رسالة
بيان إلحاد ابن عربي
تأليف
بني طورخان بن طورمش السنابي
تحقيق
الدكتور جميل عبد الله عويضة
1430هـ/2009م
بسم الله الرحمن الرحيم
... الحمد لله المتعالي عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، والصلاة والسلام على المتولي على نبينا الصادع بالحق بشيرا ونذيرا ، وعلى آله وعترته الحافظين لشريعته ، وصحابته الناصرين لدينه وملته ، وبعد ...(1/1)
... فيقول الفقير إلى الله الغني بني طورخان بن طورمش السنابي : اعلموا أيها المؤمنون أنّ مذهب أهل المتصوفة مذهب باطل ، وضلالتهم أشد من ضلالة اثني وسبعين فرقة ، وتفريق مذهبهم واجب علينا ؛ ليجتنب المؤمنون ، وعن مذهبهم ونجاستهم فإنهم ضالون مُضلون ، وهم مذهب صاحب الفصوص ، فإن مذهبه مصيبة عظيمة ، تمسكوا بالشريعة المطهرة لعلكم تفلحون من نار جحيم ، واقبلوا هذه النصيحة ممن علم ، فإنهم كافرون ، وذاهبون عن الشرع القويم ، والصراط المستقيم خارجون ، وفي حزب الشيطان هم داخلون ؛ لأن حزب الشيطان هم الخاسرون ، واعلموا أنّ صاحب الفصوص قد كان في أول حاله من أفضل العلماء ، ورئيس المشايخ ، وكان في آخره رئيس الملحدين ، كالشيطان ، فإنه كان في أوله رئيس الملائكة ، وكان في آخره رئيس الكافرين ، ولا فرق عنده بين عبادة الصنم والصمد ، فقال : كل مَنْ عبد شيئا من الممكنات فقد عبد الله ، كما قال في فصوصه : إنّ الحقّ المنزه هو الخلق المشبه ، وأنّ من سجد للصنم هو عنده / أعلم ممن كفر به وجحد، وقال : إنْ ترك عبادة الأصنام جهد ، كما قال في فصوصه في حق قوم نوح عليه السلام : إنهم تركوا عبادتهم ، ورأوا سواعا ، ويغوث ، ويعوق ، ونسرا ، جهلوا من الحق بقدر ما تركوا من هؤلاء ، وقال في فصوصه : إنّ كلّ عبدة الأصنام ما عبدوا إلاّ الله ، كما قال في فصوصه في حق قوم هود عليه السلام بأنهم حصلوا عن القرب ، فزال البعد ، فزال مُسمى حبهم في حقهم ؛ ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق ، وقال في فصوصه : إنّ مَنْ ادّعى الألوهية فهو صادق في دعواه ، وغير ذلك مما يخالف الشرع ، ومراده من هذه الأقوال وجود الواجب الذي هو عين ذات الله تعالى ، هو وجود الممكنات ، وإلاّ لما صحّ قوله : كل من عبد شيئا من الممكنات فقد عبد الله تعالى ، إذ من البيّن أنّ فيض المعبود لا يكون إلهاً معبودا ، العياذ بالله من هذا الاعتقاد ، فلهذا حكم أهل الشرع على كفره(1/2)
وإلحاده ، ثم ضرب عنقه في زمانه، وكذا حكم أفضل العلماء ، مفتي الزمان سعدي جلبي على كفره وإلحاده ، وبعده حكم أفضل العلماء مفتي الزمان جوي زاده (1) على كفره وإلحاده في زماننا بهذه الأقوال ، وعلى مَن كان في اعتقاده ، وأنه يهدم دين الإسلام ، فالله خصمه في الدارين ، أمَّا خصومته في الدنيا فقد أهلكته بضرب عنقه ، وفي الآخرة بعذاب أليم مع أتباعه وأحبائه إنْ كانوا على اعتقاده ، فإنه أحدث مذهب الوجودية ، وقال : إنّ حقيقة الوجوب هو الوجود / المطلق ، الذي هو عين ذات الله تعالى ، وهو وجود الممكنات ، كما خرج بقوله في فصوصه : لولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ، ما كان للعالم وجود ، ولزم أيضا من هذا القول أنْ لا يكون للموجب تأثير في الوجود الممكنات ؛ لأنها عنده نفس الواجب ، ومن البيّن امتناع تأثير الشيء في نفسه ، ولزم أيضا من هذا القول تعطيل الصَّناع تعالى وتقدّس ، وتكذيب جميع الرسل والأنبياء ، وجميع الكتب المنزلة من السماء .
... واعلم أنّ مذهب المتصوفين من الحلولية ، والوجودية ، كمذهب صاحب الفصوص ؛ لأنه من أكبر مشايخهم من حياة القلوب ، في الباب الثامن والثلاثين.
تمت هذه الرسالة من تصانيف
بني طورخان بن طورمش السنابي
المعيد لابن كمال باشا .
__________
(1) هو محيى الدين شيخ محمد بن إلياس المشتهر بجوي زادة . انظر ترجمته في الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية ، ص 265(1/3)