الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذه نبذة موجزة عن اليهودية، وذلك من خلال المباحث التالية:
-تعريف اليهودية.
-سبب التسمية.
-أسماء اليهود الأخرى.
-نبذة عن تاريخ بني إسرائيل.
-بداية انحراف اليهود.
-نبذة مختصرة عن عقيدة اليهود المحرفة.
-من أوصاف اليهود وأخلاقهم.
-مواقف اليهود مع المسلمين قديماً وحديثاً.
-أهداف اليهود.
-وسائل اليهود ومخططاتهم.
-كتب اليهود.
-اليهود في العصر الحديث.
اليهودية: مصطلح حادث يطلق على الديانة الباطلة المحرفة عن الدين الحق الذي جاء به موسى _ عليه السلام _.
ولعل هذا هو التعريف الصحيح لليهودية، ومن خلاله يتبين الخلل في بعض التعريفات التي تقول: إنها الدين الذي جاء به موسى _ عليه السلام _.
أو: إنها دين موسى _ عليه السلام _.
وهذا خطأ؛ إذ موسى _ عليه السلام _ لم يجئ باليهودية، وإنما جاء بالإسلام _بمفهومه العام_ الذي يعني الاستسلام لله وحده؛ فهو دين جميع الأنبياء من لدن نوح إلى محمد _ عليهم السلام _.
قال الله _ عز وجل _ عن إبراهيم _ عليه السلام _: [مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً] (آل عمران: 67).
وقال _ تبارك وتعالى _ عن موسى _ عليه السلام _: [وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (84)] (يونس).
وقال عن عيسى _ عليه السلام _: [فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)] (آل عمران).
فهذا هو الإسلام العام الذي جاء به جميع الأنبياء.
أما الإسلام الخاص فهو شريعة القرآن التي جاء بها محمد "(1).
__________
(1) _ انظر التدمرية لابن تيمية ص196_175.(1/1)
وهذا الإسلام الخاص يشترك مع كافة الشرائع بالتوحيد والأصول، ويختلف في تفصيل بعض الشرائع.
ومن خلال ما مضى يتبين أن اليهودية ديانة باطلة محرفة عن الدين الحق الذي جاء به موسى _ عليه السلام _.
سميت اليهودية بذلك نسبة إلى اليهود، وقد تعددت أسباب تسمية اليهود بهذا الاسم؛ فقيل في ذلك أقوال منها:
1_ أنهم سموا يهوداً نسبة إلى يهوذا بن يعقوب: الذي ينتمي إليه بنو إسرائيل الذين بعث فيهم موسى _ عليه السلام _ فقلبت العرب الذال دالاً.
2_ نسبة إلى الهَوَد: وهو التوبة، والرجوع، وذلك نسبة إلى قول موسى _عليه السلام_ لربه: [إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ] (الأعراف: 156).
أي تبنا ورجعنا إليك يا ربنا.
قال ابن منظور ×: =الهود: التوبة، هادَ يهود هوداً، وتهوَّد: تاب ورجع إلى الحق؛ فهو هائد، وقومٌ هُوْد مثل حائك وحُوك، وبازل وبُزْل+(1).
3_ نسبة إلى التقرب والعمل الصالح: قال زهير بن أبي سلمى:
سوى رَبَعٍ لم يأتِ فيه مخافةً ... ولا رهقاً من عابد متهود
فالمتهود: المتقرب، والتهود: العمل الصالح(2).
4_ من الهوادة، وهي المودة، فكأنهم سموا بذلك؛ لمودة بعضهم بعضاً(3).
لليهود عدة أسماء منها:
1_ اليهود _ كما مر _.
2_ بنو إسرائيل: وإسرائيل لقب يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم _عليهم السلام_.
قال ابن عباس _ رضي الله عنهما _: =معناه: (عبدالله).
لأن إسرا بمعنى عبد، وإيل: اسم الله.
أي أنه مركب من كلمتين: إسرا، وإيل، كما يقولون: بيت إيل+(4).
3_ الذين هادوا: كما قال _ عز وجل _: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ] (البقرة: 62).
وقال: [يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ] (المائدة: 44).
__________
(1) _ لسان العرب 3/439.
(2) _3_ لسان العرب 3/439.
(4) _ انظر التحرير والتنوير لابن عاشور 1/450.(1/2)
4_ أهل الكتاب: إشارة إلى اسمهم المتأخر خاصة بعد ظهور عيسى _ عليه السلام _ وتميزهم عن أتباعه النصارى.
ولذلك يطلق هذا الاسم عليهم وعلى النصارى؛ إشارة إلى أن الله أنزل عليهم كتاباً من السماء، وهو التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى _عليهما السلام_.
وعلى أية حال فاسم اليهود أشمل من بني إسرائيل؛ لأنه يطلق على الذين اعتنقوا الديانة سواء كانوا من بني إسرائيل أو من غيرهم.
في حين أن بني إسرائيل _ وهم ذرية يعقوب _ عليه السلام _ قد يكون منهم اليهودي، أو النصراني، أو المسلم، أو سواهم.
يُعَدُّ الخليل إبراهيم _عليه السلام_ الأب المشترك للعرب، واليهود، والنصارى.
والخليل هو إبراهيم بن تارِخ بن ناحور بن ساروغ بن راغو بن فالغ بن عابر ابن شالخ بن أَرْفَخْشَد بن سام بن نوح _ عليه السلام _(1).
اختلف في مكان ولادة الخليل _ عليه السلام _.
قال ابن كثير ×: =عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال: ولد إبراهيم بغُوطة دمشق، في قرية يقال لها: برزة، في جبل يقال له: قاسيون.
ثم قال: والصحيح أنه ولد ببابل+(2).
وتذكر كتب التواريخ أن إبراهيم _ عليه السلام _ تزوج سارة، وكانت عاقراً لا تلد، وخرج مع والده وزوجته وابن أخيه لوط بن هاران من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين _ أي من العراق إلى بيت المقدس فلسطين _.
وقد حصل له من البلاء، والجهاد في سبيل الله ما يطول ذكره.
ولما وصل إلى بيت المقدس، ومكث فيها عشر سنين قالت له سارة: إن الرب أحرمني الولد؛ فادخل على أَمَتي هذه _ تعني هاجر _ لعل الله يرزقنا منها ولداً.
فلما وهبتها له دخل بها إبراهيمُ _ عليه السلام _ فحملت ووضعت إسماعيل _عليه السلام_ وكان للخليل حينئذ ست وثمانون سنة.
__________
(1) _ انظر البداية والنهاية لابن كثير 1/324.
(2) _ انظر البداية والنهاية 1/325.(1/3)
ثم أوحى الله إلى إبراهيم يبشره بإسحاق من سارة، فخر له ساجداً؛ فولد له إسحاق بعد إسماعيل بثلاث عشرة سنة، فحمد الله إبراهيم كما قال _عز وجل_ عنه: [الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء (39)] (إبراهيم).
ثم انتقل بعد ذلك إبراهيم من أرض كنعان بابنه إسماعيل إلى واد غير ذي زرع عند موقع البيت فيما عرف باسم مكة.
وكان ذلك بسبب أمر الله _ عز وجل _ وقيل بسبب غيرة سارة _عليها السلام_.
ويقال: إن إسماعيل كان إذ ذاك رضيعاً؛ فلما تركه وأُمَّه هناك، وولى ظهره عنهما قامت إليه هاجر، وتعلقت بثيابه، وقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا ههنا وليس معنا ما يكفينا؟
فلم يجبها، فلما ألحت عليه وهو لا يجيبها، قالت: آلله أمرك بهذا؟
قال: نعم، قالت: فإذاً لا يضيعنا(1).
جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ =أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقاً، لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفَّى إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل، فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا.
قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا.
ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: [رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ] حتى بلغ [يَشْكُرُونَ ].
__________
(1) _ انظر البداية والنهاية 1/356.(1/4)
وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، أو قال: يتلبط، فانْطَلَقَتْ؛ كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طَرْف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً، فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات.
قال ابن عباس: قال النبي": =فذلك سعي الناس بينهما+.
فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً، فقالت: صه؛ تريد نفسها، ثم تسمعت فسمعت _أيضا_ فقالت: قد أَسْمَعْتَ إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بِعَقِبِه _ أو قال بجناحه _ حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه، وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعد ما تغرف، قال بن عباس قال النبي ": =يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم _ أو قال لو لم تغرف من الماء _ لكانت زمزم عيناً معيناً+.
قال: فشربت، وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة؛ فإن ها هنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله.
وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول؛ فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جُرْهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائراً عائفاً، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لَعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جرياً أو جريين فإذا هم بالماء، فرجعوا، فأخبروهم بالماء، فأقبلوا.
قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء.
قالوا: نعم، قال ابن عباس: قال النبي ": =فألفى ذلك أم إسماعيل، وهي تحب الأنس+.(1/5)
فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام، وتعلم العربية منهم وأنفسهم، وأعجبهم، حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بِشَرٍّ، نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه.
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له: يغيِّر عتبة بابه.
فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنَّا في جهد وشدة.
قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غيِّر عتبةَ بابك، قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك؛ الحقي بأهلك، فطلقها، وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد، فلم يجده فدخل على امرأته، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم، قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء.
قال النبي: =ولم يكن لهم يومئذ حَبٌّ ولو كان لهم دعا لهم فيه+.
قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه.
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومُرِيْهِ يثبت عتبة بابه.(1/6)
فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك، فأخبرته، فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك، ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر قال: فاصنع ما أمرك ربك قال: وتعينني قال: وأعينك قال: فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتاً وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: [ربَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ].
قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: [ربَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ]+(1).
ثم حصل لإبراهيم ما حصل من البلاء بذبح ابنه وغير ذلك من البلايا.
وبعد أن بلغ إبراهيم _ عليه السلام _ مائة سنة رزقه الله بإسحاق.
وكان عمر سارة آنذاك تسعين سنة.
قال الله _تعالى_: [وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)] (الصافات).
قال ابن كثير ×: =وذكر أهل الكتاب أن إسحاق لما تزوج رفقا بنت ثبوائيل في حياة أبيه كان عمره أربعين، وأنها كانت عاقراً، فدعا الله فحملت، فولدت غلامين توأمين: أولهما سموه عيصو، وهو الذي تسميه العرب العيص، وهو والد الروم.
__________
(1) _ البخاري (3364).(1/7)
والثاني خرج وهو آخذ بعقب أخيه؛ فسموه يعقوب وهو إسرائيل الذي ينسب إليه بنو إسرائيل+(1).
ومما جاء في سيرة يعقوب _ عليه السلام _ أنه رحل من بيت المقدس إلى خاله لابان بأرض حران؛ فلما قدم على خاله إذا له ابنتان اسم الكبرى: لَيّا، ويقال لها: ليئة، واسم الصغرى: راحيل؛ فخطب إليه راحيل وكانت أحسنهما وأجملهما؛ فأجابه إلى ذلك بشرط أن يرعى على غنمه سبع سنين؛ فلما مضت المدة عمل خاله لابان طعاماً، وجمع الناس عليه، وزف إليه ليلاً ابنته الكبرى ليا، وكانت ضعيفة العينين، وليست بذات جمال.
فلما أصبح يعقوب، قال لخاله: لم غدرت بي وإنما خطبت إليك راحيل؟
فقال: إنه ليس من سننا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى، فإن أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وأزوجكها؛ فعمل سبع سنين، وأدخلها عليه مع أختها، وكان ذلك سائغاً في ملتهم، ثم نسخ في شريعة التوراة، وهذا وحده دليل كافٍ على وقوع النسخ؛ لأن فعل يعقوب _ عليه السلام _ دليل على جواز هذا وإباحته؛ لأنه معصوم(2).
وبعد ذلك وهب خالُه لابان لكل واحدة من ابنتيه جارية؛ فوهب لليا جارية اسمها زلفا، وقيل: زلفة، ووهب لراحيل جارية اسمها بلها، وقيل: بلهة.
وقد جبر الله _تعالى_ ضعفَ ليا بأن وهب لها أولاداً؛ فكان أول من ولدت ليعقوب: روبيل، ثم شمعون، ثم لاوي، ثم يهوذا.
وكانت راحيل لا تحبل؛ فوهبت ليعقوب جاريتها بلها؛ فوطئها؛ فحملت وولدت له غلاماً سمته دان، وحملت وولدت غلاماً ثانياً سمَّته يفثالي، وقيل اسمه ثفيالي، أو نفتالي، فعمدت عند ذلك ليا؛ فوهبت جاريتها زلفا من يعقوب _ عليه السلام _ فولدت له جاد، وأشير، ثم حملت ليا، فولدت غلاماً خامساً وسمته أيساخر، ويقال: إنه يساكر.
ثم حملت وولدت غلاماً سادساً سمته زابلون، أو زوبلون، ثم حملت وولدت بنتاً سمتها دنيا، فصار لها سبعة من يعقوب.
__________
(1) _ البداية والنهاية 1/447.
(2) _ انظر البداية والنهاية 1/449.(1/8)
ثم دعت راحيل الله _تعالى_ وسألته أن يهب لها غلاماً من يعقوب؛ فسمع الله نداءها، وأجاب دعاءها؛ فحملت، وولدت غلاماً عظيماً شريفاً، حسناً جميلاً سمته يوسف.
كل هذا وهم مقيمون بأرض حران، وهو يرعى على خاله غنمه، ثم طلب يعقوب من خاله أن يأذن له بالرحيل؛ فأذن له ورحل إلى فلسطين عند أبيه إسحاق _ عليهما السلام _.
وبعد رجوعه إليها حملت زوجته راحيل؛ فولدت غلاماً وهو بنيامين إلا أنها جهدت في طلقها به جهداً شديداً، وماتت عقيبه، فدفنها يعقوب في بيت لحم(1).
وبعد ذلك مرض إسحاق، ومات عن مائة وثمانين سنة، ودفنه ابناه: العيص، ويعقوب مع أبيه الخليل _ عليهم السلام _.
وهكذا استقر يعقوب هو وأبناؤه الأسباط الاثنا عشر في فلسطين.
ومن ذرية الأسباط يتكون نسب بني إسرائيل.
ثم حصل ما حصل بين يوسف وإخوته، وبعد ذلك دعا يوسف والده وإخوته إلى مصر، فنزحوا من فلسطين، ومات يعقوب في مصر، فذهب به يوسف وإخوته وأكابر أهل مصر إلى فلسطين، فلما وصلوا حبرون دفنوه في المغارة التي اشتراها الخليل.
ثم رجعوا إلى مصر، وعزى إخوة يوسفَ يوسفَ، وترققوا له؛ فأكرمهم، وأحسن منقلبهم؛ فأقاموا بمصر، ثم حضرت يوسف الوفاة؛ فأوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر؛ فيدفن عند آبائه، فحنطوه، ووضعوه في تابوت، فكان بمصر حتى أخرجه موسى _ عليه السلام _ فدفنه عند آبائه _ كما يقول ابن كثير فيما نقله عن نصوص أهل الكتاب _(2).
وبعد ذلك تناسل الأسباط، وكثروا، وأبوا أن يندمجوا مع المصريين؛ فعزلوا أنفسهم عنه، وتواصوا فيما بينهم أن يكون لكل سبط نسله المعروف المميز عن بقية الأسباط وذلك ليضمنوا الاحتفاظ بنسبهم؛ اعتزازاً به، وتعالياً على غيرهم باعتبار أنهم من ذرية الأنبياء.
__________
(1) _ انظر البداية والنهاية 1/447_455، والتحرير والتنوير 1/732.
(2) _ انظر البداية والنهاية 1/504.(1/9)
وهذه العزة التي عاشها اليهود في مصر مع الشعور المصاحب لهم من التعالي بنسبهم _ جعل مقامهم في مصر قلقاً مضطرباً (1).
وبعد ثلاثة قرون أو تزيد اضطهدهم الفراعنةُ حكامُ مصر واستعبدوهم, فبعث الله موسى نبياً فيهم، ورسولاً إليهم وإلى فرعون.
وقد بين لنا القرآن الكريم سيرة موسى _ عليه السلام _ مع فرعون, حيث منَّ الله على بني إسرائيل ونجاهم من سوء العذاب الذي كان فرعون يسومهم به، ونصرهم عليه بقيادة موسى _ عليه السلام _ حيث انهزم فرعون وأهلكه الله بالغرق.
وكان جديراً ببني إسرائيل بعد هذا النصر أن يحمدوا الله ويطيعوه, إلا أنهم أبوا إلا الكفر والذلة والمسكنة، فآذوا موسى _ عليه السلام _ وتعنتوا حين أمروا أن يدخلوا فلسطين _الأرض المقدسة_.
وقد أكرمهم الله وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، ولما ذهب موسى لمناجاة ربه استضعفوا هارون، وعبدوا العجل الذهب، وتعنتوا على موسى بعد عودته وقالوا له:[لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً](البقرة:55).
ورفع الله فوقهم الطور؛ تهديداً لهم، فاستسلموا؛ خوفاً، وأعطوا مواثيقهم، ولكنهم نقضوا، واعتدوا في السبت؛ فمسخهم الله قردة وخنازير(2).
وتوالت عليهم الآيات والعبر، كقصة البقرة، والخسف، وغيرها، ولكن قست قلوبهم، ولم تنفعهم الآيات والعبر؛ فهي كالحجارة أو أشد قسوة.
ثم توالت بعد ذلك غطرستهم، وتبجحهم، وعنادهم، وتحريفهم، وتبديلهم مع كليم الله ومَنْ بعده من الأنبياء _عليهم السلام_.
__________
(1) _ انظر حقيقة اليهود ص 1.
(2) _ انظر حقيقة اليهود ص3.(1/10)
ثم بعث الله فيهم عيسى _عليه السلام_ وبدلاً من أن يصححوا خطأهم وانحرافهم، ويكفوا عن خبثهم وتزييفهم أجمعوا على قتله _عليه السلام_ ولكن الله _عز وجل_ نجاه منهم وفي ذلك يقول الله _تبارك وتعالى_: [وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ](النساء: 157).
ولم يكتفوا بما فعلوه بالمسيح _ عليه السلام _ في حياته وإنما دونوا افتراءات كثيرة على المسيح _عليه السلام_ واتهموا أمه مريم _ عليها السلام _ بالبهتان, وعاثوا في الأرض فساداً(1).
واستمروا على جرمهم بعد رفع عيسى _ عليه السلام _ وأخذوا يكيدون لأتباعه، ويطاردونهم، ويعملون على تحريف الإنجيل, حتى تمكنوا من ذلك بالسر والعلن، وأخذوا يعيثون في الأرض فساداً حتى حقدت عليهم الأمم والشعوب؛ فشردوا في الأرض أكثر من مرة، فتفرقوا قبل الإسلام بالشام ومصر والعراق وجزيرة العرب _ في يثرب وخيبر ونجران واليمن _.
وفي كل أرض يحلون بها يكون ديدنهم التفريقَ بين الناس _كما فعلوا مع الأوس والخزرج في المدينة_ واحتكارَ التجارة، والربا، وإشاعة الرذيلة والبغاء، وأكل أموال الناس بالباطل.
واستمروا على هذه الحالة إلى أن بُعث محمد " وكانوا قبل بعثته يستفتحون على الذين كفروا، ويخبرونهم بأنه سوف يخرج نبي، وأنهم سوف يحاربون مع هذا النبي, فلما ظهر النبي " كذبوه، وآذوه، واستهزأوا به، وسحروه، وهموا بقتله, وألَّبوا عليه المشركين, وبدأوا يبثون سمومهم داخل الصف المسلم، وظهر فيهم النفاق, واستمر كيدهم للإسلام والمسلمين إلى اليوم؛ حيث أسهموا إسهاماً كبيراً في إثارة الفرقة ونشر الفرق الضالة كالشيعة، والجهمية، والباطنية، والمعتزلة بمختلف طوائفها، والصوفية بمختلف طرقها إلى اليوم، والشيوعية الحمراء، وغيرها من الفرق والطوائف التي لا تحصى.
__________
(1) _ حقيقة اليهود ص3.(1/11)
كل هذه الفرق والطوائف إما من صنعهم، أو من تشجيعهم، ومساندتهم, وصدق الله _تعالى_ إذ يقول: [وَيسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً] (المائدة:33) ويقول:[وَلا يزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ استطَاعُوا] (البقرة: 217) (1).
كانت عقيدةُ اليهود قبل أن يحرفوها عقيدَة التوحيد الخالص، والإيمان الصحيح المنزلة من الله على موسى _ عليه السلام _ قال _ تعالى _:[وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ](النحل: 36).
وقال _تعالى_: [إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ](المائدة:44).
هذه هي عقيدتهم، ولكنهم حرفوها، وبدلوها، وابتدعوا فيها ما لم ينزله الله حتى صاروا فيما بعد وإلى الآن على الشرك والعداء لله ورسله.
أما بداية انحرافهم عن العقيدة الصحيحة فكانت في عهد موسى _عليه السلام_ وهو حي بين ظهرانيهم؛ حيث تعنتوا، وعاندوا، وآذوا موسى _عليه السلام_.
وفيما يلي أمثلة من ذلك:
__________
(1) _ انظر الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة ص27_29.(1/12)
1_ اتخاذهم العجل معبوداً من دون الله: قال الله _ عز وجل _: [وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ(51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(52) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(53) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(54)] (البقرة).
2_ قولهم لموسى: أرنا الله جهرة: قال الله _ عز وجل _: [وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ(55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(57)] (البقرة).
3_ قولهم: حنطة بدلاً من قول: =حطة+: قال الله _ عز وجل _: [وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ(59)] (البقرة).(1/13)
4_ قولهم لموسى: لن نصبر على طعام واحد: قال الله _ عز وجل _: [وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ(60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ(61)] (البقرة).
5_ ما حصل من العناد والتعنت في قصة القتيل الذي اختصموا فيه وفيمن قتله: قال الله _ عز وجل _: [وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ(72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)] (البقرة).
6_ قولهم لموسى: [فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ(24)] (المائدة).(1/14)
وسيأتي مزيد بيان لانحرافهم في الفقرة التالية.
1_ الشرك بالله في العبادة كاتخاذهم العجل...، وقد مر في الفقرة الماضية.
2_ نسبتهم الابن إلى الله : [وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ] (التوبة: 30).
3_ جرأتهم على الله _تعالى_: كقولهم:[إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ](آل عمران:181), وقولهم:[يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ][المائدة:64).
4_ القول على الله _ بغير علم _: [وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً] (البقرة:80),[وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى] (البقرة:111).
5_ زعمهم أن الله _تعالى_ تعب من خلق السموات والأرض, فرد الله عليهم بقوله: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ] (ق: 38), وذلك لكمال قوته وقدرته.
6_ زعمهم أن الله ندم على خلق البشر، ومرض حتى عادته الملائكة، وأنه بكى حتى رمد من كثرة البكاء، لما رأى من معاصي البشر.
7_ فساد اعتقادهم في وحي الله وكتبه: حيث اعتقدوا أن الله لم ينزل شيئاً: [وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى] (الأنعام: 91).
8_ فساد اعتقادهم في النبوة والأنبياء: ومن ذلك أنهم يرون أن النبوة لا يستحقها إلا من كان منهم ويرشحونه للنبوة, لذلك إذا جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون.
ومن مظاهر انحراف عقيدتهم في النبوة والأنبياء أنهم نسبوا للأنبياء والمرسلين أعمالاً قبيحة فمن ذلك قولهم _ كما جاء في كتبهم _(1):
__________
(1) _ انظر محمد نبي الإسلام ص145، والرسل والرسالات د. عمر الأشقر ص104_105، والمدخل لدراسة التوراة والعهد القديم د. محمد البار ص177_3650.(1/15)
أ _ إن نبي الله هارون _ عليه السلام _ صنع عجلاً وعبده مع بني إسرائيل، إصحاح 32 عدد 1 من سفر الخروج.
وقد بين الله ضلالهم في القرآن عندما أخبر أن الذي صنع لهم عجلاً هو السامري.
ب _ إن إبراهيم _ عليه السلام _ قدَّم امرأته سارة إلى فرعون حتى ينال الخير بسببها. إصحاح 12 عدد 14 من سفر التكوين.
ج _ ومن ذلك قولهم إن لوطاً شرب الخمر حتى سكر ثم قام على ابنتيه، فزنى بهما الواحدة تلوى الأخرى, ومعاذ الله أن يفعل لوط ذلك وهو الذي دعا إلى الفضيلة طوال عمره. سفر التكوين إصحاح 19 عدد 30.
د _ وإن روابين زنى بزوجة أبيه يعقوب، وأن يعقوب _ عليه السلام _ علم بهذا الفعل القبيح فسكت. سفر التكوين إصحاح 31 عدد 17.
هـ _ وإن داود _ عليه السلام _ زنى بزوجة رجل من قواد جيشه، ثم دبر حيلة لقتل الرجل، فقتله، وبعدئذ أخذ داود الزوجة وضمها إلى نسائه فولدت سليمان. سفر صموئيل الثاني إصحاح 11 عدد 1.
و_ وإن سليمان _ عليه السلام _ ارتد في آخر عمره وعبد الأصنام وبنى لها المعابد. سفر الملوك إصحاح 11 عدد 5.
هذه بعض المخازي والقبائح التي نسبتها هذه الأمة الغضبية إلى أنبياء الله الأطهار, وحاشاهم مما وصفوهم به, وقد فعل اليهود ذلك لمرض قلوبهم وخبث طواياهم، وليسهل عليهم تسويغ ذنوبهم ومعايبهم عندما ينكر عليهم منكرٌ، أو يعترض عليهم معترض.
9_ فساد اعتقادهم في نبوة محمد ": ومن ذلك إنكارهم وجحودهم لنبوته مع علمهم بذلك حقاً:[الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ] (الأنعام:20).
10_ فساد اعتقادهم في الملائكة: حيث يزعمون أن جبريل وميكائيل من أعدائهم, وقد بين الله _تعالى_ ذلك وتوعدهم فقال: [مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ] (البقرة:98).(1/16)
11_ فساد عقيدتهم في اليوم الآخر: فهم يزعمون أنه لن يدخل الجنة إلا من كان من اليهود, وأن العاصي منهم مهما فعل من المعاصي والآثام فلن يدخل النار إلا أياماً معدودات.
وقد كذبهم الله _تعالى_ بقوله: [وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ] (البقرة: 111).
وقال: [وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُ ... ودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(80)] (البقرة).
12_ زعمهم أنهم هم أصحاب الحق: [وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ] (البقرة:135).
13_ تنقصهم لله _تعالى_ وكذبهم عليه: ومن ذلك قولهم:
أ _ النهار اثنتا عشرة ساعة في الثلاثة الأولى منها يجلس الله ويراجع الشريعة، وفي الثلاثة الثانية يحكم، وفي الثلاثة الثالثة يطعم العالم، وفي الثلاثة الأخيرة يجلس ويلعب مع الحوت والأسماك.
ب _ ليس الله معصوماً من الطيش والغضب والكذب.
ج _ أرواح اليهود مصدرها روح الله، وأرواح غير اليهود مصدرها الروح النجسة.
د _ خلق الله الناس باستثناء اليهود من نطفة حصان، وخلق الله الأجنبي على هيئة إنسان؛ ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم.
هـ _ اليهودي معتبر عند الله أكرم من الملائكة.
و_ لو لم يخلق الله اليهود لا نعدمت البركة في الأرض، ولما خلقت الأمطار والشمس.
لليهود أوصاف قبيحة، وأخلاق ذميمة مرذولة.
والكتاب والسنة حافلان في بيان ذلك.
كما أن شواهد التاريخ والواقع شاهدان على اليهود بالسوء، والفساد.
فمن أخلاقهم وصفاتهم على سبيل الإجمال: الكبر، والحسد، والظلم، وكتمان الحق، وتحريف الكلم عن مواضعه.(1/17)
ومنها الخيانة، والغدر، وسوء الأدب، واحتقار الآخرين، والسعي في الفساد، وإثارة الفتن والحروب.
ومنها الكذب، والجشع، وقسوة القلب، ومحبة إشاعة الفاحشة، وأكل الربا.
منذ أن بعث الله _سبحانه وتعالى_ محمداً " بدين الإسلام واليهود يكيدون لهذا الدين ولنبيه, مع أنهم يعرفون أنه رسول الله حقاً، ولديهم الأدلة على ذلك كما ذكر الله عنهم أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ومع ذلك كله جحدوا نبوته وأنكروها وحاولوا النيل من النبي " فحاولوا قتله، وسحروه، ووضعوا له السم، وقاموا بإثارة الفتن بين الأوس والخزرج حتى قال الله _ تعالى _ فيهم: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ(100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(101)] (آل عمران).
وتتبع اليهود رسول الله " بالأسئلة ليحرجوه، وطلبوا أن ينزل عليهم كتاباً من السماء, وقد هون الله أمرهم على رسوله فقال: [يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنْ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ] (النساء:153).
وعندما فشلوا في إثارة الفتن لَبس بعضهم لباس الإسلام؛ ليطعنوا الإسلام باسم المسلمين: [وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ](آل عمران:72).(1/18)
واستمر كيدهم ونشطوا في عهد عثمان ÷ ولبسوا لباس الإسلام بقيادة ابن السوداء عبد الله بن سبأ، وظلوا يؤلبون المسلمين على عثمان بدعوى أنه ليس أحق بالخلافة، وأن انتقال الرسول " إلى الرفيق الأعلى يعني انتقال شخصه إلى علي ÷ كما انتقلت شخصية موسى إلى يوشع, وذهب عثمان ÷ ضحية لهذه الفتنة.
وعندما فتح المسلمون الكثير من الأمصار رحب أكثر أهل الذمة من اليهود والنصارى بهذه الفتوح في بلاد العراق والشام ومصر؛ رغبة في الخلاص من الاضطهاد الروماني حيث عاشوا في ظل دولة الإسلام عيشة أحسن من التي كانوا يعيشونها في السابق مع بني قومهم إلا أنهم لم يتخلوا عن مكرهم وكيدهم؛ فكلما سنحت لهم فرصة اهتبلوها، وبادروا إليها.
وخلاصة القول أننا لوا استعرضنا التاريخ الإسلامي لوجدنا أن لليهود دوراً في كل فتنة وحدث يضر بالمسلمين وإن لم يكن الحدث من صنعهم ابتداءاً لكنهم يوقدونه ولو بعد حين.
وهذا ما جعل بعض الباحثين يذهبون إلى أن اليهود وراء كل الفتن والأحداث.
ولا يشك أحد بأن اليهود عملوا جهدهم _ ولا يزالون _ في الدس والتفريق بين المسلمين، ومحاولة إفساد عقيدتهم وأخلاقهم؛ فالمحققون يجزمون بأن اليهود هم الذين أنشأو التشيع والرفض ابتداءاً، وهم الذين بذروا بذور الفرق الضالة كالمعتزلة والجهمية وسائر الفرق الباطنية كالنصيرية، والإسماعيلية، والدروز، والقرامطة, وهم الذين مهدوا للدولة الفاطمية الشيعية وعن طريقها نشر اليهود البدع القبورية، والطرق الصوفية، والأعياد المبتدعة, كعيد الميلاد، والبدع والخرافات التي سادت في عهد الدولة الفاطمية, ودولة القرامطة وما بعدها.
ولما ظهرت القاديانية، والبهائية أيدوها ثم احتضنوها.(1/19)
وهم الذين ساهموا في سقوط الخلافة العثمانية، ولن ينسى المسلمون ما فعله يهود الدونمة في تركيا حين أظهروا الإسلام، ودخلوا في عمق الخلافة، وكادوا الإسلام؛ فأسسوا الجمعيات السرية للإطاحة بالخلافة، ثم إعلان العلمانية ومكنوا لصنيعتهم مصطفى كمال أتاتورك.
أهداف اليهود وطموحاتهم لا تقف عند حد؛ فهم يخططون للسيطرة على العالم كله حتى يكون تحت هيمنة مملكتهم _إسرائيل_ التي تم إنشاؤها في فلسطين، والتي يزعمون أن حدودها تكون من العراق شرقاً إلى مصر غرباً _من الفرات إلى النيل_ ومن شمال الشام شمالاً إلى يثرب جنوباً .
ويمكن إجمال بعض أهدافهم فيما يلي:
1_ تأسيس وتثبيت مملكتهم _إسرائيل_: بحيث يكون مركزها أور شليم _القدس_ وتكون هي منطلق نشاطهم.
وبسبب تخلف المسلمين وبعدهم عن دينهم تمكن اليهود من تحقيق أكثر أحلامهم مع الأسف.
2_ التحكم في شعوب العالم: وتسخيرها لخدمتهم؛ لأنهم بزعمهم هم شعب الله المختار، وغيرهم يجب أن يكون مسخراً لخدمتهم.
3_ القضاء على المسلمين: [لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ و َلا ذِمَّةً] (التوبة:10) ، [ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا] (البقرة: 217 ).
4_ إفساد الشعوب: وتحطيم أخلاقهم بسلاح المنكرات من خمر، وزنى، وكذب، وسينما، وربا، وغش، وغدر، وخيانة.
يسلك اليهود في سبيل الوصول إلى أهدافهم وسائل شتى، ويقومون بمخططات واسعة مدروسة، ومن ذلك:
1_ إشعال نار الفتنة بين الحكومات وشعوبها: وذلك عن طريق إغراء الحكومات باضطهاد الشعوب، وإغراء الشعوب بالتمرد على الحكومات، ومحاولة إبقاء كل من قوة الحكومة، وقوة الشعب؛ لتبقى العداوة دائمة مستمرة.
2_ إغراء الحكام والوزراء والرؤساء بالاستعلاء على شعوبهم والانغماس بالفساد، والرذيلة، والعهر عن طريق النساء، والخمر، والقمار، والرشاوي والمناصب، والمؤامرات، والفتن.(1/20)
3_ استعمال العنف والإرهاب في حكم العالم: فهم يصرحون بذلك في بروتوكولاتهم كقولهم: =خير النتائج في حكم العالم ما ينتزع بالعنف والإرهاب+.
4_ إشاعة الفوضى والخيانة؛ ليتردى العالم، وينحط، ويسهل التحكم به.
5_ العمل على تحطيم عقيدة الولاء والبراء في نفوس المسلمين باسم السلام والتطبيع؛ لكي يزول حاجز النفرة منهم.
6_ استغلال أجهزة الإعلام: وتوجيهها وجهة تخدم مصالحهم بأن تكون هابطة أخلاقياً، ومضللة سياسياً، ومذبذبة فكرياً.
7_ التحكم بالاقتصاد العالمي: وذلك بامتلاك أكبر عدد من المؤسسات والشركات والبنوك، واحتكار الذهب، ومضاعفة الأعمال الربوية، وتشجيع الأنظمة الرأسمالية الربوية، والضرائبية، والاشتراكية التأميمية المحطمة.
8_ نشر المبادئ الهدامة والجمعيات السرية التجسسية، والأحزاب المتطرفة والحركات الثورية، وتشجيع عصابات الخطف والاغتيالات.
9_ السيطرة على الدول النصرانية والشيوعية؛ لتكون أداة مسخرة تخدم أهدافهم وتحمي دولة إسرائيل الناشئة.
وهذا ما حدث فعلاً من بعض الدول خاصة بريطانيا، وأمريكا، وروسيا.
هذا شيء من أهدافهم ومخططاتهم وقد عملوا وجدوا في تحقيق ذلك، وحققوا الكثير ولم يكن ليتحقق لهم ذلك إلا بعد أن غفل المسلمون عما يدور حولهم.
ومتى ما رجع المسلمون إلى رشدهم، وآبوا إلى ربهم فلن تقوم لإسرائيل قائمة _ بإذن الله _.
يزعم اليهود أنهم أتباع موسى _ عليه السلام _ وأن كتابهم هو التوراة.
ولكن التوراة التي يزعمون أنهم يأخذون بها ليست هي التي أُنزلت على موسى _ عليه السلام _.(1/21)
فالتوراة _ في الأصل _ هي الكتاب الذي أنزله الله على موسى _عليه السلام_ والتوراة كتاب عظيم اشتمل على النور والهداية كما قال _تعالى_: [إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ](المائدة: 44).
وقال _تعالى_: [ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ] (الأنعام: 154).
وكثيراً ما يقرن الله _ عز وجل _ في القرآن بين التوراة والقرآن؛ وذلك لأنهما أفضل كتابين أنزلهما الله على خلقه.
هذه باختصار هي حقيقة التوراة التي أنزلت على موسى _ عليه السلام _.
التوراة الموجودة اليوم(1):
أما التوراة الموجودة اليوم فهي ما يطلق على الشريعة المكتوبة، كما يطلق لفظ (التلمود) على الشريعة الشفهية.
والتوراة الموجودة اليوم تشتمل على خمسة أسفار وهي:
1_ سفر التكوين: ويتحدث هذا السفر عن خلق العالم، وظهور الإنسان، وطوفان نوح، وولادة إبراهيم إلى موت يوسف _ عليهما الصلاة والسلام _.
2_ سفر الخروج: ويتحدث عن حياة بني إسرائيل في مصر، منذ أيام يعقوب إلى خروجهم إلى أرض كنعان مع موسى ويوشع بن نون _عليهما السلام_.
3_ سفر اللاويين: نسبة إلى لاوي بن يعقوب، وفي هذا السفر حديث عن الطهارة، والنجاسة، وتقديم الذبائح، والنذر، وتعظيم هارون وبنيه.
4_ سفر العدد: يحصي قبائل بني إسرائيل منذ يعقوب، وأفرادَهم، ومواشيهم.
5_ سفر التثنية: وفيه أحكام، وعبادات، وسياسة، واجتماع، واقتصاد، وثلاثة خطابات لموسى _ عليه السلام _.
__________
(1) _ انظر مقارنة بين القرآن والتوراة لمحمد الصوياني.(1/22)
هذه هي التوراة الموجودة اليوم، وكل عاقل منصف _فضلاً عن المسلم المؤمن_ يعلم براءة التوراة التي أنزلها الله على موسى _ عليه السلام _ مما هو موجود في التوراة اليوم، وذلك لأمور عديدة منها:
أ_ ما حصل للتوراة من الضياع والنسخ والتحريف والتدمير، فلقد حُرِّف فيها، وبُدِّل، وضاعت، وتعرضت لسبع تدميرات، منذ عهد سليمان _ عليه السلام _ (945) قبل الميلاد إلى أن حصل التدمير السابع عام 613م مما يدل على ضياعها، وانقطاع سندها.
ب_ ما تشتمل عليه من عقائد باطلة لا تَمُتُّ إلى ما جاء به المرسلون بأدنى صلة.
ج_ اشتمالها على تنقص الرب _ جل وعلا _ وتشبيهه بالمخلوقين، ومن ذلك قولهم: =إن الله تصارع مع يعقوب ليلة كاملة فصرعه يعقوب+.
ومن ذلك قولهم: =إن الله ندم على خلق البشر لما رأى من معاصيهم، وأنه بكى حتى رمد؛ فعادته الملائكة+.
تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً.
د_ اشتمالها على سب الأنبياء والطعن فيهم، وقد مر شيء من ذلك عند الحديث عن عقائد اليهود.
هـ _ اشتمالها على المغالطات، والمستحيلات، والمتناقضات.
و_ أن المعركة التي قامت بين التوراة وحقائق العلم الحديث أثبتت ما في التوراة من الأخطاء العلمية.
ومن تلك الكتب التي تكلمت على هذا الموضوع كتابا ن هما: (أصل الإنسان) و (التوراة والإنجيل والقرآن) لعالم فرنسي اسمه (موريس بوكاي) حيث أثبت وجود أخطاء علمية في التوراة والإنجيل، وأثبت في الوقت نفسه عدم تعارض القرآن مع العلم الحديث وحقائقه، بل سجل شهادات تَفَوُّقٍ سَبَقَ القرآنُ فيها العلمَ بألف وأربعمائة عام(1).
__________
(1) _ انظر التوراة والإنجيل والقرآن والعلم (لموريس بوكاي) ترجمة الشيخ حسن خالد.(1/23)
اليهود هم اليهود في عقائدهم وأخلاقهم كما كانوا من قبل إلا أنهم في العصر الحاضر أجمعُ شملاً، وأقوى نفوذاً، وأكثر تنظيماً، وأحكم سيطرة على مقاليد العالم خاصة بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث انتهزوا الخواء الروحي والاقتصادي والسياسي الذي مُنِيَ به الغرب؛ فتمكنوا، وتحكموا في مقاليد الأمور هناك فكرياً واقتصادياً وسياسياً خاصة في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وروسيا.
ثم هم وراء ابتداع وترويج النظرية الماركسية _ الشيوعية _ ثم تطبيقها في روسيا القيصرية، ثم تصديرها إلى شرق أوربا وبعض دول ما يسمى بالعالم الثالث.
وكذلك قاموا بترويج النظريات الهدامة الأخرى في الاقتصاد، والسياسة، والاجتماع كنظرية التطور لدارون، ونظرية دور كايم الاجتماعية، ونظرية ميكافيلي السياسية التي ترى أن الغاية تسوغ الوسيلة.
ولعل أبرز عمل قاموا به في هذا العصر هو احتلالهم لفلسطين بناءاً على الوعد المشؤوم من بلفور عام 1335هـ حيث احتلوها سنة 1367هـ، وقامت بعدها اليوم بتوسيع رقعتها، وضم بعض الأراضي؛ سعياً في تحقيق الحلم بإقامة دولة إسرائيل الكبرى.
وخلال تلك الفترة إلى هذا اليوم قامت إسرائيل بمجازر رهيبة جماعية وفردية, كذلك قاموا باحتلال لبنان والجولان، وأفسدوا في البلدان التي أقاموا معها جسوراً وعلاقات؛ حيث نشروا الفساد والرذيلة؛ فانتشر بذلك الانحلال، والأمراض الفتاكة كالإيدز وغيرها, كذلك انتشرت المخدرات, وعمليات التجسس.
كما أنهم يحرصون على كل ما فيه هدم للقيم والأخلاق.
كما أنهم يحرصون على إقامة دولتهم، وعلى جمع اليهود في شتى بقاع العالم؛ حيث قاموا بنقل يهود الفلاشا، ويهود الاتحاد السوفيتي وغيرهم إلى فلسطين.
ولا يزالون يعيثون في الأرض فساداً، ويكررون اعتداءاتهم على الأقصى الشريف، ويذيقون أهل فلسطين ألواناً من العَسْف، والطغيان، والتسلط.
1-الأفعى اليهودية: عبدالله التل.
2-بروتوكولات حكماء صهيون.(1/24)
3-جذور البلاء: عبدالله التل.
4-حقيقة اليهود: سيد الرفاعي.
5-تفسير ابن كثير.
6-الرسل والرسالات: د. عمر الأشقر.
7-لسان العرب: ابن منظور.
8-محاضرات الشيخ محمد بن قاسم على طلاب كلية اللغة بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية.
9-المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم: د. محمد البار.
10-مقارنة بين التوراة والقرآن: محمد الصوياني.
11-الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة: د. ناصر العقل، د. ناصر القفاري.
12-الموسوعة الميسرة: الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
13-نهاية اليهود: أبو الفداء محمد عزت عارف.
14-يا مسلمون اليهود قادمون: د. محمد عبدالعزيز منصور.
15-اليهود تاريخ وعقيدة: د. كامل عسفان.(1/25)