاء " .
(4) في جـ : " مضاف " .
(5) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " أي حكمه مثل الذي تقدّم " ..(2/127)
وقوله : (( في العقيلة )) متعلّق بمحذوف ، تقديره : وجاء الخلاف في العقيلة على الإطلاق كذلك ، (( فليس )) ماض ، (( لفظ )) اسم (( ليس )) ، وقوله : (( منه )) [ متعلّق بصفة محذوفة ، تقديره : لفظ كائن منه ](1)، وقوله : (( باتفاق )) متعلّق بالثبوت والاستقرار ، لأنه خبر (( ليس )) . ثم قال :
[160] مِنْ آلِ عِمْرَانَ إِلَى الأَعْرَافِ **** عَلَى وِفَاقٍ جَاءَ أَوْ خِلاَفِ
لمّا فرغ الناظم – رحمه الله – بمنّه من الحذف المطّرد ، وهو الذي اطّرد حكمه ، وتحمل فيه الألفاظ على أمثالها ، وهو المذكور في البابين المتقدمين : شرع هاهنا في الحذف غير المطرد ، وهو الذي اقتصر حكمه على ألفاظ معلومات ، وجزّأه – رحمه الله – على أربعة أجزاء على حسب أرباع القرآن ؛ ليسهل ذلك على قارئه والنظر فيه .
فالجزء الأول : من سورة آل عمران إلى الأعراف .
والثاني : من سورة الأعراف إلى سورة مريم .
والثالث : من سورة مريم إلى سورة صاد .
والرابع : من سورة صاد إلى آخر القرآن .
فجعل الناظم الحذف غير المطرد ، في أربعة تراجم ، وكل ترجمة تحتوي على ما فيها ، وعلى ما بعدها ، ولا تحتوي على ما قبلها .
وقوله : (( من آل عمران إلى الأعراف )) (( من )) لابتداء الغاية ، وانتهاء(2)الغاية سورة الأعراف ، وابتداء الغاية مندرج في المعنى ، ولا يندرج فيه انتهاؤها ، كأنه يقول : أذكر لك ما جاء من الحذف في سورة آل عمران وسورة الأنعام ، وما بينهما من السور .
وقوله : (( على وفاق جاء أو خلاف )) ، أي : أذكر لك في هذه الترجمة الحذف الذي جاء باتفاق الشيوخ عليه ، والحذف الذي جاء باختلاف الشيوخ عليه .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " متعلّق بليس " .
(2) في جـ ، ز : " ونهاية الغاية " .(2/128)
الإعراب : قوله : (( من آل عمران )) جار ومجرور ومضاف إليه ، وتعلق الجار بفعل محذوف ، تقديره : أذكر [ لك ](1)الحذف من آل عمران ، وقوله : (( إلى الأعراف )) متعلّق بالفعل المذكور – أيضا – ، وقوله : (( على وفاق )) متعلّق بـ (( جاء )) ، وقوله : (( أو خلاف )) معطوف ، وقوله : (( على وفاق جاء أو خلاف )) ، هذه الجملة في موضع الحال من [ الحذف ](2)المحذوف ، تقديره : أذكر لك من آل عمران إلى الأعراف كائنا على وفاق ، أو كائنا على خلاف . ثم قال :
[161] وَالْحَذْفُ فِي الْمُقْنِعِ فِي ضِعَافَا **** وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ جَا أَضْعَافاً
ذكر في هذا البيت : أن أبا عمرو الداني ذكر الحذف في ألف { ضِعَفًا } ، وأراد قوله تعالى : { ذُرِّيَّةً ضِعَفًا }(3)، وسكت أبو عمرو على { أَضْعَافًا } فهو عنده ثابت كما سكت أبو داود عن { ضِعَفًا } ، فهو عنده ثابت ، فكل واحد من الشيخين سكت عما ذكره الآخر(4)، وأن أبا داود ذكر الحذف في ألف { أَضْعَافًا } ، وأراد قوله تعالى في آل عمران : { لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَوااْ أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً }(5)، ولا يندرج هاهنا: { أَضْعَافًا كَثِيرَةً }(6)في سورة البقرة ، لأنه قبل هذه الترجمة ، لأن كل ترجمة تحتوي على ما فيها وعلى ما بعدها ، ولا تحتوي على ما قبلها .
وقد نصّ أبو داود على إثباته ، فقال أبو داود في التنزيل في سورة البقرة : " { أَضْعَافًا كَثِيرَةً } بألف ثابت "(7).
__________
(1) ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(2) ساقطة من : " جـ " .
(3) سورة النساء ، من الآية 9 .
(4) انظر : المقنع ، ص 11 ، مختصر التبيين ، 2 : 366 .
(5) سورة آل عمران ، من الآية 130 .
(6) سورة البقرة ، من الآية 243 .
(7) مختصر التبيين ، 2 : 294 .(2/129)
الأعراب : (( والحذف )) إما فاعل بفعل مضمر ، تقديره : وجاء الحذف ، وإما مبتدأ والخبر في المجرور ، وقوله : (( في مقنع )) متعلّق بـ (( جاء )) على التقدير الأول ، ومتعلّق بالثبوت والاستقرار على التقدير الثاني ، وقوله : (( في ضعافا )) جار ومجرور ، وهو متعلّق بما تعلق به المجرور الذي قبله ، وقوله : (( وعن أبي داود )) ، متعلّق بـ (( جاء )) الذي بعده ، وقوله : (( أضعافا )) فاعل . ثم قال :
[162] يَصَّالَحَا أَفْوَاهِهِمْ وَرِضْوَانْ **** وَعَنْهُمَا مُرَاغَماً وَسُلْطَانْ
ذكر في الشطر الأول : ثلاثة ألفاظ لأبي داود بالحذف ، لأنه محمول على الشطر الذي قبله ، وهو قوله : (( وعن أبي داود جاء أضعافا )) .
وقوله : (( يصالحا )) ، أراد قوله تعالى في النساء(1): { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا } .
وقوله : (( أفواههم )) ، كقوله تعالى في آل عمران : { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ }(2)، وقوله في سورة براءة : { يُرِيدُونَ أَنْ يُّطْفِواْ نُورَ اللَََّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ }(3).
__________
(1) في جـ : " في سورة النساء " ، من الآية 127 .
(2) سورة آل عمران ، من الآية 167 .
(3) سورة التوبة ، من الآية 32 .(2/130)
وقوله : (( ورضوان )) ، كقوله تعالى في سورة آل عمران : { وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }(1)، وقوله فيها – أيضا – : { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن? بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ }(2)، وقوله تعالى في سورة التوبة : { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ }(3)، وقوله تعالى في سورة الحديد : { إِلاَّ ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا }(4).
وقوله : (( وعنهما مراغما وسلطان )) ذكر في الشطر لفظين عن الشيخين ، وهما { مُرَ غَمًا } و { سُلْطَانٌ } .
وقوله : (( مراغما )) ، أراد قوله تعالى في سورة النساء : { يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَ غَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً }(5).
وقوله : (( وسلطان )) ، كقوله تعالى في آل عمران(6): { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ? سُلْطَانًا } وقوله في سورة النحل : { إِنَّهُ? لَيْسَ لَهُ? سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ?عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ?وَالَّذِينَ هُم بِهِ? مُشْرِكُونَ }(7)، وغير ذلك أين ما وقع وكيف ما ورد .
الإعراب : قوله : (( يصالحا أفواههم ورضوان )) كلها معطوفات على (( أضعافا )) ، وقوله : (( وعنهما )) متعلّق بـ (( جاء )) ، وقوله : (( مرغما )) فاعل بـ (( جاء )) المحذوف ، وقوله : (( وسلطان )) معطوف . ثم قال :
[163] مُبَارَكَةْ وَمُقْنِعٌ تَبَارَكَ **** مُبَارَكٌ وَابْنُ نَجَاحٍ بَارَكَا
[
__________
(1) سورة آل عمران ، من الآية 15 .
(2) سورة آل عمران ، من الآية 162 .
(3) سورة التوبة ، من الآية 21 .
(4) سورة الحديد ، من الآية 26 .
(5) سورة النساء ، من الآية 99 .
(6) في جـ ، ز : " { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ? سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ } " ، سورة آل عمران ، من الآية 151 .
(7) سورة النحل ، الآيتين 99 ، 100 .(2/131)
164] وَعَنْهُ مِنْ صَادٍ أَتَى مُبَارَكْ **** ثُمَّ مِنَ الرَّحْمَنِ قُلْ تَبَارَكْ
[165] وَجَاءَ عَنْهُمَا بِلاَ مُخَالَفَةْ **** فِي لَفْظِ بَارَكْنَا وَفِي مُضَاعَفَةْ
ذكر الناظم في هذه الأبيات : ما تصرف من لفظ البركة ، وهي خمسة ألفاظ ، وهي : { مُّبَارَكَةٍ } و { تَبَارَكَ } و { مُبَارَكٌ } و { بَارَكَ } و { بَارَكْنَا } .
وقوله : (( مباركة )) هكذا بإسكان الهاء ، إذ بذلك يتزن النظم ، يعني : أن الشيخين اتفقا على هذا اللفظ ، لأنه عطفه على قوله : (( وعنهما مرغما وسلطان )) .
وقوله : (( مباركة )) يريد سواء كان معرّفا أو منكّرا .
مثال المعرّف ، قوله تعالى في سورة القصص : { فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ }(1).
ومثال المنكّر ، قوله تعالى في سورة النور : { مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ }(2)، وقوله فيها – أيضا – : { تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً }(3)، وقوله تعالى في سورة الدخان : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ }(4).
وقوله : (( ومقنع تبرك )) ، أي حذف صاحب المقنع لفظ { تَبَارَكَ } حيثما ورد في القرآن وكيفما ورد ، ووقع هذا اللفظ في القرآن في تسعة مواضع :
__________
(1) سورة القصص ، من الآية 30 .
(2) سورة النور ، من الآية 35 .
(3) سورة النور ، من الآية 59 .
(4) سورة الدخان ، من الآية 2 .(2/132)
قوله تعالى : { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ }(1)، وقوله تعالى : { فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }(2)في سورة المؤمن ، وقوله : { وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ? مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا }(3)، وقوله : { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ }(4)، وقوله : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ? }(5)، وقوله : { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ }(6)، وقوله : { تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَالِكَ }(7)، وقوله : { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَآءِ بُرُوجًا }(8)، وقوله تعالى في [سورة] الأعراف : { تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ا دْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً }(9). وهذا اللفظ الذي هو { تَبَارَكَ } وقع في القرآن في تسعة مواضع ، وهي هذه المواضع المذكورة .
__________
(1) سورة المؤمنون ، من الآية 14 .
(2) سورة غافر ، من الآية 64 .
(3) سورة الزخرف ، من الآية 85 .
(4) في ز : { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَلِ } " ، سورة الرحمن ، من الآية 77 .
(5) سورة الفرقان ، من الآية 1 .
(6) سورة الملك ، من الآية 1 .
(7) 10) سورة الفرقان ، من الآية 10 .
(8) 11) سورة الفرقان ، من الآية 61 .
(9) 12) سورة الأعراف ، من الآية 54 . و " سورة " ساقطة من : " جـ " .(2/133)
وقوله : (( مباركا )) ، أي : حذف صاحب المقنع – أيضا – ألف { مُبَارَكًا } ، كقوله تعالى في آل عمران : { لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا }(1)، وقوله تعالى في الموضعين في سورة الأنعام : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ }(2)، وقوله تعالى في سورة مريم : { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ }(3). وكان حقّ الناظم أن يقدّم { مُبَارَكًا } على هذه الألفاظ ، لأنه هو الوارد في هذا الجزء ، ثم يركّب عليه ما وقع في غير هذا الجزء ، ولكن النظم قاده(4)إلى ذلك ، ولأن هذا اللفظ هو المتفق عليه عند الشيخين ، فقدّمه لذلك ، ليعطفه على قوله قبله : (( وعنهما مراغما وسلطان )) .
وقوله : (( وابن نجاح باركا )) ، يعني : أن أبا داود حذف ألف { بَارَكَ } دون أبي عمرو ، وأراد قوله تعالى في سورة فصلت : { وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا }(5).
وقوله : (( وعنه من صاد أتى مبارك )) ، يعني : أن أبا داود لم يحذف من لفظ { مُبَارَكٌ } إلا ما وقع في سورة صاد وما بعدها إلى آخر القرآن ، وأما ما وقع قبل سورة صاد ، فهو عنده ثابت(6).
__________
(1) 13) سورة آل عمران ، من الآية 95 .
(2) 14) سورة الأنعام ، من الآية 93 ، ومن الآية 156 .
(3) 15) سورة مريم ، من الآية 30 .
(4) 16) في جـ : " قيده " .
(5) سورة فصلت ، من الآية 9 .
(6) وأما أبو عمرو ، فقد حذف لفظ { مُبَارَكٌ } حيث ما ورد .
انظر : المقنع ، ص 18 ، دليل الحيران ، ص 91 .(2/134)
وقوله : (( من صاد أتى مبارك )) ، أراد قوله [تعالى] في سورة صاد : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُواْ ءَايَاتِهِ? }(1)، وقوله في سورة ق : { وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكًا فَأَن?بَتْنَا بِهِ? جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ }(2). وقيّده الناظم بسورة صاد والمرتبة البعدية : احترازا مما وقع منه قبل سورة صاد ، فإنه ثابت عند أبي داود كقوله تعالى في سورة الأنعام : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ }(3)، الموضعين فيها ، وغير ذلك .
وقوله : (( ثم من الرحمن قل تبارك )) يعني : أن أبا داود لم يحذف – أيضا – من لفظ { تَبَارَكَ } إلا ما وقع في سورة الرحمن وما بعدها ، وذلك موضعان : في سورة الرحمن : { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَلِ وَالإِكْرَامِ } ، وقوله تعالى : { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } . وقيّده الناظم بالسورة والمرتبة البعدية : احترازا مما وقع من هذا اللفظ قبل سورة الرحمن ، فإنه ثابت عند أبي داود ، كقوله تعالى : { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } ، وقوله(4): { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ? } .
وقوله : (( وجاء عنهما بلا مخالفة )) البيت ، يعني : أن الشيخين اتفقا على حذف الألف في هذين اللفظين ، وهما { بَارَكْنَا } و { مُّضَاعَفَةً } .
وقوله : (( وباركنا )) ، كقوله تعالى : { الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ? }(5)، وقوله تعالى : { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ }(6).
__________
(1) سورة ص ، من الآية 28 .
(2) سورة ق ،الآية 9 .
(3) من الآيتين 93 ، 156 ، في سورة الأنعام .
(4) في جـ : " وقوله تعالى " .
(5) سورة الإسراء ، من الآية 1 .
(6) سورة الصافات ، من الآية 113 .(2/135)
وقوله : (( مضاعفة )) ، أراد قوله تعالى في [سورة] آل عمران : { أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً }(1).
فخرج من هذا : أن أبا عمرو حذف الألفاظ الخمسة كلها إلا { بَارَكَ } ، وأن أبا داود حذف ثلاثة مطلقا ، وهي : { مُّبَارَكَةٍ } ، و { بَارَكَ } ، و { بَارَكْنَا } ، وقيّد لفظين وهما : { مُبَارَكٌ } و { تَبَارَكَ } ، قيّد أحدهما بسورة صاد وما بعدها ، وقيّد الآخر بسورة الرحمن وما بعدها .
واعتُرض على الناظم(2)في ذكره هذه الألفاظ الخمسة في هذه الترجمة ، مع أنه لم يقع منها في هذه الترجمة إلا لفظ واحد ، وهو { مُبَارَكٌ } ، كقوله تعالى في آل عمران : { لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } .
أجيب عن هذا : بأنه فعل ذلك لتجتمع له النظائر والأمثال ، لأن هذه الألفاظ كلها مأخوذة من أصل واحد ، وهو البركة .
وفعل ذلك – أيضا – : اتباعا لأبي عمرو الداني في المقنع ، لأنه جمع بين هذه الألفاظ في كلام واحد ، ونصّه في المقنع(3): وكذلك حذفوا الألف بعد الباء في قوله : { تَبَارَكَ } حيث وقع ، و { بَارَكْنَا } ، و { مُبَارَكٌ } ، و { مُّبَارَكَةٍ } .
__________
(1) سورة آل عمران ، من الآية 130 . و" سورة " ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(2) في جـ : " هذا النظم " . وفي ز : " واعترض الناظم ... " .
(3) انظر المقنع ، ص 18 .(2/136)
الإعراب : قوله : (( مباركة )) معطوف ، وقوله : (( ومقنع )) فاعل بفعل مضمر أي حذف مقنع ، و (( تبارك )) مفعول ، وقوله : (( مبارك )) معطوف ، وقوله : (( وابن نجاح )) فاعل بفعل مضمر ، أي حذف ابن نجاح ، وقوله : (( نجاح )) مضاف إليه ، والألف في (( تباركا )) و (( باركا )) لإطلاق القافية ، وقوله : (( وعنه )) متعلّق بـ (( أتى )) ، وقوله : (( من صاد )) متعلّق بـ (( أتى )) – أيضا – ، وقوله : ((مبارك)) فاعل بـ (( أتى )) ، وقوله : (( ثم )) حرف عطف ، وقوله : (( من الرحمن )) متعلّق بـ (( أتى )) ، وقوله(1): (( تبارك )) فاعل بـ (( أتى )) ، [ تقديره : وأتى تبارك من الرحمن ](2)، وقوله : (( وجاء )) ماض ، وقوله : (( وعنهما )) متعلّق بـ (( جاء )) ، وقوله : (( بلا مخالفة )) متعلّق [ بحال محذوفة ، تقديره : وجاء الحذف عنهما متفقا عليه ](3)، وقوله : (( في لفظ )) متعلّق بـ (( جاء )) ، وقوله : (( باركنا )) مضاف إليه وقوله : (( وفي مضاعفة )) متعلّق بـ (( جاء ))(4). ثم قال :
[166] وَفِي ثَمَانِينَ ثَمَانِيَ مَعَا **** وَفِي ثَمَانِيَةَ أَيْضاً جُمَعَا
يعني : أن الحذف جاء – أيضا – عن الشيخين في هذين اللفظين ، وهما : { ثَمَانِينَ } و { ثَمَانِيَ } .
وقوله : (( معا )) يعني هاتين الكلمتين ، أراد قوله تعالى في سورة النور: { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً }(5)، وقوله تعالى في سورة القصص : { ثَمَانِيَ حِجَجٍ }(6)
__________
(1) قبلها في جـ : " وقل أمر " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " . وما بين المعقوفين في ز : " تقديره : ثم أتى من الرحمن " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " بجاء " . وفي ز : " وجاء الحذف عنهما كائنا بلا مخالفة " .
(4) زاد في جـ ، ز : " أيضا " .
(5) سورة النور ، من الآية 4 .
(6) سورة القصص ، من الآية 27 .(2/137)
وقوله : (( وفي ثمانية أيضا جمعا )) ، يعني أن الحذف جاء عن الشيخين– أيضا – في لفظ { ثَمَانِيَةَ } بلا خلاف ، نحو قوله تعالى في سورة الأنعام : { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ }(1)، وقوله تعالى في سورة الزمر : { وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الانْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ }(2)، وقوله تعالى في سورة الحاقة : { وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا }(3).
وكان من حقّه أن يقدّمه على اللفظين اللذين قبله ، لأنه هو الواقع في هذا الجزء ، ولكن النظم قاده لذلك(4).
واعترض قوله : (( وفي ثمانين ثماني معا )) البيت ، بوجهين :
أحدهما : أن هذه الألفاظ الثلاثة لم يقع منها في هذه الترجمة إلا لفظ واحد [منها](5)، وهو { ثَمَانِيَةَ } .
الثاني : أن قوله : (( ثمانين )) تكرار ، لأنه جمع المذكر السّالم .
أجيب عن الأول : باتباع أبي عمرو الداني في ذلك ، لأنه جمع بين هذه الألفاظ الثلاثة في لفظ واحد ، ونصّه في المقنع(6): وكذلك حذفوا الألف بعد الميم في قوله { ثَمَانِيَةَ } ، و { ثَمَانِينَ } ، و { ثَمَانِيَ } حيث وقع .
__________
(1) سورة الأنعام ، من الآية 144 .
(2) سورة الزمر ، من الآية 7 .
وزاد في جـ : " { فِي بُطُونِ ?ُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن? بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَثٍ } " .
(3) سورة الحاقة ، من الآية 6 .
(4) في جـ : " ولكن النظم قاده إلى ذلك " .
(5) ساقطة من : " جـ " .
(6) انظر المقنع ، ص 18 .(2/138)
وأجيب(1)عن الثاني : بأن ذكره(2)تنبيها على أن جمع المذكر السّالم محذوف مطلقا ، كان حقيقيا أو مجازيا ، إذ المعتبر صورة اللفظ كما تقدّم(3)في أقسام الجمع في الباب الأول ، وإنما لم يذكره في باب الجموع اتباعا للحافظ أبي عمرو الداني .
الإعراب : قوله : (( وفي ثمانين )) متعلّق بـ (( جاء )) المتقدّم ، وقوله : (( ثماني )) معطوف ، وقوله : (( معا )) حال ، لأنه بمعنى جميعا ، والعامل فيه جاء ، وقوله : (( وفي ثمانية )) متعلّق بـ (( جاء )) – أيضا – ، وقوله : (( أيضا )) مصدر ءاض يئيض أيضا ، إذا رجع ، وقوله : (( جمعا )) تأكيد ولا ينصرف .
[ واختلف في علّته ، قيل : للعدل والتعريف بالإضافة المنويّة ، وقيل : للعدل والتعريف بالعلمية ، لأنه علم في باب التوكيد ، وقيل : للعدل والتأنيث ](4).
واختلف في المعدول عنه ، قيل : للعدل عن ((فعلاوات)) ، [ وهو جمعاوات ، لأن فعلاء أ فعل في الصفات ، إذا كان مذكره يجمع بالواو والنون فيها ، فيقال في جمع مذكره : أجمعون لكن عدل عن جمعاوات ](5)، وقيل : للعدل عن ((فعل)) بسكون العين ، نحو حمراء وفي الجمع حمر ، وقيل : للعدل عن ((فعلى)) ، نحو صحراء ، وفي الجمع صحارى ، [ فقايس جمعه جماعا ، لأن جمعاء ليس بوصف ، فهو كصحراء ](6)، والألف في (( جمعا )) لإطلاق القافية . ثم قال :
[167] وَلأَبِي دَاوُدَ وَالْقَنَاطِيرْ **** أَعْقَابَكُمْ بَالِغَةٌ أَسَاطِيرْ
كلّ ما ذكر في هذا البيت ، فهو محذوف لأبي داود دون أبي عمرو .
__________
(1) في جـ : " أجيب " .
(2) 10) في جـ : " أنه ذكر " .
(3) 11) في جـ : " إذ المعتبر في اللفظ في أقسام الجمع ...." .
(4) ما بين القوسين المعقوفين ، سقط من : " جـ " .
(5) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " حمراء ، وفي الجمع حمراوات " .
(6) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .(2/139)
وقوله : (( والقناطير )) ، أراد قوله تعالى في سورة آل عمران : { وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ }(1).
وقوله : (( أعقابكم )) ، أراد قوله تعالى في سورة آل عمران : { أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ }(2)، وقوله [تعالى] فيها – أيضا – : { يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ }(3)وغير ذلك ، ولا يدخل قوله تعالى : { وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا }(4)، فإنه ثابت ، لأن الناظم أتى به بالكاف والميم ، ولا يدخل فيه غيره ، فهو مقيّد بالإضافة المخصوصة بالكاف والميم .
وقوله : (( بالغة )) ، يعني سواء كان معرّفا أو منكّرا .
مثال المعرّف ، قوله تعالى في سورة الأنعام : { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ }(5).
ومثال المنكّر ، قوله تعالى في سورة ن والقلم : { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ [إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ] }(6)، وقوله تعالى في سورة القمر : { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ }(7).
وقوله : (( أساطير )) ، أراد قوله تعالى : { أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }(8)حيث ما وقع .
الإعراب : قوله : (( ولأبي داود )) متعلّق بفعل محذوف ، تقديره : جاء ، أو تقول واحذف لأبي داود ، وقوله : (( والقناطير )) مفعول بالفعل المذكور ، وقوله : (( أعقابكم )) وما بعده معطوفات ، وقوله : (( بالغة )) معطوف ، ويجوز فيه الرفع والنصب على التقديرين المذكورين ، وقوله : (( أساطير )) معطوف . ثم قال :
[
__________
(1) سورة آل عمران ، من الآية 14 .
(2) سورة آل عمران ، من الآية 144.
(3) سورة آل عمران ، من الآية 149 . و " تعالى " ساقطة من : " جـ " .
(4) سورة الأنعام ، من الآية 71 .
(5) سورة الأنعام ، من الآية 150 .
(6) سورة القلم ، من الآية 39 . وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(7) 10) سورة القمر ، من الآية 5 .
(8) 11) سورة الأنعام ، من الآية 26 .(2/140)
168] وَالْفِعْلُ مِنْ نِزَاعٍ أَوْ تَنَازُعْ **** أَوِ الْجِدَالِ قُلْ بِلاَ مُنَازِعْ
كلّ ما ذكر في هذا البيت ، فهو محذوف لأبي داود دون أبي عمرو .
وقوله : (( والفعل من نزاع أو تنازع )) .
مثال الفعل من النزاع ، قوله تعالى في سورة الحج : { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الاْمْرِ }(1)
ومثال الفعل من التنازع ، قوله تعالى في [سورة] النساء : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَََََّهِ وَالرَّسُولِ }(2)، وقوله تعالى في سورة والطور : { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا }(3).
وقوله : (( من نزاع أو تنازع )) هذان اللفظان من المصادر التي ذكرها الناظم ، ولم يُرِدها بعينها ، لعدم ورودها في القرآن ، ومراده ما تصرّف منها .
واعتُرض قوله : (( والفعل من نزاع أو تنازع )) ، لأنه لم يرد من هذين اللفظين إلا الفعل(4)، فلو قال : (( واللفظ من نزاع أو تنازع )) لكان أولى .
أجيب عن هذا بأن قيل : هذا لا يضرّ ولا يوهم خطئا ، لعدم ورود الاسم في القرآن ، وإنما يوهم الخطأ لو كان الاسم من هذين اللفظين موجودا في القرآن ، فيتوهّم متوهّم أنه ثابت لذكر الناظم الفعل دون الاسم ، ولكن لما كان الفعل هو الموجود في القرآن عبّر الناظم به لوجوده .
وقوله : (( أو الجدال )) ، يعني أن الفعل من الجدال محذوف لأبي داود – أيضا – سواء كان ماضيا أو مضارعا أو أمرا .
__________
(1) سورة الحج ، من الآية 65 .
(2) سورة النساء ، من الآية 58 . و " سورة " ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(3) سورة الطور ، من الآية 21 .
(4) زاد في جـ ، ز : " ولم يرد الاسم منها في القرآن ، وإتيان الناظم بالفعل يوهم أن هناك الاسم مع أنه لم يوجد
إلا الفعل " ، ثم زاد في جـ : " قلت : ولعله احترز من قوله تعالى : { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى تَدْعُواْ } ، وإن لم يكن
اسما منها فإنه مشابه ، والله أعلم " .(2/141)
مثال الماضي ، قوله تعالى : { يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا }(1).
ومثال المضارع : { وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ }(2)، وقوله : { وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ }(3)، وقوله : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا }(4)
ومثال الماضي والمضارع : { هؤلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحياةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُّجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }(5).
ومثال الأمر : { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }(6).
وقوله : (( أو الجدال )) ، يعني : الفعل من الجدال ، لأنه عطفه على الذي قبله احترازا من الاسم من الجدال ، وهو قوله تعالى في البقرة : { وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ }(7)وأما قوله تعالى في سورة هود : { فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا }(8)، فهو محذوف لأبي داود – أيضا – ، لأن الناظم ذكره في الجزء الذي بعد هذا لأبي داود بالحذف في قوله(9): (( جدالنا اسطاعوا وقل أثاثا )) ، ولم يقع في القرآن الاسم من الجدال إلا في موضعين وهما هذان المذكوران ، أعني قوله تعالى : { وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } ، وقوله : { فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا } .
واعترض قوله : (( والجدال )) بأن قيل : تقييد الجدال بالفعل دون الاسم لا يحتاج إليه ، لأن الواقع في سورة البقرة خارج عن هذه الترجمة ، فلا يحتاج إلى تقييد لمخرجه ، لأنه لا يتوهّم دخوله لخروجه عن هذه الترجمة .
__________
(1) سورة هود ، من الآية 32 .
(2) سورة النساء ، من الآية 106 .
(3) سورة العنكبوت ، من الآية 46 .
(4) سورة المجادلة ، من الآية 1 .
(5) سورة النساء ، من الآية 108 .
(6) سورة النحل ، من الآية 125 .
(7) سورة البقرة ، من الآية 196 .
(8) سورة هود ، من الآية 32 .
(9) تنبيه العطشان ، ص 474 .(2/142)
الإعراب : (( والفعل )) فاعل بفعل محذوف ، أي وجاء الفعل لأبي داود بالحذف ، ويصح فيه أن يكون مفعولا بفعل محذوف ، أي واحذف الفعل ، وقوله : (( من نزاع )) متعلّق بالفعل ، وقوله : (( أو تنازع )) معطوف ، [ وقوله : (( أو الجدال )) معطوف – أيضا – ](1)، وقوله : (( قل )) فعل أمر ، وقوله : (( بلا منازع )) متعلّق [ بحال محذوفة ، تقديره : وجاء حذف هذه الألفاظ الثلاثة في حال كونها كائنة بلا منازع لأبي داود ](2). ثم قال :
[169] فَاحِشَةً وَعَنْهُمَا أَكَابِرَا **** وَمِثْلُهُ فِي الْمَوْضَعَيْنِ طَائِرَا
قوله : (( فاحشة )) هذا اللفظ محذوف لأبي داود ، لأنه عطفه على قوله : (( ولأبي داود والقناطير )) .
وقوله : (( فاحشة )) [يعني](3)سواء كان معرّفا أو منكّرا .
مثال المعرّف ، قوله تعالى : { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ }(4)، وقوله : { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ }(5)، وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ }(6).
ومثال المنكّر : { إِنَّهُ? كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا [وَسَآءَ] سَبِيلاً }(7)، وقوله : { إِلاَّ أَنْ يَّأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ }(8).
وقوله : (( وعنهما أكابرا )) ، أي اتفق الشيخان على حذف الألف في قوله تعالى : { أَكَبِرَ مُجَرِمِيهَا }(9).
وقوله : (( ومثله في الموضعين طائرا )) ، أراد بالموضعين سورة آل عمران
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " بفعل محذوف ، وهو الذي تقدّم " .
(3) ساقطة من : " جـ " .
(4) سورة الأعراف ، من الآية 79 .
(5) سورة العنكبوت ، من الآية 27.
(6) سورة النور ، من الآية 19 .
(7) سورة النساء ، من الآية 22 .
و" ساء " ساقطة من : " ز " .
(8) سورة النساء ، من الآية 19 .
(9) سورة الأنعام ، من الآية 124 .(2/143)
وسورة المائدة ، فالذي في آل عمران [قوله تعالى] : { فَيَكُونُ طَاِرًا بِإِذْنِ اللَّهِ }(1)
والذي في المائدة ، قوله تعالى : { فَتَكُونُ طَاِرًا بِإِذْنِي }(2)، وحذفه حذف إشارة لمن يقرأ بغير ألف على الجمع وهو جميع القراء ما عدا نافعا(3)، لأنه قرأه بألف محذوفة ، حُذف إشارة لرواية .
الإعراب : قوله : (( فاحشة )) معطوف على قوله أولا : (( ولأبي داود والقناطير)) على التقديرين المذكورين بالرفع والنصب ، تقديره : وجاء فاحشة ، أو واحذف فاحشة ، وقوله : (( أكابرا )) فاعل بفعل محذوف ، أي وجاء أكابر ، ويصح أن يكون مبتدأ وخبره محذوف ، وهو متعلّق بالجار الذي قبله ، وقوله : (( وعنهما )) متعلّق بـ ((جاء)) الحذف(4)على التقدير الأول ، أو متعلّق بالثبوت والاستقرار على التقدير الآخر ، وقوله : (( ومثله )) مبتدأ وخبره (( طائرا )) أو خبر مقدّم ، و ((طائرا)) مبتدأ ، وقوله : (( في الموضعين )) متعلّق بحال محذوفة ، تقديره : واقعا في الموضعين ، والألف في (( أكابرا )) لإطلاق القافية ، والألف في (( طائرا )) بدل من التنوين ، لأنه منصوب في القرآن محكي ، ويصح إسكان الراء في الشطرين ثم قال :
[170] كَذَا وَلاَ طَائِرٍ أَيْضاً جَاءَ **** وَإِنَّمَا طَائِرُهُمْ سَوَاءَ
أي : اتفق الشيخان على حذف الألف في قوله تعالى : { وَلاَ طَارٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ }(5)في سورة الأنعام ، وفي حذف الألف – أيضا – في قوله تعالى : { أَلاَ
__________
(1) سورة آل عمران ، من الآية 48 .
وما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(2) سورة المائدة ، من الآية 112 .
(3) وافقه من العشرة : أبو جعفر ويعقوب .
انظر : التيسير ، ص 74 ، المبسوط ، ص 143 ، النشر ، 2 : 240 .
(4) 10) في جـ : " المحذوف " .
(5) سورة الأنعام ، من الآية 39 .(2/144)
إِنَّمَا طَارُهُمْ عِندَ اللَّهُ }(1)في سورة الأعراف ، واتفق القراء – أيضا – على قراءتهما بالألف .
وقوله : (( ولا )) ليس بقيد ، لأن { طَارٍ } المنكّر لم يرد في القرآن إلا في هذه الثلاثة المواضع التي ذكرها الناظم ، وإنما ذكره للبيان خاصّة .
وقوله : (( وإنما )) ليس بقيد – أيضا – ، لأن { طَارُهُمْ } بالهاء والميم ، لم يرد – أيضا – إلا في موضع واحد ، وهو الذي في سورة الأعراف ، وإنما ذكره الناظم للبيان .
وقوله : (( سواء )) ، معناه مساويا لما قبله(2).
الإعراب : (( كذا )) جار ومجرور في موضع نصب نعت لحال محذوفة ، تقديره : ولا طائر جاء – أيضا – محذوفا كذا ، أي مثل ذا ، والإشارة عائدة على (( طائر )) المذكور في البيت الذي قبله ، وقوله : (( ولا طائر )) مبتدأ وخبره (( جاء )) ، وقوله : (( أيضا )) مصدر ، وقوله : (( وإنما طائرهم )) فاعل بفعل مضمر ، أي وجاء إنما طائرهم ، وقوله : (( سواء )) [ مصدر في موضع الـ](3)حال ، أي مساويا لما تقدّم في الحذف ، [ فيقدر هذا اللفظ باسم الفاعل ، أو بحذف المضاف ](4). ثم قال :
[171] وَقَالَ طَائِرُكُمْ فِي النَّمْلِ **** وَقَبْلُ فِي الإِسْرَا تَمَامُ الْكُلِّّ
ذكر في هذا البيت : أن الشيخين اتفقا – أيضا – على حذف الألف في قوله تعالى
في سورة النمل : { قَالَ طَارُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ }(5)، واتفقا –
أيضا – على حذف الألف في قوله تعالى في سورة الإسراء : { وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَارَهُ? فِي عُنُقِهِ? }(6).
__________
(1) سورة الأعراف ، من الآية 130 .
(2) زاد في جـ ، ز : " في الحذف " .
(3) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(4) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(5) سورة النمل ، من الآية 49 .
(6) سورة الإسراء ، من الآية 13 .(2/145)
وقوله : (( وقبل في الإسرا )) ، معناه : واللفظ الواقع قبل النمل في سورة الإسراء لأن سورة الإسراء هي في المصحف قبل سورة النمل .
وقوله : (( تمام الكل )) ، معناه اللفظ الذي في سورة الإسراء هو تمام ألفاظ الطائر التي اتفق الشيخان على حذفها ، وأما غير هذه الألفاظ المذكورة من لفظ الطائر ، فهو ثابت عند أبي عمرو الداني ، وذلك قوله تعالى في سورة يس : { قَالُواْ طَآ رُكُمْ مَعَكُمْ أَا ن ذُكِّرْتُم }(1)، وأما أبو داود فقد أطلق الحذف في جميع ألفاظ الطائر(2)، كما سيأتي في قول الناظم(3): (( وستة الألفاظ في التنزيل )) البيت .
واعتُرض الناظم هاهنا بوجهين :
أحدهما ، قوله : (( وقال طائركم في النمل )) ، لأنه قيّده بقيدين المجاورة والسورة مع أن أحدهما يغني عن الآخر ، لأن كل واحد منهما يخرج به اللفظ الذي في سورة يس .
أجيب عن هذا : بأنه إنما فعل ذلك للبيان .
الاعتراض الثاني : أن الناظم طوّل في ذكر لفظ الطائر ، لأنه وقع في القرآن في سبعة مواضع ، ذكر الناظم ستة ، وأشار إلى السابع في سورة يس ، وقال: (( طائركم في النمل )) ، فقد استعمل الناظم الإكثار في موضع الاختصار ، فلو قال عوض قوله أولا :
وَمِثْلُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ طَائِرَا وَطَائِرٌ بِغَيْرِ يَسِ أُثِرَا
ويسقط ما بعده من لفظ الطائر ، لكان أوجز وأحصر وأكمل لمقصوده .
الإعراب : قوله : (( وقال )) الواو حرف عطف وليس بلفظ القرآن ، إذ ليس في القرآن الواو هاهنا ، وقوله : (( وقال طائركم )) فاعل ، أي وجاء قال طائركم وهو محكي ، وقوله : (( في النمل )) متعلّق بـ (( جاء )) المذكور ، وقوله : (( وقبل )) ظرف مبني وفيه ثلاثة أسئلة(4):
لم بني ؟ ولم بني على تلك الحركة ؟ ولم خص بتلك الحركة ؟
__________
(1) سورة يس ، من الآية 18 .
(2) انظر مختصر التبيين ، 3 : 481 .
(3) تنبيه العطشان ، ص 440 .
(4) في جـ : " ثلاثة أسولة " .(2/146)
إنما بني : لتضمنّه معنى حرف الإضافة وهو لام الإضافة ، وقيل : بني لخروجه عن نظائره في قطعه عن الإضافة التي هي أصل الظروف .
وبني على الحركة ، قيل : للالتقاء الساكنين ، وقيل : لتمكنه في موضع ما .
واختصّ بتلك الحركة : لتخالف حركة بنائه حركتيْ إعرابه ، وقيل : لأنها حركة لا تكون للظروف في حال إعرابها .
وقوله : (( الإسرا )) جار ومجرور متعلّق بمحذوف ، [تقديره : وجاء في الإسرا ، أو تقول متعلّق بصفة مبتدأ محذوف](1)، تقديره : واللفظ الواقع في الإسرا ، وقوله : (( تمام )) فاعل بالفعل المحذوف ، أو خبر المبتدأ المحذوف ، وقوله : (( الكل )) مضاف إليه ، والعامل في الظرف هو العامل في قوله : (( في الإسرا )) على التقديرين المذكورين . ثم قال :
[172] إِلاَّ إِنَاثاً وَرُبَاعَ الأَوَّلاَ **** كَذَا قِيَاماً فِي الْعُقُودِ نُقِلاَ
ذُكر في هذا البيت : أن الشيخين اتفقا – أيضا – على الحذف في هذه الألفاظ المذكورة في هذا البيت .
قوله : (( إلا إناثا )) ، أراد قوله تعالى : { إِنْ يَّدْعُونَ مِن دُونِهِ? إِلاَّ إِنَثًا }(2).
وقوله : (( إلا )) لفظ القرآن ، وليس المراد به الاستثناء ، وقيّده الناظم بـ (( إلا )) احترازا من غيره ، كقوله تعالى في سورة الشورى : { يَهَبُ لِمَنْ يَّشَآءُ انَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَّشَآءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا }(3)، وقوله في الزخرف : { وَجَعَلُواْ الْمَلَكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِندَ الرَّحْمَانِ إِنَاثًا }(4)، وغير ذلك .
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من : " ز " .
(2) سورة النساء ، من الآية 116 .
(3) سورة الشورى ، من الآيتين 46 ، 47 .
(4) سورة الزخرف ، من الآية 18 .(2/147)
وقوله : ((ورباع الأولا)) ، أراد قوله تعالى في سورة النساء : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلثَ وَرُبَعَ }(1)، [وقيّده بالأول احترزا من قوله تعالى في سورة فاطر : { ?ُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ }(2)] ، فإنه ثابت عند أبي عمرو
وقوله : (( كذا قياما في العقود نقلا )) فيه تقديم وتأخير ، تقديره : نقل قياما في العقود كذا ، والألف في (( نقلا )) للتثنية ، أي نقل الشيخان { قِيَمًا } الواقع في سورة العقود بالحذف كالألفاظ المتقدّمة ، وأراد قوله تعالى في العقود : { جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَمًا لِّلنَّاسِ }(3)، وقيّده بالسورة احترازا من غيره ، فإنه ثابت عند أبي عمرو، كقوله تعالى في آل عمران : { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ }(4)، وقوله في سورة النساء : { فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ }(5)، وقوله في الفرقان : { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا }(6).
__________
(1) سورة النساء ، من الآية 3 .
(2) سورة فاطر ، من الآية 1 . وما بين المعقوفين سقط من : " ز " .
(3) سورة المائدة ، من الآية 99 .
(4) سورة آل عمران ، من الآية 191 .
(5) سورة النساء ، من الآية 102 .
(6) سورة الفرقان ،الآية 64 .(2/148)
الإعراب : قوله : (( إلا إناثا )) مفعول مقدّم بـ (( نقلا )) في آخر البيت ، في البيت تقديم وتأخير ، تقديره : نقلا إلا إناثا ورباع الأولا وقياما في العقود كذا ، وقوله(1): (( ورباع )) معطوف ، وكذلك (( قياما )) ، وقوله : (( في العقود )) متعلّق بصفة محذوفة أي قياما الواقع في العقود ، وقوله : (( كذا )) جار ومجرور والكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف ، تقديره : نقلا كذا ، أي مثل ذا ، والإشارة عائدة على الألفاظ المتقدّمة . ثم قال :
[173] وَبَالِغَ الْكَعْبَةِ قُلْ وَالأَنْبِيَا **** فِيهَا يُسَارِعُونَ أَيْضاً رَوَيَا
هذا – أيضا – مما اتّفق عليه الشيخان بالحذف .
وقوله : (( وبالغ الكعبة )) ، أراد قوله تعالى في سورة المائدة : { هَدْيًا بَلِغَ الْكَعْبَةِ }(2)، وقيّده بالمجاور احترزا من غيره ، كقوله تعالى في سورة الرعد : { وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ? }(3)، وقوله في سورة الطلاق : { إِنَّ اللَّهَ بَالِغٌ أَمْرَهُ? }(4)، فإنه ثابت عند أبي عمرو الداني .
وقوله : (( قل والأنبياء فيها يسارعون أيضا رَوَيا )) الألف في قوله : (( رويا )) ألف التثنية عائد على الشيخين ، يعني : أن لفظ { يُسَرِعُونَ } الواقع في سورة الأنبياء اتفق على حذفه – أيضا – الشيخان(5)،
__________
(1) 10) في جـ : " قوله " .
(2) سورة المائدة ، من الآية 97 .
(3) سورة الرعد ، من الآية 15 .
(4) سورة الطلاق ، من الآية 2 .
(5) ولم يذكر أبو عمرو الداني إلا هذا الموضع بالحذف ، وأما أبو داود فقد حذف الألف في هذا اللفظ حيث وقع .
انظر : المقنع ، ص 12 ، مختصر التبيين ، 4 : 866 .
وفي جـ : " اتفق على حذفه الشيخان أيضا " .(2/149)
وأراد قوله تعالى : { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَرِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا }(1)، وقيّده بالسورة لأنه هو الذي اتفق عليه الشيخان احترازا من غيره ، فإنه ثابت عند أبي عمرو الداني لسكوته عنه كقوله تعالى في سورة آل عمران : { وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَ?وْ لَكَ مِنَ الصَّالِحِينَ }(2)، وقوله فيها – أيضا – : { وَلاَ يُحْزِنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ
إِنَّهُمْ لَنْ يَّضُرُّواْ اللَّهَ شَيْاً }(3)، وقوله تعالى في [سورة] قد أفلح : { ?ُوْ لَكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ }(4)، وقوله تعالى قي [سورة] المائدة : { يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يُحْزِنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ }(5)[ وفيها – أيضا – : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ }(6)، وفيها – أيضا – : { وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }(7)] .
وقوله : (( يسارعون )) هذا اللفظ مقصود(8)، ولا يدخل فيه قوله تعالى : { سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ }(9)، وكذلك قوله تعالى : { نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ }(10)، فإنهما ثابتان باتفاق .
__________
(1) سورة الأنبياء ، من الآية 89 .
(2) سورة آل عمران ، من الآية 114 .
(3) سورة آل عمران ، من الآية 176 .
(4) سورة المؤمنون ، الآية 62 .
و" سورة " ساقطة من : " جـ " .
(5) سورة المائدة ، من الآية 43 .
و" سورة " ساقطة من : " جـ " ، " ز " .
(6) 10) سورة المائدة ، من الآية 54 .
(7) 11) سورة المائدة ، من الآية64 .
وما بين المعقوفين سقط من " جـ " ، وفيه : " وغير ذلك " .
(8) في جـ : " مقصود بعينه " .
(9) سورة آل عمران ، من الآية 133 .
(10) سورة المؤمنون ، الآية 57 .(2/150)
الإعراب : قوله : (( وبالغ )) معطوف على ما قبله ، أي ونقلا – أيضا – بالغ الكعبة بالحذف ، وقوله : (( قل )) أمر ، (( والأنبيا )) مبتدأ ، وخبره جميع الجملة التي بعدها ، وقوله : (( فيها )) متعلّق بـ (( رويا ))(1)، وقوله : (( يسارعون )) مفعول بـ (( رويا )) ، وقوله : (( أيضا )) مصدر ، وقوله : (( رويا )) ماض وفاعل . ثم قال :
[174] وَسِتَّةُ الأَلْفَاظِ فِي التَّنْزِيلِ **** مَحْذُوفَةٌ مِنْ غَيْرِ مَا تَفْصِيلِ
ذُكر في هذا البيت : أن جميع الألفاظ الستة المذكورة من قوله : (( طائر )) إلى قوله : (( يسارعون )) محذوفة في التنزيل لأبي داود حيث ما وجدت في القرآن من غير تفصيل ، والتقييدات المتقدّمة في هذه الألفاظ الستة ، إنما هي باعتبار أبي عمرو الداني خاصّة ، وأما أبو داود فقد حذفها مطلقا(2)من غير تقييد .
وهذه الألفاظ الستة ، هي : لفظ { طَارٍ } ، ولفظ { إِنَثًا } ، ولفظ { رُبَعَ } ، ولفظ { قِيَمًا } ، ولفظ { بَلِغَ } ، ولفظ { يُسَرِعُونَ } .
الإعراب : (( وستة )) مبتدأ وخبره قوله : (( محذوفة )) ، وقوله : (( الألفاظ )) مضاف إليه ، وقوله : (( في التنزيل )) متعلّق بقوله : (( محذوفة )) ، وقوله : (( من غير )) متعلّق بـ (( محذوفة )) ، وقوله : (( ما )) زائدة ، كقوله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةً مِّنَ اللَهِ }(3)، وقوله : (( تفصيل )) مضاف إليه . ثم قال :
[175] وَعَنْهُمَا قَاسِيَةًً وَفِي الزُّمَرِ **** وَفِي فُرَادَى عَنْ سُلَيْمَانَ أُثِرْ
__________
(1) زاد في جـ ، ز : " تقديره : رويا فيها يسارعون " .
(2) انظر مختصر التبيين ، 2 : 345 .
(3) سورة آل عمران ، من الآية 159 .(2/151)
ذكر الناظم في هذا البيت : أن الشيخين اتفقا على حذف ألف { قَسِيَةً } في سورة العقود ، وأراد قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَسِيَةً }(1)، واتفقا – أيضا – على الحذف في قوله تعالى في سورة الزمر : { فَوَيْلٌ لِّلْقَسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ }(2)
وقيّد الناظم هذين اللفظين بالسورتين سورة العقود وسورة الزمر ، احترازا من غيرهما ، وهو الذي في سورة الحج ، وهو قوله : { وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ }(3)، لأنه ثابت الألف خطّا ولفظا باتفاق المصاحف والقرّاء ، بخلاف المذكوريْن في السورتين أعني سورة العقود والزمر ، فقد اتفق المصاحف على حذفهما ، واختلف القراء فيهما فقرأهما حمزة والكسائي بحذف الألف مع تشديد الياء ، وقرأهما الباقون بالألف مع تخفيف الياء(4)، فحذفهما إذاً حذف اقتصار وإشارة لمن يقرأهما بغير ألف .
وقوله : (( وفي فرادى عن سليمان أثر )) ، معناه : وأثر الحذف ، أي ونقل وروي الحذف عن سليمان بن نجاح في ألف { فُرَادَى }(5).
__________
(1) سورة المائدة ، من الآية 14 .
(2) سورة الزمر ، من الآية 21 .
(3) سورة الحج ، من الآية 51 . وفي جـ : " وهو قوله تعالى ...." .
(4) انظر : التيسير ، ص 82 ، المبسوط ، ص 161 ، النشر ، 2 : 254 ، إتحاف فضلاء البشر ، ص 251 .
(5) سورة الأنعام ، من الآية 95 . وزاد بعدها في جـ : " وهو الألف الكائن بين الراء والدال ، وأما الألف الذي
بعد الدال فليس هذا بمحله ، ومحله : (( وهاك ما بألف قد جاء )) وقوله : (( وفي فرادى )) أراد قوله تعالى
في سورة الأنعام { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى.. } وقوله تعالى في سورة سبأ : { مَثْنَى وَفُرَادَى } " . من الآية 46(2/152)
الإعراب : قوله : (( وعنهما )) جار ومجرور ، ويصح أن يكون متعلّقا بفعل ماض محذوف ، تقديره : وجاء عنهما قاسية ، أي حذف ألف قاسية على حذف المضافين ، فيكون قاسية على هذا فاعل بـ (( جاء )) ، ولكن حكاه الناظم كما وقع في القرآن ، ويصح أن يكون متعلّقا بفعل أمر محذوف ، تقديره : واحذف عنهما ألف قاسية ، فيكون قاسية على هذا مفعولا ، ويصح أن يتعلق بالثبوت والاستقرار ويكون قوله : (( قاسية )) مبتدأ ، تقديره : وقاسية كائن أو مستقر عنهما بالحذف ، أو تقول تقديره : وقاسية محذوف عنهما ، وقوله : (( وفي الزمر )) جار ومجرور ، وهو معطوف على جملة مجرورة ، تقديره : وعنهما قاسية في العقود وفي الزمر ، فهو من باب العطف على المحذوف ، ومثاله في العطف على المحذوف قول ابن الزبير للذي قال له لعن الله ناقة أوصلتني إليك ، فقال له ابن الزبير : " إنّ وصاحبُها "(1)، تقديره : إنها ملعونة وصاحبها ، وقوله : وصاحبها معطوف على ملعونة المحذوف [ وقوله : (( وفي فرادى )) جار ومجرور متعلّق بـ (( أثر )) ، وقوله : ((عن سليمان)) كذلك ، وقوله : (( أثر )) فعل ما ض مركب ، أي وأثر الحذف عن سليمان في فرادى ](2). ثم قال :
[176] رَبَائِبٍ كَفَّارَةٍ يُوَارِي **** مِيرَاثٍ الأَنْعَامِ مَعْ أُوَارِي
كلّ ما ذكر الناظم في هذا البيت محذوف(3)لأبي داود ، لأن قبله : (( وفي فرادى عن سليمان أثر)) .
قوله : (( ربائب )) ، أراد قوله تعالى في سورة النساء : { وَرَبَآ بُكُمُ ا لَّتِي فِي حُجُورِكُم }(4)، وليس في القرآن غيره .
__________
(1) ما جاء في البداية والنهاية ، 9 : 81 : " لعن الله ناقة حملتني إليك " .
(2) ما بين المعقوفين سقط من : " جـ " .
(3) في جـ : " فهو محذوف ... " .
(4) سورة النساء ، من الآية 23 .(2/153)
وقوله : (( كفارة )) ، كقوله تعالى في سورة المائدة : { فَكَفَّارَتُهُ? إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ }(1)، وقوله فيها : { ذَ الِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ }(2)، وقوله فيها : { أَوْ كَفَّارَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ }(3).
[ قوله : (( كفارة )) ظاهره يقتضي أنه محذوف عند ابن نجاح حيث ما وقع كما حذفه أبو عمرو ، وليس الأمر كذلك ، لأن ابن نجاح نصّ على الإثبات في قوله تعالى في العقود : { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ? فَهْوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ? }(4)، وهذا من الألفاظ الخمسة التي أغفلها الناظم ، لأن ابن نجاح نصّ على إثباتها في التنزيل ، وهي :
قوله تعالى في العقود : { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ? فَهْوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ? } ، وقوله في الأنعام : { إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ? }(5)، وقوله في يونس : { مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ }(6)، وقوله في طه : { وَخَشَعَت الاصْوَاتُ }(7)، وقوله في النبأ : { إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا }(8).
وقد جمعنا هذه الألفاظ في بيتين من الرجز التام ، وهما قولنا :
كَفَّارَةُ الأُولَى لَدَى الْعُقُودِ عَاصِمُ يُونُسْ عَامِلُ الأَنْعَامْ
__________
(1) سورة المائدة ، من الآية 91 .
(2) سورة المائدة ، من الآية 91 .
(3) سورة المائدة ، من الآية 97 . وفي جـ : " وقوله فيها أيضا ..... " .
(4) سورة المائدة ، من الآية 47 . ولم أجد في التنزيل نصه على إثبات ألف { فَهْوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ? } ، بل سكت عن هذا
الموضع ، فأخذ له أهل المشرق وأهل المغرب بالإثبات ، كما نصّ على ذلك ابن القاضي والمارغني ،
وغيره . انظر : الخلاف والتشهير ، ورقة 6 ، دليل الحيران ، ص 95 .
(5) سورة الأنعام ، من الآية 136 .
(6) سورة يونس ، من الآية 27 .
(7) سورة طه ، من الآية 105 .
(8) سورة النبأ ، الآية 17 .(2/154)