السلام بينكم قال بن العربي فيه أن من فوائد افشاء السلام حصول المحبة بين المتسالمين وكان ذلك لما فيه من ائتلاف الكلمة لتعم المصلحة بوقوع المعاونة على إقامة شرائع الدين وإخزاء الكافرين وهي كلمة إذا سمعت أخلصت القلب الواعي لها عن النفور إلى الإقبال على قائلها وعن عبد الله بن سلام رفعه أطعموا الطعام وأفشوا السلام الحديث وفيه تدخلوا الجنة بسلام أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الترمذي والحاكم وللأولين وصححه بن حبان من حديث عبد الله بن عمرو رفعه اعبدوا الرحمن وأفشوا السلام الحديث وفيه تدخلوا الجنان والأحاديث في إفشاء السلام كثيرة منها عند البزار من حديث الزبير وعند أحمد من حديث عبد الله بن الزبير وعند الطبراني من حديث بن مسعود وأبي موسى وغيرهم ومن الأحاديث في إفشاء السلام ما أخرجه النسائي عن أبي هريرة رفعه إذا قعد أحدكم فليسلم وإذا قام فليسلم فليست الأولى أحق من الآخرة وأخرج بن أبي شيبة من طريق مجاهد عن بن عمر قال إن كنت لأخرج إلى السوق ومالي حاجة إلا أن أسلم ويسلم علي وأخرج البخاري في الأدب المفرد من طريق الطفيل بن أبي بن كعب عن بن عمر نحوه لكن ليس فيها شيء على شرط البخاري فاكتفى بما ذكره من حديث البراء واستدل بالأمر بافشاء السلام على أنه لا يكفي السلام سرا بل يشترط الجهر وأقله أن يسمع في الإبتداء وفي الجواب ولا تكفي الإشارة باليد ونحوه وقد أخرج النسائي بسند جيد عن جابر رفعه لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف ويستثنى من ذلك حالة الصلاة فقد وردت أحاديث جيدة أنه صلى الله عليه وسلم رد السلام وهو يصلي إشارة منها حديث أبي سعيد أن رجلا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فرد عليه إشارة ومن حديث بن مسعود نحوه وكذا من كان بعيدا بحيث لا يسمع التسليم يجوز السلام عليه إشارة ويتلفظ مع ذلك بالسلام وأخرج بن أبي شيبة عن عطاء قال يكره السلام باليد ولا يكره بالرأس(7/40)
وقال بن دقيق العيد استدل بالأمر بافشاء السلام من قال بوجوب الابتداء بالسلام وفيه نظر إذ لا سبيل إلى القول بأنه فرض عين على التعميم من الجانبين وهو أن يجب على كل أحد أن يسلم على كل من لقيه لما في ذلك من الحرج والمشقة فإذا سقط من جانبي العمومين سقط من جانبي الخصوصين إذ لا قائل يجب على واحد دون الباقين ولا يجب السلام على واحد دون الباقين قال وإذا سقط على هذه السورة لم يسقط الإستحباب لأن العموم بالنسبة إلى كلا الفريقين ممكن انتهى وهذا البحث ظاهر في حق من قال أن ابتداء السلام فرض عين وأما من قال فرض كفاية فلا يرد عليه إذا قلنا أن فرض الكفاية ليس واجبا على واحد بعينه قال ويستثنى من الإستحباب من ورد الأمر بترك ابتدائه بالسلام كالكافر قلت ويدل عليه قوله في الحديث المذكور قبل إذا فعلتموه تحاببتم والمسلم مأمور بمعاداة الكافر فلا يشرع له فعل ما يستدعي محبته ومواددته وسيأتي البحث في ذلك في باب التسليم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين وقد اختلف أيضا في مشروعية السلام على الفاسق وعلى الصبي وفي سلام الرجل على المرأة وعكسه وإذا جمع المجلس كافرا ومسلما هل يشرع السلام مراعاة لحق المسلم أو يسقط من أجل الكافر وقد ترجم المصنف لذلك كله وقال النووي يستثنى من العموم بابتداء السلام من كان مشتغلا بأكل أو شرب أو جماع أو كان في الخلاء أو الحمام أو نائما أو ناعسا أو مصليا أو مؤذنا ما دام متلبسا بشيء مما ذكر فلو لم تكن اللقمة في فم الآكل مثلا شرع السلام عليه ويشرع في حق المتبايعين وسائر المعاملات واحتج له بن دقيق العيد بأن الناس غالبا يكونون في أشغالهم فلو روعى ذلك لم يحصل امتثال الإفشاء(7/41)
وقال بن دقيق العيد احتج من منع السلام على من في الحمام بأنه بيت الشيطان وليس موضع التحية لاشتغال من فيه بالتنظيف قال وليس هذا المعنى بالقوي في الكراهة بل يدل على عدم الإستحباب قلت وقد تقدم في كتاب الطهارة من البخاري إن كان عليهم إزار فيسلم وإلا فلا وتقدم البحث فيه هناك وقد ثبت في صحيح مسلم عن أم هاني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل وفاطمة تستره فسلمت عليه الحديث قال النووي وأما السلام حال الخطبة في الجمعة فيكره للأمر بالإنصات فلو سلم لم يجب الرد عند من قال الإنصات واجب ويجب عند من قال أنه سنة وعلى الوجهين لا ينبغي أن يرد أكثر من واحد وأما المشتغل بقراءة القرآن فقال الواحدي الأولى ترك السلام عليه فإن سلم عليه كفاه الرد بالإشارة وإن رد لفظا استأنف الإستعاذة وقرأ قال النووي وفيه نظر والظاهر أنه يشرع السلام عليه ويجب عليه الرد ثم قال وأما من كان مشتغلا بالدعاء مستغرقا فيه مستجمع القلب فيحتمل أن يقال هو كالقارئ والأظهر عندي أنه يكره السلام عليه لأنه يتنكد به ويشق عليه أكثر من مشقة الأكل وأما الملبي في الإحرام فيكره أن يسلم عليه لأن قطعه التلبيه مكروه ويجب عليه الرد مع ذلك لفظا أن لو سلم عليه قال ولو تبرع واحد من هؤلاء برد السلام ان كان مشتغلا بالبول ونحوه فيكره وان كان آكلا ونحوه فيستحب في الموضع الذي لا يجب وان كان مصليا لم يجز أن يقول بلفظ المخاطبة كعليك السلام أو عليك فقط فلو فعل بطلت أن علم التحريم لا إن جهل في الأصح فلو أتى بضمير الغيبة لم تبطل ويستحب أن يرد بالإشارة وإن رد بعد فراغ الصلاة لفظا فهو أحب وإن كان مؤذنا أو ملبيا لم يكره له الرد لفظا لأنه قدر يسير لا يبطل الموالاة وقد تعقب والدي رحمه الله في نكته على الأذكار ما قاله الشيخ في القارئ لكونه يأتي في حقه نظير ما أبداه هو في الداعي لأن القارئ قد يستغرق فكره في تدبر معاني ما يقرؤه ثم اعتذر عنه بأن الداعي يكون(7/42)
مهتما بطلب حاجته فيغلب عليه التوجه طبعا والقارئ إنما يطلب منه التوجه شرعا فالوساوس مسلطة عليه ولو فرض أنه يوفق للحالة العلية فهو على ندور أنتهي ولا يخفى أن التعليل الذي ذكره الشيخ من تنكد الداعي يأتي نظيره في القارئ وما ذكره الشيخ في بطلان الصلاة إذا رد السلام بالخطاب ليس متفقا عليه فعن الشافعي نص في أنه لا تبطل لأنه لا يريد حقيقة الخطاب بل الدعاء وإذا عذرنا الداعي والقارئ بعدم الرد فرد بعد الفراغ كان مستحبا وذكر بعض الحنفية أن من جلس في المسجد للقراءة أو التسبيح أو لانتظاره الصلاة لا يشرع السلام عليهم وإن سلم عليهم لم يجب الجواب قال وكذا الخصم إذا سلم على القاضي لا يجب عليه الرد وكذلك الأستاذ إذا سلم عليه تلميذه لا يجب الرد عليه كذا قال وهذا الأخير لا يوافق عليه ويدخل في عموم إفشاء السلام السلام على النفس لمن دخل مكانا ليس فيه أحد لقوله تعالى {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم} الآية وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي شيبة بسند حسن عن بن عمر فيستحب إذا لم يكن أحد في البيت أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وأخرج الطبري عن بن عباس ومن طريق كل من علقمة وعطاء ومجاهد نحوه ويدخل فيه من مر على من ظن أنه إذا سلم عليه لا يرد عليه فإنه يشرع له السلام ولا يتركه لهذا الظن لأنه قد يخطىء قال النووي وأما قول من لا تحقيق عنده أن ذلك يكون سببا لتأثيم الآخر فهو غباوة لأن المأمورات الشرعية لا تترك بمثل هذا ولو أعلمنا هذا لبطل إنكار كثير من المنكرات قال وينبغي لمن وقع له ذلك أن يقول له بعبارة لطيفة رد السلام واجب فينبغي أن ترد ليسقط عنك الفرض وينبغي إذا تمادى على الترك أن يحلله من ذلك لأنه حق آدمي ورجح بن دقيق العيد في شرح الإلمام المقالة التي زيفها النووي بأن مفسدة توريط المسلم في المعصية أشد من ترك مصلحة السلام عليه ولا سيما وامتثال الافشاء قد حصل مع غيره(7/43)
قوله باب السلام للمعرفة وغير المعرفة أي من يعرفه المسلم ومن لا يعرفه أي لا يخص بالسلام من يعرفه دون من لا يعرفه وصدر الترجمة لفظ حديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن بن مسعود أنه مر برجل فقال السلام عليك يا أبا عبد الرحمن فرد عليه ثم قال إنه سيأتي على الناس زمان يكون السلام فيه للمعرفة وأخرجه الطحاوي والطبراني والبيهقي في الشعب من وجه آخر عن بن مسعود مرفوعا ولفظه إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه وأن لا يسلم إلا على من يعرفه ولفظ الطحاوي ان من أشراط الساعة السلام للمعرفة ثم ذكر فيه حديثين أحدهما حديث عبد الله بن عمرو(7/44)
- قوله حدثني يزيد هو بن أبي حبيب كما ذكر في رواية قتيبة عن الليث في كتاب الإيمان قوله عن أبي الخير هو مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة وآخره دال مهملة والإسناد كله مصريون وقد تقدم شرح الحديث في أوائل كتاب الإيمان قال النووي معنى قوله على من عرفت ومن لم تعرف تسلم على من لقيته ولا تخص ذلك بمن تعرف وفي ذلك إخلاص العمل لله واستعمال التواضع وافشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة قلت وفيه من الفوائد أنه لو ترك السلام على من لم يعرف احتمل أن يظهر أنه من معارفه فقد يوقعه في الاستيحاش منه قال وهذا العموم مخصوص بالمسلم فلا يبتدىء السلام على كافر قلت قد تمسك به من أجاز ابتداء الكافر بالسلام ولا حجة فيه لأن الأصل مشروعية السلام للمسلم فيحمل قوله من عرفت عليه وأما من لم تعرف فلا دلالة فيه بل ان عرف أنه مسلم فذاك وإلا فلو سلم احتياطا لم يمتنع حتى يعرف أنه كافر وقال بن بطال في مشروعية السلام على غير المعرفة استفتاح المخاطبة للتأنيس ليكون المؤمنون كلهم أخوة فلا يستوحش أحد من أحد وفي التخصيص ما قد يوقع في الإستيحاش ويشبه صدود المتهاجرين المنهي عنه وأورد الطحاوي في المشكل حديث أبي ذر في قصة إسلامه وفيه فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد صلى هو وصاحبه فكنت أول من حياه بتحية الإسلام قال الطحاوي وهذا لا ينافي حديث بن مسعود في ذم السلام للمعرفة لاحتمال أن يكون أبو ذر سلم على أبي بكر قبل ذلك أو لأن حاجته كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم دون أبي بكر قلت والإحتمال الثاني لا يكفي في تخصيص السلام وأقرب منه أن يكون ذلك قبل تقرير الشرع بتعميم السلام وقد ساق مسلم قصة إسلام أبي ذر بطولها ولفظه وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم الحجر وطاف بالبيت هو وصاحبه ثم صلى فلما قضى صلاته قال أبو ذر فكنت أول من حياه بتحية السلام فقال وعليك ورحمة الله الحديث وفي لفظ قال وصلى ركعتين خلف المقام(7/45)
فأتيته فإني لأول الناس حياه بتحية الإسلام فقال وعليك السلام من أنت وعلى هذا فيحتمل أن يكون أبو بكر توجه بعد الطواف إلى منزله ودخل النبي صلى الله عليه وسلم منزله فدخل عليه أبو ذر وهو وحده ويؤيده ما أخرجه مسلم وقد تقدم للبخاري أيضا في المبعث من وجه آخر عن أبي ذر في قصة إسلامه أنه قام يلتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه ويكره أن يسأل عنه فرآه علي فعرفه أنه غريب فاستتبعه حتى دخل به على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم الحديث الثاني حديث أبي أيوب لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه الحديث تقدم شرحه في كتاب الأدب مستوفى وهو متعلق بالركن الأول من الترجمة
=
- حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان: فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).(7/46)
- قوله عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب هكذا اتفق أصحاب الزهري وخالفهم عقيل فقال عن عطاء بن يزيد عن أبي وخالفهم كلهم شبيب بن سعيد عن يونس عنه فقال عن عبيد الله أو عبد الرحمن عن أبي بن كعب قال إبراهيم الحربي أما شبيب فلم يضبط سنده وقد ضبطه بن وهب عن يونس فساقه على الصواب أخرجه مسلم وأما عقيل فلعله سقط عليه لفظ أيوب فصار عن أبي فنسبه من قبل نفسه فقال بن كعب فوهم في ذلك قوله فوق ثلاث ظاهره إباحة ذلك في الثلاث وهو من الرفق لأن الآدمي في طبعه الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك والغالب أنه يزول أو يقل في الثلاث قوله فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام زاد الطبري من طريق أخرى عن الزهري يسبق إلى الجنة ولأبي داود بسند صحيح من حديث أبي هريرة فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه فإن رد عليه فقد اشتركا في الأجر وأن لم يرد عليه فقد باء بالإثم وخرج المسلم من الهجرة ولأحمد والمصنف في الأدب المفرد وصححه بن حبان من حديث هشام بن عامر فإنهما ناكثان عن الحق ما داما على صرامهما وأولهما فيئا يكون سبقه كفارة فذكر نحو حديث أبي هريرة وزاد في آخره فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعا قوله وخيرهما الذي يبدأ بالسلام قال أكثر العلماء نزول الهجرة بمجرد السلام ورده وقال أحمد لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أولا وقال أيضا ترك الكلام ان كان يؤذيه لم تنقطع الهجرة بالسلام وكذا قال بن القاسم وقال عياض إذا اعتزل كلامه لم تقبل شهادته عليه عندنا ولو سلم عليه يعني وهذا يؤيد قول بن القاسم قلت ويمكن الفرق بأن الشهادة يتوقى فيها وترك المكالمة يشعر بأن في باطنه عليه شيئا فلا تقبل شهادته عليه وأما زوال الهجرة بالسلام عليه بعد تركه ذلك في الثلاث فليس بممتنع واستدل للجمهور بما رواه الطبراني من طريق زيد بن وهب عن بن مسعود في أثناء حديث موقوف وفيه ورجوعه أن يأتي فيسلم عليه واستدل بقوله أخاه على(7/47)
أن الحكم يختص بالمؤمنين وقال النووي لا حجة في قوله لا يحل لمسلم لمن يقول الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة لأن التقييد بالمسلم لكونه الذي يقبل خطاب الشرع وينتفع به وأما التقييد بالأخوة فدال على أن للمسلم أن يهجر الكافر من غير تقييد واستدل بهذه الأحاديث على أن من أعرض عن أخيه المسلم وامتنع من مكالمته والسلام عليه أثم بذلك لأن نفي الحل يستلزم التحريم ومرتكب الحرام آثم قال بن عبد البر أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة فإن كان كذلك جاز ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية وقد استشكل على هذا ما صدر من عائشة في حق بن الزبير قال بن التين إنما ينعقد النذر إذا كان في طاعة كلله علي أن أعتق أو أن أصلي وأما إذا كان في حرام أو مكروه أو مباح فلا نذر وترك الكلام يفضي إلى التهاجر وهو حرام أو مكروه وأجاب الطبري بأن المحرم إنما هو ترك السلام فقط وأن الذي صدر من عائشة ليس فيه أنها امتنعت من السلام على بن الزبير ولا من رد السلام عليه لما بدأها بالسلام وأطال في تقرير ذلك وجعله نظير من كانا في بلدين لا يجتمعان ولا يكلم أحدهما الآخر وليسا مع ذلك متهاجرين قال وكانت عائشة لا تأذن لأحد من الرجال أن يدخل عليها إلا بإذن ومن دخل كان بينه وبينها حجاب إلا إن كان ذا محرم منها ومع ذلك لا يدخل عليها حجابها إلا بإذنها فكانت في تلك المدة منعت بن الزبير من الدخول عليها كذا قال ولا يخفى ضعف المأخذ الذي سلكه من أوجه لا فائدة للاطالة بها والصواب ما أجاب به غيره أن عائشة رأت أن بن الزبير أرتكب بما قال أمرا عظيما وهو قوله لأحجرن عليها فإن فيه تنقيصا لقدرها ونسبة لها إلى ارتكاب ما لا يجوز من التبذير الموجب لمنعها من التصرف فيما رزقها الله تعالى مع ما انضاف إلى ذلك من كونها أم المؤمنين وخالته أخت أمه ولم يكن أحد عندها في منزلته كما تقدم(7/48)
التصريح به في أوائل مناقب قريش فكأنها رأت أن في ذلك الذي وقع منه نوع عقوق والشخص يستعظم ممن يلوذ به ما لا يستعظمه من الغريب فرأت أن مجازاته على ذلك بترك مكالمته كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه عقوبة لهم لتخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر ولم يمنع من كلام من تخلف عنها من المنافقين مؤاخذة الثلاثة لعظيم وازدراء بالمنافقين لحقارتهم فعلى هذا يحمل ما صدر من عائشة وقد ذكر الخطابي أن هجر الوالد ولده والزوج زوجته ونحو ذلك لا يتضيق بالثلاث واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهرا وكذلك ما صدر من كثير من السلف في استجازتهم ترك مكالمة بعضهم بعضا مع علمهم بالنهي عن المهاجرة ولا يخفى أن هنا مقامين أعلى وأدنى فالأعلى اجتناب الإعراض جملة فيبذل السلام والكلام والمواددة بكل طريق والأدنى الاقتصار على السلام دون غيره والوعيد الشديد إنما هو لمن يترك المقام الأدنى وأما الأعلى فمن تركه من الأجانب فلا يلحقه اللوم بخلاف الأقارب فإنه يدخل فيه قطيعة الرحم وإلى هذا أشار بن الزبير في قوله فإنه لا يحل لها قطيعتي أي ان كانت هجرتي عقوبة على ذنبي فليكن لذلك أمد وإلا فتأييد ذلك يفضي إلى قطيعة الرحم وقد كانت عائشة علمت بذلك لكنها تعارض عندها هذا والنذر الذي التزمته فلما وقع من اعتذار بن الزبير واستشفاعه ما وقع رجح عندها ترك الإعراض عنه واحتاجت إلى التكفير عن نذرها بالعتق الذي تقدم ذكره ثم كانت بعد ذلك يعرض عندها شك في أن التكفير المذكور لا يكفيها فتظهر الأسف على ذلك إما ندما على ما صدر منها من أصل النذر المذكور وإما خوفا من عاقبة ترك الوفاء به والله أعلم= ابن حجر
الياقوتة 32
- حدثنا عبد الله بن يوسف: حدثنا الليث قال: حدثني ابن شهاب، عن عروة، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه حدثه:(7/49)
أن رجلا من الأنصار، خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة، التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليه، فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: (اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك). فغضب الأنصاري فقال: أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر). فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}.
البخاري في كتاب المساقاة باب: سكر الأنهار
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله
قوله باب سكر الأنهار السكر بفتح المهملة سكون الكاف السد والغلق مصدر سكرت النهر إذا سددته وقال بن دريد أصله من سكرت الريح إذا سكن هبوبها(7/50)
- قوله عن عروة سيأتي بعد باب من رواية بن جريج عن بن شهاب عن عروة أنه حدثه قوله عن عبد الله بن الزبير أنه حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير هذا هو المشهور من رواية الليث بن سعد عن بن شهاب وقد رواه بن وهب عن الليث ويونس جميعا عن بن شهاب أن عروة حدثه عن أخيه عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام أخرجه النسائي وابن الجارود والإسماعيلي وكأن بن وهب حمل رواية الليث على رواية يونس وإلا فرواية الليث ليس فيها ذكر الزبير والله أعلم وأخرجه المصنف في الصلح من طريق شعيب عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن الزبير بغير ذكر عبد الله وقد أخرجه المصنف في الباب الذي يليه من طريق معمر عن بن شهاب عن عروة مرسلا وأعاده في التفسير من وجه آخر عن معمر وكذا أخرجه الطبري من طريق عبد الرحمن بن إسحاق حدثنا بن شهاب وأخرجه المصنف بعد باب من رواية بن جريج كذلك بالإرسال لكن أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن بن جريج كرواية شعيب التي ليس فيها عن عبد الله وذكر الدارقطني في العلل أن بن أبي عتيق وعمر بن سعد وفقا شعيبا وابن جريج على قولهما عروة عن الزبير قال وكذلك قال أحمد بن صالح وحرملة عن بن وهب قال وكذلك قال شبيب بن سعيد عن يونس قال وهو المحفوظ قلت وإنما صححه البخاري مع هذا الاختلاف اعتمادا على صحة سماع عروة من أبيه وعلى صحة سماع عبد الله بن الزبير من النبي صلى الله عليه وسلم فكيفما دار فهو على ثقة(7/51)
ثم الحديث ورد في شيء يتعلق بالزبير فداعية ولده متوفرة على ضبطه وقد وافقه مسلم على تصحيح طريق الليث التي ليس فيها ذكر الزبير وزعم الحميدي في جمعه أن الشيخين أخرجاه من طريق عروة عن أخيه عبد الله عن أبيه وليس كما قال فإنه بهذا السياق في رواية يونس المذكورة ولم يخرجها من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي وأشار إليها الترمذي خاصة وقد جاءت هذه القصة من وجه آخر أخرجها الطبري والطبراني من حديث أم سلمة وهي عند الزهري أيضا من مرسل سعيد بن المسيب كما سيأتي بيانه قوله أن رجلا من الأنصار زاد في رواية شعيب قد شهد بدرا وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند الطبري في هذا الحديث أنه من بني أمية بن زيد وهم بطن من الأوس ووقع في رواية يزيد بن خالد عن الليث عن الزهري عند بن المقري في معجمه في هذا الحديث أن اسمه حميد قال أبو موسى المديني في ذيل الصحابة لهذا الحديث طرق لا أعلم في شيء منها ذكر حميد إلا في هذا الطريق اه وليس في البدريين من الأنصار من اسمه حميد وحكى بن بشكوال في مبهماته عن شيخه أبي الحسن بن مغيث أنه ثابت بن قيس بن شماس قال ولم يأت على ذلك بشاهد قلت وليس ثابت بدريا وحكى الواحدي أنه ثعلبة بن حاطب الأنصاري الذي نزل فيه قوله تعالى ومنهم من عاهد الله ولم يذكر مستنده وليس بدريا أيضا نعم ذكر بن إسحاق في البدريين ثعلبة بن حاطب وهو من بني أمية بن زيد وهو عندي غير الذي قبله لأن هذا ذكر بن الكلبي أنه استشهد بأحد وذاك عاش إلى خلافة عثمان وحكى الواحدي أيضا وشيخه الثعلبي والمهدوي أنه حاطب بن أبي بلتعة وتعقب بأن حاطبا وإن كان بدريا لكنه من المهاجرين لكن مستند ذلك ما أخرجه بن أبي حاتم من طريق سعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية قال نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة اختصما في ماء الحديث وإسناده قوي مع إرساله فإن(7/52)
كان سعيد بن المسيب سمعه من الزبير فيكون موصولا وعلى هذا فيؤول قوله من الأنصار على إرادة المعنى الأعم كما وقع ذلك في حق غير واحد كعبد الله بن حذافة وأما قول الكرماني بأن حاطبا كان حليفا للأنصار ففيه نظر وأما قوله من بني أمية بن زيد فلعله كان مسكنه هناك كعمر كما تقدم في العلم وذكر الثعلبي بغير سند أن الزبير وحاطبا لما خرجا مرا بالمقداد قال لمن كان القضاء فقال حاطب قضى لابن عمته ولوى شدقه ففطن له يهودي فقال قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ويتهمونه وفي صحة هذا نظر ويترشح بأن حاطبا كان حليفا لآل الزبير بن العوام من بني أسد وكأنه كان مجاورا للزبير والله أعلم وأما قول الداودي وأبي إسحاق الزجاج وغيرهما أن خصم الزبير كان منافقا فقد وجهه القرطبي بأن قول من قال إنه كان من الأنصار يعني نسبا لا دينا قال وهذا هو الظاهر من حاله ويحتمل أنه لم يكن منافقا ولكن أصدر ذلك منه بادرة النفس كما وقع لغيره ممن صحت توبته وقوى هذا شارح المصابيح التوربشتي ووهى ما عداه وقال لم تجر عادة السلف بوصف المنافقين بصفة النصرة التي هي المدح ولو شاركهم في النسب قال بل هي زلة من الشيطان تمكن به منها عند الغضب وليس ذلك بمستنكر من غير المعصوم في تلك الحالة اه وقد قال الداودي بعد جزمه بأنه كان منافقا وقيل كان بدريا فإن صح فقد وقع ذلك قبل شهودها لانتفاء النفاق عمن شهدها اه وقد عرفت أنه لا ملازمة بين صدور هذه القضية منه وبين النفاق وقال بن التين أن كان بدريا فمعنى قوله لا يؤمنون لا يستكملون الإيمان والله أعلم قوله خاصم الزبير في رواية معمر خاصم الزبير رجلا المخاصمة مفاعلة من الجانبين فكل منهما مخاصم للآخر قوله في شراج الحرة بكسر المعجمة وبالجيم جمع شرج بفتح أوله وسكون الراء مثل بحر وبحار ويجمع على شروج أيضا وحكى بن دريد شرج بفتح الراء وحكى القرطبي شرجة والمراد بها هنا مسيل الماء وإنما أضيفت إلى الحرة لكونها فيها(7/53)
والحرة موضع معروف بالمدينة تقدم ذكرها وهي في خمسة مواضع المشهور منها اثنتان حرة وأقم وحرة ليلى وقال الداودي هو نهر عند الحرة بالمدينة فأغرب وليس بالمدينة نهر قال أبو عبيد كان بالمدينة واديان يسيلان بماء المطر فيتنافس الناس فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعلى فالأعلى قوله التي يسقون بها النخيل في رواية شعيب كانا يسقيان بها كلاهما قوله فقال الأنصاري يعني للزبير سرح فعل أمر من التسريح أي أطلقه وإنما قال له ذلك لأن الماء كان يمر بأرض الزبير قبل أرض الأنصاري فيحبسه لإكمال سقي أرضه ثم يرسله إلى أرض جاره فالتمس منه الأنصاري تعجيل ذلك فامتنع قوله أسق يا زبير بهمزة وصل من الثلاثي وحكى بن التين أنه يهمزة قطع من الرباعي تقول سقى وأسقى زاد بن جريج في روايته كما سيأتي بعد باب فأمره بالمعروف وهي جملة معترضة من كلام الراوي وقد أوضحه شعيب في روايته حيث قال في آخره وكان قد أشار على الزبير برأي فيه سعة له وللانصاري وضبطه الكرماني فأمره هنا بكسر الميم وتشديد الراء على أنه فعل أمر من الامرار وهو محتمل قوله أن كان بن عمتك بفتح همزة أن وهي للتعليل كأنه قال حكمت له بالتقديم لأجل أنه بن عمتك وكانت أم الزبير صفية بنت عبد المطلب وقال البيضاوي يحذف حرف الجر من أن كثيرا تخفيفا والتقدير لأن كان أو بأن كان ونحوه أن كان ذا مال وبنين أي لا تطعه لأجل ذلك وحكى القرطبي تبعا لعياض أن همزة أن ممدودة قال لأنه استفهام على جهة إنكار قلت ولم يقع لنا في الرواية مد لكن يجوز حذف همزة الاستفهام وحكى الكرماني إن كان بكسر الهمزة على أنها شرطية والجواب محذوف ولا أعرف هذه الرواية نعم وقع في رواية عبد الرحمن بن إسحاق فقال اعدل يا رسول الله وان كان بن عمتك والظاهر أن هذه بالكسر وابن بالنصب على الخبرية ووقع في رواية معمر في الباب الذي يليه أنه بن عمتك قال بن مالك يجوز في أنه بفتح الهمزة وكسرها لأنها وقعت بعد كلام(7/54)
تام معلل بمضمون ما صدر بها فإذا كسرت قدر ما قبلها بالفاء وإذا فتحت قدر ما قبلها اللام وبعضهم يقدر بعد الكلام المصدر بالمكسورة مثل ما قبلها مقرونا بالفاء فيقول في قوله مثلا اضربه انه مسيء اضربه انه مسيء فاضربه ومن شواهده ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ولم يقرأ هنا إلا بالكسر وإن جاز الفتح في العربية وقد ثبت الوجهان في قوله تعالى إنا كنا من قبل ندعوه أنه هو البر الرحيم قرأ نافع والكسائي أنه بالفتح والباقون بالكسر قوله فتلون أي تغير وهو كناية عن الغضب زاد عبد الرحمن بن إسحاق في روايته حتى عرفنا أن قد ساءه ما قال قوله حتى يرجع إلى الجدر أي يصير إليه والجدر بفتح الجيم وسكون الدال المهملة هو المسناة وهو ما وضع بين شربات النخل كالجدار وقيل المراد الحواجز التي تحبس الماء وجزم به السهيلي ويروي الجدر بضم الدال حكاه أبو موسى وهو جمع جدار وقال بن التين ضبط في أكثر الروايات بفتح الدال وفي بعضها بالسكون وهو الذي في اللغة وهو أصل الحائط وقال القرطبي لم يقع في الرواية إلا بالسكون والمعنى أن يصل الماء إلى أصول النخل قال ويروي بكسر الجيم وهو الجدار والمراد به جدران الشربات التي في أصول النخل فإنها ترفع حتى تصير تشبه الجدار والشربات بمعجمة وفتحات هي الحفر التي تحفر في أصول النخل وحكى الخطابي الجذر بسكون الذال المعجمة وهو جذر الحساب والمعنى حتى يبلغ تمام الشرب قال الكرماني المراد بقوله أمسك أي أمسك نفسك عن السقي ولوكان المراد أمسك الماء لقال بعد ذلك أرسل الماء إلى جارك قلت قد قالها في هذا الباب كما سيأتي في رواية معمر في التفسير حيث قال ثم أرسل الماء إلى جارك وصرح في رواية شعيب أيضا بقوله أحبس الماء والحاصل أن أمره بإرسال الماء كان قبل اعتراض الأنصاري وأمره بحبسه كان بعد ذلك قوله فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم زاد في رواية شعيب(7/55)
إلى قوله تسليما ووقع في رواية بن جريج الآتية فقال الزبير والله إن هذه الآية أنزلت في ذلك وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق ونزلت { (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) (النساء : 65 )} والراجح رواية الأكثر وأن الزبير كان يجزم بذلك لكن وقع في رواية أم سلمة عند الطبري والطبراني الجزم بذلك وأنها نزلت في قصة الزبير وخصمه وكذا في مرسل سعيد بن المسيب الذي تقدمت الإشارة إليه وجزم مجاهد والشعبي بأن الآية إنما نزلت فيمن نزلت فيه الآية التي قبلها وهي قوله تعالى{ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً) (النساء : 60 )} الآية فروى إسحاق بن راهويه في تفسيره بإسناد صحيح عن الشعبي قال كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فدعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه على علم أنه لا يقبل الرشوة ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم لأنه علم أنهم يأخذونها فانزل الله هذه الآيات إلى قوله{ ويسلموا تسليما} وأخرجه بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد نحوه وروى الطبري بإسناد صحيح عن بن عباس أن حاكم اليهود يومئذ كان أبا برزة الأسلي قبل أن يسلم ويصحب وروى بإسناد لآخر صحيح إلى مجاهد أنه كعب بن الأشرف وقد روى الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن بن عباس قال نزلت هذه الآية في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة فقال اليهودي انطلق بنا إلى محمد وقال المنافق بل نأتي كعب بن الأشرف فذكر القصة وفيه أن عمر قتل المنافق وأن ذلك سبب نزول هذه الآيات وتسمية عمر(7/56)
الفاروق وهذا الإسناد وأن كان ضعيفا لكن تقوى بطريق مجاهد ولا يضره الاختلاف لإمكان التعدد وأفاد الواحدي بإسناد صحيح عن سعيد عن قتادة أن اسم الأنصاري المذكور قيس ورجح الطبري في تفسيره وعزاه إلى أهل التأويل في تهذيبه أن سبب نزولها هذه القصة ليتسق نظام الآيات كلها في سبب واحد قال ولم يعرض بينها ما يقتضي خلاف ذلك ثم قال ولا مانع أن تكون قصة الزبير وخصمه وقعت في أثناء ذلك فيتناولها عموم الآية والله أعلم قوله قال محمد بن العباس قال أبو عبد الله ليس أحد يذكر عروة عن عبد الله إلا الليث فقط هكذا وقع في رواية أبي ذر عن الحموي وحده عن الفربري وهو القائل قال محمد بن العباس ومحمد بن العباس هو السلمي الأصبهاني وهو من أقران البخاري وتأخر بعده مات سنة ست وستين وأبو عبد الله هو البخاري المصنف وهو مصرح بتفرد الليث بذكر عبد الله بن الزبير في إسناده فإن أراد مطلقا ورد عليه ما أخرجه النسائي وغيره من طريق بن وهب عن الليث ويونس جميعا عن الزهري وأن أراد بقيد أنه لم يقل فيه عن أبيه بل جعله من مسند عبد الله بن الزبير فمسلم فإن رواية بن وهب فيها عن عبد الله عن أبيه كما تقدم بيانه في أول الباب وقد نقل الترمذي عن البخاري أن بن وهب روى عن الليث ويونس نحو رواية قتيبة عن الليث
ورواه مسلم- باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم في كتاب الفضائل
* حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث. ح وحدثنا محمد بن رمح. أخبرنا الليث عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير؛ أن عبدالله بن الزبير حدثه؛(7/57)
أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، في شراج الحرة التي يسقون بها النخل. فقال الأنصاري: سرح الماء يمر. فأبى عليهم. فاختصموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير "اسق. يا زبير! ثم أرسل الماء إلى جارك" فغضب الأنصاري. فقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك! فتلون وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال "يا زبير! اسق. ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر". فقال الزبير: والله! إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } -.
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله(7/58)
قوله: (شراج الحرة) بكسر الشين المعجمة وبالجيم هي مسايل الماء واحدها شرجة والحرة هي الأرض الملسة فيها حجارة سود. قوله: (سرح الماء) أي أرسله. قوله صلى الله عليه وسلم: "اسق يا زبير ثم ارسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله أن كان ابن عمتك فتلون وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر" أما قوله: (أن كان ابن عمتك) فهو بفتح الهمزة أي فعلت هذا لكونه ابن عمتك. وقوله: (تلون وجهه) أي تغير من الغضب لانتهاك حرمات النبوة وقبح كلام هذا الإنسان. وأما الجدر فبفتح الجيم وكسرها وبالدال المهملة وهو الجدار وجمع الجدار جدر ككتاب وكتب وجمع الجدر جدور كفلس وفلوس، ومعنى يرجع إلى الجدر أي يصير إليه، والمراد بالجدر أصل الحائط وقيل أصول الشجر والصحيح الأول، وقدره العلماء أن يرتفع الماء في الأرض كلها حتى يبتل كعب رجل الإنسان، فلصاحب الأرض الأولى التي تلي الماء أن يحبس الماء في الأرض إلى هذا الحد ثم يرسله إلى جاره الذي وراءه، وكان الزبير صاحب الأرض الأولى فأدل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اسق ثم ارسل الماء إلى جارك أي اسق شيئاً يسيراً دون قدر حقك ثم أرسله إلى جارك إدلالاً على الزبير ولعلمه بأنه يرضى بذلك ويؤثر الإحسان إلى جاره، فلما قال الجار ما قال أمره أن يأخذ جميع حقه، وقد سبق شرح هذا الحديث واضحاً في بابه. قال العلماء: ولو صدر مثل هذا الكلام الذي تكلم به الأنصاري اليوم من إنسان من نسبته صلى الله عليه وسلم إلى هوى كان كفراً وجرت على قائله أحكام المرتدين فيجب قتله بشرطه، قالوا: وإنما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان في أول الإسلام يتألف الناس ويدفع بالتي هي أحسن ويصبر على أذى المنافقين ومن في قلبه مرض ويقول: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا. ويقول: لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه وقد قال الله تعالى: {ولا تزال تطلع على(7/59)
خائنة منهم إلا قليلاً منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين} قال القاضي: وحكى الداودي أن هذا الرجل الذي خاصم الزبير كان منافقاً. وقوله في الحديث أنه أنصاري لا يخالف هذا لأنه كان من قبيلتهم لا من الأنصار المسلمين. وأما قوله في آخر الحديث فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الاَية نزلت فيه: {فلا وربك لا يؤمنون} الاَية فهكذا قال طائفة في سبب نزولها. وقيل نزلت في رجلين تحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم على أحدهما فقال: ارفعني إلى عمر بن الخطاب. وقيل في يهودي ومنافق اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرض المنافق بحكمه وطلب الحكم عند الكاهن، قال ابن جرير: يجوز أنها نزلت في الجميع والله أعلم
.
الياقوتة 42
- حدثنا أحمد بن محمد: أخبرنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير قال:
كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء، فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا، فلما رجعت قلت: يا أبت رأيتك تختلف؟ قال: أو هل رأيتني يا بني؟ قلت: نعم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم). فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: (فداك أبي وأمي).
أخرجه البخاري في كتاب قضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - باب مناقب الزبير بن العوام
ورواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل طلحة والزبير
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله(7/60)
قوله أنبأنا عبد الله هو بن المبارك قوله كنت يوم الأحزاب أي لما حاصرت قريش ومن معها المسلمين بالمدينة وحفر الخندق بسبب ذلك وسيأتي شرح ذلك في المغازي قوله وعمر بن أبي سلمة أي بن عبد الأسد ربيب النبي صلى الله عليه وسلم وأمه أم سلمة قوله في النساء في رواية علي بن مسهر عن هشام بن عروة عند مسلم في اطم حسان وله في رواية أبي أسامة عن هشام في الاطم الذي فيه النسوة يعني نسوة النبي صلى الله عليه وسلم وعنده في رواية علي بن مسهر المذكورة وكان يطأطىء لي مرة فأنظر وأطأطىء له مرة فينظر فكنت اعرف أبي إذا مر على فرسه في السلاح قوله يختلف الى بني قريظة أي يذهب ويجيء وفي رواية أبي أسامة عند الإسماعيلي مرتين أو ثلاثا قوله فلما رجعت قلت يا ابت رأيتك بين مسلم ان في هذه الرواية ادراجا فإنه ساقه من رواية علي بن مسهر عن هشام الى قوله الى بني قريظة قال هشام وأخبرني عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير قال فذكرت ذلك لأبي الى اخر الحديث ثم ساقه من طريق أبي أسامة عن هشام قال فساق الحديث نحوه ولم يذكر عبد الله بن عروة ولكن ادرج القصة في حديث هشام عن أبيه انتهى ويؤيده ان النسائي اخرج القصة الأخيرة من طريق عبدة عن هشام عن أخيه عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير عن أبيه والله اعلم قوله قال أو هل رأيتني يا بني قلت نعم فيه صحة سماع الصغير وانه لا يتوقف على أربع أو خمس لأن بن الزبير كان يومئذ بن سنتين واشهر أو ثلاث واشهر بحسب الاختلاف في وقت مولده وفي تاريخ الخندق فان قلنا انه ولد في أول سنة من الهجرة وكانت الخندق سنة خمس فيكون بن أربع واشهر وان قلنا ولد سنة اثنتين وكانت الخندق سنة أربع فيكون بن سنتين واشهر وان عجلنا إحداهما واخرنا الأخرى فيكون بن ثلاث سنين واشهر وسأبين الأصح من ذلك في كتاب المغازي ان شاء الله تعالى وعلى كل حال فقد حفظ من ذلك ما يستغرب حفظ مثله وقد تقدم البحث في ذلك في باب متى يصح سماع(7/61)
الصغير من كتاب العلم قوله جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه فقال فداك أبي وامي وسيأتي ما يعارضه في ترجمة سعد قريبا ووجه الجمع بينهما
باب: فضل الطليعة.
- حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يأتني بخبر القوم). يوم الأحزاب، قال الزبير: أنا، ثم قال: (من يأتيني بخبر القوم). قال الزبير: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لكل نبي حواريا، وحواري الزبير).
قوله باب فضل الطليعة أي من يبعث إلى العدو ليطلع على أحوالهم وهو اسم جنس يشمل الواحد فما فوقه وقد تقدم في كتاب الشروط في حديث المسور الطويل بيان ذلك قوله حدثنا سفيان هو الثوري قوله من يأتيني بخبر القوم يوم الأحزاب في رواية وهب بن كيسان عن جابر عند النسائي لما أشتد الأمر يوم بني قريظة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتينا بخبرهم الحديث وفيه أن الزبير توجه إلى ذلك ثلاث مرات ومنه يظهر المراد بالقوم في رواية بن المنكدر وسيأتي بيان ذلك في المغازي وأن الأحزاب من قريش وغيرهم لما جاءوا إلى المدينة وحفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق بلغ المسلمين أن بني قريظة من اليهود نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين ووافقوا قريشا على حرب المسلمين وسيأتي الكلام على شرح الحواري في المناقب إن شاء الله تعالى(7/62)
قوله باب هل يبعث الطليعة وحده ذكر فيه حديث جابر المذكور من رواية سفيان بن عيينة وقوله ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس قال صدقة أظنه يوم الخندق صدقة هو بن الفضل شيخ البخاري فيه وما ظنه هو الواقع فقد رواه الحميدي عن بن عيينة فقال فيه يوم الخندق ولم يشك وفي الحديث جواز استعمال التجسس في الجهاد وفيه منقبة للزبير وقوة قلبه وصحة يقينه وفيه جواز سفر الرجل وحده وأن النهي عن السفر وحده إنما هو حيث لا تدعو الحاجة إلى ذلك وسيأتي مزيد بحث في ذلك في أواخر الجهاد في باب السير وحده واستدل به بعض المالكية على أن طليعة اللصوص المحاربين يقتل وإن كان لم يباشر قتلا ولا سلبا وفي أخذه من هذا الحديث تكلف
*حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنْ وَكِيعٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاَهُمَا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ.
حدّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ وَ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ مُسْهِرٍ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ. قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، يَوْمَ الْخَنْدَقِ، مَعَ النّسْوَةِ. فِي أُطُمِ حَسّانَ. فَكَانَ يُطَأْطِئُ لِي مَرّةً فَأَنْظُرُ. وَأُطَأْطِئُ لَهُ مَرّةً فَيَنْظُرُ. فَكُنْتُ أَعْرِفُ أَبِي إِذَا مَرّ عَلَىَ فَرَسِهِ فِي السّلاَحِ، إِلَىَ بَنِي قُرَيْظَةَ.(7/63)
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَبِي. فَقَالَ: وَرَأَيْتَنِي يَا بُنَيّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا وَاللّهِ لَقَدْ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَئِذٍ، أَبَوَيْهِ. فَقَالَ: "فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي".
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ. قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ كُنْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي الأُطُمِ الّذِي فِيهِ النّسْوَةُ. يَعْنِي نِسْوَةَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُرْوَةَ فِي الْحَدِيثِ. وَلَكِنْ أَدْرَجَ الْقِصّةَ فِي حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الزّبَيْرِ.
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله
قوله: (عن عبد الله بن الزبير قال: كنت أنا وعمرو بن أبي سلمة يوم الخندق مع النسوة في أطم حسان فكان يطأطئ لي مرة فأنظر إلى آخره) الأطم بضم الهمزة والطاء الحصن وجمعه آطام كعنق وأعناق، قال القاضي: ويقال في الجمع أيضاً إطام بكسر الهمزة والقصر كآكام وإكام. وقوله: كان يطأطئ هو بهمز آخره ومعناه يخفض لي ظهره، وفي هذا الحديث دليل لحصول ضبط الصبي وتمييزه وهو ابن أربع سنين، فإن ابن الزبير ولد عام الهجرة في المدينة وكان الخندق سنة أربع من الهجرة على الصحيح فيكون له في وقت ضبطه لهذه القضية دون أربع سنين، وفي هذا رد على ما قاله جمهور المحدثين أنه لا يصح سماع الصبي حتى يبلغ خمس سنين، والصواب صحته متى حصل التمييز وإن كان ابن أربع أو دونها، وفيه منقبة لابن الزبير لجودة ضبطه لهذه القضية مفصلة في هذا السن والله أعلم.(7/64)
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعلي وعثمان وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" هكذا وقع في معظم النسخ بتقديم علي على عثمان، وفي بعضها بتقديم عثمان على علي كما وقع في الرواية الثانية باتفاق النسخ. وقوله: (اهدأ) بهمز آخره أي اسكن، وحراء بكسر الحاء وبالمد هذا هو الصواب، وقد سبق بيانه واضحاً في كتاب الإيمان وأن الصحيح أنه مذكر ممدود مصروف. وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها إخباره أن هؤلاء شهداء وماتوا كلهم غير النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر شهداء فإن عمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير رضي الله عنهم قتلوا ظلماً شهداء فقتل الثلاثة مشهور، وقتل الزبير بوادي السباع بقرب البصرة منصرفاً تاركاً للقتال، وكذلك طلحة اعتزل الناس تاركاً للقتال فأصابه سهم فقتله، وقد ثبت أن من قتل ظلماً فهو شهيد، والمراد شهداء في أحكام الاَخرة وعظيم ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم، وفيه بيان فضيلة هؤلاء، وفيه إثبات التمييز في الحجاز وجواز التزكية والثناء على الإنسان في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه، وأما ذكر سعد بن أبي وقاص في الشهداء في الرواية الثانية فقال القاضي إنما سمي شهيداً لأنه مشهود له بالجنة(7/65)
7 عبد الرحمن بن عوف
رضي الله عنه
ِسْبَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عَبْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بن هِشَامٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بن الْمُثَنَّى ، قَالَ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفِ بن عَبْدِ عَوْفِ بن عَبْدِ الْحَارِثِ بن زُهْرَةَ بن كِلابٍ .
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ : عَبْدَ الْكَعْبَةِ ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَبْدَ الرَّحْمَنِ .
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بن مُكْرمٍ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ بن عُمَرَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ ، قَالَ : كَانَ اسْمِي عَبْدَ عَمْرٍو فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَبْدَ الرَّحْمَنِ.
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَلِيٍّ الْمَدِينِيُّ فُسْتُقَةُ ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن عَلِيِّ بن يَزِيدَ الصُّدَائِيُّ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفِ بن عَبْدِ عَوْفِ بن عَبْدِ الْحَارِثِ بن زُهْرَةَ وَيُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ شَهِدَ بَدْرًا .(8/1)
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَمْرِو بن خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ ، فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بني زُهْرَةَ بن كِلابِ بن مُرَّةَ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفِ بن الْحَارِثِ بن زُهْرَةَ .
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كَيْفَ صَنَعْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فِي اسْتِلامِ الرُّكْنِ ؟ يَعْنِي الْحَجَرَ الأَسْوَدَ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : اسْتَلَمْتُ وَتَرَكْتُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَصَبْتَ.
صِفَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ(8/2)
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن عُمَيْرٍ ، عَنْ قَبِيصَةَ بن جَابِرٍ الأَسَدِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ مُحْرِمًا فَرَأَيْتُ ظَبْيًا فَرَمَيْتُهُ ، فَأَصَبْتُ خَشَشَاهُ يَعْنِي أَصْلَ قَرْنِهِ ، فَرَكِبَ رَدْعَهُ ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ، فَأَتَيْتُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْأَلُهُ ، فَوَجَدْتُ إِلَى جَنْبِهِ رَجُلا أَبْيَضَ رَقِيقَ الْوَجْهِ ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَسَأَلْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَالْتَفَتَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فَقَالَ : تَرَى شَاةً تَكْفِيهِ ؟ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَذْبَحَ شَاةً ، فَقُمْنَا مِنْ عِنْدِهِ ، فَقَالَ صَاحِبٌ لِي : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُحْسِنْ يُفْتِيكَ ، حَتَّى سَأَلَ الرَّجُلَ ، فَسَمِعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْضَ كَلامِهِ ، فَعَلاهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ ضَرْبًا ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ لِيَضْرِبَنِي ، فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنِّي لَمْ أَقُلْ شَيْئًا إِنَّمَا هُوَ قَالَهُ ، فَتَرَكَنِي ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ : أَرَدْتَ أَنْ تَقْتُلَ الْحَرَامَ وَتَتَعَدَّ الْفُتْيَا ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ فِي الإِنْسَانِ عَشَرَةَ أَخْلاقٍ : تِسْعَةٌ حَسَنَةٌ ، وَوَاحِدَةٌ سَيِّئَةٌ يُفْسِدُهَا ذَلِكَ السَّيِّءُ ، ثُمَّ قَالَ : وَإِيَّاكَ وَعِشْرَةَ الشَّبَابِ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ، عَنْ عُمَيْرٍ ، عَنْ قَبِيصَةَ بن جَابِرٍ ، قَالَ : قَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ ، فَاجْتَنَحَ إِلَى رَجُلٍ(8/3)
، وَاللَّهِ لَكَأَنَّ وَجْهَهُ قَلْبٌ .
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ ، عَنْ عُثْمَانَ بن عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَلْبَسُ قَمِيصًا مِنْ كَرَابِيسَ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ ، وَرِدَاؤُهُ يَضْرِبُ إِلْيَتَهُ .
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بن هِشَامٍ ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بن عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ ، كَانَ سَاقِطَ الثَّنِيَّتَيْنِ ، أهْتَمَ أَعْسَرَ أَعْرَجَ ، كَانَ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ فَهُتِمَ ، وَجُرِحَ عِشْرِينَ جِرَاحَةً ، أَوْ أَكْثَرَ ، أَصَابَهُ بَعْضُهَا فِي رِجْلِهِ فَعَرِجَ .
سِنُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ وَوَفَاتُهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
- حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ ، قَالَ : وُلِدُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، بَعْدَ الْفِيلِ بِعَشْرِ سِنِينَ ، وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى أَوْ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ ، وَسِنُّهُ خَمْسٌ وَسَبْعونَ ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَوْمَ مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ ، يَقُولُ : اذْهَبِ ابْنَ عَوْفٍ فَقَدْ أَدْرَكْتَ صَفْوَتَها ، وَسَبَقْتَ رَنْقَهَا.(8/4)
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَمْرَو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَوْمَ مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ ، يَقُولُ : اذْهَبْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ فَقَدْ ذَهَبْتَ بِبِطْنَتِكَ لَمْ تَنْتَقِصْ مِنْهَا بِشَيْءٍ.
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بن زَاذَانَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : بَيْنَمَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي بَيْتِهَا ، إِذْ سَمِعَتْ صَوْتًا رُجَّتْ مِنْهُ الْمَدِينَةُ ، فَقَالَتْ : مَا هَذَا ؟ ، فَقَالُوا : عِيرٌ قَدِمَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ مِنَ الشَّامِ ، وَكَانَتْ سَبْعَمِائَةِ رَاحِلَةٍ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوًا فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَتَاهَا فَسَأَلَهَا عَمَّا بَلَغَهُ ، فَحَدَّثَتْهُ ، قَالَ : فَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنَّهَا بِأَحْمَالِها وَأَقْتَابِهَا ، وَأَحْلاسِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.(8/5)
- حَّدَثَنا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن الْمُبَارَكِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : تَصَدَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ بِشَطْرِ مَالِهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ آلافٍ ، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِأَرْبَعِينَ أَلْفً ، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ رَاحِلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَكَانَ عَامَّةُ مَالِهِ مِنَ التِّجَارَةِ .
وفي صفة الصفوة لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
أبو محمد عبد الرحمن بن عوف
ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي.
كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو وقيل عبد الحارث وقيل عبد الكعبة فسماه رسول الله. صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن.
أمه الشفاء بنت عوف أسلمت وهاجرت.
أسلم عبد الرحمن قديما قبل أن يدخل رسول الله. صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين وشهد المشاهد كلها وثبت مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم يوم أحد وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه في غزوة تبوك ذهب للطهارة فجاء وعبد الرحمن قد صلى بهم ركعة فصلى خلفه واتم الذي فاته وقال ما قبض نبي حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته.
وعن أبي سلمة عن أبيه أنه كان مع النبي. صلى الله عليه وسلم في سفر فذهب النبي. صلى الله عليه وسلم لحاجته فادر كهم وقت الصلاة فأقاموا الصلاة فتقدمهم عبد الرحمن فجاء النبي. صلى الله عليه وسلم فصلى مع الناس خلفه ركعة فلما سلم قال أصبتم أو أحسنتم.
ذكر صفته رضي الله عنه(8/6)
كان طويلا رقيق البشرة فيه جنأ أبيض مشربا حمرة ضخم الكفين اقنى وقال ابن إسحاق كان ساقط الثنيتين اعرج اصيب يوم أحد فهتم وجرح عشرين جراحة أو أكثر اصابة بعضها في رجله فعرج.
ذكر أولاده رضي الله عنه
-كان له من الولد سالم الاكبر مات قبل الإسلام أمه أم كلثوم بنت عبتة بن ربيعة وام القاسم ولدت في الجاهلية وامها بنت شيبة بن ربيعة ومحمد وإبراهيم وحميد واسماعيل وجميدة وامة الرحمن امهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ومعن وعمر وزيد وأمه الصغرى امهم سهلة بنت عاصم بن عدي وعروة الاكبر أمه بحرية بنت هانيء وسالم الاصغر أمه سهلة بنت سهيل بن عمرو وأبو بكر أمه أم حكيم بنت قارظ وعبد الله أمه بنت أبي الخشاش وأبو سلمة وهو عبد الله الاصغر وأمه تماضر بنت الاصبغ وعبد الرحمن أمه سماء بنت سلامة ومصعب وامنة ومريم امهم أم حريث من سبي بهرا وسهيل أبو الابيض أمه مجد بنت يزيد وعثمان أمه غزال بنت كسرى أم ولد وعروة ويحيى وبلال لامهات أولاده وام يحيى وامها زينب بنت الصباح وجويرية امها بادية بنت غيلان.
*وعن ثابت البنايني عن أنس قال بينما عائشة رضي الله عنها في بيتها إذ سمعت صوتا رجت منه المدينة فقالت ما هذا قالوا عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف من الشام وكانت سبعمائة راحلة فقالت عائشة اما اني سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا فبلغ ذلك عبد الرحمن فأتاها فسالها عما بلغه فحدثته قال فاني اشهدك انها باحمالها واقتابها واحلاسها في سبيل الله عز وجل.(8/7)
*وعنه قال بينا عائشة في بيتها سمعت صوتا في المدينة فقالت ما هذا? قالوا عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء قال وكانت سبعمائة بعير قال فارتجت المدينة من الصوت فقالت عائشة سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال ان استطعت لادخلنها قائما فجعلها باقتابها واحمالها في سبيل الله عز وجل رواه الإمام أحمد.
*وعن أم بكرينت المسور بن مخرمة عن ابيها قال باع عبد الرحمن بن عوف أرضا له من عثمان باربعين الف دينار فقسم ذلك المال في بني زهرة وفقراء المسلمين وامهات المؤمنين وبعث إلى عائشة معي بمال من ذلك المال فقالت عائشة اما اني سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول لن يحنو عليكن بعدي إلا الصالحون سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.
*وعن الزهري قال تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله. صلى الله عليه وسلم بشطر ماله اربعة الاف ثم تصدق باربعين الفا ثم تصدق باربعين الف دينار ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله تعالى ثم حمل على الف وخمسمائة راحلة في سبيل الله تعالى وكان عامة ماله من التجارة.
*وعن جعفر بن برقان قال بلغني ان عبد الرحمن بن عوف اعتق ثلاثين الف بيت.
*وعن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف اتي بطعام وكان صائما فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير مني كفن في بردة ان غطي رأسه بدت رجلاه وان غطي رجلاه بدا رأسه واراه قال وقتل حمزة وهو خير مني يعني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط أو قال اعطينا من الدنيا ما اعطينا وقد خشينا ان تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام انفرد باخراجه البخاري.(8/8)
*وعن نوفل بن اياس الهذلي قال كان عبد الرحمن لنا جليسا وكان نعم الجليس وانه انقلب بنا يوما حتى دخلنا بيته ودخل فاغتسل ثم خرج فجلس معنا واتينا بصحفة فيها خبز ولحم فلما وضعت بكى عبد الرحمن بنعوف فقلنا له يا أبا محمد ما يبكيك فقال هلك رسول الله. صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ولا ارانا اخرنا لها لما هو خير لنا.
*وعن سعيد بن حسين قال كان عبد الرحمن بن عوف لا يعرف من بين عبيده.
*وعن أيوب عن محمد ان عبد الرحمن بن عوف توفي وكان فيما ترك ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت ايدي الرجال منه وترك اربع نسوة فاخرجت امرأة من ثمنها بثلاثين الفا.
ذكر وفاته رضي الله عنه
توفي عبد الرحمن بن عوف سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع وهو ابن اثنتين وسبعين ويقال خمس وسبعين.
الياقوتة 25
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة حدثني أبي عن الزهري حدثني أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا الرداد الليثي أخبره عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
-قال الله عز وجل: أنا الرحمن وأنا خلقت الرحم واشتققت لها من اسمي فمن وصلها وصله الله ومن قطعها بتته. رواه أحمد في مسند عبد الرحمن بن عوف
وأخرج هذا الحديث أبوداود في كتاب الزكاة قال
حدثنا مسدد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا: ثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عبد الرحمن بن عوف قال:
سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "قال اللّه [تعالى] أنا الرحمن، وهي الرحم، شققت لها اسماً من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها بتتُّه".
****والآن مع الامام.البخاري في كتاب الادب من صحيحه ا والامام ابن حجر في فتح الباري
* باب فضل صلة الرحم.
- حدثنا أبو الوليد: حدثنا شُعبة قال: أخبرني ابن عثمان قال: سمعت موسى بن طلحة، عن أبي أيوب قال: قيل: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة.(8/9)
-حدثني عبد الرحمن: حدثنا بهز: حدثنا شُعبة: حدثنا ابن عثمان بن عبد الله بن موهب وأبوه عثمان بن عبد الله: أنهما سمعا موسى بن طلحة، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه:
أن رجلا قال: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال القوم: ما له ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرب ما له). فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم، ذرها). قال: كأنه كان على راحلته.
باب فضل صلة الرحم بفتح الراء وكسر الحاء المهملة يطلق على الاقارب وهم من بينه وبين الآخر نسب سواء كان يرثه أم لا سواء كان ذا محرم أم لا وقيل هم المحارم فقط والأول هو المرجح لأن الثاني يستلزم خروج أولاد الأعمام وأولاد الأخوال من ذوي الأرحام وليس كذلك وذكر فيه حديث أبي أيوب الأنصاري قال قيل يا رسول الله أخبرني بعلم يدخلني الجنة أورده من وجهين وفيه
- قوله صلى الله عليه وسلم أرب ماله وفيه تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الزكاة وهو:(8/10)
-قوله عن موسى بن طلحة عن أبي أيوب هو الأنصاري ووقع في رواية مسلم الآتي ذكرها حدثنا موسى بن طلحة حدثني أبو أيوب قوله أن رجلا هذا الرجل حكى بن قتيبة في غريب الحديث له أنه أبو أيوب الراوي وغلطه بعضهم في ذلك فقال إنما هو راوي الحديث وفي التغليط نظر إذ لا مانع أن يبهم الراوي نفسه لغرض له ولا يقال يبعد لوصفه في رواية أبي هريرة التي بعد هذه بكونه أعرابيا لأنا نقول لا مانع من تعدد القصة فيكون السائل في حديث أبي أيوب هو نفسه لقوله إن رجلا والسائل في حديث أبي هريرة أعرابي آخر قد سمي فيما رواه البغوي وابن السكن والطبراني في الكبير وأبو مسلم الكجي في السنن من طريق محمد بن جحادة وغيره عن المغيرة بن عبد الله اليشكري أن أباه حدثه قال انطلقت إلى الكوفة فدخلت المسجد فإذا رجل من قيس يقال له بن المنتفق وهو يقول وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبته فلقيته بعرفات فزاحمت عليه فقيل لي إليك عنه فقال دعوا الرجل أرب ما له قال فزاحمت عليه حتى خلصت إليه فأخذت بخطام راحلته فما غير علي قال شيئين أسألك عنهما ما ينجيني من النار وما يدخلني الجنة قال فنظر إلى السماء ثم أقبل علي بوجهه الكريم فقال لئن كنت أوجزت المسألة لقد أعظمت وطولت فاعقل علي إعبد الله لا تشرك به شيئا وأقم الصلاة المكتوبة وأد الزكاة المفروضة وصم رمضان وأخرجه البخاري في التاريخ من طريق يونس بن أبي إسحاق عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن أبيه قال غدوت فإذا رجل يحدثهم قال وقال جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن المغيرة بن عبد الله قال سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الاختلاف فيه عن الأعمش وأن بعضهم قال فيه عن المغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه والصواب المغيرة بن عبد الله اليشكري وزعم الصيرفي أن اسم بن المنتفق هذا لقيط بن صبرة وافد بني المنتفق فالله أعلم(8/11)
وقد يؤخذ من هذه الرواية أن السائل في حديث أبي هريرة هو السائل في حديث أبي أيوب لأن سياقه شبيه بالقصة التي ذكرها أبو هريرة لكن قوله في هذه الرواية أرب ما له في رواية أبي أيوب دون أبي هريرة وكذا حديث أبي أيوب وقع عند مسلم من رواية عبد الله بن نمير عن عمرو بن عثمان بلفظ أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته ثم قال يا رسول الله أخبرني فذكره وهذا شبيه بقصة سؤال بن المنتفق وأيضا فأبو أيوب لا يقول عن نفسه إن أعرابيا والله أعلم
وقد وقع نحو هذا السؤال لصخر بن القعقاع الباهلي ففي حديث الطبراني أيضا من طريق قزعة بن سويد الباهلي حدثني أبي حدثني خالي واسمه صخر بن القعقاع قال لقيت النبي صلى الله عليه وسلم بين عرفة ومزدلفة فأخذت بخطام ناقته فقلت يا رسول الله ما يقربني من الجنة ويباعدني من النار فذكر الحديث وإسناده حسن
قوله قال ما له ما له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرب ما له كذا في هذه الرواية لم يذكر فاعل قال ما له ما له وفي رواية بهز المعلقة هنا الموصولة في كتاب الأدب قال القوم ما له ما له قال بن بطال هو إستفهام والتكرار للتأكيد وقوله أرب بفتح الهمزة والراء منونا أي حاجة وهو مبتدأ وخبره محذوف إستفهم أولا ثم رجع إلى نفسه فقال له أرب انتهى(8/12)
وهذا بناء على أن فاعل قال النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك لما بيناه بل المستفهم الصحابة والمجيب النبي صلى الله عليه وسلم وما زائدة كأنه قال له حاجة ما وقال بن الجوزي المعنى له حاجة مهمة مفيدة جاءت به لأنه قد علم بالسؤال أن له حاجة وروى بكسر الراء وفتح الموحدة بلفظ الفعل الماضي وظاهره الدعاء والمعنى التعجب من السائل وقال النضر بن شميل يقال أرب الرجل في الأمر إذا بلغ فيه جهده وقال الأصمعي أرب في الشيء صار ماهرا فيه فهو أريب وكأنه تعجب من حسن فطنته والتهدي إلى موضع حاجته ويؤيده قوله في رواية مسلم المشار إليها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد وفق أو لقد هدي وقال بن قتيبة قوله أرب من الآراب وهي الأعضاء أي سقطت أعضاؤه وأصيب بها كما يقال تربت يمينك وهو مما جاء بصيغة الدعاء ولا يراد حقيقته وقيل لما رأى الرجل يزاحمه دعا عليه لكن دعاؤه على المؤمن طهر له كما ثبت في الصحيح وروى بفتح أوله وكسر الراء والتنوين أي هو أرب أي حاذق فطن ولم أقف على صحة هذه الرواية وجزم الكرماني بأنها ليست محفوظة وحكى القاضي عن رواية لأبي ذر أرب بفتح الجميع وقال لا وجه له قلت وقعت في الأدب من طريق الكشميهني وحده وقوله يدخلني الجنة بضم اللام والجملة في موضع جر صفة لقوله بعمل ويجوز الجزم جوابا للأمر ورده بعض شراح المصابيح لأن قوله بعمل يصير غير موصوف مع أنه نكرة فلا يفيد وأجيب بأنه موصوف تقديرا لأن التنكير للتعظيم فأفاد ولأن جزاء الشرط محذوف والتقدير إن عملته يدخلني قوله وتصل الرحم أي تواسى ذوي القرابة في الخيرات وقال النووي معناه أن تحسن إلى أقاربك ذوي رحمك بما تيسر على حسب حالك وحالهم من إنفاق أو سلام أو زيارة أو طاعة أو غير ذلك وخص هذه الخصلة من بين خلال الخير نظرا إلى حال السائل كأنه كان لا يصل رحمه فأمره به لأنه المهم بالنسبة إليه ويؤخذ منه تخصيص بعض الأعمال بالحض عليها بحسب حال المخاطب وإفتقاره للتنبيه(8/13)
عليها أكثر مما سواها إما لمشقتها عليه وإما لتسهيله في أمرها
قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قوله أخشى أن يكون محمد غير محفوظ إنما هو عمرو وجزم في التاريخ بذلك وكذا قال مسلم في شيوخ شعبة والدارقطني في العلل وآخرون المحفوظ عمرو بن عثمان وقال النووي اتفقوا على أنه وهم من شعبة وأن الصواب عمرو والله أعلم وأما حديث أبي هريرة فقد تقدم الكلام عليه في كون الأعرابي السائل فيه هل هو السائل في حديث أبي أيوب أولا والأعرابي بفتح الهمزة من سكن البادية كما تقدم
**** باب: إثم القاطع
. - حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عُقَيل، عن ابن شهاب: أن محمد بن جبير بن مطعم قال: إن جبير بن مطعم أخبره:
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة قاطع).
قوله باب إثم القاطع أي قاطع الرحم(8/14)
- قوله لا يدخل الجنة قاطع كذا أورده من طريق عقيل وكذا عند مسلم من رواية مالك ومعمر كلهم عن الزهري وقد أخرجه المصنف في الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح عن الليث وقال قاطع الرحم وأخرجه مسلم والترمذي من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري كرواية مالك قال سفيان يعني قاطع رحم وذكر بن بطال ان بعض أصحاب سفيان رواه عند كراوية عبد الله بن صالح فأدرج التفسير وقد ورد بهذا اللفظ من طريق الأعمش عن عطية عن أبي سعيد أخرجه إسماعيل القاضي في الأحكام ومن طريق أبي حريز بمهملة وراء ثم زاي بوزن عظيم واسمه عبد الله بن الحسين قاضي سجستان عن أبي بردة عن أبي موسى رفعه لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا مصدق بسحر ولا قاطع رحم أخرجه بن حبان والحاكم ولأبي داود من حديث أبي بكرة رفعه ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم وللمصنف في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة رفعه أن أعمال بني آدم تعرض كل عشية خميس ليلة جمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم وللطبراني من حديث بن مسعود أن أبواب السماء مغلقة دون قاطع الرحم وللمصنف في الأدب المفرد من حديث بن أبي أوفى رفعه أن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع الرحم وذكر الطيبي أنه يحتمل أن يراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعة الرحم ولا ينكرون عليه ويحتمل أن يراد بالرحمة المطر وأنه يحبس عن الناس عموما بشؤم التقاطع
*****باب: من بسط له في الرزق بصلة الرحم.
- حدثني إبراهيم بن المنذر: حدثنا محمد بن معن قال: حدثني أبي، عن سعيد ابن أبي سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه).
- حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عُقَيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك:(8/15)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه).
قوله باب من بسط له الرزق لصلة الرحم أي لأجل صلة الرحم
- قوله محمد بن معن أي بن محمد بن معن بن نضلة بنون مفتوحة ومعجمة ساكنة بن عمرو ولنضلة جده الأعلى صحبة وهو قليل الحديث موثق ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وكذا أبوه لكن له موضع آخر أو موضعان قوله سعيد هو بن أبي سعيد المقبري قوله من سره أن يبسط له في رزقه في حديث أنس من أحب وللترمذي وحسنه من وجه آخر عن أبي هريرة أن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر وعند أحمد بسند رجاله ثقات عن عائشة مرفوعا صلة الرحم وحسن الجوار وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الاعمار وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والبزار وصححه الحاكم من حديث على نحو حديثي الباب قال ويدفع عنه ميتة السوء ولأبي يعلى من حديث أنس رفعه أن الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بهما في العمر ويدفع بهما ميتة السوء فجمع الأمرين لكن سنده ضعيف وأخرج المؤلف في الأدب المفرد من حديث بن عمر بلفظ من اتقى ربه ووصل رحمه نسىء له في عمره وثرى ماله وأحبه أهله قوله وينسأ بضم أوله وسكون النون بعدها مهملة ثم همزة أي يؤخر قوله في أثره أي في أجله وسمي الأجل أثرا لأنه يتبع العمر قال زهير والمرء ما عاش ممدود له أمل لا ينقضي العمر حتى ينتهي الأثر وأصله من أثر مشيه في الأرض فإن من مات لا يبقى له حركة فلا يبقى لقدمه في الأرض أثر قال بن التين ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }والجمع بينهما من وجهين أحدهما أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة وصيانته عن تضييعه في غير ذلك ومثل هذا ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم فأعطاه الله ليلة القدر(8/16)
وحاصله أن صلة الرحم تكون سببا للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية فيبقى بعده الذكر الجميل فكأنه لم يمت ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده والصدقة الجارية عليه والخلف الصالح وسيأتي مزيد لذلك في كتاب القدر إن شاء الله تعالى ثانيهما أن الزيادة على حقيقتها وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر وأما الأول الذي دلت عليه الآية فالبنسبة إلى علم الله تعالى كأن يقال للملك مثلا أن عمر فلان مائة مثلا أن وصل رحمه وستون إن قطعها وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص واليه الإشارة بقوله تعالى{ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} فالمحو الاثبات بالنسبة لما في علم الملك وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة ويقال له القضاء المبرم ويقال للأول القضاء المعلق والوجه الأول أليق بلفظ حديث الباب فإن الأثر ما يتبع الشيء فإذا أخر حسن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فقد المذكور وقال الطيبي الوجه الأول أظهر واليه يشير كلام صاحب الفائق قال ويجوز أن يكون المعنى أن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلا فلا يضمحل سريعا كما يضمحل أثر قاطع الرحم ولما أنشد أبو تمام قوله في بعض المرائي توفيت الآمال بعد محمد وأصبح في شغل عن السفر السفر قال له أبو دلف لم يمت من قيل فيه هذا الشعر ومن هذه المادة قول الخليل عليه السلام {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} وقد ورد في تفسيره وجه ثالث فأخرج الطبراني في الصغير بسند ضعيف عن أبي الدرداء قال ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من وصل رحمه أنسىء له في أجله فقال إنه ليس زيادة في عمره قال الله تعالى فإذا جاء أجلهم الآية ولكن الرجل تكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده وله في الكبير من حديث أبي مشجعة الجهني رفعه إن الله لا يؤخر نفسا إذا جاء(8/17)
أجلها وإنما زيادة العمر ذرية صالحة الحديث وجزم بن فورك بأن المراد بزيادة العمر نفي الآفات عن صاحب البر في فهمه وعقله وقال غيره في أعم من ذلك وفي وجود البركة في رزقه وعلمه ونحو ذلك
****** باب: من وصل وصله الله.
- حدثني بشر بن محمد: أخبرنا عبد الله: أخبرنا معاوية بن أبي مزرد قال: سمعت عمي سعيد بن يسار يحدث، عن أبي هريرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاقرؤوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}.
- حدثنا خالد بن مخلد: حدثنا سليمان: حدثنا عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته).
- حدثنا سعيد بن أبي مريم: حدثنا سليمان بن بلال قال: أخبرني معاوية ابن أبي مزرد، عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرحم شجنة، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته)
قوله باب من وصل وصله الله أي من وصل رحمه(8/18)
- قوله عبد الله هو بن المبارك ومعاوية هو بن أبي مزرد بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الراء بعدها دال مهملة تقدم ضبطه وتسميته في أول الزكاة ولمعاوية بن أبي مزرد في هذا الباب حديث آخر وهو ثالث أحاديث الباب من طريق عائشة قوله أن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ تقدم تأويل فرغ في تفسير القتال قال بن أبي حمرة يحتمل أن يكون المراد بالخلق جميع المخلوقات ويحتمل أن يكون المراد به المكلفين وهذا القول يحتمل أن يكون بعد خلق السماوات والأرض وأبرازها في الوجود ويحتمل أن يكون بعد خلقها كتبا في اللوح المحفوظ ولم يبرز بعد الا اللوح والقلم ويحتمل أن يكون بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم عند قوله{ ألست بربكم} لما أخرجهم من صلب آدم عليه السلام مثل الذر قوله قامت الرحم فقالت قال بن أبي جمرة يحتمل أن يكون بلسان الحال ويحتمل أن يكون بلسان القال قولان مشهوران والثاني أرجح وعلى الثاني فهل تتكلم كما هي أو يخلق الله لها عند كلامها حياة وعقلا قولان أيضا مشهوران والأول أرجح لصلاحية القدرة العامة لذلك ولما في الأولين من تخصيص عموم لفظ القرآن والحديث بغير دليل ولما يلزم منه من حصر قدرة القادر التي لا يحصرها شيء قلت وقد تقدم في التفسير القتال حمل عياض له على المجاز وأنه من باب ضرب المثل وقوله أيضا يجوز أن يكون الذي نسب إليه القول ملكا يتكلم على لسان الرحم وتقدم أيضا ما يتعلق بزيادة في هذا الحديث من وجه آخر عن معاوية بن أبي مزرد وهي قوله فأخذت بحقو الرحمن ووقع في حديث بن عباس عند الطبراني أن الرحم أخذت بحجزة الرحمن وحكى شيخنا في شرح الترمذي أن المراد بالحجزة هنا قائمة العرش وأيد ذلك بما أخرجه مسلم من حديث عائشة أن الرحم أخذت بقائمة من قوائم العرش وتقدم أيضا ما يتعلق بقوله هذا مقام العائذ بك من القطيعة في تفسير القتال ووقع في رواية حبان بن موسى عن بن المبارك بلفظ هذا المكان بدل مقام وهو تفسير المراد أخرجه النسائي قوله(8/19)
أصل من وصلك وأقطع من قطعك في ثاني أحاديث الباب من وجه آخر عن أبي هريرة من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته قال بن أبي جمرة الوصل من الله كناية عن عظيم إحسانه وإنما خاطب الناس بما يفهمون ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال وهو القرب منه وإسعافه بما يريد ومساعدته على ما يرضيه وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله تعالى عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده قال وكذا القول في القطع هو كناية عن حرمان الإحسان وقال القرطبي وسواء قلنا إنه يعني القول المنسوب إلى الرحم على سبيل المجاز أو الحقيقة أو أنه على جهة التقدير والتمثيل كأن يكون المعنى لو كانت الرحم ممن يعقل ويتكلم لقالت كذا ومثله {(لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)} (الحشر : 21 وفي آخرها وتلك الأمثال نضربها للناس فمقصود هذا الكلام الإخبار بتأكد أمر صلة الرحم وأنه تعالى أنزلها منزلة من استجار به فأجاره فأدخله في حمايته وإذا كان كذلك فجار الله غير مخذول وقد قال صلى الله عليه وسلم من صلى الصبح فهو في ذمة الله وان من يطلبه الله بشيء من ذمته يدركه ثم يكبه على وجهه في النار أخرجه مسلم الحديث الثاني
باب: تبل الرحم ببلالها
.
- حدثنا عمرو بن عباس: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شُعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم: أن عمرو بن العاص قال:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جهاراً غير سر يقول: (إن آل أبي - قال عمرو: في كتاب محمد بن جعفر بياض - ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين).
زاد عنبسة بن عبد الواحد، عن بيان، عن قيس، عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: (ولكن لهم رحم أبلها ببلالها). يعني أصلها بصلتها.(8/20)
قوله باب هو بالتنوين تبل الرحم ببلالها بضم أوله بالمثناة ويجوز بفتح أوله بالتحتانية والمراد المكلف
- قوله حدثني لغير أبي ذر حدثنا وعمرو بن عباس بالموحدة والمهملة هو أبو عثمان الباهلي البصري ويقال له الأهوازي أصله من إحداهما وسكن الأخرى وهو من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري وانفرد به عن الستة وحديث الباب قد حدث به أحمد ويحيى بن معين وغيرهما من شيوخ البخاري عن بن مهدي لكن ناسب تخريجه عنه كون صحابيه سميه وهو عمرو بن العاص ومحمد بن جعفر شيخه هو غندر وهو بصري ولم أر الحديث المذكور عند أحد من أصحاب شعبة إلا عنده إلا ما أخرجه الإسماعيلي من رواية وهب بن حفص عن عبد الملك بن إبراهيم الجدي عن شعبة ووهب بن حفص كذبوه قوله ان عمرو بن العاص قال عند مسلم عن أحمد وعند الإسماعيلي عن يحيى بن معين كلاهما عن غندر بلفظ عن عمرو بن العاص ووقع في رواية بيان بن بشر عن قيس سمعت عمرو بن العاص وستأتي الإشارة إليها في الكلام على الطريق المعلقة وليس لقيس بن أبي حازم في الصحيحين عن عمرو بن العاص غير هذا الحديث ولعمرو في الصحيحين حديثان آخران حديث أي الرجال أحب إليك وقد مضى في المناقب وحديث إذا اجتهد الحاكم وسيأتي في الاعتصام وله آخر معلق عند البخاري مضى في المبعث النبوي وآخر مضى في التيمم وعند مسلم حديث آخر في السحور وهذا جميع ماله عندهما من الأحايث المرفوعة قوله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جهارا يحتمل أن يتعلق بالمفعول أي كان المسموع في حالة الجهر ويحتمل أن يتعلق بالفاعل أي أقول ذلك جهارا وقوله غير سر تأكيد لذلك لدفع توهم أنه جهر به مرة وأخفاه أخرى والمراد أنه لم يقل ذلك خفية بل جهر به وأشاعه قوله ان آل أبي كذا للأكثر بحذف ما يضاف إلى أداة الكنية وأثبته المستملي في روايته لكن كنى عنه فقال آل أبي فلان وكذا هو في روايتي مسلم والإسماعيلي وذكر القرطبي أنه وقع في أصل مسلم موضع فلان بياض ثم كتب بعض الناس فيه(8/21)
فلان على سبيل الأصلاح وفلان كناية عن اسم علم ولهذا وقع لبعض رواته أن آل أبي يعني فلان ولبعضهم أن آل أبي فلان بالجزم قوله قال عمرو هو بن عباس شيخ البخاري فيه قوله في كتاب محمد بن جعفر أي غندر شيخ عمرو فيه قوله بياض قال عبد الحق في كتاب الجمع بين الصحيحين أن الصواب في ضبط هذه الكلمة بالرفع أي وقع في كتاب محمد بن جعفر موضع أبيض يعني بغير كتابة وفهم منه بعضهم أنه الاسم المكنى عنه في الرواية فقرأه بالجر على أنه في كتاب محمد بن جعفر أن آل أبي بياض وهو فهم سيء ممن فهمه لأنه لا يعرف في العرب قبيلة يقال لها آل أبي بياض فضلا عن قريش وسياق الحديث مشعر بأنهم من قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم وهي قريش بل فيه إشعار بأنهم أخص من ذلك لقوله أن لهم رحما وأبعد من حمله على بني بياضة وهم بطن من الأنصار لما فيه من التغيير أو الترخيم على رأي ولا يناسب السياق أيضا وقال بن التين حذفت التسمية لئلا يتأذى بذلك المسلمون من أبنائهم وقال النووي هذه الكناية من بعض الرواة خشي أن يصرح بالاسم فيترتب عليه مفسدة إما في حق نفسه وإما في حق غيره وإما معا وقال عياض أن المكنى عنه هنا هو الحكم بن أبي العاص وقال بن دقيق العيد كذا وقع مبهما في السياق وحمله بعضهم على بني أمية ولا يستقيم مع قوله آل أبي فلو كان آل بني لأمكن ولا يصح تقدير آل أبي العاص لأنهم أخص من بني أمية والعام لا يفسر بالخاص قلت لعل مراد القائل أنه أطلق العام وأراد الخاص وقد وقع في رواية وهب بن حفص التي أشرت إليها أن آل بني لكن وهب لا يعتمد عليه وجزم الدمياطي في حواشيه بأنه آل أبي العاص بن أمية ثم قال بن دقيق العيد أنه رأى في كلام بن العربي في هذا شيئا يراجع منه قلت قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين كان في أصل حديث عمرو بن العاص أن آل أبي طالب فغير أل أبي فلان كذا جزم به وتعقبه بعض الناس وبالغ في التشنيع عليه ونسبه إلى التحامل على آل أبي طالب ولم(8/22)
يصب هذا المنكر فإن هذه الرواية التي أشار إليها بن العربي موجودة في مستخرج أبي نعيم من طريق الفضل بن الموفق عن عنبسة بن عبد الواحد بسند البخاري عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص رفعه أن لبني أبي طالب رحما أبلها ببلالها وقد أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه أيضا لكن أبهم لفظ طالب وكأن الحامل لمن أبهم هذا الموضع ظنهم أن ذلك يقتضي نقصا في آل أبي طالب وليس كما توهموه كما سأوضحه إن شاء الله تعالى قوله ليسوا بأوليائي كذا للأكثر وفي نسخة من رواية أبي ذر بأولياء فنقل بن التين عن الداودي أن المراد بهذا النفي من لم يسلم منهم أي فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض والمنفي على هذا المجموع لا الجميع وقال الخطابي الولاية المنفية ولاية القرب والاختصاص لا ولاية الدين ورجح بن التين الأول وهو الراجح فإن من جملة آل أبي طالب عليا وجعفر أو هما من أخص الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ونصر الدين وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث لما نسب إلى بعض رواته من النصب وهو الانحراف عن علي وآل بيته قلت أما قيس بن أبي حازم فقال يعقوب بن شيبة تكلم أصحابنا في قيس فمنهم من رفع قدره وعظمه وجعل الحديث عنه من أصح الأسانيد حتى قال بن معين هو أوثق من الزهري ومنهم من حمل عليه وقال له أحاديث مناكير وأجاب من أطراه بأنها غرائب وافراده لا يقدح فيه ومنهم من حمل عليه في مذهبه وقال كان يحمل على علي ولذلك تجنب الرواية عنه كثير من قدماء الكوفيين وأجاب من اطراه بأنه كان يقدم عثمان على علي فقط قلت والمعتمد عليه أنه ثقة ثبت مقبول الرواية وهو من كبار التابعين سمع من أبي بكر الصديق فمن دونه وقد روى عنه حديث الباب إسماعيل بن أبي خالد وبيان بن بشر وهما كوفيان ولم ينسبا إلى النصب لكن الراوي عن بيان وهو عنبسة بن عبد الواحد أموي قد نسب إلى شيء من النصب وأما عمرو بن العاص وان كان بينه وبين(8/23)
على ما كان فحاشاه أن يتهم وللحديث محمل صحيح لا يستلزم نقصا في مؤمني آل أبي طالب وهو أن المراد بالنفي المجموع كما تقدم ويحتمل أن يكون المراد بآل أبي طالب أبو طالب نفسه وهو إطلاق سائغ كقوله في أبي موسى أنه أوتي مزمارا من مزامير آل داود وقوله صلى الله عليه وسلم آل أبي أوفى وخصه بالذكر مبالغة في الانتفاء ممن لم يسلم لكونه عمه وشقيق أبيه وكان القيم بأمره ونصره وحمايته ومع ذلك فلما لم يتابعه على دينه انتفى من موالاته قوله إنما ولي الله وصالح المؤمنين كذا للأكثر بالإفراد وإرادة الجملة وهو اسم جنس ووقع في رواية البرقاني وصالحوا المؤمنين بصيغة الجمع وقد أجاز بعض المفسرين أن الآية التي في التحريم كانت في الأصل فإن الله هو مولاه وجبريل وصالحو المؤمنين لكن حذفت الواو من الخط على وفق النطق وهو مثل قوله سندع الزبانية وقوله يوم يدع الداع وقوله ويمح الله الباطل وقال النووي معنى الحديث ان ولي من كان صالحا وأن بعد منى نسبه وليس ولي من كان غير صالح وان قرب مني نسبه وقال القرطبي فائدة الحديث انقطاع الولاية في الدين بين المسلم والكافر ولو كان قريبا حميما وقال بن بطال أوجب في هذا الحديث الولاية بالدين ونفاها عن أهل رحمه أن لم يكونوا من أهل دينه فدل ذلك على أن النسب يحتاج إلى الولاية التي يقع بها الموارثة بين المتناسبين وأن الأقارب إذا لم يكونوا على دين واحد لم يكن بينهم توارث ولا ولاية قال ويستفاد من هذا أن الرحم المأمور بصلتها والمتوعد على قطعها هي التي شرع لها ذلك فأما من أمر بقطعه من أجل الدين فيستثني من ذلك ولا يلحق بالوعيد من قطعه لأنه قطع من أمر الله بقطعه لكن لو وصلوا بما يباح من أمر الدنيا لكان فضلا كما دعا صلى الله عليه وسلم لقريش بعد أن كانوا كذبوه فدعا عليهم بالقحط ثم استشفعوا به فرق لهم لما سألوه برحمهم فرحمهم ودعا لهم قلت ويتعقب كلامه في موضعين أحدهما يشاركه فيه كلام غيره وهو قصره(8/24)
النفي على من ليس على الدين وظاهر الحديث أن من كان غير صالح في أعمال الدين دخل في النفي أيضا لتقييده الولاية بقوله وصالح المؤمنين والثاني أن صلة الرحم الكافر ينبغي تقييدها بما إذا أيس منه رجوعا من عن الكفر أو رجى أن يخرج من صلبه مسلم كما في الصورة التي استدل بها وهي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لقريش بالخصب وعلل بنحو ذلك فيحتاج من يترخص في صلة رحمه الكافر أن يقصد إلى شيء من ذلك وأما من كان على الدين ولكنه مقصر في الأعمال مثلا فلا يشارك الكافر في ذلك وقد وقع في شرح المشكاة المعنى أني لا أوالي أحدا بالقرابة وإنما أحب الله تعالى لما له من الحق الواجب على العباد وأحب صالح المؤمنين لوجه الله تعالى وأوالي من أوالي بالإيمان والصلاح سواء كان من ذوي رحم أولا ولكن أرعى لذوي الرحم حقهم لصلة الرحم انتهى وهو كلام منقح وقد اختلف أهل التأويل في المراد بقوله تعالى وصالح المؤمنين على أقوال أحدها الأنبياء أخرجه الطبري وابن أبي حاتم عن قتادة وأخرجه الطبري وذكره بن أبي حاتم عن سفيان الثوري وأخرجه النقاش عن العلاء بن زياد الثاني الصحابة أخرجه بن أبي حاتم عن السدي ونحوه في تفسير الكلبي قال هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأشباههم ممن ليس بمنافق الثالث خيار المؤمنين أخرجه بن أبي حاتم عن الضحاك الرابع أبو بكر وعمر وعثمان أخرجه بن أبي حاتم عن الحسن البصري الخامس أبو بكر وعمر أخرجه الطبري وابن مردويه عن بن مسعود مرفوعا وسنده ضعيف وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم عن الضحاك أيضا وكذا هو في تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي أحد الضعفاء بسنده عن بن عباس موقوفا وأخرجه بن مردويه من وجه آخر ضعيف عنه كذلك قال بن أبي حاتم وروى عن عكرمة وسعيد بن جبير وعبد الله بن بريدة ومقاتل بن حيان كذلك السادس أبو بكر خاصة ذكره القرطبي عن المسيب بن شريك السابع عمر خاصة أخرجه بن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد بن جبير وأخرجه الطبري بسند(8/25)
ضعيف عن مجاهد وأخرجه بن مردويه بسند واه جدا عن بن عباس الثامن على أخرجه بن أبي حاتم بسند منقطع عن علي نفسه مرفوعا وأخرجه الطبري بسند ضعيف عن مجاهد قال هو علي وأخرجه بن مردويه بسندين ضعيفين من حديث أسماء بنت عميس مرفوعا قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صالح المؤمنين علي بن أبي طالب ومن طريق أبي مالك عن بن عباس مثله موقوفا وفي سنده راو ضعيف وذكره النقاش عن بن عباس ومحمد بن علي الباقر وابنه جعفر بن محمد الصادق قلت فإن ثبت هذا ففيه دفع توهم من توهم أن في الحديث المرفوع نقصا من قدر على رضي الله عنه ويكون المنفي أبا طالب ومن مات من آله كافرا والمثبت من كان منهم مؤمنا وخص علي بالذكر لكونه رأسهم وأشير بلفظ الحديث إلى لفظ الآية المذكورة ونص فيها على على تنويها بقدره ودفعا لظن من يتوهم عليه في الحديث المذكور غضاضة ولو تفطن من كنى عن أبي طالب لذلك لاستغنى عما صنع والله أعلم قوله وزاد عنبسة بن عبد الواحد أي بن أمية بن عبد الله بن سعيد بن العاص بن أبي أحيحة بمهملتين مصغرا وهو سعيد بن العاص بن أمية وهو موثق عندهم وما له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق وقد وصله البخاري في كتاب البر والصلة فقال حدثنا محمد بن عبد الواحد بن عنبسة حدثنا جدي فذكره وأخرجه الإسماعيلي من رواية نهد بن سليمان عن محمد بن عبد الواحد المذكور وساقه بلفظ سمعت عمرو بن العاص يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي جهرا غير سر إن نبي أبي فلان ليسوا بأوليائي إنما ولي الله والذين آمنوا ولكن لهم رحم الحديث وقد قدمت لفظ رواية الفضل بن الموفق عن عنبسة من عند أبي نعيم وأنها أخص من هذا قوله ولكن لها رحم أبلها ببلالها يعني أصلها بصلتها كذا لهم لكن سقط التفسير من رواية النسفي ووقع عند أبي ذر بعده أبلها ببلائها وبعده في الأصل كذا وقع وببلالها أجود وأصح وببلاها لا أعرف له وجها انتهى وأظنه من قوله كذا وقع الخ من كلام(8/26)
أبي ذر وقد وجه الداودي فيما نقله بن التين هذه الرواية على تقدير ثبوتها بأن المراد ما أوصله إليها من الأذى على تركهم الإسلام وتعقبه بن التين بأنه لا يقال في الأذى أبله ووجهها بعضهم بأن البلاء بالمد يجيء بمعنى المعروف والانعام ولما كانت الرحم مما يستحق المعروف أضيف إليها ذلك فكأنه قال أصلها بالمعروف اللائق بها والتحقيق أن الرواية إنما هي ببلالها مشتق من أبلها قال النووي ضبطنا قوله ببلالها بفتح الموحدة وبكسرها وهما وجهان مشهوران وقال عياض رويناه بالكسر ورأيته للخطابي بالفتح وقال بن التين هو بالفتح للأكثر ولبعضهم بالكسر قلت بالكسر أوجه فإنه من البلال جمع بلل مثل جمل وجمال ومن قاله بالفتح بناه على الكسر مثل قطام وحذام والبلال بمعنى البلل وهو النداوة وأطلق ذلك على الصلة كما أطلق اليبس على القطيعة لأن النداوة من شأنها تجميع ما يحصل فيها وتأليفه بخلاف اليبس فمن شأنه التفريق وقال الخطابي وغيره بللت الرحم بلا وبللا وبلالا أي نديتها بالصلة وقد أطلقوا على الإعطاء الندى وقالوا في البخيل ما تندى كفه بخير فشبهت قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بالماء الذي يطفئ ببرده الحرارة ومنه الحديث بلوا أرحامكم ولو بالسلام وقال الطيبي وغيره شبة الرحم بالأرض التي إذا وقع عليها الماء وسقاها حتى سقيها أزهرت ورؤيت فيها النضارة فأثمرت المحبة والصفاء وإذا تركت بغير سقي يبست وبطلت منفعتها فلا تثمر إلا البغضاء والجفاء ومنه قولهم سنة جماد أي لا مطر فيها وناقة جماد أي لا لبن فيها وجوز الخطابي أن يكون معنى قوله أبلها ببلالها في الآخرة أي أشفع لها يوم القيامة وتعقبه الداودي بأن سياق الحديث يؤذن بأن المراد ما يصلهم به في الدنيا ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص إلى أن قال يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا(8/27)
أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها وأصله عند البخاري بدون هذه الزيادة وقال الطيبي في قوله ببلالها مبالغة بديعة وهي مثل قوله إذا زلزلت الأرض زلزالها أي زلزالها الشديد الذي لا شيء فوقه فالمعنى أبلها بما اشتهر وشاع بحيث لا أترك منه شيئا
**باب: ليس الواصل بالمكافئ.
- حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا سفيان، عن الأعمش والحسن بن عمرو وفطر، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو: قال سفيان: لم يرفعه الأعمش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ورفعه حسن وفطر،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها).
قوله باب ليس الواصل بالمكافىء التعريف فيه للجنس(8/28)
- قوله سفيان هو الثوري والحسن بن عمرو الفقيمي بفاء وقاف مصغر وفطر بكسر الفاء وسكون المهملة ثم راء هو بن خليفة قوله عن مجاهد أي الثلاثة عن مجاهد وعبد الله بن عمرو هو بن العاص وقوله قال سفيان هو الراوي وهو موصول بهذا الإسناد وقوله لم يرفعه الأعمش ورفعه حسن وفطر هذا هو المحفوظ عن الثوري وأخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري عن الحسن بن عمرو وحده مرفوعا من رواية مؤمل بن إسماعيل عن الثوري عن الحسن بن عمرو موقوفا وعن الأعمش مرفوعا وتابعه أبو قرة موسى بن طارق عن الثوري على رفع رواية الأعمش وخالفه عبد الرزاق عن الثوري فرفع رواية الحسن بن عمرو وهو المعتمد ولم يختلفوا في أن رواية فطر بن خليفة مرفوعة وقد أخرجه الترمذي من طريق سفيان بن عيينة عن فطر وبشير بن إسماعيل كلاهما عن مجاهد مرفوعا وأخرجه أحمد عن جماعة من شيوخه عن فطر مرفوعا وزاد في أول الحديث أن الرحم معلقة بالعرش وليس الواصل بالمكافىء الحديث قوله ليس الواصل بالمكافىء أي الذي يعطي لغيره نظير ما أعطاه ذلك الغير وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر موقوفا ليس الوصل أن تصل من وصلك ذلك القصاص ولكن الوصل أن تصل من قطعك قوله ولكن قال الطيبي الرواية فيه بالتشديد ويجوز التخفيف قوله الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها أي الذي إذا منع أعطى وقطعت ضبطت في بعض الروايات بضم أوله وكسر ثانيه على البناء للمجهول وفي أكثرها بفتحتين قال الطيبي المعنى ليست حقيقة الواصل ومن يعتد بصلته من يكافىء صاحبه بمثل فعله ولكنه من يتفضل على صاحبه وقال شيخنا في شرح الترمذي المراد بالواصل في هذا الحديث الكامل فإن في المكافأة فإن في المكافأة نوع صلة بخلاف من إذا وصله قريبه لم يكافئه فإن فيه قطعا باعراضه عن ذلك وهو من قبيل ليس الشديد بالصرعة وليس الغني عن كثرة العرض انتهى وأقول لا يلزم من نفى الوصل ثبوت القطع فهم ثلاث درجات مواصل ومكافىء وقاطع فالواصل(8/29)
من يتفضل ولا يتفضل عليه والمكافىء الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذ والقاطع الذي يتفضل عليه ولا يتفضل وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين كذلك تقع بالمقاطعة من الجانبين فمن بدأ حيئنذ فهو الواصل فإن جوزي سمي من جازاه مكافئا والله أعلم***
والآن مع الامام مسلم في كتاب البر والصلة من صحيحيه والامام النووي في المنهاج
باب صلة الرحم، وتحريم قطيعتها
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الثّقَفِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ عُبّادٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ مُعَاوِيَةَ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي مُزَرّدٍ، مَوْلَىَ بَنِي هَاشِمٍ). حَدّثَنِي عَمّي، أَبُو الْحُبَابِ، سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ. حَتّىَ إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ. أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَىَ. قَالَ: فَذَاكِ لَكِ".
ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمّهُمْ وَأَعْمَىَ أَبْصَارَهُمْ. أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلىَ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}" (محمد الاَيات: ).(8/30)
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ). قَالاَ حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الرّحِمُ مُعَلّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللّهُ. وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللّهُ".
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِي، عَنْ مُحَمّدُ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ قَاطِعٌ".
قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ:قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ.
*حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضّبَعِيّ. حَدّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزّهْرِيّ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ".
*حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التّجِيبِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَرّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".(8/31)
*وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَحَبّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَلاَءَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ يُحَدّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ لِي قَرَابَةً. أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي. وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيّ. وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيّ. فَقَالَ "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنّمَا تُسِفّهُمُ الْمَلّ. وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ، مَا دُمْتَ عَلَىَ ذَلِكَ".
-قوله صلى الله عليه وسلم: "قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة؟ قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك".(8/32)
وفي الرواية الأخرى: "الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله" قال القاضي عياض: الرحم التي توصل وتقطع وتبر إنما هي معنى من المعاني ليست بحسم وإنما هي قرابة ونسب تجمعه رحم والدة ويتصل بعضه ببعض فسمي ذلك الإتصال رحماً، والمعنى لا يتأتى منه القيام ولا الكلام، فيكون ذكر قيامها هنا وتعلقها ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك، والمراد تعظيم شأنها وفضيلة واصليها وعظيم إثم قاطعيها بعقوقهم، لهذا سمى العقوق قطعاً والعق الشق كأنه قطع ذلك السبب المتصل، قال: ويجوز أن يكون المراد قام ملك من الملائكة وتعلق بالعرش وتكلم على لسانها بهذا بأمر الله تعالى، هذا كلام القاضي، والعائذ المستعيذ وهو المعتصم بالشيء الملتجئ إليه المستجير به، قال العلماء: وحقيقة الصلة العطف والرحمة، فصلة الله سبحانه وتعالى عبارة عن لطفه بهم ورحمته إياهم وعطفه بإحسانه ونعمه أوصلتهم بأهل ملكوته الأعلى وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته. قال القاضي عياض: ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة، قال: والأحاديث في الباب تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، لو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعاً، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لا يسمى واصلاً، قال: واختلفوا في حد الرحم التي تجب صلتها فقيل: هو كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكراً والاَخر أنثى حرمت مناكحتهما، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال، واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح ونحوه وجواز ذلك في بنات الأعمام والأخوال، وقيل هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث يستوي المحرم وغيره، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم أدناك أدناك". هذا كلام القاضي،(8/33)
وهذا القول الثاني هو الصواب، ومما يدل عليه الحديث السابق في أهل مصر فإن لهم ذمة ورحماً وحديث: إن أبر البر أن يصل أهل ود أبيه مع أنه لا محرمية والله أعلم.
-قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة قاطع" هذا الحديث يتأول تأويلين سبقا في نظائره في كتاب الإيمان: أحدهما حمله على من يستحل القطيعة بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها فهذا كافر يخلد في النار ولا يدخل الجنة أبداً. والثاني معناه ولا يدخلها في أول الأمر مع السابقين بل يعاقب بتأخره القدر الذي يريده الله تعالى.(8/34)
-قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" ينسأ مهموز أي يؤخر والأثر الأجل لأنه تابع للحياة في أثرها، وبسط الرزق وتوسيعه وكثرته وقيل البركة فيه. وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور وهو أن الاَجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح منها أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الاَخرة وصيانتها عن الضياع في غير ذلك. والثاني أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك وهو من معنى قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت فيه} النسبة إلى علم الله تعالى وما سبق به قدره ولا زيادة بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث. والثالث أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت حكاه القاضي وهو ضعيف أو باطل والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم للذي يصل قرابته ويقطعونه: "لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله تعالى ظهير عليهم ما دمت على ذلك" المل بفتح الميم الرماد الحار، وتسفهم بضم التاء وكسر السين وتشديد الفاء والظهير المعين والدافع لأذاهم، وقوله أحلم عنهم بضم اللام ويجهلون أي يسيئون والجهل هنا القبيح من القول ومعناه كأنما تطعمهم الرماد الحار وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته وإدخالهم الأذى عليه، وقيل معناه إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل، وقيل ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم والله(8/35)
أعلم
وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله نعالى : {وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَىَ لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ اللّهَ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ * فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ وَتُقَطّعُوَاْ أَرْحَامَكُمْ * أَوْلََئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمّهُمْ وَأَعْمَىَ أَبْصَارَهُمْ }
يقول تعالى مخبراً عن المؤمنين أنهم تمنوا شرعية الجهاد, فلما فرضه الله عز وجل وأمر به نكل عنه كثير من الناس كقوله تبارك وتعالى: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناش كخشية الله أو أشد خشية وقالوا: ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ؟ قل متاع الدنيا قليل والاَخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا} وقال عز وجل ههنا: {ويقول الذين آمنوا لو لا نزلت سورة} أي مشتملة على حكم القتال ولهذا قال: {فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت} أي من فزعهم ورعبهم وجبنهم من لقاء الأعداء, ثم قال مشجعاً لهم {فأولى لهم طاعة وقول معروف} أي وكان الأولى بهم أن يسمعوا ويطيعوا أي في الحالة الراهنة {فإذا عزم الأمر} أي جد الحال, وحضر القتال {فلو صدقوا الله} أي خلصوا له النية {لكان خيراً لهم}.(8/36)
وقوله سبحانه وتعالى: {فهل عسيتم إن توليتم} أي عن الجهاد ونكلتم عنه {أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ؟} أي تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام, ولهذا قال تعالى: {أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموماً, وعن قطع الأرحام خصوصاً, بل وقد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام, وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال, وقد وردت الأحاديث الصحاح والحسان بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق عديدة ووجوه كثيرة, قال البخاري: حدثنا خالد بن مخلد, حدثنا سليمان, حدثني معاوية بن أبي مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خلق الله تعالى الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوي الرحمن عز وجل فقال مه, فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة فقال تعالى: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت: بلى, قال: فذاك لك» قال أبو هريرة رضي الله عنه: اقرءوا إن شئتم {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} ثم رواه البخاري من طريقين آخرين عن معاوية بن أبي مزرد به قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا إن شئتم {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}. ورواه مسلم من حديث معاوية بن أبي مزرد به.(8/37)
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن علية, حدثنا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أحرى أن يعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الاَخرة من البغي وقطيعة الرحم». ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث إسماعيل هو ابن علية به, وقال الترمذي: هذا حديث صحيح. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بكر, حدثنا ميمون أبو محمد المرئي, حدثنا محمد بن عباد المخزومي عن ثوبان رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سره النسأ في الأجل والزيادة في الرزق فليصل رحمه». تفرد به أحمد وله شاهد في الصحيح. وقال أحمد أيضاً: حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا حجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي ذوي أرحام, أصل ويقطعون, وأعفو ويظلمون, وأحسن ويسيئون أفأكافئهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم: «لا, إذن تتركون جميعاً ولكن جد بالفضل وصلهم, فإنه لن يزال معك ظهير من الله عز وجل ما كنت على ذلك» تفرد به أحمد من هذا الوجه وله شاهد من وجه آخر.(8/38)
وقال الإمام أحمد: حدثنا يعلى, حدثنا فطر عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرحم معلقة بالعرش وليس الواصل بالمكافىء ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها» رواه البخاري. وقال أحمد: حدثنا بهز, حدثنا حماد بن سلمة, أخبرنا قتادة عن أبي ثمامة الثقفي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «توضع الرحم يوم القيامة لها حجنة كحجنة المغزل تكلم بلسان طلق ذلق, فتقطع من قطعها وتصل من وصلها» وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان, حدثنا عمرو عن أبي قابوس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء, والرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصلته ومن قطعها بتته» وقد رواه أبو داود والترمذي من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به, وهذا هو الذي يروى بتسلسل الأولية وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون حدثنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ, أن أباه حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وهو مريض فقال له عبد الرحمن رضي الله عنه, وصلت رحمك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمها من اسمي, فمن يصلها أصله ومن يقطعها أقطعه فأبته ـ أو قال ـ من بتها أبته» تفرد به أحمد من هذا الوجه, ورواه أحمد أيضاً من حديث الزهري عن أبي سلمة عن الرداد ـ أو أبي الرداد ـ عن عبد الرحمن بن عوف به, ورواه أبو داود والترمذي من رواية أبي سلمة عن أبيه, والأحاديث في هذا كثيرة جداً.(8/39)
وقال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز, حدثنا محمد بن عمار الموصلي, حدثنا عيسى بن يونس عن الحجاج بن الفرافصة, عن أبي عمر البصري عن سليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» وبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا ظهر القول وخزن العمل وائتلفت الألسنة وتباغضت القلوب, وقطع كل ذي رحم رحمه فعند ذلك لعنهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم» والأحاديث في هذا كثيرة, والله أعلم.
ومما جاء في صلة الرحم وقطعها
1- باب: من وصل وصله الله.
- حدثني بشر بن محمد: أخبرنا عبد الله: أخبرنا معاوية بن أبي مزرد قال: سمعت عمي سعيد بن يسار يحدث، عن أبي هريرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاقرؤوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}.
- حدثنا خالد بن مخلد: حدثنا سليمان: حدثنا عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته).
- حدثنا سعيد بن أبي مريم: حدثنا سليمان بن بلال قال: أخبرني معاوية ابن أبي مزرد، عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرحم شجنة، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته)
البخاري في كتاب الادب
2- باب صلة الرحم، وتحريم قطيعتها(8/40)
حدثنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبدالله الثقفي ومحمد بن عباد. قالا: حدثنا حاتم (وهو ابن إسماعيل) عن معاوية (وهو ابن أبي مزرد، مولى بني هاشم). حدثني عمي، أبو الحباب، سعيد بن يسار عن أبي هريرة، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله خلق الخلق. حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة. قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى. قال: فذاك لك".
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اقرؤا إن شئتم: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم. أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}" [47 /محمد /22 و-23 و-24].
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب (واللفظ لأبي بكر). قالا: حدثنا وكيع عن معاوية بن أبي مزرد، عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة. قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله. ومن قطعني قطعه الله".
حدثني زهير بن حرب وابن أبي عمر. قالا: حدثنا سفيان عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يدخل الجنة قاطع". قال ابن أبي عمر: قال سفيان: يعني قاطع رحم.
حدثني عبدالله بن محمد بن أسماء الضبعي. حدثنا جويرية عن مالك، عن الزهري؛ أن محمد بن جبير بن مطعم أخبره؛ أن أباه أخبره؛
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يدخل الجنة قاطع رحم".
-حدثنا محمد بن رافع وعبد بن حميد عن عبدالرزاق، عن معمر، عن الزهري، بهذا الإسناد، مثله. وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثني حرملة بن يحيى التجيبي. أخبرنا ابن وهب. أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك. قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من سره أن يبسط عليه رزقه، أو ينسأ في أثره، فليصل رحمه".(8/41)
-وحدثني عبدالملك بن شعيب بن الليث. حدثني أبي عن جدي. حدثني عقيل بن خالد. قال: قال ابن شهاب: أخبرني أنس بن مالك؛
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه".
-حدثني محمد بن المثنى ومحمد بن بشار (واللفظ لابن المثنى). قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة قال: سمعت العلاء بن عبدالرحمن يحدث عن أبيه، عن أبي هريرة؛
أن رجلا قال: يا رسول الله! إن لي قرابة. أصلهم ويقطعوني. وأحسن إليهم ويسيئون إلي. وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال "لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل. ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمت على ذلك". مسلم في كتاب البر والصلة
- باب ما جاء في قطيعة الرحم.
- حدثنا ابن أبي عمر وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة قال: اشتكى أبو الدرداء فعاده عبد الرحمن بن عوف فقال: خيرهم وأوصلهم ما علمت أبو محمد فقال عبد الرحمن:
- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تبارك وتعالى: أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته) .
- باب ما جاء في صلة الرحم
- حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان حدثنا بشيرٌ أبو إسماعيل وفطر بن خليفة عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
- (ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها) .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
- حدثنا ابن أبي عمر ونصر بن علي وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي قالوا حدثنا سفيان عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطعٌ) .
قال ابن أبي عمر قال: سفيان يعني قاطع رحم الترمذي في أبواب البر والصلة
ذكر حث المصطفى صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه أمته على صلة الرحم(8/42)
- أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن سليمان التيمي عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه أرحامكم أرحامكم
ذكر إيجاب دخول الجنة للواصل رحمه إذا قرنه بسائر العبادات
- أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال حدثنا سريج بن يونس قال حدثنا مروان بن معاوية عن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن موهب عن موسى بن طلحة أن أبا أيوب الأنصاري أخبره أن أعرابيا عرض للنبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بزمام ناقته فقال يا رسول الله أخبرني بأمر يدخلني الجنة وينجيني من النار قال فنظر إلى وجوه أصحابه وكف عن ناقته وقال لقد وفق أو هدي لا تشرك بالله شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم دع الناقة
ذكر إثبات طيب العيش في الأمن وكثرة البركة في الرزق للواصل رحمه
- أخبرنا أبو يعلى قال حدثنا كامل بن طلحة الجحدري قال حدثنا ليث بن سعد عن عقيل عن بن شهاب أنه سمع أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أن ينشأ له في أجله ويبسط له في رزقه فليصل رحمه
ذكر البيان بأن طيب العيش في الأمن وكثرة البركة في الرزق للواصل رحمه إنما يكون ذلك إذا قرنه بتقوى الله
- أخبرنا بن ناجية بحران حدثنا هشام بن القاسم الحراني حدثنا بن وهب عن يونس عن الزهري عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليتق الله وليصل رحمه
ذكر الخبر الدال على صحة ما تأولنا خبر أنس بن مالك الذي تقدم ذكرنا له
- أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي قال حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن الحسن عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا وما من أهل بيت يتواصلون فيحتاجون(8/43)
ذكر تعوذ الرحم بالباري جل وعلا عند خلقه إياها من القطيعة وإخبار الله جل وعلا إياها بوصل من وصلها وقطع من قطعها
- أخبرنا الحسن بن سفيان قال حدثنا حبان بن موسى قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا معاوية بن أبي مزرد قال سمعت عمي سعيد بن يسار أبا الحباب يحدث عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله خلق الرحم حتى إذا فرغ من خلقه قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذين من القطيعة قال نعم ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فهو لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واقرؤوا إن شئتم { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم }
ذكر تشكي الرحم إلى الله جل وعلا من قطعها وأساء إليها
- أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي قال حدثنا محمد بن كثير العبدي قال أخبرنا شعبة عن محمد بن عبد الجبار عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الرحم شجنة من الرحمن معلقة بالعرش تقول يا رب إني قطعت إني أسيء إلي فيجيبها ربها أما ترضين أن أقطع من قطعك وأصل من وصلك
ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم الرحم شجنة من الرحمن أراد أنها مشتقة من اسم الرحمن
- أخبرنا الحسن بن سفيان قال حدثنا حبان قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن رداد الليثي عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته
ذكر البيان بأن تشكي الرحم الذي وصفنا قبل إنما يكون في القيامة لا في الدنيا(8/44)
- أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الصمد قال حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الجبار قال سمعت محمد بن كعب القرظي أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرحم شجنة من الرحمن فإذا كان يوم القيامة تقول أي رب إني ظلمت إني أسيء إلي إني قطعت قال فيجيبها ربها ألا ترضين أن أقطع من قطعك وأصل من وصلك
ذكر وصف الواصل رحمه الذي يقع عليه اسم الواصل
- أخبرنا النضر بن محمد بن المبارك قال حدثنا محمد بن عثمان العجلي قال حدثنا عبيد الله بن موسى عن فطر عن مجاهد قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحم معلقة بالعرش وليس الواصل بالمكافىء ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها ابن حبان في كتاب البر والاحسان
الرجل يقسم صدقته على قرابته وجيرانه إذا كانوا من أهل السهمان لما جاء في صلة الرحم وحق الجار
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر بن الحسن القاضي وأبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني إملاء قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا سعيد بن أبي مريم ح وأخبرنا أبو محمد بن يوسف ثنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق القرشي بهراة ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم أنبأ سليمان بن بلال أخبرني معاوية بن أبي المزرد عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الرحم شجنة من الله من وصلها وصله ومن قطعها قطعه الله لفظ حديث الصغاني وفي رواية الدارمي الرحم شجنة من الرحمن رواه البخاري في الصحيح عن بن أبي مريم ورواه حاتم بن إسماعيل عن معاوية فقال في الحديث الرحم شجنة من الرحمن ورواه وكيع عن معاوية فقال في الحديث الرحم معلقة بالعرش ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح وروي في حديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه الرحم شجنة من الرحمن(8/45)
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق ح وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف أنبأ أبو بكر محمد بن الحسين القطان بن الحسن ببغداد ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن الزهري قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا الرداد الليثي أخبره عن عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته
- وحدثنا أبو محمد بن يوسف أنبأ أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة أنبأ الحسن بن محمد الزعفراني ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه عاد أبا الرداد فقال خيرهم وأوصلهم أبو محمد ما علمت فقال عبد الرحمن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل أنا الله وأنا الرحمن خلق الرحم وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو العباس القاسم بن القاسم ثنا أبو الموجه ثنا عبدان أنبأ عبد الله بن المبارك أنبأ معاوية بن أبي مزرد قال سمعت عمي سعيد بن يسار أبا الحباب يحدث عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم هذا مقام العائذ من القطيعة قال نعم ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى يا رب قال فهو لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واقرؤوا إن شئتم { فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } رواه البخاري في الصحيح عن بشر بن محمد عن عبد الله بن المبارك(8/46)
- أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنبأ أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بمكة ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري ح وأخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية بن عيينة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة قاطع رواه مسلم في الصحيح عن بن أبي عمر وغيره عن بن عيينة وعن محمد بن رافع وعبد عن عبد الرزاق وأخرجه البخاري من وجه آخر عن الزهري
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن علي بن ميمون الرقي ثنا محمد بن كثير العبدي ثنا سفيان الثوري عن الأعمش والحسن بن عمرو وفطر بن خليفة عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو رضى الله تعالى عنهما قال سفيان لم يرفعه الأعمش ورفعه الحسن وفطر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الواصل بالمكافي ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن كثير
- أخبرنا أبو علي الروذباري ثنا علي بن حمشاذ ثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون ثنا أبو نعيم ثنا فطر عن مجاهد قال سمعت عبد الله بن عمرو رضى الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرحم معلقة بالعرش وليس الواصل بالمكافي ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها
- أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه ثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي وأحمد بن إبراهيم بن ملحان قالا ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن بن شهاب قال أخبرني أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحب أن يبسط له في رزقه وينسىء له في أثره فليصل رحمه رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير وأخرجه مسلم من وجه آخر عن الليث(8/47)
- حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني إملاء وأبو بكر أحمد بن الحسن قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر ثنا بن عون عن حفصة بنت سيرين عن أم الرائح بنت ضليع عن سلمان بن عامر الضبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن صدقتك على المسكين صدقة وإنها على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة كذا قال أبو العباس ضليع وإنما هو صليع بالصاد
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو عبد الله محمد بن علي الصنعاني ثنا إسحاق بن إبراهيم الصنعاني ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن الزهري ح قال وحدثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه أم كثلوم بنت عقبة قال سفيان وكانت قد صلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح البيهقي في كتاب قسم الصدقات
- حدثنا أبو خيثمة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ أن أباه حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف يعوده فقال له عبد الرحمن وصلتك رحم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله أنا الرحمن وهي الرحم شققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته أو قال بتها أبته
-حدثنا محمد بن عباد حدثنا حاتم عن معاوية بن أبي مزرد عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصله ومن قطعها قطعه
- وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قال الله أنا الرحمن وهي الرحم شققت لها من اسمي فمن وصلها أصله ومن قطعها أقطعه فأبته(8/48)
- حدثنا إسحاق حدثنا علي بن قادم أخبرنا شريك عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يعني الرب عز وجل إن الرحم شجنة مني فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته أبو يعلى في مسنده
ما قالوا في البر وصلة الرحم
( 1 ) ابن عيينة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن عاد أبا ارداد فقال : خيرهم وأوصلهم أبو محمد - يعني ابن عون - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( قال الله : أنا الله وأنا الر حمن ، وهي الرحم ، شققت لها اسما من اسمي ، فمن وصلها وصلته ، من قطعها بتته ) .
( 2 ) وكيع عن معاوية بن أبي مزرد عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الرحم معلقة بالعرش ، تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ) .
( 3 ) أبو أسامة عن عوف عن زرارة بن أوفى عن عبد الله بن سلام قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس نحوه فأتيته ، فلما نظرت إليه عرفت أن وجهه ليس وجه كذاب : فكان أول شئ سمعته يقول : ( يا أيها الناس ! افشوا السلام ، وصلوا الارحام ، وأطعموا الطعام : وصلوا بالليل والناس نيام ) .
( 4 ) جرير عن منصور عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن كعب قال : والذي فلق الحبة والنوى لبني إسرائيل ! إن في التوراة مكتوب ( يا ابن آدم ! اتق ربك ، وابرر والديك ، وصل رحمك ، أمد لك في عمرك وأيسر لك يسرك ، وأصرف عنك عسرك ) .
( 5 ) جرير عن منصور عن أبي إسحاق عن مغراء عن ابن عمر قال : من اتقى ربه ووصل رحمه نسئ له في عمره ، وثرا ماله ، وأحبه أهله .
-----وصلة الرحم تكون بأكرام الا رقاب والاحسان إليهم والحفاظ على علاقة الود معهم .
---- افشوا السلام : سلموا على بعضكم كلما التقيتم بسلام الاسلام تحية أهل الحنة السلام عليكم .
---- نسئ له في عمره : طال عمره . ثرا ماله : كثر وزاد(8/49)
( 6 ) وكيع عن أبي عاصم الثقفي عن محمد بن عبد الله بن قارب قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول بلسان له ذلق : إن الرحم معلقة بالعرش تنادي بلسان لها ذلق : اللهم صل من وصلني ، واقطع من قطعني .
( 7 ) عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا قتادة عن أبي ثمامة الثقفي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( توضع الرحم يوم القيامة ولها حجنة كحجنة المغزل ، تكلم بلسان طلق ذلق فتصل من وصلها وتقطع من قطعها ) .
( 8 ) يزيد بن هارون عن شعبة عن محمد بن عبد الجبار عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ، ( الرحم شجنة من الرحمن تجئ يوم القيامة تقول : يا رب قطعت ، يا رب ظلمت ، يا رب أسيء إلي ) .
( 9 ) زيد بن الحباب قال حدثنا موسى بن عبيدة قال حدثنا المنذر بن جهم الاسلمي عن نوفل بن مساحق عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الرحم شجنة آخذة بحجزة الرحمن تناشد حقها فيقول : ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ، من وصلك فقد وصلني ومن قطعك فقد قطعني ) .
( 10 ) يزيد بن هارون قال حدثنا فطر عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الرحم معلقة بالعرش وليس المواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها ) .
( 11 ) شريك عن سماك عن زوج درة عن درة قالت : قلت : يا رسول الله ! من أتقى الناس ؟ قال : ( آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكرو أوصلهم للرحم )
ابن أبي شيبة في مصنفه
1-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سفيان عن عمر وعن أبي قابوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال
-الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء والرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصلته ومن قطعها بتته
.(8/50)
2- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا وكيع قال حدثنا معاوية بن أبي مزرد عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت:
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحم من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله. أحمد
3-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة قال: اشتكى أبو الرداد فعاده عبد الرحمن بن عوف فقال أبو الرداد: خيرهم وأوصلهم ما علمت أبو محمد فقال عبد الرحمن بن عوف: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
-قال الله عز وجل: أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته.
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ أن أباه حدثه أنه:
-دخل على عبد الرحمن بن عوف وهو مريض فقال له عبد الرحمن: وصلتك رحم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: أنا الرحمن وخلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن يصلها أصله ومن يقطعها أقطعه أو قال: من يبتها أبتته. أحمد في المسند
الياقوتة 26
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة عن عمر ابن أبي سلمة عن أبيه قال: حدثني قاص أهل فلسطين قال: سمعت عبد الرحمن بن عوف يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
-ثلاث والذي نفس محمد بيده إن كنت لحالفا عليهن لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا ولا يعفو عبد عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلا رفعه الله بها وقال أبو سعيد مولى بني هاشم: إلا زاده الله بها عزا يوم القيامة ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر. رواه أحمد في مسند عبد الرحمن بن عوف
شرح فيض القدير الامام محمد عبد الرؤوف المناوي(8/51)
(ثلاث أقسم عليهن) أي على حقيقتهن (ما نقص مال قط من صدقة) فإنه وإن نقص في الدنيا فنفعه في الآخرة باق فكأنه ما نقص وليس معناه أن المال لا ينقص حساً قال ابن عبد السلام: ولأن اللّه يخلف عليه لأن ذا معنى مستأنف(1) (فتصدقوا) ولا تبالوا بالنقص الحسي (ولا عفا رجل) ذكر الرجل غالبي والمراد إنسان (عن مظلمة ظلمها) بالبناء للمجهول (إلا زاده اللّه تعالى بها عزاً) في الدنيا والآخرة كما سلف تقريره (فاعفوا يزدكم اللّه عزاً ولا فتح رجل) أي إنسان (على نفسه باب مسألة) أي شحاذة (يسأل الناس) أي يطلب منهم أن يعطوه من مالهم ويظهر لهم الفقر والحاجة وهو بخلاف ذلك (إلا فتح اللّه عليه باب فقر) لم يكن له في حساب بأن يسلط على ما بيده ما يتلفه حتى يعود فقيراً محتاجاً على حالة أسوأ مما أذاع عن نفسه جزاءاً على فعله {ولا يظلم ربك أحداً}.
- (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي [ص 299] (في) كتاب (ذم الغضب )عن عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرة بالجنة.
معناه أن ابن آدم لا يضيع له شيء وما لم ينتفع به في دنياه انتفع به في الآخرة فالإنسان إذا كان له داران فحول بعض ماله من إحدى داريه إلى الأخرى لا يقال ذلك البعض المحول نقص من ماله وقد كان بعض السلف يقول إذا رأى السائل مرحباً بمن جاء يحول مالنا من دنيانا لأخرانا فهذا معنى الحديث وليس معناه أن المال لا ينقص في الحس
وأخرج الامام السيوطي في الجامع الصغير حديث ابن أبي كبشه الذي عزاه لأحمد والترمذي,وفي أوله: ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال قط من صدقة ،وهو:
ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده اللّه عز وجل عزاً ولا فتح عبد باب مسئلة إلا فتح اللّه عليه باب فقر(8/52)
وأحدثكم حديثاً فاحفظوه إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه اللّه مالاًوعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم للّه فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل عبد رزقه اللّه علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء وعبد رزقه اللّه مالاً ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل منه رحمه ولا يعلم للّه فيه حقاً فهذا بأخبث المنازل عبد لم يرزقه اللّه مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء
شرح فيض القدير الامام محمد عبد الرؤوف المناوي(8/53)
- (ثلاث أقسم عليهن) أي أحلف على حقيقتهن (ما نقص مال عبد من صدقة) تصدق بها منه بل يبارك اللّه له فيه في الدنيا ما يجبر نقصه الحسي زيادة ويثيبه عليها في الآخرة (ولا ظلم عبد) بالبناء للمجهول (مظلمة صبر عليها إلا زاده اللّه عز وجل عزاً) في الدنيا والآخرة (ولا فتح عبد باب مسئلة إلا فتح اللّه عليه باب فقر) من حيث لا يحتسب (وأحدثكم حديثاً فاحفظوه) عني لعل اللّه أن ينفعكم به (إنما الدنيا لأربعة نفر) أي إنما حال أهلها حال أربعة: الأول (عبد رزقه اللّه مالاً) من جهة حل (وعلماً) من العلوم الشرعية النافعة في الدين (فهو يتقي فيه) أي في كل من المال والعلم (ربه) بأن ينفق من المال في وجوه القرب ويعمل بما علمه من العلم ويعلمه لوجه اللّه تعالى لا لغرض آخر (ويصل فيه رحمه) أي في المال بالصلة منه وفي العلم بإسعافه بجاه العلم ونحو ذلك (ويعلم للّه فيه حقاً) من وقف وإقراء وإفتاء وتدريس (فهذا) الإنسان القائم بذلك (بأفضل المنازل) عند اللّه تعالى لجمعه بين المال والعلم وجوزه لفضلهما في الدنيا والآخرة (و) الثاني (عبد رزقه اللّه علماً) من العلوم الشرعية (ولم يرزقه مالاً) يتصدق منه وينفق في وجوب القرب (فهو صادق النية يقول) فيما بينه وبين اللّه تعالى بصدق نية وصلاح طوية (لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان) أي الذي له مال ينفق منه في مرضاة اللّه ابتغاء لوجهه (فهو بنيته) أي يؤجر على حسبها ويعطى بقضيتها (فأجرهما سواء) أي فأجر علم هذا أو مال هذا سواء في المقدار أو فأجر عقد عزمه على أنه لو كان له من المال ما ينفق منه في الخير وأجر من له مال ينفق منه فيه سواء لأنه لو كان يملكه لفعل وعلى هذا فيكون أجر العلم زيادة له (و) الثالث (عبد رزقه اللّه مالاً ولم يرزقه علماً) أي من العلوم الشرعية وإن كان عنده من علم غيرها (يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه) أي لا يخافه فيه بأن لم يخرج ما فرض عليه من الزكاة (ولا يصل منه(8/54)
رحمه) أي قرابته (ولا يعلم للّه فيه حقاً) من إطعام جائع وكسوة عار وفك أسير وإعطاء في نائبة ونحو ذلك (فهذا) العامل على ذلك (بأخبث المنازل) عند اللّه أي أخسها وأحقرها عنده (و) الرابع (عبد لم يرزقه اللّه مالاً ولا علماً) ينتقع به (فهو يقول) بنية صادقة وعزيمة قوية (لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان) ممن أوتي مالاً فعمل فيه صالحاً (فهو بنيته) أي فيؤجر عليها ويجازي بحسبها (فوزرهما سواء) أي من رزق مالاً فأنفق منه في وجوه القرب ومن علم اللّه منه أنه لو كان له مال لعمل فيه ذلك العمل فيكونان بمنزلة واحدة في الآخرة لا يفضل أحدهما على صاحبه من هذه الجهة.
- (حم ت عن أبي كبشة) واسمه سعيد بن عمرو أو عمرو بن سعيد وقيل عمرو أو عامر بن سعيد صحابي نزل الشام (الأنماري) [ص 300] بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الميم وآخره راء نسبة إلى أنمار.
الياقوتة 27
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا شريح بن النعمان حدثنا نوح بن قيس عن نصر بن علي الجهضمي عن النضر بن شيبان الحذاني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قلت له: ألا تحدثني حديثا عن أبيك سمعه أبوك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أقبل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-إن رمضان شهر افترض الله عز وجل صيامه وإني سننت للمسلمين قيامه فمن صامه إيمانا واحتسابا خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه قال أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك قال أبو عبد الرحمن: وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده رواه أحمد في مسند عبد الرحمن بن عوف
ومما أخرج البخاري في كتاب الصوم
باب: من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية.
وقالت عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يبعثون على نياتهم).
- حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا هشام: حدثنا يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه،(8/55)
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله
قوله باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية قال الزين بن المنير حذف الجواب ايجازا واعتمادا على ما في الحديث وعطف قوله نية على قوله احتسابا لأن الصوم إنما يكون لأجل التقرب إلى الله والنية شرط في وقوعه قربة قال والأولى أن يكون منصوبا على الحال وقال غيره انتصب على أنه مفعول له أو تمييز أو حال بان يكون المصدر في معنى اسم الفاعل أي مؤمنا محتسبا والمراد بالإيمان الاعتقاد بحق فرضية صومه وبالاحتساب طلب الثواب من الله تعالى وقال الخطابي احتسابا أي عزيمة وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه قوله وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم يبعثون على نياتهم هذا طرف من حديث وصله المصنف في أوائل البيوع من طريق نافع بن جبير عنها وأوله يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم ثم يبعثون على نياتهم يعني يوم القيامة ووجه الاستدلال منه هنا أن للنية تاثيرا في العمل لاقتضاء الخبر أن في الجيش المذكور المكره والمختار فإنهم إذا بعثوا على نياتهم وقعت المؤاخذة على المختار دون المكره(8/56)
- قوله حدثنا يحيى هو بن أبي كثير قوله عن أبي سلمة هو بن عبد الرحمن ووقع في رواية معاذ بن هشام عن أبيه عند مسلم حدثني أبو سلمة ونحوه في رواية شيبان عن يحيى عند أحمد قوله من قام ليلة القدر يأتي الكلام عليه في الباب المعقود لها في أواخر الصيام قوله ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه زاد أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة وما تأخر وقد رواه أحمد أيضا عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو وبدون هذه الزيادة ومن طريق يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بدونها أيضا ووقعت هذه الزيادة أيضا في رواية الزهري عن أبي سلمة أخرجها النسائي عن قتيبة عن سفيان عنه وتابعه حامد بن يحيى عن سفيان أخرجه بن عبد البر في التمهيد واستنكره وليس بمنكر فقد تابعه قتيبة كما ترى وهشام بن عمار وهو في الجزء الثاني عشر من فوائده والحسين بن الحسن المروزي أخرجه في كتاب الصيام له ويوسف بن يعقوب النجاحي أخرجه أبو بكر بن المقري في فوائد كلهم عن سفيان والمشهور عن الزهري بدونها وقد وقعت هذه الزيادة أيضا في حديث عبادة بن الصامت عند الإمام أحمد من وجهين وإسناده حسن وقد استوعبت الكلام على طرقه في كتاب الخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة وهذا محصله وقوله من ذنبه اسم جنس مضاف فيتناول جميع الذنوب الا أنه مخصوص عند الجمهور وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الوضوء وفي أوائل كتاب المواقيت قال الكرماني وكلمة من أما متعلقة بقوله غفر أي غفر من ذنبه ما تقدم فهو منصوب المحل اوهى مبنية لما تقدم وهو مفعول لما لم يسم فاعله فيكون مرفوع المحل
باب: الصوم كفارة.
- حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان: حدثنا جامع، عن أبي وائل، عن حذيفة قال:(8/57)
قال عمر رضي الله عنه: من يحفظ حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟. قال حذيفة: أنا سمعته يقول: (فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، تكفرها الصلاة والصيام والصدقة). قال: ليس أسأل عن ذه، إنما أسأل عن التي تموج كما يموج البحر. قال: وإن دون ذلك بابا مغلقا، قال: فيفتح أو يكسر؟ قال: يكسر، قال ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة، فقلنا لمسروق: سله أكان عمر يعلم من الباب؟. فسأله فقال: نعم، كما يعلم أن دون غد الليلة.
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله(8/58)
---قوله باب الصوم كفارة كذا لأبي ذر والجمهور بتنوين باب أي الصوم يقع كفارة للذنوب ورايته هنا بخط القطب في شرحه باب كفارة الصوم أي باب تكفير الصوم للذنوب وقد تقدم في اثناء الصلاة باب الصلاة كفارة وللمستملى باب تكفير الصلاة وأورد فيه حديث الباب بعينه من وجه آخر عن أبي وائل وقد تقدم طرف من الكلام على الحديث ويأتي شرحه مستوفى في علامات النبوة إن شاء الله تعالى وفيه ما ترجم له لكن أطلق في الترجمة والخبر مقيد بفتنة المال وما ذكر معه فقد يقال لا يعارض الحديث السابق في الباب قبله وهو كون الأعمال كفارة الا الصوم لأنه يحمل في الاثبات على كفارة شيء مخصوص وفي النفي على كفارة شيء آخر وقد حمله المصنف في موضع آخر على تكفير مطلق الخطيئة فقال في الزكاة باب الصدقة تكفر الخطيئة ثم أورد هذا الحديث بعينه ويؤيد الإطلاق ما ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة أيضا مرفوعا الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر وقد تقدم البحث في الصلاة ولابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا من صام رمضان وعرف حدوده كفر ما قبله ولمسلم من حديث أبي قتادة أن صيام عرفة يكفر سنتين وصيام عاشوراء يكفر سنة وعلى هذا فقوله كل العمل كفارة الا الصيام يحتمل أن يكون المراد الا الصيام فإنه كفارة وزيادة ثواب على الكفارة ويكون المراد بالصيام الذي هذا شأنه ما وقع خالصا سالما من الرياء والشوائب كما تقدم شرحه والله أعلم,
البخاري: تطوع قيام رمضان من الإيمان.
37 - حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(من قام رمضان، إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه).
-
بسم الله الرحمن الرحيم.
- باب: فضل من قام رمضان.
- حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:(8/59)
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لرمضان: (من قامه إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه).
- حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه).
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله
قوله باب فضل من قام رمضان أي قام لياليه مصليا والمراد من قيام الليل ما يحصل به مطلق القيام كما قدمناه في التهجد سواء وذكر النووي أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح يعني أنه يحصل بها المطلوب من القيام لا أن قيام رمضان لا يكون الا بها وأغرب الكرماني فقال اتفقوا على أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح .(8/60)
- قوله عن بن شهاب في رواية بن القاسم عند النسائي عن مالك حدثني بن شهاب قوله أخبرني أبو سلمة كذا رواه عقيل وتابعه يونس وشعيب وابن أبي ذئب ومعمر وغيرهم وخالفه مالك فقال عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة وقد صح الطريقان عند البخاري فاخرجهما على الولاء وقد أخرجه النسائي من طريق جويرية بن أسماء عن مالك عن الزهري عنهما جميعا وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه وصحح الطريقين وحكى أن أبا همام رواه عن بن عيينة عن الزهري فخالف الجماعة فقال عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وخالفه أصحاب سفيان فقالوا عن أبي سلمة وقد رواه النسائي من طريق سعيد بن أبي هلال عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب مرسلا قوله يقول لرمضان أي لفضل رمضان أو لأجل رمضان ويحتمل أن تكون اللام بمعنى عن أي يقول عن رمضان قوله ايمانا أي تصديقا بوعد الله بالثواب عليه واحتسابا أي طلبا للأجر لا لقصد آخر من رياء أو نحوه قوله غفر له ظاهره يتناول الصغائر والكبائر وبه جزم بن المنذر وقال النووي المعروف أنه يختص بالصغائر وبه جزم إمام الحرمين وعزاه عياض لأهل السنة قال بعضهم ويجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة قوله ما تقدم من ذنبه زاد قتيبة عن سفيان عند النسائي وما تأخر وكذا زادها حامد بن يحيى عند قاسم بن أصبغ والحسين بن الحسن المروزي في كتاب الصيام له وهشام بن عمار في الجزء الثاني عشر من فوائده ويوسف بن يعقوب النجاحي في فوائده كلهم عن بن عيينة ووردت هذه الزيادة من طريق أبي سلمة من وجه آخر أخرجها أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعن ثابت عن الحسن كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ووقعت هذه الزيادة من رواية مالك نفسه أخرجها أبو عبد الله الجرجاني في اماليه من طريق بحر بن نصر عن بن وهب عن مالك ويونس عن الزهري ولم يتابع بحر بن نصر على ذلك أحد من أصحاب بن وهب ولا من أصحاب مالك ولا يونس سوى ما(8/61)
قدمناه وقد ورد في غفران ما تقدم وما تأخر من الذنوب عدة أحاديث جمعتها في كتاب مفرد وقد استشكلت هذه الزيادة من حيث أن المغفرة تستدعى سبق شيء يغفر والمتاخر من الذنوب لم يأت فكيف يغفر والجواب عن ذلك يأتي في قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله عز وجل أنه قال في أهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ومحصل الجواب أنه قيل أنه كناية عن حفظهم من الكبائر فلا تقع منهم كبيرة بعد ذلك وقيل أن معناه أن ذنوبهم تقع مغفورة وبهذا أجاب جماعة منهم الماوردي في الكلام على حديث صيام غرفة وأنه يكفر سنتين سنة ماضية وسنة اتية
27 - باب: صوم رمضان احتسابا من الإيمان.
38 - حدثنا ابن سلام قال: أخبرنا محمد بن فضيل قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه).
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله
باب: فضل ليلة القدر.
وقول الله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر. تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام هي حتى مطلع الفجر}.
قال ابن عيينة: ما كان في القرآن (ما أدراك) فقد أعلمه، وما قال: (وما يدريك). فإنه لم يعلمه.
- حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان قال: حفظناه، وإنما حفظ من الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). تابعه سليمان بن كثير، عن الزهري.
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله(8/62)
قوله باب فضل ليلة القدر وقال الله تعالى{ إِنَّاإنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر. تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام هي حتى مطلع الفجر} أَنْزَل ْنَاهُ فِي لَيْلَةِ
ثبت في رواية أبي ذر قبل الباب بسملة وفي رواية غيره وقول الله عز وجل{ إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر. تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام هي حتى مطلع الفجر} أي تفسير قول الله وساق في رواية كريمة السورة كلها ومناسبة ذلك للترجمة من جهة أن نزول القرآن في زمان بعينه يقتضى فضل ذلك الزمان والضمير في قوله إنا انزلناه للقرآن لقوله تعالى{ شهر رمضان الذي انزل فيه القران }ومما تضمنته السورة من فضل ليلة القدر {تنزل الملائكة فيها }وسيأتي في التفسير ذكر الاختلاف في سبب نزولها وغير ذلك من تفسيرها واختلف في المراد بالقدر الذي اضيفت إليه الليلة فقيل المراد به التعظيم كقوله تعالى {وما قدروا الله حق قدره }والمعنى أنها ذات قدر لنزول القرآن فيها أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر وقيل القدر هنا التضييق كقوله تعالى{ ومن قدر عليه رزقه} ومعنى التضييق فيها اخفاؤها عن العلم بتعيينها أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة وقيل القدر هنا بمعنى القدر بفتح الدال الذي هو مؤاخى القضاء والمعنى أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة لقوله تعالى{ فيها يفرق كل أمر حكيم }وبه صدر النووي كلامه فقال قال العلماء سميت ليلة القدر لما تكتب فيها الملائكة من الاقدار لقوله تعالى{ فيها يفرق كل أمر حكيم }ورواه عبد الرزاق وغيره من المفسرين بأسانيد صحيحة عن مجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم وقال التوربشتى إنما جاء القدر بسكون الدال وإن كان الشائع في القدر الذي هو مؤاخى القضاء فتح الدال(8/63)
ليعلم أنه لم يرد به ذلك وإنما أريد به تفصيل ما جرى به القضاء وإظهاره وتحديده في تلك السنة لتحصيل ما يلقى إليهم فيها مقدارا بمقدار قوله قال بن عيينة الخ وصله محمد بن يحيى بن أبي عمر في كتاب الإيمان له من رواية أبي حاتم الرازي عنه قال حدثنا سفيان بن عيينة فذكره بلفظ كل شيء في القرآن وما إدراك فقد أخبره به وكل شيء فيه وما يدرك فلم يخبره به انتهى وعزاه مغلطاي فيما قرأت بخطه لتفسير بن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن عنه وقد راجعت منه نسخة بخط الحافظ الضياء فلم أجده فيه ومقصود بن عيينة أنه صلى الله عليه وسلم كان يعرف تعيين ليلة القدر وقد تعقب هذا الحصر بقوله تعالى {لعله يزكى }فإنها نزلت في بن أم مكتوم وقد علم صلى الله عليه وسلم بحاله وأنه ممن تزكى ونفعته الذكرى
- قوله حفظناه من الزهري أيما حفظ برفع أي وما زائدة وهو مبتدأ وخبره محذوف تقديره حفظ ومن الزهري متعلق بحفظناه وروى بنصب أيما على أنه مفعول مطلق لحفظ المقدر قوله من صام رمضان تقدم في الباب قبله من رواية مالك عن الزهري بسنده بلفظ قام بدل صام وتقدم الكلام عليه وزاد بن عيينة في روايته هنا ومن قام ليلة القدر الخ قوله تابعه سليمان بن كثير عن الزهرى وصله الذهلي في الزهريات
مسلم في كتاب صلاة المسافرين) باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح
- حدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب، عن حميد بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه".
- حدثنا يحيى بن يحيى. أخبرنا عبدالرزاق. أخبرنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة. فيقول:(8/64)
"من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه" فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك. ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر. وصدرا من خلافة عمر على ذلك.
- وحدثني زهير بن حرب. حدثنا معاذ بن هشام. حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير. قال: حدثنا أبو سلمة بن عبدالرحمن؛ أن أبا هريرة حدثهم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه. ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
- حدثني محمد بن رافع. حدثنا شبابة. حدثني ورقاء عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من يقم ليلة القدر فيوافقها (أراه قال) إيمانا واحتسابا غفر له".
قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" وقوله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً" وغير ذلك، فكل هذه الفضائل تحصل سواء تم عدد رمضان أم نقص والله أعلم
باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".(8/65)
*وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُرَغّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ. فَيَقُولُ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَاتَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَىَ ذَلِكَ. ثُمّ كَانَ الأَمْرُ علَىَ ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ. وَصَدْراً مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ علَىَ ذَلِكَ.
*وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدّثَهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ. حَدّثَنِي وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَيُوَافِقُهَا (أُرَاهُ قَالَ) إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ".(8/66)
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ. فَصَلّىَ بِصَلاَتِهِ نَاسٌ. ثُمّ صَلّىَ مِنَ الْقَابِلَةِ. فَكَثُرَ النّاسُ. ثُمّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللّيْلَةِ الثّالِثَةِ أَوِ الرّابِعَةِ. فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمّا أَصْبَحَ قَالَ: "قَدْ رَأَيْتُ الّذِي صَنَعْتُمْ. فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلاّ أَنّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ".
قَالَ: وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ.(8/67)
*وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونسُ بْنُ يزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ أَنّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ فَصَلّىَ فِي الْمَسْجِدِ. فَصَلّىَ رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ. فَأَصْبَحَ النّاسُ يَتَحَدّثُونَ بِذَلِكَ. فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي اللّيْلَةِ الثّانِيَةِ. فَصَلّوْا بِصَلاَتِهِ. فَأَصْبَحَ النّاسُ يَذْكُرُونَ ذَلِك. فَكَثُرُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللّيْلَةَ الثّالِثَةِ. فَخَرَجَ فَصَلّوْا بِصَلاَتِهِ. فَلَمّا كَانَتِ اللّيْلَةُ الرّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ. فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَطَفِقَ رِجَالٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: الصّلاَةَ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ. فَلَمّا قَضَىَ الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَىَ النّاسِ. ثُمّ تَشَهّدَ، فَقَالَ: "أَمّا بَعْدُ. فَإِنّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيّ شَأْنُكُمُ اللّيْلَةَ. وَلَكِنّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلاَةُ اللّيْلِ. فَتَعْجِزُوا عَنْهَا".(8/68)
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرّازِيّ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدّثَنَا الأَوْزَاعِيّ حَدّثَنِي عَبْدَةُ عَنْ زِرَ. قَالَ: سَمِعْتُ أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ: (وَقِيلَ لَهُ: إِنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ قَامَ السّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ) فَقَالَ أُبَيّ: وَالله الّذِي لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ إِنّهَا لَفِي رَمَضَانَ (يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي) وَوَالله إِنّي لأَعْلَمُ أَيّ لَيْلَةٍ هِيَ. هِيَ اللّيْلَةُ الّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِقِيَامِهَا. هِيَ لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لاَ شُعَاعَ لَهَا.
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مْحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَةَ ابْنَ أَبِي لُبَابَةَ يَحدّثُ عَنْ زِرّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبِيّ بْنِ كَعْبٍ. قَالَ: قَالَ أُبَيّ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَالله. إِنّي لأَعْلَمُهَا. وَأَكْثَرُ عِلْمِي هِيَ اللّيْلَةُ الّتِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِقِيَامِهَا. هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ.
وَإِنّمَا شَكّ شُعْبَةُ فِي هَذَا الْحَرْفِ: هِيَ اللّيْلَةُ الّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَحَدّثَنِي بِهَا صَاحِبٌ لِي عَنْهُ.(8/69)
قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً" معنى إيماناً تصديقاً بأنه حق مقتصد فضيلته، ومعنى احتساباً أن يريد الله تعالى وحده لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص، والمراد بقيام رمضان صلاة التراويح، واتفق العلماء على استحبابها، واختلفوا في أن الأفضل صلاتها منفرداً في بيته أم في جماعة في المسجد؟ فقال الشافعي وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية وغيرهم: الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة رضي الله عنهم واستمر عمل المسلمين عليه لأنه من الشعائر الظاهرة فأشبه صلاة العيد. وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم: الأفضل فرادى في البيت لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة". قوله صلى الله عليه وسلم: "غفر له ما تقدم من ذنبه" المعروف عند الفقهاء أن هذا مختص بغفران الصغائر دون الكبائر، قال بعضهم: ويجوز أن يخفف من الكبائر ما لم يصادف صغيرة. قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" قوله: "من غير أن يأمرهم بعزيمة معناه لا يأمرهم أمر إيجاب وتحتيم بل أمر ندب وترغيب، ثم فسره بقوله فيقول من قام رمضان وهذه الصيغة تقتضي الترغيب والندب دون الإيجاب، واجتمعت الأمة على أن قيام رمضان ليس بواجب بل هو مندوب. قوله: "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر" معناه استمر الأمر هذه المدة، على أن كل واحد يقوم رمضان في بيته منفرداً حتى انقضى صدراً من خلافة عمر، ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب فصلى بهم جماعة واستمر العمل على فعلها جماعة، وقد جاءت هذه الزيادة في صحيح البخاري في كتاب الصيام.(8/70)
قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" هذا مع الحديث المتقدم (من قام رمضان) قد يقال إن أحدهما يغني عن الاَخر، وجوابه أن يقال قيام رمضان من غير موافقة ليلة القدر ومعرفتها سبب لغفران الذنوب، وقيام ليلة القدر لمن وافقها وعرفها سبب للغفران وإن لم يقم غيرها. قوله صلى الله عليه وسلم: "من يقم ليلة القدر فيوافقها" معناه يعلم أنها ليلة القدر.
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس" وذكر الحديث، ففيه جواز النافلة جماعة، ولكن إِلاختيار فيها الانفراد إلا في نوافل مخصوصة وهي العيد والكسوف والاستسقاء وكذا التراويح عند الجمهور كما سبق، وفيه جواز النافلة في المسجد وإن كان البيت أفضل، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها في المسجد لبيان الجواز وأنه كان معتكفاً، وفيه جواز إِلاقتداء بمن لم ينو إمامته، وهذا صحيح على المشهور من مذهبنا ومذهب العلماء، ولكن إن نوى الإمام إمامتهم بعد اقتدائهم حصلت فضيلة الجماعة له ولهم، وإن لم ينوها حصلت لهم فضيلة الجماعة، ولا يحصل للإمام على الأصح لأنه لم ينوها والأعمال بالنيات، وأما المأمومون فقد نووها. وفيه إذا تعارضت مصلحة وخوف مفسدة أو مصلحتان اعتبر أهمهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان رأى الصلاة في المسجد مصلحة لما ذكرناه، فلما عارضه خوفه إِلافتراض عليهم تركه لعظم المفسدة التي تخاف من عجزهم وتركهم للفرض. وفيه أن الإمام وكبير القوم إذا فعل شيئاً خلاف ما يتوقعه أتباعه وكان له فيه عذر يذكره لهم تطييباً لقلوبهم وإصلاحاً لذات البين لئلا يظنوا خلاف هذا وربما ظنوا ظن السوء والله أعلم. قوله: "فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس ثم تشهد فقال أما بعد فإنه لم يخف علي شأنكم الليلة" في هذه الألفاظ فوائد: منها استحباب التشهد في صدر الخطبة والموعظة، وفي حديث في سنن أبي داود: "الخطبة(8/71)
التي ليس فيها تشهد كاليد الجذماء". ومنها استحباب قول أما بعد في الخطب، وقد جاءت به أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة، وقد ذكر البخاري في صحيحه باباً في البداءة في الخطبة بأما بعد، وذكر فيه جملة من الأحاديث. ومنها أن السنة في الخطبة والموعظة استقبال الجماعة. ومنها أنه يقال جرى الليلة كذا وإن كان بعد الصبح، وهكذا يقال الليلة إلى زوال الشمس، وبعد الزوال يقال البارحة، وقد سبقت هذه المسألة في أول الكتاب
*2* باب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر وبيان دليل من قال إنها ليلة سبع وعشرين
*وحدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ: إِنّمَا شَكّ شُعْبَةُ، وَمَا بَعْدَهُ.
فيه حديث أبي بن كعب أنه كان يحلف أنها ليلة سبع وعشرين وهذا أحد المذاهب فيها، وأكثر العلماء على أنها ليلة مبهمة من العشر الأواخر من رمضان وأرجاها أوتارها، وأرجاها ليلة سبع وعشرين وثلاث وعشرين وإحدى وعشرين وأكثرهم أنها ليلة معينة لا تنتقل، وقال المحققون: إنها تنتقل فتكون في سنة ليلة سبع وعشرين، وفي سنة ليلة ثلاث، وسنة ليلة إحدى، وليلة أخرى وهذا أظهر، وفيه جمع بين الأحاديث المختلفة فيها، وسيأتي زيادة بسط فيها إن شاء الله تعالى في آخر كتاب الصيام حيث ذكرها مسلم. قوله: "وأكثر علمي" ضبطناه بالمثلثة وبالموحدة والمثلثة أكثر
*2* باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه(8/72)
*حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيّانَ الْعَبْدِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيَ) حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كهَيْلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: بِتّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللّيْلِ. فَأَتَىَ حَاجَتَهُ. ثُمّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ. ثُمّ نَامَ. ثُمّ قَامَ. فَأَتَىَ الْقِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا. ثُمّ تَوَضّأَ وُضُوءاً بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ. وَلَمْ يُكْثِرْ. وَقَدْ أَبْلَغَ. ثُمّ قَامَ فَصَلّىَ. فَقُمْتُ فَتَمَطّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنّي كُنْتُ أَنْتَبِهُ لَهُ. فَتَوَضّأْتُ. فَقَامَ فَصَلّىَ. فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ. فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ. فَتَتَامّتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. ثُمّ اضْطَجَعَ. فَنَامَ حَتّى نَفَخَ. وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ. فَأَتَاهُ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصّلاَةِ. فَقَامَ فَصَلّىَ وَلَمْ يَتَوَضّأْ. وَكَانَ فِي دُعَائِهِ: "اللّهُمّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، وَفِي سَمْعِي نُوراً، وَعَنْ يَمِينِي نُوراً، وَعَنْ يَسَارِي نُوراً، وَفَوْقِي نُوراً، وَتَحْتِي نُوراً، وَأَمَامِي نُوراً، وَخَلْفِي نُوراً، وَعَظّمْ لِي نُورَاً".
ومما أخرج المحدثون في صيام وقيام شهر القرأن
أبو داود باب في قيام شهر رمضان
- حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن المتوكل قالا: ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، قال الحسن في حديثه: ومالك بن أنس، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال:(8/73)
كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: "مَنْ قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" فتوفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي اللّه عنه وصدراً من خلافة عمر رضي اللّه عنه.
قال أبو داود: وكذا رواه عقيل ويونس وأبو أويس "من قام رمضان" وروى عقيل "من صام رمضان وقامه".
ـ حدثنا مخلد بن خالد وابن أبي خلف، المعنى قالا: ثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة،
يبلغ به النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
قال أبو داود: وكذا رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة.
ـ حدثنا القعنبي، عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم
أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلاّ أني خشيت أن تفرض عليكم" وذلك في رمضان.
ـ حدثنا هناد [بن السري] ثنا عبدة، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة [رضي اللّه عنها] قالت:
كان الناس يصلون في المسجد في رمضان أوزاعاً فأمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فضربت له حصيراً فصلى عليه، بهذه القصة، قالت فيه: قال تعني النبي صلى اللّه عليه وسلم "أيها الناس، أما والله ما بتُّ ليلتي هذه بحمد اللّه غافلاً، ولا خفي عليَّ مكانكم".
ـ حدثنا مسدد، ثنا يزيد بن زريع، ثنا داود بن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر قال:(8/74)
صمنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبعٌ، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يارسول اللّه، لو نفَّلتنا قيام هذه الليلة قال: فقال "إن الرجل إذا صلى مع الإِمام حتى ينصرف حسب له قيام الليلة" قال: فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح؟ قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر.
1376ـ حدثنا نصر بن عليّ وداود بن أمية أن سفيان أخبرهم عن أبي يعفور، وقال داود بن أمية: عن ابن عبيد بن نسطاس، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة
"أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحيا الليل وشد المئزر وأيقظ أهله".
قال أبو داود: وأبو يعفور اسمه عبد الرحمن بن عبيد بن نِسْطَاس.
ـ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني، قال: ثنا عبد اللّه بن وهب، أخبرني مسلم بن خالد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:
خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإِذا أناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد فقال: "ماهؤلاء"؟ فقيل: هؤلاء ناسٌ ليس معهم قرآن، وأبيُّ بن كعبٍ يصلي وهم يصلون بصلاته، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "أصابوا، ونعم ما صنعوا".
قال أبو داود: ليس هذا الحديث بالقويّ، مسلم بن خالد ضعيف
ابن ماجه باب ما جاء في قيام شهر رمضان
- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا محمد بن بشر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ قال:
- قال ((من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه)).
باب ما جاء في فضل شهر رمضان
- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا محمد بن فضيل، عن يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)).(8/75)
الترمذي حدثنا هناد أخبرنا عبدة والمحاربي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
هذا حديث صحيح.
النسائي ثواب من قام رمضان وصامه إيمانا واحتسابا والاختلاف على الزهريي في الخبر في ذلك.
- أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث قال أنبأنا خالد عن ابن أبي هلال عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
-من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- أخبرنا محمد بن جبلة قال حدثنا المعافى قال حدثنا موسى عن إسحاق بن راشد عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير:
-أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب الناس في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- أخبرنا زكريا بن يحيى قال أنبأنا إسحاق قال أنبأنا عبد الله بن الحرث عن يونس الأيلي عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته:
-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في جوف الليل يصلي في المسجد فصلى بالناس وساق الحديث وفيه قالت فكان يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة ويقول من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قال فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك.
- أخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال:
-سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في رمضان من قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- أخبرني محمد بن خالد قال حبشر بن شعيب عن أبيه عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته:(8/76)
-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى في المسجد وساق الحديث وقال فيه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- أخبرنا محمد بن خالد قال حدثنا بشر بن عيب عن أبيه عن الزهري قال حأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال:
-سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ييقول لرمضان من قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- أخبرنا أبو داود قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب ان أبا سلمة أخبره أن أبا هريرة قال:
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- أخبرنا نوح بن حبيب قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:
-كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام الليلمن غير أن يأمرهم بعزيمة قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
-أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن حميد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
-من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- أخبرنا محمد بن سلمة قال حدثنا ابن القاسم عن مالك قال حدثني ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
-من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- أخبرني محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال حدثنا جويرية عن مالك قال الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وحميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
-من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.(8/77)
- أخبرنا قتيبة ومحمد بن عبد الله بن يزيد قالا حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
-من صام رمضان وفي حديث قتيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قام شهر رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- أخبرنا قتيبة قال حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
-من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا سفيان عن ابن سلمة عن أبي هريرة قال:
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- أخبرنا علي بن المنذر قال حدثنا ابن فضيل قال حدثنا يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
ذكر اختلاف يحيى ابن أبي كثير والنضر بن شيبان فيه.
- أخبرني محمد بن عبد الأعلى ومحمد بن هشام وأبو الأشعث واللفظ له قالوا حدثنا خالد قال حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال حدثنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
-من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- اخبرني محمود بن خالد عن مروان أنبأنا معاوية بن سلام عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قام شهر رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما قدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا نصر بن علي قال حدثني النضر بن شيبان:(8/78)
-أنه لقي أبا سلمة بن عبد الرحمن فقال له حدثني بأفضل شيء سمعته يذكر في شهر رمضان فقال أبو سلمة حدثني عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر شهر رمضان ففضله على الشهرو وقال من قام رمضان إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه قال أبو عبد الرحمن هذا خطأ والصواب أبو سلمة عن أبي هريرة.
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا النضر بن شميل قال أنبأنا القاسم بن الفضل قال حدثنا النضر بن شيبان عن أبي سلمة فذكر مثله وقال:
-من صامه وقامه إيمانا واحتسابا.
- أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال حدثنا أبو هشام قال حدثنا القاسم بن الفضل قال حدثنا النضر بن شيبان قال:
-قلت لأبي سلمة بن عبد الرحمن حدثني بشيء سمعته من أبيك سمعه أبوك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بين أبيك وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد في شهر رمضان قال نعم حدثني أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان عليكم وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
.
البيهقي باب قيام شهر رمضان
- أنبأ محمد بن عبد الله الحافظ أنبأ محمد بن صالح أنبأ بن هاني ثنا محمد بن عمرو الحرشي ثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك(8/79)
- أنبأ أبو عبد الله الحافظ أنبأ أحمد بن سليمان الفقيه ثنا عبيد بن عبد الواحد ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن بن شهاب قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضى الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير
- أنبأ أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو الحسن علي بن محمد السبيعي وأبو سعيد أحمد بن محمد بن مزاحم الصفار الأديب لفظا قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ الربيع بن سليمان ثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب قال أخبرني أبو سلمة أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لرمضان من قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وأنبأ أبو سعيد بن أبي عمرو وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو الحسن السبيعي وأبو سعيد الأديب قالوا ثنا أبو العباس ثنا الربيع بن سليمان ثنا بن وهب أخبرني مالك عن شهاب عن أبي سلمة وحميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله سواء ورواه بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة فقال من صام رمضان ومن قام ليلة القدر(8/80)
- وأنبأ أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني إملاء أنبأ أبو بكر محمد بن الحسين بن الحسن القطان أنبأ أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق ح وأنبأ أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك زاد أحمد بن منصور الرمادي في روايته في خلافه أبي بكر وصدر من خلافة عمر رضى الله تعالى عنهما رواه مسلم في الصحيح عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق ورواه أيضا مالك عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة بمعناه وقال قال بن شهاب فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك وكان الأمر على ذلك في صدر خلافة أبا بكر وصدر من خلافة عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهما أخبرنا أبو أحمد المهرجاني أن أبا بكر محمد بن جعفر المزكي ثنا محمد بن إبراهيم العبدي ثنا بن بكير ثنا مالك فذكره
ابن حبان ذكر إثبات مغفرة الله جل وعلا لصائم رمضان إيمانا واحتسابا
- أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي حدثنا بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قال أبو حاتم إيمانا يريد به إيمانا بفرضه واحتسابا يريد به مخلصا فيه
ذكر تفضل الله جل وعلا بمغفرة ما تقدم من ذنوب العبد بصيامه رمضان إذا عرف حدوده
- أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا حبان بن موسى أخبرنا عبد الله عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن قرط عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ ما ينبغي أن يتحفظ كفر ما قبله(8/81)
ابن أبي شيبة
-حدثنا وكيع عن نصر بن يحيى عن عكرمة عن نصر بن شيبان قال سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن فذكر عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه "
-حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن محمد بن إسحاق عن الفضل الرقاشي عن عمه عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا رمضان قد جاء تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النار وتغل فيه الشياطين ، بعدا لمن أدرك رمضان لم يغفر له فيه إذا لم يغفر له فيه فمتى "
- حدثنا هشيم قال أخبرنا مجالد عن الشعبي عن علي أنه كان يخطب إذا حضر رمضان يقول هذا الشهر المبارك الذي افترض الله عليكم صيامه ولم يفترض عليكم قيامه . ( 7 ) حدثنا هشيم قال أخبرنا مجالد عن الشعبي عن مسروق أن عمر كان يقول مثل ذلك
-حدثنا عبد الاعلى عن الجريري عن مسلم بن العلي عن رجل من قريش عن أبي هريرة قال أول ما يصيب صاحب رمضان الذي يحسن قيامه وصيامه أن يفرغ منه وهو كيوم ولدته أمه من الذنوب .
-حدثنا ابن فضيل عن يحيى بن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " احتسابا : احتسب أجره عند ربه فلم يتبجح بين الناس بصيامه . ما تقدم من ذنبه ، ما ارتكب من معاصي إلا الكبائر والدين والشرك ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) . صدق الله العظيم --بعدا له من أدرك رمضان لم يغفر له : لانه أدرك أوان الغفران والتوبة فلم يسع إليهما . فمتى : أي ليس أمام العبد فرصة لنيل الغفران أفضل من رمضان وقد أضاعها . -- أما القيام فسنة مستحبة وليست فرضا -- كيوم ولدته أمه : أي لا ذنب عليه .(8/82)
-حدثنا محمد بن عبد الله الاسدي قال حدثنا كثير بن زيد عن عمرو بن تميم عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أظلكم شهركم هذا بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دخل على المسلمين شهر خير لهم منه ولا دخل على المنافقين شهر شر لهم منه بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يكتب أجره ونوافله من قبل أن يوجبه ويكتب وزره وشقاءه قبل أن يدخله وذلك أن المؤمن يعد له من النفقة في القوة والعبادة ويعد المنافق اتباع غفلات المسلمين واتباع عوراتهم فهو غنم للمؤمن ونقمة للفاجر أو قال يغتم به الفاجر "
-حدثنا جعفر بن عون قال أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما مضى من عمله
ابن خزيمة باب ذكر مغفرة الذنوب السالفة بصوم رمضان إيمانا واحتسابا
- حدثنا عمرو بن علي نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
أبو يعلى
- حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا القاسم بن الفضل حدثنا النضر بن شيبان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه
- حدثنا هدبة حدثنا القاسم بن الفضل حدثنا النضر بن شيبان قال كنت بعرفات فلقيت أبا سلمة بن عبد الرحمن فقلت حدثني بشيء سمعته من أبيك ليس بين أبيك وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد قال حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله فرض صيام رمضان وسننت قيامه(8/83)
- حدثنا نصر بن علي أخبرني أبي حدثني أبي عن النضر بن شيبان قال قلت لأبي سلمة بن عبد الرحمن ألا تحدثنا حديثا سمعته من أبيك سمعه أبوك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قال عبد الرحمن بن عوف إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال إن رمضان شهر افترض الله صيامه وإني سننت للمسلمين قيامه فمن صامه وقامه خرج من الذنب كيوم ولدته أمه
حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان حدثنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن قريط عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان فعرف حدوده وحفظ ما ينبغي له أن يحفظ منه كفر ما قبله
- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
أحمد
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن فضيل حدثنا يحيى يعني ابن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
-من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا علي بن إسحق أنبأنا عبد الله يعني ابن مبارك أنبأنا يحيى بن أيوب عن عبد الله بن قريط أن عطاء بن يسار حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول:
-سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما كان ينبغي له أن يتحفظ فيه كفر ما قبله.
الياقوتة 28(8/84)
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن سَعْدٍ الدَّشْتَكِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خَارِجَةَ بن مُصْعَبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَطَاءِ بن يَسَارٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بن زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَسِيرُ الْفِقْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعِبَادَةِ وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمْ أَيْسَرُهَ..
ومما جاء من الأحاديث في هذا المعنى ما أخرجه الشيوطي في الجامع الصعير+فيض القدير :شرح الامام عبد الرؤوف المناوي
1- (قليل الفقه خير من كثير العبادة وكفى بالمرء فقهاً إذا عبد اللّه وكفى بالمرء جهلاً إذا أعجب برأيه وإنما الناس رجلان مؤمن وجاهل فلا تؤذي المؤمن ولا تحاور الجاهل)
- (قليل الفقه) لفظ رواية العسكري قليل العلم ورأيت بخط الحافظ الذهبي بدله التوفيق (خير من كثير العبادة) لأنه المصحح لها (وكفى بالمرء فقهاً إذا عبد اللّه وكفى بالمرء جهلاً إذا أعجب برأيه) قال العسكري: أراد المصطفى صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم بهذا أن العالم وإن كان فيه تقصير في عبادته أفضل من جاهل مجتهد لأن العالم يعرف ما يأتي وما يجتنب قال: وهذا مثل قول المصطفى صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم أفضلكم أعلمكم بهذا الدين وإن كان يزحف على أسته (وإنما الناس رجلان مؤمن وجاهل فلا تؤذي المؤمن ولا تحاور) بحاء مهملة (الجاهل) قال في الفردوس: المحاورة المكالمة وروي لا تجاور بالجيم اهـ. وهذا مسوق للنهي والزجر عن المراء والمجادلة.(8/85)
- (طب) وكذا العسكري (عن ابن عمرو بن العاص قال المنذري: فيه إسحاق بن أسيد لين وقال: ورفع الحديث غريب وقال الهيثمي: فيه إسحاق بن أسيد قال أبو حاتم: لا يشتغل به اهـ. ورواه عنه البيهقي أيضاً وقال: قال أبو حاتم إسحاق لا يشتغل به.
2- (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)
(أحب الأعمال إلى الله) أي عند الله فإلى بمعنى عند وقيل للتبيين لأن إلى المتعلقة بما يفهم حباً أو بغضاً من فعل تعجب أو تفضيل معناها التبيين كما ذكره ابن مالك وابن هشام (أدومها) أي أكثرها ثواباً أكثرها تتابعاً ومواظبة ولفظ رواية مسلم ما دووم عليه كذا هو في أكثر أصوله بواوين وفي بعضها بواو واحدة والصواب الأول. قال الكرماني: وأدوم أفعل تفضيل من الدوام وهو شمول جميع الأزمنة على التأبيد، فإن قيل شمول جميع الأزمنة لا يقبل التفضيل فما معنى الأدوم؟ قلت: المراد بالدوام العرفي وهو قابل للكثرة أو القلة (وإن قل) ذلك العمل المداوم عليه جداً لأن النفس تألفه فيدوم بسببه الإقبال على الحق تقدس ولأن تارك العمل بعد الشروع كالمعرض بعد الوصل ولأن المواظب ملازم للخدمة وليس من لازم الباب كمن جد ثم انقطع عن الأعتاب ولهذا قال بعض الأنجاب: "ولا تقطع الخدمة وإن ظهر لك عدم القبول وكفى بك شرفاً أن يقيمك في خدمته" ولا أن المداوم يدوم له الإمداد من حضرة رب العباد ولذلك شدد الصوفية النكير على ترك الأوراد وفيه فضيلة الدوام على العمل ورأفة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأمته حيث أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة لأن النفس فيه أنشط وبه يحصل مقصود العمل وهو الحضور، هذا عصارة ما قيل في توجيه الدوام في هذا المقام وأقول يحتمل أن يكون المراد بالدوام الترفق بالنفس وتدريبها في التعبد لئلا تضجر فيكون من قبيل إن لجسدك عليك حقاً يقال استدمت الأمر ترفقت به وتمهلت واستدمت غريمي رفقت به.(8/86)
- (ق عن عائشة) رضي الله عنها ورواه أحمد بلفظ أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل والله أعلم.
3-(الدين يسر ولن يغالب الدين أحد إلا غلبه )
(الدين) بكسر الدال (يسر) أي الإسلام ذو يسر أي مبني على التسهيل والتخفيف وهو بمعناه (ولن يغالب) في رواية( ولن يشاد )قال في مختصر الفتح: وسمي الدين يسراً مبالغة بالنسبة للأديان قبله لأنه تعالى رفع عن أهله الإصر الذي كان على من قبلهم ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم (الدين) أي لا يقاويه (أحد إلا غلبه) يعني لا يتعمق فيه أحد ويترك الرفق ويأخذ بالعنف إلا غلبه الدين وعجز المتعمق وانقطع قال ابن حجر: الدين منصوب على المفعولية وأضمر الفاعل للعلم به وحكى في المطالع أن أكثر الروايات برفع لا دين على أن يغالب أو يشاد بالبناء للمفعول وعارضه النووي بأن أكثر الروايات بالنصب وجمع بينهما بأنه بالنسبة إلى روايات المغاربة والمشارقة، قال ابن المنير: فيه علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع، وليس المراد من أخذ بالأكمل في العبادة لأنه من الأمور المجموعة بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال والمبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبه النوم آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في جماعة أو إلى خروج الوقت المختار أو إلى طلوع الشمس.
- (هب عن أبي هريرة) ورواه البخاري بلفظ إن الدين إلخ.(8/87)
- حم ك هق عن بريدة) قال: خرجت ذات يوم أمشي فإذا أنا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يمشي فأخذ بيدي فانطلقنا جميعاً فإذا برجل يصلي يكثر من الركوع والسجود فقال: أترى هذا مرائي قلت: اللّه ورسوله أعلم فأرسل يده وطبق بين يديه ثلاث مرات يرفع يديه ويضربهما ويقول عليكم إلخ قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجاله موثقون وقال ابن حجر في تخريج المختصر: إسناد أحمد حسن.
4- (عليكم من الأعمال بما تطيقون فإن اللّه لا يمل حتى تملوا)(8/88)
- (عليكم من الأعمال بما) لفظ رواية مسلم ما بدون حرف جر ورواية البخاري بإثباته (تطيقون) أي الزموا ما تطيقون الدوام عليه بلا ضرر ولا تحملوا أنفسكم أوراداً كثيرة لا تقدرون على أدائها فمنطوقه يقتضي الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه يقتضي النهي عن تكلف ما لا يطاق وهذا وإن ورد في الصلاة لكن اللفظ عام وهو المعتبر والخطاب للرجال والنساء ولكنه غلب الذكور قال ابن الحاج: فليحذر أن يتكلف من العمل ما عليه فيه مشقة أو يخل باشتغاله بالعلم لأن اشتغاله به أفضل وهذا باب كثيراً ما يدخل منه الشيطان على المشتغلين بالعلم إذا عجز عن تركهم له بأمرهم بكثرة الأوراد حتى ينقص اشتغالهم لأن العلم هو العدة التي يتلقى بها ويحذر منه منها فإذا عجز عن الترك رجع إلى باب النقص وهو باب قد غمض على كثير من طلبة العلم لأنه باب خير وعادة الشيطان أن لا يأمر بخير فيلتبس الأمر على الطالب فيخل بحاله وكان المرجاني يقول: ينبغي لطالب العلم أن يكون عمله في علمه كالملح في العجين إذا عدم منه لم ينتفع به والقليل منه يصلحه (فإن اللّه) ولفظ رواية فواللّه (لا يمل) بمثناة تحتية وميم مفتوحتين أي لا يترك الثواب عنكم (حتى تملوا) بفتح أوليه أي تتركوا عبادته فإن من مل شيئاً تركه وأتى بهذا اللفظ للمشاكلة كقوله {وجزاء سيئة سيئة} وأفاد أفضلية المداومة على الطاعة وإن قلت وشفقته على أمته ورأفته بهم وكراهة التشديد في العبادة والناس في العبادة على طبقات أعلاها وأفضلها طريقة النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو أنه كان لا تشاء أن تراه من الليل مصلياً إلا رأيته مصلياً ولا نائماً إلا رأيته نائماً وأصل الملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال عليه تعالى فأول بما مر وهذا الحديث رواه مسلم بأتم من هذا ولفظه يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن اللّه لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى اللّه ما دوم عليه وإن قل وإن كان(8/89)
آل محمد إذا عملوا عملاً أثبتوه ورواه البخاري عن عائشة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة قال: من هذه قالت: فلانة تذكر من صلاتها قال: مه عليكم من الأعمال بما تطيقون فواللّه لا يمل اللّه حتى تملوا قال البيضاوي: الملل فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء فيورث الكلال في الفعل والإعراض عنه وأمثال ذلك إنما يصدق في حق من يعتريه التغير والانكسار أما من تنزه عنه فيستحيل تصوره في حقه فإذا أسند إليه أول بما هو منتهاه وغاية معناه كإسناد الرحمة والغضب والحياء والضحك إليه تعالى فالمعنى اعملوا حسب وسعكم وطاقتكم فإنه لا يعرض عنكم إعراض الملول ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط فإذا فترتم فاقعدوا فإنكم إذا مللتم من العبادة وأتيتم بها على كلال وفتور كان معاملة اللّه معكم معاملة الملول عنكم وقال التوربشتي: إسناد الملال إلى اللّه على طريق الازدواج والمشاكلة والعرب تذكر أحد اللفظين موافقة للأخرى وإن خالفتها قال تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها} وقال الشاعر:
ألا لا يجهل أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلين
ولا يفتخر ذو عقل بجهل وإنما أراد فنجازيه بجهله ونعاقبه على سوء صنيعه.
- (طب عن عمران بن حصين) قال الهيثمي: إسناده حسن.
5-( أفضل الأعمال العلم باللّه إن العلم ينفعك معه قليل العمل وكثيره وأن الجهل لا ينفعك معه قليل العمل ولا كثيره)(8/90)
(أفضل الأعمال العلم باللّه) أي معرفة ما يجب له ويمتنع عليه من الصفات والسلوب والإضافات فالعلم بذلك أفضل الأعمال وأشرف العلوم وأهمها فإنه ما لم يثبت وجود صانع عالم قادر مكلف مرسل للرسل منزل للكتب لم يتصور علم فقه ولا حديث ولا تفسير فجميع العلوم متوقفة على علم الأصول وتوقفها عليه ليس بطريق الخدمة بل الإضافة والرئاسة ومن ثم عد رئيس العلوم كلها فمعرفة اللّه تعالى والعلم به أول واجب مقصود لذاته على المكلف لكن ليس المراد بالمعرفة الحقيقية لأن حقيقته تعالى غير معلومة للبشر ولا العيانية لأنها مختصة بالآخرة عند مانعي الرؤية في الدنيا مطلقاً أو لغير نبينا وهم الجلة الأكابر أو لأولي الرتب العلية وقليل ما هم ولا الكشفية فإنها منحة إلهية ولا نكلف بمثلها إجماعاً بل البرهانية وهي أن يعلم بالدليل القطعي وجوده تعالى وما يجب له ويستحيل عليه كما تقرر. وسبب الحديث أن رجلاً جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال أي الأعمال أفضل قال العلم باللّه ثم أتاه فسأله فقال مثل ذلك فقال يا رسول اللّه إنما أسألك عن العمل فقال (إن العلم ينفعك معه قليل العمل وكثيره) لأن العبادة المعول عليها إنما هي ما كانت عن العلم به فأجّل المقاصد وأهم المطالب وأعظم المواهب العلم باللّه فهو أشرف ما في الدنيا وجزاؤه أشرف ما في الآخرة وهذا هو الغاية التي تطلب لذاتها أنما يشعر تمام الشعور بأن ذلك غير السعادة إذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الآخرة وأما في الدنيا فإن شعر فبعض شعور قال بعضهم لا ينبغي لعاقل أن يأخذ من العلوم إلا ما يصحبه إلى البرزخ لا ما يفارقه عند انتقاله إلى عالم الآخرة وليس المنتقل معه إلا العلم باللّه والعلم بمواطن الآخرة حتى لا ينكر التجليات الواقعة فيها ولا طريق لذلك إلا بالخلوة والرياضة والمجاهدة أو الجذب الإلهي (وأن الجهل لا ينفعك معه قليل العمل ولا كثيره) لأن العلم هو المصحح للعمل والناس بمعرفته(8/91)
يرشدون وبجهله يضلون فلا تصح إذاً عبادة جهل فاعلها صفات أدائها ولم يعلم شروط إجزائها. وفي طيه حث على أنه ينبغي للعاقل أن ينفي عن نفسه رذائل الجهل بفضائل العلم وغفلة الإهمال بإسقاط المعاناة ويرغب في العلم رغبة متحقق لفضائله واثق بمنافعه ولا يلهيه عن طلبه كثرة مال وجدة ولا نفوذ أمر وعلو قدر فإن من نفد أمره فهو إلى العلم أحوج ومن علت منزلته فهو بالعلم أحق انتهى قال ابن حجر وفيه أن العلم باللّه ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدراً من مجرد العبادة البدنية.
- (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن أنس) قال الزين العراقي وسنده ضعيف انتهى فكان على المصنف استيعاب مخرجيه إيماءاً إلى تقويته فمنهم ابن عبد البر وغيره.
6-( أفضل العباد الفقه وأفضل الدين الورع)
- (أفضل العباد الفقه) قال الحكيم الترمذي الفقه الفهم وانكشاف الغطاء فإذا عبد اللّه بما أمر ونهى بعد أن فهمه انكشف له الغطاء عن تدبيره فيما أمر ونهى فهي العبادة الخالصة المحضة وذلك لأن الذي يؤمر بشيء فلا يرى شيئه والذي ينهى عن شيء فلا يرى شيئاً فهو في عمى فإذا رأى ذلك عمل على بصيرة وكان أقوى ونفسه بها أسخى ومن عمي عن ذلك فهو جامد القلب كسلان الجوارح ثقيل النفس بطيء التصرف وقوم غفلوا عن هذا فتراهم الشهر والدهر يقولون يجوز لا يجوز ولا تدري أصواب أم خطأ ثم تراه في حاجة أمره ونهيه في عوج فإقباله على نفسه حتى يكف عما لا يجوز خير له من إهماله وإقباله على إصلاح الناس (وأفضل الدين الورع) الذي هو كما قيل الخروج من كل شبهة ومحاسبة النفس مع كل طرفة، والورع يكون في خواطر القلوب وسائر أعمال الجوارح وإنما كان أفضل لما فيه من التخلي عن الشبهات وتجنب المحتملات وعبر في الفقه بالعبادة لأنه فعل من أفعال الجوارح الظاهرة كالعبادة وفي الورع بالدين لأن مرجعه إلى اليقين القلبي الذي به يدان اللّه تعالى.(8/92)
- (طب عن ابن عمر) ابن الخطاب وظاهر تخصيصه بالكبير يوهم أنه لا يوجد للطبراني إلا فيه وليس كذلك بل خرجه في معاجيمه الثلاثة وقد أشار المصنف لضعفه وذلك لأن فيه كما قال المنذري ثم الهيثمي محمد بن أبي ليلى ضعفوه لسوء حفظه.
حديث عائشة رضي لله عنها عند البخاري
-حدثنا عبد العزيز بن عبد الله: حدثنا سليمان، عن موسى بن عقبة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سددوا وقاربوا، واعلموا أنه لن يُدخل أحدكم عمله الجنة، وأن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل).
- حدثني محمد بن عرعرة: حدثنا شُعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: (أدومها وإن قل). وقال: (اكلفوا من الأعمال ما تطيقون).
باب: أحب الدين إلى الله أدومه.
- حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى، عن هشام قال: أخبرني أبي عن عائشة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة، قال: (من هذه). قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال: (مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا). وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه
قال ابن حجر(8/93)
قوله باب أحب الدين إلى الله أدومه مراد المصنف الاستدلال على أن الإيمان يطلق على الأعمال لأن المراد بالدين هنا العمل والدين الحقيقي هو الإسلام والإسلام الحقيقي مرادف للإيمان فيصح بهذا مقصوده ومناسبته لما قبله من قوله عليكم بما تطيقون لأنه لما قدم أن الإسلام يحسن بالأعمال الصالحه أراد أن ينبه على أن جهاد النفس في ذلك إلى حد المغالبة غير مطلوب وقد تقدم بعض هذا المعنى في باب الدين يسر وفي هذا ما ليس في ذاك على ما سنوضحه إن شاء الله تعالى قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان عن هشام هو بن عروة بن الزبير قوله فقال من هذه للاصيلي قال من هذه بغير فاء ويوجه على أنه جواب سؤال مقدر كأن قائلا قال ماذا قال حين دخل قالت قال من هذه قوله قلت فلانة هذه اللفظة كناية عن كل علم مؤنث فلا ينصرف زاد عبد الرزاق عن معمر عن هشام في هذا الحديث حسنة الهيئة قوله تذكر بفتح التاء الفوقانية والفاعل عائشة وروى بضم الياء التحتانية على البناء لما لم يسم فاعله أي يذكرون أن صلاتها كثيرة ولأحمد عن يحيى القطان لا تنام تصلي وللمصنف في كتاب صلاة الليل معلقا عن القعني عن مالك عن هشام وهو موصول في الموطأ للقعنبي وحده في آخره لا تنام بالليل وهذه المرأة وقع في رواية مالك المذكورة أنها من بني أسد ولمسلم من رواية الزهري عن عروة في هذا الحديث أنها الحولاء بالمهملة والمد وهو اسمها بنت تويت بمثناتين مصغرا بن حبيب بفتح المهملة بن أسد بن عبد العزي من رهط خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها وفي روايته أيضا وزعموا أنها لا تنام الليل وهذا يؤيد الرواية الثانية في أنها نقلت عن غيرها فإن قيل وقع في حديث الباب حديث هشام دخل عليها وهي عندها وفي رواية الزهري أن الحولاء مرت بها فظاهره التغاير فيحتمل أن تكون المارة امرأة غيرها من بني أسد أيضا أو أن قصتها تعددت والجواب أن القصة واحدة ويبين ذلك رواية محمد بن إسحاق عن هشام في هذا الحديث ولفظه(8/94)
مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم الحولاء بنت تويت أخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل له فحمل على أنها كانت أو لا عند عائشة فلما دخل صلى الله عليه وسلم على عائشة قامت المرأة كما في رواية حماد بن سلمة الآتيه فلما قامت لتخرج مرت به في خلال ذهابها فسأل عنها وبهذا تجتمع الروايات تنبيه قال بن التين لعلها أمنت عليها الفتنة فلذلك مدحتها في وجهها قلت لكن رواية حماد بن سلمة عن هشام في هذا الحديث تدل على أنها ما ذكرت ذلك إلا بعد أن خرجت المرأة أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده من طريقه ولفظه كانت عندي امرأة فلما قامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه يا عائشة قلت يا رسول الله هذه فلانة وهي أعبد أهل المدينة فذكر الحديث قوله مه قال الجوهري هي كلمة مبنية على السكون وهي اسم سمي به الفعل والمعنى اكفف يقال مهمهته إذا زجرته فإن وصلت نونت فقلت مه وقال الداودي أصل هذه الكلمة ما هذا كالانكار فطرحوا بعض اللفظة فقالوا مه فصيروا الكلمتين كلمة وهذا الزجر يحتمل أن يكون لعائشة والمراد نهيها عن مدح المرأة بما ذكرت ويحتمل أن يكون المراد النهي عن ذلك الفعل وقد أخذ بذلك جماعة من الأئمة فقالوا يكره صلاة جميع الليل كما سيأتي في مكانه قوله عليكم بما تطيقون أي اشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومة عليه فمنطوقه يقتضى الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه يقتضى النهي عن تكلف ما لا يطاق وقال القاضي عياض يحتمل أن يكون هذا خاصا بصلاة الليل ويحتمل أن يكون عاما في الأعمال الشرعية قلت سبب وروده خاص بالصلاة ولكن اللفظ عام وهو المعتبر وقد عبر بقوله عليكم مع أن المخاطب النساء طلبا لتعميم الحكم فغلبت الذكور على الإناث قوله فوالله فيه جواز الحلف من غير استحلاف وقد يستحب إذا كان في تفخيم أمر من أمور الدين أو حث عليه أو تنفير من محذور قوله لا يمل الله حتى تملوا هو بفتح الميم في الموضعين والملال استثقال(8/95)
الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق قال الإسماعيلي وجماعة من المحققين إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازا كما قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وانظاره قال القرطبي وجه مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشيء باسم سببه وقال الهروي معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه وقال غيره معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم وجنح بعضهم إلى تأويلها فقيل معناه لا يمل الله إذا مللتم وهو مستعمل في كلام العرب يقولون لا أفعل كذا حتى يبيض الفار أو حتى يشيب الغراب ومنه قولهم في البليغ لاينقطع حتى ينقطع خصومه لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية وهذا المثال أشبه من الذي قبله لأن شيب الغراب ليس ممكنا عادة بخلاف الملل من العابد وقال المازري قيل إن حتى هنا بمعنى الواو فيكون التقدير لا يمل وتملون فنفى عنه الملل وأثبته لهم قال وقيل حتى بمعنى حين والأول أليق وأجرى على القواعد وأنه من باب المقابلة اللفظية ويؤيده ما وقع في بعض طرق حديث عائشة بلفظ اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل لكن في سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وقال بن حيان في صحيحه هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد بما يخاطب به الا بها وهذا رأيه في جميع المتشابه قوله أحب قال القاضي أبو بكر بن العربي معنى المحبة من الله تعلق الإرادة بالثواب قال العلامة بن باز حفظه الله هذا من التأويل والحق الذي عله أهل السنة أن معنى المحبة غير معنى الإدراة والله سبحانه موصوف بها على الوجه الذي يليق بجلاله ومحبته غير محبة خلقه كما أن إرادته لا تشابه إرادة خلقه وهكذا سائر صفاته كما قال تعالى{(8/96)
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} أي أكثر الأعمال ثوابا أدومها قوله اليه في رواية المستملى وحده إلى الله وكذا في رواية عبدة عن هشام عند إسحاق بن راهويه في مسنده وكذا للمصنف ومسلم من طريق أبي سلمة ولمسلم عن القاسم كلاهما وهذا موافق لترجمة الباب وقال باقي الرواة عن هشام وكان أحب الدين إليه أي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرح به المصنف في الرقاق في رواية مالك عن هشام وليس بين الروايتين تخالف لأن ما كان أحب إلى الله كان أحب إلى رسوله قال النووي بدوام القليل تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله بخلاف الكثير الشاق حتى ينمو القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع اضعافا كثيرة وقال بن الجوزي إنما أحب الدائم لمعنيين أحدهما أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل فهو متعرض للذم ولهذا ورد الوعيد في حق من حفظ آية ثم نسيها وأن كان قبل حفظها لايتعين عليه ثانيهما أن مداوم الخير ملازم للخدمة ليس من لازم الباب في كل يوم وقتا ما كمن لازم يوما كاملا ثم انقطع وزاد المصنف ومسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل
البخاري
- باب: الدين يسر.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة).
- حدثنا عبد السلام بن مطهر قال: حدثنا عمر بن علي، عن معن بن محمد الغفاري، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة).(8/97)
قوله باب الدين يسر أي دين الإسلام ذو يسر أو سمي الدين يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم ومن أوضح الامثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم قوله احب الدين أي خصال الدين لأن خصال الدين كلها محبوبة لكن ما كان منها سمحا أي سهلا فهو أحب إلى الله ويدل عليه ما أخرجه أحمد بسند صحيح من حديث أعرابي لم يسمه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير دينكم أيسره أو الدين جنس أي أحب الأديان إلى الله الحنيفية والمراد بالاديان الشرائع الماضية قبل أن تبدل وتنسخ والحنيفية ملة إبراهيم والحنيف في اللغة من كان على ملة إبراهيم وسمي إبراهيم حنيفا لميله عن الباطل إلى الحق لأن أصل الحنيف الميل والسمحة السهلة أي أنها مبنيه على السهولة لقوله تعالى {وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم ْ}وهذا الحديث المعلق لم يسنده المؤلف في هذا الكتاب لأنه ليس على شرطه نعم وصله في كتاب الأدب المفرد وكذا وصله أحمد بن حنبل وغيره من طريق محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس وإسناده حسن استعمله المؤلف في الترجمة لكونه متقاصرا عن شرطه وقواه بما دل على معناه لتناسب السهولة واليسر(8/98)
قوله حدثنا عبد السلام بن مطهر أي بن حسام البصري وكنيته أبو ظفر بالمعجمة والفاء المفتوحتين قوله حدثنا عمر بن علي هو المقدمي بضم الميم وفتح القاف والدال المشدده وهو بصري ثقة لكنه مدلس شديد التدليس وصفه بذلك بن سعد وغيره وهذا الحديث من افراد البخاري عن مسلم وصححه وأن كان من رواية مدلس بالعنعنه لتصريحه فيه بالسماع من طريق أخرى فقد رواه بن حبان في صحيحه من طريق أحمد بن المقدام أحد شيوخ البخاري عن عمر بن على المذكور قال سمعت معن بن محمد فذكره وهو من افراد معن بن محمد وهو مدني ثقة قليل الحديث لكن تابعه على شقه الثاني بن أبي ذئب عن سعيد أخرجه المصنف في كتاب الرقاق بمعناه ولفظه سددوا وقربوا وزاد في آخره والقصد القصد تبلغوا ولم يذكر شقه الأول وقد اشرنا إلى بعض شواهده ومنها حديث عروة الفقيمي بضم الفاء وفتح القاف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن دين الله يسر ومنها حديث بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم هديا قاصدا فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه رواهما أحمد وإسناد كل منهما حسن قوله ولن يشاد الدين الا غلبة هكذا في روايتنا بإضمار الفاعل وثبت في رواية بن السكن وفي بعض الروايات عن الأصيلي بلفظ ولن يشاد الدين أحد الا غلبه وكذا هو في طرق هذا الحديث عند الإسماعيلي وأبي نعيم وابن حبان وغيرهم والدين منصوب على المفعوليه وكذا في روايتنا أيضا واضمر الفاعل للعلم به وحكى صاحب المطالع أن أكثر الروايات برفع الدين على أن يشاد مبني لما لم يسم فاعله وعارضه النووي بان أكثر الروايات بالنصب ويجمع بين كلاميهما بأنه بالنسبة إلى روايات المغاربة والمشارقة ويؤيد النصب لفظ حديث بريدة عند أحمد أنه من شاد هذا الدين يغلبه ذكره في حديث آخر يصلح أن يكون هو سبب حديث الباب والمشادة بالتشديد المغالبة يقال شاده يشاده مشادة إذا قاواه والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينيه ويترك الرفق الا عجز وانقطع فيغلب قال(8/99)
بن المنير في هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع وليس المراد منع طلب الاكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة بل منع الافراط المؤدي إلى الملال أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة أو إلى أن خرج الوقت المختار أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة وفي حديث محجن بن الاردع عند أحمد إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمبالغة وخير دينكم اليسرة وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعيه فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصه تنطع كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر قوله فسددوا أي الزموا السداد وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط قال أهل اللغه السداد التوسط في العمل قوله وقاربوا أي أن لم تستطيعوا الأخذ بالاكمل فاعملوا بما يقرب منه قوله وأبشروا أي بالثواب على العمل الدائم وأن قل والمراد تبشير من عجز عن العمل بالاكمل بان العجز إذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره وأبهم المبشر به تعظيما له وتفخيما قوله واستعينوا بالغدوة أي استعينوا على مداومة العبادة بايقاعها في الأوقات المنشطة والغدوة بالفتح سير أول النهار وقال الجوهري ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس والروحة بالفتح السير بعد الزوال والدلجة بضم أوله وفتحه واسكان اللام سير آخر الليل وقيل سير الليل كله ولهذا عبر فيه بالتبعيض ولان عمل الليل أشق من عمل النهار وهذه الأوقات أطيب أوقات المسافر وكأنه صلى الله عليه وسلم خاطب مسافرا إلى مقصد فنبهه على أوقات نشاطه لأن المسافر إذا سافر الليل والنهار جميعا عجز وانقطع وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشطه امكنته المداومه من غير مشقة وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا في الحقيقة دار نقلة إلى(8/100)
الاخره وأن هذه الأوقات بخصوصها أروح ما يكون فيها البدن للعبادة وقوله في رواية بن أبي ذئب القصد القصد بالنصب فيهما على الإغراء والقصد الأخذ بالأمر الأوسط ومناسبة إيراد المصنف لهذا الحديث عقب الأحاديث التي قبله ظاهرة من حيث أنها تضمنت الترغيب في القيام والصيام والجهاد فأراد أن يبين أن الأولى للعامل بذلك أن لا يجهد نفسه بحيث يعجز وينقطع بل يعمل بتلطف وتدرج ليدوم عمله ولا ينقطع .
مسلم + النووي
باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره
فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره
*وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ (يَعْنِي الثّقَفِيّ) حَدّثَنَا عُبَيْدُ الله عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَة، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَصِيرٌ. وَكَانَ يُحَجّرُهُ مِنَ اللّيْلِ فَيُصَلّي فِيهِ. فَجَعَلَ النّاسُ يُصَلّونَ بِصَلاَتِهِ. وَيَبْسُطُهُ بِالنّهَارِ. فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ. فَقَالَ: "يَا أَيّهَا النّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ. فَإِنّ الله لاَ يَمَلّ حَتّى تَمَلّوا. وَإِنّ أَحَبّ الأَعْمَالِ إِلَىَ الله مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلّ". وَكَانَ آلُ مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَمِلُوا عَمَلاً أَثْبَتُوهُ
.
-حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنّه سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ يُحَدِثُ عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيّ الْعَمَلِ أَحَبّ إِلَى الله؟ قَالَ: "أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلّ".(8/101)
-وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ و إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ. قَالَ: سَأَلْتُ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قَالَ قُلْتُ: يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ هَلُ كَانَ يَخصّ شَيْئاً مِنَ الأَيّامِ؟ قَالَتْ: لاَ. كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً. وَأَيّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَطِيعُ؟.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحمّدٍ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحَبّ الأَعْمَالِ إِلَىَ الله تَعَالَىَ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلّ".
قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ.
-وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ. وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فَقَالَ: "مَا هَذَا؟" قَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلّي. فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ. فَقَالَ: "حُلّوهُ. لِيُصَلّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ. فَإِذَا كَسَلَ أَوْ فَتَرَ قَعَدَ". وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَقْعُدْ"
.
وحدّثناه شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ.(8/102)
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ وَ مُحمّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ أَنّ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ، أَنّ الْحَوْلاَءَ بِنْتَ تُوَيْتِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى مَرّتْ بِهَا. وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: هَذِهِ الْحَوْلاَءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ. وَزَعَمُوا أَنّهَا لاَ تَنَامُ اللّيْلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَنَامُ اللّيْلَ خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ. فَوَالله لاَ يَسْأَمُ الله حَتّى تَسْأَمُوا".
-حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي امْرَأَةٌ. فَقَالَ "مَنْ هَذِهِ؟" فَقُلْتُ: امْرَأَةٌ. لاَ تَنَامُ. تُصَلّي. قَالَ "عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ. فَوَاللّهِ لاَ يَمَلّ اللّهُ حَتّى تَمَلّوا" وَكَانَ أَحَبّ الدّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ أَنّهَا امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ.(8/103)
قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم من الأعمال ما تطيقون" أي تطيقون الدوام عليه بلا ضرر، وفيه دليل على الحث على إِلاقتصاد في العبادة واجتناب التعمق، وليس الحديث مختصاً بالصلاة بل هو عام في جميع أعمال البر. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله لا يمل حتى تملوا" هو بفتح الميم فيهما، وفي الرواية الأخرى: "لا يسأم حتى تسأموا" وهما بمعنى، قال العلماء: الملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى فيجب تأويل الحديث، قال المحققون: معناه لا يعاملكم معاملة المال فيقطع عنكم ثوابه وجزاءه وبسط فضله ورحمته حتى تقطعوا عملكم، وقيل معناه لا يمل إذا مللتم، وقاله ابن قتيبة وغيره، وحكاه الخطابي وغيره وأنشدوا فيه شعراً قالوا: ومثاله قولهم في البليغ فلان لا ينقطع حتى يقطع خصومه معناه لا ينقطع إذا انقطع خصومه، ولو كان معناه ينقطع إذا انقطع خصومه لم يكن له فضل على غيره، وفي هذا الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته لأنه أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة ولا ضرر، فتكون النفس أنشط والقلب منشرحاً فتتم العبادة، بخلاف من تعاطى من الأعمال ما يشق فإنه بصدد أن يتركه أو بعضه أو يفعله بكلفة وبغير انشراح القلب فيفوته خير عظيم، وقد ذم الله سبحانه وتعالى من اعتاد عبارة ثم أفرط فقال تعالى: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها} وقد ندم عبد الله بن عمرو بن العاص على تركه قبول رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخفيف العبادة ومجانبة التشديد. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل" هكذا ضبطناه دووم عليه، وكذا هو في معظم النسخ دووم بواوين، ووقع في بعضها دوم بواو واحدة والصواب الأول، وفيه الحث على المداومة على العمل، وأن قليله الدائم خير من كثير ينقطع، وإنما كان القليل الدائم خيراً من الكثير(8/104)
المنقطع، لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة.
قوله: "وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملاً أثبتوه" أي لازموه وداوموا عليه، والظاهر أن المراد بالاَل هنا أهل بيته وخواصه صلى الله عليه وسلم من أزواجه وقرابته ونحوهم.
قولها: "كان علمه ديمة" هو بكسر الدال وإسكان الياء أي يدوم عليه ولا يقطعه.
قوله في الحبل الممدود بين ساريتين لزينب تصلي "فإذا كسلت أو فترت أمسكت به فقال حلوه يصلي أحدكم نشاطه" كسلت بكسر السين وفيه الحث على إِلاقتصاد في العبادة والنهي عن التعمق والأمر بالإقبال عليها بنشاط، وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور، وفيه إزالة المنكر باليد لمن تمكن منه، وفيه جواز التنفل في المسجد فإنها كانت تصلي النافلة فيه فلم ينكر عليها.
قوله: (الحولاء بنت تويت) هو بتاء مثناة فوق في أوله وآخره. قوله: "وزعموا أنها لا تنام الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنام الليل خذوا من العمل ما تطيقون" أراد صلى الله عليه وسلم بقوله لا تنام الليل الإنكار عليها وكراهة فعلها وتشديدها على نفسها، ويوضحه أن في موطأ مالك قال في هذا الحديث وكره ذلك حتى عرفت الكراهة في وجه، وفي هذا دليل لمذهبنا ومذهب جماعة أو الأكثرين أن صلاة جميع الليل مكروهة، وعن جماعة من السلف أنه لا بأس به وهو رواية عن مالك إذا لم ينم عن الصبح..(8/105)
نِسْبَةُ سَعْدِ بن أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكُ بن أُهَيْبِ بن عَبْدِ مَنَافِ بن زُهْرَةَ
وَيُكْنَى أَبَا إِسْحَاقَ ، شَهِدَ بَدْرًا
- حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن بَشَّارٍ الرَّمَادِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَلِيِّ بن زَيْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ ، عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَنَا ؟ ، قَالَ : سَعْدُ بن مَالِكِ بن أَهْيَبَ بن عَبْدِ مَنَافِ بن زُهْرَةَ ، مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ.
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن عُمَيْرٍ ، عَنْ جَابِرِ بن سَمُرَةَ ، أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ لِسَعْدٍ : كَذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ.
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن شَاهِينَ الْبَغْدَادِيُّ ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ ، قَالَ : أُمُّ سَعْدِ بن أَبِي وَقَّاصٍ : حَمْنَةُ بنتُ أَبِي سُفْيَانَ بن أُمَيَّةَ بن عَبْدِ شَمْسِ بن عَبْدِ مَنَافٍ ، وَأُمُّهَا بنتُ أَبِي سَرْحِ بن حَبِيبِ بن جَذِيمَةَ بن نَصْرِ بن مَالِكِ بن حَسَلِ بن عَامِرِ بن لُؤَيِّ بن غَالِبٍ .
صِفَةُ سَعْدِ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ(9/1)
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بن بَكَّارٍ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عِمْرَانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بن جَعْفَرٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن مُحَمَّدِ بن سَعْدٍ ، قَالَ : كَانَ سَعْدُ بن أَبِي وَقَّاصٍ جَعْدَ الشَّعْرِ ، أَشْعَرَ الْجَسَدِ ، آدَمَ طَوِيلا ، أَفْطَسَ .
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بن بَكَّارٍ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ ، عَنْ بُكَيْرِ بن مِسْمَارٍ ، عَنْ عَائِشَةَ بنتِ سَعْدٍ ، قَالَتْ : كَانَ أَبِي رَجُلا قَصِيرًا دَحْدَاحًا ، غَلِيظًا ذَا هَامَةٍ ، شَثْنَ الأَصَابِعِ ، وَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا .
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن رِشْدِينَ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بن حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بن سَعْدٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ ، أَنَّ سَعْدَ بن أَبِي وَقَّاصٍ ، كَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ .
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن زَكَرِيَّا بن أَبِي زَائِدَةَ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ ، قَالَ : اشْتَرَكْنَا يَوْمَ بَدْرٍ أَنَا وَعَمَّارٌ ، وَسَعْدٌ ، فِي النَّفْلِ ، فَأَصَابَ سَعْدٌ أَسِيرَيْنِ ، وَأَخْفَقْتُ أَنَا وَعَمَّارٌ.
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هَاشِمِ بن هَاشِمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَعْدًا ، يَقُولُ : مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلا فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلامِ.(9/2)
سِنُّ سَعْدِ بن أَبِي وَقَّاصٍ وَوَفَاتُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بن جَرِيرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بن رَاشِدٍ يُحَدِّثُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَامِرِ بن سَعْدٍ ، قَالَ : كَانَ سَعْدٌ آخِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَفَاةً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
- قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : قَالَ أَبِي : تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ ، وَمَاتَ عَلَى عَشْرَةِ أَمْيَالٍ فِي الْمَدِينَةِ ، فَحُمِلَ عَلَى رِقَابِ الرِّجَالِ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ مَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ الْوَالِيَ عَلَيْهَا ، وَأَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً .
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بن عَبْدِ اللَّهِ بن نُمَيْرٍ ، يَقُولُ : مَاتَ سَعْدٌ ، وَمَرْوَانُ وَالِي الْمَدِينَةِ ، فَصَلَّى عَلَيْهِ ، وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ .
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بن بَكَّارٍ ، قَالَ : مَاتَ سَعْدٌ بِالْعَقِيقِ فِي قَصْرِهِ ، عَلَى عَشْرَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ ، وَحُمِلَ عَلَى رِقَابِ الرِّجَالِ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَيُقَالُ : تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَسَبْعِينَ .
- حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ ، قَالَ : مَاتَ سَعْدُ بن أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْعَقِيقِ ، وَحُمِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَصَلَّى عَلَيْهِ مَرْوَانُ بن الْحَكَمِ ، وَقَالَ : أَسْلَمْتُ وَأَنَا ابْنُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ .(9/3)
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا نُوحُ بن يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ ، قَالَ : تُوُفِّيَ سَعْدُ بن أَبِي وَقَّاصٍ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، بَعْدَ حَجَّتِهِ الأُولَى ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ .
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَلِيٍّ الْمَدِينِيُّ فُسْتُقَةُ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بن جَرِيرٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، قَالَ : سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بن رَاشِدٍ ، يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَامِرِ بن سَعْدٍ ، قَالَ : كَانَ سَعْدٌ آخِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَفَاةً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .(9/4)
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن زَكَرِيَّا ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، عَنْ قَيْسٍ ، قَالَ : كَانَ لابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَالٌ ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : أَدِّ الْمَالَ الَّذِي قِبَلَكَ ، فَقَالَ سَعْدٌ : وَيْحَكَ مَا لِي وَمَالِكَ ؟ ، قَالَ : أَدِّ الْمَالَ الَّذِي قِبَلَكَ ، فَقَالَ سَعْدٌ : وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاكَ لاقٍ مِنِّي شَرًّا ، هَلْ أَنْتَ إِلا ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدٌ مِنْ بني هُذَيْلٍ ؟ ، قَالَ : أَجَلْ ، وَاللَّهِ إِنِّي لابْنُ مَسْعُودٍ ، وَإِنَّكَ لابْنُ حَمْنَةَ ، فَقَالَ لَهُمَا هَاشِمُ بن عُتْبَةَ : إِنَّكُمَا صَاحِبَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْكُمَا ، فَطَرَحَ سَعْدٌ عُودًا كَانَ بِيَدِهِ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : قُلْ : قَوْلا ، وَلا تَلْعَنْ ، فَسَكَتَ ، ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ : أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا اتِّقَاءُ اللَّهِ لَدَعَوْتُ عَلَيْكَ دَعْوَةً لا تُخْطِئُكَ .(9/5)
- حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، قَالَ : أَنْبَأَنِي مُحَمَّدُ بن مُحَمَّدِ بن الأَسْوَدِ ، عَنْ عَامِرِ بن سَعْدٍ ، قَالَ : بَيْنَمَا سَعْدٌ يَمْشِي ، إِذْ مَرَّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَشْتِمُ عَلِيًّا ، وَطَلْحَةَ ، وَالزُّبَيْرَ ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : إِنَّكَ تَشْتِمُ قَوْمًا قَدْ سَبَقَ لَهُمُ مِنَ اللَّهِ مَا سَبَقَ ، فَوَاللَّهِ لَتَكُفَّنَّ عَنْ شَتْمِهِمْ ، أَوْ لأَدْعُوَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ ، فَقَالَ : تُخَوِّفُنِي كَأَنَّكَ نَبِيٌّ ، فَقَالَ سَعْدٌ : اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يَشْتِمُ أَقْوَامًا سَبَقَ لَهُمْ مِنْكَ مَا سَبَقَ ، فَاجْعَلْهُ الْيَوْمَ نَكَالا فَجَاءَتْ بُخْتِيَّةٌ فَأَفْرَجَ النَّاسُ لَهَا ، فَتَخَبَّطَتْهُ ، فَرَأَيْتُ النَّاسَ يَتَّبِعُونَ سَعْدًا ، وَيَقُولُونَ : اسْتَجَابَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ .(9/6)
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن عُمَيْرٍ ، عَنْ جَابِرِ بن سَمُرَةَ ، أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ ، شَكَوْا سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَبَعَثَ رِجَالا يَسْأَلُونَ عَنْهُ بِالْكُوفَةِ ، فَكَانُوا لا يَأْتُونَ مَسْجِدًا مِنْ مَسَاجِدِ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلا أَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا ، وَقَالُوا مَعْرُوفًا ، حَتَّى أَتَوْا مَسْجِدًا مِنْ مَسَاجِدِ بني عَبْسٍ ، فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو سَعْدَةَ ، فَقَالَ : أَمَا إِذْ نَاشَدْتُمُونَا ، فَإِنَّهُ كَانَ لا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ ، وَلا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ ، وَلا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ ، فَقَالَ سَعْدٌ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَعْمِ بَصَرَهُ ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ ، وَعَرِّضْهُ لِلْفِتَنِ ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : فَأَنَا رَأَيْتُهُ يَتَعَرَّضُ لِلإِمَاءِ فِي السِّكَكِ ، فَإِذَا سَأَلُوهُ كَيْفَ أَنْتَ أَبَا سَعْدَةَ ؟ ، فَيَقُولُ : كَبِيرٌ ضَرِيرٌ ، فَقِيرٌ مَفْتُونٌ ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ : أَبُو سَعْدَةَ هُوَ جَدُّ أَبِي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ.(9/7)
313- حَدَّثَنَا يُوسُفُ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سَعْدِ بن إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : خَرَجَتْ جَارِيَةٌ لِسَعْدٍ يُقَالُ لَهَا : زِيرَا ، وَعَلَيْهَا قَمِيصٌ جَدِيدٌ ، فَكَشَفَتْهَا الرِّيحُ ، فَشَدَّ عَلَيْهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالدِّرَّةِ ، وَجَاءَ سَعْدٌ لِيَمْنَعَهُ ، فَتَنَاوَلَهُ بِالدِّرَّةِ ، فَذَهَبَ سَعْدٌ يَدْعُو عَلَى عُمَرَ ، فَنَاوَلَهُ عُمَرُ الدِّرَّةَ ، وَقَالَ : اقْتَصَّ ، فَعَفَا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدُوسِ بن كَامِلٍ السَّرَّاجُ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَكَّارٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَكِيمِ بن مَنْصُورٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن عُمَيْرٍ ، قَالَ : هَجَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَعْدًا ، فَقَالَ :
نُقَاتِلُ حَتَّى يُنْزِلَ اللَّهُ نَصْرَهُ وَسَعْدٌ بِبَابِ الْقَادِسِيَّةِ مُعْصِمُ
فَأُبْنَا وَقَدْ آمَتْ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ وَنِسْوَةُ سَعْدٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أَيِّمُ
فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَفَعَ يَدَهُ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ اقْطَعْ لِسَانَهُ وَيَدَهُ عَنِّي بِمَا شِئْتَ فَرُمِيَ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ ، وَقُطِعَ لِسَانُهُ وَقُطِعَتْ يَدُهُ ، وَقُتِلَ .(9/8)
- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بن مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بن يَحْيَى زَحْمَوَيْهِ ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن عُمَيْرٍ ، عَنْ قَبِيصَةَ بن جَابِرٍ الأَسَدِيِّ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ عَمٍّ لَنَا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ نَصْرَهُ وَسَعْدٌ بِبَابِ الْقَادِسِيَّةِ مُعْصِمُ فَأُبْنَا وَقَدْ آمَتْ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ وَنِسْوَةُ سَعْدٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أَيِّمُ فَلَمَّا بَلَغَ سَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَوْلُهُ قَالَ : اللَّهُمَّ اقْطَعْ عَنِّي لِسَانَهُ وَيَدَهُ ، فَجَاءَتْ نُشَّابَةٌ ، فَأَصَابَتْ فَاهُ فَخَرِسَ ، ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي الْقِتَالِ ، فَقَالَ سَعْدٌ : احْمِلُونِي عَلَى بَابٍ فَخُرِجَ بِهِ مَحْمُولا ، ثُمَّ كَشَفَ عَنْ ظَهْرِهِ وَبِهِ قُرُوحٌ فِي ظَهْرِهِ ، فَأَخْبَرَ النَّاسَ بِعُذْرِهِ فَعَذَرُوهُ ، وَكَانَ سَعْدٌ لا يَجْبُنُ ، وَقَالَ : إِنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِمَا بَلَغَنِي مِنْ قَوْلِكَ .
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ جَعْفَرِ بن سُلَيْمَانَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ بن خَالِدٍ ، أَنَّ سَعْدًا قَالَ لابْنِهِ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ : يَا بنيَّ ، إِنَّكَ لَنْ تَلْقَى أَحَدًا هُوَ أَنْصَحُ لَكَ مِنِّي ، إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُصَلِّيَ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ ، ثُمَّ صَلِّ صَلاةً لا تَرَى أَنَّكَ تُصَلِّي بَعْدَهَا ، وَإِيَّاكَ وَالطَّمَعَ ، فَإِنَّهُ فَقْرٌ حَاضِرٌ ، وَعَلَيْكَ بِالْيَأْسِ فَإِنَّهُ الْغِنَى ، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ مِنَ الْعَمَلِ وَالْقَوْلِ ، وَاعْمَلْ مَا بَدَا لَكَ .(9/9)
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن زَكَرِيَّا بن أَبِي زَائِدَةَ ، حَدَّثَنِي هَاشِمُ بن هَاشِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بن الْمُسَيِّبِ ، يَقُولُ : قَالَ سَعْدُ بن أَبِي وَقَّاصٍ : مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلا فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ، وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلامِ .
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن النَّضْرِ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بن عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ قَيْسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَعْدَ بن أَبِي وَقَّاصٍ ، يَقُولُ : إِنِّي لأَوَّلُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بن إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ بُكَيْرِ بن مِسْمَارٍ ، عَنْ عَامِرِ بن سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ لَهُ أَبَوَيْهِ ، قَالَ : كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَحْرَقَ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ : ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ، قَالَ : فَنَزَعْتُ بِسَهْمٍ لَيْسَ فِيهِ نَصْلٌ ، فَأَصَبْتُ جَنْبَهُ ، فَوَقَعَ وَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى نَوَاجِذِهِ.(9/10)
- حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بن شُعَيْبٍ الأَزْدِيُّ ، نا عَبْدُ اللَّهِ بن صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ ، حَدَّثَنِي عَقِيلٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ : أَنَّ سَعْدَ بن أَبِي وَقَّاصٍ ، لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِخِلَقِ جُبَّةٍ صُوفٍ ، فَقَالَ : كَفِّنُونِي فِيهَا ، فَإِنِّي لَقِيتُ فِيهَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَإِنَّمَا كُنْتُ أُخَبِّؤُهَا لِهَذَا .
- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ ، عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بن سَعْدٍ ، قَالَ : كَانَ أَبِي إِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ تَجَوَّزَ وَأَتَمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ ، وَإِذَا صَلَّى فِي الْبَيْتِ أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَالصَّلاةَ ، قُلْتُ : يَا أَبَتَاهُ إِذَا صَلَّيْتَ فِي الْمَسْجِدِ جَوَّزْتَ ، وَإِذَا خَلَوْتَ فِي الْبَيْتِ أَطَلْتَ ، قَالَ : يَا بنيَّ ، إِنَّنَا أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بنا.
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن زَكَرِيَّا بن أَبِي زَائِدَةَ ، حَدَّثَنِي الْمُجَالِدُ ، عَنْ عَامِرٍ ، قَالَ : قِيلَ لِسَعْدِ بن أَبِي وَقَّاصٍ : مَتَى أَصَبْتَ الدَّعْوَةَ ؟ قَالَ : يَوْمَ بَدْرٍ كُنْتُ أَرْمِي بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَضَعُ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ، أَقُولُ : اللَّهُمَّ زَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ ، وَأَرْعِبْ قُلُوبَهُمْ ، وَافْعَلْ بِهِمْ وَافْعَلْ ، فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ.(9/11)
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بن بَكَّارٍ ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بن مُحَمَّدِ بن الضَّحَّاكِ الْحِزَامِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَامَ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ حِينَ اخْتَلَفَ الْحَكَمَانِ ، فَقَالَ : قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هَذِهِ الْحُكُومَةِ فَعَصَيْتُمُونِي ، فَقَامَ إِلَيْهِ فَتًى آدَمُ ، فَقَالَ : إِنَّكَ وَاللَّهِ مَا نَهَيْتَنَا ، وَلَكِنَّكَ أَمَرْتَنَا وَدمَّرْتَنَا ، فَلَمَّا كَانَ فِيهَا مَا تَكْرَهُ بَرَّأَتَ نَفْسَكَ ، وَنَحَلْتَنَا ذَنْبَكَ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَمَا أَنْتَ وَهَذَا الْكَلامُ قَبَّحَكَ اللَّهُ ، وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَتِ الْجَمَاعَةُ فَكُنْتَ فِيهَا خَامِلا ، فَلَمَّا ظَهَرَتِ الْفِتْنَةُ نَجَّمْتَ فِيهَا نُجُومَ قَرْنِ الْمَاعِزَةِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : لِلَّهِ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ سَعْدُ بن مَالِكٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ ، وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ ذَنْبًا إِنَّهُ لَصَغِيرٌ مَغْفُورٌ ، وَلَئِنِ كَانَ حَسَنًا إِنَّهُ لَعَظِيمٌ مَشْكُورٌ.
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن النَّضْرِ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بن عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن مَيْمُونٍ ، قَالَ : لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ يُوصِي لأَهْلِ الشُّورَى إِنْ أَصَابَ سَعْدًا فَذَلِكَ ، وَإِلا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ الَّذِي اسْتَخْلَفَ ، فَإِنِّي لَمْ أَنْزِعْهُ مِنْ عَجْزٍ وَلا خِيَانةٍ .(9/12)
- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبَايَةَ بن رِفَاعَةَ بن رَافِعٍ ، قَالَ : بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَعْدًا اتَّخَذَ بَابًا ، ثُمَّ قَالَ : انْقَطَعَ الصُّوَيْتُ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَحَرَّقَهُ ثُمَّ أَخَذَ مُحَمَّدُ بن مَسْلَمَةَ بِيَدِهِ فَأَخْرَجَهُ ، وَقَالَ : هَهُنَا اجْلِسْ لِلنَّاسِ ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ سَعْدٌ وَحَلَفَ مَا تَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي بَلَغَتْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ .
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، قَالَ : قِيلَ لِسَعْدِ بن أَبِي وَقَّاصٍ : أَلا تُقَاتِلْ ؟ فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى ، وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ غَيْرِكَ ، فَقَالَ : لا أُقَاتِلُ حَتَّى تَأْتُونِي بِسَيْفٍ لَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ يَعْرِفُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ ، فَقَدْ جَاهَدْتُ وَأَنَا أَعْرِفُ الْجِهَادَ ...
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن الْقَاسِمِ بن مُسَاوِرٍ الْجَوْهَرِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ سَعْدُ بن أَبِي وَقَّاصٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ.
وفي صفة الصفوة لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص
رضي الله عنه واسمه مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة وأمه حمنة.(9/13)
- أسلم قديما وهو ابن سبع عشرة سنة وقال كنت ثالثا في الإسلام وانا أول من رمى بسهم في سبيل الله شهد المشاهد كلها مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم وولي الولايات من قبل عمر وعثمان وهو أحد أصحاب الشورى.
ذكر صفته رضي الله عنه
-كان قصيرا غليظا ذا هامة شثن الاصابع آدم افطس اشعر الجسد يخضب بالسواد.
ذكر أولاده رضي الله عنه
-كان له من الولد اسحق الاكبر وبه كان يكنى أم الحكم الكبرى امهما ابنة شهاب بن عبد الله وعمر قتله المختار ومحمد قتله الحجاج يوم دير الجماجم وحفصة وام القاسم وكلثوم امهم معأوية بنت قيس بن معدي كرب وعامر واسحق الاصغر واسماعيل وام عمران امهم أم عامر بنت عمرو وإبراهيم وموسى وام الحكم الصغرى وام عمرو وهند وام الزبير وام موسى امهم زبيدة وعبد الله أمه سلمى ومصعب أمه خولة بنت عمرو وعبد الله الاصغر وبجير واسمه عبد الرحمن وحميدة امهم أم هلال بنت ربيع بن مري.
وعمير الاكبر وحمنة امهما أم حكيم بنت قارظ وعمير الاصغر وعمرو وعمران وام عمرو وام أيوب وام إسحاق امهم سلمى بنت حفصة وصالح أمه ظبية بنت عامر وعثمان ورملة امهما أم حجير وعمرة وهي العمياء امها من سبي العرب وعائشة.
ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه
*عن سعيد بن المسيب قال قال سعد ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه ولقد مكثت سبعة أيام واني لثلث الإسلام.
*وعن علي قال ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدا بابويه إلا سعد بن مالك فإني سمعته يقول له في يوم أحد ارم سعد فداك أبي وأمي أخرجاه في الصحيحين.
*عن هاشم بن هاشم الزهري قال سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت سعد بن أبي وقاص يقول نثل لي رسول الله. صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد وقال ارم فداك أبي وأمي.(9/14)
*وعن قيس قال سمعت سعد بن مالك يقول اني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله عز وجل ولقد رايتنا نغزو مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبل وهذا السمر حتى أن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ماله خلط ثم أصبحت بنو أسد يعزروني على الدين لقد خبت أذن وضل عملي.
*وعن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله. صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين وان عبد الله بن عمر سال عمر عن ذلك فقال نعم إذ أحدثك سعد عن رسول الله. صلى الله عليه وسلم شيئا فلا تسال عنه غيره.
*وعن جابر بن عبد الله قال أقبل سعد ورسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال هذا خالي فليرني امرؤ خاله.
*وعن قيس بن أبي حازم عن سعد قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اللهم سدد رميته واجب دعوته.
*وعن يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة عن جده قال دعا سعد فقال يا رب أن لي بنين صغارا فاخر عين الموت حتى يبلغوا فاخر عنه الموت عشرين سنة.
*عن طارق يعني ابن شهاب قال كان بين خالد وسعد كلام فذهب رجل يقع في خالد عن سعد فقال مه أن ما بيننا لم يبلغ ديننا.
ذكر وفاته رضي الله عنه
-مات سعد في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة فحمل على رقاب الرجال إلى المدينة وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة ثم صلى عليه أزواج النبي. صلى الله عليه وسلم في حجرهن ودفن بالبقيع وكان أوصى أن يكفن في جبة صوف له كان لقي المشركين فيها يوم بدر فكفن فيها وذلك في سنة خمس وخمسين ويقال سنة خمسين وهو ابن بضع وسبعين ويقال اثنتين وثمانين.
*وعن مالك بن أنس أنه سمع غير واحد يقول أن سعد بن أبي وقاص مات بالعقيق فحمل إلى المدينة ودفن بها.(9/15)
وعن عائشة أنه لما توفي سعد أرسل أزواج النبي. صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته في المسجد ففعلوا فوقف به على حجرهن فصلين عليه وخرج من باب الجنائز فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا ما كانت الجنائز يدخل بها في المسجد فبلغ ذلك عائشة فقالت ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به عابوا علينا أن نمر بجنازة في المسجد وما صلى رسول الله. صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد .
الياقوتة 29
حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا يعقوب بن إبراهيم: حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد: أن محمد بن سعد بن أبي وقاص أخبره: أن أباه سعد بن أبي وقاص قال:
استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك رسول الله، قال: (عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب). قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن، ثم قال: أي عدوات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك).
أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق 11 - باب: صفة إبليس وجنوده.
ورواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر رضي الله عنه
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله(9/16)
قوله باب صفة إبليس وجنوده إبليس اسم اعجمي عند الأكثر وقيل مشتق من ابلس إذا أيئس قال بن الأنباري لو كان عربيا لصرف كإكليل وقال الطبري إنما لم يصرف وأن كان عربيا لقلة نظيره في كلام العرب فشبهوه بالعجمي وتعقب بأن ذلك ليس من موانع الصرف وبأن له نظائر كإخريط وإضليت واستبعد كونه مشتقا أيضا بأنه لو كان كذلك لكان إنما سمي إبليس بعد يأسه من رحمة الله بطرده ولعنه وظاهر القرآن أنه كان يسمى بذلك قبل ذلك كذا قيل ولا دلالة فيه لجواز أن يسمى بذلك باعتبار ما سيقع له نعم روى الطبري وابن أبي الدنيا عن بن عباس قال كان اسم إبليس حيث كان مع الملائكة عزازيل ثم إبليس بعد وهذا يؤيد ذلك القول والله أعلم ومن أسمائه الحارث والحكم وكنيته أبو مرة وفي كتاب إبليس لابن خالويه كنيته أبو الكروبيين وقوله وجنوده كأنه يشير بذلك إلى حديث أبي موسى الأشعري مرفوعا قال إذا أصبح إبليس بث جنوده فيقول من أضل مسلما ألبسته التاج الحديث أخرجه بن حبان والحاكم والطبراني ولمسلم من حديث جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة .(9/17)
قوله عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد أي بن الخطاب وفي الإسناد أربعة من التابعين على نسق قرينان وهما صالح وهو بن كيسان وابن شهاب وقريبان وهما عبد الحميد ومحمد بن سعد وكلهم مدنيون قوله استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش هن من أزواجه ويحتمل ان يكون معهن من غيرهن لكن قرينة قوله يستكثرنه يؤيد الأول والمراد انهن يطلبن منه أكثر مما يعطيهن وزعم الداودي ان المراد انهن يكثرن الكلام عنده وهو مردود بما وقع التصريح به في حديث جابر عند مسلم انهن يطلبن النفقة قوله عالية بالرفع على الصفة وبالنصب على الحال وقوله اصواتهن على صوته قال بن التين يحتمل ان يكون ذلك قبل نزول النهي عن رفع الصوت على صوته أو كان ذلك طبعهن انتهى وقال غيره يحتمل ان يكون الرفع حصل من مجموعهن لا ان كل واحدة منهن كان صوتها ارفع من صوته وفيه نظر قيل ويحتمل ان يكون فيهن جهيرة أو النهي خاص بالرجال وقيل في حقهن للتنزيه أو كن في حال المخاصمة فلم يتعمدن أو وثقن بعفوه ويحتمل في الخلوة ما لايحتمل في غيرها قوله اضحك الله سنك لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك بل لازمه وهو السرور أو نفي ضد لازمه وهو الحزن قوله اتهبنني من الهيبة أي توقرنني قولهن أنت أفظ وأغلظ بالمعجمتين بصيغة افعل التفضيل من الفظاظة والغلظة وهو يقتضي الشركة في أصل الفعل ويعارضه قوله تعالى{ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} فإنه يقتضي انه لم يكن فظا ولا غليظا والجواب ان الذي في الآية يقتضي نفي وجود ذلك له صفة لازمة فلا يستلزم ما في الحديث ذلك بل مجرد وجود الصفة له في بعض الأحوال وهو عند إنكار المنكر مثلا والله اعلم وجوز بعضهم ان الافظ هنا بمعنى الفظ وفيه نظر للتصريح بالترجيح المقتضي لحمل افعل على بابه وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدا بما يكره الا في حق من حقوق الله وكان عمر يبالغ في الزجر عن المكروهات مطلقا وطلب المندوبات(9/18)
فلهذا قال النسوة له ذلك قوله إيه يا بن الخطاب قال أهل اللغة أيه بالفتح والتنوين معناها لاتبتدئنا بحديث وبغير تنوين كف من حديث عهدناه و ايه بالكسر والتنوين معناها حدثنا ما شئت وبغير التنوين معناها زدنا مما حدثتنا ووقع في روايتنا بالنصب والتنوين وحكى بن التين انه وقع له بغير تنوين وقال معناه كف عن لومهن وقال الطيبي الأمر بتوقير رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلوب لذاته تحمد الزيادة منه فكان قوله صلى الله عليه وسلم ايه استزادة منه في طلب توقيره وتعظيم جانبه ولذلك عقبه بقوله والذي نفسي بيده الخ فإنه يشعر بأنه رضي مقالته وحمد فعاله والله اعلم قوله فجا أي طريقا واسعا وقوله قط تاكيد للنفي قوله الا سلك فجا غير فجك فيه فضيلة عظيمة لعمر تقتضي ان الشيطان لا سبيل له عليه لا ان ذلك يقتضي وجود العصمة إذ ليس فيه الا فرار الشيطان منه ان يشاركه في طريق يسلكها ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل اليه قدرته فان قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لأنه إذا منع من السلوك في طريق فأولى ان لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن ان يكون حفظ من الشيطان ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره ممكنة ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ ان الشيطان لا يلقى عمر منذ اسلم الا خر لوجهه وهذا دل على صلابته في الدين واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحض وقال النووي هذا الحديث محمول على ظاهره وان الشيطان يهرب إذا رآه وقال عياض يحتمل ان يكون ذاك على سبيل ضرب المثل وان عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان والأول أولى انتهى .
الحديث في صحيح مسلم(9/19)
حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ). ح وحَدّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَالَ حَسَنٌ: حَدّثَنَا) يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصِ أَخْبَرَهُ أَنّ أَبَاهُ سَعْداً قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ. عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنّ. فَلَمّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ. فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ. فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللّهُ سِنّكَ. يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاّتِي كُنّ عِنْدِي. فَلَمّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ" قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ، يَا رَسُولَ اللّهِ أَحَقّ أَنْ يَهَبْنَ. ثُمّ قَالَ عُمَرُ: أَيْ عَدُوّاتِ أَنْفُسِهِنّ أَتَهَبْنَنِي وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قُلْنَ: نَعَمْ. أَنْتَ أَغْلَظُ وَأَفَظّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشّيْطَانُ قَطّ سَالِكاً فَجّا إِلاّ سَلَكَ فَجّا غَيْرَ فَجّكَ".(9/20)
حدّثنا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدّثَنَا بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ. أَخْبَرَنِي سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ جَاءَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ قَدْ رَفَعْنَ أَصْوَاتَهُنّ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الزّهْرِيّ.
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله(9/21)
قوله: (عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيدان محمد بن سعد بن أبي وقاص أخبره أن أباه سعداً قال استأذن عمر) هذا الحديث اجتمع فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهم: صالح وابن شهاب وعبد الحميد ومحمد، وقد رأى عبد الحميد بن عباس. قوله: (وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن) قال العلماء: معنى يستكثرنه يطلبن كثيراً من كلامه وجوابه بحوائجهن وفتاويهن، وقوله عالية أصواتهن قال القاضي: يحتمل أن هذا قبل النهي عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن علو أصواتهن إنما كان باجتماعها لا أن كلام كل واحدة بانفرادها أعلى من صوته صلى الله عليه وسلم. قوله: (قلن أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم) الفظ والغليظ بمعنى وهو عبارة عن شدة الخلق وخشونة الجانب، قال العلماء: وليست لفظة افعل هنا للمفاضلة بل هي بمعنى فظ غليظ، قال القاضي: وقد يصح حملها على المفاضلة وأن القدر الذي منها في النبي صلى الله عليه وسلم هو ما كان من إغلاظه على الكافرين والمنافقين كما قال تعالى: {جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} وكان يغضب ويغلظ عند انتهاك حرمات الله تعالى والله أعلم. وفي هذا الحديث فضل لين الجانب والحلم والرفق ما لم يفوت مقصوداً شرعياً. قال الله تعالى: {واخفض جناحك للمؤمنين} وقال تعالى: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} وقال تعالى: {بالمؤمنين رؤوف رحيم}. قوله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك) الفج الطريق الواسع ويطلق أيضاً على المكان المنخرق بين الجبلين، وهذا الحديث محمول على ظاهره أن الشيطان متى رأى عمر سالكاً فجاً هرب هيبة من عمر وفارق ذلك الفج وذهب في فج آخر لشدة خوفه من بأس عمر أن يفعل فيه شيئاً. قال القاضي: ويحتمل أنه ضرب مثلاً لبعد الشيطان وإغوائه منه، وأن عمر في جميع أمور سالك طريق(9/22)
السداد خلاف ما يأمر به الشيطان والصحيح الأول
الياقوتة 30
باب: رثى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة.
1233 - حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع، من وجع اشتد بي، فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفاتصدق بثلثي مالي؟ قال: (لا). قلت: بالشطر؟ فقال: (لا). ثم قال: (الثلث والثلث كبير، أو كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تتبغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في في امرأتك). فقلت: يا رسول الله، أخلف بعد أصحابي؟ قال: (إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا إلا ازددت به درجة ورفعة، ثم لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون، اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة). يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة .
أخرجه البخاري في كتاب الجنائز - باب: رثى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة.
ورواه مسلم في كتاب الوصية باب الوصية بالثلث
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله(9/23)
قوله باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة سعد بالنصب على المفعولية وخولة بفتح المعجمة وسكون الواو والرثاء بكسر الراء وبالمثلثة بعدها مدة مدح الميت وذكر محاسنه وليس هو المراد من الحديث حيث قال الراوي يرثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا اعترض الإسماعيلي الترجمة فقال ليس هذا من مراثي الموتى وإنما هو من التوجع يقال رثيته إذا مدحته بعد موته ورثيت له إذا تحزنت عليه ويمكن أن يكون مراد البخاري هذا بعينه كأنه يقول ما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم فهو من التحزن والتوجع وهو مباح وليس معارضا لنهيه عن المراثي التي هي ذكر أوصاف الميت الباعثة على تهييج الحزن وتجديد اللوعه وهذا هو المراد بما أخرجه أحمد وابن ماجة وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي وهو عند بن أبي شيبة بلفظ نهانا أن نتراثى ولا شك أن الجامع بن الامرين التوجع والتحزن ويؤخذ من هذا التقرير مناسبة إدخال هذه الترجمة في تضاعيف التراجم المتعلقة بحال من يحضر الميت
قوله أن مات بفتح الهمزة ولا يصح كسرها لأنها تكون شرطيه والشرط لما يستقبل وهو قد كان مات والمعنى أن سعد بن خولة وهو من المهاجرين من مكة إلى المدينة وكانوا يكرهون الإقامة في الأرض التي هاجروا منها وتركوها مع حبهم فيها لله تعالى فمن ثم خشي سعد بن أبي وقاص أن يموت بها وتوجع رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن خولة لكونه مات بها وأفاد أبو داود الطيالسي في روايته لهذا الحديث عن إبراهيم بن سعد عن الزهري أن القائل يرثي له الخ هو الزهري ويؤيده أن هاشم بن هاشم وسعد بن إبراهيم رويا هذا الحديث عن عامر بن سعد فلم يذكرا ذلك فيه وكذا في رواية عائشة بنت سعد عن أبيها كما سيأتي في كتاب الوصايا مع بقية الكلام عليه وذكر الاختلاف في تسمية البنت المذكورة إن شاء الله تعالى
باب: أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس.(9/24)
- حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عامر ابن سعد، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:
جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا بمكة، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها، قال: (يرحم الله ابن عفراء). قلت: يا رسول الله، أوصي بمالي كله؟ قال: (لا). قلت: فالشطر؟ قال: (لا). قلت: الثلث؟ قال: (فالثلث والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم، وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك، وعسى الله أن يرفعك، فينتفع بك ناس ويضر بك آخرون). ولم يكن له يومئذ إلا ابنة.
حدثنا محمد بن عبد الرحيم: حدثنا زكرياء بن عدي: حدثنا مروان، عن هاشم بن هاشم، عن عامر بن سعد، عن أبيه رضي الله عنه قال:
مرضت، فعادني النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي أن لا يردني على عقبي، قال: (لعل الله يرفعك، وينفع بك ناسا). قلت: أريد أن أوصي، وإنما لي ابنة، قلت: أوصي بالنصف؟ قال: (النصف كثير). قلت: فالثلث؟ قال: (الثلث، والثلث كثير، أو كبير). قال: فأوصى الناس بالثلث، فجاز ذلك لهم
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله
قوله باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس هكذا اقتصر على لفظ الحديث فترجم به ولعله أشار إلى من لم يكن له من المال الا القليل لم تندب له الوصية كما مضى(9/25)
- قوله عن سعد بن إبراهيم أي بن عبد الرحمن بن عوف وعامر بن سعد شيخه هو خاله لأن أم سعد بن إبراهيم هي أم كلثوم بنت سعد بن أبي وقاص وسعد وعامر زهريان مدنيان تابعيان ووقع في رواية مسعر عن سعد بن إبراهيم حدثني بعض آل سعد قال مرض سعد وقد حفظ سفيان اسمه ووصله فروايته مقدمة وقد روى هذا الحديث عن عامر أيضا جماعة منهم الزهري وتقدم سياق حديثه في الجنائز ويأتي في الهجرة وغيرها ورواه عن سعد بن أبي وقاص جماعة غير ابنه عامر كما سأشير إليه قوله جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا بمكة زاد الزهري في روايته في حجة الوداع من وجع اشتد بي وله في الهجرة من وجع أشفيت منه على الموت واتفق أصحاب الزهري على أن ذلك كان في حجة الوداع الا بن عيينة فقال في فتح مكة أخرجه الترمذي وغيره من طريقه واتفق الحفاظ على أنه وهم فيه وقد أخرجه البخاري في الفرائض من طريقه فقال بمكة ولم يذكر الفتح وقد وجدت لابن عيينة مستندا فيه وذلك فيما أخرجه أحمد والبزار والطبراني والبخاري في التاريخ وابن سعد من حديث عمرو بن القارئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم فخلف سعدا مريضا حيث خرج إلى حنين فلما قدم من الجعرانة معتمرا دخل عليه وهو مغلوب فقال يا رسول الله إن لي مالا وإني أورث كلالة أفأوصي بمالي الحديث وفيه قلت يا رسول الله أميت أنا بالدار الذي خرجت منها مهاجرا قال لا إني لأرجو أن يرفعك الله حتى ينتفع بك أقوام الحديث فلعل بن عيينة انتقل ذهنه من حديث إلى حديث ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون ذلك وقع له مرتين مرة عام الفتح ومرة عام حجة الوداع ففي الأولى لم يكن له وارث من الأولاد أصلا وفي الثانية كانت له ابنة فقط فالله أعلم(9/26)
-قوله وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها يحتمل أن تكون الجملة حالا من الفاعل أو من المفعول وكل منهما محتمل لأن كلا من النبي صلى الله عليه وسلم ومن سعد كان يكره ذلك لكن إن كان حالا من المفعول وهو سعد ففيه التفات لأن السياق يقتضي أن يقول وأنا أكره وقد أخرجه مسلم من طريق حميد بن عبد الرحمن عن ثلاثة من ولد سعد عن سعد بلفظ فقال يا رسول الله خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة وللنسائي من طريق جرير بن يزيد عن عامر بن سعد لكن البائس سعد بن خولة مات في الأرض التي هاجر منها وله من طريق بكير بن مسمار عن عامر بن سعد في هذا الحديث فقال سعد يا رسول الله أموت بالأرض التي هاجرت منها قال لا إن شاء الله تعالى وسيأتي بقية ما يتعلق بكراهة الموت بالأرض التي هاجر منها في كتاب الهجرة إن شاء الله تعالى قوله قال يرحم الله بن عفراء كذا وقع في هذه الرواية في رواية أحمد والنسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان فقال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله سعد بن عفراء ثلاث مرات قال الداودي قوله بن عفراء غير محفوظ وقال الدمياطي هو وهم والمعروف بن خولة قال ولعل الوهم من سعد بن إبراهيم فإن الزهري أحفظ منه وقال فيه سعد بن خولة يشير إلى ما وقع في روايته بلفظ لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة قلت وقد ذكرت آنفا من وافق الزهري وهو الذي ذكره أصحاب المغازي وذكروا أنه شهد بدرا ومات في حجة الوداع وقال بعضهم في اسمه خولى بكسر اللام وتشديد التحتانية واتفقوا على سكون الواو وأغرب بن التين فحكى عن القابسي فتحها ووقع في رواية بن عيينة في الفرائض قال سفيان وسعد بن خولة رجل من بني عامر بن لؤي اه وذكر بن إسحاق أنه كان حليفا لهم ثم لأبي رهم بن عبد العزى منهم وقيل كان من الفرس الذين نزلوا اليمن ... وجزم الليث بن سعد في تاريخه عن يزيد بن أبي حبيب بأن سعد بن خولة(9/27)
مات في حجة الوداع وهو الثابت في الصحيح خلافا لمن قال أنه مات في مدة الهدنة مع قريش سنة سبع وجوز أبو عبد الله بن أبي الخصال الكاتب المشهور في حواشيه عن البخاري أن المراد بابن عفراء عوف بن الحارث أخو معاذ ومعوذ أولاد عفراء وهي أمهم والحكمة في ذكره ما ذكره بن إسحاق أنه قال يوم بدر ما يضحك الرب من عبده قال أن يغمس يده في العدو حاسرا فألقى الدرع التي هي عليه فقاتل حتى قتل قال فيحتمل أن يكون لما رأى اشتياق سعد بن أبي وقاص للموت وعلم أنه يبقى حتى يلي الولايات ذكر بن عفراء وحبه للموت ورغبته في الشهادة كما يذكر الشيء بالشيء فذكر سعد بن خولة لكونه مات بمكة وهي دار هجرته وذكر بن عفراء مستحسنا لميتته اه ملخصا وهو مردود بالتنصيص على قوله سعد بن عفراء فانتفى أن يكون المراد عوف وأيضا فليس في شيء من طرق حديث سعد بن أبي وقاص أنه كان راغبا في الموت بل في بعضها عكس ذاك وأنه بكى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك فقال خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة وهو عند النسائي وأيضا فمخرج الحديث متحد والأصل عدم التعدد فالاحتمال بعيد لو صرح بأنه عوف بن عفراء والله أعلم وقال التيمي يحتمل أن يكون لأمه اسمان خولة وعفراء اه ويحتمل أن يكون أحدهما اسما والآخر لقبا أو أحدهما اسم أمه والأخر اسم أبيه أو والآخر اسم جدة له والأقرب أن عفراء اسم أمه والآخر اسم أبيه لاختلافهم في أنه خولة أو خولى وقول الزهري في روايته يرثي له الخ قال بن عبد البر زعم أهل الحديث أن قوله يرثي الخ من كلام الزهري وقال بن الجوزي وغيره هو مدرج من قول الزهري قلت وكأنهم استندوا إلى ما وقع في رواية أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد عن الزهري فإنه فصل ذلك لكن وقع عند المصنف في الدعوات عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد في آخره لكن البائس سعد بن خولة قال سعد رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ فهذا صريح في(9/28)
وصله فلا ينبغي الجزم بادراجه ووقع في رواية عائشة بنت سعد عن أبيها في الطب من الزيادة ثم وضع يده على جبهتي ثم مسح وجهي وبطني ثم قال اللهم اشف سعدا وأتمم له هجرته قال فما زلت أجد بردها ولمسلم من طريق حميد بن عبد الرحمن المذكورة قلت فادع الله أن يشفيني فقال اللهم اشف سعدا ثلاث مرات قوله قلت يا رسول الله أوصي بمالي كله في رواية عائشة بنت سعد عن أبيها في الطب أفأتصدق بثلثي مالي وكذا وقع في رواية الزهري فأما التعبير بقوله أفأتصدق فيحتمل التنجيز والتعليق بخلاف أفأوصي لكن المخرج متحد فيحمل على التعليق للجمع بين الروايتين وقد تمسك بقوله أتصدق من جعل تبرعات المريض من الثلث وحملوه على المنجزة وفيه نظر لما بينته وأما الاختلاف في السؤال فكأنه سأل أولا عن الكل ثم سأل عن الثلثين ثم سأل عن النصف ثم سأل عن الثلث وقد وقع مجموع ذلك في رواية جرير بن يزيد عند أحمد وفي رواية بكير بن مسمار عند النسائي كلاهما عن عامر بن سعد وكذا لهما من طريق محمد بن سعد عن أبيه ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عن سعد وقوله في هذه الرواية قلت فالشطر هو بالجر عطفا على قوله بمالي كله أي فأوصي بالنصف وهذا رجحه السهيلي وقال الزمخشري هو بالنصب على تقدير فعل أي أسمي الشطر أو أعين الشطر ويجوز الرفع على تقدير أيجوز الشطر قوله قلت الثلث قال فالثلث والثلث كثير كذا في أكثر الروايات وفي رواية الزهري في الهجرة قال الثلث يا سعد والثلث كثير وفي رواية مصعب بن سعد عن أبيه عند مسلم قلت فالثلث قال نعم والثلث كثير وفي رواية عائشة بنت سعد عن أبيها في الباب الذي يليه قال الثلث والثلث كبير أو كثير وكذا للنسائي من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عن سعد وفيه فقال أوصيت فقلت نعم قال بكم قلت بمالي كله قال فما تركت لولدك وفيه أوص بالعشر قال فما زال يقول وأقول حتى قال أوص بالثلث والثلث كثير أو كبير يعني بالمثلثة أو بالموحدة وهو شك من الراوي والمحفوظ(9/29)
في أكثر الروايات بالمثلثة ومعناه كثير بالنسبة إلى ما دونه وسأذكر الاختلاف فيه في الباب الذي بعد هذا وقوله قال الثلث والثلث كثير بنصب الأول على الإغراء أو بفعل مضمر نحو عين الثلث وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو المبتدأ والخبر محذوف والتقدير يكفيك الثلث أو الثلث كاف ويحتمل أن يكون قوله والثلث كثير مسوقا لبيان الجواز بالثلث وأن الأولى أن ينقص عنه ولا يزيد عليه وهو ما يبتدره الفهم ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل أي كثير أجره ويحتمل أن يكون معناه كثير غير قليل قال الشافعي رحمه الله وهذا أولى معانيه يعني أن الكثرة أمر نسبي وعلى الأول عول بن عباس كما سيأتي في حديث الباب الذي بعده قوله انك أن تدع بفتح أن على التعليل وبكسرها على الشرطية قال النووي هما صحيحان صوريان وقال القرطبي لا معنى للشرط هنا لأنه يصير لا جواب له ويبقى خير لا رافع له وقال بن الجوزي سمعناه من رواة الحديث بالكسر وأنكره شيخنا عبد الله بن أحمد يعني بن الخشاب وقال لا يجوز الكسر لأنه لا جواب له لخلو لفظ خير من الفاء وغيرها مما اشترط في الجواب وتعقب بأنه لا مانع من تقديره وقال بن مالك جزاء الشرط قوله خير أي فهو خير وحذف الفاء جائز وهو كقراءة طاوس {ويسئلونك عن اليتامى قل أصلح لهم خير }قال ومن خص ذلك بالشعر بعد عن التحقيق وضيق حيث لا تضيق لأنه كثير في الشعر قليل في غيره وأشار بذلك إلى وما وقع في الشعر فيما أنشده سيبويه من يفعل الحسنات الله يشكرها أي فالله يشكرها وإلى الرد على من زعم أن ذلك خاص بالشعر قال ونظيره قوله في حديث اللقطة فإن جاء صاحبها وإلا استمتع لها بحذف الفاء وقوله في حديث اللعان البينة وإلا حد في ظهرك قوله ورثتك قال الزين بن المنير إنما عبر له صلى الله عليه وسلم بلفظ الورثة ولم يقل أن تدع بنتك مع أنه لم يكن له يومئذ الا ابنة واحدة لكون الوارث حينئذ لم يتحقق لأن سعدا إنما قال ذلك بناء على(9/30)
موته في ذلك المرض وبقائها بعده حتى ترثه وكان من الجائز أن تموت هي قبله فأجاب صلى الله عليه وسلم بكلام كلي مطابق لكل حالة وهو قوله ورثتك ولم يخص بنتا من غيرها وقال الفاكهي شارح العمدة إنما عبر صلى الله عليه وسلم بالورثة لأنه اطلع على أن سعدا سيعيش ويأتيه أولاد غير البنت المذكورة فكان كذلك وولد له بعد ذلك أربعة بنين ولا أعرف أسمائهم ولعل الله أن يفتح بذلك قلت وليس قوله أن تدع بنتك متعينا لأن ميراثه لم يكن منحصرا فيها فقد كان لأخيه عتبة بن أبي وقاص أولاد إذ ذاك منهم هاشم بن عتبة الصحابي الذي قتل بصفين وسأذكر بسط ذلك فجاز التعبير بالورثة لتدخل البنت وغيرها ممن يرث لو وقع موته إذ ذاك أو بعد ذلك وأما قول الفاكهي أنه له بعد ذلك أربعة بنين وأنه لا يعرف أسماءهم ففيه قصور شديد فإن أسمائهم في رواية هذا الحديث بعينه عند مسلم من طريق عامر ومصعب ومحمد ثلاثتهم عن سعد ووقع ذكر عمر بن سعد فيه في موضع آخر ولما وقع ذكر هؤلاء في هذا الحديث عند مسلم اقتصر القرطبي على ذكر الثلاثة ووقع في كلام بعض شيوخنا تعقب عليه بأن له أربعة من الذكور غير الثلاثة وهم عمر وإبراهيم ويحيى وإسحاق وعزا ذكرهم لابن المديني وغيره وفاته أن بن سعد ذكر له من الذكور غير السبعة أكثر من عشرة وهم عبد الله وعبد الرحمن وعمرو وعمران وصالح وعثمان وإسحاق الأصغر وعمر الأصغر وعمير مصغرا وغيرهم وذكر له من البنات ثنتي عشرة بنتا وكأن بن المديني اقتصر على ذكر من روى الحديث منهم والله أعلم(9/31)
-قوله عالة أي فقراء وهو جمع عال وهو الفقير والفعل منه عال يعيل إذا افتقر قوله يتكففون الناس أي يسألون الناس بأكفهم يقال تكفف الناس واستكف إذا بسط كفه للسؤال أو سأل ما يكف عنه الجوع أو سأل كفا كفا من الطعام وقوله في أيديهم أي بأيديهم أو سألوا بأكفهم وضع المسئول في أيديهم وقع في رواية الزهري أن سعدا قال وأنا ذو مال ونحوه في رواية عائشة بنت سعد في الطب وهذا اللفظ يؤذن بمال كثير وذو المال إذا تصدق بثلثه أو بشطره وأبقى ثلثه بين ابنته وغيرها لا يصيرون عالة لكن الجواب أن ذلك خرج على التقدير لأن بقاء المال الكثير إنما هو على سبيل التقدير وإلا فلو تصدق المريض بثلثيه مثلا ثم طالت حياته ونقص وفني المال فقد تجحف الوصية بالورثة فرد الشارع الأمر إلى شيء معتدل وهو الثلث قوله وانك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة هو معطوف على قوله انك أن تدع وهو علة للنهي عن الوصية بأكثر من الثلث كأنه قيل لا تفعل لأنك أن مت تركت ورثتك أغنياء وأن عشت تصدقت وأنفقت فالأجر حاصل لك في الحالين وقوله فإنها صدقة كذا أطلق في هذه الرواية وفي رواية الزهري وأنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا أجرت بها وقيدة بابتغاء وجه الله وعلق حصول الأجر بذلك وهو المعتبر ويستفاد منه أن أجر الواجب يزداد بالنية لأن الإنفاق على الزوجة واجب وفي فعله الأجر فإذا نوى به ابتغاء وجه الله ازداد أجره بذلك قاله بن أبي جمرة قال ونبه بالنفقة على غيرها من وجوه البر والإحسان قوله حتى اللقمة بالنصب عطفا على نفقة ويجوز الرفع على أنه مبتدأ و تجعلها الخبر ... ووجه تعلق قوله وأنك لن تنفق نفقة الخ بقصة الوصية أن سؤال سعد يشعر بأنه رغب في تكثير الأجر فلما منعه الشارع من الزيادة على الثلث قال له على سبيل التسلية أن جميع ما تفعله في مالك من صدقة ناجزة ومن نفقة ولو كانت واجبة تؤجر بها إذا ابتغيت بذلك وجه الله تعالى ولعله خص المرأة بالذكر لأن نفقتها مستمرة(9/32)
بخلاف غيرها قال بن دقيق العيد فيه أن الثواب في الإنفاق مشروط بصحة النية وابتغاء وجه الله وهذا عسر إذا عارضه مقتضى الشهوة فإن ذلك لا يحصل الغرض من الثواب حتى يبتغي به وجه الله وسبق تخليص هذا المقصود مما يشوبه قال وقد يكون فيه دليل على أن الواجبات إذا أديت على قصد أداء الواجب ابتغاء وجه الله أثيب عليها فإن قوله حتى ما تجعل في في امرأتك لا تخصيص له بغير الواجب ولفظة حتى هنا تقتضي المبالغة في تحصيل هذا الأجر بالنسبة إلى المعنى كما يقال جاء الحاج حتى المشاة قوله وعسى الله أن يرفعك أي يطيل عمرك وكذلك اتفق فإنه عاش بعد ذلك أزيد من أربعين سنة بل قريبا من خمسين لأنه مات سنة خمس وخمسين من الهجرة وقيل سنة ثمان وخمسين وهو المشهور فيكون عاش بعد حجة الوداع خمسا وأربعين أو ثمانيا وأربعين قوله فينتفع بك ناس ويضر بك آخرون أي ينتفع بك المسلمون بالغنائم مما سيفتح الله على يديك من بلاد الشرك ويضر بك المشركون الذين يهلكون على يديك وزعم بن التين أن المراد بالنفع به ما وقع من الفتوح على يديه كالقادسية وغيرها وبالضرر ما وقع من تأمير ولده عمر بن سعد على الجيش الذين قتلوا الحسين بن علي ومن معه وهو كلام مردود لتكلفة لغير ضرورة تحمل على إرادة الضرر الصادر من ولده وقد وقع منه هو الضرر المذكور بالنسبة إلى الكفار وأقوى من ذلك ما رواه الطحاوي من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبيه أنه سأل عامر بن سعد عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا فقال لما أمر سعد على العراق أتى بقوم ارتدوا فاستتابهم فتاب بعضهم وامتنع بعضهم فقتلهم فانتفع به من تاب وحصل الضرر للآخرين قال بعض العلماء لعل وأن كانت للترجي لكنها من الله للأمر الواقع وكذلك إذا وردت على لسان رسوله غالبا قوله ولم يكن له يومئذ الا ابنة في رواية الزهري ونحوه في رواية عائشة بنت سعد أن سعدا قال ولا يرثني الا ابنة واحدة قال النووي وغيره معناه لا يرثني من(9/33)
الولد أو من خواص الورثة أو من النساء وإلا فقد كان لسعد عصبات لأنه من بني زهرة وكانوا كثيرا وقيل معناه لا يرثني من أصحاب الفروض أو خصها بالذكر على تقدير لا يرثني ممن أخاف عليه الضياع والعجز الا هي أو ظن أنها ترث جميع المال أو استكثر لها نصف التركة وهذه البنت زعم بعض من أدركناه أن اسمها عائشة فإن كان محفوظا فهي غير عائشة بنت سعد التي روت هذا الحديث عنده في الباب الذي يليه وفي الطب وهي تابعية عمرت حتى أدركها مالك وروى عنها وماتت سنة سبع عشرة لكن لم يذكر أحد من النسابين لسعد بنتا تسمى عائشة غير هذه وذكروا أن أكبر بناته أم الحكم الكبرى وأمها بنت شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة وذكروا له بنات أخرى أمهاتهن متأخرات الإسلام بعد الوفاة النبوية فالظاهر أن البنت المشار إليها هي أم الحكم المذكورة لتقدم تزويج سعد بأمها ولم أر من حرر ذلك وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم مشروعية زيارة المريض للأمام فمن دونه وتتأكد باشتداد المرض وفيه وضع اليد على جبهة المريض ومسح وجههه ومسح العضو الذي يؤلمه والفسح له في طول العمر وجواز أخبار المريض بشدة مرضه وقوة ألمه إذا لم يقترن بذلك شيء مما يمنع أو يكره من التبرم وعدم الرضا بل حيث يكون ذلك لطلب دعاء أو دواء وربما استحب وأن ذلك لا ينافي الاتصاف بالصبر المحمود وإذا جاز ذلك في أثناء المرض كان الأخبار به بعد البرء أجوز وأن أعمال البر والطاعة إذا كان منها ما لا يمكن استدراكه قام غيره في الثواب والأجر مقامه وربما زاد عليه وذلك أن سعدا خاف أن يموت بالدار التي هاجر منها فيفوت عليه بعض أجر هجرته فأخبره صلى الله عليه وسلم بأنه أن تخلف عن دار هجرته فعمل عملا صالحا من حج أو جهاد أو غير ذلك كان له به أجر يعوض ما فاته من الجهة الأخرى وفيه إباحة جمع المال بشرطه لأن التنوين في قوله وأنا ذو مال للكثرة وقد وقع في بعض طرقه صريحا وأنا ذو مال كثير والحث على صلة(9/34)
الرحم والإحسان إلى الأقارب وأن صلة الأقرب أفضل من صلة الأبعد والإنفاق في وجوه الخير لأن المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة وقدنبه على ذلك بأقل الحظوظ الدنيوية العادية وهو وضع اللقمة في فم الزوجة إذ لا يكون ذلك غالبا الا عند الملاعبة والممازحة ومع ذلك فيؤجر فاعله إذا قصد به قصدا صحيحا فكيف بما هو فوق ذلك وفيه منع نقل الميت من بلد إلى بلد إذ لو كان ذلك مشروعا لأمر بنقل سعد بن خولة قاله الخطابي وبأن من لا وارث له تجوز له الوصية بأكثر من الثلث لقوله صلى الله عليه وسلم أن تذر ورثتك أغنياء فمفهومه أن من لا وارث له لا يبالي بالوصية بما زاد لأنه لا يترك ورثة يخشى عليهم الفقر وتعقب بأنه ليس تعليلا محضا وإنما فيه تنبيه على الأحظ الأنفع ولو كان تعليلا محضا لاقتضى جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن كانت ورثته أغنياء ولنفذ ذلك عليهم بغير اجازتهم ولا قائل بذلك وعلى تقدير أن يكون تعليلا محضا فهو للنقص عن الثلث لا للزيادة عليه فكأنه لما شرع الايصاء بالثلث وأنه لا يعترض به على الموصى الا أن الانحطاط عنه أولى ولا سيما لمن يترك ورثة غير أغنياء فنبه سعدا على ذلك وفيه سد الذريعة لقوله صلى الله عليه وسلم ولا تردهم على أعقابهم لئلا يتذرع بالمرض أحد لأجل حب الوطن قاله بن عبد البر وفيه تقييد مطلق القرآن بالسنة لأنه قال سبحانه وتعالى{ من بعد وصية يوصى بها أو دين} فأطلق وقيدت السنة الوصية بالثلث وأن من ترك شيئا لله لا ينبغي له الرجوع فيه ولا في شيء منه مختارا وفيه التأسف على فوت ما يحصل الثواب وفيه حديث من ساءته سيئة وأن من فاته ذلك بادر إلى جبره بغير ذلك وفيه تسلية من فاته أمر من الأمور بتحصيل ما هو أعلى منه لما أشار صلى الله عليه وسلم لسعد من عمله الصالح بعد ذلك وفيه جواز التصدق بجميع المال لمن عرف بالصبر ولم يكن له من تلزمه نفقته وقد تقدمت المسألة في كتاب الزكاة وفيه الاستفسار عن المحتمل إذا احتمل(9/35)
وجوها لأن سعدا لما منع من الوصية بجميع المال احتمل عنده المنع فيما دونه والجواز فاستفسر عما دون ذلك وفيه النظر في مصالح الورثة وأن خطاب الشارع للواحد يعم من كان بصفته من المكلفين لاطباق العلماء على الاحتجاج بحديث سعد هذا وأن كان الخطاب إنما وقع له بصيغة الأفراد ولقد أبعد من قال أن ذلك يختص بسعد ومن كان في مثل حاله ممن يخلف وارثا ضعيفا أو كان ما يخلفه قليلا لأن البنت من شأنها أن يطمع فيها وأن كانت بغير مال لم يرغب فيها وفيه أن من ترك مالا قليلا فالاختيار له ترك الوصية وابقاء المال للورثة واختلف السلف في ذلك القليل كما تقدم في أول الوصايا واستدل به التيمي لفضل الغني على الفقير وفيه نظر وفيه مراعاة العدل بين الورثة ومراعاة العدل في الوصية وفيه أن الثلث في حد الكثرة وقد اعتبره بعض الفقهاء في غير الوصية ويحتاج الاحتجاج به إلى ثبوت طلب الكثرة في الحكم المعين واستدل بقوله ولا يرثني الا ابنة لي من قال بالرد على ذوي الأرحام للحصر في قوله لا يرثني الا ابنة وتعقب بأن المراد من ذوي الفروض كما تقدم ومن قال بالرد لا يقول بظاهره لأنهم يعطونها فرضها ثم يردون عليها الباقي وظاهر الحديث أنها ترث الجميع ابتداء(9/36)
-قوله حدثني محمد بن عبد الرحيم هو الحافظ المعروف بصاعقة وهو من أقران البخاري وأكبر منه قليلا قوله حدثنا مروان هو بن معاوية الفزاري قوله عن هاشم بن هاشم أي بن عتبة بن أبي وقاص وقد نزل البخاري في هذا الإسناد درجتين لأنه يروي عن مكي بن إبراهيم ومكي يروي عن هاشم المذكور وسيأتي في مناقب سعد له بهذا الإسناد حديث عن مكي عن هاشم عن عامر بن سعد عن أبيه قوله فقلت يا رسول الله أدع الله أن لا يردني على عقبي هو إشارة إلى ما تقدم من كراهية الموت بالأرض التي هاجر منها وقد تقدم توجيهه وشرحه في الباب الذي قبله قوله لعل الله يرفعك زاد أبو نعيم في المستخرج في روايته من وجه آخر عن زكريا بن عدي يعني يقيمك من مرضك قوله في هذه الرواية قلت أوصي بالنصف قال النصف كثير لم أر في غيرها من طرقه وصف النصف بالكثرة وإنما فيها قال لا في كله ولا في ثلثيه وليس في هذه الرواية اشكال الا من جهة وصف النصف بالكثرة ووصف الثلث بالكثرة فكيث أمتنع النصف دون الثلث وجوابه أن الرواية الأخرى التي فيها جواب النصف دلت على منع النصف ولم يأت مثلها في الثلث بل اقتصر على وصفه بالكثرة وعلل بأن إبقاء الورثة أغنياء أولى وعلى هذا فقوله الثلث خبر مبتدأ محذوف تقديره مباح ودل قوله والثلث كثير على أن الأولى أن ينقص منه والله أعلم قوله قال وأوصى الناس بالثلث فجاز ذلك لهم ظاهره أنه من قول سعد بن أبي وقاص ويحتمل أن يكون من قول من دونه والله أعلم وكأن البخاري قصد بذلك الإشارة إلى أن النقص من الثلث في حديث بن عباس للاستحباب لا للمنع منه جمعا بين الحديثين والله أعلم
الحديث في كتاب المرضى باب باب: وضع اليد على المريض
. - حدثنا المكي بن إبراهيم: أخبرنا الجعيد، عن عائشة بنت سعد: أن أباها قال:(9/37)
تشكَّيت بمكة شكوى شديدة، فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، فقلت: يا نبي الله، إني أترك مالاً، وإني لم أترك إلا ابنة واحدة، فأوصي بثلثي مالي وأترك الثلث؟ فقال: (لا). قلت: فأوصي بالنصف وأترك النصف؟ قال: (لا). قلت: فأوصي بالثلث وأترك لها الثلثين؟ قال: (الثلث، والثلث كثير). ثم وضع يده على جبهتي، ثم مسح يده على وجهي وبطني، ثم قال: (اللهم اشف سعداً، وأتمم له هجرته). فما زلت أجد برده على كبدي - فيما يُخال إلي - حتى الساعة
-قوله باب وضع اليد على المريض قال بن بطال في وضع اليد على المريض تأنيس له وتعرف لشدة مرضه ليدعو له بالعافية على حسب ما يبدو له منه وربما رقاه بيده ومسح على ألمه بما ينتفع به العليل إذا كان العائد صالحا قلت وقد يكون العائد عارفا بالعلاج فيعرف العلة فيصف له ما يناسبه ثم ذكر المصنف في الباب حديثين تقدما أحدهما حديث سعد بن أبي وقاص وقد تقدم شرحه في الوصايا وأورده هنا عاليا من طريق الجعيد وهو بن عبد الرحمن وقوله(9/38)
- فيه تشكيت بمكة شكوى شديدة في رواية المستملي شديدا بالتذكير على إرادة المرض والشكوى بالقصر المرض وقوله وأترك لها الثلثين قال الداودي إن كانت هذه الزيادة محفوظة فلعل ذلك كان قبل نزول الفرائض وقال غيره قد يكون من جهة الرد وفيه نظر لأن سعدا كان له حينئذ عصبات وزوجات فيتعين تأويله ويكون فيه حذف تقديره وأترك لها الثلثين أي ولغيرها من الورثة وخصها بالذكر لتقدمها عنده وأما قوله ولا يرثني إلا ابنة لي فتقدم أن معناه من الأولاد ولم يرد ظاهر الحصر وقوله ثم وضع يده على جبهته في رواية الكشميهني على جبهتي وبها يتبين أو في الأول تجريدا وقوله فما زلت أجد برده أي برد يده وذكر باعتبار العضو أو الكف أو المسح وقوله فيما يخال إلي قال بن التين صوابه فيما يخيل إلي بالتشديد لأنه من التخيل قال الله تعالى يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى قلت وأقره الزركشي وهو عجيب فإن الكلمة صواب وهو بمعنى يخيل قال في المحكم خال الشيء يخاله يظنه وتخيله ظنه
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله(9/39)
قوله في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع أشفيت منه على الموت) فيه استحباب عيادة المريض وأنها مستحبة للإمام كاستحبابها لاَحاد الناس، ومعنى أشفيت على الموت أي قاربته وأشرفت عليه، يقال أشفى عليه وأشاف قاله الهروي، وقال ابن قتيبة: لا يقال أشفى إلا في الشر، قال إبراهيم الحربي: الوجع اسم لكل مرض، وفيه جواز ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح من مداواة أو دعاء صالح أو وصية أو استفتاء عن حاله ونحو ذلك، وإنما يكره من ذلك ما كان على سبيل التسخط ونحوه فإنه قادح في أجر مرضه. قوله: (وأنا ذو مال) دليل على إباحة جمع المال لأن هذه الصيغة لا تستعمل في العرف إلا لمال كثير. قوله: (ولا يرثني إلا ابنة لي) أي ولا يرثني من الولد وخواص الورثة وإلا فقد كان له عصبة، وقيل معناه لا يرثني من أصحاب الفروض. قوله: (أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: لا الثلث والثلث كثير) بالمثلثة، وفي بعض بالموحدة وكلاهما صحيح، قال القاضي: يجوز نصب الثلث الأول ورفعه، أما النصب فعلى الإغراء أو على تقدير فعل أي أعط الثلث، وأما الرفع فعلى أنه فاعل أي يكفيك الثلث أو أنه مبتدأ وحذف خبره أو خبر محذوف المبتدأ، وفي هذا الحديث مراعاة العدل بين الورثة والوصية، قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: إن كانت الورثة أغنياء استحب أن يوصي بالثلث تبرعاً، وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص من الثلث، وأجمع العلماء في هذه الأعصار على أن من له وارث لا تنفذ وصيته بزيادة على الثلث إلا بإجازته وأجمعوا على نفوذها بإجازته في جميع المال، وأما من لا وارث له فمذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا تصح وصيته فيما زاد على الثلث، وجوزه أبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما، وأما قوله: أفأتصدق بثلثي مالي؟ يحتمل أنه أراد بالصدقة الوصية، ويحتمل أنه أراد الصدقة المنجزة(9/40)
وهما عندنا وعند العلماء كافة سواء لا ينفذ ما زاد على الثلث إلا برضا الوارث، وخالف أهل الظاهر فقالوا للمريض مرض الموت أن يتصدق بكل ماله ويتبرع به كالصحيح، ودليل الجمهور ظاهر حديث الثلث كثير مع حديث الذي أعتق ستة أعبد في مرضه فأعتق النبي صلى الله عليه وسلم اثنين وأرق أربعة. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" العالة الفقراء ويتكففون يسألون الناس في أكفهم، قال القاضي رحمه الله: روينا قوله إن تذر ورثتك بفتح الهمزة وكسرها وكلاهما صحيح، وفي هذا الحديث حث على صلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب والشفقة على الورثة، وأن صلة القريب الأقرب والإحسان إليه أفضل من الأبعد، واستدل به بعضهم على ترجيح الغني على الفقير. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك" فيه استحباب الإنفاق في وجوه الخير، وفيه أن الأعمال بالنيات، وأنه إنما يثاب على عمله بنيته، وفيه أن الإنفاق على العيال يثاب عليه إذا قصد به وجه الله تعالى، وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة ويثاب عليه وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة، وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الاَخرة، ومع هذا فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك، فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى، ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئاً أصله على الإباحة وقصد به وجه الله تعالى يثاب عليه وذلك كالأكل بنية التقوى على طاعة الله تعالى والنوم للاستراحة ليقوم إلى العبادة(9/41)
نشيطاً والاستمتاع بزوجته وجاريته ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام وليقضي حقها وليحصل ولداً صالحاً، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: وفي بضع أحدكم صدقة والله أعلم.
قوله: (قلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي؟ قال: إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله تعالى إلا ازددت به درجة ورفعة) فقال القاضي معناه أخلف بمكة بعد أصحابي فقاله إما إشفاقاً من موته بمكة لكونه هاجر منها وتركها لله تعالى فخشي أن يقدح ذلك في هجرته أو في ثوابه عليها، أو خشي بقاءه بمكة بعد انصراف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وتخلفه عنهم بسبب المرض وكانوا يكرهون الرجوع فيما تركوه لله تعالى، ولهذا جاء في رواية أخرى: أخلف عن هجرته، قال القاضي: قيل كان حكم الهجرة باقياً بعد الفتح لهذا الحديث، وقيل إنما كان ذلك لمن كان هاجر قبل الفتح فأما من هاجر بعده فلا، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إنك لن تخلف فتعمل عملاً" فالمراد بالتخلف طول العمر والبقاء في الحياة بعد جماعات من أصحابه، وفي هذا الحديث فضيلة طول العمر للازدياد من العمل الصالح والحث على إرادة وجه الله تعالى بالأعمال والله تعالى أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون" وفي بعض النسخ ينتفع بزيادة التاء وهذا الحديث من المعجزات، فإن سعداً رضي الله عنه عاش حتى فتح العراق وغيره وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم وتضرر به الكفار في دينهم ودنياهم فإنهم قتلوا وصاروا إلى جهنم وسبيت نساؤهم وأولادهم وغنمت أموالهم وديارهم وولي العراق فاهتدى على يديه خلائق وتضرر به خلائق بإقامته الحق فيهم من الكفار ونحوهم. قال القاضي: قيل لا يحبط أجر هجرة المهاجر بقاؤه بمكة وموته بها إذا كان لضرورة وإنما كان يحبطه ما كان بالاختيار. قال: وقال قوم موت المهاجر بمكة محبط هجرته كيفما ما كان، قال: وقيل لم تفرض الهجرة إلا على أهل مكة خاصة. قوله صلى(9/42)
الله عليه وسلم: "اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم" قال القاضي: استدل به بعضهم على أن بقاء المهاجر بمكة كيف كان قادح في هجرته، قال: ولا دليل فيه عندي لأنه يحتمل أنه دعا لهم دعاء عاماً، ومعنى امض لأصحابي هجرتهم أي أتممها ولا تبطلها ولا تردهم على أعقابهم بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم المرضية. قوله صلى الله عليه وسلم: (لكن البائس سعد بن خولة) البائس هو الذي عليه أثر البؤس وهو الفقر والقلة. قوله: "يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة" قال العلماء: هذا من كلام الراوي وليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل انتهى كلامه صلى الله عليه وسلم بقوله: لكن البائس سعد بن خولة، فقال الراوي تفسيراً لمعنى هذا الكلام أنه يرثيه النبي صلى الله عليه وسلم ويتوجع له ويرق عليه لكونه مات بمكة، واختلفوا في قائل هذا الكلام من هو فقيل هو سعد بن أبي وقاص وقد جاء مفسراً في بعض الروايات، قال القاضي: وأكثر ما جاء أنه من كلام الزهري، قال: واختلفوا في قصة سعد بن خولة فقيل لم يهاجر من مكة حتى مات بها، قال عيسى بن دينار وغيره وذكر البخاري أنه هاجر وشهد بدراً ثم انصرف إلى مكة وات بها، وقال ابن هشام: أنه هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدراً وغيرها وتوفي بمكة في حجة الوداع سنة عشر، وقيل توفي بها سنة سبع في الهدنة خرج مجتازاً من المدينة، فعلى هذا وعلى قول عيسى بن دينار سبب بؤسه سقوط هجرته لرجوعه مختاراً وموته بها، وعلى قول الاَخرين سبب بؤسه موته بمكة على أي حال كان وإن لم يكن باختياره لما فاته من الأجر والثواب الكامل بالموت في دار هجرته والغربة عن وطنه إلى هجرة الله تعالى، قال القاضي: وقد روي في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف مع سعد بن أبي وقاص رجلاً وقال له إن توفي بمكة فلا تدفنه بها، وقد ذكر مسلم في الرواية الأخرى أنه كان يكره أن يموت في الأرض التي هاجر منها.(9/43)
وفي رواية أخرى لمسلم قال سعد بن أبي وقاص: خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة، وسعد بن خولة هذا هو زوج سبيعة الأسلمية، وفي حديث سعد هذا جواز تخصيص عموم الوصية المذكورة في القرآن بالسنة وهو قول جمهور الأصوليين وهو الصحيح. قوله: (حدثنا أبو داود الحفري) هو بحاء مهملة ثم فاء مفتوحتين منسوب إلى الحفر بفتح الحاء والفاء وهي محلة بالكوفة كان أبو داود يسكنها، هكذا ذكره أبو حاتم بن حبان وأبو سعد السمعاني وغيرهما، واسم أبي داود هذا عمرو بن سعد الثقة الزاهد الصالح العابد، قال علي المديني: ما أعلم أني رأيت بالكوفة أعبد من أبي داود الحفري، وقال وكيع: إن كان يدفع بأحد في زماننا يعني البلاء والنوازل فبأبي داود توفي سنة ثلاث وقيل سنة ست ومائتين رحمه الله. قوله: (عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن ثلاثة من ولد سعد كلهم يحدثه عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد يعوده بمكة).(9/44)
وفي الرواية الأخرى: (عن حميد عن ثلاثة ممن ولد سعد قالوا مرض سعد بمكة فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده) فهذه الرواية مرسلة والأولى متصلة لأن أولاد سعد تابعيون، وإنما ذكر مسلم هذه الروايات المختلفة في وصله وإرساله ليبين اختلاف الرواة في ذلك، قال القاضي: وهذا وشبهه من العلل التي وعد مسلم في خطبة كتابه أنه يذكرها في مواضعها فظن ظانون أنه يأتي بها مفردة وأنه توفي قبل ذكرها، والصواب أنه ذكرها في تضاعيف كتابه كما أوضحناه في أول هذا الشرح، ولا يقدح هذا الخلاف في صحة هذه الرواية ولا في صحة أصل الحديث، لأن أصل الحديث ثابت من طرق من غير جهة حميد عن أولاد سعد، وثبت وصله عنهم في بعض الطرق التي ذكرها مسلم، وقد قدمنا في أول هذا الشرح أن الحديث إذا روي متصلاً ومرسلاً فالصحيح الذي عليه المحققون أنه محكوم باتصاله لأنها زيادة ثقة، وقد عرض الدارقطني بتضعيف هذه الرواية وقد سبق الجواب عن اعتراضه الاَن وفي مواضع نحو هذا والله أعلم.
الياقوتة 31
حدثنا محمد بن غرير الزهري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب قال: أخبرني عامر بن سعد، عن أبيه قال:
أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا وأنا جالس فيهم، قال: فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم رجلا لم يعطه، وهو أعجبهم إلي، فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته، فقلت: مالك عن فلان، والله إني لأراه مؤمنا؟ قال: (أو مسلما). قال فسكت قليلا، ثم غلبني ما أعلم فيه، فقلت: يا رسول الله، مالك عن فلان، والله إني لأراه مؤمنا؟ قال: (أو مسلما). قال: فسكت قليلا، ثم غلبني ما أعلم فيه، فقلت: يا رسول الله، مالك عن فلان، والله إني لأراه مؤمنا قال: (أو مسلما). يعني: فقال: (إني لأعطي الرجل، وغيره أحب إلي منه، خشية أن يكب في النار على وجهه).(9/45)
وعن أبيه، عن صالح، عن إسماعيل بن محمد أنه قال: سمعت أبي يحدث هذا، فقال في حديثه: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فجمع بين عنقي وكتفي، ثم قال: (أقبل أي سعد، إني لأعطي الرجل)
وعن أبيه، عن صالح، عن إسماعيل بن محمد أنه قال: سمعت أبي يحدث هذا، فقال في حديثه: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فجمع بين عنقي وكتفي، ثم قال: (أقبل أي سعد، إني لأعطي الرجل
قال أبو عبد الله: {فكبكبوا} قلبوا. {مكبا}: أكب الرجل إذا كان فعله غير واقع على أحد، فإذا وقع الفعل، قلت: كبه الله لوجهه، وكببته أنا.
قال أبو عبد الله: صالح بن كيسان أكبر من الزهري، وهو قد أدرك ابن عمر.
أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب: قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافا}
ورواه مسلم في كتاب باب إعطاء من يخاف على إيمانه
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله(9/46)
قوله باب قول الله عز وجل {لا يسألون الناس إلحافا ْ}وكم الغنى وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يجد غنى يغنيه لقول الله عز وجل { (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة : 273 )هذه اللام التي في قوله لقول الله لام التعليل لأنه أورد الآية تفسيرا لقوله في الترجمة وكم الغنى وكأنه يقول وقول النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجد غنى يغنيه مبين لقدر الغنى لأن الله تعالى جعل الصدقة للفقراء الموصوفين بهذه الصفة أي من كان كذلك فليس بغني ومن كان بخلافها فهو غني فحاصله أن شرط السؤال عدم وجدان الغنى لوصف الله الفقراء بقوله {لا يستطيعون ضربا في الأرض} إذ من استطاع ضربا فيها فهو واجد لنوع من الغنى والمراد بالذين أحصروا الذين حصرهم الجهاد أي منعهم الاشتغال به من الضرب في الأرض أي التجارة لاشتغالهم به عن التكسب قال بن علية كل محيط يحصر بفتح أوله وضم الصاد والأعذار المانعة تحصر بضم المثناة وكسر الصاد أي تجعل المرء كالمحاط به وللفقراء يتعلق بمحذوف تقديره الإنفاق المقدم ذكره لهؤلاء انتهى وأما قول المصنف في الترجمة وكم الغنى فلم يذكر فيه حديثا صريحا فيحتمل أنه أشار إلى أنه لم يرد فيه شيء على شرطه ويحتمل أن يستفاد المراد من قوله في حديث أبي هريرة الذي لا يجد غنى يغنيه فإن معناه لا يجد شيئا يقع موقعا من حاجته فمن وجد ذلك كان غنيا وقد ورد فيه ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث بن مسعود مرفوعا من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش قيل يا رسول الله وما يغنيه قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب وفي إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف وقد تكلم فيه شعبة من أجل هذا(9/47)
الحديث وحدث به سفيان الثوري عن حكيم فقيل له إن شعبة لا يحدث عنه قال لقد حدثني به زبيد أبو عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد يعني شيخ حكيم أخرجه الترمذي أيضا ونص أحمد فيه علل الخلال وغيرها على أن رواية زبيد موقوفة وقد تقدم حديث أبي سعيد قريبا من عند النسائي في باب الاستعفاف وفيه من سأل وله أوقية فقد ألحف وقد أخرجه بن حبان في صحيحه بلفظ فهو ملحف وفي الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند النسائي بلفظ فهو الملحف وعن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد له صحبة في أثناء حديث مرفوع قال فيه من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا أخرجه أبو داود وعن سهل بن الحنظلية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار فقالوا يا رسول الله وما يغنيه قال قدر ما يغديه ويعشيه أخرجه أبو داود أيضا وصححه بن حبان قال الترمذي في حديث بن مسعود والعمل على هذا عند بعض أصحابنا كالثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق قال ووسع قوم في ذلك فقالوا إذا كان عنده خمسون درهما أو أكثر وهو محتاج فله أن يأخذ من الزكاة وهو قول الشافعي وغيره من أهل العلم انتهى وقال الشافعي قد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله وفي المسألة مذاهب أخرى أحدهما قول أبي حنيفة إن الغني من ملك نصابا فيحرم عليه أخذ الزكاة واحتج بحديث بن عباس في بعث معاذ إلى اليمن وقول النبي صلى الله عليه وسلم له تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فوصف من تؤخذ الزكاة منه بالغني وقد قال لا تحل الصدقة لغني ثانيها أن حده من وجد ما يغديه ويعشيه على ظاهر حديث سهل بن الحنظلية حكاه الخطابي عن بعضهم ومنهم من قال وجهه من لا يجد غداء ولا عشاء على دائم الأوقات ثالثها أن حده أربعون درهما وهو قول أبي عبيد بن سلام على ظاهر حديث أبي سعيد وهو الظاهر من تصرف البخاري لأنه اتبع ذلك قوله تعالى{ لا(9/48)
يسألون الناس إلحافا} وقد تضمن الحديث المذكور أن من سأل وعنده هذا القدر فقدسأل إلحافا ...
حديث سعد بن أبي وقاص أورده بإسنادين وموضع الترجمة منه قوله في الرواية الثانية فجمع بين عنقي وكتفي ثم قال أقبل أي سعد وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الإيمان وأنه أمر بالاقبال أو بالقبول ووقع عند مسلم اقبالا أي سعد على أنه مصدر أي أتقابلني قبالا بهذه المعارضة وسياقه يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كره منه الحاحه عليه في المسألة ويحتمل أن يكون من جهة أن المشفوع له ترك السؤال فمدح
والحديث في كتاب الايمان هو :
باب: إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل.
لقوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} الحجرات: 14. فإذا كان على الحقيقة، فهو على قوله جل ذكره: {إن الدين عند الله الإسلام} آل عمران: 19.
27 - حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى رهطا وسعد جالس، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا هو أعجبهم إلي، فقلت: يا رسول الله، ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال: (أو مسلما). فسكت قليلا، ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي فقلت: مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال: (أو مسلما)، ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (يا سعد إني لأعطي الرجل، وغيره أحب إلي منه، خشية أن يكبه الله في النار).
ورواه يونس وصالح ومعمر وابن أخي الزهري عن الزهري.
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله(9/49)
قوله باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقه حذف جواب قوله إذا للعلم به كأنه يقول إذا كان الإسلام كذلك لم ينتفع به في الاخره ومحصل ما ذكره واستدل به أن الإسلام يطلق ويراد به الحقيقه الشرعيه وهو الذي يرادف الإيمان وينفع عند الله وعليه قوله تعالى{ ان الدين عند الله الإسلام} وقوله تعالى{فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين }ويطلق ويراد به الحقيقه اللغويه وهو مجرد الانقياد والاستسلام فالحقيقه في كلام المصنف هنا هي الشرعية ومناسبة الحديث للترجمة ظاهرة من حيث أن المسلم يطلق على من أظهر الإسلام وأن لم يعلم باطنه فلا يكون مؤمنا لأنه من لم تصدق عليه الحقيقه الشرعيه وأما اللغويه فحاصله
- قوله عن سعد هو بن أبي وقاص كما صرح الإسماعيلي في روايته وهو والد عامر الراوي عنه كما وقع في الزكاة عند المصنف من رواية صالح بن كيسان قال فيها عن عامر بن سعد عن أبيه واسم أبي وقاص مالك ...(9/50)
قوله أعطى رهطا الرهط عدد من الرجال من ثلاثة إلى عشرة قال القزاز وربما جاوزوا ذلك قليلا ولا واحد له من لفظه ورهط الرجل بنو أبيه الأدنى وقيل قبيلته وللإسماعيلي من طريق أين أبي ذئب أنه جاءه رهط فسألوه فأعطاهم فترك رجلا منهم قوله وسعد جالس فيه تجريد وقوله اعجبهم إلى فيه التفات ولفظه في الزكاة أعطى رهطا وأنا جالس فساقه بلا تجريد ولا التفات وزاد فيه فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته وغفل بعضهم فعزا هذه الزيادة إلى مسلم فقط والرجل المتروك اسمه جعيل بن سراقة الضمري سماه الواقدي في المغازي قوله ما لك عن فلان يعني أي سبب لعدولك عنه إلى غيره ولفظ فلان كناية عن اسم أبهم بعد أن ذكر قوله فوالله فيه القسم في الأخبار على سبيل التاكيد قوله لأراه وقع في روايتنا من طريق أبي ذر وغيره بضم الهمزه هنا وفي الزكاة وكذا هو في رواية الإسماعيلي وغيره وقال الشيخ محيي الدين رحمه الله بل هو بفتحها أي اعمله ولا يجوز ضمها فيصير بمعنى أظنه لأنه قال بعد ذلك غلبني ما أعلم منه أه ولا دلالة فيما ذكر على تعين الفتح لجواز إطلاق العلم على الظن الغالب ومنه قوله تعالى فإن علمتوهن مؤمنات سلمنا لكن لا يلزم من إطلاق العلم أن لا تكون مقدماته ظنيه فيكون نظريا لا يقينيا وهو الممكن هنا وبهذا جزم صاحب المفهم في شرح مسلم فقال الرواية بضم الهمزه واستنبط منه جواز الحلف على غلبة الظن لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما نهاه عن الحلف كذا قال وفيه نظر لا يخفي لأنه أقسم على وجدان الظن وهو كذلك ولم يقسم على الأمر المظنون كما ظن قوله فقال أو مسلما هو بإسكان الواو لا بفتحها فقيل هي للتنويع وقال بعضهم هي للتشريك وأنه أمره أن يقولهما معا لأنه احوط ويرد هذا رواية بن الأعرابي في معجمه في هذا الحديث فقال لا تقل مؤمن بل مسلم فوضح أنها للاضراب وليس معناه الإنكار بل المعنى أن إطلاق المسلم على من لم يختبر حاله الخبرة الباطنه أولي من(9/51)
إطلاق المؤمن لأن الإسلام معلوم بحكم الظاهر قاله الشيخ محيي الدين ملخصا وتعقبه الكرماني بأنه يلزم منه أن لا يكون الحديث دالا على ما عقد له الباب ولا يكون لرد الرسول صلى الله عليه وسلم على سعد فائدة وهو تعقب مردود وقد بينا وجه المطابقه بين الحديث والترجمه قبل ومحصل القصه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوسع العطاء لمن أظهر الإسلام تالفا فلما أعطى الرهط وهم من المؤلفة وترك جعيلا وهو من المهاجرين مع أن الجميع سألوه خاطبه سعد في أمره لأنه كان يرى أن جعيلا أحق منهم لما اختبره منه دونهم ولهذا راجع فيه أكثر من مرة فارشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمرين أحدهما إعلامه بالحكمه في إعطاء أولئك وحرمان جعيل مع كونه أحب إليه ممن أعطى لأنه لو ترك إعطاء المؤلف لم يؤمن ارتداده فيكون من أهل النار ثانيهما ارشاده إلى التوقف عن الثناء بالأمر الباطن دون الثناء بالأمر الظاهر فوضح بهذا فائده رد الرسول صلى الله عليه وسلم على سعد وأنه لا يستلزم محض الإنكار عليه بل كان أحد الجوابين على طريق المشورة بالأولى والآخر على طريق الاعتذار فإن قيل كيف لم تقبل شهادة سعد لجعيل بالإيمان ولو شهد له بالعداله لقبل منه وهي تستلزم الإيمان فالجواب أن كلام سعد لم يخرج مخرج الشهادة وإنما خرج مخرج المدح له والتوسل في الطلب لأجله فلهذا نوقش في لفظه حتى ولو كان بلفظ الشهادة لما استلزمت المشوره عليه الأمر الأولى رد شهادته بل السياق يرشد إلى أنه قبل قوله فيه بدليل أنه اعتذر إليه وروينا في مسند محمد بن هارون الروياني وغيره بإسناد صحيح إلى أبي سالم الجيشاني عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له كيف ترى جعيلا قال قلت كشكله من الناس يعني المهاجرين قال فكيف ترى فلانا قال قلت سيد من سادات الناس قال فجعيل خير من ملء الأرض من فلان قال قلت ففلان هكذا وأنت تصنع به ما تصنع قال إنه رأس قومه فأنا اتالفهم به فهذه منزله جعيل(9/52)
المذكور عند النبي صلى الله عليه وسلم كما ترى فظهرت بهذا الحكمه في حرمانه وإعطاء غيره وأن ذلك لمصلحة التأليف كما قررناه وفي حديث الباب من الفوائد المتفرقة بين حقيقتي الإيمان والإسلام وترك القطع بالإيمان الكامل لمن لم ينص عليه وأما منع القطع بالجنة فلا يؤخذ من هذا صريحا وأن تعرض له بعض الشارحين نعم هو كذلك فيمن لم يثبت فيه النص وفيه الرد على غلاة المرجئه في اكتفائهم في الإيمان بنطق اللسان وفيه جواز تصرف الإمام في مال المصالح وتقديم الأهم فالأهم وأن خفي وجه ذلك على بعض الرعيه وفيه جواز الشفاعة عند الإمام فيما يعتقد الشافع جوازه وتنبيه الصغير للكبير على ما يظن أنه ذهل عنه ومراجعة المشفوع إليه في الأمر إذا لم يؤد إلى مفسدة وأن الاسرار بالنصيحه أولى من الاعلان كما ستاتي الإشارة إليه في كتاب الزكاة فقمت إليه فساررته وقد يتعين إذا جر الاعلان إلى مفسدة وفيه أن من اشير عليه بما يعتقده المشير مصلحه لا ينكر عليه بل يبين له وجه الصواب وفيه الأعتذار إلى الشافع إذا كانت المصلحه في ترك اجابته وأن لا عيب على الشافع إذا ردت شفاعته لذلك وفيه استحباب ترك الالحاح في السؤال كما استنبطه المؤلف منه في الزكاة ... قوله اني لأعطي الرجل حذف المفعول الثاني للتعميم أي أي عطاء كان قوله اعجب الى في رواية الكشمهيني أحب وكذا لأكثر الرواة ووقع عند الإسماعيلي بعد قوله أحب إلى منه وما أعطيه الا مخافة أن يكبه الله الخ ولأبي داود من طريق معمر إني أعطي رجالا وادع من هو أحب إلى منهم لا أعطيه شيئا مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم قوله ان يكبه هو بفتح أوله وضم الكاف يقال أكب الرجل إذا أطرق وكبه غيره إذا قلبه وهذا على خلاف القياس لأن الفعل اللازم يتعدى بالهمزه وهذا زيدت عليه الهمزه فقصر وقد ذكر المؤلف هذا في كتاب الزكاة فقال يقال أكب الرجل إذا كان فعله غير واقع على أحد فإذا وقع الفعل قلت كبه وكببته وجاء نظير هذا(9/53)
في أحرف يسيره منها أنسل ريش الطائر ونسلته وأنزفت البئر ونزفتها وحكى بن الأعرابي في المتعدي كبه واكبه معا تنبيه ليس فيه إعادة السؤال ثانيا ولا الجواب عنه وقد روى عن بن وهب ورشدين بن سعد جميعا عن يونس عن الزهري بسند آخر قال عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه أخرجه بن أبي حاتم ونقل عن أبيه أنه خطأ من رواية وهو الوليد بن مسلم عنهما قوله ورواه يونس يعني بن يزيد الأيلي وحديثه موصول في كتاب الإيمان لعبد الرحمن بن عمر الزهري الملقب رستة بضم الراء واسكان السين المهملتين وقبل الهاء مثناة من فوق مفتوحه ولفظه قريب من سياق الكشمهيني ليس فيه إعادة السؤال ثانيا ولا الجواب عنه قوله وصالح يعني بن كيسان وحديثه موصول عند المؤلف في كتاب الزكاة وفيه من اللطائف رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض وهم الصالح والزهري وعامر قوله ومعمر يعني بن راشد وحديثه عند أحمد بن حنبل والحميدي وغيرهما عن عبد الرزاق عنه وقال عنه وقال فيه أنه أعاد السؤال ثلاثا ورواه مسلم عن محمد بن يحيى بن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري بزيادة معمر بينهما وكذا حدث به بن أبي عمر شيخ مسلم في مسنده عن أبي عيينة وكذا أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريقه وزعم أبو مسعود في الأطراف أن الوهم من بن أبي عمر وهو محتمل لأن يكون الوهم صدر منه لما حدث به مسلما لكن ما يتعين في جهته وحمله الشيخ محيي الدين على أن بن عيينة حدث به مرة بإسقاط معمر ومره بإثباته وفيه بعد لأن الروايات قد تضافرت عن بن عيينة بإثبات معمر ولم يوجد بإسقاطه الا عند مسلم والموجود في مسند شيخه بلا إسقاط كما قدمناه وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب تغليق التعليق وفي رواية عبد الرزاق عن معمر من الزياده قال الزهري فترى أن الإسلام الكلمه والإيمان العمل وقد استشكل هذا بالنظر إلى حديث سؤال جبريل فإن ظاهره يخالفه ويمكن أن يكون مراد الزهري أن المرء يحكم بإسلامه ويسمى(9/54)
مسلما إذا تلفظ بالكلمه أي كلمه الشهادة وأنه لا يسمى مؤمنا الا بالعمل والعمل يشمل عمل القلب والجوارح وعمل الجوارح يدل على صدقه وأما الإسلام المذكور في حديث جبريل فهو الشرعي الكامل المراد بقوله تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه قوله وابن أخي الزهري عن الزهري يعني أن الاربعه المذكورين رووا هذا الحديث عن الزهري بإسناده كما رواه شعيب عنه وحديث بن أخي الزهري موصول عند مسلم وساق فيه السؤال والجواب ثلاث مرات وقال في آخره خشية أن يكب على البناء للمفعول وفي رواية بن أخي الزهري لطيفة وهي رواية أربعة من بني زهره على الولاء هو وعمه وعامر وأبوه
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله
باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه والنهي عن عن القطع بالإِيمان من غير دليل قاطع
*حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَسْما. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَعْطِ فُلاَنا فَإِنّهُ مُؤْمِنٌ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَوْ مُسْلِمٌ" أَقُولُهَا ثَلاَثا. وَيُرَدّدُهَا عَلَيّ ثَلاَثا "أَوْ مُسْلِمٌ" ثُمّ قَالَ: "إِنّي لأُعْطِي الرّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبّ إِلَيّ مِنْهُ. مَخَافَةَ أَنْ يَكُبّهُ اللّهُ فِي النّارِ".(9/55)
*وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنَ شِهَابٍ، عَنْ عَمّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى رَهْطَا. وَسَعْدٌ جَالِسٌ فِيهِمْ. قَالَ سَعْدٌ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُعْطِهِ. وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيّ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَالله إِنّي لأَرَاهُ مُؤْمِنا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوْ مُسْلِما"، قَالَ، فَسَكَتّ قَلِيلاً. ثُمّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، فَوَالله إِنّي لأَرَاهُ مُؤْمِنا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوْ مُسْلِما" قَالَ، فَسَكَتّ قَلِيلاً. ثُمّ غَلَبَنِي مَا عَلِمْتُ مِنْهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، فَوَالله إِنّي لأَرَاهُ مُؤْمِنا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوْ مُسْلِما. إِنّي لأُعْطِي الرّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبّ إِلَيّ مِنْهُ. خَشْيَةَ أَنْ يُكَبّ فِي النّارِ عَلَى وَجْهِهِ".
*حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ الْحُلْوَانِيّ، وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالاَ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ) حَدّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ أَنّهُ قَالَ: أَعْطَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، رَهْطَا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ. بِمْثِلِ حَدِيثِ ابْن أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمّهِ. وَزَادَ: فَقُمْتُ إِلَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَارَرْتُهُ. فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ.(9/56)
وحدّثنا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيّ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ: حَدّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحمّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحمّدَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدّثُ هَذَا. فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ بَيْنَ عُنُقِي وَكَتِفِي. ثُمّ قَالَ: "أَقِتَالاً؟ أَيْ سَعْدُ! إِنّي لأُعْطِي الرّجُلَ".
-فيه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. أما ألفاظه فقوله: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما) هو بفتح القاف. وقوله صلى الله عليه وسلم: (أو مسلم) هو بإسكان الواو. وقوله صلى الله عليه وسلم: (مخافة أن يكبه الله في النار) يكبه بفتح الياء يقال: أكب الرجل وكبه الله وهذا بناء غريب، فإن العادة أن يكون الفعل اللازم بغير همزة فيعدى بالهمزة وهنا عكسه، والضمير في يكبه يعود على المعطي أي أتألف قلبه بالإعطاء مخافة من كفره إذا لم يعط. وقوله: (أعطى رهطا) أي جماعة وأصله الجماعة دون العشرة. وقوله: (وهو أعجبهم إلي) أي أفضلهم وأصلحهم في اعتقادي. وقوله: (إني لأراه مؤمنا) هو بفتح الهمزة من لأراه أي لأعلمه ولا يجوز ضمها فإنه قال غلبني ما أعلم منه، ولأنه راجع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، ولو لم يكن جازما باعتقاده لما كرر المراجعة. وقوله: عن صالح عن ابن شهاب قال: حدثني عامر بن سعد، هؤلاء ثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض، وهو من رواية الأكابر عن الأصاغر، فإن صالحا أكبر من الزهري. وأما فقهه ومعانيه ففيه الفرق بين الإسلام والإيمان، وفي هذه المسألة خلاف وكلام طويل، وقدتقدم بيان هذه المسألة وإيضاح شرحها في أول كتاب الإيمان، وفيه دلالة لمذهب أهل الحق في قولهم: إن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا اقترن به الاعتقاد بالقلب، خلافا للكرامية وغلاة المرجئة في قولهم: يكفي الإقرار، وهذا خطأ ظاهر يراه إجماع المسلمين والنصوص في إكفار المنافقين وهذه صفتهم. وفيه الشفاعة إلى ولاة(9/57)
الأمور فيما ليس بمحرم. وفيه مراجعة المسؤول في الأمر الواحد. وفيه تنبيه المفضول الفاضل على ما يراه مصلحة. وفيه أن الفاضل لا يقبل ما يشار عليه به مطلقا بل يتأمله فإن لم تظهر مصلحته لم يعمل به. وفيه الأمر بالتثبت وترك القطع بما لا يعلم القطع فيه. وفيه أن الإمام يصرف المال في مصالح المسلمين الأهم فالأهم. وفيه أنه لا يقطع لأحد بالجنة على التعيين إلا من ثبت فيه نص كالعشرة وأشباههم، وهذا مجمع عليه عند أهل السنة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "أو مسلما" فليس فيه إنكار كونه مؤمنا، بل معناه النهي عن القطع بالإيمان، وأن لفظة الإسلام أولى به، فإن الإسلام معلوم بحكم الظاهر، وأما الإيمان فباطن لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد زعم صاحب التحرير أن في هذا الحديث إشارة إلى أن الرجل لم يكن مؤمنا وليس كما زعم بل فيه إشارة إلى إيمانه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جواب سعد: (إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه) معناه: أعطي من أخاف عليه لضعف إيمانه أن يكفر، وأدع غيره ممن هو أحب إلي منه لما أعلمه من طمأنينة قلبه وصلابة إيمانه. وأما قول مسلم رحمه الله في أول الباب: (حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن عامر) فقال أبو علي الغساني: قال الحافظ أبو مسعود الدمشقي: هذا الحديث إنما يرويه سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري، قاله الحميدي وسعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن الصباح الجرجاني، كلهم عن سفيان عن معمر عن الزهري بإسناده، وهذا هو المحفوظ عن سفيان. وكذلك قال أبو الحسن الدارقطني في كتابه الاستدراكات. قلت: وهذا الذي قاله هؤلاء في هذا الإسناد، قد يقال: لا ينبغي أن يوافقوا عليه لأنه يحتمل أن سفيان سمعه من الزهري مرة وسمعه من معمر عن الزهري مرة فرواه على الوجهين فلا يقدح أحدهما في الاَخر، ولكن انضمت أمور اقتضت ما ذكروه: منها أن سفيان مدلس وقد قال عن. ومنها أن أكثر أصحابه رووه عن معمر، وقد يجاب عن هذا(9/58)
بما قدمناه من أن مسلما رحمه الله لا يروي عن مدلس قال عن إلا أن يثبت أنه سمعه ممن عنعن عنه وكيف كان، فهذا الكلام في الإسناد لا يؤثر في المتن فإنه صحيح على كل تقدير متصل، والله أعلم.
الياقوتة 31
- حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ: حدثنا سعيد: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أعظم المسلمين جرماً، من سأل عن شيء لم يُحرَّم، فحُرِّم من أجل مسألته).
أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام باب: ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وقوله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} /المائدة: 101/.
ورواه مسلم في كتاب الفضائل باب توقيره- صلى الله عليه وسلم - وترك إكثار سؤاله...
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله(9/59)
قوله باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وقوله تعالى{ لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم }كأنه يريد ان يستدل بالآية على المدعي من الكراهة وهو مصير منه الى ترجيح بعض ما جاء في تفسيرها وقد ذكرت الاختلاف في سبب نزولها في تفسير سورة المائدة وترجيح بن المنير انه في كثرة المسائل عما كان وعما لم يكن وصنيع البخاري يقتضيه والأحاديث التي ساقها في الباب تؤيده وقد اشتد إنكار جماعة من الفقهاء ذلك منهم القاضي أبو بكر بن العربي فقال اعتقد قوم من الغافلين منع السؤال عن النوازل الى ان تقع تعلقا بهذه الآية وليس كذلك لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المسئلة في جوابه ومسائل النوازل ليست كذلك انتهى وهو كما قال لأن ظاهرها اختصاص ذلك بزمان نزول الوحي ويؤيده حديث سعد الذي صدر به المصنف الباب من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته فان مثل ذلك قد أمن وقوعه ويدخل في معنى حديث سعد ما أخرجه البزار وقال سنده صالح وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء رفعه ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فان الله لم يكن ينسى شيئا ثم تلا هذه الآية {وما كان ربك نسيا }وأخرج الدارقطني من حديث أبي ثعلبة رفعه ان الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها وله شاهد من حديث سلمان أخرجه الترمذي وآخر من حديث بن عباس أخرجه أبو داود وقد أخرج مسلم وأصله في البخاري كما تقدم في كتاب العلم من طريق ثابت عن أنس قال كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء وكان يعجبنا ان يجيء الرجل الغافل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع فذكر الحديث ومضى في قصة اللعان من حديث بن عمر فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها ولمسلم عن النواس بن سمعان قال أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة بالمدينة ما يمنعني من(9/60)
الهجرة الا المسألة كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ومراده انه قدم وافدا فاستمر بتلك الصورة ليحصل المسائل خشية أن يخرج من صفة الوفد الى استمرار الإقامة فيصير مهاجرا فيمتنع عليه السؤال وفيه إشارة الى ان المخاطب بالنهي عن السؤال غير الأعراب وفودا كانوا أو غيرهم وأخرج أحمد عن أبي امامة قال لما نزلت{ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (المائدة : 101 )}كنا قد اتقينا أن نسأله صلى الله عليه وسلم فأتينا أعرابيا فرشوناه بردا وقلنا سل النبي صلى الله عليه وسلم ولأبي يعلى عن البراء ان كان ليأتي علي السنة أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشيء فأتهيب وان كنا لنتمنى الأعراب أي قدومهم ليسألوا فيسمعوهم أجوبة سؤالات الأعراب فيستفيدوها وأما ما ثبت في الأحاديث من أسئلة الصحابة فيحتمل ان يكون قبل نزول الآية ويحتمل ان النهي في الآية لا يتناول ما يحتاج اليه مما تقرر حكمه أو ما لهم بمعرفته حاجة راهنة كالسؤال عن الذبح بالقصب والسؤال عن وجوب طاعة الأمراء إذا امروا بغير طاعة والسؤال عن أحوال يوم القيامة وما قبلها من الملاحم والفتن والأسئلة التي في القرآن كسؤالهم عن الكلالة والخمر والميسر والقتال في الشهر الحرام واليتامى والمحيض والنساء والصيد وغير ذلك لكن الذين تعلقوا في بالآية في كراهية كثرة المسائل عما لم يقع أخذوه بطريق الإلحاق من جهة ان كثرة السؤال لما كانت سببا للتكليف بما يشق فحقها ان تجتنب وقد عقد الامام الدارمي في أوائل مسنده لذلك بابا وأورد فيه عن جماعة من الصحابة والتابعين آثارا كثيرة في ذلك منها عن بن عمر لا تسألوا عما لم يكن فاني سمعت عمر يلعن السائل عما لم يكن وعن عمر أحرج عليكم ان(9/61)
تسألوا عما لم يكن فان لنا فيما كان شغلا وعن زيد بن ثابت انه كان إذا سئل عن الشيء يقول كان هذا فان قيل لا قال دعوه حتى يكون وعن أبي بن كعب وعن عمار نحو ذلك وأخرج أبو داود في المراسيل من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة مرفوعا ومن طريق طاوس عن معاذ رفعه لا تعجلوا بالبلية قبل نزولها فانكم ان تفعلوا لم يزل في المسلمين من إذا قال سدد أو وفق وان عجلتم تشتت بكم السبل وهما مرسلان يقوي بعض بعضا ومن وجه ثالث عن أشياخ الزبير بن سعيد مرفوعا لا يزال في أمتي من إذا سئل سدد و أرشد حتى عما يتساءلوا عما لم ينزل الحديث نحوه قال بعض الأئمة والتحقيق في ذلك ان البحث عما لا يوجد فيه نص على قسمين أحدهما ان يبحث عن دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضا على من تعين عليه من المجتهدين ثانيهما ان يدقق النظر في وجوه الفروق فيفرق بين متماثلين بفرق ليس له أثر في الشرع مع وجود وصف الجمع أو بالعكس بان يجمع بين متفرقين بوصف طردي مثلا فهذا الذي ذمه السلف وعليه ينطبق حديث بن مسعود رفعه هلك المتنطعون أخرجه مسلم فرأوا ان فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع وهي نادرة الوقوع جدا فيصرف فيها زمانا كان صرفه في غيرها أولى ولا سيما ان لزم من ذلك اغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن وقت الساعة وعن الروح وعن مدة هذه الأمة الى أمثال ذلك مما لا يعرف الا بالنقل الصرف والكثير منه لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به من غير بحث وأشد من ذلك مما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة وسيأتي مثال ذلك في حديث أبي هريرة رفعه لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله وهو(9/62)
ثامن أحاديث هذا الباب وقال بعض الشراح ومثال التنطع في السؤال حتى يفضي بالمسئول الى الجواب بالمنع بعد أن يفتى بالاذن ان يسأل عن السلع التي توجد في الأسواق هل يكره شراؤها ممن هي في يده من قبل البحث عن مصيرها اليه أو لا فيجيبه بالجواز فان عاد فقال أخشى أن يكون من نهب أو غصب ويكون ذلك الوقت قد وقع شيء من ذلك في الجملة فيحتاج ان يجيبه بالمنع ويقيد ذلك ان ثبت شيء من ذلك حرم وان تردد كره أو كان خلاف الأولى ولو سكت السائل عن هذا التنطع لم يزد المفتي على جوابه بالجواز وإذا تقرر ذلك فمن يسد باب المسائل حتى فاته معرفة كثير من الأحكام التي يكثر وقوعها فإنه يقل فهمه وعلمه ومن توسع في تفريع المسائل وتوليدها ولا سيما فيما يقل وقوعه أو يندر ولا سيما ان كان الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة فإنه يذم فعله وهو عين الذي كرهه السلف ومن أمعن في البحث عن معاني كتاب الله محافظا على ما جاء في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه الذين شاهدوا التنزيل وحصل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه ومفهومه وعن معاني السنة وما دلت عليه كذلك مقتصرا على ما يصلح للحجة منها فإنه الذي يحمد وينتفع به وعلى ذلك يحمل عمل فقهاء الأمصار من التابعين فمن بعدهم حتى حدثت الطائفة الثانية فعارضتها الطائفة الأولى فكثر بينهم المراء والجدال وتولدت البغضاء وتسموا خصوما وهم من أهل دين واحد والواسط هو المعتدل من كل شيء والى ذلك يشير قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي فانما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فان الاختلاف يجر الى عدم الانقياد وهذا كله من حيث تقسيم المشتغلين بالعلم واما العمل بما ورد في الكتاب والسنة التشاغل به فقد وقع الكلام في أيهما أولى والانصاف ان يقال كلما زاد على ما هو في حق المكلف فرض عين فالناس فيه على قسمين من وجد في نفسه قوة على الفهم والتحرير فتشاغله بذلك أولى من اعراضه(9/63)
عنه وتشاغله بالعبادة لما فيه من النفع المتعدي ومن وجد في نفسه قصورا فاقباله على العبادة أولى لعسر اجتماع الأمرين فان الأول لو ترك العلم لأوشك أن يضيع بعض الأحكام باعراضه والثاني لو أقبل على العلم وترك العبادة فاته الأمران لعدم حصول الأول له واعراضه به عن الثاني والله الموفق ثم المذكور في الباب تسعة أحاديث بعضها يتعلق بكثرة المسائل وبعضها يتعلق بتكليف ما لا يعني السائل وبعضها بسبب نزول الآية ...
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله
باب توقيره صلى الله عليه وسلم، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، أو لا يتعلق به تكليف وما لا يقع، ونحو ذلك
*حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحَيَى التّجِيبِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَاب. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ. قَالاَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدّثُ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ. وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. فَإِنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلاَفُهُمْ عَلَىَ أَنْبِيَائِهِمْ".
*وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ أَحَمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، وَهُوَ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيّ. أَخْبَرَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ سَوَاءً.(9/64)
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي الْحِزَامِيّ). ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح وَحَدّثَنَاهُ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ زِيَادٍ. سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. كُلّهُمْ قَالَ: عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ". وَفِي حَدِيثِ هَمّامٍ "مَا تُرِكْتُمْ. فَإِنّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ" ثُمّ ذَكَرُوا نَحْوَ حَدِيثِ الزّهْرِيّ عَنِ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْماً، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرّمْ عَلَىَ الْمُسْلِمِينَ، فَحُرّمَ عَلَيْهِمْ، مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ".(9/65)
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَان بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: (أَحْفَظُهُ كَمَا أَحْفَظُ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ) الزّهْرِيّ: عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْماً، مَنْ سَأَلَ عَنْ أَمْرٍ لَمْ يُحَرّمْ، فَحُرّمَ عَلَىَ النّاسِ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ".
وحدّثنيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاَهُمَا عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ "رَجُلٌ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ وَنَقّرَ عَنْهُ". وقَالَ فِي حَديِثِ يُونُسَ: عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَنّهُ سَمِعَ سَعْداً.(9/66)
حدّثنا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ وَ مُحَمّدُ بْنُ قُدَامَةَ السّلَمِيّ وَ يَحْيَى بْنُ مُحَمّدٍ اللّؤْلُؤِيّ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ (قَالَ مَحْمُودٌ: حَدّثَنَا النّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. وَقَالَ الاَخَرَانِ: أَخْبَرَنَا النّضْرُ). أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: بَلَغَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ. فَخَطَبَ فَقَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيّ الْجَنّةُ وَالنّارُ. فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشّرّ. وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً" قَالَ، فَمَا أَتَىَ عَلَىَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمٌ أَشَدّ مِنْهُ. قَالَ، غَطّوْا رُؤُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ. قَالَ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللّهِ رَبّا. وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً. وَبِمُحَمّدٍ نَبِيّا. قَالَ: فَقَامَ ذَاكَ الرّجُلُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: "أَبُوكَ فُلاَنٌ". فَنَزَلَتْ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (5 المائدة الاَية: 1).
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِيَ الْقَيْسِيّ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ أَبِي؟ قَالَ: "أَبُوكَ فُلاَنٌ" وَنَزَلَتْ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} تَمَامَ الاَيَةِ.(9/67)
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التّجِيبِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشّمْسُ. فَصَلّىَ لَهُمْ صَلاَةَ الظّهْرِ. فَلَمّا سَلّمَ قَامَ عَلَىَ الْمِنْبَرِ. فَذَكَرَ السّاعَةَ. وَذَكَرَ أَنّ قَبْلَهَا أُمُوراً عِظَاماً. ثُمّ قَالَ: "مَنْ أَحَبّ أَنْ يَسْأَلَنِي عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْنِي عَنْهُ. فَوَاللّهِ لاَ تَسْأَلُونَنِي عَنْ شَيْءٍ إِلاّ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ، مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا".
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَأَكْثَرَ النّاسُ الْبُكَاءَ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ: "سَلُونِي" فَقَامَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ" فَلَمّا أَكْثَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنْ يَقُولَ: "سَلُونِي" بَرَكَ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللّهِ رَبّا. وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً. وَبِمُحَمّدٍ رَسُولاً. قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوْلَىَ. وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيّ الْجَنّةُ وَالنّارُ آنِفاً. فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ. فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشّرّ".(9/68)
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: قَالَتْ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُذَافَةَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ حُذَافَةَ: مَا سَمِعْتُ بِابْنٍ قَطّ أَعَقّ مِنْكَ؟ أَأَمِنْتَ أَنْ تَكُونَ أُمّكَ قَدْ قَارَفَتْ بَعْضَ مَا تُقَارِفُ نِسَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ، فَتَفْضَحَهَا عَلَىَ أَعْيُنِ النّاسِ؟ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُذَافَةَ: وَاللّهِ لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَدَ، لَلَحِقْتُهُ.
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعْيْبٌ. كِلاَهُمَا عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَنْسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَحَدِيثِ عُبَيْدِ اللّهِ، مَعَهُ. غَيْرَ أَنّ شُعَيْباً قَالَ عَنْ الزّهْرِيّ: قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُذَافَةَ قَالَتْ، بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ.
حدّثنا يُوسُفُ بْنُ حَمّادٍ الْمَعْنِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ النّاسَ سَأَلُوا نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ. فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ. فَقَالَ: "سَلُونِي. لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاّ بَيّنْتُهُ لَكُمْ" فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ الْقَوْمُ أَرَمّوا وَرَهِبُوا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ أَمْرٍ حَضَرَ.(9/69)
قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ يَمِيناً وَشِمَالاً. فَإِذَا كُلّ رَجُلٍ لاَفّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي. فَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ، كَانَ يُلاَحَىَ فَيُدْعَىَ لِغَيْرِ أَبِيهِ. فَقَالَ: يَا نَبِيّ اللّهِ مَنْ أَبِي؟ قَالَ "أَبُوكَ حُذَافَةُ". ثُمّ أَنْشَأَ عُمرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِي اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللّهِ رَبّا. وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً. وَبِمُحَمّدٍ رَسُولاً. عَائِذاً بِاللّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ قَطّ فِي الْخَيْرِ وَالشّرّ. إِنّي صُوّرَتْ لِيَ الْجَنّةُ وَالنّارُ، فَرَأَيْتُهُمَا دُونَ هَذَا الْحَائِطِ".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عَدِيَ. كِلاَهُمَا عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النّضْرِ التّيْمِيّ. حَدّثَنَا مُعْتَمِرٌ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي. قَالاَ جَمِيعاً: حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنْسٍ، بِهَذِهِ الْقِصّةِ.(9/70)
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ بَرّادٍ الأَشْعَرِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيّ قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ قَالَ: سُئِلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا. فَلَمّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ غَضِبَ. ثُمّ قَالَ لِلنّاسِ: "سَلُونِي عَمّ شِئْتُمْ" فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ" فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَىَ شَيْبَةَ" فَلَمّا رَأَىَ عُمَرُ مَا فِي وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْغَضَبِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّا نَتُوبُ إِلَىَ اللّهِ. وفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ: قَالَ: مَنْ أَبِي؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "أَبُوكَ سَالِمٌ، مَوْلَىَ شَيْبَةَ".
مقصود أحاديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم عن إكثار السؤال والابتداء بالسؤال عما لا يقع، وكره ذلك لمعان منها أنه ربما كان سبباً لتحريم شيء على المسلمين فيلحقهم به المشقة وقد بين هذا بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول: "أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين" فحرم عليهم من أجل مسألته. ومنها أنه ربما كان في الجواب ما يكرهه السائل ويسوؤه ولهذا أنزل الله تعالى في ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم} كما صرح به في الحديث في سبب نزولها. ومنها أنهم ربما أجفوه صلى الله عليه وسلم بالمسألة والحفوة المشقة والأذى فيكون ذلك سبباً لهلاكهم، وقد صرح بهذا في حديث أنس المذكور في الكتاب في قوله: "سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة" إلى آخره، وقد قال الله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاَخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً}.(9/71)
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته" وفي رواية: "من سأل عن شيء ونقر عنه" أي بالغ في البحث عنه والاستقصاء. قال القاضي عياض: المراد بالجرم هنا الحرج على المسلمين لا أنه الجرم الذي هو الإثم المعاقب عليه لأن السؤال كان مباحاً ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "سلوني" هذا كلام القاضي، وهذا الذي قاله القاضي ضعيف بل باطل، والصواب الذي قاله الخطابي وصاحب التحرير وجماهير العلماء في شرح هذا الحديث أن المراد بالجرم هنا الإثم والذنب، قالوا: ويقال منه جرم بالفتح واجترم وتجرم إذا ثم، قال الخطابي وغيره: هذا الحديث فيمن سأل تكلفاً أو تعنتاً فيما لا حاجة به إليه، فأما من سأل لضرورة بأن وقعت له مسألة فسأل عنها فلا إثم عليه ولا عتب لقوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر} قال صاحب التحرير وغيره: فيه دليل على أن من عمل ما فيه إضرار بغيره كان آثماً.(9/72)
قوله صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" فيه أن الجنة والنار مخلوقتان وقد سبق شرح عرضهما. ومعنى الحديث لم أر خيراً أكثر مما رأيته اليوم في الجنة ولا شراً أكثر مما رأيته اليوم في النار، ولو رأيتم ما رأيت وعلمتم ما علمت مما رأيته اليوم وقبل اليوم لأشفقتم إشفاقاً بليغاً ولقل ضحككم وكثر بكاؤكم. وفيه دليل على أنه لا كراهة في استعمال لفظة لو في مثل هذا والله أعلم. قوله: "غطوا رؤوسهم ولهم خنين" هو بالخاء المعجمة هكذا هو في معظم النسخ ولمعظم الرواة ولبعضهم بالحاء المهملة، وممن ذكر الوجهين القاضي وصاحب التحرير وآخرون قالوا: ومعناه بالمعجمة صوت البكاء وهو نوع من البكاء دون الانتحاب، قالوا: وأصل الخنين خروج الصوت من الأنف كالحنين بالمهملة من الفم. وقال الخليل: هو صوت فيه غنة. وقال الأصمعي: إذا تردد بكاؤه فصار في كونه غنة فهو خنين. وقال أبو زيد: الخنين مثل الحنين وهو شديد البكاء. قوله: (فلما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول سلوني برك عمر فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك) قال العلماء: هذا القول منه صلى الله عليه وسلم محمول على أنه أوحي إليه وإلا فلا يعلم كل ما سئل عنه من المغيبات إلا بإعلام الله تعالى. قال القاضي: وظاهر الحديث أن قوله صلى الله عليه وسلم سلوني إنما كان غضباً كما قال في الرواية الأخرى: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس سلوني) وكان اختياره صلى الله عليه وسلم ترك تلك المسائل لكن وافقهم في جوابها لأنه لا يمكن رد السؤال، ولما رآه من حرصهم عليها والله أعلم. وأما بروك عمر رضي الله عنه وقوله فإنما فعله أدباً وإكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشفقة على المسلمين لئلا(9/73)
يؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهلكوا، ومعنى كلامه رضينا بما عندنا من كتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واكتفينا به عن السؤال ففيه أبلغ كفاية قولهم: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى والذي نفس محمد بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط) أما لفظة أولى فهي تهديد ووعيد، وقيل كلمة تلهف، فعلى هذا يستعملها من نجا من أمر عظيم، والصحيح المشهور أنها للتهديد ومعناها قرب منكم ما تكرهونه. ومنه قوله تعالى: {أولى لك فأولى" أي قاربك ما تكره فاحذره مأخوذ من الولي وهو القرب. وأما آنفاً فمعناه قريباً الساعة والمشهور فيه المد ويقال بالقصر وقرئ بهما في السبع الأكثرون بالمد، وعرض الحائط بضم العين جانبه. قوله: (أن أم عبد الله بن حذافة قالت له أأمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس فقال ابنها والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته) أما قولها قارفت فمعناه عملت سوءاً والمراد الزنا والجاهلية هم من قبل النبوة سموا به لكثرة جهالاتهم، وكان سبب سؤاله أن بعض الناس كان يطعن في نسبه على عادة الجاهلية من الطعن في الأنساب، وقد بين هذا في الحديث الاَخر بقوله: (كان يلاحى فيدعى لغير أبيه) والملاحاة المخاصمة والسباب. وقولها: فتفضحها معناه لو كنت من زنا فنفاك عن أبيك حذافة فضحتني. وأما قوله: (لو ألحقني بعبد للحقته) فقد يقال هذا لا يتصور لأن الزنا لا يثبت به النسب، ويجاب عنه بأنه يحتمل وجهين: أحدهما أن ابن حذافة ما كان بلغه هذا الحكم وكان يظن أن ولد الزنا يلحق الزاني وقد خفي هذا على أكبر منه وهو سعد بن أبي وقاص حين خاصم في ابن وليدة زمعة فظن أنه يلحق أخاه بالزنا. والثاني أنه يتصور الإلحاق بعد وطئها بشبهة فيثبت النسب منه والله أعلم. قوله: (حدثنا يوسف بن حماد المعني) هو بكسر النون وتشديد الياء، قال السمعاني: منسوب إلى معن بن زائدة وهذا الإسناد(9/74)
كله بصريون. قوله: (أحفوه بالمسألة) أي أكثروا في الإلحاح والمبالغة فيه، يقال أحفى وألحف وألح بمعنى. قوله: (فلما سمع ذلك القوم أرموا) هو بفتح الراء وتشديد الميم المضمومة أي سكتوا، وأصله من المرمة وهي الشفة أي ضموا شفاههم بعضها على بعض فلم يتكلموا، ومنه رمت الشاة الحشيش ضمته بشفتيها. قوله: (أنشأ رجل ثم أنشأ عمر) قال أهل اللغة معناه ابتدأ ومنه أنشأ الله الخلق أي ابتدأهم(9/75)
9 سعيد بن زيد
رضي الله عنه
نسْبَةُ سَعِيدِ بن زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
- حَدَّثَنَا مُوسَى بن زَكَرِيَّا التُّسْتَرِيُّ ، حَدَّثَنَا شَبَابُ الْعُصْفُرِيُّ ، قَالَ : سَعِيدُ بن زَيْدِ بن عَمْرِو بن نُفَيْلِ بن عَبْدِ الْعُزَّى بن رَبَاحِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن قُرْطِ بن رَزَاحِ بن عَدِيِّ بن كَعْبٍ يُكَنَّى أَبَا الأَعْوَرِ ، وَأُمُّهُ : فَاطِمَةُ بنتُ نَعْجَةَ بن أُمَيَّةَ بن خُوَيْلِدٍ مِنْ خُزَاعَةَ .
صِفَةُ سَعِيدِ بن زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَلِيٍّ الْمَدِينِيِّ فُسْتُقَةُ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ ، قَالَ : كَانَ سَعِيدُ بن زَيْدٍ طُوَالا آدَمَ أَشْعَرَ .
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بن صَدَقَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا حَفْصٍ عَمْرَو بن عَلِيٍّ ، يَقُولُ : كَانَ سَعِيدُ بن زَيْدٍ آدَمَ طُوَالا أَشْعَرَ .
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَمْرَو بن خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، قَالَ : سَعِيدُ بن زَيْدِ بن عَمْرِو بن نُفَيْلٍ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ بَعْدَ مَا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ ، قَالَ : وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمُوا ؟ قَالَ : وَأَجْرُكَ .(10/1)
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن هَارُونَ بن سُلَيْمَانَ الأَصْبَهَانِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن فُلَيْحٍ ، عَنْ مُوسَى بن عُقْبَةَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : قَدِمَ سَعِيدُ بن زَيْدٍ مِنَ الشَّامِ بَعْدَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ ، فَكَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَهْمِهِ ، فَقَالَ لَهُ : سَهْمُكَ ، قَالَ : فَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : وَأَجْرُكَ .
سِنُّ سَعِيدِ بن زَيْدٍ وَوَفَاتُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ ، قَالَ : تُوُفِّيَ سَعِيدُ بن زَيْدِ بن عَمْرِو بن نُفَيْلٍ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَسنه بِضْععُُ وَسَبْعونَ ، وَدُفِنَ بِالْمَدِينَةِ ، وَمَاتَ بِالْعَقِيقِ ، وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ سَعْدُ بن أَبِي وَقَّاصٍ ، وَابْنُ عُمَرَ وَيُكَنَّى أَبَا الأَعْوَرِ .
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن رِشْدِينَ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بن حَمَّادٍ ، أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن جَعْفَرٍ ، عَنْ زَيْدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن سَعِيدِ بن زَيْدٍ ، أَنَّ سَعْدَ بن أَبِي وَقَّاصٍ غَسَّلَ سَعِيدَ بن زَيْدٍ بِالسَّجَرَةِ .(10/2)
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْدٍ ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ أَرْوَى بنتَ أُوَيْسٍ اسْتَعَدْتَ مَرْوَانَ عَلَى سَعِيدِ بن زَيْدٍ ، قَالَتْ : سَرَقَ مِنِّي أَرْضِي ، فَأَدْخَلَهَا فِي أَرْضِهِ ، فَقَالَ سَعِيدٌ : مَا كُنْتُ لأَسْرِقَ مِنْهَا بَعْدَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ سَرَقَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَ إِلَى سَبْعِ الأَرْضِينَ ، فَقَالَ : لا أَسْأَلُكُ بَعْدَ هَذَا ، فَقَالَ سَعِيدٌ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَذْهِبْ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا ، فَذَهَبَ بَصَرُهَا وَوَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فِي أَرْضِهَا فَمَاتَتْ.
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا مُصَرِّفُ بن عَمْرٍو الْيَامِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بن سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ أَخيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ بنتِ سَعْدٍ ، قَالَتْ : غَسَّلَ سَعْدٌ سَعِيدَ بن زَيْدٍ بِالْعَقِيقِ ، ثُمَّ حَمَلُوهُ ، فَجَاءُوا بِهِ ، فَجَاءَ سَعْدٌ يَمْشِي حَتَّى إِذَا حَاذَى بِدَارِهِ دَخَلَ فَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَقَالَ : إِنِّي لَمْ أَغْتَسِلْ مِنْ غُسْلِ سَعِيدٍ إِنَّمَا اغْتَسَلْتُ مِنَ الْحَرِّ .(10/3)
- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بن مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بن بَقِيَّةَ ، أَنَا خَالِدٌ ، عَنْ عَطَاءِ بن السَّائِبِ ، عَنْ مُحَارِبِ بن دِثَارٍ ، عَنْ سَعِيدِ بن زَيْدِ بن عَمْرِو بن نُفَيْلٍ ، قَالَ : بَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ بِالْمَدِينَةِ لِيُبَايِعَ لابْنِهِ يَزِيدَ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ : مَا يَحْبِسُكَ ؟ ، قَالَ : حَتَّى يَجِيءَ سَعِيدُ بن زَيْدٍ فَيُبَايِعَ ، فَإِنَّهُ أَنْبَلُ أَهْلِ الْبَلَدِ ، فَإِذَا بَايَعَ بَايَعَ النَّاسُ.
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن سَعِيدِ بن أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ هِلالِ بن يَسَافٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن ظَالِمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بن زَيْدٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَيَكُونُ بَعْدِي فِتَنٌ يَكُونُ فِيهَا وَيَكُونُ ، فَقُلْنَا : إِنْ أَدْرَكْنَا ذَلِكَ هَلَكْنَا ؟ ، قَالَ : بِحَسْبِ أَصْحَابِي الْقَتْلُ
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي . ح
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ ، قَالا : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن مَيْسَرَةَ ، عَنْ هِلالِ بن يَسَافٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن ظَالِمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بن زَيْدٍ ، قَالَ : ذَكَرَ فِتْنَةً يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، فَقَالَ : يَذْهَبُ النَّاسُ فِيهَا أَسْرَعَ ذَهَابٍ ، فَقِيلَ : كُلُّهُمْ هَالِكٌ ؟ قَالَ : حَسْبُهُمُ الْقَتْلُ .
وفي صفة الصفوة لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
أبو الأعور سعيد بن زيد(10/4)
ابن عمرو بن نفيل بن العزى بن رباح بن عبد الله بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي أمه فاطمة بنت بعجة بن أمية أسلم قديما قبل أن يدخل رسول الله. صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وشهد المشاهد كلها مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم ما خلا بدرا فانه لم يحضرها للسبب الذي ذكرناه في ترجمة طلحة وكان آدم طوالا اشعر.
وله من الولد عبد الله الأكبر وعبد الله الأصغر وعبد الرحمن الأكبر وعبد الرحمن الأصغر وإبراهيم الأكبر وإبراهيم الأصغر وعمرو الأكبر وعمرو الأصغر والأسود وطلحة ومحمد وخالد وزيد وأم الحسن الأكبر وأم الحسن الصغرى وأم حبيب الكبرى وأم حبيب الصغرى وأم زيد الكبرى وأم زيد الصغرى وعائشة وعاتكة وحفصة وزينب وأم سلمة وأم موسى وأم سعيد وأم النعمان وأم خالد وأم صالح وأم عبد الحولاء وزجلة.
ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه
*عن عبد الله بن ظالم قال أخذ بيدي سعيد بن زيد فقال قال رسول الله. صلى الله عليه وسلم اثبت حراء فانه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد قال قلت من هم فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن ابن عوف وسعد بن مالك ثم سكت قال قلت ومن العاشر قال أنا رواه الإمام أحمد.
*وعن عبد الرحمن بن الاخنس قال قال سعيد بن زيد أشهد اني سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول رسول الله في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعلي في الجنة وعثمان في الجنة وعبد الرحمن في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وسعيد في الجنة ثم قال أن شئتم أخبرتكم بالعاشر ثم ذكر نفسه رواه الإمام أحمد.
*وعن هشام بن عروة عن أبيه أن أروى بنت أويس استعدت مروان على سعيد وقالت سرق من أرضي فادخله في أرضه فقال سعيد اللهم أن كانت كاذبة فاذهب بصرها واقتلها في أرضها فذهب بصرها ووقعت في حفرة في أرضها فماتت.
ذكر وفاته رضي الله عنه(10/5)
عن نافع أن سعيد بن زيد مات بالعقيق وحمل إلى المدينة فدفن بها وقال ابن سعد وقال عبد الملك بن زيد مات بالعقيق فحميل إلى المدينة ونزل في حفرته سعد وابن عمر وذلك في سنة خمسين أو إحدى وخمسين وكان يوم مات ابن بضع وسبعين سنة والله اعلم.
الياقوتة 33
حدثني عبيد بن إسماعيل: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل:
أنه خاصمته أروى - في حق زعمت أنه انتقصه لها - إلى مروان، فقال سعيد: أنا أنتقص من حقها شيئا، أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أخذ شبرا من الأرض ظلما، فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين).
قال ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه، قال لي سعيد بن زيد: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب: ما جاء في سبع أرضين.
ورواه مسلم في كتاب المساقاة بابتحريم الظلم وغصب الارض
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله
- حديث سعيد بن زيد في قصته مع أروى بنت أنيس في مخاصمتها له في الأرض وقد تقدمت مباحثه مستوفاة في كتاب المظالم ---
- قوله وقال بن أبي الزناد عن هشام أي بن عروة عن أبيه قال لي سعيد بن زيد أراد المصنف بهذا التعليق بيان لقاء عروة سعيدا وقد لقي عروة من هو أقدم وفاة من سعيد كوالده الزبير وعلى وغيرهما
الحديث في صحيح البخاري ـكتاب المظالم ـ
باب: إثم من ظلم شيئا من الأرض.
- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني طلحة ابن عبد الله: أن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل أخبره: أن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين).
وعنده في الباب :
* حدثنا أبو معمر: حدثنا عبد الوارث: حدثنا حسين، عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني محمد بن إبراهيم: أن أبا سلمة حدثه:(10/6)
أنه كانت بينه وبين أناس خصومة، فذكر لعائشة رضي الله عنها، فقالت: يا أبا سلمة، اجتنب الأرض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين).
- حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا عبد الله بن المبارك: حدثنا موسى ابن عقبة، عن سالم، عن أبيه رضي الله عنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه، خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين).
قال الفربري: قال أبو جعفر بن أبي حاتم: قال أبو عبد الله: هذا الحديث ليس بخراسان في كتاب ابن المبارك، أملاه عليهم بالبصرة.
-قوله باب إثم من ظلم شيئا من الأرض كأنه يشير إلى توجيه تصوير غصب الأرض خلافا لمن قال لا يمكن ذلك(10/7)
- قوله حدثني طلحة بن عبد الله أي بن عوف وكذا هو عند أحمد عن أبي اليمان زاد الحميدي في مسنده من وجه آخر في هذا الحديث وهو بن أخي عبد الرحمن بن عوف قوله عبد الرحمن بن عمرو بن سهل هو المدني وقد ينسب إلى جده وقد نسبه المزي أنصاريا ولم أر ذلك في شيء من طرق حديثه بل في رواية بن إسحاق التي سأذكرها ما يدل على أنه قرشي وقد ذكر الواقدي فيمن قتل بالحرة عبد الملك بن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر العامري القرشي وأظنه ولد هذا وكانت الحرة بعد هذه القصة بنحو من عشر سنين وليس لعبد الرحمن هذا في صحيح البخاري سوى هذا الحديث الواحد وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وقد أسقط بعض أصحاب الزهري في روايتهم عنه هذا الحديث عبد الرحمن بن عمرو بن سهل وجعلوه من رواية طلحة عن سعيد بن زيد نفسه وفي مسند أحمد وأبي يعلى وصحيح بن خزيمة من طريق بن إسحاق حدثني الزهري عن طلحة بن عبد الله قال أتتني أروى بنت أويس في نفر من قريش فيهم عبد الرحمن بن سهل فقالت: إن سعيدا انتقص من أرضي إلى أرضه ما ليس له وقد أحببت أن تأتوه فتكلموه قال فركبنا إليه وهو بأرضه بالعقيق فذكر الحديث ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون طلحة سمع هذا الحديث من سعيد بن زيد وثبته فيه عبد الرحمن بن عمرو بن سهل فلذلك كان ربما أدخله في السند وربما حذفه والله أعلم(10/8)
- قوله من ظلم قد تقدم من رواية بن إسحاق قصة لسعيد في هذا الحديث وسيأتي في بدء الخلق من طريق عروة عن سعيد أنه خاصمته أروى في حق زعمت أنه انتقصه لها إلى مروان ولمسلم من هذا الوجه ادعت أروى بنت أويس على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئا من أرضها فخاصمته إلى مروان بن الحكم وله من طريق محمد بن زيد عن سعيد أن أروى خاصمته في بعض داره فقال دعوها وإياها وللزبير في كتاب النسب من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه والحسن بن سفيان من طريق أبي بكر بن محمد بن حزم استعدت أروى بنت أويس مروان بن الحكم وهو وإلي المدينة على سعيد بن زيد في أرضه بالشجرة وقالت أنه أخذ حقي وأدخل ضفيرتي في أرضه فذكره وفي رواية العلاء فترك سعيد ما ادعت ولابن حبان والحاكم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن في هذه القصة وزاد فقال لنا مروان أصلحوا بينهما قوله من الأرض شيئا في رواية عروة في بدء الخلق من أخذ شبرا من الأرض ظلما وفي حديث عائشة ثاني أحاديث الباب قيد شبر وهو بكسر القاف وسكون التحتانية أي قدره وكأنه ذكر الشبر إشارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد قوله طوقه بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية عروة فإنه يطوقه ولأبي عوانة والجوزقي في حديث أبي هريرة جاء به مقلده قوله من سبع أرضين بفتح الراء ويجوز اسكانها وزاد مسلم من طريق عروة ومن طريق محمد بن زيد أن سعيدا قال اللهم أن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها وفي رواية العلاء وأبي بكر نحوه وزاد قال وجاء سيل فأبدى عن ضفيرتها فإذا حقها خارجا عن حق سعيد فجاء سعيد إلى مروان فركب معه والناس حتى نظروا إليها وذكروا كلهم أنها عميت وأنها سقطت في بئرها فماتت قال الخطابي قوله طوقه له وجهان أحدهما أن معناه أنه يكلف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر ويكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة الثاني معناه أنه يعاقب بالخسف إلي سبع أرضين أي فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقا في عنقه(10/9)
انتهى وهذا يؤيده حديث بن عمر ثالث أحاديث الباب بلفظ خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين وقيل معناه كالأول لكن بعد أن ينقل جميعه يجعل كله في عنقه طوقا ويعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك كما ورد في غلظ جلد الكافر ونحو ذلك وقد روى الطبري وابن حبان من حديث يعلى بن مرة مرفوعا أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ آخر سبع أرضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضي بين الناس ولأبي يعلى بإسناد حسن عن الحكم بن الحارث السلمي مرفوعا من أخذ من طريق المسلمين شبرا جاء يوم القيامة يحمله من سبع أرضين ونظير ذلك ما تقدم في الزكاة في حديث أبي هريرة في حق من غل بعيرا جاء يوم القيامة يحمله ويحتمل وهو الوجه الرابع أن يكون المراد بقوله يطوقه يكلف أن يجعله له طوقا ولا يستطيع ذلك فيعذب بذلك كما جاء في حق من كذب في منامه كلف أن يعقد شعيرة ويحتمل وهو الوجه الخامس أن يكون التطويق تطويق الإثم والمراد به أن الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الإثم ومنه قوله تعالى{ ألزمناه طائره في عنقه} وبالوجه الأول جزم أبو الفتح القشيري وصححه البغوي ويحتمل أن تتنوع هذه الصفات لصاحب هذه الجناية أو تنقسم أصحاب هذه الجناية فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا بحسب قوة المفسدة وضعفها وقد روى بن أبي شيبة بإسناد حسن من حديث أبي مالك الأشعري أعظم الغلول عند الله يوم القيامة ذراع أرض يسرقه رجل فيطوقه من سبع أرضين وفي الحديث تحريم الظلم والغصب وتغليظ عقوبته وإمكان غصب الأرض وأنه من الكبائر قاله القرطبي وكأنه فرعه على أن الكبيرة ما ورد فيه وعيد شديد وأن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا بغير رضاه وفيه أن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجارة ثابتة وأبنية ومعادن وغير ذلك وأن له أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن يجاوره وفيه أن الأرضين السبع متراكمة لم يفتق بعضها من بعض لأنها لو فتقت(10/10)
لاكتفى في حق هذا الغاصب بتطويق التي غصبها لانفصالها عما تحتها أشار إلى ذلك الداودي وفيه أن الأرضين السبع طباق كالسموات وهو ظاهر قوله تعالى {ومن الأرض مثلهن} خلافا لمن قال أن المراد بقوله سبع أرضين سبعة أقاليم لأنه لو كان كذلك لم يطوق الغاصب شبرا من إقليم آخر قاله بن التين وهو والذي قبله مبني على أن العقوبة متعلقة بما كان بسببها وإلا مع قطع النظر عن ذلك لا تلازم بين ما ذكروه تنبيه أروى بفتح الهمزة وسكون الراء والقصر باسم الحيوان الوحشي المشهور وفي المثل يقولون إذا دعوا كعمى الأروى قال الزبير في روايته كان أهل المدينة إذا دعوا قالوا أعماه الله كعمى أروى يريدون هذه القصة قال ثم طال العهد فصار أهل الجهل يقولون كعمى الأروى يريدون الوحش الذي بالجبل ويظنونه أعمى شديد العمي وليس كذلك
- قوله حدثنا حسين هو المعلم ومحمد بن إبراهيم هو التيمي وأبو سلمة هو بن عبد الرحمن وفي هذا الإسناد ما يشعر بقلة تدليس يحيى بن أبي كثير لأنه سمع الكثير من أبي سلمة وحدث عنه هنا بواسطة محمد بن إبراهيم قوله وبين أناس خصومة لم أقف على أسمائهم ووقع لمسلم من طريق حرب بن شداد عن يحيى بلفظ وكان بينه وبين قومه خصومة في أرض ففيه نوع تعيين للخصوم وتعيين المتخاصم فيه قوله فذكر لعائشة حذف المفعول وسيأتي في بدء الخلق من وجه آخر بلفظ فدخل على عائشة فذكر لها ذلك
- قوله عن سالم هو بن عبد الله بن عمر قوله قال الفربري قال أبو جعفر هو محمد بن أبي حاتم البخاري وراق البخاري وقد ذكر عنه الفربري في هذا الكتاب فوائد كثيرة عن البخاري وغيره وثبتت هذه الفائدة في رواية أبي ذر عن مشايخه الثلاثة وسقطت لغيره قوله ليس بخراسان في كتب بن المبارك يعني أن بن المبارك صنف كتبه بخراسان وحدث بها هناك وحملها عنه أهلها وحدث في أسفاره بأحاديث من حفظه زائدة على ما في كتبه هذا منها .(10/11)
-قوله أملى عليهم بالبصرة كذا للمستملي والسرخسي بحذف المفعول وأثبته الكشميهني فقال أملاه عليهم وأعلم أنه لا يلزم من كونه ليس في كتبه التي حدث بها بخراسان أن لا يكون حدث به بخراسان فإن نعيم بن حماد المرزوي ممن حمل عنه بخراسان وقد حدث عنه بهذا الحديث وأخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريقه ويحتمل أن يكون نعيم أيضا إنما سمعه من بن المبارك بالبصرة وهو من غرائب الصحيح
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله
باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَبّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ اقْتَطَعَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ ظُلْماً، طَوّقَهُ اللّهُ إيّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ".
*حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ: حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمّدٍ أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنّ أَرْوَىَ خَاصَمَتْهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ فَقَالَ: دَعُوهَا وَإِيّاهَا، فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقّهِ، طُوّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، اللّهُمّ إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا في دَارِهَا،
قَالَ: فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ، تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدّارِ مَرّتْ عَلَىَ بِئْرٍ فِي الدّارِ، فَوَقَعَتْ فِيهَا، فَكَانَتْ قَبْرَهَا.(10/12)
*حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ أَرْوَىَ بِنْتَ أُوَيْسٍ ادّعَتْ عَلَىَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنّهُ أَخَذَ شَيْئاً مِنْ أَرْضِهَا، فَخَاصَمَتْهُ إِلَىَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئاً بَعْدَ الّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ ظُلْماً طَوّقَهُ إِلَىَ سَبْعِ أَرضِينَ"، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: لاَ أَسْأَلُكَ بَيّنَةً بَعْدَ هَذَا فَقَالَ: اللّهُمّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمّ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا،
قَالَ: فَمَا مَاتَتْ حَتّىَ ذَهَبَ بَصَرُهَا، ثُمّ بَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ.
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ زَكَرِيّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ ظُلْماً، فَإِنّهُ يُطَوّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ".
*وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقّهِ، إلاّ طَوّقَهُ اللّهُ إلَىَ سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".(10/13)
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْوَارِثِ) حَدّثَنَا حَرْبٌ (وَهُوَ ابْنُ شَدّادٍ) حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ) عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنّ أَبَا سَلَمَةَ حَدّثَهُ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، وَأَنّهُ دَخَلَ عَلَىَ عَائِشَةَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِب الأَرْضَ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ".
*وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا حَبّانُ بْنُ هِلاَلٍ: حدّثنا أَبَانٌ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدّثَهُ أَنّ أَبَا سَلَمَةَ حَدّثَهُ أَنّهُ دَخَلَ عَلَىَ عَائِشَةَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.(10/14)
قوله صلى الله عليه وسلم: "من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً قوه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين". وفي رواية: "من أخذ شبراً من الأرض بغير حق طوقه الله في سبع أرضين يوم القيامة" قال أهل اللغة: الأرضون بفتح الراء وفيها لغة قليلة بإسكانها حكاها الجوهري وغيره، قال العلماء: هذا تصريح بأن الأرضين سبع طبقات وهو موافق لقول الله تعالى: {سبع سموات ومن الأرض مثلهن} وأما تأويل المماثلة على الهيئة والشكل فخلاف الظاهر، وكذا قول من قال المراد بالحديث سبع أرضين من سبع أقاليم لأن الأرضين سبع طباق، وهذا تأويل باطل أبطله العلماء بأنه لو كان كذلك لم يطوق الظالم بشبر من هذا الإقليم شيئاً من إقليم آخر بخلاف طباق الأرض فإنها تابعة لهذا الشبر في الملك، فمن ملك شيئاً من هذه الأرض ملكه وما تحته من الطباق، قال القاضي: وقد جاء في غلظ الأرضين وطباقهن وما بينهن حديث ليس بثابت، وأما التطويق المذكور في الحديث فقالوا: يحتمل أن معناه أنه يحمل مثله من سبع أرضين ويكلف إطاقة ذلك، ويحتمل أن يكون يجعل له كالطوق في عنقه كما قال سبحانه وتعالى: {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} وقيل معناه أنه يطوق إثم ذلك ويلزمه كلزوم الطوق بعنقه، وعلى تقدير التطويق في عنقه يطول الله تعالى عنقه كما جاء في غلظ جلد الكافر وعظم ضربه، وفي هذه الأحاديث تحريم الظلم وتحريم الغصب وتغليظ عقوبته وفيه إمكان غصب الأرض وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا يتصور غصب الأرض.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من ظلم قيد شبر من الأرض" هو بكسر القاف وإسكان الياء أي قدر شبر من الأرض، يقال: قيد وقاد وقيس وقاس بمعنى واحد، وفي الباب حبان بن هلال بفتح الحاء، وفي حديث سعيد بن زيد رضي الله عنهما منقبة له وقبول دعائه وجواز الدعاء على الظالم ومستدل أهل الفضل والله أعلم.
الياقوتة 34(10/15)
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سليمان بن داود الهاشمي حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد.
رواه أحمد في مسند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل
وأخرج هذا الحديث كل من:
-- الترمذي حدثنا عبد بن حميد. أخبرني يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن أبيه، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، عن سعيد بن زيد قال:
- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيد. ومن قتل دون دمه فهو شهيد. ومن قتل دون دينه فهو شهيد".
هذا حديث حسن صحيح. .
---النسائي أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه، عن أبي عبيدة بن محمد، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، عن سعيد بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
-من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيد، ومن قاتل دون دمه فهو شهيد، ومن قاتل دون أهله فهو شهيد.
---أبوداود حدثنا هارون بن عبد اللّه، ثنا أبو داود الطيالسي وسليمان بن داود يعني أبا أيوب الغافقي عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن طلحة بن عبد اللّه بن عوف، عن سعيد بن زيد،
عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: " من قتل دون ماله فهو شهيدٌ، ومن قتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيدٌ(10/16)
-- - البيهقي وحدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك أنبأ عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ورواه هارون بن عبد الله عن الطيالسي وأبي أيوب الهاشمي عن إبراهيم بن سعد فقال ومن قتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيد
- وأخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد الصفار ثنا عباس بن الفضل الإسفاطي ثنا أبو الوليد ثنا إبراهيم بن سعد حدثني أبي عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصيب دون ماله فهو شهيد ومن أصيب دون أهله فهو شهيد ومن أصيب دون دينه فهو شهيد رواه أبو داود الطيالسي وأبو أيوب الهاشمي عن إبراهيم فقال ومن قتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيد
---ابن حبان أخبرنا عمر بن محمد الهمداني قال حدثنا عبد الجبار بن العلاء قال حدثنا سفيان قال سمعت الزهري يقول أخبرني طلحة بن عبد الله عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل دون ماله فهو شهيد ومن ظلم من الأرض شبرا طوقه من سبع أرضين
قال أبو حاتم رضى الله تعالى عنه أثبت النبي صلى الله عليه وسلم الشهادة للمقتول دون ماله وأباح قتال قاتله والخبر على العموم فلما كان قتال المرء مع المسلم المحرم دمه عند أخذ ماله جائزا كان قتال مثله مع المرء الذي ليس بمحرم دمه ولا ماله صبيا كان أو بالغا امرأة كانت أو عبدا أولى أن يكون جائزا(10/17)
---أبويعلى حدثنا أبو خيثمة حدثنا سفيان عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل دون ماله فهو شهيد ومن ظلم شيئا من الأرض طوقه من سبع أرضين
---الشافعي أخبرنا بن عيينة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ومن قتل دون ماله فهو شهيد
---ابن ماجه باب من قتل دون ماله فهو شهيد
-حدثنا هشام بن عمار.ثنا سفيان عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((من قتل دون ماله فهو شهيد)).
شرح فيض القدير الامام محمد عبد الرؤوف المناوي
(من قتل دون ماله) أي عنده ودون في الأصل ظرف مكان بمعنى أسفل وتحت استعملت هنا بمعنى لأجل التي للسببية توسعاً مجازاً لأن الذي يقاتل على ماله كأنه يجعله خلفه أو تحته ثم يقاتل عليه، ذكره جمع (فهو شهيد) أي في حكم الآخرة لا الدنيا أي له ثواب كثواب شهيد مع ما بين الثوابين من التفاوت وذلك لأنه محق في القتال ومظلوم بطلبه منه (ومن قتل دون دمه) أي في الدفع عن نفسه (فهو شهيد ومن قتل دون دينه) أي في نصرة دين اللّه والذب عنه وفي قتال المرتدين (فهو شهيد)..( ومن قتل دون أهله) أي في الدفع عن بضع حليلته أو قريبته (فهو شهيد) أي في حكم الآخرة لا الدنيا لأن المؤمن بإسلامه محترم ذاتاً ودماً وأهلاً ومالاً فإذا أريد شيء منه من ذلك جاز له الدفع عنه أو وجب على الخلاف المعروف لكن إنما يدفعه دفع الصائل فلا يصعد إلى رتبة وهو يرى ما دونه كافياً كما هو مقرر في الفروع فإذا أدّى قتاله لقتله فهو هدر.
- (حم 3 حب) والقضاعي (عن سعيد بن زيد) قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: من قتل في سبيل اللّه قال: إن شهداء أمتي إذن لقليل قالوا: فمن هم يا رسول اللّه فذكره قال المصنف: وهو متواتر.(10/18)
وورد الطرف الأول من هذا الحديث في صحيح البخاري : كتاب المظالم - باب من قاتل دون ماله.،وهوعن عبد الله بن عمرو
- حدثنا عبد الله بن يزيد: حدثنا سعيد، هو ابن أبي أيوب، قال: حدثني أبو الأسود، عن عكرمة، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد)
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله
-قوله باب من قاتل دون ماله أي حكمة قال القرطبي دون في أصلها ظرف مكان بمعنى تحت وتستعمل للسببية على المجاز ووجهه أن الذي يقاتل عن ماله غالبا إنما يجعله خلفه أو تحته ثم يقاتل عليه(10/19)
- قوله حدثنا عبد الله بن يزيد هو المقرئ وأبو الأسود هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي ووقع منسوبا هكذا عند الإسماعيلي قوله عن عكرمة في رواية الطبري عن أبي الأسود أن عكرمة أخبره وليس لعكرمة عن عبد الله بن عمرو وهو بن العاص في صحيح البخاري غير هذا الحديث الواحد قوله من قتل دون ماله فهو شهيد قال الإسماعيلي وكذا أخرجه البخاري وكأنه كتبه من حفظه أو حدث به المقرئ من حفظه فجاء به على اللفظ المشهور وإلا فقد رواه الجماعة عن المقرئ بلفظ من قتل دون ماله مظلوما فله الجنة قال ومن أتى به على غير اللفظ الذي اعتيد فهو أولى بالحفظ ولا سيما وفيهم مثل دحيم وكذلك ما زادوه من قوله مظلوما فإنه لا بد من هذا القيد وساقه من طريق دحيم وابن عمر وعبد العزيز بن سلام قلت وكذلك أخرجه النسائي عن عبيد الله بن فضالة عن المقرئ وكذلك رواه حيوة بن شريح عن أبي الأسود بهذا اللفظ أخرجه الطبري نعم للحديث طريق أخرى عن عكرمة أخرجها النسائي باللفظ المشهور وأخرجه مسلم كذلك من طريق ثابت بن عياض عن عبد الله بن عمرو وفي روايته قصة قال لما كان بين عبد الله بن عمرو وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان يشير للقتال فركب خالد بن العاص إلى عبد الله بن عمرو فوعظه فقال عبد الله بن عمرو أما علمت فذكر الحديث وأشار بقوله ما كان إلى ما بينه حيوة في روايته المشار إليها فإن أولها أن عاملا لمعاوية أجرى عينا من ماء ليسقي بها أرضا فدنا من حائط لآل عمرو بن العاص فأراد أن يخرجه ليجري العين منه إلى الأرض فأقبل عبد الله بن عمرو ومواليه بالسلاح وقالوا والله لا تخرقون حائطنا حتى لا يبقى منا أحد فذكر الحديث والعامل المذكور هو عنبسة بن أبي سفيان كما ظهر من رواية مسلم وكان عاملا لأخيه على مكة والطائف والأرض المذكورة كانت بالطائف وامتناع عبد الله بن عمرو من ذلك لما يدخل عليه من الضرر فلا حجة فيه لمن عارض به حديث أبي هريرة فيمن أراد أن يضع جذعه على(10/20)
جدار جاره والله أعلم وأخرجه النسائي من وجهين آخرين وأبو داود والترمذي من وجه آخر كلهم عن عبيد الله بن عمرو باللفظ المشهور وفي رواية لأبي داود والترمذي من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد ولابن ماجة من حديث بن عمر نحوه وكأن البخاري أشار إلى ذلك في الترجمة لتعبيره بلفظ قاتل وروى الترمذي وبقية أصحاب السنن من حديث سعيد بن زيد نحوه وفيه ذكر الأهل والدم والدين وفي حديث أبي هريرة عند بن ماجة من أريد ماله ظلما فقتل فهو شهيد قال النووي فيه جواز قتل من قصد أخذ المال بغير حق سواء كان المال قليل أو كثيرا وهو قول الجمهور وشذ من أوجبه وقال بعض المالكية لا يجوز إذا طلب الشيء الخفيف قال القرطبي سبب الخلاف عندنا هل الإذن في ذلك من باب تغيير المنكر فلا يفترق الحال بين القليل والكثير أو من باب دفع الضرر فيختلف الحال وحكى بن المنذر عن الشافعي قال من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله الاختيار أن يكلمه أو يستغيث فإن منع أو أمتنع لم يكن له قتاله وإلا فله أن يدفعه عن ذلك ولو أتى على نفسه وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة لكن ليس له عمد قتله قال بن المنذر والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلما بغير تفصيل إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه وفرق الأوزاعي بين الحال التي للناس فيها جماعة وإمام فحمل الحديث عليها وأما في حال الاختلاف والفرقة فليستسلم ولا يقاتل أحدا ويرد عليه ما وقع في حديث أبي هريرة عند مسلم بلفظ أرأيت أن جاء رجل يريد أخذ مالي قال فلا تعطه قال أرأيت أن قاتلني قال فاقتله قال أرأيت أن قتلني قال فأنت شهيد قال أرأيت أن قتلته قال فهو في النار قال بن البطال إنما أدخل البخاري هذه الترجمة في هذه الأبواب ليبين أن للإنسان أن يدفع عن نفسه وما له ولا شيء عليه فإنه إذا كان شهيدا إذا قتل فلا(10/21)
قود عليه ولا دية إذا كان هو القاتل
وورد كذلك في صحيح مسلم في كتاب الايمان
باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه، وإن قتل كان في النار، وأن من قتل دون ماله فهو شهيد
- حدثني أبو كريب محمد بن العلاء. حدثنا خالد (يعني ابن مخلد) حدثنا محمد بن جعفر، عن العلاء بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ قال:
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال "فلا تعطه مالك" قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال "قاتله" قال: أرأيت إن قتلني؟ قال "فأنت شهيد" قال: أرأيت إن قتلته؟ قال "هو في النار".
- حدثني الحسن بن علي الحلواني، وإسحاق بن منصور، ومحمد بن رافع. وألفاظهم متقاربة (قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا) عبدالرزاق. أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني سليمان الأحول؛ أن ثابتا مولى عمر بن عبدالرحمن أخبره؛ أنه لما كان بين عبدالله بن عمرو وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان. تيسروا للقتال: فركب خالد بن العاص إلى عبدالله بن عمرو، فوعظه خالد. فقال عبدالله بن عمرو: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من قتل دون ماله فهو شهيد".
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله(10/22)
فيه: (أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي، قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني، قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني، قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته، قال: هو في النار) أما ألفاظ الباب فالشهيد قال النضر بن شميل: سمي بذلك لأنه حي، لأن أرواحهم شهدت دار السلام، وأرواح غيرهم لا تشهدها إلا يوم القيامة. وقال ابن الأنباري: لأن الله تعالى وملائكته عليهم السلام يشهدون له بالجنة، فمعنى شهيد مشهود له، وقيل سمي شهيدا لأنه يشهد عند خروج روحه ماله من الثواب والكرامة، وقيل: لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيأخذون روحه، وقيل: لأنه شهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله، وقيل: لأن عليه شاهدا يشهد بكونه شهيدا وهو دمه فإنه يبعث وجرحه يثعب دما. وحكى الأزهري وغيره قولاً آخر أنه سمي شهيدا لكونه ممن يشهد يوم القيامة على الأمم، وعلى هذا القول لا اختصاص له بهذا السبب،
-واعلم أن الشهيد ثلاثة أقسام، أحدها: المقتول في حرب الكفار بسبب من أسباب القتال، فهذا له حكم الشهداء في ثواب الاَخرة وفي أحكام الدنيا وهو أنه لا يغسل ولا يصلى عليه. والثاني: شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا وهو المبطون والمطعون وصاحب الهدم ومن قتل دون ماله، وغيرهم ممن جاءت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيدا، فهذا يغسل ويصلى عليه وله في الاَخرة ثواب الشهداء، ولا يلزم أن يكون مثل ثواب الأول. والثالث: من غل في الغنيمة وشبهه ممن وردت الاَثار بنفي تسميته شهيدا إذا قتل في حرب الكفار، فهذا له حكم الشهداء في الدنيا فلا يغسل ولا يصلى عليه، وليس له ثوابهم الكامل في الاَخرة، والله أعلم.(10/23)
-وفي الباب في الحديث الثاني: (تيسروا للقتال فركب خالد بن العاصي) معنى تيسروا للقتال تأهبوا وتهيؤوا. وقوله: فركب كذا ضبطناه، وفي بعض الأصول وركب بالواو، وفي بعضها ركب من غير فاء ولا واو، وكله صحيح، وقد تقدم أن الفصيح في العاصي إثبات الياء ويجوز حذفها وهو الذي يستعمله معظم المحدثين أو كلهم. وقوله بعد هذا: (أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) هو بفتح التاء من علمت والله أعلم. وأما أحكام الباب ففيه جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق، سواء كان المال قليلاً أو كثيرا لعموم الحديث، وهذا قول الجماهير من العلماء. وقال بعض أصحاب مالك: لا يجوز قتله إذا طلب شيئا يسيرا كالثوب والطعام وهذا ليس بشيء، والصواب ما قاله الجماهير. وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف، وفي المدافعة عن النفس بالقتل خلاف في مذهبنا ومذهب غيرنا، والمدافعة عن المال جائزة غير واجبة، والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا تعطه" فمعناه لا يلزمك أن تعطيه وليس المراد تحريم الإعطاء. وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الصائل إذا قتل هو في النار فمعناه أنه يستحق ذلك وقد يجازى وقد يعفى عنه، إلا أن يكون مستحلاً لذلك بغير تأويل فإنه يكفر ولا يعفى عنه، والله أعلم.
الياقوتة 35
حدثنا عبيدالله بن معاذ العنبري وسويد بن سعيد ومحمد بن عبدالأعلى. جميعا عن المعتمر. قال ابن معاذ: حدثنا المعتمر بن سليمان قال: قال أبي: حدثنا أبو عثمان عن أسامة بن زيد بن حارثة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل؛
أنهما حدثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال "ما تركت بعدي في الناس، فتنة أضر على الرجال من النساء".
رواه مسلم قي كتاب الرقاق باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء. وبيان الفتنة بالنساء
+ حدثنا سعيد بن منصور. حدثنا سفيان ومعتمر بن سليمان عن سليمان التيمي. عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد، قال:(10/24)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما تركت بعدي فتنة، هي أضر، على الرجال، من النساء
++
+ عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال "إن الدنيا حلوة خضرة. وإن الله مستخلفكم فيها. فينظر كيف تعملون. فاتقوا الدنيا واتقوا النساء. فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء". وفي حديث بشار "لينظر كيف تعملون".
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء" هكذا هو في جميع النسخ فاتقوا الدنيا ومعناه تجنبوا إِلافتتان بها وبالنساء، وتدخل في النساء الزوجات وغيرهن وأكثرهن فتنة الزوجات ودوام فتنتهن وابتلاء أكثر الناس بهن، ومعنى الدنيا خضرة حلوة يحتمل أن المراد به شيئان: أحدهما حسنها للنفوس ونضارتها ولذتها كالفاكهة الخضراء الحلوة فإن النفوس تطلبها طلبا حثيثا فكذا الدنيا. والثاني سرعة فنائها كالشيء الأخضر في هذين الوصفين، ومعنى مستخلفكم فيها جاعلكم خلفاء من القرون الذين قبلكم فينظر هل تعملون بطاعته أم بمعصيته وشهواتكم..
البخاري في كتاب النكاح . باب: ما يتقى من شؤم المرأة.
- حدثنا أدم: حدثنا شعبة، عن سليمان التميمي قال: سمعت أبا
عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).(10/25)
قوله عن أسامة بن زيد زاد مسلم من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه مع أسامة سعيد بن زيد وقد قال الترمذي لا نعلم أحدا قال فيه عن سعيد بن زيد غير معتمر بن سليمان ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء قال الشيخ تقي الدين السبكي في إيراد البخاري هذا الحديث عقب حديثي بن عمر وسهل بعد ذكر الآية في الترجمة إشارة إلى تخصيص الشؤم بمن تحصل منها العداوة والفتنة لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكبها أو أن لها تأثيرا في ذلك وهو شيء لا يقول به أحد من العلماء ومن قال أنها سبب في ذلك فهو جاهل وقد أطلق الشارع على من ينسب المطر إلى النوء الكفر فكيف بمن ينسب ما يقع من الشر إلى المرأة مما ليس لها فيه مدخل وإنما يتفق موافقة قضاء وقدر فتنفر النفس من ذلك فمن وقع له ذلك فلا يضره أن يتركها من غير أن يعتقد نسبة الفعل إليها قلت وقد تقدم تقرير ذلك في كتاب الجهاد وفي الحديث أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن ويشهد له قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء فجعلهن من حب الشهوات وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى انهن الأصل في ذلك ويقع في المشاهدة حب الرجل ولد من امرأته التي هي عنده أكثر من حبه ولده من غيرها ومن أمثلة ذلك قصة النعمن بن بشير في الهبة وقد قال بعض الحكماء النساء شر كلهن واشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن ومع أنها ناقصة العقل والدين تحمل الرجل على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين كشغله عن طلب أمور الدين وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشد الفساد وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد في اثناء حديث واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء(10/26)
وقال بن التين بدأ في الآية( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران : 14 )بالنساء لانهن أشد الأشياء فتنة للرجال ومنه حديث ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء قال ومعنى تزيينها اعجاب الرجل بها وطواعيته لها
----الترمذي حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، أخبرنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عثمان، عن أسامة بن زيد وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
- "ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء". هذا حديث حسن صحيح.
وقد روى هذا الحديث غير واحد من الثقات عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أسامة بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يذكروا فيه عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، ولا نعلم أحدا قال عن أسامة ابن زيد. وسعيد بن زيد غير المعتمر. وفي الباب عن أبي سعيد.
----أبو يعلى حدثنا سويد بن سعيد وعبيد الله بن معاذ قالا حدثنا المعتمر قال قال أبي حدثنا أبو عثمان عن أسامة بن زيد بن حارثة وسعيد بن زيد أنهما حدثاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء
----ابن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الاحمر عن التيمي عن أبي عثمان عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله ( ص ) : ( ما تركت على أمتي بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )
----ابن ماجه حدثنا بشر بن هلال الصواف. حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن سليمان التيمي. ح وحدثنا عمرو بن رافع. حدثنا عبد الله بن المبارك عن سليمان التيميـ عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ما أدع بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء))(10/27)
----البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا عبد الوهاب بن عطاء أنبأ سليمان التيمي ح وأخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ أبو بكر محمد بن أحمد بن محمويه العسكري ثنا جعفر بن محمد القلانسي ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شعبة عن سليمان التيمي قال سمعت أبا عثمان النهدي يحدث عن أسامة بن زيد رضى الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء لفظ حديث شعبة رواه البخاري في الصحيح عن آدم وأخرجه مسلم من أوجه عن التيمي
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن عتاب البغدادي ببغداد ثنا عبد الله بن روح المدائني ثنا عثمان بن عمر ثنا شعبة ح وأخبرنا أبو عبد الله أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا بندار ثنا محمد بن جعفر نا شعبة عن أبي مسلمة قال سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء لفظ حديث غندر رواه مسلم في الصحيح عن بندار محمد بن بشار
ابن حبان ذكر البيان بأن النساء من اخوف ما كان يتخوف صلى الله عليه وسلم اياهن على أمته
أخبرنا عمر بن محمد الهمذاني قال حدثنا عبد الجبار بن العلاء قال حدثنا سفيان عن سليمان التيمى عن أبى عثمان عن أسامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء
ذكر بعض السبب الذي من أجله يكون عامة فتنة النساء
أخبرنا الحسن بن سفيان قال حدثنا سريج بن يونس قال حدثنا عباد بن عباد عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ويل للنساء من الأحمرين الذهب والمعصفر(10/28)
ذكر البيان بأن فتنة النساء من أعظم ما كان يخافها صلى الله عليه وسلم على أمته
أخبرنا المفضل بن محمد بن إبراهيم الجندي أبو سعيد قال حدثنا أبو حمة محمد بن يوسف الزبيدي قال حدثنا أبو قرة عن سفيان الثوري عن سليمان التيمى عن أبي عثمان النهدي عن أسامة بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء
ذكر الاخبار بأن فتنة النساء من اخوف ما يخاف من الفتن على الرجال
أخبرنا أحمد بن علي بن المثني قال حدثنا سريج بن يونس قال حدثنا سفيان عن سليمان التيمى عن أبي عثمان النهدي عن أسامة بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت بعدي فتنة اخوف على الرجال من النساء
+
تفسير قوله تعالى { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ}(10/29)
قال ابن كثير يخبر تعالى عما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين, فبدأ بالنساء, لأن الفتنة بهن أشد, كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم, قال «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد, فهذا مطلوب مرغوب فيه, مندوب إليه, كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه, «وإن خير هذه الأمة من كان أكثرها نساء», وقوله صلى الله عليه وسلم «الدنيا متاع, وخير متاعها المرأة الصالحة, إن نظر إليها سرته, وإن أمرها أطاعته وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله» وقوله في الحديث الاَخر «حبب إليّ النساء والطيب, وجعلت قرة عيني في الصلاة». وقالت عائشة رضي الله عنها: لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء إلا الخيل, وفي رواية من الخيل إلا النساء, وحب البنين تارة يكون للتفاخر والزينة, فهو داخل في هذا, وتارة يكون لتكثير النسل وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن يعبد الله وحده لا شريك له, فهذا محمود ممدوح كما ثبت في الحديث «تزوجوا الودود الولود, فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» وحب المال كذلك تارة يكون للفخر والخيلاء والتكبر على الضعفاء والتجبر على الفقراء, فهذا مذموم, وتارة يكون للنفقة في القربات وصلة الأرحام والقرابات ووجوه البر والطاعات, فهذا ممدوح محمود شرعاً وقد اختلف المفسرون في مقدار القنطار على أقوال, وحاصلها أنه المال الجزيل كما قاله الضحاك وغيره, وقيل: ألف دينار, وقيل: ألف ومائتا دينار وقيل اثنا عشر ألفاً, وقيل: أربعون ألفاً, وقيل: ستون ألفاً, وقيل سبعون ألفاً, وقيل: ثمانون ألفاً, وقيل غير ذلك, وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا حماد, عن عاصم, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «القنطار اثنا عشر ألف أوقية, كل أوقية خير مما بين السماء والأرض», وقد(10/30)
رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن حماد بن سلمة به, وقد رواه ابن جرير عن بندار, عن ابن مهدي, عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة, عن أبي صالح, عن أبي هريرة موقوفاً وهذا أصح, وهكذا رواه ابن جرير عن معاذ بن جبل وابن عمر, وحكاه ابن أبي حاتم, عن أبي هريرة وأبي الدرداء, أنهم قالوا: القنطار ألف ومائتا أوقية, ثم قال ابن جرير رحمه الله: حدثنا زكريا بن يحيى الضرير, حدثنا شبابة, حدثنا مخلد بن عبد الواحد, عن علي بن زيد, عن عطاء بن أبي ميمونة, عن زر بن حبيش, عن أبي بن كعب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية». وهذا حديث منكر أيضاً, والأقرب أن يكون موقوفاً على أبي بن كعب كغيره من الصحابة وقد روى ابن مردويه من طريق موسى بن عبيدة الربذي, عن محمد بن إبراهيم, عن يحَنّش أبي موسى, عن أم الدرداء, عن أبي الدرداء, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ مائة آية لم يكتب من الغافلين, ومن قرأ مائة آية إلى ألف, أصبح له قنطار من أجر عند الله, القنطار منه مثل الحبل العظيم» ورواه وكيع عن موسى بن عبيدة بمعناه, وقال الحاكم في مستدركه: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب, حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد اللخمي بتَنّيس, حدثنا عمرو بن أبي سلمة, حدثنا زهير بن محمد, حدثنا حميد الطويل ورجل آخر, عن أنس بن مالك, قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى {والقناطير المقنطرة} ؟ قال «القنطار ألفا أوقية» صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه, هكذا رواه الحاكم, وقد رواه ابن أبي حاتم بلفظ آخر فقال: أنبأنا أحمد بن عبد الرحمن الرقي, أنبأنا عمرو بن أبي سلمة, أنبأنا زهير يعني ابن محمد, أنبأنا حميد الطويل, ورجل آخر قد سماه يعني يزيد الرقاشي, عن أنس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, في قوله« قنطار يعني ألف دينار» وهكذا رواه ابن مردويه والطبراني عن عبد الله(10/31)
بن محمد بن أبي مريم, عن عمرو بن أبي سلمة, فذكر بإسناده مثله سواء, وروى ابن جرير عن الحسن البصري: عنه مرسلاً وموقوفاً عليه: القنطار ألف ومائتا دينار, وهو رواية العوفي عن ابن عباس, وقال الضحاك: من العرب من يقول: القنطار ألف دينار, ومنهم من يقول: اثنا عشر ألفاً, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عارم عن حماد عن سعيد الجَريري, عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري, قال: القنطار ملء مسك الثور ذهباً, قال أبو محمد: ورواه محمد بن موسى الحرشي عن حماد بن زيد مرفوعاً, والموقوف أصح.(10/32)
(وحب الخيل على ثلاثة أقسام) تارة يكون ربطها أصحابها معدة لسبيل الله متى احتاجوا إليها غزوا عليها, فهؤلاء يثابون, وتارة تربط فخراً ونواء لأهل الإسلام, فهذه على صاحبها وزر وتارة للتعفف واقتناء نسلها, ولم ينس حق الله في رقابها فهذه لصاحبها ستر كما سيأتي الحديث بذلك إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} الاَية, وأما المسومة, فعن ابن عباس رضي الله عنهما: المسومة الراعية, والمطهمة الحسان, وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبزى والسدي والربيع بن أنس وأبي سنان وغيرهم, وقال مكحول: المسومة الغرة والتحجيل وقيل: غير ذلك وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الحميد بن جعفر, عن يزيد بن أبي حبيب, عن سويد بن قيس, عن معاوية بن حُديج, عن أبي ذر رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس من فرس عربي إلا يؤذن له مع كل فجر يدعو بدعوتين يقول: اللهم إنك خولتني من بني آدم, فاجعلني من أحب ماله وأهله إليه, أو أحب أهله وماله إليه» وقوله تعالى {والأنعام} يعني الإبل والبقر والغنم, {والحرث} يعني الأرض المتخذة للغراس والزراعة, وقال الإمام أحمد: حدثنا روح بن عبادة, حدثنا أبو نعامة العدوي, عن مسلم بن بديل, عن إياس بن زهير, عن سويد بن هبيرة, عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم, قال «خير مال امرىء له مهرة مأمورة أو سكة مأبورة» المأمورة: الكثيرة النسل, والسكة: النخل المصطف, والمأبورة: الملقحة.
ثم قال تعالى: {ذلك متاع الحياة الدنيا} أي إنما هذا زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة {والله عنده حسن المآب} أي حسن المرجع والثواب.(10/33)
وقال القرطبي قوله تعالى: "زين للناس" زين من التزيين واختلف الناس من المزين؛ فقالت فرقة: الله زين ذلك؛ وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذكره البخاري. وفي التنزيل: "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها" [الكهف: 7]؛ ولما قال عمر: الآن يا رب حين زينتها لنا! نزلت: "قل أأنبئكم بخير من ذلكم" [آل عمران: 15] وقالت فرقة: المزين هو الشيطان؛ وهو ظاهر قول الحسن، فإنه قال: من زينها؟ ما أحد أشد لها ذما من خالقها. فتزيين الله تعالى إنما هو بالإيجاد والتهيئة للانتفاع وإنشاء الجبلة على الميل إلى هذه الأشياء. وتزيين الشيطان إنما هو بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها. والآية على كلا الوجهين ابتداء وعظ لجميع الناس، وفي ضمن ذلك توبيخ لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود وغيرهم. وقرأ الجمهور "زُيِّن" على بناء الفعل للمفعول، ورفع "حُبُّ". وقرأ الضحاك ومجاهد "زَيَّن" على بناء الفعل للفاعل، ونصب "حُبَّ" وحركت الهاء من "الشهوات" فرقا بين الاسم والنعت. والشهوات جمع شهوة وهي معروفة. ورجل شهوان للشيء، وشيء شهي أي مشتهى واتباع الشهوات مرد وطاعتها مهلكة. وفي صحيح مسلم: (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفائدة هذا التمثيل أن الجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره وبالصبر عليها. وأن النار لا ينجى منها إلا بترك الشهوات وفطام النفس عنها. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (طريق الجنة حزن بربوة وطريق النار سهل بسهوة...)؛ وهو معنى قوله (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات). أي طريق الجنة صعبة المسلك فيه أعلى ما يكون من الروابي، وطريق النار سهل لا غلظ فيه ولا وعورة، وهو معنى قوله (سهل بسهوة) وهو بالسين المهملة.(10/34)
قوله تعالى: "من النساء" بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن؛ لأنهن حبائل الشيطان وفتنة الرجال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء) أخرجه البخاري ومسلم. ففتنة النساء أشد من جميع الأشياء. ويقال: في النساء فتنتان، وفي الأولاد فتنة واحدة. فأما اللتان في النساء فإحداهما أن تؤدي إلى قطع الرحم؛ لأن المرأة تأمر زوجها بقطعه عن الأمهات والأخوات. والثانية يبتلى بجمع المال من الحلال والحرام. وأما البنون فإن الفتنة فيهم واحدة وهو ما ابتلي بجمع المال لأجلهم. وروى عبدالله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتاب). حذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن في إسكانهن الغرف تطلعا إلى الرجال، وليس في ذلك تحصين لهن ولا ستر؛ لأنهن قد يشرفن على الرجال فتحدث الفتنة والبلاء، ولأنهن قد خلقن من الرجل؛ فهمتها في الرجل والرجل خلق فيه الشهوة وجعلت سكنا له؛ فغير مأمون كل واحد منهما على صاحبه. وفي تعلمهن الكتاب هذا المعنى من الفتنة وأشد. وفي كتاب الشهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أعروا النساء يلزمن الحجال). فعلى الإنسان إذا لم يصبر في هذه الأزمان أن يبحث عن ذات الدين ليسلم له الدين؛ قال صلى الله عليه وسلم: (عليك بذات الدين تربت يداك) أخرجه مسلم عن أبي هريرة. وفي سنن ابن ماجة عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل
الياقوتة 36
- حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب. حدثنا أيوب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن سعد بن زيد،
- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من أحيى أرضا ميتة فهي له. وليس لعرق ظالم حق".
هذا حديث حسن غريب.
أخرجه النرمذي(10/35)
وروى هذا الحديث عن سعيد بن زيد رضي الله عنه كل من:
1- أبو داود
باب في إحياء الموات
ـ حدثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الوهاب، ثنا أيوب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن سعيد بن زيد،
عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "من أحيا أرضاً ميتةً فهي له، وليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ".
2- البيهقي
وأخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ أبو بكر بن داسه ثنا أبو داود ثنا محمد بن المثنى قال ثنا عبد الوهاب ثنا أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق
3- أبو يعلى
حدثنا موسى بن حيان البصري قال حدثنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق
شرح فيض القدير الامام محمد عبد الرؤوف المناوي(10/36)
(من أحيا أرضاً ميتة) أي لا مالك لها يقال أحيا الأرض يحييها إحياءاً إذا أنشأ فيها أثراً، وهذا يدل على أنه اختص بها تشبيهاً للعمارة في الأرض الموات بإحياء حيوان ميت والأرض الميتة والموات التي لا عمارة فيها ولا أثر عمارة فهي على أصل الخلقة وإحياؤها إلحاقها بالعامر المملوك (فهي له) أي يملكها بمجرد الإحياء وإن لم يأذن الإمام عند الشافعي حملاً للخبر على التصرف بالفتيا لأنه أغلب تصرفات النبي صلى اللّه عليه وسلم وحمله أبو حنيفة على التصرف بالإمامة العظمى فشرط إذن الإمام وخالفه صاحباه (وليس لعرق) بكسر العين وسكون الراء (ظالم حق) بإضافة عرق إلى ظالم فهو صفة لمحذوف تقديره لعرق رجل ظالم والعرق أحد عروق الشجر أي ليس لعرق من عروق ما غرس بغير حق بأن غرس في ملك الغير بغير إذن معتبر حق وروي مقطوعاً عن الإضافة بجعل الظلم صفة للعرق نفسه على سبيل الاتساع كأن العرق بغرسه صار ظالماً حتى كأن الفعل له. قال ابن حجر: وغلط الخطابي من رواه بالإضافة وقال ابن شعبان في الزاهر: العروق أربعة عرقان ظاهران وعرقان باطنان فالظاهران البناء والغراس والباطنان الآبار والعيون.
- (حم د) في الخراج (ت) في الأحكام وكذا النسائي في الإحياء خلافاً لما يوهمه صنع المصنف من تفرد ذينك به من بين الستة (والضياء) في المختارة (عن سعيد بن زيد) ورواه عنه أيضاً البيهقي في البيع قال الترمذي: حسن غريب
,وقال في حديث جابر
أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا أبو خيثمة حدثنا يحيى القطان عن هشام بن عروة حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج قال سمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة فله أجر وما أكلت العافية فله بها أجر(10/37)
(من أحيا أرضاً ميتة) بالتشديد. قال العراقي: لا التخفيف لأنه إذا خفف حذف منه تاء التأنيث والميتة والموات أرض لم تعمر قط ولا هي حريم لمعمور. قال القاضي: الأرض الميتة الخراب التي لا عمارة بها وإحياؤها عمارتها شبهت عمارة الأرض بحياة الأبدان وتعطلها وخلوها عن العمارة بفقد الحياة وزوالها عنها (فله فيها أجر) قال القاضي: ترتب الملك على مجرد الإحياء وإثباته لمن أحيا على العموم دليل على أن مجرد الإحياء كاف في التمكن ولا يشترط فيه إذن السلطان، وقال أبو حنيفة: لا بد منه (وما أكلت العافية) أي كل طالب رزق آدمياً أو غيره (منها فهو له صدقة) استدل به ابن حبان على أن الذمي لا يملك الموات لأن الأجر ليس إلا للمسلم وتعقبه المحب الطبري بأن الكافر يتصدق ويجازى به في الدنيا قال ابن حجر: والأول أقرب للصواب وهو قضية الخبر إذا إطلاق الأجر إنما يراد به الأخروي.
- (حم ن) في الإحياء (عب والضياء) المقدسي كلهم من حديث عبيد اللّه بن عبد الرحمن (عن جابر) بن عبد اللّه وصرح ابن حبان بسماع هشام بن عروة منه وسماعه من جابر
وذكره البخاري في كتاب المزارعة باب: من أحيا أرضا مواتا قال:
ورأى ذلك علي في أرض الخراب بالكوفة موات.
وقال عمر: من أحيا أرضا ميتة فهي له، ويروى عن عمر وابن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (في غير حق مسلم، وليس لعرق ظالم فيه حق).
ويروى فيه عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق).
قال عروة: قضى به عمر رضي الله عنه في خلافته.
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله(10/38)
-قوله باب من أحيا أرضا مواتا بفتح الميم والواو الخفيفة قال القزاز الموات الأرض التي لم تعمر شبهت العمارة بالحياة وتعطيلها بفقد الحياة واحياء الموات أن يعمد الشخص لأرض لا يعلم تقدم ملك عليها لأحد فيحيها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء فتصير بذلك ملكه سواء كانت فيما قرب من العمران أم بعد سواء أذن له الإمام في ذلك أم لم يأذن وهذا قول الجمهور وعن أبي حنيفة لا بد من إذن الإمام مطلقا وعن مالك فيما قرب وضابط القرب ما بأهل العمران إليه حاجة من رعي ونحوه واحتج الطحاوي للجمهور مع حديث الباب بالقياس على ماء البحر والنهر وما يصاد من طير وحيوان فإنهم اتفقوا على أن من أخذه أو صاده يملكه سواء قرب أم بعد سواء أذن الإمام أو لم يأذن(10/39)
-قوله ورأى علي ذلك في أرض الخراب بالكوفة كذا وقع للأكثر وفي رواية النسفي في أرض الكوفة مواتا قوله وقال عمر من أحيا أرضا ميتة فهي له وصله مالك في الموطأ عن بن شهاب عن سالم عن أبيه مثله وروينا في الخراج ليحيى بن آدم سبب ذلك فقال حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال كان الناس يتحجرون يعني الأرض على عهد عمر فقال من أحيا أرضا فهي له قال يحيى كأنه لم يجعلها له بمجرد التحجير حتى يحييها قوله ويروي عن عمر بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم أي مثل حديث عمر هذا قوله وقال فيه في غير حق مسلم وليس لعرق ظالم حق وصله إسحاق بن راهويه قال أخبرنا أبو عامر العقدي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف حدثني أبي أن أباه حدثه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من أحيا أرضا مواتا من غير أن يكون فيها حق مسلم فهي له وليس لعرق ظالم حق وهو عند الطبراني ثم البيهقي وكثير هذا ضعيف وليس لجده عمرو بن عوف في البخاري سوى هذا الحديث وهو غير عمرو بن عوف الأنصاري البدري الآتي ... وليس له أيضا عنده غيره ووقع في بعض الروايات وقال عمر وابن عوف على أن الواو عاطفة وعمر بضم العين وهو تصحيف وشرحه الكرماني ثم قال فعلى هذا يكون ذكر عمر مكررا وأجاب بأن فيه فوائد كونه تعليقا بالجزم والآخر بالتمريض وكونه بزيادة والآخر بدونها وكونه مرفوعا والأول موقوف ثم قال والصحيح أنه عمرو بفتح العين قلت فضاع ما تكلفه من التوجيه ولحديث عمرو بن عوف المعلق شاهد قوي أخرجه أبو داود من حديث سعيد بن زيد وله من طريق بن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه مثله مرسلا وزاد قال عروة فلقد خبرني الذي حدثني بهذا الحديث أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها وفي الباب عن عائشة أخرجه أبو داود الطيالسي وعن سمرة عند أبي داود والبيهقي وعن عبادة وعبد الله بن عمرو عند(10/40)
الطبراني وعن أبي أسيد عند يحيى بن آدم في كتاب الخراج وفي أسانيدها مقال لكن يتقوى بعضها ببعض قوله لعرق ظالم في رواية الأكثر بتنوين عرق وظالم نعت له وهو راجع إلى صاحب العرق أي ليس لذي عرق ظالم أو إلى العرق أي ليس لعرق ذي ظلم ويروي بالإضافة ويكون الظالم صاحب العرق فيكون المراد بالعرق الأرض وبالاول جزم مالك والشافعي والازهري وابن فارس وغيرهم وبالغ الخطابي فغلط رواية الإضافة قال ربيعة العرق الظالم يكون ظاهرا ويكون باطنا فالباطن ما احتفره الرجل من الآبار أو استخرجه من المعادن والظاهر ما بناه أو غرسه وقال غيره الظالم من غرس أو زرع أو بني أو حفر في أرض غيره بغير حق ولا شبهة قوله ويروي فيه أي في الباب أو الحكم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وصله أحمد قال حدثنا عباد بن عباد حدثنا هشام عن عروة عن وهب بن كيسان عن جابر فذكره ولفظ من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر وما أكلت العوافي منها فهو له صدقة وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن هشام بلفظ من أحيا أرضا ميتة فهي له وصححه وقد اختلف فيه على هشام فرواه عنه عباد هكذا ورواه يحيى القطان وأبو ضمرة وغيرهما عنه عن أبي رافع عن جابر ورواه أيوب عن هشام عن أبيه عن سعيد بن زيد ورواه عبد الله بن إدريس عن هشام عن أبيه مرسلا واختلف فيه على عروة فرواه أيوب عن هشام موصولا وخالفه أبو الأسود فقال عن عروة عن عائشة كما في هذا الباب ورواه يحيى بن عروة عن أبيه مرسلا كما ذكرته من سنن أبي داود ولعل هذا هو السر في ترك جزم البخاري به تنبيه استنبط بن حبان من هذه الزيادة التي في حديث جابر وهي قوله فله فيها أجر أن الذمي لا يملك الموات بالإحياء واحتج بأن الكافر لا أجر له وتعقبه المحب الطبري بأن الكافر إذا تصدق يثاب عليه في الدنيا كما ورد به الحديث فيحمل الأجر في حقه على ثواب الدنيا وفي حق المسلم على ما هو أعم من ذلك وما قاله محتمل إلا أن الذي قاله بن حبان أسعد بظاهر(10/41)
الحديث ولا يتبادر إلى الفهم من إطلاق الأجر إلا الأخروي
- قوله عن عبيد الله بن أبي جعفر هو المصري ومحمد بن عبد الرحمن شيخه هو أبو الأسود يتيم عروة ونصف الإسناد الأعلى مدنيون ونصفه الآخر مصريون قوله من أعمر بفتح الهمزة والميم من الرباعي قال عياض كذا وقع والصواب عمر ثلاثيا قال الله تعالى {وعمروها أكثر مما عمروها }إلا أن يريد أنه جعل فيها عمارا قال بن بطال ويمكن أن يكون أصله من اعتمر أرضا أي اتخذها وسقطت التاء من الأصل وقال غيره قد سمع فيه الرباعي يقال أعمر الله بك منزلك فالمراد من أعمر أرضا بالإحياء فهو أحق به من غيره وحذف متعلق أحق للعلم به ووقع في رواية أبي ذر من أعمر بضم الهمزة أي أعمره غيره وكأن المراد بالغير الإمام وذكره الحميدي في جمعه بلفظ من عمر من الثلاثي وكذا هو عند الإسماعيلي من وجه آخر عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه قوله فهو أحق زاد الإسماعيلي فهو أحق بها أي من غيره قوله قال عروة هو موصول بالإسناد المذكور إلى عروة ولكن عروة عن عمر مرسلا لأنه ولد في آخر خلافة عمر قاله خليفة وهو قضية قول بن أبي خيثمة أنه كان يوم الجمل بن ثلاث عشرة سنة لأن الجمل كان سنة ست وثلاثين وقتل عمر كان سنة ثلاث وعشرين وروى أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال رددت يوم الجمل استصغرت قوله قضى به عمر في خلافته قد تقدم في أول الباب موصولا إلى عمر وروينا في كتاب الخراج ليحيى بن آدم من طريق محمد بن عبيد الله الثقفي قال كتب عمر بن الخطاب من أحيا مواتا من الأرض فهو أحق به وروى من وجه آخر عن عمرو بن شعيب أو غيره أن عمر قال من عطل أرضا ثلاث سنين لم يعمرها فجاء غيره فعمرها فهي له وكأن مراده بالتعطيل أن يتحجرها ولا يحوطها ببناء ولا غيره وأخرج الطحاوي الطريق الأولى أتم منه بالسند إلى الثقفي المذكور قال خرج رجل من أهل البصرة يقال له أبو عبد الله إلى عمر فقال أن بأرض البصرة أرضا لا تضر بأحد من المسلمين(10/42)
وليست بأرض خراج فإن شئت أن تقطعنيها أتخذها قضبا وزيتونا فكتب عمر إلى أبي موسى أن كانت كذلك فأقطعها إياه
+++++
1- حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق
قال مالك والعرق الظالم كل ما احتفر أو أخذ أو غرس بغير حق
2-وحدثني مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه ان عمر بن الخطاب قال من أحيى ارضا ميتة فهي له
قال مالك وعلى ذلك الأمر عندنا مالك في الموطأ باب القضاء في عمارة الموات
3-أخبرنا سليمان بن الحسن العطار بالبصرة حدثنا هدبة بن خالد القيسي حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عبد الله بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر وما أكلت العافية فهو له صدقة ابن حبان
ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن عبد الله بن عبد الرحمن هذا مجهول لا يعرف ولا يعلم له سماع من جابر
4-أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا أبو خيثمة حدثنا يحيى القطان عن هشام بن عروة حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج قال سمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة فله أجر وما أكلت العافية فله بها أجر
ذكر إعطاء الله جل وعلا الأجر للمسلم إذا أحيى أرضا ميتة مع كتبة الصدقة له بما تأكل العافية منها
5-أخبرنا سليمان بن الحسن بن يزيد بن المنهال بن أخي الحجاج بن منهال بالبصرة حدثنا هدبة بن خالد القيسي حدثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحيى أرضا ميتة فله فيها أجر وما أكلت العافية منها فهو له صدقة
قال أبو حاتم رضى الله تعالى عنه في هذا الخبر دليل صحيح على أن الذمي إذا أحيى أرضا ميتة لم تكن له لأن الصدقة لا تكون إلا للمسلم
ذكر الخبر الدال على أن الذمي إذا أحيى أرضا ميتة لم تكن له(10/43)
6- أخبرنا محمد بن علان بأذنة حدثنا محمد بن يحيى الزماني حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحيى أرضا ميتة فهي له وما أكلت العوافي منها فهو له صدقة
قال أبو حاتم لما قال صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر وما أكلت العوافي منها فهو له صدقة كان فيه أبين البيان بأن الخطاب ورد في هذا الخبر للمسلمين دون غيرهم وأن الذمي لم يقع خطاب الخبر عليه وأنه إذا أحيى الموات لم يكن له ذلك إذ الصدقة لا تكون إلا للمسلمين وقد سمع هشام بن عروة هذا الخبر من وهب بن كيسان وعبد الله بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج عن جابر بن عبد الله وهما طريقان محفوظان وطلاب الرزق يسمون العافية قاله أبو حاتم رحمه الله
باب ما ذكر في إحياء أرض الموات.
7-- حدثنا محمد بن بشار. حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله،
- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من أحيى أرضا ميتة فهي له".
هذا حديث حسن صحيح.
وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلا. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو قول أحمد وإسحاق. قالوا: له أن يحيي الأرض الموات بغير إذن السلطان. وقال بعضهم ليس له أن يحييها إلا بإذن السلطان والقول الأول أصح.
وفي الباب عن جابر وعمرو بن عوف المزني جد كثير وسمرة.
8- حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال:
- سألت أبا الوليد الطياليسي عن قوله (وليس لعرق ظالم حق) فقال: العرق الظالم: الغاصب الذي يأخذ ما ليس له. قلت: هو الرجل الذي يغرس في أرض غيره؟ قال: هو ذاك.
الترمذي
9-حدثنا أحمد بن عبدة الآمليُّ، ثنا عبد اللّه بن عثمان، ثنا عبد اللّه بن المبارك، أخبرنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن عروة قال: أشهد أن رسول اللّه(10/44)
صلى اللّه عليه وسلم قضى أن الأرض أرض اللّه، والعباد عباد اللّه، ومن أحيا مواتاً فهو أحق به،
جاءنا بهذا عن النبيِّ صلى اللّه عليه وسلم الذين جاءوا بالصلوات عنه.
10ـ حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا محمد بن بشر، ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "من أحاط حائطاً على أرضٍ فهي له".
11ـ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك، قال هشام: العِرقُ الظالم أن يغرس الرجل في أرض غيره فيستحقها بذلك،
قال مالك: والعرق الظالم كل ما أخذ واحتفر وغرس بغير حق.
باب في إحياء الموات
12ـ حدثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الوهاب، ثنا أيوب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن سعيد بن زيد، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "من أحيا أرضاً ميتةً فهي له، وليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ".
أبو داود
باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد ولا في حق أحد فهي له
13- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم الهاشمي ثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد ثنا محمد بن خلاد ثنا الليث بن سعد أبو الحارث حدثني عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من عمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها
قال عروة قضى بذلك عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه في خلافته رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير عن الليث
14- وأخبرنا أبو علي ثنا أبو بكر ثنا أبو داود ثنا أحمد بن عبدة ثنا عبد الله بن عثمان ثنا عبد الله بن المبارك أنبأ نافع بن عمر عن بن أبي مليكة عن عروة قال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الأرض أرض الله والعباد عباد الله ومن أحيا مواتا فهو أحق به
جاءنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين جاؤونا بالصلوات عنه(10/45)
15- أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس الأصم ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا يحيى بن آدم ثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أحيا مواتا من الأرض فهي له وليس لعرق ظالم حق
16- قال وحدثنا يحيى بن آدم ثنا عبد الله بن إدريس عن هشام بن عروة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة فهو أحق بها وليس لعرق ظالم حق
قال وقال هشام العرق الظالم أن يأتي مال غيره فيحفر فيه
17- وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس محمد ثنا الحسن ثنا يحيى بن آدم ثنا أبو شهاب عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة لم تكن لأحد قبله فيه له وليس لعرق ظالم حق
قال فلقد حدثني صاحب هذا الحديث أنه أبصر رجلين من بياضة يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أجمة لأحدهما غرس فيها الآخر نخلا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله عنه قال فلقد رايته يضرب في أصول النخل بالفؤوس وأنه لنخل عم قال يحيى بن آدم والعم قال بعضهم الذي ليس بالقصير ولا بالطول وقال بعضهم العم القديم وقال بعضهم الطويل قال الشيخ وقد روي عن محمد بن إسحاق بن يسار أنه قال العم الشباب
18- أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة أنبأ أبو العباس محمد بن إسحاق بن أيوب الصبغي ثنا الحسن بن علي بن زياد ثنا بن أبي أويس حدثني كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحيا مواتا من الأرض في غير حق مسلم فهو له وليس لعرق ظالم حق(10/46)
19- أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز ثنا عبد الملك بن محمد ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاط على شيء فهو أحق به وليس لعرق ظالم حق
20- أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ أبو بكر بن داسه ثنا أبو داود ثنا محمد بن بشار حدثني عبد الحميد بن عبد الواحد حدثتني أم جنوب بنت نميلة عن أمها سويدة بنت جابر عن أمها عقيلة بنت أسمر بن مضرس عن أبيها أسمر بن مضرس قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته فقال من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له
قال فخرج الناس يتعادون يتخاطون
باب من أحيا أرضا ميتة فهي له بعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم دون السلطان
21- أخبرنا أبو بكر بن فورك أنبأ عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا زمعة عن الزهري عن عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العباد عباد الله والبلاد بلاد الله فمن أحيا من موات الأرض شيئا فهو له وليس لعرق ظالم حق
22- وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ الربيع بن سليمان أنبأ الشافعي أنبأ مالك عن هشام عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق
23- قال وأنبأ مالك عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر قال من أحيا أرضا ميتة فهي له
باب لا يترك ذمي يحييه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها لمن أحياها من المسلمين(10/47)
24- أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوي وعبد الواحد بن محمد بن النجار بالكوفة قالا أنبأ أبو جعفر بن دحيم ثنا إبراهيم بن إسحاق ثنا قبيصة عن سفيان عن ابن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحيا ميتا من موتان الأرض فله رقبتها وعادي الأرض لله ولرسوله ثم لكم من بعدي ورواه هشام بن حجير عن طاوس فقال ثم هي لكم مني
25- وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس الأصم أنبأ الحسن بن علي بن عفان ثنا يحيى بن آدم ثنا محمد بن فضيل عن ليث عن طاوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عادي الأرض لله ولرسوله ثم لكم من بعد فمن أحيا شيئا من موتان الأرض فله رقبتها
26- وبه قال حدثنا يحيى بن آدم ثنا بن إدريس عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال إن عادي الأرض لله ولرسوله ولكم من بعد فمن أحيا شيئا من موتان الأرض فهو أحق به
27- وأخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد الصفار ثنا بن ناجية ثنا أبو كريب ثنا معاوية ثنا سفيان عن بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم موتان الأرض لله ولرسوله فمن أحيا منها شيئا فهي له تفرد به معاوية بن هشام مرفوعا موصولا
باب ليس لعرق ظالم حق
28- أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس الأصم ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا يحيى بن آدم ثنا عبد الرحيم عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق
قال فاختصم رجلان من بياضة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها قال قال عروة فلقد أخبرني الذي حدثني قال رأيتها وانه ليضرب في أصولها بالفؤوس وإنه لنخل عم حتى أخرجت(10/48)
29- وأخبرنا أبو سعيد ثنا أبو العباس ثنا الحسن ثنا يحيى بن آدم ثنا أبو شهاب عن محمد بن إسحاق فذكره بمعناه إلا أنه قال فلقد حدثني صاحب هذا الحديث أنه أبصر رجلين من بياضة يختصمان فذكره
30- وأخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا أحمد بن سعيد الدارمي ثنا وهب عن أبيه عن بن إسحاق بإسناده ومعناه إلا أنه قال عند قوله مكان الذي حدثني هذا فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأكبر ظني أنه أبو سعيد الخدري فأنا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل
البيهقي
31-ثنا أحمد بن إسحاق بن بهلول نا أبي نا يعلى عن محمد بن إسحاق عن يحيى وهشام ابني عروة عن عروة أن رجلين من الأنصار اختصما في أرض غرس أحدهما فيها نخلا والأرض للآخر فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض لصاحبها وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله ، وقال من أحيا أرضا ميتة فهي لمن أحياها وليس لعرق ظالم حق
قال : فلقد أخبرني الذي حدثني بهذا الحديث أنه رأى النخل وهي عم تقلع أصولها بالفؤس قال ابن إسحاق العم الشباب وليس لعرق ظالم حق قال أن تأتي أرض غيرك فتزرع فيها
32-نا أحمد بن عيسى بن علي الخواص نا أحمد بن عبيد بن ناصح نا أبو داود نا زمعة عن الزهري عن عروة عن عائشة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : البلاد بلاد الله والعباد عباد الله ومن أحيى من موات الأرض شيئا فهو له وليس لعرق ظالم حق
الدارقطني
أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق
أخبرنا مالك عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر رضى الله تعالى عنه قال من أحيا أرضا ميتة فهي له
الشافعي
من قال : إذا أحيا أرضا فهى له
( 1 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : كان الناس يتحجرون على عهد عمر فقال : من أحياء أرضا فهي له .(10/49)
( 2 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن محمد بن عبيد الثقفي قال : كتب عمر أنه من أحيا مواتا فهو أحق به .
( 3 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا بن عروة عن ابن أبي رافع عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر ، وما أكلت العافية فهو له صدقة " .
( 4 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا هشام عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحياء أرضا ميتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حق " . = احيا أرضا مواتا أي كانت بورا ولا مالك لها فاستصلحها وزرعها -العافية : الحيوانات البرية التي لا تدجن . - العرق الظالم : النبتة أو الشجرة تزرع في أرض لها مالك لادعاء استصلاح الارض وتملكها دون وجه حق .
( 5 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا جرير عن ليث عن أبي بكر بن حفص يرفعه قال : من أحياء أرضا على وعرة من المصر فله رقبتها إلى ما يصيب فيها من الاجر
( 6 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا معتمر بن سليمان عن ليث عن طاوس قال : من أحيا شيئا من موتان الارض فله رقبتها .
( 7 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا ابن إدريس عن ليث عن طاوس عن ابن عباس مثل حديث معتمر .
( 8 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحياء أرضا ميتة فله رقبتها
( 9 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا إسحاق الازرق عن هشام عن الحسن قال : من أحيا أرضا مواتا لم تكن لاحد قبله فهي له ، قال هشام : وكتب بذلك عمر بن عبد العزيز .
( 10 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا عبدة بن سليمان عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أحاط حائطا على أرض فهي له " .
- له رقبتها : له حق ملكيتها واستثمارها ابن أبي شيبة(10/50)
إن الحمد لله نحمده تعالى حمد الفقراء إليه هو ربنا الغني الحميد، ونشكر له شكر السائلين من فضله المزيد، شاهدين أنه الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد بيده الخير وإليه المصير، وهو على كل شيء قدير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأن سيدنا محمدا عبده ونبيه ورسوله ،صلى الله عليه وملائكته والمؤمنون- سماه البشير النذير ، واصطفى له من عباده صحابة عدولا أوفياء حملوا راية الدين عالية، مجاهدين معه بالنفس والمال حتى بشر منهم عشرة بالجنة العالية، رضي الله عنهم وعن الباقين – نسأل الله العلي الكبير أن يجعلنا على دربهم نسير وأن يحشرنا في زمرتهم بفضله ومنه وكرمه عند حوض النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم.
أما بعد
فهذا كتاب جمعت فيه ما يسر الله لي حول العشرة المبشرين وهو كما يلي:
1-مقدمة حديثية أثرية مما فيه حث على محبة الصحابة وتوقيرهم من الرياض النضرة للطبري
2-نبذة عن كل صحابي جليل من العشرة أخذتها من معجم الطبراني الكبير وصفة الصفوة لابن الجوزي
3-أتبعت كل واحد بأربعة أحاديث مما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأردفت كل حديث بشرحه من فتح الباري لابن حجر والمنهاج للنووي مع زيادات من فيض القدير للمناوي
وسميته اليواقيت العشرية من كلام خير البرية - صلى الله عليه وسلم -
أسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به ،كما أدعو الله للقائمين على موقع "صيد الفوائد "أن يتقبل صالح أعمالهم وأن يجزيهم خير الجزاء وأوفاه على ما ينشرونه من نافع العلم..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* مقدمة حديثية أثرية
الرياض النضرة-أبو جعفر أحمد بن عبد الله الطبري
-1- عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصفيه(11/1)
-2- وعن عبد الرحمن بن سالم بن عبد الله بن عويمر بن ساعدة عن أبيه عن جده قال قال صلى الله عليه وسلم "إن الله اختارني واختار لي أصحاباً فجعل لي منهم وزراء وأصهاراً وأنصاراً فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً
-3- وعن ابن عباس في قوله تعالى "قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى" قال هم أصحاب محمد اصطفاهم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم
-4- السري وعن مسروق قال قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك لو قدمت رفعت فوقنا فلم نرك قال فأنزل الله تعالى وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء : 69 )
-5- وعن سعيد بن المسيب عن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سألت ربي عز وجل فيما اختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى الله إلي يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضها أضوأ من بعض فمن أخذ بشيء فيما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على عهدي
-6- وعن جابر بن سمرة قال جاءنا عمر بالجابية فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في مثل مقامي هذا فقال "أحسنوا إلى أصحابي ثم الذين يلونهم
-7- وعن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب خطبهم بالجابية وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أكرموا أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"
-8- وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحسن القول في أصحابي فقد برئ من النفاق ومن أساء القول في أصحابي كان مخالفاً لسنتي ومأواه النار وبئس المصير"(11/2)
-9- وعن عبد الرحيم بن زيد العمي قال أضخبرني أبي قال أدركت أربعين شيخاً من التابعين كلهم حدثونا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أحب جميع أصحابي وتولاهم واستغفر لهم جعله الله يوم القيامة معهم في الجنة
-10- وعن عبد الله بن معقل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً من بعدي من أحبهم فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه
وقال "من أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم
-11- عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " معاشر المسلمين لو عبدتم الله حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتاد وصليتم حتى يقف الركب منكم ثم أبغضتم واحداً من أصحابي العشرة لأكبكم الله في النار على مناخركم" أخرجه أبو سعد في شرف النبوة.
العشرة
صلاة ربي دائماً والطيبين البررة ... على النبي المصطفى وآله والعشرة
فآله من فاطم ومن أخيه حيدرة ... وشيبة الحمد لهم أصل أطاب الثمرة
وبعدهم عثمان من عبد مناف الخيرة ... ومن قصي لحق الزبيرة مردي الكفرة
سعد المفدى من كلاب وابن عوف آزره ... صديقنا وطلحة من مرة ما أشهره
فاروقنا من كعبهم سعيد يقفو أثره ... وعامر الأمين من فهر كمال العشرة
-12- عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة و أبو عبيدة بن الجراح في الجنة" أخرجه أحمد والترمذي والبغوي في المصابيح في(11/3)
-13- وعن سعيد بن زيد أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عشرة في الجنة : أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان وعلي والزبير و طلحة و عبد الرحمن بن عوف و أبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص فعد هؤلاء التسعة وسكت عن العاشر فقال القوم : ننشدك الله يا أبا الأعور من العاشر قال نشدتموني بالله أبو الأعور في الجنة" أخرجه الترمذي وقال قال أبوعبد الله يعني البخاري هو أصح من الحديث الأول يعني حديث عبد الرحمن
-14-وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عشرة من قريش في الجنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك وأبو عبيدة بن الجراح"
قال سعيد بن المسيب ورجل آخر لم يسمه كانوا يرون أنه عنى نفسه
-15- وعن أبي ذر قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل عائشة فقال "يا عائشة ألا أبشرك قالت بلى يا رسول الله قال أوك في الجنة ورفيقه إبراهيم وعمر في الجنة ورفيقه نوح وعثمان في الجنة ورفيقه أنا وعلي في الجنة ورفيقه يحيى بن زكريا وطلحة في الجنة ورفيقه داود والزبير في الجنة ورفيقه إسماعيل وسعد بن أبي وقاص في الجنة ورفيقه سليمان بن داود عليه السلام وسعيد بن زيد في الجنة ورفيقه موسى بن عمران وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ورفيقه عيسى بن مريم وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ورفيقه إدريس عليه السلام ثم قال يا عائشة أنا سيد المرسلين وأبوك أفضل الصديقين وأنت أم المؤمنين"(11/4)
-16-عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأقواهم في دين الله عمر وأشدهم حياء عثمان وأقضاهم علي بن أبي طالب ولكل نبي حواري وحواريي طلحة والزبير وحيث ما كان سعد بن أبي وقاص كان الحق معه وسعيد بن زيد من أحباء الرحمن وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن وأبو عبيدة بن الجراح أمين الله وأمين رسوله ولكل نبي صاحب سر وصاحب سري معاوية بن أبي سفيان فمن أحبهم فقد نجا ومن أبغضهم فقد هلك
-17 عن علي رضي الله عنه أنه لما قرأ "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى قال أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان إلى تمام العشرة ذكره أبو الفرج في أسباب النزول.
-18- عن سهل بن مالك عن أبيه عن جده قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال "يا أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا له ذلك يا أيها الناس إني راض عن عمر وعثمان وعلي وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن مالك وعبد الرحمن بن عوف والمهاجرين الأولين فاعرفوا لهم ذلك**
قلت فيهم وأستغفر الله العلي العظيم لتقصيري في حق هؤلاء الابرار السابقين الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة عبده ونبيه ورسوله الأكرم- صلى الله عليه وسلم - فجاهدوا في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم حتى أظهر الله دينه ثم بلغوا ما حفطوا من كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم - بإخلاص وصدق وأمانة رضي الله عنهم وأرضاهم وجزاهم عن المسلمين من أولهم إلى آخرهم خير الجزاء وأوفره...نسأل الله البر الرحيم أن يجعلنا ممن اقتفى آثارهم وأن يحشرنا في زمرتهم تحت لواء سيد الأولين والآخرين يوم الدين إنه قريب مجيب.. آمين.
أيا سائلي عن عشْرة هم نجومُنا أناروا لنا دربَ الهدى ، هم عيونُنا
رضى الله نالوا حيث كانوا مُهاجرهْ إلى جنْب خيرالناس ، فمنهم علومنا(11/5)
ومنهم رحيقَ الشُّرب نسقي ونرتوي فقيل بحبّ الجمع تُشفى قلوبُنا
عتيقٌ علوٌّ عينُه بعدها تاءُ تقيّ فياءٌ لليمين تسوقُنا
وقافٌ من القلب الرحيم معينها بترياقه الشافي تزول سقامُنا
وفىٌّ وصدّيق تسامت فضائلُهْ علا تاجها غارا أتاه نبيُّنا
خليفة خير الخلق أعلى لواءنا إمامٌ يصلي بالصحاب إمامُنا
وعيْن أبي حفص من العدل نازلهْ كسيْل رقيق ذي صفاء يروقُنا
وميمٌ من المجد الرفيع تزيّنت لراءٍ كقوسٍ عانقتْه سهامُنا
أعزّ الإلُه الدين أعلاه ساطعا فبان بفاروقٍ نجلُّه كلُّنا
وفي عين ذي النورين عونٌ لعسرةٍ أتت فانجلتْ،والنصرَ تهوى رماحُنا
وثاءُ ثباتٍ بعدها ميمُ مكرُمهْ لكل سموٍّ مستنيرٍ تقودُنا
على متن حرفٍ شامخٍ ألفٌ أتى يُنير جبيناً من علاهُ عُلوُّنا
ونونٌ من النور البديع سراجها يُضيء دروباً ترتضيها أسودُنا
وعينُ أبي الريْحانتيْن عليُّنا علومٌ سقتْ نهجاً بليغاً يسرُّنا
ولامٌ من اللطف الجميل تشامخت فدلَّت قطوفاً تشتهيهاعقولُنا
تُرى من بعيدٍ قد تعالت فروعُها وفي ظلها ياءٌ بيُسرٍ تحوطُنا
جوادٌ وفيّاضٌ وخيرٌ، وطاؤهُ تفوح بطيبٍ تبتغيه نفوسُنا
علا لامَه البيضاءَ نورٌ شعاعُهُ لحاءِ حياة العزّ جاء يريدُنا
وتاءٌ كهاءٍ عند سكتٍ أتتْ هنا كختمٍ على صدقِ الرجال يدلُّنا
وذا سادس القوم الكرام بزايهِ تزلزلت اعداء علتْهم سيوفُنا
حواريُّ خير الرُّسْل باؤه بيَّضت وجوهاً كأقمارٍ عَوالٍ تنيرُنا
وياءٌ فراءٌ بعدها قد تقاطرت بيُمنٍ وروْحٍ ، بالرحيق تمُدُّنا
لأوّل سيفٍ سُلّ يُهدى سلامُنا زُبَيرٌ متى يُذكرْ تُجبْهُ صدورُنا
وسابع أقمارٍ أضاءت سماءنا سخيٌّ كريمٌ من سناهُ سناؤُنا
فذاك ابنُ عوفٍ خير من أنفق الذهبْ لتجهيز جُند الله ،حيّاه ربُّنا
وخال النبيّ المصطفى سينُه سهمٌ رماهُ فحاز السبقَ ، تفديه روحُنا
بعينه نِلنا عزةً وبداله دعانا فسِرنا في ركاب تُعزُّنا
وسينٌ لبذرِ السعد كان جهادهُ فيا سعدَ من تُهدى إليه دماؤُنا(11/6)
وعينٌ علتْ منها علومٌ بَواسقُ كثمرٍ تداوَت من دواهُ عروقُنا
وياءٌ ليُسرى يسَّرتنا ودالهُ دنُوّاً من الرحمن جاء يُعيرُنا
أمينٌ على سرّ النبي تمامُهم بذكر ابنِ جرّاح تُداوى جِراحُنا
أبي ثم أمي والبنون فِداهمُ همُ الناسُ فاقرأْ ما حكاهُ كتابُنا
تجدْهم بالرضوان أتى ذكرُ جمعِهم فيا فوْز مَن عنهم ترضّى إلاهُنا(11/7)