النفخة على النفحة والمنحة
لمؤلفها
الشيخ ناصر الدين الحجازي الأثري
رحمه الله تعالى
عُني به عبد العزيز بن محمد بن علي آل عبد اللطيف
شبكة نور الإسلام
www.islamlight.net
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين
وعلى آله وصحبه أجمعين .
فإنّ هذه الرسالة الموسومة بـ ( النفخة على النفحة والمنحة ) ذبٌّ عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى - وردٌّ على دعاوى وأكاذيب سوّدها عبد القادر الاسكندراني 1 في رسالته ( النفحة الزكية في الردِّ على شبه الفرقة الوهابية ) وقد تميّز هذا الرد الموجز بمزايا عديدة منها : قوة الرد ، وإفحام الخصم ، والاحتجاج عليه بكلامه ، وسعة اطلاع المؤلف على المطبوع والمخطوط ، كما كان الرد موضوعيَّاً وبعيداً عن الحدة وغَلَبَة العاطفة ، وتميَّز الرد أيضاً بالتثبت في النقل والدليل في الدعوى - إن كنت ناقلاً فالصحة ، أو مُدَّعِياً فالدليل - .
ونلحظ في الردّ العظة والتذكير للمخالف بلقاء الله تعالى ، وأن الله مطَّلع على السرائر ، كما يظهر في ثنايا الردّ الشفقة والرحمة بالمخالف والدعاء له بالهداية ، كما سلك المؤلف مسلك الشدَّة والصرامة في بعض المَواطن ، واستعمل أسلوب التنزل مع المخالف .
وقد طُبِعَت هذه الرسالة لأول مرَّة سنة (1340هـ ) ، وها هي الطبعة الثانية سنة (1421هـ ) مع تصحيح لأخطائها ، وتعليق على مواضع منها .
وأما عن مؤلف هذه الرسالة ، فقد ذَكَر الشيخ عبد الله البسَّام أن ناصر الدين الحجازي هو الشيخ العلامة محمد بن علي بن تركي رحمه الله ( ت 1380هـ ) 2 والله أعلم .
أسأل الله أن يرحم صاحب هذه الرسالة ، وأن ينفع بها ، وبالله التوفيق .
****
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين ,(1/1)
وصلى الله علي سيدنا محمد الذي أمرنا تعالى بالصلاة عليه بقوله : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) (الأحزاب :56) .
وعلى آله الكرام وصحبه مدى الدوام ، وبعد :
فإنني بينما كنت سائراً في إحدى طرق مدينة دمشق إذ بصرت برجل عليه سيما العلم وبيده رسائل يوزعها على من لقيه في طريقه ، فقلت : يا للغربة ، إن هذا لنبأ غريب . وكل غريب للغريب نسيب ، فدنوت منه فأهداني رسالة وهو يرتجف ويحرك شفتيه ويصوب نظره ، ويشير إلى أنه أبدع فيما كتب ، وتناول مقال الحق من كثب ، فقلت : لا بأس هذا شأن من يفرح إذا كتب سطراً ، ومن بعد الحصر والعي قال شعراً ، فذهبت إلى مسجد من مساجد البلد وإذا رجل من أهل العلم جالس به ، فلما أبصرني والرسالة بيدي ، هزَّ رأسه ، وقال لي : ما هذه الرسالة ؟ فقلت له : رأيت عنوانها ، وإن من حاكها أسماها ( النفحة الزكية في الردِّ على شبه الفرقة الوهابية ) ، ومؤلفها يزعم أنه من أكابر علماء دمش ، يقال له : الشيخ عبد القادر الاسكندراني المنتحل لنفسه لقب الكيلاني ، فقال لي : يا أخي : إنك لست من أهل البلد ، وليس لك خبرة فيما هناك ، إن مدَّعي هذه الرسالة شن الغارة على كتاب ( الفجر الطالع ) لجميل صدقي الزهاوي (3) ، وعلى ما لفَّقه الشيخ دحلان 4
فأخذ ما اختراه منهما ، ولم يزد من عنده إلا أحرفاً يسيرة ، فدهشت لذلك ، وأخذت الرسالة أتصفحها ، وأملي على مواضع منها ، تنبيهاً لمؤلفها عساه إذا رجع إلى تأليف غيرها أن يعلم قاعدة المحققين في الردِّ أنهم ينزهون أنفسهم عن السباب والشتم لمن يردن عليه ، ويجعلون نصب أعينهم قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )) ( الحجرات : 6) .(1/2)
ثم يأخذ جملة من كلامه فيبين الغلط فيها ، ثم جملة حتى يستوفي الكلام بلا تحامل ولا اعتساف ، وأن يتلو قوله تعالى : ((ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ )) (الزمر :31) .
وليعلم أنه إذا اشتم تلك النفخة وثاب إليه رشده قابل الضد بالضد ، ورجع من بعد وصالها إلى الصد ، ولكن
وكلٌّ يدَّعى وصلاً لليلى وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا
وحيث إن ذلك الفاضل لم يسلك في ردِّه مسلك فن الجدل والأصول والمنطق ، جاريناه على مسلكه وقلنا إننا نلوي العنان عن ذلك ، ونرجع إلى المقصود خدمة للحقيقة فنقول : صدَّر صاحب النفحة رسالته بما لفَّقه الشيخ أحمد دحلان في آخر تاريخ أمراء البيت الحرام فسلك موطئ قدمه حذو النعل بالنعل بلا تأمل ولا تدبر ، ولا شك أن الله تعالى يجمع الكل يوم القيامة ثم ينبئهم بما كانوا يعملون .
وقبيح بمؤلف يملأ كتابه بالافتراء والتعدي ، وفي قصة الإفك أعظم رادع لمن كان يؤمن بالله ورسوله ويطلب النجاة لنفسه فيحاسبها خالياً ((وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ )) (الذاريات:21) .
ومهما تملق المتملقون واستتر المرواءون فإن الله لا تخفى عليه خافية ، ولا بد أن يشف الباطل عن الحق فيظهر ناصعاً واضحاً .
وإليك جملاً من كلام صاحب الرسالة تدل على افترائه بما ادعاه :
قال مستدلاً على جواز السبِّ والشتم بحديث : (( اذكروا الفاسق بما فيه يحذره الناس )) 5(1/3)
أقول : أخرج هذا أبو يعلى الموصلي وغيره بلفظ : (( اذكروا الفاجر بما فيه )) وذكره السخاوي في المقاصد الحسنة ، وقال : هذا الحديث لا يصح . وقال ملا علي القاري في كتابه (( الموضوعات )) : قال : العقيلي : ليس لهذا الحديث أصل ، وقال القلانسي : إنه منكر ، وقال المنوفي : وحسّنه الهروي وليس كذلك ، فقد صرح جمع من محققي الحفاظ بأنه منكر موضوع لا أصل له ، وصاحبنا زاد عليه : يحذره الناس . ولو أنصف المستدل لعدل عن هذا اللفظ الموضوع إلى ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تسبوا الأموات ، فإنهم أفضوا إلى ما قدَّموا )) انتهى .
ومن طبعه الوقوع في أعراض الناس يرى لذلك لذة ولا يحلو في ذوقه إلا الغيبة والنميمة واتباع الهوى .
قال عن محمد بن سعود أمير الدرعية بلاد مسيلمة .
أقول : هب أننا سلمنا أنها بلاد مسيلمة ، فما الذي تراه من ذمها 6؟ أليست مصر كانت بلاد فرعون وهامان وقارون ؟ وما الاسكندرية إلا من بعض بلاد مصر 7 .
أليست بابل كانت بلاد نمرود ؟ أليست مكة كانت موطن أبي جهل وأبي لهب وأضرابهما ؟ ألسيت فلسطين كانت بلاد قوم لوط ؟ هل ضر هذه البلاد شيء من ذلك أم هل تناقص قدرها ؟ ألم تعلم أن أول من أسس هذا القياس مَنْ أخبر الله عنه أنه قال : (( أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ )) (الأعراف :12) .
وما إخالك يا رعاك الله إلا أنك بعد هذا تتبع الحق وتحسن النظر في القضية .
قال : وممن أخذ عنهم الشيخ محمد حياة السندي ، والشيخ محمد بن سليمان الكردي 8 ، وكانا يتفرسان فيه الإلحاد ويحذران الناس من دسائسه .(1/4)
أقول : لو أنصف الكاتب لعلم أنه يطعن في هذين العالمين ، وذلك أن كلاً منهما أجاز ابن عبد الوهاب بإجازة مطولة ، وأجاز له أيضاً الشيخ عبد الله بن إبراهيم 9 نزيل المدينة والمشهور بها ، كما ذكره صاحب كتاب التوضيح عن توحيد الخلاق 10 وأخذ أيضاً عن الشيخ إسماعيل العجلوني محدث الديار الشامية ، والشيخ علي أفندي الداغستاني ، وكلهم أجاز له ، فكيف يتفرسان فيه الإلحاد ويجيزانه ويمدحانه في إجازتهما ، وهل هذا إلا مكابرة إلى غير ذلك من مما افتراه من غير دليل ولا ثبت سوى سوء الظن بذلك الرجل، فالله يلهمنا رشدنا ويهدينا سوءا السبيل .
(( ادعي ذلك الكاتب أنه يتعجب من شرذمة تروِّج في دمشق العقيدة الفاسدة والآراء المضللة .. إلخ )) .
أقول : يا لله العجب ، هل من يدعو إلى الله ورسوله وإلى عقيدة السلف يُعَدّ ضالاً مضلاً ، والذي يدعو إلى التُرَّهات يعدّ صالحاً ؟ على رسلِك ، تمهل وانظر ما كان عليه السلف الصالح والأئمة المجتهدون من الاعتقاد ، وتأمّل مقالات أبي الحسن الأشعري في (( الإبانة )) وعقيدة الإمام الطحاوي ، وما قاله الإمام البيهقي في كتاب (( الأسماء والصفات )) وما قاله الإمام الذهبي وغيرهم من أساطين العلماء في التوحيد ، ثم ارجع إلى نفسك وقل ما شئت ، وتأمّل أيضاً ما قاله علماء المذاهب الأربعة الموثوق بهم فيما الناس عليه من البدع ، ثم احكم بما شئت (( ألم يأتيك والأنباء تنمى )) بما قال الإمام الشاطبي وابن الحاج في ( المدخل ) وأبو شامة في كتابه ( الباعث ) ، وابن وضّاح وغيرهم من الأئمة ، فإن كنت تعد أمثال هؤلاء وهابية فيا برد الذي قالت على كبدي .
قال : كان ابن عبد الوهاب مولعاً بمطالعة أخبار من ادَّعى النبوة كاذباً كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي وطليحة الأسدي وسجاح وغيرهم ، وكان يضمر في نسفه دعوى النبوة ، إلا أنه لم يتمكن من إظهارها .(1/5)
أقول: ( من كان يخلق ما يقول فحيلتي فيه قليلة ) ولكني أقول : كأن صاحب الرسالة ذهل عن قاعدة : (( إن كنت ناقلاً فالصحة ، أو مدعياً فالدليل )) ، فإن كنت مقلداً لدحلان في نقلك ، أليس لك ما تميز به بين الغث والسمين ، فتعلم أنه ما نقل عن هؤلاء القول إلا فكاهات تضحك الثكلى ، ويهزأ بها الطفل الصغير ، فكيف يقبلها عقل رجل بلغ من الذكاء أن أرجع أمة من الجهل إلى العمل بالكتاب والسنة ، وإن كنت تنكر عليه بعض مبالغات وُجِدت في رسائله ، فإنما هي لحكمة تعلمها أنت وهي أنه إذا تمكنت البدع من النفوس وصعب استئصالها ، قاومها الناصح بالشدة وهوّل أمرها ؛ ليتمكن من قلع أصولها ، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام : (( مَنْ أتى عرَّافاً أو كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر11 بما أُنزِل على محمد )) أن أساطين العلماء حمله على التغليظ 12 ولا يعاملون معاملة الكافر 13 المعاند ، وإنما هوّل الأمر لينكف الفاعل عن فعلته ، وتأمل أمثال ذلك في الكتاب العزيز وفي السنة الغرَّاء ، فإنك تجد الأمر جلياً واضحاً ، وابن عبد الوهاب لمَّا رأى قوماً تمَكَّنَت الجاهلية من نفوسهم قبَّحها أشد تقبيح ، وهوّل أمرها حتى تمكَّن من استئصالها ، وقد وفَّقه الله تعالى لذلك ، فيا أيها العزيز الكريم : احمل الناس ولا سيما العلماء على أحسن المحامل ، ولا تظن أن رجلاً مثل هذا يكفِّر المسلمين ، ولكن قل : إنه سلك مسلك الحديث الآتي : (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )) 14 في التغليظ ، وليس يريد كفراً أو شركاً ككفر المشركين الخُلَّص ، وانظر في كتب الصوفية كيف يجعلون الرياء شركاً خفيّاً ، وطالع كتب المَهَرة منهم كيف يشددون النكير على من مال قلبه في صلاته إلى غير الله ، تَعْلَم مقاصد العلماء ، وما إخالك إلا أنك تعلم ذلك ، لا تريد التكلم به لأمر يعلمه الله تعالى .(1/6)
وأما قولك : وكان يضمر في نفسه دعوى النبوة إلا أنه لم يتمكن من إظهارها . فهذه دعوى كشف واطلاع على ما في القلوب ، فهي بين أمرين : إما تصريح بالكذب ، وإما مشاركة الله تعالى في قوله : (( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ )) (غافر :19) .
فاختر أي الشقين شئت ، وإن كنت مدَّعيا فعليك الدليل من كتبه التي طُبِعت في الهند وفي مصر ، وسارت في الأقطار ، وأما باقي ما نسبته إليه فأشياء التقطتها من أفواه الأعداء والرعاع ، والعاقل لا يقيم لذلك وزناً ، وهَبْ أن بعضها صحيح ، فإنها جارية على النمط الذي قدَّمناه ، وما يوضِّح ذلك افتراء مَنْ نَسَبَه إلى دعوى النبوة أن الاجتهاد أدنى من دعوى النبوة بلا شك ، ومع ذلك فإنه لم يدِّع الاجتهاد في الفقه ، ونادى على نفسه أنه مقلِّد في الفروع للإمام أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه وألّف في مذهبه كتاباً مستمداً من ( الشرح الكبير ) لشمس الدين المقدسي ، ومن كتاب ( الإنصاف ) للقاضي المرداوي ، وليس له فيه ترجيح ولا دعوى اجتهاد ، والكتاب موجود في خزانة الكتب الخدوية 15 في مصر ، وليس له بعده سوى رسائل تشبه المكاتبات ، فيالله والإنصاف .(1/7)
أما دعواك أنه كان يكفِّر جماعة من أكابر العلماء كالغزالي والشيخ الأكبر16 والبوصيري ، فهذا شيء لم نَرَه في كتبه ، وهَبْ أن الأمر كذلك في حق الأولين ، فتلك مناقشات تجري بين العلماء ولا يريدون بها إلا إظهار الحق ، وإن كنت في ريب من ذلك ، فانظر ما كتبه البقاعي صاحب (( التفسير )) وغيره على كلمة الغزالي : (( ليس في الإمكان أبدع مما كان )) وما اعترض به الجمُّ الغفير من فطاحل العلماء على مقالات الشيخ الأكبر وما انتصر به محبوه له ، وهذا شأن العلماء ، فدخول المقصرين بينهم بمجرد الميل القلبي والمحبة دخول على حد المثل العامي (( جاء الأمراء يحدون خيلهم فمدت الخنفساء رجلها )) ، نعم ، لك في الدخول عذر وهو أنك رأيت العامة يميلون لهذين الرجلين فقصدت إلقاء عدواة الرجل في القلوب بسببهما ، مع أنه لم يناقشهما ولم يعترض لهما ، وإنما المعترض غيره .
وأما البوصيري فالمتكلم عليه غير ابن عبد الوهاب في رسالة صغيرة مطبوعة في تجمع رسائل بمبطع هندي ، وذلك الرجل لم يتكلم إلا على بيت واحد في البردة وهو قوله :
يا أكرم الخلق ما لي مَنْ ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
وخلاصة الاعتراض أنه ناقشه في بحث بياني فقال : إن الاستثناء بعد النفي يفيد الحصر 17 وهذا لا تنكره أنت ولا غيرك ، وإذا كان الأمر كذلك ، فالبوصيري حصر المطلوب في النبي صلى الله عليه وسلم ،ولم يتجاوزه إلى الله جلَّ وعلا ، ومثل هذا ينكره السيد الأعظم صلى الله عليه وسلم ، وما إخالك تسلم بأن يكون الله تعالى في مثل ذلك الوقت العظيم نسياً منسياً ، وإن كنت تحبُّ ذلك فلك رأيك .
وأما إيمائك بأنه اعترض على البوصيري في مدح النبي صلى الله عليه وسلم فتلك مغالطة يُراد بها التمويه وتضليل الأفكار ، ومثل هذا يستحيل وقوعه من عاقل ، بعد أن مدحه الله تعالى في كتابه العزيز ، فالحذر من تفريق الكلمة بالمغالطات أيها الناصح الأمين .(1/8)
وأما دعواك بأنه كان يصرح بتكفير الأمة منذ ستمائة سنة ويُكَفِّر كل من لا يتبعه ، ويثبت الإيمان لمن اتَّبعه ، وكان ينقص قدر النبي صلى الله عليه وسلم بعبارات أُنَزِّه نفسي عن كتابتها ، وأنه كان يكره الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه أحرق كثيراً من كتب أهل السنة والحديث ، إلى غير ذلك مما لا أريد أن يكتبه قلمي ، فبالله عليك تثبت في النقل وكن منصفاً خائفاً من الله عز وجل ، واعلم بأنك مُحَاسَب غداً على جميع ما يصدر عنك ، فإنّ الرجل قد قدم على ربِّه ولم نجد شيئاً من هذا في كتبه ، ولا أخبر به الثقات عنه ، وهؤلاء الذين تدَّعى أنهم من أتباعهم إذا خاطبت العامي منهم وجدته إما حافظاً لكتاب الله تعالى جميعه ، وإما حفاظاً لأكثره ، ولوجدته مستحضراً لكثير من الأحاديث المروية في الصحيحين وفي السنن ما لم يستحضره أكبر عالم في مسقط رأسك .
وإذا قابلت عامتهم بعامة بلادك لم يسعك إلا أن تنادي بأنهم علماء ، فأنصف من نفسك ولا تخطَّ بيدك إلا شيئاً يسرك في القيامة أن تراه ، وإذا نقبت عن خزائن الكتب في بلادهم وجدت أكثرها كتب الحديث الموثوق بها ، ووجدتها قد ضمَّت في بطونها تفاسير القرآن الكريم المبنية على الأثر كتفسير الطبري ، وما كان موجوداً قبل طبعه إلا في بلادهم 18 وكتفسير ابن كثير ذلك الحافظ المشهور وأمثال هذه النفائس .
ولو تأملت صلاتهم لوجدتهم يجعلون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركناً من أركان الصلاة في التشهد الأخير ، وغيرهم يجعلها سنة ، فكيف تدَّعي أنهم يكرهون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، بل قد قال كثير من علماء مذهبهم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة كلما ذكر .(1/9)
أما إنه كان يمنع من زيارة الرسول ولا يأخذ بأقوال المجتهدين إلى آخر ما ادعيته فأظنك تصوَّرت رجلاً خياليّاً على سبيل التجريد ، ونسبت إليه ما قلت ، سامحك الله ، ألم أقل فيما سبق أنه له كتاباً في الفقه وأخبرتك عن محل وجوده ؟ فإن كنت تحب الحق فاكتب إلى مَنْ شئت يتصفح الكتاب ويخبرك هل يجد فيه شيئاً من ذلك ؟ على أن من ينكر أقوال المجتهدين لا يؤلف كتاباً في مذهب أحدهم ، ولكن بعض الناس أسراء لتقليد بعضهم بعضاً في النقل من غير تمحيص ، وإذا قام في ذهنهم بغض شخص نسبوا إليه كل نقيصة ، وألصقوا به كل افتراء ، وليس هذا من مذهب المسلمين ولا المسيحيين ولا موسويين ، على أننا لا ندَّعي العصمة للرجل ولا ندافع عنه ، وإنما قصدنا إظهار الحق ، وكل إنسان لا يخلو من هفوات ، ويأبى الله العصمة إلا لكتابه ، غير أن ا لافتراء شديد الوطأة على العقلاء ، وأكل لحوم الناس موتى نهى عنه الله تعالى في كتابه العزيز ، بل وأي مسلم يمنع من زيارة الرسول ، فاتق الله يا هذا واترك مسائل قد فرغ منها ودعنا من التُرَّهات والأباطيل.
من أنبأك أنه كان ينهى عن الدعاء بعد الصلاة ؟ وهب أن الأمر كان كذلك ، فأنت أقمت له العذر من نفسك وقلت أنه كان يقول : تطلبون أجراً على الصلاة ! فأقمته مقام العارفين بالله تعالى وأنت لا تشعر ، ولا يَعْزُب عن ذهنك أن هذا مقام يحوم حوله العارفون حتى نقل عن رابعة العدوية أنها كانت تقول : (( إلهي ، ما عبدت خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ، ولكن عبدتك ابتغاء وجهك الكريم )) 19 وقال تعالى :
((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )) ( البينة : 5) .
وإذا دققت أقوال الصوفية الحقيقيين تراهم يجعلون الصلاة لأجل الأجر شِركاً ، وأظن أنك كثيراً ما تذكر هذا في دروسك العامة ، فكيف تنكره على غيرك ؟ .(1/10)
تدَّعي أنه كان يحقر الأئمة ويقول إن الشريعة واحدة ، فما بال هؤلاء جعلوها مذاهب أربعة ، فلو أصغيت لكلامك وتأملته لدخل ميدان قلبك شيء ، فأما دعوى التحقير فدعوى بلا دليل ، وأما كون الشريعة واحدة فهذا حق عند كل عاقل ، فاجعلها أنت متعددة ولك الخيار ، وأما ادعاء أن كل مذهب شريعة كما يلوح من خلال كلامك فذلك لا أصل له ، ومتى رأيت المذاهب يخالف بعضها بعضاً في الأصول ، أو رأيت أحد الأئمة يقول : الشريعة كذا وكذا ويخالفه الآخر ، وما الأئمة كلهم إلا يخدمون شريعة واحدة ، غاية ما اختلفوا فيه فروع اجتهادية ، هذا يقول : ظهر لي أن الحكم كذا ،وهذا يقول : ظهر لي أن الحكم على خلافه ، وما أحد منهم قال: إن مذهبي هو الشريعة ، وخالفه الآخر فقال : لا ، إن الشريعة هي مذهبي . معاذ الله أن يصدر منهم ذلك ، فأنت الذي حقرت الأئمة لا غيرك .
قال بعد أن وصف أكثر أهل جزيرة العرب بالجهل والجفاء وخشونة الطبع : اتفق لي أن مفتي تيمة وهو عبد الله بن خلف 20 طلب منه أن يقرأ عليه في النحو والصرف ، فكان يحضره مع صغار الطلبة ، وكذلك القاضي الشيخ عبد الله بن مرعي 21 قرأ عنده من الكتب العربية ما هو أدنى من كتاب القطر 22 إلى آخر ما أطال به .(1/11)
أقول : واعجباً من هذا القياس ، أما ابن خلف فما أكثر المسميين بهذا الاسم في البلاد النجدية ، وهب أنه هو الذي عناه ، فما هو إلا رجل رماه الدهر بمن لا يحسن التعليم أياماً ، ثم لمَّا لم يجد نفعاً ترك القراءة ففتح الله عليه عند معلم آخر فليت شعري هل قراءة قطر الندى من الذنوب التي لا تغتفر ، أم قراءته من الأفعال التي يُعاب فاعلها ، وأما ابن مرعي فإنه دمشقي الأصل لا نجدي ، ولو سلمَّنا أن هذين من الأغبياء ، هل يُقاس عليهما كل نجدي ، وهل إذا رأينا عشرة من الأغبياء في الاسكندرية نجعل أهل الاسكندرية كلهم أغبياء ، والذي يظهر أن عدم استفادة المتعلم من المعلم يكون إما من عدم معرفة المعلم بذلك العلم ، وإما من عدم إخلاصه ، فتأمَّل ، لكن فات المصنف أن يتذكر قضاة القضوات في سوريا ومفاتيهم ، كذا ظهر لي والله أعلم .
إن المصنف للنفحة ناقض نفسه بنفسه فقال أولاً إن ابن عبد الوهاب لمَّا سوَّلت له نفسه أن يبتدع ديناً جديداً صنَّف رسالة فذكر أوصافها ، ثم قال: تقرأ هذه الرسالة فتراها مفعمة بالآيات القرآنية إلى آخر ما قاله ، فانظر التناقض فإن الذي يستدل بالآيات القرآنية لم يبتدع ديناً جديداً وإنما المبتدع لدين جديد هو من ينبذ القرآن ظهرياً ، ويجعل العادات والبدع ديناً .(1/12)
وناقض نفسه ثانياً فإنه زَعَمَ أولاً بأن صاحب (( الكشف )) 23 كفَّر من يتوسَّل بالرسول عليه الصلاة والسلام 24 ، ثم قال : إن المسلم المتوسل بالرسول لم يعبده ، ولم يتخذه إلهاً .. إلى آخر كلامه ... فانظر إلى هذا التباين وأخبرني مَن الذي يكفر مَنْ يتوسل بالرسول على سبيل التبرك ؟ وهل ندد ابن عبد الوهاب وغيره من العلماء إلا بمن يلوح من فعله وخلال كلامه اعتقاد أن المتوسل به قادر على النفع والضر ، وأنه يغيث عند الشدائد ، ويفرج الكربات ، ويقضي الحوائج 25 ، ولو أنصفت من نفسك ودققت مقالات مَنْ يتكلم في هذا الموضوع لناديت بالإنصاف ملء فيك ، وعلمت أنهم لم يقولوا إلا طبق ما تعتقده في قلبك ، ولو تأملت ألفاظ كثير من العوام خالية عن نداء الله تعالى ، ومفعمة بنداء غيره ، لربما ساءك ذلك ، فبالله عليك هل كان الصحابة على ما بعض الناس عليه اليوم ؟ أم كان عليه التابعون أم الأئمة المجتهدون ؟ فإن جنحتم إلى تأويل ألفاظ العوام الذين لا يعرفون الحقيقة من المجاز ولا فهموا أن في الكلام محذوفاً في قولهم يا فلان ، بأن معناه يا رب فلان رددناه بأن العبرة في الأحكام باللفظ 26 ، ألا يرى أنه لو قال قائل لزوجته : أنت طالق ، ولمَّا دُعِيَ إلى الحاكم لإثبات الطلاق عليه قال : أردت في نفسي إن صعدت إلى السماء ، هل يقبل منه ذلك حكماً ، كذلك من قال عند القيام أو غيره : يا فلان ، لم يقصد سوى أنه ناداه ليعينه ، ولو فرضنا أنه حين ناداه يعلم بأنه لا ينفع ولا يضر ، أليس مقاصد القوم أن يجعلوا العوام معلقين ثقتهم بالله تعالى ، وأن يُعَوّدوا لسانهم على ندائه خوفاً من أن يتسرب إليهم ما تسرب إلى الأمم قبلهم .(1/13)
ومن قواعد الشرع منع الوسائل خوف الوقوع في المقاصد ، فمنع من مغازلة الأجنبية خوف الوقوع في الزنا ، لأن المغازلة سبب له ، إلى غير ذلك مما هو معلوم ، فتأمل وأنصف . ثم إن صاحب النفحة حكى كلاماً طويلاً أجاد فيه ، ولكنه في آخر الأمر جرَّته الحمية إلى أن نسب لجماعة من المسلمين أنهم يعتقدون بأن الله جسم ، فوقع في أعظم مما وقع به ابن عبد الوهاب ؛ لأنه إن كان قال ذلك بأنهم قالوا هذا القول بطريق الدلالة الالتزامية واعتبرها مقبولة ، فيُقال مثلها في حق من دافع عنهم بأن فعلهم يدل على الشرك بطريق الدلالة الالتزامية ، ونحن لا نوافقه على ذلك على أنه لم يبلغنا أن المشركين اعتقدوا أن الله تعالى جسم ، فضلاً عن المؤمنين ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وإن قال ذلك نقلاً عن عقائدهم وكتبهم فليُبيّن لنا النقل ، ثم أتى بالطامة فقال : ( نعم إن الوهابية لمَّا اعتقدوا أن الله جسم استوى على عرشه في السماء لم تجد للتبرك الذي يقصده المسلمون بتوسلهم معنى غير التقرب الذي يكون للأجسام )) .
أقول : كأنه لم يقرأ قوله تعالى : ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ( طه : 5) .
حتى قال : إن الوهابية نسبوا هذه الصفة لله تعالى ، فاعترض بأنه يلزم من الاستواء الجسمية ، وحيث إن دلالة الالتزام معتبرة عنده في الاعتقاد ، يكون قد نسب القول بالجسمية إلى سائر السلف حتى إلى الصحابة والتابعين والأئمة رضوان الله عليهم ، بل وإلى الإمام الأشعري ، فإن ذلك الإمام صنَّف آخر أمره كتاباً سمَّاه (( الإبانة )) بيَّن فيه عقيدته ، والكتاب طبع في مطبع الهند ونقل معظمه الحافظ ابن عساكر في كتابه (( الانتصار )) 27 .(1/14)
ومما قال الأشعري في هذا الكتاب : (( وجملة قولنا : أن نُقر بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وبما جاء من عند الله ، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا نرد من ذلك شيئاً )) ثم قال : (( وأن الله استوى على عرشه كما قال : ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، وأن له وجهاً كما قال : ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )) (الرحمن :27) .
وأنه له يدين كما قال : (( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)) ( المائدة : 64) .
وأن له يدين كما قال : ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )) ( ص 75) .
وأن له عينين كما قال : ((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا )) (القمر : 14) . إلى أن قال - : نثبت لله علماً ونثبت لله قوة كما قال :(( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً )) ( فصلت : 15) .
ونثبت له السمع والبصر ولا ننفي ذلك ما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج ، ونقول : إن كلام الله غير مخلوق ، وأنه لم يخلق شيئاً إلا وقد قال له : ((كُن فَيَكُونُ )) ( البقرة : 117) .(1/15)
، وأنه لا يكون شيء من خير وشر إلا ما شاء الله ، وأن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله الله ، ولا يستغني عن الله ، ولا يقدر على الخروج من علم الله ، وأنه لا خالق إلا الله ، وأن أعمال العبد مخلوقة لله، مقدورة له ، كما قال تعالى : (( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )) ( الصافات : 96) . إلى أن قال : - وإن الخير والشر بقضاء الله وقدره ، وأنَّا لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ، وأنا نلجأ في أمورنا إلى الله ، ونثبت الحاجة والفقر إليه في كل وقت ، وندين بأن الله يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر - إلى أن قال - : وندين الله بأن الأئمة الأربعة راشدون مهديون ،ونصدق بجميع الروايات التي أثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا ، وأن الربَّ يقول : ( هل من سائل ، هل من مستغفر) ،وسائر ما نقوله وأثبتوه ، ونُعَوِّل فيما اختلفنا فيه على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين
. ، وما كان في معناه ، ولا نبتدع في دين الله بدعة لم يأذن الله بها ، ونقول : إن الله يجيء يوم القيامة كما قال تعالى : ((وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً )) ( الفجر : 22) .
وأن الله يقرب من عباده كيف شاء ، كما قال تعالى : ((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )) ( ق : 16) .
وكما قال تعالى : ((فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى )) ( النجم : 9) .
ثم قال الإمام الأشعري في الردِّ على المعتزلة : (ودفعوا أن يكون لله وجه مع قوله : : ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )) (الرحمن :27) .
وأنكروا أن يكون له يدان مع قوله جل وعلا : ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )) ( ص 75) .
وأنكروا أن يكون له عينان مع قوله تعالى : ((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا )) (القمر : 14) . وقوله تعالى : (( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي )) ( طه : 39) .(1/16)
وإلى غير ذلك مما ذكره في كتابه (( الإنابة )) وكأني بمجازف يدَّعي أن الكتاب المذكور المطبوع في الهند مدسوس على الأشعري ويقيم دليلاً على ذلك نسبة التأويل إليه ، فنقول : إن الحافظ علي بن عساكر من أكثر أتباعه انتصاراً له حتى ألّف في الانتصار له كتاباً سمَّاه (( تبيين رد المفتري على الأشعري )) وقد رأيته في إحدى خزائن الكتب في دمشق ، وقد أثبت أن هذا الكتاب له ، ونقل منه نحو خمس ورقات ، ونقل عنه في أثنائها أنه قال : (( فإن قال قائل : قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية ، والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرِّفونا قولكم الذي تقولون ، وديانتكم التي تدينون بها ؟ قيل له : قولنا الذي به نقول وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم : وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ، ونحن بذلك معتصمون ، وبما قاله أحمد بن حنبل نضَّر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ، ولمن خالف قوله مجانبون )) ، ثم سرد عقيدته كما تقدم بعضها .
ثم قال ابن عساكر : (( فتأملوا رحمكم الله هذا الاعتقاد ما أوضحه وأبينه )) ، فاعترفوا بفضل هذا الإمام العالم الذي شرح وبيَّن ، ثم قال : (( إن أصحاب الأشعري يعتقدون ما في (( الإنابة )) أشد اعتقاد ، ويعتمدون عليها أشد اعتماد ، وأنهم يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه من الصفات ، ويصفونه بما اتصف به في محكم الآيات ، وبما وصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم في صحيح الروايات ، وينزهونه عن سمات النقص والآفات ، فإذا وجدوا من يقول بالتجسيم والتكييف ، فحينئذٍ يسلكون طريق التأويل خوفاً من وقوع من لا يعلم في ظلم التشبيه ، فإن أمنوا من ذلك رأوا أن السكوت أسلم ، وترك الخوض في التأويل إلا عند الحاجة أحزم 28 .(1/17)
وقد كان الإمام أبو إسماعيل بن عبدالرحمن الصابوني من أعيان أهل الأثر بخراسان ، قلَّما كان يخرج إلى مجلس درسه إلا وبيده كتاب (( الإنابة )) لأبي الحسن ، ويظهر الإعجاب به ، ويقول : ماذا الذي ينكر علي من هذا الكتاب شرح مذهبه ؟ )) .
ثم قال ابن عساكر : (( ولسنا نرى الأئمة الأربعة الذين عينهم في أصول الدين مختلفين ، بل نراهم في القول بتوحيد الله وتنزيهه في ذاته وصفاته مؤتلفين ، وعلى نفي التشبيه عن القديم سبحانه مجتمعين ، والأشعري رحمه الله تعالى في الأصول على مناهجهم أجمعين )) هذا كلام ابن عساكر ، وهذه عقيدة الأشعري إمام أهل السنة ، فيمكنك أن تنسب إليه التجسيم من لازم مذهبه ، وهذا كتاب الله تعالى قد نصَّ على الاستواء فقال: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ )) ( البقرة : 29) .
((إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً )) (الأعراف: 54)
((إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ )) ( يونس : 3) .
((تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ( طه : 4-5) .
وقال: ((الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً )) ( الفرقان : 59) .(1/18)
وقال : ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )) ( الحديد : 4) .
وقال أبو الحسن الأشعري محتجّاً على الجهمية بقوله تعالى حاكياً عن فرعون قوله : ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً)) (غافر : 36-37) .
لمَّا قال موسى : إن الله فوق سمواته أنكر فرعون ذلك ، وقال ما قال : نقل ذلك عنه (( الجيوش الإسلامية )) 29 .
فالذين ينكرون ما جاء به القرآن الكريم من صفة الاستواء إنما حذوا حذو فرعون في التكذيب ، وما أرى صاحب النفحة إلا معتزليّاً ، يتزيا بزي أهل السنة ليروج مذهبهم ، لكنه مقلِّد لهم غير متقن لقواعدهم ، وأما الأحاديث الواردة في ذلك فمنها قصة المعراج ، وهي متواترة ، وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ، ويقول : أن الملك أين ملوك الأرض )) إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في الصحاح ، ومصداق هذا الحديث قوله تعالى : ((وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ )) ( الزمر : 67) .
وقال البخاري : قال أبو العالية : ((اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء)) ارتفع ، قال العلامة محمود العيني الحنفي في (( شرح البخاري )) 30 : (( اختلف العلماء في معنى الاستواء ، فقالت المعتزلة : هو بمعنى الاستيلاء والقهر والغلبة كما في قول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق(1/19)
بمعنى قهر وغلب ، وأنُكر عليهم بأنه لا يُقال استولى إلا إذا لم يكن مستولياً ثم استولى ، والله عز وجل لم يزل مستولياً قاهراً غالباً ، وقال أبو العالية : معنى استولى ارتفع ، وفيه نظر 31 ؛ لأنه لم يصف به نفسه - إلى أن قال - : والصحيح تفسير استوى بمعنى علا على العرش كما قاله مجاهد ، قال : وهو المذهب الحق وقول معظم أهل السنة ؛ لأن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالعلي ، واختلف أهل السنة هل الاستواء صفة ذات أو صفة فعل ؟ فمن قال : : معناه علا ، قال :هي صفة ذات ،
ومن قال غير ذلك قال: هي صفة فعل )) 32 . هذا كلامه ، وحيث إن صاحب النفحة يدَّعي الانتساب للشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه ، كان عليه أن يتصفح كتاب (( الغنية )) فإنه يجد الشيخ أثرياً بحتاً جنبليّاً على مذهب السلف في الاعتقاد ، فما أبشع ذلك العقوق إن صحَّت النسبة ، ومن كان في ريب من ذلك فليُطالع كتاب(( العلو للعلي العظيم )) للحافظ الذهبي ، وكتاب (( الأسماء والصفات )) للبيهقي ، بل عليه بكتاب الله وسنة نبيه ، وإطالة البحث لا تليق بهذا المكان خوفاً من التشويش على العوام .
لكننا نقول : روى اللالكائي في السنة عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : في قوله تعالى : ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))
( طه :5) (( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، والبحث عنه كفر )) 33 .
أقول : مَنْ لم يطَّلع على كتاب (( السُّنَّة )) فليراجع (( شرح البخاري )) للعيني في كتاب ((التوحيد )) فإنه يجد ذلك مسطوراً .
وفي لفظ آخر أنها قالت : (( الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإقرار به من الإيمان ، والجحود به كفر )) ، هذا ومثل هذا القول من الصحابي لا يُقال من قِبَل الرأي ، فيكون له حكم المرفوع .(1/20)
وروى يحيى بن آدم عن أبيه وابن عيينة قال : سُئل ربيعة الرأي شيخ مالك عن قوله تعالى : ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) كيف استوى ؟ فقال : (( الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، ومن الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التصديق )) 34 .
وروى ابن عبد البر في ( التمهيد ) أن مالكاً رضي الله عنه سُئِل عن الاستواء فقال : (( استواؤه معقول ، وكيفيته مجهولة ، وسؤالك عن هذا بدعة ، وأراك رجل سوء )) 35.
وسُئِل الشعبي عن الاستواء ، فقال : (( هذا من متشابه القرآن ، نؤمن به ولا نتعرض لمعناه )) .
وسئل الإمام الشافعي أيضاً عنه قال : (( آمنت بلا تشبيه ، وصدقت بلا تمثيل ، واتهمت نفسي في الإدراك ، وأمسكت عن الخوض غاية الإمساك )) .
وسُئِل الإمام أحمد أيضاً عن الاستواء ، فقال : (( استوى كما ذكر ، لا كما يخطر للبشر )) .
هذا ومن استبرأ لدينه عَلِمَ أن مذهب الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين والأشعري وسائر المحققين يثبتون آيات الصفات ، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقولون : نؤمن بها ولا نعلم حقيقتها ولا نخوض فيها ، وكما أن ذاته لا تشبه الذوات ، كذلك صفاته لا تشبه الصفات ، هذه هي العقيدة التي أجمع عليها الصحابة والتابعون وأهل القرون الثلاثة والأئمة المجتهدون وأهل الحديث قاطبة والصوفية المحققون كابن عربي 36 في فتوحاته وغيره وآخرهم الأمير عبد القادر الجزائري 37 في كتابه (( المواقف ))
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع .
واعلم أن الحافظ ابن عساكر نادى بالحق ملء فيه فقال : إننا معاشر الأشاعرة نذهب كإمامنا الأشعري مذهب السلف ، ومتى تكلمنا مع خصومنا ذهبنا مذهب التأويل لإفحام الخصم لا للاعتقاد كما رأيته بمعناه فيما تقدم 38 .(1/21)
ولما كان مذهب المعتزلة التأول المحض وإنكار الصفات ، وسموا أهل السنة بالتجسيم ونكتوا عليهم 39 ، في قولهم : استوى بلا كيف ، بقولهم : فتستروا بالبلكفة ، وصاحب النفحة أخذته نزعة اعتزالية فنسب إلى مَنْ سماهم وهابية ذلك .
واعلم والحق أحق أن يُتَّبَع ، أن أولئك القوم لمَّا كانوا على غاية التمسك بالكتاب والسنة وعلى شدة في إنكار المنكر وكانوا فيما مضى حاربوا بعض البلاد قام أعداؤهم يختلقون لهم ما يختلقه العدو لعدوه ، كما يظهر ذلك في كل زمان ، وأخذ أحباب الحق ينصفونهم كالجبرتي 40 وغيره ، ثم اختلقوا لهم اسم الوهابية ونسبوا إليهم ما يقوله الرعاع ، منهم أهل البداوة والجهل 41 ، فشاع ذلك فيما بين الناس ثم اتسع المكابرون ، فأطلقوا اسم الوهابية على كل مَنْ خالف ما هو مركوز في طباعهم ، فأطلقوا على الزنادقة هذا اللفظ ، كما أطلقوه على المبتدعة ، واشتبه الأمر حتى عَدّوا مَنْ هو على مذهب السلف في الاعتقاد منهم ، ولو تركوا التعصب الذميم وأذعنوا للحق لعلِموا أن القوم هم في الفروع على مذهب الإمام أحمد ، وبه يحكمون ويفتون ، وإلى ما قاله يرجعون ،ولكتب مذهبه وكتب السلف يطبعون ، وعليها ينفقون الأموال الطائلة مع أنهم ليسوا بأغنياء وليسوا بأصحاب ثروة ، وأنهم في الاعتقاد على مذهب السلف ، وتراهم يحفظون القرآن وأحاديث سيد المرسلين ، وعندهم الأمانة في المعاملات والصدق والوفاء ، ومن كان في شك من ذلك فليسبر أحوالهم ومعاملاتهم في الأقطار ولا سيما في دمشق ومصر والعراق والهند ، وليسأل التجار عنهم 42 ، فإنهم أدرى بأحوالهم وهم يشهدون لهم بأنهم لا يعاملون أحداً بالربا ، وهم أبعد خلق الله عنه ، ولا يعرفون الخيانة في معاملاتهم ، ولا يكذبون ، ويخرجون زكاة أموالهم ، ولا يؤخرون الصلاة عن أوقاتها ، ويحافظون على ما افترضه الله عليهم ، وهم أبعد خلق الله عن الدع المستحدثة ، وينفِّرون الناس عنها بالشدة ، وأما أفعال أمرائهم(1/22)
والدخول بتلك المضائق فهذا لا دخل لي به ولا أنت ، وما أجمل ما قاله الإمام أحمد حيث قال - لمَّا سُئِل عما حدث بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين - : هي أمور طهّر الله منها سيوفنا فلنطهر منها ألسنتنا ، فما لنا ولهذا المأزق الحرج الذي يثير الفتنة ويفتح علينا باب واقعة الحرة المشهورة وما جرى أيام بني أمية ، وتكون أنت يا صحاب النفحة السبب لأغراض تافهة تبتغيها ولمقاصد شخصية تترقبها ، فاتق الله وكن مع الحق ، وأنا لك من الناصحين .
قال صاحب النفحة في صحيفة (10، 11) ما خلاصته : أنّ من كان فيه خصلة من الكفر لا يكفر ، حتى تُقام عليه الحُجَّة - إلى أن قال - : والكفر لا يكون إلا بإنكار الضروريات .
نقول له : أولاً : لِمَ كَفّرت أنت قوماً يبلغون الملايين من المسلمين بلا دليل ولا حجة ولا برهان ؟ وهل أقمت عليهم الدليل بالإجماع القطعي ، وهل أنت إما أو نائب إمام ، ومَنْ الذي أعطاك هذا المنصب ، و أقامك ذلك المقام ؟
ثانياً : أرجوك أن تتأمل كلامك هنا بعد أن يَهْدأ روعك ويرجع إليك فهمك وتكون خالياً ، وحينئذٍ تُنْصَف من نفسك ، وتعلم أن كلامك يناقض بعضه بعضاً ، وتعلم أنك بنيت ذلك على التوسل ومَنْ الذي يمنع منه 43. إذا كان على مقتضى ما يقوله الأئمة رضوان الله عليهم .
ثم تأمّل أقوال السادة الحنفية ، والشافعية ، والمالكية فيما عليه أكثر الناس اليوم ، واترك المجازفة فإني لا أراك بعد ذلك إلا أن تنصف من نفسك ، ثم تقرأ قوله تعالى : ((أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ )) ( هود : 18) .
وأما قولك : (( وبالجملة فإن ابن عبد الوهاب وجماعته الذين تمذهبوا دَيْدَنهُم تكفير المسلمين الذين على كرة الأرض ، لتوسلهم بجاه نبيّهم وغيره ، ولتقليدهم الأئمة ، ولزيارتهم لقبور الأنبياء والأولياء ، حتى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. إلخ )).(1/23)
نقول لذلك الفاضل : من أين علمت أنهم يكفرون المسلمين ؟ وفي أي كتاب وجدتَ ذلك ؟ فإن كان في (( كشف الشبهات )) فحاصله تكفير مَنْ اعتقد أن مخلوقاً يشارك الله تعالى في صفاته 44 وأفعاله ، وحاشا أن يكون المسلمون في جميع أقطار الأرض يعتقدون ذلك ، وأنت لا تخالف في هذا ، بل هو ثابت في كلامك ، وأما كونه صرّح بكفر جميع المسلمين فهذا شيء لم يقله أحد ، وأنت مطالب بالدليل ، لكن بعد الهدوء والتأمل ولا إخالك تظفر بذلك .. والله أحكم الحاكمين .
وأما كونه كفَّرهم لتقليدهم الأئمة ، فأظنك أخبرتَ عن قوم صوّرتهم في مخيلتك ، ليس لهم وجود في الخارج ، ألم ننبئك بأن ابن عبد الوهاب له كتاب في الفقه لم يتجاوز به مذهب الإمام أحمد في مسألة من المسائل ، فكيف يكون مقلداً ويكفِّر المقلدين ؟ وأخبرناك بأن الرجل ليس بمجتهد ولا ادَّعى الاجتهاد ، فإن كنت ترى أن بعضاً من الناس ادَّعى الاجتهاد ثم سميته وهابياً فهذا اصطلاح خاص بك ، والقوم براء من ذلك .
وأما ما نسبته إلى أتْباع ابن عبد الوهاب ، مِنْ أنهم يُكَفِّرون مَنْ كان مقلداً ، فذلك أمر وهمي ، كيف وهم ينفقون الأموال الطائلة على طبع كتب الإمام أحمد ويجعلونها وقفاً ، وهي الآن بأيدي الناس ، وهذا الأمير ابن سعود نفسه أَمَرَ بطبع (( كتاب المُغني )) وهو أعظم كتاب في الفقه على نفقته ليجعله وقفاً ، وهذا كتاب (( الفروع لابن مفلح )) الذي جمع غالب أقوال أهل المذاهب يطبع الآن في مصر ، فهل أحد من مقلدة المذاهب طبع كتاباً في مذهبه وجعله وقفاً لمن ينتفع به ، وفيهم من تقاوم ثروته ربع ثروة أهل نجد ؟(1/24)
وأما أنهم يُكَفِّرون بالزيادة ، فهذا كذب لا أصل له ، ولم يسطّر في كتاب أحد منهم ، ولا قاله عالِم من علمائهم ، غاية الأمر أن مسألة شد الرحل مسألة اجتهادية تكلم بها العلماء من جميع المذاهب من قبل أن يُخلق ابن عبد الوهاب وأتباعه بمئات من السنين ، ومن كان في شك فليراجع شروح الصحيحين في حديث : (( لا تُشَدُّ الرحال )) فإنك ترى العلماء مختلفين منهم من قصر
منع الشد على المساجد ، ومنهم من قاس عليها زيارة القبور ، والخلاف في ذلك حتى قبل ابن تيمية وابن القيم .
وأما الزيادة فإنها بمعزل عن ذلك الخلاف - ولا سيما زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم - فلا تظن أحداً يدين بدين الإسلام يقول إنها مكروهة ، فضلاً أن أن يقول إنها مُحرَّمة ، وكُتُب الفقه تشهد بذلك 45، وأما المصطفى صلى الله عليه وسلم فلا تظن أيضاً أن أحداً من المسلمين على كرة الأرض يهم بتنقيصه أو ببغضه ، كيف وفي مذهب الحنابلة أن شاتم الرسول يُقْتَل تاب أم لم يتب .
وأما قولك أنهم يكفرون جميع المسلمين لزيارتهم الأنبياء والأولياء ، فإن هذا منك إما نوع من الماليخوليا 46 ، وإما رقة دين تريد أن تخدع بها أفكار العوام بالتمويه ؛ لتحصل على جلب مال أو على لقمة تأكلها وقت العشاء ، وما أظن أن أحداً عنده نوع من الإدراك إلا ويفهم مقاصدك وينتبه لها ، اللهم إلا مَنْ كان بحيث لا يفهم ما يقول ولا ما يُقال ، فإنها ضرب من المُحال .
ثم قال : وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الخوارج في أحاديث كثيرة ، فكانت من أعلام نبوته ، منها : قوله عليه الصلاة والسلام : (( الفتنة من هاهنا ، الفتنة من هاهنا )) وأشار إلى المشرق .(1/25)
وقوله: أيضاً : (( يخرج ناس من قِبَل المشرق يقرءون القرآن ، لا يُجاوز تراقيهم ، يَمْرُقون من الدين كما يَمْرُق السهم من الرمية ، لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه 47 ، سيماهم التحليق )) وفي رواية : (( هم شر الخليقة ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه ، يدعون إلى كتاب الله تعالى وليسوا منه في شيء )) .
أقول : أدَّعيت فيما سبق أن ابن عبد الوهاب عَمَد إلى آيات نزلت في حق المشركين فحوّلها إلى غيرهم ، ثم لم يلبث أن وقعت في مثل ما عبت به ، وذلك لوجوه :
أولها : أنك أخذت من إشارته صلى الله عليه وسلم إلى المشرق أنه أشار إلى نجد ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما أشار تلك الإشارة كان بالمدينة ، وليست نجد شرقي المدينة وإنما هي إلى الجنوب منها ، وإنما الذي يسامتها إلى الشرق العرق 48. ، ولا يخفاك ما وقع في العراق من الفتن التي مبدؤها الحروب بين علي رضي الله عنه ومَنْ ناوأه ، ثم واقعة الحسين بن علي رضي الله عنه ، إلى غير ذلك مما لا أُريد أن أعدّه فأُثير على الناس حزناً ، فإن هذا يهمني وإن كان لا يهمك .
ثانيهما : أن الشرق اسم عام نهايته مطلع الشمس ، وقد ظهر فيه فتن كثيرة ، كفتنة جنكيز خان ، وهولاكو ومن بعده من التتار ، واستطال الأمر وقُتِلَت الأُلوف المؤلَّفة من المسلمين كما يعلم ذلك من له اطلاع على التاريخ ، فما الذي حملك على أن تخصّه بأولئك المساكين الذين يضربون في الأرض ليُحَصِّلوا قوتهم من حلال .
فإن قلت : إنهم احتلوا المدينة وفعلوا وفعلوا .
أقول لك : إذا سبرت الصحيح وتخليت عن التشفي رأيت أن ما فعلوه أقل مما فعله صاحبك إبراهيم باشا في سورية وغيرها من البلدان ، ولعل أحد أجدادك كان جندياً مع طوسون باشا فقتل في حروبه ، فنقمت على أولئك القوم كما نقم عليهم السيد دحلان زاعماً أنهم قتلوا جدّه ، فاتق الله يا هذا .(1/26)
ثالثها : أن الشرق يومئذٍ كان مسكن الأديان المتباينة كالمجوس وغيرهم ، ولمَّا فُتِح اندسَّ كثير من الزنادقة بين المسلمين وأظهروا الإسلام واخترعوا الأحاديث الموضوعة ، وخلطوها بالاحاديث الصحيحة ، وأسسوا من البدع التي تسعى في إحيائها ما زلنا نتعب في مناهضتها إلى اليوم وإلى ما بعده ، وأظمأ علماء ا لحديث نهارهم وأسهروا ليلهم حتى انتشلوا تلك الموضوعات كما تنسل الشعرة من العجين ، ولعلّ هذا الذي دعاك إلى الانتقام ، فانتبه رحمك الله ، ولا تكن ممن تحلو في ذوقه البدع ، وسر مع الحق كيفما سار فسُنَّة نبيك أولى من الابتداع ، وكن صالحاً حقّاً فإن زمنك محتاج إلى المرشدين المخلصين ، وإذا رأيت قوماً مالوا فادعهم إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، واترك التشفي جانباً فإنه ليس من أخلاق العلماء .
والعجب ممن يرى مسلماً قد تزيّا في لباسه بزي المشركين ، فيقيم عليه النكير ويكفِّره ، ثم إذا رآه يفعل أفعال المشركين ، يملأ الأرض صراخاً بالمدافعة عنه ويحسّن أفعاله ، وتارة يحمل كلامه على المجاز العقلي في الوقت الذي يكون فيه المدافع لا يفهم شروط ذلك المجاز ، فضلاً عن العامي ، فانتبه والله يتولى هداك .(1/27)
وأما حديث (( يخرج ناس من قِبَل المشرق .. )) إلخ . فأنت أطلقته بلا زِمام ولا خطام ، ولعلّك وجدته مسطوراً في كتب دحلان التي انتحلتها وسميتها باسمك . وأيا ما كان فإن المشرق مبهم فيما نقلته ويفسره ما رواه البخاري في الصحيح قال : (( حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا الشيباني ، حدثنا يسير بن عمرو قال : قلت لسهل بن حنيف : هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئاً ؟ قال : سمعته يقول - وأهوى بيده قِبَل العراق - : (( يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية )) وهذا الحديث أخرجه مسلم في الزكاة ، والنسائي في فضائل القرآن ، ومنه تعلم أن الحديث في الخوارج الذين قاتلهم علي رضي الله عنه يوم النهروان ، لا في أهل نجد ، وفي رواية للبخاري : (( يخرج في هذه الأمة )) ولم يقل منها ، وفي رواية للبخاري قال أبو سعيد : (( أشهد أن عليّاً قتلهم وأنا معه )) .
وذلك يؤيد أنهم هو الخوارج الذين قالوا : كَفَر عليٌّ وكفر معاوية ، فدعنا من أشياء مفروع منها ، وتكلّم عليها من قبلنا بما يكفي ويشفي .
وأما حديث : (( اللهم بارك لنا في شامنا ))... إلخ . فأنا أدلك على من أخرجه ، أخرجه الترمذي 49 فقال : (( حدثنا بشر بن آدم بن بنت أزهر السمان ، حدثني جدي أزهر السمان ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا )) قالو : وفي نجدنا . قال : (هناك الزلازل والفتن وبها _ أو قال : ومنها - يخرج قرن الشيطان )) قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث ابن عون ، وقد رُوِي هذا الحديث أيضاً عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم . اهـ .(1/28)
أقول : بشر بن آدم قال أبو حاتم : ليس بقوي ، وقال النسائي : لا بأس به ، وذكره ابن حبان في كتاب (( الثقات )) ، وباقي رجاله ثقات .
وأدلك أيضاً على معنى الحديث وأقول لك : لا تفسر الأحاديث إلا على مصطلح العرب زمن النبوة .
فقد نقل العيني عن الكلبي في أسماء البلدان قال : (( نجد ما بين الحجاز إلى الشام إلى العذيب إلى الطائف ، فالطائف من نجد ، وأرض اليمامة والبحرين إلى عمان )) .
وقال أبو عمروً الشيباني : (( نجد ما بني جرش إلى سواد الكوفة ، وحدّه مما يلي المغرب الحجاز ، وعن يسار الكعبة اليمن ونجد كلها من عمل اليمامة )) .
وقال ابن الأثير : (( نجد بين العذيب إلى ذات عرق وإلى اليمامة وإلى جبل طيء وإلى وجرة وإلى اليمن )) والمدينة لا تهامية ولا نجدية فإنها فوق الغور ودون نجد .
وقال الحازمي : (( نجد اسم للأرض العريضة التي أعلامها تهامة واليمن والعراق والشام )) .
وقال السكري : (( حدُّ نجد ذات عرق من ناحية الحجاز كما تدور الجبال معها إلى جبال المدينة ، وما وراء ذلك ذات عرق إلى تهامة )) .
وقال الخطابي : (( نجد ناحية المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة )) .
فقد أعلمناك اختلاف العلماء في نجد .
وحيث إن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بذلك وهو بالمدينة ومشرق أهلها ونجدها بادية العراق كما قاله أبو سليمان الخطابي ، فيكون المقصود من الحديث بادية العراق ، ولا يخفاك ما حصل بها من الزلازل والفتن كواقعة صفين وغيرها، كواقعة الحسين بن علي رضي الله عنهما ، وما كان بها من الفتن والحروب بعد ذلك ، وعلى قول الكلبي أن الطائف من نجد فيكفيك أنه خرج منها الحجاج بن يوسف الثقفي وما فعل ، وكيف رمى الكعبة بالمنجنيق ، وكان أَمْر الحجاج معروفاً قبل وجوده ، فروى ابن عساكر أن عليّاً رضي الله عنه لمَّا انتقض عليه أمر العراق كان يقول :(1/29)
(( اللهم سلط عليهم غلام ثقيف يحكم في دمائهم وأموالهم ، ويحكم فيهم بحكم الجاهلية )) ، وأخباره معلومة ، وروى مسلم والترمذي عن ابن عمر قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثقيف : (( كذاب ومبير )) ، وله في تاريخ ابن عساكر ترجمة مطولة فيها العجائب ، فمن أين لك اختصاص الحديث فيما صًوَّرته لك مخيلتك من جغرافية نجد ، وقلت لك مراراً دعنا من الطعن والعناد حتى لا يفتح الناس علينا أبواباً من تاريخنا الماضي لا نقدر على تغليقه ، وإذا ذكرونا بواقعة الحرة ما يكون جوابنا ، فإن أجهل الناس من ينسى عيوب نفسه ويقع في عرض غيره ثم بعد هذا وهذا ، قل لي : ما تقول في الحديث الصحيح عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الشيطان قد يئس أن يُعْبَد في جزيرة العرب )) ونجد من تلك الجزيرة ، ولكن ابتاع الهوى من أكبر البلوى ، ولا أشد ضرراً على الإنسان من ميله إلى الهوى واتِّباعه ، وقد روى الإمام أحمد في المسند : عن أبي الدرداء قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نتذاكر ما يكون ، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه فصدقوا ، وإذا سمعتم برجل تغير عن خلقه فلا تصدقوا به ، وأنه يصير إلى ما جُبِلَ عليه )) 50 .
أما ما ذكرته من التحليق ، فذاك (( كلام خرافة يا أم عمرو )) 51 .
قال في النفحة : (( ومن الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام : (( يخرج آخر الزمان في بلد مسيلمة رجل يغير دين الإسلام )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( سيظهر من نجد شيطان تتزلزل له جزيرة العرب من فتنته )) .
إلى غير ذلك من الأحاديث التي ذكرتها العلماء )) .(1/30)
أقول : سلمنا أنك اجترأت على القوم ونسبت إليهم من الإفك ما نسبت ، ولكن هل بلغ بك الحال أن تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد علمك بقوله : (( مَنْ كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )) وهذا الحديث أجمع المسلمون على صحته وتواتره .
وقال النووي في شرح مسلم : تحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعاً أو غلب على ظنه وضعه ، فمن روى حديثاً علم وضعه فهو مندرج في الوعيد .
وقال السيوطي : لا أعلم شيئاً من الكبائر قال أحد من أهلِ السنةِ بتكفير مرتكبه إلا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال الجويني : نخرجه لذلك عن الملة ، وتبعه على ذلك طائفة ، منهم ابن المنير المالكي .
وكان عليك أن تذكر من روى تلك الأحاديث وتبيّن من خرّجها من الأئمة ، وفي أي كتاب موثوق به وجدت ، ومَنْ روى هذه الأحاديث من الصحابة ، على أننا قد بيَّنا لك ما هو المقصود من نجد ، فقل ما شئت بعد ذلك سامحك الله ، وليكن خصمك من افتريت عليه ، وسمّ ما شئت إجماعاً وهوّل ما شاءت لك نفسك أن تهول .
قال : ( ويجدر بنا أن نذكر هنا خلاصة ما تمذهبت به الوهابية التي اشتملت عليه عقيدتهم عشرة أشياء :
( أولها : إثبات اليد والوجه والجهة للباري وجعله جسماً يصعد وينزل ) .(1/31)
هذا أعظم ما تمسَّك به ذلك المعترض ، وقد علمت فيما سبق عقيدة السلف ، فالوهابية لم يثبتوا ذلك ، وإنما أثبته الله تعالى لنفسه ، غاية الأمر أن الوهابية كغيرهم من السلف يؤمنون بذلك ويكلون علمه 52 إلى الله تعالى من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل ، وبذلك نَطَقَتْ كتب عقائدهم ، ولقد كانت المعتزلة ترمي أهل السُّنََة بأنهم مجسمة ، وذلك مسطور في كتبهم ، وصاحبنا سلك هذا المسلك ، فإن كان المؤلف ينكر إثبات تلك الصفات لله تعالى فلينكر على من أثبتها ، وأما الجسمية 53 فمُحال أن يعتقدها مسلم ، ومن ادَّعاها لأمة مسلمة فعليه أن يبرهن عليها بنقل من كتبهم لا بمجرد الإفك والافتراء .
قال : (( ثانيها : تقديم النقل على العقل ، وعدم جواز الرجوع إليه في الأمور الدينية )) .
أقول : لا يُعلم من معنى النقل إلا ما نقل من كتاب الله وسنة رسوله ، فأي ذنب لقوم يقدِّمون كتاب الله وسنة رسوله على الرأي الفاسد ، وخصوصاً في معرفة الله تعالى وإثبات صفاته التي يظل العقل حائراً فيها كما حار الفلاسفة الأقدمون والقرامطة ، ولو سلَّمنا أن مراده بالنقل ما يُنْقَل عن كتب الأئمة ، فكذلك العقل لا يقدَّم على النقل عنهم ، ولعلَّ المؤلف أدَّاه اجتهاده إلى تقديم العقل على كتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة والأئمة الكرام ، فحينئذٍ يكون اجتهاده له ، ولا نظن أن أحداً من علماء المذاهب يوافقه على ما أدَّاه إليه اجتهاده ، ولو كانت الشرائع تُدْرَك بالعقل لَمَا أرسل الله الرُّسل وأنزل الكتب ، ولعلَّ صاحبنا ينصر مذهب البراهمة المنكرين للنبوات ؟
وأما قولك : إنه حَظَرَ على الناس استعمال العقل ، ثم هوَّلت بما هوَّلت به فإن الرجل لا كلام له إلا في التوحيد ، ولا تَطَرَّقَ إلى ذكر أسرار الشريعة ، بل لزم الأدب مع غيره من كبار أئمة الإسلام ، ومَنْ ادعَّى غير ذلك فهو مطالب بالبيان .
قال : (( ثالثها : نفي الإجماع وإنكاره )) .(1/32)
أقول : إنْ كان مرادك بالإجماع الذي ينكره هؤلاء إجماع العوام وما أنت وهم عليه الآن فهذا باطل من وجوه :
* أولها : أنه لا عبرة بإجماع العوام على فرض وقوعه .
* ثانيها : أن العوام كلهم لا يوافقونك على ما لفَّقته وادَّعيته .
* ثالثها : أن عقيدة العوام إذا سبرناها ودققنا نجد أكثرها كما قال الله تعالى :(( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا )) ( الروم : 30) .
وإن أردت بالإجماع الإجماع المعروف في فن الأصول ، فالبحث عنه وظيفة المجتهد ، وهم لم يدَّعوا الاجتهاد ، فإن قلت : إن علماءهم أنكروه ، قلنا : هذه كتب أصول الفقه بين أيدي الناس فأخبرنا في أي كتاب صرَّح وأخذ منهم بنفي الإجماع ، ثم ائتنا بمسألة واحدة خالفوا فيها الإجماع ولو بمثال واحد تثبت به ما ادعيته .
قال : (رابعاً : نفي القياس ) .
أقول : هذه كالتي قبلها ، فنقول له : إذا أردت به نفي قياس الخالق على المخلوق وهو الذي يلوح من خلال كلامك ، فهذا ينكره كل مسلم ، بل وكل عاقل على كرة الأرض ونسبتك إنكار ذلك إلى القوم مدح لا يقابله مدح قال تعالى : ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) ( الشورى : 11) .
وإن أردت القياس الأصولي الذي هو (( إلحاق فرع بأصل بعلَّة جامعة )) فهذا أيضاً وظيفة المجتهد ، والمقلد معزول عن هذه المباحث بالكلية ، لا حظَّ له إلا الأخذ بقول من قلَّده ، ولا يطالب ببرهان ولا بدليل ، وإن كنت مدعياً الاجتهاد فخاطب بالإجماع وبالقياس المجتهدين لا العامة الذين ليست هذه المناقشات من وظيفتهم ولا هم مطالبون بها ، ولله درُّك حيث أنزلت أولئك القوم منزلة المجتهدين ، ثم أخذتَ تناقشهم ، فلك الفضل في ذلك ، لكن أثبت أولاً توفر شروط الاجتهاد فيك ، ثم تَكلَّم ؛ لأن المحققين قالوا : لا يناظر مجتهداً إلا مجتهد مثله.
قال: (( خامساً : عدم تقليد المجتهدين وتكفير من قلَّدهم )) .(1/33)
أقول : إن أردت بذلك أنهم ينكرون تقليد أمثالك من المجتهدين فهذا يمكن أن ينسب إليهم ، وإن أردتَ أنهم ينكرون تقليد المجتهدين حقيقة فهذه بلادهم من أقصاها إلى أدناها لا يحكم قضاتهم ولا أمراؤهم إلا بمذهب الإمام أحمد رضي الله عنه ، لا يتعدونه قيد شبر 54 .
ولا قانون عندهم ولا نظام غيره ، وهم يقيمون الحدود طبق الشرع ، وكلهم يصلون ويزكون ويحجون ويحفظون القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة من سنة سيد المرسلين ، وإذا سبرت مشارق الأرض ومغاربها لا تجد عملاً بالشرع في الأحكام باقياً على حاله من جميع الوجوه إلا في بلادهم ، فكيف يكفِّرون أنفسهم وهم مقلدون ، وإن أردت التقليد في العقائد ، فهذا محل خلاف وأنا أدلك على شرح الجوهرة فراجعه 55، فيلتق الله المصلحون .
قال : ( سادساً : تكفيرهم كل من خالفهم من المسلمين ) .
هذه دعوى بلا دليل ولا برهان أيضاً ومغالطة ، ولو دقق النظر لعلم أنهم لا يكفرون أحداً من المسلمين ولكنهم يشددون النكير على من جعل إلهه هواه واطرح كتاب الله وسنة رسوله ظهرياً ، وينكرون بدعاً لم تكن زمن الصحابة ولا زمن التابعين والأئمة رضوان الله عليهم ، ويقولون : إن مثل هذا شرك ويحذرون الناس منه ، وهذه المزية ليس لهم فقط بل هي لكل مؤمن يحافظ على شريعة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتلك الفئة تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وبما جاء من عند الله وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تأويل 56 ولا تحريف ولا تبديل ، ولا تشبيه ، وهذا يجب على كل مسلم أن يعتقده ، ولا شك أن كلَّ من حاد عن هذا المعتقد لا يعدّ مسلماً ، فهل تريد أنت أن تخالف في ذلك ، فالله يتولى هدانا أجمعين .
قال: ( سابعاً : النهي عن التوسل إلى الله تعالى بنبي أو ولي ) .(1/34)
أقول : هذه المسألة أُلِّفت فيها التآليف من قبلك من الجانبين ، وفُرِغ منها ، ولكن جَرَّد عن مخيلتك أقواماً توهمت أنهم وهابية ، وأَذْعِن للحق حتى أقول لك إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا باتباع سنته ، وعلماء أولئك القوم مرَّنوا أنفسهم على ذلك ، فلا يقنعون إلا بما قاله الله تعالى أو قاله رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو تمام المحبة ، وفي الصحيح أن الناس أجدبوا على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستسقى بالعباس ، واستسقى معاوية بيزيد بن الأسود ، وأخرج البخاري في المناقب من صحيحه عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانوا إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب ، فقال : اللهم كنا نتوسل إليك بنبيّنا صلى الله عليه وسلم فتسقينا ، وإنَّا نتوسل إليك بعمِّ نبيّنا فاسقنا ، قال : فيسقون . انتهى .
قال المحققون ومنهم الشيخ مرعي الكرمي في ( شفاء الصدور ) : المراد أنهم توسلوا بدعاء العباس وشفاعته وليس المراد أننا نقسم عليك به ، وقد أشار إلى نحو هذا العيني والقسطلاني في شرح البخاري ، وإلى أن عمر قدَّم العباس رضي الله عنهما على نفسه في الدعاء ، وأن العباس كان هو الداعي ، وأما حديث : (( إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عريض )) فهو حديث كذب مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إنني أنقل لك بعضاً من كلام علماء الحنابلة في كتب فقههم .
قال ابن مفلح في كتابه ( الفروع ) : ويجوز التوسل بصالح ، وقيل : يستحب .
قال أحمد رضي الله عنه في منسكه الذي كتبه للمروزي : أنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه وجزم به في ( المستوعب ) وغيره .(1/35)
وجعلها شيخنا - يعني شيخ الإسلام ابن تيمية - كمسألة اليمين به ، قال : والتوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وبدعائه وشفاعته ونحوه مما هو من فعله أو أفعال العباد المأمور بها في حقه مشروع إجماعاً ، وهو من الوسيلة المأمور بها في قوله تعالى : ((اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) ( المائدة : 35) .
وقال الإمام أحمد وغيره في قوله : (( أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق )) الاستعاذة لا تكون بمخلوق ِ.
وقال إبراهيم الحربي ( من أصحاب أحمد ) : الدعاء عند قبر معروف الترياق المجرب .
وقال شيخنا - يعني ابن تيمية - قصده للدعاء عنده رجاء الإجابة بدعة لا قربة باتفاق الأئمة . وقال أيضاً : يحرم بلا نزاع بين الأئمة .
وقال أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي في كتاب (( الفنون )) : لا تخلق القبور بالخلوق والتزويق والتقبيل لها والتوسل بهم إلى الله .
قال : ولا يكفيهم ذلك حتى يقولوا بالسر الذي بينك وبين الله ، وأي شيء من الله يسمى سرّاً بينه وبين خلقه ، قال : ويُكره استعمال النيران والتبخير بالعود والأبنية الشاهقة الباب ، سموا ذلك مشهداً ، واستشفعوا بالتربة من الأسقام ، وكتبوا إلى التربة الرقاع ودسوها في الأنقاب ، فهذا يقول : جِمالي قد جَرَبَت ، وهذا يقول : أرضي قد أجدبت . كأنهم يخاطبون حيّاً ويدعون إلهاً )) انتهى . وابن عقيل توفي سنة ثلاث عشر وخمسمائة فهل تقول عنه كان وهابيّاً ؟
وقال في ( المنتهى ) : ويسن التوسل بالصالحين .
وقال في ( الإقناع ) : ولا بأس بالتوسل بالصالحين .
وقال أبو عبد الله محمد الرعيني المعروف بالحطاب المالكي في شرحه لمختصر خليل : قال مالك أنكر أبو مسلمة على رجل رآه قائماً عند المنبر رفع صوته بالدعاء ورفع يديه ، قال ابن رشد : إنما أنكر الكثير منه ؛ لأنه فعل اليهود .(1/36)
هذه نقول علماء تلك الفئة التي تزعم أهم ينهون من التوسل فتأملها ثم قال ما شئت .
قال : (( ثامنها : تحريم زيارة قبور الأنبياء والصالحين )) .
أنا لا أطيل معك الكلام في هذا الموضوع ، ولكن أحليك إلى كتب السادة الحنفية هل تجد فيها أن البدع الموجودة اليوم في الزيارة يجيزها أحد منهم .
أما مطلق الزيارة فما سمعنا أن أحداً حرَّمها 57 غير أناس وجدوا في مخيلتك ، وليس لهم وجود في الخارج ، فإن كنت تجيز الحكم على المعدوم فقل ما شئت .
قال : ( تاسعها : تكفير من حلف بغير الله وعده مشركاً ) .
أقول: اتفق العلماء على أنه لا يجوز الحلف إلا بالله أو بصفة من صفاته ، وفي الصحيحين عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر رضي الله عنه وهو يحلف بأبيه ، فقال : (( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفاً فليحلف بالله )) .
وقال الترمذي في جامعه : حدثنا قتيبة ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن سعد بن عبيدة ، أن ابن عمر سمع رجلاً يقول : لا والكعبة ، فقال ابن عمر : لا يُحْلَف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( مَنْ حَلَفَ بغير الله فقد كفر أو أشرك )) . قال الترمذي : هذا حديث حسن . فانظر يا صاحب النفحة على مَنْ تعترض ؟! .
فإن قلت : حمله بعض العلماء على التغليظ ، قلنا : واحمل قول من ترد عليهم على التغليظ 58 ، وهناك يرتفع النزاع والظاهر أن هذا الرجل من بعض الفرق الذين يجوّزون وضع الأحاديث نصرة لمقالتهم ، ومن الذين يحرِّفون القرآن حسب مشتهياتهم وأغراضهم ويسمونه تأويلاً ليقضوا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما يظهر لك من قوله :
قال : ( عاشراً : تكفير من نذر أو ذبح لغير الله عند مراقد الصالحين ) .(1/37)
هذا افتراء من جهة 59 واجتهاد جديد منه غير أنه مصادم لقوله تعالى : (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ )) ( المائدة : 3) .
فالله تعالى حرَّم ما أهلَّ لغيره به ولم يخصص ذلك بمراقد الصاحين ، ولا بغيرهم ، وقد عدّ هذا الفاضل تحريم ذبح ما أهل لغير الله ذنباً ، وعلى مقتضى اجتهاده أن ذلك قربة ، فخالف الكتاب والسنة والإجماع ، وكلامه في هذا المقام غني عن البيان زيفه ، ومنه تعلم أن هذا الشيخ تأخذه الحدة حتى لا يعلم ما يقول ، ولعله يصل إلى درجة يسقط عنه بها التكليف والله يتولى الإعانة .
قال : ( إن الوسيلة كل ما يُتَقَرَّب به إلى الله تعالى ) .
نقل في هذا المقام كلاماً طويلاً يناقض بعضه بعضاً ، ونحن نغضي عنه لكثرة ما أُلِّف فيه من التأليف ، ثم نَقَضَ ذلك بقوله : الوسيلة كل ما يُتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى ، وعلى زعمه ولو كان شجراً أو حجراً أو تراباً أو بناءً أو وثناً أو صمناً ، ولم يعلم أنه لا يتقرب إلى الله تعالى إلا بما أمر الله تعالى به ، وصحَّ الأمر به عن نبيه صلى الله عليه وسلم : (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )) ( الحشر : 7) .
وأما تلك البدع التي يريد أن يجعلها سُنَّة ، فكل مؤمن ينكرها عليه وعلى غيره ، وفطرة الله التي فطر الناس عليها تأباها ، ثم إن باقي ما ذكره في رسالته قد كثر فيه القليل والقال ، وكثرت فيه المؤلفات والردود ، وقد أسلفنا لك قول بعض أئمة الحنابلة في ذلك فلا حاجة لنا في الإطالة هنا ، وعلى الله قصد السبيل .
النفخة الثانية
الحمد لله وحده ، وصلى الله على من لا نبيَّ بعده ، وبعد :(1/38)
فإن رسالة المنحة لما سماها صاحبها المنحة الإلهية ، وكانت المنح الربانية لا تكون إلا بالحق ، لا جرم حداني البيان إلى مناقشته في أشياء لا يحق لها أن تسمى منحة إلهية كما سيرى ذلك من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
أستدلَّ بقوله تعالى : ((وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ( النساء : 115) .
أقول : أليس سبيل المؤمنين هو سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم وسبيل الصحابة والتابعين ، وما درج عليه أهل القرون الثلاثة ، وكلهم كانوا يؤمنون بآيات الصفات على قاعدة قوله تعالى : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) ( الشورى : 11) . من غير تأويل 60 ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل ، كما أوضحنا ذلك فيما سلف ، هذا هو سبيل المؤمنين ، وأما تكل البدع التي تحوم حولها تأييدها فأخبرنا متى كانت في زمان السلف ، وفي أي وقت حسَّنوها ؟ ولو منح الله تعالى ذلك الكاتب منحة إلهية لعَلِمَ أن الآية دليل عليه لا له ، وهذا كتاب الله ينطق بالحق وهو الحكم قال تعالى : ((قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ )) (الأحقاف : 4-5) .
قال : ( لو كانوا كانوا يزعمون أنهم على الحق لَمَا حاربوا أهل الإيمان في بيت الله الحرام وارتكبوا أعظم القبائح بقتلهم الناس حين دخلوا الطائف قتلاً عامّاً حتى استأصلوا الكبير والصغير إلى آخر ما قاله ) .(1/39)
نقول : هذه قضية تاريخية ، وليس أحد من المؤرخين سواء كان من أعدائهم أو من غير أعدائهم ، قال : إنهم قاتلوا في البيت الحرام ولا دخلوه في قتال ، اللهم إلا ما كان من دحلان فإنه زعم أنهم قتلوا جده لأمر ما ، فاشتدَّ حنقه عليهم مع أنه ذكر في كتابه أشياء كثيرة مِنْ قتل ونهب وغارات ألصقها بأمراء البيت الحرام ، وناقضه الجبرتيُّ 61 وما وسعه إلا التكلم بالحق ، وإنَّا إن شاء الله سنفرد جميع ما ذكره الجبرتي في رسالة ليظهر أنك المفتري ، فإن كان يزعم أن الطائف من الحرم فذلك اجتهاد منه ، ولكن طاش سهم الكاتب ، ومن يتأمَل كلامه بإنصاف تظهر له المناقضات والتحامل لا سيما في قوله : إنهم أحرقوا المصاحف والصحيحين وغير ذلك .
ثم إني أدل القارئ على من فعل ذلك الفعل الذي نسبه لغير أهله معتمداً على أصح الكتب التاريخية ، ولا أتجرَّأ على نسبة فعل لغير فاعله خوفاً من الله تعالى الذي قبَّح الكذب والافتراء وأعدَّ لصاحبه ما أعد.(1/40)
أقول : وكنت أود أن يكون ذلك الخبر مطويّاً ، لكن جرأة ذلك الكاتب ووقاحته أوجبت ذلك قال ( قال الإمام الفقيه ابن قتيبة في كتابه (( الإمامة والسياسة )) 62 : إنَّ يزيد بن معاوية لمَّا وُلي المُلك وامتنع أهل مكة والمدينة عن بيعته أجمع على إرسال الجيوش إليهما ، فعسكر من بلده وعرض الأجناد فلم يخرج معه أصغر من ابن عشرين ولا أكبر من ابن خمسين ، وكان الجيش على خيل عراب وسلاح شاك ، وجعل على الجيش مسلم بن عقبة ، وأرسل معه عشرة آلاف بعير تحمل الزاد ، وأوصاه أن يتخذ المدينة طريقاً إلى ابن الزبير وهو بمكة ، وقال له : إن صدوك أو قاتلوك فاقتل من ظفرت به منهم وانهبها ثلاثاً ، قال ابن قتيبة : وذكروا أنَّ أهل الشام لمَّا انتهوا إلى المدينة عسركوا بالجرف وأحدقوا بها من كل ناحية . وخلاصة الأمر أنهم دخلوا المدينة بحيلة من بعض أهلها فاقتتلوا مع أهلها ، وجعل مسلم يقول : من جاء برأس رجل فله كذا وكذا ، فجعل يغري قوماً لا دين لهم ، فقتلوا وظهروا على أكثر المدينة وقتلوا بشر بن حنظلة ومحمد بن عمرو بن حزم الأنصاري فرؤي بعد قتله ساجداً ، ثم دخل الجيش المدينة فجالت خيولهم فيها يقتلون وينهبون وقتلوا عبد الله بن زيد بن عاصم وكان يومه صائماً فضربه رجل من أهل الشام بفأس بيده فخرج منه نور ساطع في السماء ، وقُتِلَ عبد الله بن حنظة فرؤي بعد موته مادّاً أصبعه السبابة ، وإبراهيم بن نعيم فغطي فرجه بيده ، وعبد الله بن زيد صاحب حديث الأذان .
ودخلوا دور بني الأشهل فما تركوا في المنازل من أثاث ولا حُلي ولا فراش إلا نقد صوفه حتى الحمام والدجاج كانوا يذبحونها ونتفوا لحية أبي سعيد الخدري وضربوه ضربات ثم أخذوا كل ما وجدوه في بيته والرجل لم يخرج لقتال ، وكان سعيد بن المسيب لم يبرح من المسجد ولم يكن يخرج إلا من الليل إلى الليل ، وكان يسمع إذا جاء وقت الآذان أذاناً يخرج من قبل القبر الشريف .(1/41)
وبلغ عدد قتلى الحرة يومئذ من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الناس ألفاً وسبعمائة ومن سائرهم من الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان ، ودخل رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الأنصار ومعها صبي لها ، فقال لها : هل من مال ؟ فقالت : لا والله ما تركوا لي شيئاً ، فقال : والله لتخرجن إلي شيئاً أو لأقتلنك وصبيك هذا ، فقالت : ويحك إنه ولد ابن أبي كبش الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم معه يوم بيعة الشجرة على ألا أزني ولا أسرق ولا أقتل ولدي ولا آتي ببهتان أفتريه ، فما أتيت شيئاً ، فاتق الله ، ثم قالت لابنها : يا بني ، والله لو كان عندي شيء لافتديتك به، قال ، فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها فضرب الحائط فانتثر دماغه في الأرض .
قال : فلم يخرج من البيت حتى اسودَّ نصف وجهه فصار مثلاً ، وذكروا أنه قتل يوم الحرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثمانون رجلاً ولم يبق بدري بعد ذلك .
وكانت الواقعة في ذي الحجة لثلاث بقين منها سنة ثلاث وستين من الهجرة .
وفي تاريخ أحمد بن يوسف الدمشقي المعروف بالقرماني أن مسلماً دخل المدينة وانتهبها ثلاثة أيام وافتض فيها ألف عذراء والقصة أعجب من ذلك ، وقد أطال المؤرخون في فظاعتها ووصفها .(1/42)
وفي تاريخ القرماني أن ذلك الجيش سار حتى أتى مكة سنة أربع وستين من الهجرة فنصب أميره الحصين بن نمير المنجيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة المعظمة واحترقت من شرارة نيرانها أستار الكعبة وقرنا الكبش الذي فدي به إسماعيل وكان بالسقف ، وجاء رجل في طرف رمحه نار واستعملها بالفسطاط فوقعت النار على الكعبة فاحترق الخشب وانصدع الركن ، واحترقت الأستار وتساقطت إلى الأرض وذلك سنة أربع وستين من الهجرة ، والقصة مسطورة في التاريخ معلومة 63 ، وصاحب المنحة أعزَّه الله نقل تلك الوقائع وزاد عليها من عنده ، ونسبها إلى قوم أتوا بعدها بما يزيد عن الألف ومائة سنة فالله يجزيه جزاء المفترين .
وعلى فرض أن ما ذكره له أثر فما يجيب به عن واقعة الحرة وغيرها من الوقائع فهو جوابنا ، فليتأمل من يطالع رسالته وليطالبه بالنقل وعند ذلك يتجلى الحق على أن فن التاريخ قد وصل اليوم إلى درجة عالية ولا يعانيه إلا من عنده حذق وتمحيص وتدقيق كما نراه اليوم في كتب الأوربيين ، أفيكون أولئك أولى منا بالصدق ، والمدعون للعلم لا يبالون بالإفك والتعدي والافتراء وابتاع الأغراض وأهواء النفوس ، كأنهم لم يعرفوا الحديث الصحيح (( كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع )) .
على أننا نقول : إن في الأخبار مبالغة وليُطلع صاحب النفحة كتاب أستاذه دحلان من أوله إلى آخره ، ولينظره بعقل فإنه يجده قد نسب إلى الأشراف أمراء البيت الحرام من القتل والتعدي وسفك الدماء أكثر مما افتراه على من سماهم وهابية ، فيعلم حينئذٍ أن الرجل لا ثقة بما ينقله ولا بما يقوله ، وإنما يبني بنيانه على شفا جرف هار .
إن صاحب المنحة أعاد بعد ذلك معنى ما ذكره في رسالته الأولى وأنزل نفسه منزلة الثكلى ينوح تارة ، ويموِّه أخرى ، ويلفق ويمخرق وما أعرفه بذلك العلم وما قصده إلا إثارة الفتن والتوجه عند العوام لمآرب يعلمها علام الغيوب .(1/43)
دسَّ نفسه بين الصوفية وتكلم على الذِكر ثم تدرَّج إلى أن نسب للقوم أنهم اخترعوا من الذِكر ما يناسب الوقت ، حيث قال : ( تفنن الشيوخ المرشدون من أتقياء الأمة في تعليم المريدين طرائق الذكر بحسب ما رأى كل مرشد حال أهل الوقت الذي كان فيه ) .
فانظر كيف نسب الشيوخ إلى الابتداع ومخالفة كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهل بلغه ذلك بنقل صحيح عن الشيخ عبد القادر الجيلاني أو السيد أحمد الرفاعي والدسوقي والبدوي وأضرابهم أم عن الشيخ أرسلان وأبي البيان أم عن رجال الرسالة القشيرية 64 ، أم عن أساتذة حلية الأولياء لأبي نعيم فإن كان بلغه ذلك فليخبرنا به من غير تحريف ولا تبدليل ، فإن أخبار أولئك القوم بلغت من بعدهم بطرق كادت أن تكون متواترة ، وما بلغنا أن واحداً منهم أنشأ عبادة لم يأذن الله بها ، فالله يتلوى هُدانا ويلهِمنا الرُّشد .
وأزيدك على هذا أن الشيخ عبد القادر الجيلاني لا يهمنا انتسابك إليه ، فإن نسله قد ملأ البلاد وهم أعرف الناس بأنساب بعضهم ، ولكن يهمنا أن نقول : نحن أولى الناس به من جهة علمه وصلاحه الذي صار كالمجمع عليه ، فإن الشيخ رضي الله عنه حنبلي المذهب سلفي الاعتقاد كما تشهد له بذلك كتبه ، أبعد الناس عن البدع وهو الصارم المسلول على من خالف سنة الرسول .(1/44)
ولقد أخذ عنه العلمَ مَنْ هو مثل الشيخ موفق الدين المقدسي مجتهد المذهب الحنبلي ، والحافظ عبد الغني المقدسي إمام أهل الحديث في وقته وغيرهم ، وانتصر أهل السنة بظهوره كما ذكره الحافظ ابن رجب في الطبقات وغيره ، ووصفه بأنه شيخ العصر وقدوة العارفين وسلطان المشايخ وسيد أهل الطريقة في وقته ، وكان بارعاً في المذهب والخلاف والأدب والأصول ، أفيليق بقدر هذا الإمام أن ينسب إليه المخرفون بأنه كان صاحب طبل وزمر وبدع ما أنزل الله بها من سلطان ، توصلاً إلى غايات سافلة وميل إلى أقوال افتراها عليه من يريد بها عيب هذا الدين ، وهو والله برئ منها كما أن الرفاعي والبدوي والدسوقي وغيرهم من الكمل 65 . بريئون من جميع ما ينسبه إليهم أهل الخلاعات والمجون .
مساكين أيها السادة ، زهدتم في الدنيا وأظمأتهم نهاركم وأسهرتم ليلكم في عبادة ربكم ، ثم لقيتم وجه الله فخلف من بعدكم خلف جعلوا حياضكم مورداً لكل متحيل ، ومنهلاً لمن يروج بدعة يبتغي من روائها الطعام والشراب ، يلفق كلاماً يشبه كلامكم ولم يجاهد نفساً لتكون مثل أنفسكم .
ثم إن كرامات الأولياء ما سمعنا من أحد إنكارها ، فإنما هو على أشياء مكذوبة لا تطابق عقلاً ولا نقلاً ، وكيف ينكرها قوم يتلون كتاب الله وسنة رسوله ،لكن صاحبنا أخذ يلتقط أشياء من أفواه العامة ويسوّد به صحيفته ، ومثل هذا يكون الكلام معه ضائعاً ، فلا يُلتفت إليه وإن أطال مهما أطال ، ونحن نكلفه أن يثبت مدعاه بالنقل من كتاب موثوق به ، فإن وجد شيئاً من ذلك فنحن نشاركه في الرد على المنكر لكن على طبق الشرع وصحة النقل .(1/45)
وحاصل الأمر أن هذا الرجل لشغفه بالظهور وإن كان فيه الخروج عن الشرع يتسرع إلى تكفير من سماهم وهابية ، ثم يحمله الحقد أن ينسب إليهم ما ليس لهم به علم ، ويستعين على تأييد مدعاه بالسبِّ والشتم ، فإن كان أولئك باءوا بذنب التكفير فقد باء هو بذلك الذنب وزاد عليهم بذنوب الافتراء والإفك والسبِّ والشتم والتعدي على الشرع وتحريفه ، ومَنْ طالع رسالته بإمعان علم منه ذلك ، فنعوذ بالله من الرياء والنفاق .
أما الكلام على الخضر فقد كفانا مؤنة الكلام عليه الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (( الإصابة )) والحافظ ابن الجوزي وغيرهما من كبار العلماء وما يذكره الصوفية من حياة الخضر وإلياس فهي رموز66 قد حلَّها صاحب الفتوحات المكية في السؤال الثالث والخمسين والمائة من المجدل الأول من فتوحاته ، حيث قال : الخضر عبارة عن البسط ، وإلياس عبارة عن القبض ، فكُتُب الصوفية أُلِّفَت لمن يعرف مصطلحهم لا للجاهل الغبي الذي لم يشم شيئاً من مداركهم ، ثم يتكلم على حد قول القائل :
كلامك با هذا كبندق فارغ خلي من المعنى ولكن له طقش
ولله در المعري حيث قال :
فما يال هذا العصر ما فيه آية من المسخ إن كانت يهود رأت مسخاً
وقال بأحكام التناسخ معشر غلوا فأجازوا الفسخ في ذاك والرسخا
وقال :
أحسن بهذا الشرع من ملة يثبت لا ينسخ فيما نسخ
جاءت أعاجيب فويح لنا كأننا في عالم قد مسخ
خاتمة
لفَّق ذلك المدَّعى رسالة ثالثة كرر فيها ما ذكره في الأولى والثانية من الإفك ، والذي نعرفه لو أن ابن سعود أرسل ألف دينار لتوزع على أهل العلم ممن كان على طريقة ابن عبد الوهاب لرأيت ذلك الفاضل أول من يدعي ذلك ، ولأطلق لسانه وألَّف في مدحهم ؛ ليحصل له القسم الأوفر من ذلك المال ولتبعه أولئك المشاغبون ، ولحَصَلَ نزاع فيها بينهم ، ثم لو أرسل الإمام يحيى 67 ألفين لتُعطى لمن كان على مذهب زيد لرأيتهم أعلنوا بأنهم زيدية حبّاً بالمال ، فالله يوفقنا وإياهم .(1/46)
أغار الاسكندري على ما لفًّقه دحلان في آخر تاريخه فمسخه وزاد عليه ؛ لتكون صحيفته كثيرة السواد ، ثم رأى رسالة للحافظ السيوطي سمَّاها (( مسالك الحنفاء في إسلام أبوي المصطفى )) فدخل بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أبويه بوقاحة وسوء أدب، لينتحل تلك الرسالة ويسرقها ويفتح باب تلك المسألة مفترياً على أولئك القوم ، ولو أنْصَفَ لَطَالَعَ كتاب (( الفقه الأكبر )) الذي ينسبونه للإمام أبي حنيفة 68 - وهو بريء منه - ولطالع رسالة ملا علي القاري 69 . فيا أيها الفاضل هب أنها راجت المسائل المفروغ منها ، ومالك ولهذه الدعوى ، هب أنها راجت عند العوام والجموديين فهل تروج عند من له أدنى ملكة من العلم ، وما الموجب لدخولك بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأبويه ؟ ! وهل وكَّلوك بذلك ؟! ولكن .
ومن البلية عذل من لا يرعوي عن جهله وخطاب من لا يفهم .
وبالجلمة فإن غاية ما يُقال في هذا الفاضل أنه يسعى السعي الحثيث في إبعاد العوام عن خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم ، ويربطهم بالمخلوقين ويلهيهم بما لا يجلب لهم نفعاً ولا ضرّاً ، ويبعدهم عن سُنَّة نبيهم وعما جاء في القرآن من الآيات البينات ، ويتحيل لذلك بفتح التحريف الذي يسميه التأويل ، وعما جاء في القرآن من الآيات البيّنات ليتسنى له أن يكون مشاراً إليه عند العوام ، وعقلاء القوم من كل مذهب لا تروق لهم تلك الخزعبلات ، ولا يميلون إلى ذلك الحشو والجمود ، وكأني بهم وقد رفعوا أصواتهم بالحق ومزَّقوا بمرهفات أقلامهم وسهام ألسنتهم أستار الباطل ، والحق مهما تغلب عليه المبطلون لا يعدم نصيراً .(1/47)
إن من جملة التعدي نقل أخبار الخوارج وإلصاقها بغيرهم ، ولو كان لأولئك اطلاع لعلموا أن الخوارج موجودون إلى اليوم وهم ما يزيد عن عشرة ملايين ، ولهم مذهب خاص بهم وكُتُت من الفقه والتفسير ، وجلّهم في جاوى ، ومنهم الإباضية في تونس والجزائر ، وبقية المغرب ، وهم يجاهرون بمذهبهم ويطبعون منه المجلدات ، ولكن جمود بعض قومنا أبعدهم عن الاطلاع على ما في العالم من المذاهب ، وحصروا أنفسهم في دائرة ضيقة ، وقاسوا علوم العالم على ما تعلَّموه ، وسوَّلت لهم أنفسهم أنه لا يوجد أذكى ولا أعلم ولا أفقه منهم . فالله يُلهمنا وإياهم الصواب .
خاتمة :(1/48)
اجتمع جماعة ممن دأبهم ترويج الخرافات على العوام وأسرُّوا النجوى بينهم قائلين : كاد الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أن يقضوا على حرفتنا الساسانية قضاءً مبرماً ، فقال لهم رئيسهم: لا ضير ، الأمر أسهل ما يكون ، موهوا ما شئتم وارقصوا واغنوا ولا تتقيدوا بمذهب ، فإن اعترض عليكم معترض نادوا بأعلى صوتكم : أنت وهابي مبغض للرسول منكر للأولياء ، واحفظوا هذا الطلسم ، فإنه يجلب لكم المال ، ويدسكم في الوظائف ويحضركم الموائد اللذيذة والمآكل الشهية ، وتنهال الهدية عليكم ، وإذا جلستم في المجالس فقولوا : نحن أخذنا اللب وتركنا لغيرنا القشور ، وإذا وجد عالم متفنن مصلح فاطلقوا ألسنتكم بذمّه والافتراء عليه لتموّهوا على العوام أنكم أعلم منه، واستحلوا الكذب ما دمتم تريدون إصلاح جيوبكم ومعيشتكم ، واعلموا أنه كلما كثر الجهل وقع العوام في عماء ، فكلما لاح لكم طريق لنشر العلم فبادروا إلى طمس معالمه ، وكلما أتاكم ذو بصيرة فناصبوه بالعدواة ، وألقوا في الأذهان أن العلوم الدنيوية أجمعها كفر وضلال ، وما ذلك إلا أنكم لا تشموا رائحتها ؛ ولانها تقضي على خرافاتكم بالدمار، وكلما رأيتم صاحب فكر مستنير قابلوه بالمكر والخداع حتى إذا غاب عنكم تلذذوا بغيبته ونميمته ونصب المكايد له ، وحينئذٍ يتم ما تريدون : فأذعنوا لما أمر به وقام الكل متعاهدين على ذلك ومهما كان الأمر .
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تُعلم
انتهت الرسالة .
1 - انظر ترجمته في (( معجم المؤلفين )) (5/299) .
2 - انظر ترجمته في علماء نجد خلال ثمانية قرون (6/333-339) ، و ( روضة الناظرين )) ( 2/273-276) .(1/49)
3 - كتب جميل الزهاوي أحد شعراء العراق هذا الكتاب ، بعنوان الفجر الصادق في (( الردِّ على منكري التوسل والكرامات والخوارق )) حيث أنكر الزهاوي على أتباع الدعوة السلفية تحريمهم الاستغاثة بالأموات ونهيهم عن الغلو في الصالحين ، وقد ردّ الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله على الزهاوي وضلالاته في كتاب بعنوان ( الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق )) . وقد ولد الزهاوي في بغداد سنة ( 1279هـ ) وهلك فيها سنة (1354هـ ) ، وتقلد عدة مناصب ، وله كتب ومقالات كثيرة ، قال عنه محمد رشيد رضا : سمعت من كثير من الذين عرفوا الزهاوي في الأستانة أنه ملحد لا يدين بدين ، وقد تهجم الزهاوي على الشريعة الإسلامية وطعن فيها .
انظر : ( الأعلام ) (2/137) ، ( مجلة المنار ) (م 13 ، ج 11 ، ص 841) . جريدة أم القرى ) عدد (103) .
4 - ما لفقه دحلان في رسالته الممساة (( الدرر السنية في الرد على الوهابية )) ، وهي موجودة ضمن كتابه ( خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام )) ، كما أنها موجودة ضمن كتابه (( الفتوحات الإسلامية )) .
وأما دحلان فهو أحمد بن زيني دحلان ، ولد بمكة سنة (1232هـ ) ، وتولى فيها الإفتاء والتدريس ، له عدة مؤلفات في النحو والتاريخ والعقيدة ، مات في المدينة النبوية سنة (1304) . يقول عنه محمد رشيد رضا : إن دحلان غير محدث ولا مؤرخ ولا متكلم ، وإنما هو مقلد للمقلدين ، ونقّال من كتب المتأخرين ، كما أنه متهم بالتشيع حيث ألّف كتابا بعنوان ( أسنى المطالب في نجاة أبي طالب )) . انظر : (( الأعلام )) (1/129) ، و( معجم المؤلفين )) (1/29) ، و( مجلة المنار ) (م7 ،ص 393) ، و (( البيان والإشهار )) لفوزان السابق ص (45) .
5 - انظر : (( كشف الخفاء )) للعجولني (1/114) ح (305) ، و(2/242) ح (1251) ، و( 2/511) ، ح(3081) .(1/50)
6 - مما قاله الشيخ العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - على من عاب على الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بدار مسيلمة : ( ولا يعيب شيخنا بدار مسيلمة إلا من عاب أئمة الهدى ومصابيح الدجى بما سبق في بلادهم من الشرك والكفر المبين ، وطرد هذا القول جرأة على النبيين وأكابر المؤمنين .
وقد قال بعض الأزهريين : مسيلمة الكذّاب من خير نجدكم ، فقلت : وفرعون اللعين رأس مصركم ، فبهت ، وأين كفر فرعون من كفر مسيلمة لو كانوا يعلمون )) ( مصابيح الظلام ) ص (237) .
7 - باعتبار أن المردود عليه اسكندراني
8 - يبعد أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى أخذ العلم عن الشيخ محمد بن سليمان الكردي حيث أن المراجع المعتمدة كابن غنام وابن بشر ونحوهما لم تذكر ذلك ، وإنما تفرد به دحلان في تاريخه الذي سوّده بكم هائل من المفتريات .. لا سيما وأن هذا الكردي له أجوبة خطية في مخالفة ومعارضة ما قرره أئمة الدعوة السلفية .
انظر : (( دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب )) ص (43) ، و( عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب )) للعبود ص (102-103) .
9 - وهو الشيخ العلامة عبد الله بن إبراهيم بن سيف - رحمه الله .
10 - وقد شارك في تأليف هذا الكتاب كل من : الشيخ محمد بن علي بن غريب (ت 1209هـ ) والشيخ حمد بن معمر ( ت 1225هـ ) ، والشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ( ت 1242هـ ) رحمهم الله تعالى
انظر :(دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ) ص(59) .
11 - المثبت في المطبوع فقد كذب ، ولعلَّ الصواب فقد كفر ، كما أخرجه أحمد (2/429) ، والحاكم (1/8) وصححه على شرط الشيخين ، والبيهقي (8/35) وصححه الألباني في ( صحيح الجامع الصغير )) ح (5815) .(1/51)
12 - هذا كلام فيه إجمال ، فلا شك أن هذا الحديث - ونحوه - فيه تغليظ وتخويف ، وهو على حقيقته ، نؤمن به ولا نكذّب ، ونمرّه كما جاء ، ونأخذ بظاهره المفهوم منه بعيداً عن التأويلات المستكرهة .
انظر (( مجموع الفتاوى )) لابن تيمية (7/674، 19/ 150) ، و(( الإيمان )) لأبي عبيد القاسم بن سلّام ص (88) ، و(( تيسير العزيز الحميد )) ص (416) .
13 - ليس الأمر بهذا الإطلاق ، فإن من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو كافر من جهة ما فيه من دعوى علم الغيب ، ودعوى مشاركة الله تعالى في علمه الذي استأثر به ، قال تعالى : ((قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)) (النمل:65) .
انظر : (( شروح كتاب التوحيد )) للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، باب ما جاء في الكهان ونحوهم ، وإن كان ثمت نزاع في الكفر في هذا الحديث هل هو كفر دون كفر ؟ أو يتوقف فيه ؟ روايتان عن الإمام أحمد .
انظر : (( تيسير العزيز الحميد )) ص (416) ، (( فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم )) (1/164) .
14 - أخرجه الترمذي ح (1535) ، والحاكم (1/18) وصححه ووافقه الذهبي .
15 - وقد طبع أولاً في المطبعة السلفية بمصر ، ثم طبع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالرياض .
16 - والمراد به ابن عربي الطائي الزنديق ، والمتوفي سنة (638هـ ) ، وهو ليس من أكابر العلماء فضلاً أن يوصف بالشيخ الأكبر .
انظر : كتاب (( تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي )) للعلامة البقاعي .(1/52)
17 - لعل المقصود بصاح بالردّ - ها هنا - الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ، كما جا ء في رسالته الموسومة بـ (( المحجة في الرد على اللجة )) مطبوعة ضمن مجموعة التوحيد ص (441) ، حيث قال رحمه الله عن هذا البيت : يا أكرم الخلق .. .(( فقد تضمنت غاية الإطراء والغلو الذي وقعت فيه النصاري وأمثالهم ، فإنه قصر خصائص الإليهة والربوبية - التي قصرها الله على نفسه وقصرها عليه رسول الله _صلى الله عليه وسلم - فصرفها لغير الله . ) كما أن للشيخ عبد الرحمن بن حسن عدة أجوبة وردود على بردة البوصيري وكذا العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين .
انظر : (( الدرر السنية ، مختصرات الردود )) .
18 حيث طبع هذا التفسير - في المطبعة الميمنية بمصر - على النسخة الخطية التي عثر عليها في خزانة حمود بن عبيد الرشيد أحد أمراء حائل .
19 غلطت رابعة العدوية في تلك المقالة ، فإن طلب الجنة والخوف من النار طريق أنبياء الله ورسله وجميع أولياء الله تعالى ، كما دلّت على ذلك الأدلة لا سيما وأن النظر إليه سبحانه وابتغاء وجهه الكريم داخل في نعيم الجنة ، فالمؤمن يعبد الله تعالى طمعاً في جنته وخوفاً من ناره وابتغاء وجهه ، فليست الجنة مجرد التنعم بالأكل والشرب ونحو ذلك كما توهم أولئك المتصوفة . انظر : الاستقامة لابن تيمية (2/104-117) .
20 انظر : ترجمته في ( علماء نجد خلال ثمانية قرون ) للشيخ عبد الله البسام (4/112) ، و( زهر الخمائل في تراجم علماء حائل )) لعلي الهندي ص (16) .
21 انظر ترجمته في (( علماء نجد خلال ثمانية قرون )) للشيخ عبدالله البسام (4/486) ، و( زهر الخمائل في تراجم علماء حائل )) لعلي الهندي ص (14) .
22 كتاب ( قطر الندى وبلّ الصدى ) لابن هشام .
23 يعني الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في رسالته ( كشف الشبهات )) .(1/53)
24 يقول الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - عن تلك الدعوى - : (( فالمسائل التي شنّع بها -يعني ابن سحيم أحد خصوم الشيخ - منها ما هو من البهتان الظاهر .. وذكر الشيخ منها - قوله : أني أكفر من توسل بالصالحين ، وجوابي أن أقول : سبحانك هذا بهتان عظيم )) ، مجموعة مؤلفات الشيخ )) (5/64) .
25 يقول الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب : (( ولكن إنكارنا من دعا المخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى ، ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غيره يطب منه تفريج الكربات ، وإغاثة اللهفات ، وإعطاء الرغبات ، فأين هذا ممن يدعو الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله إحداً ، ولكن يقول في دعائه : أسألك بنبيك أو بالمرسلين ، لكن لا يدعو إلا الله مخلصاً له الدين ، فأين هذا ممن نحن فيه )) ( مجموعة مؤلفات الشيخ )) (3/68) .
26 قوله المؤلف - رحمه الله تعالى - بأن العبرة في الأحكام باللفظ يحمل ذلك إذا ظهرت مطابقة القصد للفظ ، فإذا ظهر قصد المتكلم لمعنى الكلام وجب حمل كلامه على ظاهره المتبادر منه بخلاف الألفاظ التي يظهر بأن المتلكم لم يرد معناه . انظر : (( أعلام الموقعين )) لابن القيم (3/107-108) .
27 وهو كتاب (( تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام الأشعري )) .
28 والصحيح أن نصوص الصفات تجرى على ظاهرها ومعناها المتبادر منه ، وما دلّت عليه من المعاني الصحيحة ، وليس في هذا الظاهر تشبيه أو تجسيم ، فليس فيما وصف الله به نفسه أو رسوله تشبيه . انظر : (( الرسالة التدمرية - القاعدة الثالثة )) ، و ( الرسالة المدنية ) .
29 وهو كتاب (( اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو الجهمية والمعطلة )) لابن القيم .
30 (( عمدة القاري شرح صحيح البخاري )) (2/300،229) .(1/54)
31 فسّر أئمة السلف استوى بارتفع ، لم أثر عن أبي العالية ، والربيع بن أنس ونحوهم ، بل هو قول أكثر مفسري السلف ، كما أن إمام العربية الخليل بن أحمد فسِّر الاستواء بالارتفاع . انظر : ((مختصر العلو للذهبي )) ص (160، 171، 224، 280) ، ( (الدرر )) (2/20) .
32 والصحيح أن الاستواء صفة فعلية متعلقة بمشيئة الله تعالى واختياره ، كما دلّ عليه قوله تعالى :(( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )) ( الأعراف :54) . فالاستواء علو خاص ، فكل مستو على شيء عال عليه ولا عكس ، وقال ابن تيمية : (( فالأصل أن علوه على المخلوقات وصف لازم له كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك ، وأما الاستواء فهو فعل يفعله سبحانه وتعالى بمشيئته وقدرته ، ولهذا قال فيه : (ثُمَّ اسْتَوَى) (( مجموع الفتاوى ) (5/523) . وانظر (5/226) .
33 أخرجه اللالكائي في ( أصول الاعتقاد ) (3/397) ، والذهبي في ( العلو ) (1/630) ( تحقيق البراك ) ولفظهما : الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإقرار به إيمان ، والجحود به كفر )) لكن لا يصح عن أم سلمة رضي الله عنها كما قاله الإمام الذهبي في العلو (1/631) وانظر : (( مجموع الفتاوى ) لابن تيمية (5/365) .
34 أخرجه اللالكائي في ( أصول الاعتقاد ) (3/398) ، والذهبي في ( العلو ) (2/911) .
35 أخرجه اللالكائي في ( أصول الاعتقاد ) (3/398) ، والذهبي في ( العلو) (2/952-954) .
36 لم يكن ابن عربي محققاً بل كان زنديقاً يدعو إلى وحدة الوجود . انظر : كتاب (( تنبيه الغبي في تكفير ابن عربي )) .
37 عبد القادر الجزائري (ت 1300هـ ) من أمراء الجزائر ، قاتل الفرنسيين ، صاحب شعر وتصوف ، وله عدة مصنفات . انظر : (( الأعلام للزركلي ) (4-45) ، و( معجم المؤلفين ) (5/304) .(1/55)
38 والصحيح أن نصوص الصفات تجرى على ظاهرها ومعناها المتبادر منه ، وما دلّت عليه من المعاني الصحيحة ، وليس في هذا الظاهر تشبه أو تجسيم ، فليس فيما وصف الله به نفسه أو رسوله تشبيه .
انظر : (( الرسالة التدمرية - القاعدة الثالثة )) ، و((الرسالة المدنية )) .
39 نكتوا عليهم : طعنوا عليهم . انظر : (( ترتيب القاموس المحيط )) للزاوي (4/35) .
40 صاحب كتاب (( تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار )) .
41 وكما قال الشيخ حمود التويجري - رحمه الله - في كتابه ( إيضاح المحجة في الردّ على صاحب طنجة ) : (( والتشدد إنما وقع في بعض الأعراب في زمن يسير ، فأما الحاضرة وكثير من البادية فكانوا على الطريقة السلفية ، ولم يكن فيهم تشدد كما يزعمه بعض الناس )) ص (145) .
42 انظر إلى : حكاية واقعة وقصة رائعة - في حسن تعاملهم - للشيخ أحمد بن عيسى رحمه الله مع التاجر عبد القادر التلمساني . ( (علماء نجد خلال ثمانية قرون ) (1/438-440) .
43 أي التوسل المشروع الذي دلّ عليه الكتاب والسنة النبوية الصحيحة .
44 ومن صفات الله تعالى أنه المألوه المعبود ، فيجب إفراده تعالى بالعبادة ، والمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية ،فإن من خصائص الإلهية التفرد بملك الضر والنفع ، والعطاء والمنع ، وذلك يوجب تعليق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل به وحده ، فمن علّق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق .
انظر : (( الجواب الكافي )) لابن القيم ص (182، 183، و(( إغاثة اللهفان )) (2/340، 341) .
45 منع بعض السلف زيارة القبور مطلقاً مثل الشعبي والنخعي وابن سيرين ، ويحكى قولاً في مذهب الإمام مالك . انظر : الرد على الأخنائي )) ص (38) .
46 الماليخوليا نوع من الجنون ، يقال : امتُلخَ عقل فلان ، ذهب واسْتُلِب . انظر : (( المعجم الوسيط )) (2/890) .
47 فُوقه : موضع الوتر .(1/56)
48 انظر رسالة (( أكمل البيان في شرح حديث نجد قرن الشيطان ) لحكيم محمد أشرف سندهور ، وكتاب (( دعاوى المناوئين لدعوة المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب )) ص (186-192) .
49 لكن الحديث أخرجه البخاري في ( صحيحه ) كتاب الفتن ح (7094) .
50 أخرجه أحمد (6/443) .
51 انظر : الرد على هذه الفرية في كتاب (( صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان )) للسهسواني ص (529، 530) ، وكتاب (( دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب )) ص (184، 190) .
52 أي علم حقيقة الصفات وكيفيتها .
53 أي الجسمية لغةً ، وهي البدن الكثيف ، فإن الله منزل عن ذلك ، ليس كمثله شيء سبحانه وتعالى .
54 بل ويقررون الالتزام بالدليل والأخذ به سواءً كان عند الإمام أحمد - رحمه الله - أو غيره .
55 لعل مقصوده شرح جوهرة التوحيد للبيجوري الأشعري حيث حكى الخلاف في التقليد في العقائد ص (21-22) .
56أي تأويل فاسد .
57 انظر التعليق رقم (1) ص 41.
58 هذا كلام فيه إجمال ، فلا شك أن هذا الحديث - ونحوه - فيه تغليظ وتخويف ، وهو على حقيقته ، نؤمن به ولا نكذب ، ونمرّه كما جاء ، ونأخذ بظاهره المفهوم منه بعيداً عن التأويلات المستكرهة . انظر : (( مجموع الفتاوى )) لابن تيمية (7/674، 19/150) ، و(( الإيمان )) لأبي عبيد االقاسم بن سلّام ص (88) ، و( تيسير العزيز الحميد )) ص ( 416) .
59 وجه كونه افتراء أن الذبح لغير الله محَّرم وكفر ، دون تخصيصه عند مراقد الصالحين ، فمن خصصه بذلك فقد افترى .
60 أي من غير تأويل فاسد .
61 أي ناقض الجبرتي دحلان في تلك المفتريات .
62 كنا نود أن المؤلف - غفر الله له 0 أعرض عن هذا الكتاب المنحول والذي لا يصح نسبته إلى الغمان ابن قتيبة رحمه الله لعدة أوجه منها : أن الذين ترجموا لابن قتيبة لم يذكر واحد منهم أنه ألّف كتاباً يدعى ( الإمامة والسياسة )) .(1/57)
كما أن الكتاب يشتمل على أخطاء تاريخية فادحة تخالف المعلومات التاريخية الثابتة والتي ساقها ابن قتيبة في كتابه (( المعارف ) .
ويحوي كتاب ( الإمامة ) طعناً في الصحابة يخالف ما قرره ابن قتيبة في كتابه ( تأويل مختلف الحديث ) من الذبّ عن الصحابة والرد على مطاعن المبتدعة في الصحابة .
انظر : مقالة في بطلان نسبة كتاب ( الإمامة والسياسة ) لابن قتيبة للدكتور عبد الله عسيلان في ( مجلة كلية اللغة العربية ) بجامعة الإمام محمد بن سعود ، العدد الثاني - ثم طبعت في رسالة مفردة - وكتاب ( عقيدة الإمام ابن قتيبة ) للدكتور علي العلياني ص (88-93) .
63 انظر : نقد أحداث معركة الحرة في كتاب مواقف المعارضين في خلافة يزيد ابن عبد الملك لمحمد الشيباني ص 326-485.
64 هؤلاء المذكورون من رجال الصوفية على تفاوت كبير في سلامة المعتقد والاتباع ، ففيهم الصّديق والزنديق ، فالشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله معروف بحسن المعتقد وابتاع السنة والأثر ، وأما البدوي فصاحب كفر فاضح وتهتك وفجور ، ومنهم ما بين ذلك .
65 ليس الأمر كذلك بإطلاق ، فأما الرفاعي فقد عرف بالعبادة والزهد - : انظر : ترجمته في ( سير أعلام النبلاء ) (21/77) - وأما الدسوقي فقد نسب إلى مقالة وحدة الوجود - انظر : ( الطرق الصوفية في مصر )) للنجار ص (156) وأما البدوي فصاحب زندقة ظاهرة وترك للصلوات - انظر كتاب ( أحمد البدوي ) لأحمد صبحي منصور .(1/58)
66 لا يخفى أن في رموز الصوفية إجمالاً واشتباهاً ، فقد توهم كفراً وزندقة ، وقد توهم معنى صحيحاً لا محذور فيه ، والواجب الالتزام بالألفاظ الشرعية والإعراض عن الألفاظ الموهمة والرموز المجملة ، كما ينبغي الاستفصال عن تلك الرموز ، وكما قال ابن القيم رحمه : (( اعلم أن في لسان القوم من الاستعارات ، وإطلاق العام وإرادة الخاص ، وإطلاق اللفظ وإرادة إشارته دون حقيقته معناه ما ليس في لسان أحد من الطوائف غيرهم ، ولهذا يقولون : نحن أصحاب إشارة لا أصحاب عبارة ، وقد يطلقون العبارة التي يطلقها الملحد ، ويريدون بها معنى لا فساد فيه ... )) (( مدارج السالكين )) ( 3/30) .
67 الإمام يحيى حميد الدين ملك اليمن (ت 1367هـ ) . انظر : ((الأعلام ))للزركلي (8/170) .
68 كتاب (( الفقه الأكبر )) لأبي حنيفة رحمه الله مما استفاضت شهرته وذاعت صيته وتناقل العلماء تلك الرسالة ونسبوها لأبي حنيفة .
69 قرر الإمام أبو حنيفة في ( الفقه الأكبر )) أن أبوي الرسول صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر ، وبسط هذه المسألة الشيخ ملا علي القاري في رسالته (( معتقد أبي حنيفة الإمام في أبوي الرسول عليه السلام )) وردّ على السيوطي دعوى إسلام أبوي المصطفى صلى الله عليه وسلم . .
??
??
??
??
12
النفخة على النفخة و المنحة
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلةالشيخ د.عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف
www.islamlight.net/alabdullatif.(1/59)