10 أبو عبيدة بن الجراح
رضي الله عنه
نِسْبَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
-َدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَلِيٍّ الْمَدِينِيُّ فُسْتُقَةُ ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن عَلِيِّ بن يَزِيدَ الصُّدَائِيُّ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن إِبْرَاهِيمَ بن سَعْدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : أَبُو عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ هُوَ عَامِرُ بن عَبْدِ اللَّهِ بن الْجَرَّاحِ بن هِلالِ بن وُهَيْبِ بن ضَبَّةَ بن الْحَارِثِ بن فِهْرٍ ، لَمْ يُعَقِّبْ ، وَأُمُّ أَبِي عُبَيْدَةَ : أُمُّ غَنْمٍ بنتُ جَابِرِ بن عَبْدِ بن الْعَلاءِ بن عَامِرِ بن عَمِيرَةَ بن وَدِيعَةَ بن الْحَارِثِ بن فِهْرٍ .
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ ، قَالَ : جَعَلَ أَبُو أَبِي عُبَيْدَةَ يَتَصَدَّى لأَبِي عُبَيْدَةَ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَجَعَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَحِيدُ عَنْهُ ، فَلَمَّا أَكْثَرَ ، قَصَدَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فَقَتَلَهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ هَذِهِ الآيَةَ حِينَ قَتَلَ أَبَاهُ : { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [المجادلة : 22 ] إِلَى آخِرِ الآيَةِ .(1/1)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَمْرِو بن خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، قَالَ : شَهِدَ بَدْرًا مِنْ بني الْحَارِثِ بن فِهْرٍ : أَبُو عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكِ بن حَرْبٍ ، عَنْ عِيَاضٍ الأَشْعَرِيِّ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : مَنْ يُرَاهِنُنِي ؟ ، فَقَالَ شَابٌّ : أَنَا ، إِنْ لَمْ تَغْضَبْ ، قَالَ : فَسَبَقَهُ فَلَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيصَتَيْ أَبِي عُبَيْدَةَ يَقْفِزَانِ ، وَهُوَ خَلْفَهُ عَلَى فَرَسٍ عَرَبِيٍّ .
سِنُّ أَبِي عُبَيْدَةَ وَوَفَاتُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ ، قَالَ : مَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فِي طَاعُونِ عَمْوَاسٍ ، سَنَةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً ، وَشَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَيُقَالُ صَلَّى عَلَيْهِ مُعَاذُ بن جَبَلٍ .(1/2)
حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بن بَهْرَامَ ، عَنْ شَهْرِ بن حَوْشَبٍ ، عَنِ الْحَارِثِ بن عَمِيرَةَ الْحَارِثِيِّ ، أَنَّ مُعَاذَ بن جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طُعِنَ ، فَجَعَلَ يُرْسِلُ الْحَارِثَ بن عَمِيرَةَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ يَسْأَلُهُ كَيْفَ هُوَ ؟ فَأَرَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ طَعْنَةً خَرَجَتْ فِي كَفَّهِ ، فَتَكَابرَ شَأْنُهَا فِي نَفْسِ الْحَارِثِ ، فَفَرَقَ مِنْهَا حِينَ رَآهَا ، فَأَقْسَمَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بِاللَّهِ مَا يُحِبُّ أَنَّ لَهُ بِهَا حُمُرَ النَّعَمِ .
حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عُثْمَانَ بن صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بن الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : كَانَتِ الشَّامُ عَلَى أَمِيرَيْنِ : عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ ، وَيَزِيدَ بن أَبِي سُفْيَانَ ، فَتُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ ، وَاسْتَخْلَفَ خَالُهُ عِيَاضُ بن غَنْمٍ أَحَدَ بني الْحَارِثِ بن فِهْرٍ ، فَأَقَرَّهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ثُمَّ تُوُفِّيَ عِيَاضٌ ، فَأَمَّرَ مَكَانَهَ سَعِيدَ بن عَامِرِ بن جُذَيْمٍ ، ثُمَّ تُوُفِّيَ سَعِيدُ بن عَامِرٍ فَأَمَّرَ مَكَانَهُ عُمَيْرَ بن سَعْدٍ .
وفي صفة الصفوة لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح
ابن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة.
وأسلم مع عثمان بن مظعون وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدرا والمشاهد كلها وثبت مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم من حلق المغفر فوقعت ثنيتاه فكان من احسن الناس هتما.
ذكر صفته رضي الله عنه(1/3)
-كان طوالا نحيفا اجنى معروق الوجه اثرم الثنيتين خفيف اللحية وكان له من الولد يزيد وعمير امهما هند بنت جابر فدرجا ولم يبق له عقب.
ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه
*عن أبي قلابة قال حدثني أنس بن مالك أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم قال أن لكل أمة امينا وان اميننا ايتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح.
*وعنه أن أهل اليمن لما قدموا على رسول الله. صلى الله عليه وسلم سألوه أن يبعث معهم رجلا يعلمهم السنة والإسلام فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح فقال هذا امين هذه الأمة.
*وعن شريح بن عبيد وراشد بن أسعد وغيرهما قالوا لما بلغ عمر بن الخطاب سرغ حدث أن بالشام وباء شديدا فقال بلغني شدة الوباء بالشام فقلت أن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته فان سألني الله عز وجل لم استخلفته على هذه الأمة قلت أني سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول أن لكل نبي أمينا وأميني أبو عبيدة بن الجراح فان أدركني اجلي وإذا توفي أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل فان سألني ربي عز وجل لم استخلفته قلت سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول أن يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء نبذة.
*وعن عمر بن الخطاب أنه قال لأصحابه تمنوا فقال رجل اتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا انفقته في سبيل الله عز وجل ثم قال تمنوا فقال رجل اتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا أو جوهرا أنفقه في سبيل الله عز وجل واتصدق به ثم قال تمنوا فقالوا ما ندري يا امير المؤمنين فقال عمر أتمنى لو أن هذا الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح.
* وعن هشام بن عروة عن أبيه قال لما قدم عمر الشام تلقاه الناس وعظماء أهل الأرض فقال عمر أين أخي قالوا من قال أبو عبيدة قالوا الآن يأتيك فلما أتاه نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله فقال له عمر إلا اتخذت أصحابك فقال يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقبل. رواه الإمام أحمد.(1/4)
*وعن أبي قتادة أن أبا عبيدة بن الجراح قال ما من الناس من احمر ولا اسود حر ولا عبد عجمي ولا فصيح اعلم أنه افضل مني بتقوى إلا أحببت أن أكون في مسلاخه.
وعن نمران بن مخمر عن أبي عبيدة بن الجراح أنه كان يسير في العسكر فيقول إلا رب مبيض لثياب مدنس لدينه إلا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة لعلت فوق سيئاته حتى تغمرهن.
ذكر وفاته رضي الله عنه
توفي أبو عبيدة في طاعون عمواس بالاردن وقبر ببيسان وصلى عليه معاذ بن جبل وذلك في سنة ثماني عشرة من خلافة عمر وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
الياقوتة 37
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا هشام عن واصل عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غطيف قال:
-دخلنا على أبي عبيدة نعوده قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبعمائة ومن أنفق على نفسه أو على أهله أو عاد مريضا أو ماز أذى عن طريق فهي حسنة بعشر أمثالها والصوم جنة ما لم يخرقها ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حطة روا ه أحمد
وأخرج هذا الحديث كل من:(1/5)
1-حدثنا أبو بكر محمد بن داود الزاهد ثنا عبد الله بن قحطة ثنا العباس بن عبد العظيم ثنا وهب بن جرير بن حازم ثنا أبي سمعت بشار بن أبي سيف يحدث عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غطيف قال دخلنا على أبي عبيدة بن الجراح نعوده وامرأته تحيفة جالسة عند رأسه وهو مقبل بوجهه على الجدار فقلنا لها كيف بات أبو عبيدة الليلة قالت بات بأجر فأقبل علينا بوجهه فقال إني لم أبت بأجر ثم قال ألا تسألوني عما قلت فقلنا ما أعجبنا ما قلت فنسألك عنه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أنفق نفقة في سبيل الله فبسبع مائة ومن أنفق على نفسه وأهله أو عاد مريضا أو ماز أذى فالحسنة بعشر أمثالها والصوم جنة ما لم يخرقها ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حطة الحاكم
2-وأخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي أنبأ أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم ثنا أحمد بن حازم أنبأ أبو غسان ثنا خالد بن عبد الله الواسطي أنبأ واصل مولى أبي عيينة عن بشار بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غطيف قال أتينا أبا عبيدة نعوده وعنده امرأة تحيفة قال فقلت كيف بات قالت بات بأجر قال أبو عبيدة ما بت بأجر قال فسكت القوم فقال ألا تسألوني عن الكلمة قالوا ما أعجبنا ما قلت فنسألك قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبع مائة ومن أنفق نفقة على أهله أو ماز أذى عن طريق فالحسنة عشر أمثالها والصوم جنة ما لم يخرقها ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فله به حطة خطيئة قال خالد يعني تحط عنه ذنوبه البيهقي(1/6)
3-حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء بن أخي جويرية حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا واصل مولى أبي عيينة عن أبي سيف الجرمي عن الوليد بن عبد الرحمن رجل من فقهاء الشام عن عياض بن عطيف قال دخلت على أبي عبيدة بن الجراح في مرضه وامرأته تحيفة جالسة عند رأسه وهو مقبل بوجهه على الجدار فقلت كيف بات أبو عبيدة فقالت بات بأجر فقال إني والله ما بت بأجر قال فكأن القوم ساءهم فقال ألا تسألوني عما قلت قالوا إنا لم يعجبنا ما قلت فكيف نسألك فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبع مائة ومن أنفق على عياله أو عاد مريضا أو ماز أذى فالحسنة بعشر أمثالها والصوم جنة ما لم يخرقها ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حطة أبو يعلى
4-يزيد بن هارون قال أخبرنا جرير بن حازم قال حدثنا بشار بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن أبي غطيف قال : دخلنا على أبي عبيدة بن الجراح فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من أنفق على أهله أو ماز أذى عن طريق فحسنة بعشر أمثالها ) ابي أبي شيبة
ووردت أطراف هذا الحديث من روابة غير أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
1------ من أنفق نفقة في سبيل الله
- حدثنا أبو كريب حدثنا حسينٌ الجعفي عن زائدة عن الركين بن الربيع عن أبيه عن يسير بن عميلة عن خريم بن فاتك قال: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له سبعمائة ضعف) .
وفي الباب عن أبي هريرة.
هذا حديثٌ حسنٌ إنما نعرفه من حديث الركين بن الربيع. الترمذي
أخبرنا أبو بكر بن أبي النضر قال حدثنا أبو النضر قال حدثنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان الثوري عن الكين الفزاري عن أبيه عن يسير بن عمرو عن خريم بن فاتك قال:
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف. النسائي
قال ابن حجر(1/7)
روى النسائي وصححه بن حبان من حديث خريم بالراء مصغر بن فاتك بفاء ومثناة مكسورة رفعه من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف قلت وهو موافق لقوله تعالى { (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة : 261 )}
وقال
...وقد قيل ان العمل الذي يضاعف الى سبعمائة خاص بالنفقة في سبيل الله وتمسك قائله بما في حديث خريم بن فاتك المشار اليه قريبا رفعه من هم بحسنة فلم يعملها فذكر الحديث وفيه ومن عمل حسنة كانت له بعشر أمثالها ومن أنفق نفقة في سبيل الله كانت له بسبعمائة ضعف وتعقب بأنه صريح في أن النفقة في سبيل الله تضاعف الى سبعمائة وليس فيه نفى ذلك عن غيرها صريحا ويدل على التعميم حديث أبي هريرة الماضي في الصيام كل عمل بن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف الحديث واختلف في قوله تعالى والله يضاعف لمن يشاء هل المراد المضاعفة الى سبعمائة فقط أو زيادة على ذلك فالأول هو المحقق من سياق الآية والثاني محتمل ويؤيد الجواز سعة الفضل
+حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يزيد أنبأنا المسعودي عن الركين بن الربيع عن رجل عن خريم بن فاتك قال:(1/8)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعمال ستة والناس أربعة فموجبتان ومثل بمثل وحسنة بعشر أمثالها وحسنة بسبعمائة فأما الموجبتان فمن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار وأما مثل بمثل فمن هم بحسنة حتى يشعرها قلبه ويعلمها الله منه كتبت له حسنة ومن عمل سيئة كتبت عليه سيئة ومن عمل حسنة فبعشر أمثالها ومن أنفق نفقة في سبيل الله فحسنة بسبعمائة وأما الناس فموسع عليه في الدنيا مقتور عليه في الآخرة ومقتور عليه في الدنيا موسع عليه في الآخرة ومقتور عليه في الدنيا والآخرة وموسع عليه في الدنيا والآخرة. أحمد
+حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-يقول الله عز وجل: من عمل حسنة فله عشر أمثالها أو أزيد ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو أغفر ومن عمل قراب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفرة ومن اقترب إلي شبرا اقتربت إليه ذراعا ومن اقترب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة. أحمد
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو معاوية ووكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل عمل ابن آدم يضاعف. الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله سنن ابن ماجه
حدثنا عفان ثنا جعفر بن سليمان ثنا الجعد أبو عثمان قال : سمعت أبا رجاء العطاردي قال : سمعت ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ان ربكم رحيم من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت عشرا إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت واحدة أو يمحوها ولا يهلك على الله الا هالك سنن الدرامي
ومما رواه البخاري(1/9)
قال مالك: أخبرني زيد بن أسلم: أن عطاء بن يسار أخبره: أن أبا سعيد الخدري أخبره: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إذا أسلم العبد فحسن إسلامه، يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها، وكان بعد ذلك القصاص: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها).
42 - حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إذا أحسن أحدكم إسلامه: فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها).
قال ابن حجر
قال مالك هكذا ذكره معلقا ولم يوصله في موضع آخر من هذا الكتاب وقد وصله أبو ذر الهروي في روايته للصحيح فقال عقبة أخبرناه النضروي هو العباس بن الفضل قال حدثنا الحسن بن إدريس قال حدثنا هشام بن خالد حدثنا الوليد بن مسلم عن مالك به وكذا وصله النسائي من رواية الوليد بن مسلم حدثنا مالك فذكره أتم مما هنا كما سيأتي وكذا وصله الحسن بن سفيان من طريق عبد الله بن نافع والبزار من طريق إسحاق الفروي والإسماعيلي من طريق عبد الله بن وهب والبهيقي في الشعب من طريق إسماعيل بن أبي أويس كلهم عن مالك أخرجه الدارقطني من طرق أخرى عن مالك وذكر أن معن بن عيسى رواه عن مالك فقال عن أبي هريرة بدل أبي سعيد وروايته شاذة ورواه سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن عطاء مرسلا ورويناه في الخلعيات(1/10)
وقد حفظ مالك الوصل فيه وهو أتقن لحديث أهل المدينة من غيره وقال الخطيب هو حديث ثابت وذكر البزار أن مالكا تفرد بوصله قوله إذا أسلم العبد هذا الحكم يشترك فيه الرجال والنساء وذكره بلفظ المذكر تغليبا قوله فحسن إسلامه أي صار إسلامه حسنا باعتقاده وإخلاصه ودخوله فيه بالباطن والظاهر وأن يستحضر عند عمله قرب ربه منه واطلاعه عليه كما دل عليه تفسير الإحسان في حديث سؤال جبريل كما سيأتي قوله يكفر الله هو بضم الراء لأن إذا وأن كانت من ادوات الشرط لكنها لا تجزم واستعمل الجواب مضارعا وأن كان الشرط بلفظ الماضي لكنه بمعنى المستقبل وفي رواية البزار كفر الله فواخى بينهما قوله كان ازلفها كذا لأبي ذر ولغيره زلفها وهي بتخفيف اللام كما ضبطه صاحب المشارق وقال النووي بالتشديد ورواه الدارقطني من طريق طلحة بن يحيى عن مالك بلفظ ما من عبد يسلم فيحسن إسلامه الا كتب الله كل حسنة زلفها ومحا عنه كل خطيئة زلفها بالتخفيف فيهما والنسائي نحوه لكن قال ازلفها وزلف بالتشديد وازلف بمعنى واحد أي اسلف وقدم له الخطابي وقال في المحكم ازلف الشيء قربه وزلفه مخففا ومثقلا قدمه وفي الجامع الزلفة تكون في الخير والشر وقال في المشارق زلف بالتخفيف أي جمع وكسب وهذا يشمل الامرين وأما القربة فلا تكون الا في الخير فعلى هذا تترجح رواية غير أبي ذر لكن منقول الخطابي يساعدها وقد ثبت في جميع الروايات ما سقط من رواية البخاري وهو كتابة الحسنات المتقدمه قبل الإسلام وقوله كتب الله أي أمر أن يكتب والدارقطني من طريق زيد بن شعيب عن مالك بلفظ يقول الله لملائكته اكتبوا فقيل أن المصنف اسقط ما رواه غيره عمدا لأنه مشكل على القواعد وقال المازري الكافر لا يصح منه التقرب فلا يثاب على العمل الصالح الصادر منه في شركه لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفا لمن يتقرب إليه والكافر ليس كذلك وتابعه القاضي عياض على تقرير هذا الاشكال واستضعف ذلك النووي فقال الصواب(1/11)
الذي عليه المحققون بل نقل بعضهم فيه الإجماع أن الكافر إذا فعل افعالا جميلة كالصدقة وصلة الرحم ثم أسلم ومات على الإسلام أن ثواب ذلك يكتب له وأما دعوى أنه مخالف للقواعد فغير مسلم لأنه قد يعتد ببعض افعال الكافر في الدنيا ككفارة الظهار فإنه لايلزمه اعادتها إذا أسلم وتجزئه انتهى والحق أنه لا يلزم من كتابة الثواب للمسلم في حال إسلامه تفضلا من الله واحسانا أن يكون ذلك لكون عمله الصادر منه في الكفر مقبولا والحديث إنما تضمن كتابة الثواب ولم يتعرض للقبول ويحتمل أن يكون القبول يصير معلقا على إسلامه فيقبل ويثاب أن أسلم وإلا فلا وهذا قوي وقد جزم بما جزم به النووي إبراهيم الحربي وابن بطال وغيرهما من القدماء والقرطبي وابن المنير من المتأخرين قال بن المنير المخالف للقواعد دعوى أن يكتب له ذلك في حال كفره وأما أن الله يضيف إلى حسناته في الإسلام ثواب ما كان صدر منه مما كان يظنه خيرا فلا مانع منه كما لو تفضل عليه ابتداء من غير عمل وكما يتفضل على العاجز بثواب ما كان يعمل هو قادر فإذا جاز أن يكتب له ثواب ما لم يعمل البتة جاز أن يكتب له ثواب ما عمله غير موفى الشروط وقال بن بطال لله أن يتفضل على عباده بما شاء ولا اعتراض لآحد عليه واستدل غيره بأن من آمن من أهل الكتاب يؤتى أجره مرتين كما دل عليه القرآن والحديث الصحيح وهو لو مات على إيمانه الأول لم ينفعه شيء من عمله الصالح بل يكون هباء منثورا فدل على أن ثواب عمله الأول يكتب له مضافا إلى عمله الثاني وبقوله صلى الله عليه وسلم لما سألته عائشة عن بن جدعان وما يصنعه من الخير هل ينفعه فقال أنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين فدل على أنه لو قالها بعد أن أسلم نفعه ما عمله في الكفر قوله وكان بعد ذلك القصاص أي كتابة المجازاة في الدنيا وهو مرفوع بأنه اسم كان ويجوز أن تكون كان تامة وعبر بالماضي لتحقق الوقوع فكأنه وقع كقوله تعالى ونادى أصحاب الجنة وقوله(1/12)
الحسنة مبتدأ وبعشر الخبر والجملة استئنافية وقوله إلى سبعمائة متعلق بمقدر أي منتهية وحكى الماوردي أن بعض العلماء أخذ بظاهر هذه الغاية فزعم أن التضعيف لا يتجاوز سبعمائة ورد عليه بقوله تعالى والله يضاعف لمن يشاء والآية محتملة للأمرين فيحتمل أن يكون المراد أنه يضاعف تلك المضاعفة بأن يجعلها سبعمائة ويحتمل أنه يضاعف السبعمائة بأن يزيد عليها والمصرح بالرد عليه حديث بن عباس المخرج عند المصنف في الرقاق ولفظه كتب الله له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة قوله إلا أن يتجاوز الله عنها زاد سمويه في فوائده إلا أن يغفر الله وهو الغفور وفيه دليل على الخوارج وغيرهم من المكفرين بالذنوب والموجبين لخلود المذنبين في النار فأول الحديث يرد على من أنكر الزيادة والنقص في الإيمان لأن الحسن تتفاوت درجاته وآخره يرد على الخوارج والمعتزلة(1/13)
- قوله عن همام هو بن منبه وهذا الحديث من نسخته المشهورة المروية بإسناد واحد عن عبد الرزاق عن معمر عنه وقد اختلف العلماء في افراد حديث من نسخة هل يساق باسنادها ولو لم يكن مبتدأ به أولا فالجمهور على الجواز ومنهم البخاري وقيل يمتنع وقيل يبدأ بأول حديث ويذكر بعده ما أراد وتوسط مسلم فأتى بلفظ يشعر بأن المفرد من جملة النسخه فيقول في مثل هذا إذا انتهى الإسناد فذكر أحاديث منها كذا ثم يذكر أي حديث أراد منها قوله إذا أحسن أحدكم إسلامه كذا له ولمسلم وغيرهما ولإسحق بن راهويه في مسنده عن عبد الرزاق إذا حسن إسلام أحدكم وكأنه رواه بالمعنى لأنه من لازمه ورواه الإسماعيلي من طريق بن المبارك عن معمر كالأول والخطاب بأحدكم بحسب اللفظ للحاضرين لكن الحكم عام لهم ولغيرهم باتفاق وإن حصل التنازع في كيفية التناول أهي بالحقيقة اللغوية أو الشرعية أو بالمجاز قوله فكل حسنة ينبىء أن اللام في قوله في الحديث الذي قبلت الحسنة بعشر أمثالها للاستغراق قوله بمثلها زاد مسلم وإسحاق والإسماعيلي في روايتهم حتى يلقى الله عز وجل.
+باب: من همَّ بحسنة أو بسيئة.
* حدثنا أبو معمر: حدثنا عبد الوارث: حدثنا جعد أبو عثمان: حدثنا أبو رجاء العطاردي، عن ابن عباس رضي الله عنهما،
عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يروي عن ربه عز وجل. قال: قال: (إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همَّ بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همَّ بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة).
*حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة:(1/14)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف البخاري
*حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف البخاري
+ حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ مسلم
قال النووي
قوله تعالى: "فله عشر أمثالها أو أزيد" معناه أن التضعيف بعشرة أمثالها لا بد بفضل الله ورحمته ووعده الذي لا يخلف، والزيادة بعد بكثرة التضعيف إلى سبعمائة ضعف وإلى أضعاف كثيرة يحصل لبعض الناس دون بعض على حسب مشيئته سبحانه وتعالى...
2------ من أنفق على نفسه أو على أهله
- حدثنا مسلم: حدثنا شعبة، عن عدي، عن عبد الله بن يزيد: سمع أبا مسعود البدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نفقة الرجل على أهله صدقة).
البخاري في كتاب المغازي
1 - باب: فضل النفقة على الأهل.
وقول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ)} /البقرة: 219، 220/(1/15)
وقال الحسن: العفو: الفضل.
- حدثنا أدم بن أبي إياس:حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت قال:
سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري، عن أبي مسعود الأنصاري، فقلت: عن النبي؟ فقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أنفق المسلم نفقة على أهله، وهو يحتسبها، كانت له صدقة). البخاري
باب: وجوب النفقة على الأهل والعيال.
- حدثنا عمر بن حفص: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش: حدثنا أبو صالح قال: حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول). تقول المرأة: إما أن تطعمني، وإما أن تطلقني، ويقول العبد أطعمني واستعملني، ويقول الابن: اطعمني إلى أن تدعني. فقالوا: يا أبا هريرة، سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة.
- حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدا بمن تعول) البخاري.في كتاب النفقات
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله(1/16)
-قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب النفقات وفضل النفقة على الأهل كذا لكريمة وقد تقدم في رواية أبي ذر والنسفي كتاب النفقات ثم البسملة ثم قال باب فضل النفقة على الأهل وسقط لفظ باب لأبي ذر قوله وقول الله عز وجل {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة }كذا للجميع ووقع النسفي عند قوله{ قل العفو} وقد قرأ الأكثر قل العفو بالنصب أي تنفقون العفو أو أنفقوا العفو وقرأ أبو عمرو وقبله الحسن وقتادة قل العفو بالرفع أي هو العفو ومثله قولهم ماذا ركبت افرس أم بعير يجوز الرفع والنصب قوله وقال الحسن العفو الفضل وصله عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زيادات الزهد بسند صحيح عن الحسن البصري وزاد ولا لوم على الكفاف وأخرج عبد بن حميد أيضا من وجه آخر عن الحسن قال أن لا تجهد مالك ثم تقعد تسأل الناس فعرف بهذا المراد بقوله الفضل أي ما لا يؤثر في المال فيمحقه وقد أخرج بن أبي حاتم من مرسل يحيى بن أبي كثير بسند صحيح إليه أنه بلغه أن معاذ بن جبل وثعلبة سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا أن لنا ارقاء وأهلين فما تنفق من أموالنا فنزلت وبهذا يتبين مراد البخاري من ايرادها في هذا الباب وقد جاء عن بن عباس وجماعة أن المراد بالعفو ما فضل عن الأهل أخرجه بن أبي حاتم أيضا ومن طريق مجاهد قال العفو الصدقة المفروضة ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس العفو ما لا يتبين في المال وكان هذا قبل أن تفرض الصدقة فلما اختلفت هذه الأقوال كان ما جاء من السبب في نزولها أولي أن يؤخذ به ولو كان مرسلا
ثم ذكر في الباب أربعة أحاديث
الأول حديث أبي مسعود الأنصاري وهو عقبة بن عمرو(1/17)
- قوله عن عدي بن ثابت تقدم في الإيمان من وجه آخر عن شعبة أخبرني عدي بن ثابت قوله عن أبي مسعود الأنصاري فقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال عن النبي صلى الله عليه وسلم القائل فقلت هو شعبة بينه الإسماعيلي في رواية له من طريق علي بن الجعد عن شعبة فذكره إلى أن قال عن أبي مسعود فقال قال شعبة قلت قال عن النبي صلى الله عليه قال نعم وتقدم في كتاب الإيمان عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير مراجعة وذكر المتن مثله وفي المغازي عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة عن عدي عن عبد الله بن يزيد أنه سمع أبا مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر المتن مختصرا ليس فيه وهو يحتسبها وهذا مقيد لمطلق ما جاء في أن الإنفاق على الأهل صدقة كحديث سعد رابع أحاديث الباب حيث قال فيه ومهما أنفقت فهو لك صدقة والمراد بالاحتساب القصد إلى طلب الأجر والمراد بالصدقة الثواب واطلاقها عليه مجاز وقرينته الإجماع على جواز الإنفاق على الزوجة الهاشمية مثلا وهو من مجاز التشبيه والمراد به أصل الثواب لا في كميته ولا كيفيته ويستفاد منه أن الأجر لا يحصل بالعمل الا مقرونا بالنية ولهذا ادخل البخاري حديث أبي مسعود المذكور في باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة وحذف المقدار من قوله إذا أنفق لإرادة التعميم ليشمل الكثير والقليل وقوله على أهله يحتمل أن يشمل الزوجة والاقارب ويحتمل أن يختص الزوجة ويلحق به من عداها بطريق الأولى لأن الثواب إذا ثبت فيما هو واجب فثبوته فيما ليس بواجب أولى وقال الطبري ما ملخصه الإنفاق على الأهل واجب والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة بل هي أفضل من صدقة التطوع وقال المهلب النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجرا لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير(1/18)
الأهل الا بعد أن يكفوهم ترغيبا لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع وقال بن المنير تسمية النفقة صدقة من جنس تسمية الصادق نحلة فلما كان احتياج المرأة إلى الرجل كاحتياجه إليها في اللذة والتأنيس والتحصين وطلب الولد كان الأصل أن لا يجب لها عليه شيء الا أن الله خص الرجل بالفضل على المرأة بالقيام عليها ورفعه عليها بذلك درجة فمن ثم جاز إطلاق النحلة على الصداق والصدقة على النفقة
الحديث الثاني
-- قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وهذا الحديث ليس في الموطأ وهو على شرط شيخنا في تقريب الأسانيد لكنه لما لم يكن في الموطأ لم يخرجه كأنظاره لكنه أخرجه من رواية همام عن أبي هريرة وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن القاسم وأبو نعيم من طريق عبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك قوله قال الله أنفق يا بن آدم أنفق عليك أنفق الأولى بفتح أوله وسكون القاف بصيغة الأمر بالإنفاق والثانية بضم أوله وسكون القاف على الجواب بصيغة المضارع وهو وعد بالخلف ومنه قوله تعالى{ وما انفقتم من شيء فهو يخلفه} وقد تقدم القدر المذكور من هذا الحديث في تفسير سورة هود من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد في اثناء حديث ولفظه قال الله أنفق أنفق عليك وقال يد الله ملأى الحديث وهذا الحديث الثاني أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق سعيد بن داود عن مالك وقال صحيح تفرد به سعيد عن مالك وأخرج مسلم الأول من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ أن الله تعالى قال لي أنفق أنفق عليك الحديث وفرقه البخاري كما سيأتي في كتاب التوحيد وليس في روايته قال لي فدل على أن المراد بقوله في رواية الباب يا بن آدم النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يراد جنس بني آدم ويكون تخصيصه صلى الله عليه وسلم بإضافته إلى نفسه لكونه رأس الناس فتوجه الخطاب إليه ليعمل به ويبلغ أمته وفي ترك تقييد النفقة بشيء معين ما يرشد إلى أن الحث على الإنفاق يشمل جميع أنواع الخير(1/19)
وسيأتي شرح حديث شعيب مبسوطا في التوحيد إن شاء الله تعالى
+حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحَّاء الليل والنهار. وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يده. وقال: وكان عرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان، يخفض ويرفع).
+حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن همَّام: حدثنا أبو هريرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحَّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض، أو القبض، يرفع ويخفض).(1/20)
- قوله يد الله تقدم في تفسير سورة هود في أول هذا الحديث من الزيادة انفق أنفق عليك ووقعت هذه الزيادة أيضا في رواية همام لكن ساقها فيه مسلم وأفردها البخاري كما سيأتي في باب{ يريدون ان يبدلوا كلام الله} ووقع فيها بدل يد الله ، يمين الله ويتعقب بها على من فسر اليد هنا بالنعمة وأبعد منه من فسرها بالخزائن وقال أطلق اليد على الخزائن لتصرفها فيها قوله ملأى بفتح الميم وسكون اللام وهمزة مع القصر تأنيث ملآن ووقع بلفظ ملآن في رواية لمسلم وقيل هي غلط ووجهها بعضهم بإرادة اليمين فانها تذكر وتؤنث وكذلك الكف والمراد من قوله ملأى أو ملآن لازمه وهو انه في غاية الغنى وعنده من الرزق مالا نهاية له في علم الخلائق قوله لا يغيضها بالمعجمتين بفتح أوله أي لا ينقصها يقال غاض الماء يغيض إذا نقص قوله سحاء بفتح المهملتين مثقل ممدود أي دائمة الصب يقال سح بفتح أوله مثقل يسح بكسر السين في المضارع ويجوز ضمها وضبط في مسلم سحا بلفظ المصدر قوله الليل والنهار بالنصب على الظرف أي فيهما ويجوز الرفع ووقع في رواية لمسلم سح الليل والنهار بالإضافة وفتح الحاء ويجوز ضمها قوله أرأيتم ما انفق تنبيه على وضوح ذلك لمن له بصيرة قوله منذ خلق الله السماوات والأرض سقط لفظ الجلالة لغير أبي ذر وهو رواية همام قوله فانه لم يغض أي ينقص ووقع في رواية همام لم ينقص ما في يمينه قال الطيبي يجوز ان تكون ملأى ولا يغيضها وسحاء وأرأيت أخبارا مترادفة ليد الله ويجوز ان تكون الثلاثة اوصافا لملأى ويجوز ان يكون ارأيتم استئنافا فيه معنى الترقي كأنه لما قيل ملأى أو هم جواز النقصان فأزيل بقوله لا يغيضها شيء وقد يمتلىء الشيء ولا يغيض فقيل سحاء إشارة الى الغيض وقرنه بما يدل على الاستمرار من ذكر الليل والنهار ثم اتبعه بما يدل على أن ذلك ظاهر غير خاف على ذي بصر وبصيرة بعد أن اشتمل من ذكر الليل والنهار بقوله أرأيتم على تطاول المدة لأنه خطاب عام والهمزة(1/21)
فيه للتقرير قال وهذا الكلام إذا أخذته بجملته من غير نظر الى مفرداته أبان زيادة الغنى وكمال السعة والنهاية في الجود والبسط في العطاء قوله وكان عرشه على الماء سقط لفظ قال من رواية همام ومناسبة ذكر العرش هنا ان السامع يتطلع من قوله خلق السماوات والأرض ما كان قبل ذلك فذكر ما يدل على ان عرشه قبل خلق السماوات والأرض كان على الماء كما وقع في حديث عمران بن حصين الماضي في بدء الخلق بلفظ كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض قوله وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع أي يخفض الميزان ويرفعها قال الخطابي الميزان مثل والمراد القسمة بين الخلق واليه الإشارة بقوله يخفض ويرفع وقال الداودي معنى الميزان انه قدر الأشياء ووقتها وحددها فلا يملك أحد نفعا ولا ضرا الا منه وبه ووقع في رواية همام وبيده الأخرى الفيض أو القبض الأولى بفاء وتحتانية والثانية بقاف وموحدة كذا للبخاري بالشك ولمسلم بالقاف والموحدة بلا شك وعن بعض رواته فيما حكاه عياض بالفاء والتحتانية والأول أشهر قال عياض المراد بالقبض قبض الأرواح بالموت وبالفيض الإحسان بالعطاء وقد يكون بمعنى الموت يقال فاضت نفسه إذا مات ويقال بالضاد وبالظاء ا ه والأولى أن يفسر بمعنى الميزان ليوافق رواية الأعرج التي في هذا الباب فان الذي يوزن بالميزان يخف ويرجح فكذلك ما يقبض ويحتمل ان يكون المراد بالقبض المنع لأن الإعطاء قد ذكر في قوله قبل ذلك سحاء الليل والنهار فيكون مثل قوله تعالى{ والله يقبض ويبسط} ووقع في حديث النواس بن سمعان عند مسلم وسيأتي التنبيه عليه في اواخر الباب الميزان بيد الرحمن يرفع أقواما ويضع آخرين وفي حديث أبي موسى عند مسلم وابن حبان ان الله لا ينام ولا ينبغي أن ينام يخفض القسط ويرفعه وظاهره ان المراد بالقسط الميزان وهو مما يؤيد ان الضمير المستتر في قوله يخفض ويرفع للميزان كما بدأت الكلام به قال المازري ذكر القبض(1/22)
والبسط وان كانت القدرة واحدة لتفهم العباد انه يفعل بها المختلفات وأشار بقوله بيده الأخرى الى ان عادة المخاطبين تعاطي الأشياء باليدين معا فعبر عن قدرته على التصرف بذكر اليدين لتفهيم المعنى المراد بما اعتادوه وتعقب بان لفظ البسط لم يقع في الحديث وأجيب بأنه فهمه من مقابله كما تقدم والله أعلم .
+++باب: قوله: {وكان عرشه على الماء} /7/.
- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: أنفق أنفق عليك، وقال: يد الله ملائ لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار. وقال:
أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفع).
الحديث الثالث(1/23)
- قوله عن ثور بن زيد في رواية محمد بن الحسن في الموطأ عن مالك أخبرني ثور قوله الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله كذا قال جميع أصحاب مالك عنه في الموطأ وغيره وأكثرهم ساقه على لفظ رواية مالك عن صفوان بن سليم به مرسلا ثم قال وعن ثور بسنده مثله وسيأتي في كتاب الأدب عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك كذلك واقتصر أبو قرة موسى بن طارق على رواية مالك عن ثور فقال الساعي على الأرملة والمسكين له صدقة بين ذلك الدارقطني في الموطآت قوله أو القائم الليل الصائم النهار هكذا للجميع عن مالك بالشك لكن لاكثرهم مثل معن بن عيسى وابن وهب وابن بكير في آخرين بلفظ أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل وقد أخرجه بن ماجة من رواية الدراوردي عن ثور بمثل هذا اللفظ لكن قاله بالواو لا بلفظ أو وسيأتي في الأدب من رواية القعنبي عن مالك بلفظ وأحسبه قال كالقائم لا يفتر والصائم لا يفطر شك القعنبي وقد ذكره الأكثر بالشك عن مالك لكن بمعناه فيحمل اختصاص القعنبي باللفظ الذي أورده ومعنى الساعي الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين والارملة بالراء المهملة التي لا زوج لها والمسكين تقدم بيانه في كتاب الزكاة وقوله القائم الليل يجوز في الليل الحركات الثلاث كما في قولهم الحسن الوجه ومطابقة الحديث للترجمة من جهة إمكان اتصاف الأهل أي الاقارب بالصفتين المذكورتين فإذا ثبت هذا الفضل لمن ينفق على من ليس له بقريب ممن اتصف بالوصفين فالمنفق على المتصف أولي الحديث الرابع
حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث وقد تقدم شرحه في الوصايا والمراد منه هنا(1/24)
- قوله ومهما أنفقت فهو لك صدقة حتى اللقمة ترفعها في في امرأتك وقد أخرج مسلم من حديث مجاهد بن أبي هريرة رفعه دينار أعطيته مسكينا ودينار أعطيته في رقبة ودينار أعطيته في سبيل الله ودينار انفقته على أهلك قال الدينار الذي انفقته على أهلك أعظم أجرا ومن حديث أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رفعه أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ودينار ينفقة على دابته في سبيل الله دينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله قال أبو قلابة بدأ بالعيال وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال يعفهم وينفعهم الله به قال الطبري البداءة في الإنفاق بالعيال يتناول النفس لأن نفس المرء من جملة عياله بل هي أعظم حقا عليه من بقية عياله إذ ليس لأحد أحياء غيره باتلاف نفسه ثم الإنفاق على عياله كذلك(1/25)
-قوله باب وجوب النفقة على الأهل والعيال الظاهر أن المراد بالأهل في الترجمة الزوجة وعطف العيال عليها من العام بعد الخاص أو المراد بالأهل الزوجة والاقارب والمراد بالعيال الزوجة والخدم فتكون الزوجة ذكرت مرتين تأكيدا لحقها ووجوب نفقة الزوجة تقدم دليلة أول النفقات ومن السنة حديث جابر عند مسلم ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ومن جهة المعنى أنها محبوسة عن التكسب لحق الزوج وانعقد الإجماع على الوجوب لكن اختلفوا في تقديرها فذهب الجمهور إلى أنها بالكفاية والشافعي وطائفة كما قال بن المنذر إلى أنها بالامداد ووافق الجمهور من الشافعية أصحاب الحديث كابن خزيمة وابن المنذر ومن غيرهم أبو الفضل بن عبدان وقال الروياتي في الحلية هو القياس وقال النووي في شرح مسلم ما سيأتي في باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بعد سبعة أبواب وتمسك بعض الشافعية بأنها لو قدرت بالحاجة لسقطت نفقة المريضة والغنية في بعض الأيام فوجب الحاقها بما يشبه الدوام وهو الكفارة لاشتراكهما في الاستقرار في الذمة ويقويه قوله تعالى {من أوسط ما تطعمون أهليكم} فاعتبروا الكفارة بها والامداد معتبرة في الكفارة ويخدش في هذا الدليل إنهم صححوا الاعتياض عنه وبأنها لو أكلت معه على العادة سقطت بخلاف الكفارة فيهما والراجح من حيث الدليل أن الواجب الكفاية ولا سيما وقد نقل بعض الأئمة الإجماع الفعلي في زمن الصحابة والتابعين على ذلك ولا يحفظ عن أحد منهم خلافة(1/26)
- قوله أفضل الصدقة ما ترك غني تقدم شرحه في أول الزكاة وبيان اختلاف ألفاظه وكذا قوله واليد العليا وقوله وابدأ بمن تعول أي بمن يجب عليك نفقته يقال عال الرجل أهله إذا مانهم أي قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة وهو أمر بتقديم ما يجب على ما لا يجب وقال بن المنذر اختلف في نفقة من بلغ من الأولاد ولا مال له ولا كسب فأوجبت طائفة النفقة لجميع الأولاد اطفالا كانوا أو بالغين إناثا وذكرانا إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها وذهب الجمهور إلى أن الواجب أن ينفق عليهم حتى يبلغ الذكر أو تتزوج الأنثى ثم لا نفقة على الأب الا أن كانوا زمني فإن كانت لهم أموال فلا وجوب على الأب والحق الشافعي ولد الولد وأن سفل بالولد في ذلك وقوله تقول المرأة وقع في رواية النسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح به فقيل من اعول يا رسول الله قال امرأتك الحديث وهو وهم والصواب ما أخرجه هو من وجه آخر عن بن عجلان به وفيه فسئل أبو هريرة من تعول يا أبا هريرة وقد تمسك بهذا بعض الشراح وغفل عن الرواية الأخرى ورجح ما فهمه بما أخرجه الدارقطني من طريق عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المرأة تقول لزوجها اطعمني ولا حجة فيه لأن في حفظ عاصم شيئا والصواب التفصيل وكذا وقع للإسماعيلي من طريق أبي معاوية عن الأعمش بسند حديث الباب قال أبو هريرة تقول امرأتك الخ وهو معنى قوله في آخر حديث الباب لا هذا من كيس أبي هريرة ووقع في رواية الإسماعيلي المذكورة قالوا يا أبا هريرة شيء تقول من رأيك أو من قول رسول الله صلى الله عيه وسلم قال هذا من كيسي وقوله من كيسي هو بكسر الكاف للأكثر أي من حاصله إشارة إلى أنه من استنباطه مما فهمه من الحديث المرفوع مع الواقع ووقع في رواية الأصيلي بفتح الكاف أي من فطنته قوله تقول المرأة أما أن تطعمني في رواية النسائي عن محمد بن عبد العزيز عن حفص بن غياث بسند حديث الباب أما أن(1/27)
تنفق علي قوله وبقول العبد اطعمني واستعملني في رواية الإسماعيلي وبقول خادمك اطعمني وإلا فبعني قوله ويقول الابن اطعمني إلى من تدعني في رواية النسائي والإسماعيلي تكلني وهو بمعناه واستدل به على أن من كان من الأولاد له مال أو حرفة لا تجب نفقته على الأب لأن الذي يقول إلى من تدعني إنما هو من لا يرجع إلى شيء سوى نفقة الأب ومن له حرفة أو مال لا يحتاج إلى قول ذلك واستدل بقوله أما أن تطعمني وأما أن تطلقني من قال يفرق بين الرجل وامرأته إذا اعسر بالنفقة واختارت فراقه وهو قول جمهور العلماء وقال الكوفيون يلزمها الصبر وتتعلق النفقة بذمته واستدل الجمهور بقوله تعالى{ ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا }وأجاب المخالف بأنه لو كان الفراق واجبا لما جاز الابقاء إذا رضيت ورد عليه نبأ الإجماع دل على جواز الإبقاء إذا رضيت فبقي ما عداه على عموم النهي وطعن بعضهم في الاستدلال بالآية المذكورة بأن بن عباس وجماعة من التابعين قالوا نزلت فيمن كان يطلق فإذا كادت العدة تقضي راجع والجواب أن من قاعدتهم أن العبرة بعموم اللفظ حتى تمسكوا بحديث جابر بن سمره اسكنوا في الصلاة أترك رفع اليدين عند الركوع مع أنه إنما ورد في الإشارة بالأيدي في التشهد بالسلام على فلان وفلان وهنا تمسكوا بالسبب واستدل للجمهور أيضا بالقياس على الرقيق والحيوان فإن من اعسر بالإنفاق عليه اجبر على بيعه اتفاقا والله أعلم
مسلم + النووي
باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف(1/28)
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ". وَقَالَ: "يَمِينُ اللّهِ مَلاَى (وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ مَلاَنُ) سَحّاءُ. لاَ يَغِيضُهَا شَيْءٌ اللّيْلَ وَالنّهَارَ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ بْنُ هَمّامٍ. حَدّثَنَا مَعمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ، أَخِي وَهْبِ بْنِ مُنَبّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهَ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهِ قَالَ لِي: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ". وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَمِينُ اللّهِ مَلاَى. لاَ يَغِيضُهَا سَحّاءُ اللّيْلُ وَالنّهَارُ. أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُذْ خَلَقَ السّمَاءَ وَالأَرْضَ. فَإِنّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ". قَالَ: "وَعَرْشُهُ عَلَىَ الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الأُخْرَىَ الْقَبْضُ، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ".(1/29)
قوله عز وجل: (أنفق أنفق عليك) هو معنى قوله عز وجل: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} فيتضمن الحث على الإنفاق معنى في وجوه الخير والتبشير بالخلف من فضل الله تعالى. قوله صلى الله عليه وسلم: "يمين الله ملأى. وقال ابن نمير: ملاَن" هكذا وقعت رواية ابن نمير بالنون، قالوا: وهو غلط منه وصوابه ملأى كما في سائر الروايات، ثم ضبطوا رواية ابن نمير من وجهين: أحدهما إسكان اللام وبعدها همزة. والثاني ملان بفتح اللام بلا همز. قوله صلى الله عليه وسلم: "يمين الله ملأى سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار" ضبطوا سحاء بوجهين: أحدهما سحاء بالتنوين على المصدر وهذا هو الأصح الأشهر، والثاني حكاه القاضي سحاء بالمد على الوصف، ووزنه فعلاء صفة لليد، والسح الصب الدائم ،والليل والنهار في هذه الرواية منصوبان على الظرف، ومعنى لا يغيضها شيء أي لا ينقصها، يقال: غاض الماء وغاضه الله لازم ومتعد. قال القاضي: قال الإمام المازري هذا مما يتأول لأن اليمين إذا كانت بمعنى المناسبة للشمال لا يوصف بها الباري سبحانه وتعالى لأنها تتضمن إثبات الشمال وهذا يتضمن التحديد ويتقدس الله سبحانه على التجسيم والحد، وإنما خاطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يفهمونه وأراد الإخبار بأن الله تعالى لا ينقصه الإنفاق ولا يمسك خشية الإملاق جل الله على ذلك، وعبر صلى الله عليه وسلم عن توالي النعم بسح اليمين لأن الباذل منا يفعل ذلك بيمينه، قال: ويحتمل أن يريد بذلك أن قدرة الله سبحانه وتعالى على الأشياء على وجه واحد لا يختلف ضعفاً وقوة، وأن المقدورات تقع بها على جهة واحدة، ولا تختلف قوة وضعفاً كما يختلف فعلنا باليمين والشمال، تعالى الله عن صفات المخلوقين ومشابهة المحدثين. وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية: "وبيده الأخرى القبض" فمعناه أنه وإن كانت قدرته سبحانه وتعالى واحدة فإنه يفعل بها المختلفات، ولما كان ذلك فينا لا يمكن إلا بيدين(1/30)
عبر عن قدرته على التصرف في ذلك باليدين ليفهمهم المعنى المراد بما اعتادوه من الخطاب على سبيل المجاز، هذا آخر كلام المازري. قوله في رواية محمد بن رافع: (لا يغيضها سحاء الليل والنهار) ضبطناه بوجهين: نصب الليل والنهار ورفعهما النصب على الظرف والرفع على أنه فاعل قوله صلى الله عليه وسلم: "وبيده الأخرى القبض يخفض ويرفع" ضبطوه بوجهين: أحدهما الفيض بالفاء والياء المثناة تحت، والثاني القبض بالقاف والباء الموحدة، وذكر القاضي أنه بالقاف وهو الموجود لأكثر الرواة، قال: وهو الأشهر والمعروف، قال: ومعنى القبض الموت، وأما الفيض بالفاء فالإحسان والعطاء والرزق الواسع، قال: وقد يكون بمعنى القبض بالقاف أي الموت، قال البكراوي: والفيض الموت. قال القاضي قيس: يقولون فاضت نفسه بالضاد إذا مات وطى يقولون فاظت نفسه بالظاء. وقيل: إذا ذكرت النفس فبالضاد، وإذا قيل فاظ من غير ذكر النفس فبالظاء، وجاء في رواية أخرى: وبيده الميزان يخفض ويرفع، فقد يكون عبارة عن الرزق ومقاديره، وقد يكون عبارة عن جملة المقادير، ومعنى يخفض ويرفع قيل هو عبارة عن تقدير الرزق يقتره على من يشاء ويوسعه على من يشاء، وقد يكونان عبارة عن تصرف المقادير بالخلق بالعز والذل والله أعلم
باب فضل النفقة على العيال والمملوك، وإثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم
*حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاَهُمَا عَنْ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ أَبُو الرّبِيعِ: حَدّثَنَا حَمّادٌ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرّجُلُ: دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَىَ عِيَالِهِ. وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرّجُلُ عَلَىَ دَابّتِهِ فِي سَبِيلِ اللّهِ. وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَىَ أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللّهِ".(1/31)
-قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: وَبَدَأَ بِالْعِيَالِ. ثُمّ قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: وَأَيّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْراً مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَىَ عِيَالٍ صِغَارٍ. يُعِفّهُمْ، أَوْ يَنْفَعُهُمُ اللّهُ بِهِ، وَيُغْنِيهِمْ.
*حدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (وَاللّفْظُ لاِءَبِي كُرَيْبٍ) قَالُوا: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُزاحِمِ بْنِ زُفَرَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ. وَدِينارٌ تَصَدّقْتَ بِهِ عَلَىَ مِسْكِينٍ. وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَىَ أَهْلِكَ. أَعْظَمُهَا أَجْراً الّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَىَ أَهْلِكَ"
.
*حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمّدٍ الْجرْمِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ الْكِنَانِيّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرّفٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: كُنّا جُلُوساً مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو. إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ، فَدَخَلَ. فَقَالَ: أَعْطَيْتَ الرّقِيقَ قُوتَهُمْ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَفَىَ بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يَحْبِسَ، عَمّنْ يَمْلِكُ، قُوتَهُ".
--مقصود الباب الحث على النفقة على العيال وبيان عظم الثواب فيه، لأن منهم من تجب نفقته بالقرابة، ومنهم من تكون مندوبة وتكون صدقة وصلة، ومنهم من تكون واجبة بملك النكاح أو ملك اليمين، وهذا كله فاضل محثوث عليه وهو أفضل من صدقة التطوع.(1/32)
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في رواية ابن أبي شيبة: "أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك" مع أنه ذكر قبله النفقة في سبيل الله وفي العتق والصدقة، ورجح النفقة على العيال على هذا كله لما ذكرناه وزاده تأكيداً بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الاَخر: "كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته" فقوته مفعول يحبس.
-قوله: (حدثنا سعيد بن محمد الجرمي) هو بالجيم. قوله: (قهرمان) بفتح القاف وإسكان الهاء وفتح الراء وهو الخازن القائم بحوائج الإنسان وهو بمعنى الوكيل وهو بلسان الفرس
باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة
*حَدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْداً لَهُ عَنْ دُبُرٍ. فَبَلَغَ ذَلَكَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟" فَقَالَ: لاَ فَقَالَ "مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنّي؟" فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْعَدَوِيّ بِثَمَانِمَائَةِ دِرْهَمٍ. فَجَاءَ بِهَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ ثُمّ قَالَ: "ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدّقْ عَلَيْهَا. فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلأَهْلِكَ. فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ. فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا"
يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ.
*وحدّثني يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِي: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيّةَ) عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ (يُقَالُ لَهُ أَبُو مَذْكُورٍ) أَعْتَقَ غُلاَماً لَهُ عَنْ دُبُرٍ. يُقَالُ لَهُ يَعْقُوبُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ اللّيْثِ.(1/33)
باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين، ولو كانوا مشركين
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيَ بِالْمَدِينَةِ مَالاً. وَكَانَ أَحَبّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَا. وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيّبٍ.
قَالَ أَنَسٌ: فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبّونَ} (3 آل عمران الاَية: ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنّ اللّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبّونَ}. وَإِنّ أَحَبّ أَمْوَالِي إِلَيّ بَيْرَحَىَ. وَإِنّهَا صَدَقَةٌ للّهِ. أَرْجُو بِرّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللّهِ. فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللّهِ، حَيْثُ شِئْتَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَخْ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ. ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ. قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا. وَإِنّي أَرَىَ أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ" فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمّهِ
.(1/34)
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمّا نزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {لَنْ تَنَالوا الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبّونَ.} قَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَرَى رَبّنا يَسْأَلُنَا مِنْ أَمْوَالِنَا، فَأُشْهِدُكَ، يَا رَسُولَ اللّهِ، أَنّي قَدْ جَعَلْتُ أَرْضِي، بَرِيحَا، لِلّهِ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "اجْعَلْهَا فِي قَرَابَتِكَ" قَالَ: فَجَعَلَهَا فِي حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَأُبَيّ بْنِ كَعْبٍ.
*حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "لَوْ أَعْطَيْتِهَا بعض أَخْوَالَكِ، كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ".(1/35)
*حدّثنا حَسَنُ بْنُ الرّبِيعِ. حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللّهِ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَصَدّقْنَ، يَا مَعْشَرَ النّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حَلْيِكُنّ" قَالَتْ: فَرَجَعْتُ إِلَىَ عَبْدِ اللّهِ فَقُلْتُ: إِنّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ. وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَنَا بِالصّدَقَةِ. فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَجْزِي عَنّي وَإِلاّ صَرَفْتُهَا إِلَىَ غَيْرِكُمْ. قَالَتْ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللّهِ: بَلِ ائْتِيهِ أَنْتِ. قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ. فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. حَاجَتِي حَاجَتُهَا. قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ. قَالَتْ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلاَلٌ فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَخْبِرْهُ أَنّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلاَنِكَ: أَتَجْزِي الصّدَقَةُ عَنْهُمَا، عَلَىَ أَزْوَاجِهِمَا، وَعَلَىَ أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا؟ وَلاَ تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ. قَالَتْ: فَدَخَلَ بِلاَلٌ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هُمَا؟" فَقَالَ: امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَزَيْنَبُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيّ الزّيَانِبِ؟" قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللّهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَهُمَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصّدَقَةِ".(1/36)
*حدّثني أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيّ. حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدّثَنَا أَبِي حَدّثَنَا الأَعْمَشُ. حَدّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: فَذَكَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ فَحَدّثَنِي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْنَبَ امْرأَةِ عَبْدِ اللّهِ. بِمِثْلِهِ. سَوَاءً. قَالَ قَالَتْ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ. فَرَآنِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "تَصَدّقْنَ. وَلَوْ مِنْ حُلِيّكُنّ" وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي الأَحْوَصِ.
*حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَن زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَلْ لِي أَجْرٌ فِي بَنِي أَبِي سَلَمَةَ؟ أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ. وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا. إِنّمَا هُمْ بَنِيّ. فَقَالَ: "نَعَمْ. لَكِ فِيهِمْ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ".
وحدّثني سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدّثَنَاهُ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. جَمِيعاً عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ.
*حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيَ (وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيّ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً، وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً".(1/37)
*وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. كِلاَهُمَا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. ح وَحَدّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. جَمِيعاً عَنْ شُعْبَةَ فِي هَذَا الإِسْنَادِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: قلتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ أُمّي قَدِمَتْ عَلَيّ. وَهِيَ رَاغِبَةٌ (أَوْ رَاهِبَةٌ) أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ".
*وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيّ أُمّي، وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ. فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدِمَتْ عَلَيّ أُمّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمّي؟ قَالَ: "نَعَمْ. صِلِي أُمّكِ".(1/38)
قوله: (وكان أحب أمواله إليه بيرحاء) اختلفوا في ضبط هذه اللفظة على أوجه، قال القاضي رحمه الله: روينا هذه اللفظة عن شيوخنا بفتح الراء وضمها مع كسر الباء وبفتح الباء والراء. قال الباجي: قرأت هذه اللفظة على أبي ذر البروي بفتح الراء على كل حال، قال: وعليه أدركت أهل العلم والحفظ بالمشرق، وقال لي الصوري هي بالفتح واتفقا على أن من رفع الراء وألزمها حكم الإعراب فقد أخطأ، قال: وبالرفع قرأناه على شيوخنا بالأندلس وهذا الموضع يعرف بقصر بني جديلة قبلي المسجد، وذكر مسلم رواية حماد بن سلمة هذا الحرف بريحاء بفتح الباء وكسر الراء، وكذا سمعناه من أبي بحر عن العذري والسمرقندي، وكان عند ابن سعيد عن البحري من رواية حماد بيرحاء بكسر الباء وفتح الراء، وضبطه الحميدي من رواية حماد بيرحاء بفتح الباء والراء، ووقع في كتاب أبي داود جعلت أرضي بأريحا لله، وأكثر رواياتهم في هذا الحرف بالقصر، ورويناه عن بعض شيوخنا بالوجهين، وبالمد وجدته بخط الأصيلي وهو حائط يسمى بهذا الاسم وليس اسم بئر والحديث يدل عليه والله أعلم، هذا آخر كلام القاضي. قوله: (قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تعالى يقول في كتابه) إلى آخره فيه دلالة للمذهب الصحيح وقول الجمهور أنه يجوز أن يقال: إن الله يقول، كما يقال: إن الله قال. وقال مطرف بن بعد الله بن سخير التابعي: لا يقال الله يقول، وإنما يقال: قال الله، أو الله قال، ولا يستعمل مضارعاً وهذا غلط والصواب جوازه. وقد قال الله تعالى: {والله يقول الحق وهو يهدي السبيل} وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة باستعمال ذلك، وقد أشرت إلى طرف منها في كتاب الأذكار، وكأن من كرهه ظن أنه يقتضي استئناف القول وقول الله تعالى قديم وهذا ظن عجيب، فإن المعنى مفهوم ولا لبس فيه، وفي هذا الحديث استحباب الإنفاق مما يحب، ومشاورة أهل العلم والفضل في كيفية الصدقات ووجوه الطاعات وغيرها. قوله صلى الله(1/39)
عليه وسلم: "بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح" قال أهل اللغة: يقال بخ بإسكان الخاء وتنوينها مكسورة. وحكى القاضي الكسر بلا تنوين. وحكى الأحمر التشديد فيه. قال القاضي: وروي بالرفع فإذا كررت فالاختيار تحريك الأول منوناً وإسكان الثاني. قال ابن دريد: معناه تعظيم الأمر وتفخيمه، وسكنت الخاء فيه كسكون اللام في هل وبل، ومن قال بخ بكسره منوناً شبهه بالأصوات كصه ومه. قال ابن السكيت: بخ بخ، وبه به، بمعنى واحد. وقال الداودي: بخ كلمة تقال إذا حمد الفعل، وقال غيره: تقال عند الإعجاب. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "مال رابح" فضبطناه هنا بوجهين بالياء المثناة وبالموحدة، وقال القاضي: روايتنا فيه في كتاب مسلم بالموحدة، واختلفت الرواة فيه عن مالك في البخاري والموطأ وغيرهما. فمن رواه بالموحدة فمعناه ظاهر، ومن رواه رايح بالمثناة فمعناه رايح عليك أجره ونفعه في الاَخرة، وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما سبق من أن الصدقة على الأقارب أفضل من الأجانب إذا كانوا محتاجين، وفيه أن القرابة يرعى حقها في صلة الأرحام وإن لم يجتمعوا إلا في أب بعيد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة أن يجعل صدقته في الأقربين فجعلها في أبي بن كعب وحسان بن ثابت وإنما يجتمعان معه في الجد السابع.
-قوله صلى الله عليه وسلم في قصة ميمونة حين أعتقت الجارية: "لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك" فيه فضيلة صلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب وأنه أفضل من العتق، وهكذا وقعت هذه اللفظة في صحيح مسلم أخوالك باللام، ووقعت في رواية غير الأصيلي في البخاري وفي رواية الأصيلي أخواتك بالتاء، قال القاضي: ولعله أصح بدليل رواية مالك في الموطأ: أعطيتها أختك، قلت: الجميع صحيح ولا تعارض، وقد قال صلى الله عليه وسلم ذلك كله وفيه الاعتناء بأقارب الأم إكراماً بحقها وهو زيادة في برها، وفيه جواز تبرع المرأة بمالها بغير إذن زوجها.(1/40)
-قوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر النساء تصدقن" فيه أمر ولي الأمر رعيته بالصدقة وفعال الخير ووعظه النساء إذا لم يترتب عليه فتنة، والمعشر الجماعة الذين صفتهم واحدة. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو من حليكن" هو بفتح الحاء وإسكان اللام مفرد، وأما الجمع فيقال بضم الحاء وكسرها واللام مكسورة فيهما والياء مشددة. قولها: (فإن كان ذلك يجزي عني) هو بفتح الياء أي يكفي، وكذا قولها بعد أتجزي الصدقة عنهما بفتح التاء. وقولها: (أتجزي الصدقة عنهما على زوجيهما) هذه أفصح اللغات، فيقال على زوجيهما وعلى زوجهما وعلى أزواجهما وهي أفصحهن، وبها جاء القرآن العزيز في قوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} وكذا قولها: (وعلى أيتام في حجورهما) وشبه ذلك مما يكون لكل واحد من الاثنين منه واحد. قولهما: (ولا تخبر من نحن ثم أخبر بهما) قد يقال إنه اخلاف للوعد وإفشاء للسر، وجوابه أنه عارض ذلك جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجوابه صلى الله عليه وسلم واجب محتم لا يجوز تأخيره ولا يقدم عليه غيره، وقد تقرر أنه إذا تعارضت المصالح بدئ بأهمها. قوله صلى الله عليه وسلم: "لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة" فيه الحث على الصدقة على الأقارب وصلة الأرحام وأن فيها أجرين. قوله: (فذكرت لإبراهيم فحدثني عن أبي عبيدة) القائل فذكرت لإبراهيم هو الأعمش ومقصوده أنه رواه عن شيخين شقيق وأبي عبيدة، وهذا المذكور في حديث امرأة ابن مسعود والمرأة الأنصارية من النفقة على أزواجهما وأيتام في حجورهما ونفقة أم سلمة على بنيها المراد به كله صدقة تطوع وسياق الأحاديث يدل عليه.(1/41)
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة" فيه بيان أن المراد بالصدقة والنفقة المطلقة في باقي الأحاديث إذا احتسبها، ومعناه أراد بها وجه الله تعالى فلا يدخل فيه من أنفقها ذاهلاً ولكن يدخل المحتسب، وطريقه في الاحتساب أن يتذكر أنه يجب عليه الإنفاق على الزوجة وأطفال أولاده والمملوك وغيرهم ممن تجب نفقته على حسب أحوالهم واختلاف العلماء فيهم، وأن غيرهم ممن ينفق عليه مندوب إلى الإنفاق عليهم فينفق بنية أداء ما أمر به وقد أمر بالإحسان إليهم والله أعلم.
-قوله: (عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قدمت على أمي وهي راهبة أو راغبة). وفي الرواية الثانية (راغبة) بلا شك وفيها: (وهي مشركة) فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم: (أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك) قال القاضي: الصحيح راغبة بلا شك، قال: قيل معناه راغبة عن الإسلام وكارهة له، وقيل معناه طامعة فيما أعطيتها حريصة عليه. وفي رواية أبي داود: (قدمت على أمي راغبة في عهد قريش وهي راغمة مشركة) فالأول راغبة بالباء أي طامعة طالبة صلتي، والثانية بالميم معناه كارهة للإسلام ساخطته، وفيه جواز صلة القريب المشرك، وأم أسماء اسمها قيلة، وقيل قتيلة بالقاف وتاء مثناة من فوق، وهي قيلة بنت عبد العزى القرشية العامرية، واختلف العلماء في أنها أسلمت أم ماتت على كفرها والأكثرون على موتها مشركة
وأخرج الامام جلال الدين السيوطي في الجامع الصغير:
(نفقة الرجل على أهله صدقة)---وعزاه للبخاري والنرمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه
شرح فيض القدير الامام محمد عبد الرؤوف المناوي(1/42)
(نفقة الرجل على أهله) من نحو زوجة وولد وخادم: يريد بها وجه اللّه (صدقة) في الثواب، وفي رواية: نفقته على نفسه وأهله صدقة، وذلك لأنه يكف به عن السؤال ويكف من ينفق عليه، وهذا إن قصد الامتثال والقربة كما دل عليه قوله في رواية: وهو يحتسبها، فدل على أن شرط الثواب: الاحتساب. وأخذ منه تقييد إطلاق الثواب في جماع الحليلة بما إذا قصد نحو ولد أو إعفاف قال في الإتحاف: وأهله هنا: زوجته وخدمه ونحو ذلك ممن هو في مؤونته عادة أو شرعاً.
- (خ) في كتاب المغازي (ت عن ابن مسعود) عقبة بن عمرو البدري. وقضية كلام المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه مع أنه في الفردوس عزاه لهما جميعاً باللفظ المزبور..
3--- من عاد مريضا
- باب فضل عيادة المريض
- حدثنا سعيد بن منصور وأبو الربيع الزهراني. قالا: حدثنا حماد (يعنيان ابن زيد) عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان (قال أبو الربيع: رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وفي حديث سعيد: قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عائد المريض في مخرفة الجنة حتى يرجع".
- حدثنا يحيى بن يحيى التميمي. أخبرنا هشيم عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من عاد مريضا، لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع"
.- حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي. حدثنا يزيد بن زريع. حدثنا خالد عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم، لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع".
- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب. جميعا عن يزيد (واللفظ لزهير). حدثنا يزيد بن هارون. أخبرنا عاصم الأحول عن عبدالله بن زيد (وهو أبو قلابة)، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم،(1/43)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من عاد مريضا، لم يزل في خرفة الجنة". قيل: يا رسول الله! وما خرفة الجنة؟ قال "جناها".
- حدثني سويد بن سعيد. حدثنا مروان بن معاوية عن عاصم الأحول، بهذا الإسناد.
- حدثني محمد بن حاتم بن ميمون. حدثنا بهز. حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة. قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله عز وجل يقول، يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني. قال: يا رب! كيف أعودك؟ وأنت رب العالمين. قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده. أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب! وكيف أطعمك؟ وأنت رب العالمين. قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم! استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب! كيف أسقيك؟ وأنت رب العالمين. قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه. أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي" . مسلم في كتاب البر والصلة والآداب
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله
قوله صلى الله عليه وسلم: "عائد المريض في مخرفة الجنة" وفي الرواية الثانية: ("خرفة الجنة" بضم الخاء قيل: يا رسول الله ما خرفة الجنة؟ قال جناها) أي يؤول به ذلك إلى الجنة واجتناء ثمارها، واتفق العلماء على فضل عيادة المريض وسبق شرح ذلك واضحاً في بابه. قوله في أسانيد هذا الحديث: (عن أبي قلابة عن أبي أسماء) وفي الرواية الأخرى: (عن أبي قلابة عن الأشعث عن أبي أسماء) قال الترمذي: سألت البخاري عن إسناد هذا الحديث فقال أحاديث أبي قلابة كلها عن أبي أسماء ليس بينهما أبو الأشعث إلا هذا الحديث.(1/44)
قوله عز وجل: (مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لوعدته لوجدتني عنده) قال العلماء: إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى، والمراد العبد تشريفاً للعبد وتقريباً له، قالوا: ومعنى وجدتني عنده أي وجدت ثوابي وكرامتي، ويدل عليه قوله تعالى في تمام الحديث: (لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، لو أسقيته لوجدت ذلك عندي) أي ثوابه والله أعلم
ومما جاء في فضل عيادة المريض وآدابها والجعاء للمريض والتنفيس عنه :
- باب الدعاء للمريض عند العيادة
ـ حدثنا الربيع بن يحيى، ثنا شعبة، ثنا يزيد أبو خالد، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس،
عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرارٍ: أسأل اللّه العظيم ربَّ العرش العظيم أن يشفيك، إلاَّ عافاه اللّه من ذلك المرض".
ـ حدثنا يزيد بن خالد الرملي، ثنا ابن وهب، عن حُيَيِّ بن عبد اللّه، عن أبي عبد الرحمن الجُبُلِيِّ، عن ابن عمرو قال:
قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "إذا جاء الرجل يعود مريضاً فليقل: اللهمَّ اشف عبدك، ينكأ لك عدوّاً، أو يمشي لك إلى جنازةٍ".
قال أبو داود: وقال ابن السرح: إلى صلاة.
-حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا شعبة، عن الحكم، عن عبد اللّه بن نافع، عن عليّ قال:
"ما من رجل يعود مريضاً مُمْسِياً إلا خرج معه سبعون ألفَ ملك يستغفرون له حتى يُصْبح، وكان له خريف في الجنة، ومن أتاه مُصْبِحاً خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتَّى يُمسي، وكان له خريف في الجنة".
أبو داود في كتاب الجنائز
باب ما جاء في ثواب من عاد مريضا
- حدثنا عثمان بن أبي شيبة. حدثنا أبو معاوية. حدثنا الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي؛ قال:(1/45)
- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أتى أخاه المسلم عائدا، مشى في خرافة الجنة حتى يجلس. فإذا جلس غمرته الرحمة. فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي. وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح)).
- حدثنا محمد بن بشار. حدثنا يوسف بن يعقوب. حدثنا أبو سنان القسلمي، عن عثمان بن أبي سودة، عن أبي هريرة؛ قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من عاد مريضا نادى مناد من السماء: طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا)).
-حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عقبة بن خالد السكوني، عن موسى بن محمد ابن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري؛ قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل. فإن ذلك لا يرد شيئا. وهو يطيب بنفس المريض)).
- حدثنا الحسن بن علي الخلال. حدثنا صفوان بن هبيرة. حدثنا أبو مكين، عن عكرمة، عن ابن عباس؛
- أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلا فقال: ((ما تشتهي؟)) قال: أشتهي خبز بر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان عنده خبز بز فليبعث إلى أخيه)) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا، فليطعمه)).
في الزوائد: في إسناده صفوان بن هبيرة، ذكره ابن حبان في الثقات. وقال النفيلي: لا يتابع على حديثه. قلت: وقال في تقريب التهذيب: لين الحديث.
- حدثنا سفيان بن وكيع. حدثنا أبو يحيى الحماني، عن الأعمش، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك؛ قال:
- دخل النبي صلى الله عليه وسلم على مريض يعوده. فقال: ((أتشتهي شيئا؟ أتشتهي كعكا؟)) قال: نعم. فاطلبوا له.
في الزوائد: إسناده ضعيف، لضعف يزيد بن أبان الرقاشي.
- حدثنا جعفر بن مسافر. حدثني كثير بن هشام. حدثنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن عمر بن الخطاب؛ قال:
- قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخلت على مريض فمره أن يدعو لك. فإن دعاءه كدعاء الملائكة)).(1/46)
في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. إلا أنه منقطع. قال العلامي في المراسيل والمزي: في رواية ميمون بن مهران عن عمر ثلمة. اهـ.
وفي الأذكار للنووي: ميمون لم يدرك عمر.
ابن ماجه في كتاب الجنائز
أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال حدثنا حرملة بن يحيى قال حدثنا بن وهب قال أخبرني حيوة بن شريح أن بشير بن أبي عمرو الخولاني أخبره أن الوليد بن قيس التجيبي حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة من عاد مريضا وشهد جنازة وصام يوما وراح يوم الجمعة وأعتق رقبة ابن حبان في كتاب الصلاة
ذكر الخصال التي إذا استعملها المرء كان ضامنا بها على الله جل وعلا
أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا أبي قال حدثنا الليث بن سعد عن الحارث بن يعقوب عن قيس بن رافع القيسي عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من جاهد في سبيل الله كان ضامنا على الله ومن عاد مريضا كان ضامنا على الله ومن غدا إلى مسجد أو راح كان ضامنا على الله ومن دخل على إمام يعززه كان ضامنا على الله ومن جلس في بيته لم يغتب إنسانا كان ضامنا على الله ابن حبان في كتاب البر والإحسان
باب ما جاء في زيارة الإخوان.
- حدثنا محمد بن بشار والحسين بن أبي كبشة البصري قالا: حدثنا يوسف بن يعقوب السدوسي أخبرنا أبو سنان القسماني عن عثمان بن أبي سودة عن أبي هريرة قال: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا) .
هذا حديثٌ غريبٌ وأبو سنان اسمه عيسى بن سنان وقد روى حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من هذا
الترمذي في. أبواب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/47)
**أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن حمشاذ العدل ثنا عبيد بن شريك البزار ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث بن سعد عن الحارث بن يعقوب عن قيس بن رافع القيسي عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو رضى الله تعالى عنهما أنه مر بمعاذ بن جبل رضى الله تعالى عنه وهو قاعد على بابه يشير بيده كأنه يحدث نفسه فقال له عبد الله ما شأنك يا أبا عبد الرحمن تحدث نفسك قال وما لي يريد عدو الله أن يلهيني عن كلام سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مكابد دهرك الآن في بيتك ألا تخرج إلى المجلس فتحدث وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من جاهد في سبيل الله كان ضامنا على الله ومن جلس في بيته لا يغتاب أحدا بسوء كان ضامنا على الله ومن عاد مريضا كان ضامنا على الله ومن غدا إلى المسجد وراح كان ضامنا على الله ومن دخل على إمام يعزره كان ضامنا على الله فيريد عدو الله أن يخرجه من بيتي إلى المجلس
باب فضل العيادة
* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه إملاء أنبأ إسماعيل بن قتيبة ثنا يحيى بن يحيى أنبأ هشيم عن خالد عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى وقال أيوب عن أبي قلابة مخرفة الجنة
* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا محمد بن رجاء بن السندي ثنا أبو الربيع الزهراني ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال عائد المريض في مخرفة الجنة رواه مسلم في الصحيح عن أبي الربيع ورواه وهيب عن أيوب فقال عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد حتى يرجع وخالفهما عاصم الأحول عن أبي قلابة في إسناده(1/48)
* أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنبأ أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو ثنا سعيد بن مسعود أنبأ يزيد بن هارون ح وأخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار ثنا محمد بن عبد الملك بن مروان ثنا يزيد بن هارون أنبأ عاصم يعني الأحول عن عبد الله بن زيد يعني أبا قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنة فقيل يا رسول الله وما خرفة الجنة قال جناها لفظ حديث بن بشران رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب عن يزيد بن هارون وأخرجه أيضا عن سويد بن سعيد عن مروان بن معاوية عن عاصم وكذلك قاله حماد بن سلمة عن عاصم
- وخالفهما شعبة وثابت أبو زيد فقالا عن عاصم عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عائد المريض في خرافة الجنة حتى يرجع أخبرناه أبو بكر بن فورك أنبأ عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة وثابت أبو زيد فذكره ولم يذكر أبا الأشعث في إسناده ورواية يزيد ومروان أصح فقد رواه أبو عفان أيضا عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن أبي أسماء
* أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار ببغداد أنبأ الحسين بن يحيى بن عياش القطان ثنا إبراهيم بن مجشر ثنا هشيم عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري عن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا لم يزل يخوض في الرحمة حتى يجلس فإذا جلس يغمس فيها(1/49)
* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال جاء أبو موسى الأشعري يعود الحسن بن علي رضى الله تعالى عنهما فقال له رضى الله تعالى عنه أعائدا أم شامتا فقال بل عائدا فقال علي رضى الله تعالى عنه فإن كنت جئت عائدا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أتى الرجل أخاه يعوده مشى في خرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان عشيا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وخالفه شعبة فرواه عن الحكم عن عبد الله بن نافع عن علي رضى الله تعالى عنه مرة مرفوعا ومرة موقوفا
* أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنبأ أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي بمكة ثنا أبو يحيى عبد الله بن أحمد بن زكريا ثنا عبد الله بن يزيد المقري ثنا شعبة عن الحكم عن عبد الله بن نافع قال جاء أبو موسى الأشعري يعود الحسن بن علي رضى الله تعالى عنهما فقال له علي رضى الله تعالى عنه أجئت عائدا أم زائرا فقال أبو موسى جئت عائدا فقال له علي رضى الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا بكرة شيعه سبعون ألف ملك كلهم يستغفر له حتى يمسي وكان له خريف في الجنة وإن عاده مساء شيعه سبعون ألف ملك كلهم يستغفر له حتى يصبح وكان له خريف في الجنة وكذلك رواه محمد بن أبي عدي عن شعبة مرفوعا ورواه محمد بن أبي كثير عن شعبة موقوفا
* وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد الفاكهي ثنا أبو يحيى بن أبي مسرة فذكر الحديث بنحوه وزاد قال قال لي بن أبي مسرة ثم وقفه المقرئ بعد ذلك على علي رضى الله تعالى عنه ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم وقال بلغني أن عبد الملك الجدي يقفه وهو أحفظ مني
باب السنة في تكرير العيادة(1/50)
* أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت لما أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق رماه رجل في الأكحل فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن نمير
البيهقي في كتاب السير
حدثنا هشيم عن بشير قال أخبرنا خالد عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من عاد مريضا لم يزل في خرقة الجنة حتى يرجع " .ابن أبي شيبة فب كتاب الجنائز
يزيد بن هارون قال أخبرنا بن حازم قال حدثنا بشار بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غطيف عن أبي عبيدة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من عاد مريضا أو أنفق على أهله أو ماز أذى عن طريق فحسنة بعشرة أمثالها ) ابن أبي شيبة فب كتاب الادب
حدثنا علي بن حمشاذ العدل ثنا عبيد بن شريك البزار ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث بن سعد عن الحارث بن يعقوب عن قيس بن رافع القيسي عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو أنه مر بمعاذ بن جبل وهو قاعد على بابه يشير بيده كأنه يحدث نفسه فقال له عبد الله ما شانك يا أبا عبد الرحمن تحدث نفسك قال وما لي يريد عدو الله أن يلهيني عن كلام سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تكابد وهرك الأدمي الا تخرج إلى المسجد فتحدث وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من جاهد في سبيل الله كان ضامنا على الله ومن جلس في بيته لا يغتاب أحدا بسوء كان ضامنا على الله ومن عاد مريضا كان ضامنا على الله ومن غدا إلى المسجد أو راح كان ضامنا على الله ومن دخل على إمام يعزره كان ضامنا على الله فيريد عدو الله أن يخرجني من بيتي إلى المجلس هذا حديث رواته مصريون ثقات ولم يخرجاه(1/51)
الحاكم في كتاب الرقى والتمائم
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان العامري ثنا عبد الله بن نمير ثنا أبو خالد بن يزيد بن عبد الرحمن الدالاني وحدثنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شعبة عن يزيد بن أبي خالد عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك إلا عافاه الله من ذلك المرض هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بعد أن اتفقا على حديث المنهال بن عمرو بإسناده كان يعوذ الحسن والحسين
الحاكم في كتاب الصلاة(1/52)
**أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا سعد بن عبد الله بن عبد الحكيم بن اعين بخبر غريب غريب ثنا أبي ثنا الليث بن سعد عن الحارث بن يعقوب عن قيس بن رافع القيسي عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو أن عبد الله بن عمرو مر بمعاذ بن جبل وهو قائم على بابه يشير بيده كأنه يحدث نفسه فقال له عبد الله ما شأنك يا أبا عبد الرحمن تحدث نفسك قال وما لي أيريد عدو الله أن يلهيني عن كلام سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تكابد دهرك الآن في بيتك ألا تخرج إلى المجلس فتحدث فأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من جاهد في سبيل الله كان ضامنا على الله ومن عاد مريضا كان ضامنا على الله ومن غدا إلى المسجد أو راح كان ضامنا على الله ومن دخل على إمام يعوده كان ضامنا على الله ومن جلس في بيته لم يغتب أحدا بسوء كان ضامنا عأخبرنا الحسن بن يعقوب العدل ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا يزيد بن هارون أنبأ الحجاج بن أرطأة عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا فقال أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبعا عوفي إن لم يكن حضر أجله وقد رواه أبو خالد الدالاني وميسرة بن حبيب النهدي عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن بن عباس أما حديث خالد
** فأخبرناه عبد الرحمن بن الحسن القاضي ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شعبة وحدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن يزيد بن أبي خالد الدالاني قال سمعت المنهال بن عمرو يحدث عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من عبد مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله فيقول سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عوفي وأما حديث ميسرة بن حبيب(1/53)
** حدثنا أبو بكر بن أبي دارم الحافظ بالكوفة ثنا أحمد بن موسى ثنا الأشجعي عن شعبة عن ميسرة النهدي عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل على مريض لم يحضر أجله فقال أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عوفي
الحاكم في كتاب الطب
**حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا شعبة عن الحكم عن عبد الله بن نافع قال:
-عاد أبو موسى الأشعري الحسن بن علي فقال له علي رضي الله عنه: أعائدا جئت أم زائرا فقال أبو موسى: بل جئت عائدا فقال علي رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من عاد مريضا بكرا شيعه سبعون ألف ملك كلهم يستغفر له حتى يمسي وكان له خريف في الجنة وإن عاده مساء شيعه سبعون ألف ملك كلهم يستغفر له حتى يصبح وكان له خريف في الجنة.
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم عن عبد الله بن نافع قال:
-عاد أبو موسى الأشعري الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له علي رضي الله عنه: أعائدا جئت أم زائرا قال: لا بل جئت عائدا قال علي رضي الله عنه: أما إنه ما من مسلم يعود مريضا إلا خرج معه سبعون ألف ملك كلهم يستغفر له إن كان مصبحا حتى يمسي وكان له خريفا في الجنة وإن كان ممسيا خرج معه سبعون ألف ملك كلهم يستغفرون له حتى يصبح وكان له خريفا في الجنة. أحمد في مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن زيد بن خالد قال: سمعت المنهال بن عمرو يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
-ما من عبد مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله فيقول سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عوفي.(1/54)
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو معاوية حدثنا حجاج عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحرث عن ابن عباس قال أبو معاوية: أراه رفعه قال:
-من عاد مريضا فقال: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات شفاه الله إن كان قد أخر يعني في أجله قال عبد الله قال أبي وحدثنا يزيد لم يشك في رفعه ووافقه على الاسناد . أحمد في مسند أهل البيت رضوان الله عليهم أجمعين
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا هشيم عن عبد الحميد بن جعفر عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال:
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا لم يزل يخوض في الرحمة حتى يرجع فإذا جلس اغتمس فيها. أحمد في مسند جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن الحرث بن يزيد عن علي بن رباح عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن معاذ قال:
-عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمس من فعل منهن كان ضامنا على الله من عاد مريضا أو خرج مع جنازة أو خرج غازيا في سبيل الله أو أدخل على إمام يريد بذلك تعزيره وتوقيره أو قعد في بيته فيسلم الناس منه ويسلم. أحمد في مسند الأنصار رضي الله عنهملى الله فيريد عدو الله أن يخرجني من بيتي إلى المجلس ابن خزيمة في كتاب الإمامة في الصلاة وما فيها من السنن
باب المعتكف يعود المرض
ـ حدثنا عبد اللّه بن محمد النفيلي ومحمد بن عيسى قالا: ثنا عبد السلام بن حرب، أخبرنا الليث بن أبي سُلَيم، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قال النفيليُّ قالت:
كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف فيمرُّ كما هو، ولا يُعَرِّجُ يسأل عنه، وقال ابن عيسى قالت: إن كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يعود المريض وهو معتكف.
ـ حدثنا وهب بن بقية، أخبرنا خالد، عن عبد الرحمن يعني ابن إسحاق عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنها قالت:(1/55)
السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازةً، ولا يمسَّ امرأةً ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لابُدَّ منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع
قال أبو داود: غير عبد الرحمن بن إسحاق لايقول فيه: "قالت: السنة".
قال أبو داود: جعله قول عائشة. سنن أبي داود
قال ابن حجر ووقع عند أبي داود من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت السنة على المعتكف عن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة الالما لا بد منه قال أبو داود غير عبد الرحمن لا يقول فيه البتة وجزم الدارقطني بان القدر الذي من حديث عائشة قولها لا يخرج إلا لحاجة وما عداه ممن دونها وروينا عن على والنخعي والحسن البصري أن شهد المعتكف جنازة أو عاد مريضا أو خرج للجمعة بطل اعتكافه وبه قال الكوفيون وابن المنذر في الجمعة وقال الثوري والشافعي وإسحاق أن شرط شيئا من ذلك في ابتداء اعتكافه لم يبطل اعتكافه بفعله وهو رواية عن أحمد
++الزيارة، ومن زار قوما فطعم عندهم.
وزار سلمان أبا الدرداء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأكل عنده.
- حدثنا محمد بن سلام: أخبرنا عبد الوهاب، عن خالد الحذاء، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار أهل بيت في الأنصار، فطعم عندهم طعاماً، فلما أراد أن يخرج، أمر بمكان من البيت فنضح له على بساط، فصلى عليه ودعا لهم.(1/56)
+++قوله باب الزيارة أي مشروعيتها ومن زار قوما فطعم عندهم أي من تمام الزيارة أن يقدم للزائر ما حضر قاله بن بطال وهو مما يثبت المودة ويزيد في المحبة قلت وقد ورد في ذلك حديث أخرجه الحاكم وأبو يعلى من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير قال دخل على جابر نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقدم إليهم خبزا وخلا فقال كلوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نعم الأدام الخل انه هلاك بالرجل أن يدخل إليه النفر من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليهم وهلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم
وورد في فضل الزيارة أحاديث منها عند الترمذي وحسنه وصححه بن حبان من حديث أبي هريرة رفعه من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا وله شاهد عند البزار من حديث أنس بسند جيد وعند مالك وصححه بن حبان من حديث معاذ بن جبل مرفوعا حقت محبتي للمتزاورين في الحديث وأخرجه أحمد بسند صحيح من حديث عتبان بن مالك وعند الطبراني من حديث صفوان بن عسال رفعه من زار أخاه المؤمن خاض في الرحمة حتى يرجع قوله وزار سلمان أبا الدرداء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأكل عنده هو طرف من حديث لأبي جحيفة تقدم مستوفى مشروحا في كتاب الصيام
4-- ماز أذى عن طريق
مسلم + النووي
باب فضل إزالة الأذى عن الطريق
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ سُمَيَ، مَوْلىَ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَىَ الطّرِيقِ، فَأَخّرَهُ. فَشَكَرَ اللّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ"(1/57)
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَرّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَىَ ظَهْرِ طَرِيقٍ. فَقَالَ: وَاللّهِ لأُنَحّيَنّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُؤْذِيهِمْ. فَأُدْخِلَ الْجَنّةَ"
*حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ. حَدّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلّبُ فِي الْجَنّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطّرِيقِ. كَانَتْ تُؤْذِي النّاسَ"
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ شَجَرَةً كَانَتْ تُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَطَعَهَا. فَدَخَلَ الْجَنّةَ"
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَمعَةَ. حَدّثَنِي أَبُو الوَازِعِ. حَدّثَنِي أَبُو بَرْزَةَ. قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيّ اللّهِ عَلّمْنِي شَيْئاً أَنْتَفِعُ بِهِ. قَالَ "اعْزِلِ الأَذَىَ عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ"(1/58)
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ عَنْ أَبِي الْوَازِعِ الرّاسِبيّ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ أَنّ أَبَا بَرْزَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي لاَ أَدْرِي. لَعَسَىَ أَنْ تَمْضِيَ وَأَبْقَىَ بَعْدَكَ. فَزَوّدْنِي شَيْئاً يَنْفَعُنِي اللّهُ بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "افْعَلْ كَذَا. افْعَلْ كَذَا (أَبُو بَكْرٍ نَسِيَهُ) وَأَمِرّ الأَذَىَ عَنِ الطّرِيقِ".
هذه الأحاديث المذكورة في الباب ظاهرة في فضل إزالة الأذى عن الطريق، سواء كان الأذى شجرة تؤذي، أو غصن شوك، أو حجراً يعثر به، أو قذراً أو جيفة وغير ذلك، وإماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان كما سبق في الحديث الصحيح، وفيه التنبيه على فضيلة كل ما نفع المسلمين وأزال عنهم ضرراً. قوله صلى الله عليه وسلم: "رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق" أي يتنعم في الجنة بملاذها بسبب قطعه الشجرة.
قوله: (عن أبان بن صمعة قال حدثني أبو الوازع) أما أبان فقد سبق في مقدمة الكتاب أنه يجوز صرفه وتركه والصرف أجود وهو قول الأكثرين، وصمعة بصاد مهملة مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم عين مهملة قيل إن أبانا هذا هو والد عتبة الغلام الزاهد المشهور، وأبو الوازع بالعين المهملة اسمه جابر بن عمرو الراسي بكسر السين المهملة وبعدها باء موحدة وهي نسبة إلى بني راسب قبيلة معروفة نزلت البصرة. قوله صلى الله عليه وسلم: "وأمر الأذى عن الطريق" هكذا هو في معظم النسخ، وكذا نقله القاضي عن عامة الرواة بتشديد الراء ومعناه أزله وفي بعضها وأمز بزاي مخففة وهي بمعنى الأول
إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب اليمان
حدثنا زهير بن حرب. حدثنا جرير، عن سهيل، عن عبدالله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال:(1/59)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وستون شعبة. فأفضلها قول لا إله إلا الله. وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان" .مسلم
قال النووي رحمه الله
والبضع في العدد ما بين الثلاث والعشر، وقيل: من ثلاث إلى تسع. وقال الخليل: البضع سبع، وقيل: ما بين اثنين إلى عشرة، وما بين اثني عشر إلى عشرين، ولا يقال في اثني عشر. قلت: وهذا القول هو الأشهر الأظهر. وأما الشعبة فهي القطعة من الشيء، فمعنى الحديث بضع وسبعون خصلة. قال القاضي عياض رحمه الله: وقد تقدم أن تقدم أن أصل الإيمان في اللغة التصديق. وفي الشرع تصديق القلب واللسان. وظواهر الشرع تطلقه على الأعمال كما وقع هنا، أفضلها لا إلَه إلا الله، وآخرها إماطة الأذى عن الطريق، وقد قدمنا أن كمال الإيمان بالأعمال، وتمامه بالطاعات، وأن التزام الطاعات وضم هذه الشعب من جملة التصديق ودلائل عليه، وأنها خلق أهل التصديق، فليست خارجة عن اسم الإيمان الشرعي ولا اللغوي، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على أن أفضلها التوحيد المتعين على كل أحد، والذي لا يصح شيء من الشعب إلا بعد صحته، وأدناها ما يتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم، وبقي بين هذين الطرفين إعداد لو تكلف المجتهد تحصيلها بغلبة الظن وشدة التتبع لأمكنه، وقد فعل ذلك بعض من تقدم، وفي الحكم بأن ذلك مراد النبي صلى الله عليه وسلم صعوبة، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها، ولا يقدح جهل ذلك في الإيمان، إذ أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة، والإيمان بأنها هذا العدد واجب في الجملة، هذا كلام القاضي رحمه الله. وقال الإمام الحافظ أبو حاتم بن حبان بكسر الحاء: تتبعت معنى هذا الحديث مدة وعددت الطاعات فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئا كثيرا، فرجعت إلى السنن فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فرجعت إلى كتاب الله تعالى فقرأته بالتدبر وعددت(1/60)
كل طاعة عدها الله تعالى من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنن وأسقطت المعاد فإذا كل شيء عده الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم من الإيمان تسع وسبعون شعبة لا يزيد عليها ولا تنقص، فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العدد في الكتاب والسنن. وذكر أبو حاتم رحمه الله جميع ذلك في كتاب وصف الإيمان وشعبه، وذكر أن رواية من روى بضع وستون شعبة أيضا صحيحة، فإن العرب قد تذكر للشيء عددا ولا تريد نفي ما سواه، وله نظائره أوردها في كتابه منها في أحاديث الإيمان والإسلام، والله تعالى أعلم.
----حدثنا أبو كريب، أخبرنا وكيع عن سفيان عن سهيل ابن أبي صالح عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- "الايمان بضع وسبعون بابا فأدناها اماطة الأذى عن الطريق وأرفعها قول لا إله إلا الله". هذا حديث حسن صحيح. وهكذا روى سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وروى عمارة ابن غزية هذا الحديث عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
- "الايمان أربعة وستون بابا" . الترمذي
أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا أبو داود عن سفيان قال: وحدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان عن سهيل عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها لا إله إلا الله وأوضعها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. النسائي(1/61)
-أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حدثنا جرير حدثنا سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الإيمان بضع وستون شعبة أو بضع وسبعون شعبة فأرفعها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان قال أبو حاتم أشار النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر إلى الشيء الذي هو فرض على المخاطبين في جميع الأحوال فجعله أعلى الإيمان ثم أشار إلى الشيء الذي هو نفل للمخاطبين في كل الأوقات فجعله أدنى الإيمان فدل ذلك على أن كل شيء فرض على المخاطبين في كل الأحوال وكل شيء فرض على بعض المخاطبين في بعض الأحوال وكل شيء هو نفل للمخاطبين في كل الأحوال كله من الإيمان وأما الشك في أحد العددين فهو من سهيل بن أبي صالح في الخبر كذلك قاله معمر عن سهيل وقد رواه سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح مرفوعا وقال الإيمان بضع وستون شعبة ولم يشك وإنما تنكبنا خبر سليمان بن بلال في هذا الموضع واقتصرنا على خبر سهيل بن أبي صالح لنبين أن الشك في الخبر ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو كلام سهيل بن أبي صالح كما ذكرنا
ابن حبان
وأخرج الامام جلال الدين السيوطي في الجامع الصغير الحديث التالي وعزاه للبخاري في الأدب المفرد
(من أماط أذى عن طريق المسلمين كتب له حسنة،ومن تقبلت منه حسنة دخل الجنة) عن معقل بن يسار
شرح فيض القدير الامام محمد عبد الرؤوف المناوي
(من أماط الأذى) من نحو شوك وحجر (من طريق المسلمين) المسلوك (كتب له) به (حسنة ومن تقبلت منه حسنة دخل الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب على ما مر نظيره.(1/62)
- (خد) من حديث المستنير بن الأخضر بن معاوية بن قرة عن أبيه عن جده (عن معقل بن يسار) قال معاوية: كنت مع معقل في بعض الطرقات فمر بأذى فأماطه فرأيت مثله فنحيته فقال: ما حملك على ذلك قلت: رأيتك صنعت فصنعت فقال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي: سنده حسن اهـ. ومن ثم رمز المصنف لحسنه.
5- والصوم جنة
حدثنا أبو نعيم: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جُنَّة، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه، ولَخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك البخاري
باب: فضل الصوم.
- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل إني صائم - مرتين - والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها). البخاري
قال ابن حجر(1/63)
قوله الصيام جنة زاد سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد جنة من النار وللنسائي من حديث عائشة مثله وله من حديث عثمان بن أبي العاص الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال ولأحمد من طريق أبي يونس عن أبي هريرة جنة وحصن حصين من النار وله من حديث أبي عبيدة بن الجراح الصيام جنة ما لم يخرقها زاد الدارمي بالغيبة وبذلك ترجم له هو وأبو داود والجنة بضم الجيم الوقاية والستر وقد تبين بهذه الروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار وبهذا جزم بن عبد البر وأما صاحب النهار النهاية فقال معنى كونه جنة أي يقى صاحبه ما يؤذيه من الشهوات وقال القرطبي جنة أي سترة يعني بحسب مشروعيته فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص ثوابه واليه الإشارة بقوله فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث الخ ويصح أن يراد أنه سترة بحسب فائدته وهو إضعاف شهوات النفس واليه الإشارة بقوله يدع شهوته الخ ويصح أن يراد أنه سترة بحسب ما يحصل من الثواب وتضعيف الحسنات وقال عياض في الإكمال معناه ستره من الاثام أو من النار أو من جميع ذلك وبالاخير جزم النووي وقال بن العربي إنما كان الصوم جنة من النار لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترا له من النارفي الآخرة وفي زيادة أبي عبيدة بن الجراح إشارة إلى أن الغيبة تضر بالصيام وقد حكى عن عائشة وبه قال الأوزاعي إن الغيبة تفطر الصائم وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم وافرط بن جزم فقال يبطله كل معصية من متعمد لها ذاكر لصومه سواء كانت فعلا أو قولا لعموم قوله فلا يرفث ولا يجهل ولقوله في الحديث الاتى بعد أبواب من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه والجمهور وإن حملوا النهى عن التحريم الا إنهم خصوا الفطر بالأكل والشرب والجماع وأشار بن عبد البر إلى ترجيح الصيام على غيره من العبادات فقال حسبك بكون الصيام جنة من النار(1/64)
فضلا وروى النسائي بسند صحيح عن أبي إمامة قال قلت يا رسول الله مرني بأمر آخذه عنك قال عليك بالصوم فإنه لا مثل له وفي رواية لا عدل له والمشهور عند الجمهور ترجيح الصلاة قوله فلا يرفث أي الصائم كذا وقع مختصرا وفي الموطأ الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث الخ ويرفث بالضم والكسر ويجوز في ماضيه التثليث والمراد بالرفث هنا وهو بفتح الراء والفاء ثم المثلثة الكلام الفاحش وهو يطلق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء أو مطلقا ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها قوله ولا يجهل أي لا يفعل شيئا من افعال أهل الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك ولسعيد بن منصور من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه فلا يرفث ولا يجادل قال القرطبي لا بفهم من هذا أن غير الصوم يباح فيه ما ذكر وإنما المراد أن المنع من ذلك يتاكد بالصوم قوله وأن امرؤ بتخفيف النون قاتله أو شاتمه وفي رواية صالح فإن سابه أحد أو قاتله ولأبي قرة من طريق سهيل عن أبيه وأن شتمه إنسان فلا يكلمه ونحوه في رواية هشام عن أبي هريرة عند أحمد ولسعيد بن منصور من طريق سهيل فإن سابه أحد اوماراه أي جادله ولابن خزيمة من طريق عجلان مولى المشمعل عن أبي هريرة فإن سابك أحد فقل أني صائم وأن كنت قائما فاجلس ولأحمد والترمذي من طريق بن المسيب عن أبي هريرة فإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم وللنسائي من حديث عائشة وأن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه واتفق الروايات كلها على أنه يقول أني صائم فمنهم من ذكرها مرتين ومنهم من اقتصر على واحدة وقد استشكل ظاهره بان المفاعلة تقتضي وقوع الفعل من الجانبين والصائم لا تصدر منه الأفعال التي رتب عليها الجواب خصوصا المقاتلة والجواب عن ذلك أن المراد بالمفاعلة التهيؤ لها أي أن تهيا أحد لمقاتلته أو مشاتمته فليقل أني صائم فإنه إذا قال ذلك أمكن أن يكف عنه فإن اصر دفعه بالأخف فالاخف كالصائل هذا فيمن يروم مقاتلته حقيقة فإن كان(1/65)
المراد بقوله قاتله شاتمه لأن القتل يطلق على اللعن واللعن من جملة السب ويؤيده ما ذكرت من الألفاظ المختلفة فإن حاصلها يرجع إلى الشتم فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله بل يقتصر على قوله أني صائم واختلف في المراد بقوله فليقل أني صائم هل يخاطب بها الذي يكلمه بذلك أو يقولها في نفسه وبالثانى جزم المتولى ونقله الرافعي عن الأئمة ورجع النووي الأول في الأذكار وقال في شرح المهذب كل منهما حسن والقول باللسان أقوى ولو جمعهما لكان حسنا ولهذا التردد أتى البخاري في ترجمته كما سيأتي بعد أبواب بالاستفهام فقال باب هل يقول أني صائم إذا شتم وقال الروياني أن كان رمضان فليقل بلسانه وأن كان غيره فليقله في نفسه وادعى بن العربي أن موضع الخلاف في التطوع وأما في الفرض فيقوله بلسانه قطعا وأما تكرير قوله أني صائم فليتأكد الانزجار منه أو ممن يخاطبه بذلك ونقل الزركشي أن المراد بقوله فليقل أني صائم مرتين يقوله مرة بقلبه ومرة بلسانه فيستفيد بقوله بقلبه كف لسانه عن خصمه وبقوله بلسانه كف خصمه عنه وتعقب بان القول حقيقة باللسان وأجيب بأنه لا يمنع المجاز وقوله قاتله يمكن حمله على ظاهره ويمكن أن يراد بالقتل لعن يرجع إلى معنى الشتم ولا يمكن حمل قاتله وشاتمه على المفاعلة لأن الصائم مأمور بان يكف نفسه عن ذلك فكيف يقع ذلك منه وإنما المعنى إذا جاءه متعرضا لمقاتلته أو مشاتمته كان يبدأه بقتل أو شتم اقتضت العادة أن يكافئه عليه فالمراد بالمفاعلة إرادة غير الصائم ذلك من الصائم وقد تطلق المفاعلة على التهيؤ لها ولو وقع الفعل من واحد وقد تقع المفاعلة بفعل الواحد كما يقال لواحد عالج الأمر وعافاه الله وأبعد من حمله على ظاهره فقال المراد إذا بدرت من الصائم مقابلة الشتم بالشتم على مقتضى الطبع فلينزجر عن ذلك ويقول أني صائم ومما يبعده قوله في الرواية الماضية فإن شتمه شتمه والله أعلم وفائدة قوله أني صائم أنه يمكن أن يكف عنه(1/66)
بذلك فإن اصر دفعه بالأخف فالاخف كالصائل هذا فيمن يروم مقاتلته حقيقة فإن كان المراد بقوله قاتله شاتمه فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله بل يقتصر على قوله أني صائم.
++
1****حدثنا محمد بن أبي عمر العدني. حدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن معاذ جبل؛ قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر. فأصبحت يوما قريبا منه، ونحن نسير. فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال:
((لقد سألت عظيما. وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئا. وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت)) ثم قال ((ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة. والصدقة تطفيء الحطيئة، كما يطفيء النار الماء. وصلاة الرجل في جوف الليل)). ثم قرأض - تتجافى جنوبهم عن المضاجع - حتى بلغ - جزاء بما كانوا يعملون - ثم قال ((ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ الجهاد)) . ثم قال ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟)) قلت: بلى. فأخذ بلسانه فقال ((تكف عليك هذا)) قلت: يانبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال ((ثكلتك أمك يامعاذ! هل يكب الناس على وجوههم في النار، إلا حصائد ألسنتهم؟)). ابن ماجه
2***أخبرنا أبو نعيم ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصوم جنة الدارمي(1/67)
3***أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع السختياني حدثنا هدبة بن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا كعب بن عجرة أعيذك بالله من إمارة السفهاء إنها ستكون أمراء من دخل عليهم فأعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم فليس مني ولست منه ولن يرد علي الحوض ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض يا كعب بن عجرة الصلاة قربان والصوم جنة والصدقة تطفيء الخطية كما يطفئ الماء النار والناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتق رقبته وموبقها يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت
قال أبو حاتم رضى الله تعالى عنه قوله صلى الله عليه وسلم ليس مني ولست منه يريد ليس مثلي ولست مثله في ذلك الفعل والعمل وهذه لفظة مستعملة لأهل الحجاز وقوله لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت يريد به جنة دون جنة لأنها جنان كثيرة وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة ولد الزنى ولا يدخل العاق الجنة ولا منان يريد جنة دون جنة وهذا باب طويل سنذكره فيما بعد من هذا الكتاب إن قضى الله ذلك وشاء ابن حبان
أخبرنا أبو يعلى قال حدثنا أمية بن بسطام قال حدثنا معتمر بن سليمان قال سمعت عبد الملك بن أبى جميلة يحدث عن أبي بكر بن بشير عن كعب بن عجرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يا كعب بن عجرة انه لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت النار أولى به يا كعب بن عجرة الناس غاديان فغاد في فكاك نفسه فمعتقها وغاد موبقها يا كعب بن عجرة الصلاة قربان والصدقة برهان والصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا ابن حبان
ذكر البيان بأن الصوم جنة من النار للعبد يجتن به من النار(1/68)
- أخبرنا بن قتيبة حدثنا بن أبي السري حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال هذا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصيام جنة ابن حبان
-أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة يا كعب بن عجرة أعاذنا الله من امارة السفهاء قالوا يا رسول الله وما امارة السفهاء قال امراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردوا علي حوضي ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهم مني وأنا منهم وسيردون علي حوضي يا كعب بن عجرة الصوم جنة والصدقة تطفيء الخطيئة والصلاة برهان أو قال قربان يا كعب بن عجرة الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها وبائع نفسه فموبقها ابن حبان
4***-حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن هبيرة قال قال عبد الله الصوم جنة من النار كجنة الرجل إذا حمل من السلاح ما أطاق
- حدثنا ابن فضيل عن أبي سنان عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يقول إن الصوم لي وأنا أجزي به وإن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح وإذا لقي الله فرح والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " .
- حدثنا وكيع قال حدثنا الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ، للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، الصوم جنة الصوم جنة " .(1/69)
- حدثنا يزيد بن هارون عن مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن رجاء ابن حيوة عن أبي أمامة قال قلت يا رسول الله مرني بعمل أدخل به الجنة أو نحو ذلك فقال : " عليك بالصوم فإنه لا مثل له " قال فكان أبو أمامة لا يرى في بيته الدخان نهارا إلا إذا نزل به ضيف .
= خلوف الفم : رائحته بعد جوع النهار وتكون غير طيبة إجمالا . =ريح المسك : رائحة المسك ، وهي رائحة طيبة .
- حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال للجنة باب يدعى الريان يدخل فيه الصائمون قال فإذا دخل آخرهم أغلق .
- حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
- حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن واصل بن يسار بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غطيف قال دخلنا على أبي عبيدة فقال الصوم جنة ما لم يخرقها .
- حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا جرير بن حازم ثنا يسار بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غطيف قال دخلنا على أبي عبيدة بن الجراح في مرضه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الصوم جنة ما لم يخرقها " ابن أبي شيبة
-حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن هبيرة قال قال عبد الله الصوم جنة من النار كجنة الرجل إذا حمل من السلاح ما أطاق ابن أبي شيبة(1/70)
5***-حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه حدثنا محمد بن أحمد بن نصر الأزدي حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأعمش وأخبرنا أبو زكريا العنبري واللفظ له حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا إسحاق أنبأ جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت والحكم بن عتيبة عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ بن جبل رضى الله تعالى عنه قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وقد أصاب الحر فتفرق القوم حتى نظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقربهم مني قال فدنوت منه فقلت يا رسول الله أنبئني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألت عن عظيم وأنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال وإن شئت أنبأتك بأبواب الجنة قلت أجل يا رسول الله قال الصوم جنة والصدقة تكفر الخطيئة وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله قال ثم قرأ هذه الآية { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون } قال وإن شئت أنبأتك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه قال قلت أجل يا رسول الله قال أما رأس الأمر فالإسلام وأما عموده فالصلاة وأما ذروة سنامه فالجهاد في سبيل الله وإن شئت أنبأتك بملاك ذلك كله فسكت فإذا راكبان يوضعان قبلنا فخشيت أن يشغلاه عن حاجتي قال فقلت ما هو يا رسول الله قال فأهوى بإصبعه إلى فيه قال فقلت يا رسول الله وإنا لنؤاخذ بما نقول بألسنتنا قال ثكلتك أمك بن جبل هل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم
هذا لفظ حديث جرير ولم يذكر أبو إسحاق الفزاري في حديثه الحكم بن عتيبة هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه الحاكم
6***-حدثنا عبد الله بن أبي زياد أخبرنا عبيد الله بن موسى أخبرنا غالب أبو بشر عن أيوب بن عائذ الطائي عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن كعب بن عجرة قال:(1/71)
- قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ولا يرد على الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش ولم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، وسيرد على الحوض، يا كعب بن عجرة الصلاة برهان، والصوم جنة حصينة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، يا كعب بن عجرة، إنه لا يربولحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به".-- قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث عبيد الله بن موسى
واستغربه جدا. الترمذي
-حدثنا عمران بن موسى القزاز البصري أخبرنا عبد الوارث بن سعيد أخبرنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم يقول كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والصوم لي وأنا أجزي به والصوم جنة من النار، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم فليقل إني صائم".
--وفي الباب عن معاذ بن جبل وسهل بن سعد وكعب بن عجرة وسلامة بن قيصر وبشير بن الخصاصية. واسم بشير زحم بن معبد، والخصاصية هي أمه.
--قال أبو عيسى: وحديث أبي هريرة حديث حسن غريب من هذا الوجه. الترمذي
-حدثنا ابن أبي عمر، أخبرنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن عاصم ب حدثنا ابن أبي عمر، أخبرنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ بن جبل قال:(1/72)
- "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألتني عن عظيم وانه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ المار النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال: ثم تلا { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) } السجدة ثم قال: ألا أخبركم برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه: قلت: بلى يا رسول الله قال: رأس الأمر الاسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قلت بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا. فقلت: يا نبي الله وانا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، الا حصائد ألسنتهم". هذا حديث حسن صحيح. الترمذي
7***-أخبرنا محمد بن إسماعيل بن سمرة قال حدثنا المحاربي عن فطر أخبرني حبيب بن أبي ثابت عن الحكم بن عتيبة عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ بن جبل قال:
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوم جنة.
- أخبرنا إبراهيم بن الحسن عن حجاج قال ابن جريج أخبرني عطاء عن أبي صالح الزيات أنه سمع أبا هريرة يقول:
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوم جنة.
- وأخبرنا محمد بن حاتم أنبأنا سويد قال أنبأنا عبد الله عن ابن جريج قراءة عن عطاء قال أنبأنا عطاء الزيات أنه سمع أبا هريرة يقول:
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصيام جنة.(1/73)
- أخبرنا قتيبة قال حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن أبي هند:
أن مطرفا رجلا من بني عامر بن صعصعة حدثه أن عثمان بن أبي العاص دعا له بلبن ليسقيه فقال مطرف إني صائم فقال عثمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال.
- أخبرنا محمد بن يزيد الآدمي قال حدثنا معن عن خارجة بن سليمان عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
-الصيام جنة من النار فمن أصبح صائما فلا يجهل يومئذ وإن جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه وليقل إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
- أخبرنا محمد بن حاتم قال أنبأنا حبان قال أنبأنا عبد الله عن مسعر عن الوليد بن أبي مالك قال حدثنا أصحابنا عن أبي عبيدة قال:
-الصيام جنة ما لم يخرقها. النسائي
8***-حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن فورك أنبأ عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا جرير بن حازم عن بشار بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن عن غضيف بن الحارث قال سمعت أبا عبيدة رضى الله تعالى عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أنفق نفقة في سبيل الله فاضلة فسبعمائة ومن أنفق على نفسه أو قال على أهله أو عاد مريضا أوأماط أذى فالحسنة بعشر أمثالها والصوم جنة ما لم يخرقها ومن ابتلاه الله في جسده فله حطة(1/74)
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق ثنا يزيد بن هارون أنبأ جرير بن حازم ثنا بشار بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غطيف قال يزيد وأخبرنا هشام بن حسان عن واصل مولى أبي عيينة عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غطيف قال دخلنا على أبي عبيدة بن الجراح في مرضه الذي مات فيه وعنده امرأته تحيفه ووجهه مما يلي الحائط فقلنا كيف بات أبو عبيدة فقالت بات بأجر فالتفت إلينا فقال ما بت بأجر فساءنا ذلك وسكتنا فقال لا تسألون عما قلت فقلنا ما سرنا ذلك فنسألك عنه فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فسبعمائة ضعف ومن أنفق على نفسه أوأماط أذى عن الطريق أو تصدق بصدقة فحسنة بعشر أمثالها والصوم جنة ما لم يخرقها ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حطة
- وأخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي أنبأ أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم ثنا أحمد بن حازم أنبأ أبو غسان ثنا خالد بن عبد الله الواسطي أنبأ واصل مولى أبي عيينة عن بشار بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غطيف قال أتينا أبا عبيدة نعوده وعنده امرأة تحيفه قال فقلت كيف بات قال بات بأجر قال أبو عبيدة ما بت بأجر قال فسكت القوم فقال ألا تسألوني عن الكلمة قالوا ما أعجبنا ما قلت فنسألك قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبع مائة ومن أنفق نفقة على أهله أو ماز أذى عن طريق فالحسنة عشر أمثالها والصوم جنة ما لم يخرقها ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فله به حطة خطيئة قال خالد يعني تحط عنه ذنوبه البيهقي(1/75)
- أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان ببغداد ثنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان ثنا إسحاق بن الحسين الحربي ثنا عفان ثنا أبان ثنا يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض والصوم جنة والصبر ضياء والصدقه برهان والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها أخرجه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن منصور عن حبان بن هلال عن أبان بن يزيد العطار البيهقي
باب الاجتنان بالصوم من النار إذ الله عز وجل جعل الصوم جنة من النار نعوذ بالله من النار
9***- حدثنا محمد بن بشار نا روح بن عبادة ثنا بن جريج أخبرني عطاء عن أبي صالح الزيات عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الصوم جنة
- حدثنا محمد بن بشار نا بن أبي عدي قال أنبأنا محمد بن إسحاق حدثني سعيد وهو بن أبي هند عن مطرف قال دخلت على عثمان بن أبي العاص فدعا بلبن ليسقيه فقلت إني صائم فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال قال وصيام حسن صيام ثلاثة أيام من كل شهر ابي خزيمة
6-- ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حطة
مسلم + النووي
باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها
*حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا) جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ مَا رَأَيْتَ رَجُلاً أَشَدّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ مَكَانَ الْوَجَعُ وَجَعاً.(1/76)
*حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ أَخْبَرَنِي أَبِي. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ. ح وَحَدّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). كُلّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ. كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ. بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ، مِثْلَ حَدِيثِهِ
*حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُويْدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: دَخَلْتُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُوعَكُ. فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَجَلْ. إِنّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ" قَالَ: فَقُلْتُ: ذَلِكَ، أَنّ لَكَ أَجْرَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَجَلْ" ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذَىً مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ، إِلاّ حَطّ اللّهُ بِهِ سَيّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطّ الشّجَرَةُ وَرَقَهَا".
وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ زُهَيْرٍ: فَمَسَسْتُهُ بِيَدِي.(1/77)
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيّةَ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ: "نَعَمْ. وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا عَلَىَ الأَرْضِ مُسْلِمٌ".
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنْ جَرِيرٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: دَخَلَ شَبَابٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَىَ عَائِشَةَ، وَهِيَ بِمِنًى. وَهُمْ يَضْحَكُونَ. فَقَالَتْ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ قَالُوا: فُلاَنٌ خَرّ عَلَىَ طُنُبِ فُسْطَاطٍ، فَكَادَتْ عُنُقُهُ أَوْ عَيْنُهُ أَنْ تَذْهَبَ. فَقَالَتْ: لاَ تَضْحَكُوا. فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا، إِلاّ كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ".
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. (وَاللّفْظُ لَهُمَا). ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ الْحَنْظَلِيّ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا، إِلاّ رَفَعَهُ اللّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً".(1/78)
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُصِيبُ الْمُؤْمِنَ شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلاّ قَصّ اللّهُ بِهَا مِنْ خَطِيئَتِهِ".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الاْسْنَادِ.
*حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ إِلاّ كُفّرَ بِهَا عَنْهُ، حَتّىَ الشّوْكَةِ يُشَاكُهَا".حدّثنا أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ يَزيِدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ، حَتّىَ الشّوْكَةِ، إِلاّ قُصّ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ، أَوْ كُفّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ".
لاَ يَدْرِي يَزِيدُ أَيّتُهُمَا قَالَ: عُرْوَةُ.
*حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ. حَدّثَنَا ابْنُ الْهَادِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ، حَتّىَ الشّوْكَةِ تُصِيبُهُ، إِلاّ كَتَبَ اللّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، أَوْ حُطّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ".(1/79)
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْوَلَيِدِ ابْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلاَ نَصَبٍ، وَلاَ سَقَمٍ، وَلاَ حَزَنٍ، حَتّىَ الْهَمّ يُهَمّهُ إِلاّ كُفّرَ بِهِ مِنْ سَيّئَاتِهِ".
*حدّثنا قُتَيْيَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ(وَاللّفْظُ لِقُتَيْبَةَ) حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ، شيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، سَمِعَ مُحَمّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} (4 النساء 1). بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغاً شَدِيداً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَارِبُوا وَسَدّدُوا. فَفِي كُلّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفّارَةٌ. حَتّىَ النّكْبَةِ يُنْكَبُهَا. وَالشّوْكَةِ يُشَاكُهَا".
*حدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا الْحَجّاجُ الصّوّافُ. حَدّثَنِي أَبُو الزّبَيْرِ. حَدّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَىَ أُمّ السّائِبِ، أَوْ أُمّ الْمُسَيّبِ. فَقَالَ: "مَا لَكِ؟ يَا أُمّ السّائِبِ أَوْ يَا أُمّ الْمُسَيّبِ تُزَفْزِفِينَ؟" قَالَتِ: الْحُمّىَ. لاَ بَارَكَ اللّهَ فِيهَا. فَقَالَ "لاَ تَسُبّي الْحُمّىَ. فَإِنّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ. كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ".(1/80)
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ. حَدّثَنَا يَحَيَى بْنُ سَعِيدٍ وَ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضّلِ. قَالاَ: حَدّثَنَا عِمْرَانُ، أَبُو بَكُرٍ. حَدّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ. قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبّاسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ؟ قُلْتُ: بَلَىَ. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السّوْدَاءُ. أَتَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: إِنّي أُصْرَعُ. وَإِنّي أَتَكَشّفُ. فَادْعُ اللّهَ لِي. قَالَ "إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنّةُ. وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ". قَالَتْ: أَصْبِرُ. قَالَتْ: فَإِنّي أَتَكَشّفُ. فَادْعُ اللّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشّفَ، فَدَعَا لَهَا.
قولها: (ما رأيت رجلاً أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال العلماء الوجع هنا المرض والعرب تسمي كل مرض وجعاً.
قوله: (إنك لتوعك وعكاً شديداً) الوعك بإسكان العين قيل هو الحمى وقيل ألمها ومغثها، وقد وعك الرجل يوعك فهو موعوك. قوله: (يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية) هو بالغين المعجمة والنون.(1/81)
قوله: (إن عائشة رضي الله عنها قالت للذين ضحكوا ممن عثر بطنب فسطاط لا تضحكوا) فيه النهي عن الضحك من مثل هذا إلا أن يحصل غلبة لا يمكن دفعه، وأما تعمده فمذموم لأن فيه إشماتاً بالمسلم وكسراً لقلبه، والطنب بضم النون وإسكانها هو الحبل الذي يشد به الفسطاط وهو الخباء ونحوه، ويقال فستاط بالتاء بدل الطاء، وفساط بحذفها مع تشديد السين والفاء مضمومة ومكسورة فيهن فصارت ست لغات. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له درجة ومحيت عنه بها خطيئة" وفي رواية: "إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة" وفي بعض النسخ: "وحط عنه بها" وفي رواية: "إلا كتب الله له بها حسنة أو حطت عنه بها خطيئة". في هذه الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين فإنه قلما ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور، وفيه تكفير الخطايا بالأمراض والأسقام ومصايب الدنيا وهمومها وإن قلت مشقتها، وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور وزيادة الحسنات وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء، وحكى القاضي عن بعضهم أنها تكفر الخطايا فقط ولا ترفع درجة ولا تكتب حسنة، قال: وروي نحوه عن ابن مسعود قال: الوجع لا يكتب به أجر لكن تكفر به الخطايا فقط، واعتمد على الأحاديث التي فيها تكفير الخطايا ولم تبلغه الأحاديث التي ذكرها مسلم المصرحة برفع الدرجات وكتب الحسنات، قال العلماء: والحكمة في كون الأنبياء أشد بلاء ثم الأمثل فالأمثل أنهم مخصوصون بكمال الصبر وصحة الإحتساب ومعرفة أن ذلك نعمة من الله تعالى ليتم لهم الخير ويضاعف لهم الأجر ويظهر صبرهم ورضاهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا قص الله بها من خطيئته" هكذا هو في معظم النسخ قص وفي بعضها نقص وكلاهما صحيح متقارب المعنى.(1/82)
-قوله صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته" الوصب الوجع اللازم ومنه قوله تعالى: {ولهم عذاب واصب} أي لازم ثابت، والنصب التعب وقد نصب ينصب نصباً كفرح يفرح فرحاً ونصبه غيره وأنصبه لغتان، والسقم بضم السين وإسكان القاف وفتحهما لغتان، وكذلك الحزن والحزن فيه اللغتان ويهمه قال القاضي: هو بضم الياء وفتح الهاء على ما لم يسم فاعله، وضبطه غيره يهمه بفتح الياء وضم الهاء أي يغمه وكلاهما صحيح.
قوله: (عن ابن محيصن شيخ من قريش قال مسلم هو عمر بن عبد الرحمن بن محيصن) وهكذا هو في معظم نسخ بلادنا أن مسلماً قال هو عمر بن عبد الرحمن وفي بعضها هو عبد الرحمن، وكذا نقله القاضي عن بعد الرواة وهو غلط والصواب الأول، وميحصن بالنون في آخره، ووقع في بعض نسخ المغاربة بحذفها وهو تصحيف. قوله صلى الله عليه وسلم: "قاربوا" أي اقتصدوا فلا تغلوا ولا تقصروا بل توسطوا. "وسددوا" أي اقصدوا السداد وهو الصواب. قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى النكبة ينكبها" وهي مثل العثرة يعثرها برجله وربما جرحت أصبعه وأصل النكب الكب والقلب.
قوله صلى الله عليه وسلم: "مالك يا أم السائب تزفزفين" بزاءين معجمتين وفاءين والتاء مضمومة، قال القاضي: تضم وتفتح هذا هو الصحيح المشهور في ضبط هذه اللفظة، وادعى القاضي أنها رواية جميع رواة مسلم، ووقع في بعض نسخ بلادنا بالراء والفاء، ورواه بعضهم في غير مسلم بالراء والقاف معناه تتحركين حركة شديدة أي ترعدين، وفي حديث المرأة التي كانت تصرع دليل على أن الصرع يثاب عليه أكمل ثواب.
++ عبد اللّه بن محمد النفيلي وإبراهيم بن مهدي المصيصيّ، المعنى قالا: ثنا أبو المليح، عن محمد بن خالد، قال أبو داود: قال إبراهيم بن مهدي: السّلمي، عن أبيه، عن جده، وكانت له صحبة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:(1/83)
سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إنَّ العبد إذا سبقت له من اللّه منزلةٌ لم يبلغها بعمله ابتلاه اللّه في جسده، أو في ماله، أو في ولده" قال أبو داود: زاد ابن نفيل "ثمَّ صبره على ذلك" ثم اتفقا "حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من اللّه تعالى". أبو داود
باب المرض كفارة
- أخبرنا يزيد بن هارون ثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أحد من المسلمين يصاب ببلاء في جسده الا أمر الله الحفظة الذين يحفظونه ، فقال اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة مثل ما كان يعمل من الخير ما كان محبوسا في وثاقي
باب أجر المريض
- أخبرنا يعلى بن عبيدة حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فوضعت يدي عليه فقلت : يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا ، فقال إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قال : قلت : ذلك بأن لك أجرين قال أجل وما من مسلم يصيبه أذى مرض فما سواه إلا حط عنه من سيئاته كما تحط الشجرة ورقها الدارمي
-حدثنا أحمد بن محمد حدثنا عبد الله بن المبارك. حدثنا يونس بن أبي إسحاق. حدثنا أبو السفر قال:
- دق رجل من قريش سن رجل من الأنصار فاستعدى عليه معاوية فقال لمعاوية يا أمير المؤمنين إن هذا دق سني فقال معاوية: إنا سنرضيك وألح الآخر على معاوية فأبرمه، فقال له معاوية شأنك بصاحبك وأبو الدرداء جالس عنده. فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من رجل يصاب بشيء في جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه به خطيئة". فقال الأنصاري: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال سمعته أذناي ووعاه قلبي. قال: فإني أذرها له. فقال معاوية لا جرم لا أخيبك فأمر له بمال".(1/84)
هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ولا أعرف لأبي السفر سماعا من أبي الدرداء. وأبو السفر اسمه سعيد بن أحمد. ويقال ابن يحمد الثوري الترمذي
أخبرنا محمد بن عبد الله الزاهد ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا القرشي ثنا إسحاق بن كعب ثنا عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ما يزال البلاء بالمؤمن في جسده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه الحاكم
ذكر البيان بأن تواتر البلايا على المسلم قد لا تبقي عليه سيئة يناقش عليها في العقبي
- أخبرنا أبو خليفة قال حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وماله ونفسه حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة
ذكر الخبر الدال على أن ألفاظ الوعد التي ذكرناها لمن به المحن والبلايا إنما هي لمن حمد الله فيها دون من سخط حكمه
- أخبرنا الحسن بن سفيان قال حدثنا أبو كامل قال حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن عكرمة قال كان بن عباس يكثر أن يحدث بهذا الحديث أن ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حضرتها الوفاة فأخذها فجعلها بين يديه ثم احتضنها وهي تنزع حتى خرج نفسها وهو يبكي فوضعها فصاحت أم أيمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبكي فقالت ألا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبك فإنما هي رحمة المؤمن بكل خير تخرج نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله(1/85)
-حدثنا أبو بكر قال نا ابن عيينة عن ابن محيصن عن محمد بن قيس بن مخرمة عن أبي هريرة قال لما نزلت هذه الآية : * ( من يعمل سوء يجز به ) * شق على المسلمين وبلغ منهم وشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " قاربوا وسددوا وكل ما أصيب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها " .
= قاربوا : أحسنوا و اجعلوا حسناتكم متتابعة . سددوا : اجعلوا أعمالكم سدادا أي مستقيمة صالحة –
- حدثنا وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أحد من المسلمين يبتلى ببلاء في جسده إلا أمر الله الحفظة فقال : اكتبوا لعبدي ما كان يعمل وهو صحيح ما دام مشدودا في وثاقي ابن أبي شسية
-حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا محمد بن عبد الوهاب أنبأ يعلى بن عبيد ثنا طلحة بن يحيى عن بن بريدة عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر عنه من سيئاته هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه الحاكم
-أخبرني أحمد بن سهل الفقيه ببخارا حدثنا صالح بن محمد بن حبيب الحافظ حدثنا يعقوب بن إبراهيم وأحمد بن منيع وزياد بن أيوب قالوا حدثنا هشيم أنبأ منصور بن زاذان عن الحسن عن عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه قال دخل عليه بعض أصحابه وقد ابتلي في جسده فقال له بعضهم إنا لنبتئس لك لما نزل فيك قال فلا تبتئس لما ترى فإنما نزل بذنب وما يعفو الله عنه أكثر قال ثم تلا عمران هذه الآية { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) } الشورى. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه الحاكم(1/86)
باب ما ينبغي لكل مسلم أن يستشعره من الصبر على جميع ما يصيبه من الأمراض والأوجاع والأحزان لما فيها من الكفارات والدرجات
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله يعني بن مسعود قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو يوعك فمسسته فقلت يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا قال أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قال قلت لأن لك أجرين قال نعم والذي نفسي بيده ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها
- وأخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل ثنا أبو عثمان البصري ثنا محمد بن عبد الوهاب أنبأ يعلى بن عبيد ثنا الأعمش فذكره بمعناه وقال فوضعت يدي عليه رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن أبي معاوية وأخرجه البخاري من أوجه عن الأعمش
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ الربيع بن سليمان المرادي وبحر بن نصر بن سابق الخولاني قال الربيع حدثنا وقال بحر أخبرنا عبد الله بن وهب قال أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن أبا سعيد الخدري دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موعوك عليه قطيفة فوضع يده عليه فوجد حرارتها فوق القطيفة فقال أبو سعيد ما أشد حر حماك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كذلك يشدد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر ثم قال يا رسول الله من أشد الناس بلاء قال الأنبياء قال ثم من قال ثم العلماء قال ثم من قال ثم الصالحون كان أحدهم يبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها ويبتلى بالقمل حتى يقتله ولأحدهم أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء(1/87)
- حدثنا أبو بكر بن فورك أنبأ عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة وهشام وحماد بن سلمة كلهم عن عاصم بن بهدلة ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا الحسن بن موسى الأشيب ثنا شيبان بن عبد الرحمن عن عاصم عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس بلاء قال النبيون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان صلب الدين أشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما تبرح البلايا على العبد حتى تدعه يمشي على الأرض ليس عليه خطيئة
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق إملاء أنبأ بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا أبو حفص عمر بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي قال سمعت محمد بن قيس بن مخرمة يحدث عن أبي هريرة قال لما نزلت {من يعمل سوءا يجز به }شق ذلك على المسلمين فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاربوا وسددوا وأبشروا فإن كل ما أصاب المسلم كفارة له حتى الشوكة يشاكها أو النكبة ينكبها رواه مسلم في الصحيح عن قتيبة وغيره عن سفيان
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن مرزوق ثنا محمد بن كثير عن سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بكر بن أبي زهير عن أبي بكر الصديق رضى الله تعالى عنه قال يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية{ من يعمل سوءا يجز به }أكل سوء عملنا به جزينا فقال غفر الله لك يا أبا بكر ثلاث مرات ألست تمرض ألست تحزن ألست تنصب ألست تصيبك البلاء قال قلت نعم قال فهو ما تجزون به في الدنيا(1/88)
- أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي علي بن السقا الإسفراييني ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي ثنا أبو أسامة حدثني الوليد بن كثير عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضى الله تعالى عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وأخرجه البخاري من وجه آخر عن محمد بن عمرو
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني ح وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنبأ أبو محمد المزني أنبأ علي بن محمد بن عيسى ثنا أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها رواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان
- وأخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن الزهري ح وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي وأبو بكر بن الحسن القاضي قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من مصيبة يصاب بها المؤمن إلا كفر بها عنه حتى الشوكة يشاكها لفظ حديث يونس بن يزيد وفي رواية معمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مرض أو وجع يصيب المؤمن إلا كان كفارة لذنوبه حتى الشوكة يشاكها أو النكبة ينكبها رواه مسلم في الصحيح عن أبي الطاهر عن بن وهب وأخرجه البخاري من وجه آخر عن الزهري(1/89)
- أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير المحاربي بالكوفة ثنا أبو جعفر بن دحيم ثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري القاضي ثنا محمد بن عبيد عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مؤمن تشوكه شوكة فما فوقها إلا حط الله عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنبأ الحسن بن سفيان ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية ح قال وأخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم أنبأ أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأ أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر وإسحاق
- وأخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي أنبأ أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم ثنا أحمد بن حازم أنبأ أبو غسان ثنا خالد بن عبد الله الواسطي أنبأ واصل مولى أبي عيينة عن بشار بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غطيف قال أتينا أبا عبيدة نعوده وعنده امرأة تحيفه قال فقلت كيف بات قال بات بأجر قال أبو عبيدة ما بت بأجر قال فسكت القوم فقال ألا تسألوني عن الكلمة قالوا ما أعجبنا ما قلت فنسألك قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبع مائة ومن أنفق نفقة على أهله أو ماز أذى عن طريق فالحسنة عشر أمثالها والصوم جنة ما لم يخرقها ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فله به حطة خطيئة قال خالد يعني تحط عنه ذنوبه
- أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ أبو حامد بن بلال ثنا أبو الأزهر ثنا سعيد بن عامر عن محمد بن عمرو وعن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وفي ولده حتى يلقى الله تبارك وتعالى وما عليه من خطيئة(1/90)
- أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنبأ عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا سعيد بن أبي مريم عن نافع بن يزيد قال حدثني جعفر بن ربيعة عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن السائب أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن أزهر حدثه عن أبيه عبد الرحمن بن أزهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما مثل المؤمن حين يصيبه الوعك أو الحمى كمثل حديدة تدخل النار فيذهب خبثها ويبقى طيبها
- أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي وإبراهيم بن مهدي المصيصي المعنى قالا ثنا أبو المليح عن محمد بن خالد ثنا إبراهيم السلمي عن أبيه عن جده وكانت له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن العبد إذا سبقت له من الله عز وجل منزلة لم ينلها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده زاد بن نفيل ثم صبر على ذلك ثم اتفقا حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن عاصم بن أبي النجود عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل أكتب له مثل عمله إذا كان طلقا حتى أطلقه أو أكفته إلي
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا يزيد بن هارون أنبأ العوام بن حوشب حدثني أبو إسماعيل إبراهيم السكسكي أنه سمع أبا بردة بن أبي موسى واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر فكان يزيد بصوم فقال له أبو بردة سمعت أبا موسى مرارا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا رواه البخاري في الصحيح عن مطر بن الفضل عن يزيد بن هارون(1/91)
- أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ حدثني بكر بن محمد الصيرفي بمكة ثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله ثنا علي بن المديني ثنا أبو بكر الحنفي ثنا عاصم بن محمد بن زيد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عواده أطلقته من أساري ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه ثم يستأنف العمل ورواه أبو صخر حميد بن زياد عن سعيد عن أبي هريرة موقوفا عليه
- أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي ويحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي قالا ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا بحر هو بن نصر ثنا بن وهب حدثني أبو صخر حميد بن زياد أن سعيد المقبري حدثه قال سمعت أبا هريرة يقول قال الله عز وجل أبتلي عبدي المؤمن فإذا لم يشك إلى عواده ذلك حللت عنه عقدي وأبدلته دما خيرا من دمه ولحما خيرا من لحمه ثم قلت له ايتنف العمل
- حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله إملاء أنبأ أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أبو الأزهر السليطي ثنا محمد بن يوسف عن سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال جاءت الحمى تستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال من أنت قالت الحمى قال أتعرفين أهل قباء قالت نعم قال اذهبي إليهم فذهبت إليهم فلقوا منها شدة فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن شئتم دعوت الله فكشفها عنكم وإن شئتم كانت كفارة وطهورا فقالوا بل تكون كفارة وطهورا
- رواه يعلى بن عبيد عن الأعمش فذكر الكلام الأول عن الأعمش عن جعفر بن عبد الرحمن الأنصاري عن أم طارق مولاة سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر معنى الكلام الثاني في شكايتهم عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر أخبرنا بذلك أبو محمد بن المؤمل أنبأ أبو عثمان البصري ثنا أبو أحمد بن عبد الوهاب ثنا يعلى فذكره(1/92)
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو طاهر الفقيه وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا أنبأ أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنبأ أبي وشعيب قالا أنبأ الليث عن بن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة يريد عينيه رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف عن الليث
- أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنبأ عبد الله بن محمد بن الحسن النصرأباذي ثنا موسى بن نصر ثنا أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء الدوسي عن الأعمش عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يود أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم قرضت بالمقاريض مما يرون من ثواب أهل البلاء
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني محمد بن صالح أنبأ أحمد بن النضر بن عبد الوهاب ثنا شيبان بن فروخ ثنا سليمان بن المغيرة ثنا ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن كل له فيه خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابه سراء فشكر الله فله أجر وإن أصابه ضراء فصبر فله أجر فكل قضاء الله للمسلمين خير رواه مسلم في الصحيح عن شيبان
- أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن عمر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبت للمؤمن إن أصابه خير حمد الله وشكر وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر فالمؤمن يؤجر على كل أمره حتى يؤجر في اللقمة يرفعهما إلى في امرأته -- وفي هذا أخبار كثيرة وفيما ذكرنا كفاية لمن أيد بالتوفيق(1/93)
- أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري أنبأ الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء أنبأ مهدي بن ميمون ثنا واصل مولى أبي عيينة عن بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن رجل من فقهاء أهل الشام عن عياض بن غطيف ح قال وحدثنا يوسف ثنا أبو الربيع ومحمد بن أبي بكر قالا ثنا حماد بن زيد ثنا واصل مولى أبي عيينة عن بشار بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غطيف عن أبي عبيدة بهذا الحديث ورواه سليم بن عامر أن غضيف بن الحارث حدثهم عن أبي عبيدة قال الوصب يكفر به من الخطايا قال البخاري الصحيح غضيف بن الحارث الشامي البيهقي
الياقوتة 38
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا إبراهيم بن ميمون حدثنا سعد بن سمرة بن جندب عن أبيه عن أبي عبيدة قال:
-آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد أحمد في مسند أبي عبيدة بن الجراح
1-أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب
مما جاء في سنن البيهقي،قال:
لا يسكن أرض الحجاز مشرك(1/94)
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو محمد الحسن بن محمد بن إسحاق الإسفرائيني ثنا موسى بن هارون ثنا المرار بن حمويه الهمذاني ثنا محمد بن يحيى الكناني قال موسى وهو أبو غسان الكناني عن مالك عن نافع عن بن عمر رضى الله تعالى عنهما قال لما فدعت بخيبر قام عمر رضى الله تعالى عنه خطيبا في الناس فقال إن رسول لله صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على أموالها وقال نقركم ما أقركم الله وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدي عليه في الليل ففدعت يداه وليس لنا عدو هناك غيرهم وهم تهمتنا وقد رأيت إجلاءهم فلما أجمع على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال يا أمير المؤمنين تخرجنا وقد أقرنا محمد وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا فقال عمر رضى الله تعالى عنه أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة فأجلاهم وأعطاهم قيمة مالهم من الثمر مالا وإبلا وعروضا من أقتاب وحبال وغير ذلك رواه البخاري في الصحيح عن أبي أحمد وهو مرار بن حمويه
---والحديث هو :--- حدثنا أبو أحمد: حدثنا محمد بن يحيى، أبو غسان الكناني: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:(1/95)
لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر، قام عمر خطيبا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: (نقركم ما أقركم الله). وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك، فعدي عليه من الليل، ففدعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم، فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق، فقال: يا أمير المؤمنين، أتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعاملنا على الأموال، وشرط ذلك لنا، فقال عمر: أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة). فقال: كانت هذه هزيلة من أبي القاسم، قال: كذبت يا عدو الله، فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان م من الثمر، مالا وإبلا وعروضا من أقتاب وحبال وغير ذلك.
رواه حماد بن سلمة، عن عبيد الله - أحسبه - عن نافع، عن ابن عمر،
عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: اختصره. رواه البخاري في كتاب الشروط.
- أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبدا لله البسطامي أنبأ أبو بكر الإسماعيلي أنبأ القاسم بن زكريا ثنا بن بزيع وأبو الأشعث قالا ثنا الفضيل بن سليمان أنبأ موسى بن عقبة أخبرني نافع عن بن عمر أن عمر رضى الله تعالى عنه أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها وكانت الأرض إذ أظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين فسأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها على أن يكفوا العمل ولهم نصف الثمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقركم على ذلك ما شئنا فأقروا بها وأجلاهم عمر رضى الله تعالى عنه في إمارته إلى تيماء وأريحا رواه البخاري في الصحيح عن أبي الأشعث أحمد بن المقدام
حدثني أحمد بن المقدام: حدثنا الفضيل بن سليمان: حدثنا موسى ابن عقبة قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:(1/96)
أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على أهل خيبر أراد أن يخرج اليهود منها، وكانت الأرض لما ظهر عليها لليهود وللرسول وللمسلمين، فسأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتركهم على أن يكفوا العمل ولهم نصف الثمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نقركم على ذلك ما شئنا). فأقروا حتى أجلاهم عمر في إمارته إلى تيماء وأريحا. رواه البخاري في كتاب الخمس
------ - حدثنا أحمد بن المقدام: حدثنا فضيل بن سليمان: حدثنا موسى: أخبرنا نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج قال: حدثني موسى ابن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر:
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما ظهر على خيبر، أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، وأراد إخراج اليهود منها، فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرهم بها أن يكفوا عملها، ولهم نصف الثمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نقركم بها على ذلك ما شئنا). فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء رواه البخاري في كتاب المزارعة
وحدثني محمد بن رافع وإسحاق بن منصور (واللفظ لابن رافع). قالا: حدثنا عبدالرزاق. أخبرنا ابن جريج. حدثني موسى بن عقبة عن نافع، عن ابن عمر؛(1/97)
أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها. وكانت الأرض، حين ظهر عليها، لله ولرسوله وللمسلمين. فأراد إخراج اليهود منها. فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها. على أن يكفوا عملها. ولهم نصف الثمر. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: نقركم بها على ذلك، ما شئنا. فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء.
رواه البخاري في كتاب المساقاة
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله
قوله باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك كذا ذكر هذه الترجمة مختصرة وترجم لحديث الباب في المزارعة بأوضح من هذا فقال إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أجلا معلوما فهما على تراضيهما وأخرج هناك حديث بن عمر في قصة يهود خيبر بلفظ نقركم على ذلك ما شئنا وأورده هنا بلفظ نقركم ما أقركم الله فأحال في كل ترجمة على لفظ المتن الذي في الأخرى وبينت إحدى الروايتين مراد الأخرى وأن المراد بقوله ما أقركم الله ما قدر الله أنا نترككم فيها فإذا شئنا فأخرجناكم تبين أن الله قدر إخراجكم والله أعلم وقد تقدم في المزارعة توجيه الاستدلال به على جواز المخابرة وفيه جواز الخيار في المساقاة للمالك لا إلى أمد وأجاب من لم يجزه باحتمال أن المدة كانت مذكورة ولم تنقل أو لم تذكر لكن عينت كل سنة بكذا أو أن أهل خيبر صاروا عبيدا للمسلمين ومعاملة السيد لعبده لا يشترط فيها ما يشترط في الأجنبي والله أعلم(1/98)
- قوله حدثنا أبو أحمد كذا للآكثر غير مسمى ولا منسوب ولابن السكن في روايته عن الفربري ووافقه أبو ذر حدثنا أبو أحمد مرار بن حمويه وهو بفتح الميم وتشديد الراء وأبوه بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم قال بن الصلاح أهل الحديث يقولونها بضم الميم وسكون الواو وفتح التحتانية وغيرهم بفتح الميم والواو وسكون التحتانية وآخرها هاء عند الجميع ومن قاله من المحدثين بالتاء المثناة الفوقانية بدل الهاء فقد غلط قلت لكن وقع في شعر لابن دريد ما يدل على تجويز ذلك وهو قوله أن كان نفطوية من نسلي وهو همذاني بفتح الميم ثقة مشهور وليس له في البخاري غير هذا الحديث وكذا شيخه وهو ومن فوقه مدنيون وقال الحاكم أهل بخاري يزعمون أنه أبو أحمد محمد بن يوسف البيكندي ويحتمل أن يكون المراد أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب الفراء فإن أبا عمر المستملي رواه عنه عن أبي غسان انتهى والمعتمد ما وقع في ذلك عند بن السكن ومن وافقه وجزم أبو نعيم أنه مرار المذكور وقال لم يسمه البخاري والحديث حديثه ثم أخرجه من طريق موسى بن هارون عن مرار قلت وكذا أخرجه الدارقطني في الغرائب من طريقه ورواه بن وهب عن مالك بغير إسناد وأخرجه عمر بن شبة في أخبار المدينة قوله حدثنا محمد بن يحيى أي بن علي الكاتب قوله فدع بفتح الفاء والمهملتين الفدع بفتحتين زوال المفصل فدعت يداه إذا أزيلتا من مفاصلهما قال الخليل الفدع عوج في المفاصل وفي خلق الإنسان الثابت إذا زاغت القدم من أصلها من الكعب وطرف الساق فهو الفدع وقال الأصمعي هو زيغ في الكف بينها وبين الساعد وفي الرجل بينها وبين الساق هذا الذي في جميع الروايات وعليها شرح الخطابي وهو الواقع في هذه القصة ووقع في رواية بن السكن بالغين المعجمة أي فدغ وجزم به الكرماني وهو وهم لأن الفدغ بالمعجمة كسر الشيء المجوف قاله الجوهري ولم يقع ذلك لابن عمر في القصة قوله فعدي عليه من الليل قال الخطابي كأن اليهود سحروا عبد الله بن(1/99)
عمر فالتوت يداه ورجلاه كذا قال ويحتمل أن يكونوا ضربوه ويؤيده تقييده بالليل في هذه الرواية ووقع في رواية حماد بن سلمة التي علق المصنف إسنادها آخر الباب بلفظ فلما كان زمان عمر غشوا المسلمين وألقوا بن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه الحديث قوله تهمتنا بضم المثناة وفتح الهاء ويجوز اسكانها أي الذين نتهمهم بذلك قوله وقد رأيت إجلائهم فلما أجمع أي عزم وقال أبو الهيثم أجمع على كذا أي جمع أمره جميعا بعد أن كان مفرقا وهذا لا يقتضي حصر السبب في إجلاء عمر إياهم وقد وقع لي فيه سببان آخران أحدهما رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال ما زال عمر حتى وجد الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يجتمع بجزيرة العرب دينان فقال من كان له من أهل الكتابين عهد فليأت به أنفذه له وإلا فإني مجليكم فأجلاهم أخرجه بن أبي شيبة وغيره ثانيهما رواه عمر بن شبة في أخبار المدينة من طريق عثمان بن محمد الأخنسي قال لما كثر العيال أي الخدم في أيدي المسلمين وقووا على العمل في الأرض أجلاهم عمر ويحتمل أن يكون كل من هذه الأشياء جزء علة في إخراجهم والاجلاء الإخراج عن المال والوطن على وجه الازعاج والكراهة قوله أحمد بني أبي الحقيق بمهملة وقافين مصغر وهو رأس يهود خيبر ولم أقف على اسمه ووقع في رواية البرقاني فقال رئيسهم لا تخرجنا وابن أبي الحقيق الآخر هو الذي زوج صفية بنت حيي أم المؤمنين فقتل بخيبر وبقي أخوه إلى هذه الغاية قوله تعدو بك قلوصك بفتح القاف وبالصاد المهملة الناقة الصابرة على السير وقيل الشابة وقيل أول ما يركب من إناث الإبل وقيل الطويلة القوائم وأشار صلى الله عليه وسلم إلى إخراجهم من خيبر وكان ذلك من إخباره بالمغيبات قبل وقوعها قوله كان ذلك في رواية الكشميهني كانت هذه قوله هزيلة تصغير الهزل وهو ضد الجد قوله مالا تمييز للقيمة وعطف الإبل عليه وكذلك العروض من عطف الخاص على العام أو المراد بالمال(1/100)
النقد خاصة والعروض ما عدا النقد وقيل ما لا يدخله الكيل ولا يكون حيوانا ولا عقارا قوله رواه حماد بن سلمة عن عبيد الله بالتصغير هو العمري قوله أحسبه عن نافع أي أن حمادا شك في وصله وصرح في ذلك أبو يعلى في روايته الآتية وزعم الكرماني أن في قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم قرينة تدل على أن حمادا اقتصر في روايته على ما نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة من قول أو فعل دون ما نسب إلى عمر قلت وليس كما قال وإنما المراد أنه اختصر من المرفوع دون الموقوف وهو الواقع في نفس الأمر فقد رويناه في مسند أبي يعلى وفوائد البغوي كلاهما عن عبد الأعلى بن حماد عن حماد بن سلمة ولفظه قال عمر من كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها فقال رئيسهم لا تخرجنا ودعنا كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال له عمر أتراه سقط علي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوم ثم يوما فقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية قال البغوي هكذا رواه غير واحد عن حماد ورواه الوليد بن صالح عن حماد بغير شك قلت وكذا رويناه في مسند عمر النجار من طريق هدبة بن خالد عن حماد بغير شك وفيه قوله رقصت بك أي أسرعت في السير وقوله نحو الشام تقدم في المزارعة أن عمر أجلاهم إلى تيماء وأريحا تنبيه وقع للحميدي نسبة رواية حماد بن سلمة مطولة جدا إلى البخاري وكأنه نقل السياق من مستخرج البرقاني كعادته وذهل عن عزوه إليه وقد نبه الإسماعيلي على أن حمادا كان يطوله تارة ويرويه تارة مختصرا وقد أشرت إلى بعض ما في روايته قبل قال المهلب في القصة دليل على أن العداوة توضح المطالبة بالجناية كما طالب عمر اليهود بفدع ابنه ورجح ذلك بأن قال ليس لنا عدو غيرهم فعلق المطالبة بشاهد العداوة وإنما لم يطلب القصاص لأنه فدع وهو نائم فلم يعرف أشخاصهم وفيه أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله محمولة(1/101)
على الحقيقة حتى يقوم دليل المجاز
- حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني إملاء أنبأ أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا سفيان بن عيينة عن أبي مسلم قال سمعت سعيد بن جبير يقول بن عباس رضى الله تعالى عنهما يقول يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى ثم قال اشتد وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقال ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه وامرهم بثلاث فقال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم والثالثة نسيتها رواه البخاري في الصحيح عن قتيبة وغيره عن سفيان ورواه مسلم عن سعيد بن منصور وقتيبة وغيرهما عن سفيان
++حدثنا محمد: حدثنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول: سمع سعيد ابن جبير: سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول:
يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى بل دمعه الحصى، قلت يا أبا عباس: ما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فقال: (ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا). فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما له أهجر استفهموه؟ فقال: (ذروني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه). فأمرهم بثلاث، قال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم). والثالثة خير، إما أن سكتن عنها، وإما أن قالها فنسيتها. قال سفيان: هذا من قول سليمان.
رواه البخاري في أبواب الجزية والموادعة
+ وأخرج في كتاب المغاوي(1/102)
-حدثنا قتيبة: حدثنا سفيان، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: يوم الخميس، وما يوم الخميس؟! اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فقال:(ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا). فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه، أهجر، استفهموه؟ فذهبوا يردون عليه، فقال: (دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه). وأوصاهم بثلاث، قال: (أخرجوا المشركين من الجزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم). وسكت عن الثالثة، أو قال: فنسيتها.
- حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده ). فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلون بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قوموا). قال عبيد الله: فكان ابن عباس: إن الرزية كل الرزية، ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، لاختلافهم ولغطهم.
وأخرج الامام مسلم في كناب الوصيه
- حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد (واللفظ لسعيد). قالوا: حدثنا سفيان عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جبير. قال:(1/103)
قال ابن عباس: يوم الخميس! وما يوم الخميس! ثم بكى حتى بل دمعه الحصى. فقلت: يا ابن عباس! وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه. فقال (ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي) فتنازعوا. وما ينبغي عند نبي تنازع. وقالوا: ما شأنه؟ أهجر؟ استفهموه. قال (دعوني. فالذي أنا فيه خير. أوصيكم ثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب. وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم). قال: وسكت عن الثالثة. أو قال فأنسيتها.
قال أبو إسحاق إبراهيم: حدثنا الحسن بن بشر قال: حدثنا سفيان، بهذا الحديث.
- حدثنا إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا وكيع عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أنه قال:
يوم الخميس! وما يوم الخميس! ثم جعل تسيل دموعه. حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ائتوني بالكتف والدواة (أو اللوح والدواة) أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا) فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر.
-وحدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد (قال عبد: أخبرنا. وقال ابن رافع: حدثنا عبدالرزاق). أخبرنا معمر عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، عن ابن عباس، قال:
لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر ابن الخطاب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده). فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع. وعندكم القرآن. حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت. فاختصموا. فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوموا).(1/104)
قال عبيدالله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم.
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله
قوله صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" قال أبو عبيد: قال الأصمعي جزيرة العرب ما بين أقصى عدن اليمن إلى ريف العراق في الطول، وأما في العرض فمن جدة وما والاها إلى أطراف الشام. وقال أبو عبيدة: هي ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول، وأما في العرض فما بين رمل يرين إلى منقطع السماوة. وقوله حفر أبي موسى هو بفتح الحاء المهملة وفتح الفاء أيضاً قالوا وسميت جزيرة لإحاطة البحار بها من نواحيها وانقطاعها عن المياه العظيمة، وأصل الجزر في اللغة القطع وأضيفت إلى العرب لأنها الأرض التي كانت بأيديهم قبل الإسلام وديارهم التي هي أوطانهم وأوطان أسلافهم. وحكى الهروي عن مالك أن جزيرة العرب هي المدينة، والصحيح المعروف عن مالك أنها مكة والمدينة واليمامة واليمن، وأخذ بهذا الحديث مالك والشافعي وغيرهما من العلماء فأوجبوا إخراج الكفار من جزيرة العرب وقالوا لا يجوز تمكينهم من سكناها، ولكن الشافعي خص هذا الحكم ببعض جزيرة العرب وهو الحجاز وهو عنده مكة والمدينة واليمامة وأعمالها دون اليمن وغيره مما هو من جزيرة العرب بدليل آخر مشهور في كتبه وكتب أصحابه، قال العلماء: ولا يمنع الكفار من التردد مسافرين في الحجاز، ولا يمكنون من الإقامة فيه أكثر من ثلاثة أيام، قال الشافعي وموافقوه: إلا مكة وحرمها فلا يجوز تمكين كافر من دخوله بحال، فإن دخله في خفية وجب إخراجه، فإن مات ودفن فيه ن وأخرج ما لم يتغير، هذا مذهب الشافعي وجماهير الفقهاء، وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم، وحجة الجماهير قول الله تعالى: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "وأجيزوا الولد بنحو ما كنت(1/105)
أجيزهم" قال العلماء: هذا أمر منه صلى الله عليه وسلم بإجازة الوفود وضيافتهم وإكرامهم تطييباً لنفوسهم وترغيباً لغيرهم من المؤلفة قلوبهم ونحوهم وإعانة على سفرهم. قال القاضي عياض: قال العلماء سواء كان الوفد مسلمين أو كفاراً لأن الكافر إنما يفد غالباً فيما يتعلق بمصالحنا ومصالحهم. قوله: (وسكت عن الثالثة أو قالها فأنسيتها) الساكت عن ابن عباس والناسي سعيد بن جبير، قال المهلب: الثالثة: هي تجهيز جيش أسامة رضي الله عنه، قال القاضي عياض: ويحتمل أنها قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا قبري وثناً يعبد" فقد ذكر مالك في الموطأ معناه مع إجلاء اليهود من حديث عمر رضي الله عنه، وفي هذا الحديث فوائد سوى ما ذكرناه، منها جواز كتابة العلم وقد سبق بيان هذه المسألة مرات وذكرنا أنه جاء فيها حديثان مختلفان فإن السلف اختلفوا فيها ثم أجمع من بعدهم على جوازها وبينا تأويل حديث المنع، ومنها جواز استعمال المجاز لقوله صلى الله عليه وسلم: أكتب لكم أي آمر بالكتابة، ومنها أن الأمراض ونحوها لا تنافي النبوة ولا تدل على سوء الحال. قوله: (قال أبو إسحاق إبراهيم حدثنا الحسن بن بشر حدثنا سفيان بهذا الحديث) معناه أن أبا إسحاق صاحب مسلم ساوى مسلماً في رواية هذا الحديث عن واحد عن سفيان بن عيينة فعلا هذا الحديث لأبي إسحاق برجل. قوله: (من اختلافهم ولغطهم) هو بفتح الغين المعجمة وإسكانها والله أعلم.(1/106)
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن عبد الله ح وحدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف أنبأ أبو محمد عبد الرحمن بن يحيى الزهري القاضي بمكة ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر رضى الله تعالى عنه أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أترك فيها إلا مسلما رواه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب عن روح
- أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري أنبأ الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا محمد بن أبي بكر ثنا يحيى بن سعيد عن إبراهيم بن ميمون ثنا سعد بن سمرة بن جندب عن أبيه عن أبي عبيدة بن الجراح رضى الله تعالى عنه قال آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب واعلموا أن شر الناس الذين اتخذوا قبورهم مساجد
- أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن الحسن المهرجاني العدل أنبأ أبو بكر محمد بن جعفر المزكي ثنا محمد بن إبراهيم ثنا يحيى بن بكير ثنا مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول بلغني أنه كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب
- قال وحدثنا مالك عن بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع دينان في جزيرة العرب قال مالك قال بن شهاب ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه حتى أتاه الثلج واليقين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يجتمع دينان في جزيرة العرب فأجلى يهود خيبر قال مالك قد أجلى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه يهود نجران وفدك(1/107)
- أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا سليمان بن داود العتكي ثنا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون قبلتان في بلد واحد وروينا عن أبي كدينة عن قابوس بن أبي ظبيان بإسناده لا يجتمع قبلتان في جزيرة العرب قال الشيخ رحمه الله وقد أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير ثم يهود المدينة ورويناه في حديث بن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر رضى الله تعالى عنه
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو السري محمد بن أحمد بن حامد بالطابران ثنا أحمد بن داود الحنظلي ثنا سويد بن سعيد ثنا حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر رضى الله تعالى عنهما أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير وأقر قريظة وذكر الحديث قال وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي المدينة كلهم بني قينقاع وهم قوم عبد الله بن سلام وبني حارثة وكل يهودي كان بالمدينة وكان اليهود والنصارى ومن سواهم من الكفار لا يقرون فيها فوق ثلاثة أيام على عهد عمر ولا أدري أكان يفعل ذلك بهم أم لا(1/108)
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر الخولاني قال قرئ على شعيب بن الليث أخبرك أبوك قال حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أنه قال بينما نحن جلوس في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى جئنا إلى بيت المدراس فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداهم فقال يا معشر يهود أسلموا تسلموا قالوا قد بلغت يا أبا القاسم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أريد أسلموا تسلموا قالوا قد بلغت يا أبا القاسم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أريد ثم قالها الثالثة وقال اعلموا أن الأرض لله ولرسوله وأني أريد أن أجليكم من هذه الأرض فمن وجد منكم شيئا من ماله فليبعه وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ولرسوله أخرجه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف وأخرجه مسلم عن قتيبة كلاهما عن الليث بن سعد
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله(1/109)
قوله صلى الله عليه وسلم لليهود أسلموا تسلموا وسيأتي بأتم من هذا السياق في كتاب الإكراه وفي الاعتصام ولم أر من صرح بنسب اليهود المذكورين والظاهر أنهم بقايا من اليهود تأخروا بالمدينة بعد اجلاء بني قينقاع وقريظة والنضير والفراغ من أمرهم لأنه كان قبل إسلام أبي هريرة وإنما جاء أبو هريرة بعد فتح خيبر كما سيأتي بيان ذلك كله في المغازي وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر على أن يعملوا في الأرض كما تقدم واستمروا إلى أن أجلاهم عمر ويحتمل والله أعلم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فتح ما بقي من خيبر هم باجلاء من بقي ممن صالح من اليهود ثم سألوه أن يبقيهم ليعملوا في الأرض فبقاهم أو كان قد بقي بالمدينة من اليهود المذكورين طائفة استمروا فيها معتمدين على الرضا بابقائهم للعمل في أرض خيبر ثم منعهم النبي صلى الله عليه وسلم من سكنى المدينة أصلا والله أعلم بل سياق كلام القرطبي في شرح مسلم يقتضي أنه فهم أن المراد بذلك بنو النضير ولكن لا يصح ذلك لتقدمه على مجيء أبي هريرة وأبو هريرة يقول في هذا الحديث أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وبيت المدراس بكسر أوله هو البيت الذي يدرس فيه كتابهم أو المراد بالمدراس العالم الذي يدرس كتابهم والأول أرجح لأن في الرواية الأخرى حتى أتى المدراس وقوله أسلموا تسلموا من الجناس الحسن لسهولة لفظه وعدم تكلفه وقد تقدم نظيره في كتاب هرقل أسلم تسلم وقوله اعلموا جملة مستأنفة كأنهم قالوا في جواب قوله أسلموا لم قلت هذا وكررته فقال اعلموا أني أريد أن أجليكم فإن أسلمتم سلمتم من ذلك ومما هو أشق منه وقولهم قد بلغت كلمة مكر ومداجاة ليدافعوه بما يوهمه ظاهرها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ذلك أريد أي التبليغ قوله فمن يجد منكم بماله من الوجدان أي يجد مشتريا أو من الوجد أي المحبة أي يحبه والغرض أن منهم من يشق عليه فراق شيء من ماله مما يعسر تحويله فقد أذن له في بيعه(1/110)
ثانيهما حديث بن عباس فيما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاته والغرض منه قوله أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ووقع في رواية الجرجاني أخرجوا اليهود والأول أثبت
- قال الطبري فيه أن على الإمام إخراج كل من دان بغير دين الإسلام من كل بلد غلب عليها المسلمون عنوة إذا لم يكن بالمسلمين ضرورة إليهم كعمل الأرض ونحو ذلك وعلى ذلك أقر عمر من أقر بالسواد والشام وزعم أن ذلك لا يختص بجزيرة العرب بل يلتحق بها ما كان على حكمها
الحديث في كتاب الاكراه
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله: حدثنا الليث، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (انطلقوا إلى يهود). فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فناداهم: (يا معشر يهود، أسلموا تسلموا). فقالوا: قد بلَّغت يا أبا القاسم، فقال: (ذلك أريد). ثم قالها الثانية، فقالوا: قد بلَّغت يا أبا القاسم، ثم قال الثالثة، فقال: (اعلموا أن الأرض لله ورسوله، وإني أريد أن أجليكم، فمن وجد منكم بماله شيئاً فليبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله).
الحديث في كتاب الاعتصام
حدثنا قتيبة: حدثنا الليث، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:
بينا نحن في المسجد، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (انطلقوا إلى يهود). فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فناداهم فقال: (يا معشر يهود، أسلموا تسلموا). فقالوا: بلَّغت يا أبا القاسم، قال: فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذلك أريد، أسلموا تسلموا). فقالوا: قد بلَّغت يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذلك أريد). ثم قالها الثالثة، فقال: (اعلموا أنما الأرض لله ورسوله، وأني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئاً فليبعه، وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله).(1/111)
2- واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
وما يكره من الصلاة في القبور.
ورأى عمر وأنس بن مالك يصلي عند قبر، فقال: القبر القبر، ولم يأمره بالإعادة.
- حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى، عن هشام قال: أخبرني أبي، عن عائشة:
أن أم حبيبة وأم سلمة: ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة، فيها تصاوير، فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن أولئك، إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة).
البخاري في كتاب المساجد
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله(1/112)
قوله باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية أي دون غيرها من قبور الأنبياء وأتباعهم لما في ذلك من الإهانة لهم بخلاف المشركين فإنهم لا حرمة لهم وأما قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم الخ فوجه التعليل إن الوعيد على ذلك يتناول من أتخذ قبورهم مساجد تعظيما ومغالاة كما صنع أهل الجاهلية وجرهم ذلك إلى عبادتهم ويتناول من أتخذ أمكنة قبورهم مساجد بان تنبش وترى عظامهم فهذا يختص بالأنبياء ويلتحق بهم أتباعهم وأما الكفرة فإنه لا حرج في نبش قبورهم إذ لا حرج في إهانتهم ولا يلزم من اتخاذ المساجد في أمكنتها تعظيم فعرف بذلك أن لا تعارض بين فعله صلى الله عليه وسلم في نبش قبور المشركين واتخاذه مسجده مكانها وبين لعنه صلى الله عليه وسلم من أتخذ قبور الأنبياء مساجد لما تبين من الفرق والمتن الذي أشار إليه وصله في باب الوفاة في أواخر المغازي من طريق هلال عن عروة عن عائشة بهذا اللفظ وفيه قصة ووصله في الجنائز من طريق أخرى عن هلال وزاد فيه والنصارى وذكره في عدة مواضع من طريق أخرى بالزياده قوله وما يكره من الصلاة في القبور يتناول ما إذا وقعت الصلاة على القبر أو إلى القبر أو بين القبرين وفي ذلك حديث رواه مسلم من طريق أبي مرفد الغنوي مرفوعا لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها أو عليها قلت وليس هو على شرط البخاري فأشار إليه في الترجمة وأورد معه اثر عمر الدال على أن النهي عن ذلك لا يقتضي فساد الصلاة والاثر المذكور عن عمر رويناه موصولا في كتاب الصلاة لأبي نعيم شيخ البخاري ولفظه بينما أنس يصلي إلى قبر ناداه عمر القبر القبر فظن أنه يعني القمر فلما رأى أنه يعني القبر جاز القبر وصلى وله طرق أخرى بينتها في تعليق التعليق منها من طريق حميد عن أنس نحوه وزاد فيه فقال بعض من يليني إنما يعني القبر فتنحيت عنه وقوله القبر القبر بالنصب فيهما على التحذير وقوله ولم يأمره بالإعادة استنبطه من تمادي أنس على الصلاة ولو كان ذلك يقتضي(1/113)
فسادها لقطعها واستأنف
- قوله حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى هو القطان عن هشام هو بن عروة قوله عن عائشة في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه أخبرتني عائشة قوله إن أم حبيبة أي رملة بنت أبي سفيان الأمويه وأم سلمة أي هند بنت أبي أمية المخزومية وهما من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانتا ممن هاجر إلى الحبشة كما سيأتي في موضعه قوله ذكرنا كذا الأكثر الرواة وللمستملي والحموي ذكرا بالتذكير وهو مشكل قوله رأينها أي هما ومن كان معهما وللكشميهني والأصيلي رأتاها وسيأتي للمصنف قريبا في باب الصلاة في البيعة من طريق عبدة عن هشام أن تلك الكنيسة كانت تسمى مارية بكسر الراء وتخفيف الياء التحتانية وله في الجنائز من طريق مالك عن هشام نحوه وزاد في أوله لما اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق هلال عن عروة بلفظ قال في مرضه الذي مات فيه ولمسلم من حديث جندب أنه صلى الله عليه وسلم قال نحو ذلك قبل أن يتوفى بخمس وزاد فيه فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك انتهى وفائدة التنصيص على زمن النهي الإشارة إلى أنه من الأمر المحكم الذي لم ينسخ لكونه صدر في آخر حياته صلى الله عليه وسلم قوله إن أولئك بكسر الكاف ويجوز فتحها قوله فمات عطف على قوله كان وقوله بنوا جواب إذا قوله وصوروا فيه تلك الصور وللمستملي تيك الصور بالياء التحتانية بدل اللام وفي الكاف فيها وفي أولئك ما في أولئك الماضية وإنما فعل ذلك اوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن اسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك وفي الحديث دليل على تحريم التصوير وحمل بعضهم الوعيد على من كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان وأما الآن فلا وقد أطنب بن دقيق العيد في رد ذلك كما سيأتي(1/114)
في كتاب اللباس وقال البيضاوي لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانا لعنهم ومنع المسلمين عن مثل ذلك فأما من أتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد قال العلامة بن باز حفظه الله هذا غلط والصواب تحريم ذلك ودخوله تحت الأحاديث الناهية عن اتخاذ القبور مساجد فانتبه واحذر والله الموفق وفي الحديث جواز حكاية ما يشاهده المؤمن من العجائب وجوب بيان حكم ذلك على العالم به وذم فاعل المحرمات وأن الاعتبار في الأحكام بالشرع لا بالعقل وفيه كراهية الصلاة في المقابر سواء كانت بجنب القبر أو عليه أو إليه وسيأتي بيان ذلك قريبا ويأتي حديث أنس في بناء المسجد مبسوطا في كتاب الهجرة وإسناده كلهم بصريون وقوله
باب: الصلاة في البيعة.
وقال عمر رضي الله عنه: إنا لا ندخل كنائسكم، من أجل التماثيل التي فيها، الصور. وكان ابن عباس يصلي في البيعة، إلا بيعة فيها تماثيل.
- حدثنا محمد قال: أخبرنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة:
أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة، يقال لها مارية، فذكرت له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح، أو الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله).
- حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة:
أن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). يحذر ما صنعوا.(1/115)
- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قاتل الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
باب: كراهية الصلاة في المقابر.
- حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى، عن عبيد الله قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورا).
.
قوله باب كراهية الصلاة في المقابر استنبط من قوله في الحديث ولا تتخذوها قبورا أن القبور ليست بمحل للعبادة فتكون الصلاة فيها مكروهة وكأنه أشار إلى أن ما رواه أبو داود والترمذي في ذلك ليس على شرطه وهو حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام رجاله ثقات لكن اختلف في وصله وارساله وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وابن حبان(1/116)
- قوله حدثنا يحيى هو القطان وعبيد الله هو بن عمر العمري قوله من صلاتكم قال القرطبي من للتبعيض والمراد النوافل بدليل ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته قلت وليس فيه ما ينفي الاحتمال وقد حكى عياض عن بعضهم أن معناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن وهذا وأن كان محتملا لكن الأول هو الراجح وقد بالغ الشيخ محي الدين فقال لا يجوز حمله على الفريضه وقد نازع الإسماعيلي المصنف أيضا في هذه الترجمة فقال الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر قلت قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ لا تجعلوا بيوتكم مقابر وقال بن التين تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون كأنه قال لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهي القبور قال فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك قلت إن أراد أنه لا يؤخذ منه بطريق المنطوق فمسلم وإن أراد نفى ذلك مطلقا فلا فقد قدمنا وجه استنباطه وقال في النهاية تبعا للمطالع إن تأويل البخاري مرجوح والأولى قول من قال معناه أن الميت لا يصلي في قبره وقد نقل بن المنذر عن أكثر أهل العلم إنهم استدلوا بهذا الحديث على أن المقبرة ليست بموضع الصلاة وكذا قال البغوي في شرح السنة والخطابي وقال أيضا يحتمل أن المراد لا تجعلوا بيوتكم وطنا للنوم فقط لا تصلون فيها فإن النوم أخو الموت والميت لا يصلي وقال التوربشتي حاصل ما يحتمله أربعة معان فذكر الثلاثة الماضية ورابعها يحتمل أن يكون المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر قلت ويؤيده ما رواه مسلم مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت قال الخطابي وأما من(1/117)
تأوله على النهي عن دفن الموتى في البيوت فليس بشيء فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته قلت ما ادعى أنه تأويل هو ظاهر لفظ الحديث ولا سيما أن جعل النهي حكما منفصلا عن الأمر وما استدل به على رده تعقبه الكرماني فقال لعل ذلك من خصائصه وقد روى أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون قلت هذا الحديث رواه بن ماجة مع حديث بن عباس عن أبي بكر مرفوعا ما قبض نبي الا دفن حيث يقبض وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف وله طريق أخرى مرسلة ذكرها البيهقي في الدلائل وروى الترمذي في الشمائل والنسائي في الكبرى من طريق سالم بن عبيد الأشجعي عن أبي بكر الصديق أنه قيل له فأين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المكان الذي قبض الله فيه روحه فإنه لم يقبض روحه الا في مكان طيب إسناده صحيح لكنه موقوف والذي قبله أصرح في المقصود وإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهى غيره عن ذلك بل هو متجه لأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر فتصير الصلاة فيها مكروهة ولفظ حديث أبي هريرة عند مسلم أصرح من حديث الباب وهو قوله لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقا والله أعلم(1/118)
-قوله باب الصلاة في البيعة بكسر الموحده بعدها مثناة تحتانية معبد للنصارى قال صاحب المحكم البيعة صومعة الراهب وقيل كنيسة النصارى والثاني هو المعتمد ويدخل في حكم البيعة الكنيسة وبيت المدراس والصومعة وبيت الصنم وبيت النار ونحو ذلك قوله وقال عمر إنا لا ندخل كنائسكم وفي رواية الأصيلي كنائسهم قوله من أجل التماثيل هو جمع تمثال بمثناة ثم مثلثة بينهما ميم وبينه وبين الصورة عموم وخصوص مطلق فالصورة أعم قوله التي فيها الضمير يعود على الكنيسة والصور بالجر على أنها بدل من التماثيل أو بيان لها أو بالنصب على الاختصاص أو بالرفع أي أن التماثيل مصورة والضمير على هذا للتماثيل وفي رواية الأصيلي والصور بزيادة الواو العاطفة وهذا الأثر وصله عبد الرزاق من طريق أسلم مولى عمر قال لما قدم عمر الشام صنع له رجل من النصارى طعاما وكان من عظمائهم وقال أحب أن تجيئني وتكرمني فقال له عمر أنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها يعني التماثيل وتبين بهذا أن روايتي النصب والجر أوجه من غيرهما والرجل المذكور من عظمائهم اسمه قسطنطين سماه مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه أبي مسجعة بن ربعي عن عمر في قصة طويلة أخرجها قوله وكان بن عباس وصله البغوي في الجعديات وزاد فيه فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى في المطر وقد تقدم في باب من صلى وقدامه تنور أن لا معارضة بين هذين البابين وأن الكراهة في حال الاختيار
- قوله حدثنا محمد هو بن سلام كما صرح به بن السكن في روايته وعبده هو بن سليمان وقد تقدم الكلام على المتن قبل خمسة أبواب ومطابقته للترجمة من قوله بنوا على قبره مسجدا فإن فيه إشارة إلى نهي المسلم عن أن يصلي في الكنيسة فيتخذها بصلاته مسجدا والله أعلم(1/119)
-قوله باب كذا في أكثر الروايات بغير ترجمة وسقط من بعض الروايات وقد قررنا أن ذلك كالفصل من الباب فله تعلق بالباب الذي قبله والجامع بينهما الزجر عن اتخاذ القبور مساجد وكأنه أراد أن يبين أن فعل ذلك مذموم سواء كان مع تصوير أم لا
- قوله لما نزل كذا لأبي ذر بفتحتين والفاعل محذوف أي الموت ولغيره بضم النون وكسر الزاي وطفق أي جعل والخميصة كساء له أعلام كما تقدم قوله فقال وهو كذلك أي في تلك الحال ويحتمل أن يكون ذلك في الوقت الذي ذكرت فيه أم سلمة وأم حبيبة أمر الكنيسة التي رأتاها بأرض الحبشة وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم وقوله اتخذوا جملة مستأنفة على سبيل البيان لموجب اللعن كأنه قيل ما سبب لعنهم فأجيب بقوله اتخذوا وقوله يحذر ما صنعوا جملة أخرى مستأنفه من كلام الراوي كأنه سئل عن حكمة ذكر ذلك في ذلك الوقت فأجيب بذلك وقد استشكل ذكر النصارى فيه لأن اليهود لهم أنبياء بخلاف النصارى فليس بين عيسى وبين نبينا صلى الله عليه وسلم نبي غيره وليس له قبر والجواب أنه كان فيهم أنبياء لكنهم غير مرسلين كالحواريين ومريم في قول ...
- قوله أنبيائهم بإزاء المجموع من اليهود والنصارى والمراد الأنبياء وكبار أتباعهم فاكتفى بذكر الأنبياء ويؤيده قوله في رواية مسلم من طريق جندب كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ولهذا لما أفرد النصارى في الحديث الذي قبله قال إذا مات فيهم الرجل الصالح ولما أفرد اليهود في الحديث الذي بعده قال قبور أنبيائهم أو المراد بالاتخاذ أعم من أن يكون ابتداعا أو أتباعا فاليهود ابتدعت والنصارى اتبعت ولا ريب أن النصارى تعظم قبور كثير من الأنبياء الذين تعظمهم اليهود
وأخرج الامام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة(1/120)
باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد
*وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا هِشَامٌ: أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ أُمّ حَبِيبَةَ وَأُمّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ، فِيهَا تَصَاوِيرُ، لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أُولَئِكَ، إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرّجُلُ الصّالِحُ، فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَىَ قَبْرِهِ مَسْجِداً، وَصَوّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ: حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهُمْ تَذَاكَرُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ، فَذَكَرَتْ أُمّ سَلَمَةَ وَأُمّ حَبِيبَةَ كَنِيسَةً. ثُمّ ذَكَرَ نَحْوَهُ.
*حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ذَكَرْنَ أَزْوَاجُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. يُقَالُ لَهَا: مَارِيَةُ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ.
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ قَالاَ: حَدّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ: حَدّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ "لَعْنَ اللّهُ الْيَهُودَ وَالنّصَارىَ. اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ".(1/121)
قَالَتْ: فَلَوُلاَ ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنّهُ خُشِيَ أَنّ يُتّخِذَ مَسْجِداً.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: وَلَوْلاَ ذَاكَ: لَمْ يَذْكُرْ: قَالَتْ.
*حدّثنا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ وَ مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "قَاتَلَ اللّهُ الْيَهُودَ. اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ".
وحدّثني قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا الْفَزَارِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ الأصَمّ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لَعْنَ اللّهُ الْيَهُودَ وَالنّصَارىَ. اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ".
وحدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ (قَالَ حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا وَقَالَ هَرُونُ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ) أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَنّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبّاسٍ قَالاَ: لَمّا نُزِلَ بِرَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، طَفِقَ يَطْرَحُ خُمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ. فَإِذَا اغْتَمّ كشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ. فَقَالَ، وَهُوَ كَذلِكَ "لَعْنَةُ اللّهُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنّصَارىَ. اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ" يُحَذّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا.(1/122)
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ بْنُ عَدِيَ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ النّجْرَانِيّ قَالَ: حَدّثَنِي جُنْدَبٌ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: "إِنّي أَبْرَأُ إِلَى الله أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنّ الله تَعَالَى قَدِ اتّخَذَنِي خَلِيلاً، كَمَا اتّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً، وَلَوْ كُنْتُ مُتّخِذاً مِنْ أُمّتِي خَلِيلاً لاَتّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً. أَلاَ وَإِنّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلاَ فَلاَ تَتّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ. إِنّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ".
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله
أحاديث الباب ظاهرة الدلالة فيما ترجمنا له. قولها: "ذكرن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كنيسة" هكذا ضبطناه ذكرن بالنون، وفي بعض الأصول ذكرت بالتاء والأول أشهر، وهو جائز على تلك اللغة القليلة لغة أكلوني البراغيث، ومنها: يتعاقبون فيكم ملائكة.
قولها: "غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً" ضبطناه خشي بضم الخاء وفتحها وهما صحيحان.
ثم قوله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود" ومعناه لعنهم كما في الرواية الأخرى، وقيل معناه قتلهم وأهلكهم.(1/123)
قوله: "لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم" هكذا ضبطناه نزل بضم النون وكسر الزاي، وفي أكثر الأصول نزلت بفتح الحروف الثلاثة؟ وبتاء التأنيث الساكنة أي لما حضرت المنية والوفاة، وأما الأول فمعناه نزل ملك الموت والملائكة الكرام. قوله: "طفق يطرح خميصة له" يقال طفق بكسر الفاء وفتحها أي جعل والكسر أفصح وأشهر وبه جاء القرآن، وممن حكى الفتح الأخفش والجوهري، والخميصة كساء له أعلام.
قوله: "عن عبد الله بن الحارث النجراني" هو بالنون والجيم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل إلى آخره" معنى أبرأ أي امتنع من هذا وأنكره، والخليل هو المنقطع إليه، وقيل المختص بشيء دون غيره، قيل هو مشتق من الخلة بفتح الخاء وهي الحاجة، وقيل من الخلة بضم الخاء وهي تخلل المودة في القلب، فنفى صلى الله عليه وسلم أن تكون حاجته وانقطاعه إلى غير الله تعالى، وقيل الخليل من لا يتسمع القلب لغيره، قال العلماء: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية، ولما احتاجت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر، ولهذا قال في الحديث: "ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً" والله تعالى أعلم بالصواب
الياقوتة 39(1/124)
--- فِي تَوَقُّعِ الْمَغْفِرَةِ لِمُصَلِّي صَلاةِ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بن أَيُّوبَ الْعَلافُ الْمِصْرِيُّ ، وَأَحْمَدُ بن حَمَّادِ بن زُغْبَةَ ، قَالا : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بن أَيُّوبَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن زَحْرٍ ، عَنْ عَلِيِّ بن يَزِيدَ ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا مِنَ الصَّلَوَاتِ صَلاةٌ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْجَمَاعَةِ ، وَمَا أَحْسَبُ مَنْ شَهِدَهَا مِنْكُمْ إِلا مَغْفُورًا لَهُ. الطبراني
باب: فضل صلاة الفجر في جماعة
- حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(تفضل صلاة الجميع صلاة أحدكم وحده، بخمسة وعشرين جزءا، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر). ثم يقول أبو هريرة: فاقرؤوا إن شئتم: {إن قرآن الفجر كان مشهودا}.
قال شعيب: وحدثني نافع، عن عبد الله بن عمر قال: تفضلها بسبع وعشرين درجة. البخاري في كتاب
قوله باب فضل صلاة الفجر في جماعة هذه الترجمة أخص من التي قبلها ومناسبة حديث أبي هريرة لها من قوله وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر فإنه يدل على مزية لصلاة الفجر على غيرها وزعم بن بطال أن في قوله وتجتمع إشارة إلى أن الدرجتين الزائدتين على خمس وعشرين تؤخذ من ذلك ولهذا عقبه برواية بن عمر التي فيها بسبع وعشرين وقد تقدم الكلام على الاجتماع المذكور في باب فضل صلاة العصر من المواقيت(1/125)
- قوله بخمس وعشرين جزءا كذا في النسخ التي وقفت عليها ونقل الزركشي في نكتة أنه وقع في الصحيحين خمس بحذف الموحدة من أوله والهاء من آخره قال وخفض خمس على تقدير الباء كقول الشاعر أشارت كليب بالاكف الأصابع أي إلى كليب وأما حذف الهاء فعلى تأويل الجزء بالدرجة انتهى وقد أورده المؤلف في التفسير من طريق معمر عن الزهري بلفظ فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجه قوله قال شعيب وحدثني نافع أي بالحديث مرفوعا نحوه إلا أنه قال بسبع وعشرين درجة وهو موافق لرواية مالك وغيره عن نافع كما تقدم وطريق شعيب هذه موصولة وجوز الكرماني أن تكون معلقة وهو بعيد بل هي معطوفة على الإسناد الأول والتقدير حدثنا أبو اليمان قال شعيب ونظائر هذا في الكتاب كثيرة ولكن لم أر طريق شعيب هذه إلا عند المصنف ولم يستخرجها الإسماعيلي ولا أبو نعيم ولا أوردها الطبراني في مسند الشاميين في ترجمة شعيب
باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة
- حدثنا إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا المغيرة بن سلمة المخزومي. حدثنا عبدالواحد (وهو ابن زياد) حدثنا عثمان ابن حكيم. حدثنا عبدالرحمن بن أبي عمرة. قال:
دخل عثمان بن عفان المسجد بعد صلاة المغرب. فقعد وحده. فقعدت إليه. فقال: يا ابن أخي! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل. ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله".
- وحدثني نصر بن علي الجهضمي. حدثنا بشر (يعني ابن مفضل) عن خالد، عن أنس بن سيرين؛ قال:
سمعت جندب بن عبدالله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى الصبح فهو في ذمة الله. فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فيدركه فيكبه في نار جهنم".
- وحدثنيه يعقوب بن إبراهيم الدورقي. حدثنا إسماعيل عن خالد، عن أنس بن سيرين، قال: سمعت جندبا القسري يقول:(1/126)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله. فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء. فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه. ثم يكبه على وجهه في نار جهنم"
- وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا يزيد بن هارون عن داود بن أبي هند، عن الحسن، عن جندب بن سفيان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا. ولم يذكر "فيكبه في نار جهنم". مسلمكتاب المساجد ومواضع الصلاة
فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة
*حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُخْزُومِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ) حَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ. قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ. فَقَعَدَ وَحْدَهُ. فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ صَلّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنّمَا قَامَ نِصْفَ ليلة. وَمَنْ صَلّى الصّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنّمَا صَلّى اللّيْلَ كُلّهُ".
-وحدّثني نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُفَضّلٍ) عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدَبَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلّى الصّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمّةِ الله. فَلاَ يَطْلُبَنّكُمُ الله مِنْ ذِمّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبّهُ فِي نَارِ جَهَنّمَ".(1/127)
وحدّثنيهِ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَباً الْقَسْرِيّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلّى صَلاَةَ الصّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمّةِ الله. فَلاَ يَطْلُبَنّكُمُ الله مِنْ ذِمّتِهِ بِشَيْءٍ فَإِنّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ. ثُمّ يَكُبّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنّمَ".
قوله: "عن جندب بن عبد الله". وفي الرواية الأخرى: (جندب بن سفيان) وهو جندب بن عبد الله بن سفيان ينسب تارة إلى أبيه وتارة إلى جده. قوله: (سمعت جندباً القسري) هو بفتح القاف وإسكان السين المهملة، وقد توقف بعضهم في صحة قولهم القسري لأن جندباً ليس من بني قسر إنما هو بجلي علقي وعلقة بطن من بحيلة، هكذا ذكره أهل التواريخ والأنساب والأسماء، وقسر هو أخو علقمة، قال القاضي عياض، لعل الجندب حلفاً في بني قسر أو سكناً أو جواراً فنسب إليهم لذلك، أو لعل بني علقة ينسبون إلى عمهم قسر، كغير واحدة من القبائل ينسبون بنسبة بني عمهم لكثرتهم أو شهرتهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله" قيل: الذمة هنا الضمان، وقيل: الأمان
باب المسلمون في ذمة الله عز وجل
- حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي. حدثنا أحمد بن خالد الذهبي. حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الواحد بن عون، عن سعد بن إبراهيم، عن حابس اليمامي ((اليماني))، عن أبي بكرس الصديق؛ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من صلى الصبح، فهو في ذمة الله. فلا تخفروا الله في عهده، فمن قتله، طلبه الله حتى يكبه في النار على وجهه)).
في الزوائد: رجال إسناده ثقات. إلا انه منقطع. وسعد بن إبراهيم لم يدرك حابس بن سعد، قاله في التهذيب.(1/128)
- حدثنا محمد بن بشار. حدثنا روح بن عبادة. ثتا أشعث عن الحسن، عن سمرة ابن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال ((من صلى الصبح، فهو في ذمة الله، عز وجل)).
في الزوائد: إسناده صحيح، إن كان الحسن سمع من سمرة. وأشعث هو عبد الملك. ابن ماحه
باب صلاة العشاء والفجر في جماعة
- حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي. حدثنا الوليد بن مسلم. حدثنا الأوزاعي. حدثنا يحيى ابن أبي كثير. حدثني محمد بن إبراهيم التيمي. حدثني عيسى بن طلحة. حدثتني عائشة: قالت:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لو يعلم الناس ما في صلاة العشاء وصلاة الفجر، لأتوهما ولو حبوا)). ابن ماجه
أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المغيرة بن سلمة المخزومي حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عثمان بن حكيم حدثنا عبد الرحمن بن أبي عمرة قال دخل عثمان بن عفان المسجد بعد صلاة المغرب فقعد وحده وقعدت إليه فقال يا بن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله
ذكر استغفار الملائكة لمصلي صلاة العصر والغداة في الجماعة
- أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا أبو خثيمة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاقبون فيكم إذا كانت صلاة الفجر نزلت ملائكة النهار فشهدت معكم الصلاة جميعا وصعدت ملائكة الليل ومكثت معكم ملائكة النهار فيسألهم ربهم وهو أعلم ما تركتم عبادي يصنعون فيقولون جئناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون فإذا كان صلاة العصر نزلت ملائكة الليل فشهدوا معكم الصلاة جميعا ثم صعدت ملائكة النهار ومكثت معكم ملائكة الليل قال فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم فيقول ما تركتم عبادي يصنعون قال فيقولون جئنا وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون قال فحسبت أنهم يقولون فاغفر لهم يوم الدين . ابن حبان(1/129)
باب فرض الجماعة والأعذار التي تبيح تركها
حدثنا محمود بن غيلان حدثنا بشر بن السري حدثنا سفيان عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- "من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة".
قال: وفي الباب عن ابن عمر، وأبي هريرة، وأنس، وعمارة بن رويبة، وجندب بن عبد الله بن سفيان البجلي، وأبي بن كعب وأبي موسى، وبريدة.
قال أبو عيسى: حديث عثمان حديث حسن صحيح.
وقد روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان موقوفا وروي من غير وجه عن عثمان مرفوعا.
- حدثنا محمد بن بشار حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا داود بن أبي هند عن الحسن عن جندب بن سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
- "من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا تخفروا الله في ذمته".
قال أبو عيسى: حديث حسن صحيح.
- حدثنا عباس العنبري حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان العنبري عن إسماعيل الكحال عن عبد الله بن أوس الخزاعي عن بريدة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
- "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة".
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه مرفوع، هو صحيح مسند وموقوف إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم. الترمذي
باب من صلى الصبح فهو في ذمة الله عز وجل
. - حدثنا بندارٌ أخبرنا معدى بن سليمان أخبرنا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
- (من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يتبعنكم الله بشيء من ذمته) .
وفي الباب عن جندب وابن عمر هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه الترمذي
حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي البصري أخبرنا عبد العزيز بن مسلم أخبرنا أبو ظلال عن أنس قال:(1/130)
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تامة تامة تامة".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وسألت محمد بن إسماعيل عن أبي ظلال فقال: هو مقارب الحديث. قال محمد: واسمه هلال الترمذي
أبو النضر محمد بن يوسف الفقيه ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ثنا محمد بن عبد الرحمن المقاتلي حدثتني أسماء بنت واثلة بن الأسقع قالت كان أبي إذا صلى الصبح جلس مستقبل القبلة حتى تطلع الشمس فربما كلمته في الحاجة فلا يكلمني فقلت ما هذا فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى الصبح ثم قرأ قل هو الله أحد مائة مرة قبل أن يتكلم أحدا غفر له ذنب سنة الحاكم
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو محمد المزني ثنا علي بن محمد بن أبي عيسى ثنا أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ثم يقول أبو هريرة اقرأوا إن شئتم { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } مخرج في الصحيحين من حديث أبي اليمان
- أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة أنا أبو جعفر بن دحيم ثنا أحمد بن حازم ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا سفيان عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة أخرى أخرجه مسلم من وجهين عن الثوري(1/131)
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد أنبأ أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز ثنا علي بن إبراهيم الواسطي ثنا يزيد بن هارون أنبأ داود بن أبي هند عن الحسن عن جندب بن سفيان العلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى الصبح فهو في ذمة الله عز وجل فانظر يا بن آدم لا يطلبنك الله بشيء من ذمته رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون
- وأخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن إبراهيم بن علي بن عروة ببغداد أنبأ أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ثنا أبو السري موسى بن الحسن النسائي ثنا عفان ثنا بشر بن المفضل ثنا خالد الحذاء عن أنس بن سيرين قال سمعت جندب بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه بشيء يدركه فيكبه في نار جهنم رواه مسلم في الصحيح عن نصر بن علي عن بشر وقد جاء الكتاب ثم السنة بزيادة فضيلة الصبح والعصر جميعا
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه ثنا أبو المثنى ثنا مسدد ثنا يحيى عن إسماعيل ثنا قيس قال قال لي جرير بن عبد الله كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال أما أنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون ولا تضاهون في رويته وإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غربوها فافعلوا ثم قال { فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } رواه البخاري في الصحيح عن مسدد ورواه مسلم من أوجه أخر عن إسماعيل بن أبي خالد(1/132)
- حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله تعالى أنا أبو القاسم عبد الله بن إبراهيم بن بالويه المزكي ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي قالوا تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون
-وأخبرنا أبو الحسن العلوي أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ثنا محمد بن عقيل ثنا حفص بن عبد الله حدثني إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة أخبرني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنه سمعه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بمثله رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق وأخرجه البخاري من حديث الأعرج عن أبي هريرة
- أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن الفضل القطان ببغداد ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا محمد بن جارود بن دينار القطان ثنا عفان بن مسلم ثنا همام ثنا أبو جمرة عن أبي بكر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى البردين دخل الجنة
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق إملاء سنة ثلاث وثلاثين أنا محمد بن أيوب أنبأ محمد بن سنان العوفي وهدبة بن خالد قالا ثنا همام ثنا أبو جمرة عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى البردين دخل الجنة رواه البخاري ومسلم جميعا عن هدبة بن خالد إلا إنهما لم ينسبا أبا بكر عن هدبة ونسباه عن غيره وهو أبو بكر بن أبي موسى الأشعري واسم أبي موسى عبد الله بن قيس(1/133)
- وأخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الفقيه الطبراني بها أنبأ أبو علي محمد بن أحمد الصواف ببغداد ثنا عبد الله بن الحسن يعني أبا شعيب الحراني ثنا عفان ثنا همام عن أبي جمرة عن أبي بكر عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى البردين دخل الجنة
قال أبو شعيب قال بعض النحويين غدوة وعشيا قال وأبو بكر هذا يقال أنه أبو بكر بن عمارة بن رويبة قال الشيخ الذي رواه عنه أبو جمرة هو أبو بكر بن أبي موسى وأبو بكر بن عمارة أيضا قد رواه بمعناه وهو فيما أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي ببغداد ثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ثنا علي بن إبراهيم الواسطي ثنا يزيد بن هارون أنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بكر بن عمارة وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ واللفظ له ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الوهاب ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا شيبان عن عبد الملك بن عمير عن بن عمارة بن رويبة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلج النار من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وعنده رجل من أهل البصرة فقال أنت سمعت هذا من النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم أشهد به عليه قال الرجل وأنا أشهد لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول بالمكان الذي سمعته منه رواه مسلم في الصحيح عن يعقوب بن إبراهيم عن يحيى بن أبي بكير وأخرجه أيضا من حديث بن أبي خالد(1/134)
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنبأ أبو جعفر الرزاز ثنا يحيى بن جعفر ثنا علي بن عاصم أنبأ داود بن أبي هند ح وأخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان ببغداد ثنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان حدثني عمرو بن عون ثنا خالد عن داود يعني بن أبي هند عن أبي حرب يعني بن أبي الأسود عن عبد الله بن فضالة عن أبيه قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيما علمني أن قال حافظ على الصلوات الخمس قلت أن هذه ساعات لي فيها أشغال فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته اجزأ عني قال حافظ على العصرين وما كانت من لغاتنا قلت وما العصران قال صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها
لفظ حديث القطان قال الشيخ رحمه الله وكأنه أراد الله أعلم حافظ عليهن في أوائل أوقاتهن فاعتذر بالأشغال المفضية إلى تأخيرها عن أوائل أوقاتهن فأمره بالمحافظة على هاتين الصلاتين بتعجيلهما في أوائل وقتيهما وبالله التوفيق البيهقي
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان وعبد الرزاق قالا: حدثنا سفيان عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال عبد الرزاق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
-من صلى صلاة العشاء والصبح في جماعة فهو كقيام ليلة
وقال عبد الرحمن: من صلى العشاء في جماعة فهو كقيام نصف ليلة ومن صلى الصبح في جماعة فهو كقيام ليلة.
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الملك ابن عمر وحدثنا علي بن المبارك عن يحيى يعني ابن كثير عن محمد بن إبراهيم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
-من صلى العشاء في جماعة فهو كمن قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فهو كمن قام الليل كله. أحمد(1/135)
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حسين بن محمد حدثنا اسرائيل عن عطاء بن السائب قال دخلت على أبي عبد الرحمن السلمي وقد صلى الفجر وهو جالس في المجلس فقلت لو قمت إلى فراشك كان أوطأ لك فقال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
-من صلى الفجر ثم جلس في مصلاه صلت عليه الملائكة وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له اللهم ارحمه ومن ينتظر الصلاة صلت عليه الملائكة وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له اللهم ارحمه . أحمد
محمد بن يوسف ثنا سفيان عن أبي سهل قال : أنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة الدارمي
من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قال الليل كله أي بانضمام صلاة العشاء
باب فضل صلاة العشاء والفجر في الجماعة والبيان أن صلاة الفجر في الجماعة أفضل من صلاة العشاء في الجماعة وان فضلها في الجماعة ضعفي فضل العشاء في الجماعة
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن رافع نا الفضل بن دكين نا سفيان عن عثمان بن حكيم أصله مدني سكن الكوفة عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة
باب ذكر اجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا علي بن حجر السعدي بخبر غريب غريب نا علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { إن قرآن الفجر كان مشهودا } قال تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار مجتمعا فيها قال أبو بكر أمليت في أول كتاب الصلاة ذكر اجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر(1/136)
باب ذكر الحض على شهود صلاة العشاء والصبح ولو لم يقدر المرء على شهودهما ألا حبوا على الركب
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عتبة بن عبد الله قال قرأت على مالك يعني بن أنس عن سمي مولى أبي بكر وهو بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولو علموا ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا
باب ذكر البيان أن ما كثر من العدد في الصلاة جماعة كانت الصلاة أفضل
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ثنا يحيى بن آدم ثنا زهير عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بصير عن أبيه قال قدمت المدينة فلقيت أبي بن كعب فقلت يا أبا المنذر حدثني أعجب حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى لنا أو صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر ثم التفت فقال أشاهد فلان قلنا لا ولم يشهد الصلاة قال أشاهد فلان قلنا لا ولم يشهد الصلاة فقال إن اثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا إن صف المقدم على مثل صف الملائكة ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه وإن صلاتك مع رجل أربى من صلاتك وحدك وصلاتك مع رجلين أربى من صلاتك مع رجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله قال أبو بكر ورواه شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن عبد الله بن بصير عن أبي بن كعب ولم يقولا عن أبيه
- أنا أبو طاهر ثنا أبو بكر ناه بندار نا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر عن شعبة قال سمعت أبا إسحاق قال سمعت عبد الله بن أبي بصير يحدث عن أبي بن كعب قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فقال أشاهد فلان فذكر الحديث وقال وما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل
باب أمر العميان بشهود صلاة الجماعة وإن خاف الأعمى هوام الليل والسباع إذا شهد الجماعة(1/137)
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا علي بن سهل الرملي بخبر غريب غريب نا زيد بن أبي الزرقاء عن سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن بن أبي ليلى عن بن أم مكتوم قال يا رسول الله ان المدينة كثيرة الهوام والسباع قال تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح قلت نعم قال فحي هلا
باب أمر العميان بشهود صلاة الجماعة وإن كانت منازلهم نائية عن المسجد لا يطاوعهم قائدوهم بإتيانهم إياهم المساجد والدليل على أن شهود الجماعة فريضة لا فضيلة إذ غير جائز أن يقال لا رخصة للمرء في ترك الفضيلة
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عيسى بن أبي حرب نا يحيى بن أبي بكير نا أبو جعفر الرازي ثنا حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن شداد عن بن أم مكتوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل الناس في صلاة العشاء فقال لقد هممت أن آتي هؤلاء الذين يتخلفون عن هذه الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم فقام بن أم مكتوم فقال يا رسول الله لقد علمت ما بي وليس لي قائد قال أتسمع الإقامة قال نعم قال فاحضرها ولم يرخص له قال أبو بكر هذه اللفظة وليس لي قائد فيها اختصار أراد علمي وليس قائد يلازمني كخبر أبي رزين عن بن أم مكتوم
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر ناه نصر بن مرزوق ثنا أسد ثنا شيبان أبو معاوية عن عاصم بن أبي النجود عن أبي رزين عن بن أم مكتوم أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر ناه محمد بن الحسن بن تسنيم نا محمد يعني بن بكر أخبرنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي رزين عن عبد الله بن أم مكتوم قال قلت يا رسول الله إني شيخ ضرير البصر شاسع الدار ولي قائد فلا يلازمني فهل لي من رخصة قال تسمع النداء قال نعم قال ما أجد لك من رخصة
باب في التغليظ في ترك شهود الجماعة(1/138)
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عبد الجبار بن العلاء نا سفيان حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وابن عجلان وغيره قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد هممت أن آمر فتياني فيقيموا الصلاة وآمر فتيانا فيتخلفوا إلى رجال يتخلفون عن الصلاة فيحرقون عليهم بيوتهم ولو علم أحدهم أنه يدعى إلى عظم إلى ثريد أي لأجاب
باب تخوف النفاق على تارك شهود الجماعة
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا سلم بن جنادة نا وكيع عن المسعودي عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص عن عبد الله قال لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق بين نفاقه ولقد رأيتنا وأن الرجل ليهادي بين رجلين حتى يقام في الصف
باب ذكر أثقل الصلاة على المنافقين وتخوف النفاق على تارك شهود العشاء والصبح في الجماعة
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عبد الله بن سعيد الأشج نا بن نمير عن الأعمش وثنا سلم بن جنادة نا أبو معاوية نا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء الآخرة والفجر ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبوا وإني لأهم أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي ثم آخذ حزم النار فأحرق على أناس يتخلفون عن الصلاة بيوتهم
هذا حديث بن نمير وفي حديث أبي معاوية قال لقد هممت وقال ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن الوليد نا عبد الوهاب يعني الثقفي قال سمعت يحيى بن سعيد يقول سمعت نافعا يحدث أن عبد الله بن عمر كان يقول كنا إذا فقدنا الإنسان في صلاة العشاء الآخرة والصبح أسأنا به الظن
باب التغليظ في ترك صلاة الجماعة في القرى والبوادي واستحواذ الشيطان على تاركها(1/139)
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ثنا أبو أسامة حدثني زائدة بن قدامة عن السائب بن حبيش الكلاعي ح وثنا علي بن مسلم ثنا عبد الصمد نا زائدة بن قدامة نا السائب بن حبيش الكلاعي عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال قال أبو الدرداء أين مسكنك قلت قرية دون حمص قال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من ثلاثة نفر في قرية ولا بدو فلا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية وقال المسروقي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن الذئب يأخذ القاصية
باب صلاة المريض في منزله جماعة إذا لم يمكنه شهودها في المسجد لعلة حادثة
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن العلاء بن كريب بخبر غريب غريب ثنا قبيصة ثنا ورقاء بن عمر عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن جابر عن عبد الله قال وثبت رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلنا عليه فوجدناه جالسا في حجرة له بين يديه غرفة قال فصلى جالسا فقمنا خلفه فصلينا فلما قضى الصلاة قال إذا صليت جالسا فصلوا جلوسا وإذا صليت قائما صلوا قياما ولا تقوموا كما تقوم فارس لجباريها وملوكها
باب الرخصة للمريض في ترك شهود الجماعة
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عمران بن موسى القزاز بخبر غريب غريب نا عبد الوارث نا عبد العزيز وهو بن صهيب عن أنس بن مالك قال لم يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يصلى بالناس فرفع النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب فما رأينا منظرا أعجب إلينا منه حيث وضح لنا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن تقدم وأرخى نبي الله صلى الله عليه وسلم الحجاب فلم نوصل إليه حتى مات صلى الله عليه وسلم(1/140)
قال أبو بكر هذا الخبر من الجنس الذي كنت أعلمت أن الإشارة المفهومة من الناطق قد تقوم مقام المنطق إذا النبي صلى الله عليه وسلم أفهم الصديق بالإشارة إليه أنه أمره بالإمامة فاكتفى بالإشارة إليه عند النطق بأمره بالإقامة
باب فضل المشي إلى الجماعة متوضيا وما يرجى فيه من المغفرة
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا الربيع بن سليمان المرادي نا شعيب حدثنا الليث ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم نا أبي وشعيب قالا أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن أبي سلمة ونافع بن جبير بن مطعم عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان التميمي عن حمران مولى عثمان بن عفان عن عثمان بن عفان أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من توضأ فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى صلاة مكتوبة فصلاها مع الإمام غفر له ذنبه
باب ذكر حط الخطايا ورفع الدرجات بالمشي إلى الصلاة متوضيا
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا يوسف بن موسى ثنا جرير عن الأعمش ح وثنا الدورقي وسلم بن جنادة قالا ثنا أبو معاوية عن الأعمش وقال الدورقي قال ثنا الأعمش ح وثنا بندار وأبو موسى قالا ثنا بن أبي عدي عن شعبة عن سليمان ح وثنا بشر بن خالد العسكري نا محمد يعني بن جعفر عن شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة أحدكم في جماعة تزيد على صلاته وحده في بيته وفي سوقه ببضع وعشرين درجة وذلك لأن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة لا يريد غيرها لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة
هذا حديث بندار وقال أبو موسى أو حط عنه وقال بشر بن خالد وسلم بن جنادة والدورقي وحط عنه وقال الدورقي حتى يدخل المسجد
باب ذكر فرح الرب تعالى بمشي عبده إلى المسجد متوضيا(1/141)
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا الربيع بن سليمان نا شعيب ثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي عبيدة عن سعيد بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه ويسبغه ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا تبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته
باب ذكر كتابة الحسنات بالمشي إلى الصلاة
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي عشانة أنه سمع عقبة بن عامر الجهني يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تطهر الرجل ثم مر إلى المسجد يرعى الصلاة كتب له كاتبه أو كاتباه بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات والقاعد يرعى للصلاة كالقانت ويكتب من المصلين من حيث يخرج من بيته حتى يرجع
باب ذكر كتابة الصدقة بالمشي إلى الصلاة
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عيسى بن إبراهيم الغافقي المصري نا بن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا يونس وهو سليم بن جبير حدثه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل نفس كتب عليها الصدقة كل يوم طلعت فيه الشمس فمن ذلك أن تعدل بين الإثنين صدقة وأن تعين الرجل على دابته وتحمله عليها صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة ومن ذلك أن تعين الرجل على دابته وتحمله عليها وترفع متاعه عليها صدقة والكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تمشي بها إلى الصلاة صدقة
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا الحسين ثنا بن المبارك أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة
باب ضمان الله الغادي إلى المسجد والرائح إليه(1/142)
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا سعد بن عبد الله بن عبد الحكيم بن اعين بخبر غريب غريب ثنا أبي ثنا الليث بن سعد عن الحارث بن يعقوب عن قيس بن رافع القيسي عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو أن عبد الله بن عمرو مر بمعاذ بن جبل وهو قائم على بابه يشير بيده كأنه يحدث نفسه فقال له عبد الله ما شأنك يا أبا عبد الرحمن تحدث نفسك قال وما لي أيريد عدو الله أن يلهيني عن كلام سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تكابد دهرك الآن في بيتك ألا تخرج إلى المجلس فتحدث فأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من جاهد في سبيل الله كان ضامنا على الله ومن عاد مريضا كان ضامنا على الله ومن غدا إلى المسجد أو راح كان ضامنا على الله ومن دخل على إمام يعوده كان ضامنا على الله ومن جلس في بيته لم يغتب أحدا بسوء كان ضامنا على الله فيريد عدو الله أن يخرجني من بيتي إلى المجلس
باب ذكر ما أعد الله من النزل في الجنة للغادي إلى المسجد والرائح إليه
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن يحيى ثنا يزيد بن هارون ح وحدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن مطرف عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح
باب ذكر كتابه أجر المصلي بالمشي إلى الصلاة
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عباد بن يعقوب المتهم في رأيه الثقة في حديثه ثنا عمرو بن ثابت والوليد بن أبي ثور عن سماك عن عكرمة عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل من الإنسان صلاة كل يوم فقال رجل من القوم هذا من أشد ما أتيتنا به قال أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صلاة وحملك عن الضعيف صلاة وإنحاءك القذر عن الطريق صلاة وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صلاة
باب فضل المشي إلى الصلاة في الظلام بالليل(1/143)
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا إبراهيم بن محمد الحلبي البصري بخبر غريب غريب حدثنا يحيى بن الحارث الشيرازي وكان ثقة وكان عبد الله بن داود يثني عليه قال حدثنا زهير بن محمد التميمي عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبشر المشاؤن في الظلام إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا إبراهيم بن محمد نا يحيى بن الحارث ثنا أبو غسان المدني عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر المشائين في الظلام بالنور التام
باب فضل المشي إلى المساجد من المنازل المتباعدة من المساجد لكثرة الخطى
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا أحمد بن عبدة أخبرنا عباد بن عباد المهلبي عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي بن كعب وحدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني نا المعتمر عن أبيه نا أبو عثمان عن أبي بن كعب وثنا يوسف بن موسى نا جرير عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أبي بن كعب وهذا حديث عباد قال كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت بالمدينة فكان لا تخطئه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجعت له فقلت يا فلان لو إنك اشتريت حمارا يقيك الرمض ويرفعك من الموقع ويقيك هوام الأرض فقال إني والله ما أحب أن بيتي مطنب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم قال فحملت به حملا حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له قال فدعاه فسأله فذكر له مثل ذلك وذكر أنه يرجو في أمره فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لك ما احتسبت وفي حديث الصنعاني فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال يا نبي الله لكيما يكتب أثرى ورجوعي إلى أهلي وإقبالي إليه أو كما قال قال اعطاك الله ذلك كله وأعطاك ما احتسبت أجمع أو كما قال(1/144)
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن العلاء بن كريب وموسى بن عبد الرحمن المسروقي قالا ثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام في جماعة أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام جميعها لفظا واحدا
باب الشهادة بالإيمان لعمار المساجد بإتيانها والصلاة فيها
- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا يونس بن عبد الأعلى نا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا عليه بالإيمان قال الله { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر } ابن خزيمة
وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح وأن عمر بن الخطاب غدا إلى السوق ومسكن سليمان بين السوق والمسجد النبوي فمر على الشفاء أم سليمان فقال لها لم أر سليمان في الصبح فقالت إنه بات يصلي فغلبته عيناه فقال عمر لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إلى من أن أقوم ليلة مالك
الياقوتة 40
- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني عروة ابن الزبير، عن المسور بن مخرمة أنه أخبره: أن عمرو بن عوف الأنصاري، وهو حليف لبني عامر بن لؤي، وكان شهد بدرا، أخبره:(1/145)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافت صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما صلى بهم الفجر انصرف، فتعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، وقال: (أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء). قالوا: أجل يا رسول الله، قال: (فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم).
البخاريأبواب الجزية والموادعة
ملحوطة: أوردت هذا الحديث كياقوتة رابعة لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وهو ليس مب رواينه بل من رواية عمرو بن عوف الأنصاري لسببين اثنين أولهما كون رجوع أبي عبيدة من البحرين بمال الجزية سببا لورود الحديث والثاني لكا اشتمل عليهمن الفوائد تتبين من خلال شرح ابن حجر العسقلاني رحمه الله
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله
-قوله الأنصاري المعروف عند أهل المغازي أنه من المهاجرين وهو موافق لقوله هنا وهو حليف لبني عامر بن لؤي لأنه يشعر بكونه من أهل مكة ويحتمل أن يكون وصفه بالأنصاري بالمعنى الأعم ولا مانع أن يكون أصله من الأوس والخزرج ونزل مكة وحالف بعض أهلها فبهذا الاعتبار يكون أنصاريا مهاجريا ثم ظهر لي أن لفظة الأنصاري وهم وقد تفرد بها شعيب عن الزهري ورواه أصحاب الزهري كلهم عنه بدونها في الصحيحين وغيرهما وهو معدود في أهل بدر باتفاقهم ووقع عند موسى بن عقبة في المغازي أنه عمير بن عوف بالتصغير وسيأتي في الرقاق من طريق موسى بن عقبة عن الزهري بغير تصغير وكأنه كان يقال فيه بالوجهين وقد فرق العسكري بين عمير بن عوف وعمرو بن عوف والصواب الوحدة(1/146)
- قوله بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين أي البلد المشهور بالعراق وهي بين البصرة وهجر وقوله يأتي بجزيتها أي بجزية أهلها وكان غالب أهلها إذ ذاك المجوس ففيه تقوية للحديث الذي قبله ومن ثم ترجم عليه النسائي أخذ الجزية من المجوس وذكر بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد قسمة الغنائم بالجعرانة أرسل العلاء إلى المنذر بن ساوى عامل البحرين يدعوه إلى الإسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين كان ذلك في سنة الوفود سنة تسع من الهجرة والعلاء بن الحضرمي صحابي شهير واسم الحضرمي عبد الله بن مالك بن ربيعة وكان من أهل حضرموت فقدم مكة فحالف بها بني مخزوم وقيل كان اسم الحضرمي في الجاهلية زهرمز وذكر عمر بن شبة في كتاب مكة عن أبي غسان عن عبد العزيز بن عمران أن كسرى لما أغار بنو تميم وبنو شيبان على ماله أرسل إليهم عسكرا عليهم زهرمز فكانت وقعة ذي قار فقتلوا الفرس وأسروا أميرهم فاشتراه صخر بن رزين الديلي فسرقه منه رجل من حضرموت فتبعه صخر حتى افتداه منه فقدم به مكة وكان صناعا فعتق وأقام بمكة وولد له أولاد نجباء وتزوج أبو سفيان ابنته الصعبة فصارت دعواهم في آل حرب ثم تزوجها عبيد الله بن عثمان والد طلحة أحد العشرة فولدت له طلحة قال وقال غير عبد العزيز أن كلثوم بن رزين أو أخاه الأسود خرج تاجرا فرأى بحضرموت عبدا فارسيا نجارا يقال له زهرمز فقدم به مكة ثم اشتراه من مولاه وكان حميريا يكنى أبا رفاعة فأقام بمكة فصار يقال له الحضرمي حتى غلب على اسمه فجاور أبا سفيان وانقطع إليه وكان آل رزين حلفاء لحرب بن أمية وأسلم العلاء قديما ومات الثلاثة المذكورون أبو عبيدة والعلاء باليمن وعمرو بن عوف في خلافة عمر رضي الله عنهم قوله فقدم أبو عبيدة تقدم في كتاب الصلاة بيان المال المذكور وقدره وقصة العباس في الأخذ منه وهي التي ذكرت هنا أيضا قوله فسمعت الأنصار(1/147)
بقدوم أبي عبيدة فوافقت صلاة الصبح يؤخذ منه إنهم كانوا لا يجتمعون في كل الصلوات في التجميع الا لأمر يطرأ وكانوا يصلون في مساجدهم إذ كان لكل قبيلة مسجد يجتمعون فيه فلأجل ذلك عرف النبي صلى الله عليه وسلم أنهم اجتمعوا لأمر ودلت القرينة على تعيين ذلك الأمر وهو احتياجهم إلى المال للتوسعة عليهم فأبوا الا أن يكون للمهاجرين مثل ذلك وقد تقدم هناك من حديث أنس فلما قدم المال رأوا أن لهم فيه حقا ويحتمل أن يكون وعدهم بأن يعطيهم منه إذا حضر وقد وعد جابرا بعد هذا أن يعطيه من مال البحرين فوفى له أبو بكر قوله فتعرضوا له أي سألوه بالإشارة قوله قالوا أجل يا رسول الله قال الأخفش أجل في المعنى مثل نعم لكن نعم يحسن أن تقال جواب الاستفهام وأجل أحسن من نعم في التصديق قوله فأبشروا أمر معناه الأخبار بحصول المقصود قوله فتنافسوها يأتي الكلام عليه في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى وفي هذا الحديث أن طلب العطاء من الإمام لا غضاضة فيه وفيه البشرى من الإمام لأتباعه وتوسيع أملهم منه وفيه من أعلام النبوة اخباره صلى الله عليه وسلم بما يفتح عليهم وفيه أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين ووقع في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم مرفوعا تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك وفيه إشارة إلى أن كل خصلة من المذكورات مسببة عن التي قبلها وسيأتي بقية الكلام على ذلك في الرقاق إن شاء الله تعالى ثالثها
باب: ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها.
- حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن موسى بن عقبة: قال ابن شهاب: حدثني عروة بن الزبير: أن المسور بن مخرمة أخبره: أن عمرو بن عوف، وهو حليف لبني عامر بن لؤي، كان شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبره:(1/148)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافقت صلاة الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف تعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم وقال: (أظنكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة، وأنه جاء بشيء). قالوا: أجل يا رسول الله، قال: (فأبشروا وأمِّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم). البخاري في الرقاق
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله
-قوله باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها المراد بزهرة الدنيا بهجتها ونضارتها وحسنها والتنافس يأتي بيانه في الباب ذكر فيه سبعة أحاديث الحديث الأول(1/149)
- قوله إسماعيل بن عبد الله هو بن أبي أويس قوله عن موسى بن عقبة هو عم إسماعيل الراوي عنه قوله قال قال بن شهاب هو الزهري قوله ان عمرو بن عوف تقدم بيان نسبه في الجزية وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق وهم موسى وابن شهاب وعروة وصحابيان وهما المسور وعمرو وكلهم مدنيون وكذا بقية رجال الإسناد من إسماعيل فصاعدا قوله الى البحرين سقط الى من رواية الأكثر وثبتت للكشميهني قوله فواقفت في رواية المستملي والكشميهني فوافقت قوله فوالله ما الفقر أخشى عليكم بنصب الفقر أي ما أخشى عليكم الفقر ويجوز الرفع بتقدير ضمير أي ما الفقر أخشاه عليكم والأول هو الراجح وخص بعضهم جواز ذلك بالشعر وهذه الخشية يحتمل أن يكون سببها علمه أن الدنيا ستفتح عليهم ويحصل لهم الغنى بالمال وقد ذكر ذلك في أعلام النبوة مما أخبر صلى الله عليه وسلم بوقوعه قبل أن يقع فوقع وقال الطيبي فائدة تقديم المفعول هنا الاهتمام بشأن الفقر فان الوالد المشفق إذا حضره الموت كان اهتمامه بحال ولده في المال فأعلم صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه وان كان لهم في الشفقة عليهم كالأب لكن حاله في أمر المال يخالف حال الوالد وأنه لا يخشى عليهم الفقر كما يخشاه الوالد ولكن يخشى عليهم من الغنى الذي هو مطلوب الوالد لولده والمراد بالفقر العهدي وهو ما كان عليه الصحابة من قلة الشيء ويحتمل الجنس والأول أولى ويحتمل أن يكون أشار بذلك الى أن مضرة الفقر دون مضرة الغنى لان مضرة الفقر دنيوية غالبا ومضرة الغنى دينيه غالبا قوله فتنافسوها فتح المثناة فيها والأصل فتنافسوا فحذفت إحدى التائين والتنافس من المنافسة وهي الرغبة في الشيء ومحبة الانفراد به والمغالبة عليه وأصلها من الشيء النفيس في نوعه يقال نافست في الشيء منافسة ونفاسة ونفاسا ونفس الشيء بالضم نفاسه صار مرغوبا فيه ونفست به بالكسر بخلت ونفست عليه لم أره أهلا لذلك قوله فتهلككم أي لان المال مرغوب فيه فترتاح النفس لطلبه(1/150)
فتمنع منه فتقع العداوة المتقضية للمقاتلة المفضية الى الهلاك قال بن بطال فيه أن زهرة الدنيا ينبغي لمن فتحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها وشر فتنتها فلا يطمئن الى زخرفها ولا ينافس غيره فيها ويستدل به على أن الفقر أفضل من الغنى لأن فتنة الدنيا مقرونة بالغنى والغنى مظنة الوقوع في الفتنة التي قد تجر الى هلاك النفس غالبا والفقير آمن من ذلك ...
وفي الباب
*حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: (إني فرطكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها).
- حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض). قيل: وما بركات الأرض؟ قال: (زهرة الدنيا). فقال له رجل: هل يأتي الخير بالشر؟ فصمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظننت أنه ينزل عليه، ثم جعل يمسح عن جبينه، فقال: (أين السائل). قال: أنا. قال أبو سعيد: لقد حمدناه حين طلع لذلك. قال: (لا يأتي الخير إلا بالخير، إن هذا المال خضرة حلوة، وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطاً أو يُلِمُّ، إلا آكلة الخضر، أكلت حتى إذا امتدَّت خاصرتاها، استقبلت الشمس، فاجْتَرَّت وثلطت وبالت، ثم عادت فأكلت. وإن هذا المال حلوة، من أخذه بحَقِّه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع).(1/151)
- أنا فرطكم بفتح الفاء والراء أي السابق اليه الحديث الثالث حديث أبي سعيد قوله إسماعيل هو بن أبي أويس وقد وافقه في رواية هذا الحديث عن مالك بتمامه بن وهب وإسحاق بن محمد وأبو قرة ورواه معن بن عيسى والوليد بن مسلم عن مالك مختصرا كل منهما طرفا وليس هو في الموطأ قاله الدارقطني في الغرائب قوله عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أكثر ما أخاف عليكم في رواية هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار الماضية في كتاب الزكاة في أوله انه سمع أبا سعيد الخدري يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال ان مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم وفي رواية السرخسي اني مما أخاف ...
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله(1/152)
قوله ما يفتح في موضع نصب لأنها اسم ان و مما في قوله ان مما في موضع رفع لأنها الخبر قوله زهرة الدنيا زاد هلال وزينتها وهو عطف تفسير وزهرة الدنيا بفتح الزاي وسكون الهاء وقد قرئ في الشاذ عن الحسن وغيره بفتح الهاء فقيل هما بمعنى مثل جهرة وجهرة وقيل بالتحريك جمع زاهر كفاجر وفجرة والمراد بالزهرة الزينة والبهجة كما في الحديث والزهرة مأخوذة من زهرة الشجر وهو نورها بفتح النون والمراد ما فيها من أنواع المتاع والعين والثياب والزروع وغيرها مما يفتخر الناس بحسنه مع قلة البقاء قوله فقال رجل لم اقف على اسمه قوله هل يأتي في رواية هلال أو يأتي وهي بفتح الواو والهمزة للاستفهام والواو عاطفة على شيء مقدر أي اتصير النعمة عقوبة لان زهرة الدنيا نعمة من الله فهل تعود هذه النعمة نقمة وهو استفهام استرشاد لا إنكار والباء في قوله بالشر صلة ليأتي أي هل يستجلب الخير الشر قوله ظننت في رواية الكشميهني ظننا وفي رواية هلال فرئينا بضم الراء وكسر الهمزة وفي رواية الكشميهني فأرينا بضم الهمزة قوله ينزل عليه أي الوحي وكأنهم فهموا ذلك بالقرينة من الكيفية التي جرت عادته بها عندما يوحى اليه قوله ثم جعل يمسح عن جبينه في رواية الدارقطني العرق وفي رواية هلال فيمسح عنه الرحضاء بضم الراء وفتح المهملة ثم المعجمة والمد هو العرق وقيل الكثير وقيل عرق الحمي وأصل الرحض بفتح ثم سكون الغسل ولهذا فسره الخطابي أنه عرق يرحض الجلد لكثرته قوله قال أبو سعيد لقد حمدناه حين طلع لذلك في رواية المستملي حين طلع ذلك وفي رواية هلال وكأنه حمده والحاصل أنهم لاموه أولا حيث رأوا سكوت النبي صلى الله عليه وسلم فظنوا أنه اغضبه ثم حمدوه آخرا لما رأوا مسألته سببا لاستفادة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله وكأنه حمده فأخذوه من قرينة الحال قوله لا يأتي الخير الا بالخير زاد في رواية الدارقطني تكرار ذلك ثلاث مرات وفي رواية هلال انه لا يأتي(1/153)
الخير بالشر ويؤخذ منه أن الرزق ولو كثر فهو من جملة الخير وانما يعرض له الشر بعارض البخل به عمن يستحقه والاسراف في انفاقه فيما لم يشرع وأن كل شيء قضى الله أن يكون خيرا فلا يكون شرا وبالعكس ولكن يخشى على من رزق الخير أن يعرض له في تصرفه فيه ما يجلب له الشر ووقع في مرسل سعيد المقبري عند سعيد بن منصور أو خير هو ثلاث مرات وهو استفهام إنكار أي ان المال ليس خيرا حقيقا وان سمي خيرا لان الخير الحقيقي هو ما يعرض له من الإنفاق في الحق كما أن الشر الحقيقي فيه ما يعرض له من الإمساك عن الحق والاخراج في الباطل وما ذكر في الحديث بعد ذلك من قوله ان هذا المال خضرة حلوة كضرب المثل بهذه الجملة قوله أن هذا المال في رواية الدارقطني ولكن هذا المال الخ ومعناه أن صورة الدنيا حسنة مونقة والعرب تسمي كل شيء مشرق ناضر اخضر وقال بن الأنباري قوله المال خضرة حلوة ليس هو صفة المال وانما هو للتشبيه كأنه قال المال كالبقلة الخضراء الحلوة أو التاء في قوله خضرة وحلوة باعتبار ما يشتمل عليه المال من زهرة الدنيا أو على معنى فائدة المال أي ان الحياة به أو العيشة أو أن المراد بالمال هنا الدنيا لأنه من زينتها قال الله تعالى{ المال والبنون زينة الحياة الدنيا }وقد وقع في حديث أبي سعيد أيضا المخرج في السنن الدنيا خضرة حلوة فيتوافق الحديثان ويحتمل أن تكون التاء فيهما للمبالغة قوله وان كل ما أنبت الربيع أي الجدول وإسناد الاثبات اليه مجازى والمنبت في الحقيقة هو الله تعالى وفي رواية هلال وان مما ينبت ومما في قوله مما ينبت للتكثير وليست من للتبعيض لنوافق رواية كل ما أنبت وهذا الكلام كله وقع كالمثل للدنيا وقد وقع التصريح بذلك في مرسل سعيد المقبري قوله يقتل حبطا أو يلم أما حبطا فبفتح المهملة والموحدة والطاء مهملة أيضا والحبط انتفاخ البطن من كثرة الأكل يقال حبطت الدابة تحبط حبطا إذا أصابت مرعى طيبا فأمعنت في الأكل حتى تنتفخ(1/154)
فتموت وروى بالخاء المعجمة من التخبط وهو الاضطراب والأول المعتمد وقوله يلم بضم أوله أي يقرب من الهلاك قوله الا بالتشديد على الاستثناء وروى بفتح الهمزة وتخفيف اللام للاستفتاح قوله آكلة بالمد وكسر الكاف و الخضر بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين للأكثر وهو ضرب من الكلأ يعجب الماشية وواحده خضرة وفي رواية الكشميهني بضم الخاء وسكون الضاد وزيادة الهاء في آخره وفي رواية السرخسي الخضراء بفتح أوله وسكون ثانيه وبالمد ولغيرهم بضم أوله وفتح ثانيه جمع خضرة قوله امتلأت خاصرتاها تثنية خاصرة بخاء معجمة وصاد مهملة وهما جانبا البطن من الحيوان وفي رواية الكشميهني خاصرتها بالافراد قوله أتت بمثناة أي جاءت وفي رواية هلال استقبلت قوله اجترت بالجيم أي استرفعت ما أدخلته في كرشها من العلف فأعادت مضغه قوله وثلطت بمثلثة ولام مفتوحتين ثم طاء مهملة وضبطها بن التين بكسر اللام أي القت ما في بطنها رقيقا زاد الدارقطني ثم عادت فأكلت والمعنى أنها إذا شبعت فثقل عليها ما أكلت تحيلت في دفعه بأن تجتر فيزداد نعومة ثم تستقبل الشمس فتحمي بها فيسهل خروجه فإذا خرج زال الانتفاخ فسلمت وهذا بخلاف من لم تتمكن من ذلك فإن الانتفاخ يقتلها سريعا قال الأزهري هذا الحديث إذا فرق لم يكد يظهر معناه وفيه مثلان أحدهما للمفرط في جمع الدنيا المانع من اخراجها في وجهها وهو ما تقدم أي الذي يقتل حبطا والثاني المقتصد في جمعها وفي الانتفاع بها وهو آكلة الخضر فإن الخضر ليس من أحرار البقول التي ينبتها الربيع ولكنها الحبة والحبة ما فوق البقل ودون الشجر التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها ولا منعها من مستحقها فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر وأكثر ما تحبط الماشية إذا انحبس رجيعها في بطنها وقال الزين بن المنير آكلة الخضر هي بهيمة الانعام التي ألف(1/155)
المخاطبون أحوالها في سومها ورعيها وما يعرض لها من البشم وغيره والخضر النبات الأخضر وقيل حرار العشب التي تستلذ الماشية أكله فتستكثر منه وقيل هو ما ينبت بعد إدراك العشب وهياجه فإن الماشية تقتطف منه مثلا شيئا فشيئا ولا يصيبها منه ألم وهذا الأخير فيه نظر فإن سياق الحديث يقتضي وجود الحبط للجميع الا لمن وقعت منه المداومة حتى اندفع عنه ما يضره وليس المراد أن آكلة الخضر لا يحصل لها من أكله ضرر البتة والمستثنى آكلة الخضر بالوصف المذكور لاكل من اتصف بأنه آكلة الخضر ولعل قائله وقعت له رواية فيها يقتل أو يلم الا آكلة الخضر ولم يذكر ما بعده فشرحه على ظاهر هذا الاختصار قوله فنعم المعونة هو في رواية هلال فنعم صاحب المسلم هو قوله وأن اخذه بغير حقه في رواية هلال وانه من يأخذه بغير حقه قوله كالذي يأكل ولا يشبع زاد هلال ويكون شهيدا عليه يوم القيامة يحتمل أن يشهد عليه حقيقة بأن ينطقه الله تعالى ويجوز أن يكون مجازا والمراد شهادة الملك الموكل به ويؤخذ من الحديث التمثيل لثلاثة أصناف لان الماشية إذا رعت الخضر للتغذية اما أن تقتصر منه على الكفاية واما أن تستكثر الأول الزهاد والثاني اما أن يحتال على إخراج ما لو بقى لضر فإذا أخرجه زال الضر واستمر النفع واما ان يهمل ذلك الأول العاملون في جميع الدنيا بما يجب من امساك وبذل والثاني العاملون في ذلك بخلاف ذلك وقال الطيبي يؤخذ منه أربعة أصناف فمن أكل منه أكل مستلذ مفرط منهمك حتى تنتفخ أضلاعه ولا يقلع فيسرع اليه الهلاك ومن أكل كذلك لكنه أخذ في الاحتيال لدفع الداء بعد أن استحكم فغلبه فأهلكه ومن أكل كذلك لكنه بادر الى إزالة ما يضره وتحيل في دفعه حتى انهضم فيسلم ومن أكل غير مفرط ولا منهمل وانما اقتصر على ما يسد جوعته ويمسك رمقه فالأول مثال الكافر والثاني مثال العاصي الغافل عن الاقلاع والتوبة الا عند فوتها والثالث مثال للمخلط المبادر للتوبة حيث تكون مقبولة(1/156)
والرابع مثال الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة وبعضها لم يصرح به في الحديث وأخذه منه محتمل وقوله فنعم المعونة كالتذييل للكلام المتقدم وفيه حذف تقديره ان عمل فيه بالحق وفيه إشارة الى عكسه وهو بئس الرفيق هو لمن عمل فيه بغير الحق وقوله كالذي يأكل ولا يشبع ذكر في مقابلة فنعم المعونة هو وقوله ويكون شهيدا عليه أي حجة يشهد عليه بحرصه واسرافه وانفاقه فيما لا يرضى الله وقال الزين بن المنير في هذا الحديث وجوه من التشبيهات بديعة أولها تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره ثانيها تشبيه المنهمك في الاكتساب والاسباب بالبهائم المنهمكة في الاعشاب وثالثها تشبيه الاستكثار منه والادخار له بالشره في الأكل والامتلاء منه ورابعها تشبيه الخارج من المال مع عظمته في النفوس حتى أدى الى المبالغة في البخل به بما تطرحه البهيمة من السلح ففيه إشارة بديعة الى استقذاره شرعا وخامسها تشبيه المتقاعد عن جمعه وضمه بالشاة إذا استراحت وحطت جانبها مستقبلة عين الشمس فإنها من أحسن حالاتها سكونا وسكينة وفيه إشارة الى ادراكها لمصالحها وسادسها تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها وسابعها تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدوا فإن المال من شأنه أن يحرز ويشد وثاقه حبا له وذلك يقتضي منعه من مستحقه فيكون سببا لعقاب مقتنيه وثامنها تشبيه آخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع وقال الغزالي مثل المال مثل الحية التي فيها ترياق نافع وسم ناقع فإن أصابها العارف الذي يحترز عن شرها ويعرف استخراج ترياقها كان نعمة وان أصابها الغبي فقد لقى البلاء المهلك وفي الحديث جلوس الامام على المنبر عند الموعظة في غير خطبة الجمعة ونحوها وفيه جلوس الناس حوله والتحذير من المنافسة في الدنيا وفيه استفهام العالم عما يشكل وطلب الدليل لدفع المعارضة وفيه تسمية المال خيرا ويؤيده قوله تعالى{ وانه لحب الخير لشديد }وفي قوله تعالى {ان ترك(1/157)
خيرا} وفيه ضرب المثل بالحكمة وان وقع في اللفظ ذكر ما يستهجن كالبول فإن ذلك يغتفر لما يترتب على ذكره من المعاني اللائقة بالمقام وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان ينتظر الوحي عند إرادة الجواب عما يسئل عنه وهذا على ما ظنه الصحابة ويجوز أن يكون سكوته ليأتي بالعبارة الوجيزة الجامعة المفهمة وقد عد بن دريد هذا الحديث وهو قوله ان مما ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم من الكلام المفرد الوجيز الذي لم يسبق صلى الله عليه وسلم الى معناه وكل من وقع شيء منه في كلامه فإنما أخذه منه ويستفاد منه ترك العجلة في الجواب إذا كان يحتاج الى التأمل وفيه لوم من ظن به تعنت في السؤال وحمد من أجاد فيه ويؤيد أنه من الوحي قوله يمسح العرق فإنها كانت عادته عند نزول الوحي كما تقدم في بدء الوحي وان جبينه ليتفصد عرقا وفيه تفضيل الغني على الفقير ولا حجة فيه لأنه يمكن التمسك به لمن لم يرجح أحدهما على الآخر والعجب أن النووي قال فيه حجة لم رجح الغني على الفقير وكان قبل ذلك شرح قوله لا يأتي الخير الا بالخير على أن لمراد أن الخير الحقيقي لا يأتي الا بالخير لكن هذه الزهرة ليست خيرا حقيقيا لما فيها من الفتنة والمنافسة والاشتغال عن كمال الإقبال على الآخرة قلت فعلى هذا يكون حجة لمن يفضل الفقر على الغني والتحقيق أن لا حجة فيه لأحد القولين وفيه الحض على إعطاء المسكين واليتيم وابن السبيل وفيه أن المكتسب للمال من غير حله لا يبارك له فيه لتشبيهه بالذي يأكل ولا يشبع وفيه ذم الإسراف وكثرة الأكل والنهم فيه وأن اكتساب المال من غير حله وكذا امساكه عن إخراج الحق منه سبب لمحقه فيصير غير مبارك كما قال تعالى{ يمحق الله الربا ويربي الصدقات}
وأخرج هذا الحدبث الامام مسلم في كتاب الزهد والرقائق(1/158)
* حدثني حرملة بن يحيى بن عبدالله (يعني ابن حرملة بن عمران التجيبي). أخبرنا ابن وهب. أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير؛ أن المسور بن مخرمة أخبره؛ أن عمرو بن عوف، وهو حليف بن عامر بن لؤي، وكان شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبره؛
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين. يأتي بجزيتها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين. وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي. فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين. فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة. فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف. فتعرضوا له. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم. ثم قال "أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟" فقالوا: أجل. يا رسول الله! قال "فأبشروا وأملوا ما يسركم. فوالله! ما الفقر أخشى عليكم. ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم. فتنافسوها كما تنافسوها. وتهلككم كما أهلكتهم"
حدثنا الحسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد. جميعا عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد. حدثنا أبي عن صالح. ح وحدثنا عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي. أخبرنا أبو اليمان. أخبرنا شعيب. كلاهما عن الزهري. بإسناد يونس ومثل حديثه. غير أن في حديث صالح "وتلهيكم كما ألهتهم". ................................
تم والحمد لله رب العالمين وأزكى الصلاة وأطيب التسليم على المبعوث رحمة للخلق أجمعين
سيد الأولين والآخرين النبي الأمي الأمين وعلى ءاله البررة الأطهار وصحابته الأوفياء الأخيار
وعلى كل من أحبهم في الله وعلى الدرب الذي سلكوا سار إلى يوم الوقوف بين يدي العزيز
الغفار
وجمعه العبيّد الفقير الراجي رحمة ومغفرة ربه الغني الحميد
أبو يوسف محمد زايد
30 رمضان المبارك من عام 1426
02-11-2005(1/159)
والآن مع العشرة البررة المبشرين بالجنة
1 أبو بكر الصديق
رضي الله عنه
واسمه رضي الله عنه أبو بكر بن عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم بن مرة
1 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَمْرِو بن خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، قَالَ : أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ اسْمُهُ : عَبْدُ اللَّهِ بن عُثْمَانَ بن عَامِرِ بن عَمْرِو بن كَعْبِ بن سَعْدِ بن تَيْمِ بن مُرَّةَ ، شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأُمُّ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أُمُّ الْخَيْرِ سَلْمَى بنتُ صَخْرِ بن عَامِرِ بن عَمْرِو بن كَعْبِ بن سَعْدِ بن تَيْمِ بن مُرَّةَ بن كَعْبِ بن لُؤَيِّ بن غَالِبِ بن فِهْرِ بن مَالِكٍ ، وَأُمُّ أُمِّ الْخَيْرِ : دِلافُ وَهِي أُمَيْمَةُ بنتُ عُبَيْدِ بن النَّاقِدِ الْخُزَاعِيِّ ، وَجَدَّةُ أَبِي بَكْرٍ : أُمُّ أَبِي قُحَافَةَ أَمِينَةُ بنتُ عَبْدِ الْعُزَّى بن حُرْثَانَ بن عَوْفِ بن عُبَيْدِ بن عُوَيْجِ بن عَدِيِّ بن كَعْبٍ.
2 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَلِيٍّ الْمَدِينِيُّ الْبَغْدَادِيُّ ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بن رُشَيْدٍ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بن عَدِيٍّ ، قَالَ : أُمُّ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَالُ لَهَا : أُمُّ الْخَيْرِ بنتُ صَخْرِ بن عَامِرٍ ، وَهَلَكَ أَبُو بَكْرٍ فَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ جَمِيعًا ، وَكَانَا قَدْ أَسْلَمَا ، وَمَاتَتْ أُمُّ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ أَبِيهِ .(2/1)
3 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بن أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن شَبِيبٍ الْمَدَنِيُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن يَحْيَى بن هَانِي الشَّجَرِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ خَازِمِ بن الْحُسَيْنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن أَبِي بَكْرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : أَسْلَمَتْ أُمُّ أَبِي بَكْرٍ ، وَأُمُّ عُثْمَانَ ، وَأُمُّ طَلْحَةَ ، وَأُمُّ الزُّبَيْرِ ، وَأُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ ، وَأُمُّ عَمَّارِ بن يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَيُقَالُ : عَتِيقُ بن عُثْمَانَ ، وَإِنَّما سُمِّيَ عَتِيقًا لِحُسْنِ وَجْهِهِ.
4 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بن خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بن رَبِيعَةَ ، عَنِ اللَّيْثِ بن سَعْدٍ ، قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَتِيقًا لَجَمَالِ وَجْهِهِ ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بن عُثْمَانَ.
5 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بن صَدَقَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا حَفْصٍ عَمْرَو بن عَلِيٍّ يَقُولُ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْرُوقَ الْوَجْهِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَتِيقًا لِعَتَاقَةِ وَجْهِهِ ، وَكَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ بن عُثْمَانَ ، وِقَدْ رُوِيَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ .(2/2)
6 - حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بن أَبِي قَيْسٍ الْبُخَارِيُّ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ عُمَارَةَ بن غَزِيَّةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ اسْمِ أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَتْ : عَبْدُ اللَّهِ ، فَقُلْتُ : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ : عَتِيقٌ ، فَقَالَتْ : إِنَّ أَبَا قُحَافَةَ كَانَ لَهُ ثَلاثَةٌ : فَسَمَّى وَاحِدًا عَتِيقًا ، وَمُعَيْتِقًا ، وَمُعْتَقًا .
7 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ، حَدَّثَنَا حَامِدُ بن يَحْيَى الْبَلْخِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ ، عَنْ زِيَادِ بن سَعْدٍ ، عَنْ عَامِرِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ اسْمُ أَبِي بَكْرٍ : عَبْدَ اللَّهِ بن عُثْمَانَ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ.
8 - حَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ بن دَاوُدَ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بن رزَيْقٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن عَامِرٍ الأَسْلَمِيُّ عَنْ عَمْرِو بن سُلَيْمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ ، يَقُولُ : كَانَ اسْمُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : عَبْدَ اللَّهِ بن عُثْمَانَ(2/3)
. 9 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن أَبِي أُوَيْسٍ ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بن يَحْيَى بن طَلْحَةَ ، عَنْ عَمِّهِ إِسْحَاقَ بن طَلْحَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَقَالَتْ : إِنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ : أَنْتَ عَتِيقٌ مِنَ النَّارِ فَمِنْ يَوْمَئِذٍ سُمِّيَ عَتِيقًا.
10- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَلِيٍّ الصَّائِغُ الْمَكِّيُّ ، وَأَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ ، قَالا : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بن مُوسَى الطَّلْحِيُّ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بن إِسْحَاقَ ، عَنْ عَائِشَةَ بنتِ طَلْحَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ،أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،مَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا ، قَالَتْ : وَاسْمُهُ الَّذِي سَمَّاهُ أَهْلُهُ : عَبْدُ اللَّهِ بن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
11- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدِ بن أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ مُوسَى بن عُقْبَةَ ، قَالَ : لا نَعْلَمُ أَرْبَعَةً أَدْرَكُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْنَاؤُهُمْ ، إِلا هَؤُلاءِ الأَرْبَعَةَ : أَبُو قُحَافَةَ ، وَأَبُو بَكْرٍ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرٍ ، وَأَبُو عَتِيقِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَاسْمُ أَبِي عَتِيقٍ مُحَمَّدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .(2/4)
12- حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بن شُعَيْبٍ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بن سَعْدٍ ، عَنْ خَالِدِ بن يَزِيدَ ، عَنْ سَعِيدِ بن أَبِي هِلالٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بن سَيْفٍ ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ جَلَسَ مَعَ شُفَيٍّ الأَصْبَحِيِّ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرٍو ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً : أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لا يَلْبَثُ بَعْدِي إِلا قَلِيلا ، وَصَاحِبُ رَحًى دَارَّةٍ يَعِيشُ حَمِيدًا ، وَيَمُوتُ شَهِيدًا ، قِيلَ : مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عُثْمَانَ ، فَقَالَ : وَأَنْتَ سَيَسْأَلُكَ النَّاسُ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصًا كَسَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَئِنْ خَلَعْتَهُ ، لا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ.
13- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بن الْمَهَّالِ . ح
وَحَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، قَالا : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بن جُمْهَانَ ، عَنْ سَفِينَةَ ، مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْخِلافَةُ ثَلاثُونَ سَنَةً ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا ، قَالَ : أمْسَكَ ثِنْتَيْنِ أَبُو بَكْرٍ ، وَعَشْرًا عُمَرُ ، وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ عُثْمَانُ ، وَسِتًّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.(2/5)
14- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن الْمُثَنَّى ،حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن الْمَدِينِيِّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سُلَيْمَانَ الْعَبْدِيُّ ، عَنْ هَارُونَ بن سَعْدٍ ، عَنْ عِمْرَانَ بن ظَبْيَانَ ، عَنْ أَبِي يَحْيَى حَكِيمِ بن سَعْدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَحْلِفُ : لَلَّهُ أَنْزَلَ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ السَّمَاءِ الصِّدِّيقُ.
15- حَدَّثَنَا بُهْلُولُ بن إِسْحَاقَ بن بُهْلُولٍ الأَنْبَارِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بن أَبِي الْمُسَاوِرِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَتْنِي أُمُّ هَانِئٍ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ : أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى قُرَيْشٍ فَأُخْبِرَهُمْ ، فَأَخْبَرَهُمْ فَكَذِّبُوهُ ، وَصَدَّقَهُ أَبُو بَكْرٍ فَسُمِّي يَوْمَئِذٍ الصِّدِّيقَ.
صِفَةُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
16- حَدَّثَنَا طَاهِرُ بن عِيسَى بن قَيْرِسٍ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بن يَزِيدَ ، عَنْ عَلِيِّ بن رَبَاحٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : ثَلاثَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَصْبَحُ قُرَيْشٍ وُجُوهًا ، وَأَحْسَنُهَا أَخْلاقًا ، وَأثْبَتُها حَيَاءً ، إِنْ حَدَّثُوكَ لَمْ يَكْذِبُوكَ ، وَإِنْ حَدَّثْتَهُمْ لَمْ يُكَذِّبُوكَ : أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ ، وَعُثْمَانُ بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.(2/6)
17- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْدٍ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ.
18- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أنا مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، وَثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَضَبَ لِحْيَتَهُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ ، وَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ فَرْدًا ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بن الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ.
19- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدُوسِ بن كَامِلٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن الْجَعْدِ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ ، وَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ .(2/7)
20- حَدَّثَنَا عَلَيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بن بَكَّارٍ ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ ، حَدَّثَنِي الْوَاقِدِيُّ ، حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بن طَلْحَةَ بن عَبْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّهَا رَأَتْ رَجُلا مَارًّا ، وَهِي فِي هَوْدَجِهَا ، فَقَالَتْ : مَا رَأَيْتُ رَجُلا أَشْبَهَ بِأَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا ، فَقِيلَ لَهَا : صِفِي لَنَا أَبَا بَكْرٍ ، فَقَالَتْ : كَانَ رَجُلا أَبْيَضَ نَحِيفًا خَفِيفَ الْعَارِضَيْنِ ، أحْنَا لا تَسْتَمْسِكُ أَزَرَّتُهُ ، تَسْتَرْخِي عَنْ حِقْوَيْهِ ، مَعْرُوقَ الْوَجْهِ ، غَائِرَ الْعَيْنَيْنِ ، نَاتِئَ الْجَبْهَةِ ، عَارِيَ الأشَاجِعِ ، هَذِهِ صِفَتُهُ.
21- حَدَّثَنَا بِشْرُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن زِيَادِ بن أَنْعَمَ ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بن غُرَابٍ ، عَنْ عَمِّهِ ، قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَهُوَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْمَرَ اللِّحْيَةِ قَانِيَهَا.
22- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ ، عَنْ زِيَادِ بن عِلاقَةَ ، قَالَ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ
.
23- حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بن مُحَمَّدٍ الْمَلْطِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بني أَسَدٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاسِلِ ، وَكَأَنَّ لِحْيَتَهُ لَهَبُ الْعَرْفَجِ ، عَلَى نَاقَةٍ لَهُ أَدَمًا أَبْيَضَ خَفِيفًا.(2/8)
24- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بن عَبَّادٍ الْخَطَّابِيُّ الْبَصْريُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ قَيْسٍ ، قَالَ : قَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَأَيْتُ أَسْمَاءَ قَائِمَةً عَلَى رَأْسِهِ بَيْضَاءَ ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبْيَضَ نَحِيفًا فَحَمَلَنِي وَأَبِي عَلَى فَرَسَيْنِ ، ثُمَّ عُرِضْنَا عَلَيْهِ ، وَأَجَازَنَا.
25- حَّدَثَنا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ عَلَى رَأْسِ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ.
-- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَقَالَتْ عَائِشَةُ : وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَأْسِ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ .
26- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عُثْمَانَ بن صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : تَذَاكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِيلادَهُمَا عِنْدِي ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ لِسَنَتَيْنِ وَنِصْفِ الَّتِي عَاشَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(2/9)
27- حَدَّثَنَا بِشْرُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بن الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَامِرِ بن سَعْدٍ عَنْ جَرِيرِ بن عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ بن أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً ، وَقُبِضَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ ، وَقُبِضَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : وَقَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَهَذِهِ لِي سَبْعٌ وَخَمْسُونَ ، ثُمَّ عَاشَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً
28- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بن عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَامِرِ بن سَعْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي جَرِيرٌ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : مَاتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ .
29- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بن بَكَّارٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ ، عَنْ يَحْيَى بن سَعِيدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً ، وَوَلِيَ أَبُو بَكْرٍ سَنَتَيْنِ ، وَدُفِنَ لَيْلا ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.(2/10)
30- حَدَّثَنَا عَمْرُو بن أَبِي الطَّاهِرِ بن السَّرْحِ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بن عَدِيٍّ الْكُوفِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنِ الأَغَرِّ أَبِي مَالِكٍ ، قَالَ : لَمَّا أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ يَسْتَخْلِفَ عُمَرَ بَعَثَ إِلَيْهِ ، فَدَعَاهُ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : إِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى أَمْرٍ مُتْعِبٍ لِمَنْ وَلِيَهُ ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ بِطَاعَتِهِ ، وَأَطِعْهُ بِتَقْوَاهُ ، فَإِنَّ الْمُتَّقِيَ آمِنٌ مَحْفُوظٌ ، ثُمَّ إِنَّ الأَمْرَ مَعْرُوضٌ لا يَسْتَوْجِبُهُ ، إِلا مَنْ عَمِلَ بِهِ فَمَنْ أَمَرَ بِالْحَقِّ وَعَمِلَ بِالْبَاطِلِ ، وَأَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَعَمِلَ بِالْمُنْكِرِ يُوشِكُ أَنَّ تَنْقَطِعَ أُمْنِيَّتُهُ ، وَأَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ ، فَإِنْ أَنْتَ وُلِّيتَ عَلَيْهِمْ أَمْرَهُمْ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَجِفَّ يَدُكَ مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَنْ تَضْمُرَ بَطْنُكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَنْ يَجِفَّ لِسَانُكَ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ ، فَافْعَلْ ، وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ.(2/11)
31- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بن مُوسَى الْفَرْوِيُّ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بن عَبْدِ اللَّهِ بن حَسَنِ بن حَسَنِ بن عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ الْحَسَنِ بن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : يَا عَائِشَةُ ، انْظُرِي اللِّقْحَةَ الَّتِي كُنَّا نَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا ، وَالْجِفْنَةَ الَّتِي كُنَّا نَصْطَبِحُ فِيهَا ، وَالْقَطِيفَةَ الَّتِي كُنَّا نَلْبَسُهَا ، فَإِنَّا كُنَّا نَنْتَفِعُ بِذَلِكَ حِينَ كُنَّا فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِذَا مِتُّ ، فَارْدُدِيهِ إِلَى عُمَرَ ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَرْسَلْتُ بِهِ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبْتَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكَ.
32- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عَبْدِ الْوَهَّابِ بن نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ ، حَدَّثَنَا حَرِيزُ بن عُثْمَانَ ، عَنْ نُعَيْمِ بن نَمِحَةَ ، قَالَ : كَانَ فِي خُطْبَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ لأَجَلٍ مَعْلُومٍ ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْقَضِيَ الأَجَلُ وَهُوَ فِي عَمَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَفْعَلْ ، وَلَنْ تَنَالُوا ذَلِكَ إِلا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، إِنَّ قَوْمًا جَعَلُوا آجَالَهُمْ لِغَيْرِهِمْ فَنَهَاكُمُ اللَّهُ أَنْ تَكُونُوا أمْثَالَهُمْ : { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) } (الحشر : 19 )(2/12)
أَيْنَ مَنْ تَعْرِفُونَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ ؟ قَدَّمُوا مَا قَدَّمُوا فِي أَيَّامِ سَلَفِهِمْ ، وَحَلُّوا فِيهِ بِالشِّقْوَةِ ، وَالسَّعَادَةِ ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ الأَوَّلُونَ الَّذِينَ بنوُا الْمَدَائِنَ وَحَفَفُوها بِالْحَوَائِطِ ؟ قَدْ صَارُوا تَحْتَ الصَّخْرِ وَالآبَارِ ، هَذَا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لا تَفْنَى عَجَائِبُهُ فَاسْتَوْصُوا بِهِ وتزودوا مِنْهُ لِيَوْمِ الظُلْمَةٍ وَاستضيؤوا بِسَنائِهِ وَبَيَانِهِ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَثْنَى عَلَى زَكَرِيَّا ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، فَقَالَ : {كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ، وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين} [الأنبياء : 90 ] ، لا خَيْرَ فِي قَوْلٍ لا يُرَادَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ ، وَلا خَيْرَ فِي مَالٍ لا يُنْفَقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلا خَيْرَ فِيمَنْ يَغْلِبُ جَهْلُهُ حِلْمَهُ ، وَلا خَيْرَ فِيمَنْ يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ.
33- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بن الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ ، وَدُفِنَ لَيْلا.
34- حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بن عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بن عِمْرَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَدِّي ، يَقُولُ : تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَبِهِ طَرَفٌ مِنَ السُّلِ ، وَوَلِيَ سَنَتَيْنِ وَنِصْفًا.(2/13)
35- حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ ، قَالَ : اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ ، وَسِنُّهُ يَوْمَ تُوُفِّيَ كَمَا ذَكَرَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ.(2/14)
36- حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن عُفَيْرٍ ، حَدَّثَنِي عُلْوَانُ بن دَاوُدَ الْبَجَلِيُّ ، عَنْ حُمَيْدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن حُمَيْدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ ، عَنْ صَالِحِ بن كَيْسَانَ ، عَنْ حُمَيْدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَأَلْتُهُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ ؟ فَاسْتَوَى جَالِسًا، فَقُلْتُ : أَصْبَحْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا ، فَقَالَ : أَمَا إِنِّي عَلَى مَا تَرَى وَجِعٌ، وَجَعَلْتُمْ لِي شُغُلا مَعَ وَجَعِ ، جَعَلْتُ لَكُمْ عَهْدًا مِنْ بَعْدِي وَاخْتَرْتُ لَكُمْ خَيْرَكُمْ فِي نَفْسِي فَكُلُّكُمْ وَرِمَ لِذَلِكَ أَنْفُهُ رجَاءَ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ لَهُ،وَرَأَيْتُ الدُّنْيَا قَدْ أَقْبَلَتْ وَلَمَّا تُقْبِلْ وَهِيَ جَائِيَةٌ وَسَتُنَجِّدُونَ بُيُوتَكُمْ بِسُوَرِ الْحَرِير وَنَضَائِدِ الدِّيبَاجِ ، وَتَأْلَمُونَ ضَجَائِعَ الصُّوفِ الأَذْرِيِّ كَأَنَّ أَحَدَكُمْ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ وَوَاللَّهِ لأَنْ يَقْدَمَ أَحَدُكُمْ فَيُضْرَبَ عُنُقُهُ،فِي غَيْرِ حَدٍّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسِيحَ فِي غَمْرَةِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ قَالَ أَمَا إِنِّي لا آسَى عَلَى شَيْءٍ،إِلا عَلَى ثَلاثٍ فَعَلْتُهُنَّ،وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْهُنَّ ،وَثَلاثٍ لَمْ أفْعَلْهُنَّ وَدِدْتُ أَنِّي فَعَلْتُهُنَّ ، وَثَلاثٍ وَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُنَّ ، فَأَمَّا الثَّلاثُ اللاتِي وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْهُنَّ : فَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ كَشَفْتُ بَيْتَ فَاطِمَةَ وَتَرَكْتُهُ ، وَأَنْ أَغْلِقَ عَلَيَّ الْحَرْبَ ،(2/15)
وَوَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ سَقِيفَةَ بني سَاعِدَةَ كُنْتُ قَذَفْتُ الأَمْرَ فِي عُنُقِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ : أَبِي عُبَيْدَةَ أَوْ عُمَرَ فَكَانَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَكُنْتُ وَزِيرًا ، وَوَدِدْتُ أَنِّي حَيْثُ كُنْتُ وَجَّهْتُ خَالِدَ بن الْوَلِيدِ إِلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ أَقَمْتُ بِذِي الْقَصَّةِ فَإِنْ ظَفِرَ الْمُسْلِمُونَ ظَفِرُوا ، وَإِلا كُنْتُ رِدْءًا أَوْ مَدَدًا ، وَأَمَّا اللاتِي وَدِدْتُ أَنِّي فَعَلْتُهَا فَوَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ أُتِيتُ بِالأَشْعَثِ أَسِيرًا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ ، فَإِنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُ يَكُونُ شَرَّ الإِطَارِ إِلَيْهِ ، وَوَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ أُتِيتُ بِالْفَجَاةِ السُّلَمِيَّ لَمْ أَكُنْ أَحْرِقُهُ ، وَقَتَلْتُهُ سَرِيحًا ، أَوْ أطْلَقْتُهُ نَجِيحًا ، وَوَدِدْتُ أَنِّي حَيْثُ وَجَّهْتُ خَالِدَ بن الْوَلِيدِ إِلَى الشَّامِ وَجَّهْتُ عُمَرَ إِلَى الْعِرَاقِ ، فَأَكُونُ قَدْ بَسَطْتُ يَدَيْ يَمِينِي وَشِمَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَمَّا الثَّلاثُ اللاتِي وَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُنَّ فَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ سَأَلْتُهُ فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ فَلا يُنَازعُهُ أَهْلُهُ ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ سَأَلْتُهُ هَلْ لِلأَنْصَارِ فِي هَذَا الأَمْرِ سَبَبٌ ، وَوَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُهُ عَنِ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الأَخِ ؟ فَإِنَّ فِي نَفْسِي مِنْهُمَا حَاجَةً.(2/16)
2- حَّدَثَنا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بن إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن حُمَيْدٍ الرَّوَاسِبِيُّ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن رَجَاءٍ ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى بن عَبَّاسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : اخْتَصَمَ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فِي مِيرَاثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَا كُنْتُ لأُحَوِّلَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3- حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بن الْفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بن سَعِيدٍ الْمَسَاحِقِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مُحَمَّدِ بن عَبَّادِ بن هَانِئٍ الشَّجَرِيُّ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بن سَعْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بن أَبِي هِلالٍ ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى عَمْرِو بن الْعَاصِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ فِي الأَنْصَارِ : اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ.(2/17)
4- حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ الْحَوْطِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، حَدَّثَنَا عَطَّافُ بن خَالِدٍ ، حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بن عَبْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَعْمَلُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَمْ عَلَى أَمْرٍ مُؤْتَنَفٍ ؟ ، قَالَ : بَلْ عَلَى أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ ، قُلْتُ : فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ.
معجم الطبراني الكبير
وجاء في ... صفة الصفوة لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
ذكر اسمه ونسبه
اسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.
واسم أمه:أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر، ماتت مسلمة.
وفي تسميته بعتيق ثلاثة أقوال: أحدهما ما روي عن عائشة انها سئلت: لم سمي أبو بكر عتيقا? فقالت: نظر إليه رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال: هذا عتيق الله من النار.
والثاني: أنه اسم سمته به أمه، قاله موسى بن طلحة.
والثالث: أنه سمي به لجمال وجهه - قاله الليث بن سعد.
وقال ابن قتيبة لقبه النبي. صلى الله عليه وسلم بذلك لجمال وجهه سماه النبي. صلى الله عليه وسلم صديقا وقال: يكون بعدي اثنا عشر خليفة، أبو بكر الصديق لا يلبث إلا قليلا.
وكان علي بن أبي طالب يحلف بالله أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء: الصديق .
ذكر صفته
كان أبو بكر رضي الله عنه نحيفا خفيف العارضين معروق الوجه ناتيء الجبهة أجنى لايستمسك، إزاره يسترخي عن حقويه، عاري الأشاجع يخضب بالحناء والكتم. عن أنس قال: كان أبو بكر يخضب بالحناء والكتم.
وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلت مع أبي على أبي بكر وكان رجلا نحيفا خفيف اللحم، أبيض.
ذكر تقدم إسلامه(2/18)
قال حسان بن ثابت وابن عباس وأسماء بنت أبي بكر وإبراهيم النخعي: أول من أسلم أبو بكر.
وقال يوسف بن يعقوب الماجشون: أدركت أبي ومشيختنا، محمد بن المنكدر، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وصالح بن كيسان، وسعد بن إبراهيم، وعثمان بن محمد الأخنسي، وهم لا يشكون أن أول القوم إسلاما أبو بكر. وعن ابن عباس قال: أول من صلى: أبو بكر رحمه الله، ثم تمثل بأبيات حسان:
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها إلا النبي وأوفاها بما حملا
الثاني التالي المحمود مشهده وأول الناس حقا صدق الرسلا
رواه عبد الله بن الإمام أحمد.
وعن إبراهيم قال: أول من صلى: أبو بكر .
ذكر أولاده
وكان له من الولد: عبد الله، وأسماء ذات النطاقين وأمهما قتيلة، وعبد الرحمن، وعائشة - أمهما أم رومان - ومحمد، وأمه أسماء بنت عميس، وأم كلثوم. وأمها حبيبة بنت خارجة بن زيد، وكان أبو بكر لما هاجر إلى المدينة نزل على خارجة فتزوج ابنته.
فأما عبد الله: فانه شهد الطائف.
وأما أسماء: فتزوجها الزبير فولدت له عدة ثم طلقها، فكانت مع ابنها عبد الله إلى أن قتل وعاشت مائة سنة.
وأما عبد الرحمن: فشهد يوم بدر مع المشركين ثم أسلم.
وأما محمد: فكان من نساك قريش، إلا أنه أعان على عثمان يوم الدار، ثم ولاه علي بن أبي طالب مصر فقتله هناك صاحب معاوية.
وأما أم كلثوم: فتزوجها طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.
سياق أفعاله الجميلة
* عن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاء الصريخ إلى أبي بكر، فقيل له: أدرك صاحبك. فخرج من عندنا وإن له غدائر، فدخل المسجد وهو يقول: ويلكم{ أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم } ?سورة غافر آية 28 قال: فلهوا عن رسول الله وأقبلوا إلى أبي يكر، فرجع إلينا أبو بك، فجعل لا يمس شيئا من غدائره إلا جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الحلال والإكرام.(2/19)
*وعن أنس، قال: لما كان ليلة الغار قال أبو بكر: يا رسول الله دعني أدخل قبلك فإن كان حية أو شيء كانت لي قبلك قال: ادخل. فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيده كلما رأى جحرا قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر،حتى فعل ذلك بثوبه أجمع.
قال: فبقي جحر فوضع عقبة عليه ثم أدخل رسول الله.). فلما أصبح قال له النبي.صلى الله عليه وسلم فأين ثوبك يا أبا بكر? فأخبره بالذي صنع، فرفع رسول الله. صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة . فأوحى الله عز وجل إليه أن الله تعالى قد استجاب لك.
*وعن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان: هل قلت في أبي بكر شيئا? فقال: نعم: فقال قل وانا أسمع. فقال:
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو به إذ صعد الجبلا
وكان حب رسول الله ، قد علموا من البرية لم يعدل به رجلا
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: صدقت يا حسان، هو كما قلت.
وقال المدائني: وكان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* وعن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله. صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالا عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما. قال: فجئت بنصف مالي.قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك? قلت: مثله.وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك? فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقلت: لا أسابقك إلى شي أبدا.
*وعن قيس، قال: اشترى أبو بكر رضي الله عنه بلالا، وهو مدفون في الحجارة، بخمس أواق ذهبا، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناك. قال: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته.
سياق جمل من فضائله ومناقبه رضي الله عنه(2/20)
*ذكر أهل العلم بالتواريخ والسير أن أبا بكر شهد مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم بدرا وجميع المشاهد ولم يفته منها مشهد وثبت مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين انهزم الناس ودفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته العظمى يوم تبوك وانه كان يملك يوم أسلم أربعين ألف درهم فكان يعتق منها ويقوي المسلمين وهو أول من جمع القرآن وتنزه عن شرب المسكر في الجاهلية والإسلام وهو أول من قاء تحرجا من الشبهات.
*وذكر محمد بن إسحاق أنه أسلم على يده من العشرة خمسة عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم.
*عن أبي سعيد قال خطب رسول الله. صلى الله عليه وسلم الناس فقال ان الله عز وجل خير عبدا ببين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عنده فبكى أبو بكر رحمة الله عليه فعجبنا من بكائه ان أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ن عبد خير، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المخير وكان ابو بكر أعلمنا به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي عز وجل لا تخذت أبا بكر، لكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر، أخرجاه في الصحيحين.(2/21)
*عن أبي الدرداء، قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما صاحبكم فقد غامر، فسلم وقال: يا رسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه، ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي، فأقبلت إليك. فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر، ثلاثا. ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثم أبو بكر فقالوا: لا فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم مرتين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال ابو بكر صدق وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي? مرتين، فما أوذي بعدها انفرد بإخراجه البخاري.
*وعن أبي قتادة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين. فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر فقلت: ما بال الناس? قال أمر الله عز وجل. ثم رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقلت من يشهد لي ثم جلست، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله فقال فقمت فقلت من يشهد لي، ثم جلست، قال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله فقمت فقال: مالك يا أبا قتادة فأخذته، فقال رجل: صدق وسلبه عندي فأرضه مني. فقال أبو بكر: لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعطيك سلبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق فأعطه فأعطانيه فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام رواه البخاري.(2/22)
-هكذا روى لنا في هذا الحديث أن أبا بكر قال: لاها الله إذا وقد ذكر أبو حاتم السجستاني فيما تلحن فيه العامة أنهم يقولون: لاها الله إذا، والصواب: لاها الله ذا، والمعنى لا والله لا أقسم به فأدخل اسم الله بين ها وذا، فعلى هذا يكون هذا من الرواة، لأنهم كانوا يرون بالمعنى دون اللفظ.
-وهذا الحديث يتضمن فتوى أبي بكر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وهي من المناقب التي انفرد بها.
*وعن سهل بن سعد قال: كان قتال في بني عمرو بن عوف فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم، وقال: يا بلال إن حضرت الصلاة ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس. فلما أن حضرت الصلاة أقام بلال العصر ثم أمر أبا بكر فتقدم بهم وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما دخل أبو بكر في الصلاة فلما رأوه صفحوا وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشق الناس حتى قام خلف أبي بكر. قال: وكان أبو بكر إذا دخل في الصلاة لم يلتفت، فلما رأى التصفيح لا يمسك عنه التفت فرأى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن امضه فقام ابو بكر على هيئته فحمد الله على ذلك ثم مشى القهقري. قال: فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: أبا بكر ما منعك إذ أومأت إليك أن لا تكون مضيت? فقال أبو بكر: لم يكن لابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال للناس: إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجل، ولتصفح النساء أخرجاه في الصحيحين.(2/23)
*وعن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. قالت: فقلت: يا رسول الله إن با بكر رجل أسيف وأنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر. فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. قالت: فقلت لحفصة: قولي له إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس.
قالت: فأمروا أبا بكر يصلي بالناس وقالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض، فلما دخل المسجد، سمع أبو بكر حسه ذهب بتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم مكانك فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر قالت: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر أخرجاه في الصحيحين.
* وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله? رواه أحمد.
*وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال أتت امرأة إلى النبي. صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه قالت أ رأيت ان جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت قال. صلى الله عليه وسلم ان لم تجدني فائتي أبا بكر رواه البخاري.(2/24)
*وعن ابن عمر قال كنت عند النبي. صلى الله عليه وسلم وعن ابن عمر قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال فنزل عليه جبريل فقال يا محمد مالي ارى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره فقال يا جبريل انفق ماله علي قبل الفتح قال فان الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك قل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر، إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك قل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ? فقال أبو بكر عليه السلام اسخط على ربي? أنا عن ربي راض عن ربي راض، أنا عن ربي راض.
*وعن أبي رجاء العطاردي قال: دخلت المدينة ف رأيت الناس مجتمعين و رأيت رجلا يقبل راس رجل ويقول: أنا فداء لك لولا أنت هلكنا فقلت: من المقبل ومن المقبل? قالوا ذاك عمر يقبل راس أبي بكر في قتاله أهل الردة إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين.
* وعن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر قلت ثم من قال ثم عمر وخشيت ان يقول عثمان قلت ثم أنت فقال ما أنا إلا رجل من المسلمين انفرد بإخراجه البخاري.
*وعن أبي سريحة قال سمعت عليا عليه السلام يقول على المنبر إلا ان أبا بكر منيب القلب.
*وعن أبي عمران الجوني قال قال أبو بكر الصديق لوددت اني شعرة في جنب عبد مؤمن رواه أحمد.
*وعن الحسن قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يا ليتني شجرة تعضد ثم تؤكل.(2/25)
*وعن زيد بن أرقم قال كان لأبي بكر الصديق مملوك يغل عليه فأتاه ليلة بطعام فتناول منه لقمة فقال له المملوك ما لك كنت تسألني كل ليلة ولم تسألني الليلة قال حملني على ذلك الجوع من أين جئت بهذا قال مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني فلما أن كان اليوم مررت به فإذا عرس لهم فأعطوني فقال أف لك كدت تهلكني فادخل يده في حلقه فجعل يتقيا وجعلت لا تخرج فقيل له إن هذا لا تخرج إلا بالماء فدعا بعس من ماء فجعل يشرب ويتقيا حتى رمى بها فقيل له يرحمك الله كل هذا من اجل هذه اللقمة فقال لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة.
وقد أخرج البخاري في أفراده من حديث عائشة طرفا من هذا الحديث.
*وعن هشام عن محمد قال كان أغير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر.
*وعن محمد بن سيرين قال لم يكن أحد أهيب لما يعلم بعد النبي. صلى الله عليه وسلم من أبي بكر.
*وعن قيس قال رأيت أبا بكر أخذا بطرف لسانه ويقول هذا الذي أوردني الموارد.
*وعن ابن مليكة قال كان ربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق قال فيضرب بذراع ناقته فينيخها فيأخذه قال فقالوا له أفلا أمرتنا نناولكه? قال: إن حبي. صلى الله عليه وسلم امرني أن لا أسال الناس شيئا رواه الإمام أحمد.
ذكر خلافة أبي بكر رضي الله عنه
*ذكر الواقدي عن أشياخه أن أبا بكر بويع يوم قبض رسول الله. صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثني عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله.).(2/26)
*وعن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب كان من خبرنا حين توفي رسول الله. صلى الله عليه وسلم ان عليا والزبير تخلفوا في بيت فاطمة وتخلف عنا الأنصار بأجمعهم في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت له يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلت نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا لا عليكم أن لا تقربوهم و اقضوا أمركم فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة فقلت ما له قالوا وجع فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله وقال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وانتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة منكم تريدون أن أن تختزلونا من أصلنا وتحضنونا من الأمر.
فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقولها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد وهو كان احلم مني وأوقر فقال أبو بكر على رسلك فكرهت ان أغضبه والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وافضل حتى سكت قال أما بعد فماذا ذكرتم من خير فأنتم أهله ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم.
وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح فلم اكره مما قال غيرها و كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تغير نفسي عند الموت.
فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقا المرجب منا أمير ومنكم أمير فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف فقلت ابسط يديك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار رواه الإمام أحمد.(2/27)
* وعن إبراهيم التيمي قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عمر أبا عبيدة بن الجراح فقال ابسط يدك فلأبايعك فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال أبو عبيدة بن الجراح لعمر ما رأيت لك فهة مثلها منذ أسلمت أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين.
*وعن الحسن قال: قال علي عليه السلام لما قبض رسول الله. صلى الله عليه وسلم نظرنا في امرنا فوجدنا النبي. صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله. صلى الله عليه وسلم لديننا فقدمنا أبا بكر.
*وعن عطاء بن السائب قال لما استخلف أبو بكر اصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا له أين تريد يا خليفة رسول الله قال السوق قالا تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين قال فمن أين أطعم عيالي قالا له انطلق حتى نفرض لك شيئا فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة وما كسوه في الرأس والبطن.
*وعن حميد بن هلال قال لما ولي أبو بكر الخلافة قال أصحاب رسول الله. صلى الله عليه وسلم افرضوا لخليفة رسول الله. صلى الله عليه وسلم ما يغنيه فقالوا نعم برداه إذا اخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما وظهره إذا سافر ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف فقال أبو بكر رضي الله عنه رضيت.
*وعن عمير بن إسحاق قال خرج أبو بكر وعلى عاتقه عباءة له فقال له رجل أرني أكفك فقال إليك عني لا تغرني أنت وابن الخطاب عن عيالي.(2/28)
قال علماء السير وكان أبو بكر يحلي للحي أغنامهم فلما بويع قالت جارية من الحي الآن لا يحلب لنا منائح دارنا فسمعها فقال بلى لأحلبنها لكم وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت فيه فكان يحلب لهم وانه لما ولي استعمل عمر على الحج ثم حج أبو بكر من قابل ثم اعتمر في رحب سنة اثنتي عشرة فدخل مكة ضحوة فأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره معه فتيان يحدثهم فقيل له هذا ابنك فنهض قائما وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته فنزل عنها وهي قائمة فجعل يقول يا أبه لا تقم ثم التزمه وقبل بين عيني أبي قحافة جعل أبو قحافة يبكي فرحا بقدومه وجاء والي مكة عتاب بن أسيد و سهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام فسلموا عليه فقالوا السلام عليك يا خليفة رسول الله وصافحوه جميعا فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله. صلى الله عليه وسلم ثم سلموا على أبي قحافة فقال أبو قحافة يا عتيق هؤلاء الملأ فاحسن صحبتهم فقال أبو بكر يا أبه لا حول ولا قوة إلا بالله طوقت عظيما من الأمر لا قوة لي به ولا يدان إلا بالله.
وقال هل من أحد يتشكى ظلامة? فما أتاه أحد فاثنى الناس على واليهم.
سياق طرف من خطبه ومواعظه وكلامه رضي الله عنه
*عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما ولى أبو بكر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس قد وليت أمركم ولست بخيركم ولكن قد نزل القرآن وسن النبي. صلى الله عليه وسلم السنن فعلمنا اعلموا أن أكيس الكيس التقوى وان أحمق الحمق الفجور إن أقواكم عندي الضعيف حتى أخذ له بحقه وان أضعفكم عندي القوي حتى أخذ منه الحق أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع فان أحسنت فأعينوني وان زغت فقوموني .(2/29)
*وعن الحسن قال لما بويع أبو بكر قام خطيبا فلا والله ما خطب خطبته أحد بعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني وليت هذا الأمر وأنا له كاره والله لوددت أن بعضكم كفانيه ألا وإنكم إن كلفتموني أن اعمل فيكم مثل عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أقم به كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا أكرمه الله بالوحي وعصمه به ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم فراعوني فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني وإذا رأيتموني زغت فقوموني واعلموا أن لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم.
*وعن يحيى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول في خطبته أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشأنهم أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحيطان أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب قد تضعضع بهم الدهر فاصبحوا في ظلمات القبور الوحا ألواحا النجاء النجاء .
وعن عبد الله بن عكيم قال خطبنا أبو بكر فقال:(2/30)
أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله وان تثنوا عليه بما هو أهله وان تخلطوا الرغبة بالرهبة وتجمعوا الألحاف بالمسالة إن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال {انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين }سورة الأنبياء آية 90 اعلموا عباد الله ان الله قد ارتهن بحقه أنفسكم وأخذ على ذلك مواثيقكم واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي وهذا كتاب الله فيكم لا تفنى عجائبه ولا يطفأ نوره فصدقوا قوله وانتصحوا كتابه واستضيئوا منه ليوم القيامة وإنما خلقكم لعبادته ووكل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في اجل قد غيب عنكم علمه فان استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله فسابقوا في مهل آجالكم قبل ان تنقضي آجالكم فتردكم إلى سوء أعمالكم فإن أقواما جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم فأنهاكم ان تكونوا أمثالهم ألوحا ألوحا النجاء النجاء إن وراءكم طالبا حثيثا مره سريع .
ذكر مرض أبي بكر ووفاته رضي الله عنه
*عن عبد الله بن عمر قال: كان سبب موت أبي بكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كمد فما زال جسمه يحري حتى مات *وعن ابن هشام أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر. فقال الحارث لأبي بكر: ارفع يا خليفة رسول الله والله ان فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد فرفع يديه فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة.
وقيل: كان بدء مرضه أنه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما.
*وعن أبي السفر قال: مرض أبو بكر فعاده الناس، فقالوا: ألا ندعو الطبيب? قال قد رآني. قالوا: فأي شيء قال لك? قال: اني فعال لما أريد.(2/31)
*وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط قال: لما حضر أبا بكر الصديق الموت دعا عمر فقال له اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عملا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملا بالليل لا يقبله بالنهار، وانه لا يقبل نافلة حتى تؤدي فريضته، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم، حق لميزان يوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة بأتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا، وان الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئه، فإذا ذكرتهم قلت: اني لأخاف أن لا الحق بهم وإن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم ورد عليهم أحسنه فإذا ذكرتهم قلت إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء ليكون العبد راغبا راهبا، لا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمة الله. فإن أنت حفظت وصيتي فلا يك غائب أحب إليك من الموت وهو آتيك، وإن أنت ضيعت وصيتي فلا يك غائب أبغض إليك من الموت، ولست تعجزه.
*وعن عائشة قالت: لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال: انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي، فنظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح كان يسقي بستانا له، فبعثنا بهما إلى عمر. قالت: فأخبرني جدي أن عمر بكى وقال: رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعبا شديدا.
وعنها قالت: لما حضر أبا بكر الوفاة جلس فتشهد ثم قال: أما بعد يا بنية، فان أحب الناس غنى إلي بعدي أنت، وإن أعز الناس علي فقرا بعدي أنت، وإني كنت نحلتك جدادا عشرين وسقا من مالي فوددت والله انك حزته وإنما هو أخواك وأختاك قالت قلت هذان أخواي فمن أختاي قال ذو بطن ابنة خارجة فإني أظنها جارية وفي رواية قد القي في روعي أنها جارية فولدت أم كلثوم.(2/32)
*وعنها قالت لما ثقل أبو بكر قال أي يوم هذا قلنا يوم الاثنين قال فإني أرجو ما بيني وبين الليل قالت وكان عليه ثوب عليه ردع من مشق فقال إذا أنا مت فاغسلوا ثوبي هذا وضموا إليه ثوبين جديدين وكفنوني في ثلاثة أثواب فقلنا أفلا نجعلها جددا كلها قال لا إنما هو للمهلة فمات ليلة الثلاثاء أخرجه البخاري.
- قال أهل اليسر توفي أبو بكر ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين وأوصى أن تغسله أسماء زوجته فغسلته وأن يدفن إلى جنب رسول الله. صلى الله عليه وسلم وصلى عليه عمر بين القبر والمنبر ونزل في حفرته ابنه عبد الرحمن وعمر وعثمان وطلحة بن عبيد الله.
رحمه الله ورضي عنه وحشرنا في زمرته أماتنا على سنته ومحبته
الياقوتة 1
... ...
1-حدثنا عبد الله قال حدثني أبي قال حدثنا وكيع قال حدثنا مسعر وسفيان عن عثمان بن المغيرة
الثقفي عن علي بن ربيعة الوالبي عن أسماء بن الحكم الفزاري عن علي رضي الله عنه قال:
كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء منه وإذا حدثني عنه غيره أستحلفته فإذا حلف لي صدقته وأن أبا بكر رضي الله عنه حدثني وصدق أبو بكر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من رجل يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الوضوء(قال مسعر ويصلي؛ وقال سفيان ثم يصلي) ركعتين فيستغفر الله عز وجل إلا غفر له . - مسند أحمد(2/33)
+ قال علي رضي الله عنه: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ما من مسلم يذنب ذنبا ثم يتوضأ فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله تعالى لذلك الذنب إلا وغفر له وقرأ هاتين الآيتين{ (وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً)} (النساء : 110 ) { (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران : 135 ) ... ... ---------------------------------------------------------------- مسند أحمد
شرح الحديث ---------من خلال تفسير الآية --------------------------------------------------------
1 ابن كثير(2/34)
يخبر تعالى عن كرمه وجوده أن كل من تاب إليه, تاب عليه من أي ذنب كان. فقال تعالى: {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً} قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس أنه قال في هذه الاَية: أخبر الله عباده بعفوه وحلمه وكرمه, وسعة رحمته, ومغفرته فمن أذنب ذنباً صغيراً كان أو كبيراً {ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً} ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال, رواه ابن جرير, وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا محمد بن مثنى, حدثنا محمد بن أبي عدي, حدثنا شعبة عن عاصم عن أبي وائل, قال: قال عبد الله: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنباً أصبح قد كتب كفارة ذلك الذنب على بابه, وإذا أصاب البول منه شيئاً قرضه بالمقراض فقال رجل: لقد آتى الله بني إسرائيل خيراً, فقال عبد الله رضي الله عنه: ما آتاكم الله خير مما آتاهم, جعل الماء لكم طهوراً, وقال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم}, وقال: {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً}, وقال أيضاً: حدثني يعقوب, حدثنا هشيم عن ابن عون, عن حبيب بن أبي ثابت, قال: جاءت امرأة إلى عبد الله بن مغفل فسألته عن امرأة فجرت فحبلت, فلما ولدت قتلت ولدها, قال عبد الله بن مغفل: لها النار, فانصرفت وهي تبكي فدعاها ثم قال: ما أرى أمرك إلا أحد أمرين {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً} قال: فمسحت عينها ثم مضت.(2/35)
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا شعبة عن عثمان بن المغيرة, قال: سمعت علي بن ربيعة من بني أسد يحدث عن أسماء أو ابن أسماء من بني فزارة, قال: قال علي رضي الله عنه: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه. وحدثني أبو بكر ـ وصدق أبو بكر ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يذنب ذنباً, ثم يتوضأ ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله لذلك الذنب, إلا غفر له» وقرأ هاتين الاَيتين { ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً}, { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم }, وقد تكلمنا على هذا الحديث وعزيناه إلى من رواه من أصحاب السنن, وذكرنا ما في سنده من مقال في مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه, وقد تقدم بعض ذلك في سورة آل عمران أيضاً.(2/36)
وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من وجه آخر عن علي فقال: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد, حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحراني, حدثنا دواد بن مهران الدباغ حدثنا عمر بن يزيد عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي, قال: سمعت أبا بكر ـ هو الصديق ـ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد أذنب فقام فتوضأ فأحسن الوضوء, ثم قام فصلى واستغفر من ذنبه, إلا كان حقاً على الله أن يغفر له» لأن الله يقول: { ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً}, ثم رواه من طريق أبان بن أبي عياش عن أبي إسحاق السبيعي, عن الحارث, عن علي, عن الصديق, بنحوه, وهذا إسناد لا يصح. وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن علي بن دحيم, حدثنا أحمد بن حازم, حدثنا موسى بن مروان الرقي حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن تمام بن نجيح حدثني كعب بن ذهل الأزدي قال: سمعت أبا الدرداء يحدث قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلسنا حوله, وكانت له حاجة فقام إليها وأراد الرجوع, ترك نعليه في مجلسه أو بعض ما عليه, وأنه قام فترك نعليه, قال أبو الدرداء: فأخذ ركوة من ماء فاتبعته فمضى ساعة ثم رجع ولم يقض حاجته, فقال: «إنه أتاني آت من ربي فقال: إنه {من يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً} فأردت أن أبشر أصحابي».
قال أبو الدرداء: وكانت قد شقت على الناس الاَية التي قبلها {ومن يعمل سوءاً يجز به} فقلت: يا رسول الله, وإن زنى وإن سرق, ثم استغفر ربه غفز له ؟ قال «نعم». ثم قلت الثانية, قال «نعم». قلت الثالثة, قال «نعم» وإن زنى وإن سرق ثم استغفر الله, غفر الله له على رغم أنف أبي الدرداء». قال: فرأيت أبا الدرداء يضرب أنف نفسه بأصبعه, هذا حديث غريب جداً من هذا الوجه بهذا السياق, وفي إسناده ضعف
2- القرطبي
{ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}(2/37)
قال ابن عباس: عرض الله التوبة على بني أبيرق بهذه الآية، أي "ومن يعمل سوءا "بأن يسرق "أو يظلم نفسه "بأن يشرك "ثم يستغفر الله" يعني بالتوبة، فإن الاستغفار باللسان من غير توبة لا ينفع، وقد بيناه في "آل عمران". وقال الضحاك: نزلت الآية في شأن وحشي قاتل حمزة أشرك بالله وقتل حمزة، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني لنادم فهل لي من توبة ؟ فنزل: "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه "الآية. وقيل: المراد بهذه الآية العموم والشمول لجميع الخلق. وروى سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود وعلقمة قالا: قال عبدالله بن مسعود من قرأ هاتين الآيتين من سورة "النساء "ثم استغفر له: "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما".- "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما"[النساء: 64]. وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: كنت إذا سمعت حديثا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعني الله به ما شاء، وإذا سمعته من غيره حلفته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال: ما من عبد يذنب ذنبا ثم يتوضأ ويصلي ركعتين ويستغفر الله إلا غفر له، ثم تلا هذه الآية "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما".(2/38)
+الاستغفار مندوب إليه، وقد أثنى الله تعالى على المستغفرين في هذه الآية وغيرها فقال: "وبالأسحار هم يستغفرون" [الذاريات: 18]. وقال أنس بن مالك: أمرنا أن نستغفر بالسحر سبعين استغفارة. وقال سفيان الثوري: بلغني أنه إذا كان أول الليل نادى مناد ليقِم القانتون فيقومون كذلك يصلون إلى السحر، فإذا كان عند السحر نادى مناد: أين المستغفرون فيستغفر أولئك، ويقوم آخرون فيصلون فيلحقون بهم. فإذا طلع الفجر نادى مناد: ألا ليقم الغافلون فيقومون من فرشهم كالموتى نشروا من قبورهم. وروي عن أنس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يقول إني لأهم بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين في وإلى المتهجدين والمستغفرين بالأسحار صرفت عنهم العذاب بهم). قال مكحول: إذا كان في أمة خمسة عشر رجلا يستغفرون الله كل يوم خمسا وعشرين مرة لم يؤاخذ الله تلك الأمة بعذاب العامة. وذكره أبو نعيم في كتاب الحلية له. وقال نافع: كان ابن عمر يحيى الليل ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فأقول لا. فيعاود الصلاة ثم يسأل، فإذا قلت نعم قعد يستغفر. وروى إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال: سمعت رجلا في السحر في ناحية المسجد يقول: يا رب، أمرتني فأطعتك، وهذا سحر فاغفر لي. فنظرت فإذا هو ابن مسعود.(2/39)
قلت: فهذا كله يدل على أنه استغفار باللسان مع حضور القلب. لا ما قال ابن زيد أن المراد بالمستغفرين الذين يصلون صلاة الصبح في جماعة. والله أعلم. وقال لقمان لابنه: (يا بني لا يكن الديك أكيس منك، ينادي بالأسحار وأنت نائم). والمختار من لفظ الاستغفار ما رواه البخاري عن شداد بن أوس، وليس له في الجامع غيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت - قال - ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات من ليله قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة). وروى أبو محمد عبدالغني بن سعيد من حديث ابن لهيعة عن أبي صخر عن أبي معاوية عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم قال: (ألا أعلمك كلمات تقولهن لو كانت ذنوبك كمدب النمل - أو كمدب الذر - لغفرها الله لك على أنه مغفور لك: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت). ...
3 - السعدي
... ... ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما "(2/40)
أي : من تجرأ على المعاصي ، واقتحم على الإثم ، ثم استغفر الله استغفارا تاما ، يستلزم الإقرار بالذنب ، والندم عليه ، والإقلاع ، والعزم على أن لا يعود . فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد ، بالمغفرة والرحمة . فيغفر له ما صدر منه من الذنب ، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب ، ويعيد إليه ما تقدم من الأعمال الصالحة ، ويوفقه فيما يستقبله من عمره ، ولا يجعل ذنبه حائلا عن توفيقه ، لأنه قد غفره ، وإذا غفره ، غفر ما يترتب عليه . واعلم أن عمل السوء عند الإطلاق ، يشمل سائر المعاصي ، الصغيرة والكبيرة . وسمي « سوءا » لكونه يسوء عامله بعقوبته ، ولكونه ـ في نفسه ـ سيئا ، غير حسن . وكذلك ظلم النفس عند الإطلاق ، يشمل ظلمها بالشرك ، فما دونه . ولكن عند اقتران أحدهما بالآخر ، قد يفسر كل واحد منهما ، بما يناسبه . فيفسر عمل السوء هنا ، بالظلم الذي يسوء الناس ، وهو ظلمهم ، في دمائهم ، وأموالهم وأعراضهم . ويفسر ظلم النفس ، بالظلم والمعاصي ، التي بين الله وبين عبده . وسمي ظلم النفس « ظلما » لأن نفس العبد ، ليس ملكا له ، يتصرف فيها بما يشاء . وإنما هي ، ملك لله تعالى ، قد جعلها أمانة عند العبد ، وأمره أن يقيمها على طريق العدل ، بإلزامها الصراط المستقيم ، علما وعملا ، فيسعى في تعليمها ما أمر به ، ويسعى في العمل بما يجب . فسعيه في غير هذا الطريق ، ظلم لنفسه ، وخيانة ، وعدول بها عن العدل ، الذي ضده ، الجور والظلم
... ... ... ... تقسير ألآية الثانية
-1-الشوكاني ...(2/41)
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ - أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}
... ... قوله "والذين إذا فعلوا فاحشة" هذا مبتدأ وخبره "أولئك" وقيل: معطوف على المتقين. والأول أولى، وهؤلاء هم صنف دون الصنف الأول ملحقين بهم وهم التوابون، وسيأتي ذكر سبب نزولها، والفاحشة وصف لموصوف محذوف: أي فعلة فاحشة وهي تطلق على كل معصية. وقد كثر اختصاصها بالزنا. وقوله "أو ظلموا أنفسهم" أي: باقتراف ذنب من الذنوب، وقيل: أو بمعنى الواو. والمراد ما ذكر، وقيل: الفاحشة الكبيرة، وظلم النفس الصغيرة، وقيل غير ذلك. قوله "ذكروا الله" أي: بألسنتهم أو أخطروه في قلوبهم أو ذكروا وعده ووعيده " فاستغفروا لذنوبهم " أي: طلبوا المغفرة لها من الله سبحانه، وتفسيره بالتوبة خلاف معناه لغة، وفي الاستفهام بقوله "ومن يغفر الذنوب إلا الله" من الإنكار مع ما يتضمنه من الدلالة على أنه المختص بذلك سبحانه دون غيره: أي لا يغفر جنس الذنوب أحد إلا الله، وفيه ترغيب لطلب المغفرة منه سبحانه وتنشيط للمذنبين أن يقفوا في مواقف الخضوع والتذلل، وهذه الجملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه. وقوله "ولم يصروا على ما فعلوا" عطف على فاستغفروا: أي لم يقيموا على قبيح فعلهم. وقد تقدم تفسير الإصرار. والمراد به هنا العزم على معاودة الذنب وعدم الإقلاع عنه بالتوبة منه. وقوله "وهم يعلمون" جملة حالية: أي لم يصروا على فعلهم عالمين بقبحه.(2/42)
+ ... ... قوله "أولئك جزاؤهم" الإشارة إلى المذكورين بقوله "والذين إذا فعلوا فاحشة". وقوله "جزاؤهم" بدل اشتمال من اسم الإشارة. وقوله "مغفرة" خبر " من ربهم" متعلق بمحذوف وقع صفة لمغفرة: أي كائنة من ربهم. وقوله "ونعم أجر العاملين" المخصوص بالمدح محذوف: أي أجرهم، أو ذلك المذكور. ... وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن النخعي في الآية قال: الظلم من الفاحشة والفاحشة من الظلم. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والطبراني وابن أبي الدنيا وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال: إن في كتاب الله لآيتين ما أذنب عبد ذنباً فقرأهما فاستغفر الله إلا غفر له "والذين إذا فعلوا فاحشة" الآية. وقوله "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه" الآية. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ثابت البناتي قال: بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية بكى "والذين إذا فعلوا فاحشة" الآية. وأخرج الحكيم الترمذي عن عطاف بن خالد قال: بلغني أنه لما نزل قوله تعالى " ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا " صاح إبليس بجنوده وحثا على رأسه التراب ودعا بالويل والثبور حتى جاءته جنوده من كل بر وبحر، فقالوا: مالك يا سيدنا؟ قال: آية نزلت في كتاب الله لا يضر بعدها أحداً من بني آدم ذنب، قالوا: وما هي؟ فأخبرهم، قالوا: نفتح لهم باب الأهواء فلا يتوبون ولا يستغفرون ولا يرون إلا أنهم على الحق، فرضي منهم بذلك. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والحميدي وعبد بن حميد وأهل السنن الأربع وحسنه النسائي وابن حبان والدارقطني في الإفراد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن السني والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة عن أبي بكر الصديق سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم عند ذكر ذنبه فيتطهر ثم يصلي ركعتين، ثم يستغفر الله من ذنبه ذلك إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية "والذين إذا(2/43)
فعلوا فاحشة" الآية". وأخرج البيهقي في الشعب عن الحسن مرفوعاً نحوه، ولكنه قال: ثم خرج إلى براز من الأرض فصلى. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله "ولم يصروا" فيسكتون ولا يستغفرون. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل "ونعم أجر العاملين" قال: أجر العاملين بطاعة الله الجنة.
2- ابن كثير
... {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} أي إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار. قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, حدثنا همام بن يحيى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة, عن عبد الرحمن بن أبي عمرة, عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن رجلاً أذنب ذنباً فقال: رب إني أذنبت ذنباً فاغفره, فقال الله عز وجل: عبدي عمل ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به, قد غفرت لعبدي, ثم عمل ذنباً آخر فقال: رب إني عملت ذنباً فاغفره, فقال تبارك وتعالى: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به, قد غفرت لعبدي, ثم عمل ذنباً آخر فقال: رب إني عملت ذنباً فاغفره لي, فقال الله عز وجل: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ثم عمل ذنباً آخر فقال: رب, إني عملت ذنباً فاغفره, فقال عز وجل: عبدي علم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به, أشهدكم أني قد غفرت لعبدي فليعمل ماشاء». أخرجه في الصحيح من حديث إسحاق بن أبي طلحة بنحوه.(2/44)
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر وأبو عامر, قالا: حدثنا زهير, حدثنا سعد الطائي, حدثنا أبو المدله مولى أم المؤمنين, سمع أبا هريرة, قلنا: يا رسول الله, إذا رأيناك رقت قلوبنا, وكنا من أهل الاَخرة, وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا, وشممنا النساء والأولاد, فقال «لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم, ولزارتكم في بيوتكم. ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم». قلنا: يا رسول الله, حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال «لبنة ذهب ولبنة فضة, وملاطها المسك الأذفر, وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت, وترابها الزعفران, من يدخلها ينعم ولا يبأس, ويخلد ولا يموت لا تبلى ثيابه, ولا يفنى شبابه, ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل, والصائم حتى يفطر, ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماء, ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين», ورواه الترمذي وابن ماجه من وجه آخر من حديث سعد به, ويتأكد الوضوء وصلاة ركعتين عند التوبة لما رواه الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا وكيع, حدثنا مسعر وسفيان الثوري عن عثمان بن المغبرة الثقفي, عن علي بن ربيعة, عن أسماء بن الحكم الفزاري عن علي رضي الله عنه, قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً, نفعني الله بما شاء منه. وإذا حدثني عنه غيره استحلفته, فإذا حلف لي صدقته, وإن أبا بكر رضي الله عنه حدثني ـ وصدق أبو بكر ـ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «ما من رجل يذنب ذنباً فيتوضأ فيحسن الوضوء ـ قال مسعر ـ فيصلي ـ وقال سفيان ـ ثم يصلي ركعتين, فيستغفر الله عز وجل إلا غفر له» وهكذا رواه علي بن المديني والحميدي وأبو بكر بن أبي شيبة وأهل السنن وابن حبان في صحيحه والبزار والدارقطني من طرق عن عثمان بن المغيرة به, وقال الترمذي: هو حديث حسن, وقد ذكرنا طرقه, والكلام عليه مستقصى في مسند أبي بكر الصديق رضي الله(2/45)
عنه, وبالجملة فهو حديث حسن, وهو من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن خليفة النبي أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. ومما يشهد بصحة هذا الحديث ما رواه مسلم في صحيحه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ ـ أو فيسبغ ـ الوضوء, ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية, يدخل من أيها شاء» وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه توضأ لهم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم, ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه, غفر له ما تقدم من ذنبه» فقد ثبت هذا الحديث من رواية الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين, عن سيد الأولين والاَخرين, ورسول رب العالمين, كما دل عليه الكتاب المبين, من أن الاستغفار من الذنب ينفع العاصين, وقد قال عبد الرزاق: أنبأنا جعفر بن سليمان عن ثابت, عن أنس بن مالك رضي الله عنه, قال: بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الاَية {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} الاَية, بكى. وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محرز بن عون, حدثنا عثمان بن مطر, حدثنا عبد الغفور عن أبي نُصَيرة, عن أبي رجاء, عن أبي بكر رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «عليكم بلا إله إلا الله, والاستغفار, فأكثروا منهما, فإن إبليس قال: أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار, فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء, فهم يحسبون أنهم مهتدون» عثمان بن مطر وشيخه ضعيفان. وروى الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرو وأبي الهيثم العتواري عن أبي سعيد, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «قال إبليس: يا رب وعزتك لا أزال أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم, فقال الله تعالى:(2/46)
وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني». وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن المثنى, حدثنا عمر بن أبي خليفة, سمعت أبا بدر يحدث عن ثابت, عن أنس, قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله, أذنبت ذنباً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أذنبت فاستغفر ربك. قال: فإني أستغفر ثم أعود فأذنب قال: فإذا أذنبت فعد فاستغفر ربك, فقالها في الرابعة استغفر ربك حتى يكون الشيطان هو المحسور» وهذا حديث غريب من هذا الوجه. وقوله تعالى: {ومن يغفر الذنوب إلا الله} أي لا يغفرها أحد سواه, كما قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن مصعب, حدثنا سلام بن مسكين والمبارك عن الحسن عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بأسير, فقال: اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد¹ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «عرف الحق لأهله» وقوله {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} أي تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى الله عن قريب, ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقلعين عنها, ولو تكرر منهم الذنب تابوا عنه, كما قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل وغيره, قالوا: حدثنا أبو يحيى عبد الحميد الحماني عن عثمان بن واقد, عن أبي نُصَيرة, عن مولى لأبي بكر, عن أبي بكر رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة» ورواه أبو داود والترمذي والبزار في مسنده من حديث عثمان بن واقد ـ وقد وثقه يحيى بن معين به ـ وشيخه أبو نُصَيرة الواسطي واسمه مسلم بن عبيد, وثقه الإمام أحمد وابن حبان, وقول علي بن المديني والترمذي: ليس إسناد هذا الحديث بذاك, فالظاهر أنه لأجل جهالة مولى أبي بكر, ولكن جهالة مثله لا تضر لأنه تابعي كبير, ويكفيه نسبته إلى أبي بكر, فهو حديث حسن, والله أعلم. وقوله {وهم يعلمون} قال مجاهد وعبد الله بن عبيد بن عمير {وهم يعلمون} أن من تاب تاب الله عليه, وهذا(2/47)
كقوله تعالى: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده} وكقوله {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً} ونظائر هذا كثيرة جداً. وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, أنبأنا جرير, حدثنا حبان هو ابن زيد الشرعبي عن عبد الله بن عمرو, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو على المنبر «ارحموا ترحموا, واغفروا يغفر لكم, ويل لأقماع القول, ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون» تفرد به أحمد. ثم قال تعالى بعد وصفهم بما وصفهم به {أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم} أي جزاؤهم على هذه الصفات {مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار} أي من أنواع المشروبات {خالدين فيها} أي ماكثين فيها {ونعم أجر العاملين} يمدح تعالى الجنة. ...
... الياقوتة 2
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الله بن نمير قال أخبرنا إسماعيل عن أبي بكر بن أبي زهير قال: -أخبرت أن أبا بكر قال : يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية ؟
{ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } (النساء : 123 ) فكل سوء عملنا جزينا به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض؟ ألست تنصب ؟ أ لست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ قال بلى قال فهو ما تجزون به ... .---------------------------------------- مسند أحمد
شرح الحديث من خلال تفسير الآية ----------------- ابن كثير(2/48)
لّيْسَ بِأَمَانِيّكُمْ وَلآ أَمَانِيّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوَءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلََئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً * وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتّبَعَ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً * وَللّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ مّحِيطاً
قال قتادة: ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا, فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى بالله منكم, وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم ونبينا خاتم النبيين, وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله, فأنزل الله {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به} {ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن} الاَية, ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الاَديان, وكذا روي عن السدي ومسروق والضحاك وأبي صالح وغيرهم, وكذا روى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في هذه الاَية: تخاصم أهل الأديان, فقال أهل التوارة: كتابنا خير الكتب, ونبينا خير الأنبياء, وقال أهل الإنجيل مثل ذلك, وقال أهل الإسلام: لا دين إلا الإسلام, وكتابنا نسخ كل كتاب, ونبينا خاتم النبيين, وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا فقضى الله بينهم, وقال: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به}(2/49)
وخير بين الأديان فقال: {ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه الله وهو محسن} إلى قوله: {واتخذ الله إبراهيم خليلاً}. وقال مجاهد: قالت العرب: لن نبعث ولن نعذب, وقالت اليهود والنصارى {لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى}, وقالوا: {لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات} والمعنى في هذه الاَية أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني, ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال, وليس كل من ادعى شيئاً حصل له بمجرد دعواه, ولا كل من قال إنه هو على الحق سمع قوله بمجرد ذلك, حتى يكون له من الله برهان, ولهذا قال تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به} أي ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني ؟ بل العبرة بطاعة الله سبحانه واتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام, ولهذا قال بعده {من يعمل سوءاً بجز به}, كقوله: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره, ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} وقد روي أن هذه الاَية لما نزلت شق ذلك على كثير من الصحابة.(2/50)
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير, حدثنا إسماعيل عن أبي بكر بن أبي زهير, قال: أخبرت أن أبا بكر رضي الله عنه قال: يا رسول الله كيف الفلاح بعد هذه الاَية {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به} فكل سوء عملناه جزينا به ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «غفر الله لك يا أبا بكر, ألست تمرض, ألست تنصب, ألست تحزن, ألست تصيبك اللأواء ؟» قال: بلى. قال: «فهو مما تجزون به». ورواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة, عن إسماعيل بن أبي خالد به, ورواه الحاكم من طريق سفيان الثوري عن إسماعيل به. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء عن زياد الجصاص, عن علي بن زيد, عن مجاهد, عن ابن عمر, قال: سمعت أبا بكر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يعمل سوءاً يجز به في الدنيا» وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن هشيم بن جهيمة, حدثنا يحيى بن أبي طالب, حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, حدثنا زياد الجصاص عن علي بن زيد, عن مجاهد, قال: قال عبد الله بن عمر: انظروا المكان الذي فيه عبد الله بن الزبير مصلوباً فلا تمرن عليه, قال: فسها الغلام فإذا عبد الله بن عمر ينظر إلى ابن الزبير فقال: يغفر الله لك ثلاثاً, أما والله ما علمتك إلا صوّاماً قواماً وصالاً للرحم, أما والله إني لأرجو مع مساوي ما أصبت أن لا يعذبك الله بعدها, قال: ثم التفت إلي فقال: سمعت أبا بكر الصديق يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يعمل سوءاً في الدنيا يجز به» ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن الفضل بن سهل, عن عبد الوهاب بن عطاء به مختصراً, وقال في مسنده ابن الزبير: حدثنا إبراهيم بن المستمر العروقي, حدثنا عبد الرحمن بن سليم بن حيان, حدثني أبي عن جدي حيان بن بسطام, قال: كنت مع ابن عمر فمر بعبد الله بن الزبير وهو مصلوب, فقال: رحمة الله عليك أبا خُبيب, سمعت أباك يعني الزبير, يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من(2/51)
يعمل سوءاً يجز به في الدنيا والاَخرة» ثم قال: لا نعلمه يروى عن الزبير إلا من هذا الوجه.
وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا أحمد بن كامل, حدثنا محمد بن سعد العوفي, حدثنا روح بن عبادة, حدثنا موسى بن عبيدة, حدثني مولى بن سباع, قال: سمعت ابن عمر يحدث عن أبي بكر الصديق قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاَية {ومن يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر ألا أقرئك آية أنزلت علي ؟» قلت: بلى يا رسول الله. قال: فاقرأنيها فلا أعلم إلا أني قد وجدت انفصاماً في ظهري حتى تمطيت لها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مالك يا أبا بكر ؟» قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله, وأينا لم يعمل السوء وإنا لمجزيون بكل سوء عملناه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أنت يا أبا بكر وأصحابك المؤمنون, فإنكم تجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ليس لكم ذنوب, وأما الاَخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة», وكذا رواه الترمذي عن يحيى بن موسى وعبد بن حميد عن روح بن عبادة به. ثم قال: وموسى بن عبيدة يضعف, ومولى بن سباع مجهول. وقال ابن جرير: حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء بن أبي رباح قال: لما نزلت هذه الاية قال أبو بكر: جاءت قاصمة الظهر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هي المصيبات في الدنيا».
(طريق أخرى عن الصديق) قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إسحاق العسكري, حدثنا محمد بن عامر السعدي, حدثنا يحيى بن يحيى, حدثنا فضيل بن عياض عن سلمان بن مهران, عن مسلم بن صبيح, عن مسروق, قال: قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله, ما أشد هذه الاَية {من يعمل سوءاً يجز به ؟} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المصائب والأمراض والأحزان في الدينا جزاء».(2/52)
(طريق أخرى) قال ابن جرير: حدثني عبد الله بن أبي زياد وأحمد بن منصور, قالا: أنبأنا زيد بن الحباب, حدثنا عبد الملك بن الحسن المحاربي, حدثنا محمد بن زيد بن قنفذ عن عائشة, عن أبي بكر قال: لما نزلت {من يعمل سوءاً يجز به} قال أبو بكر: يا رسول الله, كل ما نعمل نؤاخذ به ؟ فقال: «يا أبا بكر أليس يصيبك كذا وكذا, فهو كفارة».
(حديث آخر) قال سعيد بن منصور: أنبأنا عبد الله بن وهب, أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه أن يزيد بن أبي يزيد حدثه عن عبيد بن عمير, عن عائشة أن رجلاً تلا هذه الاَية {من يعمل سوءاً يجز به} فقال: إنا لنجزى بكل ما علمناه, هلكنا إذاً, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «نعم يجزى به المؤمن في الدنيا في نفسه في جسده فيما يؤذيه».
(طريق أخرى) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا سلمة بن بشير, حدثنا هشيم عن أبي عامر, عن ابن أبي مليكة, عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله, إني لأعلم أشد آية في القرآن, فقال: «ما هي يا عائشة ؟» قلت: من يعمل سوءاً يجز به, فقال: «هو ما يصيب العبد المؤمن حتى النكبة ينكبها» ورواه ابن جرير من حديث هشيم به. ورواه أبو داود من حديث أبي عامر صالح بن رستم الخزاز به.
(طريق أخرى) قال أبو داود الطيالسي: حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد, عن أمية أنها سألت عائشة عن هذه الاَية {من يعمل سوءاً يجز به}, فقالت: ما سألني أحد عن هذه الاَية منذ سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم, سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «يا عائشة هذه مبايعة الله للعبد مما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة حتى البضاعة يضعها في كمه, فيفزع لها, فيجدها في جيبه حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه, كما أن الذهب يخرج من الكير».(2/53)
(طريق أخرى) قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم, حدثنا أبو القاسم, حدثنا سريج بن يونس, حدثنا أبو معاوية عن محمد بن إسماعيل, عن محمد بن زيد بن المهاجر, عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الاَية {من يعمل سوءاً يجز به}, قال: «إن المؤمن يؤجر في كل شيء حتى في القبض عند الموت» وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين عن زائدة, عن ليث, عن مجاهد, عن عائشة قالت: قال: رسول الله: إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له ما يكفرها, ابتلاه الله بالحزن ليكفرها عنه.
(حديث آخر) قال سعيد بن منصور, عن سفيان بن عيينة, عن عمر بن عبد الرحمن بن محيصن, سمع محمد بن قيس بن مخرمة يخبر أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت {من يعمل سوءاً يجز به} شق ذلك على المسلمين, فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سددوا وقاربوا, فإن في كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى الشوكة يشاكها والنكبة ينكبها», هكذا رواه أحمد عن سفيان بن عيينة, ومسلم والترمذي والنسائي من حديث سفيان بن عيينة به, ورواه ابن مردويه من حديث روح ومعتمر, كلاهما عن إبراهيم بن يزيد, عن عبد الله بن إبراهيم, سمعت أبا هريرة يقول: لما نزلت هذه الاَية {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به} بكينا وحزنا, وقلنا: يارسول الله ما أبقت هذه الاَية من شيء, قال: «أما والذي نفسي بيده إنها لكما أنزلت, ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا, فإنه لا يصيب أحداً منكم مصيبة في الدنيا إلا كفر الله بها من خطيئته حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه» وقال عطاء بن يسار, عن أبي سعيد وأبي هريرة: أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله من سيئاته» أخرجاه.(2/54)
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى عن سعد بن إسحاق, حدثتني زينب بنت كعب بن عجرة عن أبي سعيد الخدري, قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا, ما لنا بها ؟ قال: كفارات. قال أبي: وإن قلت قال: حتى الشوكة فما فوقها, قال: فدعا أبي على نفسه أنه لا يفارقه الوعك حتى يموت في أن لا يشغله عن حج ولا عمرة ولا جهاد في سبيل الله ولا صلاة مكتوبة في جماعة, فما مسه إنسان إلا وجد حره حتى مات رضي الله عنه, تفرد به أحمد.
(حديث أخر) روى ابن مردويه من طريق حسين بن واقد عن الكلبي, عن أبي صالح, عن ابن عباس, قال: قيل: يا رسول الله {من يعمل سوءاً يجز به}, قال: «نعم ومن يعمل حسنة يجز بها عشراً» فهلك من غلب واحدته عشراته. وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع, حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن {من يعمل سوءاً يجز به} قال: الكافر, ثم قرأ {وهل نجازي إلا الكفور}, وهكذا روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما فسرا السوء ههنا بالشرك أيضاً. وقوله: {ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً} قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: إلا أن يتوب فيتوب الله عليه, رواه ابن أبي حاتم, والصحيح أن ذلك عام في جميع الأعمال لما تقدم من الأحاديث, وهذا اختيار ابن جرير, والله أعلم.(2/55)
وقوله: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} الاَية, لما ذكر الجزاء على السيئات وأنه لا بد أن يأخذ مستحقها من العبد إما في الدنيا وهو الأجود له, وإما في الاَخرة والعياذ با لله من ذلك, ونسأله العافية في الدنيا والاَخرة, والصفح والعفو والمسامحة, شرع في بيان إحسانه وكرمه ورحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده, ذكرانهم وإناثهم بشرط الإيمان, وأنه سيدخلهم الجنة ولا يظلمهم من حسناتهم ولا مقدار النقير, وهو النقرة التي في ظهر نواة التمرة وقد تقدم الكلام على الفتيل وهو الخيط في شق النواة, وهذا النقير وهما في نواة التمرة, وكذا القطمير وهواللفافة التي على نواة التمرة, والثلاثة في القرآن,
ثم قال تعالى: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله} أخلص العمل لربه عز وجل فعمل إيماناً واحتساباً, {وهو محسن} أي اتبع في عمله ما شرعه الله له, وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق,, وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما, أي يكون خالصاً صواباً والخالص أن يكون لله, والصواب أن يكون متابعاً للشريعة فيصح ظاهره بالمتابعة, وباطنه بالإخلاص, فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد, فمتى فقد الإخلاص كان منافقاً وهم الذين يراءون الناس, ومن فقد المتابعة كان ضالاً جاهلاً, ومتى جمعهما كان عمل المؤمنين الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم, الاَية, ولهذا قال تعالى: {واتبع ملة إبراهيم حنيفاً} وهم محمد وأتباعه إلى يوم القيامة. كما قال تعالى: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي} الاَية, وقال تعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين} والحنيف هو المائل عن الشرك قصداً, أي تاركاً له عن بصيرة, ومقبل على الحق بكليته لا يصده عنه صاد, ولا يرده عنه راد.(2/56)
وقوله: {واتخذ الله إبراهيم خليلاً} وهذا من باب الترغيب في اتباعه, لأنه إمام يقتدى به حيث وصل إلى غاية ما يتقرب به العباد له, فإنه انتهى إلى درجة الخلة التي هي أرفع مقامات المحبة, وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه, كما وصفه به في قوله: {وإبراهيم الذي وفى}, قال كثير من علماء السلف: أي قام بجميع ما أمر به في كل مقام من مقامات العبادة, فكان لا يشغله أمر جليل عن حقير, ولا كبير عن صغير وقال تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} الاَية. وقال تعالى: {إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين} الاَية, والاَية بعدها, وقال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت, عن سعيد بن جبير, عن عمرو بن ميمون, قال: إن معاذاً لما قدم اليمن صلى بهم الصبح, فقرأ {واتخذ الله إبراهيم خليلا} فقال رجل: من القوم: لقد قرت عين أم إبراهيم, وقد ذكر ابن جرير في تفسيره عن بعضهم: أنه إنما سماه الله خليلاً من أجل أنه أصاب أهل ناحيته جدب, فارتحل إلى خليل له من أهل الموصل, وقال بعضهم من أهل مصر: ليمتار طعاماً لأهله من قبله فلم يصب عنده حاجته, فلما قرب من أهله قرّ بمفازة ذات رمل, فقال: لو ملأت غرائري من هذا الرمل لئلا يغتم أهلي برجوعي إليهم بغير ميرة, وليظنوا أني أتيتهم بما يحبون, ففعل ذلك فتحول ما في الغرائر من الرمل دقيقاً, فلما صار إلى منزله نام, و قام أهله ففتحوا الغرائر فوجدوا دقيقاً فعجنوا منه وخبزوا, فاستيقظ فسألهم عن الدقيق الذي خبزوا, فقالوا: من الدقيق الذي جئت به من عند خليلك, فقال: نعم هو من عند خليلي الله, فسماه الله خليلاً, وفي صحة هذا ووقوعه نظر, وغايته أن يكون خبراً إسرائيلياً لا يصدق ولا يكذب, وإنما سمي خليل الله لشدة محبة ربه عز وجل, له لما قام به من الطاعة التي يحبها ويرضاها, ولهذا ثبت في الصحيحين من رواية أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما(2/57)
خطبهم في آخر خطبة خطبها, قال: «أما بعد, أيها الناس فلو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً, لاتخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلاً, ولكن صاحبكم خليل الله» وجاء من طريق جندب بن عبد الله البجلي وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن مسعود عن النبي قال: «إن الله اتخذني خليلاً, كما اتخذ إبراهيم خليلاً» وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم, حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد, حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بمكة, حدثنا عبد الله الحنفي, حدثنا زمعة أبو صالح عن سلمة بن وهران, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله ينتظرونه, فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم, وإذا بعضهم يقول: عجب, إن الله اتخذ من خلقه خليلاً فإبراهيم خليله, وقال آخر: ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليماً, وقال آخر: فعيسى روح الله وكلمته, وقال آخر: آدم اصطفاه الله فخرج عليهم فسلم, وقال: «قد سمعت كلامكم وتعجبكم إن إبراهيم خليل الله, وهو كذلك, وموسى كليمه, وعيسى روحه وكلمته, وآدم اصطفاه الله وهو كذلك, وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإني حبيب الله, ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع, ولا فخر وأنا أول من يحرك حلقة الجنة فيفتح الله ويدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين, ولا فخر, وأنا أكرم الأولين والاَخرين يوم القيامة ولا فخر» وهذا حديث غريب من هذا الوجه ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها,(2/58)
وقال قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: أتعجبون من أن تكون الخلة لإبراهيم, والكلام لموسى, والرؤية لمحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, رواه الحاكم في المستدرك, وقال: صحيح على شرط البخاري, ولم يخرجاه, وكذا روي عن أنس بن مالك وغير واحد من الصحابة والتابعين والأئمة من السلف والخلف وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يحيى بن عبدك القزويني, حدثنا محمد يعني سعيد بن سابق, حدثنا عمرو يعني ابن أبي قيس عن عاصم عن أبي راشد, عن عبيد بن عمير, قال: كان إبراهيم عليه السلام يضيف الناس, فخرج يوماً يلتمس أحداً يضيفه فلم يجد أحداً يضيفه, فرجع إلى داره فوجد فيها رجلاً قائماً, فقال: يا عبد الله ما أدخلك داري بغير إذني ؟ قال: دخلتها بإذن ربها, قال: ومن أنت ؟ قال: أنا ملك الموت أرسلني ربي إلى عبد من عباده, أبشره بأن الله قد اتخذه خليلاً, قال: من هو ؟ فوالله إن أخبرتني به, ثم كان بأقصى البلاد لاَتينه, ثم لا أبرح له جاراً حتى يفرق بيننا الموت, قال: ذلك العبد أنت. قال: أنا ؟ قال: نعم, قال فيم اتخذني ربي خليلاً ؟ قال: إنك تعطي الناس ولا تسألهم وحدثنا أبي, حدثنا محمود بن خالد السلمي, حدثنا الوليد عن إسحاق بن يسار, قال: لما اتخذ الله إبراهيم خليلاً ألقى في قلبه الوجل حتى أن خفقان قلبه ليسمع من بعيد كما يسمع خفقان الطير في الهواء وهكذا جاء في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل إذا اشتد غليانها من البكاء.(2/59)
وقوله:: {ولله ما في السموات وما في الأرض} أي الجميع ملكه وعبيده وخلقه وهو المتصرف في جميع ذلك, لا راد لما قضى, ولا مقعب لما حكم, ولا يسأل عما يفعل لعظمته وقدرته وعدله وحكمته ولطفه ورحمته. وقوله: {وكان الله بكل شيء محيطاً} أي علمه نافذ في جميع ذلك لا تخفى عليه خافية من عباده, ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر, ولا تخفى عليه ذرة لما تراءى للناظرين وما توارى.
الياقوتة 3
-حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي قال: حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا شيبان عن ليث عن مجاهد قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعي من الليل: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوأ أو أجره إلى مسلم .---------------- مسند أحمد
روايات أخرى لهذا الحديث ... ...
1- ... حدثنا مسدد، ثنا هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن عمرو بن عاصم، عن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه قال يارسول اللّه
مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت، وإذا أمسيت قال: "قل: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شىءٍ ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شرِّ نفسي، وشرِّ الشيطان وشركه" قال: " قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك". سنن أبي داود
2- أخبرنا سعيد بن عامر عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن عمرو بن عاصم عن أبي هريرة قال : قال أبو بكر يا رسول الله مرني بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت قال قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد ان لا إله الا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه قال قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك
سنن الدرامي(2/60)
3-حدثنا الحسن بن عرفة أخبرنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد عن أبي راشد الحبراني قال أتيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت له حدثنا مما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى إلي صحيفة فقال:
- هذا ما كتب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فنظرت فيها فإذا فيها "أن أبا بكر الصديق قال يا رسول الله علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال يا أبا بكر قل: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم". هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه.
سنن الترمذي
4-أخبرنا أبو بكر محمد بن إسحاق الفقيه ثنا الفضل بن محمد الشعراني ثنا عمرو بن عون الواسطي ثنا هشيم أنبأ يعلى بن عطاء عن عمرو بن عاصم عن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق رضى الله تعالى عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت فقال قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه فقال قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه
مستدرك الحاكم
5-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا بهز حدثنا شعبة حدثنا بعلي بن عطاء قال سمعت عمرو بن عاصم يقول سمعت أبا هريرة يقول:
-قال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم علمني شيئا أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعي قال قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أو قال اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه.
مسند أحمد(2/61)
6-حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن عمرو بن عاصم عن أبي هريرة أن أبا بكر قال يا رسول الله علمني كلمات أقولها إذا أصبحت وإذا أمسيت قال قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت رب كل شيء ومليكه لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أويت إلى فراشك
مسند أبي يعلى
شرح من فيض القدير----الامام محمد عبد الرؤوف المناوي
- (قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه) قال ابن فلاح في المغني: أجاز المبرد وصف اللهم قياساً على وصفه لو كانت معه ياء فكذا مع عوضها حملاً عليه ومنعه سيبويه لبعده من التركيب عن التمكن المقتضي للوصف مع ضعف وصف المناوي ويحمل مثله على البدل وقال الرضي: لا يوصف اللهم عند سيبويه كما لا يوصف أخواته أي الأسماء المختصة بالنداء وأجاز المبرد وصفه لأنه بمنزلة يا أللّه واستدل بنحو اللهم فاطر السماوات والأرض ، وهو عند سيبويه على النداء المستأنف ، ولا أرى في الأسماء المختصة بالنداء مانعاً في الوصف بل السماع مفقود فيها ( أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه. قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك) قال ابن القيم : قد تضمن هذا الحديث الاستعاذة من الشر وأسبابه وغايته، فإن الشر كله إما أن يصدر من النفس، أو من الشيطان. وغايته إما أن يعود على العامل ، أو على أخيه المسلم فتضمن الحديث مصدري الشر الذي يصدر عنهما، وغايتيه اللتين يصل إليهما اهـ. فإن قلت لم قدم الاستعاذة من شر النفس مع أن شر الشيطان أهم في الدفع لأن كيده ومحاربته أشد من النفس لأن شرها وفسادها إنما ينشأ من وسوسته ومن ثم أفردت له في التنزيل سورة تامة بخلافها قلت الظاهر أنه جعله من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى.(2/62)
أخرجه (حم د ت حب ك) في الدعاء والذكر (عن أبي هريرة) قال: إن أبا بكر سأل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال: مرني بكلمات أقولهم إذا أصبحت وإذا أمسيت فذكرها قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال في الأذكار بعد ما عزاه لأبي داود والترمذي: أسانيده صحيحة وقال الهيثمي: أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح غير حيي بن عبد اللّه المغافري وثقه جمع وضعفه آخرون.
الياقوتة 4
أخبرنا الشيخ أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن الحصين الشيباني قراءة عليه وأنا أسمع فأقر به قال أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد التميمي الواعظ ويعرف بابن المذهب قراءة من أصل سماعه قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي قراءة عليه قال ثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهم قال: حدثني أبي أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد من كتابه قال حدثنا عبد الله بن نمير قال أخبرنا إسماعيل يعني ابن أبي خالد عن قيس قال:
-قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس أنكم تقرؤن هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه---- - مسند أحمد
حدثنا وهب بن بقية، عن خالد، ح وحدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هُشَيم، المعنى عن إسماعيل، عن قيس قال:(2/63)
قال أبو بكر بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه: يا أيها الناس، إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها: {عليكم أنفسكم لايضركم من ضلّ إذا اهتديتم} قال عن خالد: وإنا سمعنا النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم اللّه بعقابٍ" وقال عمرو عن هشيم: وإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "ما من قومٍ يعمل فيهم بالمعااصي، ثمَّ يقدرون على أن يغيروا ثم لايغيروا إلاَّ يوشك أن يعمهم اللّه منه بعقابٍ".
قال أبو داود: ورواه كما قال خالد أبو أسامة وجماعة، قال شعبة فيه "ما من قومٍ يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر ممن يعمله"
.
شرح الحديث من خلال تفسير الآية ----------------- ابن كثير
{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مّن ضَلّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }
يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم , ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم , ومخبراً لهم أنه من أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس, سواء كان قريباً منه أو بعيداً. قال العوفي عن ابن عباس في تفسير هذه الاَية يقول تعالى: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته به من الحلال, ونهيته عنه من الحرام, فلا يضره من ضل بعده إذا عمل بما أمرته به, كذا روى الوالبي عنه, وهكذا قال مقاتل بن حيان, فقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} نصب على الإغراء , {لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون} أي فيجازي كل عامل بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وليس فيها دليل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, إذا كان فعل ذلك ممكناً.(2/64)
*وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا هاشم بن القاسم, حدثنا زهير يعني ابن معاوية, حدثنا إسماعيل بن أبي خالد , حدثنا قيس قال : قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه , فحمد الله وأثنى عليه , ثم قال : أيها الناس إنكم تقرءون هذه الاَية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وإنكم تضعونها على غير موضعها , وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه, يوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه». قال: سمعت أبا بكر يقو : يا أيها الناس إياكم والكذب, فإن الكذب مجانب للإيمان.وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة, وابن حبان في صحيحه, وغيرهم من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة, عن إسماعيل بن أبي خالد به, متصلاً مرفوعاً, ومنهم من رواه عنه به موقوفاً على الصديق, وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره..(2/65)
*وقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني, حدثنا عبد الله بن المبارك , حدثنا عتبة بن أبي حكيم, حدثنا عمرو بن جارية اللخمي عن أبي أمية الشعباني قال : أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له : كيف تصنع في هذه الاَية ؟ قال: أية آية ؟ قلت: قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً, سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر, حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً, وهوى متبعاً, ودنيا مؤثرة, وإعجاب كل ذي رأي برأيه , فعليك بخاصة نفسك , ودع العوام, فإن من ورائكم أياماً , الصابر فيهن مثل القابض على الجمر , للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون كعملكم» قال عبد الله بن المبارك: وزاد غير عتبة, قيل: يا رسول الله, أجر خمسين رجلاً منا أو منهم ؟ قال «بل أجر خمسين منكم», ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح, وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك, ورواه ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عتبة بن أبي حكيم.(2/66)
*وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الحسن أن ابن مسعود رضي الله عنه , سأله رجل عن قول الله {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} , فقال : إن هذا ليس بزمانها , إنها اليوم مقبولة , ولكنه قد أوشك أن يأتي زمانها, تأمرون فيصنع بكم كذا وكذا, أو قال: فلا يقبل منكم, فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل . ورواه أبو جعفر الرازي عن الربيع, عن أبي العالية, عن ابن مسعود في قوله {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل} الاَية, قال: كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوساً, فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس, حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه, فقال رجل من جلساء عبد الله: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف, وأنهاهما عن المنكر ؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك , فإن الله يقول {عليكم أنفسكم} الاَية. قال: فسمعها ابن مسعود , فقال: مه لم يجىء تأويل هذه بعد, إن القرآن أنزل حيث أنزل, ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن , ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير, ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم, ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة على ما ذكر من الساعة , ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار, فما دامت قلوبكم واحدة, وأهواؤكم واحدة, ولم تلبسوا شيعاً, ولم يذق بعضكم بأس بعض, فأمروا وانهوا, وإذا اختلفت القلوب والأهواء, وألبستم شيعاً, وذاق بعضكم بأس بعض , فامرؤ ونفسه, وعند ذلك جاءنا تأويل هذه الاَية, ورواه ابن جرير.(2/67)
*وقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن عرفة, حدثنا شبابة بن سوار, حدثنا الربيع بن صبيح, عن سفيان بن عقال قال: قيل لابن عمر:لو جلست في هذه الأيام, فلم تأمر ولم تنه, فإن الله قال{عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فقال ابن عمر: إنها ليست لي ولا لأصحابي, لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ألا فليبلغ الشاهد الغائب» فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب, ولكن هذه الاَية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم.
وقال أيضاً: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم, قالا: حدثنا عوف عن سوار بن شبيب قال: كنت عند ابن عمر إذ أتاه رجل جليد العين شديد اللسان, فقال: يا أبا عبد الرحمن , نفر ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه, وكلهم مجتهد لا يألو, وكلهم بغيض إليه أن يأتي دناءة, وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك, فقال رجل من القوم: وأي دناءة تريد أكثر من أن يشهد بعضهم بالشرك ؟ فقال رجل: إني لست إياك أسأل , إنما أسأل الشيخ, فأعاد على عبد الله الحديث فقال عبد الله : لعلك ترى ـ لا أبا لك ـ إني سآمرك أن تذهب فتقتلهم, عظهم وانههم, وإن عصوك فعليك بنفسك, فإن الله عز وجل يقول {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} الاَية.(2/68)
*وقال أيضاً: حدثني أحمد بن المقدام, حدثنا المعتمر بن سليمان, سمعت أبي, حدثنا قتادة عن أبي مازن قال:انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة , فإذا قوم من المسلمين جلوس, فقرأ أحدهم هذه الاَية {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل} فقال أكثرهم: لم يجىء تأويل هذه الاَية اليوم. وقال: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثنا ابن فضالة عن معاوية بن صالح, عن جبير بن نفير قال: كنت في حلقة فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإني لأصغر القوم, فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فقلت أنا: أليس الله يقول في كتابه {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} ؟ فأقبلوا عليّ بلسان واحد, وقالوا: تنزع آية من القرآن لا تعرفها ولا تدري ما تأويلها ؟ فتمنيت أني لم أكن تكلمت, وأقبلوا يتحدثون فلما حضر قيامهم قالوا: إنك غلام حدث السن, وإنك نزعت آية ولا تدري ماهي, وعسى أن تدرك ذلك الزمان, إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه, فعليك بنفسك, لا يضرك من ضل إذا اهتديت.
*وقال ابن جرير:حدثنا علي بن سهل, حدثنا ضمرة بن ربيعة قال: تلا الحسن هذه الاَية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فقال الحسن: الحمد لله بها, والحمد لله عليها, ما كان مؤمن فيما مضى ولا مؤمن فيما بقي إلا وإلى جنبه منافق يكره عمله. وقال سعيد بن المسيب: إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر, فلا يضرك من ضل إذا اهتديت , رواه ابن جرير. وكذا روي من طريق سفيان الثوري , عن أبي العميس , عن أبي البختري, عن حذيفة مثله . وكذا قال غير واحد من السلف . وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي , حدثنا هشام بن خالد الدمشقي, حدثنا الوليد , حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب, عن كعب في قوله { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} قال : إذا هدمت كنيسة دمشق فجعلت مسجداً, وظهر لبس العصب, فحينئذٍ تأويل هذه الاَية.(2/69)
شرح الحديث من خلال تفسير الآية ----------- الشوكاني
{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مّن ضَلّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }
أي الزموا أنفسكم أو احفظوها كما تقول عليك زيداً: أي الزمه، قرئ "لا يضركم" بالجزم على أنه جواب الأمر الذي يدل عليه اسم الفعل. وقرأ نافع وغيره بالرفع على أنه مستأنف، كقول الشاعر: فقال رائدهم أرسوا نزاولها أو على أن ضم الراء للاتباع، وقرئ "لا يضركم" بكسر الضاد، وقرئ لا يضيركم والمعنى: لا يضركم ضلال من ضل من الناس إذا اهتديتم للحق أنتم في أنفسكم ، وليس في الآية ما يدل على سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن من تركه مع كونه من أعظم الفروض الدينية فليس بمهتد . وقد قال الله سبحانه "إذا اهتديتم" وقد دلت الآيات القرآنية، والأحاديث المتكاثرة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجوباً مضيقاً متحتماً، فتحمل هذه الآية على من لا يقدر على القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو لا يظن التأثير بحال من الأحوال، أو يخشى على نفسه أن يحل به ما يضره ضرراً يسوغ له معه الترك "إلى الله مرجعكم" يوم القيامة "فينبئكم بما كنتم تعملون" في الدنيا فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .(2/70)
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه ، والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والدارقطني والضياء في المختارة وغيرهم، عن قيس بن أبي حازم قال: قام أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" وإنكم تضعونها على غير مواضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب". وفي لفظ لابن جرير عنه : " والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله منه بعقاب". وأخرج الترمذي وصححه، وابن ماجة وابن جرير والبغوي في معجمه، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي أمية الشعثاني قال : "أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قوله "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوام، فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم". وفي لفظ "قيل: يا رسول الله أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال:بل أجر خمسين منكم". وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه "عن عامر الأشعري أنه كان فيهم أعمى، فاحتبس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه فقال: ما حبسك؟ قال: يا رسول الله قرأت هذه الآية "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" قال: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:أين ذهبتم؟ إنما هي لا يضركم من ضل(2/71)
إذا اهتديتم".
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ عن الحسن: أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله: "عليكم أنفسكم" فقال: يا أيها الناس إنه ليس بزمانها إنها اليوم مقبولة، ولكنه قد أوشك أن يأتي زمان تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا ، أو قال : فلا يقبل منكم ، فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حيد عنه في الآية قال: "مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما لم يكن من دون ذلك السوط والسيف، فإذا كان كذلك فعليكم أنفسكم". وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر أنه قال في هذه الآية: إنها لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم.(2/72)
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن رجل قال: كنت في خلافة عمر بن الخطاب بالمدينة في حلقة فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيهم شيخ حسبت أنه قال أبي بن كعب، فقرأ "عليكم أنفسكم" فقال: إنما تأويلها في آخر الزمان. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن أبي مازن قال: انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة فإذا قوم جلوس فقرأ أحدهم "عليكم أنفسكم" فقال أكثرهم: لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم. وأخرج ابن جرير عن جبير بن نفير قال: كنت في حلقة فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإني لأصغر القوم، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقلت: أليس الله يقول: "عليكم أنفسكم"؟ فأقبلوا علي بلسان واحد فقالوا: تنزع آية من القرآن لا نعرفها ولا ندري ما تأويلها؟ حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت، ثم أقبلوا يتحدثون، فلما حضر قيامهم قالوا: إنك غلام حدث السن، وإنك نزعت آية لا ندري ما هي؟ وعسى أن تدرك ذلك الزمان : إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت. وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث أبي ثعلبة الخشني المتقدم، وفي آخره: "كأجر خمسين رجلاً منكم". وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: ذكرت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لم يجئ تأويلها، لا يجيء تأويلها حتى يهبط عيسى ابن مريم عليه السلام". والروايات في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية، ففيه ما يرشد إلى ما قدمناه من الجمع بين هذه الآية وبين الآيات والأحاديث الواردة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.(2/73)
قال مكي: هذه الآيات الثلاث عند أهل المعاني من أشكل ما في القرآن إعراباً ومعنى وحكماً. قال ابن عطية: هذا كلام من لم يقع له النتاج في تفسيرها، وذلك بين من كتابه رحمه الله: يعني من كتاب مكي. قال القرطبي: ما ذكره مكي ذكره أبو جعفر النحاس قبله أيضاً. قال السعد في حاشيته على الكشاف: واتفقوا على أنها أصعب ما في القرآن إعراباً ً ونظماً وحكماً.(2/74)
1-عمر بن الخطاب
رضي الله عنه
نِسْبَةَ عُمَرَ بن الَخطّابِ رَضى اللَّهُ عَنْه
1- حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بن عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ مُوسَى بن عُقْبَةَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ لأَبِي بَكْرِ بن سُلَيْمَانَ بن أَبِي حَثْمَةَ : مِنْ أَوَّلِ مَنْ كَتَبَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ؟ ، فَقَالَ : أَخْبَرَتْنِي الشِّفَاءُ بنتُ عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ أَنَّ لَبِيدَ بن رَبِيعَةَ ، وَعَدِيَّ بن حَاتِمٍ قَدِمَا الْمَدِينَةَ ، وَأَتَيَا الْمَسْجِدَ فَوَجَدَا عَمْرَو بن الْعَاصِ ، فَقَالا : يَا ابْنَ الْعَاصِ ، اسْتَأْذِنْ لَنَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ : أَنْتُمَا وَاللَّهِ أَصَبْتُمَا اسْمَهُ ، هُوَ الأَمِيرُ ، وَنَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ ، فَدَخَلَ عَمرٌو عَلَى عُمَرَ ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : مَا هَذَا ؟ ، فَقَالَ : أَنْتَ الأَمِيرُ ، وَنَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ ، فَجَرَى الْكِتَابُ مِنْ يَوْمَئِذٍ.(3/1)
2- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بن هِشَامٍ ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بن عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : عُمَرُ بن الْخَطَّابِ بن نُفَيْلِ بن عَبْدِ الْعُزَّى بن رَبَاحِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن قُرْطِ بن رَزَاحِ بن عَدِيِّ بن كَعْبِ بن لُؤَيِّ بن غَالِبِ بن فِهْرِ بن مَالِكٍ يُكَنَّى أَبَا حَفْصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأُمُّهُ : حَنْتَمَةُ بنتُ هِشَامِ بن الْمُغِيرَةِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرِو بن مَخْزُومٍ ، وَأُمُّ حَنْتَمَةَ : الشِّفَاءُ بنتُ عَبْدِ قَيْسِ بن عَدِيِّ بن سَعِيدِ بن سَهْمِ بن عَمْرِو بن هُصَيْصِ بن كَعْبِ بن لُؤَيٍّ ، وَحَدَّثَنَا بِهِ أَبُو أُسَامَةَ الْحَلَبِيُّ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بن أَبِي مَنِيعٍ الرُّصَافِيُّ ، حَدَّثَنَا جَدِّي ، عُبَيْدُ اللَّهِ بن زِيَادٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
صِفَةُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
3- أَخْبَرَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بن فَضَالَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنِ الأَسْوَدِ بن سَرِيعٍ ، قَالَ : كُنْتُ أَنْشُدُهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أَعْرِفُ أَصْحَابَهُ ، حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ بَعِيدٌ مَا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ أَصْلَعُ ، فَقِيلَ لِي : اسْكُتِ اسْكُتْ ، فَقُلْتُ : وَاثُكْلاهُ ، مِنْ هَذَا الَّذِي أَسْكُتُ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقِيلَ لِي : عُمَرُ بن الْخَطَّابِ.(3/2)
4- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ عَاصِمِ بن أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ زِرِّ بن حُبَيْشٍ ، قَالَ : خَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي مَشْهَدٍ لَهُمْ ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ أَصْلَعَ ، أَعْسَرَ أَيْسَرَ ، قَدْ أَشْرَفَ فَوْقَ النَّاسِ بِذِرَاعٍ عَلَيْهِ إِزَارٌ غَلِيظٌ وَبُرْدُ قَطْرٍ ، وَهُوَ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، هَاجِرُوا ، وَلا تَهْجُرُوا ، وَلا يَحْذِفَنَّ أَحَدُكُمُ الأَرْنَبَ بِعَصَاهُ أَوْ بِحَجَرٍ فَيَأْكُلَهَا ، وَلْيُذَكِ لَكُمُ الأَسَلُ وَالرِّمَاحُ وَالنَّبْلُ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا قَالُوا : عُمَرُ بن الْخَطَّابِ( ) .
5- حَدَّثَنَا يَحْيَى بن أَيُّوبَ الْعَلافُ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن أَيُّوبَ ، عَنْ يَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : كَانَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَصْلَعَ شَدِيدَ الصَّلَعِ.
6- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : رَكِبَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَسًا فَرَكَضَهُ ، فَانْكَشَفَتْ فَخِذُهُ فَرَأَى أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى فَخِذِهِ شَامَةً سَوْدَاءَ ، فَقَالُوا : هَذَا الَّذِي نَجِدُ فِي كِتَابِنَا أَنَّهُ يُخْرِجُنَا مِنْ أَرْضِنَا.(3/3)
7- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن عِيسَى الطَّبَّاعُ ، قَالَ : رَأَيْتُ مَالِكَ بن أَنَسٍ وَافِرَ الشَّارِبِ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ؟ ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي زَيْدُ بن أَسْلَمَ ، عَنْ عَامِرِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ ، أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا غَضِبَ فَتَلَ شَارِبَهُ ، وَنَفَخَ.
8- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن النَّضْرِ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بن عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ ، عَنْ زَيْدِ بن أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْخُذُ بِأُذُنِهِ يَعْنِي بِأُذُنِ نَفْسِهِ ، ثُمَّ يَثِبُ عَلَى الْفَرَسِ .
9- حَدَّثَنَا مُوسَى بن عِيسَى بن الْمُنْذِرِ الْحِمْصِيُّ ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بن شُرَيْحٍ الْحِمْصِيُّ ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بن الْوَلِيدِ ، عَنْ بَحِيرِ بن سَعْدٍ ، عَنْ خَالِدِ بن مَعْدَانَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَمْرٍو السُّلَمِيُّ ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَرَضَتْ عَلَيْهِ مَوْلاةٌ لَهُ أَنْ يَصْبُغَ لِحْيَتَهُ ، فَقَالَ : أَتُرِيدُ أَنْ تُطْفِئَ نُورِي ، كَمَا أطْفَأَ فُلانٌ نُورَهُ.
10- حَدَّثَنَا بَكْرُ بن سَهْلٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن حِمْيَرٍ ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بن عَجْلانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَامِرٍ سُلَيْمَ بن عَامِرٍ ، يَقُولُ : رَأَيْتُ عُمَرَ لا يُغَيِّرُ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا.(3/4)
11- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدِ بن عِرْقٍ الْحِمْصِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُصَفَّى ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بن عَجْلانَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ لا يُغَيِّرُ شَيْبَتَهُ ، فَقِيلَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! أَلا تُغَيِّرُ ، وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُغَيِّرُ ؟ ، قَالَ عُمَرُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مِنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الإِسْلامِ ، كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ شَيْبَتِي.
12- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن عُمَرَ الضَّبِّيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن مَرْزُوقٍ ، أنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ زِرٍّ ، قَالَ : كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ أَعْسَرُ أَيْسَرُ ضَخْمٌ ، إِذْ أَشْرَفَ عَلَى النَّاسِ ، كَأَنَّهُ عَلَى دَابَّةٍ ، فَإِذَا هُوَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
13- حَدَّثَنَا يُوسُفُ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن مَرْزُوقٍ ، أنا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكِ بن حَرْبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن هِلالٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، رَجُلا ضَخْمًا ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ بني سَدُوسٍ.
سِنُّ عُمَرَ وَوَفَاتُهُ وَفِي سِنِّهِ اخْتِلافٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ(3/5)
14 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن دَاوُدَ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا حَبِيبٌ كَاتِبُ مَالِكٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أُبَيِّ بن كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ : لِيَبْكِ الإِسْلامُ عَلَى مَوْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
15- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عُثْمَانَ بن أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن إِدْرِيسَ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مَعْرُوفِ بن أَبِي مَعْرُوفٍ الْمَوْصِلِيِّ ، قَالَ : لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ صَوْتًا : لِيَبْكِ عَلَى الإِسْلامِ مَنْ كَانَ بَاكِيًا فَقَدْ أوْشَكُوا هَلْكَى وَمَا قَدِمَ الْعَهْدُ وَأَدْبَرَتِ الدُّنْيَا وَأَدْبَرَ خَيْرُهَا وَقَدْ مَلَّها مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالْوَعْدِ .
16- حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بن شُعَيْبٍ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن صَالِحٍ ، أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ الْمِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ ، قَالَ : وَلِيَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَشْرَ سِنِينَ ، ثُمَّ تُوُفِّيَ.(3/6)
17- حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بن أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ جَرِيرٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً ، وَقُبِضَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً ، وَقُبِضَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
18- حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بن شُعَيْبٍ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي رِشْدِينُ بن سَعْدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْحَارِثُ بن يُوسُفَ الأَنْصَارِيُّ ، مِنْ بني الْحَارِثِ بن الْخَزْرَجِ ، عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ دُفِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ ، لأَرْبَعِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ.(3/7)
19- حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ ، قَالَ : اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ ، وَقُتِلَ فِي عَقِبِ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ ، فَأَقَامَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الطَّعْنَةِ ، ثُمَّ مَاتَ فِي آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ ، وَصَلَّى عَلَيْهِ صُهَيْبٌ ، وَوَلِيَ غُسْلَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ ، وَكَفَّنَهُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ ، وَدُفِنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَطُعِنَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ لِتِسْعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ : مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ ، وَكَانَ سِنُّهُ يَوْمَ تُوُفِّيَ فِيمَا سَمِعْتُ مَالِكَ بن أَنَسٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ بَلَغَ سِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ ، وَبَعْضُ النَّاسِ ، يَقُولُ : لِتِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَبَعْضُهُمْ ، يَقُولُ : ثَلاثٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسٍ وَخَمْسِينَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ ، وَكَانَتْ خِلافَتُهُ عَشَرَ سِنِينَ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَأيَّامًا.
20- حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عُثْمَانَ بن صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن الرَّبِيعِ بن طَارِقٍ ، أنا يَحْيَى بن أَيُّوبَ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طُعِنَ فِي السَّحَرِ ، طَعَنَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ غُلامُ الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ ، وَكَانَ مَجُوسِيًّا.(3/8)
21- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن جَابِرِ بن الْبَحْتَرِيِّ الْحِمْصِيُّ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بن شُعَيْبِ بن أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ أَرْسَلُوا إِلَى طَبِيبٍ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَقَاهُ لَبَنًا ، فَخَرَجَ اللَّبَنُ أَبْيَضَ مِنَ الطَّعْنَةِ الَّتِي تَحْتَ السُّرَّةِ ، فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ : اعْهَدْ عَهْدَكَ فَمَا أَرَاكَ تُمْسِي ، فَقَالَ : صَدَقَنِي.
22- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بن زَكَرِيَّا الْمُطَرِّزُ ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بن مُوسَى الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بن الْفَضْلِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن يَسَارٍ ، قَالَ : شَهِدْتُ مَوْتَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَئِذٍ.
صفة الصفوة لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
أبو حفص عمر بن الخطاب
ابن نفيل بن عبد العزي بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي. وأمه: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أسلم سنة ست من النبوة وقيل سنة خمس.
ذكر سبب إسلامه رضي الله عنه
*عن ابن عمر أن النبي. صلى الله عليه وسلم قال اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بابي جهل بن هشام فكان احبهما إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.(3/9)
*وعن شريح بن عبيد قال قال عمر بن الخطاب خرجت أتعرض لرسول الله. صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف القرآن قال فقلت هذا والله شاعر كما قالت قريش قال فقرأ {أنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون }سورة الحاقة الآية 41 قال قلت كاهن قال{ ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين }إلى آخر الآية فوقع الإسلام في قلبي.
*وعن أنس بن مالك قال خرج عمر متقلدا السيف فوجده رجل من بني زهرة فقال أين تعمد يا عمر قال أريد أن اقتل محمدا قال وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدا فقال له عمر ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي أنت عليه قال أفلا أدلك على العجب يا عمر إن أختك وختنك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه فمشى عمر ذامرا حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت فدخل عليهما فقال ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم قال وكانوا يقرأون طه فقالا ما عدا حديثا تحدثناه بيننا قال فلعلكما قد صبوتما فقال له ختنه أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئا شديدا فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها نفحة بيده فدمي وجهها فقالت وهي غضبي أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك أشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله.(3/10)
فلما يئس عمر قال أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فاقرأه وكان عمر يقرأ الكتب فقالت أخته انك رجس ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرا {طه }حتى انتهى إلى قوله {إنني أنا الله لا اله إلا أنا فأعبدني وأقم الصلاة لذكري }سورة طه الآية 14 فقال عمر دلوني على محمد فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال ابشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله. صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخجاب أو بعمر وبن هشام قال ورسول الله. صلى الله عليه وسلم في الدار التي في صل الصفا فانطلق عمر حتى أتى الدار قال وعلى الباب حمزة وطلحة وناس من أصحاب رسول الله. صلى الله عليه وسلم فلما رأى حمزة وجل الناس من عمر قال حمزة نعم هذا عمر فان يرد الله بعمر خيرا يسلم ويتبع النبي. صلى الله عليه وسلم وان يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينا قال والنبي. صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه قال فقام رسول الله. صلى الله عليه وسلم حتى أتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال ما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل الله بك يعني من الخزي والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب فقال عمر أشهد انك رسول الله فأسلم وقال أخرج يا رسول الله.(3/11)
*وعن ابن عباس قال سألت عمر بن الخطاب لأي شيء سميت الفاروق قال أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت الله لا اله إلا هو له الأسماء الحسنى فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقلت أين رسول الله فقالت أختي هو في دار الأرقم بن أبي الأرقم عند الصفا فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار ورسول الله. صلى الله عليه وسلم في البيت فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة مالكم قالوا عمر بن الخطاب.قال فخرج رسول الله. صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم هزه هزة فما تمالك أن وقع على ركبته فقال ما أنت بمنته يا عمر قال قلت أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد قال فقلت يا رسول الله السنا على الحق أن متنا وان حيينا قال بلى والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وان حييتم فقلت ففيم الاختفاء والذي بعثك بالحق لنخرجن فأخرجناه في صفين حمزة في أحدهما وأنا في الآخر له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد قال فنظرت إلي قريش والى حمزة فأصابتهم كابة لم يصبهم مثلها فسماني رسول الله. صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق.قال أهل السير: أسلم عمر وهو ابن ست وعشرين سنة بعد أربعين رجلا وقال سعيد بن المسيب بعد أربعين رجلا وعشر نسوة.
وقال عبد الله بن ثعلبة بن صعير بعد خمسة وأربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة.
وعن داود بن الحصين والزهري قالا لما أسلم عمر نزل جبريل عليه السلام فقال يا محمد استبشر أهل السماء بإسلام عمر.
وقال ابن مسعود ما زلنا أعزة مند أسلم عمر.
وقال صهيب لما أسلم عمر جلسنا حول البيت حلقا وطفنا وانتصفنا ممن غلظ علينا.
ذكر صفته عمر رضي الله عنه
كان ابيض امهق تعلوه حمرة طوالا اصلع اجلح شديد حمرة العين في عارضه خفة وقال وهب صفته في التوارة قرن من حديد أمير شديد.
ذكر أولاده رضي الله عنه(3/12)
كان له من الولد عبد الله وعبد الرحمن وحفصة أمهم زينب بنت مظعون وزيد الأكبر ورقية أمهما أم كلثوم بنت علي وزيد الأصغر وعبيد الله أمهما أم كلثوم بنت جرول وعاصم أمه جميلة وعبد الرحمن الأوسط أمه لهية أم ولد وعبد الرحمن الأصغر أمه أم ولد وفاطمة أمها أم حكيم بنت الحارث وعياض أمه عاتكة بنت زيد وزينب أمها فكيهة أم ولد.
ذكر نزول القرآن بموافقته رضي الله عنه
عن أنس قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وافقت ربي عز وجل في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }سورة البقرة آية 125 وقلت يا رسول الله أن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمع على رسول الله. صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك حديث متفق عليه.
ذكر جملة من مناقبه وفضائله رضي الله عنه
-قال أهل العلم لما أسلم عمر عز الإسلام وهاجر جهرا وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها وهو أول خليفة دعي بأمير المؤمنين وأول من كتب التاريخ للمسلمين و أول من جمع القرآن في المصحف وأول من جمع الناس على صلاة التراويح و أول من عس في عمله وحمل الدرة وأدب بها وفتح الفتوح ووضع الخراج ومصر الأمصار و استقصى القضاة ودون الديوان وفرض الأعطية وحج بأزواج رسول الله في آخر حجة حجها.
*عن عائشة عن النبي. صلى الله عليه وسلم قال قد كان في الأمم محدثون فان يكن في أمتي فمر حديث متفق عليه.
*وعن سعد بن أبي وقاص عن النبي. صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر والذي يفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك أخرجاه في الصحيحين.
*وعن ابن عمر قال استأذن عمر الرسول. صلى الله عليه وسلم في العمرة فقال يا أخي أشركنا في صالح دعائك ولا تنسنا.
*وعنه قال قال رسول الله. صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة.(3/13)
*وعن أنس عن النبي. صلى الله عليه وسلم قال اشد أمتي في أمر الله عمر.
*وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم قال رأيت الناس مجتمعين في صعيد فقام أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي بعض نزعه ضعف والله يغفر له ثم أخذها عمر فاستحالت في يده غربا فلم أر عبقريا يفري فرية حتى ضرب الناس بعطن حديث متفق على صحته.
*وعنه قال كان النبي. صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بينما أنا نائم أتيت بقدح فشربت منه حتى اني أرى الري يخرج من أطرافي ثم أعطيت فضلي عمر فقالوا فما أولت ذلك يا رسول الله قال العلم وهذا متفق على صحته.
ذكر خلافته رضي الله عنه
-قال حمزة بن عمرو توفي أبو بكر مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة من سنة ثلاث عشرة فاستقبل عمر بخلافته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبو بكر.
*عن جامع بن شداد عن أبيه قال كان أول كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر إن قال اللهم اني شديد فليني وأني ضعيف فقوني وإني بخيل فسخني.
ذكر اهتمامه برعيته رضي الله عنه
*عن زيد بن أسلم عن أبيه قال خرجت مع عمر رضي الله عنه إلى السوق فلحقت عمر امرأة شابة فقالت يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغار والله ما ينضجون كراعا ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت أن تاكلهم الضبع وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم فوقف معها عمر ولم يمض ثم قال مرحبا بنسب قريب ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار فحمل عليه غرار تين ملأهما طعاما وحمل بينها نفقة وثيابا ثم نأولها بخطامه ثم قال اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير فقال رجل يا أمير المؤمنين أكثرت لها قال عمر ثكلتك أمك والله اني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه انفرد بإخراجه البخاري.(3/14)
*وعن الأوزاعي أن عمر بن الخطاب خرج في سواد الليل فرآه طلحة فذهب عمر فدخل بيتا ثم دخل بيتا آخر فلما اصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة فقال لها ما بال هذا الرجل يأتيك قالت أنه يتعاهدني منذ كذا وكذا يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى قال طلحة ثكلتك أمك طلحة اعثرات عمر تتبع?.
*وعن ابن عمر قال قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن هل لك أن تحرسهم الليلة من السرق فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لامه اتقي الله واحسني إلى صبيك ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك ثم عاد إلى مكانه فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه فأتى أمه فقال لها ويحك اني لاراك أم سوء ما لي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة قالت يا عبد الله قد ابر متني منذ الليلة اني اريغه عن الفطام فيأبى قال ولم قالت لان عمر لا يفرض إلا للفطم قال وكم له قالت كذا وكذا شهرا قال ويحك لا تعجيله فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء فلما سلم قال يا بؤسا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين ثم أمر مناديا فنادى إن لا تعجلوا صبيانكم على الفطام فأنا نفرض لكل مولود في الإسلام وكتب بذلك إلى الآفاق أن يفرض لكل مولود في الإسلام.
* وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال كان عمر يصوم الدهر وكان زمان الرمادة إذا أمسى أتي بخبز قد ثرد في الزيت إلى أن نحروا يوما من الأيام جزورا فأطعمها الناس وغرفوا له طيبها فأتى به فإذا قدر من سنام ومن كبد فقال أنى هذا? قالوا يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم قال بخ بخ بئس الوالي أنا ان أكلت أطببها وأطعمت الناس كراديسها ارفع هذه الجفنة هات لنا غير هذا الطعام فأتى بخبز وزيت فجعل يكسر بيده ويثرد ذلك الخبز ثم قال ويحك يا يرفأ ارفع هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت بثمغ فإني لم اتهم منذ ثلاثة أيام واحسبهم مقفرين فضعها بين أيديهم.(3/15)
ذكر زهده رضي الله عنه
*عن الحسن قال: خطب عمر الناس وهو خليفة وعليه إزار فيه ثنتا عشرة رقعة وعن أنس قال كان بين كتفي عمر ثلاث رقاع. *وعن مصعب بن سعد قال قالت حفصة لعمر يا أمير المؤمنين اكتسيت ثوبا هو ألين من ثوبك وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك فقد وسع الله من الرزق وأكثر من الخير فقال اني سأخاصمك إلى نفسك أما تذكرين ما كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم يلقى من شدة العيش وكذلك أبو بكر فما زال يذكرها حتى أبكاها فقال لها أما والله لأشاركنهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك عيشهما الرخي رواه أحمد.
ذكر تواضعه رضي الله عنه
*عن عبد الله بن عباس قال: كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة وقد ذبح للعباس فرخان، فلما وافى الميزاب صب ماء بدم الفرخين فأصاب عمر، فأمر عمر بقلعه، ثم رجع عمر فطرح ثيابه ولبس ثيابا غير ثيابه، ثم جاء فصلى بالناس فأتاه العباس فقال: و الله أنه للموضع الذي وضعه رسول الله.). فقال عمر للعباس: وأنا أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله.صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك العباس رواه أحمد ذكر خوفه من الله عز وجل وبكائه
*عن عبد الله بن عمر قال: كان عمر بن الخطاب يقول: لو مات جدي بطف الفرات لخشيت أن يحاسب الله به عمر.
*وعن عبد الله بن عامر قال: رأيت عمر بن الخطاب أخذ تبنة من الأرض فقال: ليتني كنت هذه النبتة، ليتني لم أخلق، ليت أمي لم تلدني، ليتني لم أكن شيئا، ليتني كنت نسيا منسيا.
* وعن عبد الله بن عيسى قال: كان في وجه عمر خطان أسودان من البكاء.
ذكر تعبده رضي الله عنه
عن ابن عمر قال: ما مات عمر حتى سرد الصوم.
عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يحب الصلاة في جوف الليل، يعني في وسط الليل.
ذكر نبذة من كلامه ومواعظه رضي الله عنه(3/16)
* عن ثابت بن الحجاج، قال: قال عمر حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قيل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، تزينوا للعرض الأكبر { يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية } سورة الحاقة آية: 18.
*وعن الأحنف، قال: قال لي عمر بن الخطاب: يا أحنف، من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه.
*وعن وديعة الأنصاري قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول وهو يعظ رجلا:لا تكلم فيما لا يعنيك وأعرف عدوك، وأحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تمش مع الفاجر فيعلمك من فجوره، ولا تطلعه على سرك، ولا تشاور في أمرك إلا الذين يخشون الله عز وجل.
ذكر وفاته رضي الله عنه
* عن عمرو بن ميمون، قال: إني لقائم ما بيني وبين عمر إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفين قال: استووا حتى إذا لم ير فيهن خللا تقدم فكبر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب، حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شمال إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه.(3/17)
وتناول عمر بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه. فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرى وأما نواحي المسجد فانهم لا يدرون غير انهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون سبحان الله سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس انظر من قتلني? فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة قال الصنع? قال: نعم.قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة وكان العباس أكثرهم رقيقا فقال إن شئت فعلت أي إن شئت قتلنا قال كذبت بعد ما تكلموا بلسانكم وصلوا إلى قبلتكم وحجوا حجكم.
فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه وكان الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ فقائل يقول لا باس وقال يقول أخاف عليه فأتى بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ثم أتي لبن فشربه فخرج من جرحه فعلموا أنه ميت فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه وجاء رجل شاب فقال ابشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم شهادة قال وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي.
فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض قال ردوا علي الغلام قال ابن أخي ارفع ثوبك فانه أبقى لثوبك وأتقى لربك يا عبد الله بن عمر انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه قال إن وفى له مال آل عمر فاده من أموالهم وآلا فسل في بني عدي بن كعب فان لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم فأد عني هذا المال انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أيريده لنفسي ولأوثرنه به اليوم على نفسي.(3/18)
فلما أقبل قيل هذا عبد الله بن عمر قد جاء قال ارفعوني فاسنده رجل إليه فقال ما لديك قال الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد لله ما كان منه شيء أهم إلي من ذلك فإذا أنا قضيت فاحملوني ثم سلم فقل يستأذن عمر بن الخطاب فان أذنت لي فأدخلوني وان ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين.
وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة واستأذن الرجال فولجت داخلا لهم فسمعنا بكاءها من الداخل فلما قبض خرجنا به فانطلقنا به فسلم عبد الله بن عمر وقال يستأذن عمر قالت ادخلوه فادخل فوضع هنالك مع صاحبيه انفرد بإخراجه البخاري.
*وعن عثمان بن عفان قال أنا آخركم عهدا بعمر دخلت عليه ورأسه في حجر ابنه عبد الله فقال له ضع خدي بالأرض قال فهل فخذي والأرض إلا سواء? قال ضع خدي بالأرض لا أم لك في الثانية أو الثالثة وسمعته يقول ويلي وويل أمي إن لم تغفر لي حتى فاظت نفسه.
قال سعد بن أبي وقاص طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ودفن يوم الأحد صبيحة هلال المحرم قال معاوية كان عمر ابن ثلاث وستين.
*وعن الشعبي أن أبا بكر قبض وهو ابن ثلاث وستين وان عمر قبض وهو ابن ثلاث وستين.
*وعن سالم بن عبد الله أن عمر قبض وهو ابن خمس وستين وقال ابن عباس كان عمر ابن ست وستين وقال قتادة ابن إحدى وستين وصلى عليه صهيب وقال سليمان بن يسار ناحت الجن على عمر رضي الله عنه.
عليك سلام من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها بواثق في أكمامها لم تفتق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ليدرك ما قدمت ألامس يسبق
ابعد قتيل بالمدينة بالمدينة أظلمت له الأرض تهتز العضاه بأسوق
*وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال لما غسل عمر وكفن وحمل على سريره وقف عليه علي عليه السلام فقال والله ما على الأرض رجل أحب إلي إن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى بالثوب.(3/19)
*وعن عبد الله بن عبيد الله بن العباس قال كان العباس خليلا لعمر فلما أصيب عمر جعل يدعو الله أن يريه عمر في المنام قال فراه بعد حول وهو يمسح العرق عن وجهه قال ما فعلت قال هذا أوان فرغت أن كاد عرشي ليهد لولا اني لقيت رؤوفا رحيما.
قال الشيخ رضي الله عنه أخبار عمر رضي الله عنه من أولى ما استكثر منه وإنما اقتصرت ها هنا على ما ذكرت منها لأني قد وضعت لمناقبه وأخباره كتابا كبيرا يجمعها فمن أراد استيعاب أخباره فلينظر في ذلك والسلام.
الياقوتة 5
---حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي: أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه علىالمنبر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه
---------------البخاري— كتاب الايمان والنذور – باب النية في الايمان
--------------- مسلم –كتاب الامارة—باب قوله(ص):إنما الاعمال بالنية
وأخرج البخاري هذا الحيث فيكتب أخرى،منها:
1 *كتاب بدء الوحي
- حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي: أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه علىالمنبر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه
2- كتاب الايمان
باب: ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرىء ما نوى.(3/20)
فدخل فيه الإيمان، والوضوء، والصلاة، والزكاة، والحج، والصوم والأحكام. وقال الله تعالى: {قل كل يعمل على شاكلته} الإسراء: 84: على نيته: (نفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة). وقال: (ولكن جهاد ونية).
- حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الأعمال بالنية، ولكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه).
3-كتاب النكاح
-حدثنا يحيى بن قزعة: حدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن علقمة بن وقاص، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العمل بالنية، وأنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن كانت هجرته إلى الدنيا يصيبها، أوامرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر اليه).
4-كتاب الحيل
-حدثنا أبو النعمان: حدثنا حمَّاد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقَّاص قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب قال:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يا أيها الناس، إنما الأعمال بالنيَّة، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن هاجر إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه).
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله-(3/21)
-قوله حدثنا الحميدي هو أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى منسوب إلى حميد بن أسامة بطن من بني أسد بن عبد العزى بن قصي رهط خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع معها في أسد ويجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وهو إمام كبير مصنف رافق الشافعي في الطلب عن بن عيينة وطبقته وأخذ عنه الفقه ورحل معه إلى مصر ورجع بعد وفاته إلى مكة إلى أن مات بها سنة تسع عشرة ومائتين فكأن البخاري امتثل قوله صلى الله عليه وسلم قدموا قريشا فافتتح كتابه بالرواية عن الحميدي لكونه أفقه قرشي أخذ عنه وله مناسبة أخرى لأنه مكي كشيخه فناسب أن يذكر في أول ترجمة بدء الوحي لأن ابتداءه كان بمكة ومن ثم ثنى بالرواية عن مالك لأنه شيخ أهل المدينة وهي تالية لمكة في نزول الوحي وفي جميع الفضل ومالك وابن عيينة قرينان قال الشافعي لولاهما لذهب العلم من الحجاز قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة بن أبي عمران الهلالي أبو محمد المكي أصله ومولده الكوفة وقد شارك مالكا في كثير من شيوخه وعاش بعده عشرين سنة وكان يذكر أنه سمع من سبعين من التابعين قوله عن يحيى بن سعيد حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري اسم جده قيس بن عمرو وهو صحابي ويحيى من صغار التابعين وشيخه محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي من أوساط التابعين وشيخ محمد علقمة بن وقاص الليثي من كبارهم ففي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وفي المعرفة لابن منده ما ظاهره أن علقمة صحابي فلو ثبت لكان فيه تابعيان وصحابيان يكون قد اجتمع في هذا الإسناد أكثر الصيغ التي يستعملها المحدثون وهي التحديث والاخبار والسماع والعنعنة والله أعلم وقد اعترض على المصنف في إدخاله حديث الأعمال هذا في ترجمة بدء الوحي وأنه لا تعلق له به أصلا بحيث أن الخطابي في شرحه والإسماعيلي في مستخرجه أخرجاه قبل الترجمة لاعتقادهما أنه إنما أورده للتبرك به فقط واستصوب أبو القاسم بن منده صنيع الإسماعيلي في ذلك وقال بن رشيد(3/22)
لم يقصد البخاري بإيراده سوى بيان حسن نيته فيه في هذا التأليف وقد تكلفت مناسبته للترجمة فقال كل بحسب ما ظهر له انتهى وقد قيل إنه أراد أن يقيمه مقام الخطبة للكتاب لأن في سياقه أن عمر قاله على المنبر بمحضر الصحابة فإذا صلح أن يكون في خطبة المنبر صلح أن يكون في خطبة الكتاب وحكى الملهب أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب به حين قدم المدينة مهاجرا فناسب إيراده في بدء الوحي لأن الأحوال التي كانت قبل الهجرة كانت كالمقدمة لها لأن بالهجرة افتتح الإذن في قتال المشركين ويعقبه النصر والظفر والفتح انتهى وهذا وجه حسن إلا أنني لم أر ما ذكره من كونه صلى الله عليه وسلم خطب به أول ما هاجر منقولا وقد وقع في باب ترك الحيل بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية الحديث ففي هذا إيماء إلى أنه كان في حال الخطبة أما كونه كان في ابتداء قدومه إلى المدينة فلم أر ما يدل عليه ولعل قائله استند إلى ما روى في قصة مهاجر أم قيس قال بن دقيق العيد نقلوا أن رجلا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوي به انتهى وهذا لو صح لم يستلزم البداءة بذكره أول الهجرة النبويه وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور قال أخبرنا أبو معاوية عن الآعمش عن شقيق عن عبد الله هو بن مسعود قال من هاجر يبتغي شيئا فإنما له ذلك هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قبس ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك وأيضا فلو أراد البخاري إقامته مقام الخطبة فقط إذاً لابتداء به تيمنا(3/23)
وترغيبا في الإخلاص لكان سياقه قبل الترجمة كما قال الإسماعيلي وغيره ونقل بن بطال عن أبي عبد الله بن النجار قال التبويب يتعلق بالآية والحديث معا لأن الله تعالى أوحى إلى الأنبياء ثم إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن الأعمال بالنيات لقوله تعالى {وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين }وقال أبو العالية في قوله تعالى شرع لكم من الدين ماوصى به نوحا قال وصاهم بالإخلاص في عبادته وعن أبي عبد الملك البوني قال مناسبة الحديث للترجمة أن بدء الوحي كان بالنية لأن الله تعالى فطر محمدا على التوحيد وبغض إليه الأوثان ووهب له أول أسباب النبوة وهي الرؤيا الصالحة فلما رأى ذلك أخلص إلى الله في ذلك فكان يتعبد بغار حراء فقبل الله عمله وأتم له النعمة وقال الملهب ما محصله قصد البخاري الأخبار عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في حال منشئه أن الله بغض إليه الأوثان وحبب إليه خلال الخير ولزوم الوحدة فرارا من قرناء السوء فلما لزم ذلك أعطاه الله على قدر نيته ووهب له النبوة كما يقال الفواتح عنوان الخواتم ولخصه بنحو من هذا القاضي أبو بكر بن العربي وقال بن المنير في أول التراجم كان مقدمة النبوة في حق النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة إلى الله تعالى بالخلوة في غار حراء فناسب الافتتاح بحديث الهجرة ومن المناسبات البديعة الوجيزة ما تقدمت الإشارة إليه أن الكتاب لما كان موضوعا لجمع وحي السنة صدره ببدء الوحي ولما كان الوحي لبيان الأعمال الشرعية صدره بحديث الأعمال ومع هذه المناسبات لا يليق الجزم بأنه لا تعلق له بالترجمة أصلا والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وقد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدرهذا الحديث قال أبو عبد الله ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائده من هذا الحديث واتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي فيما نقله البويطي عنه وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني(3/24)
وحمزة الكناني على أنه ثلث الإسلام ومنهم من قال ربعه واختلفوا في تعيين الباقي وقال بن مهدي أيضا يدخل في ثلاثين بابا من العلم وقال الشافعي يدخل في سبعين بابا ويحتمل أن يريد بهذا العدد المبالغة وقال عبد الرحمن بن مهدي أيضا ينبغي أن يجعل هذا الحديث رأس كل باب ووجه البيهقي كونه ثلث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه فالنية أحد اقسامها الثلاثة وارجحها لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها يحتاج إليها ومن ثم ورد نية المؤمن خير من عمله فإذا نظرت إليها كانت خير الامرين وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم أنه أحد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده وهي :(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) و(الحلال بين الحرام بين)وهذا الحديث ثم أن هذا الحديث متفق على صحته أخرجه الأئمة المشهورون الا الموطأ ووهم من زعم أنه في الموطأ مغترا بتخريج الشيخين له والنسائي من طريق مالك وقال أبو جعفر الطبري قد يكون هذا الحديث على طريقة بعض الناس مردودا لكونه فردا لأنه لا يروي عن عمر الا من رواية علقمة ولا عن علقمة الا من رواية محمد بن إبراهيم ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من رواية يحيى بن سعيد وهو كما قال فأنه إنما اشتهر عن يحيى بن سعيد وتفرد به من فوقه وبذلك جزم الترمذي والنسائي والبزار وابن السكن وحمزة بن محمد الكناني وأطلق الخطابي نفى الخلاف بين أهل الحديث في أنه لا يعرف الا بهذا الإسناد وهو كما قال لكن بقيدين أحدهما الصحة لأنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدارقطني وأبو القاسم بن منده وغيرهما ثانيهما السياق لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية كحديث عائشة وأم سلمة عند مسلم يبعثون على نياتهم وحديث بن عباس ولكن جهاد ونية وحديث أبي موسى من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله متفق عليهما وحديث بن مسعود رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته أخرجه أحمد وحديث عبادة من(3/25)
غزا وهو لا ينوي الا عقالا فله ما نوى أخرجه النسائي إلى غير ذلك مما يتعسر حصره وعرف بهذا التقرير غلط من زعم أن حديث عمر متواتر الا أن حمل على التواتر المعنوي فيحتمل نعم قد تواتر عن يحيى بن سعيد فحكى محمد بن علي بن سعيد النقاش الحافظ أنه رواه عن يحيى مائتان وخمسون نفسا وسرد أسماؤهم أبو القاسم بن منده فجاوز الثلثمائة وروى أبو موسى المديني عن بعض مشايخه مذاكرة عن الحافظ أبي إسماعيل الأنصاري الهروي قال كتبته من حديث سبعمائة من أصحاب يحيى قلت وأنا استبعد صحة هذا فقد تتبعت طرقه من الروايات المشهورة والأجزاء المنثورة منذ طلبت الحديث إلى وقتي هذا فما قدرت على تكميل المائه وقد تتبعت طرق غيره فزادت على ما نقل عمن تقدم كما سيأتي مثال لذلك في الكلام على حديث بن عمر في غسل الجمعة إن شاء الله تعالى قوله على المنبر بكسر الميم واللام للعهد أي منبر المسجد النبوي ووقع في رواية حماد بن زيد عن يحيى في ترك الحيل سمعت عمر يخطب قوله إنما الأعمال بالنيات كذا أورد هنا وهو من مقابلة الجمع بالجمع أي كل عمل بنيته وقال الخوبي كأنه أشار بذلك إلى أن النية تتنوع كما تتنوع الأعمال كمن قصد بعمله وجه الله أو تحصيل موعوده أو اتقاء لوعيده ووقع في معظم الروايات بإفراد النية ووجهه أن محل النية القلب وهو متحد فناسب افرادها بخلاف الأعمال فأنها متعلقة بالظواهر وهي متعددة فناسب جمعها ولأن النية ترجع إلى الإخلاص وهو واحد للواحد الذي لا شريك له ووقع في صحيح بن حبان بلفظ الأعمال بالنيات بحذف إنما وجمع الأعمال والنيات وهي ما وقع في كتاب الشهاب للقضاعي ووصله في مسنده كذلك وأنكره أبو موسى المديني كما نقله النووي وأقره وهو متعقب برواية بن حبان بل وقع في رواية مالك عن يحيى عند البخاري في كتاب الإيمان بلفظ الأعمال بالنية وكذا في العتق من رواية الثوري وفي الهجرة من رواية حماد بن زيد ووقع عنده في النكاح بلفظ العمل بالنية(3/26)
بإفراد كل منهما والنية بكسر النون وتشديد التحتانية على المشهور وفي بعض اللغات بتخفيفها قال الكرماني قوله إنما الأعمال بالنيات هذا التركيب يفيد الحصر عند المحققين واختلف في وجه افادته فقيل لأن الأعمال جمع محلى بالألف واللام مفيد للاستغراق وهو مستلزم للقصر لأن معناه كل عمل بنية فلا عمل الا بنية وقيل لأن إنما للحصر وهل إفادتها له بالمنطوق أو بالمفهوم أو تفيد الحصر بالوضع أو العرف أو تفيده بالحقيقة أو بالمجاز ومقتضى كلام الإمام وأتباعه أنها تفيده بالمنطوق وضعا حقيقيا بل نقله شيخنا شيخ الإسلام عن جميع أهل الأصول من المذاهب الأربعة الا اليسير كالآمدي وعلى العكس من ذلك أهل العربيه واحتج بعضهم بأنها لو كانت للحصر لما حسن إنما قام زيد في جواب هل قام عمرو أجيب بأنه يصح أنه يقع في مثل هذا الجواب ما قام إلا زيد وهي للحصر اتفاقا وقيل لو كانت للحصر لاستوى إنما قام زيد مع ما قام إلا زيد ولا تردد في أن الثاني أقوى من الأول وأجيب بأنه لا يلزم من هذه القوة نفى الحصر فقد يكون أحد اللفظين أقوى من الآخر مع اشتراكهما في أصل الوضع كسوف والسين وقد وقع استعمال إنما موضع استعمال النفي والاستثناء كقوله تعالى {إنما تجزون ما كنتم تعملون} وكقوله {وما تجزون إلا ما كنتم تعملون} وقوله {انما على رسولنا البلاغ المبين} وقوله {ما على الرسول الا البلاغ} ومن شواهده قول الأعشى ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر يعني ما ثبتت العزة إلا لمن كان أكثر حصى واختلفوا هل هي بسيطه أو مركبة فرجحوا الأول وقد يرجح الثاني ويجاب عما أورد عليه من قولهم إن للإثبات وما للنفي فيستلزم اجتماع المتضادين على صدد واحد بأن يقال مثلا أصلهما كان للاثبات والنفي لكنهما بعد التركيب لم يبقيا على أصلهما بل أفادا شيئا آخر أشار إلى ذلك الكرماني قال وأما قول من قال إفادة هذا السياق للحصر من جهة أن فيه تأكيدا بعد تأكيد وهو المستفاد من إنما(3/27)
ومن الجمع فمتعقب بأنه من باب إيهام العكس لأن قائله لما رأى أن الحصر فيه تأكيد على تأكيد ظن أن كل ما وقع كذلك يفيد الحصر وقال ابن دقيق العيد استدل على إفادة إنما للحصر بأن بن عباس استدل على أن الربا لا يكون الا في النسيئة بحديث إنما الربا في النسيئة وعارضه جماعة من الصحابة في الحكم ولم يخالفوه في فهمه فكان كالاتفاق منهم على أنها تفيد الحصر وتعقب باحتمال أن يكونوا تركوا المعارضة بذلك تنزلا وأما من قال يحتمل أن يكون اعتمادهم على قوله لا ربا إلا في النسيئة لورود ذلك في بعض طرق الحديث المذكور فلا يفيد ذلك في رد إفادة الحصر بل يقويه ويشعر بأن مفاد الصيغتين عندهم واحد وإلا لما استعملوا هذه موضع هذه وأوضح من هذا حديث إنما الماء من الماء فإن الصحابة الذين ذهبوا إليه لم يعارضهم الجمهور في فهم الحصر منه وإنما عارضهم في الحكم من أدلة أخرى كحديث إذا التقي الختانان وقال بن عطيه إنما لفظ لا يفارقه المبالغه والتأكيد حيث وقع ويصلح مع ذلك للحصر إن دخل في قصة ساعدت عليه فجعل وروده للحصر مجازا يحتاج إلى قرينه وكلام غيره على العكس من ذلك وأن أصل ورودها للحصر لكن قد يكون في شيء مخصوص كقوله تعالى {إنما الله إله واحد } فأنه سيق باعتبار منكري الوحدانية وإلا فلله سبحانه صفات أخرى كالعلم والقدره وكقوله تعالى {إنما أنت منذر }فأنه سيق باعتبار منكري الرسالة وإلا فله صلى الله عليه وسلم صفات أخرى كالبشارة إلى غير ذلك من الأمثله وهي فيما يقال السبب في قول من منع إفادتها للحصر مطلقا تكميل الأعمال تقتضي عاملين والتقدير الأعمال الصادرة من المكلفين وعلى هذا هل تخرج أعمال الكفار الظاهر الإخراج لأن المراد بالأعمال أعمال العبادة وهي لا تصح من الكافر وإن كان مخاطبا بها معاقبا على تركها ولا يرد العتق والصدقه لأنهما بدليل آخر قوله بالنيات الباء للمصاحبه ويحتمل أن تكون للسببية بمعنى أنها مقومة للعمل فكأنها سبب في(3/28)
ايجاده وعلى الأول فهي من نفس العمل فيشترط أن لا تتخلف عن أوله قال النووي النية القصد وهي عزيمة القلب وتعقبه الكرماني بأن عزيمة القلب قدر زائد على أصل القصد واختلف الفقهاء هل هي ركن أو شرط والمرجح أن ايجادها ذكرا في أول العمل ركن واستصحابها حكما بمعنى أن لا يأتي بمناف شرعا شرط ولا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور فقيل تعتبر وقيل تكمل وقيل تصح وقيل تحصل وقيل تستقر قال الطبي كلام الشارع محمول على بيان الشرع لأن المخاطبين بذلك هم أهل اللسان فكأنهم خوطبوا بما ليس لهم به علم إلا من قبل الشارع فيتعين الحمل على ما يفيد الحكم الشرعي وقال البيضاوي النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا والشرع خصصه بالارادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضاء الله وامتثال حكمه والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه أحوال المهاجر فأنه تفصيل لما أجمل والحديث متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية إذ التقدير لا عمل الا بالنية فليس المراد نفى ذات العمل لأنه قد يوجد بغير نية بل المراد نفى احكامها كالصحة والكمال لكن الحمل على نفى الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشيء نفسه ولأن اللفظ دل على نفي الذات بالتصريح وعلى نفي الصفات بالتبع فلما منع الدليل نفى الذات بقيت دلالته على نفي الصفات مستمرة وقال شيخنا شيخ الإسلام الأحسن تقدير ما يقتضي أن الأعمال تتبع النية لقوله في الحديث فمن كانت هجرته إلى آخره وعلى هذا يقدر المحذوف كونا مطلقا من أسم فاعل أو فعل ثم لفظ العمل بتناول فعل الجوارح حتى اللسان فتدخل الأقوال قال ابن دقيق العيد وأخرج بعضهم الأقوال وهو بعيد ولا تردد عندي في أن الحديث يتناولها وأما التروك فهي وأن كانت فعل كف لكن لايطلق عليها لفظ العمل وقد تعقب على من يسمى القول عملا لكونه عمل اللسان بأن من حلف لا يعمل عملا فقال قولا لا يحنث(3/29)
وأجيب بأن مرجع اليمين إلى العرف والقول لا يسمى عملا في العرف ولهذا يعطف عليه والتحقيق أن القول لا يدخل في العمل حقيقة ويدخل مجازا وكذا الفعل لقوله تعالى{ ولو شاء ربك ما فعلوه }بعد قوله {زخرف القول} وأما عمل القلب كالنية فلا يتناولها الحديث لئلا يلزم التسلسل والمعرفة وفي تناولها نظر قال بعضهم هو محال لأن النية قصد المنوى وإنما يقصد المرء ما يعرف فيلزم أن يكون عارفا قبل المعرفة وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني بما حاصله إن كان المراد بالمعرفة مطلق الشعور فمسلم وإن كان المراد النظر في الدليل فلا لأن كل ذي عقل يشعر مثلا بأن له من يدبره فإذا أخذ في النظر في الدليل عليه ليتحققه لم تكن النية حينئذ محالا وقال ابن دقيق العيد الذين اشترطوا النية قدروا صحة الأعمال والذين لم يشترطوها قدروا كمال الأعمال ورجح الأول بأن الصحة أكثر لزوما للحقيقه من الكمال فالحمل عليها أولى وفي هذا الكلام إيهام أن بعض العلماء لا يرى باشتراط النـ،ية وليس الخلاف بينهم في ذلك إلا في الرسائل وأما المقاصد فلا اختلاف بينهم في اشتراط النية لها ومن ثم خالف الحنفية في اشتراطها للوضوء وخالف الأوزاعي في اشتراطها في التيمم أيضا نعم بين العلماء اختلاف في اقتران النية بأول العمل كما هو معروف في مبسوطات الفقه تكميل الظاهر أن الألف واللام في النيات معاقبة للضمير والتقدير الأعمال بنياتها وعلى هذا فيدل على اعتبار نية العمل من كونه مثلا صلاة أو غيرها ومن كونها فرضا أو نفلا ظهرا مثلا أو عصرا مقصورة أو غير مقصورة وهل يحتاج في مثل هذا إلى تعيين العدد فيه بحث والراجح الاكتفاء بتعيين العبادة التي لاتنفك عن العدد المعين كالمسافر مثلا ليس له أن يقصر الا بنية القصر لكن لا يحتاج إلى نية ركعتين لأن ذلك هو مقتضى القصر والله أعلم قوله وإنما لكل امرئ ما نوى قال القرطبي فيه تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال فجنح إلى أنها(3/30)
مؤكدة وقال غيره بل تفيد غير ما أفادته الأولى لأن الأولى نبهت على أن العمل يتبع النية ويصاحبها فيترتب الحكم على ذلك والثانية أفادت أن العامل لا يحصل له الا ما نواه وقال ابن دقيق العيد الجملة الثانية تقتضي أن من نوى شيئا يحصل له يعني إذا عمله بشرائطه أو حال دون عمله له ما يعذر شرعا بعدم عمله وكل ما لم ينوه لم يحصل له ومراده بقوله ما لم ينوه أي لا خصوصا ولا عموما أما إذا لم ينو شيئا مخصوصا لكن كانت هناك نية عامة تشمله فهذا مما اختلفت فيه أنظار العلماء ويتخرج عليه من المسائل ما لا يحصى وقد يحصل غير المنوي لمدرك آخر كمن دخل المسجد فصلى الفرض أو الراتبة قبل أن يقعد فأنه يحصل له تحية المسجد نواها أو لم ينوها لأن القصد بالتحية شغل البقعة وقد حصل وهذا بخلاف من اغتسل يوم الجمعة عن الجنابة فأنه لا يحصل له غسل الجمعة على الراجح لأن غسل الجمعة ينظر فيه إلى التعبد لا إلى محض التنظيف فلا بد فيه من القصد إليه بخلاف تحية المسجد والله أعلم وقال النووي أفادت الجملة الثانية اشتراط تعيين المنوي كمن عليه صلاة فائتة لا يكفيه أن ينوي الفائتة فقط حتى يعينها ظهرا مثلا أو عصرا ولا يخفى أن محله ما إذا لم تنحصر الفائتة وقال بن السمعاني في أماليه أفادت أن الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب إلا إذا نوى بها فاعلها القربه كالأكل إذا نوى به القوة على الطاعة وقال غيره أفادت أن النيابة لا تدخل في النية فإن ذلك هو الأصل فلا يرد مثل نية الولي عن الصبي ونظائره فإنها على خلاف الأصل وقال بن عبد السلام الجملة الأولى لبيان ما يعتبر من الأعمال والثانية لبيان ما يترتب عليها وأفاد أن النية إنما تشترط في العبادة التي لا تتميز بنفسها وأما ما يتميز بنفسه فأنه ينصرف بصورته إلى ما وضع له كالأذكار والادعية والتلاوة لأنها لا تتردد بين العبادة والعادة ولا يخفى أن ذلك إنما هو بالنظر إلى أصل الوضع أما ما حدث فيه عرف(3/31)
كالتسبيح للتعجب فلا ومع ذلك فلو قصد بالذكر القربة إلى الله تعالى لكان أكثر ثوابا ومن ثم قال الغزالي حركة اللسان بالذكر مع الغفلة عنه تحصل الثواب ل أنه خير من حركة اللسان بالغيبة بل هو خير من السكوت مطلقا أي المجرد عن التفكر قال وإنما هو ناقص بالنسبة إلى عمل القلب انتهى ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بضع أحدكم صدقة ثم قال في الجواب عن قولهم أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر أرأيت لو وضعها في حرام وأورد على إطلاق الغزالي أنه يلزم منه أن المرء يثاب على فعل مباح لأنه خير من فعل الحرام وليس ذلك مراده وخص من عموم الحديث ما يقصد حصوله في الجملة فأنه لا يحتاج إلى نية تخصه كتحية المسجد كما تقدم وكمن مات زوجها فلم يبلغها الخبر إلا بعد مدة العدة فإن عدتها تنقضي لأن المقصود حصول براءة الرحم وقد وجدت ومن ثم لم يحتج المتروك إلى نية ونازع الكرماني في إطلاق الشيخ يحيى الدين كون المتروك لا يحتاج إلى نية بأن الترك فعل وهو كف النفس وبأن التروك إذا أريد بها تحصيل الثواب بامتثال أمر الشارع فلا بد فيها من قصد الترك وتعقب بأن قوله الترك فعل مختلف فيه ومن حق المستدل على المانع أن يأتي بأمر متفق عليه وأما استدلاله الثاني فلا يطابق المورد لأن المبحوث فيه هل تلزم النية في التروك بحيث يقع العقاب بتركها والذي أورده هل يحصل الثواب بدونها والتفاوت بين المقامين ظاهر والتحقيق أن الترك المجرد لا ثواب فيه وانما يحصل الثواب بالكف الذي هو فعل النفس فمن لم تخطر المعصية بباله أصلا ليس كمن خطرت فكف نفسه عنها خوفا من الله تعالى فرجع الحال إلى أن الذي يحتاج إلى النية هو العمل بجميع وجوهه لا الترك المجرد والله أعلم تنبيه قال الكرماني إذا قلنا إن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد القصر ففي قوله وإنما لكل امرئ ما نوى نوعان من الحصر قصر المسند على المسند إليه إذ المراد إنما لكل امرئ ما نواه والتقديم المذكور قوله فمن كانت هجرته(3/32)
إلى دنيا كذا وقع في جميع الأصول التي اتصلت لنا عن البخاري بحذف أحد وجهي التقسيم وهو قوله فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله الخ قال الخطابي وقع هذا الحديث في روايتنا وجميع نسخ أصحابنا مخروما قد ذهب شطره ولست أدرى كيف وقع هذا الاغفال ومن جهة من عرض من رواته فقد ذكره البخاري من غير طريق الحميدي مستوفى وقد رواه لنا الاثبات من طريق الحميدي تاما ونقل ابن التين كلام الخطابي مختصرا وفهم من قوله مخروما أنه قد يريد أن في السند انقطاعا فقال من قبل نفسه لأن البخاري لم يلق الحميدي وهو مما يتعجب من إطلاقه مع قول البخاري حدثنا الحميدي وتكرار ذلك منه في هذا الكتاب وجزم كل من ترجمة بأن الحميدي من شيوخه في الفقه والحديث وقال بن العربي في مشيخته لا عذر للبخاري في اسقاطه لأن الحميدي شيخه فيه قد رواه في مسنده على التمام قال وذكر قوم أنه لعله استملاه من حفظ الحميدي فحدثه هكذا عنه كما سمع أو حدثه به تاما فسقط من حفظ البخاري قال وهو أمر مستبعد جدا عند من اطلع على أحوال القوم وقال الداودي الشارح الاسقاط فيه من البخاري فوجوده في رواية شيخه وشيخ شيخه يدل على ذلك انتهى وقد رويناه من طريق بشر بن موسى وأبي إسماعيل الترمذي وغير واحد عن الحميدي تاما وهو في مصنف قاسم بن أصبغ ومستخرجي أبي نعيم وصحيح أبي عوانة من طريق الحميدي فإن كان الاسقاط من غير البخاري فقد يقال لم أختار الابتداء بهذا السياق الناقص والجواب قد تقدمت الإشارة إليه وأنه أختار الحميدي لكونه أجل مشايخه المكيين إلى آخر ما تقدم في ذلك من المناسبة وإن كان الاسقاط منه فالجواب ما قاله أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ في أجوبة له على البخاري إن أحسن ما يجاب به هنا أن يقال لعل البخاري قصد أن يجعل لكتابه صدرا يستفتح به على ما ذهب إليه كثير من الناس من استفتاح كتبهم بالخطب المتضمنة لمعاني ما ذهبوا إليه من التأليف فكأنه ابتدأ كتابه بنية رد علمها إلى(3/33)
الله فإن علم منه أنه أراد الدنيا أو عرض إلى شيء من معانيها فسيجزيه بنيته ونكب عن أحد وجهي التقسيم مجانبة للتزكية التي لا يناسب ذكرها في ذلك المقام انتهى ملخصا وحاصله أن الجملة المحذوفة تشعر بالقربة المحضة والجملة المبقاة تحتمل التردد بين أن يكون ما قصده يحصل القربة أولا فلما كان المصنف كالمخبر عن حال نفسه في تصنيفه هذا بعبارة هذا الحديث حذف الجملة المشعرة بالقربة المحضة فرارا من التزكية وبقي الجملة المترددة المحتملة تفويضا للأمر إلى ربه المطلع على سريرته المجازى له بمقتضى نيته ولما كانت عادة المصنفين أن يضمنوا الخطب اصطلاحهم في مذاهبهم واختياراتهم وكان من رأي المصنف جواز اختصار الحديث والرواية بالمعنى والتدقيق في الاستنباط وإيثار الاغمض على الاجلى وترجيح الإسناد الوارد بالصيغ المصرحة بالسماع على غيره استعمل جميع ذلك في هذا الموضع بعبارة هذا الحديث متنا واسنادا وقد وقع في رواية حماد بن زيد في باب الهجرة تأخر قوله فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله عن قوله فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها فيحتمل أن تكون رواية الحميدي وقعت عند البخاري كذلك فتكون الجملة المحذوفة هي الأخيرة كما جرت به عادة من يقتصر على بعض الحديث وعلى تقدير أن لا يكون ذلك فهو مصير من البخاري إلى جواز الاختصار في الحديث ولو من اثنائه وهذا هو الراجح والله أعلم وقال الكرماني في غير هذا الموضع إن كان الحديث عند البخاري تاما لم خرمه في صدر الكتاب مع أن الخرم مختلف في جوازه قلت لا جزم بالخرم لأن المقامات مختلفة فلعله في مقام بيان أن الإيمان بالنية واعتقاد القلب سمع الحديث تاما وفي مقام أن الشروع في الأعمال إنما يصح بالنية سمع ذلك القدر الذي روى ثم الخرم يحتمل أن يكون من بعض شيوخ البخاري لا منه ثم أن كان منه فخرمه ثم لأن المقصود يتم بذلك المقدار فإن قلت فكان المناسب أن يذكر عند الخرم الشق الذي يتعلق بمقصوده وهو أن النية(3/34)
ينبغي أن تكون لله ورسوله قلت لعله نظر إلى ما هو الغالب الكثير بين الناس انتهى وهو كلام من لم يطلع على شيء من أقوال من قدمت ذكره من الأئمة على هذا الحديث ولا سيما كلام بن العربي وقال في موضع آخر إن إيراد الحديث تاما تارة وغير تام تارة إنما هو من اختلاف الرواة فكل منهم قد روى ما سمعه فلا خرم من أحد ولكن البخاري يذكرها في المواضع التي يناسب كلا منها بحسب الباب الذي يضعه ترجمة له انتهى وكأنه لم يطلع على حديث أخرجه البخاري بسند واحد من ابتدائه إلى انتهائه فساقه في موضع تاما وفي موضع مقتصرا على بعضه وهو كثير جدا في الجامع الصحيح فلا يرتاب من يكون الحديث صناعته أن ذلك من تصرفه لأنه عرف بالاستقراء من صنيعه أنه لا يذكر الحديث الواحد في موضعين على وجهين بل إن كان له أكثر من سند على شرطه ذكره في الموضع الثاني بالسند الثاني وهكذا ما بعده وما لم يكن على شرطه يعلقه في الموضع الآخر تارة بالجزم إن كان صحيحا وتارة بغيره إن كان فيه شيء وما ليس له إلا سند واحد يتصرف في متنه بالاقتصار على بعضه بحسب ما يتفق ولا يوجد فيه حديث واحد مذكور بتمامه سندا ومتنا في موضعين أو أكثر الا نادرا فقد عنى بعض من لقيته بتتبع ذلك فحصل منه نحو عشرين موضعا قوله هجرته الهجرة الترك والهجرة إلى الشيء الانتقال إليه عن غيره وفي الشرع ترك ما نهى الله عنه وقد وقعت في الإسلام على وجهين الأول الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن كما في هجرتي الحبشه وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة الثاني الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص وبقي عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدرعليه باقيا فإن قيل الأصل تغاير الشرط والجزاء فلا يقال مثلا من أطاع أطاع وإنما يقال مثلا من أطاع نجا(3/35)
وقد وقعا في هذا الحديث متحدين فالجواب أن التغاير يقع تارة باللفظ وهو الأكثر وتارة بالمعنى ويفهم ذلك من السياق ومن أمثلته قوله تعالى{ ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا }وهو مؤول على إرادة المعهود المستقر في النفس كقولهم أنت أنت أي الصديق الخالص وقولهم هم هم أي الذين لا يقدر قدرهم وقول الشاعر أنا أبو النجم وشعري شعري أو هو مؤول على إقامة السبب مقام المسبب لاشتهار السبب وقال بن مالس قد يقصد بالخبر المفرد بيان الشهرة وعدم التغير فيتحد بالمبتدأ لفظا كقول الشاعر خليلي خليلي دون ريب وربما ألان أمرؤ قولا فظن خليلا وقد يفعل مثل هذا بجواب الشرط كقولك من قصدني فقد قصدني أي فقد قصد من عرف بانجاح قاصده وقال غيره إذا اتحد لفظ المبتدأ والخبر والشرط والجزاء علم منهما المبالغة إما في التعظيم وإما في التحقير قوله إلى دنيا بضم الدال وحكى بن قتيبة كسرها وهي فعلى من الدنو أي القرب سميت بذلك لسبقها للأخرى وقيل سميت دنيا لدنوها إلى الزوال واختلف في حقيقتها فقيل ما على الأرض من الهواء والجو وقيل كل المخلوقات من الجواهر والاعراض والأول أولى لكن يزاد فيه مما قبل قيام الساعة ويطلق على كل جزء منها مجازا ثم إن لفظها مقصور غير منون وحكى تنوينها وعزاه بن دحية إلى رواية أبي الهيثم الكشميهني وضعفها وحكى عن بن مغور أن أبا ذر الهروي في آخر أمره كان يحذف كثيرا من رواية أبي الهيثم حيث ينفرد لأنه لم يكن من أهل العلم قلت وهذا ليس على إطلاقه فإن في رواية أبي الهيثم مواضع كثيرة أصوب من رواية غيره كما سيأتي مبينا في مواضعه وقال التيمي في شرحه قوله دنيا هو تأنيث الأدنى ليس بمصروف لاجتماع الوصفية ولزوم حرف التأنيب وتعقب بأن لزوم التأنيث للألف المقصورة كاف في عدم الصرف وأما الوصفيه فقال ابن مالك استعمال دنيا منكرا فيه إشكال لأنها أفعل التفضيل فكان من حقها أن تستعمل باللام كالكبرى والحسنى قال إلا أنها خلعت(3/36)
عنها الوصفية وأجريت مجرى ما لم يكن وصفا قط ومثله قول الشاعر إن دعوت إلى جلى ومكرمة يوما سراة كرام الناس فادعينا وقال الكرماني قوله إلى يتعلق بالهجرة إن كان لفظ كانت تامة أو هو خبر لكانت إن كانت ناقصة ثم أورد ما محصله أن لفظ كان إن كان للآمر الماضي فلا يعلم ما الحكم بعد صدور هذا القول في ذلك وأجاب بأنه يجوز أن يراد بلفظ كان الوجود من غير تقييد بزمان أو يقاس المستقبل على الماضي أو من جهة أن حكم المكلفين سواء قوله يصيبها أي يحصلها لأن تحصيلها كاصابة الغرض بالسهم بجامع حصول المقصود قوله أو امرأة قيل التنصيص عليها من الخاص بعد العام للاهتمام به وتعقبه النووي بأن لفظ دنيا نكرة وهي لا تعم في الاثبات فلا يلزم دخول المرأة فيها وتعقب بكونها في سياق الشرط فتعم ونكتة الاهتمام الزيادة في التحذير لأن الافتتان بها أشد وقد تقدم النقل عمن حكى أن سبب هذا الحديث قصة مهاجر أم قيس ولم تقف على تسميته ونقل بن دحية أن اسمها قيلة بقاف مفتوحه ثم تحتانية ساكنه وحكى بن بطال عن بن سراج أن السبب في تخصيص المرأة بالذكر أن العرب كانوا لا يزوجون المولى العربية ويراعون الكفاءة في النسب فلما جاء الإسلام سوى بين المسلمين في مناكحتهم فهاجر كثير من الناس إلى المدينة ليتزوج بها من كان لا يصل إليها قبل ذلك انتهى ويحتاج إلى نقل ثابت أن هذا المهاجر كان مولى وكانت المرأة عربيه وليس ما نفاه عن العرب على إطلاقه بل قد زوج خلق كثير منهم جماعة من مواليهم وحلفائهم قبل الإسلام وإطلاقه أن الإسلام أبطل الكفاءة في مقام المنع قوله فهجرته إلى ما هاجر اليه يحتمل أن يكون ذكره بالضمير ليتناول ما ذكر من المرأة وغيرها وإنما ابرز الضمير في الجملة التي قبلها وهي المحذوفة لقصد الالتذاذ بذكر الله ورسوله وعظم شأنهما بخلاف الدنيا والمرأة فإن السياق يشعر بالحث على الإعراض عنهما وقال الكرماني يحتمل أن يكون قوله إلى ما هاجر إليه متعلقا(3/37)
بالهجرة فيكون الخبر محذوفا والتقدير قبيحة أو غير صحيحة مثلا ويحتمل أن يكون خبر فهجرته والجملة خبر المبتدأ الذي هو من كانت انتهى وهذا الثاني هو الراجح لأن الأول يقتضى أن تلك الهجرة مذمومة مطلقا وليس كذلك إلا أن حمل على تقدير شيء يقتضى التردد أو القصور عن الهجرة الخالصه كمن نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوج المرأة معا فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة وإنما أشعر السياق بذم من فعل ذلك بالنسبة إلى من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصه فأما من طلبها مضمومة إلى الهجرة فإنه يثاب على قصد الهجرة لكن دون ثواب من أخلص وكذا من طلب التزويج فقط لا على صورة الهجرة إلى الله لأنه من الأمر المباح الذي قد يثاب فاعله إذا قصد به القربة كالاعفاف ومن أمثلة ذلك ما وقع في قصة إسلام أبي طلحة فيما رواه النسائي عن أنس قال تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت إني قد أسلمت فإن أسلمت تزوجتك فأسلم فتزوجته وهو محمول على أنه رغب في الإسلام ودخله من وجهة وضم إلى ذلك إرادة التزويج المباح فصار كمن نوى بصومه العبادة والحمية أو بطوافه العبادة وملازمة الغريم واختار الغزالي فيما يتعلق بالثواب أنه إن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر أو الديني أجر بقدره وإن تساويا فتردد القصد بين الشيئين فلا أجر وأما إذا نوى العبادة وخالطها شيء مما يغاير الإخلاص فقد نقل أبو جعفر بن جرير الطبري عن جمهور السلف أن الاعتبار بالابتداء فإن كان ابتداؤه لله خالصا لم يضره ما عرض له بعد ذلك من إعجاب وغيره والله أعلم واستدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز الإقدام على العمل قبل معرفة الحكم لأن فيه أن العمل يكون منتفيا إذا خلا عن النية ولا يصح نية فعل الشيء إلا بعد معرفة حكمه وعلى أن الغافل لا تكليف عليه لأن القصد يستلزم العلم بالمقصود والغافل غير(3/38)
قاصد وعلى أن من صام تطوعا بنية قبل الزوال أن لا يحسب له إلا من وقت النية وهو مقتضى الحديث لكن تمسك من قال بانعطافها بدليل آخر ونظيره حديث من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها أي أدرك فضيلة الجماعة أو الوقت وذلك بالانعطاف الذي اقتضاه فضل الله تعالى وعلى أن الواحد الثقة إذا كان في مجلس جماعة ثم ذكر عن ذلك المجلس شيئا لا يمكن غفلتهم عنه ولم يذكره غيره أن ذلك لا يقدح في صدقه خلافا لمن أعل بذلك لأن علقمة ذكر أن عمر خطب به على المنبر ثم لم يصح من جهة أحد عنه غير علقمة واستدل بمفهومه على أن ما ليس بعمل لاتشترط النية فيه ومن أمثلة ذلك جمع التقديم فإن الراجح من حيث النظر أنه لا يشترط له نية بخلاف ما رجحه كثير من الشافعية وخالفهم شيخنا شيخ الإسلام وقال الجمع ليس بعمل وإنما العمل الصلاة ويقوى ذلك أنه عليه الصلاة والسلام جمع في غزوة تبوك ولم يذكر ذلك للمأمومين الذين معه ولو كان شرطا لأعلمهم به واستدل به على أن العمل إذا كان مضافا إلى سبب ويجمع متعدده جنس أن نية الجنس تكفى كمن أعتق عن كفارة ولم يعين كونها عن ظهار أو غيره لأن معنى الحديث أن الأعمال بنياتها والعمل هنا القيام بالذي يخرج عن الكفارة اللازمة وهو غير محوج إلى تعيين سبب وعلى هذا لو كانت عليه كفارة وشك في سببها أجزأه إخراجها بغير تعيين وفيه زيادة(3/39)
-*قوله باب ما جاء أي باب بيان ما ورد دالا على أن الأعمال الشرعية معتبرة بالنية والحسبة والمراد بالحسبة طلب الثواب ولم يأت بحديث لفظه الأعمال بالنية والحسبة وإنما استدل بحديث عمر على أن الأعمال بالنية وبحديث أبي مسعود على أن الأعمال بالحسبة وقوله ولكل أمرىء ما نوى هو بعض حديث الأعمال بالنية وإنما أدخل قوله والحسبة بين الجملتين للإشارة إلى أن الثانية تفيد مالا تفيد الأولى قوله فدخل فيه هو من مقول المصنف وليس بقية مما ورد وقد أفصح بن عساكر في روايته بذلك فقال قال أبو عبد الله يعني المصنف والضمير في فيه يعود على الكلام المتقدم وتوجيه دخول النية في الإيمان على طريقة المصنف أن الإيمان عمل كما تقدم شرحه وأما الإيمان بمعنى التصديق فلا يحتاج إلى نية كسائر أعمال القلوب من خشية الله وعظمته ومحبته والتقرب إليه لأنها متميزة لله تعالى فلا تحتاج لنية تميزها لأن النية إنما تميز العمل لله عن العمل لغيره رياء وتميز مراتب الأعمال كالفرض عن الندب وتميز العبادة عن العادة كالصوم عن الحمية قوله والوضوء أشار به إلى خلاف من لم يشترط في النية كما نقل عن الأوزاعي وأبي حنيفة وغيرهما وحجتهم أنه ليس عبادة مستقله بل وسيله إلى عبادة كالصلاة ونوقضوا بالتيممم فإنه وسيلة وقد اشترط الحنفية فيه النية واستدل الجمهور على اشتراط النية في الوضوء بالأدلة الصحيحة المصرحة بوعد الثواب عليه فلا بد من قصد يميزه عن غيره ليحصل الثواب الموعود وأما الصلاة فلم يختلف في اشتراط النية فيها وأما الزكاة فإنما تسقط بأخذ السلطان ولو لم ينو صاحب المال لأن السلطان قائم مقامه وأما الحج فإنما ينصرف إلى فرض من حج عن غيره لدليل خاص وهو حديث بن عباس في قصة شبرمة وأما الصوم فأشار به إلى خلاف من زعم أن صيام رمضان لا يحتاج الى نية لأنه متميز بنفسه كما نقل عن زفر وقدم المصنف الحج علىالصوم تمسكا مما ورد عنده في حديث بني الإسلام وقد تقدم قوله(3/40)
والاحكام أي المعاملات التي يدخل فيها الاحتياج إلى المحاكمات فيشمل البيوع والانكحة والاقارير وغيرها وكل صورة لم يشترط فيها النية فذاك لدليل خاص وقد ذكر بن المنير ضابطا لما يشترط فيه النية مما لا يشترط فقال كل عمل لا تظهر له فائدة عاجلة بل المقصود به طلب الثواب فالنية مشترطة فيه وكل عمل ظهرت فائدته ناجزة وتعاطته الطبيعة قبل الشريعة لملائمة بينهما فلا تشترط النية فيه إلا لمن قصد بفعله معنى آخر يترتب عليه الثواب قال وإنما اختلف العلماء في بعض الصور من جهة تحقيق مناط التفرقة قال وأما ما كان من المعاني المحضة كالخوف والرجاء فهذا لا يقال باشتراط النية فيه لأنه لا يمكن أن يقع الا منويا ومتى فرضت النية مفقودة فيه استحالت حقيقته فالنية فيه شرط عقلى ولذلك لاتشترط النية للنية فرارا من التسلسل وأما الأقوال فتحتاج إلى النية في ثلاثة مواطن أحدها التقرب إلى الله فرارا من الرياء والثاني التمييز بين الألفاظ المحتملة لغير المقصود والثالث قصد الإنشاء ليخرج سبق اللسان قوله وقال الله قال الكرماني الظاهر أنها جملة حالية لا عطف أي والحال أن الله قال ويحتمل أن تكون للمصاحبة أي مع أن الله قال قوله على نيته تفسير منه لقوله على شاكلته بحذف أداة التفسير وتفسير الشاكلة بالنية صح عن الحسن البصري ومعاوية بن قرة المزني وقتادة أخرجه عبد بن حميد والطبري عنهم وعن مجاهد قال الشاكلة الطريقة أو الناحية وهذا قول الأكثر وقيل الدين وكلها متقاربة قوله ولكن جهاد ونية هو طرف من حديث لابن عباس أوله لا هجرة بعد الفتح وقد وصله المؤلف في الجهاد وغيره من طريق طاوس عنه وسيأتي
+(3/41)
قوله باب من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فله ما نوى ذكر فيه حديث عمر بلفظ العمل بالنية وإنما لامرئ ما نوى وقد تقدم شرحه مستوفى في أول الكتاب وما ترجم به من الهجرة منصوص في الحديث ومن عمل الخير مستنبط لأن الهجرة من جملة أعمال الخير فكما عمم في الخير في شق المطلوب وتممه بلفظ فهجرته إلى ما هاجر إليه فكذلك شق الطلب يشمل أعمال الخير هجرة أو حجا مثلا أو صلاة أو صدقة وقصة مهاجر أم قيس أوردها الطبراني مسندة والاجري في كتاب الشريعة بغير إسناد ويدخل في قوله أو عمل خيرا ما وقع من أم سليم في امتناعها من التزويج بأبي طلحة حتى يسلم وهو في الحديث الذي أخرجه النسائي بسند صحيح عن أنس قال خطب أبو طلحة أم سليم فقالت والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن اتزوجك فإن تسلم فذاك مهري فأسلم فكان ذلك مهرها الحديث ووجه دخوله أن أم سليم رغبت في تزويج أبي طلحة ومنعها من ذلك كفره فتوصلت إلى بلوغ غرضها ببذل نفسها فظفرت بالخيرين وقد استكشله بعضهم بان تحريم المسلمات على الكفار إنما وقع في زمن الحديبية وهو بعد قصة تزوج أبي طلحة بأم سليم بمدة ويمكن الجواب بأن ابتداء تزوج الكافر بالمسلمة كان سابقا على الآية والذي دلت عليه الآية الاستمرار فلذلك وقع التفريق بعد أن لم يكن و لا يحفظ بعد الهجرة أن مسلمة ابتدأت بتزوج كافر والله أعلم.
الحديث عند مسلم
+ حدثنا عبدالله بن مسلمة بن قعنب. حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر ابن الخطاب. قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنية. وإنما لامرئ ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو أمرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه).
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله(3/42)
باب قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنية" وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقّاصٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّمَا الأَعْمَالُ بِالنّيّةِ. وَإِنّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَىَ. فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَىَ اللّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ. وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَىَ مَا هَاجَرَ إلَيْهِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِر. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ (يَعْنِي الثّقَفِيّ). ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، سُلَيْمَانُ بْنُ حَيّانَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ) وَ يزَيدُ بْنُ هَارُونَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمَدَانِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كُلّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بإِسْنَادِ مَالِكٍ وَمَعْنَىَ حَدِيثِهِ.
وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يُخْبِرُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.(3/43)
قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية" الحديث. أجمع المسلمون على عظم موقع هذا الحديث وكثرة فوائده وصحته، قال الشافعي وآخرون: هو ثلث الإسلام، وقال الشافعي: يدخل في سبعين باباً من الفقه، وقال آخرون: هو ربع الإسلام، وقال عبد الرحمن بن مهدي وغيره: ينبغي لمن صنف كتاباً أن يبدأ فيه بهذا الحديث تنبيهاً للطالب على تصحيح النية، ونقل الخطابي هذا عن الأئمة مطلقاً وقد فعل ذلك البخاري وغيره فابتدؤوا به قبل كل شيء، وذكره البخاري في سبعة مواضع من كتابه، قال الحفاظ: ولم يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من رواية عمر بن الخطاب، ولا عن عمر إلا من رواية علقمة بن وقاص، ولا عن علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم التيمي، ولا عن محمد إلا من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري وعن يحيى انتشر فرواه عنه أكثر من مائتي إنسان أكثرهم أئمة، ولهذا قال الأئمة: ليس هو متواثراً وإن كان مشهوراً عند الخاصة والعامة لأنه فقد شرط التواثر في أوله وفيه طرفة من طرف الإسناد فإنه رواه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض يحيى ومحمد وعلقمة، قال جماهير العلماء من أهل العربية والأصول وغيرهم: لفظة إنما موضوعة للحصر تثبت المذكور وتنفي ما سواه، فتقدير هذا الحديث أن الأعمال تحسب بنية ولا تحسب إذا كانت بلا نية، وفيه دليل على أن الطهارة وهي الوضوء والغسل والتيمم لا تصح إلا بالنية، وكذلك الصلاة والزكاة والصوم والحج والاعتكاف وسائر العبادات. وأما إزالة النجاسة فالمشهور عندنا أنها لا تفتقر إلى نية لأنها من باب التروك والترك لا يحتاج إلى نية وقد نقلوا الإجماع فيها وشذ بعض أصحابنا فأوجبها وهو باطل، وتدخل النية في الطلاق والعتاق والقذف، ومعنى دخولها أنها إذا قارنت كناية صارت كالصريح ، وإن أتى بصريح طلاق ونوى طلقتين أو ثلاثاً وقع ما نوى ، وإن نوى بصريح غير مقتضاه دين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يقبل منه في الظاهر. قوله صلى الله(3/44)
عليه وسلم: " وإنما لامرئ ما نوى " قالوا: فائدة ذكره بعد (إنما الأعمال بالنية) بيان أن تعيين المنوي شرط فلو كان على إنسان صلاة مقضية لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة بل يشترط أن ينوي كونها ظهراً أو غيرها، ولولا اللفظ الثاني لاقتضى الأول صحة النية بلا تعيين أو أوهم ذلك. قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن كان هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" معناه من قصد بهجرته وجه الله وقع أجره على الله، ومن قصد بها دنيا أو امرأة فهي حظه ولا نصيب له في الاَخرة بسبب هذه الهجرة، وأصل الهجرة الترك والمراد هنا ترك الوطن، وذكر المرأة مع الدنيا يحتمل وجهين: أحدهما: أنه جاء أن سبب هذا الحديث أن رجلاً هاجر ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فقيل له مهاجر أم قيس، والثاني: أنه للتنبيه على زيادة التحذير من ذلك وهو من باب ذكر الخاص بعد العام تنبيهاً على مزيته والله أعلم.
الحديث في بعض كتب السنة المطهرة
1-حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، قال: حدثني يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقَّاص الليثيّ قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إنّما الأعمال بالنِّيَّات، وإنّما لامرىءٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللّه ورسوله فهجرته إلى اللّه ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه.
... ... ... ... ... ... ... ... ... أبو داود
2-حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا يزيد بن هارون. ح وحدثنا محمد بن رمح. أنبأنا الليث بن سعد؛ قالا: أنبأنا يحيى بن سعيد بن إبراهيم التيمي أخبره؛ أنه سمع علقمة بن وقاص؛ أنه سمع عمر بن الخطاب، وهو يخطب الناس، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(3/45)
((إنما الأعمال بالنيات. ولكل امري ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله. ومن كانت هجرته لدينا يصيبها، أو امرأة يتروجثها، فخجرته إلى ما هاجر إليه
... ... ... ... ... ... ... ... ... ابن ماجه
3-حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) .
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وقد روى مالك بن أنس وسفيان الثوري وغير واحد من الأئمة هذا عن يحيى بن سعيد ولا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سعيد.
الترمذي
4-أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي عن حماد والحرث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم حدثني مالك ح وأخبرنا سليمان بن منصور قال أنبأنا عبد الله بن المبارك واللفظ له عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه
-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله والى رسوله فهجرته إلى الله والى رسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه
5-إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا سليم بن حيان قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر ابن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
-إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ مانوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ماهاجر إليه.
... ... ... ... ... ... ... ... ... النسائي(3/46)
6-أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا القعنبي عن مالك ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا عبد الله بن مسلمة ثنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه
... ... ... ... ... ... ... ... ... البيهقي
7-أخبرنا أبو حامد أحمد بن أبي العباس الزوزني ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ثنا عبد الله بن روح المدائني ومحمد بن رمح البزاز قالا ثنا يزيد بن هارون أنبأ يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص يقول سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنية وإنما لامرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه
... ... ... ... ... ... ... ... ... الدارقطني
8-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سفيان عن يحيى عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
-انما الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله عز وجل فهجرته إلى ما هاجر إليه ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر اليه.
... ... ... ... ... ... ... ... احمد(3/47)
9- أخبرنا علي بن محمد القباني حدثنا عبد الله بن هاشم الطوسي حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه .
... ... ... ... ... ... ... ... ابن حبان
الياقوتة 6
باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى. وبيان الدليل على التبري ممن لا يؤمن بالقدر، وإغلاظ القول في حقه.
قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله: بعون الله نبتدئ. وإياه نستكفي. وما توفيقنا إلا بالله جل جلاله.
-حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب. حدثنا وكيع، عن كهمس، عن عبدالله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر. ح وحدثنا عبيدالله بن معاذ العنبري. وهذا حديثه: حدثنا أبي. حدثنا كهمس، عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر؛ قال:(3/48)
كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني. فانطلقت أنا وحميد بن عبدالرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر. فوفق لنا عبدالله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد. فاكتنفته أنا وصاحبي. أحدنا عن يمينه والأخر عن شماله. فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي. فقلت: أبا عبدالرحمن! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم. وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر. وأن الأمر أنف. قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني. والذي يحلف به عبدالله بن عمر! لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر. ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب. شديد سواد الشعر. لا يرى عليه أثر السفر. ولا يعرفه منا أحد. حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فاسند ركبتيه إلى ركبتيه. ووضع كفيه على فخذيه. وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقيم الصلاة. وتؤتي الزكاة. وتصوم رمضان. وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلا" قال: صدقت. قال فعجبنا له. يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر. وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: "أن تعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه، فإنه يراك". قال: فأخبرني عن الساعة. قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" قال: فأخبرني عن أمارتها. قال: "أن تلد الأمة ربتها. وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان". قال ثم انطلق. فلبثت مليا. ثم قال لي: "يا عمر! أتدري من السائل؟" قلت: الله ورسوله(3/49)
أعلم. قال: "فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم".
... ... ... ... ... ... أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله
حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب ، ثنا وكيع عن كهمس عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر ح وثنا وعبيد الله بن معاذ العنبري وهذا حديثه: ثنا أبي ثنا كهمس عن ابن بريدة عن يحيى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني إلى آخر الحديث ) اعلم أن مسلما رحمه الله سلك في هذا الكتاب طريقة في الإتقان والاحتياط والتدقيق والتحقيق ، مع الاختصار البليغ والإيجاز التام في نهاية من الحسن ، مصرحة بغزارة علومه ودقة نظره وحذقه ، وذلك يظهر في الإسناد تارة، وفي المتن تارة، وفيهما تارة، فينبغي للناظر في كتابه أن يتنبه لما ذكرته، فإنه يجد عجائب من النفائس والدقائق تقر بآحاد أفرادها عينه، وينشرح لها صدره، وتنشطه للاشتغال بهذا العلم. واعلم أنه لا يعرف أحد شارك مسلما في هذه النفائس التي يشير إليها من دقائق علم الإسناد . وكتاب البخاري وإن كان أصح وأجل وأكثر فوائد في الأحكام والمعاني ، فكتاب مسلم يمتاز بزوائد من صنعة الإسناد، وسترى مما أنبه عليه من ذلك ما ينشرح له صدرك ، ويزداد به الكتاب ومصنفه في قلبك جلالة إن شاء الله تعالى، فإذا تقرر ما قلته ففي هذه الأحرف التي ذكرها من الإسناد أنواع مما ذكرته، فمن ذلك أنه قال أولاً: حدثني أبو خيثمة، ثم قال في الطريق الاَخر: وحدثنا عبيد الله بن معاذ، ففرق بين حدثني وحدثنا، وهذا تنبيه على القاعدة المعروفة عند أهل الصنعة، وهي أنه يقول فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ حدثني، وفيما سمعه مع غيره من لفظ الشيخ حدثنا ، وفيما قرأه وحده على الشيخ أخبرني، وفيما قرئ بحضرته في جماعة على الشيخ أخبرنا، وهذا اصطلاح معروف عندهم، وهو مستحب عندهم ، ولو تركه وأبدل حرفا من ذلك بآخر صح السماع ولكن ترك الأولى والله أعلم . ومن ذلك أنه قال(3/50)
في الطريق الأول: حدثنا وكيع عن كهمس عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر. ثم في الطريق الثاني أعاد الرواية عن كهمس عن ابن بريدة عن يحيى، فقد يقال: هذا تطويل لا يليق بإتقان مسلم واختصاره، فكان ينبغي أن يقف بالطريق الأول على وكيع، ويجتمع معاذ ووكيع في الرواية عن كهمس عن ابن بريدة، وهذا الاعتراض فاسد لا يصدر إلا من شديد الجهالة بهذا الفن، فإن مسلما رحمه الله يسلك الاختصار ، لكن بحيث لا يحصل خلل ولا يفوت به مقصود، وهذا الموضع يحصل في الاختصار فيه خلل ، ويفوت به مقصود، وذلك لأن وكيعا قال عن كهمس، ومعاذ قال حدثنا كهمس، وقد علم بما قدمناه في باب المعنعن أن العلماء اختلفوا في الاحتجاج بالمعنعن ولم يختلفوا في المتصل بحدثنا ، فأتى مسلم بالروايتين كما سمعتا، ليعرف المتفق عليه من المختلف فيه، وليكون راويا باللفظ الذي سمعه ، ولهذا نظائر في مسلم ستراها مع التنبيه عليها إن شاء الله تعالى. وإن كان مثل هذا ظاهرا لمن له أدنى اعتناء بهذا الفن، إلا أني عليه لغيرهم ولبعضهم ممن قد يغفل ولكلهم من جهة أخرى، وهو أنه يسقط عنهم النظر وتحرير عبارة عن المقصود، وهنا مقصود آخر، وهو أن في رواية وكيع قال: عن عبد الله بن بريدة، وفي رواية معاذ قال: عن ابن بريدة، فلو أتى بأحد اللفظين حصل خلل، فإنه إن قال: ابن بريدة لم ندر ما اسمه؟ وهل هو عبد الله هذا أو أخوه سليمان بن بريدة؟ وإن قال: عبد الله بن بريدة كان كاذبا على معاذ فإنه ليس في روايته عبد الله والله أعلم . وأما قوله في الرواية الأولى عن يحيى بن يعمر فلا يظهر لذكره أولاً فائدة ، وعادة مسلم وغيره في مثل هذا أن لا يذكروا يحيى بن يعمر، لأن الطريقين اجتمعتا في ابن بريدة ، ولفظهما عنه بصيغة واحدة ، إلا أني رأيت في بعض النسخ في الطريق الأولى عن يحيى فحسب وليس فيها ابن يعمر، فإن صح هذا فهو مزيل للإنكار الذي ذكرناه فإنه يكون فيه فائدة كما قررناه في ابن بريدة(3/51)
والله أعلم. ومن ذلك قوله: وحدثنا عبيد الله بن معاذ وهذا حديثه فهذه عادة لمسلم رحمه الله قد أكثر منها، وقد استعملها غيره قليلاً، وهي مصرحة بما ذكرته من تحقيقه وورعه واحتياطه ومقصوده أن الراويين اتفقا في المعنى واختلفا في بعض الألفاظ، وهذا لفظ فلان والاَخر بمعناه والله أعلم.
+ واعلم أن مذهب أهل الحق إثبات القدر، ومعناه أن الله تبارك وتعالى قدر الأشياء في القدم، وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وتعالى، وأنكرت القدرية هذا وزعمت أنه سبحانه وتعالى لم يقدرها ولم يتقدم علمه سبحانه وتعالى بها، وأنها مستأنفة العلم، أي إنما يعلمها سبحانه بعد وقوعها، وكذبوا على الله سبحانه وتعالى وجل عن أقوالهم الباطلة علوا كبيرا، وسميت هذه الفرقة قدرية لإنكارهم القدر. قال أصحاب المقالات من المتكلمين: وقد انقرضت القدرية القائلون بهذا القول الشنيع الباطل، ولم يبق أحد من أهل القبلة عليه، وصارت القدرية في الأزمان المتأخرة تعتقد إثبات القدر، ولكن يقولون: الخير من الله والشر من غيره تعالى الله عن قولهم. وقد حكى أبو محمد بن قتيبة في كتابه غريب الحديث، وأبو المعالي إمام الحرمين في كتابه الإرشاد في أصول الدين أن بعض القدرية قال: لسنا بقدرية بل أنتم القدرية لاعتقادكم إثبات القدر، قال ابن قتيبة والإمام: هذا تمويه من هؤلاء الجهلة ومباهتة وتواقح، فإن أهل الحق يفوضون أمورهم إلى الله سبحانه وتعالى، ويضيفون القدر والأفعال إلى الله سبحانه وتعالى، وهؤلاء الجهلة يضيفونه إلى أنفسهم، ومدعي الشيء لنفسه ومضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن يعتقده لغيره وينفيه عن نفسه. قال الإمام: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القدرية مجوس هذه الأمة" شبههم بهم لتقسيهم الخير والشر في حكم الإرادة كما قسمت المجوس ، فصرفت الخير إلى يزدان، والشر إلى أهرمن، ولا خفاء(3/52)
باختصاص هذا الحديث بالقدرية، هذا كلام الإمام وابن قتيبة. وحديث: "القدرية مجوس هذه الأمة". رواه أبو حازم عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه أبو داود في سننه، والحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين وقال: صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر. قال الخطابي: إنما جعلهم صلى الله عليه وسلم مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين النور والظلمة، يزعمون أن الخير من فعل النور، والشر من فعل الظلمة، فصاروا ثنوية، وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله تعالى والشر إلى غيره، والله سبحانه وتعالى خالق الخير والشر جميعا، لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته، فهما مضافان إليه سبحانه وتعالى خلقا وإيجادا، وإلى الفاعلين لهما من عباده فعلاً واكتسابا والله أعلم.
قال الخطابي: وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله سبحانه وتعالى العبد وقهره على ما قدره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمونه، وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله سبحانه وتعالى بما يكون من اكتساب العبد وصدورها عن تقدير منه وخلق لها خيرها وشرها، قال: والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر، يقال: قدرت الشيء وقدرته بالتخفيف والتثقيل بمعنى واحد، والقضاء في هذا معناه الخلق كقوله تعالى: {فقضاهن سبع سموات في يومين} أي خلقهن، قلت: وقد تظاهرت الأدلة القطعيات من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأهل الحل والعقد من السلف والخلف على إثبات قدر الله سبحانه وتعالى، وقد أكثر العلماء من التصنيف فيه، ومن أحسن المصنفات فيه وأكثرها فوائد كتاب الحافظ الفقيه أبي بكر البيهقي رضي الله عنه، وقد قرر أئمتنا من المتكلمين ذلك أحسن تقرير بدلائلهم القطعية السمعية والعقلية والله أعلم.(3/53)
قوله: (فوفق لنا عبد الله بن عمر) هو بضم الواو وكسر الفاء المشددة، قال صاحب التحرير: معناه جعل وفقا لنا، وهو من الموافقة التي هي كالالتحام، يقال: أتانا لتيفاق الهلال وميفاقه أي حين أهل لا قبله ولا بعده، وهي لفظة تدل على صدق الاجتماع والالتئام، وفي مسند أبي يعلى الموصلي: فوافق لنا بزيادة ألف والموافقة المصادفة. قوله: (فاكتنفته أنا وصاحبي) يعني صرنا في ناحيتيه، ثم فسره فقال: أحدنا عن يمينه، والاَخر عن شماله، وكنفا الطائر جناحاه، وفي هذا تنبيه على أدب الجماعة في مشيهم مع فاضلهم وهو أنهم يكتنفونه ويحفون به. قوله: (فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي) معناه يسكت ويفوضه إلي لإقدامي وجرأتي وبسط لساني، فقد جاء عنه في رواية: لأني كنت أبسط لسانا . قوله : (ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم) هو بتقديم القاف على الفاء، ومعناه يطلبونه ويتتبعونه، هذا هو المشهور، وقيل معناه يجمعونه ورواه بعض شيوخ المغاربة من طريق ابن ماهان يتفقرون بتقديم الفاء وهو صحيح أيضا ، معناه يبحثون عن غامضة ويستخرجون خفيه . وروي في غير مسلم يتقفون بتقديم القاف وحذف الراء وهو صحيح أيضا ومعناه أيضا يتتبعون. قال القاضي عياض: ورأيت بعضهم قال فيه: يتقعرون بالعين وفسره بأنهم يطلبون قعره أي غامضه وخفيه، ومنه تقعر في كلامه إذا جاء بالغريب منه، وفي رواية أبي يعلى الموصلي يتفقهون بزيادة الهاء وهو ظاهر. قوله : (وذكر من شأنهم) هذا الكلام من كلام بعض الرواة الذين دون يحيى بن يعمر، والظاهر أنه من ابن بريدة الراوي عن يحيى بن يعمر، يعني وذكر ابن يعمر من حال هؤلاء ووصفهم بالفضيلة في العلم والاجتهاد في تحصيله والاعتناء به. قوله: (يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف) هو بضم الهمزة والنون أي مستأنف ، لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه، كما قدمنا حكياته عن مذهبهم الباطل، وهذا القول قول غلاتهم وليس قول جميع(3/54)
القدرية، وكذب قائله وضل وافترى، عافانا الله وسائر المسلمين. قوله: (قال يعني ابن عمر رضي الله عنهما فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر: لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر) هذا الذي قاله ابن عمر رضي الله عنهما ظاهر في تكفيره القدرية. قال القاضي عياض رحمه الله: هذا في القدرية الأول الذين نفوا تقدم علم الله تعالى بالكائنات ، قال : والقائل بهذا كافر بلا خلاف، وهؤلاء الذين ينكرون القدر هم الفلاسفة في الحقيقة، قال غيره : ويجوز أنه لم يرد بهذا الكلام التكفير المخرج من الملة فيكون من قبيل كفران النعم، إلا أن قوله: ما قبله الله منه ظاهر في التفكير ، فإن إحباط الأعمال إنما يكون بالكفر، إلا أنه يجوز أن يقال في المسلم: لا يقبل عمله لمعصيته وإن كان صحيحا، كما أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة غير محوجة إلى القضاء عند جماهير العلماء بل بإجماع السلف وهي غيره مقبولة، فلا ثواب فيها على المختار عند أصحابنا والله أعلم . وقوله: فأنفقه يعني في سبيل الله تعالى أي طاعته كما جاء في رواية أخرى، قال نفطويه : سمي الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى. قوله: (لا يرى عليه أثر السفر) ضبطناه بالياء المثناة من تحت المضمومة، وكذلك ضبطناه في الجمع بين الصحيحين وغيره، وضبطه الحافظ أبو حازم العدوي هنا نرى بالنون المفتوحة، وكذا هو في مسند أبي يعلى الموصلي وكلاهما صحيح. قوله: (ووضع كفيه على فخذيه) معناه أن الرجل الداخل وضع كفيه على فخذي نفسه وجلس على هيئة المتعلم والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والإيمان أن تؤمن بالله إلى آخره) هذا قد تقدم بيانه وإيضاحه بما يغني عن إعادته. قوله: (فعجبنا له يسأله ويصدقه) سبب تعجبهم أن هذا خلاف عادة السائل الجاهل، إنما هذا كلام خبير بالمسؤول عنه، ولم(3/55)
يكن في ذلك الوقت من يعلم هذا غير النبي صلى الله عليه وسلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم، لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت، واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به، فقال صلى الله عليه وسلم: "اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان".(3/56)
فإن التتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد بإطلاع الله سبحانه وتعالى عليه، فلا يقدم العبد على تقصير في هذا الحال للإطلاع عليه، وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد، فينبغي أن يعمل بمقتضاه، فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة، ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في إتمام الخشوع والخضوع وغير ذلك، وقد ندب أهل الحقائق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من تلبسه بشيء من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم، فكيف بمن لا يزال الله تعالى مطلعا عليه في سره وعلانيته؟ قال القاضي عياض رحمه الله: وهذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقول الإيمان وأعمال الجوارح وإخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال، حتى أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه، قال: وعلى هذا الحديث وأقسامه الثلاثة ألفنا كتابنا الذي سميناه بالمقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان، إذ لا يشذ شيء من الواجبات والسنن والرغائب والمحظورات والمكروهات عن أقسامه الثلاثة والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) فيه أنه ينبغي للعالم والمفتي وغيرهما إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، وأن ذلك لا ينقصه، بل يستدل به على ورعه وتقواه ووفور علمه، وقد بسطت هذا بدلائله وشواهده وما يتعلق به في مقدمة شرح المهذب المشتملة على أنواع من الخير، لا بد لطالب العلم من معرفة مثلها وإدامة النظر فيه والله أعلم. قوله: (فأخبرني عن أماراتها) هو بفتح الهمزة، والأمارة والأمار بإثبات الهاء وحذفها هي العلامة. قوله صلى الله عليه وسلم: (أن تلد الأمة ربتها) وفي الرواية الأخرى: ربها على التذكير، وفي الأخرى: بعلها، وقال: يعني السراري، ومعنى ربها وربتها سيدها ومالكها وسيدتها ومالكتها، قال الأكثرون من العلماء: هو إخبار عن كثرة السراري وأولادهن، فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها، لأن مال الإنسان صائر(3/57)
إلى ولده، وقد يتصرف فيه في الحال تصرف المالكين، إما بتصريح أبيه له بالإذن، وإما بما يعلمه بقرينة الحال أو عرف الاستعمال، وقيل معناه: أن الإماء يلدن الملوك، فتكون أمه من جملة رعيته وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته، وهذا قول إبراهيم الحربي، وقيل معناه: أنه تفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد في آخر الزمان فيكثر تردادها في أيدي المشترين حتى يشتريها ابنها ولا يدري، ويحتمل على هذا القول أن لا يختص هذا بأمهات الأولاد فإنه متصور في غيرهن، فإن الأمة تلد ولدا حرا من غير سيدها بشبهة، أو ولدا رقيقا بنكاح أو زنا، ثم تباع الأمة في الصورتين بيعا صحيحا، وتدور في الأيدي حتى يشتريها ولدها، وهذا أكثر وأعم من تقدير في أمهات الأولاد. وقيل في معناه غير ما ذكرناه، ولكنها أقوال ضعيفة جدا أو فاسدة فتركتها، وأما بعلها فالصحيح في معناه أن البعل هو المالك أو السيد فيكون بمعنى ربها على ما ذكرناه. قال أهل اللغة: بعل الشيء ربه ومالكه. وقال ابن عباس رضي الله عنهما والمفسرون في قوله سبحانه وتعالى: {أتدعون بعلاً} أي ربا. وقيل: المراد بالبعل في الحديث الزوج، ومعناه نحو ما تقدم أنه يكثر بيع السراري حتى يتزوج الإنسان أمه وهو لا يدري، وهذا أيضا معنى صحيح، إلا أن الأول أظهر لأنه إذا أمكن حمل الروايتين في القضية الواحدة على معنى واحد كان أولى والله أعلم. واعلم أن هذا الحديث ليس فيه دليل على إباحة بيع أمهات الأولاد ولا منع بيعهن، وقد استدل إمامان من كبار العلماء به على ذلك، فاستدل أحدهما على الإباحة والاَخر على المنع وذلك عجب منهما وقد أنكر عليهما، فإنه ليس كل ما أخبر صلى الله عليه وسلم بكونه من علامات الساعة يكون محرما أو مذموما، فإن تطاول الرعاء في البنيان وفشو المال وكون خمسين امرأة لهن قيم واحد ليس بحرام بلا شك، وإنما هذه علامات والعلامة لا يشترط فيها شيء من ذلك، بل تكون بالخير والشر، والمباح والمحرم،(3/58)
والواجب وغيره والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان) أما العالة فهم الفقراء، والعائل الفقير، والعيلة الفقر، وعال الرجل يعيل عيلة أي افتقر، والرعاء بكسر الراء وبالمد ويقال فيهم رعاة بضم الراء وزيادة الهاء بلا مد، ومعناه أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان والله أعلم. قوله: (فلبث مليا) هكذا ضبطناه لبث آخره ثاء مثلثة من غير تاء، وفي كثير من الأصول المحققة لبثت بزيادة تاء المتكلم وكلاهما صحيح.(3/59)
وأما مليا بتشديد الياء فمعناه وقتا طويلاً، وفي رواية أبي داود والترمذي أنه قال ذلك بعد ثلاث، وفي شرح السنة للبغوي بعد ثالثة، وظاهر هذا أنه بعد ثلاث ليال، وفي ظاهر هذا مخالفة لقوله في حديث أبي هريرة بعد هذا: "ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ردوا علي الرجل، فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا جبريل" فيحتمل الجمع بينهما أن عمر رضي الله عنه لم يحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم في الحال، بل كان قد قام من المجلس فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين في الحال، وأخبر عمر رضي الله عنه بعد ثلاث إذ لم يكن حاضرا وقت إخبار الباقين والله أعلم. قوله: (صلى الله عليه وسلم: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) فيه أن الإيمان والإسلام والإحسان تسمى كلها دينا، واعلم أن هذا الحديث يجمع أنواعا من العلوم والمعارف والاَداب واللطائف، بل هو أصل الإسلام كما حكيناه عن القاضي عياض، وقد تقدم في ضمن الكلام فيه جمل من فوائده، ومما لم نذكر من فوائده أن فيه أنه ينبغي لمن حضر مجلس العالم إذا علم بأهل المجلس حاجة إلى مسألة لا يسألون عنها أن يسأل هو عنها ليحصل الجواب للجميع، وفيه أنه ينبغي للعالم أن يرفع بالسائل ويدنيه منه ليتمكن من سؤاله غير هائب ولا منقبض، وأنه ينبغي للسائل أن يرفق في سؤاله والله أعلم
وأخرجه البخاري من حديث أبي هريرة – وهو:
1-باب: سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة.
وبيان النبي صلى الله عليه وسلم له، ثم قال: (جاء جبريل عليه السلام يعلمكم دينكم). فجعل ذلك كله دينا، وما بين النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس من الإيمان وقوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} آل عمران: 85.
*حدثنا مسدد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا أبو حيان التيمي، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة قال:(3/60)
كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالعبث) . قال : ما الإسلام؟ قال : ( الإسلام: أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان). قال: ما الإحسان؟ قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). قال: متى الساعة؟ قال: ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا الله). ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان : 34 )ثم أدبر، فقال : (ردوه): فلم يروا شيئا ، فقال: (هذا جبريل، جاء يعلم الناس دينهم).
قال أبو عبد الله: جعل ذلك كله من الإيمان
2-باب: {إنه الله عنده علم الساعة}
- حدثني إسحاق، عن جرير، عن أبي حيان، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه:(3/61)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما بارزا للناس، إذ أتاه رجل يمشي، فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: (الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته ورسله ولقائه، وتؤمن بالبعث الآخر). قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: (الإسلام: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان). قال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: (الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت المرأة ربتها، فذاك من أشرطها، وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس، فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام})
. ثم انصرف الرجل، فقال: (ردوا علي). فأخذوا ليردوا فلم يروا شيئا، فقال: (هذا جبريل، جاء ليعلم الناس دينهم).
وقال ابن حجر قي شرحه ...(3/62)
***قوله باب سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام الخ تقدم أن المصنف يرى أن الإيمان والإسلام عبارة عن معنى واحد فلما كان ظاهر سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام وجوابه يقتضى تغايرهما وأن الإيمان تصديق بأمور مخصوصة والإسلام إظهار أعمال مخصوصة أراد أن يرد ذلك بالتأويل إلى طريقته قوله وبيان أي مع بيان أن الاعتقاد والعمل دين وقوله وما بين أي مع ما بين للوفد أن الإيمان هو الإسلام حيث فسره في قصتهم بما فسر به الإسلام هنا وقوله وقول الله أي مع مادلت عليه الآية أن الإسلام هو الدين ودل عليه خبر أبي سفيان أن الإيمان هو الدين فاقتضى ذلك أن الإسلام والإيمان أمر واحد هذا محصل كلامه وقد نقل أبو عوانة الاسفرايني في صحيحه عن المزني صاحب الشافعي الجزم بأنهما عبارة عن معنى واحد وأنه سمع ذلك منه وعن الإمام أحمد الجزم بتغايرهما ولكل من القولين أدلة متعارضة وقال الخطابي صنف في المسألة إمامان كبيران وأكثرا من الأدلة للقولين وتباينا في ذلك والحق أن بينهما عموما وخصوصا فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا انتهى كلامه ملخصا ومقتضاه أن الإسلام لا يطلق على الاعتقاد والعمل معا بخلاف الإيمان فإنه يطلق عليهما معا ويرد عليه قوله تعالى{ ورضيت لكم الإسلام دينا }فإن الإسلام هنا يتناول العمل والاعتقاد معا لأن العامل غير المعتقد ليس بذي دين مرضى وبهذا استدل المزني وأبو محمد البغوي فقال في الكلام على حديث جبريل هذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام هنا أسما لما ظهر من الأعمال والإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد وليس ذاك لأن الأعمال ليست من الإيمان ولا لأن التصديق ليس من الإسلام بل ذاك تفصيل لجملة كلها شيء واحد وجماعها الدين ولهذا قال صلى الله عليه وسلم أتاكم يعلمكم دينكم وقال سبحانه وتعالى {ورضيت لكم الإسلام دينا} وقال {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } ولا يكون الدين في محل الرضا والقبول الا بانضمام التصديق انتهى(3/63)
كلامه الذي يظهر من مجموع الأدلة أن لكل منهما حقيقة شرعية كما أن لكل منهما حقيقة لغوية لكن كل منهما مستلزم للآخر بمعنى التكميل له فكما أن العامل لا يكون مسلما كاملا إلا إذا اعتقد فكذلك المعتقد لا يكون مؤمنا كاملا إلا إذا عمل وحيث يطلق الإيمان في موضع الإسلام أو العكس أو يطلق أحدهما على إرادتهما معا فهو على سبيل المجاز ويتبين المراد بالسياق فإن وردا معا في مقام السؤال حملا على الحقيقة وإن لم يردا معا أو لم يكن في مقام سؤال أمكن الحمل على الحقيقة أو المجاز بحسب ما يظهر من القرائن وقد حكى ذلك الإسماعيلي عن أهل السنة والجماعة قالوا إنهما تختلف دلالتهما بالاقتران فإن أفرد أحدهما دخل الآخر فيه وعلى ذلك يحمل ما حكاه محمد بن نصر وتبعه بن عبد البر عن الأكثر أنهم سووا بينهما على ما في حديث عبد القيس وما حكاه اللالكائي وابن السمعاني عن أهل السنة أنهم فرقوا بينهما على ما في حديث جبريل والله الموفق قوله وعلم الساعة تفسير منه للمراد بقول جبريل في السؤال متى الساعة أي متى علم الساعة ولا بد من تقدير محذوف آخر أي متى علم وقت الساعة قوله وبيان النبي صلى الله عليه وسلم هو مجرور لأنه معطوف على علم المعطوف على سؤال المجرور بالإضافة فإن قيل لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم وقت الساعة فكيف قال وبيان النبي صلى الله عليه وسلم له فالجواب أن المراد بالبيان بيان أكثر المسئول عنه فأطلقه لأن حكم معظم الشيء حكم كله أو جعل الحكم في علم الساعة بأنه لا يعلمه الا الله بيانا له .(3/64)
- قوله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم هو البصري المعروف بابن علية قال أخبرنا أبو حيان التميمي وأورده المصنف في تفسير سورة لقمان من حديث جرير بن عبد الحميد عن أبي حيان المذكور ورواه مسلم من وجه آخر عن جرير أيضا عن عمارة بن القعقاع ورواه أبو داود والنسائي من حديث جرير أيضا عن أبي فروة ثلاثتهم عن أبي زرعة عن أبي هريرة زاد أبو فروة وعن أبي ذر أيضا وساق حديثه عنهما جميعا وفيه فوائد زوائد سنشير إليها إن شاء الله تعالى ولم أر هذا الحديث من رواية أبي هريرة الا عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير هذا عنه ولم يخرجه البخاري الا من طريق أبي حيان عنه وقد أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب وفي سياقه فوائد زوائد أيضا وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف فيه على بعض رواته فمشهوره رواية كهمس بسين مهملة قبلها ميم مفتوحة بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر بفتح الميم أوله ياء تحتانية مفتوحة عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رواه عن كهمس جماعة من الحفاظ وتابعه مطر الوراق عن عبد الله بن بريدة وتابعه سليمان التيمي عن يحيى بن يعمر وكذا رواه عثمان بن غياث عن عبد الله بن بريدة لكنه قال عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن معا عن بن عمر عن عمر زاد فيه حميدا وحميد له في الرواية المشهورة ذكر لا رواية وأخرج مسلم هذه الطرق ولم يسق منها الا متن الطريق الأولى وأحال الباقي عليها وبينها اختلاف كثير سنشير إلى بعضه فأما رواية مطر فأخرجها أبو عوانة في صحيحه وغيره وأما رواية سليمان التيمي فأخرجها بن خزيمة في صحيحه وغيره وأما رواية عثمان بن غياث فأخرجها أحمد في مسنده وقد خالفهم سليمان بن بريدة أخو عبد الله فرواه عن يحيى بن يعمر عن عبد الله بن عمر قال بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعله من مسند بن عمر لا من روايته عن أبيه أخرجه أحمد أيضا وكذا رواه أبو نعيم في الحلية من طريق عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر وكذا(3/65)
روى من طريق عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر أخرجه الطبراني وفي الباب عن أنس أخرجه البزار والبخاري في خلق أفعال العباد وإسناده حسن وعن جرير البجلي أخرجه أبو عوانة في صحيحه وفي إسناده خالد بن يزيد وهو العمري ولا يصلح للصحيح وعن بن عباس وأبي عامر الأشعري أخرجهما أحمد واسنادهما حسن وفي كل من هذه الطرق فوائده سنذكرها إن شاء الله تعالى في اثناء الكلام على حديث الباب وإنما جمعت طرقها هنا وعزوتها إلى مخرجيها لتسهيل الحوالة عليها فرارا من التكرار المباين لطريق الاختصار والله الموفق قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس أي ظاهرا لهم غير محتجب عنهم ولا ملتبس بغيره والبروز الظهور وقد وقع في رواية أبي فروة التي أشرنا إليها بيان ذلك فإن أوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو فطلبنا إليه أن يجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه قال فبينا له دكانا من طين كان يجلس عليه انتهى واستنبط منه القرطبي استحباب جلوس العالم بمكان يختص به ويكون مرتفعا إذا أحتاج لذلك لضرورة تعليم ونحوه قوله فأتاه رجل أي ملك في صورة رجل وفي التفسير للمصنف إذ أتاه رجل يمشي ولأبي فروة فإنا الجلوس عنده إذ أقبل رجل أحسن الناس وجها وأطيب الناس ريحا كأن ثيابه لم يمسها دنس ولمسلم من طريق كهمس في حديث عمر بينما نحن ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر وفي رواية بن حبان سواد اللحية لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخديه وفي رواية لسليمان التيمي ليس عليه سحناء السفر وليس من البلد فتخطى حتى برك بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كما يجلس أحدنا في الصلاة ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم وكذا في حديث بن عباس وأبي عامر الأشعري ثم(3/66)
وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم فأفادت هذه الرواية أن الضمير في قوله على فخذيه يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وبه جزم البغوي وإسماعيل التيمي لهذه الرواية ورجحه الطيبي بحثا لأنه نسق الكلام خلافا لما جزم به النووي ووافقه التوربشتى لأنه حمله على أنه جلس كهيئة المتعلم بين يدي من يتعلم منه وهذا وان كان ظاهرا من السياق لكن وضعه يديه على فخذ النبي صلى الله عليه وسلم منبه للاصغاء إليه وفيه إشارة لما ينبغي للمسئول من التواضع والصفح عما يبدو من جفاء السائل والظاهر أنه أراد بذلك المبالغة في تعمية أمره ليقوى الظن بأنه من جفاة الأعراب ولهذا تخطى الناس حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ولهذا استغرب الصحابة صنيعه ولأنه ليس من أهل البلد وجاء ماشيا ليس عليه أثر سفر فإن قيل كيف عرف عمر أنه لم يعرفه أحد منهم أجيب بأنه يحتمل أن يكون استند في ذلك إلى ظنه أو إلى صريح قول الحاضرين قلت وهذا الثاني أولي فقد جاء كذلك في رواية عثمان بن غياث فإن فيها فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا ما نعرف هذا وأفاد مسلم في رواية عمارة بن القعقاع سبب ورود هذا الحديث فعنده في أوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلوني فهابوا أن يسألوه قال فجاء رجل ووقع في رواية بن منده من طريق يزيد بن زريع عن كهمس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاءه رجل فكأن أمره لهم بسؤاله وقع في خطبته وظاهره أن مجيء الرجل كان في حال الخطبة فإما أن يكون وافق انقضاءها أو كان ذكر ذلك القدر جالسا وعبر عنه الراوي بالخطبة وقوله فقال زاد المصنف في التفسير يا رسول الله ما الإيمان فان قيل فكيف بدأ بالسؤال قبل السلام أجيب بأنه يحتمل أن يكون ذلك مبالغة في التعمية لأمره أو ليبين أن ذلك غير واجب أو سلم فلم ينقله الراوي قلت وهذا الثالث هو المعتمد فقد ثبت في رواية أبي فروة ففيها بعد قوله كأن ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف(3/67)
البساط فقال السلام عليك يا محمد فرد عليه السلام قال أدنو يا محمد قال ادن فما زال يقول أدنو مرارا ويقول له ادن ونحوه في رواية عطاء عن بن عمر لكن قال السلام عليك يا رسول الله وفي رواية مطر الوراق فقال يا رسول الله أدنو منك قال ادن ولم يذكر السلام فاختلفت الروايات هل قال له يا محمد أو يا رسول الله هل سلم أولا فأما السلام فمن ذكره مقدم على من سكت عنه وقال القرطبي بناء على أنه لم يسلم وقال يا محمد إنه أراد بذلك التعمية فصنع صنيع الأعراب قلت ويجمع بين الروايتين بأنه بدأ أولا بندائه باسمه لهذا المعنى ثم خاطبه بقوله يا رسول الله ووقع عند القرطبي أنه قال السلام عليكم يا محمد فاستنبط منه أنه يستحب للداخل أن يعمم بالسلام ثم يخصص من يريد تخصيصه انتهى والذي وقفت عليه من الروايات إنما فيه الأفراد وهو قوله السلام عليك يا محمد قوله ما الإيمان قيل قدم السؤال عن الإيمان لأنه الأصل وثنى بالإسلام لأنه يظهر مصداق الدعوى وثلث بالإحسان لأنه متعلق بهما وفي رواية عمارة بن القعقاع بدأ بالإسلام لأنه بالأمر الظاهر وثنى بالإيمان لأنه بالأمر الباطن ورجح هذا الطيبي لما فيه من الترقى ولا شك أن القصة واحدة اختلف الرواة في تأديتها وليس في السياق ترتيب ويدل عليه رواية مطر الوراق فإنه بدأ بالإسلام وثنى بالإحسان وثلث بالإيمان فالحق أن الواقع أمر واحد والتقديم والتأخير وقع من الرواة والله أعلم قوله قال الإيمان أن تؤمن بالله الخ دل الجواب أنه علم أنه سأله عن متعلقاته لا عن معنى لفظه وإلا لكان الجواب الإيمان التصديق وقال الطيبي هذا يوهم التكرار وليس كذلك فإن قوله أن تؤمن بالله مضمن معنى أن تعترف به ولهذا عداه بالباء أي أن تصدق معترفا بكذا قلت والتصديق أيضا يعدى بالباء فلا يحتاج إلى دعوى التضمين وقال الكرماني ليس هو تعريفا للشيء بنفسه بل المراد من المحدود الإيمان الشرعي ومن الحد الإيمان اللغوي قلت والذي يظهر أنه(3/68)
إنما أعاد لفظ الإيمان للاعتناء بشأنه تفخيما لأمره ومنه قوله تعالى{ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة }في جواب من{ يحيى العظام وهي رميم }يعني أن قوله أن تؤمن ينحل منه الإيمان فكأنه قال الإيمان الشرعي تصديق مخصوص و إلا لكان الجواب الإيمان التصديق والإيمان بالله هو التصديق بوجوده وأنه متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص قوله وملائكته الإيمان بالملائكة هو التصديق بوجودهم وأنهم كما وصفهم الله تعالى عباد مكرمون وقدم الملائكة على الكتب والرسل نظرا للترتيب الواقع لأنه سبحانه وتعالى أرسل الملك بالكتاب إلى الرسول وليس فيه متمسك لمن فضل الملك على الرسول قوله وكتبه هذه عند الأصيلي هنا واتفق الرواة على ذكرها في التفسير والإيمان بكتب الله التصديق بأنها كلام الله وأن ما تضمنته حق قوله وبلقائه كذا وقعت هنا بين الكتب والرسل وكذا لمسلم من الطريقين ولم تقع في بقية الروايات وقد قيل إنها مكررة لأنها داخلة في الإيمان بالبعث والحق أنها غير مكررة فقيل المراد بالبعث القيام من القبور والمراد باللقاء ما بعد ذلك وقيل اللقاء يحصل بالانتقال من دار الدنيا والبعث بعد ذلك ويدل على هذا رواية مطر الوراق فإن فيها وبالموت وبالبعث بعد الموت كذا في حديث أنس وابن عباس وقيل المراد باللقاء رؤية الله ذكره الخطابي وتعقبه النووي بأن أحدا لا يقطع لنفسه برؤية الله فأنه مختصة بمن مات مؤمنا والمرء لا يدري بم يختم له فكيف يكون ذلك من شروط الإيمان وأجيب بأن المراد الإيمان بأن ذلك حق في نفس الأمر وهذا من الأدلة القوية لأهل السنة في اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة إذ جعلت من قواعد الإيمان قوله ورسله وللأصيلي وبرسله ووقع في حديث أنس وابن عباس والملائكة والكتاب والنبيين وكل من السياقين في القرآن في البقرة والتعبير بالنبيين يشمل الرسل من غير عكس والإيمان بالرسل التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله ودل الإجمال في الملائكة(3/69)
والكتب والرسل على الاكتفاء بذلك في الإيمان بهم من غير تفصيل الا من ثبت تسميته فيجب الإيمان به على التعيين وهذا التريب مطابق للآية آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ومناسبة الترتيب المذكور وإن كانت الواو لا ترتب بل المراد من التقديم أن الخير والرحمة من الله ومن أعظم رحمته أن أنزل كتبه الى عباده والمتلقى لذلك منهم الأنبياء والواسطة بين الله وبينهم الملائكة قوله وتؤمن بالبعث زاد في التفسير الآخر ولمسلم في حديث عمرو اليوم الآخر فأما البعث الآخر فقيل ذكر الآخر تأكيدا كقولهم أمس الذاهب وقيل لأن البعث وقع مرتين الأولى الإخراج من العدم إلى الوجود أو من بطون الأمهات بعد النطفة والعلقة إلى الحياة الدنيا والثانية البعث من بطون القبور إلى محل الاستقرار وأما اليوم الآخر فقيل له ذلك لأنه آخر أيام الدنيا أو آخر الأزمنة المحدودة والمراد بالإيمان به والتصديق بما يقع فيه من الحساب والميزان والجنة والنار وقد وقع التصريح بذكر الأربعة بعد ذكر البعث في رواية سليمان التيمي وفي حديث بن عباس أيضا فائدة زاد الإسماعيلي في مستخرجه هنا وتؤمن بالقدر وهي في رواية أبي فروة أيضا وكذا لمسلم من رواية عمارة بن القعقاع وأكده بقوله كله وفي رواية كهمس وسليمان التيمي وتؤمن بالقدر خيره وشره وكذا في حديث بن عباس وهو في رواية عطاء عن بن عمر بزيادة وحلوه ومر من الله وكأن الحكمة في إعادة لفظ وتؤمن عند ذكر البعث الإشارة إلى أنه نوع آخر مما يؤمن به لأن البعث سيوجد بعد وما ذكر قبله موجود الآن وللتنويه بذكره لكثرة من كان ينكره من الكفار ولهذا كثر تكراره في القرآن وهكذا الحكمة في إعادة لفظ وتؤمن عند ذكر القدر كأنها أشارة الى ما يقع فيه من الاختلاف فحصل الاهتمام بشأنه بإعادة تؤمن ثم قرره بالابدال بقوله خيره وشره وحلوه ومره ثم زاده تأكيدا بقوله في الرواية الأخيرة من الله والقدر مصدر تقول قدرت الشيء بتخفيف الدال وفتحها أقدره(3/70)
بالكسر والفتح قدرا وقدرا إذا احطت بمقداره والمراد أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وازمانها قبل ايجادها ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وارادته هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة وقد روى مسلم القصة في ذلك من طريق كهمس عن بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني قال فانطلقت أنا وحميد الحميري فذكر اجتماعهما بعبد الله بن عمر وأنه سأله عن ذلك فأخبره بأنه برئ ممن يقول ذلك وأن الله لا يقبل ممن لم يؤمن بالقدر عملا وقد حكى المصنفون في المقالات عن طوائف من القدرية إنكار كون البارىء عالما بشيء من أعمال العباد قبل وقوعها منهم وإنما يعلمها بعد كونها قال القرطبي وغيره قد انقرض هذا المذهب ولا نعرف أحدا ينسب إليه من المتأخرين قال والقدرية اليوم مطبقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن افعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال وهو مع كونه مذهبا باطلا أخف من المذهب الأول وأما المتأخرون منهم فأنكروا تعلق الإرادة بأفعال العباد فرارا من تعلق القديم بالمحدث وهم مخصومون بما قال الشافعي إن سلم القدري العلم خصم يعني يقال له ايجوز أن يقع في الوجود خلاف ما تضمنه العلم فإن منع وافق قول أهل السنة وإن أجاز لزمه نسبة الجهل تعالى الله عن ذلك تنبيه ظاهر السياق يقتضى أن الإيمان لايطلق إلا على من صدق بجميع ما ذكر وقد اكتفى الفقهاء بإطلاق الإيمان على من آمن بالله ورسوله ولا اختلاف أن الإيمان برسول الله المراد به الإيمان بوجوده وبما جاء به عن ربه فيدخل جميع ما ذكر تحت ذلك والله أعلم قوله أن تعبد الله قال النووي يحتمل أن يكون المراد بالعبادة معرفة الله فيكون عطف الصلاة وغيرها عليها لادخالها في الإسلام(3/71)
ويحتمل أن يكون المراد بالعبادة الطاعة مطلقا فيدخل فيه جميع الوظائف فعلى هذا يكون عطف الصلاة وغيرها من عطف الخاص على العام قلت أما الاحتمال الأول فبعيد لأن المعرفة من متعلقات الإيمان وأما الإسلام فهو أعمال قولية وبدنية وقد عبر في حديث عمر هنا بقوله أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فدل على أن المراد بالعبادة في حديث الباب النطق بالشهادتين وبهذا تبين دفع الاحتمال الثاني ولما عبر الراوي بالعبادة أحتاج أن يوضحها بقوله ولا تشرك به شيئا ولم يحتج إليها في رواية عمر لاستلزامها ذلك فإن قيل السؤال عام لأنه سأل عن ماهية الإسلام والجواب خاص لقوله أن تعبد أو تشهد وكذا قال في الإيمان أن تؤمن وفي الإحسان أن تعبد والجواب أن ذلك لنكتة الفرق بين المصدر وبين أن والفعل لأن أن تفعل تدل على الاستقبال والمصدر لا يدل على زمان على أن بعض الرواة أورده هنا بصيغة المصدر ففي رواية عثمان بن غياث قال شهادة أن لا إله إلا الله وكذا في حديث أنس وليس المراد بمخاطبته بالافراد اختصاصه بذلك بل المراد تعليم السامعين الحكم في حقهم وحق من أشبههم من المكلفين وقد تبين ذلك بقوله في آخره يعلم الناس دينهم فإن قيل لم لم يذكر الحج أجاب بعضهم باحتمال أنه لم يكن فرض وهو مردود بما رواه بن منده في كتاب الإيمان بإسناده الذي على شرط مسلم من طريق سليمان التيمي في حديث عمر أوله أن رجلا في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله وآخر عمره يحتمل أن يكون بعد حجة الوداع فأنها آخر سفراته ثم بعد قدومه بقليل دون ثلاثة أشهر مات وكأنه إنما جاء بعد إنزال جميع الأحكام لتقرير أمور الدين التي بلغها متفرقة في مجلس واحد لتنضبط ويستنبط منه جواز سؤال العالم ما لا يجهله السائل ليعلمه السامع وأما الحج فقد ذكر لكن بعض الرواة إما ذهل عنه وإما نسيه والدليل على ذلك اختلافهم في ذكر بعض(3/72)
الأعمال دون بعض ففي رواية كهمس وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا وكذا في حديث أنس وفي رواية عطاء الخراساني لم يذكر الصوم وفي حديث أبي عامر ذكر الصلاة والزكاة حسب ولم يذكر في حديث بن عباس مزيدا على الشهادتين وذكر سليمان التيمي في روايته الجميع وزاد بعد قوله وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتمم الوضوء وقال مطر الوراق في روايته وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة قال فذكر عرى الإسلام فتبين ما قلناه إن بعض الرواة ضبط ما لم يضبطه غيره قوله وتقيم الصلاة زاد مسلم المكتوبة أي المفروضة وإنما عبر بالمكتوبة للتفنن في العبارة فإنه عبر في الزكاة بالمفروضة ولا تباع قوله تعالى { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } قوله وتصوم رمضان استدل به على قول رمضان من غير إضافة شهر إليه .... قوله الإحسان هو مصدر تقول أحسن يحسن إحسانا ويتعدى بنفسه وبغيره تقول أحسنت كذا إذا اتقنته واحسنت إلى فلان إذا اوصلت إليه النفع والأول هو المراد لأن المقصود إتقان العبادة وقد يلحظ الثاني بأن المخلص مثلا محسن باخلاصه إلى نفسه وإحسان العبادة الإخلاص فيها والخشوغ وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود وأشار في الجواب إلى حالتين أرفعهما أن يغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه حتى أنه يراه بعينه وهو قوله كأنك تراه أي وهو يراك والثانية أن يستحضر أن الحق مطلع عليه يرى كل ما يعمل وهو قوله فإنه يراك وهاتان الحالتان يثمرهما معرفة الله وخشيته وقد عبر في رواية عمارة بن القعقاع بقوله أن تخشى الله كأنك تراه وكذا في حديث أنس وقال النووي معناه إنك إنما تراعي الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك لكونه يراك لا لكونك تراه فهو دائما يراك فأحسن عبادته وإن لم تره فتقدير الحديث فإن لم تكن تراه فاستمر على إحسان العبادة فإنه يراك قال وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين وهو عمدة الصديقين وبغية السالكين وكنز(3/73)
العارفين ودأب الصالحين وهو من جوامع الكلم التي اوتيها صلى الله عليه وسلم وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من التلبس بشيء من النقائص احتراما واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله مطلعا عليه في سره وعلانيته انتهى وقد سبق إلى أصل هذا القاضي عياض وغيره وسيأتي مزيد لهذا في تفسير لقمان إن شاء الله تعالى تنبيه دل سياق الحديث على أن رؤية الله في الدنيا بالأبصار غير واقعة وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فذاك لدليل آخر وقد صرح مسلم في روايته من حديث أبي إمامة بقوله صلى الله عليه وسلم واعلموا إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا وأقدم بعض غلاة الصوفية على تأويل الحديث بغير علم فقال فيه إشارة الى مقام المحو والفناء وتقديره فإن لم تكن أي فإن لم تصر شيئا وفنيت عن نفسك حتى كأنك ليس بموجود فأنك حينئذ تراه وغفل قائل هذا للجهل بالعربية عن أنه لو كان المراد ما زعم لكان قوله تراه محذوف الألف لأنه يصير مجزوما لكونه على زعمه جواب الشرط ولم يرد في شيء من طرق هذا الحديث بحذف الألف ومن ادعى أن إثباتها في الفعل المجزوم على خلاف القياس فلا يصار إليه إذ لاضرورة هنا وأيضا فلو كان ما ادعاه صحيحا لكان قوله فإنه يراك ضائعا لأنه لا ارتباط له بما قبله ومما يفسد تأويله رواية كهمس فإن لفظها فإنك إن لا تراه فأنه يراك وكذلك في رواية سليمان التيمي فسلط النفي على الرؤية لا على الكون الذي حمل على ارتكاب التأويل المذكور وفي رواية أبي فروة فان لم تره فإنه يراك ونحوه في حديث أنس وابن عباس وكل هذا يبطل التأويل المتقدم والله أعلم فائدة زاد مسلم في رواية عمارة بن القعقاع قول السائل صدقت عقب كل جواب من الأجوبة الثلاثة وزاد أبو فروة في روايته فلما سمعنا قول الرجل صدقت أنكرناه وفي رواية كهمس فعجبنا له يسأله ويصدقه وفي رواية مطر انظروا إليه كيف يسأله وانظروا إليه كيف يصدقه وفي حديث أنس انظروا وهو يسأله وهو(3/74)
يصدقه كأنه أعلم منه وفي رواية سليمان بن بريدة قال القوم ما رأينا رجل مثل هذا كأنه يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له صدقت صدقت قال القرطبي إنما عجبوا من ذلك لأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف الا من جهته وليس هذا السائل ممن عرف بلقاء النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالسماع منه ثم هو يسأل سؤال عارف بما يسأل عنه لأنه يخبره بأنه صادق فيه فتعجبوا من ذلك تعجب المستبعد لذلك والله أعلم قوله متى الساعة أي متى تقوم الساعة وصرح به في رواية عمارة بن القعقاع واللام للعهد والمراد يوم القيامة قوله ما المسئول عنها ما نافية وزاد في رواية أبي فروة فنكس فلم يجبه ثم أعاد فلم يجبه ثلاثا ثم رفع رأسه فقال ما المسئول قوله بأعلم الباء زائدة لتأكيد النفي وهذا وإن كان مشعرا بالتساوى في العلم لكن المراد التساوى في العلم بأن الله تعالى استأثر بعلمها لقوله بعد خمس لا يعلمها إلا الله وسيأتي نظير هذا التركيب في أواخر الكلام على هذا الحديث في قوله ما كنت بأعلم به من رجل منكم فإن المراد أيضا التساوى في عدم العلم به وفي حديث بن عباس هنا فقال سبحان الله خمس من الغيب لا يعلمهن الا الله ثم تلا الآية قال النووي يستنبط منه أن العالم إذا سئل عما لا يعلم يصرح بأنه لا يعلمه ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته بل يكون ذلك دليلا على مزيد ورعه وقال القرطبي مقصود هذا السؤال كف السامعين عن السؤال عن وقت الساعة لأنهم قد أكثروا السؤال عنها كما ورد في كثير من الآيات والأحاديث فلما حصل الجواب بما ذكر هنا حصل اليأس من معرفتها بخلاف الأسئلة الماضية فإن المراد بها استخراج الأجوبة ليتعلمها السامعون ويعملوا بها ونبه بهذه الأسئلة على تفصيل ما يمكن معرفته مما لا يمكن قوله من السائل عدل عن قوله لست بأعلم بها منك إلى لفظ يشعر بالتعميم تعريضا للسامعين أي أن كل مسئول وكل سائل فهو كذلك فائدة هذا السؤال والجواب وقع بين عيسى(3/75)
بن مريم وجبريل قال العلامة بن باز حفظه الله لا ينبغي الجزم بوقوع هذا من عيسى لأن كلام الشعبي لا تقوم به حجة وإن كان نقله عن بني إسرائيل فكذلك وإنما يذكر مثل هذا بصيغة التمريض كما هو المقرر في علم مصطلح والله أعلم لكن كان عيسى سائلا وجبريل مسؤلا قال الحميدي في نوادره حدثنا سفيان حدثنا مالك بن مغول عن إسماعيل بن رجاء الشعبي قال سأل عيسى بن مريم جبريل عن الساعة قال فانتفض بأجنحته وقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قوله وسأخبرك عن اشراطها وفي التفسير ولكن سأحدثك وفي رواية أبي فروة ولكن لها علامات تعرف بها وفي رواية كهمس قال فأخبرني عن إمارتها فأخبره بها فترددنا فحصل التردد هل ابتداء بذكر الامارات أو السائل سأله عن الامارات ويجمع بينهما بأنه ابتدأ بقوله وسأخبرك فقال له اسائل فأخبرني ويدل على ذلك رواية سليمان التيمي ولفظها ولكن إن شئت نبأتك عن أشراطها قال أجل ونحوه في حديث بن عباس وزاد فحدثني وقد حصل تفصيل الاشراط من الرواية الأخرى وأنها العلامات وهي بفتح الهمزة جمع شرط بفتحتين كقلم وأقلام ويستفاد من اختلاف الروايات أن التحديث والاخبار والانباء بمعنى واحد وإنما غاير بينها أهل الحديث اصطلاحا قال القرطبي علامات الساعة على قسمين ما يكون من نوع المعتاد أو غيره والمذكور هنا الأول وأما الغير مثل طلوع الشمس من مغريها فتلك مقارنة لها أو مضايقة والمراد هنا العلامات السابقة على ذلك والله أعلم قوله إذا ولدت التعبير بإذا للاشعار بتحقق الوقوع ووقعت هذه الجملة بيانا للاشراط نظر إلى المعنى والتقدير ولادة الأمة وتطاول الرعاة فإن قيل الاشراط جمع وأقله ثلاثة على الأصح والمذكور هنا اثنان أجاب الكرماني بأنه قد تستفرض القلة للكثرة وبالعكس أو لأن الفرق بالقلة والكثرة إنما هو في النكرات لا في المعارف أو لفقد جمع الكثرة للفظ الشرط وفي جميع هذه الأجوبة نظر ولو أجيب بأن هذا دليل القول الصائر إلى أن أقل(3/76)
الجمع اثنان لما بعد عن الصواب والجواب المرضى أن المذكور من الاشراط ثلاثة وإنما بعض الرواة اقتصر على اثنين منها لأنه هنا ذكر الولادة والتطاول وفي التفسير ذكر الولادة وترؤس الحفاة وفي رواية محمد بن بشر التي أخرج مسلم إسنادها وساق بن خزيمة لفظها عن أبي حيان ذكر الثلاثة وكذا في مستخرج الإسماعيلي من طريق بن علية وكذا ذكرها عمارة بن القعقاع ووقع مثل ذلك في حديث عمر ففي رواية كهمس ذكر الولادة والتطاول فقط ووافقه عثمان بن غياث وفي رواية سليمان التيمي ذكر الثلاثة ووافقه عطاء الخراساني وكذا ذكرت في حديث بن عباس وأبي عامر قوله إذا ولدت الأمة ربها وفي التفسير ربتها بتاء التأنيث وكذا في حديث عمر ولمحمد بن بشر مثله وزاد يعني السرارى وفي رواية عمارة بن القعقاع إذا رأيت المرأة تلد ربها ونحوه لأبي فروة وفي رواية عثمان بن غياث الإماء أربابهن بلفظ الجمع والمراد بالرب المالك أو السيد وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في معنى ذلك قال بن التين اختلف فيه على سبعة أوجه فذكرها لكنها متداخلة وقد لخصتها بلا تداخل فإذا هي أربعة أقوال الأول قال الخطابي معناه اتساع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد الشرك وسبى ذراريهم فإذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربها لأنه ولد سيدها قال النووي وغيره إنه قول الأكثرين قلت لكن في كونه المراد نظر لأن استيلاد الاماء كان موجودا حين المقالة والاستيلاء على بلاد الشرك وسبى ذراريهم واتخاذهم سرارى وقع أكثره في صدر الإسلام وسياق الكلام يقتضى الإشارة إلى وقوع ما لم يقع مما سيقع قرب قيام الساعة وقد فسره وكيع في رواية بن ماجة باخص من الأول قال أن تلد العجم العرب ووجهه بعضهم بأن الاماء يلدن الملوك فتصير الأم من جملة الرعية والملك سيد رعيته وهذا لإبراهيم الحربي وقربه بان الرؤساء في الصدر الأول كانوا يستنكفون غالبا من وطء الاماء ويتنافسون في الحرائر ثم انعكس الأمر ولا(3/77)
سيما في اثناء دولة بني العباس ولكن رواية ربتها بتاء التأنيث قد لا تساعد على ذلك ووجهه بعضهم بان إطلاق ربتها على ولدها مجاز لأنه لما كان سببا في عتقها بموت أبيه أطلق عليه ذلك وخصه بعضهم بأن السبي إذا كثر فقد يسبى الولد أولا وهو صغير ثم يعتق ويكبر ويصير رئيسا بل ملكا ثم تسبى أمه فيما بعد فيشتريها عارفا بها أو وهو لا يشعر أنها أمه فيستخدمها أو يتخذها موطوءة أو يعتقها ويتزوجها وقد جاء في بعض الروايات أن تلد الأمة بعلها وهي عند مسلم فحمل على هذه الصورة وقيل المراد بالبعل المالك وهو أولى لتتفق الروايات الثاني أن تبيع السادة أمهات أولادهم ويكثر ذلك فيتداول الملاك المستولدة حتى يشتريها ولدها ولا يشعر بذلك وعلى هذا فالذي يكون من الاشراط غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد أو الاستهانة بالأحكام الشرعية فإن قيل هذه المسألة مختلف فيها فلا يصلح الحمل عليها لأنه لا جهل ولا استهانة عند القائل بالجواز قلنا يصلح أن يحمل على صورة اتفاقية كبيعها في حال حملها فإنه حرام بالإجماع الثالث وهو من نمط الذي قبله قال النووي لا يختص شراء الولد أمه بامهات الأولاد بل يتصور في غيرهن بأن تلد الأمة حرا من غير سيدها بوطء شبهة أو رقيقا بنكاح أو زنا ثم تباع الأمة في الصورة بيعا صحيحا وتدور في الأيدي حتى يشتريها ابنها أو ابنتها ولا يعكر على هذا تفسير محمد بن بشر بأن المراد السرارى لأنه تخصيص بغير دليل الرابع أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الاهانة بالسب والضرب والاستخدام فأطلق عليه ربها مجازا لذلك أو المراد بالرب المربي فيكون حقيقة وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغربة ومحصلة الآشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس الأمور بحيث يصير المربي مربيا والسافل عاليا وهو مناسب لقوله في العلامة الأخرى أن تصير الحفاة(3/78)
ملوك الأرض تنبيهان أحدهما قال النووي ليس فيه دليل على تحريم بيع أمهات الأولاد ولا على جوازه وقد غلط من استدل به لكل من الامرين لأن الشيء إذا جعل علامة على شيء آخر لا يدل على حظر ولا إباحة الثاني يجمع بين ما في هذا الحديث من إطلاق الرب على السيد المالك في قوله ربها وبين ما في الحديث الآخر وهو في الصحيح لا يقل أحدكم أطعم ربك وضئ ربك أسق ربك وليقل سيدي ومولاي بأن اللفظ هنا خرج على سبيل المبالغة أو المراد بالرب هنا المربي وفي المنهي عنه السيد أو أن النهي عنه متأخر أو مختص بغير الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تطاول أي تفاخروا في تطويل البنيان وتكاثروا به قوله رعاة الإبل هو بضم الراء جمع راع كقضاة وقاض والبهم بضم الموحدة ووقع في رواية الأصيلي بفتحها ولا يتجه مع ذكر الإبل وإنما يتجه مع ذكر الشياه أو مع عدم الإضافة كما في رواية مسلم رعاء البهم وميم البهم في رواية البخاري يجوز ضمها على أنه صفة الرعاة ويجوز الكسر على أنها صفة الإبل يعني الإبل السود وقيل أنها شر الالوان عندهم وخيرها لاحمر التي ضرب بها المثل فقيل خير من حمر النعم ووصف الرعاة بالبهم إما لأنهم مجهولو الأنساب ومنه أبهم الأمر فهو مبهم إذا لم تعرف حقيقته وقال القرطبي الآولى أن يحمل على أنهم سود الالوان لأن الادمة غالب ألوانهم وقيل معناه أنهم لا شيء لهم كقوله صلى الله عليه وسلم يحشر الناس حفاة عراة بهما قال وفيه نظر لأنه قد نسب له الإبل ز فكيف يقال لا شيء لهم قلت يحمل على أنها إضافة اختصاص لا ملك وهذا هو الغالب أن الراعي يرعى لغيره بالأجرة وأما المالك فقل أن يباشر الرعي بنفسه قوله في التفسير وإذا كان الحفاة العراة زاد الإسماعيلي في روايته الصم البكم وقيل لهم ذلك مبالغة في وصفهم بالجهل أي لم يستعملوا أسماعهم ولا أبصارهم في الشيء من أمر دينهم وأن كانت حواسهم سليمة قوله رؤوس الناس أي ملوك الأرض وصرح به الإسماعيلي وفي رواية أبي(3/79)
فروة مثله والمراد بهم أهل البادية كما صرح به في رواية سليمان التيمي وغيره قال ما الحفاة العراة قال العرب وهو بالعين المهملة على التصغير وفي الطبراني من طريق أبي حمزة عن بن عباس مرفوعا من انقلاب الدين تفصح النبط واتخاذهم القصور في الأمصار قال القرطبي المقصود الإخبار عن تبدل الحال بأن يستولى أهل البادية على الأمر ويتملكوا البلاد بالقهر فتكثر أموالهم وتنصرف هممهم إلى تشييد البنيان والتفاخر به وقد شاهدنا ذلك في هذا الزمان ومنه الحديث الآخر لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع ومنه إذا وسد الأمر أي أسند إلى غير أهله فانتظروا الساعة وكلاهما في الصحيح قوله في خمس أي علم وقت الساعة داخل في جملة خمس وحذف متعلق الجار سائغ كما في قوله تعالى {في تسع آيات }أي أذهب إلى فرعون بهذه الآية في جملة تسع آيات وفي رواية عطاء الخراساني قال فمتى الساعة قال هي في خمس من الغيب لا يعلمها الا الله قال القرطبي لا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمسة لهذا الحديث وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو بهذه الخمس وهو في الصحيح قال فمن ادعى علم شيء منها غير مسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كاذبا في دعواه قال وأما ظن الغيب فقد يجوز من المنجم وغيره إذا كان عن أمر عادي وليس ذلك بعلم وقد نقل بن عبد البر الإجماع على تحريم أخذ الأجرة والجعل واعطائها في ذلك وجاء عن بن مسعود قال أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم علم كل شيء سوى هذه الخمس وعن بن عمر مرفوعا نحوه أخرجهما أحمد وأخرج حميد بن زنجويه عن بعض الصحابة أنه ذكر العلم بوقت الكسوف قبل طهوره فأنكر عليه فقال إنما الغيب خمس وتلا هذه الآية وما عدا ذلك غيب يعلمه قوم ويجهله قوم تنبيه تضمن الجواب زيادة على السؤال للاهتمام بذلك ارشادا للأمة لما يترتب على معرفة ذلك من المصلحة فإن قيل ليس في الآية(3/80)
أداة حصر كما في الحديث أجاب الطيبي بأن الفعل إذا كان عظيم الخطر وما ينبنى عليه الفعل رفيع الشأن فهم منه الحصر على سبيل الكناية ولا سيما إذا لوحظ ما ذكر في أسباب النزول من أن العرب كانوا يدعون علم نزول الغيث فيشعر بأن المراد من الآية نفى علمهم بذلك واختصاصه بالله سبحانه وتعالى فائدة النكتة في العدول عن الاثبات إلى النفي في قوله تعالى وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وكذا التعبير بالدراية دون العلم للمبالغة والتعميم إذ الدراية اكتساب علم الشيء بحيله فإذا انتفى ذلك عن كل نفس مع كونه من مختصاتها ولم تقع منه على علم كان عدم اطلاعها على علم غير ذلك من باب أولى اه ملخصا من كلام الطيبي قوله الآية أي تلا الآية إلى آخر السورة وصرح بذلك الإسماعيلي وكذا في رواية عمارة ولمسلم إلى قوله خبير وكذا في رواية أبي فروة وأما ما وقع عند المؤلف في التفسير من قوله إلى الأرحام فهو تقصير من بعض الرواة والسياق يرشد إلى أنه تلا الآية كلها قوله ثم أدبر فقال ردوه زاد في التفسير فأخذوا ليردوه فلم يروه شيئا فيه أن الملك يجوز أن يتمثل لغير النبي صلى الله عليه وسلم فيراه ويتكلم بحضرته وهو يسمع وقد ثبت عن عمران بن حصين أنه كان يسمع كلام الملائكة والله أعلم قوله جاء يعلم الناس في التفسير ليعلم وللإسماعيلي أراد أن تعلموا إذ لم تسألوا ومثله لعمارة وفي رواية أبي فروة والذي بعث محمدا بالحق ما كنت بأعلم به من رجل منكم وأنه لجبريل وفي حديث أبي عامر ثم ولي فلما لم نر طريقه قال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم والذي نفس محمد بيده ما جاءني قط الا وأنا أعرفه إلا أن تكون هذه المرة وفي رواية التيمي ثم نهض فولى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بالرجل فطلبناه كل مطلب فلم نقدر عليه فقال هل تدرون من هذا هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم خذوا عنه فوالذي نفسي بيده ما شبه على منذ أتاني قبل مرتي(3/81)
هذه وما عرفته حتى ولي قال بن حبان تفرد سليمان التيمي بقوله خذوا عنه قلت وهو من الثقات الاثبات وفي قوله جاء ليعلم الناس دينهم إشارة إلى هذه الزيادة فما تفرد الا بالتصريح وإسناد التعليم إلى جبريل مجازى لأنه كان السبب في الجواب فلذلك أمر بالأخذ عنه واتفقت هذه الروايات على أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة بشأنه بعد أن التمسوه فلم يجدوه وأما ما وقع عند مسلم وغيره من حديث عمر في رواية كهميس ثم انطلق قال عمر فلبثت ثم قال يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فأنه جبريل فقد جمع بين الروايتين بعض الشراح بأن قوله فلبثت مليا أي زمانا بعد انصرافه فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أعلمهم بذلك بعد مضى وقت ولكنه في ذلك المجلس لكن يعكر على هذا الجمع قوله في رواية النسائي والترمذي فلبثت ثلاثا لكن ادعى بعضهم فيها التصحيف وأن مليا صغرت ميمها فاشبهت ثلاثا لأنها تكتب بلا ألف وهذه الدعوى مردودة فإن في رواية أبي عوانة فلبثنا ليالي فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث ولابن حبان بعد ثالثة ولابن منده بعد ثلاثة أيام وجمع النووي بين الحديثين بأن عمر لم يحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس بل كان ممن قام إما مع الذين توجهوا في طلب الرجل أو لشغل آخر ولم يرجع مع من رجع لعارض عرض له فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين في الحال ولم يتفق الإخبار لعمر الا بعد ثلاثة أيام ويدل عليه قوله فلقيني وقوله فقال لي يا عمر فوجه الخطاب له وحده بخلاف إخباره الأول وهو جمع حسن تنبيهات الأول دلت الروايات التي ذكرناها على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما عرف أنه جبريل الا في آخر الحال ....
الياقوتة 7
حدثنا ابن أبي مريم: حدثنا أبو غسان قال: حدثني زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(3/82)
قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم : (أترون هذه طارحة ولدها في النار). قلنا : لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه ، فقال: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها).
البخاري – كتاب الادب – باب : رحمة الولد وتقبيله ومعانقته
مسلم – كتاب التوبة – باب : في سعة رحمة الله تعالى ةأنها سبقت غضبه
شرح----------- من فتح الباري ---------------- -------------ابن حجر العسقلاني(3/83)
قوله حدثنا بن أبي مريم هو سعيد ومدار هذا الحديث في الصحيحين عليه وأبو غسان هو محمد بن مطرف والإسناد منه فصاعدا مدنيون قوله قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي في رواية الكشميهني بسبي وبضم قاف قدم وهذا السبي هو سبي هوازن قوله فإذا امرأة من السبي تحلب ثديها تسقى كذا للمستملي والسرخسي بسكون المهملة من تحلب وضم اللام وثديها بالنصب وتسقى بفتح المثناة وبقاف مكسورة وللباقين قد تحلب بفتح الحاء وتشديد اللام أي تهيأ لأن يحلب وثديها بالرفع ففي رواية الكشميهني بالافراد والباقين ثدياها بالتثنية وللكشميهني بسقي بكسر الموحدة وفتح المهملة وسكون القاف وتنوين التحتانية وللباقين تسعى بفتح العين المهملة من السعي وهو المشي بسرعة وفي رواية مسلم عن الحلواني وابن عسكر كلاهما عن بن أبي مريم تبتغي بموحدة ساكنة ثم مثناة مفتوحة ثم غين معجمة من الابتغاء وهو الطلب قال عياض وهو وهم والصواب ما في رواية البخاري وتعقبه النووي بأن كلا من الروايتين صواب فهي ساعية وطالبة لولده ا وقال القرطبي لإخفاء بحسن رواية تسعى ووضوحها ولكن لرواية تبتغي وجها وهو تطلب ولدها وحذف المفعول للعلم به فلا يغلط الراوي مع هذا التوجيه قوله إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها كذا للجميع ولمسلم وحذف منه شيء بينته رواية الإسماعيلي ولفظه إذا وجدت صبيا أخذته فأرضعته فوجدت صبيا فأخذته فألزمته بطنها وعرف من سياقه أنها كانت فقدت صبيها وتضررت باجتماع اللبن في ثديها فكانت إذا وجدت صبيا أرضعته ليخف عنها فلما وجدت صبيها بعينه أخذته فالتزمته ولم أقف على اسم هذا الصبي ولا على اسم أمه قوله أترون بضم المثناة أي أتظنون قوله قلنا لا وهي تقدر على أن لا تطرحه أي لا تطرحه طائعة أبدا وفي رواية الإسماعيلي فقلنا لا والله الخ قوله لله بفتح أوله لام تأكيد وصرح بالقسم في رواية الإسماعيلي فقال والله لله أرحم الخ قوله بعباده كأن المراد بالعباد هنا من(3/84)
مات على الإسلام ويؤيده ما أخرجه أحمد والحاكم من حديث أنس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه وصبي على الطريق فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول ابني ابني وسعت فأخذته فقال القوم يا رسول الله ما كانت هذه لتلقى ابنها في النار فقال ولا الله بطارح حبيبه في النار فالتعبير بحبيبه يخرج الكافر وكذا من شاء إدخاله ممن لم يتب من مرتكبي الكبائر وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة لفظ العباد عام ومعناه خاص بالمؤمنين وهو كقوله تعالى { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون } فهي عامة من جهة الصلاحية وخاصة بمن كتبت له قال ويحتمل أن يكون المراد أن رحمة الله لا يشبهها شيء لمن سبق له منها نصيب من أي العباد كان حتى الحيوانات وفيه إشارة إلى أنه ينبغي للمرء أن يجعل تعلقه في جميع أموره بالله وحده وأن كل من فرض أن فيه رحمة ما حتى يقصد لاجلها فالله سبحانه وتعالى أرحم منه فليقصد العاقل لحاجته من هو أشد له رحمة قال وفي الحديث جواز نظر النساء المسبيات لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن النظر إلى المرأة المذكورة بل في سياق الحديث ما يقتضي إذنه في النظر إليها وفيه ضرب المثل بما يدرك بالحواس لما لا يدرك بها لتحصيل معرفة الشيء على وجهه وان كان الذي ضرب به المثل لا يحاط بحقيقته لأن رحمة الله لا تدرك بالعقل ومع ذلك فقربها النبي صلى الله عليه وسلم للسامعين بحال المرأة المذكورة وفيه جواز ارتكاب أخف الضررين لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينه المرأة عن ارضاع الاطفال الذين أرضعتم مع احتمال أن يكبر بعضهم فيتزوج بعض من أرضعته المرأة معه لكن لما كانت حالة الارضاع ناجزة وما يخشى من المحرمية متوهم اغتفر قلت ولفظ الصبي بالتذكير في الخبر ينازع في ذلك قال وفيه أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وقد يستدل به على عكس ذلك فأما الأول فمن جهة أن الأطفال لولا أنهم كان بهم ضرورة إلى الارضاع في تلك(3/85)
الحالة ما تركها النبي صلى الله عليه وسلم ترضع أحدا منهم وأما الثاني وهو أقوى فلأنه أقرها على إرضاعهم من قبل أن تتبين الضرورة اه ملخصا ولا يخفى ما فيه .
الياقوتة 8
باب: فضل الغسل يوم الجمعة، وهل على الصبي شهود يوم الجمعة، أو على النساء.
حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال: أخبرنا جويرية، عن مالك، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر، رضي الله عنهما:
أن عمر بن الخطاب، بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة، إذا دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فناداه عمر: أية ساعة هذه؟ قال: إني شغلت، فلم انقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أن توضأت. فقال: والوضوء أيضا، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل.
البخاري – كتاب الجمعة– باب : فضل الغسل يوم الجمعة
مسلم – كتاب الجمعة – باب : ما جاء في الاغتسال يوم الجمعة
شرح----------- من فتح الباري ---------------- -------------ابن حجر العسقلاني(3/86)
قوله باب فضل الغسل يوم الجمعة قال الزين بن المنير لم يذكرالحكم لما وقع فيه من الخلاف واقتصرعلىالفضل لأن معناه الترغيب فيه وهو القدر الذي تتفق الأدلة على ثبوته قوله وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء اعترض أبو عبد الملك فيما حكاه بن التين على هذا الشق الثاني من الترجمة فقال ترجم هل على الصبي أو النساء جمعة وأورد إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وليس فيه ذكر وجوب شهود ولا غيره وأجاب بن التين بأنه أراد سقوط الوجوب عنهم أما الصبيان فبالحديث الثالث في الباب حيث قال على كل محتلم فدل على أنها غير واجبة على الصبيان قال وقال الداودي فيه دليل على سقوطها عن النساء لأن الفروض تجب عليهن في الأكثر بالحيض لا بالاحتلام وتعقب بان الحيض في حقهن علامة للبلوغ كالاحتلام وليس الاحتلام مختصا بالرجال وإنما ذكر في الخبر لكونه الغالب وإلا فقد لا يحتلم الإنسان أصلا ويبلغ بالإنزال أو السن وحكمه حكم المحتلم وقال الزين بن المنير إنما أشار إلى أن غسل الجمعة شرع للرواح إليها كما دلت عليه الأخبار فيحتاج إلى معرفة من يطلب رواحه فيطلب غسله واستعمل الاستفهام في الترجمة للإشارة إلى وقوع الاحتمال في حق الصبي في عموم(3/87)
- قوله أحدكم لكن تقيده بالمحتلم في الحديث الآخر يخرجه وأما النساء فيقع فيهن الاحتمال بأن يدخلن في أحدكم بطريق التبع وكذا احتمال عموم النهى في منعهن المساجد لكن تقيده بالليل يخرج الجمعة أه ولعل البخاري أشار بذكر النساء إلى ما سيأتي قريبا في بعض طرق حديث نافع وإلى الحديث المصرح بأن لا جمعة على امرأة ولا صبي لكونه ليس على شرطه وإن كان الإسناد صحيحا وهو عند أبي داود من حديث طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم ورجاله ثقات لكن قال أبو داود لم يسمع طارق من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه رآه أه وقد أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق طارق عن أبي موسى الأشعري قال الزين بن المنير ونقل عن مالك أن من يحضر الجمعة من غير الرجال ان حضرها لابتغاء الفضل شرع له الغسل وسائر آداب الجمعة وان حضرها لأمر اتفاقى فلا ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث نافع عن بن عمر أخرجه من حديث مالك عنه بلفظ إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وقد رواه بن وهب عن مالك أن نافعا حدثهم فذكره أخرجه البيهقي والفاء للتعقيب وظاهره أن الغسل يعقب المجيء وليس ذلك المراد وإنما التقدير إذا أراد أحدكم وقد جاء مصرحا به في رواية الليث عن نافع عند مسلم ولفظه إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل ونظير ذلك قوله تعالى{ إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} فإن المعنى إذا أردتم المناجاة بلا خلاف ويقوى رواية الليث حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فهو صريح في تأخير الرواح عن الغسل وعرف بهذا فساد قول من حمله على ظاهره واحتج به على أن الغسل لليوم لا الصلاة لأن الحديث واحد ومخرجه واحد وقد تبين الليث في روايته المراد وقواه حديث أبي هريرة ورواية نافع عن بن عمر لهذا الحديث مشهورة جدا فقد اعتنى بتخريج طرقه أبو عوانة في صحيحه فساقه من طريق سبعين نفسا رووه عن نافع وقد تتبعت ما فاته وجمعت ما وقع لي(3/88)
من طرقه في جزء مفرد لغرض اقتضى ذلك فبلغت أسماء من رواه عن نافع مائة وعشرين نفسا فما يستفاد منه هنا ذكر سبب الحديث ففي رواية إسماعيل بن أمية عن نافع عند أبي عوانة وقاسم بن أصبغ كان الناس يغدون في أعمالهم فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب متغيرة فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من جاء منكم الجمعة فليغتسل ومنها ذكر محل القول ففي رواية الحكم بن عتيبة عن نافع عن بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد هذا المنبر بالمدينة يقول أخرجه يعقوب الجصاص في فوائده من رواية اليسع بن قيس عن الحكم وطريق الحكم عند النسائي وغيره من رواية شعبة عنه بدون هذا السياق بلفظ حديث الباب إلا قوله جاء فعنده راح وكذا رواه النسائي من رواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب ومنصور ومالك ثلاثتهم عن نافع ومنها ما يدل على تكرار ذلك ففي رواية صخر بن جويرية عن نافع عند أبي مسلم الكجي بلفظ كان إذا خطب يوم الجمعة قال الحديث ومنها زيادة في المتن ففي رواية عثمان بن واقد عن نافع عند أبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان في صحاحهم بلفظ من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ومن لم يأتها فليس عليه غسل ورجاله ثقات لكن قال البزار أخشى أن يكون عثمان بن واقد وهم فيه ومنها زيادة فى المتن والإسناد أيضا أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من طرق عن مفضل بن فضاله عن عياش بن عباس الفتبانى عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن نافع عن بن عمر عن حفصة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة واجبة على كل محتلم وعلى من راح إلى الجمعة الغسل قال الطبراني في الأوسط لم يروه عن نافع بزيادة حفصة الا بكير ولا عنه الا عياش تفرد به مفضل قلت رواته ثقات فإن كان محفوظا فهو حديث آخر ولا مانع أن يسمعه بن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيره من الصحابة فيأتي في ثاني أحاديث الباب من رواية ابن عمر عن أبيه عن النبي صلى(3/89)
الله عليه وسلم ولا سيما مع اختلاف المتون قال ابن دقيق العيد في الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجئ إلى الجمعة واستدل به لمالك في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلا بالذهاب ووافقه الأوزاعي والليث والجمهور قالوا يجزئ من بعد الفجر ويشهد لهم حديث بن عباس الآتي قريبا وقال الأثرم سمعت أحمد سئل عمن اغتسل ثم أحدث هل يكفيه الوضوء فقال نعم ولم أسمع فيه أعلى من حديث بن أبزي يشير إلى ما أخرجه بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه وله صحبة أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث فيتوضأ ولا يعيد الغسل ومقتضى النظر أن يقال إذا عرف أن الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة والتنظيف رعاية الحاضرين من التأذى بالرائحة الكريهة فمن خشي أن يصيبه في أثناء النهار ما يزيل تنظيفه استحب له أن يؤخر الغسل لوقت ذهابه ولعل هذا هو الذي لحظه مالك فشرط اتصال الذهاب بالغسل ليحصل الأمن مما يغاير التنظيف والله أعلم قال ابن دقيق العيد ولقد أبعد الظاهري إبعادا يكاد أن يكون مجزوما ببطلانه حيث لم يشترط تقدم الغسل على إقامة صلاة الجمعة حتى لو اغتسل قبل الغروب كفى عنده تعلقا باضافه الغسل إلى اليوم يعني كما سيأتي في حديث الباب الثالث وقد تبين من بعض الروايات أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة يعني كما سيأتي من حديث عائشة بعد أبواب قال وفهم منه أن المقصود عدم تأذى الحاضرين وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة وكذلك أقول لو قدمه بحيث لا يتحصل هذا المقصود لم يعتد به والمعنى إذا كان معلوما كالنص قطعا أو ظنا مقارنا للقطع فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من أتباع مجرد اللفظ قلت وقد حكى بن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة ولا فعل ما أمر به وادعى بن حزم أنه قول جماعة من الصحابة والتابعين وأطال في تقرير ذلك بما هو بصدد المنع والرد يفضى إلى التطويل بما لا طائل تحته ولم يورد عن أحد ممن ذكر التصريح(3/90)
بأجزاء الاغتسال بعد صلاة الجمعة وإنما أورد عنهم ما يدل على أنه لا يشترط اتصال الغسل بالذهاب إلى الجمعة فأخذ هو منه أنه لا فرق بين ما قبل الزوال أو بعده والفرق بينهما ظاهر كالشمس والله أعلم واستدل من مفهوم الحديث على أن الغسل لا يشرع لمن لم يحضر الجمعة وقد تقدم التصريح بمقتضاه في آخر رواية عثمان بن واقد عن نافع وهذا هو الأصح عند الشافعية وبه قال الجمهور خلافا لأكثر الحنفية وقوله فيه الجمعة المراد به الصلاة أو المكان الذي تقام فيه وذكر المجيء لكونه الغالب وإلا فالحكم شامل لمن كان مجاورا للجامع أو مقيما به واستدل به على أن الأمر لا يحمل على الوجوب إلا بقرينة لقوله كان يأمرنا مع أن الجمهور حملوه على الندب كما سيأتي في الكلام على الحديث الثالث وهذا بخلاف صيغة أفعل فإنها على الوجوب حتى تظهر قرينة على الندب الحديث الثاني حديث مالك عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة الحديث أورده من رواية جويرية بن أسماء عن مالك وهو عند رواة الموطأ عن مالك ليس فيه ذكر بن عمر فحكى الإسماعيلي عن البغوي بعد أن أخرجه من طريق روح بن عبادة عن مالك أنه لم يذكر في هذا الحديث أحد عن مالك عبد الله بن عمر غير روح بن عبادة وجويريه أه وقد تابعهما أيضا عبد الرحمن بن مهدي أخرجة أحمد بن حنبل عنه بذكر بن عمر وقال الدارقطني في الموطأ رواه جماعة من أصحاب مالك الثقات عنه خارج الموطأ موصولا عنهم فذكر هؤلاء الثلاثة ثم قال وأبو عاصم النبيل وإبراهيم بن طهمان والوليد بن مسلم وعبد الوهاب بن عطاء وذكر جماعة غيرهم في بعضهم مقال ثم ساق أسانيدهم إليهم بذلك وزاد بن عبد البر فيمن وصله عن مالك القعنبي في رواية إسماعيل إسحاق القاضي عنه ورواه عن الزهري موصولا يونس بن يزيد عند مسلم ومعمر عند أحمد وأبو أويس عند قاسم بن أصبغ ولجويرية بن أسماء فيه إسناد آخر(3/91)
أعلى من روايته عن مالك أخرجه الطحاوي وغيره من رواية أبي غسان عنه عن نافع عن بن عمر رضي الله عنهما قوله بينا أصله بين وأشبعت الفتحة وقد تبقى بلا إشباع ويزاد فيها ما فتصير بينما وهي رواية يونس وهي ظرف زمان فيه معنى المفأجاة قوله إذ جاء رجل في رواية المستملى والأصيلي وكريمة إذ دخل
- قوله من المهاجرين الأولين قيل في تعريفهم من صلى إلى القبلتين وقيل من شهد بدرا وقيل من شهد بيعة الرضوان ولا شك أنها مراتب نسبية والأول أولى في التعريف لسبقه فمن هاجر بعد تحويل القبلة وقيل وقعة بدر هو آخر بالنسبة إلى من هاجر قبل التحويل وقد سمي بن وهب وابن القاسم في روايتهما عن مالك في الموطأ الرجل المذكور عثمان بن عفان وكذا سماه معمر في روايته عن الزهري عند الشافعي وغيره وكذا وقع في رواية بن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع عن بن عمر قال بن عبد البر لا أعلم خلافا في ذلك وقد سماه أيضا أبو هريرة في روايته لهذه القصة عند مسلم كما سيأتي بعد بابين قوله فناداه أي قاله له يا فلان قوله أية ساعة هذه أية بتشديد التحتانية تانيث أي يستفهم بها والساعة اسم لجزء من النهار مقدر وتطلق على الوقت الحاضر وهو المراد هنا وهذا الاستفهام استفهام توبيخ وانكار وكأنه يقول لم تأخرت إلى هذه الساعة وقد ورد التصريح بالإنكار في رواية أبي هريرة فقال عمر لم تحتبسون عن الصلاة وفي رواية مسلم فعرض عنه عمر فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء والذي يظهر أن عمر قال ذلك كله فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر ومراد عمر التلميح إلى ساعات التبكير التي وقع الترغيب فيها وأنها إذا انقضت طوت الملائكة الصحف كما سيأتي قريبا وهذا من أحسن التعريضات وأرشق الكنايات وفهم عثمان ذلك فبادر إلى الاعتذار عن التأخر قوله إني شغلت بضم أوله وقد بين جهة شغله في رواية عبد الرحمن بن مهدي حيث قال انقلبت من السوق فسمعت النداء والمراد به الأذان بين يدي الخطيب كما سيأتي بعد(3/92)
أبواب قوله فلم أزد على أن توضأت لم اشتغل بشيء بعد أن سمعت النداء إلا بالوضوء وهذا يدل على أنه دخل المسجد في ابتداء شروع عمر في الخطبة قوله والوضوء أيضا فيه إشعار بأنه قبل عذره في ترك التبكير لكنه استنبط منه معنى آخر اتجه له عليه فيه إنكار ثان مضاف إلى الأول وقوله والوضوء في روايتنا بالنصب وعليه اقتصر النووي في شرح مسلم أي والوضوء أيضا اقتصرت عليه أو اخترته دون الغسل والمعنى ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل واقتصرت على الوضوء وجوز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي والوضوء أيضا يقتصر عليه وأغرب السهيلي فقال اتفق الرواة على الرفع لأن النصب يخرجه إلى معنى الإنكار يعني والوضوء لا ينكر وجوابه ما تقدم والظاهر أن الواو عاطفة وقال القرطبي هي عوض عن همزة استفهام كقراءة بن كثير قال فرعون وآمنتم به وقوله أيضا أي ألم يكفك أن فاتك فضل التبكير إلأى الجمعة حتى أضفت إليه ترك الغسل المرغب فيه ولم أقف في شيء من الروايات على جواب عثمان عن ذلك والظاهر أنه سكت عنه اكتفاء بالاعتذار الأول لأنه قد أشار إلى أنه كان ذاهلا عن الوقت وأنه بادر عند سماع النداء وإنما ترك الغسل لأنه تعارض عنده إدراك سماع الخطبة والاشتغال بالغسل وكل منهما مرغب فآثر سماع الخطبة ولعله كان يرى فرضيته فلذلك آثره والله أعلم قوله كان يأمر بالغسل كذا في جميع الروايات لم يذكر المأمور إلا أن في رواية جويرية عن نافع بلفظ كنا نؤمر وفي حديث بن عباس عند الطحاوي في هذه القصة أن عمر قال له لقد علم أنا أمرنا بالغسل قلت أنتم المهاجرون الأولون أم الناس جميعا قال لا أدرى رواته ثقات إلا أنه معلول وقد وقع في رواية أبي هريرة في هذه القصة أن عمر قال ألم تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل كذا هو في الصحيحين وغيرهما وهو ظاهر في عدم التخصيص بالمهاجرين الأولين وفي هذا الحديث من(3/93)
الفوائد القيام في الخطبة وعلى المنبر وتفقد الإمام رعيته وأمره لهم بمصالح دينهم وإنكاره على من أخل بالفضل وان كان عظيم المحل ومواجهته بالإنكار ليرتدع من هو دونه بذلك وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أثناء الخطبة لا يفسدها وسقوط منع الكلام عن المخاطب بذلك وفيه الاعتذار إلى ولاة الأمر وإباحة الشغل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء ولو أفضى إلى ترك فضيلة البكور إلى الجمعة لأن عمر لم يأمر برفع السوق بعد هذه القصة واستدل به مالك على أن مالك على أن السوق لا تمنع يوم الجمعة قبل النداء لكونها كانت في زمن عمر ولكون الذاهب إليها مثل عثمان وفيه شهود الفضلاء السوق ومعاناة المتجر فيها وفيه أن فضيلة التوجه إلى الجمعة إنما تحصل قبل التأذين وقال عياض فيه حجة لأن السعي إنما يجب بسماع الأذان وأن شهود الخطبة لا يجب وهو مقتضى قول أكثر المالكية وتعقب بأنه لا يلزم من التأخير إلى سماع النداء فوات الخطبة بل تقدم ما يدل على أنه لم يفت عثمان من الخطبة شيء وعلى تقدير أن يكون فاته منها شيء فليس فيه دليل على أنه لا يجب شهودها على من تنعقد به الجمعة واستدل به على أن غسل الجمعة واجب لقطع عمر الخطبة وإنكاره على عثمان تركه وهو متعقب لأنه أنكر عليه ترك السنة المذكورة وهي التبكير إلى الجمعة فيكون الغسل كذلك وعلى أن الغسل ليس شرطا لصحة الجمعة وسيأتي البحث فيه في الحديث بعده الحديث الثالث حديث مالك أيضا عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري لم تختلف رواة الموطأ على مالك في إسناده ورجاله مدنيون كالأول وفيه رواية تابعي عن تابعي صفوان عن عطاء وقد تابع مالكا على روايته الدراوردي عن صفوان عند بن حبان وخالفهما عبد الرحمن بن إسحاق فرواه عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أخرجه أبو بكر المروذي في كتاب الجمعة له(3/94)
-قوله غسل يوم الجمعة استدل به لمن قال الغسل لليوم للاضافة إليه وقد تقدم ما فيه واستنبط منه أيضا أن ليوم الجمعة غسلا مخصوصا حتى لو وجدت صورة الغسل فيه لم يجز عن غسل الجمعة إلا بالنية وقد أخذ بذلك أبو قتادة فقال لابنه وقد رآه يغتسل يوم الجمعة ان كان غسلك عن جنابة فأعد غسلا آخر للجمعة أخرجه الطحاوي وابن المنذر وغيرهما ووقع في رواية مسلم في حديث الباب الغسل يوم الجمعة وكذا هو في الباب الذي بعد هذا وظاهره أن الغسل حيث وجد فيه كفى لكون اليوم جعل ظرفا للغسل ويحتمل أن يكون اللام للعهد فتتفق الروايتان قوله واجب على كل محتلم أي بالغ وإنما ذكر الاحتلام لكونه الغالب واستدل به على دخول النساء في ذلك كما سيأتي بعد ثمانية أبواب واستدل بقوله واجب على فرضية غسل الجمعة وقد حكاه بن المنذر عن أبي هريرة وعمار بن ياسر وغيرهما وهو قول أهل الظاهر وإحدى الروايتين عن أحمد وحكاه بن حزم عن عمر وجمع جم من الصحابة ومن بعدهم ثم ساق الرواية عنهم لكن ليس فيها عن أحد منهم التصريح بذلك إلا نادرا وإنما اعتمد في ذلك على أشياء محتملة كقول سعد ما كنت أظن مسلما يدع غسل يوم الجمعة وحكاه بن المنذر والخطابي عن مالك وقال القاضي عياض وغيره ليس ذلك بمعروف في مذهبه قال بن دقيق العيد قد نص مالك على وجوبه فحمله من لم يمارس مذهبه على ظاهره وأبي ذلك أصحابه أه والرواية عن مالك بذلك في التمهيد وفيه أيضا من طريق أشهب عن مالك أنه سئل عنه فقال حسن وليس بواجب وحكاه بعض المتأخرين عن بن خزيمة من أصحابنا وهو غلط عليه فقد صرح في صحيحه بأنه على الاختيار واحتج لكونه مندوبا بعدة أحاديث في عدة تراجم وحكاه شارح الغنية لابن سريج قولا للشافعي واستغرب وقد قال الشافعي في الرسالة بعد أن أورد حديثي بن عمر وأبي سعيد احتمل قوله واجب معنيين الظاهر منهما أنه واجب فلا تجزى الطهارة لصلاة الجمعة إلا بالغسل واحتمل أنه واجب في الاختيار وكرم الأخلاق(3/95)
والنظافة ثم استدل للاحتمال الثاني بقصة عثمان مع عمر التي تقدمت قال فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل ولم يأمره عمر بالخروج للغسل دل ذلك على أنهما قد علما أن الأمر بالغسل للاختيار أه وعلى هذا الجواب عول أكثر المصنفين في هذه المسألة كابن خزيمة والطبري والطحاوي وابن حبان وابن عبد البر وهلم جرا وزاد بعضهم فيه أن من حضر من الصحابة وافقوهما على ذلك فكان إجماعا منهم على أن الغسل ليس شرطا في صحة الصلاة وهو استدلال قوي وقد نقل الخطابي وغيره الإجماع على أن صلاة الجمعة بدون الغسل مجزئة لكن حكى الطبري عن قوم أنهم قالوا بوجوبه ولم يقولوا إنه شرط بل هو واجب مستقل تصح الصلاة بدونه كأن أصله قصد التنظيف وإزالة الروائح الكريهة التي يتأذى بها الحاضرون من الملائكة والناس وهو موافق لقول من قال يحرم أكل الثوم على من قصد الصلاة في الجماعة ويرد عليهم أنه يلزم من ذلك تأثيم عثمان والجواب أنه كان معذورا لأنه إنما تركه ذاهلا عن الوقت مع أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار لما ثبت في صحيح مسلم عن حمران أن عثمان لم يكن يمضى عليه يوم حتى يفيض عليه الماء وإنما لم يعتذر بذلك لعمر كما اعتذر عن التأخر لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلى الجمعة كما هو الأفضل وعن بعض الحنابلة التفصيل بين ذي النظافة وغيره فيجب على الثاني دون الأول نظرا إلى العلة حكاه صاحب الهدى وحكى بن المنذر عن إسحاق بن راهويه أن قصة عمر وعثمان تدل على وجوب الغسل لا على عدم وجوبه من جهة ترك عمر الخطبة واشتغاله بمعاتبة عثمان وتوبيخ مثله على رؤوس الناس فلو كان ترك الغسل مباحا لما فعل عمر ذلك وإنما لم يرجع عثمان للغسل لضيق الوقت إذ لو فعل لفاتته الجمعة أو لكونه كان اغتسل كما تقدم قال بن دقيق العيد ذهب الأكثرون إلى استحباب غسل الجمعة وهو محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر وقد أولوا صيغة الأمر على الندب وصيغة الوجوب على التأكيد كما يقال إكرامك(3/96)
على واجب وهو تأويل ضعيف إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا على هذا الظاهر وأقوى ما عارضوا به هذا الظاهر حديث من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ولا يعارض سنده سند هذه الأحاديث قال وربما تأولوه تاويلا مستكرها كمن حمل لفظ الوجوب على السقوط انتهى فأما الحديث فعول على المعارضة به كثير من المصنفين ووجه الدلالة منه قوله فالغسل أفضل فإنه يقتضى اشتراك الوضوء والغسل في أصل الفضل فيستلزم أجزاء الوضوء ولهذا الحديث طرق أشهرها وأقواها رواية الحسن عن سمرة أخرجها أصحاب السنن الثلاثة وابن خزيمة وابن حبان وله علتان إحداهما أنه من عنعنة الحسن والأخرى أنه اختلف عليه فيه وأخرجه بن ماجة من حديث أنس والطبراني من حديث أنس والطبراني من حديث عبد الرحمن بن سمرة والبزار من حديث أبي سعيد وابن عدي من حديث جابر وكلها ضعيفة وعارضوا أيضا بأحاديث منها الحديث الآتي في الباب الذي بعده فإن فيه وأن يستن وأن يمس طيبا قال القرطبي ظاهره وجوب الاستنان والطيب لذكرهما بالعاطف فالتقدير الغسل واجب والاستنان والطيب كذلك قال وليسا بواجبين اتفاقا فدل على أن الغسل ليس بواجب إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب بلفظ واحد انتهى وقد سبق إلى ذلك الطبري والطحاوي وتعقبه بن الجوزي بأنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف وقال بن المنير في الحاشية أن سلم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه لأن للقائل أن يقول أخرج بدليل فبقي ما عداه على الأصل وعلى أن دعوى الإجماع في الطيب مردودة فقد روى سفيان بن عيينة في جامعه عن أبي هريرة أنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة وإسناده صحيح وكذا قال بوجوبه بعض أهل الظاهر ومنها حديث أبي هريرة مرفوعا من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له أخرجه مسلم قال القرطبي ذكر الوضوء وما معه مرتبا عليه الثواب المقتضى(3/97)
للصحة فدل على أن الوضوء كاف وأجيب بأنه ليس فيه نفى الغسل وقد ورد من وجه آخر في الصحيحين بلفظ من اغتسل فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء ومنها حديث بن عباس أنه سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو فقال لا ولكنه أطهر لمن اغتسل ومن لم يغتسل فليس بواجب عليه وسأخبركم عن بدء الغسل كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون وكان مسجدهم ضيقا فلما آذى بعضهم بعضا قال النبي صلى الله عليه وسلم أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا قال بن عباس ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع المسجد أخرجه أبو داود والطحاوي وإسناده حسن لكن الثابت عن بن عباس خلافه كما سيأتي قريبا وعلى تقدير الصحة فالمرفوع منه ورد بصيغة الأمر الدالة على الوجوب وأما نفى الوجوب فهو موقوف لأنه من استنباط بن عباس وفيه نظر إذ لا يلزم من زوال السبب زوال المسبب كما في الرمل والجمار على تقدير تسليمه فلمن قصر الوجوب على من به رائحة كريهة أن يتمسك به ومنها حديث طاوس قلت لابن عباس زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رءوسكم الا أن تكونوا جنبا الحديث قال بن حبان بعد أن أخرجه فيه أن غسل الجمعة يجزئ عنه غسل الجناية وأن غسل الجمعة ليس بفرض إذ لو كان فرضا لم يجز عنه غيره انتهى وهذه الزيادة الا أن تكونوا جنبا تفرد بها بن إسحاق عن الزهري وقد رواه شعيب عن الزهري بلفظ وأن تكونوا جنبا وهذا هو المحفوظ عن الزهري كما سيأتي بعد بابين ومنها حديث عائشة الآتي بعد أبواب بلفظ لو اغتسلتم ففيه عرض وتنبيه لا حتم ووجوب وأجيب بأنه ليس فيه نفى الوجوب وبأنه سابق على الأمر به والإعلام بوجوبه ونقل الزين بن المنير بعد قول الطحاوي لما ذكر حديث عائشة فدل على أن الأمر بالغسل لم يكن للوجوب وإنما كان لعله ثم ذهبت تلك العلة فذهب الغسل وهذا من الطحاوي يقتضى سقوط الغسل أصلا فلا يعد فرضا(3/98)
ولا مندوبا لقوله زالت العلة الخ فيكون مذهبا ثالثا في المسألة انتهى ولا يلزم من زوال العلة سقوط الندب تعبدا ولا سيما مع احتمال وجود العلة المذكورة ثم أن هذه الأحاديث كلها لو سلمت لما دلت الا على نفى اشتراط الغسل لا على الوجوب المجرد كما تقدم وأما ما أشار إليه بن دقيق العيد من أن بعضهم أوله بتأويل مستكره فقد نقله بن دحية عن القدوري من الحنفية وأنه قال قوله واجب أي ساقط وقوله على بمعنى عن فيكون المعنى أنه غير لازم ولا يخفى ما فيه من التكلف وقال الزين بن المنير أصل الوجوب في اللغة السقوط فلما كان في الخطاب على المكلف عبء ثقيل كان كل ما أكد طلبه منه يسمى واجبا كأنه سقط عليه وهو أعم من كونه فرضا أو ندبا وهذا سبقه بن بزيزة إليه ثم تعقبه بان اللفظ الشرعى خاص بمقتضاه شرعا لا وضعا وكأن الزين استشعر هذا الجواب فزاد أن تخصيص الواجب بالفرض اصطلاح حادث وأجيب بان وجب في اللغة لم ينحصر في السقوط بل ورد بمعنى مات وبمعنى اضطرب وبمعنى لزم وغير ذلك والذي يتبادر إلى الفهم منها في الأحاديث أنها بمعنى لزم لا سيما إذا سيقت لبيان الحكم وقد تقدم في بعض طرق حديث بن عمر الجمعة واجبة على كل محتلم وهو بمعنى اللزوم قطعا ويؤيده أن في بعض طرق حديث الباب واجب كغسل الجنابة أخرجه بن حبان من طريق الدراوردي عن صفوان بن سليم وظاهره اللزوم وأجاب عنه بعض القائلين بالندبية بان التشبيه في الكيفية لا في الحكم وقال بن الجوزي يحتمل أن تكون لفظه الوجوب مغيرة من بعض الرواة أو ثابتة ونسخ الوجوب ورد بان الطعن في الروايات الثابتة بالظن الذي لا مستند له لا يقبل والنسخ لا يصار إليه الا بدليل ومجموع الأحاديث يدل على استمرار الحكم فإن في حديث عائشة أن ذلك كان في أول الحال حيث كانوا مجهودين وأبو هريرة وابن عباس إنما صحبا النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن حصل التوسع بالنسبة إلى ما كانوا فيه أولا ومع ذلك فقد سمع كل منهما منه صلى(3/99)
الله عليه وسلم الأمر بالغسل والحث عليه والترغيب فيه فكيف يدعي النسخ بعد ذلك فائدة حكى بن العربي وغيره أن بعض أصحابهم قالوا يجزئ عن الاغتسال للجمعة التطيب لأن المقصود النظافة وقال بعضهم لا يشترط له الماء المطلق بل يجزئ بماء الورد ونحوه وقد عاب بن العربي ذلك وقال هؤلاء وقفوا مع المعنى وأغفلوا المحافظة على التعبد بالمعين والجمع بين التعبد والمعنى أولى انتهى وعكس ذلك قول بعض الشافعية بالتيمم فإنه تعبد دون نظر إلى المعنى وأما الاكتفاء بغير الماء المطلق فمردود لأنها عبادة لثبوت الترغيب فيها فيحتاج إلى النية ولو كان لمحض النظافة لم تكن كذلك والله أعلم
أبواب في غسل يوم الجمعة ومس الطيب والسواك واللباس
مما رواه البخاري في صحيحه
باب فضل الغسل يوم الجمعة، وهل على الصبي شهود يوم الجمعة، أو على النساء.
1-حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل).
2 - حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال: أخبرنا جويرية، عن مالك، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر، رضي الله عنهما:
أن عمر بن الخطاب، بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة، إذا دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فناداه عمر: أية ساعة هذه؟ قال: إني شغلت، فلم انقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أن توضأت. فقال: والوضوء أيضا، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل.
3 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
(غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم).
باب الطيب للجمعة.(3/100)
1- حدثنا علي قال: حدثنا حرمي بن عمارة قال: حدثنا شعبة، عن أبي بكر بن المنكدرقال: حدثني عمرو بن سليم الأنصاري قال: أشهد على أبي سعيد قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن، أن يمس طيبا إن وجد).
قال عمرو: أما الغسل فأشهد أنه واجب، وأما الاستنان والطيب فالله أعلم، أواجب هو أم لا؟ ولكن هكذا في الحديث.
قال أبو عبد الله: هو أخو محمد بن المنكدر، ولم يسم أبو بكر هذا، رواه عنه بكير بن الأشج وسعيد بن أبي هلال وعدة. وكان محمد بن المنكدر يكنى بأبي بكر وأبي عبد الله
.
بابالدهن للجمعة.
1- حدثنا آدم قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري قال: أخبرني أبي، عن ابن وديعة، عن سلمان الفارسي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى).
2- حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري: قال طاوس: قلت لابن عباس: ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رؤسكم، وإن لم تكونوا جنبا، وأصيبوا من الطيب). قال ابن عباس: أما الغسل فنعم، وأما الطيب فلا أدري.
3- حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا هشام: أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما:
أنه ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الغسل يوم الجمعة، فقلت لابن عباس: أيمس طيبا أو دهنا، إن كان عند أهله؟ فقال: لا أعلمه.
باب يلبس أحسن ما يجد.
- حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر:(3/101)
أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله، لو اشتريت هذه، فلبستها يوم الجمعة، وللوفد إذا قدموا عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة). ثم جاءت رسول االله صلى الله عليه وسلم منها حلل، فأعطى عمر بن الخطاب رضي الله عنه منها حلة، فقال عمر: يا رسول الله، كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لم أكسكها لتلبسها). فكساها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخا له بمكة مشركا.
باب في السواك
وقال أبو سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يستن).
1- حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(لولا أن أشق على أمتي، أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة).
2- حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا شعيب بن الحبحاب: حدثنا أنس قال: قال: رسول الله صلى االله عليه وسلم:
(أكثرت عليكم في السواك).
3- حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان، عن منصور وحصين، عن أبي وائل، عن حذيفة قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه.
ومما رواه مسلم في صصحيحه
كتاب الجمعة
1حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ومحمد بن رمح بن المهاجر. قالا: أخبرنا الليث. ح وحدثنا قتيبة. حدثنا ليث عن نافع، عن عبدالله ؛ قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة، فليغتسل".
2 - حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث. ح وحدثنا ابن رمح. أخبرنا الليث عن ابن شهاب، عن عبدالله بن عبدالله بن عمر، عن عبدالله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قال، وهو قائم على المنبر:
"من جاء منكم الجمعة فليغتسل".
3- حدثني حرملة بن يحيى. أخبرنا ابن وهب. أخبرني يونس عن ابن شهاب. حدثنني سالم بن عبدالله عن أبيه ؛(3/102)
أن عمر بن الخطاب، بينا هو يخطب الناس يوم الجمعة، دخل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فناداه عمر: أية ساعة هذه ؟ فقال: إني شغلت اليوم. فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء. فلم أزد على أن توضأت. قال عمر: والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل !
4 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي. قال: حدثني يحيى بن أبي كثير. حدثني أبو سلمة بن عبدالرحمن. حدثني أبو هريرة ؛ قال:
بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة. إذ دخل عثمان بن عفان. فعرض به عمر. فقال: ما بال رجال يتأخرون بعد النداء ! فقال عثمان: يا أمير المؤمنين ! ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت. ثم أقبلت. فقال عمر: والوضوء أيضا ! ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل".
باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال. وبيان ما أمروا به.
1- حدثنا يحيى بن يحيى. قال قرأت على مالك عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"الغسل يوم الجمعة، واجب على كل محتلم".
2- حدثني هارون بن سعد الأيلي وأحمد بن عيسى. قالا: حدثنا ابن وهب. أخبرني عمرو عن عبيدالله بن أبي جعفر ؛ أن محمد بن جعفر حدثه عن عروة بن الزبير، عن عائشة ؛ أنها قالت:
كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي. فيأتون في العباء. ويصيبهم الغبار. فتخرج منهم الريح. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم. وهو عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا".
3- وحدثنا محمد بن رمح. أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة ؛ أنها قالت:
كان الناس أهل عمل. ولم يكن لهم كفاة. فكانوا يكون لهم تفل. فقيل لهم: لو اغتسلتم يوم الجمعة.
باب الطيب والسواك يوم الجمعة.(3/103)
1- وحدثنا عمرو بن سواد العامري. حدثنا عبدالله بن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث ؛ أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشج، حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر، عن عمرو بن سليم، عن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"غسل يوم الجمعة على كل محتلم. وسواك. ويمس من الطيب ما قدر عليه".
إلا أن بكيرا لم يذكر: عبدالرحمن. وقال في الطيب: ولو من طيب المرأة.
3- حدثنا حسن الحلواني. حدثنا روح بن عبادة. حدثنا ابن جرير. ح وحدثني محمد بن رافع. حدثنا عبدالرزاق. أخبرنا ابن جريج. أخبرني إبراهيم بن ميسرة عن طاوس، عن ابن عباس ؛ أنه ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الغسل يوم الجمعة. قال طاوس: فقلت لابن عباس: ويمس طيبا أو دهنا، إن كان عند أهله ؟ قال: لا أعلمه.
4- وحدثناه إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا محمد بن بكر. ح وحدثنا هارون بن عبدالله. حدثنا الضحاك بن مخلد. كلاهما عن ابن جريج، بهذا الإسناد.
-وحدثني محمد بن حاتم. حدثنا بهز. حدثنا وهيب. حدثنا عبدالله بن طاوس عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قال:
"حق لله على كل مسلم، أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده".
5- وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس. فيما قرئ عليه، عن سمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح. فكأنما قرب بدنة. ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة. ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن. ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة. ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة. فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
ومما رواه الترمذي في سننه
باب ما جاء في الاغتسال يوم الجمعة
1حدثنا أحمد بن منيع أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(3/104)
- "من أتى الجمعة فليغتسل".
وفي الباب عن أبي سعيد وعمر وجابر والبراء وعائشة وأبي الدرداء.
قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح.
وروي عن الزهري عن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث أيضا.
2- حدثنا بذلك قتيبة أخبرنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وقال محمد: وحديث الزهري عن سالم عن أبيه وحديث عبد الله بن عبد الله عن أبيه، كلا الحديثين صحيح.
وقال بعض أصحاب الزهري عن الزهري قال: حدثني آل عبد الله بن عمر عن ابن عمر بينما عمر بن الخطاب يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أية ساعة هذه؟ فقال: ما هو إلا أن سمعت النداء وما زدت على أن توضأت قال: "والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل".
باب في فضل الغسل يوم الجمعة
1- حدثنا محمود بن غيلان أخبرنا وكيع عن سفيان وأبو جناب يحيى بن أبي حية عن عبد الله بن عيسى عن يحيى بن الحارث عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس قال:
- قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة وغسل وبكر وابتكر ودنا واستمع وأنصت كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها". قال محمود في هذا الحديث: قال وكيع اغتسل هو وغسل امرأته.
ويروى عن ابن المبارك أنه قال في هذا الحديث: من غسل واغتسل، يعني غسل رأسه واغتسل.
وفي الباب عن أبي بكر وعمران بن حصين وسلمان وأبي ذر وأبي سعيد وابن عمر وأبي أيوب.
قال أبو عيسى: حديث أوس بن أوس حديث حسن وأبو الأشعث الصنعاني اسمه شرحبيل بن آدة.
باب في الوضوء يوم الجمعة
2 - حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى أخبرنا سعيد بن سفيان الجحدري أخبرنا شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل".(3/105)
وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وعائشة.
قال أبو عيسى: حديث سمرة حديث حسن.
وقد روى بعض أصحاب قتادة هذا الحديث عن قتادة عن الحسن عن سمرة. ورواه بعضهم عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، اختاروا الغسل يوم الجمعة ورأوا أن يجزئ الوضوء من الغسل يوم الجمعة.
قال الشافعي: ومما يدل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل يوم الجمعة أنه على الاختيار لا على الوجوب: حديث عمر حيث قال لعثمان: "والوضوء أيضا". وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل يوم الجمعة" فلو علما أن أمره على الوجوب لا على الاختيار لم يترك عمر عثمان حتى يرده ويقول له ارجع فاغتسل. ولما خفي على عثمان ذلك مع علمه، ولكن دل في هذا الحديث أن الغسل يوم الجمعة فيه فضل من غير وجوب يجب على المرء كذلك.
3- حدثنا هناد أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فدنا واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا".
باب الأمر بالسواك يوم الجمعة.
-1-أخبرنا محمد بن سلمة قال حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشج حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
-الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم والسواك ويمس من الطيبب ما قدر عليه إلا أن بكيرا لم يذكر عبد الرحمن وق في الطيب ولو من طيب المرأة.
باب الأمر بالغسل يوم الجمعة.
أخبرنا قتيبة عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
-إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل.
باب إيجاب الغسل يوم الجمعة.(3/106)
1- أخبرنا قتيبة عن مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري:
-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم.
2- أخبرنا حميد بن مسعدة قال حدثنا بشر قال حدثنا داود بن أبي هند عن أبي الزبير. عن جابر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام أن بغسل يوما وهو يوم الجمعة.
باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة.
1- أخبرنا محمود بن خالد عن الوليد قال حدثنا عبد الله بن العلاء أنه سمع القاسم بن محمد ابن أبي بكر أنهم ذكروا غسل يوم الجمعة عند عائشة فقالت:
إنما كان الناس يسكنون العالية فيحضرون الجمعة وبهم وسخ فإذا أصابهم الروح سطعت أرواحهم فيتأذى بها الناس فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أولا يغتسلون.
2- أخبرنا أبو الأشعث عن يزيد بن زريع قال حدثنا شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ بوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل قال أبو عبد الرحمن الحسن عن سمرة كتابا ولم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة والله تعإلى أعلم.
ومما رواه النسائي في سننه
فضل غسل يوم الجمعة.
1- أخبرنا عمرو بن منصور وهارون بن محمد بن بكار بن بلال واللفظ له قالا حدثنا أبو مسهر قال حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن يحيى بن الحرث عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
-من غسل واغتسل وغدا وابتكر ودنا من الإمام ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة صيامها وقيامها.
باب الهيأة للجمعة.
2- أخبرنا قتيبة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر:(3/107)
-أن عمر بن الخطاب رأى حلة فقال يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلها فأعطى عمر منها حلة فقال عمر يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أكسكها لتلبسها فكساها عمر أخا له مشركا بمكة.
- أخبرني هارون بن عبد الله قال حدثنا الحسن بن سوار قال حدثنا الليث قال حدثنا خالد عن سعيد عن أبي بكر بن المنكدر أن عمرو بن سليم أخبره عن عبد الرحمن ابن أبي سعيد عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
-إن الغسل يوم الجمعة على كل محتلم والسواك وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه.
فضل المشي إلى الجمعة.
- أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير قال حدثنا الوليد عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر أنه سمع أبا الأشعث حدثة أنه سمع أوس بن أوس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اغتسل يوم الجمعة وغسل وغدا وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام وأنصت ولم يلغ كان له بكل خطرة عمل سنة.
ومما رواه أبو داود في سننه
باب اللُّبس للجمعة
1-حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد اللّه بن عمر،
أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء يعني تباع عند باب المسجد فقال: يارسول اللّه، لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة" ثم جاءت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منها حللٌ فأعطى عمر بن الخطاب منها حلةً، فقال عمر: يارسول اللّه كسوتنيها وقد قلت في حلة عطاردٍ ما قلت؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إنِّي لم أكسكها لتلبسها" فكساها عمر أخاً له مشركاً بمكة.(3/108)
2ـ حدثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو، أن يحيى بن سعيد الأنصاري حدثه أن محمد بن يحيى بن حبان حدثه
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "ما على أحدكم إن وجد، أو ما على أحدكم إن وجدتم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته"؟
قال عمرو: وأخبرني ابن أبي حبيب، عن موسى بن سعد، عن ابن حبَّان، عن ابن سلام أنه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على المنبر.
قال أبو داود: ورواه وهب بن جرير عن أبيه عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن موسى بن سعد عن يوسف بن عبد اللّه بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم.
3-حدثنا مسدد، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:
قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيامٍ، ومن مسَّ الحصى فقد لغا".
ومما رواه ابن ماجه في سننه
باب ما جاء في الغسل يوم الجمعة
1 - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عبد الله بن المبارك، عن الأوزاعي. حدثنا حسان بن عطية. حدثني أبو الأشعث. حدثني أوس بن أوس الثقفي؛ قال:
- سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ((من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، فاستمع، ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها)).
2 - حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير. حدثنا عمر بن عبيد، عن أبي إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال:
- سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر ((من أتى الجمعة فليغتسل)).
3 - حدثنا سهل بن أبي سهل. حدثنا سفيان بن عيينة، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري؛
- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)).
باب ما جاء في الرخصة في ذلك
1 - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال:(3/109)
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فدنا وأنصت واستمع، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام. ومن مس الحصى فقد لغا)).
2 - حدثنا نصر بن علي الجهضمي. حدثنا يزيد بن هارون. أنبأنا إسماعيل بن مسلم المكي، عن يزيد القاشي، عن أنس بن مالك،
- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من توضأ يوم الجمعة، فبها ونعمت. يجزئ عنه الفريضة. ومن اغتسل فالغسل أفضل)).
في الزوائد: إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبان الرقاشي. وقد جاء في غير ابن ماجة. من حديث عائشة وسمرة بن جندب من غير زيادة ((ويجزئ عنه الفريضة))
ومما رواه مالك في الموطأ
باب العمل في غسل يوم الجمعة
1- حدثني يحيى عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر
2- وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه كان يقول غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم كغسل الجنابة
3- وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه قال دخل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد يوم الجمعة وعمر بن الخطاب يخطب فقال عمر أية ساعة هذه فقال يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت فقال عمر والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل
4- وحدثني عن مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم(3/110)
5- وحدثني عن مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل قال مالك من اغتسل يوم الجمعة أول نهاره وهو يريد بذلك غسل الجمعة فإن ذلك الغسل لا يجزي عنه حتى يغتسل لرواحه وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث بن عمر إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل قال مالك ومن اغتسل يوم الجمعة معجلا أو مؤخرا وهو ينوي بذلك غسل الجمعة فأصابه ما ينقض وضوءه فليس عليه إلا الوضوء وغسله ذلك مجزئ عنه(3/111)
3 عثمان بن عفان
رضي الله عنه
نِسْبَةُ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
1- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن شَاهِينَ ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ ، قَالَ : عُثْمَانُ بن عَفَّانَ بن أَبِي الْعَاصِ بن أُمَيَّةَ بن عَبْدِ شَمْسِ بن عَبْدِ مَنَافِ بن قُصَيِّ بن كِلابِ بن مُرَّةَ بن كَعْبِ بن لُؤَيِّ بن غَالِبِ بن فِهْرٍ يُكَنَّى أَبَا عَمْرٍو ، وَيُقَالُ : أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، و َأُمُّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ : أَرْوَى بنتُ كَرِيزِ بن رَبِيعَةَ بن حَبِيبِ بن عَبْدِ شَمْسٍ ، وَأُمُّ أَرْوَى : أُمُّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءُ بنتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأُمُّ أُمِّ حَكِيمٍ : فَاطِمَةُ بنتُ عُمَرَ بن عَائِذِ بن عِمْرَانَ بن مَخْزُومٍ ، وَهِي جَدَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِيهِ.
2- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بن أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن شَبِيبٍ الْمَدَنِيُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن يَحْيَى الشَّجَرِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ خَازِمِ بن حُسَيْنٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن أَبِي بَكْرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : أَسْلَمَتْ أُمُّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَرْوَى بنتُ كَرِيزٍ.
صِفَةُ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ وَسِنُّهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ(4/1)
1- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ يُوسُفُ بن يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَدِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن شَدَّادِ بن الْهَادِ ، قَالَ : رَأَيْتُ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ ، عَلَيْهِ إِزَارٌ عَدَنِيُّ غَلِيظٌ ، ثَمَنُهُ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ أَوْ خَمْسَةُ ، وَرَيْطَةٌ كُوفِيَّةٌ مُمَشَّقَةٌ ، ضَرْبُ اللَّحْمِ ، طَوِيلُ اللِّحْيَةِ ، حَسَنُ الْوَجْهِ.
2- حَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ بن دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بن نِزَارٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن يَحْيَى بن طَلْحَةَ ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بن طَلْحَةَ ، قَالَ : كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا ، وَكَانَ أَجْمَلَ النَّاسِ ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَصْفَرَانِ إِزَارٌ ، وَرِدَاءٌ حَتَّى يَأْتِيَ الْمِنْبَرَ ، فَيَجْلِسَ عَلَيْهِ.
3- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بن بَدْرٍ ، عَنِ الْجَرِيرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن حَزْمٍ الْمَازِنِيِّ ، قَالَ : رَأَيْتُ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَمَا رَأَيْتُ قَطُّ ذَكَرًا ، وَلا أُنْثَى أَحْسَنَ وَجْهًا مِنْهُ .
4- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بن رُشَيْدٍ ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بن بَشِيرٍ ، حَدَّثَنَا حُجْرُ بن الْحَارِثِ الْغَسَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن عَوْفٍ الْقَارِيُّ ، قَالَ : رَأَيْتُ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَبْيَضَ اللِّحْيَةِ .(4/2)
5- حَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ بن دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن سَعْدٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَصْفَرَ اللِّحْيَةِ .
6- حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا مَوْلًى لِعُثْمَانَ ، عَنْ أُسَامَةَ بن زَيْدٍ ، قَالَ : بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، بِصَحْفَةٍ فِيهَا لَحْمٌ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ ، وَرُقَيَّةُ جَالِسَةٌ ، فَمَا رَأَيْتُ اثْنَيْنِ أَحْسَنَ مِنْهُمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَجَعَلْتُ مَرَّةً أَنْظُرُ إِلَى رُقَيَّةَ ، وَمَرَّةً أَنْظُرُ إِلَى عُثْمَانَ ، فَلَمَّا رَجَعْتُ ، قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَدَخَلْتَ عَلَيْهِمَا ؟ ، قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : هَلْ رَأَيْتَ زَوْجًا أَحْسَنَ مِنْهُمَا ، قُلْتُ : لا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ جَعَلْتُ أَنْظُرُ مَرَّةً إِلَى رُقَيَّةَ وَمَرَّةً إِلَى عُثْمَانَ ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَهَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ.
7- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عُثْمَانَ بن أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن يُونُسَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بن عَبْدِ اللَّهِ ، وَلَدُ قَيْسِ بن مَخْرَمَةَ بن الْمُطَّلِبِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ وَهِي تَغْسِلُ رَأْسَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَقَالَ : يَا بنيَّةُ ، أحْسِني إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَشْبَهُ أَصْحَابِي بِي خُلُقًا.(4/3)
8- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن سَعِيدٍ الْعَسْكَرِيُّ الرَّازِيُّ ، حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بن عَمْرٍو مُحَمَّدُ بن سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ ، عَنْ زَيْدِ بن أَبِي أُنَيْسَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بن عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى رُقَيَّةَ بنتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، امْرَأَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَفِي يَدِهَا مُشْطٌ ، فَقَالَتْ : خَرَجَ مِنْ عِنْدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آنِفًا رَجَّلْتُ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : كَيْفَ تَجِدِينَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ ، قُلْتُ : بِخَيْرٍ ، قَالَ : أَكْرِمِيهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَشْبَهِ أَصْحَابِي بِي خُلُقًا.
سِنُّ عُثْمَانُ بن عَفَّانَ وَوَفَاتُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
1- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ التَّيْمِيِّ ح ، وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانَ ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بن سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، قَالَ : قُتِلَ عُثْمَانُ بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ .
2- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالَ : سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ بن بَكَّارٍ ، يَقُولُ : قُتِلَ عُثْمَانُ بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِثَمَانَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ بَعْدَ الْعَصْرِ ، وَهُوَ ابْنُ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ صَائِمًا .(4/4)
3- حَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ بن دَاوُدَ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن سَعِيدٍ الرَّقِّيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن عَقِيلٍ ، قَالَ : قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاثِينَ .
4- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدِ بن عِرْقٍ الْحِمْصِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مُصَفَّى ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بن الْوَلِيدِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن عَقِيلٍ ، قَالَ : قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاثِينَ .
5- حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ ، قَالَ : كَانَتِ الشُّورَى فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، لِثَلاثٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ ، ثُمَّ قُتِلَ عُثْمَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، تَمَامَ سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاثِينَ ، وَسِنُّهُ ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ سَنَةً ، وَكَانَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ ، وَكَانَتْ وِلايَةُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً .(4/5)
7- حَدَّثَنَا عَمْرُو بن أَبِي الطَّاهِرِ بن السَّرْحِ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ الْحَكَمِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الْمَاجِشُونُ ، قَالَ : سَمِعْتُ مَالِكًا ، يَقُولُ : قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَأَقَامَ مَطْرُوحًا عَلَى كُنَاسَةِ بني فُلانٍ ثَلاثًا ، فَأَتَاهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلا ، فِيهِمْ جَدِّي مَالِكُ بن أَبِي عَامِرٍ ، وَحُوَيْطِبُ بن عَبْدِ الْعُزَّى ، وَحَكِيمُ بن حِزَامٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ ، وَعَائِشَةُ بنتُ عُثْمَانَ مَعَهُمْ مِصْبَاحٌ فِي حِقٍّ ، فَحَمَلُوهُ عَلَى بَابٍ ، وَإِنَّ رَأْسَهُ ، يَقُولُ عَلَى الْبَابِ طَقْ طَقْ حَتَّى أَتَوْا بِهِ الْبَقِيعَ ، فَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلاةِ عَلَيْهِ ، فَصَلَّى عَلَيْهِ حَكِيمُ بن حِزَامٍ أَوْ حُوَيْطِبُ بن عَبْدِ الْعُزَّى شَكَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ أَرَادُوا دَفْنَهُ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بني مَازِنٍ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَئِنْ دَفَنْتُمُوهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ، لأُخْبِرَنَّ النَّاسَ ، فَحَمَلُوهُ حَتَّى أَتَوْا بِهِ إِلَى حَشِّ كَوْكَبٍ ، فَلَمَّا دَلُّوهُ فِي قَبْرِهِ صَاحَتْ عَائِشَةُ بنتُ عُثْمَانَ ، فَقَالَ لَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ : اسْكُتِي فَوَاللَّهِ لَئِنْ عُدْتِ لأَضْرِبَنَّ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكِ ، فَلَمَّا دَفَنُوهُ وَسَوَّوْا عَلَيْهِ التُّرَابَ ، قَالَ لَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ : صِيحِي مَا بَدَا لَكِ أَنْ تَصِيحِي ، قَالَ مَالِكٌ وَكَانَ عُثْمَانُ بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّ بِحُشٍّ كَوْكَبٍ ، فَيَقُولُ : لَيُدْفَنَنَّ هَهُنَا رَجُلٌ صَالِحٌ ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ : الْحُشُّ : الْبُسْتَانُ .(4/6)
8- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عَبْدِ الْوَهَّابِ بن نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بن الضَّحَّاكِ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عَيَّاشٍ ، أنا مُحَمَّدُ بن يَزِيدَ الرَّحَبِيُّ ، حَدَّثَنَا سَهْمُ بن حُبَيْشٍ ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ قَتْلَ عُثْمَانَ ، قَالَ : فَلَمَّا أَمْسَيْنَا قُلْتُ : لَئِنْ تَرَكْتُمْ صَاحِبَكُمْ حَتَّى يُصْبِحَ مَثَّلُوا بِهِ ، فَانْطَلِقُوا بِهِ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، فَأَمْكَنَّا لَهُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، ثُمَّ حَمَلْنَاهُ وَغَشِيَنَا سَوَادٌ مِنْ خَلْفِنَا ، فَهِبْنَاهُمْ حَتَّى كِدْنَا أَنَّ نَتَفَرَّقَ عَنْهُ ، فَنَادَى مُنَادٍ : لا رَوْعَ عَلَيْكُمْ ، اثْبُتُوا ، فَإِنَّا قَدْ جِئْنَا لِنَشْهَدَهُ مَعَكُمْ ، وَكَانَ ابْنُ حُبَيْشٍ ، يَقُولُ : هُمْ وَاللَّهِ الْمَلائِكَةُ .(4/7)
9- حَدَّثَنَا عَمْرُو بن أَبِي الطَّاهِرِ بن السَّرْحِ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بن بَشِيرٍ الأَنْصَارِيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن غُرَابٍ الْمُحَارِبِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَعَنْ يَمِينِهِ عَمَّارُ بن يَاسِرٍ ، وَعَنْ يَسَارِهِ مُحَمَّدُ بن أَبِي بَكْرٍ ، إِذْ جَاءَ غُرَابُ بن فُلانٍ الصَّيْدَنِيُّ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا تَقُولُ فِي عُثْمَانَ ؟ فَبَدَرَهُ الرَّجُلانِ ، فَقَالا : عَمَّ تَسْأَلُ ؟ عَنْ رَجُلٍ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ وَنَافَقَ ؟ ، فَقَالَ الرَّجُلُ لَهُمَا : لَسْتُ إِيَّاكُمَا أَسْأَلُ ، وَلا إِلَيْكُمَا جِئْتُ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيّ : لَسْتُ أَقُولُ مَا قَالا ، فَقَالا لَهُ جَمِيعًا : فِلِمَ قَتَلْنَاهُ إِذًا ؟ قَالَ : وُلِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَسَاءَ الْوَلايَةَ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ ، وَجَزَعْتُمْ ، فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَعُثْمَانُ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر : 47 ].(4/8)
10- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بن سَعِيدٍ ، عَنْ عُمَيْرِ بن زَوْدِيٍّ ، قَالَ : خَطَبَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّاسَ ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ إِلا مَنْ قَتَلَ عُثْمَانَ ، لا أَدْخَلُهَا ، وَلَئِنْ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ قَتَلَ عُثْمَانَ لا أَدْخَلُهَا ، قَالَ : فَلَمَّا نَزَلَ قِيلَ لَهُ : تَكَلَّمْتَ بِكَلِمَةٍ فَرَّقْتَ عَلَيْكَ بِهَا أَصْحَابَكَ ، فَخَطَبَهُمْ ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ : أَلا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَتَلَ عُثْمَانَ وَأَنَا مَعَهُ ، قَالَ حَمَّادٌ ، وَحَدَّثَنَا حَبِيبُ بن الشَّهِيدِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ ، قَالَ : كَلِمَةٌ قُرَشِيَّةٌ لَهَا وَجْهَانِ ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ : كَأَنَّهُ يَعْنِي : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَتَلَهُ وَأَنَا مَعَهُ مَقْتُولٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.(4/9)
11- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بن سَعِيدٍ ، عَنْ عُمَيْرِ بن زَوْدِيٍّ ، قَالَ : خَطَبَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَطَعُوا عَلَيْهِ خُطْبَتَهُ ، فَقَالَ : إِنَّمَا وَهَنْتُ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلا ، مَثَلَ ثَلاثَةِ أَثْوَارٍ وَأَسَدٍ اجْتَمَعْنَ فِي أَجَمَةٍ أَسْوَدَ ، وَأَحْمَرَ ، وَأَبْيَضَ ، وَكَانَ الأَسَدُ إِذَا أَرَادَ وَاحِدًا مِنْهُنَّ اجْتَمَعْنَ عَلَيْهِ فَامْتَنَعْنَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ الأَسَدُ لِلأَسْوَدِ وَالأَحْمَرِ : إِنَّمَا يَفْضَحُنَا فِي أَجَمَتِنَا ، وَيُشْهِرُنَا هَذَا الأَبْيَضُ ، فَدَعَانِي حَتَّى آكُلَهُ ، فَلَوْنُكُمَا عَلَى لَوْنِي ، وَلَوْنِي عَلَى لَوْنِكُمَا ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ الأَسَدُ ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَتَلَهُ ، ثُمَّ قَالَ لِلأَسْوَدِ : إِنَّمَا يَفْضَحُنَا وَيُشْهِرُنَا فِي أَجَمَتِنَا هَذَا الأَحْمَرُ ، فَدَعْنِي حَتَّى آكُلَهُ ، فَلَوْنِي عَلَى لَوْنِكَ ، وَلَوْنُكَ عَلَى لَوْنِي ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ قَالَ لِلأَسْوَدِ : إِنِّي آكُلُكَ ، قَالَ : دَعْنِي أُصَوِّتُ ثَلاثَةَ أَصْوَاتٍ ، فَقَالَ : أَلا إِنَّمَا أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الأَبْيَضُ ، أَلا إِنَّمَا أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الأَبْيَضُ ، أَلا إِنَّمَا أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الأَبْيَضُ ، أَلا إِنَّمَا وَهَنْتُ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ.(4/10)
12- حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ ، حَفْصُ بن عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن أَبِي جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : لَقِيَ مَسْرُوقٌ الأَشْتَرَ ، فَقَالَ مَسْرُوقٌ للأَشْتَرِ : قَتَلْتُمْ عُثْمَانَ ؟ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ قَتَلْتُمُوهُ صَوَّامًا قَوَّامًا ، قَالَ : فَانْطَلَقَ الأَشْتَرُ فَأَخْبَرَ عَمَّارًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَأَتَى عَمَّارٌ مَسْرُوقًا ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَيُجْلَدَنَّ عَمَّارٌ ، وَلَيُسَيِّرَنَّ أَبَا ذَرٍّ ، وَلَيَحْمِيَنَّ الْحِمَى ، وَتَقُولُ : قَتَلْتُمُوهُ صَوَّامًا قَوَّامًا ، فَقَالَ لَهُ مَسْرُوقٌ : فَوَاللَّهِ مَا فَعَلْتُمْ وَاحِدًا مِنْ ثِنْتَيْنِ ، مَا عَاقَبْتُمْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ، وَمَا صَبَرْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ، قَالَ : فَكَأَنَّمَا ألْقَمَهُ حَجَرًا ، قَالَ : وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : وَمَا وَلَدَتْ هَمْدَانِيَّةٌ مِثْلَ مَسْرُوقٍ.
13- حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن يَحْيَى بن حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بن عَمْرٍو ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ عَلْقَمَةَ بن وَقَّاصٍ ، قَالَ : اجْتَمَعْنَا فِي دَارِ مَخْرَمَةَ بَعْدَمَا قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نُرِيدُ الْبَيْعَةَ ، فَقَالَ أَبُو جَهْمِ بن حُذَيْفَةَ : إِنَّا مَنْ بَايَعَنَا مِنْكُمْ فَإِنَّا لا نَحُولُ دُونَ قِصَاصٍ ، فَقَالَ عَمَّارُ بن يَاسِرٍ : أَمَّا مِنْ دَمِ عُثْمَانَ فَلا ، فَقَالَ أَبُو جَهْمٍ : يَا ابْنَ سُمَيَّةَ وَاللَّهِ لَتُقَادَنَّهُ مِنْ جَلَدَاتٍ جُلِدْتَهَا ، وَلا يُقَادُ لِدَمِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَانْصَرَفُوا يَوْمَئِذٍ عَنْ غَيْرِ بَيْعَةٍ.(4/11)
14- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن الْحَسَنِ الْعَطَّارُ الْبَصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن إِبْرَاهِيمَ ، أنا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي وَثَّابٌ ، وَكَانَ مِمَّنْ أَدْرَكَهُ عِتْقُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَكَانَ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ ، قَالَ : بَعَثَنِي عُثْمَانُ فَدَعَوْتُ لَهُ الأَشْتَرَ ، فَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ : فَأَظُنُّهُ ، قَالَ : فَطَرَحْتُ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وِسَادَةً ، وَلَهُ وِسَادَةٌ ، فَقَالَ : يَا أَشْتَرُ ، مَا يُرِيدُ النَّاسُ مِنِّي ؟ ، قَالَ : ثَلاثًا مَا مِنْ إِحْدَاهُنِّ بُدٌّ ، قَالَ : مَا هُنَّ ؟ ، قَالَ : يُخَيِّرُونَكَ بَيْنَ أَنْ تَخْلَعَ لَهُمْ أَمْرَهُمْ ، فَتَقُولَ : هَذَا أَمْرُكُمْ ، فَاخْتَارُوا لَهُ مَنْ شِئْتُمْ ، وَبَيْنَ أَنْ تَقُصَّ مِنْ نَفْسِكَ ، فَإِنْ أَبَيْتَ هَذَيْنِ فَإِنَّ الْقَوْمَ قَاتِلُوكَ ، قَالَ : مَا مِنْ إِحْدَاهُنَّ بُدٌّ ؟ ، قَالَ : مَا مِنْ إِحْدَاهُنَّ بُدٌّ ، قَالَ : أَمَّا أَنْ أَخْلَعَ لَهُمْ أَمْرَهُمْ فَمَا كُنْتُ لأَخْلَعَ سِرْبَالا سُرْبِلْتُهُ ، قَالَ : وَقَالَ الْحَسَنُ : قَالَ : وَاللَّهِ لأَنْ أُقَدَّمَ فَيُضْرَبَ عُنُقِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَخْلَعَ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ، قَالَ ابْنُ عَوْنٍ : وَهَذَا أَشْبَهُ بِكَلامِ عُثْمَانَ ، وَأَمَّا أَنْ أَقُصَّ مِنْ نَفْسِي ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ صَاحِبَيْ بَيْنَ يَدَيْ كَانَا يُعَاقَبَانِ ، وَمَا يَقُومُ بَدَنِي للقِصَاصِ ، وَأَمَّا أَنْ تَقْتُلُونِي فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُونِي لا تُحَابُّونَ بَعْدِي أَبَدًا ، وَلا تُقَاتِلُونَ بَعْدِي عَدُوًّا جَمِيعًا أَبَدًا ، فَقَامَ الأَشْتَرُ(4/12)
فَانْطَلَقَ ، فَمَكَثْنَا ، فَقُلْنَا : لَعَلَّ النَّاسَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ ذِئْبٌ فَاطَّلَعَ مِنْ بَابٍ ، ثُمَّ رَجَعَ ، ثُمَّ جَاءَ مُحَمَّدُ بن أَبِي بَكْرٍ فِي ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ ، فَقَالَ بِهَا ، وَقَالَ بِهَا ، حَتَّى سَمِعْتُ وَقْعَ أَضْرَاسِهِ ، وَقَالَ مَا أَغْنَى عَنْكَ مُعَاوِيَةُ ، مَا أَغْنَى عَنْكَ ابْنُ عَامِرٍ ، مَا أَغْنَى عَنْكَ كُتُبُكَ ، قَالَ : أَرْسِلْ لِحْيَتِي يَا ابْنَ أَخِي ، أَرْسِلْ لِحْيَتِي يَا ابْنَ أَخِي ، قَالَ : فَأَنَا رَأَيْتُهُ اسْتَدْعَى رَجُلا مِنَ الْقَوْمِ بِعَيْنِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ بِمِشْقَصٍ حَتَّى وَجَأَهُ بِهِ فِي رَأْسَهِ ، قُلْتُ : ثُمَّ مَهْ ، قَالَ : ثُمَّ تَعَانُوا عَلَيْهِ ، وَاللَّهِ حَتَّى قَتَلُوهُ.
15- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن الْحَسَنِ الْعَطَّارُ ، حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ ، أَنَّ مُحَمَّدَ بن أَبِي حُذَيْفَةَ بن عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ ، وَكَعْبًا ، رَكِبَا سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَا كَعْبُ ، أَمَا تَجِدُ سَفِينَتَنَا هَذِهِ فِي التَّوْرَاةِ كَيْفَ تَجْرِي ؟ فَقَالَ : لا وَلَكِنْ أَجِدُ فِيهَا رَجُلا أَشْقَى الْفِتْيَةَ مِنْ قُرَيْشٍ يَنْزُو فِي الْفِتْنَةِ كَمَا يَنْزُو الْحِمَارُ ، لا تَكُنْ أَنْتَ هُوَ ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : فَزَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ هُوَ.(4/13)
16- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بن صَدَقَةَ الْبَغْدَادِيُّ ، وَإِسْحَاقُ بن دَاوُدَ الصَّوَّافُ التُّسْتَرِيُّ ، قَالا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن خَالِدِ بن خِدَاشٍ ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بن قُتَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ ، عَنِ الْحَسَنِ ، حَدَّثَنِي سَيَّافُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ ، فَقَالَ : ارْجِعِ ابْنَ أَخِي فَلَسْتَ بِقَاتِلِي ، قَالَ : وَكَيْفَ عَلِمْتَ ذَاكَ ؟ ، قَالَ : لأَنَّهُ ، أُتِيَ بِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَابِعِكَ فَحَنَّكَكَ ، وَدَعَا لكَ بِالْبَرَكَةِ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ : ارْجِعِ ابْنَ أَخِي فَلَسْتَ بِقَاتِلِي ، قَالَ : بِمَ تَدْرِي ذَلِكَ ؟ ، قَالَ : لأَنَّهُ ، أُتِيَ بِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَابِعِكَ فَحَنَّكَكَ وَدَعَا لكَ بِالْبَرَكَةِ ، قَالَ : ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بن أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَ : أَنْتَ قَاتِلِي ، قَالَ : وَمَا يُدْرِيكَ يَا نَعْثَلُ ؟ ، قَالَ : لأَنَّهُ أُتِيَ بِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَابِعِكَ لَيُحَنِّكَكَ وَيَدْعُو لَكَ بِالْبَرَكَةِ فَخَرَيْتَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَوَثَبَ عَلَى صَدْرِهِ وَقَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ ، فَقَالَ : إِنْ تَفْعَلْ كَانَ يَعِزُّ عَلَى أَبِيكَ أَنْ تَسُوءَهُ ، قَالَ : فَوَجَأَهُ فِي نَحْرِهِ بِمَشَاقِصَ كَانَتْ فِي يَدِهِ.(4/14)
17- حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عَبْدِ الْبَاقِي الأَذَنِيُّ ، حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبُ بن وَاضِحٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن الْمُبَارَكِ ، عَنْ يُونُسَ بن يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : لَمَّا ضَرَبَ الرَّجُلُ يَدَ عُثْمَانَ ، قَالَ : إِنَّهَا لأَوَّلُ يَدٍ خَطَّتِ الْمُفَصَّلَ .
18- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدِ بن عِرْقٍ الْحِمْصِيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُهَاجِرِ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بن سَالِمٍ ، أَنَّ عُمَيْرَ بن رَبِيعَةَ ، حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ الأَحْبَارِ ، فَقَالَ : يَا كَعْبُ ، كَيْفَ تَجِدُ نَعْتِي ؟ ، قَالَ : أَجِدُ نَعْتَكَ قَرْنًا مِنْ حَدِيدٍ ، قَالَ : وَمَا قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ ؟ ، قَالَ : أَمِيرٌ سَدِيدٌ لا يَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ ، قَالَ : ثُمَّ مَهْ ؟ ، قَالَ : ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَكَ خَلِيفَةٌ تَقْتُلُهُ فِئَةٌ ظَالِمَةٌ ، قَالَ : ثُمَّ مَهْ ؟ ، قَالَ : ثُمَّ يَكُونُ الْبَلاءُ.
19- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن النَّضْرِ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بن عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بن زَيْدٍ ، يَقُولُ : وَاللَّهِ لَوِ انْقَضَّ أَحَدٌ فِيمَا فَعَلْتُمْ بِابْنِ عَفَّانَ لَكَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ.(4/15)
20- حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ ، وَالْحَسَنُ بن الْمُثَنَّى الْعَنْبَرِيُّ ، وعلي بن عبد العزيز ، قَالُوا : حَدَّثَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ ، حَدَّثَنَا الصَّعْقُ بن حَزْنٍ ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيُّ ، قَالَ : خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَقَالَ : لَوْ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَطْلُبُوا بِدَمِ عُثْمَانَ لَرُجِمُوا بِالْحِجَارَةِ مِنَ السَّمَاءِ.
21- حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بن يَحْيَى السَّاجِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أَبِي صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ ، حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بن خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بن خَالِدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ ، يَقُولُ : أُخِذَ الْفَاسِقُ مُحَمَّدُ بن أَبِي بَكْرٍ فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ مِصْرَ ، فَأُدْخِلَ فِي جَوْفِ حِمَارٍ فَأُحْرِقَ .
22- حَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ بن دَاوُدَ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَدِ النَّضْرُ بن عَبْدِ الْجَبَّارِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بن عَمْرٍو الْمَعَافِرِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا ثَوْرٍ النَّهْمِيَّ يُحَدِّثُ ، عَنْ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : لَقَدِ اخْتَبَأْتُ عِنْدَ رَبِّي عَشْرًا ، إِنِّي لَرَابِعُ أَرْبَعَةٍ فِي الإِسْلامِ ، وَمَا تَعَنَّيْتُ ، وَلا تَمَنَّيْتُ ، وَلا وَضَعْتُ يَمِينِي عَلَى فَرْجِي ، مُنْذُ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا مَرَّتْ عَلَيَّ جُمُعَةٌ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلا وَأَنَا أَعْتِقُ فِيهَا رَقَبَةً ، إِلا أَنْ لا يَكُونَ عِنْدِي فَأَعْتِقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إِسْلامٍ.(4/16)
23- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن النَّضْرِ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بن عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ ، حَدَّثَنَا كُلَيْبُ بن وَائِلٍ ، عَنْ حَبِيبِ بن أَبِي مُلَيْكَةَ يُكَنَّى أَبَا ثَوْرٍ ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ : أَرَأَيْتَ عُثْمَانَ ؟ هَلْ شَهِدَ بَدْرًا ؟ ، فَقَالَ : لا ، أَمَّا يَوْمَ بَدْرٍ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ فِي حَاجَتِكَ وَحَاجَةِ رَسُولِكَ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ.
24- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَمْرِو بن خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، قَالَ عُثْمَانُ بن عَفَّانَ : تَخَلَّفَ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى امْرَأَتِهِ بنتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَتْ وَجِعَةً مَعَرَّةً ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ ، قَالَ : وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَأَجْرُكَ .(4/17)
25- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن يَزِيدَ بن هَارُونَ الْمَكِّيُّ الْقَزَّازُ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بن أَبِي شَمْلَةَ ، عَنْ مُوسَى بن يَعْقُوبَ الزَّمْعِيِّ ، عَنْ أَخِيهِ مُحَمَّدِ بن يَعْقُوبَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن رَافِعٍ ، عَنْ أُمِّهِ ، قَالَتْ : خَرَجَتِ الصَّعْبَةُ بنتُ الْحَضْرَمِيِّ ، فَسَمِعْنَاهَا تَقُولُ لابْنِهَا طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ ، إِنَّ عُثْمَانَ قَدِ اشْتَدَّ حَصْرُهُ ، فَلَوْ كَلَّمْتَ فِيهِ حَتَّى يُرَفَّهُ عَنْهُ ، قَالَتْ : وَطَلْحَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَغْسِلُ أَحَدَ شِقَّيْ رَأْسَهِ فَلَمْ يُجِبْهَا ، فَأَدْخَلَتْ يَدَيْهَا فِي كُمِّ دَرْعِهَا فَأَخْرَجَتْ ثَدْيَيْهَا ، وَقَالَتْ : أَسْأَلُكَ بِمَا حَمَلْتُكَ وَأرْضَعْتُكَ إِلا فَعَلْتَ ، فَقَامَ وَلَوَى شِقَّ شَعْرِ رَأْسِهِ حَتَّى عَقَدَهُ وَهُوَ مَغْسُولٌ ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي جَنْبِ دَارِهِ ، فَقَالَ طَلْحَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَعَهُ أُمُّهُ ، وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بن رَافِعٍ لَوْ رَفَّهْتَ عَنْ هَذَا فَقَدِ اشْتَدَّ حَصْرُهُ ، قَالَ : فَنَقَرَ بِقَدَحٍ فِي يَدِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ مِنْ هَذَا شَيْئًا تَكْرَهُهُ .
قَالَ : وَأَنْشَدَنَا أَبُو خَلِيفَةَ ، قَالَ : أنْشَدَنَا الْعَبَّاسُ بن الْفَرَجِ الرِّيَاشِيُّ لِلَيْلَى الأَخْيَلِيَّةِ :
أَبْعَدَ عُثْمَانَ تَرْجُو الْخَيْرَ أُمَّتهُ قَدْ كَانَ أَفْضَلَ مَنْ يَمْشِي عَلَى سَاقِ
خَلِيفَةُ اللَّهِ أَعْطَاهُمْ وَخَوَّلَهُمْ مَا كَانَ مِنْ ذَهَبٍ حُلْوٍ وَأَوْرَاقِ
فَلا تَكْذِبْ بَوْعِدِ اللَّهِ وَاتّقه وَلا تَكُونَنَّ عَلَى شَيْءٍ بِإِشْفَاقِ(4/18)
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ سَوْفَ أَفْعَلُهُ قَدْ قَدَّرَ اللَّهُ مَا كُلُّ امْرِئٍ لاقِ
26- أَنْشَدَنَا أَبُو خَلِيفَةَ ، قَالَ : أنْشَدَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ التُّوزِيُّ ، قَالَ أَبُو خَلِيفَةَ وَسَأَلْتُ عَنْهُ الرِّيَاشِيَّ ، فَقَالَ : هُوَ لِحَسَّانِ بن ثَابِتٍ :
وَتَرَكْتُمُ غَزْوَ الدُّرُوبِ وَجِئْتُمُ لِقِتَالِ قَوْمٍ عِنْدَ قَبْرِ مُحَمَّدِ
فَلَيْسَ هَدْيُ الصَّالِحِينَ هُدِيتُمُ وَلَيْسَ فِعْلَ الْعَابِدِ المتَهَجِّدِ
27- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، أَنَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، كَانَ إِذَا جَاءَهُ مَنْ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاةِ ، قَالَ : مَرْحَبًا بِالْقَائِلِينَ عَدْلا ، وَبِالصَّلاةِ مَرْحَبًا وَأَهْلا .
28 حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا سَلامُ بن مِسْكِينٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ ، قَالَ : قَالَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ أَطَافُوا بِهِ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ : إِنْ تَقْتُلُوهُ أَوْ تَتْرُكُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ يَجْمَعُ فِيهَا الْقُرْآنَ .(4/19)
29- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بن فَضَالَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ ، يَقُولُ : أَدْرَكْتُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ رَاهَقْتُ الْحُلُمَ ، فَسَمِعْتُهُ يَخْطُبُ ، وَشَهِدْتُهُ ، يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، مَا تَنْقِمُونَ عَلَيَّ ؟ ، قَالَ : وَمَا مِنْ يَوْمٍ إِلا وَهُمْ يَقْتَسِمُونَ فِيهِ خَيْرًا ، يَقُولُ : يَا مَعْشَرَ النَّاسِ ، اغْدُوا عَلَى عَطِيَّاتِكُمْ فَيَغْدُونَ فَيَأْخُذُونَهَا وَافِرَةً ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، اغْدُوا عَلَى كِسْوَتِكُمْ ، فَيُجَاءُ بِالْحُلَلِ فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ ، قَالَ الْحَسَنُ : وَالْعَدُوُّ مَنْفِيُّ ، وَالْعَطِيَّاتُ دَارَّةٌ ، وَذَاتُ الْبَيْنِ حَسَنٌ ، وَالْخَيْرُ كَثِيرٌ ، مَا عَلَى الأَرْضِ مُؤْمِنٌ يَخَافُ مُؤْمِنًا ، مَنْ لَقِيَ مِنْ أَيِّ الأَحْيَاءِ كَانَ فَهُوَ أَخُوهُ وَمَوَدَّتُهُ وَنُصْرَتُهُ ، وَالْفِتْنَةُ أَنْ يَسُلَّ عَلَيْهِ سَيْفًا.
30- حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ ، حَدَّثَنَا حَزْمُ بن أَبِي حَزْمٍ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ ، يَقُولُ : لأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَأَنْقَطِعَ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ شَرِكْتُ فِي دَمِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.(4/20)
31- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بن الْحُبَابِ أَبُو خَلِيفَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ ، حَدَّثَنَا حَزْمٌ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، قَالَ : سَمِعْتُ طَلِيقَ بن خَشَّافٍ ، يَقُولُ : وَفَدْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَنَنْظُرَ فِيمَ قُتِلَ عُثْمَانُ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَرَّ مِنَّا بَعْضٌ إِلَى عَلِيٍّ ، وَبَعْضٌ إِلَى الْحُسَيْنِ بن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَبَعْضٌ إِلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهَا فَرَدَّتِ السَّلامَ ، فَقَالَتْ : وَمَنِ الرَّجُلُ ؟ ، قُلْتُ : مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، فَقَالَتْ : مِنْ أَيِّ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ؟ ، قُلْتُ : مِنْ بَكْرِ بن وَائِلٍ ، قَالَتْ : مِنْ أَيِّ بَكْرِ بن وَائِلٍ ؟ ، قُلْتُ : مِنْ بني قَيْسِ بن ثَعْلَبَةَ ، قَالَتْ : أَمِنْ أَهْلِ فُلانٍ ؟ ، فَقُلْتُ لَهَا : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، فِيمَ قُتِلَ عُثْمَانُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؟ ، قَالَتْ : قُتِلَ وَاللَّهِ مَظْلُومًا ، لَعَنَ اللَّهُ قَتَلَتَهُ ، أَقَادَ اللَّهُ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ بِهِ ، وَسَاقَ اللَّهُ إِلَى أَعْيُنِ بني تَمِيمٍ هَوَانًا فِي بَيْتِهِ ، وَأَهْرَاقَ اللَّهُ دِمَاءَ بني بُدَيْلٍ عَلَى ضَلالَةٍ ، وَسَاقَ اللَّهُ إِلَى الأَشْتَرِ سَهْمًا مِنْ سِهَامِهِ ، فَوَاللَّهِ مَا مِنَ الْقَوْمِ رَجُلٌ إِلا أَصَابَتْهُ دَعْوَتُهَا.
32- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَلِيٍّ الصَّائِغُ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بن زِيَادٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بن أَبِي حَبِيبٍ ، أَنَّ عَامَّةَ الرَّكْبِ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى عُثْمَانَ جُنُّوا .(4/21)
33- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن النَّضْرِ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بن عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بن أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ شَقِيقِ بن سَلَمَةَ ، قَالَ : لَقِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ الْوَلِيدَ بن عُقْبَةَ ، فَقَالَ : مَا لِي أَرَاكَ قَدْ جَفَوْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أُبَلِّغُهُ أَنِّي لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ بَدْرٍ ، فَخُبِّرَ بِذَلِكَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ أَمَّا قَوْلُهُ إِنِّي لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ بَدْرٍ ، فَإِنِّي كُنْتُ أُمَرِّضُ رُقَيَّةَ بنتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَتْ وَلَقَدْ ضَرَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمٍ ، وَمَنْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمٍ فَقَدْ شَهِدَ .
34- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن هَارُونَ ، أنا الْعَوَّامُ بن حَوْشَبٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن جُمْهَانَ ، عَنْ سَفِينَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْخِلافَةُ بَعْدِي فِي أُمَّتِي ثَلاثُونَ سَنَةً ، قَالَ : فَحَسِبْنَا ، فَوَجَدْنَا : أَبُو بَكْرٍ سَنَتَيْنِ وَعُمَرُ عَشْرٍ ، وَعُثْمَانُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ، وَعَلِيٌّ سِتٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.(4/22)
35- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بن أَبِي مُوسَى الأَنْطَاكِيُّ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن كَعْبٍ الْحَلَبِيُّ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بن مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن يَزِيدَ بن جَابِرٍ ، وَعَبْدُ الْغَفَّارِ بن إِسْمَاعِيلَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَشْعَرِيِّ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهُ ، زَعَمُوا أَنَّكَ قُلْتَ : سَيْكَفُرُ قَوْمٌ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ، قَالَ : أَجَلْ ، وَلَسْتَ مِنْهُمْ فَتُوُفِّيَ أَبُو ا لدَّرْدَاءِ قَبْلَ قَتْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.
36- حَدَّثَنَا عَبَّادُ بن عَلِيٍّ السِّيرِينِيُّ ، حَدَّثَنَا بَكَّارُ بن مُحَمَّدٍ السِّيرِينِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ ، عَنْ عُقْبَةَ بن أَوْسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو ، قَالَ : عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ قُتِلَ مَظْلُومًا.
37- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامِ بن حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ ، عَنْ عُقْبَةَ بن أَوْسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَصَبْتُمْ ، اسْمُهُ عُمَرُ قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ ، عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ أَصَبْتُمُ اسْمَهُ ، قُتِلَ مَظْلُومًا أُوتِيَ كِفْلَيْنِ مِنَ الأَجْرِ.(4/23)
38- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن سِنَانٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ ، يَقُولُ : حِينَ بُويِعَ لِعُثْمَانَ : مَا أَلَوْنَا عَنْ أَعْلاهَا ذَا فَوْقٍ.
39- حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بن شُعَيْبٍ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بن سَعْدٍ ، عَنْ خَالِدِ بن يَزِيدَ ، عَنْ سَعِيدِ بن أَبِي هِلالٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بن سَيْفٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً : أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لا يَلْبَثُ إِلا قَلِيلا ، وَصَاحِبُ رَحَى دَارَةِ الْعَرَبِ يَعِيشُ حَمِيدًا ، وَيُقْتَلُ شَهِيدًا ، فَقَالَ رَجُلٌ : مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : عُمَرُ بن الْخَطَّابِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عُثْمَانَ ، فَقَالَ : وَأَنْتَ سَيَسْأَلُكَ النَّاسُ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصًا كَسَاكَ اللَّهُ إِيَّاهُ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَئِنْ خَلَعْتَهُ لا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ.(4/24)
41- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا بَشَّارُ بن مُوسَى الْخَفَّافُ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن زِيَادٍ الْبُرْجُمِيُّ ، إِمَامُ مَسْجِدِ مُحَمَّدِ بن وَاسِعٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ النَّضْرِ بن أَنَسٍ ، عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، قَالَ : خَرَجَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَمَعَهُ رُقَيَّةُ بنتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَاحْتَبَسَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُهُمْ ، وَكَانَ يَخْرُجُ يَتَوَكَّفُ عَنْهُمُ الْخَبَرَ ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَخْبَرَتْهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ عُثْمَانَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللَّهِ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ.
42- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا مُوسَى بن عُبَيْدَةَ ، عَنْ إِيَاسِ بن سَلَمَةَ بن الأَكْوَعِ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ عُثْمَانَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَبَايَعَ أَصْحَابَهُ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ ، بَايَعَ لِعُثْمَانَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى ، فَقَالَ النَّاسُ : هَنِيئًا لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ آمِنًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ مَكَثَ كَذَا وَكَذَا مَا طَافَ حَتَّى أَطُوفَ.
وفي صفة الصفوة لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
أبو عبد الله عثمان بن عفان رضي الله عنه(4/25)
ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أمه أورى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس أسلمت وكان عثمان يكنى في الجاهلية أبا عمرو فلما ولدت له في الإسلام رقية غلاما سماه عبد الله واكتنى به.
-- أسلم عثمان قديما قبل دخول رسول الله. صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين ولما خرج رسول الله. صلى الله عليه وسلم إلى بدر خلفه على ابنته رقية يمرضها وضرب له بسهمه واجره فكان كمن شهدها وزوجه رسول الله. صلى الله عليه وسلم أم كلثوم بعد رقية وقال لو كان عندي ثالثة لزوجتها عثمان وسمي ذا النورين لجمعه بين بنتي رسول الله. صلى الله عليه وسلم وبايع عنه رسول الله. صلى الله عليه وسلم بيده في بيعة الرضوان.
ذكر صفته رضي الله عنه
- كان ربعة ابيض وقيل اسمر رقيق البشرة حسن الوجه عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين كثير شعر الرأس عظيم اللحية يصفرها.
*عن الحسن قال نظرت إلى عثمان فإذا رجل حسن الوجه وإذا بوجنته نكات جدري وإذا شعره قد كسا ذراعه.
ذكر أولاده رضي الله عنه
-وكان له من الولد عبد الرحمن بن رقية عبد الله الأصغر أمه فاختة بنت غزوان وعمرو وخالد وإبان عمر ومريم أمهم أم عمرو بنت جندب من الازد والوليد وسعيد وأم سعيد أمهم فاطمة بنت الوليد وعبد الملك أمه أم البنين بنت عيينة بن حصن وعائشة وأم إبان وأم عمرو امهن رملة بنت شيبة بن ربيعة ومريم أمها نائلة بنت الفرافصة وأم البنين أمها أم ولد.
ذكر جملة من فضائله رضي الله عنه(4/26)
* عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم كان جالسا كاشفا عن فخذه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله ثم أستأذن عمر وهو على حاله ثم أستأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه فلما قاموا قلت يا رسول الله أستأذن عليك أبو بكر وعمر فأذنت لهما وأنت على حالك فلما أستأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك فقال يا عائشة ألا استحيي من رجل والله أن الملائكة لتستحيي منه انفرد بإخراجه مسلم.
*وعن عثمان هو ابن موهب قال جاء رجل من أهل مصر حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال من هؤلاء القوم قال هؤلاء قريش قال فمن الشيخ فيهم قالوا عبد الله بن عمر قال يا ابن عمر اني سائلك عن شيء فحدثني عنه هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد قال نعم فقال هل تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد قال نعم قال هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها قال نعم قال الله اكبر.
قال ابن عمر تعال أبين لك أما فراره يوم أحد فاشهد أن الله عفا عنه وغفر له وأما تغيبه عن بدر فانه كان تحته بنت رسول الله. صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له رسول الله. صلى الله عليه وسلم أن لك اجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث رسول الله. صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان.
فقال له ابن عمر أذهب بها الآن معك رواه البخاري.
*وعن أبي سعيد الخدري قال رأيت رسول الله. صلى الله عليه وسلم من أول الليل إلى أن طلع الفجر رافعا يديه يدعو لعثمان اللهم عثمان رضيت عنه فأرض عنه.
ذكر تنبيه الرسول عليه السلام عثمان على ما سيجري عليه رضي الله عنه(4/27)
*عن عائشة قالت كنت عند النبي. صلى الله عليه وسلم فقال يا عائشة لو كان عندنا من يحدثنا قالت قلت يا رسول الله ألا ابعث إلى أبي بكر فسكت ثم قال لو كان عندنا من يحدثنا فقلت ألا أبعث إلا عمر فسكت قالت ثم دعا وصيفا بين يديه فساره فذهب.
قالت فإذا عثمان يستأذن فأذن له فدخل فناجاه النبي صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال يا عثمان إن الله عز وجل مقمصك قميصا فإذا أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة يقولها له مرتين أو ثلاثا رواه أحمد.
*وعن أبي موسى أنه كان مع النبي. صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل يستفتح فقال النبي. صلى الله عليه وسلم افتح له وبشره بالجنة ففتحت فإذا أبو بكر فبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر فقال افتح له وبشره بالجنة فإذا عمر ففتحت له وبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر وكان متكئا فجلس فقال افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه أو تكون فإذا عثمان ففتحت له وبشرته بالجنة فأخبرته بالذي قال فقال الله المستعان.
* وعن سهل بن سعد قال ارتج أحد وعليه النبي. صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان فقال النبي. صلى الله عليه وسلم اسكن أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان رواه أحمد.
ذكر أفعاله الجميلة وطاعاته رضي الله عنه
*عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: أشرف عثمان من القصر وهو محصور فقال: أنشد بالله من شهد رسول الله. صلى الله عليه وسلم يوم حراء إذا أهتز الجبل فركضه بقدمه ثم قال: اسكن حراء ليس عليه إلا نبي أو صديق أو شهيد وأنا معه. فانتشد له رجال.
-قال: أنشد بالله من شهد رسول الله. صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان إذا بعثني إلى المشركين من أهل مكة قال: هذه يدي وهذه يد عثمان فبليغ فانتشد له رجال.
-قال: أنشد بالله من سمع رسول الله. صلى الله عليه وسلم قال: من يوسع لنا بهذا البيت في المسجد ببيت له في الجنة? فابتعته من مالي فوسعت به المسجد فانتشد له رجال.(4/28)
-قال: وأنشد بالله من شهد رسول الله. صلى الله عليه وسلم يوم جيش العسرة قال: من ينفق اليوم نفقة متقبلة? فجهزت نصف الجيش من مالي. قال فانتشد له رجال.
-قال: وأنشد بالله من شهد رومة يباع ماؤها ابن السبيل فابتعتها من مالي فأبحتها ابن السبيل. فانتشد له رجال رواه الإمام أحمد.
*وعن عبد الرحمن بن خباب السلمي قال: خطب النبي. صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان علي مائة بعير بأحلاسها و أقتابها ثم حث، فقال عثمان: علي مائة اخرى باحلاسها واقتابها قال: ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث فقال: فقال عثمان علي مائة أخرى بأحلاسها واقتابها. فرأيت النبي. صلى الله عليه وسلم يقول بيده يحركها: ما على عثمان ما عمل بعد هذا رواه عبد الله بن الإمام أحمد.
*وعن الزبير بن عبد الله عن جدة له يقال لها رهيمة قالت: كان عثمان يصوم الدهر ويقوم الليل إلا هجعة من أوله رواه الإمام أحمد.
*وعن ابن سيرين، قال: قالت امرأة عثمان حين قتل عثمان: قتلتموه وانه ليحيي الليل كله بالقرآن? وعنه قال، قالت امرأة عثمان بن عفان حين أطافوا يريدون قتله: وإن تقتلوه أو تتركوه فانه كان يحيي الليل كله في ركعة يجمع فيها القرآن وعن يونس، أن الحسن سئل عن القائلين في المسجد، فقال: رأيت عثمان بن عفان يقيل في المسجد وهو وهو يومئذ خليفة ويقوم وأثر الحصى بجنبه. قال: فنقول هذا أمير المؤمنين هذا أمير المؤمنين رواه أحمد.
*وعنه قال: رأيت عثمان نائما في المسجد ورداؤه تحت رأسه فيجيء الرجل فيجلس إليه ثم يجيء الرجل فيجلس إليه كأنه أحدهم.
*وعن سليمان بن موسى أن عثمان بن غان دعي إلى قوم كانوا على أمر قبيح فخرج إليهم فوجدهم إليهم فوجدوهم قد تفرقوا ورأى أمرا قبيحا فحمد الله إذ لم يصادفهم واعتق رقبة وعن شرحبيل بن مسلم أن عثمان كان يطعم الناس طعام الإمارة ويدخل بيته فيأكل الخل والزيت.(4/29)
*عن الحسن وذكر عثمان بن عفان وشدة حيائه فقال إن كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق فما يصنع الثوب ليفيض عليه الماء يمنعه الحياء أن يقيم صلبه.
*وعن الزبير بن عبد الله قال حدثتني جدتي أن عثمان بن عفان كان لا يوقظ أحدا من أهله من الليل إلا أن يجده يقظانا فيدعوه فيناوله وضوءه وكان يصوم الدهر.
ذكر خلافته رضي الله عنه
بويع يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين واستقبل بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين وعاش في الخلافة اثنتي عشرة سنة قال أبو معشر إلا اثنتي عشرة ليلة.
ذكر مقتله رضي الله عنه
حصر في منزله أياما ثم دخلوا عليه فقتلوه يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة ويقال لثماني عشرة خلت من سنة خمس وثلاثين.
واختلف في قاتله فقيل الأسود التجيبي من أهل مصر وقيل جبلة بن الايهم وقيل سودان بن رومان المرادي ويقال ضربه التجيبي ومحمد بن أبي حذيفة وهو يقرأ في المصحف وكان صائما يومئذ.
ودفن ليلة السبت بالبقيع سنة تسعون وقيل خمس وتسعون وقيل ثمان وثمانون وقيل اثنتان وثمانون.
وعن عبد الله بن فروخ قال شهدت عثمان بن عفان دفن في ثيابه بدمائه وقيل صلى عليه الزبير وقيل حكيم بن حزام وقيل جبير بن مطعم.
*وعن الحسن قال لقد رأيت الذين قتلوا عثمان تحاصبوا في المسجد حتى ما ابصر أديم السماء وان أنسانا رفع مصحفا من حجرات النبي. صلى الله عليه وسلم ثم نادى ألم تعلموا أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد برئ ممن فرق دينه وكان شيعا?
ذكر ثناء الناس عليه رضي الله عنه وأرضاه
- قد صح عن أبي بكر الصديق أنه أملى على عثمان وصيته عند موته فلما بلغ إلى ذكر الخليفة أغمي عليه فكتب عثمان عمر فلما آفاق قال من كتب قال عمر فقال لو كتبت نفسك لكنت لها أهلا.
-وقد صح عن عمر أنه جعله في أهل الشورى وشهد له أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم مات وهو عنه راض.(4/30)
*وعن مطرف قال لقيت عليا عليه السلام فقال لي يا أبا عبد الله ما بطا بك عنا أحب عثمان أما لئن قلت ذاك لقد كان أوصلنا للرحم واتقانا للرب تعالى.
*عن ابن عمر قال كنا نخير بين الناس في زمن النبي. صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم انفرد بإخراجه البخاري.
*وعن عبد الله قال حين استخلف عثمان استخلفنا خير من بقي ولم ناله .وعن ابن عمر{ أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه }سورة الزمر آية 9 قال هو عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته وأماتنا على سنته ومحبته.
الياقوتة 9
باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه
حدثنا حجاج بن منهال: حدثنا شعبة قال: أخبرني علقمة ابن مرثد: سمعت سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(خيركم من تعلم القرآن وعلمه). قال: وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج، قال: وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا.
- حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه).
البخاري – كتاب قضائل القرآن –باب :خيركم من تعلم القرآن وعلمه
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله-
قوله باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه كذا ترجم بلفظ المتن وكأنه أشار إلى ترجيح الرواية بالواو(4/31)
- قوله عن سعد بن عبيدة كذا يقول شعبة يدخل بين علقمة بن مرثد وأبي عبد الرحمن سعد بن عبيدة وخالفه سفيان الثوري فقال عن علقمة عن أبي عبد الرحمن ولم يذكر سعد بن عبيدة وقد أطنب الحافظ أبو العلاء العطار في كتابه الهادي في القرآن في تخريج طرقه فذكر ممن تابع شعبة ومن تابع سفيان جمعا كثيرا وأخرجه أبو بكر بن أبي داود في أول الشريعة له وأكثر من تخرج طرقه أيضا ورجح الحافظ رواية الثوري وعدوا رواية شعبة من المزيد في متصل الأسانيد وقال الترمذي كأن رواية سفيان أصح من رواية شعبة وأما البخاري فأخرج الطريقين فكأنه ترجح عنده أنهما جميعا محفوظان فيحمل على أن علمقة سمعه أولا من سعد ثم لقي أبا عبد الرحمن فحدثه به أو سمعه مع سعد من أبي عبد الرحمن فثبته فيه سعد ويؤيد ذلك ما في رواية سعد بن عبيدة من الزيادة الموقوفة وهي قول أبي عبد الرحمن فذلك الذي أقعدني هذا المقعد كما سيأتي البحث فيه وقد شذت رواية عن الثوري بذكر سعد بن عبيدة فيه قال الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى القطان حدثنا سفيان وشعبة عن علقمة عن سعد بن عبيدة به وقال النسائي أنبأنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن شعبة وسفيان أن علقمة حدثهما عن سعد قال الترمذي قال محمد بن بشار أصحاب سفيان لا يذكرون فيه سعد بن عبيدة وهو الصحيح اه وهكذا حكم علي بن المديني على يحيى القطان فيه بالوهم وقال بن عدي جمع يحيى القطان بن شعبة وسفيان فالثوري لا يذكر في إسناده سعد بن عبيدة وهذا مما عد في خطأيحيى القطان على الثوري وقال في موضع آخر حمل يحيى القطان رواية الثوري على رواية شعبة فساق الحديث عنهما وحمل إحدى الروايتين على الأخرى فساقه على لفظ شعبة والى ذلك أشار الدارقطني وتعقب بأنه فصل بين لفظيهما في رواية النسائي فقال قال شعبة خيركم وقال سفيان أفضلكم قلت وهو تعقب واه إذا لا يلزم من تفصيله للفظهما في المتن أن يكون فصل لفظهما في الإسناد قال بن عدي يقال أن(4/32)
يحيى القطان لم يخطىء قط إلا في هذا الحديث وذكر الدارقطني أن خالد بن يحيى تابع يحيى القطان عن الثوري على زيادة سعد بن عبدية وهي رواية شاذة وأخرج بن عدي من طريق يحيى بن آدم عن الثوري وقيس بن الربع وفي رواية عن يحيى بن آدم عن شعبة وقيس بن الربيع جميعا عن علقمة عن سعد بن عبيدة قال وكذا رواه سعيد بن السالم القداح عن الثوري ومحمد بن أبان كلاهما عن علقمة بزيادة سعد وزاد في إسناده رجلا آخر كما سأبينه وكل هذه الروايات وهم والصواب عن الثوري بدون ذكر سعد وعن شعبة بإثباته قوله عن عثمان في رواية شريك عن عاصم بن بهدلة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن بن مسعود أخرجه بن أبي داود بلفظ خيركم من قرأالقرآن وأقرأه وذكره الدارقطني وقال الصحيح عن أبي عبد الرحمن عن عصمان وفي رواية خلاد بن يحيى عن الثوري بسنده قال عن أبي عبد الرحمن عن أبان بن عثمان عن عثمان قال الدارقطني هذا وهم فإن كان محفوظا احتمل أن يكون السملي أخذه عن أبان بن عثمان عن عثمان ثم لقي عثمان فأخذه عنه وتعقب بأن أبا عبد الرحمن أكبر من أبان وأبان اختلف في سماعه من أبيه أشد مما اختلف في سماع أبي عبد الرحمن من عثمان فبعد هذا الاحتمال وجاء من وجه آخر كذلك أخرجه بن أبي داود من طريق سعيد بن سلام عن محمد بن أبان سمعت علقمة يحدث عن أبي عبد الرحمن عن أبان بن عثمان عن عثمان فذكره وقال تفرد به سعيد بن سلام يعني عن محمد بن أبان قلت وسعيد ضعيف وقد قال أحمد حدثنا حجاج بن محمد عن شعبة قال لم يسمع أبو عبد الرحمن السلمي من عثمان وكذا نقله أبو عوانة في صحيحه عن شعبة ثم قال اختلف أهل التمييز في سماع أبي عبد الرحمن من عثمان ونقل بن أبي داود عن يحيى بن معين مثل ما قال شعبة وذكر الحافظ أبو العلاء أن مسلما سكت عن إخراج هذا الحديث في صحيحه قلت قد وقع في بعض الطرق التصريح بتحديث عثمان لأبي عبد الرحمن وذلك فيما أخرجه ابن عدي في ترجمة عبد الله بن محمد بن أبي مريم(4/33)
من طريق بن جريج عن عبد الكريم عن أبي عبد الرحمن وحدثني عثمان وفي إسناده مقال لكن ظهر لي أن البخاري اعتمد في وصله وفي ترجيح لقاء أبي عبد الرحمن لعثمان على ما وقع في رواية شعبة عن سعد بن عبيدة من الزيادة وهي أن أبا عبد الرحمن أقرأ من زمن عثمان إلى زمن الحجاج وأن الذي حمله على ذلك هو الحديث المذكور فدل على أنه سمعه في ذلك الزمان وإذا سمعه في ذلك الزمان ولم يوصف بالتدليس اقتضى ذلك سماعه ممن عنعنه عنه وهو عثمان رضي الله عنه ولا سيما مع ما اشتهر بين القراء أنه قرأ القرآن على عثمان وأسندوا ذلك عنه من رواية عاصم بن أبي النجود وغيرهم فكان هذا أولى من قول من قال إنه لم يسمع منه قوله خيركم من تعلم القرآن وعلمه كذا للأكثر والسرخسي أو علمه وهي للتنويع لا للشك وكذا لأحمد عن غندر عن شعبة وزاد في أوله إن وأكثر الرواة عن شعبة يقولونه بالواو وكذا وقع عند أحمد عن بهز وعند أبي داود عن حفص بن عمر كلاهما عن شعبة وكذا أخرجه الترمذي من حديث علي وهي أظهر من حيث المعنى لأن التي بأو تقضي إثبات الخيرية المذكورة لمن فعل أحد الأمرين فيلزم أن من تعلم القرآن ولو لم يعلمه غيره أن يكون خيرا ممن عمل بما فيه مثلا وإن لم يتعلمه ولا يقال يلزم على رواية الواو أيضا أن من تعلمه وعلمه غيره أن يكون أفضل ممن عمل بما فيه من غير أن يتعلمه ولم يعلمه غيره لأنا نقول يحتمل أن يكون المراد بالخيرية من جهة حصول التعليم بعد العلم والذي يعلم غيره يحصل له النفع المتعدي بخلاف من يعمل فقط بل من أشرف العمل تعليم الغير فمعمل غيره يستلزم أن يكون تعمله وتعليمه لغيره عمل وتحصيل نفع متعد ولا يقال لو كان المعنى حصول النفع المتعدي لاشترك كل من علم غيره علما ما في ذلك لأنا نقول القرآن أشرف العلوم فيكون من نعلمه وعلمه لغيره أشرف ممن تعلم غير القر آن وإن علمه فيثبت المدعي ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره جامع بين(4/34)
النفع القاصر والنفع المتعدي ولهذا كان أفضل وهو من جملة من عني سبحانه وتعالى بقوله{ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} والدعاء إلى الله يقع بأمور شتى من جملتها تعليم القرآن وهو أشرف الجميع وعكسه الكافر المانع لغيره من الإسلام كما قال تعلى {فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها} فإن قيل فيلزم على هذا أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه قلنا لا لأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاء النفوس لأنهم كانوا أهل اللسان فكانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر مما يدريها من بعدهم بالاكتساب فكان الفقه لهم سجية فمن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك لا من كان قارئا أو مقرءً محضا لا يفهم شيئا من معاني ما يقرؤه أو يقرئه فإن قيل فيلزم أن يكون المقرئ أفضل ممن هو أعظم غناء في الإسلام بالمجاهدة والرباط والأمر بالعروف والنهي عن المنكر مثلا قلنا حرف المسألة يدور على نفع المتعدي فمن كان حصوله عنده أكثر كان أفضل فعل (من) مضمرة في الخبر ولا بد مع ذلك من مراعاة الإخلاص في كل صنف منهم ويحتمل أن تكون الخيرية وإن أطلقت لكنها مقيدة بناس مخصوصين خوطبوا بذلك كان اللائق بحالهم ذلك أو المراد خير المتعلمين من يعلم غيره لا من يقتصر على نفسه أو المراد مراعاة الحيثية لأن القرآن خير الكلام فمتعلمه خير من متعلم غيره بالنسبة إلى خيرية القرآن وكيفما كان فهو مخصوص بمن علم وتعلم بحيث يكون قد علم ما يجب عليه عينا(4/35)
- قوله قال وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج أي حتى ولي الحجاج على العراق قلت بين أول خلافة عثمان وآخر ولاية الحجاج اثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر وبين آخر خلافة عثمان وأول ولاية الحجاج العراق ثمان وثلاثون سنة ولم أقف على تعيين ابتداء إقراء أبن عبد الرحمن وآخره فالله أعلم بمقدار ذلك ويعرف من الذي ذكرته أقصى المدة وادناها والقائل وأقرأ الخ هو سعد بن عبيدة فانني لم أر هذه الزيادة الا من رواية شعبة عن علقمة وقائل وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا هو أبو عبد الرحمن وحكى الكرماني أنه وقع في بعض نسخ البخاري قال سعد بن عبيدة وأقرأني أبو عبد الرحمن قال وهي انسب لقوله وذاك الذي أقعدني الخ أي أن اقراءه اياي هو الذي حملني على أن قعدت هذا المقعد الجليل اه والذي في معظم النسخ وأقرأ بحذف المفعول وهو الصواب وكأن الكرماني ظن أن قائل وذاك الذي أقعدني هو سعد بن عبيدة وليس كذلك بل قائله أبو عبد الرحمن ولو كان كما ظن للزم أن تكون المدة الطويلة سيقت لبيان زمان أقراء أبي عبد الرحمن لسعد بن عبيدة وليس كذلك بل إنما سيقت لبيان طول مدته لاقراء الناس القرآن وأيضا فكان يلزم أن يكون سعد بن عبيدة قرأ على أبي عبد الرحمن من زمن عثمان وسعد لم يدرك زمان عثمان فإن أكبر شيخ له المغيرة بن شعبة وقد عاش بعد عثمان خمس عشرة سنة وكان يلزم أيضا أن تكون الإشارة بقوله وذلك إلى صنيع أبي عبد الرحمن وليس كذلك بل الإشارة بقوله ذلك إلى الحديث المرفوع أي أن الحديث الذي حدث به عثمان في أفضلية من تعلم القرآن وعلمه حمل أبا عبد الرحمن أن قعد يعلم الناس القرآن لتحصيل تلك الفضيلة وقد وقع الذي حملنا كلامه عليه صريحا في رواية أحمد عن محمد بن جعفر وحجاج بن محمد جمعا عن شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة قال قال أبو عبد الرحمن فذاك الذي أقعدني هذا المقعد وكذا أخرجه الترمذي من رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة وقال فيه(4/36)
مقعدي هذا قال وعلم أبو عبد الرحمن القرآن في زمن عثمان حتى بلغ الحجاج وعند أبي عوانة من طريق بشر بن أبي عمرو وأبي غياث وأبي الوليد ثلاثتهم عن شعبة بلفظ قال أبو عبد الرحمن فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا وكان يعلم القرآن والإشارة بذلك إلى الحديث كما قررته وإسناده إليه إسناد مجازي ويحتمل أن تكون الإشارة به إلى عثمان وقد وقع في رواية أبي عوانة أيضا عن يوسف بن مسلم عن حجاج بن محمد بلفظ قال أبو عبد الرحمن وهو الذي اجلسني هذا المجلس وهو محتمل أيضا(4/37)
- قوله حدثنا سفيان هو الثوري وعلقمة بن مرثد بمثلثة يوزن جعفر ومنهم من ضبطه بكسر المثلثة وهو من ثقات أهل الكوفة من طبقة الأعمش وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الجنائز من روايته عن سعد بن عبيدة أيضا وثالث في مناقب الصحابة وقد تقدما قوله إن أفضلكم من تعلم القرآن أو علمه كذا ثبت عندهم بلفظ أو وفي رواية الترمذي من طريق بشر بن السري عن سفيان خيركم أو أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه فاختلف في رواية سفيان أيضا في أن الرواية بأو أو بالواو وقد تقدم توجيهه وفي الحديث الحث على تعليم القرآن وقد سئل الثوري عن الجهاد واقراء القرآن فرجح الثاني واحتج بهذا الحديث أخرجه بن أبي داود وأخرج عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقريء القرآن خمس آيات خمس آيات وأسند من وجه آخر عن أبي العالية مثل ذلك وذكر أن جبريل كان ينزل به كذلك وهو مرسل وشاهد مما قدمته في تفسير المدثر وفي تفسير سورة اقرأ ثم ذكر المصنف طرفا من حديث سهل بن سعد في العمة التي وهبت نفسها قال بن بطال وجه إدخاله في هذا الباب أنه صلى الله عليه وسلم زوجه المرأة لحرمة القرآن وتعقبه بن التين بان السياق يدل على أنه زوجها له على أن يعلمها وسيأتي البحث فيه مع استيفاء شرحه في كتاب النكاح وقال غيره وجه دخوله أن فضل القرآن ظهر على صاحبه في العاجل بان قام له مقام المال الذي يتوصل به إلى بلوغ الغرض وأما نفعه في الأجل فظاهر لا خفاء به.
*** وهذا الحدبث هو ***
باب: تزويج المعسر.
لقوله تعالى {أن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله} /النور: 32/.
479 - حدثنا قتيبة: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي قال:(4/38)
جاءت امراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله جئت أهب لك نفسي، قال: فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر فيها وصوبه، ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله، أن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: (وهل عندك من شيء). قال: لا والله يا رسول الله، فقال: (اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا). فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظر ولو خاتم من حديد). فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله، ولا خاتم من حديد، ولكن هذا إزاري - قال سهل: ما له رداء - فلها نصفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما تصنع بإزارك، إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك شيء). فجلس الرجل حتى أذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا، فأمر به فدعي، فلما جاء قال: (ماذا معك من القرآن). قال: معي سورة كذا وسورة كذا، عددها، فقال: (تقرؤهن عن ظهر قلبك). قال: نعم، قال (اذهب قد ملكتكها بما معك من القرآن).
*******************روايات أخرى لحديث + خيركم من تعلم القرآن وعلمه +******************
1-حدثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، عن علقمة بن مرْثَدٍ، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن عثمان،
عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".- ------ ابو داود
2- باب فضل من تعلم القرآن وعلمه
- حدثنا محمد بن بشار. حدثنا يحيى بن سعيد القطان. حدثنا شعبة وسفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان؛ قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال شعبة" ((خيركم)) "وقال سفيان" ((أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه).ابن ماجه(4/39)
3- أخبرنا مسلم بن إبراهيم ثنا عبد الواحد ثنا عبد الرحمن بن إسحاق ثنا النعمان بن سعد عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خيركم من تعلم القرآن وعلمه
- حدثنا الحجاج بن منهال ثنا شعبة أخبرني علقمة بن مرثد قال : سمعت سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ان خيركم من علم القرآن أو تعلمه قال اقرأ القرآن أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج قال ذلك أقعدني مقعدي هذا
- حدثنا المعلى بن أسد ثنا الحارث بن نبهان ثنا عاصم بن بهدلة عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خياركم من تعلم القرآن وعلم القرآن قال : فأخذ بيدي وأقعدني هذا المقعد أقري الدارمي
4-حدثنا محمود بن غيلان أخبرنا أبو داود أنبأنا شعبة أخبرني علقمة بن مرثد، قال: سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن أبي عبد الرحمن عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، قال أبو عبد الرحمن فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا، وعلم القرآن في زمان عثمان حتى بلغ الحجاج ابن يوسف. هذا حديث حسن صحيح.
- حدثنا محمود بن غيلان أخبرنا بشر بن السرى أخبرنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- "خيركم أو أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه". هذا حديث حسن صحيح. وهكذا روى عبد الرحمن بن مهدي، وغير واحد عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسفيان لا يذكر فيه عن سعد ابن عبيدة. وقد روى يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث عن سفيان، وشعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم.(4/40)
- حدثنا بذلك محمد بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد عن سفيان وشعبة، قال محمد بن بشار، وهكذا ذكره يحيى بن سعيد عن سفيان وشعبة غير مرة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال محمد بن بشار، وأصحاب سفيان لا يذكرون فيه عن سفيان عن سعد بن عبيدة. قال محمد بن بشار وهو أصح.
قال أبو عيسى: وقد زاد شعبة في اسناده هذا الحديث سعد بن عبيدة، وكأن حديث سفيان أشبه. قال علي بن عبد الله، قال يحيى ابن سعيد: ما أحد يعدل عندي شعبة
وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان، سمعت أبا عمار يذكر عن وكيع، قال شعبة: سفيان أحفظ مني، وما حدثني سفيان عن أحد بشيء فسألته الا وجدته كما حدثني. وفي الباب عن علي وسعد.
- حدثنا قتيبة أخبرنا عبد الواحد بن زياد عن عبد الرحمن ابن اسحاق عن النعمان بن سعد عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". هذا حديث لا نعرفه من حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم الا من حديث عبد الرحمن بن اسحاق ... ... ... ... ... ... ... ... ... الترمذي
5- ذكر البيان بأن من خير الناس من تعلم القرآن وعلمه
- أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي حدثنا عبد الله بن رجاء الغداني أخبرنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيركم من تعلم القرآن وعلمه قال أبو عبد الرحمن فهذا الذي أقعدني هذا المقعد ... ... ... ... ... ... ... ... ابن حبان
6- حدثنا عبد الواحد حدثنا الحارث بن نبهان حدثنا عاصم بن بهدلة عن مصعب بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خياركم من تعلم القرآن وعلمه قال وأخذ بيدي فأقعدني مقعدي هذا أقريء ... ... ... أبو يعلى(4/41)
7- حدثنا علي أنا شعبة عن علقمة بن مرثد قال سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان قال شعبة قلت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم قال خيركم من تعلم القرآن وعلمه قال أبو عبد الرحمن ذلك أقعدني مقعدي هذا وكان يعلم من خلافة عثمان إلى إمرة الحجاج ... ... ... ... ... ... أبو الجعد
8-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا وكيع حدثنا سفيان وعبد الرحمن عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه. ... ... ... ... ... ... ... ... أحمد
الياقوتة 10
حدثنا عبد الله حدثني أبي وأبو خيثمة قالا: حدثنا يعقوب قال أبي في حديثه قال: أخبرنا ابن أخي ابن شهاب وقال أبو خيثمة: حدثني عن عمه قال: أخبرني صالح بن عبد الله بن أبي فروة أن عامر بن سعد بن أبي وقاص أخبره أنه سمع أبان بن عثمان يقول: قال عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
-أرأيت لو كان بفناء أحدكم نهر يجري يغتسل منه كل يوم خمس مرات ما كان يبقى من درنه قالوا: لا شيء قال: إن الصلوات تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن
... ... ... ... ... ... ... ... ... مسند الامام أحمد
وأخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة باب الصلوات الخمس كفارة من حديث أبي هريرة
وهو+حدثنا إبراهيم بن حمزة قال: حدثني ابن أبي حازم والدراوردي، عن يزيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة:
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم، يغتسل فيه كل يوم خمسا، ما تقول: ذلك يبقي من درنه). قالوا: لا يبقى من درنه شيئا، قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بها الخطايا).
كما أخرجه الاملم مسلم في كتاب المساجد باب المشي إلى الصلاة(4/42)
وهو -حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث. ح وقال قتيبة: حدثنا بكر (يعني ابن مضر) كلاهما عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. وفي حديث بكر؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات. هل يبقى من درنه شيء؟" قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال "فذلك مثل الصلوات الخمس. يمحو الله بهن الخطايا
وقال ابن حجر في شرحه
** قوله باب بالتنوين الصلوات الخمس كفارة كذا ثبت في أكثر الروايات وهي أخص من الترجمة السابقة على التي قبلها وسقطت الترجمة من بعض الروايات وعليه مشى بن بطال ومن تبعه وزارد الكشميهني بعد قوله كفارة للخطايا إذا صلاهن لوقتهن في الجماعة وغيرها(4/43)
- قوله بن أبي حازم والدراوردي كل منهما يسمى عبد العزيز وهما مدنيان وكذا بقية رجال الإسناد قوله عن يزيد بن عبد الله أي بن أبي أسامة بن الهاد الليثي وهو تابعي صغير ولم أر هذا الحديث بهذا الإسناد إلا من طريقة وأخرجه مسلم أيضا من طريق الليث بن سعد وبكر بن مضر كلاهما عنه نعم روى من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أخرجه البيهقي في الشعب من طريق محمد بن عبيد عنه لكنه شاذ لأن أصحاب الأعمش إنما رووه عنه عن أبي سفيان عن جابر وهو عند مسلم أيضا من هذا الوجه قوله عن محمد بن إبراهيم هو التيمي راوي حديث الأعمال وهو من التابعين أيضا ففي الإسناد ثلاثة تابعيون على نسق قوله أرايتم هو استفهام تقرير متعلق بالاستخبار أي أخبروني هل يبقى قوله لو أن نهرا قال الطيبي لفظ لو يقتضى أن يدخل على الفعل وأن يجاب لكنه وضع الاستفهام موضعه تأكيدا وتقريرا والتقدير لو ثبت نهر صفته كذا لما بقي كذا والنهر بفتح الهاء وسكونها ما بين جنبي الوادي سمي بذلك لسعته وكذلك سمي النهار لسعة ضوئه قوله ما تقول كذا في النسخ المعتمدة بأفراد المخاطب والمعنى ما تقول يا أيها السامع ولأبي نعيم في المستخرج على مسلم كذا للاسماعيلى والجوزقى ما تقولون بصيغة الجمع والإشارة في ذلك إلى الاغتسال قال بن مالك فيه شاهد على إجراء فعل القول مجرى فعل الظن وشرطه أن يكون مضارعا مسندا إلى المخاطب متصلا باستفهام قوله يبقى بضم أوله على الفاعلية قوله من درنه زاد مسلم شيئا والدرن الوسخ وقد يطلق الدرن على الحب الصغار التي تحصل في بعض الأجساد ويأتي البحث في ذلك قوله قالوا لا يبقى بضم أولة أيضا وشيئا منصوب على المفعولية ولمسلم لا يبقى بفتح أولة وشئ بالرفع والفاء في قوله فذلك جواب شيء محذوف أي إذا تقرر ذلك عندكم فهو مثل الصلوات الخ وفائدة التمثيل التأكيد وجعل المعقول كالمحسوس قال الطيبي في هذا الحديث مبالغة فيه نفى الذنوب لأنهم لم يقتصروا في الجواب(4/44)
على لا بل أعادوا اللفظ تأكيدا وقال بن العربي وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه ويطهره الماء الكثير فكذلك الصلوات تطهر العبد عن أقذار الذنوب حتى لا تبقى له ذنبا إلا أسقطته انتهى وظاهرة أن المراد بالخطايا في الحديث ما هو أعم من الصغيرة والكبيرة لكن قال بن بطال يؤخذ من الحديث أن المراد الصغائر خاصة لأنه شبه الخطايا بالدرن والدرن صغير بالنسبة إلى ما هو أكبر منه من القروح والخراجات انتهى وهو مبنى على أن المراد بالدرن في الحديث الحب والظاهر أن المراد به الوسخ لأنه هو الذي يناسبة الاغتسال والتنظف وقد جاء من حديث أبي سعيد الخدري التصريح بذلك وهو فيما أخرجه البزار والطبراني بإسناد لا بأس به من طريق عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أرأيت لو أن رجلا كان له معتمل وبين منزلة ومعتمله خمسة أنهار فإذا انطلق إلى معتمله عمل ما شاء الله فأصابه وسخ أو عرق فكلما مر بنهر اغتسل منه الحديث ولهذا قال القرطبي ظاهر الحديث أن الصلوات الخمس تستقل بتكفير جميع الذنوب وهو مشكل لكن روى مسلم قبله حديث العلاء عن أبية عن أبي هريرة مرفوعا الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر فعلى هذا المقيد يحمل ما أطلق في غيره فائدة قال بن بزيزة في شرح الأحكام يتوجه على حديث العلاء إشكال يصعب التخلص منه وذلك أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر وإذا كان كذلك فما الذي تكفره الصلوات الخمس انتهى وقد أجاب عنه شيخنا الإمام البلقيني بان السؤال غير وارد لأن مراد الله أن تجتنبوا أي في جميع العمر ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان أو التكليف إلى الموت والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها أي في يومها إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم فعلى هذا لا تعارض بين الآية والحديث انتهى وعلى تقدير ورود السؤال فالتخلص منه بحمد الله(4/45)
سهل وذلك أنه لا يتم أجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس فمن لم يفعلها لم يعد مجتنبا للكبائر لأن تركها من الكبائر فوقف التكفير على فعلها والله أعلم وقد فصل شيخنا الإمام البلقيني أحول الإنسان بالنسبة إلى ما يصدر منه من صغيرة وكبيرة فقال تنحصر في خمسة أحدها أن لا يصدر منه شيء البتة فهذا يعاوض برفع الدرجات ثانيها يأتي بصغائر بلا إصرار فهذا تكفر عنه جزما ثالثها مثله لكن مع الاصرار فلا تكفر إذا قلنا أن الاصرار على الصغائر كبيرة رابعها أن يأتى بكبيرة واحدة وصغائر خامسها أن يأتى بكبائر وصغائر وهذا فيه نظر يحتمل إذا لم يجتنب الكبائر أن لا تكفر الكبائر بل تكفر الصغائر ويحتمل أن لا تكفر شيئا أصلا والثاني أرجح لأن مفهوم المخالفة إذا لم تتعين جهته لا يعمل به فهنا لا تكفر شيئا إما لاختلاط الكبائر والصغائر أو لتمحض الكبائر أو تكفر الصغائر فلم تتعين جهة مفهوم المخالفة لدورانه بين الفصلين فلا يعمل به ويؤيدة أن مقتضى تجنب الكبائر أن هناك كبائر ومقتضى ما اجتنبت الكبائر أن لا كبائر فيصان الحديث عنه تنبيه لم أر في شيء من طرقه عند أحد من الأئمة الستة وأحمد بلفظ ما تقول إلا عند البخاري وليس هو عن أبي داود أصلا وهو عند بن ماجة من حديث عثمان لا من حديث أبي هريرة ولفظ مسلم أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل كان يبقى من درنه شيء وعلى لفظه اقتصر عبد الحق في الجمع بين الصحيحين وكذا الحميدي ووقع في كلام بعض المتأخرين بعد أن ساقه بلفظ ما تقولون أنه في الصحيحين والسنن الأربعة وكأنه أراد أصل الحديث لكن يرد عليه أنه ليس عند أبي داود أصلا ولا بن ماجة من حديث أبي هريرة ووقع في بعض النسخ المتأخرة من البخاري بالياء التحتانية آخر الحروف من يقول فزعم بعض أهل العصر أنه غلط وأنه لا يصح من حيث المعنى واعتمد على ما ذكره بن مالك مما قدمته وأخطأ في ذلك بل له وجه وجيه والتقدير ما يقول أحدكم في(4/46)
ذلك والشرط الذي ذكره بن مالك وغيره من النحاة إنما هو لإجراء فعل القول مجرى فعل الظن كما تقدم وأما إذا ترك القول على حقيقته فلا وهذا ظاهر وإنما نبهت عليه لئلا يغتر به.
الياقوتة 11
حدثنا يحيى بن سليمان: حدثني ابن وهب: أخبرني عمرو: أن بكيرا حدثه: أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه: أنه سمع عبيد الله الخولاني:
أنه سمع عثمان بن عفان يقول، عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم: إنكم أكثرتم، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من بنى مسجدا - قال بكير: حسبت أنه قال - يبتغي به وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة).
باب من بني مسجدا أي ماله من الفضل
البخاري -كتاب أبواب المساجد –باب من بنى مسجدا
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله-(4/47)
-قوله أخبرني عمرو هو بن الحارث وبكير بالتصغير هو بن عبد الله بن الأشج وعبيد الله هو بن الأسود وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق بكير وعاصم وعبيد الله وثلاثة من أوله مصريون وثلاثة من آخره مدنيون وفي وسطه مدني سكن مصر وهو بكير فانقسم الإسناد إلى مصري ومدني قوله عند قول الناس فيه وقع بيان ذلك عند مسلم حيث أخرجه من طريق محمود بن لبيد الأنصاري وهو من صغار الصحابة قال لما أراد عثمان بناء المسجد كره الناس ذلك وأحبوا أن يدعوه على هيئته أي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وظهر بهذا أن قوله في حديث الباب حين بنى أي حين أراد أن يبني وقال البغوي في شرح السنة لعل الذي كره الصحابة من عثمان بناؤه بالحجارة المنقوشة لا مجرد توسيعه انتهى ولم يبن عثمان المسجد إنشاء وإنما وسعه وشيده كما تقدم في باب بنيان المسجد فيؤخذ منه إطلاق البناء في حق من جدد كما يطلق في حق من أنشأ أو المراد بالمسجد هنا بعض المسجد من إطلاق الكل على البعض قوله مسجد الرسول كذا للأكثر وللحموي والكشميهني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله إنكم أكثرتم حذف المفعول للعلم به والمراد الكلام بالإنكار ونحوه تنبيه كان بناء عثمان للمسجد النبوي سنة ثلاثين على المشهور وقيل في آخر سنة من خلافته ففي كتاب السير عن الحارث بن مسكين عن بن وهيب أخبرني مالك أن كعب الأحبار كان يقول عند بنيان عثمان المسجد لوددت أن هذا المسجد لا ينجز فإنه إذا فرغ من بنيانه قتل عثمان قال مالك فكان كذلك قلت ويمكن الجمع بين القولين بأن الأول كان تاريخ ابتدائه والثاني تاريخ انتهائه قوله من بنى مسجدا التنكير فيه للشيوع فيدخل فيه الكبير والصغير ووقع في رواية أنس عند الترمذي صغيرا أو كبيرا وزاد بن أبي شيبة في حديث الباب من وجه آخر عن عثمان ولو كمفحص قطاة وهذه الزيادة أيضا عند بن حبان والبزار من حديث أبي ذر وعند أبي مسلم الكجي من حديث بن عباس وعند الطبراني في(4/48)
الأوسط من حديث أنس وابن عمر وعند أبي نعيم في الحلية من حديث أبي بكر الصديق ورواه بن خزيمة من حديث جابر بلفظ كمفحص قطاة أو أصغر وحمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة لأن المكان الذي تفحص القطاة عنه لتضع فيه بيضها وترقد عليه لا يكفي مقداره للصلاة فيه ويؤيده رواية جابر هذه وقيل بل هو على ظاهره والمعنى أن يزيد في مسجد قدرا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر أو يشترك جماعة في بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر وهذا كله بناء على أن المراد بالمسجد ما يتبادر إلى الذهن وهو المكان الذي يتخذ للصلاة فيه فإن كان المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما يسع الجبهة فلا يحتاج إلى شيء مما ذكر لكن قوله بنى يشعر بوجود بناء على الحقيقة ويؤيده قوله في رواية أم حبيبة من بنى لله بيتا أخرجه سمويه في فوائده بإسناد حسن وقوله في رواية عمر من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله أخرجه بن ماجة وابن حبان وأخرج النسائي نحوه من حديث عمرو بن عبسة فكل ذلك مشعر بأن المراد بالمسجد المكان المتخذ لا موضع السجود فقط لكن لا يمتنع إرادة الآخر مجازا إذ بناء كل شيء بحسبه وقد شاهدنا كثيرا من المساجد في طرق المسافرين يحوطونها إلى جهة القبلة وهي في غاية الصغر وبعضها لا تكون أكثر من قدر موضع السجود وروى البيهقي في الشعب من حديث عائشة نحو حديث عثمان وزاد قلت وهذه المساجد التي في الطرق قال نعم وللطبراني نحوه من حديث أبي قرصافة وإسنادهما حسن قوله قال بكير حسبت أنه أي شيخه عاصما بالإسناد المذكور قوله يبتغي به وجه الله أي يطلب به رضا الله والمعنى بذلك الإخلاص وهذه الجملة لم يجزم بها بكير في الحديث ولم أرها إلا من طريقه هكذا وكأنها ليست في الحديث بلفظها فإن كل من روى حديث عثمان من جميع الطرق إليه لفظهم من بنى لله مسجدا فكأن بكيرا نسيها فذكرها بالمعنى مترددا في اللفظ الذي ظنه فإن قوله لله بمعنى قوله يبتغي به وجه الله لاشتراكهما في(4/49)
المعنى المراد وهو الإخلاص فائدة قال بن الجوزي من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدا من الإخلاص انتهى ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الإخلاص وأن كان يؤجر في الجملة وروى أصحاب السنن وابن خزيمة والحاكم من حديث عقبة بن عامر مرفوعا إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة صانعه المحتسب في صنعته والرامي به والممد به فقوله المحتسب في صنعته أي من يقصد بذلك إعانة المجاهد وهو أعم من أن يكون متطوعا بذلك أو بأجرة لكن الإخلاص لا يحصل إلا من المتطوع وهل يحصل الثواب المذكور لمن جعل بقعة من الأرض مسجدا بأن يكتفي بتحويطها من غير بناء وكذا من عمد إلى بناء كان يملكه فوقفه مسجدا إن وقفنا مع ظاهر اللفظ فلا وإن نظرنا إلى المعنى فنعم وهو المتجه وكذا قوله بنى حقيقة في المباشرة بشرطها لكن المعنى يقتضي دخول الآمر بذلك أيضا وهو المنطبق على استدلال عثمان رضي الله عنه لأنه استدل بهذا الحديث على ما وقع منه ومن المعلوم أنه لم يباشر ذلك بنفسه قوله بنى الله إسناد البناء إلى الله مجازا وإبراز الفاعل فيه لتعظيم ذكره جل اسمه أو لئلا تتنافر الضمائر أو يتوهم عوده على باني المسجد قوله مثله صفة لمصدر محذوف أي بني بناء مثله ولفظ المثل له استعمالان أحدهما الإفراد مطلقا كقوله تعالى {فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا }والآخر المطابقة كقوله{ تعالى أمم أمثالكم }فعلى الأول لا يمتنع أن يكون الجزاء أبنية متعددة فيحصل جواب من استشكل التقييد بقوله مثله مع أن الحسنة بعشرة أمثالها لاحتمال أن يكون المراد بنى الله له عشرة أبنية مثله والأصل أن ثواب الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل والزيادة عليه بحكم الفضل وأما من أجاب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل نزول قوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ففيه بعد وكذا من أجاب بأن التقييد بالواحد لا ينفي الزيادة عليه ومن الأجوبة المرضية أيضا أن المثلية هنا(4/50)
بحسب الكمية والزيادة حاصلة بحسب الكيفية فكم من بيت خير من عشرة بل من مائة أو أن المقصود من المثلية أن جزاء هذه الحسنة من جنس البناء لا من غيره مع قطع النظر عن غير ذلك مع أن التفاوت حاصل قطعا بالنسبة إلى ضيق الدنيا وسعة الجنة إذ موضع شبر فيها خير من الدنيا وما فيها كما ثبت في الصحيح وقد روى أحمد من حديث واثلة بلفظ بنى الله له في الجنة أفضل منه وللطبراني من حديث أبي أمامة بلفظ أوسع منه وهذا يشعر بأن المثلية لم يقصد بها المساواة من كل وجه وقال النووي يحتمل أن يكون المراد أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا قوله في الجنة يتعلق ببني أو هو حال من قوله مثله وفيه إشارة إلى دخول فاعل ذلك الجنة إذ المقصود بالبناء له أن يسكنه وهو لا يسكنه إلا بعد الدخول . والله أعلم
+ وأخرجه الامام مسلم في كتاب المساجد –باب فضل بناء المساجد
*حدثني هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى. قالا: حدثنا ابن وهب. أخبرني عمرو؛ أن بكيرا حدثه؛ أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه؛ أنه سمع عبدالله الخولاني يذكر؛ أنه سمع عثمان بن عفان، عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم:
إنكم قد أكثرتم. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من بنى مسجدا لله تعالى (قال بكير: حسبت أنه قال: يبتغي به وجه الله) بنى الله له بيتا في الجنة". وقال ابن عيسى في روايته "مثله في الجنة".
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله
حدثني هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى. قالا: حدثنا ابن وهب. أخبرني عمرو (وهو ابن الحارث)؛ أن بكيرا حدثه؛ أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه؛ أنه سمع عبيدالله الخولاني يذكر؛(4/51)
أنه سمع عثمان بن عفان، عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم قد أكثرتم. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من بنى مسجدا - قال بكير: حسبت أنه قال - يبتغي به وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة".
وفي رواية هارون "بنى الله له بيتا في الجنة".
حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى. كلاهما عن الضحاك. قال ابن المثنى: حدثنا الضحاك بن مخلد. أخبرنا عبدالحميد بن جعفر. حدثني أبي عن محمود بن لبيد؛
أن عثمان بن عفان أراد بناء المسجد. فكره الناس ذلك. وأحبوا أن يدعه على هيئته. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من بنى مسجدا لله، بنى الله له في الجنة مثله".
44-م - (533) وحدثناه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. حدثنا أبو بكر الخفي وعبدالملك بن الصباح. كلاهما عن عبدالحميد بن جعفر، بهذا الإسناد، غير أن في حديثهما "بنى الله له بيتا في الجنة". مسلم
باب فضل بناء المساجد والحث عليها
*حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَىَ قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنّ بُكَيْراً حَدّثَهُ أَنّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللّهِ الْخَوْلاَنِيّ يَذْكُرُ، أَنّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ، عِنْدَ قَوْلِ النّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَىَ مَسْجِدَ الرّسُولِ صلى الله عليه وسلم: إِنّكُمْ قَدْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ بَنَىَ مَسْجِداً لله تَعَالَى (قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أَنّهُ قَالَ: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ الله) بَنَى الله لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنّةِ".
وَقَالَ ابْنُ عِيسَىَ فِي رِوَايَتِهِ "مِثْلَهُ فِي الْجَنّةِ".(4/52)
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى) قَالاَ: حَدّثَنَا الضّحّاكُ ابْنُ مَخْلَدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنّ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ أَرَادَ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ، فَكَرِهَ النّاسُ ذَلِكَ فَأَحَبّوا أَنْ يَدَعَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ بَنَىَ مَسْجِداً لله بَنَى الله لَهُ فِي الْجَنّةِ مِثْلَهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "من بنى مسجداً لله بنى الله تعالى له بيتاً في الجنة مثله" يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم مثله أمرين: أحدهما أن يكون معناه بنى الله تعالى له مثله في مسمى البيت، وأما صفته في السعة وغيرهما فمعلوم فضلها أنها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. الثاني: أن معناه أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا
باب فضل بناء المساجد
*حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَىَ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ) أَنّ بُكَيْراً حَدّثَهُ أَنّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللّهِ الْخَوْلاَنِيّ يَذْكُرُ أَنّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ، عِنْدَ قَوْلِ النّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَىَ مَسْجِدَ الرّسُولِ صلى الله عليه وسلم: إِنّكُمْ قَدْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ بَنَىَ مَسْجِداً قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أَنّهُ قَالَ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللّهِ، بَنَىَ اللّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنّةِ".
وَفِي رِوَايَةِ هَرونَ "بَنَىَ اللّهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنّةِ".(4/53)
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. كِلاَهُمَا عَنِ الضّحّاكِ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا الضّحّاكُ بْنُ مُخَلَدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنّ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ أَرَادَ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ. فَكَرِهَ النّاسُ ذَلِكَ. وَأَحَبّوا أَنْ يَدَعَهُ عَلَىَ هَيْئَتِهِ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ بَنَىَ مَسْجِداً للّهِ بَنَىَ اللّهُ لَهُ فِي الْجَنّةِ مِثْلَهُ".
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. حَدّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَفِيّ وَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصّبّاحِ. كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ الْحِميدَ بْنِ جَعْفَر بِهَذَا الإِسْنَاد، غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِهِمَا "بَنَىَ اللّهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنّةِ".
قوله: "من بنى لله مسجداً بنى الله له مثله في الجنة" يحتمل مثله في القدر والمساحة ولكنه أنفس منه بزيادات كثيرة، ويحتمل مثله في مسمى البيت وإن كان أكبر مساحة وأشرف.
وقد روي هذا الحديث من طرق عدة عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
1-ابن ماجه
* حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا يونس بن محمد. حدثنا ليث بن سعد. ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا داود بن عبد الله الجعفري، عن عبد العزيز بن محمد جميعا عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن الوليد بن أبي الوليد، عن عثمان بن عبد الله ابن سراقة العدوي، عن عمر بن الخطاب؛ قال:
- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله، بنى الله له بيتا في الجنة)).
في الزوائد: حديث عمر مرسل. فإن عثمان بن عبد الله بن سراقة روى عن عمر بن الخطاب، وهو جده لأمه، ولم يسمع منه، قاله المزي في التهذيب. ورواه ابن حبان في صحيحه بهذا الإسناد.
* -حدثنا محمد بن بشار. حدثنا أبو بكر الحنفي.(4/54)
حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن محمود بن لبيد، عن عثمان بن عفان؛ قال:
- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((من بنى لله مسجدا، بنى الله له مثله في الجنة)).
* -حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي. حدثنا الوليد بن مسلم، عن ابن لهيعة. حدثني أبو الأسود، عن عروة، عن علي بن أبي طالب؛ قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من بنى لله مسجدا من ماله، بنى الله له بيتا في الجنة)).
في الزوائد: إسناد حديث علي ضعيف. والوليد بن مسلم مدلس، وقد رواه بالعنعنة. وشيخه ابن لهيعة ضعيف.
*- حدثنا يونس بن عبد الأعلى. حدثنا عبد الله بن وهب، عن إبراهيم بن نشيط، عن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله؛
- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة، أو أصغر، بنى الله له بيتا في الجنة)).
في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
1-الدارمي
حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر حدثني أبي عن محمود بن لبيد ان عثمان لما أراد أن يبني المسجد كره الناس ذلك ، فقال عثمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من بنى لله مسجدا بنى الله له في الجنة مثله
3-ابن حبان
1- أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن عبد الله بن أسامة عن الوليد بن أبي الوليد عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن عمر بن الخطاب أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتا في الجنة(4/55)
2- أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم المقدسي حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن بكيرا حدثه أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه أنه سمع عبيد الله الخولاني أنه سمع عثمان بن عفان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من بنى مسجدا بنى الله له مثله في الجنة قال بكير حسبت أنه قال يبتغي به وجه الله جل وعلا
1- أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن آدم حدثنا قطبة بن عبد العزيز عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة
1-أخبرنا أبو يعلى حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا المقرئ حدثنا ليث بن سعد حدثنا أبو عثمان الوليد بن أبي الوليد عن عثمان بن عبد الله بن سراقة العدوي عن عمر بن الخطاب انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة ومن جهز غازيا في سبيل الله لجهاده فله مثل أجره ومن بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتا في الجنة
4-النسائي
أخبرنا عمرو بن عثمان قال حدثنا بقية عن بحير عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن عمرو بن عبسة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم-قال من بنى مسجدا يذكر الله فيه بنى الله عز وجل له بيتا في الجن
5-البيهقي(4/56)
-أنبأ أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ محمد بن أيوب أنبأ أحمد بن عيسى المصري ثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو أن بكيرا حدثه أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه أنه سمع عبيد الله الخولاني يذكر أنه سمع عثمان بن عفان عند قول الناس حين بنى مسجدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم قد أكثرتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من بنى مسجدا قال بكير حسبت أنه قال يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا مثلة في الجنة رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن سليمان عن بن وهب ورواه مسلم عن أحمد بن عيسى
- أنبأ أبو الحسن محمد بن الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنبأ عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن محمود بن لبيد عن عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من بنى لله مسجد بنى الله بيتا له مثله في الجنة رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن المثنى وغيره عن أبي عاصم
- أنبأ أبو الحسن محمد بن علي بن المؤمل ثنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ثنا محمد بن عبد الوهاب أنبأ يعلى بن عبيد ثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال من بنى لله عز وجل مسجدا ولو مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة
- وأنبأ أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا أحمد بن يونس ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبي ذر رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى لله مسجدا ولو بمثل مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة قال العباس قال أحمد بن يونس قيل لأبي بكر بن عياش أن الناس يخالفونك في هذا الحديث لا يرفعونه فقال أبو بكر بن عياش سمعنا هذا من الأعمش والأعمش شاب(4/57)
- أنبأ أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس ثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال ثنا علي بن المديني ح وأنبأ أبو نصر بن قتادة أنبأ علي بن الفضل بن محمد بن عقيل الخزاعي أنبأ أبو شعيب الحراني ثنا علي بن المديني ثنا يحيى بن آدم ثنا قطبة عن الأعمش فذكره مرفوعا من بنى مسجدا وإن كان مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة وكذلك روي عن شريك وجرير بن عبد الحميد عن الأعمش مرفوعا وروي عن الحكم بن يزيد بن شريك عن أبي ذر مرفوعا
6-إسحاق
- أخبرنا مروان بن سعد الفزاري نا كثير قال سمعت عطاء بن أبي رباح يقول قالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى مسجدا ولو مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة قالت عائشة فقلت يا رسول الله وهذه المساجد التي بطريق مكة فقال وتلك ... ... ... ... ... ... ... ... 7-ابن خزيمة
أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا يونس بن عبد الأعلى وعيسى بن إبراهيم الغافقي قالا حدثنا بن وهب عن إبراهيم بن نشيط عن عبد الله بن عبد الرحمن بن حسين عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حفر ماء لم يشرب منه كبد حري من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة ومن بنى مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة قال يونس من سبع ولا طائر وقال كمفحص قطاة ... ... ...
8-أبو يعلى
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا الليث بن سعد أبو الحارث عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد حدثني أبو عثمان الوليد بن أبي الوليد عن عمر أو عثمان بن عبد الله بن سراقة العدوي عن عمر بن الخطاب أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة ومن جهز غازيا في سبيل الله بجهازه فله أجره ومن بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتا في الجنة ... ... ... 9-ابن أبي شيبة
في ثواب من بني لله مسجدا(4/58)
( 1 ) حدثنا أبو بكر قال : نا أبو معاوية عن الاعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال : من بنى لله مسجدا ولو مثل مفحص قطاة بنى له بيت في الجنة .
( 2 ) حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا يزيد بن عبد العزيز عن الاعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من بني لله مسجدا ولو مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة ) .
( 3 ) حدثنا يونس بن محمد قال : حدثنا ليث بن سعد عن يزيد بن عبد الله بن أسامة عن الوليد بن أبي الوليد عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن عمر بن الخطاب أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من بنى مسجدا يذكر فيها اسم الله بنى الله له بيتا في الجنة ) .
( 4 ) حدثنا شبابة قال : حدثنا شعبة عن جابر عن عمار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله قال : ( من بنى مسجدا مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة )
( 5 ) قال : أبو بكر وجدت في كتاب أبي عن الحميد بن جعفر عن أبيه عن محمود بن لبيد عن عثمان عن النبي صلى الله قال : ( من بنى مسجدا ولو مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة ) .
( 6 ) حدثنا وكيع قال : حدثنا كثير بن عبد الرحمن عن عطاء عن عائشة قالت : من بنى الله مسجدا بنى الله له بيتا قيل وهذه المساجد التي في طريق مكة قالت : وهذه المساجد التي في طريق مكة ... ... ... ... 10-أحمد
*حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حسن بن موسى الأشيب حدثنا ابن لهيعة حدثنا الوليد بن أبي الوليد عن عثمان بن عبد الله بن سراقة العدوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة ومن جهز غاز حتى يستقل بجهازه كان له مثل أجره ومن بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتا في الجنة. ...
... ... ... ... ... ... ...(4/59)
*حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الكبير ابن عبد المجيد أبو بكر الحنفي حدثنا عبد الحميد يعني ابن جعفر عن أبيه عن محمود بن لبيد عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
-من بنى مسجدا لله عز وجل بنى الله له مثله في الجنة.
الياقوتة 12
() باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا
- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب. كلاهما عن إسماعيل بن إبراهيم. قال أبو بكر: حدثنا ابن علية عن خالد. قال: حدثني الوليد بن مسلم، عن حمران، عن عثمان؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة".
حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي. حدثنا بشر بن المفضل. حدثنا خالد الحذاء، عن الوليد أبي بشر؛ قال: سمعت حمران يقول: سمعت عثمان يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ... مثله سواء.
... ... ... مسلم –كتاب الايمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله(4/60)
*هذا الباب فيه أحاديث كثيرة، وتنتهي إلى حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا. واعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحدا دخل الجنة قطعا على كل حال، فإن كان سالما من المعاصي كالصغير والمجنون والذي اتصل جنونه بالبلوغ والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يحدث معصية بعد توبته، والموفق الذي لم يبتل بمعصية أصلاً، فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلاً، لكنهم يردونها على الخلاف المعروف في الورود، والصحيح أن المراد به المرور على الصراط وهو منصوب على ظهر جهنم أعاذنا الله منها ومن سائر المكروه. وأما من كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى، فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولاً وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذبه القدر الذي يريده سبحانه وتعالى ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل، هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة. وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة، وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي، فإذا تقررت هذه القاعدة حمل عليها جميع ما ورد من أحاديث الباب وغيره، فإذا ورد حديث في ظاهره مخالفة وجب تأويله عليها ليجمع بين نصوص الشرع، وسنذكر من تأويل بعضها ما يعرف به تأويل الباقي إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
وأما شرح أحاديث الباب فنتكلم عليها مرتبة لفظا ومعنى، إسنادا ومتنا.(4/61)
1-حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كِلاَهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ: أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ عَنْ خَالِدٍ. قَالَ: حَدّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ حُمْرَانَ، عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله دَخَلَ الْجَنّةَ".
2-حدّثنا مُحمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ. حَدّثَنَا بِشَرُ بْنُ الْمُفَضّلِ. حَدّثَنَا خَالِدٌ الْحذّاءُ، عَنِ الْوَلِيدِ أَبِي بِشْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مِثْلَهُ سَوَاءً.(4/62)
3-حدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ النّضْرِ ابْنِ أَبِي النّضْرِ. قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو النّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ الأَشْجَعِيّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرّفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ. قَالَ فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ. قَالَ حَتّى هَمّ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِمْ. قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِيَ مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ، فَدَعَوْتَ الله عَلَيْهَا. قَالَ فَفَعَلَ. قَالَ فَجَاءَ ذُو الْبُرّ بِبُرّهِ. وَذُو التّمْرِ بِتَمْرِهِ. قَالَ (وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَذُو النّوَاةِ بِنَوَاهُ) قُلْتُ: وَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ بِالنّوَى؟ قَالَ: كانُوا يَمُصّونَهُ وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ. قَالَ فَدعا عَلَيْهَا. حَتّى مَلأَ الْقَوْمُ أَزْوِدَتَهُمْ. قَالَ فَقال عِنْدَ ذَلِكَ: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ. لاَ يَلْقَى الله بِهِمَا عَبْدٌ، غَيْرَ شَاكٍ فِيهِمَا، إِلاّ دَخَلَ الْجَنّةَ".(4/63)
4-حدّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ وَ أَبُو كُرَيبٍ مُحمّدُ بْنُ الْعَلاءِ، جَمِيعا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ (شَكّ الأَعْمَشُ) قَالَ: لَمّا كَانَ غَزْوَةُ تَبُوكَ، أَصَابَ النّاسَ مَجَاعَةٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ! لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا، فَأَكَلْنَا وَادّهَنّا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "افْعَلُوا" قَالَ فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنْ فَعَلْتَ قَلّ الظّهْرُ. وَلَكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ. ثُمّ ادْعُ الله لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ. لَعَلّ الله أَنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ" قَالَ فَدَعَا بِنِطَعٍ فَبَسَطَهُ. ثُمّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ. قَالَ فَجَعَلَ الرّجُلُ يَجِيءُ بِكَفّ ذُرَةٍ. قَالَ وَيَجِيءُ الاَخَرُ بِكَفّ تَمْرٍ. قَالَ وَيَجِيءُ الاَخَرُ بِكِسْرَةٍ. حَتّى اجْتَمَعَ عَلَى النّطَعِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ. قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ بِالْبَرَكَةِ. ثُمّ قَالَ: "خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ" قَالَ: فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ. حَتّى مَا تَرَكوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلاّ مَلأُوهُ، قَالَ: فَأَكَلُوا حَتّى شَبِعُوا، وَفَضلَتْ فَضْلَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ، لاَ يَلْقَى الله بِهِمَا عَبْدٌ، غَيْرَ شَاكٍ، فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنّةِ".(4/64)
5-حدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ: حَدّثَنَا الْوَلِيدُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) عَنِ ابْنِ جَابِرٍ. قَالَ: حَدّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ. قَالَ: حَدّثَنِي جُنَادَةُ ابْنُ أَبِي أُمَيّةَ. حَدّثَنَا عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنّ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنّ مُحَمّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنّ عِيسَىَ عَبْدُ اللّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنّ الْجَنّةَ حَقّ، وَأَنّ النّارَ حَقّ، أَدْخَلَهُ الله مِنْ أَيّ أَبْوَابِ الْجَنّةِ الثّمَانِيَةِ شَاءَ".
6-وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ: حَدّثَنَا مُبَشّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الأَوْزَاعِيّ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئ فِي هَذَا الإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ غٍيْرَ أَنّه قَالَ "أَدْخَلَهُ الله الْجَنّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ" وَلَمْ يَذْكُرْ "مِنْ أَيّ أَبْوَابِ الْجَنّةِ الثّمَانِيَةِ شَاءَ".(4/65)
7-حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ مُحمّدٍ بْنِ يَحْيَىَ بْنُ حَبّانَ، عَنِ ابْنِ مْحْيْرِيزٍ، عَنِ الصّنَابِحِيّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ أَنّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَبَكَيْتُ. فَقَالَ: مَهْلاً. لِمَ تَبْكِي؟ فَوَالله لَئِنِ اسْتُشْهِدْتُ لأَشْهَدَنّ لَكَ. وَلَئِنْ شُفّعْتُ لأَشْفَعَنّ لَكَ. وَلَئِنْ اسْتَطَعْتُ لأَنْفَعَنّكَ. ثُمّ قَالَ: وَالله مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلاّ حَدّثْتُكُمُوهُ. إِلاّ حَدِيثا وَاحِدا. وَسَوْفَ أُحَدّثُكُمُوهُ الْيَوْمَ، وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي. سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّ مُحَمّدا رَسُولُ اللّهِ. حَرّمَ الله عَلَيْهِ النّارَ".(4/66)
8-حدّثنا هَدّاب بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيّ: حَدّثَنَا هَمّامٌ: حَدّثَنَا قَتَادَةُ: حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ليس بيني وبينه إِلا مؤخرة الرّحْلِ. فقال: "يا معاذ بن جبل" قلت: لبيك رسول اللّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمّ سَارَ سَاعَةً. ثُمّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ" قُلْتُ: لَبّيْكَ رَسُولَ اللّهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمّ سَارَ سَاعَةً. ثُمّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ!" قُلْتُ: لَبّيْكَ رَسُولَ اللّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: "هل تَدْرِي مَا حَقّ الله عَلَى الْعِبَادِ؟" قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنّ حَقّ الله عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا" ثُمّ سَارَ سَاعَةً. ثُمّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ!" قُلْتُ: لَبّيْكَ رَسولَ اللّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقّ الْعِبَادِ عَلَى الله إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ" قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "أَنْ لاَ يُعَذّبَهُمْ".(4/67)
9-حدّثنا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ سَلاّمُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ. قَالَ: فَقَالَ: يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقّ العبادِ عَلَى الله؟ قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنّ حَقّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللّهِ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا. وَحَقّ الْعِبَادِ عَلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ أَنْ لاَ يُعَذّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئا" قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُبَشّرُ النّاسَ؟ قَالَ: "لاَ تُبَشّرْهُمْ. فَيَتّكِلُوا".
10-حدّثنا مُحمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ وَ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، أَنّهُمَا سَمِعَا الأَسْوَدَ بْنَ هِلاَلٍ يُحَدّثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟" قَالَ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ "أَن يُعْبَدَ اللّهُ وَلاَ يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ" قَالَ: "أَتَدْرِي مَا حَقّهُمْ عَلَيْهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟" فَقَالَ: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعَلَمْ. قَالَ "أَنْ لاَ يُعَذّبَهُمْ".
11-حدّثنا الْقَاسِمْ بْنُ زَكَرِيّاءَ. حَدّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ هِلاَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاذَا يَقُولُ: دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجَبْتُهُ. فَقَالَ: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقّ اللّهِ عَلَى النّاسِ" نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.(4/68)
12-حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيّ: حَدّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ. قَالَ حَدّثَنِي أَبُو كَثيرٍ قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنّا قُعُودا حَوْلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فِي نَفَرٍ. فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا. فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا. وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا. وَفَزِعْنَا فَقُمْنَا. فَكُنْتُ أَوّلَ مَنْ فَزِعَ. فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. حَتّى أَتَيْتُ حَائِطَا لِلأَنْصَارِ لِبَنِي النّجّار. فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابا. فَلَمْ أَجِدْ.فَإِذَا رَبيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئرٍ خَارِجَةٍ (وَالرّبِيعُ الْجَدْوَلُ) فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثّعْلَبُ. فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ "أَبُو هُرَيْرَةَ؟" فَقُلْتُ: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟" قُلْتُ: كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا. فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا. فَخَشِينَا أَنْ تُقْتطَعَ دُونَنَا. فَفَزِعْنَا. فَكُنْتُ أَوّلَ مَنْ فَزِعَ. فَأَتَيْتَ هَذَا الْحَائِطَ. فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثّعْلَبُ. وَهَؤُلاءِ النّاسُ وَرَائِي فَقَالَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ"(وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ) قَالَ "اذْهَبْ بِنَعْلَيّ هَاتَينِ. فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاء هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ. مُسْتَيْقِنا بِهَا قَلُبُهُ. فَبَشّرْهُ بِالْجَنّةِ" فَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ. فَقَالَ: مَا هَاتَانِ النّعَلاَنِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟!فَقُلْتُ: هَاتَيْنِ نَعْلاَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بَعثَنِي بِهِمَا. مَنْ لَقِيِتُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ(4/69)
مُسْتَيْقِنا بِهَا قَلْبُهُ، بَشّرْتُهُ بِالْجَنّةِ. فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيّ. فَخَرَرْتُ لاِسْتِي. فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً. وَرَكِبَنِي عُمَرُ فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَالَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟" قُلْتُ: لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ. فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيّ ضَرْبَةً. خَرَرْتُ لاِسْتِي. قَالَ: ارْجِعْ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عُمَرُ! مَا حَمَلك على ما فَعَلْتَ؟" قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي. أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ، مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ مُسْتَيْقِنا بِهَا قَلْبُهُ، بَشّرَهُ بِالْجَنّةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ. فَإِنّي أَخْشَىَ أَنْ يَتّكِلَ النّاسُ عَلَيْهَا. فَخَلّهِمْ يَعْمَلُونَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَخَلّهِمْ".(4/70)
13-حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ: قَالَ: حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ نَبِيّ اللهَ صلى الله عليه وسلم، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى الرّحْلِ، قَالَ "يَا مُعَاذُ" قَالَ: لَبّيْكَ رَسُولَ اللّهِ وَسَعْدَيْكَ. قالَ: "يا مُعَاذُ"، قال: لبّيْكَ رَسُولَ اللّهِ وسَعْدَيْكَ. قالَ: "يا مُعَاذُ" قال: لَبّيْكَ رَسُولَ اللّهِ وسَعْديْكَ قال: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّ مُحَمّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلاّ حَرّمَهُ الله عَلَى النّارِ" قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهَا النّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: "إِذا يَتّكِلُوا" فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ، تَأَثّما.(4/71)
14-حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ) قَالَ: حَدّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرّبِيعِ، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ. فَلَقِيتُ عِتْبَانَ. فَقُلْتُ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ. قَالَ: أَصَابَنِي فِي بَصَرِي بَعْضُ الشّيْءِ. فَبَعَثْتُ إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّي أُحِبّ أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلّيَ فِي مَنْزِلِي فَأَتّخِذَهُ مُصَلّى. قَالَ: فَأَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ شَاءَ الله مِنْ أَصْحَابِهِ. فَدَخَلَ وَهُوَ يُصَلّي فِي مَنْزِلِي. وَأَصْحَابُهُ يَتَحَدّثُونَ بَيْنَهُمْ. ثُمّ أَسْنَدُوا عُظْمَ ذَلِكَ وَكُبْرَهُ إِلَى مَالِكِ بْنِ دُخْشُمٍ. قَالُوا: وَدّوا أَنه دَعَا عَلَيْهِ فهلك. وَوَدّوا أَنّهُ أَصَابَهُ شَرّ. فَقَضىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الصّلاَةَ. وَقَالَ: "أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ؟" قَالُوا: إِنّهُ يَقُولُ ذَلِكَ. وَمَا هُوَ فِي قَلْبِهِ. قَالَ: "لاَ يَشْهَدُ أَحَدٌ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ فَيَدْخُلَ النّارَ، أَوْ تَطْعَمَهُ". قَالَ أَنَسٌ: فَأَعْجَبَنِي هَذَا الْحَدِيثُ. فَقُلْتُ لاِبْنِي: اكْتُبْهُ. فَكَتَبَهُ.(4/72)
15-حدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيّ: حَدّثَنَا بَهْزٌ: حَدّثَنَا حَمّادٌ: حَدّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَدّثَنِي عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ، أَنّهُ عَمِيَ. فَأَرْسَلَ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: تَعَالَ فَخُطّ لِي مَسْجِدا. فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَجَاءَ قَوْمُهُ. ونُعِتَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ. ثُمّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ.(4/73)
*فقوله في الإسناد الأول: (عن إسماعيل بن إبراهيم، وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة: حدثنا ابن علية عن خالد قال: حدثني الوليد بن مسلم عن حمران عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات وهو يعلم أن لا إلَه إلا الله دخل الجنة). أما إسماعيل بن إبراهيم فهو ابن علية، وهذا من احتياط مسلم رحمه الله، فإن أحد الراويين قال: ابن علية، والاَخر قال: إسماعيل بن إبراهيم فبينهما ولم يقتصر على أحدهما، وعليه أم إسماعيل وكان يكره أن يقال له ابن علية وقد تقدم بيانه. وأما خالد فهو ابن مهران الحذاء كما بينه في الرواية الثانية وهو ممدود، وكنيته أبو المنازل بالميم المضمومة والنون والزاي واللام، قال أهل العلم: لم يكن خالد حذاء قط، ولكنه كان يجلس إليهم فقيل له الحذاء لذلك هذا هو المشهور. وقال فهد بن حيان بالفاء: إنما كان قول: احذوا على هذا النحو فلقب بالحذاء، وخالد يعد في التابعين. وأما الوليد بن مسلم بن شهاب العنبري البصري أبو بشر فروى عن جماعة من التابعين، وربما اشتبه على بعض من لم يعرف الأسماء بالوليد بن مسلم الأموي مولاهم الدمشقي أبي العباس صاحب الأوزاعي، ولا يشتبه ذلك على العلماء به، فإنهما مفترقان في النسب إلى القبيلة والبلدة والكنية كما ذكرنا، وفي الطبقة فإن الأول أقدم طبقة وهو في طبقة كبار شيوخ الثاني، ويفترقان أيضا في الشهرة والعلم والجلالة، فإن الثاني متميز بذلك كله، قال العلماء: انتهى علم الشام إليه وإلى إسماعيل بن عياش، وكان أجل من ابن عياش رحمهم الله أجمعين والله أعلم. وأما حمران فبضم الحاء المهملة وإسكان الميم، وهو حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه، كنية حمران أبو يزيد كان من سبي عين التمر.
وأما معنى الحديث وما أشبه فقد جمع فيه القاضي عياض رحمه الله كلاما حسنا جمع فيه نفائس، فأنا أنقل كلامه مختصرا ثم أضم بعده إليه ما حضرني من زيادة.(4/74)
قال القاضي عياض رحمه الله: اختلف الناس فيمن عصى الله تعالى من أهل الشهادتين فقالت المرجئة: لا تضره المعصية مع الإيمان، وقالت الخوارج: تضره ويكفر بها، وقالت المعتزلة: يخلد في النار إذا كانت معصيته كبيرة، ولا يوصف بأنه مؤمن ولا كافر، ولكن يوصف بأنه فاسق، وقالت الأشعرية: بل هو مؤمن وإن لم يغفر له وعذب فلا بد من إخراجه من النار وإدخاله الجنة. قال: وهذا الحديث حجة على الخوارج والمعتزلة، وأما المرجئة فإن احتجت بظاهره قلنا محمله على أنه غفر له أو أخرج من النار بالشفاعة ثم أدخل الجنة، فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: دخل الجنة أي دخلها بعد مجازاته بالعذاب، وهذا لا بد من تأويله لما جاء في ظواهر كثيرة من عذاب بعض العصاة، فلا بد من تأويل هذا لئلا تتناقض نصوص الشريعة. وفي قوله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم إشارة إلى الرد على من قال من غلاة المرجئة أن مظهر الشهادتين يدخل الجنة وإن لم يعتقد ذلك بقلبه، وقد قيد ذلك في حديث آخر بقوله صلى الله عليه وسلم غير شاك فيهما، وهذا يؤكد ما قلناه، قال القاضي: وقد يحتج به أيضا من يرى أن مجرد معرفة القلب نافعة دون النطق بالشهادتين لاقتصاره على العلم، ومذهب أهل السنة أن المعرفة مرتبطة بالشهادتين، لا تنفع إحداهما ولا تنجي من النار دون الأخرى إلا لمن لم يقدر على الشهادتين لاَفة بلسانه أو لم تمهله المدة ليقولها بل اخترمته المنية، ولا حجة لمخالف الجماعة بهذا اللفظ، إذ قد ورد مفسرا في الحديث الاَخر: "من قال لا إلَه إلا الله ومن شهد أن لا إلَه إلا الله وأني رسول الله" وقد جاء هذا الحديث وأمثاله كثيرة في ألفاظها اختلاف، ولمعانيها عند أهل التحقيق ائتلاف، فجاء هذا اللفظ في هذا الحديث. وفي رواية معاذ عنه صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إلَه إلا الله دخل الجنة". وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم: "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة". وعنه صلى الله عليه(4/75)
وسلم: "ما من عبد يشهد أن لا إلَه إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا حرمه الله على النار". ونحوه في حديث عبادة بن الصامت وعتبان بن مالك. وزاد في حديث عبادة: على ما كان من عمل. وفي حديث أبي هريرة: "لا يلقى الله تعالى بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة وإن زنى وإن سرق". وفي حديث أنس: "حرم الله على النار من قال لا إلَه إلا الله يبتغي بذلك وجه الله تعالى".
وهذه الأحاديث كلها سردها مسلم رحمه الله في كتابه. فحكى عن جماعة من السلف رحمهم الله منهم ابن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي. وقال بعضهم: هي مجملة تحتاج إلى شرح ومعناه: من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها، وهذا قول الحسن البصري.(4/76)
وقيل: إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة ومات على ذلك، وهذا قول البخاري، وهذه التأويلات إنما هي إذا حملت الأحاديث على ظاهرها، وأما إذا نزلت منازلها فلا يشكل تأويلها على ما بينه المحققون، فنقرر أولاً أن مذهب أهل السنة بأجمعهم من السلف الصالح وأهل الحديث والفقهاء والمتكلمين على مذهبهم من الأشعريين أن أهل الذنوب في مشيئة الله تعالى، وأن كل من مات على الإيمان وتشهد مخلصا من قلبه بالشهادتين فإنه يدخل الجنة، فإن كان تائبا أو سليما من المعاصي دخل الجنة برحمة ربه وحرم على النار بالجملة، فإن حملنا اللفظين الواردين على هذا فيمن هذه صفته كان بينا، وهذا معنى تأويلي الحسن والبخاري، وإن كان هذا من المخلطين بتضييع ما أوجب الله تعالى عليه أو بفعل ما حرم عليه فهو في المشيئة، لا يقطع في أمره بتحريمه على النار، ولا باستحقاقه الجنة لأول وهلة، بل يقطع بأنه لا بد من دخوله الجنة آخرا، وحاله قبل ذلك في خطر المشيئة، إن شاء الله تعالى عذبه بذنبه، وإن شاء عفا عنه بفضله، ويمكن أن تستقل الأحاديث بنفسها ويجمع بينها، فيكون المراد باستحقاق الجنة ما قدمناه من إجماع أهل السنة أنه لا بد من دخولها لكل موحد إما معجلاً معافى، وإما مؤخرا بعد عقابه، والمراد بتحريم النار تحريم الخلود، خلافا للخوارج والمعتزلة في المسألتين، ويجوز في حديث: "من كان آخر كلامه لا إلَه إلا الله دخل الجنة" أن يكون خصوصا لمن كان هذا آخر نطقه وخاتمة لفظه وإن كان قبل مخلطا، فيكون سببا لرحمة الله تعالى إياه ونجاته رأسا من النار وتحريمه عليها، بخلاف من لم يكن ذلك آخر كلامه من الموحدين المخلطين، وكذلك ما ورد في حديث عبادة من مثل هذا، ودخوله من أي أبواب الجنة شاء، يكون خصوصا لمن قال ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وقرن بالشهادتين حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه، فيكون له من الأجر ما يرجح على سيئاته، ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول(4/77)
الجنة لأول وهلة إن شاء الله تعالى، والله أعلم. هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله وهو في نهاية الحسن.
وأما ما حكاه عن ابن المسيب وغيره فضعيف باطل، وذلك لأن راوي أحد هذه الأحاديث أبو هريرة رضي الله عنه وهو متأخر الإسلام أسلم عام خيبر سنة سبع بالاتفاق، وكانت أحكام الشريعة مستقرة، وأكثر هذه الواجبات كانت فروضها مستقرة، وكانت الصلاة والصيام والزكاة وغيرها من الأحكام قد تقرر فرضها، وكذا الحج على قول من قال: فرض سنة خمس أو ست، وهما أرجح من قول من قال سنة تسع والله أعلم.
وذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى تأويلاً آخر في الظواهر الواردة بدخول الجنة بمجرد الشهادة فقال: يجوز أن يكون ذلك اقتصارا من بعض الرواة نشأ من تقصيره في الحفظ والضبط، لا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدلالة مجيئه تاما في رواية غيره، وقد تقدم نحو هذا التأويل. قال: ويجوز أن يكون اختصارا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما خاطب به الكفار عبدة الأوثان الذين كان توحيدهم لله تعالى مصحوبا بسائر ما يتوقف عليه الإسلام ومستلزما له، والكافر إذا كان لا يقر بالوحدانية كالوثني والثنوي فقال: لا إلَه إلا الله وحاله الحال التي حكيناها حكم بإسلامه، ولا نقول والحالة هذه ما قاله بعض أصحابنا من أن من قال: لا إلَه إلا الله يحكم بإسلامه ثم يجبر على قبول سائر الأحكام، فإن حاصله راجع إلى أنه يجبر حينئذٍ على إتمام الإسلام، ويجعل حكمه حكم المرتد إن لم يفعل من غير أن يحكم بإسلامه بذلك في نفس الأمر وفي أحكام الاَخرة، ومن وصفناه مسلم في نفس الأمر وفي أحكام الاَخرة، والله أعلم.
وأخرج حديث عثمان بن عفان بلفظ = من مات وهم يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة= كل من :(4/78)
-1- أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف قال حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا خالد الحذاء عن الوليد بن مسلم أبي بشر قال سمعت حمران بن أبان يقول سمعت عثمان بن عفان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة ... ... ... ... ------------------------------ابن حبان
-2-حدثنا ابن علية عن خالد قال حدثني الوليد بن مسلم عن حمران عن عثمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة- ... ... ... ... ------------------------------ابن أبي شيبة
-3-أخبرنا الحسن بن يعقوب العدل ثنا يحيى بن أبي طالب وحدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار إملاء ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا عبد الوهاب بن عطاء ثنا سعيد عن قتادة عن مسلم بن يسار عن حمران بن أبان عن أبيه أن عثمان بن عفان حدث عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه فيموت إلا حرم على النار فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخبرها فقال عمر بن الخطاب أنا أخبرك بها هي كلمة الإخلاص التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله وهي الكلمة التي أكرم الله بها محمدا وأصحابه هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة إنما انفرد مسلم بإخراج حديث خالد الحذاء عن الوليد بن مسلم عن حمران عن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة-------------------------------الحاكم
-4-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت خالد العنزي عن أبي بشر العنبري عن حمران ابن أبان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(4/79)
-من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة. ... ... ... ... --------------------أحمد
أما ما جاء في معناه بلفظ = من مات لا يشرك بالله شيئا ..... = فكثير ،نذكر جملة منه
البخاري
باب: في الجنائز، ومن كان آخر كلامة: لا إله إلا الله.
وقيل لوهب بن منبه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك.
1- حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا مهدي بن ميمون: حدثنا واصل الأحدب، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آتاني آت من ربي، فأخبرني، أو قال: بشرني، أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة). قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: (وإن زنى وإن سرق).
2- حدثنا عمر بن حفص: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش: حدثنا شقيق، عن عبد الله رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات يشرك بالله شيئا دخل النار). وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
3-حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا جرير، عن عبد العزيز بن رُفيع، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر رضي الله عنه قال:(4/80)
خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده، وليس معه إنسان، قال: فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني، فقال: (من هذا). قلت: أبو ذر، جعلني الله فداءك، قال: (يا أبا ذر تعال). قال: فمشيت معه ساعة، فقال: (إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة، إلا من أعطاه الله خيراً، فنفح فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه، وعمل فيه خيراً). قال: فمشيت معه ساعة، فقال لي: (اجلس ها هنا). قال: فأجلسني في قاع حوله حجارة، فقال لي: (اجلس ها هنا حتى أرجع إليك). قال: فانطلق في الحرة حتى لا أراه، فلبث عني فأطال اللبث، ثم إني سمعته وهو مقبل وهو يقول: (وإن سرق، وإن زنى). قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبي الله جعلني الله فداءك، من تكلم في جانب الحرة، ما سمعت أحداً يرجع إليك شيئا؟ قال: (ذلك جبريل عليه السلام، عرض لي في جانب الحرة، قال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت: يا جبريل، وإن سرق، وإن زنى؟ قال: نعم). قال: قلت: وإن سرق، وإن زنى؟ قال: (نعم، وإن شرب الخمر).
قال النضر: أخبرنا شُعبة، وحدثنا حبيب بن أبي ثابت، والأعمش، وعبد العزيز بن رفيع: حدثنا زيد بن وهب: بهذا.
قال أبو عبد الله: حديث أبي صالح، عن أبي الدرداء، مرسل لا يصح، إنما أردنا للمعرفة، والصحيح حديث أبي ذر.
قيل لأبي عبد الله: حديث عطاء بن يسار، عن أبي الدرداء؟ قال: مرسل أيضا لا يصح، والصحيح حديث أبي ذر، وقال: اضربوا على حديث أبي الدرداء هذا: إذا مات قال: لا إله إلا الله، عند الموت.
- باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهباً).
1- حدثنا الحسن بن الربيع: حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن زيد بن وهب قال: قال أبو ذر:(4/81)
كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة، فاستقبلنا أحد، فقال: (يا أبا ذر). قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهباً، تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار، إلا شيئاً أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا). عن يمينه، وعن شماله، ومن خلفه، ثم مشى ثم قال: (إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا - عن يمينه وعن شماله ومن خلفه - وقليل ما هم). ثم قال لي: (مكانك لا تبرح حتى آتيك). ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى، فسمعت صوتاً قد ارتفع، فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم، فأردت أن آتيه فذكرت قوله لي: (لا تبرح حتى آتيك). فلم أبرح حتى أتاني، قلت: يا رسول الله لقد سمعت صوتاً تخوفت، فذكرت له، فقال: (وهل سمعته). قلت: نعم. قال: (ذاك جبريل أتاني، فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى، وإن سرق).
وحدثنا محمد بن بشار. حدثنا أبو داود. حدثنا شعبة عن أبان بن تغلب، عن فضيل، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
-----------مسلم
(باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار
1- حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير. حدثنا أبي ووكيع، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبدالله. (قال وكيع: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن نمير: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) يقول:
"من مات يشرك بالله شيئا دخل النار" وقلت أنا: ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.
2- وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال:(4/82)
أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله! ما الموجبتان؟ فقال: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار".
3- وحدثني أبو أيوب الغيلاني، سليمان بن عبدالله، وحجاج بن الشاعر، قالا: حدثنا عبدالملك بن عمرو. حدثنا قرة، عن أبي الزبير. حدثنا جابر بن عبدالله قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار". قال أبو أيوب: قال أبو الزبير: عن جابر.
4-وحدثني إسحاق بن منصور. أخبرنا معاذ (وهو ابن هشام) قال: حدثني أبي، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال، بمثله.
5- وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار. قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة، عن واصل الأحدب، عن المعرور بن سويد، قال:
سمعت أبا ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: "أتاني جبريل عليه السلام. فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق"
6- حدثني زهير بن حرب وأحمد بن خراش، قالا: حدثنا عبدالصمد بن عبدالوارث. حدثنا أبي، قال: حدثني حسين المعلم، عن ابن بريدة؛ أن يحيى بن يعمر حدثه؛ أن أبا الأسود الدؤلي حدثه؛ أن أبا ذر حدثه قال:
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم. عليه ثوب أبيض. ثم أتيته فإذا هو نائم. ثم أتيته وقد استيقظ. فجلست إليه. فقال: "ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة" قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق " قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق" ثلاثا. ثم قال في الرابعة "على رغم أنف أبي ذر" قال، فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر.
7-حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا جرير عن عبدالعزيز (وهو ابن رفيع) عن زيد بن وهب، عن أبي ذر ؛ قال:(4/83)
خرجت ليلة من الليالي. فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده. ليس معه إنسان. قال: فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد. قال: فجعلت أمشي في ظل القمر. فالتفت فرآني. فقال: "من هذا ؟ " فقلت: أبو ذر. جعلني الله فداءك. قال: "يا أبا ذر تعاله". قال: فمشيت معه ساعة. فقال: "إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة. إلا من أعطاه الله خيرا. فنفح فيه يمينه وشماله، وبين يديه ووراءه، وعمل فيه خيرا ".
قال: فمشيت معه ساعة. فقال: " أجلس ههنا " قال: فأجلسني في قاع حوله حجارة. فقال لي: " أجلس ههنا حتى أرجع إليك " قال: فانطلق في الحرة حتى لا أراه. فلبث عني. فأطال اللبث. ثم أني سمعته وهو مقبل وهو يقول: "وإن سرق وإن زنى" قال: فلما جاء لم أصبر فقلت: يا نبي الله ! جعلني الله فداءك. من تكلم في جانب الحرة ؟ ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا. قال: " ذاك جبريل عرض لي في جانب الحرة. فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. فقلت: يا جبريل ! وإن سرق وإن زنى ؟ قال: نعم. قال قلت: وإن سرق وإن زنى ؟ قال: نعم. قال قلت: وإن سرق وإن زنى ؟ قال: نعم. وإن شرب الخمر".
الترمذي
1-حدثنا هناد، أخبرنا عبدة عن سعيد عن قتادة عن أبي المليح عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- "أتاني آت من عند ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئا".
قد روي عن أبي المليح عن رجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يذكر عن عوف بن مالك.
2-حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا أبو داود، أنبأنا شعبة عن حبيب عن أبي ثابت وعبد العزيز بن رفيع والأعمش. كلهم سمعوا زيد بن وهب عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(4/84)
- "أتاني جبرائيل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. قلت وان زنى وان سرق؟ قال نعم". هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن أبي الدرداء.
البيهقي
1-وأخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أنبأ جدي يحيى بن منصور القاضي ثنا أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأ جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن زيد بن وهب عن أبي ذر رضى الله تعالى عنه قال خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ليس معه إنسان فذكر الحديث قال فلما جاء لم أصبر حتى قلت يا نبي الله جعلني الله فداءك من كنت تكلم في جانب الحرة فقال آتاني جبريل فقال : بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة فقلت يا جبريل وإن سرق وإن زنا قال نعم وإن سرق وإن زنا قلت وإن سرق وزنا قال وإن سرق وزنا وشرب الخمر
2-وأخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أنبأ جدي يحيى بن منصور القاضي ثنا أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأ أبو معاوية ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضى الله تعالى عنه قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الموجبتان فقال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار
ابن حبان(4/85)
1-أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا جرير وعيسى بن يونس قالا حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب قال أشهد بالله لسمعت أبا ذر بالربذة يقول كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرة المدينة ممسيا فاستقبلنا أحد فقال يا أبا ذر ما أحب أن لي أحدا ذهبا أمسي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا يعني من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ثم قال يا أبا ذر إن المكثرين هم الأقلون يوم القيامة ثم قال لي لا تبرح حتى آتيك فانطلق ثم جاء في سواد الليل فسمعت صوتا فخشيت أن يكون ضرار رسول الله صلى الله عليه وسلم فهممت أن انطلق ثم ذكرت قوله فجلست حتى جاء فقلت له إني أردت أن آتيك يا رسول الله ثم ذكرت قولك لي وسمعت صوتا قال ذاك جبريل جاءني فأخبرني أن من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة فقلت وإن زنى وإن سرق فقال وإن زنى وإن سرق
قال جرير قال الأعمش عن أبي صالح عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك قال أبو حاتم رضى الله تعالى عنه أضمر في هذا الخبر شرطان أحدهما أن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة إن تفضل الله جل وعلا عليه بالعفو عن جناياته التي له في دار الدنيا لأن المرء لا يخلو من ارتكاب بعض ما حظر عليه في الدنيا أضمر في الخبر هذا الشرط والشرط الثاني من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة يريد بعد تعذيبه إياه في النار نعوذ بالله منها إن لم يتفضل عليه بالعفو قبل ذلك لئلا يبقى في النار مع من أشرك به في الدنيا فهذان الشرطان مضمران في هذا الخبر لا أن كل من مات ولا يشرك بالله شيئا دخل الجنة لا محالة
أبو يعلى(4/86)
- 1-حدثنا بن نمير حدثنا محمد بن عبيد حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال جاء رجل ألى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما الموجبتان فقال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار
-2- وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
الحاكم
حدثنا أبو علي الحافظ أنبأ الحسن بن سفيان ثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا القاسم بن الوليد الهمداني ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات لا يشرك بالله شيئا ولم يتند بدم حرام دخل من أي أبواب الجنة شاء
أحمد
1-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلمة وقلت أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قال: وقلت أنا: من مات يشرك بالله شيئا دخل النار
2-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو نعيم حدثنا زكريا عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال:
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
-3-عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال:
-أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله ما الموجبتان قال من مات لا يشرك بالله عز وجل شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله دخل النار.
-4-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يزيد أنبأنا المسعودي عن الركين بن الربيع عن رجل عن خريم بن فاتك قال:(4/87)
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعمال ستة والناس أربعة فموجبتان ومثل بمثل وحسنة بعشر أمثالها وحسنة بسبعمائة فأما الموجبتان فمن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار وأما مثل بمثل فمن هم بحسنة حتى يشعرها قلبه ويعلمها الله منه كتبت له حسنة ومن عمل سيئة كتبت عليه سيئة ومن عمل حسنة فبعشر أمثالها ومن أنفق نفقة في سبيل الله فحسنة بسبعمائة وأما الناس فموسع عليه في الدنيا مقتور عليه في الآخرة ومقتور عليه في الدنيا موسع عليه في الآخرة ومقتور عليه في الدنيا والآخرة وموسع عليه في الدنيا والآخرة.
-5-عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو داود حدثنا شعبة أخبرني حبيب بن أبي ثابت وعبد العزيز بن رفيع والأعمش كلهم سمع زيد بن وهب يحدث عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
-من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.
-6-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان حدثنا همام قال حدثنا عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن معاذ بن جبل أنه إذ حضر قال: ادخلوا عليَّ الناس فأدخلوا عليه فقلت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسام يقول:
-من مات لا يشرك بالله شيئا جعله الله في الجنة وما كنت أحدثكموه إلا عند الموت والشهيد على ذلك عويمر أبو الدرداء فأتوا أبا الدرداء فقال: صدق أخي وما كان يحدثكم به إلا عند موته.(4/88)
4 علي بن أبي طالب
رضي الله عنه
... * نسبه
هو علي بن أبي طالب بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بن هَاشِمِ بن عَبْدِ مَنَافِ بن قُصَيِّ بن كِلابِ بن مُرَّةَ بن كَعْبِ بن لُؤَيِّ بن غَالِبِ بن فِهْرِ بن مَالِكٍ يُكْنَى أَبَا الْحَسَنِ
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، قَالَ : بَلَغَنِي بنو هَاشِمٍ : أَنَّ أَبَا طَالِبٍ اسْمُهُ : عَبْدُ مَنَافِ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ اسْمُهُ : شَيْبَةُ بن هَاشِمٍ ، وَهَاشِمُ اسْمُهُ : عَمْرُو بن عَبْدِ مَنَافِ بن قُصَيٍّ ، وَقُصَيُّ اسْمُهُ : زَيْدٌ.
* حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بن بَكَّارٍ ، قَالَ : أُمُّ عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَاطِمَةُ بنتُ أَسَدِ بن هَاشِمِ بن عَبْدِ مَنَافِ بن قُصَيٍّ ، وَيُقَالُ : إِنَّهَا أَوَّلُ هَاشِمِيَّةٍ وَلَدَتْ لِهَاشِمِيٍّ ، وَقَدْ أَسْلَمَتْ ، وَهَاجَرَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ، وَمَاتَتْ ، وَدَفَنَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بنتُ هَرِمِ بن رَوَاحَةَ بن حُجْرِ بن عَبْدِ مُعْرِضِ بن عَامِرِ بن لُؤَيٍّ .
* صِفَةُ عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بن أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبِي : يَا عَمْرُو ، فَانْظُرْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ أَرَهُ خَضَبَ لِحْيَتَهُ ، ضَخْمَ الرَّأْسِ .(5/1)
* حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ ، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ .
* حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بن يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ ، حَدَّثَنَا حَمَدُ بن خَالِدٍ الْخَيَّاطُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ .
* حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ إِسْرَائِيلَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ ، قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ أَبِي إِلَى الْجُمُعَةِ وَأَنَا غُلامٌ ، فَلَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، قَالَ لِي أَبِي : قُمْ أَيْ عَمْرُو ، فَقُمْتُ ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَإِذَا هُوَ أَبْيَضُ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ ، عَلَيْهِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ لَيْسَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ ، قَالَ : فَمَا رَأَيْتُهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى نَزَلَ عَنْهُ ، قُلْنَا لأَبِي إِسْحَاقَ : فَهَلْ قَنَتَ ؟ ، قَالَ : لا .(5/2)
* حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ وَكِيعِ بن الْجَرَّاحِ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي شَرِيكٌ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : زَوَّجْتَنِيهِ أُعَيْمِشَ عَظِيمَ الْبَطْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ زَوَّجْتُكِهِ وَإِنَّهُ لأَوَّلُ أَصْحَابِي سِلْمًا ، وَأَكْثَرُهُمْ عِلْمًا ، وَأَعْظَمُهُمْ حِلْمًا.
* حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ . ح
وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بن أَبِي الطَّاهِرِ بن السَّرْحِ الْمِصْرِيُّ ، قَالا : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْحَرَّانِيُّ ، قَالَ : قَالَ وَكِيعٌ : عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَبْيَضَ اللِّحْيَةِ قَدْ مَلأَتْ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ ، زَادَ يَحْيَى بن سَعِيدٍ فِي حَدِيثِهِ : عَلَى رَأْسِهِ زُغَيْبَاتٌ .
*حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن الصَّقْرِ السُّكَّرِيُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ ، قَالَ : يُقَالُ : كَانَ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ آدَمَ رَبْعَةً مُسْمِنًا ، ضَخْمَ الْمَنْكِبَيْنِ ، طَوِيلَ اللِّحْيَةِ ، أَصْلَعَ ، عَظِيمَ الْبَطْنِ ، غَلِيظَ الْعَيْنَيْنِ ، أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ .(5/3)
*حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بن يَحْيَى السَّاجِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن نَافِعٍ ، حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بن خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بن مُرَّةَ ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ، قَالَ : ذَكَرْتُ لابْنِ مَسْعُودٍ قَوْلَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : أَلَمْ تَرَ إِلَى رَأْسِهْ كالطَّسْتِ ، وَإِنَّمَا حَوْلَهُ كالحِفَافِ.
* حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بن أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بن حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بن جَرِيرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ ، قَالَ : رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، مُسْمِنًا أَصْلَعَ الشَّعْرِ ، كَأَنَّ بِجَانِبهِ إِهَابُ شَاةٍ .
سِنُّ عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ وَوَفَاتُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، وَاللَّيْثُ بن سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ ، قَالَ : أَسْلَمَ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ .
*حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ ، عَنِ الْحَسَنِ ، وَغَيْرِهِ ، قال : فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ ، أَوْ سِتَّ عَشْرَةَ .
* حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ ، قَالَ : قُتِلَ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، يَوْمَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، سَنَةَ أَرْبَعِينَ .(5/4)
* حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن زَيْدِ بن هَارُونَ الْقَزَّازُ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بن زَيْدِ بن عَلِيٍّ ، عَنْ جَعْفَرَ بن مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : تُوُفِّيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً .
* حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بن عَبَّادٍ الْخَطَّابِيُّ الْبَصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن صُبَيْحٍ ، قَالَ : قَالَ هِشَامُ بن الْكَلْبِيِّ ، عَنْ عَوَانَةَ بن الْحَكَمِ ، قَالَ : لَمَّا ضَرَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مُلْجَمٍ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَحُمِلَ إِلَى مَنْزِلِهِ ، أَتَاهُ الْعُوَّادُ ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : كُلُّ امْرِئٍ مُلاقٍ مَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ ، وَالأَجَلُ مُسَاقُ النَّفْسِ ، وَالْهَرَبُ مِنْ آفَاتِهِ كَمْ أَطْرَدْتُ الأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هَذَا الأَمْرِ وَأَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، إِلا إِخْفَاءَهُ هَيْهَاتَ عِلْمٌ مَخْزُونٌ ، أَمَّا وَصِيَّتِي إِيَّاكُمْ فَاللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَضُيِّعُوا سُنَّتَهُ ، أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ ، وَخَلاكُمْ ذَمُّ مَا لَمْ يُشَرَّدُوا ، وَأُحْمِلَ كُلُّ امْرِئٍ مَجْهُودَهُ ، وَخُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ بِرَبٍّ رَحِيمٍ ، وَدِينٍ قَوِيمٍ وَإِمَامٍ عَلِيمٍ ، كُنَّا فِي رِيَاحٍ وَذَرِيِّ أَغْصَانٍ ، وَتَحْتَ ظِلِّ غَمَامَةٍ اضْمَحَلَّ مَرْكَزُهَا فَيَحُطُّهَا عَانٍ ، جَاوَرَكُمْ تُدْنِي أَيَّامًا تِبَاعًا ، ثُمَّ هَوًى فَسَتُعْقَبُونَ مِنْ بَعْدِهِ جُثَّةً خَوَاءً سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَكَةٍ كَاظِمَةً ،(5/5)
بَعْدَ نُطُوقٍ ، إِنَّهُ أَوْعَظُ لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنْ نُطْقِ الْبَلِيغِ ، وَدَاعِيكُمْ دَاعِي مُرْصَدٍ لِلتَّلاقِ غَدًا تَرَوْنَ أَيَّامِي ، وَيُكْشَفُ عَنْ سَرَائِرِي لَنْ يُحَابِيَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، إِلا أَنْ أَتَزَلَّفَهُ بِتَقْوًى فَيَغْفِرَ عَنْ فَرَطٍ مَوْعُودٍ عَلَيْكُمُ السَّلامُ إِلَى يَوْمِ اللِّزَامِ إِنْ أَبْقَ ، فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي ، وَإِنْ أفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي ، الْعَفْوُ لِي قُرْبَةٌ ، وَلَكُمْ حَسَنَةٌ ، فَاعْفُوا عَفَا اللَّهُ عَنَّا وَعَنْكُمْ {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور : 22 ] ، ثُمَّ قَالَ : عِشْ مَا بَدَا لَكَ ، قَصْرُكَ الْمَوْتُ لا مُرَحِّلٌ عَنْهُ ، وَلا فَوْتٌ بَيْنَا غِنَى بَيْتٍ وَبَهْجَةٍ زَالَ الْغِنَى وَتَقَوَّضَ الْبَيْتُ يَا لَيْتَ شِعْرِي مَا يُرَادُ بنا وَلقَلَّ مَا يُجْدِي لَنَا ليتَُ(5/6)
* حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عَلِيٍّ الأَبَّارُ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بن هِشَامٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن رَاشِدٍ ، قَالَ : كَانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابَهُ ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن مُلْجَمٍ ، وَالْبَرْكَ بن عَبْدِ اللَّهِ ، وَعَمْرَو بن بَكْرٍ التَّمِيمِيَّ ، اجتمعوا بمكة ، فذكروا أمر الناس ، وعابوا عمل ولاتهم ، ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم ، فقالوا : والله ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئا ، إخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم الذين كانوا لا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ ، فَلَوْ شَرَيْنَا أَنْفُسَنَا ، فَأَتَيْنَا أَئِمَّةَ الضَّلالَةِ فَالْتَمَسْنَا قَتْلَهُمْ ، فَأَرَحْنَا مِنْهُمُ الْبِلادَ وَثَأَرْنَا بِهِمْ إِخْوَانَنَا ، قَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ : أَنَا أَكْفِيكُمْ عَلِيَّ بن أَبِي طَالِبٍ ، وَقَالَ الْبَرْكُ بن عَبْدِ اللَّهِ أَنَا أَكْفِيكُمْ مُعَاوِيَةَ بن أَبِي سُفْيَانَ ، وَقَالَ عَمْرُو بن بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ : أَنَا أَكْفِيكُمْ عَمْرَو بن الْعَاصِ ، فَتَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا بِاللَّهِ ، لا يَنْكُصُ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَنْ صَاحِبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ ، أَوْ يَمُوتَ دُونَهُ ، فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ ، فَسَمُّوها وَاتَّعَدُوا لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ يَثِبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْهِ ، وَأَقْبَلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ صَاحِبُهُ الَّذِي يَطْلُبُ ، فَأَمَّا ابْنُ الْمُلْجَمِ الْمُرَادِيُّ ، فَأَتَى أَصْحَابَهُ بِالْكُوفَةِ وَكَاتَمَهُمْ أَمْرَهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ(5/7)
أَمْرِهِ ، وَأَنَّهُ لَقِيَ أَصْحَابًا لَهُ مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ وَقَدْ قَتَلَ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مِنْهُمْ عِدَّةً يَوْمَ النَّهَرِ ، فَذَكَرُوا قَتْلاهُمْ فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ ، قَالَ : وَلَقِيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ يُقَالُ لَهَا قَطَامُ بنتُ الشَّحنةِ وَقَدْ قَتَلَ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَبَاهَا ، وَأَخَاهَا يَوْمَ النَّهَرِ ، وَكَانَتْ فَائِقَةَ الْجَمَالِ ، فَلَمَّا رَآهَا الْتَبَسَتْ بِعَقْلِهِ وَنَسِيَ حَاجَتَهُ الَّتِي جَاءَ لَهَا ، فَخَطَبَهَا ، فَقَالَتْ : لا أَتَزَوَّجُ حَتَّى تَشْتَفِيَ لِي ، قَالَ : وَمَا تَشَائِينَ ؟ قَالَتْ : ثَلاثَةُ آلافٍ ، وَعَبْدٌ ، وَقَيْنَةٌ ، وَقَتْلُ عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَقَالَ : هُوَ مَهْرٌ لَكَ ، فَأَمَّا قَتْلُ عَلِيٍّ فَمَا أَرَاكِ ذَكَرْتِيهِ لِي وَأَنْتِ تُرِيدِينَهُ ؟ قَالَتْ : بَلَى ، فَالْتَمِسْ غُرَّتَهُ فَإِنْ أَصَبْتَهُ شَفَيْتَ نَفْسَكَ وَنَفْسِي ، وَنَفَعَكَ الْعَيْشُ مَعِي ، وَإِنْ قُتِلْتَ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَزِبْرِجِ أَهْلِهَا ، فَقَالَ : مَا جَاءَ بِي إِلَى هَذَا الْمِصْرِ إِلا قَتْلُ عَلِيٍّ ، قَالَتْ : فَإِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَأَخْبِرْنِي حَتَّى أَطْلُبَ لَكَ مَنْ يَشُدُّ ظَهْرَكَ ، وَيُسَاعِدُكَ عَلَى أَمْرِكَ ، فَبَعَثَتْ إِلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهَا مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ ، يُقَالُ لَهُ : وَرْدَانُ ، فَكَلَّمَتْهُ ، فَأَجَابَهَا ، وَأَتَى ابْنُ مُلْجَمٍ رَجُلا مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ : شَبِيبُ بن نَجْدَةً ، فَقَالَ لَهُ : هَلْ لَكَ فِي شَرَفِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : قَتْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ :(5/8)
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِدًّا ، كَيْفَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ ؟ قَالَ : أَكْمُنُ لَهُ فِي السَّحَرِ فَإِذَا خَرَجَ لِصَلاةِ الْغَدَاةِ شَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَتَلْنَاهُ ، فَإِنْ نَجَوْنَا شَفَيْنَا أَنْفُسَنَا وَأَدْرَكْنَا ثَأْرَنَا ، وَإِنْ قُتِلْنَا فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَزِبْرِجِ أَهْلِهَا ، قَالَ : وَيْحَكَ لَوْ كَانَ غَيْرَ عَلِيٍّ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ ، قَدْ عَرَفْتُ بَلاءَهُ فِي الإِسْلامِ ، وَسَابِقَتَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا أَجِدُنِي أنْشَرِحُ لِقَتْلِهِ ، قَالَ : أَمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَ أَهْلَ النَّهَرِ الْعُبَّادَ الْمُصَلِّينَ ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَقَتْلُهُ بِمَا قَتَلَ مِنْ إِخْوَانِنَا ، فَأَجَابَهُ فَجَاءُوا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى قَطَامِ وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ الأَعْظَمِ مُعْتَكِفَةٌ فِيهِ ، فَقَالُوا لَهَا : قَدْ أَجْمَعَ رَأْيُنَا عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ ، قَالَتْ : فَإِذَا أَرَدْتُمْ ذَلِكَ فَائْتُونِي ، فَجَاءَ ، فَقَالَ : هَذِهِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدْتُ فِيهَا صَاحِبِي أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا صَاحِبَهُ ، فَدَعَتْ لَهُمْ بِالْحَرِيرِ فَعَصَّبَتْهُمْ ، وَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ وَجَلَسُوا مُقَابِلَ السُّدَةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا عَلِيٌّ ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِصَلاةِ الْغَدَاةِ ، فَجَعَلَ يُنَادِي : الصَّلاةَ الصَّلاةَ ، فَشَدَّ عَلَيْهِ شَبِيبٌ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ ، فَوَقَعَ السَّيْفُ بِعِضَادَةِ الْبَابِ أَوْ بِالطَّاقِ فَشَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ مُلْجَمٍ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فِي قَرْنِهِ ، وَهَرَبَ وَرْدَانُ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بني أُمِّهِ ، وَهُوَ يَنْزِعُ الْحَرِيرَ وَالسَّيْفَ عَنْ(5/9)
صَدْرِهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا السَّيْفُ وَالْحَرِيرُ ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ ، فَذَهَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَجَاءَ بِسَيْفِهِ فَضَرَبَهُ ، حَتَّى قَتَلَهُ وَخَرَجَ شَبِيبٌ نَحْوَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ ، وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ إِلا أَنَّ رَجُلا مِنْ حَضْرَمَوْتَ يُقَالُ لَهُ : عُوَيْمِرٌ ضَرَبُ رِجْلَهُ بِالسَّيْفِ فَصَرَعَهُ وَجَثَمَ عَلَيْهِ الْحَضْرَمِيُّ ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدْ أَقْبَلُوا فِي طَلَبِهِ ، وَسَيْفُ شَبِيبٍ فِي يَدِهِ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَرَكَهُ ، فَنَجَا بنفْسِهِ وَنَجَا شَبِيبٌ فِي غِمَارِ النَّاسِ ، وَخَرَجَ ابْنُ مُلْجَمٍ فَشَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَمْدَانَ يُكَنَّى : أَبَا أَدَمَا فَضَرَبَ رِجْلَهُ وَصَرَعَهُ ، وَتَأَخَّرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَدَفَعَ فِي ظَهْرِ جَعْدَةَ بن هُبَيْرَةَ بن أَبِي وَهْبٍ ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْغَدَاةَ ، وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، وَذَكَرُوا أَنَّ مُحَمَّدَ بن حُنَيْفٍ ، قَالَ : وَاللَّهِ إِنِّي لأُصَلِّي تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي ضُرِبَ فِيهَا عَلِيٌّ فِي الْمَسْجِدِ الأَعْظَمِ ، قَرِيبًا مِنَ السُّدَّةِ فِي رِجَالٍ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ مَا فِيهِمْ إِلا قِيَامٌ وَرُكُوعٌ وَسُجُودٌ وَمَا يَسْأَمُونَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ ، إِذْ خَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِصَلاةِ الْغَدَاةِ ، فَجَعَلَ يُنَادِي : أَيُّهَا النَّاسُ ، الصَّلاةَ الصَّلاةَ ، فَمَا أَدْرِي أَتَكَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَوْ نَظَرْتُ إِلَى بَرِيقِ السُّيُوفِ ، وَسَمِعْتُ : الْحُكْمُ للَّهِ ، لا لَكَ يَا عَلِيُّ وَلا لأَصْحَابِكَ ، فَرَأَيْتُ سَيْفًا ، ثُمَّ رَأَيْتُ نَاسًا ، وَسَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ : لا يَفُوتُكُمُ الرَّجُلُ ، وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ(5/10)
كُلِّ جَانِبٍ ، فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أُخِذَ ابْنُ مُلْجَمٍ فَأُدْخِلَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَدَخَلْتُ فِيمَنْ دَخَلَ مِنِ النَّاسِ ، فَسَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ : النَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، إِنْ هَلَكْتُ فَاقْتُلُوهُ كَمَا قَتَلَنِي ، وَإِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي ، وَلَمَّا أُدْخِلَ ابْنُ مُلْجَمٍ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ ؟ أَلَمْ أَفْعَلْ بِكَ ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ : شَحَذْتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ شَرَّ خَلْقِهِ ، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : مَا أُرَاكَ إِلا مَقْتُولا بِهِ ، وَمَا أُرَاكَ إِلا مِنْ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ ، وَكَانَ ابْنُ مُلْجَمٍ مَكْتُوفًا بَيْنَ يَدَيِ الْحَسَنِ ، إِذْ نَادَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بنتُ عَلِيٍّ وَهِيَ تَبْكِي : يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، إِنَّهُ لا بَأْسَ عَلَى أَبِي ، وَاللَّهُ مُخْزِيكَ ، قَالَ : فَعَلامَ تَبْكِينَ ؟ وَاللَّهِ لَقَدِ اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ ، وَسَمَّمْتُهُ بِأَلْفٍ ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الضَّرْبَةُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمِصْرِ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ سَاعَةً ، وَهَذَا أَبُوكِ بَاقِيًا حَتَّى الآنَ ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا : إِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي ، وَإِنْ هَلَكْتُ مِنْ ضَرْبَتِي هَذِهِ فَاضْرِبْهُ ضَرْبَةً ، وَلا تُمَثِّلْ بِهِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَذَكَرَ أَنَّ جُنْدُبَ بن عَبْدِ اللَّهِ دَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ يَسْأَلُ بِهِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ فَقَدْنَاكَ وَلا(5/11)
نَفْقُدُكَ فَنُبَايِعُ الْحَسَنَ ؟ قَالَ : مَا آمُرُكُمْ ، وَلا أَنْهَاكُمْ أَنْتُمْ أَبْصَرُ ، فَلَمَّا قُبِضَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى ابْنِ مُلْجَمٍ ، فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ : هَلْ لَكَ فِي خَصْلَةٍ ؟ إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْدًا إِلا وَفَّيْتُ بِهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْدًا أَنْ أَقْتُلَ عَلِيًّا ، وَمُعَاوِيَةَ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُمَا ، فَإِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، وَلَكَ اللَّهَ عَلَيَّ إِنْ لَمْ أُقْتَلْ أَنْ آتِيَكَ حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِكَ ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : لا وَاللَّهِ أَوْ تُعَايِنُ النَّارَ ، فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ أَخَذَهُ النَّاسُ فَأَدْرَجُوهُ فِي بَوَارِي ، ثُمَّ أَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ ، وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : يَا بني عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ ، تَقُولُونَ : قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، أَلا لا يُقْتَلُ بِي إِلا قَاتِلِي ، وَأَمَّا الْبَرْكُ بن عَبْدِ اللَّهِ فَقَعَدَ لِمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخَرَجَ لِصَلاةِ الْغَدَاةِ ، فَشَدَّ عَلَيْهِ بِسَيْفِهِ وَأَدْبَرَ مُعَاوِيَةُ هَارِبًا ، فَوَقَعَ السَّيْفُ فِي إِلْيَتِهِ ، فَقَالَ : إِنَّ عِنْدِي خَبَرًا أُبَشِّرُكَ بِهِ ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ أَنَافِعِي ذَلِكَ عِنْدَكَ ؟ قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : إِنَّ أَخًا لِي قَتَلَ عَلِيًّا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ، قَالَ : فَلَعَلَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : بَلَى ، إِنَّ عَلِيًّا يَخْرُجُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَحْرُسُهُ ، فَأَمَرَ بِهِ مُعَاوِيَةُ(5/12)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُتِلَ ، فَبَعَثَ إِلَى السَّاعِدِيِّ وَكَانَ طَبِيبًا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ : إِنّ ضَرَبْتَكَ مَسْمُومَةٌ ، فَاخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى خَصْلَتَيْنِ : إِمَّا أَنْ أَحْمِيَ حَدِيدَةً فَأَضَعَهَا مَوْضِعَ السَّيْفِ ، وَإِمَّا أَسْقِيَكَ شَرْبَةً تَقْطَعُ مِنْكَ الْوَلَدَ ، وَتَبْرَأُ مِنْهَا ، فَإِنَّ ضَرَبْتَكَ مَسْمُومَةٌ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : أَمَّا النَّارُ فَلا صَبْرَ لِي عَلَيْهَا ، وَأَمَّا انْقِطَاعُ الْوَلَدِ فَإِنَّ فِي يَزِيدَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ ، وَوَلَدِهِمَا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنَيَّ ، فَسَقَاهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الشَّرْبَةَ ، فَبَرَأَ فَلَمْ يُولَدْ بَعْدُ لَهُ ، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَقْصُورَاتِ ، وَقِيَامِ الشُّرَطِ عَلَى رَأْسِهِ ، وَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ : أَيْ بنيَّ أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ لِوَقْتِهَا ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَ مَحِلِّهَا ، وَحُسْنِ الْوُضُوءِ ، فَإِنَّهُ لا يُقْبَلُ صَلاةٌ إِلا بِطَهُورٍ ، وَأُوصِيكُمْ بِغَفْرِ الذَّنْبِ ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَالْحِلْمِ عَنِ الْجَهْلِ ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، وَالتَّثَبُّتِ فِي الأَمْرِ ، وَتَعَاهُدِ الْقُرْآنِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَاجْتِنَابِ الْفَوَاحِشِ ، قَالَ : ثُمَّ نَظَرَ إِلَى مُحَمَّدِ بن الْحَنَفِيَّةِ ، فَقَالَ : هَلْ حَفِظْتَ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ أَخَوَيْكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنِّي أُوصِيكَ بِمِثْلِهِ ، وَأُوصِيكَ بِتَوقِيرِ أَخَوَيْكَ لِعِظَمِ حَقِّهِمَا عَلَيْكَ ، وَتَزْيِينِ أَمْرِهِمَا ، وَلا تَقْطَعْ أَمْرًا دُونَهُمَا ، ثُمَّ(5/13)
قَالَ لَهُمَا : أُوصِيكُمَا بِهِ ، فَإِنَّهُ شَقِيقُكُمَا ، وَابْنُ أبِيكُمَا ، وَقَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُحِبُّهُ ، ثُمَّ أَوْصَى فَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، ثُمَّ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ أُوصِيكُمَا يَا حَسَنُ ، وَيَا حُسَيْنُ ، وَجَمِيعَ أَهْلِي وَوَلَدِي ، وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ رَبِّكُمْ ، وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ، وَلا تَفَرَّقُوا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : إِنَّ صَلاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَانْظُرُوا إِلَى ذَوِي أَرْحَامِكُمْ فَصِلِوهُمْ يُهَوِّنُ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحِسَابَ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الأَيْتَامِ لا يَضِيعُنَّ بِحَضْرَتِكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الصَّلاةِ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تُطْفِيءُ غَضَبَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَأَشْرِكُوهُمْ فِي مَعَايِشِكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ فَلا يَسْبِقَنَّكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ(5/14)
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ لا يَخْلُوَنَّ مَا بَقِيتُمْ ، فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تَنَاظَرُوا ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَهْلِ ذِمَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلا يُظْلَمُنَّ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ وَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّهُ وَصِيٌّ بِهِمْ وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ : نِسَائُكُمْ ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ، فَإِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ ، قَالَ : أُوصِيكُمْ بِالضَّعِيفَيْنِ : النِّسَاءُ ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ الصَّلاةَ الصَّلاةَ ، لا تَخَافُنَّ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ ، يَكْفِكُمْ مَنْ أرَادَكُمْ وَبَغَى عَلَيْكُمْ ، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ ، وَلا تَتْرُكُوا الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، فَيُوَلِّيَ أَمْرَكُمْ شِرَارَكُمْ ، ثُمَّ تَدْعُونَ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ ، عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ ، وَالتَّبَاذُلِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّقَاطُعَ ، وَالتَّدَابُرَ ، وَالتَّفُرَّقَ ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ، حَفِظَكُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ ، وَحَفِظَ فِيكُمْ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلامَ ، ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ إِلا بِلا إِلَهَ إِلا(5/15)
اللَّهَ حَتَّى قُبِضَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَغَسَّلَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بن جَعْفَرٍ ، وَكُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ ، وَوَلِيَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمَلَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ، وَكَانَ ابْنُ مُلْجَمٍ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَ عَلِيًّا قَاعِدًا فِي بني بَكْرِ بن وَائِلٍ ، إِذْ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةِ أَبْجَرَ بن جَابِرٍ الْعِجْلِيِّ أَبِي حَجَّارٍ ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا وَالنَّصَارَى حَوْلَهُ ، وَأُنَاسٌ مَعَ حَجَّارٍ بِمَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ ، يَمْشُونَ فِي جَانِبٍ ، أَمَامَهُمْ شَقِيقُ بن ثَوْرٍ السُّلَمِيُّ ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ : مَا هَؤُلاءِ ؟ فَأُخْبِرَ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : لَئِنْ كَانَ حَجَّارُ بن أَبْجَرَ مُسْلِمًا لَقَدْ بُوعِدَتْ مِنْهُ جِنَازَةُ أَبْجَرَ وَإِنْ كَانَ حَجَّارُ بن أَبْجَرَ كَافِرًا فَمَا مِثْلُ هَذَا مِنْ كُفُورٍ بِمُنْكَرِ أَتَرْضَوْنَ هَذَا إِنَّ قِسًّا وَمُسْلِمًا جَمِيعًا لَدَى نَعْشٍ فَيَا قُبْحَ مَنْظَرِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَيَّاشٍ الْمُرَادِيُّ : وَلَمْ أَرَ مَهْرًا سَاقَهُ ذُو سَمَاحَةٍ كَمَهْرِ قَطَامِ بَيِّنًا غَيْرَ مُعْجَمِ . ثَلاثَةُ آلافٍ ، وَعَبْدٌ ، وَقَيْنَةٌ وَضَرْبُ عَلِيٍّ بِالْحُسَامِ الْمُصَمَّمِ وَلا مَهْرَ أَغْلَى مِنْ عَلِيٍّ وَإِنْ غَلا وَلا قَتْلَ إِلا دُونَ قَتْلِ ابْنِ مُلْجَمِ ، وَقَالَ أَبُو الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ : أَلا أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بن حَرْبٍ وَلا قَرَّتْ عُيُونُ الشَّامِتِينَا أَفِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَجَعْتُمُونَا بِخَيْرِ النَّاسِ طُرًّا أَجْمَعِينَا قَتَلْتُمُ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا وَخَيْسَهَا وَمَنْ رَكِبَ السَّفِينَا وَمَنْ لَبِسَ النِّعَالَ وَمَنْ(5/16)
حَذَاهَا وَمَنْ قَرَأَ الْمَثَانِيَ وَالْمِئِينَا لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ حَيْثُ كَانَتْ بِأَنَّكَ خَيْرُهَا حَسَبًا وَدِينًا ، وَأَمَّا عَمْرُو بن أَبِي بَكْرٍ فَقَعَدَ لِعَمْرِو بن الْعَاصِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي ضُرِبَ فِيهَا مُعَاوِيَةُ ، فَلَمْ يَخْرُجْ وَكَانَ اشْتَكَى بَطْنَهُ ، فَأَمَرَ خَارِجَةَ بن أَبِي حَبِيبٍ ، وَكَانَ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ ، وَكَانَ مِنْ بني عَامِرِ بن لُؤَيٍّ ، فَخَرَجَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ، فَشَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ عَمْرُو بن الْعَاصِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ ، فَأُخِذَ وَأُدْخِلَ عَلَى عَمْرٍو ، فَلَمَّا رَآهُمْ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ بِالإِمْرَةِ ، قَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : عَمْرُو بن الْعَاصِ ، قَالَ : فَمَنْ قَتَلْتُ ؟ قَالُوا : خَارِجَةَ ، قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ يَا فَاسِقُ مَا ضَمَّدْتُ غَيْرَكَ ، قَالَ عَمْرٌو : أَرَدْتَنِي ، وَاللَّهُ أَرَادَ خَارِجَةَ ، فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : وَقَتْكَ وَأَسْبَابُ الأُمُورِ كَثِيرَةٌ مَنِيَّةُ شَيْخٍ مِنْ لُؤَيِّ بن غَالِبِ فَيَا عَمْرُو مَهْلا إِنَّمَا أَنْتَ عَمُّهُ وَصَاحِبُهُ دُونَ الرِّجَالِ الأَقَارِبِ نَجَوْتَ وَقَدْ بَلَّ الْمُرَادِيُّ سَيْفَهُ مِنَ ابْنِ أَبِي شَيْخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ وَيَضْرِبُنِي بِالسَّيْفِ آخَرُ مِثْلُهُ فَكَانَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ ضَرْبَةَ لازِبِ وَأَنْتَ تُنَاغِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِمِصْرِكَ بِيضًا كَالظِّبَاءِ الشَّوَارِبِ ، وَكَانَ الَّذِي ذَهَبَ بنعْيِهِ سُفْيَانُ بن عَبْدِ شَمْسِ بن أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ ، وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ بَعَثَ قَيْسَ بن سَعْدِ بن عُبَادَةَ عَلَى تَقْدِمَتِهِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ، وَخَرَجَ(5/17)
مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ إِيلِيَاءَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ ، وَخَرَجَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، حَتَّى نَزَلَ فِي الْقُصُورِ الْبِيضِ فِي الْمَدَائِنِ ، وَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ مَسْكَنً وَكَانَ عَلَى الْمَدَائِنِ عَمُّ الْمُخْتَارِ لابْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ : سَعْدُ بن مَسْعُودٍ ، فَقَالَ لَهُ الْمُخْتَارُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلامٌ : هَلْ لَكَ فِي الْغِنَى وَالشَّرَفِ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : تُوثِقُ الْحَسَنَ وَتَسْتَأْمِنْ بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ ، أَأَثِبُ عَلَى ابْنِ بنتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُوثِقُهُ ؟ ! بِئْسَ الرَّجُلُ أَنْتَ ، فَلَمَّا رَأَى الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَفَرُّقَ النَّاسِ عَنْهُ بَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ يَطْلُبُ الصُّلْحَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بن عَامِرٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بن سَمُرَةَ بن حَبِيبِ بن عَبْدِ شَمْسٍ فَقَدِمَا عَلَى الْحَسَنِ بِالْمَدَائِنِ ، فَأَعْطَيَاهُ مَا أَرَادَ وَصَالَحَاهُ ، ثُمَّ قَامَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النَّاسِ ، وَقَالَ : يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ ، إِنَّهُ مِمَّا يُسْخِئُ بنفْسِي عَنْكُمْ ثَلاثٌ : قَتْلُكُمْ أَبِي ، وَطَعْنُكُمْ إِيَّايَ ، وَانْتِهَابُكُمْ مَتَاعِي ، وَدَخَلَ فِي طَاعَةِ مُعَاوِيَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَدَخَلَ الْكُوفَةَ فَبَايَعَهُ النَّاسُ.(5/18)
* حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن سَعِيدِ بن أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ ، حَدَّثَنَا فِطْرُ بن خَلِيفَةَ ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ، قَالَ : دَعَاهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْبَيْعَةِ ، فَجَاءَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مُلْجَمٍ ، وَقَدْ كَانَ رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : مَا يُحْبَسُ أَشْقَاهَا ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَخْضِبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ ، وَتَمَثَّلَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْن
اشُدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلْمَوْتِ فَإِنَّ الْمَوْتَ آتِيَكَ وَلا تَجْزَعْ مِنَ الْمَوْتِ إِذَا حَلَّ بِوَادِيكَ .
* حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن إِدْرِيسَ بن عَاصِمٍ الْجَمَّالُ الْبَغْدَادِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن رَاهَوَيْهِ ، أنا يَعْلَى بن عُبَيْدٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ ، قَالَ : جَاءَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إِلَى عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ ، فَقَالُوا : إِنَّ إِخْوَانَكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَسْأَلُونَكَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَقَالَ : وَمَا أَقْدَمَكُمْ شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة : 141 ].
* حَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ بن دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن مَعْبَدٍ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بن عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن عَقِيلٍ ، قَالَ : قُتِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ أَرْبَعِينَ .
* حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ ، قَالَ : قُتِلَ عَلِيٌّ سَنَةَ أَرْبَعِينَ ، وَكَانَتْ خِلافَتُهُ خَمْسَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ .(5/19)
* حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عُثْمَانَ بن صَالِحٍ ، وَمُطَّلِبُ بن شُعَيْبٍ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بن سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بن يَزِيدَ ، عَنْ سَعِيدِ بن أَبِي هِلالٍ ، عَنْ زَيْدِ بن أَسْلَمَ ، أَنَّ أَبَا سِنَانٍ الدُّؤَلِيَّ حَدَّثَهُ ، أَنَّهُ عَادَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي شَكْوَةٍ اشْتَكَاهَا ، فَقُلْتُ لَهُ : لَقَدْ تَخَوَّفْنَا عَلَيْكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ فِي شَكْوِكَ هَذَا ، فَقَالَ : وَلَكِنِّي وَاللَّهِ مَا تَخَوَّفْتُ عَلَى نَفْسِي مِنْهُ ؛ لأَنِّي سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّكَ سَتُضْرَبُ ضَرْبَةً هَهُنَا ، وَضَرْبَةً هَهُنَا ، وَأَشَارَ إِلَى صُدْغَيْهِ فَيَسِيلُ دَمُهَا حَتَّى يَخْضِبَ لِحْيَتَكَ ، وَيَكُونَ صَاحِبُهَا أَشْقَاهَا كَمَا كَانَ عَاقِرُ النَّاقَةِ أَشْقَى ثَمُودَ.
*- حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بن مُحَمَّدٍ الْمَلْطِيُّ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بن دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بن الرَّبِيعِ ، عَنِ الْحَجَّاجِ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ إِلَى عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً.
وفي صفة الصفوة لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
أبو الحسن علي بن أبي طالب
رضي الله عنه واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب وأمه:فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف،أسلمت وهاجرت ويكنى أبا الحسن وأبا التراب، أسلم وهو ابن سبع سنين، ويقال تسع، ويقال عشر، ويقال خمس عشرة، وشهد المشاهد كلها ولم يتخلف إلا في تبوك فإن رسول الله. صلى الله عليه وسلم خلفه في أهله وكان غزير العلم.
ذكر صفته رضي الله عنه(5/20)
-كان آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين عظيمهما، أقرب إلى القصر من الطول، ذا بطن كثير الشعر عظيم اللحية أصلع، أبيض الرأس واللحية لم يصفه أحد بالخضاب إلا سوادة بن حنظلة فانه قال: رأيت عليا أصفر اللحية، ويشبه أن يكون قد خضب مرة ثم ترك.
ذكر أولاده رضي الله عنه
-كان له من الولد أربعة عشر ذكرا وتسع عشرة أنثى: الحسن و الحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى: أمهم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحمد الأكبر وهو ابن الحنيفة وأمه: خولة بنت جعفر وعبيد الله قتله: المختار وأبو بكر قتل الحسين أمهما ليلى بنت مسعود والعباس الأكبر وعثمان وجعفر وعبد الله قتلوا مع الحسين، أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد، ومحمد الأصغر قتل الحسين، أمه أم ولد، ويحيى وعون: أمهما أسماء بنت عميس عمر الأكبر ورقية، أمهما صهباء سبية ومحمد الأوسط أمه إمامة بنت أبي العاص وأم الحسن ورملة الكبرى أمهما أم سعيد بنت عروة وأم هانئ وميمونة وزينب الصغرى ورملة الصغرى وأم كلثوم الصغرى وفاطمة وأمامة وخديجة وأم الكرام وأم جعفر، وجمانة ونفيسة وأم سلمة: وهن الأمهات شتى، وابنة أخرى لم يذكر اسمها ماتت صغيرة.
فهؤلاء الذين عرفنا من أولاد علي عليه السلام.
ذكر ارتقائه رضي الله عنه منكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(5/21)
عن أبي مريم، عن علي، قال:انطلقت أنا والنبي عيه السلام حتى أتينا الكعبة. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس وصعد على منكبي فذهبت لأنهض به فرأى مني ضعفا فنزل وجلس لي نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال لي اصعد على منكبي. قال فنهض بي فانه ليخيل إلي أني لو شئت لنلت أفق السماء حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفر أو نحاس، فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتى استكمنت منه. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقذف به فقذفت به فتكسر كما تتكسر القوارير ثم نزلت فانطلقت أنا ورسول الله. صلى الله عليه وسلم نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس رواه أحمد.
ذكر محبة الله عز وجل له ومحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
عن سهل بن سعد أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية غدا رجلا بفتح الله عليه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال: فبات الناس يذكرون وأيهم يعطاها. فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها. فقال: أين علي بن أبي طالب? فقيل: يا رسول الله يشتكي عينه. قال: فأرسلوا إليه. فأتي به فبصق رسول الله. صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبريء حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال علي عليه السلام: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم أدعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا وأحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم رواه الأمام أحمد وأخرجاه في الصحيحين عن قتيبة.
ذكر إخاء النبي - صلى الله عليه وسلم -عليا رضي الله عنه(5/22)
*عن سعد بن أبي وقاص قال: خلف رسول الله. صلى الله عليه وسلم علي أبي طالب في غزوة تبوك، فقال يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان? فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى? غير أنه لا نبي بعدي أخرجاه في الصحيحين.
ذكر جمل من مناقبه رضي الله عنه
*عن زربن حبيش قال: قال علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق - انفرد بإخراجه مسلم -.
*وعن زاذان، قال: سمعت عليا بالرحبة يقول وهو ينشد الناس من شهد رسول الله. صلى الله عليه وسلم في يوم غدير خم وهو يقول ما قال. فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا انهم سمعوا رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول من كنت مولاه فعلي مولاه رواه الأمام أحمد.
*وعن هبيرة قال: خطبنا الحسن بن علي فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم، ولم يدركه الآخرون. كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم يبعثه بالراية، جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، لا ينصرف حتى يفتح له رواه أحمد.
*وعن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن.
ذكر زهده رضي الله عنه
*عن علي بن ربيعة عن علي بن أبي طالب قال جاءه ابن التياح فقال يا أمير المؤمنين امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء فقال الله اكبر ثم قام متوكئا على ابن التياح حتى قام على بيت المال فقال:
هذا حناي وخياره فيه وكل جان يده إلى فيه
يا ابن التياح علي بأشياخ الكوفة قال فنودي في الناس فأعطى جميع ما في بيت المال وهو يقول يا صفراء يا بيضاء غري غيري ها وها حتى ما بقي فيه دينار ولا درهم ثم أمر بنضحه وصلى فيه ركعتين واه أحمد.(5/23)
*وعن أبي صالح قال قال معاوية بن أبي سفيان لضرار بن ضمرة صف لي عليا فقال أو تعفيني? قال بل صفه قال أو تعفيني? قال لا أعفيك قال أما إذا فانه والله كان بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وينطق بالحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة بقلب كفه ويخاطب بفسه يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويبتدئنا إذا أتيناه ويأتينا إذا دعوناه ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة ولا نبتديه لعظمه فان تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا يياس الضعيف من عدله واشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سجوفه وغارب نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وكأني اسمعه وهو يقول يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت أم لي تشوفت? هيهات هيهات غري غيري قد بتتك ثلاثا لا رجعة لي فيك فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
قال فذرفت دموع معاوية رضي الله عنه حتى خرت على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء ثم قال معاوية رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار قال حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقا عبرتها ولا يسكن حزنها.
*وعن هارون بن عنترة عن أبيه قال دخلت على علي بن أبي طالب بالخورنق وهو يرعد تحت سمل قطيفه فقلت يا أمير المؤمنين أن الله تعالى قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيبا وأنت تصنع بنفسك ما تصنع فقال وأما ما أرزؤكم من مالكم شيئا وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي أو قال من المدينة.(5/24)
*وعن أبي مطرف قال رأيت عليا عليه السلام مؤتزرا بازار مرتديا برداء ومعه الدرة كأنه أعرابي يدور حتى بلغ سوق الكرابيس فقال يا شيخ احسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم فلما عرفه لم يشتر منه شيئا فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ثم جاء أبو الغلام فأخبره فأخذ أبوه درهما ثم جاء به فقال هذا الدرهم يا أمير المؤمنين قال ما شان هذا الدرهم قال كان قميصنا ثمن درهمين قال باعني رضاي وأخذ رضاه.
*وعن عمر وبن قيس أن عليا عليه السلام رئي عليه أزار مرقوع فعوتب في لبوسه فقال يقتدي بي المؤمن ويخشع له القلب.
*وعن أبي النوار قال رأيت عليا اشترى ثوبين غليظين خير قنبرا أحدهما.
*وعن فضيل بن مسلم عن أبيه أن عليا اشترى قميصا ثم قال اقطعه لي من ها هنا مع أطراف الأصابع وفي رواية أخرى أنه لبسه فإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه فأمر به فقطع ما فضل عن أطراف الأصابع.
*وعن علي بن الأقمر عن أبيه قال رأيت عليا عليه السلام وهو يبيع سيفا له في السوق ويقول من يشتري مني هذا السيف? فوالدي فلق الحبة لطال ما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله. صلى الله عليه وسلم ولو كان عندي ثمن أزار ما بعته.
ذكر ورعه رضي الله عنه
*عن رجل من ثقيف أن عليا عليه السلام استعمله على عكبر قال قال لي إذا كان عند الظهر فرح إلي فرحت إليه فلم أجده عنده حاجبا يحبسني دونه فوجدته جالسا وعنده قدح وكوز من ماء فدعا بظبية فقلت في نفسي لقد أمنني حين يخرج إلي جوهرا ولا ادري ما فيها فإذا عليها خاتم فكسر الخاتم فإذا فيها سويق فاخرج منها فصب في القدح وصب عليه ماء فشرب وسقاني فلم اصبر فقلت يا أمير المؤمنين أتصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك قال أما والله ما اختم عليه بخلا عليه ولكني ابتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يفنى فيصنع من غيره وإنما حفظي لذلك واكره أن ادخل بطني إلا طيبا.(5/25)
*وعن عمرو بن يحيى عن أبيه قال اهدي إلى علي بن أبي طالب ازقاق سمن وعسل فراها قد نقصت فسال فقيل بعثت أم كلثوم فأخذت منه فبعث إلى المقومين فقوموه خمسة دراهم فبعث إلى أم كلثوم ابعثي إلي بخمسة دراهم.
*وعن مجاهد قال قال علي عليه السلام جعت مرة بالمدينة جوعا شديدا فخرجت اطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فظننتها تريد بله فأتيتها فقاطعتها كل ذنوب على تمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يدي ثم أتيت الماء فأصبت منه ثم أتيتها فقلت بكفي هكذا بين يديها وبسط إسماعيل يديه وجمعهما فعدت لي ست عشرة تمرة فأتيت النبي. صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأكل معي منها.
كلمات منتخبة من كلامه ومواعظه رضي الله عنه
* عن عبد خير عن علي عليه السلام قال ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يكثر عملك ويعظم حلمك ولا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين رجل أذنب ذنوبا فهو يتدارك ذك بتوبة أو رجل يسارع في الخيرات ولا يقل عمل في تقوى وكيف يقل ما يتقبل.
*وعن مهاجر بن عمير قال قال علي بن أبي طالب: إن أخوف ما أخاف اتباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة إلا وان الدنيا قد ترحلت مدبرة ألا وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل .(5/26)
*وعن رجل من بني شيبان إن علي بن أبي طالب عليه السلام خطب فقال الحمد لله أحمده واستعينه واؤمن به واتوكل عليه واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليزيح به علتكم وليوقظ به غفلتكم واعلموا إنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت وموقفون على أعمالكم ومجزيون بها فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإنها دار بالبلاء محفوفة وبالفناء معروفة وبالغدر موصوفة وكل ما فيها إلى زوال وهي بين أهلها دول وسجال ولا تدوم أهوالها ولن يسلم من شرها نزالها بينا أهلها منها في رخاء وسرور آذاهم منها في بلاء وغرور أحوال مختلفة وتارات متصرفة العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسمامها وتقصمهم بحمامها وكل حتفه فيها مقدور وحظه فيها موفور.(5/27)
واعلموا عباد الله إنكم وما انتم فيه من زهرة الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم اعمارا واشد منكم بطشا واعمر ديارا وابعد أثارا فأصبحت أموالهم هامدة من بعد نقلتهم وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية فاستبدلوا بالقصور المشيدة والنمارق الممهدة الصخور والأحجار في القبور التي قد بني على الخراب فناؤها وشيد بالتراب بناؤها فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والأخوان على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى وأظلتهم الجنادل والثرى فأصبحوا الحياة أمواتا وبعد غضارة العيش رفاتا فجع بهم الأحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم إياب هيهات هيهات {كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزح إلى يوم يبعثون }سورة المؤمنون آية 100 وكان قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في دار المثوى وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو قد تناهت الأمور وبعثرت القبور وحصل ما في الصدور ووقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل فطارت القلوب لاشفاقها من سالف الذنوب وهتكت عنكم الحجب والأستار وظهرت منكم العيوب والأسرار هنالك{ تجزى كل نفس بما كسبت} سورة غافر من الآية 17 أن الله عز وجل يقول {ليجزي الذين اساؤوا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى} سورة النجم آية 31 وقال{ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا }سورة الكهف آية 49 جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه متبعين لأوليائه حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله أنه حميد مجيد .(5/28)
*عن الحسن عن علي عليه السلام قال طوبى لكل عبد نومة عرف الناس ولم يعرفه الناس عرفه الله برضوان أولئك مصابيح الهدى يكشف الله عنهم كل فتنة مظلمة سيدخلهم الله في رحمة منه ليسوا بالمذابيع البذر ولا الجفاة المرائين.
*وعن عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام إلا إن الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله ولا يؤمنهم من عذاب الله ولا يرخص لهم في معاصي الله ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره ولا خير في عبادة لا علم فيها ولا خير في علم لا فهم فيه ولا خير في قراءة لا تدبر فيها .
*وعن الشعبي أن عليا عليه السلام قال يا أيها الناس خذوا عني هؤلاء الكلمات فلو ركبتم المطي حتى تنضوها ما أصبتم مثلها لا يرجون عبد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه ولا يستحي إذا لم يعلم أن يتعلم ولا يستحيي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا اعلم واعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا خير في جسد لا رأس له .
*وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قال أوحى الله عز وجل إلى نبي بين الأنبياء أنه ليس من أهل بيت ولا أهل دار ولا أهل قرية يكونون لي على ما أحب فيتحولون عن ذلك إلى ما اكره إلا تحولت لهم مما يحبون إلى ما يكرهون وليس من أهل بيت ولا أهل دار ولا أهل قرية يكونون لي على ما اكره فيتحولون من ذلك إلى ما أحب إلا تحولت لهم مما يكرهون إلى ما يحبون.
*وعن عبد الله بن عباس أنه قال ما انتفعت بكلام أحد بعد رسول الله. صلى الله عليه وسلم كانتفاعي بكتاب كتب به إلي علي بن أبي طالب فانه كتب إلي:
أما بعد فان المرء يسوءه فوت ما لم يكن ليدركه ويسره درك ما لم يكن ليفوته فليكن سرورك بما نلت من أمر أخرتك وليكن اسفك على ما فاتك منها وما نلت من دنياك فلا تكثرن به فرحا وما فاتك منها فلا تأس عليه حزنا وليكن همك فيما بعد الموت(5/29)
*وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن عليا رضي الله عنه شيع جنازة فلما وضعت في لحدها عج أهلها وبكوها فقال ما تبكون أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم لأذهلتهم معاينتهم عن ميتهم وان له فيهم لعودة ثم عودة حتى لا يبقي منهم أحدا ثم قام فقال: أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال ووقت لكم الآجال وجعل لكم أسماعا تعي ما عناها وأبصارا لتجلو عن غشاها وأفئدة نفهم ما دهاها أن الله لم يخلقكم عبثا ولم يضرب عنكم الذكر صفحا بل أكرمكم بالنعم السوابغ وارصد لكم الجزاء فاتقوا لله عباد الله وجدوا في الطلب وبادروا بالعمل قبل هادم اللذات فان الدنيا لا يدوم نعميها ولا تؤمن فجائعها غرور حائل وسناد مائل اتعظوا عباد الله بالعبر وازدجروا بالنذر وانتفعوا بالمواعظ فكان قد علقتكم مخالب المنية وضمنتم بيت التراب ودهمتكم مفظعات الأمور بنفخة الصور وبعثرة القبور وسياق المحشر و موقف الحساب بإحاطة قدرة الجبار كل نفس معها سائق يسوقها لمحشرها وشاهد يشهد عليها {وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون} سورة الزمر آية 69 فارتجت لذلك اليوم البلاد ونادى المنادي وحشرت الوحوش وبدت الأسرار وارتجت الأفئدة وبرزت الجحيم قد تأجج جحيمها وغلا حميمها عباد الله اتقوا الله تقية من وجل وحذر وحذر وابصر و ازدجر فاحتث طلبا ونجا هربا وقدم للمعاد واستظهر بالزاد وكفى بالله منتقما ونصيرا وكفى بالكتاب خصما وحجيجا وكفى بالجنة ثوابا وكفى بالنار وبالا وعقابا واستغفر الله لي ولكم.
*وعن كميل بن زياد قال أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما اصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال يا كميل بن زياد القلوب أوعية فخيرها أوعاها للعلم احفظ ما أقول لك الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.(5/30)
العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة العلم حاكم والمال محكوم عليه وصنيعة المال تزول بزواله ومحبة العالم دين يدان بها العلم يكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد مماته مات خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وامثالهم في القلوب موجودة.
إن ههنا وأومأ بيده إلى صدره علما لو أصبت له حملة بلى أصبته لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا يستظهر بنعم الله على عباده وبحججه على كتابه أو معاندا لأهل الحق لا بصيرة له في أحيائه ينقدح الشك في قلبه عارض من شبهة لا ذا ولا ذاك أو منهوما باللذات سلس القياد للشهوات أو مغري بجمع المال والادخار ليسا من دعاة الدين في شيء اقرب شبها بهم الأنعام السائمة.
كذلك يموت العلم بموت حامليه اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكي لا تبطل حجج الله وبيناته أولئك هم الأقلون عددا الاعظمون عند الله قدرا بهم يحفظ الله حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعونها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة في المحل الأعلى آه آه شوقا إلى رؤيتهم واستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم .
*وعن أبي اراكة قال صليت مع علي بن أبي طالب عليه السلام صلاة الفجر فلما سلم انفتل عن يمينه ثم مكث كان عليه كابة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح قال وقلب يده: لقد رأيت أصحاب رسول الله. صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئا يشبههم لقد كانوا يصبحون شعثا صفرا غبرا بين أعينهم أمثال وكب المعزى قد باتوا لله سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم فإذا اصبحوا فذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم والله لكان القوم باتوا غافلين .(5/31)
ثم نهض فما رئي مفترا يضحك حتى ضربه ابن ملجم والسلام.
ذكر مقتله رضي الله عنه
*عن زيد بن وهب قال قدم علي على قوم من أهل البصرة من الخوارج فيهم رجل يقال له الجعد بن بعجه فقال له اتق الله يا علي فانك ميت فقال له علي عليه السلام بل مقتول ضربة على هذا تخضب هذه يعني لحيته من رأسه عهد معهود وقضاء مقضي وقد خاب من افترى .
وعاتبه في لباسه فقال ما لكم وللباس? هو ابعد من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم.
وعن أبي الطفيل قال دعا علي الناس إلى البيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي فرده مرتين ثم أتاه فقال ما يحبس أشقاها? لتخضبن أو لصبغن هذه يعني لحيته من رأسه ثم تمثل بهذين البيتين:
اشدد حيازيمك للموت فان الموت آتيك
ولا تجزع من القتل إذا حل بواديك
*وعن أبي مجلز قال جاء رجل من مراد إلى علي وهو يصلي في المسجد فقال احترس فان ناسا من مراد يريدون قتلك فقال أن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر عليه فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه وان الآجل جنة حصينة.
- قال العلماء بالسير ضربه عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان وقيل ليلة إحدى وعشرين منه سنة أربعين فبقي الجمعة والسبت ومات ليلة الأحد وغسله ابناه وعبد الله بن جعفر وصلى عليه الحسن ودفن في السحر وفي سنه أربعة أقوال أحدها ثلاث وستون والثاني خمس وستون والثالث سبع وخمسون والرابع ثمان وخمسون.
*عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قتل علي عليه السلام وهو ابن ثمان وخمسين ومات لها حسن وقتل لها الحسين ومات علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين وسمعت جعفرا يقول سمعت أبي يقول لعمته فاطمة بنت حسين أم عبد الله بن حسن هذه توفي لي ثمانيا وخمسين فمات لها.
-قال سفيان وسمعت جعفر بن محمد يقول وقد زدت أنا على ثمان وخمسين.
وعن أبي جعفر قال هلك علي بن أبي طالب وله خمس وستون سنة قال وكان علي وطلحة والزبير في سن وأحد.
الياقوتة 13(5/32)
حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان: حدثنا عمرو بن دينار، سمعته منه مرتين قال: أخبرني حسن بن محمد قال: أخبرني عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول:
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود، قال: (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب فخذوه منها). فانطلقنا تعادى بنا خيلنا، حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتاب، فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأجرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا حاطب ما هذا). قال: يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت أمرأ ملصقا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة، يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرا ولا ارتدادا، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد صدقكم). قال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: (إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). قال سفيان: وأي إسناد هذا
أخرج البخاري في كتاب الجهاد - باب: الجاسوس. وقول الله تعالى: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} /الممتحنة: 1/
وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أهل بدر,,,
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله-(5/33)
باب الجاسوس بجيم ومهملتين أي حكمه إذا كان من جهة الكفار ومشرعيته إذا كان من جهة المسلمين قوله والتجسس التبحث هو تفسير أبي عبيدة قوله وقول الله عز وجل لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية مناسبة الآية أما لما سيأتي في التفسير أن القصة المذكورة في حديث الباب كانت سبب نزولها وأما لأن ينتزع منها حكم جاسوس الكفار فإذا اطلع عليه بعض المسلمين لا يكتم أمره بل يرفعه إلى الإمام ليرى فيه رأيه وقد اختلف العلماء في جواز قتل جاسوس الكفار وسيأتي البحث فيه بعد أحد وثلاثين بابا ثم ذكر فيه حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة وسيأتي الكلام على شرحه في تفسير سورة الممتحنة إن شاء الله تعالى ونذكر فيه المرأة وتسمية من عرف ممن كاتبه حاطب من أهل مكة وقوله
-فيه روضة خاخ بمنقوطتين من فوق والظعينة بالظاء المعجمة المرأة وقوله في آخره قال سفيان وأي إسناد هذا أي عجبا لجلالة رجاله وصريح اتصاله
** قوله باب {لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء }سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر والعدو لما كان بزنة المصادر وقع على الواحد فما فوقه وقوله{ تلقون إليهم بالمودة }تفسير للموالاة المذكورة ويحتمل أن يكون حالا أو صفة وفيه شيء لأنهم نهوا عن اتخاذهم أولياء مطلقا والتقييد بالصفة أو الحال يوهم الجواز عند انتفائهما لكن علم بالقواعد المنع مطلقا فلا مفهوم لهما ويحتمل أن تكون الولاية تستلزم المودة فلا تتم الولاية بدون المودة فهي حال لازمة والله أعلم(5/34)
** قوله الحسن بن محمد بن علي أي بن أبي طالب قوله حتى تأتوا روضة خاخ بمعجمتين ومن قالها بمهملة ثم جيم فقد صحف وقد تقدم بيان ذلك في باب الجاسوس من كتاب الجهاد وفي أول غزوة الفتح قوله لنلقين كذا فيه والوجه حذف التحتانية وقيل إنما اثبتت لمشاكلة لتخرجن قوله كنت امرأ من قريش أي بالحلف لقوله بعد ذلك ولم أكن من أنفسهم قوله كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم ليس هذا تناقضا بل أراد أنه منهم بمعنى أنه حليفهم وقد ثبت حديث حليف القوم منهم وعبر بقوله ولم أكن من أنفسهم لإثبات المجاز قوله إنه قد صدقكم بتخفيف الدال أي قال الصدق قوله فقال عمر دعني يا رسول الله فأضرب عنقه إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق وظن أن من خالف ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما أظهر وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه وعند الطبري من طريق الحارث عن علي في هذه القصة فقال أليس قد شهد بدرا قال بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك قوله فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك أرشد إلى علة ترك قتله بأنه شهد بدرا فكأنه قيل وهل يسقط عنه شهوده بدرا هذا الذنب العظيم فأجاب بقوله وما يدريك الخ قوله لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر هكذا في أكثر الروايات بصيغة الترجي وهو من الله واقع ووقع في حديث أبي هريرة عند بن أبي شيبة بصيغة الجزم وقد تقدم بيان ذلك واضحا في باب فضل من شهد بدرا من كتاب المغازي قوله اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم كذا في معظم الطرق وعند الطبري من طريق معمر عن الزهري عن عروة فإني غافر لكم وهذا يدل على أن المراد بقوله غفرت أي أغفر على طريق التعبير عن الآتي بالواقع مبالغة في تحققه وفي مغازي بن عائذ من مرسل عروة اعملوا ما شئتم(5/35)
فسأغفر لكم والمراد غفران ذنوبهم في الآخرة وإلا فلو وجب على أحدهم حد مثلا لم يسقط في الدنيا وقال بن الجوزي ليس هذا على الاستقبال وإنما هو على الماضي تقديره اعملوا ما شئتم أي عمل كان لكم فقد غفر قال لأنه لو كان للمستقبل كان جوابه فسأغفر لكم ولو كان كذلك لكان إطلاقا في الذنوب ولا يصح ويبطله أن القوم خافوا من العقوبة بعد حتى كان عمر يقول يا حذيفة بالله هل أنا منهم وتعقبه القرطبي بان اعملوا صيغة أمر وهي موضوعة للاستقبال ولم تضع العرب صيغة الأمر للماضي لا بقرينة ولا بغيرها لأنهما بمعنى الإنشاء والابتداء وقوله اعملوا ما شئتم يحمل على طلب الفعل ولا يصح أن يكون بمعنى الماضي ولا يمكن أن يحمل على الإيجاب فتعين للإباحة قال وقد ظهر لي أن هذا الخطاب خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السالفة وتأهلوا أن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة ولا يلزم من وجود الصلاحية للشيء وقوعه وقد أظهر الله صدق رسوله في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا ولو قدر صدور شيء من أحدهم لبادر إلى التوبة ولازم الطريق المثلى ويعلم ذلك من أحوالهم بالقطع من اطلع على سيرهم انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله فقد غفرت لكم أي ذنوبكم تقع مغفورة لا أن المراد أنه لا يصدر منهم ذنب وقد شهد مسطح بدرا ووقع في حق عائشة كما تقدم في تفسير سورة النور فكأن الله لكرامتهم عليه بشرهم على لسان نبيه أنهم مغفور لهم ولو وقع منهم ما وقع وقد تقدم بعض مباحث هذه المسألة في أواخر كتاب الصيام في الكلام على ليلة القدر ونذكر بقية شرح هذا الحديث في كتاب الديات إن شاء الله تعالى(5/36)
قوله قال عمرو هو بن دينار وهو موصول بالإسناد المذكور قوله ونزلت فيه{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} سقط أولياء لغير أبي ذر قوله قال لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرو هذا الشك من سفيان بن عيينة كما سأوضحه قوله حدثنا علي هو بن المديني قال قيل لسفيان في هذا فنزلت{ لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} الآية قال سفيان هذا في حديث الناس يعني هذه الزيادة يريد الجزم برفع هذا القدر قوله حفظته من عمرو ما تركت منه حرفا وما أرى أحدا حفظه غيري وهذا يدل على أن هذه الزيادة لم يكن سفيان يجزم برفعها وقد أدرجها عنه بن أبي عمر أخرجه الإسماعيلي من طريقه فقال في آخر الحديث قال وفيه نزلت هذه الآية وكذا أخرجه مسلم عن بن أبي عمر وعمرو الناقد وكذا أخرجه الطبري عن عبيد بن إسماعيل والفضل بن الصباح والنسائي عن محمد بن منصور كلهم عن سفيان واستدل باستئذان عمر على قتل حاطب لمشروعية قتل الجاسوس ولو كان مسلما وهو قول مالك ومن وافقه ووجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم أقر عمر على إرادة القتل لولا المانع وبين المانع هو كون حاطب شهد بدرا وهذا منتف في غير حاطب فلو كان الإسلام مانعا من قتله لما علل بأخص منه وقد بين سياق على أن هذه الزيادة مدرجة وأخرجه مسلم أيضا عن إسحاق بن راهويه عن سفيان وبين أن تلاوة الآية من قول سفيان ووقع عند الطبري من طريق أخرى عن على الجزم بذلك لكنه من أحد رواة الحديث حبيب بن أبي ثابت الكوفي أحد التابعين وبه جزم إسحاق في روايته عن محمد بن جعفر عن عروة في هذه القصة وكذا جزم به معمر عن الزهري عن عروة وأخرج بن مردويه من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مشركي قريش كتب إليهم حاطب بن أبي بلتعة يحذرهم فذكر الحديث إلى أن قال فأنزل الله فيه القرآن{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} الآية قال الإسماعيلي في آخر(5/37)
الحديث أيضا قال عمرو أي بن دينار وقد رأيت بن أبي رافع وكان كاتبا لعلي
*** ثم ذكر المصنف حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة وسيأتي شرح القصة في فتح مكة مستوفى وذكر البرقاني أن مسلما أخرج نحو هذا الحديث من طريق بن عباس عن عمر مستوفى والمراد منه هنا الاستدلال على فضل أهل بدر بقوله صلى الله عليه وسلم المذكور وهي بشارة عظيمة لم تقع لغيرهم ووقع الخبر بألفاظ منها فقد غفرت لكم ومنها فقد وجبت لكم الجنة ومنها لعل الله اطلع لكن قال العلماء إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله الموقوع وعند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه ان الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعا لن يدخل النار أحد شهد بدرا وقد استشكل(5/38)
- قوله اعملوا ما شئتم فان ظاهره أنه للإباحة وهو خلاف عقد الشرع وأجيب بأنه إخبار عن الماضي أي كل عمل كان لكم فهو مغفور ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي ولقال فسأغفره لكم وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب به عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين فدل على ان المراد ما سيأتي وأورده في لفظ الماضي مبالغة في تحقيقه وقيل إن صيغة الأمر في قوله اعملوا للتشريف والتكريم والمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السابقة وتأهلوا لأن يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت أي كل ما عملتموه بعد هذه الواقعة من أي عمل كان فهو مغفور وقيل إن المراد ذنوبهم تقع إذا وقعت مغفورة وقيل هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم وفيه نظر ظاهر لما سيأتي في قصة قدامة بن مظعون حين شرب الخمر في أيام عمر وحده عمر فهاجر بسبب ذلك فرأى عمر في المنام من يأمره بمصالحته وكان قدامة بدريا والذي يفهم من سياق القصة الاحتمال الثاني وهو الذي فهمه أبو عبد الرحمن السلمي التابعي الكبير حيث قال لحيان بن عطية قد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء وذكر له هذا الحديث وسيأتي ذلك في باب استتابة المرتدين واتفقوا على أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة لا بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها والله أعلم
***** في قوله صلى الله عليه وسلم عن أهل بدر إن الله قال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وأن الراجح أن المراد بذلك أن الذنوب تقع منهم لكنها مقرونة بالمغفرة تفضيلا لهم على غيرهم بسبب ذلك المشهد العظيم ومرجوحية القول الآخر أن المراد أن الله تعالى عصمهم فلا يقع منهم ذنب نبه على ذلك الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به(5/39)
****الحديث الرابع حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة في مكاتبته قريشا ونزول قوله تعالى{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ْْ}وقد تقدم في باب الجاسوس من كتاب الجهاد وما يتعلق به وفي باب النظر في شعور أهل الذمة ما يتعلق بذلك والجمع بين قوله حجزتها وعقيصتها وضبط ذلك وتقدم في باب فضل من شهد بدرا من كتاب المغازي الكلام على قوله لعل الله اطلع على أهل بدر وفي تفسير الممتحنة بأبسط منه وفيه الجواب عن اعتراض عمر على حاطب بعد أن قبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره وفي غزوة الفتح الجمع بين قوله بعثني أنا والزبير والمقداد وقوله بعثني أنا وأبو مرثد وفيه قصة المرأة وبيان ما قيل في اسمها وما في الكتاب الذي حملته وأذكر هنا بقية شرحه قوله عن حصين بالتصغير هو بن عبد الرحمن الواسطي قوله عن فلان كذا وقع مبهما وسمى في رواية هشيم في الجهاد وعبد الله بن إدريس في الاستئذان سعد بن عبيدة وكذا وقع في رواية خالد بن عبد الله ومحمد بن فضيل عند مسلم وأخرجه أحمد عن عفان عن أبي عوانة قسما ونحوه للإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن عفان قالا(5/40)
- حدثنا أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن حدثني سعد بن عبيدة هو السلمي الكوفي يكنى أبا حمزة وكان زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي شيخه في هذا الحديث وقد وقع في نسخة الصيغاني هنا بعد قوله عن فلان ما نصه هو أبو حمزة سعد بن عبيدة السلمي ختن أبي عبد الرحمن السلمي انتهى ولعل القائل هو الخ من دون البخاري وسعد تابعي روى عن جماعة من الصحابة منهم بن عمر والبراء قوله تنازع أبو عبد الرحمن هو السلمي وصرح به في رواية عفان قوله وحبان بن عطية بكسر المهملة وتشديد الموحدة وحكى أبو علي الجياني وتبعه صاحب المشارق والمطالع أن بعض رواة أبي ذر ضبطه بفتح أوله وهو وهم قلت وحكى المزي أن ابن ما كولا ذكره بالكسر وان ابن الفرضي ضبطه بالفتح قال وتبعه أبو علي الجياني كذا قال والذي جزم به أبو علي الجياني توهيم من ضبطه بالفتح كما نقلته وذلك في تقييد المهمل وصوب أنه بالكسر حيث ذكره مع بن حبان بن موسى وهو بالكسر إجماعا وكان حبان بن عطية سليا أيضا ومؤاخيا لأبي عبد الرحمن السلمي وان كانا مختلفين في تفضيل عثمان وعلي وقد تقدم في أواخر الجهاد من طريق هشيم عن حصين في هذا الحديث وكان أبو عبد الرحمن عثمانيا أي يفضل عثمان على علي وحبان بن عطية علويا أي يفضل عليا على عثمان قوله لقد علمت ما الذي كذا للكشميهني وكذا في أكثر الطرق وللحموي والمستملي هنا من الذي وعلى الرواية الأولى ففاعل وتشديد الراء مع الهمز قوله صاحبك زاد عفان يعني عليا قوله على الدماء أي إراقة دماء المسلمين لأن دماء المشركين مندوب إلى إراقتها اتفاقا قوله لا أبا لك بفتح الهمزة وهي كلمة تقال عند الحث على الشيء والأصل فيه أن الإنسان إذا وقع في شدة عاونه أبوه فإذا قيل لا أبا لك فمعناه ليس لك اب جد في الأمر جد من ليس له معاون ثم أطلق في الاستعمال في موضع استبعاد ما يصدر من المخاطب من قول أو فعل قوله سمعته يقوله في رواية المستملي والكشميهني هنا سمعته يقول بحذف(5/41)
الضمير والأول أوجه لقوله قال ما هو قوله قال بعثني كذا لهم وكأن قال الثانية سقطت على عادتهم في إسقاطها خطأ والأصل قال أي أبو عبد الرحمن قال أي علي قوله والزبير وأبا مرثد تقدم في غزوة الفتح من طريق عبد الله بن أبي رافع عن علي ذكر المقداد بدل أبي مرثد وجمع بأن الثلاثة كانوا مع علي ووقع عند الطبري في تهذيب الآثار من طريق أعشى ثقيف عن أبي عبد الرحمن السلمي في هذا الحديث ومعي الزبير بن العوام ورجل من الأنصار وليس المقداد ولا أبو مرثد من الأنصار إلا إن كان بالمعنى الأعم ووقع في الأسباب للواحدي أن عمر وعمارا وطلحة كانوا معهم ولم يذكر له مستندا وكأنه من تفسير بن الكلبي فأني لم أره في سير الوافدي ووجدت ذكر فيه عمر من وجه آخر أخرجه بن مردويه في تفسيره من طريق الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس في قصة المرأة المذكورة فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بخبرها فبعث في أثرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب قوله روضة حاج بمهملة ثم جيم قوله قال أبو سلمة هو موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه قوله هكذا قال أبو عوانة حاج فيه إشارة إلى أن موسى كان يعرف أن الصواب خاخ بمعجمتين ولكن شيخه قالها بالمهملة والجيم وقد أخرجه أبو عوانة في صحيحة من رواية محمد بن إسماعيل الصائغ عن عفان فذكرها بلفظ حاج بمهملة ثم جيم قال عفان والناس يقولون خاخ أي بمعجمتين قال النووي قال العلماء هو غلط من أبي عوانة وكأنه اشتبه عليه بمكان آخر يقال له ذات حاج بمهملة ثم جيم وهو موضع بين المدينة والشام يسلكه الحاج وأما روضة خاخ فأنها بين مكة والمدينة بقرب المدينة قلت وذكر الواقدي أنها بالقرب من ذي الحليفة على بريد من المدينة وأخرج سمويه في فوائده من طريق عبد الرحمن بن حاطب قال وكان حاطب من أهل اليمن حليفا للزبير فذكر القصة وفيها أن المكان على قريب من اثنى عشر ميلا من المدينة وزعم السهيلي أن هشيما كان يقولها أيضا حاج بمهملة ثم جيم(5/42)
وهو وهم أيضا وسيأتي ذلك في آخر الباب وقد سبق في أواخر الجهاد من طريق هشيم بلفظ حتى تأتوا روضة كذا فلعل البخاري كنى عنها أو شيخه إشارة إلى أن هشيما كان يصحفها وعلى هذا فلم ينفرد أبو عوانة بتصحيفها لكن أكثر الراوة عن حصين قالوها على الصواب بمعجمتين قوله فأن فيها امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فائتوني بها في رواية عبيد الله بن أبي رافع فان بها ظعينة معها كتاب والظعينة بظاء معجمة وزن عظيمة فعيلة بمعنى فاعلة من الظعن وهو الرحيل وقيل سميت ظعينة لأنها تركب الظعين التي تظعن براكبها وقال الخطابي سميت ظعينة لأنها تظعن مع زوجها ولا يقال لها ظعينة إلا إذا كانت في الهودج وقيل أنه اسمه الهودج سميت المرأة لركوبها فيه ثم توسعوا فأطلقوه على المرأة ولو لم تكن في هودج وقد تقدم في غزوة الفتح بيان الاختلاف في اسمها وذكر الواقدي أنها من مزينة وأنها من أهل العرج بفتح الراء بعدها جيم يعنى قرية بين مكة والمدينة وذكر الثعلبي ومن تبعه أنها كانت مولاة أبي صيفي بن عمرو بن هاشم بن عبد مناف وقيل عمران بدل عمرو وقيل مولاة بنى أسد بن عبد العزي وقيل كانت من موالي العباس وفي حديث أنس الذي أشرت اليه عند بن مردويه أنها مولاة لقريش وفي تفسير مقاتل بن حبان أن حاطبا أعطاها عشرة دنانير وكساها بردا وعند الواحدي أنها قدمت المدينة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم جئت مسلمة قالت لا ولكن احتتب قال فأين أنت عن شباب قريش وكانت مغنية قالت ما طلب مني بعد وقعة بدر شيء من ذلك فكساها وحملها فأتاها حاطب فكتب معها كتابا الى أهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يغزو فخذوا حذركم وفي حديث عبد الرحمن بن حاطب فكتب حاطب الى كفار قريش بكتاب ينتصح لهم وعند أبي يعلى والطبري من طريق الحارث بن علي لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغزو مكة أسر الى ناس من أصحابه وأفشى في الناس أنه يريد غير مكة فسمعه حاطب(5/43)
بن أبي بلتعة فكتب حاطب الى أهل مكة بذلك وذكر الواقدي أنه كان في كتابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه الا يريدكم وقد أحببت أن يكون إنذاري لكم بكتابي اليكم وتقدم بقية ما نقل مما وقع في الكتاب في غزوة الفتح قوله تسير على بعير لها في رواية محمد بن فضيل عن حصين تشتد بشين معجمة ومثناة فوقانية قوله فأبتغينا في رحلها أي طلبنا كأنهما فتشا ما معها ظاهرا وفي رواية محمد بن فضيل فأنخنا بعيرها فابتغينا وفي رواية الحارث فوضعنا متعاها وفتشنا فلم نجد قوله لقد علمنا في رواية الكشميهني لقد علمتما وهي رواية عفان أيضا قوله ثم حلف علي والذي يحلف به أي قال والله وصرح به في حديث أنس وفي حديث عبد الرحمن بن حاطب قوله لتخرجن الكتاب أو لأجردنك أي أنزع ثيابك حتى تصيري عريانة وفي رواية بن فضيل أو لأقتلنك وذكر الإسماعيلي أن في رواية خالد بن عبد الله مثله وعنده من رواية بن فضيل لأجزرنك بجيم ثم زاي أي أصيرك مثل الجزور إذا ذبحت ثم قال الإسماعيلي ترجم البخاري النظر في شعور أهل الذمة يعني الترجمة الماضية في كتاب الجهاد وهذه الرواية تخالفه أي رواية أو لأقتلنك قلت رواية لأجردنك أشهر ورواية لأجزرنك كأنها مفسرة منها ورواية لأقتلنك كأنها بالمعنى من لأجردنك ومع ذلك فلا تنافي الترجمة لأنها إذا قتلت سلبت ثيابها في العادة فيستلزم التجرد الذي ترجم به ويؤيد الرواية المشهورة ما وقع في رواية عبيد الله بن أبي رافع بلفظ لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب قال بن التين كذا وقع بكسر القاف وفتح الياء التحتانية وتشديد النون قال والياء زائدة وقال الكرماني وهو بكسر الياء وبفتحها كذا جاء في الرواية بإثبات الياء والقواعد التصريفية تقتضي حذفها لكن إذا صحت الرواية فتحمل على أنها وقعت على طريق المشاكلة لتخرجن وهذا توجيه الكسرة وأما الفتحة فتحمل على خطاب المؤنث الغائب على طريق الالتفات من الخطاب الى الغيبة قال(5/44)
ويجوز فتح القاف على البناء للمجهول وعلى هذا فترفع الثياب قلت ويظهر لي أن صواب الرواية لتلقين بالنون بلفظ الجمع وهو ظاهر جدا لا إشكال فيه البتة ولا يفتقر الى تكلف تخريج ووقع في حديث أنس فقالت ليس معي كتاب فقالت كذبت فقال قد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن معك كتابا والله لتعطيني الكتاب الذي معك أو لا أترك عليك ثوبا إلا التمسنا فيه قالت أو لستم بناس من مسلمين حتى إذا ظنت أنهما يلتمسان في كل ثوب معها حلت عفاصها وفيه فرجعا إليها فسلا سيفيهما فقالا والله لنذقنك الموت أو لتدفعن إلينا الكتاب فأنكرت ويجمع بينهما بأنهما هدداها بالقتل أولا فلما أصرت على الإنكار ولم يكن معهما إذن بقتلها هدداها بتجريد ثيابها فلما تحققت ذلك خشيت أن يقتلاها حقيقة وزاد في حديث أنس أيضا فقالت ادفعه اليكما على أن ترداني الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أعشى ثقيف عن عبد الرحمن عند الطبري فلم يزل علي بها حتى خافته وقد اختلف هل كانت مسلمة أو على دين قومها فالأكثر على الثاني فقد عدت فيمن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمهم يوم الفتح لأنها كانت تغني بهجائه وهجاء أصحابه وقد وقع في أول حديث أنس أمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بقتل أربعة فذكرها فيهم ثم قال وأما أمر سارة فذكر قصتها مع حاطب قوله فأتوا بها أي الصحيفة وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع فأتينا به أي الكتاب ونحوه في رواية بن عباس عن عمر وزاد نقرىء عليه فإذا فيه من حاطب الى ناس من المشركين من أهل مكة سماهم الواقدي في روايته سهيل بن عمرو العامري وعكرمة بن أبي جهل المخزومي وصفوان بن أمية الجمحي قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما حملك على ما صنعت في رواية عبد الرحمن بن حاطب فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال أنت كتبت هذا الكتاب قال نعم قال فما حملك على ذلك وكأن حاطبا لم يكن حاضرا لما جاء الكتاب فاستدعى به لذلك وقد(5/45)
بين ذلك في حديث بن عباس عن عمر بن الخطاب ولفظه فأرسل الى حاطب فذكر نحو رواية عبد الرحمن أخرجه الطبري بسند صحيح قوله قال يا رسول الله ما لي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله وفي رواية المستملي ما بي بالموحدة بدل اللام وهو أوضح وفي رواية عبد الرحمن بن حاطب أما والله ما أرتبت منذ أسلمت في الله وفي رواية بن عباس قال والله أني لناصح لله ولرسوله قوله ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد أي منة أدفع بها عن أهلي ومالي زاد في رواية أعشى ثقيف والله ورسوله أحب الي من أهلي ومالي وتقدم في تفسير الممتحنة قوله كنت ملصقا وتفسيره وفي رواية عبد الرحمن بن حاطب ولكني كنت أمرأ غريبا فيكم وكان لي بنون وإخوة بمكة فكتبت لعلي أدفع عنهم قوله وليس من أصحابك أحد إلا له هنالك في رواية المستملي هناك من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله وفي حديث أنس وليس منكم رجل إلا له بمكة من يحفظه في عياله غيري قوله قال صدق ولا تقولوا له إلا خيرا ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم عرف صدقه مما ذكر ويحتمل أن يكون بوحي قوله فعاد عمر أي عاد الى الكلام الأول في حاطب وفيه تصريح بأنه قال ذلك مرتين فأما المرة الأولى فكان فيها معذورا لأنه لم يتضح له عذره في ذلك وأما الثانية فكان اتضح عذره وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم فيه ونهى أن يقولوا له إلا خيرا ففي إعادة عمر ذلك الكلام إشكال وأجيب عنه بأنه ظن أن صدقه في عذره لا يدفع ما وجب عليه من القتل وتقدم إيضاحه في تفسير الممتحنة قوله فلأضرب عنقه قال الكرمان هو بكسر اللام ونصب الباء وهو تأويل مصدر محذوف وهو خبر مبتدأ محذوف أي اتركني لأضرب عنقه فتركك لي من أجل الضرب ويجوز سكون الباء والفاء زائدة على رأي الأخفش واللام للأمر ويجوز فتحها على لغة وأمر المتكلم نفسه باللام فصيح قليل الاستعمال وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع دعني أضرب عنق هذا المنافق وفي حديث بن عباس قال عمر فاخترطت سيفي وقلت يا(5/46)
رسول الله أمكني منه فإنه قد كفر وقد أنكر القاضي أبو بكر بن الباقلاني هذه الرواية وقال ليست بمعروفة قاله في الرد على الجاحظ لأنه احتج بها على تكفير العاصي وليس لإنكار القاضي معنى لأنها وردت بسند صحيح وذكر البرقاني في مستخرجه أن مسلما أخرجها ورده الحميدي والجمع بينهما أن مسلم خرج سندها ولم يسق لفظها وإذا ثبت فلعله أطلق الكفر وأراد به كفر النعمة كما أطلق النفاق وأراد به نفاق المعصية وفيه نظر لأنه استأذن في ضرب عنقه فأشعر بأنه ظن أنه نافق نفاق كفر ولذلك أطلق أنه كفر ولكن مع ذلك لا يلزم منه أن يكون عمر يرى تكفير من ارتكب معصية ولو كبرت كما يقوله المبتدعة ولكنه غلب على ظنه ذلك في حق حاطب فلما بين له النبي صلى الله عليه وسلم عذر حاطب رجع قوله أوليس من أهل بدر في رواية الحارث أوليس قد شهد بدرا وهو استفهام تقرير وجزم في رواية عبيد الله بن أبي رافع أنه قد شهد بدرا وزاد الحارث فقال عمر بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك قوله وما يدريك لعل الله اطلع تقدم في فضل من شهد بدرا رواية من رواه بالجزم والبحث في ذلك وفي معنى قوله اعملوا ما شئتم ومما يؤيد الحنظلة في قصة الذي حرس ليلة حنين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل نزلت قال لا إلا لقضاء حاجة قال لا عليك أن لا تعمل بعدها وهذا يوافق ما فهمه أبو عبد الرحمن السلمي ويؤيده قول علي فيمن قتل الحرورية لو أخبرتكم بما قضى الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لمن قتلهم لنكلتم عن العمل وقد تقدم بيانه فهذا فيه إشعار بأن من باشر بعض الأعمال الصالحة يثاب من جزيل الثواب بما يقاوم الآثام الحاصلة من ترك الفرائض الكثيرة وقد تعقب بن بطال على أبي عبد الرحمن السلمي فقال هذا الذي قاله ظنا منه بأن عليا على مكانته من العلم والفضل والدين لا يقتل إلا من وجب عليه القتل ووجه بن الجوزي والقرطبي في المفهم قول السلمي كما تقدم وقال الكرماني يحتمل أن يكون مراده أن(5/47)
عليا استفاد من هذا الحديث الجزم بأنه من أهل الجنة فعرف أنه لو وقع منه خطأ في اجتهاده لم يؤاخذ به قطعا كذا قال وفيه نظر لأن المجتهد معفو عنه فيما أخطأ فيه إذا بذل فيه وسعه وله مع ذلك أجر فان أصاب فله أجران والحق أن عليا كان مصبا في حروبه فله في كل ما اجتهد فيه من ذلك أجران فظهر أن الذي فهمه السلمي استند فيه الى ظنه كما قال بن بطال والله أعلم ولو كان الذي فهمه السلمي صحيحا لكان علي يتجرأ على غير الدماء كالأموال والواقع أنه كان في غاية الورع وهو القائل يا صفراء ويا بيضاء غري غيري ولم ينقل عنه قط في أمر المال إلا التحري بالمهملة لا التجري بالجيم قوله فقد أوجبت لكم الجنة في رواية عبيد الله بن أبي رافع فقد غفرت لكم وكذا في حديث عمر ومثله في مغازي أبي الأسود عن عروة وكذا عند أبي عائد قوله فاغرورقت عيناه بالغين المعجمة الساكنة والراء المكررة بينهما واو ساكنة ثم قاف أي امتلأت من الدموع حتى كأنها غرقت فهو افعوعلت من الغرق ووقع في رواية الحارث عن علي ففاضت عينا عمر ويجمع على انها امتلأت ثم فاضت قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قوله خاخ أصح يعني بمعجمتين قوله ولكن كذا قال أبو عوانة حاج أي بمهملة ثم جيم قوله وحاج تصحيف وهو موضع قلت تقدم بيانه قوله وهشيم يقول خاخ وقع للأكثر بالمعجمتين وقيل بل هو كقول بن عوانة وبه جزم السهيلي ويؤيده أن البخاري لما أخرجه من طريقه في الجهاد عبر بقوله روضة كذا كما تقدم فلو كان بالمعجمتين لما كنى عنه ووقع في السيرة للقطب الحلبي روضة خاخ بمعجمتن وكان هشيم يروي الأخيرة منها بالجيم وكذا ذكره البخاري عن أبي عوانة انتهى وهو يوهم أن المغايرة بينها وبين الرواية المشهورة انما هو في الخاء الآخرة فقط وليس كذلك بل وقع كذلك في الأولى فعند أبي عوانة أنها بالحاء المهملة جزما وأما هشيم فالرواية عنه محتملة وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن المؤمن ولو بلغ بالصلاح أن(5/48)
يقطع له بالجنة لا يعصم من الوقوع في الذنب لأن حاطبا دخل فيمن أوجب الله لهم الجنة ووقع منه ما وقع وفيه تعقب على من تأول أن المراد بقوله اعملوا ما شئتم أنهم حفظوا من الوقوع في شيء من الذنوب وفيه الرد على من كفر المسلم بارتكاب الذنب وعلى من جزم بتخليده في النار وعلى من قطع بأنه لا بد وأن يعذب وفيه أن من وقع منه الخطأ لا ينبغي له أن يجحده بل يعترف ويعتذر لئلا يجمع بين ذنبين وفيه جواز التشديد في استخلاص الحق والتهديد بما لا يفعله المهدد تخويفا لمن يستخرج منه الحق وفيه هتك ستر الجاسوس وقد استدل به من يرى قتله من المالكية لأستئذان عمر في قتله ولم يرده النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الا لكونه من أهل بدر ومنهم من قيده بأن يتكرر ذلك منه والمعروف عن مالك يجتهد فيه الامام وقد نقل الطحاوي الإجماع على أن الجاسوس المسلم لا يباح دمه وقال الشافعية والأكثر يعزر وإن كان من أهل الهيئات يعفى عنه وكذا قال الأوزاعي وأبو حنيفة يوجع عقوبة ويطال حبسه وفيه العفو عن زلة ذوي الهيئة وأجاب الطبري عن قصة حاطب واحتجاج من احتج بأنه انما صفح عنه لما أطلعه الله عليه من صدقه في اعتذاره فلا يكون غيره كذلك قال القرطبي وهو ظن خطأ لأن أحكام الله في عباده إنما تجري على ما ظهر منهم وقد أخبر الله تعالى نبيه عن المنافقين الذين كانوا بحضرته ولم يبح له قتلهم مع ذلك لاظهارهم الإسلام وكذلك الحكم في كل من أظهر الإسلام تجري عليه أحكام الإسلام وفيه من أعلام النبوة اطلاع الله نبيه على قصة حاطب مع المرأة كما تقدم بيانه من الروايات في ذلك وفيه إشارة الكبير على الامام بما يظهر له من الرأي العائد نفعه على المسلمون ويتخير الامام في ذلك وفيه جواز العفو عن العاصي وفيه أن العاصي لا حرمة له وقد أجمعوا على أن الأجنبية يحرم النظر إليها مؤمنة كانت أو كافرة ولولا أنها لعصيانها سقطت حرمتها ما هددها علي بتجريدها قاله بن بطال وفيه جواز(5/49)
غفران جميع الذنوب الجائزة الوقوع عمن شاء الله خلافا لمن أبى ذلك من أهل البدع ولقد استشكلت إقامة الحد على مسطح بقذف عائشة رضي الله عنها كما تقدم مع أنه من أهل بدر فلم يسامح بما ارتكبه من الكبيرة وسومح حاطب وعلل بكونه من أهل بدر والجواب ما تقدم في باب فضل من شهد بدرا أن محل العفو عن البدري في الأمور التي لا حد فيها وفيه جواز غفران ما تأخر من الذنوب ويدل على ذلك الدعاء به في عدة أخبار وقد جمعت جزءا في الأحاديث الواردة في بيان الأعمال الموعود لعاملها بغفران ما تقدم وما تأخر سميته الخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة وفيها عدة أحاديث بأسانيدها جياد وفيه تأدب عمر و أنه لا ينبغي إقامة الحد والتأديب بحضرة الامام الا بعد استئذانه وفيه منقبة لعمر ولأهل بدر كلهم وفيه البكاء عند السرور ويحتمل أن يكون عمر بكى حينئذ لما لحقه من الخشوع والندم على ما قاله في حق حاطب خاتمة اشتمل الكتاب استتابة المرتدين من الأحاديث المرفوعة على أحد وعشرين حديثا فيها واحد معلق والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى سبعة عشر حديثا والأربعة خالصة وافقه مسلم على تخريجها جميعا وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة آثار بعضها موصول والله أعلم(5/50)
**حدثني إسحاق بن إبراهيم: أخبرنا عبد الله بن ادريس قال: سمعت حصين بن عبد الرحمن، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه قال: بعثني الرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام، وكلنا فارس، قال: (انطلقوا حتى تأتو روضة خاخ، فإن بها امرأة من المشركين، معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين). فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: الكتاب، فقالت: ما معنا كتاب، فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا، فقلنا: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك، فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها، وهي محتجزة بكساء، فأخرجته، فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسول الله، قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما حملك على ما صنعت). قال حاطب: والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق، ولا تقولوا له إلا خيرا). فقال عمر إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال: (أليس من أهل بدر؟ فقال: لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم). فدمعت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم.
***** باب: غزوة الفتح.
وما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم.(5/51)
- حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار قال: أخبرني الحسن بن محمد: أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يقول: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال: (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها). قال: فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، فقلنا، لتخرجن الكتاب، أو لنلقين الثياب، قال: فأخرجته من عقاصها، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة، إلى ناس بمكة من المشركين، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا حاطب، ما هذا؟). قال: يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرءا ملصقا في قريش، يقول: كنت حليفا، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين، من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إنه قد صدقكم). فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: (إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدرا فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). فأنزل الله السورة: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق - إلى قوله - فقد ضل سواء السبيل}.(5/52)
***قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة قوله عن عمرو تقدم في الجهاد عن علي عن سفيان سمعت عمرو بن دينار قوله بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد كذا في رواية عبيد الله بن أبي رافع وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي كما تقدم في فضل من شهد بدرا بعثني وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام فيحتمل أن يكون الثلاثة كانوا معه فذكر أحد الراويين عنه ما لم يذكره الآخر ولم يذكر بن إسحاق مع علي والزبير أحدا وساق الخبر بالتثنية قال فخرجا حتى أدركاها فاستنزلاها الخ فالذي يظهر أنه كان مع كل منهما آخر تبعا له قوله فان بها ظعينة معها كتاب في أواخر الجهاد من وجه آخر عن علي وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا وذكر بن إسحاق أن اسمها سارة والواقدي أن اسمها كنود وفي رواية سارة وفي أخرى أم سارة وذكر الواقدي أن حاطبا جعل لها عشرة دنانير على ذلك وقيل دينارا واحدا وقيل إنها كانت مولاة العباس قوله فأخرجته من عقاصها قد تقدم في الجهاد وبيان الاختلاف في ذلك ووجه الجمع بين كونه في عقاصها أو في حجزتها قوله يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مرسل عروة تخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا قوله إني كنت امرأ ملصقا في قريش أي حليفا وقد فسره بقوله كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وعند بن إسحاق ليس في القوم من أصل ولا عشيرة وعند أحمد وكنت غربيا قال السهيلي كان حاطب حليفا لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى واسم أبي بلتعة عمرو وقيل كان حليفا لقريش قوله يحمون بها قرابتي في رواية بن إسحاق وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه وسيأتي تكملة شرح هذا الحديث في سورة الممتحنة وذكر بعض أهل المغازي وهو في تفسير يحيى بن سلام أن لفظ الكتاب أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش كالليل يسير(5/53)
كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده فانظروا لأنفسكم والسلام كذا حكاه السهيلي وروى الواقدي بسند له مرسل أن حاطبا كتب إلى سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد
باب: فضل من شهد بدرا.
حدثني إسحاق بن إبراهيم: أخبرنا عبد الله بن ادريس قال: سمعت حصين بن عبد الرحمن، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه قال: بعثني الرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام، وكلنا فارس، قال: (انطلقوا حتى تأتو روضة خاخ، فإن بها امرأة من المشركين، معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين). فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: الكتاب، فقالت: ما معنا كتاب، فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا، فقلنا: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك، فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها، وهي محتجزة بكساء، فأخرجته، فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسول الله، قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما حملك على ما صنعت). قال حاطب: والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق، ولا تقولوا له إلا خيرا). فقال عمر إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال: (أليس من أهل بدر؟ فقال: لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم). فدمعت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم.
++++++ شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله(5/54)
*2* باب من فضائل أهل بدر رضي اللّهُ عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَاللّفْظُ لِعَمْرٍو (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا) سُفْيَانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمّدٍ. أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيَ. قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ. فَقَالَ: "ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ. فَإِنّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ. فَخُذُوهُ مِنْهَا" فَانْطَلَقْنَا تَعَادَىَ بِنَا خَيْلُنَا. فَإِذَا نَحْنُ بِالْمَرْأَةِ. فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ. فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنّ الثّيَابَ. فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا. فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا فِيهِ: "مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَىَ نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنْ أَهْلِ مَكّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟" قَالَ: لاَ تَعْجَلْ عَلَيّ يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقاً فِي قُرَيْشٍ (قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ حَلِيفاً لَهُمْ. وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا) وَكَانَ مِمّنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ. فَأَحْبَبْتُ، إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتّخِذَ فِيهِمْ يَداً يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي. وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْراً وَلاَ ارْتِدَاداً(5/55)
عَنْ دِينِي. وَلاَ رِضاً بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ" فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي، يَا رَسُولَ اللّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ: "إِنّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّ اللّهَ اطّلَعَ عَلَىَ أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ. فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتّخِذُوا عَدُوّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (الممتحنة الاَية: 1). وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَزُهَيْرٍ ذِكْرُ الاَيَةِ. وَجَعَلَهَا إِسْحَقُ، فِي رِوَايَتِهِ، مِنْ تِلاَوَةِ سُفْيَانَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْوَاسِطِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللّهِ). كُلّهُمْ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ السّلَمِيّ، عَنْ عَلِيَ. قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ وَالزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ. وَكُلّنَا فَارِسٌ. فَقَالَ: "انْطَلِقُوا حَتّىَ تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ. فَإِنّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَىَ الْمُشْرِكِينَ" فَذَكَرَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيَ.(5/56)
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ عَبْداً لِحَاطِبٍ جَاءَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو حَاطِباً. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَيَدْخُلَنّ حَاطِبٌ النّارَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَذَبْتَ لاَ يَدْخُلُهَا. فَإِنّهُ شَهِدَ بَدْراً وَالْحُدَيْبِيَةَ".
قوله: (روضة خاخ) هي بخائين معجمتين هذا هو الصواب الذي قاله العلماء كافة في جميع الطوائف وفي جميع الروايات والكتب، ووقع في البخاري من رواية أبي عوانة حاج بحاء مهملة والجيم، واتفق العلماء على أنه من غلط أبي عوانة، وإنما اشتبه عليه بذات حاج بالمهملة والجيم وهي موضع بين المدينة والشام على طريق الحجيج، وأما روضة خاخ فبين مكة والمدينة بقرب المدينة، قال صاحب المطالع: وقال الصائدي هي بقرب مكة والصواب الأول. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن بها ظعينة معها كتاب" الظعينة هنا الجارية وأصلها الهودج وسميت بها الجارية لأنها تكون فيه، واسم هذه الظعينة سارة مولاة لعمران بن أبي صيفي القرشي. وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه هتك أستار الجواسيس بقراءة كتبهم سواء كان رجلاً أو امرأة، وفيه هتك ستر المفسدة إذا كان فيه مصلحة أو كان في الستر مفسدة، وإنما يندب الستر إذا لم يكن فيه مفسدة ولا يفوت به مصلحة، وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة في الندب إلى الستر، وفيه أن الجاسوس وغيره من أصحاب الذنوب الكبائر لا يكفرون بذلك، وهذا الجنس كبيرة قطعاً لأنه يتضمن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو كبيرة بلا شك لقوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله} الاَية، وفيه أنه لا يحد العاصي ولا يعزر إلا بإذن الإمام، وفيه إشارة جلساء الإمام والحاكم بما يرونه كما أشار عمر بضرب عنق حاطب، ومذهب الشافعي(5/57)
وطائفة أن الجاسوس المسلم يعزر ولا يجوز قتله. وقال بعض المالكية يقتل إلا أن يتوب، وبعضهم يقتل وإن تاب، وقال مالك: يجتهد فيه الإمام. قوله: (تعادى بنا خيلنا) هو بفتح التاء أي تجري. قوله: (فأخرجته من عقاصها) هو بكسر العين أي شعرها المضفور وهو جمع عقيصة. قوله صلى الله عليه وسلم: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" قال العلماء معناه الغفران لهم في الاَخرة وإلا فإن توجه على أحد منهم حد أو غيره أقيم عليه في الدنيا، ونقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحد وأقامه عمر على بعضهم، قال: وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مسطحاً الحد وكان بدرياً. قوله: (عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام) وفي الرواية السابقة المقداد بدل أبي مرثد ولا منافاة بل بعث الأربعة علياً والزبير والمقداد وأبا مرثد.
قوله: (يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدراً والحديبية) فيه فضيلة أهل بدر والحديبية وفضيلة حاطب لكونه منهم، وفيه أن لفظة الكذب هي الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عمداً كان أو سهواً، سواء كان الإخبار عن ماض أو مستقبل وخصته المعتزلة بالعمد وهذا يرد عليهم، وسبقت المسألة في كتاب الإيمان، وقال بعض أهل اللغة: لا يستعمل الكذب إلا في الإخبار عن الماضي بخلاف ما هو مستقبل وهذا الحديث يرد عليه والله أعلم
وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى { ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} الممتحنة 1(5/58)
كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة, وذلك أن حاطباً هذا كان رجلاً من المهاجرين, وكان من أهل بدر أيضاً, وكان له بمكة أولاد ومال ولم يكن من قريش أنفسهم, بل كان حليفاً لعثمان, فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة لما نقض أهلها العهد, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال «اللهم عم عليهم خبرنا» فعمد حاطب هذا فكتب كتاباً وبعثه مع قريش إلى أهل مكة, يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم, ليتخذ بذلك عندهم يداً فأطلع الله تعالى على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم استجابة لدعائه, فبعث في أثر المرأة فأخذ الكتاب منها, وهذا بين في هذا الحديث المتفق على صحته.(5/59)
قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عمه, أخبرني حسن بن محمد بن علي, أخبرني عبد الله بن أبي رافع وقال مرة إن عبيد الله بن أبي رافع أخبره أنه سمع علياً رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها, فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى أتينا الروضة, فإذا نحن بالظعينة قلنا أخرجي الكتاب, قالت: ما معي كتاب, قلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب, قال: فأخرجت الكتاب من عقاصها, فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة, يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا حاطب ما هذا ؟» قال: لا تعجل علي إني كنت امرأً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسهم, وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة, فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم, أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي, وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه صدقكم».(5/60)
فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر, فقال: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» وهكذا أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه من غير وجه عن سفيان بن عيينة به, وزاد البخاري في كتاب المغازي: فأنزل الله السورة {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} وقال في كتاب التفسير: قال عمرو ونزلت فيه {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} وقال لا أدري الاَية في الحديث أو قال عمرو. قال البخاري قال علي يعني ابن المديني قيل لسفيان في هذا نزلت {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} فقال سفيان: هذا في حديث الناس حفظته من عمرو, ما تركت منه حرفاً ولا أدري أحداً حفظه غيري.
وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة, عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير بن العوام وكلنا فارس, وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين, فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: الكتاب ؟ فقالت: ما معي كتاب, فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتاباً, فقلنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته, فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما حملك على ما صنعت ؟» قال حاطب: والله ما بي إلا أن أكون مؤمناً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم, أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله, فقال: «صدق لا تقولوا له إلا خيراً».(5/61)
فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه, فقال: «أليس من أهل بدر ؟ ـ فقال ـ لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ـ أو قد غفرت لكم ـ» فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم, هذا لفظ البخاري في المغازي في غزوة بدر, وقد روي من وجه آخر عن علي قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني, حدثنا عبيد بن يعيش, حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي عن أبي سنان هو سعيد بن سنان عن عمرو بن مرة الجملي عن أبي البحتري الطائي, عن الحارث عن علي قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي مكة أسر إلى أناس من أصحابه أنه يريد مكة منهم حاطب بن أبي بلتعة, وأفشى في الناس أنه يريد خيبر, قال: فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم, فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد وليس منا رجل إلا وعنده فرس فقال: «ائتوا روضة خاخ فإنكم ستلقون بها امرأة معها كتاب فخذوه منها».(5/62)
فانطلقنا حتى رأيناها بالمكان الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا لها هات الكتاب فقالت ما معي كتاب, فوضعنا متاعها وفتشناها فلم نجده في متاعها, فقال أبو مرثد لعله أن لا يكون معها, فقلت ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا فقلنا لها لتخرجنه أو لنعرينك. فقالت أما تتقون الله! ألستم مسلمين! فقلنا لتخرجنه أو لنعرينك. قال عمرو بن مرة. فأخرجته من حجزتها. وقال حبيب بن أبي ثابت: أخرجته من قبلها, فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة, فقام عمر فقال يا رسول الله خان الله ورسوله فائذن لي فلأضرب عنقه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أليس قد شهد بدراً ؟ قالوا: بلى, وقال عمر: بلى ولكنه قد نكث وظاهر أعداءك عليك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم إني بما تعملون بصير» ففاضت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاطب فقال: «يا حاطب ما حملك على ما صنعت ؟» فقال: يا رسول الله إني كنت امرأً ملصقاً في قريش, وكان لي بها مال وأهل ولم يكن من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع أهله وماله, فكتبت بذلك إليهم والله يا رسول الله إني لمؤمن بالله ورسوله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق حاطب فلا تقولوا لحاطب إلا خيراً» قال حبيب بن أبي ثابت: فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} الاَية. وهكذا رواه ابن جرير عن ابن حميد عن مهران, عن أبي سنان سعيد بن سنان بإسناده مثله.(5/63)
وقد ذكر ذلك أصحاب المغاري والسير فقال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا قال: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة, كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم ثم أعطاه امرأة, زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة, وزعم غيره أنها سارة مولاة لبني عبد المطلب وجعل لها جعلاً على أن تبلغه لقريش, فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها, ثم خرجت به, وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب, فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام فقال: «أدركا امرأة قد كتب معها حاطب كتاباً إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له من أمرهم».
فخرجا حتى أدركاها بالحليفة, حليفة بني أبي أحمد, فاستنزلاها بالحليفة فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئاً, فقال لها علي بن أبي طالب: إني أحلف بالله ما كذب رسول الله وما كذبنا, ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك. فلما رأت الجد منه قالت: أعرض, فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه, فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً فقال: «يا حاطب ما حملك على هذا ؟ فقال: يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله ما غيرت ولا بدلت ولكني كنت امرأً ليس لي في القوم من أهل ولا عشيرة, وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم, فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه فإن الرجل قد نافق, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك يا عمر ؟ لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».(5/64)
فأنزل الله عز وجل في حاطب {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ـ إلى قوله ـ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده} إلى آخر القصة, وروى معمر عن الزهري عن عروة نحو ذلك, وهكذا ذكر مقاتل بن حيان أن هذه الاَيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة أنه بعث سارة مولاة بني هاشم, وأنه أعطاها عشرة دراهم, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في أثرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فأدركاها بالجحفة وذكر تمام القصة كنحو ما تقدم, وعن السدي قريباً منه, وهكذا قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغير واحد أن هذه الاَيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة.(5/65)
فقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} يعني المشركين والكفار الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين الذين شرع الله عداوتهم ومصارمتهم ونهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم} وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين} وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً ؟} وقال تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه} ولهذا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عذر حاطب, لما ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد.
أهل بدر من كتاب المنتظم في التاريخ لابن الجوزي
أخبرنا هبة الله بن محمد قال : أخبرنا الحسن بن علي قال : أخبرنا أحمد بن جعفر قال : أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : حدثنا وكيع قال : أخبرنا أبي وسفيان وإسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال : كنا نتحدث أن عدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يوم بدر على عدة أصحاب طالوت يوم جالوت ثلاثمائة وبضعة عشر الذين جازوا معه النهر ولم يجاوز معه النهر إلا مؤمن .
انفرد بإخراجه البخاري وبه قال أحمد .
وأخبرنا ابن دياب قال : أخبرنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أنه قال : أهل بدر كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا وكان المهاجرون ستة وسبعين وكان هزيمة يوم بدر لسبع عشرة مضين من رمضان .(5/66)
وفي رواية أخرى عن مقسم عن ابن عباس قال : كان المهاجرون يوم بدر سبعة وسبعين رجلًا والأنصار مائتي وستة وثلاثين .
وكان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وكان صاحب راية الأنصار سعد بن عبادة .
أخبرنا أبو بكر محمد الجوهري قال : أخبرنا أبو محمد بن حيويه قال : أخبر أحمد بن معروف قال : أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال : أخبرنا محمد بن سعد قال : أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال : أخبرنا هشام بن حسان قال : حدثنا محمد بن سيرين قال : حدثنا عبيدة قال : كان عدة أصحاب بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر : سبعون ومائتان من الأنصار وبقيتهم من سائر الناس .
قال محمد بن سعد : جميع من شهد بدرًا من المهاجرين الأولين من قريش وحلفائهم ومواليهم في عدد ابن إسحاق ثلاثة وثمانون وفي عدد الواقدي : خمسة وثمانون .
وجميع من شهد بدرًا من الأوس ومن ضرب له بسهمه وأجره في عدد موسى بن عقبة والواقدي ثلاثة وستون وفي عدد ابن إسحاق وأبي معشر أحد وستون .
وجميع من شهدها من الخزرج في عدد الواقدي مائة وخمسة وسبعون .
وفي عدد ابن إسحاق وأبي معشر مائة فجميع من شهدها من المهاجرين والأنصار ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره في عدد ابن إسحاق ثلاثمائة وأربعة عشر وفي عدد أبي معشر والواقدي ثلاثمائة وثلاثة عشر وفي عدد موسى بن عقبة ثلاثمائة وستة عشر .
قال المصنف رحمه الله : وقد ذكر قوم زيادة على هذا العدد وأنا أذكر ما صح من ذلك على حروف المعجم وقد استقصيت أنسابهم والخلاف فيهم في كتاب التلقيح والله الموفق .
حرف الألف : أبي بن كعب أبي بن ثابت الأرقم بن أبي الأرقم أربد بن حمير أسعد بن يزيد بن الفاكه أسير بن عمرو أنس بن قتادة أنس بن معاذ أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أوس بن الصامت أوس بن ثابت أوس بن خولي إياس بن البكير .(5/67)
حرف الباء : بجير بحاث بسبس بشر بن البراء بشير بن سعد بلال بن رباح .
حرف التاء : تميم بن يعار تميم مولى خداش تميم مولى بني غنم .
حرت الثاء : ثابت بن أقرم ثابت بن ثعلبة ثابت بن خالد ثابت بن هزال ثعلبة بن حاطب ثعلبة بن عمرو ثعلبة بن غنمة ثقيف بن عمرو .
حرف الجيم : جابر بن خالد جابر بن عبد الله بن رئاب جبار بن صخر جبر بن عتيك جبير بن إياس .
حرف الحاء : الحارث بن أنس الحارث بن أوس الحارث بن حرمة الحارث بن ظالم الحارث بن قيس بن خالد الحارث بن النعمان بن أمية حارثة بن النعمان بن رافع حارثة بن النعمان بن نفيع حارثة بن سراقة حاطب بن أبي بلتعة حاطب بن عمرو الحباب بن المنذر حبيب بن الأسود حرام بن ملحان حريث بن زيد حصين ابن الحارث حمزة بن عبد المطلب حارثة بن الحمير وقيل : حمرة .
حرف الخاء : خالد بن البكير خالد أبو أيوب الأنصاري خالد بن قيس خارجة بن زيد خباب بن الأرت خباب مولى عتبة بن غزوان خبيب بن يسار خداش بن الصمة خلاد بن رافع خلاد بن سويد خلاد بن عمرو خليد بن قيس بن نعمان خليفة بن عدي خنيس بن حذافة خولي حرف الدال : وليس في حرف الدال أحد .
حرف الذال : ذكوان بن عبد قيس ذو الشمالين .
حرف الراء : رافع بن الحارث رافع بن عنجدة رافع بن المعلى الربيع بن إياس ربيعة بن أكثم ربعي بن رافع رجيلة بن ثعلبة رفاعة بن رافع رفاعة بن عبد المنذر رفاعة بن عمره .
حرف الزاي : الزبير بن العوام زيد بن أسلم زيد بن حارثة زيد بن الخطاب زيد بن سهل أبو طلحة زيد بن وديعة زياد بن كعب زياد بن لبيد .(5/68)
حرت السين : سالم بن عمير سالم مولى أبي حذيفة السائب بن عثمان بن مظعون سبيع بن قيس سراقة بن عمرو سراقة بن كعب سعد بن خولة سعد بن خيثمة سعد بن الربيع سعد بن سهيل سعد بن عثمان الزرقي سعد بن عمير أبو زيد سعد بن أبي وقاص سعد بن معاذ سعيد بن قيس سفيان بن بشر سلمة بن أسلم سلمة بن ثابت سلمة بن سلامة سليم بن الحارث سليم بن عمرو سليم بن قيس سليم بن ملحان سليم أبو كبشة سليط بن قيس سماك أبو دجانة سماك بن سعد سنان بن صيفي سنان بن أبي سناق سواد بن رزن سواد بن غزية سويبط سهل بن حنيف سهل بن عتيك سهل بن عدي سهل بن قيس سهل بن رافع سهيل بن بيضاء .
حرف الشين : شجاع بن وهب شماس بن عثمان .
حرف الصاد : صالح وهو شقران صفوان بن بيضاء .
حرف الضاد : الضحاك بن عبد عمرو ضمرة بن عمرو .
حرف الطاء : الطفيل بن الحارث الطفيل بن مالك الطفيل بن النعمان .(5/69)
حرف العين : عاصم بن ثابت عاصم بن البكير عاصم بن قيس عاقل بن البكير عامر بن أميه عامر بن ربيعة عامر بن سلمة عامر أبو عبيدة الجراح عامر بن فهيرة عامر بن مخلد عائذ بن ماعص عباد بن بشر عباد بن قيس عبادة بن الخشخاش عبادة بن قيس بن عبسة عبد الله بن أنيس عبد الله بن ثعلبة عبد الله بن جبير عبد الله بن جحش عبد الله بن الجد بن قيس عبد الله بن الربيع عبد الله بن رواحة عبد الله بن زيد عبد الله بن سراقة عبد الله بن سلمة عبد الله بن سهل عبد الله بن سهيل بن عمرو عبد الله بن طارق عبد الله بن عبد الله بن أبي عبد الله هو أبو سلمة عبد الله بن عبد مناف عبد الله بن عبس عبد الله أبو بكر الصديق عبد الله بن عرفطة عبد الله بن عمرو بن حرام عبد الله بن عمر عبد الله بن قيس بن صخر عبد الله بن قيس بن خالد عبد الله بن مخرمة عبد الله بن مسعي عبد الله بن مظعون عبد الله بن النعمان عبد الرحمن بن جبير عبد الرحمن بن عبد الله عبد الرحمن بن عوف عبد رب الأنصاري عبيد بن أوس عبد بن زيد عتبة بن غزوان عتبة بن عبد الله عتيك بن التيهان عثمان بن مظعون عدي بن أبي الزغباء عصمة حليف الأنصار من بني أسد عصيمة حليف لهم من أشجع عقبة بن عامر عقبة بن وهب بن كلدة عقبة بن وهب بن ربيعة عكاشة بن محصن علي بن أبي طالب عمارة بن حزم عمار بن ياسر عمر بن الخطاب عمرو بن إياس عمرو بن ثعلبة عمرو بن سراقة عمرو بن طلق عمرو بن معاذ عمرو بن أبي سرح ويقال معمر عمير بن الحارث عمير بن الحمام عمير بن عامر عمير بن عوف ويقال عمرو عمير بن أبي وقاص عمير بن معبد وقيل عمر عمرة بن عمرو عوف بن أثاثة وهو مسطح عوف بن عفراء عويمر بن ساعدة عياض بن زهير .
حرف الغين : غنام بن أوس .
حرف الفاء : الفاكه بن بشر فروة بن عمرو .
حرف الكاف : كعب بن جماز كعب بن زيد كعب أبو اليسر كناز بن الحصين .(5/70)
حرف الميم : مالك بن التيهان مالك بن نميلة مالك بن الدخشم مالك بن ربيعة أبو أسيد مالك أخو .
مالك أبو حبة مالك بن أبي خولي مالك بن قدامة مالك بن مسعود ميسرة بن عبد المنذر المجذر بن زياد محرز بن عامر محرز بن نضلة محمد بن مسلمة مدلاج مرثد مسعود بن أوس مسعود بن خالد مسعود بن الربيع مسعود بن سعد الحارثي مسعود بن سعد الزرقي مصعب بن عمير معاذ بن جبل معاذ بن عفراء معاذ بن عمرو معاذ بن ماعص معبد بن عبادة معبد بن قيس معتب بن عبدة معتب بن حمراء معتب بن قشير معقل بن المنذر معمر بن الحارث معن بن عدي معوذ بن عفراء معوذ بن عمرو المقداد مليك بن وبره المنذر بن عمرو المنذر بن قدامة المنذر بن محمد مهجع .
حرف النون : نصر بن الحارث النعمان بن ثابت النعمان بن سنان النعمان بن عبد عمرو النعمان بن عمرو النعمان بن عصر النعمان بن مالك النعمان بن أبي حلقة نوفل بن عبد الله .
حرف الهاء : هاني بن نيار هشام بن عتبة هلال بن المعلى .
حرف الواو : واقد بن عبد الله وديعة بن عمرو وذفة وهب بن سعد وهب بن محصن .
حرف الياء : يزيد بن الحارث يزيد بن رقيش يزيد بن عامر يزيد بن المنذر يزيد بن المزين .
أبو الحمراء أبو خزيمة أبو سبرة أبو مليك .
***وامتنع من شهودها ثمانية لأعذار فضرب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بسهامهم وأجورهم فكانوا كمن شهدها وهم : عثمان بن عفان وطلحة وسعيد والحارث بن حاطب والحارث بن الصمة وخوات وعاصم بن عدي وأبو لبابة .
الياقوتة 14
حدثنا عثمان قال: حدثني جرير، عن منصور، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن علي رضي الله عنه قال:(5/71)
كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس، فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: (ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة، إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتب شقية أو سعيدة). فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال: (أما أهل السعادة فييسرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل الشقاوة). ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى}. الآية.
... ... ... ... ... أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب موعظة المحدث عندالقبر...
... ... ... ... ... وأخرجه مسلم فب كتاب القدر باب كبقبة خلف الآدمي ...,
باب: موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله.
{يخرجون من الأجداث} /المعارج: 43/: الأجداث القبور. "بعثرت" /الانفطار: 4/: أثيرت، بعثرت حوضي أي جعلت أسفله أعلاه. الإيفاض الإسراع. وقرأ الأعمش: "إلى نصب" /المعارج: 43/: إلى شيء منصوب يستبقون إليه، والنصب واحد، والنصب مصدر. "يوم الخروج" /ق: 43/: من القبور. "ينسلون" /يس: 51/: يخرجون.
****قوله باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله كأنه يشير إلى التفصيل بين أحوال القعود فإن كان لمصلحة تتعلق بالحي أو الميت لم يكره ويحمل النهي الوارد عن ذلك على ما يخالف ذلك(5/72)
قوله {يخرجون من الاجداث} الاجداث القبور أي المراد بالاجداث في الآية القبور وقد وصله بن أبي حاتم وغيره من طريق قتادة والسدي وغيرهما وأحدها جدث بفتح الجيم والمهملة قوله بعثرت اثيرت بعثرت حوضي جعلت أسفله أعلاه هذا كلام أبي عبيدة في كتاب المجاز وقال السدي بعثرت أي حركت فخرج ما فيها رواه بن أبي حاتم قوله الايفاض بياء تحتانية ساكنة قبلها كسرة وبفاء ومعجمة الإسراع كذا قال الفراء في المعاني وقال أبو عبيدة يوفضون أي يسرعون قوله وقرا الأعمش إلى نصب يعني بفتح النون كذا للأكثر وفي رواية أبي ذر بالضم والأول أصح وكذا ضبطه الفراء عن الأعمش في كتاب المعاني وهي قراءة الجمهور وحكى الطبراني أنه لم يقرأه بالضم الا الحسن البصري وقد حكى الفراء عن زيد بن ثابت ذلك ونقلها غيره عن مجاهد وأبي عمران الجوني وفي كتاب السبعة لابن مجاهد قرأها بن عامر بضمتين يعني بلفظ الجمع وكذا قرأها حفص عن عاصم ومن هنا يظهر سبب تخصيص الأعمش بالذكر لأنه كوفي وكذا عاصم ففي انفراد حفص عن عاصم بالضم شذوذ قال أبو عبيدة النصب بالفتح هو العلم الذي نصبوه ليعبدوه ومن قرأ نصب بالضم فهي جماعة مثل رهن ورهن قوله يوفضون إلى شيء منصوب يستبقون قال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا مسلم بن إبراهيم عن قرة عن الحسن في قوله الى نصب يوفضون أي يبتدرون أيهم يستلمه أول قوله والنصب واحد والنصب مصدر كذا وقع فيه والذي في المعاني للفراء النصب والنصب واحد وهو مصدر والجمع الانصاب وكأن التغيير من بعض النقلة قوله يوم الخروج من قبورهم أي خروج أهل القبور من قبورهم قوله ينسلون يخرجون كذا أورده عبد بن حميد وغيره عن قتادة وسيأتي له معنى آخر إن شاء الله تعالى وفي نسخة الصغاني بعد قوله يخرجون من النسلان وهذه التفاسير أوردها لتعلقها بذكر القبر استطرادا ولها تعلق بالموعظه أيضا قال الزين بن المنير مناسبة إيراد هذه الآيات في هذه الترجمة للإشارة إلى أن المناسب لمن قعد(5/73)
عند القبر أن يقصر كلامه على الإنذار بقرب المصير إلى القبور ثم إلى النشر لاستيفاء العمل ثم أورد المصنف حديث على بن أبي طالب مرفوعا ما من نفس منفوسة الا كتب مكانها من الجنة والنار الحديث وسيأتي مبسوطا في تفسير والليل إذا يغشى وهو أصل عظيم في اثبات القدر وقوله فيه اعملوا جرى مجرى أسلوب الحكيم أي الزموا ما يجب على العبد من العبودية ولا تتصرفوا في أمر الربوبية وعثمان شيخه هو بن أبي شيبة وجرير هو بن عبد الحميد وموضع الحاجة منه فقعد وقعدنا حوله وقوله
فقال رجل هو عمر أو غيره كما سيأتي إن شاء الله تعالى(5/74)
****قوله عن أبي حمزة بمهملة وزاي هو محمد بن ميمون السكري قوله عن سعد بن عبيدة بضم العين هو السلمي الكوفي يكنى أبا حمزة وكان صهر أبي عبد الرحمن شيخه في هذا الحديث ووقع في تفسير والليل إذا يغشى من طريق شعبة عن الأعمش سمعت سعد بن عبيدة وأبو عبد الرحمن السلمي اسمه عبد الله بن حبيب وهو من كبار التابعين ووقع مسمى في رواية معتمر بن سليمان عن منصور عن سعد بن عبيدة عند الفريابي قوله عن علي في رواية مسلم البطين عن أبي عبد الرحمن السلمي اخذ بيدي علي فانطلقنا نمشي حتى جلسنا على شاطئ الفرات فقال علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث مختصرا قوله كنا جلوسا في رواية عبد الواحد عن الأعمش كنا قعودا وزاد في رواية سفيان الثوري عن الأعمش كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد فتح الغين المعجمة والقاف بينهما راء ساكنة في جنازة فظاهره انهم كانوا جميعا شهدوا الجنازة لكن أخرجه في الجنائز من طريق منصور عن سعد بن عبيدة فبين انهم سبقوا بالجنازة واتاهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ولفظه كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله قوله ومعه عود ينكت به في الأرض في رواية شعبة وبيده عود فجعل ينكت به في الأرض وفي رواية منصور ومعه مخصرة بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الصاد المهملة هي عصا أو قضيب يمسكه الرئيس ليتوكأ عليه ويدفع به عنه ويشير به لما يريد وسميت بذلك لأنها تحمل تحت الخصر غالبا للإتكاء عليها وفي اللغة اختصر الرجل إذا امسك المخصرة قوله فنكس بتشديد الكاف أي اطرق قوله فقال ما منكم من أحد زاد في رواية منصور ما من نفس منفوسة أي مصنوعة مخلوقة واقتصر في رواية أبي حمزة والثوري على الأول قوله الا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة أو للتنويع ووقع في رواية سفيان ما قد يشعر بأنها بمعنى الواو ولفظه الا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار وكأنه يشير(5/75)
الى ما تقدم من حديث بن عمر الدال على ان لكل أحد مقعدين**** وفي رواية منصور الا كتب مكانها من الجنة والنار وزاد فيها والا وقد كتبت شقية أو سعيدة واعادة الا يحتمل ان يكون ما من نفس بدل ما منكم والا الثانية بدلا من الأولى وان يكون من باب اللف والنشر فيكون فيه تعميم بعد تخصيص والثاني في كل منهما أعم من الأول أشار اليه الكرماني قوله فقال رجل من القوم في رواية سفيان وشعبة فقالوا يا رسول الله وهذا الرجل وقع في حديث جابر عند مسلم انه سراقة بن مالك بن جعشم ولفظه جاء سراقة فقال يا رسول الله انعمل اليوم فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أو فيما يستقبل قال بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير فقال ففيم العمل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له وأخرجه الطبراني وابن مردويه نحوه وزاد وقرأ { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } سورة الليل -وأخرجه بن ماجة من حديث سراقة نفسه لكن دون تلاوة الآية ووقع هذا السؤال وجوابه سوى تلاوة الآية لشريح بن عامر الكلابي أخرجه أحمد والطبراني ولفظه قال ففيم العمل إذاً قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له واخرج الترمذي من حديث بن عمر قال قال عمر يا رسول الله أرأيت ما نعمل فيه أمر مبتدع أو أمر قد فرغ منه قال فيما قد فرغ منه فذكر نحوه واخرج البزار والفريابي من حديث أبي هريرة ان عمر قال يا رسول الله فذكره وأخرجه أحمد والبزار والطبراني من حديث أبي بكر الصديق قلت يا رسول الله نعمل على ما فرغ منه الحديث نحوه ووقع في حديث سعد بن أبي وقاص فقال رجل من الأنصار والجمع بينها تعدد السائلين عن ذلك فقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو ان السائل عن ذلك جماعة ولفظه فقال اصحابه ففيم العمل ان كان قد فرغ منه فقال سددوا وقاربوا فإن صاحب(5/76)
الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وان عمل أي عمل الحديث أخرجه الفريابي قوله الا نتكل يا رسول الله في رواية سفيان أفلا والفاء معقبة لشيء محذوف تقديره فإذا كان كذلك أفلا نتكل وزاد في رواية منصور وكذا في رواية شعبة أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل أي نعتمد على ما قدر علينا وزاد في رواية منصور فمن كان منا من أهل السعادة فيصير الى عمل السعادة ومن كان منا من أهل الشقاوة مثله قوله اعملوا فكل ميسر زاد شعبة لما خلق له اما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل السعادة الحديث وفي رواية منصور قال اما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة الحديث وحاصل السؤال الا نترك مشقة العمل فإنا سنصير الى ما قدر علينا وحاصل الجواب لا مشقة لأن كل أحد ميسر لما خلق له وهو يسير على من يسره الله قال الطيبي الجواب من الاسلوب الحكيم منعهم عن ترك العمل وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية وزجرهم عن التصرف في الأمور المغيبة فلا يجعلوا العبادة وتركها سببا مستقلا لدخول الجنة والنار بل هي علامات فقط قوله ثم قرأ{ فأما من أعطى واتقى }الآية وساق في رواية سفيان ووكيع الآيات الى قوله {للعسرى} ووقع في حديث بن عباس عند الطبراني نحو حديث عمر وفي اخره قال اعمل فكل ميسر وفي اخره عند البزار فقال القوم بعضهم لبعض فالجد إذا وأخرجه الطبراني في اخر حديث سراقة ولفظه فقال يا رسول الله ففيم العمل قال كل ميسر لعمله قال الان الجد الان الجد وفي اخر حديث عمر عند الفريابي فقال عمر ففيم العمل إذا قال كل لا ينال الا بالعمل قال عمر إذا نجتهد واخرج الفريابي بسند صحيح الى بشير بن كعب أحد كبار التابعين قال سأل غلامان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيم العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم شيء نستأنفه قال بل فيما جفت به الأقلام قالا ففيم العمل قال اعملوا فكل ميسر لما هو عامل قالا فالجد الان وفي الحديث جواز القعود عند القبور والتحدث عندها(5/77)
بالعلم والموعظة وقال المهلب نكته الأرض بالمخصرة أصل في تحريك الأصبع في التشهد نقله بن بطال وهو بعيد وانما هي عادة لمن يتفكر في شيء يستحضر معانيه فيحتمل ان يكون ذلك تفكرا منه صلى الله عليه وسلم في أمر الآخرة بقرينة حضور الجنازة ويحتمل ان يكون فيما ابداه بعد ذلك لأصحابه من الحكم المذكورة ومناسبته للقصة ان فيه إشارة الى التسلية عن الميت بأنه مات بفراغ أجله وهذا الحديث أصل لأهل السنة في ان السعادة والشقاء بتقدير الله القديم وفيه رد على الجبرية لأن التيسير ضد الجبر لان الجبر لا يكون الا عن كره ولا يأتي الإنسان الشيء بطريق التيسير الا وهو غير كاره له واستدل به على إمكان معرفة الشقي من السعيد في الدنيا كمن اشتهر له لسان صدق وعكسه لأن العمل امارة على الجزاء على ظاهر هذا الخبر ورد بما تقدم في حديث بن مسعود وان هذا العمل الظاهر قد ينقلب لعكسه على وفق ما قدر والحق ان العمل علامة وامارة فيحكم بظاهر الأمر وأمر الباطن الى الله تعالى قال الخطابي لما أخبر صلى الله عليه وسلم عن سبق الكائنات رام من تمسك بالقدر ان يتخذه حجة في ترك العمل فأعلمهم ان هنا امرين لا يبطل أحدهما بالآخر باطن وهو العلة الموجبة في حكم الربوبية وظاهر وهو العلامة اللازمة في حق العبودية وانما هي أمارة مخيلة في مطالعة علم العواقب غير مفيدة حقيقة فبين لهم ان كلا ميسر لما خلق له وان عمله في العاجل دليل على مصيره في الاجل ولذلك مثل بالآيات ونظير ذلك الرزق مع الأمر بالكسب والاجل مع الإذن في المعالجة وقال في موضع اخر هذا الحديث إذا تأملته وجدت فيه الشفاء مما يتخالج في الضمير من أمر القدر وذلك ان القائل أفلا نتكل وندع العمل لم يدع شيئا مما يدخل في أبواب المطالبات والاسئلة الا وقد طالب به وسأل عنه فأعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ان القياس في هذا الباب متروك والمطالبة ساقطة وانه لا يشبه الأمور التي عقلت معانيها وجرت معاملة(5/78)
البشر فيما بينهم عليها بل طوى الله علم الغيب عن خلقه وحجبهم عن دركه كما اخفى عنهم أمر الساعة فلا يعلم أحد متى حين قيامها انتهى وقد تقدم كلام بن السمعاني في نحو ذلك في أول كتاب القدر وقال غيره وجه الانفصال عن شبهة القدرية ان الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال وغيب عنا المقادير لقيام الحجة ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته فمن عدل عنه ضل وتاه لأن القدر سر من أسرار الله لا يطلع عليه الا هو فإذا ادخل أهل الجن الجنة كشف لهم عنه حينئذ وفي أحاديث هذا الباب ان افعال العباد وان صدرت عنهم لكنها قد سبق علم الله بوقوعها بتقديره ففيها بطلان قول القدرية صريحا والله اعلم
***باب: قوله: {وكذب بالحسنى}
حدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن منصور، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس، فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: (ما منكم من أحد، وما من نفس منفوسة، إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة). قال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال: (أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاء. ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى}). الآية.
***باب: {فسنيسره للعسرى}
- حدثنا آدم: حدثنا شعبة، عن الأعمش قال: سمعت سعد بن عبيدة يحدث، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه قال:(5/79)
كان النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فأخذ شيئا فجعل ينكت به الأرض، فقال: (ما منكم من أحد، إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة). قالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة. ثم قرأ: {{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى }).
*حدثنا عثمان بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم - واللفظ لزهير - (قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا) جرير عن منصور، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبدالرحمن، عن علي، قال:
كنا في جنازة في بقيع الغرقد. فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقعد وقعدنا حوله. ومعه مخصرة. فنكس فجعل ينكت بمخصرته. ثم قال "ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة، إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار. وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة" قال فقال رجل: يا رسول الله! أفلا نمكث على كتابنا، وندع العمل؟ فقال "من كان من أهل السعادة، فسيصير إلى عمل أهل السعادة. ومن كان من أهل الشقاوة، فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة" فقال "اعملوا فكل ميسر. أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة. وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة". ثم قرأ {فأما من أعطى واتقى* وصدق بالحسنى* فسنيسره لليسرى* وأما من بخل واستغنى* وكذب بالحسنى* فسنيسره للعسرى} [92 /الليل /5 - 10].
* حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وهناد بن السري. قالا: حدثنا أبو الأحوص عن منصور، بهذا الإسناد في معناه. وقال: فأخذ عودا. ولم يقل: مخصرة. وقال ابن أبي شيبة في حديثه عن أبي الأحوص: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم.(5/80)
* حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو سعيد الأشج. قالوا: حدثنا وكيع. ح وحدثنا ابن نمير. حدثنا أبي. حدثنا الأعمش. ح وحدثنا أبو كريب (واللفظ له). حدثنا أبو معاوية. حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبدالرحمن السلمي، عن علي. قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالسا وفي يده عود ينكت به. فرفع رأسه فقال "ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار". قالوا: يا رسول الله! فلم نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال "لا. اعملوا. فكل ميسر لما خلق له". ثم قرأ {فأما من أعطى واتقى* وصدق بالحسنى* إلى قوله فسنيسره للعسرى} [92 /الليل /5 -10].
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله(5/81)
(فنكس فجعل ينكت بمخصرته) أما نكس فبتخفيف الكاف وتشديدها لغتان فصيحتان، يقال نكسه ينكسه فهو ناكس كقتله يقتله فهو قاتل، ونكسه ينكسه تنكيساً فهو منكس أي خفض رأسه وطأطأ إلى الأرض على هيئة المهموم. وقوله: ينكت بفتح الياء وضم الكاف وآخره تاء مثناة فوق أي يخط بها خطاً يسيراً مرة بعد مرة وهذا فعل المفكر المهموم، والمخصرة بكسر الميم ما أخذه الإنسان بيده واختصره من عصا لطيفة وعكاز لطيف وغيرهما، وفي هذه الأحاديث كلها دلالات ظاهرة لمذهب أهل السنة في إثبات القدر وأن جميع الواقعات بقضاء الله تعالى وقدره، خيرها وشرها نفعها وضرها، وقد سبق في أول كتاب الإيمان قطعة صالحة من هذا قال الله تعالى: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} فهو ملك لله تعالى يفعل ما يشاء ولا اعتراض على المالك في ملكه، ولأن الله تعالى لا علة لأفعاله. قال الإمام أبو المظفر السمعاني: سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس ومجرد العقول، فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة ولم يبلغ شفاء النفس ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب، لأن القدر سر من أسرار الله تعالى التي ضربتمن دونها الأستار، اختص الله به وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة، وواجبنا أن نقف حيث حد لنا ولا نتجاوزه، وقد طوى الله تعالى علم القدر على العالم فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب، وقيل إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة ولا ينكشف قبل دخولها والله أعلم. وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها وكل ميسر لما خلق له لا يقدر على غيره، ومن كان من أهل السعادة يسره الله لعمل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة يسره الله لعملهم كما قال{فسنيسره لليسرى و{للعسرى}، وكما صرحت به هذه الأحاديث.
الياقوتة 15(5/82)
****حدثني محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة، عن الحكم: سمعت ابن أبي ليلى قال: حدثنا علي:
أن فاطمة عليها السلام شكت ما تلقى من أثر الرحى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فانطلقت فلم تجده فوجدت عائشة فأخبرتها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت لأقوم، فقال: (على مكانكما). فقعد بيننا، حتى وجدت برد قدميه على صدري، وقال: (ألا أعلمكما خيرا مما سألتماني، إذا أخذتما مضاجعكما، تكبران أربعا وثلاثين، وتسبحان ثلاثا وثلاثين، وتحمدان ثلاثا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم).
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله-
قوله باب التكبير والتسبيح عند المنام أي والتحميد(5/83)
* قوله عن الحكم هو بن عتيبة بمثناة وموحدة مصغر فقيه الكوفة وقوله عن بن أبي ليلى هو عبد الرحمن وقوله عن علي قد وقع في النفقات عن بدل بن المحبر عن شعبة أخبرني الحكم سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى أنبأنا علي قوله ان فاطمة شكت ما تلقى في يدها من الرحى زاد بدل في روايته مما تطحن وفي رواية القاسم مولى معاوية عن علي عند الطبراني وأرته اثرا في يدها من الرحى وفي زوائد عبد الله بن أحمد في مسند أبيه وصححه بن حبان من طريق محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي اشتكت فاطمة مجمل يدها وهو بفتح الميم وسكون الجيم بعدها لام معناه التقطيع وقال الطبري المراد به غلظ اليد وكل من عمل عملا بكفه فغلظ جلدها قيل مجلت كفه وعند أحمد من رواية هبيرة بن يريم عن علي قلت لفاطمة لو أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألتيه خادما فقد اجهدك الطحن والعمل وعنده وعند بن سعد من رواية عطاء بن السائب عن أبيه عن علي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة فذكر الحديث وفيه فقال علي لفاطمة ذات يوم والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري فقالت وانا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي وقوله سنوت بفتح المهملة والنون أي استقيت من البئر فكنت مكان الساقية وهي الناقة وعند أبي داود من طريق أبي الورد بن ثمامة عن علي بن اعبد عن علي قال كانت عندي فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فجرت بالرحى حتى اثرت بيدها واستقت بالقربة حتى اثرت في عنقها وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها وفي رواية له وخبزت حتى تغير وجهها قوله فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما أي جارية تخدمها ويطلق أيضا على الذكر وفي رواية السائب وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي اليه فاستخدميه أي اسأليه خادما وزاد في رواية يحيى القطان عن شعبة كما تقدم في النفقات وبلغها انه جاءه رقيق وفي رواية بدل وبلغها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بسبي قوله فلم تجده في رواية القطان فلم تصادفه وفي رواية(5/84)
بدل فلم توافقه وهي بمعنى تصادفه وفي رواية أبي الورد فأتته فوجدت عنده حداثا بضم المهملة وتشديد الدال وبعد الالف مثلثة أي جماعة يتحدثون فاستحيت فرجعت فيحمل على ان المراد انها لم تجده في المنزل بل في مكان آخر كالمسجد وعنده من يتحدث معه قوله فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته في رواية القطان أخبرته عائشة زاد غندر عن شعبة في المناقب بمجيء فاطمة وفي رواية بدل فذكرت ذلك عائشة له وفي رواية محاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عند جعفر الفريابي في الذكر والدارقطني في العلل وأصله في مسلم حتى أتت منزل النبي صلى الله عليه وسلم فلم توافقه فذكرت ذلك له أم سلمة بعد ان رجعت فاطمة ويجمع بان فاطمة التمسته في بيتي أمي المؤمنين وقد وردت القصة من حديث أم سلمة نفسها أخرجها الطبري في تهذيبه من طريق شهر بن حوشب عنها قالت جاءت فاطمة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو اليه الخدمة فذكرت الحديث مختصرا وفي رواية السائب فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما جاء بك يا بنية قلت جئت لأسلم عليك واستحيت ان تسأله ورجعت فقلت ما فعلت قالت استحييت قالت وهذا مخالف لما في الصحيح ويمكن الجمع بأن تكون لم تذكر حاجتها اولا على ما في هذه الراوية ثم ذكرتها ثانيا لعائشة لما لم تجده ثم جاءت هي وعلي على ما في رواية السائب فذكر بعض الرواة ما لم يذكر بعض وقد اختصره بعضهم ففي رواية مجاهد الماضية في النفقات ان فاطمة اتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فقال الا أخبرك ما هو خير لك منه وفي رواية هببيرة فقالت انطلق معي فانطلقت معها فسألناه فقال الا ادلكما الحديث ووقع عند مسلم من حديث أبي هريرة ان فاطمة اتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما وشكت العمل فقال ما الفيته عندنا وهو بالفاء أي ما وجدته ويحمل على ان المراد ما وجدته عندنا فاضلا عن حاجتنا اليه لما ذكر من انفاق اثمان السبي على أهل الصفة قوله فجاءنا وقد اخذنا مضاجعا زاد في(5/85)
رواية السائب فأتيناه جميعا فقلت بأبي يا رسول الله والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري وقالت فاطمة لقد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله بسبي وسعة فأخدمنا فقال والله لا اعطيكما وادع أهل الصفة تطوي بطونهم لا أجد ما انفق عليهم ولكني ابيعهم وأنفق عليهم اثمانهم وقد أشار المصنف الى هذه الزيادة في فرض الخمس وتكلمت على شرحها هناك ووقع في رواية عبيدة بن عمرو عن علي عند بن حبان من الزيادة فأتانا وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولا خرجت منها جنوبنا وإذا لبسناها عرضا خرجت منها رؤوسنا وأقدامنا وفي رواية السائب فرجعا فأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفة لهما إذا غطيا رؤوسهما تكشفت اقدامهما وإذا غطيا اقدامهما تكشفت رؤوسهما قوله فذهبت أقوم وافقه غندر وفي رواية القطان فذهبنا نقوم وفي رواية يدل لنقوم وفي رواية السائب فقاما قوله فقال مكانك وفي رواية غندر مكانكما وهو بالنصب أي الزما مكانكما وفي رواية القطان وبدل فقال على مكانكما أي استمرا على ما أنتما عليه قوله فجلس بيننا في رواية غندر فقعد بدل جلس وفي رواية القطان فقعد بيني وبينها وفي رواية عمرو بن مرة عن بن أبي ليلى عند النسائي اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضع قدمه بيني وبين فاطمة قوله حتى وجدت برد قدميه هكذا هنا بالتثنية وكذا في رواية غندر وعند مسلم أيضا وفي رواية القطان بالافراد وفي رواية بدل كذلك بالافراد للكشميهني وفي رواية للطبري فسخنتهما وفي رواية عطاء عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عند جعفر في الذكر وأصله في مسلم من الزيادة فخرج حتى اتى منزل فاطمة وقد دخلت هي وعلي في اللحاف فلما استأذن همّا ان يلبسا فقال كما أنتما اني أخبرت انك جئت تطلبين فما حاجتك قالت بلغني انه قدم عليك خدم فأحببت ان تعطيني خادما يكفيني الخبز والعجن فإنه قد شق علي قال فما جئت تطلبين احب إليك أو ما هو خير منه قال علي فغمزتها فقلت قولي ما هو خير منه احب(5/86)
الي قال فإذا كنتما على مثل حالكما الذي أنتما عليه فذكر التسبيح وفي رواية علي بن اعبد فجلس عند رأسها فأدخلت رأسها في اللفاع حياء من أبيها ويحمل على انه فعل ذلك اولا فلما تآنست به دخل معهما في الفراش مبالغة منه في التأنيس وزاد في رواية علي بن اعبد فقال ما كان حاجتك امس فسكنت مرتين فقلت انا والله أحدثك يا رسول الله فذكرته له ويجمع بين الروايتين بأنها اولا استحيت فتكلم على عنها فأنشطت للكلام فأكملت القصة واتفق غالب الرواة على انه صلى الله عليه وسلم جاء إليهما ووقع في رواية شبث وهو بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة بن ربعي عن علي عند أبي داود وجعفر في الذكر والسياق له قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي فانطلق علي وفاطمة حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما اتى بكما قال علي شق علينا العمل فقال الا ادلكما وفي لفظ جعفر فقال علي لفاطمة ائت أباك فاسأليه ان يخدمك فأتت اباها حين امست فقال ما جاء بك يا بنية قالت جئت اسلم عليك واستحيت حتى إذا كانت القابلة قال ائت أباك فذكر مثله حتى إذا كانت الليلة الثالثة قال لها علي امشي فخرجا معا الحديث وفيه الا ادلكما على خير لكما من حمر النعم وفي مرسل علي بن الحسين عند جعفر أيضا ان فاطمة أنت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما وبيدها اثر الطحن من قطب الرحى فقال إذا آويت الى فراشك الحديث فيحتمل ان تكون قصة أخرى فقد اخرج أبو داود من طريق أم الحكم أو ضباعة بنت الزبير أي بن عبد المطلب قالت أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيا فذهبت انا واختي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم نشكو اليه ما نحن فيه وسألناه ان يأمر لنا بشيء من السبي فقال سبقكن يتامى بدر فذكر قصة التسبيح اثر كل صلاة ولم يذكر قصة التسبيح عند النوم فلعله علم فاطمة في كل مرة أحد الذكرين وقد وقع في تهذيب الطبري من طريق أبي امامة عن علي في قصة فاطمة من الزيادة فقال اصبري يا(5/87)
فاطمة ان خير النساء التي نفعت أهلها قوله فقال الا ادلكما على ما هو خير لكما من خادم في رواية بدل خير ما سألتماه وفي رواية غندر مما سألتماني وللقطان نحوه وفي رواية السائب الا اخبركما بخير مما سألتماني فقالا بلى فقال كلمات علمنيهن جبريل قوله إذا آويتما الى فراشكما أو اخذتما مضاجعكما هذا شك من سليمان بن حرب وكذا في رواية القطان وجزم بدل وغندر بقوله إذا اخذتما مضاجعكما ولمسلم من رواية معاذ عن شعبة إذا اخذتما مضاجعكما من الليل وجزم في رواية السائب بقوله إذا اويتما الى فراشكما وزاد في رواية تسبحان دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا وهذه الزيادة ثابتة في رواية عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عند أصحاب السنن الأربعة في حديث أوله خصلتنان لا يحصيهما عبد الا دخل الجنة وصححه الترمذي وابن حبان وفيه ذكر ما يقال عند النوم أيضا ويحتمل ان كان حديث السائب عن علي محفوظا ان يكون على ذكر القصتين اللتين أشرت إليهما قريبا معا ثم وجدت الحديث في تهذيب الآثار للطبري فساقه من رواية حماد بن سلمة عن عطاء كما ذكرت ثم ساقه من طريق شعبة عن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا وفاطمة إذا اخذا مضاجعهما بالتسبيح والتحميد والتكبير فساق الحديث فظهر ان الحديث في قصة علي وفاطمة وان من لم يذكرهما من الرواة اختصر الحديث وان رواية السائب انما هي عن عبد الله بن عمرو وان قول من قال فيه عن علي لم يرد الوراية عن علي وانما معناه عن قصة علي وفاطمة كما في نظائره قوله فكبرا أربعا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين كذا هنا بصيغة الأمر والجزم بأربع في التكبير وفي رواية بدل مثله ولفطه فكبرا الله ومثله للقطان لكن قدم التسبيح واخر التكبير ولم يذكر الجلالة وفي رواية عمرو بن مرة عن بن أبي ليلى وفي رواية السائب كلاهما مثله وكذا في رواية هبيرة عن علي وزاد(5/88)
في آخره فتلك مائة باللسان وألف في الميزان وهذه الزيادة ثبتت أيضا في رواية هبيرة وعمارة بن عبد معا عن علي عند الطبراني وفي رواية السائب كما مضى وفي حديث أبي هريرة عند مسلم كالأول لكن قال تسبحين بصيغة المضارع وفي رواية عبيدة بن عمرو فأمرنا عند منامنا بثلاث وثلاثين وثلاث وثلاثين وأربع وثلاثين من تسبيح وتحميد وتكبير وفي رواية غندر للكشميهني مثل الأول وعن غير الكشميهني تكبران بصيغة المضارع وثبوت النون وحذفت في نسخة وهي اما على ان إذا تعمل عمل الشرط واما حذفت تخفيفا وفي رواياة مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في النفقات بلفظ تسبحين الله عند منامك وقال في الجميع ثلاثا وثلاثين ثم قال في اخره قال سفيان رواية إحداهن أربع وفي رواية النسائي عن قتيبة عن سفيان لا أدري أيها أربع وثلاثون وفي رواية الطبري من طريق أبي امامة الباهلي عن علي في الجميع ثلاثا وثلاثين واختماها بلا اله الا الله وله من طريق محمد بن الحنفية عن علي وكبراه وهلللاه أربعا وثلاثين وله من طريق أبي مريم عن علي احمدا أربعا وثلاثين وكذا له في حديث أم سلمة وله من طريق هبيرة ان التهليل أربع وثلاثون ولم يذكر التحميد وقد أخرجه أحمد من طريق هبيرة كالجماعة وما عدا ذلك شاذ وفي رواية عطاء عن مجاهد عند جعفر وأصله عند مسلم اشك أيها أربع وثلاثون غير اني أظنه التكبير وزاد في اخره قال علي فما تركتها بعد فقالوا له ولا ليلة صفين فقال ولا ليلة صفين وفي رواية القاسم مولى معاوية عن علي فقيل لي وفي رواية عمرو بن مرة فقال له رجل وكذا في رواية هبيرة ولمسلم في رواية من طريق مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قلت ولا ليلة صفين وفي رواية جعفر الفريابي في الذكر من هذا الوجه قال عبد الرحمن قلت ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين وكذا أخرجه مطين في مسند على من هذا الوجه وأخرجه أيضا من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق حدثني هبيرة وهانيء بن هانيء وعمارة بن عبد(5/89)
انهم سمعوا عليا يقول فذكر الحديث وفي اخره فقال له رجل قال زهير أراه الأشعث بن قيس ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين وفي رواية السائب فقال له بن الكواء ولا ليلة صفين فقال قاتلكم الله يا أهل العراق نعم ولا ليلة صفين وللبزار من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب فقال له عبد الله بن الكواء والكواء بفتح الكاف وتشديد الواو مع المد وكان من أصحاب علي لكنه كان كثير التعنت في السؤال وقد وقع في رواية زيد بن أبي انيسة عن الحكم بسند حديث الباب فقال بن الكواء ولا ليلة صفين فقال ويحك ما أكثر ما تعنتني لقد ادركتها من السحر وفي رواية علي بن اعبد ما تركتهن منذ سمعتهن الا ليله صفين فإني ذكرتها من اخر الليل فقلتها وفي رواية له وهي عند جعفر أيضا في الذكر الا ليلة صفين فاني انسيتها حتى ذكرتها من اخر الليل وفي رواية شبث بن ربعي مثله وزاد فقلتها والاختلاف فإنه نفى ان يكون قالها أول الليل واثبت انه قالها في اخره واما الاختلاف في تسمية السائل فلا يؤثر لأنه محمول على التعدد بدليل قوله في الرواية الأخرى فقالوا وفي هذا تعقب علي الكرماني حيث فهم من قول علي ولا ليلة صفين انه قالها من الليل فقال مراده انه لم يشتغل مع ما كان فيه من الشغل بالحرب عن قول الذكر المشار اليه فان في قول علي فأنسيتها التصريح بأنه نسيها أول الليل وقالها في اخره والمراد بليلة صفين الحرب التي كانت بين علي ومعاوية بصفين وهي بلد معروف بين العراق والشام واقام الفريقان بها عدة اشهر وكانت بينهم وقعات كثيرة لكن لم يقاتلوا في الليل إلا مرة واحدة وهي ليلة الهرير بوزن عظيم سميت بذلك لكثرة ما كان الفرسان يهرون فيها وقتل بين الفريقين تلك الليلة عدة آلاف وأصبحوا وقد اشرف علي وأصحابه على النصر فرفع معاوية وأصحابه المصاحف فكان ما كان من الاتفاق على التحكيم وانصراف كل منهم الى بلاده واستفدنا من هذه الزيادة ان تحديث علي بذلك كان بعد وقعة صفين بمدة(5/90)
وكانت صفين سنة سبع وثلاثين وخرج الخوارج على علي عقب التحكيم في أول سنة ثمان وثلاثين وقتلهم بالنهروان وكل ذلك مشهور مبسوط في تاريخ الطبري وغيره فائدة زاد أبو هريرة في هذه القصة مع الذكر المأثور دعاء اخر ولفظه عند الطبري في تهذيبه من طريق الأعمش عن أبي صالح عنه جاءت فاطمة الى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فقال الا أدلك على ما هو خير من خادم تسبحين فذكره وزاد وتقولين اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء منزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان أعوذ بك من شر كل ذي شر ومن شر كل دابة أنت اخذ بناصيتها أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الاخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين واغنني من الفقر وقد أخرجه مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه لكن فرقه حديثين وأخرجه الترمذي من طريق الأعمش لكن اقتصر على الذكر الثاني ولم يذكر التسبيح وما معه قوله وعن شعبة عن خالد هو الحذاء عن بن سيرين هو محمد قال التسبيح أربع وثلاثون هذا موقوف على بن سيرين وهو موصول بسند حديث الباب وظن بعضهم انه من رواية بن سيرين بسنده الى علي وانه ليس من كلامه وذلك ان الترمذي والنسائي وابن حبان اخرجوا الحديث المذكور من طريق بن عون عن بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي لكن الذي ظهر لي انه من قول بن سيرين موقوف عليه إذ لم يتعرض المصنف لطريق بن سيرين عن عبيدة وأيضا فإنه ليس في روايته عن عبيدة تعيين عدد التسبيح وقد أخرجه القاضي يوسف في كتاب الذكر عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه بسنده هذا الى بن سيرين من قوله فثبت ما قلته ولله الحمد ووقع في مرسل عروة عند جعفر ان التحميد اربع واتفاق الرواة على ان الأربع للتكبير أرجح قال بن بطال هذا نوع من الذكر عند النوم ويمكن ان يكون صلى الله عليه وسلم كان يقول جميع ذلك عند النوم وأشار لأمته بالاكتفاء ببعضها اعلاما منه ان معناه(5/91)
الحض والندب لا الوجوب وقال عياض جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم اذكار عند النوم مختلفة بحسب الأحوال والاشخاص والاوقات وفي كل فضل قال بن بطال وفي هذا الحديث حجة لمن فضل الفقر على الغنى لقوله الا ادلكما على ما هو خير لكما من خادم فعلمهما الذكر فلو كان الغنى أفضل من الفقر لاعطاهما الخادم وعلمهما الذكر فلما منعهما الخادم وقصرهما على الذكر علم انه انما اختار لهما الأفضل عند الله قلت وهذا انما يتم ان لو كان عنده صلى الله عليه وسلم من الخدام فضلة وقد صرح في الخبر انه كان محتاجا الى بيع ذلك الرقيق لنفقته على أهل الصفة ومن ثم قال عياض لا وجه لمن استدل به على ان الفقير أفضل من الغني وقد اختلف في معنى الخيرية في الخبر فقال عياض ظاهره انه أراد ان يعلمهما ان عمل الآخرة أفضل من أمور الدنيا على كل حال وانما اقتصر على ذلك لما لم يمكنه إعطاء الخادم ثم علمهما إذ فإنهما ما طلباه ذكرا يحصل لهما اجرا أفضل مما سألاه وقال القرطبي انما احالهما على الذكر ليكون عوضا عن الدعاء عند الحاجة أو لكونه احب لابنته ما احب لنفسه من إيثار الفقر وتحمل شدته بالصبر عليه تعظيما لاجرها وقال المهلب علم صلى الله عليه وسلم ابنته من الذكر ما هو أكثر نفعا لها في الآخرة وآثر أهل الصفة لأنهم كانوا وقفوا أنفسهم لسماع العلم وضبط السنة على شبع بطونهم لا يرغبون في كسب مال ولا في عيال ولكنهم اشتروا أنفسهم من الله بالقوت ويؤخذ منه تقديم طلبه العلم على غيرهم في الخمس وفيه ما كان عليه السلف الصالح من شظف العيش وقلة الشيء وشدة الحال وان الله حماهم الدنيا مع إمكان ذلك صيانة لهم من تبعاتها وتلك سنة أكثر الأنبياء والأولياء وقال إسماعيل القاضي في هذا الحديث ان للامام ان يقسم الخمس حيث رأى لان السبي لا يكون الا من الخمس واما الأربعة اخماس فهو حق الغانمين انتهى وهو قول مالك وجماعة وذهب الشافعي وجماعة الى ان لآل البيت سهما من الخمس وقد(5/92)
تقدم بسط ذلك في فرض الخمس في اواخر الجهاد ثم وجدت في تهذيب الطبري من وجه اخر ما لعله يعكر على ذلك فساق من طريق أبي امامه الباهلي عن علي قال أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق اهداهم له بعض ملوك الأعاجم فقلت لفاطمة ائت أباك فاستخدميه فلو صح هذا لازال الاشكال من أصله لأنه حينئذ لا يكون للغانمين فيه شيء وانما هو من مال المصالح يصرفه الامام حيث يراه وقال المهلب فيه حمل الإنسان أهله على ما يحمل عليه نفسه من إيثار الآخرة على الدنيا إذا كانت لهم قدرة على ذلك قال وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وزوجها بغير استئذان وجلوسه بينهما في فراشهما ومباشرة قدميه بعض جسدهما قلت وفي قوله بغير استئذان نظر لأنه ثبت في بعض طرقه انه استأذن كما قدمته من رواية عطاء عن مجاهد في الذكر لجعفر وأصله عند مسلم وهو في العلل للدارقطني أيضا بطوله واخرج الطبري في تهذيبه من طريق أبي مريم سمعت عليا يقول ان فاطمة كانت تدق الدرمك بين حجرين حتى مجلت يداها فذكر الحديث وفيه فأتانا وقد دخلنا فراشنا فلما استأذن علينا تخششنا لنلبس علينا ثيابنا فلما سمع ذلك قال كما أنتما في لحافكما ودفع بعضهم الاستدلال المذكور لعصمته صلى الله عليه وسلم فلا يلحق به غيره ممن ليس بمعصوم وفي الحديث منقبة ظاهرة لعلي وفاطمة عليهما السلام وفيه بيان إظهار غاية التعطف والشفقة على البنت والصهر ونهاية الاتحاد برفع الحشمة والحجاب حيث لم يزعجهما عن مكانهما فتركهما على حالة اضطجاعهما وبالغ حتى ادخل رجله بينهما ومكث بينهما حتى علمها ما هو الأولى بحالها من الذكر عوضا عما طلباه من الخادم فهو من باب تلقي المخاطب بغير ما يطلب ايذانا بأن الاهم من المطلوب هو التزود للمعاد والصبر على مشاق الدنيا والتجافي عن دار الغرور وقال الطيبي فيه دلالة على مكانة أم المؤمنين من النبي صلى الله عليه وسلم حيث خصتها فاطمة بالسفارة بينها وبين أبيها دون سائر الأزواج قلت(5/93)
ويحتمل انها لم ترد التخصيص بل الظاهر انها قصدت اباها في يوم عائشة في بيتها فلما لم تجده ذكرت حاجتها لعائشة ولو اتفق انه كان يوم غيرها من الأزواج لذكرت لها ذلك وقد تقدم ان في بعض طرقه ان أم سلمة ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك أيضا فيحتمل ان فاطمة لما لم تجده في بيت عائشة مرت على بيت أم سلمة فذكرت لها ذلك ويحتمل ان يكون تخصيص هاتين من الأزواج لكون باقيهن كن حزبين كل حزب يتبع واحدة من هاتين كما تقدم صريحا في كتاب الهبة وفيه ان من واظب على هذا الذكر عند النوم لم يصبه اعياء لان فاطمة شكت التعب من العمل فأحالها صلى الله عليه وسلم على ذلك كذا افاده بن تيمية وفيه نظر ولا يتعين رفع التعب بل يحتمل ان يكون من واظب عليه لا يتضرر بكثرة العمل ولا يشق عليه ولو حصل له التعب والله اعلم
الحديث في صحيح مسلم
//حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار (واللفظ لابن المثنى) قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن الحكم. قال: سمعت ابن أبي ليلى. حدثنا علي؛
أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها. وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي. فانطلقت فلم تجده. ولقيت عائشة. فأخبرتها. فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا. وقد أخذنا مضاجعنا. فذهبنا نقوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "على مكانكما" فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري. ثم قال "ألا أعلمكما خيرا مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أن تكبرا الله أربعا وثلاثين. وتسبحاه ثلاثا وثلاثين. وتحمداه ثلاثا وثلاثين. فهو خير لكما من خادم".
// وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا وكيع. ح وحدثنا عبيدالله بن معاذ. حدثنا أبي. ح وحدثنا ابن المثنى. حدثنا ابن أبي عدي. كلهم عن شعبة، بهذا الإسناد. وفي حديث معاذ "أخذتما مضجعكما من الليل".(5/94)
//) وحدثني زهير بن حرب. حدثنا سفيان بن عيينة عن عبيدالله بن أبي يزيد، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن علي بن أبي طالب. ح وحدثنا محمد بن عبدالله بن نمير وعبيد بن يعيش عن عبدالله بن نمير. حدثنا عبدالملك عن عطاء بن أبي رباح، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن علي،
عن النبي صلى الله عليه وسلم. بنحو حديث الحكم عن ابن أبي ليلى. وزاد في الحديث: قال علي: ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم. قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.
وفي حديث عطاء عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، قال: قلت له: ولا ليلة صفين؟
الياقوتة 16
****باب: الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة.
2773 - حدثنا إبراهيم بن موسى: أخبرنا عيسى: حدثنا هشام، عن محمد، عن عبيدة، عن علي رضي الله عنه قال:
لما كان يوم الأحزاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا، شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس )
البخاري كتاب الجهاد باب: الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة
قوله باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة ذكر فيه خمسة أحاديث الأول حديث علي لما كان يوم الأحزاب الحديث
-قوله عن هشام هو الدستوائي وزعم الأصيلي أنه بن حسان ورام بذلك تضعيف الحديث فأخطأ من وجهين وتجاسر الكرماني فقال المناسب أنه هشام بن عروة وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في تفسير سورة البقرة إن شاء الله تعالى وفيه الدعاء عليهم بأن يملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا وليس فيه الدعاء عليهم بالهزيمة لكن يؤخذ ذلك من لفظ الزلزلة لأن في احراق بيوتهم غاية التزلزل لنفوسهم –
-قوله باب {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطىْ} هي تأنيث الأوسط والاوسط الأعدل ممن كل شيء وليس المراد به التوسط بين الشيئين لأن فعلى معناها التفضيل ولا ينبني للتفضيل إلا ما يقبل الزيادة والنقص والوسط بمعنى الخيار والعدل يقبلهما بخلاف المتوسط فلا يقبلهما فلا يبني منه أفعل تفضيل(5/95)
- قوله حدثني عبد الله بن محمد هو الجعفي ويزيد هو بن هارون وهشام هو بن حسان ومحمد هو بن سيرين وعبيدة بفتح العين هو بن عمرو وعبد الرحمن في الطريق الثانية هو بن بشر بن الحكم ويحيى بن سعيد هو القطان قوله حبسونا عن صلاة الوسطى أي منعونا عن صلاة الوسطى أي عن إيقاعها زاد مسلم من طريق شتير بن شكل عن علي شغلونا عن الصلاة الوسطي صلاة العصر وزاد في آخره ثم صلاها بين المغرب والعشاء ولمسلم عن بن مسعود نحو حديث علي وللترمذي والنسائي من طريق زر بن حبيش عن علي مثله ولمسلم أيضا من طريق أبي حسان الأعرج عن عبيدة السلماني عن على فذكر الحديث بلفظ كما حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس يعني العصر وروى أحمد والترمذي من حديث سمرة رفعه قال صلاة الوسطى صلاة العصر وروى بن جرير من حديث أبي هريرة رفعه الصلاة الوسطي صلاة العصر ومن طريق كهيل بن حرملة سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى فقال اختلفنا فيها ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفينا أبو هاشم بن عتبة فقال أنا أعلم لكم فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلينا فقال أخبرنا أنها صلاة العصر ومن طريق عبد العزيز بن مروان أنه أرسل إلى رجل فقال أي شيء سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة الوسطى فقال أرسلني أبو بكر وعمر أسأله وأنا غلام صغير فقال هي العصر ومن حديث أبي مالك الأشعري رفعه الصلاة الوسطى صلاة العصر وروى الترمذي وابن حبان من حديث بن مسعود مثله وروى بن جرير من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال كان في مصحف عائشة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر وروى بن المنذر من طريق مقسم عن بن عباس قال شغل الأحزاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غربت الشمس فقال شغلونا عن الصلاة الوسطى وأخرج أحمد من حديث أم سلمة وأبي أيوب وأبي سعيد وزيد بن ثابت وأبي هريرة وابن عباس من قولهم أنها صلاة العصر وقد(5/96)
اختلف السلف في المراد بالصلاة الوسطى وجمع الدمياطي في ذلك جزءا مشهورا سماه كشف الغطا عن الصلاة الوسطى فبلغ تسعة عشر قولا أحدها الصبح أو الظهر أو العصر أو المغرب أو جميع الصلوات فالأول قول أبي إمامة وأنس وجابر وأبي العالية وعبيد بن عمير وعطاء وعكرمة ومجاهد وغيرهم نقله بن أبي حاتم عنهم وهو أحد قولي بن عمر وابن عباس ونقله مالك والترمذي عنهما ونقله مالك بلاغا عن على والمعروف عنه خلافه وروى بن جرير من طريق عوف الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي قال صليت خلف بن عباس الصبح فقنت فيها ورفع يديه ثم قال هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين وأخرجه أيضا من وجه آخر عنه وعن بن عمرو من طريق أبي العالية صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة في زمن عمر صلاة الغداة فقلت لهم ما الصلاة الوسطى قالوا هي هذه الصلاة وهو قول مالك والشافعي فيما نص عليه في الأم واحتجوا له بأن فيها القنوت وقد قال الله تعالى {وقوموا لله قانتين ْْ}وبأنها لاتقصر في السفر وبانها بين صلاتي جهر وصلاتي سر والثاني قول زيد بن ثابت أخرجه أبو داود من حديثه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم تكن صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فنزلت {حافظوا على الصلوات} الآية وجاء عن أبي سعيد وعائشة القول بأنها الظهر أخرجه بن المنذر وغيره وروى مالك في الموطأ عن زيد بن ثابت الجزم بأنها الظهر وبه قال أبو حنيفة في رواية وروى الطيالسي من طريق زهرة بن معبد قال كنا عند زيد بن ثابت فأرسلوا إلى أسامة فسألوه عن الصلاة الوسطى فقال هي الظهر ورواه أحمد من وجه آخر وزاد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهجير فلا يكون وراءه الا الصف أو الصفان والناس في قائلتهم وفي تجارتهم فنزلت والثالث قول علي بن أبي طالب فقد روى الترمذي والنسائي من طريق زر بن حبيش قال قلنا لعبيدة سل عليا عن الصلاة الوسطى فسأله فقال كنا نرى(5/97)
أنها الصبح حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر انتهى وهذه الرواية تدفع دعوى من زعم أن قوله صلاة العصر مدرج من تفسير بعض الرواة وهي نص في أن كونها العصر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأن شبهة من قال أنها الصبح قوية لكن كونها العصر هو المعتمد وبه قال بن مسعود وأبو هريرة وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة وقول أحمد والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه قال الترمذي هو قول أكثر علماء الصحابة وقال الماوردي هو قول جمهور التابعين وقال بن عبد البر هو قول أكثر أهل الأثر وبه قال من المالكية بن حبيب وابن العربي وابن عطية ويؤيده أيضا ما روى مسلم عن البراء بن عازب نزل {حافظوا على الصلوات وصلاة العصر }فقرأناها ما شاء الله ثم نسخت فنزلت {حافظوا علىالصلوات والصلاة الوسطى} فقال رجل فهي إذن صلاة العصر فقال أخبرتك كيف نزلت والرابع نقله بن أبي حاتم بإسناد حسن عن بن عباس قال صلاة الوسطى هي المغرب وبه قال قبيصة بن ذؤيب أخرجه بن جرير وحجتهم أنها معتدلة في عدد الركعات وأنها لاتقصر في الأسفار وأن العمل مضى على المبادرة إليها والتعجيل لها في أول ما تغرب الشمس وأن قبلها صلاتا سر وبعدها صلاتا جهر والخامس وهو آخر ما صححه بن أبي حاتم أخرجه أيضا بإسناد حسن عن نافع قال سئل بن عمر فقال هي كلهن فحافظوا عليهن وبه قال معاذ بن جبل واحتج له بأن قوله {حافظوا على الصلوات }يتناول الفرائض والنوافل فعطف عليه الوسطى وأريد بها كل الفرائض تأكيدا لها واختار هذا القول بن عبد البر وأما بقية الأقوال فالسادس أنها الجمعة ذكره بن حبيب من المالكية واحتج بما اختصت به من الاجتماع والخطبة وصححه القاضي حسين في صلاة الخوف من تعليقه ورجحه أبو شامة السابع الظهر في الأيام والجمعة في يوم الجمعة الثامن العشاء نقله بن التين والقرطبي واحتج له بأنها بين صلاتين لا تقصران ولأنها تقع(5/98)
عند النوم فلذلك أمر بالمحافظة عليها واختاره الواحدى التاسع الصبح والعشاء للحديث الصحيح في أنهما أثقل الصلاة علىالمنافقين وبه قال الأبهري من المالكية العاشر الصبح والعصر لقوة الأدلة في أن كلا منهما قيل إنه الوسطى فظاهر القرآن الصبح ونص السنة العصر الحادي عشر صلاة الجماعة الثاني عشر الوتر وصنف فيه علم الدين السنخاوى جزءا ورجحه القاضي تقى الدين الاخنائي واحتج له في جزء رأيته بخطه الثالث عشر صلاة الخوف الرابع عشر صلاة عبيد الأضحى الخامس عشر صلاة عيد الفطر السادس عشر صلاة الضحى السابع عشر واحدة من الخمس غير معينة قاله الربيع بن خثيم وسعيد بن جبير وشريح القاضي وهو اختيار إمام الحرمين من الشافعية ذكره في النهاية قال كما أخفيت ليلة القدر الثامن عشر أنها الصبح أو العصر على الترديد وهو غير القول المتقدم الجازم بأن كلا منهما يقال له الصلاة الوسطى التاسع عشر التوقف فقد روى بن جرير بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا وشبك بين أصابعه العشرون صلاة الليل وجدته عندي وذهلت الآن عن معرفة قائله وأقوى شبهة لمن زعم أنها غير العصر مع صحة الحديث حديث البراء الذي ذكرته عند مسلم فإنه يشعر بأنها أبهمت بعدما عينت الترجيح وفي دعوى أنها أبهمت ثم عينت من حديث البراء نظر بل فيه أنها عينت ثم وصفت ولهذا قال الرجل فهي إذن العصر ولم ينكر عليه البراء نعم جواب البراء يشعر بالتوقف لما نظر فيه من الاحتمال وهذا لايدفع التصريح بها في حديث علي ومن حجتهم أيضا ما روى مسلم وأحمد من طريق أبي يونس عن عائشة أنها أمرته أن يكتب لها مصحفا فلما بلغت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى قال فأملت على وصلاة العصر قالت سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى مالك عن عمرو بن رافع قال كنت أكتب مصحفا لحفصة فقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني فأملت على حافظوا على(5/99)
الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وأخرجه بن جرير من وجه آخر حسن عن عمرو بن رافع وروى بن المنذر من طريق عبيد الله بن رافع أمرتني أم سلمة أن اكتب لها مصحفا فذكر مثل حديث عمرو بن رافع سواء ومن طريق سالم بن عبد الله بن عمر أن حفصة أمرت إنسانا أن يكتب لها مصحفا نحوه ومن طريق نافع أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفا فذكر مثله وزادكما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها قال نافع فقرأت ذلك المصحف فوجدت فيه الواو فتمسك قوم بأن العطف يقتضى المغايرة فتكون صلاة العصر غير الوسطى وأجيب بأن حديث على ومن وافقه أصح إسنادا وأصرح وبأن حديث عائشة قد عورض برواية عروة أنه كان في مصحفها وهي العصر فيحتمل أن تكون الواو زائدة ويؤيده ما رواه أبو عبيد بإسناد صحيح عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر بغير واو أو هي عاطفة لكن عطف صفة لا عطف ذات وبأن قوله والصلاة الوسطى والعصر لم يقرأ بها أحد ولعل أصل ذلك ما في حديث البراء أنها نزلت أولا والعصر ثم نزلت ثانيا بدلها والصلاة الوسطى فجمع الراوي بينهما ومع وجود الاحتمال لا ينهض الاستدلال فكيف يكون مقدما على النص الصريح بأنها صلاة العصر قال شيخ شيوخنا الحافظ صلاح الدين العلائي حاصل أدلة من قال أنها غير العصر يرجع إلى ثلاثة أنواع أحدها تنصيص بعض الصحابة وهو معارض بمثله ممن قال منهم أنها العصر ويترجح قول العصر بالنص الصريح المرفوع وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم حجة على غيره فتبقى حجة المرفوع قائمة ثانيها معارضة المرفوع بورود التأكيد على فعل غيرها كالحث على المواظبة على الصبح والعشاء وقد تقدم في كتاب الصلاة وهو معارض بما هو أقوى منه وهو الوعيد الشديد الوارد في ترك صلاة العصر وقد تقدم أيضا ثالثها ما جاء عن عائشة وحفصة من قراءة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر فإن العطف يقتضى المغايرة وهذا يرد عليه(5/100)
إثبات القرآن بخبر الآحاد وهو ممتنع وكونه ينزل منزلة خبر الواحد مختلف فيه سلمنا لكن لا يصلح معارضا للمنصوص صريحا وأيضا فليس العطف صريحا في اقتضاء المغايرة لوروده في نسق الصفات كقوله تعالى{ الأول والآخر والظاهر والباطن }انتهى ملخصا وقد تقدم شرح أحوال يوم الخندق في المغازي وما يتعلق بقضاء الفائتة في المواقيت من كتاب الصلاة قوله ملأ الله قبورهم وبيوتهم أو أجوافهم نارا شك يحيى هو القطان راوي الحديث وأشعر هذا بأنه ساق المتن على لفظه وأما لفظ يزيد بن هارون فأخرجه أحمد عنه بلفظ ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا ولم يشك وهو لفظ روح بن عبادة كما مضى في المغازي وعيسى بن يونس كما مضى في الجهاد ولمسلم مثله عن أبي أسامة عن هشام وكذا له من رواية أبي حسان الأعرج عن عبيدة بن عمرو ومن طريق شتير بن شكل عن علي مثله وله من رواية يحيى بن الجزار عن على قبورهم وبيوتهم أو قال قبورهم وبطونهم ومن حديث بن مسعود ملأ الله أجوافهم أو قبورهم نارا أو حشى الله اجوافهم وقبورهم نارا ولابن حبان من حديث حذيفة ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا أو قلوبهم وهذه الروايات التي وقع فيها الشك مرجوحة بالنسبة إلى التي لا شك فيها وفي هذا الحديث جواز الدعاء على المشركين بمثل ذلك قال بن دقيق العيد تردد الراوي في قوله ملأ الله أو حشى يشعر بأن شرط الرواية بالمعنى أن يتفق المعنى في اللفظين وملأ ليس مرادفا لحشى فإن حشي يقتضى التراكم وكثرة أجزاء المحشو بخلاف ملأ فلا يكون في ذلك متمسك لمن منع الرواية بالمعنى وقد استشكل هذا الحديث بأنه تضمن دعاء صدر من النبي صلى الله عليه وسلم على من يستحقه وهو من مات منهم مشركا ولم يقع أحد الشقين وهو البيوت أما القبور قوقع في حق من مات منهم مشركا لا محالة ويجاب بأن يحمل على سكانها وبه يتبين رجحان الرواية بلفظ قلوبهم أو اجوافهم
-- --- --- - -- - - - - - -- - -- -- - -- - - - -- ... - ... - ... - ...(5/101)
ورواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر
باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر
*) وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار. قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة. قال:
سمعت قتادة يحدث عن أبي حسان، عن عبيدة، عن علي؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب "شغلونا عن صلاة الوسطى حتى آبت الشمس. ملأ الله قبورهم نارا. أو بيوتهم أو بطونهم" (شك شعبة في البيوت والبطون)
.
* وحدثنا محمد بن المثنى. حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد، عن قتادة، بهذا الإسناد. وقال:
بيوتهم وقبورهم (ولم يشك).
* وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب. قالا: حدثنا وكيع عن شعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن علي. ح وحدثناه عبيدالله بن معاذ (واللفظ له) قال: حدثنا أبي. حدثنا شعبة عن الحكم، عن يحيى، سمع عليا يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب، وهو قاعد على فرضة من فرض الخندق "شغلونا عن الصلاة الوسطى. حتى غربت الشمس. ملأ الله قبورهم وبيوتهم (أو قال قبورهم وبطونهم) نارا".
* وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب. قالوا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن مسلم ابن صبيح، عن شتير بن شكل، عن علي؛ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر. ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا". ثم صلاها بين العشاءين، بين المغرب والعشاء.
206 - (628) وحدثنا عون بن سلام الكوفي. أخبرنا محمد بن طلحة اليامي عن زبيد، عن مرة، عن عبدالله؛ قال:
حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر. حتى احمرت الشمس أو اصفرت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر. ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا" أو قال "حشا الله أجوافهم وقبورهم نارا".
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله(5/102)
باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر
*وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّىَ: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحدّثُ عَنْ أَبِي حَسّانَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ الأَحْزَابِ: "شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَىَ حَتّى آبَتِ الشّمْسُ. مَلأَ الله قُبُورَهُمْ نَاراً. أَوْ بُيُوتَهُمْ أَوْ بُطُونَهُمْ" (شَكّ شُعْبَةُ فِي الْبُيُوتِ وَالْبُطُونِ).
*وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ: بُيُوتُهُمْ وَقُبُورَهُمْ (وَلَمْ يَشُكّ).
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ الْجَزّارِ، عَنْ عَلِيَ. ح وَحَدّثَنَاهُ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) قَالَ: حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَىَ، سَمِعَ عَلِيَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ الأَحْزَابِ، وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فُرْضَةٍ مِنْ فُرَضِ الْخَنْدَقِ: "شَغَلُونَا عَنِ الصّلاَةِ الْوُسَطَىَ، حَتى غَرَبَتِ الشّمْسُ. مَلأَ الله قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ (أَوْ قَالَ قُبُورَهُمْ وَبُطُونَهُمْ) نَاراً".(5/103)
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالُوا حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ عَنِ عَلِيَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ الأَحْزَابِ "شَغَلُونَا عَنِ الصّلاَةَ الْوُسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ. مَلأَ اللّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً". ثُمّ صَلاّهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
*وحدّثنا عَوْنُ بْنُ سَلاّمٍ الْكُوفِيّ. أَخْبَرَنَا مُحمّدُ بْنُ طَلْحَةَ الْيَامِيّ عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرّةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ. حَتّى احْمَرّتِ الشّمْسُ أَوِ اصْفَرّتْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "شَغَلُونَا عَنِ الصّلاَةِ الْوُسْطَىَ صَلاَةِ الْعَصْرِ، مَلأَ الله أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً" أَوْ قَالَ: "حَشَا الله أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً".
*وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِي. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَىَ عَائِشَةَ، أَنّهُ قَالَ: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفاً. وَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الاَيَةَ فَآذِنّي: {حَافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَىَ} (البقرة الاَية: 8) فَلَمّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا. فَأَمْلَتْ عَلَيّ قَوْلَهُ تَعَالَىَ: حَافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَىَ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، وَقُومُوا لله قَانِتِينَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.(5/104)
*حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَىَ بْنُ آدَمَ. حَدّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: حَافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ. فَقَرَأْنَاهَا مَا شَاءَ الله. ثُمّ نَسَخَهَا الله. فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَىَ}. فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ جَالِساً عِنْدَ شَقِيقٍ لَهُ: هِيَ إِذَنْ صَلاَةُ الْعَصْرِ. فَقَالَ الْبَرَاءُ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ كَيْفَ نَزَلَتْ وَكَيْفَ نَسَخَهَا الله. وَالله أَعْلَمُ.
قَالَ مُسْلِمٌ: وَرَوَاهُ الأَشْجَعِيّ عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. قَالَ: قَرَأْنَاهَا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم زَمَاناً. بِمِثْلِ حَدِيثِ فُضَيْلٍ بْنِ مَرْزُوقٍ.
*وحدّثني أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى عَنْ مُعَاذِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ أَبُو غَسّانَ: حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنِ هِشَامٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ يَحْيَىَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ، يَوْمَ الْخَنْدَقِ، جَعَلَ يَسُبّ كُفّارَ قُرَيْشٍ. وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ وَالله مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلّيَ الْعَصْرَ حَتّى كَادَتْ أَنْ تَغْرُبَ الشّمْسُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَوَالله إِنْ صَلّيْتُهَا" فَنَزَلْنَا إِلَى بُطْحَانَ. فَتَوَضّأَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَتَوَضّأْنَا. فَصَلّى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشّمْسُ. ثُمّ صَلّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ.(5/105)
قوله صلى الله عليه وسلم: "شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس".
وفي رواية: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر". وفي رواية ابن مسعود رضي الله عنه: "شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر" اختلف العلماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم في الصلاة الوسطى المذكورة في القرآن، فقال جماعة هي العصر ممن نقل هذا عنه علي بن أبي طالب وابن مسعود وأبو أيوب وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعبيدة السلماني والحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل وأبو حنيفة وأحمد وداود وابن المنذر وغيرهم رضي الله عنهم. قال الترمذي: هو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم رضي الله عنهم. وقال الماوردي من أصحابنا: هذا مذهب الشافعي رحمه الله لصحة الأحاديث فيه قال: وإنما نص على أنها الصبح لأنه لم يبلغه الأحاديث الصحيحة في العصر ومذهبه اتباع الحديث. وقالت طائفة: هي الصبح ممن نقل هذا عنه عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وابن عباس وابن عمر وجابر وعطاء وعكرمة ومجاهد والربيع بن أنس ومالك بن أنس الشافعي وجمهور أصحابه وغيرهم رضي الله عنهم. وقال طائفة هي الظهر نقلوه عن زيد بن ثابت وأسامة بن زيد وأبي سعيد الخدري وعائشة وعبد الله بن شداد، ورواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال قبيصة بن ذؤيب: هي المغرب، وقال غيره هي العشاء، وقيل إحدى الخمس مبهمة، وقيل الوسطى جميع الخمس حكاه القاضي عياض، وقيل هي الجمعة، والصحيح من هذه الأقوال قولان: العصر والصبح وأصحهما العصر للأحاديث الصحيحة، ومن قال هي الصبح يتأول الأحاديث على أن العصر تسمى وسطاً ويقول إنها غير الوسطى المذكورة في القرآن وهذا تأويل ضعيف، ومن قال أنها الصبح يحتج بأنها تأتي في وقت مشقة بسبب برد الشتاء وطيب النوم في الصيف والنعاس وفتور الأعضاء وغفلة الناس فخصت بالمحافظة لكونها معرضة للضياع بخلاف غيرها، ومن قال هي العصر يقول إنها تأتي في وقت اشتغال(5/106)
الناس بمعايشهم وأعمالهم، وأما من قال هي الجمعة فمذهب ضعيف جداً، لأن المفهوم من الإيصاء بالمحافظة عليها إنما كان لأنها معرضة للضياع وهذا لا يليق بالجمعة، فإن الناس يحافظون عليها في العادة أكثر من غيرها لأنها تأتي في الأسبوع مرة بخلاف غيرها، ومن قال هي جميع الخمس فضعيف أو غلط لأن العرب لا تذكر الشيء مفصلاً ثم تجمله وإنما تذكره مجملاً ثم تفصله أو تفصل بعضه تنبيهاً على فضيلته والله أعلم. قوله: (عن عبيدة عن علي) هو بفتح العين وكسر الباء وهو عبيدة السلماني والله أعلم. قوله: "يوم الأحزاب" هي الغزوة المشهورة يقال لها الأحزاب والخندق وكانت سنة أربع من الهجرة وقيل سنة خمس. قوله صلى الله عليه وسلم: "شغلونا عن صلاة الوسطى حتى آبت الشمس" هكذا هو في النسخ وأصول السماع صلاة الوسطى وهو من باب قول الله تعالى: {وما كنت بجانب الغربي}. وفيه المذهبان المعروفان. مذهب الكوفيين جواز إضافة الموصوف إلى صفته، ومذهب البصريين منعه ويقدرون فيه محذوفاً وتقديره هنا عن صلاة العصر الوسطى أي عن فعل الصلاة الوسطى. وقوله صلى الله عليه وسلم: "حتى آبت الشمس" قال الحربي: معناه رجعت إلى مكانها بالليل أي غربت، من قولهم آب إذا رجع، وقال غيره معناه سارت للغروب والتأويب سير النهار. قوله: (يحيى بن الجزار) هو بالجيم والزاي وآخره راء، وفي الطريق الأول يحيى بن الجزار عن علي، وفي الثاني عن يحيى سمع علياً أعاده مسلم للاختلاف في عن وسمع قوله: (فرضة من فرض الخندق) الفرضة بضم الفاء وإسكان الراء وبالضاد المعجمة وهي المدخل من مداخله والمنفذ إليه. قوله: (عن مسلم بن صبيح) بضم الصاد وهو أبو الضحى. قوله: (عن شتير بن شكل) شتير بضم الشين وشكل بفتح الشين والكاف ويقال بإسكان الكاف أيضاً. قوله: "ثم صلاها بين العشاءين بين المغرب والعشاء" فيه بيان صحة إطلاق لفظ العشاءين على المغرب والعشاء وقد أنكره بعضهم لأن المغرب لا يسمى عشاء وهذا غلط،(5/107)
لأن التثنية هنا للتغليب كالأبوين والقمرين والعمرين ونظائرها، وأما تأخير النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر حتى غربت الشمس فكان قبل نزول صلاة الخوف، قال العلماء: يحتمل أنه أخرها نسياناً لا عمداً وكان السبب في النسيان الاشتغال بأمر العدو، ويحتمل أنه أخرها عمداً للاشتغال بالعدو، وكان هذا عذراً في تأخير الصلاة قبل نزول صلاة الخوف، وأما اليوم فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها بسبب العدو والقتال، بل يصلي صلاة الخوف على حسب الحال، ولها أنواع معروفة في كتب الفقه وسنشير إلى مقاصدها في بابها من هذا الشرح إن شاء الله تعالى. واعلم أنه وقع في هذا الحديث هنا وفي البخاري أن الصلاة الفائتة كانت صلاة العصر وظاهره أنه لم يفت غيرها، وفي الموطأ أنها الظهر والعصر، وفي غيره أنه أخر أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى ذهب هوى من الليل، وطريق الجمع بين هذه الرواية أن وقعة الخندق بقيت أياماً فكان هذا في بعض الأيام وهذا في بعضها.
قوله في حديث عائشة: "فأملت علي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر" هكذا هو في الروايات وصلاة العصر بالواو، واستدل به بعض أصحابنا على أن الوسطى ليست العصر لأن العطف يقتضي المغايرة لكن مذهبنا أن القراءة الشاذة لا يحتج بها، ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر بالإجماع، وإذا لم يثبت قرآناً لا يثبت خبراً، والمسألة مقررة في أصول الفقه، وفيها خلاف بيننا وبين أبي حنيفة رحمه الله تعالى.(5/108)
قوله: "أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت أن تغرب الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فوالله إن صليتها" معناه ما صليتها، وإنما حلف النبي صلى الله عليه وسلم تطييباً لقلب عمر رضي الله عنه، فإنه شق عليه تأخير العصر إلى قريب من المغرب فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصلها بعد ليكون لعمر به أسوة ولا يشق عليه ما جرى وتطيب نفسه، وأكد ذلك الخبر باليمين، وفيه دليل على جواز اليمين من غير استحلاف وهي مستحبة إذا كان فيه مصلحة من توكيد الأمر أو زيادة طمأنينة أو نفي توهم نسيان أو غير ذلك من المقاصد السائغة وقد كثرت في الأحاديث، وهكذا القسم من الله تعالى كقوله تعالى: والذاريات والطور والمرسلات والسماء والطارق والشمس وضحاها والليل إذا يغشى والضحى والتين والعاديات والعصر ونظائرها، كل ذلك لتفخيم المقسم عليه وتوكيده والله أعلم. قوله: (فنزلنا إلى بطحان) هو بضم الباء الموحدة وإسكان الطاء وبالحاء المهملتين، هكذا هو عند جميع المحدثين في رواياتهم وفي ضبطهم وتقييدهم، وقال أهل اللغة: هو بفتح الباء وكسر الطاء ولم يجيزوا غير هذا، وكذا نقله صاحب البارع وأبو عبيد البكري، وهو واد بالمدينة. قوله: "فنزلنا إلى بطحان فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأنا فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب" هذا ظاهره أنه صلاهما في جماعة، فيكون فيه دليل لجواز صلاة الفريضة الفائتة جماعة، وبه قال العلماء كافة إلا ما حكاه القاضي عياض عن الليث بن سعد أنه منع ذلك، وهذا إن صح عن الليث مردود بهذا الحديث، والأحاديث الصحيحة الصريحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بأصحابه جماعة حين ناموا عنها كما ذكره مسلم بعد هذا بقليل، وفي هذا الحديث دليل على أن من فاتته صلاة وذكرها في وقت أخرى ينبغي له أن يبدأ بقضاء الفائتة ثم يصلي الحاضرة وهذا(5/109)
مجمع عليه، لكنه عند الشافعي وطائفة على الاستحباب، فلو صلى الحاضرة ثم الفائتة جاز، وعند مالك وأبي حنيفة وآخرين على الإيجاب فلو قدم الحاضرة لم يصح، وقد يحتج به من يقول أن وقت المغرب متسع إلى غروب الشفق لأنه قدم العصر عليها، ولو كان ضيقاً لبدأ بالمغرب لئلا يفوت وقتها أيضاً، ولكن لا دلالة فيه لهذا القائل لأن هذا كان بعد غروب الشمس بزمن حيث خرج وقت المغرب عند من يقول أنه ضيق فلا يكون في هذا الحديث دلالة لهذا، وإن كان المختار أن وقت المغرب يمتد إلى غروب الشفق كما سبق إيضاحه بدلائله والجواب عن معارضها(5/110)
5 طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ
رضي الله عنه
نِسْبَةُ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
*حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عَبْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَرْقِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بن هِشَامٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بن الْمُثَنَّى ، قَالَ
طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُثْمَانَ بن عَامِرِ بن كَعْبِ بن سَعْدِ بن تَيْمِ بن مُرَّةَ بن كَعْبِ بن لُؤَيِّ بن غَالِبِ بن فِهْرِ بن مَالِكٍ ، وَأُمُّهُ : الصَّعْبَةُ بنتُ الْحَضْرَمِيِّ ، وَإِنَّمَا قِيلَ : الْحَضْرَمِيُّ ؛ لأَنَّهُ كَانَ بِبِلادِ حَضْرَمَوْتَ ، قَتَلَ بِهَا عَمْرَو بن نَاهِضٍ الْحِمْيَرِيُّ ، ثُمَّ هَرَبَ إِلَى مَكَّةَ فَحَالَفَ حَرْبَ بن أُمَيَّةَ ، وَاسْمُ الْحَضْرَمِيِّ : عَبْدُ اللَّهِ بن عَمَّارِ بن رَبِيعَةَ بن أَكْبَرَ بن عَوْفِ بن مَالِكِ بن عُوَيْفِ بن خَزْرَجِ بن إِيَادِ بن الصَّدَفِ بن حَضْرَمَوْتَ بن قَحْطَانَ بن كِنْدَةَ ، الصَّعْبَةُ أُخْتُ الْعَلاءِ بن الْحَضْرَمِيِّ ، وَأُمُّهَا : عَاتِكَةُ بنتُ وَهْبِ بن عَبْدِ بن قُصَيِّ بن كِلابِ بن مُرَّةَ بن كَعْبٍ.
*- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بن أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن شَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن يَحْيَى الشَّجَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ خَازِمِ بن حُسَيْنٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن أَبِي بَكْرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : أَسْلَمَتْ أُمُّ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ .(6/1)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَمْرِو بن خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، قَالَ طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُثْمَانَ بن عَمْرِو بن كَعْبِ بن سَعْدِ بن تَيْمِ بن مُرَّةَ ، كَانَ بِالشَّامِ فَقَدِمَ ، وَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَهْمِهِ ، فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ ، قَالَ : وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَأَجْرُكَ يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ.
* حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ ، قَالَ : طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
صِفَةُ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنُهُ
* حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بن بَكَّارٍ ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن عِمْرَانَ ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بن يَحْيَى بن طَلْحَةَ ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بن طَلْحَةَ ، قَالَ : كَانَ طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبْيَضَ يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ ، مَرْبُوعًا هُوَ إِلَى الْقِصَرِ أَقْرَبُ رَحْبَ الصَّدْرِ ، عَرِيضَ الْمَنْكِبَيْنِ ، إِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ
.
* قَالَ الزُّبَيْرُ وَحَدَّثَنِي يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ بن الْمُنْذِرِ ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ ، قَالَ : كَانَ طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ آدَمَ كَثِيرَ الشَّعْرِ لَيْسَ بِالْجَعْدِ ، وَلا السَّبْطِ ، حَسَنَ الْوَجْهِ ، دَقِيقَ الْعِرْنِينِ ، إِذَا مَشَى أَسْرَعَ ، كَانَ لا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ ، قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ فِي جُمَادَى سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ .(6/2)
* حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بن أَبِي حَازِمٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ شَلاءَ وَقَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ .
* حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بن عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عِيسَى بن سُمَيْعٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : كَانَتْ إِصْبَعُ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ شَلاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
مِنْ فَضَائِلِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ قَبِيصَةَ بن جَابِرٍ ، قَالَ : مَا رَأَيْتُ رَجُلا قَطُّ أَعْطَى لِجَزِيلٍ مِنَ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ ، قَالَ سُفْيَانُ : وَكَانَ أَهْلُهُ يَقُولُونَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ الْفَيَّاضَ .(6/3)
* حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ ، عَنْ طَلْحَةَ بن يَحْيَى ، عَنْ جَدَّتِهِ وَهِي امْرَأَتُهُ سُعْدَى ، قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ يَوْمًا طَلْحَةُ ، فَرَأَيْتُ مِنْهُ ثِقَلا ، فَقُلْتُ : مَا لَكَ ، لَعَلَّ رَابَكَ مِنَّا شَيْءٌ فَنُعْتِبَكَ ؟ ، قَالَ : لا ، وَلَنِعْمَ حَلِيلَةِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أَنْتِ ، وَلَكِنِ اجْتَمَعَ عِنْدِي مَالٌ وَلا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ ، قَالَتْ : وَمَا يَغُمُّكَ مِنْهُ ؟ أُدْعُ قَوْمَكَ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : يَا غُلامُ ، عَلَيَّ قَوْمِي ، فَسَأَلْتُ الْخَازِنَ : كَمْ قَسَمَ ؟ قَالَ : أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفٍ.
* حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرِو بن دِينَارٍ ، قَالَ : كَانَتِ غَلَّةُ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفًا وَافِيًا .
* حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عُثْمَانَ بن صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن أَيُّوبَ بن سُلَيْمَانَ بن عِيسَى بن مُوسَى بن طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدِّي ، عَنْ مُوسَى بن طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِيهِ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، قَالَ : سَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ : طَلْحَةَ الْخَيْرِ ، وَفِي غَزْوَةِ ذِي الْعَشِيرَةِ : طَلْحَةَ الْفَيَّاضَ ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ : طَلْحَةَ الْجُودِ ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بِالسِّينِ وَالشِّينِ جَمِيعًا ، فَبِالسِّينِ مِنَ الْعُسْرَةِ ، وَبِالشِّينِ مَوْضِعٌ.(6/4)
* حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ بن سَعْدٍ الْعَطَّارُ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ إِسْحَاقَ بن يَحْيَى بن طَلْحَةَ ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بن طَلْحَةَ ، أَنَّ طَلْحَةَ ، نَحَرَ جَزُورًا ، وَحَفَرَ بِئْرًا يَوْمَ ذِي قَرَدَ فَأَطْعَمَهُمْ وَسَقَاهُمْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا طَلْحَةُ الْفَيَّاضُ ، فَسُمِّي طَلْحَةَ الْفَيَّاضَ.
سِنُّ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ وَوَفَاتُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بن بَكَّارٍ ، قَالَ : وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بن يَحْيَى بن طَلْحَةَ ، عَنْ عَمِّهِ عِيسَى بن طَلْحَةَ ، قَالَ : كَانَ طَلْحَةُ يَوْمَ قُتِلَ ابْنَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ : وَقُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ فِي جُمَادَى سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ .
* قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن إِسْمَاعِيلَ بن إِبْرَاهِيمَ بن مُحَمَّدِ بن طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بن زَيْدِ بن الْمُهَاجِرِ بن قُنْفُذٍ التَّيْمِيِّ ، قَالَ : قُتِلَ طَلْحَةُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ ، وَدُفِنَ بِالْبَصْرَةِ فِي نَاحِيَةِ ثَقِيفٍ .
* حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ ، قَالَ : قُتِلَ طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَوْمَ الْجَمَلِ فِي جُمَادَى سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ ، وَسِنُّهُ اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ سَنَةً ، أَوْ أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً ، وَالزُّبَيْرُ أَسَنُّ مِنْهُ ، وَيُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ .(6/5)
* حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن يَحْيَى بن حَيَّانَ بن خَالِدٍ الرَّقِّيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بن أَبِي حَازِمٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ حِينَ رُمِيَ طَلْحَةُ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ ، فَوَقَعَ فِي عَيْنِ رُكْبَتِهِ ، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ إِلَى أَنْ مَاتَ .
* حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن يَحْيَى بن حَيَّانَ الرَّقِّيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن إِدْرِيسَ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بن مُصَرِّفٍ ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، انْتَهَى إِلَى طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَدْ مَاتَ ، فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَأَجْلَسَهُ ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ ، وَهُوَ يَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ ، وَيَقُولُ : لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ بِعِشْرِينَ سَنَةً.
* حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الْمُبَارَكِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ قَيْسِ بن عَبَّادٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْجَمَلِ ، يَقُولُ لابْنِهِ حَسَنٍ : يَا حَسَنُ ، وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مِتُّ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً.(6/6)
+ حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عُثْمَانَ بن صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن أَيُّوبَ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ جَدِّي ، عَنْ مُوسَى بن طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ جَعَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ظَهْرِي حَتَّى اسْتَقَلَّ ، وَصَارَ عَلَى الصَّخْرَةِ ، وَاسْتَتَرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَقَالَ : هَكَذَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى وَرَاءِ ظَهْرِي : هَذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ لا يَرَاكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي هَوْلٍ إِلا أَنْقَذَكَ مِنْهُ.
+ حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عُثْمَانَ بن صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن أَيُّوبَ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدِّي ، عَنْ مُوسَى بن طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَآنِي ، قَالَ : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ.
+ حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عُثْمَانَ بن صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن أَيُّوبَ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدِّي ، عَنْ مُوسَى بن طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَآنِي ، قَالَ : سَلَفِي فِي الدُّنْيَا وَسَلَفِي فِي الآخِرَةِ.(6/7)
+ حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عُثْمَانَ بن صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن أَيُّوبَ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدِّي ، عَنْ مُوسَى بن طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُحُدٍ صَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ : {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب : 23 ] كُلَّهَا ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ هَؤُلاءِ ؟ فَأَقْبَلْتُ وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ ، فَقَالَ : أَيُّهَا السَّائِلُ ، هَذَا مِنْهُمْ.
-------------------------------- ... ---- ... -----معجم الطبراني الكبير------
وفي صفة الصفوة لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
أبو محمد طلحة بن عبيد الله
ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة كعب بن لؤي أمه الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء أسلمت وأسلم طلحة قديما و بعثة رسول الله مع سعيد بن زيد قبل خروجه إلى بدر يتجسسان خبر العير فمرت بهما فبلغ رسول الله. صلى الله عليه وسلم الخبر فخرج ورجعا يردان المدينة ولم يعلما بخروج النبي. صلى الله عليه وسلم فقدما في اليوم الذي لاقى فيه رسول الله. صلى الله عليه وسلم المشركين فخرجا يعترضان رسول الله فلقياه منصرفا من بدر فضرب لهما بسهامهما واجرهما فكانا كمن شهدها.
-وشهد طلحة أحدا وثبت يومئذ مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم ووقاه بيده فشلت إصبعاه وجرح يومئذ أربعا وعشرين جراحه ويقال كانت فيه خمس وسبعون بين طعنة وضربة ورمية وسماه رسول الله. صلى الله عليه وسلم يوم أحد طلحة الخير ويوم غزوة ذات العشيرة طلحة الفياض ويوم حنين طلحة الجود.
ذكر صفته رضي الله عنه.
كان آدم كثير الشعر ليس بالجعد القطط ولا بالبسط حسن الوجه دقيق العرنين لا يغير شعره رضي الله عنه.(6/8)
ذكر أولاده رضي الله عنه.
كان له من الولد محمد وهو السجاد قتل معه يوم الجمل وعمران أمهما حمنة بنت جحش وموسى أمه خولة بنت القعقاع ويعقوب قتل يوم الحرة وإسماعيل وإسحاق أمهم أم أبان بنت عتبة بن ربيعة وزكريا ويوسف وعائشة أمهم أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وعيسى ويحيى أمهما سعدى بنت عوم وأم إسحاق تزوجها الحسن بن علي والصعبة أمهما أم ولد ومريم أمها أم ولد وصالح أمه الفريعة.
ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه.
*عن عبد الله بن الزبير قال سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ يعني يوم أحد أوجب طلحة حين صنع برسول الله. صلى الله عليه وسلم ما صنع يعني حين برك له طلحة فصعد رسول الله. صلى الله عليه وسلم على ظهره رواه الإمام أحمد.
*وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد قال ذاك كله يوم طلحة.
قال أبو بكر كنت أول من جاء يوم أحد فقال لي رسول الله. صلى الله عليه وسلم ولأبى عبيدة بن الجراح عليكما يريد طلحة وقد نزف فأصلحنا من شان النبي. صلى الله عليه وسلم ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفار فأذابه بضع وسبعون أو اقل أو أكثر بين طعنة وضربة ورمية وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شانه.
* وعن قيس قال رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي. صلى الله عليه وسلم يوم أحد انفرد بإخراجه البخاري.
*وعن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة بن عبيد الله قال لما رجع رسول الله. صلى الله عليه وسلم من أحد صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قرا هذه الآية{ رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه }سورة الأحزاب آية 23 فقام إليه رجل فقال يا رسول الله من هؤلاء فأقبلت وعلي ثويان أخضران فقال أيها السائل هذا منهم.
*وعن سعدى بنت عوف قالت دخل علي طلحة ورأيته مغموما فقلت ما شأنك فقال المال الذي عندي قد كثر وقد كربني فقلت وما عليك اقسمه فقسمه حتى ما بقي منه درهم.(6/9)
-قال طلحة بن يحيى فسالت خازن طلحة كم كان المال فقال أربعمائة ألف.
*وعن الحسن قال باع طلحة أرضا له بسبعمائة ألف فبات ذلك المال عنده ليلة فبات أرقا من مخافة ذلك المال فلما اصبح فرقه كله رواه الإمام أحمد.
*وعنه أن طلحة بن عبيد الله باع أرضا له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فلما جاء بها قال أن رجلا تبيت هذه عنده في بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله لغرير بالله فبات ورسله تختلف بها في سكك المدينة حتى اسحر وما عنده منها درهم.
وعن سعدى بنت عوف امرأة طلحة بن عبيد الله قالت لقد تصدق طلحة يوما بمائة ألف ثم حبسه عن الرواح إلى المسجد أن جمعت له بين طرفي ثوبه.
ذكر وفاته رضي الله عنه
قتل يوم الجمل وكان يوم الخميس لعشرة خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين ويقال سهما غربا أتاه فوقع في حلقه فقال بسم الله وكان أمر الله قدرا مقدورا.
ويقال أن مروان بن الحكم قتله ودفن بالبصرة وهو ابن ستين ويقال اثنتين وستين ويقال أربع وستين.
الياقوتة 17
باب: الزكاة من الإسلام.
وقوله عز وجل: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} البينة: 5.
- حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك بن أنس، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول:(6/10)
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد، ثائر الرأس، يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات في اليوم والليلة) فقال: هل علي غيرها؟ قال: (لا إلا أن تطوع). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وصيام رمضان). قال هل علي غيره؟ قال: (لا إلا أن تطوع). قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، قال: هل علي غيرها؟ قال: (لا إلا أن تطوع). قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أفلح إن صدق)
... ... ... أخرجه البخاري في كتاب الايمان باب الزكاة من الإسلام.
... ... ... ورواه مسلم في كتاب الايمان باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الاسلام
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله-(6/11)
**قوله باب الزكاة من الإسلام {وما أمروا} كذا لأبي ذر ولغيره قول الله {وما أمروا }ويأتي فيه ما مضى في باب الصلاة من الإيمان والآية دالة على ما ترجم له لأن المراد بقوله{ دين القيمة }دين الإسلام والقيمة المستقيمة وقد جاء قام بمعنى استقام في قوله تعالى {أمة قائمة} أي مستقيمة وإنما خص الزكاة بالترجمة لأن باقي ما ذكر في الآية والحديث قد أفرده بتراجم أخرى ورجال إسناد هذا الحديث كلهم مدنيون ومالك والد أبي سهيل هو بن أبي عامر الأصبحي حليف طلحة بن عبيد الله وإسماعيل هو بن أبي أويس بن أخت الإمام مالك فهو من رواية إسماعيل عن خاله عن عمه عن أبيه عن حليفه فهو مسلسل بالاقارب كما هو مسلسل بالبلد قوله جاء رجل زاد أبو ذر من أهل نجد وكذا هو في الموطأ ومسلم قوله ثائر الرأس هو مرفوع على الصفة ويجوز نصبه على الحال والمراد أن شعره متفرق من ترك الرفاهية ففيه إشارة إلى قرب عهده بالوفادة وأوقع أسم الرأس على الشعر إما مبالغة أو لأن الشعر منه ينبت قوله يسمع بضم الياء على البناء للمفعول أو بالنون المفتوحه للجمع وكذا في يفقه قوله دوى بفتح الدال وكسر الواو وتشديد الياء كذا في روايتنا وقال القاضي عياض جاء عندنا في البخاري بضم الدال قال والصواب الفتح وقال الخطابي الدوى صوت مرتفع متكرر ولا يفهم وإنما كان كذلك لأنه نادى من بعد وهذا الرجل جزم بن بطال وآخرون بأنه ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر والحامل لهم على ذلك إيراد مسلم لقصته عقب حديث طلحة ولأن في كل منهما أنه بدوي وأن كلا منهما قال في آخر حديثه لا أزيد على هذا ولا انقص لكن تعقبه القرطبي بأن سياقهما مختلف واسئلتهما متباينة قال ودعوى أنهما قصة واحدة دعوى فرط وتكلف شطط من غير ضرورة والله أعلم وقواه بعضهم بأن بن سعد وابن عبد البر وجماعة لم يذكروا لضمام الا الأول وهذا غير لازم قوله فإذا هو يسأل عن الإسلام أي عن شرائع الإسلام ويحتمل أنه سأل عن حقيقة الإسلام(6/12)
وإنما لم يذكر له الشهادة لأنه علم أنه يعلمها أو علم أنه إنما يسأل عن الشرائع الفعلية أو ذكرها ولم ينقلها الراوي لشهرتها وإنما لم يذكر الحج إما لأنه لم يكن فرض بعد أو الراوي اختصره ويؤيد هذا الثاني ما أخرجه المصنف في الصيام من طريق إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل في هذا الحديث قال فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فدخل فيه باقي المفروضات بل والمندوبات قوله خمس صلوات في رواية إسماعيل بن جعفر المذكورة أنه قال في سؤاله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة فقال الصلوات الخمس فتبين بهذا مطابقة الجواب للسؤال ويستفاد من سياق مالك أنه لا يجب شيء من الصلوات في كل يوم وليلة غير الخمس خلافا لمن أوجب الوتر أو ركعتي الفجر أو صلاة الضحى أو صلاة العيد أو الركعتين بعد المغرب قوله هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع تطوع بتشديد الطاء والواو وأصله تتطوع بتاءين فأدغمت إحداهما ويجوز تخفيف الطاء على حذف إحداهما واستدل بهذا على أن الشروع في التطوع يوجب إتمامه تمسكا بأن الاستثناء فيه متصل قال القرطبي لأنه نفى وجوب شيء آخر إلا ما تطوع به والاستثناء من النفي إثبات ولا قائل بوجوب التطوع فيتعين أن يكون المراد إلا أن تشرع في تطوع فيلزمك إتمامه وتعقبه الطيبي بأن ما تمسك به مغالطة أن الاستثناء هنا من غير الجنس لأن التطوع لا يقال فيه عليك فكأنه قال لا يجب عليك شيء إلا إن أردت أن تطوع فذلك لك وقد علم أن التطوع ليس بواجب فلا يجب شيء آخر أصلا كذا قال وحرف المسألة دائر على الاستثناء فمن قال إنه متصل تمسك بالأصل ومن قال أنه منقطع أحتاج إلى دليل والدليل عليه ما روى النسائي وغيره إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانا ينوي صوم التطوع ثم يفطر وفي البخاري أنه أمر جويرية بنت الحارث أن تفطر يوم الجمعة بعد أن شرعت فيه فدل على أن الشروع في العبادة لا يستلزم الإتمام إذا كانت نافلة بهذا النص في الصوم وبالقياس في(6/13)
الباقي فإن قيل يرد الحج قلنا لا لأنه امتاز عن غيره بلزوم المضى في فاسده فكيف في صحيحه وكذلك امتاز بلزوم الكفارة في نفله كفرضه والله أعلم على أن في استدلال الحنفية نظرا لأنهم لا يقولون بفرضية الاتمام بل بوجوبه واستثناء الواجب من الفرض منقطع لتباينهما وأيضا فإن الاستثناء من النفي عندهم ليس للإثبات بل مسكوت عنه وقوله إلا أن تطوع استثناء من قوله لا أي لا فرض عليك غيرها قوله وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في رواية إسماعيل بن جعفر قال أخبرني بما فرض الله على من الزكاة قال فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فتضمنت هذه الرواية أن في القصة أشياء أجملت منها بيان نصب الزكاة فأنها لم تفسر في الروايتين وكذا أسماء الصلوات وكأن السبب فيه شهرة ذلك عندهم أو القصد من القصة بيان أن المتمسك بالفرائض ناج وإن لم يفعل النوافل قوله والله في رواية إسماعيل بن جعفر فقال والذي أكرمك وفيه جواز الحلف في الأمر المهم وقد تقدم قوله أفلح إن صدق وقع عند مسلم من رواية إسماعيل بن جعفر المذكورة أفلح وأبيه أن صدق أو دخل الجنة وأبيه إن صدق ولأبي داود مثله لكن بحذف أو فإن قيل ما الجامع بين هذا وبين النهى عن الحلف بالآباء أجيب بأن ذلك كان قبل النهي أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما جرى على لسانهم عقرى حلقي وما أشبه ذلك أو فيه إضمار اسم الرب كأنه قال ورب أبيه وقيل هو خاص ويحتاج إلى دليل وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه قال هو تصحيف وإنما كان والله فقصرت اللامان واستنكر القرطبي هذا وقال إنه يجزم الثقة بالروايات الصحيحة وغفل القرافي فادعى أن الرواية بلفظ وأبيه لم تصح لأنها ليست في الموطأ وكأنه لم يرتض الجواب فعدل إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية فيه وأقوى الأجوبة الأولان وقال بن بطال دل قوله أفلح إن صدق على أنه إن لم يصدق فيما التزم لايفلح وهذا بخلاف قول المرجئة فإن قيل كيف(6/14)
أثبت له الفلاح بمجرد ما ذكر مع أنه لم يذكر المنهيات أجاب بن بطال باحتمال أن يكون ذلك وقع قبل ورود فرائض النهي وهو عجيب منه لأنه جزم بأن السائل ضمام وأقدم ما قيل فيه أنه وفد سنة خمس وقيل بعد ذلك وقد كان أكثر المنهيات واقعا قبل ذلك والصواب أن ذلك داخل في عموم قوله فأخبره بشرائع الإسلام كما أشرنا إليه فإن قيل أما فلاحه بأنه لا ينقص فواضح وأما بأن لا يزيد فكيف يصح أجاب النووي بأنه أثبت له الفلاح لأنه أتى بما عليه وليس فيه أنه إذا أتى بزائد على ذلك لا يكون مفلحا لأنه إذا أفلح بالواجب ففلاحه بالمندوب مع الواجب أولى فإن قيل فكيف أقره على حلفه وقد ورد النكير على من حلف أن لا يفعل خيرا أجيب بأن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والاشخاص وهذا جار على الأصل بأنه لا إثم على غير تارك الفرائض فهو مفلح وإن كان غيره أكثر فلاحا منه وقال الطيبي يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر منه على طريق المبالغة في التصديق والقبول أي قبلت كلامك قبولا لامزيد عليه من جهة السؤال ولا نقصان فيه من طريق القبول وقال بن المنير يحتمل أن تكون الزيادة والنقص تتعلق بالابلاغ لأنه كان وافد قومه ليتعلم ويعلمهم قلت والاحتمالان مردودان برواية إسماعيل بن جعفر فإن نصها لا اتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله على شيئا وقيل مراده بقوله لا ازيد ولا انقص أي لا أغير صفة الفرض كمن ينقص الظهر مثلا ركعة أو يزيد المغرب قلت ويعكر عليه أيضا لفظ التطوع في رواية إسماعيل بن جعفر والله أعلم
+++باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام
* حدثنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبدالله الثقفي، عن مالك بن أنس (فيما قرئ عليه)، عن أبي سهل، عن أبيه؛ أنه سمع طلحة بن عبيدالله يقول:(6/15)
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد. ثائر الرأس. نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول. حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا هو يسأل عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خمس صلوات في اليوم والليلة" فقال: هل علي غيرهن؟ قال "لا. إلا أن تطوع. وصيام شهر رمضان" فقال: هل علي غيره؟ فقال "لا. إلا أن تطوع" وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة. فقال: هل علي غيرها؟ قال" لا. إلا أن تطوع" قال، فأدبر الرجل وهو يقول: والله! لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفلح إن صدق".
* حدثن يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد. جميعا عن إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل، عن أبيه، عن طلحة بن عبيدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم. بهذا الحديث. نحو حديث مالك. غير أنه قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"أفلح، وأبيه، إن صدق" أو "دخل الجنة، وأبيه، إن صدق".
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله(6/16)
فيه قتيبة بن سعيد الثقفي، اختلف فيه فقيل: قتيبة اسمه، وقيل: بل هو لقب واسمه علي، قاله أبو عبد الله بن منده، وقيل: اسمه يحيى قاله ابن عدي. وأما قوله: الثقفي فهو مولاهم، قيل: إن جده جميلاً كان مولى للحجاج بن يوسف الثقفي، وفيه أبو سهيل عن أبيه اسم أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، ونافع عم مالك بن أنس الإمام وهو تابعي سمع أنس بن مالك. قوله: (رجل من أهل نجد ثائر الرأس) هو برفع ثائر صفة لرجل، وقيل: يجوز نصبه على الحال، ومعنى ثائر الرأس: قائم شعره منتفشه. وقوله: (نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول) روي نسمع ونفقه بالنون المفتوحة فيهما، وروي بالياء المثناة من تحت المضمومة فيهما، والأول هو الأشهر الأكثر الأعرف. وأما دوي صوته فهو بعده في الهواء، ومعناه شدة صوت لا يفهم، وهو بفتح الدال وكسر الواو تشديد الياء هذا هو المشهور، وحكى صاحب المطالع فيه ضم الدال أيضا. قوله: (هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع) المشهور فيه تطوع بتشديد الطاء على إدغام إحدى التاءين في الطاء، وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: هو محتمل للتشديد والتخفيف على الحذف، قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا أن تطوع" استثناء منقطع ومعناه: لكن يستحب لك أن تطوع، وجعله بعض العلماء استثناء متصلاً، واستدلوا به على أن ممن شرع في صلاة نفل أو صوم نفل وجب عليه إتمامه، ومذهبنا أنه يستحب الإتمام ولا يجب والله أعلم. قوله: (فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق) قيل: هذا الفلاج راجع إلى قوله: لا أنقص خاصة، والأظهر أنه عائد إلى المجموع بمعنى أنه إذا لم يزد ولم ينقص كان مفلحا لأنه أتى بما عليه، ومن أتى بما عليه فهو مفلح، وليس في هذا أنه إذا أتى بزائد لا يكون مفلحا لأن هذا مما يعرف بالضرورة، فإنه إذا أفلح بالواجب فلأن يفلح بالواجب(6/17)
والمندوب أولى، فإن قيل: كيف؟ قال: لا أزيد على هذا، وليس في هذا الحديث جميع الواجبات، ولا المنهيات الشرعية، ولا السنن المندوبات، فالجواب أنه جاء في رواية البخاري في آخر هذا الحديث زيادة توضح المقصود، قال: "فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله تعالى علي شيئا" فعلى عموم قوله بشرائع الإسلام، وقوله مما فرض الله علي يزول الإشكال في الفرائض. وأما النوافل فقيل: يحتمل أن هذا كان قبل شرعها، وقيل: يحتمل أنه أراد لا أزيد في الفرض بتغيير صفته كأنه يقول: لا أصلي الظهر خمسا وهذا تأويل ضعيف، ويحتمل أنه أراد لا يصلي النافلة مع أنه لا يخل بشيء من الفرائض وهذا مفلح بلا شك، وإن كانت مواظبته على ترك السنن مذمومة وترد بها الشهادة إلا أنه ليس بعاص بل هو مفلح ناج والله أعلم.(6/18)
واعلم أنه لم يأت في هذا الحديث ذكر الحج، ولا جاء ذكره في حديث جبريل من رواية أبي هريرة، وكذا غير هذا من هذه الأحاديث لم يذكر في بعضها الصوم، ولم يذكر في بعضها الزكاة، وذكر في بعضها صلة الرحم، وفي بعضها أداء الخمس، ولم يقع في بعضها ذكر الإيمان، فتفاوتت هذه الأحاديث في عدد خصال الإيمان زيادة ونقصا وإثباتا وحذفا. وقد أجاب القاضي عياض وغيره رحمهم الله عنها بجواب لخصه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى وهذبه فقال: ليس هذا باختلاف صادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو من تفاوت الرواة في الحفظ والضبط، فمنهم من قصر فاقتصر على ما حفظه فأداه ولم يتعرض لما زاده غيره بنفي ولا إثبات، وإن كان اقتصاره على ذلك يشعر بأنه الكل فقد بان بما أتى به غيره من الثقات أن ذلك ليس بالكل، وأن اقتصاره عليه كان لقصور حفظه عن تمامه، ألا ترى حديث النعمان بن قوقل الاَتي قريبا اختلفت الروايات في خصاله بالزيادة والنقصان؟ مع أن راوي الجميع راو واحد وهو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في قضية واحدة، ثم إن ذلك لا يمنع من إيراد الجميع في الصحيح لما عرف في مسألة زيادة الثقة من أنا نقبلها، هذا آخر كلام الشيخ وهو تقرير حسن والله أعلم.
النهي عن الحلف بغير الله(6/19)
قوله صلى الله عليه وسلم: (أفلح وأبيه إن صدق) هذا مما جرت عادتهم أن يسألوا عن الجواب عنه مع قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفا فليحلف بالله" وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" وجوابه أن قوله صلى الله عليه وسلم: "أفلح وأبيه" ليس هو حلفا إنما هو كلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها غير قاصدة بها حقيقة الحلف، والنهي إنما ورد فيمن قصد حقيقة الحلف لما فيه من إعظام المحلوف به ومضاهاته به الله سبحانه وتعالى، فهذا هو الجواب المرضي، وقيل: يحتمل أن يكون هذا قبل النهي عن الحلف بغير الله تعالى والله أعلم. وفي هذا الحديث أن الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام التي أطلقت في باقي الأحاديث هي الصلوات الخمس، وأنها في كل يوم وليلة على كل مكلف بها، وقولنا بها احتراز من الحائض والنفساء فإنها مكلفة بأحكام الشرع إلا الصلاة وما ألحق بها مما هو مقرر في كتب الفقه، وفيه أن وجوب صلاة الليل منسوخ في حق الأمة وهذا مجمع عليه، واختلف قول الشافعي رحمه الله في نسخه في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم والأصح نسخه، وفيه أن صلاة الوتر ليست بواجبة، وأن صلاة العيد أيضا ليست بواجبة، وهذا مذهب الجماهير. وذهب أبو حنيفة رحمه الله وطائفة إلى وجوب الوتر، وذهب أبو سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي إلى أن صلاة العيد فرض كفاية، وفيه أنه لا يجب صوم عاشوراء ولا غيره سوى رمضان وهذا مجمع عليه. واختلف العلماء هل كان صوم عاشوراء واجبا قبل إيجاب رمضان أم كان الأمر به ندبا؟ وهما وجهان لأصحاب الشافعي أظهرهما لم يكن واجبا. والثاني كان واجبا، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله، وفيه أنه ليس في المال حق سوى الزكاة على من ملك نصابا، وفيه غير ذلك والله أعلم.
الياقوتة 18
1**- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أسباط حدثنا مطرف عن عامر عن يحيى بن طلحة عن أبيه قال:(6/20)
-رأى عمر طلحة بن عبيد الله ثقيلا فقال: ما لك يا أبا فلان لعلك ساءتك إمرة ابن عمك يا أبا فلان قال: لا إلا أني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ما منعني أن أسأله عنه إلا القدرة عليه حتى مات سمعته يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه ونفس الله عنه كربته قال: فقال عمر رضي الله عنه: إني لأعلم ما هي قال: وما هي قال: تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت لا إله إلا الله قال طلحة: صدقت هي والله هي. ... ... ... ... ... أحمد في مسند أبي محمد طلحة بن عبيد الله
2** حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثنا صالح بن عمر عن مطرف عن الشعبي عن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه أن:
-عمر رضي الله عنه رآه كئيبا فقال: ما لك يا أبا محمد كئيبا لعله ساءتك إمرة ابن عمك يعني أبا بكر قال: لا وأثنى على أبي بكر رضي الله عنه ولكني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا فرج الله عنه كربته وأشرق لونه فما منعني أن أسأله عنها إلا القدرة عليها حتى مات فقال له عمر رضي الله عنه: إني لأعلمها فقال له طلحة: وما هي فقال له عمر رضي الله عنه: هل تعلم كلمة هي أعظم من كلمة أمر بها عمه لا إله إلا الله فقال طلحة: هي والله هي
--وأخرجه أيضا أحمد في مسند عمر
* حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الله بن نمير عن مجاهد عن عامر عن جابر بن عبد الله قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لطلحة بن عبيد الله : ما لي أراك قد شعثت واغبررت منذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلك ساءك يا طلحة إمارة ابن عمك قال: معاذ الله إني لأحذركم أن لا أفعل ذلك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(6/21)
-إني لأعلم كلمة لا يقولها أحد عند حضرة الموت إلا وجد روحه لها روحا حين تخرج من جسده وكانت له نورا يوم القيامة فلم أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ولم يخبرني بها فذلك الذي دخلني قال عمر رضي الله عنه: فأنا أعلمها قال: فلله الحمد فما هي قال: هي الكلمة التي قالها لعمه لا إله إلا الله قال طلحة: صدقت.
* وفي مسند عثمان حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الوهاب الخفاف حدثنا سعيد عن قتادة عن مسلم بن يسار عن حمران بن أبان أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
-إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه إلا حرم على النار فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنا أحدثك ما هي هي كلمة الإخلاص التي أعز الله تبارك وتعالى بها محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهي كلمة التقوى التي ألاص عليها نبي الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله.
كما روى هذا الحديث كل من :
--- ابن ماجه حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني. حدثنا محمد بن عبد الوهاب عن مسعر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن يحيى بن طلحة، عن أمه سعدى المرية؛ قالت: مر عمر بطلحة، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: مالك كئيبا؟ أساءتك إمرة ابن عمك؟ قال: لا. ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول ((إني لأعلم كلمة، لا يقولها أحد عند موته، إلا كانت نورا لصحيفته. وإن جسده وروحه ليجدان لها روحا عند الموت)) فلم أسأله حتى توفي. قال: أنا أعلمها. هي التي أراد عمه عليها. ولو علم أن شيئا أنجى له منها، لأمره.
في الزوائد: اختلف على الشعبي. فقيل: عنه، هكذا. وقيل: عنه عن أبي طلحة عن أبيه. وقيل: عنه عن يحيى عن أمه سعدى عن طلحة. وقيل: عنه عن طلحة، مرسلا.(6/22)
----الحاكم أخبرنا الحسن بن يعقوب العدل ثنا يحيى بن أبي طالب وحدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار إملاء ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا عبد الوهاب بن عطاء ثنا سعيد عن قتادة عن مسلم بن يسار عن حمران بن أبان عن أبيه أن عثمان بن عفان حدث عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه فيموت إلا حرم على النار فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخبرها فقال عمر بن الخطاب أنا أخبرك بها هي كلمة الإخلاص التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله وهي الكلمة التي أكرم الله بها محمدا وأصحابه
-هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة إنما انفرد مسلم بإخراج حديث خالد الحذاء عن الوليد بن مسلم عن حمران عن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة
حديث المسيب بن حزن الذي جاء فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا عم قل لا إله إلا الله)
باب: إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله.
- حدثنا إسحق: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثني أبي، عن صالح، عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبيه أنه أخبره:(6/23)
أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: (يا عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله). فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك). فأنزل الله تعالى فيه: {ما كان للنبي} الآية.
... ... أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب: إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله.
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله-
قوله باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله قال الزين بن المنير لم يأت بجواب إذا لأنه صلى الله عليه وسلم لما قال لعمه قل لا إله إلا الله أشهد لك بها كان محتملا لأن يكون ذلك خاصا به لأن غيره إذا قالها وقد أيقن بالوفاة لم ينفعه ويحتمل أن يكون ترك جواب إذا ليفهم الواقف عليه أنه موضع تفصيل وفكر وهذا هو المعتمد ثم أورد المصنف حديث سعيد بن المسيب عن أبيه في قصة أبي طالب عند موته وسيأتي الكلام عليه مستوفى في تفسير براءة
وقوله في هذه الطريق ما لم أنه عنه أي الاستغفار وفي رواية الكشميهني عنك وقوله فأنزل الله فيه الآية يعني قوله تعالى { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة : 113 ) }
كما سيأتي وقد ثبت لغير أبي ذر فانزل الله فيه{ ما كان للنبي} الآية
باب: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}(6/24)
- حدثنا عبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
لما توفي عبد الله، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله تصلي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما خيرني الله فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة}. وسأزيده على السبعين). قال: أنه منافق، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره}.
* حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل. وقال غيره: حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:
لما مات عبد الله بن أبي سلول، دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه، فقلت: يا رسول الله، أتصلي على ابن أبي، وقد قال يوم كذا: كذا وكذا، قال: أعدد عليه قوله، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (أخر
عني يا عمر). فلما أكثرت عليه، قال: (إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها). قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرا، حتى نزلت الآيتان من براءة: { (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة : 84 ) }. قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم.
+باب: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} /84/.(6/25)
- حدثني إبراهيم بن المنذر: حدثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال:
لما توفي عبد الله بن أبي، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه قميصه، وأمره أن يكفنه فيه، ثم قام يصلي عليه، فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه، فقال: تصلي عليه وهو منافق، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم، قال: (إنما خيرني الله - أو أخبرني - فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}. فقال: سأزيده على سبعين). قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا معه، ثم أنزل الله عليه: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون}.
قوله باب قوله {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} كذا لأبي ذر ورواية غيره مختصرة(6/26)
- قوله عن عبيد الله هو بن عمر قوله لما توفي عبد الله بن أبي ذكره الواقدي ثم الحاكم في الإكليل أنه مات بعد منصرفهم من تبوك وذلك في ذي القعدة سنة تسع وكانت مدة مرضه عشرين يوما ابتداؤها من ليال بقيت من شوال قالوا وكان قد تخلف هو ومن تبعه عن غزوة تبوك وفيهم نزلت {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا} وهذا يدفع قول بن التين إن هذه القصة كانت في أول الإسلام قبل تقرير الأحكام قوله جاء ابنه عبد الله بن عبد الله وقع في رواية الطبري من طريق الشعبي لما احتضر عبد الله جاء ابنه عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله إن أبي قد احتضر فأحب أن تشهده وتصلى عليه قال ما اسمك قال الحباب يعني بضم المهملة وموحدتين مخففا قال بل أنت عبد الله الحباب اسم الشيطان وكان عبد الله بن عبد الله بن أبي هذا من فضلاء الصحابة وشهد بدرا وما بعدها واستشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق ومن مناقبه أنه بلغه بعض مقالات أبيه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في قتله قال بل أحسن صحبته أخرجه بن منده من حديث أبي هريرة بإسناد حسن وفي الطبراني من طريق عروة بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن أبي أنه استأذن نحوه وهذا منقطع لأن عروة لم يدركه وكأنه كان يحمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام فلذلك التمس من النبي صلى الله عليه وسلم أن يحضر عنده ويصلي عليه ولا سيما وقد ورد ما يدل على أنه فعل ذلك بعهد من أبيه ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر والطبري من طريق سعيد كلاهما عن قتادة قال أرسل عبد الله بن أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخل عليه قال أهلكك حب يهود فقال يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتوبخني ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأجابه وهذا مرسل مع ثقة رجاله ويعضده ما أخرجه الطبراني من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن بن عباس قال لما مرض عبد الله بن أبي جاءه النبي صلى الله(6/27)
عليه وسلم فكلمه فقال قد فهمت ما تقول فامتن على فكفني في قميصك وصل على ففعل وكأن عبد الله بن أبي أراد بذلك دفع العار عن ولده وعشيرته بعد موته فأظهر الرغبة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ووقعت اجابته إلى سؤاله بحسب ما ظهر من حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك كما سيأتي وهذا من أحسن الأجوبة فيما يتعلق بهذه القصة قوله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بن عباس عن عمر ثاني حديث الباب فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث الترمذي من هذا الوجه فقام إليه فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على بن أبي وقد قال يوم كذا كذا وكذا أعدد عليه قوله يشير بذلك إلى مثل قوله لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وإلى مثل قوله ليخرجن الأعز منها الأذل وسيأتي بيانه في تفسير المنافقين قوله فقال يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه كذا في هذه الرواية إطلاق النهى عن الصلاة وقد استشكل جدا حتى أقدم بعضهم فقال هذا وهم من بعض رواته وعاكسه غيره فزعم أن عمر اطلع على نهى خاص في ذلك وقال القرطبي لعل ذلك وقع في خاطر عمر فيكون من قبيل الالهام ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين }قلت الثاني يعني ما قاله القرطبي أقرب من الأول لأنه لم يتقدم النهى عن الصلاة على المنافقين بدليل أنه قال في آخر هذا الحديث قال فأنزل الله{ ولا تصل على أحد منهم} والذي يظهر أن في رواية الباب تجوزا بينته الرواية التي في الباب بعده من وجه آخر عن عبد الله بن عمر بلفظ فقال تصلي عليه وقد نهاك الله أن تستغفر لهم وروى عبد بن حميد والطبري من طريق الشعبي عن بن عمر عن عمر قال أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي على عبد الله بن أبي فأخذت بثوبه فقلت والله ما أمرك الله بهذا(6/28)
لقد قال{ إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} ووقع عند بن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس فقال عمر أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه قال أين قال قال { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } وهذا مثل رواية الباب فكأن عمر قد فهم من الآية المذكورة ما هو الأكثر الأغلب من لسان العرب من أن أو ليست لتخيير بل للتسوية في عدم الوصف المذكور أي أن الاستغفار لهم وعدم الاستغفار سواء وهو كقوله تعالى{ سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم }لكن الثانية أصرح ولهذا ورد أنها نزلت بعد هذه القصة كما سأذكره وفهم عمر أيضا من قوله سبعين مرة أنها للمبالغة وأن العدد المعين لا مفهوم له بل المراد نفى المغفرة لهم ولو كثر الاستغفار فيحصل من ذلك النهى عن الاستغفار فأطلقه وفهم أيضا أن المقصود الأعظم من الصلاة على الميت طلب المغفرة للميت والشفاعة له فلذلك استلزم عنده النهى عن الاستغفار ترك الصلاة لذلك جاء عنه في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة ولهذه الأمور استنكر إرادة الصلاة على عبد الله بن أبي هذا تقرير ما صدر عن عمر مع ما عرف من شدة صلابته في الدين وكثرة بغضه للكفار والمنافقين وهو القائل في حق حاطب بن أبي بلتعة مع ما كان له من الفضل كشهوده بدرا وغير ذلك لكونه كاتب قريشا قبل الفتح دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقد نافق فلذلك أقدم على كلامه للنبي صلى الله عليه وسلم بما قال ولم يلتفت إلى احتمال إجراء الكلام على ظاهره لما غلب عليه من الصلابة المذكورة قال الزين بن المنير وإنما قال ذلك عمر حرصا على النبي صلى الله عليه وسلم ومشورة لا إلزاما وله عوائد بذلك ولا يبعد أن يكون النبي كان أذن له في مثل ذلك فلا يستلزم ما وقع من عمر أنه اجتهد مع وجود النص كما تمسك به قوم في جواز ذلك وإنما أشار بالذي ظهر له فقط ولهذا احتمل منه النبي صلى الله عليه وسلم أخذه بثوبه(6/29)
ومخاطبته له في مثل ذلك المقام حتى ألتفت إليه متبسما كما في حديث بن عباس بذلك في هذا الباب قوله إنما خيرني الله فقال {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة ْ}وسأزيده على السبعين في حديث بن عباس عن عمر من الزيادة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال أني خيرت فاخترت أي خيرت بين الاستغفار وعدمه وقد بين ذلك حديث بن عمر حيث ذكر الآية المذكورة وقوله
- في حديث بن عباس عن عمر لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها وحديث بن عمر جازم بقصة الزيادة وآكد منه ما روى عبد بن حميد من طريق قتادة قال لما نزلت{ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم }قال النبي صلى الله عليه وسلم قد خيرني ربي فوالله لأزيدن على السبعين وأخرجه الطبري من طريق مجاهد مثله والطبري أيضا وابن أبي حاتم من طريق هشام بن عروة عن أبيه مثل وهذه طرق وأن كانت مراسيل فإن بعضها يعضد بعضا وقد خفيت هذه اللفظة على من خرج أحاديث المختصر والبيضاوى واقتصروا على ما وقع في حديثي الباب وذل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم أطال في حال الصلاة عليه من الاستغفار له وقد ورد ما يدل على ذلك فذكر الواقدي أن مجمع بن جارية قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أطال على جنازة قط ما أطال على جنازة عبد الله بن أبي من الوقوف وروى الطبري من طريق مغيرة عن الشعبي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله {إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم }فأنا استغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين وقد تمسك بهذه القصة من جعل مفهوم العدد حجة وكذا مفهوم الصفة من باب الأولى ووجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم فهم أن ما زاد على السبعين بخلاف السبعين فقال سازيد على السبعين وأجاب من أنكر القول بالمفهوم بما وقع في بقية القصة وليس ذلك بدافع للحجة لأنه لو لم يقم الدليل على أن المقصود بالسبعين المبالغة لكان الاستدلال بالمفهوم(6/30)
باقيا قوله قال إنه منافق فصلى عليه إما جزم عمر بأنه منافق فجرى على ما كان يطلع عليه من أحواله وإنما لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وصلى عليه إجراء له على ظاهر حكم الإسلام كما تقدم تقريره واستصحابا لظاهر الحكم ولما فيه من إكرام ولده الذي تحققت صلاحيته ومصلحة الاستئلاف لقومه ودفع المفسدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر يصبر على أذى المشركين ويعفو ويصفح ثم أمر بقتال المشركين فاستمر صفحه وعفوه عمن يظهر الإسلام ولو كان باطنه على خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير عنه ولذلك قال لا يتحدث الناس أن محمد يقتل أصحابه فلما حصل الفتح ودخل المشركون في الإسلام وقل أهل الكفر وذلوا أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم مر الحق ولا سيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة علىالمنافقين وغير ذلك مما أمر فيه بمجاهرتهم وبهذا التقرير يندفع الإشكال عما وقع في هذه القصة بحمد الله تعالى قال الخطابي إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن أبي ما فعل لكمال شفقته على من تعلق بطرف من الدين ولتطييب قلب ولده عبد الله الرجل الصالح ولتألف قومه من الخزرج لرياسته فيهم فلو لم يجب سؤال ابنه وترك الصلاة عليه قبل ورود النهي الصريح لكان سبة على ابنه وعارا على قومه فاستعمل أحسن الأمرين في السياسة إلى أن نهى فانتهى وتبعه بن بطال وعبر بقوله ورجا أن يكون معتقدا لبعض ما كان يظهره من الإسلام وتعقبه بن المنير بأن الإيمان لا يتبعض وهو كما قال لكن مراد بن بطال أن إيمانه كان ضعيفا قلت وقد مال بعض أهل الحديث إلى تصحيح إسلام عبد الله بن أبي لكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه وذهل عن الوارد من الآيات والأحاديث المصرحة في حقه بما ينافي ذلك ولم يقف على جواب شاف في ذلك فأقدم على الدعوى المذكورة وهو محجوج بإجماع من قبله على نقيض ما قال وإطباقهم على ترك ذكره في كتب الصحابة مع شهرته وذكر(6/31)
من هو دونه في الشرف والشهرة بأضعاف مضاعفة وقد أخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه القصة قال فأنزل الله تعالى {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} قال فذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال وما يغنى عنه قميصي من الله وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه قوله فانزل الله تعالى {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} زاد عن مسدد في حديثه عن يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر في آخره فترك الصلاة عليهم أخرجه بن أبي حاتم عن أبيه عن مسدد وحماد بن زاذان عن يحيى وقد أخرجه البخاري في الجنائز عن مسدد بدون هذه الزيادة وفي حديث بن عباس فصلى عليه ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت زاد بن إسحاق في المغازي قال حدثني الزهري بسنده في ثاني حديثي الباب قال فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق بعده حتى قبضه الله ومن هذا الوجه أخرجه بن أبي حاتم وأخرجه الطبري من وجه آخر عن بن إسحاق فزاد فيه ولا قام على قبره وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال لما نزلت{ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} قال النبي صلى الله عليه وسلم لأزيدن على السبعين فأنزل الله تعالى {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم} ورجاله ثقات مع إرساله ويحتمل أن تكون الآيتان معا نزلتا في ذلك(6/32)
-الحديث الثاني قوله حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل وقال غيره حدثني الليث حدثني عقيل كذا وقع هنا والغير المذكور هو أبو صالح كاتب الليث واسمه عبد الله بن صالح أخرجه الطبري من المثنى بن معاذ عنه عن الليث قال حدثني عقيل قوله لما مات عبد الله بن أبي بن سلول بفتح المهملة وضم اللام وسكون الواو بعدها لام هو اسم امرأة وهي والدة عبد الله المذكور وهي خزاعية وأما هو فمن الخزرج أحد قبيلتي الأنصار وابن سلول يقرأ بالرفع لآنه صفة عبد الله لا صفة أبيه قوله فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخر عنى أي كلامك واستشكل الداودي تبسمه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة مع ما ثبت أن ضحكه صلى الله عليه وسلم كان تبسما ولم يكن عند شهود الجنائز يستعمل ذلك وجوابه أنه عبر عن طلافة وجهه بذلك تأنيسا لعمر وتطييبا لقلبه كالمعتذر عن ترك قبول كلامه ومشورته قوله ان زدت على السبعين يغفر له كذا للأكثر يغفر بسكون الراء جوابا للشرط وفي رواية الكشميهني فغفر له بفاء وبلفظ الفعل الماضي وضم أوله والراء مفتوحة والأول أوجه قوله فعجبت بعد بضم الدال من جرأتي بضم الجيم وسكون الراء بعدها همزة أي إقدامى عليه وقد بينا توجيه ذلك
قوله والله ورسوله أعلم ظاهره أنه قول عمر ويحتمل أن يكون قول بن عباس وقد روى الطبري من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن بن عباس في نحو هذه القصة قال ابن عباس الله أعلم أي صلاة كانت وما خادع محمد أحدا قط وقال بعض الشراح يحتمل أن يكون عمر ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم حين تقدم للصلاة على عبد الله بن أبي كان ناسيا لما صدر من عبد الله بن أبي وتعقب بما في السايق من تكرير المراجحة فهي دافعة لاحتمال النسيان وقد صرح في حديث الباب بقوله فلما أكثرت عليه قال فذل على أنه كان ذاكرا(6/33)
-قوله باب {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} ظاهر الآية أنها نزلت في جميع المنافقين لكن ورد ما يدل على أنها نزلت في عدد معين منهم قال الواقدي أنبأنا معمر عن الزهري قال قال حذيفة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إني مسر إليك سرا فلا تذكره لأحد أني نهيت أن أصل على فلان وفلان رهط ذوي عدد من المنافقين قال فلذلك كان عمر إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة فإن مشى مشى معه وإلا لم يصل عليه ومن طريق أخرى عن جبير بن مطعم أنهم أثنا عشر رجلا وقد تقدم حديث حذيفة قريبا أنه لم يبق منهم غير رجل واحد ولعل الحكمة في اختصاص المذكورين بذلك أن الله علم أنهم يموتون على الكفر بخلاف من سواهم فإنهم تابوا
ثم أورد المصنف حديث بن عمر المذكور في الباب قبله من وجه آخر وقوله(6/34)
فيه إنما خيرني الله أو أخبرني الله كذا وقع بالشك والأول بمعجمة مفتوحة وتحتانية ثقيلة من التخيير والثاني بموحدة من الأخبار وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أبي ضمرة الذي أخرجه البخاري من طريقه بلفظ إنما خبرني الله بغير شك وكذا في أكثر الروايات بلفظ التخيير أي بين الاستغفار وعدمه كما تقدم واستشكل فهم التخيير من الآية حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين وسائر الذين خرجوا الصحيح على تصحيحه وذلك ينادي على منكرى صحته بعدم معرفة الحديث وقلة الاطلاع على طرقه قال بن المنير مفهوم الآية زلت فيه الأقدام حتى أنكر القاضي أبو بكر صحة الحديث وقال لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصح أن الرسول قاله انتهى ولفظ القاضي أبي بكر البافلاني في التقريب هذا الحديث من أخبار الآحاد التي لا يعلم ثبوتها وقال إمام الحرمين في مختصره هذا الحديث غير مخرج في الصحيح وقال في البرهان لا يصححه أهل الحديث وقال الغزالي في المستصفى الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح وقال الداودي الشارح هذا الحديث غير محفوظ والسبب في إنكارهم صحته ما تقرر عندهم مما قدمناه وهو الذي فهمه عمر رضي الله عنه من حمل أو على التسوية لما يقتضيه سياق القصة وحمل السبعين على المبالغة قال بن المنير ليس عند أهل البيان تردد أن التخصيص بالعدد في هذا السياق غير مراد انتهى وأيضا فشرط القول بمفهوم الصفة وكذا العدد عندهم مماثلة المنطوق للمسكوت وعدم فائدة أخرى وهنا للمبالغة فائدة واضحة فأشكل قوله سأزيده على السبعين مع أن حكم ما زاد عليها حكمها وقد أجاب بعض المتأخرين عن ذلك بأنه إنما قال سأزيد على السبعين استمالة لقلوب عشيرته لا أنه أراد أن زاد على السبعين يغفر له ويؤيده تردده في ثاني حديثي الباب حيث قال لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت لكن قدمنا أن الرواية ثبتت بقوله سأزيد ووعده صادق ولا سيما(6/35)
وقد ثبت قوله لازيدن بصيغة المبالغة في التأكيد وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون فعل ذلك استصحابا للحال لأن جواز المغفرة بالزيادة كان ثابتا قبل مجيء الآية فجاز أن يكون باقيا على أصله في الجواز وهذا جواب حسن وحاصله أن العمل بالبقاء على حكم الأصل مع فهم المبالغة لا يتنافيان فكأنه جوز أن المغفرة تحصل بالزيادة على السبعين لا أنه جازم بذلك ولا يخفى ما فيه وقيل إن الإستغفار يتنزل منزلة الدعاء والعبد إذا سأل ربه حاجة فسؤاله إياه يتنزل منزلة الذكر لكنه من حيث طلب تعجيل حصول المطلوب ليس عبادة فإذا كان كذلك والمغفرة في نفسها ممكنة وتعلق العلم بعدم نفعها لا بغير ذلك فيكون طلبها لا لغرض حصولها بل لتعظيم المدعو فإذا تعذرت المغفرة عوض الداعي عنها ما يليق به من الثواب أو دفع السوء كما ثبت في الخبر وقد يحصل بذلك عن المدعو لهم تخفيف كما في قصة أبي طالب هذا معنى ما قاله بن المنير وفيه نظر لأنه يستلزم مشروعية طلب المغفرة لمن تستحيل المغفرة له شرعا وقد ورد إنكار ذلك في قوله تعالى {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين }ووقع في أصل هذه القصة إشكال آخر وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أطلق أنه خير بين الاستغفار لهم وعدمه بقوله تعالى{ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم }وأخذ بمفهوم العدد من السبعين فقال سازيد عليها مع أنه قد سبق قيل ذلك بمدة طويلة نزول قوله تعالى {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى }فإن هذه الآية كما سيأتي في تفسير هذه السورة قريبا نزلت في قصة أبي طالب حين قال صلى الله عليه وسلم لاستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة اتفاقا وقصة عبد الله بن أبي هذه في السنة التاسعة من الهجرة كما تقدم فكيف يجوز مع ذلك الاستغفار للمنافقين مع الجزم بكفرهم في نفس الآية وقد وقفت على جواب لبعضهم عن هذا حاصله أن المنهي عنه استغفار ترجى اجابته حتى يكون(6/36)
مقصوده تحصيل المغفرة لهم كما في قصة أبي طالب بخلاف الاستغفار لمثل عبد الله بن أبي فإنه استغفار لقصد تطييب قلوب من بقي منهم وهذا الجواب ليس بمرضي عندي ونحوه قول الزمخشري فأنه قال فإن قلت كيف خفي على أفصح الخلق وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته أن المراد بهذا العدد أن الاستغفار ولو كثر لا يجدى ولا سيما وقد تلاه قوله {ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله} الآية فبين الصارف عن المغفرة لهم قلت لم يخف عليه ذلك ولكنه فعل ما فعل وقال ما قال إظهارا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه وهو كقول إبراهيم عليه السلام ومن عصاني فإنك غفور رحيم وفي إظهار النبي صلى الله عليه وسلم الرأفة المذكورة لطف بأمته وباعث على رحمة بعضهم بعضا انتهى وقد تعقبه بن المنير وغيره وقالوا لا يجوز نسبة ما قاله إلى الرسول لأن الله أخبر أنه لا يغفر للكفار وإذا كان لا يغفر لهم فطلب المغفرة لهم مستحيل وطلب المستحيل لا يقع من النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال أن النهى عن الاستغفار لمن مات مشركا لا يستلزم النهى عن الاستغفار لمن مات مظهرا للإسلام لاحتمال أن يكون معتقده صحيحا وهذا جواب جيد وقد قدمت البحث في هذه الآية في كتاب الجنائز والترجيح أن نزولها كان متراخيا عن قصة أبي طالب جدا وأن الذي نزل في قصته انك لا تهدى من أحببت وحررت دليل ذلك هناك إلا أن في بقية هذه الآية من التصريح بأنهم كفروا بالله ورسوله ما يدل على أن نزول ذلك وقع متراخيا عن القصة ولعل الذي نزل أولا وتمسك النبي صلى الله عليه وسلم به قوله تعالى استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم إلى هنا خاصة ولذلك اقتصر في جواب عمر على التخيير وعلى ذكر السبعين فلما وقعت القصة المذكورة كشف الله عنهم الغطاء وفضحهم على رءوس الملأ ونادى عليهم بأنهم كفورا بالله ورسوله ولعل هذا هو السر في اقتصار البخاري في الترجمة من هذه الآية على هذا القدر إلى(6/37)
قوله فلن يغفر الله لهم ولم يقع في شيء من نسخ كتابه تكميل الآية كما جرت به العادة من اختلاف الرواة عنه في ذلك وإذا تأمل المتأمل المنصف وجد الحامل على من رد الحديث أو تعسف في التأويل ظنه بأن قوله ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله نزل مع قوله استغفر لهم أي نزلت الآية كاملة لأنه لو فرض نزولها كاملة لاقترن بالنهى العلة وهي صريحة في أن قليل الاستغفار وكثيرة لا يجدى وإلا فإذا فرض ما حررته أن هذا القدر نزل متراخيا عن صدر الآية ارتفع الإشكال وإذا كان الأمر كذلك فحجة المتمسك من القصة بمفهوم العدد صحيح وكون ذلك وقع من النبي صلى الله عليه وسلم متمسكا بالظاهر على ما هو المشروع في الأحكام إلى أن يقوم الدليل الصارف عن ذلك إشكال فيه(6/38)
فلله الحمد على ما ألهم وعلم وقد وقفت لأبي نعيم الحافظ صاحب حلية الأولياء على جزء جمع فيه طرق هذا الحديث وتكلم على معانيه فلخصته فمن ذلك أنه قال وقع في رواية أبي أسامة وغيره عن عبيد الله العمري في قول عمر أتصلي عليه وقد نهاك الله عن الصلاة على المنافقين ولم يبين محل النهى فوقع بيانه في رواية أبي ضمرة عن العمري وهو أن مرداه بالصلاة عليهم الاستغفار لهم ولفظه وقد نهاك الله أن تستغفر لهم قال وفي قول بن عمر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا معه أن عمر ترك رأى نفسه وتابع النبي صلى الله عليه وسلم ونبه على أن بن عمر حمل هذه القصة عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة بخلاف بن عباس فإنه إنما حملها عن عمر إذ لم يشهدها قال وفيه جواز الشهادة على المرء بما كان عليه حيا وميتا لقول عمر أن عبد الله بن أبي منافق ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم قوله ويؤخذ أن المنهي عنه من سب الأموات ما قصد به الشتم لا التعريف وأن المنافق تجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة وأن الإعلام بوفاة الميت مجردا لا يدخل في النعي المنهي عنه وفيه جواز سؤال الموسر من المال من ترجى بركته شيء من ماله لضرورة دينية وفيه رعاية الحمى المطيع بالإحسان إلى الميت العاصي وفيه التكفين بالمخيط وجواز تأخير البيان عن وقت النزول إلى وقت الحاجة والعمل بالظاهر إذا كان النص محتملا وفيه جواز تنبيه المفضول للفاضل على ما يظن أنه سها عنه وتنبيه الفاضل المفضول على ما يشكل عليه وجواز استفسار السائل المسئول وعكسه عما يحتمل ما دار بينهما وفيه جواز التبسم في حضور الجنازة عند وجود ما يقتضيه وقد استحب أهل العلم عدم التبسم من أجل تمام الخشوع فيستثني منه ما تدعو إليه الحاجة وبالله التوفيق
وقال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى(6/39)
{إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلََكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَقَالُوَاْ إِن نّتّبِعِ الْهُدَىَ مَعَكَ نُتَخَطّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكّن لّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىَ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَيْءٍ رّزْقاً مّن لّدُنّا وَلََكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }
-يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم{ إنك} يا محمد {لا تهدي من أحببت} أي ليس إليك ذلك, إنما عليك البلاغ, والله يهدي من يشاء, وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة, كما قال تعالى: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء} وقال تعالى: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} وهذه الاَية أخص من هذا كله, فإنه قال: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهوأعلم بالمهتدين} أي هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية, وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد كان يحوطه وينصره ويقوم في صفه ويحبه حباً شديداً طبعياً لا شرعياً, فلما حضرته الوفاة وحان أجله, دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان والدخول في الإسلام. فسبق القدر فيه واختطف من يده, فاستمر على ما كان عليه من الكفر, ولله الحكمة التامة. قال الزهري: حدثني سعيد بن المسيب عن أبيه, وهو المسيب بن حزن المخزومي رضي الله عنه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عم قل لا إله إلا الله, كلمة أحاج لك بها عند الله» فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعرضها عليه ويعودان له بتلك المقالة حتى كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب, وأبى أن يقول لا إله إلا الله, فقال رسول الله صلى الله عليه(6/40)
وسلم «والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} وأنزل في أبي طالب {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} أخرجاه من حديث الزهري, وهكذا رواه مسلم في صحيحه, والترمذي من حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عماه قل لا إله إلا الله, أشهد لك بها يوم القيامة» فقال: لولا أن تعيرني بها قريش يقولون ما حمله عليه إلا جزع الموت, لأقررت بها عينك, لا أقولها إلا لأقر بها عينك, فأنزل الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} وقال الترمذي: حسن غريب, لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن كيسان, ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد القطان عن يزيد بن كيسان: حدثني أبو حازم عن أبي هريرة فذكره بنحوه, وهكذا قال ابن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبي وقتادة: إنها نزلت في أبي طالب حين عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لا إله إلا الله, فأبى عليه ذلك, وقال: أي ابن أخي ملة الأشياخ, وكان آخر ما قاله هو على ملة عبد المطلب.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو سلمة, حدثنا حماد بن سلمة, حدثنا عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن أبي راشد قال: كان رسول قيصر جاء إلي, قال: كتب معي قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً, فأتيته فدفعت الكتاب فوضعه في حجره, ثم قال: «ممن الرجل ؟» قلت: من تنوخ. قال: «هل لك في دين أبيك إبراهيم الحنيفية ؟» قلت: إني رسول قوم وعلى دينهم حتى أرجع إليهم, فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر إلى أصحابه, وقال: «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء».
وقال الشوكانيفي فتح القدير(6/41)
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال:" لما حضرت الوفاة أبا طالب دخل النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أمية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه وأبو جهل وعبد الله يعاندانه بتلك المقالة. فقال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى وأنزل الله في أبي طالب "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"."
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان والضياء في المختارة عن علي قال: سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى " الآية.
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن علي قال: "أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بموت أبي طالب، فبكى، فقال:اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه، ففعلت، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر له أياماً ولا يخرج من بيته حتى نزل عليه ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى " الآية(6/42)
إنك لا تهدي من أحببت" من الناس وليس ذلك إليك "ولكن الله يهدي من يشاء" هدايته "وهو أعلم بالمهتدين" أي القابلين للهداية المستعدين لها، وهذه الآية نزلت في أبي طالب كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، وقد تقدم ذلك في براءة. قال الزجاج: أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وقد تقرر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيدخل في ذلك أبو طالب دخولاً أولياً
وتفرد سبحانه بالهدى الذي معناه التأييد والتوفيق، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: "إنك لا تهدي من أحببت" فالهدي على هذا يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب، ومنه قوله تعالى: "أولئك على هدى من ربهم" وقوله: "ولكن الله يهدي من يشاء" انتهى
ورواه مسلم في كتاب الايمان باب الدليل على صحة إسلام من حضرة الموت، ما لم يشرع في النزع، وهو الغرغرة. ونسخ جواز الاستغفار للمشركين. والدليل على أن من مات على الشرك، فهو في أصحاب الجحيم. ولا ينقذه من ذلك شيء من الوسائل
39 - (24) وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي. أخبرنا عبدالله بن وهب. قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب. قال: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبيه؛ قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة. جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل، وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(6/43)
"يا عم! قل: لا إله إلا الله. كلمة أشهد لك بها عند الله" فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: يا أبا طالب! أترغب عن ملة عبدالمطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبدالمطلب. وأبي أن يقول: لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما والله! لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" فأنزل الله عز وجل: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} [9 / التوبة / الآية 113]. وأنزل الله تعالى في أبي طالب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}. [28 /القصص/ آية 56].
ثم أردفه بحديث أبي هريرة ،قال:
-وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد. قالا: أخبرنا عبدالرزاق. أخبرنا معمر. ح وحدثنا حسن الحلواني وعبد بن حميد. قالا: حدثنا يعقوب (وهو ابن إبراهيم بن سعد) قال: حدثني أبي عن صالح. كلاهما عن الزهري بهذا الإسناد. مثله. غير أن حديث صالح انتهى عند قوله: فأنزل الله عز وجل فيه. ولم يذكر الآيتين. وقال في حديثه: ويعودان في تلك المقالة. وفي حديث معمر مكان هذه الكلمة. فلم يزالا به.
41 - (25) حدثنا محمد بن عباد وابن أبي عمر. قالا: حدثنا مروان عن يزيد (وهو ابن كيسان) عن أبي حازم، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه، عند الموت:
"قل: لا إله إلا الله، أشهد لك بها يوم القيامة" فأبي. فأنزل الله: إنك لا تهدي من أحببت. الآية. [28 / القصص / آية 56].
42 - (25) حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون. حدثنا يحيى بن سعيد. حدثنا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم الأشجعي، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه:(6/44)
"قل: لا إله إلا الله، أشهد لك بها يوم القيامة" قال: لولا أن تعيرني قريش. يقولون: إنما حمله، على ذلك، الجزع. لأقررت بها عينك. فأنزل الله: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}. [28 / القصص / آية 56].
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله
-وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ التّجِيبِيّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ. جَاءَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللّهِ ابْنَ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَمّ! قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاّ الله. كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله" فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللّهِ ابْنُ أَبِي أُمَيّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ! أَتَرْغَبُ عَنْ مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالةَ، حَتّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. وَأَبىَ أَنْ يَقُولَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ الله. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَما وَالله! لأَسْتَغْفِرَنّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ" فَأَنْزَلَ الله عَزّ وَجَلّ: {مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (التوبة الاَية: 3). وَأَنْزَلَ الله تَعَالَى فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنّ الله يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ(6/45)
بِالْمُهْتَدِينَ}. (القصَصَ آية: ).
-وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ) قَالَ: حَدّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ. كِلاَهُما عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنِادِ مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّ حَدِيثَ صَالِحٍ انْتَهَى عِنْدَ قوله: فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ. ولَمْ يَذْكُرِ الاَيَتَيْنِ. وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: وَيَعُودَانِ فِي تِلَكَ المَقَالةِ. وَفِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ مَكَانَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. فَلَمْ يَزَالاَ بِهِ.
حدّثنا مُحمّدُ بْنُ عَبّادٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا مَرْوَانَ عَنْ يَزِيدَ (وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمّهِ، عِنْدَ الْمَوتِ "قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ" فَأَبىَ. فَأَنْزَلَ اللّهُ: {إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الاَية. (القصص آية: ).
-حدّثنا مُحمّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَزِيِدُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشّجَعِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمّهِ "قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" قَالَ: لَوْلاَ أَنْ تُعَيّرِنِي قُرَيْشٌ. يَقُولُونَ: إِنّمَا حَمَلَهُ، عَلَى ذَلِكَ، الْجَزَعُ، لأَقْرَرْتُ بِها عَيْنَكَ. فَأَنْزَل اللّه: {إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنّ الله يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}. (القصَصَ آية: )
.(6/46)
--فيه حديث وفاة أبي طالب، وهو حديث اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في صحيحهيما من رواية سعيد بن المسيب عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يروه عن المسيب إلا ابنه سعيد، كذا قاله الحفاظ. وفي هذا رد على الحاكم أبي عبد الله بن البيع الحافظ رحمه الله في قوله: لم يخرج البخاري ولا مسلم رحمهما الله عن أحد ممن لم يرو عنه إلا راو واحد، ولعله أراد من غير الصحابة والله أعلم. أما أسماء رواة الباب ففيه حرملة التجيبي وقد تقدم بيانه في المقدمة، وأن الأشهر فيه ضم التاء ويقال بفتحها واختاره بعضهم، وتقدمت اللغات الست في يونس فيها، وتقدم فيها الخلاف في فتح الياء من المسيب والد سعيد هذا خاصة وكسرها وأن الأشهر الفتح، واسم أبي طالب عبد مناف، واسم أبي جهل عمرو بن هشام. وفيه صالح عن الزهري عن ابن المسيب هو صالح بن كيسان وكان أكبر سنا من الزهري، وابتدأ بالتعلم من الزهري، ولصالح تسعون سنة مات بعد الأربعين ومائة، واجتمع في الإسناد طرفتان: إحداهما: رواية الأكابر عن الأصاغر، والأخرى ثلاثة تابعين بعضهم عن بعض. وفيه أبو حازم عن سهل عن أبي هريرة، وقد تقدم أن أبا حازم الراوي عن أبي هريرة اسمه سلمان مولى عزة، وأما أبو حازم عن سهل بن سعد فاسمه سلمة بن دينار. وأما قوله: (لما حضرت أبا طالب الوفاة) فالمراد قربت وفاته وحضرت دلائلها، وذلك قبل المعاينة والنزع، ولو كان في حال المعاينة والنزع لما نفعه الإيمان، ولقول الله تعالى: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الاَن} ويدل على أنه قبل المعاينة محاورته للنبي صلى الله عليه وسلم ومع كفار قريش قال القاضي عياض رحمه الله: وقد رأيت بعض المتكلمين على هذا الحديث جعل الحضور هنا على حقيقة الاحتضار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رجا بقوله ذلك حينئذ أن تناله الرحمة ببركته صلى الله عليه وسلم. قال القاضي رحمه الله: وليس هذا بصحيح لما(6/47)
قدمناه. وأما قوله: (فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة) فهكذا وقع في جميع الأصول ويعيد له يعني أبا طالب، وكذا نقله القاضي رحمه الله عن جميع الأصول والشيوخ، قال: وفي نسخة ويعيدان له على التثنية لأبي جهل وابن أبي أمية، قال القاضي: وهذا أشبه، وقوله: يعرضها بفتح الياء وكسر الراء. وأما قوله: (قال أبو طالب آخر ما كلمهم به هو على ملة عبد المطلب) فهذا من أحسن الاَداب والتصرفات. وهو أن من حكى قول غيره القبيح أتى به بضمير الغيبة لقبح صورة لفظة الواقع. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أم والله لأستغفرن لك) فهكذا ضبطناه أم من غير ألف بعد الميم، وفي كثير من الأصول أو أكثرها أما والله بألف بعد الميم وكلاهما صحيح. قال الإمام أبو السعادات هبة الله بن علي بن محمد العلوي الحسني المعروف بابن الشجري في كتابه الأمالي: ما المزيدة للتوكيد، ركبوها مع همزة الاستفهام واستعملوا مجموعهما على وجهين: قوله: أحدهما: أن يراد به معنى حقا في قولهم: أما والله لأفعلن، والاَخر أن يكون افتتاحا للكلام بمنزلة ألا، كقولك: أما أن زيدا منطلق، وأكثر ما تحذف ألفها إذا وقع بعدها القسم، ليدلوا على شدة اتصال الثاني بالأول، لأن الكلمة إذا بقيت على حرف واحد لم تقم بنفسها، فعلم بحذف ألف ما افتقارها إلى الاتصال بالهمزة، والله تعالى أعلم.(6/48)
وفيه جواز الحلف من غير استحلاف، وكان الحلف هنا لتوكيد العزم على الاستغفار وتطييبا لنفس أبي طالب، وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة بقليل، قال ابن فارس: مات أبو طالب ولرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما، وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام. وأما قول الله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} فقال المفسرون وأهل المعاني معناه: ما ينبغي لهم، قالوا: وهو نهي، والواو في قوله تعالى: {ولو كانوا أولي قربى} واو الحال، والله أعلم.
وأما قوله (عز وجل: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}) فقد أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وكذا نقل إجماعهم على هذا الزجاج وغيره وهي عامة، فإنه لا يهدي ولا يضل إلا الله تعالى، قال الفراء وغيره: قوله تعالى: {من أحببت} يكون على وجهين: أحدهما: معناه من أحببته لقرابته. والثاني: من أحببت أن يهتدي. قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم: {وهو أعلم بالمهتدين} أي بمن قدر له الهدى والله أعلم.(6/49)
أما قوله: (يقولون إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك) فهكذا هو في جميع الأصول، وجميع روايات المحدثين في مسلم وغيره الجزع بالجيم والزاي، وكذا نقله القاضي عياض وغيره عن جميع روايات المحدثين وأصحاب الأخبار أي التواريخ والسير، وذهب جماعات من أهل اللغة إلى أنه الخرع بالخاء المعجمة والراء المفتوحتين أيضا، وممن نص عليه كذلك الهروي في الغريبين، ونقله الخطابي عن ثعلب مختارا له، وقاله أيضا شمر، ومن المتأخرين أبو القاسم الزمخشري، قال القاضي عياض رحمه الله: ونبهنا غير واحد من شيوخنا على أنه الصواب، قالوا: والخرع هو الضعف والخور، قال الأزهري: وقيل الخرع الدهش، قال شمر: كل رخو ضعيف خريع وخرع، قال: والخرع الدهش، قال: ومنه قول أبي طالب والله أعلم. وأما قوله: لأقررت بها عينك، فأحسن ما يقال فيه ما قاله أبو العباس ثعلب قال: معنى أقر الله عينه أي بلغه الله أمنيته حتى ترضى نفسه وتقر عينه فلا تستشرف لشيء. وقال الأصمعي معناه: أبرد الله دمعته لأن دمعة الفرح باردة، وقيل معناه: أراه الله ما يسره والله أعلم.
الياقوتة 19
**حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن بشر حدثنا مجمع بن يحيى الأنصاري حدثنا عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال:
-قلت: يا رسول الله كيف الصلاة عليك قال: قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
... ... رواه أحمد في مسند أبي محمد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه
وقد وردت احاديث كثيرة في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،منها :
1* ... وقال إسماعيل: عبد الله بن محمد بن أبي بكر.
- حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك بن أنس، عن عبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن عمرو بن سليم الزرقي: أخبرني أبو حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا:(6/50)
يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
2* حدثنا قيس بن حفص وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا عبد الواحد بن زياد: حدثنا أبو قرة مسلم بن سالم الهمذاني قال: حدثني عبد الله ابن عيسى: سمع عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: بلى، فأهدها لي، فقال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله، كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليكم؟ قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجي، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد).
باب: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب : 56 )
قال أبو العالية: صلاة الله عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء.
وقال ابن عباس: يصلون: يبركون. {لنغرينك} /60/: لنسلطنك.
3* حدثني سعيد بن يحيى: حدثنا أبي: حدثنا مسعر، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه: قيل:
يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد).
4* حدثنا عبد الله بن يوسف: حدثنا الليث قال: حدثني ابن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري قال:(6/51)
قلنا: يا رسول الله، هذا التسليم فكيف نصلي عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم).
قال أبو صالح، عن الليث: (على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم).
حدثنا إبراهيم بن حمزة: حدثنا ابن أبي حازم، والدراوردي عن يزيد، وقال: (كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم).
شرح الحديث فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله-
-قوله باب قوله{ إن الله وملائكته يصلون على النبي }الآية كذا لأبي ذر وساقها غيره إلى{ تسليما}
-قوله قال أبو العالية صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء أخرجه بن أبي حاتم ومن طريق آدم بن أبي إياس حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع هو بن أنس بهذا وزاد في آخره له
-قوله وقال بن عباس يصلون يبركون وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله يصلون على النبي قال يبركون على النبي أي يدعون له بالبركة فيوافق قول أبي العالية لكنه أخص منه وقد سئلت عن إضافة الصلاة إلى الله دون السلام وأمر المؤمنين بها وبالسلام فقلت يحتمل أن يكون السلام له معنيان التحية والانقياد فأمر به المؤمنون لصحتهما منهم والله وملائكته لا يجوز منهم الانقياد فلم يضف إليهم دفعا للإيهام والعلم عند الله .
-قوله لنعزينك لنسلطنك كذا وقع هذا هنا ولا تعلق له بالآية وإن كان من جملة السورة فلعله من الناسخ وهو قول بن عباس ووصله الطبري أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عنه بلفظ لنسلطنك عليهم وقال أبو عبيدة مثله وكذا قال السدى(6/52)
قوله سعيد بن يحيى هو الأموي قوله قيل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه في حديث أبي سعيد الذي بعد هذا قلنا يا رسول الله والمراد بالسلام ما علمهم إياه في التشهد من قولهم السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته والسائل عن ذلك هو كعب بن عجرة نفسه أخرجه بن مردويه من طريق الأجلح عن الحكم بن أبي ليلى عنه وقد وقع السؤال عن ذللك أيضا لبشير بن سعد والد النعمان بن بشير كذا وقع في حديث أبي مسعود عند مسلم بلفظ أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله تعالى أن نصلي عليه فكيف نصلي عليك وروى الترمذي من طريق يزيد بن أبي زيادة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال لما نزلت {إن الله وملائكته }الآية قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام فكيف الصلاة قوله فكيف الصلاة عليك في حديث أبي سعيد فكيف نصلي عليك زاد أبو مسعود في روايته إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا أخرجه الطبري وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان بهذه الزيادة قوله قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد في حديث أبي سعيد على محمد عبدك ورسولك قوله كما صليت على آل إبراهيم أي تقدمت منك الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فنسأل منك الصلاة على محمد وعلى آل محمد بطريق الأولى لأن الذي يثبت للفاضل يثبت للأفضل بطريق الأولى وبهذا يحصل الانفصال عن الإيراد المشهور من أن شرط التشبيه أن يكون المشبه به أقوى ومحصل الجواب أن التشبيه ليس من باب إلحاق الكامل بالأكمل بل من باب النهييج ونحوه أو من بيان حال ما لا يعرف بما يعرف لأنه فيما يستقبل والذي يحصل لمحمد صلى الله عليه وسلم من ذلك أقوى وأكمل وأجابوا بجواب آخر على تقدير أنه من باب الإلحاق وحاصل الجواب أن التشبيه وقع للمجموع بالمجموع لأن مجموع آل إبراهيم أفضل من مجموع آل محمد لأن في آل إبراهيم الأنبياء بخلاف آل محمد ويعكر على هذا الجواب التفصيل الواقع(6/53)
في غالب طرق الحديث وقيل في الجواب أيضا إن ذلك كان قبل أن يعلم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه أفضل من إبراهيم وغيره من الأنبياء وهو مثل ما وقع عند مسلم عن أنس إن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية قال ذاك إبراهيم قوله على آل إبراهيم كذا فيه في الموضعين وسأذكر تحرير ذلك في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وفي آخر حديث أبي سعيد المذكور والسلام كما قد علمتم قوله في حديث أبي سعيد
قال أبو صالح عن الليث يعني بالإسناد المذكور قبل قوله على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم يعني أن عبد الله بن يوسف لم يذكر آل إبراهيم عن الليث وذكرها أبو صالح عنه في الحديث المذكور وهكذا أخرجه أبو نعيم من طريق يحيى بن بكير عن الليث قوله حدثنا بن أبي حازم هو عبد العزيز بن سلمة بن دينار قوله والدراوردي هو عبد العزيز بن محمد قوله عن يزيد هو بن عبد الله بن شداد بن الهاد شيخ الليث فيه ومراده أنهما روياه بإسناد الليث فذكر آل إبراهيم كما ذكره أبو صالح عن الليث واستدل بهذا الحديث على جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم من أجل قوله فيه وعلى آل محمد وأجاب من منع بأن الجواز مقيد بما إذا وقع تبعا والمنع إذا وقع مستقلا والحجة فيه أنه صار شعارا للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يشاركه غيره فيه فلا يقال قال أبو بكر صلى الله عليه وسلم وأن كان معناه صحيحا ويقال صلى الله على النبي وعلى صديقه أو خليفته ونحو ذلك وقريب من هذا أنه لا يقال قال محمد عز وجل وأن كان معناه صحيحا لأن هذا الثناء صار شعارا لله سبحانه فلا يشاركه غيره فيه ولا حجة لمن أجاز ذلك منفردا فيما وقع من قوله تعالى {وصل عليهم} ولا في قوله اللهم صل على آل أبي أوفى ولا في قول امرأة جابر صل علي وعلى زوجي فقال اللهم صل عليهما فإن ذلك كله وقع من النبي صلى الله عليه وسلم ولصاحب الحق أن يتفضل من حقه بما شاء وليس لغيره أن يتصرف إلا(6/54)
بإذنه ولم يثبت عنه إذن في ذلك ويقوى المنع بأن الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم صار شعارا لأهل الأهواء يصلون على من يعظمونه من أهل البيت وغيرهم وهل المنع في ذلك حرام أو مكروه أو خلاف الأولى حكى الأوجه الثلاثة النووي في الأذكار وصحح الثاني وقد روى إسماعيل بن إسحاق في كتاب أحكام القرآن له بإسناد حسن عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب أما بعد فإن ناسا من الناس التمسوا عمل الدنيا بعمل الآخرة وإن ناسا من القصاص أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل الصلاة على النبي فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين ويدعوا ما سوى ذلك ثم أخرج عن بن عباس بإسناد صحيح قال لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن للمسلمين والمسلمات الاستغفار وذكر أبو ذر أن الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كان في السنة الثانية من الهجرة وقيل من ليلة الإسراء
وقال:(6/55)
-قوله باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هذا الإطلاق يحتمل حكمها وفضلها وصفتها ومحلها والاقتصار على ما أورده في الباب يدل على إرادة الثالث وقد يؤخذ منه الثاني اما حكمها فحاصل ما وقفت عليه من كلام العلماء فيه عشرة مذاهب أولها قول بن جرير الطبري انها من المستحبات وادعى الإجماع على ذلك ثانيها مقابله وهو نقل بن القصار وغيره الإجماع على انها تجب في الجملة بغير حصر لكن أقل ما يحصل به الاجزاء مرة ثالثها تجب في العمر في صلاة أو في غيرها وهي مثل كلمة التوحيد قاله أبو بكر الرازي من الحنفية وابن حزم وغيرهما وقال القرطبي المفسر لا خلاف في وجوبها في العمر مرة وانها واجبة في كل حين وجوب السنن المؤكدة وسبقه بن عطية رابعها تجب في القعود اخر الصلاة بين قول التشهد وسلام التحلل قاله الشافعي ومن تبعه خامسها تجب في التشهد وهو قول الشعبي وإسحاق بن راهويه سادسها تجب في الصلاة من غير تعيين المحل نقل ذلك عن أبي جعفر الباقر سابعها يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد قاله أبو بكر بن بكير من المالكية ثامنها كلما ذكر قاله الطحاوي وجماعة من الحنفية والحليمي وجماعة من الشافعية وقال بن العربي من الماليكة انه الاحوط وكذا قال الزمخشري تاسعها في كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره مرارا حكاه الزمخشري عاشرها في كل دعاء حكاه أيضا واما محلها فيؤخذ مما أوردته من بيان الاراء في حكمها وسأذكر ما ورد فيه عند الكلام على فضلها واما صفتها فهي أصل ما يعول عليه في حديثي الباب(6/56)
- قوله حدثنا الحكم لم اقف عليه في جميع الطرق عن شعبة الا هكذا غير منسوب وهو فقيه الكوفة في عصره وهو بن عتيبة بمثناة وموحدة مصغر ووقع عند الترمذي والطبراني وغيرهما من رواية مالك بن مغول وغيره منسوبا قالوا عن الحكم بن عتيبة وعبد الرحمن بن أبي ليلى تابعي كبير وهو والد بن أبي ليلى فقيه الكوفة محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ينسب الى جده قوله لقيني كعب بن عجرة في رواية فطر بن خليفة عن بن أبي ليلى لقيني كعب بن عجرة الأنصاري أخرجه الطبراني ونقل بن سعد عن الواقدي انه أنصاري من أنفسهم وتعقبه فقال لم أجده في نسب الأنصار والمشهور انه بلوى والجمع بين القولين انه بلوى حالف الأنصار وعين المحاربي عن مالك بن مغول عن الحكم المكان الذي التقيا به فأخرجه الطبري من طريقه بلفظ ان كعبا قال له وهو يطوف بالبيت قوله الا أهدى لك هدية زاد عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن جده كما تقدم في أحاديث الأنبياء سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا يجوز في ان الفتح والكسر وقال الفاكهاني في شرح العمدة في هذا السياق إضمار تقديره فقال عبد الرحمن نعم فقال كعب ان النبي صلى الله عليه وسلم قلت وقع ذلك صريحا في رواية شبابة وعفان عن شعبة بلفظ قلت بلى قال أخرجه الخلعي في فوائده وفي رواية عبد الله بن عيسى المذكورة ولفظه فقلت بلى فاهدها لي فقال قوله فقلنا يا رسول الله كذا في معظم الروايات عن كعب بن عجرة قلنا بصيغة الجمع وكذا وقع في حديث أبي سعيد في الباب ومثله في حديث أبي بريدة عند أحمد وفي حديث طلحة عند النسائي وفي حديث أبي هريرة عند الطبري ووقع عند أبي داود عن حفص بن عمر عن شعبة بسند حديث الباب قلنا أو قالوا يا رسول الله بالشك والمراد الصحابة أو من حضر منهم ووقع عند السراج والطبراني من رواية قيس بن سعد عن الحكم به ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا وقال(6/57)
الفاكهاني الظاهر ان السؤال صدر من بعضهم لا من جميعهم ففيه التعبير عن البعض بالكل ثم قال ويبعد جدا ان يكون كعب هو الذي باشر السؤال منفردا فاتى بالنون التي للتعظيم بل لا يجوز ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بقوله قولوا فلو كان السائل واحدا لقال له قل ولم يقل قولوا انتهى ولم يظهر لي وجه نفى الجواز وما المانع ان يسأل الصحابي الواحد عن الحكم فيجيب صلى الله عليه وسلم بصيغة الجمع إشارة الى اشتراك الكل في الحكم ويؤكده ان في نفس السؤال قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي كلها بصيغة الجمع فدل على انه سأل لنفسه ولغيره فحسن الجواب بصيغة الجمع لكن الإتيان بنون العظمة في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يظن بالصحابي فان ثبت ان السائل كان متعددا فواضح وان ثبت انه كان واحدا فالحكمة في الإتيان بصيغة الجمع الإشارة الى ان السؤال لا يختص به بل يريد نفسه ومن يوافقه على ذلك فحمله على ظاهره من الجمع هو المعتمد على ان الذي نفاه الفاكهاني قد ورد في بعض الطرق فعند الطبري من طريق الأجلح عن الحكم بلفظ قمت اليه فقلت السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك يا رسول الله قال قل اللهم صل على محمد الحديث وقد وقفت من تعيين من باشر السؤال على جماعة وهم كعب بن عجرة وبشير بن سعد والد النعمان وزيد بن خارجة الأنصاري وطلحة بن عبيد الله وأبو هريرة و عبد الرحمن بن بشير اما كعب فوقع عند الطبراني من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم بهذا السند بلفظ قلت يا رسول الله قد علمنا واما بشير ففي حديث أبي مسعود عند مالك ومسلم وغيرهما انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله ان نصلي عليك الحديث وأما زيد بن خارجة فأخرج النسائي من حديثه قال انا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلوا على واجتهدوا في الدعاء وقولوا اللهم صل على محمد الحديث واخرج الطبري من حديث طلحة قال(6/58)
قلت يا رسول الله كيف الصلاة عليك ومخرج حديثهما واحد واما حديث أبي هريرة فاخرج الشافعي من حديثه انه قال يا رسول الله كيف نصلي عليك واما حديث عبد الرحمن بن بشير فأخرجه إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال قلت أو قيل للنبي صلى الله عليه وسلم هكذا عنده على الشك وأبهم أبو عوانة في صحيحه من رواية الأجلح وحمزة الزيات عن الحكم السائل ولفظه جاء رجل فقال يا رسول الله قد علمنا ووقع لهذا السؤال سبب أخرجه البيهقي والخلعي من طريق الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني حدثنا إسماعيل بن زكريا عن الأعمش ومسعر ومالك بن مغول عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال لما نزلت{ ان الله وملائكته يصلون على النبي }الآية قلنا يا رسول الله قد علمنا الحديث وقد اخرج مسلم هذا الحديث عن محمد بن بكار عن إسماعيل بن زكريا ولم يسق لفظه بل أحال به على ما قبله فهو على شرطه وأخرجه السراج من طريق مالك بن مغول وحده كذلك واخرج أحمد والبيهقي وإسماعيل القاضي من طريق يزيد بن أبي زياد والطبراني من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والطبري من طريق الأجلح والسراج من طريق سفيان وزائدة فرقهما وأبو عوانة في صحيحه من طريق الأجلح وحمزة الزيات كلهم عن الحكم مثله واخرج أبو عوانة أيضا من طريق مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مثله وفي حديث طلحة عند الطبري اتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال سمعت الله يقول{ ان الله وملائكته }الآية فكيف الصلاة عليك قوله قد علمنا المشهور في الرواية بفتح أوله وكسر اللام مخففا وجوز بعضهم ضم أوله والتشديد على البناء للمجهول ووقع في رواية بن عيينة عن يزيد بن أبي زياد وبالشك ولفظه قلنا قد علمنا أو علمنا رويناه في الخلعيات وكذا اخرج السراج من طريق مالك بن مغول عن الحكم بلفظ علمناه أو علمناه ووقع في رواية حفص بن عمر المذكورة امرتنا ان نصلي عليك وان نسلم عليك فأما(6/59)
السلام فقد عرفناه وفي ضبط عرفناه ما تقدم في علمناه وأراد بقوله امرتنا أي بلغتنا عن الله تعالى انه أمر بذلك ووقع في حديث أبي مسعود أمرنا الله وفي رواية عبد الله بن عيسى المذكورة كيف الصلاة عليكم أهل البيت فان الله قد علمنا كيف نسلم أي علمنا الله كيفية السلام عليك على لسانك وبواسطة بيانك واما اتيانه بصيغة الجمع في قوله عليكم فقد بين مراده بقوله أهل البيت لأنه لو اقتصر عليها لاحتمل ان يريد بها التعظيم وبها تحصل مطابقة الجواب للسؤال حيث قال على محمد وعلى آل محمد وبهذا يستغنى عن قول من قال في الجواب زيادة على السؤال لان السؤال وقع عن كيفية الصلاة عليه فوقع الجواب عن ذلك بزيادة كيفية الصلاة على آله قوله كيف نسلم عليك قال البيهقي فيه إشارة الى السلام الذي في التشهد وهو قول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فيكون المراد بقولهم فكيف نصلي عليك أي بعد التشهد انتهى وتفسير السلام بذلك هو الظاهر وحكى بن عبد البر فيه احتمالا وهو ان المراد به السلام الذي يتحلل به من الصلاة وقال ان الأول أظهر وكذا ذكر عياض وغيره ورد بعضهم الاحتمال المذكور بأن سلام التحلل لا يتقيد به اتفاقا كذا قيل وفي نقل الاتفاق نظر فقد جزم جماعة من المالكية بأنه يستحب للمصلي ان يقول عند سلام التحلل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليكم ذكره عياض وقبله بن أبي زيد وغيره قوله فكيف نصلي عليك زاد أبو مسعود في حديثه فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا انه لم يسأله وانما تمنوا ذلك خشية ان يكون لم يعجبه السؤال المذكور لما تقرر عندهم من النهي عن ذلك فقد تقدم في تفسير قوله تعالى{ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)} 101 من سورة(6/60)
المائدة بيان ذلك
ووقع عند الطبري من وجه اخر في هذا الحديث فسكت حتى جاءه الوحي فقال تقولون واختلف في المراد بقولهم كيف فقيل المراد السؤال عن معنى الصلاة المأمور بها بأي لفظ يؤدى وقيل عن صفتها قال عياض لما كان لفظ الصلاة المأمور بها في قوله تعالى {صلوا عليه} يحتمل الرحمة والدعاء والتعظيم سألوا بأي لفظ تؤدى هكذا قال بعض المشايخ ورجح الباجي ان السؤال انما وقع عن صفتها لا عن جنسها وهو أظهر لان لفظ كيف ظاهر في الصفة واما الجنس فيسئل عنه بلفظ ما وبه جزم القرطبي فقال هذا سؤال من اشكلت عليه كيفية ما فهم أصله وذلك انهم عرفوا المراد بالصلاة فسألوا عن الصفة التي تليق بها ليستعملوها انتهى والحامل لهم على ذلك ان السلام لما تقدم بلفظ مخصوص وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فهموا منه ان الصلاة أيضا تقع بلفظ مخصوص وعدلوا عن القياس لإ مكان الوقوف على النص ولا سيما في ألفاظ الأذكار فانها تجيء خارجة عن القياس غالبا فوقع الأمر كما فهموا فإنه لم يقل لهم قولوا الصلاة عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ولا قولوا الصلاة والسلام عليك الخ بل علمهم صيغة أخرى قوله قال قولوا اللهم هذه كلمة كثر استعمالها في الدعاء وهو بمعنى يا الله والميم عوض عن حرف النداء فلا يقال اللهم غفور رحيم مثلا وانما قال اللهم اغفر لي وارحمني ولا يدخلها حرف النداء الا في نادر كقول الراجز اني إذا ما حادث الما أقول يا اللهم يا اللهما واختص هذا الاسم بقطع الهمزة عند النداء ووجوب تفخيم لامه وبدخول حرف النداء عليه مع التعريف وذهب الفراء ومن تبعه من الكوفيين الى ان أصله يا الله وحذف حرف النداء تخفيفا والميم مأخوذة من جملة محذوفة مثل امنا بخير وقيل بل زائدة كما في زرقم للشديد الزرقة وزيدت في الاسم العظيم تفخيما وقيل بل هو كالواو الدالة على الجمع كأن الداعي قال يا من اجتمعت له الأسماء الحسنى ولذلك شددت الميم لتكون عوضا عن(6/61)
علامة الجمع وقد جاء عن الحسن البصري اللهم مجتمع الدعاء وعن النضر بن شميل من قال اللهم فقد سأل الله بجميع أسمائه قوله صل تقدم في اواخر تفسير الأحزاب عن أبي العالية ان معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه عند ملائكته ومعنى صلاة الملائكة عليه الدعاء له وعند بن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان قال صلاة الله مغفرته وصلاة الملائكة الاستغفار وعن بن عباس ان معنى صلاة الرب الرحمة وصلاة الملائكة الاستغفار وقال الضحاك بن مزاحم صلاة الله رحمته وفي رواية عنه مغفرته وصلاة الملائكة الدعاء اخرجهما إسماعيل القاضي عنه وكأنه يريد الدعاء بالمغفرة ونحوها وقال المبرد الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة رقة تبعث على استدعاء الرحمة وتعقب بأن الله غاير بين الصلاة والرحمة في قوله {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} وكذلك فهم الصحابة المغايرة من قوله تعالى {صلوا عليه وسلموا }حتى سألوا عن كيفية الصلاة مع تقدم ذكر الرحمة في تعليم السلام حيث جاء بلفظ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم فلو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقال لهم قد علمتم ذلك في السلام وجوز الحليمي ان تكون الصلاة بمعنى السلام عليه وفيه نظر وحديث الباب يرد على ذلك واولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية ان معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله تعالى والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة وقيل صلاة الله على خلقه تكون خاصة وتكون عامة فصلاته على انبيائه هي ما تقدم من الثناء والتعظيم وصلاته على غيرهم الرحمة فهي التي وسعت كل شيء ونقل عياض عن بكر القشيري قال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الله تشريف وزيادة تكرمة وعلى من دون النبي رحمة وبهذا التقرير يظهر الفرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين سائر المؤمنين حيث قال الله تعالى{ ان الله وملائتكه يصلون على النبي }وقال قبل(6/62)
ذلك في السورة المذكورة {هو الذي يصلي عليكم وملائكته} ومن المعلوم ان القدر الذي يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ارفع مما يليق بغيره والإجماع منعقد على ان في هذه الآية من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما ليس في غيرها وقال الحليمي في الشعب معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه فمعنى قولنا اللهم صل على محمد عظم محمدا والمراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وابقاء شريعته وفي الآخرة باجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وابداء فضيلته بالمقام المحمود وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى {صلوا عليه }ادعوا ربكم بالصلاة عليه انتهى ولا يعكر عليه عطف آله وأزواجه وذريته عليه فإنه لا يمتنع ان يدعى لهم بالتعظيم إذ تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به وما تقدم عن أبي العالية أظهر فإنه يحصل به استعمال لفظ الصلاة بالنسبة الى الله والى ملائكته والى المؤمنين المأمورين بذلك بمعنى واحد ويؤيده انه لا خلاف في جواز الترحم على غير الأنبياء واختلف في جواز الصلاة على غير الأنبياء ولو كان معنى قولنا اللهم صل على محمد اللهم ارحم محمدا أو ترحم على محمد لجاز لغير أنبياء وكذا لو كانت بمعنى البركة وكذا الرحمة اسقط الوجوب في التشهد عند من يوجبه بقول المصلى في الشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ويمكن الانفصال بان ذلك وقع بطريق التعبد فلا بد من الإتيان به ولو سبق الإتيان بما يدل عليه وقوله على محمد وعلى ال محمد كذا وقع في الموضعين في قوله صل وفي قوله وبارك ولكن وقع في الثاني وبارك على آل إبراهيم ووقع عند البيهقي من وجه اخر عن ادم شيخ البخاري فيه على إبراهيم ولم يقل على ال إبراهيم وأخذ البيضاوي من هذا ان ذكر الآل في رواية الأصل مقحم كقوله على آل أبي أوفى قلت والحق ان ذكر محمد وإبراهيم وذكر ال إبراهيم ثابت في أصل الحيز وإنما حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الاخر وسأبين من ساقه تاما بعد قليل(6/63)
وشرح الطيبي على ما وقع في رواية البخاري هنا فقال هذا اللفظ يساعد قول من قال ان معنى قول الصحابي علمنا كيف السلام عليك أي في قوله تعالى{ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماْ} فكيف نصلي عليك أي على أهل بيتك لأن الصلاة عليه قد عرفت مع السلام من الآية قال فكان السؤال عن الصلاة على الآل تشريفا لهم وقد ذكر محمد في الجواب لقوله تعالى{ لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} وفائدته الدلالة على الاختصاص قال وانما ترك ذكر إبراهيم لينبه على هذه النكتة ولو ذكر لم يفهم ان ذكر محمد على سبيل التمهيد انتهى ولا يخفى ضعف ما قال ووقع في حديث أبي مسعود عند أبي داود والنسائي على محمد النبي الامي وفي حديث أبي سعيد في الباب على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم ولم يذكر آل محمد ولا آل إبراهيم وهذا ان لم يحمل على ما قلته ان بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الاخر والاظهر فساد ما بحثه الطيبي وفي حديث أبي حميد في الباب بعده على محمد وأزواجه وذريته ولم يذكر الآل في الصحيح ووقعت في رواية بن ماجة وعند أبي داود من حديث أبي هريرة اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته وأخرجه النسائي من الوجه الذي أخرجه منه أبو داود ولكن وقع في السند اختلاف بين موسى بن إسماعيل شيخ أبي داود فيه وبين عمرو بن عاصم شيخ شيخ النسائي فيه فروياه معا عن حبان بن يسار وهو بكسر المهملة وتشديد الموحدة وأبوه بمثناة ومهملة خفيفة فوقع في رواية موسى عنه عن عبيد الله بن طلحة عن محمد بن علي عن نعيم المجمر عن أبي هريرة وفي رواية عمرو بن عاصم عنه عن عبد الرحمن بن طلحة عن محمد بن علي عن محمد بن الحنفية عن أبيه علي بن أبي طالب ورواية موسى أرجح ويحتمل ان يكون لحبان فيه سندان ووقع في حديث أبي مسعود وحده في اخره في العالمين انك حميد مجيد ومثله في رواية داود بن قيس عن نعيم المجمر عن أبي هريرة عند السراج قال النووي في شرح(6/64)
المهذب ينبغي ان يجمع ما في الأحاديث الصحيحة فيقول اللهم صل على محمد النبي الامي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلىآل إبراهيم وبارك مثله وزاد في آخره في العالمين وقال في الأذكار مثله وزاد عبدك ورسولك بعد قوله محمد في صل ولم يزدها في بارك وقال في التحقيق و الفتاوى مثله الا انه اسقط النبي الامي في وبارك وفاته أشياء لعلها توازي قدر ما زاده أو تزيد عليه منها قوله أمهات المؤمنين بعد قوله أزواجه ومنها وأهل بيته بعد قوله وذريته وقد وردت في حديث بن مسعود عند الدارقطني ومنها ورسولك في وبارك ومنها في العالمين في الأولى ومنها انك حميد مجيد قبل وبارك ومنها اللهم قبل وبارك فإنهما ثبتا معا في رواية للنسائي ومنها وترحم على محمد الخ وسيأتي البحث فيها بعد ومنها في اخر التشهد وعلينا معهم وهي عند الترمذي من طريق أبي أسامة عن زائدة عن الأعمش عن الحكم نحو حديث الباب قال في اخره قال عبد الرحمن ونحن نقول وعلينا معهم وكذا أخرجها السراج من طريق زائدة وتعقب بن العربي هذه الزيادة قال هذا شيء انفرد به زائدة فلا يعول عليه فان الناس اختلفوا في معنى الآل اختلافا كثيرا ومن جملته انهم أمته فلا يبقى للتكرار فائدة واختلفوا أيضا في جواز الصلاة على غير الأنبياء فلا نرى ان نشرك في هذه الخصوصية مع محمد وآله أحدا وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بان زائدة من الاثبات فانفراده لو انفرد لا يضر مع كونه لم ينفرد فقد أخرجها إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة من طريقين عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ويزيد استشهد به مسلم وعند البيهقي في الشعب من حديث جابر نحو حديث الباب وفي اخره وعلينا معهم وأما الإيراد الأول فإنه يختص بمن يرى ان معنى الآل كل الأمة ومع ذلك فلا يمتنع ان يعطف الخاص على العام ولا سيما في الدعاء واما الإيراد الثاني فلا نعلم من منع ذلك تبعا وانما الخلاف في الصلاة على غير الأنبياء(6/65)
استقلالا وقد شرع الدعاء للآحاد بما دعاه به النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه في حديث اللهم اني أسألك من خير ما سألك منه محمد وهو حديث صحيح أخرجه مسلم انتهى ملخصا وحديث جابر ضعيف ورواية يزيد أخرجها أحمد أيضا عن محمد بن فضيل عنه وزاد في اخره قال يزيد فلا ادرى اشيء زاده عبد الرحمن من قبل نفسه أو رواه عن كعب وكذا أخرجه الطبري من رواية محمد بن فضيل ووردت هذه الزيادة من وجهين اخرين مرفوعين أحدهما عند الطبراني من طريق فطر بن خليفة عن الحكم بلفظ يقولون اللهم صل على محمد الى قوله وآل إبراهيم وصل علينا معهم وبارك على محمد مثله وفي آخره وبارك علينا معهم ورواته موثقون لكنه فيما احسب مدرج لما بينه زائدة عن الأعمش ثانيهما عند الدارقطني من وجه اخر عن بن مسعود مثله لكن قال اللهم بدل الواو في وصل وفي وبارك وفيه عبد الوهاب بن مجاهد وهو ضعيف وقد تعقب الأسنوي ما قال النووي فقال لم يستوعب ما ثبت في الأحاديث مع اختلاف كلامه وقال الاذرعي لم يسبق الى ما قال والذي يظهر ان الأفضل لمن تشهد ان يأتي بأكمل الروايات ويقول كل ما ثبت هذا مرة وهذا مرة واما التلفيق فإنه يستلزم احداث صفة في التشهد لم ترد مجموعة في حديث واحد انتهى وكأنه اخذه من كلام بن القيم فإنه قال ان هذه الكيفية لم ترد مجموعة في طريق من الطرق والأولى ان يستعمل كل لفظ ثبت على حدة فبذلك يحصل الإتيان بجميع ما ورد بخلاف ما إذا قال الجميع دفعة واحدة فان الغالب على الظن انه صلى الله عليه وسلم لم يقله كذلك وقال الأسنوي أيضا كان يلزم الشيخ ان يجمع الألفاظ الواردة في التشهد وأجيب بأنه لا يلزم من كونه لم يصرح بذلك ان لا يلتزمه وقال بن القيم أيضا قد نص الشافعي على ان الاختلاف في ألفاظ التشهد ونحوه كالاختلاف في القراءات ولم يقل أحد من الأئمة باستحباب التلاوة بجميع الألفاظ المختلفه في الحرف الواحد من القرآن وان كان بعضهم أجاز ذلك عند التعليم النمرين انتهى(6/66)
والذي يظهر ان اللفظ ان كان بمعنى اللفظ الاخر سواء كما في أزواجه وأمهات المؤمنين فالأولى الاقتصار في كل مرة على أحدهما وان كان اللفظ يستقل بزيادة معنى ليس في اللفظ الاخر البتة فالأولى الإتيان به ويحمل على ان بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الاخر كما تقدم وان كان يزيد على الاخر في المعنى شيئا ما فلا بأس بالإتيان به احتياطا وقالت طائفة منهم الطبري ان ذلك الاختلاف المباح فأي لفظ ذكره المرء اجزأ والافضل ان يستعمل اكمله وأبلغه واستدل على ذلك باختلاف النقل عن الصحابة فذكر ما نقل عن علي وهو حديث موقوف طويل أخرجه سعيد بن منصور والطبري والطبراني وابن فارس وهو(اللهم يا داحي المدحوات ويا باني المبنيات ويا مرسي المرسيات ، ويا جبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها ، ويا باسط الرحمة للمتقين ، اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك ورأفات تحيتك وعواطف زواكي رحمتك على محمد عبدك ورسولك ، الفاتح لما أغلق ، والخاتم لما سبق ، وفاتح الحق بالحق ، ودامغ جيشات الاباطيل كما خملته ، فاضطلع بأمرك مستنصرا في رضوانك غير ناكل عن قدم ، ولا مئن عن عزم ، الحافظ لعهدك ، الماضي لنفاذ أمرك ، حتى أرى أن أرى فيمن أفضى إليك تنصر بأمرك وأسباب هداة القلوب ، بعد واضحات الاعلام إلى خوضات الفتن إلى نائرات الاحكام ، فهو أمينك المأمون ، وشاهدك يوم الدين ! وبعيثك رحمة للعالمين ، اللهم افسح له مفسحا عندك ، وأعطه بعد رضاه الرضى من فوز ثوابك المحلول ، وعظيم جزائك المعلول ، اللهم أتمم له موعدك بانبعاثك إياه مقبول الشفاعة عدل الشهادة مرضي المقالة ، ذا منطق عدل وخطيب فصل ، وحجة وبرهان عظيم ، اللهم اجعلنا سامعين مطيعين وأولياء مخلصين ورفقاء مصاحبين ، اللهم بلغه منا السلام واردد علينا منه السلام .) وعن بن مسعود بلفظ اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين امام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك الحديث أخرجه بن ماجة والطبري(6/67)
وادعى بن القيم ان أكثر الأحاديث بل كلها مصرحة بذكر محمد وآل محمد وبذكر آل إبراهيم فقط أو بذكر إبراهيم فقط قال ولم يجيء في حديث صحيح بلفظ إبراهيم وآل إبراهيم معا وانما أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن بن مسعود ويحيى مجهول وشيخه مبهم فهو سند ضعيف وأخرجه بن ماجة من وجه اخر قوى لكنه موقوف على بن مسعود وأخرجه النسائي والدارقطني من حديث طلحة قلت وغفل عما وقع في صحيح البخاري كما تقدم في أحاديث الأنبياء في ترجمة إبراهيم عليه السلام من طريق عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بلفظ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد وكذا في قوله كما باركت وكذا وقع في حديث أبي مسعود البدري من رواية محمد عن بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد عنه أخرجه الطبري بل أخرجه الطبري أيضا في رواية الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه من طريق عمرو بن قيس عن الحكم بن عتيبة فذكره بلفظ على محمد وآل محمد انك حميد مجيد وبلفظ على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد وأخرجه أيضا من طريق الأجلح عن الحكم مثله سواء واخرج أيضا من طريق حنظلة بن علي عن أبي هريرة ما سأذكره وأخرجه أبو العباس السراج من طريق داود بن قيس عن نعيم المجمر عن أبي هريرة انهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد ومن حديث بريدة رفعه اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتها على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وأصله عند أحمد ووقع في حديث بن مسعود المشار اليه زيادة أخرى وهي وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم الحديث وأخرجه الحاكم في صحيحه من حديث بن مسعود فاغتر بتصحيحه قوم فوهموا فإنه من رواية يحيى بن السباق(6/68)
وهو مجهول عن رجل مبهم نعم اخرج بن ماجة ذلك عن بن مسعود من قوله قال قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد عبدك ورسولك الحديث وبالغ بن العربي في إنكار ذلك فقال حذار مما ذكره بن أبي زيد من زيادة وترحم فإنه قريب من البدعة لأنه صلى الله عليه وسلم علمهم كيفية الصلاة عليه بالوحي ففي الزيادة على ذلك استدراك عليه انتهى وابن أبي زيد ذكر ذلك في صفة التشهد في الرسالة لما ذكر ما يستحب في التشهد ومنه اللهم صل على محمد وآل محمد فزاد وترحم على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد الخ فان كان إنكاره لكونه لم يصح فمسلم والا فدعوى من ادعى انه لا يقال ارحم محمدا مردودة لثبوت ذلك في عدة أحاديث اصحها في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ثم وجدت لابن أبي زيد مستندا فأخرج الطبري في تهذيبه من طريق حنظلة بن علي عن أبي هريرة رفعه من قال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم شهدت له يوم القيامة وشفعت له ورجال سنده رجال الصحيح الا سعيد بن سليمان مولى سعيد بن العاص الراوي له عن حنظلة بن علي فإنه مجهول تنبيه هذا كله فيما يقال مضموما الى السلام او الصلاة وقد وافق بن العربي الصيدلاني من الشافعية على المنع وقال أبو القاسم الأنصاري شارحا الإرشاد يجوز ذلك مضافا الى الصلاة ولا يجوز مفردا ونقل عياض عن الجمهور الجواز مطلقا وقال القرطبي في المفهم انه الصحيح لورود الأحاديث به وخالفه غيره ففي الذخيرة من كتب الحنفية عن محمد يكره ذلك لايهامه النقص لان الرحمة غالبا انما تكون عن فعل ما يلام عليه وجزم بن عبد البر بمنعه فقال لا يجوز لاحد إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان يقول رحمه الله لأنه قال من صلى على ولم يقل من ترحم على ولا من(6/69)
دعا لي وان كان معنى الصلاة الرحمة ولكنه خص هذا اللفظ تعظيما له فلا يعدل عنه الى غيره ويؤيده قوله تعالى {لاتجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا }انتهى وهو بحث حسن لكن في التعليل الأول نظر والمعتمد الثاني والله اعلم قوله وعلى آل محمد قيل أصل آل أهل قلبت الهاء همزة ثم سهلت ولهذا إذا صغر رد الى الأصل فقالوا اهيل وقيل بل أصله أول من آل إذا رجع سمى بذلك من يئول الى الشخص ويضاف اليه ويقويه انه لا يضاف الا الى معظم فيقال آل القاضي ولا يقال آل الحجام بخلاف أهل ولا يضاف آل أيضا غالبا الى غير العاقل ولا الى المضمر عند الأكثر وجوزه بعضهم بقلة وقد ثبت في شعر عبد المطلب في قوله في قصة أصحاب الفيل من أبيات وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك وقد يطلق آل فلان على نفسه وعليه وعلى من يضاف اليه جميعا وضابطه انه إذا قيل فعل آل فلان كذا دخل هو فيهم الا بقرينه ومن شواهده قوله صلى الله عليه وسم للحسن بن علي انا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وان ذكرا معا فلا وهو كالفقير والمسكين وكذا الإيمان والإسلام والفسوق والعصيان ولما اختلفت ألفاظ الحديث في الإتيان بهما معا وفي افراد أحدهما كان أولى المحامل ان يحمل على انه صلى الله عليه وسلم قال ذلك كله ويكون بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الاخر واما التعدد فبعيد لان غالب الطرق تصرح بأنه وقع جوابا عن قولهم كيف نصلي عليك ويحتمل ان يكون بعض من اقتصر على آل إبراهيم بدون ذكر إبراهيم رواه بالمعنى بناء على دخول إبراهيم في قوله آل إبراهيم كما تقدم واختلف في المراد بآل محمد في هذا الحديث فالراجح انهم من حرمت عليهم الصدقة وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك واضحا في كتاب الزكاة وهذا نص عليه الشافعي واختاره الجمهور ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي انا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وقد تقدم في البيوع من حديث أبي هريرة ولمسلم من حديث عبد المطلب بن ربيعة في اثناء حديث(6/70)
مرفوع ان هذه الصدقة انما هي اوساخ الناس وانها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وقال أحمد المراد بآل محمد في حديث التشهد أهل بيته وعلى هذا فهل يجوز أن يقال أهل عوض آل روايتان عندهم وقيل المراد بآل محمد أزواجه وذريته لان أكثر طرق هذا الحديث جاء بلفظ وآل محمد وجاء في حديث أبي حميد موضعه وأزواجه وذريته فدل على ان المراد بالآل الأزواج والذرية وتعقب بأنه ثبت الجمع بين الثلاثة كما في حديث أبي هريرة فيحمل على ان بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ غيره فالمراد بالآل في التشهد الأزواج ومن حرمت عليهم الصدقة ويدخل فيهم الذرية فبذلك يجمع بين الأحاديث وقد اطلق على أزواجه صلى الله عليه وسلم آل محمد في حديث عائشة ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثا وقد تقدم ويأتي في الرقاق وفيه أيضا من حديث أبي هريرة اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا وكأن الأزواج افردوا بالذكر تنويها بهم وكذا الذرية وقيل المراد بالآل ذرية فاطمة خاصة حكاه النووي في شرح المهذب وقيل هم جميع قريش حكاه بن الرفعة في الكفاية وقيل المراد بالآل جميع الأمة امة الإجابة وقال بن العربي مال الى ذلك مالك واختاره الأزهري وحكاه أبو الطيب الطبري عن بعض الشافعية ورجحه النووي في شرح مسلم وقيده القاضي حسين والراغب بالاتقياء منهم وعليه يحمل كلام من اطلق ويؤيده قوله تعالى{ إنْ أولياؤه إلا المتقون }وقوله صلى الله عليه وسلم ان اوليائي منكم المتقون وفي نوادر أبي العيناء انه غض من بعض الهاشميين فقال له اتغض مني وأنت تصلي على في كل صلاة في قولك اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فقال اني أريد الطيبين الطاهرين ولست منهم ويمكن ان يحمل كلام من اطلق على ان المراد بالصلاة الرحمة المطلقة فلا تحتاج الى تقييد وقد استدل لهم بحديث أنس رفعه آل محمد كل تقي أخرجه الطبراني ولكن سنده واه جدا واخرج البيهقي عن جابر نحوه من قوله بسند ضعيف قوله كما صليت على آل إبراهيم اشتهر السؤال عن موقع(6/71)
التشبيه مع ان المقرر ان المشبه دون المشبه به والواقع هنا عكسه لان محمدا صلى الله عليه وسلم وحده أفضل من آل إبراهيم ومن إبراهيم ولا سيما قد اضيف اليه آل محمد وقضية كونه أفضل ان تكون الصلاة المطلوبة أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل لغيره وأجيب عن ذلك بأجوبة الأول انه قال ذلك قبل ان يعلم انه أفضل من إبراهيم وقد اخرج مسلم من حديث أنس ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية قال ذاك إبراهيم أشار اليه بن العربي وايده بأنه سأل لنفسه التسوية مع إبراهيم وأمر أمته ان يسألوا له ذلك فزاده الله تعالى بغير سؤال ان فضله على إبراهيم وتعقب بأنه لو كان كذلك لغير صفة الصلاة عليه بعد ان علم انه أفضل الثاني انه قال ذلك تواضعا وشرع ذلك لأمته ليكتسبوا بذلك الفضيلة الثالث ان التشبيه انما هو لاصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر فهو كقوله تعالى {انا اوحينا إليك كما أو حينا الى نوح} وقوله {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم }وهو كقول القائل أحسن الى ولدك كما أحسنت الى فلان ويريد بذلك أصل الإحسان لا قدره ومنه قوله تعالى {واحسن كما أحسن الله إليك }ورجح هذا الجواب القرطبي في المفهم الرابع ان الكاف للتعليل كما في قوله {كما ارسلنا فيكم رسولا منكم} وفي قوله تعالى {فاذكروه كما هداكم }وقال بعضهم الكاف على بابها من التشبيه ثم عدل عنه للاعلام بخصوصية المطلوب الخامس ان المراد ان يجعله خليلا كما جعل إبراهيم وان يجعل له لسان صدق كما جعل لإبراهيم مضافا الى ما حصل له من المحبة ويرد عليه ما ورد على الأول وقربه بعضهم بأنه مثل رجلين يملك أحدهما الفا ويملك الاخر الفين فسأل صاحب الالفين ان يعطى الفا أخرى نظير الذي اعطيها الأول فيصير المجموع للثاني اضعاف ما للاول السادس ان قوله اللهم صل على محمد مقطوع عن التشبيه فيكون التشبيه متعلقا بقوله وعلى آل محمد وتعقب بأن غير الأنبياء لا يمكن ان يساووا الأنبياء(6/72)
فكيف تطلب لهم صلاة مثل الصلاة التي وقعت لإبراهيم والأنبياء من آله ويمكن الجواب عن ذلك بأن المطلوب الثواب الحاصل لهم لا جميع الصفات التي كانت سببا للثواب وقد نقل العمراني في البيان عن الشيخ أبي حامد انه نقل هذا الجواب عن نص الشافعي واستبعد بن القيم صحة ذلك عن الشافعي لأنه مع فصاحته ومعرفته بلسان العرب لا يقول هذا الكلام الذي يستلزم هذا التركيب الركيك المعيب من كلام العرب كذا قال وليس التركيب المذكور بركيك بل التقدير اللهم صل على محمد وصل على آل محمد كما صليت الى آخره فلا يمتنع تعلق التشبيه بالجملة الثانية السابع ان التشبيه انما هو للمجموع بالمجموع فإن في الأنبياء من آل إبراهيم كثرة فإذا قوبلت تلك الذوات الكثيرة من إبراهيم وآل إبراهيم بالصفات الكثيرة التي لمحمد أمكن انتفاء التفاضل قلت ويعكر على هذا الجواب انه وقع في حديث أبي سعيد ثاني حديثي الباب مقابلة الاسم فقط بالاسم فقط ولفظه اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم الثامن ان التشبيه بالنظر الى ما يحصل لمحمد وآل محمد من صلاة كل فرد فرد فيحصل من مجموع صلاة المصلين من أول التعليم الى اخر الزمان اضعاف ما كان لآل إبراهيم وعبر بن العربي عن هذا بقوله المراد دوام ذلك واستمراره التاسع ان التشبيه راجع الى المصلي فيما يحصل له من الثواب لا بالنسبة الى ما يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا ضعيف لأنه يصير كأنه قال اللهم اعطني ثوابا على صلاتي على النبي صلى الله عليه وسلم كما صليت على آل إبراهيم ويمكن ان يجاب بأن المراد مثل ثواب المصلى على آل إبراهيم العاشر دفع المقدمة المذكورة اولا وهي ان المشبه به يكون ارفع من المشبه وان ذلك ليس مطردا بل قد يكون التشبيه بالمثل بل وبالدون كا في قوله تعالى {مثل نوره كمشكاة }وأين يقع نور المشكاة من نوره تعالى ولكن لما كان المراد من المشبه به ان يكون شيئا ظاهرا واضحا للسامع حسن تشبيه النور بالمشكاة وكذا(6/73)
هنا لما كان تعظيم إبراهيم وآل إبراهيم بالصلاة عليهم مشهورا واضحا عند جميع الطوائف حسن ان يطلب لمحمد وآل محمد بالصلاة عليهم مثل ما حصل لإبراهيم وآل إبراهيم ويؤيد ذلك ختم الطلب المذكور بقوله في العالمين أي كما اظهرت الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين ولهذا لم يقع قوله في العالمين الا في ذكر آل إبراهيم دون ذكر آل محمد على ما وقع في الحديث الذي ورد فيه وهو حديث أبي مسعود فيما أخرجه مالك ومسلم وغيرهما وعبر الطيبي عن ذلك بقوله ليس التشبيه المذكور من باب الحاق الناقص بالكامل بل من باب الحاق ما لم يشتهر بما اشتهر وقال الحليمي سبب هذا التشبيه ان الملائكة قالت في بيت إبراهيم رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد وقد علم ان محمدا وآل محمد من أهل بيت إبراهيم فكأنه قال اجب دعاء الملائكة الذين قالوا ذلك في محمد وآل محمد كما اجبتها عندما قالوها في آل إبراهيم الموجودين حينئذ ولذلك ختم بما ختمت به الآية وهو قوله انك حميد مجيد وقال النووي بعد ان ذكر بعض هذه الأجوبة أحسنها ما نسب الى الشافعي والتشبيه لاصل الصلاة بأصل الصلاة أو للمجموع بالمجموع وقال بن القيم بعد ان زيف أكثر الأجوبة الا تشبيه المجموع بالمجموع واحسن منه ان يقال هو صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم وقد ثبت ذلك عن بن عباس في تفسير قوله تعالى{ ان الله اصطفى ادم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} قال محمد من آل إبراهيم فكأنه أمرنا ان نصلي على محمد وعلى آل محمد خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عموما فيحصل لآله ما يليق بهم ويبقى الباقي كله له وذلك القدر ازيد مما لغيره من آل إبراهيم قطعا ويظهر حينئذ فائدة التشبيه وان المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ ووجدت في مصنف لشيخنا محمد الدين الشيرازي اللغوي جوابا اخر نقله عن بعض أهل الكشف حاصله ان التشبيه لغير اللفظ المشبه به لا(6/74)
لعينه وذلك ان المراد بقولنا اللهم صل على محمد اجعل من اتباعه من يبلغ النهاية في أمر الدين كالعلماء بشرعه بتقريرهم أمر الشريعة كما صليت على إبراهيم بأن جعلت في اتباعه أنبياء يقررون الشريعة والمراد بقوله وعلى آل محمد اجعل من اتباعه ناسا محدثين بالفتح يخبرون بالمغيبات كما صليت على إبراهيم بأن جعلت فيهم أنبياء يخبرون بالمغيبات والمطلوب حصول صفات الأنبياء لآل محمد وهم اتباعه في الدين كما كانت حاصلة بسؤال إبراهيم وهذا محصل ما ذكره وهو جيد ان سلم ان المراد بالصلاة هنا ما ادعاه والله اعلم وفي نحو هذه الدعوى جواب آخر المراد اللهم استجب دعاء محمد في أمته كما استجبت دعاء إبراهيم في بنيه ويعكر على هذا عطف الآل في المضوعين قوله على آل إبراهيم هم ذريته من إسماعيل وإسحاق كما جزم به جماعة من الشراح وان ثبت ان إبراهيم كان له أولاد من غير سارة وهاجر فهم داخلون لا محالة ثم ان المراد المسلمون منهم بل المتقون فيدخل فيهم الأنبياء والصديقون والآل.(6/75)
-بن أبي حازم والدراوردي اسم كل منهما عبد العزيز وابن أبي حازم ممن يحتج به البخاري والدراوردي انما يخرج له في المتابعات أو مقرونا بآخر ويزيد شيخهما هو بن عبد الله بن الهاد وعبد الله بن خباب بمعجمة وموحدتين الأولى ثقيلة قوله هذا السلام عليك أي عرفناه كما وقع تقريره في الحديث الأول وتقدمت بقية فوائده في الذي قبله واستدل بهذا الحديث على تعين هذا اللفظ الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في امتثال الأمر سواء قلنا بالوجوب مطلقا أو مقيدا بالصلاة وأما تعينه في الصلاة فعن أحمد في رواية والأصح عند اتباعه لا تجب واختلف في الأفضل فعن أحمد أكمل ما ورد وعنه يتخير واما الشافعية فقالوا يكفي ان يقول اللهم صل على محمد واختلفوا هل يكفي الإتيان بما يدل على ذلك كأن يقوله بلفظ الخبر فيقول صلى الله على محمد مثلا والأصح اجزاؤه وذلك ان الدعاء بلفظ الخبر آكد فيكون جائزا بطريق الأولى ومن منع وقف عند التعبد وهو الذي رجحه بن العربي بل كلامه يدل على ان الثواب الوارد لمن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم انما يحصل لمن صلى عليه بالكيفية المذكورة واتفق أصحابنا على انه لا يجزيء ان يقتصر على الخبر كأن يقول الصلاة على محمد إذ ليس فيه إسناد الصلاة الى الله تعالى واختلفوا في تعين لفظ محمد لكن جوزوا الاكتفاء بالوصف دون الاسم كالنبي ورسول الله لان لفظ محمد وقع التعبد به فلا يجزيء عنه الا ما كان أعلى منه ولهذا قالوا لا يجزيء الإتيان بالضمير ولا بأحمد مثلا في الأصح فيهما مع تقدم ذكره في التشهد بقوله النبي وبقوله محمد وذهب الجمهور الى الاجتزاء بكل لفظ أدى المراد بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم حتى قال بعضهم لو قال في اثناء التشهد الصلاة والسلام عليك أيها النبي اجزأ وكذا لو قال اشهد ان محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله بخلاف ما إذا قدم عبده ورسوله وهذا ينبغي ان ينبني على ان ترتيب ألفاظ التشهد لا يشترط وهو(6/76)
الأصح ولكن دليل مقابله قوي لقولهم كما يعلمنا السورة وقول بن مسعود عدهن في يدي ورأيت لبعض المتأخرين فيه تصنيفا وعمدة الجمهور في الاكتفاء بما ذكر ان الوجوب ثبت بنص القرآن بقوله تعالى {صلوا عليه وسلموا تسليما }فلما سأل الصحابة عن الكيفية وعلمها لهم النبي صلى الله عليه وسلم واختلف النقل لتلك الألفاظ اقتصر على ما اتفقت عليه الروايات وترك ما زاد على ذلك كما في التشهد إذ لو كان المتروك واجبا لما سكت عنه انتهى وقد استشكل ذلك بن الفركاح في الاقليد فقال جعلهم هذا هو الاقل يحتاج الى دليل على الاكتفاء بمسمى الصلاة فان الأحاديث الصحيحة ليس فيها الاقتصار والأحاديث التي فيها الأمر بمطلق الصلاة ليس فيها ما يشير الى ما يجب من ذلك في الصلاة واقل ما وقع في الروايات اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم ومن ثم حكى الفوراني عن صاحب الفروع في إيجاب ذكر إبراهيم وجهين واحتج لمن لم يوجبه بأنه ورد بدون ذكره في حديث زيد بن خارجة عند النسائي بسند قوي ولفظه صلوا علي وقولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وفيه نظر لأنه من اختصار بعض الرواة فإن النسائي أخرجه من هذا الوجه بتمامه وكذا الطحاوي واختلف في إيجاب الصلاة على الآل ففي تعينها أيضا عند الشافعية والحنابلة روايتان والمشهور عندهم لا وهو قول الجمهور وادعى كثير منهم فيه الإجماع وأكثر من اثبت الوجوب من الشافعية نسبوه الى الترنجي ونقل البيهقي في الشعب عن أبي إسحاق المروزي وهو من كبار الشافعية قال أنا اعتقد وجوبها قال البيهقي وفي الأحاديث الثابتة دلالة على صحة ما قال قلت وفي كلام الطحاوي في مشكلة ما يدل على ان حرملة نقله عن الشافعي واستدل به على مشروعية الصلاة على النبي وآله في التشهد الأول والمصحح عند الشافعية استحباب الصلاة عليه فقط لأنه مبني على التخفيف وأما الأول فبناه الأصحاب على حكم ذلك في التشهد الأخير ان قلنا بالوجوب قلت واستدل بتعليمه صلى الله(6/77)
عليه وسلم لأصحابه الكيفية بعد سؤالهم عنها بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه لأنه لا يختار لنفسه الا الأشرف الأفضل ويترتب على ذلك لو حلف ان يصلي عليه أفضل الصلاة فطريق البر ان يأتي بذلك هكذا صوبه النووي في الروضة بعد ذكر حكاية الرافعي عن إبراهيم المروزي انه قال يبر إذا قال كلما ذكره الذاكرون وكلما سها عن ذكره الغافلون قال النووي وكأنه اخذ ذلك من كون الشافعي ذكر هذه الكيفية قلت وهي في خطبة الرسالة لكن بلفظ غفل بدل سها وقال الاذرعي إبراهيم المذكور كثير النقل من تعليقة القاضي حسين ومع ذلك فالقاضي قال في طريق البر يقول اللهم صلى على محمد كما هو أهله ومستحقه وكذا نقله البغوي في تعليقه قلت ولو جمع بينها فقال ما في الحديث وأضاف اليه اثر الشافعي وما قاله القاضي لكان اشمل ويحتمل ان يقال يعمد الى جميع ما اشتملت عليه الروايات الثابتة فيستعمل منها ذكرا يحصل به البر وذكر شيخنا مجد الدين الشيرازي في جزء له في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض العلماء انه قال أفضل الكيفيات ان يقول اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وازواجه وذريته وسلم عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك وعن اخر نحوه لكن قال عدد الشفع والوتر وعدد كلماتك التامة ولم يسم قائلها والذي يرشد اليه الدليل ان البر يحصل بما في حديث أبي هريرة لقوله صلى الله عليه وسلم من سره ان يكتال بالمكيال الاوفى إذا صلى علينا فليقل اللهم صلي على محمد النبي وازواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم الحديث والله اعلم تنبيه ان كان مستند المروزي ما قاله الشافعي فظاهر كلام الشافعي ان الضمير لله تعالى فإن لفظه وصلى الله على نبيه كلما ذكره الذاكرون فكان حق من غير عبارته ان يقول اللهم صل على محمد كلما ذكرك الذاكرون الخ واستدل به على جواز الصلاة على غير الأنبياء وسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده واستدل به(6/78)
على ان الواو لا تقتضي الترتيب لان صيغة الأمر وردت بالصلاة والتسليم بالواو في قوله تعالى صلوا عليه وسلموا وقدم تعليم السلام قبل الصلاة كما قالوا علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك واستدل به على رد قول النخعي يجزيء في امتثال الأمر بالصلاة قوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته في التشهد لأنه لو كان كما قال لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه الى ذلك ولما عدل الى تعليمهم كيفية أخرى واستدل به على ان افراد الصلاة عن التسليم لا يكره وكذا العكس لان تعليم التسليم تقدم قبل تعليم الصلاة كما تقدم فأفرد التسليم مدة في التشهد قبل الصلاة عليه وقد صرح النووي بالكراهة واستدل بورود الأمر بهما معا في الآية وفيه نظر نعم يكره ان يفرد الصلاة ولا يسلم أصلا اما لو صلى في وقت وسلم في وقت اخر فإنه يكون ممتثلا واستدل به على فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من جهة ورود الأمر بها واعتناء الصحابة بالسؤال عن كيفيتها وقد ورد في التصريح بفضلها أحاديث قوية لم يخرج البخاري منها شيئا منها ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رفعه من صلى على واحدة صلى الله عليه عشرا وله شاهد عن أنس عند أحمد والنسائي وصححه بن حبان وعن أبي بردة بن نيار وأبي طلحة كلاهما عند النسائي ورواتهما ثقات ولفظ أبي بردة من صل علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ولفظ أبي طلحة عنده نحوه وصححه بن حبان ومنها حديث بن مسعود رفعه ان أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة وحسنه الترمذي وصححه بن حبان وله شاهد عند البيهقي عن أبي امامة بلفظ صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان اقربهم مني منزلة ولا بأس بسنده وورد الأمر بإكثار الصلاة عليه يوم الجمعة من حديث أوس بن أوس وهو عند أحمد وأبي داود وصححه بن حبان والحاكم ومنها حديث(6/79)
البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وإسماعيل القاضي واطنب في تخريج طرقه وبيان الاختلاف فيه من حديث علي ومن حديث ابنه الحسين ولا يقصر عن درجة الحسن ومنها حديث من نسي الصلاة علي خطيء طريق الجنة أخرجه بن ماجة عن بن عباس والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة وابن أبي حاتم من حديث جابر والطبراني من حديث حسين بن علي وهذه الطرق يشد بعضها بعضا وحديث رغم انف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ من ذكرت عنده ولم يصل على فمات فدخل النار فأبعده الله وله شاهد عنده وصححه الحاكم وله شاهد من حديث أبي ذر في الطبراني واخر عن أنس عند بن أبي شيبة واخر مرسل عن الحسن عند سعيد بن منصور وأخرجه بن حبان من حديث أبي هريرة ومن حديث مالك بن الحويرث ومن حديث عبد الله بن عباس عند الطبراني ومن حديث عبد الله بن جعفر عند الفريابي ------- وعند الحاكم من حديث كعب بن عجرة بلفظ بعد من ذكرت عنده فلم يصل علي وعند الطبراني من حديث جابر رفعه شقى عبد ذكرت عنده فلم يصل علي وعند عبد الرزاق من مرسل قتادة من الجفاء ان أذكر عند رجل فلا يصلي علي ومنها حديث أبي بن كعب ان رجلا قال يا رسول الله اني أكثر الصلاة فما اجعل لك من صلاتي قال ما شئت قال الثلث قال ما شئت وان زدت فهو خير الى ان قال اجعل لك كل صلاتي قال إذا تكفي همك الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند حسن فهذا الجيد من الأحاديث الواردة في ذلك وفي الباب أحاديث كثيرة ضعيفة وواهية واما ما وضعه القصاص في ذلك فلا يحصى كثرة وفي الأحاديث القوية غنية عن ذلك(6/80)
قال الحليمي المقصود بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التقرب الى الله بامتثال امره وقضاء حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا وتبعه بن عبد السلام فقال ليست صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة له فإن مثلنا لا يشفع لمثله ولكن الله أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا الى الصلاة عليه
-وقال بن العربي فائدة الصلاة عليه ترجع الى الذي يصلي عليه لدلالة ذلك على نصوص العقيدة وخلوص النية وإظهار المحبة والمداومة على الطاعة والاحترام للواسطة الكريمة صلى الله عليه وسلم(6/81)
-وقد تمسك بالأحاديث المذكورة من أوجب الصلاة عليه كلما ذكر لان الدعاء بالرغم والابعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء يقتضي الوعيد والوعيد على الترك من علامات الوجوب ومن حيث المعنى ان فائدة الأمر بالصلاة عليه مكافأته على إحسانه واحسانه مستمر فيتأكد إذا ذكر وتمسكوا أيضا بقوله {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا }فلو كان إذا ذكر لا يصلي عليه لكان كآحاد الناس ويتأكد ذلك إذا كان المعنى بقوله دعاء الرسول الدعاء المتعلق بالرسول وأجاب من لم يوجب ذلك بأجوبة منها انه قول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين فهو قول مخترع ولو كان ذلك على عمومه للزم المؤذن إذا اذن وكذا سامعه وللزم القاريء إذا مر ذكره في القرآن وللزم الداخل في الإسلام إذا تلفظ بالشهادتين ولكان في ذلك من المشقة والحرج ما جاءت الشريعة السمحة بخلافه ولكان الثناء على الله كلما ذكر أحق بالوجوب ولم يقولوا به وقد اطلق القدوري وغيره من الحنفية ان القول بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر مخالف للاجماع المنعقد قبل قائله لأنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة انه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليك ولأنه لو كان كذلك لم يتفرغ السامع لعبادة أخرى وأجابوا عن الأحاديث بأنها خرجت مخرج المبالغة في تأكيد ذلك وطلبه وفي حق من اعتاد ترك الصلاة عليه ديدنا وفي الجملة لا دلالة على وجوب تكرر ذلك بتكرر ذكره صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد واحتج الطبري لعدم الوجوب أصلا مع ورود صيغة الأمر بذلك بالاتفاق من جميع المتقدمين والمتأخرين من علماء الأمة على ان ذلك غير لازم فرضا حتى يكون تاركه عاصيا قال فدل ذلك على ان الأمر فيه للندب ويحصل الامتثال لمن قاله ولو كان خارج الصلاة وما ادعاه من الإجماع معارض بدعوى غيره الإجماع على مشروعية ذلك في الصلاة اما بطريق الوجوب واما بطريق الندب ولا يعرف عن السلف لذلك مخالف الا ما أخرجه بن أبي شيبة(6/82)
والطبري عن إبراهيم انه كان يرى ان قول المصلي في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته يجزيء عن الصلاة ومع ذلك لم يخالف في أصل المشروعية وانما ادعى أجزاء السلام عن الصلاة والله اعلم ومن المواطن التي اختلف في وجوب الصلاة عليه فيها التشهد الأول وخطبة الجمعة وغيرها من الخطب وصلاة الجنازة ومما يتأكد ووردت فيه أخبار خاصة أكثرها بأسانيد جيدة عقب إجابة المؤذن وأول الدعاء وأوسطه وآخره وفي أوله آكد وفي اخر القنوت وفي اثناء تكبيرات العيد وعند دخول المسجد والخروج منه وعند الاجتماع والتفرق وعند السفر والقدوم وعند القيام لصلاة الليل وعند ختم القرآن وعند الهم والكرب وعند التوبة من الذنب وعند قراءة الحديث وتبليغ العلم والذكر وعند نسيان الشيء وورد ذلك أيضا في أحاديث ضعيفة وعند استلام الحجر وعند طنين الإذن وعند التلبية وعقب الوضوء وعند الذبح والعطاس وورد المنع منها عندهما أيضا وورد الأمر بالإكثار منها يوم الجمعة في حديث صحيح كما تقدم(6/83)
-قوله باب هل يصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم أي استقلالا أو تبعا ويدخل في الغير الأنبياء والملائكة والمؤمنون فأما مسألة الأنبياء فورد فيها أحاديث أحدها حديث علي في الدعاء بحفظ القرآن ففيه وصل علي وعلى سائر النبيين أخرجه الترمذي والحاكم وحديث بريدة رفعه لا تتركن في التشهد الصلاة علي وعلى أنبياء الله الحديث أخرجه البيهقي بسند واه وحديث أبي هريرة رفعه صلوا على أنبياء الله الحديث أخرجه إسماعيل القاضي بسند ضعيف وحديث بن عباس رفعه إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله فإن الله بعثهم كما بعثني أخرجه الطبراني ورويناه في فوائد العيسوى وسنده ضعيف أيضا وقد ثبت عن بن عباس اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم أخرجه بن أبي شيبة من طريق عثمان بن حكيم عن عكرمة عنه قال ما اعلم الصلاة تنبغي على أحد من أحد الا على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا سند صحيح وحكى القول به عن مالك وقال ما تعبدنا به وجاء نحوه عن عمر بن عبد العزيز وعن مالك يكرهه وقال عياض عامة أهل العلم على الجواز وقال سفيان يكره ان يصلي الا على نبي ووجدت بخط بعض شيوخ مذهب مالك لا يجوز ان يصلي الا على محمد وهذا غير معروف عن مالك وانما قال أكره الصلاة على غير الأنبياء وما ينبغي لنا ان نتعدى ما أمرنا به وخالفه يحيى بن يحيى فقال لا بأس به واحتج بأن الصلاة دعاء بالرحمة فلا يمنع الا بنص أو إجماع قال عياض والذي اميل اليه قول مالك وسفيان وهو قول المحققين من المتكلمين والفقهاء قالوا يذكر غير الأنبياء بالرضا والغفران والصلاة على غير الأنبياء يعني استقلالا لم تكن من الأمر المعروف وانما احدثت في دولة بني هاشم واما الملائكة فلا اعرف فيه حديثا نصا وانما يؤخذ ذلك من الذي قبله ان ثبت لأن الله تعالى سماهم رسلا واما المؤمنون فاختلف فيه فقيل لا تجوز إلا على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وحكى عن مالك كما تقدم وقالت طائفة لا تجوز مطلقا استقلالا(6/84)
وتجوز تبعا فيما ورد به النص أو ألحق به لقوله تعالى{ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا }ولأنه لما علمهم السلام قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ولما علمهم الصلاة قصر ذلك عليه وعلى أهل بيته وهذا القول اختاره القرطبي في المفهم وأبو المعالي من الحنابلة وقد تقدم تقريره في تفسير سورة الأحزاب وهو اختيار بن تيمية من المتأخرين وقالت طائفة تجوز تبعا مطلقا ولا تجوز استقلالا وهذا قول أبي حنيفة وجماعة وقالت طائفة تكره استقلالا لا تبعا وهي رواية عن أحمد وقال النووي هو خلاف الأولى وقالت طائفة تجوز مطلقا وهو مقتضى صنيع البخاري فإنه صدر بالآية وهي قوله تعالى {وصل عليهم }ثم علق الحديث الدال على الجواز مطلقا وعقبه بالحديث الدال على الجواز تبعا:
-فأما الأول وهو حديث عبد الله بن أبي أوفى فتقدم شرحه في كتاب الزكاة ووقع مثله عن قيس بن سعد بن عبادة ان النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه وهو يقول اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة أخرجه أبو داود والنسائي وسنده جيد(6/85)
-وفي حديث جابر ان امرأته قالت للنبي صلى الله عليه وسلم صل علي وعلى زوجي ففعل أخرجه أحمد مطولا ومختصرا وصححه بن حبان وهذا القول جاء عن الحسن ومجاهد ونص عليه أحمد في رواية أبا داود وبه قال إسحاق وأبو ثور وداود والطبري واحتجوا بقوله تعالى {هو الذي يصلي عليكم وملائكته }وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا ان الملائكة تقول لروح المؤمن صلى الله عليك وعلى جسدك وأجاب المانعون عن ذلك كله بأن ذلك صدر من الله ورسوله ولهما ان يخصا من شاء بما شاء وليس ذلك لاحد غيرهما وقال البيهقي يحمل قول بن عباس بالمنع إذا كان على وجه التعظيم لا ما إذا كان على وجه الدعاء بالرحمة والبركة وقال بن القيم المختار ان يصلي على الأنبياء والملائكة وازواج النبي صلى الله عليه وسلم وآله وذريته وأهل الطاعة على سبيل الإجمال وتكره في غير الأنبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعارا ولا سيما إذا ترك في حق مثله أو أفضل منه كما يفعله الرافضة فلو اتفق وقوع ذلك مفردا في بعض الاحايين من غير ان يتخذ شعارا لم يكن به بأس ولهذا لم يرد في حق غير من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقول ذلك لهم وهم من أدى زكاته الا نادرا كما في قصة زوجة جابر وآل سعد بن عبادة تنبيه اختلف في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي فقيل يشرع مطلقا وقيل بل تبعا ولا يفرد لواحد لكونه صار شعارا للرافضة ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني
قوله في ثاني حديثي الباب(6/86)
- عبد الله بن أبي بكر عن أبيه هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري مختلف في اسمه وقيل كنيته اسمه وروايته عن عمرو بن سليم من الأقران وولده من صغار التابعين ففي السند ثلاثة من التابعين في نسق والسند كله مدنيون قوله وذريته بضم المعجمة وحكى كسرها هي النسل وقد يختص بالنساء والاطفال وقد يطلق على الأصل وهي من ذرأ بالهمز أي خلق الا ان الهمزة سهلت لكثرة الاستعمال وقيل بل هي من الذر أي خلقوا أمثال الذر وعليه فليس مهموز الأصل والله اعلم واستدل به على ان المراد بآل محمد أزواجه وذريته كما تقدم البحث فيه في الكلام على آل محمد في الباب الذي قبله واستدل به على ان الصلاة على الآل لا تجب لسقوطها في هذا الحديث وهو ضعيف لأنه لا يخلو ان يكون المراد بالآل غير أزواجه وذريته أو أزواجه وذريته وعلى تقدير كل منهما لا ينهض الاستدلال على عدم الوجوب اما على الأول فلثبوت الأمر بذلك في غير هذا الحديث وليس في هذا الحديث المنع منه بل اخرج عبد الرزاق من طريق بن طاوس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن رجل من الصحابة الحديث المذكور بلفظ صل على محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته واما على الثاني فواضح واستدل به البيهقي على ان الأزواج من أهل البيت وأيده بقوله تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
مسلم في كتاب الصلاة
باب الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد التشهد(6/87)
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْمُجَمِرِ: أَنّ مُحمّدَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيّ (وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ هُوَ الّذِي كَانَ أُرِيَ النّدَاءَ بِالصّلاَةِ) أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ. فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا الله تَعَالَى أَنْ نُصَلّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللّهِ! فَكَيْفَ نُصَلّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى تَمَنّيْنَا أَنّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُولُوا: اللّهُمّ صَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمّدٍ كَمَا صَلّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. فِي الْعَالَمِينَ. إِنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَالسّلاَمُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ".
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحمّدُ بْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَىَ قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيّةً؟ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلّمُ عَلَيْكَ. فَكَيْفَ نُصَلّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللّهُمّ صَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمّدٍ كَمَا صَلّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللّهُمّ بَارِكْ علَى مُحَمّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. إِنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".(6/88)
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةُ وَمِسْعَرٍ عَنِ الْحَكَمِ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ مِسْعَرٍ: أَلاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيّةً.
حدّثنا مُحمّدُ بْنُ بَكّارٍ: عَنْ حَدثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيّاءَ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَعَنْ مِسْعَرٍ، وَعَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، كُلّهُمْ عَنِ الْحَكَمِ بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "وَبَارِكْ عَلَى مُحَمّدٍ" وَلَمْ يَقُلِ: "اللّهُمّ".
حدّثنا مُحمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا رَوْحٌ، وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ نَافِعٍ، ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لَهُ) قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحٌ عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ أَنّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ! كَيْفَ نُصَلّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللّهُمّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرّيّتِهِ. كَمَا صَلّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرّيّتِهِ. كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. إِنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله(6/89)
-اعلم أن العلماء اختلفوا في وجوب الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم عقب التشهد الأخير في الصلاة، فذهب أبو حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى والجماهير إلى أنها سنة لو تركت صحت الصلاة. وذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى إلى أنها واجبة لو تركت لم تصح الصلاة، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما، وهو قول الشعبي. وقد نسب جماعة الشافعي رحمه الله تعالى في هذا إلى مخالفة الإجماع ولا يصح قولهم فإنه مذهب الشعبي كما ذكرنا وقد رواه عن البيهقي في الاستدلال لوجوبها خفاء، وأصحابنا يحتجون بحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه المذكور هنا أنهم قالوا: كيف نصلي عليك يا رسول الله؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد آخره. قالوا: والأمر للوجوب، وهذا القدر لا يظهر الاستدلال به إلا إذا ضم إليه الرواية الأخرى: كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد إلى آخره، وهذه الزيادة صحيحة، رواها الإمامان الحافظان أبو حاتم بن حبان بكسر الحاء البستي والحاكم أبو عبد الله في صحيحهما. قال الحاكم: هي زيادة صحيحة. واحتج لها أبو حاتم وأبو عبد الله أيضاً في صحيحيهما بما روياه عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي لم يحمد الله ولم يمجده ولم يصل على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه وليصل على النبيّ صلى الله عليه وسلم وليدع ما شاء) قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وهذان الحديثان وإن اشتملا على ما لا يجب بالإجماع كالصلاة على الاَل والذرية والدعاء فلا يمتنع الاحتجاج بهما فإن الأمر للوجوب، فإذا خرج بعض ما يتناوله الأمر عن الوجوب بدليل. بقي الباقي على الوجوب والله أعلم. والوجوب عند أصحابنا اللهم صل على محمد وما زاد عليه سنة، ولنا وجه شاذ أنه يجب الصلاة على(6/90)
الاَل وليس بشيء والله أعلم. واختلف العلماء في آل النبيّ صلى الله عليه وسلم على أقوال: أظهرها وهو اختيار الأزهري وغيره من المحققين أنهم جميع الأمة. والثاني: بنو هاشم وبنو المطلب. والثالث: أهل بيته صلى الله عليه وسلم وذريته والله أعلم. قوله عن نعيم بن عبد الله المجمر هو بضم الميم وإسكان الجيم وكسر الميم وقد تقدم بيانه، وسبب تسميته المجمر وأنه صفة لنعيم أو لأبيه فيأول كتاب الوضوء. قوله: (عن أبي مسعود الأنصاري) هو البدري واسمه عقبة بن عمر وتقدم في آخر المقدمة في غيره. قوله: (أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟) معناه أمرنا الله تعالى بقوله تعالى: صلوا عليه وسلموا تسليماً، فكيف نلفظ بالصلاة؟ وفي هذا أن من أمر بشيء لا يفهم مراده يسأل عنه ليعلم ما يأتي به. قال القاضي: ويحتمل أن يكون سؤالهم عن كيفية الصلاة في غير الصلاة، ويحتمل أن يكون في الصلاة، قال: وهو الأظهر، قلت: وهذا ظاهر اختيار مسلم، ولهذا ذكر هذا الحديث في هذا الموضع. قوله: (فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله) معناه كرهنا سؤاله مخافة من أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم كره سؤاله وشق عليه. قوله صلى الله عليه وسلم: (والسلام كما قد علمتم) معناه قد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام على، فأما الصلاة فهذه صفتها، وأما السلام فكما علمتم في التشهد وهو قولهم: السلام عليك أيها النبيّ صلى الله عليه وسلم وبركاته. وقوله علمتم هو بفتح العين وكسر اللام المخففة، ومنهم من رواه بضم العين وتشديد اللام أي علمتكموه وكلاهما صحيح. قوله صلى الله عليه وسلم: (قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم) قال العلماء: معنى البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة، وقيل هو بمعنى التطهير والتزكية. واختلف العلماء في الحكمة في قوله: اللهم صل على(6/91)
محمد كما صليت على إبراهيم مع أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم صلى الله عليه وسلم. قال القاضي عياض رضي الله عنه: أظهر الأقوال أن نبينا صلى الله عليه وسلم سأل ذلك لنفسه ولأهل بيته ليتم النعمة عليهم كما أتمها على إبراهيم وعلى آله، وقيل بل سأل ذلك لأمته، وقيل: بل ليبقى ذلك له دائماً إلى يوم القيامة، ويجعل له به لسان صدق في الاَخرين كإبراهيم صلى الله عليه وسلم، وقيل: كان ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل من إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وقيل سأل صلاة يتخذه بها خليلاً كما اتخذ إبراهيم، هذا كلام القاضي، والمختار في ذلك أحد ثلاثة أقوال، أحدها: حكاه بعض أصحابنا عن الشافعي رحمه الله تعالى أن معناه صل على محمد وتم الكلام هنا، ثم استأنف وعلى آل محمد أي وصل على آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، فالمسؤول له مثل إبراهيم وآله هم آل محمد صلى الله عليه وسلم لا نفسه. القول الثاني: معناه اجعل لمحمد وآله صلاة منك كما جعلتها لإبراهيم وآله فالمسؤول المشاركة في أصل الصلاة لا قدرها.
القول الثالث: أنه على ظاهره والمراد اجعل لمحمد وآله صلاة بمقدار الصلاة التي لإبراهيم وآله والمسؤول مقابلة الجملة، فإن المختار في الاَل كما قدمناه أنهم جميع الأتباع، ويدخل في آل إبراهيم خلائق لا يحصون من الأنبياء، ولا يدخل في آل محمد صلى الله عليه وسلم نبي، فطلب إلحاق هذه الجملة التي فيها نبي واحد بتلك الجملة التي فيها خلائق من الأنبياء والله أعلم.(6/92)
قال القاضي عياض: ولم يجيء في هذه الأحاديث ذكر الرحمة على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد وقع في بعض الأحاديث الغريبة، قال: واختلف شيوخنا في جواز الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة فذهب بعضهم وهو اختيار أبي عمر بن عبد البر إلى أنه لا يقال وأجازه غيره وهو مذهب أبي محمد بن أبي زيد، وحجة الأكثرين تعليم النبيّ صلى الله عليه وسلم الصلاة وليس فيها ذكر الرحمة، والمختار أنه لا يذكر الرحمة، وقوله وبارك على محمد وعلى آل محمد قيل البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة وقيل الثبات على ذلك من قولهم بركت الإبل أي ثبتت على الأرض ومنه بركة الماء وقيل التزكية والتطهير من العيوب كلها.(6/93)
وقوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد احتج به من أجاز الصلاة على غير الأنبياء، وهذا مما اختلف العلماء فيه، فقال مالك والشافعي رحمهما الله تعالى والأكثرون: لا يصلي على غير الأنبياء استقلالاً، فلا يقال: اللهم صل على أبي بكر أو عمر أو علي أو غيرهم، ولكن يصلي عليهم تبعاً فيقال: اللهم صل على محمد وآل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته كما جاءت به الأحاديث. وقال أحمد وجماعة: يصلي على كل واحد من المؤمنين مستقلاً، واحتجوا بأحاديث الباب وبقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم صل على آل أبي أوفى، وكان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلى عليهم، قالوا: وهو موافق لقول الله تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته} واحتج الأكثرون بأن هذا النوع مأخوذ من التوقيف واستعمال السلف ولم ينقل استعمالهم ذلك بل خصوا به الأنبياء، كما خصوا الله تعالى بالتقديس والتسبيح، فيقال: قال الله سبحانه وتعالى، وقال الله تعالى، وقال عز وجل، وقال: جلت عظمته وتقدست أسماؤه، وتبارك وتعالى، ونحو ذلك. ولا يقال: قال النبيّ عز وجل وإن كان عزيزاً جليلاً، ولا نحو ذلك، وأجابوا عن قول الله عز وجل: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته} وعن الأحاديث بأن ما كان من الله عز وجل ورسوله فهو دعاء وترحم وليس فيه معنى التعظيم والتوقير الذي يكون من غيرهما.
وأما الصلاة على الاَل والأزواج والذرية فإنما جاء على التبع لا على الاستقلال، وقد بينا أنه يقال تبعاً لأن التابع يحتمل فيه ما لا يحتمل استقلالاً. واختلف أصحابنا في الصلاة على غير الأنبياء هل يقال هو مكروه أو هو مجرد ترك أدب؟ والصحيح المشهور أنه مكروه كراهة تنزيه. قال الشيخ أبو محمد الجويني: والسلام في معنى الصلاة فإن الله تعالى قرن بينهما فلا يفرد به غائب غير الأنبياء، فلا يقال أبو بكر وعمر وعلي عليهم السلام، وإنما يقول ذلك خطاباً للأحياء والأموات فيقال: السلام عليكم ورحمة الله والله أعلم.(6/94)
جملة من الأحاديث المروية في صفة الصلاة على سيدنا محمد عبد الله ورسوله
صلى الله عليه وسلم
البخاري في كتاب الدعوات
باب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
1- حدثنا آدم: حدثنا شُعبة: حدثنا الحكم قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد).
2- حدثنا إبراهيم بن حمزة: حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي، عن يزيد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري قال:
قلنا: يا رسول الله، هذا السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم).
- 3-حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك
عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرو بن سليم الزرقي قال:
أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد).
مسلم في كتاب الصلاة
باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد
1- حدثنا يحيى بن يحيى التميمي. قال: قرأت على مالك عن نعيم بن عبدالله المجمر؛ أن محمد بن عبدالله بن زيد الأنصاري (وعبدالله بن زيد هو الذي كان أري النداء بالصلاة) أخبره عن أبي مسعود الأنصاري؛ قال:(6/95)
أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة. فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك. يا رسول الله! فكيف نصلي عليك؟ قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى تمنينا أنه لم يسأله. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قولوا: اللهم! صل على محمد وعلى آل محمد. كما صليت على آل إبراهيم. وبارك على محمد وعلى آل محمد. كما باركت على آل إبراهيم. في العالمين إنك حميد مجيد. -والسلام كما قد علمتم".
2- حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار (واللفظ لابن المثنى) قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن الحكم. قال:
سمعت ابن أبي ليلى. فقال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك. فكيف نصلي عليك؟ قال "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد. كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد".
3- حدثنا زهير بن حرب وأبو كريب. قالا: حدثنا وكيع عن شعبة ومسعر عن الحكم، بهذا الإسناد، مثله. وليس في حديث مسعر: ألا أهدي لك هدية.
4- حدثنا محمد بن بكار. حدثنا إسماعيل بن زكرياء عن الأعمش، وعن مسعر، وعن مالك بن مغول، كلهم عن الحكم، بهذا الإسناد، مثله. غير أنه قال "وبارك على محمد" ولم يقل: اللهم.
5- حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير. حدثنا روح وعبدالله بن نافع. ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم (واللفظ له) قال:
أخبرنا روح عن مالك بن أنس، عن عبدالله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرو بن سليم. أخبرني أبو حميد الساعدي؛ أنهم قالوا: يا رسول الله! كيف نصلي عليك؟ قال "قولوا: اللهم! صل على محمد وعلى أزواجه وذريته. كما صليت على آل إبراهيم. وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته. كما باركت على آل إبراهيم. إنك حميد مجيد".
ابن خزيمة(6/96)
باب صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سئل قد علمنا السلام عليك وكيف الصلاة عليك في التشهد
1- أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا أبو الأزهر وكتبته من أصله نا يعقوب نا أبي عن بن إسحاق قال وحدثني في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا المرء المسلم صلى عليه في صلاته محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقال يا رسول الله أما السلام فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا صلى الله عليك قال فصمت حتى أحببنا أن الرجل لم لم يسأله ثم قال إذا أنتم صليتم علي فقولوا اللهم صلي على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
ابن حبان
ذكر وصف الصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يتعقب السلام الذي وصفنا
1- أخبرنا الحسن بن سفيان قال أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن مسعر عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد
ذكر البيان بأن القوم إنما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن وصف الصلاة التي أمرهم الله جل وعلا أن يصلوا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم(6/97)
2- أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان الطائي قال أخبرنا أحمد بن أبي بكر عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال بشير بن سعد أمرنا الله يا رسول الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد -والسلام كما قد علمتم
ذكر البيان بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سئل عن الصلاة عليه في الصلاة عند ذكرهم إياه في التشهد
3- أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة وكتبته من أصله قال حدثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر وكتبته من أصله قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثنا أبي عن بن إسحاق قال وحدثني في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا المرء المسلم صلى عليه في صلاته محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبي مسعود قال أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقال يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا صلى الله عليك قال فصمت حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله قال إذا صليتم علي فقولوا اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
ذكر الأخبار المفسرة لقوله جل وعلا { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }(6/98)
5- أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا وكيع عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قال لي كعب بن عجرة ألا أهدي لك هدية خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
النسائي
باب الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
1- أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم قال حدثني مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري وعبد الله بن زيد الذي أري النداء بالصلاة أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال:
-أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله عز وجل أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد -والسلام كما علمتم.
باب كيف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
2- أخبرنا زياد بن يحيى قال حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد قال حدثنا هشام ابن حسان عن محمد عن عبد الرحمن بن بشر عن أبي مسعود الأنصاري قال:
-قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نصلي عليك ونسلم أما السلام فقد عرفناه فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم اللهم بارك على محمد كما باركت على ابرهيم.
نوع آخر.
3- أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار من كتابه قال حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن سليمان عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال:(6/99)
-قلنا يارسول الله السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد قال ابن أبي ليلى ونحن نقول وعلينا معهم قال أبو عبد الرحمن حدثنا به من كتابه وهذا خطأ.
4- أخبرنا القاسم بن زكريا قال حدثنا حسين عن زائدة عن سليمان عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب ابن عجرة قال:
-قلنا يا رسول الله السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد قال عبد الرحمن ونحن نقول وعلينا معهم قال أبو عبد الرحمن وهذا أولى بالصواب من الذي قبله ولا نعلم أحدا قال فيه عمرو بن مرة غير هذا والله تعالى أعلم.
5- أخبرنا سويد ابن نصر قال حدثنا عبد الله عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال:
-قال لي كعب ابن عجرة ألا أهدي لك هدية قلنا يا رسول الله قد عرفنا كيف السلام عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
نوع آخر.
6- أخبرنا اسحق بن إبراهيم قال أنبأنا محمد بن بشر قال حدثنا مجمع بن يحيى عن عثمان ابن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال:
-قلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
7- أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد قال حدثنا عمي قال حدثنا شريك عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه:(6/100)
-أن رجلا أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال كيف نصلي عليك يا نبي الله قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
8- أخبرنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في حديثه عن أبيه عن عثمان بن حكيم عن خالد بن سلمة عن موسى بن طلحة قال سألت زيد بن خارجة قال:
-أنا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلوا علي واجتهدوا في الدعاء وقولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.
نوع آخر.
9- أخبرنا قتيبة قال حدثنا بكر وهو ابن مضر عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري قال:
-قلنا يا رسول الله السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم.
نوع آخر.
- أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي قال أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا:
-يارسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته في حديث الحارث كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته قالا جميعا كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد قال أبو عبد الرحمن أنبأنا قتيبة بهذا الحديث مرتين ولعله أن يكون قد سقط عليه منه شطر.
أبو يعلى(6/101)
1-حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر العبدي حدثنا مجمع بن يحيى عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف السلام عليك فكيف الصلاة قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
وعن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صلي على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم
2- حدثنا محمد بن عباد المكي حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال حدثنا المسعودي عن عون عن أبي فاختة عن الأسود عن عبد الله قال إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قالوا فعلمنا يا أبا عبد الرحمن قال قولوا اللهم أجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
3- حدثناه محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا محمد بن بشر حدثنا مجمع بن يحيى الأنصاري حدثنا عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال قلت يا رسول الله كيف الصلاة عليك فقال قل اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
ابن أبي شيبة
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كيف هي(6/102)
1- حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك قال : " قولوا أللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد "
2- حدثنا خالد بن مخلد عن عبد الله بن جعفر عن يزيد بن الهاد عن عبد الله بن حباب عن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة قال : " قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم " .
3- حدثنا محمد بن بشر عن مجمع بن يحيى عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة قال : " قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " .
4- حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا زهير قال ثنا محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث عن محمد بن عبد الله بن زيد عن عقبة بن عمرو قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل حتى جلس بين يديه فقال يا رسول الله أما السلام عليك فقد علمناه وأما الصلاة فأخبرنا بها كيف نصلي عليك قال فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وددنا أن الرجل الذي سأله لم يسأله ثم قال : " إذا صليتم علي فقولوا اللهم صل على محمد النبي الامي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد النبي الامي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " .
5- حدثنا هشيم قال أخبرنا يونس ومنصور وعوف عن الحسن قالوا يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة قال : " قولوا اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
أحمد(6/103)
1-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن بشر حدثنا مجمع بن يحيى الأنصاري حدثنا عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال:
-قلت: يا رسول الله كيف الصلاة عليك قال: قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
2- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو عامر حدثنا سليمان بن سفيان المدايني حدثني بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم:
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا عبد الله بن جعفر الزاهري عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري -قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك قد علمناه فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صلي على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم.
3-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة:
-أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
4- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال حدثني الحكم عن ابن أبي ليلى قال وحدثنا محمد بن جعفر أنبأنا شعبة عن الحكم قال:(6/104)
-سمعت ابن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة قال ابن جعفر قال ألا أهدي لك هدية خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله قد علمنا أو عرفنا كيف السلام عليك فكيف الصلاة قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
5- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عثمان بن عمر أنبأنا مالك عن نعيم المجمر عن محمد يعني ابن عبد الله عن أبي مسعود قال:
-قيل يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد قال عبد الله وقال أبي وقرأت هذا الحديث على عبد الرحمن مالك عن نعيم بن عبد الله أن محمد بن عبد الله بن زيد أخبره عن أبي مسعود.
6-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة:
-أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
7 - حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال حدثني الحكم عن ابن أبي ليلى قال وحدثنا محمد بن جعفر أنبأنا شعبة عن الحكم قال:
-سمعت ابن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة قال ابن جعفر قال ألا أهدي لك هدية خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله قد علمنا أو عرفنا كيف السلام عليك فكيف الصلاة قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.(6/105)
8حدثنا عبد الله حدثني أبي قال: قرأت على عبد الرحمن مالك وحدثنا إسحاق أخبرني مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أن محمداً بن عبد الله بن زيد النصاري في حديث عبد الرحمن وعبد الله بن زيد هو الذي كان أري النداء بالصلاة أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال:
-أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد-- والسلام كما قد علمتم.
مالك
باب ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
1- حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي أنه قال أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
2+ وحدثني عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن محمد بن عبد الله بن زيد إنه أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد --والسلام كما قد علمتم
أبو داود
باب الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد التشهد
1ـ حدثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة قال:(6/106)
قلنا، أو قالوا: يارسول اللّه، أمرتنا أن نصلي عليك وأن نسلم عليك، فأمَّا السلام فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمدٍ وآل محمدٍ، كما باركت على آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيدٌ".
2ـ حدثنا مسدد، ثنا يزيد بن زريع؛ ثنا شعبة بهذا الحديث قال:
"صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليت على آل إبراهيم".
3ـ حدثنا محمد بن العلاء، ثنا ابن بشر، عن مسعر، عن الحكم بإِسناده بهذا، قال:
"اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركت على آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيدٌ".
قال أبو داود: رواه الزبير بن عديٍّ عن ابن أبي ليلى كما رواه مسعر إلا أنه قال: "كما صليت على آلِ إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، وبارك على محمدٍ" وساق مثله.
4ـ حدثنا القعنبي، عن مالك، ح وثنا ابن السرح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك، عن عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن عمرو بن سليم الزرقيِّ، أنه قال: أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا:
يارسول اللّه، كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: "اللهم صلِّ على محمدٍ وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيدٌ".
5ـ حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نعيم بن عبد اللّه المجمر أن محمد بن عبد اللّه بن زيد وعبد اللّه بن زيد هو الذي أريَ النداء بالصلاة أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال:(6/107)
أتانا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا اللّه أن نصلي عليك يارسول اللّه، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "قولوا" فذكر معنى حديث كعب بن عجرة. زاد في آخره: "في العالمين إنك حميدٌ مجيدٌ".
6ـ حدثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن محمد بن عبد اللّه بن زيد، عن عقبة بن عمرو بهذا الخبر، قال:
"قولوا: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ النبيِّ الأميِّ وعلى آل محمدٍ".
982ـ حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حبان بن يسار الكلابي، حدثني أبو مطرف عبيد اللّه بن طلحة بن عبيد اللّه بن كريز، حدثني محمد بن علي الهاشمي، عن المجمر، عن أبي هريرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سره أن يكتالَ بالمكيالِ الأوفى إذا صلَّى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صلِّ على محمدٍ النبيِّ وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد
ابن ماجه
باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
1 - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا خالد بن مخلد. ح وحدثنا محمد بن المثنى. حدثنا أبو عامر؛ قال: أنبأنا عبد الله بن جعفر، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري؛ قال:
- قلنا يا رسول الله! هذا السلام عليك قد عرفناه. فكيف الصلاة؟ قال ((قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم)).
2- حدثنا علي بن محمد. حدثنا وكيع. حدثنا شعبة. ح وحدثنا محمد بن بشار. حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن جعفر. قالا: حدثنا شعبة، عن الحكم؛ قال: سمعت ابن ليلى، قال:(6/108)
- لقيني كعب بن عجزة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلنا قد عرفنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم. إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم. إنك حميد مجيد)).
3 - حدثنا عمار بن طالوت. حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون. حدثنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي حميد الساعدي؛ أنهم قالوا:
- يا رسول الله! امرنا بالصلاة عليك. فكيف نصلي عليك؟ فقال ((قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم. وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد)).
4- حدثنا الحسن بن بيان. حدثنا زياد بن عبد الله. حدثنا المسعودي، عن عون بن عبد الله، عن أبي فاختة، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود؛ قال:
- إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه. فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه. قال فقولوا له: فعلمنا. قال، قولوا: اللهم اجعل صلاتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين، محمد عبدك ورسولك، إمام الخير، وقائد الخير، ورسول الرحمة. اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
الدارمي
باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم(6/109)
1- أخبرنا أبو الوليد الطيالسي ثنا شعبة قال الحكم أخبرني قال : سمعت ابن أبي ليلى يقول لقيني كعب بن عجرة قال ألا أهدي إليك هدية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا قد علمنا كيف السلام عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم انك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم انك حميد مجيد
2- أخبرنا عبيد الله بن عبد المجيد حدثنا مالك عن نعيم المجمر مولى عمر بن الخطاب ان محمد بن عبد الله بن زيد الأنصارى الذي كان أري النداء بالصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره ان أبا مسعود الأنصارى قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس معنا في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد وهو أبو النعمان بن بشير أمرنا الله ان نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك قال : فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا انه لم يسأله ، ثم قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم
الترمذي
باب ما جاء في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
1- حدثنا محمود بن غيلان قال حدثني أبو أسامة عن مسعر والأجلح ومالك بن مغول عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: قلنا يا رسول الله، هذا السلام عليك قد علمنا فكيف الصلاة عليك؟ قال:
- "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد".
قال محمود قال أبو أسامة: زادني زائدة عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ونحن نقول: وعلينا معهم.
وفي الباب عن علي وأبي حميد وأبي مسعود وطلحة وأبي سعيد وبريدة وزيد بن خارجة، ويقال ابن جارية وأبي هريرة.(6/110)
قال أبو عيسى: حديث كعب بن عجرة حديث حسن صحيح.
وعبد الرحمن بن أبي ليلى كنيته أبو عيسى. وأبو ليلى اسمه يسار.
البيهقي
باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد
1- أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني من أصل كتابه ثنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا عبد الله بن نافع ثنا مالك ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا يحيى بن منصور القاضي ثنا محمد بن عبد السلام الوراق ثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري وعبد الله بن زيد هو الذي كان أرى النداء بالصلاة أخبره عن أبي مسعود قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله أن نصلى عليك يا رسول الله فكيف نصلى عليك قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد --والسلام كما قد علمتم لفظ حديث يحيى رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى إلا أنه قال كما باركت على إبراهيم(6/111)
2- أخبرنا أبو طاهر الفقيه من أصله أنبأ أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال البزاز ثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى ثنا الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق ثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر وكتبته من أصله ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثني أبي عن بن إسحاق قال وحدثني في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا المرىء المسلم صلى عليه في صلاته محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقال يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا صلى الله عليك قال فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله ثم قال إذا أنتم صليتم علي فقولوا اللهم صل على محمد النبي الأمى وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد لفظهما سواء قال أبو عبد الله هذا حديث صحيح بذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات وأخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنبأ علي بن عمر الحافظ ثنا أبو بكر هو بن زياد النيسابوري ثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر فذكره بنحوه ثم قال على هذا إسناد حسن متصل قال الشيخ وقد روي عن زهير بن حرب عن يعقوب بن إبراهيم بنحوه(6/112)
3- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني عبد الرحمن بن الحارث بن الحسن بن أحمد الأسدي أنبأ إبراهيم بن الحسن ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شعبة ثنا الحكم قال سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول لقيني كعب بن عجره فقال لي ألا أهدى لك هدية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا له يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد رواه البخاري في الصحيح عن آدم وقال كما باركت على إبراهيم وأخرجه مسلم من وجه آخر عن شعبة كذلك وقوله في الحديث قد علمنا كيف نسلم إشارة إلى السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فقوله فكيف نصلي عليك أيضا يكون المراد به في القعود للتشهد
4- وقد أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ الربيع بن سليمان أنبأ الشافعي أنبأ إبراهيم بن محمد حدثني سعد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الصلاة اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد
5- أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد الصفار ثنا بن ملحان ثنا بن بكير ثنا الليث عن بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد قال قلنا يا رسول الله هذا السلام فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم وفي هذا أيضا إشارة إلى ما أشار إليه حديث كعب بن عجرة وقد رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف عن الليث
الدارقطني
ذكر وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد واختلاف الروايات في ذلك(6/113)
[ 1 ] حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد الزعفراني ثنا عثمان بن صالح الخياط ثنا محمد بن بكر ثنا عبد الوهاب بن مجاهد حدثني مجاهد حدثني ابن أبي ليلى أو أبو معمر قال علمني بن مسعود التشهد ، وقال علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعلمنا السورة من القرآن التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وعلى آل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى أهل بيته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم صل علينا معهم اللهم بارك علينا معهم صلوات الله وصلوات المؤمنين على محمد النبي الأمي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال : وكان مجاهد يقول إذا سلم فبلغ وعلى عباد الله الصالحين فقد سلم على أهل السماء وأهل الأرض بن مجاهد ضعيف الحديث
[ 2 ] حدثنا أبو بكر النيسابوري ثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي عن ابن إسحاق قال وحدثني في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا المرء المسلم صلى عليه في صلاته محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصارى أخي بالحارث بن الخزرج عن أبي مسعود الأنصارى عقبة بن عمرو قال أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده ، فقال : يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا قال : فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله ، ثم قال إذا صليتم علي فقولوا اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد هذا إسناد حسن متصل
الحاكم(6/114)
] محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقال يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا صلى الله عليك قال فصمت حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله ثم قال إذا أنتم صليتم علي فقولوا اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه فذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات
الشافعي
1-أخبرنا إبراهيم بن محمد أخبرنا صفوان بن سليم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أنه قال يا رسول الله كيف نصلي عليك يعني في الصلاة فقال تقولون اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم تسلمون علي
2-أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثني سعد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الصلاة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد
ابو الجعد
حدثنا علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن الحكم قال سمعت بن أبي ليلى يقول لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف السلام عليك فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد
الياقوتة 20(6/115)
*حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو عامر حدثنا سليمان بن سفيان المدايني حدثني بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم:
-كان إذا رأى الهلال قال: اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والاسلام ربي وربك الله.
رواه أحمد في مسند أبي محمد طلحة بن عبيد الله رضي الله
وأخرجه الترمذي في كتاب الدعوات
حدثنا محمد بن بشار أخبرنا أبو عامر العقدي أخبرنا سليمان بن سفيان المديني قال حدثني بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جده طلحة بن عبيد الله
- "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام. ربي وربك الله". هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
شرح فيض القدير الامام محمد عبد الرؤوف المناوي
(كان إذا رأى الهلال قال اللّهم أهله) قال الطيبي: روي بالفك والإدغام (علينا باليمن والإيمان والسلام والإسلام) وزاد قوله (ربي وربك اللّه) لأن أهل الجاهلية فيهم من يعبد القمرين فكأنه يناغيه ويخاطبه فيقول أنت مسخر لنا لتضيء لأهل الأرض ليعلموا عدد السنين والحساب قال القاضي: الإهلال في الأصل رفع الصوت ثم نقل إلى رؤية الهلال لأن الناس يرفعون أصواتهم إذا رأوه بالإخبار عنه ولذلك سمي الهلال هلالاً لأنه سبب لرؤيته ومنه إلى إطلاعه وهو في الحديث بهذا المعنى أي أطلعه علينا وأرنا إياه مقترناً باليمن والإيمان انتهى.
قال التوربشتي: وقوله ربي وربك اللّه تنزيه للخالق أن يشاركه في تدبير ما خلق شيء، وفيه رد للأقاويل الداحضة في الآثار العلوية بأوجز لفظ وفيه تنبيه على أن الدعاء مستحب سيما عند ظهور الآيات وتقلب الأحوال النيرات وعلى أن التوجه فيه إلى الرب لا إلى المربوب والالتفات في ذلك إلى صنع الصانع لا إلى المصنوع ,(6/116)
وقال الطيبي: لما قدم في الدعاء قوله الأمن والإيمان والسلامة والإسلام طلب في كل من الفقرتين دفع ما يؤذيه من المضار وجلب ما يرفقه من المنافع وعبر بالإيمان والإسلام عنها دلالة على أن نعمة الإيمان والإسلام شاملة للنعم كلها ومحتوية على المنافع بأسرها فدل على أن عظم شأن الهلال حيث جعل وسيلة لهذا المطلوب فالتفت إليه قائلاً ربي وربك اللّه مقتدياً بأبيه إبراهيم حيث قال {لا أحب الآفلين} بعد قوله {هذا ربي} واللطف فيه أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم جمع بين طلب دفع المضار وجلب المنافع في ألفاظ يجمعها معنى الاشتقاق.
- (حم ت) في الدعوات (ك) في الأدب كلهم من حديث سليمان بن سفيان عن بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد اللّه عن أبيه (عن) جده (طلحة بن عبيد اللّه) أحد العشرة
قال الترمذي: حسن غريب وهو مستند المصنف ( السيوطي في الجامع الصغير) في رمزه لحسنه ونوزع بأن الحديث عد من منكرات سليمان وقد ضعفه المديني وأبو حاتم والدارقطني وقال: لين ليس ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ وقال الحافظ ابن حجر: صححه الحاكم وغلط في ذلك فإن فيه سليمان بن سفيان ضعفوه وإنما حسنه الترمذي لشواهده انتهى.
ومن لطائف إسناده أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده.
وجاء في تحفة الأحوذي قول المباركفوري(6/117)
* حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ الْمَدِينِيُّ حَدَّثَنِي بِلَالُ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ {أَنَّ النَّبِيَّ ( كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ}(1) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ قَوْلُهُ: حَدَّثَنِي بِلَالُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ لَيِّنٌ مِنَ السَّابِعَةِ عَنْ أَبِيهِأَيْ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ. قَوْلُهُ: كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ وَهُوَ يَكُونُ مِنَ اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ثُمَّ هُوَ قَمَرٌ ( اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ الْإِهْلَالِ قَالَ الطِّيبِيُّ: يُرْوَى مُدْغَمًا وَمَفْكُوكًا أَيْ أَطْلِعْهُ ( عَلَيْنَا ) مُقْتَرِنًا ( بِالْيُمْنِ ) أَيِ الْبَرَكَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْأَمْنِ ( وَالْإِيمَانِ ) أَيْ بِدَوَامِهِ ( وَالسَّلَامَةِ ) أَيْ عَنْ كُلِّ مَضَرَّةٍ وَسُوءٍ ( وَالْإِسْلَامِ ) أَيْ دَوَامِهِ.(6/118)
قَالَ الْقَارِي: قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَائِنَا: الْإِهْلَالُ فِي الْأَصْلِ رَفْعُ الصَّوْتِ نُقِلَ مِنْهُ إِلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ ما يقال عنده لِأَنَّ النَّاسَ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ إِذَا رَأَوْهُ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ؛ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْهِلَالُ هِلَالًا نُقِلَ مِنْهُ إِلَى طُلُوعِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِرُؤْيَتِهِ وَمِنْهُ إِلَى إِطْلَاعِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ بِهَذَا الْمَعْنَى: أَيْ أَطْلِعْهُ عَلَيْنَا وَأَرِنَا إِيَّاهُ مُقْتَرِنًا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ أَيْ بَاطِنًا وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ أَيْ ظَاهِرًا، وَنَبَّهَ بِذِكْرِ الْأَمْنِ وَالسَّلَامَةِ عَلَى طَلَبِ دَفْعِ كُلِّ مَضَرَّةٍ وَبِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى جَلْبِ كُلِّ مَنْفَعَةٍ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ وَأَوْجَزِ عِبَارَةٍ انْتَهَى.
( رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ ) خِطَابٌ لِلْهِلَالِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ. وَلَمَّا تَوَسَّلَ بِهِ لِطَلَبِ الْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ دَلَّ عَلَى عِظَمِ شَأْنِ الْهِلَالِ فَقَالَ مُلْتَفِتًا إِلَيْهِ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ تَنْزِيهًا لِلْخَالِقِ أَنْ يُشَارَكَ فِي تَدْبِيرِ مَا خَلَقَ وَرَدَّ الْأَقَاوِيلَ دَاحِضَةً فِي الْآثَارِ الْعُلْوِيَّةِ.
قَوْلُهُ: ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ وَزَادَ: وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى.
***الدارمي
*أخبرنا سعيد بن سليمان عن عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم حدثني أبي عن أبيه وعمه عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحب ربنا ويرضى ربنا وربك الله
***الحاكم(6/119)
*أخبرنا عبد الله بن إسحاق الخراساني العدل ثنا أحمد بن زياد بن مهران ثنا أبو عامر العقدي ثنا سليمان بن سفيان المديني حدثني بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جده رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله
*** ابن حبان
ذكر ما يقول المرء إذا رأى الهلال أول ما يراه
* أخبرنا الحسن بن سفيان قال حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي قال حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب عن أبيه وعن عمه عن بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما نحب وترضى ربنا وربك الله
+
أبو يعلى
* حدثنا أبو موسى حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا سليمان بن سفيان المدني حدثنا بلال بن يحيى بن طلحة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله
* حدثنا أبو موسى هارون بن عبد الله الحمال حدثنا أبو عامر حدثني سليمان بن سفيان قال سمعت بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله يحدث عن أبيه عن جده قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نظر إلى الهلال قال اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله
- (كان إذا رأى الهلال صرف وجهه عنه) حذراً من شره لقوله لعائشة فيما رواه الترمذي استعيذي باللّه من شره فإنه الغاسق إذا وقب أو أن حكمة صرف وجهه عنه الجنوح إلى قول أبيه إبراهيم {لا أحب الآفلين} والهلال يكون من أول ليلة [ص 135] والثانية والثالثة ثم هو قمر.(6/120)
- (د) من رواية أبي هلال محمد بن سليم الراسبي (عن قتادة) بن دعامة (مرسلاً) قال ابن حجر عن المنذري: هلال لا يحتج به قال: وقد وجدت لهذا المرسل شاهداً مرسلاً أيضاً أخرجه مسدد في مسنده الكبير ورجاله ثقات ووجدت له شاهداً موصولاً عند أبي نعيم وهو بعض حديث ورجاله ثقات إلا واحداً انتهى.
* - (كان إذا رأى الهلال قال هلال خير) أي بركة (ورشد آمنت بالذي خلقك ثلاثاً) أي يكرر ذلك ثلاثاً (ثم يقول) بعده (الحمد للّه الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا) قال الطيبي: إما أن يراد بالحمد الثناء على قدرته بأن مثل هذا الإذهاب العجيب وهذا المجيء الغريب لا يقدر عليه إلا اللّه أو يراد به الشكر على ما أولى العباد بسبب الانتقال من النعم الدينية والدنيوية ما لا يحصى وينصر هذا التأويل قوله هلال خير.
* - (د عن قتادة بلاغاً) أي أنه قال: بلغنا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يقوله (ابن السني عن أبي سعيد) الخدري قال ابن القيم: فيه وفيما قبله لين، قال الحافظ العراقي: وأسنده أيضاً الدارقطني في الأفراد والطبراني في الأوسط عن أنس وقال أبو داود: ليس في هذا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حديث مسند صحيح.
* - (كان إذا رأى الهلال قال هلال خير ورشد) أي هاد إلى القيام بعبادة الحق تعالى يحدث عن ميقات الحج والصوم وغيرهما {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} (اللّهم إني أسألك من خير هذا ثلاثاً) أي كرر ذلك ثلاثاً ثم يقول (اللّهم إني أسألك من خير هذا الشهر وخير القدر) بالتحريك (وأعوذ بك من شره) أي من شر كل منهما يقول ذلك (ثلاث مرات)(6/121)
قال الحكيم: اليمن السعادة والإيمان والطمأنينة باللّه كأنه سأله دوامها والسلامة والإسلام أن يدوم له الإسلام ويسلم له شهره فإن للّه في كل شهر حكماً وقضاء في الملكوت فالمحرّم شهره ورجب صفوته ورمضان مختاره وفيه تنبيه على ندب الدعاء سيما عند ظهور الآيات وتقلب أحوال النيرات وعلى أن التوجه فيه إلى الرب لا إلى المربوب والتفات في ذلك إلى صنع الصانع لا إلى المصنوع ذكره التوربشتي.
* (طب عن رافع بن خديج) قال الهيثمي: إسناده حسن.
(كان إذا رأى الهلال قال اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر الحمد للّه لا حول ولا قوة إلا باللّه اللّهم إني أسألك من خير هذا الشهر وأعوذ بك من شر القدر) محركاً (ومن شر يوم المحشر) بفتح فسكون ففتح موضع الحشر كفلس بمعنى المحشور أي المجموع فيه الناس ولا شر ولا خير أعظم من يوم المحشر وخيره ولا مساوي ولا مغارب كيف وهو يوم الفزع الأعظم.
* (حم طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: فيه راو لم يسم وقال شيخه الحافظ العراقي: رواه عنه أيضاً ابن أبي شيبة وأحمد في مسنديهما وفيه من لم يسم بل قال الراوي: حدثني من لا أتهم انتهى. وقال ابن حجر: غريب ورجاله موثقون إلا من لم يسم.
*- (كان إذا رأى الهلال قال اللّهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق) أي خلق قدرة الطاعة فينا (لما تحب وترضى ربنا وربك اللّه) قال البعض: هذا تنزيه للخالق أن يشاركه في تدبير ما خلق شيء وفيه رد للأقاويل الداحضة في الآثار العلوية بأوجز ممكن ذكره التوربشتي.
* (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عثمان بن إبراهيم الحاطبي وهو ضعيف وبقية رجاله ثقات.(6/122)
* (كان إذا رأى الهلال قال اللّهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والسكينة والعافية والرزق الحسن) لما قدم في الدعاء قوله الأمن والإيمان والسلامة والإسلام كل من القرينتين دفع ما يؤذيه من المضار وجلب ما ينفعه من المنافع وعبر بالإيمان والإسلام عنها دلالة على أنه نعمة الإيمان والإسلام شاملة للنعم ومحتوية على المنافع بأسرها.
* (ابن السني عن جرير بن أنس السلمي) قال الذهبي: لا صحبة له.
* (كان إذا رأى الهلال قال هلال خير الحمد للّه الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا أسألك من خير هذا الشهر ونوره وبركته وهداه وظهوره ومعافاته) فيه كما قبله دلالة على عظم شأن الهلال حيث جعله وسيلة لمطلوبه وسأله من بركته وظهوره.
* (ابن السني عن عبد اللّه بن مطرف) بضم الميم وفتح المهملة وشد الراء وبالفاء ويقال ابن أبي مطرف الأزدي شامي قال الذهبي: يروى له حديث لا يثبت قاله البخاري
*** أبو داود
- باب ما يقول الرجل إذا رأى الهلال
5092ـ حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبان، ثنا قتادة،
أنه بلغه أن نبيَّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: "هلال خيرٍ ورشدٍ، هلال خيرٍ ورشدٍ، هلال خيرٍ ورشدٍ، آمنت بالذي خلقك" ثلاث مرات، ثم يقول: "الحمد للّه الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا".
ابن أبي شيبة
ما يدعو به الرجل إذا رأى الهلال
( 1 ) حدثنا محمد بن بشر حدثنا عبد العزيز بن عمر قال حدثني من لا أتهم من أهل الشام عن عبادة بن الصامت قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال : " الله الكبر الله أكبر الحمد لله لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم إني أسألك خير هذا الشهر وأعوذ بك من شر القدر وأعوذ بك من شر يوم الحشر " . - رواه الامام أحمد في مسنده 5 / 329 عن صاحب المصنف(6/123)
( 2 ) حدثنا حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال : انصرفت مع سعيد بن المسيب فقلنا : هذا الهلال يا أبا محمد ، فلما أبصره قال : " آمنت بالذي خلقك فسواك فعدلك " ، ثم التفت إلي فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال هكذا .
( 3 ) حدثنا وكيع حدثنا زكريا عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن علي رضي الله عنه . قال : إذا رأى أحدكم الهلال فلا يرفع به رأسا بل يكفي أحدكم أن يقول : ربي وربك الله .
4 () حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة أن عليا كان يقول إذا رأى الهلال : اللهم ارزقنا أهله خيره ونصره وبركته ونوره ، ونعوذ بك من شره وشر ما بعده .
( 5 ) حدثنا يعلى بن عبيد قال حدثنا حجاج بن دينار عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس أنه كره أن ينضب الهلال ولكن يعترض فيقول : الله أكبر الحمد لله الذي أذهب هلال كذا وكذا وجاء بهلال كذا وكذا .
( 6 ) حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا سعيد عن قتادة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال : " هلال خير ورشد ، هلال رشد وخير ، هلال خير ورشد ، آمنت بالذي خلقك - ثلاثا ، الحمد لله ذهب هلال كذا وكذا وجاء هلال كذا وكذا .
( 7 ) حدثنا حسين بن على قال سألت هشام بن حسان : أي شئ يقول إذا رأى الهلال ؟ قال : كان يقول : " اللهم اجعله شهر بركة ونور وأجر ومعافاة ، اللهم إنك قاسم بين عباد من عبادك فيه خيرا فآقسم لنا فيه من خير ما تقسم لعبادك الصالحين " .
( 8 ) حدثنا حسين بن علي قال : سألت ابن جريج فذكر عن عطاء أن رجلا أهل هلالا بفلاة من الارض ، قال : فسمع قائلا يقول : اللهم أهله علينا بالامن والايمان والسلامة والاسلام والهدى والمغفرة والتوفيق لما ترضى والحفظ مما تسخط ، ربي وربك الله ، قال : فلم يتمهن حتى حفظتهن ولم أر أحدا .
( 9 ) حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن مغيرة عن إبراهيم قال : كان يعجبهم إذا رأى الرجل الهلال أن يقول : ربي وربك الله(6/124)
6 الزبير بن العوام
رضي الله عنه
*نِسْبَةُ الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
الزُّبَيْرُ بن الْعَوَّامِ بن خُوَيْلِدِ بن أَسَدِ بن عَبْدِ الْعُزَّى بن قُصَيِّ بن كِلابِ بن مُرَّةَ بن كَعْبِ بن لُؤَيِّ بن غَالِبِ بن فِهْرِ بن مَالِكٍ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، وَأُمُّهُ صَفِيَّةُ بنتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَمْرِو بن خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ : فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بني أَسَدِ بن عَبْدِ الْعُزَّى : الزُّبَيْرُ بن الْعَوَّامِ بن خُوَيْلِدِ بن أَسَدٍ .
- حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ ، قَالَ : كَانَ الزُّبَيْرُ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ .
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ الْيَرْمُوكُ ، قَالُوا لِلزُّبَيْرِ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ .
*صِفَةُ الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بن بَكَّارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن يَحْيَى بن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ ، يَقُولُ : كَانَ الزُّبَيْرُ بن الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبْيَضَ طَوِيلا مُحَفَّفًا ، خَفِيفَ الْعَارِضَيْنِ .(7/1)
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بن بَكَّارٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو غَزِيَّةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ الزُّبَيْرُ بن الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طَوِيلا يَخُطُّ رِجْلاهُ الأَرْضَ ، إِذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ أَشْعَرَ ، وَرُبَّمَا أَخَذْتُ بِشَعْرِ كَتِفَيْهِ .
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن هَارُونَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، قَالَ : سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلا ، يَقُولُ : أَنَا ابْنُ حَوَارِيِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : إِنْ كُنْتَ مِنْ آلِ الزُّبَيْرِ وَإِلا فَلا.
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن عَبْدِ اللَّهِ الأَوْدِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : أَوَّلُ مَنْ سَلَّ سَيْفًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الزُّبَيْرُ بن الْعَوَّام(7/2)
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بن الْوَلِيدِ الْبَجَلِيُّ ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بن يَزِيدَ الْوَرْتَنِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بن سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن عَقِيلٍ ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ : مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ بني قُرَيْظَةَ ؟ ثُمَّ نَدَبَهُمُ الثَّانِيَةَ ، ثُمَّ نَدَبَهُمُ الثَّالِثَةَ ، فَانْتُدِبَ الزُّبَيْرُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ.
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بن عَوْنٍ الْمَسْعُودِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْقَاسِمِ الأَسَدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَشَرِيكٌ ، وَأَبُو بَكْرِ بن عَيَّاشٍ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ زِرٍّ ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ.(7/3)
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا سِكِّينُ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بن خَالِدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي شَيْخٌ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الْمَوْصِلِ ، قَالَ : صَحِبْتُ الزُّبَيْرَ بن الْعَوَّامِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، فَأَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ بِأَرْضٍ قَفْرٍ ، فَقَالَ : اسْتُرْنِي ، فَسَتَرْتُهُ ، فَحَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ إِلَيْهِ ، فَرَأَيْتُهُ مُجَدَّعًا بِالسُّيُوفِ ، قُلْتُ : وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ بِكَ آثَارًا مَا رَأَيْتُهَا بِأَحَدٍ قَطُّ ! قَالَ : وَقَدْ رَأَيْتَ ذَلِكَ ؟ ، قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ مَا مِنْهَا جِرَاحَةٌ إِلا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ ، عَنْ عُرْوَةَ ، قَالَ : نَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى سِيمَاءِ الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ وَهُوَ مُعْتَجِمٌ بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ .
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا جَامِعٌ أَبُو سَلَمَةَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الْبَهِيِّ ، قَالَ : كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارِسَانِ : الزُّبَيْرُ بن الْعَوَّامِ عَلَى فَرَسٍ عَلَى الْمَيْمَنَةِ ، وَالْمِقْدَادُ بن الأَسْوَدِ عَلَى فَرَسٍ عَلَى الْمَيْسَرَةِ .(7/4)
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن زَيْدِ بن هَارُونَ الْقَزَّازُ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن يَحْيَى بن عُرْوَةَ ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ مُطِيعَ بن الأَسْوَدِ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : وَاللَّهِ لَوْ عَهِدْتُ عَهْدًا ، أَوْ تَرَكْتُ تَرِكَةً ، لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ أجْعَلَهَا إِلىالزُّبَيْرُ بن الْعَوَّامِ ، فَإِنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ.
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن زَيْدِ بن هَارُونَ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن يَحْيَى بن عُرْوَةَ ، عنِ هِشَامِ بن عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ عَلِيَّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، لَقِيَ الزُّبَيْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالسُّوقِ ، فَتَعَاتَبَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ثُمَّ أَغْلَظَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ لِي ؟ فَضَرَبَهُ الزُّبَيْرُ حَتَّى وَقَعَ .(7/5)
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن زَيْدِ بن هَارُونَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن يَحْيَى بن عُرْوَةَ ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ ، قَالَ : ضَرَبَ الزُّبَيْرُ أَسْمَاءَ بنتَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَصَاحَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ فَأَقْبَلَ فَلَمَّا رَآهُ ، قَالَ : أُمُّكُ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتَ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : أَتَجْعَلُ أُمِّي عُرْضَةً لِيَمِينِكَ ؟ فَاقْتَحَمَ عَلَيْهِ ، فَخَلَّصَهَا مِنْهُ ، فَبَانَتْ مِنْهُ ، قَالَ : وَلَقَدْ كُنْتُ غُلامًا رُبَّمَا أَخَذْتُ بِشَعْرِ مَنْكِبِيِ الزُّبَيْرِ.
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن زَيْدِ بن هَارُونَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن يَحْيَى بن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ عَلِيَّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : يَا بنيَّ ، لا تَخْرُجُنَّ بناتِكُمْ إِلا إِلَى الأَكْفَاءِ ، قَالُوا : يَا أَبَانَا ، وَمَنِ الأَكْفَاءُ ؟ ، قَالَ : وَلَدُ الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ.
- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بن عَبْدِ اللَّهِ بن نُمَيْرٍ ، يَقُولُ : قُتِلَ الزُّبَيْرُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ ، وَقُتِلَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ .
*سِنُّ الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ وَوَفَاتُهُ وَأَخْبَارُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مَعِينٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ ، قَالَ : أَسْلَمَ الزُّبَيْرُ وَهُوَ ابْنُ سِتَّةَ عَشَرَ ، وَقُتِلَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَسِتِّينَ .(7/6)
- حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ ، قَالَ : قُتِلَ الزُّبَيْرُ بن الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْجَمَلِ فِي جُمَادَى ، لا أَدْرِي الأُولَى أَوِ الآخِرَةِ ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ .
- قَالَ يَحْيَى وَأَخْبَرَنِي اللَّيْثُ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عُرْوَةُ ، أَنَّ الزُّبَيْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ ، وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ فَهُوَ يَوْمَ قُتِلَ ابْنُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ ، وَإِنْ كَانَ أَقَامَ عَشْرَ سِنِينَ فَالزُّبَيْرُ ابْنُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً .
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بن سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، قَالَ : أَسْلَمَ الزُّبَيْرُ بن الْعَوَّامِ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ ، وَهَاجَرَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانَ عَشْرَةَ ، وَكَانَ عَمُّ الزُّبَيْرِ يُعَلِّقُ الزُّبَيْرَ فِي حَصِيرٍ ، وَيُدَخِّنُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ وَهُوَ ، يَقُولُ : ارْجِعْ إِلَى الْكُفْرِ ، فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ : لا أَكْفُرُ أَبَدًا.
- حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بن عِيَاضٍ ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَحَا الزُّبَيْرُ اسْمَهُ مِنَ الدِّيوَانِ .(7/7)
- حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بن قَرِيبٍ الأَصْمَعِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ ، يَقُولُ : هَؤُلاءِ الْخِيَارُ قُتِلُوا قَتْلا ، ثُمَّ بَكَى ، فَقَالَ : قَاتِلُ الزُّبَيْرِ أَقْبَلَ عَلَى الزُّبَيْرِ ، فَأَقْبَلَ الزُّبَيْرُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : أُذَكِّرُكَ اللَّهَ ، فَكَفَّ عَنْهُ الزُّبَيْرُ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ قَاتَلَهُ اللَّهُ يُذَكِّرُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَنْسَاهُ .
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بن عَوْنٍ الْمَسْعُودِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْقَاسِمِ الأَسَدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَشَرِيكٌ ، عَنْ عَاصِمِ بن أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ زِرِّ بن حُبَيْشٍ ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَأُتِيَ بِرَأْسِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ.
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ ، قَالَ : أَسْلَمَ الزُّبَيْرُ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ غَزَاةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقُتِلَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ مِنَ الْبَصْرَةِ عَلَى نَحْوِ بَرِيدٍ .(7/8)
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ ، قَالَ : قُتِلَ الزُّبَيْرُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ ، قَتَلَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ وَمَعَهُ النُّعْمَانُ بن زِمَامٍ ، وَأَبُو الْمَضْرَحِيِّ رَجُلانِ مِنْ بني تَمِيمٍ ، وَقُتِلَ بِوَادِي السِّبَاعِ ، وَدُفِنَ بِهِ .
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بن عُرْوَةَ عُرْوَةَ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ ، وَعُثْمَانَ ، وَالْمِقْدَامَ بن الأَسْوَدِ ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ ، وَمُطِيعَ بن الأَسْوَدِ أَوْصُوا إِلَى الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ .
- حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ بن سَعْدٍ الْعَطَّارُ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن طَلْحَةَ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن يَحْيَى بن طَلْحَةَ ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بن طَلْحَةَ ، قَالَ : كَانَ عَلِيٌّ ، وَالزُّبَيْرُ ، وَسَعْدُ بن أَبِي وَقَّاصٍ عِذَارَ عَامٍ وَاحِدٍ .
وفي صفة الصفوة لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
أبو عبد الله الزبير بن العوام
ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله. صلى الله عليه وسلم وأسلمت وأسلم الزبير قديما وهو ابن ثماني سنين وقيل ابن ست عشرة سنة فعذبه عمه بالدخان لكي يترك الإسلام فلم يفعل وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا ولم يتخلف عن غزاة غزاها رسول اله. صلى الله عليه وسلم وهو أول من سل سيفا في سبيل الله وكان عليه يوم بدر ريطة صفراء معتجرا بها وكان على الميمنة فنزلت الملائكة على سيماه وثبت مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبايعه على الموت.
ذكر صفته رضي الله عنه(7/9)
كان ابيض طويلا ويقال لم يكن بالطويل ولا بالقصير إلى الخفة ما هو في اللحم ويقال كان اسمر اللون اشعر خفيف العارضين.
ذكر أولاده رضي الله عنه
كان له من الولد عبد الله وعروة والمنذر وعاصم والمهاجروخديجة الكبرى وأم الحسن وعائشة أمهم أسماء بنت أبي بكر.
وخالد وعمرو وحبيبة وسودة وهند أمهم أم خالد وهي أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص.
ومصعب وحمزة ورملة أمهم الرباب بنت انيف بن عبيد.
وعبيدة وجعفر أمهما زينت.
وزينت أمها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي سعيط.
وخديجة الصغرى أمها الحلال بنت قيس.
ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه
* عن أبي الأسود قال أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثماني سنين وهاجر وهو ابن ثماني عشرة سنة وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار وهو يقول ارجع إلى الكفر فيقول الزبير لا اكفر أبدا.
*وعن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل قال كان إسلام الزبير بعد إسلام أبي بكر كان رابعا أو خامسا.
*و عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال جمع لي رسول الله. صلى الله عليه وسلم ابويه يوم أحد.
*وعن عبيد الله بن الزبير قال لما كان يوم الخندق كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الاطم الذي فيه نساء رسول الله. صلى الله عليه وسلم اطم حسان وكان يرفعني وارفعه فإذا رفعني عرفت أبي حين يمر إلى بني قريظة وكان يقاتل مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فقال من يأتي بني قريظة فيقاتلهم فقلت له حين رجع يا ابة إن كنت لاعرفك حين تمر ذاهبا إلى بني قريظة فقال يا بني أما والله إن كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم ليجمع لي أبويه جميعا يتفداني بهما ويقول فداك أبي وأمي أخرجاه في الصحيحين.
*وعن جابر بن عبد الله قال لما كان يوم الخندق ندب رسول الله. صلى الله عليه وسلم الناس فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري وحواريي الزبير أخرجاه في الصحيحين.(7/10)
*وعن سعيد بن المسيب قال أول من سل سيفا في سبيل الله الزبير بن العوام بينا هو بمكة إذا سمع نغمة يعني صوتا أن النبي. صلى الله عليه وسلم قد قتل فخرج عريانا ما عليه شيء في يده السيف صلتا فتلقاه النبي. صلى الله عليه وسلم كفة بكفة فقال له ما لك يا زبير قال سمعت انك قد قتلت قال فما كنت صانعا قال أردت والله أن استعرض أهل مكة قال فدعا له النبي.).
*وعن عمرو بن مصعب بن الزبير قال قاتل الزبير مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة فكان يحمل على القوم.
*وعن نهيك قال كان للزبير ألف مملوك يؤدون الضريبة لا يدخل بيت ماله منها درهم يقول يتصدق بها وفي رواية أخرى فكان يقسمه كل ليلة ثم يقوم إلى منزله ليس معه منه شيء.
*وعن جويرية قالت باع الزبير دارا له بستمائة ألف قال فقيل له يا أبا عبد الله غبنت قال كلا والله لتعلمن اني لم اغبن هي في سبيل الله.
*وعن علي بن زيد قال أخبرني من رأى الزبير وان في صدره مثل العيون من الطعن والرمي.
*وعن قيس بن أبي حازم عن الزبير بن العوام قال من استطاع منكم أن يكون له جنى من عمل صالح فليفعل
ذكر مقتله رضي الله عنه
قتل الزبير يوم الجمل وهو ابن خمس وسبعين ويقال ستين ويقال بضع وخمسين قتله ابن جرموز.
*عن زر قال استأذن ابن جرموز على علي وأنا عبده فقال علي بشر قاتل ابن صفية بالنار ثم قال علي سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول لكل نبي حواري وحواريي الزبير .
*وعن عبد الله بن الزبير قال جعل الزبير يوم الجمل يوصيني دينه ويقول إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه بمولاي قال فوالله ما دريت ما اراد حتى قلت يا ابة من مولاك قال الله قال ما وقعت في كربه من دينه إلا قلت يا مولى الزبير اقض عنه فيقضيه وإنما دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه آباه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فأني أخشى عليه الضيعة.(7/11)
قال فحسب ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف فقتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين فبعتهما يعني وقضيت دينه فقال بنو الزبير اقسم بيننا ميراثنا فقلت والله اقسم بينكم حتى أنادى بالموسم أربع سنين إلا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه.
فجعل كل سنة ينادي بالموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم.
وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف انفرد بإخراجه هذا الحديث البخاري.
الياقوتة 21
1حدثنا موسى: حدثنا وهيب: حدثنا هشام، عن أبيه، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه أخرجه البخاري 1-في كتاب الزكاة باب: الاستعفاف عن المسألة.
.
2حدثنا يحيى بن موسى: حدثنا وكيع: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم
: (لأن يأخذ أحدكم أحبله خير له من أن يسأل الناس). 2- في كتاب البيوع باب: كسب الرجل وعمله بيده
3- حدثنا معلى بن أسد: حدثنا وهيب، عن هشام، عن أبيه، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يأخذ أحدكم أحبلا، فيأخذ حزمة من حطب، فيبيع، فيكف الله به وجهه، خير من أن يسأل الناس، أعطي أم منع). 3--وفي كتاب المساقتة باب: بيع الحطب والكلأ.
++++ باب: الاستعفاف عن المسألة.
- حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:(7/12)
إن ناسا من الأنصار، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفذ ما عنده، فقال: (ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر).
- حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره، خير له من أن يأتي رجلا فيسأله، أعطاه أو منعه).
- حدثنا موسى: حدثنا وهيب: حدثنا هشام، عن أبيه، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه).
شرح- من فتح الباري---------ابن حجر العسقلاني
قوله باب الإستعفاف عن المسألة أي في شيء من غير المصالح الدينية وذكر في الباب ثلاثة آحاديث أحدها حديث أبي سعيد(7/13)
- قوله أن ناسا من الأنصار لم يتعين لي أسماؤهم إلا أن النسائي روى من طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه ما يدل على أن أبا سعيد راوي هذا الحديث خوطب بشيء من ذلك ولفظه ففي حديثه سرحتني أمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني لأسأله من حاجة شديدة فأتيته وقعدت فاستقبلني فقال من إستغنى أغناه الله الحديث وزاد فيه ومن سأل وله أوقية فقد ألحف فقلت ناقتي خير من أوقية فرجعت ولم أسأله وعند الطبراني من حديث حكيم بن حزام أنه ممن خوطب ببعض ذلك ولكنه ليس أنصاريا إلا بالمعنى الأعم قوله حتى نفد بكسر الفاء أي فرغ قوله فلن أدخره عنكم أي أحبسه و أخبؤه و أمنعكم إياه منفردا به عنكم وفيه ما كان عليه من السخاء وإنفاذ أمر الله وفيه إعطاء السائل مرتين والإعتذار إلى السائل والحض على التعفف وفيه جواز السؤال للحاجة وإن كان الأولى توكه والصبر حتى يأتيه رزقه بغير مسألة وقوله ومن يستعفف في رواية الكشميهني يستعف ثانيها حديث أبي هريرة والزبير بن العوام بمعناه وفي رواية الزبير زيادة فيبيعها فيكف الله بها وجهه وذلك مراد في حديث أبي هريرة وحذف لدلالة السياق عليه وفي رواية أبي هريرة يأتي رجلا وفي حديث الزبير يسأل الناس والمعنى واحد وزاد في أول حديث أبي هريرة(7/14)
- قوله والذي نفسي بيده ففيه القسم على الشيء المقطوع بصدقة لتأكيده في نفس السامع وفيه الحض على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولو أمتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال ومن ذل الرد إذا لم يعط ولما يدخل على المسؤل من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل وأما قوله خير له فليست بمعنى أفعل التفضيل إذ لاخير في السؤال مع القدرة على الإكتساب والأصح عند الشافعية أن سؤال من هذا حاله حرام ويحتمل أن يكون المراد بالخير فيه بحسب اعتقاد السائل وتسميته الذي يعطاه خيرا وهو في الحقيقة شر والله أعلم ثالثها حديث حكيم بن حزام قوله أن هذا المال خضرة أنث الخبر لأن المراد الدنيا
أحبله بفتح أوله وضم الموحدة جمع حبل مثل فلس وأفلس
شرح فيض القدير الامام محمد عبد الرؤوف المناوي(7/15)
(لأن يأخذ أحدكم حبله) في رواية أحبله بالجمع وفي رواية حبلاً (ثم يغدو) أي يذهب (إلى الجبل) محل الحطب (فيحتطب) بتاء الافتعال وفي مسلم فيحطب بغير تاء أي يجمع الحطب (فيبيع) ما احتطبه (فيأكل) من ثمنه (ويتصدق) بواو العطف ليدل على أنه يجمع بين البيع والصدقة وبالفاء في الأولين لأن الاحتطاب يكون عقب الغدو والبيع يكون عقب الاحتطاب فهو (خير له) ليست خير هنا أفعل تفضيل بل من قبيل {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً} (من أن يسأل الناس) أي من سؤال الناس أمراً دنيوياً أعطوه أو منعوه وإن كان الاكتساب بعمل شاق كالاحتطاب لثقل المنة أو ذل الخيبة وفي رواية للبخاري بدل ما ذكر خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه اهـ. وهذا حث على التعفف وتفضيل الكسب والسبب على البطالة وجمهور المحققين كابن جرير وأتباعه على أن السبب لا ينافي التوكل حيث كان الاعتماد على اللّه لا على السبب فإن احتاج ولم يقدر على كسب لائق جاز بشرط أن لا يذل نفسه ولا يلح ولا يؤذي المسؤول فإن فقد شرط منها حرم اتفاقاً.
% - (ق ن عن أبي هريرة) قال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لأن إلخ هذا لفظ البخاري
ومما جاء في النهي عن المسألة
- حدثنا هناد أخبرنا أبو الأحوص عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة قال:
- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره فيتصدق منه ويستغني به عن الناس خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك فإن اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول".
وفي الباب عن حكيم بن حزام وأبي سعيد الخدري والزبير بن العوام وعطية السعدي وعبد الله بن مسعود ومسعود بن عمرو وابن عباس وثوبان وزياد بن الحارث الصدائي وأنس وحبشي بن جنادة وقبيصة بن مخارق وسمرة وابن عمر.
قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب يستغرب من حديث بيان عن قيس. الترمذي(7/16)
أخبرنا على بن شعيب قال أنبأنا معن قال أنبأنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
-والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا أعطاه الله عز وجل من فضله فسأله أعطاه أو منعه. النسائي
ذكر الزجر عن فتح المرء على نفسه باب المسألة بعد أن أغناه الله جل وعلا عنها
- أخبرنا أبو خليفة قال حدثنا القعنبي قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يفتح إنسان على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر لأن يعمد الرجل حبلا إلى جبل فيحتطب على ظهره ويأكل منه خير من أن يسأل الناس معطى أو ممنوعا ابن حبان
حدثنا ابن نمير عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لان يأخذ أحدكم حبلا فيأتي الجبل فيحتطب منه فيبيعه ويأكل ويتصدق خير من أن يسأل الناس " .
حدثنا ابن نمير عن هشام عن أبيه عن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لان يأخذ أحدكم حبلا فيذهب فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس شيئا أعطوه أو منعوه ابن أبي شيبة
باب فضل الاستعفاف والاستغناء بعمل يديه وبما آتاه الله عز وجل من غير سؤال
- أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني من أصله أنبأ أبو سعيد بن الأعرابي ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا وكيع بن الجراح عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن يأخذ أحدكم حبلا فيأتي الجبل فيجيء بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيستغني بها خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن موسى عن وكيع(7/17)
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف ثنا محمد بن عبد الوهاب أنبأ يعلى بن عبيد ثنا إسماعيل عن قيس ح وحدثنا أبو عبد الله حدثنا إبراهيم بن محمد ومحمد بن النضر وأحمد بن سلمة قال محمد أنبأ وقال الآخران حدثنا هناد بن السري ثنا أبو الأحوص عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره فيتصدق به ويستغني به عن الناس خير من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك بأن اليد العليا أفضل من اليد السفلى وابدأ بمن تعول رواه مسلم في الصحيح عن هناد بن السري وأخرجه من حديث يحيى القطان عن إسماعيل وأخرجه البخاري من حديث الأعرج ومن حديث أبي صالح وغيره عن أبي هريرة
- أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد الصفار ثنا الأسفاطي ثنا إسماعيل ثنا مالك ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالا ثنا عبد الله محمد بن يعقوب ثنا أبو عمرو المستملي ومحمد بن شاذان قالا حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن بن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى إذا نفد ما عنده قال ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يصبر يصبره الله وما أعطى أحد من عطاء خير ولا أوسع من الصبر لفظ حديث قتيبة رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف عن مالك ورواه مسلم عن قتيبة البيهقي
1* حدثنا عباس بن موسى حدثنا عباد بن عباد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيعجز أحدكم لأن يأخذ حبلا فيحتطب ويأكل منه ويتصدق خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ابو يعلى(7/18)
2* حدثنا محمد بن قدامة قال سمعت سفيان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول والله لأن يأخذ أحدكم حبلا فيحتطب ويحمله على ظهره فيأكل ويتصدق خير له من أن يأتي رجلا قد أغناه الله من فضله يسأله أعطاه أو منعه
حدثنا محمد بن قدامة حدثنا سفيان حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ابو يعلى
أخبرنا جرير عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال كنت جالسا عند أبي هريرة رضى الله تعالى عنه فقال رجل إن هؤلاء أقربائي يسلمون عليك ويسألونك أن تحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث سنين ولم أكن سنوات أعقل مني فيهن ولا أجدر أن أعي ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مني فيهن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقاتلون قوما قريب الساعة نعالهم الشعر وتقاتلون قوما خلس الوجوه صغار الأعين كأن وجوههم المجان المطرقة والذي نفس محمد بيده لئن يحتطب أحدكم على ظهره فيبيعه فيستغني به ويتصدق منه ويأكل خير له من أن يأتي رجلا فيسأله لعله أن يؤتيه أو يمنعه ذلك فإن اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك
اسحاق بن راهويه
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
-والله لأن يأخذ أحدكم حبلا فيحتطب فيحمله على ظهره فيأكل أو يتصدق خيرا له من أن يأتي رجلا أغناه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه ذلك بأن اليد العليا خير من اليد السفلى. ... أحمد في مسند أبي هريرة
1- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن الزبير ابن العوام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-لإن يحمل الرجل حبلا فيحتطب به ثم يجئ فيضعه في السوق فيبيعه ثم يستغني به فينفقه على نفسه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه.(7/19)
2- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا وكيع وابن نمير قالا: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن جده قال ابن نمير: عن الزبير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي الجبل فيجئ بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيستغني بثمنها خير له من ان يسأل الناس أعطوه أو منعوه. ... أحمد
3- الياقوتة 22
-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد بن هشام وأبو معاوية شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد بن هشام عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم. أحمد
4-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرحمن حدثنا حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير أن يعيش بن الوليد حدثه أن مولى لآل الزبير حدثه أن الزبير بن العوام رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
-دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين والذي نفسي بيده أو والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم أفشوا السلام بينكم. أحمد
ورواه كل من :
+ الترمذي حدثنا سفيان بن وكيع، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد أن مولى للزبير حدثه أن الزبير بن العوام حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
- "دب اليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم: أفشوا السلام بينكم(7/20)
+ البيهقي أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنبأ أبو سعيد بن الأعرابي ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا يزيد بن هارون أنبأ هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد عن الزبير بن العوام رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحبوا أفلا أنبئكم بأمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم
+ أبو يعلى حدثنا أبو خيثمة حدثنا أبو عامر العقدي عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد أن مولى لآل الزبير حدثه عن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء وهي الحالقة لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة اليدين والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم أفشوا السلام
شرح فيض القدير الامام محمد عبد الرؤوف المناوي(7/21)
- (دب إليكم) أي سار إليكم (داء الأمم قبلكم) أي عادة الأمم الماضية (الحسد والبغضاء) والبغضاء (هي الحالقة حالقة الدين) بكسر الدال (لا حالقة الشعر) أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر قال ابن الأثير: نقل الداء من الأجسام إلى المعاني ومن أمر الدين إلى الآخرة وقال الطيبي: الدب يستعمل في الأجسام فاستعير للسراية على سبيل التبعية وكذا قوله الحالقة فإنها تستعمل في حلق الشعر فاستعملت فيما يستأصل الدين وليست هي استعارة لذكر المشبه والمشبه به أي البغضاء تذهب الدين كما يذهب الموسى الشعر (والذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وتصريفه (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) باللّه تعالى وبما علم مجيء الرسول بالضرورة (ولا تؤمنوا حتى تحابوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي حتى يحب بعضكم بعضاً (أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم) قالوا: بلى يا رسول اللّه قال: (أفشوا السلام بينكم) فإنه يزيل الضغائن ويورث التحابب كما سلف تقريره.
- (حم ت) في الزهد (والضياء) المقدسي عن مولى آل الزبير (عن الزبير) بالتصغير (ابن العوام) بفتح المهملة وشد الواو قال المناوي: ومولى الزبير مجهول ورواه باللفظ المزبور من هذا الوجه البزار قال الهيثمي كالمنذري: سنده جيد.
ولقد ورد قول رسول الله?- صلى الله عليه وسلم -= لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم أفشوا السلام بينكم= في أحاديث كثيرة ، منها :
1- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا. ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
- وحدثني زهير بن حرب. أنبأنا جرير عن الأعمش بهذا الإسناد. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(7/22)
"والذي نفسي بيده! لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا" بمثل حديث أبي معاوية ووكيع رواه مسلم
شرح شرح المنهاج الامام النووي رحمه الله
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم. وفي الرواية الأخرى: والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا) هكذا هو في جميع الأصول والروايات ولا تؤمنوا بحذف النون من آخره وهي لغة معروفة صحيحة. وأما معنى الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تؤمنوا حتى تحابوا" معناه لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحاب. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا" فهو على ظاهره وإطلاقه فلا يدخل الجنة إلا من مات مؤمنا وإن لم يكن كامل الإيمان، فهذا هو الظاهر من الحديث. وقال الشيخ أبو عمرو رحمه الله معنى الحديث: لا يكمل إيمانكم إلا بالتحاب، ولا تدخلون الجنة عند دخول أهلها إذا لم تكونوا كذلك، وهذا الذي قاله محتمل، والله أعلم. وأما قوله: "أفشوا السلام بينكم" فهو بقطع الهمزة المفتوحة، وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف كما تقدم في الحديث الاَخر، والسلام أول أسباب التألف ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين، وقد ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: "ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الاقتار". وروى غير البخاري هذا الكلام مرفوعا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وبذل السلام للعالم، والسلام على من عرفت ومن لم تعرف، وإفشاء السلام كلها بمعنى واحد، وفيها لطيفة أخرى وهي أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشح ناء(7/23)
وفساد ذات البين التي هي الحالقة، وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه ولا يخص أصحابه وأحبابه به، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .النووي
وأما إفشاء السلام فهو إشاعته وإكثاره وأن يبذله لكل مسلم كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الاَخر: (وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) وسبق بيان هذا في كتاب الإيمان في حديث افشوا السلام وسنوضح فروعه في بابه إن شاء الله تعالى. وأما رد السلام فهو فرض بالإجماع، فإن كان السلام على واحد كان الرد فرض عين عليه، وإن كان على جماعة كان فرض كفاية في حقهم إذا رد أحدهم سقط الحرج عن الباقين، وسنوضحه بفروعه في بابه إن شاء الله تعالى النووي
كتاب السلام. ... ... صحيح مسلم ... ... شرح النووي
باب يسلّم الراكب على الماشي، والقليل على الكثير
*حدثني عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي زِيَادٌ، أَنّ ثَابِتاً، مَوْلَىَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ، أَنّهُ سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُسَلّمُ الرّاكِبُ عَلَى المَاشِي، والمَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ".(7/24)
هذا أدب من آداب السلام. واعلم أن ابتداء السلام سنة ورده واجب، فإن كان المسلم جماعة فهو سنة كفاية في حقهم إذا سلم بعضهم حصلت سنة السلام في حق جميعهم، فإن كان المسلم عليه واحداً تعين عليه الرد، وإن كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم، فإذا رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، والأفضل أن يبتدئ الجميع بالسلام وأن يرد الجميع. وعن أبي يوسف أنه لا بد أن يرد الجميع. ونقل ابن عبد البر وغيره إجماع المسلمين على أن ابتداء السلام سنة وأن رده فرض، وأقل السلام أن يقول: السلام عليكم، فإن كان المسلم عليه واحداً فأقله السلام عليك والأفضل أن يقول: السلام عليكم ليتناوله وملكيه، وأكمل منه أن يزيد ورحمة الله، وأيضاً وبركاته. ولو قال: سلام عليكم أجزأه. واستدل العلماء لزيادة ورحمة الله وبركاته بقوله تعالى إخباراً عن سلام الملائكة بعد ذكر السلام رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت. وبقول المسلمين كلهم في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. ويكره أن يقول المبتدئ: عليكم السلام، فإن قاله استحق الجواب على الصحيح المشهور، وقيل لا يستحقه، وقد صح أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى والله أعلم. وأما صفة الرد فالأفضل والأكمل أن يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فيأتي بالواو فلو حذفها جاز وكان تاركاً للأفضل، ولو اقتصر على وعليكم السلام أو على عليكم السلام أجزأه، ولو اقتصر على عليكم لم يجزه بلا خلاف، ولو قال وعليكم بالواو ففي إجزائه وجهان لأصحابنا، قالوا: وإذا قال المبتدئ سلام عليكم أو السلام عليكم فقال المجيب مثله سلام عليكم أو السلام عليكم كان جواباً وأجزأه، قال الله تعالى: {قالوا سلاماً قال سلام} ولكن بالألف واللام أفضل، وأقل السلام ابتداء ورداً أن يسمع صاحبه ولا يجزئه دون ذلك، ويشترط كون الرد على الفور، ولو أتاه سلام من غائب مع رسول أو في(7/25)
ورقة وجب الرد على الفور، وقد جمعت في كتاب الأذكار نحو كراستين في الفوائد المتعلقة بالسلام، وهذا الذي جاء به الحديث من تسليم الراكب على الماشي والقائم على القاعد والقليل على الكثير. وفي كتاب البخاري: والصغير على الكبير كله للاستحباب فلو عكسوا جاز وكان خلاف الأفضل، وأما معنى السلام فقيل هو اسم الله تعالى، فقوله: السلام عليك أي اسم السلام عليك ومعناه اسم الله عليك أي أنت في حفظه، كما يقال: الله معك والله يصحبك، وقيل السلام بمعنى السلامة أي السلامة ملازمة لك.
باب من حق الجلوس على الطريق ردّ السلام
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَفّانُ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدّثَنَا عُثْمَان بْنُ حَكِيمٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: كُنّا قُعُوداً بِالأَفْنِيَةِ نَتَحَدّثُ. فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عَلَيْنَا. فَقَالَ: "مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصّعُدَاتِ؟ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصّعُدَاتِ" فَقُلْنَا: إِنّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَأْسٍ. قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدّثُ. قَالَ: "إِمّا لاَ. فَأَدّوا حَقّهَا: غَضّ الْبَصَرِ، وَرَدّ السّلاَمِ، وَحُسْنُ الْكَلاَمِ".(7/26)
*حدّثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِيّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطّرُقَاتِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَنَا بُدّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدّثُ فِيهَا. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطّرِيقَ حَقّهُ". قَالُوا: وَمَا حَقّهُ؟ قَالَ: "غَضّ الْبَصَرِ، وَكَفّ الأَذَىَ، وَرَدّ السّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ".
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ الْمَدَنِيّ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رافِعٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ هِشَامٍ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ). كِلاَهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ.(7/27)
قوله: "كنا قعوداً بالأفنية نتحدث" هي جمع فناء بكسر الفاء والمد وهو حريم الدار ونحوها وما كان في جوانبها وقريباً منها. قوله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا مجالس الصعدات فقلنا إنما قعدنا لغير ما بأس فقعدنا نتذاكر ونتحدث قال إما لا فأدوا حقها غض البصر ورد السلام وحسن الكلام" وفي الرواية الأخرى: "غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". أما الصعدات فبضم الصاد والعين وهي الطرقات واحدها صعيد كطريق، يقال صعيد وصعد وصعدان كطريق وطرق وطرقات على وزنه ومعناه وقد صرح به في الرواية الثانية. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إما لا" فبكسر الهمزة وبالإمالة ومعناه إن لم تتركوها فأدوا حقها، وقد سبق بيان هذه اللفظة مبسوطاً في كتاب الحج. وقوله: قعدنا لغير ما بأس لفظة ما زائدة، وقد سبق شرح هذا الحديث، والمقصود منه أنه يكره الجلوس على الطرقات للحديث ونحوه. وقد أشار النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى علة النهي من التعرض للفتن والإثم بمرور النساء وغيرهن، وقد يمتد نظر إليهن أو فكر فيهن، أو ظن سوء فيهن أو في غيرهن من المارين ومن أذى الناس باحتقار من يمر أو غيبة أو غيرها أو إهمال رد السلام في بعض الأوقات، أو إهمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك من الأسباب التي لو خلا في بيته سلم منها ويدخل في الأذى أن يضيق الطريق على المارين، أو يمتنع النساء ونحوهن من الخروج في أشغالهن بسبب قعود القاعدين في الطريق، أو يجلس بقرب باب دار إنسان يتأذى بذلك، أو حيث يكشف من أحوال الناس شيئاً يكرهونه. وأما حسن الكلام فيدخل فيه حسن كلامهم في حديثهم بعضهم لبعض فلا يكون فيه غيبة ولا نميمة ولا كذب ولا كلام ينقص المروءة ونحو ذلك من الكلام المذموم، ويدخل فيه كلامهم للمار من رد السلام ولطف جوابهم له وهدايته للطريق وإرشاده لمصلحته ونحو ذلك.
باب من حق المسلم للمسلم ردّ السلام(7/28)
*حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "حَقّ الْمُسْلِمِ عَلَىَ الْمُسْلِمِ خَمْسٌ" ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمسْلِمِ عَلَىَ أَخِيهِ: رَدّ السّلاَمِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتّبَاعُ الْجَنَائِزِ".
قَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ: كَانَ مَعْمَرٌ يُرْسِلُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزّهْرِيّ. وَأَسْنَدَهُ مَرّةً عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "حَقّ الْمُسْلِمِ عَلَىَ الْمُسْلِمِ سِتّ". قِيلَ: مَا هُنّ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلّمْ عَلَيْهِ. وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ. وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ. وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللّهَ فَسَمّتْهُ. وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ. وَإِذَا مَاتَ فَاتّبِعْهُ".(7/29)
قوله صلى الله عليه وسلم: "خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام وتشميت العاطس وإجابة الدعوة وعيادة المريض واتباع الجنائز". وفي الرواية الأخرى: "حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه". وقد سبق شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب اللباس وذكرنا هناك أن التشميت بالشين المعجمة والمهملة وبيان اشتقاقه، وأما رد السلام وابتداؤه فقد سبقا في الباب الماضي. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا استنصحك" فمعناه طلب منك النصيحة فعليك أن تنصحه ولا تداهنه ولا تغشه ولا تمسك عن بيان النصيحة والله أعلم.
باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، وكيف يرد عليهم
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ جَدّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا سَلّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لَهُمَا) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَنَسٍ أَنّ أَصْحَابَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إِنّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُسَلّمُونَ عَلَيْنَا. فَكَيْفَ نَرُدّ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ "قُولُوا: وَعَلَيْكُمْ".(7/30)
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ وَاللّفْظُ لِيَحْيَى بْنِ يَحْيَىَ (قَالَ يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّ الْيَهُودَ إِذَا سَلّمُوا عَلَيْكُمْ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: السّامُ عَلَيْكُمْ. فَقُلْ: عَلَيْكَ".
*وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "فَقُولُوا: وَعَلَيكَ".
*وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتِ: اسْتأْذنَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: السّامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السّامُ وَاللّعْنَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "يَا عَائِشَةُ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الرّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلّهِ" قَالَتْ: أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ "قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ".
*حدّثناه حَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعاً عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاَهُمَا عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمَا جَمِيعاً: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ قُلْتُ: عَلَيْكُمْ" وَلَمْ يَذْكُرُوا الْوَاوَ.(7/31)
*حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: أَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ. فَقَالُوا: السّامُ عَلَيْكَ. يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ "وَعَلَيْكُمْ" قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السّامُ وَالذّامُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "يَا عَائِشَةُ لاَ تَكُونِي فَاحِشَةً" فَقَالَتْ: مَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا؟ فَقَالَ "أَوَ لَيْسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمُ الّذِي قَالُوا؟ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ".
*حدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَفَطِنَتْ بِهِمْ عَائِشَةُ فَسَبّتْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَهْ. يَا عَائِشَةُ فَإِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْفُحْشَ وَالتّفَحّشَ". وَزَادَ: فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {وَإِذَا جَاؤوكَ حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللّهُ} (المجادلة 8) إلَىَ آخِرِ الاَيَة.
*حدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: سَلّمَ نَاسٌ مِنْ يَهُودَ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السّامُ عَلَيْكَ. يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ: "وَعَلَيْكُمْ" فَقَالَتْ عَائِشَةُ، وَغَضِبَتْ: أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: "بَلَىَ. قَدْ سَمِعْتُ. فَرَدَدْتُ عَلَيْهِمْ. وَإِنّا نُجَابُ عَلَيْهِمْ وَلاَ يُجَابُونَ عَلَيْنَا".(7/32)
*حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ) عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تَبْدَؤُا الْيَهُودَ وَلاَ النّصَارَىَ بِالسّلاَمِ. فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرّوهُ إِلَىَ أَضْيَقِهِ".
*وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ. حوَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ. كُلّهُمْ عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ "إِذَا لَقِيتُمُ الْيَهُودَ". وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ "إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ" وَلَمْ يُسَمّ أَحَداً مِنَ الْمُشْرِكِينَ
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سلم أهل الكتاب فقولوا وعليكم". وفي رواية: (إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم؟ قال: قولوا وعليكم).
وفي رواية: (أن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم السام عليكم فقل عليك) وفي رواية: (فقل وعليك).
وفي رواية: (إن رهطاً من اليهود استأذنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم فقالت عائشة بل عليكم السام واللعنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله قالت: ألم تسمع ما قالوا قال: قد قلت وعليكم) وفي رواية: (قد قلت عليكم) بحذف الواو.(7/33)
وفي الحديث الاَخر: (لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه) اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا، لكن لا يقال لهم وعليكم السلام بل يقال عليكم فقط أو وعليكم، وقد جاءت الأحاديث التي ذكرها مسلم عليكم وعليكم بإثبات الواو وحذفها وأكثر الروايات بإثباتها، وعلى هذا في معناه وجهان: أحدهما أنه على ظاهره فقالوا عليكم الموت فقال وعليكم أيضاً أي نحن وأنتم فيه سواء وكلنا نموت. والثاني أن الواو هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك وتقديره وعليكم ما تستحقونه من الذم، وأما من حذف الواو فتقديره بل عليكم السام. قال القاضي: اختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو لئلا يقتضي التشريك، وقال غيره بإثباتها كما هو في أكثر الروايات، قال: وقال بعضهم يقول عليكم السلام بكسر السين أي الحجارة وهذا ضعيف. وقال الخطابي: عامة المحدثين يروون هذا الحرف وعليكم بالواو وكان ابن عيينة يرويه بغير واو. قال الخطابي: وهذا هو الصواب لأنه إذا حذف الواو صار كلامهم بعينه مردوداً عليهم خاصة، وإذا ثبت الواو اقتضى المشاركة معهم فيما قالوه هذا كلام الخطابي، والصواب أن إثبات الواو وحذفها جائزان كما صحت به الروايات وأن الواو أجود كما هو في أكثر الروايات ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم ولا ضرر في قوله بالواو. واختلف العلماء في رد السلام على الكفار وابتدائهم به، فمذهبنا تحريم ابتدائهم به ووجوب رده عليهم بأن يقول وعليكم أو عليكم فقط، ودليلنا في الابتداء قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام" وفي الرد قوله صلى الله عليه وسلم: "فقولوا وعليكم" وبهذا الذي ذكرناه عن مذهبنا قال أكثر العلماء وعامة السلف، وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام، روي ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن أبي محيريز وهو وجه لبعض أصحابنا، حكاه الماوردي لكنه قال: يقول(7/34)
السلام عليك ولا يقول عليكم بالجمع، واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث وبإفشاء السلام وهي حجة باطلة لأنه عام مخصوص بحديث "لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام". وقال بعض أصحابنا: يكره ابتداؤهم بالسلام ولا يحرم وهذا ضعيف أيضاً لأن النهي للتحريم فالصواب تحريم ابتدائهم. وحكى القاضي عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة أو سبب وهو قول علقمة والنخعي. وعن الأوزاعي أنه قال: إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون. وقالت طائفة من العلماء: لا يرد عليهم السلام ورواه ابن وهب وأشهب عن مالك، وقال بعض أصحابنا: يجوز أن يقول في الرد عليهم وعليكم السلام ولكن لا يقول ورحمة الله حكاه الماوردي وهو ضعيف مخالف للأحاديث والله أعلم. ويجوز الابتداء بالسلام على جمع فيهم مسلمون وكفار أو مسلم وكفار، ويقصد المسلمين للحديث السابق أنه صلى الله عليه وسلم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين. قوله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله" هذا من عظيم خلقه صلى الله عليه وسلم وكمال حلمه، وفيه حث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة. قولها: (عليكم السام والذام) هو بالذال المعجمة وتخفيف الميم وهو الذم ويقال بالهمز أيضاً والأشهر ترك الهمز وألفه منقلبة عن واو، والذام والذيم والذم بمعنى العيب، وروي الدام بالدال المهملة ومعناه الدائم، وممن ذكر أنه روي بالمهملة ابن الأثير، ونقل القاضي الاتفاق على أنه بالمعجمة قال: ولو روي بالمهملة لكان له وجه والله أعلم. قوله: (ففطنت بهم عائشة فسبتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا عائشة فإن الله لا يحب الفحش والتفحش) مه كلمة زجر عن الشيء، وقوله ففطنت هو بالفاء وبالنون بعد الطاء من الفطنة هكذا هو في جميع النسخ وكذا نقله القاضي عن الجمهور، قال: ورواه بعضهم فقطبت بالقاف وتشديد الطاء وبالباء الموحدة وقد تخفف(7/35)
الطاء في هذا اللفظ وهو بمعنى قوله في الرواية الأخرى غضبت ولكن الصحيح الأول، وأما سبها لهم ففيه الانتصار من الظالم، وفيه الانتصار لأهل الفضل ممن يؤذيهم، وأما الفحش فهو القبيح من القول والفعل، وقيل الفحش مجاوزة الحد، وفي هذا الحديث استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم تترتب عليه مفسدة. قال الشافعي رحمه الله: الكيس العاقل هو الفطن المتغافل. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" قال أصحابنا: لا يترك للذمي صدر الطريق بل يضطر إلى أضيقه إذا كان المسلمون يطرقون، فإن خلت الطريق عن الزحمة فلا حرج، قالوا: وليكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه جدار ونحوه والله أعلم.
باب استحباب السلام على الصبيان
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سَيّارٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَرّ عَلَىَ غِلْمَانٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ.
وحدّثنيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا سَيّارٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
*وحدّثني عَمْرُو بْنُ عَلِيَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَيّارٍ. قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ ثَابِتٍ الْبُنَانِيّ. فَمَرّ بِصِبْيَانٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ. وَحَدّثَ ثَابِتٌ أَنّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ أَنَسٍ. فَمَرّ بِصِبْيَانٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ. وَحَدّثَ أَنَسٌ أَنّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَرّ بِصِبْيَانٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ
.(7/36)
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على غلمان فسلم عليهم). وفي رواية: (مر بصبيان فسلم عليهم) الغلمان هم الصبيان بكسر الصاد على المشهور وبضمها، ففيه استحباب السلام على الصبيان المميزين والندب إلى التواضع وبذل السلام للناس كلهم، وبيان تواضعه صلى الله عليه وسلم وكمال شفقته على العالمين. واتفق العلماء على استحباب السلام على الصبيان، ولو سلم على رجال وصبيان فرد السلام صبي منهم هل يسقط فرض الرد عن الرجال؟ ففيه وجهان لأصحابنا أصحهما يسقط. ومثله الخلاف في صلاة الجنازة هل يسقط فرضها بصلاة الصبي؟ الأصح سقوطه ونص عليه الشافعي، ولو سلم الصبي على رجل لزم الرجل رد السلام هذا هو الصواب الذي أطبق عليه الجمهور، وقال بعض أصحابنا لا يجب وهو ضعيف أو غلط. وأما النساء فإن كن جميعاً سلم عليهن، وإن كانت واحدة سلم عليها النساء وزوجها وسيدها ومحرمها سواء كانت جميلة أو غيرها. وأما الأجنبي فإن كانت عجوزاً لا تشتهى استحب له السلام عليها واستحب لها السلام عليه، ومن سلم منهما لزم الاَخر رد السلام عليه، وإن كانت شابة أو عجوزاً تشتهى لم يسلم عليها الأجنبي ولم تسلم عليه، ومن سلم منهما لم يستحق جواباً ويكره رد جوابه هذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال: ربيعة لا يسلم الرجال على النساء ولا النساء على الرجال وهذا غلط. وقال الكوفيون: لا يسلم الرجال على النساء إذا لم يكن فيهن محرم والله أعلم*
حديث إفشاء السلام فتح الباري ابن حجر العسقلاني رحمه الله
باب: إفشاء السلام.
5881 - حدثنا قتيبة: حدثنا جرير، عن الشيباني، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن معاوية بن سويد بن مقرن، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال:(7/37)
أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع: (بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار المقسم. ونهى عن الشرب في الفضة، ونهى عن تختم الذهب، وعن ركوب المياثر، وعن لبس الحرير، والديباج، والقسي، والإستبرق).
قال ابن حجر
قوله باب إفشاء السلام كذا للنسفي وأبي الوقت وسقط لفظ باب الباقين والإفشاء الإظهار والمراد نشر السلام بين الناس ليحيوا سنته وأخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن بن عمر إذا سلمت فاسمع فإنها تحية من عند الله قال النووي أقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسنة ويستحب أن يرفع صوته بقدر ما يتحقق أنه سمعه فإن شك استظهر ويستثنى من رفع الصوت بالسلام ما إذا دخل على مكان فيه إيقاظ ونيام فالسنة فيه ما ثبت في صحيح مسلم عن المقداد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان ونقل النووي عن المتولي أنه قال يكره إذا لقى جماعة أن يخص بعضهم بالسلام لأن القصد بمشروعية السلام تحصيل الألفة وفي التخصيص إيحاش لغير من خص بالسلام(7/38)
- قوله جرير هو بن عبد الحميد والشيباني هو أبو إسحاق وأشعث هو بن أبي الشعثاء بمعجمه ثم مهملة ثم مثلثة فيه وفي أبيه واسم أبيه سليم بن أسود قوله عن معاوية بن قرة كذا للأكثر وخالفهم جعفر بن عوف فقال عن الشيباني عن أشعث عن سويد بن غفلة عن البراء وهي رواية شاذة أخرجها الإسماعيلي قوله أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع بعيادة المريض الحديث تقدم في اللباس أنه ذكر في عدة مواضع لم يسقه بتمامه في أكثرها وهذا الموضع مما ذكر فيه سبعا مأمورات وسبعا منهيات والمراد منه هنا إفشاء السلام وتقدم شرح عيادة المريض في الطب واتباع الجنائز فيه وعون المظلوم في كتاب المظالم وتشميت العاطس في أواخر الأدب وسيأتي إبرار القسم في كتاب الأيمان والنذور وسبق شرح المناهي في الأشربة وفي اللباس وأما نصر الضعيف المذكور هنا فسبق حكمه في كتاب المظالم ولم يقع في أكثر الروايات في حديث البراء هذا وانما وقع بدله إجابة الداعي وقد تقدم شرحه في كتاب الوليمة من كتاب النكاح قال الكرماني نصر الضعيف من جملة إجابة الداعي لأنه قد يكون ضعيفا واجابته نصره أو أن لا مفهوم للعدد المذكور وهو السبع فتكون المأمورات ثمانية كذا قال والذي يظهر لي أن إجابة الداعي سقطت من هذه الرواية وأن نصر الضعيف المراد به عون المظلوم الذي ذكر في غير هذه الطريق ويؤيد هذا الإحتمال أن البخاري حذف بعض المأمورات من غالب المواضع التي أورد الحديث فيها اختصارا قوله وافشاء السلام تقدم في الجنائز بلفظ ورد السلام ولا مغايرة في المعنى لان ابتداء السلام ورده متلازمان وافشاء السلام ابتداء يستلزم افشاءه جوابا وقد جاء افشاء السلام من حديث البراء بلفظ آخر وهو عند المصنف في الأدب المفرد وصححه بن حبان من طريق عبد الرحمن بن عوسجة عنه رفعه أفشوا السلام تسلموا وله شاهد من حديث أبي الدرداء مثله عند الطبراني ولمسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا ألا أدلكم على ما تحابون به أفشوا(7/39)