سلسلة
من شعار أهل الحديث
(20)
تُحْفَةُ الأخْيَارِ
في
تَألِيفِ قُلُوبِ الأبْرَارِ
تأليف
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله بن محمد الأثري
قال تعالى :
? ???????????????? ??????????? ?????? ????????? ????? ??????????????? ????????????? ???????? ?????? ?????????? ????? ??????? ??????????? ??????????? ??????? ?????????????? ??????????????? ?????????????? ??????????????? ????????? ?????? ????? ????????? ????? ????????? ?????????????? ????????? ????????? ?????????? ?????? ?????? ????????????? ??????????? ????????????? ????? ?
سورة آل عمران آية [103]
جميع الحقوق محفوظة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ ونَعُوذُ باللهِ مِن شُرُورِ أنفُسِنَا وسَيِئَاتِ أعْمَالِنَا مَن يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَن يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أن لاَّ إلَهَ إلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وأشْهَدُ أن مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
? ????????????????? ?????????? ?????????? ???????????? ?????? ????? ??????????? ????? ???????????? ??????? ????????? ???????????? ?. [ آل عمران:102] .
? ???????????????? ????????? ???????????? ????????? ???????? ????????? ???? ????????? ????????? ???????? ??????? ????????? ???????? ????????? ???????? ???????? ???????????? ????????????? ?????? ???????? ??????????????? ????? ???????????????? ?????? ?????? ????? ?????????? ????????? ??? ? [النساء:1](1/1)
? ????????????????? ?????????? ?????????? ??????????? ?????? ??????????? ????????? ???????? ???? ????????? ?????? ??????????????? ?????????????? ?????? ?????????????? ????? ???????? ?????? ???????????? ??????? ?????? ????????? ????????? ???? ? [الأحزاب: 70ـ71] .
أمَّا بَعْد ،،
فَإن أصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ وَخَيْرُ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٍ ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٍ ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّار .
فإن ثمة موضوعاً مهماً جديراً بالطرح حقيقاً بأن يُبْحَثُ ويكتب فيه لشدة حاجة الأمة الإسلامية إليه في عصرنا هذا ... ولكثرة الاختلاف فيها ... وانتشار الجهل فيها بأصول الدين .. ولخطورة النتائج المترتبة عليه ... وإن الأمة الإسلامية اليوم بحاجة ماسة إلى ترشيد وتوجيه لكي لا تؤتي من داخلها ، ولله در القائل :
فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
إن لم تجد هذه الأمة المباركة من يوجهها ويرشدها ، فإنني أخشى عليها من نفسها من الداخل ، قبل أن أخشى عليها من أعدائها من الخارج .(1/2)
والحديث عن تأليف القلوب أصبح في زماننا المعاصر أمراً ضرورياً ... لأننا نعيش في هذه الأيام في فتن كقطع الليل المظلم من ينهش أعراض العلماء الربانيين وطلبة العلم المتمكنين وأتباعهم الصادقين إذا أصدروا الفتاوى الموافقة للكتاب والسنة لأن بعض الناس تضيق صدورهم من هذه الفتاوى ومن ثم يطعنون ... بل فتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودبّ ... حتى تطاول العام والخاص من أهل الاختلاف من الحزبيين والمقلدين والمبتدعين وغيرهم على أحكام الكتاب والسنة ، والله سبحانه أمرهم أن يقدروا ويحفظوا حرماته فقال تعالى : ? ????? ??????????? ?????????? ?????? ??????? ??????? ??????? ????? ?????????? ? (1) وقال تعالى : ? ????? ??????????? ?????????????? ?????? ????????????? ??? ????????? ???????????? ? (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الحج آية [30] .
2) سورة الحج آية [32] .
فَنَيْلُ أهل الاختلاف من علماء السنة وطلبتهم وإيذاؤهم يُعَدُّ إعراضاً أو تقصيراً في تعظيم شعيرة من شعائر الله ... فأعراض العلماء وطلبتهم على حفرة من حفر جهنم يدل على خطورة إيذاء مصابيح الأمة الإسلامية.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الله تعالى قال : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج11ص340] والبيهقي في الزهد الكبير [ص269] وفي السنن الكبرى [ج3ص346] وأبو نعيم في الحلية [ج1ص4] والبغوي في شرح السنة [ج5ص19] من طريق خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمير عن عطاء عن أبي هريرة به .
قلت : فمن آذى أولياء الله تعالى وأولياء الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد حارب الله ورسوله .(1/3)
قال تعالى : ? ????? ????????????????? ????????????????? ?????????????? ??????????????? ???? ?????? ????? ????? ?????? ?????????????????? ?????????? ?????? ????? ?????? ???????? ???? ? (1).
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : ( قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ، فقال : ( ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم ، أو قال : على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) .
حديث صحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة النور آية [15] .
أخرجه الترمذي في سننه [ج5ص11] وابن ماجه في سننه [ج2ص1314] وأحمد في المسند [ج5ص245] والحاكم في المستدرك [ج2ص413] والبيهقي في السنن الكبرى [ج9ص20] والطبراني في المعجم الكبير [ج20ص175] وابن البناء في الرسالة المغنية [27] وهناد في الزهد [ج2ص530] والمروزي في تعظيم قدر الصلاة [ج1ص221] من عدة طرق عن معاذ به .
قلت : وإسناده صحيح .
قلت : ومن هنا وجب أن يوفيهم الناس حقهم من التعظيم والتقدير ... ولإجلال وحفظ الحرمات والشعائر .
لكن للأسف رأينا عكس ذلك في مساجدنا من ينتصر لجمعيته وحزبه ... ويقدح في غيرهم حتى لو كانوا من العلماء وطلبة العلم ... سبحان الله أليس هذا من التعصب المذموم ... أليس من الشطط أن يتعصب الشخص لحزبه مع مخالفته للكتاب والسنة ... إن هذا التعصب مخالف للمنهج الصحيح ، الذي يدعونا إلى أن نأخذ بالحق مما كان قائله ... وهذه عادة ضعفاء العلم يعرفون الحق بالرجال لا الرجال بالحق(1) ... ولقد كثر المتعالمون المتعصبون في عصرنا ... فتجد من يتصدر لنقد الفتاوى الدالة على الكتاب والسنة ... ونقد من يأخذ بها ... ويحذر منه ويعادي ... وهذا الأمر خطير على صاحبه مما يدل على أن في قلبه مرض .
قال تعالى : ? ? ????????????? ??????? ???????????? ?????? ???????? ? (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/4)
1) قال الذهبي : ( إن الحق لا يعرف بالرجال ، اعرف الحق تعرف أهله ) .
انظر فيض القدير للمناوي [ج1ص210] .
2) سورة البقرة آية [13] .
إن الحزبية الكارهين للحق من إخوان المسلمين والتبليغين والقطبيين والسروريين والصوفيين والتراثيين وأمثالهم من أشد الناس أكلاً للحوم العلماء الربانيين وطلبة العلم المتمكنين وأتباعهم الصادقين لما في قلوبهم من المرض والبغض لما يحملونه من فتاوى الكتاب والسنة ... ومعاداة لورثة الأنبياء وما يحملونه من الحق ... فهو تعصب قائم على اتباع الهوى والجهل بالأصول والقواعد التي وضعها أئمة المذاهب وغيرهم في فقه الخلاف وكيفية التعامل معه ...
ولقد أدرك الحزبية المقلدة أنه لا يمكن أن تقوم لهم قائمة والعلماء وطلبتهم وأتباعهم لهم شأن وهيبة في البلدان ... فأخذوا في النيل منهم .. وشرعوا في تشويه علمهم بالدس والافتراء والكذب ... وهذا الذي أشرت إليه نرى شيئا منه في مساجدنا أيضا ... وكأننا فُرض علينا ذلك ... فيفرض أحدنا على الآخر رأيه بالقوة مستغلاً مركزه الاجتماعي ... فهذا ليس سبيل أهل العلم وهو مقابلة الحجة بالحجة ، ومقارنة الدليل بالدليل .
بل وصم أهل الفتوى من قبل الحزبية بألقاب لم نكن نعرفها ، وصفوا بالمتطرفين بالمتزمتين ... بالمفرقين ... بالجاهلين لفقه الواقع والسياسة ... بأصحاب الفتنة ... إلى آخر هذا القاموس الذي سلطه الحاقدون الحزبيون على أهل الحق تشويهاً لسمعتهم وتبشيعاً لواقعهم في عقول الناس لكي لا يأخذ عنهم أحكام الدين والله المستعان .
قلت : وقد يشاع عن العلماء الربانيين وطلبة العلم المتمكنين أقوال من قبل الحزبية الخصوم لأغراض لا تخفى فيجب التأكد منها ...
فكأن هؤلاء القوم لضعف حجتهم وخواء جعبتهم يريدون قهر الناس المخالفين على رأي لهم ارتأوه لا عن دراسة وتمحيص ، ونقد وتنقيد ... فيتسرع أحدهم في إخلاق الأحكام المخالفة للكتاب والسنة والإكثار منها بما يخرجه من سمت العلماء وحكمهم ورأيهم ...(1/5)
فمثلهم كمثل ما قاله القائل :
ما عندهم عند التناظر من حجة أنَّى بها لمقلدٍ حيران
لا يفزَعُون إلى الدليل وإنما في العجز مفزعهم إلى السلطان(1)
وقال ابن القيم في النونية [ص404] :
فإذا تيقن إنه المغلوب عند تقابل الفرسان في الميدان
قال اشتكوه إلى القضاة فإن هم حكموا وإلا اشكوه إلى السطان
فنقول للحزبية فالصدع ببيان الحق أمر مشروع بل واجب ببيان الفتوى بالدليل الراجح فنأخذ بها ... ويجوز لنا ألا نأخذ بالفتوى إذا لم توافق الدليل الراجح لكن لا يجوز لنا الطعن في أهل العلم إذا أصدروا بعض الفتاوى التي تضيق صدور الحزبية منها والتي لا تليق لهم وأنها تسبب فتنة ? ?????? ? ????????????? ????????????? ? (2).
ونقول للحزبية نحن غير ملتزمين بقول أحد من الناس إلا إذا كان مقروناً بالدليل الراجح الصحيح .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر توفيق الباري في حكم الصلاة بين السواري للشيخ علي الأثري [ص6] .
2) سورة التوبة آية [49] .
والمتأمل في واقع هؤلاء يجدهم إما أن يأخذوا كل ما يقوله الشخص ... أو يردوا كل ما يقوله الشخص ... وهذا خلاف ما أمر الله به من العدل والإنصاف .
قال تعالى : ? ????? ?????????????????? ???????????? ??????? ??????? ??????? ?????????????? ???????????? ???? ??????????? ?????????????? ? (1) .
والعدل والإنصاف هو منهج أهل السنة والجماعة .
قال ابن تيمية في الفتاوى : ( أهل السنة أعدل مع المبتدعة ، من المبتدعة بعضهم مع بعض ) . اهـ
قلت : والظلم ظلمات يوم القيامة .
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان [ج2ص137] : ( وأصل كل خير العلم والعدل، وأصل كل شر الجهل والظلم ) .اهـ
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي في وجوب التعاون بين المسلمين [ص13] : ( فما ارتفع أحدا إلا بالعدل والوفاء ، ولا سقط أحد إلا بالظلم والجور والغدر).اهـ
ولله در القائل :(1/6)
ضاع الوفاء وضاعت بعده الهمم والدين ضاع وضاع المجد والكرم
والجور في الناس لا تخفى معالم والعدل من دونه الأستار والظلم
وكل من تابع الشيطان محترم وكل من عبد الرحمن مهتضم (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة المائدة آية [8] .
2) انظر البدر الطالع للشوكاني [ج1ص285] .
قلت : فهل من يقظة أيها الحزبيون من تصحيح المسار ... اللهم غفرا .
إن هناك عواقب وخيمة ونتائج خطيرة وآثاراً سلبية تترتب على هؤلاء الحزبية يدرك تلك الآثار من تأمل في الواقع ... يؤدي إلى اتساع الخلاف والشقاق ... واختلاف القلوب ... واختلاف القلوب حرام وهو خطر يتهدد الايمان ، وعدم قبول الحق ، ومن ثم ينقلب البحث عن الحقيقة إلى ضرب من العناد لا صلة له بالعلم الشرعي المنهجي .
إن المسلم طالب حق باحث عن الحقيقة ينشد الصواب ويفر من الخطأ ... فإنكار الحق وعدم قبوله أو إخفاؤه وستره من صفات اليهود والنصارى وهو أمر خطير يهدد مصير الانسان في الآخرة ، إذ تنضم إلى اختلاف الآراء عوامل أخرى تستغل تباين الأنظار والأفكار للتنفيس عن أهواء باطنة ومن ثَمّ ينقلب البحث عن الحقيقة إلى ضرب من العناد لا صلة له بالعلم ألبته ، ولو تجردت النيات للبحث عن الحقيقة وأقبل روادها وهم بعداء عن طلب الغلبة والحسد والسمعة والرياسة لصُفِّيت المنازعات التي ملأت التاريخ بالأكدار والمآسي ولذلك كانت عناية السلف رحمهم الله تعالى منصبّة على تخليص النية من الشوائب عند المناقشات والمناظرات .(1/7)
وإن المسائل الخلافية التي تقع بين العلماء ليس الترجيح بينها يكون بالكثرة والقلة والقوة ... أو برجال الحزب والمشورة ... أو بمجلس الجمعية الفلانية ... ولا بالقال والقيل ... ولا بمذهب فلان ... إنما بالحجة والدليل ... وهذه الخلافيات يتسع فيها الأمر لـ (صواب ) أو ( خطأ ) لـ ( ترجيح ) أو (مرجوح) ... لكنه لا يتسع بحال لـ (ضلال) أو ( تكشير ) أو ( غضبة ) أو ( هجر ) أو (تشويش عند المسؤولين ) .
فإذا درست مسألة خلافية دراسة وافية من طرفين يرد كل منهما رأيه إلى الدليل والحجة ... فما وافق الدليل يكون القبول الكافي لأخذ رأي صاحبه لموافقته للدليل والحجة ... دون تكشير وغضب من الصاحب الآخر ... ودون تشويش على الصاحب الموافق للدليل ... فإن هذا الأمر والفعل مأجور عند الله تعالى .
وأما إذا أخذ برأي في مسألة خلافية لا عن بحث عن الدليل والحجة ... وإنما لعصبية ... أو لغضبة من الصاحب ... فهذا ما لا يرضاه الله سبحانه ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - بل إن فيه محاداة لمنهج السلف الصالح .
ومع هذا وذاك : فإنهم ـ غفر الله لهم وهداهم ـ يتّهمون طلبة العلم ودعاة السنة بالتشدد والتزمُّت والغلظة في معاملة الناس ، وهي أوصاف لو قُلبت على كثير من هؤلاء المُتَّهمين للبستهم لَبُوسا لا شك فيه ولا ريب (1).
وإننا لنسمع من هؤلاء القوم دندنة من طراز آخر لا يفتأُون أن يتكلموا بها بين الفينة والأخرى ، فإذا تكلم واحد من طلبة العلم ودعاة السنة بمسألة فقهية مقرونة بدليلها كتاباً وسنة، ولم ( ترق ) هذه المسألة لهؤلاء لسبب أو آخر ، فإنهم سرعان ما يصيحون والغضب يكاد يفتقُ أمعاءهم (!!) : ما هذا ؟ اليهود ... الصليبيون ... الشيوعيون ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر توفيق الباري للشيخ علي الأثري [ص8] .(1/8)
استضعاف المسلمين ، اغتصاب أراضيهم ، الجهاد في سبيل الله ... ليس الآن وقت هذه المسائل ... دعوا الناس يفعلون ما شاؤوا.. دعوهم يصلّون ... دعوهم كذا وكذا ... الخ !!!
أقول : سبحان الله !
يا عجباً لهؤلاء القوم ، ألا يفكّرون بعقولهم مرّة ؟ ألا يقصون عاطفتهم عن طريق العلم مرة ؟ ألا يقدّرون الأمور بمقاديرها ؟
هل إذا سكتنا عن هذه ( المسائل ) فتركنا أمراً نبوياً ، أو واقعنا نهياَ شرعياً نكون قد (جاهدنا) و( قاتلنا الصليبيين واليهود... ورددنا على المسلمين (استضعافهم )؟؟ أم أنّ سكوتنا عن هذه ( الشرعيّات ) هو مما يخطط له أعداؤنا أيضا ليقطعوا صلاتنا بالعلم الشرعي والهدي النبوي ؟! فتنبهوا يا ( قوم ) !
هل هذا هو السبيل المجدي حقا ؟ أم أنه سبيل يقتل في النفوس حبّ السنة لأمور عاطفية لا تجدي ـ كما يقال ـ في العير أو النفير !!
والأعجب من هذا وذاك : أنّك تسمع هذه العبارات ( كلاماً ) فقط !! أما في الواقع فلا ترى من ذلك شيئا !! فلا ( السنة ) طبقوا .. ولا بـ ( الجهاد ) قاموا !!
ونحن ـ طلبة العلم ودعاة السنة ـ لا نتبنّى حكماً ما في مسألة خلافية ، إلا بعد مطالعة دقيقة فاحصة لكتب ومجلدات لو وزنت بهؤلاء المخالفين لوزنتهم بأكثر من عشرين ضعفاً !! فاللهم غفراً .
وما أجدرنا جميعاً أن نتذكر كلمة العلامة الفيروز آبادي في ديباجة ( قاموسه ) [ص37] حيث قال : ( بل زعم الشامتون بالعلم وطلابه ، بدولة الجهل وأحزابه ، أن الزمان بمثلهم لا يجود ، وأنّ وقتا قد مضى بهم لا يعود ، فردّ عليهم الدهر مراغماً أنوفهم ، وتبيّن الأمر بالضدّ جالياً حتوفهم ، فطلع صبح النّجح من آفاق حسن الاتفاق ، وتباشرت أرباب تلك السّلع بنفاق الأسواق).اهـ
ومنه قول ابن الوردي في ( لاميّته ) المشهورة :
لا تقل ذهبت أربابه كلّ من سار على الدّرب وصل(1)(1/9)
قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ [ج2ص730] : ( ومازال العلماء يختلفون في المسائل الصغار والكبار ، والمعصوم من عصمه الله بالتجاء إلى الكتاب والسنة وسكوت عن الخوض في مالا يعنيه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) . اهـ
قلت : فالاختلاف الذي يسبب الافتراق والتمزق يعد ابتعاداً عن هدي النبوة ومنبع الرسالة ودين الحق ... ومن اختلف في الكتاب والسنة وخرج عنهما كان من أهل الأهواء والضلالات ... اللهم سلم سلم .
ولقد أرشد الله المسلمين في أكثر من آية من القرآن الكريم إلى أن يتآلفوا ويتضامنوا ويتعاونوا وينهجوا الطريق الأمثل ممتثلين لأمر الله مقتدين برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليكون بناؤهم قويا وصفوفهم متراصة وجهودهم مثمرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر المصدر السابق [ص9] .
قال تعالى : ? ???????????????? ??????????? ?????? ????????? ????? ??????????????? ? (1).
والاعتصام بحبل الله يتضمن الاجتماع على الحق والتعاون على البر والتقوى والتناصر على أعداء الله وأعداء المسلمين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال الطبري في تفسيره [ج 3ص 32 ] : ( يعني أن لا تتفرقوا عن دين الله وعهده إليكم ... في كتابه من الائتلاف والاجتماع على طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والانتهاء إلى أمره ).اهـ
وقال تعالى : ? ????? ??????????????? ???????????????? ???????????? ???????????? ? (2) .
فالاعتصام بدين الله تعالى يقتضي الاتفاق والائتلاف والتعاون والتفاهم ... وانتفاء الخلاف والشقاق ... وترك الاعتصام بدين الله تعالى فإنه يورث الاختلاف والشقاق والله المستعان.(1/10)
وهذا التفريق الذي حصل من الأمة علمائها ومشايخها وأمرائها وكبرائها هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها ، وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله كما قال تعالى : ? ?????? ??????????? ?????????? ???????? ???????????? ?????????? ?????????????? ??????????? ??????? ??????? ?????????? ?????? ??????????????????? ???????????? ????????????? ???????????????????? ? (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة آل عمران آية [103] .
قال الطبري في تفسيره [ج3ص30] : ( يعني بذلك جل ثناؤه ... وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به ، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله ).اهـ
2) سورة الأنفال آية [46] .
3) سورة المائدة آية [14] .
قال ابن تيمية في الفتاوى [ج3ص421] : ( فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب ) . اهـ
ولا سبيل إلى تحاشي الوقوع في تلك المزالق إلا باتباع قواعد يحتكم إليها في الاختلاف وضوابط تنظمه وآداب تهيمن عليه ، وإلا تحول إلى شقاق وتنازع ... وسادت الفوضى وذر الشيطان قرنه .
وقال تعالى : ? ? ?????? ????? ????? ????????? ??? ??????? ????? ??????? ??????????? ??????????????? ?????????? ????? ???????????? ?????? ???????????????? ????????? ??????????? ????? ????????????? ????????? ????? ???????????????? ?????? ? (1) .
قال ابن كثير في تفسيره [ج4ص118]? ? ????? ????????????? ????????? ????? ???????????????? ?????? ?أي أوصى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالائتلاف والجماعة ونهاهم عن التفرق والاختلاف). اهـ(1/11)
فيقيموا الدين ويقوموا بتكاليفه ولا ينحرفوا عنه ولا يلتووا به ويقفوا تحت رايته صفا ، وهي راية واحدة رفعها على التوالي نوح وإبراهيم وموسى وعيسى حتى انتهت إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الشورى آية [13] .
وقال تعالى : ? ???????? ??????? ???????? ?????????????? ?????????????????? ????? ????????????? ???????????? ???????????? ?????? ??? ????????????? ? (1) .
فيوم أن حاد الحزبية عن سبيل الله تعالى ، وركنوا إلى المبادئ المدمرة والشعارات الجوفاء المفرقة والخلافات المشتتة تمزقوا إرباً وتقطعوا شيعاً وذهبت ريحهم وتحكم فيهم الهوى وتفرقت بهم الأهواء فصاروا مطمعاً لأعدائهم فخلافهم أملاه الهوى ... رغبة في التظاهر بالفهم والعلم وفقه الواقع ... لتحقيق غرض ذاتي أو أمر شخصي ... وهذا النوع من الخلاف مذموم بكل أشكاله ، ومختلف صوره لأن حظ الهوى فيه غالب والهوى لا يأتي بخير .
قال تعالى : ? ????? ???????????? ?????????? ????????????? ??? ????????? ??????? ? (2)
وبالهوى ضلَّ وانحرف الضالون.
قال تعالى :? ???????? ???????? ?????????????? ????????????????? ?????????? ??????? ?(3).
وأنواع الهوى متعددة ومسالكه وعرة وموارده متشعبة وترجع في مجموعها إلى هوى النفس وحب الذات والأنانية ... والرئاسة ... والأثرة ... والدنيا ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الأنعام آية [153] .
2) سورة ص آية [26] .
3) سورة الأنعام آية [119] .
فهؤلاء لبَّس عليهم الشيطان أمر دينهم وصدق الله العظيم إذ يقول : ? ????? ???? ??????????????? ????????????????? ??????????? ????? ?????????? ?????? ??????????? ? ???????????? ????????????? ?????? ????????????? ??????????? ????????????? ????????? ????? ?(1) .(1/12)
قال ابن كثير في تفسيره [ ج 3ص112] : ( إن هذه الآية تشمل الحرورية كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم (2) لأنها نزلت في هؤلاء على الحصول... وإنما هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها ، وأن عمله مقبول وهو مخطئ وعمله مردود).اهـ
فالحزبية فرقوا الأمة الإسلامية وشوهوا شرائع الدين وزيفوا حقائقه ، وحجبوا نور الإسلام الصحيح عن جم غفير من المسلمين البسطاء ، وحالوا بينهم وبين منافع العلم الشرعي ... وهذا كله من أعظم عوامل تخلف المسلمين وتقهقرهم واختلاف بعضهم على بعض ...
لهذا رأيت أن أكتب في هذه العُجالة في موضوع (تأليف القلوب) وسميته (تحفة الأخيار في تأليف قلوب الأبرار ) وما أحوجنا في هذه الفترة من تأليف القلوب وجمع الشمل ونبذ الفرقة وجمع كل أسباب الخلاف والنزاع وتضافر الجهود نحو العمل البناء المخلص المؤدي إلى استئناف الحياة الإسلامية الصحيحة من جديد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الكهف آية [103 ـ 104] .
2) كـ ( الجماعات الإسلامية ) الخاسرة في الدنيا والآخرة .(1/13)
قال ابن تيمية في الفتاوى [ ج3ص421] : ( تعلمون أن من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين فإن الله تعالى يقول ? ?????????????? ?????? ?????????????? ????? ???????????? ? (1) وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف ... وإني لا أحب أن يؤذي أحد من عموم المسلمين بشئ أصلا لا باطناً ولا ظاهراً فإنه لا يخلو الرجل إما أن يكون مجتهداً مصيباً أو مخطئاً أو مذنبا فالأول مأجور مشكور، والثاني مع أجره على الاجتهاد فمعفو عنه مغفور له ، والثالث فالله يغفر لنا وله ولسائر المؤمنين ، وتعلمون أنّا جميعا متعاونين على البر والتقوى واجب علينا نصرة بعضنا البعض ... وهذا التفريق الذي حصل من الأمة علمائها ومشايخها وكبرائها هو الذي أوجب تسليط الأعداء عليها ، وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب ) . اهـ
قلت: وأساس الألفة بين الناس التعاون لا التناحر ... والتآلف لا التخالف ... والتواصل لا التقاطع ...
قال تعالى : ? ???????????????? ????????? ??????? ??????????????? ???? ?????? ?????????? ????????????????? ????????? ????????????? ????????????????? ?????? ????????????? ????? ?????? ???????????????? ?????? ???????? ??????? ??????? ???? ? (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الأنفال آية [13] .
2) سورة الحجرات آية [13] .
وقال تعالى : ? ?????????? ???????? ??????????????? ???? ??????????? ??? ? ??????????? ????????? ????? ??????????? ???????? ?????????????? ??????????? ?????? ???????? ????????????? ????????? ??????? ??????? ???? ? (1).(1/14)
ومن القواعد الكلية المتفق عليها بين علماء أهل السنة الحرص على الألفة والاجتماع ، والنهي عن التفرق والاختلاف ، ولذا سُمى أهل السنة بالجماعة لأنهم يأمرون بالاجتماع على ما كانت عليه الجماعة الأولى ، جماعة الصحابة رضي الله عنهم ، ومن كان بعدهم على ما كانوا عليه ، فالواجب الشرعي أن نسعى إلى التوحيد والاجتماع على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفهم وتطبيق الخلفاء الراشدين ومن معهم من الصحابة رضي الله عنهم ، وأن نحارب البدع والأهواء المفرقة للأمة حتى يقل أنصارها وأتباعها أو ينعدموا ... فاليأس من الاجتماع إذن من وسوسة الشيطان وعمله لأنه يصد المسلمين عن العمل الواجب عليهم شرعا بالبعد عن أسباب الاختلاف والتباغض والأخذ بأسباب الاجتماع والتآلف (2).
قال ابن تيمية في الفتاوى [ج1ص17] : ( إن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، كما أمر به باطناً وظاهراً .
وسبب الفرقة : ترك حظ مما أمر العبد به ، والبغي بينهم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الأنفال آية [63] .
2) انظر فقه الخلاف بين المسلمين لبرهامي [ص12] .
ونتيجة الجماعة : رحمة الله ورضوانه وصلواته ، وسعادة الدنيا والآخرة وبياض الوجوه .
ونتيجة الفرقة : عذاب الله ولعنته ، وسواد الوجوه ، وبراءة الرسول منهم).اهـ
قلت : لذلك يجب أن تتسع صدورنا للخلاف بين العلماء ، فلكل واحد منهم فهمه ، ولكل واحد اطلاعه على الأدلة ، ولكل واحد نظرته في ملابسات الأمور فمن الطبيعي أن يوجد الخلاف بينهم ، وانظر ما ذكره كثير من العلماء في هذا الموضوع ككتاب ( رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لشيخ الإسلام ابن تيمية .(1/15)
قال الذهبي : ( وبين الأئمة اختلاف كبير في الفروع وبعض الأصول ، وللقليل منهم غلطات وزلقات ، ومفردات منكرة ، وإنما أمرنا باتباع أكثرهم صوابا ، ونجزم بأن غرضهم ليس إلا اتباع الكتاب والسنة ، وكلُّ ما خالفوا فيه لقياس أو تأويل . قال : وإذا رأيت فقيهاً خالف حديثا أو ردّ حديثاً أو صرف معناه فلا تبادر لتغليطه فقد قال علي لمن قال له : أتظن أن طلحة والزبير كانا على باطل، يا هذا : إنه ملبوس عليه إن الحق لا يعرف بالرجال ، اعرف الحق تعرف أهله.
ومازال الاختلاف بين الأئمة واقعاً في الفروع وبعض الأصول مع اتفاق الكل على تعظيم الباري جل جلاله ، وأنه ليس كمثله شئ ، وأن ما شرعه رسوله حق ، وأن كتابهم واحد ، ونبيهم واحد ، وقبلتهم واحدة ، وإنما وضعت المناظرة لكشف الحق ، وإفادة العالم الأذكى لمن دونه وتنبيه الأغفل الأضعف ) (1) . اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر فيض القدير للمناوي [ج1ص210] .
وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن [ج4ص194] : ( وأما حكم مسائل الاجتهاد فإن الاختلاف فيها بسبب استخراج الفرائض ودقائق معاني الشرع ، ومازال الصحابة يختلفون في أحكام الحوادث وهم مع ذلك متآلفون ) . اهـ
قال أحمد بن حفص السعدي شيخ ابن عدي سمعت أحمد بن حنبل يقول : (لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق بن راهويه ، وإن كان يخالفنا في أشياء ، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضا ) (1).
وكان أبو حنيفة يكثر من قول : ( اللهم من ضاق بنا صدره فإن قلوبنا قد اتسعت له ) . ويقول : ( من جاء بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب ) (2).
فالإمام أحمد والإمام أبو حنيفة وغيرهم لم تضق صدورهم بمعارضة مخالفيهم أو جعل ذلك سبباً في التقليل من شأنهم ، بل أشادوا بهم واتسعت صدروهم لخلافهم، لحسن مقاصدهم ومقاصد من خالفهم (3).(1/16)
قلت : فاليأس من التآلف والاجتماع إذن من وسوسة الشيطان وعمله لأنه يصد المسلمين عن العمل الواجب عليهم شرعاً بالبعد عن أسباب الاختلاف والتباغض والأخذ بأسباب الاجتماع والتآلف .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر سير أعلام النبلاء للذهبي [ج11ص370] .
2) انظر تاريخ بغداد للخطيب [ج3ص352] .
3) انظر الإنكار في مسائل الخلاف للدكتور عبد الله الطريقي [ص10] .
إذاً فالعلاج الواجب إلى اجتماع المسلمين هو الانتصار للسنة ومحاربة البدعة والحزبية وقمعهما ... فالاجتماع المأمور به ليس مجرد الاجتماع ولو على أي منهج وتباين بالعقيدة والتوحيد والفقه ... بل على منهج واحد وطريق واحد ... هو طريق أهل السنة والسلف رضوان الله عليهم ... ولن يتحقق ذلك إلا بنشر العلم بالكتاب والسنة بالدليل الراجح (1) ... والعقيدة الصحيحة ... والحديث الصحيح واجتناب الحديث الضعيف ... وجمع الناس حول علمائهم الربانيين على أن يقدموا أمثلهم وأعلمهم ... وأن يتفق على تحذير الناس من علماء السوء والمتعالمين الدعاة على أبواب جهنم ... فيبين القول الصحيح فيهم ، ويحذر من أهل البدع(2) ... وينبه إلى خطورة الداعي إلى بدعته ... فالمبتدعة يأكل بعضهم لحوم بعض ، وكل فئة تغمط الأخرى حقها ، وأما أهل السنة فينصفون حتى مع الكفار !! فضلا عمن كان مخطئا خطأً دون الكفر ...
فيجب إذن ألا نضيّق على أنفسنا ، وأن تتسع صدورنا للخلاف في المسائل الخلافية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ليس بخافٍ أن الدليل في لغة الشرع هو ما كان من كتاب الله سبحانه ، أو من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وما سواه من أقوال الرجال ليس بدليل باتفاق العلماء !!!
انظر توفيق الباري للشيخ علي الأثري [ص11] .(1/17)
2) قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في وجوب التعاون بين المسلمين [ص7] : ( فعلى المسلمين الحذر من هؤلاء المفسدين فإن ضررهم كبير وشرهم خطير ، وما أكثرهم في هذه الأوقات ) . اهـ
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في وجوب التعاون بين المسلمين [ص4] : (فإنه حثهم على التآلف والاجتماع ، ونهاهم عن التباغض والتعادي والافتراق
وذلك أن حقيقة الجهاد هو الجد والاجتهاد في كل أمر يقوِّي المسلمين ويصلحهم ويلم شعثهم ويضم متفرقهم ويدفع عنهم عدوان الأعداء أو يخففه بكل طريق ووسيلة ) . اهـ
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في وجوب التعاون بين المسلمين [ص4] : ( فإن من أعظم الجهاد السعي في تحقيق هذا الأصل في تأليف قلوب المسلمين ، واجتماعهم على دينهم ومصالحهم الدينية والدنيوية ، في جمع أفرادهم وشعوبهم ، وفي ربط الصداقة والمعاهدات بين حكوماتهم بكل وسية ، ومن أنفع الأمور أن يتصدى لهذا الأمر جميع طبقات المسلمين من العلماء والأمراء والكبراء وسائر الأفراد منهم، كل أحد بحسبِ إمكانه . فمتى كانت غاية المسلمين واحدة وهي ( الوحدة الإسلامية ) وسلكوا السبل الموصلة إليها ، ودافعوا جميع الموانع المعوقة والحائلة دونها ، فلابد أن يصلوا إلى النجاح والفلاح ومما يعني على هذا الإلخلاص وحسن القصد فيما عند الله من الخير والثواب ، وأن يعلموا أن كل سعي في هذا الأمر من الجهاد في سبيل الله ومما يقرب إليه وإلى ثوابه).اهـ
قلت : فالواجب على جميع المسلمين السعي التام لتحقيق الأخوة الدينية والرابطة الإيمانية وعليكم بالكتاب والسنة قولا وعملا على طريقة أصحاب الحديث ومن سار على نهج السلف من هذه الأمة .
ومجال العمل في ميدان الدعوة بين المسلمين وغيرهم واسع جدا ، ليس ملكاً لأحد ، ولا محتكراً من قبل دولة دون دولة ، أو حزب دون حزب ، أو فرد دون فرد ، فرويداً رويداً يا دعاة الإٍسلام (1).(1/18)
فالميدان ميدان عبادة والسباق فيه لنيل الجنان والنجاة من النار ، لا يتكثر السواد والمفاخرة والله سبحانه وتعالى يقول : ? ??????????? ??????? ???????????? ???? ???????????? ????????? ?????????? ???????? ???????????? ????????????? ?????????? ?????????? ?????????? ???????? ???????????? ??????? ??????? ?????? ?????????? ??? ????????? ??????????? ??? ???????????? ???????????? ???? ? (2) .
اعلموا أيها المسلمون أن من عدل ربنا تبارك وتعالى أنه لا يحاسب الناس جماعات وأحزاباً ، بل يخاطب كل فرد لوحده في معزل عن حزبه وطائفته (3).
قال تعالى : ? ???? ????? ??? ? ??????????????? ????????????? ???????? ?????? ?????????????? ??????? ???? ???????? ?????????????? ???????????? ?????? ???? ??????????? ???????? ??????? ?????????????? ???????? ???? ? (4) .
وقال تعالى : ? ???????? ??????????????? ??????????????? ??????????????? ???????? ??????? ? (5) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر الطليعة في براءة أهل السنة للدكتور عبد العزيز العتيبي [ص12] .
2) سورة الحديد آية [21] .
3) انظر المصدر السابق [ص13] .
4) سورة مريم آية [93] .
5) سورة الأنعام آية [94] .
كل مسئول عن عمله لا عن عمل غيره .
قال تعالى : ? ????? ?????????? ?????? ????????? ????????? ???? ? (1) .
وقال تعالى : ? ??????? ?????????? ???????????????? ?????????????? ? ??????????? ??????????? ?????? ???????? ?????????????? ?????????? ?????????? ????????? ???? ? (2).
فعليك أيها المسلم بطاعة الله ليلاً ونهاراً ، سراً وجهاراً ، لا تضيع الأوقات تنصر حزبا على آخر مستحلا أعراض إخوانك المسلمين ، معتقدا أنك في تسبيح وتهليل وتكبير فكلُّ نفس تبعث وما قدمت ولا يؤاخذ أحد بجريرة غيره (3).(1/19)
قال تعالى : ? ????? ??????? ????????? ?????? ?????????? ? (4).
قال المقبلي في العلم الشامخ [ص253] : ( وأما أنك تُشرب قلبك حب قوم وكراهة آخرين ثم تأخذ بقية عمرك في تثبيت ذلك البناء وهو على شفا جرف هار ، وتغُر نفسك إنك أردت الله بذلك ، وأنت تعلم خلافه لو أنصفت ، فهذه إنما هي حمية الجاهلية الأولى ) . اهـ
قلت : كما عند الحزبيين والمذهبيين من حمية الجاهلية لجمعياتهم ومشايخهم ومناهجهم نعوذ بالله من الخذلان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة المدثر آية [38] .
2) سورة الإسراء آية [13] .
3) انظر الطليعة في براءة أهل السنة للدكتور عبد العزيز العتيبي [ص14] .
4) سورة الزمر آية [7] .
رغم أن علاقة المسلمين بعضهم ببعض في الحياة الدنيا لم يدعها الشارع هملا ومسرحا للمذهبية والحزبية ، تقطع ما أمر الله أن يوصل ، بل للمسلم على المسلم حقوق .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس ) .
أخرجه البخاري في صحيحه [1164 ] ومسلم في صحيحه [ 4022 ] من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به .
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً ، فلا تظالموا ... ) .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج4ص1994] والبخاري في الأدب المفرد [ص171] وابن خزيمة في التوحيد [ج1ص22] وأحمد في المسند [ج5ص160] والترمذي في سننه [ج4ص656] وابن ماجه في سننه [ج2ص1422] وعبد الرزاق في المصنف [ج11ص182] من طرق عن أبي ذر به .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ... ) .(1/20)
أخرجه البخاري في صحيحه [ج10ص284] وفي الأدب المفرد [ص145] ومسلم في صحيحه [ج4ص1986] وابن ماجه في سننه [ج2ص1298] وأحمد في المسند [ج2ص480] من طرق عن أبي هريرة به .
والصحابة رضوان الله تعالى عليهم خير من قام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمل والدعوة ونشر الإسلام ، لم ينقل عنهم شقاق واختلاف وتحزيب للأمة نظير ما نرى في زماننا هذا.
فالحزبية قاموا بتحزيب المسلمين ? ???????????? ????????? ??????????? ???????? ?(1) وعقدوا ألوية الولاء والبراء عليها ، ومن ثَمّ حملهم وظلمهم لبعض معرضين عن نصوص الشريعة ... ولسان مقالهم وحالهم يقول : الحب والولاء في الحزب والتنظيم ، والبغض والبراء في الحزب والتنظيم فمن كان حزبيا فهو القريب ولو كان مُخلاً بكثير من شعائر الإسلام ، ومن لم يكن حزبياً فهو البعيد ولو كان أتقى أهل زمانه (2).
قال ابن تيمية في منهاج السنة [ج5ص255] : ( فإن أكثرهم ـ أي أصحاب المقالات الضعيفة ـ قد صار لهم في ذلك هوىً أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نُسِبَ إليهم ، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا ، وأن يكون الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهداً لا يغضب الله عليه ، ويرضون عمن يوافقهم وإن كان جاهلاً سيئ القصد ، ليس له علم ولا حُسْن قصد ، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الأنعام آية [59] .
2) انظر الطليعة في براءة أهل السنة للدكتور عبد العزيز العتيبي [ص18] .
وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله... ومن هنا تنشأ الفتن ).اهـ(1/21)
وبألسنة الحزبية وأقلامها أعلنوها حرباً ضروساً يمارسون عن طريقها الإرهاب الفكري لأتباعهم ومخالفيهم ، تهديداً ووعيداً وهجرا وطردا ورمياً بأبشع البدع والتهم ، فيصاب الاتباع بالرعب مخافة أن يروا مع إخوانهم المسلمين أو يشاهدوا في مجالسهم وحلقهم العلمية ، يعيشون حيارى تحت وطأة إرهاب الحزب إن هو خالف ، لذلك نرى اتصال كثير من المسلمين بالتنظيم خوفاً لا رضىً ، فإن لم يتحزب رمي ـ بالتهم ـ وألبس ثوب أهل البدع ـ والضلال ـ والله المستعان .
قال ابن تيمية في الفتاوى [ج28ص13] في الحزبية : ( وعلى المعلمين أن يكونوا متعاونين على البر والتقوى كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ( مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشكتى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) (1).. وليس لأحد من المعلمين أن يعتدي على الآخر ، ولا يؤذيه بقول ولا فعل بغير حق ، فإن الله تعالى يقول: ? ???????????? ?????????? ??????????????? ??????????????????? ?????????? ??? ?????????????? ??????? ??????????????? ?????????????? ??????????? ??????????? ???? ?(2) وليس لأحد أن يعاقب أحد على غير ظلم ولا تعدي حد ولا تضييع حق ، بل لأجل هواه فإن هذا من الظلم الذي حرمه الله ورسوله ، فقد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أخرجه البخاري في صحيحه [ج10ص367] ومسلم في صحيحه [2586] من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه .
2) سورة الأحزاب آية [58] .(1/22)
قال الله تعالى فيما روى عنه نبيه - صلى الله عليه وسلم - : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ) (1) وإذا جنى شخص فلا يجوز أن يعاقب بغير العقوبة الشرعية ، وليس لأحد من المتعلمين والأستاذين أن يعاقبه بما شاء ، وليس لأحد أن يعاونه ولا يوافقه على ذلك مثل أن يأمر بهجر شخص فيهجره بغير ذنب شرعي، أو يقول أقعدته أو أهدرته أو نحو ذلك ، فإن هذا من جنس ما يفعله القساوسة والرهبان مع النصارى والحزابون من اليهود ، ومن جنس ما يفعله أئمة الضلالة والغواية مع أتباعهم (2) ...
فإذا كان المعلم أو الأستاذ قد أمر بهجر شخص ، أو بإهداره وإسقاطه ، وإبعاده ونحو ذلك نظر فيه ، فإن كان قد فعل ذنباً شرعياً عوقب بقدر ذنبه بلا زيادة ، وإن لم يكن أذنب ذنبا شرعيا لم يجز أن يعاقب بشئ لأجل غرض المعلم أو غيره ، وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء ، بل يكونوا مثل الأخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى : ? ??????????????? ????? ?????????? ???????????????? ????? ????????????? ????? ??????????? ???????????????? ?(3) . وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهدا بموافقته على كل ما يريده ، وموالاة من يواليه ، ومعاداة من يعاديه ، بل من فعل هذا كان من جنس جنكزخان وأمثاله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أخرجه مسلم في صحيحه [ج4ص1994] والبخاري في الأدب المفرد [ص171] من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
2) كـ ( فعل الحزبية ) فإذا أمروا بهجر شخص قد خالفهم أو بإهداره وإسقاطه وإبعاده ... ينفذ أمرهم والعياذ بالله .
3) سورة المائدة آية [2] .(1/23)
الذين يجعلون من وافقهم صديقا والي ، ومن خالفهم عدوا باغي ، بل عليهم وعلى أتباعهم عهدُ الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله ، ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله (1) ، ويحرموا ما حرم الله ورسوله ، ويرعوا حقوق المعلمين كما أمر الله ورسوله فإن كان أستاذ أحد مظلوماً نصره ، وإن كان ظالما لم يعاونه على الظلم بل يمنعه منه كما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما . قيل يا رسول الله : أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟ قال : تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه ) (2)، وإذا وقع بين معلم ومعلم أو تلميذ وتلميذ أو معلم وتلميذ خصومة ومشاجرة لم يجز لأحد أن يعين أحدهما حتى يعلم المحق فلا يعاونه بجهل ولا بهوى ، بل ينظر في الأمر فإذا تبين له الحق أعان المحق منهما على المبطل ، سواء كان المحق من أصحابه أو أصحاب غيره ، وسواء كان المبطل من أصحابه أو أصحاب غيره ، فيكون المقصود عبادة الله وحده وطاعة رسوله واتباع الحق والقيام بالقسط قال الله تعالى : ? ? ???????????????? ?????????? ?????????? ????????? ???????????? ???????????? ?????????? ??????? ?????? ??????? ???????????? ????? ???????????????? ?????????????????????? ???? ?????? ??????????? ????? ????????? ??????????? ????????? ???????? ?????? ????????????? ??????????? ???? ????????????? ?????? ??????????? ????? ???????????? ????????? ?????? ????? ????? ???????????? ???????? ????? ? (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) فعلى رؤوس الحزبية أن يطيعوا الله ورسوله ، ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله ... فإن فعلوا فلحوا .
2) أخرجه البخاري في صحيحه [ج2ص98] من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
3) سورة النساء آية [135] .(1/24)
يقال : لوى يلوي لسانه : فيخبر بالكذب والإعراض : أن يكتم الحق فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس . ومن مال مع صاحبه ـ سواء كان الحق له أو عليه ـ فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج عن حكم الله ورسوله ، والواجب على جميعهم أن يكونوا يداً واحدة مع المحق على المبطل ، فيكون المعظَّم عندهم من عظمة الله ورسوله ، والمقدم عندهم من أهانه الله ورسوله بحسب ما يرضي الله ورسوله لا بحسب الأهواء ، فإنه من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه ، فهذا هو الأصل الذي عليه اعتماده ، وحينئذ فلا حاجة إلى تفرقهم وتشيعهم فإن الله تعالى يقول : ? ?????? ?????????? ???????????? ????????? ?????????? ???????? ??????? ???????? ? ???????? ?(1) وقال تعالى : ? ????? ???????????? ????????????? ?????????????? ???????????????? ???? ??????? ??? ?????????? ?????????????????? ? (2) وإذا كان الرجل قد علمه أستاذ عرف قدر إحسانه إليه وشكره ، ولا يشد وسطه (3) لا لمعلمه ولا لغير معلمه فإن شد الوسط لشخص معين وانتسابه إليه ـ كما ذكر في السؤال ـ من بدع الجاهلية (4) ، ومن جنس التحالف الذي كان المشركون يفعلونه، ومن جنس تفرق قيس وعين ، فإن كان المقصود بهذا الشدِّ والانتماء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الأنعام آية [159] .
2) سورة آل عمران آية [105] .
3) لا يجوز لأشياع الحزبية أن يدافعوا بالباطل عن رؤوسهم فإن ذلك يضلهم ضلالا بعيدا .
4) انتبه أيها الحزبي لهذا الكلام جيدا ... لعلك تتوب من الحزبية ..(1/25)
التعاون على البر والتقوى فهذا قد أمر الله به ورسوله له ولغيره بدون هذا الشد ، وإن كان المقصود به التعاون على الإثم والعدوان فهذا قد حرمه الله ورسوله فما قصد بهذا من خير ففي أمر الله ورسوله لكل معروف استغناء عن أمر المعلمين وما قصد بهذا من شر فقد حرمه الله ورسوله ، فليس لمعلم أن يخالف تلامذته على هذا ولا لغير المعلم أن يأخذ أحدا من تلامذته لينسبوا على هذا ، ولا لغير المعلم أن يأخذ أحدا من تلامذته لينسبوا إليه على الوجه البدعي لا ابتداء ولا إفادة وليس له أن يجحد حق الأول عليه وليس للأول أن يمنع أحداً من إفادة التعلم من غيره ، وليس للثاني أن يقول : شد لي وانتسب لي دون معلمك الأول ، بل إن تعلم من اثنين فإنه يراعي حق كل منهما ، ولا يتعصب لا للأول ولا للثاني ، وإذا كان تعليم الأول له أكثر كانت رعايته لحقه أكثر .
وإذا اجتمعوا على طاعة الله ورسوله وتعاونوا على البر والتقوى لم يكن أحد مع أحد في كل شئ ، بل يكون كل شخص مع كل شخص في طاعة الله ورسوله ، ولا يكونون مع أحد في معصية الله ورسوله ، بل يتعاونون على الصدق والعدل والإحسان ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصر المظلوم وكل ما يحبه الله ورسوله ، ولا يتعاونون لا على ظلم ولا عصبية جاهلية ، ولا اتباع هوى بدون هدى من الله ، ولا تفرق ولا اختلاف ولا شد وسط لشخص ليتابعه في كل شئ ولا يحالفه على غير ما أمر الله به ورسوله .(1/26)
وحينئذ فلا ينتقل أحد عن أحد إلى أحد ولا ينتمي أحد : لا لقيطاً ولا ثقيلا ولا غير ذلك من أسماء الجاهلية ، فإن هذه الأمور إنما ولّدها كون الأستاذ يريد أن يوافقه تلميذه على ما يريد ، فيوالي من يواليه ، ويعادي من يعاديه مطلقا ، وهذا حرام ليس لأحد أن يأمر به أحداً ، ولا يجيب عليه أحداً ، بل تجمعهم السنة ، وتفرقهم البدعة ، يجمعهم فعل ما أمر الله به ورسوله وتفرق بينهم معصية الله ورسوله ، حتى يصير الناس أهل طاعة الله أو أهل معصية الله ، فلا تكون العبادة إلا لله عز وجل ولا الطاعة المطلقة إلا له سبحانه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ) . اهـ
هذه فوائد من كلام شيخ الإسلام لعل الله ينفع بها إخواننا طلبة العلم والعاملين في الدعوة إلى الله تعالى ...
وقال ابن القيم في مدارج السالكين [ج3ص197] في وصف الغرباء : ( وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله ، لا شيخ ولا طريقة ولا مذهب ولا طائفة ، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده ، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقا ، وأكثر الناس لائمُ لهم ، فلغربتهم بين هذا الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم ) . اهـ
قال ابن تيمية في منهاج السنة [ج5ص255] : ( فإن أكثرهم ـ أي أصحاب المقالات الضعيفة ـ قد صار لهم في ذلك هوىً أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نُسب إليهم ، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا ، وأن يكون الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهدا لا يغضب الله عليه ، ويرضون عمن يوافقهم وإن كان جاهلا سيئ القصد ، ليس له علم ولا حسن قصد ، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله ، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله ، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس ) . اهـ(1/27)
ولا تنخدع بدعاوي المخالفين من الجماعات والاتجاهات التي لا تلتزم طريق أئمة الهدى، ولا تدين للمشايخ الفضلاء بفضل ولا قدوة ، فإنها في سبيل الهوى والشذوذ والهلكة ولو بعد حين ، فإن الأمر لابد أن ينجلي عن الحق فاصبر على السنة ولو شعرت بالغربة ، وإياك والقنوط واليأس ، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرين عافانا الله وإياك من ذلك وثبتنا على الحق والطريق المستقيم ولا حول ولا قوة إلا بالله (1).
وقال الشيخ بكر أبو زيد في حلية طالب العلم [ص61] : ( أهل الإسلام ليس لهم سمة سوى الإسلام ، فيا طالب العلم بارك الله فيك وفي علمك أطلب العلم واطلب العمل وادع إلى الله تعالى على طريقة السلف ولا تكن خراجا ولاجا في الجماعات ، فتخرج من السعة إلى القوالب الضيفة ، فالإسلام كله لك جادة ومنهج ، والمسلمون جميعهم هم الجماعة ، وإن يد الله مع الجماعة فلا طائفية ولا حزبية في الإسلام ، وأعيذك بالله أن تتصدع فتكون نهابا بين الفرق والطوائف والمذاهب الباطلة والأحزاب الغالية ، تعقد سلطان الولاء والبراء عليها فكن طالب العلم على الجادة تقفو الأثر وتتبع السنن ) . اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر مقدمات في الأهواء والافتراق والبدع للدكتور ناصر العقل [ص69] .
وختاما أسأل الله أن يكون هذا البحث تذكرة لي ولإخواني ومانعا لنا بإذن الله من الانزلاق في مهاوي لا يعلم مداها إلا الله من البدع والانحرافات ومضلات الفتن .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتبه
أبو عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الأثري(1/28)
ذكر آثار السلف الصالح على أنه إذا لم يرتفع الخلاف في المناظرات والمناقشات بين المسلمين في المسائل الخلافية لم يوجب هذا افتراقاً وتنازعاً بينهم واختلافاً في قلوبهم (1)
فالحوار والمناظرة أمر مشروع بلا نزاع ، إذ هو الوسيلة الطبيعية والميسرة لإحقاق الحق وإبطال الباطل ... والقرآن العظيم ملئ بالمناظرات والمجادلات ... سواء أجاء التصريح بهذه الألفاظ كقوله تعالى : ? ?????? ????????? ?????? ??????? ???????????????????? ? ????????? ?(2) وقوله ? ?????????????? ?????????? ???? ?????????? ?(3) ... أو لم يأت التصريح بها وهو الأكثر ، ولا يشك أن ما جعل بين الأنبياء وأممهم من مناقشات ومراجعات وردود هي حوار ... .. وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مشتملة على المناظرات والمناقشات التي لا حصر لها سواء بينه وبين المشركين، أو بينه وبين المسلمين ، أو بينه وبين المنافقين ، وسواء بينه وبين كبار الصحابة ، أو بينه وبين صغارهم ، أو الجهلة من الأعراب ... ثم جاء الصحابة مقتدين بهديه ومنتهجين نهجه في المناظرات ثم جاء التابعون ... ثم الاتباع لهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) وقد كان السلف الصالح ينكر بعضهم على بعض ، ويرد بعضهم على بعض في الأصول والفروع ، ويتناظرون ، ولم يعرف أن ذلك كان سبب شقاق واختلاف في قلوبهم ... فافطن لهذا يارعاك الله .
2) سورة المجادلة آية [1] .
3) سورة النحل آية [125] .
بإحسان إلى يومنا هذا ... سواء أكان منهم الحوار مباشراً كالمناظرة بين طرفين أم كان غير مباشر كالردود بين مختلفين ...
ولا يكون هذا الخلاف سبب نفرة ووحشة أو نزاع ومخاصمة أو مفاصلة ... . بل تبقى الأخوة الإسلامية والمودة قائمة وثابتة (1).
وقد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم يتناظرون في المسائل الأحكام ، مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين فيما بينهم .(1/1)
قال ابن تيمية في الفتاوى [ج24ص172] : ( وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى : ? ??????? ????????????????? ? ?????? ??????????? ?????? ?????? ????????????? ???? ??????? ???????????? ???????? ??????????? ?????????? ??????? ??????? ????????????? ??????????? ? (2) وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة ، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين ) اهـ
فالصحابة كم حصل بينهم من مسائل النزاع في أبواب العبادات والمعاملات ، بل وفي مسائل قليلة من أمور الاعتقاد ... وكتب أهل العلم مليئة بالأمثلة ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية [ج7ص164] . وفقه التعامل مع المخالف للدكتور عبد الله الطريقي [ص87] .
2) سورة النساء آية [65] .
ومع ذلك لم يعرف أن ذلك كان سبب خصومة وشقاق ... ومع ذلك لم يعرف أنهم اختلفت قلوبهم على بعض وإليك الدليل :
1) عن أبي وائل قال : ( جلست إلى شيبة في هذا المسجد قال : جلس إلى عمر في مجلسك هذا فقال : هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين ، قلت: ما أنت بفاعل . قال : لم ؟ قلت : لم يفعله صاحباك . قال : هما المرآن يقتدى بهما ) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج13ص249] من طريق سفيان عن واصل عن أبي وائل به.
فأنكر شيبة على عمر عزمه هذا على توزيع مال الكعبة ، حيث لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا خليفته أبو بكر رضي الله عنه بعده ، فلم يكن من عمر إلا الرجوع عن رأيه .
قال ابن بطال : ( أراد عمر قسمة المال في مصالح المسلمين ، فلما ذكره شيبة أن النبي وأبا بكر بعده لم يتعرضا له ، لم يسعه خلافهما ، ورأي أن الاقتداء بهما واجب ) (1). اهـ(1/2)
فانظر رحمك الله هذا الأدب العظيم مع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيمن خالفه... رحم الله الصحابة أجمعين ، ونفعنا بعلمهم وأدبهم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر فتح الباري لابن حجر [ج13ص252] .
2) وعن عكرمة قال : ( أتِيَ علي بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تعذبوا بعذاب الله ، ولقتلتهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بدل دينه فاقتلوه )) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج6ص149] وأبو داود في سننه [ج4ص520] والترمذي في سننه [ج4ص59] والنسائي في السنن [ج7ص104] وأحمد في المسند [ج1ص282] وابن ماجه في سننه [ج2ص848] والشافعي في المسند [ج2ص87] والبغوي في شرح السنة [ج10ص238] والبيهقي في السنن الكبرى [ج8ص195] والدارقطني في سننه [ج3ص113] وأبو يعلى في المسند[ج4ص409] وابن حبان في صحيحه [ج12ص421] والحميدي في المسند [ج1ص244] من طريق أيوب عن عكرمة به .
وفي رواية عند الترمذي ( فبلغ ذلك علياً فقال : صدق ابن عباس ) .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
قال العلامة السندي تعليقاً على القصة في حاشيته على سنن النسائي [ج7ص105] : (قالوا: كان ذلك منه عن رأي واجتهاد لا عن توقيف ، ولهذا لما بلغه قول ابن عباس رضي الله عنهما استحسنه ورجع إليه كما تدل عليه الروايات).اهـ
3) وعن ابن عباس أنه طاف مع معاوية بالبيت ، فجعل يستلم الأركان كلها (1) فقال له ابن عباس :لم تستلم هذين الركنين ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) يعني الأربعة الأركان اليمانيين والشاميين . انظر بلوغ الأماني [ج12ص41] .(1/3)
فقال معاوية :ليس شئ من هذا البيت مهجوراً، فقال ابن عباس :? ???????? ????? ?????? ? ??????? ?????? ?????????? ????????? ? (1)، فقال معاوية : صدقت).
حديث حسن
أخرجه أحمد في المسند [ج12ص41 ـ البلوغ ] من طريق مروان بن شجاع حدثني خصيف عن مجاهد عن ابن عباس به .
قلت : وهذا سنده حسن .
وأخرجه البخاري في صحيحه [ج3ص204] من طريق ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء به .
وأخرجه الترمذي في سننه [ج3ص204 من طريق عبد الرزاق أخبرنا سفيان ومعمر عن ابن خثيم عن أبي الطفيل قال كنت مع ابن عباس ومعاوية به .
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
فأنكر ابن عباس على معاوية فعله هذا محتجاً بمعارضته سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن من معاوية رضي الله عنه إلا تأييد موقف ابن عباس رضي الله عنهما والاعتراف بخطئه (2).
قال العلامة أحمد البنا في تعليقه على القصة في بلوغ الأماني [ج12ص41]: ( فرجع معاوية إلى قول ابن عباس حينما ظهر له الدليل ، وقال ( صدقت ) وهكذا شأن المؤمن إذا ظهر له الحق ، وكان مخالفاً لرأيه ، طرح رأيه واتبع الحق ، والرجوع إلى الحق فضيلة ) . اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الأحزاب آية [21] .
2) انظر حكم الإنكار في مسائل الخلاف للدكتور فضل إلهي [ص26] .
4) وعن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري : ( أن أنس بن مالك قدم من العراق، فدخل عليه أبو طلحة وأبيّ بن كعب فقرّب لهما طعاماً قد مسته النار، فأكلوا منه ، فقام أنس فتوضأ ، فقال أبو طلحة وأبي بن كعب : ما هذا يا أنس ؟ أعراقية (1) فقال أنس : ليتني لم أفعل ، وقام أبو طلحة وأبيّ بن كعب ، فصليا ولم يتوضآ ) .
حديث صحيح
أخرجه مالك في الموطأ [ج1ص288] من طريق موسى عن عبدالرحمن به .
قلت : وهذا سنده صحيح.
فهذا أنس بن مالك يتوضأ بعدما أكل مما قد مسته النار ، فأنكر عليه أبو طلحة وأبيّ بن كعب ، وليس له إلا التسليم .(1/4)
5) وعن حيان العدوي قال : ( سُئل لاحق بن حميد أبو مجلز ، وأنا شاهد عن الصرف ، فقال: كان ابن عباس لا يرى بأساً زماناً من عمره ، حتى لقيه أبو سعيد الخدري ، فقال له : يا ابن عباس ألا تتقي الله ! حتى متى توكل الناس الربا ؟ أما بلغك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم وهو عند أم سلمة زوجته : إني أشتهي تمر العجوة ، وأنها بعثت بصاعين من تمر عتيق إلى منزل رجل من الأنصار ، فأوتيت بدلهما تمرة عجوة ، فقدمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعجبه ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أي بالعراق استفدت هذا العلم ، وتركت عمل أهل المدينة المتلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فتناول تمرة ثم أمسك فقال : من أين لكم هذا ؟ قالت : بعثت بصاعين من تمر عتيق إلى منزل فلان ، فأتينا بدلهما من هذا الصاع الواحد ، فألقى التمرة من يده ، وقال : ردوه ردوه ، لا حاجة فيه ، التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير ، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة ، يداً بيد مثلاً بمثل ليس فيه زيادة ولا نقصان ، فمن زاد أو نقص فقد أربا ، في كل ما يكال أو يوزن . فقال : ذكرتني يا أبا سعيد أمراً نسيته ، أستغفر الله وأتوب إليه ، وكان ينهى بعد ذلك أشد النهي) (1).
حديث حسن
أخرجه الحاكم في المستدرك [ج2ص142] وابن عدي في الكامل [ج2ص831] والبيهقي في السنن الكبرى [ج5ص281] والمروزي في السنة [ص55] والخطيب في الفقيه والمتفقه [ج1ص372] من طرق عن حيان به .
قلت : وهذا سنده حسن .
قلت : والمراد مناقشة الآراء المخالفة للنصوص ، وبيان وجه مخالفتها ثم إرجاعها على صاحبها . والله ولي التوفيق .
قال ابن عبد البر في التمهيد [ج21ص75] : ( الحجة عند الاختلاف السنة ، وإنها لحجة على من خالفها ، وليس من خالفها بحجة عليها ) . اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/5)
1) وأخرجه أبو يعلى في المسند [ج2ص489] بلفظ قال ابن عباس : ( اللهم إني أتوب إليك مما كنت أفتي به الناس في الصرف ) .
6) وعن عبد الله بن عمر كان يكري أرض آل عمر فسأل رافع بن خديج فأخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كراء الأرض ، فترك ذلك ابن عمر ) .
وفي رواية : ( كنا نخابر (1) ولا نرى بذلك بأساً حتى زعم رافع بن خديج أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها فتركناها من أجل ذلك ) .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج3ص1179] والخطيب في الفقيه والمتفقه [ج1ص368] وفي التاريخ [ج1ص357] وفي الكفاية [ص86] وأبو نعيم في الحلية [ج6ص264] والشافعي في الرسالة [ص445] وأبو داود في سننه [ج3ص682] وابن ماجه في سننه [ج2ص819] وأحمد في المسند [ج1ص234] والنسائي في السنن الكبرى [ج3ص103] وفي السنن الصغرى [ج7ص48] والطبراني في المعجم الكبير [ج4ص285] والبيهقي في السنن الكبرى [ج6ص128] والبغوي في شرح السنة [ج8ص257] وابن عبد البر في التمهيد [ج3ص42] والحميدي في المسند [ج1ص198] من طرق عنه .
قال الإمام الشافعي في الرسالة [ص445] : ( فابن عمر قد كان ينتفع بالمخابرة ويراها حلالاً ، ولم يتوسّع ، إذ أخبره واحد لا يتهمه عن رسول الله أنه نهى عنها أن يُخابر بعد خبره ، ولا يستعمل رأيه مع ما جاء عن رسول الله ، ولا يقول ما عاب هذا علينا أحدٌ ونحن نعمل به إلى اليوم ) . اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) المخابرة : هي مزارعة الأرض بجزء مما يخرج منها كالثلث أو الربع أو بجزء معين من الخارج . انظر فتح الباري لابن حجر [ج5ص17] .
7) وعن ابن عباس أن زيد بن ثابت قال له : ( أتفتي أن تُصْدِر (1) الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت ؟ فقال ابن عباس فاسأل فلانة الأنصارية (2) هل أمرها بذلك رسول الله ، فرجع زيد بن ثابت إلى ابن عباس يضحك وهو يقول : ما أراك إلا قد صدقت ) .(1/6)
أخرجه مسلم في صحيحه [ج2ص963] وأحمد في المسند [ج3ص307] والشافعي في الأم [ج2ص181] وفي الرسالة [ص440] والبيهقي في السنن الكبرى [ج5ص163] من طريق طاووس به .
قال الإمام الشافعي في الرسالة [ص441] : ( سمع زيد النهي أن يصْدر أحدٌ من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت ، وكانت الحائض عنده من الحاج الداخلين في ذلك النهي ، فلما أفتاها ابن عباس بالصَّدر إذا كانت قد زارت بعد النحر أنكر عليه زيدٌ ، فلما أخبره عن المرأة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها بذلك ، فسألها فأخبرته فصدّق المرأة ورأى عليه حقاً لأن يرجع عن خلاف ابن عباس ، وما لابن عباس حجة غير خبر المرأة ) . اهـ
8) وعن الخولاني : ( أنه قدم العراق فجلس إلى رفقة فيها ابن مسعود ، فتذاكروا الإيمان ، فقلت أنا مؤمن ، فقال ابن مسعود : أتشهد أنك في الجنة ؟ فقلت : لا أدري مما يحدث الليل والنهار ، فقال ابن مسعود : لو شهدت أني مؤمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أن تصدر الحائض أي ترجع لا تطوف طواف الوداع .
2) هي أم سليم بنت ملحان .
لشهدت أني في الجنة ، قال أبو مسلم : فقلت: يا ابن مسعود : ألم تعلم أن الناس كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثلاثة أصناف : مؤمن السريرة مؤمن العلانية ، كافر السريرة كافر العلانية ، مؤمن العلانية كافر السريرة ؟ قال : نعم، قلت : فمن أيهم أنت ؟ قال : أنا مؤمن السريرة مؤمن العلانية . قال أبو مسلم : قلت : وقد أنزل الله عز وجل ? ???? ???????? ?????????? ?????????? ??????? ???????? ?????????? ?(1)، فمن أي الصنفين أنت ؟ قال : أنا مؤمن. قلت : صلى الله على معاذ ، قال : وما له؟ قلت : كان يقول : ( اتقوا زلة حكيم ) ، وهذه منك زلة يا ابن مسعود !! فقال: استغفر الله ).
أثر حسن(1/7)
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين [ج2ص333] من طريق هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا محمد بن عبد الله الشعيثي عن حرام بن حكيم ويونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي مسلم الخولاني به .
قلت : وهذا سنده حسن .
9) وعن أبي بكر قال : ( سمعت أبا هريرة يقص ، يقول في قصصه : ( من أدركه الفجر جنباً فلا يصم ) ، فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث فأنكر ذلك ، فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة التغابن آية [2].
رضي الله عنهما ، فسألهما عبد الرحمن عن ذلك ، قال : فكلتاهما قالت : ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبح جنباً من غير حلم ثم يصوم ) ، قال : فانطلقنا حتى دخلنا على مروان ، فذكر ذلك له عبد الرحمن ، فقال مروان : عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة، فرددت عليه ما يقول : قال : فجئنا أبا هريرة وأبو بكر حاضر ذلك كله ، قال : فذكر له عبد الرحمن ، فقال أبو هريرة : أهما قالتاه لك ؟ قال : نعم ، قال : هما أعلم . ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس ، فقال أبو هريرة : سمعت ذلك من الفضل ولم أسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك ) .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج2ص779] من طريق ابن جريج أخبرني عبدالملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر به .
قال ابن عبد البر في التمهيد [ج7ص157] : ( وليس من العلماء أحد إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) . اهـ
10) وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ( أن عمر رضوان الله عليه ناشد الناس في الجنين فقام حملٌ بن مالك النابغة فقال : كنت بين امرأتين فضربت إحداهما فقتلها وجنينها فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه بغرة عبد أو أمة وأن تقتل بها ) (1) وقال عمر : لو لم نسمع بمثل هذا قضينا بغيره .
حديث صحيح(1/8)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) والحديث أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة وحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما .
أخرجه أبو داود في سننه [ج4ص689] وابن ماجه في سننه [ج2ص882] والدارقطني في السنن [ج3ص116 ـ 117] والدارمي في السنن [ج2ص196] وأحمد في المسند [ج1ص364] وابن حبان في صحيحه [ج7ص605] وعبد الرزاق في المصنف [ج10ص58] وابن أبي عاصم في الآحاد والثاني [ج ص ] وفي الديات [ص74] والبيهقي في السنن الكبرى [ج8ص114] وابن الأثير في أسد الغابة [ج2ص58] والطبراني في المعجم الكبير [ج4ص8] والنسائي في السنن الكبرى [ج4ص218] وفي السنن الصغرى [ج8ص21] والحاكم في المستدرك [ج3ص575] من طريق عمرو بن دينار أنه سمع طاووساً يخبر عن ابن عباس به.
قلت : وهذا سنده صحيح .
وأخرجه الشافعي في الأم [ج6ص107] وفي الرسالة [ص427] وفي المسند [ج2ص103] والبيهقي في السنن الكبرى [ج8ص114] وعبد الرزاق في المصنف [ج10ص58] من طريق ابن طاووس عن أبيه عن عمر فذكره مرسلا به.
وقال عمر : ( لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا . إن كدنا نقضي فيه برأينا).
وأخرجه أبو داود في سننه [ج4ص699] من طريق عمرو بن دينار عن طاووس مرسلاً به.
ومن هذا الوجه أخرجه النسائي في السنن الكبرى [ج4ص237] وفي السنن الصغرى [ج8ص47] والشافعي في المسند [ج2ص103] .
قال الشافعي في الرسالة [ص148] : ( قد رجع عمر عما كان يقضي به لحديث الضحاك، إلى أن خالف حُكم نفسه ، وأخبر في الجنين أنه لو لم يسمع هذا لقضى فيه بغيره وقال ـ عمر ـ : إن كِدنا أن نقضي فيه برأينا ) . اهـ(1/9)
قلت : وفي الحديث أن الوقائع الخاصة في الأحكام قد تخفى على الأكابر من الصحابة والعلماء ويعلمها من دونهم من طلبة العلم ، وفي ذلك ردٌّ على المقلد المتعصب إذا استدل عليه بخبر ثبت عن النبي يخالف رأيه فيجيب : لو كان صحيحاً لعلمه فلان مثلا ، فإن ذلك إذا جاز خفاؤه عن مثل عمر رضي الله عنه فخفاؤه عمن بعده أجوز .
ويؤيده حديث البراء بن عازب رضي الله عنه .
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : ( ليس كُلُّنا كان يسمعُ حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، كانت لنا ضيعةٌ وأشغالٌ ، ولكن كان الناس لم يكونوا يكذبون ، فيُحدِّث الشاهدُ الغائِبَ ).
أثر صحيح
أخرجه الحاكم في المستدرك [ج1ص137] وفي معرفة علوم الحديث [ص14] وابن حزم في الإحكام [ج2ص143] وأبو نعيم في أخبار أصبهان [ج2ص2] والرامهرمزي في المحدث الفاصل [ص133] والخطيب في الجامع [ج1ص55] وفي الكفاية [ص385] والفهري في السنن [ص117] والفسوي في المعرفة والتاريخ [ج2ص434]. بإسناد صحيح
قلت : والأصل الرجوع في الوقائع إلى علم آثار النبي صلى الله عليه وسلم .
عن سفيان الثوري قال : ( إنما العلم بالآثار ) .
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى [ص200] وأبو نعيم في الحلية [ج6ص367] و[ج7ص57] وابن عبد البر في جامع بيان العلم [ج2ص34] من طريق عبد العزيز بن أبي رزمة يقول سمعت عبدا لله بن المبارك يقول سمعت سفيان به .
قلت : وهذا سنده صحيح ، رجاله كلهم ثقات .
ولفظ ابن عبد البر : ( إنما الدين بالآثار ) .
11) وعن عبد الله بن كعب أن محمود بن لبيد الأنصاري سأل زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل فقال زيد يغتسل . فقال له محمود إن أبيّ بن كعب ، كان لا يرى الغسل . فقال له زيد بن ثابت إن أبيّ نزع عن ذلك قبل أن يموت ) .
أثر صحيح
أخرجه مالك في الموطأ [ج1ص47] من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الله به .
قلت : وهذا سنده صحيح .(1/10)
وأخرجه الشافعي في اختلاف الحديث [ص91] والخطيب في الفقيه والمتفقه [ج1ص366] من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه عن أبيّ بن كعب به .
12) وعن البويطي قال سمعت الشافعي يقول : (لقد ألفت هذه الكتب ، ولم آل فيها ، ولابد أن يوجد فيها الخطأ ، لأن الله تعالى يقول : ? ?????? ????? ???? ????? ????????? ?????? ??????????? ????? ?????????????????? ???????? ? فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه ) .
أثر صحيح
أخرجه ابن حجر في توالي التأسيس [ص106] من طريق أحمد بن عثمان ثنا محمد بن الحسن ثنا يحيى بن عبد الباقي ثنا محمد بن عامر عن البويطي به .
قلت : وهذا سنده صحيح .
13) وعن سليمان بن يسار أن أبا هريرة وابن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن تذاكروا في المتوفى عنها الحامل ، تضع عند وفاة زوجها ، فقال : تعتد آخر الأجلين (1)، فقال أبو سلمة حين تضع ، فقال أبو هريرة : وأنا مع ابن أخي ، فأرسلوا إلى أم سلمة فقالت : قد وضعت سبيعة بعد وفاة زوجها بيسير ، فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تتزوج ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) آخر الأجلين : أي يتربصن أربعة أشهر وعشراً ، ولو وضعت قبل ذلك ، فإن مضت ولم تضع تتربص إلى أن تضع .
انظر فتح الباري لابن حجر [ج8ص654] .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج2ص1122] والبيهقي في المعرفة [ج11ص204] من طريق يحيى بن سعيد أخبرني سليمان به .
وأخرجه البخاري في صحيحه [ج8ص653] ومالك في الموطأ [ص580] والشافعي في الأم [ج5ص224] والترمذي في سننه [ج4ص119] والنسائي في السنن الصغرى [ج6ص192] وفي التفسير [ج2ص447] وابن عبد البر في التمهيد [ج23ص152] من طريق يحيى قال أخبرني أبو سلمة به .
قال ابن حجر في الفتح [ج8ص654] : ( قوله : قال أبو هريرة : أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة أي وافقه فيما قال ).اهـ
قلت : يعني صار مع صاحب الحق .(1/11)
قال ابن عبد البر في الاستذكار [ج18ص177] : ( وأما ابن عباس فقد روي عنه أنه رجع إلى القول بحديث سبيعة ) . اهـ
وقال ابن عبد البر في التمهيد [ج23ص150] : ( وفيه دليل على أن العلماء لم يزالوا يتناظرون ، ولم يزل منهم الكبير لا يرتفع على الصغير ، ولا يمنعون الصغير إذا علم أن ينطق بما علم وربّ صغير في السن كبير في علمه ، والله يمن على من يشاء بحكمته ورحمته .
وفيه دليل على أن المناظرة وطلب الدليل وموقع الحجة ، كان قديماً من لدن زمن الصحابة هلمّ جرا لا ينكر ذلك إلا جاهل .
وفيه دليل على أن الحجة عند التنازع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما لا نص فيه من كتاب الله ، وفيما فيه نص أيضا إذا احتمل الخصوص لأن السنة تفيد مراد الله من كتابه ) . اهـ
وقال ابن تيمية في الفتاوى [ج24ص172] : ( نعم من خالف الكتاب المستبين، والسنَّة المستفيضة أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه ، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع ).اهـ
وقال ابن القيم تحت هذا الحديث في اعلام الموقعين [ج2ص291] : ( وقد تقدم من ذكر رجوع عمر إلى موسى وابن عباس عن اجتهادهم إلى السنة ) . اهـ
14) وعن ابن وعلة المصري أنه سأل ابن عباس عما يعصر من العنب فقال ابن عباس: (أهدي رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - راوية خمر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أما علمت أن الله حرمها ؟ فقال : لا ، فسار إنساناً إلى جنبه قال : ثم ساررته فقال : أمرته أن يبيعها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الذي حرم شربها حرم ثمنها ففتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما ) .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج5ص1205] ومالك في الموطأ [ج2ص849] والبيهقي في المعرفة [ج13ص8] من طريق زيد بن أسلم عن ابن وعلة المصري به.(1/12)
15) وعن أنس بن مالك قال : ( كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة وما شرابهم إلا الفضيخ ـ البسر ـ والتمر ، فإذا منادٍ ينادي ، إن الخمر قد حرمت . قال : فجرت في سكك المدينة ، فقال أبو طلحة : اخرج فأهرقها ..) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج5ص112] ومسلم في صحيحه [ج ص1570] وأبو داود في سننه [ج3ص325] والبيهقي في المعرفة [ج13ص11] من طريق حماد حدثنا ثابت عن أنس به .
قال الإمام الشافعي في الرسالة [ص409] : ( وهؤلاء في العلم والمكان من النبي وتقدّم صحبته بالموضع الذي لا ينكره عالم ، وقد كان الشراب عندهم حلالاً يشربونه ، فجاءهم آتٍ ، وأخبرهم بتحريم الخمر ، فأمر أبو طلحة ، وهو مالك الدار ، ولم يقل هو ولاهم ولا واحد منهم نحن على تحليلها حتى نلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، مع قربه منّا ، أو يأتينا خبرُ عامة ... والحال في أنهم لا يدعون إخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) . اهـ
قلت : فالسلف يرجعون عند مخالفتهم للكتاب والسنة ، فليتنا نتخذهم قدوة لنكون من زمرتهم يوم القيامة .
وقال الإمام الشافعي في الرسالة [ص424] : ( ودلالة على أنه لو مضى أيضا عملٌ من أحد من الأئمة ، ثم وجد خيراً عن النبي يخالف عمله لترك عمله لخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ودلالة على أن الحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثبتُ بنفسه ، لا يعمل غيره بعده ... بل صاروا إلى ما وجب عليهم من قبول الخبر عن رسول الله ، وتركِ كل عمل خالفه ) .اهـ
وقال الإمام الشافعي في الرسالة [ص486] : ( فالناس متعبدون بأن يقولوا ويفعلوا ما أمروا به ، وينتهوا إليه ، لا يجاوزونه ) . اهـ(1/13)
16) وعن خالد بن عبد الرحمن قال : ( كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك، فسمع غناء من الليل ، فأرسل إليهم بكوة فجئ بهم ، فقال : إن الفرس لتصهل فتستودق له الرمكة ، وإن الفحل ليحظر فتضبح له الناقة ، وإن التيس ليثب فتستحرم له العنز ، وإن الرجل ليغني فتشتاق إليه المرأة ، ثم قال : اخصوهم، فقال عمر بن عبد العزيز : هذا مُثلة ولا يحل ، فخلى سبيلهم).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي [ص52] والحكيم في المنهيات [ص107] والبيهقي في شعب الإيمان [ج9ص332] من طريق الفضل بن موسى عن داود بن عبد الرحمن عن خالد به .
قلت : وهذا سنده حسن .
17) وعن أحمد بن حنبل قال : ( بلغ ابن أبي ذئب أن مالكاً لم يأخذ بحديث ( البيعان بالخيار) (1) فقال : يستتاب في الخيار فإن تاب وإلا ضربت عنقه ، ومالك لم يرد الحديث ، ولكن تأوله على غير ذلك ) .
أثر صحيح
أخرجه أبو يعلى في طبقات الحنابلة [ج1ص251] من طريق عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان حدثني الفضل بن زياد عن أحمد به .
قلت : وهذا سنده صحيح .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) يعني حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ... الحديث ) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج4ص328] ومسلم في صحيحه [ج3ص1163] وأبو داود في سننه [ج3ص732] والترمذي في سننه [ج3ص538] وابن ماجه في سننه [ج2ص736] من عدة طرق عن نافع عن ابن عمر به . وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
قال الإمام مالك رحمه الله في حديث ( البيعان بالخيار) : ( وليس لهذا عندنا وجهٌ معروف ، ولا أمرٌ معمول ) (1).
أخرجه الذهبي في السير [ج10ص65] باسناد صحيح .
قال الذهبي : ( قد عمل جمهور الأئمة بمقتضاه ، أولهم عبد الله بن عمر (2) راوي الحديث، والله أعلم ). اهـ(1/14)
وقال الإمام الشافعي : ( رحم الله مالكاً لست أدري من اتهم في اسناد هذا الحديث ، اتهم نفسه أو نافعاً وأُعْظِمُ أن أقول اتهم ابن عمر ) (3). اهـ
18) وعن محمد بن علي : ( أن علياً رضي الله عنه قيل له : أن ابن عباس لا يرى بمتعة النساء بأساً ، فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها يوم خيبر ، وعن لحوم الحمر الإنسية ) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج6ص2553] ومسلم في صحيحه [ج2ص1028] والدارقطني في السنن [ج3ص358] والخطيب في تاريخ بغداد [ج6ص102] والشافعي في المسند [ص162] والنسائي في السنن الكبرى [ج3ص160] والدارمي في السنن [ج2ص140] والبيهقي في المعرفة [ج10ص174]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) يعني أن مالكاً لا يأخذ بهذا الحديث لأن عمل أهل المدينة على خلافه ، وقد تعقب بأنه قال به ابن عمر ثم سعيد بن المسيب ، ثم الزهري ثم ابن أبي ذئب وهؤلاء من أكابر علماء أهل المدينة في أعصارهم ، ولا يحفظ عن أحد من علماء المدينة في أعصارهم القول بخلاف ذلك ، غير ربيعة شيخ مالك .
2) انظر صحيح البخاري [ج4ص328] .
3) انظر معالم السنن للخطابي [ج5ص95] .
وابن الجارود في المنتقى [ص175] وسعيد بن منصور في السنن [ج1ص218] وابن أبي شيبة في المصنف [ج4ص292] والطحاوي في شرح المعاني [ج4ص204] من طريق الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما به .(1/15)
وأخرجه البخاري في صحيحه [ج4ص1544] دون ذكر ابن عباس فيه ومسلم في صحيحه [ج2ص1027] والترمذي في سننه [ج3ص421] والنسائي في السنن الكبرى [ج3ص160] وفي السنن الصغرى [ج7ص202] وابن ماجه في سننه [ج1ص360] ومالك في الموطأ [ج2ص542] والدارقطني في العلل [ج4ص115] والبيهقي في السنن الكبرى [ج7ص201] وفي المعرفة [ج10ص174] والبغوي في شرح السنة [ج9ص99] وأحمد في المسند [ج1ص79] والحازمي في الاعتبار [ص393] والبزار في المسند [ج2ص241] وأبو يعلى في المسند [ج1ص133] وابن الجارود في المنتقى [ص175] والطبراني في المعجم الصغير [ج1ص133] من طرق عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي به .
وفي رواية لمسلم في صحيحه [ج2ص1027] من طريق جويرية عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لفلان (1) : إنك رجل تائه نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) يعني ابن عباس رضي الله عنهما .
ومن هذا الوجه أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار [ج3ص24] .
وكذلك أخرجه النسائي في السنن الكبرى [ج3ص328] وفي السنن الصغرى [ج6ص125] من طريق يحيى عن عبيد الله بن عمر قال حدثني الزهري به .
وإسناده صحيح .
وأخرجه أحمد في المسند [ج1ص142] من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما أنه سمع أباه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لابن عباس وبلغه أنه رخص في متعة النساء ، فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية ) . وإسناده صحيح .(1/16)
وأخرجه الطيالسي في المسند [ص18] من طريق سفيان بن عيينة وعبد العزيز بن أبي سلمة كلاهما سمعا الزهري يقول حدثني الحسن وعبد الله ابنا محمد بن الحنفية عن أبيهما أن علياً رضي الله عنه قال لرجل ـ ابن عباس ـ يفتي في المتعة : (انظر ماذا تفتى ، فأشهد أن رسول الله نهى عن نكاح المتعة) . وإسناده صحيح .
وعن سالم بن عبد الله قال : ( أتى عبد الله بن عمر فقيل : إن ابن عباس يأمر بنكاح المتعة ، فقال ابن عمر : سبحان الله ما أظن ابن عباس يفعل هذا ، قالوا : بلى ، إنه يأمر به ، فقال : وهل كان ابن عباس إلا غلاماً صغيراً إذ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ثم قال ابن عمر : نهانا عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما كنا مسافحين ) .
أخرجه الطبراني في الأوسط [ج4ص219] من طريق المعافى بن سليمان ثنا موسى بن أعين عن إسحاق بن راشد عن الزهري عن سالم به .
قلت : وهذا سنده حسن .
وقال ابن حجر في التلخيص : إٍسناده قوي .
وذكره الهيثمي في الزوائد [ج4ص256] ثم قال رواه الطبراني في الأوسط ، ورجاله رجال الصحيح ، خلا المعافي بن سليمان وهو ثقة .
وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد [ج8ص461] من طريق مالك عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي به .
وعن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة ، فقال : ( إن ناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة ـ يعرض برجل ـ فناداه فقال : إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك ، فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك ).(1/17)
قال ابن شهاب : فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله أنه بينما هو جالس عند رجل ، جاءه رجل فاستفتاه في المتعة ، فأمر بها ، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: مهلاً ما هي ، والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين ، قال ابن أبي عمرة : ( إنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ، ثم أحكم الله الدين ونهى عنها ).
أخرجه مسلم في صحيحه [ج2ص1026 ] والبيهقي في السنن الكبرى [ج7ص205] من طريق ابن وهب أخبرني يونس به . وفي رواية البيهقي : ( يعرض بابن عباس ) .
وأخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ [ج1ص373] من وجه آخر به.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير [ج13ص127] من طريق سهيل بن ذكوان قال سمعت عبد الله بن الزبير يخطب فقال : ( إن ابن عباس يحل المتعة وهي حرام من الله ورسوله ) .
قلت : وهكذا يعظم أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونهيه .
19) وعن عبيد بن عمير قال : ( بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن ، فقالت : يا عجباً لابن عمرو هذا ، يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن ، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن ! لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات ) .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج4ص12 ـ النووي] والطبراني في المعجم الأوسط [ج2ص226] والنسائي في السنن الصغرى [ج1ص203] وابن ماجه في سننه [ج1ص198] وأحمد في المسند [ج6ص43] والبيهقي في السنن الكبرى [ج1ص181] والدارقطني في السنن [ج1ص52] من طريق أبي الزبير عن عبيد به .
وفي رواية عند ابن خزيمة في صحيحه [ج1ص123] بلفظ : ( يا عجباً لابن عمروٍ هذا ، لقد كلفهن تعباً ) .
وفي رواية عند أبي عوانة في صحيحه [ج1ص315] بلفظ : ( يا عجيبة من ابن عمروٍ ... أفلا يأمرهن أن يجززن رؤوسهن ) .(1/18)
20) وعن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها . قال فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن ، قال فأقبل عليه عبد الله فسبه سباً سيئاً ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول : والله لنمنعهن ) (1).
أخرجه مسلم في صحيحه [ج1ص327] من طريق يونس عن ابن شهاب به .
وأخرجه الدارمي في السنن [ج1ص117] من طريق الأوزاعي به ( فشتمه شتمةً لم أره شتمها أحداً قبله ) .
وأخرجه أبو داود في سننه [ج1ص382] من طريق الأعمش عن مجاهد (فسبه وغضب عليه ).
ومن هذا الوجه أخرجه الترمذي في سننه [ج2ص459] وأحمد في المسند [ج2ص49] وعبد الرزاق في المصنف [ج3ص147] وأبو عوانة في صحيحه [ج2ص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) قال الشيخ أحمد شاكر في شرح سنن الترمذي[ج2ص459] : ( وهذا الحديث من أقوى ما جاء عن الصحابة في الإنكار على من رد السنة برأيه كائنا من كان ) .اهـ
58] والبيهقي في السنن الكبرى [ج3ص132] والطبراني في المعجم الكبير [ج12ص399] من طرق عنه .
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير [ج12ص399] من طريق شعبة عن الأعمش عن مجاهد ( فمد يده فلطمه ) .
ومن هذا الوجه أخرجه الطيالسي في المسند [ص257] .
وأخرجه مسلم في صحيحه [ج1ص328] من طريق عمرو عن مجاهد (فضرب في صدره ، وقال : أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول : لا ! ) .
وأخرجه ابن حبان في صحيحه [ج5ص587] من طريق جرير وعيسى بن يونس عن الأعمش عن مجاهد ( قال فعل الله بك وفعل ) .
وأخرجه الهروي في ذم الكلام [ج2ص146] من طريق عبيد الله ( فسبه عبدالله بن عمر أسوأ ما سمعته سبه قط ) .
وأخرجه المقرئ في حديثه [ص60] من طريق كعب بن علقمة ( يا عدو الله ).(1/19)
وقوله : ( فسبه سباً سيئاً ... ) ، قال ابن حجر في الفتح [ج2ص348] : (وفسر عبد الله بن هبيرة في رواية الطبراني السب المذكور ( باللعن ثلاث مرات )، وفي رواية زائدة عن الأعمش ( فانتهره ) ، وقال : ( أفٍ لك )، وله عن ابن نمير عن الأعمش : ( فعل الله بك وفعل )، ومثله الترمذي من رواية عيسى بن يونس ، ولمسلم من رواية أبي معاوية : ( فزبره ) ، ولأبي داود من رواية جرير : ( فسبه وغضب عليه ). اهـ
قلت : وهذا الذي ينبغي أن يفعل فيمن رام الوقوف أمام النصوص ومعارضتها بقول فلان وفلان ، بحجة أنه أعلم منك ! .
قال ابن حجر في الفتح [ج2ص248]: ( وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنن برأيه ، وعلى العالم بهواه ، وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيراً إذا تكلم بما لا ينبغي له ). اهـ
وذكره الدارمي في السنن في المقدمة [ج1ص116] تحت باب تعجيل عقوبة قمن بلغه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث ولم يعظمه ولم يوقره .
وقال ابن تيمية في الفتاوى [ج24ص172] : ( نعم من خالف الكتاب المستبين، والسنَّة المستفيضة أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه ، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع ) (1).اهـ
21) وعن عبد الله بن مغفل أنه رأى رجلاً يخذف فقال له : ( لا تخذف ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخذف أو كان يكره الخذف وقال : إنه لا يصاد به صيد ولا ينكأ به عدو ، ولكنها قد تكسر السن وتفقأ العين . ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له : أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الخذف أو كره الخذف وأنت تخذف ، لا أكلمك كذا وكذا ) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج9ص607] ومسلم في صحيحه [ج3ص1547] والحميدي في المسند [ج2ص393] والنسائي في السنن الصغرى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) من إنكار وهجر وتحذير وغير ذلك .
[(1/20)
ج8ص47] وابن ماجه في سننه [ج2ص1075] وأحمد في المسند [ج5ص55 و56] وابن بطة في الإبانة [ج1ص259] والدارمي في السنن [ج1ص117]ٍ والطيالسي في المسند [ص123] والبغوي في شرح السنة [ج10ص267] والبيهقي في السنن الكبرى [ج9ص248] والحاكم في المستدرك [ج4ص283] وابن حبان في صحيحه [ج13ص287] والهروي في ذم الكلام [ج2ص171] من عدة طرق عنه.
ووقع في رواية سعيد بن جبير عند مسلم في صحيحه [ج3ص1548] : ( لا أكلمك أبداً).
قال ابن حجر في الفتح [ج9ص608] : ( وفي الحديث جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه ، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث فإنه يتعلق بمن هجر لحظ نفسه ). اهـ
وقال الإمام ابن بطة في الإبانة [ج1ص259] : ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ، فشتان بين هؤلاء العقلاء السادة الأبرار الأخيار الذين ملئت قلوبهم بالغيرة على إيمانهم والشح على أديانهم وبين زمان أصبحنا فيه وناس نحن منهم وبين ظهرانيهم هذا عبد الله بن مغفل صاحب رسول الله وسيد من ساداتهم يقطع رحمه ويهجر حميمه حين عارضه في حديث رسول الله وحلف أيضاً على قطيعته وهجرانه وهو يعلم ما في صلة الأقربين وقطيعة الأهلين ). اهـ
وذكره ابن ماجه في المقدمة تحت باب تعظيم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتغليظ على من عارضه.
قلت : فهكذا كان السلف رضوان الله عليهم يشتد نكيرهم على من خالف الأحاديث بالآراء والتعسفات المريضة وربما هجروه تعظيماً للسنة وتوقيراً لها .
22) وعن الزبير بن عربي قال : ( سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما عن استلام الحجر فقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويقبله ، قال قلت : أرأيت إن زحمت ، أرأيت إن غلبت ، قال: اجعل أرأيت باليمن . رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويقبله ) .(1/21)
أخرجه البخاري في صحيحه [ج3ص475] والترمذي في سننه [ج3ص206] والنسائي في السنن الصغرى [ج5ص231] والهروي في ذم الكلام [ج2ص130] وأحمد في المسند [ج2ص152] والطيالسي في المسند [ص254] من طريق حماد بن زيد عنه به .
وعند الطيالسي : ( اجعل أرأيت مع ذلك الكوكب ) .
وأخرجه الهروي في ذم الكلام [ج2ص131] وابن بطة في الإبانة [ج2ص517] بلفظ : (جعل رجل يقول لابن عمر أرأيت ، أرأيت ، قال : اجعل أرأيت عند الثريا ) .
والثريا : المراد بها النجم المعروف .
قال ابن حجر في الفتح [ج3ص475] : معلقاً على قول ابن عمر : ( اجعل أرأيت باليمن ) ، وإنما قال له ذلك لأنه فهم منه معارضة الحديث بالرأي فأنكر عليه ذلك وأمره إذا سمع الحديث أن يأخذ به ويتقي الرأي ). اهـ
قلت : وهكذا كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائناً من كان ، ويهجرون فاعل ذلك.
قال ابن قدامة في روضة الناظر [ص196] : ( أما الإجماع فإن الصحابة رضي الله عنهم اشتهر عنهم في وقائع لا تحصى إطلاق الخطأ على المجتهد ـ ثم ذكر الآثار في ذلك ـ ثم قال : وهذا اتفاق منهم على أن المجتهد يخطئ ) . اهـ
23) وعن أبي السائب قال : ( كنا عند وكيع فقال لرجل عنده ممن ينظر في الرأي : أشعر (1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويقول أبو حنيفة هو مُثْلة ، قال الرجل : فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال : الإشعار مُثْلة ، قال فرأيت وكيعاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) يشير إلى حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي : ( قلد نعلين ، وأشعر الهدي في الشق الأيمن بذي الحليفة وأماط عنه الدم ) .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج2ص912] وأبو داود في سننه [ج2ص362] والترمذي في سننه [ج3ص240] من طريق قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس به .(1/22)
والإشعار : هو أن يجرحها في صفحة سنامها اليمنى بحربة أو سكين أو حديدة أو نحوها ثم يسلت الدم عنها ، وأصل الإشعار والشعور الإعلام والعلامة ، وإشعار الهدي لكونه علامة له ، ليعلم أنه هدي ، فإن ضل رده واجده ، وإن اختلط بغيره تميز .
غضب غضباً شديداً ، وقال : أقول لك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتقول : قال ابراهيم ، ما أحقك بأن تحبس ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا).
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في سننه [ج3ص241] من طريق أبي السائب به .
قلت : وإسناده صحيح .
وعن نافع قال : ( كان ابن عمر يشعر من الشق الأيمن ... . ) .
أخرجه مالك في الموطأ [ج1ص379] وابن أبي الدنيا في الإشراف [ص200] بإسناد صحيح.
وقال وكيع : ( لا تنظروا إلى قول أهل الرأي في هذا . فإن الإشعار سنَّة وقولهم بدعة ) .
أخرجه الترمذي في سننه [ج3ص241] بإسناد صحيح .
قال الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح سنن الترمذي [ج1ص269] : (وقول وكيع وما فيه من الحق يعتبر من الأجوبة المسكتة البليغة ). اهـ
24) وعن أبي شريح الكعبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عام الفتح : ( من قتل له قتيل فهو بخير النظرين ، إن أحب أخذ العقل ، وإن فله القود ) قال أبو حنيفة: فقلت لابن أبي ذئب أتأخذ بهذا يا أبا الحارث ؟ فضرب صدري ، وصاح علي صياحاً كثيراً ونال مني وقال : أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول : تأخذ به ! نعم آخذ به ، وذلك الفرض علىّ وعلى من سمعه ، إن الله اختار محمداً من الناس فهداهم به وعلى يديه ، واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه ، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخرين لا مخرج لمسلم من ذلك . قال : وما سكت حتى تمنيت أن يسكت ) .
أثر صحيح
أخرجه الشافعي في الرسالة [ص453] والبيهقي في معرفة السنن [ج1ص131] والدولابي في الكنى والأسماء [ج1ص457] عن أبي حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابي قال حدثني ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي شريح الكعبي به .(1/23)
قلت : وهذا سنده صحيح .
25) وعن الهذيل بن شرحبيل قال : ( جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنة ، وابنة ابن ، وأخت لأب ، وأم ؟ فقالا : لابنته النصف ، والأخت من الأب ، والأم النصف ، ولم يورث ابنة الابن شيئاً ، وأتِ ابن مسعود فإنه سيتابعنا . فأتاه الرجل فسأله ، وأخبره بقولهما ، فقال : لقد ضللت إذاً ، وما أنا من المهتدين ، ولكني سأقضي فيها بقضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لابنته النصف ولابنة الابن سهم تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت من الأب والأم ) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج12ص17 و24] مختصراً وأبو داود في سننه [ج3ص312] والنسائي في السنن الكبرى [ج4ص70] وأبو يعلى في المسند [ج9ص44] والترمذي في سننه [ج4ص415] وابن ماجه في سننه [ج2ص909] والدارمي في السنن [ج2ص252] وأحمد في المسند [ج1ص389 و428] والدارقطني في السنن [ج4ص334] والطيالسي في المسند [ص49] وابن حبان في صحيحه [ج7ص610] والبزار في المسند [ج4ص207] وابن الجارود في المنتقى [ص356] والبيهقي في السنن الكبرى [ج6ص229 و300] والطبراني في المعجم الكبير [ج10ص43] وعبد الرزاق في المصنف [ج10ص257] وسعيد بن منصور في السنن [1ص42] وابن أبي شيبة في المصنف [ج11ص245] والشاشي في المسند [ج2ص323] والبغوي في شرح السنة [ج8ص333] من عدة طرق عن أبي قيس عن الهذيل به . والسياق لأبي داود .
وعند البخاري في آخره : ( فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود ، فقال: لا تسألوني مادام هذا الحبر فيكم ) .
وعند الطيالسي ، وهو رواية لأحمد والبيهقي : ( فأتوا أبا موسى فأخبروه بقول ابن مسعود، فقال أبو موسى : لا تسألوني عن شئ مادام هذا الحبر بين أظهركم).
وزاد أحمد بعد قوله ( وما أنا من المهتدين إن أخذت بقوله ، وتركت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) .(1/24)
26) وعن سعيد بن جبير قال : ( قلت لابن عباس : إن نوفا البكالي (1) يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل ؟ فقال ابن عباس :كذب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ونوف هذا ابن فضالة كذا قاله ابن دريد وغيره وهو ابن امرأة كعب الأحبار وقيل ابن أخيه والمشهور الأول قاله ابن أبي حاتم وغيره ، وكنيته أبو يزيد وقيل أبو راشد وكان عالماً حكيماً قاضياً وإماماً لأهل دمشق .
انظر شرح صحيح مسلم للنووي [ج5ص136] .
عدو الله ! أخبرني أبي بن كعب قال : خطبنا رسول الله . ثم ذكر حديث موسى والخضر ، بشئ يدل على أن موسى صاحب الخضر ).
أخرجه البخاري في صحيحه [ج1ص35] ومسلم في صحيحه [ج2ص227] والشافعي في الرسالة [ص422] وابن عبد البر في جامع بيان العلم [ج2ص913] من طريق سفيان بن عيينة ثنا عمرو بن دينار قال أخبرني سعيد بن جبير به.
قال الامام الشافعي في الرسالة [ص442] : ( فابن عباس مع فقهه وفهمه وورعه يثبت خبر أبي بن كعب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى يكذب به امرأ من المسلمين ، إذ حدثه أبي بن كعب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما فيه دلالة على أن موسى بني إسرائيل صاحب الخضر) . اهـ
وقد كان ذلك دأب السلف الصالح ، فقد كانوا يختلفون ويتناظرون مناظرة مناصحة ومشاورة ، مع بقاء الألفة والعصمة بينهم .
فهذا الامام الشافعي أيضا يناظره يونس الصدفي المتوفى 264هـ ـ يوماً في مسألة ثم يفترقان فليقاه الشافعي ويأخذ بيده ويقول : ( يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة ) (1).
قال الذهبي معلقاً على هذا الأثر : ( قلت : هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام ـ يعني الشافعي ـ وفقه نفسه ، فمازال النظراء يختلفون ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر سير أعلام النبلاء للذهبي [ج10ص16] .(1/25)
وتناظر الإمام أحمد والإمام علي بن المديني ـ المتوفى 234هـ ـ في موضوع الشهادة حتى علت أصواتهما وخشي أن يقع بينهما جفاء ، فلما أراد علي رحمه الله الانصراف قام أحمد رحمه الله فأخذ بركابه (1).
أجَل تلك كانت المعاملة بين العلماء حال الاختلاف .
قال ابن تيمية في الفتاوى [ج24ص173] : ( ولو كان كل ما اختلف مسلمان في شئ تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة ) .اهـ
وقال ابن تيمية في الفتاوى [ج28ص209] : ( وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك ).اهـ
إذاً فلنتعاون إخوة الإسلام على البر والتقوى ولا نتعاون على الاثم والعدوان والاختلاف ، ولنكن دعاة خير وإصلاح ونحقق مدلول الإسلام في أنفسنا وأسرنا وبين قومنا وأهلينا وبلادنا ، ولنتبادل التقدير والاحترام فيما بيننا كي يسود الأمن والأمان وتحصل الراحة والاطمئنان ونوحد أمرنا ونجمع شملنا ونلم شعثنا ونجمع صفوفنا ونوحِّد كلمتنا ونتحد فيما بيننا لنحفظ إسلامنا من الاعتداء والطغيان .
وقال ابن تيمية في الفتاوى [ج3ص421] : ( تعلمون أن من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين فإن الله تعالى يقول :? ?????????????? ?????? ?????????????? ????? ???????????? ? وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف ). اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر جامع بيان العلم لابن عبد البر [ج2ص107] .
والحاصل أن لا تفسيق ولا تضليل مع الاجتهاد والتأويل ، وإن كان ليس كل اجتهاد صواباً ، ولا كل تأويل مقبولاً ، ولكن كلامنا في ذات المجتهد والمُأوِّل .
لهذا يجب الالتفاف حول علماء الأمة المهتدين لجمع الكلمة .(1/26)
والالتفاف يكون حول علماء الأمة الأئمة المهتدين ، الذين تثق الأمة في دينهم وعلمهم وأمانتهم ، وحفظ مراتبهم واجتهادهم في حفظ الدين وضبطه ... والحذر الحذر من التعالي عليهم أو الشذوذ عنهم بأي نوع من أنواع الشذوذ التي تؤدي إلى الفتنة والمفارقة ، فالعلماء هم الضمانة المهمة لصيانة وحدة الأمة قال الله تعالى : ? ???????????????? ????????? ??????????? ???? ??????? ??? ????????????? ? (1).اهـ
قلت : وهذا ما عليه أهل الحديث أهل السنة إنهم يعملون دائماً في إطار من الاجتماع والتآلف ومحبة الخير لكل المسلمين ، والعفو والتجاوز عن إساءة المسئ وخطأ المخطئ ودعوته إلى الصواب والدعاء له بالهداية .
قال ابن تيمية في الفتاوى [ج3ص368] : ( فإن الله أمر في كتابه باتباع سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولزوم سبيله وأمر بالجماعة والائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف قال تعالى : ? ???? ? ???????? ??????????? ??????? ?????????? ??????? ?(2) وقال تعالى: ? ???????????????? ??????????? ?????? ????????? ????? ??????????????? ?(3).اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة النحل آية [43] .
2) سورة النساء آية [80] .
3) سورة آل عمران آية [103]
والمقصود أن هذا الخلاف لا يجوز أن يكون سبب نزاع ووحشة وفرقة بين المسلمين مهما كبر ، وإلا تفرق المسلمون شذر مذر (1) ، ولم يكن لهم شوكة ولم تجتمع لهم كلمة ، ولم يقم لهم دولة ، وأصبحوا ألعوبة لشياطين الإنس والجن ، ولقمة سائغة للعدو المتربص .
قال ابن تيمية في الفتاوى [ج24ص172]: ( وكانوا ـ يعني السلف ـ يتناظرون في المسألة العلمية والعملية ، مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين ) . اهـ
وهذا الخلاف ليس فيه مذمة ، وإنما المذمة في بغي الناس بعضهم على بعض بسببه (2).(1/27)
فبعض الناس لا ينتبهون لوجود هذا النوع من الاختلاف ، ويظنون أن كل مسائل الاختلاف بين العلماء مما يعادى فيه ولأجله ، ويبغض المخالف له ، وهذا قد يوجد من أسباب الفساد والضغائن والتعادي ما لا يعلمه إلا الله ، وإدراك وجود هذا النوع من الاختلاف وعدم إمكانية إزالته يوسع صدور المسلمين لاحتماله ، وليكن شعارنا في ذلك يسعنا ما وسع السلف الصالح ، ولا يسعنا ما لم يسعهم ، فإذا بقيت المودة والألفة بين السلف مع وجود هذا الاختلاف فليكن هذا حالنا أيضاً ، ولنرفق بالمخالف لنا (3)، ولا يزيد إنكارنا على مجرد المذاكرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) يقال : تفرقوا شذر مذر : ذهبوا مذاهب شتى مختلفين . انظر المعجم الوسيط [ص477] .
2) انظر فقه التعامل مع المخالف للدكتور عبد الله الطريقي [ص21] .
3) ويمكن أن يدع الإنسان ما هو عنده سنَّة مؤقتاً أحياناً إذا كان الناس على خلاف رأيه لتأليف قلوبهم ، وحتى يعلمهم ويبين لهم ما هو السنَّة والبدعة والصواب والخطأ ، ومن ثَمَّ يطبق هذه السنن على نفسه لكي يقتدى به على علم والله ولي التوفيق. =
العلمية وبيان الأدلة التي نرى رجحانها ، ولا نسمح للشيطان بإلقاء بذور العداوة عبر سيل الاتهامات بالجهل أو الضلال أو الانحراف عن منهج السنة وطريقة السلف.
ففي عصور السلف الفاضلة لم يكن الاختلاف في الاجتهاد مبعثاً للفرقة والاختلاف (1).
وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين في العلم [ص187] : (والاختلاف الذي وقع بين علماء الأمة الإسلامية لا يجوز أن يكون سبباً لاختلاف القلوب لأن اختلاف القلوب يحصل فيه مفاسد عظيمة كبيرة كما قال تعالى ? ????? ??????????????? ???????????????? ???????????? ???????????? ??????????????? ?????? ?????? ???? ????????????????? ? ) (2).اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/28)
= قال ابن تيمية في الفتاوى [ج24ص195] : ( ولذلك استحب الأئمة أحمد وغيره أن يدع الإمام ما هو عنده أفضل إذا كان فيه تأليف المأمومين ... فلو كان من يرى المخافتة بالبسملة أفضل أو الجهر بها ، وكان المأمومون على خلاف رأيه ففعل المفضول عنده لمصلحة الموافقة والتأليف التي هي راجحة على مصلحة تلك الفضيلة كان جائزاً حسناً).اهـ
1) ولو تجردت النيات للبحث عن الحقيقة وأقبل روادها وهم بعداء عن طلب الغلبة والحسد والسمعة والرياسة لصفيت المنازعات التي ملأت التاريخ بالأكدار والمآسي ولذلك كانت عناية السلف رحمهم الله تعالى منصبة على تخليص النية من الشوائب عند المناقشات والمناظرات.
2) سورة الأنفال آية [46].
قلت : وليس معنى هذا تصويب الآراء المختلفة كلها ، وعدم الإنكار على المخالف ، بل الصحيح كما تقدم أن الحق واحد لا يتعدد ، ومن أخطأ وجب الإنكار عليه بل يتعين .
قال ابن تيمية في الاستقامة [ج1ص31] : ( ولكن الاجتهاد السائغ لا يبلغ مبلغ الفتنة والفرقة إلا مع البغي ، لا لمجرد الاجتهاد ، كما قال تعالى ? ????? ??????????? ??????????? ????????? ????????????? ??????? ???? ??????? ??? ?????????? ?????????? ???????????? ????????????? ? (1) وقال تعالى ? ?????? ?????????? ???????????? ????????? ?????????? ???????? ??????? ???????? ? ???????? ? (2)، وقال تعالى ? ????? ???????????? ????????????? ?????????????? ???????????????? ???? ??????? ??? ?????????? ?????????????????? ? (3)، فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود الاجتهاد السائغ ، بل من نوع بغي ). اهـ
قلت : وهذه حال أهل البدع مع أهل السنة .
قال ابن تيمية في الاستقامة [ج1ص31] : ( وهذه حال البغاة المتأولين مع أهل العدل ) .اهـ(1/29)
وعلى أهل الحق أن يلينوا بأيدي إخوانهم ، ويخفضوا جناحهم لهم ، ويحسنوا معاشرتهم ، ويوقروا كبيرهم وعالمهم ، ويرحموا صغيرهم وضعيفهم ، لتحقق بذلك وحدتهم وتتعزز قوتهم ويكونوا يداً واحدة في وجه العدو في الخارج ... والعدو في الداخل ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة آل عمران آية [19] .
2) سورة الأنعام آية [159] .
3) سورة آل عمران آية [105] .
ولأن الحق أبلج والباطل لجلج ، فإنه ينبغي على أهل الحق أن يدركوا أن العاقبة له ولهم كما قال سبحانه : ? ??????????????? ???????????????? ? (1) ...
ومهما يحاول الخصوم من تعويق فلن يفلحوا ? ????? ??????? ??????????????? ??????? ? ???????? ? (2) (3) ...
فالتنافس على الدنيا سبب بغي ، والبغي سبب الاختلاف والفرقة ، وهي سبب الضعف وذهاب الريح وتسلط الأعداء ، ولا علاج لذلك إلا بإخلاص النية لله سبحانه والتنافس على الآخرة كما أمرنا الله فقال : ? ???????? ??????? ????????????? ???????????????? ?(4) وقال : ? ???????????? ??????? ??? ??????? ?????????????????? ???????????????????? ?(5) فالتنافس على الآخرة لا يجلب حسداً ولا حقداً ولا ضغائن ولا بغياً ، وإنما يُثْمر حباً صادقاً ، وتآلفاً وإخاءً ، ووحدة في الصف ، وقوة على الأعداء في الخارج والداخل ، والحقيقة أن كثيراً مما يجري بين الاتجاهات الإسلامية المعاصرة من اختلافات مريرة على المناهج والأفكار والأولويات والأعمال سببه البغي وحب الرياسة وكثرة الأتباع ، وإلا لما أثمرت هذه الثمار المرة في التعاملات التي تجري بين هذه الاتجاهات وأفرادها (6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الأعراف آية [128] .
2) سورة غافر آية [25] .
3) انظر فقه التعامل مع المخالف للدكتور/ عبد الله الطريقي [128] .
4) سورة الصافات آية [61] .
5) سورة المطففين آية [26] .(1/30)
6) ولعل التمسك بشورى العلماء الربانيين وطلبة العلم المتمكنين في كل شئون الدين من أقوى العلاج للبغي لأنه يمنع الفرد من البغي .
إذاً ما أفدح خطب الذين يجعلون من الاختلاف ذريعة للتسرع في وصف المخالفين بالخروج أو المفارقة أو المروق من الدين ، وما يَسْتَتبِع ذلك من الاستعجال في الحكم على المخالفين دون رجوع إلى قواعد الشرع وأصول الحكم ومناهج أئمة الدين في ذلك .
فالناس على طبقات ثلاث :
فالطبقة العالية : العلماء الأكابر ـ وطلبة العلم ـ وهم يعرفون الحق والباطل ، وإن اختلفوا لم ينشأ عن اختلافهم الفتن لعلمهم بما عند بعضهم بعضاً .
والطبقة السافلة : عامة على الفطرة لا ينفرون عن الحق وهم أتباع من يقتدون به إن كان محقاً كانوا مثله ، وإن كان مبطلاً كانوا كذلك .
والطبقة المتوسطة (1):هي منشأ الشر ، وأصل الفتن الناشئة في الدين ، وهم الذين لم يمعنوا في العلم حتى يرتقوا إلى رتبة الطبقة الأولى ، ولا تركوه حتى يكونوا من أهل الطبقة السافلة ، فإنهم إذا رأوا أحداً من أهل الطبقة العليا يقول ما لا يعرفونه مما يخالف عقائدهم التي أوقعهم فيها القصور ، فوقوا إليه سهام التقريع ، ونسبوه إلى كل قول شنيع ، وغيروا فطر أهل الطبقة السفلى عن قبول الحق بتمويهات باطلة ، فعند ذلك تقوم الفتن الدينية على ساق (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) كـ ( الجماعات الحزبية ) .
2) انظر البدر الطالع للشوكاني ( ترجمة علي بن القاسم حنش المتوفى سنة 1219هـ).
وأيْمُ الله فإن سلفنا الصالح أعلم من هؤلاء ( الحزبية ) بالكتاب والسنَّة ، وألزم لهما ، واختلافهم له أسباب اقتضته ، وأدلة دعت له ، وقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في مسائل كثيرة ، وكان اختلافهم في بعض المسائل لا يؤثر في مودتهم وأخوتهم .(1/31)
قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين في العلم [ص218] : ( وإذا كان الخلاف عن اجتهاد سائغ فإن الواجب أن لا تتفرق القلوب وتختلف من أجل ذلك، فإن الصحابة الكرام حصل بينهم خلاف في الاجتهاد في عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم وبعده ، ولم يحصل بينهم اختلاف في القلوب أو تفرق فليكن لنا فيهم أسوة فإن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح به أولها ).اهـ
وقال عياض في الإلماع [ص7] : ( ورحم الله سلفنا من الأئمة المرْضِيين ، والأعلام السابقين ، والقدوة الصالحين ، من أهل الحديث وفقهائهم ، قرناً بعد قرن ، فلولا اهْتِبَالُهم (1) بنقله ، وتوفُرهُم على سماعه وحمْلِهِ ، واحتسَابُهم في إذاعته ونشره ، وبحثهم عن مشهوره وغريبه ، وتنخيلهم لصحيحه من سقيمه ـ لضاعت السنن والآثار ، ولاختلط الأمر والنهي ، وبطل الاستنباط والاعتبار ؛ كما اعترى من لم يعتن بها ، وأعرض عنها بتزيين الشيطان ذلك له ـ من الخوارج والمعتزلة وضعفة أهل الرأي ، حتى انسَلَّ أكثرهم عن الدِّين ، وأتت فتاويهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) قال عياض في مشارق الأنوار [ج2ص264] : ( والاهتبال : تحيُّن الشئ والاعتناء به).اهـ
ومذاهبهم مُختلَّةَ القوانين ، وذلك لأنهم اتبعوا السُّبل وعدَلُوا عن الطريق ، وبنَوْا أمرهم على غير أصل وثيق ? ?????????? ???????? ??????????????? ?????? ?????????? ???? ?????? ??????????? ??????? ???? ????? ???????? ??????????????? ?????? ????? ?????? ??????????? ? (1) ).اهـ
فما هو السبيل ؟
قال ابن عبد البر في التمهيد [ج10ص127] : ( وأما ما نهي الله عنه ورسوله، فلا خيار فيه لأحد ، وكل قول خالف السنة فمردود ... لأن الله عز وجل قد أمر في كتابه عند تنازع العلماء ، وما اختلفوا فيه بالرد إلى الله ورسوله وليس في جهل المرء في شئ قد علمها فيه غيره حجة ).اهـ(1/32)
وقال ابن عبدالبر في التمهيد [ج10ص61] : ( فلا حجة في قول أحد مع السنة ) . اهـ
فالسبيل ـ إذاً ـ علمي رصين ، قوي متين ، لا يجدي معه صياح أو أنين ، عويل أو حنين!.
فسبيل أهل العلم وطلبته واضح جلي ، بينُ نقي ، فيه مقابلة الحجّة بالحُجّة ، ومقارنة الدليل بالدليل .
أما أن يفرض أحدنا على الآخر رأيه بالقوة مستغلا منصبه أو مركزه الاجتماعي : فهذا مالا يرضاه الله سبحانه ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، بل إن فيه محاداة لمنهج العلماء ، ومجانبة لسلوك الفُهماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة التوبة آية [109] .
وهذا الذي أشرت إليه نرى شيئا منه في بعض مساجدنا (1) فلا مجال لبحث علمي ، ولا لإبداء وجهة نظر !!! فكأن هؤلاء القوم ـ لضعف حجتهم ، وخواء جَعبتهم يريدون قهر الناس المُخالفيهم على رأي لهم ارتأوه ، لا عن دراسة وتمحيص ، ونقد وتنقيد ، إنما ـ عَلِمَ اللهُ ـ عن قراءة ـ إن وُجدت ـ عابرة سريعة ، ليس منها إلا تقليب الصفحات وتعداد الأوراق !!! فمثلهم كمثل ما قال الشاعر:
ما عندهم عندالتناظرُ حجّة أنى بها لمقلد حيران
لا يفزعون إلى الدليل وإنما في العجز مفزعهم إلى السلطان
وأكرر : ليس هذا سبيل فُهماء الأمة وطلابي العلم ، إنما سبيلهم ـ كما شرحته ـ فَلْيُ الكتب، وإدمان النظر في مقالات أئمة الدين ، دون تعصب لرأي ، أو إعراض عن حجة (2).
قلت : والحزبية على هذا المنوال يتضايقون من الفتاوى السلفية التي تخالف رأيهم ومن ثم يفرضون ويشوشون لكن : ? ?????? ??????? ?????????????????? ? (3).
قال ابن مسعود : (ما في القرآن آية أجمع لحلال وحرام ، وأمر ونهي من هذه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/33)
1) وهذا ما نراه أيضا عند الحزبيين يشوشون على أهل الحق إذا أصدروا بعض الفتاوى التي لا تعجبهم ، وتضيق صدورهم منها ، وحينئذ يفرضون رأيهم المخالف للكتاب والسنة بالقوة. والله المستعان .
2) انظر توفيق الباري في حكم الصلاة بين السواري للشيخ علي الأثري [ص6] .
3) سورة الفجر آية [14] .
الآية :? ? ?????? ?????? ?????????? ?????????????? ??????????????? ????????????? ??? ????????????? ?(1).
أخرجه البخاري في الأدب المفرد [ص171] بإسناد صحيح .قال السعدي في تيسير الكريم الرحمن [ج4ص113] : ( والعدل هو ما فرضه الله عليهم في كتابه وعلى لسان رسوله وأمرهم بسلوكه ) . اهـ
قلت : من سلك غير ذلك فهو متبع لشهوات نفسه وهواه . قال تعالى ? ?????? ????????????? ??????????? ???? ????????????? ? (2).
أي فلا تتبعوا شهوات أنفسكم المعارضة للحق فإنكم إن اتبعتموها عدلتم عن الصواب ولم توفقوا للعدل ، فإن الهوى إما أن يعمي بصيرة صاحبه حتى يرى الحق باطلا والباطل حقا ، وإما أن يعرف الحق ويتركه لأجل هواه فمن سلم من هوى نفسه وفق للحق وهدي إلى الصراط المستقيم .
فالعبد إذا اتصف بالعدل والإحسان لم يترك لمولاه حقاً واجبا عليه إلا أداه ، ولم يترك شيئاً مما نهاه عنه إلا اجتنبه .
قال ابن القيم في الرسالة التبوكية [ص64] : ( قال تعالى ? ?????? ????????????? ??????????? ???? ????????????? ? نهى عن اتباع الهوى الحامل على ترك العدل ، وقوله تعالى ? ???? ????????????? ? منصوب الموضع لأنه مفعول لأجله ، وتقديره عند البصريين كراهية أن تعدلوا ، أو حذر أن تعدلوا ، فيكون اتباعهم للهوى كراهية العدل أو فراراً منه ) . اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة النحل آية [90] .
2) سورة النساء آية [135] .(1/34)
وقال الذهبي : ( وبين الأئمة اختلاف كثير في الفروع ، وبعض الأصول ، وللقليل منهم غلطات وزلقات ومفردات منكرة ، وإنما أمرنا باتباع أكثرهم صواباً ، ونجزم بأن غرضهم ليس إلا اتباع الكتاب والسنة وكلما خالفوا فيه لقياس أو تأويل ... ومازال الاختلاف بين الأئمة واقعاً في الفروع وبعض الأصول مع اتفاق الكل على تعظيم الباري جل جلاله ، وأنه ليس كمثله شئ وأن ما شرعه رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن كتابهم واحد ونبيهم واحد وقبلتهم واحدة وإنما وضعت المناظرة بكشف الحق وإفادة العالم الأذكى لمن دونه وتنبيه الأغفل الضعيف ، فإذا وجدوا النص الصحيح الصريح فلا مجال لمخالفته سواء كان متواتراً أم آحاداً ) (1). اهـ
فكان السلف رحمهم الله يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة وصدق وإخلاص لا رياء فيها ولا سمعة يبغون الحق لا غيره ويحرصون على بقاء الألفة والمحبة والأخوة ، وهمهم موافقة الصواب أكثر من ظهور أقوالهم .
27) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((أكملُ المؤمنين إيماناً أحاسنُهم أخلاقا ، المُوطّؤون أكنافا (2)، الذين يألَفُون ويُؤْلَفُون ، ولا خير فيمن لا يَألَفُ ولا يُؤْلَفُ )) .
حديث صحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر فيض القدير للمناوي [ج1ص210] .
2) أي يحفظ ويستر بعضهم بعضاً .
انظر غريب الحديث لابن الجوزي [ج2ص302] .
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط [ج2ص268] وفي المعجم الصغير [125] وأبو نعيم في أخبار أصبهان [ج2ص67] من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم ثنا يعقوب بن أبي عباد القلزمي ثنا محمد بن عيينة عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري به .
قلت : وهذا سنده صحيح .(1/1)
قال الشيخ ناصر الدين الألباني في الصحيحة [ج ص378] : ( ويعقوب بن إسحاق بن أبي عباد نسب إلى جده قال ابن أبي حاتم [4/2/203] : ( محله الصدق ، لا بأس به ) ووثقه ابن حبان [9/285] والسمعاني ، وروى عنه جمع من الثقات ، فثبت الإسناد والحمد لله ) .اهـ
وله شاهد :
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط [ج2ص268] وفي المعجم الصغير [ص172] والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد [ج5ص263] من طريق صالح المري عن سعيد الجريري عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ : ( إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا ، الموطؤون أكنافا ، الذين يألفون ويُؤلفون ، وإن أبغضكم إليَّ المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الملتمسون للبراء العنت).
وإسناده ضعيف فيه صالح بن بشير بن وادع المري وهو ضعيف كما في التقريب لابن حجر [ص443] .
وقال الهيثمي في الزوائد [ج8ص21] : ( رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه صالح بن بشير المري ، وهو ضعيف ) .
قال أبو عبد الرحمن السلمي في آداب الصحبة [ص78] : ( ومن آدابها : التآلف مع الإخوان ، وتعلم أنه قل ما يقع بين الإخوان مخالفة إلا بسبب الدنيا ، وأصل التآلف هو بغض الدنيا ، والإعراض عنها ، فهي التي توقع المخالفة بين الإخوان ).اهـ
28) وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ألا أخبركم على من تحرم النار على كل هيِّن ليِّن قريب سَهْل )) .
حديث حسن
أخرجه أبو يعلى في المسند [ج3ص380] وبيبي الهروية في جزئها [ص32] والجوهري في حديث الزهري [ج1ص355] والطبراني في المعجم الأوسط [ج1ص256] وفي المعجم الصغير [ج1ص36] وفي مكارم الأخلاق [ص45] وابن حجر في الأمالي الحلبية [ص35] والبيهقي في شعب الإيمان [ج6ص272] من طريق مصعب بن عبد الله الزبيري ثنا أبي ثنا هشام بن عروة ثنا محمد بن المنكدر عن جابر به .(1/2)
قلت: وهذا سنده فيه عبد الله بن مصعب الزبيري ضعفه ابن معين كما في الميزان للذهبي [ج2ص505] وقال أبو حاتم : شيخ كما في الجرح والتعديل [ص178] وذكره ابن حبان في الثقات [ج7ص56] .
وقال الهيثمي في الزوائد [ج4ص75] : ( رواه الطبراني في الأوسط وأبو يعلى وفيه عبدالله بن مصعب الزبيري وهو ضعيف ) .
وقال ابن حجر : ( هذا حديث حسن ) .
وقد نقل ابن أبي حاتم في العلل [ج2ص108] تخطئة أبي حاتم وأبي زرعة لرواية عبد الله بن مصعب وذكر أبو زرعة أن الوهم من عبد الله بن مصعب ، والمحفوظة رواية الأودي مع جهالته كما سيأتي إلا أن للحديث شواهد :
فأخرجه الترمذي في سننه [ج4ص654] وهناد في الزهد [ج2ص596] وأبو يعلى في المسند [ج8ص467] والطبراني في المعجم الكبير [ج10ص285] وابن حبان في صحيحه [ج2ص215] وفي روضة العقلاء [ص63] والبيهقي في شعب الإيمان [ج7ص535] وفي الأربعين الصغرى [ص172] وابن أبي شيبة في المسند [ج2ص272] والذهبي في السير [ج16ص103] والبغوي في شرح السنة [ج13ص85] والمروزي في حديث يحيى بن معين [ص121] والمزي في تهذيب الكمال [ج15ص373] والقشيري في الأربعين [ص2] والخرائطي في مكارم الأخلاق [ج1ص82] وأحمد في المسند [ج1ص415] من طريق موسى بن عقبة عن عبد الله بن عمرو الأودي عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو من تحرم عليه النار كل هين لين قريب سهل ) .
قلت : وهذا سنده فيه عبد الله بن عمرو الأودي لم يرو عنه غير موسى بن عقبة ووثقه ابن حبان .
وقال ابن حجر في التقريب [ج1ص35] : ( مقبول ) .
قلت : فمثله حسن في المتابعات .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب .
وقال المنذري في الترغيب والترهيب [ج2ص563] : ( إسناده جيد ) .
وأشار السيوطي في الجامع الصغير [ج1ص116] إلى حسنه .(1/3)
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير [ج2ص352] وفي المعجم الأوسط [ج8ص219] وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني [ج1ص237] وابن قانع في معرفة الصحابة [ج3ص128] والبيهقي في شعب الإيمان [ج6ص272] وأبو نعيم في معرفة الصحابة [ج5ص2590] وعبد الله بن أحمد في زوائد الورع [ص49] والدولابي في الكنى [ج1ص87] من طريق شيبان بن فروخ حدثنا أبو أمية بن يعلى حدثنا محمد بن مُعَيْقِيب عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( حرمت النار على الهَيِّن اللَّيِّن السهل القريب ) .
قلت : وهذا سنده ضعيف فيه أبو أمية إسماعيل بن يعلى البصرى ضعفوه .
انظر الميزان للذهبي [ج1ص254] والمغني في الضعفاء له [ج1ص289] .
وذكره الهيثمي في الزوائد [ج4ص75] ثم قال : ( وفيه أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف ).
وأخرجه الحاكم في المستدرك [ج1ص126] والبيهقي في شعب الإيمان [ج6ص271] وفي الآداب [ص140] من طريق سهل بن عمار نا محاضر بن المُوَرِّع نا مسعد بن سعيد الأنصاري عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان هينا لينا قريبا حرمه الله على النار).
قال أبو حاتم : ( المطلب بن عبد الله المخزومي عن أبي هريرة مرسل ) . فالإسناد منقطع.
انظر المراسيل لابن أبي حاتم [ص164] وجامع التحصيل للعلائي [ص347].
وأخرجه هناد في الزهد [ج2ص596] من طريق عبدة عن سعد بن سعيد عن عمرو بن أبي عمرو عن أبي هريرة بدون ذكر المطلب المخزومي .
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى [ج10ص194] من طريق أبي الأزهر عن محاضر بن المورع به دون ذكر المطلب في إسناده .
وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط [ج6ص380] والعقيلي في الضعفاء [ج4ص323] من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا جمهور بن منصور القرشي قال حدثنا وهب بن حكيم الأزدي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة به .(1/4)
قلت : وهذا سنده فيه وهب بن حكيم الأزدي قال عنه العقيلي : ( مجهول بالنقل ، ولا يتابع على حديثه ) يعني هذا ، وقال : ( هذا يروى من غير هذا الوجه بإسناد صالح ) .
قلت : لعله يشير إلى طريق المطلب المخزومي عن أبي هريرة المتقدم .
وأخرجه ابن شاهين في حديثه [ص50] وأبو نعيم في الحلية [ج2ص356] والمهرواني في الفوائد [ص136] وابن أبي حاتم في العلل [ج2ص119] والذهبي في السير [ج20ص510] من طرق عن محمد بن واسع الأزدي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة به .
وأخرجه ابن عدي في الكامل [ج3ص1147] من طريق زيد العمي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة به .
وإسناده ضعيف .
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان [ج6ص272] من طريق جويبر بن سعيد عن محمد بن واسع عن أبي صالح الحنفي عن أبي هريرة به .
قلت : وهذا سنده واه فيه جويبر بن سعيد الأزدي وهو ضعيف جدا .
انظر الميزان للذهبي [ج1ص427] .
وأخرجه الذهلي في حديثه [ص35] من طريق عبد الله بن عبسى عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أبي هريرة به .
قلت : الحسن البصري ثقة ولكنه مدلس .
وأخرجه الطبراني في الأوسط [ج8ص156] وابن مَرْدَوَيْه في الأمالي [ص168] من طريق الحارث بن عبيدة عن محمد بن أبي بكر عن حميد عن أنس قال : قيل يا رسول الله من يحرم على النار؟ قال : ( الهين اللين السهل القريب ) .
قلت : وهذا سنده ضعيف فيه الحارث بن عبيدة قال عنه أبو حاتم : ليس بالقوي ، وقال الدارقطني : ضعيف .
انظر الميزان للذهبي [ج1ص438] .
قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في الصحيحة [ج2ص614] : (وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع هذه الشواهد ) .
قلت : وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا كانت حياته مع الناس ... فكان هينا سهلا لينا سمحا .
والسماحة : السهولة واللين (1).(1/5)
فما غضب صلى الله عليه وسلم لنفسه قط ، ولا ضاق صدره ... ولا احتجز لنفسه شيئا من أعراض هذه الدنيا ، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم (2).
فلا شك أن القلوب تميل إلى من يلين ويرفق بها ، وقديما قيل : ( ليكن وجهك بسطا ، وكلمتك لينة تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم عطاء ) (3).
وتنفر الطبائع البشرية من الفظ الغليظ حتى ولو كان خير خلق الله صلى الله عليه وسلم كما قال عز من قائل : ? ?????? ????? ???????? ?????????? ?????????? ????????????? ???? ??????????? ? (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي [ج1ص229] .
2) انظر مقومات الداعية الناجح لبادَحْدح [ص73] .
3) انظر الزهد لهناد [ج2ص140] .
4) سورة آل عمران آية [159] .
والداعية في أمس الحاجة إلى التفاف الناس حوله ، وإمالة القلوب إليه كي يُسمع ويستجاب له ، وتحلّيه بالرفق واللين مما يساعد ـ بفضل الله تعالى ـ في تحقيق ذلك .
إلى جانب ذلك ينشأ عند كثير من المدعوين نفور تجاه الداعية بسبب دعوته ، وذلك لأنه يخالف رغبات كثير منهم ويعارض شهواتهم حيث يحثهم على فعل مالا يرغبون فيه ، ويحذرهم عما يهوونه ، لكن اتصاف الداعية بالرفق مما يساهم ـ بعون الله تعالى ـ في إزالة أو تقليل وتخفيف هذا النفور (1).
هذا ، وقد جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة ما يبين ضرورة تحلّي الداعية بالرفق واللين والتأليف ، كما قدم إمام الدعاة وقدوتهم صلى الله عليه وسلم نموذجا مثاليًّا لاستخدام الرفق في الدعوة إلى الله تعالى ، وأكد كثير من علماء الأمة ضرورة اتصاف الداعية به .
قال تعالى : ? ???????? ???????? ????? ?????? ????? ??????? ? (2).
قوله ( لنت لهم ) أي لان جانبك ، وحسن خلقك ، وكثر احتمالك (3).(1/6)
قال البغوي في تفسييره [ج1ص365] في قوله ( لنت لهم ) : ( أي سهلت لهم أخلاقك وكثر احتمالك ، ولم تسرع إليهم بالغضب ... ) .اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر من صفات الداعية اللين والرفق للدكتور فضل إلهي [ص3] .
2) سورة آل عمران آية [159] .
3) انظر زاد المسير لابن الجوزي [ج1ص486] .
وقال الرازي في تفسيره [ج9ص61] : ( اعلم أن لينه صلى الله عليه وسلم مع القوم عبارة عن حسن خلقه مع القوم ) .اهـ
فثمرة الآية وجوب التمسك بمكارم الأخلاق وخصوصا لمن يدعو إلى الله ويأمر بالمعروف (1).
وللإسلام معاناة من بعض المنتسبين إليه ، فواحد سيئ من جهة جهله ، وآخر من جهة سوء فهمه ، وثالث من جهة ضيق أفقه ، ورابع من جهة شدة أسلوبه وهكذا ...
وأمر الله عز وجل نبيه الكريمين موسى وهارون عليهما السلام بإلانة القول لفرعون اثناء دعوتهما له .
قال تعالى : ? ??????????? ??????? ??????????? ?????????? ??????? ???? ????????? ?????? ????????? ??????????? ??????????? ???????????? ????? ?????????? ???? ? (2).
وإذا كان موسى وهارون عليهما السلام ـ وهما من أحب الخلق إلى الله تعالى إليه ـ قد أُمِرا بإلانة القول مع عدو الله تعالى فرعون ـ وهو من أبغض خلق الله تعالى إليه ـ فما بال غيرهما من الدعاة مع الناس الآخرين (3).
قال القرطبي في تفسيره [ج11ص200] : ( فإذا كان موسى عليه السلام أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه ، وأمره بالمعروف في كلامه).اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر تفسير القاسمي [ج4ص279] .
2) سورة طه آية [43 ـ44] .
3) انظر من صفات الداعية اللين والرفق للدكتور فضل إلهي [ص12] .
وقال أبو السعود في تفسيره [ج6ص17] : ( فإن تليين القول مما يكسر سورة عناد العناة ويلين عريكة الطغاة ) .اهـ(1/7)
قلت : وهذه الآية فيها عبرة عظيمة لأهل الإغلاظ من الحزبية وغيرهم .
وقال تعالى : ? ?????? ??????? ??????? ???????? ?????????????? ????????????????? ?????????????? ?????????????? ?????????? ???? ?????????? ? (1).
والمجادلة بالتي هي أحسن ، هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة ولا تعنيف .
وجاء هذا التوجيه الرباني أيضا له صلى الله عليه وسلم ولأمته عند ذكر مجادلة أهل الكتاب في قوله سبحانه : ? ? ????? ????????????????? ????????? ????????????? ??????? ?????????? ???? ????????? ??????? ?????????? ?????????? ????????? ? (2).
قال الآلوسي في تفسيره [ج21ص2] : ( إلا بالتي هي أحسن : أي بالخصلة التي هي أحسن كمقابلة الخشونة باللين ، والغضب بالكظم ، والمشاغبة بالنصح ، والثورة بالأناة كما قال سبحانه : ? ????????? ?????????? ???? ????????? ? (3).اهـ
فينبغي على المسلم أن يألف قلوب الناس على دين الله تعالى ... ولا يغلظ عليهم بخشونة الكلام ... مما يجعل الناس يفرون عن دين الله تبارك وتعالى ... لأن ذلك يشين الدين ... ويشينه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة النحل آية [125] .
2) سورة العنكبوت آية [46] .
3) سورة المؤمنون آية [96] .
وبيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن وجود الرفق واللين في أمر يزينه ... وفقدانه يشينه .
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الرفق لا يكون في شئ إلا زانه ، ولا يُنزعُ من شئ إلا شانه ) .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج4ص2004] والبيهقي في شعب الإيمان [ج7ص480] من طريق المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة به .
وعن جرير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من يُحرَمُ الرفق يُحْرم الخير ) .(1/8)
أخرجه مسلم في صحيحه [ج4ص2003] والبخاري في الأدب المفرد [ص163] وأبو داود في سننه [ج5ص157] وابن ماجه في سننه [ج2ص1216] وشُهْدَة في مشيختها [ص63] والمخلص في الأمالي [ص71] وابن أبي شيبة في المصنف [ج8ص510] والطبراني في المعجم الكبير [ج2ص346] وأحمد في المسند [ج4ص362] وابن حبان في صحيحه [ج2ص308] من طريق عبد الرحمن بن هلال عن جرير به .
والرفق : هو لين الجانب ، وهو خلاف العنف ، وهو اللطف أيضاً .
وقال أحمد بن صالح رحمه الله : ( رأيت الخير كله في رقة القلب والرحمة وذلك قوله عز وجل : ? ????????? ????????? ?????????????????? ?????? ? (1) الآية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة آل عمران آية [ 159] .
ورأيت الشر كله في اثنين في الفظاظة وغلظ القلب وذلك قول الله عز وجل : ? ?????? ????? ???????? ?????????? ?????????? ????????????? ???? ??????????? ? (1). (2)
فوجود الرفق في قوم لهو دليل على أن الله تعالى أراد بهم خيراً .
وللناس أحاسيس ومشاعر وقدرات يجب أن تُراعى ، وتوضع في الاعتبار عند التعامل معهم (3).
ومن رحمة الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى أمته أن جعله لينا رفيقا ورؤوفا رحيما ، ولم يجعله جافياً غليظاً .
قال تعالى : ? ???????? ???????? ????? ?????? ????? ??????? ?????? ????? ???????? ?????????? ?????????? ????????????? ???? ??????????? ? (4).
وقال تعالى : ? ?????? ?????????? ??????? ????? ???????????? ??????? ???????? ???????????? ??????? ????????? ????????????????? ??????? ???????? ????? ? (5).
قلت : فيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به ... وشفقته ولطفه ولينه ورحمته ... وما أكثر مواقفه صلى الله عليه وسلم التي تدل على ذلك .(1/9)
فيجب علينا أن نتأسى به صلى الله عليه وسلم في الرفق واللين واللطف ... والتخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم ... مع الناس والله ولي التوفيق .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة آل عمران آية [159] .
2) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان [ج7ص478] بإسناد حسن .
3) انظر فقه الأخلاق والمعاملات بين المؤمنين للشيخ مصطفى العدوي [1ص122] .
4) سورة آل عمران آية [159] .
5) سورة التوبة آية [128 ] .
قال ابن تيمية في الأمر بالمعروف [ص30] : ( فلابد من هذه الثلاثة : العلم ، والرفق ، والصبر ، العلم قبل الأمر والنهي ، والرفق معه ، والصبر بعده ، وإن كان كل من الثلاثة لابد أن يكون مستصحباً في هذه الأحوال ) .اهـ
تنبيه : لا يظن أحد أن ما نحن ذكرناه من ضرورة التحلي باللين والرفق يقتضي أن يكون الشخص مداهناً (1) ... حيث يداهن المبتدع ... أو الفاسق فيؤلفه ولا ينكر عليه ولو بقلبه ... أو ينافق ويرائي ... أو يجامل ... أو يترك بعض ما هو عليه من أمر الدين مما لا يرضاه الناس مصانعة لهم ... وذلك لأن المداهنة أمر محرم .
والمقصود من اتصاف المسلم باللين والرفق لكي يكون بعيدا عن العنف والقسوة والشدة وأن تكون عنده مداراة لا مداهنة .
والمداراة : هي الرفق بالجاهل في التعليم ، وبالفاسق في النهي عن فعله ، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه ، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ، ولاسيما إذا احتيج إلى تآلفه ونحو ذلك (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) وأصحاب المداهنة هم أصحاب الأهواء ، وإنما يكثرون ويظهرون إذا قلَّ العلم وفشا الجهل.
وفيهم يقول ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [ج28ص213] : ( فإن هذا الصنف يكثرون ويظهرون إذا كثرت الجاهلية ، وأهلها ، ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة والمتابعة لها ، من يظهر أنوارها الماحية لظلمة الضلال ، ويكشف ما في خلافها من الإفك والشرك والمحال).اهـ(1/10)
2) انظر فتح الباري لابن حجر [ج10ص528] .
قال ابن بطال رحمه الله: ( المداراة من أخلاق المؤمنين ، وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول وذلك من أقوى أسباب الألفة ، وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط ، لأن المداراة مندوب إليها ، والمداهنة محرمة ، والفرق بين المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشئ ويستر باطنه ، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضى بما هو فيه من غير إنكار عليه ، والمداراة : هي الرفق بالجاهل في التعليم وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه ، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك ) (1). اهـ
وقال ابن حجر في الفتح [ج10ص528] : ( باب المداراة بين الناس ، هو بغير همز ، وأصله الهمز ، لأنه من المدافعة ، والمراد به الدفع برفق ).اهـ
وقال الشيخ بكر أبو زيد في حلية طالب العلم [ص54] : ( المداراة لا المداهنة).
( المداهنة خلق منحط ، أما المداراة فلا ، لكن لا تخلط بينهما فتحملك المداهنة إلى حضار النفاق مجاهرة ، والمداهنة هي التي تمس دينك ).اهـ
فيتضمن اللين والرفق ... لين الجانب .. وحسن الخلق ... وتأليف القلوب ... وعدم الإسراع بالغضب والتعنيف إذا بدر من المسلمين خطأ ... ولطافة القول والفعل ... والأخذ بالأيسر ... وخفض الجناح للمؤمنين ... وذلك من أقوى أسباب الألفة بين المسلمين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر الفتح لابن حجر [ج10ص528] .
إضافة إلى الاستفادة من وسائل العصر ... وإعلامه ومعطياته ... والتأقلم مع مستجداته من غير إخلال في الدين ... وجودة التخطيط والإعداد لألفة المسلمين مع مراعاة أصول وقواعد السلفيين ... والحمد لله رب العالمين .
فالمسلم الحق إذن هو المؤهل القائم بترغيب الناس في الإسلام وحثهم على التزامه بالوسائل المشروعة .(1/11)
قال ابن تيمية في الفتاوى [ج15ص157] : ( والدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به وبما جاءت به رسله وبتصديقهم فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا).اهـ
29) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((المؤمنُ يألَفُ ، ولا خير فيمن لا يألَفُ ولا يُؤْلَفُ )) .
حديث صحيح
أخرجه أحمد في المسند [ج2ص400] والبيهقي في السنن الكبرى [ج10ص336] وفي الآداب [ص139] وفي شعب الإيمان [ج6ص270] والحاكم في المستدرك [ج1ص23] وأبو الشيخ في الأمثال [ص218] وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند [ج2ص400] وابن عدي في الكامل [ج2ص685] من طريق عبدالله بن وهب قال أخبرني أبو صخر عن أبي حازم عن أبي صالح عن أبي هريرة به .
قلت : وهذا سنده صحيح رجاله كلهم ثقات ، وقد صححه الألباني في الصحيحة [ج1ص786] .
وأورده الهيثمي في الزوائد [ج8ص87] و[ج10ص273] وقال : ( رواه أحمد والبزار ، ورجاله رجال الصحيح ) .
وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد [ج8ص288] وابن عدي في الكامل [ج2ص685] والمزي في تهذيب الكمال [ج7ص369] من طريق خالد بن وضاح عن أبي حازم عن أبي صالح عن أبي هريرة به .
قال الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة [ج1ص785] : ( وخالد هذا لم أجد من ترجمه، وبقية رجاله رجاله كلهم ثقات ) .
قلت : لكنه توبع كما تقدم ، فالإسناد حسن في المتابعات .
وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد [ج3ص117] من طريق أبي الحسين محمد بن العباس الفقيه ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا أبي وعمي أبو بكر عن أبي عبيدة الحداد عن ابن عون عن ابن سيرين والحسن عن أبي هريرة به .
ورجاله موثقون غير أبي الحسين شيخ الخطيب ، قال الخطيب عنه : في رواياته نكرة ، ثم ساق هذا الحديث .
وله شاهد بلفظ : ( المؤمنُ مألفة ، ولا خير فيمن لا يألَفُ ولا يُؤْلَفُ ) .(1/12)
أخرجه أحمد في المسند [ج5ص335] والطبراني في المعجم الكبير [ج6ص161] والخطيب في تاريخ بغداد [ج11ص376] وأبو نعيم في أخبار أصبهان [ج2ص92] والبيهقي في شعب الإيمان [ج6ص271] وفي الآداب [ص139] وأبو الشيخ في الأمثال [ص218] من طريق عيسى بن يونس ثنا مصعب بن ثابت عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم به .
قلت : وهذا سنده فيه مصعب بن ثابت الأسدي لين الحديث ، وكان عابدا كما في التقريب لابن حجر [ص 945].
والحديث حسن لغيره ، والله ولي التوفيق .
قلت : المؤمنون هيّنون ليّنون ... يألَفُونَ ، ويُؤْلَفُونَ ... وهم خير الناس وأنفعهم للناس .
وهذا من حسن الخلق ... ولين الجانب ... وسلامة القلب ... والحب التام للمحبوب ...
فالمحبة والألفة تقود إلى المتابعة للمحبوب ، وتقديمه على ما سواه .
قلت : إذا ثبتت الأصول في القلوب نطقت الألسن بالفروع ... ولا يظهر الود السليم إلا من القلب المستقيم .
قال ابن تيمية في الفتاوى [ج7ص541] : ( والحب التام مع القدرة يستلزم حركة البدن بالقول الظاهر والفعل الظاهر فيما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما في القلب ولازمه ) . اهـ
ولذا فإن المسلم الحق يتحبب إلى الناس ، ويسعى إلى كسب محبتهم له ، وميل قلوبهم إليه، لأن ذلك أعظم عون على قبولهم منه واتباعهم له ، وبدونه لا يحصل التأثير الإيجابي بالمتابعة .(1/13)
وقال أبو المظفر السمعاني رحمه الله في الانتصار لأصحاب الحديث [ص48] : ( فإنا وجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم من بعده اختلفوا في أحكام الدين فلم يفترقوا ، ولم يصيروا شيعا لأنهم لم يفارقوا الدين ، ونظروا فيما أذن لهم ، فاختلفت أقوالهم وآراؤهم في مسائل كثيرة ، مثل مسألة الجد ، والمُشرّكة ، وذوي الأرحام ، ومسألة الحرام (1) ، وفي أمهات الأولاد ، وغير ذلك مما يكثر تعداده من مسائل البيوع والنكاح والطلاق وكذلك في مسائل كثيرة من باب الطهارة وهيئات الصلاة وسائر العبادات ، فصاروا باختلافهم في هذه الأشياء محمودين .
وكان هذا النوع من الاختلاف رحمة من الله لهذه الأمة حيث أيدهم باليقين ، ثم وسَّع على العلماء النظر فيما لم يجدوا حكمه في التنزيل والسنة .
فكانوا مع هذا الاختلاف أهل مودة ونصح ، وبقيت بينهم أخوة الإسلام ولم ينقطع عنهم نظام الألفة ، فلما حدثت هذه الأهواء المردية الداعية صاحبها إلى النار ظهرت العداوة ، وتباينوا وصاروا أحزابا ، فانقطعت الأخوة في الدين وسقطت الألفة .
فهذا يدل على أن التباين والفرقة إنما حدثت من المسائل المحدثة التي ابتدعها الشيطان فألقاها على أفواه أوليائه ليختلفوا ويرمي بعضهم بعضا بالكفر ) . اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) المراد بمسألة الحرام : قول الرجل لزوجته : أنت عليّ حرام .
وقال أبو المظفر السمعاني رحمه الله في الانتصار لأصحاب الحديث [ص49] : ( فكل مسألة حدثت في الإسلام ، فخاض فيها الناس ، فتفرقوا واختلفوا ، فلم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضا ولا تفرقا ، وبقيت بينهم الألفة والنصيحة والمودة والرحمة ، والشفقة علمنا أن ذلك من مسائل الإسلام يحل النظر فيها ، والأخذ بقول من تلك الأقوال لا يوجب تبديعا ولا تكفيرا ، كما ظهر مثل هذا الاختلاف بين الصحابة والتابعين مع بقاء الألفة والمودة .(1/14)
وكل مسألة حدثت ، فاختلفوا فيها ، فأورث اختلافهم في ذلك التولِّي والإعراض والتدابر والتقاطع ، وربما ارتقى إلى التكفير علمت أن ذلك ليس من أمر الدين في شئ ، بل يجب على كل ذي عقل أن يجتنبها ، ويعرض عن الخوض فيها لأن الله شرط في تمسكنا بالإسلام أننا نصبح في ذلك إخواناً فقال تعالى : ? ????????????? ???????? ?????? ?????????? ????? ??????? ??????????? ??????????? ??????? ?????????????? ??????????????? ?????????????? ??????????????? ? (1). اهـ
قلت : والألفة تجدها عند أهل الحديث والأثر ... والفرقة تجدها عند أهل الأهواء والبدع.
ومما يدل على أن أهل الحديث هم أهل الألفة :
قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله في الانتصار لأصحاب الحديث [ص44] : ( إنك لو طالعت كتبهم ـ يعني أهل الحديث ـ المصنفة من أولهم إلى آخرهم، قديمهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة آل عمران آية [103] .
وحديثهم ، مع اختلاف بلدانهم وزمانهم ، وتباعد ما بينهم في الديار ، وسكون كل واحد منهم قطراً من الأقطار وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد ، يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها ، قولهم في ذلك واحد ، وفعلهم واحد ، لا ترى بينهم اختلافاً ولا تفرقا في شئ ما وإن قلَّ .
بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء من قلب واحد ، وجرى على لسان واحد ، وهل على الحق دليل أبين من هذا .
قال الله تعالى : ? ???????? ??????????????? ?????????????? ?????? ????? ???? ????? ????????? ?????? ??????????? ????? ?????????????????? ???????? ? (1).(1/15)
وقال تعالى : ? ???????????????? ??????????? ?????? ????????? ????? ??????????????? ????????????? ???????? ?????? ?????????? ????? ??????? ??????????? ??????????? ??????? ?????????????? ??????????????? ?????????????? ??????????????? ? (2).
وأما إذا نظرت إلى أهل الأهواء والبدع رأيتهم متفرقين ، مختلفين ، وشيعا وأحزابا ، لا تكاد تجد اثنين منهم على طريقة واحدة في الاعتقاد ، يبدع بعضهم بعضا ، بل يرتقون إلى التكفير يكفر الابن أباه ، والرجل أخاه ، والجار جاره .
تراهم أبدا في تنازع وتباغض واختلاف ، تنقضي أعمارهم ولا تنقضي كلماتهم ? ????????????? ???????? ?????????????? ???????? ? (3)... وهل على الباطل دليل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة النساء آية [82] .
2) سورة آل عمران آية [103] .
3) سورة الحشر آية [13] .
أظهر من هذا قال تعالى : ? ?????? ?????????? ???????????? ????????? ?????????? ???????? ??????? ???????? ? ???????? ??????????? ??????????? ?????? ?????? ? (1).
وكان السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطريق النقل فأورثهم الاتفاق والائتلاف ، وأهل البدعة أخذوا الدين من المعقولات والآراء فأورثهم الافتراق والاختلاف فإن النقل والرواية من الثقات والمتقنين قلما يختلف ، وإن اختلف في لفظ أو كلمة فذلك اختلاف لا يضر الدين، ولا يقدح فيه ، وأما دلائل العقل فقلما تتفق ، بل عقل كل واحد يُرى صاحبه غير ما يرى الآخر ، وهذا بين والحمد لله ) .اهـ(1/16)
وقال أبو المظفر السمعاني رحمه الله في الانتصار لأهل الحديث [ص43] : (أن كل فريق من المبتدعة إنما يدعي أن الذي يعتقده هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم يدعون شريعة الإسلام ملتزمون في شعائرها ، يرون أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق ، غير أن الطرق تفرقت بهم بعد ذلك ، وأحدثوا في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله ، فزعم كل فريق أنه هو المتمسك بشريعة الإسلام ، وأن الحق الذي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يعتقده وينتحله .
غير أن الله تعالى أبى أن يكون الحق والعقيدة الصحيحة إلا مع أهل الحديث والآثار ، لأنهم أخذوا دينهم وعقائدهم خلفا عن سلف ، وقرناً عن قرن ، إلى أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الأنعام آية [159] .
انتهوا إلى التابعين ، وأخذه التابعون عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا طريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من الدين المستقيم والصراط القويم إلى هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث .
وأما سائر الفرق فطلبوا الدين لا بطريقه ، لأنهم رجعوا إلى معقولهم وخواطرهم وآرائهم ، فطلبوا الدين من قِبله ، فإذا سمعوا شيئاً من الكتاب والسنة عرضوه على معيار عقولهم فإن استقام قبلوه ، وإن لم يستقم في ميزان عقولهم ردوه ، فإن اضطروا إلى قبوله حرفوه بالتأويلات البعيدة والمعاني المستنكرة، فحادوا عن الحق ، وزاغوا عنه ، ونبذوا الدين وراء ظهورهم ، وجعلوا السنَّة تحت أقدامهم . تعالى الله عما يصفون .(1/17)
وأما أهل الحق فجعلوا الكتاب والسنة إمامهم ، وطلبوا الدين من قِبلهما ، وما وقع لهم من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتاب والسنة ، فإن وجدوه موافقا لهما قبلوه ، وشكروا الله عز وجل حيث أراهم ذلك ووقفهم عليه ، وإن وجدوه مخالفاً لهما تركوا ما وقع لهم وأقبلوا على الكتاب والسنة ورجعوا بالتهمة على أنفسهم فإن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق ، ورأي إنسان قد يُري الحق ، وقد يُري الباطل ) . اهـ
وقال ابن بطة في الإبانة [ج2ص557] : ( فأما الاختلاف فهو ينقسم على وجهين :
أحدهما اختلاف الإقرار به إيمان ورحمة وصواب وهو الاختلاف المحمود الذي نطق به الكتاب ، ومضت به السنة ورضيت به الأمة ، وذلك في الفروع والأحكام
التي أصولها ترجع إلى الإجماع والائتلاف ، واختلاف هو كفر وفرقة وسخطة وعذاب يؤول بأهله إلى الشتات والتضاغن والتباين والعداوة واستحلال الدم والمال ، وهو اختلاف أهل الزيغ في الأصول والاعتقاد والديانة ) . اهـ
وقال ابن بطة رحمه الله في الإبانة [ج2ص531] : ( فاعلم يا أخي أني لم أر الجدال والمناقضة والخلاف والمماحلة والأهواء المختلفة والآراء المخترعة من شرائع النبلاء ولا من أخلاق العقلاء ولا من مذاهب أهل المروءة ولا مما حكى لنا عن صالحي هذه الأمة ولا من سير السلف ولا من شيمة المرضيين من الخلف وإنما هو لهو يتعلم ودراية يتفكه بها ولذة يستراح إليها ومهارشة العقول (1) ... وتكذيب الآثار وتسفيه الأحلام الأبرار ومكابرة لنص التنزيل وتهاون بما قاله الرسول ونقض لعقدة الإجماع وتشتيت الألفة وتفريق لأهل الملة ... وتوليد للشحناء في النفوس عصمنا الله وإياكم من ذلك وأعاذنا من مجالسة أهله ) . اهـ(1/18)
وقال ابن بطة رحمه الله في الإبانة [ج2ص566] : ( فاختلاف الفقهاء يا أخي رحمك الله في فروع الأحكام ، وفضائل السنن رحمة من الله بعباده والموفَّق منهم مأجور والمجتهد في طلب الحق إن أخطأ غير مأزور وهو يحسن نيته وكونه في جملة الجماعة في أصل الاعتقاد والشريعة مأجور ) . اهـ
وقال ابن بطة رحمه الله في الإبانة [ج2ص567] : ( فالإصابة في الجماعة توفيق ورضوان والخطأ في الاجتهاد عفو وغفران ... ) . اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) الهراش : المهارشة بالكلاب ، وهو تحريش بعضها على بعض .
انظر مختار الصحاح للرازي [ص694] .(1/19)
وهذا كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعهد الصحابة رضي الله عنهم ، وعهد السلف الصالح رحمهم الله تعالى من العلماء يعذر بعضهم بعضاً إذا اختلفوا ، ولا يعيب أحد منهم رأياً رأى غيره إلا بتوضيح ما دلت عليه الأدلة بأن ما ذهب إليه خطأ مخالف للسنة من غير عداوة ولا مخاصمة ، فكانوا بهذا أقرب في الوصول إلى الصواب ، وأسرع بلوغاً إليه إذا لمحوه ، وأقوى تمسكاً به إذا أدركوه وعرفوه ، وكان شعارهم جميعاً في ذلك هو أن الرجوع إلى الحق من أمهات الفضائل .
وكان من أثر ذلك في علاقة بعضهم ببعض نمو العفو والتسامح فيما بينهم ، وقوة المحبة والألفة والأخوة في الله ، وفي سبيل الوصول إلى الحق ، والتعاون على البر والتقوى ، وعلى كل ما يوصل إلى رضاء الله تعالى وإلى سعادة الأمة الإسلامية فبارك الله لهم في أعمارهم وأعمالهم ، وحفظها من أن تضيع في جدل عقيم ، ومراء سقيم ليس له من باعث سوى العناد للرأي ، والانتصار للمذهب ، أو الجمعية أو الحزب ، مهما بَعُدَ عن الحق ، أو ظهر خطؤه .
وحفظهم الله كذلك من التخاصم والتحاسد ومن كل ما يفسد القلوب ، ويحبط الأعمال ، فنفعهم الله بأعمالهم ، ونفع بها الأمة الإسلامية .
وها هي ذي آثارهم الحميدة، لازالت مناراً يَهتدي به من أراد سلوك طريقهم، ونموذجاً لمن وهبه الله ما وهبهم من فقه في الدين ، وحرص على تحري الحق ، وأراد أن ينفع كما نفعوا ، ويُثْمِر كما أثْمَرُوا .
ولعل من أسباب نجاحهم أنهم كانوا جميعاً يغترفون من نهر واسع الجَنَباتِ عميقاً الغور ، ذلك هو كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، يرتوي منهما كل منهم على قدر استعداده ، ولا يقابل من غيره بعتاب ولا ملام .(1/1)
كان بعضهم يفهم في الآية أو الحديث فهماً ، ويفهم غيره فهماً آخر ، فيناقش كل صاحبه بالتي هي أحسن ، فإن كانت النتيجة اتفاقاً حَمِدَا الله ، وإن كانت الأخرى عذر كل صاحبه بما عند الآخر من الأدلة ، فإذا تبينت له الأدلة رجع عن خطئه إلى الصواب وإلا انصرفا متحابين في الله تعالى .
ثم خلف من بعدهم خلف وأحزاب قدَّسوا هذه الآراء والأفكار وبالغوا في التعصب لها والطعن فيما سواها ، فتشعبت بهم الطرق ، وتعرجت المسالك على السالك وأبعدتهم عن الأصل الأول ( الكتاب والسنَّة ) حتى أهملوا النظر والبحث فيهما ، وتخاصموا وتعادوا كما يتخاصم ويتعادى أتباع الأديان المختلفة، حتى جعل من أبناء الأمة الواحدة شيعاً وأحزاباً ومذاهباً ، يخاصم كل حزب غيره ويعاديه ? ???????????????? ?????????? ????????????? ????????? ????? ???????? ????? ??????????? ?????????? ? (1) فجرَّهُم هذا التعصب الممقوت إلى كوارث زعزعت كيانهم .
ولا شئ أقوى في هدم كيان الدين الإسلامي من أن تتوزع أفراده بين نحل مختلفة ومذاهب متفرقة وأحزاب واتجاهات متباينة ، تجعل العدو يستغل هذه الثغرة ويُوسعها كما وسعها الشيطان ، فأصبحنا نرى هذه الخصومات المذهبية والحزبية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة المؤمنون آية [53] .
وهذا الغلو الممقوت ، والمذاهب المتعددة في ظل دين واحد ، ورسول واحد ، يستغلها ذوو النيات السيئة ، وأصحاب المقاصد الدنيئة في ضرب جماعة المسلمين بعضهم ببعض .
إن المسلمين جماعة قامت على مبدأ الإيمان بالله ، ناضلت في سبيل الاحتفاظ به ، وعرفت بين الجماعات الأخرى بأنها الجماعة التي أسلمت لله ولرسوله ، جماعة هذا وضعها من الطبيعي أن يكون مستقبلها مرتبطاً بما ارتبط به قيامها من الإيمان بالله والنضال والكفاح في سبيله .(1/2)
المسلمون جماعة واحدة ، ومهما تعددت أفرادهم وشعوبهم يجتمعون على عبادة ربٍّ واحدٍ ... وطاعة لرسول واحد ... وصلاة واحدة ... وقوة المسلمين في ولاء بعضهم لبعض ...
قال تعالى ? ?????????????????? ?????????????????? ??????????? ?????????????? ???????? ????????????? ??????????????? ????????????? ???? ??????????? ????????????? ???????????? ????????????? ????????????? ????????????? ?????? ?????????????? ???????????????? ??????????????? ??????? ?????? ?????? ??????? ??????? ???? ? (1).
وقال تعالى ? ?????? ?????????? ???????????? ?????????? ????????? ?????????? ?????????? ?????????????? ???? ? (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة التوبة آية [71] .
2) سورة الأنبياء آية [92] .
وقال صلى الله عليه وسلم :(إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)(1).
هذا هو نداء الإسلام للمسلمين للإبقاء على علاقات الأخوة والمودَّة والمحبَّة والولاء بين بعضهم البعض .
إن الودَّ والعفو والتسامح هو الذي ينبغي أن يَسُودَ العالم الإسلامي إذا أريد لهذه الأمة أن تتوحد كلمتها ، وألا تكون شيعاً وأحزاباً يضرب بعضهم أعناق بعض ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
عن شرحبيل بن شفعة قال : ( وقع الطاعون فقال عمرو بن العاص ـ في الخطبة ـ إنه رجس فتفرقوا عنه فبلغ ذلك شرحبيل بن حسنة فقال : لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو أضل من بعير أهله إنه دعوة نبيكم ورحمة ربكم وموت الصالحين قبلكم فاجتمعوا له ولا تفرقوا عنه فبلغ ذلك عمرو بن العاص فقال : صدق ) .
حديث حسن
أخرجه أحمد في المسند [ج4ص196] من طريق محمد بن جعفر ثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن شرحبيل بن شفعة به .
قلت : وهذا سنده حسن .
ومن هذا الوجه ذكره ابن حجر في بذل الماعون في فضل الطاعون [ص258].(1/3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أخرجه البخاري في صحيحه [77] ومسلم في صحيحه [65] من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه .
وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار [ج4ص306] من طريق أبي الوليد قال حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير قال سمعت شرحبيل بن حسنة يحدث عن عمرو بن العاص به .
قال الأثري : أرأيت هذا الفهم الصحيح للإسلام من السلف الصالح ، والمثل السامي في العفو والتسامح وكراهية الاختلاف ... والرجوع إلى الكتاب والسنة عند خطئهم في اجتهادهم .
أين هذا العفو والتسامح والرجوع إلى الحق من أهل التعصب والتحزب للمذاهب والأحزاب ، وما يجرهم هذا التعصب من كوارث على الأمة .
إنَّ هذا الفهم السامي في التسامح والرجوع إلى الحق هو الذي يجب أن يسود العالم الإسلامي إذا أريد لهذه الأمة أن تتوحد كلمتها ، وألا تكون شيعاً وأحزاباً كما هو مشاهد والله المستعان .
أرأيت في باب التسامح والعفو أفسح من هذا الأفق ... فلما ذكره شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسع عمرو بن العاص رضي الله عنه خلافه ، واستحسنه ورأى أن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم واجب ، ورجع إلى الدليل وقال ( صدق ) رغم مقولة شرحبيل الشديدة عليه بقوله ( أضل من بعير أهله ) .
وهكذا شأن المؤمن إذا ظهر له الحق ، وكان مخالفاً لرأيه ، طرح رأيه واتبع الحق والرجوع إلى الحق فضيلة .
الخاتمة
أخيراً أقول :
إذا سلك الداعية إلى الله مسلك التأليف والاجتماع على كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم على فَهْمِ سلف الأمة ، فسيكون ذلك عظيم الأثر في نجاح دعوته ... والوصول إلى الغاية المطلوبة بإذن الله .
والنبي صلى الله عليه وسلم هو أسوتنا وقدوتنا ، وإمام الدعاة إلى الله ، قد سلك هذا المسلك ، فنفع الله به العباد ... فألف قلوب الصحابة رضي الله عنهم بطرق كثيرة منها :(1/4)
1) تأليف القلوب بالمال والجاه أحياناً :
إذا علم الداعية أن المدعو لم يرسخ الإيمان في قلبه ... فله أن يعطيه من المال ما يستطيعه ، للاحتفاظ بالبقاء على الهداية بالإسلام ، وقد شرع الله للمؤلفة قلوبهم نصيباً من الزكاة ... وقد كان يعطي صلى الله عليه وسلم الناس المال والهدايا لتأليف قلوبهم ... لأن ذلك يجمع القلوب ... ويجعل القلوب متهيئة لقبول الكتاب والسنة والتمسك بهما .
عن أنس رضي الله عنه قال : ( أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه غنماً بين جبلين ، فأتى قومه فقال : أي قوم أسلموا ، فوالله إن محمداً يعطي عطاءَ رجل لا يخاف الفاقة ، إن الرجل ليجئ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يريد إلا الدنيا فما يمشي حتى يكون دينه أحبَّ إليه أو أعز عليه من الدنيا بما فيها ).
أخرجه مسلم في صحيحه [ج3ص1806] وأحمد في المسند [ج3ص84] وأبو يعلى في المسند [ج6ص57] وأبو الشيخ في أخلاق النبي [ص51] والبغوي في شرح السنة [ج13ص253] والبيهقي في شعب الإيمان [ج2ص246] من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس به .
وعن عبد الله رضي الله عنه قال : ( لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً في القسمة ، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل ، وأعطى عيينة مثل ذلك ، وأعطى أناساً من أشراف العرب ).
أخرجه مسلم في صحيحه [ج2ص739] من طريق منصور عن أبي وائل عن عبد الله به .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أن أناساً من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء (1) الله على رسوله من أموال هوازن (2) ما أفاء ، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل ، فقالوا : يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم ، فحُدِّث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم ، فأرسل إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/5)
1) أي حين جعل الله من أموالهم ما جعله فيئاً على رسوله ، وهو الغنيمة .
2) قبيلة .
الأنصار ، فجمعهم في قبَّة (1) من أدم ، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما حَدِيث بلغني عنكم ، فقال له فقهاء الأنصار : أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئاً ، وأما أناس منا حَدِيثَةٌ أسنانهم ، قالوا : يغفر الله لرسوله ، يُعطي قريشاً ويتركنا ، وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإني أعطي رجالاً حَدِيثِي عهد بكفر أتألَّفُهُم (2)، أفلا تَرْضون أن يذهب الناس بالأموال ، وترجعون إلى رحالكم (3) برسول الله فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به ، فقالوا : بلى يا رسول الله قد رضينا، قال : فإنكم ستجدون أثرةً شديدةً ، فاصبروا حتى تَلْقَوا الله ورسوله ، فإني على الحوض ، قالوا : سنصبر ).
أخرجه البخاري في صحيحه [ج6ص51] ومسلم في صحيحه [ج2ص734] من طريق عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) القبة من الخيام : بيت صغير مستدير ، وهو من بيوت العرب .
ومن أدم معناه : من جلود ، وهو جمع أديم بمعنى الجلد المدبوغ .
انظر حاشية صحيح مسلم [ج2ص733] .
2) أتألفهم : أي أستميل قلوبهم بالإحسان ليثبتوا على الإسلام ، رغبة في المال .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلَّفة قلوبهم من الصدقات ، وكانوا أشراف العرب ، فمنهم من كان يعطيه دفعاً لأذاه ، ومنهم من كان يعطيه طمعاً في إسلامه ، وإسلام نظرائه وأتباعه ، ومنهم من كان يعطيه ليثبت على إسلامه .
3) رحالكم : أي منازلكم .
انظر حاشية صحيح مسلم [ج2ص734] .
قلت : فإعطاء المؤلفة ، ومن يخاف على إيمانه ودينه من هديه صلى الله عليه وسلم .
2) التأليف بالعفو والتواضع وخفض الجناح للمؤمنين :(1/6)
وهذا من أعظم ما يجذب الناس إلى الاجتماع والتأليف والمحبة والمودة .
وقد مدح الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأمره بالعفو والصفح والتواضع وخفض جناحه للمؤمنين والاستغفار لمن اتبعه منهم .
فالتأليف بالعفو في موضع الانتقام ، والإحسان في مكان الإساءة ، وباللين في موضع المؤاخذة ، وبالصبر على الأذى ...
فكان صلى الله عليه وسلم يقابل الأذى بالصبر الجميل ، ويقابل الحُمْق بالحلم والرفق ، ويقابل العجلة والطيش بالأناة والتثبت (1).
وهذا من أعظم ما يجذب الناس إلى الاستقامة على الدين .
وبمثل هذه المعاملة الحسنة جمع النبي صلى الله عليه وسلم قلوب أصحابه حوله ، فتفانَوا في محبته والدفاع عنه وعن دعوته بمؤازرته ومناصرته .
وإليك الدليل :
قال تعالى:? ??????????? ??????????? ?????? ????????????? ???? ??????????????? ?(2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى للشيخ سعيد القحطاني [ص110] .
2) سورة الشعراء آية [215] .
وقال تعالى : ? ???????? ???????? ????? ?????? ????? ??????? ?????? ????? ???????? ?????????? ?????????? ????????????? ???? ??????????? ????????? ????????? ?????????????????? ?????? ????????????? ? ???????????? ????????? ????????? ???????????? ????? ??????? ?????? ?????? ???????? ?????????????????? ????? ? (1).
وقال تعالى : ? ?????? ?????????? ??????? ????? ???????????? ??????? ???????? ???????????? ??????? ????????? ????????????????? ??????? ???????? ????? ? (2).
وقال تعالى : ? ???? ??????????? ????????? ???????????? ????????????? ???? ??????????????? ????? ? (3).
وقال تعالى : ? ??????????? ??????????? ??????????? ???? ? (4).(1/7)
وقال تعالى : ? ????????????? ????????????????? ?????? ??????????? ???? ??????????? ?????? ??????? ? (5).
وقال تعالى : ? ???????? ??????? ????????? ?????? ??????? ?????? ??????? ??????????? ? (6).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ) (7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة آل عمران آية [159] .
2) سورة التوبة آية [128] .
3) سورة الأعراف آية [199] .
4) سورة الحجر آية [85] .
5) سورة النور آية [22] .
6) سورة الشورى آية [43] .
7) بوجه طليق : متهلل بالبشر والابتسام ، والمطلوب من المؤمنين التواد والتحاب.
أخرجه مسلم في صحيحه [ج3ص2026] والترمذي في سننه [ج4ص274] وأحمد في المسند [ج5ص173] والبيهقي في السنن الكبرى [ج4ص188] وفي الآداب [ص115] وفي شعب الإيمان [ج3ص252] والبغوي في شرح السنَّة [ج6ص197] وابن الجوزي في البر والصلة [ص232] وابن حبان في صحيحه [ج1ص346] من طريق أبي عمران الجَوْني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر به .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليهم ، ضربه قومه ، فَأدْمَوْهُ ، وهو ـ يمسح الدم عن وجهه ـ ويقول : ( اللهمَّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
أخرجه البخاري في صحيحه [ج6ص514] ومسلم في صحيحه [ج3ص1417] من طريق الأعمش قال حدثني شقيق عن عبد الله به .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما نقصت صدقة من مال ، وما زادالله عبداً بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ).(1/8)
أخرجه مسلم في صحيحه [ج4ص2001] والترمذي في سننه [ج4ص376] وأحمد في المسند [ج2ص386] وابن حبان في روضة العقلاء [ص59] والطبراني في مكارم الأخلاق [ص58] وابن عبد البر في جامع بيان العلم [ج1ص141] والبغوي في شرح السنة [ج6ص123] وابن أبي الدنيا في التواضع [ص133] والخرائطي في مكارم الأخلاق [ج1ص383] وابن حجر في الأمالي المطلقة [ص92] من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة به .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( إنكم لتغفلون ، أفْضَلَ العبادة التواضع).
أثر صحيح
أخرجه وكيع بن الجراح في الزهد [ج2ص463] وابن أبي شيبة في المصنف [ج13ص365] وأحمد في الزهد [ص164] وأبو نعيم في الحلية [ج3ص47] وأبو داود في الزهد [ص330] والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى [ص540] وفي الشعب [ج4ص301] وابن المبارك في الزهد [ص132] والجرجاني في تاريخ جرجان [ص78] وابن أبي الدنيا في التواضع [ص137] وابن حجر في الأمالي المطلقة [ص96] من طريق مسعر عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن الأسود بن يزيد عن عائشة به .
قلت : وهذا سنده صحيح .
وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أوصى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي(1) أحد على أحد).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) لا يبغي أحد على أحد ، أي لا يعتدي عليه .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج3ص2198] والبخاري في الأدب المفرد [ص115] وأبو داود في سننه [ج5ص203] وابن ماجه في سننه [ج2ص1399] وأبو نعيم في الحلية [ج2ص17] والطبراني في المعجم الكبير [ج17ص264] والبهيقي في شعب الإيمان [ج5ص285] والخطيب في تاريخ بغداد [ج4ص168] وابن حجر في الامالي المطلقة [ص93] من طريقين عن عياض به .
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الرفق لا يكون في شئ إلا زانه ، ولا ينزع من شئ إلا شانه ).(1/9)
أخرجه مسلم في صحيحه [ج4ص2004] والبيهقي في شعب الإيمان [ج7ص480] من طريق المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة به .
3) ترك الأمر الذي لا ضرر في تركه ولا إثم ، اتقاء للفتنة :
فقد يجد الداعية قوماً استقر مجتمعهم وعاداتهم على أشياء لا تخالف الشريعة ولكن فعل غيرها أفضل ، فإذا علم الداعية أنه سيحصل فتنة إذا دعا إلى ترك هذا الأمر أو فعله فلا حرج ألا يدعو ، فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم اجتناباً لفتنة قوم كانوا حديثي عهد بجاهلية(1).
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهُدِم ، فأدخلت فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى للشيخ سعيد القحطاني [ص108] .
ما أخرج منه ، وألزقته بالأرض ، وجعلت له بابين : باباً شرقياً ، وباباً غربياً ، فبلغت به أساس إبراهيم ).
أخرجه البخاري في صحيحه [ج3ص439] ومسلم في صحيحه [ج2ص969] من طريق نافع سمعت عبد الله بن أبي بكر يحدِّث عن عبد الله بن عمر عن عائشة به .
ومثَّلهُم النبي صلى الله عليه وسلم في التعاون على البر والتقوى ، والتكاتف بالبنيان يشد بعضهم بعضاً ، كشد البنيان .
عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ، وشبَّك بين أصابعه ).(1/10)
أخرجه البخاري في صحيحه [ج3ص98] ومسلم في صحيحه [ج3ص1999] والترمذي في سننه [ج4ص325] وابن حبان في صحيحه [ج1ص227] والشجري في الأمالي [ص139] وأبو الشيخ في الأمثال [ص3451] وفي الفوائد [ص47] وأحمد في المسند [ج4ص405] وابن أبي شيبة في المصنف [ج1ص21] وفي الإيمان [ص31] وابن المبارك في الزهد [ص118] والطيالسي في المسند [ص68] والطوسي في الأربعين [ص146] والأصبهاني في الترغيب [ج1ص94] والنسائي في السنن [ج5ص79] والبغوي في شرح السنة [ج13ص47] والحميدي في المسند [ج2ص340] والبيهقي في السنن الكبرى [ج6ص94] وفي الآداب [ص88] وفي شعب الإيمان [ج6ص103] من طريق بُرَيد بن عبد الله عن أبي بُرْدَة عن أبي موسى به .
وقد مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين في تبادل الرحمة والمودة والعطف بالجسد في روابطة العضوية ، إذا مرض عضو مرضت باقي أعضائه .
عن النعمان بن بشير قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى ).(1/11)
أخرجه البخاري في صحيحه [ج10ص438] ومسلم في صحيحه [ج4ص1999] والأصبهاني في الترغيب [ج1ص66] وهناد في الزهد [ج2ص499] وخيثمة في فوائده [ص74] وابن قدامة في المتحابين [ص55] والقضاعي في مسند الشهاب [ج2ص283] ولوين في حديثه [ص112] وابن حبان في صحيحه [ج1ص228] والقطيعي في جزء الألف دينار [ص53] وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند [ج4ص375] والضياء في مناقب أبي عمر المقدسي [ص21] وابن جماعة في مشيخته [ج2ص469] والخطيب في تاريخ بغداد [ج12ص65] وابن المبارك في المسند [ص9] والحميدي في المسند [ج2ص409] والطيالسي في المسند [ص107] وابن الجعد في حديثه [ص1002] وابن مندة في الإيمان [ج1ص456] وأحمد في المسند [ج4ص270] والطبراني في المعجم الصغير [ج1ص137] والرامهرمزي في أمثال الحديث [ص127] والبغوي في شرح السنَّة [ج13ص46] وابن أبي شيبة في المصنف [ج13ص253] والبيهقي في السنن البكرى [ج3ص353] وفي الآداب [ص50] وفي الأربعين الصغرى [ص150] وفي شعب الإيمان [ج6ص102] والشجري في الأمالي [ج2ص135] وأبو الشيخ في الأمثال [ص402] وفي طبقات المحدثين [ج3ص424] وأبو نعيم في أخبار أصبهان [ج2ص62] وبحشل في تاريخ واسط [ص201] من طرق عن النعمان به.
ومن المعلوم يقيناً أن المؤمن إذا سلك هذه المسالك اكتسب الحكمة بعون الله ، ووفِّق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته ، وسدد في قوله وفعله بتوفيق الله سبحانه .
4) تألف قلوب الناس بالتبشير والتيسير :
عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا ، وبشِّرُوا ولا تُنفِّرُوا ).
أخرجه البخاري في صحيحه [ج1ص162] ومسلم في صحيحه [ج3ص1358] والطيالسي في المسند [ص496] وأحمد في المسند [ج4ص417] وابن حبان في صحيحه [ج12ص197] والبيهقي في السنن الكبرى [ج8ص291] من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري به .(1/12)
وهذا يدل المؤمن على أن من الحكمة عدم مواجهة الناس بالعتاب والتنفير والتعسير ستراً عليهم ورفقاً بهم وتلطفاً عليهم ، بل عليه مخاطبة الناس بالتيسير والتبشير ... وهذا من أحكم الأساليب لتأليف القلوب .
قال ابن حبان في روضة العقلاء [ص71] : ( الواجب على العاقل أن يداري الناس مداراة الرجل السابح في الماء الجاري ، ومن ذهب إلى عشرة الناس من حيث هو كدر على نفسه عيشه ولم تصف له مودته ، لأن وداد الناس لا يستجلب إلا بمساعدتهم على ما هم عليه إلا أن يكون مأثماً فإن كانت حاله معصية فلا سمع ولا طاعة ).اهـ
هكذا ينبغي أن يكون المتعامل مع الناس ولاسيما مع المخالف .
عامل الناس برأي رفيق والق من تلقى بوجه طليق
فإذا أنت جميل الثناء وإذا أنت كثير الصديق
ولذلك أصبح هذا الرسول العظيم بحق كما وصفه ربه ? ?????? ?????????? ??????? ????? ???????????? ??????? ???????? ???????????? ??????? ????????? ????????????????? ??????? ???????? ????? ? (1) .
وأصحابه رضون الله عليهم سلكوا المنهج نفسه في الحرص على هداية الناس والرغبة الصادقة في أن يدخلوا في دين الله أفواجاً .
وهكذا التابعون ومن تبعهم إلى يومنا هذا ، كم نجد فيهم من الحرص على الناس والرغبة في تحقيق سعادتهم ومصالحهم ، بل إنهم نسوا ذواتهم وصرفوا جلَّ ما يملكون لإيصال الخير إلى الناس وتعميمه بينهم .
وهل هذه الثروة العلمية التي تركها علماؤنا إلا من أجل إفادة الناس ورفع مستواهم العلمي (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة التوبة آية [128] .
2) انظر فقه التعامل مع المخالف د. عبد الله الطريقي [ص42] .(1/13)
هَذَا آخِرُ مَا وَفَّقَنِي اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى إليهِ في تَصْنِيفِ هذا الكِتَابِ النَّافِعِ المُبَارَكِ ـ إنْ شَاءَ اللهُ ـ سَائِلاً رَبِّي جَلَّ وَعَلاَ أنْ يَكْتُبَ لِي بِهِ أجْراً ، ويَحُطَّ عَنِّي فِيهِ وِزْراً ، وأنْ يَجْعَلهُ لِي عِندَهُ يَومَ القِيامَةِ ذُخْراً ...
وصَّلى اللهُ وسلَّمَ وبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحمَّد وعَلىَ آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِينَ .
وآخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحَمْدُ للهِ رَبَّ العَالَمِينَ
المُؤَلِّف(1/14)
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
1) مقدمة الكتاب ... ... ... ... ... ... ... ... ... . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 4
2) ذكر آثار السلف الصالح على أنه إذا لم يرتفع الخلاف في المناظرات والمناقشات بين المسلمين في المسائل الخلافية لم يوجب هذا افتراقاً وتنازعاً بينهم واختلافا في قلوبهم ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 37
3) ذكر أن الحوار والمناظرة أمر مشروع بلا نزاع ... ... ... ... 37
4) ذكر أن الخلاف لا يكون سبب نفرة ووحشة أو نزاع ومخاصمة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 37
5) فائدة جليلة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ... ... ... ... ... 38
6) ذكر مناظرة شيبة رضي الله عنه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسألة توزيع مال الكعبة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 39
7) ذكر مناظرة ابن عباس رضي الله عنهما لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في مسألة حرق الزنادقة ... ... ... ... ... ... 39
8) ذكر مناظرة ابن عباس رضي الله عنهما لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في مسألة استلام الركنين ... ... ... ... 40
الموضوع ... الصفحة
9) ذكر مناظرة أبي طلحة وأبيّ بن كعب رضي الله عنهما لأنس بن مالك رضي الله عنه في مسألة الوضوء مما مسته النار ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 41
10) ذكر مناظرة أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما لابن عباس رضي الله عنهما في مسألة الصرف ... ... ... ... ... ... 42
11) ذكر مناظرة رافع بن خديج رضي الله عنه لابن عمر رضي الله عنهما في مسألة كراء الأرض ... ... ... ... ... ....... ... 43
12) ذكر مناظرة ابن عباس رضي الله عنهما لزيد بن ثابت رضي الله عنه في مسألة تصدير الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...... ... 44
13) ذكر مناظرة أبي مسلم الخولاني رحمه الله لابن مسعود رضي الله عنه في مسألة الإيمان ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 45
14) ذكر مناظرة عبد الرحمن بن الحارث رحمه الله لأبي هريرة رضي الله عنه في مسألة الجنب إذا أدركه الفجر ... 46
15) ذكر مناظرة حمل بن مالك النابغة رضي الله عنه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسألة الجنين ... ... ... ... ... ... 47
16) خفاء الحكم على بعض أهل العلم ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 49
الموضوع ... الصفحة(1/1)
17) ذكر مناظرة محمود بن لبيد الأنصاري رحمه الله لزيد بن ثابت رضي الله عنه في مسألة الرجل يصيب أهله ثم يكسل ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 50
18) ذكر مناظرة أبي سلمة بن عبد الرحمن رحمه الله وأبي هريرة رضي الله عنه لابن عباس رضي الله عنهما في مسألة عدة الحامل المتوفى عنها زوجها ... ... ... ... ... ....... ... 51
19) ذكر مناظرة ابن وعلة المصري رحمه الله لابن عباس رضي الله عنهما فيما يعصر من العنب ... ... ... ... ... ........... ... 53
20) ذكر مناظرة عمر بن عبد العزيز رحمه الله لسليمان بن عبد الملك رحمه الله في مسألة الغناء ... ... ... ... ... ... ... .... ... 54
21) ذكر مناظرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لابن عباس رضي الله عنهما في مسألة المتعة ... ... ... ... ... ...... ... 56
22) ذكر مناظرة ابن عمر رضي الله عنهما لابنه بلال بن عبد الله رحمه الله في مسألة خروج النساء إلى المساجد ... 61
23) ذكر مناظرة عبد الله بن مغفل رضي الله عنه لرجل في مسألة الخذف ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 63
الموضوع ... الصفحة
24) ذكر مناظرة ابن عمر رضي الله عنهما لرجل في مسألة استلام الحجر الأسود ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 65
25) ذكر مناظرة وكيع بن الجراح رحمه الله لرجل من أهل الرأي في مسألة الإشعار ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 66
26) ذكر مناظرة ابن أبي ذئب رحمه الله لأبي حنيفة بن سماك رحمه الله في مسألة (من قتل له قتيل ) ... ... ... ... ... 67
27) ذكر مناظرة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وسلمان بن ربيعة رضي الله عنه وابن مسعود رضي الله عنه في مسألة ابنة وابنة ابن وأخت لأب وأم ... ... ... ... ... ... 68
28) ذكر مناظرة الشافعي رحمه الله مع يونس الصدفي رحمه الله ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 70
29) ذكر مناظرة أحمد بن حنبل رحمه الله مع علي بن المديني رحمه الله ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ....... ... 71
30) يجب الالتفاف حول علماء الأمة المهتدين لجمع الكلمة ... 72
31) ذكر أن هذا الخلاف ليس فيه مذمة ، وإنما المذمة في بغي الناس بعضهم على بعض بسببه ... ... ... ... ... ... ... ... ... 73
الموضوع ... الصفحة(1/2)
32) ذكر أن الاجتهاد السائغ لا يبلغ مبلغ الفتنة والفرقة إلا مع البغي لا لمجرد الاجتهاد ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 75
33) يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة عند الاختلاف والنزاع ... 79
34) لا يجوز أن يفرض أحدنا على الآخر رأيه بالقوة مستغلا منصبه في ذلك ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 79
35) يحرم معارضة الحق بالهوى والشهوة ... ... ... ........... ... ... 81
36) أكمل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقاً ، الموطؤون أكنافاً الذين يألفون ويُؤلفون ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 82
37) لا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف ... ... ... ... ... ... ... ... ....... ... 82
38) ذكر أصل التآلف بُغض الدنيا ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 84
39) ذكر من تحرُم عليه النار ، كل هيِّن ليِّن قريب سهل ... ... 84
40) تفسير قوله تعالى ( فبِمَا رحمةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لهم) ... ... ... 90
41) المجادلة بالتي هي أحسن ، هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين ... ... .... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 92
42) من يحرم الرفق يُحْرَم الخير ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 93
43) ذكر الفرق بين المداراة والمداهنة ... ... ... ... ... ... ... .. ... ... 95
الموضوع ... الصفحة
44) أهل الحديث هم أهل الألفة والاجتماع ... ... ... ... ... ... ... ... 100
45) فائدة جليلة لأبي المظفر السمعاني رحمه الله ... ... ... ... ... 100
46) فائدة جليلة لابن بطة رحمه الله ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 104
47) الخاتمة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 111
48) ذكر طرق التأليف ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 111
49) تأليف القلوب بالمال والجاه أحياناً ... ... ... ... ... ... ... ... ... 111
50) التأليف بالعفو والتواضع وخفض الجناح للمؤمنين ... ... 114
51) ترك الأمر الذي لا ضرر في تركه ولا إثم اتقاء للفتنة ... 118
52) تآلف قلوب الناس بالتبشير والتيسير ... ... ... ... ... ... ... ... 121(1/3)