تقرير الاستناد في تفسير الاجتهاد المؤلف الإمام السيوطى
بسم الله الرحمن الرحيم وأما بنعمة ربك فحدث وبعد الاجتهاد من فروض الكفايات فقد قال الزركشي في قواعده قد عد الشهرستانى في الملل والنحل الاجتهاد من فروض الكفايات وسرد بعض عبارته ولم يتعقبه بنكير وقد راجعت كتاب الشهرستاني فوجدته ذكر ذلك في موضوعين فقال في ترجمة أهل الفروع المختلفون في الأحكام الشرعية والمسائل الاجتهادية وهي في نصف الكتاب ما نصه
وبالجملة نعلم قطعا ويقينا أن الحوادث والوقائع في العبادات والتصرفات مما لا يقبل الحصر والعد ونعلم أيضا أنه لم يرد في كل حادثة نص ولا يتصور ذلك أيضا والنصوص إذا كانت متناهية والوقائع غير متناهية وما لا يتناهي لا يضبطه ما يتناهي علم قطعا أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار حتى يكون بصدد كل حادثة اجتهاد ثم ذكر شروط الاجتهاد من فروض الكفايات لا من فروض الأعيان حتى إذا اشتغل بتحصيله واحد سقط القرض عن الجميع وإن قصر فيه أهل عصر عصوا بتركه وأشرفوا على خطر عظيم فالآن الأحكام الاجتهادية إذا كانت مرتبة على الاجتهاد ترتت المسبب على السبب ولم يوجد السبب كانت الأحكام عاطلة والآراء كلها متماثلة فلا بد من مجتهد هذه عبارته وإياها ساق الزركشي وهذا الكلام إذا عرض على أهل العصر شق عليهم جدا فإنه متى أدعى عندهم ثبوت وصف الاجتهاد لأحد موجود الآن ليسقط عنهم الإثم والعصيان كبر ذلك عليهم واستعظموه وربما عدوا هذا القول من الهذيان والخرافات والسبب في ذلك أن أحدا منهم لا يمكن أن يدعيه لنفسه ولا يدعيه له أحد من خاصته لخلوه يقينا عن أكثر شروطه إذ غاية الواحد منهم أن يتقن فنا واحدا وهو الفقه مع أن علم الفقه نفسه ليسس من شروط الاجتهاد كما هو مقرر في موضعه فإن ضم إلى ذلك غيره من العلوم قدر يسير من العربية وأنذر منه من الأصول تمت القضية(1/1)
ومتى إدعي عنه خلو العصر عن مجتهد وهو الموافق لغرضهم كان ذلك مناداة عليهم بإثمهم كلهم وعصيانهم بأسرهم وما أدري هل ترضون بذلك أو يعودون على قائل هذه المقالة بالتشنيع والتضعيف لقوله وإنها مقاله واهية ساقطة لا يعول عليها ولا يعتمد عليها وأحسنهم حالا من يسلمها ويقول إن العصر لا يخلو عن مجتهد وإن كنا لا نعلمه ولعله في البلاد القاصية لا في هذه البلاد
فصل لايجوز خلو الزمان عن مجتهد رأي الحنابلة ذهب الحنابلة إلى أنه لا يجوز خلو الزمان عن مجتهد مطلق أو مقيد لقوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله قالوا ولأن الاجتهاد فرض كفاية فيستلزم انتفاؤه اتفاق المسلمين على الباطل اختيار ابن دقيق العيد واختار الشيخ تقي الدين العيد أنه لا يجوز خلوه عن مجتهد ما لم
يتداعى الزمان بنزول القواعد بأن تأتي أشراط الساعة الكبرى كذا نقله عنه ابن السبكي في جمع الجوامع وهذا الكلام أخذه من خطبة شرح الإلمام حيث قال فيها والأرض تخلو من قائم لله بالحجة والأمة الشريفة لا بد فيها من سالك إلى الحق على واضح المحجة إلى أن يأتي أمر الله من أشراط الساعة الكبرى وتتابع بعده ما لا يبقى معه إلا قدوم الآخرة وهذا الكلام استنبطه الشيخ تقي الدين من الحديث المذكور ومن قول على رضي الله عنه لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكيلا تبطل حجج الله وبيناته أولئك هم الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا أخرجه أبو نعيم في الحلية ويشهد له أيضا ما أخرجه الدارمي في مسنده عن وهب بن عمرو الحجمي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا تعجلوا بالبلية قبل نزولها(1/2)
فإنكم أن لا تعجلوها قبل نزولها لا ينفك المسلمون وفيهم إذا هي نزلت من إذا قال وفتى وسدد وأخرج البيهقي في المدخل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن مرفوعا نحوه وكلاهما مرسل وكل منهما يعضد الآخر وهي شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بأنهم لا ينفكون عمن يقول في الحادثة فيصيب وذلك هو المجتهد وله شواهد موقوفة وأخرج الدارمي والبيهقي عن معاذ بن جبل أنه قال أيها الناس لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله فيذهب بكم ها هنا وأنكم إن لم تعجلوا بالبلاء قبل نزوله لم ينفك المسلمون أن يكون فيهم من إذا سئل سدد وإن قال وفق وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال إياكم وهذه العضل فإنها إذا نزلت بعث الله لها من يقيمها أو يفسرها
قول محب الدين والد ابن دقيق العيد وقال الشيخ محب الدين والد الشيخ تقي الدين دقيق العيد في كتابه تلقيح الإفهام عز المجتهد في هذه الإعصار وليس ذلك لتعذر حصول آلة الاجتهاد بل لإعراض الناس في اشتغالهم عن الطريق المفضية إلى ذلك وقال بعضهم الاجتهاد في هذا الزمان أسهل منه في الزمن الأول لأن الآلات من الأحاديث وغيرها قد دونت وسهل مراجعتها بخلاف الزمن الأول فلم يكن فيه شيء من آلات الاجتهاد مدون قول النووي وقال النووي في شرح المهذب في باب آداب العالم وينبغي أن يعتني بالتصنيف إذا تأهل له فيه يطلع على حقائق العلم ودقائقه وينبت معه لأنه يضطره إلى كثرة المطالعة والتفتيش والتحقيق والمراجعة والإطلاع على مختلف كلام الأئمة ومتفقه وواضحه عن مشكله وصحيحه من ضعيفه وجزله من ركيكه وما لا اعتراض عليه من غيره وبه يتصف المحقق بصفة المجتهد قول أبي طالب المكي وقال أبو طالب المكي في كتاب قوت القلوب أعلم أن العبد(1/3)
إذا كاشفه الله بالمعرفة واليقين لم يسعه تقليد أحد من العلماء وكذلك كان المتقدمون إذا أقيموا هذا المقام خالفوا من حملوا عنه العلم ولأجل ذلك كان الفقهاء يكرهون التقليد ويقولون لا ينبغي للرجل أن يفتى حتى يعرف اختلاف العلماء أي فيختار منها الأحوط للدين والأقوى باليقين فلو كانوا يحبون أن يفتى العالم بمذهب غيره لم يحتج أن يعرف الاختلاف ولكان إذا عرف مذهب صاحبه كفاه ومن قبل أن العبد يسأل غدا فيقال ماذا عملت مما علمت ولا يقال له فيما علم غيرك وقال الله تعالى وقال الذين أوتوا العلم والإيمان فقرن بينهما فدل على أنه من أوتي إيمانا ويقينا أوتي علما كما أن من أوتي علما نافعا أوتي إيمانا وهذا أحد الوجوه في معنى قوله تعالى أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه أي قواهم بعلم الإيمان فعلم الإيمان هو روحه وتكون الهاء عائدة على الإيمان لأن العالم الذي هو من أهل الاستنباط والاستدلال من الكتاب والسنة ومعرفة أداة الصنعة وآلة الصنع لأنه ذو تميز وبصيرة ومن أهل التدبير والعبرة انتهى
فصل شروط الاجتهاد عند الشهرستانى قال الشهرستانى في الملل والنحل شرائط الاجتهاد خمسة معرفة صدر صالح من اللغة بحيث يمكنه فهم لغات العرب والتمييز بين الألفاظ الوضعية والمستعارة والنص والظاهر والعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمفصل وفحوى الخطاب ومفهوم الكلام وما يدل على مفهومه بالمطابقة وما يدل بالتضمن وما يدل بالاستتباع فإن هذه المعرفة كالآلة التي بها يحصل الشيء ومن لم يحكم الآلة والأداة لم يصل إلى تمام الصيغة ثم معرفة تفسير القرآن خصوصا ما يتعلق(1/4)
بالأحكام وما ورد من الأخبار في معاني الآيات وكما رأى من الصحابة المعتبرين كيف سلكوا مناهجها وأي معنى فهموا من مدارجها ولو جهل تفسير سائر الآيات التي تتعلق بالمواعظ والقصص لم يضره ذلك في الاجتهاد فإن من الصحابة من كان لا يدري تلك المواعظ ولم يتعلم بعد جميع القرآن وكان من أهل الاجتهاد ثم معرفة الأخبار بمتونها وأسانيدها والإحاطة بأحوال النقلة والرواة عدو لها وثقاتها ومطعونها ومردودها والإحاطة بالوقائع الخاصة فيها وما هو عام ورد في حادثة خاصة وما هو خاص عمم في الكل حكمه ثم الفرق بين الواجب والندب والإباحة والحظر والكراهة حتى لا يشذ عنه وجه من هذه الوجوه ولا يختلط عليه باب بباب ثم معرفة مواقع إجماع الصحابة والتابعين من السلف الصالحين حتى لا يقع اجتهاد في مخالفة الإجماع ثم التهدي إلى مواضع الأقيسة وكيفية النظر والتردد فيها من طلب أصل أولا ثم طلب معنى مخيل يستنبط منه فيعلق الحكم عليه أو شبه يغلب على الظن فيلحق الحكم به(1/5)
فهذه خمس شرائط لا بد من اعتبارها حتى يكون المجتهد مجتهدا واجب الإتباع والتقليد في حق العامي فإذا حصل المجتهد هذه المعارف ساغ له الاجتهاد ويكون الحكم الذي أدى إليه اجتهاده سائغا في الفرع ووجب على العامي تقليده والأخذ بفتواه انتهى عند الرافعي والنووي وقال الرافعي وتبعه النووي في الروضة إنما تحصل أهلية الاجتهاد لمن علم أمورا أحدها كتاب الله تعالى ولا يشترط العلم بجميعه بل مما يتعلق بالأحكام ولا يشترط حفظه عن ظهر قلب الثاني سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا جميعها بل بما يتعلق منها بالأحكام ويشترط أن يعرف منها الخاص والعام والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والناسخ والمنسوخ ومن السنة المتواتر والآحاد والمرسل والمتصل وحال الرواة جرحا وتعديلا الثالث أقاويل علماء الصحابة ومن بعدهم إجماعا واختلافا الرابع القياس فيعرف جلية وخفيه وتميز الصحيح من الفاسد الخامس لسان العربية لغة وإعرابا لأن الشرع ورد بالعربية وبهذه الجهة يعرف عموم اللفظ وخصوصه وإطلاقه وتقييده وإجماله وبيانه(1/6)
قال أصحابنا لا يشترط التبحر في هذه العلوم بل يكفي معرفة جمل منها عند الغزالي وزاد الغزالي تحقيقات ذكرها في أصول الفقه منها أنة لا حاجة إلى تتبع الأحاديث على تفرقها وانتشارها بل يكفي أن يكون عنده أصل يجمع أحاديث الأحكام كسنن أبي داود ويكفي أن يعرف مواقع كل باب فيراجعه إذا احتاج إلى العمل بذلك الباب ونازعه النووي في التمثيل بسنن أبي داود فإنه لم يستوعب الصحيح من أحاديث الأحكام ولا معظمه ومنها أن لا يشترط ضبط جميع مواضع الإجماع والاختلاف بل يكفي أن يعرف في المسألة التي يفتى فيها أن قوله لا يخالف الإجماع بأن يعلم أنه وافق بعض المتقدمين أو يغلب على ظنه أن المسألة لم يتكلم فيها الأولون بل تولدت في عصره وعلى هذا قياس معرفة الناسخ والمنسوخ ومنها أن اجتماع هذا العلوم إنما يشترط في المجتهد المطلق الذي يفتى في جميع أبواب الشرع ويجوز أن يكون للعالم منصب الاجتهاد في
باب دون باب وعد الأصحاب من شروط الاجتهاد معرفة أصول الاعتقاد قال الغزالي وعندي أنه يكفي اعتقاد جازم ولا يشترط معرفتها على طرق المتكلمين وبأدلته التي يجردونها انتهى وعبارة الغزالي في المنخول لا بد من علم اللغة فإن مآخذ الشرع ألفاظ عربية وينبغي أن يشتغل بفهم كلام العرب ولا يكفيه الرجوع إلى الكتب فإنها لا تدل إلا على معاني الألفاظ فأما المعاني المفهومة من سياقها وترتيبها لا يفهمها إلا من يشتغل بها والتعمق في غرائب اللغة لا يشترط ولابد من علم النحو فمنه يثور معظم اشكالات القرآن ولا بد من علم الأحاديث المتعلقة بالأحكام والتعويل فيه على الكتب جائز ومعرفة الناسخ والمنسوخ وعلم التواريخ ليتبين المتقدم من المتأخر والعلم بالسقيم والصحيح من الأحاديث وسير الصحابة ومذاهب الأئمة لكيلا يخرق إجماعا ولا بد من أصول الفقه ولا استقلال للنظر دونه(1/7)
وفقه النفس لا بد منه وهو غريزة لا تتعلق بالاكتساب ولا بد من معرفة أحكام الشرع عند أبي منصور التميمي وقال الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي في كتابه التحصيل من شرط المجتهد في الأحكام الشرعية أن يكون عالما بأصول أحكام الشرع التي هي الكتاب والسنة والمقاييس الشرعية وأن يكون عالما بأصول هذه الأصول من الدلائل العقلية وأن يكون عالما بجملة من اللغة تفصل بين الحقيقة والمجاز ويعرف منها مراتب الخلاف وأن يكون عارفا بضروب علم النحو والتصريف ومعاني حروف المعاني وأن يكون عارفا بجمل من الأخبار المتعلقة بأحكام الشرع وإذ داهمته عن حفظه ما يتعلق منها بالقصص والمواعظ جاز
وأن يكون عارفا بطرق الأخبار من تواتر وآحاد متوسط بينهما ليميز من يقطع به منها وبين ما لا يقطع به وأن يكون عارفا بشروط الرواة والأسباب التي ترد بها الرواية والأسباب التي تقبل معها الرواية وأن يكون عارفا بوجوه القياس ومواضعه ووجوه الترجيح وأقسامه ثم يكون عارفا بوجوه ترتيب الآيات والسنن والجمع بينهما وتخصيص بعضها ببعض ونسخ بعضها ببعض مع كلمة الشروط النسخ والتخصيص ثم يكون عالما بجمل من أحكام الصحابة على الإجماع والإختلاف حتى لا يشذ عنه إلا النادر ثم يكون عالما بجمل من فروع الفقه محيطا بالمشهور منها وببعض ما غمض منها كفروع الحيض والفرائض والدور والوصايا والدين واختلف أصحابنا في المتعلق منها بالحساب فمنهم من قال من شرطه معرفة وجوه الحساب فهما وهذا هو الصحيح لأن منها ما لا يمكن استخراج الجواب فيها إلا بالحساب فمن كانت هذه صفته فهو من أهل الاجتهاد عند الرازي والأرموي وقال صاحب المحصول وتبعه صاحب الحاصل العلوم التي يحتاج إليها المجتهد ثمانية أربعة كالأصول وهي الكتاب والسنة والإجماع والمعقول(1/8)
وفي علم الكتاب تحقيقان أحدهما أنه لا حاجة إلى كل الكتاب بل إلى ما يتعلق بالأحكام الشرعية وهي خمسمائة آية والثاني أنه لا حاجة إلى حفظها بل يعلم مواقعها ليراجعها عند الحاجة وهذان التحقيقان جاريان في السنة وأما الإجماع فيحتاج إلى معرفته لئلا يفتى بخلافه وأما المعقول فالقياس لشرائطه وأربعة تجري مجرى الأصل فأحدهما علم العربية كاللغة والنحو والتصريف وثانيها علم كيفية استفادة التصورات والتصديقات من مادتها وهو علم المنطق وثالثها علم الناسخ والمنسوخ ورابعها علم الجرح والتعديل ولا حاجة إلى الكلام وتفاريع الفقه فإنها نتيجة الاجتهاد والشيء لا يتوقف على فروعه
عند ابن الصلاح وقال ابن الصلاح لا يشترط في المجتهد المستقل معرفة تفاريع الفقه لأنها نتيجة الاجتهاد فلو شرطت فيه لزم الدور نعم يشترط في المجتهد الذي يتأدى به فرض الكفاية في الأفتاء ليسهل عليه إدراك أحكام الوقائع على قرب من غير تعب كبير وهو معنى قول الغزالي إنما يحصل الاجتهاد في زماننا بممارسة الفقه فهو طريق تحصيله في هذا الزمان ولم يكن الطريق في زمن الصحابة رضي الله عنهم ذلك وقال الشيخ تقي الدين السبكي يكفي في المجتهد بالتوسط في علوم العربية من لغة وإعراب وتصريف ومعان وبيان وفي أصول الفقه لا بد أن يكون له فيها ملكة وأن يكون مع ذلك قد أحاط بمعظم قواعد الشرع ومارسها بحيث اكتسب قوة يفهم بها مقاصد الشرع وكان هذا هو الذي عبر عنه الغزالي بفقه النفس ويحتمل أن يكون غيره وجزم به ابن السبكي في جمع الجوامع وفسروه بأن يكون شديد الفهم بالطبع لمقاصد الكلام بحيث يكون له قدرة على التصريف قال الغزالي إذا لم يتكلم الفقيه في مسألة لم يسمعها ككلامه في مسألة سمعها فليس بفقيه هذا مجموع كلام العلماء في شروط الاجتهاد(1/9)
فصل شروط الاجتهاد عند السيوطي قلت وحاصل ذلك أن العلوم المشترط في الاجتهاد بضعة عشر أحدها علوم الكتاب العزيز وهي كثيرة جدا وقد جمعت في أصولها كتاب الإتقان في علوم القرآن وهو مجلد ضخم مشتمل على ثمانين نوعا وكلها أو أكثرها مما يتوقف عليه الاجتهاد ومن أهمها معرفة أسباب النزول وقد أفردت فيه كتابا لم يؤلف مثله سميته لباب النقول ومعرفة الناسخ والمنسوخ وقد حررته في الإتقان تحريرا بالغا ومعرفة ما ورد من الأخبار والآثار في معاني الآيات وقد ألفت في ذلك الدر المنثور في التفسير المأثور أربع مجلدات ومعرفة ما استنبطه العلماء منه فن الأحكام وقد ألفت في ذلك الإكليل في استنباط التنزيل ومعرفة أسراره وبلاغته ومجازاته وأساليبه وقد ألفت في ذلك أسرار التنزيل ثلاث مجلدات ولي في تعلقات القرآن تصانيف أخر لا يحتاج معها إلى غيرها الثاني علوم السنة وهي مائة علم شرحها في الكتب التي ألفتها في علوم الحديث وقد تبعت بحمد الله جميع الأحاديث على تفرقها وانتشارها فأحطت بأضعاف ما في الكتب الستة فضلا عن سنن أبي داود من كتاب الصحاح والسنن والجوامع والمسانيد والمعاجم والأجزاء والفوائد والتواريخ مع معرفة متصلها ومرسلها ومعضلها ومنقطعها ومدلسها ومدرجها وما اختلف في وصله وإرساله وفي رفعه ووقفه ومعرفة أصحها وصحيحها وحسنها لذاته وحسنها لغيره وضعيفها المتماسك وواهها ومنكرها(1/10)
ومتروكها وشاذها ومعللها وما اختلف في صحته وحسنه وضعفه ومتواترها ومشهورها وأحادها وغريبها ومردها المطلق وفردها النسبي وما له متابع من لفظه وما له شاهد من معناه وناسخها ومنسوخها وأسباب ورودها وتصانيفي الحدية كافلة بكثير من ذلك الثالث علم أصول الفقه وهو أهم مما بعده لأجل كيفية الاستدلال وتقديم بعض الأدلة على بعض والجمع بينهما عند معارضها وقد ألفت فيه منظومة جمع الجوامع وشرحتها الرابع علم اللغة وهذا يرجع فيه إلى الكتب المؤلفة في ذلك كصحاح الجوهري بتكملته للصغاني والعباب والقاموس ونحوها وإلى الكتب المؤلفة في يغريب القرآن وغريب الحديث الخامس المعاني المفهومة من السياق وهو الذي أشار إليه الغزالي في المنخول وأنه لا يكتفي فيه بكتب اللغة وقد ألف في هذا النوع بخصوصه الراغب كتابه مفردات القرآن وعقدت له في الإتقان فصلاء السادس والسابع النحو والصرف وكتبي فيها كثيرة ولو لم يكن إلا جمع الجوامع وشرحه كان فيهما غنية كبيرة الثامن والتاسع والعاشر المعاني والبيان والبديع وقد ألفت فيها ألفية وشرحتها الحادي عشر علم الإجماع والخلاف وهذا يؤخذ من غصون الكتب وأول ما يحتاج فيه إلى ممارسة فقه المذهب حتى يحيط بمسائل القطع ومسائل الأقوال والوجوه ثم ينهض إلى مراجعة كتب بقية المذاهب(1/11)
والخلاف العالي ولا يشترط حفظ الكل بل يعرف مواقعه ليراجعه عند الحاجة كما تقدم في الكلام الغزالي والرافعي والنووي الثاني عشر علم الحساب وهذا شرط في المجتهد المطلق في جميع أبواب الشرع أما المجتهد فيما عدا الفرائض ونحوها فلا يشترط فيه ولهذا لم يذكره الشيخان ولا غيرهما سوى الأستاذ أبي منصور الثالث عشر فقه النفس الرابع عشر الإحاطة بمعظم قواعد الشرع الذي ذكره السبكي أن عددناه مغايرا لفقه النفس وإلا فهو وما قبله واحد وينبغي أن يضم إلى ذلك خامس عشر وهو علم الأخلاق ومداواة القلوب أخذا من كلام صاحب قوت القلوب وذكر السبكي في جمع الجوامع من شروطه أن يكون عارفا بالدليل العقلي وهو المنزلة أساسا مكلفون بالتمسك به ما لم تردنا حجة ولا حاجة إلى أفراد هذا شرطا لأنه من جملة أصول الفقه وأما علم الكلام فالراجح عدم اشتراطه كما قاله الغزالي والشيخان
وأما علم المنطق فأقل وأذل من أن يذكر وقد كان المجتهدون وتقررت المذاهب في المائة الأولى والثانية والمنطق بعد في جزيرة قبرص لم يدخل بين المسلمين ولا أحضر إلى بلاد الإسلام من قبرص إلا في خلافة المأمون وعلم أصول الفقه والبيان تعنيان عنه في كيفية الاستفادة ولم يذكره أحد من الفقهاء والأصوليين بل زجروا عنه وحرموا الاشتغال به ولم يوافق صاحبي المحصول والحاصل أحد على عده شرطا حتى ولا البيضاوي الذي مهاجه مختصر من الحاصل(1/12)
فائدة دليل استكمال شرائط الاجتهاد قال الشهرستاني بأي شيء يعرف العامي أن العالم قد وصل إلى حد الاجتهاد وكذلك المجتهد نفسه متى يعلم أنه قد استكمل شرائط الاجتهاد فيه نظر كذا في عدة نسخ من كتابه من غير زيادة عليه وكأنه لم يتضح له فيه شيء يذكره ويظهر أن العالم يعرف ذلك من نفسه بان يعلم أنه أتقن آلاته كل الإتقان وجد له ملكة وقدرة على الاستنباط واستخراج الأحكام الخفية من الأدلة البعيدة على نظير ما حكى عن إمام الحرمين أنه سئل ما الدليل على أن الباري تعالى ليس في جهة فقال الدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لا تفضلوني على يونس بن متى فخفي وجه الدلالة على الحاضرين مقرره لهم بطريقة فمثل هذا الاستنباط الدقيق إنما يدركه مجتهد بخلاف أخذ الأحكام الظاهرة من الأدلة القريبة فأن ذلك يقدر عليه كل عالم وأن لم يبلغ درجة الاجتهاد وأما معرفة العامي ذلك فلا يمكن إلا بأخبار المجتهد عن نفسه لأن الاجتهاد معنى قائم بالنفس لا إطلاع للعامي عليه نعم قد يدرك ذلك بكثرة الاختبار من له أهلية الاختبار
والظاهر قبول قول العالم في الأخبار عن نفسه أنه وصل إلى حد الاجتهاد إذا كان عدلا قياسا على قولهم من أدعى الصحبة قبل قوله في ذلك إذا كان عدلا لأن عدالته تمنعه أن يكذب ولا نظر إلى اتهامه بكونه يدعي لنفسه رتبة عالية(1/13)
تنبيه العجب ممن لا يصدق بوجود مجتهد اليوم مع صلاحية القدرة الإلهية بمثل ما وقع في الزمن الماضي وأعظم منه وأغرب من ذلك أن يتلى على آذانهم في كتب الأصول بكرة وعشيا ذكر المجتهدين من اليهود والنصارى فكيف يقررون بإمكان الاجتهاد في أولئك الملل ويستبعدونه في المتأخرين من هذه الملة الشريفة التي حباها الله بكل خير مع الأحاديث الدالة على استمرار فيهم إلى قيام الساعة وإلى قيام الساعة وإلى وجود أشراطها قوله صلى الله عليه وسلم مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره وقوله صلى الله عليه وسلم يبعث الله على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها وقد رأيت بخط الكمال الشمني والد شيخنا الإمام تقي الدين ما نصه
قال شيخنا عز الدين بن جماعة أحاله أهل زماننا وجود المجتهد يفتر عن حبر ما وإلا أما يكون القائلون لذلك من المجتهدين وما المانع من فضل الله واختصاصه بعض الفيض والوهب والعطاء بعض أهل الصفوة انتهى وقد ذكر في عدة من كتب الأصول أنه رب امرأة في خدرها بلغت درجة الاجتهاد ولا يشعر بها فكيف يستبعدون ذلك على من خدم العلم نحو ثلاثين سنة وقد ذكر في ترجمة القفال أنه كان في أول أمره صناعا صنعة الأقفال ثم اشتغل بالعلم وهو كبير أظنه ابن أربعين ووصل بعد ذلك إلى درجة الاجتهاد
فصل الاتفاق على أن تقي الدين السبكي مجتهد مطلق قال ابن السبكي في الترشيح قال الشيخ شهاب الدين النقيب صاحب مختصر الكفاية وغيرها من المصنفات جلست بمكة بين طائفة من العلماء فشرعنا نقول لو قدر الله تعالى بعد الأئمة الأربعة في هذا الزمان مجتهدا عارفا منهاجهم أجمعين يركب لنفسه مذهبا من الأربعة بعد اعتبار هذه المذاهب المختلفة كلها لأزدار الزمان به وانقاد الناس فاتفق رأينا على هذه الرتبة لا تعدوا الشيخ تقي الدين السبكي ولا ينتهي لها سوا(1/14)
خاتمة كيفية الاجتهاد وترتيبه قال الغزالي في المنخول فصل في كيفية سرد الاجتهاد ومراعاة ترتيبه قال الشافعي إذا رفعت إليه واقعة فليعرضها على نصوص الكتاب فإن أعوزه فعلى الأخبار المتواترة ثم على الآحاد فإن أعوزه لم يخض في القياس بل يتلفت إلى ظواهر القرآن فإن وجد ظاهرا نظر في المخصصات من قياس وخبر فإن لم يجد مخصصا حكم به وإن لم يعثر على لفظ من كتاب ولا سنة نظر إلى المذاهب فإن وجدها مجمعا عليها اتبع الإجماع وإن لم يجد إجماعا خاض في القياس ويلاحظ القواعد الكلية أولا ويقدمها على الجزئيات كما في القتل بالمقتل يقدم قاعدة الردع على مراعاة الآلة فإن عدم قاعدة كلية نظر في النصوص ومواقع الإجماع فإن
وجدها في معنى واحد ألحق به وإلا انحدر إلى قياس مخيل فإن أعوزه تمسك بالشبه ولا يقول على طرد أن كان يؤمن بالله تعالى ويعرف مآخذ هذا تدريج النظر على ما قاله الشافعي قال الغزالي ولقد أخر الإجماع عن الأخبار وذلك تأخير مرتبة لا تأخير عمل إذ العمل به مقدم ولكن الخبر يتقدم في المرتبة عليه فإن مستنده قبول الإجماع(1/15)
فصل المجتهد مجدد للدين في كل قرن روى أبو داود والحاكم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها قال بعض شراح الحديث ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يلزم أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلا واحد بل قد يكون واحدا وقد يكون أكثر فإن انتفاع الأمة بالفقهاء وإن كان عاما في أمور الدين فإن انتفاعهم بغيرهم أيضا كبير مثل أولى الأمر وأصحاب الطبقات ينتفع بكل في قول لا ينتفع بالآخر فيه فأولوا الأمر ينتفع بهم في العدل والتناصف وحقن الدماء والتمكن من إقامة قوانين الشرع وأصحاب الحديث ينتفع بهم في ضبط الأحاديث التي هي أدلة الشرع الدنيا فكل واحد ينتفع بغير ما ينتفع به الآخر قال لكن الذي ينبغي أن يكون المبعوث على رأس المائة وجلا واحدا مشارا إليه في كل فن من هذه الفنون وهو المجتهد قال فإذا حمل تأويل الحديث على هذا الوجه كان أولى وأشبه بالحكمة(1/16)
قال ثم المراد من انقضت المائة وهو حي مشار إليه انتهى قلت ويؤيد ما ذكره هذا الشارح عن أن المراد في الحديث رجل واحد لا مجموع أناس ما أخرجه أبو إسماعيل الهروي عن حميد بن زنجويه قال سمعت أحمد بن حنبل يقول يروي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يمن على أهل دينه في رأس كل مائة سنة برجل فيبين لهم أمر دينهم وأني نظرت في مائة سنة فإذا هو عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائة الثانية فإذا هو محمد بن إدريس الشافعي واخرج البيهقي من طريق أبي بكر المروزي قال قال أحمد بن حنبل ذكر في الخبر أن الله يقيض في رأس كل مائة سنة من يعلم الناس السنن وينفي عن النبي صلى الله عليه وسلم الكذب فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائتين الشافعي وقال الحافظ الحاكم وسمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول سمعت شيخا من أهل العلم يقول لأبي العباس بن سريج أبشر أيها القاضي فإن الله من على المؤمنين بعمر بن عبد العزيز فأظهر كل سنة وأمات كل بدعة ومن على رأس المائتين بالشافعي حتى أظهر السنة وأخفى
البدعة ومن على رأس الثلثمائة بك قلت قد استقر المبعوثون على رأس القرون فوجدوا كلهم مجتهدون فعمر بن عبد العزيز قال الذهبي في العبر أنه بلغ رتبة الاجتهاد والشافعي سيد المجتهدين وابن سريج من كبار المجتهدين ومن أصحاب الوجوه وعدوا على رأس المائة الرابعة أبا الطيب سهل بن محمد
الصعلوكي أو الشيخ أبا حامد إمام العراقيين وكلاهما من المجتهدين وأصحاب الوجوه وعدوا على رأس الخامسة الغزالي وهو من المجتهدين كما ذكره ابن الصلاح في فتاويه وعلى السادسة الرافعي وعلى السابعة ابن دقيق العيد وعلى الثامنة البلفيني وكلهم موصوف بالاجتهاد(1/17)
فصل الاجتهاد لم ينقطع ذكر ذاكر أن الاجتهاد قد انقطع من مائتي سنة وهذا كلام من لا علم له بطبقات العلماء ولا وقف على تراجمهم فقد ذكر ابن كثير في تاريخه أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان في آخر أمره لا يتقيد بالمذهب بل اتسع نطاقه وأفتي بما أدى إليه اجتهاده وقال الذهبي في العبر في ترجمته انتهت إليه معرفة المذهب وبلغ رتبة الاجتهاد ووصفه ابن السبكي في الطبقات بالاجتهاد المطلق وبعده أبو شامة ووصفه الشيخ تقي الدين الفركاح بأنه مجتهد وذكر ذلك ابن السبكي في الطبقات فقال وكان يقال أنه بلغ رتبة الاجتهاد ويليه النووي فإن له في شرح المهذب وغيره اختيارات من حيث الدليل خارجه عن المذهب ولولا أنه بلغ رتبة الاجتهاد لم يفعل ذلك وبعده ابن المنير الإسكندراني قال ابن فرحون في طبقات
المالكية كان ممن له أهليه الترجيح والاجتهاد في مذهب مالك ويليه ابن دقيق العيد فقد أدعي هو الاجتهاد وقامت عليه الغوغاء في زمنه بسبب ذلك حكى الأدفوي في الطالع السعيد عن بعض أصحابه قال كنت عند الشيخ علاء الدين القونوي فجري ذكر ابن دقيق العيد فأثنى عليه فقلت لكنه يدعى الاجتهاد فسلب ساعة ثم قال ما يبعد وقال أبو حيان ابن دقيق العيد أشبه من رأيناه يميل إلى الاجتهاد ووصفه ابن السبكي في الطبقات الاجتهاد المطلق ويليه التقي ابن تيميه وصفه غير واحد بالاجتهاد ويليه التقي السبكي فقد وصفه غير واحد في زمانه وبعده بالاجتهاد ووصفه ولده بالاجتهاد المطلق ويليه ولده الشيخ تاج الدين فقد كتب ورقة لنائب(1/18)
الشام في عصره في ضائقة وقت له فقال في آخرها وأنا اليوم مجتهد الدنيا على الإطلاق ولا يستطيع أحد أن يرد على هذه الكلمة والرجل مقبول فيما قال عن نفسه فإن العلماء أدين وأورع وأخشى الله من أن يتقولوا الباطل وقد ذكر هو في كتابه جمع الجوامع لما تكلم عن مسألة خلو الزمان عن مجتهد فقال والمختار أنه لم يثبت وقوعه فبهذا نص بأن الزمان إلى حين عصره ما خلى عن مجتهد وبعده الشيخ سراج الدين البلقيني وصفه غير واحد بالاجتهاد ولم يختلف في ذلك اثنان وبعده ولده الشيخ جلال الدين وتلميذه الشيخ ولي الدين العراقي كلاهما كان لهما أهلية الاجتهاد لما اجتمع لهما من العلوم التي هي آلاته وكان في زمنهما العلامة مجد الدين الشيرازي صاحب القاموس أدعي الاجتهاد وصنف في ذلك كتابا سماه الأصعاد إلى رتبة الاجتهاد
وبعده العلامة كمال الدين بن الهمام ذكر عنه أنه إدعى الاجتهاد وكلامه في شرح الهداية يوميء إلى ذلك وكان شيخنا شيخ الإسلام شرف الدين المناوي ممن له أهليه الاجتهاد في المذهب وله اختيارات ولقد سمعته يقرر اختياره في أنه لا متعة للرجعية بطريقة سقتها عنه في حواشي الروضة وهو خلاف المعروف في المذهب وهذا دليل على أنه بلغ رتبة الاجتهاد فإنه كان أورع من أن يتصرف بالاختيار ولم يبلغ رتبته فقد بان بمن سردناهم أن الاجتهاد لم ينقطع في المدة المذكورة(1/19)
فصل التحدث بنعمة الله التحدث بنعمة الله مطلوب شرعا قال الله تعال وأما بنعمة ربك فحدث وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والطبراني وابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والبيهقي في شعب الإيمان عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر وأخرج ابن جرير في تفسيره عن أبي نصرة قال كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن عمر بن عبد العزيز قال أن ذكر النعم شكر وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسن قال أكثروا ذكر هذه النعمة فإن ذكرها شكر وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الجريري قال كان يقال أن تعداد النعم من الشكر وأخرج البيهقي عن قتادة قال من شكر النعم إفشاؤها
وأخرج البيهقي من طريق مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد قال كان يقال تعديد النعم من الشكر وأخرج البيهقي عن فضيل بن عياض قال كان يقال من عرف نعمة الله بقلبه وحمده بلسانه لم يستتم ذلك حتى يري الزيادة يقول الله عز وجل لئن شكرتم لأزيدنكم وكان يقال من شكر النعمة أن يحدث بها
فصل رد السيوطي على معارضيه شنع مشنع على دعوى الاجتهاد بأني أريد أن أعمل مذهبا خامسا وربما زادوا أكثر من ذلك ومثل هذا التشنيع إنما يمشي على عقول العوام ومن جرى مجراهم ونظير هذا التشنيع ما حكى لي بعض الثقات عن القاضي سراج الدين الحمصي أنه جاءه وهو بالبلاد الشامية حنفي من فضلاء العجم فأخذ يناظره في مسألة وجوب الوتر فاستظهر العجمي بطول باعه وقلة بضاعة الحمصي ففطن العوام لاستظهاره فشق ذلك على الحمصي فقال لا بأس أن يعلم الجماعة بحقيقة الحال ثم قال يا معشر العامة هل تعلمون البحث بيني وبين هذا الرجل فبماذا فقالوا لا فقال أني أقول أن الله لم يوجب عليكم سوى خمس صلوات وهذا يريد أن يوجب عليكم ست صلوات فقالوا رافضي وكادوا يرجمونه(1/20)