تحفة السُّلاَّك
في فضائل السِّواك
تأليف
أحمد الزاهد
تحقيق
الدكتور
جميل عبد الله عويضة
1430هـ/2009م
أحمدالزاهد (1) :
أحمد بن يحيى الجزري بن محمد بن بدر الجزري الأصل الدمشقي الصالحي الإمام المقرئ المجوّد الفقيه شهاب الدين الزاهد أبو العباس الحنبلي هكذا ترجمه الذهبي في طبقات القراء وقال صاحبنا ورفيقنا في الطلب قرأ القراآت على الشيخ جمال الدين البدوي ولزم الشيخ مجد الدين مدّة يبحث عليه ومهر في الفن واقرأ بسفح قاسيون وأصول الفقه وصحب الشيخ شمس الدين ابن مسلم مدة وانتفع به وهو من خيار الناس ديناً وعقلاً وحياءً ومروّة وتعففاً يعيش من التسبب ومولده قبل 670هـ وقد سمع من أصحاب ابن طبرزد وغيرهم وحدث بالأول من أفراد ابن شاهين عن جده قرأ عليه تجويداُ جماعة وحدث وكان قوالاً بالحق زاهداً ومات في ربيع الأول سنة 728.
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، الحمد لله رب العالمين ، أما بعد ...
فهذه مقدمة عظيمة سميتها بتحفة السُّلاَّك في فضائل السواك ، والأحاديث الواردة فيه محذوفة الأوائل والأواخر ، وبيان فوائده وخصاله الحميدة ، وبيان أقسامه الواجبة والمحظورة والمكروهة ، وبيان ما يُستاك به ، وبيان فوائده (2) وموضعه ، وكيفية مسكه ، فأقول وبالله المعونة والهداية :
__________
(1) هذة الترجمة من الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ، ص 627 ـ 628 ، وشذرات الذهب 6/86
(2) وبيان فوائده مكررة ، انظر السطر السابق .(1/1)
أمَّا بيان فضله والحثّ عليه ، ففي الحديث : كان النبي صلى الله عليه وسلم يشوص فاه بالسواك ، والشَّوص الدلك ، وفي الحديث أيضا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام إلاّ والسواك عنده ، فإذا استيقظ بدأ بالسواك ، وفي الحديث : طيِّبوا أفواهكم بالسواك ، فإن أفواهكم طرق القرآن ، وقال صلى الله عليه وسلم : الوضوء شطر الإيمان ، والسواك شطر الوضوء ، وقال أيضا : لولا أن أشقَّ على أُمَّتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء ، وقال أيضا : ركعتان يستاك فيهما العبد أفضل من سبعين ركعة لا يستاك فيهما ، وقال أيضا : إنَّ العبد إذا قام يُصلي وقد تسوَّك أتاه مَلَك فقام خلفه فلا يخرج من فيه شيء إلاّ دخل في جوف ذلك الملك ، فطهروا أفواهكم بالسواك ، وقال أيضا : السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ، وقال بعض العارفين : إنّ مرضاة الله أفضل مما يتفضل به الرب سبحانه وتعالى على العبد .(1/2)
فانظر يا أخي كيف يترتب هذا الجزاء العظيم على شيء هو / أحق ما يكون على 2أ العبد ، وهو السواك ، وقال صلى الله عليه وسلم : أُمِرت بالسواك حتى خشِيت أنْ يُكتب عليّ ، وفي رواية حتى خشيت أن يُوحى إليَّ فيه ، وقال صلى الله عليه وسلم : صلاة بسواك تعدل أربعمائة صلاة ، يعني تخرج أهلها من الذنوب كما تخرج الشعرة من العين ، وإنْ خرج الدجال فليس له عليهم سبيل ، وفيه أيضا : ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالسواك حتى خشينا أن ينزل عليه فيه شيء ، وقال أيضا : أكثرت عليكم في السواك ، وقال أيضا : ما لي أراكم قُلْحاً (1) ، لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك ، كما فرضت عليهم الوضوء ، وقال أيضا : لولا أن أشقّ على أمتي لآمرتهم بتأخير العِشاء والسواك عند كل صلاة ، وقال أيضا : عشرة من الفطرة : قصّ الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، والاستنشاق بالماء ، وقص الأظافر ، وغسل البراجم (2) ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتفاض الماء ، أي الاستنجاء ، انتهى .
__________
(1) قال أَبو عبيد: القَلَحُ صُفْرة في الأَسنان ووسخ يركبها من طول ترك السواك. وقال شمر: الحَبْرُ صُفْرة في الأَسنان فإِذا كَبُرَتْ وغَلُظَتْ واسودّت واخضرّت، فهو القَلَح؛ والرجل أَقْلَح، والجمع قُلْحٌ، من قولهم للمُتَوَسِّخ الثيابِ قِلْح، وهو حَثٌّ على استعمال السواك. اللسان ( قلح )
(2) البُرْجُمَة، بالضم، واحدة البَراجِمِ وهي مَفاصِل الأصابع التي بين الأَشاجِع والرَّواجِب، وهي رؤوس السُّلامَيَات من ظَهْر الكف إذا قَبَض القابض كفَّه نَشَزَت وارتفعت. ابن سيده: البُرْجُمةُ المَفْصِل الظاهر من المَفَاصِل، وقيل: الباطِن، وقيل: البَراجِمُ مَفاصِل الأَصابع كلها. اللسان ( برجم )(1/3)
وفيه أيضا : مِنْ سُنن المرسلين الختان ، والتعطّر ، والسواك ، والنكاح ، وفي رواية خمسٌ من سنن المرسلين : الحياء ، والحلم ، والحجامة ، والتعطر ، والسواك ، وقال أيضا : السواك يزيد في الحفظ ، ويذهب البلغم ، وقال في جُمعة : إنَّ هذا يومٌ جعله الله عيدا فاغتسلوا ، ومَنْ كان عنده طيبٌ فلا يضرّه أنْ يَمسَّ منه ، وعليكم بالسواك ، وقال أيضا : إنّ العبد إذا تسوَّك ثم قَدِمَ فصلّى قَدِمَ المَلَك خلفه يسمع لقراءته ، فيدنوَ منه ، ويكلمه نحوها ، حتى يضع فاه على فيه ، فما يخرج من فيه شيء إلاّ صار في جوف المَلَك / فطهروا أفواهكم للقرآن . ... ... ... ... 3أ
فإذا عُلِم هذا فالسواك من الآداب الظاهرة التي جعلها الشرع عندنا على الآداب الباطنة ، وما من ظاهر في الشريعة إلاّ وله باطن .(1/4)
وأمَّا فوائده وخصاله الحميدة فكثيرة ، فمنها ما روى الأئمة عليٌّ ، وابن عباس ، وعطاء رضي الله عنهم : عليكم بالسواك فلا تغفلوه ، وأديموا به ؛ فإنّ فيه رضا الرحمن ، ويحل الجنان ، ويصيب السنة ، ويوافقها ، ويضاعف صلاته إلى تسع وتسعين ضعفا ، أو إلى أربعمائة ، وإدمانه يورث السعة والغِنى ، وييسر الرزق، ويطيّب الفم ، ويشدّ اللثة ، ويسكن الصداع وعروق الرأس حتى لا يضر بعرق ساكن ، ولا يسكن عرق جاذب ، ويذهب في جميع الرأس ، والبلغم (1) ،
__________
(1) أي يُذهب البلغم ..(1/5)
ويقوي الإنسان ، ويذهب الحقد ، ويجلي البصر ، ويصحح المعدة ويقويها ، ويزيد الرجل فصاحة وحفظا وعقلا ، ويطهر القلب ، ويزيد في الحسنات ، ويفرح الملائكة ، وتصافحه لنور وجهه ، وتشيعه الملائكة إذا خرج إلى الصلاة ، وتستغفر حملة العرش لفاعله إذا خرج من المسجد ، وتستغفر له الأنبياء والرسل ، والسواك مسخطة للشيطان ، مطردة له ، مصفاة للذهن ، مهضمة للطعام ، مكثرة للولد ، ويجوز على الصراط كالبرق الخاطف ، ويبطئ الشيب ، ويُعطي الكتاب باليمين ، ويقوي البدن على طاعة الله تعالى ، ويذهب الحرام من الجسد ، ويذهب الجوع ، ويقوي الظهر ، ويشد لحم الأسنان ، ويُذكِّر الشهادة عند الموت ، ويسهِّل النزع ، يعني / 3 ب نزع الروح ، ويُبيّض الأسنان ، ويذكي الفطنة ، ويقطع الرطوبة ، ويحد البصر ، ويُضاعف الأجر ، وينمي المال والأولاد ، ويُعين على قضاء الحاجة ، ويوسَّع عليه في قبره ، ويؤنسه في لحده ، ويكتب له أجر مَنْ لم يتسوَّك في يومه ذاك ، ويفتح له أبواب الجنة ، وتقول له الملائكة : هذا مقعد الأنبياء ، ويقفوا آثارهم ، ويلتمس هديهم في كل يوم ، ويغلق عنه أبواب جهنم ، ولا يخرج من الدنيا إلاّ طاهرا مطهرا ، ولا يأتيه مَلَك الموت عند قبض روحه إلاّ في الصورة التي يأتي بها الأولياء ، ولا يخرج من الدنيا حتى يُسقى شربة من حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو الرحيق المختوم ، وأعلى هذه الخصال أنه مطهرة للفم ، مرضاة للرب .(1/6)
قال الشيخ رحمه الله تعالى : هذه الفضائل كلها مروية بعضها مرفوع ، وبعضها موقوف ، وإن كان في أحاديثها مقال ، فينبغي اعتقادها ، والعمل بها ، ففي الحديث : مَنْ بلغه عن الله ثواب ، وطلبه ، أعطاه الله إياه ، وفيه أيضا : مَنْ بلغه فضل من الله أعطاه الله مثل ذلك ، وفيه أيضا : مَنْ بلغه عن الله شيء فيه فضيلة فأخذ به إيمانا ، ورجاء ثوابه أعطاه الله عز وجل ذلك ، وإن لم يكن كذلك ، فإن قيل : ما الحكمة في مشروعية السواك ، قال الشيخ : فالجواب من وجهين : أحدهما لما فيه من الخصال التي سبق ذكرها ، والثاني أنّ العبد مطلوب منه أن يكون في حال العبادة على أكمل أحوال إظهار الشوق للعبادة بالنسبة إلى المعبود ، والسواك مطهرة للفم فتنزع كالطهارات ، وقال بعض العارفين رحمهم الله : إنما جعل / السواك تطييبا لمجاري ذكر الله تعالى ، وقراءة القرآن ، وفي ذلك 4 أ تعظيم لله تعالى ، وهذا يستدعي أنّ العبد لا يوقع نفسه في محرّم من غيبة ، ونميمة وإعجاب ، وكذب ، وبهتان ، وأكل حرام ، وشهادة زور ، ونقص في كلام ، وغير ذلك من المنهيات ؛ لأنه عظّم الله تعالى ، حيث طهّر لمجاري ذكره من شيء لم يترتب على تركه عقاب ، فكيف يوقع نفسه في المعاصي الموبقات ، التي وعد الله تعالى فاعلها بالعذاب الأليم ، وقال بعضهم : الرجل الصالح هو القائم بما عليه من حقوق الله تعالى ، وحقوق العباد ، والإنسان إذا استاك فقد قام بحق الله تعالى ، حيث طهّر مجاري ذكره ، وحق العبد حيث أراده ؛ حالة مجالسته معه من شم رائحة كريهة ، وهذا يستدعي أنّ العبد لا يتهاون بطاعة الله تعالى عند أوامره ونواهيه كلها ، وأنْ لا يؤذي أحداً من خلق الله تعالى لا بيده ولا بلسانه ، بكونه أزال عنهم ما يؤذيهم من رائحة كريهة ، وبغيرهما أعظم أذىً ، وينبغي أن يقصد باستياكه وجه الله تعالى ، وإقامةً لسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يريد به رياء ، ولا سمعة ، ولا منفعة نفسه ،(1/7)
لكي يُثابَ على ذلك ، ويكون استياكه سببا لحصول المنافع ، وقيل الدرجات في العُقبى .
وأمّا بيان أقسامه فأربعة : واجب إذا أنذره ، وكان في حقه صلى الله عليه وسلم ، وإحياء سنته ، ويتأكد عند قيامه من ليل أونهار ، وعند إرادة النوم ، وعند الوضوء لكل عباده واجبة ، ومستحبة ، ونافلة مطلقة ليلا أو نهارا ، وعند / صلاة الجنازة ، 4 ب وسجود التلاوة والشكر ، وذهابه للجُمُعة ، وعند خطبة الجمعة ، ودخول الكعبة ، ودخول الإنسان بيته ، وجماع زوجته وأَمَته ، واجتماع الناس في المحافل والولائم ، ومخاطبة الغير ، وتغيّر الفم بأكل ما له ريح كريه ، وعند ترك أكل ، والجوع ، والعطش ، وعند السكوت والكلام الطويلين ، وعند قراءة القرآن ، وأوان الخلوف (1) للصائم ، وصفرة الأسنان ، فإن أخطأ جميع ذلك ففي اليوم والليلة مرة ، قال الجويني (2)
__________
(1) روي : خِلْفةُ فمِ الصائم أَطيبُ عندَ اللّه مِن رِيحِ المِسْكِ؛ الخِلْفةُ، بالكسر: تغَيُّرُ ريحِ الفم، وأَصلها في النبات أَن ينبت الشيء بعد الشيء لأَنها رائحةٌ حديثةٌ بعد الرائحة الأُولى. وخلَف فمُه يخلُفُ خِلْفةً وخُلوفاً؛ قال أَبو عبيد: الخُلوف تغير طعم الفم لتأَخُّرِ الطعام . اللسان ( خلف )
(2) إمام الحرمين المتوفى سنة 478 هجرية
عبد الملك بن محمد الله بن يوسف بن محمد الجوينى إمام الحرمين من أصحاب الشافعى ولد فى جوين من نواحى نيسابور ورحل إلى بغداد فمكة والمدينة وجمع طرق المذاهب ثم عاد الى نيسابور واشتغل بالتدريس بها وله مصنفات كثيرة من أشهرها ( البرهان) فى أصول الفقه وتوفى بنيسابور.(1/8)
رحمه الله تعالى : ويُستحب أنْ يُعوَّد به الصبيان ليعتادونه ، قال الصَّميْري (1) : والقسم الثالث مكروه ، فمن ذلك : للصائم بعد الزوال فرضا ونفلا ، هكذا قاله الأصحاب ، وقال أبو عيسى الترمذي في جامعه : ولم ير الشافعي رحمه الله تعالى بأسا أول النهار ، وآخره ، وقال أبو زكريا النووي رحمه الله تعالى : المختار من جهة الحديث الصحيح في ذلك أنه لا يُكره مطلقا في وقت من الأوقات ، وهو مُستحب في جميع الأوقات ، ولكنه في خمسة أوقات أشد استحبابا : عند الصلاة ، وعند الوضوه ، سواء كان متطهرا بماء ، أو بتراب ، أو غير متطهر بهما ، كمن لم يجد ماء ، ولا ترابا ، وعند قراءة القرآن ، وعند الاستيقاظ من النوم ، وعند تغير الفم ، وقال صاحب العوارف : يتأكد استحبابه مع غسل الجُمعة ، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجُمع : يا معشر المسلمين / إنّ هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا ، ومَنْ كان عنده طيب فلا بأس أن يمسَّ منه ،5 أ وعليه بالسواك . القسم الرابع حرام ، وصورته فيمن عُلم من عادته أنه متى تسوّك دمي فمه ، وليس عنده ما يغسله به ، وضاق عليه وقت الصلاة .
__________
(1) الصيمرى: بفتح الصاد وسكون الياء وفتح الميم وفى آخره راء: نسبة إلى نهر من أنهار البصرة يقال له: الصميرى، عليه عدة قرى خرج منها الحسن بن على بن محمد بن جعفر أبو عبد الله الصميرى، أحد الأئمة الحنفية الكبار، حدث عن أبى بكر المفيد، وغيره، روى عنه أبو بكر الخطيب، وغيره، وقال كان صدوقا توفى فى الحادى والعشرين من شوال سنة ست وثلاثين وأربعمائة ببغداد ونسب أيضًا إلى بلدة بين ديار الجيل وحور ستان يقال لها: صميرة خرج منها جماعة من المحدثين. مغاني الأخيار 5/439/ المكتبة الشاملة ، العبر في خبر من غبر 1/200/ المكتبة الشاملة .(1/9)
وأمَّا بيان ما يُستاك به فعلى ثلاثة أقسام : الأول حرام ، وهو كلّ عِرق عليه سُمٌّ ، أو هو سُمٌّ ، وكذا العود اليابس إذا لم يبلّه بالماء واستاك به وجرح اللثة ، وقسم مكروه ، وهو أعواد الرياحين ، ففي الحديث : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السواك بعود الرياحين ، وقال : إنّ الاستياك بها يورث عروق الجذام ، وقال أيضا : لا تتخللوا بعود الآس والرمان فإنهما يحركان عرق الجذام ، وفي الحديث أيضا : من تخلل بالرمان لم تنزل الرحمة عليه سبعين يوما ، ومن تخلل بالتين لم يُستجب دعاؤه ستين يوما ، ومن تخلل بالآس ظهرت عليه ثلاث خِصال : سوء الخلق ، وسوء الظن ، ووجع الضرس ، ومن تخلل بالطرفاء نقص عقله ، وأورثه النسيان ، ومن تخلل بالقصب فكأنما قتل نفسه ، ومن تخلل بالريحان كُتب عليه ألف خطيئة ، ومن تخلل بخشب المكنسة أورثه القولنج ، ومن تخلل بالعنب أورثه الحكة في جسده ، ومن تخلل بالورد أورثه المرض ، قال الشيخ رحمه الله : إنما ذكرت لك هذه الأحاديث ، وإن كان فيها مقال لفرايتها ، ويُكره أيضا الاستياك بالعود
/ الرطب من أراك ، وجريد النخل ، وغيرهما ، ويُكره بالعود الرطب للصائم خوفا أن5 ب يجري الريق بما يصل من رطوبته إلى جوفه ، وقسم يُستحب به ، وأفضله أن يكون بعود الأراك اليابس إذا نُدّي بالماء ؛ لأن فيه خصلتين حسنتين : تطييب الفم ، وحُسن الإزالة ، ويجوز بعرجون النخل وجريده ، وبه استاك صلى الله عليه وسلم عند موته ، وكلّ عود يابس قد ندّي بماء ، سوى ما نُهي عنه ، ويجوز بما له رائحة طيِّبة كالسُعْد (1) والزيتون ، ففي الحديث : نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة تُطيِّب الفم ، وتذهب بالحفر ، وهو سواكي وسواك الأنبياء من قبلي ، ويجوز بكل خشن غير ذلك ، يزيل القلح والوسخ ، كثوب ونحوه لا بأصبع نفسه ، ولئن كان خَشِنا .
__________
(1) السعد بالضم من الطيب ، الصحاح ( سعد )(1/10)
... وأمَّا بيان مَسْك السواك وقَدْره وموضعه ، فالسنة في إمساكه أنْ يُجعل الخنصر من يمينه أسفل السواك تحته ، والبنصر والوسطى والسبابة فوقه ، والإبهام أسفل رأس السواك ، أي تحته ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما : لا يقبض القبضة فإنه يورث البواسير ، والسنة أنْ ينوي به السنة عند ابتدائه ، ويبدأ بالجانب الأيمن ، ويستاك على عرض الأسنان لا طولا ، ففي الحديث : إذا شربتم فاشربوا مصّاً ، وإذا استكتم فاستاكوا عرضا ، أي في عرض الفم ، ويتعهد كراسي أضراسه ، وداخل أسنانه / 6 أ ولسانه ، وسقف حلقه برفق ، ففي الحديث : كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع طرف السواك على لسانه ، ويقوا : أع أع ، كأنه يتهوع ، أي يتقيأ ، وفي رواية : أخ أخ ، ويُستحب تكرار الاستياك ثلاث مرات بثلاث مياه ، حتى يتحقق زوال الخلوف ، وفي كل مرة بغسل رأس سواكه ، وقال الحكيم الترمذي : ابلعْ ريقك أول مرة تستاك (1) ، أي إذا كان صافيا من دم ، فإنه ينفع من الجذام والبرص ، وكل داء سوى الموت ، ولا تبلع ريقك بعده فإنه يورث الوسوسة ، ولا تمص السواك ، ولا بسواك غيرك وإن غسله ، فعن ابن عمر : مَنْ استاك بسواك غيره فقد انحفظ ، ولا تضع السواك حتى تغسله ، فعن الحسن : أنّ الشيطان يستاك به إنْ لم تغسله ، وإن وضعته في الأرض انْصُبْه انصبابا ، ولا تضعه في الأرض عرضا ، فعن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قال : مَن وضع سواكه بالأرض فجنّ فلا يلومنّ إلاّ نفسه .
... وأمَّا قَدْره فعن الحكيم الترمذي رضي الله عنه قَدْر شبر فما دونه ، وما زاد عليه رَكِب عليه الشيطان .
__________
(1) كتبت : أول مرة ما تستاك(1/11)
... وأمَّا موضعه ففي البيهقي عن جابر قال : كان السواك من أُذن النبي صلى الله عليه وسلم موضع القلم من أُذن الكاتب ، وفي سنن أبي داود والترمذي من حديث أبي سلمة قال : رأيت زيد بن خالد يجلس في المسجد والسواك من أُذنه موضع القلم من أذن الكاتب ، فكلما قام إلى / الصلاة استاك ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه : كان 6 ب أصحاب رسول ( الله صلى الله عليه وسلم ) (1) أسوكتهم خلف آذانهم ، يستاكون بها لكل صلاة ، فإن شقَّ عليه ذلك جعله في الطبقة الأخيرة من عمامته من جانبه الأيمن ، ويُسنُّ الخلال قبل السواك ؛ لأنه أبلغ في تنقية ما بين الأسنان ، وفي الحديث هذا : المتخللون في الوضوء والطعام ، أي عند الوضوء وعند فراغه من أكل الطعام ، وفيه أيضا : نَقُّوا أفواهكم بالخلال فإنها مجلس الملكين ، وإنّ مدادهما الريق ، وقلمهما اللسان ، وليس عليهما شيء أضرّ من بقايا الطعام بين الأسنان ، وإذا قلع شيئا من بين أسنانه بالخلال لا يأكله ، ويطرحه بمكان طاهر ، وإن قلعه بلسانه أكله إنْ لم يعافه ، وأحسن العيدان الخلال المسمى به ؛ لحسن إزالته ، وطيب ريحه ، ويجوز بكل مُزيل سوى ما سبق ذكره في السواك من المجزي والمكروه .
... فائدة : قال بعض العلماء : إنْ كان الفم مُتنجِّسا بدم ونحوه ، يُستحبُّ أنْ يستاك بيده اليسرى ، وكذا يُخلل بين أسنانه بيده اليسرى ؛ لأنه إزالة مُستقذر ، وإنْ كان الفم طاهرا يخلل ويستاك باليمنى ، كما سبق ذلك ، والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب ، وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من الأصل المخطوط .(1/12)