موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة على الرابط www.55a.net
تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
الشيخ عبد المجيد الزنداني
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد … فإن البشرية تعيش منذ قيام الثورة الصناعية في أوروبا صراعاً بين العلم والدين اتسعت ساحته حتى شمل معظم ميادين العلم والمعرفة في أنحاء العالم .ولقد شقيت البشرية بهذه المعركة التي كان الدين المحرف هو المتصدر في هذا الصراع حيث رؤى أن الدين خرج منهزما في حلبة الصراع وبانهزامه بقيت البشرية تتخبط في متاهات الظلام والحيرة ، تجرب بدون هدى ، وتسير إلى غير هدف ، تتجرع غصص الفشل المتكرر وتتكبد مرارته بين الحين والآخر .لقد حدث هذا في غياب الإسلام عن ساحة المعركة والإسلام هو الدين الحق الذي يتفق مع الحق في كل صوره ، بل يحتضن الحق ويدعمه أنى كان ، وحيثما كان ومن أية جهة جاء (الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها)(1).والإسلام هو الدين الذي يتبنى العلم منهجاً لمعرفة الله سبحانه معرفة رسوله - صلى الله عليه وسلم -ومنهجاً لمعرفة الدين نفسه وتبين صدقه ولمعرفة الوجود من حولنا. وحسبنا قول ربنا جل وعلا :? وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ?(الإسراء: 36).وقوله :? فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ?(محمد:19) .ولقد تنبه علماء المسلمين إلى هذا الصراع الدائر بين العلم والدين المحرف وإلى محاولة أعداء الإسلام نقل المعركة إلى بلاد المسلمين فبدأوا يكتبون عن الإسلام والعلم فإذا بهم يضعون أيديهم على معجزة تجلت في هذا العصر أيد الله بها دينه الحق ألا وهي:الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.وكان ذلك تحقيقاً لوعده جل وعلا?سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ(1/1)
الْحَق?ُّ( فصلت:53).وبدأت الكتابات تتوالى في هذا الباب ، ومنها ما أجاد فيها أصحابها ومنها ما يحتاج إلى تصويب وتقويم .ولذلك بادر المجلس العالمي الأعلى للمسجد باتخاذ قرار إنشاء هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ليكون من أولى مهماتها :
1-تطوير أبحاث الإعجاز العلمي .
2- تمحيص وتقويم ما يكتب في هذا المجال .
3- نشر الصالح من هذه البحوث .
4- وضع الضوابط للكتابة في هذا الموضوع .
وتحقيقاً لذلك قامت الهيئة بعقد المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي والجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد بباكستان في الفترة من 25-28 صفر 1408هـ الموافق 18-21/10/1987م وكان من أهم ما عرض في هذا المؤتمر بحوث التأصيل لهذا العلم الجديد في عصرنا .ويسر الهيئة أن تقدم للباحثين وللقراء عموماً بعض بحوث التأصيل التي قررت الهيئة – في اجتماعها مع اللجنة الإستشارية في 14-16 رمضان 1409هـ نشرها للاستفادة منها .كما يسر الهيئة أن تلحق بها توصيات المؤتمر .سائلة المولى جل وعلا أن يأخذ بأيدي العاملين للإسلام وأن يوفقهم ويهديهم سواء السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
---
1-المعجزة العلمية في القرآن والسنة
الشيخ عبدالمجيد الزنداني
أمين هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
تقديم
بقلم : سماحة الشيخ جاد الحق على جاد الحق – شيخ الأزهر(1/2)
الحمد لله علم الإنسان ما لم يعلم ، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذي خاطبه ربه بقوله? وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ?(النساء:113) .. وعلى آله وأصحابه الذين حملوا مشاعل علوم هذه الرسالة فأصلوا وفصلوا ما فيها من كنوز…وبعد :فمع كثرة الشواغل تزاحم الأعمال : طالعت على عجل البحث المقدم من السيد الشيخ عبدالمجيد الزنداني بعنوان "المعجزة العلمية في القرآن والسنة" .. وقد ساق فيه جملة من الأفكار التي تخدم بحثه مستنداً فيها على الأدلة النقلية من الكتاب والسنة ، وعلى الأدلة العقلية التي تستمد دلالاتها من الواقع المحس، وتعتمد على نتائج النظريات والتجارب العلمية الحديثة..ولقد بدأ البحث بحد عرف فيه الإعجاز ، ثم عرف الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.ثم تحدث عن أن لكل رسول معجزة تناسب ما تميز به قومه وقال : إن المعجزة العلمية هي التي تناسب الرسالة العالمية الخاتمة والمستويات البشرية المختلفة ، وأنه قد حان الوقت لاستظهار رؤية حقائق العلم الذي أنبأ به القرآن سَنُرِيهِمْ والسنة وساق لذلك أمثلة متعددة من أنباء الأرض والسماء في القرآن والسنة ، التي تجلت في عصر الاكتشافات?آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ?(فصلت:53)? لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ? (الأنعام:67) ?إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(87)وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ? (ص:87-88) وغير ذلك من الآيات. وجاء في ذلك بأقوال السلف من المفسرين والمحدثين وغيرهم .وقد خلص إلى أن أبحاث الإعجاز العلمي وقواعده ضرب من التفسير للقرآن يدخل تحت النوع الثالث من الأنواع الأربعة ، التي ذكرها ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: التفسير على أربعة أوجه :
1-وجه تعرفه العرب من كلامها .
2-تفسير لا يعذر أحد بجهالته .
3-تفسير يعلمه العلماء .(1/3)
4-تفسير لا يعلمه إلا الله .
ثم تحدث عن الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي ، وأبان عن مصادر أبحاث الإعجاز العلمي ، وأنها فرع من فروع التفسير وجزء من شرح الحديث وإنه لما كانت هذه المصادر قائمة على إظهار التوافق بين نصوص الوحي وبين ما كشف العلم التجريبي من حقائق الكون وأسراره فهي كذلك تقوم على مصادر العلوم التجريبية إلى جانب العلم المتعلق بتاريخها .وقد تناول قواعد أبحاث الإعجاز العلمي وصاغها ورتبها بما يجعلها تحيط بالموضوع، جامعة موجهة لمن يتصدى لهذه الأبحاث عن علم وهدى ، مانعة لمن قعدت به مواهبه، عن إدراكها ، وغابت عنه مصطلحات هذه العلم ، ودلالات النصوص الظنية منها والقطعية ، وما قد يقع بينها من توافق أو تعارض على نحو ما أجمل وفصل في هذا البحث المفيد .ثم تحدث عن أوجه الإعجاز العلمي وأوجزها في نقاط خمسة ، وبين أهمية أبحاث الإعجاز العلمي وثمارها .واختتم البحث بيان ميادين أبحاث الإعجاز العلمي مشيراً إلى أنها المجالات الكونية التي جاء ذكرها أو الإشارة إليها في القرآن والسنة ، وتمكن العلم البشري من كشف أسرارها ، وذلك إلى جانب الميادين التي يحتاجها الباحث لتفسير النصوص الشرعية تفسيراً صحيحاً لا شطط فيه مع معرفة بتاريخ العلوم وتقدمها.وأضاف أن مسائل أبحاث الإعجاز العلمي: هي المسائل التي يتصدى الباحث لحلها ، وأنها تجمع القضايا الشرعية ، والكونية ، والتاريخية ، التي تبرز جوانب المعجزة العلمية في آيات الله الكونية والنفسية .وإذ أقدم هذا البحث أشكر للأخ الجليل الشيخ عبدالمجيد الزنداني هذا الجهد في خدمة العلم والدين ، فإن الإسلام كرم العلم وحث على الاستزادة والنظر المستمر في خلق الله استثماراً في هذه الدنيا من خير للإنسان في دينه ودنياه وليزداد الذين آمنوا إيماناً ، وليذكر أولوا الألباب .والله المستعان وهو ولي التوفيق ….
المعجزة العلمية في القرآن والسنة
الإعجاز العلمي :(1/4)
تعريف الإعجاز :
الإعجاز مشتق من العجز. والعجز : الضعف أو عدم القدرة .والإعجاز مصدر اعجز : وهو بمعنى الفوت والسبق.(2)والمعجزة في اصطلاح العلماء : أمر خارق للعادة ، مقرون بالتحدي ، سالم من المعارضة.(3)
وإعجاز القرآن : يقصد به : إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرتهم على الآتيان بمثله .
تعريف العلم :
وصف الإعجاز هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم .
والعلم : هو إدراك الأشياء على حقائقها. أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً.(4)والمقصود بالعلم في هذا المقام : العلم التجريبي. وعليه فيعرف الإعجاز العلمي بما يلي:
تعريف الإعجاز العلمي:هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي ،وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشريةفي زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم -.وهذا مما يظهر صدق الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -فيما أخبر به عن ربه سبحانه.لكل رسول معجزة تناسب قومه ومدة رسالته :ولما كان الرسل قبل محمد - صلى الله عليه وسلم -يبعثون إلى أقوامهم خاصة ، ولأزمنة محدودة فقد أيدهم الله ببينات حسية مثل : عصا موسى عليه السلام ، وإحياء الموتى بإذن الله على يد عيسى عليه السلام ، وتستمر هذه البينات الحسية محتفظة بقوة إقناعها في الزمن المحدد لرسالة كل رسول ، فإذا حرف الناس دين الله بعث الله رسولاً آخر بالدين الذي يرضاه، وبمعجزة جديدة ، وبينة مشاهدة .(1/5)
المعجزة العلمية تناسب الرسالة الخاتمة والمستويات البشرية المختلفة:ولما ختم الله النبوة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ضمن له حفظ دينه ، وأيده ببينة كبرى تبقى بين أيدي الناس إلى قيام الساعة ، قال تعالى? قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ?(الأنعام:19) ومن ذلك ما يتصل بالمعجزة العلمية .وقال تعالى ? لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ? (النساء:166) .وفي هذه الآية ، التي نزلت رداً على تكذيب الكافرين ، بنبوة محمد(5)- صلى الله عليه وسلم -بيان لطبيعة المعجزة العلمية ، التي تبقى بين يدي الناس ، وتتجدد مع كل فتح بشري في آفاق العلوم ، والمعارف ذات الصلة بمعاني الوحي الإلهي.قال الخازن عند تفسير هذه الآية :"لكن الله يشهد لك يا محمد بالنبوة ، بواسطة هذا القرآن ، الذي أنزله عليك"(6)وقال ابن كثير :"فالله يشهد لك بأنك رسوله ، الذي أنزل عليه الكتاب ، وهو القرآن العظيم … ولهذا قال : أنزله بعلمه : أي فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه ، من البينات والهدى ، والفرقان، وما يحبه الله ويرضاه ، وما يكرهه ويأباه ، وما فيه من العلم بالغيوب ، من الماضي والمستقبل(7).وقال أبو العباس بن تيمية :فإن شهادته بما أنزل إليه ، هي شهادته بأن الله أنزله منه ، وأنه أنزله بعلمه ، فما فيه من الخبر ، هو خبر عن علم الله ، وليس خبراً عمن دونه ، وهذا كقوله :? فَإِْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ ? (هود:14)وليس معنى مجرد كونه أنزله أنه معلوم له ، فإن جميع الأشياء معلومة له ، وليس في ذلك ما يدل على أنها حق ، لكن المعنى : أنزله فيه علمه ، كما يقال: فلان يتكلم بعلم ، فهو سبحاه أنزله بعلمه ، كما قال:? قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ(1/6)
السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ (6)? (8)(الفرقان:6).وإلى هذا المعنى ذهب كثير من المفسرين(9)وهكذا تسطع بينه الوحي ، المنزل على محمد –صلَّى الله عليه وسلَّم – بما نزله فيه من علم إلهي، يدركه الناس في كل زمان ومكان ، ويتجدد على مر العصور ، ولذلك قال:"ما من الأنبياء نبي إلا أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحياً ، أو حاه الله إلى ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة".(10)قال ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث :"ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة ، وخرقه للعادة في أسلوبه ، وفي بلاغته ، وإخباره بالمغيبات ، فلا يمر عصر من الأعصار ، إلا ويظهر فيه شئ مما أخبر به أنه سيكون ؛ يدل على صحة دعواه … فعم نفعه من حضر ، ومن غاب ، ومن وجد، ومن سيوجد"(11).? إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(87)وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) ?وبينة القرآن العلمية يدركها العربي والأعجمي ، وتبقى ظاهرة متجددة إلى قيام الساعة .ففي القرآن أنباء تعرف المقصود منها ، لأنها بلسان عربي مبين ، لكن حقائقها وكيفياتها لا تتجلى إلا بعد حين.قال تعالى : ? إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(87)وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) ? (ص:87-88) .قال الفراء في تفسير الحين الذي ذكرته الآية أنه :"بعد الموت وقبله أي لتظهر لكم حقيقة ما أقول (بعد حين) أي في المستأنف"(12)وذهب السدي الكبير إلى هذا المعنى(13)وقال ابن جرير الطبري ، بعد ذكر الأقوال المتعددة ، في تفسير الحين الذي ذكرته الآية )وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، أن يقال : أن الله أعلم المشركين بهذا القرآن أنهم يعلمون نبأه بعد حين ، من غير حد منه لذلك الحين بحد ، ولا حد عند العرب للحين، لا يجاوز ولا يقصر عنه ، فإذا كان ذلك كذلك ، فلا قول فيه أصح من أن يطلق ، كما أطلقه الله، من غير حصر ذلك على وقت دون وقت(14).?لِكُلِّ(1/7)
نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) ? (الأنعام67).وشاء الله أن يجعل لكل نبأ زمناً خاصاً يتحقق فيه ، فإذا تجلى الحدث ماثلا للعيان أشرقت المعاني ، التي كانت تدل عليها الحروف والألفاظ في القرآن ، وتتجدد المعجزة العلمية عبر الزمان ، وإلى هذا الزمن أشار القرآن في قوله تعالى: ?لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُون َ(67)الأنعام ? (الأنعام67).ويبقى النبأ الإلهي محيطاً بكل الصور ، التي يتجدد ظهورها عبر القرون.وقال ابن جرير الطبري :"لكل نبأ مستقر ، يقول : لكل خبر مستقر ، يعني قرار يستقر عنده ، ونهاية ينتهي إليها ليتبين حقه وصدقه ، من كذبه وباطله .وسوف تعلمون. يقول : وسوف تعلمون أيها المكذبون بصحة ما أخبر به"(15)وقال ابن كثير :قال ابن عباس وغير واحد : أي لكل نبأ حقيقة ، أي لكل خبر وقوع ، ولو بعد حين ، كما قال تعالى: ?وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين ?ٍ(ص:88) ?لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ? (الرعد:38).(16)إلى هذا ذهب كثير من المفسرين(17)أنباء الأرض والسماء في القرآن والسنة ، تتجلى في عصر الاكتشافات :وأن خبر القرآن والسنة ، وما فيهما من أوصاف لما في الأرض والسماء ، هو نبأ إلهي عما في الأرض والسماء ، ممن هو أعلم بما خلق فيهما من أسرار .?... قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ... ? (يونس: 18)فالخبر بما في الأرض والسماء ، نبأ عما في الأرض والسماء .ولقد زخر القرآن والسنة ، بأنباء الكون وأسراره ، وتفجرت في عصرنا علوم الإنسان ، باكتشافاته المتتالية ، لآفاق الأرض والسماء فحان الحين لرؤية حقائق العلم، الذي نزل به الوحي في القرآن والسنة .?حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ? (فصلت53).ولقد أعلنت البشرية اليوم قبولها العلم طريقاً إلى معرفة الحق ، بعد أن كبلت طويلاً بأغلال التقليد الأعمى ، فشيدت للعلم البناء ، وفرغت لخدمته(1/8)
العلماء ، ورصدت له الأموال ، وما أن وقفت العلوم التجريبية على قدميها إلا وبدأت في تأدية رسالتها ، التي حدد الله لها في جعلها طريقاً إلى الإيمان به ، وشاهداً على صدق رسوله .لقد نزل القرآن في عصر انتشار الجهل ، وشيوع الخرافة ، والكهانة ، والسحر، والتنجيم، في العالم كله ، وكان للعرب النصيب الأوفى، من هذه الجاهلية والأمية ، كما بين القرآن ذلك بقوله : ?هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ? (الجمعة:2).لقد نزل القرآن على قوم استماتوا في الصد عنه ، دفاعاً عن أصنامهم ، التي كانوا عليها عاكفين ، وتعلقاً بما آمنوا به من خرافات السحر، والكهانة،والتنجيم ، وأوهام الازلام ، والتشاؤم من بعض الشهور ، ومن مرور بعض أنواع الحيوان ، وجادلوا عن ضلالتهم في طلب الحماية من ملوك الجان ، في الشعاب والوديان .وهذا مثل من الضلال الفكري ، الذي كان عليه العرب عند نزول القرآن وكان العرب أمة أمية ، وبعد أن حثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على القراءة والكتابة والعلم. والحساب ، لم يجدوا أمامهم من أدوات الكتابة إلا الجلود ، والأحجار الرقيقة، وعسب النخل ، وعليها كانوا كتبون.(18)في ذلك العصر ، وعلى تلك الأمة ، نزل الوحي ، وفيه علم الله ، يصف أسرار الخلق في شتى الآفاق ، ويجلي دقائق الخلق في النفس البشرية ، يقرر البداية ، ويصف أسرار الحاضر، ويكشف غيب المستقبل الذي ستكون عليه سائر المخلوقات.وعندما دخل الانسان في عصر الاكتشافات العلمية ، وامتلك أدق الأجهزة للبحث العلمي ، وتمكن من حشد الجيوش من الباحثين ، في شتى الآفاق، وجمعهم في ميادينه، على اختلاف الأجناس ، يبحثون عن الأسرار المحجوبة في آفاق الأرض والسماء ، وفي مجالات النفس البشرية ، يجمعون المقدمات ،(1/9)
ويرصدون النتائج ، في رحلة طويلة عبر القرون ، فإذا ما تكاملت الصورة ، وتجلت الحقيقة وقعت المفاجأة الكبرى ، بتجلي أنوار الوحي الإلهي ، الذي نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -قبل ألف وأربعمائة عام ، بذكر تلك الحقيقة في آية من القرآن أو بعض آية ، أو في حديث لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بعض حديث بدقة علمية معجزة، وعبارات مشرقة، وبهذا أنبأنا القرآن.قال تعالى : ?قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(53) ? (فصلت:52-53) فهيا لنتدبر بعض معاني هذا النص القرآني:لقد ورد الأفق في اللغة بمعنى : ما ظهر من نواحي الفلك وأطراف الأرض، وآفاق السماء: نواحيها(19)وآيات الله في آفاق الأرض والسماء تحمل معاني ثلاثة: الأول : المخلوقات التي خلقها الله في شتى آفاق الأرض والسماء مثل قوله تعالى: ?وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ ... ?(الشورى:29).
الثاني : آيات القرآن التي تخبر وتصف أنواع المخلوقات ، وهي آيات كثيرة.(1/10)
الثالث : البينات والمعجزات التي يظهرها الله تصديقاً لرسول - صلى الله عليه وسلم -في شتى آفاق الأرض والسماء برؤية مصداقها من حقائق الخلق حينا بعد حين.قال الشوكاني :?سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ ?: سنريهم صدق دلالات صدق القرآن ، وعلامة كونه من عند الله في الآفاق وفي أنفسهم …. والمعنى : سنريهم آياتنا في النواحي وفي أنفسهم(20).وقال ابن كثير :?سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ?: أي ستظهر لهم دلالاتنا ، وحججنا ، على كون القرآن حقاً منزلا من عند الله ، على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بدلائل خارجية في الآفاق(21).وقال الزمخشري :ومعناه أن هذا الموعود ، من إظهار آيات الله في الآفاق ، وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدون، فيتبينون عند ذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب ، الذي هو على كل شئ شهيد ، أي مطلع ومهيمن ، يستوي عنده غيبه وشهادته ، فيكفيهم ذلك دليلاً على أنه حق وأنه من عنده(22) .بهذا قال كثير من المفسرين عند تفسير قوله تعالى: ?حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ? وقال أبو العباس بن تيمية :وأما الطريق العياني : فهو أن يرى العباد من الآيات الأفقية والنفسية ، ما يبين لهم أن الوحي الذي بلغته الرسل عن الله حق ، كما قال تعالى: ?سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53 ) ? أي: أولم يكف بشهادته المخبرة بما في علمه ، وهو الوحي الذي أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -فإن الله على كل شئ شهيد وعليم به.(23)ولقد قرر عطاء وابن يزيد أن معنى (الآفاق) المذكورة في الآية هو ما نقله عنهما القرطبي في تفسيره:"وقال عطاء وابن زيد أيضاً : في (الآفاق) يعني أقطار السموات والأرض، من الشمس والقمر ، والنجوم والليل والنهار ، والرياح والأمطار ، والرعد والبرق،(1/11)
والصواعق ، والنبات والأشجار ، والجبال والبحار ، وغيرها"(24).وروى هذا عنهما عدد من أئمة التفسير(25).وفي الجلالين :?سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ ?: أقطار السموات والأرض من النيران والنبات والأشجار.?وَفِي أَنْفُسِهِمْ ? : من لطيف الصنعة وبديع الحكمة(26).فهذه آيات الله في كتابه تتحدث عن آياته في مخلوقاته ، وتتجلى بمعجزة علمية بينة تسطع في عصر الكشوف العلمية في آفاق الكون .
---
اللقاء حتمي والمعجزة واقعة
إننا على وعد من الله عز وجل بأن يرينا آياته ، فيتحقق لنا – بهذه الرؤية – العلم الدقيق بمعاني هذه الآيات ، قال تعالى : ?وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا... ? (النمل:93).ومخلوقاته من آياته ، ومنها ما جاء في القرآن وصفاً ونبأ عن آياته في السموات والأرض.وروى الطبري عن ابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد ، أنه قال في تفسير هذه الآية:"قوله : ? سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ?قال : في أنفسكم والسماء والأرض والرزق".(27)(1/12)
وقال ابن كثير في تفسير الآية :"أي الحمد لله الذي لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه والانذار إليه ، ولهذا قال تعالى?سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا،?كما قال تعالى: ?سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ? .(28)وبمثل هذا قال القرطبي في تفسيره(29). والألوسي في تفسيره(30).وقال أبو حيان في البحر المحيط :"سيريكم آياته : تهديد لأعدائه بما يريهم الله من آياته ، التي تضطرهم إلى معرفتها ، والإقرار أنها آيات الله … وقيل آياته في أنفسكم ، وسائر ما خلق ، مثل قوله : ? سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ?وقيل معجزات الرسول ، وأضافها إليه لأنه هو مجريها ، على يدي الرسول ، ومظهرها من جهته.(31)وبمثل ما قال أبو حيان ، قال البقاعي ، في نظم الدرر(32):ومما سبق يتبين لنا أن البشرية على موعد من الله متجدد ومستمر بكشف آياته في الكون ، وفي كتابه أمام الأبصار ، لتقوم الحجة وتظهر المعجزة .إنه الوحي في القرآن والسنة ، يفيض بالخبر عن أوصاف المخلوقات ، وهذه الأبحاث العلمية التجريبية ، تتجه بدراستها وبحثها إلى نفس الميدان ، الذي وصفه القرآن ، وتحدث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فاللقاء حتمي ، والمعجزة لا شك واقعة .لقد جاءت العلوم البشرية التجريبية شاهدة بصدق ما أخبر به القرآن ، من تحريف سائر الأديان(33) وجاءت شاهدة ومجلية لدقائق المعاني ، في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ذات التعلق بالأمور الكونية. وهذه مناكب دعاة الإسلام ، على اختلاف تخصصاتهم العلمية ، تتزاحم لبيان هذه المعجزات العلمية ، وبدأ عدد من كبار علماء الكون، من غير المسلمين ، يتجهون إلى نفس الميدان(34)، فمنهم من أسلم(35)، ومنهم من شهد بحقيقة المعجزة العلمية، فحان حين تجلى معاني كثير من آيات القرآن الكونية ، وعدد – في نفس المجال – من الأحاديث(1/13)
النبوية و? لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ? (الأنعام67).وإذا كان النقص يعتري بعض الدراسات ، في مجال الإعجاز العلمي ، في القرآن والسنة ، فلا يصح أن يكون ذلك حكماً على جميعها ، وإن هذا ليوجب على القادرين من علماء الإسلام ، أن يسارعوا لخدمة القرآن والسنة ، في مجال العلوم الكونية ، كما خدمهما السلف ، في مجال اللغة والأصول ، والفقه ،وغيرها من مجالات العلوم الشرعية ، فنحن أمام معجزة علمية كبرى ، تنحني أمامها جباه المنصفين من قادة العلوم الكونية في عصرنا .فالاعجاز العلمي أكده ذلك النوع من التفسير ، الذي يعلمه علماء المسلمين ، الذي يعلمون بأسرار المخلوقات كما أشارت هذه الآيات الكريمة: ? إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ(95)فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(96)وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون َ(97) ? (الأنعام:95-97) . يعلمون بآيات القرآن. وآيات الأكوان، وهناك فرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي.
---
الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي
فالتفسير العلمي : هو الكشف عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية(1/14)
أما الإعجاز العلمي : فهو إخبار القرآن الكريم ، أو السنة النبوية ، بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيراً، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية ، في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم -.وهكذا يظهر اشتمال القرآن أو الحديث على الحقيقة الكونية، التي يؤول إليها معنى الآية أو الحديث، ويشاهد الناس مصداقها في الكون ، فيستقر عندها التفسير، ويعلم بها التأويل، كما قال تعالى: ?لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ? (الأنعام67).وقد تتجلى مشاهد أخرى كونية عبر القرون ، تزيد المعنى المستقر وضوحاً وعمقاً وشمولاً لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أوتى جوامع الكلم(36) فيزداد بها الإعجاز عمقا وشمولاً ، كما تزداد السنة الكونية وضوحا بكثرة شواهدها المندرجة تحت حكمها.
---
مصادر أبحاث الإعجاز العلمي
ولما كانت أبحاث الإعجاز العلمي متعلقة بالتفسير العلمي للآيات الكونية ، ومتصلة بشرح الأحاديث في هذه المجالات ، فهي فرع من فروع التفسير ، وجزء من شرح الحديث وتقوم على مصادر هذين العلمين ، ولما كانت قائمة على إظهار التوافق بين نصوص الوحي وبين ما كشف العلم التجريبي من حقائق الكون وأسراره ، فهي كذلك تقوم على مصادر العلوم التجريبية ، إلى جانب العلم المتعلق بتاريخها ، كما تتصل أيضاً بعلم أصول الدين .
قواعد أبحاث الإعجاز العلمي :
ولقد قامت هذه الأبحاث على قواعد نوجزها فيما يلي:-
(أ) علم الله هو العلم الشامل المحيط الذي لا يعتريه خطأ ، ولا يشوبه نقص، وعلم الإنسان محدود ، يقبل الازدياد ، ومعرض للخطأ.
(ب) هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة ، كما أن هناك حقائق علمية كونية قطعية.
(ج) وفي الوحي نصوص ظنية في دلالتها ، وفي العلم نظريات ظنية في ثبوتها .
(د) ولا يمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي، فإن وقع في الظاهر ، فلابد أن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما(37).(1/15)
(هـ) عندما يري الله عباده آية من آياته ، في الآفاق أو في الأنفس مصدقة لآية في كتابه، أو حديث من أحاديث رسوله يتضح المعنى، ويكتمل التوافق ، ويستقر التفسير ، وتتحدد دلالات ألفاظ النصوص ، بما كشف من حقائق علمية وهذا هو الإعجاز.
(و) إن نصوص الوحي قد نزلت بألفاظ جامعة(38) تحيط بكل المعاني الصحيحة في مواضيعها التي قد تتتابع في ظهورها جيلا بعد جيل .
(ز) إذا وقع التعارض بين دلالة قطعية للنص ، وبين نظرية علمية رفضت هذه النظرية، لأن النص وحي من الذي أحاط بلك شئ علما ، وإذا وقع التوافق بينهما كان النص دليلا على صحة تلك النظرية ، وإذا كان النص ظنيا والحقيقة العلمية قطعية يؤول النص بها .
(ح) وإذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية ، وبين حديث ظني في ثبوته ، فيؤول الظني من الحديث،ليتفق مع الحقيقة القطعية،وحيث لا توجد مجال للتوفيق فيقدم القطعي .
أوجه الإعجاز العلمي :(1/16)
إن معجزة القرآن العلمية ، تظهر لأهل العلم ، في كل مجال من مجالاته ، فهي ظاهرة في نظمه ، وفي إخباره عن الأولين ، وفي إنبائه بحوادث المستقبل، وحكم التشريع ، وغيرها .. ولقد شاع مصطلح الإعجاز العلمي في عصرنا، للدلالة على أوجه إعجاز القرآن والسنة ، التي كشفت عنها العلوم الكونية والطبية.والمتأمل في أحوال العالم قبل نزول القرآن ، يرى التخلف الهائل في مجال العلوم الكونية، وكيف اختلطت المعارف الكونية للانسان ، بالسحر والكهانة والأوهام ، حتى غلبت الخرافة ، وسادت الأساطير ، على الفكر الإنساني .ولقد انتظرت البشرية طويلاً – بعد نزول القرآن – إلى أن امتلكت من الوسائل العلمية ، ما يكشف لها أسرار الكون ، وإذا بالذي يكتشفه الباحثون بعد طول بحث ودراسة ، تستخدم فيها أدق الأجهزة الحديثة ، يرى مقررا في آية ، أو حديث ، قبل ألف وأربعمائة عام ، وذلك فيما تعرض له الوحي من حقائق. وما كان العرب الذين خوطبوا بهذا القرآن ، بحاجة إلى هذه الأوصاف ، والأنباء المستفيضة فيه ، وفي السنة، عن الكون وأسراره ، لاثبات صدق الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم ، لكنه الوحي المعجز؛ الذي يحمل بينه صدقه معه ، لجميع البشر، في عصورهم المختلفة ، وأطوارهم المتباينة ، كما قال أبو العباس بن تيمية في وصف القرآن.وقد اجتمع فيه من الآيات ما لم يجتمع في غيره ، فإنه هو الدعوة والحجة ، وهو الدليل والمدلول عليه ، وهو البينة على الدعوى ، وهو الشاهد والمشهود به(39).
وتتمثل أوجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فيما يلي:
1- في التوافق الدقيق بين ما في نصوص الكتاب والسنة، وبين ما كشفه علماء الكون(40) من حقائق كونية ، وأسرار علمية،لم يكن في إمكان بشر أن يعرفها وقت نزول القرآن .
2- تصحيح الكتاب والسنة لما شاع بين البشرية،في أجيالها المختلفة ، من أفكار باطلة ، حول أسرار الخلق(41) لا يكون إلا بعلم من أحاط بكل شئ علما.(1/17)
3- إذا جمعت نصوص الكتاب ، والسنة الصحيحة ، وجدت بعضها يكمل بعضها الآخر ، فتتجلى بها الحقيقة ، مع أن هذه النصوص قد نزلت مفرقة في الزمن، وفي مواضعها من الكتاب الكريم ، وهذا لا يكون إلا من عند الله ؛ الذي يعلم السر في السموات والأرض .
4- سن التشريعات الحكيمة ، التي قد تخفى حكمتها على الناس ، وقت نزول القرآن، وتكشفها أبحاث العلماء في شتى المجالات.(42)
5- في عدم الصدام بين نصوص الوحي القاطعة ؛ التي تصف الكون وأسراره، على كثرتها ، وبين الحقائق العلمية المكتشفة على وفرتها ، مع وجود الصدام الكثير، بين ما يقوله علماء الكون ، من نظريات تتبدل مع تقدم الاكتشافات، ووجود الصدام بين العلم ، وما قررته سائر الأديان المحرفة المبدلة.وصدق الله القائل : ? وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ(48)بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ(49)وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ(50)أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(51)قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(52) ? (العنكبوت:48-52).
تنبيه :
وكلامنا هنا محصور في قضايا الإعجاز العلمي؛ الذي تسفر فيه النصوص عن معاني لكيفيات وتفاصيل جديدة عبر العصور ، أما ما يتعلق بالعقائد والعبادات ، والمعاملات والأخلاق ، فقد بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضح تفسيرها(43).
---(1/18)
أبحاث الإعجاز العلمي في ضوء منهج السلف وكلام المفسرين
للسلف منهج سديد ، في التعامل مع الأمور الغيبية ؛ التي جاء بها الوحي ، وخاصة فيما يتعلق بأمر الصفات الإلهية ، وأحوال يوم القيامة ، وما لا سبيل إليه من غير طريق الوحي ، ويتمثل هذا المنهج في الوقوف عندما دلت عليه النصوص، بدون تكلف ، لمعرفة الكيفيات والتفاصيل ؛ التي لم يبينها الوحي ، لأن البحث فيها كالبحث في الظلام ، وهي قسر لحقائق الوحي الكبرى في قالب تصورات ذهنية بشرية ، بحدود الحس والزمان والمكان ، المحيط ببيئة الإنسان .وكلام الخالق سبحانه ، عن أسرار خلقه ، في الآفاق والأنفس ، غيب ، قبل أن يرينا الله حقائق تلك الأسرار ، ولا طريق لمعرفة كيفياتها وتفاصيلها قبل رؤيتها ، إلا ما سمعنا من طريق الوحي، وكان السلف لا يتكلفون ما لا علم لهم به.إن معاني الآيات المتعلقة بالأمور الغيبية ، ودلالتها اللغوية معلومة ، لكن الكيفيات والتفاصيل محجوبة ، وإن من وصف حقائق الوحي الكونية ، بدقائقها وتفاصيلها ، بعد أن كشفها الله ، وجلاها للأعين ، غير من وصفها من خلال نص يسمع، ولا يرى مدلوله الواقعي، لأن وصف من سمع وشاهد غير من سمع فقط ، ومثلهما كمثل اثنين استمعا وصفا لمكتبة كبيرة من صاحبها ، وكان بعضها مشاهدا، وبعضها محجوبا بالستائر والظلام ، وكان أحدهما لا يملك قدرة على إزاحة الستائر، وتبديد الظلام ، فوصف ما حجب عنه في ضوء ما سمع، وقياسا على ما رأى ، وتمكن الثاني من كشف بعض الستائر ، وتبديد بعض الظلام ، فرأى دقائق، وتفاصيل ، وكيفيات، ما وصف له من قبل سماعا، فجاءت المشاهدة متوافقة مع السماع .ولقد وفق السلف الصالح من المفسرين كثيرا في شرحهم لمعاني الآيات القرآن ، رغم احتجاب حقائقها الكونية ، مع أن المفسر الذي يصف حقائق وكيفيات الآيات الكونية ، في الآفاق والأنفس ، وهي محجوبة عن الرؤية في عصره ، قياسا على ما يرى من المخلوقات ، وفي ضوء ما سمع من الوحي(1/19)
، يختلف عن المفسر ؛ الذي كشفت أمامه الآية الكونية ، فجمع بين ما سمع من الوحي ، وبين ما شاهد في الواقع.ونظراً لعدم خطورة ما يتقرر في مجال الأمور الكونية ، على أمر العقيدة يوم ذاك، لم يقف المفسرون بها عند حدود ما دلت عليه النصوص. بل حاولوا شرحها بما يسر الله لهم من الدراية ؛ التي تيسرت لهم في عصورهم ، وبما فتح الله به عليهم من أفهام ، وكانت تلك الجهود العظيمة التي بذلها المفسرون عبر القرون ، لشرح نصوص الوحي ؛ المتعلقة بالأمور الكونية ؛ التي لم تكشف في عصرهم؛ مبينة لمستوى ما وصل إليه الإنسان من علم ، في تلك المجالات ، ومبينة لمدى توفيق الله لهؤلاء المفسرين .فإذا ما حان حين مشاهدة الحقيقة ، في واقعها الكوني ، ظهر التوافق الجلي بين ما قرره الوحي وما شاهدته الأعين ، وظهرت حدود المعارف الإنسانية ؛ المقيدة بقيود الحس المحدود ،والعلم البشري المحدود بالزمان والمكان ، وازداد الإعجاز تجليا وظهوراً.وكتب الله التوفيق للمفسرين ، فيما شرحوه من آيات وأحاديث ؛ متعلقة بأسرار الكون وخفاياه ؛ بفضل اهتدائهم بنصوص الوحي ؛ المنزل ممن يعلم السر في الأرض والسماء ، مهتدين بما علم لهم من دلالات الألفاظ ، ومعاني الآيات .
سرور رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بظهور التوافق بين الوحي ، وبين الواقع:(1/20)
روى مسلم في صحيحه(44) عن فاطمة بنت قيس قال : … فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال : "ليلزم كل إنسان مصلاه. ثم قال: أتدرون لم جمعتكم ؟" قالوا : الله ورسوله أعلم. قال "إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري ، كان رجلا نصرانيا ، فجاء فبايع وأسلم ، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال" ثم ذكر لهم خبر تميم الداري ورحلته ؛ التي استغرقت أكثر من شهر في البحر، وجاءت موافقة لما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -من قبل.وكان الناس يشككون في نسب أسامة بن زيد ، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها – قالت : إن رسول الله دخل علىَّ مسروراً ، تبرق أسارير وجهه، فقال: ألم ترى أن مجززاً (45)نظر آنفا إلى زيد بن حارثة ، وأسامة بن زيد (وفي رواية، وعليهما قطيفة ، قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما)(46) فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض .وهكذا جاء الدليل من الواقع المشاهد ؛ ليحسم الخلاف ، فبرقت له أسارير وجه الرسول - صلى الله عليه وسلم -.وكم يسر المؤمن في عصرنا ، وهو يشاهد حقائق الواقع،والمشاهدات الكثيرة،قد جاءت مصدقةلما جاءبه الوحي،قبل ألف وأربعمائةعام .
---
أهمية أبحاث الإعجاز العلمي وثمارها
1-تجديد بينة الرسالة في عصر الكشوف العلمية :(1/21)
إذا كان المعاصرون لرسول الله قد شاهدوا بأعينهم ، كثير من المعجزات ،فإن الله أرى أهل هذا العصر ، معجزة لرسوله تتناسب مع عصرهم ، ويتبين لهم بها أن القرآن حق ، وتلك البينة المعجزة هي : بينة الإعجاز العلمي ، في القرآن والسنة ، وأهل عصرنا لا يذعنون لشئ مثل إذعانهم للعلم، وبيناته ودلائله ، على اختلاف أجناسهم وأوطانهم وأديانهم ، وأبحاث الإعجاز كفيلة بإذن الله بتقديم أوضح الحجج ، وأقوى البينات العلمية ، لمن أراد الحق من سائر الأجناس. وفي حجج هذه الأبحاث قوة في اليقين ، وزيادة في إيمان المؤمنين .? وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ? (الأنفال:2).وظهور هذه البينات العلمية ، يسكب الثقة مرة ثانية ، في قلوب الذين فتنهم الكفار من المسلمين عن دينهم باسم العلم ؛ الذي قام عليه التقدم والحضارة .
2- تصحيح مسار العلم التجريبي في العالم :
لقد جعل الله النظر في المخلوقات ؛ الذي تقوم عليه العلوم التجريبية طريقاً إلى الإيمان به، وطريقاً إلى الإيمان برسول الله ، ولكن أهل الأديان المحرفة كذبوا حقائقه، وسفهوا طرقه ، واضطهدوا دعاته ، فواجههم حملة هذه العلوم التجريبية ، بإعلان الحرب على تلك الأديان ، فكشفوا ما فيها من أباطيل، وأصبحت البشرية في متاهة ، تبحث عن الدين الحق ؛ الذي يدعو إلى العلم، والعلم يدعو إليه .إن بإمكان المسلمين أن يتقدموا لتصحيح مسار العلم في العالم، ووضعه في مكانه الصحيح، طريقاً إلى الإيمان بالله ورسوله ، ومصدقا بما في القرآن ، ودليلا على الإسلام ، وشاهدا بتحريف غيره من الأديان .(1/22)
إن البشرية بحاجة إلى الدين الحق ؛ لإنقاذها مما حل بها من خواء في الروح ، وضياع في الشعور ، وشقاء في النفس ، بحاجة إلى الدين الذي يجمع لها بين الدين والعلم، والمادة والروح ، والنظام والخلق وسعادة الدنيا وحسن ثواب الآخرة ، ولكنها بحاجة إلى دليل من العلم يثبت لها صحة الدين ، وفي هذه الأبحاث جواب .ومما يبشر بإمكانية تحقيق هذا الهدف ، وجود قاعدة كبيرة من علماء الكون المنصفين، الذين لا يترددون في إعلان ما يقتنعون به من الحق ، وهم أهل الكلمة في شعوبهم ، ولا يستطيع المكابرون والجاحدون أن يحجروا عليهم في كثير من بلدان العالم ، فيما عدا البلاد الشيوعية ؛ التي جعلت الالحاد منهجاً لها في الحياة. ولكن وسائل الإعلام المعاصرة قد تكون سبباً لإبلاغ أهل تلك البلاد حقائق العلم والإيمان، وربما فتح الله فيها ما لا يتيسر في غيرها .
3-تنشيط المسلمين للاكتشافات الكونية ، بدافع من الحوافز الإيمانية :
إن التفكر في مخلوقات الله عبادة ، والتفكر في معاني الآيات والأحاديث عبادة، وتقديمها للناس دعوة إلى الله ، وهذا كله متحقق في أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. وهذا من شأنه أن يحفز المسلمين إلى اكتشاف أسرار الكون ؛ بدوافع إيمانية ، لعلها تعبر بهم فترة التخلف؛التي عاشوها فترة من الزمن،في هذه المجالات.وسيجد الباحثون المسلمون ، في كلام الخالق عن أسرار مخلوقاته ، أدلة تهديهم أثناء سيرهم في أبحاثهم ، وتقرب لهم النتائج ، وتوفر لهم الجهود .(1/23)
واجب المسلمين :وإذا علمنا أهمية هذه الأبحاث في تقوية إيمان المؤمنين ، ودفع الفتن التي ألبسها الكفار ثوب العلم ، عن بلاد المسلمين ، وفي دعوة غير المسلمين ، وفي فهم ما خوطبنا به في القرآن والسنة ، وفي حفز المسلمين للأخذ بأسباب النهضة العلمية، تبين من ذلك كله أن القيام بهذه الأبحاث من أهم فروض الكفايات .وصدق الله القائل:?لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ?(البينة:1).
---
ميادين أبحاث الإعجاز العلمي
إن كل موضوع تحدث عنه القرآن أو السنة ، في أي مجال من مجالات العلم ، التي ظهرت حقيقتها ، والتي لا يمكن نسبة خبرها الذي جاء به الوحي ، إلا إلى الله، هو ميدان من ميادين أبحاث الإعجاز العلمي،ولكن هذا المصطلح،يقصدبه الإعجاز العلمي ، الذي كشفت عنه العلوم الحديثة.وميادينه على هذا المفهوم :هي الميادين والمجالات الكونية ؛ التي جاء ذكرها أو الإشارة إليها في القرآن والسنة ، وتمكن العلم البشري من معرفة أسرارها ، إلى جانب الميادين التي يحتاجها الباحث؛لتفسير النصوص الشرعية، تفسيرا صحيحا لا شطط فيه،مع معرفةبتاريخ العلوم،وتقدمها،تعينه على توضيح جوانب الإعجاز
---(1/24)
(1) الترمذي كتاب باب ما جاء في فضل العلم على العباد 5/51.(2) انظر لسان العرب لابن منظور (مادة عجز) 5/370 ط دار بيروت , و المفردات للراغب الأصفهاني ص 322.(3) انظر معنى ذلك في تفسير القرطبي 1/96 وفتح الباري 6/581.(4) راجع الراغب الأصفهاني : المفردات ص 343؛ والشوكاني : إرشاد الفحول ص 4.(5) انظر سبب النزول ابن الجوزي : 2/257؛ الطبري 5/122؛ ابن كثير :1/590؛ الجلالين: ص 137.(6) الخازن في مجموعة من التفاسير : 2/210.(7) ابن كثير : 1/560.(8) الفتاوى: 14/196.(9) ابن الجوزي : 2/257؛ الزمحشري : 1/584؛ أبوحيان : 3/399؛ الألواسي :6/19-20؛ الشوكاني : 1/539؛ البيضاوي والنسفي و الخازن فى كتاب مجموعة من التفسير :2/210؛ الجلالين: ص 137.(10) البخاري : فتح الباري: 9/3, مسلم- كتاب الإيمان.(11)فتح الباري لابن حجر: 9/7.(12) القرطبي: 15/231.(13) أبو حيان: 7/412.(14) الطبري: 23/121.(15) الطبري: 7/147.(16) ابن كثير: 2/144(17) القرطبي: 7/111 الشوكاني: 2/128؛ الرازي: 7/25-26؛ القاسمي:6/575؛ أبو السعود: 3/147؛ البقاعي: 7/145-146.(18) قال زيد بن ثابت عندما أمره أبو بكر الصديق أن يجمع القرآن بعد أن كثر الشهداء من حفظة القرآن: فتبعت القرآن أجمعه من العسب و اللخاف وصدور الرجال(رواه البخاري-كتاب فضائل القرآن). والعسب:جمع عسيب وهو جريد النخل, واللخاف: الحجارة الرقاق.(19) انظر:مقاييس اللغة لابن فارس:1/114-115 لسان العرب:10/5-6؛الصحاح للجواهري:4/1446؛تاج العروس:1/279؛ المفردات للأصفهاني: 19.(20) فتح القدير: 4/523.(21) تفسير ابن كثير: 4/106.(22) الكاشف:3/458.(23) الفتاوي: 14/189.(24) القرطبي: 15/374-375.(25) انظر : الطبري : 25/24؛ أبو حيان: 7/505؛ الخازن في مجموعة من التفاسير: 5/395؛ الشوكاني: 4/523.(26) الجلالين: 638.(27) الطبري: 20/18.(28) ابن كثير: 3/380.(29) القرطبي: 13/246.(30) الآلوسي: 20/40.(31) أبو(1/25)
حيان: 7/103.(32) البقاعي: 14/229-230.(33) انظر الكتاب الذي ألفه الطبيب الفرنسي المشهور: موريس بوكاي بعنوان: "التوراة و الإنجيل والقرآن في ضوء المعارف العلمية الحديثة", وأثبت فية تحريف التوراة والإنجيل وصدامهما مع العلم, وسلامة القرىن من التحريف وسبقه للعلوم الحديثة.(34) انظر الأبحاث التي شارك فيها سبعة من كبار علماء الأجنة والتشريح وأمراض النساء, من غير المسلمين في لجنة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة, في القاعة الكبرى في المؤتمر الطبي السعودي الثامن المنعقد في الرياض, في محرم عام 1404هـ.(35) مثل البرفيسور: تاجاتات تاجاسن الذي أعلن إسلامه في قاعة المؤتمر الطبي السعودي الثامن في نهاية أبحاث الإعجاز العلمي.(36) انظر فتح الباري: 13/247.(37) هذه قاعدة جليلة يقررها علماء المسلمين,وألف أبو العباس بن تيمية كتابا من أحد عشر مجلدا لبيانها تحت عنوان: "درء تعارض العقل و النقل".(38) قال صلي الله عليه وسلم "بعثت بجوامع الكلم". (أخرجه البخاري في الجهاد) ومسل المساجد برقم 4523, والنرمذي في السير برقم 1553 والنسائي في الجهاد باب وجوب الجهاد. وقال ابن حجر في الفتح 13/247: كان يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ الكثير المعاني, ونقل عن البخاري قوله: بلفني أن جوامع الكلم: أن الله عزوجل يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمرالواحد أو الاثين.(39) الفتاوي: 14/190.(40) البروفيسور: كيث ل. مور وهو من أشهر علماء العالم في علم الأجنة , وكتابه في علم الأجنة مرجع علمي مترجم إلى سبع لغات, منها : الروسية و اليابنية و الألمانية و الصينية. بعد اقتناعه بأبحاث الإعجاز العلمي, ألقى محاضرة في ثلاث كليات طبية في المملكة العربية السعودية عام (1404هـ) بعنوان: " مطابقة علم الأجنة لما في القرآن والسنة".(41) مثل ماكان شائعا بين علماء التشريح من أن الولد يتكون من دم الحيض واستمر ذلك الاعتقاد إلى(1/26)
أن اكتشف المجهر, في القرن السادس عشر الميلادي,ونصوص القرآن والسنة,تقررأن الإنسان يخلق من المني,وقد رد ابن القيم وابن حجر,وغيرهما من علماء المسلمين,أقوال علماءالتشريح أن مني الرجل لا أثرله في الولدإلا في عقده,وأنه إنما يتكون من دم الحيض,وأحاديث الباب تبطل ذلك".(42) مثل ماكشفه العلم حديثا من حكم في تحريم أكل لحم الخنزير.(43) التفسير والمفسرون للذهبي: 1/34.(44)صحيح مسلم " كتاب الفتن وأشراط الساعة" باب قصة الجساسة" حديث رقم 119" (2942).(45)مجزز: كان قائفا, والقائف: هو الذي يعرف الشبه ويميز الأثر.(46)انظر فتح الباري ج 12 ص 56.(1/27)
موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة على الرابط www.55a.net
2-مستندات التوفيق بين النصوص القرآنية وبين النتائج العلمية الصحيحة
أ. د. سعاد يلدرم رئيس قسم التفسير – جامعة أتاتورك – تركيا
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ..إن اصطلاحات "الإعجاز العلمي" و "التفسير العلمي" و "معجزة علمية" أو "فنية" من التعابير ، التي استحدثت ، وشاعت في العصر الحديث ، ومعلوم أن هذه التعابير ، تفيد تأويل بعض الآيات القرآنية ، بما يتفق وبعض النظريات ، أو الاكتشافات الحديثة ، في العلوم الطبيعية .وعدد المؤلفين المعاصرين الذين حاولوا التوفيق ، بين المعنى القرآني ، وبين المسائل الفنية ليس بقليل. غير أن قسماً منهم أفرطوا في هذا الأمر، وتكلفوا في كثير من الأحيان. وهذا القسم تسبب في ظهور أهل تفريط ينكر هذا التوفيق رأساً. ومعظم المفسرين، الذين عاشوا في القرن الأخير ، اقتصدوا في هذا الأمر ولم يضلوا عن سواء السبيل.ونحن في بحثنا هذا نريد أن نؤصل هذا الموقف المعتدل ، ونظهر بعض أسانيده وبالله التوفيق .
آراء المعترضين في التفسير العلمي :
وقبل أن نخوض في الموضوع ، يحسن بنا أن نذكر بعض آراء المعترضين ، وفي مقدمتها :
1- آراء أبي اسحق الشاطبي المتوفي سنة 790هـ. قال رحمه الله في الموافقات : 2/55-56 .(2/1)
"أن كثيراً من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحدَّ ؛ فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين ، أو المتأخرين ، من علوم الطبيعيات والتعاليم ، والمنطق، وعلم الحروف ، وجميع ما نظر فيه الناظرون ، من أهل الفنون ، وأشباهها ، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم :(1) لم يصح ..وإضافة إلى هذا فإن السلف الصالح ، من الصحابة ، والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن ، وبعلومه ، وما أودع فيه ، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم في شئ من هذا المدعى ، سوى ما تقدم ، وما ثبت فيه من أحكام التكاليف ، وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك ، ولو كان لهم في ذلك خوض ، ونظر ، لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة ، إلا أن ذلك لم يكن ، فدل على أنه غير موجود عندهم ، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشئ ، مما زعموا"وفيما بعد : ادعى الشاطبي أن المعاني ، التي لا عهد للعرب بها ، غير معتبرة فقال :"وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى?وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ?(النحل:8).وقوله?مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ?(الأنعام:38) .ونحو ذلك …، فأما الآيات فالمراد بها ، عند المفسرين : ما يتعلق بحال التكليف والتعبد، أو المراد بالكتاب في قوله? مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ?(الأنعام:38)اللوح المحفوظ، ولم يذكروا فيها ما يقتضي تضمنه لجميع تلك العلوم ، النقلية ، والعقلية "…" فليس بجائز أن يضاف إلى القرآن ما لا يقتضيه ، كما أنه لا يصلح أن ينكر منه ما يقتضيه ، ويجب الاقتصار في الاستعانة على فهمه ، على كل ما يضاف علمه ، إلى العرب خاصة ، فبه يوصل إلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية ، فمن طلبه بغير ما هو أداة له ، ضل عن فهمه ، وتقول على الله ورسوله فيه ، والله أعلم وبه التوفيق"(2/2)
"الموافقات 2/55-56" في المسألة الرابعة من النوع الثاني ، في بيان قصد الشارع ، في وضع الشريعة للافهام .
2- آراء.محمد حسين الذهبي
ويمكن أن نعتبر الأستاذ الدكتور محمد حسين الذهبي ممثل المنكرين للتفسير العلمي. يعرف الدكتور الذهبي: التفسير العلمي بأنه هو : التفسير ، الذي يحكم الاصطلاحات العلمية ، في عبارات القرآن ، ويجتهد في استخراج مختلف العلوم ، والآراء الفلسفية منها .ويعترض الدكتور الذهبي على التفسير العلمي من النواحي الآتية :
أولاً : الناحية اللغوية :
كثير من الألفاظ القرآنية ، تغيرت وتوسعت دلالاتها ، بمرور الزمان. وهذه المعاني كلها تقوم بلفظ واحد ، بعضها عرفته العرب وقت نزول القرآن ، وبعضها لا علم للعرب به ، وقت نزول القرآن ، نظراً لحدوثه ، وطروئه ، على اللفظ ، فهل يعقل أن نتوسع هذا التوسع العجيب ، في فهم ألفاظ القرآن ، وجعلها تدل على معان ، جدت باصطلاح حادث ؟.
ثانياً : الناحية البلاغية :
البلاغة هي المطابقة لمقتضى الحال ، والتفسير العلمي للقرآن ، يضر بلاغة القرآن. لأن من خوطبوا بالقرآن في وقت نزوله : إن كانوا يجهلون هذه المعاني ، وكان الله يريدها من خطابه إياهم لزم على ذلك أن يكون القرآن غير بليغ ، لأنه لم يراع حال المخاطب ؟ وإن كانوا يعرفون هذه المعاني ، فلم لم تظهر نهضة العرب العلمية ، من لدن نزول القرآن ، الذي حوى علوم الأولين والآخرين ؟
ثالثاً : الناحية الاعتقادية :(2/3)
أنزل الله القرآن ، إلى الناس كافة حتى قيام الساعة. ولو ذهبنا مذهب من يحمل القرآن كل شئ، وجعلناه مصدراً للعلوم ، لكنا بذلك قد أوقعنا الشك ، في عقائد المسلمين ، نحو القرآن الكريم. وذلك لأن قواعد العلوم ، وما تقوم عليه ، من نظريات ، لا قرار لها ولا بقاء . ولو نحن ذهبنا إلى تقصيد القرآن ، ما لم يقصد ، من نظريات ، ثم ظهر بطلان هذه النظريات فسوف يتزلزل اعتقاد المسلمين في القرآن الكريم. لأنه لا يجوز للقرآن أن يكذب اليوم ، ما صححه بالأمس.(2)هذا ما قاله الدكتور الذهبي ملخصاً ! ونحن نظن أن الذهبي بمطالعاته هذه يرد على المفرطين ، والمسرفين ، في التوفيق بين النصوص القرآنية ، والمسائل العلمية. وإلا فهو ليس معترضاً – فيما يبدو – على كون القرآن يشير إلى بعض الحقائق العلمية رأسا. وهذا يظهر في آخر ما كتب في هذا الموضوع :"وحسبهم أن لا يكون في القرآن نص صريح ، يصادم حقيقة علمية ثابتة. وحسب القرآن أنه يمكن التوفيق بينه ،وبين ماجد ويجد من نظريات وقوانين علمية، تقوم على أساس من الحق ، وتستند إلى أصل من الصحة".أليس كون القرآن لا يصادم حقائق علمية ثابتة معجزة علمية ؟(3)
3- الإعجاز العلمي للقرآن وآراء ابن عاشور ، وسعيد النورسي :(2/4)
وفي الصفحات التالية سنعالج هذه الآراء ،وننتقدها ، مستفيدين من المفسرين المعاصرين، ولا سيما الأستاذ "محمد الطاهر بن عاشور" من "تونس" والإمام "سعيد النورسي" من "تركيا". لأن لهما فضلا كبيراً ، في هذا المضمار ، وقد وفقاً جداً في تأصيل هذا المنهج القويم ، في تفسير القرآن الكريم. ولأنهما لم يشتهرا بين المفسرين كما ينبغي لهما .قال ابن عاشور – رحمه الله – في تفسيره " في المقدمة العاشرة 1/127/-129" عند البحث عن إعجاز القرآن ما نصه :"وأما النوع الثاني ، من إعجازه العلمي ، فهو ينقسم إلى قسمين : قسم يكفي لادراكه فهمه وسمعه ، وقسم يحتاج إدراك وجه إعجازه إلى العلم بقواعد العلوم ، فينبلج للناس شيئاً فشيئاً انبلاج أضواء الفجر على حسب مبالغ الفهوم وتطورات العلوم. وكلا القسمين : دليل على أنه من عند الله ، لأنه جاء به "أمي" في موضع ، لم يعالج أهله دقائق العلوم ، والجائى به ثاوٍ بينهم لم يفارقهم. ولقد أشار القرآن إلى هذه الجهة من الإعجاز بقوله تعالى في سورة القصص:? قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(49)فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ?( القصص:49-50) .ثم إنه ماكان قصاراه إلى مشاركة أهل العلوم في علومهم الحاضرة ، حتى ارتقى إلى ما لم يألفوه ، وتجاوز ما درسوه ، وألفوه .قال ابن عرفة عند قوله تعالى ? تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ?في سورة آل عمران آية (27) "كان بعضهم يقول : إن القرآن يشتمل على ألفاظ ، يفهمها العوام، وألفاظ يفهمها الخواص ، وعلى ما يفهمه "الفريقان". ومنه هذه الآية ؛ فإن الايلاج يشمل الأيام التي لا يدركها إلا الخواص ، والفصول التي يدركها سائر العوام" .أقول ،وكذلك قوله تعالى?أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا?(الأنبياء:30).فمن طرق إعجازه(2/5)
العلمية(4) أنه دعا للنظر والاستدلال. قال في الشفاء :" ومنها جمعه لعلوم ومعارف ، لم تعهد للعرب ، ولا يحيط بها أحد من علماء الأمم، ولا يشتمل عليها كتاب ، من كتبهم ، فجمع فيه من بيان علم الشرائع ، والتنبيه على طرق الحجة العقلية ، والرد على فرق الأمم ، ببراهين قوية ، وأدلة كقوله?لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا?(الأنبياء:22).وقوله? أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ? (يس:81) .ولقد فتح الأعين إلى فضائل العلوم ، بأن شبه العلم بالنور ، وبالحياة ، كقوله:? لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا?(يس:70).وقوله :?يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ? (البقرة:257).وقال:?وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ?(العنكبوت:43).وقال:?هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ? (الزمر: 9)وهذا النوع من الإعجاز هو الذي خالف به القرآن ، أساليب الشعر ، وأغراضه مخالفة واضحة.هذا والشاطبي قال في الموافقات : (إن القرآن لا تحمل معانيه ، ولا يتأول إلا على ما هو متعارف عند العرب). ولعل هذا الكلام صدر منه في التَّفَصي(5)َّ من مشكلات في مطاعن الملحدين ، اقتصاداً في البحث ، وإبقاءً على نفيس الوقت ، وإلا فكيف ينفي إعجاز القرآن ، لأهل كل العصور ، وكيف يقصر إدراك إعجازه بعد العصر العربي ، على الاستدلال بعجز أهل زمانه ، إذ عجزوا عن معارضته .وإذ نحن نسلم لهم بالتفوق في البلاغة والفصاحة ، فهذا إعجاز إقناعي ، بعجز أهل عصر واحد ، ولا يفيد أهل كل عصر ، إدراك طائفة منهم لإعجاز القرآن .ثم يستدل الأستاذ ابن عاشور بحديث "ما من الأنبياء نبي إلا أوتي – أو أعطى– من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحاه الله ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة"(2/6)
(البخاري فضائل القرآن1 ومسلم ، كتاب الإيمان 239"(6) "…" فالمناسبة بين كونه أوتي وحياً وبين كونه يرجو أن يكون أكثرهم تابعاً لا تنجلي ، إلا إذا كانت المعجزة صالحة ، لجميع الأزمان ، حتى يكون الذين يهتدون لدينه لأجل معجزته ، أمما كثيرين ، على اختلاف قرائحهم ، فيكون هو أكثر الأنبياء تابعا ، لا محالة ، وقد تحقق ذلك ، لأن المعنى بالتابع : التابع له ، في حقائق الدين ، لا اتباع الادعاء والانتساب بالقول "…" .وهذه الجهة من الإعجاز : إنما تثبت للقرآن بمجموعه ؛ إذ ليست كل آية من ، آياته، ولا كل سورة من سوره ، بمشتملة على هذا النوع من الإعجاز ،ولذلك فهو إعجاز حاصل،من القرآن،وغير حاصل به التحدي،إلا إشارة نحو قوله?وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا?( النساء:82).وقال الأستاذ ابن عاشور في المقدمة الرابعة "تفسير التحرير والتنوير 1/42-45""وفي الطريقة الثالثة : تجلب مسائل علمية ، من علوم لها مناسبة بمقصد الآية، إما على أن بعضها يومئ إليه معنى الآية ، ولو بتلويح ما ، كما يفسر أحد قوله تعالى :? وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ? (البقرة:269).فيذكر تقسيم علوم الحكمة ومنافعها ، مدخلا ذلك تحت قوله (خيراً كثيراً) فالحكمة،وإن كانت علماً اصطلاحياً ، وليس هو تمام المعنى للآية،إلا أن معنى الآيةالأصلي، لا يفوت ، وتفاريع الحكمة تعين عليه. وكذلك أن نأخذ من قوله تعالى?كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ?(الحشر:7) .تفاصيل من علم الاقتصاد السياسي ، وتوزيع الثروة العامة ، ونعلل بذلك مشروعية الزكاة، والمواريث ، والمعاملات المركبة ، من رأس مال وعمل ، على أن ذلك تومئ إليه الآية إيماء. وإن بعض مسائل العلوم ، قد تكون أشدّ تعلقاً بتفسير آي القرآن ،كما نفرض مسألة كلامية، لتقرير دليل قرآني ، مثل برهان التمانع(7) لتقرير معنى قوله(2/7)
تعالى? لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ?(الأنبياء:22).وكتقرير مسألة المتشابه ؛ لتحقيق معنى نحو قوله تعالى?وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْد? (الذّاريات47).فهذا كونه من غايات التفسير واضح.وكذا قوله تعالى?أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ?(ق:6).فإن القصد منه الاعتبار، بالحالة المشاهدة. فلو زاد المفسر ففصل تلك الحالة ، وبين أسرارها ، وعللها ، بما هو مبين ، في علم الهيئة ، كان قد زاد المقصد خدمة. وإما على وجه التوفيق بين المعنى القرآني ، وبين المسائل الصحيحة من العلم ، حيث يمكن الجمع. وإما على وجه الاسترواح من الآية كما يؤخذ من قوله تعالى :? وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ?( الكهف:47) .أن فناء العالم يكون بالزلازل ، ومن قوله تعالى ? ِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ? (التكوير:1) .أن قانون الجاذبية يختل عند فناء العالم .وشروط كون ذلك مقبولاً أن يسلك فيه مسلك الايجاز ؛ فلا يجلب إلا الخلاصة من ذلك العلم ، ولا يصير الاستطراد كالغرض المقصود له ، لئلا يكون كقولهم "السى بالسى يذكر"(8).وللعلماء في سلوك هذه الطريقة الثالثة على الاجمال آراء : فأما جماعة منهم فيرون من الحسن : التوفيق بين العلوم غير الدينية ، وآلاتها ، وبين المعاني القرآنية ، ويرون القرآن مشيراً إلى كثير منها. قال ابن رشد الحفيد "هو محمد ابن أحمد بن رشد المتوفي 1198م" في فصل المقال : "أجمع المسلمون ، على أن ليس يجب أن تحمل ألفاظ الشرع كلها ، على ظاهرها ، ولا أن تخرج كلها عن ظاهرها، بالتأويل. والسبب في ورود الشرع بظاهر وباطن، هو : اختلاف نظر الناس ، وتباين قرائحهم ، في التصديق" .وتخلص إلى القول بأن بين العلوم الشرعية والفلسفية اتصالا. وإلى مثل ذلك ذهب "قطب الدين الشيرازي" في شرح حكمة الاشراق ، وكذلك الغزالي ، والامام الرازي، وأبوبكر بن(2/8)
العربي ، وأمثالهم صنيعهم يقتضي التبسط وتوفيق المسائل العلمية، فقد ملأوا كتبهم من الاستدلال على المعاني القرآنية ، بقواعد العلوم اُلحكْمِية(9) وغيرها .وكذلك الفقهاء : في كتب أحكام القرآن. وقد علمت ما قاله ابن العربي فيما أملاه، على سورة (نوح) وقصة (الخضر). وكذلك ابن جني ، والزجاج. وأبوحيان قد أشبعوا تفاسيرهم ، من الاستدلال على القواعد العربية ، ولاشك أن الكلام الصادر عن علام الغيوب تعالى ، وتقدس ، لا تبنى معانيه على فهم طائفة واحدة ، ولكن معانيه تطابق الحقائق ، وكل ماكان من الحقيقة في عمل من العلوم، وكانت الآية لها اعتلاق بذلك ، فالحقيقة العلمية مرادة، بمقدار ما بلغت إليه أفهام البشر ، وبمقدار ما ستبلغ إليه. وذلك يختلف باختلاف المقامات ويبنى على توفر الفهم ، وشرطه أن لا يخرج عما يصلح له اللفظ العربي ، ولا يبعد عن الظاهر ، إلا بدليل، ولا يكون تكلفاً بينا ، ولا خروجاً عن المعنى الأصلي ، حتى لا يكون في ذلك كتفاسير الباطنية .وأما "أبو اسحق الشاطبي" ، فقال في الفصل الثالث من المسألة الرابعة : "لا يصح في مسلك الفهم والافهام إلا ما يكون عاماً لجميع العرب. فلا يتكلف فيه فوق ما يقدرون عليه". وقال في المسألة الرابعة من النوع الثاني : "ينقل ابن عاشور قول الشاطبي الذي اقتبسناه آنفاً وتعقبه بقوله" :"وهذا مبني على ما أسسه ، من كون القرآن ، لما كان خطاباً للأميين ،وهم العرب ، فإنما يعتمد في مسلك فهمه ، وإفهامه ، على مقدرتهم وطاقتهم وأن الشريعة أمية. وهو أساس واهٍ لوجوه ستة.الأول : أن ما بناه عليه : يقتضي أن القرآن لم يقصد منه انتقال العرب من حال إلى حال ، وهذا باطل لما قدمناه ، قال تعالى? تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ?(هود:49).وهذا صريح في أن القرآن يحتوي على كثير من الحقائق التي يجهلها قومه ، والتي هي من(2/9)
قبيل أنباء الغيب والمعجزات .
الثاني : أن مقاصد القرآن ، راجعة إلى عموم الدعوة ، وهو معجزة باقية ، فلا بد أن يكون فيه ، ما يصلح لأن تتناوله أفهام من يأتي من الناس في عصور انتشار العلوم في الأمة."وقال ابن عاشور في موضع آخر من تفسيره (1/104) : "إن وجوه الإعجاز ترجع إلى ثلاث جهات "…" الجهة الثالثة : ما أودع فيه من المعاني الحكمية والاشارات إلى الحقائق العقلية والعلمية ، مما لم تبلغ إليه عقول البشر في عصر نزول القرآن ، وفي عصور بعده متفاوتة ، وهذه الجهة أغفلها المتكلمون في إعجاز القرآن ، من علمائنا ، مثل أبي بكر الباقلاني ، والقاضي عياض ، "…" والقرآن معجز من الجهة الثالثة للبشر قاطبة ، إعجازاً مستمراً على ممر العصور ، وهذا من جملة ما شمله قول أئمة الدين : إن القرآن هو المعجزة المستمرة ، على تعاقب السنين ، لأنه قدر يدرك إعجازه العقلاء من غير الأمة العربية ، بواسطة ترجمة معانيه التشريعية ، والحكمية، والعلمية ، والأخلاقية وهو دليل تفصيلي لأهل تلك المعاني ، وإجمالي لمن تبلغه شهادتهم بذلك. "انظر أيضاً تفسيره 1/127-128".
الثالث:أن السلف(10) قالوا : إن القرآن لا تنقضي عجائبه ، يعنون معانيه،ولو كان كما قال الشاطبي لا نقضت عجائبه،بانحصار أنواع معانيه .
الرابع : أن من تمام إعجازه : أن يتضمن من المعاني مع إيجاز لفظه ما لم تف به الأسفار المتكاثرة .
الخامس : أن مقدار أفهام المخاطبين به ابتداء لا يقتضى ، إلا أن يكون المعنى الأصلي مفهوماً لديهم ، فأما مازاد على المعاني الأساسية فقد يتهيأ لفهمه أقوام ، وتحجب عنه أقوام ، "ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"(11).(2/10)
السادس : أن عدم تكلم السلف عليها : إن كان فيما ليس راجعاً إلى مقاصده ، فنحن نساعد عليه ، وإن كان فيما يرجع إليها فلا نسلم وقوفهم فيها عند ظواهر الآيات ، بل قد بينوا ، وفصلوا ، وفرعوا ، في علوم عنوا بها ، ولا يمنعنا ذلك أن نقفي على آثارهم ، في علوم ن أخرى راجعة لخدمة المقاصد القرآنية ، أو لبيان سعة العلوم الإسلامية. أما ما وراء ذلك ، فإن كان ذكره لإيضاح المعنى ، فذلك تابع للتفسير أيضاً. لأن العلوم العقلية تبحث عن أحوال الأشياء ، على ما هي عليه، وإن كان فيما زاد على ذلك ، فذلك ليس من التفسير ، لكنه تكملة للمباحث العلمية ، واستطراد في العلم لمناسبة التفسير ، ليكون متعاطي التفسير ، أوسع قريحة في العلوم.ثم قال ابن عاشور : "وأنا أقول" إن علاقة العلوم بالقرآن على أربع مراتب :
الأولى : علوم تضمنها القرآن،كأخبار الأنبياء ، والأمم ، وتهذيب الأخلاق، والفقه، والتشريع ، والاعتقاد ، والأصول ، والعربية ، والبلاغة .
الثانية : علوم ، تزيد المفسر علماً ، كالحكمة والهيئة ، وخواص المخلوقات.
الثالثة : علوم ، أشار إليها ، أو جاءت مؤيدة له ، كعلم طبقات الأرض والطب ، والمنطق.(2/11)
الرابعة : علوم ، لا علاقة لها به ، إما لبطلانها ، كالزجر ، والعيافة ، والميثولوجيا(12)، وأما لأنها لا تعين على خدمته ، كعلم العروض ، والقوافي ، "تفسير التحرير والتنوير ، 1/45" .وقال الأستاذ ابن عاشور في المقدمة التاسعة من تفسيره "1/94" "في أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن تعتبر مرادة منها" :"ولما كان القرآن نازلاً من المحيط علمه بكل شئ ، كان ما تسمح تراكيبه الجارية ، على فصيح استعمال الكلام البليغ ، باحتماله ، من المعاني المألوفة للعرب ، في أمثال تلك التراكيب، مظنوناً بأنه مراد لمنزله ، ما لم يمنع من ذلك مانع، صريح ، أو غالب ، من دلالة شرعية ، أو لغوية ، أو توفيقية. وقد جعل الله القرآن كتاب الأمة. كلها ، وفيه هديها ، ودعاهم إلى تدبره ، وبذل الجهد في استخراج معانيه ، في غير ما آية ويدل على تأصيلنا هذا ما وقع إلينا من تفسيرات مروية ، عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لآيات، فنرى منها ما نوقن بأنه ليس هو المعنى الأسبق من التركيب ؛ ولكننا بالتأمل نعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام ، ما أراد بتفسيره ، إلا إيقاظ الأذهان، إلى أخذ أقصى المعاني ، من ألفاظ القرآن. ويمثل الأستاذ ابن عاشور لذلك بأمثلة متعددة من تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم -.والأستاذ "بديع الزمان سعيد النورسي" طار صيته ، في جميع أنحاء العالم الإسلامي كمجاهد. وهو كما اشتهر. إلا أنه لا ينبغي لنا أن نغض البصر عن ناحيته العلمية. كان رحمه الله عضوا في دار الحكمة الإسلامية. وهذه المؤسسة كانت كبرى المؤسسات العلمية في أواخر الدولة العثمانية. والأستاذ النورسي ألف تفسيره باللغة العربية. لسورة البقرة المسمى "باشارات الاعجاز في مظان الايجاز" عندما كان يحارب مع طلبته ضد الروس في الحرب العالمية الأولى ، أي ما قبل سبعين عاماً تقريباً. وألف كتبه المسماة "بكليات رسائل النور" باللغة التركية، في تفسير بعض الآيات القرآنية بعد هذا(2/12)
وانتهى من تأليفه سنة 1930م أي ما قبل خمسة وخمسين عاماً تقريباً. وتوفي – رحمه الله – في عام 1960م في السابع والثمانين من عمره ، الملئ بالعلم والجهاد ، حتى آخر أنفاسه. وفي الصفحات الآتية نعالج ونترجم قسماً من أفكاره إلى اللغة العربية للتوفيق بين المعنى القرآني، وبين الحقائق الصحيحة ، من العلوم الطبيعية ."قسم من آيات القرآن يزداد وضوحاً ، بمرور الزمان ، وبتطور العلوم. وهذا يعني أن القرآن الكريم خزينة ، لا تحصى جواهرها ، ولا تنقضي عجائبها. له محكمات ونصوص ، لا تتغير معانيها ، وأحكامها ، في كل الأزمان. ولكن له أيضاً معان ثانوية، تشير إلى بعض الحقائق العلمية ، التي تنكشف شيئاً فشيئاً، حسب تقدم المستوى العلمي البشري. أما الحقائق الظاهرية، التي بينها السلف الصالح فمسلمة محفوظة ، لا تعتريها شبة. لأنها نصوص ، ومحكمات ، وأسس ، وقواعد ، يجب الإيمان بها. والكتاب الكريم موصوف بأنه "قرآن عربي مبين". وهذا يقتضي كونه واضحاً ، في معانيه الأساسية. والخطاب الالهي يدرو حول هذه المعاني ، ويقويها ، ويظهرها. ومن ينكر هذه المعاني المنصوصة ، فكأنما يكذب الله تعالى ويتهم فهم الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم. للقرآن الكريم. إذن لا شك في أن المعاني المنصوصة مأخوذة من منبع الرسالة إلخ "المكتوبات 400-401".ويتساءل الأستاذ النورسي ، بعد أن تعرض لبعض المعاني الاشارية ، من قبيل الإعجاز العلمي فيقول :"فإن قلت : كيف نستطيع أن نعلم : أن القرآن أراد هذه المعاني ، وأشار إليها ؟ فالجواب : مادام القرآن خطة أزلية ، ومادام هو يدرس، ويخاطب كل طبقات البشر، المصطفة. جيلاً بعد جيل ، إلى يوم القيامة ، فلابد له من مراعاة تلك الأفهام المختلفة ، ودرج المعاني المتعددة ن وإرادتها ، ووضع القرائن للإرشاد بأنه أرادها. وكل هذه الوجوه والمعاني تعد من معاني القرآن ، بشهادات واتفاق أهل الاجتهاد ، وأهل التفسير ، وأهل أصول الدين ، وأهل(2/13)
أصول الفقه، بشرط كونه صحيحاً،من ناحية العلوم العربية ، وحقاً من جهة الأصول الدينية ، ومقبولاً من الناحية البلاغية . والقرآن وضع أمارة لكل وجه من هذه الوجوه:إما لفظية وإما معنوية.والأمارة المعنوية إما أن تفهم من سياق الكلام وسباقه،وإما أمارة مستنبطةمن آية أخرى تشير إليها "يعني إلى هذا المعنى" .وكتب التفاسير التي تعد بالآلاف ، والتي ألفها المحققون : تشهد بجامعية القرآن هذه وخارقيته "سوزلر(13) : أي الكلمات، 414-415". ويقول :(2/14)
"فإن قلت : من شأن الهداية ، والبلاغة : البيان والوضوح ، وحفظ الأذهان عن التشتت ، فما بال المفسرين ، في أمثال هذه الآية ، اختلفوا ختلافاً مشتتاً وأظهروا احتمالات مختلفة ، وبينوا وجوه تراكيب متباينة ، وكيف يعرف الحق من بينها ؟ قيل لك : قد يكون الكل حقاً ، لكن الأمر يختلف من سامع إلى سامع، إذ القرآن مانزل لأهل عصر فقط ؛ بل لأهل جميع الأعصار. ولا لطبقة فقط ، بل جميع طبقات الإنسان ، ولا لصنف فقط بل لجميع أصناف البشر ، ولكل فيه نصيب من الفهم. والحال : أن فهم نوع البشر يختلف درجة درجة .. وذوقه يتفاوت جهة جهة.. وميله يتشتت جانباً جانباً .. واستحسانه يتفرق وجهاً وجهاً .. ومتعته تتنوع نوعاً نوعاً .. وطبيعته تتباين قسماً قسماً .. فكم من أشياء يستحسنها نظر طائفة ، دون طائفة ، وتستلذها طبقة ، ولا تتنزل إليها طبقة ، وقس. فلأجل هذا السر وهذه الحكمة ، أكثر القرآن من حذف الخاص للتعميم ، ليقدر كل مقتضى ذوقه واستحسانه .ولقد نظم القرآن جملة ، ووضعها في مكان ، ينفتح من جهاته وجوه مختلفة ، لمراعاة الأفهام المختلفة ؛ ليأخذ كل فهم حصته ، وقس ، فإذا يجوز أن تكون الوجوه بتمامها مرادة ، بشرط أن لا تردها العلوم العربية ، وبشرط أن تستحسنها البلاغة ، وبشرط أن يقبلها علم أصول مقاصد الشريعة . فظهر من هذه النكتة : أن من وجوه إعجاز القرآن : نظمه ، وسبكه في أسلوب ، ينطبق على أفهام عصر فعصر .. وطبقة فطبقة ( إشارات الإعجاز 40-41) .لنأخذ مثلاً قوله تعالى? أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ?( الأنبياء:30). هذه الآية تفهم من لم يتوغل في المسائل الفلسفية ، هذا المعنى : بينما كانت السماء صافية بدون صحاب والأرض جافة ، ليست قابلة للتوليد ، فتح الله السماء بالمطر والأرض بالخضروات، وزاوج بينهما ، وخلق من هذا الماء كل شيء حي ، وتفهم الآية الحكيم المحقق:(2/15)
أنه في ابتداء الخليقة كانت السموات والأرض كوماً ، بدون أي شكل ، وعجيناً بدون نفع ، ليس عليها أي كائن أو مخلوق ، ولكن الفاطر الحكيم فتحهما ، وبسطهما فجعل كلتيهما نافعة مثمرة ، مزينة ومنشأ لكثير من المخلوقات. يفهم هذا ويعظم حكمة الله تعالى . وتفهم الآية أيضاً في نظر حكيم معاصر : أن أرضنا وسائر (السيارات) التي تشكل المنظومة الشمسية كانت في ابتداء الأمر ممزوجة مع الشمس ، عجيناً ، ولكن القيوم القدير بسط هذا العجين ، ووضع السيارات في أمكنتها وخلق التراب فوق الأرض ، وأنزل المطر من السماء، وأرسل الأشعة من الشمس ، وعمر الدنيا بالحياة . يفهم هذا ويتخلص من شرك الطبيعة (سوزلر أي الكلمات 411-412) .إن الإنسان يتساءل : إن الواقع الذي نشاهده ضد ما أشار إليه القرآن في بعض الأحيان . فمثلاً نرى الشمس تشرق ، وتغرب ، والأرض منبسطة ساكنة ، ماذا تقول في ذلك ؟ نجيب عن هذا السؤال بأن القرآن كتاب هداية وإرشاد . والإرشاد إنما يكون نافعاً ، إذا كان على درجة (استعداد) أفكار الجمهور الأكثر . والجمهور باعتبار المعظم عوام . والعوام لا يقدرون على رؤية الحقيقة عريانة ، ولا يستأنسون بها ، إلا بلباس خيالهم المألوف . فلهذه النكتة صور القرآن تلك الحقائق بمتشابهات ، وتشبيهات ، واستعارات ، وحافظ على الجمهور الذين لم يتحملوا ، عن الوقوع في ورطة التكذيب بما لم يحيطوا بعلمه ، فأجمل في المسائل التي يعتقد الجمهور بالحس الظاهر مخالفتها للواقع ، لكن مع ذلك أومأ إلى الحقيقة بنصب أمارات . فإذا تفطنت لهذه النكتة فاعلم : أن الديانة ، والشريعة الإسلامية ، المؤسسة على البرهان العقلي ، ملخصة من علوم وفنون ، تضمنت العقد الحيوية في جميع العلوم الأساسية ، من فن تهذيب الروح ، وعلم رياضة القلب ، وعلم تربية الوجدان ، وفن تدبير الجسد ، وعلم تدبير المنزل ، وفن السياسة المدنية ، وعلم الحقوق والمعاملات وفن الآداب الاجتماعية ، وكذا وكذا(2/16)
… إلخ . مع أن الشريعة فسرت ، وأوضحت في مواقع اللزوم ، ومظان الاحتياج ، وفيما لم يلزم في حينه أو لم تستعد له الأذهان ، أو لم يساعد له الزمان ، أجملت بفذلكة(14) ووضعت أساساً، وأحالت إلى الاستنباط منه ، وتفريعه ونشوء نمائه ، على مشورة العقول ( إشارات الإعجاز 175).فمثلاً يراعي القرآن ، ويتلطف مع الحس الظاهري ، الذي يشاهد أن الأرض ساكنة ومنبسطة ، ولا يقول بصراحة : أن الأرض كروية ، تدور حول نفسها ، وحول الشمس بسرعة . لا ، ما أراد القرآن أن يلبس على الناس ويشوش أفكارهم، فيبعدهم عن هداية القرآن . ولو قال القرآن هذا وأمثاله ، من الحقائق العلمية ، لانفض الناس من حوله ، ولأنكروا ذلك ، لم يكن من ذلك شيء . إلا أن القرآن لم يهمل الإشارة إلى العصر ، وإلى المستوى ، الذي أدرك الناس فيه حقيقة شكل الأرض أو حركتها .وبناء على هذه الحقيقة لا بد للمفسرين المتأخرين ، من أن يوفقوا بين الحقائق الكونية المنكشفة ، وبين النص القرآني ، المشير إلى هذه الاكتشافات . لأن هذه الحقائق كانت توجد في القرآن مجملة ، وفي شكل الفذلكة . وليست هذه المسائل من قبيل العقائد ، والعبادات ، والأحكام ، والمعاملات . ولهذا يجوز أن تفهم ، وتؤمن الأجيال المتقدمة ، بالمعنى الإجمالي ويكتفوا به . وهذا لا يسبب أي نقيصة ، لا للقرآن ، ولا للمتقدمين من الأمة ، الذين لم يكن في استطاعتهم أن يعرفوا هذه المسائل بالتفصيل ، بل يكون دليلاً آخر للإعجاز القرآني .. لأن القرآن يعلن بصراحة : أنه يحتوي على بعض الحقائق ، التي لم تظهر حقيقتها في وقت النزول:?بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ?(يونس:39).والجملة الأخيرة من الآية صريحة ، في أن القرآن يحتوي على بعض الحقائق ، التي ستتضح بمرور الأزمان .يقول المفسر شهاب الدين الآلوسي في تفسيره المسمى بروح المعاني ، عند تفسير الآية المذكورة ما نصه : " فالتأويل :(2/17)
نوع من التفسير ، والإتيان : مجاز عن المعرفة والوقوف ، ولعل اختياره للأشعار بأن تلك المعاني متوجهة إلى الأذهان منساقة إليها بنفسها . وجوز أن يراد بالتأويل : وقوع مدلوله وهو عاقبته وما يؤول إليه . وهو المعنى الحقيقي عند البعض ، فإتيانه حينئذ مجاز عن تبينه وانكشافه أي : " ولم يتبين لهم إلى الآن تأويل ما فيه من الإخبار بالغيب ، حتى يظهر أنه صدق أم كذب .. والمعنى : أن القرآن معجز من جهة النظم ، ومن جهة الإخبار بالغيب ، وهم فاجئوا تكذيبه قبل أن يتدبروا نظمه ، ويتفكروا في معناه،أو ينتظروا وقوع ما أخبر به من الأمور المستقبلة(روح المعاني 11/120).وكذا قوله تعالى?سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ? (فصلت:53).هذه الآية صريحة في أن الله يظهر بعض الآيات أي بعض الحقائق القرآنية ، بعد زمن النزول .فلنقرأ ما كتبه المفسر ابن كثير (المتوفي سنة 774هـ) الذي هو أبعد المفسرين، عن التفسير المسمى بالعلمي ، قال رحمة الله في تفسير هذه الآية الكريمة : " أي سنظهر لهم دلالاتنا ، وحججنا ، على كون القرآن حقاً ، منزلاً من عند الله عز وجل على رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم بدلائل خارجية ، في الآفاق من الفتوحات ، وظهور الإسلام على الأقاليم ، وسائر الأديان ( … ) ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما الإنسان مركب منه ، وفيه ، وعليه، من المواد والأخلاط ، والهيئات العجيبة ، كما هو مبسوط في علم (التشريح الدال ، على حكمة الصانع ، تبارك وتعالى) تفسير ابن كثير 7/175. وقال ابن زيد : (آفاق السموات) : نجومها ، وشمسها ، وقمرها ، اللاتي يجرين، وآيات في أنفسهم أيضاً (تفسير الطبري 25/5) . ويصرح ابن كثير بأن هذه الآية تشير إلى بعض الحقائق ، التي يدرسها علم الأحياء ، وعلم التشريح ، وابن زيد من السلف يفسر(2/18)
(الآيات) بعلوم الكون ، بينما كان ابن جرير الطبري لا يلتزم هذا التفسير ، ناً بأن السموات والشمس والقمر ، كانت مشهودة ومعلومة عندهم .وقال الأستاذ النورسي ، دفعاً لبعض الشبه ، في هذه الموضوع : ثم اعلم أن آية: ? وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ? (البقرة:23).تشير إلى أن أناساً بسبب الغفلة عن مقصود الشارع في إرشاد الجمهور وجهلهم بلزوم كون الإرشاد بنسبة استعداد الأفكار وقعوا في شكوك وريب منبعها ثلاثة أمور ( … ) .
والثاني : أنهم يقولون : إن القرآن الكريم أطلق وأبهم ، في حقائق الخلقة ، وفنون الكائنات، مع أنه مناف لمسلك التعليم والإرشاد .
والثالث : أنهم يقولون إن بعض ظواهر القرآن الكريم أقرب إلى خلاف الدليل العقلي فيحتمل خلاف الواقع وهو مخالف لصدقه .
والجواب وبالله التوفيق : أيها المشككون : اعلموا أن ما تتصورونه سبباً للنقص، إنما هي شواهد صدق ، على سر إعجاز القرآن …. .(2/19)
أما الجواب عن الشبهة الثانية : وهو إبهام القرآن ، في بحث تشكيل الخلقة ، على ما شرحته الفنون الجديدة ، فاعلم : أن في شجرة العالم ميل الاستكمال وتشعب منه في الإنسان ميل الترقي ، وميل الترقي كالنواة يحصل نشؤه ونماؤه بواسطة التجارب الكثيرة ، ويتشكل ويتوسع ، بواسطة تلاحق نتائج الأفكار ، فيثمر فنوناً مترتبة ، بحيث لا ينعقد المتأخر ، إلا بعد تشكل المتقدم ، ولا يكون المتقدم ، مقدمة للمؤخر ، إلا بعد صيرورته كالعلوم المتعارفة . فبناء على هذا السر لو أراد أحد تعليم فن أو تفهيم علم – وهو إنما تولد بتجارب كثيرة – ودعا الناس إليه قبل هذا بعشرة أعصر ، لا يفيد إلا تشويش أذهان الجمهور ووقوع الناس في السفسطة ، والمغالطة .مثلاً : لو قال القرآن : (يا أيها الناس انظروا إلى سكون الشمس وحركة الأرض واجتماع مليون حيوان في قطرة ، لتتصوروا عظمة الخالق) لأوقع الجمهور : إما في التكذيب ، وإما في المغالطة مع أنفسهم ، والمكابرة معها ، بسبب أن حسهم الظاهري أو غلط الحس يرى انبساط الأرض ، ودوران الشمس ، من البديهيات المشاهدة . والحال أن تشويش الأذهان – لا سيما في مقدار عشرة أعصر، لتشهي بعض أهل زماننا – مناف لمنهاج الإرشاد ، وروح البلاغة ، يا هذا، لا تظنن قياس أمثالها ، على النظريات المستقبلة من أحوال الآخرة . إذ الحس الظاهري لما لم يتعلق بجهة منها بقيت في درجة الإمكان ، فيمكن الاعتقاد والاطمئنان بها فحقها الصريح التصريح بها ، لكن ما نحن فيه لما خرج من درجة الإمكان والاحتمال في نظرهم – بحكم غلط الحس – إلى درجة البداهة عندهم فحقه في نظر البلاغة الإبهام ، والإطلاق ، احتراماً لحسياتهم ، وحفظاً لأذهانهم من التشويش . ولكن مع ذلك أشار القرآن الكريم ، ورمز ، ولوح ، إلى الحقيقة ، وفتح الباب للأفكار ، ودعاها للدخول ، بنصب أمارات وقرائن . فيا هذا ، إن كنت من المنصفين إذا تأملت في دستور (كلم الناس على قدر عقولهم)(15)(2/20)
ورأيت أن أفكار الجمهور ، لعدم استعداد الزمان ، والمحيط ، لا تتحمل ، ولا تهضم التكليف ، بمثل هذه الأمور ، التي إنما تتولد بنتائج تلاحق الأفكار – لعرفت أن ما اختاره القرآن من الإبهام والإطلاق ، من محض البلاغة ، ومن دلائل إعجازه . أما الجواب عن الشبهة الثالثة : وهو إمالة بعض ظواهر الآيات إلى منافي الدلائل العقلية ، وما كشفه الفن . فاعلم ، أن المقصد الأصلي في القرآن : إرشاد الجمهور ، إلى أربعة أصول هي : إثبات الصانع الواحد ، والنبوة ، والحشر ، والعدالة ، فذكر الكائنات في القرآن: إنما هو تبعي ، واستطرادي للاستدلال ، إذ ما نزل القرآن لدرس الجغرافيا والقوزموغرافيا ، بل إنما ذكر الكائنات للاستدلال بالصنعة الإلهة ، والنظام البديع على صانع النظام الحقيقي جل جلاله. والحال : أن أثر الصنعة . والقصد ، والنظام، يتراءى في كل شيء . وكيف كان التشكل فلا علينا إذ لا يتعلق بالمقصد الأصلي . فحينئذ ما دام أنه يبحث عنها للاستدلال ، وما دام أنه يجب كونه معلوماً قبل المدعي ، وما دام أنه يستحسن وضوح الدليل – كيف لا يقتضي الإرشاد والبلاغة ، تأنيس معتقداتهم الحسية ، ومماشاة معلوماتهم الأدبية ، بإمالة بعض ظواهر النصوص إليها ، لا ليدل عليها ، بل من قبيل الكنايات ، أو مستتبعات التراكيب ، مع وضع قرائن وإمارات تشير إلى الحقيقة لأهل التحقيق .مثلاً لو قال القرآن الكريم في مقام الاستدلال : أيها الناس ، تفكروا في سكون الشمس مع حركتها الصورية ، وحركة الأرض اليومية والسنوية ، مع سكونها ظاهراً ، وتأملوا في غرائب الجاذب العمومي ، بين النجوم ، وانظروا إلى عجائب الكهرباء ، وإلى الامتزاجات غير المتناهية بين العناصر السبعين ، وإلى اجتماع ألوف ألوف الحيوانات في قطرة ماء ، لتعلموا أن الله على كل شيء قدير ) لكان الدليل أخفى وأغمض ، وأشكل ، بدرجات من المدعي . وإن هذا لمناف لقاعدة الاستدلال ، ثم لأنها من قبيل الكنايات ، لا(2/21)
يكون معانيها ، مدار صدق وكذب . ألا ترى أن لفظ (قال) ألفه يفيد خفة ، سواء كان أصله واواً أو قافاً أو كافاً .الحاصل:بما أن القرآن الكريم نزل لجميع البشر في جميع الأزمان،فالنقط الثلاث المذكورة من دلائل إعجازه (إشارات الإعجاز 180 – 182).ويرى الأستاذ سعيد النورسي في قصص معجزات الأنبياء عليهم السلام إشارات إلى المكتشفات العلمية الحديثة أيضاً .ومعلوم أن القصص القرآنية ليست مسوقة لتعليم الحوادث التاريخية فقط . بل لها عدة أغراض ، من بينها الإشارة والإرشاد إلى بعض الأمور الدنيوية . يقول الأستاذ : كما أن قصص معجزات الأنبياء ترشد إلى الاستفادة من كمالات الأنبياء الدينية ، في نفس الوقت ترشد إلى الاستفادة من معجزاتهم المادية أيضاً . نعم حقق الله هذه الخوارق على أيديهم معجزة، إلا أن هذه القصص تثير في الناس الميل إلى محاكاتهم . لأن الله لم يحقق هذه المعجزات بدون سبب ، بل جعل لها وسائل مادية. فمثلاً جعل الريح سبباً لسير سليمان عليه السلام مسيرة شهرين . يريد القرآن أن يقول من خلال هذه القصص : (فاعتبروا يا أولي الأبصار) لكم في معجزات الأنبياء عبرة من عدة وجوه ، فاستفيدوا من كل هذه الوجوه ، حاولوا وسيروا في هذا الطريق ، لعلكم تستطيعون أن تحققوا ، عن طريق سنن الله الكونية ، ما تشبه هذه المعجزات ، التي أعطاها الله لأنبيائه معجزة خارقة . ونستطيع أن نقول : إن بعض الكمالات المادية الدينية ، والخوارق الدنيوية أهديت إلى البشرية – مثل الكمالات الدينية – على يد الأنبياء ، فمثلاً السفينة ، أهديت إلى البشرية على يد نوح عليه السلام . ويقول الأستاذ النورسي : "ثم إني– نظراً إلى :? وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ? (الأنعام:59) ، ومستنداً إلى أن التنزيل كما يفيدك بدلالاته و نصوصه ، كذلك يعلمك بإشاراته ورموزه – لأفهم من إشارات أستاذية إعجاز القرآن ، في قصص الأنبياء، ومعجزاتهم : التشويق(2/22)
والتشجيع ، للبشر على التوسل ، للوصول إلى أشباهها ، كأن القرآن ، بتلك القصص ، يضع إصبعه على الخطوط الأساسية ، ونظائر نتائج نهايات مساعي البشر ، للترقي في الاستقبال ، الذي يبني على مؤسسات الماضي ، الذي هو مرآة المستقبل . وكأن القرآن الكريم يمسح ظهر البشر بيد التشويق والتشجيع ، قائلاً له : " اسع واجتهد في الوسائل ، التي توصلك إلى أشباه بعض تلك الخوارق " .أفلا ترى أن الساعة والسفينة أول من أهداهما للبشر ، يد المعجزة . وإن شئت فانظر إلى ? وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا? (البقرة: 31). وإلى: ?وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ? (سبأ:10). وإلى: ? وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ? (سبأ:12). أي النحاس. وإلى: ? فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا? (البقرة:60). وإلى: ?وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ? (آل عمران:49). ثم تأمل فيما مخضه تلاحق أفكار البشر ، واستنبطه من ألوف فنون، ناطق كل منها – بخواص ، وأسماء – نوع من أنواع الكائنات ، حتى صار البشر مظهر : ? وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ...? (البقرة:31) ، ثم فيما استخرجه فكر البشر ، من عجائب الصنعة ، من السكة الحديدية ، والآلة البرقية ، وغيرهما بواسطة تليين الحديد ، وإذابة النحاس ، حتى صار مظهر: ?وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ? (سبأ:10) الذي هو أم صنائعه. وفيما أفرخته أذهان البشر ، من الطائرات ، التي تسير في يوم شهراً حتى كاد أن يصير مظهر : ?... غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ? (سبأ:12)، وفيما ترقى إليه سعي البشر من اختراع الآلات ، والعصى ، التي تضرب في الأرض الرملة اليابسة ، فتفور منها عين(2/23)
نضاخة ، وتصير الرملة روضة ، حتى أوشك أن يصير مظهر :?... فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ... ? (البقرة:60) وفيما أنتجه تجارب البشر ، من خوارق الطب ، التي طفق : أن تبرئ الأكمه والأبرص والمزمن بإذن الله ، وترى مناسبة تامة تصحح لك أن تقول تلك عبرها ومحاكاتها وذكرها يشير إليها ، ويشجع عليها …وكذا انظر إلى قوله ? يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا ? (الأنبياء:69). وإلى: ?لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ? (يوسف:24) أي صورة يعقوب عليه السلام عاضاً على إصبعه في رواية(16) وإلى :? وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ?(يوسف:94) وإلى :?... يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ ...? (سبأ:10) وإلى : ?...وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ...? (النمل:16) وإلى : ?... أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ...? (النمل:40) وأمثالها . ثم تأمل فيما كشفه البشر، مرتبة النار التي لا تحرق ، ومن الوسائط التي تمنع الإحراق ، فيما اخترعه من الوسائل ، التي تجلب الصور ، والأصوات ، من مسافات بعيدة ، وتحضرها إليك قبل أن يرتد إليك طرفك ، وفيما أبدعه فكر البشر ، من الآلات الناطقة بما تتكلم ، وفي استخدامه لأنواع الطيور ، والحمامات، وقس عليها ، لترى بين هذين القسمين ملاءمة يحق بها أن يقال : (في هذه رموز إلى تلك) إشارات الإعجاز 253 – 255 .
تتلخص من هذه المطالعات الأسس التالية :
1)إن القرآن الكريم ، هو كلام الله تعالى : وكلامه تعالى جاء من العلم الإلهي، الذي يحيط بكل شيء علماً . ولهذا السبب كانت معاني كلام الله واسعة، بدرجة لا يقاس بها كلام البشر ، الذي يستند إلى علم محدود .
2)إن القرآن ذاته يصرح ،بأن قسماً من حقائقه ،ستظهر بعد ،زمن التنزيل.
3)القرآن الكريم لا يتجه بالخطاب إلى جيل ومكان معينين،بل إلى البشريةكافة،في كل زمان ومكان،إلى قيام الساعة(2/24)
4)إن محكمات القرآن من عقيدة ، أو عبادة ، أو عمل ، أو أحكام ،مفهومة تماماً بالتفصيل ،منذ عهد السلف الصالح ، وهذه المعاني الأساسية للقرآن لا تتغير ،ولا تتبدل ، بمرور الزمان.ولكن القرآن دون هذه المقاصد الأساسية . ويحتوي على معاني ثانوية،من المتشابهات الإضافية،معاني هذه المتشابهات تفهم على وجه الكمال والتفصيل،بعد زمن التنزيل بقرون.وقد يكون فهم سلف الأمة من بعض هذه المتشابهات الإضافيةفهماً ظاهرياً إجمالياً .(2/25)
5)حكمة الله الحكيم المطلق أرادت أن يحوي كتابه على المتشابهات بأنواعها وبفضل هذه المتشابهات احتوى القرآن الكريم على معان لا تعد ولا تحصى. " لم يرد الله أن يكلف عباده في مثل هذه المسائل بقضية معينة ، بل فتح الله باب الاجتهاد للعقل البشري ليسلكه الإنسان ويحقق به نعمة الله عليه في الإدراك والفهم "محمود شلتوت ،تفسير القرآن الكريم ،القاهرة 67 – 68. " إن المتشابهات لا تعني إبهاماً كلياً بدون معنى ، كما يظنه بعض الناس . هذا الظن خطأ كبير . المتشابه ليس مهملاً ، ولا كلاماً بدون معنى ، بل لاحتوائه على معان كثيرة لا يمكن لنا أن نتبين المعنى المراد الذي يبدو مبهماً ، إنما يبدو مبهماً لأن الحقائق المحيطة التي تفيدها المتشابهات ، لا يستطيع أن يستوعبها فكر البشر . وإن المتشابه في الحقيقة : هو البيان الذي يحتوي على مجموع وجوه البيان:من حقيقة ومجاز ، وصريح وكناية ، وتمثيل وتحقيق ، وظاهر وخفي . ومن أجل ذلك وصفنا المتشابه بأنه (المعلوم المجهول)آنفاً . ومعلوم أن الإبهام في الكلام في بعض المواقع يعد من أثمن وجوه البلاغة ، كما أن كل شخص لا يكون أهلاً لكل خطاب ، وكذلك لا تستطيع القدرة البشرية على العموم أن تتحمل أفهام وتبليغ كلية العلم المحيط الإلهي "محمد حمدي باوزير، المفسر التركي المعاصر في تفسيره الثمين باللغة التركية المسمى بـ (حق ديني قرآن دلي) استانبول، 1935، 1/48 .وهكذا نستطيع أن نشبه بعض المتشابهات القرآنية بمصباح بلوري (كريستال ) ضوءه لا يتغير في الأصل ، ولكن بسبب الزوايا الكثيرة التي توجد على زجاجات البلور تتغير الألوان والأشعة،وتزداد بحسب الزوايا ، أي بحسب اختلاف نظر الناس ، وهذه الإشعاعات تتجدد دوماً .(2/26)
6)إن لمعاني القرآن طبقات متعددة ،تحت معناه الصريح . والمعنى الإشاري والرمزي من هذه الطبقات . وكذا المعنى الإشاري أيضاً هو كلي له جزئيات وأفراد في كل عصر . وهذه الجزئيات ، فضلاً عن أن تنقص من قدر القرآن ، تخدم وتقوي إعجازه وبلاغته (سعيد النورسي،شعاعلر ،644 ).وليس معنى هذا أن القرآن مبهم تستطيع أن تجره إلى حيث تشاء ، بل معناه : أن لبعض الآيات القرآنية معاني متداخلة ، ( مثل الحلقات ، التي تشاهد على سطح الماء إثر غمس شيء فيه " بدون تغير المعنى الأصلي ، فالآية تحتوي على سطح ، وقعر ، وجذور ، كثيرة . أسلوب الآية يشمل كل هذه العناصر . من أجل ذلك يختلف فهم الناس ، بحسب مبلغهم من العلم .
7)قال الله تعالى ، واصفاً للقرآن الكريم :?وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ?(النحل:89) وقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الشريف : " لا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق على كثرة الرد " (رواه الترمذي في سننه في كتاب فضائل القرآن ، 14)(17) . ولو كان الحق مع الشاطبي والدكتور الذهبي وأمثالهما لانقضت عجائبه ، بانحصار أنواع معانيه . والآثار كثيرة في : أن القرآن ذو وجوه كثيرة . وكتب التفاسير التي تعد بآلاف المجلدات ، باختلافاتها ، واتفاقاتها ، تشهد بكثرة المعاني هذه . وكتب محمد رشيد رضا عندما تصدى لشرح إعجاز القرآن تحت عنوان . إعجاز القرآن بتحقيق مسائل كانت مجهولة للبشر) ما نصه :" الوجه السابع : اشتمال القرآن ، على تحقيق كثير من المسائل العلمية والتاريخية ، التي لم تكن معروفة في عصر نزوله ، ثم عرفت بعد ذلك بما انكشف للباحثين ، والمحققين ، من طبيعة الكون ، وتاريخ البشر ، وسنن الله في الخلق (وبعد أن ذكر أمثلة متعددة لهذا ختم قائلاً) : فكتابه تعالى مظهر لقوله 55/29 ? كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ?(الرحمن:29) تفسير المنار 1/210 – 212 .(2/27)
8)ورغم أن المقصود الأسمى من القرآن الكريم هو:الهدايةوالإرشاد، ا أنه مع ذلك حوى أصول الإعجاز:التشريعي ،والنفسي،والبياني ،والعلمي،الدكتور عبدالله شحاته ، تفسير الآيات الكونية ، القاهرة 1400/1980 ، ص 22 .
9)لا شك أن الكلام الصادر عن علام الغيوب تعالى وتقدس ، لا تبنى معانيه على فهم طائفة واحدة ، ولكن معانيه تطابق الحقائق ، وكل ما كان من الحقيقة في علم من العلوم وكانت الآية لها تعلق بذلك ، فالحقيقة العلمية مرادة بمقدار ما بلغت إليه أفهام البشر وبمقدار ما ستبلغ إليه ، وذلك يختلف باختلاف المقامات ، ويبنى على توفر الفهم ، وشرطه : أن لا يخرج عما يصلح له اللفظ العربي ، ولا يبعد عن الظاهر إلا بدليل ، ولا يكون تكلفاً بيناً، ولا خروجاً عن المعنى الأصلي ؛ حتى لا يكون في ذلك كتفاسير الباطنية،كما قال محمد الطاهر بن عاشور.
10)إن مقاصد القرآن راجعة إلى عموم الدعوة ، وهو معجزة باقية فلا بد أن يكون فيه ما يصلح لأن تتناوله أفهام من يأتي من الناس ، في عصور انتشار العلوم في الأمة .
11)إن عدم تكلم السلف عليها : إن كان فيما ليس راجعاً إلى مقاصد القرآن فنحن نساعد عليه ، وإن كان فيما يرجع إليها فلا نسلم وقوفهم فيها عند ظواهر الآيات ،بل قد بينوا ،وفصلوا ،وفرعوا ،في علوم عنوا بها ،ولا يمنعنا ذلك أن نقفي على آثارهم،في علوم أخرى،راجعة لخدمة المقاصد القرآنية،كما قال المفسر )الطاهر بن عاشور) رحمه الله(2/28)
وهذا المسلك المعتدل الذي يقول : إن القرآن الكريم أتى بأصول عامة ، لكل ما يهم الإنسان معرفته ، ليبلغ درجة الكمال جسداً وروحاً ، وترك الباب مفتوحاً لأهل الذكر ، من المشتغلين بالعلوم المختلفة ، ليبينوا للناس جزئياتها ، بقدر ما أوتوا منها، في الزمان الذي هم عائشون فيه – سلكه عدد من العلماء ، في العصر الحديث مثل : الطاهر بن عاشور ، وسعيد النورسي ، ومحمد رشيد رضا : انظر على سبيل المثال : تفسير قوله تعالى: ? خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام ٍ? (الأعراف:54) في تفسير المنار ، 8/445-448 .وتفسير قوله تعالى : ? وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ?( البقرة:23) في تفسير المنار ، 1/210 – 212 .والأستاذ المراغي : انظر على سبيل المثال :تفسير قوله تعالى :?... وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ?(الحجر:19) في تفسير المراغي ، 14/15 . وتفسير قوله تعالى ?وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ? (يس:40) في تفسير المراغي ، 23/10 –11. وتفسير قوله تعالى: ? يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ? (الزمر:5) في تفسير المراغي ، 23/145 . والأستاذ الدكتور / محمد عبد الله دراز انظر قوله تعالى ? فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6) ?( الطارق:5-6) يخبر عن منشأ خلقة الإنسان. وقوله? فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ? ( الحج:5) وقوله ? ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا? ( المؤمنون:14) يخبران عن صفات الجنين في بطن أمه . وقوله :?وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ?(الأنبياء:30) يخبر بأن كل(2/29)
الحيوانات من أصل مائي . وقوله تعالى? اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ?( الروم:48) يخبر عن تكون المطر . وقوله تعالى ? يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ?(الزمر:5) يخبر عن كروية الأرض . وقوله تعالى ? أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا? (الرعد:41) و(الأنبياء : 44) يخبران بأن الأرض كروية إلا أن كرويتها ناقصة في أطرافها.وقوله تعالى?وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا?( يس:38) يخبر بأن الشمس تجري إلى نقطة معينة . وقوله تعالى(2/30)
? وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ?( الأنعام:38) يخبر بأن طوائف الحيوانات تعيش حياة جماعية مثل الإنسان ولا سيما النحل وقوله تعالى: ? سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا ... ? (يس:36) و(الذاريات: 49) يخبران بأن الله خلق كل شيء أزواجاً . وقوله تعالى ? وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ?( الحجر:22) يخبر عن التلقيح بواسطة الرياح وما إلى ذلك. وبعد أن انتقد الدكتور دراز الإسراف في التوفيق بين النص القرآني وبين النتيجة العلمية ، تحدث عن فائدة التفكر في الآفاق وفي الأنفس إلى أن قال: نحن لا نفسر نهائياً الآيات المذكورة بالمكتشفات المشار إليها ، ولكننا نشاهد التطابق المدهش بين النص القرآني وبين المكتشفات العلمية الناتجة عن بحوث المتخصصين المتلاحقة خلال القرون الكثيرة "وهذا لا يمكن أن يكون صدفة ، بل لابد من أن تكون معجزة.( المدخل في القرآن الكريم، ص 144) .والأستاذ / محمد المدني ، و الشيخ محمود شلتوت ، والأستاذ الشهيد حسن البنا(18) ،والأستاذ سيد قطب.قال الأستاذ الشهيدسيد قطب عند تفسير قوله تعالى?يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ? (الزمر:5) : ( وهو تعبير عجيب يقسر الناظر فيه قسراً على الالتفات إلى ما كشف حديثاً عن كروية الأرض، ومع أنني في هذه الظلال حريص على أن لا أحمل القرآن على النظريات التي يكشفها الإنسان ) … مع هذا الحرص ، فإن هذا التعبير يقسرني قسراً على النظر في موضوع كروية الأرض … إلخ ) في ظلال القرآن ، 24/12 – 13 .وعند قوله تعالى ? وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ? ( الذاريات:49) تلكم عن عموم الزوجية بما فيها ززوجية الذرة مؤلفة من زوج من الكهرباء موجب وسالب وفي ظلال القرآن 27/25.وعند قوله تعالى ? وَجَعَلَ فِيهَا(2/31)
رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ? (فصلت:10) تكلم الأستاذ عن تكون السموات والأرض وعن تكون القشرة الأرضية بالتفصيل ونقل أشياء عن الكتب العلمية الحديثة( في ظلال القرآن 24/114-119).وانظر أيضاً على سبيل المثال:تفسير قوله تعالى?وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ?(الأعراف:172) في ظلال القرآن 9/98 . وتفسير قوله تعالى ?كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ?(البقرة:183) في ظلال القرآن 2/74- وتفسير قوله تعالى? ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ? ( المؤمنون:14) في ظلال القرآن 18/15-16 . وتفسير قوله تعالى ? يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ?(الطارق:7) في ظلال القرآن30/199 .وتفسير قوله تعالى? إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ? ( البقرة:173) في ظلال القرآن 2/57.والعلامة الطباطبائي صاحب الميزان . انظر تفسير قوله تعالى : ? وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ? (الحجر:22) في تفسير الميزان 12/146. وتفسير قوله تعالى : ? وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ? (يس:42) في تفسير الميزان 17/ 92 . وتفسير قوله تعالى: ? سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ? (يس:36) في تفسير الميزان 17/87 . وتفسير قوله تعالى? أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا? )الأنبياء:30)في تفسير الميزان 14/277 . وتفسير قوله تعالى ? وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ ?( الأنبياء:31) في تفسير الميزان 11/288. وقوله تعالى? وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ? (يس:39) تفسير الميزان 17/90قوله تعالى ? وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ?(الذاريات:47) تفسير الميزان(2/32)
18/382 وقوله تعالى? وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا?( يس:38)في تفسير الميزان 17/89.
---
(1) يعني ماذكره سابقا في كتابه الموافقات – لم يصح.(2) انظر التفسير و المفسرون للدكتور الذهبي.(3) بلى: لكن هذا شئ , وكون القرآن الكريم مصدرا مباشرا للحقائق العلمية المفصلة شئ آخر ؟ "تلك وجهة نظر الذهبي, رحمه الله" المراجع د. إبراهيم الخولي "الهيئة".(4) دعوة القرآن للنظر و الاستدلال ميزة , تفوق بها وتميز من سائر الكتب السماوية , لكن إدخال هذا تحت الإعجاز العلمي ربما كان غير دقيق؟ " المراجع د.إبراهيم الخولي "الهيئة".(5) تفصى من الشئ , وعنه: تخلص منه. المعجم الوسيط ص. 692.(2/33)
(6) هو في أوائل فضائل القرآن حديثة رقم 4981 وأيضا في الاعتصام باب 2 حديث رقم 7274. وفي صحيح مسلم في كتاب الإيمان باب 69 حديث 239/152, ورواه النسائي وفي التفسير وفي فضائل القرىن كما قال: المزي في الطراف, وكلهم عن أبي هريرة- " الهيئة".(7) لست ادري: ما الذي ينتهي إليه النظر, وبرهان التمانع يعرفه المناطقة مثلا, وعرفه أرسطو, وتحت الجاحظ وابن المعتز عما سمى: بالمذهب الكلامي؟ "المراجع د. إبراهيم الخولي " الهيئة".(8) السى: بسين مهملة مكسورة وتحية مشددة: النظير والمثل. لسان العرب جـ 14 ص 411- 412.(9) لكن السؤال الآن : ما قيمة هذا الذي حشوا به كتبهم من قواعد العلوم الحكمية وما إليها؟ وما مصيره في نظر العلم اليوم؟ "المراجع د. إبراهيم الخولي " الهيئة".(10) ليسوا السلف, وإنما ورد هذا الوصف في حديث الحارث العور عن علي- رضي الله عنه باسناد ضعيف. يرفعه للنبي صلي الله عليه وسلم.. أنظر : التاج الجامع للأصول. كتاب فضائل القرآن, وسنن الترمذي: كتاب فضائل القرآن.(11) هذه الجملة من حديث طويل رواه عمرو بن الأحوص عن النبي صلي الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع, رواه ابن ماجه في المناسك في باب 76 حديث رقم 3056- "الهيئة".(12) الميثولوجيا: الأساطير.(2/34)
(13) سوزلر: مطبعة باستانبول.(14)حاشية: فإن قلت : إن القرآن وكذا مفسره(أعني الحديث النبوي) إنما أخذ من كل فن فذلكة, وإحاطة فذلكات كثيرة ممكنة لشخص؟ قيل لك : إن الفذلكة بحسن الإصابة في موقعها الماسب,واستعمالها في أرض منبتة, مع أمور مرموزة, غير مسموعة- قد أشرنا إلهيا في النكتة الثانية- تشف كالزجاجة عن ملكة تامة, في ذلك الفن , واطلاع تام في ذلك العلم, فتكون الفذلكة في حكم العلم, ولا يمكن لشخص أمثال ذلك.(15)كذا قال الباحث,ولكن لم نعثر عليع بهذا اللفظ في كتاب الحديث,وإنما ورد بلفظ( أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم) رواه الديلمي بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا, وعزاه ابن حجر لمسند الحسن بن سفيان عن ابن عباس بلفظ" أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم " قال: وسنده ضعيف جدا, وفي صحيح البخاري في كتاب العلم باب 49 عن علي موقوفا حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله و رسوله" حديث رقم 127.وفي مقدمة صحيح مسلم في باب 3 عن ابن مسعود قال: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلاكان لبعضهم فتنة, ملخصا عن العجلوني حديث 592-الهيئة.(16)ذكره السيوطي في تفسيره فقال:أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس- وفيه – حتى رأى برهان ربه, جبريل عليه السلام, في صورة يعقوب عاضا على إصبعيه فذكره. وقد ذكر الطبري في تفسيره روايات كثيرة, بألفاظ مختلفة, في كلها مقال, وأقل ماقيل: كلها مضطربة- الهيئة.(17)رواه الترمذي في أبواب فضائل القرآن في باب 14 حديث رقم 2906, ورواه الدرمي في سننه 2/435 كلاهما عن الحارث عن علي. وفي إسناد هذا الحديث: أبو المختار الطائي وابن أخي الحارث العور وهما من المجاهيل, والحارث العور فيه كلام مشهور, وليس له متابع سليم من المقال وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة نقلا عن الصنعاني موضوع, وقال المعلمي في الهامش:(2/35)
سنده ضعيف ومتنه حسن فلا يتجه الحكم بوضعه- راجع صفحة 296, وقال الألباني ضعيف- راجع ضعيف الجامع.تنبيه: في الترمذي "ولا يخلق على كثرة الرد, ولاتنقض عجائبه" يعني خلاف ماذكره المصنف- الهيئة.(18)انظر إلى كتاب (تفسير الآيات الكونية للدكتور شحاتة, ص 9).(2/36)
موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة على الرابط www.55a.net
خلاصة بحث التفسير العلمي للقرآن بين المجيزين والمانعين
للشيخ محمد الأمين ولد الشيخ
ينقسم أعلامنا الفضلاء في (موضوع التفسير العلمي للقرآن) إلى فريقين : فريق يجيز التفسير العلمي للقرآن ، ويدعو إليه ، ويرى فيه فتحاً جديداً وتجديداً في طرق الدعوة إلى الله،وهداية الناس إلى دين الله.وفريق يرى في هذا اللون من التفسيرخروجاً بالقرآن عن الهدف الذي أنزل من أجله،وإقحاماً له في مجال متروك للعقل البشري،يجرب فيه، ويصيب ويخطئ.لذلك كان لا بد من بحث القضية ، ولا بد من استعراض الأدلة ، ومناقشة حجج الفريقين المجيزين والمانعين .
---
المجيزون للتفسير العلمي للقرآن الكريم :
أما مجيزوا التفسير العلمي وهم الكثرة ، فيمثلهم الإمام محمد عبده ، وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا ، والشيخ عبد الحميد بن باديس ، والشيخ محمد أبو زهرة، ومحدث المغرب أو الفيض أحمد بن صديق الغماري ، ونستطيع أن نعد منهم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ، صاحب أضوء البيان في تفسير القرآن بالقرآن .وهؤلاء الذين يتبنون التفسير العلمي للقرآن يضعون له الحدود التي تسد الباب أمام الأدعياء الذين يتشبعون بما لم يعطوا .
ومن هذه الحدود :
1-ضرورة التقيد بما تدل عليه اللغة العربية فلا بد من :
أ) أن تراعى معاني المفردات كما كانت في اللغة إبان نزول الوحي .
ب) أن تراعى القواعد النحوية ودلالاتها .
ج) أن تراعى القواعد البلاغية ودلالاتها.خصوصاً قاعدة أن لا يخرج اللفظ من الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة كافية . 2- البعد عن التأويل في بيان إعجاز القرآن العلمي .
3- أن لا تجعل حقائق القرآن موضع نظر ، بل تجعل هي الأصل : فما وافقها قبل وما عارضها رفض .(3/1)
4- أن لا يفسر القرآن إلا باليقين الثابت من العلم لا بالفروض والنظريات التي لا تزال موضع فحص وتمحيص . أما الحدسيات والظنيات فلا يجوز أن يفسربها القرآن،لأنها عرضةللتصحيح والتعديل إن لم تكن للإبطال في أي وقت.
---
المانعون من التفسير العلمي
أما المانعون من التفسير العلمي فيمثلهم في هذا العصر شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت ، والأستاذ سيد قطب ، ود . محمد حسين الذهبي .
وهؤلاء المانعون يقولون :
1- إن القرآن كتاب هداية ، وإن الله لم ينزله ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم ، ودقائق الفنون ،وأنواع المعارف .
2-إن التفسير العلمي للقرآن يعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان ،والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير.
3-إن التفسير العلمي للقرآن يحمل أصحابه والمغرمين به على التأويل المتكلف الذي يتنافى مع الإعجاز ،ولا يسيغه الذوق السليم .
4-ثم يقولون : إن هناك دليلاً واضحاً من القرآن على أن القرآن ليس كتاباً يريد الله به شرح حقائق الكون ،وهذا الدليل هو ما روي عن معاذ أنه قال يا رسول الله إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة . فما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ، يم ينقص حتى يعود كما كان . فأنزل الله هذه الآية : ? يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ...?(البقرة:189) .
ولكن هل تكفي هذه الحجج لرفض التفسير العلمي ؟
??إن كون القرآن كتاب هداية لا يمنع أن ترد فيه إشارات علمية يوضحها التعمق في العلم الحديث ، فقد تحدث القرآن عن السماء ، والأرض ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، وسائر الظواهر الكونية . كما تحدث عن الإنسان ، و الحيوان والنبات .
??ولم يكن هذا الحديث المستفيض منافياً لكون القرآن كتاب هداية ، بل كان حديثه هذا أحد الطرق التي سلكها لهداية الناس .(3/2)
??أما تعليق الحقائق التي يذكرها القرآن بالفروض العلمية فهو أمر مرفوض ، وأول من رفضه هم المتحمسون للتفسير العلمي للقرآن .
??أما أن هذا اللون من التفسير يتضمن التأويل المستمر ، والتمحل ، والتكلف، فإن التأويل بلا داع مرفوض ، وقد اشترط القائلون بالتفسير العلمي للقرآن شروطاً من بينها أن لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا قامت القرائن الواضحة التي تمنع من إرادة الحقيقة .
أما الاستدلال بما ورد في سبب نزول الآية : ? يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ? فهو بحاجة إلى أن يثبت وإلا فهو معارض بما رواه الطبري في تفسيره عن قتادة في هذه الآية: قالوا سألوا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم جعلت هذه الأهلة ؟ فأنزل الله فيها ما تسمعون ? هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ...? فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعدة نسائهم ومحل دينهم في أشياء والله أعلم بما يصلح خلقه .
وروى عن الربيع وابن جريج مثل ذلك . ففي هذه الروايات التي ساقها الطبري(1)، إن السؤال هو : لم جعلت هذه الأهلة؟ وليس السؤال ما بال الهلال يبدوا دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ثم ينقص . ولذلك فإنه لا دليل في الآية على إبعاد التفسير العلمي .
---
والخلاصة :
??أن التفسير العلمي للقرآن مرفوض إذا اعتمد على النظريات العلمية التي لم تثبت ولم تستقر ولم تصل إلى درجة الحقيقة العلمية .
??ومرفوض إذا خرج بالقرآن عن لغته العربية .
??ومرفوض إذا صدر عن خلفية تعتمد العلم أصلاً وتجعل القرآن تابعاً .
??وهو مرفوض إذا خالف ما دل عليه القرآن في موضع آخر ، أو دل عليه صحيح السنة .
??وهو مقبول بعد ذلك إذا التزم القواعد المعروفة في أصول التفسير من الالتزام بما تفرضه حدود اللغة ، وحدود الشريعة ، والتحري والاحتياط الذي يلزم كل ناظر في كتاب الله .(3/3)
??وهو – أخيراً – مقبول ممن رزقه الله علماً بالقرآن وعلماً بالسنن الكونية لا من كل من هب ودب ، فكتاب الله أعظم من ذلك .
??وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
---
التوصيات الصادرة عن المؤتمر
مقدمة :
تم – بعون الله تعالى وتوفيقه – عقد المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مدينة إسلام آباد بباكستان في الفترة من 25-28 من صفر 1408هـ الموافق 18-21 أكتوبر 1987م ، وذلك تحت الرعاية المشتركة للجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد ، وهيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، ورابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة .وقد اشترك في هذا المؤتمر 228 عالماً ينتمون إلى 52 دولة كما شارك في هذا المؤتمر 160 مراقباً . ولقد قدم للؤتمر 78 بحثاً علمياً غطت 15 تخصصاً علمياً ، تم اختيارها من بين أكثر من 500 بحث وردت للجنة المنظمة للمؤتمر من كل أنحاء العالم . ولقد تمت مناقشة تلك البحوث عبر ست جلسات عامة بالإضافة إلى عدد من جلسات العمل المتخصصة . وتم استبعاد ستة بحوث لعدم حضور أصحابها لإلقائها بالمؤتمر . والإعجاز العلمي يعني تأكيد الكشوف العلمية الحديثة الثابتة والمستقرة للحقائق الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة بأدلة تفيد القطع واليقين باتفاق المتخصصين . وتهدف دراسته وإجراء البحوث فيه إلى إثبات صدق محمد صلَّى الله عليه وسلَّم فيما جاء به من الوحي بالنسبة لغير المؤمنين ، وتزيد الإيمان وتقوى اليقين في قلوب المؤمنين وتكشف لهم عن عجائبه وأسراره ، وتعينهم على فهم حكمه وتدبر مراميه . ويعتمد الإعجاز العلمي على الحقائق المستقرة التي تثبت بأدلة قطعية ، ويشهد بصحتها جميع أهل الاختصاص ، دون الفروض والنظريات . كما يجب أن يدل نص الكتاب أو السنة على الحقيقة العلمية بطريق من طرق الدلالة الشرعية ، وفقاً لقواعد اللغة ومقاصد الشارع وأصول التفسير ، فإن خرجت الحقيقة العلمية المدعاة عن جموع معاني النص(3/4)
لم تكن حقيقة في الواقع ونفس الأمر . ويجب أن يكون الباحث في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة من العلماء المشهود لهم بالتأهيل العلمي في مجال تخصصه ، إضافة إلى قدرته على فهم النصوص الشرعية من مصادرها ، والاستنباط منها ، وفق قواعد اللغة وأصول التفسير وعليه أن يستشير المتخصصين في العلوم الشرعية فيما يخفى عليه وجه الإعجاز فيه . ويستحسن أن تقوم بهذه البحوث مجموعات عمل تجمع الخبراء في العلوم الكونية والشرعية .وتقوم لجان الخبرة ومجموعات العمل التي تجمع المفسرين والعلماء الكونيين بإعداد البحوث وإجراء الدراسات في مجال الإعجاز العلمي حتى توجد المؤسسات التعليمية التي تخرج العالم بمعاني التنزيل وحقائق العلم .
---
توصيات المؤتمر
التوصية الأولى :
دراسة الإعجاز العلمي في الجامعات :
يوصي المؤتمر الجامعات والمؤسسات التعليمية بالعناية بقضايا الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مناهجها الدراسية ، والعمل على إعداد وتدريس مادة جديدة في كل كلية أو معهد تعنى بدراسة آيات وأحاديث الإعجاز العلمي الداخلة في تخصص هذه الكلية أو المعهد،وذلك لربط حقائق العلم بالوحي، تعميقاً للإيمان وتقوية لليقين في قلوب الدارسين .
التوصية الثانية :
إعداد تفسير ميسر :
يوصي المؤتمرهيئة الإعجازالعلمي في القرآن والسنة،بالتعاون والتنسيق بين الجامعات ومراكزالبحوث والهيئات والمنظمات الإسلاميةفي البلاد الإسلامية،بإعداد تفسيرميسرللقرآن الكريم يعني بوجه خاص الآيات الكونية الواردة فيه
التوصية الثالثة :
ترجمة معاني القرآن الكريم :
يوصي المؤتمر هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بالتعاون والتنسيق بين الجامعات ومراكز البحوث والهيئات والمنظمات الإسلامية بإعداد ترجمة دقيقة لمعاني القرآن الكريم ، مصحوبة بتعليقات وافية عن الآيات الكونية الواردة فيه ، لتعين الباحثين من غير الناطقين بالعربية في مجال الإعجاز العلمي في القرآن .(3/5)
التوصية الرابعة :
إصدار مجلة علمية :
يوصي المؤتمر هيئة الإعجاز العلمي بإصدار مجلة علميةذات مستوى عالمي رفيع باللغتين العربيةوالإنجليزيةتعنى بنشر البحوث المتخصصةفي مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنةبعدإجازتها من المتخصصين في العلوم الإسلاميةوعلوم الكون
التوصية الخامسة :
تشجيع بحوث الإعجاز :
يوصي المؤتمر الجامعات ومراكز البحوث في البلاد الإسلامية بتشجيع البحوث والدراسات في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، وتخصيص المنح الدراسية لطلاب الدراسات العليا ، ورصد الجوائز المالية لغيرهم من الباحثين في هذه المجال
التوصية السادسة :
مراكز بحوث الإعجاز العلمي :
يوصي المؤتمر الجامعات والمؤسسات العلمية والهيئات والمنظمات العاملة في حقل الدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي بإنشاء مراكز متخصصة لبحوث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، كما يوصي الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد بأن تبادر بإنشاء أول مركز لهذا الغرض .
التوصية السابعة :
تمويل نشاط الهيئة :
يناشد المؤتمر الحكومات والهيئات والمؤسسات المالية ورجال الأعمال في البلاد الإسلامية أن يقدموا الدعم المالي لهيئة الإعجاز العلمي ومراكز البحوث التي تنشئها لتمكينها من تمويل نشاطاتها تحقيقاً للهدف الذي قامت من أجله من عقد المؤتمرات والندوات وحلقات البحث،وإعداد البحوث والدراسات التي تعمق الإيمان وتقوي اليقين في قلوب المؤمنين وتخاطب غيرهم بلغة العصرالتي يحتكمون إليها في قبول الإيمان،قياماً بواجب الأمةفي تبليغ دعوةالإسلام بالحجةوالدليل والبرهان.
التوصية الثامنة :
الدعوة للبحوث العلمية الأصلية :(3/6)
يوصي المؤتمر هيئة الإعجاز العلمي وغيرها بالاهتمام بعقد الندوات المتخصصة وحلقات البحث ، وتكوين مجموعات العمي ولجان الخبرة ، لتطوير البحوث في مجال الإعجاز العلمي، ووضع خطة متكاملة لها توزع على الجامعات والمراكز البحوث في داخل البلاد الإسلامية وخارجها تمهيداً لعقد المؤتمرات الدورية التي تعرض فيها هذه البحوث الجديدة .
التوصية التاسعة :
البحوث العلمية والكشوف الحديثة :
يدعو المؤتمر الجامعات ومراكز البحوث في البلاد الإسلامية والعلماء المسلمين في العالم، إلى التعاون على إعداد خطة بحوث متكاملة في المجالات العلمية المختلفة والعمل على تنفيذها بالتعاون والتنسيق فيما بينهما ، امتثالاً لدعوة القرآن الكريم للمسلمين إلى البحث والنظر والتدبر في آيات الله في آفاق الكون وفي النفس لاكتشاف الحقائق العلمية والسنن الكونية واستخدامها في توفير سبل القوة وأسباب العزة للمسلمين ، وانتشالهم من التبعية الكاملة لغيرهم في مجال العلوم والتكنولوجيا.كما يوصي المؤتمر الحكومات الإسلامية باتخاذ الخطوات العلمية لجذب العقول الإسلامية المهاجرة للمشاركة في تنمية وتقدم مجتمعاتهم كما يوصي الهيئات والمؤسسات المالية ورجال بالمساهمة الأعمال في تمويل مشروعات البحوث التي تقوم بها الجامعات ومراكز البحوث والأفراد .
التوصية العاشرة :
نشر بحوث المؤتمر وإعلان نتائجها :(3/7)
يوصي المؤتمر هيئة العلمي بنشر بحوث المؤتمر بعد مراجعتها على ضوء المناقشات التي دارت في جلسات المؤتمر وكذلك التقارير والتوصيات باللغتين العربية والإنجليزية واستثمار نتائجها . في الدعوة إلى الإسلام ، تحقيقاً للهدف من هذه البحوث،مع الاستعانةفي ذلك بتقنيات العصرفي الإخراج والعرض ووسائل الإعلام الحديثة في التأثير والإقناع ،كما يوصي المؤتمر الهيئةبإعداد سلسلة من المحاضرات في الجامعات ومعاهد العلم وتكليف العلماءالمهتمين بهذاالموضوع بإلقائها ودعوة الصحف ووسائل الإعلام في البلاد الإسلاميةللمشاركة بإعداد البرامج ونشرالمقالات في هذا المجال .
---
(1) الطبري المحقق ج 3 ص 554 (الهيئة).(3/8)