الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
جامعة الجزائر
كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير
أطروحة لنيل دكتوراه دولة في العلوم الاقتصادية
من إعداد الباحث: ... ... ... ... ... تحت إشراف:
حشماوي محمد ... ... ... ... ... أ.د. عبد المجيد قدي.
لجنة المناقشة
- أ.د: الهادي خالدي : ... رئيسا. - أ.د: كساب علي :عضوا.
- أ.د: عبد المجيد قدي : مقررا. - د: أوسرير منور : عضوا.
- أ.د: بدعيدة عبد الله : عضوا. - د: براق محمد : عضوا.
2006
بسم الله الرحمن الرحيم
{ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا و لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به و أعف عنا و اغفر لنا و ارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين }
صدق الله العظيم .
(سورة البقرة الآية 286)
إلى روح أمي و أبي
إلى شريكة حياتي زوجتي
إلى أبنائي الأحباء، سارة و نسيم
إلى عائلتي.
إلى مشرفي الأستاذ الدكتور عبد المجيد قدي المرشد و الناصح الدائم لإتمام لهذا العمل.
إلى أستاذي الدكتور قادة أقاسم الذي كان الحافز المعنوي و الراعي الدائم لهذا العمل.
إلى الأستاذ الدكتور تومي صالح عميد الكلية.أتقدم بعرفاني و شكري الجزيل
كما أتقدم بشكري إلى الأخت سعاد و الأخ خالد اللذان سهرا على إخراج هذا العمل، و إلى جميع من ساعدني من قريب أو من بعيد.
مقدمة
يعتبر ميدان العلاقات الاقتصادية الدولية من الميادين الأكثر إثارة للدراسة والتحليل الاقتصادي في الألفية الثالثة نتيجة التطورات و التغيرات المستمرة والمتلاحقة التي يعرفها النظام الاقتصادي العالمي من عشرية لأخرى.
لتقوم التجارة الدولية بدورها التاريخي كمحرك للنمو و التنمية لا بد من توافر بيئة اقتصادية عالمية مناسبة، و نظام تجاري عالمي مساند لعملية التنمية وتحسين شروط التبادل الدولي.(1/1)
و المتتبع لتطورات الاقتصاد الدولي يلاحظ أن هذه الشروط قد توافرت بدرجة معينة في الفترة الممتدة ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية و بداية السبعينات بفضل الدور الهام الذي لعبته المنظمات الدولية النقدية و التجارية و المالية المنبثقة عن مؤتمر بروتن وودز B.Woods لسنة 1994، من جهة. و عزم الولايات المتحدة الأمريكية (مخطط مارشال) على إعادة بناء أوروبا الرأسمالية من جهة ثانية.
فالازدهار الاقتصادي الذي ميز هذه المرحلة كان له تأثيرات إيجابية على التجارة الدولية عموما و تجارة المواد الأولية للدول النامية نتيجة ارتفاع الطلب الدولي عليها. الأمر الذي خلق نوعا من الطموح للدول النامية في تحسين موقعها في التقسيم الدولي للعمل و ذلك بالمطالبة بتغيير هيكل النظام التجاري التقليدي المبني على تبادل المواد الأولية مقابل المنتجات الصناعية.
ففي الوقت الذي ساد فيه الاعتقاد أن البيئة الاقتصادية الدولية أصبحت مواتية للدول النامية و الدول المتقدمة على السواء لطي عهد الأزمات و الفوضى التجارية، و بناء نظام تجاري تتكافأ فيه شروط التبادل الدولي، ظهرت تطورات وتغيرات جديدة على النظام الاقتصادي الدولي تعلن مرحلة جديدة لهذا النظام ابتداء من أزمة الدولار سنة 1971.و ما رافقها من انهيار في نظام النقد الدولي واضطرابات في النظام التجاري كانت تتجه عكس ذلك. فهذه الأزمة للنظام الاقتصادي الدولي من ناحية، و تزايد و إدراك ووعي الدول النامية بتعديل نظام العلاقات الدولية من ناحية ثانية، كان وراء المطالبة بإقامة نظام اقتصادي دولي جديد.(1/2)
و هكذا جاءت هذه المطالبة أولا من مجموعة دول عدم الانحياز سنة 1973 بالجزائر، و التي دعت في نتائج مؤتمرها بإقامة نظام اقتصادي دولي جديد يسوده التعاون محل الهيمنة بين الدول النامية و الدول المتقدمة. و لقد ساندت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا المطلب بقرارها رقم 3201 الصادر سنة 1974 بشأن الإعلان عن قيام نظام اقتصادي دولي جديد أكثر عدالة و مساواة بين أطرافه.
و لعل من الملاحظ أنه إذا كان عقد السبعينات شهد بداية قوية نحو تكوين نظام اقتصادي جديد، فأزمة التضخم ألركودي التي أصابت النظام الاقتصادي الرأسمالي خلال النصف الثاني من السبعينات واستمرت إلى النصف الثاني من الثمانينات وما نتج عنها من احتكارات دولية جديدة في الإنتاج والتسويق ،أدت إلى إدخال قواعد جديدة على النظام التجاري الدولي حولت طموح الدول النامية في التنمية إلى وهم.
و فهذه التغيرات والتطورات التي عرفتها هذه المرحلة تميزت بالشمولية في الإنتاج والحمائية والإقليمية التجارية وطرحت الخطر الجاثم داخل النظام التجاري السائد، وتسببت في المشاكل التي أصبحت تلاحق التجارة الدولية بسبب انتهاك قواعد الجات وارتفاع القيود الحمائية من الدول الصناعية.
هذه المشاكل كانت وراء النقص الكبير في إيرادات الدول النامية من التجارة الدولية وارتفاع مديونيتها الخارجية إلى درجة زعزعة أركان النظام الاقتصادي الدولي عموما والنظام التجاري على الخصوص.
و لعل التأمل في التغيرات و التحولات التي تبلورت مند بداية التسعينات عن وجه الخصوص تشير كلها إلى أن هناك مجموعة من العوامل و القوى الدافعة تعمل على تشكيل و تكوين نظام اقتصادي عالمي جديد يختلف في خصائصه و سماته و في ترتيباته للأوضاع الاقتصادية عن تلك التي كانت سائدة من قبل.(1/3)
لقد تميزت هذه المرحلة بتنامي و تعاظم دور الشركات المتعددة الجنسيات والتكتلات الاقتصادية العابرة للأقاليم و القطبية الواحدة و سيادة آلية السوق و ميلاد نظام تجاري عالمي جديد تقوده منظمة التجارة العالمية. كل هذه العوامل و ما صاحبها من تطور تكنولوجي و معلوماتي ساهمت في بروز ظاهرة العولمة التي أصبحت السمة الأساسية للنظام الاقتصادي العالمي الجديد.
ويأتي إنشاء منظمة التجارة العالمية في ضوء استكمال العولمة الاقتصادية لآلياتها الرئيسية الثلاثة إلى جانب صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، و يعتبر النظام التجاري من أهم دعائم النظام الاقتصادي، بحيث لعبت التجارة على مر العصور دورا كبيرا في مجال التنمية الاقتصادية. فبعد الحرب العالمية الثانية، تم إنشاء الجات لتقود العالم إلى الانتعاش الاقتصادي و الرخاء و لتكون مع صندوق النقد الدولي و البنك الدولي الدعائم الأساسية للاقتصاد العالمي.
و قد رؤى – آنذاك-أن تحرير التجارة هو الاتجاه الصحيح لحقيق التنمية الاقتصادية ومنع تكرار الكساد الاقتصادي و تحقيق معدلات نمو عالية لما لتحرير التجارة من تأثير مباشر على الإنتاج والاستهلاك و العمالة و الاستثمار.
و اليوم يعتقد أن نجاح جولة الأوروغواي سوف يسهم بفاعلية في تنشيط الاقتصاد العالمي بعد سنوات من الركود و انخفاض معدلات النمو في الدول الصناعية الكبرى. وهناك دراسات تتوقع إسهام تطبيق نتائج جولة الأوروغواي في زيادة النتائج العالمي بما يعادل 300 مليار دولار سنويا، و هذا الانتعاش في الاقتصاد العالمي سينعكس إيجابيا على الدول النامية.(1/4)
و اعتبارا من أول عام 1995، أصبحت منظمة التجارة العالمية هي المسئولة عن الإشراف على النظام التجاري العالمي. و لا ريب أن تحرير التجارة والاستثمار في جميع المجالات التي شملتها جولة الأوروغواي عززت تنامي ظاهرة العولمة الاقتصادية وبروز اتجاهات جديدة للتجارة الدولية و الاستثمار الأجنبي المباشر بفضل سيطرة، الشركات المتعددة الجنسيات، و التكتلات الاقتصادية و المنظمات العالمية على إدارة الاقتصاد العالمي.
إن تأثير النظام التجاري العالمي الجديد على الدول كان و لا يزال مثار للجدل بين الباحثين و الاقتصاديين فمنهم من يرى أن هذا النظام سوف تستفيد منه الدول النامية والمتقدمة على حد سواء، و منهم من يري أن الجات 1994 سوف تؤدي إلى تحقيق مصالح الدول المتقدمة على حساب الدول النامية، حيث أن التغيرات في مجال التجارة وفي اتجاهاتها العالمية و تأثيراتها على الاستثمارات الأجنبية المباشرة سوف تكون لها انعكاساتها المباشرة على التجارة الخارجية للدول النامية.
هذا الجدل كان وراء اختيارنا معالجة هذا الموضوع المتشعب محاولين الإجابة عن التساؤلات و الخلفيات التي تطرح نفسها في هذا الشأن و معرفة ما مدى توافق قواعد النظام التجاري الجديد، الذي وجد و يجد تبريراته الفكرية في نظرية اللبرالية الجديدة وفي نظرية المزايا التنافسية للتجارة الدولية، مع الواقع الاقتصادي العالمي عموما.و الواقع الاقتصادي للدول النامية خصوصا في ظل البيئة الاقتصادية السائدة حاليا و في ظل الاعتماد المتبادل و اللامتكافئ الذي يطبع النظام التجاري الجديد.
و الهدف الرئيسي لهذه الدراسة هو البحث في تطور مراحل تكوين النظام الاقتصادي العالمي الجديد و في مضمون النظام الجديد للتجارة العالمية و تقصى آثاره على طبيعة واتجاهات التجارة الدولية و انعكاساتها على الاقتصاد العالمي واقتصاديات الدول النامية بالخصوص، و مدى توافقها مع مطالب التنمية لهذه الأخيرة.(1/5)
تلك هي الخلفيات التي كانت وراء الخوض في هذا الموضوع للإجابة على الإشكالية التالية:
- ما هي أهم التطورات التي عرفتها التجارة الدولية عبر مراحل تطور النظام الاقتصادي من الدولة إلى العولمة؟
- و ما هي الاتجاهات الجديدة للتجارة في ظل النظام التجاري العالمي الجديد وما رافقه من تقسيم عالمي جديد للعمل؟
- و هل سيعمل هذا النظام التجاري الجديد على تسهيل مهمة الدول النامية في تحسين موقعها في التجارة الدولية، أم أنه سيضع أمامها عقبات جديدة علاوة على تلك التي واجهتها في ظل النظام السابق؟
و لمعالجة هذا الموضوع اعتمدنا الفرضيات التالية:
- يتسم النظام الاقتصادي العالمي بالديناميكية و ينطوي على مجموعة من العوامل والقوى الدافعة تجعله يتجدد و يتغير في كل مرحلة من مراحل تطوره.
- آثار النظام الجديد للتجارة العالمية لم تكن مقصورة على الدول النامية بل أنها سوف تطول جميع بلدان العالم سلبا أم إيجابا و بدرجات متفاوتة.
- تستفيد الدول النامية من المزايا المتعددة التي يحتويها النظام الجديد للتجارة العالمية لكنها لا تستطيع رفع التحديات المطروحة في الفترة المحددة في اتفاقات جولة الأوروغواي.
- يساهم تنامي و تعاظم دور الشركات المتعددة الجنسيات و التكتلات الاقتصادية العملاقة في رسم الاتجاهات الجديدة للتجارة و الاستثمارات العالمية.
- تتميز الاتجاهات الجديدة للتجارة و الاستثمارات العالمية بالقطبية و التمركز في المناطق الجغرافية العالمية الكبرى.
و للإجابة عن التساؤلات المطروحة و الفرضيات المعتمدة في هذه الدراسة اتبعنا المنهج التاريخي لدراسة تطور النظام التجاري في ظل التطورات التي عرفها النظام الاقتصادي الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، و المنهج التحليلي، لدراسة وتحليل نتائج جولة الأوروغواي و نتائج مختلف المؤتمرات الوزارية و تأثيراتها على اتجاهات و مستقبل التجارة الدولية.
وتنقسم هذه الدراسة إلى ستة فصول:(1/6)
نتناول في الفصل الأول تطور مراحل النظام الاقتصادي مند نهاية الحرب العالمية الثانية مع التركيز على العوامل الدافعة لتغييره في كل مرحلة و تأثيراتها على التجارة الدولية.
و نقوم في الفصل الثاني بتحليل انتقال النظام الاقتصادي من مرحلة الدولية إلى مرحلة العولمة مبرزين أهم ملامح و سمات هذه المرحلة و تأثيراتها على توجهات التجارة العالمية.
و استعرضنا في الفصل الثالث ظاهرة العولمة الاقتصادية و أهم الآليات والأدوات التي اعتمدتها لإدارة الاقتصاد العالمي.
و يتضمن الفصل الرابع البحث في مضمون النظام التجاري الجديد و تطوره من الجات 1947 إلى منظمة التجارة العالمية 1994 مركزين على تحليل نتائج جولة الأوروغواي و انعكاساتها على اتجاهات التجارة العالمية. و في الفصل الخامس نقوم باستعراض و تحليل أعمال و نتائج المؤتمرات الوزارية لمنظمة التجارة العالمية و نختم بفصل سادس يتناول الاتجاهات الجديدة للتجارة والاستثمارات العالمية في ظل النظام التجاري الجديد و انعكاساتها على الدول النامية.
الفصل الأول:
النظام الاقتصادي الدولي بعد الحرب العالمية الثانية:
إن سنوات النمو و الاستقرار التي شهدتها المنظومة في العشرينات، كانت قصيرة للغاية، إذ سرعان ما تتعرض المنظومة إلى كساد طاحن و حربا عالمية ثانية. فها هو الكساد الكبير ( 1929-1933) يخيم على دول العالم و يسبب في إغلاق و إفساد الألوف من المصانع و البنوك و يلقي بآلاف العمال في أتون البطالة.
إن حدة الصراع بين دول المنظومة الرأسمالية في ظل الأزمة الاقتصادية أدى إلى حرب عالمية ثانية لحسمه و إعادة ترتيب المنظومة الاقتصادية من جديد وفق النتائج التي تمخضت عن هذه الحرب.
المبحث الأول:
مراحل تطور النظام الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية.(1/7)
تمخضت الحرب العالمية الثانية عن نتائج بالغة الأهمية ساهمت في تشكيل الملامح و السمات الأساسية لعالم ما بعد الحرب. نذكر من بينها.(1)
- إضعاف قوة بريطانيا و فرنسا.
- ضرب محور برلين- طوكيو.
- بروز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة اقتصادية و عسكرية.
- ظهور دول خارج المنظومة كالصين.
- انعقاد مؤتمر بروتن وودز و ما تمخض عنه من نتائج هامة على المستوى النقدي (صندوق النقد الدولي) و التجاري (الغات) و المالي (البنك العالمي).
هذه المنظمات ساهمت بشكل كبير في النمو و الاستقرار خلال هذه الفترة.
1-1- النظام الاقتصادي الدولي حتى 1971:
دخلت منظومة الاقتصاد الرأسمالي العالمي مرحلة ما بعد الحرب العالمية لتنتقل إلى سياق تاريخي جديد، تشكلت فيه ملامح عصر جديد، و هو عصر سوف يتميز بقدرة عالية من النمو و الاستقرار لمدة ربع قرن كامل في ظل السيطرة المركزية للولايات المتحدة الأمريكية و احتلالها مركز النواة لها، بيد أن المنظومة – في المقابل- قد انطوت على ميول كامنة مضادة لهذا النمو المستقر. و هي عوامل سرعان ما تنضج لتعجّل في اشتعال الأزمة عند بداية السبعينات.(2)
__________
(1) ر.زكي الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة .كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع.1985.الكويت. ص 15.
(2) الاتفاق عن إنشاء آليات و منظمات تساهم في تسيير و ترتيب العلاقات الاقتصادية الدولية، صندوق النقد الدولي، البنك العالمي و اللغات.(1/8)
لقد عاشت منظومة الاقتصاد الرأسمالي العالمي خلال النصف الثاني من الأربعينات، و الخمسينات و الستينات فترة نمو مزدهر. فقد شهدت تلك الفترة، انتعاشا في حركة تراكم رأس المال، و نموا اقتصاديا مرتفعا (كان متوسطه يدور حول 4.5 بالمائة سنويا)، و انخفضت معدلات التضخم، و لم تزد عن 3 بالمائة. و تراجع فيها معدل البطالة إلى أقل من 3 بالمائة. و تمت السيطرة على الدورات الاقتصادية، فأصبحت أقصر أمدا و أقل حدة. و على النطاق الدولي حدث استقرار في أسعار الصرف و اتسمت المدفوعات الدولية بدرجة عالية من التوازن في ضوء الآليات التي وضعتها اتفاقية بريتون وودز. و شهدت حركة التجارة الدولية في خضم ذلك انتعاشا واضحا. و هذا النمو المزدهر و اللامع والمصحوب بدرجة عالية من الاستقرار النقدي، و بضآلة معدلات البطالة و ثبات أسعار الصرف، دفع بعدد كبير من الاقتصاديين إلى الإدعاء بأن عصر الأزمات للرأسمالية قد ولى زمانه إلى غير رجعة، و جاءت أحداث السبعينات لتحطم هذا الوهم تماما.
إن توسع الرأسمالية عالميا هو أحد العوامل الهامة لاستمرار ديمومتها ونموها. و يلعب الإطار العالمي للرأسمالية – و هو إطار تتحدد فيه بشكل واضح علاقة المركز بدول الأطراف- دورا مهما في نموها و توسعها. و نقصد بهذا الإطار حركة التجارة الدولية بما تنطوي عليه من تقسيم دولي للعمل و من صادرات و واردات، و أسعار عالمية تبادلية، و علاقات نقدية، و استثمارات خارجية، و أسواق نقدية....إلى آخره. ومن دون وجود إطار عالمي مستقر لهذه الأمور، تضطرب الأحوال في المنظومة. وعليه، فإن العوامل التي برزت في الإطار العالمي للرأسمالية و شكلت قوى دافعة ومحفزة لهذا النمو المزدهر لعالم ما بعد الحرب تتلخص فيما يلي:(1/9)
1 - بقاء نمط تقسيم العمل الدولي بين البلدان المتقدمة و البلدان النامية كما هو، وهو النمط الذي فرض على مجموعة البلدان الأخيرة أن تتخصص في إنتاج و تصدير المواد الخام و الأولية و أن تستورد في مقابل ذلك احتياجاتها من السلع الاستهلاكية والإنتاجية المصنعة، و المواد الغذائية، و بذلك تمكنت البلدان المتقدمة من تأمين حصولها على ما كانت تحتاج إليه من المواد الخام الحيوية التي تنتجها البلدان النامية. كما كان بقاء هذا النمط الأساس الموضوعي الذي اعتمدت عليه الرأسمالية العالمية في استمرار إخضاع البلدان النامية لتبعيتها، تجاريا و ماليا و تقانيا. و لم تنجح محاولات التصنيع المحدود التي قامت في بلدان المحيط بعد حصولها على استقلالها السياسي، والتي قامت على أساس "الإحلال مكان الواردات" أو على أساس " الإنتاج من أجل التصدير" – لم تنجح في إحداث تغيير جوهري في بنية نمط تقسيم العمل الدولي، وبهذا الشكل تكفل نمط تقسيم العمل الدولي فيما بين البلدان المتقدمة و البلدان النامية الذي أرست دعائمه إبّان المرحلة الكولونيالية، بإعادة إنتاج علاقات السيطرة و الهيمنة على البلدان النامية. و هو أمر كانت له أهمية بالغة في تعضيد نمو الرأسمالية العالمية لعالم ما بعد الحرب(1).
__________
(1) رمزي زكي: الاعتماد على الذات: بين الأحلام النظرية و ضراوة الواقع و الشروط الموضوعية- دار الشباب للنشر و الترجمة و التوزيع- نيقوسيا 1987- ص 35.(1/10)
2-نظام النقد الدولي الذي أرسيت دعائمه في اتفاقية بريتون وودز عام 1944، وهو النظام الذي تمكنت من خلاله الولايات المتحدة أن تجعل الدولار الأمريكي العملة الدولية و مصدر السيولة العالمية، نظرا لالتزامها بقابلية تحويله للصرف ذهبا على أساس ثابت (35 دولار للأوقية)، و قد استهدف هذا النظام تحقيق الاستقرار في أسعار الصرف و توفير السيولة الدولية و إيجاد نظام متعدد الأطراف للمدفوعات الدولية. وقد لعب نظام النقد الدولي و بالذات إبّان سنوات تشغيله الناجحة في الأربعينات والخمسينات و حتى النصف الأول من الستينات، دورا مهما في خدمة توسع الرأسمالية الأمريكية خارج حدودها (في دول غرب أوروبا و بلدان المحيط). كما رسم إطارا مستقرا لنمو حركة التجارة الدولية و الاستثمارات الخارجية في ضوء ما حققه من ثبات نسبي في أسعار الصرف و توفير السيولة فيما بين هاتين المجموعتين من البلدان(1). و من المعلوم أن الظاهرة تعبر عن نفسها في ذلك التدهور الذي تشهده العلاقة النسبية بين أسعار الصادرات للسلع و المواد الخام التي تنتجها بلدان المحيط في مقابل أسعار السلع المصنعة التي تنتجها بلدان المركز، و هي الظاهرة التي تتمكن من خلالها البلدان الأخيرة من امتصاص و نهب جانب كبير من الفائض الاقتصادي المتحقق في بلدان المحيط. و قد عضدت هذه الظاهرة من حركة تراكم رأس المال في البلدان الرأسمالية الصناعية و شكلت في الوقت نفسه نفيا جزئيا لبعض تناقضات النظام الرأسمالي على صعيده المحلي. و في المقابل، أدت تلك الظاهرة إلى الحد من إمكانات التراكم و التنمية في بلدان المحيط.
__________
(1) ر. زكي: التاريخ النقدي للتخلف: سلسلة عالم المعرفة رقم 118. الكويت 1987 ص ص -86/87.(1/11)
3- الحصول على النفط بأسعار بخسة للغاية كأحد العوامل الجوهرية المسئولة إلى حد بعيد عن هذا النمو المزدهر لرأسمالية ما بعد الحرب العالمية الثانية. فقد تمكنت البلدان الصناعية، من خلال شركاتها النفطية ( الأخوات السبع) و هيمنتها على عمليات اكتشاف و استخراج و تسويق النفط لمدة طويلة، و بالذات في البلدان النامية، من أن تجعل سعر هذه المادة الإستراتيجية غير ذي وزن يعتد به في إجمالي تكاليف المنتجات الصناعية. و تبدو أهمية هذا العامل، إذا ما علمنا أن درجة التبعية النفطية (أي مدى الاعتماد على النفط المستورد) مرتفعة للغاية في اليابان (100 بالمائة) و في الكثير من بلدان غرب أوروبا.
4- تدخل الحكومة بشكل متزايد في النشاط الاقتصادي في ضوء ما أملته الفلسفة الكينزية من توجهات و من سياسات لمجابهة حدة الأزمات الدورية. و من المعلوم أن كينز، في نظريته العامة للنقود و الفائدة و التوظف (1932) كان قد أثبت في ضوء منهجه التحليلي و أدواته النظرية، أن الرأسمالية تنطوي على حدوث الأزمات، و أنها قد فقدت قدرتها الذاتية على التوازن التلقائي.
و لمجابهة هذه المخاطر رأى كينز أنه من الضروري التدخل للتأثير في حجم الطلب الكلي الفعال، و أن الدولة هي الجهاز الوحيد القادر على إحداث هذا التأثير. و اقترح جملة من السياسات الحكومية في مجال المالية العامة و الائتمان.
5- و كان لعمليات إعادة بناء الطاقات الإنتاجية التي دمرّتها الحرب، أثر بالغ في دفع عجلات النمو الاقتصادي في بلدان غرب أوروبا و اليابان لفترة ما بعد الحرب، وكان مشروع مارشال (1948-1953) الذي وفرت بمقتضاه الولايات المتحدة الأمريكية قروضا و معونات لبلدان غرب أوروبا، تتراوح قيمتها ما بين 13 إلى 15 مليار دولار، بداية هذه الدفعة القوية، التي كفلت حل مشكلات التمويل و العجز الخارجي للبلدان التي استفادت من هذا المشروع.(1/12)
6- كان للثورة العلمية و التقنية التي ظهرت في هذه الفترة، و ما تولد عنها من مخترعات ابتكارية تأثير مهم في تطوير قوى الإنتاج و زيادة مستوى الإنتاجية للأصول الثابتة و لعنصر العمل. و كان للتحديث التقاني الذي ظهر في مجال استحداث المواد الأولية التخليقية (كالألياف الصناعية، و المطاط الصناعي، و المنتجات البلاستيكية و الكيميائية...) دور كبير في خفض كلفة المنتجات، وزيادة معدلات الربح، و ظهور منتجات جديدة لم تكن موجودة من قبل. فنشأ عن ذلك زيادة محسوسة في حجم الناتج و الدخل و التوظف.
و كان من أخطر و أهم عوامل النمو لمنظومة الاقتصاد الرأسمالي العالمي في عالم ما بعد الحرب، تزايد الإنفاق العام العسكري، فقد دخلت حكومات معظم البلدان الصناعية- و بالذات بلد النواة ( الولايات المتحدة الأمريكية) في مجال التسليح والإنتاج الحربي بثقل كبير. و هو الأمر الذي هيأ فرصا واسعة لاستثمار رؤوس الأموال الفائضة و شراء الحكومة لجانب مهم من منتجات الصناعة الثقيلة، و تحوّل الحكومات إلى "زبون" دائم و كبير لهذه الصناعات للوفاء بالاحتياجات الحربية. و بالإضافة إلى هذا الميل الكامن في رأسمالية البلد الاحتكاري نحو تضخيم الإنفاق العسكري نظرا لآثاره الاقتصادية المنشطة لمجمل الاقتصاد الرأسمالي، فإن ثمة عوامل أخرى أكدت من حدة هذا الميل، كالحرب الباردة و حركات التحرر.(1/13)
7- و أخيرا، و ليس آخرا، كان لعمليات إعادة توزيع الدخل لصالح كاسبي الأجور و المرتبات- الذين يرتفع ميلهم إلى الاستهلاك- في ضوء ما أوصت به الفلسفة الكينزية من خلال تزايد الإنفاق الحكومي على المشروعات العامة و على شؤون التعليم و الصحة و الضمان الاجتماعي و إعانات البطالة، و من خلال نضال نقابات العمال و المنظمات الديمقراطية الأخرى و نجاحها في إجبار الرأسماليين على تقديم تنازلات اقتصادية مختلفة، في شكل تحسين ظروف العمل و زيادة الأجور و تقليل أيام العمل..... كل ذلك كان له دور لا يستهان به في توسع دائرة السوق الداخلية، و زيادة مستوى الاستهلاك الكلي، و بالتالي التخفيف من حدة الأزمات الدورية الرأسمالية في فترة ما بعد الحرب.
و هكذا يتضح أن منظومة الاقتصاد الرأسمالي العالمي التي آلت قيادتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية كانت في تلك الآونة تعمل في ظل عوامل دولية ومحلية محفزة للنمو، و هو الأمر الذي أثر في طبيعة التقلبات الدورية التي انتابت دول المنظومة الصناعية آنذاك، فأصبحت أقصر أمدا و أقل حدة. واختفت في تلك الفترة (1945-1971) احتمالات حدوث أزمات إفراط الإنتاج العامة. وبدا الأمر كما لو أن النظام الرأسمالي قد تخلّص من معضلاته و أزماته.
و مهما يكن من أمر، فإن سنوات الازدهار التي شهدتها منظومة الاقتصاد الرأسمالي العالمي لم يكن من الممكن أن تستمر بلا نهاية أو توقف. ذلك أنه في مقابل العوامل السابقة التي عضدت من هذا الازدهار، على الصعيدين العالمي والمحلي، كانت المنظومة تنطوي على مجموعة أخرى من العوامل المضادة التي ظلت تتفاعل ببطء و تؤدة، و لكن بشكل فاعل و مؤثر، إلى أن بلغت نضجها مؤخرا، فوضعت دول المنظومة بكاملها فوق فوهة بركان مستمر من الأزمة منذ السبعينات.
1-2- أزمة النظام الاقتصادي الدولي بعد 1971:(1/14)
لا شك أن الإطار العالمي بعد الحرب العالمية الثانية شكل إطارا مساعدا لنمو الاقتصاد الرأسمالي العالمي. فاستقرار أسعار الصرف و حرية التجارة و الحفاظ على التقسيم الدولي التقليدي و الحصول على النفط بأسعار منخفضة، كل ذلك ساعد النظام الاقتصادي العالمي على الاستقرار و النمو لمدة ربع قرن كامل.
بيد، نظرا لما تنطوي عليه المنظومة الرأسمالية من صراع و تناقض وعلاقات نمو لا متكافئة، فإن العوامل المضادة الكامنة أدت إلى تصدع أساس هذا النظام في بداية السبعينات، و يمكن حصر هذا العوامل في:
-الأزمة النقدية العالمية:
تمثلت هذه الأزمة في انهيار نظام برتون وودز Bretton Woods (1) في مطلع السبعينات، حيث توقفت قابلية تحويل الدولار إلى ذهب. و هذا خوفا من خروج كل الذهب الاحتياطي في الولايات المتحدة الأمريكية و خاصة في ضوء استمرار العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي.
و قد أثر هذا على الآلية النقدية لنظام النقد الدولي، بحيث تم تعويم معظم العملات الرئيسية في أوروبا، و بذلك تقودت دعائم النظام النقدي الدولي واشتدت المضاربات على الذهب و اشتعلت حركات رؤوس الأموال بقوة و اضطربت المعاملات النقدية الدولية.
و بذلك فقدت المنظومة الرأسمالية أهم آلية عالمية كانت مسئولة على نجاحها، وهي ثبات أسعار الصرف و استقرار المدفوعات الدولية. كما أن اضطراب العلاقات النقدية أثر بشكل سيء على موازين مدفوعات البلاد النامية، حيث زاد من عجزها وفاقم مشكلة ديونها الخارجية.
- تعاظم ظاهرة التدويل:
__________
(1) تم هذا التوقف بقرار منفرد من الرئيس الأمريكي نيكسون سنة 1971 دون الرجوع إلى صندوق النقد الدولي.(1/15)
عرفت هذه الظاهرة تطورا و عمقا ملحوظين خلال السبعينات حيث قامت الشركات المتعددة الجنسيات بالتوغل في جميع أوجه نشاط المنظومة و هو نشاط يمتد إلى كل الأصعدة الإنتاجية و الخدماتية و التمويلية و التسويقية و التقنية. كما قامت هذه الشركات الكبرى بتوزيع نشاطها الإنتاجي و التسويقي جغرافيا عبر مختلف مناطق المنظومة الرأسمالية مستفيدة في ذلك بمزايا الأجور المحلية وتوافر موارد الطاقة و القرب من مواقع التسويق. و قد تنامى نشاطها في مجال التمويل و امتزج فيها رأس المال المالي الدولي.
و نتيجة تعاظم نشاط هذا الشركات تعمقت درجة تقسيم العمل الدولي غير المتكافئ بين البلدان الصناعية و البلدان النامية، و زادت ظاهرة التدويل هذه من درجة التشابك و الترابط بين مختلف أجزاء المنظومة. مما أدى إلى انتشار تأثير الأزمات عندما تقع في بلد ما على كل باقي بلدان المنظومة بواسطة التبادل التجاري و المالي ...إلخ.
- تعميق علاقة التبادل اللامتكافئ :
تعد هذه العلاقة من العوامل المهمة التي عجلت بانفجار أزمة النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي. لقد انطوت علاقات الاستغلال و التبادل اللامتكافئ هذه باتساع الفروق بين الدول الصناعية والدول النامية و ذلك بالنزيف المستمر للفائض الاقتصادي الذي كان يتحقق في البلدان النامية. و من تم لم تفلح جهود هذه البلدان في تحقيق تطلعاتها في التنمية و رفع مستوى المعيشة، بحيث بقيت تمثل الحلقة الضعيفة في المنظومة رغم وجودها و مشاركتها في المؤثرات والمحافل الدولية. و ظلت شروط تبادلها تنحط بسبب تدهور أسعار صادراتها وارتفاع أسعار و إراداتها.و من يزداد العجز في موازين مدفوعاتها. و نتيجة لذلك تضاءل النصيب النسبي لصادرات هذه البلدان من مجمل الصادرات العالمية (أنظر المبحث الثاني).
- انتهاء عصر الرخص الشديد لمواد الطاقة:(1/16)
ظهرت في السبعينات ما يسمى بأزمة الطاقة و تجلت هذه الأزمة في قرارات منظمة الأوبك OPEP في مؤتمريها 1973/1974 و 1979/1980 التي أدت بارتفاع أسعار البترول من 07 دولار للبرميل سنة 1973 إلى 35 دولار للبرميل سنة 1980. و كان من جراء ذلك، أنه حدث لأول مرة تصحيح لأسعار التبادل الدولي في العلاقة التي تربط الدول الصناعية بالدول النامية، و تم تحويل جزء هام من الدخل القومي العالمي من البلاد الأولى إلى البلاد الثانية.
لكن الصراع العنيف الذي دار بين بلدان الأوبك و البلدان المستوردة للنفط في الثمانينات بسبب الأهمية التي أصبح يحتلها النفط في عملية الإنتاج و إعادة الإنتاج، انتهى بنجاح هذه الأخيرة في السيطرة على السوق العالمية للنفط. و تحويلة من سوق يتحكم فيه البائعون إلى سوق تحت سيطرة المشترون. و هكذا استطاعت هذه الدول تدوير عائدات النفط لصالحها، و نتيجة هذه السيطرة كان سقوط أسعار النفط في النصف الثاني من الثمانينات بدرجات قياسية.
و هكذا يتضح لنا أن القوى المضادة الكامنة في المنظومة الرأسمالية ظلت تتفاعل فيما بينها خلال ربع قرن كامل حتى انفجرت مع انهيار النظام النقدي وتنامي ظاهرة التدويل و اتساع الفجوة بين العالم الثالث و العالم المتقدم.
و قد نتجت عن هذه الأزمة سياسة اقتصادية جديدة يطلق عليها البعض "المركنتيلية الجديدة New mercantilisme، أبرز معالمها السياسة الحالية في التجارة الدولية و الممارسات التقييدية التي انتهجتها الشركات المتعددة الجنسيات و هو ما زاد سوء مراكز الدول النامية في التجارة الدولية(1).
__________
(1) م. ع التشفيع: قضية الصنع في إطا لنظام العالمي الجديد، دار الوحدة للطباعة و النشر بيروت 1981 ص 226.(1/17)
بالإضافة إلى هذا نجد أن علاقة النهب و الاستغلال المباشرين تحولت إلى نهب غير مباشر بسبب نهب الفائض الاقتصادي عن طريق الاستثمار المباشر ونقل التكنولوجية و المعاملات النقدية. و هكذا بدأت تظهر ملامح تقسيم دولي جديد للعمل يحتفظ فيها النظام الاقتصادي الجديد بنفس خصائصه الجوهرية سيطرة / تبعية في مجال الإنتاج، تشكل أساسا لسيطرة – تبعية في مجال التبادل و مصدر للاستغلال في مجال الاستثمارات و القروض و نقل التكنولوجيا.
المبحث الثاني
انعكاسات أزمة النظام الاقتصادي على النمو و اتجاهات التجارة الدولية.
لقد دخل النظام الرأسمالي الدولي مند أوائل السبعينات في أزمة دورية فريدة من نوعها مزجت بين خصائص الكساد و التضخم حتى عرفت باسم أزمة " التضخم ألركودي Stagnation و بسببها أخذ النظام الرأسمالي الدولي يمارس تأثيره على البلاد النامية من خلال ميكانيزمات النظام الاقتصادي الدولي السائد بحيث يضاعف من الآثار السلبية على تجارة هذه البلاد من الصادرات الأولية وتتجلى:
- مشكلة تجارة المواد الأولية في مشكلتين أساسيتين
- مشكلة الوصول إلى أسواق الدول المتقدمة.
- مشكلة عدم الاستقرار السعري أو مشكلة معدل التبادل.
ففي الوقت التي كانت تتطلع فيه الدول النامية إلى تحسين أدائها الاقتصادي ومن تم تحسين أوضاعها الاقتصادية و الاجتماعية رغم المشاكل التي كانت تتعرض لها تجارة المواد الأولية، بدأت حكومات الدول الصناعية في تطبيق سياسات انكماشية على مستوى الاقتصاد الكلي للسيطرة على التضخم، لكن جزءا كبيرا من كلفة السيطرة على هذا التضخم و إدخال تغيرات هيكلية في الشمال وقع على عاتق الجنوب من الناحية الفعلية (1). فقد كان على الدول النامية أنها تدفع أكثر فأكثر من المبالغ لخدمة ديونها وتستلم فأقل من إيراد صادراتها.
__________
(1) التحدي أمام الجنوب: تقرير لجنة الجنوب: مركز دراسات الوحدة الغربية الطبعة الأولى بيروت 1990 ص 110.(1/18)
و هكذا لقد أصيب النظام الدولي في الثمانينات بترد مفاجئ و عنيف أدى إلى وقوع أزمة تنمية لم يسبق لها مثيل في شدتها، حتى سمي عقد الثمانينات بالعقد الضائع للتنمية. لقد كان لتردي الأوضاع الاقتصادية و تدهور البيئة الاقتصادية العالمية انعكاسات واسعة النطاق إزاء الاقتصاد الدولي و خاصة إزاء الآثار المدمرة للازمة على اقتصاديات البلاد النامية.
فإن التباطؤ في النشاط الاقتصادي في الأقطار الصناعية و ما رافقه من هبوط في طلبها على الاستيراد كان حادا في بداية الثمانينات. فمعدل نمو اقتصاديات السوق المتقدمة انخفض في المتوسط من 3.1% سنويا في السبعينات إلى 1.6% في سنة 1981 و كان هذا المعدل سالبا في سنة 1982(1).
و بالنظر إلى هبوط الطلب انخفضت أسعار البضائع الرئيسية التي تصدرها الأقطار النامية – فيما عدا النفط، بنسبة 21% خلال 1981/1982، و في الوقت نفسه حديث زيادات كبيرة في أسعار الفائدة حتى أن الدولار الأمريكي ارتفعت قيمته الاسمية من 8.3% خلال فترة 1975/1979 إلى 14.8% خلال 1980/1982.
لقد أدت هذه الوضعية إلى ضعف وثيرة التنمية بالبلاد النامية و فاقمت من أزمة ديونها الخارجية و انخفاض تدفق الموارد المالية إليها. هذا فضلا على تأثير انهيار عمليات التنمية على حجم الواردات و الصادرات و على الاستثمار في الطاقة الإنتاجية و الهياكل الأساسية و الخدمات الاجتماعية.
1-2- أسباب أزمة التنمية:
ترجع أزمة التنمية في عقد الثمانينات أساسا إلى أزمة النمو الذي عرفته البلدان المتقدمة بفضل السياسات الاقتصادية الكلية التي انتهجتها في أواخر السبعينات خاصة في مجال التجارة الدولية.
__________
(1) التحدي أمام الجنوب مرجع سابق: ص 112.(1/19)
ساهمت هذه السياسات بشكل أساسي في انهيار عمليات التنمية في كثير من البلدان النامية، إذ أن هذه السياسات المتبعة من الدول المتقدمة الرأسمالية تتناقض مع مفهوم الترابط في الاقتصاد العالمي و تتسم بقصر النظر وضيق الأفق.
بحيث تنسى أو تتناسى بأن مشاكل الدول النامية جزء لا يتجزأ من مشاكل اقتصاد العالم المترابط. كما أن هذه السياسات تتناقض مع أهداف التنمية الاقتصادية و الاجتماعية لهذه الأخيرة.
و هكذا يتضح أن الكساد الاقتصادي الذي عرفه عقد الثمانينات هو نتيجة الأزمة الهيكلية التي تعاني منها البلدان المتقدمة ذات الاقتصادي السوقي و التي أدت إلى تباطأ ملحوظ في معدلات النمو الاقتصادي، و ما اقترن به من مستويات البطالة وتباطأ معدلات نمو التجارة الدولية. كما اتسمت هذه الأزمة باختلالات لم يسبق لها مثيل في أوضاع موازين المدفوعات إلى درجة تبعث إلى القلق بسبب اقترانها بدرجة عالية من عدم الاستقرار في الجبهة النقدية و لاسيما في ميدان أسعار الصرف و معدلات الفائدة الحقيقية.
إن الوضع الاقتصادي المتردي يؤكد أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلدان ذات الاقتصاد السوقي ليست من قبيل الأزمات الدورية و إنما هي أزمة هيكلية تعكس ظواهر عميقة الجذور و طويلة الأجل, و مما يؤكد ذلك أن هذه البلدان تواجه صعوبات كبيرة في السيطرة على تدني مستويات نموها السنوية. وأن هذا التدني في مستويات النمو يعود إلى السياسات الاقتصادية الكلية لتلك البلدان بالرغم من استخدام السياسات النقدية و المالية كأداة رئيسية للسيطرة على الأوضاع. إلا أن وجود الدلائل التي تدل على احتواء هذا الوضع غير المستقر قليلة.
و لهذه الأسباب و أسباب أخرى لم تستطيع الدول المتقدمة الوصول في عقد الثمانينات إلى مستويات النمو التي عرفتها سابقا و الجدول رقم 1 يوضح ذلك.
الجدول رقم1
متوسط المعدلات السنوية لعقد الثمانينات(1/20)
البلدان المتقدمة الرأسمالية ... 1960/1970 ... 1970/1980 ... 1980/1990
البلدان النامية
البلدان الاشتراكية
.9% ... .3% ... .8%
5.5 ... 5.1 ... 4.1
4.9 ... 4.8 ... 3.7
المصدر: التنمية الصناعية العربية. عدد22.بغداد1989ص120
يتضح من خلال هذا الجدول هبوط معدل متوسط النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي للدول الرأسمالية المتقدمة حيث وصل إلى 2.8% خلال فترة 1990/1980 بينما كان 4.8% و 3.3% خلال فترات 1970/1960 و 1980/1970.
و بلغت هذه المعدلات خلال الثمانينات كما يوضحه الجدول رقم 2 إلى 3.1% خلال فترة 1980/1971 ثم هبط إلى 3%سنة 1987 و إلى 1.8% في سنة 1989 و هكذا يتبين اختلاف معدلات النمو في الثمانينات عن تلك المحققة في الستينات و السبعينات.
الجدول رقم 2:
معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي (%) 1989/1971.
/71 ... /81
المعدل العام ... 3.9 ... .7 ... .3 ... .3 ... .2 ... .8
البلدان الرأسمالية ... 3.1 ... 2.2 ... 2.7 ... 3.0 ... 2.4 ... 1.8
البلدان الاشتراكية ... 5.2 ... 3.2 ... 4.3 ... 2.6 ... 4.0 ... 4.0
الصين ... 5.7 ... 94 ... 7.4 ... 9.3 ... 8.0 ... 7.5
البلدان النامية ... 4.6 ... 1.5 ... 2.9 ... 2.7 ... 3.0 ... 3.1
المصدر: مجلة التنمية الصناعية سابقة الذكر ص 120.
موازاة لهبوط معدلات النمو للمجموعات الكبرى تبقى الصين لوحدها تحقق معدلات تحميها من الصدمات الخارجية.
لقد تأثرت التنمية بالبلاد النامية بالمحيط الخارجي و سياساته المحلية. إذا كانت هذه الدول تتحمل جزء نسبيا في أزمتها التنموية فان الوضع الاقتصادي العالمي مسؤول بالدرجة الأولى عن الأزمة بالدول النامية.
و تتجلى مسؤولية هذه الأزمة العالمية على اقتصاديات البلاد النامية في الآثار السلبية التي نتجت عن السياسة الحمائية التي اتبعتها البلدان المتقدمة و من هذه الآثار، التدهور الحاد في نسب تبادلها التجاري و تدهور وضعيتها في التجارة الدولية و زيادة معاناتها من التضخم المستورد و العجز المزمن في موازين مدفوعاتها و تزايد أعباء مديونيتها الخارجية و عدم كفاية الموارد المنقولة إليها.(1/21)
و بالإضافة إلى هذه المخاطر تظهر جليا المصاعب التي تواجهها العديد من الدول النامية بسبب ارتفاع نسب خدمة الديون و طبيعة الديون المستحقة وهيكلتها.
و يشير ضعف معدل النمو في أغلب البلدان النامية في الثمانينات إلى تردي الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها هذه البلاد.
و على أساس استمرار الاتجاهات الأساسية للمؤشرات الاقتصادية العالمية وفي ظل الأزمة الهيكلية التي تعاني منها الدول الرأسمالية يمثل عقد الثمانينات نكسة للتنمية العالمية على العموم و للتنمية بالبلاد النامية على الخصوص. فمنذ ظهور معالم الأزمة الاقتصادية الرأسمالية في السبعينات بعد انهيار أسس اتفاقية برتون وودز Bretton Woods تأثرت الدول النامية تأثرا عميقا بانعكاساتها بشكل مباشر أو غير مباشر.
فإذا كانت هذه الدول قد وصلت إلى تحقيق متوسط معدل نمو حقيقي سنوي بحوالي 5.5% في الستينات و حوالي 5.6% في السبعينات، فإن هذا المعدل لم يتجاوز 2.5% خلال فترة الثمانينات و الجدول رقم 3 يوضح ذلك.
الجدول رقم 3:
متوسط المعدلات السنوية لنمو الناتج المحلي الإجمالي للبلدان النامية (%)
/1960 ... 80/71 ... 85/81 ... 88/87 ... 89/81
متوسط معدل النمو ... 5.5 ... 5.6 ... 1.5 ... 3.5 ... 2.5
المصدر: الأمم المتحدة:: دراسة الحالة الاقتصادية العالم 1988 نيويورك ص 25.
و حسب تقرير لجنة الجنوب لسنة 1990 فقد انخفض معدل نمو إجمالي الناتج المحلي لأمريكا اللاتينية انخفاضا كبيرا بحيث وصل 1.5% خلال فترة 81/1988 بينما كان يبلغ 5.4% في المتوسط في السبعينات. أما في إفريقيا وغرب آسيا أين كانت هذه المعدلات على التوالي 4.1% و 7.8% في السبعينات سجلت هبوط ملحوظا خلال فترة 81/88 حيث هبطت إلى 0.5 نظرا للانكماش الاقتصادي في هاتين المنطقتين (1).
__________
(1) لجنة الجنوب: تقرير 1990 مرجع سابق ص 114.(1/22)
و الجدير بالذكر، أنه رغم الجهود التي بذلتها الدول النامية من أجل التكييف وقدرتها على زيادة معدل نمو صادراتها و خاصة الصناعية، فإن معدل نموها الحقيقي بقي بعيدا عن الهدف الذي حددته الإستراتيجية الإنمائية الدولية لعقد الأمم المتحدة الإنمائي الثالث و هو 7% و الذي بلغ إلى 3.2% فقط سنة 1988. وحسب توقعات الأمم المتحدة لم يتجاوز هذا المعدل 3.5%سنة 1989.
و يرجع هذا الانخفاض في معدلات النمو من بين أمور أخرى، إلى انخفاض معدل الاستثمار في معظم أقطار الجنوب حيث هبط هذا المعدل في متوسطه السنوي البالغ 24.5% في السبعينات إلى 16.4% خلال فترة 1985/1988 (1). و هذا في الوقت الذي ازداد فيه عدد الدول الأقل تطورا من 31 دولة إلى 42 دولة في الثمانينات بسبب ازدياد معدل نمو سكانها و شحة الموارد الخارجية سواء المعونات الرسمية للبلاد المتقدمة التي لن تتجاوز 0.90% من إجمالي الناتج المحلي للبلد المتبرع أو تلك المتحصل عليها من الصادرات و ذلك بسبب ضعف شروط التبادل.
و الجدول رقم 4 يبين أن قلة قليلة من الدول النامية استطاعت أن تصل إلى معدلات نمو تحميها نوعا ما من الانعكاسات الخطيرة للأزمة الاقتصادية العالمية.
الجدول رقم 4:
البلدان النامية: التوزيع التكراري لمعدلات نمو الناتج المحلي
1987/1981 (عدد البلدان)
معدل النمو ... 81 ... 82 ... 83 ... 84 ... 85 ... 86 ... 87
0< ... 15 ... 18 ... 17 ... 19 ... 21 ... 21 ... 21
2.5 <0.1 ... 12 ... 11 ... 20 ... 21 ... 25 ... 23 ... 28
5<2.6 ... 17 ... 9 ... 8 ... 10 ... 8 ... 5 ... 9
7.5<5.1 ... 14 ... 5 ... 5 ... 6 ... 4 ... 5 ... 3
7.6>
المصدر: الأمم المتحدة: الاقتصاد العالمي لسنة 1988. ص 56.
__________
(1) لجنة الجنوب: تقرير 1990. مرجع سابق ص 116.(1/23)
و يتضح من خلال الجدول أن أكثر من 5/4 البلدان المختارة في هذه الدراسة يتراوح معدل نمو ناتجها ما بين صفر و 5% خلال فترة 1982/1987. أما الباقي و المتمثلة في دول جنوب شرق آسيا " النمور الأربعة" "Quatre dragons " و بعض دول أمريكا اللاتينية و دول الأوبك و هي قلة استطاعت أن تصل إلى معدلات تتراوح بين 5% و 7% و يدل هذا الأداء الضعيف لأغلبية الدول النامية على الانتكاسة الكبيرة التي أصابت عملية التنمية بهذه البلاد في عقد الثمانينات.
و من خلال هذا التحليل تظهر مساهمة الأوضاع الاقتصادية السلبية التي تعاني منها البلدان المتقدمة ذات الاقتصاد السوقي و السياسات الاقتصادية الحمائية التي انتهجتها في تعميق مشاكل البلدان النامية و زيادة تشويه بنياتها الاقتصادية و الاجتماعية و تكريس دورها التبعي في التقسيم الدولي للعمل السائد في ظل النظام الاقتصادي الرأسمالي الراهن.
و كانت نتيجة هذه التطورات زيادة حدة تخلف و تعميق تبعية اقتصاديات البلدان النامية إلى اقتصاديات الدول الرأسمالية.
و هكذا كان الاقتصاد العالمي يميل إلى التباطؤ خلال عقدي السبعينات والثمانينات بسبب الأزمة الاقتصادية التي أصابته مع بداية السبعينات حيث انخفض متوسط معدل النمو العالمي في الناتج المحلي الإجمالي من 6%خلال النصف الأول من الستينات إلى 3.9% خلال السبعينات و إلى 2.7% في الثمانينات (أنظر الجدول رقم 2).
و يستنتج مما سبق ، فشل عقد الثمانينات في تصحيح الاختلالات الرئيسية في هيكل العلاقات الاقتصادية الدولية، و خاصة الاختلالات التي أصابت الأنظمة المالية والنقدية و التجارية الدولية مما أثر على التبادلات التجارية و المالية بين الشمال و الجنوب، وعلى تنمية هذا الأخير.
2-2- الاتجاهات الجديدة للتجارة الدولية.(1/24)
تميزت مرحلة الثمانينات بظهور مجموعة كبيرة من المتغيرات التي انعكست بشكل حاد على التجارة الدولية لكل من البلدان الصناعية و البلدان النامية. كما تشير هذه المرحلة أيضا إلى الدور المتزايد للتجارة الدولية في الاقتصاد العالمي.
لقد عرف عقد الثمانينات تزايد وثيرة احتكار و تدويل الإنتاج و تركيز رأس المال و التجارة. و قد تم ذلك بواسطة السيطرة الشاملة للشركات المتعددة الجنسيات التي صارت تتحكم في ثلثي (3/2) هذه التجارة في أواخر الثمانينات.
إن الطبيعة المتناقضة للتجارة الدولية في عقد الثمانينات طرحت من جديد الخطر الجاثم داخل النمط التقليدي للتقسيم الدولي للعمل و المتمثل في التناقض الحاد بين النمو السريع في صادرات المواد المصنعة و النمو البطيء في صادرات المواد الأولية.
و لا يبدو في ظل هذه الاتجاهات الجديدة للتجارة الدولية، أن هناك بوادر تحسن للتبادل التجاري للدول النامية، بما فيها البلدان النفطية بفعل التأثير العميق لاقتصاديات هذه الدول بعوامل مختلفة مثل زيادة تدهور البيئة الاقتصادية الدولية و الإجراءات الحمائية للدول المتقدمة التي تعيق بدون شك دور التجارة الخارجية الحاسم لحل مشكلة الديون الخارجية و إصلاح أوجه الاختلال التجاري في البلدان النامية.
إن التوقعات و مؤشرات التجارة الدولية للنصف الثاني من عقد الثمانينات تخفي وراءها الكثير من الصعوبات المزمنة التي أصبحت تلاحق بصفة خاصة التجارة الخارجية للبلاد النامية بل و تضعها موضع التنمية الجديدة أو تؤكد تعميق تبعيتها التقليدية.و إلى تحدي التكنولوجية و الغذاء الذي يواجه هذه البلدان يضاف تحدي الحمائية الجديدة و المتزايدة من البلدان الصناعية في وجه الصادرات الصناعية و الزراعية و صادرات الخامات للبلدان النامية.(1/25)
ففي السنوات الأخيرة تحولت التجارة الدولية بسبب السياسة الحمائية الصناعية إلى عائق بدل محرك للنمو في البلدان النامية، هذه الحمائية المتزايدة معناها مزيد من إبطاء النمو الاقتصادي و ارتفاع معدلات البطالة و انخفاض في مستويات التجارة الخارجية.
لذا، فإن تدني معدلات التجارة الدولية و تقييدها هو نتيجة لتدني النمو الاقتصادي العالمي، فالتباطؤ الواسع في معدلات النمو الاقتصادي كان مسؤولا بالدرجة الأولى عن هبوط متوسط معدل النمو السنوي لحجم التجارة الدولية من 8%خلال الستينات إلى 5.7% خلال السبعينات و إلى 2.7%خلال النصف الأول من الثمانينات(1).
-الصادرات:
لقد شهدت الصادرات العالمية في الخمسينات و الستينات توسعا كبيرا، فرغم انخفاض معدل نموها نسبيا في السبعينات، سمحت هذه الانطلاقة في التجارة الدولية و خاصة لتجارة البلاد النامية أن تحقق إيرادات عالية من العملات الأجنبية و أن تتخذ من اتساع نطاق الطلب الفعلي على منتجاتها ركيزة للتعجيل بنموها الاقتصادي(2).
لقد زاد معدل الصادرات العالمية نسبة 9% خلال فترة 1963/1973 لكن بدأ في الهبوط ابتداء من النصف الثاني من السبعينات كما يوضحه الجدول رقم5.
الجدول رقم 5:
متوسط معدل نمو حجم الصادرات%
المجموعات ... 80/76 ... 87/81 ... 1985 ... 1986 ... 1987 ... 1989
م. العالم ... 5.1 ... 2.6 ... 2.8 ... 4.5 ... 4.1 ... 4.3
البلدان الرأسمالية ... 6.6 ... 3.2 ... 4.5 ... 2.6 ... 4.0 ... 4.5
البلدان النامية ... 1.9 ... 1.0 ... 0.8- ... 10.3 ... 5.7 ... 5.5
البلدان الاشتراكية ... 5.7 ... 3.5 ... 0.9- ... 5.0 ... 3.1 ... 2.6
الصين ... - ... 14.2 ... 8.8 ... 18.4 ... 27.0 ... 10.0
المصدر: الأمم المتحدة حالة الاقتصاد العالمي 1988 ص 88.
و زادت حدته في الثمانينات حيث بلغ متوسط النمو 5.1% في فترة 1980/1976 و هبط إلى2.6% خلال فترة 1987/1981 كما تدل عليه الأرقام الواردة في الجدول أعلاه.
__________
(1) المجلة العربية للتنمية الصناعية: مرجع سابق ص. 100.
(2) م.ع الشفيع: قضية التضييع: مرجع سابق ص 254.(1/26)
وإذا كانت الدول المتقدمة قد حققت انتعاشا و لو بطيئا في نمو تجارتها ابتداء من سنة 1987 حيث بلغ معدل نمو حجم صادراتها 4% تم 4.5% سنة 1988 بينما كان لا يتجاوز 2.6% سنة 1986. فإن لدول النامية اتجاه متوسط معدل نمو صادراتها عكس ذلك، حيث حققت متوسط معدل 10.3% سنة 1986 بسبب ارتفاع تجارة النفط.
و هبط هذا المعدل إلى 5.7% سنة 1987 و 5.5 سنة 1988. لكن متوسط معدل النمو لهذه البلدان بقي متدنيا خلال فترة 1987/1981 مقارنة بفترة 1980/ 1976 حيث كان على التوالي 10% و 1.9%.
أما بالنسبة لأنصبة الدول النامية من التجارة الدولية فقد شهدت زيادة في نصيبها خلال فترة 1980/1973 حيث بلغ نصيبها 19.2%سنة 1973و ارتفع إلى 28% عام 1980. و بعد سنة 1984 بدأ في الهبوط حيث بلغ 24% في عام 1985. و وصل إلى 19% سنة 1987. و يعزي هذا الهبوط إلى الانخفاض الحاد الذي لحق بأسعار السلع الأساسية و النفط.
-الواردات:
هبط متوسط النمو السنوي في حجم الواردات إلى 0.2% خلال 1985/1980 بعد أن كان هذا المعدل 5.5% خلال فترة 1980/1976 بالبلدان النامية. كما حققت هذه البلدان هبوطا سنويا متوسطا خلال فترة 1987/1981 في حجم الواردات بلغ 0.3%حيث سجلت سنة 1985 معدلا سالبا قدر بـ 4.7% وهبط سنة 1986 إلى -6.3% و يعود هذا الهبوط إلى انخفاض واردات البلدان النامية المصدرة للنفط بسبب انخفاض أسعار المحروقات و الجدول رقم 6 يوضح ذلك.
الجدول رقم6:
متوسط معدل نمو حجم الواردات
المجموعات ... 80/76 ... 87/81 ... 1985 ... 1986 ... 1987 ... 1989
م. العالم ... 5.5 ... .2 ... .1 ... .2 ... .0 ... .0
البلدان الرأسمالية ... 5.6 ... 4.3 ... 5.3 ... 8.0 ... 5.1 ... 4.2
البلدان النامية ... 5.5 ... 0.3 ... 4.7- ... 6.3- ... 2.0 ... 5.4
البلدان الاشتراكية ... 4.8 ... 1.8 ... 5.3 ... 0.6- ... 0.8- ... 2.8
الصين ... - ... 9.3 ... 8.2 ... 14.5 ... 8.4 ... 4.1
المصدر: الأمم المتحدة: حالة الاقتصاد العالمي 1988 ص 88.(1/27)
لقد سجلت الدول المصدرة للطاقة انخفاضا ملموسا في حجم وارداتها إذ بلغ معدل الهبوط 6.3% خلال فترة 1987/1981 و قد وصل هذا الهبوط إلى 19.1% سنة 1985 و 23.8% عام 1986 و 12.5% سنة 1987. و سجل هذا المعدل ارتفاعا ضئيلا سنة 1988 قدر بـ 0.3% أما البلدان المستوردة للطاقة فقد بلغ نمو حجم وارداتها 7.5% عام 1987 و كان متوقعا أن ينخفض هذا المعدل إلى 7.2% عام 1988 حسب تقرير الأمم المتحدة لسنة 1988.
و نظرا لهذه التغيرات في حجم التجارة و معدلات التبادل التجاري تغيرت أيضا أنصبة المجموعات الدولية في التجارة الخارجية في الثمانينات بالمقارنة مع السبعينات. حيث ارتفع نصيب البلدان النامية من الواردات العالمية من 16.7% سنة 1973 إلى 20.9% سنة 1985. أما البلدان الرأسمالية المتقدمة فقد انخفض نصيبها في نفس السنوات من 72.7% إلى 68.3% (1).
و الجدير بالملاحظة هو أن التحولات في الاقتصاد العالمي على العموم، وفي اقتصاديات البلدان النامية على الخصوص ، غيرت من هيكل التجارة الدولية بسبب التغيرات المتعلقة بالتجارة و التنمية بحيث دخلت عدة دول نامية معركة التضييع، و بالتالي ارتفع نصيب المصنوعات في التجارة الدولية و هبط نصيب المواد الزراعية و الأولية بصفة عامة.
و فيما يخص الواردات للبلدان النامية يلاحظ من خلال الجدول تسارع معدل نموها في السبعينات، حيث وصل إلى 7.3% مقابل حوالي 5.4% في الستينات و السبب الرئيسي في هذا الارتفاع هو تزايد واردات البلدان المصدرة للنفط من 4.7% في الستينات إلى 14.3% في السبعينات، بالإضافة إلى زيادة متوسط معدل النمو السنوي للبلدان حديثة التصنيع من 6.9% إلى 7.1% خلال نفس الفترات.
__________
(1) تقرير الأمم المتحدة لسنة 1988. مرجع سابق ص 88.(1/28)
إن التدني المزدوج لصادرات المواد الأولية باستثناء الوقود للبلاد النامية، أي تدني نصيب هذه المواد في التجارة العالمية (3/1) و تدني الإيرادات من صادرات البلاد النامية (35%) يرجع إلى:
- مشكلة الدخول إلى أسواق الدول المتقدمة بفعل الإجراءات الحمائية التي تعتمدها الدول الرأسمالية المتقدمة ضد المواد الأولية و خاصة المنتجات الزراعية. و نحن نعرف أن هذه الأسواق تستوعب 65% من الصادرات الأولية للبلدان النامية و 69%من الوقود (1).
- مشكلة التقلبات السعرية بحيث أن ثلثي (3/2) الصادرات الأولية للبلاد النامية باستثناء الوقود، قد تعرض لتقلبات سعرية بمعدل أعلى من 10% سنويا. هذه التقلبات أثرت بشكل ملحوظ على الدول النامية ذات الاحتياجات الاستيرادية و التي لا يمكنها الوصول بسهولة إلى مصادر التمويل العالمية.
هذا التدهور في البيئة التجارية للبلاد النامية أدى إلى انخفاض معدل التبادل التجاري لهذه البلاد خلال فترة 1974/1978 بنحو 15%، و هو ما يمثل خسارة بالعملات الأجنبية قدرها 30 بليون $ (2). و هذا ما يفسر القيود و الصعوبات التي تتلقاها الصادرات الأولية لهذه البلاد.
و يرجع كذلك جزء من هذا التدني المزدوج في الصادرات الأولية إلى التغيرات العميقة في البنيات الاقتصادية التي عرفتها البلاد النامية خلال السبعينات و التي ظهرت من خلال هبوط إجمالي صادراتها من المواد الأولية من 68% من إجمالي التجارة الدولية في الستينات إلى 35% في السبعينات، و ارتفاع نصيب صادراتها من السلع الصناعية من 14% إلى 26% خلال نفسي الفترة. بدون أن ننسى أن معدل التجارة الدولية سجل انخفاضا يقدر بـ40% خلال 1973/1977 مقابل 9% خلال 1965/1973(3).
المبحث الثالث:
التصنيع و التجارة الدولية للمصنوعات.
__________
(1) البنك الدولي: تقرير عن التنمية في العالم 1979 واشنطن ص 14.
(2) .م. عبد الشفيع: قضية التضييع. مرجع سابق ص 240.
(3) نفس المرجع ص 240(1/29)
أثرت أزمة " التضخم الركودي" La stagflation التي عاشها النظام الرأسمالي في النصف الثاني من السبعينات تأثير كبيرا على تجارة المواد الأولية للبلاد النامية، حيث اعترضت هذه التجارة مشاكل عديدة من أهمها:
- مشكلة الوصول إلى أسواق الدول المتقدمة بسبب الحمائية و ضعف الطلب لهذه الدول.
- عدم الاستقرار السعري لهذه المواد أو مشكلة معدل التبادل الدولي.
فإدراك هاتين المشكلتين الأساسيتين دفع الدول النامية في إطار المطالبة بنظام اقتصادي جديد إلى المطالبة بتحسين البيئة الدولية لتجارة المواد الأولية وبمساعدتها على التصنيع من أجل تنويع تجارتها و تنمية اقتصادياتها التي أصبحت تعاني من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية.
3-1- أسباب ظهور التضييع بالدول النامية:
هيأت التغيرات الاقتصادية و التطورات التكنولوجية و التحولات الهيكلية التي شهدتها الرأسمالية ما بعد الحرب العالمية الثانية، و خاصة في عقد السبعينات، الأساس الموضوعي لتصنيع العالم الثالث. و ذلك من أجل الحيلولة دون تدهور بعض الصناعات التقليدية المهيمنة ( كالمنسوجات مثلا) و ضبط عملية المواءمة الهيكلية Ajustement structurel. و يقصد بهذه العملية تقليص بعض الأنشطة التي تلقى منافسة من الواردات المصنوعة في البلاد النامية مع نقل جزء من الطاقات الإنتاجية المختلفة إلى بلدان أخرى.
لقد تبلورت في عقد السبعينات ظاهرة تدويل الإنتاج، بحيث أصبحت تشكل ظاهرة أساسية مميزة لهيكل الاقتصاد الدولي. و تتمثل أهم سمات هذه الظاهرة في إطار العلاقة بين الدول الرأسمالية فيما بينها و بين هذه الدول و الدول النامية فيما يلي.
- نقل مصانع و فروع صناعية من البلدان المتقدمة إلى البلاد النامية. وهكذا تتحول هذه البلدان من إنتاج المواد الأولية أو الاستخراج إلى الإنتاج الصناعي التحويلي.
- يتم هذا التصنيع من خلال الاستثمار الأجنبي الخاص المباشر و الذي حل محل الاستثمار غير المباشر.(1/30)
- سيطرة الاستثمار المباشر و تحديده للأنشطة الأخرى و في مقدمتها التجارة و نقل التكنولوجية التي أصبحت خاضعة له.
- بروز الشركات المتعددة الجنسيات كأداة يتم من خلالها تدويل الإنتاج والاستثمار و بالتالي التجارة و نقل التكنولوجية و التمويل.
و في ظل هذه البيئة الخارجية غير الملائمة بالإضافة إلى طبيعة الأنظمة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية المختلفة في البلاد النامية، برزت ظاهرة التصنيع من أجل تنويع الصادرات و مواجهة تدهور معدل التبادل في المواد الأولية.
لقد تغير التركيب السلعي للتجارة الدولية من التبادل بالسلع الأولية مقابل السلع الصناعية إلى التبادل بالسلع الصناعية مقابل السلع الصناعية بغض النظر عن نوع السلع. و هذا لا يعني الغياب الكامل للمواد الأولية في التبادل الدولي. و إذا كان نصيب الصناعة في الناتج العالمي الإجمالي لا يتجاوز الثلث، فإن نصيبها في التجارة الدولية يقارب الثلثين.
و رغم هذا النصيب الكبير للصناعة في التجارة الدولية يبقى نصيب الدول النامية لا يتجاوز 10/1 من إجمالي الصادرات العالمية في المصنوعات، لكن لا ينبغي أن ننسى أن الوصول إلى هذه النسبة الضئيلة كان نتيجة جهود متواصلة ضمن إطار النظام الدولي الاقتصادي القائم غير الملائم لتصنيع البلاد النامية.
و الجدول رقم 7 يبين المجهودات التي بذلتها هذه الدول من خلال عرض النمو المقارن للصادرات السلعية خلال الستينات و السبعينات.
الجدول رقم 7:
نمو صادرات السلع: حسب فئات المنتجات و مجموعات الدول
(متوسط معدلات النمو السنوية بأسعار 1975)
الوقود و الطاقة ... 1960/1976 ... 1976/1980
المواد الأولية الأخرى
الأغذية و المشروبات
المنتجات الزراعية غير الغذائية
المواد المعدنية و المعدات غير الحديدية
المنتجات الصناعية
الآلات و معدات النقل
المنتجات الصناعية الأخرى
العالم ... الدول الصناعية ... الدول النامية ... العالم ... الدول الصناعية ... الدول النامية(1/31)
6.7 ... .5 ... .3 ... .1 ... .3 ... 3.2
4.4 ... 5.1 ... 3.7 ... 3.3 ... 3.3 ... 3.3
4.4 ... 5.4 ... 3.5 ... 3.7 ... 3.9 ... 3.1
5.1 ... 6.3 ... 3.4 ... 1.8 ... 1.1 ... 2.8
3.9 ... 3.4 ... 4.7 ... 3.5 ... 3 ... 4.5
9.1 ... 9.1 ... 12.7 ... 7 ... 6.5 ... 10.9
9.9 ... 10 ... 17.5 ... 7.6 ... 7.1 ... 15.3
8.5 ... 8.3 ... 11.8 ... 6.5 ... 6 ... 9
المجموع ... .4 ... .8 ... .3 ... .7 ... .9 ... .1
المصدر: م. عبد الشفيع: قضية التضييع: مرجع سابق ص 242.
يتضح من الجدول أن صادرات البلاد النامية من المصنوعات و الوقود والمعادن و المنتجات المنجمية زادت بمعدلات أكبر من تلك الخاصة بالبلاد المصنعة. لكن يلاحظ أن الوقود قد ساهم بنحو 40% من الزيادة المطلقة في الصادرات خلال فترة 1960/1975 بينما ساهمت المصنوعات بنسبة الثلث (3/1).
و يرجع الاقتصادي الكبير بيلابالاسا وقائع ارتفاع ظاهرة و صادرات المصنوعات للدول النامية في إحدى دراساته للبنك الدولي المبينة في الجدول رقم 8 الذي يفسر بتفصيل هذه الظاهرة إلى عاملين أساسيين.
الجدول رقم8:
التركيب الصناعي للتجارة بين الدول المصنعة و الدول النامية في المنتجات المصنعة
( باستثناء المعادن غير الحديدية) الفترة 73/77
إجمالي الدول النامية ... الأجهزة الكهربائية و غير الكهربائية و أجهزة النقل ... الحديد و الصلب و الكيمياويات ... المنسوجات ... الملابس ... السلع الاستهلاكية ... المنتجات المصنعة
1973 ... ص ... و ... م.ت ... ص ... و ... م.ت ... ص ... و ... م.ت ... ص ... و ... م.ت ... ص ... و ... م.ت ... ص ... و ... م.ت
1974
1975
1976
1977
30.75 ... 3.77 ... 26.98 ... 12.91 ... 11.53 ... 1.38 ... 3.16 ... 2.33 ... 0.73 ... 0.47 ... 3.42 ... 2.95- ... 5.06 ... 4.99 ... 0.04 ... 52.31 ... 16.08 ... .25
45.10 ... 5.38 ... 39.72 ... 23.9 ... 22.47 ... 1.42 ... 3.99 ... 2.68 ... 1.31 ... 0.65 ... 4.30 ... 3.65- ... 7.35 ... 5.60 ... 1.75 ... 81.03 ... 20.47 ... 60.56
63.45 ... 5.45 ... 58.0 ... 24.54 ... 21.8 ... 2.37 ... 9.92 ... 2.24 ... 1.66 ... 0.74 ... 4.97 ... 4.23- ... 8.61 ... 5.45 ... 3.16 ... 101.25 ... 20.29 ... 80.99
72.92 ... 7.60 ... 65.32 ... 21.84 ... 18.5 ... - ... 4.31 ... 3.04 ... 1.27 ... 0.86 ... 7.08 ... 6.22- ... 10.03 ... 7.81 ... 2.22 ... 110.02 ... 28.06 ... 81.96
68.10 ... 9.45 ... 76.65 ... 24.71 ... 22.92 ... 1.79 ... 5.09 ... 3.27 ... 1.72 ... 1.17 ... 7.78 ... 6.61 ... 13.02 ... 9.88 ... 3.14 ... 130.10 ... 33.31 ... 96.79(1/32)
ص = الصادرات ... . و = الواردات ... . م.ت= الميزان التجاري
المصدر = م. عبد الشفيع. مرجع سابق. ص 243.
25
1- نمط التضييع القائم على إحلال الواردات:
و هو النمط الذي ارتكز على إقامة صناعات تنتج سلعا استهلاكية تحل محل السلع المستوردة. و يبقى التناقض الكبير في هذا النمط من التضييع هو استبدال السلع الاستهلاكية فقط باستيراد السلع الرأسمالية الوسيطة من البلاد الرأسمالية، مما زاد من اشتداد تأثير الاحتياجات الاستيرادية و ما تمثله من عملات أجنبية على عملية التضييع وإدماج أكثر للاقتصاديات المعتمدة على هذا النمط في السوق الرأسمالية و تعميق تبعيتها التجارية و المالية لها.
و قد تزايد ضغط هذه الاحتياجات الاستيرادية بفضل الأزمة الغذائية للبلاد النامية، وتظهر هذه الأزمة من خلال تناقص نصيب الإنتاج الغذائي في الإنتاج الزراعي من جهة، و احتكار بعض الشركات الرأسمالية للإنتاج الغذائي و استعماله كسلاح لاستغلال الدول النامية.
و قد أدى هذا الوضع إلى ارتفاع الواردات من المواد الغذائية و التجأت الدول النامية في تمويلها لفاتورة هذه المواد إلى التصدير، و لما كان تصدير المواد الأولية يوجه الطريق المسدود لتراخي الطلب العالمي عليه، لم يبق أمام هذه الدول إلا اعتناق طريق زيادة الصادرات من السلع المصنعة و شبه المصنعة. الأمر الذي دفع هذه البلاد إلى تبني إستراتيجية التصنيع من أجل التصدير.
2-نمط التضييع للتصدير:
ظهر هذا النمط بعد فشل نمط إحلال الواردات، و عندئذ أخذت دوائر الفكر التنموي تشهد دعوة حثيثة إلى تبني إستراتيجية جديدة تعتمد على التصنيع من أجل التصدير. و قد كانت الدورة الأولى لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة و التنمية CNUCED عام 1964 أول مناسبة تطرح فيها الصياغة المنهجية لهذه الإستراتيجية. حيث تم التركيز على أهمية الصادرات الصناعية في سد الفجوة في الموازين التجارية و الوصول إلى الأسواق المالية العالمية.(1/33)
و اشتدت هذه الدعوى في السبعينات و أصبحت كل المنظمات الدولية تزكيها. و من بين هذه المنظمات نجد اليونيدو ONUDI التي جعلت منها هدفا في دورتها لسنة 1975 بليما LIMA البيرو، و أعطي له اسم " هدف ليما" حيث تمحور تحليلها في هذا الشأن على أن صادرات المصنوعات تساهم في عملية التصنيع و بالتالي في عملية التنمية عن طريف(1).
- كونها وسيلة للحصول على العملات الأجنبية المطلوبة لشراء السلع الإنتاجية والتكنولوجية الضرورية لاستمرار عملية التصنيع.
- تحرير البلد النامي من قيد السوق الداخلية.
-تشجيع تنمية البلد وفقا لمزاياه النسبية.
3-3- الاتجاهات نحو تجارة المصنوعات:
انعكست التحولات في هيكل الإنتاج و الطلب العالميين على السياسات الخاصة بالتجارة و التنمية، و أدت إلى تغيرات في التجارة الدولية، إذ أن نصيب المنتجات الزراعية في إجمالي الصادرات انتقل من 22% سنة 1960 إلى 21% سنة 1970 و إلى 14% سنة 1985.
أما نصيب المصنوعات في إجمالي الصادرات العالمية فقد انتقل من 51% سنة 1960 إلى 62% سنة 1970 إلى 63% سنة 1985.
و قد انخفض معدل النمو في حجم الصادرات الزراعية من 2.5% في فترة 1970/1980 إلى 1.20% خلال فترة 1980/1985 كما هو مبين في الجدول رقم9.
الجدول رقم 9:
حصة السلع في التجارة الدولية (%)
منتجات زراعية ... % في إجمالي الصادرات ... معدلات النمو السنوي لحجم الصادرات
المعادن بما في ذلك الوقود
مصنوعات
/70 ... /80 ... /85
22 ... 17 ... 29 ... 33 ... .9 ... .5 ... .2
17 ... 62 ... 56 ... 63 ... 7.2 ... 1.7 ... 2.7-
51 ... 10.5 ... 7.1 ... 4.8
المصدر: الجات: تقرير حول التجارة الدولية لسنة 86/85 جنيف 1986 ص.75.
__________
(1) م.ع الشفيع: العالم الثالث و التحدي التكنولوجي الغربي. مرجع سابق الذكر ص 134.(1/34)
فرغم الانخفاض المسجل في نمو الصادرات بالمصنوعات، إلا أنه يلاحظ توسعا كبيرا في هذه التجارة و خاصة عند مقارنتها بتجارة المنتجات الأخرى، و هذا نتيجة التغير الذي مس هيكل الإنتاج العالمي و الذي أصبح يتجه من إنتاج المواد الأولية إلى إنتاج السلع الصناعية.
إن التحول الذي عرفه هيكل التجارة الدولية، يظهر بوضوح من صادرا البلدان النامية، حيث زادت حصة المصنوعات في صادراتها من 18% سنة 1980 إلى 33% عام 1984 و إلى 40% عام 1986، و هذا رغم هبوط معدل نمو الإنتاج الصناعي بهذه البلاد من 8.6% في فترة 1980/1971 إلى 4.7% خلال فترة 1985/1980. و يرجع هذا إلى الانخفاض العام الذي عرفه الإنتاج الصناعي العالمي في الثمانينات الذي انخفض من 4.2% خلال الفترة 1980/1971 إلى 2.5 خلال الفترة 1985/1980.
و يمكن حصر مميزات التجارة بالمصنوعات في عقد الثمانينات في النتائج التالية.
- ارتفاع نصيب التجارة بالمصنوعات في التجارة الدولية حيث بلغ 60%. و هذا يرجع إلى التغير في هيكل الإنتاج و الطلب العالميين اللذان اتجها من التركيز على المواد الأولية إلى التركيز على السلع الصناعية.
- زيادة نصيب الدول النامية في الصادرات العالمية الذي انتقل 7% سنة 1980إلى 12.2% سنة 1985. كما زادت حصة هذه البلدان من المصنوعات في صادراتها حيث ارتفعت من 18% في سنة 1980 إلى 40% سنة 1986.
- رغم التوسع الذي عرفته تجارة المصنوعات، إلا أنه لم يمنع هبوط متوسط معدل الزيادة في الصادرات الصناعية و الذي تقهقر إلى 4.8%خلال النصف الأول من الثمانينات، بينما كان 7.1% في السبعينات و 30.5% الستينات.
- هبوط معدل صادرات البلاد النامية من المصنوعات لسبب عدم وصولها إلى أسواق البلدان المتقدمة الرأسمالية، نتيجة التدابير الحمائية المفروضة على وارداتها. و سجل هذا المعدل هبوطا ملحوظا، حيث انخفض إلى 6% خلال فترة 1985/1980 بعدما كان يصل 23% خلال 1980/1970.(1/35)
- الاتجاه الكبير لصادرات الدول النامية من المصنوعات إلى أسواق الدول الرأسمالية المتقدمة خلال النصف الأول من عقد الثمانينات و انخفاض المبادلات البينية لهذه الدول.
فإذا كانت المبادلات البينية للدول زادت بـ 28% في السبعينات مقابل 23% كزيادة في مبادلاتها مع الدول الرأسمالية، فإن هذه المبادلات كانت عكس ذلك في عقد الثمانينات حيث ارتفعت المبادلات مع الدول المتقدمة بـ 11% بينما المبادلات البينية لن ترتفه إلا بـ4%. و الجدول رقم 10 يوضع نسبة التوزيع حسب الاتجاه لصادرات مجموعات الدول النامية لسنة 1984.
الجدول رقم 10:
نسبة توزيع – حسب الاتجاه-
صادرات المجموعات الكبرى للدول النامية لسنة 1984.
إلى ... من ... أمريكا اللاتينية ... إفريقيا ... الشرق الأوسط ... آسيا ... مجموع الدول النامية
الولايات المتحدة ... 40.4 ... .9 ... .0 ... .6 ... .0
أوربا ... 22.2 ... 46.7 ... 29.3 ... 13.3 ... 25.5
اليابان ... 5.2 ... 3.4 ... 22.8 ... 18.6 ... 13.4
أخرى ... 32.2 ... 32.0 ... 41.3 ... 45.5 ... 41.1
Source: FMI Stoff studies for the wold economic out look juillet 1986 p .156.
يظهر من خلال الأرقام الواردة في الجدول تبعية البلدان النامية في تبادلاتها للدول المتقدمة الرأسمالية، حيث بلغت نسبة اتجاه صادراتها لهذه الدول إلى 58.9%. الأمر الذي يجعلها تتأثر بشكل سريع بما يطرأ على السوق الرأسمالية.
و الملاحظ أيضا من خلال الجدول هو التقسيم القاري للدول النامية بين الأقطاب الثلاثة الرئيسية: الولايات المتحدة الأمريكية، أوربا و اليابان. فمن خلال نسبة اتجاه تبادلات الدول النامية يستنتج اندماج أمريكا اللاتينية في السوق الأمريكية و إفريقيا في أوربا و آسيا في اليابان.(1/36)
و يتبين أيضا تمركز الإنتاج الصناعي و الصادرات الصناعية في عدد قليل من الدول، حيث استحوذت عشر (10) دول على 80% من صادرات البلدان النامية سنة 1985. و قد استطاعت النمور الأربعة "les quatre dragon" ( هونكونغ، كوريا الجنوبية، تايوان و سنغافورة) التوسع في صادراتها سنة 1986 بحوالي 15%.
و إذا كان نصيب العالم الثالث من القيمة المضافة في الصناعات التحويلية ارتفع من 8.2% إلى 11% سنة 1980، فإن دول أمريكا اللاتينية و منطقة جنوب و شرق آسيا شهدت أعلى معدلات في هذا الشأن حيث بلغ نصيب الأولى 6.1% و نصيب قارة أسيا 3.8% بينما لم يتجاوز نصيب إفريقيا 1% (1).
لقد كانت للأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت معالمها في السبعينات و اشتدت في الثمانينات انعكاسات خطيرة على تنمية ومبادلات الدول النامية اللامتكافئة مع الدول الرأسمالية. فالاعتماد على استراتيجيات تنموية حساسة لواردات السلع الإنتاجية الرأسمالية من جهة، و ضعف قدرتها على التكيف مع التغيرات السريعة التي يشهدها النظام الاقتصادي الدولي من جهة أخرى، جعل هذه الدول تسقط في فخ التبعية المتعددة الأشكال للدول الرأسمالية.
و الجدير بالذكر ، أنه لا يجب أن يستنتج مما سبق أن جميع الدول النامية قد حققت نموا في صناعاتها التصديرية و بالتالي نموا في صادراتها الفعلية من السلع الصناعية. إذ لم يتحقق هذا النمو إلا في عدد قليل من الدول النامية ذات الأهمية الإستراتيجية الخاصة للدول الرأسمالية. ذلك أن نحو 80% من تجارة المصنوعات تأتي من بعض دول أمريكا اللاتينية و دول جنوب و شرق آسيا و هذا لا يعني خروج هذه الدول من تبعيتها للسوق الرأسمالية بل تعمق اندماجها لهذه السوق.
__________
(1) م. ع الشفيع: العالم الثالث و التحدي التكنولوجي الغربي: مرجع سابق الذكر ص 134.(1/37)
و خلاصة القول هي أن صادرات الدول النامية من السلع الصناعية و الزراعية لازالت تواجه مشاكل عديدة نظرا لموقعها التابع للنظام الدولي التجاري و المالي والتقني، و هذا ما جعلها تسقط في تبعية متعددة الأشكال في مبادلاتها التجارية.
الفصل الثاني:
النظام الاقتصادي من العالمية إلى العولمة:
إذا كان اصطلاح الاقتصاد الدولي يعبر عن أهمية العلاقات الاقتصادية بين الدول في مرحلة رأسمالية التجارة ، فإن التخصص و تقسيم العمل الدولي ظهر إبان الثورة الصناعية والانتقال إلى مرحلة الرأسمالية الصناعية في أواخر القرن الثامن عشر. حيث تزايدت العلاقات الاقتصادية و ظهرت الحاجة إلى تنظيم هذه العلاقات بين الدول فظهر مفهوم النظام الدولي.
و تشكل هذا النظام بعد الحرب العالمية الثانية أي بعد مؤتمر برتون وودز سنة 1944 الذي دعا إلى إنشاء نظام شامل وفقا لنمط معين لتقسيم العمل الدولي و الخضوع لبعض التنظيمات والمنظمات الدولية.
أما النظام العالمي فبدأت ملامحة تتبلورفي السبعينات، لكن هذا النظام ينطوي دائما على مجموعة من القوى و العوامل الدافعة التي تجعله يتجدد و يتغير من جديد ليطلق عليه اسم "النظام الاقتصادي العالمي الجديد" ليشير إلى التغيرات الجذرية و الجوهرية التي تعيد ترتيب الأوضاع و العلاقات الاقتصادية في العالم بين الدول و المؤسسات والمنظمات الدولية في كل مرحلة من مراحله المختلفة.
المبحث الأول:
نشأة و تطور النظام الاقتصادي العالمي الجديد:
كرس النظام الاقتصادي الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية إلى غاية 1971 التفاوت الشديد بين الدول النامية و الدول المتقدمة اقتصاديا من خلال التحكم في التجارة الدولية وتنظيميا من خلال هيكل و طريقة إدارة المنظمات الاقتصادية و التجارية الدولية.(1/38)
فأدت هذه الوضعية الناتجة عن هذا النظام إلى تفاقم أزمة التنمية بالبلاد النامية و إلى محدودية النمو بالبلاد المتقدمة، مما ساعد على التفكير و الدعوة إلى إعادة ترتيب العلاقات الدولية لما يخدم مصالح كل الأطراف المكونة لهذا النظام الاقتصادي الدولي.
1-1-الدعوة إلى نظام اقتصادي عالمي جديد:
عرفت بداية السبعينات و بالضبط منذ 1973 مجهودات مكتفة من جميع أطراف المجتمع الدولي لإعادة ترتيب العلاقات الاقتصادية فيما بينها و تصحيح الاختلالات الناتجة عن النظام الاقتصادي السائد من قبل.
ولعل نتائج المرحلة الأولى الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى 1973 قد أبرزت الحاجة الشديدة إلى نظام اقتصادي دولي جديد و خاصة تلك النتائج المتعلقة بمدى الظلم الواقع على الدول النامية و التفاوت الذي كانت تتسع هوته بين الدول الرأسمالية والدول النامية، و اكتشاف أن استمرار تلك الأوضاع ليس في صالح الدول المتقدمة نفسها، بل و أدركت عناصر مستنيرة في الغرب أن الرخاء لا يمكن أن يستمر و أن السلام الدولي لا يمكن أن يستتب، إذا لم تؤخذ تطلعات شعوب العالم الثالث في الاعتبار.
و من ناحية أخرى تزايد إدراك و وعي الدول النامية بعد نجاح دول الأوبك في التحكم في أسعار و كميات البترول لتحقيق مصالحها منذ عام 1973، و بعد حرب أكتوبر العظيمة اكتشافها أن لديها من الإمكانيات ما يؤهلها لتغيير هذا النظام لصالحها، حيث إن قرار الأوبك قد نقل لأول مرة - و لو لأجل محدود و بمناسبة سلعة واحدة- السلطة الاقتصادية إلى العالم الثالث(1) و على صعيد آخر اتضح من انتصار الشعب الفيتنامي بعد حرب الثلاثين عاما أن استخدام القوة العسكرية لم يعد الوسيلة الفعالة لتأكد السلطة الاقتصادية.
__________
(1) إسماعيل صبري عبد الله، نحو نظام اقتصادي عالمي جديد، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 1977. ص 16.(1/39)
و هكذا تبلور شيئا فشيئا الإحساس بأن تعديل نظام العلاقات الاقتصادية الدولية الراهنة تعديلا جوهريا يقتضي تعديلات جذرية في إستراتيجية التنمية و السياسات الاقتصادية بل و الاجتماعية داخل الدول المعنية، و مؤدي ذلك هو أن البحث عن نظام اقتصادي دولي جديد يجب أن يتعمق و يمتد ليصبح بحثا عن نظام اقتصادي عالمي جديد.
و بالفعل دعت دول عدم الانحياز في مؤتمرها الرابع المنعقد في سبتمبر 1973 بالجزائر إلى إقامة نظام اقتصادي دولي جديد يتيح ظروف أفضل للتقدم الاقتصادي والاجتماعي لجميع البشرية و يعطي فرصا متساوية للنمو و التنمية لجميع أطرافه. و مند هذا التاريخ اهتمت الهيئات الدولية بهذا الموضوع.
و خلال دورتها الخاصة لسنة 1974 المخصصة لمناقشة موضوع قضايا التنمية والمواد الأولية، المنعقدة بناء على طلب من الجزائر، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارين تاريخيين و يتعلق القرار الأول إعلان بشأن إقامة نظام اقتصادي دولي جديد والقرار الثاني يتعلق ببرنامج العمل لإقامة نظام اقتصادي دولي جديد.
و قد جاء في الإعلان بشأن إقامة نظام اقتصادي دولي جديد:
"نعلن رسميا تصميما الموحد على العمل دون إبطاء من أجل إقامة نظام اقتصادي دولي جديد، قائم على العدالة ، و المساواة و الترابط، و المصلحة المشتركة و التعاون بين الدول بغض النظر عن نظمها الاقتصادية و الاجتماعية، نظام يعالج التفاوت و يصحح مظاهر الظلم الحالية، و يجعل من الممكن تصفية الهوة المتزايدة بين الدول المتقدمة والدول النامية ، و يؤمن التنمية الاقتصادية و الاجتماعية المطردة، و السلم و العدل للأجيال الحالية و المقبلة...."(1).
أما برنامج العمل من أجل إقامة نظام اقتصادي دولي جديد فقد تكون من عشر نقاط بما يجب أن يدور حوله الحوار و تبتدع له الحلول و هي:
__________
(1) جودة عبد الخالق : الاقتصاد الدولي ، من المزايا النسبية إلى التبادل الإسكاني، القاهرة 1985. ص 245.(1/40)
- مشكلات المواد الخام و المواد الأولية، و أثرها على التجارة و التنمية.
-نظام النقد الدولي و علاقته بتمويل التنمية في الدول النامية.
- التصنيع و وسائل تشجيعه في الدول النامية.
- انتقال التكنولوجيا.
- إجراءات الضبط و الرقابة على الشركات متعددة الجنسيات.
- ميثاق حقوق الدول و واجباتها الاقتصادية.
- تنمية التعاون بين الدول النامية.
- مساعدة الدول في ممارسة سيادتها الدائمة على مواردها الطبيعية.
- تقوية دور منظمات الأمم المتحدة في مجال التعاون الاقتصادي الدولي.
- برنامج خاص لمعونات طوارئ للدول التي تأثرت أكثر من غيرها من الأزمات الاقتصادية، و منها الدول الأقل نموا و التي ليس لها منافذ بحرية(1).
و في دورتها العادية التي انعقدت في فترة سبتمبر - ديسمبر 1974. أسفرت أعمال هذه الدورة عن إصدار قرار الجمعية الخاص بإقرار ميثاق حقوق الدول و واجباتها الاقتصادية، بحيث يركز على فكرة التعاون الدولي و التمسك بأهداف الأمم المتحدة وضرورة التنمية، كما يحدد الهدف الرئيسي من الميثاق و هو إقامة نظام اقتصادي دولي جديد.
و لا شك أن فكرة ميثاق حقوق الدول و واجباتها الاقتصادية تعكس الإحساس المتزايد بضرورة معاملة كل الدول معاملة المتساوين، و هو أمر كان يصعب التفكير فيه غداة الحرب العالمية الثانية، حينما كانت معظم الدول النامية مستعمرات للدول الرأسمالية المتقدمة.
و تتمثل أهم الحقوق و الواجبات الاقتصادية للدول طبقا لهذا الميثاق كالآتي:
- حق كل دولة في تنظيم الاستثمارات الأجنبية في بلادها.
- حق كل دولة في تأميم الممتلكات الأجنبية أو نقل ملكيتها بتعويض مناسب.
- حق كل دولة في المشاركة في التجارة الدولية طبقا للترتيبات التي تراها مناسبة.
- مسئولية كل دولة عن تحقيق التقدم لشعبها، و حقها في اختيار أهداف و وسائل ذلك.
__________
(1) جودة عبد الخلق. مرجع سابق ص 246.(1/41)
- حق الدول في المساواة التامة و الفعلية في اتخاذ القرارات بخصوص المشاكل الاقتصادية الدولية.
- حق كل دولة في الاستفادة من التقدم العلمي و الحصول على التكنولوجيا.
- التزام كل الدول بالسعي لتحقيق نزع السلاح.
- حق الدول النامية في الحصول على معاملة تفضيلية في أسواق الدول المتقدمة(1).
ثم جاء مؤتمر الحوار بين الشمال و الجنوب في ديسمبر 1975 و يعرف أيضا بمؤتمر الأغنياء و الفقراء الذي عقد بباريس حول قضايا الطاقة و المواد الأولية و التنمية والشئون المالية والديون، ثم مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية و التجارة الذي عقد في نيروبي بكينيا في مايو 1976، و طرحت في جدول أعماله قضيتين متصلتين، هما قضية المواد الأولية و قضية المديونية الخارجية للدول النامية، و فيما يتعلق بقضية المواد الأولية تقدمت الدول النامية بمشروع برنامج متكامل لأسعار المواد الأولية، يتلخص في إنشاء صندوق خاص للمحافظة على أسعار 17 مادة خام تمثل فيما بينها ثلاثة أرباع صادرات الدول النامية (فيما عدا البترول) على أن يخصص له حوالي ثلاثة مليارات دولار، و قد انقسمت الدول الرأسمالية المتقدمة حيال هذا الموضوع، فعلى طرف النقيض وقفت كل من الولايات المتحدة الأمريكية و ألمانيا الغربية و اليابان تعارض التدخل في قوى السوق وجهاز الثمن، شاهرة بذلك الأسلحة الخاصة بتقسيم العمل الدولي و مبدأ حرية العالم الثالث، بينما تبنت فرنسا موقفا وسطا(2).
__________
(1) عبد المطلب عبد الحميد: النظام الاقتصادي العالمي الجديد. مجموعة النيل العربية القاهرة 2003. ص 24.
(2) جودت عبد الخالق : الاقتصاد الدولي، مرجع سابق ص 254.(1/42)
أما بالنسبة لقضية المديونية الخارجية، فقد اقترحت مجموعة السبع و السبعين، عقد مؤتمر دولي لهذا الغرض، تناقش فيه كل الجوانب المختلفة بهذا الموضوع، و توضح قواعد عامة للتخفيف من عبء المديونية على الدول النامية، و في الجانب الآخر، رفضت الدول الرأسمالية المتقدمة هذا الاقتراح و أصرت على التفاوض مع كل بلد مدين على حدة.
و إزاء هذه المواقف المتعنتة من الدول المتقدمة لم يتمكن انكتاد الرابع من الوصول إلى نتائج محددة فيما يتعلق بالجهود الدولية لمعالجة قضايا المواد الأولية و التنمية.
و بالرغم من فشل هذا المؤتمر في الوصول إلى نتائج محددة إلا أنه شهد أكثر من أي وقت مضى، توحد جبهة الدول النامية، و لم تنجح الجهود التي بذلتها الدول الرأسمالية المتقدمة سرا و علانية في تمزيق وحدة هذه الدول، و هذا إنجاز حقيقي، فالصراع لتغيير النظام الاقتصادي الدولي الراهن- في أحد أبعاده على الأقل- صراع بين طرف قوي هو الدول الرأسمالية المتقدمة، و طرف ضعيف هو الدول النامية، و تكمن قوة الطرف الأول في توحيد صفوفه، و يرجع ضعف الطرف الثاني- بصفة رئيسية- إلى عدم توحيد صفوفه، و من هنا يمكن القول إن نجاح الدول النامية في توحيد صفوفها إزائ الطرف الأول، و اتجاه القضايا المطروحة على الساحة الاقتصادية العالمية، شرط ضروري، وإن لم يكن كافيا لنجاح الجهود التي تبذل لتغيير النظام الاقتصادي الدولي الراهن.(1/43)
و لعل من الملاحظ أنه إذا كانت تلك المرحلة قد شهدت بداية قوية نحو تكوين اقتصاد دولي جديد يكون أكثر عدالة و يحقق السلام الدولي، فإن نهاية هذه المرحلة أبرزت نتائج معينة و متغيرات جديدة، و قوى دافعة أخرى، يبدو أنها تعلن من جديد عن شكل " نظام اقتصادي عالمي جديد" قد يختلف عما نودي به في بداية هذه المرحلة، حيث أسفرت نتائج المرحلة 1974-1990 عن تفاقم أزمة المديونية الخارجية للدول النامية عام 1982 وتزايد قوة تأثير صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و اتفاقهما على ضرورة تنفيذ برامج التثبيت و الإصلاح الهيكلي في الكثير من الدول النامية، من خلال مبدأ المشروطية الدولية المتبادلة بين المنظمتين.
و من ناحية أخرى فعند وصول جورباتشوف إلى الحكم في الاتحاد السوفياتي (سابقا) في 1985 و إعلانه عن البروسترويكا (إعادة البناء) و الجلاسونست (الشفافية) طالب بإقامة نظام دولي جديد يقوم على أسس جديدة، بعيدا عن صراع الإيديولوجيات و بهدف الحفاظ على الجنس البشري و سلامة البيئة، و تدعيم مجالات الحوار و التعاون الاقتصادي الدولي و الاعتماد المتبادل بين الدول و المنظمات الدولية لبناء مجتمع دولي أفضل(1).
2-2- اتجاهات التجارة الدولية في ظل تقسيم العمل الدولي الجديد:
__________
(1) د. حسنين توفيق إبراهيم، النظام الدولي الجديد في الفكر العربي، مجلة عالم الفكر، المجلد الثالث و العشرون، العدد الثالث و الرابع، الكويت، 1995، ص 50.(1/44)
شهد الاقتصاد العالمي منذ بداية السبعينات اتجاها نحو تكوين الكتل الاقتصادية وإنشاء مناطق للتجارة الحرة و الاتحادات الجمركية. و قد تسارع هذا الاتجاه في أعقاب الثمانينات مع إعلان برنامج إنشاء السوق الأوربية المشتركة الموحدة سنة 1992 و إنشاء سوق حرة للتجارة بأمريكا الشمالية سنة 1989 ضمت الولايات المتحدة و كندا و المكسيك أخيرا، و بذلك أصبحت الكتل التجارية الإقليمية تتقلد دور المحرك لتنمية التجارة الدولية، و تبين الإحصائيات أن حصة التجارة الخارجية لأهم التجمعات التجارية الإقليمية في قيمة التجارة العالمية لعام 1989 بلغت 96%.
و هكذا أصبح الاتجاه الإقليمي المتزايد في التجارة الدولية يشكل وسيلة هامة للتصدي للأزمة التي يعيشها النظام التجاري الدولي بسبب انهيار دعائم اتفاقية بروتن وودز Bretton Woods منذ بداية السبعينات.
و لقد رافقت ظاهرة الإقليمية في نمط التدفقات العالمية للتجارة ظاهرة تزايد وثيرة التقدم التقني و تنظيم الاقتصاد الدولي. لقد ساعد هذين العاملين ( الثورة التكنولوجية والتنظيم الاقتصادي) على إمكانية التخصص الجزئي في الفرع الواحد.
ونتيجة لذلك أصبحت أجزاء منفردة من فروع الإنتاج هدفا للتخصص بدل هذه الفروع بالكامل، و قد أتيح تحقيق هذه الإمكانية إلى حد كبير بفضل العامل الثاني أي التنظيم الدولي للاقتصاد الذي عرف قفزة نوعية في تطور التعاون الإنتاجي الدولي، وتطورت بشكل لم يسبق لها مثيل الأشكال الجديدة للتبادل الدولي.
و قد أدت الاتجاهات المعاصرة في التخصص إلى إدماج وثيق للاقتصاديات الوطنية بصورة مباشرة في عملية الإنتاج و هكذا فقدت الدول المتطورة استقلاليتها، و أصبحت تعتمد أكثر فأكثر على بعضها البعض و على بعض الدول النامية.(1/45)
فوجد هذا الإدماج تعبيرا موضوعيا له في الزحف الكبير لعمليات التكامل الاقتصادي الإقليمية. فارتفع مثلا نصيب السوق الأوربية المشتركة من الصادرات الرأسمالية العالمية خلال فترة 1950 /1978 من 27% إلى 30% و يمثل التبادل بين بلدان هذه السوق حوالي 5/1 حجم التبادل التجاري العالمي (ماعدا الدول الاشتراكية)(1).
و تعزز هذا الاتجاه أيضا بإتقان تنظيم التجارة الخارجية من الاحتكارات الدولية المنتشرة عبر أنحاء العالم و المرتبطة مع بعضها البعض و التي تشكل إمبراطوريات اقتصادية حقيقية حلت محل الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة.
و بواسطة هذه الأشكال الجديدة لتنظيم الاقتصاد الدولي وفق التقدم التكنولوجي، أصبحت تؤمن الدول المتقدمة مصالحا و سيطرتها على التجارة الدولية خاصة تجارة المواد المصنعة أي المجال الذي يمنح المزايا الرئيسية المرتبطة بالثورة العالمية التكنولوجية و الأشكال الجديدة للتجارة التي تنبثق عنها. و هكذا أصبح التبادل بين الدول المتقدمة يمثل 3/2 تجارة السلع الصناعية، أما صادراتها من هذه السلع للدول النامية بلغ 4/1 من إجمالي التبادل الدولي(2).
__________
(1) مجموعة من الأساتذة السوفيات: التقسيم الجغرافي الدولي في ظل الرأسمالية، ترجمة عبد الحبيب القزوني . ص 25.
(2) نفس المرجع . ص 25.(1/46)
و نتيجة هذه التغيرات هي استيلاء الدول الرأسمالية الرئيسية و احتكاراتها على أهم ميادين التجارة الدولية، و ذلك بواسطة سيطرتها على ميادين الإنتاج التي أصبحت تخلق مزايا نسبية جديدة بفضل زيادة وثيرة التقدم التكنولوجي. بينما لم يبق أمام البلدان النامية إلا أن ترضى بإمكانيات مشكوك فيها للتنمية من خلال النمو الكمي في صادرات المواد الخام، و هو المجال الذي لم يمسه التقدم العلمي التكنولوجي إلا قليلا نسبيا، باستثناء مجموعة صغيرة فقط من الدول النامية التي استطاعت أن تحتل مكانا في هذا التدويل للإنتاج، و حققت جزئيا نموا في تجارة السلع الصناعية، و هذه الدول هي: كوريا الجنوبية، هونكونغ، سنغافورة، البرازيل، المكسيك، الأرجنتين و ماليزيا.
فخلال السبعينات صدرت هذه الدول 70% من السلع المصنعة إلى الدول المتطورة لكن الجزء الأكبر من هذه الصادرات الصناعية لا ترتبط إلا قليلا بالثورة التكنولوجية. و من تم فقدت مزاياها النسبية بالنسبة للبلاد المتقدمة. و تتشكل هذه الصادرات بصورة رئيسية من الألبسة الجاهزة و الأقمشة و المنتجات الغذائية، و لم تشكل المكائن و المعدات إلا 4/1 هذه الصادرات بالقيمة حتى هذه المنتجات الأخيرة ما هي إلا تجميع للقطع التي تصنع في البلاد المتقدمة.
إن ظهور إنتاج مثل هذه السلع المصنعة في الدول النامية لا يرتبط بتصنيعها بقدر ما يعكس إستراتيجية المصالح الأنانية للشركات المتعددة الجنسيات التي تعمل على إنشاء هذه الصناعات في البلاد النامية للتمتع بالمزايا النسبية لليد العاملة الرخيصة التي فقدتها داخل بلادها بسبب ارتفاع الأجور.
و بالموازاة ركزت الدول المتقدمة جهودها في الصناعات الأكثر استعمالا لرأس المال التكنولوجي حيث تكون المكاسب عالية، و تخلت عن فروع الصناعات ذات المكاسب الضعيفة بتلوث البيئة.(1/47)
و تحت تأثير هذه العوامل تجري عملية تعميق لتقسيم الدولي للعمل التي أخذت شكل نقل الفروع الصناعية من البلدان المتقدمة نحو بعض البلدان النامية.
و من خلال ما سبق يتضح أن الاقتصاد الدولي أصبح يخضع إلى اتجاهين أساسيين ومتناقضين جزئيا الشمولية globalisation من جهة و الإقليمية régionalisation من جهة أخرى. فالأولى من اختصاص الشركات المتعددة الجنسيات FMN التي تريد العمل على المستوى الدولي و الثانية تتكفل بها الدول الوطنية Etats Nationaux و هي نتيجة الجاذبية الجغرافية و التاريخية Pesanteur géographique et historique (1).
و لقد أظهرت التحاليل الإحصائية للهيئات الوطنية و الدولية الطبيعية غير المتجانسة و القطبية التي ميزت الاقتصاد الدولي خلال السبعينات و الثمانينات. و تظهر هذه القطبية جليا على جميع المستويات للمبادلات الدولية.
فعلى صعيد التدفقات التجارية، عرفت أواخر السبعينات و بداية الثمانينات نموا في التجارة الدولية يفوق النمو في الإنتاج الدولي، كما تميزت هذه التجارة بالتبعية المتبادلة للأقطاب الرئيسية و بعض دول المحيط بالتمركز في مناطق جغرافية معينة. و اتسم تطور التجارة الدولية بين الدول المتقدمة و الدول النامية باللاتكافئ.
فإذا عرفت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تهميش الدول النامية. بحيث انتقلت حصتها في التجارة الدولية من 27.5% سنة 1952 إلى 17.5 سنة 1970، فإنه ابتداء من السبعينات بسبب ارتفاع أسعار البترول في سنوات 1973/1974 -1979-1980، عادت حصة الدول النامية في التجارة الدولية إلى ارتفاع حيث بلغت 28%، و 15.5% منها ترجع للأوبك. لكن منذ 1980 بدأ تهميش الدول النامية من جديد و خاصة بعد الصدمة البترولية المعاكسة لسنة 1986.
__________
(1) مجموعة من الأساتذة السوفيات: التقسيم الجغرافي الدولي في ظل الرأسمالية. مرجع سابق الذكر. ص 26/27.(1/48)
و قد يلاحظ هذا التهميش ليس فقط من جانب نصيب هذه الدول في التجارة الدولية. ولكن من مكانتها في التقسيم الدولي الجديد، هذا النظام الذي احتفظ بالعلاقة سيطرة / تبعية الموجودة بين الشمال و الجنوب، و ذلك من خلال حرمانها من الاستفادة من مزايا الصناعات ذات الثقافة العالية، و تخصيصها في الصناعات المركبة أو الصناعات المرتبطة بالتقنيات التي استفادت مزاياها بالدول المتقدمة أي أصبحت إنتاجياتها الجديدة تساوي الصفر.
و المقارنة البسيطة بين استيراد و تصدير المواد الأولية و المواد المصنعة لسنة 1984 في المناطق الثلاثة الكبرى تبين لنا تدهور مكانة الدول النامية في التجارة الدولية كما يوضحها الجدول رقم11.
الجدول رقم11:
التجارة الدولية بالمناطق الكبرى لسنة 1984
الوحدة : مليار دولار: القيمة بفوب FOB
المواد المصنعة ... المواد الأولية
صادرات ... واردات ... ص% ... و % ... صادرات ... واردات ... ص% ... و %
الدول الرأسمالية المتقدمة ... 893 ... 272 ... .1 ... .7 ... 316 ... 151 ... .6 ... .1
الدول النامية ... 146 ... 109 ... 12.1 ... 23.8 ... 96 ... 75 ... 43.2 ... 206
الدول الاشتراكية ... 104 ... 9.1 ... 9.5 ... 13.1 ... 10.3
المجموع
Source : GATT 1986 appendice page 175.
يظهر من خلال الجدول أم الدول النامية تستورد 23.8% من المواد المصنعة و تصدر 43.2% من المواد الأولية. بينما الدول المتقدمة الرأسمالية تصدر 78.1% من المواد المصنعة و تستورد 69.1% المواد الأولية، لكن الملاحظ أيضا أن الدول النامية لا تصدر إلا 12.8% من المواد المصنعة بينما الدول المتقدمة تصدر 43.2% من المواد الأولية.
هذه الأرقام تتطابق و الصورة التقليدية للتقسيم الدولي للعمل، بحيث الدول المتقدمة مستوردة للمواد الأولية و مصدرة للمواد المصنعة و الدول النامية عكس ذلك.
لكن رغم الاحتفاظ ببعض معالم التقسيم التقليدي، فهناك بروز معالم جديدة لتقسيم دولي جديد يعمق علاقة السيطرة / التبعية بين الأطراف المتبادلة.(1/49)
و تتجلى هذه المعالم في منافسة الدول المتقدمة للدول النامية في إنتاج و تصدير المواد الأولية من جهة. و من جهة أخرى ، في الاهتمام المتزايد للدول النامية بالتنمية الصناعية، و تصنيع بعض الدول مثل التي أصبح يطلق عليها اسم الدول المصنعة الجديدة. NPI.و ساهمت هذه الدول في ارتفاع نصيب الدول النامية من الصادرات الصناعية الذي انتقل من 14% من مجموع الصادرات سنة 1970 إلى 30% سنة 1986.
و هكذا تظهر معالم جديدة لتقسيم للعمل بين الشمال و الجنوب مبني على المزايا النسبية للصناعات ذات الاستعمال المكثف لليد العاملة الرخيصة الموجودة بالدول النامية و الصناعات ذات التكنولوجية العالية و ذات الاستعمال المكثف لرأس المال الموجود بالدول المتقدمة.
و يتجسد هذا الاتجاه من خلال معطيات الجدول رقم 12 الذي يقسم الأصناف الكبرى للمنتوجات إلى مجموعات صغيرة. و يوضح درجة التخصص في هذه المنتوجات والأرصدة التجارية في المناطق الثلاثة الكبرى.
الجدول رقم12:
الأرصدة التجارية لسنة 1984
المواد الكيماوية و نصف المصنعة ... الدول المتقدمة الرأسمالية ... الدول النامية ... الدول الاشتراكية
المواد الكهربائية و الميكانيكا
مواد الاستهلاك ما عدا السيارات
المواد الغذائية
المواد الأولية
المحروقات
47+ ... - ... -
106- ... 101- ... 5-
22- ... 17+ ... 5+
5- ... 7+ ... 12-
12- ... 11+ ... 2+
179- ... 146+ ... 33+
Source: GATT. 1986. Appendice page n° 175.
يستنتج من الأرقام الواردة في الجدول، تخصص الدول المتقدمة في الصناعات الكهربائية و الميكانيكية، و بعض الصناعات الأخرى و تبعيتها في مواد الطاقة و مواد الاستهلاك المصنعة و المواد الأولية.
كما يلاحظ أغلبية التدفقات التجارية، ما عدا المحروقات، تقوم بين الدول المتقدمة، وهذا ما يدل على تركز التجارة الدولية في هذه المنطقة.(1/50)
إن إعادة هيكلة النظام التجاري التقليدي يدخل في إطار التقسيم الدولي الجديد للعمل الذي احتفظ بجوهره القديم القائم على علاقة الهيمنة/ التبعية، لكن أدخل بعض التغيرات على مستوى الإنتاج و التوزيع. و ذلك بإدماج بعض الدول النامية في النظام الرأسمالي ورفع حصتها في التجارة الدولية خاصة في المواد الصناعية.
و هذا لا يعني خدمة للدول النامية بقدر ما هو خدمة لمصالح الدول المتقدمة الرأسمالية، و ذلك بتحويل بعض التخصصات الصناعية إلى بعض المناطق الإستراتيجية اقتصاديا و سياسيا في آسيا و أمريكا اللاتينية للحفاظ على المزايا النسبية لهذه الصناعات بسبب وجود اليد العاملة و المواد الأولية بأثمان معقولة في هذه المناطق.
لكن تبعية هذه البلدان للدول المتقدمة تبقى قائمة في تسويق منتوجاتها الصناعية واستيراد الآلات الصناعية المنتجة. و الرصيد التجاري السالب ( 23 مليار دولار) لدول آسيا الجنوبية و جنوب شرق آسيا لسنة 1984 – في تدفقاتها التجارية يشهد على هذه التبعية.
1-3- القطبية التجارية و الاستثمارية في الثمانينات:
تبين جميع الإحصائيات و الدراسات في عقد الثمانينات استحواذ الأقطاب الرئيسية الرأسمالية على التجارة الدولية، و ذلك بتمركز و زيادة التبادلات التجارية بين هذه الأقطاب(1).
و الجدول رقم 13 يبين مدى اختلاف درجة اندماج المجموعات الثلاثة في الاقتصاد الدولي.
الجدول رقم13:
الحصة المئوية لكل منطقة في التجارة الدولية لسنة 1986.
الواردات ... الصادرات ... الحصة في الواردات العالمية ... الحصة في الصادرات العالمية
الدول الرأسمالية ... الدول النامية ... الدول الاشتراكية
الدول الرأسمالية ... 54 ... 5 ... 2 ... 20 ... 19
الدول النامية ... 13 ... 1 ... 6 ... 10 ... 11
الدول الاشتراكية ... 3
المجموع ... 70 ... 19 ... 11 ... 100 ... 100
Source : M Beaud: économie mondiale dans les années 80 page 159.
__________
(1) الأقطاب الرئيسية الثلاثة هي: الولايات المتحدة الأمريكية، أوربا الغربية، و اليابان.(1/51)
يتضح من خلال الجدول ما يلي:
·?توسيع مكانة الدول الرأسمالية في التجارة الدولية بتحقيقها 70% من التبادلات التجارية لسنة 1986.
·?انخفاض حصة الدولة النامية رغم تحقيقها 5/1 المبادلات العامة.
·?تواضع مكانة الدول الاشتراكية.
·?تمركز المبادلات بين الدول الرأسمالية بحيث 4/3 هذه المبادلات تمت بين دول هذه المجموعة. أما المبادلات بين هذه الأخيرة و الدول النامية فلم يتعد الربع (4/1).
و هذا ما يدل على ديناميكية التكامل بين الدول الرأسمالية و إدماج اقتصاديات الدول النامية في الاقتصاد الدولي الرأسمالي ، و تفكيكها قاريا و جهريا من خلال الاستراتيجيات المختلفة في هذا الاتجاه للأقطاب الثلاثة الرأسمالية المهيمنة على الاحتكارية، أما اليابان فتعتمد على غزو الأسواق الخارجية بصادراتها و تفضل أوربا الاعتماد على الاثنين.
و قد تشكل التجارة الخارجية و الاستثمارات أداة تحليلية فعالة لفهم أعمق للقطبية الثلاثية.
- على مستوى التجارة الخارجية:
انطلاقا من الإحصائيات الخاصة بالتجارة الدولية الواردة في منشورات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة و التنمية CNUCED لسنة 1986/1987، تظهر جليا هيمنة الدول الرأسمالية على حصة الأسد من هذه التدفقات التجارية. ففي سنة 1984/1985 بلغ نصيب هذه الدول 65.3% من الصادرات العالمية و 67.3% من الواردات العالمية. وتأتي في مقدمة الترتيب المجموعة الأوربية بـ 31.4% من الصادرات و 30.9% من الواردات متبوعة بالولايات المتحدة الأمريكية بـ 10.7% من الصادرات و 16.9% من الواردات، و المرتبة الثالثة تحتلها اليابان بـ 9.1% من الصادرات و 6.00% من الواردات. أما نصيب الدول النامية بدون الأوبيك فنصيبها كان نفس السنة 15.5% من الصادرات و 17.3% من الواردات(1).
__________
(1) CNUCED supplément 1986/78 pp . 60/61.(1/52)
و في سنة 1987 بينت إحصائيات صندوق النقد الدولي FMI أن 32.2% من قيمة التجارة الدولية لسنة 1986 عادت لثلاثة دول فقط و هي الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا الاتحادية و اليابان و الجدول رقم 14 يبين ذلك.
الجدول رقم14:
نسبة قيمة تجارة بعض الدول المتقدمة في التجارة الدولية لسنة 1986.
الصادرات(ص) ... الواردات (و) ... (ص+و) /2 ... (ص- و)
الولايات المتحدة ... 217.3 ... .1 ... .2 ... .8-
ألمانيا الاتحادية ... 243.3 ... 191.1 ... 217.2 ... 52.2+
اليابان ... 210.8 ... 127.7 ... 169.2 ... 083.1
المجموع ... 671.4 ... 127.7 ... 688.6
المجموع العالمي ... 2088 ... 2177 ... 2132
النسبة % ... 32.2% ... 32.4% ... 32.3%
Source: Rapport FMI 1987 page 2 et suites. ... الولايات المتحدة و كندا ... أوربا الغربية ... اليابان ... باقي العالم ... المجموع
يتضح من الأرقام الواردة في الجدول أن الدول الثلاثة لوحدها حققت ثلث (3/1) التجارة الدولية. و تبين أن ألمانيا أصبحت تحتل المرتبة الأولى في التصدير -243.3 مليار دولار- المكانة التي كانت تحتلها الولايات المتحدة من قبل. أما هذه الأخيرة فتعتبر أكبر مستورد و هذا ما يدل عليه العجز في ميزانها التجاري المقدر بـ 169.8 مليار دولار، و عكس ذلك حققت اليابان فائضا معتبرا في ميزانها التجاري و الذي قدر بـ 83.1 مليار دولار.
2-4- على مستوى الاستثمارات:
يبين هيكل الاستثمارات الخارجية للأقطاب الرئيسية الثلاثة الاستراتيجيات الجديدة المبنية على التوجه للخارج. كما يوضح أيضا التدفقات المالية بين هذه البلدان من جهة، و بينها و بين باقي العالم من جهة ثانية، و الجدول رقم 15 يعطينا صورة على هذه التدفقات.
الجدول رقم15:
مصفوفة الاستثمارات الصافية في القطاع
الصناعي لسنة 1983: (مليار دولار).
0@الدول المستثمرة
الدول المستضيفة
الولايات المتحدة و كندا ... 23 ... 45 ... 3 ... 6 ... 100
أوربا الغربية ... 46 ... 1 ... - ... - ... 5
اليابان ... 4 ... 32 ... 13 ... 10 ... 80
باقي العالم ... 25 ... 124 ... 22 ... 16 ... 260
المجموع ... 98
Source FMI: Rapport 1987 page 3 et suites.(1/53)
يلاحظ من خلال الجدول:
أولا: السيطرة للأقطاب الرئيسية الثلاثة أمريكا و أوربا الغربية و اليابان على 94% من هذه الاستثمارات و هذا يعني أن باقي العالم لم يحقق إلا 6% من الاستثمارات العالمية.
ثانيا: تحقيق أغلبية الاستثمارات داخل الأقطاب الرئيسية الثلاثة. أما الاستثمارات المحققة بين هذه الأقطاب و باقي العالم مثلث 4/1 مجموع الاستثمارات الدولية فقط.
يتضح بجلاء من خلال بيانات كل من التدفقات التجارية و الاستثمارية لهذه الأقطاب الدرجة العالية من التكامل فيما بينها و ذلك نتيجة إعادة هيكلة العلاقات الاقتصادية الدولية حولها.
و هكذا يمكن حصر القطبية الهيكلية في عقد الثمانينات فيما يلي:
1- القطب المسيطر المتكون من الولايات المتحدة الأمريكية و محيطه أمريكا الشمالية.
2- قطب متعدد: أوربا التي تسعى دائما لتوحيد صفوفها.
3- قطب في طريق التكوين و التوسع، و يتكون من اليابان و محيطه الأسيوي خاصة " النمور الأربعة" "Les quatre dragons" (سنغافورة، كوريا الجنوبية، هونكونغ، طايوان).
المبحث الثاني:
انعكاسات التقسيم الدولي للعمل على الدول النامية.
لعل أهم انعكاسات أزمة الاقتصاد الرأسمالي خلال السبعينات و الثمانينات تجلت في تعزيز علاقة تبعية – هيمنة بين البلاد النامية و المتقدمة على جميع المستويات، التجارية والتكنولوجية و المالية.
1- التبعية التجارية:
1.1- على مستوى السوق:(1/54)
لقد ترتب عن أزمة التضخم الركودي في البلاد الرأسمالية منذ 1973 اتساع نطاق البطالة و ارتفاع تكاليف الإنتاج ارتفاع أسعار المنتجات الصناعية. في ظل ذلك تولدت النزعة الحماية، و هي النزعة الرامية إلى الحد من دخول المنتجات الصناعية للعالم الثالث إلى أسواق البلاد الصناعية الرأسمالية، استنادا إلى أن هذه المنتجات تستطيع بانخفاض أثمانها النسبية أن تهدد المركز التنافسي للصناعات المحلية للبلاد المتقدمة، وهو ما يعني نقص معدل الأرباح و ما يترتب عنه من بطالة و إفلاس صناعي.
و تحتوي السياسة الحمائية ضد صادرات الدول النامية عدة أشكال و أدوات متعددة ومتشابكة منها المباشرة و غير المباشرة. و المباشرة تتمثل في نظام التعريفات الجمركية و نظم تحديد الاستيراد مثل القيود الكمية quotas و الترتيبات التسويقية التقليدية و قيود التصدير الاختيارية.
أما غير المباشرة فعادة ما تكون في صورة المواصفات أو المعايير الصناعية والاشتراطات الصحية و التسهيلات المالية و التجارية للصناعات المحلية.
و بما أن أغلب صادرات البلاد النامية أي 70% تتجه للبلاد الرأسمالية، فإذا تأثرت كثيرا بالإجراءات و التدابير الحمائية لهذه الدول التي جعلت نمو صادرات البلدان النامية ينخفض من 23% سنويا خلال فترة 1980/1970 إل 6% خلال فترة 1985/1980.
و لقد اتجهت الحمائية و غيرها من أشكال التدخل التجاري من قبل البلاد المتقدمة نحو التزايد منذ بداية عقد الثمانينات. و رغم نداءات المحافل الدولية للحد من النزعة الحمائية، فلا تزال البلدان المتقدمة تتخذ الكثير من الإجراءات تشكل حواجز أمام صادرات البلدان النامية و خاصة في الصناعات التي حققت فيها مزايا نسبية.(1/55)
و في هذا الصدد يشير الإعلان الاقتصادي لحركة دول عدم الانحياز الصادر في هراري- زمبابوي- عام 1986 إلى أنه لا يزال ثلث صادرات البلدان النامية إلى البلدان الرأسمالية يواجه إجراءات تقييدية و تدابير تجارية لا مبرر لها بحجة مكافحة الإغراق dumping.
لذا فإن استمرار الدول المتقدمة في انتهاكها لقواعد و مبادئ معايير نظام التجارة الدولية سيؤثر سلبا على تجارة الدول النامية و تنميتها و يقوض و يؤخر عملية التكيف الهيكلي لهذا النظام.
و فيما يلي أبرز الشواهد على انتهاك مبادئ ومعايير التجارة الدولية من الدول الرأسمالية.
- تصاعد الإجراءات الحمائية و خاصة في مجالات الصناعية التي عرفت مزايا نسبية (الملابس، الصلب، الأحذية، و الجلود).
- تصاعد النزعة الإقليمية في التجارة الدولية و اللجوء إلى الحلول الإقليمية و الثنائية خارج الإطار القانوني للتجارة الدولية.
- اللجوء إلى حمائية المواد الزراعية عن طريق الدعم الزراعي حيث اتفقت أوروبا و اليابان و الولايات المتحدة الأمريكية ما يزيد عن 71 مليار دولار على برامج الدعم الزراعي(1).
- التخلي عن المعاملة الممايزة للبلدان النامية، حيث تقارير الأمم المتحدة أن 50% من صادرات أمريكا اللاتينية تعاني نوعا من القيود من البلدان الرأسمالية الصناعية.
- تزايد سيطرة الشركات الاحتكارية على القنوات التجارية ، تشير الإحصائيات في هذا الصدد إلى أن 40% من التجارة العالمية تتم بين الشركات العالمية الكبرى و الفروع التابعة لها و الموجودة خارج البلد الأم. لقد زادت القوة التسويقية لهذه الشركات من سيطرتها و هيمنتها على التجارة الدولية، و ذلك على حساب تجارة الدول النامية التي تعاني من الممارسات العنصرية و التقييدية التي تضعها هذه الشركات في وجه صادرات البلاد النامية.
__________
(1) مجلة التنمية الصناعية العربية. مرجع سابق. ص 111.(1/56)
- استخدام التجارة الدولية كأداة للضغط السياسي. و حيث يجب التنبيه إلى أخطر التغيرات التي طرأت على السياسة التجارية الدولية في النصف الثاني من عقد الثمانينات و هي ربط تجارة السلع و وسائل أخرى للبلدان النامية بسياسة الاستثمار الأجنبي المباشر.
و هكذا تتحول التجارة من وسيلة لتحقيق التنمية إلى أداء قسرية في يد الدول المتقدمة لفرض شروطها على البلاد النامية التي تعتمد على التجارة. و هذا يعني فتح أسواق الدول الرأسمالية لصادرات البلدان النامية مقابل فتح أسواق هذه الأخيرة على مصراعيها للاستثمار الأجنبي. و يعد هذا أخطر تهديد النظام التجاري الدولي القائم.
1.2-على مستوى الأسعار:
إن عدم تحكم الدول النامية في تحديد أسعار صادراتها و في التقلبات التي تطرأ عليها من حين لآخر، كان في صالح الدول المتقدمة التي تمكنت من فرض سيطرتها و التحكم في تحديد كميات و أسعار التدفقات التجارية الدولية. و أدت التبعية السعرية للدول النامية إلى انخفاض معدلاتها التجارية مع انخفاض حجم صادراتها في الثمانينات. الأمر الذي كلفها خسارة كبيرة من العملات الأجنبية كانت في حاجة إليها لإنعاش اقتصادياتها التي تعاني من لكساد و الركود و التخلص من خدمة ديونها.
و قد أدى التدهور في معدل التبادل للدول النامية و الذي تعمق بسبب انخفاض أسعار النفط، حيث انتقل من 5.8% خلال فترة 1976/1980 إلى -19.5% سنة 1986 ثم ارتفع إلى -1.7% سنة 1988 (1)، إلى انخفاض فائض الميزان التجاري لهذه البلدان كما هو مبين في الجدول رقم16.
الجدول رقم 16
الميزان التجاري للبضائع للبلاد النامية
الوحدة : مليار دولار.
جميع البلدان النامية ... 1980 ... 1985 ... 1986 ... 1987
الدول المصدرة للطاقة
الدول المستوردة للطاقة
111 ... 68.7 ... .7 ... 45.3
173.3 ... -13.2 ... 16.3 ... -8.3
-16.3 ... -10.6
__________
(1) الأمم المتحدة: الاقتصاد العالمي عام 1988. مرجع سابق ص 124.(1/57)
المصدر: الأمم المتحدة: حالة الاقتصاد العالمي سنة 1988 ص 124.
يظهر من خلال الجدول أن الميزان التجاري للبلدان النامية وصل إلى أدنى مستوى سنة 1986، حيث سجل 5.7 مليار دولار . بينما كان قد سجل 111 مليار دولار سنة 1980. و يعتبر هذا الفائض أدنى مستوى وصل إليه منذ 1970.
و يظهر كذلك تأثير انخفاض أسعار النفط على الميزان التجاري للدول المصدرة للنفط، حيث انخفض فائضها التجاري من 173.3 مليار دولار سنة 1980 16.3 مليار دولار سنة 1986. مرورا بـ 68.7 مليار سنة 1985، و هذا يعني أن هذه الدول خسرت 52.4 مليار دولار في سنة واحدة.
أما الدول المستوردة للطاقة، فرغم التحسن الطفيف في ميزان تجارتها، لكنه بقي تحت الصفر طور هذه المدة. و عند ترجمة معدلات التبادل هذه إلى قيمة دولارية نلاحظ المكاسب الخسائر الناتجة عن التغير في هذه المعدلات التجارية.
وهذا ما يوضحه الجدول رقم17.
الجدول رقم17:
المكاسب و الخسائر في إيرادات الصادات نتيجة تغير
معدلات التبادل التجاري للبلاد النامي
شمال إفريقيا ... 1981 ... /85
سائر إفريقيا
أمريكا اللاتينية
غرب آسيا
جنوب آسيا
شرق آسيا
جميع البلدان النامية
4.2 ... .2 ... .5 ... .4 ... .8 ... .9
0.4 ... -2.1 ... -3.5 ... -2.4 ... -4.0 ... -2.3
-3.1 ... -10.1 ... 10.1- ... -7.3 ... 14.0 ... -8.9
19.3 ... 19.4 ... 6.2 ... -7.1 ... 4.5 ... 11.3
-0.7 ... -1.1 ... -0.5 ... 0.0 ... -0.3 ... -0.5
-2.6 ... -7.3 ... -6.8 ... -3.1 ... -9.1 ... -5.8
17.5 ... 1.1 ... -15.3 ... -6.2 ... -23.8 ... -5.3
المصدر: الأمم المتحد حال الاقتصاد العالمي 1987 ني ص 173.
إن القوة الشرائية للصادرات بسبب تدهور معدل التبادل التجاري بلغت 15 مليار دولار سنة 1983 و حوالي 24مليار دولار عام 1985. هذا التدهور في القوة الشرائية أدى إلى تقليص مساهمة القطاع الخارجي في عملية التنمية بالبلاد النامية.(1/58)
و تشير تقديرات صندوق النقد الدولي أنه في عام 1986 خرت دول العالم الثالث حوالي 100 مليار دولار بسبب معدلات التبادل التجاري غير العادلة. فإذا كان بالإمكان شراء جرار قوته 60 حصانا بإيرادات 24 طن من السكر سنة 1982 و 133 طن من السكر سنة 1987 (1) .
فإذا سمح التحكم في الأسواق و التقلبات السعرية للدول الرأسمالية المتقدمة بالاستفادة لوحدها بمزايا التبادل الدولي اللامتكافئ مع دول العالم الثالث، و جعل هذه الأخيرة تابعة لها في هذا المجال، فإن الثورة التكنولوجية و احتكار إنتاجها و توزيعها شكلت أدوات جديدة استعملتها دول الشمال لتعميق تبعية دول الجنوب لها و نهب جزء من الفائض الاقتصادي المنتج بها.
2-2- التبعية التكنولوجية.
لقد اختلفت وسائل و أدوات السيطرة على الفائض الاقتصادي باختلاف التطورات التي عرفتها الرأسمالية. فمن التجارة في عهد الرأسمالية التجارية و استعمالها كأسواق، إلى الرأسمالية الصناعية و التوسع في التصنيع للسيطرة على السوق، إلى الرأسمالية المالية وتصدير رأس المال كهدف لتوسيع الأسواق، إلى عصر الثورة التكنولوجية الذي عزز موقع البلاد المتقدمة بسبب تفوقها التكنولوجي.
و بذلك أصبح الهدف الجديد يجمع الأهداف السابقة جميعا، بحيث أن تعظيم الفائض الاقتصادي و توسيع الأسواق و ضمان مصادر المواد الخام و مصادر التراكم الرأسمالي أصبح بتحقيق احتكار التكنولوجي أو عبر السيطرة / التبعية التكنولوجية.(2)
لهذا ، فإذا كانت الدول المتقدمة حددت اتجاهات الطلب على صادرات الدول النامية عن طريق القيود و التدابير الحمائية. فإنها أحكمت قبضتها على الجانب الآخر و هو العرض للناتج الصناعي من خلال التحكم بإمدادها بالمقومات المالية و التكنولوجية.
__________
(1) مجموعة السبعة و السبعين: الاجتماع الوزاري لسنة 1987 هافانا.
(2) م. عبد الشفيع: العالم الثالث و التحدي التكنولوجي الغربي، مرجع سابق .ص 242.(1/59)
فزيادة على أعباء التكلفة التكنولوجية على الدول النامية، فإن المقومات التكنولوجية سواء منها المعارف و المهارات التكنولوجية أو المنتجات التكنولوجية كلها استجلبت من الخارج. الأولى عن طريق التراخيص و التعاقد licences et contrats و الثانية عن تجارة السلع الرأسمالية و انتقال الخبراء.
ومن بين عناصر السيطرة/ التبعية في مجالي العرض و الطلب، فإن السيطرة / التبعية التكنولوجية تحتل مركزا حاسما في شبكة العلاقات الإنتاجية غير المتكافئة ضمن النظام الرأسمالي العالمي.
فالصناعات المقامة بمقتضى هذه العلاقات هي في الجوهر صناعات تابعة تكنولوجيا. أنها صناعات لا تستند إلى قاعدة تكنولوجية محلية، و إنما تنقل هذه الصناعات و معها التكنولوجية الصناعية و منتجات التكنولوجية. و بذلك تنشأ صناعة محلية بدون قاعدة وقدرة تكنولوجية محلة مستقلة(1).
رغم أن الصناعات المقامة في البلاد النامية هي الصناعات ذات تكنولوجية فقدت مزاياها النسبية إلا أن الطبيعة الاحتكارية للسوق الدولية التكنولوجية كلف الدول النامية مبالغ باهظة عند استيرادها.
و في هذا الصدد تقدر مصادر اليونيدوا ONUDI أن تكلفة استيراد التكنولوجية بالبلاد النامية بلغت بليون دولار عام 1975 و سترتفع إلى 6 بلايين دولار سنة 1985. علما أن هذا التقدير لا يضم التكاليف الملحقة و غير المباشرة و المستترة و التي تتراوح ما بين 6 و 12 بليون سنويا و هو ما يعادل ما بين 2% من الدخل القومي للبلاد النامية(2).
و يمكن حصر السمة الاحتكارية للتكنولوجية في العلاقات التجارية في:
* تبعية أغلبية الدول النامية للسوق الرأسمالي في تجارة السلع و الخدمات التكنولوجية.
* السيطرة الكاملة للشركات المتعددة الجنسيات في السوق الدولي للتكنولوجية و من تم التحكم في أسعارها.
__________
(1) م. عبد الشفيع: العالم الثالث و التحدي التكنولوجي الغربي، مرجع سابق .ص243.
(2) نفس المرجع ص266(1/60)
إن كل هذه الأوضاع الاقتصادية العالمية و مؤشرات تطورها و خاصة التغيرات في أسعار السلع الأساسية و زيادة معدل البطالة و هبوط معدلات النمو و التقلبات الحادة في أسعار الصرف و هبوط معدلات نمو الصادرات و معدلات التبادل التجاري و ارتفاع فاتورة الواردات، و بالخصوص الغذائية و التكنولوجية منها، أدت إلى تدهور أو عجز موازين المدفوعات الجارية للبلاد النامية و التي رأت الفائض في موازين مدفوعاتها المقدر بـ 36.7 مليار دولار سنة 1980 يتحول يتحول إلى عجز قدر بـ 77.5 مليار دولار. سنة 1982 و 45.6 مليار دولار سنة 1986، رغم أنه انخفض إلى 13.0 دولار سنة 1988. و يرجع الجزء الأكبر في هذا العجز لأعباء المديونية و مشاكل تسييرها التي تعاني منها الدول النامية.
2-3-تطور المديونية و التبعية المالية:
تعود الجذور الحقيقية لازمة المديونية لأواخر الخمسينات حينما انتهت فترة الازدهار بعد إعادة بناء العالم الأوروبي الذي حطمته الحرب العالمية الثانية و ما جاء من بعدها من تراخ في الطلب على صادرات الدول النامية، من المواد الأولية و ارتفاع أسعار وإراداتها و تدهور شروط تبادلها التجاري. الأمر الذي أدى إلى اتساع العجز في موازين مدفوعاتها.(1/61)
و تجدر الإشارة إلى أنه في السبعينات مع الاستقلال السياسي لمجموعة كبيرة من دول العالم الثالث ساد شعار التصنيع و التنمية و رفع مستويات المعيشة في البلاد النامية. و قد استطاعت هذه الدول في البداية أن تتحكم في المشروعات الاستثمارية و أن ترفع من قدراتها التحويلية الذاتية عن طريق تعبئة الموارد المحلية و الرقابة على ثرواتها الوطنية. إلا أنه مع ازدياد طموحات هذه الدول في التنمية بدون دراسة دقيقة و علمية الاختيارات التي طبقتها لتحقيق هذا الهدف، و محافظة الرأسمالية العالمية على أهم مواقعها بهذه البلاد، بقيت هذه الأخيرة مع استثناء بعض التغيرات الطفيفة تحتل نفس الموقع في التقسيم الدولي للعمل و ذلك بتخصيصها دائما في إنتاج و تصدير المواد الأولية مقابل استيرادها للسلع الاستهلاكية و المصنعة من الدول الرأسمالية.
و هكذا بقيت الأسس الموضوعية لعلاقات الاستغلال و التبعية بدون تغيير، و هي العلاقات التي أفرزت التبادل اللامتكافئ الناتج عن تدهور شروط التبادل التجاري في المدى الطويل لغير صالح الدول النامية الشيء الذي أدى إلى إضعاف القدرة الذاتية لهذه البلاد على تمويل مشروعاتها الاستثمارية بسبب النزيف الكبير لفائضها الاقتصادي إلى الخارج.
و لا يجوز أن ننسى كذلك أن هذه البلاد لم تتمكن من الحصول على المعونات والقروض التي كانت تتطلبها مشاريعها الاستثمارية الصناعية بسبب الموقع الضعيف واللامتكافئ لهذه البلدان في العلاقات الاقتصادية الدولية و بالخصوص موقعها في المنظمات التجارية و المالية الدولية.(1/62)
و مهما يكن، فإن هذه الدول استطاعت أن تتحكم في تسيير مديونيتها خلال عقدي الخمسينات و الستينات، بحيث لم تكن أعباء خدمتها ( الفوائد + الأقساط) تسبب حرجا شديدا لها، و لم تكن تتجاوز هذه الديون 75 مليون دولار في الستينات. و ذلك يرجع أولا إلى الاستقرار النسبي للنظام الاقتصادي العالمي و ثانيا إلى استطاعة هذه البلدان على مواجهة خدمة الديون و إدارة عجز موازين مدفوعاتها من خلال التحكم في الرقابة على الصرف و في قطاع التجارة الخارجية.
بيد أن هذه الأساليب سرعان ما فقدت فاعليتها منذ بداية السبعينات حينما بدأت الفوضى تعم نظام النقد الدولي و حينما خيم الكساء الاقتصادي على الدول الرأسمالية الصناعية(1).
فهذه السمات الجديدة، كما رأينا سابقا، التي رسمت الملامح الأساسية لصورة الاقتصاد الرأسمالي في عقد السبعينات، أثرت بشكل شديد على حالة البلاد المتخلفة و دفعت ديونها الخارجية إلى تطور مفزع لا مثيل له في العلاقات النقدية الدولية.
و الواقع أنه خلال النصف الثاني من السبعينات و إلى أوائل الثمانيات كانت إمكانية القروض متوفرة و إن كانت شروطها صعبة. فكانت الأسواق العالمية النقدية، خاصة قصيرة الأجل، تسمح بتلبية حاجيات البلاد المتخلفة من الاقتراض المتزايد بسبب الإفراط الشديد في السيولة الذي أصاب هذه الأسواق من جراء ما راكمته من رؤوس أموال في سوق الأورو – دولار، استطاعتها في إدارتها تدوير الفوائض النفطية بعد الصدمة البترولية الأولى.
و ساعد أيضا على هذا، طبيعة التشكيلات الاقتصادية و الاجتماعية السائدة في البلاد النامية و التي جعلتها تفضل اللجوء إلى الاقتراض الخارجي كمخرج رئيسي للعجز في موازينها الجارية و التخفيف من أمتها الاقتصادية.
__________
(1) رمزي زكي: التاريخ النقدي للتخلف: سلسلة العالم العربي. الكويت 1987. ص 307.(1/63)
كما أن سهولة الحصول على الموارد المالية في ظل هستيريا الإقراض العالمي شجعت المسئولين في البلاد النامية على تشجيع الواردات و خاصة تلك الخاصة بالاستهلاك الترفي، عدم تطبيق سياسات اقتصادية ناجعة تواجه بها العجز في مواردها المالية. كما أوهمت هذه والقروض هؤلاء الحكام بإمكانية مواصلة التنمية بدون الوقوع في مشكلة السداد في المديين القريب و المتوسط remboursement a court et moyen termes و على العموم فإن المديونية الخارجية للبلاد النامية عرفت تطورا سريعا في أحجامها و خاصة منذ النصف الثاني من عقد السبعينات و الجدول رقم 18 يوضح هذا التطور.
الجدول رقم18:
تطور ديون البلاد النامية ببلايين الدولارات
مجموع الدول النامية ... 1955 ... 1970 ... 1975 ... 1981 ... 1983 ... 1985
6
المصدر: رمزي زكي، التاريخ النقدي للتخلف مرجع سابق. ص 313.
يتضح من الأرقام الواردة في الجدول أن الديون الخارجية ارتفعت بشكل خطير خلال فترة 1975/1985، بحيث انتقل حجمها من 180 بليون دولار سنة 1975 إلى 970 بليون دولار سنة 1985 أي بمعدل نمو في المتوسط يقارب 540%، و هذا مع استبعاد الديون العسكرية.
إن هذا النمو السريع في حجم المديونة للعالم الثالث أدى إلى تخفيض القدرة الاستثمارية لهذه البلاد نتيجة النسب المرتفعة التي بدأت تخصصها هذه الدول من مواردها الاستثمارية لخدمة ديونها. و المؤشرات الواردة في الجدول رقم 19 للمديونية الخارجية للبلدان النامية تبين مدى تأثير هذا الوضع على عملية التنمية بهذه البلاد.
الجدول رقم19:
مؤشرات المديونية الخارجية للبلاد النامية (%)
المديونية/الإنتاج الوطني الخام ... 1980 ... 1981 ... 1982 ... 1983 ... 1984 ... 1985 ... 1986
المديونية / الصادرات
معدل خدمة الدين
م.خ.د / أ.و.خ(1)
الفوائد/ الصادرات
المستحقات العامة للمديونية$
الدين العام / المديونية العامة
20.6 ... 22.4 ... 26.3 ... 3.4 ... 30.0 ... 35.8 ... 35.4
__________
(1) م.خ.د = معدل خدمة الدين أ.و.ج = الإنتاج الوطني الخام.(1/64)
90.0 ... 98.0 ... 117.6 ... 134.08 ... 121.2 ... 143.7 ... 144.5
16 ... 17.5 ... 20.6 ... 19.4 ... 19.5 ... 21.4 ... 22.3
3.7 ... 4.0 ... 4.6 ... 4.5 ... 4.9 ... 5.3 ... 5.5
6.9 ... 8.3 ... 10.4 ... 10.1 ... 10.3 ... 10.8 ... 10.7
428.6$ ... 490.8 ... 551.1 ... 631.5 ... 673.2 ... 727.7 ... 753.4
63.6 ... 64.5 ... 65.0 ... 65.8 ... 65.7 ... 63.9 ... 63.5
Source: M/Beaud: économie mondiale dans les années 80. op cit page 225.
يظهر من خلال هذه المؤشرات ما يلي:
- ارتفاع نسبة المديونية إلى الإنتاج الوطني الخام من 20% سنة 1980 إلى 35.4% سنة 1986.
- ارتفاع نسبة الفوائد إلى الصادرات من 6.9% سنة 1980 إلى 10.8% سنة 1985 و بلغت 10.7% سنة 1986.
و قد ترتب عن هذا الارتفاع في مؤشرات المديونية للدول النامية تحويل جزءا كبيرا من فائضها الاقتصادي للخارج مع تخصيص كل موارد صادراتها المالية تقريبا إلى خدمة أعباء الديون عوض استعمالها في خدمة تنميتها من 90% سنة 1980. إلى 144.5% سنة 1986، الأمر الذي يضعف من القدرة الذاتية لهذه البلاد على تلبية احتياجاتها الاستيرادية من السلع الاستهلاكية و الاستثمارية، لاسيما إذا رفنا أن ارتفاع نسبة المكون الأجنبي في البرامج الاستثمارية لبعض البلدان النامية شكل عائقا كبيرا في تنفيذ جانب كبير من هذه البرامج كما يوضحه الجدول رقم 20 بخصوص بعض الأقطار العربية المدينة.
الجدول رقم20:
ارتفاع نسبة المكون الأجنبي في البرامج الاستثمارية
في بعض الأقطار العربية المدينة
القطر ... الواردات الاستثمارية إلى إجمالي الواردات ... قيمة الواردات الإجمالية بملايين الدولارات ... حجم الاستثمار بملايين الدولارات ... نسبة المكون الأجنبي للاستثمار
الأردن 1981 ... 32.50 ... .5 ... .6 ... 41
تونس 1981 ... 27.71 ... 1024.6 ... 2480.7 ... 93
الجزائر 1980 ... 36.86 ... 3879.3 ... 4192.0 ... 32
السودان 1981 ... 22.00 ... 334.1 ... 1039.5 ... 29
سوريا 1980 ... 22.92 ... 761.9 ... 2597.4 ... 60
السومال 1980 ... 35.26 ... 122.7 ... 202.9 ... 28
العراق 1978 ... 53.65 ... 2060.1 ... 7963.0 ... 35
مصر 1981 ... 28.61 ... 2479.6 ... 7071.6 ... 25
المغرب 1981 ... 18.35 ... 806.5 ... 3273.4 ... 27(1/65)
موريتانيا1985 ... 35.00 ... 57.8 ... 212.1 ... 48
اليمن الغربية1981 ... 27.73 ... 513.8 ... 513.8
المصدر: رمزي زكي: الاقتصاد العربي تحت الحصار: مركز الدراسات العربية: بيروت 1989 الطبعة الأولى. ص. 156.
إذا ألقينا نظرة سريعة على الأرقام الواردة في الجدول يتبين لنا مدى عظم التأثير الذي مارسه أضعاف القدرة على الاستيراد في تأخير و تأجيل و إلغاء جزء كبير من البرامج الاستثمارية في الأقطار العربية المدينة، و ذلك نتيجة ارتفاع نسبة المكون الأجنبي للاستثمار.
ففي الجزائر نجد أن تلك النسبة تصل إلى 93%، الصومال إلى حوالي 60% و الأردن 56% إلى آخره، و يعود ارتفاع هذه النسبة إلى تخلف أو انعدام قاعدة صناعية لوسائل الإنتاج المنتجة Moyens de production productifs، الأمر الذي أدى إلى الاعتماد على الخارج في هذا المجال.
إن الضغط الذي باشرته مدفوعات خدمة الدين الخارجي على النقد الأجنبي المتاح لتمويل الواردات الاستثمارية، أدى إلى تخفيض معدلات الاستثمار القومي فيها، و هذا يفسر لنا ضمن عوامل أخرى، سر الارتخاء الذي حدث في معدلات النمو الاقتصادي في هذه الأقطار خلال حقبة الثمانينات.
و ينبغي الإشارة إلى أن أباء الديون لدول العالم النامي أصبحت تنمو بمعدلات أكبر من حجم الديون نفسها. و هذا يعني أن هذه الأعباء أصبحت تلتهم الجزء الأكبر من القروض السنوية الجديدة.و في بعض البلاد أصبحت أعباء الديون (الأقساط + الفوائد) أكبر من القروض السنوية لهذه البلاد و الجدول رقم 21 بين المبالغ المتوقعة لخدمة الديون الخارجية الطويلة الأجل لبعض الأقطار العربية للفترة 1988-1993.
الجدول رقم21.
مبالغ لخدمة الديون الخارجية الطويلة
الأجل بملايين الدولارات
البلد ... 1990 ... 1991
الأردن ... 633.2 ... .8 ... .7 ... .4 ... .5 ... .8
الجزائر ... 3660.8 ... 3060.3 ... 2219.4 ... 1475.4 ... 1090.1 ... 839.9
تونس ... 901.2 ... 870.6 ... 893.6 ... 778.6 ... 353.9 ... 571.6
مصر ... 2021.2 ... 1836.4 ... 1540.5 ... 1353.4 ... 1167.1 ... 1053.1(1/66)
المغرب ... 2063.4 ... 1862.1 ... 1601.8 ... 1433.8 ... 971.2 ... 789.0
المصدر: رمزي زكي: الاقتصاد العربي تحت الحصار، مرجع سابق ص 263.
يتبين من هذا الجدول الحرج الذي بدأ يسببه حلول ميعاد سداد القروض التي كانت هذه الدول قد اقترضتها في السبعينات، في الوقت التي تتعرض فيه مواردها من العملة الصعبة للانكماش الشديد، الأمر الذي دفع بهذه الدول خلال الثمانينات لمواجهة الأزمة إلى الضغط على الواردات و السحب من الاحتياطات الدولية. بيد أنه من المعلوم أن هذه الإجراءات لها حدود لا يجوز تخطيها و إلا تعرضت البلد إلى أزمات اقتصادية اجتماعية و سياسية أكثر حدة.
و قد يترتب عن التباين في نمو عبئ الديون و النمو في حجم الصادرات أزمة الاحتياطات النقدية الأجنبية للبلاد مع تدهور سريع لأسعار الصرف للعملة الوطنية فيها. أدى هذا الوضع بالعديد من الدول النامية إلى التوقف على تسديد مستحقاتها من الديون، الأمر الذي جعل تفقد الائتمانية لدى الأسواق المالية الدولية. مما صعب الحصول على قروض جديدة تخفف عنها مشاكل التموين الضروري.
فعدم حل مشكلة الديون بطريقة تراعي مصلحة كل الأطراف المعنية ( الدائنة والمدينة) يبقى من أهم العقبات التي تعيق نمو التجارة الدولية بين الدول المتقدمة و الدول النامية، بحيث أصبح الجزء الكبير من عائدات الدول النامية من العملات النقدية الأجنبية يخصص لأعباء الديون.
و في هذا الصدد تشير التقارير الاقتصادية الدولية إلى أن منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي حولت ما يعادل 120 مليار دولار من رؤوس أموال صافية خلال فترة 1982/1986. و في نفس الفترة انتقلت 65 مليار دولار من العالم الثالث إلى البلدان المتقدمة بسبب انخفاض أسعار السلع الأساسية(1).
و الجدول رقم 22 يوضح مدفوعات المخصصة لخدمة الدين للدول النامية.
الجدول رقم22:
المدفوعات لخدمة أعباء الديون الدول النامية
__________
(1) مجلة التنمية الصناعية: مرجع سابق . ص 106.(1/67)
خلال فترة 1986/1990- ببلايين الدولارات.
إجمالي الأعباء ... 1986 ... 1987 ... 1988 ... 1989 ... 1990
المقرضين الرسميين
المقرضين الخواص
81 ... 26 ... 25 ... 24 ... 23
27 ... 51 ... 39 ... 29 ... 17
54
المصدر: رمزي زكي: التاريخ النقدي للتخلف. ص 325.
لقد خلقت هذه الأعباء المرتفعة للمديونية صعوبات كبيرة للدول النامية، خاصة تلك التي لم تستطيع تسديد مستحقاتها في أوقاتها المحددة، في الحصول على قروض جديدة تستعملها في إنعاش اقتصادياتها التي أصبحت تعاني انكماشا مستمرا. وصلت هذه الصعوبات درجة الانفجار سنة 1982 عندما أعلنت بعض دول أمريكا اللاتينية توقفها عن تسديد مستحقاتها, الأمر الذي أدى إلى انخفاض محسوس في الائتمان المصرفي الدولي الذي يشكل المصدر الرئيسي للسيولة الخارجية المقترضة للبلاد النامية.
ترتب عن حصار المديونية المضروب على البلاد النامية سقوط هذه الأخيرة في فخ إعادة الجدولة للديون. و تعني إعادة جدولة الديون إقرار الدول المدينة بأنها عاجزة على تسيير أمورها لوحدها و بالتالي تسمح لتدخل سلطات الدول و البنوك المقرضة لفرض شروطها المجحفة على هذه البلاد.
و الاتفاق على إعادة الجدولة ينص على أنه يجب على البلد المدين التقيد بجملة من السياسات و التوجهات الاقتصادية و الاجتماعية، و تكون هذه السياسات على شكل تعهد في " خطاب النوايا" Message d'intention. المتبادل بين البلد المعني و صندوق النقد الدولي ويخص الإنفاق العام و السياسة الاستثمارية و التجارية الخارجية.
و بالأهمية بمكان أن نشير إلى أهم ملامح اقتراحات الصندوق في مجال التجارة الخارجية: و تكون مطالب الصندوق في هذا المجال كما يلي:
1- تخفيض القيمة الخارجية للعملة الوطنية:Dévaluation يعني هذا هبوط سعر الصرف الرسمي إلى مستوى يقترب من سعر الصرف في السوق السوداء و إلغاء التعدد في أسعار الصرف، و ذلك من خلال تعويم السعر أو إقامة ما يسمى بالسوق التجارية للنقد الأجنبي.(1/68)
2- إلغاء الرقابة على الصرف و تحرير التعامل في النقد الأجنبي من القيود المفروضة على المدفوعات الخارجية، و إباحة حيازة النقد الأجنبي للأفراد و الهيئات خارج القطاع العام و إقرار حق التعامل فيه و إباحة خروج و دخول النقد الأجنبي.
3- إلغاء اتفاقيات التجارة و الدفع الثنائية، و الاتجاه تدريجيا نحو نظام متعدد الأطراف للمدفوعات الخارجية.
4- إلغاء القيود المفروضة على الواردات و السماح للقطاع الخاص بالإستراد و إلغاء التنظيمات و الإجراءات التي كانت تطبق لتشجيع الصادرات.
و تعني هذه المطالب فرض نمط التجارة الحرة على البلد المدين بدعوى ضرورة الانفتاح و المنافسة الأجنبية و محاربة الاحتكار في الداخل.
و السؤال المطروح هو: هل هذه الشروط تتماشى و وضع هذه البلاد، و هل هي قادرة على حل المشاكل المختلفة التي تعرفها في طل نظام اقتصادي عالمي تسوده علاقة الهيمنة- التبعية بين الشمال و الجنوب، يرجع به الحنين nostalgie إلى روح المركانتيلية mercantiliste.
و هذا لا يعني أن العائق الوحيد أمام التنمية بهذه البلاد هو العامل الخارجي، بل لا ننكر الآثار السلبية للسياسات الاقتصادية التي انتهجتها هذه البلاد المدينة في ضوء طبيعة التشكيلات الاجتماعية و الاقتصادية السائدة. و نرى أن العوامل الخارجية لعبت دورا مهما في الأزمة التي تعيشها الدول النامية بفضل عدم استطاعته هذه الأخيرة التأثير أو التحكم فيها نتيجة موقعها الضعيف في العلاقات الاقتصادية الدولية.
يستخلص مما سبق أن عقد الثمانينات عرف أزمة اقتصادية عالمية لم يسبق لها مثيل. هذه الأزمة أدت إلى نكسة عملية التنمية بالبلاد الأمية. و كان لتردي البيئة الاقتصادية الخارجية مسؤولية كبيرة ف هذه الوضعية و ما نتج عنها من تدهور في مجالي التجارة و التمويل الخارجي.(1/69)
و قد فرضت هذه الأزمة تكاليف ضخمة على البلاد الأمية مما أدى إلى تفاقم مديونيتها و انهيار تنميتها، الأمر الذي جعلها تخضع للشروط القاسية و التدخلات السياسية و الاقتصادية في شؤونها الداخلية من المنظمات و الهيئات الدولية المالية و التجارية.
و السؤال المطروح هو: هل لازال هامش للمناورة لهذه البلاد في ظل النظام الاقتصادي العالمي الراهن للخروج من هذه الدائرة المفرغة؟
نشير في البداية، أن وصفة صندوق النقد الدولي غير مجدية في الكثير من الحالات، لأن التبادل الحر الذي يشكل الهمود الفقري لهذه الوصفة لا يجدي مع نظام اقتصادي عالمي غير متكافئ بل قد يزيد من تحطيم اقتصاديات البلاد الضعيفة.
أما التصور الداعي للانغلاق و الحمائية المشددة فيبقى و هم في ظل الاتجاهات الراهنة (شمولية الاقتصاد الدولي) للاقتصاد الدولي، رغم أنه وسيلة لحمائية بعض الصناعات الناشئة..
لهذا ينبغي على الدول المتقدمة أن تأخذ بعين الاعتبار الترابط الاقتصادي العالمي وتعتبر أن مشاكل العالم النامي جزء لا يتجزأ من المشاكل العالمية. و بدون شك أن انتعاش التنمية بالبلاد النامية سيساعد على نحو فعال في إنعاش الاقتصاد العالمي وبالتالي في حل المشاكل الاقتصادية الدولية.
المبحث الثالث:
العولمة في ظل النظام العالمي الجديد.(1/70)
تمثل المرحلة التاريخية الراهنة و على أعقاب الألفية الثالثة منعطفا حاسما في حركة مسيرة النظام العالمي الجديد، الأمر الذي يحتم على دول العالم و تكتلاته الإقليمية اتخاذ قرارات جماعية و فردية صعبة و جزئية و غير مسبوقة أحيانا من أجل مواجهة متطلبات و آليات العمل الخاصة بهذه الحقبة المعقدة و المتداخلة. و تستدعي عملية الولوج في القرن الحادي و العشرين مواجهة أنماط جديدة و مستحدثة من التحديات و المستجدات، خاصة خلال الفترة الانتقالية الأولى منها، انطلاقا من رؤى مغايرة و فلسفات أكثر شفافية عن تلك التي هيمنت على أنماط التفاعل الدولي و هيكله التنظيمي إبان القرن المنصرم.
3-1 سمات العولمة.
لما كانت جملة من الملامح و التطورات الجديدة التي طرأت على طبيعة و هيكلة النظام العالمي قد اتضحت معالمها بدءا بسقوط المنظومة الشيوعية و اندلاع حرب الخليج الثانية مع مطلع التسعينات في القرن السابق. و ما تلا ذلك من نهضة عارمة في نظم الاتصال و المعلومات و بروز قوى لتكتلات اقتصادية عملاقة، فقد بات من الضروري على أية دولة في هذا المحيط المتلاطم بأمواج التحدي المتنوعة التكيف مع إرهاصات هذا الواقع الجديد و ذلك من خلال وقفة جادة مع الذات لمراجعة و تقييم جميع الفرص المتاحة أمامها و كذلك القيود المفروضة عليها لاجتياز هذه المرحلة بأكبر نجاح ممكن، سواء من خلال إمكاناتها الفردية أو عبر التنسيق و التعاون مع الدوائر الإقليمية و العالمية المحيطة بها.(1/71)
و في ظل هذه الظروف التي تشهد سلسلة متواصلة من التغييرات الكبيرة على مختلف الأصعدة محليا و إقليميا و عالميا وسط حيز مكاني و جغرافي آخذ في الانكماش و التقارب، و الذي استقطب أيضا تعريفات جديدة كالعولمة أو الكوكبة، تواجه منطقة الخليج تحديات وصعوبات حقيقية تحتم على دولها منفردة و مجتمعة المبادرة الفورية إلى صياغة مسارات جديدة تتفق مع طموحاتها و تطلعات شعوبها من جهة، و مع إمكانياتها ودورها الارتكازي في سيناريوهات محتملة لطبيعة و هيكلية النظام العالمي من جهة أخرى(1).
إن الدول مطالبة، اختيارا أو قسرا، خلال فترة التحول التاريخي إلى الألفية الثالثة، بتحديد الدروس المستفادة من انحيازاتها السابقة و كذلك الإخفاقات التي اعترت مسيرتها التنموية محليا، و خطواتها نحو تفعيل و ترجمة حلم التكامل الاقتصادي إقليميا كخيار لا يقبل المساومة أو التسويق في مواجهة تحديات العولمة القادمة بقوة و إصرار، و الدوران في فلك النظام العالمي الجديد بثبات و ثقة و اقتدار.
__________
(1) عبد الله إسماعيل صبري: الكوكبة الرأسمالية العالمية, المستقبل العربي ( 222) 1998 ص 4.(1/72)
و لرصد الآثار الناجمة عن التحويلات المثيرة التي تشهدها المنظومة العالمية منذ العقد الأخير في القرن العشرين و أطرادها مع مطلع الألفية الجديدة، خصوصا في البعد الاقتصادي، على إقليم الخليج، لا بد من شرح أبرز ملامح ظاهرة العولمة و تفسيراتها العلمية و النمطية و الأركان التي تقوم عليها إضافة إلى أهم آليات عملها في الوقت الراهن و تعود بدايات استخدام مصطلح العولمة إلى عقد السبعينات من القرن العشرين، وتحديدا في عام 1970 عندما أصدر مارشال مال لو هان كتابه المعنون "حرب في القرية الكونية"، تبعه كتاب زنبينو بريزنسكي، مستشار مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، بعنوان "أمريكا والعصر الالكتروني". فقد بين الكاتبان الاتجاه الذي بدأ يفرض نفسه على صعيد العلاقات الدولية فيما يتعلق بالتأثير المتبادل بين مختلف دول العالم بفضل تقدم وسائل التكنولوجيا والمواصلات(1).
__________
(1) عتريس طلال . " المناظرة حول العولمة" شؤون الأوسط (71) 1998. ص 4.(1/73)
و ما لبثت مفاهيم العولمة و ملامحها الأولية تغزو المحافل الدولية في منتصف السبعينات من خلال الحديث الذي قاده معسكر دول العالم الثالث عن النظام الاقتصادي العالمي الجديد، و على مدى عقد كامل افتتحت الدول النامية الدورة الاستثنائية السادسة للجمعية العامة للأمم المتحدة في مايو 1974 ملف بوقايتها من آثار العملقة الاقتصادية العالمية التي يقودها العالم الصناعي و ذلك عن طريق تعزيز سيادة الدول على مصادر ثرواتها الطبيعية و الاهتمام أكثر بالدول النامية عبر دعم و مساندة مسيرتها التنموية والعمل على تنظيم التجارة الدولية و إصلاح النظام النقدي العالمي بما يحقق أكبر قدر من العدالة لصالح دول العالم الثالث. و استمرت هذه المطالب بكثافة عبر منابر دولية أخرى مثل المؤتمر الوزاري الدولي لدول دعم الانحياز الذي عقد في ليما 1975، و مؤتمر القمة الأول لدول الأوبك في الجزائر، و مؤتمر داكار حول المواد الأولية في مارس 1975 ثم الدورة الاستثنائية للأمم المتحدة في سبتمبر 1975، و أخيرا مؤتمر الأمم المتحدة الرابع للتجارة و التنمية في مايو 1976 (1)
3-2 تنامي ظاهرة العولمة.
لقد ساهم تردي الأوضاع الاقتصادية خلال عقد الثمانينات في التشكيك في قدرة النظام الاقتصادي العالمي على تحقيق النمو المستمر الأمر الذي أضعف وثيرة العولمة.
__________
(1) العيسى ، نجيب. صيرورة مقولة النظام الاقتصادي الدولي الجديد. شؤون الأوسط، (12) 1992- ص 6.(1/74)
و مع بداية عقد التسعينات بدأ الحديث من جديد عن بروز نظام عالمي جديد الذي واكب تغييرات جذرية على مستوى معادلات القوة العالمية و إخفاء أكبر معسكر سياسي إيديولوجي اقتصادي في العالم متمثلا في الإمبراطورية الشيوعية، و ظهور الولايات المتحدة كقوة عظمى منفردة على هرم المنظومة الدولية، إضافة إلى تلاطم أمواج الديمقراطية على العديد من شواطئ العالم الثالث كما تزامن مع هذه التغييرات السياسية ثورة هائلة في نظم الاتصال و المعلومات و حركة عالمية مندفعة بقوة في مجال تحرير جميع هذه التغييرات لظهور مفاهيم و مسميات معاصرة طبيعة و أنماط التفاعل داخل نظام عالمي و بين العناصر التقليدية الذي يتألف منها هذا النظام.
و ليس من المستغرب أن تكون المصطلحات الجديدة مثل "العولمة " أو " الكوكبة" أو "الأقلمة" أو "القرية الصغيرة مختزلة و مختصرة في كلمة واحدة كتعبير عن حجم الاختزال والتقارب الكبير الذي أخذ يربط كل ما على الكرة الأرضية دولا كانت أم تنظيمات إقليمية وعالمية، شركات أم أفراد و جماعات(1).
3-3 مفهوم العولمة.
__________
(1) عبد الله إسماعيل: الكوكبة الرأسمالية العالمية، مرجع سابق ص 8.(1/75)
و قد يكون من الصعوبة بمكان حصر تعريفات العولمة و تفسيراتها، إذ أنها عمليا ظاهرة مستمرة تكشف كل يوم عن وجه جديد من وجوهها المتعددة. و لكن هذا الغموض الذي يكتنف جوهر العولمة و تفاصيلها الدقيقة لم يمنع أدبيات هذا المفهوم من تحديد الخطوط الرئيسية و أهم الملامح المرتبطة بهذا الاصطلاح. و في هذا الصدد تعتبر العولمة نتيجة طبيعية ناجمة عن التطورات الدافعة بقوة نحو قيام نظام جديد تتغير تبعا لها الخصائص و الوظائف التي يقوم عليها هذا النظام. و تبعا لهذا التعريف فإن العولمة تعنى تغيير الاتجاه الذي يسير إليه العالم من المحافظة على النظام و الأمن عبر التنظيمات و الأحلاف العسكرية إلى مهمة تحقيق الرفاه العالمي و نقل الثقافة في إطار التكامل الدولي و هيمنة القيم العالمية النمطية على الشعوب. أما من الناحية الهيكلية، فيمكن أن يشار إلى العولمة بأنها النظام الذي يتراجع في ظله دور الدولة القومية و تنكمش فيها سلطة السيادة و الغلبة في مواجهة قدرات الأفراد في مقابل تنامي دور القطاعات و الشبكات الفردية الخاصة و المسجلة بقوة المعلومات و تقنية الاتصالات و العاملة في إطار منظمات غير حكومية عابرة للقارات(1).
و يعتبر سيمون رايش Simon Riech العولمة بمثابة ملتقى لسلسة من الظواهر الاقتصادية المتصلة في جوهرها. و تشمل هذه الظواهر تحرير الأسواق و رفع القيود عنها، و خصخصة الأصول، و تراجع وظائف الدولة (خاصة ما يتعلق بالرفاهية الاجتماعية)، و انتشار التقنية، و توزيع الإنتاج التصنيعي عبر الحدود (من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر)، و تكامل أسواق رأس المال (2).
__________
(1) ع.م. عبد الحميد: النظام الاقتصادي العالمي: مكتبة النهضة العصرية. القاهرة 1998 ص 25.
(2) ر. هيجوت: العولمة و الأقلمة. سلسلة محاضرات الإمارات (25) مركز، الدراسات و البحوث الإستراتيجية. أبو ظبي 1998. ص 6.(1/76)
و يضيف فرانسيسكو فوكوياما Francis Fukuyama بعدا ثقافيا و إيديولوجيا لمفهوم العولمة معتبرا أياما وسيلة لهيمنة القيم الأمريكية على العالم، و في هذا الصدد، يعتبر فوكوياما العولمة نتاجا للمعركة الإيديولوجية التي سادت العالم، سيما خلال القرن العشرين، و التي تمخضت عن انتصار الحداثة و الديمقراطية. و بالتالي، فإن النظام العالمي الجديد هو الإطار الهيكلي الذي يكفل انتشار الفكر الغربي الليبرالي و التقنية الغربية.
و يضع ريتشلرد هيجوت Richard Higgot تعريفا أكثر شمولية لظاهرة العولمة التي يعتبرها حقبة زمنية مؤقتة تصف سياقا تاريخيا تقع في إطاره جملة من الأحداث. ويصف هيجوت العولمة بأنها ثورة تقنية اجتماعية تحمل في طياتها مجموعة جديدة من الأنشطة التي تقود إلى تحول حاسم من الرأسمالية الصناعية إلى مفهوم العلاقات الاقتصادية لما بعد المرحلة الصناعية. و في ظل هذا النشاط فإن العلاقات الاقتصادية العالمية سوف تستقر في نهاية المطاف على قيام سوق عالمية واحدة تعتمد في آلية عملها على الترابط التقني المتلازم عبر الحدود الوطنية و سيادة الاقتصاد عبر الشبكات وتقودها النخبة التكنو صناعية في العالم(1).
انطلاقا من مجموعة التعريفات السابقة يمكن القول بأن العناصر الأساسية لظاهرة العولمة تتمحور حول الازدياد المطرد في العلاقات المتبادلة بين الأمم سواء في تبادل السلع و الخدمات أو فيما يتعلق بانتقال رؤوس الأموال أو في انتشار المعلومات و الأفكار و الثقافات، و ما تحمله كل هذه التفاعلات من إمكانية التأثير المتبادل بين الأمم و الشعوب بقيم و عادات و سلوكيات بعضها البعض.
__________
(1) ر. هيجوت. العولمة و الأقلمة: مرجع سابق ص 8.(1/77)
فمما سبق يمكن اختصار المدى الأبعد لمفهوم العولمة بالاندماج الكلي لأسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة و انتقال الأموال و الأيدي العاملة والثقافات و من ثم خضوع العالم برمته لقوة و ميكانيكية سوق عالمية واحدة تخترق الحدود القومية و تضعف سيادة الدولة القومية على مواردها و أولوياتها و رعاياها.
يبدو جليا إذن أن البعد الاقتصادي هو الجانب الأهم و الأخطر على الإطلاق في مفاهيم العولمة و تطبيقاتها الجديدة رغم تنوعها و تفاوت تعريفها. من المرجح جدا أن تلعب اقتصاديات العولمة الدور الأكبر في رسم معالم العلاقات الدولية خلال الحقبة الأولى من الألفية الثالثة على أقل التقديرات. و بناء على ذلك يمكن تحديد تضاريس خارطة العولمة الاقتصادية من خلال زاويتين رئيسيتين هما الشكل الهرمي للنظام الاقتصادي العالمي بحيث تقف أمريكا على رأس الهرم ثم تليها أوروبا ثم اليابان.أما إدارة الاقتصاد العالمي أصبحت تتحكم فيها الثالوث الاقتصادي العالمي و التكتلات الاقتصادية العالمية العملاقة.
الفصل الثالث:
العولمة الاقتصادية: معالم آليات و أدوات.
العولمة هو مفهوم يقصد به و بصرف النظر عن تعريفاته المتعددة، وصف خصائص المرحلة الراهنة من مراحل تطور العلاقات الدولية و ليس طرح نظرية جديدة أو منظور جديد لفهم آليات هذا التطور، و هي مفهوم مركب يعني أساسا بدراسة طبيعة التطورات التي طرأت عن العلاقات الدولية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والسياسية في المرحلة الراهنة و أثر ذلك على اتجاهات هذا التطور في المستقبل.(1/78)
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في سنة 1989 و سقوط حائط برلين. بدأت تتضح معالم مرحلة جديدة للنظام الاقتصادي العالمي دفعت بالباحثين خلال عقد التسعينات بالتخلي عن استخدام مفهوم النظام الذي ينطوي بالضرورة على آليات و قواعد واضحة و محددة. يهتم بدراسة التغيرات في العلاقات بين داخل أطرافه، لصالح مفهوم العولمة الذي يبدو أكثر حيادية في ظاهرة و أكثر غموضا في الوقت نفسه. غير أن هذا الحياد لا يخفي البعد الهيمني الكامن فيه و الذي يهدد الدول التي ترفضه بالزوال و الانقراض.
و هكذا بدأت تظهر مند إعلان الرئيس بوش في خطابه أمام الكونجرس الأمريكي في مارس 1991 أن حرب الخليج كانت المحك الأول لقيام نظام عالمي جديد يوصف بالعولمة لا زال في طور التكوين و التشكيل وقد تحدد معالمه وآلياته و أبعاده و مركزه وأطرافه في السنوات المقبلة.
المبحث الأول:
المعالم و الاتجاهات.
عرفت المرحلة الراهنة مجموعة من التغيرات الجذرية في النظام العالمي عموما و النظام الاقتصادي العالمي خصوصا، تنبأ عن بداية قيام نظام اقتصادي معولم يتميز بمعالم و اتجاهات تختلف عن تلك السائدة من قبل.
1-1 - الاتجاهات العامة للعولمة.
أصبح العالم يتحكم به اتجاهان مترابطان و إن كانا منفصلين، هما: العولمة والتحرير الاقتصادي. و هذان الاتجاهان ماضيان في تبديل الظروف، و تشكيل السلوك الاقتصادي ، على مستوى الأعمال، و التجارة في العالم و عبره، وأصبحا أكثر التصاقا و تأثيرا بمسارات الاقتصاد الوطني و الإقليمي و العالمي بحيث أصبح نجاح و تقدم الدول و التكتلات يقاس، بل و يرتبط بمدى المشاركة أو الانخراط بمسارات هذين الاتجاهين.(1/79)
أولا: لا بد من الإشارة هنا، إلى أن اتجاه العولمة، الذي أصبح سائدا بل مسيطرا على العالم حاليا، لم يكن وليد الصدفة. و إن عودة الحلم الذي رافق الإنسان المهيأ والمتطلع والساعي، منذ القدم، لتوسيع مداه، في التنقل و الاتجاه، و الاستثمار والاستغلال والاستفادة و الإقامة، و نقل الثروات و تحقيق الأرباح و تأمين الأسواق و فتح آفاق أوسع...إ....ألخ، أصبح ممكنا نتيجة لتفكك مجموعة الدول الاشتراكية، و تراجع مفهوم الاقتصاد المركز أو الموجه - ليحل مفهوم اقتصاد السوق، و اعتماده كأداة أساسية للتنمية، و بكل مكوناته و أدواته ومؤسساته وأهدافه و نشاطاته المعتمدة. و هذا المفهوم الذي تمدد في مجمل الأرجاء أصبح ينظر إلى العالم على أنه سوق واحدة، و بالتالي يحق له التجول في كل أجزائها والاستفادة منها. و هو بذلك يمثل و يجسد تصورا معتمدا وطموحا أكيدا، لدى شريحة كبيرة من الدول التي كانت تقود و تدافع عن مبادئ الاقتصاد الحر، وتعطي لقطاع الخاص دوره الرائد و الحساس.
ثانيا: انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، و ما له من دلالة اقتصادية في وجود قطبية اقتصادية واحدة و خاصة بعد انضمام معظم دول المعسكر الاشتراكي سابقا إلى المؤسسات الاقتصادية العالمية. و الاتجاه إلى غلبة إيديولوجية اقتصادية (وسياسية) جديدة في عالم ما بعد الحرب الباردة، بانتصار المعسكر الرأسمالي وبالتالي انتصار اقتصاد السوق و آليات السوق و الليبرالية السياسية.(1/80)
ثالثا: الاتجاه إلى عولمة الاقتصاد على نطاق كل أطراف الاقتصاد الدولي، حيث يتحول العالم إلى قرية صغيرة محدودة الأبعاد متنافسة الأطراف بفعل ثورة التكنولوجيا والاتصالات، و تتمثل العولمة في نهوض إطار أعمال منظم عابر للقوميات يؤدي إلى عولمة الاقتصاد، بما في ذلك الدفع نحو توحيد و تنافس أسواق السلع و الخدمات و أسواق رأس المال و أسواق التكنولوجيا و الخدمات الحديثة. و بالتالي تحول العالم إلى كيان موحد إلى حد بعيد من حيث كثافة الاتصالات والمعاملات.
و بالتالي فإن ظاهرة العولمة بدأت تنتشر على كافة المستويات الإنتاجية والتمويلية والتكنولوجية و التسويقية و الإدارية، مع الإشارة إلى أن العالمية ترتبط بعولمة أو عالمية الاقتصاد القومي ، و بنفس الدرجة عولمة أو عالمية المشروع من منطلق السعي لاقتناص الفرص و تكبير العوائد، .
رابعا: من خلال إلقاء نظرة شاملة على الأوضاع العالمية، يمكن القول والملاحظة، أن العالم أصبح أكثر غنى من ذي قبل، و أن الرقي التقني أصبح أكبر من ذي قبل و أكثر انتشارا، و إن الفرو قات الاقتصادية أصبحت أكثر حدة و شدة مما كانت عليه و إن توزيع الدخل العالمي أصبح أقل توازنا و أقل عدلا، وإن هنالك هوة كبيرة و كئيبة مسيطرة على العالم، من المحتمل أن تمثل تهديدا جديا للنمو المتحقق و التطور المستمر مستقبلا. في مقابل ذلك يمكن الملاحظة أن بلدان العالم أصبحت تتوزع بشكل عام، على النحو التالي:(1)
__________
(1) أوراق اقتصادية: الاتحاد العام لغرف التجارة و الصناعة و الزراعة للبلاد العربية. العدد 13. سبتمبر 1997. ص 186.(1/81)
1- الدول الصناعية المتقدمة، التي التزمت بمبادئ الاقتصاد الحر سابقا و دافعت عنه وعملت على نشره، هذه الدول هي التي تقود التطورات العالمية و تصييغها بالشكل الذي يتناسب معها. فهي تمتلك مصلحة أكيدة و كامنة من تعميمها، نشرها و اعتمادها من قبل أكبر عدد ممكن من البلدان، فهذه الدول قد هيأت ذاتها مسبقا، و هي بالتالي مستفيدة منها و معتمدة عليها كمحرك و دافع لتفعيل مداخليها الاقتصادية و تنشيط مؤسساتها القائمة من خلال استغلال الفرص و الإمكانيات القائمة في العالم، بعد أن تمكنت من اكتساب الخبرة من التكتلات الاقتصادية الكبيرة التي أقامتها و منذ حين و تمكنت من إقامة الوسائل التي تتيح لها الاستفادة من الفرص عالميا من خلال تقنيات حديثة تم التوصل إليها و استخدامها بفعالية. ولا بد من الإشارة أنه رغم الفوائد الاقتصادية الأكيدة المتحققة لهذه الدول إلا أن هنالك بوادر تذمر مجتمعي من الانعكاسات السلبية على الوظائف و العمل داخل بعضها.
2- الدول الصناعية الجديدة، التي تمكنت من إقامة قاعدة صناعية تصديرية هامة وأحرزت تطورات عديدة بفضل عوامل عديدة و كثيرة. هذه الدول استوعبت خلفيات عملية العولمة، و هي تعمل لتأمين مكاسب إضافية من خلال الانخراط و المشاركة الواسعة بالتطورات العالمية الجارية، و هي الآن تواجه منافسة قوية من الدول السابقة كما أنها تمثل منافسا هاما لها.(1/82)
3- الدول التي كانت تعرف بالدول الاشتراكية أو صاحبة فكر الاقتصاد الموجه أو المركز. و هذه الدول في مرحلة انتقالية و تحول مستمر في الغالب. ورغم القاعدة التقنية التي تمتلكها هذه الدول، فإن غالبيتها تعاني من مشاكل اقتصادية و اجتماعية عديدة، نظرا للانقلاب السريع الذي أصاب اقتصادها وأدخلها في متاهات عديدة. بينما الصين التي سارت في التحول التدريجي لاقتصادها وكانت قد أعطته و منذ عقد السبعينات بعض أصناف التحرر، فإنها ما تزال تلعب دورا مؤثرا على المستوى العالمي.
4- الدول النامية التي تعاني من مشاكل انتقالية و اجتماعية كبيرة، و هذه الدول في معظمها ما تزال تصارع و تتأثر بالتطورات العالمية المتسارعة. و كل هذه القوى والاتجاهات شكلت هي و غيرها عملية الانتقال للنظام الاقتصادي العالمي الجديد - في المرحلة الحالية- و الذي يجب الاقتراب أكثر من تحليل مكوناته و تحديد خصائصه وملامحه، و التعرف على تحولاته وتحدياته، وقضاياه التي بدأت تتحدد في مجال التجارة الدولية، و تمويل التنمية الاقتصادية، والنظام النقدي، و التصنيع و نقل التكنولوجيا، والممتلكات العامة للبشرية والحفاظ على البيئة و غيرها.
و لا عجب في هذه المرحلة أن تظهر عدة مصطلحات تعبر في ر\أينا عن ملامح المرحلة الحالية، بل و المستقبلية التي تمر بها عملية التحول نحو إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد مثل مصطلح العولمة أو الكوكبة أو الشمولية.....
2-1- معالم و سمات العولمة الاقتصادية.
عند التأمل في المرحلة الحالية، يجد المرء أن النظام الاقتصادي العالمي الحالي له من المعالم و الخصائص مما يميزه عن المراحل السابقة. و إن كانت بعضها استمدت جذورها من الماضي(1).
__________
(1) Jaques Adda.Mondialisation de l’ economie .T.1 .Casbah.ALGER 1998 p.5.(1/83)
فالنظام الاقتصادي العالمي في مرحلة العولمة يتسم بأنماط جديدة لتقسيم العمل الدولي، و بالمزيد من الاعتماد المتبادل، و تزايد التكتلات الاقتصادية و تعاظم أدوار الشركات المتعددة الجنسيات، و ظهور دور الاتصالات و التكنولوجيا في
تعميق عولمة الاقتصاد. و يمكن تلخيص هذه المعالم و الخصائص كما يلي
أولا: القطبية الاقتصادية.
يختلف النظام الاقتصادي العالمي الجديد مع بداية التسعينات عن تلك الترتيبات والأوضاع الاقتصادية الدولية السابقة لهذا التاريخ حيث انهارت القوى الشيوعية، و أصبح هناك نوع من الانفراد بالقمة القطبية الاقتصادية الواحدة، أي سيادة نموذج اقتصاد وآليات السوق بانتصار المعسكر الرأسمالي، و بالتالي فإن تلك المرحلة تغلب عليها إيديولوجية اقتصاد السوق و الحرية الاقتصادية و التخلي تدريجيا عن اقتصاد الأوامر.
إلا أن الانفراد بالقمة القطبية الواحدة لا تعني عدم وجود صراع على تلك القمة من الدول الرأسمالية المتقدمة ذاتها، بل تدور السيناريوهات حول أن العالم بسبيله لأن يشهد نوعا من تعددية الأقطاب Multi - polar systm، و الأقطاب الثلاثة المرشحة لذلك هي الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا و اليابان.(1/84)
و وفقا لهذا السيناريو فإن النظام الاقتصادي العالمي الجديد يأخذ الشكل الهرمي فيما يتعلق بترتيب مراكز القوى الاقتصادية الثلاثة، و يسمح هذا السيناريو بأن تتوحد فيما بينها بحيث تغلب على علاقاتها عوامل التجانس، و الاعتماد المتبادل على عوامل التنافر و الانفراط مع قبول مبدأ الصراع فيما بينها و خاصة من الناحية التجارية و الاقتصادية واقتسام أسواق العالم الثالث، و لكنها تترتب بحيث تقف الولايات المتحدة الأمريكية منفردة على قمة الهرم تتلوها كل من أوروبا و اليابان و خاصة مع نهاية القرن العشرين و بداية القرن الحادي والعشرين(1).
و يتوقف استمرار ذلك الوضع على العديد من العوامل المستقبلية التي تعكس طموحات كل من الاتحاد الأوروبي و اليابان في التربع على القمة الهرمية، وإدارة و قيادة النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
ثانيا: الاعتماد الاقتصادي المتبادل
لعل وجود الثورة التكنولوجية و المعلوماتية مع تزايد حرية انتقال السلع رؤوس الأموال الدولية، قد يساعد بشكل واضح على الترابط و التشابك بين أجزاء العالم وتأكيد عالمية الأسواق.
__________
(1) محمد السيد سعيد، أحمد إبراهيم محمود، الفوضى و الاستقرار في النظام الدولي، اتجاهات تطور المنظومة الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، التقرير الاستراتيجي العربي، 1995، القاهرة، 1996، ص 51.(1/85)
و يتجه النظام الاقتصادي العالمي الجديد في ذلك إلى إسقاط حاجز المسافات بين الدول و القارات مع ما يعنيه من تزايد احتمالات و إمكانيات التأثير و التأثر المتبادلين، و إيجاد نوع جديد من تقسيم العمل الدولي الذي يتم بمقتضاه توزيع العملية الإنتاجية الصناعية بين أكثر من دولة بحيث يتم تصنيع مكونات أي منتج نهائي في أكثر من مكان واحد، و تشير هذه الاتجاهات إلى تغير موازين القوة الاقتصادية و هناك معايير جديدة تطرحها هذه القوة تتلخص في السعي إلى اكتساب الميزة التنافسية للأمم في التسعينات، في إطار اتجاه لأطراف الاقتصاد العالمي إلى التنافسية، بالتالي لم تعد الركيزة الأساسية للقوة و القدرة الاقتصادية هي الموارد الطبيعية، بل أصبحت الركيزة الأساسية في ذلك في امتلاك الميزة أو القدرة التنافسية في المجال الدولي، و التي تدور حول التكلفة و السعر و الإنتاجية والجودة و هو ما عمق الاتجاه نحو الاعتماد المتبادل.
و بالتالي كان من شأن كل هذه التغيرات زيادة درجة الاعتماد المتبادل interdependence بين دول العالم المختلفة. و ينطوي هذا المفهوم على معنى تعاظم التشابك بين البلاد المتاجرة.
ثالثا: تقسيم جديد للعمل الدولي:
اتسم النظام الاقتصادي العالمي الجديد بظهور أنماط جديدة لتقسيم العمل لم تكن معروفة، حيث كانت الصورة التقليدية لتقسيم العمل الدولي تتمثل في تخصص بعض البلاد في المواد الأولية و التعدينية و السلع الغذائية و تخصص بلاد أخرى في المنتجات الصناعية، و كان الافتراض أن البلاد النامية تتمتع بميزة نسبية في النوع الأول بينما تتمتع البلاد المتقدمة بميزة نسبية في السلع الصناعية.(1/86)
و قد أثبتت التجربة أن هذا التقسيم لم يعد يتفق مع الواقع و المسألة هنا ليست مجرد تحول الميزات النسبية في السلع الصناعية إلى بعض البلاد النامية، إنما ما أحدثته الثورة التكنولوجية من إتاحة إمكانيات جديدة للتخصص، و يرجع ذلك إلى تعدد الأنواع من السلعة الواحدة، حيث لم يعد هناك نوع واحد من السيارات أو أجهزة الراديو أو التليفزيون أو الحاسب الآلي، و إنما هناك أنواع متعددة و ما يحتاجه نوع منها من حيث ظروف الإنتاج قد يختلف عما يحتاجه الآخر، و من هنا ظهر تقسيم العمل بين البلاد المختلفة في نفس السلعة، و أصبح من المألوف، بل الغالب بالنسبة لعدد كبير من السلع الاستهلاكية المعمرة و الآلات و المعدات، أن تظهر نفس السلعة في قائمة الصادرات و الواردات لنفس البلد. و هذا ما يعرف بتقسيم العمل داخل الصناعة الواحدةintra-industries ، بل أصبح من المألوف أن يتجزأ إنتاج السلعة الواحدة بين عدد من البلاد بحيث يتخصص كل بلد في جزء أو أكثر منها، و هذا ما يعرف بتقسيم العمل داخل السلعة الواحد intra - firme و قد أصبح هذا النوع من التخصص من أهم مظاهر تقسيم العمل بين البلاد الصناعية و بعضها البعض، و كذلك في حالات متزايدة بين البلاد الصناعية و النامية(1)
و بالتالي أصبحت قرارات الإنتاج و الاستثمار تتخذ من منظور عالمي، و وفقا لاعتبارات الرشادة الاقتصادية فيما يتعلق بالتكلفة و العائد، بل و أصبحت هناك فرصة أمام الكثير من الدول النامية لاختراق السوق العالمية في الكثير من المنتجات، حيث تتيح الأنماط الجديدة لتقسيم العمل الدولي لتلك الدول اكتساب مزايا تنافسية في دائرة واسعة من السلع، و لعل تجربة النمور الأسيوية في جنوب شرق آسيا خير شاهد على ذلك.
رابعا: الثورة التكنولوجية و تعميق العولمة الاقتصادية..
__________
(1) سعيد النجار، الاقتصاد العالمي و البلاد العربية في عقد التسعينات، دار الشروق، القاهرة، 1991، ص 15-19.(1/87)
يشهد العالم حاليا ثورة عالمية جديدة في المعلومات و المعلوماتية و الاتصالات والمواصلات و التكنولوجية كثيفة المعرفة، هذه الثورة عمقت عولمة جميع جوانب الحياة الاقتصادية من حركة السلع و رؤوس الأموال و الخدمات و اليد العاملة المؤهلة (الأدمغة). و أصبحت لهذه الثورة التكنولوجية و بالخصوص في جانبها المعلوماتي دورا محوريا في تشكيل النظام الاقتصادي العالمي الجديد، حيث ترتب عنها العديد من النتائج لعل من أهمها(1)
1 - ثورة في الإنتاج تمثلت في احتلال المعرفة و المعلومات الأهمية النسبية الأولى في عملية الإنتاج، كما انعكست في ظهور أنماط جديدة لتقسيم العمل الدولي حيث ظهر تقسيم العمل داخل السلعة الواحدة intra - firm بحيث يتم توزيع إنتاج الأجزاء المختلفة من السلعة الواحدة على دول العالم المختلفة وفقا لاعتبارات الكفاءة الاقتصادية.
2- نتيجة للثورة في عالم الاتصال و المواصلات، و ما ترتب عنها من ثورة في التسويق فقد أصبح أمرا حتميا لضمان الاستمرار، و قد يفسر ذلك جزئيا الاتجاه إلى تكون التكتلات الاقتصادية و الاندماج الاقتصادي و الإقليمي، بل و قيام التحالفات الإستراتيجية بين الشركات المتعددة الجنسيات التي تلعب دورا متزايدا في هذا المجال، و في دائرة هذه التكتلات الاقتصادية العملاقة حيث اتضح أن 92 % من أصل 4200 تحالف استراتيجي بين الشركات العالمية النشاط تمت منذ بداية عقد التسعينات بين الثلاثة الكبار في قمة الهرم القطبي الممثل في الاتحاد الأوربي و الولايات المتحدة الأمريكية(2)
__________
(1) سميحة فوزي، النظام العالمي الجديد و انعكاساته الاقتصادية على الوطن العربي، مجلة البحوث و الدراسات العربية، العدد22 معهد البحوث و الدراسات العربية، القاهرة، 1994، ص ص 43-44.
(2) ناصيف يوسف حتى، أي هيكل للنظام الدولي الجديد، مجلة عالم الفكر، المجلد الثالث و العشرين، العدد الثالث و الرابع، الكويت، 1995، ص 118.(1/88)
3- النمو الكبير و المتعاظم في التجارة الدولية و التدفقات المالية الناتجة عن الثورة التكنولوجية من ناحية، و تحرير التجارة الدولية من ناحية أخرى.
خامسا: تزايد دور الشركات متعددة الجنسيات.
أصبحت هذه الشركات عالمية النشاط، و عابرة للقارات أو القوميات. من إحدى السمات الأساسية للنظام الاقتصادي العالمي الجديد، من خلال ما يصاحب نشاطها في شكل استثمارات مباشرة، من نقل التكنولوجيا، و الخبرات التسويقية والإدارية. و تأكيد العولمة في كافة المستويات الاقتصادية.
و من ناحية أخرى يلاحظ أن هناك العديد من المؤشرات الأخرى الدالة على تعاظم دور الشركات المتعدية الجنسيات و العالمية النشاط أيضا.، في تشكيل و تكوين و أداء الاقتصاد العالمي الجديد، لعل من أهمها:
1-إن إيرادات سنة 1995 لأكبر خمسمائة شركة متعدية الجنسيات في العالم وصل إلى حوالي %44 من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و تستحوذ الشركات المتعدية الجنسيات في مجموعها على حوالي 40% من حجم التجارة الدولية(1)و معظم الاستثمار الأجنبي المباشر في أنحاء العالم، و لذلك تلعب دورا مؤثرا في التمويل الدولي.
2- أن حوالي 80% من مبيعات العالم تتم من خلال الشركات متعدية الجنسيات و هو يوضح مركزها في التسويق الدولي(2) و أن إنتاج أكبر 600 شركة متعدية الجنسيات وحدها يتراوح ما بين 25% -20% من القيمة المضافة المولدة من إنتاج السلع عالميا.
3- كذلك تجاوزت الأصول السائلة من الذهب و الاحتياطات النقدية الدولية المتوافرة لدى الشركات المتعدية الجنسيات حوالي ضعفي الاحتياطي الدولي منها، و يدل هذا المؤشر على مقدار تحكم هذه الشركات في السياسة النقدية الدولية والاستقرار النقدي العالمي.
__________
(1) النظام الاقتصادي العالمي الجديد ، مرجع سابق ص 53.
(2) نفس المرجع، نفس الصفحة.(1/89)
4- يضاف إلى ذلك الدور القائد الذي تلعبه الشركات متعدية الجنسيات في الثورة التكنولوجية، فهي مسئولة عن نسبة كبيرة من الاكتشافات التكنولوجية التي ترجع معظمها لجهود البحث و التطوير RSD التي قامت بها هذه الشركات.
سادسا: الترتيبات الإقليمية الجديدة.
لعل وجود ترتيبات جديدة في اتجاه تكوين التكتلات الاقتصادية و تعميق المصالح الاقتصادية المشتركة المكونة لهذه الترتيبات الإقليمية ، و ربطها بالترتيبات الاقتصادية العالمية التي تشكل أو تشكلت هي من أهم الخصائص للنظام الاقتصادي العالمي الجديد.
و للدلالة على تأكيد خاصية تزايد التكتلات الاقتصادية و الترتيبات الإقليمية الجديدة، أن إحدى الدراسات التي أجراها صندوق النقد الدولي خلال (عام 1995) تشير إلى أنه يوجد على مستوى العالم- حوالي 45 من أنظمة التكامل الاقتصادي ( و من تم التكتل الاقتصادي) في مختلف صورها و مراحلها، تشمل 75 من دول العالم، و حوالي 80 من سكان العالم و تسيطر على 85 من التجارة العالمية(1).
من أهم التكتلات الاقتصادية العملاقة التي اكتملت تقريبا، نجد أن الاتحاد الأوروبي الذي يكاد يكون قد اكتمل مع بداية 1994 ليكون أحد الكيانات الاقتصادية العملاقة ذات التأثير القوي على التجارة العالمية و التكتل الاقتصادي لمجموعة الدول الأمريكية الذي ظهر منذ يناير 1989 و تطور في فبراير 1991 ليضم الولايات المتحدة الأمريكية و كندا و المكسيك و يعرف باسم النافتا و هناك محاولات لمد جسر التعاون الاقتصادي لدول أمريكا اللاتينية.
__________
(1) محمد السيد السعيد، الكتل التجارية الدولية و انعكاساتها على الوطن العربي و المتغيرات العالمية، معهد العلوم و الدراسات العربية 1992. ص 325.(1/90)
و هناك التكتل الاقتصادي في منطقة شرق آسيا و غرب الباسفيك، حيث توجد ثلاثة محاور رئيسية للتجمع الاقتصادي في تلك المنطقة، و الذي يبرز دور النمور الآسيوية ومعهم اليابان في النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
3-1-ديناميكية نظام العولمة الاقتصادية .
تشير هذه الخاصية إلى أن النظام الاقتصادي العالمي الحالي - منذ النصف الثاني من عقد التسعينات- في طور التكوين و التشكيل بالمقارنة بترتيبات الأوضاع الاقتصادية العالمية السابقة له قبل هذا التاريخ. ، بل تشير أيضا إلى ما ستكون عليه تلك الترتيبات والأوضاع في المستقبل القريب و البعيد.
و بالتالي يمكن القول إن النظام الاقتصادي العالمي الجديد الذي بدأت خصائصه و ملامحه تظهر و تتحدد مع بداية التسعينات لا يزال في طور التكوين و التشكيل بالمقارنة بالأوضاع و الترتيبات السابقة، حيث يلاحظ أنه يستخدم أدوات و أساليب جديدة لتعظيم غاياته و أهدافه تماشيا مع المرحلة التطورية- مرحلة العولمة- التي بلغها و التغيرات العالمية التي حدثت، و الآليات الجديدة التي نشأت. و لذلك فالخاصية الديناميكية للنظام الاقتصادي العالمي الجديد تتأكد يوما بعد يوم، بدليل احتمالات تبدل موازين القوى الاقتصادية القائم على أساسها في المستقبل، و بدليل أيضل وجود أكثر من سيناريو لما سيكون عليه النظام الاقتصادي العالمي الجديد في القرن الحادي و العشرين، فالبعض بطرح سيناريو القطب الواحد، و البعض الآخر يطرح سيناريو الشكل الهرمي، و البعض الثالث يطرح سيناريو الكتل المتوازية.(1/91)
و هذه السيناريوهات تطرح فقط لهيكلة النظام الاقتصادي العالمي، ناهيك عما ستكون عليه الآليات، و الأنظمة المكونة، و ما ستسفر عنه النتائج حول قضايا النزاع و ردود الأفعال المضادة من قبل المستفيدين من الأوضاع الاقتصادية الحالية - حفاظا على مكاسبهم و اتجاه ردود الأفعال الصادرة من الخاسرين من تلك الأوضاع و خاصة من الدول النامية في حالة تكتلها للدفاع عن مصالحها.
لكل هذه العناصر و غيرها فإن النظام الاقتصادي العالمي الجديد سيظل يتصف ويتسم بالديناميكية لفترة ليست بالقليلة.
و لعل محاولة تحديد مفهوم النظام الاقتصادي العالمي في إطار ديناميكي هو الذي يمكن أن تضفي عليه صفة الجديد منذ أن بدأ هذا النظام يتكون و يتشكل مع نهاية الحرب العالمية الثانية و بالتحديد عام 1944 و حتى النصف الأول من التسعينات و ما بعدها، إلى وقتنا الحاضر.
المبحث الثاني:
آليات العولمة الاقتصادية.
لعل المتأمل للتحولات الاقتصادية العميقة الحالية، يلاحظ أن هناك اتجاهات جديد أصبحت تتحكم في أداء منظومة النظام الاقتصادي العالمي الجديد، فإن كان هذا النظام يعمل بنفس الآليات السابقة ما عدا التحول الذي طرأ على النظام التجاري حيث حلت المنظمة العالمية للتجارة محل الغات. فإن الاتجاهات أدت إلى تحولات في وظائف هذه الآليات و خلق وظائف جديدة.
1-2- أركان النظام الاقتصادي العالمي الجديد:
يرتكز النظام الاقتصادي العالمي الراهن على ثلاثة أضلاع أساسية يأتي في مقدمتها النظام النقدي الدولي متمثلا بصندوق النقد الدولي، و النظام المالي الدولي المتمثل بالبنك الدولي ثم النظام التجاري ممثلا في المنظمة العالمية للتجارة.(1/92)
1- صندوق النقد الدولي: تأسس هذا الصندوق عام 1944 و بدأ مزاولة نشاطه في عام 1947. و يعتبر الصندوق الحارس و القائم على إدارة النظام النقدي الدولي، إذ تتركز أهدافه في تشجيع التعاون النقدي الدولي، و تيسير نمو التجارة الدولية نموا متوازنا، والعمل على إلغاء القيود على العملات الأجنبية في العمليات التجارية، و تحقيق استقرار أسعار الصرف، و تصحيح الاختلال في موازنة مدفوعات الدول الأعضاء.
و تقوم منهجية صندوق النقد الدولي على جملة من الإجراءات التي غالبا ما توجد بشكل ملفت في حزمة متكاملة تسعى إلى تعميم خصائصها على الهياكل المالية للدول. وتتألف هذه الحزمة من (أ) تخفيض عجز الميزانية عن طريق تخفيض الإنفاق الحكومي وتخفيض الدعم و رفع الضرائب (ب) تخفيض قيمة العملة القومية و إيجاد سوق حرة للنقد الأجنبي دون أي رقابة بين الدول المعنية(ج) تخفيض الاقتراض الحكومي من البنوك المركزية و المحلية و وضع سقوف محددة للمبالغ المقترضة (ب) تحرير التجارة الخارجية من خلال تخفيض التعريفات الجمركية و رفع الحواجز الجمركية (هـ) سياسات إدارة الطب و التي تتركز على تحقيق الأجور الحقيقية خاصة في القطاع العام (و) تحرير الأسعار (ز) إحداث تغييرات في أسعار الفائدة بحيث تعكس سعر الفائدة الحقيقي .
2- النظام المالي الدولي (البنك الدولي): في عام 1944 اجتمع ممثلون عن أربع وأربعين دولة في (بريتون وودز) بالولايات المتحدة لبحث أسس نظام النقد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية و إيجاد قواعد جديدة للتعاون الاقتصادي بين الدول، و أسفرت تلك الاجتماعات عن توقيع اتفاقية بريتون وودز متضمنة إنشاء البنك الدولي للإنشاء و التعمير و صندوق النقد الدولي، و بدأ البنك الدولي أعماله في عام 1946.(1/93)
و كان من أبرز أهداف البنك الدولي تنمية و تعمير أقاليم الدول الأعضاء من خلال انتقال رؤوس الأموال، و تشجيع الاستثمارات فيها و تحقيق النمو المتوازن للتجارة الدولية، إضافة إلى المحافظة على توازن موازين المدفوعات للدول الأعضاء و تقديم المساعدات الفنية في إعداد و تنفيذ برامج القروض. و قد استحوذت الدول الصناعية الكبرى على نصيب الأسد من حصص الصندوق النقد الدولي و البنك الدولي مما سهل عليها مهمة السيطرة الكاملة على هاتين المنظمتين. و في المقابل باتت حصة الدول النامية متواضعة جدا حيث أصرت الدول المتقدمة و باستمرار على رفض إعادة النظر حول توزيع حصص الأعضاء في كل من هاتين المنظمتين الماليتين(1).
و خلال حقبة الثمانينات عانت الدول من ظاهرة تنامي مديونياتها و برزت أزمة ما يسمى بأزمة د يون العالم الثالث.
مما أدى إلى جعل هذه الدول تخت وصاية الدول الدائنة مباشرة و بشروط المؤسسات الدولية ( البنك الدولي و الصندوق الدولي) لإعادة جدولة ديونها لتجنب كارثة الإفلاس. و جاء في مقدمة هذه الشروط: (أ) العودة إلى الاقتصاد الحر وظهور ما يسمى بالخصخصة (ب) إتباع سياسة التقشف و رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية الأساسية (ج) رفع الحماية عن المنتج المحلي (د) التركيز على التصدير للخارج (هـ) رفع القيود على التجارة الخارجية، و اعتماد الأسعار الحرة للصرف الأجنبي (و) فتح المجال للاستثمارات الخارجية و الشركات الأجنبية دون قيد أو شرط.
__________
(1) .شهاب محمد محمود. المنظمات الدوتية .دار الجامعة.القاهرة.19900 . ص 121(1/94)
و كنتيجة طبيعية لهذه الشروط، أخذت معاناة العالم الثالث الاقتصادية بالتفاقم بسبب تراكم حجم المديونيات و الاستنزاف الحاد لمواردها الطبيعية و ارتفاع معدلات التضخم والعجز في موازين المدفوعات و تفشي الطبقية كان الحلم الذي يراود هذا المعسكر الفقير في ظل النظام الاقتصادي العالمي الجديد هو تحقيق مبدأ العدالة الدولية و تخفيف وطأة الجهل و المرض و الفقر السائدة فيها.
3- منظمة التجارة الدولية (WTO):شهد العالم مع مطلع عام 1995 وضع أسس النظام التجاري العالمي الجديد موضع التنفيذ حيث نصت اتفاقية الجات الأخير على تحويل الاتفاقية العامة التعريفات و التجارة و التي تعرف اختصارا (GATT) إلى منظمة التجارة العالمية (WTO) و يكون لها طابع المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي للإنشاء و التعمير (IBR) و صندوق النقد الدولي (IMF). كما ستتولى تلك المنظمة الإشراف على تطبيق قرارات جولة أورجواي و حل المنازعات التجارية بين الدول الأعضاء. وتعتبر منظمة التجارة الدولية حاليا المرجع التجاري - الاقتصادي الأعلى، الذي يحدد طبيعة العلاقات التجارية و الاقتصادية لمعظم الدول.
2-2- التحولات في وظائف آليات العولمة.
يلاحظ في النظام الاقتصادي العالمي الجديد تحولات على مستوى آلياته نتيجة الاتجاهات الجديد للعولمة الاقتصادية.
أولا: التحول في النظام النقدي الدولي.
تتلخص أهم التحولات في النظام النقدي الدولي في ما يلي:
1- منذ انهيار نظام النقد الدولي، الذي اتفق عليه في بريتون وودز، في 1971 وتقنين نظام التعويم للعملات الرئيسية في 16 مارس 1973 و تحول العالم إلى نظام أسعار الصرف المرنة، أصبح النظام النقدي منذ هذا التاريخ بلا قاعدة ، وهي مسألة تحتاج إلى علاج و إصلاح قد تجيب عليها الإصلاحات النقدية المتوقعة في السنوات القادمة و خاصة في ظل نمو التكتلات الاقتصادية العملاقة.(1/95)
حيث يلاحظ أنه قد حدث تحول في نظام تحديد سعر الصرف في معظم دول العالم، فأخذت بنظام أسعار الصرف العائمة بدلا من أسعار الصرف الثابتة. و هذا التحول الواسع النطاق ترجع جذوره إلى إيقاف الولايات المتحدة الأمريكية تحويل الدولار إلى ذهب عام 1971 معلنة انهيار الأساس الذي قامت عليه الاتفاقية المعروفة بنظام بريتون وودز، و ذلك بعد الهبوط السريع في احتياطات الذهب الأمريكية بسبب حرب فيتنام، وتزايد العجز الفيدرالي الأمريكي.
و بالتالي أصبح النظام السائد بعد أزمة الطاقة الأولى في أكتوبر 1973 هو نظام أسعار الصرف العائمة، أي تعويم سعر الصرف.
و من ناحية أخرى يؤخذ على نظام أسعار الصرف العائمة، أنه كثير ما يؤدي إلى الانحراف في أسعار الصرف و يقصد بالانحراف وجود اختلاف بين السعر السائد في السوق و بين سعر التوازن، و الأخير يعني بالنسبة لبلد العجز بأنه ذلك السعر الذي يحقق التساوي بين العجز في ميزان المدفوعات الجارية و الفائض في صافي التحويلات الرأسمالية العادية و العكس في حالة بلد الفائض، و يشترط في كل الأحوال أن يتحقق ذلك التساوي دون مستويات عالية للبطالة و دون الالتجاء إلى فرض قيود على التجارة الدولية أو وضع حوافز خاصة لانتقالات رؤوس الأموال.(1)
2- الاعتماد على عملة واحدة في تسوية المعاملات الدولية و هي الدولار أصبح مصدرا للتقلبات الشديدة في أسعار الصرف للعملات الرئيسية المؤشرة على الاقتصاد العالمي، استدعى الدعوة لإصلاح هذا النظام و العمل بنظام الرقابة الجماعية على الآثار الدولية للسياسات النقدية والمالية و التجارية، و لهذا فإن النظام النقدي الدولي في حاجة إلى تغيير هذه الأوضاع النقدية لتحقيق الاستقرار النقدي المطلوب. سيما في ظل تعاظم الوضع النسبي للين الياباني و اليورو الأوروبي.
__________
(1) سعيد التجار، النظام الاقتصادي العالمي على عقبة القرن 21، مرجع سابق ص 23.(1/96)
3- تزايد استخدام صندوق النقد الدولي لما اصطلح على تسميته بالمشروطية، ومنها أنه يشترط إتباع سياسات معينة للإصلاح الاقتصادي في مجال عجز ميزان المدفوعات وعجز الموازنة، و تخفيض معدلات التضخم و إصلاح سعر الصرف و تحرير الأسعار و تحرير التجارة الدولية في شكل برامج للإصلاح الاقتصادي يغلب عليها إدارة الطلب وخاصة في الأجل القصير و المتوسط. و بالتالي نميل سياسات الإصلاح الاقتصادي التي يضعها الصندوق في برامجه إلى أن تكون سياسات انكماشية تحتاج إلى إعادة نظر وإجراء التحسينات عليها بناء على ما أسفرت عنه التجارب في هذا المجال، و خاصة أن من الجوانب الخاصة بالمشروطية أن الدول النامية صارت - بعد أزمة المكسيك 1982- لا تستطيع الحصول على المساعدات و القروض من جهات أخرى إلا بعد الرجوع للصندوق و إبرام الاتفاقيات المناسبة معه و الحصول على شهادة الصلاحية الاقتصادية الجدارة الائتمانية.
ثانيا: التحول في النظام المالي الدولي.(1/97)
لعل التغير الهام في النظام المالي الدولي و الذي بدأ يؤثر بوضوح على آلية عمل النظام الاقتصادي العالمي الجديد، هو ذلك التغير الذي حدث في نمط التمويل الدولي وخاصة بعد تفجر أزمة المديونية الخارجية بإعلان المكسيك توقفها عن الدفع في صيف 1982، فبعد هذا التاريخ بدأت تزداد الأهمية النسبية للاستثمار الأجنبي المباشر ( و غير المباشر) في مصادر التمويل الدولي و خاصة بالنسبة للدول النامية، و ذلك ليتقدم و يحل محل المساعدات الإنمائية و القروض التجارية، و بالتالي يكون في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر، البديل عن الديون الخارجية بآثارها في مجال التمويل الخارجي لعملية التنمية في تلك الدول، و لعل الدليل على ذلك أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إطار التحول إلى اقتصاديات المشاركة الدولية قد أصبحت تمثل المصدر الرئيسي لرؤوس الأموال الأجنبية للغالبية العظمى من الدول النامية مع نهاية الثمانينات، و مثلت تلك الاستثمارات حوالي 75 % من إجمالي التدفقات الرأسمالية من المصادر الخاصة و التي تشمل الاستثمارات الأجنبية و القروض المضمونة، و ذلك بالنسبة لحوالي 93 دولة نامية خلال الفترة 1986- 1990، بينما تتجاوز تلك النسبة 30 خلال الفترة 1980 - 1985 (1) و قد أكد البنك الدولي الاتجاه على تحبيذ الاستثمار الأجنبي المباشر في تقاريره و خاصة في عامي 1991- 1992 من منظور أن الاستثمارات الدولية أفضل للدول المستقبلية لرأس المال من المديونية الدولية.
__________
(1) النظام الاقتصادي الدولي الجديد، مرجع سابق ص 68.(1/98)
و يرجع التحول إلى تحبيذ الاستثمارات الأجنبية المباشرة في التمويل الدولي إلى النمو الضخم في حركة رؤوس الأموال، بحيث فاقت بمعدلاتها معدل نمو حركة التجارة الدولية، و من ناحية أخرى فإن تفاقم أزمة المديونية الخارجية قد ترك بصماته على النظام المالي الدولي و كان أول أثر مباشر لتلك الأزمة هو الانكماش الفجائي الكبير في حجم القروض التجارية، نظرا للتراجع الكبير الذي حث من البنوك التجارية المقرضة عن الإقراض الدولي، لأن الأزمة المتفجرة جعلها تترنخ، و توشك أن تصل إلى حافة الانهيار، و لولا التدخل السريع لصندوق النقد الدولي و البنك الدولي و الاتفاق على ما يسمى رابطة الإنقاذ بالتعاون الوثيق بين جميع الأطراف المعنية، لانهارت بعض البنوك الدائنة، و جرت معها مئات البنوك الأخرى في أنحاء العالم و لذلك لم يكن غريبا أن تنسحب من هذا الميدان، مما أدى إلى انكماش حجم القروض التجارية الصافية الاختيارية إلى نسبة ضئيلة من أحجامها السابقة، و ليس من المنتظر أن تعود لإقراض البلاد النامية على نطاق كبير بعد هذه التجربة المريرة.
و من ناحية أخرى يلاحظ أن المساعدات و القروض الإنمائية الرسمية، لم تسلم من تأثير أزمة المديونية الخارجية، حيث أصبحت تخضع للإستراتيجية الدولية أو المشروطية الجديدة السابق الإشارة إليها من كل من الصندوق و البنك الدوليين.
و هذا التحول أدى إلى تعاظم أهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة كمصدر من مصادر التمويل الدولي و خاصة للبلاد النامية، فالقروض التجارية نضبت أو أوشكت على النضوب و لم تعد متاحة باليسر أو النطاق الذي كانت عليه قبل ذلك. أما المساعدات والقروض الإنمائية الرسمية، فقد أصبحت هي الأخرى تخضع للاشتراطية (أو المشروطية) الدولية الشديدة التي أدت إلى عزوف عدد ليس بالقليل من البلاد النامية عن الاقتراض، و تفضيل الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كمصدر من مصادر التمويل الدولي.(1/99)
و قد يرجع هذا التحول أيضا إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة كمصدر من مصادر التمويل الدولي نظرا لبعض المزايا التي تتوافر في هذا المصدر من مصادر التمويل التي لا تتوافر في مصادر التمويل الأخرى، حيث إن تلك الاستثمارات الأجنبية غير منشئة للمديونية و لا تتولد عنها التزامات تعاقدية مثل التي تنشأ عن القروض.
ثالثا: التحول في النظام التجاري الدولي.
إن أهم ما يميز التحول في النظام التجاري الدولي نحو نظام الحرية التجارية أنه- بعد عام 1994 و بداية عام 1995 و بإنشاء منظمة التجارة العالمية - قد شمل تحرير التجارة ليس فقط في مجال السلع الصناعية، بل شمل أيضا السلع الزراعية و السلع الصناعية الأخرى مثل المنسوجات و الملابس. هذا بالإضافة إلى تجارة الخدمات التي تعتبر نقطة تحول في العلاقات الاقتصادية الدولية، و يطبق تحرير تجارة الخدمات مبدأ التحرير التدريجي و تشمل التجارة الخدمات على الخدمات المصرفية و التأمين و سوق المال والنقل البري و البحري و الجوي و المقاولات و السياحة و الاتصالات السلكية واللاسلكية و الخدمات المهنية مثل مكاتب الاستشارات الفنية و الخدمات المهنية.
و بالإضافة إلى تحرير الخدمات، فقد شمل التحول في النظام التجاري الدولي التحرير و التنظيم و الحماية للملكية الأدبية و الفنية والصناعية، و كذلك تحرير قوانين الاستثمار من القيود ذات الأثر على التجارة الدولية.(1/100)
و بالتالي كان التحول نحو نظام حرية التجارة الدولية بعد جولة أوروجواي 1994 وإنشاء منظمة التجارة العالمية أول يناير 1995 أكثر شمولا في كثير من الأوضاع قبل هذا التاريخ، حيث يمكن القول إن ما تحقق في جولة أوروجواي يفوق بكثير ما تحقق قبل ذلك في السبع جولات الخاصة بالجات منذ عام 1947، و بالتالي فإن هذا التحول الكبير يؤكد تحول النظام التجاري الدولي بالفعل إلى نظام الحرية التجارية و الذي من المتوقع أن يحدث تغيرا كبيرا و زيادة هائلة في التجارة الدولية و النشاط الاقتصادي العالمي.
2-3- التحول في إستراتيجية التنمية
إن التحول من إستراتيجية التنمية ذات التوجه الداخلي أي إحلال الواردات إلى الإنتاج من أجل التصدير هو نتيجة الاتجاهات الجديدة للعولمة و الفرص الكبيرة التي يتيحها السوق العالمية.(1/101)
و يأتي هذا التحول بصفة خاصة في عدد كبير من الدول النامية نتيجة لأن البلاد النامية استطاعت أن تحقق معدلات نمو عالية هي البلاد التي انتهجت إستراتيجية للتنمية ذات توجه تصديري تقوم على استغلال إمكانات السوق العالمية إلى أبعد الحدود الممكنة. حيث أثبتت بلاد شرق آسيا و معها عدد متزايد من البلاد النامية الأخرى مثل المكسيك وشيلي و الأرجنتين و البرازيل و غيرها أن السوق الدولية تتسع لكل من توافرت لديه الإرادة لاختراقها و المهم أن تكتمل مقومات إستراتيجية التوجه التصديري و التي تعمل على تشجيع التوسع في الصادرات من المنتجات التي تتمتع الدول محل البحث فيها بميزة نسبية أو ميزة تنافسية في الأسواق الدولية، و هي تلك المنتجات التي يتميز إنتاجها أو يمكن أن يتم إنتاجها حاضرا أو مستقبلا بتكلفة منخفضة نسبيا بالمقارنة بباقي الدول الأخرى و التي تتيح الاستفادة من مزايا التخصص و تقسيم العمل الدولي و أنماطه الجديدة، بما يعود بالفائدة على الاقتصاد القومي لما تخلقه من قاعدة تصديرية تساهم في الأجل الطويل في نمو الاقتصاد القومي و تنويع مصادر دخله، ذلك لأن إستراتيجية الإنتاج من أجل التصدير، تجعل قطاع التصدير أكثر ديناميكية من القطاعات الأخرى المكونة للاقتصاد القومي، حيث تتزايد الصادرات بمعدلات نمو تزيد عن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي.(1/102)
مع ملاحظة أن قيام اقتصاد تصديري غير تقليدي عملية تنموية طويلة الأجل، تتمثل في وضع ركائز للتحول تكون قادرة على إحداث التغيرات الهيكلة في الاقتصاد القومي، والتي تؤدي إلى خلق هيكل إنتاج متنوع الأنشطة و القطاعات يستخدم أفضل الطرق التكنولوجية، و يصبح هيكل إنتاج مركب يسمح باتساع قاعدة هيكل الصادرات، تدعمه قاعدة تكنولوجية متقدمة تحقق للمنتجات المطورة و المصدرة مزايا تنافسية مكتسبة، وتكسب المنتجات المصدرة عموما القدرة على غزو الأسواق العالمية . حيث تصبح ذات قوة و قدرة تنافسية عالية، و ينتهي هذا الاتجاه إلى إعادة هيكلة الصادرات، بما يصحح من موضع الدول النامية في أنماط التخصص، و تقسيم العمل الدولي و قد أثبتت تجربة جنوب شرق آسيا ذلك.
المبحث الثالث:
أدوات العولمة الاقتصادية .
العولمة كظاهرة تقوم بوصف المرحلة الراهنة للنظام الاقتصادي العالمي بدراسة طبيعة التحولات التي طرأت على العلاقات الدولية بأبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية و الثقافية و تأثيراتها على اتجاهات التطور في المستقبل، ففي بعدها الاقتصادي تركز العولمة على دراسة الاتجاه الاقتصادي نحو المزيد من الاندماج بين الأسواق العالمية، و تحرير التجارة في السلع و الخدمات وحركة رؤوس الموال ضمن إطار قواعد الليبرالية الجديدة و الخضوع الكامل لقوى السوق العالمية.
و هكذا تطورت الأدوات بحيث أصبح تنظيم و تسيير الاقتصاد العالمي تحكم فيه المنظمات الدولية و الشركات العابرة للقارات بدل الدول، و حركة التجارة الدولية تخضع للتكتلات الجديدة، و اندماج اقتصاديات الأطراف يخضع لبرامج التثبيت و التكيف الهيكلي. كل هذه الأدوات ساهمت في تشكيل الاتجاهات المستقبلية للنظام الاقتصادي العالمي الجديد.
3-1- الشركات المتعدية الجنسيات:(1/103)
أصبح التطور الحاصل في أهمية الشركات متعدية الجنسية، " المنظم المركزي للأنشطة الاقتصادية في اقتصاد عالمي يتزايد تكاملا" كما يقول تقرير " الاستثمار في العالم 1992" الذي يصدر عن أمانة الأمم المتحدة (1). و يتعاظم دور الشركات متعدية الجنسية في التجارة الدولية، حيث أصبحت الشركة الواحدة، تشكل شبكة تجارية دولية بين الشركات التابعة لها أو المرتبطة بها، و غالبا ما يكون موضوع تلك التجارة مكونات الصناعة، وتشير الإحصاءات على سبيل المثال أن فروع وتوابع الشركات متعدية الجنسية (الأمريكية المقر) تسيطر على 40% من صادرات المكسيك إلى الولايات المتحدة. وإن 20% من عجز الميزان التجاري الأمريكي مع كندا يرجع إلى واردات أمريكية من فروع و توابع الشركات الأم المستقرة في الولايات المتحدة(2).
و للتأكيد على دور الشركات متعدية الجنسية في المعاملات الاقتصادية الدولية، يمكن أن نشير إلى أن إجمالي إيرادات الشركات الخمسمائة الأكبر، بلغ 11.4تريليون دولار عام 1997. و لندرك ضخامة هذا الرقم نقارنه بإجمالي الصادرات العالمية البالغ 2.2 تريليون دولار بنفس العام، و تشير الإحصاءات إلى أن كبرى الشركات متعدية الجنسية تجاوزت قيمة مبيعاتها الناتج المحلي الإجمالي لكثير من البلدان في عام 1997(3).
تراجع دور و مكانة الدولة، انطلاقا من انحسار دور الدولة الاقتصادي و الاجتماعي، مع تنامي دور الشركات متعدية الجنسية، و في ظل آليات السوق و الاستغناء عن بعض وظائف الدولة الموروثة، بما في ذلك الأمن الداخلي و البريد و الاتصالات،و غيرها من القطاعات الإستراتيجية.
__________
(1) المركز العربي للدراسات الإستراتيجية: التحولات العالمية و مستقبل الوطني العربي في القرن الحادي و العشرين)- دمشق 2000 ص 133.
(2) نفس المرجع ص 133.
(3) نفس المرجع ص 134.(1/104)
و الأهم هو أن التغير في مجال السياسة الاقتصادية و المالية في ظل تحكم آليات السوق في هذه السياسة قد أدى إلى إضعاف دور الدولة الاقتصادي، حتى في مجال النقدي و المالي حيث انتزع القطاع الخاص من الدولة الحق في خلق النقود بعد تعويم العملات، و التعامل ببطاقات الائتمان التي لا تخضع لإشراف أي جهة، و أصبحت أداة دفع تحل محل النقود، و أدى غياب الدولة الانضباطي للبنوك المركزية إلى تزايد حجم المضاربات المالية.
3-2- الإقليمية الجديدة:
مع مجموعة التغيرات و التحولات، و مع قيام منظمة التجارة العالمية، برزت الإقليمية الجديدة على نحو واضح، إحياء لأفكار الستينات، و لكن في إطار جديد يتمثل في تزايد تحرير التجارة، و إزالة العوائق الجمركية و غير الجمركية. و انطلاقا من الحاجة إلى تدعيم التكتلات الاقتصادية الإقليمية، أعيد إحياء السوق المشتركة لأمريكا و السوق المشتركة الجنوبية في أمريكا اللاتينية بين الأرجنتين و البرازيل و الأرجواي وبارجواي. هذا إلى جانب الانطلاق الذي شهدته التكتلات الاقتصادية الدولية في أوربا (الاتحاد الأوربي) و في أمريكا ( الولايات المتحدة – كندا- المكسيك-NAFTA).
و قد تبلورت سياسة التكتل الإقليمي في ظل الظروف المستجدة، انطلاقا من أن الدول الصناعية، رغم القوة الاقتصادية التي أصبحت تمتلكها، كل على حدة، أصبحت تشعر أنها ليست قادرة (لوحدها منفردة) على مواجهة ظروف المنافسة الحرة مع تنامي دور الشركات متعدية الجنسية، و إنها إذا أرادت أن تضاعف من فرصها في احتلال مواقع جديدة في السواق العالمية، فإن مقتضيات ذلك، هي بناء أسواق عالمية، وسيطة، تكون أكثر قدرة على حمايتها و السيطرة عليها، مما يساعدها في مواجهة المنافسة الحرة بحظوظ أكبر و وجود أقوى.(1/105)
و تعكس هذه التكتلات الاقتصادية درجة عالية من كثافة الاعتماد المتبادل وتقسيم العمل الدولي، و الاستثمارات و التجارة و أنواع التبادل الأخرى، في نفس الوقت الذي تعمل فيه الشركات متعدية الجنسيات على إيجاد نوع من ترابط بين هذه التكتلات.
و إذا ما تذكرنا أن أنظمة التكامل الاقتصادي و التكتلات الاقتصادية بكل صورها تشمل حوالي 75% من دول العالم، و حوالي 80% من سكان العالم، وتسيطر على حوالي 85% من التجارة العالمية، لأدركنا مدى الآثار التي تحملها التكتلات الاقتصادية على الاقتصاد العالمي الجديد و توجهاته و خاصة إذا علمنا أن اتفاقية الجات و منظمة التجارة العالمية تسمحان بقيام التكتلات الاقتصادية الإقليمية(1).
3 -2-1-التكتلات الاقتصادية الكبرى.
تعد التكتلات الاقتصادية من أهم السمات و الأدوات التي تميز النظام العالمي الجديد، حيث تسعى هذه التكتلات إلى مواجهة تحديات العولمة و الخروج بأكبر الفوائد المالية والتجارية في ظل التشابك المعقد لمنظمة المصالح الاقتصادية العالمية المستحدثة. و يشهد عالم اليوم عددا كبيرا من التكتلات الإقليمية و القارية التي تسعى إلى تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو مشتركة، و قد شهدت أواخر الثمانينات و حقبة التسعينات ولادة الغالبية العظمى من هذه التنظيمات، بينما نجحت بعض التكتلات القديمة في إعادة ترتيب هياكلها و أهدافها بما يتناسب مع مستجدات المرحلة الاقتصادية الراهنة. و فيما يلي نستعرض بعض النماذج من هذه التنظيمات:
أولا: التكتل الاقتصادي الأوربي.
__________
(1) المركز العربي للدراسات الإستراتيجية: التحولات العالمية و مستقبل الوطني العربي. مرجع سابق ص 119.(1/106)
و هو من أكبر و أهم التكتلات الاقتصادية الأوربية، و الذي بلغ في تكامله الإقليمي مرحلة متقدمة بعد 50 سنة من النشاط بدأ من مشروع شومان لإنشاء جماعة الفحم والصلب سنة 1936 وصولا للوحدة النقدية مع بداية الألفية الثالثة، لقد انتقل هذا التكتل من مجموعة أوربية مشتركة إلى اتحاد أوربي عبر مراحل نذكر أهمها.
- السوق الأوربية المشتركة.
و هو الاسم الشائع للجماعة الأوربية التي تكونت بعد التوقيع على معاهدة روما يوم 25 مارس 1957 حيث اتفق فيها على إنشاء " الجماعة الاقتصادية الأوربية" و أيضا إنشاء " الجماعة الأوربية للطاقة الذرية" و مع حلول أول يوليو 1967 نجحت الدول الست الموقعة على تلك المعاهدة في دمج كل من جماعة الفحم و الصلب، و الجماعة الاقتصادية الأوربية، و جماعة الطاقة الذرية في منظمة واحدة هي " الجماعة الأوربية " التي أطلق عليها اسم " السوق الأوربية المشتركة" و اتفق على اكتمال مقوماتها في فترة تتراوح بين 12، 15 عاما و تلخصت أهداف تلك السوق في الآتي:(1)
- إلغاء الرسوم الجمركية على الواردات بين الدول الأعضاء.
- إلغاء القيود الكمية على الصادرات و الواردات بين دول السوق.
- وضع تعريفة جمركية موحدة على الواردات من الدول غير الأعضاء.
- إلغاء العقبات و إزالة العوائق التي تحد من انتقال العمل و رأس المال.
- إتباع سياسة زراعية مشتركة .
- رسم سياسة مشتركة للنقل.
- تعميق و تحقيق المنافسة الحرة في السوق المشتركة.
- تنسيق السياسة و معالجة الاختلال في موازين المدفوعات.
- تدعيم الاستثمار في دول السوق الخاصة في المناطق المتخلفة نسبيا داخل السوق.
- تحسين أحوال العمالة.
__________
(1) أحمد علي غنيم، السوق الأوربية المشتركة حاضرها و مستقبلها، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1986.(1/107)
و يلاحظ أنه بعد عام واحد فقط من إنشاء السوق الأوروبية كانت الجماعة الأوروبية قد أنجزت إتمام الاتحاد الجمركي بين أعضائها و تم بموجبه إزالة الحواجز الجمركية بين الدول الأعضاء الست(1)، و كذا نجحت في إتباع سياسة زراعية مشتركة، و خلال العقدين التاليين توسعت الجماعة حيث ضمت في عام 1973 كلا من بريطانيا و الدانمرك وايرلندا ثم اليونان في عام 1981 و كلا من البرتغال و أسبانيا 1986، و بالتالي أصبح عدد الدول في هذا التاريخ اثني عشرة دولة.
و قد تم إنشاء بنك الاستثمار الأوروبي استكمالا لمقومات السوق، و الذي يهدف إلى تحقيق التوازن في التنمية الاقتصادية بين الدول الأعضاء، و كذلك صندوق التنمية لتشجيع الإنماء الاقتصادي داخل المقاطعات و مناطق النفوذ التابعة للدول الأعضاء، طبقا لاتفاقية روما.
- معاهدة ماستريخت و الاتحاد الأوربي.
لقد أصبح الاتحاد الأوربي ساري المفعول ابتداء من سنة 1993 طبقا لمقتضيات معاهدة ماستريخت لسنة 1992. و قد حددت هذه المعاهدة ثلاثة مراحل لتحقيق الوحدة الأوربية و تتمثل في ما يلي:
- المرحلة الأولى (2000-1994) ، و تهدف إلى تحرير عمليات الدفع و حركة رؤوس الأموال بين الدول الأعضاء، بالإضافة إلى زيادة التعاون بين الهيئات العامة، ومزيد من التطابق في السياسة الاقتصادية و التعاون بين البنوك المركزية و الوطنية داخل المجموعة الأوربية.
__________
(1) الدول الست المؤسسة للسوق طبقا لمعاهدة روما هي: بلجيكا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، لوكسمبورج، هولندا.(1/108)
- المرحلة الثانية (1995- 1998)، و تهدف إلى استكمال الإجراءات المتعلقة بالتصديق على اتفاقية السوق الأوربية الموحدة من قبل جميع الأعضاء و التخلي عن سد العجز في الموازنات الحكومية عن طريق التعديل، و يتم في هذه المرحلة تقييم أداء اقتصاديات الدول الأعضاء، و التأكد من استعدادها للدخول في المرحلة الثالثة بعد تحقيق بعض الشروط منها على سبيل المثال، ألا يزيد معدل التضخم عن 1.5% من معدل التضخم في أكثر ثلاث دول تضخما في الاتحاد الأوربي بالإضافة إلى عدم زيادة سعر الفائدة للقروض طويلة الأجل من 2% بالنسبة لمتوسط سعر الفائدة في أقل ثلاث دول في الاتحاد من حيث معدلات التضخم، و أن تتحرك أسعار الصرف بدون انحرافات عن الأهداف الموضوعة، و تطبيق سياسة للإصلاح المالي بحيث لا يزيد العجز في الموازنة العامة للدول عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي و ألا تزيد قيمة الدين العام عن 60 من هذا الناتج.
- المرحلة الثالثة (1999-2002)، و كانت تهدف إلى إنشاء البك المركزي الأوربي و الذي يقوم برسم السياسة النقدية للمجموعة الأوربية و إصدار العملة الموحدة على أن يبدأ برأسمال قدره 4 مليارات إيكو و تبلغ حصة ألمانيا فيه 25%.
و قد تحققت هذه المرحلة بالفعل بإصدار العملة الأوربية الموحدة المتمثلة في اليورو في يناير 2001 من خلال تخلي دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي عن عملاتهم و العمل من خلال عملة اليورو التي أصبحت ثاني عملة في تسوية المعاملات الدولية بعد الدولار الأمريكي. و يلاحظ أن التكتل الاقتصادي الأوروبي قد دخل باستكمال هذه المرحلة إلى مرحلة الاندماج الكامل.(1/109)
و من ناحية أخرى يلاحظ أن التكتل الاقتصادي الأوروبي يعمل على اتساع العضوية و ضم دول جديدة للاتحاد، فعند إعلان قيام الاتحاد الأوروبي في أول يناير 1993 كان عدد الدول الأعضاء 12 عضوا، و في عام 1994 وصل عدد الأعضاء إلى 15 عضوا بانضمام ثلاث دول جدد و هي السويد و النمسا و فنلندا، و في الطريق النرويج و دول أخرى .
و انتقل عدد أعضائه حاليا إلى 25 عضوا بعد انضمام عشرة دول من أوروبا الشرقية سنة 2004(1). إضافة إلى توسيع عضوية ، قام الاتحاد الأوروبي بتوسيع علاقاته الاقتصادية مع دول البحر الأبيض المتوسط من خلال ما يسمى بالشراكة، حيث وقع اتفاقات شراكة مع كل من المغرب و تونس و الجزائر ومصر و سوريا...
-أهداف الاتحاد الأوروبي:
و لعل أهم ما يميز الاتحاد الأوروبي، أن الاندماج الأوروبي يستمد صلابته الحقيقية من أسسه الاقتصادية كما وضعتها معاهدة ماسريخت، بالإضافة إلى المعايير الاقتصادية اللازم توافرها في الدول التي ترغب في الانضمام للتكتل الاقتصادي و الوحدة النقدية الأوروبية، لذلك فإن القرن الحادي و العشرين سيشهد تصاعد و تزايد قوة التكتل الاقتصادي الأوروبي ليكون من أهم التكتلات الاقتصادية التي سوف تلعب دورا رئيسيا في إدارة النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
- خلق سوق تجارية موحدة ذات قدرة إنتاجية أكثر كفاءة و طاقة استيعابية ضخمة بدون حواجز حدودية، و إلغاء القيود التعريفية، و القيود الكمية و التمييزية بين الدول الأعضاء في التكتل الاقتصادي.
-تعميق الاقتصاد الحر القائم على آليات السوق و تفاعل قوى العرض و الطلب و احترام مبدأ المنافسة و زيادة قدرة المنتجات على التواجد في الأسواق العالمية أو الدولية.
__________
(1) هذه الدول هي: بولونيا، المجر، التشيك، سلوفاكيا، سلوفينيا، لستوانيا، ليتونيا، لاتفيا، قبرص و مالطا.(1/110)
-انتقال دول التكتل الاقتصادي الأوروبي من مرحلة التكامل و التنسيق إلى مرحلة الاندماج الفعلي بما يسهل من عملية الاستخدام الأمثل للطاقات و الموارد، و بما يعزز من دفع معدلات التقدم الاقتصادي و العلمي و التطور الاجتماعي و الثقافي.
- دخول القرن الحادي و العشرين بصورة تسمح للتكتل الأوروبي بأن يلعب دورا أكثر فعالية في كافة المجالات الاقتصادية بل و السياسية.
- تحقيق الوحدة النقدية الأوربية و الاستقرار في أوروبا، و إقامة البنك المركزي الأوروبي، و تحويل وحدة النقد الأوروبية من وحدة حسابية إلى وحدة نقد حقيقية، من خلال تعزيز تنسيق السياسات النقدية للدول الأعضاء في التكتل.
-العمل بصفة مستمرة صوب تقريب السياسات الاقتصادية و النقدية بين الدول الأوروبية الأعضاء في التكتل الاقتصادي.
- العمل بشكل أكثر فعالية على خفض معدلات التضخم، و كذا زيادة معدلات النمو، وخفض نسب البطالة بالإضافة إلى خفض معدلات الفائدة لإحداث الاستقرار الاقتصادي والرواج المطلوب في الدول الأعضاء في التكتل الاقتصادي الأوروبي.
ثانيا: التكتل الاقتصادي لأمريكا الشمالية ( NAFTA)
جاءت اتفاقية نافتا سنة 1992 بين الولايات المتحدة الأمريكية و كندا والمكسيك لتوسيع اتفاقية التجارة الحرة التي كانت قد أبرمت بين الولايات المتحدة الأمريكية و كندا سنة 1989.(1/111)
و هذا التكتل خلافا للتكتل الأوروبي يترك الباب مفتوحا أمام بلدان أمريكا اللاتينية وبلدان حوض المحيط الهادي للانضمام. و تجدر الإشارة إلى أن الاتجاه لضم المكسيك إلى التكتل الاقتصادي لأمريكا الشمالية، ابتداء من أول يناير 1989، جاء بسبب ما حققته اتفاقية التجارة الحرة من مكاسب لكل الولايات المتحدة و كندا، حيث ازداد حجم التجارة والاستثمارات من 131 مليار دولار عام 1987 إلى 375 مليار دولار عام 1990، بمعدل نمو 33.6% ، كما نمت تجارة الخدمات بين الجانبين من 14،8 مليار دولار عام 1987 إلى20.2% مليار دولار عام 1990 بمعدل نمو 36.5%، و نمت أيضا استثمارات الولايات المتحدة الأمريكية المباشرة في كندا من 57 مليار دولار عام 1987 إلى 71 مليار دولار في عام 1990، أي بمعدل نمو 24.6%و ازدادت الاستثمارات الكندية في الولايات المتحدة بنسبة 50% أثناء الفترة 1987-1990 من 22 مليار إلى 33 مليار دولار(1).
و يضاف إلى هذا السبب، سببا آخر هو السعي إلى زيادة الاستثمارات الأمريكية والكندية في المكسيك، إلى جانب سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى تكوين تكثل اقتصادي يتكافأ مع التكتل الاقتصادي الأوروبي الذي دخل مرحلة الوحدة الاقتصادية في أول يناير 1993، و لذلك يمكن القول إن إستراتيجية التكتل الاقتصادي لأمريكا الشمالية هي إستراتيجية دفاعية هجومية.
أولا : أهداف التكتل.
يسعى هذا التكتل إلى تحقيق مجموعة من الأهداف من أهمها:
- زيادة معدلات النمو للبلدان الأعضاء.
- إلغاء الحواجز الجمركية، و تحرير التجارة و زيادة الاستثمارات بصورة تؤدي إلى زيادة حجم التجارة الدولية للدول الأعضاء مع العالم الخارجي ، و في نفس الوقت زيادة حجم التجارة البينية فيما بين الدول الثلاث الأعضاء.
__________
(1) عبد المطلب عبد الحميد: النظام الاقتصادي العالمي الجديد، مرجع سابق ص 128.(1/112)
- زيادة الاستثمارات الأمريكية و الكندية في المكسيك لزيادة فرص العمل أمام العمالة المكسيكية، و في نفس الوقت فتح السوق المكسيكية التي كانت مغلقة أمام السلع الأمريكية.
علاج مشكلات البطالة في الدول أطراف التكتل، بزيادة الطاقات الإنتاجية الجديدة وبالتالي تعظيم فرص العمل أمام الراغبين.
-تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول التكتل الاقتصادي، القائم على المزايا النسبية والمزايا التنافسية لكل دولة.
- زيادة القدرة لدول التكتل الاقتصادي لأمريكا الشمالية، على التعامل مع التكتلات الاقتصادية العملاقة الأخرى، و تحقيق ميزة تنافسية في مواجهة الصادرات من دول تلك التكتلات الأخرى، و زيادة القدرة التنافسية على الدخول إلى منطقة جنوب شرق آسيا بصفة خاصة و التي تشهد أعلى معدلات نمو في العالم.
-محاولة تعزيز موقف الولايات المتحدة الأمريكية في سعيها لقيادة الاقتصاد العالمي، و تنشيط التجارة العالمية و محاربة انتشار الكساد الاقتصادي، و مواجهة سياسات الحماية التجارية في أوروبا و آسيا و بالتحديد اليابان(1).
تشير الكثير من التوقعات و الدراسات حول المزايا و مدى الاستفادة التي يمكن أن تعود من قيام التكتل الاقتصادي لأمريكا الشمالية، إلى أن هذه المزايا كثيرة، حيث يكفي القول إن إحدى الدراسات أشارت إلى أن هذا التكتل ، سيؤدي إلى زيادة الرفاهية ( الدخل) بين 2,2 -6,1 مليار دولار في الولايات المتحدة و 1,6 - 5,8 مليار دولار في المكسيك، و2,8 مليار دولار في كندا(2).
ثالثا: التكتل الاقتصادي الأسيوي:
__________
(1) عبد المطلب عبد الحميد: مرجع سابق ص 129.
(2) نفس المرجع ص 140.(1/113)
في ظل تزايد معدلات النمو الاقتصادي في جنوب شرق آسيا و ازدياد مساهماتها في التجارة الدولية، تعرف التكتلات في هذه القارة تطورا و تغيرا مستمرا، و اهتماما كبيرا سواء من جانب اليابان أو من جانب النمور الأسيوية الصاعدة أو ما يسمى بالدول الصناعية الجديدة، و يهدف هذا الاتجاه في إقامة وتفضيل هذه التكتلات إلى رغبة الدول الأسيوية من حماية نفسها من التكتلات الأخرى و خاصة م ن التكتلات الأمريكية والأوروبية و من التغيرات في النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
و الملاحظ هو أن إمكانيات هذه القارة قادرة على خلق تكتل اقتصادي يكن على قدم المساواة مع التكتل الاقتصادي الأوروبي و التكتل الاقتصادي الأمريكي.
بل و إذا نظرنا إلى القوة الاقتصادية المتنامية للصين، و يبدو أن المسألة تتوقف برمتها على تصحيح العلاقات و تصفية الخلافات التاريخية بين اليابان و دول جنوب شرق آسيا، و هو ما أدى إلى إعلان ما يسمى بمبدأ كايفو Kaifo Doctrine و يعني هذا المبدأ التأكيد على عدم رغبة اليابان في السيطرة الاقتصادية و السياسية على هذه المنطقة و رغبتها في إجراء مصالحات شاملة مع الأيديولوجيات السابقة و خاصة كوريا الشمالية و فيتنام و تحسين البيئة النفسية في المنطقة عموما(1).
و في هذا الإطار يمكن أن نجد أن هناك محورين للتكتل الاقتصادي في منطقة شرق آسيا و غرب الباسيفكي: المحور الأول يتمثل في قيام رابطة جنوب شرق آسيا المعروفة باسم الآسيان ASEAN و المحور الثاني نجده في جماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكية و المعروفة اختصارا باسم APEC والذي أصبح حاليا تكتلا عابرا للإقليم بحيث انضمت إليه دول من خارج أسيا.
- رابطة جنوب شرق آسياASEAN:
__________
(1) محمد السعيد سعيد، الكتل التجارية الدولية و انعكاساتها على الوطن العربي، مرجع سبق ذكره ، ص 333.(1/114)
و يتكون تكتل الآسيان من سبعة دول هي تايلاند و سنغافورة و ماليزيا و بروتاي و اندونيسيا و الفلبين و الفيتنام(1).
فرغم الوزن النسبي لهذا التكتل في التأثير على اتجاهات النظام الاقتصادي العالمي الجديد، فقد أرسى خطة هامة على طريق تأسيس جبهة منظمة مضادة ضد الولايات المتحدة الأمريكية في جنوب شرق آسيا على الرغم من أن النمو في التعاون الاقتصادي وتكامل أسواق دول التكتل ظل محدودا إلا أنه من الملاحظ أن دول هذه الرابطة الأسيوية تتجه إلى تعميق مجالات التعاون الاقتصادي فيما بينها و زيادة التبادل التجاري، بل ومحاولة اتخاذ منهجية لتحسين الروابط الاقتصادية مع الأعداء الأيديولوجيين في المنطقة، بدليل انضمام فيتنام إلى رابطة جنوب شرق آسيا (الآسيان) في 28-7-1995 مع ملاحظة أن تكتل رابطة جنوب شرق آسيا يتزايد دوره في التجارة العالمية بشكل مطرد، بدليل أنه بعد أن كانت صادراته تمثل حوالي 3,1 %من إجمالي الصادرات في العالم عام 1987، (وحوالي 11,3 %من إجمالي صادرات الدول النامية)، فقد وصلت هذه الصادرات إلى حوالي 5,2% من إجمالي الصادرات في العالم ( و حوالي 16,8% من إجمالي صادرات الدول النامية)(2). بالإضافة إلى أن رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) كانت لها وضع مميز في مفاوضات الجات، زادتها قدرة على المساومة الجماعية والتفاوض.
إضافة إلى هذه التكتلات الكبرى التي تقودها الدول القوية، شهدت إفريقيا و أمريكا اللاتينية عددا من التجمعات و التكتلات الاقتصادية الإقليمية ذات الأوزان الضعيفة الأثر في الاقتصاد العالمي، لأنها كانت تشكل من دول ضعيفة التقدم الاقتصادي و التكنولوجي و مساهمتها في التجارة الدولية لا تمثل وزنا كبيرا.
__________
(1) أنظمت فيتنام في 28/07/1995.
(2) مركز الدراسات الإستراتيجية بالأهرام، التقرير الاستراتيجي العربي 1994. القاهرة 1995 ص 192/193.(1/115)
و يلاحظ أن التكتلات تمثل أهم أدوات النظام الاقتصادي العالمي الجديد للزيادة في حجم التجارة الدولية، و تعميق الاعتماد المتبادل. الآثار المصاحبة لها في زيادة الاستمارات الأجنبية المباشرة عبر مناطق العالم المختلفة.
فأهمية هذه التكتلات في النظام الاقتصادي العالمي الجديد جعلت الدول الكبيرة والعملاقة اقتصاديا تبحث عن أشكال جديدة للتعاون و الشراكة الاقتصادية للاستفادة من أسواق أوسع و أكبر.
المبحث الرابع:
الأشكال الجديدة للاندماج.
لقد استدعت التطورات و التغيرات العميقة في الاقتصاد الدولي إلى إيجاد ميكانيزمات جديدة لإعادة تنظيم العلاقات الاقتصادية الدولية وفقا لمفهوم العولمة الذي يهدف إلى إدماج اقتصاديات الدول النامية في الاقتصاد الرأسمالي عبر طرق تكتلات عابرة للأقاليم أو فرض تصحيحات هيكلية لاقتصاديات هذه الدول برعاية المنظمات الدولية.
4-1-الشراكة الأورو - متوسطية:
تتطلع أوروبا من خلال طرح فكرة المتوسطية و محاولة تحقيقها إلى هدف استراتيجي يتجسد في تنظيم العلاقة المتوسطية في شكل منظمة على غرار منظمة الأمن و التعاون في أوروبا رغم أنها راودت الأوروبيين منذ زمن إلا أنها تأجلت بسبب حرب الخليج الأولى و الثانية و كذلك سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على الأمور في الشرق الأوسط، فإن مؤتمر برشلونة قد أخرجها إلى حيز الوجود بهدف إيجاد تجمع إقليمي منافس تؤدي فيه أوروبا الدور المحرك و الرئيسي و خاصة في ظل التصور الأوروبي الذي تبلور في التسعينات يرتكز على مبدأ أن استقرار أوربا مرتبط باستقرار جنوب المتوسط، هذا و تحضى منطقة البحر المتوسط بمكانة عالمية مهمة حيث تقع على حدود ثلاثة مسارات و تنقسم الدول المشاطئة لها إلى ثلاثة مجموعات هي(1):
- المجموعة الأوربية.
- المجموعة الأسيوية.
- المجموعة الإفريقية.
__________
(1) الشاذلي العياري: من جل مشروع عربي أوروبي متوسط جديد. شؤون عربية العدد 74. جوان 1994. ص 21.(1/116)
و هي تشكل من الناحية الجيوبوليتيكية مصدر للتطورات السياسية والإستراتيجية المعاصرة، حيث إنها أكثر مناطق العالم تعقيدا أو تشابكا في الأعراف و اللغات و الثقافات و الأديان و الصراعات القديمة و الحديثة و اختلافا في العقائد و الأنظمة السياسية والاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية بالإضافة إلى التباين في التقدم كما أن البحر المتوسط تمثل مجموعة من التحديات المهمة بالنسبة إلى مستقبل الاتحاد الأوروبي التي تشمل التحديات الديمغرافية و البيئية والاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية والعسكرية.
و قد اكتست قضية الأمن في منطقة حوض المتوسط أهمية حيث يشكل الهاجس الرئيسي للتوجهات الأوروبية نحو الجنوب في إطار العلاقات بين الشمال و الجنوب.
إذن يمكن القول أن الاضطرابات الأمنية و انتشار مظاهر العنف السياسي التي ظهرت في السنوات الأخيرة في بعض دول الجنوب و الشرق متوسطية لا يمكن اعتبارها مشكلات داخلية محصورة بحدود الدولة و إنما يمكن أن تنتقل آثارها إلى الدول الأخرى المجاورة و هذا ما يستدعي القيام بعمل مشترك و منظم لمواجهة جميع التحديات و لا يقتصر على مجال الأمن فقط بل يجب أن يشمل جميع مظاهر التعاون الأخرى و لا سيما في المجال الاقتصادي الذي أصبح يشكل القاعدة الرئيسية في التوجهات الإقليمية. خاصة و أنه من المتوقع أن يسيطر الهاجس الاقتصادي بشكل رئيسي على مستقبل العلاقات بين الدول و التكتلات مما يستدعي بالضرورة توفير المناخ المناسب لإحداث التنمية و تحقيق التعاون الاقتصادي في جميع مجالات تنشيط الاستثمار و جذبة الأمر الذي يحتاج إلى درجة كبيرة من الأمن و الاستقرار السياسي.(1/117)
و إذا كان هناك محاور و قضايا كثيرة تحكم التوجه الأوروبي المتوسطي كالقضايا المتعلقة بالشراكة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية فإنه لا بد من الإقرار بأن المشاركة السياسية و الأمنية تبقى على رأس أولوية الشراكة الأوروبية المتوسطية، و ذلك من منطلق الاقتناع التام بأن أوجه الشراكة الاجتماعية، الاقتصادية و الثقافية لا يمكن أن تنجح أو يكتب لها الاستمرار إذا لم ترتكز على قاعدة متينة من الاستقرار السياسي والأمني الذي يهيئ البيئة الملائمة و يوفر مجال أرحم للتعاون الاقتصادي و الاجتماعي والثقافي.
- مؤتمر برشلونة:
رغم قدم العلاقات بين الضفتين لكن الارتقاء بهذه العلاقات إلى مستوى الشراكة و التعاون الاستراتيجي جاء كنقطة جديدة في مسيرة العلاقات المتوسطية و برز كاهتمام يعكس طموح الاتحاد الأوروبي بعد التطورات الجديدة و رغبته بالتحول إلى قوة سياسية و عسكرية بشكل يجعله مؤهل بما يملك من إمكانيات وطاقات ليصبح أحد أقطاب النظام العالمي الذي أصبحت معالمه في طور التشكيل.
و قد جاء مؤتمر برشلونة 27-28 نوفمبر 1995 و الذي ضم وزراء خارجية الدول 15 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي و 7 دول عربية ( المغرب، الجزائر، تونس، مصر، سوريا، لبنان، فلسطين) و تركيا و إسرائيل و مالطا و قبرص، ومن المتوقع أن يكون المؤتمر تعبيرا عن تأسيس نمط جديد من العلاقات العربية الأوربية في مختلف المجالات و قد تعمقت مجموعة من المبادئ من بينها العمل على تعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق سلام عادل و شامل في الشرق الأوسط على أساس قرارات الأمم المتحدة.(1/118)
و يمكن القول أن المشروع الذي تقدمت به أوروبا في هذا المؤتمر يعكس ثوابت السياسة الأوروبية و متغيراتها في ظل النظام العالمي الراهن، و من خلال معرفة القضايا التي طرحت في مشروع قمة برشلونة يمكن تحليل و توضيح أهم التحديات التي تواجه العالم العربي في مرحلة ما بعد برشلونة و قد استند إعلان برشلونة الذي أقرته الدول المجتمعة في مستوى وزراء الخارجية جوانب أساسية هي:
أ - الشراكة السياسية و الأمنية.
ب- الشراكة الاقتصادية و المالية.
ج- الشراكة في الأمور الثقافية و الاجتماعية و الإنسانية.
أ- الشراكة السياسية و الأمنية:
يتضح من إعلان برشلونة خمس مكونات في الشراكة المستقبلية هي:
- الالتزام بميثاق الأمم المتحدة و حل النزاعات الدولية بطرق سليمة.
- الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان و خاصة فيما يتعلق بالحريات الأساسية بما في ذلك حرية التعبير و حرية الانتماء لمقاصد سليمة و حرية الفكر و الوجدان والعقيدة الدينية.
- العمل من أجل نزع الأسلحة النووية و البيولوجية و الكيماوية من خلال الخضوع و التمشي مع مجموعة من نظم منع الانتشار الدولية، و اتفاقيات ضبط التسلح و نزع وتجنب تطوير قدرات عسكرية تتجاوز متطلبات الدفاع المشروع.
- مكافحة الإرهاب و المظاهر المختلفة لعدم الاستقرار بالتعاون لمنع الإرهاب والتضامن ضد توسيع الجريمة المنظمة و مكافحة العقاقير المخدرة.
- احترام التساوي في السيادة و كافة الحقوق الوطنية و الامتناع عن أي تدخل مباشر في الشؤون الداخلية لأي مشارك آخر و احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها(1).
ب- الشراكة الاقتصادية و المالية:
__________
(1) عبد الفتاحخ الرشدان: " العرب و الجماعة الأوروبية في عالم متغير" دراسات إستراتيجية مركز الإمارات للدراسات و البحوث الإستراتيجية العدد 12-1998 ص 66.(1/119)
شدد إعلان برشلونة على أهمية النمو الاقتصادي و الاجتماعي الدائم والمتوازن في تحقيق هدف بناء منطقة رفاهية مشتركة، و يمكن تحديد مكونات هذه الشراكة على النحو التالي:
-إقامة منطقة للتجارة الحرة بين أوربا و الدول المتوسطية بشكل تدريجي حتى عام 2010.
- تشجيع تنمية اقتصادية متكاملة و نمو مستمر يحافظ على البيئة و الموارد الطبيعية و الأحياء المائية و المصائد و التنمية الريفية.
- إيجاد مناخ مواتي للاستثمار الأجنبي المباشر و التعاون بين الشركات.
تطوير البنية التحتية و الاتصالات و خاصة النقل و المعلومات و الخدمات والسياحة.
- تنمية إمكانات البحث و التأهيل العلمي و الفني و خاصة في العلوم و التقنية والإحصاء و الطاقة و التخطيط الإقليمي.
ج- الشراكة في المجالات الاجتماعية و الثقافية و الإنسانية:
تشمل هذه الشراكة على الأنشطة التالية:
- تنمية الموارد البشرية.
-الحوار بين الثقافات و الحضارات و تشجيع التفاهم و التبادل بين المجموعات المدنية.
- تطور الخدمات الصحية العامة و التعاون الطبي في حالة الكوارث.
- التفاعل التام بين المقاطعات و السلطات الإقليمية للتصدي للتحديات المشتركة .
- تحسن الأوضاع المعيشية و التشغيل و زيادة مستوى العمالة للسكان في الدول المتوسطية.
- الاهتمام بقضية الهجرة في العلاقات الأوروبية - المتوسطية و خاصة فيما يتعلق بالتدفق و ضغط الهجرة و تحسين الأحوال المعيشية للمهاجرين بشكل شرعي.
و الظاهر من هذه المحاور الثلاثة التي تناولها إعلان برشلونة أنها ركزت على ترتيب الأولويات حيث كان الاهتمام الأول هو الجانب الاقتصادي بنسبة اهتمام 48,3 % ثم الجانب السياسي بنسبة اهتمام 45,3% ثم الجانب الاجتماعي بنسبة اهتمام %6,4.(1/120)
بالإضافة إلى هذا التأكيد الذي جاء في هذه القمة على ضرورة توفير المناخ و البيئة الملائمة لنظام اقتصاد السوق الذي تنادي به الدول الرأسمالية لسيما الاستقرار و الأمن لذلك لوحظ تكرار موضوع الأمن بنسبة 25,9% و هذا يعكس مدى اعتبار تحقيق الاستقرار و استيعاب الأمن مطلبان لتحقيق كفاءة و فعاليات اقتصاد السوق(1).
و في ظل هذه التطورات و التغيرات الإقليمية و العالمية و انتشار ظاهرة الاعتماد المتبادل و التكتلات الاقتصادية الكبرى تبرز في اتجاهات مختلفة للمفاضلة بين الترتيبات و المشروعات المطروحة أمام العرب فهناك مشروعين أحدهما أوروبي (أورو - متوسطي) و الآخر أمريكي (شرق أوسطي) ، في حين نجد أن الدول العربية جمدت وأهملت من حساباتها المشروع الثالث و البديل (العربي - العربي)، فهناك تنافس حاد بين الدول الكبرى للتبوء مركز كل دائرة إستراتيجية، ففي حين أن الدائرة العربية هي القلب النابض للدائرة الشرق أوسطية نلاحظ أن الاتحاد الأوروبي لديه الرغبة للقيام بدور القلب النابض للدائرة المتوسطية و بالمقابل نجد الولايات المتحدة و إسرائيل تفرض نفسها كقلب نابض في الدائرة الشرق أوسطية(2) و إزاحة العرب من هذه المكانة و تجزئته جغرافيا بعد ما تمت تجزئتهم على كافة المستويات.
4-2-تكتل جماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكية APEC:
يتكون هذا التكتل من 13 دولة بعد أن انظم فيتنام سنة 1995، و بالإضافة إلى دول رابطة الآسيان نجد اليابان ، كندا، الولايات المتحدة ، كوريا الجنوبية ونيوزيلندا.
__________
(1) مصطفى عبد الله أبو القاسم خشيم " جامعة الدول العربية و تحديات مؤتمر برشولنة: الثابت و النتغير " شؤون عربية العدد 87 سبتمبر 1996 ص 23.
(2) Robert Bistolti : " Euro Méditerranée ; une région à construire" éd. Publisud , Paris -1995. p.158.(1/121)
و تقترب فكرة هذه الجماعة من النادي الاقتصادي (منتدى) الذي يتم التشاور فيه حول مسائل التجارة الدولية و تنسيق السياسة الاقتصادية الكلية بدون التزام مقنن مسبق فيما بينها. و قد يبرز اتجاه تحويل هذا المنتدى إلى نوع من التجمع الاقتصادي عام 1989 كرد فعل مباشر للإعلان عن السعي إلى إقامة مشروع أوروبا الموحدة عام 1992. و قد تم بحث الأسس التي يمكن أن يقوم عليها التجمع الاقتصادي للأبيك APEC بدعوة من رئيس الوزراء الاسترالي و قد لاقت ترحيبا و اهتماما كبيرا من اليابان و خاصة في يناير 1991، و قد أعلنت لذلك مبدأ كايفو.
و بالفعل، في أوت عام 1991 تم عقد اجتماع لوزراء اقتصاد الدول الإثنى عشرة في المنتدى الاقتصادي APEC لبحث اقتراح استراليا لإنشاء تجمع اقتصادي له سكرتارية دائمة. و لا زالت الاجتماعات تتوالى في هذا الاتجاه.
و يلاحظ أن تطور الأبيك، و اتجاه الدول الأعضاء إلى إقامة تكتل اقتصادي يأتي من رغبة مشتركة بين اليابان و الولايات المتحدة الأمريكية و الاتفاق فيما بينهما، على أنه من المهم الإشارة إلى أن استيعاب دول النمور الصاعدة في جنوب شرق آسيا، و حوض الباسيفيك، و احتوائها في منتدى اقتصادي أولا، يتطور إلى تجمع اقتصادي، قد يحقق مكاسب للجميع و يضمن لليابان بصفة خاصة أن تقود تكتل اقتصادي لجنوب شرق آسيا يواجه التكتلات الاقتصادية الأخرى و يضمن السيطرة الأمريكية على آسيا في نفس الوقت.
و بالتالي ضمان سيطرتهما الاقتصادية على آسيا، و في نفس الوقت ضمان عدم تصاعد منافستهما للسيطرة على تلك المنطقة إلى ما هو أخطر من ذلك.و في المؤتمر الذي عقد في مدينة أوساكا للتجمع الاقتصادي الأبيك APEC عام 1995 وضحت أهداف هذا التكتل الاقتصادي، حيث تحددت الأهداف الأساسية و زيادة حرية تنقل رؤوس الأموال بينهما و التعاون المشترك في المجال التكنولوجي و تدريب الأفراد و العمالة.(1/122)
و بناء على ذلك فإن هذا التكتل الاقتصادي يقع في وضع وسط ما بين التكتل الاقتصادي في أوروبا(الاتحاد الأوروبي) و التكتل الاقتصادي في أمريكا الشمالية ( نافتا)، لكن يجمع بين التكتلات الثلاثة مفهوم مشترك يتلخص في أنه لا يمكن إحراز المزيد من التقدم و التطور بدون التعاون الاقتصادي فيما بين الدول وبعضها البعض في ظل النظام الاقتصادي العالمي الجديد الذي يرسخ عالمية الاقتصاد أو العولمة.
و تجدر الإشارة أخيرا إلى أن قوة الدفع إلى التكتل الاقتصادي في جنوب شرق آسيا على نطاق كبير، ستأتي من اليابان بشكل مستمر، على أمل أن يتم تكوين تكتل اقتصادي باسيفيكي واسع النطاق ليعزز قوة التنافس بين هذا التكتل و التكتل لاقتصادي الأوروبي العملاق، و أن تحقق ذلك ، يتوقف على تفهم اليابان لمعطيات القوميات الآسيوية و طبيعة شعوب المنطقة التي تأبى الهيمنة و السيطرة و الاستغلال الاقتصادي. بالإضافة إلى ضرورة أن تزايد اليابان مساعداتها الاقتصادية لدول تلك المنطقة ، و تساهم في حل مشكلاتها، و من خلال ذلك وحده يمكن لليابان تكوين تكتل اقتصادي في جنوب شرق آسيا تحت قيادتها ليكون في هذه الحالة من أكبر التكتلات الاقتصادية التي تؤثر بقوة على الاقتصاد العالمي الجديد في المستقبل.
4-3-برامج التثبيت و التكيف الهيكلي:(1/123)
لعل فشل النموذج السوفيتي و نماذج العالم الثالث للتنمية من جهة و تصاعد الليبرالية الجديدة من جهة ثانية، عزز موقف دعاة اقتصاد السوق كأداة لاندماج الاقتصاديات العالمية لبعضها البعض. و تعزيز دور المنظمات الدولية في إدارة وتسيير اندماج اقتصاديات الدول النامية في الاقتصاد العالمي الرأسمالي . و لهذا الهدف ربط صندوق النقد الدولي و البنك العالمي. منذ أزمة المديونية سنة 1982 التمويل الخارجي بشروط تلتزم بها الدول للحصول على تمويل من هاتين المؤسستين.و من ناحية أخرى أصبح الاتفاق مع صندوق النقد الدولي سواء في صورة اتفاق مساندة أو في صورة تسهيل ممتد لا يكون ميسورا إلا بالتزام البلد المدين بتنفيذ برنامج تصحيحي يتناول السياسات الاقتصادية الكلية مثل سعر الصرف و سعر الفائدة و غيرها.
و قد حدث نفس التطور في إطار البنك الدولي نوعا جديدا من القروض ، هي قروض التصحيحات الهيكلية، و هذه القروض مشروطة بالتزام البلد المدين بإجراء التصحيحات الهيكلية مثل تطبيق سياسة الخصخصة و إعادة النظر في أولويات الاستثمار، و تحرير التجارة الخارجية و غيرها.
بل و أعقب ذلك نشوء ما يسمى بالمشروطية أو الاشتراطية المتبادلة بين صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، و معناها أن الحصول على موارد مالية من إحدى المنظمتين أصبح يتوقف على تنفيذ اشتراطيه المنظمة الأخرى، و من ثم أصبح من غير الممكن الحصول على قرض للتصحيحات الهيكلية من البنك الدولي إلا بشرط الوصول إلى اتفاق مساندة مع صندوق النقد الدولي و العكس صحيح في بعض الحالات.
بمعنى أنه لا يمكن الوصول إلى اتفاق مساندة مع الصندوق إلا بعد إجراء تصحيحات هيكلية يتم الاتفاق عليها مع البنك الدولي.(1/124)
و يوجد الآن تنسيق كامل و دقيق بين سياسات الصندوق و سياسات البنك من حيث شروط القروض و التسهيلات المقدمة منهما إلى البلاد النامية، و بحيث تكاد تنتفي الفروق التي كانت قائمة بينهما في عقدي الستينات و السبعينات(1). فكثير من الشروط التي يتطلبها عقد القروض مع البنك أصبحت تنصب على كثير من الأمور و المتغيرات التي تدخل في صلب اهتمام الصندوق (سعر الصرف مثلا). و لهذا عادة ما يشترط البنك في مثل هذه الحالات أن يوافق البلد أولا على ما يراه الصندوق بشأن مسألة ما قبل أن يوافق على إعطاء قروضه. كما أن العكس صحيح أيضا، فهناك مسائل تدخل في صميم اهتمام البنك، و لكنها ترد أيضا في شروط قروض برامج التثبيت للصندوق (الموازنة العامة مثلا). و هنا يشترط الصندوق ضرورة أن يوافق البلد على ما يراه البنك بشأن مسألة ما، قبل أن يوافق على إعطاء تسهيلاته، من هنا فقد نشأ مؤخرا مصطلح جديد في أدبيات الصندوق و البنك، و هو مصطلح المشروطية المتقاطعة الذي أصبح يعني الترابط و التداخل بين شروط كلا المؤسستين.
و سواء تعلق الأمر بوصفة برامج التثبيت الاقتصادي للصندوق أو بوصفة برامج التكيف الهيكلي للبنك، فإن تلك الوصفتين تنطلقان من رؤية موحدة، فحواها أن مأزق المديونية الخارجية و الركود الاقتصادي الذي تواجهه البلاد النامية المدينة، إنما يعود - في التحليل الأخير- إلى أخطاء السياسات الاقتصادية الكلية الداخلية التي ارتكبتها هذه البلاد، و عليه ، فإنه بالخروج من هذا المأزق و ذلك الركود يتعين على البلد المعني أن يقوم بإحداث تغيرات جذرية في هذه السياسات حتى لو تم ذلك بتكلفة مرتفعة و على حساب الأهداف الاجتماعية.
__________
(1) : هيرويوكي هينو، " التعاون بين صندوق النقد الدولي و البنك الدولي" التمويل و التنمية، السنة 23، العدد 3 ( أيلول / سبتمبر 1986) ص 13 و ما بعدها.(1/125)
و على رغم أن كثيرا من الدراسات التي وضعها الصندوق و البنك لدراسة مشكلات المديونية الخارجية للبلاد المتخلفة تشير، بصراحة، إلى أن مشكلة الاختلال الخارجي الذي تعانيه هذه البلاد تعود إلى مجموعة من العوامل الخارجية ( مثل أثر الكساد الاقتصادي العالمي، تدهور شروط التبادل الدولي، زيادة أسعار الفائدة، تقلب أسعار الصرف وارتفاع قيمة الدولار، تزايد نزعة الحماية في البلاد الرأسمالية الصناعية...إلخ)، إلا أن الغريب هو أن هاتين المؤسستين عندما تتعرضان لتشخيص هذه المشكلة في كل بلد مدين على حدة - و كما هو واضح من برامج الاستقرار و التكيف التي تفرضانها عليه- فإنهما تهملان تماما العوامل الخارجية، و تعتبرانها غير موجودة أصلا، و تشخصان المشكلة على أنها مجرد أخطاء ارتكبتها البلاد المدينة، و لهذا تنصب برامج الاستقرار والتكييف فقط على المسائل الداخلية. و مهما يكن من أمر ، فإن السؤال الذي يثار الآن هو: ما هو تشخيص كل من برنامج التثبيت و برنامج التكييف؟
-برنامج التثبيت.
يرى صندوق النقد الدولي أن الاختلال الخارجي في ميدان المدفوعات، و ما يترتب عليه من مديونية خارجية، إنما هو إفراطا في مستوى الاستهلاك كلي أو الاستثمار المحلي أو هما معا. و يصل في الأخير أن المشكلة في الأخير ترجع إلى وجود فائض في الطلب المحلي.
من هنا فإن الهدف الحقيقي لسياسة خفض الطلب المحلي - التي تمثل جوهر برنامج التثبيت - هو تحجيم الطلب الكلي المحلي بحيث ينعكس ذلك في تحجيم العجز في الحساب الجاري، و على النحو الذي يرفع من قدرة البلد المدين على خدمة ديونه مستقبلا، و أن يصل إلى ذلك الوضع الذي يمكن عنده تغطية العجز المتبقي في الحساب الجاري بتدفقات رأسمالية مستمرة تمثل تحويلات طوعية و طويلة المدى للموارد من المقرضين الأجانب.(1/126)
على أن الصندوق يرفض، بحكم الإيديولوجية الليبرالية الرأسمالية التي تحكمه، أن تكون الوسائل المتبعة لتحجيم الطلب الكلي من خلال التأثير الواعي العمدي في مكونات ميزان المدفوعات عن طريق مجموعة السياسات التدخلية المباشرة، مثل دعم الصادرات، و تقييد الواردات، و الحد من تصدير رؤوس الأموال، و الرقابة على الصرف الأجنبي، ويصر على قبول آليات السوق و الإبعاد المحسوس للدولة عن التدخل في النشاط الاقتصادي.
و لما كان الاقتصاد المدين الذي يواجه متاعب في ميزان مدفوعاته يعاني وجود فائض طلب يفوق المقدرة الفعلية لحجم الموارد المتاحة، فإن هذا الفائض يسبب ضغطا باستمرار على المستوى العام للأسعار فيدفعها دوما إلى الارتفاع. و لهذا فإن الصندوق يرى أن الهدف من منهج إدارة الطلب لخفض هذا الفائض يجب أن يكون القضاء على التضخم، و هو العجز في الموازنة العامة للدولة، و في الوقت نفسه السعي لتنمية موارد البلاد من النقد الأجنبي عن طريق ما يقترحه من خفض في القيمة الخارجية لعملة البلد، أملا في أن تكون للتخفيض فاعلية في زيادة الصادرات و الحد من الواردات، مع تحريرا التجارة الخارجية ، و هنا يكون معيار النجاح زيادة حجم الاحتياطات الدولية للبلد.
و هكذا يمكن أن نحدد سياسات برامج التثبيت لخفض الطلب الكلي في ضوء المحاور الآتية:
أ- محور خاص بالموازنة العامة للدولة.
ب- محور خاص بميزان المدفوعات.
ج- محور خاص بالسياسة النقدية.
أ- السياسات المتعلقة بالموازنة العامة للدولة:(1/127)
لما كان الإنفاق العام، بشقيه الجاري و الاستثمار، يمثل نسبة لا يستهان بها من الطلب الكلي، فإن محاصرة العجز في الموازنة العامة و ما ينجم عنه من مشكلات، تتطلب العمل -من وجهة نظر الصندوق- على كبح نمو الإنفاق العام و أن تعمل الحكومة في الوقت نفسه على زيادة مواردها العامة. و يمكن تلخيص السياسات التي تهدف إلى تحقيق ذلك في ما يلي(1):
1- إجراء خفض كبير في بند النفقات التحويلية ذات الطابع الاجتماعي، و خصوصا ما هو متعلق بدعم أسعار السلع التموينية و الضرورية، و هنا يوصي الصندوق بأساليب عدة، أفضلها من وجهة نظره، الإلغاء الكلي لهذا الدعم مرة واحدة ، من خلال زيادة أسعار هذه السلع حتى تتساوى مع تكلفتها (على الأقل). أما إذا حالت الأوضاع الاجتماعية و السياسية دون ذلك، نتيجة للاضطرابات التي تنشأ في حالة إلغاء الدعم فجأة، فلا بأس من إتباع سياسة الخطوة خطوة، و يكون ذلك من خلال الارتفاع التدريجي لأسعار هذه السلع، مع تقرير شذرات من علاوات الغلاء للموظفين و العمال ذوي الدخل المحدود، بشرط أن تتمخض تلك الأساليب عن تحقيق خفض مستمر لنسبة تكاليف الدعم السلعي إلى الإنفاق العام الإجمالي في كل سنة من سنوات البرامج.
2- زيادة أسعار مواد الطاقة و خصوصا التي تستخدم في أغراض الاستهلاك العائلي، والاقتراب من الأسعار العالمية لها، فضلا عن زيادة أسعار الخدمات العامة للحكومة، مثل خدمات النقل و المواصلات و الاتصالات، و التعليم و الخدمات الطبية....إلخ.
__________
(1) ر. زكي: الصراع الفكري و الاجتماعي حول عجز الموازنة العامة للدولة في العالم الثالث، دار المستقبل القاهرة ص 144 و ما بعدها.(1/128)
3- تغيير سياسة الدولة اتجاه التوظف، و يكون ذلك برفع يدها تدريجيا من الالتزام بتعيين الخريجين الجدد في المدارس الفنية و الصناعية و المعاهد و الجامعات، كي يمكن إعادة الحياة إلى علاقات اعرض و الطلب في سوق العمل، حتى لو أدى ذلك إلى زيادة معدلات البطالة في السنوات الأولى من تنفيذ البرامج.
4- يوصي الصندوق بضرورة أن تكف الدولة عن الولوج في المجالات الاستثمارية التي يمكن للقطاع الخاص (و بالذات الأجنبي أو المشترك) أن يقوم بها، مثل مشروعات الصناعات التحويلية، و أن ينحصر دور الاستثمار العام فقط في المجالات المتعلقة ببناء واستكمال شبكة البنى الأساسية. فالقطاع الخاص أكفأ، بنظر الصندوق ، من القطاع العام في إنشاء هذه المشروعات و إدارتها.
5- يحرص الصندوق كذلك على المطالبة برفع فئات بعض الضرائب غير المباشرة، وتجميد الأجور و الرواتب و العلاوات للعمال و الموظفين في الحكومة و القطاع العام.
6- التخلص من الدعم الاقتصادي الذي تتحمله موازنة الدولة جراء وجود وحدات إنتاجية في القطاع العام تحقق خسارة. و يكون ذلك من خلال تصفية هذه الوحدات أصلا، أو بيعها للقطاع الخاص، أو العمل على إدارتها بعنصر أجنبي على أسس اقتصادية و تجارية لكي تحقق ربحا، و يكون ذلك من خلال زيادة أسعار منتجاتها النهائية التي تقدم إلى السكان.
و على الرغم من أن هذه السياسات تصب إما في مجال تحجيم الإنفاق العام أو في مجال زيادة الموارد العامة، إلا أن الصندوق توقع أنه من غير المحتمل القضاء كلية على العجز. و لهذا اشترط الصندوق أن ما يتبقى من عجز في الموازنة يجب أن يمول بموارد حقيقية، بمعنى أن تمتنع الدولة عن طبع البنكوت و الاقتراض من الجهاز المصرفي، وأنه لكي تسد عجزها يتعين عليها النزول إلى السوق النقدي والمالي بأوعيته الادخارية المختلفة للاقتراض منه، شأنها في ذلك شأن القطاع الخاص، و هنا برزت سياسة أذون الخزانة.(1/129)
ب- السياسات المتعلقة بميزان المدفوعات:
أما في ما يتعلق بالإجراءات و السياسات التي تهدف إلى زيادة قدرة الدولة في الحصول على النقد الأجنبي، فإن القضية المركزية في وصايا الصندوق هي تخفيض القيمة الخارجية للعملة (dévaluation)، توهما أن شروط نجاح تلك السياسة متوافرة في هذه البلاد (شرط مرونات العرض و الطلب، و عدم حدوث التضخم...إلخ). و من هنا فالزيادة في النقد الأجنبي من خلال التخفيض سوف تتحقق عبر:
- زيادة الصادرات.
- تقليل الواردات.
-اتجاه الموارد إلى الاستثمار في قطاع الصادرات.
و كل ذلك لا بد من أن يتم في إطار تحرير التجارة الخارجية، أي إلغاء القيود النوعية والكمية على الواردات و الاكتفاء بالرسوم الجمركية، و إلغاء الرقابة على الصرف، والسماح بدخول النقد الأجنبي و خروجه، و إلغاء اتفاقيات التجارة و الدفع الثنائية، وإعطاء الحوافز - كل الحوافز- للاستثمارات الأجنبية الخاصة....إلخ.
و خلال فترة تنفيذ البرنامج، يتعين على الدولة أن ترفع من احتياطاتها النقدية إلى مستويات يراها الصندوق ضرورية لاستعادة الثقة الانتمائية في البلد المدين، و كصمام أمن تلجأ إليه الدولة لدفع أعباء ديونها الخارجية بعد انتهاء فترة إعادة الجدولة.
ج-السياسات النقدية:
و هنا يعطي برنامج الصندوق أهمية ارتكازية لضبط نمو عرض النقود ضبطا محكما، لأن فائض الطلب المسبب للتضخم يناظره إفراط حادث في السيولة المحلية. و لهذا فإن برنامج التثبيت يتضمن سياسات نقدية صارمة، أهمها ما يلي(1):
1- زيادة أسعار الفائدة المدينة و الدائنة، اعتقادا أن هذه الزيادة سوف تؤدي إلى نتيجتين مرغوب فيهما. الأولى، هي زيادة الادخار المحلي (و خصوصا إذا أصبح سعر الفائدة الحقيقي موجبا). و الثانية، هي ترشيد استخدام رأس المال بزيادة كلفة الاقتراض.
__________
(1) ر. زكي: الصراع الفكري و الاجتماعي حول عجز الموازنة في العالم الثالث مرجع سابق ص 148.(1/130)
2- وضع حدود عليا ( سقوف) للائتمان المصرفي لا يجوز تعديلها خلال فترة البرنامج، و خصوصا الائتمان المسموح للحكومة و للقطاع العام خلال فترة تنفيذ البرنامج، حتى و لو أدى هذا إلى الإضرار بتمويل الخدمات العامة و بالإنتاج في مشروعات القطاع العام.
3- تنمية أسواق رأس المال و تحرير التعامل فيها ( البورصات).
- برنامج التكييف الهيكلي:
و لا تختلف قروض التكييف الهيكلية، من حيث أهدافها و مضمونها، عن القروض التي يمنحها صندوق النقد الدولي لدعم برامجه، إلى حد يصعب التمييز بينها، بل يمكن القول إن السياسات القصيرة المدى التي يمليها الصندوق على البلاد المدينة، تتكامل بشكل عضوي مع السياسات التكييفية الطويلة المدى التي يدعمها البنك. و كلتا المؤسستين تعمل الآن بشكل منسق في ما بينهما حتى لا يحدث تضارب أو تعارض اتجاه مواقفهما مع البلاد المدينة. و باستعراض خبرة برامج قروض التكييف الهيكلي في السنوات الماضية، يلاحظ أن تلك البرامج تتضمن ثلاث قضايا أساسية هي(1):
أ- تحديد صريح للأهداف التي يتعين تحقيقها في خلال فترة تتراوح ما بين 3- 5 سنين.
ب- تحديد واضح للإجراءات التي لابد من أن تتخذ في غضون السنوات المحددة من أجل تحقيق هذه الأهداف .
ج- و كما هو الحال بالنسبة إلى برامج التثبيت للصندوق، فإن الهدف من قروض التكيف الهيكلي التي تمتد من خمس إلى عشر سنوات، هو دعم ميزان المدفوعات و زيادة قدرة هذه الدول على سداد ديونها الخارجية، بالإضافة إلى فتح هذه الدول أمام الاستثمارات الأجنبية مع تحقيق الإجراءات و السياسات الرامية إلى زيادة متوسط معدل الربح في تلك الدول فوق متوسطة العالمي أمام هذه الاستثمارات.
و هناك ثلاثة محاور يركز عليها هذا البرنامج هي:
-أ- تحرير سعار.
-ب- الخوصصة.
__________
(1) ر. زكي: أزمة القروض الدولية : أسبابها و نتائجها مع مشروع صياغة لرؤية عربية. دار المستقبل العربي القاهرة. 1986 ص 207.(1/131)
-ج- حرية التجارة و التحول نحو التصدير.
أ- تحرير الأسعار:
تعطي قروض التكيف الهيكلي للبنك الدولي أهمية كبرى لمسألة تحرير الأسعار و إبعاد الدولة عن التدخل في آليات العرض و الطلب. فالبنك يرى أن تدخل الدولة في جهاز الأسعار يؤدي إلى تشويه الأسعار النسبية و يكبح من الحوافز اللازمة لزيادة الكفاءة الإنتاجية و التخصيص الأمثل للموارد و توزيع الدخل. و هو في هذا الخصوص ضد سياسة الحد الأدنى للأجور، و ضد دعم مستلزمات الإنتاج و القروض المدعومة بأسعار فائدة منخفضة، و ضد سياسات و مؤسسات التسويق الحكومي. و يعتقد البنك أن تحرير الأسعار في القطاع الزراعي، بما فيه تحرير أسعار الأراضي و خلق سوق للأرض تتحدد فيه الإيجارات بناء على علاقات العرض و الطلب، من شأنه أن يرفع من مستوى الإنتاج و الإنتاجية و يحسن توزيع الدخل لصالح الفقراء و صغار الملاك.
ب- الخوصصة:
أ شارت أدبيات البنك الدولي ( و غيره من المنظمات)، إلى أن سياسة الخصخصة باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات الإصلاح الاقتصادي، تحتاج إلى وضع برنامج ذي آليات خاصة، تبدأ بمسح كامل لمشروعات القطاع العام و مشكلاته و تصنيف هذه المشروعات بحسب أوضاعها، ثم تحديد المشروعات المرادة خصخصتها، و وضع أسس لتقييم أصول الشركات المباعة، و تحديد جدول زمني يحدد دفعات البيع، و إنشاء جهاز خاص يكون مسئولا عن برنامج الخصخصة. و لوضع هذا البرنامج و تنفيذه، لا يمانع البنك الدولي، و هيئات أخرى، من أن يقدم دعما ماليا و غنيا في هذا المجال(1)، كما يتعين لإنجاح البرنامج أن يكون البلد قد خلق مناخا مواتيا لإنعاش اقتصاديات السوق (تحرير الأسعار، و في مقدمتها سعر الصرف و سعر الفائدة، و تحرير التحرير التجارة الخارجية، و تغيير القوانين المنظمة لشركات القطاع العام، عودة بورصة الأوراق المالية و إنعاشها....إلخ).
ج- تحرير التجارة:
__________
(1) تقرير التنمية للبنك الدولي لعام 1985- ص 153(1/132)
تعد مسألة تحرير التجارة الخارجية و المدفوعات الخارجية من الأمور المهمة التي لا يتهاون فيها البنك الدولي ضمن شروط قروض التكيف الهيكلي. فهو يعتقد أن الرقابة على التجارة الخارجية ( و بالذات تجارة الواردات) من شأنها أن تعوق المنافسة و زيادة الإنتاجية و التعرف إلى التقانة الحديثة. كما أنه تؤدي إلى عزل الأسواق المحلية عن الأسواق الدولية و إلى تشويه هيكل الأسعار المحلية و تخصيص الموارد. كما يعارض البنك مسألة حماية الصناعات المحلية، و يعتقد أن البلاد المنفتحة على العالم الخارجي أكثر قدرة على مواجهة مشكلاتها و التأقلم مع الصدمات الخارجية، و أن وجود سياسة تجارية منفتحة تقود إلى زيادة معدلات النمو و التوسع الصناعي(1)، كما أن الأداء الاقتصادي لتلك البلاد سيكون أفضل حينما تنخفض الرسوم الجمركية على الواردات ويتم التخلي عن مبدأ حماية الصناعات المحلية ( لإتاحة الفرصة لآليات المنافسة للعمل) حتى ولو أدى هذا إلى و أد الصناعة المحلية و زيادة الطاقات العاطلة و معدلات البالة.كما يهاجم البنك سياسات التصنيع القائم على بدائل الواردات و يرى أنه من الأفضل لتلك البلاد أن تحول هيكل إنتاجها نحو التصدير. و في هذا الخصوص تتفرع من قروض التكيف الهيكلي مجموعة السياسات الآتية:
1- تخفيض سعر الصرف للعملة المحلية و إلغاء القيود على المدفوعات الخارجية.
2- إحلال الرسوم الجمركية مكان القيود الكمية.
3- خفض الرسوم الجمركية.
4- إلغاء المؤسسات الحكومية لتسويق الصادرات.
5- التخلي عن حماية الصناعات المحلية.
6- إلغاء اتفاقيات الدفع و التجارة الثنائية.
7- السماح بتمثيل الوكالات الأجنبية.
__________
(1) تقرير التنمية للبنك الدولي لعام1987 - ص115(1/133)
و ليس من العسير علينا أن نفهم لماذا يعطي البنك الدولي قضية تحرير التجارة والتحول نحو زيادة الصادرات أهمية محورية في قروض التكييف الهيكلي. فمن ناحية، سيؤدي فتح أسواق هذه الدول بإسقاط القيود المفروضة على الواردات وخفض الرسوم الجمركية عليها و التخلي عن مبدأ حماية الصناعة المحلية، إلى زيادة صادرات الدول الرأسمالية الصناعية الدائنة إلى هذه البلاد، و هي قضية باتت حيوية بالنسبة إليها للتخفيف من مشكلات البطالة و الكساد فيها. و من ناحية أخرى، من السهل أن نتصور أن تحويل بنيان الإنتاج إلى التصدير و تنمية قطاع الصادرات يضمن، من خلال ما يدره من نقد أجنبي، تسديد الديون التي اقترضها البلد، سواء من الصندوق نفسه أن من المنظمات الدولية الأخرى. كما أن تنمية موارد النقد الأجنبي، من خلال إستراتيجية الإنتاج الموجه إلى التصدير، تضمن تمويل تحويلات أرباح و فوائد و دخول رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة داخل البلد. و في هذا الخصوص تتكامل "روشتة" الصندوق مع "روشتة" البنك الدولي بصدد السياسات التي ينصحون البلد بتطبيقها، مثل ضرورة الترحيب بالاستثمارات الأجنبية التي ستعمل في قطاع التصدير، و حفزها إلى المجيء من خلال مظلة المزايا الضريبية و الحماية من التأميم أو المصادرة و توفير الحرية لها في تحويل أرباحها إلى الخارج، و السماح لها بالمشاركة في ملكية المشروعات المحلية، مع القطاع العام أو الخاص، و أن تتاح لها إمكانية الاقتراض من سوق النقد المحلي...إلخ(1).
من العرض السابق يمكن حصر مؤشرات النظام الاقتصادي العالمي كحقبة للألفية الثالثة بجملة من الملاحظات المهمة، أولها استمرار قوة و تأثير الهياكل التنظيمية للنقد و المال العالميين على تحديد ملامح الاقتصاد الدولي و طبيعة العلاقات المتبادلة بين الدول القومية.
__________
(1) ر. زكي: القروض الدولية – مرجع سابق . ص 191.(1/134)
ثانيا: تعميق و تنامي التكتلات الاقتصادية الإقليمية إضافة إلى ظهور تنظيمات مماثلة في مختلف مناطق العالم مع احتمال التقاء هذه التكتلات عند خطوط تماس جغرافية أو تداخلها في كثير من الاختصاصات.
ثالثا: الاعتماد الكبير على مقومات التكنولوجيا و المعلومات في التعاملات الاقتصادية والتجارة بين الدول العالم مع بروز الدور الكبير للقطاع الخاص في هذا الصدد.
رابعا: هيمنة الفلسفة الرأسمالية على السوق العالمية الأمر الذي قد يولد سلسلة من الصراعات التجارية بين الأقطاب الكبرى و تكتلاتها من جهة، و خلق فجوة عميقة في العلاقات بين الدول الصناعية المتقدمة و دور العالم الثالث من جهة أخرى.
خامسا: أكثر الدول تضررا من نتائج العولمة الاقتصادية هي الدول النامية وخاصة التي مازالت تعمل منفردة في منظومة علاقاتها الاقتصادية و التجارية وتلك التي لا زالت هياكلها المالية المحلية مجمدة في إطار النمط التقليدي الضيق.
الفصل الرابع:
النظام التجاري العالمي الجديد.(1/135)
العولمة المتصاعدة التي تزيد من تشابك و ترابط العلاقات الاقتصادية الدولية أكثر ما تظهر جلية في ميدان التبادلات العالمية التي استأثرت، في السنوات العشر الأخيرة بشكل خاص، بالقسم الأكبر من الإنتاج العالمي، حيث ازداد حجم التجارة العالمية بنسبة 4.5 في المائة خلال عام 1992. في حين أن نسبة متوسط النمو الحقيقي للإنتاج لم تتعد 1.1 في المائة، أي أن التبادل العالمي يسير بوتيرة تتجاوز ثلاثة أضعاف وتيرة الإنتاج العالمي. وساهم في دعم هذا المسار تزايد التبادلات " العالم- ثالثية" التي تخطت ضعفي التبادل بين الدول المصنفة الأعضاء في "منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية "OCDE عام 1992. هذا على الرغم من الاهتزازات التي تعرض لها النظام التجاري العالمي المتعدد الأطراف هذا العام نتيجة تزايد الممارسات الحمائية الانطوائية و تكاثر الاتفاقات الثنائية أو المجمعية على حساب الاتفاقات العالمية المتعددة، و احتدام النزاعات التجارية بين الدول، التي لقت ترجمتها في ممارسات "ثأرية" عبر الرسوم الجمركية و الإجراءات غير الجمركية.
في عالم اليوم الذي بات أشبه بـ " قرية كونية" تضغط مسألة الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية بثقلها على كل سكان " القرية" دون استثناء يذكر. و لا يستطيع أحد تجنب الآثار السلبية أو الإيجابية لمسألة، كتلك المتعلقة بالمفاوضات التجارية الدولية، حتى أن موضوع مفاوضات "الغات "ربما يكون من أهم الموضوعات ذات الصدى الكوني الشامل و التأثير المباشر أو غير المباشر، في كل من ينتج ويبيع و يشتري و يستهلك في هذا العالم، من أفراد و دول وشركات و جماعات و غيرهم و ليس في هذا القول أدنى مبالغة.(1/136)
و إذا كانت ظواهر الأمور ربما تدل على أن هذه المفاوضات العالمية تهم دول الشمال و تحديدا أوروبا و الولايات المتحدة و اليابان، فالحقيقة أن الموضوع يطال دول العالم برمتها تقريبا ، و العالم الثالث معني ليس في اقتصادياته فحسب بل في استقلاله الوطني و سيادته أيضا.
المبحث الأول:
الغات: النشأة و التطور.
الجات هي الاختصار الشائع للعبارة الإنجليزية (GATT) التي تعني " الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية و التجارة". و من الجانب الاقتصادي هي معاهدة دولية تنظم المبادلات التجارية بين الدول التي تنضم إليها. و من منطلق أن التجارة الدولية هي محرك النمو الاقتصادي أنشأت الغات للسهر على تحرير التجارة الدولية من القيود التعريفية و غير التعريفية حتى تسمح لها المساهمة في عملية التنمية.
1-1-لمحة تاريخية:(1/137)
كان توقيع اتفاقات بروتن وودز (Bretton Woods) عام 1944 – التي أسست لصندوق النقد الدولي (I.M.F) و البنك الدولي للتنمية و إعادة الإعمار(أو البنك الدولي) تعبيرا عن الإرادة الجماعية للتصدي للنتائج السلبية للحرب العالمية الثانية على المستوى الاقتصادي. و كان لا بد من إصلاح التجارة الدولية التي عانت هي الأخرى من الحرب عبر بناء هيكلة تحكمها قواعد و اتفاقات تلتزم بها الدول المنتسبة و المتفقة على إطلاق الحركة التجارية في ما بينها بواسطة التبادل الحر. و أدت اجتماعات عدة بين عامي 1946 و1947 إلى توقيع اتفاق " الغات" (جنيف 30 أكتوبر 1947) الذي وافقت عليه ثلاث وعشرون دولة كانت تستأثر يومها ب 80 في المائة من التجارة الدولية. و يهدف الاتفاق إلى إلغاء إجراءات الحماية التي سادت غداة الحرب و العودة إلى التبادل الحر و كل ما يشجع المنافسة الاقتصادية المشروعة و تشجيع المفاوضات بين الدول الموقعة ومراقبة تطبيق الاتفاقات التجارية و التحكيم بين الأعضاء في حال وجود خلافات. منذ تأسيسها تطورت "الغات" و بات لها هيكلة دائمة محاطة بخبراء دوليين وغدت مركز المفاوضات التجارية المتعددة الجنسيات.
و لا بد من الإشارة إلى أن الغات ليست " معاهدة تبادل حر" كما يعتقد البعض و لكنها اتفاق يسمح لكل دولة عضو بالمساهمة في وضع قواعد تتصدى لفلتان محتمل للإجراءات الحمائية الأحادية التي من شأنها إعاقة التجارة الدولية، كما حصل في الثلاثينات من القرن الماضي.
"ألغات" إذا ليست آلة كبرى في خدمة التبادل الحر، لكنها في الواقع تنظيم متعدد الأطراف، مهمته تشجيع التحرير المتوازن للتجارة الدولية.(1/138)
ينبغي التذكير أن المفاوضات التي انطلقت سنة 1946 بجنيف و اختتمت في هافانا، كانت تهدف إلى إنشاء منظمة تجارية دولية و هذا ما نص عليه "ميثاق هافانا " ميثاق التجارة الدولية" و اشتمل الميثاق على مجموعة من القواعد والأسس للتوصل لاتفاقية التجارة الدولية التي تنظم سلوك الدولة في المبادلات التجارية بما يحقق العدالة فيما بينها بالإضافة إلى إنشاء منظمة التجارة الدولية.
رأت الإدارة الأمريكية أن ميثاق هافانا لا يلبي كافة مصالحها لذا سحبت موافقتها المبدئية عليه و جمدت عرضه على الكونجرس الأمريكي للمصادقة (التصديق) ثم اتضّح الموقف الأمريكي اتجاه الميثاق سنة 1950 حيث رفضت الإدارة الأمريكية رسميا المصادقة عليه و من ثم فقد تم قتل الميثاق في مهده.
و في نفس الوقت الذي كانت تدور فيه المفاوضات لإنشاء منظمة التجارة الدولية وجهت الولايات المتحدة الأمريكية الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي في جنيف سنة 1947 وقد شارك فيه ممثلو 23 دولة للتفاوض على تخفيض الرسوم الجمركية و تخفيض القيود الكمية على الواردات التي كانت تعترض التجارة الدولية، و كللت المفاوضات بتوقيع الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية و التجارة (General Agreement on tariffs and Trade) في 20 أكتوبر 1947 و أصبحت سارية المفعول منذ 1 يناير 1947.
تجدر الإشارة إلى أنه بعد أن كان الغرض من اتفاقية GATT هو أن تكون مجرّد تنظيم دولي مؤقت حتى يخرج ميثاق هافانا إلى النور، فإنه بعد تعثر إجراءات المصادقة على هذا الميثاق و رفض الإدارة الأمريكية المصادقة عليه ولاسيما الجزء الخاص بإنشاء منظمة الجارة الدولية في ديسمبر 1950، فقد أصبحت الجات اتفاقية دائمة لتنظيم التجارة الدولية ثم تطورت لتأخذ مقومات المنظمة الدولية في التسعينات.
1-2-أهداف و وظائف الغات:(1/139)
الاتفاقية العامة للتعريفات و التجارة هي اتفاقيات متعددة الأطراف تتضمن حقوقا وواجبات متبادلة بين الدول الأعضاء. و لهذه الاتفاقية أهداف و وظائف يمكن تلخيصها كالتالي:(1)
-الأهداف: تتلخص أهم أهداف ألغات فيما يلي:
- تحرير التجارة في السلع و الخدمات من أجل زيادة الدخل الوطني للدول الأعضاء وتخفيف الاستغلال الأمثل للموارد العوامل الإنتاجية المتاحة.
- تشجيع حركة الإنتاج العالمية و حركة رؤوس الأموال و الاستثمارات.
- إزالة الحوافز الجمركية لتسهيل الوصول إلى الأسواق العالمية و زيادة حجم التبادل التجاري العالمي.
- حل المنازعات التجارية بين الدول عن طريق المفاوضات.
-الوظائف: يمكن حصر وظائف الغات في ثلاثة وظائف رئيسية:
- الإشراف على تنفيذ المبادئ و القواعد و الإجراءات التي تضعها الاتفاقات المختلفة التي تنطوي عليها الجات و التي تتعلق بتنظيم التجارة الدولية بين الأطراف المتعاقدة في ألغات.
- تنظيم جولات المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف من أجل إحراز مستويات أعلى لتحرير التجارة العالمية، و من أجل جعل العلاقات الاقتصادية الدولية والعلاقات التجارية الدولية تحديدا بين الدول أكثر شفافية و أكثر قابلية للتنبؤ و من ثم أقل إثارة للمنازعات.
- العمل على الفصل في المنازعات التي تثور بين الدول في مجال التجارة الدولية من خلال البحث و النظر في القضايا التي يرفعها طرف متعاقد في الجات ضد طرف آخر من الأطراف الأخرى المتعاقدة.
1-3-مبادئ الغات:
و في سبيل تحقيق هذه الأهداف تضمنت الاتفاقية مبادئ عامة منها.(2).
- معاملة الدولة الأولى بالرعاية:
__________
(1) الغات: مجلة الفكر السياسي: اتحاد كتاب العرب. دمشق 1998 العدد2 ص 126.
(2) إبراهيم العيسوي: الغات و أخواتها. مركز الدراسات العربية بيروت 1995 ص 16-17.(1/140)
و تعني أن لا يجوز لأي طرف في الاتفاقية تقديم امتيازات يكون من شأنها التمييز بين موردي السلع و الخدمات من الدول الأطراف الأخرى.
يلتزم البلد العضو بموجب هذا المبدأ بمنح جميع الدول نفس المعاملة التفضيلية التي يمنحها لأي من الدول المتعاقدة، و ذلك فيما يتعلق بتطبيق و إدارة الضرائب و الرسوم المفروضة على المستوردات و الصادرات، إلا أن هناك استثنائيين لهذا المبدأ:
أ الاتفاقيات التجارية ذات الطابع الإقليمي التي تقوم الدول المنظمة إليها بإلغاء الرسوم الجمركية و بقية الحواجز فيما بينها و اعتماد تعريفة جمركية موحدة تطبق على الدول الأخرى، و منطقة التبادل الحر التي تقوم الدول الأعضاء فيها بإلغاء الرسوم الجمركية و بقية الحواجز التجارية فيما بينها و تبقى كل دولة على تعريفاتها الجمركية الخاصة مع الدول الأخرى.
ب الامتيازات و الأفضليات التجارية التي تمنحها بعض الدول المتقدمة للدول النامية بموجب النظام المعمم للأفضليات (.G.S.P)
- المعاملة الوطنية:
و المقصود بها منح الخدمات الأجنبية و مورديها من الدول الأعضاء ميزات لا تقل عن المعاملة التي تحظي بها الخدمات الوطنية.
ينص هذا المبدأ على أنه يجب معاملة المنتج المستورد- بعد دفع الرسوم الجمركية- نفس المعاملة التي يلقاها المنتج الوطني المماثل. أي أنه ينبغي عدم التمييز- عند فرض الرسوم مثلا- بين السلع المستوردة و السلع المماثلة المنتجة محليا.
- مبدأ استخدام الرسوم الجمركية كوسيلة وحيدة للحماية:(1/141)
ينص هذا المبدأ على أن حماية الإنتاج الوطني يجب أن تتم عن طريق التعريفة الجمركية دون غيرها من الإجراءات الحمائية الأخرى و تلتزم كل دولة متعاقدة بتجميد الرسوم الجمركية التي تفرضها و عدم تجاوزها لسقف محدد يتم التفاوض حوله مع بقية الدول المتعاقدة، و يمكن لأي دولة متعاقدة رفع تعريفاتها الجمركية لبعض السلع المستوردة عن طريق تقديم تنازلات جمركية مقابلة لسلع أخرى مستوردة، و تتضمن اتفاقية الغات بالمقابل نصوصا لمحاربة سياسة الإغراق التي تتبعها بعض الشركات، كما أعطت الحق للدول بفرض رسوم تعويضية على مستورداتها من السلع التي تتمتع "بدعم" من قبل السلطات في البلدان المصدرة.
- حظر الإجراءات التقييدية الكمية:
يعتبر حظر استخدام الإجراءات التقييدية الكمية على المستوردات واحدا من النصوص الأساسية لاتفاقية الغات إلا أن هناك استثناء لهذا الحظر (المادة 12) يتيح للدول التي تعاني من مشاكل في ميزان مدفوعاتها اللجوء إلى مثل هذه الإجراءات التقييدية الكمية.
كما أن المادة (18) نصت بالنسبة للدول النامية على أنه قد يتوجب عليها تطبيق إجراءات تقييدية كمية، إما لوقف النزيف الكبير في احتياطاتها من الاحتياط الأجنبي الذي يسببه تمويل الطلب على المستوردات الناجم عن عملية التنمية، أو لحماية صناعتها الوطنية الناشئة، شريطة ألا يكون هنالك معاملة تمييزية في تطبيق هذه الإجراءات.
-محاربة سياسة الإغراق:
تلزم المادة (6) من اتفاقية الغات 1947 الأطراف المتعاقدة في الغات بعدم تصدير منتجاتهم بأسعار أقل من السعر الطبيعي لهذه المنتجات في بلادهم، إذا كان من شأن ذلك إيقاع ضرر جسيم بمصالح المنتجين المحليين في الدولة المتعاقدة المستوردة، أو التهديد بوقوع مثل هذا الضرر. و تخول الاتفاقية (في المادة نفسها) الطرف المتعاقد فرض رسم تعويضي لإلغاء أثر الإغراق أو منع حدوثه أصلا من جانب أية دولة أخرى.
-مبدأ الشفافية:(1/142)
يقضي هذا المبدأ بتعهد الدول الأعضاء بنشر المعلومات اللازمة حول القوانين واللوائح الوطنية و الممارسات الشائعة التي قد تعرقل تجارة الخدمات و السلع.
وهناك استثناءات على هذه المبادئ تأخذ في الحسبان واقع الاقتصاد العالمي والفروقات بين الدول التي تعيق التطبيق الدقيق لمبادئ المعاملة بالمثل، ومنها:(1)
- المادة 24، و هي الاستثناء الأهم على "نص الدولة الأكثر رعاية" التي تسمح بإقامة مناطق تبادل حر أو اتحاد جمركي، تمنح الدول المنتسبة شروطا أفضل في ميدان الرسوم الجمركية. و الاستثناء الذي يكاد يلغي مفعول المبدأ المذكور أعلاه رقم 1 هو الفقرة الرابعة من المادة 24، التي دخلت حيّز التطبيق منذ 1966، والتي تسمح لدول العالم النامي بالاستفادة من هذا المبدأ دون أن تكون مجبرة على تطبيقه بالمثل حيال الدول الغنية.
- المادة 19 تسمح بإقامة عوائق جمركية تهدف إلى حماية فروع من النشاط الاقتصادي المهدد، الأمر المعروف بـ " بند الحماية" و القيد الوحيد المفروض عليه هو وجوب احترام مبدأ التعامل بالمثل بين الدول.
- المادة 12 تسمح بممارسة قيود كمية في الحالات التالية.
- عندما يتعرض ميزان المدفوعات إلى خلل خطير، لكن يجب رفع القيود عندما يعود الميزان إلى التوازن.
- عندما تدخل هذه القيود في إطار سياسة زراعية تحد من الإنتاج لامتصاص الفوائض.
- عندما تعتبر "دول نامية" أن تحديد الاستيراد يسهل لها خلق أو تنمية فرع من فروع صناعتها الداخلية.
__________
(1) إبراهيم العيسوي: الغات و أخواتها. مرجع سابق ص 19.(1/143)
من قراءة هذه المبادئ و الاستثناءات يبدو أن نص " الغات" يحمل بذور الشقاق في ثناياه. لكن حتى عام 1973، و هي الفترة التي عرف فيها العالم نموا اقتصاديا ملحوظا، لم تحدث خلافات جوهرية، و تم التوصل إلى حلول سريعة للخلافات الناشئة بين الدول. أما العقدان الماضيان فقد حملا خلافات حادة و اضطرابات داخل" الغات" نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية الآخذة بالتصاعد. و راحت الدول في سعيها وراء مصالحها الضيقة تتهرب من تطبيق قواعد "الغات" و تلجأ إلى الإعفاءات و الاستثناءات ، و تتبادل الاتهامات في ما بينها إلى درجة أن الاتفاق نفسه بات مهددا ، بعدما بدأ للجميع أن الممارسة ابتعدت كثيرا عن النصوص المكتوبة.
1-4-جولات التفاوض:
في البداية كانت المفاوضات ثنائية، و كل اتفاق ثنائي حول التخفيضات التدريجية للحقوق الجمركية يعمم تلقائيا على بقية الدول بموجب مبدأ " الدولة الأولى بالرعاية" لكن ابتداء من الستينات أصبحت المفاوضات متعددة الأطراف، فازدادت تعقيدا وطولا و لكنها باتت أكثر فاعلية.
و منذ إنشاءها حتى اليوم عرفت الغات ثمانية جولات:
1- جولة جنيف بسويسرا. عام 1947.
2- جولة آنسي بفرنسا عام 1949.
3- جولة توركاي بإنجلترا عام 1951.
4- جولة جنيف بسويسرا عام 1952-1956.
5- جولة ديلون بسويسرا بين عامين 1960-1961.
6- جولة كيندي بسويسرا خلال فترة 1964-1967.
7- جولة طوكيو خلال فترة 1973- 1979.
8- جولة أوروغواي خلال فترة 1986-1993.
1- جولة جنيف بسويسرا:
و قد عقدت تلك الجولة عام 1947 بحضور 32 دولة و بلغت قيمة التجارة الدولية التي كانت مجالا للتحرير حوالي 10 مليار دولار و كان الموضوع الأساسي في تلك الجولة يدور حول إجراء تخفيضات في التعريفات الجمركية و قد وصل خفض التعريفات إلى 63% و متوسط خفض التعريفة 32% و يلاحظ أن هذه الجولة تعتبر الجولة الأساسية التي انتهت إلى التوصل للإطار العام للاتفاقية.
2- جولة آنسي بفرنسا:(1/144)
و هي تعتبر أول جولة مفاوضات تعقد في إطار الاتفاقية و قد عقدت عام 1949 واشترك فيها 13 دولة فقط و قد واصل فيها الدول الأعضاء العمليات الخاصة بتخفيض التعريفات الجمركية.
3- جولة توركاي بإنجلترا:
و قد عقدت تلك الجولة في تركيا و إنجلترا عام 1951 و قد ضمت 38 دولة بعد أن ازدادت درجة الوعي و الرغبة في تحرير التجارة الدولية.
و قد تمت مناقشة حوالي 8700 بند من بنود التعريفة الجمركية التي انخفضت بواقع 25% بالمقارنة بالمعدلات السائدة عام 1948.
4- جولة جنيف بسويسرا
و قد استغرقت الفترة من 1952 إلى 1956 و عقدت بجنيف بسويسرا واشترك فيها 26 دولة و كانت قيمة التجارة الدولية التي شملها التحرير تبلغ 2.5 مليار دولار و هو رقم متواضع نسبيا بسبب تغيير التفويض الممنوح للولايات المتحدة الأمريكية في المفاوضات فكانت تستغل حقها الكامل في التفويض و تمنح امتيازات على الواردات بقيمة تقدر بحوالي 90 مليون دولار في حين أنها تحصل على امتيازات تقدر بحوالي 400 مليون دولار.
5- جولة ديلون بجنيف بسويسرا:
و تعتبر هذه الجولة الخامسة التي اتسمت بالبحث في إحداث المزيد من التبادل والتخفيضات الجمركية بين الدولة المشاركة التي بلغت 26 دولة و عقدت خلال الفترة 60-1961 و سميت على شرف نائب وزير الخارجية الأمريكية دوجلاس ديلون الذي اقترح انعقاد الجولة و قد نتج عنها تخفيض 4400 بند من بنود التعريفة الجمركية، و قد بلغت قيمة التجارة الدولية المحررة فيها حوالي 4.9 مليار دولار، وانطوت على تنسيق أكثر مع الاتحاد الأوروبي في مجال التعريفات الجمركية حيث شهدت تلك الجولة قيام الجماعة الأوروبية الاقتصادية التي تحولت إلى الإتحاد الأوروبي بداية من عام 1992.
6- جولة كيندي بجنيف بسويسرا:(1/145)
و قد عقدت هذه الجولة بجنيف بسويسرا لكنها تنسب إلى الرئيس الأمريكي الراحل جون كيندي الذي دعى إليها في 25 يناير 1962 و عقدت خلال الفترة من 1964-1967 و اشترك فيها 62 دولة تمثل 75% من الجارة العالمية، و بلغت قيمة التجارة الدولية محل التحرير حوالي 40 مليار دولار، وكان موضوعها الأساسي التعريفات الجمركية المضادة للإغراق، و وصل خفض التعريفات إلى 50% و متوسط خفض التعريفات 35% و قد دعم المفاوضات في تلك الجولة أن الكونجرس الأمريكي وافق في تلك الفترة على قانون توسيع التجارةTrade Expansion . و هذا القانون يخول للرئيس الأمريكي الحق في أن يجري مفاوضات تجارية لتوسيع نطاق التجارة و منحه أيضا الحق في تخفيض التعريفة الجمركية بنسبة 50% خلال فترة خمس سنوات تنتهي في 30 يونيه 1987.
و في هذا الإطار ثم الاتفاق على أن تبدأ المفاوضات في عام 1964 على أساس تحقيق تخفيض جمركي عام بنسبة 50% عن المعدلات الجمركية السائدة حتى تاريخ بدء المفاوضات(1).
و لقد برزت الخلافات في هذه الجولة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجماعة الأوروبية خاصة في مجال السلع الزراعية و هي الخلافات التي لم تحسم خلال جولة كيندي أو طوكيو بل و استمرت حتى المراحل الأخيرة من مفاوضات جولة أوروجواي.
و من ناحية أخرى أسفرت جولة كيندي عن اتفاق لمكافحة الإغراق و هو الاتفاق الذي تطور في جولة طوكيو و تم تضمينه.و يقصد به الاعتماد فقط على التعريفة الجمركية كأداة و ليس على الكمية التي تفتقر للشفافية كحصص الاستيراد، و بذلك ينبغي على الدول التي يتحتم عليها حماية الصناعات الوطنية أو علاج العجز في ميزان المدفوعات أن تلجأ لسياسة الأسعار من خلال التعريفة الجمركية مع الابتعاد عن القيود الكمية، والفلسفة من وراء ذلك هو أنه في ظل قيود الأسعار يسهل تحديد حجم الحماية أو الدعم الممنوح للمنتج المحلي.
__________
(1) عبد المطلب عبد الحميد. مرجع سابق الذكر ص ص 40-41.(1/146)
و رغم ذلك فإن مبدأ الشفافية ينطوي على عدة استثناءات مثل الاستثناء الممنوح للدول التي تواجه عجزا في ميزان المدفوعات و الاستثناء المطروح بشأن السماح باستخدام حصص الاستيراد في السلع الزراعية، و كذلك الحالة التي تنطوي على زيادة طارئة في عرض سلعة معينة مما يهدد الإنتاج المحلي بالخطر و على الأخص الصناعات الوليدة، وهو ما يعف بآلية مكافحة الإغراق و التي يتم تطبيقها من خلال فرض الحماية باستخدام التعريفات الجمركية.
حيث تنص المادة (6) من اتفاقية الجات 1947 على إلزام الأطراف المتعاقدة بعدم تصدير منتجاتهم بأسعار تقل عن السعر الطبيعي أي الحقيقي لهذه المنتجات في بلادهم، إذا كان من شأن ذلك إيقاع ضرر جسيم بمصالح المنتجين المحليين في الدول المتعاقدة المستوردة أو التهديد بوقوع مثل هذا الضرر، و تخول الاتفاقية في هذا المجال الطرف المتعاقد فرض رسوم تعويضية لإلغاء أثر الإغراق أو منع حدوثه أصلا من جانب أية دولة نامية(1).
و من النتائج الهامة أيضا لجولة كيندي هو إعطاء العمل باتفاق المنسوجات القطنية لزيادة فرص التصدير أمام الدول النامية، و يضاف إلى ذلك أن تلك الجولة هي التي شهدت منح بعض المزايا للدول النامية حيث أضيف الجزء الرابع لاتفاقية العامة لصالح نجارة الدول النامية عام 1965 و الذي يحمل مبدأ فتح الأسواق ومنح معاملة تفضيلية للدول النامية حتى يمكن مساعدة هذه الدول على التنمية الاقتصادية و زيادة معدل نموها من خلال التجارة الدولية.
7-جولة طوكيو:
تعتبر جولة طوكيو مختلفة عن باقي الجولات الست السابقة لأنها تطرقت لأول مرة إلى مناقشة العوائق التجارية الأخرى و القيود الكمية بالإضافة إلى مناقشة التعريفات الجمركية.
__________
(1) يقع الإغراق عندما يتم بيع المنتجات في الأسواق الخارجية بسعر يقل عن سعر بيعها في السوق المحلية، و يقع الإغراق أيضا عندما يكون سعر تصدير لمنتج أقل من تكاليف إنتاجه .(1/147)
و قد أطلق على هذه الجولة جولة طوكيو لأن المؤتمر الوزاري الذي أعلن بدايتها انعقد في العاصمة اليابانية في سبتمبر 1973 و تعد هذه الجولة أكبر الجولات السبع التي عقدت في إطار اتفاقية الجات منذ إبرامها عام 1947 حيث عقدت خلال الفترة من 73-1979 و بلغ عدد الدول المشاركة 102 دولة منهم تسعين دولة أعضاء و الباقي دول غير أعضاء في حكم المراقبين و تمخضت عنها تطورات غير مسبوقة على صعيد تحرير التجارة الدولية و بلغت قيمة التجارة الدولية المحررة حوالي 155 مليار دولار و اشتملت على العديد من الموضوعات أهمها تخفيض القيود الجمركية و غير الجمركية و بعض الموضوعات الأخرى.
فمن ناحية التخفيضات و التنازلات الجمركية فقد وصل خفض التعريفات إلى 33% ومتوسط خفض التعريفة 34% بل أن متوسط معدل الرسوم الجمركية في الدول الصناعية انخفض من 7% على 4.7% بنسبة خفض 34% على أن يسري التخفيض من 1/11/1979 مقارنة بمتوسط الرسوم الجمركية لنفس الدول بلغ 40% وقت إبرام الاتفاقية الأصلية للجات في عام 1947 مما كان له أكبر الأثر في زيادة التدفقات السلعية على المستوى الدولي في الثمانينات و أوائل التسعينات(1) حيث أشارت بعض التقديرات أن الخفض الجمركي شمل ما قيمته 300 مليار دولار و متوسط الخفض وصل إلى ما يعادل 30% من متوسط التعريفات في بدء الجولة.
__________
(1) أسامة المجدوب، الجات و مصر و البلدان العربية. من هافانا إلى مراكش، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1995 ص48.(1/148)
و من ناحية الإجراءات تعد جولة طوكيو بمثابة أول ترجمة عملية تطبيقية لفكر المدرسة الكلاسيكية و النيو كلاسيكية الداعية إلى تحرير التجارة من القيود غير الجمركية و التخلص من رواسب فكر المذهب التجاري الذي أسهم في السياسات الحمائية و فرض القيود غير التعريفية على الواردات حيث تم التوصل في جولة طوكيو إلى العديد من الاتفاقيات التي أسهمت في تخفيض مثل هذه القيود فضلا عن معالجتها لجانب من المشكلات الناجمة عن تحرير التبادل التجاري الدولي و تقوية النظام القانوني لاتفاقية الجات و قد أسفرت الجولة عن وثيقة إعلان طوكيو التي شملت العديد من الاتفاقيات الرامي إلى تحرير التجارة الدولية من القيود غير التعريفية بل و تطوير الهيكل القانوني الذي يحكم التجارة الدولية على أن تسري من 1/1/1980 و أهم هذه الاتفاقيات كانت على النحو التالي:
- اتفاقية الدعم و تتضمن إجراءات مكافحة الدعم عن طريق فرض رسوم إضافية تعرف بالرسوم التعويضية countervailing Duties و تلتزم الدول الأعضاء بضمان ألا يتسبب تقديم الدعم في إلحاق الضرر بتجارة الدول الأخرى الأعضاء.
- اتفاقية القيود الفنية على التجارة TBT ، و هي المتعلقة بالإجراءات التي تتخذها الدول لأغراض أمنية أو صحية أو بيئية و تلتزم الاتفاقية الدول الأعضاء بضمان ألا تؤدى مثل هذه الإجراءات إلى وضع عراقيل غير ضرورية أمام تدفق تجارة الدول الأخرى إلى أسواقها.
- إجراءات تراخيص الاستيراد، التي تضع الضوابط الكفيلة بضمان استخدام تراخيص الاستيراد كوسيلة للحد من الواردات.
- اتفاق المشتريات الحكومية، الخاص بتلك القطاعات السلعية التي تحتكر الحكومة التداول فيها عن طريق الاستيراد، و يتضمن مجموعة القواعد التي تكفل مشاركة المنتجين و المصدرين الأجانب في عطاءات المشتريات الحكومية و عدم قصرها على المنتجين والمنتجات المحلية فقط.(1/149)
- اتفاقية احتساب قيمة الجمارك على أساس القيمة الواردة في بوليصة الشحن أو فاتورة السداد دون اللجوء على تقدير الجزافي لقيمة السلعة المستوردة على أن تسري ابتداء من 1/1/1981.
- اتفاقية اللحوم و الثروة الحيوانية، لتحرير و توسيع نطاق التجارة في هذا المجال.
- اتفاقية الألبان، أيضا لتوسيع نطاق التجارة الدولية في تلك المنتجات.
- اتفاقية التجارة في الطائرات المدنية، من خلال إلغاء كافة الرسوم و التعريفات المفروضة على كافة أنواع الطائرات المدنية اعتبارا من أول يناير 1980.
- اتفاق مكافحة الإغراق، الذي تم التوصل إليه في جولة كيندي، و قد تم تطويره و تفسير أحكامه بصورة تفصيلية في جولة طوكيو.
و قد تمخضت هذه الاتفاقية عن اقتراح مجموعات عمل لدورة طوكيو، تمثلت في مجموعة تختص بدراسة منتجات المناطق الحارة، و مجموعة تختص بوضع خطة لتطبيق القيود التعريفية و مجموعة تقوم بالمفاوضات في مسألة القيود غير التعريفية على نطاق واسع و أخيرا مجموعة المنتجات الزراعية.
و هكذا يلاحظ على جولة طوكيو أنها مهدت الطريق بشكل كبير لترسيخ دعائم النظام التجاري العالمي الجديد، و يكفي الإشارة إلى أن جولة أوروجواي بنيت بالفعل على ما تم إنجازه في جولة طوكيو من حيث توسيع مجالات تحرير التجارة الدولية.
8- جولة أوروجواي:(1/150)
و هي أشهر و أهم جولات الجات على الإطلاق بل و أطولها من ناحية المفاوضات حيث امتدت من 1986-1993 وانتهت في 15 أبريل عام 1994 بمراكش بالمغرب، وكانت الدول المشاركة فيها أكبر عدد شهدته الجات، حيث وصل إلى 125 دولة. و الدول الموقعة، بالفعل عليها كانت 117 دولة أعضاء في الجات(1) و قد بلغت قيمة التجارة الدولية المحررة حوالي 755 مليار دولار، و هو رقم لم تشهده أي جولة أخرى من جولات الجات بل وصل الخفض في التعريفات إلى 40% و متوسط خفض التعريفة 24% إلى 36%كما يظهر من الجدول الخاص بتطور جولات المفاوضات، و قد شملت العديد من الجوانب الخاصة بمجالات تحرير التجارة الدولية التي فاقت كل الجولات السابقة عليها من حيث نطاقها و الموضوعات التي انطوت عليها.
فجولة أوروجواي أدخلت لأول مرة في تاريخ المفاوضات التفاوض حول موضوع التجارة في المنتجات و السلع الزراعية و تم إدخال قطاع المنسوجات والملابس الجاهزة و تحريره تدريجيا حتى بداية 2005.
و بالتالي أصبح التحرير في مجال السلع يعني تحرير السلع الزراعية و السلع الصناعية من القيود التعريفية و غير التعريفية و عدم التمييز بين الدول المختلفة في المعاملات التجارية، و إذا اقتضت الضرورة تقييد التجارة الدولية فإن ذلك يتم من خلال الاعتماد على التعريفة الجمركية و ليس على القيود الكمية.
__________
(1) ذكرت بعض المراجع: أن 112 عضو وقعوا على الوثيقة الختامية و 104 وقعوا على اتفاق منظمة التجارة العالمية و ذكر البعض أيضا أن عدد الدول المشاركة في جولة أوروجواي بلغ 117 دولة منها 112 دولة أعضاء في الجات ارتفع عددها إلى 114 دولة بانضمام البحرين و بروتاي في الأسبوع الأخير للجولة في ديسمبر 1993 أما الدول الثلاث الباقية من غير الأعضاء في الجات و شاركت في الجولة بصفة مراقب فهي الصين و الجزائر و باراجواي.(1/151)
و قد تم إدخال قطاع الخدمات لأول مرة فيما عرف باتفاقية تحرير الخدمات(1) GATS بل أدخلت جولة أوروجواي المجال الخاص بالملكية الفكرية و تحرير مجالات الاستثمار ذات العلاقة بالتجارة الدولية و غيرها من المجالات مثل النفاذ إلى السواق وتسوية المنازعات و غيرها من الأطر المؤسسية المنظمة للتجارة الدولية بحيث يمكننا القول أن تلك الجولة شملت معظم إن لم يكن كل مجالات التجارة الدولية. بل و برزت في هذه الجولة التأكيد على الارتباط بين السياسات التجارية و الاقتصادية و التفاوض حولها كوحدة واحدة، و من ناحية أخرى التعامل مع القطاعات التي كانت مهملة في مجال تحرير التجارة مثل السلع الزراعية و الخدمات أو تلك التي كانت تخضع لأنظمة خاصة مثل المنسوجات و الملابس الجاهزة، بل في تلك الجولة اتفق لأول مرة على قاعدة أن التوقيع يكون شامل، بحيث تعد نتائج هذه الجولة بمثابة صفقة متكاملة لا تتجزأ بحيث تقبل أو ترفض برمتها دون اختيار أو انتقاء مع تحقيق التوازن في التنازلات المقدمة من الدول المختلفة مع مراعاة متطلبات التنمية في الدول النامية.
بل و الأهم أن هذه الجولة شهدت نهاية العمل بنظام سكرتارية الجات وصلت محل الجات كإطار مؤسس لمنظمة التجارة العالمية wto التي أنشأت بعد أن أصبح 95% أو أكثر من التجارة الدولية تقع في نطاق الدول الأعضاء و أن الجولة شملت كل مجالات التجارة الدولية سواء في السلع أو الخدمات أو الاستثمار أو الملكية الفكرية، و بالتالي اكتمل النظام التجاري العالمي من خلال تلك الجولة من كل الجوانب حتى الجانب المؤسسي لتصبح منظمة التجارة العالمية هي الضلع الثالث المكون لمثلث إدارة النظام الاقتصادي العالمي الجديد إلى جانب صندوق النقد الدولي و البنك الدولي.
__________
(1) General Agrement of Trade in Services.(1/152)
و لأن جولة أوروجواي الشهيرة كانت نتائجها على درجة عالية الأهمية بل نكاد أن نجزم بأنها غيرت وجه النظام التجاري العالمي تماما و بالتالي سنخصص لها المبحث الثاني.
والجدول التالي يلخص أهم تطورات جولات التفاوض و نتائجها .
جدول رقم22: تطورات و نتائج جولات التفاوض
الجولة ... التاريخ ... عدد المشاركين ... قيمة التجارة المحررة بالمليار دولار أمريكي ... الموضوعات الأساسية للجولة ... خفض التعريفات ... متوسط خفض التعريفة
جنيف ... تخفيض التعريفات الجمركية ... 63% ... 32%
آنسي ... غير متاح ... تخفيض التعريفات الجمركية
توركواي ... غير متاح ... تخفيض التعريفات الجمركية
جنيف ... .5 ... تخفيض التعريفات الجمركية
ديلز ... -1961 ... .9 ... تخفيض التعريفات الجمركية و تنسيق اتفاق التعريفة مع الاتحاد الأوروبي
كيندي ... -1967 ... التعريفات الجمركية المضادة للإغراق ... 50% ... 35%
طوكيو ... -1979 ... تعريفات و إجراءات غير جمركية في إطار العلاقات التجارية ... 33% ... 34%
الأوروجواي ... -1993 ... و عدد الدول الموقعة117 ... تعريفات: إجراءات غير جمركية، الزراعة، المنسوجات و الملابس والخدمات، حماية حقوق الملكية الفكرية، و الاستثمار و قيام منظمة التجارة العالمية ... 40% ... 24% إلى 36%
المصدر:عبد المطلب عبد الحميد:مرجع سابق ص 46.
المبحث الثاني:
مفاوضات و نتائج جولة الأوروغواي.
لعل من المعروف أن جولة الأوروغواي كانت من أهم الجولات في أبعادها ونتائجها و من أطولها في الفترة التي استغرقتها، بحيث طرحت عدة قضايا اقتصادية تجارية و اجتماعية للتفاوض، الأمر الذي عرضها لعقبات عدة كادت أن تعصف بها في عدة مرات، لكن إرادة الدول و بالخصوص الدول الصناعية الكبرى في الوصول إلى نتائج تخدم مصالحها أدت بعد مفاوضات مضنية إلى التوصل إلى النتائج التي خرجت بها هذه الجولة.
2-1- أسباب و دوافع انعقاد جولة الأوروغواي:(1/153)
إن الأحداث و التغيرات المتلاحقة السياسية و الاقتصادية و التجارية التي بدأت تظهر ابتداء مع انتهاء جولة طوكيو دفعت الدول الصناعية و النامية على حد سواء على التفكير في عقد جولة جديدة تأخذ في الحسبان هذه الأحداث والتغيرات و التي يمكن رصدها في ما يلي:
1- ازدياد حدة الصراع بين الدول الصناعية على الأسواق الخارجية و على حماية أسواقها المحلية من خلال استعمال أساليب مستحدثة للحماية التجارية و بالتحديد الالتجاء على فرض قيود غير جمركية.الأمر الذي أدى إلى انتشار ما أطلق عليه بالحمائية الجديدة و خاصة في القطاع الصناعي والزراعي مما أدى على انخفاض كبير في الأداء الاقتصادي لكثير من الدول.
2- ظهور بعض المشكلات الاقتصادية و التي أدت على تفاقم الأوضاع الاقتصادية العالمية كأزمة النفط و أزمة المديونية الخارجية مما أدى إلى التشكيك في قدرة النظام التجاري السائد على حل الأمور التجارية التي بدأت تتعقد أكثر فأكثر بين الدول الصناعية فيما بينها و بين هذه الدول و الدول النامية.
3- شعور الولايات المتحدة الأمريكية بتراجع نفوذها الاقتصادي على الرغم من تعاظم دورها السياسي و العسكري، و رغبتها في تحسين موقعها و هيمنتها الاقتصادية من خلال حماية مصالح الشركات متعددة الجنسية و توسيع نشاطها في شتى أرجاء العالم.
4- استمرار حالة الكساد خلال الثمانينات في الدول الصناعية الكبرى، دفع الدول إلى محاولة الاعتماد على تجديد و فتح الأسواق و المنافذ الخارجية للخروج من هذه الوضعية.
5- تخوف الولايات المتحدة الأمريكية من أوروبا الموحدة و بالخصوص من السياسة الزراعية الأوروبية التي أدت إلى تناقص حصة الولايات المتحدة الأمريكية في الأسواق الخارجية للصادرات الزراعية.(1/154)
6- تنامي تجارة الخدمات التي باتت تشكل 20% من الإنتاج العالمي (1). ورغبة الدول الصناعية في الاستفادة من المزايا التنافسية التي تتوفر عليها في هذا المجال. و منها تنامي التجارة في الخدمات المعلوماتية و المالية وحقوق الملكية الفكرية.
7- تعاظم دور الشركات المتعددة الجنسيات و استحواذها عن الجزء الأعظم من التجارة الدولية و الاستثمارات غير المباشرة التي أصبحت البديل و الحل الوحيد لمواجهة أزمة المديونية التي تعاني منها الدول النامية.
8- انهيار النظام الاشتراكي و انتهاء ما أطلق على تسميته بالحرب الباردة بين المعسكر الشرقي و المعسكر الغربي، و هو ما يعني الحاجة إلى إعادة النظر في قواعد النظام التجاري الدولي.
9- تنامي القوى الاقتصادية الآسيوية، خصوصا اليابان و الدول الأسيوية حديثة التصنيع و بعض دول أمريكا اللاتينية و منافستها للدول الصناعية في عدة مجالات اقتصادية.
10-ازدياد درجة الفوضى في النظام التجاري الدولي من خلال ممارسات الدول المتقدمة الهادفة لتجاوز قواعد " ألغات" و التحايل عليها بالاتفاقيات الثنائية و القيود التقنية. و قد ساعد على انتشار هذه الفوضى ضعف آلية فض النزاعات في "ألغات" 1947.
2-2- سير و مواضيع المفاوضات:
__________
(1) عبد الناصر نزال العبادي: منظمة التجارة العالمية و اقتصاد الدول النامية. الطبعة الأولى- دار صفاء. 1999 عمان ص 57.(1/155)
في نوفمبر 1982 دعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى عقد مؤتمر وزاري للغات لممارسة المزيد من الضغط على المجموعة الاقتصادية الأوروبية لإرغامها على الحد من إجراءات دعم صادراتها الزراعية، باعتبار أن هذه الإجراءات من وجهة النظر الأمريكية، إجراءات تخالف مبادئ "ألغات" و تخل بقواعد المنافسة الدولية، مما أسفر عنه من إغلاق للأسواق الدولية أمام صادرات الدول الأخرى من المنتجات الزراعية. كما استهدفت الولايات المتحدة من خلال الدعوة لعقد هذا المؤتمر العمل على توسيع نطاق تطبيق أحكام "الغات" ليشمل بالإضافة التجارة الدولية للسلع، التجارة الدولية في الخدمات التي أصبحت تمثل أكثر من 20% من التجارة الدولية، مما يستوجب تحرير التجارة في هذا القطاع الحيوي.
إلا أن الجهود الأمريكية في هذا المؤتمر و في الدورة الأربعون للأطراف المتعاقدة للغات سنة 1984، باءت بالفشل و لم تسفر عن تحقيق أي تقدم سواء في ضم الخدمات ضمن المجالات التجارية التي تشملها مفاوضات التحرير، أو في تعديل السياسة الزراعية للمجموعة الأوروبية و إزالة الدعم التي تقدمه هذه الأخيرة لصادراتها الزراعية. بحيث رفضت الدول الأوروبية تقديم أي تنازلات في سياستها الزراعية المشتركة(1).
فمنذ انطلاق جولة الأوروغواي في 20/9/1986 و حتى اجتماع مراكش مرت المفاوضات بعدة محطات أبرزها.
- بداية المفاوضات في جانفي1988 بهدف إخضاع قطاعي الزراعة والخدمات ضمن اتفاقية الغات.
- في دسمبر1990" عقد اجتماع على المستوى الوزاري في بروكسل انتهى بالفشل بسبب خلاف بين الولايات المتحدة و أوروبا حول دعم المنتجات الزراعية.
__________
(1) أسامة المجذوب" الجات مصر، و البلدان العربية من هافانا إلى مراكش. الطبعة الأولى، الدار المعربة اللبنانية،القاهرة 1996 ص ص 53/54.(1/156)
-في مارس1992 توصلت الولايات المتحدة الأمريكية و المجموعة الأوربية على اتفاق بليرهاوس بشان حجم الدعم للبدور الزيتية و المنتجات الزراعية.
- في ديسمبر لعام 1993 توصلت الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي على اتفاق بشأن دعم المنتجات الزراعية و حل بعض القضايا الخاصة بفتح الأسواق. وفي نفس الوقت أعلنت اليابان و كوريا الجنوبية عن استعدادهما لرفع الخطر عن واردات الأرز. و قد كان لهذا الحدثين أثر حاسم في نجاح المفاوضات و انتهائها في الوقت المحدد لها و هو 15 كانون الأول 1993 و التوقيع عليها في سنة 1994 بمدينة مراكش المغربية.
أما المواضيع التي أدرجها الوزراء المؤتمرون في جدول الأعمال و ناقشوها خلال جولة الأوروغواي فتم تصنيفها إلى مجموعتين :
- الأولى: مجموعة تحرير تجارة السلع.
- و الثانية: مجموعة تحرير تجارة الخدمات.(1/157)
و تهدف المفاوضات المتعلقة بتحرير تجارة السلع إلى تحرير التجارة الدولية وتوسيعها و بخاصة في الدول النامية، و تسهيل نفاذ منتجات الدول النامية إلى أسواق الدول المتقدمة عن طريق تخفيض التعريفات الجمركية و إزالة القيود الكمية و الإجراءات التي تعيق التبادل التجاري أو أي عوائق أخرى، و كذلك إيلاء علاقة خاصة للدول الأقل نموا لمساعدتها على تنشيط و تطوير مساهمتها في السوق الدولية. كما تهدف إلى تقوية العلاقة بين السياسات التجارية و غيرها من السياسات الاقتصادية و الاستثمارية و التنموية وبخاصة في الدول النامية، وتعزيز دور الأمانة العامة للغات بهدف تحسين نظام التبادل التجاري، و تحسين آلية عملها لتتماشى مع التطورات الحديثة على الساحة الدولية وبخاصة فيما يتعلق بحل المنازعات التجارية و ضمان حسن تنفيذ القرارات و الاتفاقيات التي يتم التوصل إليها عن طريق المفاوضات، و كان هدف المفاوضات المتعلقة بتحرير تجارة الخدمات هو إيجاد الأسس الدولية لتنظيم و تحرير تجارة الخدمات و توسيع تجارتها بين الدول، و تشمل هذه المجموعة تجارة كافة القطاعات الخدمية مثل الخدمات المصرفية و الاتصالات و السياحة و النقل و الاستشارات وغيرها من الخدمات المساعدة لشؤون التجارة و الاستثمار و التنمية.(1/158)
و تعد جولة مفاوضات الأوروغواي من أهم و أكبر الجولات التي سبقتها حيث بدأت في عام 1986 بمشاركة 108 دول و انتهت في عام 1994 بحضور ممثلين عن 118 دولة منها 87 دولة من الدول النامية، و كان من المفروض أن تنتهي مفاوضات هذه الجولة في عام 1991 غير أن الأطراف الرئيسية في المفاوضات لم تقر مشروع الوثيقة بسبب اختلاف الآراء بين مجموعة الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية حول نسب تخفيض الدعم الحكومي لإنتاج و تصدير السلع الزراعية و حول تخفيض الرسوم الجمركية على هذه السلع، و اختلفت الأطراف الرئيسية في المفاوضات أيضا في موضوع تجارة الإنتاج الفني السمعي البصري و غيرها من القضايا التي لم تحظ بموافقة أغلبية الأصوات مما أدى إلى تمديد مفاوضات جولة الأورغواي إلى حين تسوية الخلافات إلى أن تم الاتفاق أخيرا على انعقاد مؤتمر مراكش في المغرب في 15/4/1994 الذي أعلن فيه نهاية جولة مفاوضات الأوروغواي رسميا بحضور ممثلين عن كافة الدول المشاركة (118 دولة) وافق منها 97 دولة على إنشاء المنظمة العالمية للتجارة W.T.O (TRADE ORGANIZATION WORLD) و تقرر أن تحل هذه المنظمة محل اتفاقية ألغات.
و تتولى المنظمة العالمية للتجارة الإشراف على تنفيذ كافة الاتفاقيات والبروتوكولات و القرارات الوزارية التي تم التوصل إليها من خلال جولات المفاوضات السابقة و بخاصة الاتفاقيات التي أقرها مؤتمر مراكش و التي بلغ عددها 28 اتفاقا و تم تحديد مهلة للدول إلى نهاية عام 1994 لاستكمال الإجراءات الدستورية في بلدانها بالموافقة على نتائج جولة الأوروغواي و تصديق الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة لتبدأ عملها في أول كانون الثاني1995.
2-3-نتائج جولة الأورغواي:(1/159)
شهدت مدينة مراكش المغربية في 15/4/1994 التوقيع على أكبر اتفاق عالمي للتجارة في التاريخ. و تصل عدد صفحات الاتفاق إلى نحو 26 ألف صفحة، و ينص هذا الاتفاق على انفتاح أكبر للأسواق العالمية و خفض الرسوم الجمركية و تأسيس منظمة التجارة العالمية التي حلت محل ألغات في الأول من جانفييه1995.
و قد أعلن الوزراء المشاركون في المفاوضات التجارية الأطراف لجولة الأوروغواي اختتام هذه الجولة التي تعد حدثا تاريخيا يؤدي إلى تقوية الاقتصاد العالمي و يؤدي إلى حدوث معدلات أعلى للمبادلات التجارية و الاستثمارات والتشغيل و المداخيل في كافة أنحاء العالم. و قد أعرب الوزراء عن ارتياحهم للإطار القانوني الواضح و المتين الذي صادقوا عليه لتسيير التجارة الدولية والذي يتضمن آلية عمل أكثر فعالية و نجاعة لتسوية النزاعات بين الدول. وينص هذا الإطار القانوني على خفض شامل للتعريفات الجمركية يصل إلى نسبة 40% و كذلك وضع إطار متعدد الأطراف للضوابط المتعلقة بتجارة الخدمات وحماية حقوق الملكية الفكرية و توفير متطلبات التجارة متعددة الأطراف وبخاصة في قطاع الزراعة و قطاع النسيج و الألبسة.(1/160)
و قد أكد إعلان الاتفاقية أن إنشاء المنظمة العالمية للتجارة يعد مرحلة تاريخية جديدة للتعاون الاقتصادي العالمي يستجيب للرغبة العامة في العمل ضمن إطار نظام تجاري متعدد الأطراف أكثر عدلا و انفتاحا يخدم رفاهية الشعوب ورخاءها. و قد أكد الوزراء في إعلان قيام المنظمة العالمية للتجارة العزم على مقاومة الضغوط الحمائية بكل أنواعها، و القواعد المتينة التي وضعت في إطار جولة الأوروغواي ستؤدي حتما إلى إشاعة مناخ تجاري عالمي أكثر انفتاحا. وأكد الإعلان عن اختتام جولة الأوروغواي العزم على العمل لتحقيق انسجام أكبر على المستوى العالمي للسياسات المتبعة في المجالات التجارية و النقدية و المالية من خلال التعاون بين المنظمة العالمية للتجارة و صندوق النقد الدولي و البنك الدولي للإنشاء و التعمير.
لقد كانت المشاركة في جولة الأوروغواي أكثر بالمقارنة مع كل المفاوضات التجارية متعددة الأطراف السابقة و بخاصة مشاركة البلدان النامية التي اضطلعت بدور جد نشط أثناء المفاوضات. و هذا يوفر الجو المناسب لإقامة شراكة تجارية أكثر توازنا و اندماجا. هذا و قد تم خلال الفترة التي جرت فيها المفاوضات تطبيق إجراءات مهمة للإصلاح الاقتصادي و التحرير الذاتي للتجارة في عدد من البلدان النامية و البلدان التي كانت تعتمد الاقتصاد الموجه ( المخطط).
اعتمدت نتائج جولة الأوروغواي رسميا في اجتماع مراكش من جانب الدول المشاركة في الجولة في 15/4/1994 و أهم هذه النتائج"(1/161)
1- إنشاء المنظمة التجارية العالمية لتكون الإطار المؤسسي لجميع الاتفاقيات التي أبرمت خلال جولة أوروغواي. و يمكن تلخيص المهام التي كلفت بها المنظمة في تسهيل، تنفيذ و إدارة الاتفاقيات المنبثقة عن جولة أوروغواي، و الإشراف على المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف، و إدارة نظام شامل و موحد لتسوية النزاعات و إدارة آلية مراجعة السياسات التجارية في الدول الأعضاء، و التعاون مع كل من صندوق النقد الدولي و البنك الدولي لتحقيق انسجام أكبر بين السياسات التجارية و المالية الدولية. و قد تضمنت اتفاقية و نتائج جولة أوروغواي إدماج الاتفاقيات السابقة للغات التي لم تلغ أو تعدل ضمن إطار الترتيبات الجديدة للمنظمة العالمية للتجارة.
2- توسيع نطاق النظام التجاري متعدد الأطراف بحيث أصبح يشمل تجارة الخدمات والتجارة في المنتجات الزراعية و المنسوجات و الملابس، و هي جوانب لم يسبق التطرق إليها خلال المفاوضات متعددة الأطراف في الجولات السابقة و شملت القواعد الجديدة لهذا النظام أيضا حقوق الملكية الفردية ذات الصلة بالتجارة، و تدابير الاستثمارات المتعلقة بالتجارة.
3- توسيع و تعميق تحرير التجارة عن طريق إجراء تخفيضات إضافية في التعريفات الجمركية و تثبيت الرسوم الجمركية عند سقوف معينة لا يمكن رفعها إلا من خلال التفاوض و الالتزام بالتعويض، و كذلك تخفيض القيود الجمركية.
4-تعزيز فعالية القواعد متعددة الأطراف في تسوية المنازعات، إذ تم إدماج جميع جوانب و تدابير تسوية المنازعات في نظام واحد يعمل تحت جهاز تسوية المنازعات، ويوفر هذا النظام عدة مزايا و ضمانات في إطار متعدد الأطراف.
و لعل النتيجة التي جسدت قيام نظام تجاري جديد تجلت في إنشاء المنظمة العالمية للتجارة كان بمثابة انجاز تاريخي و تحقيق الحلم الذي راود المجتمع الدولي منذ أكثر من 47 سنة بحيث تشكل الإطار المؤسسي لجميع الاتفاقيات التي أبرمت خلال جولة الأوروغواي.(1/162)
المبحث الثالث:
المنظمة العالمية للتجارة.
شكل إنشاء منظمة عالمية للتجارة حدثا هاما في تاريخ العلاقات الاقتصادية الدولية باعتبارها الدعامة الثالثة للنظام الاقتصادي العالمي الجديد، إلى جانب صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، و باعتبارها أيضا الأداة و الآلية الأساسية للعولمة.
نشأت هذه المنظمة الدولية الحقيقية على عكس "ألغات" التي كانت اتفاقية مؤقتة، وستتولى منظمة التجارة العالمية قيادة المراحل المقبلة لتحرير التجارة العالمية و الإشراف على حل الخلافات بفضل أنظمة أكثر فاعلية و أكثر إلزاما وسرعة.
3-1-مهام المنظمة العالمية للتجارة:
وفقا لنتائج الأوروغواي و التي تضمنها الاتفاق الموقع في هذا الشأن فإن مهام المنظمة ( المادة 3) هي كالتالي: (1)
1-الإشراف على تنفيذ الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف، التي تنظم العلاقات التجارية بين الدول الأعضاء، و تسهيل تنفيذ و إدارة الاتفاقيات المنبثقة عن جولة الأوروغواي.
2- متابعة المفاوضات الدولية لتحرير التجارة الدولية متعددة الأطراف.
3- فض المنازعات الدولية فيما يتعلق بالمعاملات التجارية و تسويتها وفق الأسس التي حددتها اتفاقيات "الغات".
4- متابعة السياسات التجارية الدولية و مدى انسجامها مع ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر مراكش.
5- التعاون مع المنظمات الدولية الأخرى كصندوق النقد الدولي و البنك الدولي للإنشاء و التعمير و الوكالات التابعة لهما بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الانسجام و التوازن في عملية صنع السياسات الاقتصادية الدولية.
3-2-أهداف المنظمة:
يمكن القول أن الهدف الرئيسي للمنظمة هو تحرير التجارة العالمية و في هذا الإطار تسعى منظمة التجارة العالمية على تحقيق الأهداف التالية:(2)
__________
(1) عبد الناصر نزار العبادي: منظمة التجارة العالمية، مرجع سابق ص 92.
(2) عبد المطلب عبد الحميد. الجات و آليات منظمة التجارة العالمية. مرجع سابق ص 182.(1/163)
1- خلق وضع تنافسي عالمي في التجارة الدولية يعتمد على الكفاءة الاقتصادية في تخصيص الموارد.
2- زيادة معدلات النمو للدخل الحقيقي و ذلك بتعظيم الدخل العالمي و رفع مستويات المعيشة.
3-الزيادة في الإنتاج و التجارة العالمية و الاستخدام الأمثل و التوظيف الكامل للموارد العالمية في إطار التنمية المستدامة.
4- توسيع إنشاء أنماط جديدة لتقسيم العمل الدولي و زيادة نطاق التجارة العالمية.
5- توفير البيئة العالمية المناسبة و الملائمة للتنمية المستدامة و الزيادة في حجم التجارة و الاستثمار.
6- إشراك الدول النامية و إدماجها في النظام الاقتصادي العالمي الجديد من خلال مشاركتها في التجارة الدولية.
7- زيادة التبادل التجاري الدولي و تنظيمه على أسس و قواعد وفقا لاتفاقيات الأوروغواي.
3-3-الهيكل التنظيمي للمنظمة:
إن الهيكل التنظيمي لمنظمة التجارة العالمية يعكس المهام و الأهداف التي أنشأت من أجلها، ويشرف على نشاط المنظمة العالمية للتجارة جهاز يتكون من مؤتمر وزاري و مجلس عام و مجالس متخصصة و لجان و سكرتارية .
1-المؤتمر الوزاري:
و يتألف من ممثلين عن جميع الدول الأعضاء بمستوى وزير و يجتمع المؤتمر الوزاري مرة كل سنتين على الأقل و هو أعلى سلطة في المنظمة ويشرف على تنفيذ مهامها، و اتخاذ الإجراءات و القرارات الأزمة لتسيير جميع الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف.
2-المجلس العام:
و يتألف من ممثلين عن جميع الدول الأعضاء، و يجتمع تسع مرات في السنة على الأقل و كلما دعت الحاجة إلى ذلك و يقوم المجلس العام بمهام المؤتمر الوزاري في الفترات التي تفصل بين اجتماعاته. و يقوم هذا المجلس بمراجعة ومتابعة السياسة التجارية للدول الأعضاء. و هو الجهاز الذي يقوم بتسوية المنازعات المرتبطة بالاتفاقيات التجارية للدول الأعضاء و شروط تنفيذها.
3- المجالس المتخصصة:
و هي عبارة عن ثلاثة مجالس يتخصص كل منهما في مهمة محددة:(1/164)
ا- مجلس لشؤون التجارة الدولية في السلع.
ب- مجلس لشؤون التجارة الدولية في الخدمات.
ت- مجلس لشؤون حماية الملكية الفكرية.
و تعمل هذه المجالس تحت إشراف المجلس العام و تقوم بكافة المهام التي تحددها الاتفاقيات الخاصة بكل مجلس و كذلك المهام التي يحددها المجلس الأعلى، وتكون عضوية هذه المجالس مفتوحة لجميع الأعضاء التي ترغب بالمشاركة بها.
4- اللجان الفرعية:
لقد قرر المؤتمر الوزاري إنشاء عدد من اللجان الفرعية و هي:
- لجنة التجارة و التنمية، و تقوم بدراسة دورية لتطبيق أحكام اتفاقية التجارة لصالح الدول النامية لمتابعتها.
- لجنة قيود ميزان المدفوعات.
- لجنة الميزانية و المالية و الإدارة.
و تقوم هذه اللجان بكافة المهمات التي حددتها لها الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها وبخاصة الاتفاقيات متعددة الأطراف. كما تقوم بكافة المهمات الإضافية التي يعهد إليها بها المجلس العام، و قد أقر المؤتمر الوزاري إمكانية إنشاء لجان فرعية أخرى كلما دعت الحاجة لذلك. و تكون عضوية اللجان الفرعية مفتوحة لكل من يرغب من الدول الأعضاء.
5- السكرتارية:
و تتضمن جميع الموظفين في المنظمة إضافة إلى المدير العام الذي يعينه المؤتمر الوزاري و يحدد له سلطاته و صلاحياته، و لا يجوز للمدير العام أو الموظفين أن يقبلوا في معرض قيامهم بواجباتهم أي تعليمات من أي حكومة أو جهة خارج المنظمة .و الشكل التالي يوضح الهيكل التنظيمي المنظمة.
الهيكل التنظيمي لمنظمة التجارة العالمية
Source: GATT: "Focus" N° 107 . 1994.
3-4-آليات عمل المنظمة:
لعل أهم آليات للمنظمة هي تلك المتعلقة باتخاذ القرار و حل النزاعات.
1- آلية اتخاذ القرار:(1/165)
يتم اتخاذ القرار في المنظمة أساسا بالتراضي (consensus) و طبقا للمادة (9) من الاتفاق المنشئ للمنظمة. و في حالة عدم الوصول إلى قرار بالتراضي، يتم اللجوء على التصويت حيث يتمتع كل عضو بصوت واحد في اجتماعات المؤتمر الوزاري و المجلس العام. و تتخذ القرارات بأغلبية الأصوات و تشترط أغلبية ثلاثة أرباع عدد الأصوات على الأقل فيما يتعلق باتخاذ قرارات حول تفسير أي اتفاقية و نفس الأغلبية تشترط في الحالات الاستثنائية الخاصة بإعفاء عضو من الأعضاء من أحد الالتزامات المقررة في الاتفاقية.
2- آلية فض النزاعات:
تتولى المنظمة عن طريق مجلسها العام مهمة فض النزاعات التجارية بين الدول الأعضاء. و طبقا لنصوص الاتفاق في هذا الشأن، فإنه يحق لأي عضو متضرر من خرق لنصوص الاتفاقيات، رفع شكوى إلى المنظمة و ذلك بعد استنفاد فرص التوصل إلى حل ودي يتلاءم و الاتفاقيات القائمة. و في هذه الحالة يتم تعيين لجنة للتحقيق في الموضوع و اقتراح الحل المناسب.
و قد نص اتفاق الأوروغواي على كيفية و مراحل عملية تسوية النزاعات، يمكن تلخيصها فيما يلي:
- التشاور و المصالحة:
حيث تطلب الدولة المتضررة عقد مشاورات ثنائية من الطرف الثاني. و في حالة عدم رد الطرف المدعي عليه خلال شهر بالإيجاب، تلجأ الدولة المتضررة المنظمة التجارة العالمية لطلب تشكيل هيئة لحل النزاع.
- إصدار القرار:
تصدر الهيئة قراراتها وفقا لقوانين (الغات) و على الطرف الخاسر تنفيذ تلك القرارات، و يحق للدولة الخاسرة طلب استئناف.
- التعويض:
في حالة عدم التزام الدولة الخاسرة بقرارات الهيئة بعد الاستئناف، يمكن للدولة المتضررة أن تعود إلى المنظمة و ذلك لتلقي التعويض من الدولة الخاسرة، أو السماح لها بفرض رد انتقامي ضد تلك الدولة.
3-5-شروط الانضمام على المنظمة(1/166)
يحق لأي دولة الانضمام إلى اتفاقية ألغات 94 بالشروط التي يتم الاتفاق عليها بين الدولة و بين المنظمة، و يعني الانضمام على المنظمة العالمية للتجارة القبول الكلي (مبدأ الشمولية) بجميع الاتفاقيات التجارية و البروتوكولات و الملاحق. ويتخذ المؤتمر الوزاري قرار قبول العضوية بأغلبية ثلثي الأعضاء. كما يحق لأي عضو أن ينسحب من المنظمة العالمية للتجارة، و هذا يعني الانسحاب من أحكام جميع الاتفاقيات و يتم الانسحاب بعد مضي ستة أشهر من تاريخ تلقي مدير عام المنظمة إخطارا كتابيا ينص على طلب الانسحاب للدولة العضو.
لم يعد الانضمام على المنظمة العالمية للتجارة سهلا كما كان في السابق بل أصبح خاضعا لإجراءات و مفاوضات طويلة يجب على أي دولة ترغب بالانضمام إلى الاتفاقية إتباعها و هي :(1)
- التقدم بطلب رسمي إلى الأمانة العامة للمنظمة في جنيف و يرفق به الوثائق التالية:
* دراسة عن أوضاع البلد الاقتصادية و سياستها في مجال التجارة الخارجية وسياسات الدعم الممنوح للمنتجين أو المصدرين.
* الأنظمة الجمركية و أنظمة الاستيراد و التصدير المعمول بها.
* جداول التعريفة الجمركية للسلع و الخدمات.
ـ تقوم الأمانة العامة للمنظمة بإعلام الدول الأعضاء في المنظمة و التي لها علاقات تجارية مع الدول الطالبة العضوية بهدف عقد مشاورات بشكل ثنائي وتحت إشراف المنظمة. ويشكل مجلس المنظمة فريق عمل مهمته دراسة و تحليل السياسات الاقتصادية و التجارية لهذه الدولة.
- تجري مفاوضات الانضمام على مسارين الأول المشاورات الثنائية و الثاني متعدد الأطراف.
-يجمع فريق العمل نتائج مفاوضات المسارين و يقدم تقريرا إلى مجلس المنظمة و يتخذ المجلس الوزاري قرار قبول أو عدم قبول العضو.
__________
(1) ع. ف نزار العبادي: المنظمة العالمية للتجارة. مرجع سابق ص 56.(1/167)
- إذا حصل طالب الانضمام على موافقة ثلثي الأصوات يمكن لممثل الدولة طالبة العضوية أن يوقع على بروتوكول الانضمام. و يصبح الانضمام نافذا بعد 30 يوما من تاريخ التوقيع. و يتم بعد ذلك تصديق البروتوكول من السلطات الدستورية في الدولة طالبة العضوية.
و يطلب عادة من الدولة طالبة الانضمام إعادة النظر في السياسات الاقتصاديةوالإنمائية لتنفق مع أحكام ألمنظمة، كذلك إعادة النظر في هيكلة المؤسسات المصرفية و النقدية و اعتماد نظام الجودة و المواصفات العالمية و الرقابة في عملية الإنتاج. وتحسين المناخ الاستثماري، تطوير البنية الإنتاجية، دعم و تشجيع القطاع الخاص و تحرير الاقتصاد الوطني من قيود الاستثمار.
المبحث الرابع:
اتفاقيات جولة الأوروغواي.
يغطي النظام التجاري الجديد كل قطاعات التجارة العالمية تقريبا، فقد امتد تطبيق القواعد الدولية للتجارة ليشمل، ليس فقط تجارة السلع الرئيسية التي لم تكن مغطاة في الغات 1947 كالسلع الزراعية و المنسوجات و الملابس، بل أيضا التجارة في الخدمات والقضايا التجارية المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية و حقوق الملكية الفكرية....
لكن رغم هذا ما زالت هناك سلع خارج نطاق النظام التجاري الجديد مثل النفط الغاز. و المواد البتروكماوية ، فضلا عن السلع الخاضعة للاتفاقات الجمعية كاللحوم و منتجات اللبان و الطيران المدني و الصلب ( نظام الحصص).
و سوف نستعرض في هذا المبحث أهم الاتفاقات الجديدة أو المجددة و ما تضمنته من أحكام والتي تشكل في مجموعها معالم النظام التجاري الجديد.
4-1- اتفاقية التجارة في المنتوجات الزراعية.(1/168)
يعتبر اتفاق التجارة في السلع الزراعية خطوة كبيرة عن طريق تحرير هذا القطاع من الدعم و الحماية، و خصوصا في الدول الصناعية الأوروبية التي تغير من أكبر الدول الداعمة و الحامية لمنتوجاتها و صادراتها الزراعية إلى درجة أصبحت العقبة الوحيدة التي تعيق تحرير السلع الزراعية، و جاء الاهتمام بهذا القطاع نتيجة الغموض الذي يكتنف سوق هذه السلع، و توضح الإحصاءات أن حجم الدعم الذي تقدمه دول أوروبا للسلع الزراعية يقدر بـ 70 مليار دولار سنويا في حين يصل الدعم الأمريكي 60 مليار دولار سنويا، إلا أنها تعاني من منافسة المنتوجات الأوروبية، كما أن إعانتها هي واليابان لا تتعارض مع قواعد التجارة الدولية(1).
و قد قدرت بعض الدراسات أن حجم دعم القطاع الزراعي في كل من الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة و اليابان بحوالي 91 بليون دولار و 156 بليون دولار و 74 بليون دولار على التوالي عام 1992 (2).
و الجدول التالي يوضح حجم التخفيضات في إجمالي تدابير الدعم الكلي لقطاع الزراعة في الدول المتقدمة حتى عام 2000.
جدول رقم23:
التخفيضات في إجمالي تدابير الدعم الكلي في الدول
المتقدمة خلال الفترة (1995-2000) (بليون دولار)
السنوات ... الدول
كندا ... الاتحاد الأوربي ... اليابان ... أمريكا ... إجمالي
إجمالي الدعم ... 4.1 ... .4 ... .8 ... .9 ... .2
1995 ... 3.9 ... .1 ... .6 ... .1 ... .7
1996 ... 3.8 ... .8 ... .5 ... .3 ... .4
1997 ... 3.7 ... .5 ... .4 ... .5 ... .1
1998 ... 3.5 ... .3 ... .3 ... .7 ... .8
1999 ... 3.4 ... .00 ... .1 ... .9 ... .4
2000 ... 3.3 ... .7 ... .00 ... .1 ... .1
المصدر: ع. النزار عبادي: منظمة التجارة العالمية. مرجع سابق. ص 64.
و قد كان موضوع التجارة في المنتجات الزراعية من الموضوعات الجديدة في مفاوضات الأوروغواي، حيث كانت إعانات و دعم التقرير هي مركز اهتمام كبير وخاصة بين الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية.
__________
(1) ع. نزار العبادي: منظمة التجارة العالمية. مرجع سابق ص 63.
(2) ع.نزارالعبادي.مرجع سابق ص63.(1/169)
و قد كانت الخلافات بين الولايات المتحدة و أوروبا بشأن دعم المزارعين الأوروبيين من بين أسباب تعثر مفاوضات الأوروغواي نظرا لما يؤدي به هذا الدعم من غزو للسوق الأمريكية خاصة بأسعار منافسة نتيجة التكلفة المنخفضة. ولذلك طالبت الولايات المتحدة بخفض هذا الدعم بنسبة 75% بالنسبة للمنتجات الزراعية الأوروبية، و بنسبة 90% للمنتجات الزراعية المصدرة مع خفض صادرات الحبوب بنسبة 24% و الحبوب الزيتية بنسبة 50%.
و بعد مفاوضات طويلة و مضنية توصلت الدول المجتمعة إلى التوصل لاتفاق بشأن السلع الزراعية و ينص هذا الاتفاق على ما يلي:(1)
1- تحويل القيود غير التعريفية على السلع الزراعية إلى قيود مكافئة، من حيث ما تنطوي عليه من حماية، مع التعهد بعدم الرجوع إلى فرض قيود غير تعريفية بعد إتمام عملية التمويل. على أن يتم خفض هذه الرسوم بنسبة 36% من قبل الدول المتقدمة خلال 6 سنوات، و 24% بالنسبة للدول النامية خلال 10 سنوات.
و هناك بعض الحالات الاستثنائية، بمعنى أنه يمكن الاحتفاظ بالتعريفات غير الجمركية بغض الوقت بعد دخول اتفاقية منظمة التجارة العالمية حيز التنفيذ بداية سنة 1995 وهي.
- ضمان حد أدنى لفتح السوق من الواردات في السلع الزراعية بالنسبة للدول التي لم تبلغ وارداتها من تلك السلع 5% من الاستهلاك المحلي لهذه السلع، و إذا كانت واردات الدولة من هذه السلع أقل من 3% خلال فترة الأساس، 1986-1988.
- إذا لم يكن المنتج المستورد يتمتع بأي دعم تصدير منذ بداية فترة الأساس المذكورة أعلاه.
- المنتجات الخاضعة لاعتبارات غير تجارية، كالاعتبارات الخاصة بالبيئة والأمن الغذائي.
- إذا كانت الواردات من السلع الزراعية تعادل 4% على الأقل من الاستهلاك المحلي، على أن تزداد بمقدار 0.8% سنويا. بحيث تصل إلى 8% من الاستهلاك المحلي بنهاية فترة التنفيذ ( 6 سنوات).
__________
(1) إبراهيم العيسوي: الجات و أخواتها، مرجع سابق ص 55.(1/170)
2- تخفيض الدعم المحلي للزراعة بنسبة 20% من قيمته المتوسطة في فترة الأساس خلال ستة سنوات بالنسبة للدول المتقدمة، و بنسبة 13.3% خلال عشر سنوات بالنسبة للدول النامية. أما الدول الأقل نموا فهي غير مطالبة بالتخفيض.
3- حظر أي دعم جديد للصادرات الزراعية و تخفيض إعانات تصدير السلع الزراعية بنسبة 36% من قيمة إجمالي الصادرات و بنسبة 21 بالمئة من كمية الصادرات الخاضعة للدعم في فترة الأساس (1986-1990) خلال 6 سنوات للدول المتقدمة. و بنسبة 24% من القيمة و 14% من الكمية خلال عشر سنوات في حالة الدول النامية، و ليس مطلوبا من الدول الأقل نموا بالتخفيض.
4-2 اتفاقية التجارة في السلع الصناعية.
تشمل هذه الاتفاقية تجارة المنسوجات والملابس والسلع الصناعية.
- تجارة المنسوجات و الملابس:
شكل موضوع المنسوجات و الملابس موضوعا من أكثر الموضوعات إثارة للخلاف بين الدول المتقدمة و الدول النامية المصدرة لهذه السلع. حيث وضع الاتفاق إطار للإنهاء التدريجي خلال عشر سنوات لاتفاقية الألياف المتعددة التي كانت تمتلك الدول النامية فيها ميزة نسبية ، لكن كانت تتعرض إلى أبشع صور التمييز و الحماية من أسواق الدول المتقدمة. و هكذا أرادت هذه الاتفاقية دمج قطاع المنسوجات و الملابس في اتفاقيات المنظمة. و يتم هذا الدمج عبر مراحل متدرجة. و قد نص الاتفاق على المعاملة التفضيلية للدول أقل نموا.
-التجارة في السلع الصناعية:
لقد أسفرت جولة الأوروغواي على تخفيض في التعريفات الجمركية على واردات الدول الصناعية المتقدمة من السلع الصناعية بنسبة 38% في المتوسط أي تخفيض التعريفة من 6.3% إلى 3.9% في المتوسط و كان هذا انخفض نتيجة اتفاق خاص بين الدول المتقدمة على هامش جولة الأوروغواي، و خصوصا الاتفاق الرباعي بين الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي و كندا و اليابان.(1/171)
و في هذا الإطار، هناك نسبة كبيرة من المنتجات الصناعية مسموح دخولها الأسواق المعنية، بدون رسوم جمركية كالأدوية، و معدات البناء و الصلب والمشروبات الروحية، و الأثاث، و الآلات الزراعية.... و بلا شك أن الدول النامية ستستفيد من هذه المنتجات تطبيقا لمبدأ الدولة الأولى بالرعاية.
4-3- التجارة الدولية في الخدمات:
أدرج قطاع الخدمات لأول مرة في مفاوضات الغات، فقد كان تطبيق القواعد الدولية للتجارة المتعددة الأطراف قبل جدولة الأوروغواي مقصورا على التجارة في السلع. و يعتبر إنجاز الاتفاق العام للتجارة في الخدمات(GATS) من النتائج المميزة لهذه الجولة.
و قد كان موضوع تحرير التجارة في الخدمات محل خلاف بين الولايات المتحدة من جهة و البلدان النامية و خصوصا البرازيل و الهند من ناحية أخرى.
حيث ترى الدول النامية أن تحرير تجارة الخدمات سيؤثر سلبا على قطاع الخدمات فيها.
و الجدولين التاليين يوضحان الأهمية النسبية و المصدرين الأساسيين لتجارة الخامات في العالم.
الجدول رقم24:
الأهمية النسبية لتجارة الخدمات في العالم
(صادرات 1992)
الدول ... % ... الدول ... %
الولايات المتحدة ... 16.2 ... إسبانيا ... 3.6
فرنسا ... 10.2 ... هولندا ... 3.6
إيطاليا ... 6.5 ... لوكسمبورغ ... 3.5
ألمانيا ... 6.4 ... أستراليا ... 3
بريطانيا ... 5.5 ... سنغافورا ... 1.8
اليابان ... 5.00 ... هونج كونج ... 1.7
المصدر" ع.ن نزار العبادي: منظمة التجارة العالمية مرجع سابق. ص 73.
الجدول رقم25:
المصدرين الرئيسيين للخدمات
لعام 1992
(الوحدة: مليون دولار)
الدول ... القيمة
الولايات المتحدة الأمريكية ... 148
فرنسا
ألمانيا ... 60
إيطاليا ... 56
بريطانيا ... 53
اليابان ... 46
هولندا
لوكسمبورغ
إسبانيا
أستراليا
المصدر:ع.نزار العبادي.مرجع سابق ص 74(1/172)
يظهر من خلال الجدولين سيطرة الدول المتقدمة على صادرات الخدمات في العالم مع بروز بعض الدول حديثة التصنيع الأسيوية ( النمور الأربعة) و الصين التي تحتل المرتبة العاشرة من حيث الأهمية النسبية، بينما تبقى الدول النامية غائبة في هذا المجال.
لقد ركز الاتفاق العام للتجارة في الخدمات على ما يلي:
- تحديد المقصود بالتجارة في الخدمات بالاستناد على نمط تأدية الخدمة.
- تحديد الالتزامات و الضوابط العامة. و من أهمها الالتزام بمبدأ تعميم معاملة الدول الأولى بالرعاية.
- تسهيل زيادة مشاركة الدول النامية في التجارة الدولية للخدمات و ذلك بتقوية طاقة قطاعات الخدمات في هذه الدول و رفع مستوى كفاءتها و قدرتها على المنافسة.
- يجيز الاتفاق الدخول في تكامل اقتصادي أي تجمعات إقليمية لتحرير تجارة الخدمات وفقا للمادة 24 من اتفاقية الغات 1994.
-بخصوص فرص النفاد إلى الأسواق، لا يقضي الاتفاق بالتحرير الفوري و فتح الأسواق في كل القطاعات. بل يقتصر التحرير على الخدمات التي يتعهد فيها العضو بفتح السوق المدرجة في جداول التزاماته.
و كما في الغات، يتضمن الاتفاق حول الخدمات استثناءات عامة من تطبيق قواعده لحماية الأخلاق العامة أو النظام العام، والسلامة العامة و حماية الأمن الوطني...
4-4-الاستثمار الأجنبي و التجارة العالمية:
يبين الاتفاق حول إجراءات الاستثمار ذات الأثر في التجارة (TRIMS). أن الإجراءات التي تضعها السلطات المحلية على الاستثمارات الأجنبية التي ترغب العمل في نطاق إقليمها، و التي تنطوي على تقييد و تشويه للتجارة العالمية، هي إجراءات مناقضة لمبادئ الغات، وتحد من نمو التجارة العالمية وتضع العراقيل أمام حركة الاستثمارات الدولية. حيث اعتبر الاتفاق أن اشتراط أي مقادير أو نسبة عند قيام المشروع الأجنبي هو مخلا بمبدأ المعاملة الوطنية في الغات.(1/173)
و بمقتضى الاتفاق 15 يتعين على كل دولة عضو في منظمة التجارة العالمية إلغاء الإجراءات المحظورة خلال سنتين من قيام المنظمة في حالة الدول المتقدمة. و خلال خمسة سنوات في حالة الدول النامية و 7 سنوات بالنسبة للدول الأقل نموا. و تجوز للدول النامية أن تطلب فترة إضافية.
و من الملاحظ أن الاتفاق لم يكن متوازنا لأنه تطرق للإجراءات المطبقة في الدول النامية و أغفل تلك المطبقة في الدول المتقدمة كالإعانات و المنح.
4-5- الملكية الفكرية و التجارة العالمية:
يقصد بالملكية الفكرية كل الجوانب التي تتعلق بالتاج الذهبي و الفكري كالأعمال الأدبية و الفنية و الابتكارات و الاختراعات التكنولوجية ذات الطابع التجاري.
و بالرغم من وجود اتفاقيات دولية لحماية حقوق الملكية الفكرية(1). قد أصرت الدول المتقدمة على إدراج هذا الموضوع في مفاوضات الأوروغواي، حيث توصلت إلى اتفاق بهذا الشأن.
و تتعهد الدول الأعضاء في المنظمة بتنفيذ إجراءات حماية الملكية الفكرية من خلال تشريعاتها المحلية و تطبيق الإجراءات الرادعة لخرق هذه الحقوق.
و يمد الاتفاق نطاق تطبيق مبادئ الغات إلى هذه الحقوق، و خصوصا مبدأ الدولة الأولى بالرعاية و مبدأ المعاملة الوطنية. و طبقا للاتفاق فغن الحد الأدنى لمدة حماية حقوق الملكية الفكرية هو 50 سنة في حالة حقوق الطبع و 20 سنة في حالة براءات الاختراع و 7 سنوات في حالة العلامات التجارية(2).
و يمكن تطبيق هذا الاتفاق بعد مرور سنة من قيام المنظمة، مع إمكانية طلب فترة سماح من خمسة إلى عشرة سنوات للدول النامية و الأقل نموا.
__________
(1) المنظمة العالمية للملكية الفكرية التي تأسست سنة 1967.
(2) إبراهيم العيسوي: الغات و أخواتها، مرجع سابق، ص 79.(1/174)
لقد اهتم هذا الاتفاق بإجراءات الاستثمار و لم يذكر شيئا عن التجارة، و لذا ترى الدول النامية أن الاتفاق هو وسيلة لتمويل المزيد من دخولها إلى الدول المتقدمة عبر التكاليف المرتفعة لمكونات الملكية الفكرية.
4-6- آثار اتفاقيات الغات 94 على الدول النامية:
من الواضح أن اتفاقيات الغات منذ نشأتها عام 1947 و حتى اكتمال أبعادها في مؤتمر مراكش عام 1994 هدفها الأساسي تلبية حاجات الدول المتقدمة الصناعية و تأمين مصالحها، و قد أكدت الممارسات الفعلية لهذه الدول عبر مسيرة الغات الطويلة هذه الحقيقة. و قد ظهر من تطبيق أحكام اتفاقية الغات خلال العقود الخمسة الماضية بأنه على الدول النامية أن تصدر سلعا أكثر من أجل أن تستورد سلعا أقل فأقل.
و إذا كانت الدول الصناعية المتقدمة هي الرابحة دوما من خلال تطبيق اتفاقات الغات فإن الدول النامية و الدول الأقل نموا هي الخاسرة دوما، قد كانت الخاسرة في علاقاتها التجارية مع الدول المتقدمة صناعيا في عصر الاستعمار و بقيت خاسرة في عصر الحرب الباردة و ما بعدها و حتى مع ظهور و تطبيق اتفاقية الغات ظلت هي الخاسرة.
إن تطبيق اتفاقية الغات قد يؤدي إلى نتائج مدمرة على اقتصاديات الدول النامية،وتشير بعض التحليلات إلى أن استخدام أنظمة متطورة للري مثلا لإنتاج كميات كبيرة من السلع الزراعية بأعداد أقل من الأيدي العاملة هي نظرية يقود تطبيقها في البلدان النامية إلى نتائج خاطئة، لسبب بسيط هو أن الذين سيفقدون عملهم نتيجة لذلك سيهاجرون إلى المدن حيث سيعيشون في المناطق الفقيرة مما سيؤدي إلى خلل سكاني و عدم استقرار اجتماعي.(1/175)
و يقدر عدد الذين يعيشون في المناطق الزراعية في الدول النامية بأكثر من ثلاثة مليارات فرد، و إن أي نجاح لاتفاقيات الغات بفرض طرائق زراعية حديثة و تستخدم الثقانة العالية سيؤدي إلى فقدان حوالي 2 مليار من السكان عملهم، وسينتقل عدد كبير من هؤلاء العاملين إلى المدن، و سيجبر عدد كبير منهم على الهجرة الجماعية، و ما يحدث الآن في الصين هو تأكيد لذلك إذ أن حوالي 100 مليون صيني هجروا أراضيهم بسبب استخدام الطرق الحديثة و التقانة في الزراعة و بدءوا البحث عن عمل آخر في أنحاء البلاد.
و لتجنب نتائج مأساوية مثل هذه، لا بد من تجتب سياسات تجارية جديدة تعتمد على الأسواق الحرة كمقدمة لإطلاق حرية التجارة على مستوى العالم، و هذا لا يعني إغلاق الأسواق العالمية يوجه التجارة من منطقة إلى أخرى. بل على العكس فتح إمكانية عقد اتفاقيات ثنائية بين هذه الأقاليم. ليس من السهل على أي بلد فتح أسواقه أمام كل أنواع البضائع من البلدان الأخرى بغض النظر عن المنافع التي يمكن ن يجنيها هذا البلد أو ذلك أو عن الأضرار التي يمكن أن يلحقها مثل هذا الانفتاح باقتصاديات البلدان الأمية و تدمير فرص العمل فيها و التي ستؤدي أحيانا إلى اضطرابات اجتماعية و إشاعة عدم الاستقرار في البلد.(1/176)
أقرت الوثيقة الختامية لاتفاقية الغات حق الدول النامية في التنمية، و حث كافة الدول الأعضاء على مراعاة ظروف التنمية في هذه الدول، و احتياجاتها المالية والتجارية، إلا أن ذلك لا يغير من حقيقة أن كافة الامتيازات التي حصلت عليها الدول النامية في الاتفاقات ككل، إنما يهدف في المقام الأول تيسير التزام الدول النامية بأحكام الاتفاقية في إطار تحرير التجارة الدولية مع ضمان عدم إخلالها بحقوق البلدان الأخرى الأعضاء خاصة و الحديث عن تجارة دولية حرة أمر لا يتحقق دون مشاركة الدول النامية، التي تعد السوق الرئيسية لمنتجات الدول الصناعية المتقدمة من السلع و الخدمات و مصدرا رئيسيا للمواد الخام و مصادر الطاقة. و كان من الضروري إتاحة ذلك عن طريق منح الدول النامية بعض التسهيلات التي تمكنها من المشاركة، و تمثلت هذه التسهيلات بصورة حوافز مؤقتة للدول النامية تساعدها على إعادة هيكلة اقتصادياتها و تعديل تشريعاتها وسياساتها التجارية الوطنية لتتلاءم مع الفكر الجديد لتحرير التجارة الدولية بمفهومه الشامل.(1/177)
يستخلص مما سبق أن جولات مفاوضات الغات الثمانية كانت نتيجة تلاقي مصالح الدول الصناعية الكبرى المتقدمة، و مع ذلك ظهرت خلافات و تناقضات بين الأطراف الرئيسية (أوروبا- أمريكا- اليابان) منذ الاجتماعات الأولى في الجولات كافة. وتفاقمت هذه الخلافات حتى طفت على السطح و أنذرت بحرب اقتصادية ساخنة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة و بين المجموعة الأوروبية من جهة أخرى. و كانت الخلافات تدور حول مسألتين رئيسيتين: الأولى حول مسألة السلع الزراعية و الثانية مسألة الإبداع الفكري و الفني. و قد أدى طرح موضوع تحديد تجارة الإنتاج الفني و السمعي والبصري إلى حدوث مظاهرات و احتجاجات صاخبة في أوروبا نظمها المخرجون السينمائيون والتلفزيونيون و الفنانون وكتاب السيناريو و أصحاب برامج الفيديو، و السبب في ذلك هو أن هؤلاء شعروا بأن إقرار مثل هذه الاتفاقية يعني السيطرة الأمريكية و الوصاية على الثقافة والإبداع الفني في أوروبا و العالم.
أما موضوع الخلاف في تحرير تجارة السلع الزراعية فتعود أسبابه إلى تضارب المصالح حيث أن كلا الطرفين (الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا) يتبع سياسة خاصة لحماية المنتجين الزراعيين الوطنيين. فقد طالبت أمريكا من أٍوروبا أن تخفض دعمها للمنتجين الزراعيين بنسبة 70% تدريجيا لمدة عشرة أعوام. ورفضت الدول الأوروبية هذا الطلب رفضا باتا لأنه يتعارض مع سياستها الزراعية و الاجتماعية و يضر بمصالح مزارعيها الذين يشكلون نسبة عالية من الناخبين تختلف من دولة إلى أخرى من 20% إلى 40%. و نظرا للفرق الكبير في وجهات النظر حول هذا الموضوع فقد تدخلت الأمانة العامة للغات و استخدمت عددا كبيرا من الوسطاء لتقريب وجهات النظر و في نهاية 1992 توصل المفاوضون إلى تسوية الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة الدول الأوروبية و بخاصة فيما يتعلق بتجارة السلع التجارية و الإبداع الفني والفكري.(1/178)
و هكذا تحولت اتفاقية الغات التي تأسست كهيئة مؤقتة عام 1947 إلى منظمة مراقبة دائمة تسمى المنظمة العالمية للتجارة. و أصبحت تتساوى في وضعها مع صندوق النقد الدولي و البنك العالمي للإنشاء و التعمير. و هكذا استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تشكل إدارة اقتصادية للعالم. و اكتملت عناصر النظام العالمي الذي يخدم اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائه.
و مع ذلك، فإن المتفق عليه أن تنفيذ اتفاقيات جولة أوروجواي سيترتب عليه مكاسب وتكاليف، و إن توزيع هذه المكاسب و التكاليف بين الدول النامية سيتفاوت من دولة لأخرى استنادا على طبيعة اقتصادياتها. و بصورة عامة ، فمن المتوقع أن تكون الدول التي ستحصل على أقصى المكاسب الاقتصادية الممكنة هي تلك التي تتميز بنظام اقتصادي متحرر و ذي توجه خارجي، على حساب الدول التي تنتهج نظاما اقتصاديا مغلقا و التي تعتمد على الأفضلية التجارية لوصول صادراتها إلى أسواق الدول المتقدمة، و كذلك تلك التي تعتمد على الاستيراد لتوفير احتياجاتها من الأغذية.
الفصل الخامس
المؤتمرات الوزارية لمنظمة التجارة العالمية
تعتبر مؤتمرات منظمة التجارة العالمية أعلى سلطة في أجهزة المنظمة وإحدى الآليات لتحقيق و تطبيق نتائج جولة الأوروجواي، و ينص اتفاق المنظمة على عقد المؤتمر الوزاري مرة على الأقل كل سنتين لبحث القضايا المطروحة وتقييم ما طبق من أهداف المنظمة بخصوص تحرير التجارة الدولية و اتخاذ القرارات الضرورية في هذا الشأن.
و سنتعرض في هذا الفصل أهداف و نتائج المؤتمرات الخمسة التي انعقدت بعد اتفاقية مراكش سنة 1995 مع التركيز على مؤتمر سياتل و مؤتمر الدوحة.
المبحث الأول:
مؤتمر سنغافورة (1996) و مؤتمر جنيف (1998).(1/179)
انعقد مؤتمر سنغافورة في ديسمبر 1996 بسنغافورة و يعد أول مؤتمر وزاري بعد إنشاء منظمة التجارة الدولية سنة 1995. بينما انعقد مؤتمر جنيف في مايو 1998 وهو ثاني المؤتمرات الوزارية للمنظمة.
و لعل من الواضح أن هدف مؤتمر سنغافورة هو مواصلة الحوار و استكمال المفاوضات حول بعض المسائل التي لم يتم الانتهاء منها في المفاوضات الخاصة بتحرير التجارة في الخدمات حيث لم تكن هناك فرصة كافية لاستكمال تلك المفاوضات في جولة أوروغواي الشهيرة عام 1994.
بينما سعى مؤتمر جنيف 1998 و هو المؤتمر الوزاري الثاني لمنظمة التجارة العالمية إلى تحقيق عدد من الأهداف يأتي على رأسها، مراجعة مدى التزام الدول بالوفاء بالتزاماتها التي قدمتها في جولة أوروجواي 1994، و الاقتراب أكثر من مشاكل التطبيق و البحث عن حلول لها، بالإضافة على تقييم السياسات التجارية متعددة الأطراف، ويضاف إلى تلك الأهداف محاولة طرح موضوعات جديدة للمناقشة، و البحث فيما إذا كانت تستحق الدخول في مفاوضات جديدة أم لا، وبالتالي أدخلت في هذا المؤتمر، موضوعات جديدة لم تدخل في المؤتمر الوزاري الأول للمنظمة الذي عقد في سنغافورة 1996.
1-1-موضوعات مؤتمر سنغافورة:
طرح هذا المؤتمر موضوعات كالتجارة و البيئة و العلاقة بين التجارة والاستثمار و التجارة و معايير العمل.
- التجارة و البيئة:
بادرت الدول المتقدمة بطرح هذا الموضوع بحيث كانت تهدف إلى التوصل لاتفاقية متعددة الأطراف على تنظيم العلاقة بين التجارة و البيئة من منظور أن هذه العلاقة هي علاقة وطيدة و من الضروري بحثها، لوضع معايير و اشتراطات بيئية معينة يجب الالتزام بها من جميع الأطراف المتعاملة في التجارة و يجب أن تنطبق على السلع القابلة للتجارة الدولية.(1/180)
و لذلك فقد سارعت الدول النامية بالاعتراض على مناقشة هذا الموضوع لتخوفها من أن يكون ذلك محاولة لإعادة إحياء الإجراءات الحمائية أحادية الجانب و التي يمكن أن تتخذ الاعتبارات و المعايير البيئية لتكون عبارة عن وسائل حمائية مستترة ضمنية أو خفية و توظيف هذه الاعتبارات و المعايير كإجراءات مقيدة للتجارة و بالتالي الحد نمن تدفق صادرات الدول النامية إلى أسواق الدول المتقدمة، و تخالف بذلك مبدأ فتح الأسواق، و هذا اتجاه يحمل شيء من عدم الوضوح من جانب الدول المتقدمة حيث من الملاحظ أن الدول المتقدمة تحاول فرض معايير موحدة لحماية البيئة، لكن هناك حاليا مقاييس عالمية في هذا الشأن بالإضافة على أنه من الضروري مشاركة الدول النامية في وضع أي معايير جديدة أو قواعد بيئية جديدة.
-العلاقة بين التجارة و الاستثمار:
طرحت مسألة العلاقة بين التجارة و الاستثمار للتفاوض بهدف التوصل إلى إطار دولي متعدد الأطراف حول القواعد المنظمة للاستثمار الأجنبي المباشر.
و يلاحظ في هذا المجال أن معظم الدول النامية تعارض التوصل إلى اتفاقية متعددة الأطراف للاستثمار المباشر، من منطلق هناك اتفاقية في إطار منظمة التجارة العالمية تنظم الجوانب التجارية ذات العلاقة و المرتبطة بالاستثمار مع ملاحظة أن هذه الاتفاقية قد تم مراجعتها عام 2000 و بالتالي ليس هناك ما يدعوا إلى طرح موضوع الاستثمار المباشر في اتفاقية متعددة الأطراف.
و من جانب آخر ترى الدول النامية أن التوصل إلى اتفاق دولي بشأن الاستثمارات الأجنبية يمكن استخدامه كأداة للحد من قدرات الدول النامية في وضع سياستها الاقتصادية و رسم سياستها الاستثمارية، بالصورة التي تناسب الدول النامية مع ظروف التنمية فيها، خاصة و أن هناك اعتبارات الاستثمار الممكن فتحها أمام الاستثمار الأجنبي و هذه مسألة تهم العديد من الدول النامية.(1/181)
لقد طرحت قضايا أخرى في هذا المؤتمر بحيث وصل عددها ستة تخص الموضوعات المذكورة بالإضافة إلى التجارة و معايير العمل ز تسهيل إجراءات التجارة و الشفافية في المشتريات.
و يلاحظ أن الست موضوعات أو القضايا الرئيسية التي طرحت في المؤتمر الوزاري الأول لمنظمة التجارة العالمية في سنغافورة 1996، كلها موضوعات مطروحة من الدول المتقدمة و في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد الأوروبي و كلها موضوعات أو معظمها موضوعات تمس المصالح الاقتصادية العليا للدول النامية، و كأن هذا المؤتمر تحول على مواجهة لوجه بين الدول المتقدمة و مصالحها و الدول النامية ومحاولتها الدفاع عن مصالحها.
و الملاحظة الأهم أن الدول النامية عارضت كل أو معظم الموضوعات أو القضايا المطروحة، و هذا الموقف يكشف عن أن الدول النامية يقظة لأي محاولات التفاف للمساس بمصالحها و في نفس الوقت تحتاج إلى تضامن أكثر فيما بينها و تنسيق الجهود لتكون أكثر قدرة على مواجهة مطالب و اقتراحات الدول المتقدمة التي تكون في الغالب في غير مصالح الدول النامية.
1-2- إعلان مؤتمر سنغافورة:
تضمن إعلان سنغافورة لسنة 1996 النقاط التالية:(1)
- ضرورة العمل على استكمال المفاوضات حول بعض لمسائل التي لم يتم الانتهاء منها في المفاوضات الخاصة بتحرير التجارة في الخدمات.
- استمرار قيام لجنة التجارة و البيئة في بحث المسائل المتعلقة بالربط بين تحرير التجارة و التنمية الاقتصادية و حماية البيئة.
- رفض استخدام معايير العمل كأداة حمائية و تفويض منظمة العمل الدولية في بحث هذا الموضوع.
- إعطاء أولوية للتنفيذ الجاد لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية و الالتزامات التي قدمتها الدول المختلفة للمنظمة في هذا الإطار.
__________
(1) عبد المطلب عبد الحميد: مرجع سبق ذكره، ص 350/351.(1/182)
- وضع عدد من الإجراءات الخاصة بتوفير معاملة تفضيلية للدول الأقل نموا نظرا لتضررها من تحرير التجارة العالمية، بل و عدم قدرتها على الوفاء بكل الالتزامات الخاصة بها نظرا لظروفها الخاصة.
-إنشاء مجموعات عمل لدراسة عدد من الموضوعات التي اقترحت من جانب الدول المتقدمة و التي تضمنت بدء التفاوض حولها بهدف الوصول على اتفاقات متعددة الأطراف بشأنها في إطار منظمة التجارة العالمية، و قد جاء ذلك فعلا، كحل توفيقي بين اقتراحات الدول المتقدمة و المعارضة الشديدة لها من قبل الدول النامية لفكرة بدء التفاوض حول تلك الموضوعات، و قد كلفت مجموعات العمل بحث مدى ارتباط هذه الموضوعات بالتجارة الدولية و مدى مناسبة تناولها في إطار منظمة التجارة العالمية و قد شملت الموضوعات التي حولت إلى مجموعات عمل لبحثها و دراستها العلاقة بين التجارة و الاستثمار، و التجارة و المنافسة و تسهيل التجارة و الشفافية في المشتريات الحكومية.
و قد جاء إعلان سنغافورة بمثابة محاولة للتوفيق بين الاقتراحات المقدمة من الدول المتقدمة و التي تحمل في طياتها آثارها سلبية كبيرة على الدول النامية و مصالحها، وبين المعارضة الشديدة من جانب الدول النامية لتلك الاقتراحات حيث تقف حائلا دون انطلاق الدول النامية نحو تصريف منتجاتها و زيادة صادراتها إلى الدول المتقدمة، بل هي في معظمها تحمل نوع من الحمائية الجديدة و الشديدة و القاسية موجهة ضد صادرات الدول النامية و مصالحها، و بالتالي تحمل في طياتها قيودا جديدة أمام الدول النامية للنفاذ إلى أسواق الدول المتقدمة.
1-3-أهم موضوعات مؤتمر جنيف 1998:
لعل من أهم الموضوعات التي ناقشها مؤتمر جنيف هي، نقل التكنولوجية، الشفافية في عمل منظمة التجارة الدولية، التجارة الإلكترونية، التجارة و المديونية، و العلاقة بين منظمة التجارة الدولية، و صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية.(1/183)
- التجارة الإلكترونية:
نوقش موضوع التجارة الإلكترونية لأول مرة في هذا المؤتمر، حيث تم الاتفاق على وضع برنامج عمل حول التجارة الإلكترونية يأخذ في الاعتبار الاحتياجات الاقتصادية والفنية للدول النامية، كما تم الاتفاق على عدم فرض رسوم جمركية على الرسائل الإلكترونية و ذلك لحين انتهاء لجان منظمة التجارة العالمية من دراسة برنامج العمل الخاص بهذا الموضوع.
و يتلخص موقف الدول النامية في ضرورة الاستمرار في التفاوض و الدراسة حول الموضوعات الخاصة بالتجارة الالكترونية في إطار المجالس و اللجان المختصة بالمنظمة و خاصة و أن هذا الموضوع يرتبط ارتباطا وثيقا باتفاقيات أخرى مثل تجارة الخدمات.
و ركزت التأكيد على أهمية الدعم الفني و المالي للدول النامية لتمكينها من إنشاء بنية أساسية تمكنها من المشاركة في التجارة الإلكترونية، مع الاستمرار في تنفيذ الإعلان الوزاري الخاص بالتجارة الإلكترونية خاصة فيما يتعلق بعدم فرض رسوم جمركية على الرسائل الإلكترونية لحين انعقاد المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية.
-التجارة و التمويل:
طالبت الدول النامية في هذا المؤتمر دراسة العلاقة بين النظام التجاري و النظام المالي و النقدي، و إنشاء مجموعة في إطار المنظمة للمزيد من البحث في هذا الموضوع و بالخصوص في الجوانب التالية.
- حماية النظام التجاري متعدد الأطراف من الاختلالات النقدية و المالية الخارجية.
- إضفاء مزيد من المصداقية على استمرار عملية التوسع في التجارة.
- تأكيد و ضمان استفادة الدول الأعضاء من كافة جهود التحرير في هذا الإطار.
-التجارة و المديونية:
فرغم إصرار الدول النامية على إنشاء مجموعة عمل في إطار منظمة التجارة العالمية لدراسة مدى قدرة النظام التجاري الجديد للتغلب على هذا المشكل، عارضت الدول المتقدمة هذا الطرح و اعتبرته أنه لم يدخل في اختصاص المنظمة.(1/184)
أما بخصوص نقل التكنولوجية فقد طالبت الدول النامية بتمكينها من التكنولوجية الحديثة و تخفيف آثار النظام التجاري الجديد عليها.
1-4-إعلان مؤتمر جنيف:
نتيجة المفاوضات التي دارت في هذا المؤتمر و في إطار المواقف المختلفة للدول المشاركة خرج المؤتمرون بإعلان يحتوي عن النقاط التالية.
- التأكيد على ضرورة الالتزام الأمين بتنفيذ الاتفاقيات التي أسفرت عنها جولة أوروغواي مع إجراء تقييم لذلك التنفيذ في المؤتمر الوزاري الثالث الذي سيعقد في سياتل، على أن تتم عملية التقييم لكل اتفاقية على حده آخذا في الاعتبار أهداف تلك الاتفاقيات.
-أشار الإعلان إلى رفض طرح موضوع معايير العمل حتى على مجموعة العمل حيث رفضت الدول النامية طرح هذا الموضوع نهائيا.
- تكليف المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية بتنفيذ برنامج الأعداد للاجتماع الوزاري القادم في سياتل.
على أن يتضمن هذا برنامج النقاط التالية:
- مراجعة تنفيذ الاتفاقيات الحالية لجولة أوروغواي 1994.
- إعداد برنامج المفاوضات المتفق مسبقا على إجرائها في اتفاقات جولة أوروغواي 1994 و المتعلقة بالزراعة و الخدمات.
المبحث الثاني:
أبعاد و نتائج مؤتمر سياتل(1/185)
انعقد مؤتمر سياتل في ظروف جديدة تختلف جذريا في بعض النواحي عن الظروف التي انعقدت فيها المؤتمرات السابقة لمنظمة التجارة العالمية، إضافة على بروز ممارسات تجارية جديدة غيرت من وتيرة و طبيعة التجارة، من بينها الدور المتنامي للتجارة الإلكترونية بأنواعها المختلفة التي تجري بين أصحاب الشركات و الأعمال، أو بين الشركات و الزبائن و المستهلكين، أو بين الشركات و الحكومات، أو غيرها.. إضافة إلى دور شركات الانترنيت المتنامي، و هناك شبه اتفاق على أن حجم مشتريات الأفراد بالانترنيت في عام 1997 (700) مليون دولار في أوروبا، و خمسة مليارات دولار في الولايات المتحدة ، قفز في عام 1998 إلى (7,8) مليار دولار في الولايات المتحدة. و في تقدير مؤسسة (بوسطن) للأبحاث أنها بلغت في العام 1999 (13) مليار دولار، كما بلغ حجم التجارة الإلكترونية بما فيها تعاملات الشركات عام 1998 حوالي (43) مليار دولار، و تصل تقديرات عام 1999 إلى حوالي (100) مليار دولار. و حسب بعض الإحصائيات و الأرقام التقديرية الخاصة بالتجارة الإلكترونية عالميا، فإن المعاملات المالية و الشراء عبر الانترنيت يتضاعف مرة كل مئة يوم، حيث يتوقع أن يصل حجم التجارة الإلكترونية في عام 2005 إلى أكثر من (186) مليار دولار(1) خارج الولايات المتحدة، و يتوقع أن يصل حجم المعاملات التجارية عبر الانترنيت في الشرق الأوسط إلى أكثر من مليار دولار بحلول عام 2006، وعالميا يتوقع أن يصل إلى أكثر من (400) مليار دولار، و بحلول عام 2006 فإن نصف القوى العاملة الأمريكية سوف ترتبط بأعمال مباشرة أو غير مباشرة ذات علاقة بتقنية المعلومات(2).
2-1- الظروف الاقتصادية العالمية و مؤتمر سياتل:
لقد واكبت مؤتمر سياتل ظروف اقتصادية هامة نذكر من بينها.
__________
(1) سمير صارم: معركة سياتل حرب من أجل الهيمنة, دار الفكر. بيروت 2000.ص 67.
(2) نفس المرجع. ص 68.(1/186)
-الآثار السلبية للعولمة بالنسبة الدول النامية، تتمثل أهمها في تهميش دور الدول النامية و عدم استفادتها بشكل مقبول من نتائج العولمة، و تزايد الفجوة في توزيع الثروة بين الدول المتقدمة و الدول النامية، و تصدير الدول المتقدمة للمشاكل الهيكلية التي تعاني منها اقتصادياتها إلى الدول النامية.
- ما أظهره النظام التجاري العالمي من مظاهر للخلل و عدم التوازن تتمثل أساسا في عدم تحقيق مكاسب ذات مغزى للدول النامية نتيجة لعدم التزام الدول المتقدمة بالتنفيذ الكامل و الأمين لاتفاقات جولة أوروغواي، أو نتيجة للتعسف في استخدام أحكام لبعض الاتفاقات مما حد من فرص وصول صادرات الدول النامية إلى أسواق الدول المتقدمة، إضافة إلى ما أظهرته بعض تلك الاتفاقات من عدم توازن في الحقوق و الالتزامات بين الدول المتقدمة و الدول النامية.
-الأزمة المالية العالمية التي انطلقت شرارتها في عام 1997 في منطقة جنوب شرق آسيا و امتدت إلى مختلف العالم و أثرت سلبيا و بشكل مباشر على معظم الدول النامية في مختلف مناطق العالم.(1/187)
-انخفاض معدل النمو الاقتصادي و انخفاض معدلات نمو التجارة الدولية حيث بلغت الصادرات العالمية عام 1998 ما قيمته 5225 مليار دولار بانخفاض قدره 2%، تدهور أسعار السلع الأولية حيث انخفضت السلع غير البترولية الخام بواقع 15% في حين تجاوز الانخفاض في أسعار البترول الخام 30% مقارنة بالعام السابق، الانخفاض الحاد في المساعدات الرسمية حيث لم تتجاوز نسبتها لعام 1998 ما يزيد على 0.22% مقابل 0.33% عام 1992 و هذا يقل كثيرا عن الرقم الذي يتعين على الدول المتقدمة الالتزام به و هو 0.75 من إجمالي الدخل القومي لتلك الدول، اتجاه الاستثمار الأجنبي المباشر إلى التركيز على عدد محدود من الدول و في بعض القطاعات المحدودة حيث لم يزد نصيب الدول النامية من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عام 1997 عن 37% وتزايد عبء المديونية على الدول الفقيرة ....إلخ(1)
2-2-أهداف مؤتمر سياتل:
إن نطاق المفاوضات الخاصة بالمؤتمر الوزاري الثالث لمنظمة التجارة العالمية الذي عقد في سياتل بالولايات المتحدة الأمريكية يشتمل على العديد من الموضوعات و من أهمها موضوعات الزراعة و الخدمات و مراجعة بعض النصوص في باقي الاتفاقيات بالإضافة إلى مناقشة الموضوعات الجديدة التي طرحت من خلال مؤتمر سنغافورة ومؤتمر جنيف مثل (المنافسة- الاستثمار- التجارة الإلكترونية- تسهيل التجارة).
و الملاحظ أن مؤتمر سياتل تميز بالمواقف و الأهداف المتباينة لكل من الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة و الدول النامية، فكل مجموعة كانت لها أهداف تريد التوصل إليها(2).
- أهداف الاتحاد الأوروبي:
- التأكد من تحرير أكبر للتجارة و فرص الوصول للأسواق.
- خلق ظروف أفضل للمنافسة آخذا في الاعتبار الحاجة المستمرة لمبادئ التفضيلية للدول النامية.
__________
(1) سمير صارم: مرجع سابق ص 69.
(2) عبد الحميد عبد المطب، مرجع سابق ص 366.(1/188)
- تحسين نظام التجارة متعددة الأطراف حتى يصبح أداة عالمية لإدارة العلاقات الاقتصادية بين الدول.
- دعم الدور التنموي للمنظمة و قدرتها على اتخاذ إجراءات خاصة لتنمية القوى البشرية في الدول الأعضاء الأقل نموا.
-أهداف الولايات المتحدة الأمريكية:
- فرض الحماية على بعض جوانب اتفاق الخدمات.
- إدماج معايير العمالة و انتقال الأفراد بين الدول.
- رفض مبدأ الوقاية من خلال اتفاقية الخدمات.
-أهداف الدول النامية:
- ربط التجارة بالتنمية.
- تحرير تنقل الأفراد و العمالة.
- تحرير الاستثمار و ربطه بالتجارة.
- عدم استعمال معايير العمل و البيئة ضدها.
و رغم هذه الأهداف المتباينة إلا أن مؤتمر سياتل و بغض النظر على أهداف كل مجموعة كان يهدف إلى تحقيق ما يلي:(1)
1- إحداث المزيد من التحسين في النظام التجاري العالمي و على الأخص في الاتفاقية الخاصة بالتجارة في الخدمات Général Agreement on Trade In Services.
2 - البحث في التعامل مع مشكلات تنفيذ اتفاقيات جولة أوروغواي 1994 التي تواجه الدول النامية و المتعلقة بموضوعات النفاذ إلى الأسواق شاملة المستويات للتعريفة الجمركية في الدول المتقدمة أو الآثار التنفيذية للحصص و دعم الصادرات و برامج الدعم المحلي ذات التأثير السلبي على المصدرين أصحاب الميزة النسبية في الدول النامية بالإضافة إلى الآثار المتشابهة نتيجة عدم وجود أنظمة دولية للائتمان التصديري والاستخدام غير العادل لإجراءات مكافحة الإغراق و التي أدت إلى التأثير السلبي على الفوائد الناتجة عن جولة أوروغواي 1994.
و بالتالي بحث كيفية وضع ضوابط تضمن عدم استخدام الدول المتقدمة للقواعد الخاصة بضمان التجارة العادلة Fair Trade لأغراض حمائية ترمي بالدرجة الأولى إلى حرمان الدول النامية من فرص الوصول إلى الأسواق في الدول المتقدمة.
__________
(1) سمير صارم: مرجع سابق ص77.(1/189)
3 - التوصل إلى اتفاق حول إعلان يصدر عن المؤتمر يتضمن بدء و إطلاق جولة جديدة من المفاوضات مع بداية عام 2000 حول موضوع تحرير التجارة في السلع الزراعية و التجارة في الخدمات بالإضافة إلى اتخاذ قرارات تستهدف حل بعض مشكلات التنفيذ في بعض اتفاقيات جولة أوروغواي 1994، و بحث الموضوعات الجديدة التي يمكن أن تكون محلا للتفاوض خلال الجولة الجديدة المتوقعة من المفاوضات
4 - أن المفاوضات التجارية متعددة الأطراف يجب أن تأخذ في الاعتبار عنصر الترابط بين السياسات التجارية و النقدية و المالية و التنموية و التأثير المتبادل لهذه السياسات.
5 -مراجعة أعمال منظمة التجارة العالمية عن الفترة السابقة للمؤتمر و تقييم الوضع الحالي للتجارة العالمية و العلاقات الدولية التجارية مع الاتفاق على برنامج المنظمة لفترة قادمة.
6 -تحديد ماهية المفاوضات التجارية لجولة الألفية الثالثة المتوقعة التي يمكن أن تبدأ بعد أقل من شهر من اختتام الاجتماع الوزاري لدول منظمة التجارة العالمية في سياتل.
2-3-موضوعات مؤتمر سياتل:
طرحت في مؤتمر سياتل عدة موضوعات كالزراعة و الخدمات والمنسوجات والملابس و الإغراق بالإضافة على مواضيع جديدة كالتجارة الالكترونية و الاستثمار وغيرها.
-استكمال تحرير قطاع الزراعة:(1/190)
يعتبر قطاع الزراعة من أهم الموضوعات التي تطرقت لها جولة الأوروغواي نظرا لوزن هذا القطاع في الاقتصاد العالمي، حيث يمثل أكثر من ثلثي الناتج العالمي الإجمالي و هو ما يعكس تأثيره البالغ على مستقبل الأوضاع الاقتصادية الدولية و كان الملف الزراعي في مؤتمر سياتل عبارة عن حجر الزاوية في المفاوضات و ذلك بسبب عدم تحرير تجارة السلع الزراعية تحريرا كاملا في جولة أوروجواي حيث اقتصر الوضع الخاص بتحرير تجارة السلع الزراعية على تخفيض الدعم الممنوح للمنتجات الزراعية المحلية بنسبة 20% و خفض الصادرات المدعومة بنسبة 36% من حيث القيمة الزراعية إلى رسوم جمركية، واضحة مع خفضها بنسبة 36% و خفض التعريفات على المنتجات الزراعية الاستوائية بنسبة 40% و فتح أسواق الأرز في كل من اليابان و كوريا الجنوبية تدريجيا.
و قطاع الزراعة كما هو واضح هام جدا و يأتي على رأس الدول المصدرة للمنتجات الزراعية في العالم للولايات المتحدة بقيمة قدرها 70 مليار دولار عام 1998 و تتمثل هذه النسبة 12.6% من جملة الصادرات العالمية للمنتجات الزراعية.
تليها فرنسا بقيمة قدرها 41 مليار دولار بنسبة 7.4% ثم هولندا بقيمة 34.7 مليار دولار بنسبة 6.3% و يليها كندا بقيمة 30 مليار دولار بنسبة 3.7% ثم يليها بريطانيا بقيمة 19.5 مليار دولار بنسبة 3.5% و تستكمل قائمة المصدرين العشرة الكبار للمنتجات الزراعية دول من الاتحاد الأوروبي حيث بلغ نصيب أسبانيا 17.5 مليار دولار بنسبة 3.2% و إيطاليا 17 مليار بنسبة 3.1% و لا يشذ عن ذلك إلا البرازيل بصادرات قيمتها 17 مليار دولار و بنسبة 3.1% (1).
__________
(1) سمير صارم: مرجع سابق ص373.(1/191)
و يكمن الخلاف الأساسي بين مجموعة الدول المنتجة الرئيسية للسلع الزراعية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى على تحقيق أقصى قدر من التحرير في قطاع الزراعة في مقابل مجموعة أخرى يقودها الاتحاد الأوروبي الذي يسعى إلى عدم قبول تحمل التزامات جديدة يتطلب تغير السياسة الزراعية للاتحاد الأوروبي كما ترغب الدول الأخرى التي تؤيده في مراعاة الطبيعة الخاصة لقطاع الزراعة عند تحديد معدلات التحرير و بين هذا و ذلك توجد مجموعات من الدول لها مصالح قد تتفق بدرجة أو بأخرى مع كلتا المجموعتين و هنا يتضح أن القضية تشمل شقين يتعلق إحداهما بخلاف بين الدول النامية و الدول المتقدمة حيث أنه على الرغم من أن جولة أوروجواي تقرر إلا تحرير ا جزئيا لتجارة السلع الزراعية فإن حتى هذا التحرير الجزئي لم يكن محل التزام من الدول المتقدمة التي استمرت في وضع العراقيل أمام الصادرات الزراعية بالنسبة للدول النامية.
و من ناحية أخرى يلاحظ أن الشق الآخر هو الخلافات القائمة داخل الدول المتقدمة نفسها حيث أن العديد من الدول الصناعية المتقدمة تمنح الدعم لصادراتها الزراعية والذي قدره البعض بنحو 350 مليار دولار عام 1999 و في هذه القضية بالتحديد تجلت تحالفات المصالح بين الدول في أوضح صورها حيث تضامنت إرادة الدول الصناعية المتقدمة فبينما تضامنت الولايات المتحدة و أستراليا مع تحالف مكون من 18 دولة مصدرة للمنتجات الزراعية تسمى مجموعة كيرنز في وضع القطاع الزراعي في مفاوضات جديدة نحو المزيد من التحرير في هذا القطاع نظرا لقدرتها التنافسية العالية في هذا المجال فإننا نجد أن الاتحاد الأوروبي قاد مجموعة أخرى من الدول لمواجهة هذا التحالف الأمريكي.(1/192)
و أن الدول النامية أيضا لها مصلحة في تحرير قطاع الزراعة نظرا لقدراتها التنافسية التي تعتبر أعلى من الدول المتقدمة في مجال إنتاج السلع الزراعية بسبب انخفاض تكلفة عنصر العمل فيها. و على الجانب الآخر فإن اليابان و الدول الأوروبية يريدان معاملة القطاع الزراعي معاملة خاصة بما يعني إبقاء نوع من القيود على تحرير تجارة السلع الزراعية.
و يرى البعض أن هذا الجانبي التفاوضي أنه صعب أن يتحقق قريبا لما يشمله من اتساع في هوة الاختلاف في المصالح و تعارضها.
و يجب أن نعرف حقيقة هامة في هذا المجال تشير إلى أن هناك فائض على المستوى العالمي من الغذاء و المنتجات الزراعية بنسبة 100% عن احتياجات العالم و لكن هناك سوء توزيع فيه و يجب أن نعرف أن منظمة التجارة العالمية ليست آخذة على عاتقها أن تكون المحققة للعدل في هذا المجال و لكن ينظر إليها على أنها تعمل على تحرير ذلك القطاع تحريرا كاملا.
- التجارة الالكترونية:(1/193)
كانت التجارة الالكترونية من أهم الموضوعات على جدول أعمال المؤتمر الوزاري الثالث لمنظمة التجارة العالمية في سياتل و على الرغم من التباين الحاد في الأرقام المعلنة بشأن حجم التجارة عبر الانترنيت حاليا، و في المستقبل القريب، إلا أنه من المؤكد أن هذه الوسيلة في البيع و الشراء، و إجراء الصفقات سوف تصبح خلال السنوات القادمة، هي إحدى أهم قنوات التجارة المحلية و الدولية، و قد دفعت هذه الحقيقة الإدارة الأمريكية لإعداد ملف ضخم حول التجارة الالكترونية عرضه في المؤتمر لإقناع العالم بأهمية تذليل الصعاب التي تواجه التوسع في استخدام الانترنيت في الأعمال التجارية، وقد مارست الكثير من الضغوط خلال المؤتمر لإقناع دول العالم بتهيئة القوانين المحلية وإعادة صياغتها بغرض تسهيل التعامل التجاري عبر شاشات الكمبيوتر، و حل أهم المعضلات التي تواجه توسيع نطاق التجارة الالكترونية، و أهمها المحاسبة الجمركية والضريبية للسلع و الصفقات المبرمة الكترونيا، و توفيق القوانين المصرفية في دول العالم لتسوية المدفوعات عن هذه الصفقات الكترونيا أيضا، كذلك إنشاء جهاز دولي يضمن أقصى درجات الأمان ضد مخاطر التعامل المالي عبر الانترنيت، و هي القضية التي نجح الأوربيون إلى حد ما في الحد منها .
و تعتمد واشنطن في مواقفها هذه على التقدم الكبير الذي أحرزته الشركات الأمريكية في هذا المجال، أما أوروبا المتهمة من قبل الولايات المتحدة بالتخلف في استخدام التجارة الالكترونية، و ما زالت قوانين في دول مثل فرنسا و إيطاليا قاصرة عن استيفاء متطلبات التعامل التجاري عبر الانترنيت، و انه م يتجاوز حجم المبيعات عبر الانترنيت في أوروبا في عام 1998 المليار دولار (7.8) مليار دولار في أمريكا.(1/194)
فقد رأت ضرورة التريث في طرح هذا الموضوع الذي لا يزال في بداياته الأولى، مما يجعل من الصعب وضع أية اطر قانونية أو تنظيمية له. و قد وافقتها الدول النامية في ذلك.
و يرى البعض أن الشعارات التي ترفعها الولايات المتحدة في سبيل إقرار التجارة الالكترونية ليست سوى بوابة لتحقيق مصالح الشركات الأمريكية، و الواقع أن بحث الأمور المتعلقة بالتجارة الالكترونية يعد من الأمور المعقدة، و لا سيما أنها في جوانب عديدة ترتبط بسيادة الدول، و مدى قدرتها على التحكم في اقتصادياتها و تجارتها الخارجية... و هي في كل الأحوال لصالح الأغنياء.
و في كل الأحوال فإن الدراسات الخاصة بمستقبل التجارة الالكترونية يشير إلى أنها تستحوذ على 70% من حجم التجارة الدولية بحلول عام 2010، و ذلك بعد توفيق الأوضاع القانونية، و نمو المعرفة التقنية باستخدامات الانترنيت في مختلف دول العالم(1).
و تهدد التجارة الالكترونية بعض الأنشطة التجارية التقليدية حاليا مثل شركات تأجير السيارات، و بيع الالكترونيات، و المعارض، و تجارة الأثاث، و الأفلام، و المعلومات وغيرها... و تعد شركات السياحة و الطيران و النقل و التأمين بأنواعه، و المصارف من أهم الأنشطة التي استفادت بقوة من خدمات التجارة الالكترونية.
و قد انتهى اجتماع سياتل إلى فشل في الاتفاق على أي من الموضوعات المتعلقة بالتجارة الالكترونية و تم تأجيل البث في التعريفات الجمركية المفروضة عليها لمدة تتراوح بين 18-24 شهرا، و قد اعتبر البعض ذلك انتكاسة للولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تطالب قبل المؤتمر بعدم وضع أي حواجز جمركية على التجارة الالكترونية.
-تحرير قطاع الخدمات:
__________
(1) سمير صارم، مرجع سابق ص 79.(1/195)
إن الخلاف في هذا القطاع ليس في تحرير من جميع القيود و إنما في أشكالوجوانب التحرير بحيث كانت الدول المتقدمة تسعى إلى المزيد من التحرير الرأسي و الأفقي النامية إعطاء الأولوية للقطاعات ذات الأهمية بالنسبة لها.
و مع تطور الاقتصاد العالمي و اعتماده على الثورة المعرفية و التطور التكنولوجي واحتكار الدول المتقدمة لحوالي 96% من براءات الاختراع العالمية، و بذلك فإن القضايا المرتبطة بالخدمات تؤثر تأثيرا مباشرا في مستقبل الاقتصاد العالمي و الدليل على ذلك تقديرات حركات رؤوس الأموال عبر العالم و التي وصلت إلى 1.5 مليون دولار و كذلك ارتفاع نصيب التجارة العالمية للخدمات من الناتج الإجمالي الدولي خلال الفترة من 1984-1998 لتصل من 7% إلى 17.4% ، حيث بلغت قيمة التجارة العالمية 6.6 تريليون دولار عام 1998 منها 80% تجارة سلعية بقيمة قدرها 5.3 تريليون دولار و1.3 تريليون دولار تجارة الخدمات.
أما عن حركة الاستثمار و الأموال عبر العالم فقد زادت الاستثمارات الخارجية العالمية المباشرة خلال الخمسة و عشرين عاما الأخيرة فقط بمقدار 271 مرة و بمتوسط زيادة سنوية 17% وصلت قيمتها الإجمالية إلى 645 مليار دولار عام 1995 و بلغ إجمالي قيمة الاستثمارات المباشرة 4100 مليار دولار عام 1998(1)
- البيئة و معايير العمل:
__________
(1) عبد الحميد عبد المطلب: مرجع سابق ص 374(1/196)
ازداد استياء الدول النامية و الفقيرة من الولايات المتحدة بسبب إصرارها على الربط ضمن آليات منظمة التجارة العالمية بين التجارة و معايير العمل الأساسية، فضلا عن حماية البيئة، و تأكيد الرئيس الأمريكي (بيل كلينتون) التي أيد فيها فرض عقوبات متعددة الأطراف على الدول التي تنتهك حقوق العمل الأساسية، و أنه يريد إيجاد مجموعة عمل قادرة على صياغة و إعداد معايير للعمالة، ثم يضمن بعد ذلك هذه المعايير في جميع الاتفاقيات التجارية، مع تفضيله لوجود نظام يتضمن عقوبات في مواجهة الانتهاكات التي قد تحدث لأي من النصوص التي تضمنتها أي اتفاقية تجارية، و قد أثار ذلك التصريح قلق معظم الوفود المشاركة في المؤتمر، و انتقاداتها، حتى دول المجموعة الأوروبية وقفت إلى جانب الدول النامية و الفقيرة في ذلك، و التي تعتبر الإصرار على هذه المعايير شكلا مستترا من أشكال الحماية، و مؤامرة من جانب الدول الصناعية التي تهدف إلى حرمانها من إحدى ميزاتها الأساسية التنافسية، و هي الأجور المتدنية.(1/197)
لعل وضع قيود تجارية تهدف إلى تأمين فرص عمل في تلك الدول، و إرضاء النقابات ذات الأثر الكبير في انتخابات الرئاسة الأمريكية، لكن هذا الحرص الذي ادعته الولايات المتحدة على الحقوق العمالية على النطاق العالمي، و خصوصا فيما يتعلق بعمل الأطفال دون سن الثامنة عشرة، تأكد خطأهن و هذا ما دفع صحيفة أمريكية على التعليق حول موضوع الربط بين التجارة و العمل الذي تسعى إليه الولايات المتحدة، فقال: بأن (كلينتون) الذي تمكن من خلق مجموعة من الأنصار للتجارة الحرة داخل بلده، قد تمكن من ذلك بعد أن استوعب أفكار المعارضة، و قالت: إنه أخطأ بكلامه الصريح عن التخوف من أن يؤدي الاستيراد إلى خسارة في الوظائف في أمريكا، مهملا حقيقة أن الاستيراد يحمل الشركات الأمريكية على التنافس... و ذكرت الصحيفة بأن (كلينتون) فرض قيودا على الاستيراد هي بمثابة ضريبة على المستهلك، و تقول: إن قبوله الربط بين التجارة و قضايا العمل و تشغيل الأطفال يلاقي الرفض من معظم الحكومات في العالم.
و في هذا الإطار يأتي تصريح (كلارا شورت) سكرتيرة (منظمة التنمية الدولية) حول أهمية التمييز بين المشاكل التنموية و المشاكل التجارية، و اعتبرت أن تشغيل الأطفال مشكلة تنموية في المقام الأول، و مطلوب من العالم أن يضع حدا لتشغيلهم من خلال المساهمة بتنمية الدول التي تعتمد على ذلك لتمكينها من الوصول إلى حالة تستغني فيها عن تشغيل أي طفل، و ليس معاقبتها، لأن هذه العقوبات لن تنعكس فقط على الأطفال الذين لا يجدون الغذاء أو المدارس أو المأوى، بل ستستحق شعوبهم، و سيحصد العالم نتائج عكسية، و عليه يجب على العالم أن يجعل دورة سياتل دورة تنمية، و أن يشجع انسياب الاستثمارات الخاصة نحو هذه البلدان لكي تتوسع تجارتها، لا العكس.
- مكافحة الإغراق:
تعتبر الاتفاقية الخاصة بالإغراق أن المنتج " مغرق" إذا كان سعر الصادرات لذلك المنتج أقل من سعر مثيله في السوق المحلية.(1/198)
و تتضمن بنود مكافحة الإغراق قواعد تفصيلية تتعلق بطريقة تحديد الإغراق وبالأضرار الناجمة، و بالإجراءات التي ينبغي إتباعها في فحص سبل مكافحة الإغراق والمدة اللازمة لإجراءات مكافحة الإغراق، و مع ذلك بقيت أحكام اتفاقية " مكافحة الإغراق" شديدة التعقيد بسبب اعتماد هذه الاتفاقية للممارسات التي تتبعها الدول المتقدمة الرئيسية في هذا المجال، و غالبا ما يحدث أن تدخل تقديرات تكلفة الإنتاج و النفقات الأخرى في إعداد القضية لأي جانب في الوقت الذي يصعب فيه على دولة نامية أن تقوم بتجميع هذه المعلومات من دول متقدمة، ذلك أن السلطات و مؤسسات التجارة و الصناعة في الدول النامية ليست مهيأة على وجه يمكنها من تحديد مصادر هذه المعلومات، و من جمعها في الدول المتقدمة.
و في الحقيقة و مع أخذ الفوارق الشاسعة في موارد كل من الدول المتقدمة و النامية في الاعتبار، تصبح عملية الاستفسار عن مكافحة الإغراق لدى الأطراف المصدرة متحيزة جدا ضد الدول النامية، إلا إذا كانت مستعدة لإنفاق مبالغ طائلة لتجميع المادة و البيانات المطلوبة من الدول المتقدمة، و هناك مشكلة أكثر خطورة في مجال مكافحة الإغراق، و هي استبعاد هذا الموضوع من العملية العادية لتسوية المنازعات.
و قد أشارت مناقشات وفود الدول النامية في سياتل إلى وضع دعاوى الإغراق الراهنة في منظمة التجارة العالمية، و اتجاه الدول الكبرى بشكل واسع للجوء إليها في مواجهة الآخرين. و تتصدر الولايات المتحدة القوى الاقتصادية و التجارية العالمية العظم لقائمة الدعاوى، حيث قدمت حتى الآن (60) دعوى إغراق، في حين قدمت دول الاتحاد الأوروبي (47) دعوى، و قدمت اليابان (7) دعاوى، أما جملة الدول النامية التي تمثل 80% من أعضاء المنظمة فلم تقدم سوى (44) دعوى إغراق في حين أنها تعرضت لمواجهة (61) دعوى إغراق.(1/199)
و مع دخول الاتفاقيات إلى حيز التطبيق الشامل، و انتهاء الفترات الانتقالية، و ما كانت نتيجة للدول النامية من إعفاءات في تحمل القواعد، فإن الإغراق يمكن أن يمثل سيفا مسلطا وحادا على رقاب جميع المصدرين من أراضيها، و يعمق من تهميش دورها ونصيبها المتواضع في النظام التجاري الدولي(1)، و بالرغم من اعتراضات الدول النامية على الكيفية التي تتعامل بها الدول المتقدمة مع اتفاقيات مكافحة الإغراق، و وضع قيود متعددة على صادرات الدول النامية، و التي تؤثر سلبا على صادراتها إلا أن الولايات المتحدة بشكل خاص لم تبد ليونة حيال طلبات الدول النامية بتخفيف القوانين الأمريكية الهادفة على مكافحة إغراق السوق بالسلع، أو تقدير الأوضاع الصعبة للدول النامية التي يعتبر التصدير بالنسبة لها قضية مصيرية.
إضافة على المواضيع السالفة الذكر فقد ناقش مؤتمر سياتل مواضيع أخرى كالتجارة والاستثمار و الشفافية في المشتريات الحكومية و المنافسة، و دائما كانت المواقف متباينة بين المجموعات الثلاثة. فرغم أن لكل مجموعة مطالب محددة إلا أن مطالب الدول النامية تمثلت في تحرير المنسوجات و الملابس و المعايير البيئية و العمالية.
__________
(1) محمد علي إبراهيم: الآثار الاقتصادية لاتفاقية الجات: الدار الجامعية- القاهرة 2003. ص 56.(1/200)
فبخصوص المنسوجات و الملابس تلوم الدول النامية بعدم تنفيذ الدول الصناعية المتقدمة لقرارات اتفاقية الجات بشان تحرير تجارة المنسوجات و الملابس الجاهزة، حيث مازالت هذه الدول تضع قيودا متنوعة تعرقل حرية التجارة في المنسوجات و الملابس الجاهزة، و على رأس هذه القيود تأتي القيود الكمية، و تقضي اتفاقية الجات بضرورة العمل على إنهاء نظام الحصص الذي كان متبعا في ظل اتفاق الألياف المتعددة و ذلك خلال عشر سنوات من بدء تطبيق اتفاقية الجات، أي مع بداية عام 2005 حيث سيشهد العام المذكور تطبيق قواعد ألغات لتحرير التجارة الدولية على المنسوجات سواء في الدول النامية أو المتقدمة، ورغم مرور خمس سنوات على بدء تطبيق اتفاقية الجات إلا أن الدول الصناعية المتقدمة لم تتقدم بجدية في إلغاء نظام الحصص الذي يقيد حركة صادرات الدول النامية من المنسوجات إليها.
أما مشكلة معايير البيئة و العمل فتعد المشكلة التي وحدت صفوف الدول النامية و لم يحدث عليها اختلاف في وجهات النظر بين هذه الدول، و بالتالي شهد مؤتمر سياتل صراعا قويا بين الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة التي اصطفت مع في مواجهة الدول النامية التي كانت أيضا كتلة واحدة تقريبا فيما يتعلق بقضية المعايير البيئية و العمالية، ففي كلمة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أمام المؤتمر أعلن كلينتون عن إصراره على إدراج القضايا العمالية و البيئية ضمن موضوعات الألفية الجديدة لمنظمة التجارة العالمية، كما اقترح فرض عقوبات اقتصادية لضمان التزام دول العالم بالمعايير العمالية التي لم يوضح طبيعتها باستثناء تأكيده على فرض عقوبات على الدول التي تستخدم عمالة الأطفال.(1/201)
و إذا كانت هذه الدول حريصة فعلا و بشكل دائم على حماية البيئة في العالم فعليها أن تبدأ بصناعاتها أولا، ثم عليها ثانيا أن تتحمل تكلفة ما تزيده من الدول النامية و لو كثمن لما قامت به الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة من نهب للدول النامية و من تخريب لمسار تقدمها الاقتصادي – الاجتماعي خلال العهد الاستعماري الذي عوق التطور الاقتصادي في الكثير من البلدان النامية و بالذات في مصر التي لو تركت صناعاتها الناهضة في عهد محمد علي، على حالها لكانت مصر قوة اقتصادية عظمى في الوقت الراهن، حيث كانت مصر بتجربتها الصناعية في عهد محمد علي، تسبق غالبية دول أوروبا و كل من اليابان و ألمانيا.
و تجدر الإشارة إلى أن منظمة الأمم المتحدة للتجارة و التنمية (أونتكاد) قد أصدرت بيانا و وزعته خلال مؤتمر سياتل و طالبت فيه الدول النامية و الفقيرة بضرورة التصدي للضغوط التي مارستها عليها الدول الصناعية المتقدمة من أجل إدراج قضية المعايير العمالية في جدول أعمال منظمة التجارة العالمية، و كان هذا الموقف من (أونتكاد) تضامنا واضحا مع الدول النامية و تحديا لمنظمة التجارة العالمية و للدول الصناعية المتقدمة المسيطرة عليها.
2-4-أسباب فشل مؤتمر سياتل:
لقد سادت مؤتمر سياتل خلافات واضحة و مواقف متباينة بين الدول المتقدمة فيما بينها و بين هذه الأخيرة و الدول النامية من جهة ثانية.
و قد أدت هذه الخلافات و التناقضات إلى فشل مؤتمر سياتل في الخروج بإعلان و هذا يعني أنه لم يتم الاتفاق على شيء في الموضوعات المطروحة و يمكن تلخيص أسباب الفشل فيما يلي:(1/202)
1- ساد اعتقاد متزايد لدى عدد كبير من الدول العالم خاصة الدول النامية وقطاعات عديدة من الرأي العام العالمي أن اتفاقية التجارة العالمية و منظمة التجارة العالمية التي أنيط بها تنفيذ هذه الاتفاقية و تطوير النظام الاقتصادي العالمي نحو المزيد من التحرر لا تخدمان سوى مصالح الدول المتقدمة و بصفة خاصة الولايات المتحدة التي تتجه إلى فرض سيطرتها على المنظمة و التي تسعى إلى توجيه سياستها و ما يصدر عنها من قرارات أو اتفاقيات إلى خدمة هذه المصالح في المقام الأول، و قد تزايد هذا الاعتقاد نتيجة محاولات الدول المتقدمة في مقدمتها الولايات المتحدة ربط تحرير التجارة ببعض القضايا مثل تشغيل الأطفال، و معايير العمل، و شؤون البيئة، و التي رأت فيها الدول النامية محاولات للالتفاف حول مبدأ حرية التجارة على نحو يخدم مصالح المنتجين في الدول المتقدمة، و عرقلة فتح أسواقها أمام المنتجات المنتجة في الدول النامية بإثارة مثل هذه القضايا.
2- زيادة شكوك الدول النامية حول نشاط الشركات متعددة الجنسية و محاولاتها السيطرة على حركة التجارة الدولية، و تحويل الدول النامية إلى مجرد ورشة تابعة يتحدد مصير تجارتها الخارجية وفقا لما تضعه الشركات من سياسات و هي شركات تنتمي في المقام الأول إلى الدول المتقدمة.
3- التناقض بين الدول المتقدمة ذاتها خاصة الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي حول قضايا تحرير القطاع الزراعي، و توسع الدول في الاتحاد الأوروبي في إتباع سياسات التدخل، و الدعم للقطاع الزراعي. أي أن ملف الإغراق لمنتجات زراعية مدعومة يمثل مواجهة بين أوروبا و أمريكا، و عدم اتفاق الدول المتقدمة على معالجة هذه القضايا.
4- عدم توافر الإعداد الجيد و الخبرة لدى إدارة المنظمة لتعد المؤتمر إعدادا جيدا لكيفية مواجهة هذه التناقضات خاصة أن هناك العديد من المؤشرات التي كانت تدعوها إلى توقع تفجر هذه القضايا الساخنة.(1/203)
فيجب إعادة النظر في آليات العمل داخل المنظمة حتى الآليات الخاصة بالإعداد لجولات التفاوض، لأن الهدف من هذا القرار هو ضمان عنصرين أساسين "الشفافية" من ناحية، و " الكفاءة" من ناحية أخرى، فلقد ثبت أثناء هذه الاجتماعات أن تحقيق احد العنصرين لا بد أن يأتي على حساب العنصر الآخر، و بالتالي تقرر وقف المباحثات حتى يمكن تحقيق آلية صحيحة تضمن تحقيق الهدفين لإدراك الأعضاء المشاركين أن المشاركة و الشفافية من كل الأعضاء ضرورية ومهمة.
5-الرغبة في عدم فتح الأسواق الأمريكية أمام الصادرات من دول العالم الأخرى ومحاولة استخدام هذه المسألة كأداة ضغط على الآخرين لقبول المطالب الأمريكية و تزايد الغرور الأمريكي بقوة في هذا المؤتمر بدرجة استفزت الآخرين سواء الدول النامية أو الاتحاد الأوروبي أو اليابان.
6- المطالبة بحقوق العمال التي تتآكل في الدول النامية أمام زحف الاستثمارات الأجنبية و شروطها المجحفة، و بالنظر إلى ملف العمالة و كيفية التعامل مع هذه القضية بالنسبة للدول النامية التي لها خصوصيتها في تشغيل الصبية في ظروف تعتبرها دول أخرى إهدار لكرامة الإنسان و انتفاصا من حقوقه.
7- عدم الاهتمام بمعالجة المساوئ التي تصاحب الحرية التجارية و مشاكل الدول النامية التي تتعرض للمنافسة من الدول المتقدمة اقتصاديا، وعلى الدول المتقدمة أن تتبع سياسات مساواة و تعمل على مساعدة الدول النامية في عمليات نقل التكنولوجيا واستيعابها و رفع مستويات الإنتاجية و الأجور بها.
8- فشل سياتل لأنه أهدر توازن المصالح بين الدول الغنية و الفقيرة اقتصاديا و تجاريا و زراعيا و صناعيا.(1/204)
9- تهميش الدول النامية الذي بدا واضحا مع استمرار المحادثات التجارية و مع ازدياد اللجوء إلى الصالون الأخضر حسب التعبير الفرنسي أو الغرفة الخضراء Green Room حسب التعبير الإنجليزي، و كلاهما يعني أن يتم اختيار مجموعة مختارة من الدول لضمان التوصل إلى اتفاق، ثم يتم عرض ما تم الاتفاق عليه فيما بعد على الدول الأخرى.
إن كثرة انعقاد الغرفة الخضراء أو إغلاق أبوابها شيئا فشيئا أمام المشاركة الآخرين جعلت من الغرفة الخضراء عقبة أساسية أمام تحقيق مبدأ المشاركة و المساواة في صنع القرار داخل منظمة التجارة العالمية، و من هنا بدأت أصوات التذمر و الانتقاد العلني تسمع داخل قاعة المؤتمرات بأن سياتل بدت غير ديمقراطية و غير عادلة و هي صفات تنادي بها المنظمة، تطالب بتطبيقها و تنقصها الشفافية.
المبحث الثالث:
من الدوحة إلى هونغ كونغ.
انعقد مؤتمر الدوحة في ظروف جديدة، تمثلت في أحداث 11 ديسمبر بالولايات المتحدة الأمريكية و الخلافات الحادة بين أعضاء المنظمة في موضوعات كثيرة والخوف من مخلفات مؤتمر سياتل و ما ترتب عنه من انعكاسات سيكولوجية في نفوس الكثير من الدول و المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية و المجتمعات المدنية التي لم ترضى بفرض الهيمنة الأمريكية على إدارة النظام التجاري العالمي لوحدها و لتهميش الدول النامية من المشاركة في المفاوضات و أخذ القرارات. بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة ألحت في هذا المؤتمر على وضع أسس نظام اقتصادي جديد قادر على محاربة الإرهاب و التقليل من الفقر في العالم. و هذا لا يأتي إلا بدخول الدول النامية و الدول المتقدمة في مفاوضات انطلاقا من حاجة بعضنا للبعض الآخر(1)
3-1-مؤتمر الدوحة و الظروف العالمية التي صاحبته:
__________
(1) دعوة مدير منظمة التجارة العالمية "مايك مور" بمؤتمر الدوحة.(1/205)
انعقد مؤتمر الدوحة في ظروف اقتصادية و سياسية مختلفة عن تلك التي كانت قبل مؤتمر سياتل. و يمكن تلخيص هذه الظروف فيما يلي:
1- شبح الخوف من تكرار سيناريو سياتل الذي هز أركان النظام التجاري العالمي متعدد الأطراف، ، و أظهر أن الصراعات و الخلافات التي سادت هذا المؤتمر إن تكررت قادرة على نهاية العولمة المبنية على القطبية الأحادية و ما يرافقها من هيمنة و تهميش لباقي مكونات هذا النظام الجديد. و لهذا شعرت كل الدول أن من مصلحة الجميع إنجاح هذا المؤتمر انطلاقا من المصالح الاقتصادية المشتركة.
2- تأكيد منظمة التجارة العالمية، رغم الانتقادات الموجهة لها، على السعي إلى تحقيق نوع من العدالة في النظام التجاري العالمي، و التأكيد أيضا على التقليص من الخلافات لأن فشل مؤتمر الدوحة سيؤدي إلى تراجع التجارة الدولية و مزيد من الكساد الاقتصادي و ما يترتب عنه من أزمات اقتصادية في أنحاء العالم.
3-سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى التغلب على خلافاتها مع أهم الدول الكبرى والتكتلات الاقتصادية الدولية و في مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي حتى يكون نضالها في مؤتمر الدوحة على جبهة واحدة أمام الدول النامية المعارضة للعولمة على الطريقة الأمريكية، و حتى لا يشجع خلافها مع الاتحاد الأوروبي حول بعض القوانين المنظمة للتجارة الأمريكية دخول دول أخرى كطرف في هذا الخلاف و خاصة حول قوانين الإغراق و المنافسة و الضرائب المعمول بها في الولايات المتحدة و التي يتعارض العديد منها مع قواعد تحرير التجارة الدولية.(1/206)
و من ناحية سعت الولايات المتحدة إلى تبني أسلوب عقد الصفقات الجانبية مع الدول والتكتلات التي تختلف مع الولايات المتحدة قبل بداية مؤتمر الدوحة، و هو أسلوب استخدم مع الاتحاد الأوروبي عندما اعترض على الإعفاءات من الضرائب التي تقدمها الولايات المتحدة لشركاتها. و مع اليابان عند الخلاف بشن صادرات السيارات اليابانية على الولايات المتحدة الأمريكية.
بالإضافة إلى توحيد الموقف الأمريكي مع الاتحاد الأوروبي و إظهار القيادة المشتركة لمؤتمر الدوحة و الإصرار المشترك على مواقفها و جذب الدول الأخرى لتبني هذه المواقف.
و أخيرا محاولة طمأنة الدول النامية بأن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تعمل بجد هذه المرة لجعل الأمور المختلفة، أكثر شفافية في مؤتمر الدوحة و أنها ستلتزم التزاما كاف بقواعد تحرير التجارة و حقوق الدول النامية، و التركيز على طرح أجندة واسعة لمؤتمر الدوحة ترضي جميع دول العالم و تشجعها على تأييد عملية تحرير التجارة، أملا في العوائد التي ستعود عليها من هذه المجالات، و لذلك وافقت الولايات المتحدة على بحث موضوعي الاستثمار و المنافسة في جولة جديدة للمفاوضات و ذلك في إطار اتفاق جانبي مع الاتحاد الأوروبي و لجذب دول أخرى إلى المفاوضات في حالة نجاح مؤتمر الدوحة.
4- انعقد مؤتمر الدوحة في ظروف جديدة عقب تداعيات أحداث 11 سبتمبر الأمر الذي جعل أمريكا أحرص ما تكون على نجاح المؤتمر، و هذا ما أكده " جون هانتسمان" نائب الممثل التجاري الأمريكي الذي صرح قبل القمة بأيام أن الاجتماع لا يمكن عقده في وقت أفضل من ذلك، لأن نجاحه سيعطي دفعة للاقتصاد العالمي الذي يوشك على الدخول في حالة كساد، و من هنا تزداد أهمية مؤتمر الدوحة بعد 11 سبتمبر و تفجيراتها التي ألحقت أضرارا كبيرة بالاقتصاد العالمي و الاقتصاد الأمريكي خصوصا.(1/207)
5- الانخفاض في نمو التجارة العالمية الذي تراجع عام 2001 إلى 2% و هو عام انعقاد المؤتمر، مقابل 12% في عام 2000 و قد ينخفض أكثر من ذلك عام 2002. على إن هذا المعدل النمو المتدني المحقق هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية (1).
6- عزم اليابان على أن تلعب دورا جديدا في صياغة قواعد العولمة و السعي وراء تحقيق مصالحها الاقتصادية بإجراء أكثر مما كان عليه الحال في مؤتمر سياتل، و بالتالي حاولت اليابان إقناع جميع الأطراف قبل مؤتمر بوقت كاف أن الجولة الجديدة لتحرير التجارة يجب أن تكون شاملة و ليست قطاعية(و ما أطلق عليه Sector By Sector) وذك لضمان نجاحها.
7- تنسيق مواقف الدول النامية حيث يتضح ذلك في ردها من خلال ما أقرته مجموعة الـ 15 في اجتماع جاكرتا في مايو 2000 و مؤتمرات التنسيق في الإطار العربي وتجمع الكوميسا حيث تبلورت ردود الدول النامية على البيان الختامي المقترح الذي أرسل من إدارة منظمة التجارة العالمية بشكل منسق و أكدت فيه على ما يلي:
- النص على أهمية أن يم توزيع فوائد و منافع النظام الاقتصادي العالمي الجديد وبالتحديد النظام التجاري العالمي على نحو أكثر توازنا و عدالة و إنصافا مما هو عليه الآن و التأكيد على المبادئ و الأهداف التي أسست عليها منظمة التجارة العالمية في اتفاق مراكش و التي تضمن للبلدان النامية و الأقل نموا نصيب من نمو التجارة الدولية، يتناسب مع احتياجات التنمية في تلك البلدان مع التعهد بنبذ استخدام إجراءات الحماية التي تخذها الدول الأخرى.
__________
(1) عبد الحميد عبد المطلب: مرجع سابق ص 422.(1/208)
- و تأكيد الإقرار و الاعتراف بأن الدول النامية لم تجن الفوائد الكاملة من النظام التجاري العالمي نتيجة لعدة عوامل أهمها عدم وفاء الدول المتقدمة بوعودها في إتاحة الأسواق للبلدان النامية و هو ما أوجد عدم التوازن في القواعد التجارية، و بالتالي لا يوفر التعهد بتصحيح أوجه عدم التوازن و الخلل بشكل ملزم من خلال معالجة كل المسائل المعلقة الخاصة بالتنفيذ و حلها بشكل مرض و في إطار زمني محدد و اعتماد تدابير فعالة لبناء القدرات الاقتصادية للبلدان النامية، و ضمان عملية اتخاذ القرار بمشاركة الجميع و بشكل شفاف.
- و ضرورة أن يتم النص على أن منظمة التجارة العالمية هي منتدى متعدد الأطراف تعمل في إطار قواعد التجارة و تحريرها و في المجالات المتفق عليها، مع رفض إدخال معايير العمل على الإطلاق في البيان الختامي للمؤتمر.
3-2- أهداف مؤتمر الدوحة:
لعل الظروف التي صاحبت انعقاد هذا المؤتمر في نوفمبر 2001 دفعت به إلى السعي لتحقيق الأهداف التالية: (1).
1- تمهيد الطريق لإطلاق جولة جديدة من المفاوضات من أجل الوصول إلى المزيد من تحرير التجارة العالمية الأسواق الدولية و إزالة المعوقات أمام تدفق التجارة العالمية وفتح الباب أمام حل بعض المشكلات المعلقة.
2- تحديد مصير منظمة التجارة العالمية، و الحفاظ عليها و تحسين آلياتها و انطلاقاتها نحو تحقيق أهدافها و القيام بوظائفها. و ضرورة مواصلة طريقها نحو تحرير التجارة وتجاوز سائر العوائق التي قد تعترضها في تحقيق أهدافها.
__________
(1) عبد الحميد عبد المطلب: مرجع سابق ص 438.(1/209)
3- توفير كل الظروف المواتية لنجاح مؤتمر الدوحة حيث أرسل مشروع البيان الختامي قبل أكثر من شهر من انعقاد المؤتمر، لإبداء الملاحظات عليه، و تم عقد المؤتمر في مكانه بالدوحة و في زمانه و إدراك ضرورة مواجهة مشكلة الكساد و الاقتصاد العالمي الحالي و عدم تكرار الفشل الذي آل إليه المؤتمر الوزاري السابق لمنظمة التجارة العالمية في مدينة سياتل الأمريكية.
بل سبق انعقاد المؤتمر الدراسة الدقيقة لأسباب فشل مؤتمر سياتل و تفادي هذه الأسباب في الدوحة، و الإعداد المسبق لتسوية القضايا المعلقة و الخلافية بين الدول الكبرى و التكتلات الاقتصادية و ذلك أثناء اللجان التحضيرية في جنيف، و من ناحية أخرى تم التنسيق بين الدول النامية على مستوى التكتلات الإقليمية و شبه الإقليمية بشأن القضايا المطروحة على المؤتمر ن و هو ما حصر أراء العدد الأكبر من الدول النامية في عدد محدود من الآراء التي كانت متقاربة بما كان في سياتل.(1/210)
بالإضافة إلى إدراك الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد الأوروبي لأهمية تفادي الإصرار الشديد على أي موضوعات أو إجراء تضع عوائق تعد من صادرات الدول النامية خاصة العوائق غير الجمركية و الإصرار على تنفيذها بطريقة متعسفة، و حرص الدول المتقدمة على إغراء الدول النامية بأنها ستمنحها فسحة من الوقت لتوفيق أوضاعها على ما تقرره الجولة القادمة من قضايا لتجنبها أي سلبيات و قيام الدول المتقدمة بإقناع معظم الدول النامية بوفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها أمام منظمة التجارة العالمية يحتاج إلى نطاق أوسع لتحرير التجارة و حتى ما لن يتم إلا من خلال جولة جديدة للمفاوضات مع تعهد الدول المتقدمة و منظمة التجارة العالمية بأنها ستقوم بعمل إصلاحات واسعة في منظمة التجارة العالمية لجعلها أكثر عدالة و موضوعية و شفافية و مراعاة لمصالح الدول النامية و أكثر انفتاحا على المنظمات غير الحكومية المناهضة للعولمة و أكثر عدالة في حل النزاعات الاقتصادية بين الدول النامية و الدول المتقدمة.
3-3-موضوعات مؤتمر الدوحة:
لقد ناقش مؤتمر الدوحة نفس المواضيع تقريبا التي طرحت في مؤتمر سياتل. كموضوعات السلع الزراعية، تجارة المنسوجات، قضايا البيئة و الملكية الفكرية.
فبخصوص السلع الزراعية جدد الاتحاد الأوروبي حرصه على استمرار الدعم الزراعي لفترة طويلة و عد التقيد بالتزامات دولية حولها. كما طالب و في نفس الوقت نادى بعض الدول و على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية بالإسراع بالإلغاء الدعم الذي تضخم حتى وصل على حدود 360 مليار دولار في الدول الصناعية الكبرى، وأصبح موضوع الدعم يرتبط بقوة سياسية مؤثرة في هذه الدول و لها دورا بارزا في فقرار الوزن النسبي للأحزاب و القوى السياسية.(1/211)
أمّا بخصوص قضايا البيئة فتم التوفيق بين رغبات الدول المتقدمة و الدول النامية وذلك بإحالة الموضوع للتفاوض الموسع مع إقرار حق الدول في اتخاذ ما تراه مناسبا من قرارات و إجراءات لحماية البيئة و الصحة في إطار المنظمة.
و هذا الحل يعني موافقة ضمنية على القيود الحمائية الجديدة التي تشكو منها الدول النامية المرتبطة بمواصفات المنشأ المتشددة التي تطبقها الدول المتقدمة على صادراتها وتمنع نفاذ هذه الصادرات لأسواق العالم المتقدم تحت بنود المواصفات البيئية والاشتراطات الصحية و غيرها من الأمور التي يدخل تحت مظلتها في ممارسات الواقع.
و في موضوع المنسوجات لاحظت الدول النامية و خاصة الهند عدم التزام الدول المتقدمة بفتح أسواقها خلال الفترة الانتقالية التي تنتهي في يناير 2005. وبقيت على الجانب الأكبر من نظام الحصص(1).
و لم يتم حل هذه القضية، و وسط ضغوط الأوضاع الدولية الكثيفة تم الاكتفاء بإشارات غامضة للتفاوض حول موقف الهند و المطالب الخاصة بتحرير التجارة في المنسوجات بحكم أن اعتراض أي دولة يمنع التوصل إلى الاتفاق بالتراضي.
أما فيما يخص موضوع الملكية الفكرية و في وسط الخلافات العميقة بين الدول المتقدمة و الدول النامية و بين هذه الأخيرة فيما بينها حصلت الدول النامية على انتصار مهم في قضية اتفاقية حقوق الملكية الفكرية (تريبس) و هو انتصار لا يرتبط بتعديلات في نصوص الاتفاقية و لكن يرتبط بتأكيد رفض التفسيرات المتعسفة و الضيقة للنصوص وهذا يدين جميع المبادرات التي اتخذت في الدول النامية لتقييد صناعات الدواء المحلية وتكبيلها بقيود مصطنعة غير حقيقية.
__________
(1) تشير الإحصائيات أن أمريكا بقيت على 701 قسم من نظام الحصص من أصل 758 قسم و الاتحاد الأوروبي بقي على 167 من أصل 219 و كندا بقيت على 239 من أصل 259.(1/212)
و قد صدرت عن الاجتماعات بيان وزاري منفصل يؤكد حق الدول النامية والدول الأقل نموا في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الصحة العامة و هو ما تتضمنه (التريبس) بالفعل و حقها كحكومات في الترخيص الإجباري لإنتاج الأدوية الرئيسية محليا بغير موافقة الشركات العالمية صاحبة براءة الاختراع الأصلية و ذلك فيما يرتبط بالأدوية اللازمة لمواجهة الأوبئة مثل الإيدز و الملاريا و الكوليرا و غيرها بغير تحديد.
و النقطة البالغة الأهمية في البيان الوزاري المنفصل أنه لم يضع قيودا على الحكومات في قيامها بتحديد الأمراض ذات الطبيعة الوبائية.
و بالنسبة للقضايا الرئيسية الأخرى كعلاقة الاستثمار بالتجارة و المنافسة، فقد اتفق على استمرار التفاوض حولها مع إعطاء أهمية خاصة للتفاوض حول القواعد و الآليات الخاصة بتفعيلات تطبيقاتها و علاقتها بالتجارة كمرحلة أولية تخضع في النهاية للقبول أو الرفض من جانب الدول الأعضاء في المنظمة بأسلوب التراضي و الذي يعني الاتفاق الجماعي قبل بدء المباحثات حول هذه الموضوعات. و ذلك ليس فقط لإرضاء الدول النامية و لكنه يقلل أيضا من خلافات الدول المتقدمة فيما بينها.
3-4- إعلان مؤتمر الدوحة:
تضمن الإعلان الختامي لمؤتمر الدوحة 2001 الذي تم إقراره في اليوم الإضافي للمؤتمر أي في الوقت الضائع الموضوعات التالية:(1/213)
1 – ضرورة البدء في برنامج عمل متوازن يضم أجندة تفاوض موسعة فيما يسمى ببرنامج العمل الموسع، و يعتقد البعض أن عدم النص على إطلاق أو فتح جولة جديدة للمفاوضات يعني الاستمرار في إطار جولة أوروجواي، إلا أن حقيقة الأمر تشير إلى أن مفهوم الجولات الذي كان متبعا في إطار برامج عمل و بذلك يكون برنامج العمل الموسع الذي أقره الإعلان الوزاري هو المسمى الجديد و البديل لجولة التفاوض و بالتالي فان واقع الأمر يشير إلى بدء عملية التفاوض في جولة جديدة لكن بمسمى جديد، و هو حل وسط للتخلص من معارضة الدول النامية لإطلاق جولة جديدة من المفاوضات قبل الإنهاء على مشكلات التنفيذ لموضوعات جولة أوروجواي 1994، و من هنا جاءت فكرة المسمى الخاص " ببرنامج العمل الموسع" ليسهم كل الموضوعات الخلافية لتكون مجالا للتفاوض، بل تضمن الإعلان توقيتات محددة لبرنامج العمل و ذلك على النحو التالي:
- الانتهاء من صياغة برنامج العمل الموسع بنهاية عام 2002 و قبل المؤتمر الوزاري الخامس للمنظمة.
- الانتهاء من مفاوضات تحسين و توضيح مفهوم تسوية المنازعات بنهاية مايو 2003.
- الانتهاء من المفاوضات على موضوعات برنامج العمل ليس قبل يناير 2005.
2- أكد البيان الختامي على الالتزام بإجراء مفاوضات شاملة حول الملف الزراعي، تستهدف تحقيق تحسينات ملموسة في مدخل السوق و تقليل جميع أشكال دعم الصادرات و عمل استقطاعات ملموسة في صور الدعم المحلي التي تضر بالتجارة، كما أكد على المعاملة الخاصة و المتميزة للدول النامية التي ستكون جزءا لا يتجزأ من جميع عناصر المفاوضات.
و أكد البيان الختامي أيضا على أن مفاوضات التجارة في الخدمات ستتم بهدف تنشيط النمو الاقتصادي لجميع الأطراف كما سيتم إدراج مقترحات الأعضاء بخصوص المسائل المتعلقة بحركة و انتقال الأشخاص الطبيعيين.(1/214)
3- و قد جاء موضوع العلاقة بين التجارة و الاستثمار في المرتبة السادسة حيث نص البيان الختامي على أنه " إدراكا للحاجة لوجود إطار دولي لتأمين قيام أوضاع ثابتة شفافة متوقعة في الاستثمار طويل الأجل و الدولي خاصة الاستثمار الأجنبي و الذي سيساهم في التوسع التجاري و إدراكا للحاجة الملحة لزيادة المعاونة و بناء القدرات حسبما أشارت الفقرة 210، فقد اتفقت الدول الأعضاء على أن المفاوضات ستجري بعد الاجتماع الوزاري الخامس على أساس أن القرار الذي سيتخذ بإجماع ظاهر في جلسة سنتناول أشكال المفاوضات.
4- فيما يتعلق بنصيب مداخل السوق للمنتجات غير الزراعية، تمت الموافقة على إجراء مفاوضات تستهدف تقليل أو إلغاء الرسوم بما في ذلك تقليل أو إلغاء الأسقف العليا للرسوم و الرسوم العالية، و التصاعد في الرسوم إضافة إلى الحواجز الأخرى غير المرتبطة بالرسوم و المفروضة على منتجات التصدير ذات الأهمية للدول النامية وستكون التغطية للمنتج شاملة و دون استثناءات و ستراعي المفاوضات الاحتياطات الخاصة للدول النامية و الأقل نموا.
5- علق البيان الختامي أهمية كبرى على تنفيذ و تفعيل اتفاقية الجوانب المرتبطة بالتجارة في حقوق الملكية (التريبسTrips) بطريقة تدعم الصحة العامة و تنشط في الوقت ذاته الأبحاث و التنمية في مجالات الأدوية الجديدة و قد صدر إعلان تفصيلي حول ذلك تتضمن حق الدول النامية و الدول الأقل نموا في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الصحة العامة و هو ما تضمنه تريبس بالفعل و حقها أيضا كحكومات في الترخيص الإجباري لإنتاج الأدوية الرئيسية محليا بغير موافقة الشركات العالمية صاحبة براءة الاختراع و ذلك فيما يرتبط بالأدوية اللازمة لمواجهة الأوبئة الفتاكة كالسيدا و الملاريا والكوليرا و غيرها.(1/215)
6- و بخصوص موضوع المشتريات الحكومية و المنافسة فقد تمت الموافقة على بدء المفاوضات بعد المؤتمر الوزاري الخامس و هذه المفاوضات ستقوم ببناء على التقدم الذي أحرزته مجموعة العمل المختصة بالشفافية في المشتريات الحكومية مع مراعاة احتياجات التنمية بالدول النامية و الأقل نموا و سوف تقتصر المفاوضات على جوانب لشفافية و لن تسعى لتصميم النطاق الذي تعمل في إطاره الدول لمنح أفضليات للإمدادات المحلية والموردين المحليين.
7- و في موضوع العلاقة بين التجارة و البيئة. قد أصدر المؤتمر توجيهاته للجنة التجارة و البيئة بأن تعطي اهتماما خاصا بتأثير الإجراءات البيئية على مدخل السوق خاصة فيما يتعلق بالدول النامية و المواقف التي يشكل فيها إلغاء أو تقليل القيود التجارية و التشويهات فائدة على التجارة و البيئة و التنمية، و كذلك الاهتمام بالنصوص المرتبطة باتفاقية الترتيب و متطلبات التصنيف للأغراض البيئية. و العمل بشأن هذه المسائل يجب أن يتضمن تحديدا واضحا لقواعد منظمة التجارة العالمية المرتبطة باتفاقية الترتيب ومتطلبات التصنيف للأغراض البيئية. و العمل بشأن هذه المسائل يجب أن يتضمن تحديدا واضحا لقواعد منظمة التجارة العالمية المرتبطة و سترفع اللجنة تقريرها إلى المؤتمر الوزاري الخامس مع الاعتراف بأهمية المساعدة الفنية و بناء القدرة في مجال التجارة والبيئة.
8- اعترف الإعلان بخطورة المخاوف التي عبرت عنها الدول الأقل نموا، و تم الاعتراف بأن ضم الدول الأقل نموا للنظام التجاري العالمي يتطلب معاونة في الدخول للسوق و دعما لتنويع و قاعدة الصادرات لديهم و المعاونة الفنية و بناء القدرة و تمت الموافقة على أن ذلك يستلزم جهودا من جانب جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية. و قد تمت الموافقة أيضا على الإطار المتكامل للمعاونة الفنية المقدمة للدول الأقل نموا، والمعاملة الخاصة و المتميزة لهذه الدول.(1/216)
على الرغم من الآمال التي عقدتها الدول النامية و الأقل نموا على مؤتمر الدوحة إلا أن مكاسبها المحققة لا ترقى إلى مستوى ما كان مأمولا و لقد تركزت أهم مكاسب الدول النامية على أقل من 50% من حقوقها المتعلقة بمشكلات التنفيذ من خلال الإعلان الذي صدر بذلك من خلال مؤتمر الدوحة و تمت إحالة باقي المشكلات للتفاوض.
على الرغم من التحذيرات التي أطلقتها العديد من تجمعات الدول النامية و على رأسها مجموعة دول الخمس عشرة محذره من استمرار الدول المتقدمة الكبرى في فرض مصالحها على النظام التجاري العالمي متعدد الأطراف و على الرغم من الجهود التي بذلتها وفود الدول النامية خلال المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية بالدوحة للحيلولة دون توسيع نطاق التفاوض أو إضافة موضوعات جديدة قبل انتهاء تماما من متعلقات جولة أوروجواي 1994، فقد نجحت الدول المتقدمة الكبرى في إحالة جميع موضوعاتها إلى مرحلة التفاوض و من خلال توقيتات زمنية محددة و ملزمة و بحد أقصى بداية عام 2005 بينما أبقت أجندة الدول النامية و الأقل نموا خارج نطاق التفاوض و في إطار البحث من خلال مجموعات العمل التي تعتبر نتائجها غير ملزمة بأي من الأحوال.
3-5-مؤتمر هونغ كونغ :
انعقد هذا المؤتمر في ديسمبر 2005 بهونغ كونغ الصينية، و حظي بمشاركة 149 دولة عضوة في المنظمة حيث توصل الأعضاء إلى اتفاق هزيل، و لم يتمكن من إطلاق جولة مفاوضات جديدة كما كان يتوقع للخلافات المستمرة بخصوص هذا الموضوع.
و ينبغي الإشارة أن انعقاد هذا الموضوع جاء بعد انتهاء الفترة الانتقالية و إلغاء العديد من اتفاقيات غات 1947 كاتفاقية الألياف المتعددة و ما ترتب عنها من نزاعات خاصة بين الصين و الدول المتقدمة.
و يمكن تلخيص نتائج هذا المؤتمر في النقاط التالية:
- إلغاء سياسة الدعم للصادرات الزراعية في حدود 2013.(1/217)
- البقاء على بعض المساعدات للصادرات الزراعية مع وضع بعض القيود في هذا المجال خاصة الولايات المتحدة و كندا و أستراليا و نيوزلندا.
-إزالة الرسوم الجمركية بنسبة 97% على المواد المحلية للدول النامية ابتداء من سنة 2008.
- رفع الدعم على الإنتاج الزراعي في الدول المتقدمة لتسهيل تصريف منتجاتها في الدول النامية.
فالملاحظ من نتائج مؤتمر هونغ كونغ أنه لم يأتي بالجديد و بقيت آمال كل الدول في تنفيذ قرارات مؤتمر الدوحة الذي يشكل اتفاق الحد الأدنى بين الدول النامية و الدول المتقدمة.
من خلال دراستنا لهذه المؤتمرات التي تجسد تطبيق اتفاقيات جولة الأوروغواي يمكن القول أن العالم مقدم على جولة جديدة من المفاوضات التجارية ستكون أكثر تعقيدا و أكثر صعوبة و ربما تستمر إلى أجل غير محدد، لأن الخلافات الحقيقية ستظهر عند المفاوضات الفعلية حول التفاصيل، و كما يقال " إن الشيطان يكمن في التفاصيل" و ما الذي يمكن عمله من جانب الدول النامية اتجاه كل هذه التوجهات المستقبلية في النظام التجاري العالمي المتعدد الأطراف؟(1/218)
فالدول النامية دائما تسعى و تكافح للحصول على ما تزيد و تحقق مطالبها، و قد آن الأوان للعالم النامي خاصة بعد انضمام المارد الصيني إلى عضوية منظمة التجارة العالمية، أن تواجه التحديات الجديدة من خلال المزيد من التكتلات الإقليمية لتوجيه مواقفها و تجميع جهودها لرفع قدراتها التفاوضية أثناء تنفيذ التفاوض من خلال برنامج العمل الموسع الذي تم إقراره مع ضرورة الإعداد الفوري لمجموعة المفاوضين الأكفاء وبكثرة عددية تتكافأ مع وفود الدول المتقدمة حيث أكدت دراسة أخيرة للبنك الدولي أن متوسط عدد وفود الدول النامية في منظمة التجارة العالمية هو 3 أفراد مقارنة بعدد 16 فرد في الدول المتقدمة، و إذا علمنا أن المنظمة تعقد في المتوسط 45 اجتماعا في الأسبوع المخصص للمؤتمر تناقش أدق تفاصيل الاتفاقيات و مشاكل تنفيذها و صياغة كل كلمة و كل حرف فيها لوجدنا أنه من العيب أن نتوقع مشاركة فعالة للدول النامية في جولة المفاوضات القادمة إلا إذا استعدت الاستعداد المطلوب لتلك المفاوضات الشاملة.
من ناحية أخرى لا بد من الإعداد لجولة المفاوضات القادمة بشكل يتناسب مع خطورتها و شمولها و عمق تأثيرها و باختيار المفاوضين المحترفين فقط على النحو الذي نشاهده في الدول المتقدمة من مشاركة مراكز البحوث و المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في مناقشة و صياغة تفاصيل الأجندة التفاوضية لهذه الدول.
و تبقى الإشارة إلى ضرورة تعميق الحوار بين الجنوب و الجنوب بل و إحياء العمل الجماعي الجيد لمواقف و مطالب الدول النامية في مجموعها وإعداد سيناريوهات التفاوض التي تعظم مكاسب الدول النامية في تلك المفاوضات المتوقعة التي سترسم مستقبل النظام التجاري العالمي متعدد الأطراف في الألفية الثالثة. و يكفي أن نقول أنه لا زال التفاوض مستمرا و كفاح الدول النامية من أجل البقاء و النمو مستمرا أيضا.
الفصل السادس:
الاتجاهات الجديدة للتجارة و الاستثمارات الدولية.(1/219)
إن أبرز مظاهر العولمة هو النمو السريع في تدفقات رؤوس الأموال والتجارة الدولية، و زيادة أهمية الخدمات في كل من التجارة و الاستثمار الأجنبي المباشر على السواء، و تكامل عمليات الإنتاج على الصعيد العالمي، و تنسيق سياسات التجارة والاستثمار بين البلدان وفقا لأنظمة المؤسسات المتعددة الأطراف و منظمة التجارة الدولية و التجمعات الإقليمية.
فمنذ أواسط الثمانينات، بدأت علاقات جديدة تظهر نتيجة للتغيرات في البيئة الاقتصادية العالمية التي بدأت ملامحها و سماتها تنضج و تؤثر في التدفقات التجارية والمالية بحيث غيرت اتجاهات و أشكال الاستثمارات الأجنبية و التجارة الدولية مع ما ترتب عن ذلك من روابط بينها.
إن أهم التغيرات الحاصلة في البيئة الدولية تعود إلى انتشار الثورة التكنولوجية والمعلوماتية في المواصلات و الاتصالات، و إلى زيادة الإنتاج الدولي عبر تصاعد عمليات تدويل الإنتاج، و إلى تحرير سياسات التجارة و الاستثمار.
تمثل هذه التغيرات المميزات الرئيسية للعولمة و ما أفرزته من تحرير اقتصادي غير من اتجاهات و أهداف التجارة و الاستثمار الدوليين التي أصبحت تخضع لآليات كمنظمة التجارة العالمية، و الإقليمية و الشركات العابرة القارات.
المبحث الأول :
تحرير التجارة و الاستثمارات الدولية .
لعل الاتجاه الجديد في العلاقات الاقتصادية الدولية يكمن في إلغاء أو تخفيض القيود التي كانت تعترض التجارة الدولية و الاستثمارات، و لتحقيق هذا الهدف استعملت عدة آليات تمثلت في الإصلاحات في السياسات التجارية و الاتفاقات العالمية و الإقليمية.
1-1- إصلاح السياسات التجارية:(1/220)
فمنذ أواسط الثمانينات هناك ترويجا متناميا لفكرة إمكانية تحقيق النمو في البلدان النامية من خلال إتباع سياسات تجارية أكثر انفتاحا. و هذا في إطار دعوات صندوق النقد الدولي و البنك الدولي بحجة أن تحرير التجارة في هذه البلدان يعد بكفاءة أعلى في استخدام الموارد البشرية و يسهم في الاندماج اقتصادي بين البلدان المتقدمة والنامية و بين هذه الأخيرة نفسها. فضلا عن تحقيق مكاسب من التخصص و اقتصاديات الإنتاج الموسع.
لقد اتخذت عدة بلدان نامية خطوات مهمة نحو تحرير أنظمتها التجارية مرتبطة بتبني برامج التكييف الهيكلي، و في العديد من الحالات، كان تحرير التجارة عنصرا مهما ضمن جهود التكيف المدعومة من برامج الصندوق و البنك الدوليين. فعلى سبيل المثال، قلصت الكثير من البلدان النامية الحواجز غير الجمركية و أزالت الحماية عن الصناعات المحلية و قامت بترشيد هيكل التعريفات. و من جهتها قامت بلدان أخرى بتخفيض الحواجز الجمركية و غير الجمركية على السواء.
و عموما دفعت برامج التكييف الهيكلي البلدان النامية إلى تبني سياسة الإنتاج الموجهة للتصدير بدلا من إحلال الواردات مرفقة بتبني سياسات تجارية و مالية مساندة و ذلك رغبة منها في الاستفادة من رفع نصيبها في التجارة الدولية و جلب الاستثمارات الأجنبية و ما يترتب عنها من نمو و تنمية لاقتصادياتها.
و على وجه العموم، فإن برامج الاستقرار و التكيف الهيكلي دفعت بالبلدان النامية على طريق تحرير التجارة إلى مدى أبعد بكثير مما هي مطالبة و ملتزمة به في إطار النظام التجاري العالمي و الاتفاقيات الجديدة عقب جولة الأوروغواي.
و المفارقة هي أن هذه البلدان تتعرض للضغط من أجل تحرير نظم تجارتها الدولية، في حين تطبق الدول الصناعية المتقدمة الحماية ضد منتجات البلدان النامية المصدرة إليها.
1-2-إصلاح النظام التجاري العالمي:(1/221)
بعد جهود بدأت منذ عام 1947 تاريخ تأسيس اتفاقية الجات التي كانت تهدف إلى تحرير التجارة الدولية بإزالة الحواجز التجارية و الجمركية و غير الجمركية على السلع، و فتح الأسواق لإتاحة أوسع للمنافسة الدولية، برزت ، بعد انتهاء جولة الأوروجواي عام 1994 منظمة التجارة العالمية WTO، حيث أن تحرير التجارة الدولية وصل إلى مستوى مرتفع مع ظهور هذه المنظمة، بحيث هبط معدل التعريفة الجمركية على السلع الصناعية في البلدان المتقدمة إلى أقل من 4% (1).
لعل من الآثار المهمة لهذه الجولة على الصعيد العالمي، أنه تولد عنها نظام تجاري متعدد الأطراف ليشكل إطارا للتجارة العالمية. ففي الأجل البعيد يتوقع أن تسهم نتائج هذه الجولة في تعزيز أواصر العولمة بين البلدان النامية و البلدان المتقدمة و تسمح بوصول صادرات كل مجموعة إلى المجموعة الأخرى بدون حواجز و لا قيود.
إلا أن الملاحظ هو أن هذا التبادل يقوم بين طرفين غير متكافئين، فقد بلغت حصه الثالوث (2) إلى 60% تقريبا من الواردات العالمية من المصنوعات و أكثر من ثلثي صادرات العالم من المصنوعات عام 1992 (3)، لكن هناك مزايا أخرى متوقعة، كنظام تجاري مستقر و شفاف، و مبادئ تجارية واضحة، و نمو اقتصادي عالمي مرتفع ومكاسب في المدى الطويل للبلاد النامية تتولد عن زيادة التحرير التجاري.
__________
(1) مصطفى رشدي شيحة: اتفاقات التجارة الدولية العالمية في عصر العولمة . دار الجامعة الجديدة الإسكندرية 2002. ص 102.
(2) أوروبا، اليابان و الولايات المتحدة الأمريكية.
(3) إبراهيم العيسوي: مرجع سابق ص 97.(1/222)
إن على الدول العضوة في الغات 94 الالتزام بعدة أمور منها، استخدام التعريفة الجمركية كوسيلة وحيدة للحماية، و عدم اللجوء إلى القيود غير الجمركية، و كل هذا يدخل في الالتزام بمبدأ الشفافية، أي إدراج التعريفات الجمركية في جداول التزامات كل دولة لتكون معروفة للجميع، و استخدامها بطريقة غير تمييزية مع الدول العضوة في المنظمة كافة. و أن أي خرق لهذه التعريفات ينطوي عليه تعويضات أو إجراءات مضادة يفرضها الطرف المتضرر.
إذا فنشأة منظمة التجارة العالمية تتنبأ بميلاد نظام تجاري جديد. و جوهر هذا النظام هو تحرير التجارة العالمية، و تحرير التجارة يتضمن بصفة أساسية، إزالة جميع القيود والعوائق أمام حركة السلع و الخدمات و الاستثمار عبر الحدود.
1-3-تحرير نظم الاستثمار الأجنبي المباشر:
بدأت البلدان المختلفة لا سيما النامية منها، خلال السنوات الماضية، بتنفيذ تغييرات ضخمة في هياكلها المؤسسية و في سياستها العامة، و ذالك لجعل بيئتها الاقتصادية أكثر جاذبية للمستثمرين ألأجانب إلى درجة اندلاع تنافس حاد و متزايد بينها للحصول على الكمية المحدودة من الاستثمار الأجنبي المباشر المعروض في العالم. و تجدر الإشارة إلى أن إجراءات البلدان النامية شملت إتباع سياسات التكيف الهيكلي على وفق قواعد الصندوق و البنك الدوليين الهادفة إلى تخفيف قيود الملكية، وتخفيف القواعد المنظمة لإعادة استثمار الأرباح و تشجيع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل و رفع الحواجز أمام الشركات عابرة القوميات و مشاركتها في برامج الخوصصة.(1/223)
و من المظاهر المهمة لتحرير أنظمة الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية إقامة مناطق حرة. منها مناطق تجهيز الصادرات، تقدم هذه المناطق مزايا قانونية وضريبية إلى المستثمرين (الأجانب بشكل رئيس)، متضمنة إعفاء من الرسوم على المدخلات المستوردة، و يتم تصدير مخرجات هذه المناطق كوسيلة لدعم الصادرات وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. انتشرت هذه المناطق في البلدان النامية خلال (30) عاما الماضية، و توجد الآن في (70) بلدا على الأقل، مع مناطق أخرى في طريقها إلى التأسيس و تشتمل هذه المناطق على نحو نصف الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية(1).
و كما هو الحال مع الاستثمار الأجنبي المباشر عموما، فإن الاستثمار في مناطق تجهيز الصادرات مركز بشكل كثيف، إذ يهيمن في (12) بلدا ناميا و على (84%) من الاستخدام الكلي لهذه المناطق (باستثناء الصين)(2) من جانب آخر، فإن قيام معظم الدول بإصلاحات متشابهة مستندة إلى آلية السوق، جعل الاستثمار الدولي أكثر تنافسية من قبل و لم يعد كافيا بالنسبة للبلدان أن تنشئ قانونا استثماريا مناسبا و إطار عمل اقتصاد كلي ملائم لتنتظر اندفاع المستثمرين الأجانب المباشر في مثل هذا المناخ التنافسي، حيث أن تقارب التحرير على نطاق العالم زاد من حرية اختيار مواقع الاستثمار المتعددة و البديلة من الشركات عابرة القوميات.
إن الحوافز ليست من بين المحددات الرئيسية لقرارات موقع الاستثمار الأجنبي المباشر. و على الرغم من ذلك فإن التنافس بين البلدان على جذب الاستثمار والمحافظة عليه من خلال الحوافز أصبح منتشرا و قويا،و يمكن تصنيف حوافز الاستثمار إلى:
__________
(1) هناء عبد القادر: الاستثمار الأجنبي المباشر و التجارة الدولية. بيت الحكمة بغداد 2002- ص 107.
(2) نفس المرجع. ص 108.(1/224)
أ- حوافز تمويلية، و تتضمن تجهيز رؤوس الأموال على نحو مباشر للمستثمر الأجنبي من قبل الحكومة المضيفة على شكل ضمانات استثمارية و قروض مدعومة أو منح، و معونات و هبات.
ب- حوافز مالية، و تهدف إلى تخفيض العبء الضريبي على المستثمر الأجنبي عموما، و لهذا الصنف تتبع فقرات كالإعفاءات الضريبية و الاستثناءات من رسوم الاستيراد على المواد الخام و المدخلات الوسيطية و السلع الرأسمالية.
ج- حوافز غير مباشرة، و تهدف إلى تعزيز ربحية المستثمر بطرق شتى غير مباشرة، في سبيل المثال، قد تقدم الحكومة الأرض و البنى الأساسية القائمة عليها بأقل من الأسعار التجارية. أو قد تضمن للشركات الأجنبية موقعا في السوق ذا أفضلية، على شكل وصول تفضيلي للعقود الحكومية، أو منحها وضعا احتكاريا أو غلق السوق أمام الداخلين الجدد، أو حماية الشركات عابرة القوميات من منافسة الواردات أو منحها معاملة قانونية خاصة.(1/225)
إن موجة تحرير نظم الاستثمار الأجنبي المباشر لا تشمل المتدفق منه نحو الداخل فقط بل الخارج أيضا و ذلك بسبب رغبة الدول في اغتنام فرص الوصول الأفضل إلى الموارد و الأسواق. من الناحية التاريخية كان معظم الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من شركات كبيرة في عدد قليل من البلدان المتقدمة، غير أن عدد هذه الشركات بدأ بالتزايد و كذلك دول المنشأ بما في ذلك الشركات من البلدان النامية، و تزايدت أيضا الشركات الصغيرة و المتوسطة الحجم. في الثمانينات ظهرت جهود تحرير مكثفة في البلدان المتقدمة، و بنهاية عام 1994 كانت معظم هذه البلدان، تقريبا، قد ألغت القيود على الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج، كذلك قدمت هذه البلدان مجموعة متنوعة من الحوافز لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج، و لاسيما المتجه إلى البلدان النامية و البلدان التي يمر اقتصادها بمرحلة انتقال. و من هذه السياسات الترويجية، توفير المعلومات والمساعدة التقنية إلى المستثمرين في الخارج ( معلومات أساسية متعلقة بعوامل الاقتصاد الكلي و تكلفة المشاريع التجارية، و الإطار القانوني....إلخ). فضلا عن توفير الدعم المالي المباشر من خلال مؤسسات تمويل التنمية. و أخيرا تأمين الاستثمار من خلال برامج وطنية معدة لهذا الغرض في معظم البلدان المتقدمة لتوفير تغطية و ضمان ضد مخاطر مثل مصادرة الملكية، و الحروب، و الإعادة إلى الوطن، أو لعدم إمكانية تحويل الأرباح و رأس المال. في سبيل المثال، توفير شركة الاستثمار الخاص فيما وراء البحار التمويل و التأمين من المخاطر السياسية منذ عام 1971 لدعم استثمارات الولايات المتحدة ( بقيمة تبلغ زهاء 73 مليار دولار) في (140) بلدا في أنحاء العالم جميعها(1).
__________
(1) J. Adda: Monodialisation de l'économie T.2 La découverte . paris 1996 page 96.(1/226)
و بتحرير السياسات المحلية للاستثمار الأجنبي المباشر الداخل و الخارج، سعت معظم البلدان إلى إكمال سياساتها المحلية بتوسيع شبكة من المعاهدات الثنائية والإقليمية والدولية لحماية الاستثمار الأجنبي المباشر و تحسين معايير تحريره.
لقد تم وضع مفاهيم و مبادئ ومعايير رئيسة للاستثمار على المستوى الثنائي عن طريق عقد معاهدات لحماية و تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر و تتناول قضايا في معظمها معايير عامة للمعاملة بعد الدخول و التأسيس، و معايير الحماية تتضمن استثناءات لاعتبارات ميزان المدفوعات فيما يتعلق بمبدأ حرية نقل الأموال. و تفيد معاهدات الاستثمار الثنائية للبلدان المضيفة في اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال تهيئة مناخ استثماري مؤات. و بالمقابل تنتفع بلدان المنشأ من تأمين أوضاع يمكن التنبؤ بها فيما يتعلق باستثماراتها في الخارج ( وضع معايير للمعاملة و الحماية و تسوية المنازعات)، و عموما تشدد هذه الاتفاقات على أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر للتنمية من دون أن تلتزم بلدان المنشأ باتخاذ إجراءات ملموسة لتشجيع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلدان النامية.
إن قضايا الاستثمار على المستوى الإقليمي أوسع من تلك القائمة على المستوى الثنائي، و لكن المناهج التنفيذية المتبعة في معالجتها أقل تجانسا. و هذا يعكس ضمن جملة أمور أخرى، اختلاف المصالح و مستويات التنمية. و من القضايا المطروحة على المستوى الإقليمي، تحرير تدابير الاستثمار، و معايير العمالة، و حماية الاستثمارات، وتسوية المنازعات، و القضايا ذات الصلة بسلوك المستثمرين الأجانب مثل الممارسة التجارية التقييدية، و إفشاء المعلومات و التسعير التحويلي و حماية البيئة و علاقات الاستخدام و العمل. و معظم هذه الاتفاقات ملزمة قانونا و أن كانت هناك استثناءات تمنح بسبب اختلاف مستويات التنمية.(1/227)
تمت الجهود الخاصة بالاستثمار ذو الصلة بالتجارة على المستوى الإقليمي في إطار كل من الاتحاد الأوروبي، و النافتا "اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية"، وميركوسور " السوق الجنوبي المشتركة"، و آسيان " اتحاد دول جنوب شرق آسيا"، وأبيك " منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا و المحيط الهادي، و قد بدأت مفاوضات بشأن قوانين الاستثمار على المستوى الإقليمي. في سبيل المثال مفاوضات نيسان/ 1998 بشأن اتفاقات التجارة الحرة للأمريكيتين و كذلك الاتفاق الموقع بين أعضاء ميركوسور وكندا في 1998 للتعاون في حقلي التجارة و الاستثمار (1).
إن أهمية الاتفاقات متعددة الأطراف تكمن في جعل العلاقات بين الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل و الخارج أكثر وضوحا. و لاسيما مع زيادة عدد البلدان التي تمثل بلدان منشأ و مضيفة في الوقت نفسه، و ذلك بوضع علاقات استثمار دولية تتميز بالاستقرار والشفافية و إمكانية التنبؤ.
وضع البنك الدولي على المستوى المتعدد الأطراف خطوطا توجيهية بشأن معاملة الاستثمار الأجنبي المباشر، تقترح معايير عامة لمعاملة عادلة، و معاملة وطنية، و معاملة الدولة بالرعاية، و تنسحب مثل هذه المعايير من حيث المبدأ على أنشطة المستثمرين الأجانب جميعها بدأ من إقامة المشروع حتى انتهائه.(.(2)
__________
(1) V. Pace : l'organisation mondial du commerce et le renforcement de la réglementation juridique des échanges commerciaux internationaux. L'harmation paris 2001.p.132.
(2) نشرة ندوة منتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية و إيران و تركيا، العدد الثاني، 1994. ص 65.(1/228)
كما أن المفاوضات مستمرة منذ منتصف التسعينات في دول منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية بشأن وضع اتفاق متعدد الأطراف للاستثمار الأجنبي المباشر، وتركز منظمة التجارة العالمية على العلاقة الاقتصادية بين الاستثمار الأجنبي المباشر والتجارة و تأثيرها على التنمية و النمو الاقتصادي و المبادرات الدولية بشأن التجارة والاستثمار.و تسعى الأونكتاد من ناحية أخرى للمساعدة في المفاوضات الدولية الدائرة عن الاستثمار الأجنبي المباشر بهدف ضمان البعد الإنمائي و معالجته بشكل كاف في اتفاقات الاستثمار الدولية.
ترد عناصر إطار متعدد الأطرف للاستثمار الأجنبي المباشر و بشكل أكثر شمولا، في الوثيقة الختامية لجولة أوروجواي التي تقوم منظمة التجارة العالمية بتنفيذها حاليا. وحتى قيام هذه الجولة لم تتعامل قوانين الجات بشكل صريح مع الاستثمار الأجنبي المباشر و عليه فقد تم توسيع الأحكام الخاصة بالتجارة المتعددة الأطراف لتشمل الاستثمار الأجنبي المباشر و أنشطة المرتبطة به.
و قد ظهر الاهتمام بالتنمية في مجموعة الاتفاقات التي ضمنتها جولة أوروغواي، و أن لثلاث اتفاقيات منها تأثير مهم على الاستثمار الأجنبي المباشر.
- الاتفاقية الخاصة بإجراءات التجارة ذات الصلة بالاستثمارات الأجنبية.
- الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات.
- الاتفاقية بشأن قضايا التجارة المتعلقة بحماية حقوف الملكية الفكرية.(1/229)
إن الجهود ما زالت مستمرة بشكل مكثف لوضع إطار " لاتفاقية متعددة الأطراف بخصوص الاستثمار" على غرار الاتفاقية العامة للتجارة الدولية. و يجري العمل في محافل عدة منها بلدان منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية و منظمة التجارة العالمية، وكل من الصندوق و البنك الدوليين، و يبدو أن هناك إجماعا واسع النطاق لدى هذه الجهات كافة على أن تتضمن هذه الاتفاقية مبادئ تخص الشفافية لقوانين وسياسات البلد المضيف، و المعاملة الوطنية، و حماية المستثمر من مصادرة الملكية، و كذلك البحث في إجراءات الاستثمار التي تشوه تدفقات التجارة، و تشمل متطلبات الأداء التي لا تغطيها اتفاقية إجراءات التجارة ذات الصلة بالاستثمارات حاليا، فضلا عن محفزات الاستثمار وتسوية النزاعات.
المبحث الثاني:
الاتجاهات الراهنة للتجارة الدولية.
تشكل التجارة الدولية الهدف و الوسيلة للنظام الاقتصادي العالمي الجديد.
ولا شك أن الدور الذي تلعبه التجارة الدولية في التنمية يجعلها تحتل المكانة الأولى في النظام الاقتصادي الدولي الجديد، بحيث أن النظام التجاري الجديد الذي تولد عن جولة الأوروغواي كان بمثابة الدافع القوي و المحرك الأساسي لظاهرة العولمة و لقد تأثرت التجارة الدولية بشكل كبير بخصائص و آليات هذا النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
1-2- الآثار المتوقعة للنظام التجاري الجديد:
تعتبر النتائج التي أسفرت عنها جولة الأوروغواي بخصوص التجارة الدولية من أهم الخطوات منذ تأسيس هذا النظام نفسه 1947، و سوف يترتب عن تنفيذ هذه النتائج أوضاع جديدة تتأثر بها جميع الدول، و لذا كان مهما على هذه الدول أن تتفهم مضمون هذه النتائج و أن تتعرف على الآثار المحتملة، للاستفادة مما يتيحه النظام الجديد للتجارة الدولية من فرص، و لتفادي ما قد ينتج منه من أضرار.(1/230)
إن تفهم أهمية النظام التجاري الجديد و استقصاء آثاره بالنسبة للدول النامية لا يتعلق فقط بتحسين أوضاع تجارتها و نموها الاقتصادي، بل انه يتعلق بمستقبل هذه الدول في ظل النظام الجديد للتجارة الدولية الذي لم تشارك في تشكيله بسبب ضعف دورها في مراحل تأسيسه.
و بعد انتهاء جولة الأوروغواي تعاظمت مخاوف الدول النامية من عواقب تحرير التجارة الدولية بسبب الفجوة الكبيرة بين مستويات الإنتاج و القدرات التنافسية التي هي في صالح الدول المتقدمة.
أثارت اتفاقيات جولة الأوروجواي عدة تساؤلات حول الآثار المحتملة عن تطبيق نتائجها على الاقتصاد العالمي بشكل عام و على اقتصاديات الدول النامية بشكل خاص.
و يرى صندوق النقد الدولي بأن الجات سوف تقوي إمكانية النمو في البلدان النامية و خاصة تلك التي تنتهج سياسات تجارية منفتحة(1). لأن ارتفاع معدلات نمو الاقتصاد العالمي و فتح أسواق البلدان الصناعية أمام منتجات البلدان النامية سوف تحسن البيئة الاقتصادية الصعبة التي كانت تواجه هذه الدول، و من تم سوف تحسن من أدائها الاقتصادي و معدلات نموه.
قد تباينت تقديرات الزيادة المتوقعة للدخل العالمي الناتج عن تحرير التجارة ، والجدول التالي يبين هذه التقديرات.
الجدول رقم 26.
تقديرات الزيادة في الدخل العالمي.
الدراسة (و سنة أعدادها أو نشرها) ... الزيادة في الدخل بعد عشر سنوات (بالبليون دولار أمريكي)
1 ... منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية و البنك الدولي (1993) ... في سنة 2002 بأسعار 1992.
2 ... منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية (1993) ... في سنة 2002 بأسعار 1992
3 ... سكرتارية (الجات) 1993 ... في سنة 2005 بأسعار 1992
4 ... سكرتارية (الجات) (1994) ... في سنة 2005 بأسعار 1992
__________
(1)
( ) صندوق النقد الدولي: الآثار المحتملة لنتائج جولة الاوروجواي على الدول النامية منخفضة النمو، آفاق الاقتصاد العالمي. نيويورك 94.ص 95.(1/231)
5 ... مركز الاقتصاديات الدولية بأستراليا (1990) ... في سنة 2010 بأسعار 1990
6 ... مجلس المستشارين الاقتصاديين و الممثل التجاري للولايات المتحدة الأمريكية. ... في سنة 2010
775 في سنة 2000
بأسعار 1990
7 ... نجوين و زملاؤه (1991) ... (تحرير متواضع)
262 (تحرير أشمل)
8 ... نجوين و زملاؤه (1993) ... (مسودة نتائج جولة أوروغواي)
المصدر: إبراهيم العيسوي، (الجات) و أخواتها......مرجع سبق ذكره ص 150.
يرى أحد الكتاب في معرض تعليقه على هذه التقديرات(1)، بأن المكاسب من تحرير التجارة لا تتوزع بالتساوي على الكاسبين، سواء في معسكر الأغنياء أو معسكر الفقراء، علما بأنه حسب أعلى التقديرات من المتوقع ألا تخرج الدول النامية مجتمعة بأكثر من 17 بالمئة من الزيادة المقدرة في الدخل العالمي من جراء تطبيق نتائج جولة أوروجواي، ومن عرض تقديرات نجوين، و ذلك على النحو التالي:
الجدول رقم 27.
تقديرات نجوين و زملائه للزيادة المتوقعة في الدخل العالمي نتيجة تحرير التجارة
و توزيعها على دول العالم
مجموعة دول العالم ... التحرر الجزئي(1991) ... التحرر الشامل(1991) ... المسودة(1993)
بليون $ ... بالمئة من دخل المجموعة ... بليون $ ... بالمئة من دخل المجموعة ... بليون $ ... بالمئة من دخل المجموعة
الدول المصدرة للسلع الزراعية ذات الدخل المتوسط ... 2.5 ... .5 ... .1 ... .3 ... .2 ... .9
الدول المستوردة للسلع الزراعية ذات الدخل المتوسط ... 4.2 ... .6 ... .6 ... .9 ... .1 ... .9
الدول ذات الاقتصاديات المخططة مركزيا (بما فيها الهند) ... 6.6 ... .2 ... .6 ... .6 ... .4 ... .9
اقتصاديات أخرى في غرب أوروبا ... 4 ... .7 ... .3 ... .6 ... .1 ... .1
الولايات المتحدة الأمريكية ... .3 ... .8 ... .5 ... .7 ... .4 ... .8
كندا ... .4 ... .2 ... .3 ... .5 ... .7 ... .9
السوق الأوروبية المشتركة ... .5 ... .8 ... .4 ... .7 ... .3 ... .8
اليابان ... .6 ... .4 ... .1 ... .5
استراليا و نيوزلندا ... .9 ... .4 ... .1 ... .6 ... .4 ... .1
باقي دول العالم ... .6 ... .7 ... .3 ... .7 ... .4 ... .6
العالم ... .7 ... .7 ... .3 ... .5 ... .1
__________
(1) إبراهيم العيسوي، الجات و أخواتها ...، مرجع سابق، ص ص 106-117.(1/232)
المصدر : إبراهيم العيسوي الجات و أخواتها.مرجع سابق ص 151.
يلاحظ من خلال الأرقام الواردة في الجدول أن الدول الصناعية سوف تحصل على 100 بليون دولار من إجمالي الزيادات المتوقعة في الدخل العالمي من جراء التحرير الجزئي من التجارة و البالغ قدرها 119 بليون دولار أي أن نصيب الدول الصناعية من الزيادة المتوقعة يصل إلى 84 بالمائة، بينما تحصل الدول الاشتراكية سابقا على 5.5 بالمائة، و تحصل الدول النامية على 10.3 بالمائة. و لكنه نرى و من خلال بيانات الدراسة التي اعتمدت في مسودة القرار النهائي بأن إجمالي الزيادة في الناتج العالمي يرتفع إلى 212 بليون دولار، و تحصل الدول الصناعية منه على 139 بليون دولار، أي على 65.5 بالمائة، و هذا النقص في نصيب الدول الصناعية يتوزع بين الدول النامية والدول الاشتراكية سابقا، مع ميل الميزان لصالح الأخيرة، إذ يتضاعف نصيب الدول الاشتراكية أكثر من ثلاث مرات ليصل إلى 17.6 بالمائة، بينما يزداد نصيب الدول النامية بحوالي النصف ليصل إلى 16.8 بالمائة. ورغم تلك النتائج فإن الدول (باستثناء الدول النامية حديثة التصنيع و بعض دول أمريكا اللاتينية) وخاصة الدول المستوردة للمواد الغذائية ستكون من أكثر المتضررين من تطبيق اتفاقات جولة أوروجواي، إذ أن تحرير تجارة المنتجات الزراعية و خاصة الأرز والحبوب الزيتية و القمح و إلغاء الدعم عنها من قبل الدول الصناعية ينجم عنه ارتفاع في أسعارها بما لا يقل عن 10% و إن كان البعض يقدره بنحو 25%.
و من خلال هذه الأرقام يمكن القول أن توزيع المكاسب العائدة للدول المتقدمة يستحوذ عليه الثالوث العالمي: الولايات المتحدة الأمريكية 26% و اليابان 19.5% والاتحاد الأوروبي 44%. و الجدول التالي يبين نتائج بعض الدراسات في هذا الشأن.
جدول رقم 28.
توزيع المكاسب بين الدول الصناعية المتقدمة من تحرير التجارة (نسبة مئوية)(1/233)
الدولة / الإقليم ... منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية و البنك الدولي ... منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية ... نجوين و زملاؤه (1991) ... نجوين وزملاؤه (1993)
-الاتحاد الأوروبي ... .5 ... .1
- الولايات المتحدة الأمريكية ... .7 ... .5 ... .2
- اليابان ... .5 ... .4 ... .5 ... .4
- بقية أوروبا الغربية ... .7 ... .4 ... .0 ... .8
- كندا و أستراليا و نيوزلندا ... .3 ... .5 ... .3 ... .4
-المجموع
المصدر: إبراهيم العيسوي ( الجات) و أخواتها...، مرجع سابق ذكره، ص 158
فرغم اختلاف نتائج هذه الدراسات إلا أنها تتفق على أن الثالوث العالمي المسيطر على الاقتصاد العالمي سيستفيد بأكثر من 90% من مكاسب تحرير التجارة على الدول المتقدمة، و بـ 84% بالنسبة للعالم كله.
2-2-العوامل المؤثرة في اتجاهات التجارة العالمية.
علاوة،على سياسات التحرير،ساهمت عوامل أخرى في التأثير على اتجاهات التجارة الدولية نذكر منها:
أ- تأثير الشركات المتعددة الجنسيات على التجارة الدولية:
تتميز الشركات المتعدية الجنسيات بكبر مساحة السوق التي تغطيها و امتدادها الجغرافي، خارج الدولة الأم، بما لها من إمكانيات تسويقية هائلة، و فروع و شركات تابعة تجوب معظم أنحاء العالم في الكثير من الأحيان. حيث توضح البيانات ارتفاع نصيب بعض الشركات متعدية الجنسيات في إجمالي إنتاج القطاعات الصناعية الفردية وأهم الأمثلة في هذا المجال، هو سيطرة شركة IBM على حوالي 40% من سوق الحاسبات الآلية (الإلكترونية) على مستوى العالم، كذلك تسيطر شركات الزيوت السبعة Seven- sisters على حوالي ثلثي أسواق العالم، أيضا توضح البيانات احتكار هذه الشركات للسوق العالمية في العديد من الصناعات في الدول المتقدمة و النامية على حد سواء.(1/234)
و تكفي الإشارة إلى أن شركة ABB السويسرية، تسيطر حاليا على 1300 شركة تابعة منتشرة في معظم أنحاء العالم منها 1230 شركة في بلدان العالم الثالث، و 41 في بلدان شرق أوروبا، مع ملاحظة أن السوق السويسرية لا تستوعب إلا نسبة ضئيلة للغاية من إجمالي مبيعات الشركات.
و يساعد على ذلك كله ما أبدعته الثورة العلمية و التكنولوجية في مجالي المعلومات والاتصالات، و صار هناك ما يسمى بالإنتاج عن بعد teleproduction حيث توجد الإدارة العليا و أقسام البحث و التطوير و إدارة التسويق في بلد معين، وتصدر الأوامر بالإنتاج في بلاد أخرى حسب المواصفات المطلوبة من خلال وسائل الاتصال و نظم المعلومات(1).
فالشركات المتعدية الجنسيات، تتميز بالضخامة و تمثل كيانات اقتصادية عملاقة وتدل على ذلك الكثير من المؤشرات المتعلقة بحجم رأس المال، و الاستثمارات التي تقوم بها، و حجم الإنتاج المتنوع الذي تنتجه، و أرقام المبيعات و الإيرادات التي تحققها، والشبكات التسويقية التي تملكها، و مخصصات الإنفاق على البحث و التطوير التي تخصصها، و الهياكل التنظيمية المعقدة التي تنظمها و تعمل على إدارتها بدرجة عالية من الكفاءة يساعدها في ذلك نظم المعلومات ذات التكنولوجيا المتقدمة التي تسهل لها اتخاذ قراراتها في أسرع وقت ممكن و بأكبر درجة من الدقة و اليقين، و تقليل مخاطر عدم التأكد.
__________
(1) سعيد عبد الخالق محمود، الشركات متعددة الجنسيات في الخليج العربي، كتاب الأهرام الاقتصادي، العدد 53، القاهرة، أول يوليو 1992، ص 11.(1/235)
و يتفق الكثيرون على أن أهم مقياس متبع للتعبير عن سمة الضخامة لهذه الكيانات الاقتصادية العملاقة، يتركز في المقياس الخاص برقم المبيعات ، و يطلق عليه أيضا رقم الأعمال، و هنا يمكن الإشارة مثلا إلى أن مبيعات الشركة اليابانية للتلغراف والتليفون، حققت مبيعات بلغت 39519 مليون دولار أمريكي في عام 1990، و إلى جانب هذا المقياس هناك المقياس الخاص بالإيرادات الكلية المحققة، حيث تأتي مثلا شركة ميتسوبيشي اليابانية في رأس قائمة أكبر 500 شركة متعدية الجنسيات بإيرادات بلغت 175.8 مليار دولار في عام 1994، و قد يستخدم إلى جانب ذلك مقياس القيمة السوقية للشركة كلها، حيث كانت الشركة اليابانية للتلغراف و التليفون في المرتبة الأولى بقيمة سوقية قدرها 188795 مليون دولار عام 1990 (1).
و يرتبط بذلك كله أنه في يوليو 1995 أشارت إحدى التقارير عن أكبر خمسمائة شركة متعدية الجنسيات أن إجمالي إيراداتها تصل إلى حوالي 44% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و أن 80% من مبيعات العالم تتم من خلال الشركات متعدية الجنسيات و أن هذه الشركات تستأثر بحوالي 25% من الناتج الإجمالي العالمي.
__________
(1) إسماعيل صبري عبد الله، الكوكبة، مرجع سبق ذكره ، ص 6.(1/236)
و يلاحظ من ناحية أخرى أن هذه الشركات العملاقة تحقق معدلات نمو مرتفعة في المتوسط، تفوق معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لبعض الدول الصناعية المتقدمة بكثير، و يكفي الإشارة في هذا المجال، إلى أنه على الرغم من أن عقد الثمانينات قد شهد تباطؤا في معدل نمو الاقتصاد العالمي، إلا أن نشاط الشركات المتعدية الجنسيات قد أوضح أنها حققت معدلات نمو مرتفعة تجاوزت 10% سنويا أي نحو ضعف معدل النمو في الاقتصاد العالمي و معدل نمو التجارة العالمية(1)
سبقت الإشارة إلى أن الشركات المتعدية الجنسيات تستحوذ في مجموعها على حوالي 40 % من حجم التجارة الدولية، بل إن حوالي 80% من مبيعات العالم تتم من خلال تلك الشركات و هو مؤشر يوضح مركزها المتعاظم في التسويق الدولي، و لعل تلك المؤشرات و غيرها، تلقي الضوء على التأثير الكبير الذي يمكن أن تمارسه الشركات المتعدية الجنسيات على التجارة العالمية، و يمكن أن نلمح هذا التأثير من عدة اتجاهات:
فمن ناحية يمكن أن تلاحظ تأثيرات الشركات المتعدية الجنسيات على حجم التجارة العالمية حيث أن ازدياد درجة التنوع في الأنشطة و وجود التكامل الرأسي إلى الأمام وإلى الخلف قد أدى و يؤدي إلى ازدياد حجم التبادل التجاري بين تلك الشركات ومشروعاتها التابعة أو فروعها في الدول المختلفة. و بالتالي فهي تجارة ضخمة تتدفق داخل إطار هذه الشركات و من ثم يمكن أن تزداد على مر الزمن مع ازدياد نشاط ونمو الشركات المتعدية مما يعمق و يزيد من تأثيرها على التجارة العالمية ذاتها.
__________
(1) د. سميحة السيد فوزي، الاقتصاد المصري و الشركات متعدية الجنسية في ضوء التغيرات المحلية و العالمية، مركز البحوث و الدراسات الاقتصادية و المالية ، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، عام 1992، ص ص 13-16.(1/237)
و يضاف إلى ذلك أن الشركات المتعدية الجنسيات بما تملكه من قدرات تكنولوجية عالية و إمكانيات و موارد، يمكن أن تؤثر في هيكل التجارة العالمية من خلال إكساب الكثير من المواقع في دول العالم الميزة التنافسية المكتسبة في الكثير من المواقع في دول العالم الميزة التنافسية المكتسبة في الكثير من الصناعات و الأنشطة، التي تقوم على اكتساب تلك الخبرة التنافسية من خلال عناصر الجودة و التكلفة و الإنتاجية والسعر، وهو ما يزيد من التجارة العالمية بين دول العالم المختلفة، عبر الشركات المتعدية الجنسيات.
و من ناحية أخرى، يلاحظ أن أسعار السلع التي يتم تبادلها بين الشركات الأم وفروعها لا تتحدد وفقا للظروف الطبيعية للعرض و الطلب و لكن وفقا للإستراتيجية الشاملة التي تتبناها تلك الشركات و التي يدخل في تحديدها مستوى الرسوم الجمركية، والضرائب من الناحية المطلقة و النسبية و مستوى الاختلاف و التقلبات في أسعار الصرف، و سياسات الحكومات اتجاه تحويل أرباحها للخارج، و كل ذلك يحدث تغيرات هامة في أسس التخصص الدولي و هي هيكل التجارة الدولية ، الأمر الذي يتطلب دراسة العلاقة بين حركة التجارة و حركة الاستثمار، و على سبيل المثال فإنه من شأن تحديد أسعار الصادرات التي تتم بين الشركات متعدية الجنسيات بعيدا عن ظروف العرض والطلب أن يضعف من تأثير العوامل التقييدية لنظريات التجارة الدولية كتغيرات الأسعار المحلية و أسعار الصرف، في تصحيح ما يوجد من خلل في موازين مدفوعات الدول وتحقيق التوازن في العلاقات الاقتصادية الخارجية مع الاحتفاظ بمستوى التشغيل الكامل وهو ما يتطلب دراسته بعناية(1).
ب-تأثير الإقليمية على التجارة الدولية:
__________
(1) مصطفى كاس السعيد: الشركات متعددة الجنسية في الوطن العربي. الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1998 ص 33.(1/238)
لقد أثرت التكتلات الاقتصادية و بالخصوص تلك التابعة للدول الصناعية بشكل كبير على اتجاه و توزيع التجارة الدولية.
- توزيع التجارة الدولية:
تحتكر الدول الصناعية المتقدمة 75% من التجارة الدولية حيث انتقل نصيبها في التجارة العالمية للسلع و الخدمات من 67% عام 1985 إلى 75% عام 1996.وفي مقابل دلك تحتل الدول النامية نسبة 18بالمئة.وقد انخفض نصيبها في السنوات الأخيرة من 36% في أوائل الثمانينات من القرن العشرين إلى النسبة المذكورة خلال التسعينات. وهذه النسبة في تناقض و ليست في زيادة خلال المدى المتوسط. و ليست هناك بارقة أمل في تحقيق الطموحات التي أشارت إليها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة و التنمية بضرورة أن يصل إنتاج الدول النامية إلى 25% من الإنتاج العالمي بحلول عام 2000 (1) فقد وصلنا و لم يتحقق الأمل.
يشكل سكان العالم الثالث 80% من عدد سكان العالم و مع ذلك لا يساهم إلا بنسبة 7% من الإنتاج الصناعي العالمي.
و تنقسم التجارة العالمية إلى تجارة في السلع و تجارة في الخدمات و قد انخفض نصيب التجارة السلعية من 86% عام 1985 إلى 79% في أوائل التسعينات من القرن العشرين.
و في المقابل ارتفع نصيب التجارة في الخدمات خلال نفس الفترة من 18% إلى 22% و قد ارتفع نصيب الدول المتقدمة في التجارة السلعية من 62% إلى 72% كما ارتفع نصيبها في تجارة الخدمات من 72% إلى 76بالمئة خلال الفترة من 1985-1995. والدول النامية لا تسيطر في الوقت الراهن إلا على حوالي 18% من تجارة السلع و20% من تجارة الخدمات و ربما تقل هذه النسبة إذا ما أخذنا في الاعتبار دور الشركات الأجنبية العاملة في الدول النامية.
__________
(1) GODET.M : les échanges internationaux , paris. PUF. 1998 P 102-103.(1/239)
و أن حوالي 75% من التجارة الخارجية السلعية للدول المتقدمة هي تجارة بينية تتم فيما بين هذه الدول ذاتها – في حين أن معظم تجارة الدول النامية تتم مع الدول الصناعية – و التعاون جنوب- جنوب ما زال متعثرا و الإحصاءات حوله متضاربة وغير معروفة أو غير دقيقة (1).
و معظم التجارة التي تتم بين دول الجنوب تتركز في القسم الأسيوي بين اليابان ومنطقة جنوب شرق آسيا. أما البقاع الأخرى فالتجارة بينها ذات نسبة زهيدة، فالدول العربية مثلا لا تتبادل فيما بينها إلا 7% من تجارتها الدولية، و الدول الإفريقية لا تصل نسبة تجارتها البينية إلا 8%.
و تستورد الدول النامية حوالي 07% من وارداتها من الدول المتقدمة عاما بعد أخر. و تتناقص التجارة بين هذه الدول عاما بعد آخر رغم الحديث عن التعاون بين الدول النامية و إنشاء المناطق ا لجمركية و الأسواق المشتركة و غير ذلك من المشاريع التي تظل حبيسة النصوص و القواعد دون ترجمة حقيقية. فالدول العربية لديها سوق عربية مشتركة على الورق فقط منذ عام 1964م و دول مجلس التعاون لم تتوصل حتى الآن إلى صيغ مناسبة للتجارة فيما بينها رغم إنشاء مجلس التعاون منذ عام 1981 و المؤتمرات التي يعقدها هذا المجلس سنويا دون فائدة تذكر.
و التجارة الدولية تنمو في الخدمات بمعدل أسرع من التجارة في السلع. و قد بلغ معدل النمو السنوي المتوسط خلال الفترة من 1985-1995 نحو 10% بالنسبة إلى التجارة في الخدمات مقابل 7% بالنسبة إلى التجارة في السلع و تستأثر الدول الصناعية بنصيب الأسد في تجارة الخدمات.
__________
(1) Godet.M.- op.cit p 105.(1/240)
و يمكن تقسيم العالم إلى مناطق من حيث تداول السلع و الخدمات. فهناك الاتحاد الأوروبي بعد معاهدة ماسترخت عام 1992 و نصيبه في التجارة الدولية حوالي 35% ومنطقة التجارة الحرة الأوروبية و نصيبها حوالي 6% و دول النافتا أي أمريكا وكندا والمكسيك و نصيبها حوالي 16% من التجارة العالمية. اليابان أستراليا و نصيبها حوالي 10% من التجارة العالمية مع احتمال تغير طفيف من سنة إلى أخرى بالطبع لأن الأداء الاقتصادي للدول و للمجموعات الإقليمية قد يتعرض لبعض المصاعب، أمريكا الجنوبية 6% الشرق الأوسط 10% و أفريقيا 4% و الباقي موزع على الدول الأخرى شرق أوروبا و جنوب شرق آسيا. و هذه النسب ليست ثابتة تماما و إنما قابلة للتغيير كل عدة سنوات. و تتمحور التجارة الدولية عموما حول مناطق ثلاثة هي: الاتحاد الأوروبي ومنطقة (النافتا) أمريكا و كندا و المكسيك. و اليابان. فهذه المناطق الثلاثة تعد المصدر الرئيسي و المستورد الرئيسي من غيرها من المناطق الأخرى. فالولايات المتحدة و معها كندا و المكسيك هي المورد الأساسي لأمريكا الجنوبية والوسطى و كذلك لليابان و بعض دول الشرق الأقصى مثل الفيليبين و في نفس الوقت هي السوق الرئيسي لصادرات هذه الدول(1) .و تعتبر دول الاتحاد الأوروبي المورد الرئيسي لأفريقيا و الشرق الأوسط وشرق أوروبا في كافة السلع تقريبا، و هي أيضا السوق الرئيسي للصادرات الإفريقية وصادرات دول الشرق الأوسط و شرق أوروبا.
__________
(1) Bremond . J. L'Europe de 1993. Hatier 1990.paris p 301.(1/241)
فدول الاتحاد الأوروبي تأتي في المركز الأول من حيث حجم التبادل التجاري مع القارة الأفريقية حيث تستورد من إفريقيا ما قيمته 35 مليار دولار أي ما يعادل 48% من إجمالي صادرات هذه القارة لدول العالم. بينما تصدر دول الاتحاد إليها ما قيمته 42 مليار دولار و تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بـ18% و الدول الأسيوية في المرتبة الثالثة.(1)
و الاتحاد الأوروبي هو الكتلة التجارية الرئيسية في العالم الآن، حيث أنه يحتل المرتبة الأولى في التجارة مع أفريقيا و الشرق الأوسط و يحتل المرتبة الثانية بعد كتلة النافتا في التعامل مع أمريكا الجنوبية - في حين أن الكتلة المذكورة تأتي في المرتبة الثانية بعد الاتحاد في التعامل مع أفريقيا و الشرق الأوسط.
و من هنا فإذا كان الاتحاد الأوربي يعتمد على بقية العالم لاسيما في حصوله على المواد الأولية اللازمة لصناعته خاصة البترول و غيره، فإن هذا الاعتماد لا يعني التقليل من أهمية الاتحاد في التجارة الدولية و الاقتصاد العالمي عموما، - حيث يعد في غاية الأهمية بالنسبة لمناطق أخرى من العالم- حيث أسواقه هي المنفذ الوحيد لبعض السلع وهو المورد الرئيسي لهذه المناطق خاصة أفريقيا و الشرق الأوسط. وتسعى الدول العربية الآن إلى إقامة شراكة مع الاتحاد الأوروبي في ميدان الاستيراد و التصدير.
- التوجهات الإقليمية للتجارة الدولية:
__________
(1) Bremond . J op cit page 304.(1/242)
يستحوذ الاتحاد الأوربي على 43% من الصادرات العالمية، بينما تبلغ صادرات أمريكا الشمالية من إجمالي الصادرات العالمية 17% ، و صادرات آسيا 26% تنفرد اليابان منها بما قدره 8%. و الباقي و قدره نحو 14% من صادرات العالم تتوزعه بقية المناطق الأخرى بما فيها الصين و بقية دول آسيا، و دول أمريكا اللاتينية، و دول أوربا الشرقية و الوسطى، و مجموعة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي سابقا و كذا دول الشرق الأوسط و إفريقيا. (1).
أما بالنسبة للواردات فإنها تزيد بصفة عامة عن الصادرات بنحو 1,04% تتوزع كما يلي: 41% من واردات العالم تذهب نحو أوروبا الغربية، 38% منها للاتحاد الأوروبي وحده، مقابل 20% نحو أمريكا الشمالية، و 4% نحو آسيا، تنفرد اليابان منها باستيراد 6%. و ما تبقى و قدره 15% يخص بقية المناطق العالمية الأخرى بما فيها الصين و بقية دول آسيا، و أستراليا و دول أمريكا اللاتينية، و دول أوروبا الشرقية والوسطى و كذا دول الشرق الأوسط و أفريقيا.
و الجدول التالي يوضح احتكار الدول المتقدمة للتجارة الدولية سنة 1997.
الجدول رقم29
قيمة السلع في التجارة العالمية حسب المناطق لسنة 1997.
(مليار دولار) الصادرات:FOB و الواردات CIF
المناطق ... القيمة . ص. ... القيمة . و .
مجموع العالم ... 5300
أمريكا الشمالية ... 903
أمريكا اللاتينية ... 279
المكسيك ... 110
بلدان لاتينية أمريكية أخرى ... 169
أوروبا الغربية ... 2276
الاتحاد الأوربي (فيما بين دوله) ... 2105
الاتحاد الأوربي (مع بقية العالم) ... 826
اتحاد الدول المستقلة لأوربا الشرقية ... 179
بقية دول أوربا الوسطى و الشرقية ... 90
روسيا الاتحادية ... 66
إفريقيا ... 123
إفريقيا الجنوبية ... 30
أهم الدول المصدرة للمحروقات(2) ... 47
الشرق الأوسط ... 164
اليابان ... 421
الصين ... 183
__________
(1) عباس برارة الستى، مرجع سابق ص 57.
(2) – الجزائر ، أنغولا، القابون، ليبيا، نيجيريا.(1/243)
آسيا (1) ... 351
المصدر: التقرير السنوي للمنظمة العالمية للتجارة 1998 ص 16.
إذا حاولنا التدقيق في هذه الأرقام فسنجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تأتي في المقام الأول بنسبة 11,8% للصادرات و 15,1% للواردات، متبوعة بألمانيا الاتحادية بنسبة 9,9% للصادرات و 8,4% للواردات، ثم اليابان بنسبة 7,8% للصادرات و 6,4%، ثم فرنسا بنسبة 5,5% للصادرات و انجلترا بنسبة 5,5 للواردات. و بعد ذلك تأتي بقية دول العالم حسب تصنيف نقتصر فيه على ذكر الأرقام المتعلقة بدول تسهم بحظ لا بأس به المبادلات العالمية و منها الصين بمعدل 5,5% للصادرات و 2,6% للواردات العالمية، ودول الشرق الأوسط بنسبة 3,1% للصادرات و 2,6% للواردات.
و تسهم المكسيك وحدها بمعدل 2,1% من صادرات العالم و 2,1% من وارداته مقابل 2,9% لصادرات مجموع القارة الإفريقية و 2,9% لوارداته.
إذا ذهبنا في التحليل أبعد من ذلك فسنجد أن هناك أقطاب انجذاب ثلاثة، لازالت تؤدي بحكم ديناميتها و روابطها الخاصة مع بعض دول و مناطق العالم، أكبر الأدوار في تطوير المبادلات العالمية على نحو تتوخى منه تلك الأقطاب، زيادة مكاسبها و تقوية مواقع تأثيرها و سحب البساط تحت أقدام بعضها البعض. و هذه الأقطاب هي الولايات المتحدة الأمريكية، و الاتحاد الأوروبي، و اليابان.
__________
(1) اندونيسيا ، كوريا الجنوبية، ماليزيا، الفلبين طايلاندا.(1/244)
و يلاحظ أيضا أن علاقات الاتحاد الأوروبي التجاري أصبحت أكثر فأكثر مع دول أوروبا الشرقية و الوسطى و غيرها من مجموعة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي سابقا، بالإضافة لدول أمريكا اللاتينية التي تحاول أوروبا الدخول في منافسة ضارية مع الولايات المتحدة الأمريكية على أسواقها التي تعرف حاليا طفرة اقتصادية لا بأس بها. وهكذا نجد أن معدل صادرات أوربا الغربية لسنة 1997 نحو المنطقتين المذكورتين قد عرفت ارتفاع بنسبة 9%، بينما تراجعت تلك الصادرات كثيرا مع إفريقيا، و لم ترتفع بالنسبة للشرق الأوسط إلا بمعدل لا يزيد عن 5%. أما صادراتها نحو أسواق آسيا بما فيها اليابان، فقد تدهورت بشكل ملحوظ خلال نفس السنة، متأثرة بالأزمة المالية الآسيوية. و منه يتبين أن أوربا الغربية بما فيها الاتحاد الأوروبي تحاول منافسة الولايات المتحدة على أسواقها التقليدية، و لكنها رغم التصريحات لا تعير بلدان إفريقيا و الشرق الأوسط ما يكفي من الاهتمام، و لا تعاملها دوما بما يتناسب مع العلاقات التاريخية التي تربطها بمعظم تلك البلدان.
بالنسبة للمبادلات الإفريقية يبدو أن دول أوربا الغربية بما فيها الاتحاد الأوروبي لم تعد تعيرها ما يكفي من الاهتمام كما ذكرنا، و لا أدل على ذلك من أن الصادرات الإفريقية نحو أوربا الغربية، و الذي كان معدلها إلى عهد قريب يتجاوز نحو 50% من المجموع قد تراجعت كثيرا خلال عام 1997 مقابل زيادة في معدلها نحو الولايات المتحدة الأمريكية بما قدره 7%، و نحو أمريكا اللاتينية بما يزيد عن 20 %. و هو مؤشر يدل على أن عولمة الاقتصاد الإفريقي يجعل كفة الميزان تميل في اتجاه لا شك أنه يخدم مصالح الولايات المتحدة على حساب الاتحاد الأوروبي، لاسيما و أن تركيب الصادرات الإفريقية لم يتغير كثيرا، و أنها بقيت محكومة حتى الآن بتصدير المحروقات و غيرها من الخامات و المعادن و المواد الأولية.(1/245)
- أما بالنسبة للشرق الأوسط، فإن الصراع على أسواقه كبير بين الأقطاب الثلاثة، إلا أن كفة الواردات فيه تميل لصالح الاتحاد الأوربي، بمعدل 45% مقابل 25% لدول آسيا و20% للولايات المتحدة الأمريكية، و الباقي و قدره 10% تتوزعه بقية دول العالم.
أما صادرات دول الشرق الأوسط فإن السوق الأولى التي تستقبلها هي السوق الآسيوية بمعدل 40% حتى عام 1990 و 50% عام 1997. أما السوق الثانية لها فهي السوق الأوروبية بمعدل 21%. هذا و قد عرفت صادرات الشرق الأوسط هذه خلال السنتين الآخريتين ركودا لصالح الولايات المتحدة حيث انفردت هذه الأخيرة بـ 10% من تلك الصادرات.
-طبيعة التجارة الدولية:
لازالت المبادلات بين الدول المتقدمة و الدول النامية تخضع في جزئها الكبير إلى التقسيم الدولي للعمل الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية، بحيث تأخذ شكل عام هو مواد أولية مقابل سلع صناعية. و المواد الأولية- و لأسباب تاريخية- تمثل جزءا هاما من التجارة الدولية يصل إلى 40% في مقابل 60% للسلع الصناعية. و تؤمن الدول المتقدمة حوالي 83% من تجارة السلع الصناعية في العالم تمثل حوالي 77% من جملة صادرات هذه الدول نحو الخارج في حين أن الدول النامية لا تؤمن إلا 53% من تجارة المواد الأولية في العالم على الرغم من أنها الجزء الأضخم من صادراتها بنسبة 80%. والبترول يمثل ثلاثة أرباعها. و العرب ينتجون 30% من بترول العالم(1).
و على الرغم من أن الدول النامية هي المصدر الرئيسي للمواد الأولية – إلا أن هناك موادا أولية توجد في الدول الصناعية أيضا و تتبادل الدول الصناعية فيما بينها سلعا أولية تصل قيمتها إلى 90 مليار دولار. و بعض هذه المواد الأولية تحتاجها دول الجنوب.
__________
(1) إدمون جوف: العلاقات الدولية، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر، 1993، ص 464.(1/246)
و بصفة عامة فإن 25% من قيمة صادرات الدول الصناعية نحو الدول النامية يعادل قيمة كل الصادرات في صورة مواد خام قادمة من هذه الدول نحو الدول الصناعية. و المتداول الآن في سوق التجارة الدولية عبارة عن سلع صناعية ميكانيكية بنسبة 25% من التجارة الدولية.
و المحروقات سواء كانت بترول أم فحم أم غاز طبيعي بنسبة 20% و سلع صناعية أخرى بنسبة 8%و المنتجات الكيماوية بنسبة 7% و السيارات و القاطرات 7% والمواد الخام 7% و الملابس و المنسوجات 5% الحديد و الصلب 5%.
و لتوضيح هيمنة الدول المتقدمة على صادرات كل من السلع الصناعية و جزء هام من المواد الأولية سنستعرض صادرات بعض هذه السلع.
- المواد الغذائية:
وتشمل الحبوب و اللحوم و الزيوت و السكر و البن و الشاي و الموز و تكاد تحتكر الدول الصناعية صادرات هذه المواد الأمر الذي يجعل دول العالم الثالث في حالة تبعية شبه كاملة للدول المتقدمة حوالي 60% من المنتجات الغذائية تمر عبر أسواق الدول المتقدمة(1)
مع ملاحظة أن دول الجنوب تحتكر صادرات المناطق الاستوائية المتمثلة في البن والشاي و الكاكاو و تعتمد عليها الدول الصناعية اعتمادا كليا في هذا الشأن.
و تحتكر الولايات المتحدة وحدها حوالي 70% من صادرات الحبوب و إذا أضيفت لها كندا و أستراليا فإن هذه الدول تحتكر 80% من تجارة القمح في العالم و تعتمد دول العالم الثالث ما عدا الأرجنتين – و كذلك دول أوروبا الشرقية على الاستيراد من الخارج في هذه السلع حيث يستورد العالم الثالث حوالي 40% من التجارة العالمية للحبوب ودول شرق أوربا حوالي 30%.
-المواد الأولية:
__________
(1) أسامة لمجذوب: مرجع سابق ص 64.(1/247)
تتكون المواد الأولية إما من معادن مثل الحديد و النحاس و القصدير و الفوسفات والذهب ... و إما من أصل نباتي القطن و الجوت و الكاتشوك أي المطاط و إما من أصل حيواني مثل الأصواف و الجلود بقيمة 300 مليار دولار من التجارة الدولية. وعلى الرغم من أن الدول الصناعية تعد هي المستورد الرئيسي و المصدر الرئيسي في حدود 75% من المبادلات الدولية، إلا أنها تعاني من نقص في هذه المواد و تستورد حاجاتها من الدول النامية في حدود 505 من هذه المواد.
إلا أن هذه الدول ليست في موقف متشابه اتجاه استيراد هذه المواد – فداخل هذه الدول الصناعية نجد الولايات المتحدة و كندا و استراليا في موقف أفضل من غيرها نظرا لأنها منتجة أيضا للمواد الأولية الزراعية و المعدنية- في حين أن اليابان و دول الاتحاد الأوربي تعاني من نقص شديد في هذه المواد و تعتمد على دول الجنوب في الحصول على حاجاتها. و داخل الدول النامية ذاتها نجد أمريكا اللاتينية، في وضع أفضل من أفريقيا حيث لا تستورد أمريكا الجنوبية مواد خام و إنما هي مصدرة دائما لهذه المواد.
- المنسوجات و الملابس:
لا تمثل تجارة المنسوجات و الملابس إلا جزء قليلا من حجم التجارة الدولية قياسا بالسلع الصناعية الأخرى كالأدوية و السيارات مثلا أو البترول.
و على الرغم من عدم أهميتها بالنسبة للدول الصناعية إلا أنها ذات أهمية بالنسبة للدول النامية. فخلاف لما يجري بالنسبة للسلع الصناعية الأخرى، فإن الدول النامية تعد مصدرة و ليست مستوردة في هذا الميدان. و تصل صادراتها إلى حوالي 25% من قيمة التجارة الدولية في المنسوجات و الملابس –75% من هذه الصادرات موجهة إلى أسواق الدول الصناعية في الشمال بنسبة تفوق صادرات هذه الأخيرة نحو الدول النامية.(1/248)
و تسجل بعض دول الشمال عجزا في ميزان مدفوعاتها اتجاه بعض الدول النامية في هذا المجال. و بعض دول الجنوب مثل بلدان جنوب شرق آسيا زادت من صادراتها نحو دول الاتحاد الأوربي بشكل كبير خلال السنوات الماضية. و اتهمت المفوضية الأوربية مصر عام 1996 بممارسة سياسة الإغراق في سوق المنسوجات و الملابس داخل دول السوق. و هذا الاتهام ليس صحيحا.(1/249)
و تتمتع الدول النامية بميزة نسبية في صناعة المنسوجات و الملابس بسبب رخص الأيدي العاملة و توافر المواد الخام الجيدة من الأقطان و الأصواف. و كذلك خبرة زمنية طويلة في هذا الميدان. فدول الشمال تحاول الحد من صادرات الدول النامية حفاظا على أسواق العمل التقليدية فيها. حيث أن قطاع المنسوجات فيها يستوعب الآلاف من الأيدي العاملة في هذه الصناعة. و فتح الأسواق أمام صادرات الدول النامية سوف يؤثر على هذه الصناعة دون ريب. و من المنتظر في ظل التحرير المرتقب تدريجيا لهذه التجارة الذي توصلت إليه جولة أوروجواي 1986-1993 أن تزيد دول الجنوب من صادراتها اللهم إلا إذا استخدمت الدول الصناعية سلاح مكافحة الإغراق الذي قد يفرغ هذا الاتفاق من محتواه. من أجل محاربة منتجات دول الجنوب و تحجيم دورها في السوق الدولية للمنسوجات و الملابس. و ما ظهر من نغمة جديدة خلال المؤتمر الوزاري الأول لمنظمة التجارة العالمية في سنغافورة من 9-13 ديسمبر عام 1996 - من مطالبة صدرت عن أمريكا و بعض ذيولها بضرورة قرض احترام معايير العمل و وقف الرق و السخرة وتحريم عمال السجون و عمل المرأة و الأطفال و غير ذلك، هو أمر هدفه منع دخول صناعة المنسوجات من الدول النامية بمقولة أنه يدخل فيها عمل الرق و السخرة. و هذه حجج هدفها تحطيم الميزة النسبية لدول العالم الثالث في صناعة المنسوجات.طبعا عارضت الدول النامية هذه البدعة الجديدة و طالبت تحويل الأمر إلى منظمة العمل الدولية لأنها المختصة أصلا بمثل هذه المسائل(1).
2-3- اتجاهات التجارة خلال عقد التسعينات:
__________
(1) أحمد دويدار: الحلم بحرية التجارة و ما بعد جولة أوروجواي، القاهرة، 1996، ص 13.(1/250)
عرفت التجارة الدولية خلال عقد التسعينات تقلبات متعددة. ففي سنة 1991 نمت التجارة العالمية بـ 5.3% وبـ 6% في سنة 1992 مقابل انخفاض في معدل الناتج العالمي من 1.6% إلى 0.7% بين عامي 1990 و 1992، و بذلك زاد حجم التجارة العالمية في عام 1992 بمعدل أسرع من معدل نمو الإنتاج في البلدان الصناعية (1.5%) بنحو أربع مرات. و على الرغم من ذلك فهذه المعدلات أوطأ مما كانت عليه في السنوات الأخيرة من عهد الثمانينات و هذا يعكس ظروف الكساد التي سادت في البلدان الصناعية المتقدمة. إذ سجلت في عام 1995 أدنى مستوى نمو (0.9%) منذ كساد عام 1982، مع وجود تفاوت في الأداء الاقتصادي بين هذه الدول. و في عام 1991 انخفض الناتج العالمي بنسبة تقدر بـ (0.3%) و كان هذا أول انخفاض يسجل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية(1).
و أدى التراجع الكبير في سرعة نمو الإنتاج في بعض البلدان الصناعية الكبيرة على تخفيض الطلب على السلع المتداولة. فضلا عن تراجع معدلات النمو في البلدان النامية، باستثناء بلدان شرق آسيا، التي بدأت بتنفيذ برامج التكييف الهيكلي في عامي 1990 و1991، لذا شهدت حالات انكماش في الأنشطة الاقتصادية مع بدء العمل بسياسات نقدية و ضريبية متشددة. و على الرغم من زيادة الإنتاج في البلدان النامية بنسبة (4.5%) في عام 1992 إلا أن هذا النمو يحقق فروقات مهمة بين مختلف المناطق النامية(2).
الجدول رقم 30
الناتج العالمي لمدة 1981-1997 ( تغيرات بالنسبة المئوية)
الإقليم – البلد ... 1981-1988 ... 1989 ... 1990 ... 1991 ... 1992 ... 1993 ... 1994 ... 1995 ... 1996 ... 1997
العالم ... 2.1 ... 3.2 ... 1.6 ... 3 ... 0.7 ... 1.4 ... 2.8 ... 6.4 ... 2.9 ... 3.2 ... 2
__________
(1) الأمم المتحدة، دراسة الحالة الاقتصادية و الاجتماعية في العالم. نيويورك 1996 ص 1.
(2) الأسكوا: مسح للتطورات الاقتصادية و الاجتماعية لغربي آسيا 1992. المم المتحدة نيويورك.(1/251)
بلدان اقتصاد السوق المتقدمة ومنها: ... 2.8 ... 3.4 ... 1.8 ... 1.9 ... 1.5 ... 0.9 ... 2.9 ... 6 ... 2.5 ... 2.7 ... 1.8
الولايات المتحدة ... 2.9 ... 2.5 ... 0.8 ... -1.2 ... 2.7 ... 3.4 ... 4.1 ... 2 ... 2.8 ... 3.8 ... 2.3
اليابان ... 4.1 ... 4.8 ... 5.2 ... 4.0 ... 1.3 ... -0.2 ... 0.5 ... 0.8 ... 3.9 ... 0.9 ... -1.3
الاتحاد الأوروبي ... 2.1 ... 3.6 ... 2.8 ... 0.8 ... 1.2 ... -0.6 ... 2.8 ... 2.4 ... 1.7 ... 2.5 ... 2.6
أوروبا الوسطى و الشرقية ... 3.1 ... 2.3 ... -5 ... -11.7 ... -13.4 ... -8.1 ... -10.3 ... -2.7 ... -1.6 ... 1.4 ... 2.6
البلدان النامية (يضمنها الصين) و منها: ... 3.1 ... .5 ... .1 ... .5 ... .5 ... .3 ... .5 ... .2 ... .9 ... .4 ... .3
أمريكا اللاتينية ... 0.7 ... 1 ... -0.1 ... 2.9 ... 2.5 ... 3.9 ... 4.5 ... 0.9 ... 3.6 ... 5.2 ... 3.1
إفريقيا ... 2.7 ... 3 ... 2.2 ... 1.4 ... 0.9 ... 0.4 ... 2.5 ... 2.7 ... 4.6 ... 3.3 ... 3.7
غرب آسيا ... -0.8 ... 3.2 ... 1.9 ... -0.2 ... 5.7 ... 2.6 ... 0.6 ... 3.1 ... 3 ... 5.9 ... -
-آسيا و منها: ... 3.7 ... 4.6 ... 5.1 ... 4.8 ... 5. ... 6.7 ... 5.6 ... 6.3 ... 7.1 ... 8.8 ... 1.8
الصين ... 9.9 ... .3 ... .9 ... .4 ... .3 ... .0 ... .8 ... .2 ... .6
جنوب شرق آسيا ... 7.0 ... 6.3 ... 6.6 ... 5.4 ... 5.2 ... 5.5 ... 6.7 ... 7.1 ... 6.2 ... 4.9 ... 1.7
المصدر: الأمم المتحدة، دراسة الحالة الاقتصادية و الاجتماعية في العالم 1996: نيويورك ص 12-15.
إضافة لانكماش نمو الإنتاج العالمي، هناك عوامل أخرى تقف وراء فتور التجارة الدولية كالأحداث التي وقعت في الخليج و التغييرات في شرق أوروبا، و انخفاض معدلات التبادل التجاري للبلدان النامية بنسبة 2.3% عام 1992:(1)
__________
(1) الأمم المتحدة، دراسة الحالة الاقتصادية و الاجتماعية في العالم. نيويورك 1996 مرجع سابق ص 4.(1/252)
عرف عقد التسعينات، مع ذلك، معدل نمو سريع للتجارة الدولية، و ذلك يعود في جزء منه إلى الانتشار السريع و ازدهار التجارة في مكونات السلع الالكترونية عالية التقنية. و لكن على الرغم من استمرار التجارة الدولية في النمو بسرعة تزيد عن سرعة نمو الإنتاج الإجمالي فإن معدل نموها انخفض إلى 4.2% عام 1993 و يعود ذلك أساسا إلى ضعف الأداء الاقتصادي للبلدان المتقدمة . إذ له على الرغم من زيادة الإنتاج العالمي بنسبة 1% تقريبا في العام المعني فقد انخفض معدل النمو في البلدان المتقدمة على 0.9% نتيجة تباطؤ الإنتاج فيها، و الذي يمثل ما يزيد على ثلثي الإنتاج العالمي، بسبب عوامل متعددة منها زيادة الدين العام في معظم البلدان الصناعية، و الضغوط المتزايدة على العملات الأوروبية نتيجة السياسات النقدية الانكماشية المتبعة و آثارها على أسعار الصرف و أسعار الفائدة، فضلا عن الاختلالات في ميزانيات البلدان الصناعية و التي حدث من إمكانية استخدام السياسة المالية كحافز للنمو (1)
و جاء الحافز للتجارة الدولية في عام 1993 من البلدان النامية، إذ زاد حجم صادراتها بنسبة ( 11.7%) و يرجع الجانب الأكبر من هذه الزيادة إلى أداء كل من دول جنوب شرق آسيا و الصين، و إلى انتعاش لافت للنظر في صادرات إفريقيا و أمريكيا اللاتينية. أن نسبة التغير السنوي المئوي لصادرات هذه المناطق بلغت في عام 1993 ( 16.6%) و (11.2%) و (8.4%) و (8.1%) على التوالي مقارنة بـ (10.3%) و (13%) و(0.2%) و (4.6%) في عام 1992. علما أن منطقة غرب آسيا هي المنطقة الوحيدة التي انخفض فيها حجم الصادرات من ( 10.9%) إلى ( -0.5%) بين عامي 1992 و1993.
__________
(1) الاسكوى: تقرير 1996- مرجع سابق ص 8.(1/253)
و يمكن تفسير هذا الأداء التصدير بالمعدلات المرتفعة للنمو الإجمالي للبلدان النامية ككل في عام 1993، غذ ازداد ناتجها بنسبة (5.3%) مقابل (4.5%) في العام السابق. وذلك يعود للأداء القوي في جنوب و جنوب شرق آسيا، لاسيما الصين التي زاد إنتاجها بنسبة (13%) في عام 1993، وفي أمريكا اللاتينية ارتفع معدل النمو أيضا بين العامين أعلاه من ( 2.5% - 3.9%) في حين انخفض في غرب آسيا للمدة نفسها من (6.8%- 3.5%).
عرفت سنة 1993 انتعاش الاقتصاد العالمي، بعد ثلاثة سنوات من النمو البطيء، ليصل إلى (2.8%). و كان التوسع أسرع وتيرة في الولايات المتحدة منه في الاتحاد الأوروبي و اليابان (4.1% و 0.5% و 2.8% على التوالي)، وأدى ذلك فضلا عن تأثير تغير سعر صرف الين الياباني، و بدرجة أقل المارك الألماني، على ارتفاع حجم استيراد البلدان المتقدمة بنسبة (9%) في هذا العام. وقد نمت استيرادات الولايات المتحدة على نحو مضاعف بسبب ازدياد الطلب على الواردات من المواد الخام. بما فيها النفط، فضلا عن ارتفاع استيرادات اليابان نتيجة لارتفاع سعر الين. و في أوروبا الغربية كان الارتفاع بنسبة (7%) مقارنة بنسبة (4%) في العام السابق. و هذا يعكس نمطا مماثلا لصادراتها، لأن مصادر العرض الرئيسية لهذه البلدان هي بلدان أوروبا الغربية الأخرى و كذلك بلدان أوروبا الوسطى و الشرقية التي توجه لها (50%) من صادراتها(1).
__________
(1) الأمم المتحدة: الحالة الاقتصادية و الاجتماعية، 1996- مرجع سابق ص 38.(1/254)
فنمو الاستيراد و التصدير كان قويا أيضا في البلدان النامية. مقاسا ليس بواسطة التجارة الدينامكية المستقرة في جنوب و شرق آسيا و الصين فحسب، بل أيضا بواسطة أداء التجارة القوي في أمريكا اللاتينية و الكاريبي، إذ زادت حجوم التصدير في الأولى بنسبة (14% ) في عام 1994. خلف النمو الاقتصادي للصادرات يكمن الانتعاش في الاقتصاديات المتقدمة و الارتفاع المستمر في التجارة داخل الأقاليم و الصادرات إلى الصين. كما أن تخفيض قيمة الدولار مقابل الين حست أيضا القدرة التنافسية السعرية للصادرات الخاصة باقتصاديات إقليمية متعددة و التي ترتبط عملاتها بالدولار.أن التخصص المتزايد للجيل الأول و الثاني من الاقتصاديات المصنعة حديثا في قطاع الالكترونيات و الاتصالات دفع نموها التصديري إلى أعلى. و من جانب آخر نمت الاستيرادات من خلال الطلب المتنامي على السلع الرأسمالية المستوردة و المدخلات الأخرى التي استلزمها النمو السريع للصادرات نتيجة نمو الاستثمار الأجنبي المباشر و / أو الاستثمار المحلي في العيد من الاقتصاديات، و نجم عن نمو الاستيرادات الواسع في الإقليم عجوزات تجارية مرتفعة، و فيما يخص حجم صادرات أمريكا اللاتينية والكاريبي فقد نما بمعدل (9%) مستفيدا من الانتعاش في الأسواق العالمية و الطلب المتزايد داخل الأقاليم.(1/255)
فضلا عن الزيادة في أسعار البضائع و التنوع المستمر في المنتجات المصنعة. و مع ذلك نمت الاستيرادات أسرع من الصادرات في عام 1994، بسبب النمو الاقتصادي والتعريفات الأوطأ و وفرة التمويل. كذلك استفادت إفريقيا من الطلب المتنامي على صادراتها، و تحسنت فيها لأول مرة منذ بداية العقد وحدة القيمة للصادرات بالدولار وشروط التجارة. لكن التجربة تؤشر عدم تغير اعتماد إفريقيا على المواد الأولية، على الرغم من بعض التنويع في الصادرات التقليدية(1).
تباطأ نمو حجم التجارة الدولية في عام 1995 إلى (9.8%) بعد الانتعاش في العام الذي سبقه (10.4%) الذي مثل توسعا بضعفي سرعة النمو في بداية العقد.
أما نمو التجارة بالقيم المطلقة فقد كان مختلفا، إذ نمت الصادرات و الاستيرادات على نحو أكبر بكثير بسبب ضعف الدولار في الجزء الأول من عام 1995، واستمرار ارتفاع أسعار السلع الأولية. أن ارتفاع أسعار النفط في العام المعني بنسبة ( 8.7%) ساعد على نمو قيمة صادرات البلدان المصدرة للنفط. كما زادت الصادرات العالمية للخدمات بشكل سريع، لاسيما في آسيا و أوروبا الغربية، و مع ذلك كانت اقل من الصادرات السلعية التي ظلت العنصر الأكثر نشاطا في التجارة الدولية، لاسيما في مجال أجهزة الاتصالات والتجهيزات المكتبية(2)
__________
(1) الأمم المتحدة: الحالة الاقتصادية و الاجتماعية، 1996- مرجع سابق ص 137.
(2) الاسكوا: مسح للتطورات الاقتصادية و الاجتماعية لمنظمة الاسكوا . 1997 نيوروك ص 8.(1/256)
بلغت القيمة الإجمالية للتجارة السلعية العالمية في عام 1995 نحو (5) تريليون دولار، مقابل (3.5) تريليون دولار عام 1990. و قد كانت مساهمة المجاميع الدولية في الصادرات العالمية كما يأتي، قدمت البلدان المتقدمة نحو ثلثي هذه الصادرات، علما أنها وجهت (70%) من صادراتها على بعضها البعض (تجارة بينية) و 25% منها إلى البلدان النامية، في حين قدمت البلدان النامية (29%) من مجموع الصادرات العالمية، (50%) منها تقريبا مصدرها من دول جنوب و شرق آسيا (فيما عدا الصين)، و أخيرا بلغ نصيب البلدان المارة بمرحلة انتقال النسبة المتبقية و هي بحدود (4%)(1).
عرفت سنة 1995 انخفاضا ملحوظا في نمو الناتج العالمي و لاسيما في البلدان المتقدمة، و في المقابل استمر النمو في البلدان النامية على مستواه السابق، و في البلدان الأسيوية و بالخصوص الصين الذي وصل معدل النمو بها على 10% (2).
__________
(1) الأمم المتحدة: الحالة الاقتصادية و الاجتماعية، 1996- مرجع سابق ص 57.
(2) CNUCED : Rapport sur le commerce et développement. 1996 GENEVE p 5.(1/257)
صاحب النمو الاقتصادي في البلدان النامية نمو في معدلات التجارة فيما بينها و على نحو أسرع بكثير من التجارة بين البلدان المتقدمة، فضلا عن أن تجارة الأولى أصبحت أكثر نشاطا مع الأخيرة، لاسيما تجارة بلدان آسيا، إذ بلغت حصة عشرة بلدان من الاقتصاديات الأسيوية في التجارة العالمية، نحو (19%) و أكبر من حصة الولايات المتحدة (17.7%) و اليابان ( 10.2%) استأثرت الاقتصاديات الأسيوية بمعظم نمو واردات البلدان النامية، بسبب تقلص نمو حجم واردات كل من أمريكا اللاتينية و بلدان غرب آسيا و ذلك نتيجة أزمة البيزو المكسيكي و الآثار السلبية لبرامج التكيف الهيكلي. كما زاد حجم صادرات إفريقيا على نحو متواضع (5%) نتيجة لإتباعها سياسات تحرير التجارة و اتساع نطاق واردات الأغذية وارتفاع أسعارها. (173: ص 235) كما زاد حجم صادرات البلدان النامية بسبب ارتفاع الطلب على السلع الأولية و البضائع الصناعية، و ارتفاع سعر صرف العملة اليابانية، و ارتفاع أسعار النفط بنسبة 8.7%. و في أمريكا اللاتينية كان معدل نمو الصادرات أعلى من نمو الواردات، و ذلك ناجم عن ارتفاع الطلب في البلدان الصناعية، لاسيما في أمريكا الشمالية التي تربطها علاقات تجارية قوية بالمنطقة، فضلا عن ارتفاع أسعار النفط، و بذلك ارتفعت صادرات المنطقة من ( 7.3%) – ( 9.2%) بين عامي 1994-1995 (1).
و الجدول التالي يوضح نموذج الصادرات و الإنتاج العالمي لبعض القطاعات خلال فترة 1990-1997.
الجدول رقم31.
نمو حجم الصادرات و الإنتاج العالمي من السلع فيما بين 1990-1997. (بالنسبة المئوية)
نمو حجم الصادرات و الإنتاج العالمي من السلع ... المتوسط السنوي 1990-1997
الصادرات العالمية من السلع ... 6.5 ... .0 ... .5 ... .0
المنتجات الفلاحية
صادرات الصناعات الاستخراجية
صادرات الصناعات اليدوية
.5 ... .0 ... .0 ... .5
.
__________
(1) Nations unis: Rapport sur la situation Eco et Souele NEWYORK: 1995. page 17.(1/258)
5 ... .0 ... .5 ... .0
.0 ... .0 ... .0 ... .5
الإنتاج العالمي من السلع ... 2.0 ... .0 ... .0 ... .5
الإنتاج الفلاحي
إنتاج الصناعات الاستخراجية
.0 ... .0 ... .5 ... .5
.0 ... .0 ... .5 ... .5
إنتاج المصنوعات ... 2.0 ... .5 ... .5 ... .5
الإنتاج الإجمالي الخام العالمي ... 2.0 ... .0 ... .5 ... .0
Source: OMC Rapport annule sur le commerce 1998 p12.
على الرغم من ارتفاع حجم الناتج العالمي إلى ما يقارب (3%) في عام 1996، فقد تبطأ نمو التجارة الدولية إلى (5.6%) أي نحو نصف معدل نمو عام 1994 (10.4%). و يعود نمو الناتج العالمي إلى الانتعاش الاقتصادي الأكثر ثباتا في الولايات المتحدة، الناجم عن استثماراتها التي حققت زيادة مهمة في الإنتاجية، و لاسيما في الصناعات التحويلية. أما اليابان فنمت بنسبة (3.5%) بهد نجاح حزمة سياستها المالية في معالجة الانكماش الذي دام لمدة طويلة.
و مع استمرار نمو الناتج بسرعة ثابتة نسبيا، فإن التباين بين نمو التجارة و الناتج انخفض بشكل كبير بعد تزايده منذ عام 1990. و انخفضت كذلك مرونة التجارة بالنسبة لنمو الناتج إلى أدنى مستوياتها منذ الثمانينات.
و في شرق آسيا، تناقص نمو الصادرات، و كان من نمو الناتج للمرة الأولى منذ سنوات متعددة. العامل الرئيس وراء ذلك كان الانخفاض الشديد في أسعار سلع الكترونية معينة. أما في الصين ، فإن التخفيض في ضريبة الصادرات في أواخر عام 1995، حث المنشآت على زيادة صادراتها بأكبر قدر ممكن، متضمنة الصادرات المخطط لها لعام 1996. في أمريكا اللاتينية، لاسيما بين أعضاء ميركوسر (السوق الجنوبي المشتركة) ارتفعت الصادرات على نحو كبير و تزايدت التجارة البينية بين بلدان المنطقة. بيد أن معدل نمو قيمة الصادرات السلعية للمنطقة ككل و الذي بلغ نحو (10%) في عام 1996. كان أقل من نصف معدل العام السابق.(1/259)
سجلت حركة التجارة العالمية نموا قويا بنسبة (7.3%) في عام 1997 و ذلك بسبب نمو التجارة لكل من البلدان المتقدمة و النامية على السواء. و قد تزايد حجم الصادرات العالمية على (9.5%) بعد الانخفاض من (9%) إلى (5%) بين عامي 1995 و 1996 (204: نص5). و أصبح التباعد بين اتجاه نمو التجارة و الناتج العالميين واضحا مرة أخرى بشكل واسع. و باستثناء الصادرات الإفريقية و الاستيرادات الصينية. كان هناك تسارع واسع، بمعدلات متباينة، في نمو حجم الصادرات و الاستيرادات على مستوى البلدان المنفردة أو على مستوى الأقاليم لاسيما استيرادات أمريكا اللاتينية التي نمت بأكثر من (21%) بسبب نمو الناتج المحلي الإجمالي القوي، مقارنة مع نسبة (12.5%) لصادراتها.
و للسبب نفسه، تضاعفت معدلات نمو الصادرات و الاستيرادات الأمريكية من (6.3%) في عام 1996إلى نحو (12%) في عام 1997. أما في الاتحاد الأوروبي فقد نمت الصادرات على نحو أسرع من الاستيرادات و بنسبة (8%) مقابل (6.5%) و على النقيض نمت استيرادي الاقتصاديات في مرحلة الانتقال على نحو أسرع من الصادرات وبنسبة (16%) مقابل (11%) (1).
__________
(1) CNUCED : le commerce et développement. Rapport annuel New York 1998 p 5.(1/260)
الميزة الرئيسية لعام 1997 هي الأزمة الشرق الأسيوية و التي كان النمو العالمي يعتمد قبل وقوعها على التوسع في الولايات المتحدة و شرق آسيا. وباستثناء الصين وإقليم تايوان التابع لها. كانت الاقتصاديات الشرق أسيوية السريعة النمو و الولايات المتحدة معا تمثل مصادر الطلب العالمية الرئيسية، و كانت تعاني من عجوزات خارجية كبيرة مولتها من خلال تدفقات رؤوس الأموال الخاصة. في حين كانت كل من أوروبا الغربية و اليابان تحقق فوائض تجارية كبيرة. أن محاولات بلدان شرق آسيا الهادفة إلى تعديل أسعار الصرف و تخفيض العجوزات الخارجية بهدف إدامة النمو السريع حققت نتائج عكسية، فقد قلصت من العجوزات و لكن من خلال اضطرار النمو. و هكذا زادت الأزمة الأسيوية من حجم فجوة الطلب العالمي و ولدت اختلالات تجارية و تقلبات أكبر في العملة، و لم يكن الأثر المباشر لهذه الأزمة كبيرا في عام 1997 على التطورات الاقتصادية العالمية، و مع ذلك فقد هبط النمو في البلدان الشرق أسيوية على نحو حاد في الربع الأخير من العام.(1/261)
على الرغم من هبوط الناتج المحلي الإجمالي في اليابان وآثار الأزمة المالية الأسيوية، كانت هناك زيادة في معدل نمو استيرادات البلدان الأسيوية النامية كافة، ما عدا الصين. فضلا عن نمو حجم الصادرات في اليابان و البلدان الأسيوية الأخرى، إذ ارتفعت الصادرات إلى أكثر من (20%) و كان لكل من اليابان، و الصين، و جنوب و شرق آسيا معدلات نمو صادرات تفوق معدلات نمو الاستيراد. و بالنسبة إلى قيمة الصادرات العالمية من السلع و الخدمات، فقد بلغت نحو ( 6738 مليار دولار) في عام 1997 منها نحو ( 5371) مليار دولار قيمة الصادرات السلع و (1369) مليار دولار لصادرات الخدمات، و ذلك مقارنة بقيم عام 1999 التي كانت (6535) مليار دولار لإجمالي الصادرات و منها (5196) مليار دولار للسلع و (1339) مليار دولار للخدمات. و هذا يعني أن نمو التجارة الدولية ما زال مستمرا بمعدلات متزايدة على الرغم من الأزمة الأسيوية(1).
سجلت البلدان المتقدمة تحسنا طفيفا في عام 1997 (2.7%)، و ذلك ناجم بشكل كبير عن تسارع النمو في الولايات المتحدة البالغ (2.3%) فضلا عن الانتعاش في عدد من البلدان. و أخيرا و على الرغم من تباطؤ النمو في البلدان النامية عموما، فإن معدله (5.4%) كان ما يزال أعلى من معدلات نمو الاقتصاديات الأخرى. علما أن أمريكا اللاتينية تميزت بأفضل أداء اقتصادي في عام 1997 محققة نموا بنسبة (5.2%) مقارنة بـ (3.6%) في العام السابق و ذلك ناجم عن الانتعاش القوي في الاستثمار و التوسع المستمر في الصادرات(2).
__________
(1) CNULCED : Rapport annuel dans le commerce et développement .new york 1998 p.13.
(2) CNUCED : Rapport annuel dans le commerce et développement .new York 1998 p.13(1/262)
و يمكن تفسير التطور في العلاقة التقليدية بين نمو التجارة و الناتج العالميين و المتمثل باستمرار قيمة التجارة الدولية بالتوسع على أسرع من الناتج العالمي للمدة 1970-1997ن كنتيجة للسمات الجديدة للتجارة على نطاق العالم و التي نجمت عن ظاهرة الاندماج بين الأسواق على نحو متزايد، و الارتفاع في التجارة داخل الكيانات، سواء شركات أو أقاليم، فضلا عن قدرة المنتجين على تجزئة عمليات الإنتاج و توزيعها في مناطق جغرافية متنوعة و متفرقة على وفق سلسلة القيمة المضافة، و عمليات الاندماجات و الاحتيازات بين الدول المتميزة بارتفاع نسبة التجارة على الناتج المحلي الإجمالي وأخيرا ظهور الصادرات الكبيرة من السلع المصنعة من الاقتصاديات حديثة التصنيع ذات الأجر الأوطأ إلى البلدان ذات الأجر الأعلى.
2-4- اتجاهات التجارة الدولية في بداية الألفية الثالثة:
تميزت سنة 2001 بانخفاض في الإنتاج العالمي و التجارة الدولية فقد بلغ معدل الإنتاج العالمي أدنى مستوياته منذ 1982 بحيث وصل على 1.5%، حيثما انخفضت التجارة الدولية إلى 1.5% بعدما كانت 11% في سنة 2000. يرجع هذا الانخفاض إلى تراجع الاستثمارات خلال سنة 2001 بأمريكا الشمالية (-3%) بعدما كان 10% من سنة 2000. فإذا كانت الاستثمارات الأجنبية المباشرة نمت بـ 15% خلال 1999/2000 فإنها انخفضت سنة 2001 بأكثر من الثلث.
لعل هذه الانخفاضات التي عرضها الإنتاج العالمي و التجارة الدولية خلال سنة 2001 ترجع أساسا إلى تأثيرات أحداث 11 سبتمبر بالولايات المتحدة الأمريكية و التي مست أغلب القطاعات في كل المناطق باستثناء بعض دول آسيا.
و الجدول الموالي يوضح نمو صادرات السلع و الخدمات لمدة 1999/2000
الجدول رقم32
صادرات السلع و الخدمات 1999/2002 (مليار $ و %)
القيمة ... التعبير السنوي
/00
السلع ... 1458 ... .5 ... 3 ... 6 ... .5 ... -
الخدمات ... 6.5 ... -0.5
Source: FMI: perspectives de l'économie Mondiale. 2002. p.10.(1/263)
تبين هذه الأرقام أن معدلات نمو التجارة الدولية في السلع و الخدمات كانت سالبة خلال سنة 2001 و 2002، حيث وصلت إلى- 4.5% في السلع و -0.5% في الخدمات سنة 2001 و استمر إلى التقهقر سنة 2002 حيث كان -4% سنة 2002 في السلع.
ترجع هذه الاتجاهات الجديدة للإنتاج و التجارة الدولية إلى عدة عوامل من أهمها:(1)
- انخفاض الإنفاق في قطاع تكنولوجيات الإعلام أدى إلى انخفاض في تجارة التجهيزات المكتبية و أجهزة الاتصال.
- تأثير انخفاض الإنتاج العالمي على مجموعة من القطاعات الأساسية كالحديد والصلب مثلا.
- انخفاض سعر البترول بـ 9% أدى إلى انخفاض صادرات المحروقات بـ 8%.
- انخفاض صادرات الدول النامية من المنتوجات الصناعية بحيث انخفضت صادرات المنسوجات من 3.1% من التجارة العالمية إلى 2.1%.
بدورها تأثرت المناطق الجغرافية العالمية بهذه الاتجاهات الجديدة للاقتصاد العالمي. بحيث أن الانخفاض الذي عرفه الإنتاج العالمي سنة 2001 كان له تأثير واضحا على المناطق العالمية الرئيسية، أوروبا أمريكا الشمالية، آسيا وأمريكا اللاتينية.
لقد سجلت هذه المناطق الأربعة انخفاضا محسوسا في الصادرات و الواردات، بينما سجلت اقتصاديات الانتقال "Economie de Transition" ارتفاعا في القيمة في تجارتها الدولية و هذا راجع إلى تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى هذه الدول، و ارتفعت صادراتها إلى المناطق الأولى بـ 12% سنة 2001ن و انخفضت صادرات أوروبا الغربية بت 3% و أمريكا اللاتينية بت 4% (2).
أما بالنسبة للدول النامية، فقد سجلت صادراتها و وارداتها انخفاضا بنسبة 6% و 4% على التوالي بسبب انخفاض طلب الدول الصناعية عليها. و هبطت حصة هذه الدول في السوق العالمي من 29.1% إلى 26.2%.
__________
(1) OMC: Rapport annuel 2002. p 12.
(2) FMI: perspectives de l'économie mondiale , opcit, p 12.(1/264)
الجدول الموالي يوضح نمو تجارة و إنتاج الدول النامية خلال الفترة 1999/2001.
الجدول رقم33
نمو تجارة و إنتاج الدول النامية 1999 /2001 (تغير النسبة المئوية)
-2000
الإنتاج الداخلي الخام ... 5 ... .5 ... .5 ... 2
حجم صادرات السلع ... 9 ... 7.0 ... 14.5 ... 00
حجم واردات السلع ... 8.5 ... 6 ... 16 ... -0.5
قيمة صادرات السلع ... 9 ... 10 ... 24 ... -6.5
قيمة واردات السلع ... 8.5 ... 5 ... 20.5 ... -4.0
Source: OMC: rapport annuel. Opcit. P 14.
يلاحظ من خلال هذه الأرقام أن نمو الإنتاج و التجارة الدولية عرف نكسة كبيرة سنة 2001. حيث سجل هذا النمو أرقاما سالبة بينما كان يفوق في السنوات السابقة متوسط النمو العالمي. و تشير دراسات منظمة التجارة العالمية أن التبادل التجاري الإقليمي عرف هو أيضا انخفاضا خلال سنة 2001، فانخفض بنسبة 2% في الاتحاد الأوروبي و بنسبة 7% في دول أمريكا الشمالية و بنسبة 10% في دول ميركسور (Mercosur) و بنفس النسبة في دول آسيا(1).
و تعتبر سنة 2003 سنة انتعاش و انطلاقة الاقتصاد الدولي و التجارة الدولية من جديد، و الجدول التالي يوضح ذلك.
الجدول رقم34
نمو حجم الصادرات و الإنتاج العالمي: 1995-2003 (نسبة مئوية)
-00
الإنتاج العالمي للسلع ... 4 ... .5 ... .0 ... .0
التجارة العالمية للسلع ... 3 ... -0.5 ... 3.0 ... 4.5
الإنتاج العالمي الخام ... 1 ... 1.5 ... 2.5
OMC: rapport annuel. Opcit.2003.p.41
تبين الأرقام الواردة في الجدول أن نمو حجم الصادرات و الإنتاج بدأ يتصاعد ابتداء من سنة 2002 حيث انتقل من -05% من سنة 2001 إلى 3% بالنسبة للإنتاج و من -0.5% إلى 4.5% بالنسبة للصادرات.
و كان لانتعاش الإنتاج العالمي تأثيرا على تجارة المناطق في السلع و هذا ما يبينه الجدول التالي:
الجدول رقم35
نمو حجم التجارة الدولية في السلع للمناطق 95/03 (تغير% مئوية)
الواردات ... المناطق ... الصادرات
2003 ... /95 ... /00
5 ... 4 ... 10.5 ... العالم ... 7 ... 3 ... .5
5.5 ... -7 ... 10 ... أمريكا الشمالية ... 7 ... -2.5 ... 1.5
__________
(1) OMC: rapport annuel.2002 Opcit.p.13.(1/265)
0.5 ... 00 ... 06 ... أمريكا اللاتينية ... 9.5 ... -0.5 ... 4
1.5 ... 8.5 ... 5.5 ... الاتحاد الأوروبي(15) ... 6 ... 1.5 ... 0.5
11 ... 1.5 ... 4.5 ... آسيا ... 8.5 ... 10.5 ... 11
7 ... اليابان ... 9.5 ... 8 ... 9.5
Source:OMC: rapport annuel. 2003.p.41.
يظهر من خلال هذا الجدول أن نمو التجارة في الاتحاد الأوروبي و أمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية هبطت معدلاتها بالنسبة إلى فترة 95/2000 بشكل كبير و هذا راجع إلى تأثير أزمة الاقتصاد العالمي لسنة 2001.
فالارتفاع في معدلات النمو خلال سنة 2003 صاحبه ارتفاع في قيمة الواردات والصادرات للمناطق الرئيسية عبر العالم، حيث بلغت قيمة الواردات في السلع 1540 مليار دولار سنة 2003 مرتفعا بنسبة 8% على ما كان عليه سنة 2002 بأمريكا الشمالية. بينما وصل بإفريقيا إلى 21% سنة 2003 (166 مليار دولار) عوض 2% سنة 2002. و بلغت قيمة هذه الواردات بآسيا و اليابان بسنة 2003 بنسبة 19% و 14% على التوالي.
فالصادرات عرفت هي أيضا نموا محسوسا خلال سنة 2003. حيث نمت بـ 5% أمريكا الشمالية مقارنة سنة 2002(4%) و بـ 23% بإفريقيا (2% سنة 2002) و بـ 17% بآسيا ( 8% سنة 2002).
عرفت تجارة الخدمات خلال نفس السنة نموا وصل إلى 4% في الواردات و 6% في الصادرات عالميا. نفس الاتجاه عرفته واردات و صادرات المناطق الجغرافية المختلفة، فارتفعت واردات و صادرات أمريكا الشمالية بـ 13% سنة 2003 مسجلة إيرادات بلغت 279 مليار و 229 مليار دولار على التوالي.
بينما بلغت هذه القيمة بإفريقيا و آسيا 56 مليار دولار و 402 مليار دولار على التوالي في الواردات و 39 مليار دولار و 352 مليار دولار على التوالي في الصادرات. هذه القيم تناسبها معدلات نمو وصلت إلى 16% و 23%. على التوالي للواردات و 10% و9% على التوالي للصادرات(1).
__________
(1) OMC: rapport annuel. 2003 p.43.(1/266)
تميزت سنة 2004 بارتفاع هام للنمو الاقتصادي في أغلب المناطق الجغرافية العالمية الكبرى، الأمر الذي أدى إلى توسع كبير في التجارة الدولية.
فعرفت منطقة أمريكا اللاتينية و الاقتصاديات الانتقالية ارتفاع محسوسا في تجارتها الدولية، و نفس الوتيرة عرفها دول آسيا و خاصة الصين و الهند اللذان سجلا نمو اقتصادي بلغ على التوالي 9.5% و 7.3% (1).
خلال سنة 2004 سجلت الصادرات ارتفاع بـ 9% و هذا راجع إلى النتائج الإيجابية التي عرفتها صادرات المنتوجات الصناعية بحيث بلغ نموها 10% سنة 2004 ضعف معدل سنة 2003. بينما عرفت المواد الزراعية ارتفاعا بـ 3.5%.
و الجدول الموالي يبين تطور تجارة السلع و الخدمات خلال فترة 2000-2004.
الجدول رقم35
نمو الصادرات العالمية للسلع و الخدمات
(2000-2004) (مليار دولار)
القيمة ... التغير السنوي %
2004
1)السلع: ... 8904 ... 5 ... 17 ... 21
- المنتجات الزراعية ... 783 ... 6 ... 16 ... 15
- الطاقة و الصناعة الإستراتيجية ... 1281 ... 0 ... 23 ... 32
- المنتجات الصناعية
2-الخدمات ... 6570 ... 5 ... 16 ... 20
- النقل ... 2125 ... 7 ... 14 ... 18
- الأسفار ... 500 ... 4 ... 14 ... 23
- أخرى ... 625 ... 4 ... 10 ... 18
1000 ... 10 ... 16 ... 16
Source:OMC: rapport annuel. 2004.p.48.
تؤكد الأرقام الواردة في الجدول التوسع الكبير للتجارة الدولية خلال سنة 2004 بحيث وصلت معدلات جد مرتفعة مقارنة بالسنوات السابقة فارتفعت المنتجات السلعية من 5% سنة 2002 إلى 21% سنة 2004. و الخدمات من 7% إلى 18%. و يعود هذا الارتفاع إلى الانتعاش الذي عرفه الإنتاج العالمي في كل من أمريكا الشمالية 9% وأوروبا 7%.
__________
(1) OMC: rapport annuel. 2004. p 47..(1/267)
و كان لهذا الانتعاش الاقتصادي تأثيرا على تجارة المناطق الجغرافية خلال سنة 2004. فانتقل معدل نمو الواردات من 5% سنة 2003 إلى 9% سنة 2004 على المستوى العالمي بينما ارتفع هذا المعدل من 1% إلى 7.5% بأمريكا الشمالية في الواردات و من 5.5% إلى 10% في الصادرات. و بلغ في آسيا إلى 14.5% سنة 2004 في كل من الواردات و الصادرات(1).
و تجدر الإشارة إلى أن الاتجاه الجديد للتجارة الدولية خلال الألفية الثالثة عرف ازدياد نسبة التجارة البينية للتكتلات الاقتصادية الكبرى حيث وصلت نسبة هذه التجارة في الاتحاد الأوروبي إلى 67.6% في الصادرات و 66.2% في الواردات، بينما وصلت عند مجموعة نافتاNAFTA إلى 55.9% في الصادرات و 35.3% في الواردات(2).
تباطأ معدل نمو الاقتصاد الدولي بصورة ملحوظة خلال عام 2005 بعد تحقيقه معدلات نمو قوية خلال عام 2004.
يتوقع أن يستمر نمو الاقتصاد الدولي بمعدلات متواضعة تقدر بحوالي 3% خلال عام 2006. إلا أن هذا المعدل من النمو هو نفس متوسط معدل النمو المتحقق في العقد الماضي. يبقى الاقتصاد الأمريكي هو القاطرة الرئيسية لنمو الاقتصاد الدولي، إلا النمو المتسارع لاقتصاد الصين، و الهند و بعض الاقتصاديات الكبيرة يكتسب أهمية متزايدة في هذا الصدد. تباطأ مستوى النمو الاقتصادي لدى أغلب الدول المتقدمة خلال عام 2005، و لا يتوقع أن يحدث لها انتعاش خلال عام 2006. يتوقع في هذا الصدد أن يحقق الاقتصاد الأمريكي المزيد من النمو المتواضع بمعدل 1 و 3%، بينما سيعم أوروبا أداء اقتصادي باهت مصحوبا بمعدل ضعيف من النمو يبلغ 1 و 2% خلال عام 2006.يتوقع أيضا أن يستمر الانتعاش في أداء الاقتصاد الياباني و إن كان بمعدل متواضع يقدر بحوالي 2%.(3)
__________
(1) OMC: rapport annuel. 2004. p 49.
(2) Idem P.50.
(3) Nations Unis: Situation Economique mondiale. 2006 p1.(1/268)
ستفوق معدلات النمو لدى الدول النامية و الاقتصاديات المارة بمرحلة تحول متوسط معدل النمو على المستوى الدولي بصفة عامة. يتوقع أن يبلغ متوسط معدل نمو اقتصاديات الدول النامية 6 و 5%، بينما يتوقع أن يبلغ متوسط معدل نمو الاقتصاديات المارة بمرحلة تحول 9 و 5%، و ذلك بالرغم من أن تلك الاقتصاديات ستواجه تحديات أكبر خلال عام 2006.
تعد الصين و الهند من أنشط الاقتصاديات بلا منازع، و يتوقع لشرق و جنوب آسيا تحقيق معدلات نمو تزيد على 5%. ستتخلف أمريكا اللاتينية بعض الشيء عن الركب وتحاول اللحاق به بمعدل للنمو يبلغ 9 و 3%، إلا أن النمو في إفريقيا يتوقع له أن يظل قويا بمعدل يفوق 5%. يتوقع أيضا أن تحقق الدول الأقل نموا معدلات أفضل للنمو تبلغ 6 و 6%، و هو ما يعد أسرع متوسط لمعدلات النمو لدى الدول الأقل نموا، فإن متوسط نمو الدخل للفرد ما زال غير كاف لدى العديد من تلك الدول حتى تتمكن من تحقيق تقدم ملموس اتجاه تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية خاصة فيما يتعلق بخفض معدلات الفقر الموقع للنصف بحلول عام 2015. يرجع الجزء الأكبر من حالة الانتعاش الاقتصادي المتحققة لدى الدول النامية إلى ارتفاع أسعار صادرات السلع الولية، و التي لا يتوقع لها الاستمرار على مستوياتها في المدى الطويل. ستعاني الدول الأقل نموا المستوردة الصافية للنفط و المنتجات الزراعية من ارتفاع أسعار وارداتها من النفط والغذاء(1).
__________
(1) idem. P 3.(1/269)
ما زالت التجارة الدولية تمثل الدافع الرئيسي وراء نمو الاقتصاد الدولي، وما زال معدل نمو التجارة الدولية يمثل ضعف معدل نمو الناتج العالمي. شهدت الاقتصاديات النامية الأكبر مثل الصين و الهند نموا متواصلا للأنشطة التصديرية. يوجد عدد لا بأس به من الدول النامية حقق مكاسب من التحسن الكبير في شروط التبادل التجاري على مدى الأعوام القليلة الماضية، و يرجع ذلك في شق كبير منه إلى الانتعاش الحادث في أسعار النفط و بعض السلع الأولية الأخرى, يوجد من ناحية أخرى عددا من الدول المستوردة للنفط و المصدرة للحاصلات الزراعية قد تضررت من شروط التبادل التجاري السائدة و عانت من الخسارة، و ذلك في ضوء أن ارتفاع أسعار النفط فاق نسبة الارتفاع في أسعار صادرات تلك الدول أو نتيجة لتدهور أسعار الصادرات السلعية لتلك الدول أو للسببين معا. يمكن القول بصفة عامة، أن أسعار السلع الأولية قد بلغ مستوى القمة و أنه من المنتظر أن تنخفض أسعار العديد من السلع الأولية غير النفطية.
المبحث الثالث:
اتجاهات الاستثمار الأجنبي المباشر.(1/270)
تفسر التغيرات الأساسية التي طرأت على هيكل الاقتصاد العالمي منذ بداية عقد السبعينات إلى الوقت الحاضر، معظم التقلبات في مصادر التمويل الخارجي للبلدان النامية، و ارتفاع الأهمية النسبية للاستثمار الأجنبي المباشر. و من أهم هذه التغيرات حدوث تحرك قوي باتجاه نظام السوق، و تحرير أنظمة التجارة والاستثمار، و زيادة الاندماج الاقتصادي العالمي و الذي شاركت البلدان النامية فيه بدرجات متفاوتة. و قد تركز الاستثمار الأجنبي المباشر تقليديا في مجموعة صغيرة من البلدان النامية، مما يعكس من ناحية حجم اقتصادياتها و من ناحية أخرى جاذبيتها كموقع للاستثمار الأجنبي المباشر. و كانت الجاذبية في الماضي وثيقة الصلة بامتلاك موارد طبيعية أو سوق محلية كبيرة. و لكن مع التحول نحو عولمة الإنتاج و التجارة، أصبحت القدرة على المنافسة كموقع للاستثمار والتصدير العامل الرئيس المحدد لتوفر الجاذبية.
1-3-العلاقة بين الاستثمار الأجنبي المباشر و التجارة.(1/271)
إن الاستثمار الأجنبي المباشر و التجارة متشابكان تشابكا يتعذر حله، سواء على مستوى الاقتصاد الجزئي للاستراتيجيات و عمليات الشركات أم على مستوى الاقتصاد الكلي للاقتصاديات الوطنية، و هما بذلك يؤثران على عملية التنمية بشكل مشترك و غير مباشر من خلال الروابط التي تربطهما ببعضها، أدى هذا الأمر إلى تزايد جهود الحكومات و الشركات عابرة القوميات و المنظمات الدولية لتأسيس إطار ذي نهج متسقة لسياسات الاستثمار الأجنبي المباشر و التجارة في البيئية الجديدة لهما. حيث يكون لسياسة الاستثمار الأجنبي المباشر عنصر يتصل بالتجارة بما أن الشركات عابرة القوميات يهمها ما إذا كان بلد ما ملائما لا شراكه في تقسيم العمل داخل الشركة، و في الوقت نفسه يجب أن يكون للسياسة التجارية عنصر خاص بالاستثمار الأجنبي المباشر و ذلك للإفادة من فرص الوصول إلى الأسواق التي توفرها الشركات عابرة القوميات(1)
__________
(1) CNUCED: rapport annuel sur l'investissement mondial. New. York/ 1995.p8.(1/272)
يمكن لسياسات التجارة تحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر بطرق متعددة، أن فرض تعريفة عالية قد يكون كافيا لحث الاستثمار الأجنبي المباشر على خدمة السوق المحلي بدلا من الصادرات،و يعطل ببذلك إجراءات حماية التجارة. أن المكاسب المتحققة من هذا الإجراء قد تكون محدودة، لأن الاستثمار الأجنبي المباشر المنجذب إلى الأسواق المحمية يميل إلى أن يأخذ شكل وحدات الإنتاج لغرض تجهيز السوق المحلي، و بذا تكون هذه الوحدات غير منافسة لغرض الإنتاج من أجل التصدير. لاسيما إذا كانت المدخلات المحلية مكلفة أو من نوعية رديئة. و بالمقابل فإن مستوى أوطأ من حماية الواردات أو الانفتاح و تحرير التجارة يحفز بشكل قوي الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه للتصدير. ثم إسناد هذه النتائج بدراسة للبنك الدولي وجدت أن نسبة الصادرات إلى مجموع مبيعات الشركات المنتسبة اليابانية في قطاع الصناعة التحويلية في الدول الأسيوية المفتوحة نسبيا كان (45%) في عام 1992، في حين كانت النسبة المناظرة في دول أمريكا اللاتينية المحمية نسبيا (23%) فقط، فضلا عن ذلك فإن الاتفاقيات التجارة الإقليمية أثرا واضحا على زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، في سبيل المثال، الاتفاقات الخاصة بمناطق التجارة الحرة، و الاتحادات الجمركية والنافتا ( اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية)، كما يقدم التكامل الاقتصادي الأوروبي أفضل مثال على التحرك من علاقة الاستثمار الأجنبي المباشر والتجارة البسيطة إلى علاقة مركبة، إذ ارتفعت مشاركة الشركات عابرة القوميات الأمريكية و اليابانية في أسواق الاتحاد الأوروبي بعد تحرير التجارة في المنطقة، مما زاد بالتالي من التجارة داخل الاتحاد الأوروبي من جهة و التجارة داخل شبكة الشركة من جهة ثانية(1).
__________
(1) OMC: commerce et ide ; rapport annuel; 1996. volume 1. p 108.(1/273)
نخلص مما تقدم على أن تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر يكون بديلا للاستيرادات كليا من خلال الحوافز التعريفية مثلا، أو موجها كليا نحو التصدير من خلال مناطق تجهيز الصادرات. كما أن الجهود الدولية الرامية على تكامل سياسات الاستثمار الأجنبي المباشر و التجارة، إنما تسعى لتوفير إطار يمكن الشركات عابرة القوميات من النمو والتوسع عالميا بشكل أكبر. في ظل البيئة الجديدة المتسمة بظهور نظم الإنتاج الدولي المتكاملة و التي تمثل تدفقات الاستثمار و التجارة شريان الحياة بالنسبة لها. لذا نلاحظ قيادة هذه الجهود من الدول المتقدمة الأم الرئيسية للشركات عابرة القوميات أو المؤسسات الدولية العاملة تحت لوائها، و تهدف جميعها إلى إنشاء اتفاق متعدد الأطراف للاستثمار الأجنبي المباشر ليكون منافسا من حيث الأهمية التجارة الدولية، و ذلك لتوفير إطار جديد تحافظ فيه الشركات عابرة القوميات على قدرتها التنافسية أو تزيدها، و تزيد بذلك من درجة هيمنتها على الأسواق العالمية من خلال الاستثمار و التجارة.
2-3-تطور اتجاهات الاستثمار الأجنبي:
دخلت ظاهرة حركة رؤوس الأموال في بداية عقد السبعينات مرحلة جديدة هي مرحلة "تدويل رأس المال" من خلال الشركات عابرة القوميات عبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فضلا عن الاستخدام الواسع للقروض والمساعدات، و حدث ارتفاع كبير في الطلب على التمويل الدولي خلال هذا العقد بالنظر لازدياد حالات اختلال التوازن في المدفوعات الخارجية.(1/274)
و تمثل بداية الثمانينات بداية الأزمة المالية الدولية نتيجة تأثر النظام المالي الدولي بالصدمات الخارجية الكبيرة، إذ اتسمت هذه المدة، بتغير أسعار الفائدة الدولية و ارتفاعها عامة، و بتذبذب أسعار الصرف الرئيسية بصورة حادة، وهبوط أسعار السلع، و بالكساد في جزء كبير من الاقتصاد العالمي لذا تدهور مركز البلدان النامية المقترضة الرئيسة في ظل الأوضاع المذكورة، فضلا عن هبوط صادراتها خلال هذه المدة، مما أظهر صعوبات واسعة النطاق بشأن خدمة الديون و لاسيما دول أمريكا اللاتينية، ثم إفريقيا و آسيا بسبب إفراطها في الاعتماد على القروض. خلال المدة 1980-1993 ارتفع حجم المديونية من (658-1.812) مليار دولار أي تضاعف (3) مرات تقريبا و تشكل الديون طويلة الأجل النسبة الأعظم من المديونية إذ تمثل ما يزيد على ثلاثة أرباعها ارتفعت من ( 481-1424) مليون دولار للمدة نفسها(1)
و الجدول التالي يوضح تطور هيكل تدفقات رؤوس الأموال إلى البلدان النامية منذ السبعينات.
الجدول رقم37
صافي تدفقات رؤوس الأموال إلى البلدان النامية للمدة (1973-1997) (متوسطات سنوية، مليار دولار).
1973-1977 ... -1982 ... -1988 ... -1996
جميع البلدان النامية:
صافي تدفقات رؤوس الأموال الخاصة ... 10.2 ... .6 ... .6 ... .7 ... .2 ... .4 ... .3 ... .6
صافي الاستثمار الأجنبي المباشر ... 3.6 ... .0 ... .6 ... .6 ... .7 ... .5 ... .9 ... .8 ... .6 ... .2
صافي الاستثمار الأجنبي غير مباشر ... 0.2 ... .7 ... .3 ... .7 ... .6 ... .9 ... .1 ... .6 ... .2 ... .1
صافي الاستثمارات الأخرى ... 6.4 ... .3 ... .2 ... .2 ... .3 ... .6 ... .0 ... .6 ... .1 ... .1
صافي التدفقات الرسمية ... 11.0 ... .5 ... .5 ... .5 ... .7 ... .0 ... .7 ... .8 ... .1 ... .4
إفريقيا:
صافي تدفقات رؤوس الأموال الخاصة ... 4.5 ... .3 ... .5 ... .3 ... .8 ... .0 ... .9 ... .9 ... .8
صافي الاستثمار الأجنبي المباشر ... 1.0 ... .3 ... .1 ... .8 ... .0 ... .0 ... .5 ... .3 ... .0 ... .2
صافي الاستثمار الأجنبي غير مباشر ... 0.1 ... .3 ... .4 ... .0 ... .7 ... .8 ... .4 ... .9 ... .6 ... .2
__________
(1) البستاني باسل: تمويل التنمية البشرية في الوطن لعربي، سلسلة دراسات التنمية البشرية.عدد 3. الأسكوا. 1996.(1/275)
صافي الاستثمارات الأخرى ... 3.4 ... .3 ... .1 ... .5 ... .2 ... .1 ... .8 ... .3 ... .4
صافي التدفقات الرسمية ... 2.4 ... .2 ... .6 ... .0 ... .6 ... .9 ... .5 ... .9 ... .9 ... .2
آسيا: ... .1
صافي تدفقات رؤوس الأموال الخاصة ... 4.3 ... .9 ... .2 ... .3 ... .0 ... .4 ... .4 ... .2 ... 101.2 ... 34.2
صافي الاستثمار الأجنبي المباشر ... 1.4 ... .0 ... .6 ... .2 ... .6 ... .1 ... .4 ... .6 ... 58.9 ... 51.1
صافي الاستثمار الأجنبي غير مباشر ... 0.1 ... .2 ... .0 ... .8 ... .0 ... .7 ... .0 ... .3 ... 7.9 ... 0.2
صافي الاستثمارات الأخرى ... 2.8 ... .7 ... .7 ... .2 ... .4 ... .6 ... .9 ... .3 ... 34.4 ... -17.0
صافي التدفقات الرسمية ... 4.0 ... .4 ... .4 ... .2 ... .5 ... .9 ... .9 ... .6 ... 4.5 ... 12.4
أمريكا اللاتينية و الكاريبي: ... 37.1 ... .1 ... .9
صافي تدفقات رؤوس الأموال الخاصة ... 11.7 ... .9 ... .0 ... .1 ... .9 ... .3 ... .8 ... .6 ... 36.6 ... 47.7
صافي الاستثمار الأجنبي المباشر ... 2.5 ... .8 ... .7 ... .1 ... .9 ... .6 ... .2 ... -7.2 ... 25.0 ... 23.7
صافي الاستثمار الأجنبي غير مباشر ... 0.0 ... .0 ... .2 ... .9 ... .4 ... .1 ... .1 ... 19.4 ... 21.2 ... 16.4
صافي الاستثمارات الأخرى ... 9.2 ... .1 ... .6 ... .0 ... .6 ... .4 ... .7 ... 21.9 ... 14.7- ... -8.1
صافي التدفقات الرسمية ... 2.3 ... .4 ... .8 ... .5 ... .2 ... .1 ... .3 ... - ... - ... -
Source: FMI: Economie Mondiale, rapport annuel 1997 p6.
يبين الجدول التحولات المهمة التي شهدها هيكل تدفقات رؤوس الأموال إلى البلدان النامية منذ بداية عقد السبعينات. نلاحظ بوضوح النمو السريع و الأكبر للتدفقات غير الميسرة مقارنة بالتدفقات الميسرة، و لاسيما ارتفاع الإقراض المصرفي المنشئ للدين الذي مارس دورا رئيسيا في هذا العقد، مقابل انخفاض الأهمية النسبية للاستثمار الأجنبي المباشر و معونات التنمية الرسمية التي تمثل العناصر الأكثر أهمية من التدفقات الخاصة غير المنشئة للدين، إذ نمت بسرعة أوطأ بكثير من الإقراض المصرفي. يمكن إجمال أسباب تخلف نمو الاستثمار الأجنبي المباشر وراء نمو الإقراض المصرفي بما يأتي:(1/276)
أ- الزيادة في أسعار النفط بين الأعوام 1973-1974 و 1979-1980 أدت إلى فوائض كبيرة في رؤوس الأموال في البلدان المصدرة للنفط ذات الطاقة الاستيعابية منخفضة. مما أحدث تغيرات في هيكل النظام المالي الدولي نتيجة تراكم الودائع قصيرة الأجل التي وظفتها البلدان الرئيسية المصدرة للنفط في إدارة الدين قصير الأجل في المصارف المتعدية الجنسية، و نتيجة لهذه الوفرة النسبية في موارد الإقراض، ظلت أسعار الفائدة على أسواق رؤوس الأموال الدولية منخفضة- لأن إعادة الفوائض النفطية أحدث تخمة شديدة في السيولة الدولية- و لاسيما من وجهة نظر البلدان النامية المقترضة، و التي كانت في حالات متعددة تتوقع ارتفاع أسعار صادراتها لتتجاوز أسعار الفائدة، لذا فإن حصة كبيرة من الاقتراض تم بعد الزيادة الأولى في سعر النفط بهدف تمويل عجوزات الحساب الجاري التي تزايدت في معظم الحالات بسبب التغيرات المعاكسة في الأسعار النسبية الدولية في غير صالح البلدان النامية. و نظرا لخصوصية مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر فلم يكن من المحتمل أن يمول هذا المصدر حصة كبيرة من هذه العجوزات، و لهذا السبب حدث التحول خلال السبعينات في تركيبة التدفقات المالية لصالح الإقراض المصرفي و نستطيع أن تتبين حجم هذه العملية إذا عرفنا أم مجموع عجز الحساب الجاري في البلدان النامية غير المنتجة للنفط للمدة 1974-1983 قد وصل إلى (588) مليار دولار في حين بلغ اقتراض هذه البلدان من البنوك (216) مليار دولار و بلغ صافي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر (82) مليار دولار (1).
__________
(1) Finance et développement: ide et développement des continents 1- 1985. p7.(1/277)
ب- الجانب الأكبر من الإقراض المصرفي قامت به إما حكومات البلدان النامية لتمويل العجز في ميزان المدفوعات أو عجز المالية العامة. و ربما كان من الصعب على رأس المال السهمي- المرتبطة بصورة أكثر مباشرة باستثمار المنشآت الخاصة- أن يحجل محل نسبة كبيرة من هذا الاقتراض، على الأقل في الأجل القصير.
ج- أسهمت السياسات التقييدية التي اتبعها كثير من البلدان النامية اتجاه الاستثمار الأجنبي المباشر عبر الشركات عابرة القوميات بدورها في زيادة الاعتماد على الائتمان المصرفي.
إن النمو السريع في الإقراض المصرفي التجاري اتسم بثلاث خصائص بارزة. الأولى أنه وجه نحو عدد محدود جدا من البلدان النامية ذات الدخل المتوسط و العالي. والثانية أن جزءا كبيرا من هذه القروض قامت على أساس أسعار فائدة عائمة. و الأخيرة أن القروض قصيرة الأجل أصبحت ذات أهمية متزايدة بوصفها هذه الظواهر المتلازمة أن الدين الخاضع لأسعار فائدة عائمة لأربعة بلدان ( الأرجنتين و البرازيل و المكسيك وجمهورية كوريا) ازدادت إلى ما يقرب من (100) مليار دولار خلال السنوات 1979-1982، مقارنة بمجموع تدفقات المساعدات الائتمانية الرسمية إلى البلدان النامية جميعها خلال السنوات79-1980 التي بلغت ما يزيد بقليل عن (100) مليار دولار، و هناك معيار آخر لقياس مدى هذا الدين هو مجموع الأرصدة المتراكمة الـ الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية البالغ (120) مليار دولار في نهاية عام (1980).(1/278)
إن السمة الانتقالية التي تميز بها عقد الثمانينات تجد ابلغ تعبير لها في التغيرات بعيدة المدى في حجم و هيكل التدفقات المالية إلى البلدان النامية، و كان الهبوط الحاد في الإقراض المصرفي هو أهم عامل بمفرده يمثل التقلص في هذه التدفقات. فعلى أثر أزمة الديون المصرفية في خريف عام 1982 تقلص في هذه المصارف الأمريكية و الأوروبية دولية النشاط إلى البلدان النامية بسبب المخاطر و من ثم ازداد اتجاهها نحو تحويل الديون إلى أوراق مالية، و ارتفعت التكلفة الفعلية للقروض الممنوحة.
إن أهمية أزمة المديونية تكمن في توافقها لتغييرات عديدة على الصعيد المالي. كاتجاه التدفقات المالية نحو الهبوط عموما مع التغير في هيكل هذه التدفقات المالية. و نتيجة لذلك كان لابد أن تبرز اتجاهات جديدة على صعيد التدفقات المالية الدولية من أهمها:
أ- انخفاض كبير في القروض المصرفية الدولية، إذ انخفض معدل نموها السنوي البالغ (34%) لمتوسط المدة 1964-1973 إلى (26.7%) للمدة 1973-1980 ثم حافظ على مستوى (12%) للمدة 1980-1985 و 1985-1994. أما التدفق الصافي لهده القروض فقد انخفض بين عامي 1980 و 1986 من (18.3-7) مليار دولار.
ب- ارتفاع نسبة المصادر التمويلية الخاصة على حساب المصادر الرسمية، حيث بلغ الإقراض المصرفي الخاص دورته عام 1981 إذ بلغ 90 مليار دولار.
ج- بروز دور الاستثمار الأجنبي المباشر كمصدر مهم، واضح البديل الرئيس للإقراض الخاص و ذلك في مواجهة صعوبات الحصول على قروض مصرفية جديدة من المصارف المتعدية الجنسية بعد أن تجاوزت مطالبها خلال عقد السبعينات رصيد استثمارات الشركات عابرة القوميات في البلدان النامية قاطبة.(1/279)
نمت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية سنويا بنسبة (14.8%) ثم عادت إلى مستواها الأول تقريبا (14.3%) للمدة 1985-1994 و احتلت بذلك موقعا أعلى من القروض المصرفية الدولية للمدة الأخيرة (12%) .أما في البلدان النامية فقد تحول الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصدر مهم لرأس المال الأجنبي طويل الأجل. زاد صافي تدفقات الموارد طويلة الأجل من البلدان الصناعية إلى البلدان النامية خلال المدة 1980-1991، من متوسط سنوي قدره (68.6) مليار دولار للمدة 1982-1986 إلى (72.9) مليار دولار خلال الأعوام من 1987-1991. مثل الاستثمار الأجنبي المباشر منها 9.8 و 22.9 مليار دولار على التوالي.(1)
حاولت البلدان النامية من خلال تحرير أنظمة الاستثمار الأجنبي المباشر استقطاب تدفقا كبيرة من هذه الاستثمارات، إلا أن تدفقه إلى هذه البلدان بقي متواضعا نسبيا، بينما شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بين البلدان الصناعية توسعا حيث بلغ معدل نمو 8% خلال عقد الثمانينات.
و الجدول التالي يوضح ذلك.
الجدول رقم38
تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (متوسطات سنوية بأسعار 1990)
(1970-1990) / مليار دولار.
1980-1974 ... -1980 ... -1985 ... -1990
مجموع التدفقات الكلية (مليار دولار) ... 46.9 ... 54.4 ... 75.7 ... 153.5
منها إلى: البلدان النامية ... 9.1 ... 11.4 ... 16.1 ... 21.6
إلى البلدان المتقدمة ... 37.8 ... 43.0 ... 59.6 ... 131.9
نصيب الفرد من التدفقات (بالدولار) إلى البلدان النامية ... 3.2 ... 3.6 ... 4.6 ... 5.5
نصيب الفرد من التدفقات (بالدولار) إلى البلدان المتقدمة ... 55.6 ... 61.0 ... 81.8 ... 168.3
Source: FMI Economie mondiale / op.cit p 7.
3-3- اتجاهات الاستثمار الأجنبي المباشر
__________
(1) الرفاعي غسان: سياسات الاستثمار و محددات التدفقات الرأسمالية ندوة: آفاق التنمية العربية في التسعينات. البحرين 1993. ص 82.(1/280)
إن التغير الكبير الذي حصل في البيئة العالمية نتيجة للعولمة و التحرير كانت له آثار مهمة على سياسات الاستثمار الأجنبي المباشر و محدداته و علاقته بالتجارة.
لقد أصبح إطار السياسة العامة للاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان المضيقة، و هو محدد ضروري و لكن غير كاف لتوطينه، ضئيل الأهمية نسبيا في بيئة التحرير والعولمة، و أًصبحت السياسة التجارية مكملة لسياسات الاستثمار الأجنبي المباشر الأساسي في تأثيرها على قرارات التوطين، لقد مارس كل من العولمة و تحرير نظم الاستثمار الأجنبي المباشر و التجارة ضغوطا متبادلة، عضد كل منها الآخر من خلالها مما أتاح للشركات عابرة القوميات فرصا أكبر لاختيار مواقع الاستثمار. و قد ترتب على ذلك أن فقدت سياسات الاستثمار الأجنبي تماما، و قد ترتبت على ذك الاستثمار لأن وجودها عد أمرا مفروغا منه تماما. و ترتب على ذلك تزايد الاهتمام بالتماسك بين سياسة الاستثمار الأجنبي المباشر و السياسة التجارية.
إن تحرير التجارة و نظم الاستثمار الأجنبي المباشر و كذلك أوجه التحسن التكنولوجي أدت إلى أمور متعددة منها، تحسن فرص الوصول إلى الأسواق بحيث يمكن للشركات أن تختار بحرية نمط نشاطها في الخارج .(1/281)
لم تعد الخيارات، المطروحة أمام الشركات في ظل البيئة الجديد، مجرد وسيلة للوصول أو توسيع الاستفادة من الأسواق و الموارد فحسب، بل لربط الأسواق و الموارد من خلال الإنتاج و التجارة، بهدف خلق مصادر جديدة لقدرتها التنافسية و تقوية القائمة منها، لذا أصبحت الحافظة الاستثمارية للشركات عابرة القوميات من الأصول الموقعية ذات أهمية متزايدة.أن السمة المميزة لاستراتيجيات الشركات عابرة القوميات المستجيبة للبيئة الجديدة مباشرة هي هذا الاستثمار أن تكون للشركات عابرة القوميات مزايا ملكية في الأصول المستندة على المعلومات و المعرفة و التي يجري تطويرها عموما من خلال الابتكار و الإنتاج في البلد الأم قبل المباشرة بالإنتاج في الخارج. و تعمل القوى الدافعة للعولمة أيضا على تغيير الطرق التي تسلكها الشركات عابرة القوميات في تنفيذ أهدافها من الاستثمار في الخارج، فقد أصبح كل من التكنولوجيا و الابتكار عاملا حاسما في القدرة على التنافس. و هذه الموارد، على خلاف الموارد الطبيعية، من صنع الإنسان فهي أصول منشأة. و البلدان التي تنشئ هذه الأصول تصبح أكثر جاذبية من غيرها للشركات عابرة القوميات. إن ارتفاع أهمية الأصول المنشأة هو بالتحديد أهم تحول على وجه الإطلاق في المحددات الاقتصادية لتوطين الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد العالمي السائر في طريق التحرير و العولمة.(1/282)
إن التغيرات التي أحدثتها البيئة الجديدة دفعت الشركات عابرة القوميات إلى إنشاء نظم متكاملة للإنتاج الدولي باغتنامها الفرص الإقليمية و العالمية الجديدة، مستخدمة مزايا الملكية موقع البلدان المضيفة، لتعزز مراكزها التنافسية بالاعتماد على حافظة دولية من الأصول المتوطنة، و تحقق الكفاءة من استخدام أصولها المتاحة كافة في نظام الشركات بأكمله. و من هنا يصبح هيكل الشركة التنظيمي معقدا عبر التقسيم الدولي للعمل داخل الشركات، متضمنا روابط و تدفقات متعددة الاتجاهات داخل الشركة و مع شركات أخرى خارج النظام.
تبين المؤشرات الخاصة بتجارة الشركات عابرة القوميات الأمريكية الأم وشركاتها المنتسبة في الخارج الأهمية المتزايدة للتجارة داخل الشركة. فخلال المدة (1983-1993) ارتفع نصيب الصادرات داخل الشركة من مجموع صادرات الشركات عابرة القوميات الأمريكية من (34%) إلى ( 44%) و ارتفع نصيب الاستيرادات داخل الشركة من (38%) إلى (50%) من مجموع الاستيرادات.
و قد ارتفعت هذه النسب في بعض الصناعات التحويلية إلى (80%) أو (90%) في عام 1993، أنظر الجدول. في حالة الشركات عابرة القوميات اليابانية فقد أصبحت التجارة داخل الشركة أكبر بـ (4.7) مرات من التجارة خارج الشركة للمدة بين بداية الثمانينات و عام 1994، في حين كانت هذه الزيادة (3.5) مرة فقط بالنسبة للشركات عابرة القوميات الأمريكية.(1/283)
يعد تدفق السلع داخل شبكة الشركة من أهم المؤشرات عن الأسلوب و المدى الذي يتم فيهما التشابك بين الاستثمار الأجنبي المباشر و التجارة في البيئة الاقتصادية في ظل العولمة.و تجدر الإشارة إلى حقيقة اكتساب هذه التجارة طابعا خطيرا لأنها لا تتم من خلال قنوات السوق التقليدية، و مع زيادة حجمها النسبي على إجمالي التجارة الخارجية للشركات عابرة القوميات، و نتيجة للنصيب الكبير لهذه الشركات في التجارة الدولية فإن التجارة داخل شبكة الشركة تمثل أحد مظاهر التركز الاحتكاري و الممارسات التقييدية داخل السوق الدولية. هذا من جانب، و من جانب آخر تبرز خطورتها في إمكانية تطبيق نظام التسعير التحويلي الذي يختلف عن أسعار السوق خارج قنوات الشركات عابرة القوميات و هو يمثل نوعا من ريع الاحتكار.
تشير تقديرات تقرير الاستثمار الدولي الصادر عن الأمم المتحدة عام 1996، أن حجم الاستثمار الدولي المتفق في العالم في تلك السنة قد بلغ أكثر من 250 مليار دولار تدفقت في مناطق العالم المختلفة.
و ليس بخاف أن الشركات المتعدية الجنسيات تنفذ الجزء الأكبر من الاستثمارات الدولية في المتوسط سنويا، و يلاحظ في هذا المجال أن الخريطة الاستثمارية للاستثمار الدولي تتأثر بتوجهات النشاط الاستثماري للشركات المتعدية الجنسيات، حيث لوحظ أن من أهم سمات أو خصائص تلك الشركات هي تلك الخاصية المتعلقة بالتركيز الاستثماري، فقد وجدنا أن هذه الشركات تتركز استثماراتها في الدول المتقدمة بل و في عدد محدود من الدول المتقدمة و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان وألمانيا و المملكة المتحدة (انجلترا) حيث تستحوذ الدول المتقدمة على 85% من النشاط الاستثماري لتلك الشركات، بل و تستحوذ الولايات المتحدة الأمريكية على 50% تقريبا من هذا النشاط(1).
__________
(1) مصطفى كامل السعيد: الشركات المتعددة الجنسيات في الوطن الغربي. مرجع سابق ص 33.(1/284)
و من ناحية أخرى تحصل الدول النامية على 15% فقط من النشاط الاستثماري للشركات المتعدية الجنسيات، و تتركز و تتوطن معظم تلك الاستثمارات في عدد محدد من دول جنوب شرق آسيا، و دول أمريكا اللاتينية. و يتبقى القليل من النشاط الاستثماري الذي يتوجه إلى الدول الإفريقية و دول الشرق الأوسط.
و لعل ذلك يوضح أن الشركات المتعدية الجنسيات تؤثر بشكل فعال على توجهات الاستثمار الدولي عبر دول العالم، بل تؤثر هذه الشركات من ناحية أخرى على هيكل الاستثمار الدولي من منظور النشاط الاقتصادي أو الأنشطة الاقتصادية، فيلاحظ مثلا أن التوزيع القطاعي لاستثمارات هذه الشركات، في الدول النامية، ففي الدول المتقدمة يختلف عنه في الدول النامية، ففي الدول المتقدمة يستأثر قطاع الصناعات التحويلية بنحو نصف إجمالي استثمارات تلك الشركات و خاصة تلك الصناعات التي تتميز بالتقنية المرتفعة مثل الإلكترونيات و الحواسب الآلية و المعدات الكهربائية، و يلي هذا القطاع قطاع الخدمات خاصة البنوك و التأمين و السياحة. أما استثمارات تلك الشركات في الدول النامية فإن حوالي نصف إجمالي تلك الاستثمارات تتجه نحو الصناعات الاستخراجية، و يبدو أن الشركات المتعدية الجنسيات تعمق أنماط معينة من التخصص الدولي في إطار التوجهات الاستثمارية لهذه الشركات، و قد يلقي ذلك بعبء كبير على الدول النامية بصفة خاصة في بحثها عن التكيف مع أوضاع النظام الاقتصادي العالمي الجديد، و يصبح التحدي الذي يجب عليها أن تنجح فيه هو كيفية تعظيم استفادتها من أنماط التخصص الجديدة التي تشكل في هذا النظام، و هو ما يوفر فرصا كبيرة يمكن اقتناصها و تكبير العائد لتلك الدول في المستقبل.(1/285)
إضافة إلى تأثير الشركات المتعددة الجنسيات، تأثر الاستثمار الأجنبي المباشر أيضا بالتوجه الإقليمي للاقتصاد العالمي. بحيث أصبح الاستثمار البيني هو السمة الجديدة في ظل النظام الاقتصادي العالمي الجديد، و لعل التجربة الأسيوية خير دليل على الاستفادة من هذا التوجه.
خلال العقدين الماضيين جذب أداء اليابان، و مجموعة دول صغيرة من بلدان شرق آسيا السريعة النمو، اهتماما كبيرا، و المقصود هنا بشرق آسيا البلدان الأسيوية حديثة التصنيع- المجموعة الأولى ( جمهورية كوريا، و تايوان، و هونك كونغ، و سنغافورة) والمجموعة الثانية (اندونيسيا، و ماليزيا، و تايلندا) و التي تمثل مع الفلبين رابطة دول جنوب شرق آسيا ( آسيان-4) فضلا عن الصين. حققت بلدان شرق آسيا خلال المدة أعلاه مستويات لا مثيل لها في النمو الاقتصادي و بمتوسط قدره (7.3%) سنويا، في حين نما الاقتصاد العالمي في المدة نفسها بـ (3%) سنويا، كما أن أكثر من نصف الزيادة في الإنتاج العالمي للسلع و الخدمات حدثت في شرق آسيا منذ الثمانينات . تتميز بلدان شرق آسيا بمراحل مختلفة من التنمية الاقتصادية و بتنوع عقائدي و ديني و أرث تاريخي غني. لكن هذا التنوع لم يكن عائقا أمام التفاعل البيني الإقليمي في المجالات الاقتصادية و الثقافية و الاعتماد المتبادل كقاعدة لتطوير و تنمية الإقليم. التنمية الاقتصادية الشرق أسيوية لم تتحقق بواسطة نموذج محدد، و في الواقع بدأ النمو الاقتصادي السريع في الإقليم الأسيوي في اليابان و هو هونك كونغ في بداية عقد الخمسينات، ثم تبعتها تايوان و سنغافورة و جمهورية كوريا في عقد الستينات، ثم مجموعة (أسيان-4) و مؤخرا الصين و فيتنام.(1/286)
في معظم الحالات ترد التنمية الاقتصادية و النمو المرتفع إلى التحولات الإستراتيجية في السياسات الاقتصادية و إلى التصنيع وتنمية الموارد البشرية مع الاستقرار السياسي و الاجتماعي، كما أفادت بعض اقتصاديات شرق آسيا من دعم الولايات المتحدة من خلال مدة الحرب الباردة.
عاملان اقتصاديان أسهما في تنمية شرق آسيا هما الاستثمار الأجنبي المباشر والتجارة، و كانت اليابان و الولايات المتحدة المصادر الرئيسية للاستثمار في المنطقة، إذ مارسا دورا مهما في توسع التكامل الاقتصادي على المستوى المحلي مترافقا مع تطور تقسيم العمل و الاعتماد المتبادل داخل الإقليم. و قد ظهر دور الاستثمار الأجنبي المباشر و التجارة المتسارع في نطاق التنمية الاقتصادية في شرق آسيا من خلال موجات التصنيع المتعاقبة في جمهورية كوريا، وتايوان، و سنغافورة، و ماليزيان و تايلندا، و اندونيسيا والآن الصين.(1/287)
تشير الكتابات عادة إلى الدور المهم لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجة من البلدان الأكثر تقدما و لاسيما اليابان، في إعادة تدوير الميزة النسبية منها إلى البلدان الشرق أسيوية الأقل تقدما. أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر البينية أي داخل الإقليم INTRA- REGIONAL لها دور في التكامل الإقليمي وعملية التصنيع. و في حين أن الدليل يوحي بأن نمط الاستثمار الأجنبي المباشر الإقليمي البيني الأسيوي ينسجم على نحو واسع مع نظرية الإقليم، فإن أراء متعددة ترى أن مثل هذا الاستثمار صغير نسبيا مقارنة مع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الإقليم من الولايات المتحدة و أوروبا، و كذلك مقارنة مع معدل تراكم رأس المال الإقليمي عموما. و في الواقع هناك دول متعددة مهمة في شرق آسيا، يضمنها اليابان نفسها و مجموعة الاقتصاديات المصنعة حديثا الأولى، تطورت بشكل سريع من دون الاعتماد بشكل قوي على الاستثمار الأجنبي المباشر من أي مصدر في حين كان لهذا الاستثمار أهمية اكبر في تنمية مجموعة الاقتصاديات المصنعة حديثا الثانية و الصين.(1/288)
لغرض فهم دور الاستثمار الأجنبي المباشر الياباني في الإقليم من الضروري ملاحظة أن اليابان قد ظهرت كمستثمر دولي رئيس خلال عقد الثمانينات فقط، ففي عام 1985 كان رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر المتراكم الخارج منها نحو (83) مليار دولار على نطاق العالم و خلال النصف الثاني من عقد الثمانينات ازداد هذا الاستثمار بشكل سريع وثابت ليصل إلى نحو (464) مليار دولار في عام 1994. و بالنتيجة فإن حصة اليابان من رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي ارتفعت بشكل سريع من نسبة أقل من (4%) في عام 1980 إلى (12%) في عام 1994 (1) استلمت دول شرق آسيا نحو ثلث الاستثمار الأجنبي المباشر الياباني الموجه لقطاع الصناعة التحويلية عالميا للمدة 1989-1994.
__________
(1) CNUCED: commerce et développement. Rapport annuel. 1996. New York p 15.(1/289)
و قد اتجهت الاستثمارات اليابانية ابتداء إلى الاقتصاديات المصنعة حديثا الأولى ولكنها تحولت بشكل قوي إلى المجموعة الثانية في أواخر الثمانينات. ثم تحول الاهتمام في عقد التسعينات إلى الصين و لاسيما في الصناعة التحويلية الكثيفة العمل و صناعات الموارد الطبيعية . أن إعادة تدوير الميزة النسبية من اليابان إلى مجموعة الاقتصاديات المصنعة حديثا الأولى قد حدث ليس فقط من خلال التجارة، بل على نحو أساسي و جوهري من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر، و هذه المجموعة بدورها بدأت منذ أواخر عقد الثمانينات بنقل بعض عمليات الإنتاج كثيفة العمل إلى البلدان الأسيوية الأخرى، بضمنها الصين و أصبح رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر لهذه المجموعة في عام 1992 في مجموعة (اسيان- 4) أكبر رصيد اليابان. و في الواقع فإن نسبة كبيرة من الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين أصلها من المقيمين الصينيين في هونك كونك وماكاو. وكذلك من تايوان، و على وفق بعض التقديرات فإن (25%) من التدفق الكلي للاستثمار الأجنبي المباشر إلى الصين في عام 1992، كان من هذه التشكيلة.
نخلص مما تقدم أن الاتجاهات الجديدة لنمط دخول الاستثمار الأجنبي المباشر إلى آسيا و الباسيفيك و مصادره و توزيعه القطاعي يمكن إيجازها في جوانب ثلاثة:
الجانب الأول يتمثل بتقلص الاستثمارات الأجنبية المباشرة البينية مقابل تزايد حصة الاستثمار الأجنبي المباشر القادم من خارج الإقليم خلال مدة الأزمة الأسيوية. فالشركات عابرة القوميات الأوروبية بدأت الاهتمام بالأقاليم بعد ما وفرته الأزمة المالية من فرص للشركات لدخول السوق أو لتوسيع العمليات الموجودة. و الثاني بتوجه الحصة المتزايد من الاستثمار الأجنبي المباشر نحو قطاع الخدمات، و لاسيما المصارف، و التأمين والاتصالات السلكية و اللاسلكية.(1/290)
و يعود ذلك جزئيا إلى تحرير هذا القطاع، كما أن إعادة هيكلة صناعات خدمة معينة في بعض البلدان المتأثرة بالأزمة فتح فرصا للمستثمرين الأجانب. فضلا عن استراتيجيات التنمية لبعض الاقتصاديات – هونك كونك، و الصين، وسنغافورة، و تايوان- الهادفة إلى جذب الشركات عابرة القوميات الإقليمية القائدة و تقويتها كمحور إقليمي. و أخيرا تميز نمط دخول الاستثمار الأجنبي المباشر بزيادة الاندماجات و الاختيازات في آسيا إلى الأجانب في عام 1997 أكبر بثلاثة أضعاف عن عام 1996 من (4-13) مليار دولار. وأن معاملاتها عبر الحدود كنسبة من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة وصلت (15%) و هذا الأمر يعكس الهيكل الصناعي المتطور و القدرة التنافسية التكنولوجية في الإقليم لأنه كلما كان مستوى التنمية أعلى، فإن دور هذا النمط يكون أقوى كآلية لدخول السوق(1).
__________
(1) CNUCED: commerce et développement. Rapport annuel. 1998. opcit p 205.(1/291)
و من جانب آخر فقد تنامت الشركات عابرة القوميات التابعة للأقاليم الأسيوي مع درجة عالية من التركز في دول المنشأ لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجة وكانت دول الجوار البلدان المضيفة الأهم. و تعد دول آسيان منطقة مضيفة مهمة للاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من الاقتصاديات المصنعة حديثا الأولى، في سبيل المثال كانت استثمارات كوريا و سنغافورة و هونك كونك في أندونيسا في عام 1991 أكبر من استثمارات الولايات المتحدة فيها بنحو ثلاث مرات، و مثلت ثلاث أرباع الاستثمار الأجنبي المباشر الياباني و قد اتجه (50%) من الاستثمار الأجنبي المباشر الكوري إلى الصين و أندونيسيا و فيتنام (1.8 مليار دولار) في عام 1993. كما حازت بلدان أسيان على (35%) من الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من تايوان أي (2) مليار دولار من المجموع البالغ 5.6 مليار دولار في عام 1993 مقارنة بنسبة (7%) في عام 1980- أي 2.9 مليار دولار من المجموع البالغ 42 مليون دولار. و عموما، زادت أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر البيني في الاقتصاديات الأسيوية التسع (الصين، و هونك كونك، و اندونيسيا، و ماليزيا، و الفلبين، و جمهورية كوريا، و سنغافورة، و تايوان وتايلند) إذ بلغت نسبته (37%) من رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر الكلي الداخل إلى هذه الاقتصاديات في عام 1994 (91.3 ) مليار دولار مرتفعا عن مستواه البالغ (25%) في عام 1980 ( 9.4 مليار دولار)(1).
__________
(1) CNUCED: Rapport annuel. 1998. opcit p 87.(1/292)
و نستنتج كذلك بأنه من أهم القوى الدافعة للاستثمار دخل الإقليم هي العمليات الخاصة بإعادة الهيكلة الصناعية لذا فغن ما يقرب من (40%) من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في اقتصاديات آسيا النامية الرئيسية هي داخل الإقليم و هذه النسبة أكبر من التدفقات الآتية من أوروبا أو الولايات المتحدة أو اليابان. و الواقع أن أربعة أخماس أرصدة الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجة من بلدان الاقتصاديات المصنعة حديثا الأولى و آسيان -4 في عام 1992 توطنت في البلدان الأسيوية الأخرى، و لاسيما الأقل نموا منها. و مع ذلك فإن اتجاه تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر داخل الإقليم ضمن شرق و جنوب- شرق آسيا تغير بشكل مهم منذ عام 1980. نحو أربعة أخماس تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجة الإقليم قصدت الصين، إذ زادت حصتها من الصفر إلى (79%) من مجموع التدفقات إلى الإقليم ما بين عامي 1980 و 1993 في حين تناقص الاستثمار الأجنبي المباشر البيني للاقتصاديات المصنعة حديثا كنسبة من مجموع الاستثمار الأجنبي المباشر في آسيا من (53%) على 1% للمدة نفسها.
وحدث تطور مماثل في اسيان إذ هبطت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة فيها من (89%) في عام 1980 إلى (0.3%) في عام 1993. و على الرغم من أن فيتنام هي قادم جديد كبلد مضيف فقد سجلت (30%) من الاستثمار الأجنبي المباشر الإقليمي لدول آسيان في عام 1993. لأن الاقتصاديات المصنعة حديثا استثمرت أربعة مرات أكثر من حجم استثمار آسيان -4 في فيتنام في عام 1993. البلد المستثمر الأكبر في فيتنام هو تايوان، يتبعه هونك كونك، و اليابان و سنغافورة .(1/293)
ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من الأقاليم بنسبة (10%) في عام 1996 (16 مليار دولار) و ترأست هونك كونك القائمة، و قد سجل الإقليم (89%) من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجة من البلدان النامية جميعها في هذا العام، وأربعة أخماس رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية و في عام 1997 تزايدت التدفقات الخارجة من آسيا و الباسيفيك بـ (9%) إلى (50.7 مليار دولار). وكانت هونك كونك و الصين البلدان المستثمران الأكبر (37.5) مليار دولار. أي أكثر من نصف التدفقات الكلية من آسيا. و كان معظم الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 1997 داخل الإقليم و ظلت الصين المستلم الأكبر و لاسيما من هونك كونك (نحو ثلثي التدفقات الكلية الخارجية). كذلك وجهت إلى البلدان الأسيوية الأقل تقدما و المنخفضة الدخل(1).
المبحث الرابع:
النظام التجاري الجديد و الدول النامية.
لا شك أن التغيرات الاقتصادية العالمية التي تبلورت في النظام الاقتصادي العالمي الجديد ستؤثر على الدول النامية، فإنشاء منظمة التجارة العالمية لاستكمال الثالوث الاقتصادي العالمي و ما طرحته من قضايا جديدة في جميع المجالات تعكس الإستراتيجية الجديدة الهادفة إلى الإفراغ المسبق لاستراتيجيات التنمية الأكثر اعتمادا على الذات كالتي اتبعتها اليابان و التي نجم عنها ظهور قوة اقتصادية تتحدى الدول المتقدمة كأوروبا وأمريكا. هذه الإستراتيجية الجديدة تدفع الدول النامية بالتبني تنمية في إطار التبعية للدول المتقدمة. و المستندة على التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر. و لهذا فعلى الدول النامية التكيف مع ما افرزه هذا النظام التجاري الجديد من أنماط جديدة لتقسيم العمل الدولي ونحو المزيد من الاعتماد الاقتصادي المتبادل.
4-1- الآثار على الدول النامية:
__________
(1) CNUCED: investissement dans le monde Rapport annuel. 1997. opcit p 207.(1/294)
إن التغيرات التي لحقت بالنظام التجاري الدولي في السنوات الأخيرة وبالتحديد بعد انتهاء جولة الأوروغواي و إنشاء منظمة التجارة العالمية كأداة لتنظيم و تسيير و مراقبة حركة التجارة الدولية. و العمل على تحريرها أكثر فأكثر، فإن الدول النامية عموما ستواجه تحديات كبيرة قد تؤدي إلى مكاسب إذ تم التغلب عليها و قد تؤدي إلى خسائر إذا عجزت هذه الدول على مواجهتها.
تتراوح مواقف الدول النامية من اتفاق مراكش بين التأييد و التحفظ و التردد ونظرا لأهمية هذا الاتفاق بسبب ما هو متوقع له من ثقل مسيطر في قضايا الاقتصاد العالمي عامة و التجارة الدولية على وجه الخصوص، فإن جميع هذه الدول ستتأثر به على درجات متفاوتة و بأشكال مختلفة، و يمكن تلخيص بعض أهم هذه الآثار على النحو التالي:
- فبتوقيع اتفاق مراكش فإن سلاح الحماية كما هو واضح قد تقلصت حدود استخدامه وتقلصت فاعليته. و الأهم من ذلك هو الهدف البعيد المدى و المعلن لاتفاقية الغات و الذي يمكن تلخيصه بالتحرير التدريجي للتجارة الدولية من القيود و الحواجز التي تعيق حركتها أي الوصول إلى عالم بلا حدود من الناحية التجارية و فيما يتعلق باتفاق مراكش تحديدا، فإن تطبيقه يعني:
-إلغاء الحماية نهائيا على مدى السنوات العشر القادمة بالنسبة لقطاع المنسوجات والملابس و هو من القطاعات الهامة لمعظم الدول النامية.
- تخفيض مستوى الحماية بشكل ملحوظ بالنسبة لقطاع الزراعة على مدى السنوات القليلة القادمة، و هو أيضا من القطاعات الرئيسية في اقتصاديات غالبية الدول النامية.
- إلغاء الحماية نهائيا بالنسبة لـ 40% من السلع المصنعة، مع تخفيضها بنسبة 30% فيما يتعلق بالقسم الآخر أي الـ 60%.
و القضية التي تطرحها هذه الوقائع و بإلحاح على الدول النامية هي:(1/295)
كيف ستستطيع هذه الدول رسم سياساتها التنموية و تطوير اقتصادياتها، خاصة ما يتعلق بالإنتاج الوطني، و هي مجردة من سلاح الحماية أو بمستوى متدن من الحماية ... ليس هناك من إجابة واحدة صالحة لكل الدول النامية، فالتعامل مع قضية بهذه الأهمية تختلف من دولة إلى أخرى حسب ظروفها و إمكاناتها.
- إن إلغاء أو تخفيض الدعم بالنسبة لبعض المنتوجات سيضعف القدرة التنافسية لهذه الدول في الأسواق العالمية و سيؤدي إلى ارتفاع كلف واردات الدول النامية من الدول الأخرى. مما يطرح مدى قدره هذه الدول على دفع الزيادات المحتملة في أسعار وارداتها.
- سيؤدي التحرير التدريجي لتجارة الخدمات إلى اشتداد المنافسة في سوق الخدمات العالمي، و نظرا لهشاشة و ضعف قطاع الخدمات في الدول النامية خاصة (نشاط الخدمات المالية من مصارف، شركات تأمين ... و غيرها) فالتوقعات تشير إلى احتمال تأثر هذا القطاع سلبي نتيجة تحريره وفق نصوص الاتفاق.
- إن كثافة وحدة الضوابط التجارية المتعددة الأطراف و توسع نطاقها كنتيجة لجولة أوروغواي قيدت استخدام بعض أدوات السياسة الاقتصادية الانتقائية التي كان لها دور رئيس في نجاح صادرات البلدان النامية، لم يعد ممكنا في ظل التحرير المتزايد في أسواق رأس المال الدولية. و عولمة الإنتاج من الشركات عابرة القوميات فرض تشريعات وقوانين على الشركات فيما يتعلق بأهداف السياسة الصناعية للبلد المضيف. و هنا نؤشر تعارضا مهما مع الدور المهم الذي مارسته الحكومات في معظم البلدان النامية، و لاسيما سياساتها الصناعية في تسريع التحول الهيكلي الاستراتيجي في الاقتصاد من خلال دعم قطاعات معينة حددت على أنها إستراتيجية لتملكها ميزة نسبية حركية محتملة مهمة وتتلقى بذلك دعما حكوميا.(1/296)
-إن القضايا الجديدة التي طرحت في مفاوضات التجارة المتعددة الأطراف في مجال الخدمات و حقوق الملكية الفكرية، و الاستثمار و التكنولوجيا، تعكس الإستراتيجية الجديدة. أي أن البلدان المتقدمة تشجع البلدان النامية على تبني أشكالا من استراتيجيات التنمية التي لا تنتج عن ظهور متحدين جدد لهيمنة الدول المتقدمة. في سبيل المثال تبحث هذه الدول عن تضمين ضوابط في اتفاقات التجارة المتعددة الأطراف التي تشجع الاستراتيجيات المستندة على التجارة بين الصناعات أو الاعتماد على التكنولوجيات المستوردة و الاستثمار الأجنبي المباشر.
و الهدف هو الإفراغ المسبق لاستراتيجيات التنمية الأكثر اعتمادا على الذات التي اتبعت من اليابان و التي نجم عنها ظهور شركات وطنية رائدة شكلت تحديا للشركات عابرة القوميات في أوروبا و أمريكا الشمالية.(1/297)
من جانب آخر فإن لمنظمة التجارة العالمية و اتفاقية التجارة المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية و إجراءات الاستثمار و القضايا الجديدة بشأن الفقرات الاجتماعية كمقاييس العمل، و عمل الأطفال ... إلخ، من المحتمل أن تعمل كعائق لإنسانية عملية إعادة الهيكلة. ففي ظل نظام اتفاقية التجارة المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية تكون حماية حقوق الامتياز صارمة و دقيقة جدا. مما قد يولد احتكارات تكنولوجية تعيق نقل التكنولوجيا على الصعيد العالمي. و أن هذا سيبطئ من عمليات إعادة توطين الصناعات. فضلا عن ذلك فإن توقع العقوبات التجارية ضد الدول التي تخل بمقاييس العمل و عمل الأطفال سيعطي نتائج عكسية كبيرة على تحول اقتصاديات الأجر المنخفض و إمكانية حصولها على مزايا نسبية في السوق العالمي، و هكذا فإن القوانين الجديدة في لعبة التجارة والاستثمار الدوليين من المحتمل أن تؤثر على عملية إعادة تدوير الميزة النسبية من خلال الشركات عابرة القوميات و الاستثمار الأجنبي المباشر. و على نحو مماثل فإن اتفاقية إجراءات التجارة ذات الصلة بالاستثمار توضح بأن شروط المحتوى المحلي و روابط الاستيراد – التصدير المفروضة من مجموعة الاقتصاديات المصنعة حديثا الأولى و بعض القيود على الاستثمار الأجنبي المباشر لا تنسجم مع مبدأ الجات الجديد. و هذا يعني تباطؤ آثار الروابط الخلفية للاستثمار الأجنبي المباشر و من ثم تدوير الميزة النسبية لشركات البلد المضيف كذلك فإن بعض البلدان التي حازت على حصة سوق في الصناعات منخفضة الأجر كالنسيج لن تتمكن من الحفاظ على مزاياها النسبية عندما يعمل نظام اتفاقيات الألياف المتعددة التي تأخذ ميزتها من الحصص و ليس لها علاقة بالتحولات الهيكلية.
2-4- الموقف من النظام التجاري الجديد:(1/298)
يتضح من كل ما تقدم، أن الدول النامية تقف على مفترق طرق فيما يتعلق بالموقف من اتفاقية الغات. عموما و اتفاق مراكش على وجه الخصوص، فالخيارات محدودة ... إما الرفض، و بالتالي الانعزال عن الجزء الأهم و الأقدر من دول العالم، أي الجزء المنتج للتقدم العلمي و التطور التكنولوجي، أو القبول وبالتالي التكيف مع نظام اقتصادي دولي تعتقد دول الجنوب بأنه غير متكافئ وغير عادل. لكلا الخيارين ثمن يتوجب دفعه ولكل منهما كلفة ينبغي تحملها.
هنالك العديد من المهتمين بالشأن التنموي في دول الجنوب يحرضون على الرفض ويدعون إلى بديل يعتقدون أنه الأجدى للدول النامية و شعوبها، و هو زيادة مستوى التنسيق و التعاون بين هذه الدول و تكتيلها إن أمكن لمواجهة الوقائع الجديدة في الاقتصاد العالمي بهدف تعديلها أو التأثير فيها على الأقل لمصلحة الجنوب، و على الرغم من الجاذبية النظرية لهذا الخيار، إلا أن إمكانية تطبيقه في الوقائع يواجهها العديد من الصعاب و العقبات منها:(1/299)
- القدرات الاقتصادية المحدودة لدول الجنوب في وضعها الراهن، فعلى الرغم من أنه تحت عنوان الجنوب يقصد مجموعة كبيرة من الدول يزيد عدد سكانها على 80% من سكان العالم إلا أنها لا تساهم في الدخل العالمي بأكثر من حوالي 20% و يقدر نصيبها من سوق الصادرات العالمية بـ 24,4% و يعيش فيها أكثر من مليار نسمة تحت خط الفقر كما أن نصيبها في صنع التطور العلمي و التقدم التكنولوجي متواضع يكاد لا يذكر على المستوى العالمي. فالوطن العربي – على سبيل المثال- يعتبر من المناطق الهامة والغنية في نصف الكرة الجنوبي و مع ذلك فالإحصائيات توحي بأن مساهمة الاقتصاديات العربية في النشاط الاقتصادي العالمي ما زالت متواضعة و محدودة. فبيانات الجامعة العربية تشير إلى أن سكان الوطن العربي يشكلون حوالي 4,5% من سكان العالم ويساهمون بحوالي 2% من الدخل العالمي و تقدر حصتهم في التجارة العالمية بحوالي 3% كما أن الإنتاج الزراعي العربي يقدر بـ 1,5% من الإنتاج الزراعي العالمي والإنتاج الصناعي العربي بـ 0,5% من الإنتاج الصناعي العالمي (البيانات السابقة مستوى أوائل التسعينات)(1).
- تدني مستوى الإرادة لدى دوائر صنع القرار في هذه الدول لتطوير مستوى التعاون والتنسيق فيما بينها من ناحية و لمواجهة النظام الاقتصادي العالمي من ناحية و لمواجهة النظام الاقتصادي العالمي من ناحية أخرى. فواقع و عمل المنظمات و التكتلات الإقليمية و الدولية الخاصة بالجنوب مجموعة 77، مجموعة دول عدم الانحياز، منظمة الوحدة الإفريقية، الجامعة العربية، التكتلات الإقليمية العربية ... ) شواهد حية على ذلك.
تلك الوقائع و غيرها تلقي بظلال كثيفة من الشك حول الإمكانية الفعلية والجدوى العملية من مقولات رفض و مواجهة النظام الاقتصادي الدولي القائم أو الجديد.
__________
(1) محمد توفيق سماق: اتفاقية الغات و الدول النامية. دمشق 1994 ص 44.(1/300)
تأسيسا على ذلك، يبدو أن خيار التكيف أقل الخيارات كلفا و تكاليف و أكثرها واقعية وجدوى. و لعملية التكيف مقتضيات عديدة من أهمها:
- أن تتعامل دول الجنوب بصورة أكثر عقلانية و أكثر انفتاحا مع المتغيرات الاقتصادية الجديدة في عالم اليوم.
- أن تملك الإرادة و القدرة على إجراء مراجعة موسعة و شاملة لسياساتها التنموية تمهيدا لإعادة صياغتها بما ينسجم و المتغيرات الجديدة في عالم اليوم.
- أن تمتلك الإرادة و القدرة على تطوير آليات عملها الاقتصادي بما يساهم في استغلال أفضل لطاقاتها المتاحة و مواردها الممكنة.
أغلب الظن أنه بمقدار ما تستطيع دول الجنوب النجاح في عملية التكيف بمقدار ما تستطيع تحسين قدرتها التنافسية في السوق العالمية و بالتالي تحسين موقعها التفاوضي مع القوى الاقتصادية الكبرى الفاعلة في النظام الاقتصادي العالمي. ذلك سيجعل من دول الجنوب أكثر قدرة على الاستفادة من الإيجابيات المتوقعة لاتفاقية الغات (و غيرها من الاتفاقيات الدولية المشابهة) و التي لا يمكن تجاهلها على المستوى العالمي و من بينها:
- من المتوقع أن تؤدي زيادة مستوى تحرير التجارة العالمية إلى تطور مواز في الطلب و بالتالي زيادة في استغلال الطاقات الإنتاجية المتاحة و الكامنة على المستوى العالمي بما سيؤدي إلى زيادة في الدخل العالمي قدرت بين 213 و 274 و مليار دولار للدول النامية الحصول على جزء منها.
- زيادة الصادرات العالمية و من بينها صادرات الدول النامية بسبب إلغاء أو تخفيض الحواجز الجمركية.
- التخفيف من النزعة الحمائية و التي برزت بشكل خاص لدى الاتحاد الأوروبي وبعض دول جنوب و شرق آسيا (كاليابان مثلا). مما يجعل وصول الدول النامية إلى أسواق هذه الدول سواء لتصدير سلعها أو الاستفادة ن تطورها العلمي و التكنولوجي أكثر يسرا و سهولة.(1/301)
هذه الإيجابيات و غيرها إن تحققت قد تساهم في خلق نظام اقتصادي عالمي أكثر عدالة وهذا ما كانت تطالب به الدول النامية منذ أمد طويل.
من خلال ما تقدم يمكن استخلاص أن وصفة صندوق النقد الدولي و سياسات البنك الدولي، و مبادئ المنظمة العالمية للتجارة، و ممارسات و إملاءات الدول الصناعية الكبرى، يعبر ذلك كله عن ملامح التحولات و التغيرات، و عن ما هو مطلوب من البلدان النامية، أن تقوم به من أجل تلتحق بقطار العولمة، تندمج بالاقتصاد العالمي، أي الاقتصاد الرأسمالي.
و يمكن اختصار هذا المطلوب بالليبرالية الجديدة، و انتهاج سياسة حرية الأسواق، وحرية التجارة، و ما يندرج تحت هذه العناوين من سياسات وإجراءات.
و تنطلق فكرة حرية التجارة من مقولة الليبرالية التي تقول بأن حرية التجارة و وإزالة الحدود بين الدول تؤدي إلى ازدهار التبادل التجاري،الذي يؤدي بدوره إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي و يقود إلى تحقيق التنمية، و تحقيق درجات عالية من النمو الاقتصادي.
و في الحقيقة، فإن تطبيق الحرية الاقتصادية، و الانفتاح على الأسواق، و إزالة الحدود ستكون في النهاية لمصلحة الدول الصناعية الغنية في الخارج، و مصلحة الأغنياء في الداخل، و في النهاية، لن تكون النتيجة سوى المزيد من الاستقطاب والتهميش. و قد كانت الدول الكبرى، عندما تصل إلى مستوى من التطور كبير وتواجه مسألة الفيض في البضائع (و في الأموال) كانت دائما تنادي بانفتاح الأسواق و حرية التجارة.
و منذ بدأت عمليات الاندماج بالاقتصاد العالمي، و إدخال تغيرات السياسات الاقتصادية و المالية بما يلي توصيات و صفات الصندوق و البنك الدوليين، بدأ أداء الاقتصاديات النامية في التراجع منذ منتصف الثمانينات و حتى نهاية عام 1999، رغم أن هذا التراجع لا يخلو من التذبذبات نحو الصعود أحيانا، إلا أن الميل للتراجع كان واضحا و يطغى على أي تذبذبات محدودة و مؤقتة في الاتجاه.(1/302)
و في ظل هذه البيئة التجارية الجديدة عرفت التجارة و الاستثمارات الدولية اتجاهات جديدة متأثرة بتحكم آليات و أدوات العولمة الاقتصادية في مراقبة وتسيير دواليب النظام الاقتصادي العالمي الجديد، الأمر الذي عزز هيمنة الدول المتقدمة على التجارة والاستثمارات الدولية و تدني موقع الدول النامية في النظام التجاري الجديد، فرغم الفرص الذي يتيحها هذا النظام للدول النامية فتبقى غير قابلة للتحقيق بسبب المشاكل المتعددة التي تعاني منها هذه الدول.
الخاتمة
الخاتمة
يتضح من هذه الدراسة أن النظام الاقتصادي اليوم ما هو إلا نتيجة طبيعية لتطور نظام الأمس، و يمكن القول أن النظام الاقتصادي العالمي الجديد الحالي قد مر بثلاثة مراحل أساسية. فالمرحلة المؤسسة لهذا النظام بدأت مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية. وتجسدت في نتائج مؤتمر بروتن وودز التي أنشأت مكوناته الأساسية و هي صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية و التجارة (الجات)، و يلاحظ أن هذه المرحلة تميزت بسيطرة الدول المتقدمة، و تجلت العلاقة بينها و بين الدول النامية في تبادل السلع الصناعية مقابل المواد الأولية بأثمان و أسعار غير عادلة حيث كانت في صالح الدول المتقدمة.
أما المرحلة الثانية و التي امتدت من بداية السبعينات إلى نهاية الثمانينات، تميزت بأزمة النظام الرأسمالي نتيجة انهيار نظام بروتن وودز وما نتج عنه من عدم الاستقرار في أسعار و أسعار الصرف و تأثيراتها على تدفقات التجارة والاستثمارات الدولية، فضلا عن أزمة الطاقة (1973-1979) و أزمة المديونية 1982 و ما ترتب عنها من كساد اقتصادي في البلاد الصناعية الكبرى خلال عقد الثمانينات.(1/303)
هذه الأزمة أفرزت مع بداية التسعينات تحولات و تطورات جذرية في طبيعة النظام الاقتصادي العالمي الراهن. نتيجة ظهور عوامل و خصائص جديدة تعلن عن بداية نظام اقتصادي عالمي جديد، و تجلت أهم هذه العوامل و الخصائص في:
1- المصادقة على نتائج جولة الأوروغواي و ما تعنيه من بث روح النظام الاقتصادي العالمي الجديد باستكمال أحد دعائمه الرئيسية بميلاد نظام تجاري عالمي جديد تحت إشراف و قيادة منظمة التجارة العالمية. و يقوم التحول في النظام التجاري و خاصة بعد جولة الأوروغواي على الدعائم و التحولات و التغيرات التالية:
- التخفيض التدريجي للرسوم الجمركية و تخفيض الحواجز و القيود التعريفية لتصبح هذه الرسوم و التعريفات أدوات فعالة لتشجيع التبادل التجاري الدولي و ليس عائقا أو قيدا على التجارة الدولية.
- إزالة القيود الكمية المباشرة بإلغاء نظام الحصص و إلغاء و حظر إجراءات الحمائية الجديدة كالإجراءات الرمادية و التقنية التي كانت تطبقها الدول الصناعية الكبرى لحماية أسواقها.
- توسيع نظام تحرير التجارة الدولية ليشمل موضوعات جديدة كالمنتجات الزراعية والمنسوجات و الملابس، بالإضافة إلى تحرير تجارة الخدمات التي تعتبر نقطة تحول في العلاقات الاقتصادية الدولية. و فضلا عن تحرير تجارة الخدمات يشمل النظام التجاري الجديد تحريره و تنظيم الملكية الفكرية و الاستثمارات ذات الصلة بالتجارة الدولية وعلاقة هذه الأخيرة بالبيئة.
2- تنامي و تعاظم دور الشركات المتعددة الجنسيات و التكتلات الاقتصادية العملاقة والعابرة للإقليم و تأثيراتها على اتجاهات التجارة الدولية و الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما لها من قدرة على احتكار الأسواق و التكنولوجية الحديثة و المهارات الفنية و الإدارية و الكفاءات العالية و المتخصصة و توجيه التجارة و الاستثمارات للمناطق التي تحقق لها مزايا تنافسية.(1/304)
3- تنامي ظاهرة التركيز و القطبية التجارية و الاستثمارية في المناطق الجغرافية الكبرى و في الدول حديثة التصنيع، و ازدياد حجم التبادلات البينية لهذه المناطق ولفروع الشركات المتعددة الجنسيات.
4- تناقص دور البلدان النامية في التجارة الدولية و ضعف تدفقات الاستثمارات إليها بسبب المنافسة الشديدة من البلدان المتقدمة و البلدان حديثة التصنيع.
5- التنسيق المتزايد بين الثالوث الاقتصادي العالمي منظمة التجارة الدولية، صندوق النقد الدولي و البنك الدولي في إدارة و تسيير الشؤون الاقتصادية الدولية خصوصا في مجالات التجارة و الاستثمار الدوليين.
6- تحرير اقتصاديات الدول النامية و الدول الأوروبية الشرقية كشرط للاندماج في الاقتصاد العالمي و الانضمام إلى النظام التجاري الجديد.
لعل التغيرات و التطورات التي حدثت على النظام الاقتصادي العالمي عموما والنظام التجاري على الخصوص، أصبحت تشكل تحديات لاقتصاديات الدول النامية، تفرض عليها إيجاد الآليات المناسبة للاستفادة من الفرص التي يقدمها هذا النظام و التقليل من تكاليفه و سلبياته.
و من الآثار السلبية لهذا النظام نجد:
- تآكل المزايا الخاصة التي كانت تتمتع بها الدول النامية في ظل النظام السابق للنفاذ إلى أسواق الدول المتقدمة و خاصة في المنتجات التي كانت تتمتع فيها بمزايا نسبية.
- ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية و أسعار المواد الغذائية خصوصا لاسيما أن هذه الدول هي المستورد الكبير لهذه المواد.
- تقليص قدرة الدول النامية على تصميم و تصور سياساتها التنموية المستقلة.
- المنافسة الشديدة من قبل الدول المتقدمة و حديثة التصنيع.
أما الآثار الإيجابية فتتمثل في:
- تسمح اتفاقيات جولة الأوروغواي بفرص أوسع لبعض صادرات الدول النامية لدخول أسواق الدول المتقدمة و أسواق أخرى.
- حماية منتجات هذه الدول من سياسة الإغراق بفضل آلية محاربة هذه السياسة لمنظمة التجارة العالمية.(1/305)
- تكفل الاتفاقيات الجديدة (الخدمات- الملكية الفكرية- الزراعة) معاملة مميزة وتفضيلية لفترات معينة للدول النامية.
- تحفيز الصناعات المحلية للرفع من مستويات الإنتاج و الجودة و كفاءة تخصيص الموارد لمواجهة المنافسة الشديدة التي يفرضها نظام تحرير التجارة الدولية.
- العمل على تحسين المناخ الاقتصادي لهذه الدول لجلب الاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيات الحديثة.
يظهر مما تقدم أن التعايش مع النظام الجديد للتجارة العالمية أمرا لا مناص منه، وفي هذه الظروف لا مفر للدول النامية من سلوك سبيلين في آن واحد لمواجهة التحديات التي تفرضها التحولات التي عرفها هذا النظام.
أولا: العمل على تقليل الخسائر المحتملة و اغتنام الفرص الجديدة التي يتيحها النظام وتحويلها من فرص نظرية إلى فرص واقعية، و للنجاح في هذا السعي ينبغي على هذه الدول.
- الفهم العميق للنصوص و ما وراء النصوص التي تضمنتها الاتفاقيات الجديدة، وذلك أمر مهم لمعرفة حقوق و واجبات هذه الدول و لمعرفة كل موضوع بدقة وماهية الفرص و الإمكانات المتاحة لها و طبيعة المخاطر و التحديات المحتمل أن تواجهها.
كما أن الدراسة المعمقة للاتفاقيات يسمح لهذه الدول بمعرفة النواحي التي تتمتع فيها هذه الدول بفترات السماح للتخفيض التدريجي للتعريفات الجمركية عن بعض المواد، و إلغاء القيود، أو بعض صور الدعم، و الإعفاء من تحويل القيود غير التعريفية إلى قيود تعريفية على بعض المنتجات الزراعية. كما تسمح دراسة هذه الاتفاقيات إلى معرفة جدول المعاملات التفضيلية و الاستثناءات و الإغراق و أشكال دعم الصادرات الواردة فيها.(1/306)
- العمل الجماعي و التنسيق المستمر في المؤتمرات الوزارية المنظمة التجارة الدولية للضغط على الدول المتقدمة من اجل تمديد فترات التمتع بالإعفاءات من بعض تطبيق قواعد المنظمة و بالمحافظة بالمعاملات التفضيلية حتى تمكن هذه الدول من الانطلاق في إنجاز التنمية التي تتطلب مدة أكبر من مدة الإعفاءات المنصوص عليها في الاتفاق.
- متابعة و مطالبة الدول المتقدمة باحترام التزاماتها المنتظمة في الاتفاقات والقرارات الوزارية و إعلان مراكش و الخاصة بتقديم معاملة متميزة للدول النامية، و تقديم العون المادي والمالي الذي يساعدها على تلبية متطلبات النظام الجديد وزيادة مساهمتها في التجارة العالمية.
- الرفع من الكفاءة الإنتاجية لاقتصادياتها و تطوير جودة المنتجات و الضغط على تكاليفها لمواجهة المنافسة في الداخل و التمكن من النفاذ للأسواق الخارجية.
ثانيا: العمل على بناء قوة اقتصادية ذاتية وطنيا و إقليميا بإعادة هيكلة اقتصادياتها لأخذ التنمية مأخذ الجد بعيدا عن أوهام حرية التجارة و رياح الانفتاح و برامج الاستقرار والتصحيح الهيكلي. و هذا من خلال نهج طرق مختلفة منها على سبيل المثال ما يلي:
- إعادة هيكلة بعض القطاعات كالخدمات و المالية و السياحة لزيادة القدرة التنافسية والتعاون جنوب – جنوب عن طريق الدمج.
- الاهتمام بالتعليم و البحث العلمي و التقني و ربط مراكز البحوث و التطوير بالقطاعات الإنتاجية.
- العمل بالحماية المؤقتة في بعض القطاعات الإستراتيجية أو الناشئة للسماح لمنتجات هذه القطاعات تثبيت أقدامها و تطوير قدرتها على المنافسة مع التدرج في تخفيف هذه الحماية طبقا لنصوص منظمة التجارة العالمية.
- العمل على التقليل من التبعية للخارج و اكتساب المزايا التنافسية للتصدير في بعض القطاعات المؤهلة لذلك، للحصول على موقع أفضل في نظام تقسيم العمل الدولي.(1/307)
- تعزيز العمل جنوب، جنوب عن طريق الشراكة و التكتلات الاقتصادية لمواجهة تحديات النظام الاقتصادي العالمي الجديد و لتحسين موقعها التفاوضي في المنظمات والهيئات العالمية.
و في ضوء ما تقدم نشير إلى أن النظام الاقتصادي العالمي الجديد لا زال يحتاج إلى إصلاح في آلياته و طريقة عمل مؤسساته، و إعادة النظر في قواعده سواء في مجال التجارة أو الاستثمار أو غيرها حتى يحظى برضا دول و شعوب العالم النامي و المتقدم على السواء. كما نشير إلى أن النظام التجاري العالمي الجديد آثار جدلا كبيرا حول مستقبله بعد فشل مؤتمر سياتل و ما رافقه من رفض للعولمة و آلياتها، و لهذا يمكن أن نقول أن الجولة الجديدة للمفاوضات التي انطلقت في مؤتمر الدوحة حول التوجهات المستقبلية لهذا النظام ستكون شاقة و طويلة و الدول النامية أمامها معركة طويلة تحتاج فيها على المزيد من التنسيق و التقارب فيما بينها لتدخل المفاوضات القادمة و هي أكثر تناسق و اتحاد لتعظيم المصالح واستغلال التناقضات في مواقف الدول المتقدمة لتعزيز مكاسبها، حيث لازال البحث قائما و مستمرا لإقامة نظاما تجاريا عالميا أكثر عدالة ووضوحا في آلياته و قواعده من خلال منظمة التجارة العالمية.
قائمة الجداول
قائمة الجداول
رقم الجدول ... العنوان ... رقم الصفحة
1 ... متوسط المعدلات السنوية لعقد الثمانينات ... 12
2 ... معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي ... 12
3 ... متوسط المعدلات السنوية لنمو الناتج المحلي الإجمالي للبلدان النامية ... 14
4 ... التوزيع التكراري لمعدلات نمو الناتج المحلي ... 15
5 ... متوسط معدل حجم الصادرات ... 17
6 ... متوسط معدل حجم الواردات ... 22
7 ... نمو صادرات السلع حسب فئات المنتجات ومجموعات الدول ... 27
8 ... التركيز الصناعي للتجارة بين الدول النامية والدول الصناعية ... 25
9 ... حصة السلع في التجارة الدولية ... 28
10 ... نسبة توزيع صادرات المجموعات الكبرى للدول النامية ... 30
11 ... التجارة الدولية بالمناطق الكبرى لسنة 1984 ... 43(1/308)
12 ... الأرصدة التجارية لسنة 1984 ... 44
13 ... الحصة المئوية لكل منطقة في التجارة الدولية ... 46
14 ... نسبة قيمة تجارة بعض الدول المتقدمة في التجارة الدولية 1986 ... 47
15 ... مصفوفات الاستمارات الصناعية في القطاع الصناعي 1983 ... 49
16 ... الميزان التجاري للبلاد النامية ... 56
17 ... المكاسب و الخسائر في إيرادات الصادرات ... 57
18 ... تطور ديون البلاد النامية ... 62
19 ... مؤشرات المديونية الخارجية للدول النامية ... 63
20 ... ارتفاع المكون الأجنبي في البرامج الاستثمارية في بعض الأقطار العربية ... 64
21 ... المبالغ لخدمة الديون ... 65
22 ... المدفوعات لخدمة أعباء الديون ... 67
22 م ... تطورات و نتائج جولات التفاوض ... 140
23 ... التخفيضات في إجمالي تدابير الدعم الكلي ... 156
24 ... الأهمية النسبية لتجارة الخدمات في العالم ... 160
25 ... المصدرون الرئيسيون للخدمات ... 161
26 ... تقديرات الزيادة المتوقعة في الدخل العالمي ... 213
27 ... تقديرات نجوين و زملائه للزيادة المتوقعة في الدخل العالمي نتيجة تحرير التجارة و توزيعها على دول العالم ... 214
28 ... توزيع المكاسب بين الدول المتقدمة من تحرير التجارة ... 216
29 ... قيمة السلع في التجارة العالمية حسب المناطق ... 224
30 ... الناتج العالمي (1981-1997) ... 231
31 ... نمو حجم الصادرات و الإنتاج العالمي من حجم السلع بين 1990-1997 ... 236
32 ... صادرات السلع و الخدمات 1999-2002 ... 240
33 ... نمو تجارة و إنتاج الدول النامية 99-2001 ... 242
34 ... نمو حجم الصادرات و الإنتاج العالمي ... 243
35 ... نمو حجم التجارة الدولية في السلع للمناطق ... 243
36 ... نمو الصادرات العالمية للسلع و الخدمات ... 245
37 ... صاف تدفقات رؤوس الأموال في البلدان النامية ... 251
38 ... تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. ... 255
قائمة المراجع
أولا: المراجع العربية
1- الكتب:
·?إسماعيل صبري عبد الله: نحو نظام اقتصادي عالمي جديد: الهيئة العامة للكتاب القاهرة 1997.
·?أحمد علي غنيم: السوق الأوروبية المشتركة حاضرها و مستقبلها. الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1986.(1/309)
·?إبراهيم العيسوي: ألغات و أخواتها. مذكرة الدراسات العربية بيروت 1995.
·?أسامة المجذوب: الجات و مصر و البلدان العربية من هافانا إلى مراكش. الدار المصرية اللبنانية القاهرة 1995.
·?جلال أمين: العولمة و التنمية البشرية. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت 1999.
·?زكي رمزي: الأزمة الاقتصادية الراهنة كاظمة للنشر و الترجمة و التوزيع. الكويت 1985.
·?زكي رمزي: الاعتماد على الذات بين الأحلام النظرية و ضراوة الواقع و الشروط الموضوعية. دار الشباب للنشر و الترجمة و التوزيع. نيقوسيا 1987.
·?زكي رمزي: الاقتصاد العربي تحت الحصار. مركز الدراسات العربية بيروت 1989.
·?زكي رمزي: الصراع الفكري الاجتماعي حول عجز الموازنة العامة للدولة في العالم الثالث. دار المستقبل القاهرة 1995.
·?زكي رمزي: أزمة القروض الدولية. أسبابها ونتائجها مع مشروع صياغة لرؤية عربية. دار المستقبل العربي. القاهرة 1986.
·?سعيد النجار: النظام الاقتصادي على عتبة القرن 21. رسائل النداء الجديد، القاهرة 1996.
·?سمير صارم: معركة سياتل حرب من أجل الهيمنة. دار الفكر بيروت 2000.
·?سعيد عبد الخالق محمود: الشركات متعددة الجنسيات في الخليج العربي. الأهرام الاقتصادية. القاهرة 1992.
·?سميحة السيد فوزي: الاقتصاد المصري و الشركات متعددة الجنسية في ضوء التغيرات المحلية و العالمية. مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية. القاهرة 1992.
·?سمير النجار: الاقتصاد العالمي و البلاد العربية في عقد التسعينات. دار الشروق. القاهرة 1991.
·? شهاب محمد محمود: المنظمات الدولية. دار الشروق. القاهرة 1990.
·?عبد الخالق جودة: الاقتصاد الدولي من المزايا النسبية إلى التبادل اللامتكافئ. القاهرة 1985.
·?عبد الناصر نزار ألعبادي: منظمة التجارة العالمية و اقتصاد الدول النامية الدار الجامعية القاهرة 1999.(1/310)
·?عبد المطلب عبد الحميد: النظام الاقتصادي العالمي الجديد: مجموعة النيل العربية. القاهرة 2003.
·?عاطف السيد: الجات و العالم الثالث، مجموعة النيل العربية القاهرة 2002.
·?عبد الحميد عبد المطلب: الجات و آليات منظمة التجارة الدولية الدار الجامعية. عين الشمس. 2003.
·?عباس برادة السني: العولمة الاقتصادية، منشورات رمسيس: الدار البيضاء 2000.
·?محمد عبد الشفيع: قضية التضييع في إطار النظام العالمي الجديد. دار الوحدة للطباعة و النشر. بيروت. 1987.
·?محمد السيد السعيد، أحمد إبراهيم: الفوضى و الاستقرار في النظام الدولي. القاهرة. 1996.
·?محمد عبد الشفيع: النظام الاقتصادي العالمي في مرحلة انتقال، الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي. القاهرة 1995.
·?محمد السيد السعيد: الكتل التجارية الدولية و انعكاساتها على الوطن العربي والمتغيرات العالمية. معهد العلوم و الدراسات العربية. القاهرة 1992.
·?محمد عبد الشفيع: العالم الثالث و التحدي التكنولوجي الغربي. دار الطليعة للطباعة و النشر. بيروت 1984.
·?محمد علي إبراهيم: الآثار الاقتصادية لاتفاقية الجات. الدار الجامعية، القاهرة. 2003.
·?مصطفى رشدي شيحة: اتفاقات التجارة العالمية في عصر العولمة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية 2002.
·?مصطفى كامل السعيد: الشركات متعددة الجنسيات في الوطن العربي. الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1998.
·?محمد توفيق سعاف: اتفاقية ألغات و الدول النامية. دمشق 1994.
·? مجموعة من الأساتذة السوفيات: التقسيم الجغرافي الدولي في ظل الرأسمالية. ترجمة عبد الحبيب القزويني. القاهرة 1977.
2- تقارير- ندوات و مجلات:
·?التحدي أمام الجنوب: تقرير لجنة الجنوب، مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت 1990.
·?مجلة التنمية الصناعية العربية عدد 22/21 المنظمة العربية للتنمية الصناعية، بغداد. 1989.(1/311)
·?دراسة الحالة الاقتصادية في العالم. الأمم المتحدة المجلس الاقتصادي والاجتماعي. نيويورك. 1988.
·?البنك الدولي: تقرير عن التنمية في العالم. واشنطن 1979.
·?الجات: تقرير التجارة الدولية سنة 85/86 جنيف . 1986.
·?حسين توفيق إبراهيم: النظام الدولي الجديد في الفكر العربي: مجلة عالم الفكر. العدد 3 و 4 الكويت. 1995.
·?الأمم المتحدة: حالة الاقتصاد العالمي لسنة 1987 نيويورك.
·?عبد الله إسماعيل صبري: الكوكبة الرأسمالية العالمية، مجلة المستقبل العربي. عدد 22. 1998.
·?عتريس طلال: المناظرة حول العولمة. شئون الأوسط عدد 71. 1998.
·? العيسي نجيب: صيرورة مقولة النظام الاقتصادي الدولي الجديد، شؤون الأوسط (12) 1992.
·?ر.هيجوت: العولمة و الأقلمة: سلسلة محاضرات الإمارات (25) أبو ظبي 1998.
·?أوراق اقتصادية: الاتحاد العام لغرف التجارة و الصناعة و الزراعة للبلاد العربية. عدد 13. 1997.
·?سميحة فوزي: النظام العالمي الجديد و انعكاساته على الوطن العربي. مجلة البحوث و الدراسات العربية (22) معهد البحوث و الدراسات العربية. القاهرة 1994.
·?ناصف يوسف حتى: أي هيكل للنظام الدولي الجديد. مجلة عالم الفكر العدد الثالث و الرابع. الكويت 1995.
·?المركز العربي للدراسات الإستراتجية. تقرير التحولات العالمية و مستقبل الوطن العربي في القرن الحادي و العشرين. 2000. دمشق.
·?مركز الدراسات الإستراتيجية بالأهرام: التقرير الاستراتيجي العربي 1994. القاهرة 1995.
·?الشاذلي العياري: من أجل مشروع عربي أوروبي متوسطي جديد، شؤون عربية، العدد 74. 1994.
·?عبد الفتاح الرشدان: العرب و الجماعة الأوروبية في عالم متغير، مركز الإمارات للدراسات و البحوث الإستراتيجية العدد 12. 1998.
·? مصطفى عبد الله أبو القاسم خشيم: جامعة الدول العربية و تحديات مؤتمر برشلونة، الثابت و المتغير. شؤون عربية عدد 87. 1996.(1/312)
·?غسان الرفاعي: سياسات الاستثمار و محددات التدفقات الرأسمالية. ندوة آفاق التنمية في التسعينات. البحرين 1993.
·?المؤتمر الرابع للمركز العربي للدراسات الإستراتيجية.تقرير، دمشق 2000.
·?حسين عبد الله جوهر: منظمة الخليج بين العولمة و التكامل الإقليمي. السياسة الدولية. عدد 44. 2001.
·?هيريوكي هينو: التعاون بين صندوق النقد الدولي و البنك الدولي. التمويل والتنمية العدد 3. 1986.
·?البنك الدولي: تقرير التنمية في العالم 1985.
·?مصطفى عبد الله: الجات: الفكر السياسي عدد 2 دمشق 1998.
·?نشرة ندوة منتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية و إيران و تركيا. عدد 2. 1994.
·?صندوق النقد الدولي: آفاق الاقتصاد العالمي. نيويورك . 1994.
·?المنظمة العالمية للتجارة: التقرير السنوي 1998.
·?الأمم المتحدة: الحالة الاقتصادية و الاجتماعية في العالم نيويورك. 1996.
·?الأسكوا: مسح التطورات الاقتصادية و الاجتماعية لغرب آسيا. 1993. الأمم المتحدة.
·?الأسكوا: مسح التطورات الاقتصادية و الاجتماعية للأسكوا. الأمم المتحدة. 1996.
·?الاسكوا: مسح التطورات الاقتصادية و الاجتماعية للأسكوا الأمم المتحدة: 1997.
·?باسل البستاني: تمويل التنمية البشرية في الوطن العربي: سلسلة دراسات التنمية البشرية. عدد 3. الأسكوا. 1996.
ثانيا: باللغة الأجنبية:
1- OUVRAGES:
·?Annie. K. L'organisation mondiale du commerce Vuibert. Paris 1997.
·?Dominique. Pantz: Institution et politiques commerciales du GATT à L'OMC. ARMOND. Paris 1998.
·?Jaques Adda: Mondialisation de l'économie.T.1 Genèse et T.2 problèmes. La découverte . Paris 1996.
·?Jean. M. Siroen: La régionalisation de l'économie mondiale. La découverte Paris . 2004.
·?J.Bernard: l'europe de 1993. Hatier. Paris; 1990.
·?M.Beaud: Economie mondiale dans les années 80. PUF. 1998.(1/313)
·?Michel Rainelli: La nouvelle théorie de commerce international. CASBAH. Alger 1999.
·?Michel.C: La mondialisation de la pauvreté Eco Société. Montréal.1998.
·?R.Bistolfi: Euro. Méditerranée, une région à construire, Publi sud. Paris 1995.
·?Bettati. N: Le nouvel ordre économique international. PUF. Paris. 1983.
·?Long.O: les limites dans le système commercial du Gatt. R.C.A. DI. Paris 1983.
·?VIRGIL.P.: l'organisation mondiale du commerce et le renforcement de la réglementation juridiques des échanges commerciaux internationaux. Harmeton. Paris. 2001.
2- Rapports et revues:
·?FMI: Stoff studiés for the world économic; Out look. 1986.
·?GATT: rapport annuel Geneve 1986.
·?CONUCED: rapport supplement 1986/87.
·?FMI: rapport sur l'économie mondiale 1987.
·?GATT: focus n° 107. 1994.
·?CNUCED: rapport sur le commerce et le développement; GENEVE 1996.
·?ONU: rapport sur la situation économique et sociale. 1995.
·?OMC: rapport annuel sur le commerce 1998.
·?CNUCED: rapport annuel sur le commerce, et le développement 1998.
·?FMI: perspectives de l'économie mondiale. 2002.
·?OMC: rapport annuel 2002
·?. OMC: rapport annuel2003.
·?OMC: rapport annuel 2004.
·?ONU: situation économique et sociale mondiale. Perspectives 2006.
·?CNUCED: rapport annuel sur l'investissement mondial New York 1995.
·?OMC: commerce et investissements directs étrangers volume 1. 1996.
·?FMI: rapport annuel sur l'économie moniale. 1997.
·?Finance et développement: IDE et développement 1985.
·?CNUCED. Investissement dans le monde rapport annuel 1997.(1/314)
·?Economie, commerce et mondialisation: Revue repères n° 4. 1997.
·?Cahier français: n: spécial commerce international n° 253. 1991.
·?Relations internationales: ministère des affaires étrangères n° 23. 1993.
ثالثا: المراجع الإضافية.
·?محمد أحمد الخضيري: العولمة الاجتماعية. مجموعة النيل العربية، القاهرة 2001.
·?محمد المجذوب: اتفاقية الجات بين النشأة، التطور و الأهداف، دار الندى، بيروت 1999.
·?كمال بن موسى: المنظمة العالمية للتجارة و النظام التجاري العالمي الجديد. دكتوراه دولة – جامعة الجزائر- 2004.
·?ندوة العرب و العولمة: مركز الدراسات العربية بيروت. 1998.
·?إكرام عبد الرحيم: التحديات المستقبلية للتكتل الاقتصادي العربي. العولمة والتكتلات الإقليمية البديلة. مكتبة مدبولي. القاهرة 2002.
·?محمد محمود الإمام: تجارب التكامل العالمية و مغزاها للتكامل العربي. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت. 2004.
* TURP. D: L'accord de libre échange nord Américain A.F.DI Paris 1992.
* WHITE. MC: Guerre commerciale et droit International AF.DI
Paris 1992.
الفهرس
المقدمة...........................................................................أ-ج
الفصل الأول: النظام الاقتصادي الدولي بعد الحرب العالمية الثانية...............1
المبحث الأول: مراحل تطور النظام الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية.........2
1-1-النظام الاقتصادي الدولي حتى 1971......................................3
1-2-أزمة النظام الاقتصادي الدولي بعد 1971..................................7
المبحث الثاني: انعكاسات أزمة النظام الاقتصادي على التنمية....................9
و اتجاهات التجارة الدولية.
2-1- أسباب أزمة التنمية........................................................11(1/315)
2-2- اتجاهات للتجارة الدولية...................................................17
المبحث الثالث: التصنيع و التجارة الدولية للمصنوعات............................02
3-1- أسباب ظهور التصنيع بالدول النامية......................................12
3-2- الاتجاهات نحو تجارة المصنوعات.......................................28
الفصل الثاني: النظام الاقتصادي من العالمية إلى العولمة........................33
المبحث الأول: نشأة و تطور النظام العالمي الجديد..............................5.3
1-1- الدعوة إلى نظام اقتصادي عالمي جديد....................................37
1-2- اتجاهات التجارة الدولية في ظل تقسيم العمل الدولي الجديد................0.4
المبحث الثاني: انعكاسات التقسيم الدولي للعمل على الدول النامية..................50
2-1- التبعية التجارية..........................................................1.5
2-2- التبعية التكنولوجية........................................................56
2-3- تطور المديونية و التبعية المالية...........................................58
المبحث الثالث: العولمة في ظل النظام العالمي الجديد............................68
3-1- ملامح العولمة.............................................................70
3-2- تنامي ظاهرة العولمة......................................................70
3-3- تعريف العولمة.......................................................... .71
الفصل الثالث: العولمة الاقتصادية معالم، آليات و أدوات.........................73
المبحث الأول: المعالم و الاتجاهات..............................................74
1-1-الاتجاهات العامة للعولمة...................................................75(1/316)
1-2- معالم و سمات العولمة الاقتصادية.........................................78
1-3- ديناميكية نظام العولمة الاقتصادية........................................84
المبحث الثاني:التحول في آليات العولمة الاقتصادية..............................87
2-1- أركان نظام العولمة الاقتصادية............................................85
2-2- التحولات في وظائف آليات العولمة.......................................87
2-3- التحول في إستراتيجية التنمية.............................................92
المبحث الثالث: أدوات العولمة الاقتصادية........................................93
3-1- الشركات متعددة الجنسيات................................................93
3-2- الإقليمية الجديدة...........................................................95
المبحث الرابع: الأشكال الجديدة للاندماج.........................................103
4-1- الشراكة الأورو- متوسطية...............................................103
4-2-تكتل جماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكيةAPEC..................109
4-3- برامج التثبيت و التكييف الهيكلي..........................................111
الفصل الرابع: النظام التجاري الجديد.............................................121
المبحث الأول: الجات : النشأة و التطور..........................................123
1-1- لمحة تاريخية.............................................................123
1-2- أهداف و وظائف الجات...................................................125
1-3- مبادئ الجات..............................................................127
1-4- جولات التفاوض..........................................................129(1/317)
المبحث الثاني: جولة الأوروغواي................................................138
2-1- أسباب و دوافع انعقاد جولة الأوروغواي.................................138..
2-2- سير و مواضيع المفاوضات...............................................140
2-3- نتائج الأوروغواي........................................................142
المبحث الثالث: منظمة التجارة العالمية...........................................145
3-1- مهام منظمة التجارة العالمية...............................................145
3-2- أهداف المنظمة............................................................146
3-3- الهيكل التنظيمي للمنظمة...................................................146
3-4- آليات عمل المنظمة.......................................................146
3-5- شروط الانضمام إلى المنظمة..............................................149
المبحث الرابع: اتفاقيات جولة الاوروغواي.......................................152
4-1 اتفاقية التجارة في المنتجات الزراعية.......................................152
4-2- اتفاقية التجارة في السلع الصناعية.........................................155
4-3- اتفاقية التجارة في الخدمات............................................... 156
4-4- الاستثمار الأجنبي والتجارة العالمية.......................................159
4-5- الملكية الفكرية و التجارة العالمية..........................................160
4-6- آثار اتفاقايات الغات 94 على الدول النامية ...............................163
الفصل الخامس: المؤثرات الوزارية لمنظمة التجارة العالمية.....................165
المبحث الأول: مؤتمر سنغافورة و مؤتمر جنيف.................................166(1/318)
1-1- موضوعات مؤتمر سنغافورة.............................................166
1-2- إعلان مؤتمر سنغافورة...................................................168
1-3- موضوعات مؤتمر جنيف.................................................169
1-4- إعلان مؤتمر جنيف......................................................170
المبحث الثاني: أبعاد و نتائج مؤتمر سياتل.......................................171
2-1- الظروف الاقتصادية العالمية و مؤتمر سياتل..............................172
2-2- أهداف مؤتمر سياتل......................................................173
2-3- موضوعات مؤتمر سياتل.................................................175
2-4- أسباب فشل مؤتمر سياتل.................................................184
المبحث الثالث: من الدوحة إلى هونغ كونغ......................................187
3-1- مؤتمر الدوحة و الظروف العالمية التي صاحبته...........................187
3-2- أهداف مؤتمر الدوحة......................................................190
3-3- موضوعات مؤتمر الدوحة................................................191
3-4- إعلان مؤتمر الدوحة......................................................193
3-5- مؤتمر هونغ كونغ........................................................196
الفصل السادس: الاتجاهات الجديدة للتجارة و الاستثمارات الدولية................200
المبحث الأول: تحرير التجارة و الاستثمار الدولي................................201
1-1- إصلاح السياسات التجارية................................................201
1-2- إصلاح النظام التجاري...................................................202
1-3- تحرير نظم الاستثمار الأجنبي المباشر....................................203(1/319)
المبحث الثاني: الاتجاهات الراهنة للتجارة الدولية................................208
2-1- الآثار المتوقعة للنظام التجاري الجديد.....................................208
2-2-العوامل المؤثرة في اتجاهات التجارة العالمية...............................213
2-3 اتجاهات التجارة العالمية في عقد التسعينات.................................227
2-4- اتجاهات التجارة العالمية في بداية الألفية الثالثة............................236
المبحث الثالث: اتجاهات الاستثمار الأجنبي المباشر..............................245
3-1- العلاقة بين الاستثمار الأجنبي المباشر و التجارة الدولية...................247
3-2- تطور الاستثمار الأجنبي المباشر..........................................248
3-3- اتجاهات الاستثمار الأجنبي المباشر.......................................252
المبحث الرابع: النظام التجاري الجديد و الدول النامية............................261
4-1- الآثار على الدول النامية..................................................261
4-2- الموقف من النظام التجاري الجديد.........................................264
الخاتمة...........................................................................269
قائمة الجداول.....................................................................275
قائمة المراجع.....................................................................275(1/320)