الوجيز في عقيدة السلف الصالح
((أهل السنة والجماعة))
راجعه وقدم له كل من أصحاب الفضيلة
الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
الشيخ د. ناصر بن عبد الكريم العقل
الشيخ د. سعود بن إبراهيم الشريم
الشيخ محمد بن جميل زينو
إعداد
عبد الله بن عبد الحميد الأثري
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه، ومن والاه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن من فضل الله تعالى عليَّ - وكان فضله عليَّ عظيماً - أن لقي هذا الكتاب قبولاً من القراء، مما أدى إلى نفاد طبعته الأولى، وحين عزمت على إعادة طبعه، كان حقاً عليَّ أن أنظر فيه حينئذٍ، فأضفت إليه أشياء أحسبها مهمة، ونقحته، بيد أن أثمن ما ازدانت به هذه الطبعة الجديدة تقديمات جليلة لطائفة من أماثل أهل العلم الذين تفضلوا بقراءة الكتاب وتسديده، وهم:
صاحب الفضيلة العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، ومعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية، وفضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل أستاذ العقيدة بجامعة الإمام، كما قام صاحب الفضيلة العلامة صالح بن فوزان الفوزان بمراجعة الكتاب، وأتحفني بآرائه الثاقبة ونظراته الموفقة، وكما راجع الكتاب الأخ الفاضل الشيخ الدكتور عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر أستاذ بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام، وأفادني كثيراً بتصويباته وآرائه السديدة.
فلهؤلاء جميعاً شكري الصادق، وأسأل المولى - عز وجل - أن يضاعف لهم المثوبة، ويرفع لهم الدرجات، لقاء ما أسدوا، وكفاء ما بذلوا، وأن ينفع المسلمين بعلمهم، جزى الله تعالى الجميع خير الجزاء، وأجزل لهم المثوبة والعطاء؛ إنه سميع مجيب الدعاء(1/1)
وكما أسأله تعالى أن يضع لهذه الطبعة القبول، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يتقبله مني، وأن ينفع بها المسلمين، ويدخر لي ثوابها؛ إنه ولي ذلك.
وصلى الله وسلم على الهادي البشير محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه أبو محمد
عبد الله بن عبد الحميد الأثري
13 ذو القعدة 1421هـ
الرياض
تقديم
فضيلة الشيخ العلامة
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أحمده وأشكره حمداً لا ينفد أفضل ما ينبغي أن يحمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزه عن الشركاء وتفرد، وصلى الله وسلم على أفضل المصطفين محمد وعلى آله وأصحابه ومن تعبد.
أما بعد: فقد قرأت هذا الكتاب المسمى:
((الوجيز في عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة))
فوجدته كتاباً قيماً؛ تقيد فيه بالقول الصواب، والتزام ما يؤيده الدليل، وذكر قول أهل السنة والحديث في التوحيد بأنواعه والإيمان والقضاء والقدر، وأكثر ما يتعلق بالمعتقد الصحيح، ولم يتعرض لمناقشة أقوال المبتدعة أهل التأويل والتحريف، وأورد من الأدلة ما يكون مقنعاً كافياً لمن قصد الحق والصواب، ونقل عن أهل السنة والجماعة وسلف الأمة ما يفيد تمسكهم بالدليل وبعدهم عن البدع والمحدثات.
فجزاه الله خيراً وأثابه على حسن مقصده، والله أعلم.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
تقديم
معالي الشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
الحمد لله المتفرد بصفات الكمال والجمال والجلال، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته، ولا ند له في ربوبيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11].(1/2)
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فقد كان الناس قبل مبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - في جاهلية جهلاء؛ يعيشون في ظلمات من الشرك والجهل، وتسيطر عليهم الخرافات، ويتطاحنون في نزاعات وصراعات قبلية، يسبي بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً، يعيشون في تخلف وهمجية وفرقة، شعارهم:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه
………………يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
حتى إذا أذن الله لشمس الإسلام أن تشرق بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليعلن للبشرية أن ((لا إله إلا الله ولا معبود بحق سواه)). لقد جاء بالتوحيد الذي هو حق الله على العبيد، والغاية العظمى من الخلق: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
به بعث الرسل وأنزلت الكتب، ورفع من أجله علم الجهاد.
ثلاثة عشرة سنة في مكة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو إليه، ويغرس جذوره في أعماق النفوس، ويبني أسسه ودعائمه في سويداء القلوب، ويثبت أركانه في الوجدان؛ حتى اتضحت سبيله للسالكين، وبانت معالمه للراغبين، فأظهر الله الحق وأزهق الباطل، وأضاءت القلوب أنوار التوحيد الخالص، فجلته من أوضار الشرك، وصقلته من أدران التنديد.
لقد جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - والقلوب أرض جرداء فسقاها من نمير التوحيد، وأرواها من سلسبيل الإخلاص، وساقها إلى الله دليل المتابعة، فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فعزت الأمة بعد ذلتها، واجتمعت بعد فرقتها، وصارت غالبة بعد أن كانت مغلوبة.(1/3)
بقيت العقيدة على صفائها ونقائها وطهرها؛ حتى إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً، ودخل في دين الله من لم يتشرب قلبه التوحيد الخالص، حدث في الناس الخلل، وتفرقت بهم السبل، وراجت المذاهب المنحرفة، والأفكار الهدامة، وأطلت الفتن برأسها، وفشت البدع ببؤسها، حتى إذا زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، قيض الله من أئمة الهدى، وأعلام الدجى من يعيد الناس إلى مشكاة النبوة وقلعة الإيمان، ويكشف لهم زيوف الباطل، ويدحض شبه المبطلين، ويردهم إلى منهج السلف الصالح.
إن المتبصر في تاريخ الأمة الإسلامية؛ ليرى أن عزتها وعلوها وغلبتها ودينونة الأمم لها مرتبطة بصفاء عقيدتها، وصدق توجهها إلى الله، واتباعها لأثر النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرها على منهج السلف الصالح، واجتماعها على أئمتها، وعدم منازعتهم في ذلك، وأن ذلها وضعفها وانخذالها، وتسلط الأمم عليها مرتبط بانتشار البدع والمحدثات في الدين، واتخاذ الأنداد والشركاء مع الله، وظهور الفرق الضالة، ونزع يد الطاعة، والخروج على الأئمة.
إن الإنحرافات العقدية، والحيدة عن منهج السلف الصالح والانخداع بزخرف قول أرباب المذاهب المنحرفة هو الذي فرق الأمة، وأضعف قوتها وكسر شوكتها، والواقع شاهد على ذلك، ولا مخرج لها من ذلك إلا بالرجوع إلى ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأئمة الهدى، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وإن النكوص عن جادة التوحيد، والرغبة عن منهج السلف الصالح، منافاة للعدل، ومجافاة للعقل.
قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد:25].(1/4)
وإن أعظم القسط التوحيد، وهو رأس العدل وبه قوامه، وإن أظلم الظلم الشرك. قال تعالى حكاية عن لقمان في وصيته لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13].
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله عز وجل: ((وإني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري)) [رواه الطبراني في ((مسند الشاميين)) والبيهقي في ((شعب الإيمان)) والديلمي في ((مسند الفردوس))]. وإن أعظم الفرية أن تشرك بالله وقد خلقك.
وإذا كان الله - سبحانه وتعالى - قد أمر بالإصلاح، ونهى عن الفساد والإفساد، فقال تعالى: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].
فإن أعظم الإفساد أن تفسد عقائد الناس، وتصوراتهم، وأفكارهم، ويقطع عليهم الطريق في مسيرهم إلى الله ويحاد بهم عن الفطرة التي فطرهم الله عليها، ففي الحديث:
((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصراه أو يمجسانه)) [رواه مسلم].
ويعضده قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني يومي هذا كل ما نحلته عبدا حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا...)) [رواه مسلم].
ولا شك أن هذا أعظم الظلم وأشنعه، كيف لا، وقد صار عاقبة ذلك خسران الدنيا والآخرة.(1/5)
وفي هذه الأزمنة المتأخرة التي حدثت فيها الغير، وتزينت الدنيا لخطابها، كشف أهل الأهواء عن أقنعتهم، وانتشرت بدعهم، وأحييت مذاهب أسلافهم بعد أن كانت بائدة، ونبشت كتب لهم كانت منسية، وظهرت أفكار جديدة، وبرزت جماعات معاصرة متباينة في مقاصدها، مختلفة في توجهاتها، متناقضة في غاياتها ووسائلها، كلما خرجت جماعة أو فرقة لعنت أختها، وتطاول أناس على قامة التوحيد والسنة، ولوثوا أفكار الناس، وأفسدوا عليهم عقائدهم، وهونوا عليهم أمر الشرك، ورفعوا أعلام الفتن، ونازعوا ذوي السلطان في سلطانهم، وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى، واتبعوا غير سبيل المؤمنين.
مما يوجب على الغيورين من علماء الأمة ودعاة السنة المقتفين للأثر؛ القيام بواجب الإنابة عن أصول الديانة، وتبيين معالم منهج السلف، وإيضاح سبيله، وتقريب كتب أئمة الهدى، وإبرازها بالتحقيق وشرح عبارات الأئمة، وبيان مقاصدهم والعناية بأمر التوحيد والمنهج في دروسهم وخطبهم ومحاضراتهم ومؤلفاتهم، وإرشاد العباد إلى اتباع خطى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولزوم سنته، والسير على أثر أصحابه امتثالاً لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين؛ تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) [رواه أبو داود].
فهذا هو الصراط المستقيم، الموصل إلى رضى رب العالمين.(1/6)
قال تعالى : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].
وهو السبيل الذي دعا إليه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ{ [يوسف: 108].
وهو عقيدة الفرقة الناجية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم؛ حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)) [رواه البخاري: باب ((28)) حديث (3641)].
وهي التي بقيت على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((...وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة؛ كلهم في النار إلا ملة واحدة)) قال أبو عبد الله بن عمرو راوي الحديث - : من هي يا رسول الله؟ قال: ((ما أنا عليه وأصحابي)) [رواه الترمذي].
ومن هنا تأتي أهمية العناية بهذا الأمر، وتربية الناشئة عليه، وتصحيح مسير الصحوة إليه؛ حتى لا تتشعب بها السبل، فتضل في متاهات الأهواء والفتن.
وقد وفق الله - سبحانه وتعالى - عدداً من مشايخنا، وعلمائنا، ونفراً من طلبة العلم المخلصين إلى الاهتمام بهذا الموضوع تدريساً، وتحقيقاً، وتأليفاً، وكان منهم الشيخ عبد الله بن عبد الحميد الأثري في كتابه الماتع:(1/7)
الوجيز في عقيدة السلف الصالح وقد رغب إليَّ في قراءته والتقديم له، وباطلاعي عليه وقراءتي له ألفيته قد أجاد فيه وأفاد، وبذل فيه جهداً مشكوراً، وذكر فيه مجمل اعتقاد السلف بأسلوب أخاذ، وعبارة سهلة، وعرض حسن، وقد وفق في تبويبه وترتيبه، وقد جاءت هذه الطبعة التي نحن بصدد التقديم لها، فظهرت منقحة ومصححة، مستدركاً فيها ما فاته في سابقها من ملحوظات يسيرة.
وإن مما يميز هذا الكتاب اعتماده على المصادر الأصلية، وعنايته بذكر عبارات السلف، وحشد الأدلة من الكتاب والسنة، وذكر أقوال الصحابة والتابعين وأئمة السلف.
وإن هذا الكتاب وأمثاله لمماً تقر به عيون الموحدين، وتفرح به قلوبهم، وتشرق به حلوق المناوئين، وتضيق به صدورهم:
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[يوسف: 21].
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار، و لا يترك الله بيت مدر و لا وبر؛ إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وأهله، و ذلا يذل به الكفر وأهله)) [رواه الإمام أحمد].
وإذ أشكر لفضيلته عنايته بهذا الموضوع، وحرصه عليه، وإخراج هذا الكتاب، فإني أسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، وأن يبارك في جهوده، وأن يحفظ لهذه الأمة عقيدتها، وأن يوفق العلماء إلى السير بها إلى ما يحبه ويرضاه، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم واقتفاء لأثر أصحابه واتباعاً لمنهج أئمة السلف.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
جمادى الأولى 1421هـ
تقديم
فضيلة الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.(1/8)
وبعد: فقد قرأت ما كتبه الأخ في الله فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الحميد آل إسماعيل في معتقد الفرقة الناجية والطائفة المنصورة؛ أهل السنة والجماعة، والذي سماه: بـ ((الوجيز في عقيدة السلف الصالح)) فألفيت ما كتبه نافعاً قيماً، ذكر مؤلفه مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة في أصول الاعتقاد التي من تمسك بها نجا، ومن حاد عنها هلك .. والعياذ بالله.
وقد بذل مؤلفها جهداً مرموقاً يشكر عليه؛ حيث أحسن صياغتها بعبارات سهلة ومعانٍ مفهومة لمن قرأها أو سمعها.
فجزاه الله خيراً ونفع بكتابه، ورزقنا وإياه العلم النافع، والعمل الصالح، ووفق جميع المسلمين لسلوك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وما كان عليه أصحاب القرون المفضلة؛ إنه سميع مجيب.
قاله مقيده:
سعود بن إبراهيم بن محمد الشريم
القاضي بالمحكمة الكبرى بمكة،
وإمام وخطيب المسجد الحرام
تقديم
فضيلة الشيخ محمد بن جميل زينو
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:
فقد اطلعت على كتاب : ((الوجيز في عقيدة السلف الصالح)) فوجدته كتاباً جيداً؛ جمع فيه المؤلف معلومات قيمة يستحق التقدير والتشجيع، وقد توسع في بيان عقيدة السلف الصالح؛ بحيث يستطيع المسلم أن يقرأه بسهولة، ويطلع على بحوث متنوعة. وإني أوصي كل مسلم، ولا سيما طلاب العلم بقراءته والاستفادة منه. وأسأل الله أن ينفع به المسلمين، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم.
كتبه: محمد بن جميل زينو
المدرس في دار الحديث الخيرية؛ بمكة المكرمة
2 شوال 1415هـ
تقديم
فضيلة الشيخ ناصر بن عبد الكريم العقل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(1/9)
فقد قرأت كتاب : ((الوجيز في عقيدة السلف الصالح)) لمؤلفه عبد الله بن عبد الحميد الأثري، وظهر لي أن الكتاب جيد؛ فقد تميز بسهولة العبارة، وحسن الإخراج، والعنصرة، والحرص على التزام الألفاظ الشرعية، وعبارات السلف الصالح.
نسأل الله لنا ولمؤلفه الإخلاص في القول والعمل.
وصلى الله وسلم على الهادي البشير والسراج المنير نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه
أ. د. ناصر بن عبد الكريم العلي العقل
أستاذ قسم العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود
8/11/1420هـ
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(1).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(2).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}(3).
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار(*).
أيها الأخ المسلم: هذه كلمات مختصرة في بيان:
((عقيدة السلف الصالح، أهل السنة والجماعة)).(1/10)
قد حمل على جمعه وكتابته ما تعيشه الأمة الإسلامية اليوم من تفرق واختلاف يتمثلان في الفرق المعاصرة، والجماعات الموجودة في الساحة؛ كل يدعو إلى عقيدته ومنهجه، ويزكي جماعته؛ حتى اختلط الأمر على الناس، وأصبحوا في حيرة من أمرهم من يتبعون؟ وبمن يقتدون؟!!
ولكن - ولله الحمد - لم يعدم ولن يعدم الخير في هذه الأمة، إذ لا تزال طائفة منها متمسكة بالهدى والحق إلى قيام الساعة؛ كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال:
((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم؛ حتى يأتي أمر الله وهم كذلك). وليس في حديث قتيبة (وهم كذلك)) (5). وقال صلى الله عليه وسلم :
((مثل أمتي مثل المطر؛ لا يدري أوله خير، أم آخره)) (6).
ومن هنا وجب علينا التعرف على هذه الطائفة المباركة التي تلتزم الإسلام الصحيح الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وطبقه جيل الصحابة والتابعين وأتباعهم بإحسان - جعلنا الله منهم - وهذه الجماعة هي الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، وتوصف هذه الفرقة بأهل السنة والجماعة، وأهل الحديث، وأهل الأثر والاتباع، وهم من كانوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.(1/11)
ومن هذا المنطلق أسرعت في تلخيص هذا ((الوجيز)) من كتابي ((الميسر في عقيدة السلف الصالح)) (*) الذي استقيته من كتب أئمة السلف المشهود لهم بالعدالة والعلم، واتباع السنة والإمامة فيها؛ التي استقوها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم كابراً عن كابر، وحرصت أن يكون هذا ((الوجيز)) بعبارة موجزة وأسلوب واضح ميسر، مع الالتزام بالألفاظ الشرعية المأثورة عن أئمة السلف قدر الإمكان؛ ليستفيد منه كل قارئ، وخصوصاً الناشئين من أبناء الصحوة الإسلامية المباركة، ويكون عوناً لتحصيل مجمل عقيدة السلف الصالح للشاب الملتزم والمهتدي حديثاً بصورة ميسرة؛ لأن علم العقيدة أشبه بسلسلة مربوطة بعضها ببعض، فإذا لم يفهم المسلم مجمل العقيدة لا يستطيع استيعاب أجزائها.
ولم أضف شيئاً من عندي إلا ما وجدت أن من الواجب بيانه وتوضيحه، وأنوه بأني قد وضعت في آخر هذه الرسالة قائمة للمصادر التي اعتمدت عليها في إعداد هذا ((الوجيز)).
وختاماً أحمد الله تعالى وأشكره على توفيقه لإتمام هذا ((الوجيز)) وأرجو الله أن يسهم هذا البحث المتواضع في إصلاح ما فسد من عقائد المسلمين، وأن يجعله نافعاً لهم، ودافعاً للرجوع إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وكما أشكر كل من كان له فضل عليَّ في إتمام هذا ((الوجيز)) من إبداء رأي أو مراجعة أو نصيحة، وفي مقدمتهم فضيلة الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم، وفضيلة الشيخ محمد بن جميل زينو اللذان تفضلا بقراءة الكتاب والتقديم له فجزاهم الله خيراً.
هذا هو جهد المقل وضعته بين يدي القارئ الكريم؛ فإن أصبت فمن الله - وهو الموفق سبحانه - وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وإني آمل ممن يجد فيه مأخذاً أن لا يبخل عليَّ بالنصح.(1/12)
أسأل الله تعالى أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن يتقبله مني، وينفع به المسلمين، وأبرأ إلى الله ممن خالف كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفهم سلفنا الصالح؛ فإن وقع ذلك مني دون قصد؛ فإني راجع عنه في حياتي وبعد مماتي.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
راجي رحمة ربه الغفور
أبو محمد
عبد الله بن عبد الحميد بن عبد المجيد الأثري آل إسماعيل الأثري
نزيل اصطنبول
عفا الله عنه
ذو الحجة 1416هـ
تعريفات ضرورية
تعريف العقيدة
العقيدة في اللغة:
من العقد؛ وهو الربط، والإبرام، والإحكام، والتوثق، والشد بقوة، والتماسك، والمراصة، والإثبات؛ ومنه اليقين والجزم.
والعقد نقيض الحل، ويقال: عقده يعقده عقداً، ومنه عقدة اليمين والنكاح، قال الله تبارك وتعالى:
{لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ}(8).
و(العقيدة: الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده، والعقيدة في الدين ما يقصد به الاعتقاد دون العمل؛ كعقيدة وجود الله وبعث الرسل. والجمع: عقائد)(9).
وخلاصة ما عقد الإنسان عليه قلبه جازماً به؛ فهو عقيدة، سواء كان حقاً، أم باطلاً.
وفي الاصطلاح:
هي الأمور التي يجب أن يصدق بها القلب، وتطمئن إليها النفس؛ حتى تكون يقيناً ثابتاً لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك.
أي: الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتقده، ويجب أن يكون مطابقاً للواقع، لا يقبل شكاً ولا ظنا؛ فإن لم يصل العلم إلى درجة اليقين الجازم لا يسمى عقيدة.
وسمي عقيدة؛ لأن الإنسان يعقد عليه قلبه.
والعقيدة الإسلامية:(1/13)
هي الإيمان الجازم بربوبية الله تعالى وألوهيته وأسمائه وصفاته، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وسائر ما ثبت من أمور الغيب، وأصول الدين، وما أجمع عليه السلف الصالح، والتسليم التام لله تعالى في الأمر، والحكم، والطاعة، والاتباع لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
والعقيدة الإسلامية:
إذا أطلقت فهي عقيدة أهل السنة والجماعة؛ لأنها هي الإسلام الذي ارتضاه الله ديناً لعباده، وهي عقيدة القرون الثلاثة المفضلة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان.
وللعقيدة الإسلامية:
أسماء أخرى عند أهل السنة والجماعة؛ ترادفها، وتدل عليها، منها:
((التوحيد))، ((السنة))، ((أصول الدين))، ((الفقه الأكبر))، ((الشريعة))، ((الإيمان)).
هذه أشهر إطلاقات أهل السنة على علم العقيدة.
تعريف السلف
السلف في اللغة:
ما مضى وتقدم، يقال: سلف الشيء سلفاً: أي مضى، والسلف: الجماعة المتقدمون، أو القوم المتقدمون في السير.
قال تعالى: فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ، فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ{(10).
أي: جعلناهم سلفاً متقدمين لمن عمل بعملهم، وذلك ليعتبر بهم من بعدهم، وليتعظ بهم الآخرون.
والسلف: (من تقدمك من آبائك وذي قرابتك الذين هم فوقك في السن والفضل؛ ولهذا سمي الصدر الأول من التابعين: السلف الصالح) (11).
وفي الاصطلاح:
إذا أطلق السلف عند علماء الاعتقاد فإنما تدور كل تعريفاتهم حول الصحابة، أو الصحابة والتابعين، أو الصحابة والتابعين وتابعيهم من القرون المفضلة؛ من الأئمة الأعلام المشهود لهم بالإمامة والفضل واتباع السنة والإمامة فيها، واجتناب البدعة والحذر منها، وممن اتفقت الأمة على إمامتهم وعظيم شأنهم في الدين، ولهذا سمي الصدر الأول بالسلف الصالح.(1/14)
قال الله تعالى: }وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً{(12).
وقال: }وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{(13).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم))(14).
ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته والتابعون لهم بإحسان هم سلف هذه الأمة، وكل من يدعو إلى مثل ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته والتابعون لهم بإحسان؛ فهو على نهج السلف.
والتحديد الزمني ليس شرطاً في ذلك؛ بل الشرط هو موافقة الكتاب والسنة في العقيدة والأحكام والسلوك بفهم السلف؛ فكل من وافق الكتاب والسنة فهو من أتباع السلف، وإن باعد بينه وبينهم المكان والزمان، ومن خالفهم فليس منهم وإن عاش بين ظهرانيهم.
وإمام السلف الصالح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
قال تعالى: }مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ{(15).
وقد قرن الله تعالى بين طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال تعالى:(1/15)
}وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً{(16).
وجعل الله طاعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاعة له سبحانه، فقال عز وجل:
}مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً{(17).
وأخبر تعالى أن عدم طاعة الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم محبط ومبطل للأعمال، فقال:
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ{(18).
ونهانا عن مخالفة أمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال:
}وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ{(19).
وأمرنا الله تعالى أن نأخذ ما أمرنا به صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونترك ما نهانا عنه، فقال عز وجل:
{وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(20).
وأمرنا تعالى أن نحكمه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كل شأن من شؤون حياتنا، وأن نرجع إلى حكمه، فقال:
}فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً{(21).
وبلغنا الله تعالى بأن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الأسوة الحسنة، والقدوة الصالحة، والنموذج الأمثل الذي يجب اتباعه والاقتداء به، فقال عز وجل:
}لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً{(22).(1/16)
وقرن الله رضاه برضاء رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال تعالى: }وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ{(23).
وجعل اتباع رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم علامة على محبته - سبحانه وتعالى - فقال:
}قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{(24).
ولهذا كان مرجع السلف الصالح عند التنازع هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال تعالى:
}فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً{(25).
وأفضل السلف بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصحابة الذين أخذوا دينهم عنه بصدق وإخلاص، كما وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز، بقوله:
}مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً{(26).
ثم الذين يلونهم من القرون المفضلة الأولى؛ الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) (27).
ولذا؛ فإن فالصحابة والتابعون أحق بالاتباع من غيرهم، وذلك لصدقهم في إيمانهم، وإخلاصهم في عبادتهم، وهم حراس العقيدة، وحماة الشريعة العاملون بها قولاً وعملاً، ولذلك اختارهم اللهم تعالى لنشر دينه؛ وتبليغ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
((تفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة؛ كلهم في النار؛ إلا ملة واحدة)) قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ((ما أنا عليه وأصحابي))(28).(1/17)
ويطلق على كل من اقتدى بالسلف الصالح، وسار على نهجهم في سائر العصور ((سلفي)) نسبة إليهم، وتمييزاً بينه وبين من يخالفون منهج السلف ويتبعون غير سبيلهم.
قال تعالى: }وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً{(29). ولا يسع أي مسلم إلا أن يفتخر بالانتساب إليهم.
ولفظ ((السلفية)) أصبح علماً على طريقة السلف الصالح في تلقي الإسلام وفهمه وتطبيقه، وبهذا فإن مفهوم السلفية يطلق على الملتزمين بكتاب الله، وما ثبت من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؛ التزاماً كاملاً بفهم السلف.
تعريف أهل السنة والجماعة
السنة في اللغة:
السنة في اللغة مشتقة من: سن يسن، ويسن سناً، فهو مسنون. وسن الأمر: بينه.
والسنة: الطريقة والسيرة، محمودة كانت أم مذمومة.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع)) (30).
أي: طريقتهم في الدين والدنيا.
وقوله ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده؛ من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة ...)) (31). أي: سيرة. (32).
السنة في الاصطلاح:
الهدي الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه؛ علماً، واعتقاداً، وقولاً، وعملاً، وتقريراً.
وتطلق السنة أيضاً على سنن العبادات والاعتقادات، ويقابل السنة: البدعة.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين)) (33).
الجماعة في اللغة:
(مأخوذة من الجمع، وهو ضم الشيء؛ بتقريب بعضه من بعض، يقال جمعته؛ فاجتمع).
ومشتقة من الاجتماع، وهو ضد التفرق، وضد الفرقه.(1/18)
والجماعة: العدد الكثير من الناس، وهي أيضاً طائفة من الناس يجمعها غرض واحد.
والجماعة: هم القوم الذين اجتمعوا على أمر ما(34).
الجماعة في الاصطلاح:
جماعة المسلمين، وهم سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ الذين اجتمعوا على الكتاب والسنة، وساروا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ظاهراً وباطنا.
وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين وحثهم على الجماعة والائتلاف والتعاون ونهاهم عن الفرقة والاختلاف والتناحر، فقال:
}وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا{(35).
وقال: { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ }(36).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي: الجماعة)) (37).
وقال: ((عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة؛ فليلزم الجماعة))(38).
وقال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
(الجماعة ما وافق الحق، وإن كنت وحدك) (39).
فأهل السنة والجماعة:
هم المتمسكون بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه ومن تبعهم وسلك سبيلهم في الاعتقاد والقول والعمل، والذين استقاموا على الاتباع وجانبوا الابتداع، وهم باقون ظاهرون منصورون إلى يوم القيامة فاتباعهم هدى، وخلافهم ضلال.
وأهل السنة والجماعة: يتميزون عن غيرهم من الفرق؛ بصفات وخصائص وميزات منها:
1- أنهم أهل الوسط والاعتدال بين الإفراط والتفريط، وبين الغلو والجفاء سواء أكان في باب العقيدة أم الأحكام أو السلوك، فهم وسط بين فرق الأمة، كما أن الأمة وسط بين الملل.
2- اقتصارهم في التلقي على الكتاب والسنة، والاهتمام بهما والتسليم لنصوصهما، وفهمهما على مقتضى منهج السلف.(1/19)
3- ليس لهم إمام معظم يأخدون كلامه كله، ويدعون ما خالفه إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أعلم الناس بأحواله، وأقواله، وأفعاله؛ لذلك فهم أشد الناس حباً للسنة، وأحرصهم على اتباعها، وأكثرهم موالاة لأهلها.
4- تركهم الخصومات في الدين، ومجانبة أهلها، وترك الجدال والمراء في مسائل الحلال والحرام، ودخولهم في الدين كله.
5- تعظيمهم للسلف الصالح، واعتقادهم بأن طريقة السلف أسلم، وأعلم، وأحكم.
6- رفضهم التأويل، واستسلامهم للشرع، مع تقديمهم للنقل على العقل - تصورات الأذهان - وإخضاع الثاني للأول.
7- جمعهم بين النصوص في المسألة الواحدة وردهم المتشابه إلى المحكم.
8- أنهم قدوة الصالحين؛ الذين يهدون إلى الحق، ويرشدون إلى الصراط المستقيم؛ بثباتهم على الحق وعدم تقلبهم واتفاقهم على أمور العقيدة، وجمعهم بين العلم والعبادة، وبين التوكل على الله، والأخذ بالأسباب، وبين التوسع في الدنيا والورع فيها، وبين الخوف والرجاء والحب والبغض، وبين الرحمة واللين للمؤمنين والشدة والغلظة على الكافرين، وعدم اختلاف الزمان والمكان.
9- أنهم لا يتسمون بغير الإسلام، والسنة، والجماعة.
10- حرصهم على نشر العقيدة الصحيحة، والدين القويم، وتعليمهم الناس وإرشادهم، والنصيحة لهم، والاهتمام بأمورهم.
11- أنهم أعظم الناس صبراً على أقوالهم، ومعتقداتهم، ودعوتهم.
12- حرصهم على الجماعة والألفة، ودعوتهم إليها وحث الناس عليها، ونبذهم للاختلاف والفرقة، وتحذير الناس منها.
13- أن الله - عز وجل - عصمهم من تكفير بعضهم بعضا، ثم هم يحكمون على غيرهم بعلم وعدل.
14- محبة بعضهم لبعض، وترحم بعضهم على بعض، وتعاونهم فيما بينهم، وسد بعضهم لنقص بعض، ولا يوالون ولا يعادون إلا على الدين.
وبالجملة: فهم أحسن الناس أخلاقاً، وأحرصهم على زكاة أنفسهم بطاعة الله تعالى، وأوسعهم أفقا، وأبعدهم نظرا، وأرحبهم بالخلاف صدرا، وأعلمهم بآدابه وأصوله.(1/20)
وصفوة القول في مفهوم أهل السنة والجماعة:
أنها الفرقة التي وعدها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالنجاة من بين الفرق، ومدار هذا الوصف على اتباع السنة، وموافقة ما جاء بها من الاعتقاد والعبادة والهدي والسلوك والأخلاق، وملازمة جماعة المسلمين.
وبهذا لا يخرج تعريف أهل السنة والجماعة عن تعريف السلف، وقد عرفنا أن السلف هم العاملون بالكتاب المتمسكون بالسنة؛ إذن فالسلف هم أهل السنة الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأهل السنة هم السلف الصالح ومن سار على نهجهم.
وهذا هو المعنى الأخص لأهل السنة والجماعة؛ فيخرج من هذا المعنى كل طوائف المبتدعة وأهل الأهواء؛ كالخوارج، والجهمية، والقدرية، والمعتزلة، والمرجئة، والرافضة .. وغيرهم من أهل البدع ممن سلكوا مسلكهم.
فالسنة هنا تقابل البدعة، والجماعة تقابل الفرقة، وهو المقصود في الأحاديث التي وردت في لزوم الجماعة والنهي عن التفرق.
فهذا الذي قصده ترجمان القرآن؛ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تبارك وتعالى:
}يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}.
قال: (تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة) (40).
ولفظ ((السلف الصالح)) يرادف مصطلح أهل السنة والجماعة، كما يطلق عليهم أيضاً؛ أهل الأثر، وأهل الحديث، والطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، وأهل الاتباع، وهذه الأسماء والإطلاقات مستفيضة عن علماء السلف.
خصائص عقيدة أهل السنة والجماعة
لماذا عقيدة السلف الصالح أولى بالإتباع؟
العقيدة الصحيحة هي أساس هذا الدين، وكل ما يبنى على غير هذا الأساس؛ فمآله الهدم والانهيار، ومن هذا نرى اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بإرساء هذه العقيدة وترسيخها في قلوب أصحابه طيلة عمره، وذلك من أجل بناء الرجال على قاعدة صلبة وأساس متين.(1/21)
وظل القرآن في مكة يتنزل ثلاثة عشر عاماً يتحدث عن قضية واحدة لا تتغير، وهي قضية العقيدة والتوحيد لله تعالى والعبودية له، ومن أجلها ولأهميتها كان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة لا يدعو إلا إليها، ويربي أصحابه عليها.
وترجع أهمية دراسة عقيدة السلف الصالح إلى أهمية تبيين العقيدة الصافية، وضرورة العمل الجاد في سبيل العودة بالناس إليها، وتخليصهم من ضلالات الفرق واختلاف الجماعات، وهي أول ما يجب على الدعاة الدعوة إليها.
فالعقيدة على منهج السلف الصالح:
لها مميزات وخصائص فريدة تبين قيمتها، وضرورة التمسك بها، ومن أهم هذه المميزات.
أولاً - إنها السبيل الوحيد للخلاص من التفرق والتحزب، وتوحيد صفوف المسلمين عامة، والعلماء والدعاة خاصة؛ حيث هي وحي الله تعالى وهدي نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما كان عليه الرعيل الأول الصحابة الكرام، وأي تجمع على غيرها مصيره - ما نشاهده اليوم من حال المسلمين - التفرق، والتنازع، والإخفاق، قال الله تبارك وتعالى:
}وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً{(41).
ثانياً - إنها توحد وتقوي صفوف المسلمين، وتجمع كلمتهم على الحق وفي الحق؛ لأنها استجابة لقول الله تبارك وتعالى:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا{(42).
ولذا فإن من أهم أسباب اختلاف المسلمين اختلاف مناهجهم وتعدد مصادر التلقي عندهم؛ فتوحيد مصدرهم في العقيدة والتلقي سبب مهم لتوحيد الأمة، كما تحقق في صدرها الأول.(1/22)
ثالثاً - إنها تربط المسلم مباشرة بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبحبهما وتعظيمهما، وعدم التقدم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك لأن عقيدة السلف منبعها قال الله، وقال رسوله؛ بعيداً عن تلاعب الهوى والشبهات، وخالية من التأثر بالمؤثرات الأجنبية من فلسفة ومنطق وعقلانية، فليس إلا الكتاب والسنة.
رابعاً - إنها سهلة ميسرة واضحة؛ لا لبس فيها ولا غموض بعيدة عن التعقيد وتحريف النصوص، معتقدها مرتاح البال، مطمئن النفس، بعيد عن الشكوك والأوهام ووساوس الشيطان، قرير العين لأنه سائر على هدي نبي هذه الأمة صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، قال الله تعالى:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ}(43).
خامساً: إنها من أعظم أسباب القرب من الله - عز وجل - والفوز برضوانه سبحانه وتعالى.
وهذه المميزات والسمات ثابتة لأهل السنة والجماعة، لا تكاد تختلف في أي مكان أو زمان، والحمد لله(44)(*).
أصول عقيدة أهل السنة والجماعة
إن أهل السنة والجماعة - السائرين على نهج السلف الصالح - يسيرون على أصول ثابتة وواضحة في الاعتقاد والعمل والسلوك، وهذه الأصول مستمدة من كتاب الله تعالى، وكل ما صح من سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم متواتراً كان أو آحاداً، وبفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
فأصول الدين قد بينها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بياناً شافياً؛ فليس لأحد أن يحدث فيها شيئاً ويزعم أنه من الدين، ولهذا تمسك أهل السنة والجماعة بهذه الأصول، واجتنبوا الألفاظ المبتدعة، والتزموا بالألفاظ الشرعية، ومن هنا فهم الامتداد الحقيقي للسلف الصالح.(1/23)
فأصول الدين عند أهل السنة والجماعة مجملة على النحو الآتي:
الأصل الأول
الإيمان وأركانه
إن معتقد السلف الصالح - أهل السنة والجماعة - في أصول الإيمان؛ يتلخص في الإيمان والتصديق بأركانه الستة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل - عليه السلام - لما جاء يسأله عن الإيمان؛ فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)) (45).
فالإيمان يقوم على هذه الأركان الستة؛ فإذا سقط منها ركن لم يكن الإنسان مؤمناً البتة؛ لأنه فقد ركناً من أركان الإيمان؛ فالإيمان لا يقوم إلا على أركانه تامة، كما لا يقوم البنيان إلا على أركانه مكتملة. وهذه الأمور الستة هي أركان الإيمان، فلا يتم الإيمان إلا بها جميعاً على الوجه الصحيح الذي دل عليه الكتاب والسنة، ومن جحد شيئاً منها؛ فليس بمؤمن.
الركن الأول
الإيمان بالله
الإيمان بالله تعالى؛ هو التصديق الجازم بوجود الله، واتصافه بكل صفات الكمال، ونعوت الجلال، واستحقاقه وحده العبادة، واطمئنان القلب بذلك اطمئناناً ترى آثاره في سلوك الإنسان، والتزامه بأوامر الله، واجتناب نواهيه. وهو أساس العقيدة الإسلامية ولبها؛ فهو الأصل، وكل أركان العقيدة مضافة إليه وتابعة له.
فالإيمان بالله يتضمن الإيمان بوحدانيته واستحقاقه للعبادة؛ لأن وجوده لا شك فيه، وقد دل على وجوده سبحانه وتعالى:
الفطرة، والعقل، والشرع، والحس.
ومن الإيمان بالله تعالى؛ الإيمان بوحدانيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وذلك بإقرار أنواع التوحيد الثلاثة، واعتقادها، والعمل بها، وهي:
1- توحيد الربوبية.
2 - توحيد الألوهية.
3- توحيد الأسماء والصفات.
1- توحيد الربوبية:(1/24)
معناه الاعتقاد الجازم بأن الله وحده رب كل شيء ومليكه، لا شريك له، وهو الخالق وحده وهو مدبر العالم والمتصرف فيه، وأنه خالق العباد ورازقهم ومحييهم ومميتهم، والإيمان بقضاء الله وقدره وبوحدانيته في ذاته، وخلاصته هو: توحيد الله تعالى بأفعاله.
وقد قامت الأدلة الشرعية على وجوب الإيمان بربوبيته سبحانه وتعالى، كما في قوله: }الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{(46).
وقوله: }أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{(47).
وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}(48).
وقوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ{(49).
وهذا النوع من التوحيد لم يخالف فيه كفار قريش، وأكثر أصحاب الملل والديانات؛ فكلهم يعتقدون أن خالق العالم هو الله وحده، قال الله تبارك وتعالى عنهم:
}وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ{(50).
وقال : }قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ، بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{(51).
وذلك لأن قلوب العباد مفطورة على الإقرار بربوبيته - سبحانه وتعالى - ولذا فلا يصبح معتقده موحداً؛ حتى يلتزم بالنوع الثاني من أنواع التوحيد، وهو:
2 - توحيد الألوهية:
هو إفراد الله تعالى بأفعال العباد، ويسمى توحيد العبادة، ومعناه الاعتقاد الجازم بأن الله - سبحانه وتعالى - هو:(1/25)
الإله الحق ولا إله غيره، وكل معبود سواه باطل، وإفراده تعالى بالعبادة والخضوع والطاعة المطلقة، وأن لا يشرك به أحد كائناً من كان، ولا يصرف شيء من العبادة لغيره؛ كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والدعاء، والاستعانة، والنذر، والذبح، والتوكل، والخوف والرجاء، والحب، وغيرها من أنواع العبادة الظاهرة والباطنة، وأن يعبد الله بالحب والخوف والرجاء جميعا، وعبادته ببعضها دون بعض ضلال.
قال الله تعالى: }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{(52).
وقال: }وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ{(53).
وتوحيد الألوهية هو ما دعت إليه جميع الرسل، وإنكاره هو الذي أورد الأمم السابقة موارد الهلاك.
وهو أول الدين وآخره وباطنه وظاهره، وهو أول دعوة الرسل وآخرها ولأجله أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وسلت سيوف الجهاد، وفرق بين المؤمنين والكافرين، وبين أهل الجنة وأهل النار.
وهو معنى قوله تعالى : }لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.{
قال تعالى : }وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ{(54).
ومن كان رباً خالقاً، رازقاً، مالكاً، متصرفاً، محيياً، مميتاً، موصوفاً بكل صفات الكمال، ومنزهاً من كل نقص، بيده كل شيء؛ وجب أن يكون إلهاً واحداً لا شريك له، ولا تصرف العبادة إلا إليه، قال تعالى : }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ{(55).
وتوحيد الربوبية من مقتضيات توحيد الألوهية؛ لأن المشركين لم يعبدوا إلهاً واحداً، وإنما عبدوا آلهة متعددة، وزعموا أنها تقربهم إلى الله زلفى، وهم مع ذلك معترفون بأنها لا تضر ولا تنفع؛ لذلك لم يجعلهم الله مؤمنين رغم اعترافهم بتوحيد الربوبية؛ بل جعلهم في عداد الكافرين بإشراكهم غيره في العبادة.(1/26)
ومن هنا يختلف معتقد السلف - أهل السنة والجماعة - عن غيرهم في الألوهية؛ فلا يعنون كما يعني البعض أن معنى التوحيد أنه لا خالق إلا الله فحسب؛ بل إن توحيد الألوهية عندهم لا يتحقق إلا بوجود أصلين:
الأول: أن تصرف جميع أنواع العبادة له - سبحانه - دون ما سواه، ولا يعطى المخلوق شيئاً من حقوق الخالق وخصائصه.
فلا يعبد إلا الله، ولا يصلى لغير الله، ولا يسجد لغير الله، ولا ينذر لغير الله، ولا يتوكل على غير الله، وإن توحيد الألوهية يقتضي إفراد الله وحده بالعبادة.
والعبادة: إما قول القلب واللسان وإما عمل القلب والجوارح.
قال تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{(56).
وقال سبحانه: }أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ{(57).
الثاني: أن تكون العبادة موافقة لما أمر الله تعالى به، وأمر رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فتوحيد الله سبحانه بالعبادة والخضوع والطاعة هو تحقيق شهادة أن : لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ{.
ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والإذعان لما أمر به ونهى عنه هو تحقيق أن : {محمداً رسول الله}.
فمنهج أهل السنة والجماعة:
أنهم يعبدون الله تعالى ولا يشركون به شيئاً، فلا يسألون إلا الله، ولا يستعينون إلا بالله، ولا يستغيثون إلا به سبحانه، ولا يتوكلون إلا عليه جل وعلا، ولا يخافون إلا منه، ويتقربون إلى الله تعالى بطاعته، وعبادته، وبصالح الأعمال، قال تعالى:
}وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً{(58).
3- توحيد الأسماء والصفات:
معناه الاعتقاد الجازم بأن الله - عز وجل - له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وهو متصف بجميع صفات الكمال، ومنزه عن جميع صفات النقص، متفرد بذلك عن جميع الكائنات.(1/27)
وأهل السنة والجماعة: يعرفون ربهم بصفاته الواردة في القرآن والسنة، ويصفون ربهم بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون(59) في أسمائه وآياته، ويثبتون لله ما أثبته لنفسه من غير تمثيل، ولا تكييف ولا تعطيل، ولا تحريف، وقاعدتهم في كل ذلك قول الله تبارك وتعالى:
}لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{(60).
وقوله:}وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{(61).
وأهل السنة والجماعة:
لا يحددون كيفية صفات الله - جل وعلا - لأنه تبارك وتعالى لم يخبر عن الكيفية، ولأنه لا أحد أعلم من الله سبحانه بنفسه، قال تعالى: }قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ{(62).
وقال تعالى: }فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ{(63).
ولا أحد أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي قال الله تبارك وتعالى في حقه:
}وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى{(64).
وأهل السنة والجماعة:
يؤمنون أن الله - سبحانه وتعالى - هو الأول ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، كما قال سبحانه:
}هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{(65).
وكما أن ذاته - سبحانه وتعالى - لا تشبه الذوات، فكذلك صفاته لا تشبه الصفات؛ لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفء له ولا ند له، ولا يقاس بخلقه؛ فيثبتون لله ما أثبته لنفسه إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل؛ فحين يثبتون لله ما أثبته لنفسه لا يمثلون، وإذا نزهوه لا يعطلون الصفات التي وصف نفسه بها(66).(1/28)
وأنه تعالى محيط بكل شيء، وخالق كل شيء، ورازق كل حي، قال الله تعالى:
}أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{(67).
وقال: }إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ{(68).
ويؤمنون بأن الله تعالى استوى(69) على العرش فوق سبع سموات بائن من خلقه، أحاط بكل شيء علماً، كما أخبر عن نفسه في كتابه العزيز في سبع آيات كريمات بلا تكييف(70).
قال تعالى: }الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى{(71)(72).
وقال: }ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ{(73).
وقال: }أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ{(74).
وقال: }إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ{(75).
وقال: } يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ{(76).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(ألا تأمنوني وأنا أمين السماء؟)) (77).
وأهل السنة والجماعة: يؤمنون بأن الكرسي والعرش حق.
قال تعالى: ...}وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ{(78).
والعرش لا يقدر قدره إلا الله، والكرسي في العرش كحلقة ملقاة في فلاة وسع السماوات والأرض، والله مستغن عن العرش والكرسي، ولم يستو على العرش لاحتياجه إليه؛ بل لحكمة يعلمها، وهو منزه عن أن يحتاج إلى العرش أو ما دونه، فشأن الله تبارك وتعالى أعظم من ذلك؛ بل العرش والكرسي محمولان بقدرته وسلطانه.
وأن الله تعالى خلق آدم - عليه السلام - بيديه، وأن كلتا يديه يمين ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء كما وسف نفسه سبحانه.(1/29)
فقال: }وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ{(79).
وقال : }مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ{(80).
وأهل السنة والجماعة:
يثبتون لله سمعاً، وبصراً، وعلماً، وقدرة، وقوة، وعزاً، وكلاماً وحياة، وقدماً وساقاً، ويداً، ومعية .. وغيرها من صفاته - عز وجل - التي وصف بها نفسه في كتابه العزيز، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها؛ لأنه تعالى لم يخبرنا عن الكيفية، قال تعالى:
}إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى{ (81).
وقال: {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (82).
}وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً{(83).
}وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ{(84).
}رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ{(85).
}يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ{(86).
}فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ{(87).
}يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ{(88).
}اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{(89).
}غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ{(90).
وغيرها من آيات الصفات.
وأهل السنة والجماعة:
يؤمنون بأن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم، ويزورونه، ويكلمهم ويكلمونه، قال تعالى:
}وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{(91).
وسوف يرونه كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته ... )) (92).
وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل نزولاً حقيقياً يليق بجلاله وعظمته.
قال النبي صلى الله عليه وسلم :(1/30)
((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر؛ فيقول : من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له؟)) (93).
ويؤمنون بأنه تعالى يجيء يوم الميعاد للفصل بين العباد، مجيئاً حقيقياً يليق بجلاله، قال سبحانه وتعالى:
}كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً{(94).
وقوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ{(95).
فمنهج أهل السنة والجماعة في كل ذلك الإيمان الكامل بما أخبر به الله تعالى، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتسليم به؛ كما قال الإمام الزهري رحمه الله تعالى:
(من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم) (96).
وكما قال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى:
(كل ما وصف الله تعالى به نفسه في القرآن فقراءته؛ تفسيره لا كيف، ولا مثل) (97).
وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
(آمنت بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله) (98).
وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي، وسفيان بن عيينة، ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث في الصفات والرؤية، فقالوا: (أمروها كما جاءت بلا كيف) (99).
وقال الإمام مالك بن أنس - إمام دار الهجرة - رحمه الله:
(إياكم والبدع) قيل: وما البدع؟ قال:
(أهل البدع هم الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان)(100).
وسأله رجل عن قوله تعالى : }الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى{ كيف استوى؟ فقال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا ضالاً) وأمر به أن يخرج من المجلس(101).
وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى:(1/31)
(لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء؛ بل يصفه بما وصف به نفسه، ولا يقول فيه برأيه شيئاً؛ تبارك الله تعالى رب العالمين)(102).
ولما سئل - رحمه الله - عن صفة النزول، فقال:
(ينزل بلا كيف)(103).
وقال الحافظ الإمام نعيم بن حماد الخزاعي رحمه الله:
(من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف به نفسه ولا رسوله تشبيها) (104).
وقال بعض السلف:
(قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم) (105).
لذا فإنه من سلك مسلك السلف في الحديث عن ذات الله تعالى وصفاته، يكون ملتزماً بمنهج القرآن في أسماء الله وصفاته سواء كان السالك في عصر السلف، أو في العصور المتأخرة.
وكل من خالف السلف في منهجهم؛ فلا يكون ملتزماً بمنهج القرآن، وإن كان موجوداً في عصر السلف، وبين أظهر الصحابة والتابعين.
الركن الثاني
الإيمان بالملائكة
الإيمان بالملائكة: هو الإيمان بوجودهم إيماناً جازماً لا يتطرق إليه شك، ولا ريب، قال الله تعالى:
}آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ{(106).
فمن ينكر وجود الملائكة؛ فقد كفر، لقوله تعالى:
}وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً{(107).
فأهل السنة والجماعة:
يؤمنون بهم إجمالاً، وأما تفصيلاً فما صح به الدليل، ومن سماه الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منهم كجبريل الموكل بالوحي، وميكائيل الموكل بالمطر، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، وملك الموت الموكل بقبض الأرواح، ومالك خازن النار ورضوان خازن الجنة، وملكي القبر منكر ونكير.
وأهل السنة والجماعة: يؤمنون بوجودهم، وأنهم عباد مخلوقون خلقهم الله من نور، وهم ذوات محسوسة، وليسوا أموراً معنوية ولا قوى خفية، وأنهم خلق من خلق الله، ويسكنون السماء.(1/32)
والملائكة خلقتهم عظيمة، ولهم أجنحة؛ فمنهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة، أو أربعة أجنحة، ومنهم من له أكثر من ذلك.
وهم جند من جنود الله، قادرون على التمثل بأمثال الأشياء، والتشكل بأشكال جسمانية حسبما تقتضيها الحالات التي يأذن بها الله سبحانه وتعالى.
وهم مقربون من الله ومكرمون، لا يوصفون بالذكورة والأنوثة ولا يتناكحون ولا يتناسلون.
والملائكة لا يأكلون ولا يشربون، وإنما طعامهم التسبيح والتهليل ولا يملون، ولا يفترون، ولا يتعبون، ويتصفون بالحسن، والجمال، والحياء، والنظام.
والملائكة يختلفون عن البشر؛ بأنهم جبلوا على الطاعة وعدم العصيان، خلقهم الله لعبادته وتنفيذ أوامره، قال تعالى عنهم:
}وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ{(108).
والملائكة يسبحون الله ليلا ونهارا، ويطوفون بالبيت المعمور في السماء، وهم يخشون الله تعالى ويخافونه.
والملائكة أصناف كثيرة:
منهم الموكلون بحمل العرش، ومنهم الموكلون بالوحي، ومنهم الموكل بالجبال، ومنهم خزنة الجنة وخزنة النار.
ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد، ومنهم الموكلون بقبض أرواح المؤمنين، ومنهم الموكلون بقبض أرواح الكافرين، ومنهم الموكلون بسؤال العبد في القبر.
ومنهم من يستغفر للمؤمنين ويصلون عليهم ويحبونهم، ومنهم من يشهد مجال العلم وحلقات الذكر؛ فيحفونهم بأجنحتهم، ومنهم من هو قرين للإنسان لا يفارقه، ومنهم من يدعو العباد إلى فعل الخير، ومنه من يشهد جنائز الصالحين، ويقاتلون مع المؤمنين ويثبتونهم في جهادهم مع أعداء الله.
ومنهم الموكلون بحماية الصالحين وتفريج كربهم، ومنهم الموكلون بالعذاب.(1/33)
والملائكة لا يدخلون بيتاً فيه تمثال، ولا صورة، ولا كلب، ولا جرس، ويتأذون مما يتأذى منه بنو آدم، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(إن البيت الذي فيه صور لا تدخله الملائكة)(109).
وقال صلى الله عليه وسلم : (لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تصاوير)(110).
والملائكة كثيرون لا يعلم عددهم إلا الله عز وجل، قال تعالى:
}وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ{(111).
وقد حجبهم الله تعالى عنا؛ فلا نراهم في صورهم التي خلقوا عليها، ولكن كشفهم لبعض عباده، كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته التي خلقه الله عليها مرتين، قال الله تبارك وتعالى:
}وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى{(112).
وقال: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ{(113).
الركن الثالث
الإيمان بالكتب
أهل السنة والجماعة: يؤمنون ويعتقدون اعتقاداً جازماً؛ بأن الله - عز وجل - أنزل على رسله كتباً فيها: أمره، ونهيه، ووعده ووعيده، وما أراده الله من خلقه، وفيها هدى ونور، قال تعالى:
}آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ{(114).
وأن الله أنزل كتبه على رسله لهداية البشرية، قال تعالى:
}الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ{(115).
وهذه الكتب هي: القرآن، والتوارة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم وموسى، وأعظمها التوراة والإنجيل والقرآن، وأعظم الثلاثة وناسخها وأفضلها القرآن.
وعندما أنزل الله الكتب - عدا القرآن - لم يتكفل بحفظها؛ بل استحفظ عليها الأحبار والربانيون، لكنهم لم يحافظوا عليها، وما رعوها حق رعايتها؛ فحصل فيها تغيير وتبديل.(1/34)
والقرآن الكريم: هو كلام رب العالمين، وكتابه المبين، وحبله المتين؛ أنزله الله على رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليكون دستوراً للأمة، ومخرجاً للناس من الظلمات إلى النور، وهادياً لهم إلى الرشاد وإلى الصراط المستقيم.
وقد بين فيه أخبار الأولين والآخرين، وخلق السماوات والأرضين، وفصل فيه الحلال والحرام، وأصول الآداب والأخلاق وأحكام العبادات والمعاملات، وسيرة الأنبياء والصالحين، وجزاء المؤمنين والكافرين، ووصف الجنة دار المؤمنين، ووصف النار دار الكافرين، وجعله شفاء لما في الصدور، وتبياناً لكل شيء، وهدى ورحمة للمؤمنين، قال الله تعالى:
}وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{(116).
ويجب على جميع الأمة إتباعه وتحكيمه مع ما صح من السنة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن الله بعث رسوله إلى جميع الثقلين؛ ليبين لهم ما أنزله إليهم، قال تعالى:
}وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{(117).
وأهل السنة والجماعة:
يؤمنون بأن القرآن كلام الله - حروفه ومعانيه - منه بدأ وإليه يعود، منزل غير مخلوق، تكلم الله به حقاً، وأوحاه إلى جبريل؛ فنزل به جبريل - عليه السلام - على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
أنزله الحكيم الخبير بلسان عربي مبين، ونقل إلينا بالتواتر الذي لا يرقى إليه شك، ولا ريب، قال الله تعالى:
}وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ{(118).
والقرآن الكريم: مكتوب في اللوح المحفوظ، وتحفظه الصدور، وتتلوه الألسن، ومكتوب في الصحف، قال الله تعالى:
}بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ{(119).(1/35)
وقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ، تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ }(120).
والقرآن الكريم: المعجزة الكبرى الخالدة لنبي الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وهو آخر الكتب السماوية؛ لا ينسخ ولا يبدل، وقد تكفل الله بحفظه من أي تحريف، أو تبديل، أو زيادة، أو نقص إلى يوم يرفعه الله تعالى، وذلك قبل يوم القيامة.
قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{(121).
وأهل السنة والجماعة:
يكفرون من أنكر حرفاً منه أو زاد أو نقص، وعلى هذا فنحن نؤمن إيماناً جازماً بأن كل آية من آيات القرآن منزلة من عند الله، وقد نقلت إلينا بطريق التواتر القطعي.
والقرآن الكريم: لم ينزل جملة واحدة على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل نزل منجماً، أي مفرقاً حسب الوقائع، أو جواباً على أسئلة أو حسب مقتضيات الأحوال في ثلاث وعشرين سنة.
والقرآن الكريم:
يحتوي على: ((114)) سورة، ((86)) منها نزلت في مكة، و ((28)) منها نزلت في المدينة، وتسمى السور التي نزلت في مكة بالسور المكية، والسور التي نزلت في المدينة بالسور المدنية، وفيه تسع وعشرون سورة افتتحت بالحروف المقطعة.
وقد كتب القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبمرأى منه؛ حيث كان للوحي كتبة من خيرة الصحابة رضي الله عنهم يكتبون كل ما نزل من القرآن وبأمر من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم جمع في عهد أبي بكر بين دفتي المصحف، وفي عهد عثمان على حرف واحد؛ رضي الله عنهم أجمعين.
وأهل السنة والجماعة:
يهتمون بتعليم القرآن، وحفظه، وتلاوته وتفسيره، والعمل به.
قال تعالى: { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ }(122).(1/36)
ويتعبدون الله تعالى بقراءته؛ لأن في قراءة كل حرف منه حسنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال:
(من قرأ حرفا من كتاب الله؛ فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ولا أقول الم حرف؛ ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)(123).
وأهل السنة والجماعة: لا يجوزون تفسير القرآن بالرأي المجرد فإنه من القول على الله بغير علم ومن عمل الشيطان، قال تعالى:
}يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ{(124).
بل يفسر القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة، ثم بأقوال التابعين، ثم باللغة العربية التي نزل بها القرآن.
الركن الرابع
الإيمان بالرسل
أهل السنة والجماعة: يؤمنون ويعتقدون اعتقاداً جازماً بأن الله سبحانه أرسل إلى عباده رسلاً مبشرين ومنذرين، ودعاة إلى دين الحق، لهداية البشر، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
فكانت دعوتهم إنقاداً للأمم من الشرك والوثنية، وتطهيراً للمجتمعات من التحلل والفساد، وأنهم بلغوا الرسالة، وأدوا الأمانة، ونصحوا الأمة، وجاهدوا في الله حق جهاده، وقد جاؤوا بمعجزات باهرات(125) تدل على صدقهم، ومن كفر بواحد منهم؛ فقد كفر بالله تعالى وبجميع الرسل عليهم السلام، قال تعالى:(1/37)
}إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً، أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً، وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً{(126).
وقد بين الله الحكمة من بعثة الرسل الكرام، فقال تعالى:
}رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً{(127).
ولقد أرسل الله رسلاً وأنبياء كثيرين منهم من ذكره لنا في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ومنهم من لم يخبرنا عنهم، قال تعالى:
}وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ{(128).
وقال: }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ{(129).
والمذكور من أسمائهم في القرآن الكريم خمسة وعشرون رسولاً ونبياً، وهم:
أبو البشر آدم، إدريس، نوح، هود، صالح، إبراهيم، لوط، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، يوسف، شعيب، أيوب، ذو الكفل، موسى، هارون، داود، سليمان، إلياس، اليسع، يونس، زكريا، يحيى، عيسى، ومحمد خاتم الأنبياء والرسل؛ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وأفضل أولي العزم نبي الإسلام، وخاتم الأنبياء والمرسلين ورسول رب العالمين؛ محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال الله تبارك وتعالى:
}وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ{(130).
وأهل السنة والجماعة:(1/38)
يؤمنون بهم جميعاً من سمى الله منهم ومن لم يسم، من أولهم آدم عليه السلام ... إلى آخرهم وخاتمهم وأفضلهم نبينا محمد بن عبد الله؛ صلى الله عليهم أجمعين.
والإيمان بالرسل إيمان مجمل، والإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إيمان مفصل يقتضي ذلك منهم اتباعه فيما جاء به على وجه التفصيل.
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)
(( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ))
هو: أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وعدنان من ولد نبي الله إسماعيل بن إبراهيم الخليل على نبينا وعليهما السلام.
وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، ورسول الله إلى الناس أجمعين، وأنه عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب، وهو خير الخلائق، وأفضلهم وأكرمهم على الله تعالى، وأعلاهم درجة، وأقربهم إلى الله وسيلة.
وهو المبعوث إلى الثقلين؛ بالحق والهدى، بعثه الله رحمة للعالمين، قال تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ{(131).
أنزل عليه كتابه وائتمنه على دينه، وكلفه بتبليغ رسالته، وقد عصمه من الزلل في تبليغه لهذه الرسالة، قال تعالى:
}وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى{(132).
ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته، ومن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، قال تعالى:
}فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً{(133).
فقد كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، ومحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث إلى الناس كافة، قال تعالى:
}وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً{(134).(1/39)
وأهل السنة والجماعة: يؤمنون بأن الله تعالى أيد نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة:
ومن تلك المعجزات وأعظمها القرآن الذي تحدى الله به أفصح الأمم وأبلغها وأقدرها على المنطق.
ومن أكبر المعجزات - بعد القرآن - التي أيد الله نبيه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم بها؛ معجزة الإسراء والمعراج.
فأهل السنة: يؤمنون بأن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به في اليقظة بروحه وجسده إلى السماء، وذلك في ليلة الإسراء، وقد أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بنص القرآن.
قال تعالى:}سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{(135).
ثم عرج به صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى السماء، حيث صعد حتى السماء السابعة، ثم فوق ذلك حيث شاء الله من العلى، وكان ذلك عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى.
وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه وكلمه، وشرع له خمس صلوات في اليوم والليلة، ودخل الجنة فاطلع عليها، واطلع على النار، ورأى الملائكة، ورأى جبريل على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، وما كذب فؤاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما رأى، بل كان كل ما رآه بعيني رأسه حقاً، تعظيماً له وتشريفاً على سائر الأنبياء وإظهاراً لعلو مقامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوق الجميع، ثم نزل بيت المقدس وصلى إماماً بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ثم عاد إلى مكة قبل الفجر(136).
}أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى{(137).(1/40)
ومن معجزاته أيضاً؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
انشقاق القمر: آية عظيمة أعطاها الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم دليلاً على نبوته، وكان ذلك في مكة حينما طلب المشركون منه آية.
تكثير الطعام له، وقد وقع هذا منه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكثر من مرة.
تكثير الماء ونبعه من بين أصابعه الشريفة، وتسبيح الطعام له وهو يؤكل، وقد وقع هذا الشيء كثيراً من الرسول صلى الله عليه وسلم .
إبراء المرضى، وشفاء بعض أصحابه على يديه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدون دواء حسي.
أدب الحيوان معه، وإذعان الأشجار إليه، وتسليم الأحجار عليه؛ صلوات الله وسلامه عليه.
الانتقام العاجل من بعض من خانه وعانده صلى الله عليه وسلم .
إخباره ببعض الأمور الغيبية، وإخباره عن الأمور التي وقعت بعيداً عنه فور وقوعها، وإخباره عن أمور غيبية لم تكن حدثت؛ فحدثت بعد ذلك كما أخبر به صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
إجابة دعائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عامة.
وحفظ الله له صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكف الأعداء عنه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم! قال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب. قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فجأهم منه؛ إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولا وأجنحة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((لو دنا، لاختطفته الملائكة، عضواً عضواً)) (138).
الركن الخامس
الإيمان باليوم الآخر(1/41)
أهل السنة والجماعة: يعتقدون ويؤمنون باليوم الآخر، ومعناه الاعتقاد الجازم والتصديق الكامل؛ بيوم القيامة، والإيمان بكل ما أخبر به الله - عز وجل - في كتابه، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يكون بعد الموت، وحتى يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار.
لقد أكد الله تعالى ذكر اليوم الآخر في كتابه العزيز، وكرر بتقريره في كل موقع، ونبه إليه في كل مناسبة وأكد وقوعه، وأكثر من ذكره، وربط الإيمان باليوم الآخر بالإيمان بالله، فقال تعالى:
}وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{(139).
وأهل السنة والجماعة: يؤمنون بأن وقت قيام الساعة علمه عند الله تعالى، لا يعلمه أحد إلا الله، قال تعالى:
}إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ{(140).
إذا كان الله قد أخفى وقت وقوع الساعة عن عباده؛ فإنه قد جعل لها أمارات وعلامات وأشراطاً تدل على قرب وقوعها.
ويؤمنون بكل ما يقع من أشراط الساعة الصغرى والكبرى التي هي أمارات على قيام الساعة لأنها تدخل في الإيمان باليوم الآخر.
علامات الساعة الصغرى:
وهي التي تتقدم الساعة بأزمان متطاولة، وتكون من النوع المعتاد وقد يظهر بعضها مصاحباً للأشراط الكبرى، وعلامات أشراط الساعة الصغرى كثيرة جداً ونذكر الآن شيئاً مما صح منها:
فمن ذلك بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وختم النبوة والرسالة به، وموته صلى الله عليه وسلم ، وفتح بيت المقدس، وظهور الفتن، واتباع سنن الأمم الماضية من اليهود والنصارى، وخروج الدجالين، وأدعياء النبوة.(1/42)
ووضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفض سنته، وكثرة الكذب، وعدم التثبت في نقل الأخبار، ورفع العلم والتماس العلم عند الأصاغر، وظهور الجهل والفساد، وذهاب الصالحين، ونقض عرى الإسلام عروة عروة، وتداعي الأمم على أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم غربة الإسلام وأهله.
وكثرة القتل، وتمني الموت من شدة البلاء، وغبطة أهل القبور وتمني الرجل أن يكون مكان الميت من شدة البلاء، وكثرة موت الفجأة والموت في الزلازل والأمراض، وقلة عدد الرجال، وكثرة النساء، وظهورهن كاسيات عاريات، وتفشي الزنا في الطرقات، وظهور أعوان الظلمة من الشرطة الذين يجلدون الناس.
وظهور المعازف، والخمر، والزنا، والربا، والحرير، واستحلالها، وظهور الخسف والمسخ والقذف.
وتضييع الأمانة، وإسناد الأمر إلى غير أهله، وزعامة الأراذل من الناس، وارتفاع أسافلهم على خيارهم، وولادة الأمة ربتها، والتطاول في البنيان، وتباهي الناس في زخرفة المساجد، وتغير الزمان؛ حتى تعبد الأوثان، ويظهر الشرك في الأمة.
والسلام على المعارف فقط، وكثرة التجارة، وتقارب الأسواق ووجود المال الكثير في أيدي الناس مع عدم الشكر، وكثرة الشح، وكثرة شهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور الفحش، والتخاصم والتباغض والتشاحن، وقطيعة الرحم، وسوء الجوار.
وتقارب الزمان وقلة البركة في الأوقات، وانتفاخ الأهلة، وحدوث الفتن كقطع الليل المظلم، ووقوع التناكر بين الناس، والتهاون بالسنن التي رغب فيها الإسلام، وتشبه الشيوخ بالشباب.
وكلام السباع والجمادات للإنس، وحسر ماء الفرات عن جبل من ذهب، وصدق رؤيا المؤمن.
وما يقع من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تنفي الخبث، فلا يبقى فيها إلا الأتقياء الصالحون، وعودة جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً، وخروج رجل من قحطان يدين له الناس.(1/43)
وكثرة الروم وقتالهم للمسلمين، وقتال المسلمين لليهود حتى يقول الحجر والشجر: ((يا مسلم هذا يهودي؛ فتعال فاقتله))(141).
وفتح روما كما فتحت القسطنطينية .. إلى غير ذلك من علامة الساعة الصغرى الثابتة في الأحاديث الصحيحة.
علامات الساعة الكبرى:
وهذه هي التي تدل على قرب قيام الساعة؛ فإذا ظهرت كانت الساعة على إثرها، وأهل السنة يؤمنون بها كما جاءت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومنها:
ظهور المهدي: وهو محمد بن عبد الله من أهل بيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويخرج من قبل المشرق يملك سبع سنين، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، تنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قط، تخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويعطي المال بغير عدد.
وخروج المسيح الدجال(142) ونزول المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - عند المنارة البيضاء شرقي دمشق الشام، وينزل حاكماً بشريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم عاملاً بها، وأنه يقتل الدجال، ويحكم في الأرض بالإسلام، ويكون نزوله على الطائفة المنصورة التي تقاتل على الحق، وتكون مجتمعة لقتال الدجال؛ فينزل وقت إقامة الصلاة يصلي خلف أمير تلك الطائفة.
وخروج يأجوج ومأجوج، والخسوفات الثلاثة: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وخروج الدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض وتكليمها للناس، والنار التي تحشر الناس.
وأهل السنة والجماعة:
يؤمنون بكل ما يكون من أمور الغيب بعد الموت، مما أخبر به الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من سكرات الموت، وحضور ملائكة الموت، وفرح المؤمن بلقاء ربه، وحضور الشيطان عند الموت، وعدم قبول إيمان الكافر عند الموت، وعالم البرزخ، ونعيم القبر وعذابه وفتنته، وسؤال الملكين وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وأن أرواح أهل السعادة منعمة، وأرواح أهل الشقاوة معذبة.(1/44)
ويؤمنون بيوم القيامة الكبرى الذي يحيي الله فيه الموتى، ويبعث العباد من قبورهم، ثم يحاسبهم.
ويؤمنون بالنفخ في الصور، وهما ثلاث نفخات:
الأولى: نفخة الفزع.
الثانية: نفخة الصعق: التي يتغير بها العالم المشاهد ويختلف نظامه، وفيها الفناء والصعق، وفيها هلاك من قضى الله إهلاكه.
الثالثة: نفخة البعث والنشور والقيام لرب العالمين.
ويؤمنون بالبعث والنشور، وأن الله يبعث من في القبور؛ فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا، تدنو منهم الشمس، ومنهم من يلجمه العرق، وأول من يبعث وتنشق عنه الأرض هو نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وفي ذلك اليوم العظيم يخرج الناس من الأجداث كأنهم جراد منتشر، مسرعين مهطعين إلى الداعي، وقد خفتت كل حركة، وخيم الصمت الرهيب، حيث تنشر صحف الأعمال؛ فيكشف المخبوء، ويظهر المستور، ويفتضح المكنون في الصدور، ويكلم الله عباده يوم القيامة ليس بينه وبينهم ترجمان، ويدعى الناس بأسمائهم وأسماء آبائهم.
ويؤمنون بالميزان الذي له كفتان توزن به أعمال العباد.
ويؤمنون بما يكون من نشر الدواوين، وهي صحائف الأعمال، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله، أو من وراء ظهره.
والصراط منصوب على متن جهنم، يتجاوزه الأبرار، ويزل عنه الفجار(143).
والجنة والنار مخلوقتان وموجودتان الآن لا تفنيان أبدا، والجنة دار المؤمنين الموحدين والمتقين، والنار دار الكافرين؛ من المشركين واليهود والنصارى والمنافقين والملحدين والوثنيين والمذنبيين.
والجنة والنار لا تفنيان أبدا، وقد خلقهما الله قبل الخلق.
ويؤمنون بأن أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولى الأمم محاسبة يوم القيامة، وأولى الأمم في دخول الجنة, وهم نصف أهل الجنة، ويدخل الجنة منهم سبعون ألفاً بغير حساب.(1/45)
ويؤمنون بعدم خلود الموحدين في النار، وهم الذين دخلوا النار بمعاص ارتكبوها غير الإشراك بالله تعالى؛ لأن المشركين خالدون في النار لا يخرجون منها أبدا، والعياذ بالله.
ويؤمنون بأن حوض نبينا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في عرصات القيامة ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وريحه أطيب من المسك، وآنيته عدد نجوم السماء، وطوله شهر وعرضه شهر، من شرب منه لا يظمأ أبدا، ويحرم ذلك على من ابتدع في الدين، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه لا يظمأ أبدا) (144).
وقال: ((إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا. ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم). وفي رواية : ((فأقول : إنهم مني؛ فيقال : إنك: لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول : سحقا سحقا لمن غير بعدي))(145).
والشفاعة والمقام المحمود لنبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم القيامة، وشفاعته لأهل الموقف لفصل القضاء بينهم هي القضاء المحمود، وشفاعته لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة، ويكون الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول داخل فيها، وشفاعته لعمه أبي طالب أن يخفف عنه من العذاب.
وهذه الشفاعات الثلاث خاصة بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس لأحد غيره.
وشفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم لرفع درجات بعض أمته ممن يدخلون الجنة إلى درجات عليا، وشفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم لطائفة من أمته يدخلون الجنة بغير حساب.
وشفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم فيشفع فيهم ليدخلوا الجنة، وفي أقوام آخرين قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها.
والشفاعة في إخراج عصاة الموحدين من النار، فيشفع لهم فيدخلون الجنة.(1/46)
وهذه الشفاعة تشاركه فيها الملائكة، والنبيون، والشهداء، والصديقون، والصالحون، والمؤمنون، ثم يخرج الله - تبارك وتعالى - من النار أقواماً بغير شفاعة؛ بل بفضله ورحمته(146).
فأما الكفار فلا شفاعة لهم، لقوله تعالى:
}فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ{(147).
وعمل المؤمن يوم القيامة يشفع له أيضا، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال:
(الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة) (148).
والموت يؤتى به يوم القيامة؛ فيذبح كما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وصار أهل النار إلى النار، أتي بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار؛ ثم يذبح، ثم ينادي مناد : يا أهل الجنة! لا موت. ويا أهل النار! لا موت؛ فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم) (149).
الركن السادس
الإيمان بالقدر
أهل السنة والجماعة: يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن كل خير وشر يكون بقضاء الله وقدره، وأن الله فعال لما يريد؛ فكل شيء بإرادته ولا يخرج عن مشيئته وتدبيره، وعلم كل ما كان وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل، وقدر المقادير للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته، وعلم أحوال عباده، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم، وغير ذلك من شؤونهم؛ فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته. وملخصه: هو ما سبق به العلم وجرى به القلم، مما هو كائن إلى الأبد، قال تعالى:
}سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً{(150).
وقال: }إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ{(151).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(لا يؤمن عبد بالله حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه)(152).(1/47)
وأهل السنة يقولون: الإيمان بالقدر لا يتم إلا بأربعة أمور وتسمى: مراتب القدر، أو أركانه، وهذه الأمور هي المدخل لفهم مسألة القدر، ولا يتم الإيمان بالقدر إلا بتحقيق جميع أركانه؛ لأن بعضها مرتبط مع بعض فمن أقر بها جميعاً اكتمل إيمانه بالقدر، ومن انتقص واحداً منها، أو أكثر فقد اختل إيمانه بالقدر.
المرتبة الأولى: العلم:
الإيمان بأن الله تعالى عالم بكل ما كان، وما يكون، وما لم يكن، لو كان كيف يكون؛ جملة وتفصيلاً، وأنه علم ما الخلق عاملون قبل خلقهم، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم وحركاتهم وسكناتهم، وعلم منهم الشقي والسعيد، وذلك بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلاً، قال الله تعالى:
}إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{(153).
المرتبة الثانية: الكتابة:
وهي الإيمان بأن الله كتب ما سبق به علمه من مقادير المخلوقات في اللوح المحفوظ، وهو الكتاب الذي لم يفرط فيه من شيء؛ فكل ما جرى وما يجري وكل كائن إلى يوم القيامة؛ فهو مكتوب عند الله تعالى في أم الكتاب، ويسمى: الذكر، والإمام، والكتاب المبين، قال تعالى:
}وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ{(154).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(إن أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب ، قال : ما أكتب ؟ قال : اكتب القدر؛ ما كان، وما هو كائن إلى الأبد) (155).
المرتبة الثالثة: الإرادة والمشيئة:
أي: أن كل ما يجري في هذا الكون فهو بإرادة الله ومشيئته الدائرة بين الرحمة والحكمة، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وسلطانه، وهم يسألون، وما وقع من ذلك؛ فإنه مطابق لعلمه السابق المكتوب في اللوح المحفوظ، فمشيئة الله نافذة، وقدرته شاملة، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن؛ فلا يخرج عن إرادته شيء.
قال تعالى:}وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{(156).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :(1/48)
(إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد؛ يصرفه حيث يشاء) (157).
المرتبة الرابعة: الخلق:
وهي الإيمان بأن الله خالق كل شيء، لا خالق غيره ولا رب سواه، وأن كل ما سواه مخلوق؛ فهو خالق كل عامل وعمله، وكل متحرك وحركته، قال الله تعالى:
}وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً{(158).
وأن كل ما يجري من خير وشر، وكفر وإيمان، وطاعة ومعصية شاءه الله، وقدره، وخلقه، قال الله تعالى:
}وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ{(159).
وقال: }قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا{(160).
وأن الله تعالى الخالق المتفرد بالخلق والإيجاد؛ فهو خالق كل شيء بلا استثناء، لا خالق غيره ولا رب سواه، قال تعالى:
}اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ{(161).
وأن الله يحب الطاعة ويكره المعصية، ويهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله، قال الله تعالى:
}إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{(162).
ولا حجة لمن أضله ولا عذر له؛ لأن الله قد أرسل الرسل لقطع الحجة، وأضاف عمل العبد إليه وجعله كسبا له، ولم يكلفه إلا بما يستطيع، قال الله تبارك وتعالى:
}الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ{(163).
وقال: }إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً{(164).
وقال:}لئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ{(165).
وقال:}لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا{(166).
ولكن لا ينسب الشر إلى الله لكمال رحمته؛ لأنه أمر بالخير ونهى عن الشر، وإنما يكون الشر في مقتضياته وبحكمته.(1/49)
قال تعالى: }مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ{(167).
والله تعالى منزه عن الظلم، ومتصف بالعدل، فلا يظلم أحداً مثقال ذرة، وكل أفعاله عدل ورحمة، قال الله تعالى:
}وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ{(168).
وقال: }وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً{(169).
وقال:}إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ{(170).
والله تعالى لا يسأل عما يفعل وعما يشاء، لقوله تعالى:
}لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ{(171).
فالله تعالى خلق الإنسان وأفعاله، وجعل له إرادة، وقدرة، واختياراً، ومشيئة وهبها الله له لتكون أفعاله منه حقيقة لا مجازا، ثم جعل له عقلاً يميز به بين الخير والشر، ولم يحاسبه إلا على أعماله التي هي بإرادته واختياره؛ فالإنسان غير مجبر بل له مشيئة واختيار فهو يختار أفعاله وعقائده؛ إلا أنه تابع في مشيئته لمشيئة الله، وكل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فالله تعالى هو الخالق لأفعال العباد، وهم الفاعلون لها؛ فهي من الله خلقاً وإيجاداً وتقديراً، ومن العبد فعلاً وكسبا.
قال تعالى:}لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{(172).
ولقد رد الله تعالى على المشركين حين احتجوا بالقدر، وقالوا: }لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ{(173).
فرد الله عليهم كذبهم، بقوله:
}قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ{(174).
وأهل السنة والجماعة:
يعتقدون أن القدر سر الله في خلقه، لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ضلالة؛ لأن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، قال تعالى:(1/50)
}لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ{(175).
وأهل السنة والجماعة:
يخاطبون ويحاجون من خالفهم من الفرق الضالة؛ يقول الله تبارك وتعالى:
}قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً{(176).
وهذا هو الذي آمن به السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
الأصل الثاني
مسمى الإيمان
عند أهل السنة والجماعة
مسمى الإيمان
ومن أصول عقيدة السلف الصالح، أهل السنة والجماعة:
أن الإيمان عندهم: تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
والإيمان(177) : قول وعمل:
قول القلب واللسان. وعمل القلب واللسان والجوارح.
فقول القلب: اعتقاده، وتصديقه، وإقراره، وإيقانه.
وقول اللسان: إقراره العمل؛ أي النطق بالشهادتين والعمل بمقتضياتها.
وعمل القلب: نيته، وتسليمه، وإخلاصه، وإذعانه، وحبه وإرادته للأعمال الصالحة.
وعمل اللسان والجوارح: فعل المأمورات، وترك المنهيات.
(ولا إيمان إلا بالعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة) (178).
وقد أطلق الله تعالى صفة المؤمنين حقاً في القرآن للذين آمنوا، وعملوا بما آمنوا به من أصول الدين وفروعه، وظاهره وباطنه وظهرت آثار هذا الإيمان في عقائدهم، وأقوالهم، وأعمالهم الظاهرة والباطنة، قال الله تبارك وتعالى:
}إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{(179).(1/51)
وقد قرن الله - عز وجل - الإيمان مع العمل في كثير من الآيات في القرآن الكريم، فقال تعالى:
}إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً{(180).
وقال: }إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا{(181).
وقال: }وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{(182).
وقال: }وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{(183).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((قل آمنت بالله؛ ثم استقم))(184).
وقال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة؛ فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) (185).
فالعلم والعمل متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، والعمل صورة العلم وجوهره.
وقد وردت أدلت كثيرة من الآيات والأحاديث على أن الإيمان درجات وشعب، يزيد وينقص، وأن أهله يتفاضلون فيه.
قال الله تعالى:}وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً{(186).
وقال: }أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً{(187).
وقال: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{(188).
وقال: }هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ{(189).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((من أحب لله، وأبغض لله فقد استكمل الإيمان)) (190).
وقال: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) (191).(1/52)
وهكذا تعلم الصحابة وفهموا - رضوان الله تعالى عليهم - من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن الإيمان اعتقاد، وقول، وعمل؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
(الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، من لا صبر له لا إيمان له) (192).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
(اللهم زدنا إيمانا، ويقينا، وفقها) (193).
وكان عبد الله بن عباس، وأبو هريرة، وأبو الدرداء - رضي الله عنهم - يقولون: (الإيمان يزيد وينقص) (194).
وقال وكيع بن الجراح رحمه الله تعالى:
(أهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل) (195).
وقال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى:
(الإيمان يزيد وينقص؛ فزيادته بالعمل، ونقصانه بترك العمل)(196).
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى:
(ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال) (197).
وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
(الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ثم تلا: }وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً{(198).
وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر، في : ((التمهيد)):
(أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمان)(199).
وعلى هذا كان جميع الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان من المحدثين والفقهاء وأئمة الدين ومن تبعهم، ولم يخالفهم أحد من السلف والخلف؛ إلا الذين مالوا عن الحق في هذا الجانب.
وأهل السنة يقولون: من أخرج عن الإيمان فهو مرجئ مبتدع ضال.
ومن يقر بالشهادتين بلسانه ويعتقد وحدانية الله بقلبه، ولكن قصر في أداء بعض أركان الإسلام بجوارحه لم يكتمل إيمانه، ومن لم يقر بالشهادتين أصلاً لا يثبت له اسم الإيمان ولا الإسلام.
وأهل السنة والجماعة:(1/53)
يرون الاستثناء في الإيمان، أي القول ((أنا مؤمن إن شاء الله)) ولا يجزمون لأنفسهم بالإيمان، وذلك من شدة خوفهم من الله، وإثباتهم للقدر، ونفيهم لتزكية النفس؛ لأن الإيمان المطلق يشمل فعل جميع الطاعات، وترك جميع المنهيات، ويمنعون الاستثناء إذا كان على وجه الشك في الإيمان. والأدلة على ذلك كثيرة في الكتاب والسنة وآثار السلف، وأقوال العلماء، قال الله تعالى:
{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ}(200).
}فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى{(201).
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول حين يدخل المقبرة: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية)(202).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
(من شهد على نفسه أنه مؤمن؛ فليشهد أنه في الجنة)(203).
وقال جرير: سمعت منصور بن المعتمر، والمغيرة، والأعمش والليث، وعمارة بن القعقاع، وابن شبرمة، والعلاء بن المسيب ويزيد بن أبي زياد وسفيان الثوري، وابن المبارك، ومن أدركت:
(يستثنون في الإيمان، ويعيبون على من لا يستثني) (204).
وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن الإيمان؟ فقال: (قول وعمل ونية). قيل له: فإذا قال الرجل: مؤمن أنت؟ قال: (هذه بدعة). قيل له: فما يرد عليه؟ قال: يقول: (مؤمن إن شاء الله)(205).
والعبد - عند أهل السنة والجماعة - لا يسلب وصف الإيمان منه بفعل ما لا يكفر فاعله من المحذورات، أو ترك ما لا يكفر تاركه من الواجبات، والعبد لا يخرج من الإيمان إلا بفعل ناقض من نواقضه.
ومرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان؛ فهو في الدنيا مؤمن ناقص الإيمان؛ مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وفي الآخرة تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه.
والإيمان يقبل التبعيض والتجزئة، وبقليله يخرج الله من النار من دخلها، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :(1/54)
(( ... لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)) (206).
ولذلك فأهل السنة والجماعة لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بكل ذنب إلا بذنب يزول به أصل الإيمان، قال تعالى:
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}(207).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(أتاني جبريل - عليه السلام - فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت : وإن زنى وإن سرق؟ قال : وإن زنى وإن سرق) (208).
وقال أبو هريرة رضي الله عنه :
(الإيمان نزه؛ فمن زنا فارقه الإيمان، فمن لام نفسه وراجع؛ راجعه الإيمان) (209).
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه :
(ما الإيمان؛ إلا كقميص أحدكم يخلعه مرة ويلبسه أخرى، والله ما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه فوجد فقده) (210)(211).
الأصل الثالث
موقف أهل السنة من مسألة التكفير
ومن أصول عقيدة السلف الصالح؛ أهل السنة والجماعة:
أنهم لا يكفرون أحداً بعينه من المسلمين ارتكب مكفراً إلا بعد إقامة الحجة التي يكفر تاركها؛ فتتوفر الشروط، وتنتفي الموانع، وتزول الشبهة عن الجاهل والمتأول، ومعلوم أن ذلك يكون في الأمور الخفية التي تحتاج إلى كشف وبيان، بخلاف الأشياء الظاهرة؛ مثل جحد وجود الله، وتكذيب الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وجحد عموم رسالته، وختمه للنبوة.
وأهل السنة لا يكفرون المكره إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان.
ولا يكفرون أحداً من المسلمين بكل ذنب ولو كان من كبائر الذنوب التي هي دون الشرك؛ فإنهم لا يحكمون على مرتكبها بالكفر، وإنما يحكمون عليه بالفسق ونقص الإيمان ما لم يستحل ذنبه؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول:
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا{(212).(1/55)
ويقول: }قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{(213).
وأهل السنة والجماعة:
لا يكفرون أحداً بذنب لم يدل دليل من الكتاب والسنة على أنه كفر، وإذا مات العبد على هذا - أي من لم يدل دليل على أن ما ارتكبه كفر - فأمره إلى الله تعالى، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له؛ خلافاً للفرق الضالة التي تحكم على مرتكب الكبيرة بالكفر، أو بالمنزلة بين المنزلتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حذر من ذلك، وقال:
(أيما امرئ قال لأخيه : يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال؛ وإلا رجعت عليه)(214).
وقال (من دعا رجلا بالكفر، أو قال : عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه)(215).
وقال: (لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر؛ إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك)(216).
وقال: (من رمى مؤمناً بكفر؛ فهو كقتله)(217).
وقال: (إذا قال الرجل لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما)(218).
وأهل السنة والجماعة:
يفرقون بين الحكم المطلق على أصحاب البدع بالمعصية أو الكفر وبين الحكم على شخص معين - ممن ثبت إسلامه بيقين - صدرت عنه بدعة من البدع، بأنه عاص أو فاسق أو كافر؛ فلا يحكمون عليه بذلك حتى يبين له الحق، وذلك بإقامة الحجة وإزالة الشبهة، وهذا في الأشياء الخفية، لا في الأمور الظاهرة؛ ثم هم لا يكفرون المعين إلا إذا تحققت فيه الشروط وانتفت الموانع(219).
و (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول:(1/56)
(كان رجلان في بني إسرائيل متؤاخيين، فكان أحدهما يذنب، والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب، فيقول : أقصر. فوجده يوما على ذنب: فقال له : أقصر. فقال : خلني وربي أبعثت علي رقيبا؟ فقال : والله! لا يغفر الله لك - أو لا يدخلك الله الجنة! - فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد : كنت بي عالما، أو كنت على ما في يدي قادرا؟ وقال للمذنب : اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر : اذهبوا به إلى النار) قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده! لتكلم بكلمة؛ أوبقت دنياه وآخرته) (220).
والكفر ضد الإيمان إلا أن الكفر في لسان الشرع كفران: إذ يرد الكفر في النصوص مراداً به أحياناً الكفر المخرج عن الملة، وأحياناً يراد به الكفر غير المخرج من الملة، وذلك أن للكفر شعباً كما أن للإيمان شعباً، والكفر ذو أصول وشعب متفاوتة؛ منها ما يوجب الكفر، ومنها ما هي من خصال الكفار:
أولاً - كفر أكبر مخرج من الملة، ويسمى الكفر الاعتقادي:
هو ما يناقض الإيمان ويبطل الإسلام، ويوجب الخلود في النار، ويكون بالاعتقاد والقول والفعل، وينحصر في خمسة أنواع:
1- كفر التكذيب: هو اعتقاد كذب الرسول، أو ادعاء أن الرسول جاء بخلاف الحق، أو من ادعى أن الله حرم شيئاً أو أحله مع علمه أن ذلك خلاف أمر الله ونهيه.
2 - كفر الإباء والاستكبار مع التصديق:
وذلك بأن يقر أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق من ربه؛ لكنه يرفض اتباعه أشراً وبطرا واحتقاراً للحق وأهله؛ ككفر إبليس فإنه لم يجحد أمر الله ولم ينكره، ولكن قابله بالإباء والاستكبار.
3 - كفر الإعراض: بأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول لا يصدقه، ولا يكذبه، ولا يواليه، ولا يعاديه، ولا يصغي إليه البتة، ويترك الحق لا يتعلمه ولا يعمل به، ويهرب من الأماكن التي يذكر فيها الحق؛ فهو كافر كفر إعراض.(1/57)
4 - كفر النفاق: وهو إظهار متابعة ما جاء به الرسول مع رفضه وجحده بالقلب؛ فهو مظهر للإيمان به مبطن للكفر(221).
5 - كفر الشك: بأن لا يجزم بصدق النبي ولا كذبه؛ بل يشك في أمره، ويتردد في اتباعه، إذ المطلوب هو اليقين بأن ما جاء به الرسول من ربه حق لا مرية فيه، فمن تردد في اتباعه لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو جوز أن يكون الحق خلافه؛ فقد كفر كفر شك وظن.
وهذه الأنواع من الكفر؛ موجبة للخلود في النار، ومحبطة لجميع الأعمال، إذا مات صاحبها عليها، قال تعالى:
}إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ{(222).
وقال: }لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ{(223).
ثانياً - كفر أصغر غير مخرج من الملة:
أطلقه الشارع على بعض الذنوب على سبيل الزجر والتهديد؛ لأنها من خصال الكفر، وما كان من هذا النوع فمن كبائر الذنوب، وهو مقتض لاستحقاق الوعيد دون الخلود في النار، ومن الأمثلة على ذلك: قتال المسلم، والحلف بغير الله تعالى، والطعن في النسب، والنياحة على الميت، وقول المؤمن لأخيه المؤمن يا كافر .. إلى غير ذلك، قال الله تعالى:
}وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا{(224).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)) (225).
وقال: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) (226).
وقال: ((من حلف بغير الله فقد أشرك، أو كفر)) (227).
وقال: ((اثنتان في الناس هما بهم كفر؛ الطعن في النسب والنياحة على الميت))(228).
الأصل الرابع
الإيمان بنصوص الوعد والوعيد
ومن أصول عقيدة السلف الصالح، أهل السنة والجماعة:(1/58)
الإيمان بنصوص الوعد والوعيد، يؤمنون بها ويمرونها كما جاءت، ولا يتعرضون لها بالتأويل، ويحكمون نصوص الوعد والوعيد، لقوله تعالى:
}إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً{(229).
ويعتقدون بأن عواقب العباد مبهمة لا يدري أحد بما يختم له؛ لكن من أظهر الكفر الأكبر حكم عليه به، وعومل معاملة الكفار.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة؛ فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار؛ فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة) (230).
وقال: ((إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع؛ فيسبق عليه الكتاب؛ فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع؛ فيسبق عليه الكتاب؛ فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)) (231).
ولكن يشهدون لمن مات على الإسلام بظاهر إسلامه - من المؤمنين والمتقين - على العموم؛ بأنه من أهل الجنة، إن شاء الله.
قال تعالى: }وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ{.. (232).
وقال: }إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ{(233).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله؛ دخل الجنة) (234).
ويشهدون بأن الكفار، والمشركين، والمنافقين من أهل النار.
قال تعالى: }وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{(235).
وقال: }إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ{(236).(1/59)
وقال: }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ{(237).
وأهل السنة والجماعة:
يشهدون للعشرة المبشرين بالجنة، كما شهد لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكل من شهد له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجنة شهدوا له بها.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة) (238).
وقد ثبت لكثير من الصحابة الشهادة بالجنة؛ كعكاشة بن محصن، وعبد الله بن سلام، وآل ياسر، وبلال بن رباح، وجعفر بن أبي طالب، وعمرو بن ثابت، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، وفاطمة ابنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وخديجة بنت خويلد، وعائشة، وصفية، وحفصة، وجميع زوجاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وغيرهم، رضي الله عنهم أجمعين.
وأما من جاءت النصوص بأنهم من أهل النار، فنشهد لهم بذلك، منهم أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب، وامرأته أم جميل أروى بنت حرب وغيرهم ممن ثبت في حقهم ذلك.
وأهل السنة والجماعة:
لا يجزمون لأحد بعينه كائناً من كان؛ بجنة ولا نار إلا من جزم له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن يرجون للمحسن، ويخافون على المسيء(239).
ويعتقدون أن الجنة لا تجب لأحد، وإن كان عمله حسناً إلا أن يتغمده الله بفضله فيدخلها برحمته، قال الله تعالى:
}وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{(240).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((ما من أحد يدخله عمله الجنة)) فقيل: ولا أنت؟ يا رسول الله! قال: ((ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني ربي برحمة))(241).(1/60)
وأهل السنة والجماعة: لا يوجبون العذاب لكل من توجه إليه الوعيد - في غير ما تقتضي الكفر - فقد يغفر الله له بما فعله من طاعات، أو بتوبته، أو بمصائب وأمراض مكفرة، قال الله تعالى:
}قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{(242).
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(بينما رجل يمشي بطريق، وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له؛ فغفر له) (243).
وأهل السنة والجماعة: يعتقدون أن لكل مخلوق أجلا، وأنه لن تموت نفس إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وإن مات أو قتل؛ فإنما لانتهاء أجله المسمى له، قال الله تعالى:
}وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً{(244).
وأهل السنة والجماعة: يعتقدون أن وعد الله للمؤمنين بالجنة ووعيده بتعذيب العصاة الموحدين، وتعذيب الكفار والمنافقين في النار حق، قال الله تبارك وتعالى:
}وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً{(245).
ولكن الله سبحانه يعفو عن عصاة الموحدين بفضله وكرمه، وقد وعد الله تعالى بالعفو عن الموحدين، ونفاه عن غيرهم.
قال تعالى:
}إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ{(246).
الأصل الخامس
الموالاة والمعادة(247) في عقيدة أهل السنة
ومن أصول عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة:
الحب في الله والبغض في الله؛ أي الحب والولاء للمؤمنين، والبغض للمشركين والكفار والبراءة منهم، قال الله تعالى:(1/61)
}وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ{(248).
وقال: }لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ{(249).
وأهل السنة والجماعة:
يعتقدون أن الموالاة والمعاداة من الأصول المهمة، ولها مكانة عظيمة في الشرع تتضح من الوجوه الآتية:
أولاً: أنها جزء من شهادة : {لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ{ فإن معناها البراءة من كل ما يعبد من دون الله، كما قال الله تعالى:
}أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ{(250).
ثانياً: أنها أوثق عرى الإيمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله و المعاداة في الله، و الحب في الله، و البغض في الله) (251).
ثالثاً: أنها سبب لتذوق القلب حلاوة الإيمان ولذة اليقين.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر، بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النار) (252).
رابعاً: أنه بتحقيق هذه العقيدة يستكمل الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم :
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان) (253).
خامساً: لأن من أحب غير الله ودينه، وكره الله ودينه وأهله، كان كافراً بالله، قال الله تعالى:
}قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ{(254).
سادساً: أنها الصلة التي على أساسها يقوم المجتمع المسلم.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :(1/62)
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) (255).
وأهل السنة والجماعة: يعتقدون بأن الموالاة والمعاداة واجبة شرعاً؛ بل من لوازم الشهادة }لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ {وشرط من شروطها، وهي أصل عظيم من أصول العقيدة والإيمان يجب على المسلم مراعاته، وقد جاءت النصوص الكثيرة لتأكيد هذا الأصل، منها قول الله تعالى: }قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ{(256).
وقوله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ{(257).
وأهل السنة والجماعة:
يقسمون الناس في الموالاة والمعادة إلى ثلاثة أقسام:
أولاً: من يستحق الولاء المطلق: وهم المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، وقاموا بشعائر الدين مخلصين له، قال الله تعالى: }إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ{(258).
ثانياً: من يستحق الولاء من جهة والبراء من جهة أخرى:(1/63)
مثل المسلم العاصي الذي يهمل بعض الواجبات، ويفعل المحرمات التي لا تصل إلى الكفر؛ فيجب مناصحة هؤلاء، والإنكار عليهم، ولا يجوز السكوت على معاصيهم، بل ينكر عليهم ويؤمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وتقام عليهم الحدود والتعزيرات حتى يكفوا عن معاصيهم، ويتوبوا من سيئاتهم؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن حمار عندما أتي به وهو شارب للخمر، ولعنه بعض الصحابة؛ فقال صلى الله عليه وسلم : ((لا تلعنوه إنه؛ يحب الله ورسوله))(259). ومع هذا فقد أقام عليه الحد.
ثالثاً: من يستحق البراء المطلق:
وهو المشرك والكافر، سواءٌ كان يهودياً، أو نصرانياً، أو مجوسياً، أو ملحداً، أو وثنياً، وهذا الحكم ينطبق أيضاً على من فعل المكفرات من المسلمين؛ كدعاء غير الله، أو الاستغاثة بغيره، أو التوكل على غيره، أو سب الله ورسوله أو دينه، أو فصل الدين عن الحياة اعتقاداً بأن الدين لا يلائم هذا العصر، أو نحو ذلك - بعد إقامة الحجة عليهم - فعلى المسلمين أن يجاهدوهم ويضيقوا عليهم، ولا يتركوهم يعيثون في الأرض الفساد، قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{(260).
وقال: }لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ{(261).
وأهل السنة والجماعة:
يرون بأن الموالاة في الله لها حقوق يجب أن تتحقق، منها:
أولاً: الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد المسلمين، ويستثنى من ذلك المستضعف، ومن لا يستطيع الهجرة لأسباب شرعية.
ثانياً: نصرة المسلمين، ومعاونتهم بالنفس والمال واللسان، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم.(1/64)
ثالثاً: أن يحب للمسلمين ما يحبه لنفسه؛ من الخير ودفع الشر، وعدم السخرية منهم، والحرص على محبتهم ومجالستهم ومشاورتهم.
رابعاً: أداء حقوقهم من عيادة المريض، واتباع الجنائز، والرفق بهم، والدعاء والاستغفار لهم، والسلام عليهم، وعدم غشهم في المعاملة، ولا أكل أموالهم بالباطل.
خامساً: عدم التجسس عليهم، ونقل أخبارهم وأسرارهم إلى عدوهم، وكف الأذى عنهم، وإصلاح ذات بينهم.
سادساً: الانضمام إلى جماعة المسلمين، وعدم التفرق عنهم، والتعاون معهم على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأهل السنة والجماعة:
يرون بأن المعاداة في الله يقتضي أموراً، منها:
أولاً: بغض الشرك والكفر وأهله، وإضمار العداوة لهم.
ثانياً: عدم اتخاذ الكفار أولياء، وعدم مودتهم، ومفاصلتهم مفاصلة كاملة؛ حتى لو كانوا من ذوي القربى.
ثالثاً: هجر بلاد الكفر، وعدم السفر إليها إلا لضرورة مع القدرة على إظهار شعائر الدين.
رابعاً: عدم التشبه بهم فيما هو من خصائصهم، دينا ودنيا؛ فالدين كشعائر دينهم، والدنيا كطريقة الأكل والشرب واللباس، ونحوها من عادتهم، وما لم ينتشر في المسلمين؛ لأن ذلك يورث نوعاً من المودة والموالاة في الباطن، والمحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر.
خامساً: ألا يناصر الكفار، ولا يمدحهم، ولا يعنيهم على المسلمين، ولا يستعين بهم؛ إلا عند الضرورة وعلى كفار مثلهم، ولا يركن إليهم، وهجر صحبتهم ومجالسهم، ولا يتخذهم بطانة له يحفظون سره، ويقومون بأهم أعماله.
سادساً: ألا يشاركهم في أعيادهم وأفراحهم، ولا يهنئهم عليها، وكذلك لا يعظمهم ولا يخاطبهم؛ بالسيد والمولى، ونحوها.
سابعاً: ألا يستغفر لهم، ولا يترحم عليهم.
ثامناً: عدم المداهنة والمجاملة والمداراة لهم على حساب الدين.
تاسعاً: عدم التحاكم إليهم، أو الرضى بحكمهم، وترك اتباع أهوائهم ومتابعتهم في أي أمر من أمورهم؛ لأن متابعتهم يعني ترك حكم الله ورسوله.(1/65)
عاشراً: ألا يبدأهم بتحية الإسلام: ((السلام عليكم)).
الأصل السادس
التصديق بكرامات الأولياء
ومن أصول عقيدة السلف الصالح، أهل السنة والجماعة:
التصديق بكرامات الأولياء: وهي ما قد يجريه الله على أيدي بعض الصالحين من خوارق العادات إكراماً لهم؛ كما دل على ذلك الكتاب والسنة(262)، قال الله تبارك وتعالى:
}أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{(263).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((إن الله تبارك وتعالى يقول من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) (264).
ولكن لأهل السنة والجماعة ضوابط شرعية في تصديق الكرامات، وليس كل أمر خارق للعادة يكون كرامة؛ بل قد يكون استدراجاً أو يدخل فيها ما ليس منها من الشعوذة وأعمال السحرة والشياطين والدجالين، والفرق واضح بين الكرامة والشعوذة:
فالكرامة: من الله وسببها الطاعة، وهي مختصة بأهل الاستقامة: قال تعالى:
}وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ{(265).
والشعوذة: من الشيطان وسببها الأعمال الكفرية والمعاصي، وهي مختصة بأهل الضلال: قال الله تعالى:
}وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ{(266).
وأهل السنة والجماعة:
يصدقون بأن في الدنيا سحراً وسحرة(267)، قال الله تعالى:
}فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ{(268).
وقال: }وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ{(269).
وقال: }وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ{(270).
إلا أنهم لا يضرون أحداً إلا بإذن الله، قال تعالى:(1/66)
}وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ{(271).
ومن اعتقد بأن السحر يضر، أو ينفع بغير إذن الله؛ فقد كفر. ومن اعتقد إباحته وجب قتله؛ لأن المسلمين أجمعوا على تحريمه، والساحر يستتاب؛ فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
ومن أصول عقيدة أهل السنة والجماعة:
التصديق بالرؤيا الصالحة، وهي جزء من النبوة، والفراسة الصادقة الصالحة حق، قال الله تعالى:
}إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ{(272).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((لم يبق من النبوة إلا المبشرات)) قالوا: وما المبشرات؟ قال: ((الرؤيا الصالحة)) (273).
وأهل السنة والجماعة:
يؤمنون بأن الله تعالى خلق شياطين الجن توسوس لبني آدم وتتربص لهم، وتتخبط بهم، قال الله تعالى:
}وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ{(274).
وإن الله يسلطهم على من يشاء من عباده لحكمة، قال تعالى:
}وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً{(275).
ويحفظ الله من كيد الشياطين ومكرهم من يشاء من عباده.
قال تعالى: }إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ{(276).
الأصل السابع
منهج أهل السنة والجماعة في التلقي والاستدلال
ومن أصول عقيدة السلف الصالح؛ أهل السنة والجماعة:(1/67)
في منهج التلقي والاستدلال اتباع ما جاء في كتاب الله - عز وجل - وما صح من سنة نبيه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ظاهراً وباطناً، والتسليم لها، قال الله تعالى:
}وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً{(277).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله)(278).
وأهل السنة والجماعة:
لا يقولون كتاب الله ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل كتاب الله وسنة رسوله معاً لأن السنة مقرونة مع كتاب الله، ولأن الله فرض طاعة رسوله، وسنته صلى الله عليه وسلم مبينة للمعنى الذي أراده الله.
ثم - أهل السنة والجماعة - بعد ذلك يتبعون ما كان عليه الصحابة من المهاجرين والأنصار عموما، والخلفاء الراشدين خصوصاً، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم باتباع الخلفاء الراشدين خصوصا؛ ثم يتبعون الذين يلونهم من القرون المفضلة الأولى، فقال صلى الله عليه وسلم :
(عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين؛ تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)(279).
وعلى ذلك فإن مرجع أهل السنة عند التنازع؛ هو كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى:
}فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً{(280).
وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجع أهل السنة والجماعة في فهم الكتاب والسنة، ولا يعارض شيء عندهم من الكتاب أو السنة الصحيحة؛ بقياس، ولا ذوق، ولا كشف، ولا قول شيخ، ولا إمام؛ لأن الدين قد اكتمل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى:(1/68)
}الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً{(281).
وأهل السنة والجماعة:
لا يقدمون على كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كلام أحد من الناس، قال تعالى:
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{(282).
ويعلمون بأن التقدم بين يدي الله ورسوله من القول على الله بغير علم، وهو من تزيين الشيطان.
والعقل الصريح عندهم يوافق النقل الصحيح، وعند الإشكال يقدمون النقل ولا إشكال؛ لأن النقل لا يأتي بما يستحيل على العقل أن يتقبله، وإنما يأتي بما تحار فيه العقول، والعقل يصدق النقل في كل ما أخبر به ولا العكس.
ولا يقللون من شأن العقل؛ فهو مناط التكليف عندهم، ولكن يقولون: إن العقل لا يتقدم على الشرع - وإلا لاستغنى الخلق عن الرسل - ولكن يعمل داخل دائرته، ولهذا سموا أهل السنة لاستمساكهم واتباعهم وتسليمهم المطلق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الله تعالى: }فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{(283).
وأهل السنة والجماعة:
يأخذون بعد الكتاب والسنة بما أجمع عليه علماء الأمة، ويعتمدون عليه، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار) (284).
فهذه الأمة معصومة من الاجتماع على باطل، ولا يمكن أن تجمع على ترك الحق.(1/69)
ولا يعتقدون العصمة لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرون الاجتهاد فيما خفي من الأمر بقدر الضرورة، ومع هذا لا يتعصبون لرأي أحد حتى يكون كلامه موافقاً للكتاب والسنة، ويعتقدون أن المجتهد يخطئ ويصيب؛ فإن أصاب فله أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإن أخطأ فله أجر الاجتهاد فقط؛ فالاختلاف عندهم في المسائل الاجتهادية، لا يوجب العداوة ولا التهاجر بل يحب بعضهم بعضا، ويوالي بعضهم بعضا، ويصلي بعضهم خلف بعض، مع اختلافهم في بعض المسائل الفرعية.
ولا يلزمون أحداً من المسلمين التقيد بمذهب فقيه معين، ولكن لا يرون أيضاً البأس بذلك إذا كان اتباعا لا تقليدا(285)، وعلى المسلم أن ينتقل من مذهب إلى آخر لقوة الدليل، وطالب العلم إذا كانت عنده أهلية يستطيع أن يعرف بها أدلة الأئمة عليه أن يعمل بها، وينتقل من مذهب إمام في مسألة إلى مذهب إمام آخر، أقوى دليلاً وأرجح فقهاً في مسألة أخرى، ولا يجوز له الأخذ بقول أحد دون أن يعرف دليله؛ لأنه يصبح بذلك مقلدا، وعليه أن يبذل ما يستطيعه من النظر في الاختلاف حتى يترجح لديه شيء، فإن لم يمكنه الترجيح، يصبح حكمه حكم العامي فيسأل أهل العلم.
وأن العامي الذي لا يحسن النظر في الدليل فلا مذهب له بل مذهبه مذهب مفتيه؛ فالواجب عليه أن يسأل أهل العلم بالكتاب والسنة، قال الله تبارك وتعالى:
}فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ{(286).
وأهل السنة والجماعة: يقولون إن الفقه في الدين لا يتم ولا يستقيم إلا بالعلم والعمل معا؛ فمن حصل علماً كثيراً ولم يعمل به أو لم يهتد بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعمل بالسنة فليس بفقيه.
الأصل الثامن
وجوب طاعة ولاة أمر المسلمين بالمعروف
ومن أصول عقيدة السلف الصالح؛ أهل السنة والجماعة:(1/70)
أنهم يرون وجوب طاعة ولاة أمور المسلمين ما لم يأمروا بمعصية؛ فإذا أمروا بمعصية فلا تجوز طاعتهم فيها، وتبقى طاعتهم بالمعروف في غيرها، عملاً بقول الله تعالى:
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً{(287).
ولقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني))(288).
وقوله: ((اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة))(289).
وقوله: (تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك؛ فاسمع وأطع)(290).
وقوله: (من كره من أميره شيئا فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرا، فمات عليه؛ إلا مات ميتة جاهلية)(291).
فأهل السنة والجماعة:
يقولون أن طاعة أولي الأمر في المعروف أصل عظيم من أصول العقيدة، ومن هنا أدرجها أئمة السلف في جملة العقائد، وقل أن يخلو كتاب من كتب العقائد إلا تضمن تقريرها وشرحها وبيانها، وهي فريضة شرعية لكل مسلم؛ لأنها أمر أساسي لوجود الانضباط في دولة الإسلام.
وأهل السنة والجماعة:
يرون الصلاة والجمع والأعياد خلف الأمراء والولاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحج معهم أبراراً كانوا أو فجاراً، والدعاء(292) لهم بالصلاح والاستقامة، ومناصحتهم(293) إذا كان ظاهرهم صحيحا، ويحرمون الخروج عليهم بالسيف إذا ارتكبوا مخالفة دون الكفر، والصبر على ذلك لأمره صلى الله عليه وسلم بطاعتهم في غير معصية ما لم يحصل منهم كفر بواح، وأن لا يقاتلوا في الفتنة، وقتال من أراد تفريق أمر الأمة بعد الوحدة.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :(1/71)
((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم .. وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم)) قيل : يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولا تكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة)(294).
وقال: (إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون؛ فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. قالوا : يا رسول الله! ألا نقاتلهم؟ قال: (لا؛ ما صلوا))(295) (296).
أما طاعتهم في المعصية فلا يجوز، عملاً بما جاء في السنة من النهي عن ذلك، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(السمع والطاعة على المرء المسلم، فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية؛ فلا سمع ولا طاعة)(297).
وقال: ((لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف))(298).
وعلى الإمام أن يتقي الله في الرعية، ويعلم إنما هو أجير استأجره الله تعالى على الأمة لرعايتها، ولخدمة دين الله وشريعته، ولتنفيذ حدوده على العام والخاص، وعلى الإمام أن يكون قوياً لا تأخذه في الله لومة لائم، أميناً على الأمة، وعلى دينهم، ودمائهم وأموالهم، وأعراضهم ومصالحهم، وأمتهم، وشأنهم، وسلوكهم، وأن لا ينتقم لنفسه، ويكون غضبه لله تعالى.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة)(299).
الأصل التاسع
عقيدة أهل السنة في الصحابة وآل البيت والخلافة
ومن أصول عقيدة السلف الصالح؛ أهل السنة والجماعة:(1/72)
حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسلامة قلوبهم وألسنتهم تجاههم؛ لأنهم كانوا أكمل الناس إيمانا، وإحسانا، وأعظمهم طاعة وجهادا، وقد اختارهم الله واصطفاهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد امتازوا بشيء لم يستطع أن يدركه أحد ممن بعدهم مهما بلغ من الرفعة؛ ألا وهو التشرف برؤية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعاشرته.
والصحابة الكرام كلهم عدول بتعديل الله ورسوله لهم، وهم أولياء الله وأصفياؤه، وخيرته من خلقه، وهم أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال الله تعالى:
}وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{(300).
والشهادة لهم بالإيمان والفضل أصل قطعي معلوم من الدين بالضرورة، ومحبتهم دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق، وأهل السنة والجماعة لا يذكرونهم إلا بخير؛ لأن رسول الله أحبهم وأوصى بحبهم، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي؛ فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه)(301)(302).
وكل من رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وآمن به ومات على ذلك؛ فهو من الصحابة، وإن كانت صحبته سنة، أو شهراً، أو يوماً، أو ساعة.
ولا يدخل النار أحد من الصحابة بايع تحت الشجرة؛ بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة)(303).
وأهل السنة والجماعة:(1/73)
يكفون عما شجر بينهم من نزاع(304)، ويوكلون أمرهم إلى الله؛ فمن كان منهم مصيباً كان له أجران، ومن كان منهم مخطئاً فله أجر واحد، وخطؤه مغفور له إن شاء الله.
ولا يسبون أحداً منهم؛ بل يذكرونهم بما يستحقون من الثناء الجميل، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه)(305)(306).
وأهل السنة والجماعة: يعتقدون بأن الصحابة معصومون في جماعتهم من الخطأ، وأما أفرادهم فغير معصوم، والعصمة عند أهل السنة من الله تعالى لمن يصطفي من رسله في التبليغ، وأن الله تعالى حفظ مجموع الأمة عن الخطأ؛ لا الأفراد.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة ويد الله على الجماعة)(307).
وأهل السنة والجماعة:
يعتقدون بأن الصحابة الأربعة: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً - رضي الله عنهم - هم خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم الخلفاء الراشدون المهديون على الترتيب، وهم مبشرون بالجنة، وفيهم كانت خلافة النبوة ثلاثين عاماً مع خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(الخلافة في أمتي ثلاثون سنة؛ ثم ملك بعد ذلك)(308).
ويفضلون بقية العشرة المبشرين بالجنة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم: طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة رضي الله عنهم أجمعين، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم ؛ فمن أحبهم ودعا لهم ورعى حقهم وعرف فضلهم كان من الفائزين، ومن أبغضهم وسبهم فهو من الهالكين.
وأهل السنة والجماعة:
يحبون أهل بيت النبي؛ عملاً بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :(1/74)
(أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي )(309).
وقوله: (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى من كنانة قريشا،. واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم)(310)(311).
ومن أهل بيته أزواجه - رضي الله عنهن - وهن أمهات المؤمنين بنص القرآن، كما قال الله تبارك وتعالى:
}يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً{(312).
فمنهن: خديجة بنت خويلد، وعائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة، وسودة بنت زمعة بن قيس، وزينب بنت جحش، وميمونة بنت الحارث، وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، وصفية بنت حيي بن أخطب.
ويعتقدون أنهن مطهرات مبرآت من كل سوء، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة؛ رضي الله عنهن أجمعين.
ويرون أن أفضلهن خديجة بنت خويلد، وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه العزيز؛ فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)(313).
الأصل العاشر
موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع
ومن أصول عقيدة السلف الصالح؛ أهل السنة والجماعة:(1/75)
أنهم يبغضون أهل الأهواء والبدع؛ الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم، وبيان حالهم وشرهم، وتحذير الأمة منهم، وتنفير الناس عنهم.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره؛ ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون؛ فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)(314).
وقال: (سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم؛ فإياكم وإياهم)(315).
وأهل السنة والجماعة: يعرفون البدعة
بأنها ما استحدث بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الأهواء، وما ابتدع من الدين بعد الكمال، وهي كل أمر لم يأت على فعله دليل شرعي من الكتاب والسنة، وهي أيضاً ما أحدث في الدين من طريقة تضاهي الشريعة بقصد التعبد والتقرب إلى الله ولذا فالبدعة تقابل السنة، غير أن السنة هدى والبدعة ضلال.
والبدعة: عندهم نوعان؛ نوع شرك وكفر، ونوع معصية منافية لكمال التوحيد، والبدعة وسيلة من وسائل الشرك، وهي قصد عبادة الله تعالى بغير ما شرع به، والوسائل لها حكم المقاصد، وكل ذريعة إلى الشرك في عبادة الله أو الابتداع في الدين يجب سدها؛ لأن الدين قد اكتمل، قال تعالى: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا{ (316).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)(317).
وقال : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)(318).(1/76)
وقال: (فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)(319)(320).
وأهل السنة والجماعة:
لا يرون أن البدعة على مرتبة واحدة؛ بل هي متفاوتة بعضها يخرج من الدين، وبعضها بمثابة كبائر الذنوب، وبعضها يعد من الصغائر، ولكنها كلها تشترك في وصف الضلالة؛ فالبدعة الكلية عندهم ليست كالبدعة الجزئية، والمركبة ليست كالبسيطة، والحقيقية ليست كالإضافية، لا في ذاتها، ولا في حكمها؛ كما أن البدع مختلفة في حكمها فبعضها كفر، وبعضها فسق؛ فهي متفاوتة في أحكامها، وكذلك يتفاوت حكم فاعلها، ومن هذا فإن أهل السنة لا يطلقون حكماً واحداً على أهل البدع، بل يتفاوت الحكم من شخص إلى آخر بحسب بدعته؛ فالجاهل والمتأول ليسا كالعالم بما يدعو، والعالم المجتهد ليسا كالعالم الداعي لبدعته والمتبع للهوى، ولذا فأهل السنة لا يعاملون المستتر ببدعته كما يعاملون المظهر لها، أو الداعي إليها لأن الداعي إليها يتعدى ضرره إلى غيره فيجب كفه، والإنكار عليه علانية، ولا تبقى له غيبة، ومعاقبته بما يردعه عن ذلك؛ فهذه عقوبة له حتى ينتهي من بدعته؛ لأنه أظهر المنكرات فاستحق العقوبة.
ولذا فأهل السنة يقفون مع كل موقفاً يختلف عن الآخر، ويرحمون عامة أهل البدع ومقلديهم، ويدعون لهم بالهداية، ويرجون لهم اتباع السنة والهدى، ويبينون لهم ذلك حتى يتوبوا، ويحكمون عليهم بالظاهر، ويكلون سرائرهم إلى الله تعالى، إذا كانت بدعتهم غير مكفرة.
علامات أهل الأهواء والبدع:
ولأهل الأهواء والبدع علامات، تظهر عليهم ويعرفون بها، وقد أخبر الله عنهم في كتابه، وكما أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سنته، وذلك تحذيراً للأمة منهم، ونهياً عن سلوك مسلكهم، ومن علامتهم:(1/77)
الجهل بمقاصد الشريعة، والفرقة والتفرق ومفارقة الجماعة، والجدل والخصومة، واتباع الهوى، وتقديم العقل على النقل، والجهل بالسنة، والخوض في المتشابه، ومعارضة السنة بالقرآن، والغلو في تعظيم الأشخاص، والغلو في العبادة، والتشبه بالكفار، وإطلاق الألقاب على أهل السنة، وبغض أهل الأثر، ومعاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم والاستخفاف بهم، وتكفير مخالفيهم بغير دليل، واستعانتهم على أهل الحق بالولاء والسلاطين.
وأهل السنة والجماعة: يرون أصول البدع أربعة:
الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة؛ ثم تشعب من كل فرقة فرق كثيرة؛ حتى استكملوا ثنتين وسبعين فرقة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ولأهل السنة والجماعة: جهود محمودة في الرد على أهل الأهواء والبدع، وحيث كانوا دائماً لهم بالمرصاد، وأقوالهم في أهل البدع كثيرة جدا، نذكر منها ما تيسر:
قال الإمام أحمد بن سنان القطان رحمه الله تعالى:
(ليس في الدنيا مبتدع؛ إلا وهو يبغض أهل الحديث، فإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحديث من قلبه) (321).
وقال الإمام أبو حاتم الحنظلي الرازي رحمه الله تعالى:
(علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة؛ تسميتهم أهل الأثر حشوية، يريدون إبطال الآثار، وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة، وعلامة القدرية تسميتهم أهل السنة مجبرة، وعلامة المرجئة تسميتهم أهل السنة مخالفة ونقصانية، وعلامة الرافضة؛ تسميتهم أهل السنة ناصبة، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد، ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء) (322).
وقيل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ذكروا لابن قتيلة بمكة أصحاب الحديث، فقال: أصحاب الحديث قوم سوء!
فقام أحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه ويقول:
(زنديق، زنديق، زنديق؛ حتى دخل البيت)(323).(1/78)
والله تعالى حفظ أهل الحديث وأهل السنة من كل هذه المعايب التي نسبت إليهم، وهم ليسوا إلا أهل السنة السنية، والسيرة المرضية، والسبيل السوية، والحجة البالغة القوية، وقد وفقهم الله لاتباع كتابه، والاقتداء بسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرح صدورهم لمحبته، ومحبة أئمة الدين، وعلماء الأمة العاملين ومن أحب قوماً فهو منهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ((المرء مع من أحب))(324).
فمن أحب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه - رضي الله عنهم - والتابعين لهم، وأتباع التابعين من أئمة الهدى، وعلماء الشريعة، وأهل الحديث والأثر من القرون الثلاثة الأولى المفضلة، ومن تبعهم إلى يومنا هذا؛ فاعلم أنه صاحب سنة(325).
من وصايا أئمة السلف في التحذير من أهل البدع
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
(يأتي أناس يجادلونكم بشبهات القرآن؛ خذوهم بالسنن؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله) (326).
وعن عبد الله بن عمر؛ أنه قال لمن سأله عن المنكرين للقدر:
(إذا لقيت أولئك؛ فأخبرهم أن ابن عمر منهم بريء، وهم منه برآء؛ ثلاث مرات) (327).
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :
(لا تجالس أهل الأهواء؛ فإن مجالستهم ممرضة للقلب) (328).
وقال العالم الزاهد الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى:
(صاحب بدعة لا تأمنه على دينك، ولا تشاوره في أمرك، ولا تجلس إليه، ومن جلس إلى صاحب بدعة أورثه الله العمى) يعني في قلبه(329).
وقال الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى:
(أبى الله تبارك وتعالى أن يأذن لصاحب هوى بتوبة)(330).
وقال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى:
(اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً؛ فيحبه قلبي)(331).
وقال أمير المؤمنين في الحديث سفيان الثوري رحمه الله:
(من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم أنه صاحب بدعة؛ نزعت منه العصمة، ووكل إلى نفسه)(332).(1/79)
وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى:
(لا تمكنوا صاحب بدعة من جدل؛ فيورث قلوبكم من فتنته ارتيابا)(333).
وقال محمد بن سيرين - رحمه الله - محذراً من البدع:
(ما أحدث رجل بدعة؛ فراجع سنة)(334).
وقال الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى:
(لا ينكح أهل البدع ولا ينكح إليهم ولا يسلم عليهم) (335).
وعن الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - : أنه رأى قوماً يتكلمون في شيء من الكلام؛ فصاح، وقال:
(إما أن تجاورونا بخير، وإما أن تقوموا عنا)(336).
وقال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى:
(إن أهل البدع والأهواء؛ لا ينبغي أن يستعان بهم في شيء من أمور المسلمين؛ فإن في ذلك أعظم الضرر على الدين)(337).
وقال: (احذر البدع كلها، ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك)(338).
وقال الإمام عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى:
(إنه ليس في أصحاب الأهواء شر من أصحاب جهم؛ يريدون أن يقولوا: ليس في السماء شيء: أرى والله ألا يناكحوا، ولا يوارثوا)(339).
وقال أبو قلابة البصري رحمه الله تعالى:
(لا تجالسوا أهل الأهواء؛ فإنكم إن لم تدخلوا فيما دخلوا فيه لبسوا عليكم ما تعرفون(340).
وقال أيوب السختياني رحمه الله تعالى:
(إن أهل الأهواء أهل ضلالة ولا أرى مصيرهم إلا النار)(341).
وقال أبو يوسف القاضي رحمه الله تعالى:
(لا أصلي؛ خلف جهمي، ولا رافضي، ولا قدري)(342).
وقال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل الصابوني رحمه الله:
(وعلامات أهل البدع على أهلها بادية ظاهرة، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واحتقارهم لهم، وتسميتهم حشوية، وجهلة، وظاهرية، ومشبهة؛ اعتقاداً منهم في أخبار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها بمعزل عن العلم، وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة)(343).(1/80)
وقد بين الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - حكم أهل البدع والأهواء، في قوله:
(حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل؛ ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأخذ في الكلام)(344).
وقال أبو محمد الحسين بن مسعود ابن الفراء البغوي:
(قد مضى الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم)(345).
وقد نقل الإمام إسماعيل الصابوني في كتابه القيم: ((عقيدة السلف أصحاب الحديث)) إجماع أهل السنة على وجوب قهر أهل البدع وإذلالهم؛ فقال - رحمه الله - بعد أن سرد أقوالهم:
(وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء؛ كانت معتقد جميعهم لم يخالف فيها بعضهم بعضا؛ بل أجمعوا عليها كلها، واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد عنهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم, والتقرب إلى الله - عز وجل - بمجانبتهم، ومهاجرتهم).
الأصل الحادي عشر
منهج أهل السنة في السلوك والأخلاق
من أصول عقيدة السلف الصالح؛ أهل السنة والجماعة:
أنهم: يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر(346) ، ويؤمنون بأن خيرية هذه الأمة باقية بهذه الشعيرة، وأنها من أعظم شعائر الإسلام، وسبب حفظ جماعته، وأن الأمر بالمعروف واجب بحسب الطاقة، والمصلحة معتبرة في ذلك، قال الله تعالى:
}كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ{(347).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)(348).
وأهل السنة والجماعة:
يرون تقديم الرفق في الأمر والنهي، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، قال الله تبارك وتعالى:(1/81)
}ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ{(349).
ويرون وجوب الصبر على أذى الخلق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عملاً بقوله تعالى:
}وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ{(350).
وأهل السنة: حين يقومون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلتزمون في الوقت نفسه، أصلاً آخر هو الحفاظ على الجماعة، وتأليف القلوب، واجتماع الكلمة، ونبذ الفرقة والاختلاف.
وأهل السنة والجماعة:
يرون النصيحة لكل مسلم، والتعاون على البر والتقوى.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((الدين النصيحة)) قلنا: لمن؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم))(351).
وأهل السنة والجماعة:
يحافظون على إقامة شعائر الإسلام؛ كإقامة صلاة الجمعة والجماعة، والحج، والجهاد، والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا، أو فجاراً؛ خلافاً للمبتدعة.
ويسارعون إلى أداء الصلوات المكتوبة، وإقامتها في أول وقتها مع الجماعة، وأوله أفضل من آخره إلا صلاة العشاء، ويأمرون بالخشوع والطمأنينة فيها، عملاً بقول الله تعالى:
}قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ{(352).
وأهل السنة والجماعة:
يتواصون بقيام الليل؛ لأنه من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولأن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقيام الليل، والاجتهاد في طاعته تعالى.
وعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقوم من الليل؛ حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله؛ وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك؛ وما تأخر؟ قال: ((أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً))(353).
وأهل السنة والجماعة:(1/82)
يثبتون في مواقف الامتحان، وذلك بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، قال الله تعالى:
}إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ{(354).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، و إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضى، و من سخط فله السخط)(355).
وأهل السنة: لا يتمنون ولا يسألون الله البلاء؛ لأنهم لا يدرون هل يثبتون فيه؛ أم لا؟ ولكن إذا ابتلوا صبروا.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية؛ فإذا لقيتموهم فاصبروا)(356).
وأهل السنة والجماعة:
لا يقنطون ولا ييأسون من رحمة الله عند المحن؛ لأن الله تعالى قد حرم ذلك، ولكن يعيشون أيام البلاء على أمل الفرج القريب والنصر المؤكد لأنهم يثقون بوعد الله، ويعلمون أن مع العسر يسرا، ويبحثون عن أسباب المحن في أنفسهم، ويرون أن المحن والمصائب لا تصيبهم إلا بما كسبت أيديهم، ويعلمون أن النصر قد يتأخر بسبب الوقوع في المعاصي أو التقصير في الاتباع، لقوله تعالى: }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ{(357).
ولا يعتمدون في المحن ونصرة الدين على الأسباب الأرضية والإغراءات الدنيوية، والسنن الكونية، كما أنهم لا يغفلون عنها، ويرون قبل ذلك أن تقوى الله تعالى والاستغفار من الذنوب، والاعتماد على الله، والشكر في الرخاء؛ من الأسباب المهمة في تعجيل الفرج بعد الشدة.
وأهل السنة والجماعة: يخافون من عقوبة كفر النعمة وجحدها، ولذا تراهم أحرص الناس شكراً وحمداً لله، وأدومهم عليها في كل نعمة صغيرة كانت أو كبيرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)(358).
وأهل السنة: يتحلون بمكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال.(1/83)
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(أكمل المؤمنين إيماناً؛ أحسنهم خلقا)(359).
وقال: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؛ أحسنكم أخلاقا)(360).
وقال: (ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به؛ درجة صاحب الصوم والصلاة)(361).
ومن أخلاق : السلف الصالح؛ أهل السنة والجماعة:
إخلاصهم في العلم والعمل، والخوف من الرياء.
قال الله تعالى:
{ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ }(362).
تعظيمهم لحرمات الله تعالى، وغيرتهم إذا انتهكت حرماته تعالى، ونصرة دين الله وشرعه، وكثرة تعظيمهم لحرمات المسلمين ومحبة الخير لهم، قال الله تعالى:
{ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }(363).
السعي على ترك النفاق بحيث تتساوى سريرتهم وعلانيتهم في الخير، وتقليل أعمالهم في عيونهم من حيث كسبهم لها، وتقديم أعمال الآخرة دائماً على أعمال الدنيا.
رقة قلوبهم، وكثرة بكائهم على تفريطهم في حق الله تعالى لعل الله أن يرحمهم، وكثرة الاعتبار والبكاء والاهتمام بأمر الموت إذا رأوا جنازة، أو تذكروا الموت وسكراته وسوء الخاتمة؛ حتى تزلزل قلوبهم.
زيادة في التواضع كلما ترقى أحدهم في درجات القرب من الله تعالى.
كثرة التوبة، والاستغفار ليلاً ونهاراً لشهودهم أنهم لا يسلمون من الذنب حتى في طاعتهم؛ فيستغفرون من نقصهم فيها، ومراقبة الله تعالى فيها، وعدم العجب بشيء من أعمالهم، وكراهيتهم للشهرة؛ بل يرون النقص والقصور في طاعتهم فضلاً عن سيئاتهم.
شدة تدقيقهم في التقوى، وعدم دعوى أحد منهم أنه متق، وكثرة خوفهم من الله عز وجل.
شدة خوفهم من الخاتمة السيئة، وعدم غفلتهم عن ذكر الله، وهوان الدنيا عندهم، وشدة رفضهم لها، وعدم الاعتناء ببناء الدور إلا ما اقتصر منها على ما يدفع الحاجة ومن غير زخرفة.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :(1/84)
(والله! ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم؛ فلينظر بم يرجع؟)(364).
لا يرضون الخطأ الذي يمس الدين أو أهله بل يردونه ويلتمسون العذر لمن قال به، إن كان ممن يعتذر له، وكثرة سترهم لإخوانهم المسلمين، وشدة مناقشتهم لنفوسهم في مقام التورع، ولا يحبون أن تظهر لأحد عورة، ويشتغلون بعيوبهم عن عيوب الناس، ويجتهدون في ستر عيوب الآخرين، ويكتمون الأسرار، ولا يبلغون أحداً ما يسمعونه في حقه، ويتركون معاداة الناس ويكثرون من مداراتهم، وعدم مقابلة أحد بسوء؛ فهم لا يعادون أحدا.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(لا يدخل الجنة قتات)(365). وفي رواية مسلم : ((نمام)).
سد باب الغيبة في مجالسهم، ويحفظون ألسنتهم منها؛ لئلا يصبح مجلسهم مجلس إثم.
قال تعالى: }وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ{(366).
كثرة الحياء، والأدب، والتودد، والسكينة، والوقار، وقلة الكلام، وقلة الضحك، وكثرة الصمت، والنطق بالحكمة تسهيلاً على الطالب، وعدم الفرح بشيء من الدنيا، وذلك لكمال عقولهم.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا، أو ليصمت)(367). وقال: ((من صمت نجا))(368).
كثرة العفو والصفح عن كل من آذاهم بضرب، أو أخذ مال أو وقوع في عرض، أو نحو ذلك.
قال تعالى: }وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{(369).
عدم الغفلة عن محاربة إبليس، والاجتهاد لمعرفة مكايده ومصايده، وعدم وسوستهم في الوضوء والصلاة وغير ذلك من العبادات؛ لأن كل ذلك من الشيطان.
كثرة الصدقة بكل ما فضل عن حاجتهم ليلاً ونهارا، وسراً وجهاراً، وكثرة سؤالهم عن أحوال أصحابهم، وذلك لأجل أن يواسوهم بما يحتاجون إليه من الطعام، والثياب والمال، وعدم إسرافهم في الحلال إذا وجدوه.(1/85)
ذم البخل، وكثرة السخاء، والجود، وبذل المال، ومواساة الإخوان في حال سفرهم، وفي حال إقامتهم؛ فإنه بذلك يقع التعاضد في نصرة الدين الذي هو مقصودهم، وشدة محبتهم لاصطناع المعروف إلى الإخوان، وإدخال بعضهم السرور على بعض، وتقديم إخوانهم في ذلك على أنفسهم.
إكرام الضيف وخدمته بأنفسهم إلا بعذر شرعي، ثم لا يرون أنهم كافؤوه بإطعامه وخدمته بالإقامة عندهم وإحسانهم الظن به، وإجابتهم لدعوة إخوانهم إلا من كان طعامه حراماً، أو إذا خص الأغنياء بالدعوة دون الفقراء، أو كان في مكان الوليمة شيء من المعاصي.
حسن أدبهم مع الصغير فضلاً عن الكبير، ومع البعيد فضلاً عن القريب، ومع الجاهل فضلاً عن العالم.
إصلاح ذات البين؛ لأنه من أجود أبواب الخير، وقمة المعروف، ولأن إصلاح ذات البين يفسد خطط الشيطان وغاياته من إيقاع العداوة، والبغضاء بين المسلمين، وإفساد ذات بينهم.
النهي عن الحسد؛ لأن الحسد يورث العداوة والبغضاء، وضعف الإيمان، وحب الدنيا وما فيها على غير قصد شرعي.
الأمر ببر الوالدين، والإحسان إليهما.
قال الله تعالى: }وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً{(370).
الأمر بحسن الجوار، والرفق مع العباد، وصلة الرحم، وإفشاء السلام، ورحمة الفقراء والمساكين والأيتام وأبناء السبيل.
النهي عن الفخر، والخيلاء، والعجب، والبغي، والاستطالة على الخلق بغير حق، ويأمرون بلزوم العدل في كل شيء.
عدم التهاون بشيء من الفضائل التي رغبنا الشرع في فعلها.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)(371).
النهي عن سوء الظن، والتجسس، واتباع عورات المسلمين؛ لأن ذلك يفسد العلاقات الاجتماعية، ويفرق بين الإخوان، ويزرع الفساد، ولا يغضبون لأنفسهم؛ لأنهم يفقهون فقه الغضب.
قال الله تعالى: }وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{(372).(1/86)
... إلى غير ذلك من أخلاق النبوة(373).
فصل
وصايا وأقوال أئمة أهل السنة في الاتباع
والنهي عن الابتداع
1- قال معاذ بن جبل رضي الله عنه :
(أيها الناس عليكم بالعلم قبل أن يرفع، ألا وإن رفعه ذهاب أهله، وإياكم والبدع والتبدع والتنطع، وعليكم بأمركم العتيق)(374).
2- قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه :
(كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا تتعبدوا بها؛ فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً؛ فاتقوا الله يا معشر القراء، خذوا طريق من كان قبلكم)(375).
3 - قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
(من كان مستناً فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمة، وأبرها قلوباً، وأعمقها علما، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم؛ فهم كانوا على الهدي المستقيم)(376).
وقال رضي الله عنه :
(اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم؛ عليكم بالأمر العتيق)(377).
4- قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :
(لا يزال الناس على الطريق؛ ما اتبعوا الأثر)(378).
وقال: (كل بدعة ضلالة؛ وإن رآها الناس حسنة)(379).
5- قال الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه :
(لن تضل؛ ما أخذت بالأثر(380).
6 - قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
(لو كان الدين بالرأي؛ لكان باطن الخفين أحق بالمسح من ظاهرهما ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما)(381).
7 - قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما :
(ما ابتدعت بدعة؛ إلا ازدادت مضيا، ولا نزعت سنة؛ إلا ازدادت هربا)(382).
8 - وعن عابس بن ربيعة، قال: رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقبل الحجر - يعني الأسود - ويقول:
(إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)(383).(1/87)
9 - قال الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه :
(قف حيث وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، وهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، فلئن قلتم: حدث بعدهم؛ فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه ما يشفي، وتكلموا منه بما يكفي، فما فوقهم محسر وما دونهم مقصر، لقد قصر عنهم قوم فجفوا وتجاوزهم آخرون فغلوا، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم)(384).
10 - قال الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى:
(عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوها لك بالقول؛ فإن الأمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم)(385).
11- قال أيوب السختياني رحمه الله تعالى:
(ما ازداد صاحب دعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعدا)(386).
12 - قال حسان بن عطية رحمه الله تعالى:
(ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع من سنتهم مثلها)(387).
13 - قال محمد بن سيرين رحمه الله تعالى:
(كانوا يقولون: مادام على الأثر؛ فهو على الطريق)(388).
14 - قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى:
(البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها)(389).
15 - قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى:
(ليكن الذي تعتمد عليه الأثر، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث)(390).
16- قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
(كل مسألة تكلمت فيها بخلاف السنة؛ فأنا راجع عنها؛ في حياتي وبعد مماتي)(391).
وعن الربيع بن سليمان، قال: روى الشافعي يوماً حديثاً، فقال له رجل: أتأخذ بهذا يا عبد الله؟ فقال: (متى ما رويت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديثاً صحيحا؛ فلم آخذ به؛ فأشهدكم أن عقلي قد ذهب)(392).
17 - عن نوح الجامع، قال: قلت لأبي حنيفة رحمه الله: ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام؟ فقال: (مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة؛ فإنها بدعة)(393).(1/88)
18 - قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى:
(السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق)(394).
وقال: (لو كان الكلام علماً لتكلم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام؛ ولكنه باطل يدل على باطل)(395).
وعن ابن الماجشون، قال: سمعت مالكاً يقول:
(من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة؛ فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ{ فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً)(396).
19- قال الإمام أحمد بن حنبل؛ إمام أهل السنة رحمه الله:
(أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة)(397).
20 - وعن الحسن البصري رحمه الله تعالى:
(لو أن رجلاً أدرك السلف الأول ثم بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئاً - قال: ووضع يده على خده ثم قال: - إلا هذه الصلاة - ثم قال : - أما والله ما ذلك لمن عاش في هذه النكراء ولم يدرك هذا السلف الصالح؛ فرأى مبتدعاً يدعو إلى بدعته، ورأى صاحب دنيا يدعو إلى دنياه؛ فعصمه الله من ذلك، وجعل قلبه يحن إلى ذلك السلف الصالح يسأل عن سبيلهم، ويقتص آثارهم، ويتبع سبيلهم ليعوض أجراً عظيماً؛ فكذلك فكونوا إن شاء الله)(398).
21 - وما أجمل قول العالم العامل الفضيل بن عياض - رحمه الله تعالى - حيث قال:
(اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين)(399).
22- قال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - لمن سأله عن مسألة، وقال له: إن أباك نهى عنها:
(أأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحق أن يتبع، أو أمر أبي؟!)(400).
فكان - رضي الله عنه - من أشد الصحابة؛ إنكاراً للبدع، واتباعاً للسنة؛ فقد سمع رجلاً عطس، فقال: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، فقال له ابن عمر:(1/89)
(ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل قال: ((إذا عطس أحدكم؛ فليحمد الله)) ولم يقل: وليصل على رسول الله)(401).
23 - وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - لمن عارض السنة؛ بقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما :
(يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر)(402).
وصدق ابن عباس - رضي الله عنهما - في وصفه لأهل السنة، حيث قال:
(النظر إلى الرجل من أهل السنة؛ يدعو إلى السنة، وينهى عن البدعة)(403).
24 - قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى:
(إذا بلغك عن رجل بالمشرق؛ أنه صاحب سنة فابعث إليه بالسلام؛ فقد قل أهل السنة)(404).
25- قال أيوب السختياني رحمه الله تعالى:
(إني لأخبر بموت الرجل من أهل السنة؛ فكأني أفقد بعض أعضائي)(405).
26 - قال جعفر بن محمد، سمعت قتيبة - رحمه الله - يقول: (إذا رأيت الرجل يحب أهل الحديث؛ مثل يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه .. وذكر قوما آخرين؛ فإنه على السنة، ومن خالف هؤلاء فاعلم أنه مبتدع)(406).
27 - قال إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى:
(لو أن أصحاب محمد مسحوا على ظفر لما غسلته؛ التماس الفضل في اتباعهم)(407).
28 - عن عبد الله بن المبارك - رحمه الله - قال:
(اعلم - أي أخي - أن الموت اليوم كرامة لكل مسلم لقي الله على السنة؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون؛ فإلى الله نشكو وحشتنا، وذهاب الإخوان، وقلة الأعوان، وظهور البدع، وإلى الله نشكو عظيم ما حل بهذه الأمة من ذهاب العلماء، وأهل السنة، وظهور البدع)(408).
29 - قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى:
(إن لله عباداً يحيي بهم البلاد؛ وهم أصحاب السنة)(409).
30 - وما أصدق قول الإمام الشافعي ووصفه - رحمه الله تعالى - لأهل السنة، وهو يقول:(1/90)
(إذا رأيت رجلاً من أصحاب الحديث فكأني رأيت رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم )(410).
31- وقد وضع الإمام مالك قاعدة عظيمة تلخص جميع ما ذكرناه من أقوال الأئمة بقوله رحمه الله تعالى:
(لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها؛ فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً)(411).
هذه هي أقوال بعض أئمة السلف الصالح من أهل السنة والجماعة، وهم أنصح الخلق، وأبرهم بأمتهم، وأعلمهم بما فيه صلاحهم وهدايتهم، يوصون بالاعتصام بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويحذرون من محدثات الأمور والبدع، ويخبرون - كما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن طريق الخلاص وسبيل النجاة؛ هو التمسك بسنة النبي وهديه صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
شروط وضوابط الدعوة إلى عقيدة
أهل السنة والجماعة
اعلم أخي المسلم: أن الدعوة إلى عقيدة السلف الصالح لا تكون إلا بثلاثة شروط:
أولاً: سلامة المعتقد:
أن نعتقد ما اعتقد السلف في توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وفي سائر مسائل الاعتقاد، وأبواب الإيمان.
ثانياً: سلامة المنهج:
أي: فهم الكتاب والسنة على ضوء ما أصلوه من أصول، وما قعدوه من قواعد.
ثالثاً: سلامة العمل:
أي: لا نبتدع فيه، بل يكون خالصاً لوجه الله، موافقاً لشرعه سواءٌ أكان العمل اعتقادياً، أم فعلياً، أم قولياً.
وبما أن الدعوة إلى الله تعالى من أشرف الأعمال، وأرفع العبادات، وهي أخص خصائص الرسل - عليهم السلام - وأبرز مهام الأولياء والأصفياء من عباده الصالحين، قال تعالى عنهم:
}وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ{(412).
وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نحمل الدعوة إلى الناس، وكيف نبلغها، وفي سيرته دروس كثيرة لمن أراد ذلك.(1/91)
فيجب على الدعاة إلى عقيدة السلف أن يتبعوا منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة، ولا شك أن في منهجه صلى الله عليه وسلم بياناً صحيحاً لأسلوب الدعوة إلى الله؛ يغنيهم عما أحدثه الناس من مناهج مبتدعة، مخالفة لمنهجه وسيرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ومن هنا يجب على الدعاة أن يدعو إلى الله تعالى كما كان يدعو سلفنا الصالح مع مراعاة فارق الزمان والمكان.
وانطلاقاً من هذا الفهم الصحيح اجتهدت بذكر بعض ضوابط أو منطلقات للدعاة؛ لعلها تكون نافعة في الإصلاح الذي ننشده:
ضوابط ومنطلقات الدعاة
1 - اعلم أن الدعوة إلى الله تعالى سبيل من سبل النجاة في الدنيا والآخرة، ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم، والأجر يقع بمجرد الدعوة ولا يتوقف على الاستجابة، والداعية ليس مطالباً بتحقيق نصر للإسلام فهذا أمر الله وبيده سبحانه؛ لكن الداعية مطالب ببذل جهده في هذا السبيل.
والإعداد للداعية شرط، والنصر من الله وعد، والدعوة صورة من صور الجهاد، تشترك مع القتال في المقصد والنتيجة.
2- تأكيد وتعميق منهج سلف هذه الأمة المتمثل بمنهج أهل السنة والجماعة، والمعروف في وسطيته، وشموليته، واعتداله وبعده عن الإفراط والتفريط.
والانطلاق من منطلق العلم الشرعي الملتزم بالكتاب والسنة الصحيحة، هو الحافظ بفضل الله من السقوط، والنور لمن عزم على المسير في طريق الأنبياء.
3 - الحرص على إيجاد جماعة المسلمين، ووحدة كلمتهم على الحق أخذاً بالمنهج القائل: كلمة التوحيد أساس توحيد الكلمة، مع الابتعاد عما يمزق الجماعات الإسلامية اليوم من التحزب المذموم الذي فرق المسلمين، وباعد بين قلوبهم.
والفهم الصحيح لكل تجمع في الدعوة إلى الله: جماعة من المسلمين؛ لا جماعة المسلمين.
4- يجب أن يكون الولاء للدين؛ لا للأشخاص؛ فالحق باق والأشخاص زائلون، واعرف الحق تعرف أهله.(1/92)
5 - الدعوة إلى التعاون وإلى كل ما يوصل إليه، والبعد عن مواطن الخلاف وكل ما يؤدي إليه، وأن يعين بعضنا بعضاً، وينصح بعضنا بعض؛ فيما نختلف فيه مما يسع فيه الخلاف، مع عدم التباغض.
والأصل بين الجماعات الإسلامية: التعامل والوحدة؛ فإن تعذر ذلك؛ فالتعاون، فإن تعذر ذلك فالتعايش، وإلا فالرابعة الهلاك.
6- عدم التعصب للجماعة التي ينتسب إليها الفرد، والترحيب بأي جهد محمود يقدمه الآخرون، ما دام موافقاً للشرع وبعيداً عن الإفراط والتفريط.
7- الاختلاف في فروع الشريعة يوجب النصح والحوار، لا التخاصم والقتال.
8- النقد الذاتي، والمراجعة الدائمة، والتقويم المستمر.
9 - تعلم أدب الخلاف، وتعميق أصول الحوار، والإقرار بأهميتها، وضرورة امتلاك أدواته.
10 - البعد عن التعميم في الحكم، والحذر من آفاته، وعدم العدل في الحكم على الأشخاص، ومن الإنصاف الحكم على المعاني دون المباني.
11- التمييز بين الغاية والوسيلة، فمثلاً: الدعوة مقصد؛ لكن الحركة والجماعة والمركز ... وغيرها هي من الوسائل.
12 - الثبات في المقاصد، والمرونة في الوسائل بحسب ما يسمح به الشرع.
13 - مراعاة قضية الأولويات، وترتيب الأمور حسب أهميتها وإذا كان لابد من قضية فرعية أو جزئية؛ فينبغي أن تأتي في مكانها وزمانها وظرفها المناسب.
14 - تبادل الخبرات بين الدعاة أمر مهم، والبناء على تجارب من سبق، والداعية لا يبدأ من فراغ، وليس هو أول من تصدى لخدمة هذا الدين ولن يكون آخر المتصدين، ولأنه لم يوجد ولن يوجد من هو فوق النصح والإرشاد، أو من يحتكر الصواب كله وبالعكس.
15 - احترام علماء الأمة المعروفين بتمسكهم بالسنة وحسن المعتقد، وأخذ العلم عنهم، وتوقيرهم وعدم التطاول عليهم، والكف عن أعراضهم، وعدم التشكيك في نياتهم، وإلصاق التهم بهم، دون التعصب لهم أيضاً؛ إذ كل عالم يخطئ ويصيب، والخطأ مردود على صاحبه، مع بقاء فضله وقدره ما دام مجتهدا.(1/93)
16 - إحسان الظن بالمسلمين، وحمل كلامهم على أحسن محامله وستر عيوبهم، مع عدم الغفلة عن بيانها لصاحبها.
17 - إذا غلبت محاسن الرجل لم تذكر مساوئه إلا لمصلحة وإذا غلبت مساوئ الرجل لم تذكر محاسنه، خشية أن يلتبس الأمر على العوام.
18 - استعمال الألفاظ الشرعية لدقتها وانضباطها، وتجنب الألفاظ الدخيلة والملتوية، مثلاً: الشورى، لا الديمقراطية.
19 - الموقف الصحيح من المذاهب الفقهية: هي ثروة فقهية عظيمة علينا أن ندرسها، ونستفيد منها ولا نتعصب لها، ولا نردها على وجه الإجمال ونتجنب ضعيفها، ونأخذ منها الحق والصواب على ضوء الكتاب والسنة وبفهم سلف الأمة.
20 - تحديد الموقف الصحيح من الغرب وحضارته؛ بحيث نستفيد من علومهم التجريبية بضوابط ديننا العظيم وقواعده.
21 - الإقرار بأهمية الشورى في الدعوة، وضرورة تعلم الداعية فقه الاستشارة.
22 - القدوة الحسنة؛ فالداعية مرآة دعوته والنموذج المعبر عنها.
23 - اتباع سبيل الحكمة والموعظة الحسنة، وجعل قول الله تعالى: }ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ{ميزاناً للدعوة وحكمة للسير عليها.
24 - التحلي بالصبر؛ لأنه من صفات الأنبياء والمرسلين، ومدار نجاح دعوتهم.
25 - البعد عن التشدد، والحذر من آفاته ونتائجه السلبية، والعمل بالتيسير والرفق؛ بحدود ما يسمح به الشرع.
26 - المسلم طالب حق، والشجاعة في الحق مطلب ضروري في الدعوة، وإن كنت عاجزاً عن قول الحق فلا تقل الباطل.
27 - الحذر من الفتور، ونتائجه السلبية، وعدم الغفلة عن دراسة أسبابه وطرق علاجه.
28 - الحذر من الإشاعة وترويجها، وما يترتب عليها من آثار سيئة في المجتمع الإسلامي.
29 - مقياس التفاضل هو التقوى والعمل الصالح، وتحاشي كل العصبيات الجاهلية من التعصب للإقليم، أو العشيرة، أو الطائفة، أو الجماعة.(1/94)
30 - المنهج الأفضل في الدعوة هو تقديم حقائق الإسلام ومناهجه ابتداء، وليس إيراد الشبهات والرد عليها، ثم إعطاء الناس ميزان الحق، ودعوتهم إلى أصول الدين، ومخاطبتهم على قدر عقولهم، والتعرف على مداخل نفوسهم وسيلة في هدايتهم.
31 - تمسك الدعاة والحركات الإسلامية بدوام الاعتصام بالله تعالى، وتقديم الجهد البشري وطلب العون من الله تعالى، واليقين بأن الله هو الذي يقود ويوجه مسيرة الدعوة، ويسدد الدعاة، وأن الدين والأمر كله لله سبحانه وتعالى.
هذه الضوابط والفوائد هي ثمرة تجارب كثير من العلماء والدعاة إلى الله تعالى، ولنعلم يقيناً أن الدعاة إلى الله لو فقهوا هذه الضوابط وعملوا بها لكان في ذلك خير كثير لمسيرة الدعوة.
وليعلم جميع الدعاة؛ أنه لا صلاح لهم، ولا نجاح لدعوتهم إلا بالاعتصام بالله، والتوكل عليه في كل أمر، وسؤاله التوفيق، وإخلاص النية، والتجرد من الهوى، وجعل الأمر كله لله تعالى.
مؤلفات في اعتقاد السلف الصالح
قد دون أفذاذ العلماء من أهل السنة والجماعة مؤلفات كثيرة في اعتقاد السلف، وعنوا بتقعيد أصولها، واستدلوا عليها من الكتاب والسنة، وردوا على أهل البدع وكشفوا عوارهم، وواجهوا الباطل بالحق، والجهل بالعلم، والبدعة بالسنة، وجردوا أهل البدع من سلاحهم، وأظهروا الحق وأبطلوا الباطل، وما ذاك إلا صيانة للدين.
ومن المفيد أن أذكر هنا بعض هذه المؤلفات التي كانت مرجعي في إعداد أصل هذا ((الوجيز)) حتى تكون - أخي المسلم - على بصيرة وعلم من عقيدتك، وتعلم أن هذه العقيدة - عقيدة السلف الصالح - هي الأصل، وما طرأ عليها من التحريفات في القرون المتأخرة فهو دخيل على العقيدة التي تلقاها سلفنا الصالح - الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان - من صاحب الشريعة، ورسول هذا الدين العظيم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(1/95)
وقد قرر عقيدة السلف الصالح جمع كبير من علماء الأمة في مؤلفاتهم، منها على سبيل المثال لا بسط القول فيها:
((كتاب السنة)): الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله - 241هـ.
((كتاب السنة)): عبد الله ابن الإمام أحمد - 290هـ.
((كتاب السنة)): أبو بكر بن يزيد الخلال - 211هـ.
((كتاب السنة)): الحافظ أبو بكر بن أبي عاصم - 287هـ.
((كتاب السنة)): محمد بن نصر المروزي - 294هـ.
((شرح السنة)): الإمام حسن بن علي البربهاري - 329هـ.
((شرح السنة)): الإمام الحسين بن مسعود البغوي - 436هـ.
((كتاب أصل السنة واعتقاد الدين)): الإمام حسن بن علي البربهاري - 329هـ.
((صريح السنة)): الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري - 310هـ.
((شرح مذاهب أهل السنة ومعرفة شرائع الدين والتمسك بالسنن)): أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين - 279هـ.
((أصول السنة)): الإمام ابن أبي زمنين الأندلسي - 399هـ.
((كتاب النزول)).
((كتاب الصفات)).
((كتاب الرؤية)) الإمام الحافظ علي بن عمر الدارقطني - 385هـ.
((كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل)): الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة - 311هـ.
((مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة)): عبد الله بن أبي زيد القيرواني - 386هـ.
((الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة)): أبو عبد الله بن بطة العكبري الحنبلي - 387هـ.
((اعتقاد أئمة الحديث)): الإمام أبو بكر الإسماعيلي - 371هـ.
((الإبانة عن أصول الديانة)).
((رسالة إلى أهل الثغر)).
((مقالات الإسلاميين)): جميعها للإمام أبي الحسن الأشعري - 320هـ.
((عقيدة السلف أصحاب الحديث)): الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني - 449هـ.
((المختار في أصول السنة)): الإمام أبو علي الحسن بن أحمد ابن البنا الحنبلي البغدادي - 471هـ.
((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) : الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي - 418هـ.(1/96)
((كتاب الأربعين في دلائل التوحيد)) : أبو إسماعيل الهروي - 481هـ.
((كتاب العظمة)) : أبو الشيخ الأصفهاني - 369هـ.
((الاعتقاد والهداية)) : أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي - 458هـ.
((الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة)) : أبو القاسم إسماعيل بن محمد التميمي الأصفهاني - 535هـ.
((العقيدة الطحاوية)) : الإمام أحمد بن محمد بن سلامة أبو جعفر الطحاوي الأزدي الحنفي - 321هـ.
((لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد)) : الإمام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي - 620هـ.
((النصيحة في صفات الرب جل وعلا)) : الإمام أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني - 438هـ.
((كتاب التوحيد)) : الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري - 256هـ.
((كتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله وصفاته)): الإمام محمد بن إسحاق بن منده- 395هـ.
((كتاب الإيمان)) : الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام - 224هـ.
((كتاب الإيمان)) : الحافظ محمد بن يحيى بن عمر العدني - 243هـ.
((كتاب الإيمان)) : الحافظ أبو بكر بن محمد بن أبي شيبة - 235هـ.
((كتاب الإيمان)) : الحافظ محمد بن إسحاق بن منده- 395هـ.
((شعب الإيمان)) : الحافظ أبو عبد الله الحليمي البخاري- 403هـ.
((مسائل الإيمان)) : القاضي أبو يعلى - 458هـ.
((الرد على الجهمية)) : الإمام الحافظ ابن منده - 359هـ.
((الرد على الجهمية)) : الإمام عثمان بن سعيد الدارمي - 280هـ.
((الرد على الجهمية والزنادقة)) : الإمام أحمد بن حنبل - 241هـ.
((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) : الإمام الحافظ أبو نصر عبيد الله بن سعد السجزي - 444هـ.
((الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة)) : الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري - 276هـ.
((خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل)) : الإمام البخاري - 256هـ.(1/97)
((مسألة العلو والنزول في الحديث)) : الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بـ ((ابن القيسرواني)) - 507هـ.
((العلو للعلي العظيم وإيضاح صحيح الأخبار من سقيمها)) :
((الأربعين في صفات رب العالمين)) : للإمام الذهبي - 748هـ.
((كتاب العرش وما روي فيه)) : الحافظ بن عثمان بن أبي شيبة العبسي - 297هـ.
((إثبات صفة العلو)) : الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي - 620هـ.
((أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات)) : الإمام زين الدين مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي - 1033هـ.
((كتاب الأسماء والصفات)).
((البعث والنشور)).
((إثبات عذاب القبر)) : الإمام البيهقي - 458هـ.
((التصديق بالنظر إلى الله تعالى في الآخرة)) : الإمام أبو بكر الآجري - 360هـ.
((الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد)) : الإمام علاء الدين ابن العطار - 724هـ.
((العيون والأثر في عقائد أهل الأثر)) : الإمام عبد الباقي المواهلي الحنبلي - 1071هـ.
((قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر)).
((الدين الخالص)): محمد صديق خان القنوجي - 1307هـ.
((لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية)).
((لوامح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية شرح قصيدة ابن أبي داود الحائية)) العلامة محمد بن أحمد السفاريني - 1188هـ.
((تجريد التوحيد المفيد)) الإمام أحمد بن علي المقريزي - 845هـ.
وفارس التأليف في علم الاعتقاد - الذي لا يختلف فيه اثنان من أهل السنة - شيخ الإسلام ابن تيمية (728هـ) فإنه رتب هذا العلم وقعد أصوله ومناهجه، ومؤلفاته كثيرة في هذا الباب منها:
((منهاج السنة النبوية)).
((درء تعارض العقل والنقل)).
((بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة وأهل الإلحاد)).
((اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)).
((الصارم المسلول على شاتم الرسول)).
((كتاب الإيمان)).
((الرسالة التدمرية)).
((قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة)).
((الرد على المنطقيين)).(1/98)
((العقيدة الواسطية)).
((العقيدة الحموية)).
((الرسالة التسعينية)).
((بيان تلبيس الجهمية)).
((النبوات)).
((شرح العقيدة الأصفهانية)).
((شرح حديث النزول)).
إضافة إلى هذا ((مجموع الفتاوى)) الذي جمع فيه كثير من مؤلفاته، وبلغ المجموع سبعة وثلاثين مجلدا.
والفارس الثاني في التأليف تلميذه: العالم الرباني ابن قيم الجوزية - 752هـ - صاحب الجهود المشكورة في الرد على الفرق الضالة، منها:
((الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة)).
((اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية)).
((القصيدة النونية)).
((شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل)).
((طريق الهجرتين وباب السعادتين)).
وغيرها من كتبه القيمة.
وكل ما ذكرناه من المؤلفات والكتب؛ فهي مطبوعة - ولله الحمد والمنة - وثمة كتب كثيرة لم نذكرها؛ منها ما هو مطبوع، ومنها ما هو في عالم المخطوطات.
مسك الختام
هذه هي عقيدة الرعيل الأول من هذه الأمة، وهي عقيدة صافية سليمة، وطريقة صحيحة مستقيمة على نهج الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وأئمتها، وهي الطريق التي أحيت قلوب الأوائل من هذه الأمة.
فهي عقيدة السلف الصالح، والفرقة الناجية، والطائفة المنصورة وأهل الحديث، وأهل السنة والجماعة؛ وهي عقيدة الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة، وعقيدة جمهور الفقهاء، والمحدثين، والعلماء العاملين، ومن سار على نهجهم إلى يومنا هذا، والأمر باق إلى يوم الدين.
فعلينا أن نعود بالعقيدة إلى منبعها الصافي الذي نهل منه الأخيار من سلفنا الصالح ونأخذ بما أخذوا به، ونسكت عما سكتوا عنه، ونؤدي العبادة كما أدوها، ونلتزم بالكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة وأئمتها، وبالقياس الصحيح في الأمور المتجددة وعلى ضوء فهمهم.
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :(1/99)
(قد علمت متى صلاح الناس ومتى فسادهم! إذا جاء الفقه من قبل الصغير؛ استعصى عليه الكبير، وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير؛ فاهتديا)(413).
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
(انظروا عمن تأخذون هذا العلم؛ فإنما هو الدين)(414).
وقال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
(لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم؛ فإذا أخذوه من أصاغرهم وشرارهم هلكوا)(415).
واعلم أخي المسلم: هدانا الله وإياك للحق؛ أن من طلب الهدى من غير الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، أو أتى بأمر زائد على ما شرعه الله؛ فهو بلا شك منغمس في الضلال المبين، متباعد عن الصراط المستقيم، ومتبع لغير سبيل المؤمنين.
فإننا نوقن بأننا سنموت قبل أن نوفي السنن كلها على أكمل وجهها؛ فلماذا البدعة في الدين.
ورحم الله الإمام مالكا؛ فقد كان كثيراً ما ينشد:
وخير أمور الدين ما كان سنة…
وشر الأمور المحدثات البدائع (416).
وأفضل المتعبدين بالاتفاق هو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكل عبادة خالفت عبادته؛ فهي بدعة لا تقرب صاحبها إلى الله بل لا تزيده منه إلا بعدا، قال الله تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ }(417).
وقال : { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }(418).
وقال : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}(419).
ومما لا شك فيه أن سبيل وحدة المسلمين هو في وحدة العقيدة، العقيدة الصافية، التي اعتقدها الرعيل الأول من سلف هذه الأمة، وبها حكموا الدنيا بالقصد والعدل.
وصفوة القول:(1/100)
إنه لا صلاح لنا، ولا نجاح لدعوتنا؛ إلا إذا بدأنا بالأهم قبل المهم، وذلك بأن ننطلق في دعوتنا من عقيدة التوحيد؛ نبني عليها سياستنا، وأحكامنا، وأخلاقنا، وآدابنا، ومعاملتنا.
وننطلق في كل ذلك من هدي الكتاب والسنة وعلى فهم سلف الأمة؛ ذلكم هو الصراط المستقيم والمنهج القويم الذي أمرنا الله به، فقال تعالى:
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(420).
وعقيدة السلف هي السبيل الوحيد الذي يصلح به حال الأمة.
نسأل الله تعالى كما دلنا على منهج السلف الصالح؛ أن يجعلنا منهم، ويحشرنا معهم تحت لواء سيد الخلق الشافع المشفع محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يجعلنا من عباده الموحدين الصالحين العاملين في سبيله؛ إنه على ذلك لقادر، وهو سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) سورة آل عمران : الآية، 102.
(2) سورة النساء : الآية، 1.
(3) سورة الأحزاب : الآية، 71.
* …هذه الخطبة تسمى: ((خطبة الحاجة)) وهي تشرع بين يدي كل حاجة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن يقولوها بين يدي كلامهم، في أمور دينهم سواء كان؛ خطبة نكاح، أو جمعة، أو محاضرة، أو غير ذلك، وأخرجتها أكثر كتب السنة على اختلاف في ألفاظها وهي في : ((سنن ابن ماجة)) كتاب النكاح، باب خطبة النكاح، وفي ((سنن الترمذي))، و ((سنن أبي داود)) و ((سنن النسائي)) ورواها أبو يعلى في : ((مسنده)) والطبراني في : ((المعجم الكبير)) والبيهقي في: ((سننه)) والإمام أحمد في : ((مسنده))، وورد ذكر طرف من هذه الخطبة في : ((صحيح مسلم)) كتاب الجمعة، باب خطبته صلى الله عليه وسلم في الجمعة.
…وللبسط في تخريجها انظر كتاب (خطبة الحاجة) للشيخ المحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني.(1/101)
(5) رواه مسلم.
(6) صحيح سنن الترمذي : للألباني .
* …نسأل الله - عز وجل - أن ييسر إتمامه ونشره؛ فإنه يقع في مجلد كبير.
(8) سورة المائدة : الآية، 89.
(9) انظر معاجم اللغة: لسان العرب، القاموس المحيط، المعجم الوسيط: ((مادة عقد)) .
(10) سورة الزخرف : الآيتين، 55-56 .
(11) انظر معاجم اللغة: تاج العروس، لسان العرب، القاموس المحيط: مادة ((سَلفَ)) .
(12) سورة النساء : الآية، 115 .
(13) سورة التوبة : الآية، 100.
(14) رواه البخاري ومسلم .
(15) سورة الفتح : الآية، 29 .
(16) سورة النساء: الآية، 69 .
(17) سورة النساء: الآية، 80 .
(18) سورة محمد صلى الله عليه وسلم : الآية، 33 .
(19) سورة النساء: الآية، 14 .
(20) سورة الحشر : الآية، 7 .
(21) سورة النساء : الآية، 65 .
(22) سورة الأحزاب: الآية، 21.
(23) سورة التوبة : الآية، 62 .
(24) سورة آل عمران : الآية، 31 .
(25) سورة النساء: الآية، 59 .
(26) سورة الأحزاب: الآية، 23.
(27) رواه البخاري ومسلم .
(28) صحيح سنن الترمذي: للألباني .
(29) سورة النساء: الآية، 115 .
(30) رواه البخاري ومسلم .
(31) رواه مسلم .
(32) انظر معاجم اللغة: لسان العرب، مختار الصحاح، القاموس المحيط: مادة ((سنن)) .
(33) صحيح سنن أبي داود: للألباني .
(34) انظر معاجم اللغة: لسان العرب، مختار الصحاح، القاموس المحيط: مادة: ((جمع)) .
(35) سورة آل عمران : الآية، 103 .
(36) سورة آل عمران : الآية، 105 .
(37) صحيح سنن أبي داود: للألباني .
(38) رواه الإمام أحمد في : ((مسنده)) وصححه الألباني في ((السنة)) لابن أبي عاصم .
(39) أخرجه اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) .
(40) انظر : ((تفسير ابن كثير)) ج 1، ص 390، والآية: 106 من سورة آل عمران .
(41) سورة النساء : الآية، 115 .
(42) سورة آل عمران : الآية، 103 .
(43) سورة الحجرات : الآية، 15 .(1/102)
(44) …للبسط في الموضوع انظر: مقدمة كتاب ((الإنابة)) لإبن بطة العكبري؛ ففيه كلام نفيس حول الموضوع، والمقدمة لمحقق الكتاب الدكتور رضا بن نعسان معطي جزاه الله خيراً. وانظر أيضاً: ((مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة وموقف الحركات الإسلامية المعاصرة منها)) فصل: من خصائص العقيدة الإسلامية وأتباعها. للدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل.
(*) ومن هنا نعلم عدم صحة دعوى أن ((السلفية مرحلة زمنية لا مذهب إسلامي.. !)) لأن مذهب السلف مشتمل على أساسين عظيمين:
* القدوة الحسنة. * والمنهج الصحيح المتبع.
فالقدوة؛ هم أصحاب العصور الثلاثة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان. والمنهج؛ هو الطريقة المتبعة في هذه العصور، في الفهم العقدي، والاستدلال والتقرير، والعلم، والإيمان، وجميع جوانب الشريعة.
وبهذا يتضح جلياً أن الاتصاف بالسلفية مدح وثناء لكل من اتخدها قدوة ومنهجاً لأن له فيها سلفاً صالحاً، وهم خيرة هذه الأمة بشهادة نبيها صلى الله عليه وسلم .
وأما الاتصاف بها دون تحقيق ما دلت عليه من الاعتقاد والعمل ظاهراً وباطناً فليس فيه مدح وثناء؛ لأن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمصطلحات.
(45) رواه البخاري ومسلم في : (كتاب الإيمان).
(46) سورة الفاتحة : الآية، 1 .
(47) سورة الأعراف : الآية، 54 .
(48) سورة البقرة : الآية، 29 .
(49) سورة الذاريات : الآية، 58 .
(50) سورة لقمان : الآية، 25 .
(51) سورة المؤمنون : الآيات، 84-90 .
(52) سورة الفاتحة : الآية، 5 .
(53) سورة المؤمنون : الآية، 117 .
(54) سورة الأنبياء : الآية، 25 .
(55) سورة الذاريات : الآية، 56 .
(56) سورة الأنعام : الآيتين، 162، 163.
(57) سورة الزمر : الآية، 3 .
(58) سورة النساء : الآية، 36 .
(59) الإلحاد: هو الميل عن الحق والانحراف عنه؛ ويدخل فيه: ((التعطيل، والتحريف والتكييف، والتمثيل)).
التعطيل: عدم إثبات الصفات، أو إثبات بعضها ونفي الباقي .(1/103)
التحريف: تغيير النص لفظاً أو معنى، وصرفه عن معناه الظاهر إلى معنى لا يدل عليه اللفظ إلا باحتمال مرجوح؛ فكل تحريف تعطيل، وليس كل تعطيل تحريفاً.
التكييف: بيان الهيئة التي تكون عليها الصفات.
التمثيل: إثبات المثل للشيء؛ مشابهاً له من كل الوجوه.
(60) سورة الشورى: الآية، 11 .
(61) سورة الأعراف : الآية، 180 .
(62) سورة البقرة : الآية، 140 .
(63) سورة النحل : الآية، 74 .
(64) سورة النجم : الآيتين، 3-4.
(65) سورة الحديد : الآية، 3 .
(66) وأنه لا يجوز أبداً أن يتخيل كيفية ذات الله، أو كيفية صفاته .
(67) سورة الملك : الآية، 14 .
(68) سورة الذاريات : الآية، 58 .
(69) والاستواء على العرش والعلو صفتان نثبتهما لله تعالى إثباتاً يليق بجلاله، وتفسير كلمة استوى عند السلف: (استقر، علا، ارتفع، صعد) والسلف يفسرونها بهذه الكلمات لا يتجاوزونها ولا يزيدون عليها، ولم يرد في تفسير السلف تفسيرها بمعنى (استولى، ولا ملك، ولا قهر).
والكيف مجهول؛ لا يعلمه إلا الله.
والإيمان به واجب؛ لثبوت الأدلة.
والسؤال عنه بدعة؛ لأن كيفية الاستواء لا يعلمها إلا الله، ولأن الصحابة أيضاً لم يسأل من الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكيفية .
(70) وهي على الترتيب: سورة الأعراف: الآية، 54. سورة يونس : الآية، 3 . وسورة الرعد : الآية، 2 وسورة طه : الآية، 5 . وسورة الفرقان : الآية، 59 . وسورة السجدة : الآية، 4 . وسورة الحديد : الآية، 4 .
(71) سورة طه : الآية، 5 .
(72) قال الإمام الحافظ إسحاق بن راهويه - رحمه الله - عن هذه الآية: (إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة) رواه الإمام الذهبي في ((العلو للعلي الغفار)) .
(73) سورة الحديد : الآية، 4 .
(74) سورة الملك : الآيتين، 16-17 .
(75) سورة فاطر : الآية، 10 .
(76) سورة النحل : الآية، 50 .
(77) رواه البخاري ومسلم .
(78) سورة البقرة : الآية، 255 .(1/104)
(79) سورة المائدة : الآية، 64 .
(80) سورة ص : الآية، 75 .
(81) سورة طه : الآية، 46 .
(82) سورة التحريم : الآية، 2 .
(83) سورة الرحمن: الآية، 27 .
(84) سورة الرحمن: الآية، 7 .
(85) سورة المائدة: الآية، 119 .
(86) سورة : الآية، 54 .
(87) سورة الزخرف : الآية، 55 .
(88) سورة القلم : الآية، 42 .
(89) سورة آل عمران : الآية، 2 .
(90) سورة الممتحنة : الآية، 13 .
(91) سورة القيامة : الآيتين، 22-23 .
(92) متفق عليه.
(93) متفق عليه.
(94) سورة الفجر : الآيتين، 21-22 .
(95) سورة البقرة : الآية، 210 .
(96) أخرجه الإمام البغوي في : ((شرح السنة)) .
(97) رواه الإمام اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة .
(98) انظر : ((لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد)) للإمام ابن قدامة المقدسي .
(99) أخرجه الإمام البغوي في : ((شرح السنة)) .
(100) أخرجه الإمام البغوي في : ((شرح السنة)) .
(101) أخرجه الإمام البغوي في : ((شرح السنة)) .
(102) انظر : ((شرح العقيدة الطحاوية)) .
(103) انظر : ((شرح العقيدة الطحاوية)) .
(104) رواه الإمام الذهبي في : ((العلو للعلي الغفار)) .
(105) رواه الإمام البغوي في : ((شرح السنة)) .
(106) سورة البقرة : الآية، 285 .
(107) سورة النساء : الآية، 136 .
(108) سورة الأنبياء : الآيات، 26-28 .
(109) متفق عليه .
(110) رواه البخاري .
(111) سورة المدثر : الآية، 31 .
(112) سورة النجم : الآيتان، 13-14 .
(113) سورة التكوير : الآيتان، 22-23 .
(114) سورة البقرة : الآية، 285 .
(115) سورة إبراهيم : الآية، 1.
(116) سورة النحل : الآية، 89 .
(117) سورة النحل : الآية، 44 .
(118) سورة الشعراء : الآيات، 192-195 .
(119) سورة العنكبوت : الآية، 49 .
(120) سورة الواقعة : الآيات، 77-80 .
(121) سورة الحجر : الآية، 9 .
(122) سورة ص : الآية، 29 .
(123) صحيح سنن الترمذي: للألباني.(1/105)
(124) سورة البقرة : الآية، 168-169 .
(125) المعجزة: هي أمر خارق للعادة لا يقدر عليه البشر، يظهره الله على يد النبي وفق دعواه تصديقاً له، وإن وقوع المعجزة أمر ممكن؛ ذلك أن الله الذي خلق الأسباب والمسببات قادر على أن يغير نظامها، فلا تخضع لما كانت له من قبل! ولا عجب في ذلك ولا غرابة بالنسبة لقدرة الله التي لا تحد بحدود فهو يفعل ما يريد بأسرع من لمح البصر، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس: 82] .
(126) سورة النساء: الآيات، 150-153 .
(127) سورة النساء : الآية، 165 .
(128) سورة غافر : الآية، 78.
(129) سورة النحل : الآية، 36 .
(130) سورة الأحزاب : الآية، 40 .
(131) سورة الأنبياء : الآية، 107 .
(132) سورة النجم : الآيتين، 3-4 .
(133) سورة النساء : الآية، 65 .
(134) سورة سبأ : الآية، 28 .
(135) سورة الإسراء : الآية، 1 .
(136) وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب السنن والمسانيد تفاصيل ما كان في تلك الليلة المباركة .
(137) سورة النجم : الآية، 13-18 .
(138) رواه مسلم .
(139) سورة البقرة : الآية، 4 .
(140) سورة لقمان : الآية، 34 .
(141) رواه البخاري.
(142) وفتنة ظهور المسيح الدجال من أعظم الفتن؛ لأن الدجال هو منبع الكفر والضلال والفتن، ومن أجل ذلك فقد حذر منه الأنبياء أقوامهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من فتنة الدجال دبر كل صلاة، وحذر منه أمته .(1/106)
(143) وهو الجسر الذي يمرون عليه إلى الجنة، ويمر الناس على الصراط بقدر أعمالهم فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح المرسلة ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدوا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، ومنهم من يخطف ويلقى في جهنم؛ كل بحسب عمله، حتى يطهر من ذنوبه وآثامه ومن اجتاز الصراط تهيأ لدخول الجنة؛ فإذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار؛ فيقتص لبعضهم من بعض فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة .
(144) رواه البخاري .
(145) رواه البخاري .
(146) ويشترط لهذه الشفاعة شرطان: الأول: إذن الله تعالى في الشفاعة، لقوله: { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } سورة البقرة: الآية، 255.
الثاني: رضا الله تعالى عن الشافع والمشفوع له، لقوله: { وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى } سورة الأنبياء : الآية، 28.
(147) سورة المدثر : الآية، 48 .
(148) انظر: ((صحيح الجامع الصغير)) للألباني، برقم: (3882) .
(149) رواه مسلم .
(150) سورة الأحزاب : الآية، 38 .
(151) سورة القمر : الآية، 49 .
(152) صحيح سنن الترمذي: للألباني .
(153) سورة التوبة : الآية، 115 .
(154) سورة يس : الآية، 12 .
(155) صحيح سنن الترمذي: للألباني .
(156) سورة التكوير : الآية، 29 .
(157) رواه مسلم .
(158) سورة الفرقان : الآية، 2 .
(159) سورة يونس : الآية، 100 .
(160) سورة التوبة : الآية، 51 .
(161) سورة الزمر : الآية، 62 .
(162) سورة الزمر : الآية، 7 .
(163) سورة غافر : الآية، 17 .
(164) سورة الإنسان : الآية، 3 .
(165) سورة النساء : الآية، 165 .
(166) سورة البقرة : الآية، 286 .
(167) سورة النساء : الآية، 79 .
(168) سورة ق : الآية، 29 .
(169) سورة الكهف : الآية، 49 .
(170) سورة النساء : الآية، 40 .
(171) سورة الأنبياء : الآية، 23 .(1/107)
(172) سورة التكوير : الآيتان، 28، 29 .
(173) سورة الأنعام : الآية، 148 .
(174) سورة الأنعام : الآية، 148 .
(175) سورة الأنبياء : الآية، 23 .
(176) سورة النساء : الآية، 78 .
(177) الإيمان: لغة التصديق وإظهار الخضوع والإقرار، وشرعاً: جميع الطاعات الباطنة والظاهرة؛ فالباطنة؛ كأعمال القلب وهو تصديق القلب، والظاهرة؛ هي أفعال البدن من الواجبات والمندوبات، وملخصه: هو ما وقر في القلب وصدقه العمل، وبدت ثمراته واضحة في امتثال أوامر الله والابتعاد عن نواهيه؛ فإذا تجرد العلم عن العمل؛ فلا فائدة فيه، ولو كان العلم المجرد عن العمل ينفع أحداً لنفع إبليس - لعنه الله - فقد كان يعرف أن الله واحد لا شريك له، وأن مصيره لا شك إليه؛ لكن حين صدر إليه الأمر من الله تعالى: أن اسجد لآدم، أبى واستكبر وكان من الكافرين، ولم يشفع له علمه بالوحدانية؛ ذلك أن العلم المجرد عن العمل لا وزن له عند رب العالمين، وهكذا كان فهم السلف. والإيمان لم يأت في القرآن مجرداً عن العمل؛ بل عطف عليه العمل الصالح في كثير من الآيات .
(178) قال هذا الإمام الأوزاعي وسفيان الثوري والحميدي وغيرهم، وهو مشهور عنهم؛ كما رواه اللالكائي وابن بطة.
(179) سورة الأنفال : الآيتان، 2-4 .
(180) سورة الكهف : الآية، 107 .
(181) سورة فصلت : الآية، 30 .
(182) سورة الزخرف : الآية، 72 .
(183) سورة العصر : الآيات، 1-3 .
(184) رواه مسلم .
(185) رواه البخاري .
(186) سورة المدثر : الآية، 31 .
(187) سورة التوبة : الآية، 124 .
(188) سورة الأنفال : الآية، 2 .
(189) سورة الفتح : الآية، 4 .
(190) صحيح سنن أبي داود: للألباني .
(191) رواه مسلم .
(192) أخرج هذه الآثار بأسانيد صحيحة الإمام اللالكائي في كتابه القيم: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين)) .
(193) المرجع السابق.
(194) المرجع السابق.
(195) المرجع السابق.(1/108)
(196) المرجع السابق.
(197) انظر: ((كتاب الإيمان)) لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(198) انظر: ((فتح الباري)) ج1، ص 62؛ كتاب الإيمان.
(199) انظر: ((كتاب الإيمان)) لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(200) سورة الكهف : الآيتين، 23-24 .
(201) سورة النجم : الآية، 32 .
(202) رواه مسلم .
(203) أخرجه اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) .
(204) أخرجه اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) .
(205) أخرجه اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) .
(206) رواه مسلم .
(207) سورة النساء : الآية، 48 .
(208) رواه البخاري ومسلم .
(209) أخرجه اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)).
(210) المرجع السابق .
(211) …يقول الإمام البخاري رحمه الله: (لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم؛ أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر: لقيتهم كرات قرناً بعد قرن ثم قرناً بعد قرن، أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة - ويذكر أسماء العلماء وهم أكثر من خمسين عالماً ثم يقول: واكتفينا بتسمية هؤلاء كي يكون مختصراً وأن لا يطول ذلك، فما رأيت واحداً منهم يختلف في هذه الأشياء: أن الدين قول وعمل، لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} سورة البينة: الآية، 5 ... ثم يسرد بقية اعتقادهم) انظر : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) للالكائي.
(212) سورة النساء : الآية، 48.
(213) سورة الزمر : الآية، 53.
(214) رواه مسلم .
(215) رواه مسلم .
(216) رواه البخاري .
(217) رواه البخاري .
(218) رواه البخاري .(1/109)
(219) …(من ثبت إسلامه بيقين فلا يزول بشك) على ضوء هذه القاعدة السلفية سار سلفنا الصالح، فكانوا أبعد الناس من التكفير، ولذلك: (لما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن أهل النهروان أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا، فسئل: أمنافقون هم؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا، وأولئك يذكرون الله صباح مساء، وإنما هم إخواننا بغوا علينا) [أخرجه البيهقي في ((السنن الكبرى) ج 8 ص 173] .
ومن الضروري أن نفرق بين النوع والعين في التكفير ذلك أنه ليس كل ما هو كفر يكفر به شخص بعينه؛ فينبغي التفرقة بين الحكم على القول بأنه كفر والحكم على صاحبه المعين بأنه كافر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فالمتأول الجاهل والمعذور ليس حكمه حكم المعاند والفاجر؛ بل قد جعل الله لكل شيء قدرا) [مجموعة الرسائل والمسائل: 5/382].
وقال رحمه الله : (وإذا عرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه بأنه مع الكفار لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة بالرسالة التي يبين بها لهم أنهم مخالفون للرسول، وإن كانت مقالتهم هذه لا ريب أنها كفر، وهكذا الكلام في جميع تكفير المعينين) [مجموعة الرسائل والمسائل: 3/348].
(220) صحيح سنن أبي داود: للألباني.
(221) والنفاق نوعان: نفاق اعتقاد، ونفاق عمل:
أولاً: نفاق الاعتقاد، أو النفاق الأكبر: وهو ما أبطن الكفر في القلب، وأظهر الإيمان على لسانه وجوارحه، وصاحبه من أهل الدرك الأسفل من النار؛ مثل من كذب بما جاء به الله، أوبعض ما جاء به الله، وكذب الرسول، أو بعض ما جاء به الرسول، أو كراهية الانتصار لدين الرسول .. وغيرها من الأعمال الكفرية.(1/110)
ثانياً: نفاق العمل، أو النفاق الأصغر: وهو النفاق العملي أي: ما ظهر فيه العمل على وجه مخالف لما يكون عليه الشرع، وصاحبه لا يخرج من الملة؛ مثل: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر؛ كما جاء في الحديث.
(222) سورة البينة : الآية، 6 .
(223) سورة الزمر : الآية، 65 .
(224) سورة الحجرات : الآية، 9 .
(225) متفق عليه.
(226) متفق عليه.
(227) صحيح سنن أبي داود: للألباني.
(228) رواه مسلم.
(229) سورة النساء : الآية، 48 . والآية، 116.
(230) رواه البخاري ومسلم .
(231) رواه البخاري ومسلم .
(232) سورة البقرة : الآية، 25 .
(233) سورة القمر : الآيتين، 54، 55 .
(234) رواه مسلم .
(235) سورة البقرة : الآية، 39.
(236) سورة البينة : الآية، 6 .
(237) سورة النساء : الآية، 145 .
(238) صحيح سنن أبي داود: للألباني .
(239) ولهذا لا يحكم على أحد قتل أو مات بأنه شهيد؛ لأن النية مردها إلى الله تعالى. والصحيح أن يقال: نسأل الله له الشهادة نحسبه شهيداً إن شاء الله - ولا نزكي على الله أحداً - بصيغة الدعاء وليس بصيغة الجزم لأن الجزم قول على الله بلا علم .
(240) سورة النور : الآية، 21 .
(241) رواه مسلم .
(242) سورة الزمر : الآية، 53 .
(243) رواه البخاري .
(244) سورة آل عمران : الآية، 145 .
(245) سورة النساء : الآية، 122 .
(246) سورة النساء : الآية، 48 . والآية، 116.
(247) الموالاة لغة: هي المحبة، فكل من أحببته ابتداءً من غير مكافأة؛ فقد أوليته وواليته، والولاية ضد العداوة. وباختصار: إن الموالاة أو الولاء: المحبة والنصرة والاتباع، واللفظ مشعر بالقرب والدنو من الشيء .
المعاداة لغة: مصدر عادي يعادي معاداة. والعداء والعداوة: الخصومة والمباعدة؛ وهي الشعور المتمكن في القلب في قصد الإضرار وحب الانتقام، والعدو ضد الصديق. وباختصار: هي التباعد والاختلاف، وهي ضد الموالاة.(1/111)
الموالاة والمعاداة شرعا: أصل الموالاة الحب، وأصل المعاداة البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة؛ كالنصرة والأنس والمعاونة والجهاد والهجرة.
فالموالاة إذن: الاقتراب من الشيء والدنو منه عن طريق القول أو الفعل أو النية، والمعاداة ضد ذلك.
ومن هنا نعلم أنه لا يكاد يوجد فرق بين المعنيين اللغوي والشرعي، وأن الله قد أوجب على المؤمنين أن يقدموا كامل الموالاة للمؤمنين، وكامل المعاداة للكافرين، ولا يتم الولاء للمؤمنين إلا بالبراء من المشركين؛ فهما متلازمان.
(248) سورة التوبة : الآية، 71 .
(249) سورة آل عمران : الآية، 28 .
(250) سورة النحل : الآية، 36 .
(251) انظر: ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) للألباني؛ برقم : (988) .
(252) متفق عليه .
(253) صحيح سنن أبي داود: للألباني .
(254) سورة الأنعام : الآية، 14 .
(255) رواه البخاري .
(256) سورة التوبة : الآية، 24 .
(257) سورة الممتحنة : الآية، 1 .
(258) سورة المائدة : الآيتين، 55-56 .
(259) رواه البخاري .
(260) سورة التحريم : الآية، 9 .
(261) سورة المجادلة : الآية، 22 .(1/112)
(262) الكرامة: هي أمر خارق للعادة وغير مقرون بدعوى النبوة ولا هو مقدمة لها؛ يظهره الله على يد بعض عباده الصالحين - من الملتزمين بأحكام الشريعة - إكراماً لهم من الله عز وجل، فإذا لم يكن مقروناً بالإيمان الصحيح والعمل الصالح كان استدراجا. وقد وقع في الأمم السالفة، كما في سورة الكهف وغيرها، وفي صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين؛ كما حصل مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ((يا سارية الجبل)). وغيرها كثيرة جدا، وفي كتب السنن الصحيحة والآثار المنقولة شيء كثير من الكرامات التي أكرم الله تعالى به لعباده الصالحين العاملين بكتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما رواه آلاف من العلماء وغيرهم من الثقات وشاهدوه، وهي متواترة وموجودة في الأمة وباقية فيها إلى ما شاء الله تعالى، ووقوع كرامات الأولياء في الحقيقة معجزة للأنبياء؛ لأن الكرامة لم تحصل لأحدهم إلا ببركة متابعته لنبيه وسيره على هدى دينه وشريعته، وهي من الأمور الجائزة عقلا. وقد يكون ما يعطيه الله لعبده المؤمن من فتح آفاق العلم أمامه أفضل وأعظم من كل الخوارق المادية التي نسمع بها أو نقرأ عنها، ومن الكرامة التي نص عليها سلفنا؛ الاستقامة على الكتاب والسنة، وطاعتهما والرضا بحكمهما، والتوفيق في العلم والعمل. وإن عدم حصول الكرامة لبعض المسلمين؛ لا يدل على ضعف إيمانهم، لأن الكرامة تقع لأسباب منها: تقوية إيمان العبد، ولهذا لم ير كثير من الصحابة شيئاً من الكرامات لقوة إيمانهم وكمال يقينهم، ومنها أيضاً: إقامة الحجة على العدو، والكرامة لا تقيد من ناحية العقل، وإنما تقيد بضوابط الشرع، وللكرامة شروط منها: أن لا تحرم حكماً شرعيا، ولا قاعدة دينية، وأن تكون لحي، وأن تكون لحاجة؛ فإن فقد أحد هذه الشروط؛ فليست بكرامة بل هي إما خيال، وإما وهم وإم إلقاء من الشيطان. والكرامة لا يثبت بها حكم من الأحكام الشرعية، ولا ينتفي بها حكم شرعي أيضاً ذلك أن للأحكام(1/113)
الشرعية مصادرها المعروفة من كتاب الله وسنة رسوله والإجماع، وإذا أجرى الله الكرامة على يدي مسلم؛ فينبغي له أن يشكر الله على هذه المنحة والنعمة، ويسأل الله تعالى الثبات وعدم الفتنة إن كانت ابتلاء واختبارا، وأن يكتم أمرها وأن لا يتخذها وسيلة للتفاخر والتباهي أمام الناس فإن ذلك يورد موارد الهلكة، وكم من أناس خسروا الدنيا والآخرة حين استدرجهم الشيطان من هذا الطريق؛ فأصبحت تلك الأعمال وبالاً عليهم. واعلم أن لأولياء الرحمن صفات ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم في كثير من الآيات، وجمعت في سورة الفرقان: من الآية، 63 - 74، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث ومن هذه الصفات على سبيل المثال: الإيمان بالله وبملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره والتقوى: وهي الخوف من الله، والعمل بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والاستعداد ليوم اللقاء، والحب في الله والبغض في الله، وإن رؤيتهم تذكر بالله، وهم يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، ويبيتون لربهم سجداً وقياما، ويقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم، وإذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، ولا يدعون مع الله إلهاً آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون، ولا يشهدون الزور، وإذا مروا باللغو مروا كراما، وإذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعميانا، ودعاؤهم: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً .. وغيرها من الصفات الثابتة في الكتاب والسنة.
(263) سورة يونس : الآيات، 62-64 .
(264) رواه البخاري .
(265) سورة الأنفال : الآية، 34 .
(266) سورة الأنعام : الآية، 121 .(1/114)
(267) قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: (السحر: عقد ورقى وكلام، يتكلم به، أو يكتبه، أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور، أو قلبه، أو عقله من غير مباشرة له، وله حقيقة فمنه ما يقتل وما يمرض، وما يأخذ الرجل عن امرأته؛ فيمنعه وطأها، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، وما يبغض أحدهما إلى للآخر، أو يحبب اثنين، وهذا قول الشافعي .. وقال: إذا ثبت هذا فإن تعلم السحر وتعليمه حرام لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم، قال أصحابنا: ويكفر الساحر؛ بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو إباحته .. ثم قال عن حقيقة السحر: ولولا أن السحر له حقيقة لما أمر الله تعالى بالاستعاذة منه، قال تعالى: { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ } إلى قوله: { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } سورة البقرة : الآية، 102). انظر: ((المغني)) ج 8، ص 150-151 .
(268) سورة يونس : الآية، 80 .
(269) سورة الأعراف : الآية، 116 .
(270) سورة البقرة : الآية، 102 .
(271) سورة البقرة : الآية، 102 .
(272) سورة الصافات : الآية، 102 .
(273) رواه البخاري .
(274) سورة الأنعام : الآية، 121 .
(275) سورة الإسراء : الآية، 64 .
(276) سورة النحل : الآيتين، 99-100 .
(277) سورة الأحزاب : الآية، 36 .
(278) صحيح: رواه الحاكم في : ((المستدرك)) وصححه الألباني في : ((المشكاة)).
(279) صحيح سنن أبي داود: للألباني .
(280) سورة النساء : الآية، 59 .
(281) سورة المائدة : الآية، 3 .
(282) سورة الحجرات : الآية، 1 .
(283) سورة القصص : الآية، 50 .
(284) صحيح سنن الترمذي: للألباني .(1/115)
(285) التقليد: هو (التزام المكلف في حكم شرعي مذهب من ليس قوله حجة في ذاته) أو هو قبول قول القائل من غير معرفة لدليله، أو الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه. والمقلد: هو الذي يقلد شخصاً بعينه، وفي جميع أقواله أو أفعاله، ولا يرى أن الحق يمكن أن يكون فيما عداه، ومن غير أن يعرف دليله، ولا يخرج عن أقواله، ولو ثبت له عكس ذلك، ولا خلاف بين أهل العلم أن التقليد ليس بعلم، وأن المقلد لا يطلق عليه اسم عالم.
ولقد ذم الله - عز وجل - التقليد ونهى عنه في كثير من الآيات، فقال تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ }المائدة: 104.
وعلماء السلف والأئمة المجتهدون جميعاً نهوا عن التقليد، لأن التقليد أحد أسباب الضعف والتنازع بين المسلمين، والخير في الوحدة والاتباع والرجوع في الخلاف إلى الله وإلى رسوله ولذلك لم نر الصحابة - رضي الله عنهم - يقلدون أحداً منهم بعينه في جميع المسائل، وكذلك الأئمة الأربعة - رحمهم الله - لم يتعصبوا لآرائهم وكانوا يتركون آراءهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وينهون غيرهم عن تقليدهم دون معرفة أدلتهم. قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله : (إذا صح الحديث فهو مذهبي) وقال: (لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه).
وقال الإمام مالك رحمه الله: (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي؛ فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه).
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: (كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت؛ فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي).(1/116)
وقال الإمام أحمد رحمه الله: (لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا). وأقوالهم في هذا الباب كثيرة، لأنهم كانوا يفقهون معنى قوله تعالى : { اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } سورة الأعراف: الآية، 3. .
(286) سورة النحل : الآية، 43 .
(287) سورة النساء : الآية، 59 .
(288) متفق عليه .
(289) رواه البخاري .
(290) رواه مسلم .
(291) رواه مسلم .
(292) …الدعاء لولاة الأمور؛ بالصلاح والاستقامة والهداية؛ من طريقة السلف الصالح. قال الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله: (لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان. فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن جاروا وظلموا؛ لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين). ولأن في صلاحهم صلاح الأمة. وقال الحسن البصري رحمه الله: (اعلم - عافاك الله - أن جور الملوك نقمة من نقم الله تعالى، ونقم الله لا تلاقى بالسيوف، وإنما تتقى وتستدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب، إن نقم الله متى لقيت بالسيف كانت هي أقطع. وقيل: سمع الحسن رجلاً يدعو على الحجاج، فقال: لا تفعل - رحمك الله - إنكم من أنفسكم أوتيتم، إنما نخاف إن عزل الحجاج أو مات أن تليكم القردة والخنازير). ((آداب الحسن البصري)) لابن الجوزي، ص 119 .
(293) …قال الإمام النووي رحمه الله: (وأما النصيحة لأئمة المسلمين؛ فمعاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه). شرح صحيح مسلم: ج 2، ص 241 .
(294) رواه مسلم .
(295) رواه مسلم .(1/117)
(296) …واعلم أن من ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة، وجبت طاعته وحرم الخروج عليه. قال الإمام أحمد: (ومن غلب عليهم - يعني الولاة - بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين؛ فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً براً كان أو فاجرا). ((الأحكام السلطانية)) لأبي يعلى: ص 23. وقال الحافظ في الفتح: (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء) ج 13، ص 9. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقل من خرج على إمام ذي سلطان؛ إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير) منهاج السنة ج 22/ ص 241 .
وأما من عطل منهم شرع الله ولم يحكم به وحكم بغيره؛ فهؤلاء خارجون عن طاعة المسلمين فلا طاعة لهم على الناس؛ لأنهم ضيعوا مقاصد الإمامة التي من أجلها نصبوا واستحقوا السمع والطاعة وعدم الخروج، ولأن الوالي ما استحق أن يكون كذلك إلا لقيامه بأمور المسلمين، وحراسة الدين ونشره، وتنفيذ الأحكام وتحصين الثغور، وجهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة، ويوالي المسلمين ويعادي أعداء الدين؛ فإذا لم يحرس الدين، أو لم يقم بأمور المسلمين؛ فقد زال عنه حق الإمامة ووجب على الأمة - متمثلة بأهل الحل والعقد الذين يرجع إليهم تقدير الأمر في ذلك - خلعه ونصب آخر ممن يقوم بتحقيق مقاصد الإمامة؛ فأهل السنة عندما لا يجوزون الخروج على الأئمة بمجرد الظلم والفسق - لأن الفجور والظلم لا يعني تضييعهم للدين - فيقصدون الإمام الذي يحكم بشرع الله؛ لأن السلف الصالح لم يعرفوا إمارة لا تحافظ على الدين فهذه عندهم ليست إمارة، وإنما الإمارة هي ما أقامت الدين ثم بعد ذلك قد تكون إمارة برة، أو إمارة فاجرة.(1/118)
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (لابد للناس؛ من إمارة برة كانت أو فاجرة، قيل له: هذه البرة عرفناها فما بال الفاجرة؟! قال: يؤمن بها السبل وتقام بها الحدود ويجاهد بها العدو ويقسم بها الفيء) ((منهاج السنة)) لابن تيمية: ج 1 ص 146.
(297) رواه البخاري .
(298) متفق عليه .
(299) رواه مسلم .
(300) سورة التوبة : الآية، 100 .
(301) صحيح سنن الترمذي: للألباني .
(302) …قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : (حب أبي بكر وعمر، ومعرفة فضلهما من السنة). وقال الإمام مالك رحمه الله: (كان السلف يعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر؛ كما يعلمون السورة من القرآن). أخرجهما اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) .
(303) رواه البخاري .
(304) جمهور الصحابة لم يدخلوا في الفتنة، ولما هاجت الفتنة كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عشرات الألوف فلم يحضرها منهم مائة؛ بل لم يبلغوا ثلاثين. كما رواه الإمام أحمد في : ((مسنده)) بسند صحيح عن ابن سيرين، وعبد الرزاق في: ((المصنف)) وابن كثير في تاريخه: ((البداية والنهاية)) .
(305) رواه مسلم .
(306) …وقد وقع بين عبيد الله بن عمر، وبين المقداد كلام؛ فشتم عبيد الله المقداد، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (علي بالحداد أقطع لسانه لا يجترئ أحد بعده فيشتم أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ). أخرجه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) .
(307) صحيح سنن الترمذي: للألباني .
(308) رواه البخاري ومسلم .
(309) رواه مسلم .
(310) رواه مسلم .
(311) وكيف لا نحبهم ونحن نصلي ونسلم عليهم بعد رسولنا صلى الله عليه وسلم في كل صلاة! .
(312) سورة الأحزاب : الآيتين، 32 - 33 .
(313) رواه البخاري .
(314) صحيح سنن أبي داود: للألباني .
(315) رواه مسلم .
(316) سورة المائدة : الآية، 3 .
(317) متفق عليه .
(318) رواه مسلم .
(319) رواه مسلم .(1/119)
(320) …أول بدعة ظهرت في الدين التفريق بين الصلاة والزكاة، وادعاء أن الزكاة لا تؤدى إلا للرسول صلى الله عليه وسلم فتصدى لهم الصديق - رضي الله عنه - وقاتلهم وقضى عليهم قبل أن يستفحل أمرهم، ولو تركهم على ذلك لأصبحت دعواهم ديناً إلى يومنا هذا، وفي عهد عمر ظهرت بعض البدع الصغيرة فأماتها رضي الله عنه ، وفي عهد عثمان حدثت أوائل الفتنة الكبرى وهي الخروج على الإمام الحق بالسيف، وانتهت بدعتهم بمقتله رضي الله عنه ، وكان هذا بداية فتنة الخوارج إلى يومنا هذا ثم توالت البدع؛ فجاءت القدرية، والمرجئة، والرافضة، والزنادقة، والفرق الباطنية، والجهمية، ومنكرو الأسماء والصفات .. إلى غيرها من البدع، وكلما ظهرت البدع كان أهل السنة لهم بالمرصاد، ولا يزال الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل باقيا إلى يومنا هذا وإلى يوم الدين، وأهل السنة يكشفون اللثام في كل زمان ومكان عن كل قول أو فعل يخالف القرآن والسنة وإجماع الأمة .
(321) ((التذكرة)) للإمام النووي.
(322) ((كتاب أصل السنة واعتقاد الدين)) للرازي.
(323) ((شرح السنة)) للإمام أبي محمد الحسن بن خلف البربهاري.
(324) رواه البخاري.
(325) حكم الصلاة خلف أهل البدع:
اعلم أن خلاصة أقوال أهل السنة في هذه المسألة ما يلي: أن الصلاة لا تجوز خلف الكافر الأصلي والمرتد. ترك الصلاة خلف مستور الحال ومن لم تعرف عقيدته؛ بدعة لم يقل به أحد من السلف. الأصل النهي عن الصلاة خلف المبتدع تقبيحاً لبدعته وتنفيراً عنه؛ فإن وقعت صحت.
حكم ترك الصلاة والترحم على أهل البدع:
إن من مات كافراً أصلياً، أو مرتداً عن دينه، أو كفر ببدعته وأقيمت عليه الحجة بعينه؛ فإنه لا تجوز الصلاة، ولا الترحم عليه، وهذا مجمع عليه.(1/120)
من مات عاصياً، أو متلبساً ببدعة لا تخرج من الدين؛ فإنه يشرع للإمام ولمن يقتدي به من أهل العلم ترك الصلاة عليه زجراً للناس وتحذيراً لهم من معصيته وبدعته، ولا يعني تحريم ذلك على الجميع؛ بل الصلاة عليه والدعاء له فرض كفاية، ما دام أنه لم يمت كافراً وصار ممن يحكم عليه بالخلود في النار.
(326) أخرجه الإمام اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)). وابن بطة في : ((الإبانة)) .
(327) المرجع السابق .
(328) أخرجه الإمام اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)). وابن بطة في : ((الإبانة)) .
(329) المرجع السابق .
(330) أخرجه الإمام اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)).
(331) المرجع السابق .
(332) رواه ابن وضاح في : ((البدع والنهي عنها)) .
(333) المرجع السابق .
(334) أخرجه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه .
(335) ((المدونة الكبرى)) للإمام مالك .
(336) ((مختصر كتاب الحجة على تارك المحجة)) نصر بن إبراهيم المقدسي .
(337) ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي .
(338) المرجع السابق .
(339) ((كتاب السنة)) لعبد الله ابن الإمام أحمد .
(340) رواه ابن بطة في : ((الإنابة)) .
(341) رواه ابن بطة في : ((الإنابة)) .
(342) أخرجه اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)).
(343) انظر ((عقيدة السلف أصحاب الحديث)) لشيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني .
(344) ((شرح السنة)) للإمام البغوي .
(345) ((شرح السنة)) للإمام البغوي .
(346) ويشترط في تغيير المنكر شروط منها: 1- أن يكون الناهي عن المنكر عالماً بما ينهي عنه. 2- أن يتأكد بأن معروفاً قد ترك وأن منكراً قد ارتكب. 3- أن لا يغير المنكر بمنكر. 4- وألا يؤدي تغيير هذا المنكر إلى منكر أكبر منه .
(347) سورة آل عمران : الآية، 110 .
(348) رواه مسلم .
(349) سورة النحل : الآية، 125 .
(350) سورة لقمان : الآية، 17 .(1/121)
(351) رواه مسلم .
(352) سورة المؤمنون : الآيتين، 1-2 .
(353) رواه البخاري .
(354) سورة الزمر : الآية، 10 .
(355) صحيح سنن الترمذي: للألباني .
(356) متفق عليه ..
(357) سورة الشورى : الآية، 30 .
(358) سنن الترمذي: للألباني .
(359) سنن الترمذي: للألباني .
(360) سنن الترمذي: للألباني .
(361) سنن الترمذي: للألباني .
(362) سورة الزمر : الآية، 3 .
(363) سورة الحج : الآية، 32 .
(364) رواه مسلم.
(365) رواه البخاري.
(366) سورة الحجرات : الآية، 12 .
(367) متفق عليه.
(368) صحيح سنن الترمذي : للألباني.
(369) سورة آل عمران : الآية، 134 .
(370) سورة العنكبوت : الآية، 8 .
(371) رواه مسلم.
(372) سورة آل عمران : الآية، 134 .
(373) …الدعوة إلى منهج السلف الصالح؛ تهدف إلى بناء جيل موافق للجيل الأول الذي تربى على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مدح الله رسوله بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وليس المقصود مجرد الموافقة في العقائد - وإن كانت العقائد هي الأصل الأول والأهم - ولكن المقصود أن نوافقهم في كل أمر من أمور ديننا العظيم، لأن منهج السلف الذي ندعو الناس إليه ليس علماً في الذهن المجرد وإنما يشمل منهجهم في العقيدة والتصور والسلوك والأخلاق، ومع الأسف أننا نجد - في عصرنا الحاضر - أن هذا الأمر المهم من منهج السلف لم يأخذ حقه من الاهتمام والعناية والتربية. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إنما بعثت لإتمم مكارم الأخلاق)) فالسلف اقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلقوا بأخلاقه وامتثلوا أوامره، وكانوا كما قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وإذا أردنا النجاة فعلينا بما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم أجمعين .
(374) ((البدع والنهي عنها)) لابن وضاح .
(375) رواه ابن بطة في : ((الإبانة)) .
(376) أخرجه البغوي في : ((شرح السنة)) .(1/122)
(377) أخرجه الدارمي في : ((سننه)) .
(378) رواه اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) .
(379) المرجع السابق .
(380) رواه ابن بطة في : ((الإبانة)) .
(381) أخرجه ابن أبي شيبة في : ((المصنف)) .
(382) رواه ابن بطة في : ((الإبانة)) .
(383) رواه البخاري ومسلم .
(384) أورده ابن قدامة في : ((لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد)).
(385) أخرجه الخطيب في : ((شرف أصحاب الحديث)).
(386) ((البدع والنهي عنها)) لابن وضاح.
(387) رواه اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) .
(388) المرجع السابق.
(389) أخرجه البغوي في : ((شرح السنة)).
(390) أخرجه البيهقي في : ((السنن الكبرى)).
(391) أخرجه الخطيب في : ((الفقيه والمتفقه)).
(392) رواه ابن بطة في : ((الإبانة)).
(393) أخرجه الخطيب في : ((الفقيه والمتفقه)).
(394) ((مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة)) للسيوطي.
(395) البغوي في ((شرح السنة)).
(396) ((الاعتصام)) للإمام الشاطبي.
(397) رواه اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) .
(398) ((البدع والنهي عنها)) لابن وضاح.
(399) ((الاعتصام)) للإمام الشاطبي.
(400) ((زاد المعاد)) لابن القيم.
(401) أخرجه الترمذي في : ((سننه)) بسند حسن.
(402) رواه عبد الرزاق في : ((المصنف)) بسند صحيح.
(403) رواه اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) .
(404) المرجع السابق.
(405) رواه اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) .
(406) المرجع السابق.
(407) رواه أبو داود في : ((سننه)) .
(408) ((البدع والنهي عنها)) لابن وضاح.
(409) رواه اللالكائي في : ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) .
(410) أخرجه الخطيب في : ((شرف أصحاب الحديث)) .
(411) أخرجه الخطيب في : ((شرف أصحاب الحديث)) .
(412) سورة فصلت : الآية، 33 .(1/123)
(413) رواه ابن عبد البر، في : ((جامع بيان العلم)) ص : 247 .
(414) رواه الخطيب، في : ((الكفاية في علم الرواية)) ص : 196 .
(415) رواه ابن عبد البر، في : ((جامع بيان العلم)) ص : 248 .
(416) انظر : ((الاعتصام)) للإمام الشاطبي .
(417) سورة الجاثية : الآية، 18 .
(418) سورة البقرة : الآية، 130 .
(419) سورة النساء : الآية، 125 .
(420) سورة الأنعام : الآية، 135 .
??
??
??
??
الدرر السنية www.dorar.net
16(1/124)