4753- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : أَنَا شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ نَهَى عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ ، وَأَنَا شَهِدَتْهُ حِينَ رَخَّصَ فِيهِ وَقَالَ : « وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ » . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ » فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ النَّهْيِ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الأوْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْخَطَّابِيِّ : ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا كَانَ أَوَّلاً ثُمَّ نُسِخَ ، وَالْمَعْنَى فِي النَّهْيِ أَنَّ الْعَهْدَ بِإِبَاحَةِ الْخَمْرِ كَانَ قَرِيبًا ، فَلَمَّا اُشْتُهِرَ التَّحْرِيمُ أُبِيحَ لَهُمْ الانْتِبَاذُ فِي كُلِّ وِعَاءٍ بِشَرْطِ تَرْكِ شُرْبِ الْمُسْكِرِ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ : وَإِذَا شَكَكْتَ فِي الْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ هَلْ يُسْكِرُ أَمْ لا لَمْ يَحْرُمْ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ ، وَلَمْ يُقَمْ الْحَدِّ عَلَى شَارِبِهِ ، وَلا يَنْبَغِي إِبَاحَتِهِ لِلنَّاسِ إِذَا كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْكِرًا ، لأَنَّ إِبَاحَةَ الْحَرَامِ مِثْلُ تَحْرِيمِ الْحَلالِ .
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخَلِيطَيْنِ
4754- عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا ، وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ وَالْبُسْرُ جَمِيعًا . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .
4755- إِلا التِّرْمِذِيَّ ، فَإِنَّ لَهُ مِنْهُ فَصْلَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ .(2/443)
4756- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لا تَنْبِذُوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا ، وَلا تَنْبِذُوا الزَّبِيبَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا ، وَلَكِنْ انْبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ » . مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ ، لَكِنْ لِلْبُخَارِيِّ ذِكْرُ التَّمْرِ بَدَلَ الرُّطَبِ .
4757- وَفِي لَفْظٍ : أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ خَلِيطِ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّهْوِ وَالرُّطَبِ وَقَالَ : « انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد .
4758- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا ، وَعَنْ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا ، يَعْنِي فِي الانْتِبَاذِ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ .
4759- وَفِي لَفْظٍ : نَهَانَا أَنْ نَخْلِطَ بُسْرًا بِتَمْرٍ أَوْ زَبِيبًا بِتَمْرٍ أَوْ زَبِيبًا بِبُسْرٍ ، وَقَالَ : « مَنْ شَرِبَهُ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا وَتَمْرًا فَرْدًا وَبُسْرًا فَرْدًا » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ .
4760- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لا تَنْبِذُوا التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ جَمِيعًا ، وَلا تَنْبِذُوا التَّمْرَ وَالْبُسْرَ جَمِيعًا ، وَانْبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ عَلَى حِدَة » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
4761- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ : نَهَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُخْلَطَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا ، وَأَنْ يُخْلَطَ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا .(2/444)
4762- وَعَنْهُ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُخْلَطَ الْبَلَحُ بِالزَّهْوِ . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ .
4763- وَعَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَجْمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَيُنْبَذَا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْفَضِيخِ فَنَهَانِي عَنْهُ ، قَالَ : وكَانَ يَكْرَهُ الْمُذَنِّبَ مِنْ الْبُسْرِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ شَيْئَيْنِ فَكُنَّا نَقْطَعُهُ . رَوَاهُ النَّسَائِيّ .
4764- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سِقَاءٍ فَنَأْخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ فَنَطْرَحُهُمَا ، ثُمَّ نَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَنَنْبِذُهُ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً وَنَنْبِذُهُ عَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ .
قَوْلُهُ : « الْبَلَحُ » قَالَ وَفِي الْقَامُوسِ : هُوَ أَوَّلُ مَا يَرْطُبُ مِنْ الْبُسْرِ وَاحِدُهُ بَلَحَةٌ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ النَّهْيِ عَنْ الْخَلِيطَيْنِ . فَقَالَ النَّوَوِيُّ : ذَهَبَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ عَنْ الْخَلِيطِ أَنَّ الإِسْكَارَ يُسْرِعُ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ ، فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الإِسْكَارِ وَقَدْ بَلَغَهُ . قَالَ : وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّهْيَ فِي ذَلِكَ لِلتَّنْزِيهِ وَإِنَّمَا يُحَرَّمُ إذَا صَارَ مُسْكِرًا .
بَاب النَّهْيِ عَنْ تَخْلِيلِ الْخَمْرِ(2/445)
3735 - عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ يُتَّخَذُ خَلًّا ؟ فَقَالَ : « لا » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
4766- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا ، قَالَ : « أَهْرِقْهَا » . قَالَ : أَفَلا نَجْعَلُهَا خَلًّا ؟ قَالَ : « لا » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
4767- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قُلْنَا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ : إنَّ عِنْدَنَا خَمْرًا لِيَتِيمٍ لَنَا ، فَأَمَرَنَا فَأَهْرَقْنَاهَا . رَوَاهُ أَحْمَدُ .
4768- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ يَتِيمًا كَانَ فِي حِجْرِ أَبِي طَلْحَةَ فَاشْتَرَى لَهُ خَمْرًا . فَلَمَّا حُرِّمَتْ سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَتُتَّخَذُ خَلًّا ؟ قَالَ : « لا » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : قَالَ : « لا » فِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ تَخْلِيلُ الْخَمْرِ وَلا تَطْهُرُ بِالتَّخْلِيلِ .
بَابُ شُرْبُ الْعَصِيرِ مَا لَمْ يَغْلِ أَوْ يَأْتِ عَلَيْهِ ثَلاثٌ
وَمَا طُبِخَ قَبْلَ غَلَيَانِهِ فَذَهَبَ ثُلُثَاهُ
4769- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سِقَاءٍ يُوكَأ أَعْلاهُ وَلَهُ عَزْلاءُ نَنْبِذُهُ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيًّا ، وَنَنْبِذُهُ عَشِيًّا فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .(2/446)
4770- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنْبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَيَشْرَبُهُ إذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ ، وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الأخْرَى وَالْغَدَ إلَى الْعَصْرِ ، فَإِن بَقِيَ شَيْءٌ سَقَاهُ الْخادم أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
4471- وَفِي لفظ : كَانَ يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى الْخَادِمُ أَوْ يُهْرَاقُ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد ، وَقَالَ : مَعْنَى يُسْقَى الْخَادِمُ يُبَادِرُ بِهِ الْفَسَادُ .
4772- وَفِي رِوَايَةٍ : كَانَ يُنْبَذُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَشْرَبُهُ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَالْغَدَ وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ أَهْرَقَهُ ، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَأُهْرِيقَ . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَةْ .
4773- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصُومُ فَتَحَيَّنْتُ فِطْرَهُ بِنَبِيذٍ صَنَعْتُهُ فِي دُبَّاءَ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِهِ فَإِذَا هُوَ يَنِشُّ ، فَقَالَ : « اضْرِبْ بِهَذَا الْحَائِطَ ، فَإِنَّ هَذَا شَرَابُ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْعَصِيرِ : اشْرَبْهُ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ شَيْطَانُهُ ، قِيلَ : وَفِي كَمْ يَأْخُذُهُ شَيْطَانُهُ ؟ قَالَ : فِي ثَلاثٍ . حَكَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .(2/447)
وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ الطِّلاءِ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَلَهُ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : رَأَى عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٌ - رضي الله عنهم - شُرْبَ الطِّلاءِ عَلَى الثُّلُثِ ، وَشَرِبَ الْبَرَاءُ وَأَبُو جُحَيْفَةَ عَلَى النِّصْفِ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد : وسَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ شُرْبِ الطِّلاءِ إذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ ؟ فَقَالَ : لا بَأْسَ بِهِ ، قُلْتُ : إنَّهُمْ يَقُولُونَ يُسْكِرُ ؟ قَالَ : لا يُسْكِرُ ولَوْ كَانَ يُسْكِرُ مَا أَحَلَّهُ عُمَرُ - رضي الله عنه - .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ شُرْبُ النَّبِيذِ مَا دَامَ حُلْوًا غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَسْرَعَ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ .
قَوْلُهُ : ( فِي ثَلاثِ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيذَ بَعْدَ الثَّلاثِ قَدْ صَارَ مَظِنَّةً لِكَوْنِهِ مُسْكِرًا فَيَتَوَجَّهُ اجْتِنَابُهُ .
قَوْلُهُ : ( مِنْ الطِّلاءِ ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ شُبِّهَ بِطِلاءِ الإِبِلِ وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالِ غَالِبًا لا يُسْكِرُ .
بَاب آدَاب الشُّرْب
4774- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ ثَلاثًا . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
4775- وَفِي لَفْظٍ : كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا وَيَقُولُ : « إنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
4776- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .(2/448)
4777- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الإِنَاءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ .
4778- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : الْقَذَاةُ أَرَاهَا فِي الإِنَاءِ ؟ فَقَالَ : « أَهْرِقْهَا » . فَقَالَ : إنِّي لا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ ؟ قَالَ : « فَأَبِنْ الْقَدَحَ إذًا عَنْ فِيك » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
4779- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
4780- وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - زَجَرَ عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا ، قَالَ قَتَادَةُ : فَقُلْنَا فَالأكْلُ ؟ قَالَ : « ذَاكَ شَرٌّ وَأَخْبَثُ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ .
4781- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
4782- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: شَرِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمًا مِنْ زَمْزَمَ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4783- وَعَنْ الإِمَامِ عَلِيٍّ - أَنَّهُ فِي رَحْبَةِ الْكُوفَةِ - شَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ ، قَالَ : إنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ .(2/449)
4784- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَمْشِي وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
4785- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ اخْتِنَاثِ الأسْقِيَةِ أَنْ يُشْرَبَ مِنْ أَفْوَاهِهَا . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
4786- وَفِي رِوَايَةٍ : وَاخْتِنَاثِهَا أَنْ يُقْلَبَ رَأْسُهَا ثُمَّ يُشْرَبَ مِنْهُ . أَخْرَجَاهُ .
4787- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ ، وَزَادَ : قَالَ أَيُّوبُ : فَأُنْبِئْتُ أَنَّ رَجُلاً شَرِبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ فَخَرَجَتْ حَيَّةٌ .
4788- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا مُسْلِمًا .
4789- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ جَدَّتِهِ كَبْشَةَ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَشَرِبَ مِنْ فِي قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ قَائِمًا ، فَقُمْتُ إلَى فِيهَا فَقَطَعْتُهُ . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
4790- وَعَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَفِي الْبَيْتِ قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ ، فَشَرِبَ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ فَقَطَعْتُ فَاهَا فَإِنَّهُ لَعِنْدِي . رَوَاهُ أَحْمَدُ .
4791- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ وَقَالَ : « إنَّ لَهُ دَسَمًا » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ .(2/450)
4792- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ ، فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الأعْرَابِيَّ وَقَالَ : « الأيْمَنَ فَالأيْمَنَ » . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا النَّسَائِيّ .
4793- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأشْيَاخُ ، فَقَالَ لِلْغُلامِ : « أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاءِ » ؟ فَقَالَ الْغُلامُ : وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لا آثَرْتُ بِنَصِيبِي مِنْك أَحَدًا فَتَلَّهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي يَدِهِ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
4794- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا » . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « فَلا يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ » النَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الَّذِي يَشْرَبُ مِنْهُ لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْ الْفَمِ بُزَاقٌ يَسْتَقْذِرُهُ مَنْ شَرِبَ بَعْدَهُ مِنْهُ أَوْ تَحْصُلُ فِيهِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَاءِ أَوْ بِالإِنَاءِ .
قَوْلُهُ : « أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ » أَيْ فِي الإِنَاءِ الَّذِي يُشْرَبُ مِنْهُ ، وَكَذَا لا يُنْفَخُ فِي الإِنَاءِ لِتَبْرِيدِ الطَّعَامِ ، بَلْ يَصْبِرُ إلَى أَنْ يَبْرُدَ وَلا يَأْكُلُهُ حَارًّا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَذْهَبُ مِنْهُ .(2/451)
قَوْلُهُ : ( نَهَى عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا ) ظَاهِرُ النَّهْيِ أَنَّ الشُّرْبَ مِنْ قِيَامٍ حَرَامٌ ، وَلَكِنْ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ يَدُلانِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ . قَالَ الْمَازِرِيُّ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى الْجَوَازِ وَكَرِهَهُ قَوْمٌ .قَالَ النَّوَوِيُّ : الصَّوَابُ أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ وَشُرْبُهُ قَائِمًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ .
قَوْلُهُ : ( مِنْ فِي السِّقَاءِ ) قَالَ النَّوَوِيُّ : اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النَّهْيَ هُنَا لِلتَّنْزِيهِ لا لِلتَّحْرِيمِ وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ بِالتَّحْرِيمِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ : لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا يَكُونُ لِعُذْرٍ كَأَنْ تَكُونَ الْقِرْبَةُ مُعَلَّقَةً وَلَمْ يَجِدْ الْمُحْتَاجُ إلَى الشُّرْبِ إنَاءً وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّنَاوُلِ بِكَفِّهِ فَلا كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ ، وَبَيْنَ مَا يَكُونُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَتُحْمَلُ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ النَّهْيِ . قَالَ الْحَافِظُ : وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَوَازِ كُلَّهَا فِيهَا أَنَّ الْقِرْبَةَ كَانَتْ مُعَلَّقَةً . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
أَبْوَابُ الطِّبِّ
بَابُ إبَاحَةُ التَّدَاوِي وَتَرْكُهُ
4795- عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ أَنَتَدَاوَى ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ .(2/452)
4796- وَفِي لَفْظٍ : قَالَتْ الأعْرَابُ : يَا رَسُولَ اللهِ أَلا نَتَدَاوَى ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، عِبَادَ اللهِ تَدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً ، أَوْ دَوَاءً إِلا دَاءً وَاحِدَا » . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : « الْهَرَمُ » . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
4797- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللهِ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
4798- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إنَّ اللهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ .
4799- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دَاءٍ إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ .
4800- وَعَنْ أَبِي خِزَامَةَ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا ، وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ ، وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شَيْئًا ؟ قَالَ : « هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَلا يُعْرَفُ لأبِي خِزَامَةَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ .
4801- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرِقُّونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » .(2/453)
4802- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ أَتَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ : إنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللهَ لِي ، قَالَ : « إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَك » . فَقَالَتْ : أَصْبِرُ ، وَقَالَتْ : إنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللهَ أَنْ لا أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ كُلِّهَا إثْبَاتُ الأسْبَابِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ لا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ لِمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا بِإِذْنِ اللهِ وَبِتَقْدِيرِهِ وَأَنَّهَا لا تَنْجَعُ بِذَوَاتِهَا بَلْ بِمَا قَدَّرَهُ اللهُ فِيهَا ، وَأَنَّ الدَّوَاءَ قَدْ يَنْقَلِبُ دَاءً إذَا قَدَّرَ اللهُ ذَلِكَ ، وَإِلَيْهِ الإِشَارَةُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ حَيْثُ قَالَ " بِإِذْنِ اللهِ " فَمَدَارُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى تَقْدِيرِ اللهِ وَإِرَادَتِهِ ، وَالتَّدَاوِي لا يُنَافِي التَّوَكُّلَ كَمَا لا يُنَافِيهِ دَفْعُ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ بِالأكْلِ وَالشُّرْبِ وَكَذَلِكَ تَجَنُّبُ الْمُهْلِكَاتِ وَالدُّعَاءُ بِالْعَافِيَةِ وَدَفْعُ الْمَضَارِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ .(2/454)
قَالَ الْمَازِرِيُّ : جَمِيعُ الرُّقَى جَائِزَةٌ إذَا كَانَتْ بِكِتَابِ اللهِ أَوْ بِذِكْرِهِ ، وَمَنْهِيٌّ عَنْهَا إذَا كَانَتْ بِاللُّغَةِ الْعَجَمِيَّةِ أَوْ بِمَا لا يُدْرَى مَعْنَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كُفْرٌ . قَالَ النَّوَوِيُّ : الْمَدْحُ فِي تَرْكِ الرُّقَى الْمُرَادِ بِهَا الرُّقَى الَّتِي هِيَ مِنْ كَلامِ الْكُفَّارِ ، وَالرُّقَى الْمَجْهُولَةِ وَاَلَّتِي بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَمَا لا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ فَهَذِهِ مَذْمُومَةٌ لاحْتِمَالِ أَنَّ مَعْنَاهَا كُفْرٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ أَوْ مَكْرُوهٌ . وَأَمَّا الرُّقَى بِآيَاتِ الْقُرْآنِ وَبِالأذْكَارِ الْمَعْرُوفَةِ فَلا نَهْيَ فِيهِ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
قَوْلُهُ : ( فَقَالَتْ إنِّي أُصْرَعُ ) الصَّرَعُ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ - عِلَّةٌ تَمْنَعُ الأعْضَاءَ الرَّئِيسِيَّةَ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا مَنْعًا غَيْرَ تَامٍّ . وَسَبَبُهُ رِيحٌ غَلِيظَةٌ تَنْحَبِسُ فِي مَنَافِذِ الدِّمَاغِ ، أَوْ بُخَارٌ رَدِيءٌ يَرْتَفِعُ إلَيْهِ مِنْ بَعْضِ الأعْضَاءِ . وَقَدْ يَتْبَعُهُ تَشَنُّجٌ فِي الأعْضَاءِ ، وَيَقْذِفُ الْمَصْرُوعُ بِالزَّبَدِ لِغِلَظِ الرُّطُوبَةِ . وَقَدْ يَكُونُ الصَّرَعُ مِنْ الْجِنِّ وَيَقَعُ مِنْ النُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ مِنْهُمْ ، إمَّا لاسْتِحْسَانِ بَعْضِ الصُّوَرِ الإِنْسِيَّةِ ، وَإِمَّا لإِيقَاعِ الأذِيَّةِ بِهِ . وَالأوَّلُ هُوَ الَّذِي يُثْبِتُهُ جَمِيعُ الأطِبَّاءِ وَيَذْكُرُونَ عِلاجَهُ . وَالثَّانِي يَجْحَدُهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَبَعْضُهُمْ يُثْبِتهُ ، قَالَ بُقْرَاطُ بَعْدَ ذِكْرِ عِلاجِ الْمَصْرُوعِ : إنَّمَا يَنْفَعُ فِي الَّذِي سَبَبُهُ أَخْلاطٌ ، وَأَمَّا الَّذِي يَكُونُ مِنْ الأرْوَاحِ فَلا . انتهى .
بَاب مَا جَاءَ فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمَاتِ(2/455)
4803- عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ : أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْد الْجُعْفِيُّ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْخَمْرِ ، فَنَهَاهُ عَنْهَا ، فَقَالَ : إنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ ، قَالَ : « إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
4804- وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إنَّ اللهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا ، وَلا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي الْمُسْكِرِ : إنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ . ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ .
4805- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ ، يَعْنِي السُّمَّ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي أَبْوَالِ الإِبِلِ : قَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَدَاوَوْنَ بِهَا فَلا يَرَوْنَ بِهَا بَأْسًا . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ » فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ فَيَحْرُمُ التَّدَاوِي بِهَا كَمَا يَحْرُمُ شُرْبُهَا ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الأمُورِ النَّجِسَةِ أَوْ الْمُحَرَّمَةِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ .
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكَيِّ
4806- عَنْ جَابِرٍ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيبًا فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا ثُمَّ كَوَاهُ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .(2/456)
4807- وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي أَكْحُلِهِ مَرَّتَيْنِ . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ .
4808- وَعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَوَى أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنْ الشَّوْكَةِ . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
4809- وَعَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ شُعْبَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : « مَنْ اكْتَوَى أَوْ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنْ التَّوَكُّلِ ? رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
4810- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : « الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ : فِي شَرْطَةِ مَحْجَمٍ ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ .
4811- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الْكَيِّ فَاكْتَوَيْنَا فَمَا أَفْلَحْنَ وَلا أَنْجَحْنَ . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : فَمَا أَفْلَحْنَا ، وَلا أَنْجَحْنَا .(2/457)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : ( فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا ) اُسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الطَّبِيبَ يُدَاوِي بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ . قَالَ ابْنُ رَسْلانَ : وَقَدْ اتَّفَقَ الأطِبَّاءُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ التَّدَاوِي بِالأخَفِّ لا يُنْتَقَلُ إلَى مَا فَوْقَهُ ، فَمَتَى أَمْكَنَ التَّدَاوِي بِالْغِذَاءِ لا يُنْتَقَلُ إلَى الدَّوَاءِ ، وَمَتَى أَمْكَنَ بِالْبَسِيطِ لا يُعْدَلُ إلَى الْمُرَكَّبِ ، وَمَتَى أَمْكَنَ بِالدَّوَاءِ لا يُعْدَلُ إلَى الْحِجَامَةِ ، وَمَتَى أَمْكَنَ بِالْحِجَامَةِ لا يُعْدَلُ إلَى قَطْعِ الْعِرْقِ .
قَوْلُهُ : ( كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ) وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ الْكَيِّ ، وَجَاءَتْ الرُّخْصَةُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّهْيُ حَيْثُ يَقْدِرُ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يُدَاوِيَ الْعِلَّةَ بِدَوَاءٍ آخَرَ لأنَّ الْكَيَّ فِيهِ تَعْذِيبٌ بِالنَّارِ ، وَلأنَّ الْكَيَّ يَبْقَى مِنْهُ أَثَرٌ فَاحِشٌ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .(2/458)
قَوْلُهُ : ( مِنْ الشَّوْكَةِ ) ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ : هِيَ حُمْرَةٌ تَعْلُو الْوَجْهَ وَالْجَسَدَ ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ ، فِي جِسْمِهِ شَوْكَةٌ . قَالَ فِي الْهَدْيِ : أَحَادِيثُ الْكَيِّ لا تَعَارُضَ فِيهَا بِحَمْدِ اللهِ فَإِنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ وَعَدَمِ مَحَبَّتِهِ لا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ ، وَالثَّنَاءُ عَلَى تَارِكِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ وَالنَّهْيُ عَنْهُ إمَّا عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ مِنْ دُونِ عِلَّةٍ أَوْ عَنْ النَّوْعِ الَّذِي يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى كَيٍّ . قَالَ الشَّارِح : وَقِيلَ : الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الأحَادِيثِ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الاكْتِوَاءُ ابْتِدَاءً قَبْلَ حُدُوثِ الْعِلَّةِ كَمَا يَفْعَلُهُ الأعَاجِمُ ، وَالْمُبَاحُ هُوَ الاكْتِوَاءُ بَعْدَ حُدُوثِ الْعِلَّةِ . انْتَهَى مَلَخَّصًا .(2/459)
قَوْلُهُ : « الشِّفَاء فِي ثلاث » . إلى آخره . قَالَ النَّوَوِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ بَدِيعِ الطِّبِّ عِنْدَ أَهْلِهِ لأنَّ الأمْرَاضَ الِامْتِلائِيَّةَ دَمَوِيَّةٌ أَوْ صَفْرَاوِيَّةٌ أَوْ سَوْدَاوِيَّةٌ أَوْ بَلْغَمِيَّةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ دَمَوِيَّةً فَشِفَاؤُهَا بِإخْرَاجُ الدَّمِ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الثَّلاثَةِ الْبَاقِيَةِ فَشِفَاؤُهَا بِالإِسْهَالِ بِالْمُسَهِّلِ اللائِقِ بِكُلِّ خَلْطٍ مِنْهَا ، فَكَأَنَّهُ نَبَّهَ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعَسَلِ عَلَى الْمُسَهِّلاتِ وَبِالْحِجَامَةِ عَلَى إخْرَاجِ الدَّمِ بِهَا وَبِالْفَصْدِ وَوَضْعِ الْعَلَقِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا ، وَذُكِرَ الْكَيُّ لأنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ نَفْعِ الأدْوِيَةِ الْمَشْرُوبَةِ وَنَحْوِهَا ، فَآخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ . وَالنَّهْيُ عَنْهُ إشَارَةٌ إلَى تَأْخِيرِ الْعِلاجِ بِالْكَيِّ حَتَّى يُضْطَرَّ إلَيْهِ مَا فِيهِ مِنْ اسْتِعْجَالِ الألَمِ الشَّدِيدِ فِي دَفْعِ أَلَمٍ قَدْ يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْ أَلَمِ الْكَيِّ .(2/460)
قَوْلُهُ : ( نَهَى عَنْ الْكَيِّ فَاكْتَوَيْنَا ) قَالَ ابْنُ رَسْلانَ : هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِيهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُبَاحُ الْكَيُّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِالابْتِلاءِ بِالأمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ الَّتِي لا يَنْجَعُ فِيهَا إِلا الْكَيُّ وَيُخَافُ الْهَلاكُ عِنْدَ تَرْكِهِ ، أَلا تَرَاهُ كَوَى سَعْدًا لَمَّا لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ مِنْ جُرْحِهِ ، وَنَهَى عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ عَنْ الْكَيِّ لأنَّهُ كَانَ بِهِ بَاسُورٌ وَكَانَ مَوْضِعُهُ خَطَرًا فَنَهَاهُ عَنْ كيه . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : الْكَيُّ جِنْسَانِ كَيُّ الصَّحِيحِ لِئَلا يَعْتَلَّ فَهَذَا الَّذِي قِيلَ فِيهِ لَمْ يَتَوَكَّلْ مَنْ اكْتَوَى لأنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَدْفَعَ الْقَدَرَ عَنْ نَفْسِهِ . وَالثَّانِي كَيُّ الْجُرْحِ إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ دَمُهُ بِإِحْرَاقٍ وَلا غَيْرِهِ ، وَالْعُضْوُ إذَا قُطِعَ فَفِي هَذَا الشِّفَاءُ بِتَقْدِيرِ اللهِ تَعَالَى ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْكَيُّ لِلتَّدَاوِي الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَنْجَحَ وَيَجُوزُ أَنْ لا يَنْجَحَ فَإِنَّهُ إلَى الْكَرَاهَةِ أَقْرَبُ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحِجَامَةُ وَأَوْقَاتُهَا
4812- عَنْ جَابِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « إنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ ، أَوْ لَذْعَة بنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
4813- وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْتَجِمُ فِي الأخْدَعَيْنِ وَالْكَاهِلِ ، وَكَانَ يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .(2/461)
4814- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
4815- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إنَّ خَيْرَ مَا تَحْتَجِمُونَ فِيهِ يَوْمُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
4816- وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ : أَنََّّهُ كَانَ يَنْهَى أَهْلَهُ عَنْ الْحِجَامَةِ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ وَيَزْعُمُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ يَوْمُ الدَّمِ ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَرْقَأُ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
4817- وَرُوِيَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « الْحِجَامَةُ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ الشَّهْرِ دَوَاءٌ لِدَاءِ السَّنَةِ » . رَوَاهُ حَرْبُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْكَرْمَانِيُّ صَاحِبُ أَحْمَدَ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَلِكَ .
4818- وَرَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ يَوْمَ الأرْبِعَاءِ فَأَصَابَهُ وَضَحٌ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ . ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ . قَالَ أَبُو دَاوُد : وَقَدْ أُسْنِدَ وَلا يَصِحُّ .
وَكَرِهَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ الْحِجَامَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالأرْبِعَاءِ وَالثُّلاثَاءِ ، إِلا إذَا كَانَ يَوْمُ الثُّلاثَاءِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ .(2/462)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : ( فِي الأخْدَعِينَ ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الأخْدَعَانِ : عِرْقَانِ فِي جَانِبَيْ الْعُنُقِ يُحْجَمُ مِنْهُ ، وَالْكَاهِلُ : مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَهُوَ مُقَدَّمُ الظَّهْرِ . وَأََجْمَعَتْ عَلَيْهِ الأطِبَّاءُ أَنَّ الْحِجَامَةَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الشَّهْرِ أَنْفَعُ مِمَّا قَبْلَهُ . قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ : أَوْقَاتُهَا فِي النَّهَارِ السَّاعَةُ الثَّانِيَةُ أَوْ الثَّالِثَةُ ، وَتُكْرَهُ عِنْدَهُمْ عَلَى الشِّبَعِ . قَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ : إنَّ الْمُخَاطَبَ بِأَحَادِيثِ الْحِجَامَةِ غَيْرُ الشُّيُوخِ لِقِلَّةِ الْحَرَارَةِ فِي أَبْدَانِهِمْ . وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ حَاجَتُهُ إلَيْهِ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّقَى وَالتَّمَائِمُ
4819- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ .
وَالتُّوَلَةُ : ضَرْبٌ مِنْ السِّحْرِ ، قَالَ الأصْمَعِيُّ : هُوَ تَحْبِيبُ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا .
4820- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « مَنْ تَعَلَّقَ بِتَمِيمَةٍ فَلا أَتَمَّ اللهُ لَهُ ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللهُ لَهُ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ .(2/463)
4821- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « مَا أُبَالِي مَا رَكِبْتُ - أَوْ مَا أَتَيْتُ - إذَا أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا أَوْ عَلَّقْتُ تَمِيمَةً ، أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ : هَذَا كَانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً ، وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ قَوْمٌ ، يَعْنِي التِّرْيَاقَ .
4822- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ : رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَالْحُمَةِ وَالنَّمِلَةِ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ .
وَالنَّمِلَةُ : قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَنْبِ .
4823- وَعَنْ الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللهِ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَالَ لِي : « أَلا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمِلَةِ كَمَا عَلَّمْتِهَا الْكِتَابَةَ » ؟ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعَلُّمِ النِّسَاءِ الْكِتَابَةَ .
4824- وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : « اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ ، لا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد .(2/464)
4825- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الرُّقَى ، فَجَاءَ آلُ عَمْرِو ابْنِ حَزْمٍ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ إنَّهَا كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنْ الْعَقْرَبِ وَإِنَّك نَهَيْتَ عَنْ الرُّقَى ، قَالَ : فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ : « مَا أَرَى بَأْسًا ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
4826- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ لأنَّهَا أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ يَدِي . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « وَالتَّمَائِمُ » جَمْعُ تَمِيمَةٍ : وَهِيَ خَرَزَاتٌ كَانَتْ الْعَرَبُ تُعَلِّقُهَا عَلَى أَوْلادِهِمْ يَمْنَعُونَ بِهَا الْعَيْنَ فِي زَعْمِهِمْ فَأَبْطَلَهُ الإِسْلامُ .
قَوْلُهُ : « مَا أُبَالِي مَا رَكَبْتَ أَوْ مَا أَتَيْتَ إِذَا أَنَا شَرِبْتُ ترياقًا » إلى آخره أَيْ لا أَكْثَرْتَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ وَلا أَهْتَمُّ بِمَا فَعَلَتْهُ إنْ أَنَا فَعَلْتُ هَذِهِ الثَّلاثَةَ أَوْ شَيْئًا مِنْهَا ، وَهَذِهِ مُبَالَغَةٌ عَظِيمَةٌ وَتَهْدِيدٌ شَدِيدٌ فِي فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلاثَةِ : أَيْ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا فَهُوَ غَيْرُ مُكْتَرِثٍ بِمَا يَفْعَلُهُ وَلا يُبَالِي بِهِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ حَلالٌ ، وَهَذَا وَإِنْ أَضَافَه النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى نَفْسِهِ فَالْمُرَادُ بِهِ إعْلامُ غَيْرِهِ بِالْحُكْمِ .(2/465)
قَوْلُهُ : « تِرْيَاقًا » وَالْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ مُخْتَلِطًا بِلُحُومِ الأفَاعِي يُطْرَحُ مِنْهَا رَأْسُهَا وَأَذْنَابُهَا وَيُسْتَعْمَلُ أَوْسَاطُهَا فِي التِّرْيَاقِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ لأنَّهُ نَجَسٌ ، وَإِنْ اتُّخِذَ التِّرْيَاقُ مِنْ أَشْيَاءَ طَاهِرَةٍ فَهُوَ طَاهِرٌ لا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ . وَرَخَّصَ مَالِكٌ فِيمَا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ لُحُومِ الأفَاعِي لأنَّهُ يَرَى إبَاحَةَ لُحُومِ الْحَيَّاتِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ التِّرْيَاقُ نَبَاتًا أَوْ حَجَرًا فَلا مَانِعَ مِنْهُ .
قَوْلُهُ : « أَلا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رَقِيَّةُ النَّمْلَةُ » بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ : وَهِيَ قُرُوحٌ تَخْرُجُ مِنْ الْجَنْبِ أَوْ الْجَنْبَيْنِ ، وَرُقْيَةُ النَّمِلَةِ كَلامٌ كَانَتْ نِسَاءُ الْعَرَبِ تَسْتَعْمِلُهُ يَعْلَمُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ كَلامٌ لا يَضُرُّ وَلا يَنْفَعُ . وَرُقْيَةُ النَّمِلَةِ الَّتِي كَانَتْ تُعْرَفُ بَيْنَهُنَّ أَنْ يُقَالَ : الْعَرُوسِ تَحْتَفِلُ ، وَتَخْتَضِبُ وَتَكْتَحِلُ ، وَكُلُّ شَيْءٍ تفْتَعَلُ غَيْرُ أَنْ لا تَعْصِيَ الرَّجُلَ ، فَأَرَادَ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا الْمَقَالِ تَأْنِيبَ حَفْصَةَ وَالتَّأْدِيبُ لَهَا تَعْرِيضًا لأنَّهُ أَلْقَى إلَيْهَا سِرًّا فَأَفْشَتْهُ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ التَّنْزِيلُ فِي قَوْله تَعَالَى : ? وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ ? الآيَةَ .
قَوْلُهُ : « كَمَا عَلَّمْتِهَا الْكِتَابَةَ » فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيمِ النِّسَاءِ الْكِتَابَةَ . وَأَمَّا حَدِيثُ « وَلا تُعَلِّمُوهُنَّ الْكِتَابَةَ » فَمَحْمُول عَلَى مَنْ يَخْشَى مَنْ تَعْلِيمهَا الْفَسَادَ .(2/466)
قَوْلُهُ : « لا بَأْسَ بالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْك » . فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرُّقَى وَالتَّطَبُّبِ بِمَا لا ضَرَرَ فِيهِ وَلا مَنْعَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللهِ وَكَلامِهِ ، لَكِنْ إذَا كَانَ مَفْهُومًا لأنَّ مَا لا يُفْهَمُ لا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الشِّرْكِ . قَالَ ابْنُ التِّينِ : الرُّقَى بِالْمُعَوِّذَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى هُوَ الطِّبُّ الرُّوحَانِيُّ إذَا كَانَ عَلَى لِسَانِ الأبْرَارِ مِنْ الْخَلْقِ حَصَلَ الشِّفَاءُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى .
بَابُ الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَالِاسْتِغْسَالِ مِنْهَا
4827- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرنِي أَنْ أَسَتَرْقِي مِنْ الْعَيْنِ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
4828- وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ بَنِي جَعْفَرٍ تُصِيبُهُمْ الْعَيْنُ أَفَنَسْتَرقِي لَهُمْ ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَبَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
4829- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « الْعَيْنُ حَقٌّ ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقُ الْقَدَرِ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
4830- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُغْسَلُ مِنْهُ الْمَعِينُ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد(2/467)
4831- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ وَسَارَ مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخِرَارِ مِنْ الْجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَكَانَ رَجُلاً أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ ، فَنَظَرَ إلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ - وَهُوَ يَغْتَسِلُ - فَقَالَ : مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ ، فَلُبِطَ سَهْلٌ ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ لَك فِي سَهْلٍ ؟ وَاَللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ ، قَالَ : « هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ » ؟ قَالُوا : نَظَرَ إلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ : « عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ؟ هَلا إذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُك بَرَّكْتَ » . ثُمَّ قَالَ لَهُ : « اغْتَسِلْ لَهُ » . فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ ، ثُمَّ يُكْفَأُ الْقَدَحُ وَرَاءَهُ فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ . رَوَاهُ أَحْمَدُ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « الْعَيْنُ حَقٌّ » أَيْ شَيْءٌ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَحَقَّقَ كَوْنُهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْقِصَاصِ بِذَلِكَ . وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلإِمَامِ مَنْعُ الْعَائِنِ إذَا عُرِفَ بِذَلِكَ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ ، وَأَنْ يَلْزَمَ بَيْتَهُ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .(2/468)
أَبْوَابُ الأيْمَانِ وَكَفَّارَتِهَا
بَابُ الرُّجُوعِ فِي الأيْمَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْكَلامِ إلَى النِّيَّةِ
4832- عَنْ سُوَيْد بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ : خَرَجْنَا نُرِيدُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَنَا وَائِلُ ابْنُ حُجْرٌ ، فَأَخَذَهُ عَدُوٌّ لَهُ فَتَحَرَّجَ الْقَوْمُ أَنْ يَحْلِفُوا ، وَحَلَفْتُ أَنَّهُ أَخِي فَخُلِّيَ عَنْهُ ، فَأَتَيْنَا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : « أَنْتَ كُنْتَ أَبَرَّهُمْ وَأَصْدَقَهُمْ صَدَقْتَ ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ .
4833- وَفِي حَدِيثِ الإِسْرَاءِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ : ( مَرْحَبًا بِالأخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ) .
4834- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ : أَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ وَنَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَابٌّ لا يُعْرَفُ ، قَالَ : فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ : يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ ؟ فَيَقُولُ : هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ ، فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ .
4835- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ .
4836- وَفِي لَفْظٍ : « الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَةْ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحْلِفِ الْمَظْلُومِ .(2/469)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : كُلَّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُطْلَقُ بَيْنَهُمَا اسْمُ الأخُوَّةِ ، وَيَشْتَرِكُ فِي ذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ ، وَيَبَرُّ الْحَالِفُ إذَا حَلَفَ أَنَّ هَذَا الْمُسْلِمَ أَخُوهُ ، وَلاسِيَّمَا إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ قُرْبَةٌ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ ، وَلِهَذَا اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْحَالِفِ وَلِهَذَا قِيلَ : إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً . قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى يَمِينٍ ، إنْ لَمْ يَحْلِفْهَا قُتِلَ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ لا حِنْثَ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( وَنَبِيُّ اللهِ شَابٌّ ) فِيهِ جَوَازُ إطْلاقِ اسْمِ الشَّابِّ عَلَى مَنْ كَانَ فِي نَحْوِ الْخَمْسِينَ السَّنَةِ ، وَفِي هَذَا التَّعْرِيضِ الْوَاقِعِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ غَايَةُ اللَّطَافَةِ
قَوْلُهُ : « يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُك بِهِ صَاحِبُكَ » فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الاعْتِبَارَ بِقَصْدِ الْحَلفِ . قَالَ النَّوَوِيُّ : أَمَّا إذَا حَلَفَ بِغَيْرِ اسْتِحْلافٍ وَوَرَّى فَتَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْحَالِفَ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلافٍ وَمِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ حَقٍّ بِيَمِينِهِ لَهُ نِيَّتُهُ . انْتَهَى مُلَخَّصًا . قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ : وَلا يَجُوزُ التَّعْرِيض لِغَيْرِ ظَالِم .
بَابُ مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ
4837- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ حَلَفَ فَقَالَ : إنْ شَاءَ اللهُ ، لَمْ يَحْنَثْ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ .
4838- وَابْنُ مَاجَةْ وَقَالَ : « فَلَهُ ثُنْيَاهُ » .
4839- وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ : « فَقَدْ اسْتَثْنَى » .(2/470)
4840- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللهُ فَلا حِنْثَ عَلَيْهِ » . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُد .
4841- وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « وَاَللَّهِ لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا » . ثُمَّ قَالَ : « إنْ شَاءَ اللهُ » . ثُمَّ قَالَ : « وَاَللَّهِ لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا » . ثُمَّ قَالَ : « إنْ شَاءَ اللهُ » . ثُمَّ قَالَ : « وَاَللَّهِ لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا » . ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ : « إنْ شَاءَ اللهُ » . ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد .
قَوْلُهُ ( رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُد ) قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : هُوَ فِي سُنَنْ أَبِي دَاوُد فِي الأيْمَانِ والنُّذُور .
قَوْلُهُ : « لَمْ يَحْنَثْ » فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَشِيئَةِ اللهِ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ الْيَمِينِ أَوْ يُحِلُّ انْعِقَادَهَا . وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَلا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالِفِ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَاسْتَثْنَى أَحْمَدُ الْعَتَاقَ .
قَوْلُهُ : ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ : « إنْ شَاءَ اللهُ » لَمْ يُقَيِّدْ هَذَا السُّكُوتَ بِالْعُذْرِ ، بَلْ ظَاهِرُهُ السُّكُوتُ اخْتِيَارًا لا اضْطِرَارًا فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
بَابُ مَنْ حَلَفَ لا يُهْدِي هَدِيَّةً فَتَصَدَّقَ
4842- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ ؟ فَإِنْ قِيلَ : صَدَقَةٌ قَالَ لأصْحَابِهِ : « كُلُوا » . وَلَمْ يَأْكُلْ ، وَإِنْ قِيلَ : هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ ، وَأَكَلَ مَعَهُمْ .(2/471)
4843- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ : أَهْدَتْ بَرِيرَةُ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَحْمًا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : « هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَى مَعْنَى الْحَدِيثَيْنِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ إيرَادِهِمَا هَا هُنَا أَنَّ الْحَالِفَ بِأَنَّهُ لا يَهْدِي لا يَحْنَثُ إذَا تَصَدَّقَ فَإِذَا حَلَفَ مِنْ إحْدَاهُمَا لَمْ يَحْنَثْ بِالأخْرَى كَسَائِرِ الْمَفْهُومَاتِ الْمُتَغَايِرَةِ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
بَابُ مَنْ حَلَفَ لا يَأْكُلُ إدَامًا بِمَاذَا يَحْنَثُ ؟
4844- عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « نِعْمَ الأدْمُ الْخَلُّ » . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ .
4845- وَلأحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَابْنِ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مِثْلُهُ .
4846- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « ائْتَدِمُوا بِالزَّيْتِ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ » .
4847- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « سَيِّدُ إدَامِكُمْ الْمِلْحُ » . رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَةْ .
4848- وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ كِسْرَةً مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ فَوَضَعَ عَلَيْهَا تَمْرَةً وَقَالَ : « هَذِهِ إدَامُ هَذِهِ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ .(2/472)
4849- وَعَنْ بُرَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « سَيِّدُ إدَامِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّحْمُ » . رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي غَرِيبِهِ وَقَالَ : حَدَّثَنَا الْقُومِسِيُّ ، حَدَّثَنَا الأصْمَعِيُّ عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ .
4850- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « تَكُونُ الأرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَتَكَفَّأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلاً لأهْلِ الْجَنَّةِ » . فَأَتَى رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ : بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، أَلا أُخْبِرُك بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : « بَلَى » . قَالَ : تَكُونُ الأرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً - كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - - فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَيْنَا ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ : « أَلا أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ » ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : « إدَامُهُمْ بِلامُ وَنُونٌ » . قَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : « ثَوْرٌ وَنُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَالنُّونُ : الْحُوتُ .(2/473)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « سَيِّدُ إدَامِكُمْ الْمِلْحُ » قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الإِدَامَ اسْمٌ لِمَا يُؤْتَدَمُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُصْطَبَغُ بِهِ كَالأمْرَاقِ وَالْمَائِعَاتِ أَوْ مِمَّا لا يُصْطَبَغُ بِهِ كَالْجَامِدَاتِ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبَيْضِ وَالزَّيْتُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رَسْلانَ : هَذَا مَعْنَى الإِدَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ انْتَهَى . قَالَ الشَّارِحُ : وَلَعَلَّ تَسْمِيَةَ الْمِلْحِ بِسَيِّدِ الإِدَامِ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي كُلِّ طَعَامٍ وَإِطْلاقُ السَّيَّادَة عَلَى اللَّحْمِ لِذَاتِهِ . انتْتَهَى مُلُخَّصًا .
بَابُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لا مَالَ لَهُ يَتَنَاوَلُ الزَّكَاتِيَّ وَغَيْرَهُ
4851- عَنْ أَبِي الأحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ أَوْ شَمْلَتَانِ فَقَالَ : « هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ » ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ قَدْ آتَانِي اللهُ مِنْ كُلِّ مَالِهِ ، مِنْ خَيْلِهِ وَإِبِلِهِ وَغَنَمِهِ وَرَقِيقِهِ فَقَالَ : « فَإِذَا آتَاكَ اللهُ مَالاً فَلْتُرَ عَلَيْكَ نِعَمُهُ » . فَرُحْت إلَيْهِ فِي حُلَّةٍ .
4852- وَعَنْ سُوَيْد بْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « خَيْرُ مَالِ امْرِئٍ لَهُ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ أَوْ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ » . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ .
الْمَأْمُورَةُ : الْكَثِيرَةُ النَّسْلِ . وَالسِّكَّةُ : الطَّرِيقُ مِنْ النَّخْلِ الْمُصْطَفَّةِ ، وَالْمَأْبُورَةُ : هِيَ الْمُلَقَّحَةُ .
4853- وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ .(2/474)
4854- وَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أَحَبُّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءُ . لِحَائِطٍ لَهُ مُسْتَقْبِلَةُ الْمَسْجِدِ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « فَإِذَا آتَاك اللهُ مَالاً » ذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إتْيَانَ الْمَالِ مَعَ أَمْرِهِ بِإِظْهَارِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِلَّته ، إِلَى أَنْ قَالَ : فَمَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِنِعْمَةٍ فَلْيُبَالِغْ فِي إظْهَارِهَا مَا لَمْ يَصْحَبْ ذَلِكَ رِيَاءٌ أَوْ عُجْبٌ أَوْ مُكَاثَرَةٌ لِلْغَيْرِ . انْتَهَى مُلخَّصًا .
بَابُ مَنْ حَلَفَ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلالِ لا يَفْعَلُ شَيْئًا شَهْرًا فَكَانَ نَاقِصًا
4855- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَلَفَ لا يَدْخُلُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْرًا . وَفِي لَفْظٍ : آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا عَلَيْهِمْ أَوْ رَاحَ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللهِ حَلَفْتَ أَنْ لا تَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا ، فَقَالَ : « إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
4856- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : هَجَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ شَهْرًا ، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ أَتَى جِبْرِيلُ فَقَالَ : قَدْ بَرَّتْ يَمِينُك وَقَدْ تَمَّ الشَّهْرُ . رَوَاهُ أَحْمَدُ .(2/475)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : ( فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللهِ حَلَفْتَ ) إِلَى آخره فِيهِ تَذْكِيرُ الْحَالِفِ بِيَمِينِهِ إِلَى أَنْ قَالَ : وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّ يَمِينَهُ - صلى الله عليه وسلم - اتَّفَقَ أَنَّه كَانَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ، وَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَإِلا فَلَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لا يَقَعُ الْبِرُّ إِلا بِثَلاثِينَ .
بَابُ الْحَلِفِ بِأَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ
وَالنَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى
4857- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْلِفُ : لا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا مُسْلِمًا .
4858- وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْجَنَّةَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ فَقَالَ : اُنْظُرْ إلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْت لأهْلِهَا فِيهَا ، فَنَظَرَ إلَيْهَا فَرَجَعَ فَقَالَ : لا وَعِزَّتِك لا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا » .
4859- وَفِي حَدِيثٍ لأبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : « يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنْ النَّارِ ،لا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
4860- وَفِي حَدِيثِ اغْتِسَالِ أَيُّوبَ ( بَلَى وَعِزَّتِكَ وَلَكِنْ لا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ ) .(2/476)
4861- وَعَنْ قُتَيْلَةَ بِنْتِ صَيْفِيٍّ أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : إنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ ، تَقُولُونَ : مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ ، وَتَقُولُونَ الْكَعْبَةِ ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا : « وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، وَيَقُولَ أَحَدُهُمْ مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شِئْتَ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ .
4862- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ : « إنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
4863- وَفِي لَفْظٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلا يَحْلِفْ إِلا بِاَللَّهِ » . وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا ، فَقَالَ : « لا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ .
4864- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لا تَحْلِفُوا إِلا بِاَللَّهِ ، وَلا تَحْلِفُوا إِلا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ » . رَوَاهُ النَّسَائِيّ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « لا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ » لا : نَفْيٌ لِلْكَلامِ السَّابِقِ ، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ هُوَ الْمُقْسَمُ بِهِ . قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِأَفْعَالِ اللهِ تَعَالَى إذَا وُصِفَ بِهَا .(2/477)
قَوْلُهُ : « فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ » قَالَ الْعُلَمَاءُ : السِّرُّ فِي النَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللهِ أَنَّ الْحَلِفَ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ ، وَالْعَظَمَةُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هِيَ لِلَّهِ وَحْدِهِ ، فَلا يَحْلِفُ إِلا بِاَللَّهِ وَذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَعَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ وأحاديث الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللهِ لا يَنْعَقِدُ ، لأنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
بَابُ مَا جَاءَ فِي وَأَيْمُ اللهِ وَلَعَمْرُ اللهِ
وَأُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ
4865- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد : لأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلُّهَا تَأْتِي بِفَارِسٍ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ : قُلْ إنْ شَاءَ اللهُ ، فَلَمْ يَقُلْ إنْ شَاءَ اللهُ ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا ، فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَجَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ ، وَأَيْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ » .
وَهُوَ حُجَّةٌ فِي أَنَّ إلْحَاقَ الاسْتِثْنَاءِ - مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ - يَنْفَعُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَقْتَ الْكَلامِ الأوَّلِ .
4866- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ : « وَأَيْمُ اللهِ إنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .(2/478)
وَفِي حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ لَمَّا وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ جَاءَ عَلِيٌّ فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ : وَأَيْمُ اللهِ إنْ كُنْتُ لأظُنُّ أَنْ يَجْعَلَك اللهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ .
4867- وَقَدْ سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ : « وَأَيْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا » .
وَقَوْلُ عُمَرَ لِغَيْلانَ بْنِ سَلَمَةَ : وَأَيْمُ اللهِ لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَكَ .
4868- وَفِي حَدِيثِ الإِفْكِ فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ، فَقَامَ . أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ . وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
4869- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ - وَكَانَ صَدِيقًا لِلْعَبَّاسِ - أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ جَاءَ بِأَبِيهِ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ بَايِعْهُ عَلَى الْهِجْرَةِ ، فَأَبَى وَقَالَ : « إنَّهَا لا هِجْرَةَ » . فَانْطَلَقَ إلَى الْعَبَّاسِ فَقَامَ الْعَبَّاسُ مَعَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَرَفْتَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ فُلانٍ وَأَتَاكَ بِأَبِيهِ لِتُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَأَبَيْتَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : « لا هِجْرَةَ » . فَقَالَ الْعَبَّاسُ : أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتُبَايِعَنَّهُ ، قَالَ فَبَسَطَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ فَقَالَ : « هَاتِ أَبْررْت عَمِّي وَلا هِجْرَةَ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ .(2/479)
4870- وَعَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةً أَهْدَتْ إلَيْهَا تَمْرًا فِي طَبَقٍ ، فَأَكَلَتْ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ ، فَقَالَتْ : أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلا أَكَلْتِ بَقِيَّتَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « أَبِرِّيهَا فَإِنَّ الإِثْمَ عَلَى الْمُحَنِّثِ » .رَوَاهُ أَحْمَدُ .
4871- وَعَنْ بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالأمَانَةِ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَالَ فِي النِّهَايَةِ : يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ فِيهِ لأجْلِ أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَحْلِفَ بِأَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ ، وَالأمَانَةُ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِهِ فَنُهُوا عَنْهَا مِنْ أَجْلِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَسْمَاءِ اللهِ كَمَا نُهُوا أَنْ يَحْلِفُوا بِآبَائِهِمْ .
بَابٌ الأمْرُ بِإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَالرُّخْصَةُ فِي تَرْكِهِ لِلْعُذْرِ
4872- عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ : أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوْ الْمُقْسِمِ ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي ، وَإِفْشَاءِ السَّلامِ .
4873- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - فِي حَدِيثِ رُؤْيَا قَصَّهَا أَبُو بَكْرٍ - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ : أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللهِ - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي - أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ ؟ قَالَ : « أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا » . قَالَ : فَوَاَللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي بِاَلَّذِي أَخْطَأْتُ ؟ قَالَ : « لا تُقْسِمْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .(2/480)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : ( وَإِبْرَارُ الْقَسَمِ ) أَيْ بِفِعْلِ مَا أَرَادَ الْحَالِفُ وَعَدَمِ إبْرَارِهِ - صلى الله عليه وسلم - لِقَسَمِ أَبِي بَكْرٍ عَدَمِ الْوُجُوبِ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
بَابُ مَا يُذْكَرُ فِيمَنْ قَالَ : هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا
4874- عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : قَالَ : « مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ » . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا أَبَا دَاوُد .
4875- وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ قَالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنْ دِين الإِسْلامِ ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ : وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إلَى الإِسْلامِ سَالِمًا » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ .(2/481)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : اخْتُلِفَ فِيمَنْ قَالَ : أَكْفُرُ بِاَللَّهِ وَنَحْوِهِ إنْ فَعَلْتُ ثُمَّ فَعَلَ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الأمْصَارِ : لا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلا يَكُونُ كَافِرًا إِلا إنْ أَضْمَرَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ . وَقَالَ الأوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ هُوَ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَالأوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ : لا إلَهَ إِلا اللهَ » . وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً ، زَادَ غَيْرُهُ : وَكَذَا قَالَ : « مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى الإِسْلامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ » . فَأَرَادَ التَّغْلِيظَ فِي ذَلِكَ حَتَّى لا يَجْتَرِئَ أَحَدٌ عَلَيْهِ .
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَلَغْوِ الْيَمِينِ
4876- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « خَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَبَهْتُ مُؤْمِنٍ ، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَيَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالاً بِغَيْرِ حَقٍّ » .
4877- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ : « فَعَلْت كَذَا » ؟ قَالَ : لا وَاَلَّذِي لا إلَهَ إِلا هُوَ مَا فَعَلْتُ ، قَالَ : فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ : قَدْ فَعَلَ ، وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ غَفَرَ لَهُ بِقَوْلِهِ : لا وَاَلَّذِي لا إلَهَ إِلا هُوَ .(2/482)
4878- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : اخْتَصَمَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلانِ فَوَقَعَتْ الْيَمِينُ عَلَى أَحَدِهِمَا ، فَحَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لا إلَهَ إِلا هُوَ مَا لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ ، قَالَ : فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : إنَّهُ كَاذِبٌ إنَّ لَهُ عِنْدَهُ حَقَّهُ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ حَقَّهُ ، وَكَفَّارَةُ يَمِينِهِ مَعْرِفَتُهُ أَنْ لا إلَهَ إِلا اللهَ أَوْ شَهَادَتُهُ . رَوَاهُنَّ أَحْمَدُ . وَلأبِي دَاوُد الثَّالِثُ بِنَحْوِهِ .
4879- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ? لاَّ يُؤَاخِذُكُمْ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ? . فِي قَوْلِ الرَّجُلِ : لا وَاَللَّهِ ، وَبَلَى وَاَللَّهِ . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ ، وَفِي إسْنَادِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ .
بَابُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَتَكْفِيرُهَا قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ
4880- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا . فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ » .
4881- وَفِي لَفْظٍ : « فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
4882- وَفِي لَفْظٍ : « إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكِ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ » . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد .
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ .(2/483)
4883- وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْهَا وَلِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
4884- وَفِي لَفْظٍ : « مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ .
4885- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ، وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
4886- وَفِي لَفْظٍ : « فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
4887- وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا » .
4888- وَفِي لَفْظٍ : « إِلا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَفَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ » .
4889- وَفِي لَفْظٍ : « إِلا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْت عَنْ يَمِينِي » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ .
4890- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لا نَذْرَ وَلا يَمِينَ فِيمَا لا تَمْلِكُ ، وَلا فِي مَعْصِيَةٍ ، وَلا فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ » . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد .
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْوَفَاءِ بِهَا .(2/484)
4891- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ قُوتًا فِي سَعَةٍ ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ قُوتًا فِي شِدَّةٍ ، فَنَزَلَتْ ? مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ? رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ .
4892- وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَرَءَا : ( فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ) حَكَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ الأثْرَمُ بِإِسْنَادٍ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ » فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَادِي إذَا كَانَ فِي الْحِنْثِ مَصْلَحَةٌ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ حُكْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ . وَقَالَ عِيَاضٌ : اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لا تَجِبُ إِلا بِالْحِنْثِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا بَعْدَ الْحِنْثِ . قَالَ الْمَازِرِيُّ : لِلْكَفَّارَةِ ثَلاثُ حَالاتٍ : أَحَدُهَا . قَبْلَ الْحَلِفِ فَلا تُجْزِئُ اتِّفَاقًا . ثَانِيهَا : بَعْدَ الْحَلِفِ وَالْحِنْثِ فَتُجْزِئُ اتِّفَاقًا . ثَالِثُهَا : بَعْدَ الْحَلِفِ وَقَبْلَ الْحِنْثِ فَفِيهَا الْخِلافُ .
قَوْلُهُ : ( كَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ ) . إلَى آخره فِيهِ أَنَّ الأوْسَطَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الآيَةِ الْكَرِيمَةِ هُوَ الْمُتَوَسِّطُ مَا بَيْنَ قُوتِ الشِّدَّةِ وَالسَّعَةِ .
قَوْلُهُ : ( إنَّهُمَا قَرَءَا فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ) قِرَاءَةُ الآحَادِ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ أَخْبَارِ الآحَادِ صَالِحَةٌ لِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَتَخْصِيصِ الْعَامِّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الأصُولِ .
كِتَابُ النَّذْرِ
بَابُ نَذْرِ الطَّاعَةِ مُطْلَقًا وَمُعَلَّقًا بِشَرْطٍ(2/485)
4893- عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ » . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا مُسْلِمًا .
4894- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ : « إنَّهُ لا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ » . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ .
4895- وَلِلْجَمَاعَةِ إِلا أَبَا دَاوُد مِثْلُ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « إنَّهُ لا يَرُدُّ شَيْئًا » فِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَعْلِيلِ النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ . قَالَ ابْنُ الأثِيرِ فِي النِّهَايَةِ : تَكَرَّرَ النَّهْيُ عَنْ النَّذْرِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ تَأْكِيدٌ لأمْرِهِ وَتَحْذِيرٌ عَنْ التَّهَاوُنِ بِهِ بَعْدَ إيجَابِهِ . قَالَ الْخَطَّابِيِّ : هَذَا بَابٌ مِنْ الْعِلْمِ غَرِيبٌ وَهُوَ أَنْ يُنْهَى عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ حَتَّى إذَا فُعِلَ كَانَ وَاجِبًا . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
بَابُ مَا جَاءَ فِي نَذْرِ الْمُبَاحِ وَالْمَعْصِيَةِ وَمَا أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ
4896- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ إذْ هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا : أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْسِ ، وَلا يَقْعُدَ ، وَلا يَسْتَظِلَّ ، وَلا يَتَكَلَّمَ ، وَأَنْ يَصُومَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : « مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ » . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ وَأَبُو دَاوُد .(2/486)
4897- وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ نَذْرٌ فِيمَا لا يَمْلِكُ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
4898- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لا نَذْرَ إِلا فِيمَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللهِ تَعَالَى » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
4899- وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - نَظَرَ إلَى أَعْرَابِيٍّ قَائِمًا فِي الشَّمْسِ وَهُوَ يَخْطُبُ ، فَقَالَ : « مَا شَأْنُكَ » ؟ قَالَ : نَذَرْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ لا أَزَالَ فِي الشَّمْسِ حَتَّى تَفْرُغَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لَيْسَ هَذَا نَذْرًا ، إنَّمَا النَّذْرُ مَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللهِ تَعَالَى » . رَوَاهُ أَحْمَدُ .
4900- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَخَوَيْنِ مِنْ الأنْصَارِ كَانَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ ، فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ الْقِسْمَةَ ، فَقَالَ : إنْ عُدْتَ تَسْأَلُنِي الْقِسْمَةَ فَكُلُّ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : إنَّ الْكَعْبَةَ غَنِيَّةٌ عَنْ مَالِكَ كَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَكَلِّمْ أَخَاكَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « لا يَمِينَ عَلَيْكَ ، وَلا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ الرَّبِّ ، وَلا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ ، وَلا فِيمَا لا تَمْلِكُ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .(2/487)
4901- وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إبِلًا بِبُوَانَةَ ، فَقَالَ : « أَكَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ » ؟ فَقَالُوا : لا ، قَالَ : « فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ » ؟ قَالُوا : لا ، قَالَ : « أَوْفِ بِنَذْرِك فَإِنَّهُ لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ ، وَلا فِيمَا لا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
4902- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ » . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ .
4903- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
4904- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .(2/488)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : ( أَبُو إسْرَائِيلَ ) قَالَ الْخَطِيبُ : هُوَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَلا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي كُنْيَتِهِ . قَالَ الشَّارِحُ : وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَتَأَذَّى بِهِ الإِنْسَانُ مِمَّا لَمْ يَرِد بِمَشْرُوعِيَّتِهِ كِتَابٌ وَلا سُنَّةٌ - كَالْمَشْيِ حَافِيًا وَالْجُلُوسِ فِي الشَّمْسِ - لَيْسَ مِنْ طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى فَلا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ بِهِ ، فَإِنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ أَبَا إسْرَائِيلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لا يَشُقُّ عَلَيْهِ . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : فِي قِصَّةِ أَبِي إسْرَائِيلَ أَعْظَمُ حُجَّةً لِلْجُمْهُورِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً أَوْ مَا لا طَاعَةَ فِيهِ .
قَوْلُهُ : « لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ نَذْرٌ فِيمَا لا يَمْلِكُ » فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ بِمَا لا يَمْلِكُ لا يُنَفَّذُ نَذْرَهُ ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ بِمَعْصِيَةٍ كَمَا فِي بَقِيَّةِ أَحَادِيثِ الْبَابِ . وَاخْتُلِفَ فِي النَّذْرِ بِمَعْصِيَةٍ هَلْ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ أَمْ لا ؟ فَقَالَ الْجُمْهُورُ : لا . وَعَنْ أَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ : نَعَمْ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
بَابٌ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ وَلا يُطِيقُهُ(2/489)
4905- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « كَفَّارَةُ النَّذْرِ - إذَا لَمْ يُسَمَّ -كَفَّارَةُ يَمِينٍ » . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
4906- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُطِقْهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
4907- وَابْنُ مَاجَةْ وَزَادَ : « وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ » .
4908- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَقَالَ : « مَا هَذَا » ؟ قَالُوا : نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ . قَالَ : « إنَّ اللهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ » . وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا ابْنَ مَاجَةْ .
4909- وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةٍ : نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللهِ .
4910- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللهِ فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَفْتَيْتُهُ فَقَالَ : « لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
4911- وَلِمُسْلِمٍ فِيهِ : حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ .
4912- وَفِي رِوَايَةٍ : نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ مَشْيِهَا لِتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً » . رَوَاهُ أَحْمَدُ .(2/490)
4913- وَفِي رِوَايَةٍ : أَنَّ أُخْتَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : « إنَّ اللهَ لا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا ، مُرْهَا فَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَرْكَبْ وَلْتَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ » . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ .
4914- وَعَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً ، فَقَالَ : « إنَّ اللهَ لا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِك شَيْئًا ، لِتَخْرُجْ رَاكِبَةً وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
4915- وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنَّ أُخْتَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ وَشَكَا إلَيْهِ ضَعْفَهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : « إنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْ نَذْرِ أُخْتِكِ فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً » . رَوَاهُ أَحْمَدُ .
4916- وَفِي لَفْظٍ : إنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ وَإِنَّهَا لا تُطِيقُ ذَلِكَ ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « لَمْ يُسَمَّ » فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ إنَّمَا تَجِبُ فِيمَا كَانَ مِنْ النُّذُورِ غَيْرَ مُسَمَّى.
قَوْلُهُ : « وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُطِقْهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ » ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْذُورُ بِهِ طَاعَةً أَوْ مَعْصِيَةً أَوْ مُبَاحًا إذَا كَانَ غَيْرَ مَقْدُورٍ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ .(2/491)
قَوْلُهُ : « لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ » فِيهِ أَنَّ النَّذْرَ بِالْمَشْيِ وَلَوْ إلَى مَكَانِ الْمَشْيِ إلَيْهِ طَاعَةٌ فَإِنَّهُ لا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ بَلْ يَجُوزُ الرُّكُوبُ . قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّاذِرَةَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنْ تَرْكَبَ جَزْمًا ، وَأَمَرَ أُخْتَ عُقْبَةَ أَنْ تَمْشِيَ وَأَنْ تَرْكَبَ لأنَّ النَّاذِرَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ شَيْخًا ظَاهِرَ الْعَجْزِ وَأُخْتُ عُقْبَةَ لَمْ تُوصَفْ بِالْعَجْزِ ، فَكَأَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَمْشِيَ إنْ قَدَرَتْ وَتَرْكَبَ إنْ عَجَزَتْ ، وَبِهَذَا تَرْجَمَ الْبَيْهَقِيُّ . قَالَ الشَّارِحُ : وأحاديث الْبَابِ مُصَرِّحَةٌ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ . وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ لا يَصِحُّ فِيهِ الْهَدْيُ . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : زِيَادَةُ الأمْرِ بِالْهَدْيِ رُوَاتُهَا ثِقَاتٌ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
بَابُ مَنْ نَذَرَ وَهُوَ مُشْرِكٌ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ نَذَرَ ذَبْحًا فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ
4917- عَنْ عُمَرَ قَالَ : نَذَرْتُ نَذْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - - بَعْدَ مَا أَسْلَمْتُ - فَأَمَرَنِي أَنْ أُوفِيَ بِنَذْرِي . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ .
4918- وَعَنْ كَرْدَمِ بْنِ سُفْيَانَ : أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نَذْرٍ نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ لَهُ : « أَلِوَثَنٍ أَوْ لِنُصُبٍ » ؟ قَالَ : لا ، وَلَكِنْ لِلَّهِ ، فَقَالَ : « أَوْفِ لِلَّهِ مَا جَعَلْتَ لَهُ ، انْحَرْ عَلَى بُوَانَةَ وَأَوْفِ بِنَذْرِكَ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ .(2/492)
4919- وَعَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ كَرْدَمٍ قَالَتْ : كُنْت رِدْفَ أَبِي فَسَمِعْتُهُ يَسْأَلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ بِبُوَانَةَ ، فقَالَ : « أَبِهَا وَثَنٌ أَوْ طَاغِيَةٌ » ؟ قَالَ : لا ، قَالَ : « أَوْفِ بِنَذْرِك » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ .
4920- وَفِي لَفْظٍ لأحْمَدَ : إنِّي نَذَرْت أَنْ أَنْحَرَ عَدَدًا مِنْ الْغَنَمِ وَذَكَرَ مَعْنَاهُ . وَفِيهِ دَلالَةٌ عَلَى جَوَازِ نَحْرِ مَا يُذْبَحُ .
4921- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا - مَكَانٌ كَانَ يَذْبَحُ فِيهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ - قَالَ : « لِصَنَمٍ » ؟ قَالَتْ : لا ، قَالَ : « لِوَثَنٍ » ؟ قَالَتْ : لا ، قَالَ : « أَوْفِ بِنَذْرِكِ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَفِي حَدِيث عُمَر دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَجِبْ الْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ مِن الْكَافِر مَتَى أَسْلَمَ .
قَوْلُهُ : ( كَرْدَمٍ ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالدَّالِ . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ فِي الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّعْيِينِ مَعْصِيَةٌ وَلا مَفْسَدَةٌ مِنْ اعْتِقَادِ تَعْظِيمِ جَاهِلِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهِ .
بَابُ مَا يُذْكَرُ فِيمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ(2/493)
4922- عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : « أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ » . قَالَ : قُلْت : إنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
4923- وَفِي لَفْظٍ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي إلَى اللهِ أَنْ أُخْرِجَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ صَدَقَةً ؟ قَالَ : « لا » . قُلْت : فَنِصْفُهُ ؟ قَالَ : « لا » . قُلْت : فَثُلُثُهُ ؟ قَالَ : « نَعَمْ » . قُلْت : فَإِنِّي سَأُمْسِكُ سَهْمِي مِنْ خَيْبَرَ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
4924- وَعَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ لَمَّا تَابَ اللهُ عَلَيْهِ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي وَأُسَاكِنَك ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « يَجْزِي عَنْكَ الثُّلُثُ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ عَلَى عَشَرَةِ مَذَاهِبَ : الأوَّلُ : إنَّهُ يَلْزَمُهُ الثُّلُثُ فَقَطْ لِهَذَا الْحَدِيثِ .
بَابُ مَا يُجْزِئ مَنْ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ(2/494)
4925- عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأنْصَارِ : إنَّهُ جَاءَ بِأَمَةٍ سَوْدَاءَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ عَلَيَّ عِتْقَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ، فَإِنْ كُنْتَ تَرَى هَذِهِ مُؤْمِنَةً أَعْتَقْتُهَا ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « أَتَشْهَدِينَ أَنْ لا إلَهَ إِلا اللهُ » ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : « أَتَشْهَدِينَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ » ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : « أَتُؤْمِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ » ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : « فَأَعْتِقْهَا » .
4926- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ أَعْجَمِيَّةٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ عَلَيَّ عِتْقَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « أَيْنَ اللهُ » ؟ فَأَشَارَتْ إلَى السَّمَاءِ بِأُصْبُعِهَا ، فَقَالَ لَهَا : « مَنْ أَنَا » ؟ فَأَشَارَتْ بِأُصْبُعِهَا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِلَى السَّمَاءِ : أَيْ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ ، فَقَالَ : « أَعْتِقْهَا » . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى اسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إِلا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الآيَةُ الْوَارِدَةُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَمْ تَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : حَمَلَ الْجُمْهُورُ الْمُطْلَقْ عَلَى الْمُقَيَّدِ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
بَابُ أَنَّ مَنْ نَذَرَ الصَّلاةَ فِي الْمَسْجِدِ الأقْصَى أَجْزَأَهُ أَنْ يُصَلِّيَ
فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ(2/495)
4927- عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلاً قَالَ - يَوْمَ الْفَتْحِ - : يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي نَذَرْتُ إنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَقَالَ : « صَلِّ هَا هُنَا » . فَسَأَلَهُ فَقَالَ : « صَلِّ هَا هُنَا » . فَسَأَلَهُ فَقَالَ : « شَأْنُكَ إذَنْ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
4928- وَلَهُمَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا الْخَبَرِ ، وَزَادَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : « وَاَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَوْ صَلَّيْتَ هَا هُنَا لَقَضَى عَنْك ذَلِكَ كُلَّ صَلاةٍ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ » .
4929- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ امْرَأَةً شَكَتْ شَكْوَى فَقَالَتْ : إنْ شَفَانِي اللهُ فَلأخْرُجَنَّ فَلأُصَلِّيَنَّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَبَرِأَتْ ثُمَّ تَجَهَّزَتْ تُرِيدُ الْخُرُوجَ . فَجَاءَتْ مَيْمُونَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْهَا ، فَأَخْبَرَتْهَا بِذَلِكَ ، فَقَالَتْ : اجْلِسِي فَكُلِي مَا صَنَعْتِ وَصَلِّي فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « صَلاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إِلا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
4930- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ » . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا أَبَا دَاوُد .
4931- وَلأحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مِثْلُهُ ، وَزَادَ : « وَصَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ » .(2/496)
4932- وَكَذَلِكَ لأحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ . وَزَادَ : « وَصَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلاةٍ فِي هَذَا » .
4933- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ، وَمَسْجِدِي هَذَا ، وَالْمَسْجِدُ الأقْصَى » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
4934- وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ : « إنَّمَا يُسَافَرُ إلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ » .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « صَلِّ هَا هُنَا » فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ بِصَلاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نَحْوَهُمَا فِي مَكَانٍ لَيْسَ بِأَفْضَلَ مِنْ مَكَانِ النَّاذِرِ فَإِنَّهُ لا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِإِيقَاعِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ .
بَابٌ قَضَاءُ كُلِّ الْمَنْذُورَاتِ عَنْ الْمَيِّتِ
4935- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - اسْتَفْتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « اقْضِهِ عَنْهَا » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً جَعَلَتْ أُمُّهَا عَلَى نَفْسِهَا صَلاةً بِقُبَاءَ يَعْنِي ثُمَّ مَاتَتْ ، فَقَالَ : « صَلِّي عَنْهَا » . قَالَ : وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ .(2/497)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَجَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ خِلافُ ذَلِكَ . فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ : إنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ : لا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ ، وَلا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ . قَالَ الْحَافِظُ : وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ الإِثْبَاتِ فِي حَقِّ مَنْ مَاتَ وَالنَّفْيُ فِي حَقِّ الْحَيِّ . قَالَ الشَّارِحُ : وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ مَالِيٌّ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ إِلا إنْ وَقَعَ النَّذْرُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ . انْتَهَى مُلَخْصًا .
كِتَابُ الأقْضِيَةِ وَالأحْكَامِ
بَابُ وُجُوبِ نَصْبِ وِلايَةِ الْقَضَاءِ وَالإِمَارَةِ وَغَيْرِهِمَا
4936- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لا يَحِلُّ لِثَلاثَةٍ يَكُونُونَ بِفَلاةٍ مِنْ الأرْضِ إِلا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ .
4937- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إذَا خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
4938- وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ لِكُلِّ عَدَدٍ بَلَغَ ثَلاثَةً فَصَاعِدًا أَنْ يُؤَمِّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ لأنَّ فِي ذَلِكَ السَّلامَةَ مِنْ الْخِلافِ ، إلَى أن قَالَ : فَشَرْعِيَّتُهُ لِعَدَدٍ أَكْثَرَ يَسْكُنُونَ الْقُرَى وَالأمْصَارَ وَيَحْتَاجُونَ لِدَفْعِ التَّظَالُمِ وَفَصْلِ التَّخَاصُمِ أَوْلَى وَأَحْرَى .(2/498)
بَابُ كَرَاهِيَةِ الْحِرْصِ عَلَى الْوِلايَةِ وَطَلَبِهَا
4939- عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَرَجُلانِ مِنْ بَنِي عَمِّي ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : يَا رَسُولَ اللهِ أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلاكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : « إنَّا وَاَللَّهِ لا نُوَلِّي هَذَا الْعَمَلَ أَحَدًا يَسْأَلُهُ أَوْ أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ » .
4940- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لا تَسْأَلْ الإِمَارَةَ ، فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا ، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
4941- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ ، وَمَنْ جُبِرَ عَلَيْهِ يَنْزِلُ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ » . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيّ .
4942- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ ، وَبِئْسَت الْفَاطِمَةُ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ .
4943- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَنَالَهُ ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ ، وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد . وَقَدْ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ .(2/499)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « أَوْ أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ » بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّهُ لا يُوَلِّي مَنْ يَسْأَلُ الْوِلايَةَ أَنَّهُ يُوَكَّلُ إلَيْهَا وَلا يَكُونُ مَعَهُ إعَانَةٌ لأنَّ فِيهِ تُهْمَةً .
قَوْلُهُ : « ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ » أَيْ كَانَ عَدْلُهُ فِي حُكْمِهِ أَكْثَرَ مِنْ ظُلْمِهِ . إلى أن قال : ولا معارضة َبَيْنَ حَدِيث أَنَسٍ وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ لأن حَدِيث عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِيهِ أَنَّ مَنْ أُعْطِيَ الإِمَارَةَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِينَ عَلَيْهَا ، وَلَيْسَ فِيهِ نُزُولُ الْمَلَكِ لِلتَّسْدِيدِ . وَحَدِيثُ أَنَسٍ فِيهِ أَنَّ مَنْ أُجْبِرَ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ . انْتَهَى ملخصًا .
بَابٌ التَّشْدِيدُ فِي الْوِلايَةِ وَمَا يُخْشَى عَلَى مَنْ لَمْ يَقُمْ
بِحَقِّهَا دُونَ الْقَائِمِ بِهِ
4944 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ » . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيّ .
4945 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَا مِنْ حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ إِلا حُبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَلَكٌ آخِذٌ بِقَفَاهُ حَتَّى يَقِفَهُ عَلَى جَهَنَّمَ ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنْ قَالَ : أَلْقِهِ ، أَلْقَاهُ فِي مَهْوًى فَهَوَى أَرْبَعِينَ خَرِيفًا » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ بِمَعْنَاهُ .(2/500)
4946- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : « وَيْلٌ لِلأمَرَاءِ ، وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ وَيْلٌ لِلأمَنَاءِ ، لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ ذَوَائِبَهُمْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالثُّرَيَّا يَتَذَبْذَبُونَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا عَلَى شَيْءٍ » .
4947 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « لَتَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ » .
4948- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِيَ أَمْرَ عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلا أَتَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدُهُ إلَى عُنُقِهِ فَكَّهُ بِرُّهُ ، أَوْ أَوْبَقَهُ إثْمُهُ ، أَوَّلُهَا مَلامَةٌ ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ ، وَآخِرُهَا خِزْيٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » .
4949- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إِلا جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولَةٌ يَدُهُ إلَى عُنُقِهِ ، حَتَّى يُطْلِقَهُ الْحَقُّ أَوْ يُوبِقَهُ ، وَمَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ أَجْذَمُ » . رَوَاهُنَّ أَحْمَدُ .
4950 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إنَّ اللهَ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ فَإِذَا جَارَ وَكِلَهُ اللهُ إلَى نَفْسِهِ » . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ .(3/1)
4951- وَفِي لَفْظٍ : « إِنَّ اللهُ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ ، فَإِذَا جَارَ تَخَلَّى عَنْهُ وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
4952- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ - وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ - الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ » قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ : الْمُرَادُ ذُبِحَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لأنَّهُ بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا إنْ رَشَدَ وَبَيْنَ عَذَابِ الآخِرَةِ إنْ فَسَدَ . قال الشارح : والحديث وارد في ترهيب القضاة ، وقد ورد في ترغيب القضاء : « إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ، وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ » إلى أن قال : وَلَكِنَّ هَذِهِ التَّرْغِيبَاتِ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ الْقَاضِي الْعَادِلِ الَّذِي لَمْ يَسْأَل الْقَضَاءَ وَلا اسْتَعَانَ عَلَيْهِ بِالشُّفَعَاءِ ، وَكَانَ لَدَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ . إلى أن قَالَ : وَقَدْ كَثُرَ التَّتَابُعُ مِنْ الْجَهَلَةِ فِي هَذَا الْمَنْصِبِ الشَّرِيفِ وَاشْتَرَوْهُ بِالأمْوَالِ مِمَّنْ هُوَ أَجْهَلُ مِنْهُمْ حَتَّى عَمَّتْ الْبَلْوَى .(3/2)
قَوْلُهُ : « وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ » جَمْعُ عَرِيفٍ . قَالَ فِي النِّهَايَةِ : وَهُوَ الْقَيِّمُ بِأُمُورِ الْقَبِيلَةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ النَّاسِ ، يَلِيَ أُمُورَهُمْ وَيَتَعَرَّفُ الأمِيرُ مِنْهُ أَحْوَالَهُمْ . وَسَبَبُ الْوَعِيدِ لَهَذِهِ الطَّوَائِفِ الثَّلاثِ - وَهُمْ الأمَرَاءُ وَالْعُرَفَاءُ وَالأمَنَاءُ - أَنَّهُمْ يَقْبَلُونَ وَيُطَاعُونَ فِيمَا يَأْتُونَ بِهِ فَإِذَا جَارُوا عَلَى الرَّعَايَا جَارُوا وَهُمْ قَادِرُونَ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَشْدِيدِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِمْ ؛ لأنَّ حَقَّ شُكْرِ النِّعْمَةِ الَّتِي امْتَازُوا بِهَا عَلَى غَيْرِهِمْ أَنْ يَعْدِلُوا وَيَسْتَعْمِلُوا الشَّفَقَةَ وَالرَّأْفَةَ . انْتَهَى مُلَخْصًا .
بَابُ الْمَنْعِ مِنْ وِلايَةِ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَمَنْ لا يُحْسِنُ الْقَضَاءَ
أَوْ يَضْعُفُ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهِ
4953- عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ : « لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
4954- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ رَأْسِ السَّبْعِينَ وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ .(3/3)
4955- وَعَنْ بُرَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ : وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ وَجَارَ فِي حُكْمِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ » . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَأَبُو دَاوُد .
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْقَاضِي رَجُلاً .
4956- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ أَفْتَى بِفُتْيَا غَيْرِ ثَبْتٍ فَإِنَّمَا إثْمُهُ عَلَى الَّذِي أَفْتَاهُ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ .
4957- وَفِي لَفْظٍ : « مَنْ أَفْتَى بِفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إثْمُ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَفْتَاهُ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
4958- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « يَا أَبَا ذَرٍّ إنِّي أَرَاك ضَعِيفًا ، وَإِنِّي أُحِبُّ إلَيْكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ » .
4959- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ أَلا تَسْتَعْمِلُنِي ؟ قَالَ : فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبَيَّ ، ثُمَّ قَالَ : « يَا أَبَا ذَرٍّ إنَّك ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا » . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .(3/4)
4960- وَعَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ الأحْمَسِيَّةِ أَنَّهَا سَمِعْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ » . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ وَأَبَا دَاوُد .
4961 - وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ .
وَهَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ وِلايَةِ الْحُكْمِ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ عَبْدًا .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ » إلَى آخره فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْوِلايَاتِ وَلا يَحِلُّ لِقَوْمٍ تَوْلِيَتُهَا لأنَّ تَجَنُّبَ الأمْرِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ الْفَلاحِ وَاجِبٌ .
قَوْلُهُ : « وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ » فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ قَاضِيًا ، قَالَ فِي الْبَحْرِ : إجْمَاعًا وَأَمَرَهُ - صلى الله عليه وسلم - بِالتَّعَوُّذِ مِنْ رَأْسِ السَّبْعِينَ لَعَلَّهُ لِمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ الْفِتَنِ الْعَظِيمَةِ ، مِنْهَا قَتْلُ الْحُسَيْنِ - رضي الله عنه - وَوَقْعَةُ الْحَرَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ فِي عَشْرِ السَّبْعِينَ .
قَوْلُهُ : « الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ » إلَى آخِرُه فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَعْظَمُ وَازِعٍ لِلْجَهَلَةِ عَنْ الدُّخُولِ فِي هَذَا الْمَنْصِبِ الَّذِي يَنْتَهِي بِالْجَاهِلِ وَالْجَائِرِ إلَى النَّارِ .
قَوْلُهُ : « أَرَاك ضَعِيفًا » فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ ضَعِيفًا لا يَصْلُحُ لِتَوَلِّي الْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ .(3/5)
قَوْلُهُ : « لا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ » إلَى آخِرُهُ فِيهِ إرْشَادٌ لِلْعِبَادِ إلَى تَرْكِ تَحَمُّلِ أَعْبَاءِ الإِمَارَةِ مَعَ الضَّعْفِ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ .
بَابُ تَعْلِيقِ الْوِلايَةِ بِالشَّرْطِ
4962- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ : « إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ » . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
4963- وَلأحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ نَحْوُهُ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيقِ الْوِلايَاتِ بِالشَّرْطِ الْمُسْتَقْبَلِ ، وَلا أَعْرِفُ الآنَ دَلِيلاً يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَعْلِيقِ الْوِلايَةِ بِالشَّرْطِ ، فَلَعَلَّ خِلافَ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ مُسْتَنِدٌ إلَى قَاعِدَةٍ فِقْهِيَّةٍ كَمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ .
بَابُ نَهْيِ الْحَاكِمِ عَنْ الرِّشْوَةِ
وَاِتِّخَاذِ حَاجِبٍ لِبَابِهِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ
4964- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .
4965- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي » . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ .(3/6)
4966- وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ ، يَعْنِي الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا . رَوَاهُ أَحْمَدُ .
4967- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « مَا مِنْ إمَامٍ أَوْ وَالٍ يَغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْخَلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ إِلا أَغْلَقَ اللهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ .(3/7)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَالَ ابْنُ رَسْلانَ : وَيَدْخُلُ فِي إطْلاقِ الرِّشْوَةِ ، الرِّشْوَةِ لِلْحَاكِمِ وَالْعَامِلِ عَلَى أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَهِيَ حَرَامٌ بِالإِجْمَاعِ . وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ: الْقَاضِي إذَا أَخَذَ الْهَدِيَّةَ فَقَدْ أَكَلَ السُّحْتَ ، وَإِذَا أَخَذَ الرِّشْوَةَ بَلَغَتْ بِهِ الْكُفْرَ . قَالَ الشَّارِحُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْهَدَايَا الَّتِي تُهْدَى لِلْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ هِيَ نَوْعٌ مِنْ الرِّشْوَةِ ؛ لأنَّ الْمُهْدِيَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا لِلإِهْدَاءِ إلَى الْقَاضِي قَبْلَ وِلايَتِهِ لا يُهْدِي إلَيْهِ إِلا لِغَرَضٍ ، وَهُوَ إمَّا التَّقَوِّي بِهِ عَلَى بَاطِلِهِ ، أَوْ التَّوَصُّلُ لِهَدِيَّتِهِ لَهُ إلَى حَقِّهِ ، وَالْكُلُّ حَرَامٌ وَأَقَلُّ الأحْوَالِ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا لِقُرْبِهِ مِنْ الْحَاكِمِ وَتَعْظِيمِهِ وَنُفُوذِ كَلامِهِ ، وَلا غَرَضَ لَهُ بِذَلِكَ إِلا الاسْتِطَالَةَ عَلَى خُصُومِهِ أَوْ الأمْنَ مِنْ مُطَالَبَتِهِمْ لَهُ فَيَحْتَشِمُهُ مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْهِ وَيَخَافُهُ مَنْ لا يَخَافُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَهَذِهِ الأغْرَاضُ كُلُّهَا تَئُولُ إلَى مَا آلَتْ إلَيْهِ الرِّشْوَةُ . فَلْيَحْذَرْ الْحَاكِمُ الْمُتَحَفِّظُ لِدِينِهِ الْمُسْتَعِدُّ لِلْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ مِنْ قَبُولِ هَدَايَا مَنْ أَهْدَى إلَيْهِ بَعْدَ تَوَلِّيهِ لِلْقَضَاءِ ، فَإِنَّ لِلإِحْسَانِ تَأْثِيرًا فِي طَبْعِ الإِنْسَانِ ، وَالْقُلُوبُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهَا ، فَرُبَّمَا مَالَتْ نَفْسُهُ وهو لا يَشْعُرُ بِذَلِكَ . انْتَهَى مُلَخْصًا .(3/8)
قَوْلُهُ : « وَالْخَلَّةُ » فِي النِّهَايَةِ : الْخَلَّةُ بِالْفَتْحِ : الْحَاجَةُ وَالْفَقْرُ فَيَكُونُ الْعَطْفُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَحِلُّ احْتِجَابُ أُولِي الأمْرِ عَنْ أَهْلِ الْحَاجَاتِ ، إلَى أن قال : وَمِنْ الْعَدْلِ وَالتَّثَبُّتِ فِي الْحُكْمِ أَنْ لا يُدْخِلَ الْحَاكِمُ جَمِيعَ مَنْ كَانَ بِبَابِهِ مِنْ الْمُتَخَاصِمِينَ إلَى مَجْلِسِ حُكْمِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً إذَا كَانُوا جَمْعًا كَثِيرًا ، بَلْ يَجْعَلُ بِبَابِهِ مَنْ يُرَقِّمُ الْوَاصِلِينَ مِنْ الْخُصُومِ الأوَّلَ فَالأوَّلَ ، ثُمَّ يَدْعُوهُمْ إلَى مَجْلِسِ حُكْمِهِ كُلَّ خَصْمَيْنِ عَلَى حِدَةٍ . انْتَهَى مُلَخْصًا . قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الأسْبَقِ فَالأسْبَقِ وَالْمُسَافِرِ عَلَى الْمُقِيمِ ، وَلاسِيَّمَا إنْ خَشِيَ فَوَاتَ الرُّفْقَةِ ، وَأَنَّ مَنْ اتَّخَذَ بَوَّابًا أَوْ حَاجِبًا أَنْ يَتَّخِذَهُ أَمِينًا ثِقَةً عَفِيفًا عَارِفًا حَسَنَ الأخْلاقِ عَارِفًا بِمَقَادِيرِ النَّاسِ . انْتَهَى والله الْمُوَفِق .
بَابُ مَا يَلْزَمُ اعْتِمَادُهُ فِي أَمَانَةِ الْوُكَلاءِ وَالأعْوَانِ
4968- عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ - وَهُوَ يَعْلَمُ - لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ » .
4969- وَفِي لَفْظٍ : « مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللهِ » . رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد .
4970 - وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ : إنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرُطِ مِنْ الأمِيرِ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .(3/9)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ » هَذَا ذَمٌّ شَدِيدٌ لَهُ شَرْطَانِ : أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الْمُخَاصَمَةُ فِي بَاطِلٍ . وَالثَّانِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ بَاطِلٌ ، فَإِنْ اخْتَلَّ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ فَلا وَعِيدَ ، وَإِنْ كَانَ الأوْلَى تَرْكَ الْمُخَاصَمَةِ مَا وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلاً . وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إذَا رَأَى مُخَاصِمًا أَوْ مُعِينًا عَلَى خُصُومَةٍ بِتِلْكَ الصِّفَةِ أَنْ يَزْجُرَهُ وَيَرْدَعَهُ لِيَنْتَهِيَ عَنْ غَيِّهِ .
قَوْلُهُ : ( بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرُطِ ) زَادَ التِّرْمِذِيُّ ( لِمَا يَلِي مِنْ أُمُورِهِ ) وَقَدْ تَرْجَمَ ابْنُ حِبَّانَ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ : احْتِرَازُ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي مَجْلِسِهِ إذَا دَخَلُوا . وَالشُّرُطُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا شُرُطِيٌّ بِضَمَّتَيْنِ ، وَقَدْ يُفْتَحُ الرَّاءُ فِيهِمَا : أعَوَانُ الأمِيرِ ، وَالْمُرَادُ بِصَاحِبِ الشُّرُطِ كَبِيرُهُمْ . وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ اتِّخَاذِ الأعْوَانِ لِدَفْعِ مَا يَرِدُ عَلَى الإِمَامِ وَالْحَاكِمِ انْتَهَى مُلَخْصًا .
بَابُ النَّهْيِ عَنْ الْحُكْمِ فِي حَالِ الْغَضَبِ
إِلا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لا يُشْغِلُ
4971- عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « لا يَقْضِيَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانٌ » . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .(3/10)
4972- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأنْصَارِيُّ : سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ ، فَأَبَى عَلَيْهِ ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ : « اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إلَى جَاركِ » . فَغَضِبَ الأنْصَارِيُّ ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ لِلزُّبَيْرِ : « اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْجَدْرِ » . فَقَالَ الزُّبَيْرُ : وَاَللَّهِ إنِّي لا أَحْسِبُ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ إِلا فِي ذَلِكَ ? فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ? . الآيَةَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .
4973- لَكِنَّهُ لِلْخَمْسَةِ إِلا النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ .(3/11)
4974- وَلِلْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ قَالَ : خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلاً وَذَكَرَ نَحْوَهُ . وَزَادَ : فَاسْتَوْعَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ فِيهِ سَعَةٌ لَهُ وَلَلأنْصَارِيِّ ، فَلَمَّا أَحْفَظَ الأنْصَارِيُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَوْعَى لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ . قَالَ عُرْوَةُ : قَالَ الزُّبَيْرُ : فَوَاَللَّهِ مَا أَحْسَبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ إِلا فِي ذَلِكَ ? فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ? .
4975- رَوَاهُ أَحْمَدُ كَذَلِكَ لَكِنْ قَالَ : عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلاً - وَذَكَرَهُ . جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِهِ .
4976- وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَقَدَّرَتْ الأنْصَارُ وَالنَّاسُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْجَدْرِ » . فَكَانَ ذَلِكَ إلَى الْكَعْبَيْنِ .
وَفِي الْخَبَرِ مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ لِلْخَصْمِ وَالْعَفْوِ عَنْ التَّعْزِيرِ .(3/12)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « لا يَقْضِيَنَّ » إلَى آخِرِه قَالَ الْمُهَلِّبُ : سَبَبُ هَذَا النَّهْيِ أَنَّ الْحُكْمَ حَالَةَ الْغَضَبِ قَدْ يَتَجَاوَزُ بِالْحَاكِمِ إلَى غَيْرِ الْحَقِّ فَمَنَعَ ، وَبِذَلِكَ قَالَ فُقَهَاءُ الأمْصَارِ . وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : وَعَدَاهُ الْفُقَهَاءُ إلَى كُلِّ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَغَيُّرُ الْفِكْرِ كَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ الْمُفْرِطَيْنِ ، وَغَلَبَةِ النُّعَاسِ وَسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقَلْبُ تَعَلُّقًا يَشْغَلُهُ عَنْ اسْتِيفَاءِ النَّظَرِ فَلَوْ خَالَفَ الْحَاكِمُ فَحَكَمَ فِي حَالِ الْغَضَبِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ صَادَفَ الْحَقَّ . انْتَهَى مُلَخْصًا .
قَوْلُهُ : ( فِي شِرَاجٍ ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ مَسَايِلُ النَّخْلِ ، وَالشَّجَرُ وَاحِدَتُهَا شَرْجَةٌ .
قَوْلُهُ : ( سَرِّحْ الْمَاءَ ) أَيْ أَرْسِلْهُ .
قَوْلُهُ : « ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ » كَانَ هَذَا عَلَى سَبِيل الصُّلْح .
قَوْلُهُ : « حَتَّى يَرْجِعَ الْمَاءُ إلَى الْجَدْرِ » بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْجِدَارُ ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَصْلُ الْحَائِطِ ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ « حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ الْكَعْبَيْنِ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
قَوْلُهُ : ( فَاسْتَوْعَى ) أَيْ اسْتَوْفَى .
قَوْلُهُ : ( فَكَانَ ذَلِكَ إلَى الْكَعْبَيْنِ ) يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْجَدْرَ يَخْتَلِفُ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ قَاسُوا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْقِصَّةُ فَوَجَدُوهُ يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ فَجَعَلُوا ذَلِكَ مِعْيَارَ الِاسْتِحْقَاقِ الأوَّلَ فَالأوَّلَ ، وَالْمُرَادُ بِالأوَّلِ هُنَا مَنْ يَكُونُ مَبْدَأُ الْمَاءِ مِنْ نَاحِيَتِهِ .(3/13)
بَابُ جُلُوسِ الْخَصْمَيْنِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا
4977- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ الْخَصْمَيْنِ يَقْعُدَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
4978- وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « يَا عَلِيُّ إذَا جَلَسَ إلَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلا تَقْضِ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنْ الأوَّلِ ، فَإِنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « أَنَّ الْخَصْمَيْنِ يَقْعُدَانِ » إلى آخِرِه هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ لِمَشْرُوعِيَّةِ قُعُودِ الْخَصْمَيْنِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ أَيْضًا مَشْرُوعِيَّةُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ . وَرَوَى أَبُو يَعْلَى وَالدَّارَقُطْنِيّ والطبراني مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ « مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَعْدِلْ بَيْنَهُمْ فِي لَحْظِهِ وَإِشَارَتِهِ وَمَقْعَدِهِ وَمَجْلِسِهِ . وَلا يَرْفَعْ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ مَا لا يَرْفَعُ عَلَى الآخَرِ » . وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَلَسَ بِجَنْبِ شُرَيْحٍ فِي خُصُومَةٍ لَهُ مَعَ يَهُودِيٍّ فَقَالَ : لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا جَلَسْتُ مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « لا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجَالِسِ » . أَخْرَجَهُ الْحَاكِمِ . انْتَهَى مُلَخْصًا .
بَابُ مُلازَمَةِ الْغَرِيمِ إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ
وَإِعْدَاءِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ(3/14)
4979 - عَنْ هِرْمَاسِ بْنِ حَبِيبٍ - رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ - عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِغَرِيمٍ لِي ، فَقَالَ لِي : « الْزَمْهُ » . ثُمَّ قَالَ لِي : « يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ بِأَسِيرِكَ » ؟ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
4980- وَابْنُ مَاجَةْ وَقَالَ فِيهِ : ثُمَّ مَرَّ بِي آخِرَ النَّهَارِ فَقَالَ : « مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ » ؟ وَقَالَ فِي سَنَدِهِ : عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ .(3/15)
4981- وَعَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأسْلَمِيِّ أَنَّهُ كَانَ لِيَهُودِيٍّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ إنَّ لِي عَلَى هَذَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَيْهَا ، فَقَالَ : « أَعْطِهِ حَقَّهُ » . قَالَ : وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا . قَالَ : « أَعْطِهِ حَقَّهُ » . قَالَ : وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا ، قَدْ أَخْبَرْتُهُ أَنَّكَ تَبْعَثُنَا إلَى خَيْبَرَ ، فَأَرْجُو أَنْ يُغَنِّمنَا الله شَيْئًا فَأَرْجِعُ فَأَقْضِيَهُ ، قَالَ : « أُعْطِهِ حَقَّهُ » . قَالَ : وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَالَ ثَلاثًا لَمْ يُرَاجَعْ ، فَخَرَجَ بِهِ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ إلَى السُّوقِ وَعَلَى رَأْسِهِ عِصَابَةٌ وَهُوَ مُتَّزِرٌ بِبُرْدَةٍ ، فَنَزَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ فَاتَّزَرَ بِهَا ، وَنَزَعَ الْبُرْدَةَ ثُمَّ قَالَ : اشْتَرِ مِنِّي هَذِهِ الْبُرْدَةَ ، فَبَاعَهَا مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ ، فَمَرَّتْ عَجُوزٌ فَقَالَتْ : مَا لَكَ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهَا ، فَقَالَتْ : هَا دُونَكَ هَذَا الْبُرْدَ عَلَيْهَا طَرَحَتْهُ عَلَيْهِ . رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَفِيهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يُكَرِّرُ عَلَى النَّاكِلِ وَغَيْرِهِ ثَلاثًا .
4982- وَمِثْلُهُ مَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلاثًا ، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاثًا . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .(3/16)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « الْزَمْهُ » بِفَتْحِ الزَّايِ ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مُلازَمَةِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ ، إلَى أنْ قَالَ : وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمُلازَمَةِ بَلْ فِيهِ التَّشْدِيدُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِإِيجَابِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِ قَبُولِ دَعْوَاهُ الإِعْسَارَ لِمُجَرَّدِهَا مِنْ دُونِ بَيِّنَةٍ وَعَدَمِ الاعْتِدَادِ بِيَمِينِهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْمَالِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا .
بَابُ الْحَاكِمِ يَشْفَعُ لِلْخَصْمِ وَيَسْتَوْضِعُ لَهُ
4983- عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي بَيْتِهِ ، فَخَرَجَ إلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى : « يَا كَعْبُ » . قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ : « ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا » . وَأَوْمَأَ إلَيْهِ : أَيْ الشَّطْرَ ، قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : « قُمْ فَاقْضِهِ » . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ .
وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ الْحُكْمِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَأَنَّ مَنْ قِيلَ : لَهُ : بِعْ ، أَوْ : هَبْ ، أَوْ : أَبِرَّ ، فَقَالَ : قَدْ فَعَلْتُ ، صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ ، وَأَنَّ الإِيمَاءَ الْمَفْهُومَ يَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ .(3/17)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَالْمُرَادُ بِهَذَا الأمْرِ الْوَاقِعِ مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - الإِرْشَادُ إلَى الصُّلْحِ وَالشَّفَاعَةِ فِي تَرْكِ بَعْضِ الدَّيْنِ ، وَفِيهِ فَضِيلَةُ الصُّلْحِ وَحُسْنُ التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ .
قَوْلُهُ : « قُمْ فَاقْضِهِ » قِيلَ : هَذَا أَمْرٌ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ لأنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَمَّا طَاوَعَ بِوَضْعِ الشَّطْرِ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَدْيُونِ أَنْ يُعَجِّلَ إلَيْهِ دَيْنَهُ لِئَلا يَجْمَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بَيْنَ الْوَضِيعَةِ وَالْمُطُلِ .
بَابُ إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لا بَاطِنًا
4984 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي بِنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ » . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ . وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ » الْبَشَرُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَالْوَاحِدِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مِنْهُمْ ، أَتَى بِهِ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ كَانَ رَسُولاً فَإِنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ غَيْبٍ حَتَّى لا يَخْفَى عَلَيْهِ الْمَظْلُومُ مِنْ الظَّالِمِ .
قَوْلُهُ : « أَلْحَنَ » : أَيْ أَبْلَغُ .(3/18)
قَوْلُهُ : « فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ » أَيْ لِلَّذِي قَضَيْت لَهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ إذَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ لا يَسْتَحِقُّهُ فَهُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ يَئُولُ بِهِ إلَى أَهْلِ النَّارِ . وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى إثْمِ مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ ، وَأَنَّ مَنْ احْتَالَ لأمْرٍ بَاطِلٍ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْحِيَلِ حَتَّى يَصِيرَ حَقًّا فِي الظَّاهِرِ وَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ أَنَّهُ لا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ وَلا يَرْتَفِعُ عَنْهُ الإِثْمُ . وَقَدْ حَكَى الشَّافِعِيُّ الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لا يُحَلِّلُ الْحَرَامَ . وَفِيهِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا أَخْطَأَ لا يَلْحَقُهُ إثْمٌ بَلْ يُؤْجَرُ أَنَّه - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْضِي بِالاجْتِهَادِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ . وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ لا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ . وَسَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى . انْتَهَى مُلَخْصًا .
بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي تَرْجَمَةِ الْوَاحِدِ
4985 - فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ فَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ وَقَالَ : حَتَّى كَتَبْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُتُبَهُ وَأَقْرَأْتُهُ كُتُبَهُمْ إذَا كَتَبُوا إلَيْهِ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ : مَاذَا تَقُولُ هَذِهِ ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ ، فَقُلْتُ : نُخْبِرُكَ بِاَلَّذِي صَنَعَ بِهَا قَالَ : وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ : كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ .(3/19)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ تَرْجَمَةِ وَاحِدٍ . قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : أَجَازَ الأكْثَرُ تَرْجَمَةَ وَاحِدٍ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هُوَ كَالْبَيِّنَةِ . وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : لا نِزَاعَ لأحَدٍ أَنَّهُ يَكْفِي تُرْجُمَانٌ وَاحِدٌ عِنْدَ الإِخْبَارِ ، وَأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ . وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ التِّينِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ : لا يُتَرْجِمُ إِلا حُرٌّ عَدْلٌ . وَإِذَا أَقَرَّ الْمُتَرْجِمُ بِشَيْءٍ وَجَبَ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ مِنْهُ شَاهِدَانِ وَيَرْفَعَانِ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ . انْتَهَى مُلَخْصًا . قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ : وَيُقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّعْرِيفِ وَالرِّسَالَةِ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ رُوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدٍ .
بَابُ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ
4986- عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ .
4987- وَفِي رِوَايَةٍ لأحْمَدَ : إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الأمْوَالِ .
4988- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ .
4989 ، 4990- وَلأحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ وَحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مِثْلُهُ .(3/20)
4991- وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ ، وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ ، وَقَضَى بِهِ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - بِالْعِرَاقِ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ .
4992- وَعَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَزَادَ : قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسُهَيْلٍ فَقَالَ : أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ - وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ - أَنِّي حَدَّثْتُهُ إيَّاهُ وَلا أَحْفَظُهُ . قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ : وَقَدْ كَانَ أَصَابَ سُهَيْلاً عِلَّةٌ أَذْهَبَتْ بَعْضَ عَقْلِهِ وَنَسِيَ بَعْضَ حَدِيثِهِ فَكَانَ سُهَيْلٌ بَعْدُ يُحَدِّثُهُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ .
4992- وَعَنْ سَرَّقْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجَازَ شَهَادَةَ الرَّجُلِ ، وَيَمِينَ الطَّالِبِ . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ .(3/21)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، فَقَالُوا : يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا « قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ فِي الْحَقِّ بِشَاهِدَيْنِ ، فَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ أَخَذَ حَقَّهُ وَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ » . قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ لأنَّهُ لا يَمْنَعُ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ . انْتَهَى مُلَخْصًا .
بَابُ مَا جَاءَ فِي امْتِنَاعِ الْحَاكِمِ مِنْ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ(3/22)
4994- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا ، فَلاحَهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ ، فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ فَشَجَّهُ فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا : الْقَوَدَ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ : « لَكُمْ كَذَا وَكَذَا ». فَلَمْ يَرْضَوْا ، فَقَالَ : « لَكُمْ كَذَا وَكَذَا » . فَرَضُوا ، فَقَالَ : « إنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ » قَالُوا : نَعَمْ . فَخَطَبَ فَقَالَ : « إنَّ هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ الْقَوَدَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا أَفَرَضِيتُمْ » ؟ قَالُوا : لا ، فَهَمَّ الْمُهَاجِرُونَ بِهِمْ ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ فَكَفُّوا ، ثُمَّ دَعَاهُمْ فَزَادَهُمْ ، فَقَالَ : « أَفَرَضِيتُمْ » ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : « إنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ » ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، فَخَطَبَ فَقَالَ : « أَرَضِيتُمْ » ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ .(3/23)
4995 - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ : أَتَى رَجُلٌ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٌ وَفِي ثَوْبِ بِلالٍ فِضَّةٌ ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْبِضُ مِنْهَا يُعْطِي النَّاسَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ ، فَقَالَ : « وَيْلَكَ فَمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ أَعْدِلْ ؟ لَقَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ » . فَقَالَ عُمَرُ : دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ أَقْتُلُ هَذَا الْمُنَافِقَ ، فَقَالَ : « مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي ، إنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ : لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً عَلَى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ مَا أَخَذْتُهُ وَلا دَعَوْتُ لَهُ أَحَدًا حَتَّى يَكُونَ مَعِي غَيْرِي . حَكَاهُ أَحْمَدُ .(3/24)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ مِنْ الْحَاكِمِ بِعِلْمِهِ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَوْلا قُضَاةُ السُّوءِ لَقُلْت : إنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ . قَالَ الشَّارِحُ : حَدِيثَ عَائِشَةَ لَيْسَ فِيهِ إِلا مُجَرَّدُ وُقُوعِ الإِخْبَارِ مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا وَقَعَ بِهِ الرِّضَا مِنْ الطَّالِبِينَ لِلْقَوَدِ وَإِنْ كَانَ الاحْتِجَاجُ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِمْ بِمَا رَضُوا بِهِ الْمَرَّةَ الأولَى فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُطَالِبٌ لَهُ بِالْحُكْمِ عَلَيْهِمْ . وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ لا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ . إلَى أنْ قَالَ : وَلا رَيْبَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ لأنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ لا تَبْلُغُ إلَى مَرْتَبَةِ الْعِلْمِ الْحَاصِلِ عَنْ الْمُشَاهَدَةِ . انْتَهَى مُلَخْصًا . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : بَابِ مَنْ رَأَى لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ في أمر الناسِ إذا لم يخف الظنون والتهمة كما قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِهند « خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف » . وذلك إذا كان أمر مشهور . قَالَ الْحَافِظُ : أشار إلى قول أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ بأن للقاضي أن يحكم بعلمه في حقوق الناس ، وليس له أن يقضي بعلمه في حقوق الله كالحدود ، لأنها مبنية على المسامحة ، إلى أن قال : وَقَالَ الْكَرَابِيسِيُّ : الذي عندي أن شرط جواز الحكم بالعلم أن يكون الحاكم مشهورًا بالصلاح والعفاف والصدق ، ولم يعرف بكبير زلة ولم يؤخذ عليه خربة ، بحيث تكون أسباب التقى فيه موجودة وأسباب التهم فيه مفقودة .
بَابُ مَنْ لا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ(3/25)
4996- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلا خَائِنَةٍ وَلا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ ، وَلا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَانِعِ لأهْلِ الْبَيْتِ » . وَالْقَانِعُ الَّذِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَيْتِ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ : « شَهَادَةُ الْخَائِنِ وَالْخَائِنَةِ » . إلَى آخِرِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَفْسِيرَ الْقَانِعِ .
4997- وَلأبِي دَاوُد فِي رِوَايَةٍ : « لا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلا خَائِنَةٍ ، وَلا زَانٍ وَلا زَانِيَةٍ ، وَلا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ » .
4998 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « لا تَجُوزُ شَهَادَةُ بِدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ :« لا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلا خَائِنَةٍ ». صرح أبو عبيدة بأن الخيانة تكون في حقوق الله كما تكون في حقوق الناس .
قَوْلُهُ : « وَلا ذِي غِمْرٍ » قَالَ أَبُو دَاوُد : الْغِمْرُ : الْحِنَةُ وَالشَّحْنَاءُ، وَالْحِنَةُ : الْحِقْدُ وَالشَّحْنَاءُ : الْعَدَاوَةُ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَدَاوَةَ تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لأنَّهَا تُوَرِّثُ التُّهْمَةَ . قَالَ فِي الْبَحْرِ : الْعَدَاوَةُ لأجْلِ الدِّينَ لا تَمْنَعُ .
قَوْلُهُ : « وَلا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَانِعِ لأهْلِ الْبَيْتِ » هُوَ الْخَادِمُ الْمُنْقَطِعُ إلَى الْخِدْمَةِ فَلا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلتُّهْمَةِ بِجَلْبِ النَّفْعِ إلَى نَفْسِهِ .(3/26)
قَوْلُهُ : « وَلا زَانٍ وَلا زَانِيَةٍ » الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا الْفِسْقُ الصَّرِيحُ ، إِلَى أَنْ قَالَ : وَاخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَالْعَكْسُ ، وَشَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لَلآخَرِ ، وَلا رَيْبَ أَنَّ الْقَرَابَةَ وَالزَّوْجِيَّةَ مَظِنَّةٌ لَلتُّهْمَةِ لأنَّ الْغَالِبَ فِيهِمَا الْمُحَابَاةُ وَحَدِيثُ « وَلا ظَنِينٍ » يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ ، فَمَنْ كَانَ مَعْرُوفًا مِنْ الْقَرَابَةِ وَنَحْوِهِمْ بِمَتَانَةِ الدِّينِ الْبَالِغَةِ إلَى حَدٍّ لا يُؤَثِّرُ مَعَهَا مَحَبَّةُ الْقَرَابَةِ فَقَدْ زَالَتْ حِينَئِذٍ مَظِنَّةُ التُّهْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، فَالْوَاجِبُ عَدَمُ الْقَبُولِ لِشَهَادَتِهِ لأنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلتُّهْمَةِ . انْتَهَى مُلَخْصًا .
قَوْلُهُ : « لا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ » قَالَ فِي النِّهَايَةِ : إنَّمَا كَرِهَ شَهَادَةَ الْبَدَوِيِّ لَمَا فِيهِ مِنْ الْجَفَاءِ فِي الدِّينِ وَالْجَهَالَةِ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ ، وَلأنَّهُمْ فِي الْغَالِبِ لا يَضْبِطُونَ الشَّهَادَةَ عَلَى وَجْهِهَا وَذَهَبَ إلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ وَذَهَبَ الأكْثَرُ إلَى الْقَبُولِ . قَالَ ابْنُ رَسْلانَ : وَحَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ لَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ . انْتَهَى مُلَخْصًا .
بَابُ مَا جَاءَ فِي شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ(3/27)
4999- عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِدَقُوقَا هَذِهِ وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَدِمَا الْكُوفَةَ فَأَتَيَا الأشْعَرِيَّ -يَعْنِي أَبَا مُوسَى- فَأَخْبَرَاهُ وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ . فَقَالَ الأشْعَرِيُّ : هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَحْلِفْهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ مَا خَانَا وَلا كَذَبَا وَلا بَدَّلا وَلا كَتَمَا وَلا غَيَّرَا ، وَإِنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ فَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ بِمَعْنَاهُ .
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ : دَخَلْت عَلَى عَائِشَةِ فَقَالَتْ : هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ ؟ قُلْت : نَعَمْ ، قَالَتْ : فَإِنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلالٍ فَأُحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ . رَوَاهُ أَحْمَدُ .(3/28)
5000- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءَ ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ ، فَلَمَّا قَدِمُوا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ وَجَدَ الْجَامَ بِمَكَّةَ ، فَقَالُوا : ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءَ ، فَقَامَ رَجُلانِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فَحَلَفَا : لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا ، وَأنَّ الْجَامَ لَصَاحِبِهِمْ ، قَالَ : وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : ? يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ ? . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد .(3/29)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : ( فَقَدُوا جَامًا ) بِالْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ : أَيْ إنَاءً وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْكُفَّارِ وَخَصَّ جَمَاعَةٌ الْقَبُولَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَبِالْوَصِيَّةِ وَبِفَقْدِ الْمُسْلِمِ حِينَئِذٍ ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الأئِمَّةِ إلَى أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ? مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ ? وَاحْتَجُّوا بِالإِجْمَاعِ عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ ، وَالْكَافِرُ شَرٌّ مِنْ الْفَاسِقِ وَأَجَابَ الأوَّلُونَ أَنَّ النَّسْخَ لا يَثْبُتُ بِالاحْتِمَالِ وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا وَبِأَنَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ وَأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ . وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ أَنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَنْ مَاتَ مُسَافِرًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ . وَذَهَبَ الْكَرَابِيسِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهَادَةِ فِي الآيَةِ الْيَمِينُ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .(3/30)
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ : وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرْ عَلَى الْمُسْلِمْ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُه ، وَهُوَ مَذْهَبْ أَحْمَد ، وَلا تَعْتَبِرْ عَدَالَتَهُم ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْلِفَهُمْ بِسَبَب حَقّ اللهِ ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمْ بِخِلافِ آيَةِ الْوِصَايَةُ لَنَقَضَ حُكْمُه فَإِنَّهُ خَالَفَ نَصُّ الْكِتَاب بِتَأْوِيلات سَمِجَةْ . وَقَوْلُ أَحْمَد : أَقْبَلُ شِهَادَةَ أَهْل الذِّمَّة إِذَا كَانُوا فِي سَفَر لَيْسَ فِيهِ غَيْرِهِمْ هَذِهِ ضَرُورَة يَقْتَضِي هَذَا التَّحْمِيل قُبُولَهَا فِي كُلِّ ضَرُورة حَضَرًا وَسَفَرًا وَصِيَّةً وَغَيْرَهَا وَهُوَ مُتَّجَهٌ كَمَا تُقْبَلُ شِهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ إِذَا اجْتَمَعْنَ فِي الْعُرْسِ وَالْحمام وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْر بن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ ، وَعَنْ أَحْمَدُ فِي شَهَادَةِ الْكُفَّارِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ضَرُورَة غَيْرَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ رِوَايَتَانِ لَكِنْ التَّحْلِيف هُنَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : لا تَحْلِيفَ لأنَّهُمْ إِنَّمَا يَحْلِفُونَ حَيْثُ يَكُونُ شِهَادَتَهُمْ بَدَلاً فِي التَّحْمِيلِ ، بِخِلاف مَا إِذَا كَانُوا أُصُولاً قَدْ عَمَلُوا مِنْ غَيْرِ تَحْمِيلِ . وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي مَوْضِع آخر : وَلَوْ قِيلَ : تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ مَعْ إِيمَانِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ عدم فِيهِ الْمُسْلِمُونَ لَكَانَ وَجْهًا وَنُكُونُ شِهَادَتَهُمْ بَدَلاً مُطَلَّقًا وَإِذَا قَبِلْنَا شِهَادَةَ الْكُفَّارِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ فَلا يَعْتَبِرْ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآن وَتُقْبَلْ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضْ ، وَهُوَ رِوَايَةُ عن أَحْمَد اخْتَارَهَا أَبُو(3/31)
الْخَطَّابَ فِي انْتِصَارُهُ وَمَذْهَبْ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةَ مِن الْعُلَمَاء وَلَوْ قِيلَ إِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ مَعَ شَهَادَتِهِمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض كَمَا يَحْلِفُونَ فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي وَصِيَّةِ السَّفَرِ كَانَ مُتَوَجِّهًا .
بَابُ الثَّنَاءِ عَلَى مَنْ أَعْلَمَ صَاحِبَ الْحَقِّ بِشَهَادَةٍ لَهُ عِنْدَهُ
وَذَمِّ مَنْ أَدَّى شَهَادَةً مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ
5001- عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ ، الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ .
5002- وَفِي لَفْظِ :« الَّذِينَ يَبْدَءُونَ بِشَهَادَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْأَلُوا عَنْهَا » . رَوَاهُ أَحْمَدُ .
5003 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » . قَالَ عِمْرَانُ : فَلا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً : « ثُمَّ إنَّ مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلا يَسْتَشْهِدُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ ، وَيُنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ » . مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ .
5004- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَذَكَرَ الثَّالِثَ أَمْ لا ؟ قَالَ : « ثُمَّ يَخْلُفُ بِقَوْمٍ يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .(3/32)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَالْمُرَاد بِقَرْنِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْحَدِيث هُمْ الصَّحَابَة ، وَالْمُرَاد بِالَّذِينَ يَلُونَهُمْ التَّابِعُونَ والَّذِينَ يَلُونَهُمْ تَابِعُو التَّابِعِين .
قَوْلُهُ : « وَيَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ » يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّحَمُّلُ بِدُونِ تَحْمِيلٍ ، أَوْ الأدَاءُ بِدُونِ طَلَبٍ . قَالَ الْحَافِظُ : وَالثَّانِي أَقْرَبُ . وأحاديث الْبَابِ مُتَعَارِضَةٌ . قَالَ الْحَافِظُ : وَأَحْسَنُ الأجْوِبَةِ أنَّ الْمُرَادَ بِحَدِيثِ زَيْدٍ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لإِنْسَانٍ بِحَقٍّ لا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُهَا ، فَيَأْتِي إلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ بِهَا أَوْ يَمُوتُ صَاحِبُهَا الْعَالِمُ بِهَا وَيَخْلُفُ وَرَثَةً فَيَأْتِي الشَّاهِدُ إلَى وَرَثَتِهِ فَيُعْلِمُهُمْ بِذَلِكَ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ : وَخَبَر « يَشْهَدُ وَلا يَسْتَشْهِدُ » مَحْمُولٌ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ وَإِذَا أَدَّى الآدَمِيُّ شِهَادَة قَبْلَ الطَّلَبِ قَامَ بالْوَاجِبِ وَكَانَ أَفْضَلُ كَمَنْ عِنْدَهُ أَمَانَة أَدَّهَا قَبْلَ الْحَاجَةِ وَالْمَسْأَلَةُ .
بَابُ التَّشْدِيدِ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ
5005- عَنْ أَنَسٍ قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْكَبَائِرَ - أَوْ سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ - فَقَالَ : « الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ » . وَقَالَ : « أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟ قَوْلُ الزُّورِ » أَوْ قَالَ : « شَهَادَةُ الزُّورِ » .(3/33)
5006- وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ » ؟ قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : « الإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ » . وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ وَقَالَ : « أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ » . فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا : لَيْتَهُ سَكَتَ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
5007- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لَنْ تَزُولَ قَدَمُ شَاهِدِ الزُّورِ حَتَّى يُوجِبَ اللهُ لَهُ النَّارَ » . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : ( وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ ) هَذَا يُشْعِرُ بِاهْتِمَامِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ وَيُفِيدُ ذَلِكَ تَأْكِيدَ تَحْرِيمِهِ وَعَظِيمَ قُبْحِهِ ، وَسَبَبُ الاهْتِمَامِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ كَوْنُهَا أَسْهَلَ وُقُوعًا عَلَى النَّاسِ وَالتَّهَاوُنُ بِهَا أَكْثَرُ ، فَإِنَّ الإِشْرَاكَ يَنْبُو عَنْهُ قَلْبُ الْمُسْلِمِ ، وَالْعُقُوقُ يَصْرِفُ عَنْهُ الطَّبْعَ ، وَأَمَّا الزُّورُ فَالْحَوَامِلُ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ كَالْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِهِمَا فَاحْتِيجَ إلَى الاهْتِمَامِ وَقَوْلُ الزُّورِ أَعَمُّ مِنْ شَهَادَةِ الزُّورِ لأنَّهُ يَشْمَلُ كُلَّ زُورٍ مِنْ شَهَادَةٍ أَوْ غَيْبَةٍ أَوْ بُهْتٍ أَوْ كَذِبٍ .
قَوْلُهُ : ( حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ ) أَيْ شَفَقَةً عَلَيْهِ وَكَرَاهِيَةً لَمَا يُزْعِجُهُ .
قَوْلُهُ : « حَتَّى يُوجِبَ اللهُ لَهُ النَّارَ » فِي هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِشَاهِدِ الزُّورِ حَيْثُ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ مَكَانِهِ .
بَابُ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَالدَّعْوَتَيْنِ(3/34)
5008- عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبَعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَاهِدَيْنِ ، فَقَسَمَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
5009- وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي دَابَّةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَجَعَلَهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيُّ .
5010- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ ، فَأَسْرَعُوا ، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
5011- وَفِي رِوَايَةٍ : أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَارَءَا فِي دَابَّةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ ، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ أَحَبَّا أَوْ كَرِهَا . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ .
5012- وَفِي رِوَايَةٍ : تَدَارَءَا فِي بَيْعٍ .
5013- وَفِي رِوَايَةٍ : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إذَا كَرِهَ الاثَنَانِ الْيَمِينَ أَوْ اسْتَحَبَّاهَا فَلَيَسْتَهِمَا عَلَيْهَا » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .(3/35)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : ( فَقَسَمَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ) فِيهِ أَنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ رَجُلانِ فِي عَيْنِ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ دُونَ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ وَكَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدَيْهِمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مُدَّعٍ فِي نِصْفٍ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى دَعْوَاهُ تَسَاقَطَتَا وَصَارَتَا كَالْعَدَمِ وَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ نِصْفَيْنِ بَيْنَهُمَا لاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُقِيمَا بَيِّنَةً كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ، وَكَذَا إذَا حَلَفَا أَوْ نَكَلا . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ ادَّعَيَا دَابَّةً وَجَدَاهَا عِنْدَ رَجُلٍ ، فَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ .
قَوْلُهُ : « فَلْيَسْتَهِمَا عَلَيْهَا » وَجْهُ الْقُرْعَةِ أَنَّهُ إذَا تَسَاوَى الْخَصْمَانِ فَتَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا بِدُونِ مُرَجِّحٍ لا يَسُوغُ فَلَمْ يَبْقَ إِلا الْمَصِيرُ إلَى مَا فِيهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَهُوَ الْقُرْعَةُ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .(3/36)
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ : قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مهنا فِي الرَّجُل يُقِيمُ الشُّهُود أَيَسْتَقِم لِلْحَاكِمْ أَنْ يَقُولَ أحْلِف ؟ فَقَالَ : قَد فَعَلَ ذَلِكَ عَليَّ . قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : لِلْحَاكِمِ أَنْ يَفَعَلْ ذَلِكَ إِذَا أَرَادَ مَصْلَحَة لِظُهُور رِيبة فِي الشُّهُود . وَقَالَ أَيْضًا : وَمَنْ بِيَدِهِ عقار فادَّعَى رجُلٌ بِثَبْوَتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمْ أَنَّهُ كَانَ لِجِدِّهِ إلَى مَوته ثُمَّ وَرَثَتْهُ وَلَمْ يَثْبَتْ أَنَّهُ مُخَلَّفْ عَنْ مَوْرُثِهِ لا ينزع مِنْهُ بِذَلِكَ لأن أَصْلَيْنِ تَعَارَضَا وَأَسْبَابُ انْتِقَالِهِ أَكْثَرُ مِن الإِرْثِ وَلَمْ تَجُرَّ الْعَادَةِ بِسُكُوتِهِمْ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةِ ، وَلَوْ فَتَحَ هَذَا الْبَابَ لانْتزعَ كَثِير مِنْ عِقَارِ النَّاسِ بِهَذَا الطَّرِيقِ .
بَابُ اسْتِحْلافِ الْمُنْكِرِ إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَلْمُدَّعِي الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
5014- عَنْ الأشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ ، فَاخْتَصَمْنَا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : « شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ » . فَقُلْت : إنَّهُ إذَنْ يَحْلِفُ وَلا يُبَالِي ، فَقَالَ : « مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ ، وَمَنْ رَأَى الْعَهْدَ يَمِينًا .(3/37)
5015- وَفِي لَفْظٍ : خَاصَمْتُ ابْنَ عَمٍّ لِي إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بِئْرٍ كَانَتْ لِي فِي يَدِهِ فَجَحَدَنِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « بَيِّنَتُكَ أَنَّهَا بِئْرُكَ وَإِلَّا فَيَمِينُهُ » . قُلْت : مَا لِي بَيِّنَةٌ وَأَنْ يَجْعَلَهَا يَمِينَهُ تَذْهَبُ بِئْرِي إنَّ خَصْمِي امْرُؤٌ فَاجِرٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ .
5016- وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ : يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لأبِي . فقَالَ الْكِنْدِيُّ : هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْحَضْرَمِيِّ : « أَلَكَ بَيِّنَةٌ » ؟ قَالَ : لا ، قَالَ : « فَلَكَ يَمِينُهُ » . فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ الرَّجُلُ فَاجِرٌ لا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ ، فَقَالَ : « لَيْسَ لَك مِنْهُ إِلا ذَلِكَ » . فَانْطَلَقَ لَيَحْلِفَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ : « أَمَّا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى عَدَمِ الْمُلازَمَةِ وَالتَّكْفِيلِ وَعَدَمِ رَدِّ الْيَمِينِ .(3/38)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلا ذَلِكَ » فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَجِبُ لِلْغَرِيمِ عَلَى غَرِيمِهِ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ ، وَلا يَلْزَمُهُ التَّكْفِيلُ وَلا يَحِلُّ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْمُلازَمَةِ وَلا بِالْحَبْسِ وَلَكِنَّهُ قَدْ وَرَدَ مَا يُخَصِّصُ هَذِهِ الأمُورَ مِنْ عُمُومِ هَذَا النَّفْيِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَبَسَ رَجُلاً فِي تُهْمَةٍ ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَبَسَ رَجُلاً فِي تُهْمَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً اسْتِظْهَارًا وَطَلَبًا لاِظْهَارِ الْحَقِّ بِالاعْتِرَافِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عَبْدًا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ، فَحَبَسَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَاعَ غُنَيْمَةً لَهُ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .(3/39)
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ : وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعِي بِهِ مِمَّا يعلمُ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَقَطْ - مِثْلَ أَن يَدَّعِي الْوَرَثَةُ أَوْ الْوَصِي عَلَى غَريم لِلْمَيِّتِ - قَضَى عَلَيْهِ بالنَّكُول وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَعْلَمُهُ الْمُدعِي كالدَّعْوَى عَلَى وَرَثَةِ مَيِّتٍ حَقًّا عَلَيْه يَتَعَلَّق بِتِرْكَتِهِ وَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعِي الْيَمِن عَلى الْبَتاَت فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَأَخْذْ ، وَإِنْ كَانَ كُلّ مِنْهُمَا يَدَّعِي الْعِلْمَ أَوْ طَلَبُ مِن الْمَطْلُوبِ الْيَمِين عَلَى نَفي الْعِلْمِ فَهَا هُنَا يَتَوَجَّهُ الْقَوْلانُ والْقَوْل بِالرَّدِ أَرْجَحَ ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْيَمِنَ تُرَدَّ عَلَى جِهَةٍ أَقْوَى الْمُتَداعِيين الْمتَجَاحِدِين .
بَابُ اسْتِحْلافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الأمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَغَيْرِهِمَا
5017 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
5018- وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ ، وَلَكِنْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَحَمَلُوهُ عَلَى عُمُومِهِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ اخْتِلاطٌ أَمْ لا .(3/40)
قَوْلُهُ : « لَوْ يُعْطَى النَّاسُ » إلَى آخره . هَذَا هُوَ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي جَعْلِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ . وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ : « الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ » . وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي ، وَمَنْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَلَكِنَّهُ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الأشْعَثِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ مَا يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ أَوْ يَتَتَارَكَانِ » . وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ لا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ بَلْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِاسْتِحْلافِ الْبَائِعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةٍ فِي الْبَيْعِ ، فَمَادَّةُ التَّعَارُضِ حَيْثُ كَانَ الْبَائِعُ مُدَّعِيًا ، وَالْوَاجِبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الرُّجُوعُ إلَى التَّرْجِيحِ ، وأحاديث الْبَابِ أَرْجَحُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ مَا يَقُولُهُ الْبَائِعُ مَا لَمْ يَكُنْ مُدَّعِيًا . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
بَابُ التَّشْدِيدِ فِي الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ(3/41)
5019- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْحَارِثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » . فَقَالَ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا ؟ قَالَ : « وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَةْ وَالنَّسَائِيُّ .
5020- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ .
5021 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٌ الْجُهَنِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إنَّ مِنْ الْكَبَائِرِ الشِّرْكَ بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ ، وَالْيَمِينَ الْغَمُوسَ ، وَمَا حَلَفَ حَالِفٌ بِاَللَّهِ يَمِينَ صَبْرٍ ، فَأَدْخَلَ فِيهَا مِثْلَ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ إِلا جَعَلَهُ اللهُ نُكْتَةً فِي قَلْبِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « يَمِينُ صَبْرٍ » . أَيْ أُلْزِمَ بِهَا وَحُبِسَ عَلَيْهَا وَكَانَتْ لازِمَةً لِصَاحِبِهَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ .
بَابُ الِاكْتِفَاءِ فِي الْيَمِينِ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ
وَجَوَازِ تَغْلِيظِهَا بِاللَّفْظِ وَالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ
5022 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَلْيَصْدُقْ ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاَللَّهِ فَلْيَرْضَ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنْ اللهِ » . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ .(3/42)
5023 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ حَلَّفَهُ : « احْلِفْ بِاَللَّهِ الَّذِي لا إلَهَ إِلا هُوَ مَا لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ يَعْنِي الْمُدَّعِيَ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
5024 - وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ يَعْنِي ابْنَ صُورِيَّا : « أُذَكِّرُكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي نَجَّاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ، وَأَقْطَعَكُمْ الْبَحْرَ ، وَظَلَّلَ عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ، وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَتَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمْ الرَّجْمَ » ؟ قَالَ : ذَكَّرْتَنِي بِعَظِيمٍ وَلا يَسَعُنِي أَنْ أَكْذِبَكَ . وَسَاقَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
5025- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لا يَحْلِفُ عِنْدَ هَذَا الْمِنْبَرِ عَبْدٌ وَلا أَمَةٌ عَلَى يَمِينٍ آثِمَةٍ - وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ رَطْبٍ - إِلا أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ » .
5026 - وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لا يَحْلِفُ أَحَدٌ عَلَى مِنْبَرِي كَاذِبًا إِلا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ » . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ .(3/43)
5027 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمْ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلاةِ يَمْنَعُهُ مِنْ ابْنِ السَّبِيلِ . وَرَجُلٌ بَايَعَ الإِمَامَ لا يُبَايِعُهُ إِلا لِلدُّنْيَا ، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفِيَ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ ، وَرَجُلٌ بَاعَ سِلْعَةً بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ لأخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا ، فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ » . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا التِّرْمِذِيُّ .
5028- وَفِي رِوَايَةٍ : « ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمْ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ : رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِيَ وَهُوَ كَاذِبٌ ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللهُ لَهُ : الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ : « مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ » فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي مُجَرَّدُ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ دُونِ أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِهِ ، وَمِنْ دُونِ تَغْلِيظٍ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان .
قَوْلُهُ : « وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى » أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمَنَّ هُوَ التَّرَنْجَبِينُ وَهُوَ شَيْءٌ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ ، وَالسَّلْوَى : طَيْرٌ يُقَالُ لَهُ السَّمَّانِيّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَغْلِيظِ الْيَمِينِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ .(3/44)
قَوْلُهُ : « بَعْدَ الْعَصْرِ » خَصَّهُ لِشَرَفِهِ وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى جَوَازِ التَّغْلِيظِ عَلَى الْحَالِفِ بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ كَالْحَرَمِ وَالْمَسْجِدِ وَمِنْبَرِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِالزَّمَانِ كَبَعْدَ الْعَصْرِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْجُمْهُورُ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
بَابُ ذَمِّ مَنْ حَلَفَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ
5029 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : خَطَبَنَا عُمَرُ - رضي الله عنه - بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَقِيَامِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِينَا ، قَالَ : « أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلا يُسْتَحْلَفُ ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلا يُسْتَشْهَدُ أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ .(3/45)
قَوْلُهُ : « أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبَ » . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : رَتَّبَ - صلى الله عليه وسلم - فُشُوَّ الْكَذِبِ عَلَى انْقِرَاضِ الثَّالِثِ . فَالْقَرْنُ الَّذِي بَعْدَهُ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُ إلَى الْقِيَامَةِ قَدْ فَشَا فِيهِمْ الْكَذِبُ بِهَذَا النَّصِّ فَعَلَى الْمُتَيَقِّظِ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ عَالِمٍ أَنْ يُبَالِغَ فِي تَعَرُّفِ أَحْوَالِ الشَّهَادَةِ وَالْمُخْبِرِينَ ، وَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَمْ يُقْبَلْ الْمَجْهُولُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَنْقُولِ . وَفِي الْحَدِيثِ التَّوْصِيَةُ بِخَيْرِ الْقُرُونِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
قَوْلُهُ : « لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ » سَبَبُ ذَلِكَ ما جبلا عَلَيْهِ مِنْ شَهْوَةِ النِّكَاحِ ، فَيَجِدُ الشَّيْطَانُ السَّبِيلَ فَتَقَعُ الْمَعْصِيَةُ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
قَوْلُهُ : « بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ » قَالَ فِي النِّهَايَةِ : بُحْبُوحَةُ الدَّارِ وَسَطُهَا ، يُقَالُ بَحْبَحَ : إذَا تَمَكَّنَ وَتَوَسَّطَ الْمَنْزِلَ وَالْمَقَامَ وَالْمُرَادُ أَنَّ لُزُومَ الْجَمَاعَةِ سَبَبُ الْكَوْنِ فِي بُحْبُوحَةِ الْجَنَّةِ لأنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إلَى النَّارِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ .(3/46)
قَوْلُهُ : « مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ » إلَى آخره فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّرُورَ لأجْلِ الْحَسَنَةِ وَالْحُزْنَ لأجْلِ السَّيِّئَةِ مِنْ خِصَالِ الإِيمَانِ ؛ لأنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ لا يُبَالِي أَحْسَنَ أَمْ أَسَاءَ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ صَحِيحَ الإِيمَانِ خَالِصَ الدِّينِ فَإِنَّهُ لا يَزَالُ مِنْ سَيِّئَتِهِ فِي غَمٍّ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِهَا مُحَاسَبٌ عَلَيْهَا ، وَلا يَزَالُ مِنْ حَسَنَتِهِ فِي سُرُورٍ لأنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا مُدَّخَرَةٌ لَهُ فِي صَحَائِفِهِ فَلا يَزَالُ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُوَفِّقَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ . انْتَهَى وَاللهُ أَعْلَمُ .
وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، نَسْأَلُ اللهَ تَعَالى أَنْ يَجْعَل أَحْسَنَ أَعْمَالِنَا خَواتِيمَهَا وأَبْرَكَ أَيَامِنَا يَوْمَ لِقَائِهِ .
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِي لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله ، لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ .
تَمَّ كِتاب بُسْتَانِ الأحْبَار
وللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّة
الفهرس
-
الموضوع -
الصفحة - -
- كتاب البيوع أبواب ما يجوز بيعه وما لا يجوز بيعه -
2 - -
- باب ما جاء في بيع النجس ، وآلة المعصية ، وما لا نفع فيه -
2 - -
- باب النهي عن بيع فيض الماء -
5 - -
- باب النهي عن ثمن عسب الفحل -
6 - -
- باب النهي عن بيع الغرر -
6 - -
- باب النهي عن الاستثناء في البيع إلا أن يكون معلومًا -
11 - -
- باب بيعتين في بيعة -
11 - -
- باب النهي عن بيع العربون -
13 - -
- باب تحريم بع العصير ممن يتخذه خمرًا وكل بيع أعان على عصية -
14 - -
- باب النهي عن بيع ما لا يملكه ، ليمضي فيشتريه ويسلمه -
15 - -
- باب من باع سلعة من رجل ثم من آخر -
16 - -(3/47)
- باب النهي عن بيع الدين بالدين ، وجوازه بالعين ممن هو عليه -
16 - -
- باب النهي المشتري عن بيع ما اشتراه قبل قبضه -
18 - -
- باب النهي عن بيع الطعام حتى تجري فيه الصاعان -
19 - -
- باب ما جاء في التفريق بين ذوي المحارم -
21 - -
- باب النهي أن يبيع حاضر لباد -
23 - -
- باب النهي عن النجش -
24 - -
- باب النهي عن بيع تلقي الركبان -
25 - -
- باب النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه ، وسومه إلا في المزايدة -
25 - -
- باب البيع بغير إشهاد -
27 - -
- أبواب بيع الأصول والثمار -
29 - -
- باب من باع نخلاً مؤبَّرا -
29 - -
- باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه -
29 - -
- باب الثمرة المشتراة تلحقها جائحة -
32 - -
- أبواب الشروط في البيع -
34 - -
- باب اشتراط منفعة المبيع ، وما في معناها -
34 - -
- باب النهي عن جمع شرطين من ذلك -
34 - -
- باب من اشترى عبدًا بشرط أن يعتقه -
36 - -
- باب أن من شرط الولاء ، أو شرطًا فاسدًا لغا ، وصح العقد -
36 - -
- باب شرط السلامة من الغبن -
37 - -
- باب إثبات خيار المجلس -
40 - -
- أبواب الربا -
43 - -
- باب التشديد فيه -
43 - -
- باب ما يجري فيه الربا -
43 - -
- باب في أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل -
47 - -
- باب من باع ذهبًا وغيره بذهب -
48 - -
- باب مرد الكيل والوزن -
48 - -
- باب النهي عن بيع كل رطب من حب أو تمر بيابسه -
48 - -
- باب الرخصة في بيع العرايا -
50 - -
- باب بيع اللحم بالحيوان -
52 - -
- باب جواز التفاضل والنسيئة في غير المكيل والموزون -
52 - -
- باب أن من باع سلعة بنسيئة لا يشتريها بأقل مما باعها -
53 - -
- باب من جاء في العينة -
54 - -
- باب ما جاء في الشبهات -
55 - -
- أبواب أحكام العيوب -
58 - -
- باب وجوب تبيين العيب -
58 - -
- باب أن الكسب الحادث لا يمنع الرد بالعيب -
59 - -
- باب ما جاء في المصراة -
60 - -(3/48)
- باب النهي عن التسعير -
63 - -
- باب ما جاء في الاحتكار -
63 - -
- باب النهي عن كسر سكة المسلمين إلا من بأس -
65 - -
- باب ما جاء في اختلاف المتبايعين -
66 - -
- كتاب السلم -
68 - -
- كتاب القرض -
72 - -
- باب فضيلته -
72 - -
- باب استقراض الحيوان ، والقضاء من الجنس فيه وفي غيره -
72 - -
- باب جواز الزيادة عند الوفاء والنهي عنها قبله -
73 - -
- كتاب الرهن -
75 - -
- كتاب الحوالة والضمان -
77 - -
- باب وجوب قبول الحوالة على المليء -
77 - -
- باب ضمان دين الميت المفلس -
77 - -
- باب في أن المضمون عنه إنما يبرأ بأداء الضامن لا بمجرد ضمانه -
78 - -
- باب في أن ضمان درك المبيع على البائع إذا خرج مستحقًا -
79 - -
- كتاب التفليس -
81 - -
- باب ملازمة المليء وإطلاق المعسر -
81 - -
- باب من وجد سلعة باعها من رجل عنده ، وقد أفلس -
82 - -
- باب الحجر على المدين ، وبيع ماله في قضاء دينه -
83 - -
- باب الحجر على المبذر -
84 - -
- باب علامات البلوغ -
84 - -
- باب ما يحل لولي اليتيم من ماله بشرط العمل والحاجة -
86 - -
- باب مخالطة الولي اليتيم في الطعام والشراب -
87 - -
- كتاب الصلح وأحكام الجواز -
88 - -
- باب جواز الصلح عن المعلوم والجهول ، والتحليل منها -
88 - -
- باب الصلح عن دم بأكثر من الدية ، وأقل -
92 - -
- باب ما جاء في وضع الخشب في جدار الجار ، وإن كره -
93 - -
- باب في الطريق إذا اختلفوا فيه ، كم يجعل -
95 - -
- باب إخراج ميازيب المطر إلى الشارع -
96 - -
- كتاب الشركة والمضاربة -
97 - -
- كتاب الوكالة -
101 - -
- باب ما يجوز التوكل فيه من العقود ، وإيفاء الحقوق ، وإخراج الزكاة وإقامة الحدود وغير ذلك -
101 - -
- باب من وكل في شراء شيء فاشترى بالثمن أكثر منه وتصرف في الزيادة -
103 - -
- باب من وكل في التصدق بمال ، فدفعه إلى ولد الموكل -
105 - -
- كتاب المساقاة والمزارعة -(3/49)
106 - -
- باب فساد العقد إذا شرط أحدهما لنفسه التبن أو بقعة بعينها ، ونحوه -
108 - -
- أبواب الإجارة -
111 - -
- باب ما يجوز الاستئجار عليه من النفع المباح -
111 - -
- باب ما جاء في كسب الحجام -
114 - -
- باب ما جاء في الأجرة على القرب -
116 - -
- باب النهي أن يكون النفع أو الأجر مجهولاً وجواز استئجار الأجير بطعامه وكسوته -
119 - -
- باب الاستئجار على العمل مياومة أو مشاهرة أو معاومة أو معاددة -
122 - -
- باب ما يذكر في عقد الإجارة بلفظ البيع -
123 - -
- باب الأجير على عمله متى يستحق الأجرة ؟ وحكم سراية عمله -
124 - -
- كتاب الوديعة والعارية -
125 - -
- كتاب إحياء الموات -
128 - -
- باب النهي عن منع فضل الماء -
130 - -
- باب الناس شركاء في ثلاث ، وشرب الأرض العليا قبل السفلى إذا قل الماء واختلفوا فيه -
131 - -
- باب الحمى لدواب بيت المال -
133 - -
- باب ما جاء في إقطاع المعادن -
134 - -
- باب إقطاع الأراضي -
135 - -
- باب الجلوس في الطرقات المتسعة ، للبيع ، وغيره -
137 - -
- باب من وجد دابة قد سيبها أهلها رغبة عنها -
137 - -
- كتاب الغضب والضمانات -
139 - -
- باب النهي عن جده وهزله -
139 - -
- باب إثبات غصب العقار -
140 - -
- باب تملك زرع الغاصب بنفقته ، وقلع غراسه -
141 - -
- باب ما جاء فيمن غصب شاة ، فذبحها ، وشواها أو طبخها -
143 - -
- باب ما جاء في ضمان المتلف بجنسه -
144 - -
- باب جناية البهيمة -
145 - -
- باب دفع الصائل ، وإن أدى إلى قتله ، وأن الموصول عليه يقتل شهيدًا -
141487 - -
- باب في أن الدفع لا يلزم الموصل عليه ، ويلزم الغير مع القدرة -
149 - -
- باب ما جاء في كسر أواني الخمر -
149 - -
- كتاب الشفعة -
150 - -
- كتاب اللقطة -
155 - -
- كتاب الهبة والهدية -
158 - -
- باب افتقارها إلى القبول والقبض وأنه على ما يتعارفه الناس -
158 - -(3/50)
- باب ما جاء في قبول هدايا الكافر ، والإهداء لهم -
161 - -
- باب الثوب على الهدية ، والهبة -
162 - -
- باب التعديل بيت الأود في العطية والنهي أن يرجع أحد في عطيته إلا الوالد -
163 - -
- باب ما جاء في أخذ الوالد من ماله ولده -
165 - -
- باب ما جاء في العمرى والرقبى -
167 - -
- باب ما جاء في تصرف المرأة في مالها زوجها -
169 - -
- باب ما جاء في تبرع العبد -
172 - -
- كتاب الوقف -
174 - -
- باب وقف المشاع والمنقول -
175 - -
- باب من وقف ، أو تصدق على أقربائه ، أو وصى لهم من يدخل فيه ؟ -
177 - -
- باب أن الوقف على الولد يدخل فيه ولد الوالد بالقرينة لا بالإطلاق -
178 - -
- باب ما يصنع بفاضل مال الكعبة -
180 - -
- كتاب الوصايا -
181 - -
- باب الحث على الوصايا ، والنهي عن الحيف فيها وفضيلة التنجيز حال الحياة -
181 - -
- باب ما جاء في كراهة مجاوزة الثلث ، والإيصاء للوارث -
183 - -
- باب في أن تبرعات المريض من الثلث -
185 - -
- باب وصية الحربي ، إذا اسلم ورثته ، هل يجب تنفيذها ؟ -
186 - -
- باب الإيصاء بما تدخله النيابة من خلافة وعتاقة ومحاكمة في نسب وغير ذلك -
187 - -
- باب وصية من لا يعيش مثله -
188 - -
- باب أن ولي الميت يقضي دينه إذا علم صحته -
191 - -
- كتاب الفرائض -
193 - -
- باب البداية بذوي الفرائض ، وإعطاء العصبة ما بقي -
194 - -
- باب سقوط ولد الأب بالإخوة من الأبوين -
196 - -
- باب الأخوات مع البنات عصبة -
196 - -
- باب ما جاء في ميراث الجدة والجد -
197 - -
- باب ما جاء في ذوي الأرحام والموالي من أسفل ومن أسلم على يد رجل وغير ذلك -
199 - -
- باب ميراث ابن الملاعنة والزانية منهما وميراثهما منه وانقطاعه من الأب -
201 - -
- باب ميراث الحمل -
202 - -
- باب الميراث بالولاء -
203 - -
- باب النهي عن بيع الولاء وهبته ، وما جاء في السائبة -
205 - -(3/51)
- باب الولاء ، هل يورث أو يورث به ؟ -
206 - -
- باب ميراث المعتق بعضه -
208 - -
- باب امتناع الإرث بالخلاف الدين وحكم من أسلم على ميراث قبل أن يقسم -
209 - -
- باب أن القاتل لا يرث وأن دية المقتول لجميع ورثته من زوجة وغيرها -
211 - -
- باب في أن الأنبياء لا يورثون -
212 - -
- كتاب العتق -
214 - -
- باب الحث عليه -
214 - -
- باب من أعتق عبداً وشرط عليه خدمه -
216 - -
- باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم -
216 - -
- باب أن من مثل بعبد عتق عليه -
218 - -
- باب من أعتق شركًا له في عبد -
219 - -
- باب التدبير -
221 - -
- باب المكاتب -
222 - -
- باب ما جاء في أم الولد -
226 - -
- كتاب النكاح -
230 - -
- باب الحث عليها وكراهة تركه للقادر عليه -
230 - -
- باب صفة المرأة التي يستحب خطبتها -
232 - -
- باب خطبة المجبرة إلى وليها ، والرشد إلى نفسها -
233 - -
- باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه -
234 - -
- باب التعرض بالخطبة في العدة -
235 - -
- باب النظر إلى المخطوبة -
236 - -
- باب النهي عن الخلوة بالأجنبية والأمر بغض البصر والعفو عن نظرة الفجاءة -
237 - -
- باب أن المرأة عورة إلا الوجه والكفين وأن عبدها كمحرمها في نظر ما يبدو منها غالبًا -
239 - -
- باب في غير أولى الأربة -
240 - -
- باب في نظر المرأة إلى الرجل -
242 - -
- باب لا نكاح إلا بولي -
243 - -
- باب ما جاء في الإجبار والاستئمار -
244 - -
- باب الابن يزوج أمه -
248 - -
- باب العضل -
248 - -
- باب الشهادة في النكاح -
249 - -
- باب ما جاء في الكفاءة في النكاح -
250 - -
- باب استحباب الخطبة للنكاح وما يدعى به للمتزوج -
252 - -
- باب ما جاء في الزوجين يوكلان واحدًا في العقد -
253 - -
- باب ما جاء في نكاح المتعة وبيان نسخه -
254 - -
- باب نكاح المحلل -
257 - -
- باب نكاح الشغار -
257 - -(3/52)
- باب الشروط في النكاح وما نهى عنه منها -
259 - -
- باب نكاح الزاني والزانية -
260 - -
- باب عن الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها -
261 - -
- باب العدد المباح للحر والعبد ، وما خص به النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك -
262 - -
- باب العبد يتزوج بغير إذن سيده -
263 - -
- باب الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد -
264 - -
- باب من أعتق أمة ثم تزوجها -
265 - -
- باب ما يذكر في رد المنكوحة بالعيب -
267 - -
- أبواب أنكحة الكفار -
270 - -
- باب ذكر أنكحة الكفار وإقرار عليها -
270 - -
- باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع -
274 - -
- باب الزوجين الكافرين يسلم أحدهما قبل الآخر -
272 - -
- باب المرأة تسبى وزوجها بدار الشرك -
274 - -
- كتاب الصداق -
276 - -
- باب جواز التزويج على القليل والكثير واستحباب القصد فيه -
276 - -
- باب جعل تعليم القرآن صداقًا -
278 - -
- باب من تزوج ولم يسم صداقًا -
279 - -
- باب تقدمة شيء من المهر قبل الدخول والرخصة في تركه -
280 - -
- باب حكم هدايا الزوج للمرأة وأوليائها -
281 - -
- كتاب الوليمة والبناء على النساء وعشرتهن -
282 - -
- باب استحباب الوليمة بالشلة فأكثر وجواز بدونها -
282 - -
- باب إجابة الداعي -
283 - -
- باب ما يصنع إذا اجتمع الداعيان -
285 - -
- باب إجابة من قال لصاحبه ادع من لقيت وكحم الإجابة في اليوم الثاني والثالث -
285
- باب من دعي فرأى منكرًا فلينكره وإلا فليرجع -
286 - -
- باب حجة من كره النثار والانتهاب منه -
287 - -
- باب ما جاء في إجابة دعوة الختان -
288 - -
- باب بالدف واللهو في النكاح -
288 - -
- باب الأوقات التي يستحب فيها البناء على النساء وما يقول إذا زفت إليه -
290 - -
- باب ما يكره تزين النساء به وما لا يكره -
291 - -
- باب التسمية والتستر عند الجماع -
294 - -
- باب ما جاء في العزل -
295 - -(3/53)
- باب نهي الزوجين عن التحدث بما يجري حال الواقع -
297 - -
- باب النهي عن إتيان المرأة في دبرها -
298 - -
- باب إحسان العشرة وبيان حق الزوجين -
300 - -
- باب نهي المسافر أن يطرق أهله بقدومه ليلاً -
305 - -
- باب القسم للبكر والثيب الجديدتين -
306 - -
- باب ما يجب فيه التعديل بين الزوجات وما لا يجب -
307 - -
- باب المرأة تهب يومها لضرتها أو تصالح الزوج على إسقاطه -
309 - -
- كتاب الطلاق -
311 - -
- باب جوازه للحاجة وكراهته مع عدمها وطاعة الوالد فيه -
311 - -
- باب النهي عن الطلاق في الحيض وفي الطهر بعد أن يجامعها ما لم يبن حملها -
312 - -
- باب ما جاء في طلاق البتة وجمع الثلاث واختيار تفريقها -
314 - -
- باب ما جاء في كلام الهازل والمكره والسكران بالطلاق وغيره -
319 - -
- باب ما جاء في طلاق العبد -
321 - -
- باب من علق الطلاق قبل النكاح -
323 - -
- باب الطلاق بالكنايات إذا نواه بها وغيره ذلك -
323 - -
- كتاب الخلع -
329 - -
- كتاب الرجعة والإباحة للزوج الأول -
332 - -
- كتاب الإيلاء -
335 - -
- كتاب الظهار -
337 - -
- باب من حرم زوجته أو أمه -
340 - -
- كتاب اللعان -
343 - -
- باب لا يجتمع المتلاعنان أبدًا -
345 - -
- باب إيجاد الحد بقذف الزوج وأن اللعان يسقطه -
346 - -
- باب من قذف زوجته برجل سماه -
347 - -
- باب في أن اللعان يمين -
347 - -
- باب ما جاء في اللعان على الحمل والاعتراف به -
348 - -
- باب الملاعنة بعد الوضع لقذف قبله وإن شهد الشبه لأحدها -
349 - -
- باب ما جاء في قذف الملاعنة وسقوط نفقتها -
350 - -
- باب النهي أن يقذف زوجته لأن ولدت ما يخالف لونها -
350 - -
- باب أن الولد للفراش دون الزاني -
351 - -
- باب الشركاء يطئون الأمة في طهر واحد -
352 - -
- باب الحجة في العمل بالقافة -
353 - -
- باب حد القذف -
354 - -
- باب أن من أقر بالزنا بامرأة لا يكون قاذفًا لها -(3/54)
355 - -
- كتاب العدد -
357 - -
- باب أن عدة الحامل بوضع الحمل -
357 - -
- باب الاعتداد بالأقراء وتفسيرها -
358 - -
- باب إحداد المعتدة -
359 - -
- باب ما تجتنب الحادة وما رخص لها فيه -
361 - -
- باب أين تعتد المتوفى عنها -
364 - -
- باب ما جاء في نفقة المبتوتة وسكناها -
365 - -
- باب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية -
368 - -
- باب استبراء الأمة إذا ملكت -
368 - -
- كتاب الرضاع -
372 - -
- باب عدد الرضعات المحرمة -
372 - -
- باب ما جاء في رضع الكبير -
374 - -
- باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب -
376 - -
- باب شهادة المرأة الواحدة بالرضاع -
377 - -
- باب ما يستحب أن تعطى المرضعة بعد الفطام -
378 - -
- كتاب النفقات -
379 - -
- باب نفقة الزوجة وتقديمها على نفقة الأقارب -
379 - -
- باب اعتبار حال الزوج في النفقة -
380 - -
- باب المرأة تنفق من مال الزوج بغير علمه إذا منعها الكفاية -
380 - -
- باب إثبات الفرقة للمرأة إذا تعذرت النفقة بإعسار ونحوه -
381 - -
- باب النفقة على الأقارب ومن يقدم منهم -
382 - -
- باب من أحق بكفالة الطفل -
383 - -
- باب نفقة الرقيق والرفق به -
387 - -
- باب نفقة البهائم -
388 - -
- كتاب الدماء -
390 - -
- باب إيجاب القصاص بالقتل العمد وأن مستحقه بالخيار بينه وبين الدية -
390 - -
- باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر والتشديد في قتل الذمي وما جاء في الحر بالعبد -
391 - -
- باب قتل الرجل بالمرأة والقتل بالمثل وهل يمثل بالقاتل إذا مثل أم لا ؟ -
395 - -
- باب ما جاء في شبه العمد -
396 - -
- باب من أمسك رجلاً وقتله آجر -
397 - -
- باب القصاص في كسر السن -
397 - -
- باب من عض يد رجل فانتزعها فسقطت ثنيته -
398 - -
- باب من اطلع من بيت قوم مغلق عليهم بغير أذنهم -
399 - -
- باب النهي عن الاقتصاص في الطرف قبل الاندمال -
400 - -(3/55)
- باب في أن الدم حق لجميع الورثة من الرجال والنساء -
400 - -
- باب فضل العفو عن الاقتصاص والشفاعة في ذلك -
401 - -
- باب ثبوت القصاص بالإقرار -
402 - -
- باب ثبوت القتل بشاهدين -
404 - -
- باب ما جاء في القسامة -
405 - -
- باب هل يستوفى القصاص والحدود في الحرام أم لا ؟ -
409 - -
- باب ما جاء في توبة القاتل والتشديد في القتل -
411 - -
- أبواب الديات -
416 - - ... بَابُ دِيَةِ النَّفْسِ وَأَعْضَائِهَا وَمَنَافِعِهَا ... 416 - -
- باب دين أهل الذمة -
419 - -
- باب دية المرأة في النفس وما دونها -
420 - -
- باب دية الجنين -
421 - -
- باب من قتل في المعترك من يظنه كافرًا ، فبان مسلمًا من أهل دار الإسلام -
422 - -
- باب ما جاء في مسالة الزبية والقتل بالسبب -
423 - -
- باب أجناس مال الدية وأسنان إبلها -
426 - -
- باب العاقلة وما تحمله -
428 - -
- كتاب الحدود -
432 - -
- باب ما جاء في رجم الزاني المحصن وجلد البكر وتغريبه -
432 - -
- باب رجم المحصن من أهل الكتاب وأن الإسلام ليس بشرط في الإحصان -
434 - -
- باب اعتبار تكرار الإقرار بالزنا أربعًا -
435 - -
- باب استفسار المقر بالزنا واعتبار تصريحه بما لا تردد فيه -
437 - -
- باب أن من أقر بحد ولم يسمه لا يحد -
438 - -
- باب ما يذكر في الرجوع عن الإقرار -
439 - -
- باب أن الحد لا يجب بالتهم وأنه يسقط بالشبهات -
440 - -
- باب من أقر أنه زنى بامرأة فجحدت -
441 - -
- باب الحث على إقامة الحد إذا ثبت والنهي الشفاعة فيه -
442 - -
- باب أن السنة بداية الشاهد بالرجم وبداية الإمام به إذا ثبت بالإقرار -
443 - -
- باب ما جاء في الحفر للمرجوم -
443 - -
- باب تأخير الرجم عن الحبلى تضع وتأخير الجلد عن ذي المرض المرجو زواله -
445 - -
- باب صفة سوط الجلد وكيف يجلد من به مرض لا يرجى برؤه -
447 - -(3/56)
- باب من وقع على ذات محرم أو عمِل عمَل قوم لوط أو أتى بهيمة -
448 - -
- باب فيمن وطئ جارية امرأته -
450 - -
- باب حد زنا الرقيق خمسون جلدة -
451 - -
- باب السيد يقيم الحد على رقيقه -
451 - -
- كتاب القطع في السرقة -
454 - -
- باب ما جاء في كم يقطع السارق ؟ -
454 - -
- باب اعتبار الحرز والقطع فيما يسرع إليه الفساد -
456 - -
- باب تفسير الحرز وأن المرجع فيه إلى العرف -
458 - -
- باب ما جاء في المختلس والمنتهب والخائن وجاد العارية -
459 - -
- باب القطع بالإقرار وأنه لا يكتفي فيه بالمرة -
461 - -
- باب حسم يد السارق إذا قطعت واستحباب تعليقها في عنقه -
462 - -
- باب ما جاء في السارق يوهب السرقة بعد وجوب القطع والشفع فيه -
462 - -
- باب في حد القطع وغيره هل يستوفى في دار الحرب أم لا ؟ -
464 - -
- كتاب حد شارب الخمر -
465 - -
- باب ما ورد في قتل الشارب في الرابعة وبيان نسخه -
468 - -
- باب من وجد منه سكر أو ريح خمر ولم يعترف -
469 - -
- باب ما جاء في قدر التعزير والحبس في التهم -
470 - -
- باب المحاربين وقطاع الطريق -
471 - -
- باب قتال الخوارج وأهل البغي -
473 - -
- باب الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والكف إقامة السيف -
476 - -
- باب ما جاء في حد الساحر وذم السحر والكهانة -
478 - -
- باب قتل من صرح بسب النبي - صلى الله عليه وسلم - دون من عرض -
483 - -
- باب أحكام الردة والإسلام -
485 - -
- باب قتل المرتد -
485 - -
- باب ما يصير به الكافر مسلمًا -
487 - -
- باب صحة الإسلام مع الشرط الفاسد -
489 - -
- باب تبع الطفل لأبويه في الكفر ولمن أسلم منهما في الإسلام وصحة إسلام المميز -
490 - -
- باب حكم أموال المرتدين وجناياتهم -
493 - -
- كتاب الجهاد والسير -
495 - -
- باب الحث على الجهاد وفضل الشهادة والرباط والحرس -
495 - -
- باب أن الجهاد فرض كفاية وأنه يشرع مع كل بر وفاجر -
497 - -(3/57)
- باب ما جاء في إخلاص النية في الجهاد وأخذ الأجر عليه والإعانة -
498 - -
- باب استئذان الأبوين في الجهاد -
500 - -
- باب لا يجاهد من عليه دين إلا برضاء غريمه -
502 - -
- باب ما جاء في الاستعانة بالمشركين -
503 - -
- باب ما جاء في مشاورة الإمام الجيش ونصحه لهم ورفقه بهم وأخذهم بما عليهم -
504 - -
- باب لزوم طاعة الجيش لأميرهم ما لم يأمر بمعصية -
506 - -
- باب الدعوة قبل القتال -
507 - -
- باب ما يفعله الإمام إذا أراد الغزو من كتمان حاله والتطلع إلى حال عدوه -
510 - -
- باب ترتيب السرايا والجيش واتخاذ الرايات وألوانها -
511 - -
- باب ما جاء في تشييع الغازي واستقباله -
512 - -
- باب جواز استصحاب النساء لمصلحة المرضى والجرحى والخدمة -
513 - -
- باب الأوقات التي يستحب فيها الخروج إلى الغزو والنهوض للقتال -
514 - -
- باب ترتيب الصفوف وجعل سيماه وشعار يعرف وكراهة رفع الصوت -
515 - -
- باب استحباب الخيلاء في الحرب -
516 - -
- باب الكف وقت الإغارة عمن عنده شعار الإسلام -
516 - -
- باب جواز تبييت الكفار ورميهم بالمنجنيق وإن أدى إلى قتل ذراريهم تبعًا -
517 - -
- باب الكف عن قصد النساء والصبيان والرهبان والشيخ الفاني بالقتل -
518 - -
- باب الكف عن المثلة والتحريق وقطع الشجر وهدم العمران إلا لحاجة ومصلحة -
519 - -
- باب تحريم الفرار من الزحف إذا لم يزد العدو على ضعف المسلمين إلا لمتحيز إلى فئة وإن بعدت -
521 - -
- باب من خشي الأسر فله أن يستأسر وله لأن يقاتل حتى يقتل -
522 - -
- باب الكذب في الحرب -
523 - -
- باب ما جاء في المبارزة -
524 - -
- باب من أحب الإقامة بموضع النصر ثلاثًا -
525 - -
- باب في أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين وأنها لم تكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - -
525 - -
- باب أن السلب للقاتل وأنه غير مخموس -
526 - -(3/58)
- باب التسوية بين القوي والضعيف ومن قاتل ومن لم يقاتل -
530 - -
- باب جواز تنفيل بعض الجيش لبأسه وغنائه أَوْ تَحَمُّلِهِ مَكْرُوهًا دُونَهُمْ -
532 - -
- بَابُ تَنْفِيل سَرِيَّةِ الْجَيْشِ عَلَيْهَ وَاشْتَرِاكهمَا فِي الْغَنَائِمِ -
533 - -
- باب بيان الصفي الذي كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسهمه مع غيبته -
535 - -
- باب من يرضخ له من الغنيمة -
536 - -
- باب الإسهام للفارس والراجل -
537 - -
- باب الإسهام لمن غيبه الأمير في مصلحة -
539 - -
- باب ما يذكر في الإسهام لتجار العسكر وأجرائهم -
540 - -
- باب ما جاء في المدد يلحق بعد تقضي الحروب -
540 - -
- باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم -
541 - -
- باب حكم أموال المسلمين إذا أخذها الكفار ثم أخذت منهم -
543 - -
- باب ما يجوز أخذه من نحو الطعام والعلف بغير قسمة -
544 - -
- باب أن الغنم تقسم بخلاف الطعام والعلف -
545 - -
- باب النهي عن الانتفاع بما يغنمه الغانم قبل أن يقسم إلا حالة الحرب -
546 - -
- باب ما يهدى للأمير والعامل أو يؤخذ من مباحات دار الحرب -
546 - -
- باب التشديد في الغلول وتحريق رحل الغال -
547 - -
- باب المن والفداء في حق الأسارى -
549 - -
- باب أن الأسير إذا أسلم لم يزل ملك المسلمين عنه -
552 - -
- باب الأسير يدعي الإسلام قبل الأسر وله شاهد -
553 - -
- باب جواز استرقاق العرب -
554 - -
- باب قتل الجاسوس إذا كان مستأمنًا أو ذميًا -
556 - -
- باب أن العبد الكافر إذا خرج إلينا مسلمًا فهو حر -
557 - -
- باب أن الحربي إذا أسلم قبل القدرة عليه أحرز أمواله -
558 - -
- باب حكم الأرضين المغنومة -
559 - -
- باب ما جاء في فتح مكة وهل هو عنوة أو صلح ؟ -
561 - -
- باب بقاء الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام وأن لا هجرة من دار أسلم أهلها -
565 - -
- أبواب الأمان والصلح والمهادنة -
568 - -(3/59)
- باب تحريم الدم بالأمان وصحته من الواحد -
568 - -
- باب ثبوت الأمان للكافر إذا كان رسولاً -
569 - -
- باب ما يجوز من شروط مع الكفار ومدة المهادنة وغير ذلك -
570 - -
- باب جواز مصالحة المشركين على المال وإن كان مجهولاً -
580 - -
- باب ما جاء فيمن سار نحو العدو في آخر مدة الصلح بغتة -
582 - -
- باب الكفار يحاصرون فينزلون على حكم رجل من المسلمين -
583 - -
- باب أخذ الجزية وعقد الذمة -
583 - -
- باب منع أهل الذمة من سكنى الحجاز -
587 - -
- باب ما جاء في بداءتهم بالتحية وعيادتهم -
589 - -
- باب قسمة خمس الغنيمة ومصرف الفيء -
590 - -
- أبواب السبق والرمي -
597 - -
- باب ما يجوز المسابقة عليه بعوض -
597 - -
- باب ما جاء في المحلل وآداب السبق -
598 - -
- باب الحث على الرمي -
600 - -
- باب النهي عن صبر البهائم وإخصائها والتحريش بينها ووسمها في الوجه -
602 - -
- باب ما يستحب ويكره من الخيل واختيار تكثير نسلها -
603 - -
- باب ما جاء في المسابقة على الأقدام والمصارعة واللعب بالحراب وغير ذلك -
605 - -
- باب تحريم القمار واللعب بالنرد وما في معنى ذلك -
606 - -
- باب ما جاء في آلة اللهو -
608 - -
- باب ضرب النساء بالدف لقدوم الغائب وما في معناه -
611 - -
- كتاب الأطعمة والصيد والذبائح -
613 - -
- باب في أن الأصل في الأعيان والأشياء الإباحة إلا أن يرد منع أو إلزام -
613 - -
- باب ما يباح من الحيوان الإنسي -
614 - -
- باب النهي عن الحمر الإنسية -
615 - -
- باب تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير -
617 - -
- باب ما جاء في الهر والقنفذ -
618 - -
- باب ما جاء في الضب -
619 - -
- باب ما جاء في الضبع والأرنب -
621 - -
- باب ما جاء في الجلالة -
622 - -
- باب ما استفيد تحريمه من الأمر بقتله أو النهي عن قتله -
623 - -
- أبواب الصيد -
628 - -(3/60)
- باب ما يجوز فيه اقتناء الكلب وقتل الكلب الأسود البهيم -
628 - -
- باب ما جاء في صيد الكلب المعلم والبازي ونحوهما -
629 - -
- باب ما جاء فيما إذا أكل الكلب من الصيد -
630 - -
- باب وجوب التسمية -
632 - -
- باب الصيد بالقوس وكم الرمية إذا غابت أو وقعت في ماء -
633 - -
- باب النهي عن الرمي بالبندق وما في معناه -
635 - -
- باب الذبح وما يجب وما يستحب -
636 - -
- باب ذكاة الجنين بذكاة أمه -
640 - -
- باب أن ما أبين من حي فهو ميتة -
640 - -
- باب ما جاء في السمك والجراد وحيوان البحر -
641 - -
- باب الميتة للمضطر -
643 - -
- باب النهي أن يؤكل طعام الإنسان بغير إذنه -
644 - -
- باب ما جاء من الرخصة في ذلك لابن السبيل إذا لم يكن ولم يتخذ خبنة -
646 - -
- باب ما جاء في الضيافة -
647 - -
- باب الأدهان تصيبها النجاسة -
648 - -
- باب آداب الأكل -
649 - -
- كتاب الأشربة -
655 - -
- باب تحريم الخمر ونسخ إباحتها المتقدمة -
655 - -
- باب ما يتخذ منه الخمر وأن كل مسكر حرام -
657 - -
- باب الأوعية المنهي عن الانتباذ فيها ونسخ تحريم ذلك -
662 - -
- باب ما جاء في الخليطين -
664 - -
- باب النهي عن تخليل الخمر -
666 - -
- باب شرب العصير ما لم يغل أو يأت عليه ثلاث وما طبخ قبل غليانه فذهب ثلثاه -
667 - -
- باب آداب الشراب -
668 - -
- أبواب الطب -
672 - -
- باب إباحة التداوي وتركه -
672 - -
- باب ما جاء في التداوي بالمحرمات -
674 - -
- باب ما جاء في الكي -
675 - -
- باب ما جاء في الحجامة وأوقاتها -
677 - -
- باب ما جاء في الرقى والتمائم -
679 - -
- باب الرقية من العين والاستغسال منها -
681 - -
- أبواب الإيمان وكفارتها -
684 - -
- باب الرجوع في الأيمان وغيرها من الكلام إلى النية -
684 - -
- باب من حلف فقال إن شاء الله -
685 - -
- باب من حلف لا يهدي هدية فتصدق -
686 - -(3/61)
- باب من حلف لا يأكل إدامًا بماذا يحنث ؟ -
686 - -
- باب أن من حلف أنه لا مال يتناول الزكاتي وغيره -
688 - -
- باب من حلف عند رأس الهلال لا يفعل شيئًا شهرًا فكان ناقصًا -
689 - -
- باب الحلف بأسماء الله وصفاته والنهي عن الحلف بغير الله تعالى -
689 - -
- باب ما جاء في وأيم الله ولعمر الله وأقسم بالله وغير ذلك -
691 - -
- باب الأمر بإبرار القسم والرخصة في تركه للعذر -
692 - -
- باب ما يذكر فيمن قال هو يهودي أو نصراني أن فعل كذا -
693 - -
- باب ما جاء في اليمين الغموس ولغو اليمين -
694 - -
- باب اليمين على المستقبل وتكفيرها قبل الحنث وبعده -
694 - -
- كتاب النذور -
697 - -
- باب نذر الطاعة مطلقًا ومعلقًا بشرط -
697 - -
- باب ما جاء في نذر الْمباح والمعصية وما أخرج مَخْرَجَ اليمين -
697 - -
- باب من نذر نذرًا لم يسمه أو لا يطيقه -
699 - -
- باب من نذر وهو مشرك ثم أسلم أو نذر ذبحًا في موضع معين -
701 - -
- باب ما يذكر فيمن نذر الصدقة بماله كله -
702 - -
- باب ما يجزئ من عليه عتق رقبة مؤمنة بنذر أو غيره -
703 - -
- باب أن من نذر الصلاة في المسجد الأقصى أجزأه أن يصلي في مسجد مكة والمدينة -
704 - -
- باب قضاء كل المنذورات عن الميت -
705 - -
- كتاب الأقضية والأحكام -
707 - -
- باب وجوب نصب ولاية القضاء والإمارة وغيرهما -
707 - -
- باب كراهية الحرص على الولاية وطلبها -
707 - -
- باب التشديد في الولايات وما يخشى على من لم يقم بحقها دون القائم به -
708 - -
- باب المنع من ولاية المرأة والصبي ومن لا يحسن القضاء أو يضعف عن القيام بحقه -
711 - -
- باب تعليق الولاية بالشرط -
713 - -
- باب نهي الحاكم عن الرشوة واتخاذ حاجب لبابه في مجلس حكمه -
716 - -
- باب ما يلزم اعتماده من أمانة الوكلاء والأعوان -
715 - -
- باب النهي عن الحكم في حالة الغضب إلا أن يكون يسيرًا لا يشغل -
716 - -(3/62)
- باب جلوس الخصمين بين يدي الحاكم ، والتسوية بينهما -
718 - -
- باب ملازمة الغريم إذا ثبت عليه الحق وإعداء الذمي على المسلم -
719 - -
- باب الحاكم يشفع للخصم ويستوضع له -
720 - -
- باب أن حكم الحاكم ينفذ ظاهرًا لا باطنًا -
721 - -
- باب ما يذكر في ترجمة الواحد -
721 - -
- باب الحكم بالشاهد واليمين -
722 - -
- باب ما جاء في امتناع الحاكم من الحكم بعلمه -
723 - -
- باب من لا يجوز الحكم بشهادته -
725 - -
- باب ما جاء في شهادة أهل الذمة بالوصية في السفر -
727 - -
- باب الثناء على من أعلم صاحب الحق بشهادة له عنده وذم من أدى شهادة من غير مسألة -
729 - -
- باب التشديد في شهادة الزور -
730 - -
- باب تعارض البينتين والدعوتين -
731 - -
- باب استحلاف المنكر إذا لم تكن بينة وأنه ليس للمدعي الجمع بينهما -
733 - -
- باب استحلاف المدعى عليه في الأموال والدماء وغيرهما -
734 - -
- باب التشديد في اليمين الكاذبة -
735 - -
- باب الاكتفاء في اليمين بالحلف بالله وجواز تغليظها باللفظ والمكان والزمان -
736 - -
- باب ذم من حلف قبل أن يستحلف -
738
-
تم كتاب بستان الأحبار ولله الحمد والمنة(3/63)