الوَصايا العشْر لأبي ذَر
الحمد لله رب العالمين ... الحمد لله الملك الحق المبين ... الحمد لله ذي القوة المتين ...نحمده حمد الفقراء إليه ، هو ربنا الغني الحميد ؛ ونشكر له شكر السائلين من فضله المزيد .... رضِي لنا الإسلام دينا ، وبعث فينا سيد ولد آدم ، إمام المصطفيْن الأخيار ، صاحب الخلق العظيم ، الذي تمم مكارم الأخلاق ، فأخرجنا بإذنه من الظلمات إلى النور ... صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحبه الأبرار وسلم تسليما كثيرا...
أما بعد ، فهذا شرح لوصية جامعة من وصايا السراج المنير صلى الله عليه وسلم ، سميته : الوصايا العشر لأبي ذر....رضي الله عن أبي ذر وعن إخوانه ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) ، (وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ ) الذين قال فيهم النبي الأمين صلى الله عليه وسلم : لَوْ أَنَّ الْأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الْأَنْصَارِ وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ ، وعمن تبعهم بصدق على المحجة البيضاء التي تركنا عليها خاتم الأنبياء والمرسلين ، إلى اليوم العظيم الذي يجمع فيه الواحد القهار، العزيز الغفار الأولين والآخرين...أسأل الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، وأن ينفع به ... إن ربي لسميع عليم ، قريب مجيب / .
1
*** الوصية كما وردت في الحديث ***
* عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي ...
- قَالَ : أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا رَأْسُ أَمْرِكَ .
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ...
- قَالَ : عَلَيْكَ بِتِلاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَكَ نُورٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَنَورٌ فِي الأَرْضِ .
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ...(1/1)
- قَالَ : لا تُكْثِرِ الضَّحِكِ فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيُذْهِبُ نُورَ الْوَجْهِ .
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي...
- قَالَ : عَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي .
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ...
- قَالَ : عَلَيْكَ بِالصَّمْتِ إِلا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّهُ مَرَدَّةٌ لِلشَّيْطَانِ عَنْكَ وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ .
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ...
- قَالَ : انْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَكَ وَلا تَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَرِي نِعْمَةَ اللَّهِ عِنْدَكَ. قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ...
- قَالَ : صِلْ قَرَابَتَكَ وَإِنْ قَطَعُوكَ .
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي...
- قَالَ : لا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ ،
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ...
- قَالَ : تُحِبُّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ ،
ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِي ،
- فَقَالَ : يَا أَبَا ذَرًّ لا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ ، وَلا وَرَعَ كَالْكَفِّ ، وَلا حَسَبَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ....
2
*** تخريج وتعليقات ***
?رواه الطبراني في معجمه الكبير...
? وعزاه السيوطي في الجامع الصغير لعبد بن حميد في تفسيره ، والطبراني / قال الألباني : ضعيف جدا.
? وفي صحيح الترغيب والترهيب ؛ في طرف الحديث : وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ، أوصني... قال: عليك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله .. قلت :يا رسول الله، زدني.. قال: عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء / قال : حسن لغيره .(1/2)
? وقال : ورواه ابن حبان في صحيحه .. والحاكم وقال صحيح الإسناد ؛ قال الحافظ انفرد به إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني عن أبيه وهو حديث طويل في أوله ذكر الأنبياء عليهم السلام ، ذكرت منه هذه القطعة لما فيها من الحكم العظيمة والمواعظ الجسيمة/.../ وبعد أن أسقط منه الفقرات الضعيفة ، بقي : ...عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت: يا رسول الله ، أوصني .. قال: أوصيك بتقوى الله فإنها زين لأمرك كله...قلت : يا رسول الله ، زدني .. قال : عليك بتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض ... قلت : يا رسول الله ، زدني .. قال: وإياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه ... قلت : زدني .. قال: قل الحق وإن كان مرا ... قلت: زدني .. قال: لا تخف في الله لومة لائم ... / قال: ( صحيح لغيره ) .(1/3)
? والحديث في صحيح ابن حبان ؛ من قول أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، أوصني ... قال : « أوصيك بتقوى الله ، فإنه رأس الأمر كله » قلت : يا رسول الله ، زدني ، قال : « عليك بتلاوة القرآن ، وذكر الله ، فإنه نور لك في الأرض ، وذخر لك في السماء » قلت : يا رسول الله ، زدني : ، قال : « إياك وكثرة الضحك ، فإنه يميت القلب ، ويذهب بنور الوجه » قلت : يا رسول الله ، زدني ، قال : « عليك بالصمت إلا من خير ، فإنه مطردة للشيطان عنك ، وعون لك على أمر دينك » قلت : يا رسول الله ، زدني ، قال : « عليك بالجهاد ، فإنه رهبانية أمتي » قلت : يا رسول الله ، زدني ، قال : « أحب المساكين وجالسهم » قلت : يا رسول الله زدني ، قال : « انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك ، فإنه أجدر أن لا تزدرى نعمة الله عندك » قلت : يا رسول الله زدني ، قال : « قل الحق وإن كان مرا » قلت : يا رسول الله زدني ، قال : « ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك ولا تجد عليهم فيما تأتي ، وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك ، أو تجد عليهم فيما تأتي » ثم ضرب بيده على صدري ، فقال : « يا أبا ذر لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكف ، ولا حسب كحسن الخلق » ....(1/4)
?وروى أحمد ، والبيهقي في الكبرى ، وابن أبي شيبة ، والطبراني ، وابن حبان = ... عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : أَمَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي وَلَا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ ، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا ، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ.../ لفظ المسند / وجاء في بعض الروايات : أوصاني خليلي...
3
*** شرح ***
- لقد اشتملت هذه الوصية المباركة على عشر كلمات ،كل منها وصية مضيئة تنير الطريق الموصل إلى رضى الله تعالى ... نسأل الله الهداية والسداد ...
1
أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا رَأْسُ أَمْرِكَ .
* أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر رضي الله عنه، وجميع المومنين، بتقوى الله عز وجل ... وكثيرا ما كان صلى الله عليه وسلم يوصي بها ؛ ويأمر بها ، يقول لأحدهم : عليك بتقوى الله ، ولآخر : اتق الله... لأنها ،كما قال صلى الله عليه وسلم : رأس الأمر... وهي خير زاد ، قال تعالى :( وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) (البقرة : 197 ) ...(1/5)
* قال الجرجاني في التعريفات = التقوى في اللغة : بمعنى الاتقاء، وهو اتخاذ الوقاية، وعند أهل الحقيقة: هو الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته، وهو صيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك، والتقوى في الطاعة: يراد بها الإخلاص، وفي المعصية: يراد بها الترك والحذر، وقيل: أن يتقي العبد ما سوى الله تعالى، وقيل: المحافظة على آداب الشريعة، وقيل: مجانبة كل ما يبعدك عن الله تعالى، وقيل: ترك حظوظ النفس ومباينة النهي، وقيل: ألَّا ترى نفسك خيراً من أحد، وقيل: ترك ما دون الله ؛ والمتبع عندهم ، هو الذي اتقى متابعة الهوى، وقيل: الاهتداء بالنبي عليه السلام قولاً وفعلاً...
* وقال صاحب الفروق اللغوية = الفرق بين التقوى والتُّقى- قيل: التقوى خصلة من الطاعة يحترز بها من العقوبة... والتقى: صفة مدح لا تطلق إلا على من يستحق الثواب.
- الفرق بين التقوى والطاعة : الطاعة: الانقياد لمطلوب الشارع بما أمر به واجبا كان أم مستحبا...والتقوى: كف النفس عما نهى الشارع عنه حراما كان أم مكروها.
* التقوى: اسم من وقيت، وأصلها الحفظ، ثم استعملت في مخافة الله / هامش شرح شافية ابن الحاجب.
* التقوى : صفة في النفس تحمل الانسان على فعل ما أمر الله به ، والامتناع عما نهى عنه./ معجم لغة الفقهاء.
* وفي القرآن الكريم :
- (كَلِمَةَ التَّقْوَى )، قال المفسرون : هي قول : لا إله إلا الله... / وقيل : هي كلمة الإخلاص. / لا إله إلا الله وحده لا شريك، له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير/ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له./ لا إله إلا الله، والله أكبر. / شهادة أن لا إله إلا الله، وهي رأس كل تقوى./ لا إله إلا الله والجهاد في سبيله./ لا إله إلا الله، محمد رسول الله./ بسم الله الرحمن الرحيم./
- ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ) : قال ابن الجوزي : وللمفسرين في لباس التقوى عشرة أقوال :(1/6)
أحدها : أنه السمت الحسن ، قاله عثمان بن عفان؛ ورواه الذيَّال بن عمرو عن ابن عباس .
والثاني : العمل الصالح ، رواه العوفي عن ابن عباس .
والثالث : الإيمان ، قاله قتادة ، وابن جريج ، والسدي؛ فعلى هذا ، سمي لباس التقوى ، لأنه يقي العذاب .
والرابع : خشية الله تعالى ، قاله عروة بن الزبير .
والخامس : الحياء ، قاله معبد الجهني ، وابن الانباري .
والسادس : ستر العورة للصلاة ، قاله ابن زيد .
والسابع : انه الدرع ، وسائر آلات الحرب ، قاله زيد بن علي .
والثامن : العفاف ، قاله ابن السائب .
والتاسع : أنه ما يُتَّقى به الحر والبرد ، قاله ابن بحر .
والعاشر : أن المعنى : ما يَلْبَسه المتقون في الآخرة ، خير مما يلبسه أهل الدنيا ، رواه عثمان بن عطاء عن أبيه .
- ( هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى ) : هو أهل أن يُخاف منه ؛ عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: { هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } وقال : قال ربكم: أنا أهل أن أتقى، فلا يجعل معي إله، فمن اتقى أن يجعل معي إلها كان أهلا أن أغفر له ./ رواه أحمد /قال الرازي : أي هو حقيق بأن يتقيه عباده ويخافوا عقابه فيؤمنوا ويطيعوا ، وحقيق بأن يغفر لهم ما سلف من كفرهم إذا آمنوا وأطاعوا ، والله سبحانه وتعالى أعلم...
?قال المناوي في فيض القدير : (أوصيك بتقوى الله) بأن تطيعه فلا تعصه وتشكره فلا تكفره ، والتقوى أس كل فلاح ونجاح في الدارين ؛ قال الغزالي : ليس في العالم خصلة للعبد أجمع للخير وأعظم للأجر وأجل في العبودية وأعظم في القدر وأدنى بالحال وأنجع للآمال من هذه الخصلة التي هي التقوى وإلا لما أوصى الله بها خواص خلقه فهي الغاية التي لا متجاوز عنها ولا مقتصر دونها ؛ قد جمع الله فيها كل نصح ودلالة وإرشاد وتأديب وتعليم ، فهي الجامعة لخيري الدارين، الكافية لجميع المهمات، المبلغة إلى أعلى الدرجات....(1/7)
- وقال : التقوى ، وإن قل لفظها، جامعة لحق الحق والخلق ، شاملة لخير الدارين، إذ هي تجنب كل منهي وفعل كل مأمور ... ومن اتقى الله حفظه من أعدائه ، ونجاه من الشدائد، ورزقه من حيث لا يحتسب ، وأصلح عمله ، وغفر زللَه ، وتكفل له بكفلين من رحمته، وجعل له نورا يمشي به بين يديه ، وقبِله وأكرَمه وأعزه ، ونجاه من النار ، إلى غير ذلك ...
?قلت : وثمار التقوى كثيرة يصعب حصرها، فمنها كونها سببا للفلاح ، قال تعالى : : ( وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (البقرة : 189 )؛ وسببا للرحمة ، قال سبحانه :( وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (الحجرات : 10 ) ؛ وسببا للفرج وجلب الرزق، قال اللطيف الخبير: ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ... ) (الطلاق : 2 - 3 ) ؛ واليسر :( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (الطلاق : 4 ) ، وبها تكفَّر السيئات ويعظم الأجر ، قال ربنا :( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) (الطلاق : 5 ) وبها تحصل معية الله عز وجل ومحبته ، وكفى بها مزية، قال جل ثناؤه : ( وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) (البقرة : 194 ) وقال :( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) (التوبة : 4 )؛ وهي الوسيلة لقبول الأعمال ، قال تعالى :( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) (المائدة : 27)، وبها صلاح الأعمال ومغفرة الذنوب، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ً) (الأحزاب :70- 71 )) ... والتقوي هي سبيل النجاة ، قال سبحانه : ( وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ(1/8)
اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الزمر : 61 ) ...ولقد وعد الله تعالى عباده المتقين المقام الأمين ، قال : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ) (الدخان : 51 ) وأعد لهم جنات الخلد ، قال : ( لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران : 15 ) ، وقال : ( لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ) (الزمر : 20 ) ، وقال : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (الحجر : 45 ) ... (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) (الطور : 17 ) ، ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) (القمر : 54 )... (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ) (المرسلات : 41 ) وقال :( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ) (النحل : 30 ) ... والآيات كثيرة . فاتقوا الله ، عباد الله ... فإن التقوى رأس الأمر كله ...
- اللهم اكتب لنا من خشيتك وتقواك ما تقنا به عذابك -
2
عَلَيْكَ بِتِلاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَكَ نُورٌ فِي السَّمَاوَاتِ
وَنَورٌ فِي الأَرْضِ.
* في رواية ابن حبان :... فإنه نور لك في الأرض ، وذخر لك في السماء.// وعند البيهقي في الشعب : فإنه ذكر لك في السماء ، ونور لك في الأرض.(1/9)
* قال تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) (القمر 17-22-32-40) ، فهو كلامه ، سبحانه ، جعله يسيرا لمن أراد أن يذْكُر ويدَّكر؛ وقد أمر عز وجل بترتيله وقراءته ، قال :( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزّمِّل : 4 ) وقال : ( فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (المزّمِّل : 20 ) ، كما جعله الله مباركاً وحث على تدبره ، قال : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) (صـ : 29 ) ، وأمر باتباعه ، أي بالعمل به ، طلباً لرحمة الله ، قال : (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام : 155 ) ... فهو الكتاب المتعبد بتلاوته ، ومتى قرأه المؤمن طاب ريحه وطعمه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب / متفق عليه / والله جل جلاله، لأنه طيب، فهو يقبل الطيب ؛ ثم إن التالي لكتاب الله يذكر ربه بكلامه ، والمولى تبارك وتعالى يقول : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (البقرة : 152 ) ، وفي الحديث القدسي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ... ( الحديث ) / متفق عليه / ، وفي حديث " من عادى لي وليا " يقول تعالى فيما رواه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم : ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ) /البخاري/ والقرآن الكريم افترضه الله تلاوة ، وتدبّرا ، وتفقّها ، وعملا ، وتعليما ... فمن قام به أحبه الله وملائكتُه ، وجعل له نورا في السماء ، ونورا يمشي به في الناس الذين يُلقي اللهُ محبتَه(1/10)
في قلوبهم ويضع له بينهم القبول ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ.../ متفق عليه//... نور في السماء ، ونور في الأرض ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَرَأَ أَوَّلَ سُورَةِ الْكَهْفِ وَآخِرَهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ قَدَمِهِ إِلَى رَأْسِهِ وَمَنْ قَرَأَهَا كُلَّهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ / أحمد / فهذا النور ، عن سورة الكهف وحدها ، فكيف بالقرآن جميعه ؟ أمّا عن كونه ذخراً في السماء فالحسنات المكتسبة بتلاوته ... عن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ قالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ / الترمذي / حسنات يذخرها الله تعالى لعبده المؤمن الذي يرتل كلامه ، يجدها عنده ، يوم يجيئ القرآن فيقول : يَا رَبِّ حَلِّهِ فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ زِدْهُ ... فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ ، ثُمَّ يَقُولُ :يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ ... فَيَرْضَى عَنْهُ ؛ فَيُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً / الترمذي / وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُقَالُ(1/11)
لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا.../ أحمد / ويقال له : اذهب في نعيم مقيم ، ويكسى أبواه حلتين لم تقم بهما الدنيا فيقولان :أي هذا، ولم نعمل له ؟... فيقول: بأخذ ابنكما القرآن ./عبد الرزاق / إنه القرآن العظيم ،الذي قال عنه النبي الكريم عليه أكمل الصلاة وأتم التسليم : القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من جعله أمامه قاده إلى الجنة / ابن حبان /(1/12)
* والذكر ، أمر الله تعالى به ، قال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الأحزاب : 41 -42) ، وجعل أهل الذكر من أولي الألباب ، قال : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ) (آل عمران : 190 -191 ) ؛ وبيَّن لهم ما أعدَّ لهم ، قال : (... وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) (الأحزاب : 35 ) ؛ والذاكر مفرِّد سابق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ...قَالُوا : وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ / مسلم/ ... وفي رواية للترمذي : سَبَقَ الْمُفْرِدُونَ ... قَالُوا : وَمَا الْمُفْرِدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْمُسْتَهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ ، يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ ، فَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِفَافًا ... ويكفي للترغيب في الذكر والإكثار منه ، والترهيب من الغفلة عنه ، هذا المثل الذي ضربه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ، قال : مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ... فحياة القلب وطمأنينته بذكر الله ، قال تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد : 28 ) ... وأفضل الذكر بعد تلاوة كتاب الله ، ما كان مأثورا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم...(1/13)
+ وفيما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن يحي بن زكرياء عليهما السلام ، أنه قال لقومه : " وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ ..."
- قال ابن القيم رحمه الله ، في الوابل الصيب من الكلم الطيب : فلو لم يكن في الذكر الا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً بالعبد أن لايفتر لسانه من ذكر الله تعالى وأن لا يزال لهجاً بذكره ؛ فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة ؛ فهو يرصده فإذا غفل وثب عليه وافترسه وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله وتصاغر وانقمع حتى يكون كالوصع وكالذباب ... ولهذا سمي الوسواس الخناس أي يوسوس في الصدور فاذا ذكر الله تعالى خنس أي كف وانقبض ... قال ابن عباس: الشيطان جاثم على قلب ابن ادم فاذا سها وغفل وسوس، فاذا ذكر الله تعالى خنس. / اهـ...
- قلت :
* الله تعالى يُباهي ملائكته بالذاكرين ...(1/14)
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ : مَا أَجْلَسَكُمْ ؟ قَالُوا : جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ ... قَالَ: آللَّهِ ، مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ ؟ قَالُوا : وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ ...قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : مَا أَجْلَسَكُمْ ؟ قَالُوا : جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا ... قَالَ : آللَّهِ ، مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ ؟ قَالُوا : وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ... قَالَ : أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ / مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وأحمد ...
* الله تعالى يغفر للذاكرين ، ولجليسهم ...(1/15)
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا : هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ ... قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ..قَالَ : فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ : مَا يَقُولُ عِبَادِي ؟ قَال : يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ ...قَالَ : فَيَقُولُ : هَلْ رَأَوْنِي ؟ قَالَ : فَيَقُولُونَ : لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ ... قَالَ : فَيَقُولُ : وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي ؟ قَالَ: يَقُولُونَ : لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً ، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا... قَالَ : يَقُولُ : فَمَا يَسْأَلُونِي ؟ قَالَ : يَقُولُونَ : يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ ... قَالَ : يَقُولُ : وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ: يَقُولُونَ : لَا ، وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا... قَالَ: يَقُولُ : فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ: يَقُولُونَ : لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً ... قَالَ: يَقُولُ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ ؟ قَالَ : يَقُولُونَ : مِنْ النَّارِ... قَالَ: يَقُولُ : وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ : يَقُولُونَ: لَا ، وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا... قَالَ : يَقُولُ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ : يَقُولُونَ : لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً ... قَالَ : فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ... قَالَ : يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ : فِيهِمْ فُلَانٌ(1/16)
، لَيْسَ مِنْهُمْ ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ ...قَالَ : هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ .../ البخاري.
* ذكر الله تعالى حياة ، والغفلة عنه موت
- عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ / البخاري
* أهل الذكر أهل الكرم يوم القيامة
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَيُعْلَمُ أَهْلُ الْجَمْعِ مِنْ أَهْلِ الْكَرَمِ ...فَقِيلَ : وَمَنْ أَهْلُ الْكَرَمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَجَالِسُ الذِّكْرِ فِي الْمَسَاجِدِ./ أحمد ، وأبو يعلى ، وابن حبان ، والبيهقي في الشعب...
* ذكر الله تعالى أحب شيء إليه يأتيه به عبده
- سألت أم أنس رضي الله عنها الوصية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال : وَأَكْثِرِي مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّكِ لا تَأْتِي اللَّهَ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَثْرَة ذِكْرِهِ .../ الطبراني في الكبير.
* الذاكرون أفضل درجة عند الله تعالى من المجاهد في سبيله
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : أَيُّ الْعِبَادِ أَفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ... قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمِنْ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فِي الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَنْكَسِرَ وَيَخْتَضِبَ دَمًا لَكَانَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ أَفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً ./ الترمذي ، وأحمد ...
* أعظم العابدين أجرا ، أكثرهم لله ذكرا ...(1/17)
- عَنْ سَهْلِ بن مُعَاذِ بن أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن ْرَسُولِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ، فَقَالَ: أَيُّ الْمُجَاهِدِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، قَالَ: وَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ لِلَّهِ أَجْرًا ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، ثُمَّ ذَكَرَ الصَّلاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ، كُلُّ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يَا أَبَا حَفْصٍ ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ بِكُلِّ خَيْرٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ... /الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب...
* مكثر الذكر أحد ثلاثة لا يُرد لهم دعاء
- عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثة لا يرد الله دعاءهم : الذاكرون الله كثيرا ، ودعوة المظلوم ، والإمام المقسط ./ البيهقي في الشعب
* خير الأعمال ذكر الله
- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى ... قَالَ : ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى...قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ./ الترمذي وأخمد
* رسول الله يبشر الفقراء الذاكرين بالنور التام يوم القيامة ، والسبق إلى الجنة(1/18)
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : جَلَسْتُ فِي عِصَابَةٍ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنْ الْعُرْيِ ، وَقَارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنَا ، إِذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْنَا ؛ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكَتَ الْقَارِئُ ؛ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ ؟ قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ قَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا فَكُنَّا نَسْتَمِعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ ... قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ ... قَالَ : فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسْطَنَا لِيَعْدِلَ بِنَفْسِهِ فِينَا ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَتَحَلَّقُوا وَبَرَزَتْ وُجُوهُهُمْ لَهُ ، قَالَ : فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ مِنْهُمْ أَحَدًا غَيْرِي ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ صَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَذَاكَ خَمْسُ مِائَةِ سَنَةٍ ./ أبو داود ، والطبراني في الصغير ، والبيهقي في الشعب...
* حلق الذكر رياض الجنة ...(1/19)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا... قَالُوا : وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّة ؟ِ قَالَ : حِلَقُ الذِّكْرِ./ الترمذي ، وأحمد ، وأبو يغلى ، والبيهقي في الشعب... والطبراني في الكبير ، عن ابن عباس ، ومتنه: إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ، فَارْتَعُوا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّة ِ؟ قَالَ:مَجَالِسُ الْعِلْمِ.
* ملائكة ، ورحمة ، وسكينة ...وذكر الله للذاكرين
- عَنْ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ./ مسلم ، والترمذي ، وابن ماجه ، وأحمد ، وابن حبان ...
* الذكر شكر والنسيان كفر
- عن زيد بن أسلم: أن موسى، عليه السلام، قال: يا رب، كيف أشكرك ؟ قال له ربه: تذكرُني ولا تنساني، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني../ ذكره ابن كثير في تفسيره .
* فليكن لسانك ، ما دمت حيا ، رطبا من ذكر الحي الذي لا يموت
- عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ ...قَالَ : لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ../ الترمذي ، واحمد ، وابن ماجه ، والحاكم ، وابن حبان ....(1/20)
- قال المباركفوري في تحفة الأحوذي : قوله :( لَا يَزَالُ لِسَانُك رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) أَيْ طَرِيًّا مُشْتَغِلًا قَرِيبَ الْعَهْدِ مِنْهُ ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الذِّكْرِ ...
- اللهم اجعلنا ممن لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكرك -
3
لا تُكْثِرِ الضَّحِكِ فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيُذْهِبُ نُورَ الْوَجْهِ .
* في الشعب للبيهقي إياك وكثرة الضحك ، فإنه يميت القلب ، ويذهب بنور الوجه.
* ومما ورد في النهي عن الإكثار من الضحك : ...عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... وَلَا تُكْثِر الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ .../ الترمذي ، وأحمد / ورواه ابن ماجه ، ومتنه : لَا تُكْثِرُوا الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ ...وفي حديث آخر :...وَأَقِلَّ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ ...(1/21)
? قال المناوي في فيض القدير : (ولا تكثر الضحك) بفتح وكسر وهو كيفية يحصل منها انبساط في القلب مما يعجب الإنسان من السرور ويظهر ذلك في الوجه ، والإكثار منه مضر بالقلب منهي عنه شرعا، وهو من فعل السفهاء والأراذل ، مورث للأمراض النفسانية ، ولذا قال : (فإن كثرة الضحك تميت القلب) أي تصيره مغمورا في الظلمات بمنزلة الميت الذي لا ينفع نفسه بنافعة ولا يدفع عنها شيئا من مكروه ؛ وحياته وإشراقه مادة كل خير ، وموته وظلمته مادة كل شر؛ وبحياته تكون قوته وسمعه وبصره وتصور المعلومات وحقائقها على ما هي عليه ، ولهذا قال لقمان لابنه : يا بني لا تكثر الضحك من غير عجب، ولا تمشي من غير أرب ، ولا تسأل عما لا يعنيك ، ولا تضيع مالك وتصلح مال غيرك فإن مالك ما قدمت ومال غيرك ما أخرت ... وقال موسى للخضر : أوصني ؛ فقال : كن بسَّاما ولا تكن غضّابا ،وكن نفّاعا ولا تكن ضرّارا ، وانزع عن اللجاجة ، ولا تمش في غير حاجة ، ولا تضحك من غير عجب ، ولا تعير الخطائين بخطاياهم ، وابك على خطيئتك، يا ابن عمران ... وفي صحف موسى :عجبا لمن أيقن بالنار كيف يضحك، عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، عجبا لمن أيقن بالقدر كيف ينصب، عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ...وفي الحديث إيذان بالإذن في قليل الضحك لا سيما لمصلحته .(1/22)
? وقال :( إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب) أي يغمسه في الظلمات فيصيره كالأموات ، قال الطيبي : والضمير في (فإنه يميت) واقع موقع الإشارة ، أي كثرة الضحك تورث قسوة القلب ،وهي مفضية إلى الغفلة ، وليس موت القلب إلا الغفلة...(ويذهب بنور الوجه) أي بإشراقه وضيائه وبهائه ؛ قال الماوردي : واعتياد الضحك شاغل عن النظر في الأمور المهمة ، مذهل عن الفكر في النوائب المسلمة، وليس لمن أكثر منه هيبة ولا وقار ، ولا لمن وسم به خطر ولا مقدار ...وقال حجة الإسلام : كثرة الضحك والفرح بالدنيا سم قاتل يسري إلى العروق فيخرج من القلب الخوف والحزن وذكر الموت وأهوال القيامة وهذا هو موت القلب ...
?قلت : ذكر البيهقي في الشعب ، ضمن وصية سليمان بن داود عليهما السلام لابنه، قال : ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تستخف فؤاد الرجل الحكيم ...(1/23)
* وروى ابن حبان ، في باب : ذكر الزجر عن إفراط المرء في الضحك إذ مع كثرته لا تحمد عاقبته ، ...عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا... والمعنى : (لو تعلمون ما أعلم) من شدة عقاب الله وقوة سطوته بأهل المعاصي (لضحكتم قليلا) أي لتركتم الضحك في غالب الأحيان وأكثر الأزمان (ولبكيتم كثيرا) لغلبة سلطان الوجل على قلوبكم / قاله المناوي/ وقال :قوله : (لو تعلمون ما أعلم) أي من عظم انتقام الله من أهل الجرائم وأهوال القيامة وأحوالها ما علمته لما ضحكتم أصلا المعبر عنه بقوله (لضحكتم قليلا) إذ القليل بمعنى العديم على ما يقتضيه السياق لأن لو حرف امتناع لامتناع، وقيل معناه لو تعلمون ما أعلم مما أعد في الجنة من النعيم وما حفت به من الحجب لسهل عليكم ما كلفتم به ، ثم إذا تأملتم ما وراء ذلك من الأمور الخطرات وانكشاف المعظمات يوم العرض على فاطر السماوات لاشتد خوفكم (ولبكيتم كثيرا) فالمعنى مع البكاء لامتناع علمكم بالذي أعلم وقدم الضحك لكونه من المسرة وفيه من أنواع البديع مقابلة الضحك بالبكاء والقلة بالكثرة ومطابقة كل منهما بالآخر ، قيل الخطاب إن كان للكفار فليس لهم ما يوجب ضحكا أصلا أو للمؤمنين فعاقبتهم الجنة وإن دخلوا النار فما يوجب البكاء ؟ فالجواب أن الخطاب للمؤمن لكن خرج الخبر في مقام ترجيح الخوف على الرجاء.// وقال : (لو تعلمون ما أعلم) أي لو دام علمكم كما دام علمي لأن علمه متواصل بخلاف غيره (لضحكتم قليلا) أي لتركتم الضحك ولم يقع منكم إلا نادرا (ولبكيتم كثيرا) لغلبة الحزن واستيلاء الخوف واستحكام الوجل...(1/24)
* ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، أخرج الطبراني في الكبير : عَنْ جَابِرِ بن سَمُرَةَ ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَنْبَعِثُ فِي الضَّحِكِ / قال المناوي : أي لا يسترسل فيه ، بل إن وقع منه ضحك على ندور رجع إلى الوقار ، فإنه كان متواصل الأحزان لا ينفك الحزن عنه أبدا ، ولهذا روى البخاري أنه ما رؤي مستجمعا ضاحكا قط.//عن عائشة رضي الله عنها قالت : مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ / البخاري// ومستجمعا ، أي: مبالغا في الضحك ؛ واللهوات : جمع لهاة ، وهي اللحمات في سقف أقصى الفم...
- سبحان الذي أضحك وأبكى -
4
عَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي .(1/25)
** لقد كتب الله تعالى القتال ، قال : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة : 216 ) ، وأمر بالجهاد في آيات كثيرة ، منها قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة : 35 ) ، وقوله : (انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة : 41 ) ، وجعل من يجاهد بالنفس والنفيس في سبيله بعد الإيمان به وبرسوله ونفي الشك ، من الصادقين ، قال : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات : 15 ) ....وهو سبحانه يهدي سبلَه المجاهدين فيه ، قال : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت : 69 ) وهو عز وجل يحب من يجاهد في سبيله ، قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة : 54 ) ، وميز سبحانه بين المجاهد والقاعد من غير عذر ، ففضل المجاهد ، قال : (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ(1/26)
وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (النساء : 95 ) ... فنِعْم الأجر ؛ وهو جل ثناؤه اشترى من المقاتلين لإعلاء كلمته أنفسَهم ، قال : (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (التوبة : 111 )...وقضى أن يكون من قُتل في سبيله حيا عنده ، يُرزق ، قال : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (آل عمران 169 - 170 ) ...
** ولقد رغب نبي الملاحم في الجهاد وبين فضله وثوابه في أحاديث كثيرة ، منها :(1/27)
- عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا.../ البخاري/ وله في حديث من رواية أبي هريرة : لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ .
- وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ / مسلم / وله، في حديث آخر = ... عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ...(1/28)
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَإِيمَانًا بِي وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ ؛ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ ؛ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَبَدًا ، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي ؛ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ / رواه الشيخان ، واللفظ لمسلم.
*** والجهاد باق إلى يوم الدين ؛ لأنه -كما في جاء في الحديث - رهبانية هذه الأمة ، والأمة باقية ما بقيت الدنيا التي لا تخلو من دفع الناس بعضهم ببعض...(1/29)
* روى أحمد = ... عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِكُلِّ نَبِيٍّ رَهْبَانِيَّةٌ ، وَرَهْبَانِيَّةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.../ وذكره البيهقي في الشعب، وأخرجه أبو يعلى، وابن أبي شيبة ؛ ولفظه في المصنف =... عن أبي أياس معاوية بن قرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لِكُلِّ أُمَّةٍ رَهْبَانِيَّة، وَرَهْبَانِيَّةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ //وروى الطبراني في الكبير = ... عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ سِيَاحَةً، وَإِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَهْبَانِيَّةً، وَرَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي الرِّبَاطُ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ ...// وروى أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وصيته لرجل : ...وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الْإِسْلَامِ ..// وفي الشعب للبيهقي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن مظعون رضي الله عنه : يَا عُثْمَان ، هَلْ تَدْرِي مَا رَهْبَانِيَّةُ الْإِسْلَامِ ؟ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ...
* قال المناوي في فيض القدير ، يشرح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : عَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الإِسْلام ؛ قال : قوله :(وعليك بالجهاد) أي الزمه (فإنه رهبانية الإسلام) أي أن الرهبان وإن تخلوا عن الدنيا وزهدوا فيها فلا تخلي ولا زهد أفضل من بذل النفس في سبيل الله فكما أن الرهبانية أفضل عمل أولئك فالجهاد أفضل عملنا والرهبانية ما يتكلفه النصارى من أنواع المجاهدات والتبتل...(1/30)
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ../ الترمذي ، وابن ماجه ، وأحمد.../ قال المناوي : (وذروة) بضم أوله وكسره ، قيل : وفتحه أيضا ، (سنامه) ذروة كل شئ أعلاه ، والسنام ما ارتفع من ظهر البعير ...(الجهاد) فهو أعلى أنواع العبادات من حيث إن به ظهور دين المؤمنين ، ومن ثم كان لا يناله إلا أفضلهم دينا ، وليس ذلك لغيره من العبادات فهو أعلا من هذه الجهة وإن فضله غيره من جهات أخَر ... وفيه إشارة إلى صعوبة الجهاد وعلو شأنه وتفوقه على جميع الأعمال ،كيف وهو يتضمن بذل النفس والمال ؟
*** قلت : روى أبو داود في سننه = ... عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ائْذَنْ لِي فِي السِّيَاحَةِ ... قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى.
*** ولعلو مكانة الجهاد في هذا الدين الذي رضيَّه الله تعالى لعباده المومنين ، فقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فضله ، وثواب كل ما يلحق به من طلب صادق ونفقة وتجهيز ورباط وحراسة ورمي وذكر... وهذه جملة من حديث نبي الملحمة صلى الله عليه وسلم :
- ثواب من سأل الشهادة صادقا ....
* عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيَهَا وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ ... / مسلم .
* وَعَن سَهْل بْن أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ / مسلم وأصحاب السنن(1/31)
* وَعَن مُعَاذ بْن جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ... وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ... / أبو داود ، والنسائي ، وأحمد ...
- ثواب النفقة في سبيل الله ...
* عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُتِبَتْ لَهُ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ ./ الترمذي ، والنسائي ، وأحمد ، وابن حبان...
* عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ فَقَالَ : هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُ مِائَةِ نَاقَةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ ../ مسلم ، والنسائي ، وأحمد... ولفظه : عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَتَأْتِيَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسَبْعِ مِائَةِ نَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ ... ومعنى مخطومة : مجعول في رأسها الخطام وهو كل ما وُضِعَ على أنف البعير ليُقتادَ به ...
- ثواب تجهيز المجاهد ورعاية أهله ...
* عَن زَيْد بْن خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا ، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا .../ متفق عليه .(1/32)
* عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الْغَازِي شَيْئًا .../ ابن ماجه
* عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى بَنِي لَحْيَانَ لِيَخْرُجْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ ، ثُمَّ قَالَ لِلْقَاعِدِ : أَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيْرٍ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ ...مسلم
- ثواب الغدوة والروحة في سبيل الله...
* عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا ، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا / البخاري
- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا .../ متفق عليه
- ثواب من اغبرت قدماه في سبيل الله ...
* عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن جَبْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ ./ البخاري(1/33)
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ ../ الترمذي ، والنسائي ولفظه : ...وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي مَنْخَرَيْ مُسْلِمٍ أَبَدًا ...وفي رواية أخرى له ولابن ماجه وابن حبان : لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ عَبْدٍ أَبَدًا ... وفي أخرى : لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي وَجْهِ رَجُلٍ أَبَدًا ... وعند أحمد :... وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ... وفي رواية لابن حبان : لا يجتمع في جوف عبد مؤمن غبار في سبيل الله وفيح جهنم ... والفيح : شدة الحر واللهب .
- ثواب من لم يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيل الله ...
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى مَسْكَنِهِ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ./ متفق عليه .
* عَن أَببي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ فَصَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ ../ أبو داود ، والحاكم ، والطبراني ...
- ثواب الغزاة في البحر...(1/34)
* عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : غَزْوَةٌ فِي الْبَحْرِ مِثْلُ عَشْرِ غَزَوَاتٍ فِي الْبَرِّ./ ابن ماجه ، والحاكم ...
- ثواب الرباط في سبيل الله ....
* عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا .../ متفق عليه
*وعَن عُثْمَانَ بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَازِلِ .../ الترمذي ، والنسائي ، وأحمد ، وأبو عوانة ، والدارمي.../ ومن ألفاظ المسند : رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ فَلْيُرَابِطْ امْرُؤٌ كَيْفَ شَاءَ ... هَلْ بَلَّغْتُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ... قَالَ : اللَّهُمَّ اشْهَدْ ...(1/35)
* وعَن سَلْمَان الْفَارِسِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ ، وَرُبَّمَا قَالَ : خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ ؛ وَمَنْ مَاتَ فِيهِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَنُمِّيَ لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.../ الترمذي ، وأحمد ولفظه : رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَصِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ إِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ أَجْرُ الْمُرَابِطِ حَتَّى يُبْعَثَ وَيُؤْمَنَ الْفَتَّانَ ... ولفظ آخر : رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ صَائِمًا لَا يُفْطِرُ وَقَائِمًا لَا يَفْتُرُ وَإِنْ مَاتَ مُرَابِطًا جَرَى عَلَيْهِ كَصَالِحِ عَمَلِهِ حَتَّى يُبْعَثَ وَوُقِيَ عَذَابَ الْقَبْرِ.
- ثواب من مات مرابطا في سبيل الله....(1/36)
* عَن فَضَالَةَ بْن عُبَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ ... الترمذي ، وأحمد ، والحاكم ، والطبراني ،وابن حبان ، وأبو داود ولفظه في سننه : كُلُّ الْمَيِّتِ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْمُرَابِطَ فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُؤَمَّنُ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ ...= والمرابط :هو المجاهد ومن يقوم على حراسة الثغور مع اليقظة والتأهب للقتال في سبيل الله ؛ والفُتّان: بضمّ فتشديد جمع فاتِن ، وقيل بفتح فتشديد للمبالغة ، وفسر على الأول بالمنكر والنكير والمراد أنهما لا يجيئان إليه للسؤال ، وعلى الثاني بالشيطان ونحوه ممن يوقع الإنسان في فتنة القبر أي عذابه
* وعَنِ الْعِرْبَاضِ بن سَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:كُلُّ عَمَلٍ مُنْقَطِعٌ عَنْ صَاحِبِهِ إِذَا مَاتَ، إِلا الْمُرَابِطُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ، وَيُجْرَى عَلَيْهِ رِزْقُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ...الطبراني في معجمه الكبير(1/37)
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَجْرَى عَلَيْهِ أَجْرَ عَمَلِهِ الصَّالِحِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ رِزْقَهُ ، وَأَمِنَ مِنْ الْفَتَّانِ ، وَبَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مِنْ الْفَزَعِ .../ ابن ماجه ، والطبراني في الأوسط ، وابن حبان ، وفي مسند أحمد : مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَأُومِنَ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَغُدِيَ عَلَيْهِ وَرِيحَ بِرِزْقِهِ مِنْ الْجَنَّةِ وَكُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْمُرَابِطِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
- ثواب الحراسة في سبيل الله...
* عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .../ الترمذي ، والبيهقي في الشعب ...
* عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ألا أنبئكم بليلة هي أفضل من ليلة القدر ؟ حارس حرس في سبيل الله عزوجل في أرض خوف لعله ألا يؤب إلى أهله..../ ابن أبي شيبة ، والبيهقي في الكبرى والشعب ، والنسائي في الكبرى ، والحاكم ...
*
- ثواب الخوف في سبيل الله ....
* عَنْ سَلْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا رَجَفَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، تَحَاتُّ خَطَايَاهُ، كَمَا تَتَحَاتُّ عِذْقُ النَّخْلَةِ .../ الطبراني / ومعنى تحاتّ : تساقط وتقع ، والعَذْق بالفتح : النَّخْلة ، وبالكسر : العُرجُون بما فيه من الشَّمارِيخ ، ويُجْمع على عِذَاقٍ ...
- ثواب رباط الخيل في سبيل الله ...(1/38)
* عَن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .../ البخاري
* عَن أَسْمَاء بِنْت يَزِيدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ مَعْقُودٌ أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ رَبَطَهَا عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا احْتِسَابًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ شِبَعَهَا وَجُوعَهَا وَرِيَّهَا وَظَمَأَهَا وَأَرْوَاثَهَا وَأَبْوَالَهَا فَلَاحٌ فِي مَوَازِينِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .../ أحمد // وقوله صلى الله عليه وسلم : الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ مَعْقُودٌ أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ؛ ورد في الصحيحين بعدة ألفاظ، منها : ...عنْ عُرْوَة الْبَارِقِيّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ ...
- ثواب الرمي في سبيل الله ...(1/39)
* عَن عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) ... أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ .../ مسلم // والآية الكريمة بتمامها : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) (الأنفال : 60 )
* عَن كَعْب بْنِ مُرَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ارْمُوا ، مَنْ بَلَغَ الْعَدُوَّ بِسَهْمٍ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَةً .../ النسائي ، وابن حبان .
* عَنْ أَبِي نَجِيحٍ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ لَهُ عَدْلُ مُحَرَّرٍ./ الترمذي ، وأحمد ...وفي رواية لابن حبان = ... عَن كَعْب بنِ مُرّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَال : سمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَى الله عَليْهِ وَسَلّم يقُول : مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً ...(1/40)
* وعَن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ لَهُ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ. / البزار ؛ وروى مثله الطبراني = عن أَبي عَمْرو الأَنْصاري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَصُرَ أوْ بَلَغَ كَانَ لَهُ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَانَ لَهُ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ...
- أعظم المجاهدين أجرا...
* عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ الله عنهُما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: أَيُّ الْجِهَادِ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ : أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذِكْرًا .../ أحمد .
- ثواب الجهاد في سبيل الله ...(1/41)
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ...قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ... قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : حَجٌّ مَبْرُورٌ .../البخاري // وفي حديث متفق عليه ، واللفظ للبخاري : عَن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا ... قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ... قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ... فَسَكَتُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي... / وفي حديث آخر عند الشيخين ، واللفظ لمسلم : عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّه ،ِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ .
* وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... / رواه الشيخان ، واللفظ للبخاري.(1/42)
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ... إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ ؛ كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ؛ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ / البخاري.
* عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ذُرْوَةُ سَنَامِ الْإِسْلَامِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. / أحمد....// وروى الطبراني مثله في الكبير = ... عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ذُرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلامِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَنَالُهُ إِلا أَفْضَلُهُمْ .
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَن لِلنَّبِيِّ قَالَ: ... مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى.../ متفق عليه ، واللفظ لمسام ؛ ولفظ البخاري : مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ.(1/43)
* عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَعْنِي يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ هُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ إِنْ قَبَضْتُهُ أَوْرَثْتُهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ رَجَعْتُهُ رَجَعْتُهُ بِأَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ ... / الترمذي .
- ثواب القيام في الصف في سبيل الله ...
* عَن عِمْرَان بْن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال : مَقَامُ الرّجُلِ فِي الصَّفَِ فِي سَبِيلِ اللهِ أَْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِن عِبَادَة رَجُلٍ سِتِّينَ سَنَةٍ.. / الحاكم .
- استجابة الدعاء عند التقاء الصفوف...
* عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ../ أبو داود ، وابن خزيمة ؛ وفي رواية لابن حبان : سَاعَتَانِ لا تُرَدُّ عَلَى دَاعٍ دَعْوَتُهُ ، حِينَ تُقَامُ الصَّلاةُ وَفِي الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللهِ ....
- ثواب الشهيد في سبيل الله ...
* عَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلَانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا قَالَا : أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ... / البخاري .
* عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ.../ مسلم(1/44)
* عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ بنَ مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ، قَالَ :أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ :أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ اطِّلَاعَةً فَقَالَ : هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا قَالُوا أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا ؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا : يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا ...
* عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا .../ أحمد ، والحاكم ، وابن حبان.
* عَن أَبي الدَّرْدَاءَ أنّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ / أبو داود ، والبيهقي في الكبرى ، وابن حبان ، والطبراني في مسند الشاميين(1/45)
* عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ،وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ ،وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ .../ الترمذي ، وابن ماجه ، وأحمد // وفي رواية عند ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير : عَنِ الْمِقْدَامِ بن مَعْدِي كَرِبٍ رَضِيَ الله عَنْهُ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ تِسْعَ خِصَالٍ أَوْ قَالَ: عَشَرَ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حِلْيَةَ الإِيمَانِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيَأْمَنُ يَوْمَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسَهِ تَاجُ الْوَقَارِ: الْيَاقُوتَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ ...
- جهاد النفس...(1/46)
* عَن فَضَالَة بْن عُبَيْدٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ .../ الترمذي ، وأحمد = الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ والحاكم = المجاهد من جاهد نفسه في طاعة ؛ وفي رواية للطبراني = الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ... ، والبيهقي في الشعب ، وابن حبان
- قال المناوي رحمه الله في فيض القدير :(1/47)
+ (المجاهد من جاهد نفسه) وفي رواية في الله، أي جاهد نفسه الأمارة بالسوء على ما فيه رضا الله من فعل الطاعات وتجنب المخالفات ؛ وجهادها أصل جهاد العدو الخارج فإنه ما لم يجاهد نفسه لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه لم يمكنه جهاد العدو الخارج ، وكيف يمكنه جهاد عدوه وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلط عليه ؟ // وقال في شرح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من رواية ابن عمرو رضي الله عنه عند الطبراني : وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل ؛ قال : فإن مجاهدتها أفضل من جهاد الكفار والمنافقين والفجار لأن الشئ إنما يفضل ويشرف بشرف ثمرته وثمرة مجاهدة النفس الهداية ، قال تعالى : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) - العنكبوت : 69 - وكفى به فضلا وقد أمر الله بمجاهدة النفس فقال : (وجاهدوا في الله حق جهاده) - الحج : 78 - فإذا التقى القلب والنفس للمحاربة ، هذا بجنود الله من العلم والعقل، وهذه بجنود الشيطان من الهوى والشهوة والغضب ،فتشعبت هذه الأنوار فأشرقت واشتعل الهوى والشهوة والغضب ، فاضطربا وتحاربا فلذلك وقت يباهي الرب بعبده ملائكته والنصرة موضوعة في ملك المشيئة في حجاب القدرة فيعطي نصره مشيئته فيصل إليه في أسرع من لحظة ، فإذا رأى الهوى النصرة ذل وانهزم فانهزم العدو بجنوده وأقبل القلب بجمعه وجنوده على النفس حتى أسرها وحبسها في سجنه وجمع جنوده وفتح باب الخزائن ورزق جنده من المال وقعد في ملكه ... (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) - الفرقان : 70 -
+ وقال : فالمجاهد الحقيقي من جاهد نفسه واتبع سنة نبيه واقتفى طريقه في أقواله وأفعاله على اختلاف أحواله بحيث لا يكون له حركة ولا سكون إلا على السنة .
- اللهم اجعلنا ممن يجاهدون فيك ، مقتفين طريق عبدك ورسولك -
5
عَلَيْكَ بِالصَّمْتِ إِلا مِنْ خَيْرٍ
فَإِنَّهُ مَرَدَّةٌ لِلشَّيْطَانِ عَنْكَ وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ .(1/48)
* حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصمت ، قولا وفعلا ، فقد روى الشيخان = ... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ...وأخرج الإمام أحمد = ... عَنْ سِمَاكٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ : أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَكَانَ طَوِيلَ الصَّمْتِ، قَلِيلَ الضَّحِكِ ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَذْكُرُونَ عِنْدَهُ الشِّعْرَ وَأَشْيَاءَ مِنْ أُمُورِهِمْ فَيَضْحَكُونَ ، وَرُبَّمَا تَبَسَّمَ...(1/49)
* وروى الحاكم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن معاذ بن جبل رضي الله عنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم كل خير يعمله ابن آدم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وعاد بالناس خير من ذلك ... قال : فماذا ، بأبي أنت وأمي ، عاد بالناس خير من ذلك ؟ قال : فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فيه ، قال : الصمت إلا من خير... قال : وهل نؤاخذ بما تكلمت به ألسنتنا ؟ قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ معاذ رضي الله عنه ، ثم قال : يا معاذ ثكلتك أمك - أو ما شاء الله أن يقول له من ذلك - وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا ما نطقت به ألسنتهم ؟ فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت عن شر ، قولوا خيرا تغنموا واسكتوا عن شر تسلموا .// وروى الترمذي ، وابن ماجه ، وأحمد ، وعبد الرزاق ، والطبراني ، والبيهقي في الشعب ، والطيالسي = ...عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ :كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ... قَالَ : لَقَدْ سَأَلْتَ عَظِيمًا وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ ...ثُمَّ قَالَ : أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ النَّارَ الْمَاءُ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ... ثُمَّ قَرَأَ : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ حَتَّى بَلَغَ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ...ثُمَّ قَالَ : أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ(1/50)
الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ الْجِهَادُ...ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ : بَلَى... فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ ،فَقَالَ :تَكُفُّ عَلَيْكَ هَذَا ...قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّه،ِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟.../ لفظ ابن ماجه .// وفي بعض الروايات : مَنَاخِرِهِمْ بدل وُجُوهِهِمْ .
* وفي الكبير للطبراني = ...عَنْ زَيْدِ بن أَرْقَمَ رَضِيَ الله عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الصّمْتَ عِنْدَ ثَلاثَ : عِنْدَ تِلاوَةِ الْقُرْآنِ ، وَعِنْدَ الزَّحْفِ ، وَعِنْدَ الْجِنَازَةِ .// وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سره أن يَسلم فليلزم الصمت...
* وروى الترمذي ، وأحمد ،والدارمي = ... عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ صَمَتَ نَجَا .
* وخرج الحاكم عن أنس رضي الله عنه ، عند قوله عز وجل : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ) قال أنس : إن لقمان كان عند داود وهو يسرد الدرع ، فجعل يفتله هكذا بيده ، فجعل لقمان يتعجب ويريد أن يسأله ، ويمنعه حكمتُه أن يسأله ، فلما فرغ منها صبها على نفسه ، فقال : نعم درع الحرب هذه ، فقال لقمان : الصمت من الحكمة ، وقليل فاعله ؛ كنت أردت أن أسألك فسكت حتى كفيتني ...(1/51)
* وذكر الفاكهي في أخبار مكة : عن ابن أبي نجيح ، قال : رأيت طاوسا لقي أبي ، فسأله عن حديث ، فرأيت طاوساً يعقده بيده كأنه يتحفظه ، فقال أبي : إن لقمان قال : إن من الصمت حكما ، وقليل فاعله ... قال : يا أبا نجيح من تكلم واتقى الله خير ممن صمت واتقى الله ...
* ومما جاء في شعب الإيمان للبيهقي :
+ عن بشر بن الحارث الحافي قال : الصبر هو الصمت ، أو الصمت هو الصبر ، ولا يكون المتكلم أورع من الصامت ، إلا رجل عالم يتكلم في موضعه ، ويسكت في موضعه... // وقال : إذا أعجبك الكلام فاصمت ، وإذا أعجبك الصمت فتكلم ...
+ عن سفيان بن عيينة قال : كان يقال : الصمت زين للعالم ، وستر للجاهل.
+ عن علي بن الحسن الفقيه قال: سمعت أبي يقول : قيل للشبلي : يا أبا بكر ، أوصني ، قال : كلامك كتابك إلى ربك ، فانظر ماذا تملي فيه...
+ عن محارب بن دثار قال : صحبنا القاسم بن عبد الرحمن في سفر فغلبنا بثلاث : بسخاء النفس ، وطول الصمت ، وكثرة الصلاة ...(1/52)
- قال ابن حجر في الفتح : قوله : ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) بضم الميم ويجوز كسرها ، وهذا من جوامع الكلم ، لأن القول كله إما خير وإما شر وإما آيل إلى أحدهما ؛ فدخل في الخير كل مطلوب من الأقوال فرضها وندبها ، فأذن فيه على اختلاف أنواعه ، ودخل فيه ما يئول إليه ، وما عدا ذلك مما هو شر أو يئول إلى الشر فأمر عند إرادة الخوض فيه بالصمت .... وقد أخرج الطبراني والبيهقي في " الزهد " من حديث أبي أمامة رضي الله عنه نحو حديث الباب بلفظ : فليقل خيرا ليغنم ، أو ليسكت عن شر ليسلم /.../ وحاصله : من كان حامل الإيمان فهو متصف بالشفقة على خلق الله قولا بالخير وسكوتاً عن الشر وفعلا لما ينفع أو تركا لما يضر ، وفي معنى الأمر بالصمت عدة أحاديث : منها حديث أبي موسى رضي الله عنه وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه " المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه "/.../ وللطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه" قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل " فذكر فيها : أن يسلم المسلمون من لسانك ؛ ولأحمد وصححه ابن حبان من حديث البراء رفعه في ذكر أنواع من البر " قال فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير؛ وللترمذي من حديث ابن عمر " من صمت نجا " وله من حديثه " كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب ؛ وله من حديث سفيان الثقفي ، قلت يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي ؟ قال : هذا ... وأشار إلى لسانه ؛ وللطبراني مثله من حديث الحارث بن هشام ، وفي حديث معاذ عند أحمد والترمذي والنسائي " أخبرني بعمل يدخلني الجنة فذكر الوصية بطولها وفي آخرها " ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ كف عليك هذا . وأشار إلى لسانه الحديث ... وللترمذي من حديث عقبة بن عامر " قلت يا رسول الله ما النجاة ؟ قال : أمسك عليك لسانك
*** وفي فيض القدير للمناوي
- قال الفُضيْل : هذا زمان احفظ لسانك ، واخف مكانك ، وعالج قلبك ، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر(1/53)
- وقال ابن المبارك :
احفظ لسانك إن اللسا ن سريع إلى المرء في قتله
وإن اللسان دليل الفؤا د يدل الرجال على عقله
- قال ابن مطيع :
لسان المرء ليث في كمينه إذا خلى عليه له إغاره
فصنه عن الخنا بلجام صمت يكن لك من بليته ستاره
- وقال عمر للأحنف : يا أحنف ، من كثر ضحكه قلت هيبته ، ومن مزح استخف به ، ومن أكثر من شئ عرف به ، ومن كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه قل حياؤه ، ومن قل حياؤه قل ورعه ، ومن قل ورعه مات قلبه ...
** قلت : وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر ، تعليل لأمره بلزوم الصمت إلا من خير ، قال : ( فَإِنَّهُ مَرَدَّةٌ لِلشَّيْطَانِ عَنْكَ وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ ) ، جاء في حديث أخرجه الطبراني ، وأبو يعلى والقضاعي عن أبي سعيد يروي فيه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل، قال : واخزن لسانك إلا من خير ، فإنك بذلك تغلب الشيطان ... // قال المناوي : (واخزن لسانك) أي صنه واحفظه عن النطق (إلا من خير) كذكر ودعاء وتعلم علم وتعليمه وغير ذلك (فإنك بذلك) أي بملازمة فعل ما ذكر (تغلب الشيطان) إبليس وحزبه ...// وقال : (وعليك بطول الصمت) أي الزم السكوت (إلا في خير) كتلاوة وعلم وإنذار مشرف على هلاك وإصلاح بين الناس ونصيحة وغير ذلك ( فإنه مطردة للشيطان ) أي مبعدة له (عنك) يقال: طردته أي أبعدته ،كما في الصحاح وغيره ، وهو مطرود وطريد واطرده السلطان بالألف أمر بإخراجه عن البلد...وقال الزمخشري : طرده أبعده ونحَّاه وهو شريد طريد ومشرد مطرد...قال ابن السكيت : طرده نفاه وقال له اذهب عنا (وعون لك على أمر دينك) أي ظهير ومساعد لك عليه...
- اللهم اجعلنا ممن إذا قالوا غنموا ، وإذا سكتوا سلموا -
6
انْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَكَ وَلا تَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ
فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَرِي نِعْمَةَ اللَّهِ عِنْدَكَ.(1/54)
?روى أحمد ، والبيهقي في الكبرى والشعب ، والطبراني في الأوسط ، وابن حبان ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : أَمَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ... ذكر منهن : وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي وَلَا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي...//
? قال المناوي في فيض القدير : (انظر إلى من) هو ( تحتك) أي دونك في الأمور الدنيوية (ولا تنظر إلى من) هو (فوقك) فيها (فإنه أجدر) أي أحق وأخلق ، يقال هو جدير بكذا أي خليق وحقيق ، (أن لا تزدري نعمة الله عندك ) ... أما في الأمور الأخروية فينظر إلى من فوقه...(1/55)
? قال السيد طه عبد الله العفيفي ، في كتابه " من وصايا الرسول " ( ما معناه ) : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدُ منا أن نكون ونبقى أعزة ، لا أذلة ... لذا وجهنا توجيها قويما إلى أهم أسباب الحياة السعيدة التي من شأنها أن تجعل صاحبها مرفوع الهامة ، موفور الكرامة بين أقرانه ؛ ألا وهو التغاضي عما في أيدي الأثرياء الذين يملكون ما لا نملك من حطام الدنيا الزائل ؛ لأنه متى استغنى الفقير عنهم ، ولو بهذا التغاضي، أراح نفسه ، فلن يكون مهموما ولا محزونا ، بل سيكون راضيا بما قسم الله له، وحسبه إن فعل هذا أنه سيكون من الأغنياء الحقيقيين المشار إليهم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ / رواه الشيخان من حديث أبي هريرة / والعَرَض ، هو المال ...؛ وقال صلى الله عليه وسلم : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ / رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص...؛ فمن الخير إذاً للمؤمن أن ينظر إلى من هو تحته ، أي دونه وأقل منه مالاً ومتاعاً ، لا أن ينظر إلى من هو فوقه ، وذلك حتى لا يزدري نعمة الله ، أي يحتقرها ؛ وحتى يكون راضيا بما أعطاه الله تبارك وتعالى ، قلَّ أو كثُر ، لأنه بهذا سيكون راضيا وشاكرا في نفس الوقت ، ويكون أيضاً من المستغنين بالله الذين لا بدّ أن يغنيهم الله من فضله عمّن سواه ، لأن الإستغناءَ عن الناس والأخذ بالأسباب تنفيذا لأمر الله تعالى في قوله :( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك : 15 ). أفضلُ من سؤالهم ، أعطوه أو منعوه ...(1/56)
- فعَن الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ / البخاري/
- وعن أَبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَه / متفق عليه /
- وعَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ .../ البخاري.
وهذا ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤمن حتى يكون متعففا عن المسألة ولو كان مسكينا ، كما يشير إليه قوله تعالى :( يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً ) (البقرة : 273 ) ، وكما يشير إلى ذلك أيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِن الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنىً يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ/ البخاري عن أبي هريرة ...(1/57)
*** وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يرهِّب من سؤال الناس... فعن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ / متفق عليه ./ والمُزْعَة ، القطعة....
- وفي حديث آخر لهما ، عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ : الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ ...
- وعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ / البخاري.
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ .../ مسلم .
- عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْعَالِيَةِ :مَا ثَوْبَانُ ؟ قَالَ : مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ تَكَفَّلَ لِي أَنْ لَا يَسْأَلَ شَيْئًا وَأَتَكَفَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ ثَوْبَانُ : أَنَا ؛ فَكَانَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا .../ أحمد ، وأبو داود ، والحاكم ...
فلاحظ كل هذا أخا الإسلام ،حتى تكون عزيزاً ،وحتى تكون أغنى الناس... //(1/58)
*** قلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة : ... وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ/ الترمذي ... وقال لابن عباس : ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده / القضاعي، وعبد بن حميد... ومن أراد أن يحبه الله ويحبك الناس فليزهد فيما في أيديهم وليترك لهم دنياهم = ...فعن سهل بن سعد، قال: قال رجل: يا رسول الله، دلَّني على عمل إذا أنا عملته أحبني الناس،؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ/ الطبراني ، والحاكم ، والبيهقي في الشعب ...//
*** ثم قال السيد العفيفي : وإذا أردت - أخا الإسلام - أن تنظر إلى من هو فوقك ، فليكن نظرك إلى من هو فوقك علماً ... ( وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (يوسف : 76 ) ،لأنك إن نظرت إلى من هو أعلم منك ، تبيَّن لك أنك ما زلت في حاجة إلى المزيد من العلم ، وحسبك أن تقرأ قول الله تعالى لأعلم خلقه صلوات الله عليه وسلامه :( وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ) (طه : 114 )...
- اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك -
7
صِلْ قَرَابَتَكَ وَإِنْ قَطَعُوكَ .
*** قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ) (الرعد : 21 ) .
- قال ابن كثير رحمه الله : قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } من صلة الأرحام، والإحسان إليهم وإلى الفقراء والمحاويج، وبذل المعروف... { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } أي: فيما يأتون وما يذرون من الأعمال، يراقبون الله في ذلك... ( وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ) في الدار الآخرة... فلهذا أمرُهم على السداد والاستقامة في جميع حركاتهم وسكناتهم وجميع أحوالهم القاصرة والمتعدية.(1/59)
- وقال السعدي رحمه الله : { وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } وهذا عام في كل ما أمر الله بوصله، من الإيمان به وبرسوله، ومحبته ومحبة رسوله، والانقياد لعبادته وحده لا شريك له، ولطاعة رسوله...ويصلون آباءهم وأمهاتهم ببرهم بالقول والفعل وعدم عقوقهم، ويصلون الأقارب والأرحام، بالإحسان إليهم قولا وفعلا، ويصلون ما بينهم وبين الأزواج والأصحاب والمماليك بأداء حقهم كاملا موفرا من الحقوق الدينية والدنيوية...والسبب الذي يجعل العبد واصلا ما أمر الله به أن يوصل، خشية الله وخوف يوم الحساب، ولهذا قال: { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } أي: يخافونه، فيمنعهم خوفهم منه، ومن القدوم عليه يوم الحساب، أن يتجرؤوا على معاصي الله، أو يقصروا في شيء مما أمر الله به خوفا من العقاب ورجاء للثواب.
*** وقال تعالى :( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) (البقرة 26- 27 )(1/60)
- قال السعدي رحمه الله : { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ } أي: الخارجين عن طاعة الله؛ المعاندين لرسل الله; الذين صار الفسق وصفهم؛ فلا يبغون به بدلا فاقتضت حكمته تعالى إضلالهم لعدم صلاحيتهم للهدى، كما اقتضت حكمته وفضله هداية من اتصف بالإيمان وتحلى بالأعمال الصالحة... والفسق نوعان: نوع مخرج من الدين، وهو الفسق المقتضي للخروج من الإيمان ؛ كالمذكور في هذه الآية ونحوها، ونوع غير مخرج من الإيمان كما في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} ...ثم وصف الفاسقين فقال: { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ } وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه والذي بينهم وبين عباده الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق ، بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه، وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق... { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة، فإن الله أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به والقيام بعبوديته، وما بيننا وبين رسوله بالإيمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه، وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي أمر الله أن نصلها...فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق، وقاموا بها أتم القيام ؛ وأما الفاسقون، فقطعوها ونبذوها وراء ظهورهم ، معتاضين عنها بالفسق والقطيعة والعمل بالمعاصي، وهو: الإفساد في الأرض.فـ { فَأُولَئِكَ } أي: من هذه صفته { هُمُ الْخَاسِرُونَ } في الدنيا والآخرة، فحصر الخسارة فيهم لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم ، ليس لهم نوع من الربح؛ لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان، فمن لا إيمان له لا عمل له، وهذا الخسار هو خسار الكفر، وأما الخسار الذي قد يكون كفراً وقد يكون معصيةً وقد يكون(1/61)
تفريطاً في ترك مستحب، المذكور في قوله تعالى: { إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ } فهذا عام لكل مخلوق إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وحقيقة فوات الخير الذي كان العبد بصدد تحصيله وهو تحت إمكانه....
*** وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (الرعد : 25 )
- قال السعدي رحمه الله : { والَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ } أي: من بعد ما أكده عليهم على أيدي رسله، وغلظ عليهم، فلم يقابلوه بالانقياد والتسليم، بل قابلوه بالإعراض والنقص، { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } فلم يصلوا ما بينهم وبين ربهم بالإيمان والعمل الصالح، ولا وصلوا الأرحام ولا أدوا الحقوق، بل أفسدوا في الأرض بالكفر والمعاصي، والصد عن سبيل الله وابتغائها عوجا، { أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ } أي: البعد والذم من الله وملائكته وعباده المؤمنين، { وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } وهي: الجحيم بما فيها من العذاب الأليم...(1/62)
+ قال القاضي عياض رحمه الله: ...ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة، قال: والأحاديث في الباب تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، لو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعاً، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لا يسمى واصلاً، قال: واختلفوا في حد الرحم التي تجب صلتها فقيل: هو كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكراً والاَخر أنثى حرمت مناكحتهما، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال، واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح ونحوه وجواز ذلك في بنات الأعمام والأخوال، وقيل هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث يستوي المحرم وغيره، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم أدناك أدناك". هذا كلام القاضي، وهذا القول الثاني هو الصواب، ومما يدل عليه الحديث السابق في أهل مصر فإن لهم ذمة ورحماً وحديث: إن أبر البر أن يصل أهل ود أبيه ، مع أنه لا محرمية والله أعلم.//ذكره النووي في شرح مسلم...(1/63)
+ قلت : الحديث الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم :ثم أدناك أدناك ، رواه أَبو هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّه ،ِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ : أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ ../ مسلم/ وفي حديث آخر عند أحمد وغيره : عَنْ أَبِي رِمْثَةَ ،عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ ...ولفظ الحاكم : بر أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك ....// وحديث أهل مصر المشار إليه هو = ... عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا ؛ أَوْ قَالَ : ذِمَّةً وَصِهْرًا .../ مسلم/
+ قلت : ولقد ورد حديثٌ نبوي كثير في الأمر بصلة الرحم وبيان فضلها وثوابها ، والتحذير من قطيعتها ، وهذه بعض الأحاديث :(1/64)
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَتْ : هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنْ الْقَطِيعَةِ ... قَالَ : نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ : بَلَى ...قَالَ : فَذَاكِ لَكِ ...ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } ( محمد : 22 - 24 ). / الشيخان/
*وَعَنْ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. / الشيخان/
* وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْنِينِي مِنْ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ ... قَالَ : تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ ... فَلَمَّا أَدْبَرَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ./ الشيخان ، وهذا لفظ مسلم /
* وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ .../ الشيخان /(1/65)
* وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ .../ البخاري /
* وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن مجتمعون ، فقال : يا معشر المسلمين ، اتقوا الله ، وصلوا أرحامكم ، فإنه ليس من ثواب أسرع من صلة رحم ...( الحديث ) / الطبراني/
* وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ... فَقَالَ : لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ../ مسلم /
* قَالَ عُقْبَةُ بنُ عَامِر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ...ثُمَّ لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَابْتَدَأْتُهُ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِفَوَاضِلِ الْأَعْمَالِ ...فَقَالَ : يَا عُقْبَةُ ، صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ وَأَعْرِضْ عَمَّنْ ظَلَمَكَ.../ أحمد/
* عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ : مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ .../ مسلم //
- اللهم اجعلنا برحمتك ممن يوصلون ما أمرت به أن يوصل -
8(1/66)
لا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ .
* أي لا تمتنع عن القيام بالحق للوم لائم لك عليه ...كن صلبا في دينك إذا شرعت في إنكار منكر وأمر بمعروف وامض فيه كالمسامير المحماة ، لا يرعك قول قائل ولا اعتراض معترض .../ المناوي في فيض القدير /
*** قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (المائدة : 54 )
- قال ابن كثير رحمه الله : قوله تعالى :( وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ) أي: لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله، وقتال أعدائه، وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يردهم عن ذلك راد، ولا يصدهم عنه صاد، ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا عذل عاذل.
- وقال السعدي رحمه الله : { وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } بل يقدمون رضا ربهم والخوف من لومه على لوم المخلوقين، وهذا يدل على قوة هممهم وعزائمهم، فإن ضعيف القلب ضعيف الهمة، تنتقض عزيمته عند لوم اللائمين، وتفتر قوته عند عذل العاذلين. وفي قلوبهم تعبد لغير الله، بحسب ما فيها من مراعاة الخلق وتقديم رضاهم ولومهم على أمر الله، فلا يسلم القلب من التعبد لغير الله حتى لا يخاف في الله لومة لائم...(1/67)
+ قال النووي رحمه الله عند شرح حديث عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ .../ قال : قَوْله : ( وَعَلَى أَنْ نَقُول بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَاف فِي اللَّه لَوْمَة لَائِم ) مَعْنَاهُ : نَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَنَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر فِي كُلّ زَمَان وَمَكَان ، الْكِبَار وَالصِّغَار ، لَا نُدَاهِن فِيهِ أَحَدًا ، وَلَا نَخَافهُ هُوَ ، وَلَا نَلْتَفِت إِلَى الْأَئِمَّة ، فَفِيهِ : الْقِيَام بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر ...وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ فَرْض كِفَايَة فَإِنْ خَافَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسه أَوْ مَاله أَوْ عَلَى غَيْره ، سَقَطَ الْإِنْكَار بِيَدِهِ وَلِسَانه ، وَوَجَبَتْ كَرَاهَته بِقَلْبِهِ ، هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجَمَاهِير ، وَحَكَى الْقَاضِي هُنَا عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْإِنْكَار مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الْحَالَة وَغَيْرهَا ...(1/68)
+ وقال عند شرح حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وفيه : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ .../ قال: ... وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلْيُغَيِّرْهُ ) فَهُوَ أَمْر إِيجَابٍ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة . وَقَدْ تَطَابَقَ عَلَى وُجُوب الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَإِجْمَاعُ الْأُمَّة وَهُوَ أَيْضًا مِنْ النَّصِيحَة الَّتِي هِيَ الدِّين . وَلَمْ يُخَالِف فِي ذَلِكَ إِلَّا بَعْض الرَّافِضَة ، وَلَا يُعْتَدّ بِخِلَافِهِمْ كَمَا قَالَ الْإِمَام أَبُو الْمَعَالِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ : لَا يُكْتَرَث بِخِلَافِهِمْ فِي هَذَا ، فَقَدْ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يَنْبُغ هَؤُلَاءِ . وَوُجُوبه بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ ...وَأَمَّا قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّ الْمَذْهَب الصَّحِيح عِنْد الْمُحَقِّقِينَ فِي مَعْنَى الْآيَة أَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ مَا كُلِّفْتُمْ بِهِ فَلَا يَضُرُّكُمْ تَقْصِير غَيْركُمْ مِثْل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِمَّا كُلِّفَ بِهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَر ، فَإِذَا فَعَلَهُ وَلَمْ يَمْتَثِل الْمُخَاطَب فَلَا عَتْبَ بَعْد ذَلِكَ عَلَى الْفَاعِل لِكَوْنِهِ أَدَّى مَا عَلَيْهِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَمْر وَالنَّهْي لَا الْقَبُول . وَاَللَّه أَعْلَم ...ثُمَّ إِنَّ(1/69)
الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر فَرْض كِفَايَة إِذَا قَامَ بِهِ بَعْض النَّاس سَقَطَ الْحَرَج عَنْ الْبَاقِينَ ، وَإِذَا تَرَكَهُ الْجَمِيع أَثِمَ كُلّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ وَلَا خَوْف . ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَتَعَيَّن كَمَا إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَعْلَم بِهِ إِلَّا هُوَ أَوْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِزَالَته إِلَّا هُوَ ، وَكَمَنْ يَرَى زَوْجَته أَوْ وَلَده أَوْ غُلَامه عَلَى مُنْكَر أَوْ تَقْصِير فِي الْمَعْرُوف قَالَ الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ : وَلَا يَسْقُط عَنْ الْمُكَلَّف الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر لِكَوْنِهِ لَا يُفِيد فِي ظَنِّهِ بَلْ يَجِب عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَع الْمُؤْمِنِينَ . وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْر وَالنَّهْي لَا الْقَبُول . وَكَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ } وَمَثَّلَ الْعُلَمَاءُ هَذَا بِمَنْ يَرَى إِنْسَانًا فِي الْحَمَّام أَوْ غَيْره مَكْشُوفَ بَعْضِ الْعَوْرَةِ وَنَحْو ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَا يُشْتَرَط فِي الْآمِر وَالنَّاهِي أَنْ يَكُون كَامِل الْحَال مُمْتَثِلًا مَا يَأْمُر بِهِ مُجْتَنِبًا مَا يَنْهَى عَنْهُ ، بَلْ عَلَيْهِ الْأَمْر وَإِنْ كَانَ مُخِلًّا بِمَا يَأْمُر بِهِ ، وَالنَّهْي وَإِنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِمَا يَنْهَى عَنْهُ ؛ فَإِنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ شَيْئَانِ أَنْ يَأْمُر نَفْسه وَيَنْهَاهَا ، وَيَأْمُر غَيْره وَيَنْهَاهُ ، فَإِذَا أَخَلَّ بِأَحَدِهِمَا كَيْف يُبَاح لَهُ الْإِخْلَال بِالْآخَرِ ؟ قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَا يَخْتَصُّ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر بِأَصْحَابِ الْوِلَايَات بَلْ ذَلِكَ جَائِز لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ(1/70)
إِمَام الْحَرَمَيْنِ : وَالدَّلِيل عَلَيْهِ إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّ غَيْر الْوُلَاة فِي الصَّدْر الْأَوَّل ، وَالْعَصْر الَّذِي يَلِيه كَانُوا يَأْمُرُونَ الْوُلَاة بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الْمُنْكَر ، مَعَ تَقْرِير الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُمْ ، وَتَرْكِ تَوْبِيخهمْ عَلَى التَّشَاغُل بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر مِنْ غَيْر وِلَايَة . وَاَللَّه أَعْلَم .(1/71)
ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا يَأْمُر وَيَنْهَى مَنْ كَانَ عَالِمًا بِمَا يَأْمُر بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ ؛ وَذَلِكَ يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الشَّيْء ؛ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَاجِبَات الظَّاهِرَة ، وَالْمُحَرَّمَات الْمَشْهُورَة كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَام وَالزِّنَا وَالْخَمْر وَنَحْوهَا ، فَكُلّ الْمُسْلِمِينَ عُلَمَاء بِهَا ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دَقَائِق الْأَفْعَال وَالْأَقْوَال وَمِمَّا يَتَعَلَّق بِالِاجْتِهَادِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَوَامِّ مَدْخَل فِيهِ ، وَلَا لَهُمْ إِنْكَاره ، بَلْ ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ . ثُمَّ الْعُلَمَاء إِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ أَمَّا الْمُخْتَلَف فِيهِ فَلَا إِنْكَار فِيهِ لِأَنَّ عَلَى أَحَد الْمَذْهَبَيْنِ كُلّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ . وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار عِنْد كَثِيرِينَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَوْ أَكْثَرهمْ . وَعَلَى الْمَذْهَب الْآخَر الْمُصِيب وَاحِد وَالْمُخْطِئ غَيْر مُتَعَيَّن لَنَا ، وَالْإِثْم مَرْفُوع عَنْهُ ، لَكِنْ إِنْ نَدَبَهُ عَلَى جِهَة النَّصِيحَة إِلَى الْخُرُوج مِنْ الْخِلَاف فَهُوَ حَسَن مَحْبُوب مَنْدُوب إِلَى فِعْلِهِ بِرِفْقٍ ؛ فَإِنَّ الْعُلَمَاء مُتَّفِقُونَ عَلَى الْحَثّ عَلَى الْخُرُوج مِنْ الْخِلَاف إِذَا لَمْ يَلْزَم مِنْهُ إِخْلَال بِسُنَّةٍ أَوْ وُقُوعٍ فِي خِلَاف آخَر . وَذَكَرَ أَقْضَى الْقُضَاة أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابه " الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّةُ " خِلَافًا بَيْن الْعُلَمَاء فِي أَنَّ مَنْ قَلَّدَهُ السُّلْطَان الْحِسْبَة هَلْ لَهُ أَنْ يَحْمِل النَّاس عَلَى مَذْهَبه فِيمَا اِخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاء إِذَا كَانَ الْمُحْتَسِب مِنْ أَهْل الِاجْتِهَاد أَمْ لَا يُغَيِّر مَا كَانَ عَلَى مَذْهَب غَيْره ؟ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُغَيِّر لِمَا ذَكَرْنَاهُ . وَلَمْ(1/72)
يَزَل الْخِلَاف فِي الْفُرُوع بَيْن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ . وَلَا يُنْكِر مُحْتَسِب وَلَا غَيْره عَلَى غَيْره . وَكَذَلِكَ قَالُوا : لَيْسَ لِلْمُفْتِي وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَرِض عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إِذَا لَمْ يُخَالِف نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَاب أَعْنِي بَاب الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر قَدْ ضُيِّعَ أَكْثَره مِنْ أَزْمَانٍ مُتَطَاوِلَة ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَان إِلَّا رُسُوم قَلِيلَة جِدًّا . وَهُوَ بَاب عَظِيم بِهِ قِوَام الْأَمْر وَمِلَاكُهُ . وَإِذَا كَثُرَ أَوَّلًا عَمّ الْعِقَابُ الصَّالِحَ وَالطَّالِحَ . وَإِذَا لَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَد الظَّالِم أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّه تَعَالَى بِعِقَابِهِ { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فَيَنْبَغِي لِطَالِبِ الْآخِرَة ، وَالسَّاعِي فِي تَحْصِيل رِضَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهَذَا الْبَاب ، فَإِنَّ نَفْعَهُ عَظِيم لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذَهَبَ مُعْظَمُهُ ، وَيُخْلِص نِيَّته ، وَلَا يُهَادِن مَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ مَرْتَبَته ؛ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاَللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } . وَقَالَ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } . وَقَالَ تَعَالَى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ(1/73)
الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَجْر عَلَى قَدْر النَّصَب ، وَلَا يُتَارِكهُ أَيْضًا لِصَدَاقَتِهِ وَمَوَدَّته وَمُدَاهَنَته وَطَلَب الْوَجَاهَة عِنْده وَدَوَام الْمَنْزِلَة لَدَيْهِ ؛ فَإِنَّ صَدَاقَته وَمَوَدَّته تُوجِب لَهُ حُرْمَة وَحَقًّا ، وَمَنْ حَقّه أَنْ يَنْصَحهُ وَيَهْدِيه إِلَى مَصَالِح آخِرَته ، وَيُنْقِذهُ مِنْ مَضَارِّهَا . وَصَدِيق الْإِنْسَان وَمُحِبُّهُ هُوَ مَنْ سَعَى فِي عِمَارَة آخِرَتِهِ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى نَقْصٍ فِي دُنْيَاهُ . وَعَدُوُّهُ مَنْ يَسْعَى فِي ذَهَاب أَوْ نَقْص آخِرَته وَإِنْ حَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ صُورَة نَفْعٍ فِي دُنْيَاهُ . وَإِنَّمَا كَانَ إِبْلِيس عَدُوًّا لَنَا لِهَذَا وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَوْلِيَاء لِلْمُؤْمِنِينَ لِسَعْيِهِمْ فِي مَصَالِح آخِرَتهمْ ، وَهِدَايَتهمْ إِلَيْهَا ، وَنَسْأَل اللَّه الْكَرِيم تَوْفِيقنَا وَأَحْبَابنَا وَسَائِر الْمُسْلِمِينَ لِمَرْضَاتِهِ ، وَأَنْ يَعُمَّنَا بِجُودِهِ وَرَحْمَته . وَاَللَّه أَعْلَم .(1/74)
وَيَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَر أَنْ يَرْفُق لِيَكُونَ أَقْرَب إِلَى تَحْصِيل الْمَطْلُوب . فَقَدْ قَالَ الْإِمَام الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ نَصَحَهُ وَزَانَهُ ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَة فَقَدْ فَضَحَهُ وَشَانَهُ ) وَمِمَّا يَتَسَاهَل أَكْثَر النَّاس فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَاب مَا إِذَا رَأَى إِنْسَانًا يَبِيع مَتَاعًا مَعِيبًا أَوْ نَحْوه فَإِنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ ، وَلَا يُعَرِّفُونَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبِهِ ، وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ . وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَى مَنْ عَلِم ذَلِكَ أَنْ يُنْكِر عَلَى الْبَائِع ، وَأَنْ يُعْلِم الْمُشْتَرِي بِهِ . وَاَللَّه أَعْلَم .(1/75)
وَأَمَّا صِفَة النَّهْي وَمَرَاتِبه فَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح : " فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ " فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَبِقَلْبِهِ )مَعْنَاهُ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ . وَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِزَالَةٍ وَتَغْيِيرٍ مِنْهُ لِلْمُنْكَرِ وَلَكِنَّهُ هُوَ الَّذِي فِي وُسْعِهِ . وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَذَلِكَ أَضْعَف الْإِيمَان ) مَعْنَاهُ وَاَللَّه أَعْلَم أَقَلُّهُ ثَمَرَة ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : هَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي صِفَة التَّغْيِير فَحَقُّ الْمُغَيِّر أَنْ يُغَيِّرهُ بِكُلِّ وَجْه أَمْكَنَهُ زَوَاله بِهِ قَوْلًا كَانَ أَوْ فِعْلًا ؛ فَيَكْسِر آلَات الْبَاطِل ، وَيُرِيق الْمُسْكِر بِنَفْسِهِ ، أَوْ يَأْمُر مَنْ يَفْعَلهُ ، وَيَنْزِع الْغُصُوبَ وَيَرُدَّهَا إِلَى أَصْحَابهَا بِنَفْسِهِ ، أَوْ بِأَمْرِهِ إِذَا أَمْكَنَهُ وَيَرْفُق فِي التَّغْيِير جَهْده بِالْجَاهِلِ وَبِذِي الْعِزَّة الظَّالِم الْمَخُوف شَرّه ؛ إِذْ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى قَبُول قَوْله . كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُون مُتَوَلِّي ذَلِكَ مِنْ أَهْل الصَّلَاح وَالْفَضْل لِهَذَا الْمَعْنَى . وَيُغْلِظ عَلَى الْمُتَمَادِي فِي غَيّه ، وَالْمُسْرِف فِي بَطَالَته ؛ إِذَا أَمِنَ أَنْ يُؤَثِّر إِغْلَاظُه مُنْكَرًا أَشَدّ مِمَّا غَيَّرَهُ لِكَوْنِ جَانِبه مَحْمِيًّا عَنْ سَطْوَة الظَّالِم . فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنّه أَنَّ تَغْيِيرَهُ بِيَدِهِ يُسَبِّبُ مُنْكَرًا أَشَدّ مِنْهُ مِنْ قَتْله أَوْ قَتْل غَيْره بِسَبَبٍ كَفَّ يَدَهُ ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْل بِاللِّسَانِ وَالْوَعْظ وَالتَّخْوِيف . فَإِنْ خَافَ أَنْ يُسَبِّب(1/76)
قَوْله مِثْل ذَلِكَ غَيَّرَ بِقَلْبِهِ ، وَكَانَ فِي سَعَة ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ اِسْتَعَانَ مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى إِظْهَار سِلَاحٍ وَحَرْبٍ ، وَلْيَرْفَع ذَلِكَ إِلَى مَنْ لَهُ الْأَمْر إِنْ كَانَ الْمُنْكَر مِنْ غَيْره ، أَوْ يَقْتَصِر عَلَى تَغْيِيره بِقَلْبِهِ . هَذَا هُوَ فِقْه الْمَسْأَلَة ، وَصَوَاب الْعَمَل فِيهَا عِنْد الْعُلَمَاء وَالْمُحَقِّقِينَ خِلَافًا لِمَنْ رَأَى الْإِنْكَار بِالتَّصْرِيحِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ قُتِلَ وَنِيل مِنْهُ كُلّ أَذَى . هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه .
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّه : وَيَسُوغ لِآحَادِ الرَّعِيَّة أَنْ يَصُدَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَة وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِع عَنْهَا بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَنْتَهِ الْأَمْر إِلَى نَصْبِ قِتَال وَشَهْر سِلَاح . فَإِنْ اِنْتَهَى الْأَمْر إِلَى ذَلِكَ رَبَطَ الْأَمْر بِالسُّلْطَانِ قَالَ : وَإِذَا جَارَ وَالِي الْوَقْت ، وَظَهَرَ ظُلْمُهُ وَغَشْمُهُ ، وَلَمْ يَنْزَجِر حِين زُجِرَ عَنْ سُوء صَنِيعه بِالْقَوْلِ ، فَلِأَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْد التَّوَاطُؤ عَلَى خَلْعه وَلَوْ بِشَهْرِ الْأَسْلِحَة وَنَصْبِ الْحُرُوب . هَذَا كَلَامُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ خَلْعه غَرِيب ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا لَمْ يُخَفْ مِنْهُ إِثَارَة مَفْسَدَة أَعْظَم مِنْهُ . قَالَ : وَلَيْسَ لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ الْبَحْث وَالتَّنْقِير وَالتَّجَسُّس وَاقْتِحَام الدُّور بِالظُّنُونِ ، بَلْ إِنْ عَثَرَ عَلَى مُنْكَر غَيَّرَهُ جَهْده . هَذَا كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ ...
- اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه -(1/77)
( واجعلنا ممن لا يخافون لومة لائم (
9
تُحِبُّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ .
** هذا من الإيمان =... فعَنْ أَنَسٍ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ .../ البخاري / ورواه مسلم ،ولفظه : لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ - أَوْ قَالَ : لِجَارِهِ - مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ...
* قال ابن حجر في الفتح :(1/78)
- قوله : ( لا يؤمن ) أي : من يدعي الإيمان ، وللمستملي " أحدكم " وللأصيلي " أحد " ولابن عساكر " عبد " وكذا لمسلم عن أبي خيثمة ، والمراد بالنفي كمال الإيمان ، ونفي اسم الشيء - على معنى نفي الكمال عنه - مستفيض في كلامهم كقولهم : فلان ليس بإنسان . فإن قيل : فيلزم أن يكون من حصلت له هذه الخصلة مؤمنا كاملا وإن لم يأت ببقية الأركان ، أجيب بأن هذا ورد مورد المبالغة ، أو يستفاد من قوله " لأخيه المسلم " ملاحظة بقية صفات المسلم . وقد صرح ابن حبان من رواية ابن أبي عدي عن حسين المعلم بالمراد ولفظه " لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان " ومعنى الحقيقة هنا الكمال ، ضرورة أن من لم يتصف بهذه الصفة لا يكون كافرا ، وبهذا يتم استدلال المصنف على أنه يتفاوت ، وأن هذه الخصلة من شعب الإيمان ، وهي داخلة في التواضع على ما سنقرره ...وقوله : ( حتى يحب ) بالنصب لأن حتى جارة وأن بعدها مضمرة ، ولا يجوز الرفع فتكون حتى عاطفة فلا يصح المعنى ، إذ عدم الإيمان ليس سببا للمحبة ...وقوله : ( ما يحب لنفسه )أي : من الخير كما تقدم عن الإسماعيلي ، وكذا هو عند النسائي ، وكذا عند ابن منده من رواية همام عن قتاده أيضا و " الخير " كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والأخروية ، وتخرج المنهيات لأن اسم الخير لا يتناولها ؛ والمحبة إرادة ما يعتقده خيرا ، قال النووي : المحبة الميل إلى ما يوافق المحب ، وقد تكون بحواسه كحسن الصورة ، أو بفعله إما لذاته كالفضل والكمال ، وإما لإحسانه كجلب نفع أو دفع ضرر . انتهى / والمراد هنا بالميل الاختياري دون الطبيعي والقسري ، والمراد أيضا أن يحب أن يحصل لأخيه نظير ما يحصل له ، لا عينه ، سواء كان في الأمور المحسوسة أو المعنوية ، وليس المراد أن يحصل لأخيه ما حصل له لا مع سلبه عنه ولا مع بقائه بعينه له ، إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلين محال ... وقال أبو الزناد بن سراج : ظاهر هذا الحديث طلب المساواة ،(1/79)
وحقيقته تستلزم التفضيل ؛ لأن كل أحد يحب أن يكون أفضل من غيره ، فإذا أحب لأخيه مثله فقد دخل في جملة المفضولين ... قلت : أقر القاضي عياض هذا ، وفيه نظر . إذ المراد الزجر عن هذه الإرادة ؛ لأن المقصود الحث على التواضع . فلا يحب أن يكون أفضل من غيره ، فهو مستلزم للمساواة . ويستفاد ذلك من قوله تعالى ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (القصص : 83 ) ، ولا يتم ذلك إلا بترك الحسد والغل والحقد والغش ، وكلها خصال مذمومة ...// ( فائدة ) - قال الكرماني : ومن الإيمان أيضا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر ، ولم يذكره لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه ، فترك التنصيص عليه اكتفاء ... والله أعلم .
** وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه : ... وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا .../ الترمذي / ورواه ابن ماجه = ... وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ... /
* قال المناوي في فيض القدير : (وأحب) أي ارض (للناس ما تحب لنفسك) من الخير (تكن مسلما) كامل الإسلام بأن تحب لهم حصول ما تحبه لنفسك من جهة لا يزاحمونك فيها فإن انتفت المحبة لنحو حقد أو غل أو حسد انتفى عنه كمال الإيمان وغاير في ما بين لفظي الإيمان والإسلام تفننا إذ المراد بهما هنا واحد قال السدي لي ثلاثون سنة في الاستغفار عن قولي الحمد لله وذلك أنه وقع ببغداد حريق فاستقبلني رجل فقال نجا حانوتك فقلت الحمد لله فمذ قلتها فأنا نادم حيث أردت لنفسي خيرا دون المسلمين ...(1/80)
+ وقال : (أحب) بفتح الهمزة وكسر المهملة وفتح الموحدة مشددة فعل أمر (للناس ما تحب لنفسك) من الخير كما صرح به في رواية أحمد / ... / وذلك بأن تفعل بهم ما تحب أن يفعلوه معك ، وتعاملهم بما تحب أن يعاملوك به ، وتنصحهم بما تنصح به نفسك ، وتحكم لهم بما تحب أن يحكم لك به ، وتحتمل أذاهم ، وتكف عن أعراضهم ؛ وإن رأيت لهم حسنة أذعتها أو سيئة كتمتها .... وقول ابن الصلاح هذا من الصعب الممتنع لأن المرء مطبوع على حب الإيثار فالتكليف بذلك مفض إلى أن لا يكمل إيمان أحد إلا نادرا في حيز المنع إن القيام بذلك يحصل بأن يحب لغيره ما يحب حصول مثله له من جهة لا يزاحمه فيها أحد ولا ينتقص شيئا من نعمته وذلك سهل على القلب السليم ، وبنحوه يجاب عن قول الطوفي محبته لغيره ما يحب لنفسه إنما هو باعتبار عقله أي يحب له ذلك ويؤثره من جهة عقله أما التكليف به من جهة الطبع فصعب لأنه مطبوع على الاستئثار فيلزم أن لا يكمل إيمان إلا نادرا انتهى ولفظ الناس يشمل الكفار فينبغي لكل مسلم أن يحب للكافر الإسلام وما يتفرع عليه من الكمالات ...
+ وقال : ( وأحب للناس ما تحب لنفسك) من الخير (تكن مؤمنا) أي كامل الإيمان لإعراضك عن هواك وإن لم تحب لهم ما تحب لنفسك فأنت مؤمنا ناقص الإيمان لمتابعتك هواك ...
** عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ الْإِيمَانِ ؟ قَالَ: أَفْضَلُ الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ لِلَّهِ ، وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ ، وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ ...قَالَ : وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ ، وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ ، وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا أَوْ تَصْمُتَ../ أحمد /(1/81)
قال المناوي في فيض القدير : (أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض لله) لا لغيره ، فيحب أهل المعروف لأجله لا لفعلهم المعروف معه ويكره أهل الفساد والشر لأجله لا لإيذائهم له (وتعمل لسانك في ذكر الله عز وجل) بأن لا تفتر عن النطق به ، فإن الذكر مفتاح الغيب وجاذب الخير وأنيس المستوحش ، ومنشور الولاية ، قال وهب : أوحى الله إلى داود : أسرع الناس مرورا على الصراط الذين يرضون بحكمي ، وألسنتهم رطبة من ذكري....والمراد أنه يعمل اللسان مع القلب ، فإن الذكر مع الغفلة ليس له كبير جدوى ، لكن لما كان اللسان هو الترجمان اقتصر عليه مع إرادة ضميمة لذكر القلبي (وأن تحب للناس) من الطاعات والمباحات الدنيوية والدينية (ما) أي مثل الذي (تحب لنفسك) من ذلك ، وليس المراد أن يحصل لهم ما له مع سلبه عنه ولا مع بقاء عينه له إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلين محال (وتكره لهم ما تكره لنفسك) ، من المكاره الدنيوية والأخروية ، (وأن تقول خيرا) كلمة تجمع الطاعات والمباحات وتخرج المنهيات (أو تصمت) أو تسكت ، والمراد بالمثلية هنا مطلق المشاركة المستلزمة لكف الأذى والمكروه عن الناس والتواضع لهم وإظهار عدم المزية عليهم ، فلا يتنافى كون الإنسان يحب بطبعه لنفسه كونه أفضل الناس ، على أن الأكمل بخلاف ذلك ، فقد قال الفضيل لابن عيينة : إن وددت أن تكون الناس مثلك فما أديت النصح فكيف لو وددت أنهم دونك ، ومقصود الحديث وما في معناه ائتلاف القلوب وانتظام الأحوال وهذه هي قاعدة الإسلام التي أوصى الله بها بقوله : ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران(1/82)
: 103 )... وإيضاحه أن كلا منهم إذا أحب لجميعهم مثل ما له من الخير أحسن إليهم وكف أذاءه عنهم فيحبونه فتسري بذلك المحبة بينهم ويكثر الخير ويرتفع الشر وينتظم أمر المعاش والمعاد وتصير أحوالهم على غاية السداد...
- اللهم اجعلنا ممن يحبون لغيرهم ما يحبون لأنفسهم -
10
يَا أَبَا ذَرًّ
لا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلا وَرَعَ كَالْكَفِّ ، وَلا حَسَبَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ .
قال المناوي في فيض القدير = ( لا عقل كالتدبير) قال الطيبي : أراد بالتدبير العقل المطبوع ؛ وقال القيصري : هو خاطر الروح العقلي ، وهو خاطر التدبير لأمر المملكة الإنسانية ، فالنظر في جميع الخواطر الواردة عليه من جميع الجهات ومنه تؤخذ الفهوم والعلوم الربانية ، وهذا الشخص هو الملِك وإليه يرجع أمور المملكة كلها فيختار ما أمره الشرع أن يختاره ، ويترك ما أمره الشرع أن يتركه ، ويستحسن ما أمره الشرع أن يستحسنه، ويستقبح ما أمره أن يستقبحه ؛ وصفة خاطر هذا الملك التثبت والنظر في جميع ما يرد عليه من الخواطر فينفذ منها ما يجب تنفيذه ويرد ما يجب رده ، وخواطر هذا الجوهر الشريف وإن كثرت ترجع إلى ثلاثة أنواع: الأمر بالتنزه عن دني الأخلاق والأعمال والأحوال ظاهرا وباطنا ، والأمر بالاتصاف بمحاسن الأخلاق والأعمال والأحوال وأعاليها كذلك ، والأمر بإعطاء جميع أهل مملكته حقوقهم وتنفيذ الأحكام الشرعية فيهم ... (ولا ورع كالكف) الورع في الأصل الكف ويقال ورِع الرجل يرِع بالكسر فيهما فهو ورع ، ثم استعير للكف عن المحارم ، فإن قيل فعليه الورع هو الكف ، فكيف يقال الورع كالكف ؟ قلنا: الكف إذا أطلق فُهِم منه كف الأذى أو كف اللسان كما في خبر :خذ عليك هذا ، وأخذ بلسانه فكأنه قيل لا ورع كالصمت أو كالكف عن أذى الناس... (ولا حسب كحسن الخلق) أي لا مكارم مكتسبة كحسن الخلق مع الخلق فالأول عام والثاني خاص ... وأخرج البيهقي في الشعب عن علي كرم الله وجهه : التوفيق(1/83)
خير قائد ، وحسن الخلق خير قرين ، والعقل خير صاحب ، والأدب خير ميراث ، ولا وحشة أشد من العجب... .
( فائدة 1 = حسن الخلق ...
*** قال الله تعالى مخاطبا رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم : 4 )
+ قال ابن كثير رحمه الله : قوله تعالى: ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) قال العوفي، عن ابن عباس: أي: وإنك لعلى دين عظيم، وهو الإسلام... وكذلك قال مجاهد، وأبو مالك، والسدي، والربيع بن أنس، والضحاك، وابن زيد...وقال عطية: لعلى أدب عظيم... وقال مَعْمَر، عن قتادة: سُئلت عائشةُ عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: كان خلقه القرآن، تقول كما هو في القرآن...وقال سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة قوله: ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ذكر لنا أن سعد بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: ألست تقرأ القرآن ؟ قال: بلى.. قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن...(1/84)
- ومعنى هذا أنه، عليه السلام ، صار امتثالُ القرآن، أمرًا ونهيًا، سجيةً له، وخلقًا تَطَبَّعَه، وترك طبعه الجِبِلِّي، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه. هذا مع ما جَبَله الله عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة، والصفح والحلم، وكل خلق جميل. كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال: خدمتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي: " أف " قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله : ألا فعلته ؟ وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا ولا مَسسْتُ خزًا ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شَمَمْتُ مسكًا ولا عطرًا كان أطيب من عَرَق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وقال البخاري =... عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها، وأحسن الناس خلقًا، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير ...وقال الإمام أحمد=... عن عُرْوَة، عن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادمًا له قط، ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله ؛ ولا خُيِّر بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثمًا، فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله، عز وجل ...وقال الإمام أحمد=... عن أبي صالح ، عن أبي هُرَيرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنما بُعِثتُ لأتمم صالح الأخلاق...(1/85)
+ وقال الإمام السعدي رحمه الله : قوله تعالى: ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) أي: عاليًا به، مستعليًا بخلقك الذي منَّ الله عليك به، وحاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لمن سألها عنه، فقالت: كان خلقه القرآن...، وذلك نحو قوله تعالى له:( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) (الأعراف : 199 ) ؛ وقوله : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران : 159 ) ، ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيُصُ عَلَيْكُم بِالمْؤُمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة : 128 )... وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق ، والآيات الحاثات على الخلق العظيم ، فكان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذروة العليا، فكان صلى الله عليه وسلم سهلا لينا، قريبًا من الناس، مجيبًا لدعوة من دعاه، قاضيًا لحاجة من استقضاه، جابرًا لقلب من سأله، لا يحرمه، ولا يرده خائبًا، وإذا أراد أصحابه منه أمرًا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسًا له إلا أتم عشرة وأحسنها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إلى عشيره غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال ، صلى الله عليه وسلم...(1/86)
+ وقال ابن عجيبة رحمه الله ، في البحر المديد : قوله :( وإنك لعلى خُلُقِ عظيم ) ، أي لا يُدْرِك شأوَه أحدٌ مِن الخلق ، ولذلك تَحْتَمِل من جهتهم ما لا يحتمله أحد من البشر . وسُئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلقة صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان خُلقه القرأن ، ألست تقرأ القرآن : ( قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون ... ) ( المؤمنون : 1 ) الآية . وقيل : المراد : التأدُّب بآداب القرآن ، بامتثال أمره واجتناب نهيه ... - قال ابن جُزي : وتفصيل ذلك : أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جمع كل فضيلة ، وحاز كل خصلة جميلة ، فمن ذلك : شرف النسب ، ووفور العقل ، وكثرة العلم والعبادة ، وشدة الحياء ، والسخاء ، والصدْق ، والشجاعة ، والصبر ، والشكر ، والمروءة ، والتوءدة ، والاقتصاد ، والزهد ، والتواضع ، والشفقة ، والعدل ، والعفو ، وكظم الغيظ ، وصلة الرحم ، وحُسن المعاشرة ، وحسن التدبير ، وفصاحة اللسان ، وقوة الحواس ، وحسن الصورة ، وغير ذلك ، حسبما ورد في أخباره وسِيرَه صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قال : بُعثت لأتمم مكارمَ الأخلاق / البيهقي في الكبرى ، والشهاب في مسنده – من حديث أبي هعريرة رضي الله عنه .
( فائدة 2 = ومما جاء في حسن الخلق ...
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا وكان يقول : إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا ... / متفق عليه .
عن النواس بن سمعان الأنصاري قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال : الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ .../ مسلم(1/87)
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا .../ أبو داود ، والترمذي ، وأحمد ، والحاكم...// وفي رواية للترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ...
عن ابن عمر أنه قال :كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل من الأنصار فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : يا رسول الله ، أي المؤمنين أفضل ؟ قال : أحسنهم خلقا .../ ابن ماجه
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ ؟ قالوا: بلى ، يا رسول الله... قال: خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا وَأَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا ... / أحمد ، وابن حبان ، ورواه البيهقي في الكبرى ، ولفظه : ألا اخبركم بخياركم ؟ قالوا : بلى ، يا رسول الله ... قال : اطولكم اعمارا واحسنكم اعمالا .../ وخرجه الحاكم من حديث جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بخياركم من شراركم ؟ قالوا : بلى ، قال : خياركم أطولكم أعمارا ، وأحسنكم عملا ...
- عن أسامة بن شريك قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، كأن على رءوسنا الرخم ، ما تكلم منا متكلم ، إذا جاءه أناس ، فقالوا : يا رسول الله : من أحب عباد الله إلى الله ؟ قال : أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا .../الطبراني.
عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كرم المرء دينه ، ومروءته عقله ، وحسبه خلقه .../ الحاكم ، وابن حبان .
- عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ... / الترمذي...وفي مسند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده(1/88)
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فسكت القوم ؛ فأعادها مرتين أو ثلاثا ، قال القوم : نعم ، يا رسول الله ؛ قال : أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا ...وفي رواية عن أبي ثعلبة الخشني قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا...
عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؛ فقال : تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ .../الترمذي ، وابن حبان .
عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ / الترمذي
عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ ... / أبو داود؛ ومثله عند الترمذي وابن ماجه من رواية أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا، وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا ...(1/89)
- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ .../ الطبراني ، والحاكم ...وفي المستدرك من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار.../ وفي الكبير من رواية أنس رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ عَظِيمَ دَرَجَاتِ الآخِرَةِ ، وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ ، وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْعِبَادَةِ ... وفيه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الْقَائِمِ بِاللَّيْلِ الظَّامِئِ بِالْهَوَاجِرِ ... ومن حديث عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن المسلم ليدرك درجة الصوام القوام بحسن خلقه ...
- اللهم ارزقنا حسن الخلق -
خُلَاصَةٌُُ(1/90)
*** قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه: أوصيك بتقوى الله تعالى فإنه رأس الأمر كله ، وعليك بتلاوة القرآن وذكر الله تعالى فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض ، وعليك بطول الصمت إلا في خير فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك ، وإياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه ، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي، وأحب المساكين وجالسهم ، وانظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك ، وصل قرابتك وإن قطعوك ، وقل الحق وإن كان مرا ولا تخف في الله لومة لائم، وليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك ولا تجد عليهم فيما تأتي وكفى بالمرء عيبا أن يكون فيه ثلاث خصال أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه ويستحي لهم مما هو فيه ويؤذي جليسه ، يا أبا ذر لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق .../ عزاه السيوطي في الجامع الصغير لعبد بن حميد في تفسيره والطبراني...( ضعفه الألباني )(1/91)
+ قال المناوي رحمه الله ، في فيض القدير : قوله :( أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله ، وعليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه ذكر لك في السماء) يعني يذكرك الملأ الأعلى بسببه بخير (ونور لك في الأرض) أي بهاء وضياء يعلو بين أهل الأرض وهذا كالمشاهد المحسوس فيمن لازم تلاوته بشرطها من الخشوع والتدبر والإخلاص....قال الزمخشري : فعلى كل ذي علم أن لا يغفل عن هذه المنة والقيام بشكرها (وعليك بطول الصمت) أي الزم السكوت (إلا في خير) كتلاوة وعلم وإنذار مشرف على هلاك وإصلاح بين الناس ونصيحة وغير ذلك (فإنه مطردة للشيطان) أي مبعدة له (عنك) يقال طردته أبعدته كما في الصحاح وغيره وهو مطرود وطريد واطرده السلطان بالألف أمر بإخراجه عن البلد.وقال الزمخشري : طرده أبعده ونحاه وهو شريد طريد ومشرد مطرد.قال ابن السكيت : طرده نفاه وقال له اذهب عنا (وعون لك على أمر دينك) أي ظهير ومساعد لك عليه( وإياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب) أي يغمسه في الظلمات فيصيره كالأموات قال الطيبي : والضمير في أنه وفي فإنه يميت واقع موقع الإشارة أي كثرة الضحك تورث قسوة القلب وهي مفضية إلى الغفلة وليس موت القلب إلا الغفلة (ويذهب بنور الوجه) أي بإشراقه وضيائه وبهائه ، قال الماوردي : واعتياد الضحك شاغل عن النظر في الأمور المهمة مذهل عن الفكر في النوائب المسلمة وليس لمن أكثر منه هيبة ولا وقار ولا لمن وسم به خطر ولا مقدار؛ وقال حجة الإسلام : كثرة الضحك والفرح بالدنيا سم قاتل يسري إلى العروق فيخرج من القلب الخوف والحزن وذكر الموت وأهوال القيامة وهذا هو موت القلب ،( وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ) (الرعد : 26 )) ... (وعليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي) كما تقرر وجهه فيما قبله ( وأحب المساكين) المراد بهم ما يشمل الفقراء (وجالسهم ) فإن مجالستهم ترق القلب وتزيد في التواضع وتدفع(1/92)
الكبر (انظر إلى من) هو (تحتك) أي دونك في الأمور الدنيوية (ولا تنظر إلى من) هو (فوقك) فيها (فإنه أجدر) أي أحق وأخلق ، يقال هو جدير بكذا أي خليق وحقيق (أن لا تزدري نعمة الله عندك) كما سبق بتوجيهه أما في الأمور الأخروية فينظر إلى من فوقه (صل قرابتك) بالإحسان إليهم (وإن قطعوك) فإن قطيعتهم ليست عذرا لك في قطيعتهم (قل الحق) أي الصدق يعني مر بالمعروف وانه عن المنكر (وإن كان مرا) أي وإن كان في قوله مرارة أي مشقة على القائل فإنه واجد أي ما لم يخف على نفسه أو ماله أو عرضه مفسدة فوق مفسدة المنكر الواقع. قال الطيبي : شبه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن يأباه بالصبر فإنه مر المذاق لكن عاقبته محممودة. قال بعض العارفين : من أمراض النفس التي يجب التداوي منها أن يقول الإنسان أنا أقول ولا أبالي وإن كره المقول له من غير نظر إلى الفضول ومواطنه ثم تقول : أعلنت الحق وعز عليه ويزكي نفسه ويجرح غيره ومن لم يجعل القول في موضعه أدى إلى التنافر والتقاطع والتدابر ثم إن بعد هذا كله لا يكون ذلك إلا ممن يعلم ما يرضي الله من جميع وجوهه المتعلقة بذلك المقام لقوله سبحانه وتعالى * ( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) ثم قال :( وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (النساء : 114 ) ... ثم زاد في التأكيد في قول الحق قوله (لا تخف في الله لومة لائم) أي كن صلبا في دينك إذا شرعت في إنكار منكر وأمر بمعروف وامض فيه كالمسامير المحماة لا يرعك قول قائل ولا اعتراض معترض (ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك) أي ليمنعك عن التكلم في أعراض الناس والوقيعة فيهم ما تعلم من نفسك من العيوب فقلما تخلو أنت من عيب يماثله أو أقبح منه وأنت تشعر أو لا تشعر (ولا تجد عليهم فيما يأتون) أي ولا تغضب عليهم فيما(1/93)
يفعلونه معك يقال وجد عليه موجدة غضب (وكفى بالمرء عيبا أن يكون فيه ثلاث خصال أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه) أي يعرف من عيوبهم ما يجهله من نفسه (ويستحي لهم مما هو فيه) أي ويستحي منهم أن يذكروه مما هو فيه من النقائص مع إصراره عليها وعدم إقلاعه عنها (ويؤذي جليسه) بقول أو فعل؛ ولهذا روي أن أبا حنيفة كان يحيي نصف الليل فمر يوما في طريق فسمع إنسانا يقول هذا الرجل يحيي الليل كله فقال : أرى الناس يذكرونني بما ليس في فلم يزل بعد ذلك يحيي الليل كله وقال : أنا أستحي من الله أن أوصف بما ليس في من عبادته... ( يا أبا ذر لا عقل كالتدبير) أي في المعيشة وغيرها والتدبير نصف المعيشة (ولا ورع كالكف) أي كف اليد عن تناول ما يضطرب القلب في تحليله وتحريمه فإنه أسلم من أنواع ذكرها المتورعون من التأمل في أصول المشتبه والرجوع إلى دقيق النظر عما حرمه الله (ولا حسب) أي ولا مجد ولا شرف (كحسن الخلق) بالضم إذ به صلاح الدنيا والآخرة... وناهيك بهذه الوصايا العظيمة القدر الجامعة من الأحكام والحكم والمعارف ما يفوق الحصر فأعظم به من حديث ما أفيده....//. اهـ .
- اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم -
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ
وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ
( - - ( - ( -
أبو ذر الغفاري ، جندب بن جنادة ...
رضي الله عنه(1/94)
*** جاء في الإستيعاب في معرفة الأصحاب = كان إسلام أبي ذر قديماً ، فيقال بعد ثلاثة ، ويقال بعد أربعة ... وقد روى عنه أنه قال: أنا رابع الإسلام، وقيل خامساً ...ثم رجع إلى بلاد قومه بعدما أسلم فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق، ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فصحبه إلى أن مات ؛ وخرج بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه إلى الشام فلم يزل بها حتى ولي عثمان رضي الله عنه، ثم استقدمه عثمان لشكوى معاوية به وأسكنه الربذة فمات بها وصلى عليه عبد الله بن مسعود ، صادفه وهو مقبل من الكوفة مع نفر من فضلاء من أصحابه منهم حجر بن الأدبر ومالك بن الحارث الأشتر وفتى من الأنصار دعتهم امرأته إليه فشهدوا موته وغمضوا عينيه وغسلوه وكفنوه في ثياب الأنصار ...وفي خبر أن ابن مسعود لما دعي إليه وذكر له بكى بكاء طويلاً...وقد قيل إن ابن مسعود كان يومئذ مقبلاً من المدينة إلى الكوفة فدعى إلى الصلاة عليه ، فقال ابن مسعود : من هذا ؟ قيل: أبو ذر ...فبكى بكاء طويلاً وقال : أخي وخليلي ،عاش وحده ومات وحده ويبعث وحده طوبى له...وكانت وفاته بالربذة سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه ابن مسعود رضي الله عنهما.(1/95)
- وذكر علي بن المديني -...عن أم ذر أنها بكت ، فقالت : ومالي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسعك كفناً لي ولا لك ولا يد لي للقيام بجهازك ؟ قال: فابشري ولا تبكي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبداً ... وقد مات لنا ثلاثة من الولد ؛ وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين ... وليس أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة ، فأنا ذلك الرجل... والله ما كذبت ولا كذبت ، فأبصري الطريق ... قالت : قلت : وأنّى وقد ذهب الحاج وتقطعت الطريق ؟ قال : اذهبي فتبصري... قالت : فكنت أشتد إلى الكثيب فأنظر ثم أرجع إليه فأمرضه ؛ فبينا هو أنا كذلك إذ أنا برجال على رحالهم كأنهم الرخم تحث بهم رواحلهم فأسرعوا إلى حتى وقفوا علي، فقالوا : يا أمة الله ما لك ؟ قلت : امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه ؟ قالوا: ومن هو؟ قلت : أبو ذر... قالوا : صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت: نعم ... قالت : ففدوْه بآبائهم وأمهاتهم وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه فقال لهم أبشروا : ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين ... وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة ، والله ما كذبت ولا كذبت ، ولو كان عندي ثوب يسعني كفناً لي أو لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب هو لي أو لها ، وإني أنشدكم الله ألا يكفنني رجل منكم أميراً أو عريفاً أو بريداً أو نقيباً ...وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار فقال: أنا أكفنك يا عم في ردائي هذا وفي ثوبين في غيبتي من غول أمي ...قال : أنت تكفنني يا بني...قالت: فكفنه الأنصاري وغسله في النفر الذين حضروه وقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم يمان .(1/96)
- وروى عنه جماعة من الصحابة وكان من أوعية العلم المبرزين في الزهد والورع والقول الحق ... سئل علي رضي الله عنه عن أبي ذر فقال : ذلك رجل وعى علما عجز عنه الناس ثم أوكأ عليه فلم يخرج شيئاً منه...
- وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبو ذر في أمتي شبيه عيسى بن مريم في زهده ... وبعضهم يرويه: من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر، ومن سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر .
- وروى إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: كان قوتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من التمر فلست بزائد عليه حتى ألقى الله تعالى.
- روى الأعمش عن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن ابن غنم قال: كنت عند أبي الدرداء إذ دخل عليه رجل من أهل المدينة فسأله فقال: أين تركت أبا ذر ؟قال :بالربذة ... فقال أبو الدرداء :إنا لله وإنا إليه راجعون ، لو أن أبا ذر قطع مني عضواً لما هجته لما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه ... / بتصرف يسير /
***وفي سير أعلام النبلاء = أبو ذر الغفاري، أحد السابقين الاولين، من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم... كان آدم ضخما جسيما، كث اللحية...وكان رأسا في الزهد، والصدق، والعلم والعمل، قوالا بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، على حدة فيه... وقد شهد فتح بيت المقدس مع عمر.(1/97)
*** وفي الإصابة في معرفة الصحابة = كان أبو ذر من السابقين إلى الإسلام ، وقصة إسلامه في الصحيحين على صفتين بينهما اختلاف ظاهر ؛ فعند البخاري من طريق أبي حمزة عن ابن عباس قال: لما بلغ أبا ذر مبعثَ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخيه : اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء واسمع من قوله ثم ائتني ...فانطلق الأخ حتى قدم وسمع من قوله ثم رجع إلى أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ، ويقول كلاماً ما هو بالشعر ... فقال ما شفيتني مما أردت ... فتزود وحمل شنة فيها ماء حتى قدم مكة ، فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه ، حتى أدركه بعض الليل فاضطجع فرآه عليّ فعرف أنه غريب ، فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد ، وظل ذلك اليوم ولا يرى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى فعاد إلى مضجعه ، فمر به عليّ فقال : أما آن للرجل أن يعرف منزله ؟ فأقامه فذهب به معه لا يسأل أحدهما صاحبه عن شيء حتى كان اليوم الثالث ففعل مثل ذلك فأقامه فقال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك ؟ قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً أن ترشدني فعلت... ففعل ، فأخبره ، فقال: إنه حق وإنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئاً أخافه عليك قمت كأني أريق الماء ،فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي ... ففعل ، فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه وسمع من قوله فأسلم مكانه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري . فقال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم ، فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ... فقام القوم إليه فضربوه حتى أضجعوه ، وأتى العباس فأكب عليه وقال: ويلكم ، ألستم تعلمون(1/98)
أنه من غفار وأنه من طريق تجارتكم إلى الشام ؟ فأنقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه فأكب العباس عليه....وعند مسلم من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر في قصة إسلامه: وفي أوله صليت قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم حيث وجهني الله ، وكنا نزلاً مع أمنا على خال لنا فأتاه رجل فقال له إن أنيساً يخلفك في أهلك ، فبلغ أخي فقال: والله لا أساكنك فارتحلنا فانطلق أخي فأتى مكة ثم قال لي: أتيت مكة فرأيت رجلاً يسميه الناس الصابىء هو أشبه الناس بك... قال: فأتيت مكة فرأيت رجلاً فقلت: أين الصابىء ؟ فرفع صوته علي فقال :صابىء.. صابىء ..! فرماني الناس حتى كأني نصب أحمر ، فاختبأت بين الكعبة وبين أستارها ، ولبثت فيها بين خمس عشرة من يوم وليلة ما لي طعام ولا شراب إلا ماء زمزم... قال : ولقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد دخلا المسجد فوالله إني لأول الناس حياه بتحية الإسلام ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ... فقال: وعليك السلام ورحمة الله... من أنت ؟ فقلت: رجل من بني غفار... فقال صاحبه: ائذن لي يا رسول الله في ضيافته الليلة... فانطلق بي إلى دار في أسفل مكة فقبض لي قبضات من زبيب ؛ قال :فقدمت على أخي فأخبرته أني أسلمت ... قال: فإني على دينك... فانطلقنا إلى أمنا فقالت: فإني على دينكما... قال : وأتيت قومي فدعوتهم ، فتبعني بعضهم...
+ يقال إن إسلامه كان بعد أربعة وانصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ومضت بدر وأحد ولم تتهيأ له الهجرة إلا بعد ذلك ، وكان طويلاً أسمر اللون نحيفاً ...وقال أبو قلابة عن رجل من بني عامر: دخلت مسجد منى فإذا شيخ معروق آدم عليه حلة قطري فعرفت أنه أبو ذر بالنعت.
+ وأخرج الطبراني من حديث أبي الدرداء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدىء أبا ذر إذا حضر ويتفقده إذا غاب.(1/99)
+ وقال الإمام أحمد في كتاب الزهد: حدثنا يزيد بن هارون حدثنا محمد بن عمرو سمعت عراك بن مالك يقول قال أبو ذر :إني لأقربكم مجلساً من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أقربكم مني مجلساً يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيئته يوم تركته فيها ... وإنه والله ما منكم من أحد إلا وقد نشب فيها بشيء غيري...وهكذا أورده في المسند، وأظنه منقطعاً لأن عراكاً لم يسمع من أبي ذر.
+ روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عنه خلق كثير...
+ قال أبو إسحاق السبيعي عن هانئ بن هانئ عن علي: أبو ذر وعاء ملىء علماً ثم أوكىء عليه. أخرجه أبو داود بسند جيد ؛ وأخرج أبو داود أيضاً وأحمد عن عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر .
+ وقال الآجري عن أبي داود: لم يشهد بدراً ولكن عمر ألحقه بهم وكان يوازي ابن مسعود في العلم....
+ وفي غِفار – قبيلة أبي ذر - قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : غِفار غفر اللهُ له ... / مسلم ؛ وفي رواية عنده : - عن أبي ذرٍّ قال: لي رسول الله عليه السلام: " إئتِ قومك فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أسلمُ سلمَها اللهُ، وغِفار غفر اللهُ لها " . مُسلم .(1/100)
+ وفي " السيرة النبوية " لابن إسحاق بسند ضعيف عن ابن مسعود قال كان لا يزال يتخلف الرجل في تبوك فيقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول: " دعوه فإن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه " . فتلوم أبو ذر على بعيره فأبطأ عليه فأخذ متاعه على ظهره ثم خرج ماشياً فنظر ناظر من المسلمين فقال إن هذا الرجل يمشي على الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كن أبا ذر " فلما تأملت القوم قالوا يا رسول الله هو والله أبو ذر فقال: " يرحم الله أبا ذر يعيش وحده ويموت وحده ويحشر وحده " . فذكر قصة موته ...
*** وكانت وفاته بالربذة سنة إحدى وثلاثين وقيل في التي بعدها وعليه الأكثر ويقال إنه صلى عليه عبد الله بن مسعود في قصة رويت بسند لا بأس به وقال المدائني: إنه صلى عليه ابن مسعود بالربذة ثم قدم المدينة فمات بعده بقليل./ والربذة من قرى المدينة ، قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة، وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري ، جندب بن جنادة رضي الله عنه ..............اهـ .
انتهى
ـ والحمد لله رب العالمين ـ
وكان الفراغ منه يوم 28 ـ 05 ـ 1428
- أبو يوسف محمد زايد -(1/101)