كتاب تصحيح العمدة
للإمام الزركشي
أبو عبد اللّه بدر الدين محمد بن عبد اللّه المنهاجي الزركشي
(745- 794 هـ)
دراسة وتحقيق
الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
أستاذ مساعد بقسم الدراسات العليا
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللّه، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (1).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيب} (2).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (3) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}(4).
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
__________
(1) الآية (102) من آل عمران.
(2) الآية (2) من النساء .
(3) الآية (70) من الأحزاب .
(4) الآية (71) من الأحزاب .(1/1)
فإن كتاب تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي ألفيته كتاباً نافعاً ومفيداً فهو أحد الجهود العظيمة التي بذلها المصنف في خدمة هذا الدين ففيه نكت جيدة تنبئ عن همة عظيمة وعزم لا ينثني لدى علماء الأمة المحمدية بتِوخي الدقة في النقل، وسلامة الرواية وتحرير الألفاظ، حتى تكون السنة المطهرة أقرب ما تكون للفظ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن تخرج عن المعنى الذي أراد، ولا غرابة في مطاردة العلماء كل شاردة من كنوز السنة واستقبالهم كل واردة منها، فهي المصدر الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية لذا وجبت العناية بدقائقها وتوخي الدقة والأمانة في تلقيها ونقلها هذا ما حفز الإمام الزركشي رحمه اللّه أن يعني بكتاب عمدة الأحكام للإمام الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه اللّه، ويأخذ شرطه ميزاناً يطبقه على كل حديث أورده في العمدة وقد استطاع الزركشي رحمه الله أن يستدرك ستة وسبعين موضعاً من مجموع أربعمائة وسبعة أحاديث. وتلك المواضع التي سجل فيها الزركشي اعتراضاً أوافقه فيها سوى ستة مواضع فقد سجلت الرأي مدعماً بما يؤيده ولقد كانت جولة ممتعة مع الحوار الهادف المفيد وكانت محاور الحوار(1) تارة تدفعنا إلى صحيح الإمام البخاري، وأخرى إلى مسلم، وثالثة إلى العمدة وإلى عشرات المصنفات والشروح كل ذلك بحثاً عن الدقة والسلامة في اللفظ والمعنى وسيجد القارئ الكريم ما تسعد به نفسه في الجانب الحديثي، والجانب اللغوي من هذا الكتاب النفيس، وقد رأيت تقسيم العمل في هذا الكتاب إلى تمهيد وثلاثة أقسام وخاتمة.
التمهيد وفيه كلمة موجزة عن الصحيحين وعناية الأمة بهما، ثم عمدة الأحكام.
القسم الأول وفيه فصلان:
الفصل الأول ترجمة الإمام الزركشي في مباحث.
الفصل الثاني ترجمة موجزة للمقدسي.
القسم الثاني وفيه فصلان:
الفصل الأول بيان عملي في الكتاب .
__________
(1) بكسر الحاء ومن ضمها فقد أخطأ فإنه بالضم ولد الناقة.(1/2)
الفصل الثاني تسمية الكتاب ووصف النسخ الخطية.
القسم الثالث تحقيق نصوص الكتاب.
ولعلم القارئ الكريم فإني استخدمت الرموز التالية:
أ- النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق.
ب- النسخة الخطية الثانية.
برهان الدين هو ابن خضر تلميذ الحافظ ابن حجر صاحب التعليقات على النسخة الأصل ( أ ).
عبد الكريم هو عبد الكريم بن عبد الله الشريف المكي، مالك النسخة الأصل.
قال شيخنا: الحافظ ابن حجر والقائل قال شيخنا برهان الدين بن خضر.
م - مسلم في صحيحه.
صف - صحيح البخاري مع الفتح.
خ - البخاري في صحيحه.
وليعلم القارئ الكريم أن كل ترجمة لم أذكر مصدرها فهي من التقريب مع تصرف أحيانا.
تمهيد
الحمد لله أجل الحمد وأوفاه، وصلاة اللّه وسلامه على خليله ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وترسم خطاه.
أما بعد:
فلا أعتقد أن طالب عِلم اليوم مهما قلت بضاعته، ونأت به الديار، لا يعرف عن الصحيحين شيئا، أو على الأقل مَا المراد بالصحيحين؟ ومن ألف كلاً منهما؟ فإن أخطأت في هذا التصور قلت: إن الصحيحين كتابان لشيخ وتلميذه، انفرد كل منهما بمؤلف خاص.
الأول: صحيح البخاري وسماه الإمام البخاري (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه)(1).
والثاني: صحيح مسلم وسماه الإمام مسلم (المسند الصحيح)(2).
هذا هو المراد بالصحيحين وهما كتابان عظيمان، تميزا بصحة النقل، ودقة الرواية، وشدة التحري، ففاقت قيمتهما العلمية كل تصور، وطارت شهرتهما في ذلك العصر، وطبقت الآفاق حتى لا يعذر اليوم طالب علم بجهل هذين الكتابين في عصر الثقافة والعلوم التي سخرت لها وسائل سمعية وبصرية، وسرعة إيصال المعلومات بصور مختلفة وأسباب مذهلة حتى لم تعد المعلومة تأخذ أكثر من بضع دقائق فليست عسيرة المنال، لكنها افتقدت الرجال ولاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الصوارف الدنيوية.
__________
(1) هدي الساري ص 8 .
(2) تاريخ بغداد 13/ 101.(1/3)
أما هذان الكتابان فيحسن إعطاء نبذة موجزة عن كل كتاب ومؤلفه لتكون صورة مشرقة بين يدي القارئ الكريم.
1- صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل بذل فيه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري أقصى درجات الحيطة والتثبت منها.
أ- الانتقاء فقد روي عنه أنه قال: خرَّجتُ الصحيح من ستمائة ألف حديث(1). وهذا في حد ذاته مهمة صعبة وشاقة. وقال: لم أخرَّج في هذا الكتاب إلا صحيحاً، وما تركت من الصحيح أكثر(2).
ب- التروي والتثبت ودعم ذلك بالصلاة والاستخارة قال البخاري: ما كتبت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين(3). فما أعظمها من حيطة في دين أدته يغتسل بعدد الأحاديث ويصلى ضعف عددها كل ذلك لئلا، يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
جـ- اشتراط أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلا ف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلاً غير مقطوع، وإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن، وإن لم يكن إلا راو واحد وصح الطريق إليه كفي(4). ولم يكتف البخاري بمعاصرة الراوي لشيخه بل اشترط اجتماعهما(5) واللقاء بينهما وهذه زيادة في الحرص والتثبت.
والإِمام البخاري بهذه الدقة قدم للأمة الإسلامية ما لم يسبقه مثيل، ولن يلحقه مغير، فكان كتابه بحق أصح الكتب بعد كتاب اللّه عز وجل(6) لذا أجمع علماء هذه الأمة على قبوله، وصحة ما فيه(7).
__________
(1) هدي الساري ص7.
(2) نفسه.
(3) نفسه.
(4) هدي الساري ص 9. ولم أتعرض لطبقات الرواة، لا لتزامي الاختصار وقد استوعب ذلك الحازمي في كتاب شروط الأئمة فليراجعه الراغب في المزيد.
(5) هدي الساري ص 12 .
(6) طبقات الشافعية 2/215.
(7) البداية والنهاية 11/ 24.(1/4)
أما الإِمام البخاري فباختصار هو أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل، البخاري إمام المحدثين بغير منازع، وسيد الحفاظ والمتقنين لم نسمع بأحفظ منه ولا أعلم بحديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومقاصده، وما صنع في كتابه الصحيح خير دليل على ما نقول فله الرواية والدراية، ولد في مدينة بخارى من بلاد خراسان، في سنة أربع وتسعين ومائة من الهجرة، تحدث عنه الأئمة بما يذهل من بداية طلبه هذا الشأن إلى وفاته، وكانت بقرية من قرى سمرقند، سنة ست وخمسين ومائتين من الهجرة(1) رحمه اللّه.
2- صحيح مسلم.
اقتدى الإمام مسلم بأستاذه الكبير الإِمام البخاري في العناية بالصحيح من حديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، لكن مسلماً خالف أستاذه في الطريقة والمنهج ومن هنا قال بعض الأئمة: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج(2)، وقد كانت عناية الإمام مسلم بمؤلفه هذا شبيهة إلى حد كبير بعناية شيخه بمؤلفه. منها:
أ- تحقيق جانب العلم بهذا الشأن رواية ودراية قال الإمام مسلم رحمه اللّه: إن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها، من المتهمين، ألا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم، والمعاندين من أهل البدع(3). وهذا مبدأ التثبت في النقل.
ب- الانتقاء قال الإمام مسلم رحمه الله: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة(4).
جـ- التروي وعدم العجلة قال الإمام مسلم: ما وضعت في كتابي هذا المسند إلا بحجة، وما أسقطت منه شيئاً إلا بحجة(5).
__________
(1) ما من مشتغل بعلم الحديث بعد البخاري إلا وترجم له وانظر: تاريخ بغداد 2/4 وتذكرة الحفاظ 2/555 وتهذيب التهذيب 9/47.
(2) تاريخ بغداد 13/ 101.
(3) صحيح مسلم 1/8.
(4) تاريخ بغداد 13/ 101.
(5) تذكرة الحفاظ 2/ 590.(1/5)
د- وزيادة في الدقة والتثبت يستخدم الإمام مسلم أسلوب العرض على العلماء والاستشارة العلمية وهذا هو الإنصاف في طلب الحق وعدم الاغترار بالثقة بالنفس، وهي صفة نبل وتواضع. قال الإمام مسلم رحمه اللّه: عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي، فكل ما أشار: أن له علة تركته، وكل ما قال: إنه صحيح وليس له علة خرجته(1).
هـ- شرط الإمام مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإِسناد، بنقل الثقة، عن الثقة من أوله إلى منتهاه، سالماً من الشذوذ والعلة(2). واكتفى بمطلق المعاصرة بين الشيخ والتلميذ ومن هنا حاز الكتاب الرتبة الثانية بعد كتاب الإمام البخاري وهذا ما عليه المحققون من أهل العلم، قال النووي رحمه اللّه: وكتاب البخاري أصحهما وأكثر فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صح أن مسلماً كان ممن يستفيد من البخاري، ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري، هو المذهب المختار قاله الجماهير، وأهل الإتقان، والحذق والغوص على أسرار الحديث(3). قلت: ولم يرو مسلم عن شيخه البخاري في الصحيح شيئاً ولا غرابة في ذلك فعذر الإمام مسلم واضح في ذلك.
1- أنه شارك الإِمام البخاري في كثير من شيوخه فهو من أقرانه وإن كان معترفاً بتقدمه وفضله لكنه رغب في طلب العلو في الإِسناد. وهذا أبرز في بيان السبب في عدم الرواية عن البخاري.
2- اختط الإمام البخاري لنفسه منهجاً في إخراج الصحيح فأراد الإمام مسلم إدراك الغاية نفسها فسلك نهجاً آخر في الموضوع. واللّه أعلم.
__________
(1) النووي 1/ 11.
(2) نفسه.
(3) النووي 1/10.(1/6)
أما الإمام مسلم فهو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، ولد سنة أربع ومائتين من الهجرة، ونشأ في بيت علم، ترجم له العلماء منذ ولادته حتى وفاته وذكروا من علمه وفضله ما يجعله جديراً بلقب الإمام مقدماً على غيره من أئمة هذا الشأن، وتلقت الأمة كتابه بالقبول والثناء الحسن، فاحتل صحيحه الرتبة الثانية بعد صحيح البخاري رحمهما الله وكانت وفاته في سنة إحدى وستين ومائتين عن عمر ناهز سبعاً وخمسين سنة كانت حافلة بالفضل والعلم والذكر الحسن وأورث الأمة الإِسلامية أعظم الكنوز التي تعتز بها وتعتمد على قوة نصوصها وصحتها(1).
هذان هما الصحيحان، وهذان هما المؤلفان أنْعِم وأكْرم بالمؤلِّف والمؤلَّف قال ابن الصلاح رحمه الله: وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز(2). وقال النووي رحمه اللّه: اتفق العلماء رحمهم اللّه على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان، البخاري ومسلم(3).
وبهذه النبذة الموجزة يعلم القارئ الكريم اندفاع كل شبهة حول هذين الإمامين وكتابيهما، ويتأكد له أن تلك المحاولات الفاشلة إنما هي افتراءات يقصد منها النيل من الإسلام وأهله، جزا اللّه عنا الإمامين كل خير ورحم اللّه أئمة الإِسلام وعلماء الأمة المخلصين الصادقين وغفر لنا ولهم أجمعين.
كتاب عمدة الأحكام
__________
(1) ترجم له الجم الغفير من العلماء منهم الخطيب في تاريخ بغداد 13/ 100 وانظر: (تذكرة الحفاظ 2/588، وتهذيب التهذيب 2/126).
(2) المقدمة ص 14.
(3) النووي 1/ 10.(1/7)
تقدمت الإشارة إلى أن الصحيحين وقعا من قلوب المسلمين موقعاً عظيماً وذكرت أن الأمة تلقت ما فيهما بالقبول نتج عن هذه المكانة العظيمة للكتابين أن العلماء شمروا عن سواعد الجد والاجتهاد في البحث العلمي الهادف إلى خدمة الكتابين ببيان ما فيهما من كنوز وإيضاح ما يشكل على طلاب العلم فكان من هؤلاء من اعتنى بالشرح والتفصيل في الجوانب الحديثية والفقهية واللغة كالحافظ ابن حجر في شرحه صحيح البخاري (فتح الباري) والنووي في شرحه صحيح مسلم ومنهم المخرج عليهما، والمستدرك، والموازن بينهما، وَكان من بين المشتغلين بالصحيحين الإمام المقدسي الذي طلب منه أن يجرد ما اتفق عليه الشيخان في كتاب مستقل، فبادر رحمه اللّه إلى إجابة طالبه وشمر للجد سواعده فدون جملة من الأحاديث شرط على نفسه أنها مما اتفق عليه الشيخان، أودعها كتابه الموسوم (بعمدة الأحكام من كلام خير الأنام) فشاع ذكره عند الخاص والعام، واعتنى الأئمة بخدمته ولا غرابة فالرابط بينه وبين الصحيحين كبير جدا، والمقدسي إمام يشار إليه بالبنان، فكان لكتابه هذا حظ وافر من عناية الأئمة فمنهم الشارح له كابن العطار(1)، وابن دقيق العيد(2)، وابن الملقن(3)، وممن أدلى بدلوله في هذا المجال الإمام الزركشي إذ عَنّ له أن يتتبع عمل المقدسي ويطبق عليه شرطه ليخرج بتصحيحات مفيدة، ونكت علمية نافعة أحسن اللّه مثوبتهم أجمعين ووفقنا لخدمة كتابه وسنة نبيه الكريم.
القسم الأول
الفصل الأول: ترجمة الإمام الزركشي
__________
(1) لم أقف عليه، وذكر الشيح حماد أنه مفقود، وابن العطار، هو تلميذ النووي.
(2) شرحه مطبوع في ثلاثة أجزاء.
(3) مخطوط مصور عند الشيخ حماد.(1/8)
نسبه: هو بدر الدين أبو عبد اللّه محمد بن عبد الله (1) بن بهادر، المنهاجي(2)، الزركشي(3).
مولده: ولد الزركشي في سنة خمس وأربعين وسبعمائة من الهجرة في مصر، من أصل تركي.
نشأته:
نشأ الإِمام الزركشي في ظل أسرته وهي أسرة لم تكن ذات شهرة في الأوساط الاجتماعية ولم تذكر بعلم، ولا وجاهة، أسرة مسلمة تعيش في بلاد إسلامية وذكر أن أباه كان مملوكا(4)، وفي نظري أن لهذه الحالة الاجتماعية بعد توفيق اللّه عز وجل دوراً بارزاً في بعث هذا الفتى النابغ، إذ بدأ حياته بتعلم حرفة تعينه على شئون حياته، فبرع في حرفة الزركش، لكن طموحه وهمته العالية أبت عليه الوقوف عند هذا الحد فبادر بفضل اللّه وتوفيقه إلى طلب العلم، وهذا ما سنعرفه فيما يلي من الدراسة.
سعيه في طلب العلم:
__________
(1) اختلف في اسم والده، أهو عبد الله بن بهادر أو العكس؟ وممن قال بالأول ابن تغري في النجوم الزاهرة 12/134 والسيوطي في حسن المحاضرة 1/206، والداودي في طبقات المفسرين 2/162 وهذا ما رأيته راجحاً، وأثبته في النسب، مؤيداً بأن محمد بن الإمام الزركشي قيد سماعه من والده الزركشي فقال: بلغ السماع لهذا الكتاب على مؤلفه، شيخي ووالدي الفقير إلى الله تعالى بدر الدين أبى عبد الله محمد ابن الفقير إلى ربه جمال الدين عبد الله، الشهير بالزركشي، الشافعي عامله الله بلطفه، ( الإجابة 146) ولا شك أنه أعرف بنسب والده. وقد قرر هذا الدكتور السيد أحمد فرج، ودون في النسب العكس. واستنتج أن عبد الله وبهادر اسمان لوالد الزركشي بهادر الاسم التركي وتسمى عبد الله بعد ذلك (زهر العريش 6) وهو استنتاج لا دليل عليه والصواب عندي أن بهادر اسم الجد.
(2) لأنه حفظ المنهاج في الفقه.
(3) نسبة إلى تزيين الحرير بخيوط الذهب والفضة، وزركش أعجمية مركبة من (زر) أي ذهب و(كش) أي ذو. وليس كما ذكر الدكتور السيد أنه اشتغل بخدمة أحد المماليك ونسب إليه ( زهر العريش 6).
(4) المعتبر 1/ 14.(1/9)
ما من شك في أن اللّه عز وجل إذا أراد بعبد الخير يسَّر له سبله، وبعث في نفسه همة عالية لإدراك المراد، والزركشي رحمه الله أجاد حِرفة تُدِرّ عليه معاشاً في حياته، لكن اللّه عز وجل أراد له أفضل من ذلك، فأثار في نفسه الرغبة الشديدة في العلم، فأحبه، وصبر على تحصيله، وبادر إلى منابع العلم فلازم الشيوخ، وعايش الكتب، ونوّع مصادر المعرفة، حتى ضرب في ذلك مثلاً للجد والمثابرة، والصبر والمصابرة، فاستوعبت ذاكرته العديد من العلوم، واعتمد على ذاكرته بعد توفيق الله، وما يدون من الكتب إذ لم يشتر كتاباً، بل كان يقضي نهاره فيِ حوانيت الكتب(1)، يقرأ ويفهم، ويدون ما يروق له، وهكذا كان جمَّاعاً للعلم حريصاً عليه، مقتحماً كل عقبة كؤود في سبيله، إنها بداية الجد والاجتهاد والصبر والمثابرة.
رحلاته:
لم تتسع الرحلة عند الإمام الزركشي ولم تزد المصادر على أن ذكرت لنا رحلتين قام بهما الزركشي رحمه اللّه الأولى من مصر إلى دمشق حيث أخذ عن العماد بن كثير(2) علم الحديث والثانية كانت من دمشق إلى حلب حيث أخذ عن الأذرعي(3). هاتان الرحلتان أكسبته السماع من عالمين كبيرين يشار إليهما بالبنان في عصره وقد نسبه في كشف الظنون فقال: الموصلي (1/448) فلعله رحل إليها. ولعل السبب في عدم سعة الرحلة والله أعلم أن مصر والشام كانتا أكثر البلاد الإسلامية من حيث الشهرة العلمية وكثرة العلماء في ذلك العصر أو أنه آثر الأخذ عن علماء مصر والشام ، وبدأ دراسة التصانيف والاشتغال بالتأليف.
شيوخه:
__________
(1) الدرر الكامنة 3/ 398.
(2) الدرر الكامنة 3/ 397.
(3) المصدر السابق.(1/10)
أفاد الزركشي رحمه الله من مشاهير علماء مصر والشام ولازم بعض شيوخه ومن أولئك الأعلام عبد الله بن يوسف بن أحمد المتوفى سنة 761 هـ، ومغلطائي بن فليح الحنفي المتوفى سنة 762 هـ، وإسماعيل بن كثير المتوفى سنة 774 هـ، وأحمد بن محمد بن جمعة المتوفى سنة 774 هـ(1)، وأحمد بن حمدان الأذرعي المتوفى سنه 783 هـ وسراح الدين البلقيني المتوفى سنة 805 هـ.
ومن أبرز شيوخه الذين تأثر بهم في منهجه العلمي جمال الدين الأسنوي المتوفى سنة 772 هـ(2)، والأذرعي، وبرهان الدين بن جماعة المتوفى سنة790 هـ، واستفاد من منهج الزيلعي في بعض مصنفاته.
الآخذون عنه:
تتلمذ عليه وتخرج به محمد بن عبد الدائم بن موسى البرماوي المتوفى سنة 831 هـ، وأخذ عنه أيضاً عمر بن حجي السعدي المتوفى سنة 835 هـ، وحسن بن أحمد بن حرمي بن مكي المتوفى سنة 833 هـ، وقد أكمل الدكتور عبد الرحيم القشقري العدد إلى ثمانية وأعطى معلومات موجزة عن كل واحد منهم(3).
حالته الاجتماعية:
__________
(1) فصل في هذا الدكتور عبد الرحيم ( المعتبر 1/ 18- 21) .
(2) الدرر الكامنة 3/ 397، 398.
(3) المعتبر 1/22-23.(1/11)
عمل الزركشي رحمه اللّه بالسنة في تحصين النفس بالزواج، الذي ندب إليه نبي الهدي صلى الله عليه وسلم، فأنجب الزركشي ذكوراً هم محمد وعلي وأحمد، وإناثاً هن عائشة وفاطمة(1)، وكانت له عناية بتعليمهم وتثقيفهم ذكوراً وإناثا(2)، وله أقارب يجلونه ويعتمد عليهم في كفالة أبنائه وتدبير شئون معاشهم(3)، واعتنى بالجانب العلمي، وتفرغ للعبادة، ولم تكن علاقته بالعلماء أقل حظاً من علاقته بأبنائه، كانت علاقة حب ووفاء، وصدق وإخاء، كان معترفاً بالفضل لأهله وفياً لمن أحسن إليه ومن هذا الباب كانت علاقته مع برهان الدين بن جماعة علاقة مودة ووفاء، لا كما وصفه الدكتور السيد بأنه كان متزلفاً(4) له، وفي نظري أن إطلاق مثل هذا اللفظ على عالم جليل اشتغل بالعلم والتصنيف وترك الدنيا وأهلها أمر فيه إجحاف بحقه رحمه الله فضلاً عن كون مثل هذا الخلق وصمة إن تخلق به رجل من عامة الناس فضلاً عن عالم له فضله وجلالته، ولعل الأسلوب لم يسعفه الدكتور فزلَّ قلمه فقد أشاد بالزركشي وأثنى عليه، وقطعاً لم يرد ما تدل عليه اللفظة.
عصر الإمام الزركشي:
إن أي باحث يرغب في الكتابة عن مثل هذا العنصر أول ما يحضره أن عصر الشخص ينقسم إلى قسمين: ما سبقه من فترة والزمن الذي عاشه وألم بأحداثه وتطورات الأمور فيه وليس هذا بالأمر الهين لمن أراد الاستقصاء لغزارة المادة العلمية فيه ومنها كثرة الأحداث في الداخل والخارج وتشعبها غير أنني أرى أن لابد من الكلام عن ناحيتين بإيجاز لأهمية هذين الأمرين في حياة كل عالم يعني بأمور المسلمين.
1- الناحية السياسية:
__________
(1) انظر: صورة السماع المثبتة في نهاية كتاب الإجابة ص 146 وقد عزا الدكتور السيد المعلومة في الحاشية خطأ ( زهر العريش ص 15).
(2) يؤكد هذا ما جاء في صورة السماع المشار إليه آنفا غير أن ابنه أحمد كان في الثانية فلا يكون متحملاً.
(3) طبقات المفسرين 2/162، والشذرات 6/335.
(4) زهر العريش ص 14.(1/12)
كان المسلمون يعانون من التفرق السياسي وشتات الأمر، الشيء الذي أطمع الأعداء في البلاد الإسلامية وكانت حملات المغول والتتر تترى على المسلمين الذين أثخنهم الأعداء جراحاً وأذاقوهم مرارة العداوة والحقد غير أن أحوال المسلمين بدأت تهدأ قليلا وتلتئم جراحاتهم بأمور منها:
أ- دخول قبائل مغولية في الإِسلام وكان ذلك قبيل مولد الزركشي رحمه اللّه.
ب- نشاط الدولة العثمانية، ومد نفوذها على كثير من البلاد الإسلامية.
جـ- تحرك الفتح الإسلامي، وهزيمة زعماء البلقان، وكسر الجيش الصليبي.(1/13)
ولم تكن هذه الأحداث سوى ومضة أيقظت الشعور بالأمل عند المسلمين على تخوف وحذر فأحداث التيمورية روعت المسلمين وأعاثت في الأرض الفساد والدمار، والاضطرابات الداخلية تهز كيان المسلمين ليل نهار، ولاسيما تلك الدويلات المتناثرة المتناحرة في اليمن والحجاز، وبلاد الجزيرة، وبلاد فارس تتنازعها دويلات عدة، والشام ومصر تحت حكم المماليك وأقاليم إفريقيا ليست بأحسن حالاً مما سبق، فكانت الحالة السياسية بالنسبة للمسلمين منذرة بخطر، مهددة بكوارث في الأنفس والممتلكات، إلا أن بارقة أمل لاحت للمسلمين في مصر حينما قيَّض اللّه في مطلع القرن الثامن الهجري الملك الناصر محمد بن قلاوون وكان رجلاً صالحاً ذا حكمة وبعد نظر باشر الأحداث السياسية في سن التاسعة وحدثت له تطورات في الشطر الأول من القرن الثامن استطاع الملك الناصر أن يرفع ميزان القوى عند المسلمين ويذكي جذوة الإيمان إلا أن الأجل لم يمهله لتوطيد الدولة الإسلامية بالصورة التي توقف الأعداء أو تقطع دابرهم إذ توفي في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بعد أن وضع ركائز جيدة لدولة إسلامية رشيدة استخلف عليها ابنه سيف أبو بكر الذي لم يقدر على لمّ شعت إخوته واحتواء خلافاتهم فانفرط العقد بينهم وبدأ المسلمون المعاناة من جديد، من كثرة نفوذ الأمراء، وتفشي الظلم، وكثرت الأسباب التي أدت إلى سقوط دولة المماليك البحرية في سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وظهرت دولة المماليك الجراكسة وأول ملوكهم الملك الظاهر برقوق بن أنس الذي أشعل الحرب بينه وبين سابقيه مما أدى إلى تفريق كلمة المسلمين وإضعافهم.
2- حالة المجتمع في هذا العصر:(1/14)
خلاصة المقال في هذا الجانب أن المجتمع كان يعاني من أمور كثيرة من أبرزها ضعف الدولة الشيء الذي نتج عنه مشاكل لا حصر لها مثل انتشار الظلم، والتعسف، والتلاعب بأموال المسلمين، والاستيلاء عليها بغير وجه حق، وظهور الفساد الخلقي حتى راجت تجارة الحشيش وأخذ قانوناً تجارياً، يباع ويشترى على مرآى ومسمع من الدولة(1). وانتشار الفقر، وتفشي الأمراض، والأوبئة، لانصراف الدولة عن خدمة المجتمع إلا في بعض محاولات إصلاحية.
3- الحالة العلمية:
رغم ما سبق تصويره من مشكلات سياسية، ومتاعب اجتماعية جمة، فإن المجتمع الإسلامي لم يخل من رجال جردوا أنفسهم لله، وخدموا العلم بأمانة وإخلاص، رغم أنوف الكثيرين من الولاة الذين فرطوا في الأمانة وضيعوا حقوق العباد. في هذا العصر ضحى كثيرون من العلماء بالجاه والمال وزهدوا في السلطان، وسخروا أنفسهم لخدمة الدين والعقيدة ولم يبخلوا بنصح ولا توجيه، ولم يكتموا علماً عن طالبه، وممن سبق الزركشي الإمام ابن تيميه، الإمام المصنف المجاهد، الذي أشعل جذوة الجهاد لدى السلطان وجنده وأبلا بلاء حسناً في تلك المعارك، ومن أولئك شيوخ الزركشي الذين أخذ عنهم ومنهم أفاد علماً، ولا ريب أن ثبات أولئك الأفذاذ من العلماء أنقذ البلاد من ويلات الجهل والضلال، ومما كان يهدد الأمة الإسلامية من الفرق الضالة ذات المبادئ الهدامة، وكانوا درعاً واقياً لجسد الأمة من زحف الزندقة والإلحاد، والوثنية كل هذه الصعوبات صمد أمامها أفذاذ العلماء، وحطموا قواها بصبر وثبات على الحق، والله هو المنقذ والحامي.
إفادة الزركشي من هذه الأحداث:
__________
(1) زهر العريش ص 39.(1/15)
إن المستوفي دراسة عصر الزركشي يتبين له أن تلك الأحداث الجسام التي اكتنفت حياة الزركشي سابقاً ولاحقاً، لم تكن صعوباتها ومخاوفها تثنى عزم هذا الرجل الفذ عن شق طريقه في الحياة مختاراَ- بعد توفيق اللّه - أسلم السبل وأشقها في نفس الوقت فانقطاعه إلى العلم، وملازمة العلماء دليل قاطع على قوة شخصيته، وعدم تأثرها بالأحداث الجوفاء فتحصيل العلم هو السلاح الواقي من التردي في المهالك، وهو الأساس الذي تبني عليه الأمم دولها وقوتها وحضارتها، هذا جانب من شخصية الزركشي قد يستشفه الباحث بعد إمعان النظر.
الجانب الثاني أن الإِمام الزركشي وإن وصف بالعزلة عنِ الناس والزهد في الدنيا والاشتغال بالتصنيف فإنه لم يكن غافلاً عن مجتمعه فقد كان محاربا للأعداء بقلمه السيال، فقد كتب في جانب العقيدة حول الركن الأول من أركان الإسلام، وفي هذا محاربة للوثنية والإلحاد، وصد للزندقة، وصنف في تحريم الحشيش الذي تفشى في المجتمع بصورة مذهلة. ودرس في خانقاه كريم الدين وأفتى.(1/16)
ومن هنا يلمس الباحث عناية الزركشي بمجتمعه الطبقة العامة من الناس وطبقة العلماء المصنفين، فطبقة العامة أخذت قدراً من تفكير هذا الإمام لدراسة المشكلة وتحديد الحكم الشرعي فيها وذلك الحكم هو في نظر الزركثي الحل الوحيد، والعلاج الناجع المفيد لأدواء المجتمع لاسيما أنه قد بدأ الاشتغال بهذا المجال في سن مبكر(1). أما طبقة العلماء فكان ملازماً للشيوخ(2) منهم، متتبعاً مؤلفات السابقين عليه، فأفاد من علم شيوخه، ودَرسَ التصانيف، فاستدرك، وشرح، وعلق، وصوب ما رآه خطأ، فكانت حياته خدمة جلى بين أخذ من منابع العلم، وإفاضة من غزير الفوائد مع تتبع للنكت والفرائد. ولعل من الأسباب الدافعة لهذا المنهج غاية الحرص على الخير والبعد عن مخاطر السلطان، ومهالك المجتمع، وقد بسط القول في دراسة عصره الشيخ علي محي الدين علي أثابه اللّه(3).
مكانته العلمية:
__________
(1) كان ذلك سنة 769هـ ( الدرر الكامنة 3/397) أي في الرابع والعشرين من عمره.
(2) الدرر الكامنة 3/ 397.
(3) معنى لا إله إلا الله 23- 32 وفي الإعادة بهذا الاختصار إفادة لمن يطلع على هذا البحث وعليه درج الباحثون.(1/17)
إن شاباً يزهد في مهارة بيده تكسبه مالاً ويتجه إلى طريق العلم(1)، والعيش على الكفاف ويعشق الرحلة في طلب العلم وهو في الثامنة عشرة من عمره(2)، ويصنف الكتب وهو في الرابعة والعشرين(3) لجدير بالمكانة العلمية العالية، كانت حياته مقصورة على هذا الشأن قيّد وقته بقوة العزيمة فلا يرى إلا مع شيخ يفيد منه علماً، أو معتكفاً في داره على كتاب يدرس فيه ويؤلف، أو في جولة علمية في أسواق الكتب ليمتع فكره بفنون العلم وفوائده(4). هذا المنهج الفريد، أكسب الزركشي مكانة علمية عالية، شهد له بذلك أعلام كبار، منهم الحافظ ابن حجر يقول عن شرح الزركشي للمنهاج: هو أنفع شروح المنهاج على كثرتها(5). صنف عشرات الكتب في فنون من العلم شهد بجودتها وحسنها العلماء، وأفادوا منها علماً ومعرفة. فكان بحق فقيهاً، أصولياً، محدثا بارعاً، أديباً ناقداً، ومن يشك في ذلك فليستقرئ مصنفاته تتضح له الحقيقة، ويعرف منْ الزركشي، وكيف استطاع أن يؤلف أكثر من أربعين كتابا.
بعض صفاته:
__________
(1) المعتبر 1/14.
(2) لأنه في سنة 763 أو 762هـ ( الدرر الكامنة 1/135- 137).
(3) لأنه بدأ في سنة 769هـ ( الدرر الكامنة 3/397).
(4) الدرر الكامنة 3/ 397، 398.
(5) الدرر الكامنة 2/ 465.(1/18)
إن من أبرز ما يجد الباحث من صفات الإمام حرصه الشديد على وقته، ومثابرته على خدمة العلم، كما يجد التواضع الجم صفة ملازمة له رغم تلك الجهود العلمية التي تسمو به إلى درجات عُلى، كان رحمه اللّه لا يرى لنفسه مزية، يجل من سبقه في هذا الميدان، ويجهل من يدعي العلم، ويترك الإفادة من جهود السابقين يقول رحمه اللّه: اعلم أن بعض الناس يفتخر ويقول: كتبت هذا وما طالعت شيئاً من الكتب، ويظن أنه فخر، ولا يعلم أن ذلك غاية النقص، فإنه لا يعلم مزية ما قاله إلى ما قيل، ولا مزية ما قيل إلى ما قاله، فبماذا يفتخر؟!(1) وقد ذكر الزركشي رحمه اللّه أنه اجتمع عنده من مصنفات الأقدمين ما يزيد على المائتين(2). قلت: ولا يعارض ما سلف من أنه لم يشتر كتاباً فقد يحمل عدا الشراء على بداية الطلب. والاقتناء على حالة التصنيف أو على أنه طالع هذا العدد من المصنفات واللّه أعلم. ويؤيد جانب التواضع عند الزركشى قوله: ومع هذا ما كتبت شيئاً إلاخائفاً من اللّه مستعيناً به، معتمداً عليه، فما كان حسناً فمن الله وفضله، وما كان ضعيفاً فمن النفس الأمارة بالسوء(3). قلت: وهذا ورب الكعبة لهو أساسا النجاح في الأعمال وسر السعادة والفلاح في الآخرة.
وكان من صفاته الحذق وتذوق العلوم، فقد كان ناقداً بصيراً، ولم يكن جماعاً دون تمييز بين غث وسمين ومؤلفاته خير دليل على هذا ومنها تصحيح العمدة هذا، والنكت وله في كل علم جولة تشهد له بالحذق والإتقان.
عقيدته:
__________
(1) نقله عن البرهان 1/ 16 د. عبد الرحيم (المعتبر 1/16، 17).
(2) البحر المحيط 1/ق2 أ.
(3) انظر: (المعتبر 1/17).(1/19)
أثبت فضيلة الدكتور عبد الرحيم في دراسته أن الزركشي رحمه الله كان أشعري العقيدة وذلك من خلال دراسته لمؤلفين من كتب الزركشي هما لقطة العجلان، ومعنى لا إله إلا اللّه، وقال ما معناه: إنه لم يسلك في تقريراته أمورا في العقيدة مسلك أهل السنة، بل ترسم خطى الأشاعرة في بحثه ومناقشته لتلك الأمور(1). قلت: قد نسب إلى اعتقاده على الصفحة الأولى من كتابه "الأزهية في أحكام الأدعية" وفي مواطن من الكتاب المذكور عبارات لا تدع مجالاً للشك في أنه في العقيدة أشعريًّ، عفى اللّه عنا وعنه، والغريب أنه أخذ عن العماد بن كثير ولم يتأثر وكذلك من المعلوم أنه شافعي المذهب فكيف غفل عن ما قال الأئمة في هذا الباب أمثال ابن خزيمة واللالكائي وعلى كل حال فقد زل في هذا الباب أئمة عفى اللّه عنهم وغفر لهم، واللّه يهدي من يشاء إلى سواء السبيل(2).
ألقابه العلمية ومناصبه:
وصف الزركشي رحمه الله من بعض من ترجم له بأنه إمام عالم علاَّمة(3). وقد ذكر لقب الإفتاء الحافظ ابن حجر(4)، والداودي(5)، وابن العماد(6)، فقالوا: المفتي وهو لقب علمي رفيع لا يطلق إلا على من تأهل لهذه الرتبة ومارسها ولا غرابة فالزركشي جدير بمثل هذا.
ومن ألقابه العلمية أيضاً المصنف(7)، فقد اعتنى بهذا الجانب وأبدع وآثاره شاهد عيان على واقعية هذا اللقب.
كما ذكر العلماء لقباً علمياً تخصصياً أعني أن فيه إشارة إلى تخصص دقيق وهو حفظه وعنايته بالمنهاج حتى قيل عنه: المنهاجي فهو أوثق من اعتنى بهذا المؤلف وأبدع في شرحه كما قال الحافظ: هو أنفع شروح المنهاج على كثرتها.
أما المناصب العلمية:
__________
(1) انظر: (المعتبر 1/ 18، 52).
(2) لم نطل البحث في هده المسألة لأنها معلومة ميسرة وليست من المعضلات.
(3) انظر: (طبقات المفسرين 2/ 162، والشذرات 6/ 335.
(4) التلخيص 1/ 9، طبقات المفسرين2 /162، والشدرات 6/ 335.
(5) نفسه.
(6) نفسه.
(7) النجوم الزاهرة 12/ 134.(1/20)
فمعلوم أن الإفتاء منصب علمي رفع وهو رتبة علمية ينالها من تأهل لها وإن لم تتبنى الدولة إشغاله بذلك.
وقد تولى الزركشي رحمه اللّه مشيخة خانقاه(1) كريم الدين بالقرافة الصغرى(2) بمصر، والمشيخة منصب علمي لا يناله إلا من فاق أقرانه، وبزهم علماً وفطنة.
مصنفاته:
برع الزركشي رحمه الله في علوم كثيرة وأثرت بمصنفاته المكتبة الإسلامية وقدّم حصاد عمره ونفائس ما خزنته ذاكرته، وجاد به فكره، خمسين مؤلفاً في مختلف العلوم الإسلامية منها المؤلف الضخم، والجزء النافع المفيد، كتب عن أكثرها الشيخ سعيد الأفغان (3)، والدكتور السيد أحمد فرج(4)، والشيخ علي محيى الدين(5)، واستوعبها الدكتور عبد الرحيم القشقري(6) وتحدثت عنها كتب التراجم(7) من غير حصر، ومن تلك المصنفات:
1- ثلاثة في القرآن وعلومه منها:
البرهان في علوم القرآن.
كتاب في التفسير وصل فيه إلى سورة مريم.
2- أحد عشر كتاباً في الحديث وعلومه منها:
تصحيح العمدة (كتابنا هذا).
شرح الجامع الصحيح تركه مسودة، ولخص منه كتاب التنقيح.
النكت على ابن الصلاح.
3- سبعة عشر كتاباً في الفقه منها:
خادم الرافعي، والروضة في عشرين مجلدة، وقيل في أربع عشرة مجلدة. كل منها خمس وعشرون كراسة.
شرح التنبيه للشيرازي في أربعة مجلدات.
4- سبعة كتب في أصول الفقه منها:
__________
(1) نسبة إلى كريم الدين وكيل السلطان، وإليه ينسب الجامع الكريمي بالقبيبات ( دول الإسلام 2/225، 230) أما الخانقاه، فلا تزال موجودة في شارع الجمالية بالقاهرة باسم جامع بيبرس ( النجوم الزاهرة 12/130).
(2) الدرر الكامنة 3/398، طبقات المفسرين 2/162، والشذرات 6/335.
(3) الإجابة ص 8- 15.
(4) زهر العريش ص 25- 38.
(5) معنى لا إله إلا الله ص 21-23.
(6) المعتبر 1/ 25-54.
(7) الدرر الكامنة 3/397، 398 وكذلك إنباء الغمر 3/140، وحسن المحاضرة 1/437، وطبقات المفسرين 2/163، والشذرات 6/335.(1/21)
البحر المحيط من أهم الكتب في هذا الفن، وقد جاء نتيجة جهود مضنيه، وبحث متواصل في مائتي مؤلف درس من خلالها آراء الشافعية والأحناف والحنابلة والظاهرية.
تشنيف السامع بجمع الجوامع، تعليق وشرح للغريب على كتاب أبي الحسن السبكي.
5- أربعة كتب في اللغة والأدب منها:
التذكرة النحوية، إعراب لبعض الأحاديث النبوية والأبيات الشعرية التي استشهد بها علماء اللغة، ربيع الغزلان، كتاب في الأدب.
6- له جملة مؤلفات في جوانب من هذه العلوم.
وهكذا أمضى الزركسثي رحمه اللّه حياة حافلة بالطاعة والاجتهاد في خدمة العلوم الإسلامية، والإفتاء، والتعليم، مخلفاً ثروة من الأجر المتواصل والعلم النافع.
وفاته:
لقد تظافرت المصادر (1) على أنه رحمه الله توفي في ثالث رجب من سنة أربع وتسعين وسبعمائة وذكر الداودي أنه دفن بالقرافة الصغرى بالقرب من تربة الأمير بكتمر الساقي رحمهما الله تعالى.
الفصل الثاني
ترجمة موجزة للمقدسي رحمه اللّه
كل من ترجم لهذا العلم بعد الإمام الذهبي فهو عالة عليه، وإنما يحدث نوع من التصرف بالاختصار أو إضافة وصف أو زيادة في ثناء لذا سأذكر مختصر الترجمة مفيداً مما ذكر الحافظ الذهبي في ترجمته لعبد الغني المقدسي(2).
نسبه:
عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر، تقي الدين، أبو محمد، المقدسي(3)، الجمّاعيلي(4)، ثم الدمشقي.
مولده:
ولد في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة من الهجرة، بجمّاعيل.
نشأته:
__________
(1) النجوم الزاهرة (12/134) ، الدرر الكامنة (3/398)، حسن المحاضرة (1/437)، طبقات المفسرين (2/163)، الشذرات (6/335)، هدية العارفين (1/174).
(2) تذكرة الحفاظ 4/1372-1381.
(3) انتسب إلى بيت المقدس، لقرب جمّاعيل منها، ولأن نابلس وأعمالها جميعاً من مضافات بيت المقدس - وينسب إلى جمّاعيل أيضاً - ( معجم البلدان 2/160).
(4) بتشديد الميم، قرية في جبل نابلس من أرض فلسطين (معجم البلدان 2/159).(1/22)
لم يتطرق الذهبي رحمه اللّه إلى شيء من هذا سوى صحبته لابن خالته موفق الدين عبد اللّه بن أحمد بن قدامة وكان يكبر عبد الغني بأربعة أشهر(1). وذكر ياقوت أنه نشأ في دمشق(2) ولم يزد على ذلك.
سعيه في طلب العلم:
تشير المصادر إلى أنه بدأ حياته العلمية في دمشق فتلقى العلم عن علمائها منهم أبو المكارم بن هلال.
رحلا ته:
اتسعت الرحلة في طلب العلم عند الإمام المقدسي رحمه الله، فبعد أن أفاد من علماء بلده تاقت نفسه إلى المزيد فرحل إلى بغداد وسمع من علمائها منهم هبة اللّه بن هلال، وابن البطي، ورحل إلى الثغر(3) حيث سمع من أبي طاهر السلفي، وأقام عليه ثلاثة أعوام، وكتب عنه الكثير، ورحل إلى الموصل وفيها سمع أبا الفضل الطوسي، ثم رحل إلى همذان حيث سمع من عبد الرزاق بن إسماعيل القومساني، ورحل إلى أصبهان وفيها سمع من الحافظ أبي موسى المديني، ورحل إلى مصر حيث سمع مِن علي بن هبة الله الكاملي، هكذا قطع الغيافي، وجاب الأمصار، بحثاًَ عن العلم، وجهاداً في سبيله.
بعض شيوخه:
تقدم ذكر المشاهير منهم في الرحلات ولا أرى مزيد حاجة للإِعادة.
الآخذون عنه:
تتلمذ عليه ولداه أبو الفتح، وأبو موسى، وأخذ عنه عبد القادر الرهاوي، وموفق الدين ابن خالته، والضياء محمد بن عبد الواحد بن أحمد، وابن خليل يوسف، والفقيه اليونيني محمد بن أحمد، وعثمان بن مكي الشارعي، وأحمد بن محمد الأرتاحي، وآخر من أخذ عنه محمد بن مهلهل الجيتي وبقي بعده بالإجازة أحمد بن أبي الخير شيخ الحافظ الذهبي.
عصر المقدسي:
__________
(1) النجوم الزاهرة 6/185.
(2) معجم البلدان 2/ 160.
(3) هو كل موضع قريب من أرض العدو. ( معجم البلدان 2/79). ولعل المراد هنا ثغر الشام بقرينة ذكره بعد الرحلة إلى بغداد. والله أعلم.(1/23)
ولد المقدسي رحمه اللّه في خلافة المقتفي لأمر اللّه، محمد المستظهر باللّه، وهو عبارة عن رمز للخلافة، وليس بيده من أمور الدولة شيء، ويعتبر هذا التاريخ عمق ضعف الدولة العباسية، فقد انفرط عقد الخلافة العباسية، وبدأت الانحدار من أوج قوتها بعد موت المعتصم وإن كان ابنه المتوكل جعفر أصلح ما أفسده جده المأمون، وأخوه الواثق هارون من أمر العقيدة فأمات بدعة القول بخلق القرآن وهذا العمل أبرز حسناته(1)، ومنذ ذلك الوقت والمسلمون يعانون من الضعف السياسي، وشتات الأمر، وكان ظهور الدويلات، والممالك الإسلامية وبالاً على وحدة المسلمين، وإضعافاً لقوتهم، فسادت الفوضى السياسية، واندلعت الحروب بين المسلمين، فأضرمت نار الهلاك، وكثر النهب والسلب، ووجد الإفرنج فرصة سانحة لضرب المسلمين في عقر دارهم، ونشطت الفرق الهدامة.
كما عاصر المقدسي رحمه اللّه خلافة المستنجد باللّه بن المقتفي، ولم يكن أحسن حالاً من أبيه، فكان من أبرز أعماله في بداية عهده الاشتغال بالصيد، في الوقت الذي كانت الممالك نشطة في الغارات والحروب والاستنجاد بالفرنج(2).
وقد عايش المقدسي رحمه الله خلافة المستضيئ بأمر الله الحسن بن المستنجد، كان خيرا من أبيه ومن أحداث عهده، إبطال مظالم كثيرة، وانقطاع الدعوة العبيدية والحمد للّه(3).
__________
(1) هذه المعلومات مقتبسة من كتاب دول الإسلام بتصرف أحيانا ( 2/52-107).
(2) دول الإسلام 2/72- 79.
(3) ويقول الذهبي رحمه الله: وكانت دولتهم من قبيل الثلاثمائة ( من الهجرة) وعدتهم أربعة عشر متخلفاً، لا خلفاء، ويدعون أنهم فاطميون، ونسبتهم إلى يهودي، أو مجوسي ( دول الإسلام 2/ 79- 80).(1/24)
وعاصر المقدسي رحمه اللّه أحداث الملك نور الدين صاحب الشام، وكان ملكاً مجاهداً، محاسنه جمة، في دينه وشجاعته، وغزواته وفتوحاته، ومساجده ومدارسه، وبره وعدله، وقد أبطل المكوس، وأبلى بلاء حسناً في دك حصون الفرنج والاستيلاء عليها، وله آفاق قتالية واسعة، جرت أحداثها سجالاًَ بينه وبين الفرنج(1).
وعاصر المقدسي رحمه اللّه صلاح الدين الملك الناصر، الذي رفع راية الجهاد، مؤيداً منصوراً بجيوش الإسلام.
وشهد المقدسي عصر خلافة الناصر لدين الله أحمد بن المستضيئ، وقد تميز عهده بقوة صلاح الدين الملك الناصر، يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب، الذي كان سلطان زمانه له السيادة والقيادة، أذاق الفرنج الذل والهوان، وهو بحق السلطان الكبير، والمجاهد في سبيل الله، افتتح بسيفه وبإخوته بلاداً، من اليمن إلى الموصل، ومن طرابلس إلى أسوان(2)، فارتفعت به هام المسلمين وخدم السنة والدين.
ومن أحداث عصر المقدسي:
1- موقعه الزلاقة في الأندلس، كان جيش المسلمين فيها يقدر بمائتي ألف، ما بين فارس وراجل، واجه جيش الفرنج المقدر بمائتين وأربعين ألفا، وكانت الدائرة في هذه الموقعة على الأعداء، ونصر اللّه جيش المسلمين، فقتلوا مائة وأربعين ألفاً من الفرنج وأسروا منهم ثلاثين ألفا، وغنموا ثمانين ألف فرس، ومائة ألف من البغال حتى بخست أثمانها عند بيعها (3).
2- ما حل ببلاد مصر من القحط، والوباء المؤلم المفرط، فخربت الديار، وجلى عنها أهلها، كان ذلك في سنة ست وتسعين وخمسمائة، و في التي تليها اشتد البلاء، حتى أكلوا لحوم الآدميين، وأكثر قرى الإقليم لم يبق بها آدمي، وكان يخرج من القاهرة في اليوم نحو خمسمائة جنازة حتى سجل في ديوان الهالكين نحو مائة وأحد عشر ألف في نحو سنتين (4) .
__________
(1) دول الإسلام 2/83 - 88.
(2) دول الإسلام 2/ 88 - 101.
(3) دول الإسلام 2/102.
(4) دول الإسلام 2/150-106.(1/25)
3- وقوع زلزلة بالشام، كان من هولها ما لا يوصف، كادت لها الأرض تسير سيرا، والجبال تمور مورا، وما ظن الناس إلا أنها القيامة، جاءت دفعتين، دامت الواحدة مقدار ساعة أو أزيد، وقيل إن صفد لم يبق بها سوى رجل واحد، ونابلس لم يبق بها حائط، ومات بمصر خلق كثير تحت الردم (1) وسبق أن حدث لدمشق زلزلة عظمى في سنه ثلاث وثلاثين ومائتين، دامت ثلاث ساعات، سقطت الجدران، وهرب الناس إلى المصلى يجأرون إلى الله، ومات خلق تحت الهدم، وامتدت الزلزلة إلى أنطاكية، فقيل هلك بها عشرون ألفا تحت الهدم (2).
4- ماجت النجوم في بغداد في أول سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وتطايرت شبه الجراد، ودام ذلك إلى الفجر، وضجّ الخلق بالابتهال إلى الله تعالى (3).
الحالة الاجتماعية في عصره:
إن سرد ما تقدم من الأحداث السياسية بمختلف صورها، وغيرها من عجائب ذلك العصر، يغِني اللبيب عن القول في هذا الجانب، فإن السياسة تنعكس آثارها على المجتمع سلباً وإيجاباًَ، وسلبيات هذا العصر تكاد تفوق الإيجابيات فيه، ولم يخل من قائم بالخير.
الحالة العلمية:
__________
(1) دول الإسلام 2/106.
(2) دول الإسلام 1/141.
(3) دول الإسلام 2/107.(1/26)
تكفل اللّه عز وجل بحفظ دينه، فجند له جهابذة من عباده المخلصين الصالحين، وما من مصر من البلاد الإسلامية إلا وبه من يقيم هذا الجانب الهام في رقي الأمم والشعوب، فتوارث العلم رجال وقفوا أنفسهم لخدمته، والحفاظ عليه، وبذله لطالبيه في بعد عن مجازفة السلطان، وبلبلة العامة، فكان العلماء في الجانب العلمي دعائم خير وهدى، وحماة لثغور الشريعة الغراء، وإن كان المتتبع لأحوالهم، يجد أنهم بعدوا عن السلطان، ولم يشتغلوا بإيقاظ الروح الإسلامية عند الملوك والسلاطين، ولعل العذر في ذلك وصول الجهال وبعض أعداء الإسلام إلى قيادة الناس، وإذا ساس العامة والأعداء العلماء، حلت الكارثة وصعب التفاهم مع هذا النوع من الحكام والولاة، فالعوام والأعداء لا يعرفون إلا لغة الظلم والبطش.
مكانته العلمية:
إن شاباً بدأ حياته بطلب العلم فلازم علماء بلده ثم رحل إلى علماء الأمصار في عنفوان شبابه(1) ليأخذ عنهم ما لم يجده عند علماء بلده، وعايش أحداث عصره الجسام لجدير بتكوين شخصية علمية فذة، وهو ما يعلمه كل باحث في حياة هذا الإمام فألقابه العلمية تنبض بشهادة العلماء له بالمكانة الرفيعة، وتصانيفه العديدة خير شاهد على ما نقول، فهو الإمام الحافظ، محدث الإسلام، لا يكاد أحد يسأله عن حديث إلا ذكره له وبينه، ولا يسأل عن رجل- من أهل العلم- إلا قال هو فلان بن فلان(2)، ذكر أنه يحفظ مائة ألف حديث(3)، وفضل في حفظه وعلمه على أبي موسى المديني، والدارقطني(4).
بعض صفاته:
__________
(1) كان ذلك سنة 560هـ وعمره إحدى وعشرين سنة حين رحل إلى بغداد ( معجم البلدان 2/160).
(2) تذكرة الحفاظ 4/1372، 1374.
(3) تذكرة الحفاظ 4/ 1375.
(4) تذكرة الحفاظ 4/1375، ومعجم البلدان 2/160، والنجوم الزاهرة 6/ 185.(1/27)
وصف المقدسي بالحفظ والتصنيف(1) وهذا يدل على ذكائه، وألمعيته، كما وصف بمحاربة البدعة وأهلها، حتى تألب عليه المبتدعون وأخذت خطوطهم على إهدار دمه(2) ، فلم يرعه ذلك ولم يتردد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكان لا يرى منكراً إلا غيره بيده أو بلسانه، وكان لا تأخذه في اللّه لومة لائم(3)، وهذا يدل على شجاعته وقوة شخصيته ومع هذا كان سمحاً متواضعاً يجتمع عليه الناس إجلالاً له، وكان كريماً لا يدخر شيئاً، وقيل: كان يخرج في الليل بقفات الدقيق، فإذا فتحوا ترك ما معه ومضى لئلا يعرف، وربما كان عليه ثوب مرقع(4). وهذا يدل على أنه احتسب ماله للّه عز وجل كما احتسب علمه وعمله ومع هذه الجولات في ساحات الخير والفضيلة كان عابداً، صواماً فكان يصلي الفجر ويلقن القرآن، وربما لقن الحديث، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ثلاثمائة ركعة، بالفاتحة والمعوذتين، إلى قبيل الظهر فينام نومة فيصلي الظهر، ويشتغل بالتسميع أو النسخ إلى المغرب فيفطر إن كان صائما، ويصلي إلى العشاء ثم ينام إلى نصف الليل ثم يصلي إلى الفجر(5).
عقيدته:
__________
(1) تذكرة الحفاظ 4/1372.
(2) تذكرة الحفاظ 4/1376، 1377، ومعجم البلدان 2/160.
(3) تذكرة الحفاظ 4/1376، 1377.
(4) تذكرة الحفاظ 4/1377.
(5) تذكرة الحفاظ 4/1376.(1/28)
كان رحمه اللّه معتمداً على الكتاب والسنة في عقيدته لا يخرج عما دلت عليه النصوص، فقد أمر أن يكتب اعتقاده فقال: أقول كذا لقول الله كذا، وأقول كذا لقول رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم كذا، حتى فرغ من المسائل، فلما وقف عليها الكامل قال: أيش أقول في هذا؟! يقول بقول الله ورسوله(1)، وهذا ورب الكعبة هو الحق المبين فاللّه أعلم بنفسه من خلقه، ومحمد صلى الله عليه وسلم أعرف بربه من الفقهاء، وكان المقدسي رحمه اللّه ورعاً متمسكاً بالسنة على قانون السلف تكلم في الصفات والقرآن بشيء أنكره أهل التأويل من الفقهاء، وشنعوا عليه- وادعوا أنه يصرح بالتجسيم(2)- فعقد له مجلس بدار السلطان بدمشق، فأصروا وأباحوا قتله- وأخذت على ذلك خطوطهم(3) - فشفع فيه أمراء الأكراد، على أن يبرح دمشق، فذهب إلى مصر- ولم يخل في مصر عن نكد له في مثل ذلك، تكدرت عليه حياته بذلك(4) - فكان له كثير من المخالفين لكن رائحة السلطان كانت تمنعهم، وجاء العادل وأخذ مصر، فجاءه المخالفون للحافظ يستوغرونه عليه، لكن اللّه قيض من عرف العادل بقدر الإمام و مكانته العلمية، فتنبه للمكيدة(5)، فكانت حاله بمصر أحسن منها بالشام إذ وجد حشداً من أهل السنة وأصحاباً(6).
بعض مؤلفاته:
__________
(1) تذكرة الحفاظ 4/1380.
(2) معجم البلدان 2/160. مرادهم أنه يشبه الخالق بالمخلوق حينما أثبت اليد والاستواء وغير ذلك من الصفات الواردة في الكتاب والسنة وهي فرية ودعوى باطلة يعقد لواءها أهل الزيغ والابتداع في كل زمان ومكان، ضد دعاة العمل بالكتاب والسنة، وكثيراً ما تثار عند التعرض للأسماء والصفات، فكل من قال بما قال الله في كتابه وبما قاله نبيه في سنته في مجال الصفات اعتبره المبتدعون مجسماً ولم تع قلوبهم أن الله قال ذلك في كتابه وقال: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
(3) نفسه.
(4) نفسه.
(5) تذكرة الحفاظ 4/1373، 1376، 1380.
(6) معجم البلدان 2/ 160.(1/29)
وصف المقدسي رحمه الله بالتصنيف، وكثرة الكتابة(1)، وهذا ليس بغريب على إمام فذ لا يضيع شيئاً من زمانه(2). وسأكتفي بما ذكر الذهبي رحمه الله وهي مرقمة على ما يلي:
1- المصباح. في ثمانية وأربعين جزءاً مشتملاً، على أحاديث الصحيحين.
2- نهاية المراد. في السنن نحو مائتي جزء ولم يبيضه.
3- المواقيت. مجلد.
4- الجهاد. مجلد.
5- الروضة. أربعة أجزاء.
6- فضائل خير البرية. مجلد.
7- الذكر. جزءان.
8- الإسراء. جزءان.
9- التهجد. جزءان.
10- المحنة. ثلاثة أجزاء.
11- صلاة الأحياء إلى الأموات. جزءان.
12- الصفات. جزءان.
13- الفرح. جزءان.
14- فضل مكة. أربعة أجزاء.
15- تصانيف كثيرة. جزء جزء.
16- غنية الحفاظ في مشكل الألفاظ. مجلدان.
17- الحكايات. أزيد من مائة جزء.
ومما ألفه بلا إسناد:
18- العمدة. جزءان.
19- الأحكام. ستة أجزاء.
20- ورد الأثر. تسعة أجزاء.
21- الكمال. عشرة مجلدات. وهو في أسماء رجال الكتب الستة(3).
وفاته:
__________
(1) النجوم الزاهرة 6/ 185.
(2) تذكرة الحفاظ 4/ 1376.
(3) تذكرة الحفاظ 4/1374. ولم أتعرض لدراسة المؤلفات وتقييمها وبيان المخطوط من المطبوع أو المفقود منها، لغرض الاختصار ولأن الهدف إعطاء معلومات موجزة فقط.(1/30)
مرض رحمه اللّه أياماً وفي يوم موته قال لابنه عبد اللّه أبي موسى: صل بنا وخفف، وصلى معهم جالساً، ثم طلب من ابنه أن يقرأ عند رأسه سورة يس(1) فقرأها، وقال: هناء دواء تشربه؟ فقال: ما بقي إلى الموت، فقال له ابنه: ما تشتهي شيئاً؟ قال: أشتهي النظر إلى وجه اللّه الكريم. وكانت وفاته رحمه اللّه يوم الاثنين الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة ستمائة من الهجرة(2)، عن عمر بلغ ستين سنة، مخلفاً آثاراً مجيدة، وأعمالاً حميدة سوى ما قدم من صالح العمل والدعوة إلى اللّه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقمع البدعة وإحياء السنة رحمه الله وغفر لنا وله، فقد صبر وصابر، واجتهد وثابر، طلباً لما أعد اللّه للمتقين الصابرين.
القسم الثاني
الفصل الأول:
بيان عملي في الكتاب
1- قمت بنسخ نصوص الكتاب من المخطوطة الأصل.
2- حرصت على مقابلة النسخة الأصل بأخرى وأوضحت مواطن التغاير بالزيادة أو النقص.
3- قمت بضبط النص وما كان فيه من خطأ أثبت الصواب في المتن، وأذكر الخطأ في الحاشية منبهاً عليه.
4- رجعت إلى كل مصدر عزا إليه المصنف، وحددت مكان النقل بالجزء والصفحة.
5- شرحت بعض الألفاظ الغريبة.
6- ناقشت بعض الاستدراكات، وأوضحت الحق حسبما ظهر لي.
7- ترجمت للصحابة بإيجاز شديد، والغرض استكمال اسم الصحابي ليسهل حفظه والعلم به.
8- ترجمت لبعض الأعلام الواردين في البحث حسبما يقتضيه المقام.
__________
(1) لعل الشيخ رحمه الله على رأي من يصحح حديث ( إقرؤا يس على موتاكم ) والحديث أخرجه أبو داود 3/489 وغيره وفي سنده أبو عثمان عن أبيه، وليسا بمشهورين كما قال المنذري. وصحح الحديث ابن حبان ( تمييز الخبيث من الطيب ص 28) ونقل عنه العجلوني ( كشف الخفا 1/183).
(2) تذكرة الحفاظ 4/1380.(1/31)
9- جعلت للأحاديث التي استدركها الزركشي أرقاماً مسلسلة من واحد و هلم جرا.وأَثبت رقم الحديث في العمدة بين قوسين. لتسهل مراجعته لمن أراد. هكذا 1 (3) فرقم واحد لتسلسل الأحاديث عند الزركشي وثلاثة لتسلسلها في العمدة نسخة مكتبة الرياض الحديثة.
10- سجلت خاتمة للبحث.
11- أعددت فهارس للبحث.
وصلى اللّه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الفصل الثاني:
تسمية الكتاب ووصف النسخ الخطية
لم يتطرق الزركشي رحمه اللّه في مقدمة كتابه هذا إلى تحديد مسماه، وقد حاولت أن أجد ما أدعم به التسمية المثبتة على إحدى النسخ الخطية وهي الأقرب في نظري وبحثاً عن المستند رجعت أولاًَ إلى الدارسين لبعض كتب الزركشي فوجدت الدكتور عبد الرحيم القشقري يسميه (التعليق على عمدة الأحكام)(1) ولم يذكر مستند هذه التسمية فلما رجعت إلى دراسة الدكتور السيد وجدته يسميه (النكت على عمدة الأحكام)(2) ولم يذكر مستنده في هذا، بل عزا إلى الداودي تسمية أخرى، وما علمت وجه ترجيح الدكتور هذه التسمية على ما ذكر الداودي، فرمت الفائدة من دراسة الشيخ الأفغاني، فما وجدته تعرض لذكره ضمن المؤلفات(3)، فعدت إلى دراسة الشيخ على القره فلم يذكر شيئاً هو الآخر عن الكتاب(4)، فرجعت إلى المصادر بحثاً عن تأييد للتسمية، أو تصحيح لها ولم أقف على شيء، إلا ما عند الداودي رحمه اللّه قال: وشرح العمدة. وهذه التسمية كتبت بخط صغير جانبي تحت كلمة ( صح ) على وجه النسخة الأصل ( أ ) في الطرف الأيسر، وهذه صورته (صح شرح عمدة الأحكام ) وفي نظري أنها من عمل مالك النسخة، وليست عنواناً أو تسمية من المؤلف لكتابه هذا، والذي تقرر لدي حتى الآن أن التسمية الموافقة لمنهج الزركشي في كتابه هذا ما أثبت على النسخة الأخرى (ب) في وسط الصفحة من وجه النسخة فقد كتب أولاً كلمة (كتاب) وتحتها كتب (تصحيح
__________
(1) المعتبر 1/23.
(2) زهر العريش ص 38.
(3) الإجابة ص 8-15.
(4) معنى لا إله إلا الله ص 21-23.(1/32)
العمدة) وتحتها كتب (للإمام الزركشي) فتكون التسمية هكذا (كتاب تصحيح العمدة للإمام الزركشي) لذا اعتمدته اسما للكتاب، واعتبرته تصحيحاً من النسخة (ب) للنسخة الأصل ( أ ).
وصف النسخ:
النسخة الأصل ( أ ): هذه النسخة صورتها الجامعة الإسلامية عن المكتبة السعيدية بحيدر آباد الهند، وسجلت تحت رقم 98 حديث. عدد صفحاتها أربع وتسعون صفحة، مقاس 18×15سم، في سبع وأربعين لوحة خطية، في كل صفحة واحد وعشرون سطرا، كتبت بخط نسخي واضح جلي،وكتبت عناوين الأبواب بالحمرة، وقد كتب على وجه النسخة في أعلى الصفحة تملك هذه صورته (الحمد لله وقد منَّ(1) اللّه على عبده بواسع فضله بتمليك هذا الكتاب المبارك، وأنا الفقير إلى الله الغني، عبد الكريم بن عبد الله الشريف، المكي، في 1177في ذي القعدة الحرام مضى منه (23)(2) وتحته خاتم.
وفي الجانب الأيمن كتبت عبارة (صح شرح عمدة الأحكام) و في أسفل الصفحة دون المنتصف كتب الكلام التالي.
(اعلم أن ما على النوع الأول من هذا الكتاب من الحواشي، نقلتها جميعها من خط الشيخ، الإمام العالم، العلامة برهان الدين بن خضر، أحد تلامذة شيخ الإسلام ابن حجر، تغمدهما اللّه برحمته، وأن ما صرحت فيها بقولي: بخط ابن خضر، وجدتها بخطه من غير نسبة، وما قلت فيه قال شيخنا، وجدته بخط ابن خضر منسوباً كما نقلته).
وأول هذه النسخة (بسم اللّه الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، الحمد للّه الذي جعل الحديث النبوي العمدة في الأحكام...) وآخرها (... قاله صاحب ضياء الحلوم واللّه أعلم. فرغ من كتابته محمد بن خليل الصالحي، الحنفي، في يوم الأحد تاسع عشر ذي القعدة الحرام ، عام إحدى وستين وثمانمائة، وحسبنا الله ونعم الوكيل). أسباب ترجيح هذه النسخة، واعتمادها أصلاً للتحقيق:
1- لأنها أقل سقطا بينما يكثر السقط في الأخرى لاسيما في النوع الثاني من الكتاب.
__________
(1) في الأصل (أ) منا وهو خطأ.
(2) ليست واضحة في الأصل.(1/33)
2- كتبت عليها حواشي مفيدة لتلميذ الحافظ ابن حجر(1).
3- عليها إشارة عرض ومقابلة بأصل وهي قوله. (صح شرح عمدة الأحكام ).
4- دون تاريخ الفراغ منْ كتابتها، كما سلف نقله وكان بعد وفاة المصنف بسبع وستين سنة.
5- لم تكن هذه الميزات موجودة في النسخة الأخرى.
النسخة (ب).
وهي مطابقة لسابقتها من حيث المقاس وعدد الأسطر إلا أن الكلمات في سطورها أكثر الأمر الذي جعل عدد صفحاتها أقل من سابقتها وهي ثمان وسبعون صفحة، في تسع وثلاثين لوحة خطية، كتبت بخط نسخي جيد، وكتب على وجه النسخة اسم الكتاب في أعلى الصفحة كلمة (كتاب) وتحتها عبارة (تصحيح العمدة) وتحتها عبارة ( للإمام الزركشي) وفي الجانب الأيسر كتب تملك، وهذه صورته ( من كتب محمد بن عبد الوهاب الكندي) وتحته في نصف الصفحة تملك آخر، وصورته ( مما ملكه العبد الفقير إلى الله أحمد الحضرمي غفر الله له) وتحت اسم الكتاب كتب الكلام التالي.:
( منقبة عمدة الأحكام:
ذكر القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية في تاريخ حلب أن بعض أهل حلب رأى شيخنا سراج الدين البلقيني في المنام فقال له: قل لبرهان الدين المحدث يقرأ عمدة الأحكام، ليفرج الله عن أهل حلب، فقصها على البرهان، فاجتمع جمع فقرأه البرهان، ودعوا، فاتفق أنه في آخر النهار، كسروا فرقة حاصرتهم في حلب، وبعد يومين رحلوا بأسرهم عن حلب، وحصل الفرج بحمد الله تعالى) نقله كاتبه من إنباء الغمر لابن حجر، ونقل منه أيضاً ترجمة مصنف الكتاب تحت هذا العنوان. وهذا من تصرف مالك النسخة حيث سجل بنفس الخط بجانب الترجمة ( دخل في ملك الفقير إلى الله علي بن....(2) .
(76-80 صور المخطوط)
القسم الثالث
تحقيق نصوص الكتاب
مقدمة المصنف رحمه اللّه
__________
(1) هو الفقيه العلامة برهان الدين بن خضر بن أحمد، ولد سنة 794هـ ومات سنة 852هـ. انظر: ترجمته (نظم العقيان في أعيان الأعيان ص 15).
(2) بقية الاسم لم تتضح لي قراءته على غلاف المخطوطة.(1/34)
بسم اللّه الرحمن الرحيم. وصلى الله على سيدنا (1) محمد وآله وسلم.
الحمد لله(2) الذي جعل الحديث النبوي العمدة في الأحكام، وبين بالسنة ما في الكتاب من الحلال والحرام، والصلاة على سيدنا محمد الذي أوتي جوامع الكلام، واختصر(3) له الكلام، وقال: "بلغوا عني ولو آية"(4) خطاباً للرواة على ممر الأيام، صلاة مشفوعة من السلام بالسلام، وعلى آله الكرام، وصحبه نجوم الظلام، ما روّى مسلسل الغيث الغمام، وأبكى على(5) أوراق الغصون حمام، أما بعد:
فإن حفظ الحديث النبوي يرقيّ إلى أرفع مقام، والاعتناء بمعانيه يوجب الفوز بالسلامة، في دار السلام، وكأن كتاب العمدة للحافظ تقي الدين، أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي(6) بن سرور المقدسي، رحمه اللّه- تعالى-(7) قد طار في الخافقين ذكره، و- ذاع-(8) بين الأئمة نشره، واعتنى الناس بحفظه وتفهمه، وأكبوا على تعليمه وتعلمه، لا جرم اعتنى الأئمة بشرحه، وانتدبوا لإبراز معانيه عن سهام قدحه (9)، كان من المهم في ذلك بيان نوعين مهمين:
__________
(1) سقطت من (ب).
(2) في (ب) قال الشيخ الإمام، العالم، العلامة، بدر الدين، مفتي المسلمين، أبو عبد الله، محمد المنهاجي، المعروف بالزركشي، الشافعي، قدس الله روحه، ونور ضريحه، الحمد لله...
(3) في (ب) وأخصر.
(4) أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو. ( صف 6/ 496).
(5) في (ب) في هذا الموضع (غصو) وهو خطأ.
(6) في (ب) عبد الواحد بن سرور.
(7) زيادة من (ب).
(8) في ( أ / ب) ضاع. وهو مناقض لما بعده فالصواب في نظري ما أثبته.
(9) الأسطر الأخيرة فيها تكلف وعدم دقة في الأسلوب والربط بين العبارات فيه ضعف.(1/35)
أحدهما: اعتبار(1) ما فيه، فإن مصنفه رحمه الله قد التزم أن جميع ما فيه المتفق عليه(2)، وقد وجد فيه خلاف هذا الشرط، والتصريح بحمل هذا الربط، فلابد من الوقوف على تمييز ذلك.
الثاني: تحرير ألفاظ يقع فيها التصحيف، ويؤدي بها ذلك إلى التحريف، ولا يجد الإنسان سبيلاً إلى عرفانها ولو كشف عليها، ولا في كلام أحد من الشراح الإِشارة إليها، والاعتناء بهذا القدر أهم(3) من الأول، لأنه تحرير(4) في الأداء، واحتياط للسنة الغراء، فاستخرت اللّه في إفراد هذين النوعين، بخصوصهما، وذكرت منهما ما تيسر الوقوف عليه، بعد التنقيب والتهذيب، واللّه سبحانه المسئول في الإِعانة، إنه قريب مجيب، لا مرجواً سواه.
النوع الأول
تبيين(5) ما وقع فيه الوهم بالنسبة إلى التخريج في كتاب الطهارة إلى الصلاة.
__________
(1) أي تتبع ما اشترط المقدسي من الالتزام بإخراج المتفق عليه.
(2) بين الشيخين البخاري ومسلم ومعناه موافقة مسلم للبخاري على تخريج أصل الحديث بالسند عن صحابيه وإن وقعت بعض المخالفة في السياق والمعنى هو المعتبر وهذا ما جرى عليه المقدسي رحمه الله وإن كنت لاحظت أن الزركشي رحمه الله يعتبر المخالفة في السياق ناقضة لشروط الاتفاق وليس كذلك. والله أعلم.
(3) لأن غاية ما في الأول إخراج الأصح فإن وقع خلل في الشرط فلا يخرج الحديث عن كونه صحيحاً، أما الثاني فكما ذكر المصنف، فإن الخطأ فيه قد يحيل المعنى، ويبعد به عما أراد الشارع.
(4) في (ب) تحرّز وكلاهما صحيح.
(5) في (ب) بيان.(1/36)
1 (3) حديث عائشة(1) "ويل للأعقاب من النارية"(2) تفرد به مسلم(3) ولم يخرجه البخاري من حديثها(4)، نبه عليه عبد الحق(5) في الجمع بين الصحيحين (6).
2 (4) حديث أبى هريرة(7) "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا" (8) هذا لفظ مسلم(9)، ولم يذكر البخاري التثليث(10).
3 (6) حديث أبى هريرة "إذا لغلب(11) الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً"(12) ولمسلم "أولاهن بالتراب"(13) انتهى. كذا (14) رأيته في نسخة عليها خط المصنف(15)، وإنما رواه البخاري بلفظ "شرب "(16) ورواها مسلم أيضا وروى "ولغ " (17) وهذا الذي يعرفه أهل اللغة.
__________
(1) بنت أبي بكر الصديق، وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين الطاهرة العفيفة.
(2) العمدة ص4.
(3) انظر: ( م1/213).
(4) وأخرجه من حديث عبد الله بن عمرو. ومن حديث أبي هريرة. انظر: (صف1/265، 267).
(5) ابن عبد الرحمن بن عبد الله، الأشبيلي ابن الخراط، كان فقيهاً حافظاً، عالماً بالحديث وعلله ورجاله. ( فوات الوفيات 2/256).
(6) في باب ما جاء أن الطهور شطر الإيمان. من كتاب الطهارة. ( اللوحات الفلمية غير مرقمة).
(7) عبد الرحمن بن صخر، عند الأكثرين، صحابي من قبيلة دوس، أحد المكثرين من رواية الحديث.
(8) العمدة 4، 5.
(9) انظر: (م1/ 233).
(10) انظر: (صف1/ 263).
(11) لعل المعنى أفسد، فإن الكلب إذا ولغ في الإناء أفسد ما فيه وفي اللسان10/742: لغب على القوم إذا أفسد عليهم، وانظر: (الصحاح2/ 447).
(12) الذي في العمدة "شرب" بدل" لغب" ص 5.
(13) م1/ 234.
(14) يعني (لغب).
(15) لم أقف على هذه النسخة.
(16) انظر: (صف1/ 274).
(17) انظر: (م1/234).(1/37)
4 (6) وقوله: وله في حديث عبد اللّه بن مغفل(1). صريح في انفراد مسلم بهذه الرواية(2)، ووهم ابن الجوزي في كتاب التحقيق فقال: تفرد بها البخاري(3)، وهو سبق قلم.
5 (8) حديث(4) عمرو بن يحي المازني(5)، عن أبيه(6)، قال:"شهدت عمرو بن أبي الحسن(7)، سأل عبد اللّه بن زيد(8)، عن وضوء(9) رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فدعا بتور(10) من ماء... " (11) إلى آخره، لفظة التور ليست في شيء من روايات البخاري (12) ، وإنما هي من أفراد مسلم (13)
__________
(1) أحد الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة رضي الله عنهم، وروايته:" إذا ولغ الكلب في الإناء..." العمدة ص6.
(2) انظر: (م 1/ 235) غيرِ أنه قال: (في إناء أحدكم).
(3) التحقيق في مسائل التعليق ( مجلد 1/13).
(4) في (ب) قوله.
(5) ابن بنت عبد الله بن زيد بن عاصم، ثقة.
(6) يحي بن عمارة بن أبي الحسن، الأنصاري، ثقة.
(7) هو عم يحي أخو أبيه، ففي رواية البخاري " كان عمي يكثر من الوضوء" وانظر: ( الفتح 1/304).
(8) ابن عاصم، أبو محمد، الأنصاري، صحابي، قيل: إنه قاتل مسيلمة.
(9) مشتق من الوضاءة، وهي الحسن والنظافة، وقد ذكر العلماء أنه بفتح الواو اسم للماء، وبضمها اسم للمصدر الذي هو الفعل، والمراد هنا الأخير. انظر: ( الصحاح 2/695، ونيل الأوطار 1/155).
(10) قال بعض علماء اللغة: إنه دخيل - على العربية - وهو إناء من صفر أو حجارة. ( اللسان 4/96) .
(11) العمدة ص 6.
(12) الواقع أن الوهم وقع للزركشي رحمه الله، ولعل السبب في ذلك وقوفه على بعض روايات عبد الله بن زيد، مما ليست فيها هذه اللفظة، كما في 1/289، 197 من الصحيح مع الفتح، وكذلك ما روي عن عثمان رضي الله عنه كما في 1/259، 266، 4/158، 11/250 من المصدر السابق، والواقع أن اللفظة ثابتة عند البخاري من رواية عبد الله بن زيد كما في 1/294، 302، 303 من الصحيح مع الفتح، فالتصحيح من الزركشي رحمه الله غير صحيح، فاللفظ من أفراد البخاري.
(13) العكس هو الصحيح، فاللفظة ليست عند مسلم انظر: ( 1/210، 211 من صحيحه) فهي من أفراد البخاري قال الشيخ برهان الدين بن خضر أحد تلاميذ الحافظ ابن حجر: قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وقع للشيخ نظير ما وقع لابن الجوزي من سبق القلم، والصواب هنا أنها من أفراد البخاري ( أ / 11). قلت: ويحتمل أن الزركشي وقع منه الخطأ في حالة الإملاء على كاتبه، لاسيما إن كان إملاء من حفظه.(1/38)
، وقوله: "أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم... " إلى آخر الرواية، من أفراد مسلم (1).
6(10) حديث أبي هريرة، في إطالة الغرة (2) والتحجيل (3)، وقوله: "من استطاع منكم أن يطيل غرته" (4) إلى آخره، هذه رواية، وفي الصحيحين أيضاً "وتحجيله" (5) وادعى بعضهم أن قوله: "من استطاع " إلى آخره من قول أبي هريرة، مدرج في الحديث (6).
__________
(1) وهنا كذلك العكس هو الصحيح فالراوية ليست عند مسلم ( 1/210، 211) وهي ثابتة عند البخاري فهي من أفراده، غير أنه قال: " أتي النبي " انظر: ( صف1/ 302) قال الشيخ برهان الدين: قال شيخنا ابن حجر رحمه الله: ليس كما قال - يعني الزركشي - وإنما هي من أفراد البخاري ( أ /1).
(2) المراد هنا البياض في الوجه، وغرة الشيء: أوله وأكرمه. انظر: ( اللسان 5/15).
(3) المراد هنا: تجاوز المرفقين والكعبين عند الوضوء، طلباً لأثره يوم القيامة، فالمحجل: هو الذي يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد، ويجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين، لأنهما مواضع الأحجال. ( انظر: النهاية 1/346 واللسان 11/144).
(4) العمدة ص 7.
(5) الواقع أن قوله: " وتحجيله" ليست عند البخاري. انظر: ( صف1/235) وهي من أفراد مسلم. انظر:(1/216 من صحيحه) قال الشيخ برهان الدين: قال شيخنا رحمه الله: قوله: " هذه رواية البخاري في الصحيحين" وقوله: " وفي الصحيحين أيضا وتحجيله " معترض، فإنها من أفراد مسلم. وقوله: " وادعى بعضهم "...الخ لا يرد ( أ /1). قلت: المصنف لم يقل " البخاري".
(6) تقدم النقل عن الحافظ . وانظر: الإشارة إلى ما عنى المصنف في ( الفتح 1/236).(1/39)
7 (18) حديث (1) حذيفة: "كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك" (2) انتهى وعلى هذا اللفظ شرح ابن دقيق العيد (3) ، وفي نسخة أخرى "إذا قام من النوم " وادعى ابن العطار في شرحه أنه لفظ الصحيحين، وهو المذكور في كتاب الإمام بلفظ "النوم " بدل (4) "الليل " وقال: أخرجوه إلا الترمذي (5). قلت: وليس كذلك فقد ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين بلفظ "الليل " (6) وكذا في البخاري هنا (7)، ورواه في كتاب الجمعة بلفظ "كان إذا قام للتهجد من الليل " (8).
__________
(1) في (ب) قوله: حذيفة، " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام..." وحذيفة هو ابن اليمان الأنصاري أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2) العمدة ص 10 .
(3) شرح العمدة 1/ 382 .
(4) في (ب) بدليل وهو خطأ.
(5) انظر: ( الإلمام حديث 18 وهو خطأ ولا ريب ).
(6) انظر: ( صف1/235).
(7) انظر: ( صف1/356، 2/375).
(8) انظر: ( صف2/375) لكن ليس فيه ( للتهجد) وإنما هي في كتاب التهجد. انظر: ( صف 3/19) قال الشيخ برهان الدين: قال شيخنا رحمه الله: قوله: " في كتاب الجمعة " ليس كذلك، بل هو في كتاب التطوع - يعني التهجد 3/19- المذكور بعد كتاب قصر الصلاة وقبل كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، والمذكور في الجمعة، هو باللفظ المذكور أولا، والتقييد بالتهجد وقع لمسلم أيضاً ولفظه: " إذا قام ليتهجد يشوص " أ /2. قلت: هو كذلك. انظر: (م1/220).(1/40)
8 (25) حديث (1) أبي موسى، باللفظ الذي أورده (2)، هو للبخاري (3)، ولفظ مسلم "دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وطرف السواك على لسانه "(4) انتهى، ولم يذكر الصفة، وكذا حرره عبد الحق في الجمع بين الصحيحين (5).
__________
(1) في (ب) قول أبي موسى وهو الأشعري، عبد الله بن قيس، كان حسن الصوت بالقرآن، وهو أحد الحكمين.
(2) العمدة ص11.
(3) لفظه عند البخاري " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدته يستن بسواك بيده يقول: أع، أع، والسواك في فيه كأنه يتهوع ". انظر: ( صف1/355 ) وبينه وبين ما في العمدة ص11 اختلاف في الكلمات. قال الشيخ برهان الدين رحمه الله: قال شيخنا تغمده الله تعالى برحمته: قوله: " للبخاري " الخ فيه نظر لأن لفظه " فوجدته يستن بسواك بيده " ولم يقل يستاك، وقال: "بيده" وليست في العمدة، ولم يقل "طرف السواك على لسانه " فليس اللفظ هذا للبخاري، بل هو مجموع من الصحيحين، وقد فصله عبد الحق تفصيلاً بيناً لاكما يوهمه. ( أ /2). قلت: الواقع كما ذكر الحافظ رحمه الله. انظر: ( العمدة ص11 ) وتقدم النقل عن البخاري.
(4) هو كذلك. انظر: ( م1/220 ).
(5) انظر: ( الجمع باب في السواك وفضله ) ( اللوحات الفلمية غير مرقمة ).(1/41)
9 (22) حديث(1) حذيفة أيضاً، في المسح على الخفين ذكره المصنف مختصرا (2)، ولفظه في الصحيحين عنه قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى سباطة (3) قوم فبال قائما، فتنحيت فقال: أدنه، فدنوت منه حتى قمت عند عقبه، فتوضأ"(4) زاد مسلم "فمسح على خفيه "(5) قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين: ولم يذكر البخاري في روايته هذه الزيادة، وعلى هذا فلا يحسن من المصنف عد هذا الحديث في هذا الباب من المتفق عليه(6).
__________
(1) في (ب) قول حذيفة.
(2) الذي في العمدة ص 12 وإن كان مختصراً لكنه لا يوافق ما في الصحيحين عن حذيفة إذ لم يرد ذكر للسفر في روايته قط. انظر: ( صف1/ 328 - 329، 5/117، وم1/ 228). وقد ورد ذكر السفر في حديث المغيرة عند مسلم، والقصة تختلف تماماً، وجعل مثل ذلك اللفظ من حديث حذيفة متفقاً عليه زلة يجب التنبه لها.
(3) بضم السين المهملة. هي الموضع الذي يرمي فيه التراب والأوساخ، وما يكنس من المنازل ( النهاية 2/335).
(4) الواقع أن هذا اللفظ ليس في البخاري، إنما هو لفظ مسلم وحده. انظر: ( صحيحه 1/228). وللبخاري ما يقاربه ( صف1/328، 329 ).
(5) هو كذلك. انظر: ( م1/ 228 )
(6) انظر: ( الجمع باب في البول قائماً وفي المسح ) ( اللوحات الفلمية غير مرقمة ) وهو كما قال فالزيادة ليست عند البخاري. انظر: ( صف1/ 328، 329 ) قال الشيخ عبد الكريم المكي: هو كما قال عبد الحق، كذلك رأيته بخط ابن خضر. ( أ /2).(1/42)
10(23) حديث(1) علي(2) في رواية البخاري "اغسل ذكرك وتوضأ"(3) انتهى، والذي أورده البخاري بلفظ "توضأ واغسل ذكرك " وترجم عليها باب غسل المذي والوضوء(4) ورواية مسلم "توضأ وانضح فرجك " (5) استدركها عليه الدارقطني فإن فيها انقطاعا(6)
__________
(1) في (ب) قوله علي. وانظر: الحديث في العمدة ص 12.
(2) هو أمير المؤمنين، ابن عم سيد المرسلين، وزوج ابنته الزهراء، ووالد سيدي شباب أهل الجنة.
(3) يعني الرواية المذكورة في العمدة ص 12.
(4) هو كما قال. انظر: ( صف1/379 ).
(5) هو كذلك. انظر: ( م1/ 247 ).
(6) لأنها من رواية مخرمة بن بكير، عن أبيه، وقد وقع خلاف بين النقاد في سماع مخرمة من أبيه، أكثرهم على أنه لم يسمع منه، وإنما يروي من كتاب أبيه، وبهذا جزم الإمام أحمد، وقال يحي بن معين: يقال: وقع إليه كتاب أبيه، ولم يسمعه، انظر: ( تهذيب الكمال ترجمة مخرمة ) ولهذا وقع الاستدراك من الدارقطني رحمه الله فقال: وأخرج مسلم حديث ابن وهب عن مخرمة، عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس قال: قال علي: أرسلت المقداد... الخ. وقال حماد بن خالد: سألت مخرمة سمعت من أبيك شيئا؟ قال: لا. وقد خالفه الليث، عن بكير، عن سليمان فلم يذكر ابن عباس، وتابعه مالك عن أبي النضر أيضاً. ( التتبع ص 417 ) قلت: يلاحظ القارئ هنا أن الإمام الدارقطني رحمه الله يستدرك على الإمام مسلم إخراج هذا الحديث لأنه معل بالانقطاع في مكانين الأول أن مخرمة لم يسمع من أبيه ويدل له قول مخرمة نفسه، وهو الراجح عند النقاد. والثاني: أن رواية الإمامين مالك والليث ليس فيها ابن عباس، وهما حافظان يفوقان مخرمة كثيرا، هذا وجه ملاحظة المصنف على المقدسي، ولكن قال برهان الدين رحمه الله: قال شيخنا: هو من رواية مخرمة، عن أبيه، وقد قيل إنه لم يسمع منه، ولم يؤثر فيه ذلك عند مسلم، لأن الذين قالوا إنه لم يسمع من أبيه قالوا: إنه حدث من كتاب أبيه، وهذه وجادة قوية، وهي أحد وجوه النقل ( أ /2) قلت: هذه الوجادة إن نفعت في جانب مخرمة، فلا تنفع في الانقطاع بين سليمان وعلي رضي الله عنه.(1/43)
جمع استدراكاته.
11(28) حديث أبي هريرة في باب الجنابة(1) ، في أوله انقطاع(2) في رواية مسلم ذكره المازري في المعلم (3)، ووصله البخاري(4) وغيره.
12(38) حديث جابر(5) "أعطيت خمساً- إلى أن قال:- وبعثت إلى الناس كافة"(6) هذا اللفظ للبخاري(7) ولم يروه مسلم كذلك، إنما رواه بلفظ "وبعثت إلى كل أحمر وأسود"(8) ولعل المصنف اغتفر ذلك ظنا منه ترادفهما، وقد يفرق بينهما بما تعطيه الصيغة من كل واحد منهما.
__________
(1) العمدة ص 13 وفيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب...".
(2) بين حميد الطويل وأبي رافع نفيع الصايغ، الأول من الطبقة الخامسة، والثاني من الثانية.
(3) لم أقف عليه، أقواله عند النووي وللقاضي عياض إكمال المعلم وللأبي إكمال إكمال المعلم.
(4) بذكر بكر بن عبد الله، بين حميد الطويل وأبي رافع. ( صف1/390 ).
(5) ابن عبد الله، أنصاري، غزا تسع عشرة غزوة، وهو صحابي ابن صحابي رضي الله عنهما.
(6) العمدة ص 12.
(7) انظر: ( صف1/ 533) لكن قال عبد الكريم المكي: بخط ابن خضر قوله: (كافة) وكذا هو في الطهارة من البخاري ( أ /2) وانظر: ( صف1/ 436) والذي في العمدة (عامة) والعمدة بشرح الشيخ آل بسام (كافة) ( تيسير العلام 1/ 89).
(8) انظر: ( م1 /270)(1/44)
على أن رواية مسلم أقوى في نظر الحديثي(1) ، لأنه رواها عن شيخه يحيى بن يحيى، عن هشيم، والبخاري روى لفظه عن محمد بن سنان، عن هشيم، ويحيى أجل من محمد بن سنان، فهي رواية يقدم الحافظ لها على من روى بالمعنى.
__________
(1) في (ب) الحديثين. وهو خطأ. المراد المحدث، نسبة إلى الحديث، وما ذكره تعليلا للقوة، تقابله تعليلا، وفي نظري أن هذا التصحيح من المصنف رحمه الله ليست فائدته جوهرية، لكنها من ملح العلم، ولا ينازع في تقديم يحيى على محمد بن سنان، وقد يزاد على ذلك أن يحيى روي له الجماعة، ولم يرو لمحمد بن سنان مسلم، ولا النسائي، ولا ابن ماجة، وقد وصف كل منهما بأعلى درجات التعديل، وللحافظ ابن حجر رأي في هذا قال ابن خضر رحمه الله: قال شيخنا رحمه الله تعالى: قوله: " ويحيى أجل... الخ " ولكن ترجيح رواية البخاري من جهة أخرى أقوى في نظر المحدث مما ذكره وهي أن رواية يحي، عن هشيم، عن سيار بالعنعنة، ورواية محمد بن سنان، عن هشيم قال: أخبرنا سيار، فصرح بالإخبار، فارتفعت تهمة تدليسه، لأنه معروف بالتدليس - طبقات المدلسين ص 34- ولا يقال: تبين بهذا أن رواية مسلم متصلة، لأنا نقول ما اتصل بأمر خارجي دون ما اتصل بأمر ذاتي، فحصل لكل منهما جهة ترجيح، وجهة البخاري أرجح لما بيناه، ( أ /2).(1/45)
13(40) حديث عائشة "أن أم حبيبة(1) استحيضت، فأمرها أن تغتسل لكل صلاة"(2) انتهى. غسلها لكل صلاة لم يقع بأمره صلى الله عليه وسلم، كما بين في رواية مسلم ولفظه "فأمرها أن تغتسل، فكانت تغتسل لكل صلاة"(3) وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين(4).
__________
(1) أم المؤمنين، رملة بنت أبي سفيان.
(2) العمدة ص 18.
(3) الواقع كما ذكر المصنف، والبيان عند مسلم، وهو أيضاً عند البخاري، ولذلك اعتبره صاحب العمدة متفقا عليه، وهو بهذا اللفظ وهم منه دون شك رحمه الله. انظر: ( م1 /264، وصف1/ 426). قال الشيخ برهان الدين: قال شيخنا رحمه الله تعالى: لفظ البخاري أيضاً " وقال:" هذا عرق"، فكانت تغتسل لكل صلاة " - صف1/ 426 - وهذا موافق لرواية مسلم بزيادة عليه - م1/ 264 - ثم إن لفظ الذي ساقه المصنف في بعض النسخ من العمدة، وفي بعضها كما في مسلم. ( أ /2).
(4) لم أقف على مسند عائشة في الأجزاء الموجودة في الجامعة.(1/46)
14(43) حديث معاذة(1)، عن عائشة "كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة"(2) انتهى. ولم يذكره البخاري بهذا اللفظ، وإنما أورده بلفظ "قد كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يأمرنا به، أو قالت فلا نفعله " هكذا أورده البخاري، وليس فيه "فنؤمر بقضاء الصوم"(3) وإنما هذا السياق الذي أورده المصنف لمسلم(4) ، وأيضا فإن البخاري لم يذكر أن السائلة معاذة. بل ساقه من جهة قتادة، عن معاذة "أن امرأة قالت لعائشة: أتجزئ إحدانا صلاتها إذا تطهرت؟ فقالت: أحرورية أنت؟! قد كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يأمرنا به، أو قالت: فلا نفعله "(5) هذا لفظه، وهو قريب لأن رواية مسلم بينت(6) أنها هي السائلة(7).
15(52) حديث أبي سعيد الخدري(8) "لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس"(9) هذا لفظ البخاري(10) ، وإنما لفظ مسلم(11) "لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع "(12) ورواية البخاري محمولة على هذه، ولو ذكر المصنف رواية مسلم كان أولى.
قوله: (وفي الباب...) إلى آخره (13).
__________
(1) بنت عبد الله، العدوية، أم الصبهاء، ثقة.
(2) العمدة ص 19.
(3) هو كما قال ( صف1/421).
(4) الواقع أن لفظ مسلم لا يتطابق مع ما في العمدة من كل وجه، وهو مقارب ( م1/ 265).
(5) هذا كذلك ( صف1/421).
(6) في (ب) تثبت، وكلاهما صحيح.
(7) هو كذلك (م1/ 265).
(8) سعد بن مالك، له ولأبيه صحبة، وهو أحد المكثرين من الرواية.
(9) العمدة ص22.
(10) هو كذلك غير أنه قال: " ترتفع " بدل " تطلع " وقال: " تغيب " بدل " تغرب ". ( صف2/61).
(11) في (ب) وأما لفظ مسلم فهو.
(12) هو كذلك ( م1/567).
(13) العمدة ص22.(1/47)
هذا تابع فيه الترمذي، لكن المصنف قد توهم(1) أن ذلك كله متفق عليه، وليس كذلك، وإنما اتفقا على حديث ابن عمر(2)، وأبى هريرة (3)، وانفرد مسلم بحديث عائشة(4) ، وابن عبسة(5) ، وأخرج أبو داود حديث علي(6)، وأخرج ابن ماجة حديث الصنابحي(7) ، وأخرج الطبراني حديث ابن العاص(8) ، وزيد(9)، وابن مرة(10)، وأخرج الطحاوي(11)
__________
(1) في (ب) لكن كلام المصنف يوهم.
(2) هو كذلك ( صف2/60، 61، م1/567، 566).
(3) نفسه.
(4) انظر: في ( م1/571).
(5) انظر: في ( م1/569 - 571) وقد صرح باسمه في العمدة بشرح آل بسام ( تيسير العلام 1/124).
(6) انظر: في (سنن أبي داود 2/55).
(7) سنن ابن ماجة 1/397 قال الشيخ برهان الدين رحمه الله: فائدة، قال شيخنا رحمه الله تعالى: قال يعقوب بن شبه: هؤلاء الصنابحيون الذين يروي عنهم في العدد ستة، وإنما هم اثنان فقط، الصنابح، الأعسر، الأحمسي، ومن قال فيه الصنابحي فقد أخطأ، الثاني: عبد الرحمن بن عسيلة، الصنابحي، يكني أبا عبد الله، فقد أصاب اسمه، ومن قال: عن أبي عبد الله، فقد أصاب كنيته، ومن قال: عن عبد الله، فقد أخطأ، قلب كنيته فجعلها اسمه، هذا قول ابن المديني، وغيره، وهو الصواب، ( أ /3) وانظر: ( تهذيب التهذيب 6/229).
(8) لم أقف عليه في الأجزاء المطبوعة، ولعله فيما لم يصل إلى أيدينا، وقد ذكره الهيثمي ولم يعزه إلى الطبراني، وعزاه إلى أحمد (المسند 2/207) وأبي يعلي ( المسند ق339) وقال: رجاله رجال الصحيح. انظر: (مجمع الزوائد 2/225).
(9) لم أقف عليه أيضاً، وقد ذكره (في المجمع 2/224) ولم يعزه إلى الطبراني، وعزاه إلى أحمد (المسند 5/185) وقال: رجاله رجال الصحيح.
(10) يعني كعب بن مرة. ويقال: مرة بن كعب. ولم أقف على حديثه عند الطبراني لكن الهيثمي ذكره وعزاه لأحمد ( المسند 4/234، 235) أوله (أي الليل أسمع... ) انظر: ( المجمع 2/225).
(11) في (أ) البخاري وهو خطأ، لأنه لم يخرج حديث سمرة، إنما أخرج حديث أبي سعيد. انظر: (صف2/61) وفي (ب) الطحاوي ولم أقف عليه في معاني الآثار. والذي يظهر لي والله أعلم أن ما في النسختين تصحف وإنما هو عند الطبراني ( 7/275) وعزاه أيضاً (في المجمع 2/225) الهيثمي إلى أحمد (المسند 5/15، 20) والبزار.(1/48)
حديث سمرة.
قوله: (والصنابحي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، هذا نقله الترمذي عن البخاري، قال الترمذي في حديث الوضوء: سألت البخاري عنه فقال: عبد اللّه الصنابحي (1) ، وهو أبو عبد اللّه الصنابحي، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه مرسل(2)، انتهى.
ولما رأى المصنف حديثه في النهي عن الأوقات في سنن النسائي من جهة مالك، وسماه عبد الله (3)، وفي سنن ابن ماجة، وسماه أبا عبد اللّه(4)، قطع بذلك، لكن جاء في مسند أحمد التصريح بالسماع فقال:
__________
(1) هو عبد الرحمن بن عسيلة.
(2) عدّ في كبار التابعين وقد جاء في ترجمته أنه أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاجر إليه فلما وصل الجحفة لقيه الخبر بوفاة رسول الله (أسد الغابة 3/310) ولذلك نقل ابن أبي حاتم عن يحي بن معين، وعن أبي زرعة أن الصنابحي عبد الرحمن بن عسيلة ليست له صحبة (المراسيل 121) ويبقى الإشكال قائماً بسبب التصريح بالسماع فيما رواه أحمد، وكذلك ابن الأثير في نهاية ترجمة الصنابحي. ولم يعقب (أسد الغابة 3/310). وانظر: قول الترمذي في ( الجامع 1/344).
(3) انظر: (سنن النسائي 1/275).
(4) انظر: (سنن ابن ماجة 1/397).(1/49)
حدثنا روح(1) قال: نا مالك(2) وزهير بن محمد(3) قالا: نا زيد بن أسلم(4)، عن عطاء بن يسار(5) قال: سمعت عبد اللّه الصنابحي(6) يقول: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "تطلع الشمس بين قرني الشيطان"(7) – ح - ونقل البيهقي في السنن الكبير (8)، عن عباس الدوري(9)، سمعت يحي بن معين يقول: يروي عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي، صحابي، ويقال أبو عبد الله، والصنابحي صاحب أبي بكر، عبد الرحمن بن عسيلة(10)، انتهى فجعلها اثنين (11)، وإلى هذا مال أبو الحسن بن القطان(12)، وغيره.
16(66) حديث أنس بن سيرين(13) "حين قدم من الشام "(14) هذه رواية البخاري(15) ، ورواية مسلم "حين قدم الشام " بإسقاط (من)(16) قال القاضي عياض: وقيل: إنه وهم، وأن الصواب إثباتها كما رواه البخاري(17)، وخالفه النووي وقال: رواية مسلم صحيحة، ومعناه تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام(18).
__________
(1) ابن عبادة، ثقة، فاضل.
(2) إمام دار الهجرة.
(3) التيمي. فيه كلام. وقد قرن بالإمام مالك.
(4) العدوي. ثقة يرسل.
(5) الهلالي، ثقة فاضل.
(6) هكذا في (أ، ب) عبد الله الصنابحي، والذي في المسند 4/348 أبو عبد الله، وتقدم تحقيقه ص 84.
(7) في (أ، ب) بقرني، والتصويب في المسند 4/348 وانظر: (صف 6/355) لكنه عند البيهقي بهذا اللفظ في رواية (السنن الكبير 2/453).
(8) هكذا في (أ، ب) وفي نظري أنه أجود من قولهم (الكبرى) لأن السنن لا توصف بأنها كبرى وصغرى فيكون وصفاً لكتاب.
(9) ابن محمد، الدوري، ثقة. ولم أقف عليه في السنن الكبير إلا رواية من طريق عطاء، عن عبد الله الصنابحي... الخ ونقل عن الترمذي تصحيح الاسم (السنن الكبير 2/454).
(10) تقدم بيانه ص 85.
(11) نفسه.
(12) في كتابه الوهم والإبهام وهو مخطوط لم يطبع .
(13) أخو محمد بن سيرين.
(14) العمدة ص 27.
(15) صف 2/ 576.
(16) م1 /488.
(17) في إكمال المعلم شرح صحيح مسلم.
(18) الشرح 2/353.(1/50)
17(69) حديث أنس بن مالك(1) "أن جدته مليكة(2) دعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم..."(3) إلى آخره.
ما صرح به من أنها جدة أنس بن مالك، خلاف المشهور(4)، وذلك أن الحديث يرويه إسحاق بن عبد اللّه بن أبى طلحة(5)، عن أنس، فالضمير في جدته يعود إلى إسحاق بن عبد اللّه، وهي أم أبيه، قاله (6) الحافظ أبو عمر(7) بن عبد البر (8)، والقاضي عياض (9)، والنووي(10) - رحمهم اللّه - (11) وغيرهم.
__________
(1) خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2) بنت مالك بن عدي، أنجبت أم سليم بن ملحان (طبقات ابن سعد 3/516) وقد اختلف في اسمها (الفتح 1/489) وأم سليم هي أم أنس بن مالك، وأم عبد الله بن أبي طلحة (الطبقات 5/74) فيتضح أن مليكة جدتهما، فلا إشكال في مرجع الضمير إلى أيهما أو إلى إسحاق فإنها جدة أبيه، وهي جدته دون شك أيضاً.
(3) العمدة ص 28.
(4) تكلم المصنف حول هذه النقطة أكثر مما تستحق وجعل فيها قولاً مشهوراً، والحق أن التصحيح غير وارد، كما بين الأمر، وهو ما قرره الحافظ. (الفتح 1/489).
(5) جده أبو طلحة، الأنصاري، عم أنس بن مالك، وإسحاق ثقة حجة.
(6) في (أ) قال.
(7) في (ب) عمرو.
(8) في مقابل هؤلاء ابن سعد، وابن مندة، وابن الحصار (الفتح 1/489).
(9) نفسه.
(10) نفسه.
(11) زيادة من (ب).(1/51)
فكان ينبغي للمصنف أن يذكر إسحاق ليعود الضمير عليه، فتكون (1) أم أنس، لأن إسحاق ابن أخي أنس لأمه(2)، ولما أسقط المصنف ذكر إسحاق لم يبق للضمير مرجع لغير أنس(3)، نعم قال غير أبي عمر: إنها جدة أنس أم أمه، وهي جدة لإسحاق أم أبيه، قاله أبو الحسن بن الحصار(4) في تقريب المدارك(5)، وعلى كل حال فكان ينبغي للمصنف إثبات إسحاق ليخرج من الخلاف(6)
__________
(1) في (ب) فيكون. أما قول المصنف رحمه الله: فتكون أم أنس، أراد به الوصول إلى ترجيح عود الضمير إلى إسحاق فتكون الجدة أم سليم بنت ملحان وهي أم أنس، وهذا لا يتم له حتى مع ذكر إسحاق لأن الحافظ روى ما يؤيد عود الضمير على أنس وأن الجدة مليكة بنت مالك بن عدي قال رحمه الله: ويؤيده - يعني عود الضمير إلى أنس - ما رويناه في فوائد العراقيين لأبي الشيخ - بسنده - عن أنس قال: (أرسلتني جدتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأسمها مليكة فجاءنا فحضرت الصلاة) الحديث (الفتح 1/489).
(2) هذا صحيح ولا معارضة، فأم أنس هي أم عبد الله أبو إسحاق. وجدة أنس مليكة هي جدة عبد الله وفي نفس الوقت جدة إسحاق أيضاً لكونها جدة أبيه.
(3) هذا العمل من صاحب العمدة يحمل على أنه جزم برجحان عود الضمير إلى أنس فأراد أن يزيل اللبس وقد ذكر الحافظ الذين جزموا بهذا وقال: وهو مقتضى كلام إمام الحرمين في النهاية، وكلام عبد الغني في العمدة. وهذا عكس ما يريد المصنف رحمه الله مع علمه بهذا المذهب.
(4) علي بن محمد بن إبراهيم بن موسى الخزرجي، إشبيلي الأصل، نشأ بفاس، وجاور مكة، وتوفي بالمدينة - له مصنفات منها المدارك، ولم أقف عليه ولا على التقريب المذكور، وسألت بعض أهل العلم فلم يعرفه لي أحد - (انظر: الأعلام 4/330).
(5) الذي ظهر أن المصنف لم يقف على الرواية التي عند أبي الشيخ في فوائده، واعتبر الأمر مجرد رأي ولذلك اقتصر على النقل عن العلماء دون التعرض للأثر.
(6) الحق أن صاحب العمدة رحمه الله خرج من الخلاف لموافقة الراجح.(1/52)
، وقد روى النسائي من جهة إسحاق بن عبد اللّه "أن أم سليم سألت رسول اللّه أن يأتيها... " (1) الحديث.
18(71) حديث(2) أبي هريرة "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام، أن يحول اللّه رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار" رواه البخاري بلفظ "يجعل"(3) فيهما، وكذا ذكره الحميدي في جمعه بين الصحيحين(4)، وذكره المجد بن تيميه(5) في المنتقى بلفظ "يحول"(6) فيهما، وعزاه لرواية الجماعة، والمصنف ذكره في الأولى دون الثانية(7).
__________
(1) تمام الحديث (... فيصلي في بيتها فتتخذه مصلى، فأتا فعمدت إلى حصير فنضحته بماء، فصلى عليه، فصلوا معه) (سنن النسائي 1/57).
(2) في (ب) قوله أبي هريرة.
(3) انظر: (الصحيح مع الفتح 2/182).
(4) لم أقف على مسند أبي هريرة في الأجزاء الموجودة في الجامعة.
(5) عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم، الحراني، جد شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيميه. أئمة معروفون انظر: ترجمته (المنهج الأحمد 2/249 - 254).
(6) المنتقى مع شرحه نيل الأوطار 3/159.
(7) علق مالك النسخة (أ) السيد عبد الكريم الشريف على حديث أبي هريرة فقال: قال ابن حجر رحمه الله تعالى: لفظ البخاري "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام، أن يجعل الله رأسه رأس الحمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار" ولفظ مسلم "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام، أن يحول الله رأسه رأس حمار" ولم يذكر الباقي، وفي رواية له "ما يأمن الذي يرفع رأسه في صلاته قبل الإمام، أن يحول الله صورته في صورة حمار" وفي رواية له "أن يجعل الله وجهه وجه حمار" وعلى هذا فليس اللفظ الذي في العمدة لواحد منهما، بسياقه وإنما هو من مجموع ما اشتملا عليه. (أ /3).(1/53)
19 (74) حديث عبد الله بن يزيد، الخطمي، الأنصاري(1) قال: "حدثني البراء(2)، وهو غير كذوب... " إلى آخره.
ظاهره أن القائل (وهو غير كذوب) هو عبد اللّه بن يزيد، والضمير للبراء، وليس كذلك، بل قائله أبو إسحاق السبيعي(3)، في عبد اللّه بن يزيد، فإنه الراوي عنه(4)، فكان ينبغي للمصنف أن يقول: عن أبي إسحاق، عن عبد اللّه بن يزيد، وقد سبق نظيره في حديث أنس(5) هكذا قاله الحفاظ، يحيى بن معين(6)، وأبو بكر الخطيب(7)، والحميدي(8)، وابن الجوزي(9)، وغيرهم. قال يحي بن معين: لأن البراء صحابي لا يحتاج إلى تزكية، ولا يحسن فيه هذا القول(10)، وأما النووي فلما حكاه عن يحيى بن معين قال: هذا خطأ، والصواب عند العلماء أن القائل: (وهو غير كذوب) عبد اللّه بن يزيد في البراء، ومعناه تقوية الحديث، وتفخيمه وتمكينه في النفس، لا التزكية، ونظيره قول ابن مسعود: "حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق "(11) وأيضا فعبد الله بن يزيد صحابي أيضاً، فالمحذور الذي
__________
(1) في (ب) قوله عبد الله. قلت: وهو صحابي شهد الحديبية. (انظر: أسد الغابة 3/274).
(2) ابن عازب رضي الله عنه. انظر: حديثه في العمدة ص 30.
(3) عمرو بن عبد الله.
(4) هو كذلك انظر: (خ2/181، م1 / 345) لكن المصنف نفسه أجاب عن هذا التصحيح بما أورده عن النووي رحمه الله في نظري جواب جيد. وقد اعترف المصنف بأن كلام صاحب العمدة مستقيم. والتصحيح يكون للخطأ ولا خطأ هنا.
(5) رقم 17 ويعني بذلك الخلاف في عود الضمير في قوله "أن جدته مليكة" وتقدم تحقيقه ص 87 ت2، 12.
(6) انظر: (التاريخ 2/338).
(7) يعني أن هؤلاء قالوا بعدم صحبة عبد الله بن زيد. والله أعلم.
(8) نفسه.
(9) نفسه.
(10) لم أقف على مصدر هذا القول. والذي في التاريخ، عن عبد الله بن زيد قال: حدثنا البراء - وكان غير كذوب- قال يحي: يعني أبا إسحاق، أن عبد الله بن يزيد كان غير كذوب. (التاريخ 2/338).
(11) انظر: (صف 6/363).(1/54)
تخيله ابن معين في البراء مانعاً، موجود فيه أيضا(1)، وعلى هذا فكلام المصنف مستقيم، لكن لو ذكر أبا إسحاق لكان أحسن، لاحتمال الكلام الوجهين(2) معا فيخرج من الخلاف، وقد سبقه إلى ذلك الحميدي في الجمع بين الصحيحين(3).
__________
(1) رد الحافظ هذا الإلزام فقال: ليس بوارد لأن يحي بن معين لا يثبت صحبة عبد الله بن يزيد، وقد نفاها أيضاً مصعب الزبيري، وتوقف فيها أحمد بن حنبل وأبو حاتم وأبو داود، وأثبتها البرقي، والدارقطني وآخرون. ( الفتح 2/ 181). وقد يرده ما ذكر المصنف عن الآجري في ثبوت الرؤية لعبد الله بن يزيد. ورجح الحافظ أن القائل "وهو غير كذوب" عبد الله بن يزيد، ودعمه ترجيحه بدليل (الفتح 2/182).
(2) هذا الاستحسان قد يستحسن العلماء ما ذهب إليه صاحب العمدة لا سيما وله ما يؤيده من أقوال الصحابة، وعود الضمير إلى أقرب مذكور. وقد حرر هذه المسألة الحافظ ورجح أن الضمير يعود إلى البراء. (الفتح 2/181 - 182).
(3) الجمع بين الصحيحين ( مجلد 2/11).(1/55)
وفي سؤالات الآجري قلت لأبي داود: عبد اللّه بن يزيد الخطمي، الأنصاري؟ قال: له رؤية يقولون. قال أبو داود: وسمعت يحي بن معين يقول هذا. وسمعت مصعب الزبيري يقول: ليس له صحبة (1). قال: وهو الذي قتل الأعمى(2) أمه، وهو(3) الطفل الذي سقط بين رجليها(4) - التي- (5) سبّت النبي صلى الله عليه وسلم(6).
__________
(1) سؤالات الآجري ص 200 -201.
(2) هذا الأعمى رضي الله عنه هو عمير بن عدي بن خرشة بن أمية بن عامر بن خطمة. ترجم له الحافظ وذكر قصته ( الإصابة 7 /165) وأخرج قصته أبو داود. انظر: (سننه 4/528).
(3) يعني عبد الله بن يزيد الحظمي.
(4) في هذا إشكال لأن الرواية تذكر أن المرأة التي سبّت الرسول صلى الله عليه وسلم - واسمها عصماء بنت مروان من بني أمية - كانت أم ولد الأعمى. وذكر أن له منها ولدين مثل اللؤلؤتين وأنها كانت به رفيقة وهذا يقتضي أنها تحته وأن الحمل له. واسم هذا الأعمى عمير بن عدي، وصحابينا عبد الله بن زيد فالذي يظهر لي أن أبا داود أو مصعب الزبيري وهم في هذا الأمر، ولم ينتبه إلى أن عبد الله بن يزيد ليس ابناً للأعمى فلا يكون هو الطفل الساقط من تلك المرأة ونشأ الوهم في نظري أن الأعمى له ابن اسمه عبد الله ذكره الحافظ في ( الإصابة 6/ 184) وهو خطمي، وعبد الله بن يزيد خطمي، وقد ذكر الحافظ ترجمة والد عبد الله بن يزيد في ( الإصابة 10/347) ولم يتنبه لذلك محقق السؤالات.
(5) زيادة من (ب).
(6) سؤالات الآجري ص 201.(1/56)
20(76،77) حديث أبي هريرة "من أم الناس فليوجز"(1) هي رواية مسلم(2) وقال البخاري: "فليتجوز"(3) قوله: "فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة" ولم يذكر البخاري(4) "ذا الحاجة".
21 (79) حديث عائشة "في الاستفتاح في الصلاة"(5) قال ابن دقيق العيد: سها المصنف في إيراده في هذا المكان فإنه مما انفرد به مسلم عن البخاري(6).
22 (87) حديث أبي قلابة(7) قال: "جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا"(8) الحديث. هو من أفراد البخاري(9) قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين:
__________
(1) لفظه في (ب) "فأيكم أم الناس فليوجز". وهذا لفظ حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه في العمدة ص 31. أما لفظ أبي هريرة: إذا صلى أحدكم للناس فليخفف... العمدة ص 31. وانظر: (م1/ 341).
(2) لم يرد عن أبي هريرة "فليوجز" والذي عند مسلم "إذا أم أحدكم الناس فليخفف" ورواية "إذا ما قام.." وفي رواية "إذا صلى أحدكم للناس... " انظر: (م1 /341).
(3) ليس هذا من لفظ أبي هريرة. انظر: (خ2/199) بل هو من لفظ أبي مسعود. انظر: (خ2/197، 10/517).
(4) يعني في لفظ أبي هريرة. وهي ثابتة عند البخاري من لفظ أبي مسعود الأنصاري (خ2/198، 10/517).
(5) لفظه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين..." العمدة32.
(6) شرح العمدة 2/272 وانظر: (م1/357) قال برهان الدين: قال شيخنا رحمه الله: هو منقطع لأنه من رواية أبي الجوزاء، عن عائشة ولم يسمع منها، قاله ابن عدي وابن عبد البر (أ/4) قلت: هو كذلك انظر: (الكامل 1/402) لكن قال الحافظ: لا مانع من جواز كونه توجه إليها بعد ذلك فشافهها على مذهب مسلم في إمكان اللقاء (التهذيب1/384).
(7) عبد الله بن زيد الجرمي كثير الإرسال.
(8) العمدة ص 35.
(9) صف 2/163، 288، 818، 824.(1/57)
لم يخرج مسلم هذا الحديث(1)، وسها المصنف(2) في إيراده من المتفق عليه(3). وقد نبه على هذا ابن دقيق العيد أيضا قال: وأيضاً فإن البخاري أخرجه من طرق، منها رواية وهيب(4)، فأكثر ألفاظ هذه الرواية التي ذكرها المصنف هي رواية وهيب وفي آخرها في كتاب البخاري "وإذا رفع رأسه في السجدة الثانية، جلس واعتمد على الأرض(5)، وقام "(6).
وفي رواية خالد، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث الليثي "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم- يصلي-(7) فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا" (8).
23(100) حديث محمد بن سيرين(9)، عن أبى هريرة "في سجود السهو"(10) قوله: "فنبئت أن عمران بن حصين قال: "ثم(11) سلم "- القائل هذا، هو محمد بن سيرين، الراوي عن أبى هريرة، فكان ينبغي للمصنف أن يذكره، لئلا يوهم أنه قول أبي هريرة.
24(101) حديث عبد اللّه بن مالك بن بحينة(12) "فقام في الركعتين ولم يجلس"(13)رواية مسلم بالفاء "فلم يجلس"(14) وبها استدل القاضي عياض على أنه لم يرجع - إلى-(15) الجلوس بعد التنبيه له(16).
__________
(1) الجمع - صلاة الجماعة (اللوحات الفلمية غير مرقمة).
(2) يعني المقدسي رحمه الله.
(3) شرح العمدة 2/333.
(4) صف 2/163، 288، 818، 824.
(5) في (ب) ثم قام.
(6) صف2 /303
(7) زيادة من (ب).
(8) صف 2/302.
(9) الإمام المعروف وكان لا يرى الرواية بالمعنى .
(10) العمدة ص 39.
(11) هنا سقط. وهو هكذا في (أ، ب) والذي في العمدة ص 39 (قال: "فصلى بنا ركعتين ثم سلم" ).
(12) ابن القشب، صحابي، حليف بني المطلب.
(13) هكذا في (أ، ب) وزاد في العمدة ص 40 "الأوليين" ولم أقف على هذه الزيادة في حديث ابن بحينة في الصحيحين (صف 3/92، م1/399).
(14) وكذلك في رواية البخاري (بالفاء) وأخرى بدون الواو (المصدر السابق).
(15) في (أ) من.
(16) الإكمال.(1/58)
25 (102) حديث أبي جهيم(1)، "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم "(2)، هكذا وقع في نسخ العمدة أعني ذكر الإثم، وليس في الصحيحين(3) ذلك، لكن قيل إنها وقعت في بعض طرق البخاري(4)، من رواية أبي الهيثم، ذكره عبد الحق في الجمع بين الصحيحين(5).
26(104) حديث ابن عباس "أقبلت راكباً على حمار أتان "(6) هي رواية البخاري(7)، ولمسلم روايتان(8)، إحداهما أتان، والأخرى حمار.
27(107) حديث زيد بن أرقم(9)، "فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام "(10). لم يقل البخاري "ونهينا عن الكلام "(11) وإنما هي من أفراد مسلم(12).
28(117) حديث أبى هريرة في التشهد (13):
قوله: وفي لفظ مسلم "إذا تشهد أحدكم فليستعذ باللّه من أربع "(14)
هكذا قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين(15): إن هذا من أفراد مسلم.
__________
(1) ابن الحارث بن الصمة، صحابي اختلف في اسمه. ( الإصابة 11/68).
(2) العمدة ص40.
(3) هو كما قال. انظر: (صف 1/584، م1/363).
(4) لعل المصنف رحمه الله يريد طرق روايته كتاب البخاري، قال الحافظ: زاد الكشميهني "من الإثم" وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات عند غيره، فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البخاري حاشية فظنها الكشميهني أصلاً لأنه لم يكن من أهل العلم، ولا من الحفاظ بل كان راوية. (الفتح 1/585).
(5) باب في سترة المصلي وما جاء في المرور. (اللوحات الفلمية غير مرقمة).
(6) العمدة ص 41
(7) صف 1/171
(8) م1/361، 362.
(9) صحابي مشهور، أنزل الله تصديقه في سورة المنافقون.
(10) العمدة ص 42.
(11) صف 1/72.
(12) م3 /383.
(13) العمدة ص 45 والمراد قوله: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار.."الخ.
(14) م1 /412.
(15) لم أقف عليه في باب وضع اليمنى على اليسرى والتشهد. وفي الأحاديث تكرار فلعله سقط (اللوحات الفلمية غير مرقمة).(1/59)
وأما النووي فعزاه في شرح المهذب(1)، والأذكار(2) إلى البخاري أيضاً، وكأنه أراد أصل الحديث. (3)
29(122) حديث عائشة: "كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء، إلا في آخرها"(4) قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين: إن البخاري لم يخرج هذا اللفظ(5). وأما الحميدي فجعله من المتفق عليه(6) والأول أولى(7).
__________
(1) المجموع 3/414.
(2) الأذكار 1 /105 بل أشار إلى أنها من أفراد مسلم فقال: رواه مسلم من طرق كثيرة وفي رواية منها إذا تشهد أحدكم... الخ.
(3) مراد المصنف رحمه الله أن البخاري لم يخرجه من حديث أبي هريرة وأصله من حديث عائشة. انظر: (صف 2/317) وانظر: الأطراف التي أحال عليها محمد عبد الباقي رحمه الله.
(4) العمدة ص 46، 47.
(5) باب في صلاة الليل والوتر (اللوحات الفلمية غير مرقمة).
(6) لم أقف على مسند عائشة في الأجزاء الموجودة في الجامعة.
(7) يعني أن قول عبد الحق أولى لأن لفظ عائشة ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر) انظر: (صف 3/20) واللفظ مختلف كما هو مشاهد.(1/60)
30(125) حديث أبي هريرة في التسبيح والتحميد والتكبير عقب الصلاة(1): لم يذكر البخاري رجوعهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم(2). وقولهم: "سمع إخواننا ..." إلى آخره قاله الحافظ ضياء الدين في أحكامه (3). وقال الحافظ رشيد الدين العطار: قول مسلم في آخر الحديث: "قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم... " إلى آخره مرسل لم يسنده أبو صالح(4)، وقد أخرجه البخاري في مواضع من كتابه(5). ولم يذكر فيه الزيادة من قول أبي صالح إلا مسلماً، وقد أخرجه من وجه آخر عن أبي صالح، وفيه هذه الزيادة متصلة مع سائر الحديث. قال: إلا أنه أدرج في حديث أبي هريرة قول أبي صالح: " فرجع فقراء المهاجرين" إلى آخره قال: وقوله: حدثت بعض أهلي - بهذا الحديث(6) - فقال: - وهمت (7)- هو غير متصل.
31 (127) حديث ابن عباس "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء"(8) هذا اللفظ للبخاري(9) دون مسلم.
__________
(1) يعني قول فقراء الصحابة: (ذهب أهل الدثور بالأجور) العمدة ص 48، 49.
(2) وهو كذلك. انظر: (صف 2/325).
(3) أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي، محدث حافظ، رحاله. تنسب إليه المدرسة الضيائية - له تصانيف منها الأحكام، لم أقف على هذا المؤلف قال الشيخ حماد الأنصاري: لا يوجد - انظر: ترجمة الضياء (تذكرة الحفاظ 4/1405).
(4) علي بن إبراهيم بن داود، فاضل من أهل دمشق، باشر مشيخة النورية والقوصية والعلمية، مدة ثلاثين سنة، له مؤلفات منها - إحكام شرح عمدة الأحكام - لم أقف عليه، قال شيخنا حماد الأنصاري: لا يوجد من كتبه سوى المقطوعات في الصحيح مسلم - لابن العطار. (الدرر الكامنة 3/73) بتصرف.
(5) انظر: (صف 2/325، 11/132).
(6) زيادة من (ب).
(7) في (أ) وزعمت. والتصحيح من (ب).
(8) العمدة ص 49.
(9) انظر: (صف 2/579).(1/61)
كما قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين(1) ، ونبه عليه ابن دقيق العيد(2)، وأطلق المصنف إخراجه عنهما(3)، نظراً إلى أصل الحديث على عادة المحدثين، فإن مسلماً أخرج من رواية ابن عباس الجمع بين الصلاتين في الجملة، من غير اعتبار لفظ بعينه(4)، وهو المتفق عليه، - ثم ينبغي التنبيه على أن البخاري علقه ولم يصل سنده، فإنه قال: وقال إبراهيم بن طهمان: عن حسين(5)، عن يحي(6)، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره(7). والبخاري لم يدرك إبراهيم بن طهمان(8)، ففي إطلاقه أنه رواه مشاحة قوية، والعجب من ابن الأثير في شرح المسند حيث ادعى أن مسلماً أخرجه(9)، وساق سنده الذي فيه التصريح وذلك في عرض سطر -(10).
32(128) حديث ابن عمر(11) "صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين"(12).
__________
(1) باب الجمع بين الصلاتين (اللوحات الفلمية غير مرقمة).
(2) شرح العمدة 3/94.
(3) يعني عن البخاري ومسلم.
(4) يعني أخرج مطلق الجمع. انظر: (م1/489 - 490).
(5) هو المعلًّم.
(6) يحي بن أبي كثير.
(7) انظر: (صف 2/579).
(8) لأن إبراهيم مات سنة ثمان وستين ومائة، والبخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين.
(9) لم أقف عليه وما عرفه لي أحد ممن سألت لكن في الضوء اللامع 5/114 قال السخاوي رحمه الله: الكواكب الدراري في ترتيب مسند أحمد على أبواب البخاري وشرحه في مائة وعشرين مجلدا أبو الحسن علي بن زكنون الحنبلي. وقال ابن الجزري رحمه الله: أما ترتيب هذا المسند فقد أقام الله تعالى في ترتيبه خاتمة الحفاظ أبا بكر محمد بن عبد الله المحب الصامت فرتبه على معجم الصحابة، ورتب الرواة كذلك كترتيب كتب الأطراف، تعب فيه تعباً كثيراً. (المقصد الأحمد في رجال مسند أحمد 30).
(10) ما بين الشرطتين مسقط من (ب) وهو قدر أربعة أسطر.
(11) عبد الله بن عمر الخطاب، صحابي ابن صحابي، وأحد المكثرين من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(12) العمدة ص 50.(1/62)
قال الشيخ تقي الدين: هذا لفظ رواية البخاري(1)، ولفظ رواية مسلم أكثر وأزيد، ولم يبين تلك الزيادة (2). وقال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين(3): روى مسلم عن حفص بن عاصم بن عمر الخطاب قال: "صحبت ابن عمر في طريق مكة فصلى الظهر ركعتين ثم أقبل، وأقبلنا معه حتى جاء رحله، وجلس وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى، فرأى ناساً قياماً فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون(4). قال: لو كنت مسبحاً أتممت صلاتي، يا ابن أخي صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(5). قال عبد الحق: خرجه البخاري من قوله: " صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم..." إلى آخره(6)، والصحيح أن عثمان أتم في آخر أمره(7)، على ما يأتي بعد إن شاء الله تعالى.
__________
(1) انظر: (صف 2/577) وانظر: الزيادة في (م1/479، 480)
(2) شرح العمدة 3/101.
(3) في باب قصر الصلاة. (اللوحات الفلمية غير مرقمة).
(4) المراد يصلون تطوعاً.
(5) الآية (21) من الأحزاب.
(6) انظر: (صف 2/577).
(7) انظر: (صف 2/563، 569) وانظر: (فتح الباري 2/507، 578).(1/63)
33(132) حديث ابن عمر - رضي الله عنهما(1)- "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم، يفصل بينهما بجلوس"(2) قال ابن دقيق العيد: لم أقف عليه بهذا اللفظ في الصحيحين، فمن أراد تصحيحه فعليه إبرازه(3). ولفظ الصحيحين من حديث ابن عمر " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً، ثم يجلس ثم يقوم كما يفعلون اليوم"(4) وفي لفظ "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين يفصل بينهما"(5) وعليه اقتصر الحميدي في جمعه (6)، ورواه النسائي بلفظ "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين قائما، وكان يفصل بينهما بجلوس "(7) وقد ذكر ابن العطار في شرحه هذا الحديث من رواية جابر ثم قال: إنه جابر بن سمرة، كما هو مبين في صحيح مسلم (8)، ثم ساق ترجمته(9). وهو عجيب لم يقع في العمدة من روايته، ولا يمكن ذلك لأنه من أفراد مسلم(10).
34 (146) حديث عبد اللّه بن زيد في صلاة الاستسقاء "وجهر فيها بالقراءة"(11) هذا من أفراد البخاري(12)، كما قاله النووي في شرح مسلم(13).
__________
(1) زيادة من (ب).
(2) العمدة ص 51.
(3) شرح العمدة 3/130.
(4) انظر: (صف 2/401) لكنه قال: "كما تفعلون الآن" والمصنف ذكر لفظ مسلم (2/589).
(5) لم أقف على هذا اللفظ "يفصل" والذي عند البخاري (يقعد) 2/406، وليست عند مسلم لكن لفظ "يفصل" أخرجه النسائي 3/109.
(6) الجمع بين الصحيحين (مجلد 2/91).
(7) سنن النسائي 3/109.
(8) م2/589.
(9) إحكام شرح عمدة الأحكام ولم أقف عليه. (انظر: ص 38 ت14).
(10) هو كما قال رحمه الله، فلا ذكر لجابر بن سمرة في العمدة بهذه الرواية.
(11) في (أ،ب) جهر فيها وفي العمدة "فيهما" ص56 وهو كذلك عند البخاري.
(12) انظر: (صف2/514).
(13) قال: ويذكر في رواية مسلم الجهر بالقراءة، وذكره البخاري. (شرح النووي على مسلم 2/550).(1/64)
35 (150) حديث جابر في صلاة(1)، ثم قال: أخرجه مسلم بتمامه(2) ، وأخرج البخاري طرفاً منه، وأنه صار مع النبي صلى الله عليه وسلم، في الغزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع، فيه وهمان:
أحدهما(3) : أن البخاري لم يخرجه ولا شيئاً منه(4) ، وإنما أخرج البخاري من حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر في غزوة ذات الرقاع، وليس فيه صفة الصلاة(5)، وذات الرقاع مخالفة لهذه الكيفية، فتبين أنه ليس طرفاً منه، وإنما حمله على ذلك كونه من حديث جابر في الجملة (6).
الوهم الثاني: قوله: "في الغزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع، وذات الرقاع ليست سابعة" ولفظ البخاري "في غزوة السابعة" (7) بحذف الألف واللام من "غزوة " والمراد في غزوة السنة السابعة، وقصد البخاري الاستشهاد به على أن ذات الرقاع بعد خيبر (8)، وهذا ظاهر على رأي البخاري، فإنه يقول: إنها بعد خيبر، فلا إشكال في كونها في السنة السابعة، لكن جمهور أهل السير خالفوه (9).
__________
(1) إحدى الروايات في صلاة الخوف، وفيها "فصففنا صفين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.." العمدة ص58.
(2) انظر: (م1/574).
(3) سقطت من (ب).
(4) هو كذلك، ولم أقف على شيء مما ذكر.
(5) انظر: (صف 7/416، 417).
(6) الأمر كما قال المصنف رحمه الله.
(7) انظر: (صف 7/416).
(8) قال: وهي بعد خيبر، لأن أبا موسى جاء بعد خيبر. (صف 7/416).
(9) منهم ابن إسحاق فيما نقل عنه ابن هشام. (السيرة 3/692) حيث ذكر أنها في سنة أربع.(1/65)
36 (149) قوله "الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم(1) هو سهل بن أبي حَثَمَة"(2) هذا الذي قاله في تعيين المبهم ذكره عبد الحق(3) ، وابن عبد البر(4) وغيرهما، وهو عجيب وكيف يكون هذا؟! وقد كان سهل إذ ذاك صغيرا، أكثر ما يكون عمره أربع سنين، أو خمس فإنه لما توفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، كان عمره ثمان (سنين)(5) بالاتفاق (6)، وقد رجح ابن العطار أن سهلاً لم يشهد هذه الواقعة (7)، وهو الصواب، وقد قال الإمام الرافعي في شرح الوجيز: إن هذا المبهم هو خوات بن جبير(8)، وهو أقرب إلى الصواب كما أوضحته في الذهب الإبريز(9).
ومن كتاب الجنائز إلى كتاب الحج
__________
(1) العمدة ص 58.
(2) في (أ، ب) حتمة بالمثناة والصواب بالمثلثة، أنصاري، صحابي صغير.
(3) في باب صلاة الخوف. (اللوحات الفلمية غير مرقمة).
(4) انظر: ( شرح الزرقاني 1/270).
(5) سقطت من (ب).
(6) قال ابن أبي حاتم عن أبيه: بايع تحت الشجرة، وشهد المشاهد، إلا بدرا، وكان دليل النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أحد (الجرح والتعديل 4/200) قال ابن القطان: هذا لا يصح، لإطباق الأئمة على أنه كان ابن ثمان سنين أو نحوها عند موت النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن مندة، وابن حبان، وابن السكن، والحاكم أبو أحمد (نقله عنه الحافظ في الإصابة 4/271).
(7) إحكام شرح عمدة الأحكام (انظر: ص 38 ت14).
(8) شرح الوجيز مع المجموع 4/635.
(9) وقفت على مجلدة من الكتاب المذكور مبدوءة بكتاب (الجراح، وهي ناقصة والمطلوب فيما لم يوجد (مكتبة الشيخ حماد).(1/66)
37 (156) حديث ابن عباس - رضي الله عنه (1) - وفي رواية "ولا تخمروا وجهه ولا رأسه"(2) هذه رواية مسلم(3)، فكان ينبغي التنبيه عليه، قال البيهقي: وذكر الوجه وهم من بعض الرواة في الإسناد والمتن - جميعا - (4) والصحيح "لا تغطوا رأسه" (5) كذا أخرجه البخاري، وذكر الوجه غريب (6).
38 (167) حديث أبي هريرة، وفي لفظ " إلا زكاة الفطر في الرقيق" (7) هذه من أفراد مسلم (8).
__________
(1) زيادة من (ب).
(2) العمدة ص 60 لكنه قال: (وجهه ورأسه) بحذف (لا).
(3) بل عندهما (م2/865) وكذلك عند البخاري "ولا تخمروا رأسه" صف 3/136، 137، 4/64 فلا وجه في نظري للاعتراض.
(4) زيادة عند البيهقي (السنن الكبير 3/393).
(5) صف 4/52.
(6) السنن الكبير 3/393.
(7) العمدة ص 63.
(8) الرواية في مسلم بلفظ "إلا صدقة الفطر" (م2/676) ولم أجده عند البخاري بهذا اللفظ (صف 3/363) ولم أقف على كلام للحافظ حول ما إذا كانت رواية في بعض نسخ البخاري، لكن البخاري عقد لوجوب زكاة الفطر في الرقيق بابين قال: باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين (صف 3/393) وباب صدقة الفطر على الحر والمملوك (صف 3/275) وذكر فيهما حديث ابن عمر، ولعل المقدسي اعتبر هذا فتساهل ولم يقيد الرواية والله أعلم.(1/67)
39(169) حديثه أيضاً في بعث عمر على الصدقة، من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أما العباس فهي عليَّ، ومثلها - معها(1)-" لم يروه البخاري بهذا اللفظ، بل لفظه"وأما العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي عليه صدقة، ومثلها معها" (2) وليس عنده "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر" (3) ولا قوله: "أما شعرت يا عمر أن الرجل صنو أبيه" (4) وقد نبه الحافظ الضياء في أحكامه (5) لذلك. فساق الحديث بتمامه ثم قال: رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظه، وليس في رواية البخاري ذكر عمر، وعنده (6) "وأما العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي عليه صدقة، ومثلها معها" وليس عنده قوله: "أما شعرت... " (7) إلى آخره.
__________
(1) زيادة من (ب) وانظر: العمدة ص 64.
(2) صف 3/331 لكنه قال: (فعم).
(3) هو كذلك (المصدر السابق).
(4) هو كما قال ( المصدر السابق).
(5) الأحكام (انظر: ص 38 ت13).
(6) يعني البخاري.
(7) انظر: (صف 3/331).(1/68)
40 (186) حديث عائشة- رضي اللّه عنها- (1) أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" (2) وأخرجه أبو داود وقال: هذا في النذر(3)، وهو قول أحمد بن حنبل(4)، قال الشيخ تقي الدين: ليس هذا الحديث مما اتفق الشيخان على إخراجه(5). وليس كما قال الشيخ فقد أخرجه البخاري(6) ومسلم(7) جميعا، كما نبه عليه عبد الحق في الجمع بين الصحيحين(8)، وكذلك ذكره صاحب المنتقى(9)، ولعل الواقع في نسخ العمدة تحريف، وكأنه إنما قال: هذا الحديث مما اتفق على إخراجه لأن المصنف لما قال: وأخرجه أبو داود أراد الشيخ أن يبين أنه في الصحيحين كما هو شرط المصنف ولو كانت ليست ثابتة في الأصل لقال: بل خرجه مسلم.
__________
(1) زيادة من (ب).
(2) العمدة ص 69.
(3) سنن أبي داود 2/791، 792.
(4) المغني 3/152، 153.
(5) شرح العمدة 3/377، والشيخ تقي الدين هو ابن دقيق العيد رحمه الله.
(6) صف 4/192 قال برهان الدين: قال شيخنا: هو في البخاري في كتاب الصوم وبوب عليه باب من مات وعليه صوم (أ /8).
(7) م2/803.
(8) لم أقف عليه عند عبد الحق .
(9) في باب صوم النذر عن الميت. انظر: (المنتقى مع شرحه نيل الأوطار 4/263).(1/69)
41(190) حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنة- (1) "فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر"(2) عزاه المصنف إلى رواية مسلم وهو وهم، وإنما هو من أفراد البخاري (3)، كما قاله عبد الحق في جمعه(4) بين الصحيحين، وكذا قال صاحب المنتقى(5)، والضياء في أحكامه (6)، وكذا المصنف في عمدته الكبرى(7) ، عزاها للبخاري(8) فقط فالظاهر أن ما وقع في الصغرى(9) سبق قلم، وقول المصنف بعد أن أخرج حديث ابن عمر: رواها أبو هريرة، وعائشة، وأنس، أراد أن يبين- أن- (10) أحاديثهم (11) في الصحيحين، وأن أبا سعيد في حديثه زيادة "إلى السحر" من أجل معتقده جواز الوصال إليه.
__________
(1) زيادة من (ب).
(2) العمدة ص 71.
(3) صف 4/208.
(4) لم أقف عليه عند عبد الحق.
(5) المنتقى مع نيل الأوطار 4/243، 244.
(6) الأحكام (انظر: ص 38 ت13).
(7) لم أقف على هذا الكتاب وسألت الشيخ حماد وقال: لا يوجد وكذلك غيره من أهل العلم.
(8) في (ب) إلى البخاري.
(9) العمدة ص 71.
(10) سقطت من (ب).
(11) في (أ) أحاديثهما بالتثنية، والجمع هو الصواب.(1/70)
42 (197) حديث أبي سعيد الخدري قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين، الفطر والنحر"(1) إلى قوله: أخرجه مسلم بتمامه(2)، وأخرج البخاري الصوم فقط، انتهى. هذا غريب فقد أخرجه البخاري بتمامه في هذا الباب من صحيحه، وترجم عليه (باب صوم يوم الفطر) (3) ثم قال عقيبه: (باب الصوم يوم النحر)(4) وذكره أيضاًً لكن بدون "الصماء" و"الاحتباء"(5) وكأن المصنف لم ينظر هذا، إنما نظره في باب ستر العورة فإنه ذكر طرفاً منه بدون الصوم والصلاة (6).
__________
(1) العمدة ص 73.
(2) الواقع أن مسلماً رحمه الله لم يخرجه بتمامه أعني باللفظ المذكور في العمدة، فإن مسلماً لم يذكر الصماء ولا الاحتباء (م2/799، 800) ولعل ما استدركه المصنف على المقدسي رحمهما الله، إنما هو سبق قلم وقع من المقدسي وإنما أراد عكس ما كتب أن البخاري أخرجه بتمامه، ومسلماً أخرج الصوم فقط.
(3) صف 4/239، 240.
(4) نفسه.
(5) إن كان المصنف يريد عدم ذكرهما في حديث أبي سعيد فليس كذلك بل هما مذكوران فيه وإن أراد أن البخاري ذكره من طريق آخر ليس فيه الصماء ولا الاحتباء فهو كذلك عن عمر بن الخطاب. (صف 4/238).
(6) في كلام المصنف رحمه الله نظر لأنه علل قول المقدسي: "أخرج البخاري الصوم فقط" باحتمال أن المقدسي وقف على الرواية المذكورة في باب ستر العروة فقط وهذا في نظري وهم من المصنف لأن المقدسي لم يقل: وأخرج البخاري الصمّاء والاحتباء. وإنما قال: "وأخرج البخاري الصوم فقط" فدل على أن المقدسي رحمه الله وقع له سبق قلم فكتب في الأول مسلماً بدل البخاري وفي الثاني البخاري بدل مسلم لأنه لم يذكر الصماء ولا الاحتباء واقتصر على الصوم فقط. (انظر: ص 44 تعليق13) ثم انظر: (صف 1/ 476).(1/71)
43(200) حديث عائشة: أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم قال: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر"(1) انتهى. وهو صريح في أن لفظة "في الوتر" متفق عليها، وليس كذلك، بل هي من أفراد البخاري (2)، ولم يخرجها مسلم (3) من حديث عائشة، ووقع للشيخ تقي الدين(4) هنا شيء ينبغي التنبيه عليه، فإنه قال: بعد أن ذكر حديث عائشة: هذا يدل على ما دل عليه الحديث الذي قبله، مع زيادة الاختصاص بالوتر من العشر الأواخر(5). انتهى. والحديث الذي قبله هو حديث ابن عمر " أن رجالاً من الصحابة رأوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر"(6) وهذا الحديث لا يدل على ما دل عليه حديث عائشة بالزيادة التي (7) ذكرها الشارح، فالتماس الوتر من السبع الأواخر غير التماس الوتر من السبع الأواخر(8).
__________
(1) العمدة ص 74.
(2) صف 4/259.
(3) م2/828.
(4) ابن دقيق العيد رحمه الله.
(5) شرح العمدة 3 /434.
(6) العمدة ص 73 غير أنه قال: "فمن كان منكم" ولفظه: "منكم" ليست عند الشيخين. انظر: (صف 4/ 257) و(م2/822، 829).
(7) في (ب) الذي.
(8) وهو كذلك بالنظر إلى اختلاف العلماء في أمر الروايتين لكن المترجح لدي ما ذهب إليه بعض العلماء من أن المراد بالسبع الأواخر أواخر الشهر فإن العمل فيها أولى بالاجتهاد وأحوط لكسب الخير والحصول على هذه الليلة المباركة. وانظر: كلاماً للحافظ ابن حجر حول هذا الموضوع (الفتح 4/256، 257).(1/72)
44(201) حديث أبي سعيد الخدري "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاماً حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين، التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه"(1) انتهى. وهذا اللفظ وهو قوله: "حتى إذا كانت..." إلى آخره لم يخرجه مسلم(2)، وإنما هو في بعض روايات البخاري(3)، بل الذي دل عليه طرف الحديث فيهما أن ليلة إحدى وعشرين ليست هي الليلة التي كان يخرج - من -(4) صبيحتها من اعتكافه، بل الخروج للخطبة كان من صبيحة إحدى وعشرين، والخروج من الاعتكاف والعودة إلى المسكن - كان -(5) في مساء يوم الموفي عشرين، لا في صبيحة الحادي والعشرين(6).
ومن كتاب الحج إلى البيوع
45 (210) حديث ابن عمر في التلبية قال: "كان ابن عمر يزيد فيها لبيك وسعديك"(7) هذه الزيادة ليست في البخاري، بل أخرجها مسلم خاصة، كما نبه عليه عبد الحق في جمعه(8).
__________
(1) العمدة ص 74.
(2) م2/824 وما بعدها.
(3) صف 4/371.
(4) في (ب) في.
(5) زيادة من (ب).
(6) هو كذلك قال الحافظ: ومقتضاه أن خطبته وقعت في أول اليوم الحادي والعشرين، وعلى هذا يكون أول ليالي اعتكافه الأخير ليلة اثنتين وعشرين، وهو مغاير لقوله في آخر الحديث "فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين، من صبح إحدى وعشرين" فإنه ظاهر في أن الخطبة كانت في صبح اليوم العشرين، ووقوع المطر كان ليلة إحدى وعشرين، وهو الموافق لبقية الطرق.. ويؤيده أن في رواية الباب الذي يليه (فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع على مسكنه، وهذا في غاية الإيضاح.. الخ. (الفتح 4/257، 258).
(7) العمدة ص 78.
(8) انظر: (صف 3/408، م2/841) والجمع باب التلبية (اللوحات الفلمية غير مرقمة).(1/73)
46 (211) حديث أبي هريرة قوله: وفي لفظ للبخاري(1) "لا تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم" (2) يوهم انفراد البخاري(3) به، وليس كذلك فقد أخرجه مسلم(4) أيضا.
47(215) حديث عائشة: "خمس من الدواب كلهن فاسق..."(5) إلى آخره اعلم أن اللفظ الأول للبخاري (6)، ولمسلم مثله إلا أنه قال: "فواسق" بدل "فاسق "(7) وأما اللفظ الثاني الذي عزاه لمسلم فليس فيه كذلك، وإنما لفظه "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم(8) وفي رواية- له- (9) قالت: "أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرم "(10) ولعل المصنف أراده لكن ليس هو لفظ الراوي(11).
__________
(1) هكذا في (أ، ب) وليس هذا في العمدة.
(2) العمدة ص 79 وزاد (وليلة) وهو الصواب.
(3) انظر: (صف 2/566) تجد اختلافاً في بعض الألفاظ بالنسبة للفظ البخاري وعادة المصنف المؤاخذة على هذا.
(4) عند مسلم "إلا مع ذي محرم عنها" في هذه الرواية وفي أخرى "منها" ولم يذكرها المقدسي ولا استدركها المصنف كعادته. (م2/977).
(5) العمدة ص 81.
(6) يعني قوله (خمس من الدواب) إلى قوله (ولمسلم) فكلمة "فواسق" ليست من لفظ البخاري (صف 4/34).
(7) م2/857.
(8) الحديث عند مسلم بألفاظ عن عائشة وفي نظري الأقرب منها لما عند المقدسي "خمس من الدواب كلها فواسق تقتل في الحرم". ( م2/857) ولعل المقدسي رحمه الله أخذ بلفظ البخاري وبمجموع الروايات عند مسلم لاندراجها تحت ذلك اللفظ.
(9) سقطت من (ب).
(10) م2/857.
(11) قال عبد الكريم المكي: بخط ابن خضر، لم يرد المصنف هذا وإنما أراد الذي قبله، وليس فيه غير تقديم وتأخير والخطب في سهل. (أ /8).(1/74)
48 (229) حديث عائشة "أهدى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مرة غنماً "(1) هذا لفظ البخاري(2)، ورواه مسلم كذلك وزاد "إلى البيت فقلدها" (3).
49(238) حديث عبد الله بن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أرمي"(4) هذا الحديث ثابت في الصحيحين (5)، كما قال وذكره الشيخ في شرحه من طريق عبد الله(6) بن عمر وهو سهو.
__________
(1) العمدة ص 86.
(2) صف 3/547.
(3) قال برهان الدين ابن خضر: قال شيخنا: لفظ مسلم "أهدى مرة إلى البيت غنماً فقلدها" فيه تقديم وتأخير عن ما تشعر به عبارة المصنف وعادته المؤاخذة بمثل ذلك. (أ /8) وانظر: (م2/958).
(4) العمدة ص 89.
(5) عند البخاري من حديث ابن عباس ولم أقف عليه من حديث ابن عمر (صف 3/559) وعند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وليس عنده عن ابن عمر (م2/948) والذي وقع للمقدسي والله أعلم هو سهو أو أنه من الناسخ أسقط الواو الفارقة وهو الأقرب عندي، ثم وقفت على العمدة بشرح آل بسام فوجدت الرواية عن عبد الله بن عمرو بن العاص (تيسير العلام 1/600) فتحقق بحمد الله أنه من الناسخ وكذلك حصل لبعض النساخ أن كتب عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو خطأ بني على خطأ.
(6) شرح العمدة 3/578، 579).(1/75)
50(243) حديث ابن عمر "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع(1)، لكل واحد منهما بإقامة، ولم يسبح(2) بينهما"(3) هذا لفظ البخاري(4)، بزيادة وإسقاط، فأما الزيادة فهي لفظه "كل" بعد قوله: "إثر" وأما الإسقاط فهو "اللام" من قوله "لكل واحدة منها" ومسلم ذكره بألفاظ(5).
ومن كتاب البيوع إلى النكاح
51(257) حديث رافع بن خديج "ثمن الكلب خبيث، وكسب الحجام خبيث"(6) هذا الحديث من أفراد مسلم(7) كما نبه عليه عبد الحق(8)، وغيره، وأغرب الحميدي فلم يذكره أصلاً في ترجمة رافع (9)، مع أن مسلماً كرره في البيوع من صحيحه (10).
__________
(1) اسم للمزدلفة.
(2) المراد بهذا صلاة النافلة.
(3) العمدة ص 91.
(4) صف 3/523 وقد زاد المقدسي (اللام) وأسقط (كل) بعد قوله (إثر).
(5) م2/937، 938 وقال برهان الدين: قال شيخنا رحمه الله تعالى: منها جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع فصلى المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين بإقامة واحدة. (أ /8).
(6) العمدة ص 95 وقد أسقط المصنف وسط الحديث "ومهر البغي خبيث".
(7) م3/1199.
(8) في النهي عن ثمن الكلب والسنور (اللوحات الفلمية غير مرقمة).
(9) انظر: الجمع بين الصحيحين (مجلد 1 ورقة160).
(10) م3/1199.(1/76)
52(260) حديث عمر في (1) العرايا قوله: ولمسلم "من ابتاع عبداً، فما له للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع"(2) كذا فعل في عمدته الكبرى(3)، وهو صريح(4) في أنها من أفراد مسلم(5)، وليس كذلك فقد أخرجها البخاري(6) أيضاً في باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو نخل، ولفظه "من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع، ومن ابتاع عبداً وله مال فما له للذي ابتاعه، إلا أن يشترط المبتاع"(7). الذي أوقع المصنف في ذلك، عدم ذكر البخاري له في باب (البيع)(8) واقتصاره على القطعة الأولى، وليس كذلك، فقد أخرجه في غير مظنته، ولهذا نسبه الحافظان المنذري في مختصره للسنن(9)، والضياء في أحكامه(10) للبخاري ومسلم، ووقع لابن العطار الشارح في هذا الموضع وهم، فإنه قال: هذه الزيادة التي نسبها لمسلم رواها الشيخان أيضاً في صحيحيهما،
__________
(1) قال برهان الدين رحمه الله: قال شيخنا رحمه الله تعالى: قوله: (حديث عمر في العرايا) هذه الترجمة على هذه الصورة غلط، فإن الحديث المذكور إنما هو عن ابن عمر، لا عن عمر، ثم إنه لا ذكر للعرايا فيه أصلاً، وسبب هذا الوهم أن المصنف ذكر حديث ابن عمر هذا في باب ترجمة العرايا وغير ذلك. ولعله كان فيه حديث ابن عمر في باب العرايا، فسقط من النساخ. (أ /8). قلت: لا حاجة لهذه الإطالة في التعليق والمخرج واضح فاحتمال سقوط لفظة (ابن) كبير جداً فالسبب غالباً من الناسخ ومثل هذا يقع لكل باحث. ولم أقف عليه من حديث عمر.
(2) العمدة ص96.
(3) تقدمت الإفادة بعدم الوقوف عليه.
(4) قال عبد الكريم المكي: بخط ابن خضر قوله: "وهو صريح" فيه مشاحَّة، لأنه ليس صريحاً لفظاً، وإنما يؤخذ ذلك بطريق الاصطلاح، وعبارة ابن الملقن "ظاهر إيراده أنها من أفراد مسلم" وهي عبارة جيدة (أ /8).
(5) انظر: (م3 /1173).
(6) انظر: (صف 5/49).
(7) انظر: (صف 5/ 49).
(8) انظر: (صف 4 /401).
(9) مختصر سنن أبي داود 5/78، 79.
(10) الأحكام (انظر: ص 38 ت13).(1/77)
لكن من رواية سالم عن أبيه، ولا يضر ذلك لأن سالما ثقة، وهو أجل من نافع، فزيادته مقبولة، وقد أشار النسائي(1)، والدارقطني(2) إلى ترجيح رواية نافع، وهذه إشارة مردودة، قال: فحينئذ المصنف معذور من حيث أنه يروي الحديث عن ابن عمر، والزيادة عنه أيضاً، والذي خرجاه في الصحيحين(3) روايتهما عن ابن عمر عن أبيه، هذا كلام ابن العطار(4). وهو مردود بأن هذا الحديث لم يروه الشيخان من حديث ابن عمر عن أبيه أصلا(5)، ولهذا لم يذكره(6) الحميدي في جمعه بين الصحيحين من روايته، والحديث ثابت فيهما، من حديث سالم عن أبيه، وهو ابن عمر مرفوعاً بلفظ المصنف جميعه، ذكره مسلم(7)- هنا -(8) والبخاري مفرقاً كما سبق، نعم وقع في بعض نسخ البخاري عقيب الحديث المذكور بكماله، وعن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر (في العبد) انتهى، وقد ساق هو قبل ذلك ومسلم الحديث عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً (في النخل) - فقط -(9) الله أعلم بحال هذه الزيادة(10) والذي أوقع ابن العطار فيما ذكره، أنه رأي شيخه أبا
__________
(1) السنن الكبرى.
(2) انظر: (العلل 50 - 52).
(3) في (ب) في صحيحيهما.
(4) في كتابه إحكام شرح عمدة الأحكام (انظر: ص 38 ت14).
(5) هو كما قال الزركشي رحمه الله فالذي من حديث نافع عن ابن عمر خلاف هذا (صف 4/401، م3/1137).
(6) م3/1137).
(7) انظر: (صف 4/401 وأطراف الحديث).
(8) في (ب) هاهنا.
(9) زيادة من (ب).
(10) قال ابن خضر: قال شيخنا رحمه اله تعالى: الزيادة ثابتة في رواية أبي ذر عن مشايخه الثلاثة (أ /9). قلت: أبو ذر عبد الله بن محمد بن أحمد الهروي أحد رواة صحيح البخاري ولد سنة خمس أو ست وخمسين وثلاثمائة، ومات سنة أربع وثلاثين وأربعمائة. انظر: ترجمته في (هدية العارفين 1/472) ويقال: عيد بن محمد. ولعل هذا القول من المصنف يريد به حال النسبة إلى البخاري والزيادة عند أبي داود من طريق مالك بالسند المذكور أعلاه (سنن أبي داود 3/715).(1/78)
زكريا النووي رحمه الله قال في شرح مسلم: قوله عليه السلام: "ومن ابتاع عبداً فما له للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع" هكذا روى الحكم البخاري ومسلم من رواية سالم، عن أبيه، عن عمر(1)، ولم تقع هذه الزيادة في حديث نافع، عن ابن عمر، ولا يضر ذلك، فسالم ثقة، بل هو أجل من نافع، فزيادته مقبولة، وقد أشار النسائي والدار قطني إلى ترجيح رواية نافع، هذه إشارة مردودة(2) - هذا(3) - كلامه، وهو صحيح لأنه لم يذكر رواية عمر البتة(4)
__________
(1) قال ابن خضر: قال شيخنا رحمه الله تعالى: صوابه عن أبيه ابن عمر، فابن عمر بدل من أبيه، وقد وقع على الصواب في شرح العمدة للشيخ سراج الدين بن الملقن، ومنه نقل المصنف الكلام على هذا الحديث برمته لا زيادة ولا نقص، لكن أوهم أنه من تصرفه، وليس كذلك. (أ /9).
(2) انظر: (شرح صحيح مسلم 4/28). قال الحافظ: أما نفي تخريجها فمردود فإنها ثابتة عند البخاري هنا من رواية ابن جريح، عن ابن أبي مليكة، عن نافع، لكن باختصار. - وهو كذلك - (الفتح 5/51).
(3) في (ب) وهذا.
(4) جاءت الإشارة في رواية نافع وقد وقع الاختلاف بين سالم ونافع في رفعها ووقفها، لا في إثباتها ونفيها، فسالم رفع الحديثين جميعاً، ونافع رفع حديث النخل عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووقف حديث العبد على ابن عمر، عن عمر، وقد رجح مسلم ما رجحه النسائي، ورجح البخاري رواية سالم في رفع الحديثين، ونقل ابن التين، عن الداودي، وهو وهم من نافع، والصحيح ما رواه سالم في العبد والثمرة. قال ابن التين: لا أدري من أين أدخل الوهم على نافع مع إمكان أن يكون عمر قال ذلك - يعني على جهة الفتوى - مستنداً إلى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فتصح الروايتان، قال الحافظ: قد نقل الترمذي في الجامع -3/ 538 - عن البخاري تصحيح الروايتين، ونقل عنه في العلل -1/499، 500 - ترجيح قول سالم. (الفتح 5/52) قلت: وعبارة الترمذي: قال إن نافعاً يخالف سالما في أحاديث، وهذا من تلك الأحاديث. روى سالم عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال نافع: عن ابن عمر، عن عمر، كأنه رأى الحديثين صحيحين. إنه يحتمل عنهما جميعاً.(1/79)
.
53(265) حديث أبي هريرة "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لبادي ولا تناجشوا..."(1) إلى آخره. هذا لفظ البخاري(2)، ولمسلم نحوه(3).
54(267) حديث أبي سعيد الخدري "أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا مثلاً بمثل..."(4) إلى آخره وفي لفظ "إلا وزناً بوزن" ذكر الوزن من أفراد مسلم(5)، نبه عليه عبد الحق في جمعه بين الصحيحين(6).
55(274) حديث جابر - بن عبد الله (7)- قال: "جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي لفظ "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم"(8) أخرجه ابن الجوزي في تحقيقه من طريق أبي سلمة، عن جابر قال: "إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة" ثم قال: انفرد بإخراجه البخاري(9)، ثم ذكره من طريق أبي الزبير، عن جابر قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم، ربعة، أو حائط، لا يحل(10) له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك" وقال: انفرد بإخراجه مسلم(11).
__________
(1) العمدة ص 99.
(2) انظر: (صف 4/353).
(3) انظر: (م3/1157).
(4) العمدة ص 100.
(5) انظر: (م3/1214).
(6) في باب في الصرف (اللوحات الفلمية غير مرقمة).
(7) زيادة من (ب).
(8) العمدة ص 101.
(9) التحقيق في مسائل التعليق (مجلد 2/42).
(10) سقطت من (ب).
(11) التحقيق (مجلد 2/42، 43).(1/80)
56 (288) حديث أسامة(1)- بن زيد رضي اللّه عنه(2)- (في الفرائض)(3) زعم الشيخ مجد الدين بن تيمية في أحكامه أن هذه القطعة لم يروها مسلم (4). وهو عجيب فإنها في أول كتاب الفرائض من صحيحه (5).
ومن كتاب النكاح إلى القصاص
57 (292) حديث أنس " أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم... "(6) إلى آخره، هذا اللفظ لمسلم خاصة(7). وللبخاري نحوه(8)، ولهذا قال في عمدته الكبرى متفق عليه(9)، واللفظ لمسلم وللبخاري نحوه.
58 (294) حديث أم حبيبة(10) قوله: "قال عروة- و- ثويبة مولاة لأبي لهب... "(11) إلى آخره. يوهم أنه من المتفق عليه، وليس كذلك، فهو من أفراد البخاري خاصة(12)، كما قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين(13).
59(308) حديث فاطمة بنت قيس (14) "أن أبا عمرو بن حفص(15) طلقها... "(16)
__________
(1) صحابي عقد له رسول اله صلى الله عليه وسلم لواء الجهاد، وأنفذه أبو بكر رضي الله عنه.
(2) زيادة من (ب).
(3) لفظه: "قلت: يا رسول الله أتنزل غداً في دارك بمكة؟ فقال: "وهل ترك لنا عقيل من رباع".." العمدة ص 108.
(4) تجوز المصنف رحمه الله في هذه التسمية ولو قال في كتاب الأحكام لكان أدق، لأن ما في الكتاب حكم الله ورسوله وليس حكماً لمؤلفه. وهذا استدراك على المجد ابن تيمية وليس على المقدسي فلينتبه له. انظر: كلام المجد (منتقى الأخبار مع نيل الأوطار 6/82).
(5) انظر: (م3/1233).
(6) لفظه "سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر..." العمدة ص 109.
(7) انظر: (م2/1020).
(8) انظر: (صف 9/104).
(9) تقدمة الإفادة بعدم الوقوف عليه.
(10) أم المؤمنين، رملة بنت أبي سفيان.
(11) العمدة ص 110.
(12) انظر: (صف 9/140).
(13) في الرضاع (اللوحات الفلمية غير مرقمة).
(14) الفهرية، صحابية، من المهاجرات الأول.
(15) ابن المغيرة المخزومي، مختلف في اسمه وفي وفاته، والمرجح أنه مات باليمن في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
(16) العمدة ص 115.(1/81)
الحديث هو بهذه السياقة من أفراد مسلم(1)، وأما البخاري فذكر فيه قصة انتقالها(2).
60(309) حديث سبيعة(3) ذكره عبد الحق في أحكامه(4) من جهة مسلم، وأنكره عليه ابن القطان في كتاب الوهم والإيهام(5)، وقال: لم يروه مسلم. وليس كما - قال(6)- ابن القطان(7).
61(323) حديث عقبة بن الحارث(8) (في الرضاع)(9) هو من أفراد البخاري(10) ولم يخرجه مسلم، بل لم يخرج - في صحيحه(11)- عن عقبة بن الحارث شيئا.
__________
(1) انظر: (م2/114).
(2) انظر: (صف9/477) قال الحافظ: أخرج مسلم قصتها من طرق متعددة عنها، ولم أرها في البخاري، وإنما ترجم لها... وأورد أشياء من قصتها بطريق الإشارة إليها، ووهم صاحب العمدة فأورد حديثها بطوله في المتفق. (الفتح 9/478).
(3) بنت الحارث، الأسلمية، زوج سعد بن خولة، لها صحبة ورواية. وانظر: العمدة ص 116.
(4) الأحكام 319 من نسخة حلب. ويلاحظ أن الزركشي أعاد تسمية الكتاب فقال أحكامه. ولو قال في الأحكام لكان أولى.
(5) مخطوطة في مكتبة الشيخ حماد (انظر: ص 217).
(6) في (ب) قاله.
(7) الواقع كما قال المصنف. انظر: (م2/1122).
(8) ابن عامر بن نوفل بن عبد مناف صحابي من مسلمة الفتح، مات بعد الخمسين.
(9) لفظه " أنه تزوج أم يحي بنت أبي إهاب..." الحديث. انظر: (العمدة ص 123).
(10) انظر: (صف 9/152).
(11) الواقع كما ذكر المصنف. انظر (الجمع بين رجال الصحيحين 1/381، 382).(1/82)
62( 324) حديث البراء بن عازب (1) قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني من مكة - فاتبعتهم ابنة (2) حمزة" (3) الحديث. هذا الحديث بهذا السياق من أفراد البخاري (4)، وكذا عزاه إليه البيهقي في سننه (5) وعبد الحق في الجمع بين الصحيحين (6). والمزي في الأطراف (7)، ووقع لصاحب المنتقى (8)، ولابن الأثير في جامع الأصول (9) أنه من المتفق عليه ومرادها قصة صلح الحديبية منه، والمصنف اختصره ، والبخاري ذكره في موضعين (10) .
ومن كتاب القصاص إلى الإيمان.
63 (328) حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ (11) ـ في الجارية التي رضَّ اليهودي رأسها . قوله : "ولمسلم والنسائي" (12) هذه الرواية التي عزاها لمسلم ليست فيه بهذا اللفظ وإنما لفظه: "فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين" (13) ، وهي بهذا اللفظ في البخاري (14)أيضا.
__________
(1) ابن الحارث بن عدي، الأنصاري، صحابي ابن صحابي.
(2) اختلف في اسمها ورجح الحافظ أن اسمها عمارة. (الفتح 7/505).
(3) ابن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث في العمدة ص 123.
(4) انظر: (صف 5/303، 304).
(5) لم أقف عليه من حديث البراء عند البيهقي. وهو عنده من حديث علي بغير هذه السياقة. (السنن الكبير 7/452).
(6) كذلك لم يذكره عبد الحق عن البراء، وهو كما عند البيهقي. (الجمع الرضاع، اللوحات الفلمية غير مرقمة).
(7) تحفة الأشراف 2/53.
(8) منتقى الأخبار مع شرحه نيل الأوطار 6/368.
(9) لم أقف عليه عنده من حديث البراء وهو عنده من حديث علي رواية مسلم ومن حديث ابن عباس رواية البخاري ومسلم (جامع الأصول 12/147-148). .
(10) انظر (صف 5/303-304 و 7/449).
(11) زيادة من (ب).
(12) لفظه: "أن يهوديا قتل جارية على أوضاح فأقاده ..." العمدة ص125.
(13) هو كذلك فليست لفظة: "فأقاده رسول الله" عند مسلم (م3/1299).
(14) انظر (صف 12/200).(1/83)
64 (334) حديث أنس ـ في العرنيين ـ (1) ذكر الشيخ المنذري في مختصر السنن أن البخاري أخرجه تعليقا (2)من حديث قتادة عن أنس (3) فقد يقف الواقف على هذا فيعترض على صاحب (4) العمدة، والعجب من الشيخ زكي الدين (5) نفسه، فإن البخاري قد رواه موصولاً في الطهارة، من حديث أبي قلابة، عن أنس(6).
__________
(1) نسبة إلى عرينة إحدى قبائل العرب وهم الذين أمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح ، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، انظر الحديث في العمدة ص128، وقد قدم المصنف هذا الحديث على الحديث رقم (65)، والحديث رقم (66) وترتيبه في العمدة بعدهما. وكذلك الحديث رقم (65) ترتيبه في العمدة بعد رقم (66) فحصل للمصنف تقديم وتأخير بين ثلاثة أحاديث.
(2) لم أقف على هذا النقل عند البخاري إلا قوله بعد أن ساق الحديث مسندا من طريق قتادة عن أنس: قال قتادة: "بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلى" وليس هذا متفقا من حديث الموضوع مع حديث العرنيين.وقد قال الحافظ ابن حجر: هو موصول بالإسناد المذكور إليه. انظر (صف 7/458) ومثل هذا تماما في موضع آخر قال البخاري بعد أن ذكر الحديث من طريق أخرى عن قتادة عن أنس قال قتادة: "فحدثني محمد بن سيرين أن ذلك كان أن قبل تنزل الحدود" وكذلك يقول الحافظ: هو موصول بالإسناد المذكور. انظر (صف 10/142-143) ولعل المنذري رحمه الله وقف عليه في بعض نسخ البخاري ولا شك أن تعجب المصنف من هذا العزو في موضعه.
(3) انظر (صف 7/458 و 10/142) وانظر الحديث أيضا من طريق أبي قلابة عن أنس (1/335 مع الأطراف المحال عليها).
(4) لورود الحديث عند البخاري من طرق موصولة ولا ريب أن المقدسي أثبت من المنذري في النقل.
(5) هو المنذري عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله ولد سنة 581هـ ومات سنة 656هـ رحمه الله. انظر (كتابه مختصر سنن أبي داود 6/205).
(6) صف 1/335.(1/84)
65 (329) حديث أبي هريرة- رضي اللّه عنه(1) - قال: "لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قتلت هذيل رجلاً من بني... "(2)، إلى آخره. هذا الحديث بهذا السياق من أفراد مسلم(3)، وروى البخاري نحوه من حديث مجاهد، مرسلا (4)، ثم أسند الحديث إلى ابن عباس قال: بمثل هذا، أو نحو هذا(5)، ثم قال: رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم(6). قاله عبد الحق في جمعه بين الصحيحين (7).
__________
(1) زيادة من (ب).
(2) العمدة ص 126.
(3) انظر: (م2/989) وفي نظري انه ليس من أفراد مسلم للتوافق الكبير بين الشيخين في الألفاظ.
(4) لم أقف على هذا عند البخاري بل عنده من طريق مجاهد عن ابن عباس (صف 8/176، الفتح 12/207).
(5) لعله يريد قوله: "كانت في بني إسرائيل قصاص ولم تكن الدية...". (صف 12/205).
(6) صف 1/205، 5/87، 12/205.
(7) باب تحريم مكة وصيدها. (اللوحات الفلمية غير مرقمة).(1/85)
66(33) قوله: عن الحسن بن أبي الحسن (1) البصري قال: "حدثنا جندب (2) في هذا المسجد..."(3) إلى آخره. قلت: إنما آثر ذكر الراوي عن الصحابي هاهنا، لنكتة حديثية، وهي أن أبا حاتم الرازي قال: لايصح للحسن سماع من جندب (4). وهذا الحديث يرد عليه، وأيضاً فلتضخيم الحديث وتقويته في النفس (5)، كما سبق نظيره.
67(343) حديث أنس "أتي برجل شرب الخمر،..." (6) إلى آخره هذا اللفظ لمسلم، لكن بلفظ "جريدتين نحو أربعين" (7) قال عبد الحق في جمعه بين الصحيحين: ولم يخرج البخاري مشورة عمرو، ولا فتوى عبد الرحمن بن عوف، وحديثه عن أنس قال: "جلد النبي صلى الله عليه وسلم بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر، أربعين". ولم يقل: عَن النبي صلى الله عليه وسلم أربعين(8).
ومن كتاب الإيمان إلى الصيد
__________
(1) ثقة، فقيه، واسم أبيه يسار.
(2) ابن عبد الله، البجلي، له صحبة.
(3) العمدة ص 127.
(4) انظر: هذه المقولة في (المراسيل ص42 والجرح والتعديل 3/41).
(5) قوله: "وهذا الحديث يرد عليه" أولاً صرح بالتحديث لكن قد يرد عليه أن الحسن عرف عنه أنه يقول: حدثنا وخطبنا ويريد أن قومه حدثوا وخطب فيهم. ثانياً: أن الحسن ذكر العلماء أنه قارب التسعين ومات سنة عشر ومائة. فعلى فرض أن عمره بلغ خمساً وثمانين سنة يكون مولده سنة خمس وعشرين من الهجرة فيكون عمره عند وفاة جندب خمساً وثلاثين سنة لأن جندب مات بعد الستين واحتمال السماع كبير والله أعلم. أما تقوية الحديث في النفوس فقد أخذ هذا المصنف من كلام الحسن رحمه الله وهو قوله: (وما نسينا منه حديثاً، وما نخشى أن يكون جندب كذب..)
(6) العمدة ص 132.
(7) انظر: (م3/1330).
(8) انظر: (صف 12/63 والجمع بين الصحيحين الحد في الخمر (اللوحات الفلمية غير مرقمة)(1/86)
68 (347) حديث عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه(1)- قوله: ولمسلم "من كان حالفاً فليحلف باللّه أو ليصمت "(2) هذه الرواية التي عزاها لمسلم، ليست فيه من هذا الوجه الذي أورده، بل أوردها من رواية ابن عمر عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت "(3) وهذه الزيادة ثابتة في صحيح البخاري، أيضاً من حديث ابن عمر(4)، فتوجه على المصنف فيها نقدان:
أحدهما: كونها ليست من أفراد مسلم، والثاني: أنها ليست من مسند عمر، وقد وقع ذلك في العمدة الكبرى أيضاً (5).
69 (354) حديث عقبة بن عامر(6) - رضي اللّه عنه(7) – "نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله الحرام(8) – حافية" (9) لفظ "حافية" ليس في البخاري(10)، كما نبه عليه عبد الحق في جمعه (11).
__________
(1) زيادة من (ب).
(2) العمدة ص 134.
(3) انظر: (م3/1266، 1267).
(4) هو كذلك لكن في رواية من طريق سالم قال: قال ابن عمر: سمعت عمر يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" وفي نظري يصح اعتباره من مسند عمر بهذه الرواية. انظر: (صف 11/530).
(5) تقدمت الإفادة بعدم الوقوف عليه.
(6) الجهني، صحابي ولي إمرة مصر لمعاوية.
(7) زيادة من (ب).
(8) سقطت من (ب).
(9) العمدة ص 136.
(10) انظر: (صف 4/78) وكذلك لفظة "الحرام" ليست في الرواية.
(11) لم أقف عليه عنده.(1/87)
70 (357) حديث عائشة- رضي اللّه عنها(1)- "من أحدث في أمرنا- هذا(2) - ما ليس منه فهو رد"(3) هذا الحديث عزاه النووي في أربعينه(4) إلى مسلم خاصة، وصرح عبد الحق في جمعه بين الصحيحين بأن البخاري لم يخرجه، فإنه لما ذكره عن مسلم باللفظين قال: أخرج البخاري اللفظ الأول "منْ أحدث في أمرنا هذا"(5) أي دون الثاني، لكن البخاري ذكره معلقاً في أثناء صحيحه، من كتاب الاعتصام، قال: "باب إذا اجتهد العامل، أو الحاكم فأخطأ" خلاف (6) الصواب من غير علم، فحكمه مردود لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (7) هذا لفظه.
ومن كتاب الصيد إلى آخر الكتاب
__________
(1) زيادة من (ب).
(2) سقطت من (ب).
(3) العمدة ص 137.
(4) ليس كما قال رحمه الله، فالنووي عزا هذا اللفظ إلى البخاري ومسلم معاً - وعزا اللفظ الثاني إلى مسلم - قال: وفي رواية لمسلم "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" انظر: الأربعين ص 21.
(5) انظر: (صف 5/301).
(6) هكذا في (أ، ب ) وفي الصحيح "خلاف الرسول" والأول في نظري أصح لأن الاجتهاد لا يكون إلا فيما لا نص فيه وظاهر العبارتين غير صحيح فالصواب أن يقول في الأولى: "فأخطأ الصواب، أو وفاق الصواب" وفي الثانية "فأخطأ وفاق الرسول" وقد أجاب الحافظ عن هذا الإشكال. انظر: (الفتح 13/ 318، 318).
(7) انظر: (صف 13/317).(1/88)
1 7 (373) حديث عدي(1) ، قوله. "فإنما سميت على كلبك، ولم تسم على غيره "(2) هذه الزيادة ليست في هذه الرواية، وإنما ذكرها مسلم في رواية أخرى عقب هذه، من هذا الوجه(3)، فكان ينبغي أن يقول: وفيه. وقوله: " فإذا أرسلت كلبك المكَلب " لم يذكر مسلم في روايته "المكلب" وليس في روايته هذه "فإن أكل الكلب ذكاته"(4) . وقوله: "وإن غاب ..."إلى آخره لفظ مسلم نحوه (5) وقال عبد الحق: لم يقل البخاري في شيء من طرقه "فأدركته حياً فاذبحه" ولم يذكر أيضاً قوله: "فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك "(6).
72 (388) حديث أبى هريرة، ولمسلم "مثل المجاهد في سبيل اللّه ..."(7) إلى آخره، هذه الزيادة التي عزاها لمسلم ليست فيه(8)، إنما هي في البخاري بطولها، في باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله(9).
__________
(1) ابن حاتم، صحابي، مشهور رضي الله عنه.
(2) العمدة ص 142، 143.
(3) تعجل المصنف رحمه الله في الاستدراك على المقدسي، والمقدسي ذكر أنها في رواية أخرى قال: وحديث الشعبي عن عدي نحوه وفيه... إلى آخره. انظر: (العمدة 143، م3/1530).
(4) هذه رواية عاصم، عن الشعبي عن عدي وليس فيها "المكلب" وصاحب العمدة قال: "المعلم" بدل "المكلب" والثانية أيضاً ليست عند مسلم ولا قوله: "فإن أكل الكلب ذكاته". انظر: (م3/531).
(5) المصدر السابق.
(6) هو كذلك. انظر: (صف 9/609، 612).
(7) العمدة ص 148.
(8) هو كذلك. انظر: (م3/1495) وما بعدها، لكن قال برهان الدين: قال شيخنا رحمه الله: الزيادة تنتهي إلى قوله: "الصائم القائم" وأما ما بعده فمتفق عليه، على أن مسلماً أورد الزيادة المذكورة بلفظ آخر وهو "مثل المجاهد في سبيل كمثل الصائم القائم، القانت بآيات الله... " أورد في أثناء حديث. (أ/11) وانظر: (م3/1498).
(9) انظر: (صف 6/ 6).(1/89)
73 (390) حديث أبى أيوب(1) - الأنصاري رضي الله عنه(2) – "غدوة في سبيل اللّه أوروحة ..."(3) ثم قال: أخرجه مسلم(4)- يعنى منفرداً- ثم قال: عن أنس، ثم قال: وأخرجه البخاري(5) - يعنى مع مسلم- ويقع في بعض النسخ، أخرجه البخاري، بحذف الواو، وقد رأيته في نسخة عليها خط المصنف، وليس بصواب(6) .
74 (398) حديث عمر بن الخطاب قال: "كانت أموال بنى النظير مما أفاء الله على رسوله 000"(7) الحديث. لما ذكر المصنف هذا الحديث في عمدته الكبرى عزاه للترمذي(8) ثم قال: ومتفق على معناه(9) ، هذا لفظه، وقد أخرجه مسلم في الجهاد قريباً منه (10)، والبخاري في خمسة مواضع من صحيحه(11) .
__________
(1) خالد بن زيد، من كبار الصحابة، نزل عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة.
(2) زيادة من (ب).
(3) العمدة ص 149.
(4) انظر: (م3/1500).
(5) هذا النقل ليس في العمدة الصغرى.
(6) حاولت الوقوف على النسخة المذكورة ولم أتمكن من ذلك.
(7) العمدة ص 150.
(8) سنن الترمذي 4/216.
(9) تقدم القول بأنه غير موجود.
(10) انظر: (م3/1376).
(11) انظر: (صف 6/93) والمواضع التي أحال عليها. لكن قال برهان الدين: قال شيخنا رحمه الله تعالى: لفظ مسلم موافق للفظ العمدة إلا قوله: "خالصاً" ففي مسلم "خاصة" وإلا قوله: "فكان يعزل نفقة أهله سنة" ففي مسلم "فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة" ولفظ البخاري في التفسير كلفظ مسلم. (أ /11) قلت: هو كما قال الحافظ رحمه الله: إلا لفظة "منها" فليست عند مسلم. انظر: (م3/1376) وهي عند البخاري. انظر: (صف 8/629، 630).(1/90)
75 (399) حديث ابن عمر، قال سفيان(1) : "من الخفياء(2) إلى ثنية(3) الوداع "(4) هذا لم يخرجه مسلم(5).
76 (401) حديث أيضاً "أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم في النفل"(6) لفظ "في النفل" لم يروه البخاري (7).
__________
(1) الثوري، ثقة، إمام معروف.
(2) قال ياقوت: موضع قرب المدينة، أجرى منه رسول صلى الله عليه وسلم الخيل في السياق - وقدر المسافة بينها وبين المدينة بخمسة أميال أو ستة. (معجم البلدان 23/276). قلت: سألت بعض أهل العلم بآثار المدينة فقال: الحفياء هي في أول بساتين الخليل اليوم على غالب الظن وهي تقدر بنفس المسافة المذكورة. وانظر: (وفاء الوفاء 2/1172).
(3) الأرض ترتفع وتغلط - وهي - في الجبل علو فيه، والجمع ثنايا، وهي طريق مرتفع في المدينة موقعه اليوم على مفترق الطريقين إلى أحد، وسلطانة مجاورة لجبل سلع وكانت تسمى ثنية الركاب وثنية سلع وثنية الشامية. انظر: (غريب الحديث 3/698، والمجموع المغيث 1/277، والمدينة بين الحاضر والماضي ص 130، والنهاية 1/226).
(4) العمدة ص 150، 151.
(5) يعني قول سفيان هذا في قياس المسافة، لكن الحافظ قال: وهو عند مسلم لكن لم يسق لفظه. (الفتح 6/72). وهو كذلك فإن مسلماً حول الإسناد عن ثلاثة من شيوخه قالوا: حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية. (م3/1492) واستدراك المصنف ينصب على اللفظ.
(6) العمدة ص 151 وهو عن ابن عمر أيضاً.
(7) هو كذلك. انظر: (صف 6/67و 7/484).
*** تم بحمد الله تحقيق النوع الأول من الكتاب في يوم الثلاثاء الرابع عشر من شعبان لعام تسعة وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. المدينة المنورة 14/8/1409هـ.
ويليه تحقيق النوع الثاني من الكتاب إن شاء الله تعالى.(1/91)