تاريخ تطور ترجمة معاني القرآن الكريم
إلى اللغة المليبارية
( إحدى اللغات الرسمية بالهند )
الدكتور: محمد أشرف علي المليباري
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلاّ وأنتم
مسلمون } ( آل عمران : 102 ).
{ يا أيها النّاس اتقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } ( النساء: 1 ).
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
( الأحزاب:70-71 ).
وبعد: فقد حظي القرآن الكريم منذ نزوله مدى العصور بعناية جهابذة الأمة وعلمائها من المفسرين والمؤلفين ولا تزال -بإذن الله سبحانه وتعالى- هذه العناية باقية مدى الدهر تترى حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن أبرز وأهم تلك العناية السعي لإيصال البشرية إلى الغاية العظمى التي أنزل الله كتابه لأجلها { الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور } ( إبراهيم:1 )
ويحظى القرآن في العصر الحديث باهتمام منقطع النظير من قبل " مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف " الصرح الإسلامي الشامخ رائد نهضة خدمة القرآن في العالم؛ حيث كان له دور كبير ويد طولى في طباعة المصاحف ونشرها وطباعة الترجمات لمعاني القرآن الكريم في اللغات العالمية فجزى الله القائمين عليه خيراً وزادهم توفيقاً وبراً.(1/1)
وانطلاقاً من موقفه الريادي عزم على عقد ندوة عالية المستوى لمناقشة قضايا تتعلق بترجمة معاني القرآن الكريم "تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل" وطلب من أصحاب الاختصاصات في شتى أنحاء العالم المشاركة بآرائهم وأقلامهم.
ومن هنا كان الدافع لإعداد هذا البحث وعنوانه:
تاريخ تطور ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة المليباريّة (مليالم)
وجعلت خطة بحثي كالتالي:
تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة.
تمهيد: يتضمن الحديث عن أهمية الموضوع وبواعث هذه الدراسة.
الفصل الأول:
مليبار وعلاقتها بالإسلام والعرب
ويحتوي على أربعة مباحث :
المبحث الأول: كلمة عن مليبار ( كيرالا ).
المبحث الثاني: دخول الإسلام إلى مليبار.
المبحث الثالث: العرب واللغة العربية في مليبار.
المبحث الرابع: وسائل فهم القرآن من العصر الأول إلى عصر الترجمة ومراحل تطورها.
الفصل الثاني:
نظرة عامة حول ترجمة معاني القرآن الكريم.
ويحتوي على أربعة مباحث:
المبحث الأول: الترجمة في المنظور الإسلامي.
المبحث الثاني: اللغة المليبارية ومدى نجاح الترجمة إليها.
المبحث الثالث: تطور جديد بنضوج فكرة الترجمة وصداها.
المبحث الرابع: صدور أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم في اللغة المليبارية ( مليالم ).
الفصل الثالث:
بعض الترجمات المليبارية في الميزان.
ويحتوي على سبعة مباحث:
المبحث الأول: الترجمة القاديانية.
المبحث الثاني: ترجمة بعض المتأثرين بالعقلانيين.
المبحث الثالث: ترجمات للطائفة السنية.
المبحث الرابع: ترجمة معاني القرآن الكريم للطائفة المتصوفة.
المبحث الخامس: دور الجماعة الإسلامية في مجال الترجمات.
المبحث السادس: مشاركة غير المسلمين في الترجمة القرآنية.
المبحث السابع: ترجمات الجماعة السلفية.
الخاتمة:
تشمل: نتائج البحث وثماره.
التوصيات والمقترحات.
جدول الترتيب الزمني للترجمات المليبارية الكاملة.
فهارس:
فهرس المصادر والمراجع.
فهرس الموضوعات.(1/2)
ونظراً إلى أن مقر عملي وإقامتي في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ واجهت في أول الأمر بعض الصعوبات في مواصلة هذه الدراسة بسبب عدم توافر المصادر اللازمة لإنجاز هذا البحث، إلاّ أنّني بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل بعض إخواننا العرب والمليباريين الذين وقفوا بجانبي تمكنت من مواصلة البحث؛ حيث جمعوا لي كل ما أحتاج إليه من مصادر ومراجع لإكمال هذا البحث من مدن مليبار وقراها، ومن داخل المملكة ودول الخليج حتى يخرج هذا البحث على الوجه المطلوب إن شاء الله تعالى.
فأسأل الله لهم جميعاً جزيل مثوبته وزادهم توفيقاً، وأكرر شكري وتقديري لمجمع الملك فهد لعنايته المستمرة بكتاب الله عز وجل ولإقامته هذه الندوة المباركة، فجزى الله القائمين على هذا المجمع خير ما يجزي به عباده الصالحين وزادهم عزّاً وتوفيقاً.
تمهيد
إنّ من أجلِّ وأعظم نعم الله علينا أن أرسل رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - بخاتمة الرسالات إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً، وأنزل كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتكفّل سبحانه وتعالى بحفظه حيث يقول: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ( الحجر 9 )
فجعله محفوظاً في الصدور متلواً بالألسنة متعبدا بتلاوته، وأمر المسلمين جميعاً بتدبر آياته وفهم معانيه وتطبيق أحكامه { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب } (ص: 29 ).(1/3)
ومنذ أن أشرق نور هذا الكتاب المعجز في أرجاء مكة حاربه الأعداء بشتى الوسائل، لكنّه بإعجازه الإلهي بلغ صداه في الآفاق حيث وصل نوره إلى كلّ بيت مدر ووبر، فدخل الناس في دين الله أفواجاً، ولقد حرص المسلمون الفاتحون من أسلافنا العرب على تعليم الأعاجم اللغة العربية حرصاً فائقاً حتى غدا كثير من هؤلاء العجم مبرّزين في اللغة العربية والتأليف فيها، إلى أن دارت عجلة الزمان فضعفت الهمم وانتكست الأمور وزاد عدد المسلمين الأعاجم فأصبحوا يؤلفون الغالبية العظمى من المسلمين في بعدهم عن اللغة العربيّة.
وكان الأعداء لهم بالمرصاد فوجدوا الميدان خصباً لبث أفكارهم وسمومهم عن طريق الترجمات، فصدرت أول ترجمة قرآنية لهم في اللغة اللاتينيّة عام 1542م وتلتها ترجمة فرنسية وألمانية عام 1647م وصدرت الترجمة الهولندية عام 1657م وتوالت الترجمات واحدة تلو الأخرى في اللغات الأوربية ثم انتقلت فيما بعد إلى اللغات الإفريقية والآسيوية حتى بلغت تلك الترجمات الكاملة والجزئية لمعاني القرآن الكريم من أعداء الإسلام إلى عام 1980م 671 ترجمة (1).
ومن هنا استيقظ علماء المسلمين وأثاروا – ولو متأخرين – قضية ترجمة معاني القرآن الكريم واشتدت المعركة العنيفة بين المجيزين والمانعين زمناً طويلا، وتدخل كبار العلماء من شتى أنحاء المعمورة حتى وضعت الحرب أوزارها مسفرة عن جواز ترجمة معاني القرآن الكريم ليتسنى لنا الوقوف أمام التيارات الجارفة من قبل المستشرقين والصليبيين والقاديانيين، وأهل الأهواء الذين جعلوا ترجمة معاني القرآن وسيلة هدم وسلاح دمار لعقائد المسلمين وقيمهم وأحكام دينهم.
فكان للعلماء المليباريين بجنوب شبه القارة الهندية نصيب كبير وحظ وافر من المشاركة في ركب الترجمات، وقد نفع الله بها فئاماً من البشرية من المسلمين وغير المسلمين.
__________
(1) د: حسن المعايرجي: الهيئة العالمية للقرآن الكريم.(1/4)
وكانت هذه الفكرة في مليبار كشأنها في كثير من بقاع الأرض محاربة منذ القدم لسبب أو لآخر، ومرت بمراحل، وتطورت الفكرة إلى أن خرجت الترجمات إلى حيز الوجود بحمد الله، فتناولها أهل الحق وأهل الباطل، كل حسب اعتقاده وميوله واتجاهه.
الفصل الأول
مليبار وعلاقتها بالإسلام والعرب
المبحث الأول: كلمة عن مليبار (كيرالا)
مليبار: هي الشريط الساحلي الغربي بجنوب " القارة الهندية " تمتد من (غوكرنم ) شمالاً إلى (رأس كماري ) جنوباً .وولاية (كيرالا) تضم الآن معظم مناطق مليبار، وما بقي من رأسها الشمالي فيقع في ولاية (كرنادكا).
مليبار اسم أطلقه العرب الوافدون إليها منذ القدم لأغراض شتى (1).
__________
(1) القاضي أحمد شهاب الدين: دليل الاتحاد – اتحاد معلمي اللغة العربية بكيرالا سنة 1991م.(1/5)
وهذه المنطقة تمتاز عن غيرها من المناطق الهندية بكثرة الجاليات العربية وانتشار اللغة العربية فيها لدرجة أن بعض المؤرخين ظنوا أن "مليبار" جزيرة مستقلة من جزر الهند الغربية يقطنها خليط من قبائل العرب من الدول العربية المختلفة (1)، وقد بلغ عدد سكانها اليوم ما يزيد على ثلاثين مليون نسمة يتحدثون اللغة المليبارية (ماليالم)، ونسبة المسلمين فيهم خمسة وعشرون في المائة، وهم موزعون في جميع أنحاء مليبار(2)، والتركيبة السكانية فيها خليط من أجناس بشرية وطوائف عرقية وفرق مختلفة ممن ينتمون إلى أديان شتى مثل البوذية، والجينية، والهندوكية، والمسيحية، واليهودية (3)، والطائفة الهندوكية بجميع طبقاتها هي الأكثرية في مليبار، ويليها المسلمون ثم أصحاب الديانات الأخرى، وكانت الديانة البوذية قد انتشرت في مليبار منذ أقدم العصور بل كانت من أكثر الديانات انتشاراً ونفوذا ً فيها، وكانت عصورها الذهبية في القرن الثالث إلى القرن السادس الميلاديين، وكانت هذه -البوذية – في بداية أمرها بعيدة عن عبادة الأوثان، ومنذ القرن السابع الميلادي اكتسبت البوذية عادة تأليه العظماء وعبادة الأصنام، ثم إن البوذية ضعفت بل انقرضت في مليبار حتى لم يبق حسب إحصائيات سنة 1986م إلا 233بوذيا، كثير منهم اعتنقوا الإسلام.(4)
المبحث الثاني: دخول الإسلام إلى مليبار:
__________
(1) السيد: عبد الرحمن الأزهري : نوابغ علماء مليبار ص 5-6
(2) الكتاب السنوي للصحيفة اليومية ( منوهرما ) ص 310.
(3) الدكتور أحمد شلبي: موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية 8 /260
(4) أبو بكر محمد الهندي – العرب واللغة العربية في مليبار نقلا عن مجلة القافلة 5/1420هـ(1/6)
يرى المؤرخون أن وصول أشعة شمس الإسلام في شبه القارة الهندية كان على مراحل ومن عدة منافذ لهذه القارة الكبرى، وكانت سماء مليبار قد تلألأت بنور الإسلام في وقت مبكر جداً، عندما كان التجار العرب يزورون موانئ سواحل الهند الغربية، والمراكز التجارية فيها (1)، ويقول الشيخ زين الدين المعبري في كتابه "تحفة المجاهدين في أخبار البرتغاليين" : "وأن الوفد الذي قدم إلى مليبار بمشعل النور والهداية يتكون من مالك بن دينار وشرف بن مالك، ومالك بن حبيب وغيرهم، وقد بنى هؤلاء جوامع ومساجد لنشر دعوة الحق في جميع أنحاء مليبار وقال: إنه كان زحفهم إلى مليبار في زمن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه (2). ويقول الشيخ الكاتب مسعود عالم الندوي رحمه الله: "إن الوفد الذي قدم إلى الهند في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مروا أولاً بتانه (بومباي ) ثم بهروج في كجرات، وكان ذلك في زمن الصحابة فلا مرية أن بعضهم وصلوا إلى الهند" (3) والله أعلم .
__________
(1) حكيم شمس الله القادري في كتابه "مليبار "ص 10-11
(2) زين الدين المعبري – تحفة المجاهدين 26-27 ومجلة "الكلية العالية "الصادرة سنة 1978م نقلاً عن الكاتب الإنجليزي المؤرخ فرشته في كتابيه المخطوطين بمكتبة الهند بلندن .
(3) مسعود عالم الندوي : مقدمة تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند.(1/7)
هذه المؤشرات التاريخية تكاد تؤكد لنا أسبقية المناطق الساحلية الجنوبية الغربية على غيرها من المناطق الهندية في احتضانها الدين الإسلامي الحنيف، وبخاصة منطقة مليبار المعروفة منذ القدم بالعلاقة الوطيدة بينها وبين العرب لكثرة ترددهم إليها، أضف إلى ذلك ما يوجد اليوم في المساجد القديمة التي يعتقد أنها بنيت في العصر الأول من صخور وأحجار منقوش عليها تاريخ التأسيس، ويرجع ذلك إلى عهد عمر رضي الله عنه (1).
المبحث الثالث : العرب واللغة العربية في مليبار
عندما دخل الإسلام إلى كثير من البلدان الأعجمية عن طريق مسلمي العرب الفاتحين، انتشرت في بلادهم اللغة العربية وبرزت اهتماماتهم بها حتى تبوأت مكانة بارزة في تلكم البلاد إلى يومنا هذا، وكان نصيب الهند من الدين الحنيف عن - طريق الفتح – جاء في وقت متأخر نسبياً عندما دخل محمد بن قاسم الثقفي في شمالي شبه القارة الهندية في عهد الدولة الأموية عام 91هـ، ولكن هذه الدعوة وتلك الدولة كانت منحصرة في مناطق السند، ثم توقفت الفتوحات في هذه القارة حتى ظلت الهند بعيدة عن أيّ فتح خارجي، إلى أن توجه محمود الغزنوي بأولى حملاته إلى حدود الهند الشمالية الغربية عام (392هـ)، ثم تابع حملاته في أرض الهند وامتد نفوذ حكم الإسلام في عصره إلى شبه القارة الهندية شمالها وجنوب غربها، ثم استمرت الفتوحات لجيوش المسلمين العجم واحدة تلو الأخرى من المماليك ثم التيموريين أو المغول (2).
__________
(1) قلت: شاهدت ذلك في منطقة كاسركود مسقط رأسي، وفيها جامع يقول المؤرخون: بناه مالك بن حبيب عضو الوفد العربي الذين قدموا من الجزيرة العربية كما في تحفة المجاهدين ص26.
(2) مسعود عالم: مقدمة تاريخ الدعوة الإسلامية بالهند.(1/8)
أما مناطق الجنوب الساحلية فقد حظيت بعلاقة العرب القديمة والجاليات العربية الوافدة إليها كما أشرنا سابقاً، يقول المؤرخون: إن العرب أتوا عبر البحار إلى كيرالا – مليبار – من عُمَان وشواطئ البحر الفارسي قبل أيام الملك سليمان عليه السلام (1000ق.م ) بمدة طويلة(1) وهذه الجاليات تُعْرف في عهد بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - بـ(الزط) و ( البياسرة) و (الأحامرة)(2).
ومرفأ ظفار الواقع على ساحل حضرموت هو مركز التجارة بين مليبار والعرب دون ما واسطة (3).
ويقول الأستاذ أحمد شلبي: "والبضائع التي كانت تنتجها قرى وأرياف كيرالا ( مليبار ) مثل الزنجبيل والفلفل والهيل كانت موجودة ومعروفة في الأسواق العربية قبل الإسلام".(4)
وقد سجل ابن بطوطة الرحالة بكل إعجاب في رحلته إلى مليبار ما رأى فيها بأم عينيه من المعالم العربية والمآثر الإسلامية والقبائل العربية. كما وجد القضاة والمدرسين والأئمة الكبار من العرب، والاهتمام بتعليم اللغة العربية والتأليف فيها (5).
علاوة على ذلك فقد استوطن مليبار أسر عربية كثيرة كانت لها علاقات متنوعة بالمنطقة، وقد سبب هذا الاستيطان امتزاج الثقافة الإسلامية بثقافة أهلها، وارتفاع مستوى اللغة العربية وانتشارها بشكل ملموس في جميع أنحاء مليبار (6) .
__________
(1) شويد رامينون المؤرخ المليباري :الحضارة الكيرلية ص18، ولعله يقصد بالبحر الفارسي ( الخليج ).
(2) د/محيي الدين الألوائي – الدعوة الإسلامية وتطورها في شبه القارة الهندية ص 164 وما بعدها.
(3) حكيم شمس الله قادري :مليبار ص11.
(4) الدكتور أحمد شلبي : موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية 8/260.
(5) ابن بطوطة: رحلة ابن بطوطة ص 555- 561.
(6) امتداداً لعلاقة المسلمين باللغة العربية فقد نجح حزب رابطة المسلمين بمليبار في وضع حصص للغة العربية في المدارس الحكومية بملبيار وجعلها من المواد الاختيارية.(1/9)
المبحث الرابع : وسائل فهم القرآن من العصر الأول إلى عصر الترجمة ومراحل تطورها
يقول الدكتور جوسف أثناء حديثه عن تأثير اللغة العربية وانتشارها في مليبار: "بما أنه لم يكن هناك ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة المليبارية اضطر المسلمون لدراسة اللغة العربية لضروراتهم الدينية"(1).
فالعلاقة الوثيقة العريقة القائمة بين العرب والمليباريين منذ القدم ساعدت كثيراً على تعلم اللغة العربية وفهم القرآن الكريم وأداء شعائر الإسلام وفهم مصطلحات القرآن، حتى أصبحت الدعوة القرآنية تنتشر بينهم بشكل سريع، وبرز من بينهم علماء ومؤلفون وفقهاء ومبدعون في اللغة العربية والشعر والنثر، وكان من أهم وسائل تلقي القرآن وفهمه في هذه الفترة:
أ-الكتاتيب
وبجانب تلقي القرآن الكريم ومعانيه عن طريق المدرسين والوعاظ والخطباء، فقد كانت الكتاتيب هي الطريقة القديمة في التدريس، وهي المتبعة لفهم القرآن الكريم ومعانيه في جميع أنحاء مليبار قروناً عديدة، حتى أصبحت سنة ثابتة لا يمكن تغييرها أو الاستغناء عنها بحال.
ويجدر التنبيه هنا على أن هذا المنهج كان هو المتبع أيضا للتعليم في تلك الأزمان في كل من الحجاز واليمن ومصر، والذين نزحوا من تلكم البلاد هم الذين نقلوا هذه الطريقة.(2)
ب- من الكتاتيب إلى المدارس
وتطورت طريقة فهم القرآن الكريم من الكتاتيب – المعاقل التعليمية لعدة قرون – إلى المدارس؛ فكانت أول محاولة لتأسيس مدرسة مستقلة للتدريس عام 1871م وكان ذلك التطور على يد"مصلياركات زين الدين"، إلا أن طريقة التدريس كانت تشبه طريقة الكتاتيب.(3)
__________
(1) الدكتور .م. جوسف . تعليم الكلمات المليبارية ص325.
(2) عبد الرحمن الأزهر: مقدمة نوابغ علماء مليبار.
(3) الأستاذ : أبو بكر محمد . مجلة القافلة 5/1420هـ في مقال له ، العرب واللغة العربية في مليبار.(1/10)
ج- وحصل بعد ذلك تطور مذهل عام 1908م عندما أسس الشيخ الفاضل :الحاج كنهي أحمد ( جاليلاكات ) – الذي يعد رائد الثورة المدرسية الحديثة – مدرسة على النهج العلمي الحديث، حتى آلت إليه رئاسة هذه المدرسة فسماها (كلية دار العلوم العربية)، وكان تعليم القرآن الكريم وتفسيره وترجمة معانيه باللغة المحلية من أهم المواد التي اعتنى بها الشيخ في بداية الأمر حتى نظم الاختبارات للطلبة لأول مرة في تاريخ التعليم الإسلامي في مليبار. (1)
الفصل الثاني
نظرة عامة حول ترجمة معاني القرآن الكريم
المبحث الأول: الترجمة في المنظور الإسلامي
إن من المعلوم تاريخيّاً أن أصل ترجمة معاني القرآن الكريم إلى أيّة لغة أخرى كان معروفاً لدى السلف الصالح، ولم يثبت لدينا عن السلف
-رحمهم الله- شيء خلاف ذلك حسب ما وصل إليه علمنا؛ لأن الترجمة في الحقيقة تقوم مقام التفسير إن لم تكن الترجمة حرفيّة كما سيأتي بيانه.
وإنَّ تفسير القرآن الكريم وتأويله من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن بعدهم أكبر شاهد وأكبر برهان على جواز الترجمة؛ لأن معنى التفسير في الواقع: هو نقل المعنى المكنون في الكلام المعجز إلى الأساليب المفهومة الميسرة القريبة إلى الأذهان طبقا للضوابط المعروفة، وكان التفسير جائزاً ومعمولا به من عصر النبوة، والقرآن الكريم يبين الله فيه عالميّة دعوته في غير موضع قال تعالى: { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً } (الأعراف: 158) .
وقال تعالى: { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } ( الأنبياء: 107 ).
وقال جل شأنه: { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون } (سبأ: 28 ).
والإسلام قد انتشر في جميع أنحاء المعمورة حيث الجماهير الجديدة الذين لا يعرفون من اللغة العربية شيئاً.
__________
(1) المصدر السابق نفسه.(1/11)
وتبليغ القرآن الكريم إلى الناس من أوجب الواجبات على المسلمين، كما قال تعالى: { قل أيّ شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ… } ( الأنعام: 19 ).
ونحن موقنون بأن المسلمين الذين شاركوا في الفتوحات الإسلامية قد قاموا بواجباتهم حق القيام في كلّ رقعة دخلوا إليها بهذا الدين الحنيف، ولا يتصور أحد أنهم أدّوا هذا الواجب باللغة العربيّة، حتى الذين تعلّموا اللغة العربيّة فيما بعد وأصبحت لغتهم الرسمية اللغة العربية؛ لأن ذلك لم يحدث في يوم وليلة بل احتاج من الزمان ما يكفي لهذا التحويل اللغوي الذي يمس حياة النّاس من جميع نواحيها، وفي فترة الانتقال هذه كيف كان النّاس يؤدون شعائر دينهم ويفهمون تعاليم القرآن؟ أظلوا يجهلون ذلك حتى تعلموا اللغة العربية أم وجدوا من يوصلها إليهم بطريقة أو بأخرى؟ لا ريب أنهم في هذه الفترة اضطروا إلى وسيلة يمكن بها فهم القرآن الكريم وتفهيمه ألا وهي الترجمة – ترجمة تعاليم الإسلام إلى لغاتهم.
وقد كان السّلف يجيزون ذلك: كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في ترجمة قوله تعالى: { بحجارة من سجيل } ( الفيل: 4 ). قال: هي بالفارسية: سنك وكل حجر وطين(1).
وجاء أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما في آية { يود أحدهم لو يعمر ألف سنة } ( البقرة: 96 ) – قال: هو كقول الأعاجم (( زه هزار سال )) أي عش ألف سنة (2) .
وكما روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:
{ طه } قال: يا رجل بالنبطيّة (3).
__________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره 30/195 وابن أبي شيبة في مصنفه 10/473 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2) أخرجه بن أبي شيبة بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما.
انظر: مصنف ابن أبي شيبة 10/473.
(3) أخرجه الطبري 16/ 102 عن ابن عباس في تفسيره، وابن أبي شيبة في مصنفه 10/472، عن عكرمة.(1/12)
وهذه الآثار وما شاكلها مما يستأنس به من يرى جواز ترجمة القرآن الكريم؛ لأن الترجمة غالباً لا تكون حرفيّة –كما يقول بعض المانعين للترجمة-.(1)
وذلك لعدم وجود مفردات مساوية لمفردات القرآن ولعدم وجود تشابه بين اللغتين في الضمائر والروابط وغيرها، الأمر الذي اضطر المترجمون بسببه إلى وضع شروح بين الأقواس أو تفاسير في الحواشي؛ ولاشك أن حكمها إذاً حكم التفسير ولا تخلو ترجمة من هذا القبيل، ومن هنا نقول: إن على المترجم أن يتقيد بجميع شروط المفسر تفادياً لوقوعه فيما وقع فيه كثير من المترجمين لمعاني القرآن الكريم.
شروط المترجم:
أولا: صحة الاعتقاد، وكل تحريف للنصوص، وخيانة في نقل الأخبار سببها الخلل في الاعتقاد وعدم اتباع منهج السلف.
ثانياً: التجرد عن الهوى؛ لأن الأهواء تدفع أصحابها إلى نصرة منهجهم.
ثالثاً: أن يستعين أولا في ترجمته بتفسير القرآن بالقرآن.
رابعاً: أن يستعين في ترجمته بتفسير القرآن بالسنة المطهرة.
خامساً: يلجأ المترجم إلى أقوال الصحابة أو التابعين إذا لم يجد التفسير في القرآن والسنة.
سادساً: على المترجم أن يكون عالماً باللغة العربية؛ فإن القرآن نزل بلسان عربيّ مبين.
سابعاً: كونه متمكنا في اللغة التي يريد أن يترجم إليها. (2)
المبحث الثاني: اللغة المليبارية ومدى نجاح الترجمة إليها.
__________
(1) دكتور: حسن المعايرجي في كتابه " الهيئة العالمية للقرآن الكريم ضرورة للدعوة والتبليغ " ص 16 يقول الدكتور حسن: إن الترجمة محاولة لتقريب كلام رب العالمين بلغة غير عربية لأن كثيرا من الترجمات تكاد تكون ترجمة حرفية للقرآن الكريم.
(2) الشيخ الزرقاني : في مناهل العرفان 2/9، ومناع القطان مباحث في علوم القرآن بتصرف 329-330.(1/13)
اللغة المليباريّة (( مليالم )) هي إحدى اللغات الهنديّة الرئيسة اليوم، وهي مكتوبة في الأوراق النقدية الحكومية المسماة بـ (( روبية ))، وهي اللغة التي يتحدث بها ما يزيد على ثلاثين مليون نسمة من سكان الهند.
وأصل هذه اللغة يعود تاريخها إلى زمن (( درافيد )) الذين قدموا إلى جنوب الهند من وادي السند منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وامتزجوا بسكان الهند الآريّين وكانت لغتهم سنسكرتية (1) .
ومن هنا تولدت اللغة المليباريّة ( مليالم ) مزيجة بتركيبة مميزة ذات طابع جديد بليغة في الأداء والتعبير صعبة في النطق كثيرة الحروف من بين اللغات الهندية الأخرى، حيث يبلغ عدد حروفها ثمانية وأربعين (48) حرفاً وتعد اللغة (( التامل )) و (( كرنادك )) و (( تالنغو )) من أخوات اللغة المليبارية لأنها جميعاً من لغات الداراويديين (2).
ولا شك أنّ كلّ لغة في طيّاتها المعاني والكلمات والمضامين الخاصّة بأهلها من عادات وتقاليد واعتقادات وعبادات وطقوس. وعند مقارنتنا اللغات الأعجمية باللغة العربيّة نجد الفرق بيّناً في المدلولات والمفاهيم.
__________
(1) د/ ضياء الرحمن الأعظمي: فصول في أديان الهند.
(2) الموسوعة العلمية العالمية 3/175.(1/14)
وكانت هذه اللغة في الأصل لقوم يعبدون الأصنام والأوثان منذ آلاف السنين، وكانت الكتب المقدسة لديهم مكتوبة باللغة السنسكرتية التي لا تستخدم ولا يعرفها إلاّ خواصّهم (1). والقرآن الكريم قد أهدى للبشرية كلمات ومصطلحات لها مدلولاتها الخاصّة ومعانيها النبيلة.
من هنا تكمن الصعوبة في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى هذه اللغة، ربّما الكلمة الواحدة تصل ترجمتها إلى سطر كامل حتى يفهم القارئ الفهم الصحيح.
ولاشك أن المترجم كلما كان متمكناً في اللغتين العربية والمترجم إليها كانت الترجمة سليمةً من الأخطاء مفهومة للقراء، وإلاّ نجد المترجم يتخبط خبط عشواء، لا يدري ما يقول، وهذا عمل شنيع لا تقبله الساحة الأدبية فكيف بكتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟
وليس المهم أن نترجم ونكثر من عدد الترجمات بل المهم أن نعطي للترجمة حقها؛ لأنّها إما تكون أداة بناء وإصلاح إذا التزم المترجم الأمانة العلمية وأدّى للكلمات حقوقها اللغوية والبلاغية والنحويّة ولم يخرج من دائرة الهدف الذي يدور حوله كلام الله العزيز.
كما أن الترجمة تكون –أيضاً- معول هدم للهدف الذي أنزل القرآن لأجله إذا اتجه المترجم إلى التأويل المنحرف حسب ما يملي عليه هواه وصرف معنى كلام الله إلى حيث يريد هو.
وهل هناك جريمة أعظم من أن يتجرأ المرء على كلام الله سبحانه وتعالى، فيحاول تحريفه وتأويله ومنعه عن القراء القاصدين الحقّ والحقيقة
__________
(1) يقول الأستاذ محمد فريد وجدي في مقدمة (تفصيل آيات القرآن الحكيم) الذي وضعه جول لابوم الفرنسي: "أما عمل المستشرقين في الهند فيعتبر من مفاخرهم ولا تنس أن رافع علمهم الدكتور: (ماكس موللّر ) الألماني الذي له اليد الطولى في حلّ رموز السنسكرتية قد أثبت أن الناس كانوا في أقدم عهودهم على التوحيد الخالص وأن الوثنية عرضت عليهم بفعل رؤسائهم الدينيين بغياً بينهم".(1/15)
-حقيقة التوحيد– عبادة الله وحده لا شريك له، ولعل هذا من الأسباب التي جعلت بعض العلماء المليباريين الأسلاف يصرفون أنظارهم عن القيام بالترجمة برهة من الزمن، والله أعلم.
المبحث الثالث: تطور جديد بنضوج فكرة الترجمة
سبق أن أشرنا إلى أن البلدان التي فتحها المسلمون العرب حظيت معظمها بتعلم اللغة العربية، وبرز اهتمام الناس بها؛ وذلك لحبّهم للإسلام والقرآن والعرب، ولله الحمد والمنّة.
إلاّ أن القارة الهنديّة لم تحظ بهذه الميزة؛ لأن الفاتحين لها كانوا عجماً من المغوليين أو الغزنويين وغيرهم. وجهود الشعب ليست كجهود الدولة، واهتمامات الأفراد محدودة؛ لذا لم تقم في مليبار للعربيّة قائمة إلا ما حصل من بعض الكتاتيب والمساجد والمدارس فحسب، ولغة الدولة هي اللغة المليباريّة الهنديّة، ومعاني القرآن الكريم لازالت حكراً على الدارسين والعلماء، والقرآن يدعو البشرية إلى التدبر والتفكر والدراسة { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } (سورة محمد: 24).
ومن هذا المنطلق بدأ بعض العلماء الأفذاذ والكتاب المتمكنين في إعداد ترجمة لمعاني القرآن الكريم في اللغة المحليّة المليبارية (مليالم)، ولاسيما بعد أن اضمحل ذلك الجوّ المشحون بتعاليم الإسلام واهتمامات الشعب باللغة العربية، بسبب انتشار الجهل، وقلة الاهتمام بأمور الدين في القرون المتأخرة كما قال - صلى الله عليه وسلم - :"لا يأتي عليكم زمان إلاّ والذي بعده أشر منه"(1).
وكان للأفكار الصوفية المنحرفة الدخيلة عن طريق المغول والغزنويين دور كبير في ذلك التراجع والاضمحلال.
__________
(1) صحيح البخاري رقم 7068 والترمذي رقم 2206، واللفظ للبخاريّ.
ولفظ الترمذي ( ما من عام إلاّ الذي بعده شر منه ) عن أنس، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.(1/16)
ومن هنا نهض أهل الحق للتفكير الجاد المثمر البناء في إنقاذ الأمّة، مصداقا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله"(1).
ومما يؤسفني أنني بعد بحث طويل لم أعثر على كتب التاريخ التي تتحفنا بالمعلومات والأخبار عن فترة ما بين العصور الذهبيّة – عصور الصناعة والتأليف في اللغة العربية وتلقي القرآن الكريم والتفاسير مباشرة من أفواه المدرسين والوعاظ -وبين العصور المتأخرة في العلم والمعرفة، حيث نجد هناك بوناً كبيراً وفرقاً شاسعاً بين هاتين الفترتين.
الترجمة بين المؤيدين والمعارضين:
سبَّبَ نهوض أهل الحق للتفكير الجاد في ترجمة معاني القرآن إزعاجاً كبيراً لأهل الأهواء، فسرعان ما انتبهوا لخطواتهم المباركة ووقفوا لها بالمرصاد، وبدؤوا يعارضون وينتقدون فكرة الترجمة بشتى الوسائل، والمؤيدون أيضا حاولوا من جهتهم الدفاع عن فكرتهم بكل ما أوتوا من قوة.
وكانت الطائفة المنتسبة إلى السنة المتأثرة بالأفكار الصوفية في مقدمة المعارضين لهذه الخطوة الميمونة.
ولعل السبب في ذلك يعود إلى الأمور الآتية:
= خوفهم من معرفة الناس الذين يحسنون الظن بهم خباياهم وحقيقتهم.
= خوفهم من اطلاع الناس المخدوعين بهم على حقيقة التوحيد المخالفة للأفكار الصوفيّة التي تبدأ بحب الصالحين وتعظيمهم وتنتهي بهم إلى وحدة الوجود والإشراك بالله.
لذا كان الانتقاد من جانبهم شديداً وبأساليب متنوعة؛ حيث عقدت جلسات تلو الجلسات، حتى صدرت الفتوى أخيراً بحرمة القيام بالترجمة، بحجة أن غير المسلمين سوف يطلعون عليها ويتداولونها فتذهب قداسة القرآن.
__________
(1) صحيح البخاري رقم الحديث (71) وأبو داود 4232 واللفظ له.(1/17)
ورغم هذه الاعتراضات أو الانتقادات ضد الترجمة فإنه لم يكن لها تأثير يذكر إلاّ بعد صدور الترجمات وظهورها إلى حيّز الوجود، بدليل أن بعض العلماء المانعين للترجمة قد قام بالترجمة وألف كتاباً يسوغ فيه موقفه، ويبرهن على صحة عمله كما سيأتي تفصيله (1).
وهناك من انتقد الترجمة من باب آخر وهو:
أن الترجمة فيها انتقاص لقداسة القرآن الكريم ومكانته وعظم شأنه؛ حيث يتناولها الجميع دون احترام وتبجيل، ولاسيما عند من يرى وجوب الطهارة لحمل القرآن الكريم، لذا حاول بعض المترجمين فيما بعد تجريد النص القرآني من الترجمة، إرضاء لمن يحمل هذا الرأي وتسهيلا لنشرها على غير المسلمين أيضا(2) وهذا بحث يُثيره علماء الشافعية في مليبار بين فينة وأخرى، ولا أريد الخوض فيه؛ لأنه نقاش سبقت دراسته دراسة مستفيضة.
مخاوف من بعض أهل الحق
بينما سادت فكرة الترجمة في الأجواء العلمية بمليبار وعلا صوتها وتناولها الكتاب والمثقفون بين أخذ وردّ، أصبح لدى بعض المؤيدين تردد ومخاوف؛ وذلك أن باب الترجمة إذا فتح وأعُطي المجال كلّ من هب ودب وترك الحبل على الغارب أدى ذلك إلى الفوضى.
وقد حصلت ضجّة كبيرة في هذه النقطة الحساسة عندما صدرت أول ترجمة قاديانيّة في اللغة الإنجليزية، ثم ترجمت إلى معظم لغات العالم، وذلك لمحمد علي من أتباع المتنبي ميرزا غلام أحمد القادياني، وكان لهذه الفئة الضالة في أول أمرها حزب واحد فانقسموا بعد موت المتنبي ميرزا إلى حزبين.
أحدهما: القاديانية التي مركزها بلدة قاديان مسقط رأس المتنبيّ، وكان رئيسها ميرزا بشير الدين أحمد ابن المتنبي.
__________
(1) راجع المبحث الثالث من الفصل الثالث من هذه الدراسة.
(2) وممن أخرج الترجمة مجردة عن النص القرآني: الشيخ وي. يم. سليم، والشيخ: كنهي محمد، وسماها: محتوى القرآن، وطبعت سنة 1998م في مجلد.(1/18)
وثانيهما: حزب اللاهوري ومركزه عاصمة بنجاب – لاهور –، ورئيس هذا الحزب محمد علي صاحب الترجمة الإنجليزية، وكلا الحزبين قام بترجمة معاني القرآن الكريم بالإنجليزية وانتشرت هذه الترجمة في جميع مناطق (( شبه القارة الهنديّة )) بل في كلّ من أوربا وأمريكا وإفريقيا .
وسوف نعود إلى نماذج من تحريفاتهم إن شاء الله.
وفي الواقع، الذي يرى ويقف على مثل هذه الترجمات يكاد يؤيد آراء المعارضين للترجمة، خوفاً من وقوع أبناء المسلمين فريسة لهذه الأفكار الزائفة الهدامة، والضلالات المبثوثة في حواشي تلك الترجمات فالله المستعان.
ولمعرفة علماء الأزهر خطورة هاتين الترجمتين وأمثالهما من الترجمات المنحرفة باللغة الإنجليزية، فقد منعت جامعة الأزهر عام 1925م من دخولهما إلى مصر كما أمرت بإتلاف ما دخل منهما. أشار إلى ذلك الدكتور أحمد إبراهيم مهنا في دراسته حول ترجمة القرآن الكريم (1).
هذه بعض المخاوف التي انتابت أهل الحق برهة من الزمان ثم زالت.
خلاصة القول أن المانعين من ترجمة معاني القرآن الكريم على قسمين:
الأول: منعوا خوفاً من القرآن – أي من هيمنة القرآن على أفكارهم الزائفة والقضاء عليها { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن } (المؤمنون: 71 )
والقسم الثاني: منعوا خوفاً على القرآن وحفاظاً عليه واحتراماً لقدسيته، وهو في الحقيقة تقديس في غير محله؛ لأن القرآن نزل إلى عامة البشر ورسالته عالمية { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا } (الأعراف: 158 )
رأي جديد غير سديد:
وقد ظهر في الآونة الأخيرة رأي جديد حول الترجمة من بعض إخواننا أهل الحق ( نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً ) حيث يرون منع ترجمة معاني القرآن؛ وذلك بحسن النية والغيرة على الحق، وبحجّة تقريب المسلمين إلى كتاب الله الكريم. وأدلة أصحاب هذا الرأي:
__________
(1) دراسة حول ترجمة القرآن الكريم ص 14-16.(1/19)
1- على المسلمين جميعاً أن يتعلموا اللغة العربية وجوباً.
2- الترجمات تعيقهم عن التعلم وتساعدهم على الاتكال.
3- لم يقم أحد من السلف بترجمة كامل معاني القرآن الكريم رغم كون معظمهم من العجم في عصر الفتوحات.
ورائد هذا الفكر: الشيخ محمد سلطان المعصومي المكي المتوفى 1379هـ(1). وقد سبقت الإشارة إلى إزالة مثل هذه الشبه عند كلامنا في الفصل الثاني على الترجمة في المنظور الإسلامي فلا أعود إليها.
إلاّ أن مسألة وجوب تعلم اللغة العربية يحتاج التوقف عندها؛ لأنها بحاجة إلى دليل وإنما أوجب الشرع تعلم ما لابد منه لصحّة أداء شعائر الإسلام كالصلاة، أمّا ما عدا ذلك فلا نستطيع إجبار المسلمين على ما لا طاقة لهم به، كيف وقد اعتبر الله سبحانه وتعالى اللغات من آياته وعظيم قدرته حين قال { واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين } ( الروم: 22 )؟
لكن علينا أن نشجع المسلمين وأبناء المسلمين على تعلم اللغة العربية كي يستمتعوا عند سماع كلام الله ويخشعوا فيزيد بذلك إيمانهم كما قال تعالى { تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } ( الزمر:23).
المبحث الرابع: صدور أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم في اللغة المليبارية ( مَلَيالم )
لم أعثر على أيّة ترجمة في هذه اللّغة حتى بداية القرن الثالث عشر الهجري حسب ما وصل إليه العلم.
ولعلّ سبب تأخيرها -كما يقول الشيخ عمر المليباري رحمه الله- أن معظم المسلمين في هذه المنطقة ( كيرالا ) كانوا أميين إلى عهد قريب، ووسائل التعليم آنذاك كانت بدائية بحتة، ووجود ترجمة لمعاني القرآن كوجود نسخة أخرى له لا يسمن ولا يغني من جوع، باستثناء من يقرأ القرآن وهم قلة (2).
__________
(1) المعصومي: تمييز المحظوظين عن المحرومين 25- 26 – 66، 70.
د/ حسن المعايرجي/ الهيئة العالمية للقرآن الكريم 26.
(2) مقدمة ترجمة القرآن الكريم للشيخ عمر.(1/20)
فكان أول من قام بترجمة معاني القرآن الكريم وتجشّم هذه المهمّة الشاقّة في جوّ مليء بالمخاوف: الشيخ العلاّمة والشاعر المشهور في عصره: محيي الدين بن عبد القادر المعروف بـ: (( ماحين كوتي أليا ))، وسماها بـ ((ترجمة تفسير القرآن)) وهي تقع في ثلاثين جزءاً من ستة مجلدات.
وقد بدأ الشيخ ترجمته سنة 1272هـ وانتهى في سنة 1287هـ.
وكان الشيخ ماحين كوتي متمكّناً في شتى العلوم الدينيّة - كما كان دأب علمائنا القدامى – وفريداً في قدراته في الفقه والفتاوى.
ردّة فعل المعارضين فور صدور هذه الترجمة:
وقد حصلت ضجّة كبيرة في مليبار عندما ظهرت مخطوطة هذه الترجمة لأول مرّة؛ حيث بدأ المعارضون يشنّون حملاتهم الاستنكاريّة والعدوانيّة ضدّ هذا العمل الجليل الذي لم يسبق إليه أحد من أسلافه، حتى وصلت جرأتهم إلى رمي نسخة من هذه الترجمة الكبيرة في البحر(1).
والشيخ ماحين كتي من أسرة عريقة، ومتزوج من أسرة ثريّة ملكيّة مشهورة في كننور، علاوة على ذلك فهو عالم مشهور بلا منازع، كلّ ذلك ساعده على إخراج هذه الترجمة رغم استنكار المعارضين، ورغم صدور فتاوى من علمائهم ضد المترجم الأول، حتى إنّه تمكن من إنشاء مطبعة خاصّة سنة 1286هـ قرب قصر زوجته بـ آراكال فطبع المجلد الأول سنة 1289هـ واستمرت الطباعة حتى 1294هـ حيث صدرت المجلدات كلها بعد جهد جهيد دام اثنين وعشرين عاماً.
الحروف المستخدمة في الترجمة:
__________
(1) د/ محمد بشير في رسالته عن ترجمات القرآن وتفاسيره ص 78.
قلت: لولا عناية الله لهذا الشيخ الجليل بأن جعله من أسرة عريقة وغنيّة وتزوج من أسرة ملكية مرموقة لحاولوا اغتياله، كما هدد جماعة من شمال الهند بقتل الشيخ شاه ولي الله الدهلوي المتوفى سنة 1176هـ، عندما عزم على ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفارسية، أخبرني بذلك الشيخ صفي الرحمن المباركفوري صاحب كتاب (( الرحيق المختوم )).(1/21)
وهذه الترجمة – وإن كانت باللغة المليبارية – إلاّ أنّ حروفها عربيّة؛ لأن اللغة المليباريّة ( مليالم ) كانت محاربة من قبل بعض المسلمين قديما؛ خوفا منهم أن يتأثر أبناء المسلمين بكتب الهندوس، حيث كانت كلّها باللغة المليبارية وليس للمسلمين آنذاك مؤلف في هذه اللغة إلاّ نادراً، فلما اشتدّت محاربة بعض علماء المسلمين وتخويفهم من المخاطر المحتملة، اضطروا إلى إيجاد شيء بديل للتفاهم والتخاطب والمراسلات بينهم، فتولَّدت لديهم فكرة إنشاء لغة جديدة باسم (( المليباريّة العربية )) أي المليباريّة بالحروف العربية، بأساليب قديمة غير متطورة، والشيخ (( ماحين كتي )) قام بالترجمة باللغة المليبارية المكتوبة بالحروف العربيّة، يقول سماحة الشيخ محمد الكاتب رحمه الله في مجلته المرشد:
"لقد حاول الكثيرون القيام بترجمة القرآن الكريم إلى اللّغة المليباريّة في عصور مختلفة، وكانت الترجمة الأولى التي تمت بنجاح هي ما أعده الشيخ:
(( ماحين كتي أليا )) وذلك قبل قرن من الزمان وطبعها في اللغة المليباريّة المكتوبة بالحروف العربيّة" (1).
ترجمة وتفسير:
يبدو للمطلع على هذا السّفر الضخم أنّه ليس ترجمة لمعاني القرآن الكريم فحسب، وإنّما هو ترجمة، وفي الوقت نفسه تفسير للآيات القرآنيّة، والعمدة في إعداد هذا الجهد العظيم: تفسير ابن جرير الطبري وتفسير الجلالين المحلي والسيوطي رحمهما الله.
سقوط السد المنيع
وبتقديم الشيخ محيي الدين ( ماحين كتي ) هذا المؤلف المبارك انفتح الطريق الذي كان مسدوداً منذ اثني عشر قرناً أمام الكتاب والباحثين.
__________
(1) محمد الكاتب – مجلة المرشد 5-7-1967م.(1/22)
ومن هنا بدأت الترجمات تصدر واحدة تلو الأخرى في طول مليبار وعرضها، ففرح المؤمنون بنصر الله فكان لأهل الحق في هذا المجال نصيب كبير وحظ وافر، ولأهل الأهواء أيضاً جولات وصولات، حيث بلغ عدد الترجمات مع التفاسير في اللغة المليبارية ما يقارب خمسين مؤلفاً إلى يومنا هذا، منها ما هو كامل، ومنها الأجزاء والسور المختارة من القرآن الكريم.(1)
والجدير بالذكر أن هذه الترجمة رغم مكانتها في القدم وغزارتها في العلم وضخامتها في الحجم لا تزال حبيسة الرفوف بالمكتبات القديمة، تراثاً لا يستفاد منها في الوقت الحاضر. لأن اللغة المستخدمة لإعداد هذه الترجمة قديمة جدّاً لا يتقنها جيل اليوم إتقاناً جيّداً، ومعظم كلماتها انقرضت وأصبحت منذ ربع قرن مهجورة لدى جميع فئات المسلمين، حتى الكتابة بالحروف العربيّة أصبحت غريبة اليوم نتيجة للجهود التي بذلها العلماء والمثقفون في مليبار لنشر اللغة المليباريّة والثقافة الإسلامية عن طريق وسائل التعليم ومناهجه في المدارس الحكوميّة والأهليّة كافة علماً بأن اللغة العربية في ولاية كيرالا – مليبار – تدرس في جميع المدارس الحكومية – مادة اختيارية، كما تدرس في الكليات والمدارس الأهلية الإسلامية كافة مادة أساسية.
تطور ونموذج رائع:
قبل أن نلقي الضوء على بعض الترجمات ذات الاتجاهات المتباينة والمختلفة في الفصل المخصص لذلك، أود أن أعرض هنا نموذجاً للترجمة التي صدرت في منتصف القرن العشرين الميلادي التي تتفق في اللغة مع الترجمة الأولى السابق ذكرها. ألا وهي ترجمة الشيخ الفاضل عمر أحمد المليباري رحمه الله، الذي كان حامي حمى التوحيد في عصره بمنطقة مليبار (2).
__________
(1) مجلّة الأنصار عدد 8 أكتوبر 1961م ص 20-23، ومجلة: الثقافة الهندية عدد 26/1975م.
(2) الشيخ عمر أحمد المليباري المتوفي سنة 1421هـ أحد خريجي كلية الشريعة بالرياض سنة 1387هـ.(1/23)
ففي الوقت الذي يجري فيه العمل وتبذل الجهود على قدم وساق لرفع مستوى المسلمين، الذين طغت عليهم الأمية وأخَّرتهم في التعليم والحضارة، كان المحاربون للُّغة المليبارية ( مليالم ) اللغة الأم هم الأكثرية في مليبار، وقد ساد فيهم الجهل والبدع والخرافات أكثر من غيرهم، وبدأت تكثر في تلك اللغة ( المليبارية العربية ) مؤلفاتهم وتراتيل وقصائد تبعدهم عن الانشغال بكلام الله وحفظه وتعلمه وتعليمه، فرأى بعض علماء التوحيد ضرورة العمل لإيجاد ترجمة في اللغة نفسها ( المليبارية العربية ) علماً بأنه صدرت ترجمات عديدة في اللغة المليبارية ( مليالم ) في هذه المرحلة.
ويبدو لي - والله أعلم – أن سبب اختيار الشيخ عمر للحروف العربيّة للترجمة مع كون أهلها من المقدسين لها والمنكرين للحروف الأخرى - أي اللغات الأخرى -بدون وجه حق، لعل ذلك رغبة منه في تمكينه من أداء واجب الدعوة – دعوة التوحيد – من خلال ترجمته.
كلمة موجزة عن ترجمة الشيخ عمر رحمه الله:
في عام 1955م ألَّف الشيخ عمر أحمد ترجمة كاملة لمعاني القرآن الكريم في اللغة المليبارية المكتوبة بالحروف العربية، وهذه الترجمة بذل فيها الشيخ عمر جهوداً جبّارة يشكر عليها، حيث وضع ترجمات معاني الكلمات أولاً بوضوح، ثم يأتي لتفسير تلك الآيات بأسلوبه الخاص، مستعيناً بأمهات كتب التفسير المعروفة – كتفسير الطبري وابن كثير والشوكاني - علاوة
على التفاسير المشهورة مثل تفاسير الرازي، والزمخشري، والسيوطي
وغيرهم.(1/24)
وكان اهتمامه البالغ في هذه الترجمة بالتركيز على المسائل العقدية، والهجوم الشديد على أهل الشرك والأهواء؛ حيث كان الشرك بجميع أنواعه منتشراً في مليبار، بحكم اختلاطهم بأهل الشرك وتأثرهم بعادات المشركين وعبدة الأوثان، ولكون بعضهم قريب عهد بالإسلام فرواسب الشرك أحاطت ببعضهم كإحاطة السوار بالمعصم، وقد أجاد الشيخ رحمه الله في هذا المجال في كامل ترجمته، وأفاد أيضاً إفادة عظيمة رغم الانتقادات اللاذعة الموجهة إليه من قبل المبتدعة وأعداء التوحيد.
وقد صدرت هذه الترجمة الضخمة في ستة مجلدات يحتوي كل مجلد على خمسة أجزاء من القرآن الكريم.
وكان صدور المجلدات كالتالي:
المجلد الأول: 1955م.
المجلد الثاني: 1958م.
المجلد الثالث: 1960م.
المجلد الرابع: 1962م.
المجلد الخامس: 1963م.
المجلد السادس: 1965م.
علماً بأن كلّ مجلد يزيد على أربعمائة صفحة.
الفصل الثالث: بعض الترجمات في الميزان
ويحتوي على سبعة مباحث:
المبحث الأول: الترجمة القاديانية
الترجمات القاديانية من أخطر الترجمات المنحرفة الموجودة الآن في المكتبات الإسلامية .
والقاديانيون هم أتباع ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى النبوة منذ قرن ونصف قرن تقريبا في شبه القارة الهندية، والمولود في قرية قاديان - الواقعة في الهند اليوم- سنة 1840م والمتوفى سنة 1908م (1).
__________
(1) د. غالب بن علي العواجي: فرق معاصرة 2/490 و 561.(1/25)
وهي نحلة ذات طابع ديني في الظاهر وهي وليدة الاستعمار البريطاني، وخطورة هذه النحلة تتمثل في أنهم يعطون صورة براقة عن حبهم لكتاب الله وأنهم يقدسونه؛ وفي الوقت ذاته يستخدمون آياته في ترويج مفترياتهم ونشر معتقداتهم الباطلة بتفسيرها وترجمتها بما لا يتفق مع مقتضيات اللغة تارة، وبما يخالف ما أجمع المسلمون عليه تارة أخرى (1)، ولهذه النحلة نشاط كبير وتطور هائل في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم؛ منذ بدء الترجمة في اللغات الأجنبية.حيث صدرت ترجمة القرآن الكريم لأحد زعمائهم: محمد علي عام 1918م في اللغة الإنجليزية.
كما صدر القرآن الكريم مع ترجمة إنجليزية وشرح بإشراف مالك غلام فريد سنة 1969م.
كما ظهرت الترجمة الإنجليزية لوزير الخارجية الباكستانية سابقاً محمد ظفر الله خان القادياني.
وكتاب مختصر لترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنكليزية كتب مقدمته الميرزا بشير الدين الخليفة الثاني للمسيح الموعود – حسب ادعائهم –وقد طبع سنة 1963م في ثلاثة أجزاء كبار طبعه مالك غلام فريد (2).
ولهذه الفئة الضالة نشاط قوي وملموس في جميع أنحاء العالم وبخاصة في بلاد أوربا وأمريكا والقارة الإفريقية، ويبدو أن مصادر تمويلهم سخية وغنية، ويركزون في نشر معتقداتهم الباطلة على ترجمة معاني كتاب الله العزيز إلى اللغات العالمية.
الترجمة المليبارية للنحلة القاديانية:
ومن جهودهم الجبارة إصدار ترجمة لمعاني القرآن الكريم في اللغة المليبارية التي نحن بصددها، أَعدَّها: محمد أبو الوفاء – ونشرها عام 1991م.
وقد اعتمد في ترجمته على الترجمة الإنجليزية لبشير علي صاحب، وعلى الترجمة الأردية لميرزا بشير الدين، ثم طبع هذه الترجمة في إنجلترا تحت إشراف (( المنشورات الإسلامية ( القاديانية ) الدولية المحدودة )).
__________
(1) المصدر نفسه 2/572.
(2) د/ أحمد المهنا: دراسة حول ترجمة القرآن ص 154.(1/26)
ويبلغ عدد صفحاتها 1180صفحة، إضافة إلى شرح موجز لترجمة الجزء الأخير من القرآن الكريم.
الأفكار المدسوسة خلال الترجمة
تعطي هذه الترجمة صورة واضحة عن معتقدات القاديانية، فالنص العربيّ - القرآن الكريم - يقابله الترجمة اللفظية، ثم تأتي في الحاشية التعليقات المسمومة منها: تحريف معنى قوله تعالى: { ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام }
( المائدة: 75 ).
قال المترجم القادياني في كلمة ( خلت ): معنى خلا فلان أي مات، فعيسى بن مريم مات كما مات سائر الأنبياء.
وتناقض المترجم مع نفسه عندما ترجم كلمة ( خلت ) في قوله تعالى: { قد خلت من قبلكم سنن…. } ( آل عمران:137 ) فقال: خلت بمعنى مضت.
والمعروف من الدعاوى الكاذبة لدى القادياني ميرزا غلام: أنه ادعى بعد دعوى الإلهام أنه المسيح الموعود، حيث قال في ضميمة الوحي: "وأتى المسيح الموعود مجاهراً بأمر الله العلام ليظهر الله ضياءه التام على الأنام بعد الظلام" (1).
فكيف تتفق هذه الادعاءات الكاذبة مع ترجمة أبي الوفاء في قوله
( خلت ) أن عيسى عليه السلام مات مثل سائر الأنبياء؟ وهذا تناقض عجيب.
باب النبوة مفتوح:
__________
(1) ضميمة الوحي ص 12 نقلا عن كتاب فرق معاصرة د/ غالب العواجي 2/518.(1/27)
حاول المترجم القادياني أبو الوفاء -تقليداً لأشياخه- أن يثبت بواسطة بعض الآيات القرآنية استمرار الوحي الإلهي في كل زمان ومكان، وأن سلسلة الأنبياء لم تنقطع، والأنبياء سيظهرون في كل مكان من وقت إلى وقت، فيقول عند ترجمة قوله تعالى: { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماً } ( الأحزاب: 40 ) : إن معنى (( خاتم )) الأفضل أو الكامل؛ فمثلاً إذا قلنا عن أحد خاتم الشعراء أي أفضلهم، فكذلك خاتم الأنبياء أفضلهم، وأن أفضلية أحد لا تدل على خاتميته، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أعظم وأكمل الأنبياء جميعا ولكنه ليس آخر الأنبياء (1).
وكذلك ترجم قوله تعالى: { يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده } ( سورة غافر: 15 ): أي الوحي المستمر (2).
وترجم قوله تعالى: { يأتي من بعدي اسمه أحمد } (سورة الصف: 6): أنّ المقصود به ميرزا غلام لأنه يحمل اسم أحمد.
وترجم آية { ويتلوه شاهد منه } ( سورة هود: 17 ) قال: المقصود بكلمة شاهد هنا هو المسيح الموعود وهو ميرزا غلام.
وترجم الآية الكريمة: { يا معشر الجن والإنس } (سورة الرحمن: 33): المقصود بالجن (( الدكتاتوريون )) والإنس ((الشيوعيون)).
وكلّ هذه التأويلات وغيرها مما ملأ أبو الوفاء ترجمته بها لإثبات مهدويّة القادياني وعيسويته مرّة ونبوته مرة أخرى، من تلفيقات القادياني وأعوانه وخلفائه، لا يقبلها إلا غافل فارغ من العلم الشرعي، وجاهل باللغة العربية وبالدين الإسلامي.
__________
(1) هذه ترجمة لا يقبلها العقل ولا النقل، والخاتم في اللغة آخر الشيء ونهايته.
انظر مادة ختم في المصباح المنير 1/ 175، لأحمد المقري الفيومي.
(2) ترجمة أبو الوفاء سورة غافر الآية رقم 15.(1/28)
ونحن لسنا بصدد إيراد كل ما حرف وبدّل هذا الرجل في ترجمة معاني القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويكفي للقارئ هذه النماذج للوقوف على جرأة أبي الوفاء وأمثاله بالافتراءات والأكاذيب على كتاب الله كي يسيّره حسب ما يملي عليه هواه ويوافق أفكار المتنبي ميرزا غلام.
ومما نستبشر به هنا أن هذه الترجمة ليس لها انتشار كبير في مليبار، لأن دعوة القاديانيّة في صفوف المسلمين ضئيلة جداً ولله الحمد، وتعد مليبار من أقلّ المناطق تأثراً بهذه النحلة الضالة حتى اليوم، وأهل الحقّ لهم بالمرصاد ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المبحث الثاني: ترجمة بعض المتأثرين بالعقلانيين:
العقلانيون: هم الذين يعتمدون في آرائهم على عقولهم القاصرة دون الالتفات إلى النقل، فيأخذون ما وافق هواهم ويتركون ما سوى ذلك.
ومن المؤسف جداّ أننا وجدنا في صفوف المسلمين -بل ممن ينتمي إلى العلم والمعرفة- من تأثر بتلك الأفكار الدخيلة.
يقول صاحب كتاب (( العقلانيون )): "كان من أكبر المصايد التي أوقع الشيطان الرجيم بها ( العقلانيين ) وأشياعهم، مقابلة نصوص الوحي كتاباً وسنّةً -سواء منها ما كان متعلقاً بالغيب أم التعبديّات أم المعجزات – أمام العقل البشري القاصر بحدوده وتفكيراته ونظرته المادّيّة المحضة …. فإنكارهم لكثير من الغيبِيَّات الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهّرة، ناتج عن عدم موافقة عقولهم لها جرّاء تلك النظرة المادية الخالصة، وإبطالهم للمعجزات … صادر من ذلك النهج العقلاني ذاته وتحريفهم لصفات الباري جل وعلا نبع من قياسهم ( العقلاني ) الواهي الشاهد على الغائب …".(1)
ومن نماذج ترجمة هؤلاء العقلانيين لمعاني القرآن :
ترجمة سي. ين. أحمد مولوي:
__________
(1) العقلانيون: علي بن حسن بن علي الحلبي الأثري 77-78.(1/29)
فبعد أن ظهر الضوء الأخضر للمترجمين في الساحة العلمية، بدأ عدد كبير يدلي بدلوه في مجال الترجمة، منهم من أحسن وأجاد، ومنهم من أساء إلى كتاب الله ووقع في الفساد، وكان من بينهم الشيخ: .سي.ين. أحمد مولوي، وقد صدرت ترجمته عام 1953م وكان عليها إقبال شديد من القراء لكونها أول ترجمة كاملة في هذه اللغة بالأحرف المليباريّة، ولأنها تمتاز بجودة الأسلوب ودقّة العبارة والأصالة في اللغة، حتى كانت سببا لشهرة صاحب الترجمة لدى الخاصّة والعامّة، وانتشرت الترجمة سريعاً انتشاراً واسعاً وذاع صيت المؤلف لدى الحكومة المليبارية، وحصل على مساعدة مالية من الحكومة لإكمال طباعتها، حتى تأهل بواسطة هذه الترجمة للجائزة الحكوميّة الكبرى فيما بعد.
لعّل القارئ يستغرب ويتساءل: لم كلّ هذا الاهتمام؟ وكيف حصل على هذه المميزات التي لِمَ يحلم بها ولم ينلها المؤلفون الكبار والأدباء العظام في مليبار؟ وما سرُّ هذه الترجمة؟؟
في الواقع إن الساحة الأدبية كانت تنظر إلى الترجمة من زاوية معينّة، زاوية الأدب والبلاغة ودقة التعبير والأسلوب السلس، لأن الرجل المترجم أديب في اللغة بارع في التعبير متمكن في الصناعة والتأليف، ولكنه قليل الباع في علم القرآن وعلم الحديث، لذا كان يتخبط خبط عشواء.
لذا وجدنا في المقابل منابر المسلمين ضجّت بالاستنكار وقام علماء الأمّة بالرّد على الانحرافات والدسائس التي ملأ بها المؤلف ترجمته بما يمليه عليه هواه.
أهم الملاحظات حول هذه الترجمة:
كان من الملاحظات والأخطاء الخطيرة التي وقع فيها المترجم ما يلي:
1- إنكار المعجزات للأنبياء -عليهم السلام- جملة وتفصيلاً.
2- إنكار العرش الوارد في القرآن أكثر من عشر مرات.
3- إنكار الجنّ وقوله: إن الجن نوع من البشر.
وإليك بعض النماذج لتأويلاته:(1/30)
1- قوله تعالى: { وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيز حكيم } ( البقرة :260 )
قال سي.ين في ترجمة قوله تعالى: { فصرهن إليك } : خذ يا إبراهيم أربعة من الطير فاضممهن إليك جيداً، ثم اجعل كل نوع منهن على كل جبل قريب منك، ثم نادهن يأتينك مسرعات.
هذه ترجمته لمعنى الآية ويأتي في الحاشية فيفسر الآية بما يؤيد ترجمته حيث قال: إن إبراهيم عليه السلام لما دعا قومه عدة سنوات بأساليب مختلفة ولم يجد منهم استجابة لدعوته استصعب شأن الدعوة، فقال مستغربا: كيف يحيي الله هذه القلوب الغافلة بعد موتها، فأمره الله بجمع أربعة أجناس من الطيور ثم أمره بضمهن إليه وتأليفهن ثم تدريبهن على الطاعة حتى يصبحن تحت رهن إشارة إبراهيم يأتينه حيث أراد وكما شاء، ثم قال تعالى: يا إبراهيم فكما استطعت تأليف وتسخير تلك الطيور غير العاقلة سهل عليك تأليف قلوب الإنسان العاقل هكذا الله يحيي القلوب الميتة وهو العزيز الحكيم (1).
وهكذا حاول المترجم دس سمومه بتأويل كلام الله سبحانه وتعالى طبقاً لما يمليه هواه، حتى يصل إلى الهدف الذي أراد ألا وهو إنكار المعجزات للأنبياء عليهم السلام، وقد جاء في صحيح البخاري بيان معنى قوله تعالى (فصرهن إليك) أي قطعهن. (2)
ولو كان المعنى كما ذكر المترجم لما كان لموضوع الآية أي معنى يدل على التعجب والغرابة، فلا داعي لإيراد القصة أصلاً، هكذا كان يحاول تأويل كلام الله في جميع المواطن التي فيها ذكر لمعجزة نبي من الأنبياء -عليهم السلام- في القرآن الكريم.
الجن وسي.ين. مولوي
__________
(1) ترجمة سي.ين. أحمد مولوى – سورة البقرة الآية (260).
(2) صحيح البخاري رقم الحديث 4537
انظر فتح الباري 8/49 قال الحافظ ومن وجه آخر عن ابن عباس قال: صرهن أي أوثقهن ثم اذبحهن.(1/31)
ومن الأمور الاعتقادية لدى المسلمين: الإيمان بالغيبيات وبكل ما أخبرنا الله به ورسوله، سواء أوافق ذلك عقولنا أم لا.
ومنها وجود مخلوقات غيبية لا يمكن لنا رؤيتها وإدراكها بحواسنا في الحالات العادية اسمها ( الجن )، وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بوجودهم بشكل قاطع لا يحتمل الشك ولا يحتاج إلى التأويل حيث قال تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ( الذاريات: 56 ).
وفي القرآن سورة تتحدث عنهم اسمها سورة (( الجن )) وقد تعددت وقائع وفادة الجن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في الأحاديث الصحيحة(1).
وإنكار المنكر لهذه الحقيقة يعد تكذيباً للمخبر الصادق؛ حيث تعرض القرآن الكريم في حوالي أربعين آية من عشر سور تقريباً للحديث عنهم.
لكن الفلاسفة القدماء ومتفلسفة المحدثين قد أنكروا وجود هؤلاء المخلوقات بأدلة تافهة لا تستحق المناقشة أو الرد عليها.
وقد نحا هذا المترجم -الذي نحن بصدد الحديث عنه- نحو هؤلاء الفلاسفة؛ حيث ملأ ما يقارب عشر صفحات في حاشية ترجمة سورة الأحقاف عند قوله تعالى: { وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين } (الأحقاف: 29) بأفكاره المنحرفة حيال هذا الموضوع فقال ما ملخصه:
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
انظر: رقم الحديث 4921 فتح الباري 8/537.(1/32)
(( إن الفكر السائد لدى المسلمين حول الجن أنهم صنف خاص من غير البشر لا تدركهم حواس الإنسان، وهذا فهم خاطئ مخالف لما جاء في كلام الله، حيث قال الله تعالى جوابا لكفار مكة: { قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزّلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً } ( الإسراء: 95) فالمرسل إلى البشر بشر، كما أن المرسل إلى الملائكة ملائكة مثلهم، فكيف يرسل الله إلى البشر والجن بشراً لو كان الجن ليسوا من البشر؟! انتهى ملخصاً(1).
وفي الحقيقة هذا استدلال باطل، والآية الكريمة لم تنكر وجود مخلوقٍ مثل الجنّ يمشون مطمئنين في الأرض، وإنما أنكرت وجود الملائكة بهذه الأوصاف، ثم إن الملائكة خَلْقٌ ليس فيهم أيّ شبه من البشر، وأما الجن ففيهم شبه كبير من البشر من حيث إن لهم عقولاً وشهوة، وإنهم يأكلون ويشربون وينامون وينكحون مثل البشر، خلافاً للملائكة لأنهم لا يتصفون بجميع هذه الأوصاف.
ويقول (( سي. ين )) عن الأحاديث التي وردت في اللقاءات التي تمت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع وفد الجنّ: "كانت تلك اللقاءات كلها خارج مكة المكرمة في مكان بعيد عن تجمع النّاس، ولم يكن اللقاء داخل مكة، وهذا يدلّ على أنهم كانوا من البشر وجنساً منهم؛ لا كما يعتقد المعتقدون بأنهم قوم من جنس آخر لا ندركهم بحواسنا، بل كانوا يخافون من بطش قريش فخرج - صلى الله عليه وسلم - إليهم، ولو كانت قريش لا تبصرهم ولا تحس بهم لسهل اللقاء معهم بداخل مكة" (2).
وهذه التعليلات والشبهات أيضاً باطلة: لأن القرآن الكريم ذكر أن الجنّ تتفق مع الإنس في تحمل تكاليف الشريعة، ولكنهم مختلفون ومتباينون معهم في أمور أخرى كالمأكل والمشرب والمسكن؛ الأمر الذي يصعّب على الجن الاجتماع في أماكن تجمع الإنس.
__________
(1) ترجمة القرآن الكريم: سي.ين مولوي – سورة الأحقاف الآية (29).
(2) ترجمة القرآن الكريم: سي.ين مولوي – سورة الأحقاف الآية (29).(1/33)
وأهل الحق ليسوا بحاجة إلى معرفة سبب خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى الجنّ خارج مكة، ما دام القرآن ينصّ على وجود هذا المخلوق في عدد من الآيات الكريمات، والأحاديث الصحيحة تنص على خروجه - صلى الله عليه وسلم - إليهم خارج مكة.
هذه بعض الترهات التي ملأ بها -بل سوّد بها- ترجمته في تفسير آيات الجنّ.
هفوات في العقيدة:
الشيخ. سي. ين أحمد أشعري من الطراز الأول؛ حيث أوّل صفات الله تأويلا مذموما مخالفاً لمنهج السلف الصالح منهج أهل السنة والجماعة، شأنه في ذلك شأن المترجمين من غير السلفيين والمترجمين من المتصوفة إلى اللغة المليبارية، كما يأتي ذكره عند إيراد نماذج من ترجماتهم قريباً إن شاء الله .
ويزيد عليهم صاحبنا سي. ين في الخروج عن جادة الحق تأويله لصفة استواء الله سبحانه وتعالى على العرش، حين يقول في ترجمة الآية الكريمة
{ ثم استوى على العرش } (سورة الأعراف: 54) أي إنّه جلس فوق عرش الحكم.
ويأتي في الحاشية فيقول: لو قلنا إن عرش الإمبراطور البريطاني بدأ يهتزّ ويتخلخل، المراد به حكمه وسيطرته على البلاد وهكذا لو تولى الحاكم حكم أيّ دولة يقال: إنه استوى على عرشه وإن زالت عنه السيطرة يقال: ثُلّ عرشه، فالمقصود بالآية: استيلاء الله تعالى وسيطرته على الكون وتدبيره لمخلوقاته؛ لا كما يظن بعض الناس، أن لله عرشاً وهو مستو عليه، وذلك فهم خاطئ غير صحيح. (1)
والغريب أن الرجل ينكر وجود العرش لله تعالى نهائياً، ولو اكتفى بالتأويل تقليداً للأشاعرة لقلنا إنّه أشعريّ فحسب، ولكنه تمادى في غيِّهِ وافترائه على الله، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
ليت شعري؟ كيف تطيب للنفس المسلمة إنكار العرش الثابت في القرآن والسنة، وهو يقرأ قوله تعالى:
__________
(1) سي. ين في ترجمة الآية الكريمة في سورة الأعراف رقم ( 54 ).
قلت: ومصدره في هذا التأويل المشين بعض كتب اللغة ولم يعتمد على كتب السلف في العقيدة.(1/34)
{ لا إله إلا هو ربّ العرش الكريم } ( المؤمنون : 116 ).
وقوله: { ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية… } ( الحاقة : 17 ).
وقوله : { ذو العرش المجيد } ( البروج : 15 )
ولو سلمنا جدلاً أن تأويل قوله تعالى { ثم استوى على العرش } ليس على ظاهره – كما يزعم – فما معنى هذه الآيات الكريمات التي تثبت العرش لله سبحانه وتعالى (1).
المبحث الثالث: ترجمات للطائفة السنية (2)
وهناك جماعة ينتمون إلى الطائفة السنية وهم أقرب إلى الصوفية المنحرفة في اتجاهاتهم، وكان معظم علمائهم قديماً ممن وقفوا ضد إعداد الترجمة للقرآن الكريم بأي شكل كان وفي أية لغة كانت، حتى ألَّف بعضهم كتاباً يحذر الناس فيه من ترجمة معاني القرآن وسماه: ((تحذير الإخوان من ترجمة القرآن))
أوجز للقراء بعض آرائه المضللة في هذا الكتاب فيما يلي :
__________
(1) سوف نبسط القول في هذا الموضوع عند بحثنا لتأثير مذهب الأشاعرة في الترجمات المليبارية إن شاء الله تعالى.
(2) وهم جماعة من المبتدعة في الهند وباكستان يسمون أنفسهم بذلك. (اللجنة العلمية)(1/35)
إن عامة المسلمين لا يجب عليهم تعلم معاني القرآن ولو آية واحدة، إلا سورة الفاتحة فيجب تعلم قراءتها لأداء الصلاة بها، أما معنى سورة الفاتحة فلا يجب تعلمه على المسلمين ولا يسن (1)، وجاء هذا الكتاب رداً على من قام بترجمة معاني القرآن الكريم من الجماعة نفسها واسمه الشيخ ك.وي، محمد مسليار- وسنعود إلى ترجمته قريبا بإذن الله – يقول هذا الشيخ - وهو يستأنس ببعض الأدلة على القيام بالترجمة -:(… ما دام العلماء يشرحون ويفسرون القرآن ويترجمون معانيه في دروسهم ومواعظهم أمام العامة، فما المانع من كتابة تلك الترجمات في المؤلفات وإخراجها لينتفع بها الناس؟ وردَّ عليه صاحب كتاب: ((تحذير الإخوان)) بقوله : "الكتابة تختلف عن الخطابة؛ لأن الكتابة تثبت في الصحف والسطور والخطابة تذهب في الهواء حفظها من حفظها ونسيها من نسيها، والكتابة تكون حجة عليك إذا أخطأت فيها ويسجل عليك الخطأ، وأما الخطابة فيمكنك الإنكار حتى ولو كنت مخطئا لأنها لم تثبت، ويحتمل أيضاً أن الخطأ لم يسمعه من لديه مقدرة على الإنكار، فخطورة الكتابة بواسطة الترجمة عظيمة جداً فلو عقلت وفهمت هذه الخطورة لما أجزت الترجمة ولا قمت بالترجمة". (2)
__________
(1) 1- إي .ك. حسن مسليار – تحذير الإخوان من ترجمة القرآن ص 16
(2) خلاصة ما ذكره إي.ك. حسن مسليار من كتابه تحذير الإخوان ص 36(1/36)
وهؤلاء عندما رأوا صدور الترجمات من جميع الفئات –وبخاصة من أهل الحق الذين يدعون إلى التوحيد والعودة إلى منهج السلف الصالح - غيروا آراءهم وبدؤوا يصدرون الترجمات بانحراف شديد لم يسبق إليه أحد من المؤلفين والمترجمين – كما سيأتي تفصيله- وكلا الفريقين المؤيد والمنكر قام بإعداد ترجمات للقرآن الكريم، وطرقوا مسائل جديدة وغريبة ليست من الإسلام في شيء، بل ولم يقل بها أحد من السلف الصالح، وقد قلبوا الأدلة وحرفوها وأثاروا الشبه في الاستدلال والاستنباط من الآيات القرآنية، حتى جعلوا بعض الأفكار الخطيرة الملفقة لدى الصوفية مسلّمة ومقبولة ومعلومة لدى هؤلاء أيضاً – كوحدة الشهود والكشف، والقطب والغوث، وغير ذلك -ومن هنا نجد تشابهاً كبيراً بين هؤلاء والمتصوفة المنحرفة؛ حيث يتفقون جميعاً في جواز الاستعانة بغير الله والتوسل بالصالحين والأولياء والنذر والذبح لغير الله، ولا يرون في ذلك كله أيّ بأس. ومن المؤسف جداً أن جمهرة المسلمين قد اغتروا بآرائهم؛ لجهلهم بحقيقة دينهم وبكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله .
نماذج من ترجمات الطائفة المنتسبة للسنة
الترجمة الأولى:
ترجمة الشيخ :ك.وي.كوتناد محمد مسليار ( فتح الرحمن في تفسير القرآن ).
من أقدم الترجمات لهذه الجماعة ما قام به : كوتناد في فترة ما بين 1972- 1980م في أربعة مجلدات.
هذه الترجمة تعد أول ترجمة كاملة للطائفة السنية في مليبار، وضخامة الترجمة توحي بأنها ليست ترجمة لمعاني القرآن الكريم فحسب بل هي تفسير أيضاً .
وقد حاول المترجم من جراء شرحه وتهميشه للترجمة بث الأفكار البدعية التي ما أنزل الله بها من سلطان.(1/37)
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرجل لم يقم بأي تعديل أو تأويل في صلب الترجمة إلا نادراً، إنما كان يشير في الحاشية إشارات خفيفة إلى تلك الأفكار الزائفة المسمومة فمثلا في حاشية الآية (14) من سورة فاطر { إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير } يقول المترجم: الاستغاثة بالأنبياء والأولياء ليست عبادة لهم؛ لأن المستغيث لا يؤلّه الأنبياء والصالحين، ولكن هناك من يدعي ذلك في هذه الأيام فينبغي الحذر منهم ولا يغتر أحد بدعوتهم.(1)
هذا الأسلوب ضد دعاة الحق وحماة التوحيد، فقد سجل تحذيراً عاماً في مقدمة ترجمته إذ يقول: إنني لما رأيت الشباب قد ابتعدوا عن استخدام اللغة المليبارية المكتوبة بالحروف العربية، وبالتالي ابتعدوا عن مؤلفاتنا ومجلاتنا التي ألفت في هذه اللغة، وبدؤوا يميلون إلى اللغة المليبارية للغة الأم (مليالم) لما رأيت ذلك خفت على الشباب من تأثرهم بأفكار الوهابيين الذين قاموا بالترجمة لمعاني القرآن الكريم ووزعوا المنشورات المخالفة لعقيدتنا، فأسرعت إلى إعداد ترجمة لمعاني القرآن الكريم إنقاذاً لشبابنا من عقيدة السلفيين، وقد ردد هذا الكلام في أكثر من موضع من ترجمته وكان ناصحا لجماعته موفياً لوعده في أثناء ترجمته كلها، حيث يستغل الفرص للنيل من أهل الحق والدفاع عن أهل الأهواء من المتصوفة والمبتدعة (2).
الترجمة الثانية للطائفة المنتسبة للسنة:
ترجمة معاني القرآن مع ترجمة تفسير الجلالين. المترجم : تي .كي .
عبد الله مسليار المتوفى سنة 1977م من عظماء الطائفة السنية بمليبار .
__________
(1) ك. وي. محمد . فتح الرحمن في تفسير القرآن عند ترجمة معنى الآية (14) من سورة فاطر.
(2) مقدمة الترجمة السابقة نفسها.(1/38)
وهذه الترجمة جاءت متزامنة مع الترجمة السابقة تقريباً فهي كسابقتها أثارت ضجة كبيرة في البلاد ووجهت إلى المترجم انتقادات شديدة من جماعته ومن جهة العلماء المصلحين (السلفيين).
أما من جماعته: فلكونه تجرأ على ترجمة معاني القرآن الكريم وهي ممنوعة وغير جائزة لديهم، ولكونه تسبب في زوال قداسة القرآن ومكانته عندما يتناولها ويقرؤها غير المسلمين، وكان في حسبان هذا الشيخ حدوث الاعتراض من بني قومه، بدليل أنه نبَّه في مقدمة الترجمة على أنه لم يقم بهذه الترجمة إلا لأجل المسلمين ولا يقصد بنشرها استفادة غير المسلمين .
أما الانتقادات من قبل العلماء المصلحين فلأنه قام بتأويل القرآن وتفسيره بما يمليه عليه هواه في كثير من الآيات المباركات – خلاف ما جاء في تفسير الجلالين – الذي قام بترجمته أيضاً، وإليك بعض الأمثلة :
المثال الأول: عند قوله تعالى { ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله } (سورة البقرة : 165)
يقول المترجم في حاشيته: إن المراد بقوله تعالى { أندادً } الأصنام، وهم لم يكفروا بحبهم للأصنام، إنما كفروا بعبادتهم لها، فلا يكفر الإنسان بالحب فقط، وحب الأولياء والصالحين ليس من هذا القبيل …انتهى.(1)
هذا التفسير يخالف ما ذهب إليه المفسرون المحققون من السلف الصالح؛ لأن كلمة "الأنداد" في الآية الشريفة –كما يقول ابن كثير- معناها: الأمثال، والنظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه؛ يدخل فيها الأصنام وغيرها فالحب المقرون بالعبادة والاستعانة والاستغاثة والنذر والخوف والرجاء والتوكل، كل ذلك لله وحده، والذين يحبون غير الله تعالى كحبهم لله هم قد أشركوا غير الله معه في الحب والعبادة بنص هذه الآية، سواء كانوا عباداً أم أصناماً، فتخصيص الأصنام في هذه الآية وأشباهها لم يقل به السلف الصالح.
__________
(1) تي. كي. عبد الله في ترجمته لمعنى الآية (165) من سورة البقرة.(1/39)
ويقول الإمام ابن كثير أيضا: { والذين آمنوا أشد حباً لله } ولحبهم لله وتمام معرفتهم به وتوقيرهم وتوحيدهم له لا يشركون به شيئاً، بل يعبدونه وحده ويتكلون عليه ويلجؤون في جميع أمورهم إليه (1) .
المثال الثاني:
يقول تي.كي.عبد الله في حاشية ترجمة قوله تعالى { وإذا ذكر الله وحده … } (سورة الزمر : 45)
المقصود بهذه الآية الكفار الذين لا يؤمنون بالآخرة، أما الذين ينذرون لغير الله مثل الصالحين والأولياء وغيرهم لا يدخلون في إطار هذه الآية، فإخراج من يفعل ذلك من دائرة الإسلام بحجة أنهم يستبشرون بذكر غير الله ليس بصحيح (2). هذا ملخص شرحه وحاشيته على الآية الكريمة.
ومن هذين المثالين ندرك مدى فهمه للتوحيد واهتمامه بنشر الأفكار المنحرفة التي لم يتعرض لها صاحبا تفسير الجلالين المحلي والسيوطي رحمهما الله.
كل ذلك ناتج عن عنايته الفائقة بإرضاء طائفته التي ينتمي إليها.
ويبرز ذلك جليّاً في ترجمته لمعظم الآيات القرآنية التي تمس العقيدة، والتي جاء فيها الإنكار الشديد على من دعا غير الله فيأتي هذا المترجم بتأويلات يهدم بها ما بناه القرآن، حيث يقول في ترجمة تلك الآيات: إن المقصود هنا هو العبادة، والدعاء ليس من العبادة، وكذلك الاستغاثة والنذر للأولياء والصالحين ليس من هذا القبيل، فالذي يفسر القرآن بهذا الأسلوب لم يفهم القرآن ولم يتعلم التفسير.
هذا ما يردده هذا المترجم في حاشيته على الآيات الكريمات التي تمس العقيدة وتوحيد الله سبحانه وتعالى:
__________
(1) ابن كثير في تفسير 1/202
(2) تي.كي عبد الله – ترجمة القرآن الكريم سورة الزمر الآية (45) وعمدة كلامه في آيات العقيدة حاشية الصاوي المصري على الجلالين، وكان الصاوي معاصراً للشيخ محمد بن عبد الوهاب وقد شنّ في حاشيته على دعوة التوحيد هجوماً شديدا – والمترجم تي. كي . ينقل كلامه حرفياً. وقد توفي أحمد الصاوي سنة 1241هـ انظر: معجم المؤلفين 2/111.(1/40)
على طريق المثال : الآيات الآتية:
سورة الزخرف الآية رقم (40).
سورة الزمر الآية رقم (45).
سورة الأحقاف الآية رقم (4).
سورة الشورى الآية رقم (8).
ونقل هنا كلام الصاوي في الحاشية حين قال: ((الذين يكفّرون من يتوسل بغير الله ويستغيث بغير الله هم الخوارج فاحذرهم)).
ونقل عنه في سورة الفتح عند ترجمة معنى قوله تعالى { إن الذين يبايعونك } (الآية 10) قوله: " يدخل في هذه البيعة ما يقوم به الشيخ المربي شيخ الطريقة في زمننا من أخذ البيعة من المريدين، لذا نجد الصوفية يقرؤون هذه الآية عند البيعة ".
الترجمة الثالثة للطائفة المنتسبة إلى السنة:
وقد تطورت الترجمة لدى الطائفة، فبدأت التحريف في صلب الترجمة وتجاوزت الحدود في هذا المجال بشكل لم يسبق له مثيل. فقد صدرت مؤخراً ترجمة خطيرة تقشعر منها الجلود، وهي لرجل يدعى: مصطفى فيصي أحد الكتاب لدى الطائفة السنيّة، ووقفت على ترجمة سورة الفاتحة فقط من هذه الترجمة وبها اكتفيت والله المستعان. فقد فتح الرجل المجال واسعاً والباب على مصراعيه لمن يشرك بالله دون أي قيود أو شروط فيقول في ترجمة الآية الكريمة:
{ إياك نعبد } نعبدك { وإياك نستعين } نطلب الخير منك. بحذف معنى الحصر المكنون في كلام الله المقدس، وهذا المعنى لم يقل به أحد من علماء المسلمين الموثوق بهم حتى اليوم، إلا من ركب هواه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
علل الرجل هذه الترجمة الغريبة بقوله: "إن طلب المعونة من الأولياء والصالحين مما أمرنا الله به، فهو أيضاً عبادة لله. كأنه يقول: سواء وجد الحصر أم لم يوجد معناه: ندعوك وندعو غيرك كل ذلك دعاء لك".
ويأتي إلى قوله تعالى { وإياك نستعين } فيقول: معناها نطلب الخير منك؛ لأن الخير كله من الله تعالى أما العون فيمكن طلبه من الله ومن غير الله كالأنبياء والأولياء، وهو أيضا استعانة من الله في الأصل.(1/41)
هكذا سوّلت له نفسه لتقرير الشرك ونقض التوحيد، ولكن الله يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون.
أقوال المحققين:
وهنا يحسن إيراد بعض ما قاله العلماء المحققون في هذا الباب ليقف إخواننا المليباريون خاصة والمسلمون عامة على حقيقة الأمر في الموضوع:
وهو "أن كل عمل يعمله الإنسان تتوقف ثمرته ونجاحه على حصول الأسباب التي اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون مؤدية إليه، وانتفاء الموانع التي من شأنها بمقتضى الحكمة أن تحول دونه، وقد مكن الله تعالى الإنسان بما أعطاه من العلم والقوة من دفع بعض الموانع وكسب بعض الأسباب وحجب عنه البعض الآخر، فيجب علينا أن نقوم بما في استطاعتنا من ذلك، ونبذل في إتقان أعمالنا كل ما نستطيع من حول وقوة ونتعاون ويساعد بعضنا البعض على ذلك، ونفوض الأمر فيما وراء كسبنا إلى القادر على كل شيء ونلجأ إليه وحده ونطلب المعونة المتمّمة للعمل والموصلة لثمرته منه سبحانه دون سواه؛ إذ لا يقدر على ما وراء الأسباب الممنوحة لكل البشر على السواء إلا مسبب الأسباب ورب الأرباب، فقوله تعالى: { وإياك نستعين } متمم لمعنى قوله { إياك نعبد } لأن الاستعانة بهذا المعنى فزع من القلب إلى الله وتعلق من النفس به وذلك مخ العبادة، فإذا توجه العبد بها إلى غير الله تعالى كان ضرباً من ضروب العبادة الوثنية التي كانت ذائعة في زمن التنزيل وقبله، وخصت بالذكر لئلا يتوهم الجهلاء أن الاستعانة بمن اتخذوهم أولياء من دون الله، واستعانوا بهم فيما وراء الأسباب المكتسبة لعامّة الناس، هي كالاستعانة بسائر الناس في الأسباب العامة، فأراد الحق جلّ شأنه أن يرفع هذا اللبس عن عباده ببيان أن الاستعانة بالناس فيما هو في استطاعة الناس إنما هو ضرب من استعمال الأسباب المسنونة، وما منزلتها إلا كمنزلة الآلات فيما هي آلات له بخلاف الاستعانة بهم في شؤون تفوق القدر والقوى الموهوبة لهم، والأسباب المشتركة بينهم كالاستعانة في شفاء المرضى(1/42)
بما وراء الدواء، وعلى غلبة العدو بما وراء العِدة والعُدة؛ فإن ذلك مما لا يجوز الفزع والتوجه فيه إلى غير الله تبارك وتعالى"(1).
ويقول الإمام يحيى بن شرف النووي رحمه الله عند قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله)) (2): "إشارة إلى أن العبد لا ينبغي له أن يعلق سره بغير الله، بل يتوكل عليه في سائر أموره، ثم إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر العادة بجريانها على أيدي خلقه كطلب الهداية والعلم والفهم في القرآن والسنّة وشفاء المرض وحصول العافية من بلاء الدنيا وعذاب الآخرة سأل ربّه ذلك وإن كانت الحاجة التي يسألها جرت العادة أن الله سبحانه وتعالى يجريها على أيدي خلقه كالحاجات المتعلقة بأصحاب الحرف والصنائع وولاة الأمور سأل الله تعالى أن يعطف عليه قلوبهم"، حتى قال رحمه الله: "أمّا سؤال الخلق والاعتماد عليهم فمذموم، ويروى عن الله سبحانه وتعالى في الكتب المنزّلة: أيقرع بالخواطر باب غيري وبابي مفتوح؟ أم هل يؤمل للشدائد سوايَ وأنا الملك القادر، لأكسونّ من أمَّل غيري ثوب المذلة".
المبحث الرابع: ترجمة معاني القرآن الكريم للطائفة المتصوفة:
كما أسلفنا آنفاً فإن القرآن الكريم يحارَبُ بالترجمات الفاسدة، وكل الفئات الضالة وجدت في القرآن ميداناً خصباً تنفث من خلال ترجمة معانيه سمومها وأفكارها.
لقد دخل الفكر الصوفي الذي بدأ ينتشر من القرن الرابع منطلقاً من جهة العراق وبلاد فارس والهند في وقت مبكر عن طريق الفاتحين من المغول والغزنويين وغيرهم. حتى إن أحد رواد الفكر الصوفي: الحسين بن منصور المشهور بالحلاج المتوفى سنة 309هـ قد قصد الهند وأخذ يدعو الناس هناك (3).
__________
(1) انظر الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار 1/58-59.
(2) الإمام يحيى بن شرف الدين النووي في كتابه: شرح الأربعين النووية ص 32.
(3) الحافظ أحمد بن عثمان الذهبي : سير أعلام النبلاء 14/315.(1/43)
وكان لهذا الفكر نفوذ كبير في المناطق التي ساد فيها الجهل وغاب عن علمائها علم الكتاب والسنة، وكانت منطقة مليبار من أقل المناطق تأثراً بالفكر الصوفي المنحرف في القرون الماضية، إلا أن غياب علماء السنة المشتغلين بعلم الحديث المتبعين للسلف الصالح في الآونة الأخيرة ترك فراغاً كبيراً وهوة عظيمة في صفوف المسلمين، واستغل أهل الأهواء المتصوفة هذه الفرصة فبثوا آراءهم الرديئة وأفكارهم السقيمة، فتتلمذ عليهم وتأثر بهم بعض المنتمين إلى الطائفة السنية .
وعندما تطورت ساحة الترجمات وبدأ الكل يدلي بدلوه، تجشم بعض من كان متتلمذاً على المدرسة الصوفية فعكف على كتب محيي الدين بن عربي وأمثاله، وممَّن وقع في هذا المأزق من الطائفة السنية :الكاتب المدعو: كي. وي. يم. بندافور وكان شاعراً ملماً بكتب المتصوفة ومتأثراً بها كما أنه -فيما يبدو- قليل الباع بعلم الكتاب والسنة، وتعتبر ترجمته الأولى من نوعها في مليبار. في كونها مستقلة في نشر الفكر الصوفي. وقد بذل جهودًا في إخراج ترجمة صوفية بحتة وسماها (التفسير الباطني للقرآن الكريم) فأصدر الجزء الأول والجزء الثاني عام 1991م، وزعم من خلال ترجمته أن للقرآن باطناً وظاهراً، وأن كل حرف من أحرف القرآن يحتوي على أسرار وخبايا لا يعلمها إلا أهلها – يعني المتصوفة – وبئس ما زعم، وقد كان من المقرر أن يقوم بترجمة " التفسير الكبير" لابن عربي في عشرين مجلداً خلال عشر سنوات، فلم يتمكن من ذلك ولله الحمد.(1/44)
وقد وضع لهذه الترجمة مقدمة في مائة وثمان وأربعين (148) صفحة، بين فيها حياة شيخهم المسمى بالشيخ الأكبر (1) ،كما شرح فيها بعض الاصطلاحات الصوفية المبتدعة.
المجلد الأول: يحتوي على ترجمة معاني سورة الفاتحة وجزء من سورة البقرة .
والمجلد الثاني: أكمل فيه ما تبقى من سورة البقرة وترجمة معاني سورة آل عمران في 500 صفحة.
والمجلد الثالث والرابع أيضاً في 500 صفحة، وقد نشرت هذه الترجمة الصوفية إلى هذا القدر سنة 1992م.
ثم توقف عن إخراج بقية المجلدات؛ وذلك بعد أن شن عليه معظم المنسوبين إلى هذه النحلة المنحرفة انتقادات عنيفة، بحجة أن الفكر الصوفي والمعاني العميقة التي تحمل هذا الفكر من علوم ومكاشفات وأسرار
–حسب تعبيرهم– لا يمكن عرضها على العامة والخاصة على حد سواء؛ لأن معظمها لا يفهمها إلا خواصهم وخواص خواصهم، وبالتالي يكون قد أساء إلى الفكر الصوفي بهذا التفسير أو الترجمة (2)، فكان سبب إيقاف هذه الترجمة الخوف على قداسة الفكر الصوفي – حسب تعبيره – لا الخوف على قداسة كلام الله الذي أراد المترجم تدنيسه بالأفكار المضلة الزائفة. فسبحان مقلب القلوب ومغير العقول، وسبحان منزل الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
تأثير مذهب الأشاعرة في الترجمات المليبارية
__________
(1) هو محمد بن علي الطائي المعروف بابن عربي يقول عنه الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إنّه شيخ سوء كذاب. ويقول الحافظ الذهبي: ومن أردأ تآليفه كتاب الفصوص فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر. توفي سنة 638هـ. سير أعلام النبلاء 23/48.
(2) نشر هذا التعليل مجلة نصرة الأنام الصادرة من بلدة المترجم بنداور:
انظر: رسالة الدكتوراه للشيخ محمد بشر 131-132(1/45)
لقد اشتهر مذهب الأشاعرة في مليبار منذ توافد حضارمة العرب المنتسبين إلى المذهب الشافعي إليها في مختلف القرون؛ حيث كان الفهم السائد بين جمهور المسلمين الأشاعرة أن مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري (1) هو التأويل لصفات الله وأسمائه، فكانت المؤلفات عامة والترجمات للقرآن الكريم خاصة تفيض بالتأويلات المذمومة،، وقد برّزت ترجمات الطائفة السنية في هذا المجال على غيرها. وأود أن أبين هنا الحقيقة التي غابت عن كثير من المنتسبين إلى الفرقة الأشعرية وهي: أن الإمام أبا الحسن الأشعري قد تاب من أفكار المبتدعة – المعتزلة والمعطلة وغيرها- وأعلن توبته في كتابه" الإبانة عن أصول الديانة"، وقد بيَّن الإمام الحافظ ابن عساكر هذه الحقيقة في كتابه " تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري" وبيَّن مذهبه الموافق لمذهب السلف الصالح والأئمة المجتهدين، بإثبات كل ما أثبته الله تعالى من أسماء وصفات لنفسه وأثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - دون تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف، حيث يقول تعالى: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (2) والترجمات المليبارية لمعظم الفئات ماعدا ترجمات أهل السنة والجماعة ( السلفيين) تؤوِّل كلمة الاستواء في قوله تعالى { الرحمن على العرش استوى } ( سورة طه : 5 ).
لو علم هؤلاء الحقيقة التي أشرت إليها من أن الإمام أبا الحسن الأشعري نهج في هذه الآية وأمثالها نهج السلف الصالح، لعادوا إلى رشدهم، حيث قال الشيخ أبو الحسن: إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ نقول لهم: إن الله تعالى مستوٍ على عرشه كما قال تعالى { الرحمن على العرش استوى } (سورة طه: 5).
__________
(1) أبو الحسن علي بن إسماعيل من سلالة الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري توفي 324هـ انظر الخطيب البغدادي تاريخ بغداد 11/347، والذهبي في سير أعلام النبلاء 15/85.
(2) ابن عساكر – تبيين كذب المفتري ص 152 – 163.(1/46)
وكلمة الإمام مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة مشهورة في مسألة الاستواء حيث قال عندما سأله الرجل عن الاستواء: " الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وإني أراك أن تكون ضالاًّ. فأَمر به فأخرج (1).
المبحث الخامس: دور الجماعة الإسلامية في مجال الترجمات
لم أقف على ترجمة كاملة لمعاني القرآن الكريم للجماعة الإسلامية في اللغة المليبارية، إنما قام مجموعة من الكتاب البارزين بترجمة "تفهيم القرآن" للشيخ أبي الأعلى المودودي من اللغة الأردية إلى اللغة المليبارية، فهي إذاً ليست ترجمة مباشرة إنما هي ترجمة من ترجمة، ومعلوم أن كلام الله المعجز يخف أثره في النفس عند الترجمة الأولى، فعندما ينقل إلى لغة ثالثة يزداد ضعف أثره في أداء المعنى المطلوب.
وقد طبعت هذه الترجمة في ستة مجلدات في فترة ما بين عام 1972 – 1998م.
ترجمة الشيخ: تي. كي. عبيد صاحب:
وكذلك قام الأستاذ / عبيد باختصار مضمون ما جاء في ترجمة المودودي " تفهيم القرآن " وجعله في مجلد واحد.
ويقول في مقدمة هذه الترجمة: إنها ليست بترجمة حرفية لمعاني القرآن الكريم، إنما قام بجمع الأفكار الواردة في ترجمة تفهيم القرآن، ثم صاغها صياغة أدبية ووضعها تحت كل مجموعة من الآيات على هيئة مقال، ربما جمع محتوى عشر آيات في مكان واحد دون ترقيم للآيات وتحديد لمعانيها.
فهذه الترجمة كسابقاتها –أيضا- ليست من معاني القرآن الكريم مباشرة، إنما هي ترجمة من اللغة الأردية إلى اللغة المليبارية بصياغة جديدة،ورغم براعة الكاتب في اللغة والصياغة يصعب على القارئ فهم معنى آية بعينها إذا أراد ذلك.
وطبعت هذه الترجمة عام 1988م.
ترجمة تفسير "في ظلال القرآن" :
__________
(1) حافظ بن أحمد الحكمي: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد 1/144.(1/47)
وقد قام كل من الشيخ: و. أس. سليم، وكنهي محمد، وهما ممن ينتمي إلى الجماعة الإسلامية بترجمة تفسير"في ظلال القرآن" إلى اللغة المليبارية، صدر منها أربعة مجلدات سنة 1995م.
وهذه الترجمات كلها خارجة عن نطاق دراستنا لكونها لم تهتم بترجمة معاني القرآن الكريم مباشرة إلى اللغة المليبارية، فلا نريد الخوض فيها، إنما أشرت إليها لبيان التطورات التي حدثت في مجال الترجمة في اللغة المليبارية.
المبحث السادس: مشاركة غير المسلمين في الترجمة القرآنية
من التطورات التي طرأت على الترجمات القرآنية في منطقة مليبار: إقبال بعض غير المسلمين -دون أيّ ضغوط خارجيّة ومن تلقاء أنفسهم- على فهم لمعاني القرآن الكريم ودراسته، وبالتالي شاركوا في إعداد ترجمات معاني القرآن مع بقائهم على دينهم. ولا غرابة في ذلك لدى من يعرف تاريخ المستشرقين ومشاركتهم في مجال العلوم الإسلامية، وبالأخص في علم الحديث والتاريخ.
ومن هؤلاء الذين شاركوا في مجال الترجمة:
1- كونّيّور راغون ناير.
هو أديب شاعر هندوسيّ من الطبقة الوسطى، تضلّع بدراسة بعض الترجمات الموجودة في الساحة في اللغة المليبارية والإنجليزية، فأعجب بكلام الله وما يحمله من بلاغة وفصاحة وأسلوب رائع معجز، فانبهر وقرر أن يعمل له شعراً في الأدب المليباري.
فجاءت ترجمته اللفظية لمعاني القرآن الكريم في أسلوب شعري جذّاب، وبألفاظ أدبية راقية يصعب فهمها على العوام ولا يفهمها إلا الأدباء ذوو الثقافات العالية.
وقد قسم معاني كلام الله على موضوعات، ثم جعل لكل موضوع رجزاً وبحراً وقافية، ويجدر بالذكر أن المترجم رغم كونه هندوكيًا ديانةً لم يؤثر دينه في ترجمته وتأليفه، كما أنه هو أيضاً لم يتأثر بالقرآن الكريم لينقذ نفسه -فيما يبدو- والله أعلم (1) .
__________
(1) د/ محمد بشير: دراسة نقدية عن الترجمات القرآنية 143-144.(1/48)
وقد أثارت هذه الترجمة نيران غضب الطائفة السنية، فأحرقوا وأعدموا كل ما طبع من هذه الترجمة، وسارعوا إلى إتلافها بشكل جماعي، وكان ذلك سنة 1977م، وهذه الترجمة تحتوي على 960 صفحة.
وقد وصل إلينا مؤخراً خبر إعادة طباعة هذه الترجمة العجيبة في مكتبة الشباب تحت عنوان " النور الإلهي " وذلك سنة 2000م.
2- ترجمة راغفان ناير الكاتب المشهور.
هذا الشخص من مواليد 1911م، ومن هنادكة مليبار، ومن أدبائها المتطلعين إلى معرفة كل شيء في الأدب والبلاغة رغم ما يحمل من أفكار.
يقول الدارسون: إن راغفان اعتكف أولاً على دراسة الإنجيل فاشتغل في كتابة الفلسفة المسيحية ونشرها 1972م، ثم اقتنى نسخة من تفسير القرآن الكريم لمكتبته فتأثر بما يحمل كلام الله المعجز من البلاغة والفصاحة والإعجاز العلمي واللغوي والأدبي، فقرر أن يدلي بدلوه في خدمة هذا الكتاب الجليل.
وكان في بداية الأمر خائفاً من بعض الطوائف فبدأ عمله سراً، ثم ذاع خبره ووجد من يعينه ويؤيده من رواد الفكر والأدب المعجبين بالقدرة الفائقة لهذا الكاتب، فشجعوه وأعانوه على إكمال عمله وإخراجه، فنظم ترجمة لفظيّة قرآنية بأسلوب أدبي رائع، وراجعها أديب هندوسي آخر اسمه " ب. ك. ناراين بلا "، إلا أنه وجد صعوبة في طباعة هذه الترجمة في البداية، حتى تمت الموافقة أخيراً من قبل دار النشر الإسلامية بمدينة كالكوت بكيرالا – مليبار- وكان الفراغ من الترجمة سنة 1983م.
وهذه الترجمة أيضاً كسابقاتها ألّفت بلغة فصيحة وبليغة، والمؤلف حسب ما وصل إليه العلم لا زال على دينه ولم يفارقه، كما أنّه كان محافظاً على روح القرآن وقداسته في أثناء ترجمته، ولم يتجرأ هو ولا سابقه على القيام بالتحريف أو التأويل كما فعل كثير من المترجمين ممن ينتمي إلى الإسلام.(1/49)
وهاتان الترجمتان لم أتمكن من الوقوف عليهما مباشرة حتى أحكم على مدى صحتهما وصلاحيتهما للقراءة والاستفادة منهما، وكانت دراستي لهما مبنيّة على ما قام به بعض الدارسين المسلمين الذين نثق فيهم، منهم الأستاذ الدكتور محمد بشير المليباري في رسالته (1).
المبحث السابع: ترجمات الجماعة السلفيين
وهناك ترجمات عديدة للجماعة السلفيّة (2) الذين يعتمدون في ترجماتهم على منهج السلف الصالح، ويحاربون أهل الزيغ والضلال وأهل الشرك والبدع والأهواء.
والدعوة السلفية لها نفوذ كبير ونشاط قويّ في أنحاء مليبار كافة، ومعظم من تلقى العلوم الشرعية من أبناء مليبار، ونال الشهادات العالية من جامعات المملكة العربية السعودية يعدون من علماء هذه الجماعة البارزين. منهم الشيخ عمر أحمد المليباري، والشيخ سعد الدين أحمد المليباري،والشيخ عبد الصمد محمد الكاتب وأمثالهم.
ومن أنشطة العلماء السلفيين: مشاركتهم في إعداد الترجمات في اللغة المليبارية، وقد أشرت في بداية هذا البحث إلى ترجمة الشيخ عمر أحمد المليباري، ونختم بحثنا باختيار أحسن الترجمات الموجودة في الساحة مَّما نهج منهج السلف، منهج أهل الحق، منهج أهل السنة والجماعة.
الترجمة المثالية:
__________
(1) دراسة نقدية عن الترجمات القرآنية في اللغة المليبارية ص 144-145.
(2) تدعو الجماعة السلفية إلى العودة بالعقيدة الإسلامية إلى أصولها الصافية وتلح على تنقية مفهوم التوحيد مما علق به من أنواع الشرك، كما تدعو إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - (انظر: الموسوعة الميسرة للدكتور: مانع الجهني 1/164).(1/50)
عندما أصبح باب الترجمة مفتوحاً، وبدأ كلّ فريق من أصحاب الأفكار الهدامة يدس سمومه وينشر أفكاره بواسطة الترجمات، وبدأت الآراء الفتاكة تتوغل في نفوس أبناء المسلمين وصفوف نسائهم، رأى مجموعة من أساطين أهل الحق في مليبار ضرورة إيجاد ترجمة لمعاني القرآن الكريم مع تفسيره، لتكون بمنزلة الحكم بين الحق والباطل، بحيث تبيّن منهج أهل الحق وتحذر من طرق أهل الزيغ والفساد بالحجج والبراهين.
ورواد هذا الفكر السليم:
1- سماحة الشيخ: محمد الكاتب رحمه الله.
2- فضيلة الشيخ: علوي مولوي رحمه الله.
3- فضيلة الشيخ: موسى مولوي رحمه الله.
4- فضيلة الشيخ: محمد أماني مولوي رحمه الله.
وسماحة الشيخ محمد الكاتب والد الشيخ عبد الصمد الكاتب المدرس المتقاعد من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
وكان الشيخ محمد يقوم بدور فعال في إعداد هذه الترجمة بتشجيعه، والوقوف مع المترجمين، وجلب ما يحتاجون إليه من المؤلفات والمساعدات المستمرة، وإرشاداته القيمة، وبإشراف فضيلته بدأت الترجمة ولله الحمد حتى أكملوا النصف الثاني من القرآن الكريم في ستة أجزاء وذلك في شهر سبتمبر عام 1962م.
وفي أثناء عملهم في الترجمة مرض الشيخ موسى مولوي فاعتذر عن المواصلة معهم، كما أن فضيلة الشيخ محمد الكاتب توفي سنة 1964م، والشيخ علوي مولوي أيضا وافاه الأجل سنة 1976م.
وبقي لإكمال الترجمة الشيخ محمد أماني فقط، وقد نهج المنهج الذي بدؤوا به فأكمل ترجمة النصف الأول من القرآن الكريم ابتداءً من 1979م إلى 1985م وبهذا تم هذا العمل الجليل خلال 25 عاماً، وللشيخ محمد أماني
– بعد الله تعالى – الفضل الكبير في إخراج هذه الترجمة الضخمة التي لم تشهد مليبار مثلها حتى اليوم، واشتهرت هذه الترجمة باسم الشيخ محمد أماني فيما بعد.
ترجمة مميّزة وتفسير نافع:
وقد اجتمعت في هذه الترجمة بحمد الله محاسن لم تجتمع في غيرها من الترجمات، وهاك ملخصها:(1/51)
أولاً: بين يدي كل سورة تلخيص لمحتواها بنقاط.
ثانيا: سوق بعض الأحاديث التي وردت في فضائل السورة – إن وجدت –.
ثالثا: ترجمة معاني الآيات الكريمة بدقة وبأسلوب سلس.
رابعا: وضع معاني المفردات في الحاشية حسب الورود.
خامساً: تفسير الآية مفصلاً بالاستعانة بأمهات كتب التفسير.
سادساً: إيراد الأحاديث المتعلقة بالآية الكريمة والشارحة لها.
سابعاً: إذا كانت الآية تشير إلى قصّة فيسوق كامل القصة من مصادر موثوقة.
ثامنا: العناية الفائقة بنبذ الاسرائيليات والاستغناء عن الأحاديث الواهية.
تاسعاً: وضع فهارس في كل مجلد مع دليل مفصل للقارئ.
عاشراً: الاهتمام بذكر أسباب النزول والناسخ والمنسوخ مع عرض المسائل الفقهية في آيات الأحكام.
موقف هذه الترجمة من الآراء المنحرفة:
سبق أن أشرنا إلى بعض الترجمات الموجودة في الساحة المليئة بالأفكار الزائفة والتأويلات المذمومة، وهذه الترجمة لها موقف صارم في الرّد على تلك الأفكار الضالة سواء أكانت الترجمة منتمية إلى الجماعات أو الأشخاص، وتحاول جاهدة إحقاق الحق وإبطال الباطل بإقامة الحجج والبراهين من الكتاب والسنة، كما يهتم الشيخ محمد أماني ورفقاؤه بالردّ على العقلانيين والقاديانيين والقرآنيين (1) في المواضع التي حاولوا دس سمومهم وبث أفكارهم فيها، فهي إذاً ليست ترجمة فحسب، إنما هي ترجمة لمعاني القرآن الكريم وتفسير بالرواية والدراية أيضاً.
وبعد هذه الجولة السريعة نستطيع أن نحكم على هذه الترجمة بأنها من أفضل الترجمات، بل من أفضل التفاسير المترجمة إلى اللغة المليبارية حتى اليوم، ولا سيما إذا نظرنا إليها من الناحية العقدية واهتمامها بسلامة الفكر والمنهج.
__________
(1) القرآنيون: هم منكرو السنة جملة وتفصيلاً ويعبدون الله بما ظهر لهم من القرآن فقط وهو منتشرون في شبه القارة الهندية الباكستانية منذ قرن ونصف قرن ولهم نفوذ في إنجلترا أيضاً.
انظر: شبهات القرآنيين: د/ محمود مزروعة ص45.(1/52)
وقد اعتمد المترجمون -رحمهم الله- على التفاسير المعتمدة في إعداد هذه الترجمة؛ كتفسير الطبري، وابن كثير، والقرطبي وغيرها، إضافة إلى كتب السنة المطهرة المعتمدة؛ كالكتب الستة والمسند للإمام أحمد، والموطأ للإمام مالك، وسنن الدارمي، والمسانيد الأخرى.
وفعلاً -وبدون مبالغة- فقد سدّت هذه الترجمة فراغاً كبيراً في المكتبة الإسلامية للشعب المليباري، علماً بأن اللغة المستخدمة في هذه الترجمة ميسرة سهلة معاصرة.
تطور مذهل في مجال الترجمة.
لقد حدث تطور كبير ومذهل في مجال ترجمة القرآن الكريم في اللغة المليبارية؛ وذلك أن مركز الإصلاح الهندي لدعوة الجاليات المليبارية بالإمارات العربية المتحدة قرر إصدار ترجمة موجزة كاملة لمعاني القرآن الكريم مسجلة على أشرطة كاسيت، فتشاوروا مع علماء الجماعة السلفية بمليبار، فتمت الموافقة على ذلك شريطة أن تكون ترجمة الشيخ محمد أماني الآنفة الذكر مرجعاً وعمدة لهذا العمل الجليل، حيث كلّف الشيخان الفاضلان: الشيخ عبدالحميد حيدر المدني، والشيخ كنهي محمد بربور المدني بإعداد ترجمة موجزة مستخلصة من ترجمة الشيخ محمد أماني، كي يقوم مركز الإصلاح بدوره بالتسجيل على الأشرطة، وبالتالي تصبح لدى المكتبات الصوتية نسخة صوتية فريدة من كامل ترجمة معاني القرآن الكريم في اللغة المليبارية،وقد نجحوا – بحمد الله – في هذه الخطة نجاحاً ملموساً؛ حيث انتشرت مئات النسخ من هذه الترجمة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج والهند بعد برهة من الزمن انتشارا كبيراً، وقد بدأ نشر النسخة الصوتية سنة 1987م.
من الترجمة الصوتية إلى الترجمة المقروءة:(1/53)
لما كان لهذه النسخة رواجٌ في السوق وإقبال شديد من المليباريين، سارع الشيخان الفاضلان إلى إعداد هذه الترجمة للطباعة، فأتقنوا مراجعتها بدقّة، وتولّى فضيلة الشيخ. ك. ب محمد بن أحمد الأمين العام للجماعة السلفية بمليبار القيام بالمراجعة الأخيرة لهذه الترجمة حتى صدرت الطبعة الأولى عام 1990م بمليبار.
حسن اختيار المجمع لأحسن الترجمات.
والجدير بالتنبيه هنا بكل افتخار وسرور أن هذه الترجمة هي التي وقع عليها الاختيار من "مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف" لتدخل ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله للعناية بكتاب الله الكريم وبطباعة ترجمة معانيه إلى جميع لغات العالم في مشارق الأرض ومغاربها، وقد قمت بمراجعتها بتكليف من مجمع الملك فهد، فوجدتها فعلا سهلة الأسلوب، متقنة في التعبير، سليمة من الأخطاء العقدية.
وقد طبعت هذه الترجمة في المجمع ثلاث مرات لشدة حاجة الناس إليها داخل المملكة وخارجها.
فجزى الله القائمين على هذا الصرح الإسلامي الكبير خير ما يجزي به عباده الصالحين، وزادهم براًّ وتوفيقاً.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه
والحمد لله رب العالمين.
الخاتمة
نتائج البحث وثماره:
فهذه أبرز الحركات العلمية المليبارية التي ساهمت في تطوير الترجمات لمعاني كلام الله العزيز، وتلك هي مشاركتهم في هذا الجانب، كلّ ينهج نهجاً يميله عليه اتجاهه الفكري وتوجهه العقدي وقدرته العلمية ومهارته الأدبية واللغوية، شأنهم في ذلك شأن طائفة من المفسرين الذين جعلوا تفاسيرهم خاضعة لأفكارهم ومناهجهم.
فالمترجم المستقيم في العقيدة وجدناه يجتهد ليسلك مسلك السلف الصالح بدون اعوجاج، يخطو الخطوات التي ينبغي للمفسر المتزن والمترجم المسلم تقبلها وتطبيقها.(1/54)
وأما المترجم الذي ركب هواه فقد وجدناه جانب الصواب في كثير من اتجاهاته وتأويلاته؛ لأنه جعل مستنده في الترجمة ما يمليه عليه هواه، كما تبين لنا ذلك في ترجمات القاديانية وغيرها من الفرق الضالة.
فالدارس المتأمل يجد أن معظم هؤلاء المترجمين وقعوا فيما وقعوا فيه بسبب جهلهم بمنهج السلف وعدم تضلعهم بالعقيدة الصحيحة، وعلى الأصح افتقاد شروط المترجم لديهم.
لذا رأينا بعضهم يجعل كلام الله سلماً يرتقي به ويستغله، وأداةً يجرب بها مهارته الأدبية فيتخبط خبط عشواء؛ مما أوقع بسببه السواد الأعظم من المسلمين في الضلال.
ومن خلال عرضنا بعض النماذج من الترجمات المنحرفة اتضح لنا أيضاً: أن الشعب المليباري يواجه أمواجاً هائلة من الأفكار والآراء الفاسدة؛ وفي خضم هذه التيارات الجارفة من جراء ما قرأه من ترجمات، وأمام هذا الحشد الهائل من الفئات المنحرفة يقف كثير من المسلمين حائرين مشوشي الأفكار لا يدري الواحد منهم ماذا يقبل وماذا يرفض؟ وأين الحق وأين الباطل؟ وأما المسلم الواعي الذي يملك القوة المدعمة بالعقيدة الراسخة الصحيحة والثقافات الإسلامية العريقة هو الوحيد الذي يستطيع إنقاذ نفسه من هذه الترهات بفضل الله عز وجل.
وليس بعيداً على الشعب المليباري المسلم هذه الأفكار وما شابهها؛ لأن الهند منذ القدم سادت فيها الأفكار المنحرفة من آراء الأديان الهندية الكبرى، بجانب الفلسفات اليونانية والأفلاطونية ومبادئ الباطنية وغلو الشيعة.
فالإسلام أنقذ فئاماً من البشر بهداية الله وتوفيقه، وبقيت عند البعض
-حتى بعد دخول الإسلام – رواسب تلك الأفكار المنحرفة التي توارثوها عن الآباء والأجداد، فيصعب عليهم مفارقتها ويعيقهم الجو السائد بينهم عن قبول الحق، إلاّ من عصم الله وفتح عليه بالإيمان الراسخ والعلم النافع، كثّر الله من أمثالهم.
التوصيات والمقترحات:(1/55)
1- من خلال دراستنا الموجزة عرفنا أن معظم من ضل الطريق كان بسبب عدم معرفته العقيدة الصحيحة؛ لذا أرى أن نقدم للشعب المليباري خاصة ولمن لا يجيد اللغة العربية عامة ترجمة لمعاني القرآن الكريم فيها توسع وإلمام بشرح آيات العقيدة بكافة جوانبها؛ إما بإعداد ترجمة جديدة عني فيها بهذا الجانب المهم، أو بإضافة ذلك في الترجمات التي تمت طباعتها من قبل مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
2- المحاولة الجادة لإيصال ترجمات معاني القرآن الكريم إلى من يتطلع إلى معرفة الحق ممن لا يجيد اللغة العربية عن طريق شبكة الإنترنت، واستخدام كافة الوسائل الحديثة في هذا المجال.
3- اتخاذ وسائل ناجعة لمنع المقْدمين على إعداد ترجمة جديدة إن لم يتوافر لديهم شروط المترجم المتقدمة.
4- اجتناب ترجمات أهل الباطل والتحذير منها، مع بيان ضررها بكافة الوسائل المتاحة.
5- حث أهل الخير على نشر ترجمات معاني القرآن الكريم في المساجد والمدارس كافة لتكون زاداً لكلّ مسلم.
6- على من يستخدم الترجمات المختصرة مراجعة العلماء المتمكنين من أهل الحق إذا أشكل عليه شيء في معنى الآيات، تجنباً من الوقوع في الأخطاء.
7- عرض الترجمة على أهل الحق الموثوقين من العلماء المتمكنين في اللغتين العربية والمترجم إليها قبل نشر الترجمة.
8-على طلبة العلم الرجوع إلى أمهات كتب التفسير وعدم الاكتفاء بالترجمات لكي لا يتّكلوا عليها.
9- تكثيف الجهود من جميع الجهات العلمية لتعليم اللغة العربية ونشرها في مستويات الدراسة كافة لينشأ الجيل الجديد على فهم كتاب الله تعالى مبكراً.
10- استخدام الآيات القرآنية المتعلقة بالعقيدة في المراحل المبكرة من الدراسة.
11- بذل الجهود في غرس العقيدة السليمة في أذهان الطلبة والدعاة، وتدريبهم على الدفاع عن أهل الحق بتعليم كتاب الله ونشر ترجمة معانيه.(1/56)
12- ينبغي أن يعلم جميع مستخدمي الترجمات ممن لا يجيد اللغة العربية أن حلاوة القرآن وطلاوته والشعور بإعجازه وبلاغته وفصاحته لا يجدها إلا إذا تعلم لغة القرآن ثم قرأه.
13- ليس القرآن كتاب أدب ولغة أو معمل تجارب لكل من أراد، إنما هو كلام الله المعجز فلا يقدم على ترجمته إلا من برع في اللغة العربية والعلوم الإسلامية وتمكن في اللغة التي يترجم إليها.
جعلنا الله ممن تعلم القرآن وعلمه وقرأه آناء الليل وأطراف النهار وعمل بما فيه، وجعلنا من أهل القرآن أهل الله وخاصته إنه سميع مجيب.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه والحمد لله رب العالمين.
جدول الترتيب الزمني
للترجمات المليبارية الكاملة
لوحظ في هذا الجدول أن تكون الترجمة كاملة لمعاني كتاب الله العزيز، بغض النظر عن اتجاه المترجم أو انتمائه، وبغض النظر عن الحروف المستخدمة لها، علماً بأن الترجمات في اللغة المليبارية بلغ عددها ما يقارب خمسين ترجمة ما بين كبيرة وصغيرة ومتوسطة الحجم، وما بين كاملة وجزئية، كما أننا أبعدنا الترجمات التي تحت الطبع أو الإعداد، مع تمنياتنا لهم بالتوفيق لإكمال مسيرتهم وفقاً للشروط المشار إليها خلال هذه الدراسة.
العنوان ... اسم المترجم ... تاريخ الصدور
1- ترجمة معاني القرآن الكريم
الترجمة المليبارية بالحروف العربية ... الشيخ: محيي الدين بن عبد القادر المعروف بما حين كتي أليا ... صدرت ما بين 1272هـ 1287هـ
2- ترجمة معاني القرآن الكريم المسماة بترجمات القرآن المليبارية بالحروف العربية ... فضيلة الشيخ: عمر أحمد المليباري خريج كلية العلوم الشرعية بالرياض سنة 1378هـ ... ما بين سنة 1955هـ 1965م
3- ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة المليبارية ( مليالم ) ... الكاتب المشهور: سي. أن. أحمد مولوى ... صدرت كاملة عام 1961م(1/57)
4- ترجمة معاني القرآن الكريم المعروفة بتفسير القرآن الكريم والمشهورة أيضا بتفسير محمد أماني ... المترجمون: الشيخ موسى مولوى، الشيخ: علوي مولوي، الشيخ: محمد أماني مولوي ... صدرت ما بين سنة 1964-1985
5- ترجمة معاني القرآن المجيد مع مقدمة رائعة في علوم القرآن وإعجازه في ثمانين صفحة ... المترجم: فضيلة الشيخ: يم. كويا كوتي المعروف بـ متاني تشيري كاتب المقدمة: الشيخ: عثمان بنّاني ... صدرت سنة 1966م
6- ترجمة معاني القرآن الكريم ... محمد مسليار. كي. وي ... 1972
7- ترجمة تفهيم القرآن للمودوي من الأردية إلى المليبارية ... عبد الله . تي. كي. إسحاق علي .تي. عبيد . تي . كي ... 1972م
8- ترجمة تفسير الجلالين إلىالمليبارية ... تي. كي. عبد الله مسليار ... 1973م
9- ترجمان القرآن في الحروف المليبارية مختصرة من ترجمته السابقة ... الشيخ عمر أحمد المليباري ... 1985م
10- ترجمة معاني القرآن الكريم ... بي. أي. عبد الكريم ... 1987م
11- ترجمة معاني القرآن الكريم ... عبد الحميد حيدر المدني، كنهي محمد بربور المدني ... 1990م
12- ترجمة القرآن " القاديانية " ... محمد أبو الوفاء ... 1991م
13- ترجمة القرآن الكريم ... مصطفى فيصي ... 1994-2000م
14- ترجمة القرآن الكريم المعروفة بفتح العليم ... عبد الرحمن المخدومي ... 1995م
15- القرآن الكريم وترجمة معانيه إلى اللغة المليبارية ... الشيخ عبد الحميد المدني، الشيخ: كنهي محمد مدني ... صدرت بثوبها الجديد من مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف عام 1417هـ 1996م
16- ترجمة القرآن الكريم المسماة بـ " البيان في معاني القرآن " ... الشيخ: سيد أحمد شهاب الدين قاضي مدينة كاليكوت ... 1997م
17- ترجمة القرآن المعروفة بـ فحوى القرآن ... سليم. وي. أس كنهي محمد ... 1998م
مصادر البحث ومراجعه
1- القرآن الكريم.
2- القرآن الكريم وترجمة معانيه.(1/58)
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف المدينة المنورة 1417هـ.
3- جامع البيان في تفسير القرآن أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ت310هـ، دار المعرفة – بيروت – لبنان 1400هـ
4- الجامع الصحيح ( سنن الترمذي ) أبو عيسى الترمذي ت 279هـ،
دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان.
5- تاريخ بغداد، الحافظ أبو بكر أحمد الخطيب البغدادي ت 463هـ،
دار الكتاب العربي – بيروت – لبنان.
6- تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند: الشيخ مسعود الندوي، دار العربية 1370هـ
7- تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري.
أبو القاسم عليّ بن الحسين هبة الله بن عساكر الدمشقي ت 521هـ.
دار الكتاب – بيروت – لبنان، ط الثالثة 1404هـ 1984م.
8- تحفة المجاهدين في أخبار البرتغاليين، زين الدين المعبري، طبع بمليبار 1395 هـ.
9- ترتيب القاموس على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة، طاهر أحمد الزاوي – عيسى الباب الحلبي 1378هـ 1959م.
10- تحذير الإخوان عن ترجمة القرآن، مطبعة آمنة كاليكوت 1982م.
11- ترجمة تفسير القرآن الكريم.
المترجمون: الشيخ محمد أماني، الشيخ: موسى مولوي، الشيخ: علوي مولوي.
الطبعة الأولى: 1384هـ 1964م.
12- ترجمة تفهيم القرآن للمودودي
المترجمون من الأردية إلى المليبارية:
تي. كي . عبد الله، وتي. إسحاق علي، وتي. كي. عبيد، دار النشر الإسلامية – كوزكود – كيرالا، 1972 – 1998 في ستة مجلدات.
13- ترجمة سورة الفاتحة، مصطفى فيصي – مليبار.
14- ترجمة القرآن المسمى بالتفسير الباطني، كي. و. يم . بنداور – كيرالا 1991م.
15- ترجمة القرآن، محمد أبو الوفاء القادياني، نشر في لندن سنة 1991م.
16- ترجمة القرآن الكريم، الشيخ عمر أحمد المليباري – كيرالا – الهند 1955 – 1965م.
17- ترجمة القرآن الكريم، سي..ين . أحمد مولوي، كوزكود – كيرالا – 1953م.
18- ترجمة القرآن الكريم. تي. كي. عبد الله مولوى، كيرالا – 1973م.(1/59)
19- ترجمة مختصرة في مجلد واحد – من تفهيم القرآن للمودودي - اختصرها – تي. كي. عبيد، دار النشر الإسلامية – كاليكوت – كيرالا – 1988م.
20- تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير المتوفى 774هـ، دار إحياء الكتب العربية – مصر – في 4 أجزاء.
21- تفسير المنار، للشيخ: محمد رشيد رضا، دار المعرفة للطباعة والنشر الطبعة الثانية.
22- تعليم الكلمات المليبارية، د.م. جوسف ط كيرالا.
23- تفصيل آيات القرآن الحكيم، جول لابوم الفرنسي نقلها إلى العربية محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية – مصر 1967م.
24- تمييز المحظوظين عن المحرومين، محمد سلطان المعصومي المكي المتوفى 1379هـ، تحقيق: علي بن حسن الحلبي، دار بن الجوزي 1412هـ 1991م.
25- دراسة حول ترجمة القرآن الكريم، د/ أحمد المهنا، مطبوعات الشعب المصري.
26- دراسة عن الترجمات القرآنية في اللغة المليبارية، د/ محمد بشير، جامعة كاليكو – كيرالا – الهند 1996م.
27- دليل الاتحاد – اتحاد معلمي اللغة العربية بكيرالا سنة 1991م.
28- الدعوة الإسلامية وتطورها في شبه القارة الهندية، د/ محيي الدين الألوائي مليبار.
29- رحلة ابن بطوطة، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم اللواتي ت 779هـ، دار صادر – بيروت.
30- سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة 1388هـ – 1968م.
31- سنن ابن ماجه الحافظ محمد بن يزيد القزويني ت 275، دار إحياء التراث العربي 1395هـ – 1975م.
32- سير أعلام النبلاء، الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي
ت 748هـ، مؤسسة الرسالة 1402هـ 1982م.
33- شبهات القرآنيين،د/ محمود مزروعة، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف 1421هـ.
34- شرح الأربعين النووية، يحيى بن شرف النووي ت 676هـ، مكتبة الإيمان – المنصورة – مصر.(1/60)
35- صحيح البخاري ( الجامع الصحيح المسند لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ) بشرح الحافظ ابن حجر العسقلاني، دار الريان للتراث – 1409هـ 1988م.
36- العقلانيون أفراخ المعتزلة العصريون، علي بن حسن بن علي الحلبي – مكتبة الغرباء 1413هـ.
37- فتح الرحمن في تفسير القرآن، ك.وي. محمد كوتناد – كيرالا 1972-1980م.
38- فحوى القرآن، وي. أس. سليم، وكنهي محمد مناس فونديتش 1998م.
39- فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها، د/ غالب ابن علي العواجي، مكتبة لينة – دمنهور 1414هـ.
40- فصول في أديان الهند، د/ ضياء الرحمن الأعظمي، دار البخاري للنشر والتوزيع 1417هـ.
41- الكتاب السنوي للصحيفة اليومية ( منهورما ) عام 2000م كيرالا – كويتم
42- كتاب في تاريخ مليبار، حكيم شمس الله القاري كيرالا – جنوب الهند.
43- مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، الطبعة الثانية.
44- مجلة الأنصار عدد (8) عام 1961م.
45- مجلة الثقافة الهندية عدد 26 عام 1975م.
46- مجلة قافلة الزيت (5) عام 1420هـ.
47- مجلة " الكلية العربية العالية " العدد الخاص لعام 1978م.
48- مجلة المرشد: الشيخ محمد الكاتب 5، 7، 1967م.
49- مسند أحمد، الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ت 241هـ،
دار الفكر العربي.
50- المصباح المنير، أحمد المقري الفيومي، مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده مصر.
51- مصنّف ابن أبي شيبة الحافظ محمد بن أبي شيبة، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية باكستان 1406هـ.
52- معجم المؤلفين عمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي 1376م.
53- مناهل العرفان، محمد عبد العظيم الزرقاني، دار إحياء الكتب العربية.
54- من نوابغ علماء مليبار، السيد عبد الرحمن العيدروسي الأزهري، نشر دبي 1414هـ.
55- موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ،الدكتور أحمد شلبي، مؤسسة النهضة بمصر.
فهرس الموضوعات
مقدمة ... 1
تمهيد ... 5
الفصل الأول ... 7(1/61)
مليبار وعلاقتها بالإسلام والعرب ... 7
المبحث الأول: كلمة عن مليبار (كيرالا) ... 7
المبحث الثاني: دخول الإسلام إلى مليبار: ... 8
المبحث الثالث : العرب واللغة العربية في مليبار ... 9
المبحث الرابع : وسائل فهم القرآن من العصر الأول إلى عصر الترجمة ومراحل تطورها ... 11
الفصل الثاني ... 13
نظرة عامة حول ترجمة معاني القرآن الكريم ... 13
المبحث الأول: الترجمة في المنظور الإسلامي ... 13
شروط المترجم: ... 15
المبحث الثاني: اللغة المليبارية ومدى نجاح الترجمة إليها. ... 16
المبحث الثالث: تطور جديد بنضوج فكرة الترجمة ... 18
الترجمة بين المؤيدين والمعارضين: ... 20
مخاوف من بعض أهل الحق ... 21
رأي جديد غير سديد: ... 23
المبحث الرابع: صدور أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم في اللغة المليبارية (مَلَيالم) ... 24
ردّة فعل المعارضين فور صدور هذه الترجمة: ... 25
الحروف المستخدمة في الترجمة: ... 26
ترجمة وتفسير: ... 26
سقوط السد المنيع ... 27
تطور ونموذج رائع: ... 28
كلمة موجزة عن ترجمة الشيخ عمر رحمه الله: ... 29
الفصل الثالث: بعض الترجمات في الميزان ... 31
المبحث الأول: الترجمة القاديانية ... 31
الترجمة المليبارية للنحلة القاديانية: ... 32
الأفكار المدسوسة خلال الترجمة ... 32
باب النبوة مفتوح: ... 33
المبحث الثاني: ترجمة بعض المتأثرين بالعقلانيين: ... 35
ترجمة سي. ين. أحمد مولوي: ... 36
أهم الملاحظات حول هذه الترجمة: ... 36
هفوات في العقيدة: ... 41
المبحث الثالث: ترجمات للطائفة السنية ... 42
نماذج من ترجمات الطائفة المنتسبة للسنة ... 44
الترجمة الأولى: ... 44
الترجمة الثانية للطائفة المنتسبة للسنة: ... 45
الترجمة الثالثة للطائفة المنتسبة إلى السنة: ... 49
أقوال المحققين: ... 50
المبحث الرابع: ترجمة معاني القرآن الكريم للطائفة المتصوفة: ... 51
تأثير مذهب الأشاعرة في الترجمات المليبارية ... 54(1/62)
المبحث الخامس: دور الجماعة الإسلامية في مجال الترجمات ... 55
ترجمة الشيخ: تي. كي. عبيد صاحب: ... 56
ترجمة تفسير "في ظلال القرآن" : ... 56
المبحث السادس: مشاركة غير المسلمين في الترجمة القرآنية ... 57
1- كونّيّور راغون ناير. ... 57
2- ترجمة راغفان ناير الكاتب المشهور. ... 58
المبحث السابع: ترجمات الجماعة السلفيين ... 59
الترجمة المثالية: ... 60
ترجمة مميّزة وتفسير نافع: ... 61
موقف هذه الترجمة من الآراء المنحرفة: ... 62
تطور مذهل في مجال الترجمة. ... 63
من الترجمة الصوتية إلى الترجمة المقروءة: ... 64
حسن اختيار المجمع لأحسن الترجمات. ... 64
الخاتمة ... 65
نتائج البحث وثماره: ... 65
التوصيات والمقترحات: ... 67
جدول الترتيب الزمني ... 69
للترجمات المليبارية الكاملة ... 69
مصادر البحث ومراجعه ... 71
فهرس الموضوعات ... 76
الملخص
يهدف هذا البحث إلى دراسة تاريخ تطور ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة المليبارية ( مليالم ) إحدى اللغات الرسمية بالهند .
قسَّم الباحث هذه الدراسة إلى ثلاثة فصول: الفصل الأول تحدَّث فيه عن منطقة مليبار وعلاقتها بالإسلام والعرب وعن دخول الإسلام المبكر إلى هذه المنطقة وعن وسائل فهم القرآن.
وفي الفصل الثاني بيَّن الباحث قضية الترجمة من حيث الجواز وعدمه وآراء العلماء في ذلك قديما وحديثا وما أسفر عنه نقاشهم في هذا الموضوع.
وركز الباحث على وسائل نجاح الترجمة في اللغة المليبارية ونشأة فكرة الترجمة وتطورها ثم تناولتها الفرق من أهل الحق والباطل.
وخصص البحث الفصل الأخير لمناقشة بعض الترجمات الموجودة في الساحة ومحاولة بعضها تشويه صورة الإسلام.
وسرد الباحث نماذج لترجمات الفرق الموجودة في الساحة المليبارية مع بيان تاريخ تطور الترجمات واختياره لأحسن الترجمات الموجودة في مليبار.(1/63)
وفي الختام أشاد الباحث بجهود المملكة العربية السعودية ممثلة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في توليه ريادة نهضة الترجمات في العالم، ثم أبدى توصياته ومقترحاته.(1/64)