إن ما أجده ألان من حالنا نحن المسلمون ليبكي قلبي وفي نفس الوقت يفرح أعداء الدين...... نعم..........
يفرحهم ويرون في هذا الوضع أنة ما نستحقه.... لا بل انه أقل مما نستحقه
لماذا
لأنهم يرون أن ديننا الحنيف ما هو إلا إرهابا... يأمرنا بالقتل والتخريب والتدمير...... لكن هل هذا صحيح
طبعا لا إن هذه الصفات التي ينعتوننا ماهية إلا طبيعة رجال الكنيسة في العصور الوسطى
في وقت كان الإسلام في أوج حضارته في كافه المجالات
كان رجال الكنيسة يقتلون ويدمرون ويتحكمون بالإفراد
ها هي الحياة تتقلب وتتبدل
ليصبح ما كان عزيزا في الماضي وأصحاب الانجازات العلمية والحضارية
إرهابيين يصفون بالتخلف والانغلاق...............الخ
ومن هم يقتلون.. يحرقون.. يدمرون..........الخ
اصبحو هم أسياد العالم
والأدهى والأمر أنهم لغو أفضال المسلمون العلمية والحضارية ونسبوها لغير المسلمون
لأبل لم يكتفون بذالك
بل اصبحو يروجون لذالك في منتدياتهم المسيحية
وبكل جراءة ووقاحة يتحدون المسلمون لو أن علماء المسلمون انجزو خمسه من المخترعات فقط وهذا ما دفعني للقيام بهذا البحث
لربما يتأثر به احد ويعلم أن الإسلام ماهو إلا دين يربي المسلم أخلاقيا وعقليا ووجدانيا ......الخ
وان الإرهاب موجود في كل مكان
موجود في جميع القارات في الأرض فلماذا يخصون المسلمون به
ليهضموا حقهم ويحولون إطفاء نورة لأنه في انتشار مستمر.....وهذا لان يحصل وذلك بسبب تكفل الله بحفظ القران والإسلام
وقد اخبرنا الله بان كلمته هي العليا وكلمت الكافرين هي السفلى
و الآن فلنتوقف لحظه لنرى أحوال شباب المسلمون المنخدعون بالعولمة آه آه آه آه على قلبي ماذا يتحمل
فلنبحر معا في سفينة التاريخ ونرى أفضال المسلمون وكيفه أن له الفضل في تطور أوربا بعد أن كانت مستعبده في يد رجال الكنيسة
لربما يدفعنا هذا لإكمال ما بدأه أجدادنا المسلمون من انجازات علميه وأدبيه وفلسفيه ..........الخ
الباب الاول(1/1)
الكنسيه في
اوربا{العصور الوسطى}
وكيف تاثرو بالمسلمين
المقدمة
سطوة الكنيسة وموقفها تجاه العلم
وقفت الكنيسة تجاه العلم وحقائقه النظرية والعملية موقفا معاديا واعتبرت البحث عن الحقيقة في غير الكتاب المقدس ضلالا
ورفضت الفكر اليوناني والروماني وتمردت على كل جديد
ورفضت استخدام العقل وأعماله للبحث في الكون وأسراره واعتبرت أن من يأتي بشي ليس مقرا من الكنيسة يعد كفرا وإلحادا كما حدث اضطهاد للعلماء بما يمكن أن يسمى إرهابا فكريا جعل العلماء يكتمون أراهم وما لديهم من نظريات علميه خوفا من عقاب الكنيسة ومحاكم التفتيش التي حكمت على 10220 شخص بالحرق وهم أحياء
ومن العلماء الذين تمت محاكمتهم على يد الكنيسة في العصور الوسطى
غاليليو القائل بدوران الأرض حول الشمس الذي تعرض للتعذيب والسجن
نيوتن القائل بقانون الجاذبية
كوبرنيكوس الذي صودرت كتبه وأحرقت
شيكو داسكولي عالم فلك الذي تم حرقه حيا
وغيرهم كثيرون ممن تعرضوا للبطش والتعذيب بسبب أرائهم فغابت الحرية وحورب الفكر وأصيبت الحركة العقلية بالجمود واستمرت هذه الأحوال في أوربا إلى أن حدث
الاحتكاك بالمسلمين من خلال حضارتهم في الأندلس والشمال الأفريقي حيث انتشرت المدارس والجامعات في البلاد ألإسلاميه وقصدها الأوربيون للتعلم فيها كما ترجمت بعض الكتب إلى اللغة اللاتينية كما أن الاحتكاك الصلبين بالمسلمين وانبهارهم بالفكر الإسلامي وأخلاق المسلمين كل ذالك انتقل بالعقلية الإوربيه وحررها من سلطان الكنيسة وجاء مارتن لوثر بحركته الإصلاحية 1546-1483 ونادي بالتحرر من سلطان الكنيسة وسوف أتحدث عن هذا الشخص موضع أخر من بحثي
الكنيسة والحضارة
لم تهتم الكنيسة إلا بتنمية الروح وتهذيبها مع إهمال بقيه الجوانب العقلية والفكرية والجمالية بل كانت ترى الأدب والفلسفة ومدارس الثقافة القديمة حصونا للوثنية(1/2)
مما أدى إلى انتشار الأوهام والخرافات والبدع التي لم تتغير الأبعد الاتصال بالشرق والحروب الصليبية والاحتكاك بالمسلمين وأخلاقهم*1
ومثال على ذلك
{{{{القديس فيلاسطوريوس يعلن في مقال معروف له عن الهرطقة
}إن إنكار القول بان الله يجلب الأجرام السماوية من خزائنه كل ليله ليعلقها في السماء هرطقة صريحة}
ويزعم
}إن أي قول مضاد لهذا فيه إنكار للمعتقد الكاثوليكي }
ويعلن قديس اخر وهو لكتانيوس
}أن القول بكروية الأرض هرطقة{
ويأتي بعدهما
جريجوري الأكبر الذي يقول عنه الأستاذ ريير
كان جريجوري الاكبر يمقت المعارف الانسانيه وكان من المعتقدين المخلصين في الأشباح وخروج كثير من الناس من قبورهم ولقد جعل هذه التهويمات الدين الفعلي واليومي الذي تمارسه أوربا وبما انه كان واحدا من اكبر المتحمسين المفسرين للمثل الكنسي القائل
}بان الجهل رأس العبادة}وانه طرد من روما البقية الباقية من القائمين بالدارسات الدنيوية واحرق المكتبة اللاتينية The Pale-tine Library
التي أسسها اوغسطوس وكانت تحتوي على مخطوطات قيمه جدا
وفوق ذالك منع ألدرسه العلوم والآداب القديمة وعمد إلى التماثيل فشوهها والى المعابد فخربها وكان يباهي بأنه لايعباء بقواعد ألكتابه وأخيرا نجح في استئصال شافه كل اثر للعلوم الدنيوية من ايطاليا }}}
وهذا من كتاب
The Intellectual of Europe.Vol,1.p.347.Draper1.J*1
وعم الجهل ونشر وشاحه المعتم على أنحاء أوربا كلها وإذا بالعلماء والعلم والفلاسفة والفلسفة كما نوهت سابقا
يتعرضون لاشد أنواع الوحشية والهمجية فتحرق المكتبات ويقتل العلماء
ففي عام 390م احرق الأسقف ثيوفيلوس جزاء من مكتبه الإسكندرية
وفي عام 415م قتلت هيباشيا الجميلة أخر أستاذه في الطب والرياضيات بجامعه الإسكندرية بعد أن عريت تماما وحملت جرا إلى كنيسة مسيحيه ومزق جسدها اربأ
وتصل الكارثة الحضاريه والعلمية ذروتها على يدي(1/3)
الامبرطور جوستيان في سنه 529 بقفل اكاديميه أفلاطون بأثينا وكانت أخر معقل للعلوم الدنيوية والانسانيه في العالم المسيحي الروماني وفي ذالك يقول
جورج سارتون في كتابه في ص 105Ancient-Sience and modern Civization
{لم تتخرب روما وأثينا باعتبارهما السياسي والاجتماعي فقط وإنما بادت أيضا السلاسة اليونانية التي أخرجت الفنانين والفلاسفة والسلالة الرومانية التي أخرجت المحامين والإداريين ولم يعد لهما وجود}
ومن هنا انتشرت العتمة في كل أنحاء أوربا بل غرق الفكر الأوربي كله في القرن الرابع الميلادي حتى القرن الثامن الميلادي في ظلام حالك السواد ربما أضاء بعض جوانبها وصوصات نجوم لم تستطع أن توثر في ذالك الديجور الذي يعيش فيه الفكر
وعاش الفكر اليوناني أبانه منزويا في أديرة النساطرة الذين حافظو على فلسفه اليونان حتى تم نقله في عصر الترجمة والنقل إلى العربية
إن حقيقة التنافر الفكري الذي تقول بها في بعض النظريات ألحديثه التي تجتهد في المواءمة بين هذا التنافر
والتنافر الشديد بين الحضارات حقيقة لا ننكرها ولكن التناسق الفكري ...والاقتباس ومن ثم الإبداع العقلي والسرندييه المواكبة لهذا الإبداع وكل ذالك حقائق يجب أن نستحضرها في دراستنا لازدهار الفكري والإبداعي في حضارة صاعده على أكتاف حضارة قائمه وهذا ما حدث بالضبط يوم بدا الغرب يعود المعين الشرقي للفكر
بدا الغرب أول ما بدا ينفض عن ذهنه اثأر الهجعة المظلمة التي عاشها طوال أربعه قرون بالعودة إلى الشرق
حيث قامت حضارة إسلاميه(1/4)
مزدهرة توغلت في أرجاء العالم الشرقي كله وجزء من أوربا الغربية ودون أن يفكر في الموضوعات الكبرى لأوجه الاختلافات عن طبيعة الإنسان وعن مركزه في الحياة راح ينهل من ذالك المعين وعندما أحس بالاختلافات الناجمة عن الطبيعة الذاتية حاول إنكار الفكر الإسلامي كحقيقة قائمه معزيا أن نقطه انطلاقه بدأت بالحضارة اليونانية التي واصلت مسيرتها حتى انتهت إليه
وكان للاستشراق دوره الفعال في كل المراحل التي سار فيها التاريخ الحضاري الأوربي الحديث
ابتداء من مرحله الاقتباس فالانتهال فالأفكار فالعودة إلى الحق بالاعتراف لدور ألامه الإسلاميه في الحضارة الانسانيه وفعاليتها في تكوين الفكر العلمي والأدبي
بعض مآثر المسلمين وفضلهم على أوربا في العصور الوسطى
ففي الوقت الذي شهدت فيه أوربا محاربة للعقل وشيوعا للخرافات ونبذا للعلم ومحاكمة للعلماء ورفضا للفكر اليوناني والروماني وتمردا على كل جديد في المعرفة وإطلاقا لسلطه تحت تصرف الكنيسة التي بيدها جميع مقاليد الأمور في الدولة بالاضافه إلى قصر التربية على الجانب الروحي والأخلاقي استعدادا للآخرة مع انعزال الحياة ...إلى غير ذالك من مظاهر أزمة عانت منها أوربا في القرون الوسطى وجعلت منها عصورا مظلمة بينما أوربا تعيش هذا الواقع الذي تحدث عنه في مواضع سابقه أيضا
إذا بينبوع صاف ينبثق في المشرق من بقعة جدباء بصحراء الجزيرة العربية يحمل بين طياته مشاعل حضارة ومقومات نهضة تشمل جميع مناحي الحياة وتعنى بالدين والدنيا على السواء وبالعقل والوجدان جنبا إلى جنب وهذا سوف أتوسع به بإذن الله في موضع أخر
وأول ما أبدا به
عام 671م حين دخل الإسلام لأول مره لإطراف أوربا وكانت أول هذه المراحل مرحلة التأثير غير المباشر
وفيها كانت تحذو أوربا حذو العرب في مبادئهم ونجد ذالك في العديد من الأمور منها(1/5)
وخير مثال طبقه الشعراء التروبادرو خير من يعكس تأثير الشعر العربي والجامعات الاوربيه التي أنشئت على غرار الجامعات الاسلاميه العربية في اسبانيا ظواهر داله على هذا التأثير غير المباشر للحضارة الاسلاميه
وقد كانت الجامعات الاسلاميه في اسبانيا تضم الكثير من الطلبة الأوربيين وخاصة من رجال الاكليروس الغربيون
من هنا نشاء وعي أوربي يحمل في جذوره روح التمرد على التقاليد المسيحية وبدا الخروج الفكري على مظاهر العصبية العقدية في المسيحية أول ما بدا بجفوة بين التعاليم الكنسية والوعي الجديد في نفوس أبناء المسيحية وفيهم الكثير من الرهبان والقساوسة وأصبح اليقين بضرورة طلب العلم ومعرفه العلوم الدنيوية التي اعتبرها قديسيهم هرطقة يرجع على كثير من الاعتقادات العقدية التي حاولت الكنيسة يشتي الوسائل العنف والقوة زرعها في أعماق المسيحيين وجرف تيار التلقي من العلوم الاسلاميه وتلاقي الفكر العربي الإسلامي مع المسيحي أللاتيني مع من جرف
مواطنا اكويتانيا لا حسب يرفعه ولا نسب يضعه على قمة المجتمع إلى برشلونة ثم إلى قرطبة حيث تعلم العربية ليتحدث بها كأحد أبنائها كما يقول دريبر
أما مان وغيرة فيوكد أن الراهب الصغير جريبر اورلياك 1003م-938م لم يتعلم العربية وإنما درس وتعلم العلوم الاسلاميه في برشلونة عن كتب ترجمت من العربية
جريبرجوبرت هذا الذي تربع على عرش البابوية في روما تحت اسم سلفستر الثاني 999م-1003م يعتبر أول مدافع كنسي عن العلوم الدنيوية في أوربا بدا دفاعه بإنشاء مدرستين عربيتين
الأولى في روما مقر بأبويته
والثانية في رايمس وطنه وأضاف إليهما مدرسه عربيه
ثالثه وهي مدرسه شارتر كما انه يعتبر أول من ادخل الأرقام الغباريه العربية إلى أوربا وبث تلك الأرقام قبل أن يعرف الصفر وقام بعدد من الدرسان العربية والاسلاميه منها دراسة عن كتاب إقليدس بالعربية } محفوظات كنيسة وستر بانجلترا}(1/6)
والحق أن انكباب جريبر على العلوم ودراسته حتى بعد أن أصبح على كرسي البابوية ثم أشاعه هذه العلوم بين بني جلدته حدث له أهميته التاريخية القصوى في العالم اللاتيني ......كما أن استخدامه لبعض الأدوات لتجربيه العلمية كامعداد والكرة الجغرافية التي احضرها معه من اسبانيا واستخدامه الأرقام العربية حدث له اثر في يقضه أوربا وفي ذالك يقول دريبر جريبر } إننا إنما نرى في جميع تعاليمه بداية الصراع بين التعاليم والأخلاق الاسلاميه وفي ذالك العصر وبين الجهل والجرائم الايطالية في ذالك العصر أيضا ذالك الصراع الذي قدر له أن يؤتى ثمارا هامه لأوربا فيما بعد }
وكانت للثقافة الاسلاميه التي تثقف بها جريبر فعليتها في نظرته إلى حقائق الأشياء فمن قوله }أنا لا امنع الزواج ولا أدين الزواج الثاني ولا أذم أكل اللحوم }
إنها نظرة إسلاميه صرفه إلى حقيقة موضوع الزواج واكل اللحم ويعرف عهد جريبر وما تلاه من عهود
استمرت حوالي ثلاثة قرون بعصر التأثير الإسلامي غير المباشر على أوربا
كان فيها الأوربيون يستشرقون بغير قصد منه بالإستشراق في كثير من أنحاء أوربا
ومن أثار ذالك
وجود نسخه لاتينيه من حكم ابقراط كانت تستخدم كانت تستخدم في التدريس بمدينه شارتر في فرنسا حيث توجد إحدى ثلاث مدارس عربيه أسسها جريبر وقد وجدت هذه ألنسخه قبل تأسيس هذه المدرسة أي حوالي عام 991م وكانت مترجمه عن أصل عربي ومن أثارة أيضا كتب الرياضيات والتنجيم التي كتبها هرمان الكسيح 1054م-1013م المستقاة من الكتب العربية في حين أن هرمان سويسري ولم يقيض له زيارة اسبانيا ومن إثارة إسفنجه التخدير العربية التي نقلها جاريويونتس المتوفي حوالي عام 1050م إلى الغرب اللاتيني
ومن بعد هذا العصر عصر التأثير غير المباشر(1/7)
إلى عصر الترجمة من العربية إلى ألاتينيه وقد ازدوجت بواعث هذا العصر وتأرجحت طبيعة الاستشراف فيه بين الأخذ من علوم المسلمين وحضارتهم وبين العودة عن طريق الترجمات الاسلاميه لأمهات الكتب العلمية و الفلسفية اليونانية وإثباتات يونانيه بل أوربيه العلوم والادعاء ببناء نهضة أوربا العلمية على أنقاض العلم اليوناني من إنكار وتنكر واضحين للدور الإسلامي في هذا البناء
ومن المحاولات التي صاحبت هذا الدور من ادوار الاستشراق
المحاولة التي بذلت لإثبات عدم تاثر الحضارة اليونانية بآي رافد خارج عن ينبوعه ومحيطه وقد كان هناك من هزءا من هذه المحاولة من الأوربيون أنفسهم كسارتون في كتاب G.Sarton Introduction to the History of Science ol.1.p.17
}انه من سذاجة الأطفال أن نفترض أن العلم بدا في بلاد الإغريق لان المعجزة اليونانية سبقتها ألاف الجهود العلمية في مصر وفي بلاد ما بين النهرين وغيرهما من البلدان أما العلم اليوناني فكان إحياء أكثر منه اختراع وكفانا سوءا إننا أخفينا الأصول الشرقية التي لم يكن التقدم الهليني مستطاعا بدونها }
}ويقول أيضا في نفس الكتاب في موضع أخر
حقق المسلمون عباقرة الشرق أعظم المآثر في القرون الوسطى فكتبت أعظم المؤلفات قيمة وأكثرها آصاله وأغزرها ماده باللغة العربية وكانت من منتصف القرن الثامن حتى نهاية القرن الحادي عشر لغة العلم الارتقائية للجنس البشري حتى لقد كان ينبغي لأي كان إذا أراد أن يلم بثقافة عصره وبأحدث صورها أن يتعلم اللغة العربية ولقد فعل ذالك كثيرون من غير المتكلمون بها }
وكان هناك من حاول أن ينسب الفضل إلى العرب ولكن بصورة غائمة منهم
جون هرمان راندال
من كتابه تكوين العقل الحديث ج 1 ص 331
الذي يقول(1/8)
{وسط هذا العالم الذي أخذت رقعته في الاتساع اتجه رجال القرون الوسطى إلى المعرفة العلمية التي وجدوها في مكاتب العرب وجامعاتهم الغنية وحين اخذ الغرب يستيقظ في مطلع القرون الوسطى انتقل مركز الثقافة الاسلاميه بنتيجة فعل المتعصبين من المصلحين المسلمين من ألخلافه الشرقية إلى اسبانيا وعن طريق اسبانيا جاءت أول معرفه بمؤلفات أرسطو الكبيرة ولكن المسلمون انقذو من العالم القديم شيئا كان أرسطو بالرغم من عبقريته عاجزا كل العجز عنه وهو العلم الرياضي والآلي }
وبدا عصر الترجمة
في أيطار هذا الباعث المزدوج فكان هناك من المترجمين أنفسهم من نسب مترجمات عربيه إلى نفسه منتحلا لها واكبر شخصيه في هذا العصر الذي يطلق عليه العصر السالرني نسبه إلى مدرسه سالرنو الاسقفيه هي شخصيه قسطنطين الأفريقي 1087-1020م
الذي ولد في قرطاجنه ورحل إلى خرسان وبغداد والشام ومصر والقيروان والهند وعاد منها ليعتنق النصرانية ثم التحق بمدرسه سالرنو عام 1060م وترهب في دير مونتي كاسينو وهناك بدا يترجم الكثير من كتب الطب والفلك من العربية إلى ألاتينيه منتحلا بعض هذه الترجمات ناسبا إياها إلى نفسه كترجمة كتاب المقالات العشر في العين لحنين بن إسحاق الذي جعل عنوانها }كتاب قسطنطين الأفريقي في طب العيون }
وقد فاقه خلفه اديلارد اوف باث 1135-1075م الذي كان من أهم أعماله ترجمة ألنسخه العربية لإقليدس وترجمات فلكيه ورياضيه للخوارزمي وأبي معشر الفلكي واهم من ذالك كله كتاب ألفه في العلوم العربية بعنوان }العلوم عند العرب } وطبع هذا الكتاب عام 1472م ومن مشاهير المترجمين
جيرار الكريموني 1114-1178م(1/9)
ويعتبر أعظم المترجمين من العربية إلى اللاتنيه بل أن بعض الكتاب يعتبرونه الأب الحقيقي لحركة الاستعراب في أوربا تعلم العربية عن ابن غالب وأجادها وترجم حوالي تسعين مولفاويذكر الأستاذ مير هوف أن من بين المؤلفات التي ترجمه مؤلفات ابقراط وجالينوس وجميع مترجمات إسحاق إلى العربية وهو من مترجمي مدرسه الترجمة التي أسسها أسقف طليطه ريموند التي استمرت تترجم العلوم اليونانية من العربية إلى ألاتينيه من سنه 1126م إلى 1151م
وخلف جيرار الكريموني جيرار السابيوسونتي الذي أكمل ترجمة كتاب القانون في الطب لابن سيناء وقد كان جيرار الكريموني بدا ترجمته ومات قبل أن يكمل ترجمته
وتم خلال عصر الترجمة تأسيس مدرسة مونبليه بغرض تعليم الثقافة العربية ونشرها وقد تطورت هذه المدرسة فأصبحت في 26
أكتوبر عام 1289م كليه جامعيه شبه متخصصة لتعاليم العلوم الطبية وهذا المدرسة حققت حركة استعراب أدت إلى نتائج لها شانها في نهضة أوربا*2
دور العلماء العرب في الحضارة الغربية(1/10)
كان للعرب والمسلمين دورهم في قيام الحضارة وآثرهم واضح في تقدم العلوم. أن كثيرين يجعلون هذا الدور والخدمات التي قدمها العرب للحضارة وان بعض علماء الغرب عمدوا إلى تشويه صفحات لامعات من تاريخ العرب لمآرب أصبحت غير خافية على احد. وعلى الرغم من هذا كله وجد بين العلماء ومنهم غربيون من قام يوضح الحقائق وينصف العرب ولأن الواقع التاريخي يدعو للوصول إلى الحقيقة قال ( سارطون) : أن بعض المؤرخين يصرحون بأن العرب نقلوا العلوم القديمة ولم يضيفوا إليها شيئا ما وإنهم لم يكونوا إلا نقلة ماهرين ولم يعرفوا إلا جانبها النظري , أن هذا الرأي خطأ, وانه لعمل عظيم أن ينقل ألينا العرب كنوز الحكمة اليونانية ويحافظوا عليها , ويقول: أن العرب كانوا أعظم معلمين في ا لعالم وقال ديفو: أن الميراث الذي تركه اليونان لم يحسن الرومان القيام به , أما العرب فقد أتقنوه وعملوا على تحسينه وإنمائه حتى سلموه إلى العصور الحديثة. ويقول سيديو : أن العرب هم في واقع الأمر أساتذة أوروبا في جميع فروع المعرفة, ففي الطب ثبت أن للعرب فضلا كبيرا في حفظه من الضياع وفي الزيادات المهمة إليه ثم نقل ذلك إلى أوروبا , لقد رفع العرب شأن الطب وكان لهم فضل السبق في فضل الجراحة وجعلها قسما منفصلا عنه ووضعوا قواعد للصيدلة وانشئوا مدارس لها واخترعوا أنواعا جديدة من الأدوية والعقاقير وعرفوا خصائصها وكيفية استخدامها وفي الكيمياء كان للعرب إضافات وابتكارات جعلت من جابر بن حيان في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق , فقد أسس مدرسة كيميائية ذات تأثير كبير في الغرب وكان أثرهم واضحا في التحليل والتطبيق وكانوا مبدعين مبتكرين فأوجدوا التقطير والترشيح والتصعيد والتذويب والتبلور والتكليس وكشفوا بعض الحوامض والمركبات وهم أول من استحضر حمض الكبريت وماء الذهب. وفي علم البصريات وصلوا إلى أعلى الدرجات وثبت أن (كبلر) اخذ معلوماته عن ابن الهيثم واثر ابن الهيثم لا(1/11)
يقل عن اثر ( نيوتن) في الميكانيكا. وفي الفلك أحدثوا نهضة معروفة وذلك عن طريق نقل الكتب الفلكية القديمة وتصحيح أغلاطها والتوسع فيها, وتبدو عظمة هذا العمل إذا عرفنا أن أصول هذه الكتب ضاعت ولم يبق منها غير الترجمة العربية ومن خلال أعمال العلماء العرب والمسلمين وأبحاثهم ومؤلفاتهم تتجلى لنا مآثر العرب في الطب و الصيدلة والكيمياء والنبات والرياضيات وعلم الاجتماع وغير ذلك من العلوم, مع كل هذا الفضل للعلماء العرب والمسلمين يردد بعض الغربيين المتعصبين أن العرب كانوا نقلة عن اليونان فليس لهم أصالة فكرية ولا عقلية فلسفية ونقول لهم: انه لو لم يكن للعرب على حد زعمهم من الأثر إلا إنهم أنقذوا هذه الكتب من الضياع وحفظوها من طغيان الجهالة حتى أدوها صحيحة نقية إلى العصور الحديثة. ولكن الحق أن العرب لم يقفوا عند ذلك فقد ترجموا وحققوا ودققوا واخترعوا وبحثوا واكتشفوا , وهذه كتبهم تشهد على ذلك وهذه بقايا مدارسهم تشهد على مآثرهم العلمية. وعرج المحاضر على أقوال وشهادات الغربيين والإقرار بفضل علماء العرب .
يقول : (كاجوري) في كتابه تاريخ الرياضيات : (أن العقل لتملكه الدهشة حينما يقف على أعمال العرب في الجبر). وفي مادة المثلثات أن العرب أول من ادخل المماس في عداد النسب المثلثية وهي الجيب والتجيب كما نعلم وهم الذين استبدلوا الجيوب بالأوتار وطبقوا الجبر على الهندسة وحلوا المعادلات التكعيبية ويقول : أن علم المثلثات علم عربي .(1/12)
ويقول المؤرخ جورج ملر في كتابه( فلسفة التاريخ ) أن مدارس العرب في اسبانيا كانت مصادر العلوم ويتلقون فيها العلوم الطبيعية والرياضية وما وراء الطبيعة وممن ورد تلك المناهل الراهب الفرنسي (جوبرت) فانه بعد أن ثقف علوم اللاهوت في أوروبا من مسقط رأسه جاب (البيرانس) والوادي الكبير , حتى ورد اشبيلية فدرس فيها وفي قرطبة الرياضيات والفلك ثلاث سنين ثم ارتد إلى قومه ينشر فيهم نور الشرق وثقافة العرب , فرموه بالسحر والكفر ولكنه ارتقى إلى سدة البابوية سنة 999 باسم سلفستر الثاني وقد أوصى الراهب ( روجر بكون ) الانكليزي في كتبه بني جنسه بتعلم اللغة العربية وقال أن الله زيوتي الحكمة من يشاء ولم يشأ أن يؤتيها اللاتينيين وإنما أتاها الإغريق والعرب . *3
مارتن لوثر
والتحرر من سلطة الكنيسة
أثر حركة الإصلاح الديني على اوربا
تمثلت في ظهور تيار قوي معارض لأفكار رجال الكنيسة الكاثوليكية برئاسة البابا في روما. وأدت إلى إنقسام أوروبا إلى (العالم البروتستاني) أي الاحتجاجي الذي يعارض سلطة البابا، و (العالم الكاثوليكي) المؤيد لسلطة البابا.(1/13)
وتزعم حركة الإصلاح الديني مارتن لوثر (1546-1483) وكانت حركته احتجاجا صارخا على الممارسات غير المشروعة التي يقوم بها رجال الدين ورغبتهم بالتحكم في عقل الفرد وفي تسيير الأمور الدنيوية والدينية. ودعا إلى إصلاح جميع جوانب الحياة في المجتمع بشكل عام، وطالب بحرية العقل في البحث، وإصلاح المجتمع عن طريق اصلاح الفرد، أكد لوثر أن الازدهار والتقدم في المجتمع لا يأتي عن طريق الثروة وحدها ولا عن طريق كثرة المباني، ولكن عن طريق التربية السليمة للأفراد التي تخلق مواطنين مثقفين شرفاء. وعندما أصدر البابا قراره بحرمان مارتن لوثر من حقوقه وأمر بمحاكمته أمام محاكم التفتيش القاسية، رفض أن يذعن وأحرق القرار علانية أمام الناس في ساحة قلعة (ويتبرج) بألمانيا تحت حماية اميرها، وترجم الإنجيل إلى الألمانية، وما لبثت تعاليمه أن عمت ألمانيا ثم انتشرت في شمال أوروبا وما زالت الكنيسة البروتستاتينية قائمة إلى الآن، وكان لها تأثيرها على تغير سلوك الناس وانتشار حرية الفرد وتغلب الفكر الواقعي العلمي على التفكير اللاهوتي الذي كانت تفرضه الكنيسة.
طريقة التفكير الجديدة(1/14)
بدأ انطلاق الثورة المعرفية والعلمية في الغرب حينما وضع فرنسيس بيكون (1626-1561) كتابه المسمى ''الطريقة الجديدة'' الذي وضع فيه طريقة جديدة للتفكير والبحث عن المعرفة مغايرة للطريقة القديمة التي كانت تقوم على '' الاستنتاج'' فقط. أما الطريقة العلمية التي اعتمدها بيكون وهي ما أصبحت تعرف بالمنهج العلمي في البحث والتفكير فتقوم على دراسة الطبيعة وملاحظة الظواهر وإجراء التجارب عليها ثم استخلاص القانون العام الذي تخضع له. وقد قسم بيكون وسائل المعرفة إلى النقل والاستدلال والتجربة. ورأى أن النقل والاستدلال لا يؤديان إلى معرفةٍ حقَّه ما لم تثبت التجربة صحة ما يأتيان به. والتجربة هي التي تؤدي إلى علوم جديدة مستقلة. وحينما شاعت هذه المنهجية في التفكير وظهرت العلوم التجريبية القائمة على التجارب، أدى ذلك إلى اشتعال الثورة العلمية والمعرفة التي ترجمت إلى عصر الثورة الصناعية ثم انتقلت في العقود الأخيرة إلى عصر التقنيات الحديثة.
وبفعل الثورة العلمية والصناعية والتقنية انتقل الغرب من حالة إلى حالة ومن عالم القرون الوسطى بأنماط حياتها وأساليب تفكيرها المتخلفة إلى العصر الحديث واكتسب الإنسان الغربي سمات جديدة وسلوكيات جديدة مرتبطة بأسلوب التفكير العلمي الذي اكتسبه ومتطلبات عصر الثورة الصناعية.
مقومات المجتمعات الغربية
وأصبحت المجتمعات الغربية تقوم على:
- نظام تربوي متطور يربي العقول العلمية والابتداعية ويلبي حاجة المجتمع من الفنيين
والمهندسين والأطباء والعلماء والإداريين ... الخ.
- إقامة المختبرات والمعاهد والمراكز لعمليات التطوير وإجراء البحوث والدراسات اللازمة
للنمو والتقدم.
- الجماعات العلمية والوطنية التي تحرك الإبداع.
- إشاعة المعايير النوعية الرفيعة في البحث العلمي والتكنولوجي.
- تطبيق التشريعات التي تقتضيها التغيرات التي تحدث للفرد والمجتمع كنتيجة لتطبيق
الاكتشافات والاختراعات العلمية.(1/15)
- رصد الموارد الإنسانية والمالية للبحث والإنماء التجريبي وللفعاليات الإنمائية المتصلة بها.
- تأمين شبكات وطنية للخدمات العامة العلمية والتقنية.
في ضوء إقامة مثل هذه المؤسسات والمجتمعات ظهر التحول في الإنسان الغربي وتخلص
من سلبيات القرون القديمة واتجه إلى:
التحول من النظر فيما وراء الطبيعة إلى النظر في الطبيعة نفسها.
- الانطلاق من مسلمات وقضايا غير مجرّبة إلى عدم قبول الأفكار دون تجريب.
أسلوب تفكير الإنسان الغربي:
أصبح الإنسان الغربي يفكر نتيجة لهذه التحولات التي طرأت على تفكيره على النحو التالي:
- لا يقبل أي حقيقة دون أن يتحقق منها ويمتلك الشواهد العلمية على إثباتها.
- يرفض التفكير في ما لا يفيد من الأفكار والأشياء.
- لا يتهور في إعطاء الرأي، ولا يدعي أن رأيه هو أصح الآراء وأن أراء الآخرين غير صحيحة.
- لا يبالي إذا عارضه الآخرون في الرأي ولا يتأذى من ذلك.
- يقسم الصعوبات التي تعترضه ويحللها إلى عدة أجزاء يحلها جزاء جزءا.
- ينطلق من الشك إلى اليقين.
- لا يميل إلى الدخول في مناقشات ومحاورات حول الأشياء الغيبية.
- يغيّر رأيه في ضوء المستجدات أو البيانات الجديدة.
وبالطبع لا نسعى إلى تجميل صورة الإنسان الغربي. ولكن الهدف هو إظهار التغير الذي طرأ عليه في العصر الحديث والمفارقة بين أساليبنا وأساليبهم في التفكير ويعتقد كثير من الباحثين أن (بيكون) مؤسس طريقة التفكير العلمي الجديد متأثر بآراء العلامة العربي المسلم (ابن رشد) الذي ظهر في المغرب العربي ومنه اقتبس هذه الطريقة.
وما يمكن قوله في هذا المقام إن تاريخ الحضارة الإنسانية يشبه الجدار وكل أمة تظهر على مسرح التاريخ تضيف لبنات جديدة إلى هذا المعمار، فإذا كانت الحضارة الغربية الحديثة قد ابتدأت من حيث انتهت الحضارة العربية الإسلامية، فإن دورنا الآن العمل على اللحاق بركب الحضارة الإنسانية والإسهام بها*13.
الباب الثاني
الثفافه العربيه(1/16)
تعريفها
ماضيها
حاضرها
مستقبلها
الثقافة العربية
الثقافة
الثقافة عموما هي الرؤى والمتمثلات والمعتقدات المسلكيات والمنظومات القيمة وأساليب العيش التي تسود في مجتمع بعينه ويرتضيها جميع أفرادها ومكوناته كمرجعية تضبط علاقتهم يبعضهم وبمحيطهم وتتحدد في إطارها نظرتهم إلى ذاتيتهم وتقييمهم لهويتهم ، وتشمل الثقافة كلما يقام به داخل ذلك المجتمع من أنشطة ذهنية وفنية وروحية وإنجازات وممارسات ذات قيمة جمالية تستهدف المتعة والتسلية والإعلام والتعليم .
ومن هذا المنطلق فإنه يمكن القول أن الإطار المرجعي الذي تحيل إليه الثقافة الذي تحيل إلي الثقافة العربية منذ ظهور الإسلام إلى اليوم يرتكز على ثلاثة أبعاد. بعد لغوي وبعد قيمي وبعد روحي.
البعد اللغوي :
إن المادة التي استخلصت منها مضامين الثقافة العربية والإسلامية واستنبطت منها الإيحاءات المتصلة بتلك المضامين والوعاء الذي أفرغت فيه لقولبتها وتحديد ملامحها هي لهجة قريش المتفرعة من اللهجة المصرية التي كانت تخلو إلى حد كبير من الشوائب الدخيلة .
البعد ألقيمي :
كانت تسود في المجتمعات العربية الجاهلية ، كما هو معلوم، مسلكيات ومنظومة قيمة أقر الإسلام بعضها وزكاها فشكلت المرجعية القاعدية لسلم المعايير الأخلاقية المثل السامية كالكرم والنبل والصدق والأمانة والإقدام والتواضع...
البعد الروحي:(1/17)
وقد تمثل هذا البعد في تعاليم القرآن الكريم وإرشادات السنة الشريفة الذين شكلا موضوعان للدرس والاستقراء ومادة للتعلم والاستيعاب . ومع توالي نزول الآيات القرآنية المثيرة للتفكير ومع تراكم الأحاديث النبوية وتعمق الشعور بضرورة استكناهها قصد امتثال التعاليم الدينية والتقيد بالقواعد الشرعية ، قامت الحاجة إلى إتقان اللغة العربية والتمكن من قواعدها النحوية والصرفية وضبط مخارج حروفها ومراعاة سلامة نطقها . فشكلت هذه الخطوات اللبنات الأولى من سرح الثقافة العربية الإسلامية الذي ازداد شموخا واتساعا مع تعاقب الأحقاب ..
1-ماضي الثقافة العربية : (مرحلة الاستيعاب والعطاء ومرحلة الركود والخواء).
أـ مرحلة الاستيعاب والعطاء
إن المجتمع العربي الجاهلي الذي كان منذ القدم يعيش في الجزيرة العربية على تقاليد ومثل وقيم تضبط مسلكياته وتنظم علاقات مكوناته مع بعضها كما كان له تراث فكري شفهي ومكتوب يتمثل في الشعر والخطابة وكانت أغراضه تنحصر في المدح والهجاء والرثاء والتشبيب وإظهار الفصاحة والبلاغة.
وقد أبقى الإسلام كما ذكرنا على بعض القيم العربية القديمة وأعاد امتلاك التراث الجاهلي بعد تنقيته مما لا يتماشى والتعاليم الإسلامية.(1/18)
وبالإضافة إلى الموروث الجاهلي القديم ، قامت معارف جديدة كونت جوانب هامة من الثقافة العربية الإسلامية الناشئة ، وتمثلت هذه الجوانب في تدوين القرآن وتوثيق الحديث وبلورة الدراسات اللغوية وتطوير أساليب الخط وتفعيل أنواع الكتابة. وأدى ظهور النشاطات الثقافية المرتبطة بقيام الدين الجديد، إلى بلورة مواضيع لم تكن معروفة، وإلى تأسيس معارف لم تكن مألوفة . فظهر خلال الفترة الممتدة بين صدر الإسلام وقيام الدولة الأموية في الشام، نظرا لما ميز تلك الفترة من فتوحات ، واتساع رقعة دار الإسلام واختلاف العرب بغيرهم من الأجناس الأخرى، ظهر لون معرفي جديد، يعني خصيصا بعلوم اللغة تجسد في وضع كتب تتصل بهذا الموضوع نذكر مها : "المثلث" لقطرب و"الكامل" للمبرد والكتاب" لسيبويه.
كما نما فن الخطابة واكتسى صبغة سياسية أكثر من ذي قبل. وقد اشتهر في هذا الميدان كل من الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وزياد ابن أبيه والحجاج ابن يوسف الثقفي ، ومع اتساع أرجاء الدولة الأموية وانتشار نفوذها السياسي ونمو مؤسساتها الإدارية ظهرت الحاجة إلى مزيد من الضغط والتدوين وكان من أول رواده عبد الحميد الكاتب.
وعلى الصعيد الأدبي نشأ إلى جانب الشعر لون أدبي جديد هو السرد القصصي . وكان أول من أبدع هذا الفن هو عبد الله بن المقفع .
وفي المجال الدين قاد تدوين القرآن الكريم في المصاحف وحفظه وتدارسه وكذا إحصاء الأحاديث النبوية الشريفة والحرص على إسنادها الصحيح إلى ظهور مواضيع معرفية غير معهودة هي الأخرى ألا وهي التفسير والفقه والأصول والسيرة وما يتصل بذلك من علوم اللغة كالنحو البلاغة والمنطق والبيان . فاشتهر ما بين القرن الثامن والتاسع الميلاديين أئمة أعلام قاموا بتأسيس المذاهب الفقهية المشهورة. وهم على التوالي :
الإمام أبو حنيفة والإمام مالك(في القرن الثامن ) والإمام الشافعي والإمام ابن حنبل( في القرن السابع الميلادي).(1/19)
وعند ما بلغت الأنبراطورية العباسية أوجها في عهد الخلفاء هارون الرشيد والمأمون والمعتصم،4*
حتى أن هارون الرشيد كان يقبل الجزية كتبا كما اثر المأمون انه دفع وزن مترجم ذهبا 5*
كان العرب قد بسطوا نفوذهم على فارس وإفريقيا الشمالية وبيزنطة وجنوب القارة الأوربية . وامتد سلطانهم إلى الهند والصين وغيرهما فسيطروا على البحار وعلى العديد من المضايق والجزر والطرق التجارية العالمية.
فصاحب هذه الفتوحات العسكرية والهيمنة السياسية نشاط فكري عظيم وشامل وواكبتها إنجازات حضارية رائعة ومتعددة الأبعاد. فعلى الصعيد الفكري تنوعت المعارف واتسعت مجالاتها وكبرت العناية بالعلم والعلماء وكان الخلفاء يشرفون بأنفسهم على تكثيف النشاطات العلمية ودفعها، وبذل الغالي والنفيس من أجل النهوض بمستواها وتكثيفها.
فانكب الدارسون والباحثون والعلماء على دراسة واستقراء وترجمة التراث اليوناني والعبري والسرياني والكلداني6*
وتبحروا في شتى العلوم والمعارف والفنون ولم يحدو في الدين الإسلامي معوقا يحول دون بحثهم فيها على عكس أوربا في العصر الوسيط التي كانت تحرم من خلال رجال الكنيسة الاشتغال بالعلم وتحكم على العلماء وعلى كتبهم بالحرق والموت كما فعلت مع كوبرنيق وجاليليو 7 *...فاستوعب العرب الفلسفة اليونانية وهضموا علوم الطب والهندسة والرياضيات والتنجيم والكيميا والفيزيا والجغرافيا وعلم النباتات والبيطرة وغير ذلك. فنقلوا هذه المعارف إلى اللغة العربية وجعلوها منطقا للتجديد والإبداع والاكتشاف والابتكار.(1/20)
فبرز علماء مرموقون في الرياضيات مثل محمد ابن موسى الخوارزمي وفي الكيميا مثل ابن حيان وفي العلوم مثل البيروني . كما ازدهر الأدب نثرا وشعرا فكان هناك شعراء أمثال أبي تمام والبحتري والمتنبي وكتاب متميزون أمثال أبي عثمان الجاحظ وابن قتيبة على سبيل المثال لا الحصر . وتم تداول الفلسفة والمنطق وعلم الكلام على نطاق واسع . فوجد العديد من الفلاسفة نذكر منهم الكندي وأبى نصر الفارابي وابن سيان8*
ففي الوقت الذي كانت أوربا تمنع دراسة الفكر والفلسفة اليونانية أو حتى الاطلاع عليها قام ابن سيناء في القرن العاشر {980-1037}يعلم فلسفه اليونان ويناقشها ولم تهتم أوربا بكتبات أرسطو وفلاسفة اليونان إلا بعد أن أمر الامبرطور فريدريك الثاني بترجمة تعليقات ابن رشد على كتابات أرسطو وبعد أن طلب ريمون أسقف طليطله من عالم يهودي أن يترجم مولفات العرب الفلسفية وذالك في أواخر القرن الثاني عشر وكانت البداية للاهتمام بمنطق أرسطو وفلسفة ابن رشد في جامعات أوربا المسيحية9*
، واتسعت المعارف لتشمل التاريخ والجغرافيا والتنجيم...
وازدهرت صناعة الورق ونشطت حركة الاستنساخ فتعددت المكتبات ودور الحكمة كما تم إتقان فنون الاستتباب والجراحة في مارستانات مجهزة ووظيفية. وتطورت الفنون المعمارية والهندسة المدنية على نحو غير مسبوق . فشيدت القصور والقلاع والحصون والجسور.
ولم يقتصر ازدهار الثقافة العربية بكل أبعادها على الشرق وحسب بل عرفت إشراقه باهرة كذلك في الأندلس خلال الخلافة الأموية التي دامت من القرن الثامن الميلادي إلى أوساط القرن الحادي عشر.
خلال هذه الحقبة الزمنية عرفت الحضارة العربية طفرة رائعة ورقيا باهرين شمل المعارف والفنون والآداب والفلسفة والعلوم والطب وأساليب الحياة المتألقة.(1/21)
فعلى الصعيد المعماري كانت كبريات حواضر الأندلس العربية تزخر بالقصور الزاهية والمساجد الرائعة والحدائق ألغنا، والجسور المحكمة. وكانت شوارعها مبلطة ومتوفرة على شبكات صرف متقنة الصنع وعلى مصابيح إنارة عمومية لألاءة.
وعلى الصعيد الفكري كانت الأندلس محجة للعلماء والأدباء والفلاسفة ، وقبلة للدارسين والباحثين والعلماء والوافدين من الشرق والشمال الإفريقي ومن مختلف أصقاع أوروبا.
وقد اشتهر بالأندلس شعراء كبار أمثال: ابن هاني وابن زيدون وابن خفاجة والمعتمد بن عباد. وظهرت بها فلاسفة ومتكلمون ومناطقه عظماء أمثال : ابن حزم وابن باحة إضافة إلى أطباء متبحرين ومهرة أمثال ؟؟؟النفيس وابن رشد . كما أعطت جغرافيين حاذقين ورحالة كبارا جابوا آفاق الدنيا أمثال : أبو عبيد البكري والحسن الوزان المشهور بلقب ليونلافريكان
وغيرهم .
فكانت الأندلس بحق منارة علم عمت أضواؤها كل البلدان المجاورة لها مما جعل الدارسين يولون وجوههم شطر جامعات غرناطة واشبيلية وقرطبة وطليطلة لينهلوا من معينها . وكانت جامعة طليطلة تضم مركزا إسلاميا متميزا للترجمة، كان على مدار السنة مكتظا بالطلاب العرب والأسبان والإيطاليين والفرنسيين والانكليز الذيالعلمي.يدرسون الآداب والعلوم والطب والرياضيات والهندسة بالغة العربية على أيدي أساتذة عرب.
وكانوا يترجمون كل هذه المعارف إلى اللغة اللاتينية ثم إلى اللهجات الأوروبية المحلية، بيد أن اللغة العربية ظلت هي لغة العلوم والفنون والبحث العلمي . ولقد تمكن الطلاب من الأوروبيون من خلال دراستهم بجامعتي قرطبة وطليطلة وغيرهما من الجامعات الأخرى، من الإطلاع على التراث اليوناني واللاتيني والعبري والسرياني إلى جانب التراث الإسلامي العربي بمختلف أصنافه. وكان العديد منهم يحتفظ بعد تخرجه منها بعلاقات حميمة مع الجامعة التي درس بها بل قام بعضهم بإنشاء مدارس لتلقين العلوم بالعربية فيوطنه بعد أن عاد إليه.(1/22)
وهكذا فقد أنشأت أكبر مدرسة للعربية خارج الأندلس بمدينة روما وقد أنجزت هذه المدرسة أول طبعة باللغة العربية لكتاب "القانون"لإبن سينا.
كما قام البابا سلفستر الثاني الذي درس بجامعة طليطلة لفترة طويلة بإنشاء مدرسة للعربية بباريس بعد أن طرد من البابوية بتهمة اعتناقه للإسلام سرا. وقد ذكرت بعض التفاصيل الأخرى في بداية هذا البحث واستطرادها بهذه المعلومات الأخرى
وكان أول من وضع قاموسا للغة الانكليزية هو وليام بادويل وهو أيضا من خريجي الجامعات الأندلسية. كما أن الكاتب الإنكليزي المعروف GEOFFRY CHAUCER الذي يعتبر أبا اللغة الإنكليزية قد أمضى عدة سنين يتابع دراسته بالجامعات الأندلسية .
فلا غرابة والحالة هذه أن تضم اللغة الانكليزية آلاف الكلمات ذات الأصول العربية .
وفي هذا الصدد أوضح الدكتور نبيل حسن الجناب في كتاب اسماه:" الجذور العربية للغة الإنكليزية" أن ما يربو على 18000 كلمة انكليزية هي ذات أصول عربية وبرهن على ذلك بإيراد قوائم طويلة للألفاظ ذات الجذور وحتى الجرس العربي نورد منها الآتية:
Candle ـ قنديل
Syrup ـ شراب
Idle ـ عاطل
Earth ـ أرض
Guilt ـ غلط
Good ـ جيد الخ..10*
كما اخترع العرب الجبر والنظام العشري للأرقام وأقام العرب حساب المثلثات الكروية واخترعوا البندول في الفيزياء وتعمقوا في البصريات واستفادت أوربا من كل ذالك وفي الطب ساهموا في تقدم التشريح والصيدلة ودراسة وظائف الأعضاء والصحة الوقائية وأدرك الجراحون العرب تلك الفترة فوائد التخدير واجروا عمليات غاية في الصعوبة في حين كانت الكنيسة في أوربا تحرم ممارسة الطب واكتشف العرب أيضا مواد كيميائيه مثل البوتاس ونترات الفضة وحامض النتريك والكبريتيك ودرسوا خواص الكحول(1/23)
وقد اخذ الأوربيون عن العرب الارقام الحسابية التي حلت محل الرموز الرومانية المعقدة واثبت العرب كروية الأرض وكان الطلاب في الأندلس يدرسون الجغرافيا على كرات في الوقت الذي كان الأوربيون يعتقدون أن الأرض مسطحه
وفي ميدان الطبيعة فسر العرب انكسار الضوء وشرح انتشار الضوء ودرسوا قانون الثقل وارتفاع الجو وثقل الهواء والأوزان
كما علموا اوربا علوم استخدام البوصلة والبارود والمدفع وقاموا بوضع الجداول الفلكية واخترعوا الساعة ذات البندول بالاضافه إلى اكتشافاتهم الجغرافية والبحرية التي أخذتها أوربا عنهم وبعد أن قامت أوربا بإغلاق اكاديميه أفلاطون في أثينا عام 529م قامت مراكز علميه تشع ألمعرفه من مدارس القاهرة وبغداد والبصرة والكوفة ودمشق ومساجد اسبانيا وغيرها 11*
سوف نتحدث عن هذه النقطه بتوسع باذن الله في موضع اخر من البحث
ب- مرحلة الركود والخواء:
بعد أن بلغت كل من الخلافتين العباسية في المشرق والأموية في الأندلس ذروة المجد وقمة ألازدهار ووصلت الحضارة والثقافة في هما درجة عالية من التألق والاتساع، بدأ الضعف يدب في أوصالهما بسبب الخلافات البينة والصراعات السياسية وذلك اعتبارا من أوائل القرن العاشر للميلاد حيث قامت الدولة الطولونية في مصر والدولة الصفارية في فارس وقامت الدولة الفاطمية في تونس ثم في مصرة.
وفي أواسط القرن الحادي عشر ميلادي تداعت الخلافة الأموية بالأندلس وقامت على أنقاضها إمارات صغيرة كان يقودها أمراء متهورون عرفوا بملوك الطوائف وكانت تلك الإمارات تخاض ضد بعضها حروبا مريرة كانت تذكيها وتؤجج أوارها الممالك المسيحية المتاخمة لها.(1/24)
ولقد تزامن ذلك التفكك والتمزق مع نزول وكوارث قاصمة بساحة الدولة العربية شرقا وغربا. حيث تم استيلاء الصليبي على القدس ودام احتلالهم للمنطقة كلها زهاء 190 سنة. كما استولى المغول بقيادة هولاكو على بغداد خلال القرن الثالث عشر للميلاد فقوضوا الخلافة العباسية بقتلهم للخليفة المعتصم. ثم استولى المماليك على مقاليد الحكم بعد أن طردوا المغول.
ومن أواخر القرن الثالث عشر إلى أوائل القرن العشرين (1923) بسط الأتراك العثمانيون نفوذهم على الأمة العربية التي تشر ذمت إلى كيانات صغيرة مفككة الأوصال ولم تنزح السيطرة العثمانية عن الأمة إلا لتفسح المجال للاستعمار الأوروبي، حيث احتلت فرنسا كل من الجزائر وتونس في منتصف القرن التاسع عشر واحتلت بريطانيا بلاد مصر في نهاية القرن واستولت إيطاليا على ليبيا في بداية القرن العشرين في حين فرضت كل من فرنسا وبريطانيا حماية جبرية على موريتانيا والمغرب وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان والعراق خلال العشريات الأولى من القرن المنصرم .
ونتيجة لهذه الأوضاع المزرية دخلت كافة البلدان العربية ، ما ذكرناه منها وما لم نذكره ، في فترة تاريخية حالكة اتسمت بالتخلف الاقتصادي والركود الفكري. فانكمش النشاط الثقافي وتلاشى الإبداع في مجالات الآداب والفنون والعلوم وسائر المعارف .
ونتيجة لذلك سادت الأمة وتبلدت الأذهان وتدنت الذائقة العامة وسيطر العقل الخرافي وانتشرت الخزعبلات والشعوذة وانحسر الإنتاج الفكري في لوك قديم واجتراره وتغلبت عقلية المحاكاة والتقليد على ذهنية الإبداع والتجديد. فأمست كل بدعة ضلالة وكل ضلالة هي بطبيعة الحال في النار.(1/25)
وهكذا دخلت الأمة العربية عن بكرة أيها مرحلة ركود اقتصادي واجتماعي وفترة بيات فكرب فترتب عن ذلك انفصام تام بين المستوى الحضاري الذي كانت قد ارتقت إليه في سالف عهدها والذي شكل المنطلق الأساسي للنهضة الأوروبية اعتبارا من القرن الخامس عشر وبين واقعها المرير الذي حال بينها وبين الارتقاء إلى المكانة السامقة التي أوصلت إليه ثقافتها أمما غيرها. وهذه لعمري مفارقة غريبة.
2-حاضر الثقافة العربية أو فترة البحث عن الذات وهاجس تحديد ملامح الهوية المميزة
يمكن القول بأن ثمة عاملين أساسيين يرجع الفضل إليهما في إعطاء الدفعة المحركة الأولى للأوضاع العربية التي كانت ولزمن طويل تراوح في مكانها. وفي كسر الجمود الرهيب الذي راد على الأمة العربية طوال عدة قرون ، ألا وهما حملة نابليون على مصر وتولي محمد عالي باشا مقاليد الأمور فيها. حيث ترتب عن ذلك صحوة فكرية وهبة اجتماعية ويقظة سياسية ، وقد ساهم في تعميق هذه الصحوة وتجذ ير تلك اليقظة النشاط الثقافي والعلمي والسياسي الذي اضطلع به أعضاء البعثات العلمية الذين أفدهم محمد عالي إلى أوروبا بعد عودتهم إلى إلى أرض مصر حيث نشطت الترجمة والتأليف في مجالات الآداب والفنون والعلوم. ونشطت حركة الصحافة والنشر وكبرت العناية بالتدريس والتدريب والتكوين، فظهر مثقفون كبار انكبوا على ترجمة ونشر أمهات الكتب المتداولة في أوروبا. وتناولوا بالبحث والاستقراء المواضيع والأصناف الأدبية والفنية الجديدة على التراث العربي مثل الرواية والمسرح والشعر الملحمي والنقد الأدبي ومختلف ألوان الفنون الجميلة. ومن مشاهير رجالات الرعيل الأول من رواد الانبعاث الثقافي العربي: رفاعة الطهطاوي وعبد الرحمن الكواج \كبي وسليم البستاني (القصة ) ومارون نقاش (رائد المسرح العربي ) وغيرهم.(1/26)
وبقد مهد هولاء الرواد السبيل لقيام حركة النهضة الفكرية والحضارة العربية التي كانت أصواتها الأولى قد بدأت تلوح في الآفاق منذ نهاية القرن التاسع عشر، والتي تضافرت جهود العديد من رجال الثقافة العرب في مصر وبلاد الشام وفي المهجر والشمال الأفريقي من أجل قيامها ومضيها نحو تحقيق أهدافها.
وقد ساهم رائد الإصلاح الدين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في رفد حركة النهضة العربية برصيد فكري هام.
والجدير بالذكر في هذا المضمار أن العلماء الشناقطة كانوا قد أسهموا في رفد النهضة العربية بإنتاجهم الفكري المتميز. ومن بين هؤلاء : العلامة محمد محمود ولد التلاميذ الذي عمل إلى جانب محمد في نشاطه العلمي ، ونذكر منهم أيضا مؤلف كتاب الوسيط، احمد الأمين الشنقيطي والرحالتين المشهورين الطالب احمد ولد اطوير الجنة ومحمد يحي ألولاتي الذين أثرى في الساحة الفكرية خلال تلك الفترة وبعدها.
ولقد أسهمت الصحافة الأدبية والسياسية في إثراء الساحة الثقافية وإنعاش الجو العلمي.
ولعل من أبرز هذه الصحف والمجلات هي مجلة الضياء التي كان يشرف عليها إبراهيم اليازجي وجريدة الأهرام التي كان من أوائل القيمين عليها بشار تقلا.
ونتيجة لتعدد البعثات الطلابية إلى أوروبا وتكثيف الترجمة ونموا حركة الاستشراق وانتشار الصحافة بكل أنواعها والتلاقح الفكري الذي أنجز عن ذلك ، قامت تعددية فكرية لم تكن مألوفة عند العرب ونشأت مدارس أدبية ونقدية وتيارات فكرية واديولوجية وسياسية أدت بسبب تفاعلها إلى احترام النقاش على الصعد الأكادمية والفلسفية والأديولوجية والسياسية.
ونما وعي سياسي تولدت عنه مشاعر قومية ومطامح تحريرية ومشاريع مجتمعات جديدة عصرية وظهرت اتجاهات سياسية مختلفة مثل القومية اللبرالية والاشتراكية كما برزت تيارات ادلوجية متباينة مثل السلفية والعلمانية.(1/27)
أفضى اختلاف المشارب وتباين الآراء إلى إذكاء النقاش وإثراء الساحة الثقافية العربية ، وهذا الغليان الفكري إن كان أفضى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى التحرر من السيطرة الاستعمارية فإنه لم يتوقف بعد قيام الحكومات الوطنية العربية بل استمر على نفس الوتيرة .
إلا أن جل الحكومات العربية ضاقت به ذرعا وعملت أحيانا على إخماده وتحجيمه عن طريق قمع وترهيب الطبقة المثقفة أحيانا وترغيبها وتدجينها أحيانا أخرى. وربما يكون في محاكمة طه حسين وعلي عبد الرزاق ومصادرة كتابيهما" في شعر الجاهلي" و" الإسلام وأصول الحكم" مصداقا لهذا القول .
وعموما فإنه يمكن القول في هذا المضمار أن الهاجس الذي سيطر على الفكر العربي والاحتمالات التي ألهمت الثقافة العربية وانعكست فيها منذ بداية النهضة إلى حوالي أواخر السبعينيات من القرن المنصرم تتمثل في إشكالية تحديد الهوية العربية وسبل رسم ملامحها.
فالسؤال الملح الذي طرح نفسه باستمرار والذي حاول المثقفون العرب بمختلف مشاربهم من شتى منطقاتهم أن يجيبوا عله هو: من نحن بالنسبة للآخر ؟ وهل لنا وجود خارج الآخر وبمعزل عنه؟أم أننا والآخر متداخلان ومتناهيان؟
وثمة تساؤل آخر لا يزال موضوعا للتفكير والبحث والنقاش وهو : كيف يجب أن نكون بالقياس للآخر؟ ما هي المرجعية الفكرية والأطر المؤسسية التي يجب أن نختارها؟ وما هو مشروع المجتمع الأمثل الذي يجدر بنا تجسيده على أرض الواقع؟
إن الإنتاج الفكري العربي والإنتاج التي تمخض عنها ما زالا يعكسان هذه الإشكاليات التي ما فتئت تستقطب تفكير جانب كبير من النخب المثقفة العربية.
3-مستقبل الثقافة العربية (أو ضرورة التأهب لمواجهة عصر ما بعد الحداثة)(1/28)
إذا كان هاجس التحرر وإرادة إثبات الذات وإشكالية تحديد الهوية قد شغلت تفكير النخب المثقفة العربية منذ عصر النهضة إلى فترة السبعينيات من القرن العشرين فإن ماهية الثقافة العربية وجوهرها وقابليتها لمسايرة عصر ما بعد الحداثة والعولمة يجب أن يكون الشغل الشاغل والهاجس الرئيسي للنخب العربية.
ففي عصر الثورة الرقمية والانفجار الإعلامي وغزو الفضاء والهندسة الجينية والاستنساخ البيولوجي والربوتية وفي عهد السيطرة الكاسحة للشركات العابرة للحدود الراسماليه المتوثبة وانعدام الحدود المحصنة فإنه أضحى من الضروري بل ومن الحيوي إقامة التعددية السياسية والفكرية في كافة البلدان العربية وصولا إلى تحرير العقول وإطلاق العنان للعبقريات بالوطن العربي حتى يتم حشد كافة الطاقات الذهنية العربية.
وهذا بطبيعة الحال يقتضي قيام الديمقراطية السياسية والاجتماعية وتكريس حرية الرأي والفكر والتعبير مما سيضع حدا للركود الفكري الناجم أساسا عن تكبيل العقول وتعطيل جانب كبير من الطاقات الذهنية التي لا سبيل إلى تطوير وتفعيل الثقافة العربي بدون إفساح المجال لها وتشجيعها على الإبداع والعطاء.
لكن دمقرطة الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية لا لا يعني بحال من الأحوال اعتماد وتبني المنظومة القيمية الغربية التي تتسم بالفردانية الأنانية والإباحية الأخلاقية التي تناهض الزواج الطبيعي وتشرع كل مظاهر الشذوذ المخالفة لنواميس الطبيعة . وتدخل المرأة إلى بضاعة تستعمل في الإشهار والاتجار بالجنس كما أنها لا ترى غضاضة في محو الفوارق الجسدية والنفسية بين الجنسين تشرع الاستهلاك العلني للمخدرات.(1/29)
إن الثقافة العربية في فترة ما بعد الحداثة ، لتكم الفترة التي بدأت مع مطلع القرن الحادي والعشرين الجاري، يجب أن ترفض الاستلاب الفكري والتغريب وأن تقام القولبة والتنميط والهيمنة الثقافية والتبعية الفكرية. إذا كانت العولمة الاقتصادية ظاهرة يستحيل تفاديها وكلما بالإمكان هو الاستعداد لها ومراعاة شروط مسايرتها، فإن العولمة في بعدها الثقافي ليس سوى طمس للهوية وتمييع للذاتية وإذابة للمقومات الحضارية . ولذا فإنه لا ينصاع لها إلا من ليس له تراث يخاف ضياعه ولا حضارة يخشى اضمحلالها ، وهذه الوضعية لا تنطبق على الأمة العربية كما هو معلوم لدى الجميع. ولقد تعرض العديد من المثقفين العرب المعاصرين إلى ما يمثله البعد الثقافي للعولمة من خطر ماحق على الخصوصية الثقافية العربية وعلى المقومات الدينية والأخلاقية والحضارية للعرب . ونذكر من بين هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر الدكتور الطيب التيزيني ود. غالي شكرى والدكتور المهدي المنجرة والدكتور عاطف السيد و د. محمد عابد الجابري(1/30)
والثقافة العربية إذ يجب أن تشكل حاجزا متينا وسدا منيعا في وجه التغريب والمسخ والانسلاخ من الذات والانصهار في قوالب أجنية، فإن عليها بالمقابل الإنفتاح على العلوم والتكنلوجيا والإعلاميات وأقنية التواصل . وعليها كذلك العمل على المزاوجة بين الحفاظ على المقومات العربية الإسلامية ومقتضيات العصرة والتحديث. كما أنها مطالبة إن هي أرادت البقاء والديمومة والقدرة على التنافس أن تستوعب وتدمج كل أنواع التسلية والترفيه من أشرطة وأقراص مضغوطة وألعاب الكترونية وبرامج حاسوبية. وعليها أيضا أن تدمج تقنيات الاستشراف بهدف استبيان ملامح المستقبل والاستعداد له والتهيئ لمسايرته والانسجام معه. وخلاصة القول فإن أهداف الثقافة العربية في المستقبل المنظور يجب أن تتمثل في صيانة الذات والحفاظ على الهوية مع الانفتاح والأخذ بكل أسباب التقدم والحداثة والحرص على مواءمة كل ذلك مع المنظومة الأخلاقية والمميزات الفكرية والقيم الدينية والمقومات الحضارية للأمة العربية ، وصولا إلى ربط حاضرها بماضيها وسعيا إلى تحديد ملامح المستقبل الكفيل بتقوية كيانها وترسيخ وجودها وإطالة بقاءها وديمومة بصمتها على صفحة الوجود. 12*
الباب الثالث
العلوم عند المسلمون
العلوم عند المسلمين
http://www.islamset.com/arabic/asc/fangry11.html
اسلام ست –العلوم – علم الحيل الهندسيه
نشأة العلم وتطوره عند المسلمين
الإسلام والعلم
لقد حث الإسلام أتباعه على طلب العلم: فقال صلي الله عليه وسلم . "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" واعتبر أن طلب العلم يعادل الجهاد في سبيل الله "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع " ويعتبر الإسلام أن مكانة الإنسان في الدنيا والآخرة بعلمه إلى جانب إيمانه فيقول تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم منكم درجات " المجادلة.(1/31)
وليس القصد بطلب العلم هنا هو علوم الدين وحدها.. بل أن علوم الدنيا لا تقل أهمية عن علوم الآخرة.. وقد جاء في الحديث: "العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان "فجعل علم الأبدان الذي هو أحد علوم الدنيا موازياً في المكانة مثل علوم الدين ويقول الرسول أيضاً: "اطلبوا العلم ولو في الصين " فالعلم الذي يطلبه المسلم في الصين هو قطعاً علم دنيوي.
وللعلم بالنسبة للإنسان المسلم غايتان: الأولى: تعبدية والثانية: منفعة دنيوية..
1) )أما العبادة فلأن العلم يزيده إيماناً بالله من خلال معرفته بإعجازه في خلقه.. مثل معرفة تركيب جسم الإنسان ووظائف الأعضاء.. ومثل معرفة الكون والفلك والنجوم.. ومعرفة تركيب الأرض ودورانها.. وقد أمر الله تعالى المسلم في مواضع عديدة من القرآن النظر في هذه الأمور ومعرفتها كنوع من العبادة واعتبر أهل العلم أكثر خلق الله خشية لله. فقال تعالى" إنما يخشي الله من عباده العلماء " فاطر 28 .
(2) الهدف الثاني. هو خدمة الرعية ألمسلمه وخدمه ألإنسانيه عن طريق العلوم النافعة مثل الطب والفلك والهندسة وغيرها ورفع المستوي المعيشي بينهم.
المسلمون وعصر الترجمة
لم تكن لدي العرب قبل الإسلام حضارة.... ولم يكن لديهم أي علم تطبيقي ولكنهم بهذه النظرة الإسلامية المتفتحة على طلب العلم.. ابتداو في نهم شديد يبحثون عن العلوم لدي الشعوب الأخرى.. فما أن استقرت مرحلة الفتوح في مصر والشام وفارس.. حتى ابتدأ عصر الترجمة من كل اللغات وخاصة الفارسية والإغريقية والهندية. ابتدأ المسلمون أولاً بترجمة العلوم الحيوية التي اشتدت حاجتهم إليها كالطب والصيدلة.. ثم تلا ذلك كتب الفلك وعلم الميكانيك الذي سموه علم الحيل النافعة ثم توالت الترجمات في العمارة والملاحة والموسيقى والبصريات والصناعات اليدوية.(1/32)
وفي تلك الفترة ظهر الكثير من المترجمين.. منهم أهل، الذمة الذين وجدوا في سماحة الإسلام والمسلمين.. وفي سخاء الخلفاء وكرمهم ما شجعهم على نقل علومهم إلي اللغة العربية. ومنهم من اعتنق الإسلام وأراد خدمة الدين الجديد وإثراء اللغة العربية بالترجمة إليها.
ومن أوائل المترجمين حنين ابن اسحق واسحق بن حنين وابن مأسويه وابن البطريق وعيسى بن يحي،
وتعتبر مرحلة الترجمة إحدى مفاخر الحضارة الإسلامية لعدة أسباب:
أولاً: لأن الشعوب الأخرى كانت لا تحترم الحضارات السابقة لها ولا تستفيد منها.. بل كان الغالب يدمر حضارة المغلوب ويحرق الكتب ويقتل العلماء. من ذلك ما فعله التتار في بغداد وما فعله الأسبان المسيحيون في قرطبة وغرناطة مع المسلمين وهذا بعكس ما فعله المسلمون مع غيرهم.
ثانياً: لأن معظم العلوم السابقة وخاصة علوم الإغريق كانت قد اندثرت وضاعت معالمها فكانت بعض كتب العلم الإغريقية مدفونة مع العلماء في مقابرهم.. وذلك لأن الدولة الرومانية لم يكن لديها اهتمام بالعلم.. ومن هنا كان فضل المسلمين في إحياء تلك العلوم الميتة.
وتذكر مراجع التاريخ الأجنبية بكثير من الدهشة شغف قادة الفتوح الإسلامية بالكتب.. إلى حد مبادلة أسرى الرومان بالكتب الإغريقية.. أو رفع الجزية مقابل هدية من الكتب. وكان الرومان سعداء بهذه المبادلات ويعتبرون أنفسهم الرابحين لأن تلك الكتب لم تكن في نظرهم ذات قيمة وكثيراً ما كانوا يحرقونها علناً بحجة أنها تدعو إلى الهرطقة والكفر. وكثيراً ما كان الخليفة يضع بين بنود الصلح مع إمبراطور الرومان شرطاً بالسماح للمسلمين بالتنقيب عن الكتب الإغريقية. وكانوا يطلبون من البيزنطيين البحث عن كتاب معين جاء ذكره في المخطوطات ويسألونهم البحث عنه في مقبرة صاحبه.. ومع هذا الفيض من الكتب أنشأ المأمون داراً خاصة بالترجمة.. وكان المترجمون يؤجرون بسخاء.. وقد يعطى المترجم مثقال وزن الكتاب المترجم ذهباً .(1/33)
ومن هنا كان الرومان يطلقون على المسلمين "المتوحشون العلماء" وذلك لأن شغفهم بالعلم لم يكن أقل شدة من بأسهم في القتال وصدق رسوله الله صلي الله عليه وسلم إذ وصفهم بأنهم: "فرسان بالنهار ورهبان بالليل ".
مرحلة الإنتاج والإبداع العلمي
وبعد. مرحلة الترجمة عكف المسلمون على تلك المخطوطات الثمينة يدرسونها ويغربلونها.. ولم تكن تلك العلوم خالية من الشوائب والخرافات.. فهذه الشعوب كانت تعبد البشر وتعبد الحجر.. ولديهم الكثير من العقائد الخرافية والسحر والشطط والكفر.. ثم ظهر جيل من علماء المسلمين الذي يستطيع أن يناقش القضايا العلمية.. فيثبت ما هو حق بالتجربة ويدحض ما هو خطأ أو باطل.. وظهر في العالم الإسلامي لأول مرة ما يسمى بالعلم التجريبي وشعاره "التجربة خير برهان" و "المشاهدة أقوى الدلائل ".
وبعد مرحلة الدراسة ابتدأت تظهر مجموعة من علماء المسلمين في كل علم وفن.. فظهر الرازي وابن سينا في الطب وظهر جابر بن حيان في الكيمياء وأولاد موسى بن شاكر في علم الحيل (الميكانيكا) وابن يونس و ألبتاني والبيروني في الفلك والجغرافيا والفارابي في الموسيقى وابن الهيثم في الهندسة والبصريات وغيرهم كثيرون. وابتدأ هؤلاء العلماء بدورهم يكتشفون ويخترعون يطورون ويؤلفون الكتب والموسوعات العلمية. وزاد في تشجيعهم اهتمام الخلفاء والحكام المسلمين بهم.. وتسابقهم علي احتضان أكبر عدد من العلماء في بلاطهم، "وبذل المال بلا حدود. وقد بلغ هذا الاهتمام أن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله عندما استدعى عالم الهندسة الحسن بن الهيثم إلى مصر خرج الخليفة بنفسه في موكب رسمي لاستقبال العالم عند أسوار القاهرة تقديراً منه للعلم والعلماء..(1/34)
كما أن السلطان بن مسعود أهدى إلى البيروني حمل فيل ضخم من العملات الفضية تقديراً له على أحد كتبه غير أن العالم الكبير رد الهدية زهداً في المال.. وكان حكام المسلمين يتشرفون بمجالسة العلماء وتقريبهم إليهم بل كانوا يولونهم أخطر مناصب الدولة. فكان ابن سينا وابن رشد وابن زهر وزراء للحكام.
ولأول مرة في تاريخ العلم ابتدع المسلمون مبدأ تفرغ العلماء.. أي إجراء الرزق الدائم عليهم حتى يتفرغوا للعلم.. وهو مبدأ جاءت به تعاليم الإسلام في قوله تعالى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }التوبة122وإلي جانب ذلك كان الحكام يتولون الإنفاق على أبحاث العلماء وكتبهم ويتشرفون بأن تطلق أسماؤهم على هذه الكتب ومن هنا ظهرت كتب أمثال: المنصوري: في الطب ألفه الرازي للأمير منصور حاكم خراسان.
ألحاكمي: في الفلك ألفه ابن يونس للحاكم بأمر الله.
المسعودي: في الجغرافيا والفلك ألفه البيروني للسلطان بن مسعود وغيرهم كثيرون.
ماذا أنتج علماء المسلمين
يتساءل بعض الناس: إن الحضارة الغربية قد أنتجت للإنسانية الكثير من الاختراعات والأفكار العلمية التي تجعل حياة الإنسان أفضل وأيسر فقدموا لنا السيارة والقطار والطائرة وصاروخ الفضاء.. فماذا قدمت لنا الحضارة الإسلامية في عهود ازدهارها..(1/35)
ونقول رداً على ذلك.. أن جميع هذه الاختراعات المعاصرة لم تخلق بين يوم وليلة وليست بفضل دولة واحدة ولا حضارة واحدة.. بل هي وليدة جهود ألوف من العلماء من شتى الأجناس على مر العصور.. كل منهم يضيف ويطور. وعندما كانت أوربا في عصور الظلام.. وكان البحث العلمي يعتبر كفراً والاختراع ممارسة للسحر والشعوذة والعلماء يحرقون أحياء.. كانت العلوم الإسلامية تتطور بسرعة مذهلة.. ففي الطب اخترع المسلمون التخدير لأول مرة وسموه (المرقد) واكتشفوا الدورة الدموية واخترعوا خيوط الجراحة من أمعاء الحيوانات.. واكتشفوا الكثير من الأمراض كمرض الحساسية ومرض الحصبة والأمراض النفسية والعصبية. وفي علم طب الأعشاب اكتشفوا ألوف النباتات التي لم تكن معروفة وبينوا فوائدها وقد قفز المسلمون بالجراحة قفزة هائلة ونقلوها من مرحلة (نزع السهام ) عند الإغريق إلي مرحة الجراحة الدقيقة والجراحة التجميلية.
وفي علم الفلك كانوا سباقين إلي إثبات كروية الأرض واكتشاف دورانها واكتشاف الكثير من الحقائق حول طبيعة الشمس والقمر مما ساعد في هبوط الإنسان على سطح القمر.. واكتشفوا الكثير من النجوم والمجرات السماوية وسموها بأسمائها العربية التي مازالت تسمي بها .
وقد ابتكر المسلمون علوماً جديدة لم تكن معروفة قبلهم وسموها بأسمائها العربية مثل علم (الكيمياء) وعلم الجبر وعلم المثلثات
Al- chemy& Al- gebra .
فضل المسلمين في تطوير أساليب البحث العلمي
يقوله علي بن عباس طبيب السلطان عضد الدولة عن كتب الإغريق المترجمة إلى العربية: "إني لم أجد بين مخطوطات قدامى الأطباء ومحدثيهم كتاباً واحداً كاملاً يحوي كل ما هو ضروري لتعلم فن الطب. فأبو قراط يكتب باختصار وأكثر تعابيره غامضة كما وضع جالينوس عنده كتب لا يحوي كل منها إلا قسماً من فن الشفاء ولكن في مؤلفاته الكثير من الترديد. ولم أجد كتاباً واحداً له يصلح كل الصلاح للدراسة".(1/36)
ويقول في مكان آخر عن هذه المراجع أنه "يشق علي، التلميذ أن يدرس فيها".
فإذا رجعنا إلي أي مخطوط علمي إغريقي قديم وقارناه بأي مخطوط إسلامي فسوف نجد قفزة كبيرة في كل شيء سواء كان في الأسلوب العلمي للكتابة والشرح أو في المضمون العلمي أو في ترتيب المادة العلمية.
فقد ابتدع المسلمون المنهج العلمي في البحث والكتابة الذي يعتمد علي التجربة والمشاهدة فالاستنتاج. وهم أول من أدخل الرسوم التوضيحية في الكتب العلمية وأول من رسم الآلات الجراحية والعملية وأول من رسم الخرائط الجغرافية والفلكية المفصلة.
وبحكم تعاليم الدين الإسلامي فقد ابتعد علماء المسلمين عن الخرافات في بحثهم فلا تجد كلاماً عن الكهانة والسحر والجن والشعوذة والتمائم وغير ذلك مما تذخر به كتب الإغريق والهندوس والبيزنطيين .
وكان العالم المسلم لا يبدأ الكتابة إلا وهو طاهر وعلي وضوء.
أما الخطاطون والنساخ فكانوا يهتمون بمظهر الكتاب، ويزينونه بالزخرف الإسلامي كما تزين المصاحف تماماً.. وتحلى المخطوطات بالآيات القرآنية والأحاديث المناسبة ويكتب بماء الذهب .
وقد ابتدع المسلمون الموسوعات العلمية لأول مرة.
كما ألفوا القواميس العلمية حسب الحروف الأبجدية ومن ذلك موسوعة علم النبات لابن البيصار.
وكان علماء المسلمين يصدرون كتاباً سنوياً يسمى (المناخ) وهو موسوعة تبين أحوال الجو في العام القادم ومواسم الطقس والمطر من التوقعات الفلكية مما يساعد الزراع والمسافرين. وقد نقلت أوربا هذه الفكرة وتصدر اليوم موسوعة سنوية تسمى Al- Manac (المناخ ( بجميع اللغات الأوروبية تقوم على نفس الفكرة العربية.
أوروبا تستفيد من العلوم الإسلامية
يؤكد كثير من المؤرخين أن عصر النهضة في أوربا لم يبدأ إلا بفضل الترجمة عن العلوم العربية. ويقسم سارتون الترجمة إلي ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى: بدأها قسطنطين الأفريقي في القرن 11 الميلادي.(1/37)
المرحلة الثانية:بدأها جون الأشبيلي في النصف الأول من القرن12م.
المرحلة الثالثة. بدأها جيرار الكريموني في النصف الثاني من القرن12م
ومنذ ذلك الوقت ظلت الكتب العربية المرجع الرئيسي في الجامعات الأوربية حتى القرن السابع عثر الميلادي ومن أهم الكتب التي ظلت المرجع الوحيد في مجالها لمدة 6 قرون :
- كتاب الحاوي في الطب للرازي.
- كتاب القانون في الطب لابن سينا.
ـ كتاب التصريف في الجراحة للزهراوي.
- كتاب (الجامع الكبير) في طب الأعشاب لابن البيطار- كتب الجغرافيا للادريسي وابن حوقل.
- كتاب الجبر للخوارزمي.
- كتاب الحيل النافعة لأولاد موسى بن شاكر والحيل الهندسية للجزري.
- كتاب البيروني في الفلك- كتاب المناظر لابن الهيثم.
فطبع من القانون وحده 16 طبعة في القرن 15 ثم طبع منه 20 طبعة في القرن 16م ثم 39 طبعة في النصف الأول من القرن 7 1م بينما لم يطبع من كتب جالينويس غير طبعة واحدة ثم لم يتكرر طبعه بعدها..
ولكن أوربا في عصور الظلام والتعصب الصليبي لم تكن لتعترف بفضل علماء المسلمين عليها.. وبعض أوائل المترجمين عن العربية مثل قسطنطين الإفريقي الذي ترجم من العربية إلى اللاتينية قد نسب ما ترجمه من كتب إلى نفسه ولم يكتشف أمره في أوربا إلا بعد 40 سنة من وفاته بعد أن ظن الناس هناك- أنه عبقرية علمية لا مثيل لها. وفي نفس الوقت فمن العلماء الأولين في أوربا من أخذ الاختراع العربي ونسبه إلى نفسه.. ومن أهم هذه الاختراعات التي نسبت إلى علماء غربيين اختراع البندول والكاميرا والبوصلة والبارود والمدفع والنظارة والساعة واكتشاف الدورة الدموية والتخدير
المستشرقون والحضارة الإسلامية(1/38)
بعد أن انتهى عصر الظلام والتعصب الصليبي في أوربا ابتدأت مرحلة النهضة وعصر التفتح. فابتدأ علماء الغرب يعترفون لأصحاب الفضل بفضلهم وسبقهم في العلم.. وظهرت مجموعة من العلماء الذين تخصصوا في (تاريخ العلم) وفي كشف الزيف التاريخي بتحقيق كتب التراث.. ومن هؤلاء العالم الأمريكي الكبير جورج سارتون صاحب موسوعة ( تاريخ العلم) وأستاذ مادة تاريخ العلم في جامعة واشنطن.. والعالم الألماني مايرهوف المتوفى سنة 1945 والذي كان أستاذاً لطب العيون في ألمانيا ثم استهو الاستشراق فانتقل إلي مصر ودرس اللغة العربية ثم قضى حياته في استكشاف وترجمة المخطوطات العلمية الإسلامية.. وهناك شاخت صاحب موسوعة تراث الإسلام.. ونلينو وسخاو وبارتولد وكرامر وهونكه ومنورسكى وفلوديان وسيديو .
وسوف يلاحظ القارئ أنني أحرص على الاستشهاد بسارتون أكثر من غيره كمرجع في العلوم الإسلامية.. لا لأنه من أكثرهم إنصافاً لها.، ولكن لأن سارتون لا يمثل عالما واحداً.. أو كتاباً واحداً.. بل هو فريق ضخم من العلماء والباحثين وموسوعته الضخمة (تاريخ العلم) أصبحت المرجع الرئيسي والمنهل الأكثر اعتماداً.. لدى جميع المستشرقين والكتاب ومراكز البحث العلمي. بل أيضاً لمؤلفي الموسوعات العامة في الغرب.. ففي هذه الموسوعة يحدثنا سارتون عن العلم في التاريخ الإنساني وفي العلم كله في أوربا وآسيا وأفريقيا ولا يترك شعباً واحداً ساهم في الحضارة الإنسانية ولو بالقليل إلا ويذكر فضله. ودوره بالحق.. ويسير بنا سارتون بالتطور العلمي ابتداء من عصور الفراعنة ثم الإغريق ثم الدولة البيزنطية حتى يصل إلى ظهور الحضارة الإسلامية.(1/39)
ويقول سارتون إنه عندما وصل في تأريخه إلي القرن السابع والثامن الميلادي حيث ابتدأت الحضارة الإسلامية تصعد بسرعة مذهلة ويطغى نورها على كل ما سواها في شتى أنحاء المعمورة لم يستطع أن يكتفي بمعلومات مساعديه رغم أنهم فريق كبير من علماء التاريخ الإسلامي فاضطر أن يدرس اللغة العربية في هذا السن الكبير حتى يستطيع بنفسه أن يلاحق هذا الفيض المتفجر من العلم والإنتاج.. ويقسم سارتون عصور التاريخ بأسماء أبرز العلماء وأصحاب الفضل على الحضارة الإنسانية في عصرهم. فالنصف الثاني من القرن الثامن الميلادي يسمى عصر جابر بن حيان.
والنصف الأول من القرن التاسع الميلادي يسمى عصر الخوارزمي.
والنصف الثاني من القرن التاسع الميلادي يسمى عصر الرازي.
والنصف الأول من القرن العاشر الميلادي يسمى عصر المسعودي.
والنصف الثاني من القرن العاشر الميلادي يسمى عصر أبو الوفا البوزجاني.
والنصف الأول من القرن الحادي عشر يسمى عصر البيروني.
والنصف الثاني من القرن الحادي عشر يسمى عصر الخيام.
والنصف الأول من القرن الثاني عشر يسمى عصر ابن زهر الأندلسي.
والنصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي يسمى عصر ابن رشد.
والنصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي هو عصر الترجمة من العربية إلى أوروبا.
ولهذا التقسيم وهذه الأسماء مغزى كبير يجب أن لا يفوتنا. فمعناه أن الحضارة الإسلامية كانت في تلك العصور سيدة الدنيا بغير منافس ولا منازع مما حدا بسارتون أن يسميها بعصور العلم الإسلامي. وفي ذلك يقول في صفحة 965 بعد أن يستعرض كل الحضارات المعاصرة من اليابان والصين حتى إنجلترا وإسكندنافيا:(1/40)
"ولننتقل الآن إلى الإسلام. فكأنما انتقلنا فجأة من الظل إلى الشمس الساطعة.. ومن العالم النائم إلى عالم يعج بالحركة والطاقة والحيوية والإنتاج " ويستطرد سارتون بأن العالم الإسلامي نفسه كان في سباق مع نفسه نحو قمة الحضارة.. فكانت هناك منافسة حضارية علمية بين مسلمي الغرب الإسلامي وبين مسلمي الشرق الإسلامي.. بل كان هناك سباق بين أبناء الدين الواحد والدولة الواحدة الذين ينتمون إلى عناصر مختلفة من عرب وفرس وأتراك وبربر وغيرهم. فقد دفع الإسلام في هؤلاء جميعاً طاقة لا تعرف الكلل.
ويرد سارتون على بعض المؤرخين الذين طغت لديهم الروح العنصرية والصليبية على روح العلم والتفتح فيقول.
"إن بعض المؤرخين يحاول أن يبخس ما قدمه العرب للعالم. ويصرحون بأن العرب والمسلمين نقلوا العلوم القديمة ولم يضيفوا إليها شيئا" ويرد عليهم قائلاً: "إن هذا الرأي خطأ جسيم.. فقد كان العرب أعظم معلمين في العالم وأنهم زادوا على العلوم التي أخذوها ولم يكتفوا بذلك بل أوصلوها إلى درجة جديرة بالاعتبار من حيث النمو والارتقاء".
و يحدثنا سارتون في كتابه "حياة العلم " عن المعجزة الحضارية العربية.. وعن "الكبرياء العقلي العربي " فيقول: "إن قليلاً من الإغريق قد وصل إلى مراتب غير عادية بطريقة تكاد تكون فجائية وهذا ما نطلق عليه "المعجزة الإغريقية" ولكن للمرء أن يتحدث كذلك عن "معجزة حضارية عربية وإن اختلف الأسلوب. إن عملية خلق حضارة جديدة ذات صفة دولية وقدر موسوعي خلال أقل من قرنين من الزمان.. لهي من الأمور التي يتعذر شرحها شرحاً كاملاً.. "
ثم يقول في مكان آخر: "إن تفوق الثقافة الإسلامية كان كاسحاً إلي حد يفسر لنا كبرياء العقلية العربية في تلك العصور"
أما ماكس مايرهوف فيقول في كتابه "تراث الإسلام "
"إن العلم الإسلامي قد عكس ضوء الشمس الغاربة في اليونان.(1/41)
وتلألأ كالقمر في سماء العصور المظلمة.. وثمة كواكب سطعت من تلقاء نفسها وأضاء سناها ظلمة هذه السماء".
واعترافاً بفضل العلوم الإسلامية على الإنسانية فقد تكونت في كل الدولة المتقدمة مراكز لدراسة التراث الإسلامي وإعادة تقييمه.. وقررت هيئة اليونسكو إحياء ذكرى هؤلاء العلماء على مستوى العالم كله.. فقامت في كل من روسيا وأمريكا وفرنسا وأسبانيا احتفالات بمناسبة العيد الألفي لابن سينا وأخرى للعيد الألفي للرازي وذكرى ابن رشد والبيروني وأنشئت في روسيا لجنة دائمة لتكريم ابن سينا رصدت الجوائز السنوية لأفضل بحث عن أعماله.. كما ألفوا عن هؤلاء العلماء التمثيليات والمسرحيات.
وفي أمريكا أصدرت هيئة تسمية تضاريس القمر التابعة لأبحاث الفضاء نشرة بإطلاق أسماء18 عالما إسلاميا علي تضاريس القمر وعلي محطات الهبوط علي سطحه.. تقدير لفضلهم في التوصل إلى هبوط الإنسان علي سطح القمر.
كما تكونت جماعات من الخبراء عملهم التنقيب عن قبور هولا العلماء.. "واستخراج الجمجمة وتصويرها بالأشعة ثم تقدير ملامح العالم من الجمجمة وعمل صور وتماثيل له لوضعها في المتاحف العلمية وقد توصلوا إلى شكل ابن سينا والرازي وغيرهم . وبعض هذه الصور منشور في هذا الكتاب بل إن أبحاث علماء الغرب شملت التنقيب عن بيوت هؤلاء العلماء ومعاملهم الخاصة ... ويذكر ( هولمياد ) أنه عثر في الحفريات على معمل جابر بن حيان في الكوفة وهو أشبه بالقبو تحت بيت قديم ووجد فيه أجهزة التقطير والقوارير والمواقد وعدد كبير من الكيماويات والأجهزة .
واجبنا نحو تراثنا العلمي(1/42)
من الأمور المؤسفة حقاً أن أغلب المتعلمين المسلمين لا يعرفون شيئاً ذا بال عن التراث العلمي الإسلامي ... وذلك لأن التعليم في مدارسنا لم يهتم بهذا الجانب الاهتمام الكافي . وقد يدرس التلميذ التراث الأدبي من شعر وأدب وحكمة وقد يدرس أخبار الشعراء والأدباء والفلاسفة المسلمين .... أما العلوم التطبيقية وروادها فلا يعلم عنهم شيئاً وبذلك يتصور أن العرب والمسلمين كانوا أمة خطابة وشعر ولم يكونوا أهل علم وعمل . وقد يقول قائل إن أغلب هذه العلوم القديمة قد عفا عليه الزمن ... وحلت مكانه علوم حديثة متطورة وليس من المعقول أن يدرس أولادنا علوم القرن العاشر الميلادي ويتركوا علوم وتكنولوجيا القرن العشرين . وطبعاً نحن لا نطلب ذلك
...
ولكننا نقول أن دراسة التراث العلمي الإسلامي تهدف إلى تحقيق الأهداف التالية :
أولا العزة القومية : ـ
وهو أمر لا يمكن إغفاله أو الاستهانة به …فكل الشعوب الناهضة تعتز بماضيها وتراثها وتحاول أن تثبت أنها لم تكن نكرة في التاريخ بل لها فضل على الإنسانية بما قدمته من حضارة وتطور ....
ثانيا : أن تكون أمجاد الماضي حافزاً على النهضة في المستقبل وأن تكون سيرة الأجداد وانجازاتهم العلمية حافزاً للأحفاد على الاقتداء بهم ... وعلي حب العلم .
ثالثا: الاستفادة من تجارب السابقين في العلم الحديث :
مثال ذلك ما فعلته الصين بعد تدارس نظام الوخز بالإبر في ضوء التكنولوجيا العصرية وقدمته إلى العالم كعلم جديد نافع اهتزت له الأوساط العلمية في أوربا . ونحن لدينا الكثير من العلوم الإسلامية مثل طب الأعشاب ـ علم جبر العظام ـ علم الكي ويمكن بعد إعادة دراسة هذه العلوم أن نجد فيها الكثير مما تقدمه إلى الإنسانية في قالب عصري جديد .
واجب علمائنا المعاصرين نحو أجدادهم : ـ(1/43)
من المعروف أن أي كتاب أوربي يصدر في عصرنا الحالي ويتناول أي علم من العلوم أو فروع دقيق من فروع هذا العلم …. فإنه يبدأ بلمحه من التاريخ …تتناول تطور هذا العلم وإنجازات السابقين فيه . ولكنهم غالباً ما يبدءون هذا الجانب التاريخي من عصر النهضة في أوربا ويغفلون بذلك فترة الحضارة الإسلامية وانجازاتها … بل أن منهم من يبدأ بدور الفراعنة والإغريق ثم ينتقلون مباشرة إلى أوروبا … والواقع أننا لا نستطيع أن نتهمهم بالتعمد أو التحيز لأن أغلب كتبنا التي يؤلفها علماؤنا العرب والمسلمون والتي تدرس في جامعاتنا اليوم تسير على هذا المنوال من تجاهل دور العلماء المسلمين الأولين .
و السبب في ذلك واضح وجلي.. وهو أن تاريخ العلوم الإسلامية لم يخدم حتى اليوم خدمة جيدة ولم يبرز إلي حيز الوجود في قالب علمي مقنع يمكن أن يرجع إليه كل عالم متخصص.. لكي يستقي منه ويعتمد عليه.. ومعظم الدراسات التي قدمت في هذا الميدان قامت على أكتاف اللغويين والمؤرخين والمتخصصين في كتب التراث.. ولا شك أن لهؤلاء فضلاً" عظيماً لا ينكر في التوعية بتراثنا العلمي.. ولكن المطلوب اليوم أن يتقدم العلماء المتخصصون لدراسة هذه المخطوطات القديمة كل في فرع تخصصه.. وأن يستخرجوا منها ما أنجزه أجدادهم من اختراعات واكتشافات علمية سبقوا بها العالم.. فكلمة واحدة أو إشارة علمية من عالم متخصص مؤيده بالوثائق العلمية سوف يكون لها من التأثير العالمي أضعاف ما للعالم اللغوي.
وأبسط مثل على ذلك ما حدث مع أربعة من العلماء المسلمين المعاصرين:(1/44)
1- الدكتور محي الدين التطاوي: المتوفى سنة 1945 وكان أخصائياً في أمراض القلب اكتشف أن ابن النفيس هو المكتشف الحقيقي للدورة الدموية.. وقدم رسالة دكتوراه في ذلك إلي جامعة برلين كان لها دوي كبير في الأوساط العلمية العالمية عندما تأكدوا من الحقيقة.. وكانت نتيجتها أن أصبحت جميع الكتب العلمية التي تصدر في أوربا بعد هذا التاريخ تعترف بفضل ابن النفيس وسبقه على أوروبا).
2- الدكتور محمد خليل عبد الخالق. أستاذ علم الطفيليات في جامعة القاهرة قام بدراسة ما جاء في كتاب القانون لابن سينا عن الديدان المعوية وتبين له أن الدودة المستديرة التي وصفها ابن سينا هي ما نسميه الآن (الانكلستوما) وقدم بحثاً بذلك إلى قسم الطفيليات في مؤسسة روكفلر بمناسبة العيد الألفي لابن سينا كان من نتيجته اعترافها بأن ابن سينا هو المكتشف الحقيقي للإنكلسنوما قبل العالم الإيطالي دويبني بثمانية قرون وقد عممت هذه الحقيقة على جميع الهيئات العلمية وسجلت في الطبعات الجديدة من المراجع والموسوعات العلمية.
3- عالم الفضاء الدكتور فاروق الباز: قدم إلي هيئة أبحاث الفضاء في أمريكا بحثاً عن فضل وإنجازات ثمانية عشر من علماء المسلمين في الفلك كان من نتيجته أن قررت تلك الهيئة إطلاق اسم كل واحد منهم علي واحد من تضاريس القمر ومراكز الهبوط عليه.
4- الأستاذ الدكتور جلال شوقي: أستاذ علم الميكانيكا في جامعة القاهرة توفر علي دراسة ما كتبة علماء الفيزياء المسلمون عن الميكانيكا. فاكتشف أن المسلمين قد وصلوا إلى معرفة قوانين الحركة وذكر وها بنصها قبل نيوتن بعدة قرون).
ومما لا شك فيه أن هناك الكثير الكثير مما يمكن أن نكتشفه في ثنايا المخطوطات الإسلامية العلمية.. فهناك آلاف من الكتب في متاحف أوروبا والعالم الإسلامي والعربي لم يتم تحقيقها. وبعضها قابع منذ قرون في المخازن لا يعرف شيء عما حواه من أسرار.(1/45)
وفي ذلك يقول البروفسور نيدهام في موسوعة (العلم والحضارة في الصين إذا كانت هذه الاكتشافات في العلوم الإسلامية قد ظهرت بالصدفة وبجهود فردية.. فماذا ينتظر العالم من مفاجآت لو توفر على دراسة هذا القدر الهائل من المخطوطات الذي لم يقرأ بعد؟، نقول تعقيباً على ذلك: كيف يكون الحال لو قامت الكليات العلمية في العالم العربي والإسلامي والمؤسسات العلمية العربية بعمل منظم في هذا الميدان ؟
واجب الجامعات في العالم الإسلامي نحو علوم التراث:
من الملاحظ أن جميع هذه الدراسات الإسلامية قد قدمت، إلى جامعات أو هيئات أوروبية ولاقت منهم استجابة وتفهماً وتشجيعاً. وعلي سبيل المثال فإن الدكتور التطاوي عندما عرض على أساتذته في جامعة برلين ما اكتشفه بالصدفة حول ابن النفيس.. نصحوه في الحال أن يجعل رسالة الدكتوراه في ابن النفيس ووضعوا المراجع كلها تحت أمره وأعطوه منحة مالية. ثم منحوه عن بحثه هذا الدكتوراه مع مرتبة الشرف. فلنقارن هذا بما يحدث حتى اليوم في الكليات العلمية في عالمنا العربي.. فجميع هذه الكليات لا تقبل منح الدكتوراه عن البحث العلمي في التراث لأنها لا تعتبر هذا النوع من الأبحاث نافعاً لها: وهذا أحد الأسباب التي تجعل الكثيرين من الباحثين العرب يحجمون عن إضاعة عمرهم ووقتهم في هذا الميدان لذلك يجب أن ننشى في كل كلية علمية في العالم الإسلامي مادة جديدة باسم (تاريخ العلم) بحيث تدرس كل كلية ما يخصها من فروع العلم مع التركيز طبعاً على دور الحضارة الإسلامية.
وقد ارتفعت عدة نداءات في الآونة الأخيرة في أنحاء العالم الإسلامي تطالب بتدريس تاريخ العلوم الإسلامية. من ذلك قرارات صدرت بمناسبة احتفال العالم الإسلامي بإطلالة القرن الخامس عشر الهجري .
كما أن مؤتمر الطب الإسلامي الذي عقد في تركيا سنة 1984 قد نادى بإدخال مادة الطب الإسلامي في جميع كليات الطب بالعالم الإسلامي.(1/46)
وقد قرأت دراسة وافية في هذا الموضوع للصديق الدكتور عبد الحافظ حلمي عميد كلية العلوم بجامعة عين شمس ألقاها في مؤتمر (تاريخ العلم) في أدنبرة بانجلترا يطالب فيها بإدخال منهج دراسي للعلوم الإسلامية. كما أنشأت سوريا معهد التراث العلمي العربي في حلب.
كل هذه الجهود لا بد أن تؤتي ثمارها ولكنها تحتاج إلى قرار جماعي سياسي على مستوى الوزراء المختصين إلى جانب القرار العلمي حتى تخرج إلى حيز التنفيذ.
الواجب الثاني الذي يجب أن تقوم به المؤسسات العلمية في العالم العربي والإسلامي هو إيجاد قنوات الاتصال بالجامعات وأصحاب الموسوعات العلمية في الغرب. وإمدادهم بالمعلومات الموثقة عن الحضارة الإسلامية في كل فرع من فروع العلم. وإصلاح الأخطاء والتجاهل أو الجهل.
ولسنا نقول إن الجميع سوف يستجيبون في الحال. ولكن استجابة البعض سوف يكسر الحلقة ويفتح الأبواب لظهور الحقيقة أمام أعينهم.
ولا ننسى أن هذه الموسوعات العلمية هي الأسس والمصدر الرئيسي الذي يستقى منه جميع الكتاب والعلماء والباحثين معلوماتهم. وإذا ما وصلنا إلى بعضها.. فقد نجحنا بإذن الله في خدمة تراثنا وحضارتنا
الجامعات في العالم الإسلامي
المسلمون أول من أنشأ الجامعات العلمية وكانت أول جامعة هي (دار الحكمة) التي أنشئت في بغداد سنة 830 م وذلك قبل أوربا بقرنين كاملين.. ثم تلاها جامعة القرويين سنة 859 م في فأس ثم جامعة الأزهر سنة 970 م في القاهرة ثم انتشرت الجامعات في كل مكان وأول جامعة في أوربا أنشئت في سالرنو بصقلية سنة 090ام على عهد ملك صقلية روجر الثاني ثم تلاها جامعة بادوا بايطاليا سنة 1222 م وكان يشرف علي جامعة سالرنو عالم مسلم من الأندلس وآخر يهودي أندلسي تعلم في الجامعات العربية.. وكانت الكتب مترجمة من العربية.
مواد الدراسة.(1/47)
كانت الجامعات العربية تدرس علوم الدين إلى جانب علوم الدنيا، فكانت المواد التي تدرس في الأزهر إلى جانب علوم الدين واللغة إحدى عشرة (11) مادة هي الحساب والميقات والجبر وأسباب الأمراض وعلاماتها وعلاجاتها والهندسة والهيئة ( أي الفلك) وعلم المواليد الثلاثة: الحيوان والنبات والمعادن (وهو ما يسمى في عصرنا بالتاريخ الطبيعي) والجغرافيا والتاريخ .
ويذكر ابن رضوان في كتابه "النافع في كيفية تعليم صناعة الطب " إن دراسة الطب كانت تستغرق ثلاث سنوات فيدرس الطالب في البداية ما نسميه، اليوم بالمرحلة الإعدادية أو العلوم ا الأساسية كالحساب والهندسة والمنطق" ثم يواصل في دراسته الطب النظري فيقرأ اثني عشر كتاباً لإ بقراط وتسعة، لجالينوس وكتاب الحشائش لديوسقوريدس ثم ظهرت المؤلفات الإسلامية العلمية فحلت كتب الرازي وابن سينا وابن البيطار وابن الهيثم مكان الكتب الإغريقية المترجمة وجميع المواد العلمية والتطبيقية كان الطالب يمارسها تحت إشراف أساتذته من ذلك فحص المرضى "والتجارب المعملية.
الزى الجامعي.
كان للجامعات الإسلامية تقاليد وتنظيم دقيق سبقت به أحدث الجامعات العصرية.. فكان للطلاب زى موحد خاص بهم وللأساتذة زى خاص وربما اختلف الزى من بلد إلي بلد ومن عصر إلي عصر ولكنه كان في الأزهر عمامة وجبة وطيلسان وقد أخذ الأوربيون عن المسلمين الروب الجامعي المعمول به الآن في جامعاتهم.
وكان الخلفاء والوزراء إذا أرادوا زيارة الجامعة يخلعون زى الإمارة والوزارة ويلبسون زى الجامعة قبل دخولها..
الطلاب ونظام التعليم:(1/48)
وكانت اعتماد الجامعات من إيرادات الأوقاف فكان يصرف للمستجد زى جديد وجراية لطعامه.. وأغلبهم يتلقى معونة مالية بشكل راتب دائم إذا أثبت احتياجه وهو ما يسمى في عصرنا " scholar ship فكان التعليم للجميع بالمجان يستوي فيه العربي والأعجمي والأبيض والأسود. وبالجامعات مساكن للطلبة ويسمون (بالمجاورين) لسكنهم بجوارها.. وكان بالجامعة الواحدة أجناس عديدة من الأمم والشعوب الإسلامية يعيشون في إخاء ومساواة تحت مظلة الإسلام والعلم.. فهناك المغاربة والشوام والأكراد والأتراك وأهل الصين وبخارى وسمرقند وحتى من مجاهل إفريقيا وآسيا وأوروبا.
كذلك كان هناك طلاب من أصحاب الديانات الأخرى من اليهود والمسيحيين من أهل الذمة ومن الذين درسوا وتخرجوا من الجامعات الإسلامية قسطنطين الأفريقي الذي درس الطب في جامعة القرويين في فأس بالغرب ثم عاد إلى بلاده وتفرغ لترجمة كتب الطب الإسلامي إلى اللاتينية.. ومنهم البابا سلفستر الثاني الذي قضى في اشبيلية ثلاث سنوات يدرس العلم.
وكان لكل جنس من هذه الأجناس العديدة والشعوب المختلفة رواق خاص بهم لتسهيل أمورهم وقضاء حاجاتهم وطعامهم.
وكان نظام التدريس في حلقات بعضها يعقد داخل الفصول وأكثرها في الخلاء في الساحة أو بجوار النافورة. ولكل حلقة أستاذها يسجل الطلاب والحضور والغياب وقد جاء في وصف حلقات شيخ الأطباء الرازي وهو.
يدرس علوم الطب .
"كان يجلس في مجلسه (13 )ودونه التلاميذ. ودونهم تلاميذهم ودونهم تلاميذ أخر فكان يجيء الرجل فيصف ما يجد لأول من يلقاه فإن كان عندهم علم وإلا تعداهم إلى غيرهم. فإن أصابوا وإلا تكلم الرازي " وكان بعض الخلفاء والحكام يحضر بعض هذه الحلقات ومن هؤلاء الخليفة المأمون والخليفة الحاكم بأمر الله .
وقد أحصى المؤرخ المقدسي عدد الحلقات التي شاهدها في الجامع الأزهر بأنها مائة وعشرة
مجلساً من مجالس العلم المتنوعة في وقت واحد.
مبنى الجامعة:(1/49)
كان الخلفاء يتبارون في مباني الجامعات من حيث الأناقة والفخامة والسعة.. وقد قيل أن أحد أسباب تسمية الأزهر بهذا الاسم أنة كان محاطاً بالبساتين المليئة بالأزهار التابعة له. ويصف المقريزي جامعة (دار الحكمة) التي أنشأها الحاكم بأمر الله في القاهرة سنة395 هـ بأنها "لم تفتح للدراسة إلا بعد أن فرشت وزينت وزخرفت وعلقت علي جميع أبوابها وممراتها الستور وعين لها القوام والخدم وكان البناء عظيماً جداً به أربعون قاعدة تتسع القاعة الواحدة لنحو ثمانية عشر ألف كتاب ".
ا لأساتذة.
وأيضاً كان الحكام المسلمون يتبارون في استجلاب العلماء المشهورين من أنحاء العالم الإسلامي ويغرونهم بالرواتب والمناصب ويقدمون لهم أقصى التسهيلات لأبحاثهم.. وكان هذا يساعد على سرعة انتشار العلم وانتقال الحضارة الإسلامية من وطن إلي وطن في ديار الإسلام.. فالطبيب ابن النفيس كان في الشام وانتقل إلي تدريس الطب في القاهرة وابن الهيثم كان في البصرة بالعراق واستدعاه الخليفة الحاكم بأمر الله إلي مصر.. وكان الرازي وابن سينا يتنقلان بين بخارى وسمرقند وإيران والعراق للتدريس والتطبيب.
المكتبات والكتب.(1/50)
كان لاكتشاف صناعة الورق وانتشار حرفة (الوراقة) في العالم الإسلامي فضل في انتشار تأليف المخطوطات لا يدانيه إلا فضل اختراع الطباعة في أوربا. وقد تنوعت المخطوطات العربية بين مترجم ومؤلف.. أما المترجم فكان منها الهندي والفارسي والإغريقي والمصري (من مكتبات الإسكندرية). ولم تكن المكتبات الإسلامية كما هي في عصرنا مجرد أماكن لحفظ الكتب بل كان في المكتبة الرئيسية جهاز خاص بالترجمة وآخر خاص بالنسخ والنقل وجهاز بالحفظ والتوزيع.. كان المترجمون من جميع الأجناس الذين يعرفون العربية مع لغة بلادهم.. ثم يراجع عليهم علماء العرب لإصلاح الأخطاء اللغوية.. أما النقلة والناسخون فكانت مهمتهم إصدار نسخ جديدة من كل كتاب علمي عربي حديث أو قديم. وكانت أضخم المكتبات هي الملحقة بالجامعات ففي بيت الحكمة في بغداد وفي دار الحكمة في القاهرة وفي جامعة القيروان وقرطبة كانت المخطوطات في كل منها بالألوف في كل علم وفرع من فروع العلم. ويذكر المقريزي أن مكتبة القاهرة في عهد الخليفة العزيز بالله المتوفى في سنة 996 م قد أصدرت فهرساً بأسماء الكتب التي تحويها فبلغ الفهرس وحده أربعة وأربعين كتاباً.. وكانت كلها. ميسرة للاطلاع أو الاستعارة بدون رهن فكان يحق للقارئ أن يستعير كتباً تبلغ قيمتها في حدود ألمائتي دينار بدون رهن ، ففي ذلك الوقت كانت نسبة الأمية بين فتيان المسلمين تكاد تكون معدومة وكان تعلم القرآن كتابة وقراءة إلزامياً.(1/51)
ومن باب المقارنة بأوروبا في ذلك العصر كانت نسبة الأمية في أوربا في القرن 9، 10،11، 12 أكثر من 95% فكان أكثر الملوك والحكام وأيضاً الرهبان لا يكادون "يفكون الخط ".. بل كان أكثرهم لا يعرف أن يوقع باسمه.. ويذكر المستشرق آدم متز في كتابه "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري " أن أوروبا كلها في ذلك العصر لم يكن بها أكثر(16) من عدد محدود من المكتبات التابعة للأديرة. فكان في مكتبة دير البندكتين سنة 032ام مائة كتاب فقط.. وفي خزانة مدينة بامبرج سنة 1130 ستة وتسعون كتاباً. ولا يعرف التاريخ أمة اهتمت باقتناء الكتب والاعتزاز بها كما فعل المسلمون في عصور نهضتهم وازدهارهم.. فقد كان في كل بيت مكتبة.. وكانت الأسر الثرية لا تتباهى بما لديها من قصور وضياع وأثاث في بيوتها.. ولكن بما لديها من مخطوطات نادرة وثمينة.. وكان بعض التجار يسافر إلى أقصى بقاع الأرض لكي يحصل على نسخة من مخطوط نادر أو حديث..
وكان الخلفاء والأثرياء يدفعون بسخاء من أجل أي مخطوط جديد.. فالسلطان مسعود قد دفع للبيروني حمل ثلاثة أفيال من الفضة عن كتابه "القانون المسعودي " وابن الهيثم كان يخط بيده كل عام نسخة واحدة من كتاب "المجسطى ويبيعها بمبلغ يكفيه مؤنه عيشه طوال عام كامل...
ويذكر المستشرق الاسباني كونده Conde أن الأسبان عندما استولوا على قرطبة أحرقوا في يوم واحد نحو سبعين خزانة (أي قاعة) للكتب فيها أكثر من مليون وخمسين ألف مجلد وعندما استولي التتار على بغداد ألقوا بالكتب في نهر دجلة وتحولت مياه النهر إلى السواد من الحبر ثلاثة أيام متتالية..(1/52)
ورغم كل هذه الظروف المؤسفة التي تعرضت لها المخطوطات الإسلامية فما يزال في أنحاء العالم اليوم فيض منها في متاحف أوربا ومتاحف العالم الإسلامي والكثير منها لم يخرج إلى النور ولم يتم تحقيقه أو تدارس ما فيه من كنوز المعرفة. وقد أعلن الفاتيكان أن لديه في مكتبته بضعة آلاف مخطوط إسلامي نادر. ومثلها في مكتبة الاسكوريال في مدريد منذ رحيل الإسلام عن الأندلس .
الباب الرابع
سمات الحضارة الاسلامية
سمات الحضارة الإسلامية
المصدر مكتبه ويكبيديا(1/53)
[الإسلام]] كدين عالمي يحض علي العلم ويعتبره فريضة علي كل مسلم . لتنهض أممه وشعوبه . ولم يكن في أي وقت مدعاة للتخلف كما يأفك الغرب .فأي علم مقبول إلا لو كان علما يخالف قواعد الإسلام ونواهيه .فالرسول دعا لطلب العلم ولو كان بالصين . والإسلام يكرم العلماء و يحعلهم ورثة الأنبياء ويحضهم علي طلبه من المهد إلي اللحد. وتتميز الحضارة الإسلامية بالتوحيد والتنوع العرقي في الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية . لأن الإسلام لا يعرف الكهنوت كما كانت تعرفه أوروبا . لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام . وكانت الفلسفة يخضعها الفلاسفة المسلمون للقواعد الأصولية مما أظهر علم الكلام الذي يعتبر علما في الإلهيات . فترجمت أعمالها في أوربا وكان له تأثيره في ظهور الفلسفة الحديثة وتحرير العلم من الكهنوت الكنسي فيما بعد . مما حقق لأوربا ظهور عصر النهضة بها . فالنهضة الإسلامية جعلت من العرب والشعوب الإسلامية المتبدية يحملون المشاعل التنويرية للعالم في العصور الوسطي حتى أصبحوا فيها سادة العالم ومعلميه . فلقد حقق الفرس والمصريون والهنود والأتراك المسلمين حضارات لهم في ظلال الإسلام لم يسبق لهم تحقيقها خلال حضاراتهم التي سبقت الإسلام . فأثروا بعلومهم التي اكتسبوها الحضارة الإسلامية التي ازدهرت وتنوعت و تنامت. لهذا لما دخل الإسلام هذه الشعوب لم يضعها في بيات حضاري ولكنه أخذ بها ووضعها علي المضمار الحضاري لتركض فيه بلا جامح بها أو كابح لها .وكانت مشاعل هذه الحضارة الفتية تبدد ظلمات الجهل وتنير للبشرية طريقها من خلال التمدن الإسلامي . فبينما كانت الحضارة الإسلامية تموج بديار الإسلام من الأندلس غربا لتخوم الصين شرقا ز كانت أوربا وبقية أنحاء المعمورة تعيش في إظلام حضاري وجهل مطبق . وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع علي الغرب ونطرق أبوابه .فنهل(1/54)
منها معارفه وبهر بها لأصالتها المعرفية والعلمية . مما جعله يشعر بالدونية الحضارية . فثار علي الكهنوت الديني ووصاية الكنيسة وهيمنتها علي الفكر الإسلامي حتى لا يشيع . لكن رغم هذا التعتيم زهت الحضارة الإسلامية وشاعت . وانبهر فلاسفة وعلماء أوربا من هذا الغيث الحضاري الذي فاض عليهم . فثاروا علي الكنيسة وتمردوا عليها وقبضوا علي العلوم الإسلامية من يقبض علي الجمر خشية هيمنة الكنيسة التي عقدت لهم محاكم التفتيش والإحراق .ولكن الفكر الإسلامي قد تمل منهم وأصبحت الكتب الإسلامية التراثية والتي خلفها عباقرة الحضارة الإسلامية فكرا شائعا ومبهرا . فتغيرت أفكار الغرب وغيرت الكنيسة من فكرها مبادئها المسيحية لتساير التأثير الإسلامي علي الفكر الأوربي وللتصدي للعلمانيين الذين تخلوا عن الفكر الكنسي وعارضوه وانتقدوه علا نية . وظهرت المدارس الفلسفية الحديثة في عصر النهضة أو التنوير بأوربا كصدي لأفكار الفلاسفة العرب . ظهرت مدن تاريخية في ظلال الحكم الإسلامي كالكوفة والبصرة وبغداد و دمشق والقاهرة والفسطاط والعسكر والقطائع والقيروان وفاس ومراكش والمهدية والجزائر وغيرها . كما خلفت الحضارة الإسلامية مدنا متحفية تعبر عن العمارة الإسلامية كإستانبول بمساجدها والقاهرة بعمائرها الإسلامية وبخاري وسمرقند ودلهي وحيدر أباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان وطليطلة وقرطبة وإشبيلية ومرسية وسراييفو وأصفهان وتبريز ونيقيا وغيرها من المدن الإسلامية.
العلم و الفنون في الحضارة الإسلامية(1/55)
خلال قرني من وفاة الرسول كانت صناعة الكتب منتشرة في كل أنحاء العالم الإسلامي وكانت الحضارة الإسلامية تدور حول الكتب .فقد كانت توجد المكتبات الملكية والعامة والخاصة في كل مكان حيث كانت تجارة الكتب ومهنة النساخة رائجة وكان يقتنيها كل طبقات المجتمع الإسلامي الذين كانوا يقبلون عليها إقبالا منقطع النظير .وكان سبب هذا الرواج صناعة الورق ببغداد وسمرقند .وكانت المكتبات تتيح فرص الاستعارة الخارجية .وكانت منتشرة في كل الولايات والمدن الإسلامية بالقاهرة وحلب وإيران ووسط آسيا وبلاد الرافدين والأندلس وشمال أفريقيا .وكانت شبكات المكتبات قد وصلت في كل مكان بالعالم الإسلامي . وكان الكتاب الذي يصدر في بغداد أو دمشق تحمله القوافل التجارية فوق الجمال ليصل لقرطبة بأسبانيا في غضون شهر . وهذا الرواج قد حقق الوحدة الثقافية و انتشار اللغة العربية . وكانت هي اللغة العلمية و الثقافية في شتي الديار الإسلامية. كما كان يعني بالنسخ والورق والتجليد . مما ما جعل صناعة الكتب صناعة مزدهرة في العالم الإسلامي لإقبال القراء والدارسين عليها و اقتنائها .وكانت هذه الكتب تتناول شتي فروع المعرفة والخط وعلوم القرآن وتفاسيره واللغة العربية والشعر والرحلات والسير والتراث والمصاحف وغيرها من آلاف عناوين الكتب . وهذه النهضة الثقافية كانت كافية لازدهار الفكر العربي وتميزه وتطوره .وفي غرب أفريقيا في مملكتي مالي وتمبكتو أثناء ازدهارهما في عصريهما الذهبي , كانت الكتب العربية لها قيمتها . وكان من بينها الكتب النادرة التي كانت تنسخ بالعربية , وكانت المملكتان قد أقامتا المكتبات العامة مع المكتبات الخاصة.
الترجمة(1/56)
وبدأت في الخلافة العباسية أكبر حركة ترجمة في التاريخ الإنساني كله من شتي لغات أهل الأرض لأمهات الكتب العلمية والفلسفية المعاصرة . ولم يصادر الخلفاء العباسيون أي فكر. وهذه الحرية الفكرية قد أثرت العلوم العربية ونهضت بها . لهذا أعتبر مؤرخو العلم الثقاة أن مرحلة الترجمة العربية إحدى مفاخر الحضارة الإسلامية لأن الشعوب الأخرى كانت لا تحترم الحضارات السابقة لها ولا تستفيد منها. حيث كان الغزاة والغالبون يدمرون حضارة المغلوب ويحرقون الكتب ويقتلون العلماء ,كما فعل التتار في بغداد وما فعله الأسبان المسيحيون في قرطبة , عندما أحرقوا التراث الإسلامي ودمروا المكتبات . ويذكر المستشرق الاسباني كونده Conde , أن الأسبان عندما استولوا على قرطبة أحرقوا في يوم واحد نحو سبعين خزانة ( مكتبة عامة ) للكتب فيها أكثر من مليون وخمسين ألف مجلد. وعندما استولي التتار على بغداد ألقوا بالكتب في نهر دجلة , وتحولت مياه النهر إلى السواد من الحبر ثلاثة أيام متتالية. ورغم كل هذه الظروف المؤسفة التي تعرضت لها المخطوطات الإسلامية فما يزال في أنحاء العالم اليوم فيض منها في متاحف أوربا ومتاحف العالم الإسلامي . والكثير منها لم يخرج إلى النور ولم يتم تحقيقه أو تدارس ما فيه من كنوز المعرفة .ويرجع بداية عصر الترجمة الإسلامية للخليفتين العباسيين المنصور العباسي(ت 775م.) الذي شيد مدينة بغداد ,ومن بعده هارون الرشيد (ت807.) , فقد شجعا المترجمين علي ترجمة علوم الإغريق والنبش عنها في بلاد الروم والشام وفارس والهند ومصر . فمعظمها كانت مندثرة ومعرضة للضياع والانقراض . وكانت الكتب الإغريقية قد دفنت مع علمائها في مقابرهم . وكان قادة الفتوحات الإسلامية يبادلون الأسري بالكتب . وكانوا يضعون في بنود المعاهدات والصلح بندا ينص علي رفع الجزية في نظير هدية من الكتب و السماح للمسلمين بالتنقيب عن الكتب الإغريقية. وكانوا يطلبون من(1/57)
البيزنطيين البحث عن كتاب معين جاء ذكره في المخطوطات, ويسألونهم البحث عنه في مقبرة صاحبه . وأنشأ الخليفة العباسي المأمون داراً خاصة بالترجمة. وكان المترجمون يؤجرون بسخاء.. وقد يعطى المترجم مثقال وزن الكتاب المترجم ذهباً . وبعد مرحلة الترجمة عكف المسلمون على تلك المخطوطات الثمينة يدرسونها وينقونها مما شابها من الهرطقة والكفر والخرافات . وأخضعوها للمفاهيم القرآنية والعقيدة الإسلامية . ويعتبر القرن التاسع م له أهميته في ثبت الحضارة الإسلامية المتنامية . لأن أعمال العلماء المسلمين كانت رائعة وكانوا رجال علم متميزين وكان المأمون الخليفة العباسي العالم المستنير(ت 833) يحثهم علي طلب العلم . وقد أنشأ لهم بيت الحكمة لتكون أكاديمية البحث العلمي ببغداد تحت رعايته الشخصية .وأقام به مرصدا ومكتبة ضخمة . كما أقام مرصدا ثانيا في سهل تدمر بالشام . وجمع المخطوطات من كل الدنيا لتترجم علومها . وكان يشجع الدارسين مهما تنوعت دراستهم . وحقق بهذا التوجه قفزة حضارية غير مسبوقة رغم وجود النهضة العلمية وقتها. وهذا ما لم يحدث بعد إنشاء جامعة ومكتبة الإسكندرية في القرن الثالث ق.م. وقام الفلكيون في تدمر في عهده بتحديد ميل خسوف القمر ووضعوا جداول لحركات الكواكب . وطلب منهم تحديد حجم الأرض , وقاسوا محيطها , فوجدوه 20400 ميل ,وقطرها 6500 ميل. وهذا يدل علي أن العرب كانوا علي علم وقتها ,بأن الأرض كروية قبل كويرنيق بخمسة قرون . كما طلب المأمون منهم وضع خريطة للأرض . وفي علم الفلك أثبتوا دورانها. وقياساتهم تقريبا لها تطابق ما قاسه علماء الفلك بالأقمار الصناعية , وأنهم كانوا يعتقدون خطأ أنها مركز الكون, يدور حولها القمر والشمس والكواكب . وهذا الاعتقاد توارد إليهم من فكر الإغريق . واكتشفوا الكثير من النجوم والمجرات السماوية وسموها بأسمائها العربية التي مازالت تطلق عليها حتي الآن. وكانت كل الأبحاث في الفلك(1/58)
والرياضيات في العصر العباسي قد إنفرد بها العلماء المسلمون وقد نقلوها عن الهنود الذين قد ترجموها عن الصينيين للعربية وقاموا بتطويرها بشكل ملحوظ .
الفلك
الإسطرلاب
كان إبراهيم الفزاري أول من أخترع الإسطرلاب في الفلك.كما ظهرت عبقرية الخوارزمي في الزيج ( جدول فلكي) الذي صنعه وأطلق عليه اسم "السند هند الصغير،،وقد جمع فيه بين مذهب الهند، ومذهب الفرس، ومذهب بطليموس الإغريقي في الفلك .وصار لهذا الزيج أثر كبير في الشرق والغرب. و ابتكر المسلمون علوماً جديدة لم تكن معروفة قبلهم وسموها بأسمائها العربية كعلم الكيمياء وعلم الجبر وعلم المثلثات . و من مطالعاتنا للتراث العلمي الإسلامي نجد أن علماء المسلمين قد ابتكروا المنهج العلمي في البحث والكتابة.وكان يعتمد علي التجربة والمشاهدة والاستنتاج. و أدخل العلماء المسلمون الرسوم التوضيحية في الكتب العلمية و رسوم الآلات والعمليات الجراحية. و رسم الخرائط الجغرافية والفلكية المفصلة. وقد ابتدع المسلمون الموسوعات و القواميس العلمية حسب الحروف الأبجدية . وكان لاكتشاف صناعة الورق وانتشار حرفة (الوراقة) في العالم الإسلامي فضل في انتشار تأليف المخطوطات ونسخها . وقد تنوعت المخطوطات العربية بين مترجم ومؤلف. أما المترجم فكان منها الهندي والفارسي والإغريقي والمصري (من مكتبات الإسكندرية). ولم تكن المكتبات الإسلامية كما هي في عصرنا مجرد أماكن لحفظ الكتب, بل كان في المكتبة الرئيسية جهاز خاص بالترجمة وآخر خاص بالنسخ والنقل وجهاز بالحفظ والتوزيع. وكان المترجمون من جميع الأجناس الذين كانوا يعرفون العربية مع لغة بلادهم.ثم كلن يراجع عليهم ترجماتهم, علماء العرب لإصلاح الأخطاء اللغوية. أما النقلة والنساخون فكانت مهمتهم إصدار نسخ جديدة من كل كتاب علمي عربي حديث أو قديم. وكانت أضخم المكتبات هي الملحقة بالجامعات والمساجد الكبرى . ففي بيت الحكمة ببغداد وفي دار الحكمة في(1/59)
القاهرة وفي جامعة القيروان وقرطبة كانت المخطوطات بهم بالآلاف في كل علم وفرع من فروع العلم . وكانت كلها ميسرة للاطلاع أو الاستعارة. فكان يحق للقارئ أن يستعير أي كتاب مهما كانت ً قيمته وبدون رهن . لهذا كانت نسبة الأمية في هذا الوقت , تكاد تكون معدومة. وكان تعلم القرآن كتابة وقراءة إلزامياً. بينما كانت نسبة الأمية في أوربا فيما بين القرن التاسع وحتي القرن 12م أكثر من 95% .و يقول المستشرق آدم متز في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ),أن أوروبا وقتها لم يكن بها أكثر من عدد محدود من المكتبات التابعة للأديرة . ولا يعرف التاريخ أمة اهتمت باقتناء الكتب والاعتزاز بها كما فعل المسلمون في عصور نهضتهم وازدهارهم. فقد كان في كل بيت مكتبة. وكانت الأسر الغنية تتباهي بما لديها من مخطوطات نادرة وثمينة. وكان بعض التجار يسافرون إلى أقصى بقاع الأرض لكي يحصلوا على نسخة من مخطوط نادر أو حديث. وكان الخلفاء والأثرياء يدفعون بسخاء من أجل أي مخطوط جديد.
نهضة علمية(1/60)
مع هذه النهضة العلمية ظهرت الجامعات الإسلامية لأول مرة بالعالم الإسلامي قبل أوربا بقرنين .وكانت أول جامعة بيت الحكمة أنشئت في بغداد سنة 830 م, ثم تلاها جامعة القرويين سنة 859 م في فاس ثم جامعة الأزهر سنة 970 م في القاهرة. وكانت أول جامعة في أوربا أنشئت في سالرنو بصقلية سنة 090ا م على عهد ملك صقلية روجر الثاني. وقد أخذ فكرتها عن العرب هناك . ثم تلاها جامعة بادوا بايطاليا سنة 1222 م. وكانت الكتب العربية تدرس بها وقتها . وكان للجامعات الإسلامية تقاليد متبعة وتنظيم .فكان للطلاب زي موحد خاص بهم وللأساتذة زي خاص. وربما اختلف الزي من بلد إلي بلد ومن عصر إلي عصر. وقد أخذ الأوربيون عن الزي الجامعي الإسلامي الروب الجامعي المعمول به الآن في جامعاتهم . وكان الخلفاء والوزراء إذا أرادوا زيارة الجامعة الإسلامية يخلعون زي الإمارة والوزراة ويلبسون زي الجامعة قبل دخولها .وكانت اعتمادات الجامعات من ايرادات الأوقاف. فكان يصرف للطالب المستجد زي جديد وجراية لطعامه. وأغلبهم كان يتلقى منحة مالية بشكل راتب وهو ما يسمى في عصرنا بالمنحة الدراسيةScholarship .فكان التعليم للجميع بالمجان يستوي فيه العربي والأعجمي والأبيض والأسود. وبالجامعات كان يوجد المدن الجامعية المجانية لسكني الغرباء وكان يطلق عليها الأروقة. والطلبة كان يطلق عليهم المجاورون لسكناهم بجوارها . وكان بالجامعة الواحدة أجناس عديدة من الأمم والشعوب الإسلامية يعيشون في إخاء ومساواة تحت مظلة الإسلام والعلم. فكان من بينهم المغاربة والشوام والأكراد والأتراك وأهل الصين وبخارى وسمرقند. وحتى من مجاهل افريقيا وآسيا وأوروبا . وكان نظام التدريس في حلقات بعضها يعقد داخل الفصول. وأكثرها كان في الخلاء بالساحات أو بجوار النافورات بالمساجد الكبري. وكان لكل حلقة أستاذها يسجل طلابها والحضور والغياب.ولم يكن هناك سن للدارسين بهذه الجامعات المفتوحة . وكان بعض(1/61)
الخلفاء والحكام يحضرون هذه الحلقات.وكانوا يتنافسون في استجلاب العلماء المشهو رين من أنحاء العالم الإسلامي ,ويغرونهم بالرواتب والمناصب, ويقدمون لهم أقصى التسهيلات لأبحاثهم. وكان هذا يساعد على سرعة انتشار العلم وانتقال الحضارة الإسلامية بديار الإسلام . كانت الدولة الإسلامية تعني بالمرافق الخدماتية والعامة بشكل ملحوظ. فكانت تقيم المساجد ويلحق بها المكتبات العامة المزودة بأحدث الإصدارات في عصرها ودواوبن الحكومة والحمامات العامة ومطاعم الفقراء وخانات المسافرين علي الطرق العامة ولاسيما طرق القوافل التجارية العالمية , وطرق الحج التراثية وإنشاء المدن والخانقاهات والتكايا المجانية للصوفية واليتامي والأرامل والفقراء وأبناء السبيل . واقيمت الأسبلة لتقدم المياه للشرب بالشوارع . وكان إنشاء البيمارستنات (المستشفيات الإسلامية ) سمة متبعة في كل مكان بالدولة الإسلامية يقدم بها الخدمة المجانية من العلاج والدواء والغذاء ومساعدة أسر المرضي الموعزين .وكلمة باريمستان بالفارسيةهو مكان تجمع المرضي ,وكلمة مستشفي معناها بالعربية مكان طلب الشفاء .لهذا كان الهدف من إنشاء هذه المستشفيات غرضا طبيا وعلاجيا . عكس المستشفيات في أوربا وقتها ,كانت عبارة عن غرف للضيافة ملحقة بالكنائس والأديرة لتقدم الطعام لعابري السبيل أو ملاجيء للعجزة والعميان والمقعدين ولم تكن للتطبيب . وكان يطلقون علي هذه الغرف كلمة مضيفة Hospital , وهي مشتقة من كلمة ضيافة Hospitality .وأول مستشفي بني بإنجلترا في القرن 14م. بعد إنحسار الحروب الصليبية علي المشرق العربي, بعدما أخذ الصليبيون نظام المستشفيات الإسلامية و الطب العربي عن العرب . وكان أول مستشفي في الإسلام بناه الوليد بن عبد الملك سنة706 م (88 هـ) في دمشق. وكان الخلفاء المسلمون يتابعون إنشاء المستشفيات الإسلامية الخيرية بإهتمام بالغ. ويختارون مواقعها المناسبة من حيث الموقع(1/62)
والبيئة الصالحة للاستشفاء والإتساع المكاني بعيدا عن المناطق السكنية . وأول مستشفى للجذام بناه المسلمون في التاريخ سنة 707 م بدمشق. في حين أن أوربا كانت تنظر إلى الجذام على إنه غضب من الله يستحق الإنسان عليه العقاب حتى أصدر الملك فيليب أمره سنة 1313 م بحرق جميع المجذومين في النار. وكانت المستشفيات العامة بها أقسام طب المسنين , بها أجنحة لكبار السن وأمراض الشيخوخة . وكانت توجد المستشفيات الخاصة. والمستوصفات لكبار الأطباء بالمستشفيات العامة .. ومن المعروف أن الدولة الإسلامية في عصور ازدهارها كانت تعطي أهمية قصوى لمرافق الخدمات العامة مثل المساجد ودواوين الحكومة والحمامات والمطاعم الشعبية واستراحات المسافرين والحجاج. وبديهي أن تكون أهم هذه المرافق المستشفيات.. فقد كانت تتميز بالاتساع والفخامة والجمال مع البساطة. ومن بين هذه المستشفيات التراثية اليوم مستشفي السلطان قلاوون ومستشفي أحمد بن طولون بالقاهرة والمستشفي السلجوقي بتركيا . وكانت مزودة بالحمامات والصيدليات لتقديم الدواء والأعشاب. والمطابخ الكبيرة لتقديم الطعام الطبي الذي يصفه الأطباء للمرضي حسب مرضهم . لأن الغذاء المناسب للمرض كانوا يعتبرنه جزءا من العلاج . ، ويشتمل المستشفى الكبير( الجامعي ) على قاعة كبيرة للمحاضرات والدرس وامتحان الأطباء الجدد وملحق بها مكتبة طبية ضخمة تشمل على المخطوطات الطبية. والمشاهد لهذه المستشفيات سيجدها أشبه بالقصور الضخمة و المتسعة, بل والمنيفة. وحول المبني الحدائق ومن بينها حديقة تزرع فيها الأعشاب الطبية.ولم يأت منتصف القرن العاشر م. حتى كان في قرطبة بالأندلس وحدها خمسون مستشفي وأكثر منها في دمشق وبغداد والقاهرة والقيروان علاوة المستشفيات المتنقلة والمستشفيات الميدانية لجرحي الحرب , والمستشفيات التخصصية كمستشفيات الحميات التي كان بها معزل طبي لعزل الأمراض المعدية . وفيها كان يبرد الجو وتلطف(1/63)
الحرارة بنوافير المياه أو بالملاقف الهوائية . ومستشفيات للجراحة التي كان يشترط فيها الجو الجاف ليساعد على التئام الجروح. لكثرة حروب المسلمين فقد طوروا أساليب معالجة الجروح فابتكروا أسلوب الغيار الجاف المغلق وهو اسلوب نقله عنهم الأسبان وطبقوه لأول مرة في الحرب الاهلية الأسبانية ثم عمم في الحرب العالمية الأولى بنتائج ممتازة. وهم أول من استعمل فتيلة الجرح لمنع التقيح الداخلي وأول من استعمل خيوطا من مصارين الحيوان في الجراحة الداخلية.. ومن أهم وسائل الغيار على الجروح التى أدخلها المسلمون استعمال عسل النحل الذي ثبت حديثا أن له خصائص واسعة في تطهير الجرح ومنع نمو البكتريا فيه..
الطب(1/64)
ولقد طور الأطباء المسلمون أساليب معالجة الجروح فابتكروا أسلوب الغيار الجاف المغلق . وفتائل الجراحة المغموسة في عسل النحل لمنع التقيح الداخلي وهو اسلوب نقله عنهم الأسبان وطبقه الأوربيون في حروبهم . وكان الجراحون المسلمون قد قفزوا بالجراحة قفزة هائلة ونقلوها من مرحلة نزع السهام كما كان عند الإغريق إلي مرحة الجراحة الدقيقة ومما سهل هذا إكتشافهم للتخدير قبل الجراحة, فتوصلوا الى ما سموه المرقد (البنج عبارة عن اسفنجة تنقع فى محلول من الأعشاب المركبة القنب(الحشيش) والزؤبان والخشخاش (الأفيون ) وست الحسن . وتترك لتجف وقبل العملية توضع الاسفنجة في فم المريض فإذا امتصت الأغشية المخاطية تلك العصارة استسلم للرقاد العميق لا يشعر معه بألم الجراحة .ولم يقتصر أطباء المسلمين على طريقة الاسفنجة المخدرة فقط ,بل كانوا يستعملونه لبوساً من الشرج أو شراباً من الفم .و عرف المسلمون التخدير بالاستنشاق. وبين إبن سينا أثره بقوله : من استنشق رائحته عرض له سبات عميق من ساعته . وللإفاقة من البنج كان الأطباء العرب يستخدمون أسفنجة أطلقوا عليها الإسفنجة المنبهة المشبعة بالخل لإزالة تأثير المخدر وإفاقة المريض بعد الجراحة .وحدثنا إبن سينا في كتابه( القانون (عن التخدير بالتبريد قائلا: ومن جملة ما يخدر ،إلما ء المبرد بالثلج تبريداً بالغاً. ووصف كيفية استعمال التبريد كمخدر موضعيي كما في جراحة الأسنان.. ولقد كان الجراحون قبل ذلك يتهيبون من الجراحة الداخلية، ويكتفون بعمليات البتر. ثم الكي بالنار لإيقاف النزيف الداخلي. لكنهم باكتشاف واختراع الرازي لخيوط الجراحة من أمعاء الحيوان جعل بإمكانهم خياطة أي عضو داخلي بأمان دون الحاجة إلى فتحه من جديد لاخراج أسلاك الجراحة. وكان الجراحون يستعملون في خياطة جراحاتهم الإبر والخيوط من الحرير أو من أمعاء الحيوانات لربط الجروح الداخلية والخارجية أو من خيوط من الذهب لتقويم الأسنان(1/65)
. ومع تطور الجراحة عند المسلمين بعد اكتشافهم للتخدير ,ابتكروا الكثير من آلات الجراحة التى لم تكن معروفة قبلهم ,فمنها آلات من الفضة أو الصلب أوالنحاس. وكانت أسماء الآلات تدل علي مدي توسع الجراحة وتنوعها فهناك المشارط بأنواعها للجراحة الخارجية والداخلية ومنها ذو الحد وذو الحدين و المناشير الكبيرة للبتر والصغيرة لقص العظام الداخلية. و المباضع المختلفة الأشكال فمنها المباضع الشوكية والمعقوفة لقص اللوزتين. والمجادع والمجادر والمبادر والكلاليب. ودست المباضع والمقصات الخاصة بعمليات العيون والجفوت بأحجامها وأشكالها المختلفة, كالجفوت الكبيرة المستعملة في أمراض النساء لاستخراج الجنين أو تسهيل ولادته. أو الجفوت المستعملة في جراحة العظام لاستخراج بقايا العظم أو السلاح داخل الجسم , أو المستعملة في جراحة الأذن والأنف والعيون. و الصنانير التى تدخل بين الأوعية والعروق والأعصاب و في جراحة الأوعية الداخلية وخياطتها. وفي كسور العظام كان الأطباء يستعملون أنواعا من الجبائر من البوص أو جريد النخل أو من الخشب. وكان المجبرون يعالجون خلع المفاصل وكسر العظام بالطرق اليدوية في خبرة ومهارة دون حاجة إلى الشق بالجراحة وفي كثير من الأحيان يستعملون الشد على المفصل لمنع تكرار الخلع، كما أنهم ابتكروا طريقة الرد الفجائي للخلع . وكان الكي بالمكاوي المختلفة ,قد توارثه العرب عن البدو . . وقد استعمله المعالجون المسلمون لقتل مواطن الألمpain killer للأمراض المزمنة والمستعصية كعرق النساء واللمباجو و الصداع النصفي . وحددوا خرائط لجسم الإنسان حددوا فيها مواضع الكي بالنسبة لكل مرض .وقد يكون الكي في أكثر من موضع للمرض الواحد. وابتكر الأطباء المسلمون أنواعا من المكاوي المحماة ,من بينها الإبر الدقيقة ذات السن الواحد أو شعبتين أو ثلاثة. وصنعوها من الحديد أو النحاس أو الذهب أو الفضة وحددوا درجة الحرارة المناسبة لعلاج كل(1/66)
مرض وحدد العالم ابن سينا في كتابه (القانون (القواعد الرئيسية لجراحة السرطانات. في مراحل ثلاث هي : الاكتشاف المبكر,ثم الجراحة المبكرة, فالاستئصال التام. و ذكر الزهراوي علاج السرطان في كتابه( التصريف (قائلا: متى كان السرطان في موضع يمكن استئصاله كله كالسرطان الذي يكون في الثدي أو في الفخذ ونحوهما من الأعضاء المتمكنة لإخراجه بجملته ,إذا كان مبتدءاً صغيراً فافعل. أما متى تقدم فلا ينبغى أن تقربه فاني ما استطعت أن أبرىء منه أحدا. ولا رأيت قبلى غيري وصل إلى ذلك " .ووصف العملية قائلا : ثم تلقى في السرطان الصنانير التى تصلح له ثم تقوره من كل جهة مع الجلد على استقصاء حتى لا يبقى شيء من أصوله واترك الدم يجري ولا تقطعه سريعا بل اعصر المواضع ما أمكنك. وكان الزهراوي يجري عملية إستئصال الغدة الدرقية Thyroid . وهي عملية لم يجرؤ أي جراح في أوربا على إجرائها إلا في القرن التاسع عشربعد ه بتسعة قرون وقد بين هذه العملية بقوله : هذا الورم يسمى فيلة الحلقوم ويكون ورما عظيما على لون البدن وهو في النساء كثير. وهو على نوعين إما يكون طبيعيا وإما يكون عرضيا. فأما الطبيعي فلا حيلة فيه. وأما العرضي فيكون على ضربين أحدهما شبيه بالسلع الشحمية والنوع الآخر شبيه بالورم الذي يكون من تعقد الشريان وفي شقة خطر فلا تعرض لها بالحديد البتة " كما بين الزهراوي أوضاع المريض في جراحة الأمعاء بوضعه على سرير مائل الزاوية فاذا كانت الجراحة في الجزء السفلي من الأمعاء وجب أن يكون الميل ناحية الرأس. والعكس صحيح والهدف من ذلك الإقلال من النزيف أثناء العملية والتوسعة ليد الجراح (.و نبه علي أهمية تدفئة الامعاء عند خروجها من البطن إذا تعسر ردها بسرعة، وذلك بإلماء الدافىء حتى لا تصاب بالشلل.كما إبتكر (الزراقة) لغسيل المثانة وإدخال الأدوية لعلاجها من الداخل .كما عملية تفتيت حصاة المثانة قبل إخراجها فقال : فإن كانت الحصاة عظيمة(1/67)
جدا فإنه من الجهل أن تشق عليها شقا عظيما لأنه يعرض للمريض أحد أمرين: إما أن يموت أو يحدث له تقطير في البول والأفضل أن يتحايل في كسرها بالكلاليب ثم تخرجها قطعا). وفي سنة 836 م أمر الخليفة المعتصم ببناء مشرحة كبيرة على شاطىء نهر دجلة في بغداد وان تزود هذه المشرحة بأنواع من القرود الشبيهة في تركيبها بجسم الإنسان وذلك لكى يتدرب طلبة الطب على تشريحها. ولم يخل كتاب من مؤلفات المسلمين في الطب من باب مستقل عن التشريح توصف فيه الأعضاء المختلفة بالتفصيل وكل عضلة وعرق وعصب باسمه وكان الرازي يقول في كتابه: "يمتحن المتقدم للإجازة الطبية في التشريح أولا.، فإذا لم يعرفه فلا حاجة بك أن تمتحنه على المرضى". وكان المسلمون يعتمدون أول أمرهم على ما كتبه الإغريق في تشريح جسم الإنسان وذلك تجنبا للحرج الدينى.. ولكنهم اكتشفوا عن طريق التشريح المقارن (أي تشريح الحيوانات) الكثير من الأخطاء في معلومات الإغريق فابتدأوا الاعتماد على أنفسهم ". زمن خلال دراستهم للتشريع تعرف إبن النفيس علي الدورة الدموية . واكتشفوا أن الكبد يتكون من فصين وليس من خمسة فصوص كما كان يعتقد الإغريق . واكتشف عبد اللطيف البغدادي المتوفي سنة 1231 م أن الفك السفلي للإنسان يتكون من عظمة واحدة وليس من عظمتين كما ذكر جالينوس بعد أن فحص (2000) جمجمة بشرية . واكتشف أن عظمة العجز sacrum تتكون من قطعة واحدة وليس من ست قطع كما ذكر جالينوس الإغريقي. وكان ابن الهيثم المتوفي سنة 1037م قداكتشف تشريح طبقات العين ووظائف كل طبقة؛ كالعدسة والحدقة والشبكية وتر كيب الاعصاب المتصلة من العين إلي المخ. كما اكتشف ابن رشد وظائف شبكية العين . وكان المسلمون يطلقون على طب العيون اسم الكحالة وقد اشتهر عدد من أطبائهم بلقب الكحال.. لبروزهم في هذا الفن.. ولا تقتصر الكحالة على العلاج بالكحل والقطور فحسب "فدرج الكحل " كان يشمل إلى جانب هذه الادوية على الآلات(1/68)
الجراحية المتخصصة، وقد تطورت جراحة العيون فى البلاد التي تكثر فيها هذه الأمراض مثل مصر والأندلس. وفي علم طب الأعشاب اكتشفوا ألوف النباتات التي لم تكن معروفة وبينوا فوائدها. وكانت معظم الأعشاب تجرب على الحيوانات كالقرود أولا. وكان الطبيب المعالج هو الصيدلي أو العشاب في آن واحد. ثم انفصلت التخصصات وأصبح الطبيب يكتب الوصفات وتسمى (الأنعات). وكان يسلمها المريض إلى العشاب أو العطار الذي يركبها له. . وكان العلماء المسلمون يتحايلون على الأدوية المرة التى تعافها نفس المريض بطرق مختلفة. فابن سينا أول من أوصى بتغليف الدواء بأملاح الذهب أو الفضة لهذا السبب. فكان ابن البيطار (شيخ العطارين) يجوب العالم ومعه رسام يرسم له في كتبه النبات بالألوان في شتى أحواله واطواره ونموه. وقد اكتشف وحده 300 نبات طبي جديد شرحها في كتبه واستجلبها معه .وقد ألف كبار العشابين العديد من الكتب والموسوعات العلمية في هذا العلم ومن أهم هؤلاء البيروني صاحب كتاب (الصيدلة (وابن البيطار مؤلف كتاب "مفردات الأدوية. وكان الطب العربي قد عني بطب المسنين Geriatrics وعرف الطب النفسي العضوي Psycho - somatic Diseases كطب المجانين والمسجونين وكان ابن سينا أول من أشار إلى أثر الأحوال النفسية على الجهاز الهضمي وقرحة المعدة وعلى الدورة الدموية وسرعة النبض. وكان الأطباء العرب يتبعون الطب الوقائي و الأمراض المعدية. حبث كانوا يعرفوم العدوى ودورها في نقل الأمراض قبل اكتشاف الميكروسكوب والميكروبات بمئات السنين.. فبينوا أضرار مخالطة المريض بمرض معد أو استعمال آنيته أو ملابسه, ودور البصاق والإفرازات في نقل العدوي . وكان إبن ابن رشد قد إكتشف المناعة التي تتولد لدى المريض بعد إصابته بمرض معد مثل الجدري. وبين أنه لايصاب به مرة أخرى. وكانوا يصنعون نوعا من التطعيم ضد الجدري( إذ يأخذون بعض البثور من مريض ناقه ويطعم به الشخص السليم بأن توضع(1/69)
على راحة اليد وتفرك جيدا أو يحدثون خدشا في مكانها وهي نفس فكرة التطعيم التي نسبت فيما بعد إلي أوروبا و غيرها. وكان يوجد قانون تشريعي ينظم مزاولة مهنة الطب) ففي عهد الخليفة المقتدر العباسي صدر أول قانون في التاريخ للرخص الطبية وبموجبه لا يجوز ممارسة الطب إلا بعد امتحان وشهادة . ووضعت آداب وأخلاقيات للمهنة .وكان كل من يقوم بممارسة مهنة الطب، يؤخذ عليه قسم الطبيب المسلم والذي كان يعتمد على المحافظة على سر المريض وعلاجه دون تمييز وأن يحفظ كرامة المهنة وأسرارها. وكان في سنة 833 م- 8 1 2 هـ (4 1) في عهد الخليفة المأمون قد صدر أول قانون للرخص الصيدلية وبموجبه يجري امتحان للصيدلاني ثم يعطي بموجبه مرسوم يجيز له العمل.وأخضع القانون الصيدليات للحسبة (التفتيش ). وكان الخليفة قد كلف الرازي شيخ الأطباء بتأليف كتاب بعنوان "أخلاق الطبيب " ليدرس للطلبة.. وقد شرح فيه العلاقة الانسانية بين الأطباء والمرضى وبينهم وبين بعضهم كما ضمنه نصائح للمرضى في تعاملهم مع الطبيب...ووضع أيضا كتاب "طب الفقراء" يصف لهم فيه الأدوية الرخيصة للعلاج المنزلي.
البيطرة(1/70)
وكانت البيطرة قد أصبحت علما له قواعده وأصوله لأن الإسلام عني بالرفق بالحيوان وعلاجه وتغذيته ونهانا عن عدم تحميله ما لاطاقة له به أو تعذيبه , ومنع قتله إلا لضرورة .وحرم وشمه أو جدع أنفه أو وخزه بآلة حادة . ولكي نعطي القارىء فكرة عن المدى الذي وصل إليه المسلمون من التطور العلمي في ميدان الطب البيطري حيث عني بأمراض الخيل,و المظهر الخارجي والصفات العامة المميزة للفرس والحمار والبغل ووظائف الأعضاء الخارجية و العيوب الوراثية في الخيل . وكانت الخلافة العباسية قداتسعت في مشارق الأرض ومغاربها، وزادت حاجة المسلمين الى علم جديد من علوم الحساب يساعدهم في معاملات البيع والشراء بين الشعوب مع اختلاف العملات والموازين ونظام العقود. وهذا ما جعل الخليفة إلمأمون يكلف الخوارزمي عالم الرياضيات ببغداد ,بالتفرغ لوضع وسيلة جديدة لحل المعادلات الصعبة التي تواجه المشتغلين بالحساب.فوضع كتابه (الجبر والمقابلة) وبين أغراضه قائلا عند تقديمه: يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجارتهم وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأرضين وكرى الأنهار والهندسة وغير ذلك من وجوهه وفنونه .). وتناول الكتاب الحسابات وطرقها ابتداء من حساب محيط فى الكرة الأرضية وقطرها وخطوط الطول والعرض في البلدان الى مساحات البلدان والمدن والمسافات بينها. ثم مساحات الشوارع والأنهار الى مساحات الضياع والبيوت .. وحساب الوصايا والمواريث وتقسيم التركات المعقدة. والحسابات الفلكية ، وحساب المعمار . وكلها كانت تواجه مشاكل وصعوبة في حسابها بطرق الأولين. وكان علماء الرياضيات المسلمين قد بحثوا في مختلف جوانب علوم الحساب والهندسة والأعداد جمعا وتفريقا وتضعيفا وضربا وقسمة وتوصلوا لكيفية إخراج الجذور في الأعداد الصحيحة وغير الصحيحة .و بينوا الكسور و صورها وطرق جمعها وتفريقها وضربها وقسمتها واستخراج جذور الكسور(1/71)
التربيعية والتكعيبية والضرب والقسمة باستخدام الهندسة وحلوا مسائل العدد ولبنوا خصائصه وتطبيقاته في المعاملات والصرف وتحويل الدراهم والدنانير والأجرة والربح والخسارة والزكاة والجزية والخراج وحساب الأرزاق والبريد والأعداد المضمرة وغيرها من علوم الحساب.
الرياضيات
العرب كانوا قد ابتكروا الرقم (صفر) وهذا بحد ذاته فتح الآفاق الواسعة أمام علم الأرقام والعدد والرياضيات ، كما و الأرقام العربية المستخدمة الآن هي بالأصل أرقام هندية ، بينما الأرقام الإنجليزية المستخدمة دوليا عي أصلا الأرقام العربية التي اكتشفها المسلمون بناء على طريقة الزوايا ، إذ يمثل كل رقم رسما توضيحيا يعتمد على زوايا تقابل ذلك الرقم ، فالعدد (1) يمثل زاوية واحدة ، والعدد (2) يمثل زاويتين ورسمه الأصلي يشبه الحرف Z إلا أنه حرّف إلى شكله الحالي ، والعدد (3) إلى أن نصل إلى العدد تسعة وهو مكون من تسع زوايا كما هو مبين بشكل مواقع الزوايا لكل رقم غباري عربي ، ولم يُستعمل نظام الزوايا بالنسبة للصفر بل استعملت الدائرة لأنها ليست رقما أو عددا وإنما هي مكونة من لا شيء ، والقصد من استعمالها هو للدلالة على موقع الفراغ بالنسبة للأرقام ووضعها في الخانات الصحيحة ، لتفرق بين الخانة الآحادية والعشرية والمئوية. وقد ظهرت الترجمة العربية في عهد أبي جعفر المنصور لكتاب "السند هند" ومن خلاله دخل علم الحساب الهندي بأرقامه المعروفة في العربية بالأرقام الهندية فقد تطور على أثرها علم العدد عند العرب، وأضاف إليها المسلمون نظام الصفر، والذي لولاه لما استطعنا أيضاً أن نحل كثيراً من المعادلات الرياضية من مختلف الدرجات، فقد سهل استعماله جميع أعمال الحساب، وخلص نظام الترقيم من التعقيد، ولقد أدى استعمال الصفر في العمليات الحسابية إلى اكتشاف الكسر العشري الذي إكتشفه العالم الرياضى جمشيد بن محمود غياث الدين الكاشي (ت 840 هـ1436 م)، كما ورد في كتابه(1/72)
(مفتاح الحساب للعالم). وكان هذا مقدمة ا للدراسات والعمليات الحسابية المتناهية في الصغر. لقد كانت الأرقام العربية بصفرها وكسورها العشرية بحق هدية الإسلام إلى أوروبا. هذا الكتاب تضمن الزيج وهو عبارة عن جداول حسابيةً فلكياة تبين مواقع النجوم وحساب حركاتها. ويعتبر إبراهيم الفزاري أول من صنع الاصطرلاب . وهو الآلة الفلكية التي تستخدم لرصد الكواكب. وكان علماء المسلمين يصدرون كتاباً دورياً بإسم المناخ,وهي موسوعات تنبؤية حولية أو فصلية تبين أحوال الجو في كل عام, ومواسم الزراعة للنباتات و الطقس والمطر حسب التوقعات الفلكية. مما كان يساعد الزراع والمسافرين علي التعرف علي الأرصاد الجوية . وقد نقلت أوربا فكرته . وحاليا مازالت الموسوعة السنوية من المناخ
Al) manac) تصدر سنويا في معظم بلدان العالم
الميكانيكا(1/73)
وعرف العرب علم الميكانيكا وكانوا يطلقون عليه علم الحيل وقد نقلوه عن الإغريق والرومان والفرس والصينيين وجعلوه علما تطبيقيا بعدما كان علما للتسلية والسحر.لهذا أطلق العلماء العرب عليه علم الحيل النافعة وكان قدماء المصريين قد إستخدموا الميكانيكا في تشييد الأهرامات والمعابد الضخمة من حيث نقل الحجارة ورفعها . والإغريق أخذوها عنهم وجعلوها علما قائما بذاته أطلقوا عليه علم الميكانيكا .ونقل العرب تقنيته عن الإغريق فترجموا كتبه . وطوروه وابتكروا فيه تقنيات جديدة . وكان الهدف من هذا, الإستفادة منه وتوفير القوة البشرية والتوسع في القوة الميكانيكية والإستفادة من المجهود البسيط للحصول علي حهد أكبر من جهد الإنسان والحيوان . فاعتبره العلماء طاقة بسيطة تعطي جهدا أكبر . فأرادوا من خلاله تحقيق منفعة الإنسان واستعمال الحيلة مكان القوة والعقل مكان العضلات والآلة بدل البدن .والإستغناء عن سخرة العبيد ومجهودهم الجسماني . فلجأوا للطاقة الميكانبكة للإستغناء عن الطاقة الحيوية التي تعتمد على العبيد والحيوانات , ولاسيما وأن الإسلام منع نظام السخرة في قضاء الأمور المعيشية التي تحتاج لمجهود جسماني كبير . كما حرم إرهاق الخدم والعبيد والمشقة على الحيوان بعدم تحميلهم فوق ما لا يطيقونه ، لذلك اتجه المسلمون إلى تطوير الآلات لتقوم عوضا عنهم بهذه الأعمال الشاقة . و علم الحركة حاليا , يقوم على ثلاثة قوانين رئيسية , كان قد وضعها العالم الإنجليزي إسحق نيوتن في أوائل القرن 18,عندما نشرها في كتابه الشهير (الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية. ( وكان نيوتن في هذه القوانين قد قام بتجميع المعلومات العربية القديمة مما كتبه العلماء العرب عن الحركة للأشياء قبل عصره بسبعة قرون . إلا أنه صاغها في قالب معادلات رياضية. وأخذ تعريفاتهم لهذه القوانين الثلاثة ونسبها إليه . ففي القانون الأول عن الحركة قال :أن الجسم يبقى في حالة سكون(1/74)
أو في حالة حركة منتظمة في خط مستقيم مالم تجبره قوى خارجية على تغيير هذه الحالة . ويقول هذا إخوان الصفا، في رسائلهم الشهيرة :الأجسام الكليات كل واحد له موضع مخصوص ويكون واقفاً فيها لا يخرج إلا بقسر قاسر". ويقول ابن سينا المتوفي سنة 1037م. في كتابه (الإشارات وا لتنبيهات) :إنك لتعلم أن الجسم إذا خلى وطباعه ولم يعرض له من الخارج تأثير غريب لم يكن له بد من موضع معين وشكل معين .فإن من طباعه مبدأ استيجاب ذلك .إذا كان شيء ما يحرك جسما ولا ممانعة في ذلك الجسم كان قبوله الأكبر للتحريك مثل قبوله الأصغر، ولا يكون أحدهما أعصى والآخر أطوع حيث لا معاوقة أصلاً". ثم يأتي بعد ابن سينا علماء مسلمون على مر العصور يشرحون قانونه ويجرون عليه التجارب العملية، وفي ذلك يقول فخر الدين الرازي المتوفي سنة 1209م بكتابه (المباخث المشرقية ): "إنكم تقولون طبيعة كل عنصر تقتضي الحركة بشرط الخروج عن الحيز الطبيعي. والسكون بشرط الحصول على الحيز الطبيعي .( وفي كتابه (المباحث الشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات) يقول إبن سينا :"وقد بينا أن تجدد مراتب السرعة والبطء بحسب تجدد مراتب المعوقات الخارجية والداخلية" .أما قانون نيوتن الثاني في الحركة ينص:أن تسارع جسم ما أثناء حركته، يتناسب مع القوة التي تؤثر عليه، وفي تطبيق هذا القانون على تساقط الأجسام تحت تأثير جاذبية الأرض تكون النتيجة أنه إذا سقط جسمان من نفس الارتفاع فإنهما يصلان إلي سطح الأرض في نفس اللحظة بصرف النظر عن وزنهما ولو كان أحدهما كتلة حديد والآخر ريشة، ولكن الذي يحدث من اختلاف السرعة مرده الى اختلاف مقاومة الهواء لهما في حين أن قوة تسارعهما واحدة. ويقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه (المباحث المشرقية) : فإن الجسمين لو اختلفا في قبول الحركة لم يكن ذلك الاختلاف بسبب المتحرك، بل بسبب اختلاف حال القوة المحركة، فإن القوة في الجسم الأكبر ،أكثرمما في الأصغر(1/75)
الذي هو جزؤه لأن ما في الأصغر فهو موجود في الأكبرمع زيادة"، ثم يفسر اختلاف مقاومة الوسط الخارجي كالهواء للأجسام الساقطة فيقول: وأما القوة القسرية فإنها يختلف تحريكها للجسم العظيم والصغير. لا لاختلاف المحرك بل لاختلاف حال المتحرك , فإن المعاوق في الكبير أكثر منه في الصغير. القانون الثالث لنيوتن ينص على أن لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه). وأبو البركات هبة الله البغدادي المتوفي سنة 1165 م.في كتابه (المعبر في الحكمة) قال بما يفيد بهذا المعني : إن الحلقة المتجاذبة بين المصارعين لكل واحد من المتجاذبين في جذبها قوة مقاومة لقوة الآخر. وليس إذا غلب أحدهما فجذبها نحوه تكون قد خلت من قوة جذب الآخر،بل تلك القوة موجودة مقهورة، ولولاها لما احتاج الآخر الى كل ذلك الجذب "، ويقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه ( المباحث المشرقية): " الحلقة التي يجذبها جاذبان متساويان حتى وقفت في الوسط لا شك أن كل واحد منهما فعل فيها فعلاً معوقا ًبفعل الآخر". هذه القوانين الثلاثة للاستقرار والحركة ورد الفعل هي القوانين الأساسية التي ترتكز عليها حاليا كل علوم الآلات والأشياء المتحركة.
] الزراعة(1/76)
وفي الدول الإسلامية اتبعوا تقنيات الميكنة الزراعية المتوارثة كالمحراث والساقية والشادوف والنورج. وكان الأندلسيون يسخرون الرياح في إدارة الطواحين ورفع المياه بالسواقي.وأخذت أوربا عنهم هذه التقمية وغيرها من الأندلس. وهذه التقنيتية أخذها الغرب عن العرب إبان حكم الأندلس وفي بغداد ايام العباسين كانت تدار طواحين بالميله أو الهواء لرفع المياه وإدارة مصنع الورق هناك . وكانت طوحين الهواء ورفع المياه ومصانع الورق تدار بتروس معشقة وعجلات ضخمة متداخلة . لنظرية الأنابيب المستطرقة في توصيل المياه في شبكة من المواسير إلى البيوت، أو في بناء النوافير داخل وقد أبدع المسلمون في استغلال علم الحيل في صناعة السلاح. فطوروا المنجنيق والدبابات الخشبية وكانوا أول من صنع المدافع والبندقية و مضخة المكبس Piston Cylinder، التي اخترعها بديع الزمان الرزاز الجزري (ت سنة 184 ام) . ومضخة، الجزري عبارة عن آلة من المعدن تدار بقوة الريح أو بواسطة حيوان يدور بحركة دائرية، وكان الهدف منها أن ترفع المياه من الآبار. العميقة إلى اسطح الأرض، وكذلك كانت تستعمل في رفع المياه من منسوب النهر إذا كان منخفضاً إلى الأماكن العليا مثل جبل المقطم في مصر وقد جاء في المراجع أنها تستطيع ضخ إلي ء إلى أن يبلغ ثلاثة وثلاثين قدماً، أي حوالي عشرة أمتار وهو ما يعادل ارتفاع مبنى يتألف من ثلاثة أو أربعة طوابق، وتنصب المضخة فوق سطح إلي ء مباشرة بحيث يكون عمود الشفط مغموراً فيه، وهي تتكون من ماسورتين متقابلتين في كل منهما ذراع يحمل مكبساً اسطوانياً، فإذا كانت إحدى ألماسورتين في حالة كبس (اليسرى) فإن الثانية تكون في حالة شفط، ولتأمين هذه الحركة المتقابلة المضادة في نفس الوقت يوجد قرص دائري مسنن قد ثبت فيه كل من الذراعين بعيداً عن المركز، ويدار هذا القرص بوساطة تروس متصلة بعامود الحركة المركزي وهناك ثلاثة صمامات على كل مضخة تسمح باتجاه(1/77)
المياه من أسفل إلى أعلى ولا تسمح بعودتها في الطريق العكسي. هذا التصميم العبقري لم يكن معروفاً لدى الرومان والاغريق، ولا يزال مبدأ مضخة المكبس مستعملاً حتى الوقت الحاضر في جميع مضخات المكبس التي تعمل باليد لرفع المياه . وهي منتشرة في كثير من القرى في العالم أجمع. وهذه المضخة هي الفكرة الرئيسية التي بنيت عليها جميع المضخات المتطورة في عصرنا الحاضر والمحركات الآلية كلها ابتداء من المحرك البخاري الذي في القطار أو البواخر إلى محرك الاحتراق الداخلي الذي يعمل بالبنزين كما في السيارة ،والطائرة ،والفكرة الرائدة التي أدخلها الجزرى هي استعماله مكبسين واسطوانتين يعملان بشكل متقابل وبصورة متوازية، ثم نقل الحركة الناتجة وتحويلها من حركة خطية إلى حركة دائرية بواسطة نظام يعتمد استعماله التروس المسننة وهو ما يطبق حالياً في جميع المحركات العصرية
] الحيل
وفي علم الحيل إشتهر أولاد موسى بن شاكرفي القرن التاسع م ، وقد ألفوا كتاب "الحيل النافعة" وكتاب( القرطسون)( القرطسون ميزان الذهب) وكتاب( وصف الآلة التى تزمر بنفسها صنعة بني موسى بن شاكر) .ومن مختراعاتهم آلة رصد فلكي ضخمة و كانت تعمل في مرصدهم وتدار بقوة دفع الماء وكانت تبين كل النجوم في السماء وتعكسها على مرآة كبيرة واذا ظهر نجم رصد في الآلة وإذا اختفى نجم أو شهاب رصد في الحال وسجل.
الكيمياء(1/78)
في علوم الكيمياء نجد العالم جابر بن حيان الأزدي. قد عاش بعد النصف الثاني من القرن الثامن م حيث له كتابات كثيرة سواء في المركبات الكيميائية التي لم تكن معروفة في ذلك الوقت مثل نترات الفضة المتبلورة وحامض الأزوتيك وحامض الكبريتيك (زيت الزاج) ولاحظ ما يرسب من كلوروز الفضة عند إضافة ملح الطعام ,أو في وصف العمليات الكيميائية كالتقطير والتبخير والترشيح والتبلور والتذويب والتصعيد والتكليس ونحوها. وفي كتبه بين نظرية تكوين المعادن جيولوجيا وبين المعادن الكبريتية الزئبقية ونسب تكوين ستة منها .وبين كيفية تحضير المواد الكيميائية المختلفة ككربونات الرصاص القاعدي وتحضير الزرنيخ والأنتيمون من أملاح الكبريتيدات sulphides . وكيفية تنقية المعادن من الشوائب وتحضير الصلب الذي حضرته أوربا يعده بحوالي عشرة قرون . وحضر أصباغ الملابس والجلد و الطلاء لطلاء الجديد ووقايته من الصدلأ وملدة تدهن بها الملابس للوقاية من الماء وأدخل ثاني أكسيد المنجنيز في صناعة الزجاج . وقام بتقطير الخل للحصول علي حامض الخليك المركز. وبين أن الجاذبية لاوزن لها . . وكان الكيميائيون العرب يحضرون ملح البارود كيميائياً في المعمل ولاسيما وأن أول من اخترع حامض النيتريك هو جابر بن حيان القلوذى سنة 722 م . وأجري الرازي (ولد سنة 850 م) فأجرى عليه التجارب وصنع منه الأملاح أثناء محاولته لإذابة الذهب وأطلق علي حامض النيتريك الزاج الأخضر.و كان العرب يطلقون على الأملاح المأ خوذة من الطبيعة الحجارة و الأملاح المحضرة كيميائيا في المعمل المستنبطات. وتحضير الكيماويات المستنبطة لم يكن معروفا من قبل عصري إبن حيان والرازي. حتي الصينيون الذين إكتشفوا ملح البارود كانوا يستعملونه من خامات الأملاح الطبيعية وكان يطلق عليه الملح الصيني. وقام الكيميائيون العرب بتنقية ملحه الخام من الشوائب. وكان العمال الزنوج يقومون سنة 869 م بتنقيته بالبصرة . مما(1/79)
جعله يستعمل كبارود للمدافع وكقوة دافعة للقذائف لإشتعاله السريع . وهذه الخاصية موجودة في مادة الكبريت . لهذا كانا يخلطان معا .وكان العرب يصنعون بارود المدفع Gun powder من نترات البوتاسيوم بنسبة 75% والكبريت بنسبة 10% والفحم بنسبة 15%. وكان المدفعجي يحشي هذا المسحوق في فوهة المدفع ثم يضع بها القذيفة (كرة من الحجر أو الحديد) ثم يشعل في المسحوق النار. فيشتغل المسحوق بسرعة مكونا غازات لها قوة ضغط عالية فلتنطلق عليها دفع القديفة للخارج لتنطلق للهدف المراد تدميره . فالعرب أول من صنع بارود المدافع واستعملوه كقوة دافعة تدميرية في الحروب . بينما كان الصينيون يستخدمون الملح الصيني من ملح البارود الخام لخاصية الاشتعال في الألعاب النارية في أعيادهم . وقد نقل العالم بيكون لأوربا تقنية صناعة البارود بعد 3قرون من إستعمال العرب وإختراعهم له . وفي مخطوط عربي يرجع للقرن العاشر الميلادي تجده يصف هذه التقنية قائلا: تؤخذ عشرة دراهم من ملح البارود ودرهمان من الفحم ودرهم ونصف من الكبريت، وتسحق حتى تصبح كالغبار ويملأ منها ثلث المدفع فقط خوفاً من انفجاره ويصنع الخراط من أجل ذلك مدفعاً من خشب تتناسب فتحته مع جسامة فوهته وتدك الذخيرة بشدة ويضاف إليها البندق ( الحجارة او كرات الحديد ( . ثم يشعل ويكون قياس المدفع مناسباً لثقله وكانت المناجيق تطلق قذائف النيران الحارقة . وكانت القذيقة تتكون من خليط من الكبريت والنفط والحجارة ملفوفة في الكتان، وفي الحروب الصليبية ابتكر المسلمون آلة جديدة أطلقوا عليها الزيار لرمي أعدادا كبيرة من السهام الثقيلة دفعة واحدة . وفي الإسطول العربي كانت الكلاليب التي استعملها المسلمون في ذات الصواري لربط سفنهم بسفن الروم .وكان الأسطول يستخدم النفاطة (مزيج من السوائل الحارقة تطلق من اسطوانة في مقدمة السفينة وتسمى النار الإغريقية وهي خليط من الكبريت والمواد السهلة الاشتعال ومادة(1/80)
الجير الحي التي تتفاعل مع إلما ء فتنتج الحرارة. وكان صلاح الدين الأيوبي في حربه ضد الصليبيين قد إستخدم القنبرة كسلاح الغازات التخديرية الذي كان الحشاشون الإسماعيليون قد إخترعوه في معقلهم بقلعة آلاموت (وكر النسر) حيث كانوا يحرقون الحشيش (القنب) كبخور فيشمون أتباعهم دخانه فيصابون بحالة من التخدير.فكان قوات صلاح الدين تحرق الحشيش في موضع قريب من جيش العدو بحيث يكون اتجاه الريح نحوه . فكان تنتابه حالة من التخدير والنعاس . وهذا التكتيك من أسلوب الحرب الكيماوية مكن صلاح الدين من مباغتة الصليبيين وهزيمتهم . وطور المسلمون هذا الأسلوب فصنعوا قنبلة الغازات المخدرة وأطلقوا عليها القنبرة. وكانت تحتوي على مزيج من البنج الأزرق والأفيون والزرنيخ والكبريت فإذا تفاعل الكبريت والزرنيخ تولدت عنه غازات حارقة وخانقة. وكانوا يقذفونها بالمنجنيق على معسكر العدو وهي مشتعلة. وفي علم السبائك كان صناعة الصلب العربي الذي تصنع منه الأسلحة فقد بلغت هذه الصناعة أوجها في دمشق والقاهرة، وأصبح السيف العربي لا يدانيه سيف، آخر من حيث حدة شفرته وعدم قابليته للصدأ أو الاعوجاج .وكان المسلمون قد طوروا في أسلحتهم فكانوا يستخدمون الأسلحة الثقيلة كالدبابة والمنجنيق لمهاجمة البيزنطيين
العمارة(1/81)
وكان المعمار الإسلامي بعتمد علي النواحي التطبيقية لعلم الحيل وهذا يتضح في إقامة المساجد والمآذن والقباب والقناطر والسدود فلقد برع المسلمون في تشييد القباب الضخمة ونجحوا في حساباتها المعقدة التي تقوم علي طرق تحليل الإنشاءات القشرية (SHELLS). فهذه الإنشاءات المعقدة والمتطورة من القباب مثل قبة الصخرة في بيت المقدس وقباب مساجد الأستانة والقاهرة والأندلس والتي تختلف اختلافا جذرياً عن القباب الرومانية وتعتمد إعتمادا كليا علي الرياضيات المعقدة. فلقد شيد البناؤن المسلمون المآذن العالية والطويلة والتي تختلف عن الأبراج الرومانية . لأن المئذنة قد يصل إرتفاعها لسبعين مترا فوق سطح المسجد .وأقاموا السدود الضخمة أيام العباسيين والفاطميين والأندلسيين فوق الأنهار كسد النهروان وسد الرستن وسد الفرات .كما أقاموا سور مجري العيون بالقاهرة أيام صلاح الدين الأيوبي وكان ينقل الماء من فم الخليج علي النيل إلي القلعة فوق جبل المقطم . وكانت ساقية تدار بالحيوانات ترفع المياه لعشرة أمتار ليتدفق في القناة فوق السور وتسير بطريقة الأواني المستطرقة لتصل القلعة . تتميز الحضارة الإسلامية بالتوحيد والتنوع العرقي في الفنون والعلوم والعمارة طالما لاتخرج عن نطاق القواعد الإسلامية . ففي العمارة بنى أبو جعفر المنصورالخليفة العباسي, على نهر دجلة عاصمته بغداد سنة (145- 149 هـ) على شكل دائري، وهو اتجاه جديد في بناء المدن الإسلامية، لأن معظم المدن الإسلامية، كانت إما مستطيلة كالفسطاط، أو مربعة كالقاهرة، أو بيضاوية كصنعاء. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن هذه المدن نشأت بجوار مرتفعات حالت دون استدارتها . ويعتبر تخطيط المدينة المدورة (بغداد)، ظاهرة جديدة في الفن المعماري الإسلامي ولاسيما في المدن الأخرى التي شيدها العباسيون مثل مدينة سامراء وما حوته من مساجد وقصور خلافية فخمة. وظهرت مدن تاريخية في ظلال الحكم الإسلامي(1/82)
كالكوفة والبصرة وبغداد والقاهرة والفسطاط والعسكر والقطائع والقيروان وفاس ومراكش والمهدية والجزائر وغيرها . كما خلفت الحضارة الإسلامية مدنا متحفية تعبر عن العمارة الإسلامية كإستانبول بمساجدها والقاهرة بعمائرها الإسلامية وبخاري وسمرقند ودلهي وحيدر أباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان وطليطلة وقرطبة وإشبيلية ومرسية وسراييفو وأصفهان وتبريز ونيقيا والقيروان والحمراء وغيرها من المدن الإسلامية . وكان تخطيط المدن سمة العمران في ظلال الخلافة الإسلامية التي إمتدت من جتوب الصين حتي تخوم جنوب فرنسا عند جبال البرانس. وكانت المدن التاريخية متاحف عمرانية تتسم بالطابع الإسلاني . فكانت المدينة المنورة قد وضع النبي أساسها العمراني والتخطيط حيث جعل مسجده في وسط المدينة ,وألحق به بيته وجعلها قطائع حددلها إتساع شوارعها الرئيسية. وكلها تتحلق حول مسجده. وجعل سوقها قي قلب مدينته . لتكون بلد جنده. وعلي نمط مدينة الرسول أقيمت مد ن الموصل و الكوفة و واسط بالعراق والفسطاط بمصر لتكون اول بلدة إسلامية بأفريقيا . وقد أقامها عمرو بن العاص كمدينة جند فجعل مسجده في قلبها وبجواره دوواين الجند ودار الإمارة , وحولها قطائع سكنية تتحلق بمسجده . وكل قطعة كانت تضم جنود كل قبيلة . وكذلك كانت مدينة القيروان بشمال أفريقيا .وكان التخطيط العمراني له سماته الشرعية حيث تشق الشوارع بالمدينة الإسلامية تحت الريح لمنع التلوث وتقام الورش تحت خارج المدينة لمنع الإقلاق . وكان تمنح تراخيص للبناء بحيث يكون المبني من طابق أو طابقين . والأسواق كانت مسقوفة لمنع تأثير الشمس. وكان يعين لكل سوق محتسب لمراقبة البيع والأسعار وجودة البضائع والتفتيش علي المصانع للتأكد من عدم الغش السلعي والإنتاجي.وبكل مدينة أو بلدة كانت تقام الحمامات العامة لتكون مجانا .وكان لها مواصفات وشروط متفقة متبعة .وكان يتم التفتيش علي النظافة بها واتباع الصحة(1/83)
العامة. حقيقة كانت الحمامات معروفة لدي الإغريق والرومان . لكنها كانت للموسرين. والعرب أدخلوا فيها التدليك كنوع من العلاج الطبيعي. واقاموا بها غرف البخار (السونا).والمسلمون أول من أدخلوا شبكات المياه في مواسير الرصاص أو الزنك إلى البيوت والحمامات والمساجد.. وقد أورد كتاب "صناعات العرب " رسما وخرائط لشبكات المياه في بعض العواصم الإسلامية. ومعروف أن الكيميائيين العرب قد اخترعوا الصابون. وصنعوا منه الملون والمعطر. وكان في كل حمام مدلك مختص. وآخر للعناية باليدين.. والقدمين وبه حلاق للشعر كما كان يلحق به مطعم شعبي. وقد قدر عدد الحمامات في بغداد وحدها في القرن الثالث الهجري (955 م) حوالي عشرة آلاف حمام وفي مدن الأندلس أضعاف هذا العدد.
ويعتبر المسجد بيتا من ييوت الله حيث يؤدي به شعائر الخمس صلوات وصلاة الجمعة التي فرضت علي المسلمين ويقام فيه تحفيظ القرآن . وبكل مسجد قبلة يتوجه كل مسلم في صلاته لشطر الكعبة بيت الله الحرام . وأول مسجد أقيم في الإسلام مسجد الرسول بالمدينة المنورة . وكان ملحقا به بيته . و إنتشرت إقامة المساجد كبيوت لله في كل أنحاء العالم ليرفع من فوق مآذنها الآذان للصلاة . وقد تنوعت في عمارتها حسب طرز العمارة في الدول التي دخلت في الإسلام . لكنها كلها موحدة في الإطار العام ولاسيما في إتجاه محاريب niches القبلة بها لتكون تجاه الكعبة المشرفة . وبكل مسجد يوجد المنبر pulpitلإلقاء خطبة الجمعة من فوقه . وفي بعض المساجد توجد اماكن معزولة مخصصة للسيدات للصلاة بها . وللمسجد مئذنة minaret واحدة أو أكثر ليرفع المؤذن من فوقها الآذان للصلاة وتنوعت طرزها. وبعض المساجد يعلو سقفها قبة Dome متنوعة في طرزها المعمارية .(1/84)
وفي المساجد نجد المحراب علامة دلالية لتعيين اتجاه القبلة(الكعبة ) . وهذه العلامة على هيئة مسطح أو غائر(مجوف) أو بارز .والمسلمون استعملوا المحاريب المجوفة ذات المسقط المتعامد الأضلاع. أو المسقط النصف دائري . وقد اختيرت الهيئة المجوفة للمحراب لغرضين رئيسين هما , تعيين اتجاه القبلة, وتوظيف التجويف لتضخيم صوت الإمام في الصلاة ليبلغ المصلين خلفه في الصفوف .وكانت تجاويف المحاريب تبطن وتكسي بمواد شديدة التنوع كالجص والرخام والشرائط المزخرفة بالفسيفساء أو المرمر المزخرف.ونري المحاريب التي شيدها المماليك في مصر والشام من أبدع المحاريب الرخامية , حيث تنتهي تجويفة المحراب بطاقية على شكل نصف قبة مكسوة بأشرطة رخامية متعددة الألوان. و أبرع الفنانون المسلمون في استخدام مختلف أنواع البلاطات الخزفية لتغشية المحاريب أما الخزافون في الشرق, فقد إساخدموا بلاطات الخزف ذات البريق المعدني والخزف الملون باللون الأزرق الفيروزي . وقد حفلت المحاريب بالكتابات النسخية التي تضم آيات من القرآن الكريم, بجانب الزخارف النباتية المميزة بالتوريق و الأرابيسك . كما إستخدمت فيها المقرنصات الخزفية لتزيين طواقي المحاريب. وجرت العادة وضع المحراب في منتصف جدار القبلة بالضبط ليكون محوراً لتوزيع فتحات النوافذ على جانبيه بالتوازن.(1/85)
و المئذنة (المنارة) الملحقة ببنايات المساجد لها سماتها المعمارية .و تتكون من كتلة معمارية مرتفعة كالبرج و قد تكون مربعة أو مستديرة أو بها جزء مربع و أعلاها مستدير. و بداخلها سلم حلزوني (دوار) يؤدي إلي شرفة تحيط بالمئذنة ليؤذن من عليها المؤذن و ليصل صوته أبعد مدى ممكن. و المآذن المملوكية تتكون من جزء مربع ثم جزء مثمن ثم جزء مستدير بينهم الدروات و يعلوها جوسق ينتهى بخوذة يثبت بها صوارى تعلق بها ثرايات أو فوانيس. و مئذنة مدرسة لغورى بالقاهرة, أقيم فى طرفها الغربى منار مربع يشتمل على ثلاثة أدوار يعلو الدور الثالث منها أربع خوذ كل خوذة منها فى دور مستقل, و محمولة على أربعة دعائم و بكل خوذة ثلاث صوارى لتعليق القناديل أو الثريات.
الزخرفة(1/86)
وتعتبر الزخرفة لغة الفن الإسلامي، حبث تقوم على زخرفة المساجد والقصور والقباب بأشكال هندسية أو نباتية جميلة تبعث في النفس الراحة والهدوء والانشراح. وسمي هذا الفن الزخرفي الإسلامي في أوروبا باسم أرابسك بالفرنسية ARABESQUEوبالأسبانية أتوريك ATAURIQUE) أي التوريق( .وقد إشتهر الفنان المسلم فيه بالفن السريالي التجريدي SURREALISM ABSTRACT من حيث الوحدة الزخرفية النباتية كالورقة أو الزهرة، وكان يجردها من شكلها الطبيعي حتى لا تعطى إحساسا بالذبول والفناء، ويحورها في أشكال هندسية حتى تعطي الشعور بالدوام والبقاء والخلود .و وجد الفنانون المسلمون فى الحروف العربية أساسا لزخارف جميلة. فصار الخط العربي فناً رائعاً، على يد خطاطين مشهورين. فظهر الخط الكوفي الذي يستعمل في الشئون الهامة مثل كتابة المصاحف والنقش على العملة، وعلى المساجد، وشواهد القبور. ومن أبرز من اشتهر بكتابة الخط الكوفي، مبارك المكي في القرن الثالث الهجري, و خط النسخ الذي استخدم في الرسائل والتدوين و نسخ الكتب، لهذا سمي بخط النسخ. وكان الخطاطون والنساخ يهتمون بمظهر الكتاب، ويزينونه بالزخرف الإسلامية. كما كانت تزين المصاحف وتحلى المخطوطات بالآيات القرآنية والأحاديث المناسبة التي كانت تكتب بماء الذهب.
التصوير(1/87)
وفن التصوير، أي رسم الإنسان والحيوان. فبالرغم من أن بعض علماء المسلمين الأولين، اعتبروه مكروهاً، إلا أنهم لم يفتوا بتحريمه أيام خلفاء بني أمية وبني العباس. فقد ترخصوا في ذلك حيث خلفوا صورا آدمية متقنة على جدران قصورهم التي اكتشفت آثارها في شرق الأردن وسامراء , أو في الكتب العربية الموضحة بالصور الجميلة التي رسمها المصورون المسلمون كالواسطي وغيره , في مقامات "الحريري " وكتاب "كليلة ودمنة التصوير في الفن الإسلامي وفن التصوير إقتصر أول الأمر على رسوم زخرفية لمناظر آدمية وحيوانية رسمت بالألوان على جدران بعض قصور الخلفاء والأمراء كما يري في إطلال قصور قصير عمرو والطوبة وسامراء ونيسابور والحمام الفاطمي بالفسطاط غير أن التصوير في الفنون الإسلامية اكتشف مجاله الحقيقي في تصوير المخطوطات منذ القرن الثالث الهجري – التاسع الميلادي – ومن اقدم المخطوطات المصورة مخطوطة في علم الطب محفوظة بدار الكتب المصرية بالقاهرة وأخرى لكتاب مقامات الحريري ومحفوظة بالمكتبة الأهلية في باريس وهما مزدانتان بالرسوم والصور وتمت كتابتها وتصويرها في بغداد سنة 619 – 1222- وكانت فارس قد تولت ريادة فن التصوير الإسلامي إبان العصر السلجوقي ونهض نهضة كبيرة في عصر المغول في أواخر القرن السابع حتى منتصف القرن الثامن – الثالث عشر والرابع عشر الميلادي – وكان أشهر المخطوطات المصورة (جامع التواريخ) للوزير رشيد الدين في أوائل القرن السابع الهجري والشاهنامة للفردوسي التي ضمت تاريخ ملوك الفرس والأساطير الفارسية والمخطوطات المصورة في بغداد لكتاب كليلة ودمنة .وكان الأسلوب الفني في صور هذه المخطوطات المغولية متأثرا إلى حد كبير بالأسلوب الصيني سواء من حيث واقعية المناظر أو استطالة رسوم الأجسام أو اقتضاب الألوان .وأخذ فن التصوير الإيراني ينال شهرة عالمية في العصر التيموري وبخاصة في القرن التاسع الهجري – الخامس عشر الميلادي - وقد(1/88)
ظهرت فيه نخبة من كبار الفنانين الذين اختصوا بتصوير المخطوطات مثل خليل وأمير شاهي و بهزاد ويتميز التصوير الإيراني بصياغة المناظر في مجموعات زخرفية كاملة تبدو فيها الأشكال كعناصر تنبت من وحدة زخرفية وتتجمع حولها أو تمتد وتتفرع مع حرص المصورين على ملاحظة الطبيعة ومحاولاتهم محاكاتها والتعبير عن مظاهر الجمال والحركة فيها بسمائها ونجومها وأقمارها وبما تحتويه من جبال ووديان وأشجار وأزهار وبما فيها من رجال ونساء وأطفال وطيور وحيوان . وكانت العلاقة قوية بين الشعر والتصوير حيث كان التصوير نوعا من الموسيقى والمصور أشبه بالملحن لكتاب الشاعر . فكان يضع الشعر المكتوب في أشكال محسوسة ليطبع التفكير والخيال بنوع من الحقيقة والحركات المتنوعة . مما يجعله يعبر في ألوانه عن هذه الروح الموسيقية وتلك الحساسية الشاعرية. فكانت الألوان تمتزج في صوره امتزاجا عجيبا بين الزهاء والهدوء وتنسجم انسجام الألحان في المقطوعة الموسيقية بحيث تختلف الألوان في الصورة الواحدة وتتعدد. كما تختلف فيها درجات اللون الواحد الذي ينبثق من صفاء السماء وينعكس فيه أشعة الشمس الذهبية الصافية . فالتصوير الإيراني كان فنا تعبيريا عن الشاعرية والعاطفة من خلال تسجيل ما في الطبيعة من حقائق جذابة وما في القلوب من خيال أخاذ ونغمات دفينة ..
الملاحة وصناعة السفن(1/89)
وكانت صناعة السفن في كل أنحاء العالم الاسلامي في ظلال الخلافة الإسلامية الأموية والعباسية .فلقد ظهرت صناعة السفن والأساطيل في موانيء الشام بعكا وصور وطرابلس وبيروت وحيفا . وفي المغرب كانت هناك طرابلس وتونس وسوسة وطنجة ووهران والرباط. وفي الأندلس اشتهرت إشبيلية ومالقة ومرسية وفي مصر اشتهرت المقس والاسكندرية ودمياط وعيذاب( علي ساحل البحر الأحمر (.وكانت المراكب النيلية تصنع بالقاهرة .وكانت ترسانات البحرية لصناعة السفن يطلق عليها دور الصناعة . وكان الأسطول يتكون من عدة أنواع من السفن مختلفة الحجم ولكل نوع وظيفة. فالشونة كانت حاملات للجنود ، والأسلحة الثقيلة
وفي علوم الملاحة وعلوم البحار كتب الجغرافيون المسلمون كتبهم . فضمنوها وصفا دقيقا لخطوط الملاحة البحرية، كما وضعوا فيها سرودا تفصيلية لكل المعارك الإسلامية البحرية، ثم وصفوا فيها البحار والتيارات إلمائية والهوائية, ومن أشهر الجغرافيين العرب المسعودي والمقدسي وياقوت الحموي والبكري والشريف الادريسي ومن الرحالة ابن جبير وابن بطوطة. وهناك كتب ابن ماجد في علوم البحار مثل كتاب "الفوائد في أصول علم البحر والقواعد" وأرجوزته بعنوان "حاوية الاختصار في اصول علم البحار" وهناك مخطوط باسم سليمان المهري عنوانه "المنهاج الفاخر في العلم البحري الزاخر: و "العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية .
الباب الخامس
علماء مسلمين
في الطب برز
1- حارث بن كلدة:
أول طبيب عرف في الإسلام عاصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعالجه كما عالج الصحابة والشخصيات الإسلامية الأخرى.
2-ابن سينا:(1/90)
من أعظم الأطباء المسلمين وأشهر حكماء القرن العاشر الميلادي من أشهر كتبه (القانون) الذي يعتبر أكبر موسوعة طبية في العالم ويعتبر أول من اكتشف الدورة الدموية وبين اثر الاضطرابات العصبية والقلق الفكري على جهاز الهضم كما اكتشف تورم غشاء الدماغ وعالجه وبين الطفيلية في الإنسان والتي عرفت بالأنكلستوما وشرح عوارض السرطان
وهو أول من قام بدراسة الطيور وتشريح الحيوان واستعمال ماء الترياق في تخدير المرضى أثناء العملية الجراحية كما وضع فكرة الجلفانومتر لتحديد سرعة خفقان القلب وتشنجات الأعصاب وأجرى التحليلات المخبرية على إدرار المريض.
3- الرازي:
وهو أول من اكتشف الطب النفساني وعالج به مرضاه كما اكتشف تأثير الموسيقى على صحة المريض واكتشف ميكروب مرض الجدري وكتب عن الحصى في الكلية ورسم طريقة العلاج واعتبر طب الأطفال فرعا قائما بذاته وكتب في ذلك رسائل عديدة كما اكتشف الكحول واستعمله في الأغراض الطبية و شرح وظائف القلب شرحا مفصلا وهو أول طبيب تجريبي في العالم من أشهر مؤلفاته: سر الأسرار والطب المنصوري ومن لا يحضره الطب.
4-الزهراوي:
اختص بالجراحة العامة ومن أهم كتبه التصريف لمن عجز عن التأليف وهو أول من أجرى العمليات الجراحية على الشرايين والأوردة واستطاع أن يستخرج الحصاة من المثانة كما أجرى عملية استئصال للغدة الدرقية ورفع اللوزتين.
5-ابن النفيس:
من مشاهير الأطباء المسلمين الذين استطاعوا أن يظهروا الأخطاء التي وقع فيها الطبيب اليوناني جالينوس من أشهر كتبه تفسير القانون وهو أول من اكتشف تصفية الدم في القلب وتوصل إلى أن القلب يضخ الدم إلى الرئتين وشرح الدورة الدموية الصغرى شرحا مفصلا.
6- علي بن عباس:(1/91)
وهو أول طبيب مختص بالأمراض النسائية وقد اكتشف حركات الرحم عند النساء وكيفية الحمل والولادة والتلقيح التناسلي من أشهر مؤلفاته الكتاب الملكي وهو أول من اكتشف تأثير العوامل الخارجية على الجنين في بطن أمه كما اهتم بالحالة النفسية والاجتماعية للمريض والأمراض التي أصيب بها من قبل ومدى انتشارها في عائلته.
7-ابن زهر الأندلسي:
بلغ في الطب منزلة رفيعة وهو من أشهر الأطباء الذين اكتشفوا الجراثيم وشرحوا الميكروب ومن أشهر مؤلفاته: إصلاح الأجساد والأنفاس والتيسير والتدبير في المداواة والأغذية.
8-أبو القاسم الأندلسي:
من أكبر وأعظم أطباء الجراحة تفوق في العمليات النسائية كما ابتكر طريقة معالجة الوريد المقطوع واستطاع تعيين فصائل الدم وقد أجرى بحوثا هامة في معالجة الروماتيزم وتعفن الفقرات من أشهر كتبه الكتاب المملوكي.
9-أبو الوليد محمد بن رشد:
من كبار الجراحين وهو أول من اكتشف أن الإنسان لا يصاب بالجدري مرتين وان البقول تولد الغازات.
10-علي بن عيسى البغدادي:
من أشهر أطباء العيون وهو أول من استعمل التخدير الموضعي في عمليات جراحة العين من أشهر كتبه تذكرة الكمالين.
11-عز الدين الجلدكي:
وهو أول من أوصى باستعمال الكمامات على الأنوف أثناء معالجة المرضى ودرس وشرح القلويات والحمضيات في العالم من أشهر كتبه نهاية الطب.
في الصيدلة وعلم الكيمياء :
1-الإمام الصادق:
صاحب أكبر مدرسة جامعة تضم الفقه والفلسفة والكيمياء والفيزياء والفلك والآداب العامة من أشهر كتبه في الكيمياء رسالة في الصناعة والحجر المكرم وقد اكتشف أنواعا من التركيبات الكيماوية أهمها الإكسير الأحمر والأصفر.
2-ابن حيان:(1/92)
لقب بأبو الكيمياء فهو مكتشف العديد من المركبات الكيميائية كأسيد النتريك وأسيد السيلفوريك وغيرها وقد شرح علم التبخير والإذابة والتبلور والترشيح والتقطير وحضّر نثرات النشادر وحامض الأزوتيك وأجرى عدة اختبارات على الزئبق وهو أول من استعمل الميزان الدقيق واكتشف نظرية الاتحاد الكيميائي والنسب المضاعفة والسعير الكيميائي وصنع ورق غير قابل للاحتراق وابتكر أقلام تضيء ما يكتب بها في الظلام وشرح أنواع السموم واكتشف أن جاذبية المغناطيس تضعف بمرور الزمن كما أشار إلى الطاقة الذرية وشرح كيفية انشطارها من اشهر كتبه المعرفة بالصفة الإلهية والحكمة الفلسفية.
3-الرازي:
من أبرز علماء الكيمياء فهو من استطاع تقسيم العناصر الكيميائية إلى ثلاثة أنواع (ترابية، نباتية، حيوانية)واستخرج الكحول من المواد السكرية والنشوية كما اكتشف أسيد الكلوردريك واستطاع استخراج كربونات الأمونيوم واكتشف 16 نوعا من المياه النارية وتوصل إلى صناعة البلور الصناعي الشفاف والزجاج الملون من أشهر كتبه المدخل التعليمي والشواهد وإثبات الصنعة ورسائل الحجر وسر الأسرار.
4-الكندي:
هو شيخ الفلاسفة العرب أتقن الكيمياء واكتشف العديد من العناصر والحشائش والأدوية من أشهر مؤلفاته كيمياء العطر والجواهر الثمينة والأدوية المركبة واقراباذين.
5-الطغرائي:
كان سياسيا وأديبا وذا شهرة واسعة في الكيمياء فقد اكتشف العديد من الأدوية وشرح فوائد بعض المعادن في علاج الأمراض كما أجرى تحقيقات علمية واسعة على الحشائش والمياه المحرقة من أشهر مؤلفاته الجوهر النضير في صناعة الأكسير وجامع الأسرار ومفاتيح الرحمة ومصابيح الحكمة وتركيب الأنوار وحقائق الاستشهاد والإحسان في علم الميزان ومفاتيح الحكمة.
6-العراقي:(1/93)
وهو أول من اكتشف طريقة تحويل الحديد إلى فولاذ وشرح النقاط المبهمة في علم الكيمياء واكتشف أنواع الأصباغ والدهانات الخاصة لطلي المعادن والأحجار الكريمة من مؤلفاته المكتسب في صناعة الذهب والأقاليم السبعة وعيون الحقائق والكنز الأفخر.
7-الجلدكي:
من أكابر علماء الكيمياء وشارح نظريات واكتشافات جابر بن حيان وهو من اكتشف بأن العناصر الكيماوية تتفاعل مع بعضها بأوزان خاصة كما عين أوزان العديد من العناصر واستطاع فصل الذهب عن الفضة.
8-الخوارزمي:
هو صاحب كتاب عين الصنعة وعون الصناعة، كان من أكبر المهندسين وعلماء الرياضيات في العالم الإسلامي.
وهو من الذين ابتكروا أنواع متعددة من الآلات المستعملة في التقطير وصناعة الأدوية والشؤون الكيميائية الأخرى.
9-الفارابي:
هو صاحب كتاب رسالة في الكيمياء كان أستاذا وعالما متمكنا في الرياضيات والطبيعيات والمنطق وهو الملقب بالمعلم الثاني.
10-ابن البيطار:
من مشاهير علماء الكيمياء عرف بصناعة وتركيب الأدوية من النباتات والحشائش وكان عالم عصره في علم النبات.
في الرياضيات: علوم الحساب والهندسة :
1-الخوارزمي:
هو أول عالم رياضيات بين المسلمين فهو مؤسس علم الجبر وواضع طريقة استعمال الصفر في الحساب ومكتشف الطريقة العلمية للهندسة التحليلية ومصحح أخطاء الرومانيين في الرياضيات والفلك من أشهر كتبه الجبر والمقابلة والمختصر في حساب الجبر.
2-الكاشاني:
من المبدعين في علم الرياضيات وهو من اكتشف عملية الكسر العشري ووضع الكثير من الأسس والقوانين الهندسية كما ابتكر العديد من الأدوات والآلات الهندسية منها المسطرة الحاسبة وهو من المهرة في فن السيراميك وصناعة الأواني الخزفية. من أشهر مؤلفاته مفتاح الحساب.
3-ثابت:
هو مبتكر الطرق التي أنارت الفكر الهندسي في العالم وصاحب النظريات الرياضية وخاصة نظرية معادلات الدرجة الثالثة.
4-الطوسي:(1/94)
هو أول من كتب في علم المثلثات واعتبره علما مستقلا بذاته وله اكتشافات عديدة في تسطيح الأرض وتربيع الدوائر والمنحنيات والزوايا وغيرها ومن أشهر مؤلفاته شكل القطاع.
5-الخيام:
من أبرز علماء الحساب وصاحب رسائل في الجبر والرياضيات وله ابتكارات علمية دقيقة في الهندسة والجبر والمقابلة وهو أول من استطاع حساب العام الهجري الشمسي حسابا دقيقا.
6-أبناء موسى بن شاكر:
لعبوا دورا مهما في علم الرياضيات والفلك والهندسة الميكانيكية وألفوا العديد من الكتب وخاصة في الرياضيات ولهم كتاب يشرح كيفية قياس السطوح المسطحة والمستديرة.
7-الكرخي:
هو نابغة في علم الرياضيات وهو الذي ابتكر العديد من المسائل الحسابية من أشهر كتبه الكافي في الحساب.
في الفلك وأحكام النجوم :
1-البتاني:
من أكبر وأشهر علماء النجوم فقد استطاع رصد مئات النجوم ورسم حركاتها وتعين مسافاتها عن الكرة الأرضية كما استطاع قياس المسافة بين الأرض والشمس بواسطة المراصد الفلكية وكتب حول الخسوف والكسوف من أشهر مؤلفاته الزيج أكبر موسوعة في علم الفلك.
2-البيروني:
من مشاهير علماء الفلك فهو من رسم أول خارطة من نوعها للكرة الأرضية واستطاع قياس محيط الكرة الأرضية كما رصد خسوف القمر واستطاع قياس بعد الشمس عن الأرض كما اكتشف تأثير القمر على عملية المد والجزر وتوصل إلى محاسبة سطح الأرض والبحار وهو أول من فكر بحفر قناة السويس ورسم له الخرائط وفسر حدوث الليل والنهار نتيجة دوران محور الأرض.
3-الطوسي:
هو رئيس المنجمين فهو أول من انتقد أقوال بطليموس في علم الفلك وحركة السيارات وأعلن عن أخطائه وشرح المنظومة الشمسية كما صنع مراصد فلكية كبيرة الحجم .
4-ابن الشاطر:
هو مؤلف كتاب نهاية السؤول في تصحيح الأصول وقد تناول توضيح سطح القمر وما يحيط به من كواكب وجاء بنظريات جديدة عن المنظومة الشمسية.
5-الزرقالي:(1/95)
في مقدمة علماء الفلك حيث توصل إلى اكتشاف العديد من العوامل الجوية والمؤثرات الفصلية وهو من اثبت أن المسافة بين الشمس والأرض تتساوى كل ستة أشهر كما اكتشف المسافات بين العديد من النجوم والشمس.
6-الصوفي:
هو صاحب النظريات العلمية الجديدة في حركة النجوم والسيارات وصاحب كتاب صور الكواكب
8-أبو معشر الفلكي:
اكتشف العديد من الظواهر الفلكية ومن أشهر كتبه المدخل إلى أحكام النجوم.
9-الفرقاني:
من أعلام الفلك فهو أول من اكتشف أن الشمس تغير مسيرها بمرور الزمن واستطاع قياس أحجام السيارات وأبعادها ومن أشهر كتبه عنصر النجوم.
10-كمال الدين الفارسي:
وهو مكتشف ظاهرة قوس قزح وصاحب كتاب تنقيح المناظر لذوي البصائر.
11-محمد الفزاري:
وهو أشهر منجم في عصره وقد صنع أصغر وأكمل آلة إسطرلاب.
12-أبو الوفاء اليوزجاني:
شرح بعض الظواهر الفلكية ووصف النصف الآخر من سطح القمر.
في: الفيزياء وفنون الصناعة :
1-الشيخ البهائي:
هو سيد علماء الذرة في العالم فقد استفاد من الذرة نظريا وعمليا واكتشف قوانين الانعكاسات الصوتية واستعملها في بعض المساجد كما اكتشف قانون ضغط المياه وكيفية رفعه إلى الأعلى.
2-ابن سينا:
صاحب نظرية البعد الرابع وقد تحدث عن الذرة ووصفها وصفا دقيقا.
3-ابن الهيثم:
من أبرز وأكبر علماء الفيزياء في مجال علم الضوء ووظائف العين وهو أول من اكتشف أن القمر يستمد نوره من الشمس واكتشف انكسار الأشعة الضوئية كما صحح أخطاء أقليدس وبطليموس وتوصل إلى سبب رؤية الشيء واحدا في الوقت الذي نراه بالعينين ووضع قواعد اختراع آلات التصوير الكاميرات واستطاع كشف الأمواج المحيطة بالكرة الأرضية وتحديد سمكها كما صنع العدسات المخروطية والمرآة العاكسة وصنع النظارات الطبية وشرح وصفا دقيقا للعين والعدسات وطريقة معالجة الرؤيا المزدوجة بواسطة النظارات. من أشهر كتبه المناظر.
4-الخازني:(1/96)
من العلماء الذين اخترعوا الآلات الدقيقة لحساب الأوزان وتوصلوا إلى قياس الأوزان النوعية لجميع المعادن ودرجة كثافتها بصورة دقيقة جدا وهو من صنع الميزان الدقيق وشرح علم الموازين والمقاييس وأوضح كيفية الحصول على الوزن النوعي لمادتين مختلطتين.
5-أبو الفتح المازني:
الذي جاء بنظريات جديدة في كثافة الهواء ووزنه وكتب كتابا هاما حول مضخات سحب المياه وهو مكتشف قدرة الجاذبية في الكرة الأرضية.
6-الرمّاح:
هو حسن الرمّاح أمهر المهندسين في صنع المدافع والأسلحة النارية وصاحب كتاب فنون الحرب وهو من شرح الطرق العلمية والفنية لصناعة المدافع النارية والطوربيدآت والصواريخ البعيدة المدى.
7-عباس بن فرناس:
من المهندسين الرياضيين المعروفين وأسبقهم إلى الطيران فقد صنع في القرن التاسع الميلادي أول طائرة في العالم وهو أول من صنع الزجاج من الحجر بطريقة كيميائية.
8-بديع الزمان الاسطرلابي:
من أشهر المختصين في صناعة الساعات حيث ابتكر العديد من آلات قياس الوقت ووضع أسلوبا جديدا لحساب الساعات الشمسية.
11-زين العابدين الآمدي:
هو أول من ابتكر طريقة لقراءة الحروف البارزة لفاقدي البصر.
في الجغرافية: الاستكشافات البرية والبحرية :
1-الإدريسي:
هو أعظم وأشهر جغرافي في العالم وهو أول من وضع خطوط الطول والعرض للكرة الأرضية واكتشف خط الاستواء وذكر المناطق المتجمدة في الكرة الأرضية وذكر مواقعها ورسم خارطة للكرة الأرضية وصنع لها كرة مجسمة من أشهر كتبه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق.
2-ابن بطوطة:
هو الرحالة الشهير الذي قضى 29 عاما في الترحال والتجوال وعكس كل ما شاهده في كتابه تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار.
3-الوزّان:
بلغ مرتبة عالية في الجغرافية وقام برحلات وجولات واستكشافات مهمة بدأها من بلدة فاس وتجول مدن العالم وأقاليمها ثم وقع أسيرا وخلال ذلك كتب العديد من الكتب العلمية في الجغرافية.
4-أبو الفداء:(1/97)
من أبرز علماء الجغرافية المختصين بدراسة الجغرافيا الفلكية وهو من أثبت كروية الأرض عن طريق محاسبة النجوم وعين الأقاليم بصورة دقيقة ورسم خرائطها وذكر الأوقات الشرعية في كل منطقة وإقليم بدقة متناهية من أشهر كتبه تقويم البلدان.
5-ياقوت الحموي:
هو صاحب كتاب معجم البلدان الذي شرح فيه جوانب عديدة عن الوضع الجغرافي والتاريخي والاجتماعي لعدد من الأقطار والأمصار وكان من أبرز علماء الفقه والكلام.
6-ابن ماجد:
هو أعظم بحار وأشهر قبطان مسلم وقائد للأسطول البحري البرتغالي وهو صاحب كتاب حاوية الاختصار في علم البحار الذي شرح فيه الطرق البحرية والعوامل الجوية في بحار آسيا وأفريقيا وكتاب الفوائد والقواعد في أصول علم البحر الذي ذكر فيه الجزر البحرية الواقعة في مدغشقير وجاوة وسومطرة والسيلان وغيرها.
7-أبو القاسم عبيد الله بن خرداذبة:
هو من أعلن عن نظريته في كروية الأرض وميل محورها وشرح نظرياته واكتشافاته الجغرافية في كتابه المسالك والممالك وذكر خطوط المواصلات العالمية من الشرق الأدنى إلى الصين.
8-اليعقوبي:
درس الكتب الجغرافية وقام برحلات عديدة في الكثير من مناطق ومراكز العالم وترك عشرات الكتب والخرائط الفنية.
9-أبي الريحان البيروني:
صاحب نظريات واكتشافات جغرافية وهو القائل بوجود قارة كبيرة في الطرف الثاني من الكرة الأرضية وكان يقصد بها أمريكا.
10- الأصطخري:
صاحب كتاب الأقاليم الذي شرح فيه الطرق البرية والبحرية إضافة إلى الخرائط المفصلة.
11-القزويني:
صاحب كتاب عجائب المخلوقات الذي وصف فيه النجوم والشموس والبحار والجزر والحيوانات بالإضافة إلى شرح أحوال وطبائع الشعوب.
12-الدمشقي:
صاحب كتاب نخبة الدهر في عجائب البر والبحر الذي يحتوي على وصف دقيق لعدد من الأقاليم والأمصار والبحار والجبال وهو القائل بأن الزلازل تحدث نتيجة الأبخرة المنحبسة في جوف الأرض.
في الزراعة: الري وعلم الحيوان :(1/98)
1-يحيى بن العوام:
عالج علم النبات معالجة علمية وكتب كتابا في ذلك اسماه الفلاحة تطرق فيه إلى معالجة أكثر من 585 نوعا من الأشجار والزهور.
2-ضياء الدين البيطار:
من أعلام الهندسة ومشاهير العلماء في الزراعة والري وتربية الحيوانات حيث اكتشف العديد من الحشرات الضارة والنباتات الطفيلية وكتب في ذلك كتابا.
3-موفق الدين البغدادي:
تبحر في علم الزراعة وهو أول مكتشف لطريقة التفريخ وتربية الدواجن.
5-الجاحظ:
المؤرخ والكاتب الشهير صاحب كتاب الحيوان الذي يعتبر من أشهر الكتب العلمية الإسلامية حيث درس فيه طبائع 350 نوعا من الحيوانات.
في : الفلسفة: الأدب والتاريخ وعلم الاجتماع :
1-الكندي:
هو مؤسس علم الفلسفة وأول عربي لقب بفيلسوف وهو من اثبت تناهي العالم واستند على فلسفته ورأيه الخاص كما اكتشف أن زرقة السماء بسبب عمق الفضاء واثبت علميا بأن المطر من بخار وشرح كيفية تصاعد البخار وتكوين الغيوم وأشار إلى تأثير الحرارة على الأجسام من حيث التمدد والانقباض وأوجد نسبا رياضية خاصة لبعض العلوم الهندسية.
2-الفارابي:
هو ثاني فيلسوف في العالم الإسلامي من حيث مستواه العلمي حاز على لقب المعلم الثاني بعد أرسطو له 70 كتابا في الفلسفة والمنطق والكيمياء والفيزياء والرياضيات والموسيقى وهو أول من قسم علوم زمانه وجعل لكل علم اختصاصا ومنهجا خاصا من أشهر مؤلفاته إحصاء العلوم.
3-الغزالي:
هو أقدم علماء النفس في العالم صاحب نظرية (سبق الوهم إلى العكس) والتي شرح فيها الحالات والانفعالات النفسية التي تصاحب الإنسان في ظروف خاصة من أشهر كتبه المستصفى من علم الأصول.
4-الشيرازي:
هو صاحب كتاب نهاية الإدراك من الدارسين لظاهرة قوس قزح والمفسرين لها على أساس انعكاس الضوء وانكساره وقد تفوق على جميع علماء عصره وطرح نظريات علمية وفيزيائية معقدة جدا.
5-ابن خلدون:(1/99)
هو أول من مؤسس علم الاجتماع فقد درس أحوال المجتمع دراسة علمية وكتب كتابه الشهير المقدمة الذي يعتبر من أعظم المصادر العلمية الإسلامية.
6-اليعقوبي:
هو أول وأقدم من كتب في التاريخ العام فقد حرّر كتابين جامعين للتاريخ الأول تناول تاريخ اليهود والهنود واليونان والروم والفرس والثاني تناول تاريخ الإسلام منذ ظهوره حتى أيام المعتمد العباسي.
من أشهر كتبه كشف الظنون الذي جاء فيه اسم 1300 كتاب تاريخي كتبته الأقلام الإسلامية.
7-الجاحظ:
وقد بحث في مواضع علمية متعددة وكتب فصولا عن تأثير الألوان على المزاج ورابطة الألوان مع النور وحقق في الأسباب التي تؤدي إلى اختلاف ألوان اللهيب واختلاف ألوان السحاب وله دراسة شاملة في لغات الحيوانات وعدد الحروف التي تنطق بها وعشرات المؤلفات التي تناولت نتائج هذه البحوث.
---
---
المراجع
الترتيب ... المرجع ... المؤلفون
1-*1*5*9*11 ... كتاب الفكر التربوي مدارسة واتجاهات تطوره ... أ.د.مصطفى زيادة ود.محمد العجمي ود.بدر العتيبي ود.حنان الجهني
2- 82 ... كتاب المستشرقون و الدراسات الاسلاميه
كتاب رائع جدا يتحدث عن تاريخ الاستشراف كيف بدا وماذا أصبح لاتجعلو هذا الكتاب يفوتكم ... تأليف محمد عبدا لله مليباري
3-*4*6*8#10*12 ... http://www.akhbarnouakchott.com/mapeci/Ar/435/kadaya.htm
اخبار نواكشوط ... د. محمد الامين ولد الكتاب
4-*3 ... موقع الثورة
http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=61859374620050615202538 ... تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
5-الباب الثالث ... http://www.islamset.com/arabic/asc/fangry11.html ... اسلام ست –العلوم – علم الحيل الهندسيه
6- جزئية مارتن لوثر في الباب الاول ... http://www.habtoor.com/thinkingclearly_arabic/html/28TH_1999.htm ... مارتن لوثر(1/100)
7- الباب الرابع ... http://ar.wikibooks.org/wiki/%D8%B9%D8%A8%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9" ... موسوعة ويكيبيديا
8- الباب الخامس ... http://www.alahd.com/index.php ... التفوق العلمي في الإسلام.. أمير جعفر الأرشدي(1/101)