ص -12-…فأما الأول؛ فهو الاجتهاد المتعلق بتحقيق1 المناط، وهو الذي لا خلاف بين الأمة في قبوله، ومعناه أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى النظر في تعيين2 محله، وذلك أن الشارع إذا قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وثبت عندنا معنى العدالة3 [شرعا افترقنا إلى تعيين من حصلت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال في "المنهاج": "تحقيق المناط هو تحقيق العلة المتفق عليها في الفرع، أي إقامة الدليل على وجودها فيه، كما إذا اتفقا على أن العلة في الربا هي القوت، ثم يختلفان في وجودها في التين حتى يكون ربويًا" ا. هـ. وهذا لا يلزمه أن تكون العلة فيه ثبتت بالنص أو الإجماع، بل بأي طريق من الطرق التسعة تثبت، كما أنه لا يندرج فيما يسمى قياسًا، بل هو مجرد تطبيق الكلي على جزئياته. "د".
وكتب "ف" و"م" هنا ما نصه: "تحقيق المناط عند الأصوليين أن يقع الاتفاق على كلية وصف بنص أو إجماع؛ فيجتهد الناظر في وجوده في صورة النزاع التي خفي فيها وجود العلة، كتحقيق أن النباش سارق؛ فالوصف -وهو السرقة- علم أنه مناط الحكم، وبقي النظر في تحقيق وجوده في هذه الصورة، قال الغزالي: "وهذا النوع من الاجتهاد لا خلاف فيه بين الأمة"، والمصنف توسع فيه إلى [وفي "م": على] ما ترى".
قلت: انظر في ذلك: "الإحكام" "3/ 435" للآمدي، و"البحر المحيط" "3/ 268"، و"تيسير التحرير" "4/ 42-43"، و"المحلي على جمع الجوامع" "3/ 293"، "3/ 293"، "والإبهاج" "3/ 57"، و"نشر البنود" "2/ 207"، و"إرشاد الفحول" "222"، و"شرح اللمع" "2/ 815"، و"مباحث العلة في القياس" "517"، و"مجموع فتاوي ابن تيمية" "13/ 111، 254، 255 و22/ 329/ 330".
2 أي: في تطبيقه على الجزئيات والحوادث الخارجية، سواء أكان نفس الحكم ثابتًا بنص أم إجماع أم قياس. "د".(10/5)
3 وهي ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، وملازمة التقوى تكون باجتناب الكبائر، والمروءة صون النفس عن الأدناس وما يشينها عند الناس، والشرط في الرواية والشهادة أدناها، وهو ترك الكبائر، وترك الإصرار على صغيرة، وترك الإصرار على ما يخل بالمروءة، هكذا عرفها الأصوليون، وعليه لا يدخل: "الطرف الآخر" الذي ذكره في جزئياتها، وهو ظاهر، وإن أوهم قوله: "وطرف آخر" غير ذلك؛ إلا أنه قوله: "في الخروج عن مقتضى الوصف" يكشف عن قصده، وهو أن =(10/6)
ص -13-…فيه هذه الصفة وليس الناس في وصف العدالة]1 على حد سواء، بل ذلك يختلف اختلافا متباينا؛ فإنا إذا تأملنا العدول وجدنا لاتصافهم بها طرفين وواسطة: "طرف أعلى" في العدالة لا إشكال فيه كأبي بكر الصديق، و"طرف آخر" وهو أول درجة في الخروج عن مقتضى الوصف؛ كالمجاوز لمرتبة الكفر إلى الحكم بمجرد الإسلام، فضلا عن مرتكبي الكبائر المحدودين فيها، و"بينهما" مراتب لا تنحصر، وهذا الوسط غامض، لا بد فيه من بلوغ حد الوسع، وهو الاجتهاد.
فهذا مما يفتقر إليه الحاكم في كل شاهد، كما2 إذا أوصى بماله للفقراء؛ فلا شك أن من الناس من لا شيء له، فيتحقق فيه اسم الفقر3؛ فهو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= من ثبت له مجرد كونه مسلمًا ولم ينقض وقت ما تحقق فيه بعد من اتصافه بالعدالة المحتاج إلى مدة يعرف فيها تجاه نفسه للخير أو الشر، مثل هذا ليس بعدل؛ إلا أنه أقل درجة في الخروج عن العدالة، ويزيد عنه في الخروج عنها من حد في كبيرة.. إلخ، ولو جعل الطرف الآخر أقل من تحقق فيه العدالة، ثم جعل بينه وبين عدالة أبي بكر مراتب كثيرة؛ لكان أوضح من هذا الصنيع الموهم، فإن أحد الطرفين من العدالة، والآخر خارج، وليس هذا مألوفا في التعبير عن الوسط والطرفين؛ فقوله: "وطرف آخر"؛ أي: خارج عنها، وقوله: "غامض"؛ أي: لا سيما في تطبيق الجزء الثاني من حد العدالة وهو المروءة. "د".
قلت: وقد ناقش الصنعاني التعريف الذي ذكره الشارح لـ"العدالة"-وهو ما درج عليه الأصوليون وأصحاب المصطلح- نقاشًا قويًا في كتابه "ثمرات النظر"، انظره بتعليقنا، أما المروءة وحدها وخوارمها، فينظر "المروءة وخوارمها" بقلمي، وينظر أيضًا: "توضيح الأفكار" "2/ 119، 149"، و"الاختيارات العلمية" لابن تيمية "356-357"، و"الإضافة، دراسات حديثية" "ص11-86".
1 ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبته من "ط" والنسخ المطبوعة.(10/7)
2 ولعله: "وكما". "ف". وأثبتها "م" بالواو.
3 إنما يتمشى كلامه في هذا المقام على رأي المالكية، من أن الفقير هو من يملك قوت عامه، والمسكين من لا يملك شيئًا، وهذا إذا ذكرا معًا، فإذا افترقا -كما هنا- اجتمعا؛ فالفقير هنا يشملها معًا، فالصورة الأولى وهي من لا شيء له من كسب ولا مال يتحقق فيها الوصف العام؛ =(10/8)
ص -14-…من أهل الوصية، ومنهم من لا حاجة به ولا فقر وإن لم يملك نصابا، وبينهما وسائط؛ كالرجل يكون له الشيء ولا سعة له؛ فينظر فيه: هل الغالب عليه حكم الفقر أو حكم الغنى؟ وكذلك في فرض نفقات الزوجات والقرابات؛ إذ هو مفتقر إلى النظر في حال المنفق عليه والمنفق1، وحال الوقت إلى غير ذلك من الأمور التي لا تنضبط بحصر، ولا يمكن استيفاء القول في آحادها؛ فلا يمكن أن يستغنى ههنا بالتقليد؛ لأن التقليد إنما يتصور بعد تحقيق مناط الحكم المقلد فيه، والمناط هنا لم يتحقق بعد؛ لأن كل صورة من صوره النازلة نازلة مستأنفة في نفسها لم يتقدم لها نظير، وإن تقدم لها في نفس الأمر فلم يتقدم لنا؛ فلا بد من النظر فيها بالاجتهاد، وكذلك إن فرضنا أنه تقدم لنا مثلها؛ فلا بد من النظر في كونها مثلها أولا، وهو نظر اجتهادي2 أيضا، وكذلك القول فيما فيه حكومة من أروش الجنايات، وقيم المتلفات.
ويكفيك من ذلك أن الشريعة لم تنص3 على حكم كل جزئية على حدتها، وإنما أتت بأمور كلية وعبارات مطلقة تتناول أعدادا لا تنحصر، ومع ذلك؛ فلكل معين خصوصية ليست في غيره ولو في نفس التعيين، وليس ما به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= فدخولها في الوصية ظاهر، والصورة الثانية من عنده كسب أو مال يكفيه حاجاته طول العام، وإن لم يبلغ المال نصابًا، وخروجه عن الوصية ظاهر، والصورة الثالثة من له كسب أو مال ولو كان زائدًا عن النصاب لكنه يضيق عن حاجاته؛ فهذا محل نظر؛ لأن الحاجات تختلف، فقد يعد بعض الناس فقد شيء من المعيشة ضيقًا وحرجًا، وقد لا يعده الآخر شيئًا مطلقًا ولا يخطر بباله فقده، وما جرى عليه كلامه غير ما عليه الحنفية من اعتبار النصاب وعدمه في الفقر والغنى، وهم لا يعتبرون الكسب أيضًا، والشافعية كالمالكية في اعتبار الكسب، ولكنهم ينظرون في ضابط الغنى بالمال إلى ما يكفيه عمره الغالب من تلزمه نفقته. "د".(10/9)
1 النظر إلى حالهما معًا هو مذهب مالك، وقوله: "وحال الوقت" يرجع إلى ما قبله؛ لأن النظر في حالهما معتبر فيه الوقت، فليس زائدًا على ما تقرر في الفروع. "د".
2 كذا في "ط"، وفي غيره: "اجتهاد".
3 في "ماء": "تقضي".(10/10)
ص -15-…الامتياز معتبرا في الحكم بإطلاق، ولا هو طردي بإطلاق، بل ذلك منقسم إلى الضربين، وبينهما قسم ثالث يأخذ بجهة من الطرفين؛ فلا يبقى صورة من الصور الوجودية المعينة إلا وللعالم فيها نظر سهل أو صعب، حتى يحقق تحت أي دليل تدخل، فإن أخذت بشبه1 من الطرفين؛ فالأمر أصعب، وهذا كله بين لمن شدا2 في العلم، ومن القواعد3 القضائية "البينة على المدعي واليمين على من أنكر"4؛ فالقاضي لا يمكنه الحكم في واقعة -بل لا يمكنه توجيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل: "بشبهة".
2 أي: أحسن منه طرفًا، والشدو: كل شيء قليل من كثير، والشادي: الذي يتعلم شيئًا من العلم والأدب والفتيا ونحو ذلك. "ف". ومن الخطأ "الشادِّين" بتشديد الدال.
3 في "ماء": "الفوائد".
4 ويروى على أنه حديث نبوي، أخرجه البيهقي في السنن الكبرى" "10/ 252" من طريق أبي القاسم الطبراني عن الفريابي ثنا سفيان عن نافع عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس بلفظ: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعي رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة به"، وقال: "قال أبو القاسم: لم يروه عن سفيان إلا الفريابي".(10/11)
قلت: وأخرجه البخاري في "الصحيح" كتاب الرهن، باب إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه فالبينة...، رقم 2514، وكتاب الشهادات، باب اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود، رقم 2668، وكتاب التفسير، باب: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ}، رقم 4552"، ومسلم في "الصحيح" "كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه، رقم 1711" بلفظ: "واليمين على المدعى عليه" دون "البينة على المدعي"، وذكرها من أخطاء سفيان أو الفريابي؛ فإن الجماهير رووه عن نافع دونها، انظر: "إرواء الغليل" "8/ 264-265/ رقم 2641"، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" "35/ 391" في هذا الحديث بهذا اللفظ: "ليس إسناده في الصحة والشهرة مثل غيره، ولا رواه عامة أهل السنن المشهورة، ولا قال بعمومه أحد من علماء الملة".
وبسط ذلك تلميذه ابن القيم في "الطرق الحكمية" "ص87-88"، "110-111" ط العسكري" بكلام ماتع نافع؛ فقف عليه غير مأمور.(10/12)
ص -16-…الحجاج ولا الطلب1 الخصوم بما عليهم- إلا بعد فهم المدعي من المدعى عليه، وهو أصل2 القضاء، ولا يتعين ذلك بنظر واجتهاد ورد الدعاوى إلى الأدلة، وهو تحقيق المناط بعينه.
فالحاصل أنه لا بد منه بالنسبة إلى كل ناظر وحاكم ومُفْتٍ، بل بالنسبة إلى كل مكلف في نفسه؛ فإن العامي إذا سمع في الفقه أن الزيادة الفعلية في الصلاة سهوًا من غير جنس أفعال الصلاة أو من جنسها إن كانت يسيرة فمغتفرة، وإن كانت كثيرة فلا، فوقعت له في صلاته زيادة؛ فلا بد من النظر فيها حتى يردها إلى أحد القسمين، ولا يكون ذلك إلا باجتهاد ونظر، فإذا تعين له قسمها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تفسير لما قبله؛ فإن معناه أنه لا يمكنه إدارة المحاجة بين الطرفين بدون ما ذكر. "د". وي "ط": "توجيه الحجج".(10/13)
2 قال في "تبصرة الحكام" في القسم الثاني من الركن السادس في كيفية القضاء "1/ 98: "إن علم القضاء يدور على معرفة المعي من المدعى عليه؛ لأنه أصل مشكل، وأنهم لم يختلفوا في حكم كل منهما، ولكن الكلام في تمايزهما، ولهم في تحديدهما عبارات كثيرة: منها أن الأول من إذا ترك الخصومة ترك، أو من لا يستند قوله إلى مصدق، أو من لا يكون قوله على وفق أصل أو عرف، والثاني ما ليس كذلك؛ غير أن الأنظار تضطرب لتعارض الأحوال من عرف أو غالب أو أصل وهكذا، مثاله يتيم بلغ رشيدًا طلب من الوصي تسليمه ماله الذي تحت يده؛ فاليتيم طالب، وإذا ترك ترك، والأصل أمانة الوصي على مال اليتيم؛ فهذا كله يفهم منه أن اليتيم هو المدعي، والوصي مدعى عليه، ولكن الوصي أيضًا مدعٍ أنه سلم المال، واليتيم مدعى عليه التسلم، ومعلوم اختلاف الحكم باختلاف الاعتبارين، وما حل الإشكال إلا الرجوع لآية: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] التي يؤخذ منها أن الوصي لا يؤتمن في التسليم إلا بالإشهاد، وإن كان مؤتمنًا في نفس الإنفاق، وبذلك كان مجرد قوله: "سلمت" دعوى على اليتيم بلا بينة، واليتيم هو المدعى عليه؛ فيحلف اليمين ويستحق المال، قال القاضي شريح: "وَلِيت القضاء وعندي أني لا أعجز عن معرفة ما يتخاصم فيه إليَّ، فأول ما ارتفع إلى خصمان أشكل على من أمرهما من المدعي ومن المدعى عليه؟" ا. هـ. ملخصًا.(10/14)
ص -17-…تحقق له مناط الحكم؛ فأجراه عليه، وكذلك سائر تكليفاته، ولو فرض ارتفاع هذا الاجتهاد لم تتنزل الأحكام الشرعية على أفعال المكلفين إلا في الذهن؛ لأنها مطلقات وعمومات وما يرجع إلى ذلك، منزلات على أفعال مطلقات كذلك، والأفعال لا تقع في الوجود مطلقة، وإنما تقع معينة مشخصة؛ فلا يكون الحكم واقعا عليها إلا بعد المعرفة بأن هذا المعين يشمله ذلك المطلق أو ذلك العام، وقد يكون ذلك سهلا وقد لا يكون، وكله اجتهاد.
وقد يكون من هذا القسم ما يصح فيه التقليد، وذلك فيما اجتهد فيه الأولون من تحقيق المناط إذا كان متوجها على الأنواع لا على الأشخاص المعينة؛ كالمثل في جزاء الصيد، فإن الذي جاء في الشريعة قوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95].
وهذا ظاهر في اعتبار المثل؛ إلا أن المثل لا بد من تعيين نوعه، وكونه مثلا لهذا النوع المقتول؛ ككون الكبش مثلا للضبع، والعنز مثلا للغزال، والعناق1 مثلا للأرنب، والبقرة مثلا للبقرة الوحشية، والشاة مثلا للشاة من الظباء، وكذلك الرقبة الواجبة2 في عتق الكفارات، والبلوغ3 في الغلام والجارية، وما أشبه ذلك، ولكن هذا الاجتهاد في الأنواع لا يغني عن الاجتهاد في الأشخاص المعينة؛ فلا بد من هذا الاجتهاد4 في كل زمان؛ إذ لا يمكن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح أوله: دابة فوق الكلب الصيني، يصيد كما يصيد الفهد، ويأكل اللحم، وهو من السباع. "ف".
2 فقد ضبطها الأولون بأن تكون سليمة من مثل الشلل والعور والبكم. "د".
3 كما ضبطوا بلوغ الأنثى بالحيض وما معه، وبلوغ الذكر بالإنزال وما معه. "د".(10/15)
4 قال في "المنهاج" بصدد اعتراضه على بعض حدود الاجتهاد: "ويدخل فيه ما ليس باجتهاد في عرف الفقهاء؛ كالاجتهاد في قيم المتلفات، وأروش الجنايات، وجهة القبلة، وطهارة الأواني والثياب" ا. هـ. فقد أخرج هذه الأمثلة وكلها من باب تحقيق المناط عن أن تكون اجتهادًا =(10/16)
ص -18-…حصول التكليف1 إلا به، فلو فرض التكليف مع إمكان ارتفاع هذا الاجتهاد؛ لكان تكليفا بالمحال، وهو غير ممكن شرعا، كما أنه غير ممكن عقلا، وهو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= خلافًا لصنيع المؤلف، وفي "إحكام الآمدي" ما يوافق طريقة المؤلف؛ فقد جعل تعرُّف شخص القبلة، وتعرف عدالة الشخص الفلاني من باب الاجتهاد وتحقيق المناط بعد ما عرفه بأنه النظر في معرفة وجود علة الحكم ومناطه في آحاد الصور، بعد معرفتها في نفسها، ومثل له أيضًا بالنظر في وجود علة شرب الخمر وهي الشدة المطربة في نوع النبيذ؛ فأنت ترى الآمدى قد أدخل هذه الصور في تحقيق المناط وجعله عامًا في الأشخاص والأنواع كما صنع المؤلف حيث يقول: "وقد يكون من هذا القسم ما يصح فيه التقليد إذا كان متوجهًا على الانواع". "د".(10/17)
1 أي: لا يمكن توجه الخطاب إلا به، وتكون هذه دعوى دليلها ما بعدها، أو تجعل دليلًا للملازمة بعدها، ويكون المراد بحصوله حصول المكلف به مع قصده ونيته، أي: لا يتأتى امتثال التكليف إلا بمعرفة المكلف به وهي لا تكون إلا بهذا الاجتهاد، وهذا شرط لإمكان الامتثال وفقده رافع لهذا الإمكان؛ فيكون التكليف مع عدم إمكان الامتثال تكليفا بالمحال، والتكليف بالمحال غير واقع شرعًا، كما أنه غير ممكن عقلًا، وإنما يتم هذا بناء على أنه من باب تكليف المحال الراجع إلى المأمور لا إلى المأمور به، فهو نظير ما قيل في تكليف الغافل وأنه محال؛ لأن التكليف يعتمد العلم بالأمر وبالفعل المأتي به، وما نحن فيه -ما لم يحصل الاجتهاد المذكور- لا يحصل العلم بالمأتي به، أما التكليف بالمحال الذي يرجع المحال فيه إلى المأمور به وهو تكليف ما لا يطاق؛ فقد جعلوه خمسة أقسام: محال لذاته، ومحال للعادة، ومحال لطروء مانع كأمر المقيد بالمشي، وصححوا جواز التكليف بهذه الثلاثة وإن لم تقع، والرابع انتفاء القدرة عليه حالة التكليف مع وجودها حالة الامتثال، كما هو شأن جميع التكاليف عند الأشعري؛ لأن القدة عليه مقارنة للفعل، والخامس أن يكون عدم القدرة لتعلق علم الله بعدم حصوله كإيمان أبي جهل، وهذان واقعان، وبهذا اتضح كلام المؤلف. "د".
قلت: انظر بسط ذلك في "المسوَّدة" "80"، و"مختصر الطوفي" "11"، و"شرح الكوكب المنير" "1/ 484"، و"الإحكام" "1/ 137" للآمدي، و"المستصفى" "1/ 86"، و"العضد على ابن الحاجب" "2/ 9"، و"المحلى على جمع الجوامع" "1/ 206 - مع حاشية البناني"، و"تيسير التحرير" "2/ 135"، و"روضة الناظر" "1/ 18 - مع شرح ابن بدران"، و"القواعد والفوائد الأصولية" "57"، و"فواتح الرحموت" "1/ 123، 132"، و"إرشاد الفحول "9".(10/18)
ص -19-…أوضح دليل في المسألة.
وأما الضرب الثاني، وهو الاجتهاد الذي يمكن أن ينقطع؛ فثلاثة1 أنواع:
أحدها: المسمى بتنقيح المناط2، وذلك أن يكون الوصف المعتبر في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الاجتهاد يكون في كل ما دليله ظني من الشرعيات؛ فيكون في دلالات الألفاظ كالبحث عن مخصص العام، والمراد من المشترك وباقي الأقسام التي في دلالتها عى المراد خفاء، من المشكل والمجمل.... إلخ، كما يكون في الترجيح عند التعارض، إلى غير ذلك، وسيأتي للمؤلف كلام في مجال الاجتهاد؛ فقارنه بما هنا، وتأمل وجه حصره هنا فيما ذكره من تحقيق المناط وتنقيحه وتخريجه، وما بناه على ذلك من حصر ما يمكن انقطاعه فيما ذكره في الضرب الثاني. "د".
2 تنقيح المناط عندهم أن يدل نص ظاهر عل التعليل بوصف، أو يكون أوصاف في محل الحكم دل عليها ظاهر النص؛ فيجتهد الناظر في حذف خصوص الوصف أو بعضها، وينيط الحكم بالأعم أو بالباقي، وحاصله الاجتهاد في الحذف والتعيين، ويمثل له بحديث الأعرابي الذي قال: واقعت أهلي في نهار رمضان. فقال له صلى الله عليه وسلم: "اعتق رقبة"؛ فإن أبا حنيفة ومالكًا رضي الله عنهما حذفا خصوص المواقعة، وأنا الكفارة بمطلق الإفطار، كما حذف الشافعي رضي الله عنه غيرها من أوصاف المحل؛ ككون الواطئ أعرابيًا، وكون الموطوءة زوجة، وكون الوطء في القبل من الاعتبار وأناط الكفارة بها. "ف".
قال "ماء": "التنقيح مأخوذ من تنقيح النخل، وهو إزالة ما يستغنى عنه وإبقاء ما يحتاج إليه، وكلام منقح لا حشو باطنًا، ولا في الظواهر" ا. هـ.(10/19)
قلت: وحديث الأعرابي المذكور أخرجه البخاري في "الصحيح" "رقم 1937/ 2600، 5368، 6087، 6164، 6710، 6709، 6711، 6821"، ومسلم في "الصحيح" "2/ 871-783/ رقم 1111"، وأبو داود في "السنن" "رقم 2390، 2393"، والترمذي في "الجامع" "رقم 724"، وابن ماجه في "السنن" "رقم 1671"، والنسائي في "الكبرى"؛ كما في "التحفة" "9/ 327"، وأحمد في "المسند" "2/ 241، 516" عن أبي هريرة رضي الله عنه، وانظر الهامش الآتي.
وانظر: تنقيح المناط في: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "10/ 478، 19/ 14-17، 22/ =(10/20)
ص -20-…الحكم مذكورا مع غيره في النص؛ فينقح بالاجتهاد، حتى يميز ما هو معتبر مما هو ملغى، كما جاء في حديث الأعرابي الذي جاء ينتف شعره ويضرب صدره1.
وقد قسمه2 الغزالي إلى أقسام ذكرها في "شفاء الغليل"3، وهو مبسوط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
330، 21/ 326-329، 547، 34/ 122"، - ويبن أن الصواب أنه ليس من باب القياس-، و"المسودة" "387 "، و"مختصر الطوفي" "146"، و"شرح الكوكب المنير" "4/ 203"، و"روضة الناظر" "277"، و"المستصفى" "2/ 231"، و"شفاء الغليل" "412"، و"الإحكام" "3/ 436" للآمدي، و"نهاية السول" "3/ 74"، و"الإبهاج" "3/ 56"، و"المحلى على جمع الجوامع" "2/ 292"، و"تيسير التحرير" "4/ 42"، والمحصول" "2/ 2/ 315"، والتلويح على التوضيح "2/ 580"، ومفتاح الوصول" "147"، و" المحصول" "2/ 315"، و"التلويح على التوضيح" "2/ 580"، و"مفتاح الوصول" "147"، و"نشر البنود" "2/ 204"، و"إرشاد الفحول" "221"، و"مباحث العلة في القياس" "507" وما بعدها".
1 حديث الأعرابي مضي تخريجه في الهامش السابق، ولفظه -كما عند أحمد في الموطن الثاني: عن أني هريرة؛ أن أعرابيًا جاء يلطم وجهه، وينتف شعره، ويقول: ما أراني إلا قد هلكت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما أهلكك؟". قال: أصبت أهلي في رمضان. قال: "أتستطيع أن تعتق رقبة؟". قال: لا. قال: "أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟". قال: لا. قال: "أتستطيع أن تطعم ستين مسكنًا؟". قال: لا. وذكر الحاجة، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزنبيل -وهو المكتل فيه خمسة عشر صاعًا- أحسبه تمرًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أين الرجل؟". قال: "أطعم هذا". قال: يا رسول الله! ما بين لابتيها أحد أحوج منا أهل بيت. قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، قال: "أطعم أهلك".
2 قسموه باعتبار طرق الحذف إلى أربعة أنواع:(10/21)
أ- ما بين إلغاء بعض الاوصاف بثبوت الحكم بالباقي في محل آخر؛ فيلزم استقلال ا لمستبقي وعدم جزئيه المغلى.
ب- وبكونه مما علم إلغاؤه مطلقًا في أحكام الشارع، كالاختلاف بالطول والقصر والسواد والبياض؛ فلا يعلل بها حكم أصلًا.
ج- أو علم إلغاؤه في هذا الحكم المبحوث عنهه؛ كالذكورة والأنوثة في أحكام العتق. =(10/22)
ص -21-…في كتب الأصول، قالوا: وهو خارج عن باب القياس، ولذلك قال به أبو حنيفة مع إنكاره1 القياس في الكفارات، وإنما هو راجع إلى نوع من تأويل الظاهر.
والثاني: المسمى بتخريج2 المناط، وهو راجع إلى أن النص الدال على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= د- أو ألا يظهر للوصف المنظور في حذفه مناسبة بينه وبين الحكم بعد البحث عنها؛ قال في "المنهاج" "2/ 705 - مع شرح الأصفهاني": "قال في" "المحصول" "5/ 230": إن هذا- أعني المسمى بتنقيح المناط الذي يبين به إلغاء الفارق -طرق جيد؛ إلا أنه بعينه طريق السبر والتقسيم من غير تفاوت، هذا وفي أصول الحنفية أنهم لم يقبلوا الطريق الرابع منه، وما قيل إنه هو السبر والتقسيم بعينه هو قول الفخر الرازي، ورد بالفرق الظاهر؛ فالسبر لتعيين العلة استقلالًا أو اعتبارًا، والتنقيح لتعيين الفارق وإبطاله لا لتعيين العلة، قال الصفي الهندي: الحق أنه قياس خاص مندرج تحت مطلق القياس؛ فالقياس إما بذكر الجامع، أو بإلغاء الفارق، بأن يقال: لا فرق بين الأصل والفرع إلا كذا، وكذا لا مدخل له في العلية كما في إلحاق الأمة بالعبد في سراية العتق، يقال: لا فرق إلا الذكورة، وهي ملغاة اتفاقًا، ولما قال الغزالي: لا نعرف خلافًا في جواز تنقيح المناط؛ رد عليه العبدري بأن الخلاف ثابت بين مثبتي القياس ومنكريه لرجوعه للقياس، وهذا ولما قسموا القياس إلى قياس علة وقياس دلالة وقياس في معنى الأصل؛ قالوا: إن هذا هو القياس بنفي الفارق". "د".
3 انظر منه: "ص428 وما بعدها".
1 قال الآمدي: "وهذا الضرب وإن أقر به أكثر منكري القياس؛ فهو دون الأول، أعني تحقيق المناط. "د".
وكتب "ف" هنا ما نصه: "وسماه استدلالًا وفرق بينه وبين القياس بأن القياس ما كان الإلحاق فيه بجامع يفيد غلبة الظن، والاستدلال ما كان بجامع يفيد القطع".(10/23)
2 وذلك كالاجتهاد في إثبات أن الشدة المطربة هي علة حرمة الخمر مثلًا بمسلك من مسالك العلة المعتبرة، وككون القتل العمد العدوان علة لوجوب القصاص حتى يقاس على ذلك كل ما سواه؛ فهو نظر واجتهاد في معرفة علة حكم دل النص أو إجماع عليه دون علته، وهذا في الرتبة دون سابقيه، ولذا أنكره أهل الظاهر والشيعة وطائفة من البغداديين المعتزلة.
قال"ماء": "المناط؛ بفتح الميم: من الإناطة، وهي تعليق الشيء على الشيء وإلصاقه به، قال حسان:
وأنت زنيم نيط في آل هاشم…كما نيط خلف الراكب القدح الفرد(10/24)
ص -22-…الحكم لم يتعرض للمناط؛ فكأنه أخرج بالبحث، وهو الاجتهاد1 القياسي، وهو معلوم.
والثالث: هو نوع من تحقيق المناط المتقدم الذكر؛ لأنه2 ضربان:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وقال أبو تمام:
بلاد بها نيطت علي تمايمي…وأول أرض مس جلدي ترابها
أحب بلاد الله ما بين منعج…إلي وسلمًا أن تصوب سحابها
وسمي به؛ لأن العلة ربط بها الحكم وعلق عليها. قاله [في] "نشر البنود" [2/ 204]".
وكتب "ف" هنا ما نصه: "تخريج المناط هو إبداء ما نيط به الحكم، أي استنباطه وتعيينه بإبداء مناسبة بينه وبين الحكم مع الاقتران بينهما، والسلامة من القوادح؛ كاستنباط الإسكار في حديث مسلم: "كل مسكر حرام" بالنظر في الأصل, وحكمه ووصفه، فإن مجرد النظر في ذلك يعلم منه أن الإسكار لإزالته العقل حفظه، مناسب للحرمة، وقد اقترن بها، وسلم من القوادح" انتهى.
قلت: مضى تخريج حديث "كل مسكر حرام" في "4/ 34"، وهو صحيح.
وانظر في تخريج المناط: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "19/ 17-18 و22/ 337".
و"روضة الناظر" "278"، و"شرح الكوكب المنير" "4/ 200-202"، و"مختصر الطوفي" "146"، و"الإحكام" "3/ 436" للآمدي، و"المستصفى" "2/ 233"، و"الإبهاج" "3/ 58"، و"تيسير التحرير" "4/ 43"، و"شرح تنقيح الفصول" "389"، و"شرح العضد" "2/ 239"، و"مباحث العلة في القياس" "516-517".
1 هو بعضه، وإلا، ففي نوع القياس ذي العلة المنصوصة أو المجمع عليها لا يزال الاجتهاد القياسي موجودًا، وإن لم يدخل في مسمى تخريج المناط. "د".(10/25)
2 لعل الأصل: "إلا أنه"؛ أي: إن هذا القسم من تحقيق المناط ضربان: ما يرجع للأنواع، وما يرجع للجزئيات، لكن بالمعنى الخاص الذي سيفيض الكلام فيه، وهذان حكمهما حكم القسمين الأولين، يجوز انقطاعهما ولا يؤدي إلى ممنوع، وأما ما يرجع للجزئيات لكن بالمعنى العام الذي يستوي فيه المكلفون وينظر إليهم بنظر واحد، فهذا لا يجوز انقطاعه كما تقدم له هذا تخليص كلامه. "د".(10/26)
ص -23-…أحدهما: ما يرجع إلى الأنواع لا إلى الأشخاص، كتعيين1 نوع المثل في جزاء الصيد، ونوع الرقبة في العتق في الكفارات، وما أشبه ذلك، وقد تقدم التنبيه عليه.
الضرب الثاني: ما يرجع إلى تحقيق مناط فيما تحقق مناط حكمه، فكأن تحقيق2 المناط على قسمين:
- تحقيق عام، وهو ما ذكر.
- وتحقيق خاص من ذلك العام.
وذلك أن الأول نظر في تعيين المناط من حيث هو لمكلف ما، فإذا نظر المجتهد في العدالة مثلًا، ووجد هذا الشخص متصفا بها على حسب ما ظهر له، أوقع3 عليه ما يقتضيه النص من التكاليف المنوطة بالعدول، من الشهادات والانتصاب للولايات4 العامة أو الخاصة وهكذا إذا نظر في الأوامر والنواهي الندبية، والأمور الإباحية، ووجد المكلفين والمخاطبين على الجملة، أوقع عليهم أحكام تلك النصوص، كما يوقع عليهم نصوص الواجبات والمحرمات من غير التفات إلى شيء5 غير القبول المشروط بالتهيئة الظاهرة، فالمكلفون كلهم في أحكام تلك النصوص على سواء في هذا النظر.
أما الثاني، وهو النظر الخاص، فأعلى من هذا وأدق، وهو في الحقيقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "د" و"ف" و"م": "كتعين"، والمثبت من الأصل و"ماء" و"ط".
2 أي: في الجزئيات كما أشرنا إليه. "د".
3 في "م": "أو وقع".
4 في "ط": "للولاية".
5 أي: مما سيشير إليه بقوله: "يعرف به النفوس ومراميها.. إلخ"، أي التي هي المعارف المتعلقة بطب النفوسن وهي وظيفة مشايخ الطريق في الزمن السابق، ويظهر أنه تحقق ما يريد المؤلف الاستدلال على إمكانه، وهو خلو الزمن عن أصحاب هذا الاجتهاد. "د".(10/27)
ص -24-…ناشىء عن نتيجة التقوى المذكورة في قوله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}1. [الأنفال: 29].
وقد يعبر عنه بالحكمة، ويشير إليها قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269].
قال مالك: "من شأن ابن آدم أن لا يعلم ثم يعلم، أما سمعت قول الله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29]2.
وقال أيضًا: "إن الحكمة مسحة ملك على قلب العبد"3.
وقال أيضًا: "الحكمة نور يقذفه الله في قلب العبد"4.
وقال: "أيضًا يقع بقلبي أن الحكمة الفقه في دين الله، وأمر يدخله الله القلوب من رحمته وفضله"5.
وقد كره مالك كتابة العلم -يريد ما كان نحو الفتاوى؛ فسئل: ما الذي نصنع؟ فقال: تحفظون وتفهمون حتى تستنير قلوبكم، ثم لا تحتاجون إلى الكتاب.
وعلى الجملة، فتحقيق المناط الخاص نظر في كل مكلف بالنسبة إلى ما وقع عليه من الدلائل التكليفية، بحيث يتعرف منه مداخل الشيطان، ومداخل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: هداية ونورًا في قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل. "ماء".
2 أورد نحوه عن مالك القرطبي في "التفسير" "7/ 396"، وذكره القاضي عياض في "ترتيب المدراك" "1/ 186 - ط بيروت".
3 أورده القاضي عياض في "ترتيب المدارك" "1/ 186".
4 أورده القاضي عياض في "المدارك" "1/ 186"، وذكر المصنف عن مالك نحوه "1/ 105"، وخرجناه هناك، وفاتنا عزوه للدوري فيما رواه الأكابر "ص62" ولأبي نعيم "6/ 319".
5 أورد القاضي عياض في "المدارك" "1/ 186".(10/28)
ص -25-…الهوى والحظوظ العاجلة، حتى يلقيها1 هذا المجتهد على ذلك المكلف مقيدة بقيود التحرز من تلك المداخل، هذا بالنسبة إلى التكليف المنحتم وغيره2.
ويختص غير المنحتم بوجه آخر وهو النظر فيما يصلح بكل مكلف في نفسه، بحسب وقت دون وقت، وحال دون حال، وشخص، دون شخص إذ النفوس ليست في قبول الأعمال الخاصة على وزان واحد، كما أنها في العلوم والصنائع كذلك، فرب عمل صالح يدخل بسببه على رجل ضرر أو فترة، ولا يكون كذلك بالنسبة إلى آخر، ورب عمل يكون حظ النفس والشيطان فيه بالنسبة إلى العامل أقوى منه في عمل آخر، ويكون بريئًا من ذلك في بعض الأعمال دون بعض، فصاحب هذا التحقيق الخاص هو الذي رزق نورًا يعرف به النفوس ومراميها وتفاوت إدراكها، وقوة تحملها للتكاليف، وصبرها على حمل أعبائها أو ضعفها، ويعرف التفاتها إلى الحظوظ العاجلة أو عدم التفاتها، فهو يحمل على كل نفس من أحكام النصوص ما يليق بها، بناء على أن ذلك هو المقصود الشرعي في تلقي التكاليف، فكأنه يخص عموم المكلفين والتكاليف بهذا التحقيق، لكن مما ثبت عمومه3 في التحقيق الأول العام، ويقيد به ما ثبت إطلاقه في الأول، أو يضم قيدًا أو قيودًا لما ثبت له في الأول بعض القيود.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ماء": "يلتقيها".
2 فكل منها لا يدخله العجب به، والرياء، والسمعة، والاعتماد على العمل، وهكذا من تحميل النفس فيهما ما لا قدرة لها عليه؛ فيدخل بذلك في الضرر أو الحرج، فهذه القيود تخلص له العمل من تلك الشوائب. "د". وفي "ط": "المنحتم من غيره".
3 فتحقيق المناط العام المتقدم يلاحظ في هذا الخاص أيضًا؛ فمرتبة هذا الخاص تأتي بعد تحقيق العام في الشخص الذي ينظر فيه بالنظر الخاص، فلو لم يكن ممن ينطبق عليهم تعلق التكليف من الوجهة العامة بهذا النوع من العمل، لا يكون هناك محل للنظر الخاص في أنه يناسبه أو لا يناسبه.. إلخ "د".(10/29)
ص -26-…هذا معنى تحقيق المناط هنا.
وبقي الدليل على صحة هذا الاجتهاد، فإن ما سواه قد تكفل الأصوليون ببيان الدلالة عليه، وهو داخل تحت عموم تحقيق المناط، فيكون مندرجًا تحت مطلق الدلالة عليه، ولكن إن تشوف أحد إلى خصوص الدلالة عليه؛ فالأدلة عليه كثيرة نذكر منها ما تيسر بحول الله.
فمن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل في أوقات مختلفة، عن أفضل الأعمال، وخير الأعمال، وعرف بذلك في بعض الأوقات من غير سؤال، فأجاب بأجوبة مختلفة كل واحد منها لو حمل على إطلاقه أو عمومه لاقتضى مع غيره التضاد في التفضيل1، ففي "الصحيح" أنه عليه الصلاة والسلام سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله". قال: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". قال: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور"2.
وسئل عليه الصلاة والسلام: أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة لوقتها". قال: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين". قال: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ماء" "التفصيل" بالصاد المهملة.
2 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الإيمان، باب من قال إن الإيمان هو العمل، 1/ 77/ رقم 26، وكتاب الحج، باب فضل الحج المبرور، 3/ 381/ رقم 1519"، ومسلم في "الصحيح" "كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، 1/ 88/ رقم 83" عن أبي هريرة رضي الله عنه، والمذكورة لفظ مسلم، وزاد البخاري: "إيمان بالله ورسوله"، ولذ قال مسلم عقبه: "وفي رواية محمد بن جعفر قال: "إيمان بالله ورسوله".
3 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، 6/ 3 رقم 2782"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، 1/ 89/ رقم 85" عن ابن مسعود رضي الله عنه.(10/30)
ص -27-…وفي النسائي عن أبي إمامة، قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: مرني بأمر آخذه عنك. قال: "عليك بالصوم، فإنه لا مثل له"1.
وفي الترمذي: [سئل] أي الأعمال أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات"2.
وفي "الصحيح" في قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له".... إلخ،
قال: "ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به" الحديث3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه النسائي في "المجتبى" كتاب الصيام، باب ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب.. 4/ 165-166"، وابن أبي شيبة في "المصنف" "3/ 5" وأحمد في "المسند" "5/ 248-249، 255، 258"، وعبد الرزاق في "المصنف" "رقم 7899"، والطبراني في "الكبير" "رقم 7463، 7464، 7465"، وابن خزيمة في "الصحيح" "رقم 1893"، وابن حبان في "الصحيح" "8/ 211، 212، 213/ رقم 3425، 2426 - الإحسان ورقم 929، 930 - موارد"، والحاكم في "المستدرك" "1/ 421"، والأصبهاني في "الترغيب والترهيب" "رقم 1723" عن أبن أمامة، وإسناده صحيح.
وفي "ماء": "لا مثيل له".
2 أخرجه الترمذي في "الجامع" "أبواب الدعاء، باب منه، 5/ 458/ رقم 3376"، وأحمد في "المسند" "3/ 75"، وابن عدي في "الكامل" "3/ 981"، والبغوي في "شرحة السنة" "5/ 17/ رقم 1246، 1247" من طريق ابن ليهعة عن دراج أبي السمخ عن أبي الهيثم عن أبي سعيد به، ولفظه: "أي العباد"، وليس: "أي الأعمال".
قال الترمذي: "وهذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث دراج".
قلت: في رواية دراج عن أبي الهيثم ضعف، ولذا الحديث ضعيف، وهو في "ضعيف سنن الترمذي" "رقم 670".
ويغني عنه ما في "صحيح مسلم" "رقم 2676" عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سبق المفردون". قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذكرات". ولا يوجد فيه السؤال عن أفضل الأعمال ونحوه.(10/31)
3 أخرج البخاري في "الصحيح" "كتاب الدعوات، باب فضل التهليل، 11/ 201/ =(10/32)
ص -28-…وفي النسائي: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء"1.
وفي البزار: أي العبادة أفضل؟ قال: "دعاء المرء لنفسه"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= رقم 6403" عن أبي هريرة مرفوعًا: "من قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة؛ كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مئة حسن، ومحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه".
وفي "صحيح مسلم" "17/ 17-18 - بشرح النووي" عنه مرفوعًا: "من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مئة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه".
وفي رواية لأبي داود في "سننه" "رقم 5091": "سبحان الله العظيم وبحمده".
وانظر: "سلاح المؤمن" "ص271" لابن الإمام، و"الأذكار" للنووي: "1/ 220" تحقيق الأخ سليم الهلالي.
1 أخرجه الترمذي في "الجامع" "أبواب الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء، رقم 3370"، وابن ماجه في "السنن" "كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء، رقم 3829" والبخاري في "الأدب المفرد" "رقم 712"، والطيالسي في "المسند" "1/ 253 - منحة"، وأحمد "2/ 362"، والحاكم في "المستدرك" "1/ 490"، وابن حبان في "الصحيح" "3/ 151-152/ رقم 870 - الإحسان"، والطبراني في "الأوسط" "3/ 252-253/ رقم 2544"، وفي "الدعاء" "رقم 28" من طريق عمران القطان عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن عن أبي هريرة مرفوعًا.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا عمران".
قلت: إسناده حسن من أجل عمران القطان، وباقي رجاله ثقات، وفي عزو المصنف للنسائي نظر، بل هو خطأ، إذ لم يعزه له المزي في "تحفة الأشراف" "9/ 466/ رقم 12938"، ولا ابن الإمام في "سلاح المؤمن" "رقم 10"، ولا النووي في "الأذكار" "رقم 1166".(10/33)
2 أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" "رقم 715"، والحاكم في المستدرك "1/ 543"، والبزار في "المسند" "4/ 51/ رقم 3173، 3174 - زوائده" من طريق مبارك بن حسان عن عطاء عن عائشة به. وإسناده ضعيف؛ لضعف المبارك بن حسان، انظر: "تهذيب التهذيب" "10/ 26" و"الكامل في "الضعفاء" "6/ 2324".
وفي "ماء": "أي العبادات أفضل؟!".(10/34)
ص -29-…وفي الترمذي: "ما من شيء أفضل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من خلق حسن"1.
وفي البزار: "يا أبا ذر! ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما؟ عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده، ما عمل الخلائق بمثلهما"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الترمذي في "الجامع" "أبواب البر والصلة، باب ما جاء في حسن الخلق، رقم 2003"، والطبراني في "من اسمه عطاء من رواة الحديث "رقم 13" من طريق طريف بن مطرف، وأحمد في "المسند" "6/ 442"، والبخاري في "التاريخ الكبير" "6/ 468"-ولم يسق لفظه، وأبو نعيم "في الحلية" "7/ 107" من طريق الحسن بن مسلم، كلاهما عن عطاء الطيخاراني عن أم الدرداء عن أبي الدرداء به، وإسناده صحيح.
ورواه عن عطاء بنحوه: القاسم بن أبي بزة، وأخرجه من طريقه أبو داود في "السنن" "كتاب الأدب، باب في حسن الخلق، رقم 4799"، وابن أبي شيبة في "المصنف" 8/ 516"، وأحمد في "المسند" "6/ 446/ 448"، والبخاري في "الأدب المفرد" "رقم 270"، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" "ص9"، وابن أبي الدنيا في "التواضع" "رقم 173"، وتابع عطاء: يعلى بن مملك كما عند عبد الرزاق في "المصنف" "رقم 20157"، وا لترمذي في "الجامع" "رقم 2002"، وأحمد في "المسند" "6/ 451"، والبزار في "المسند" "رقم 1975 - زوائده" والبغوي في "شرح السنة" "رقم 3496"، وابن أبي الدنيا في "التواضع" "رقم 172"، والحديث صحيح.
2 أخرجه ابن أبي عاصم في "الزهد" "رقم 2"، وأبو يعلى في "المسند" "6/ 53/ رقم 3298"، والبزار في "المسند" "4/ 220/ رقم 3573 - زوائده"، وابن أبي الدنيا في "الصمت" "رقم 554"، وابن حبان في "المجروحين" "1/ 191"، والطبراني في "الأوسط" "رقم 7099" من طريق بشار بن الحكم عن ثابت البناني عن أنس مرفوعًا.(10/35)
إسناده ضعيف، بشار بن الحكم، قال أبو زرعة: "شيخ بصري منكر الحديث"، وقال ابن حبان: "منكر الحديث جدًّا، ينفرد عن ثابت بأشياء ليست من حديثه كأنه ثابت آخر، لا يكتب حديثه إلا على جهة التعجب" ومنه تعلم ما في قول الهيثمي في "المجمع" "8/ 22": "ورجال أبي يعلى ثقات"! وكذا قول البوصيري -كما في هامش "المطالب العالية" "رقم 2540": "ورواته ثقات".
وأخرج نحوه هناد في "الزهد" "رقم 1129"، وابن أبي الدنيا في "المصنف" "رقم 646" تعن الشعبي مرسلًا، وإسناده ضعيف، فيه مبهم وضعيف.(10/36)
ص -30-…وفي مسلم: أي المسملين خير؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده"1.
وفيه: سئل: أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف"2.
وفي "الصحيح": "وما أعطي أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في "الصحيح" "كتاب الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل، 1/ 65/ رقم 40 بعد 64" عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وأخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الإيمان، باب أي الإسلام أفضل، 1/ 54/ رقم 11"، ومسلم في "الصحيح" "كتاب الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل، 1/ 66" عن أبي موسى بلفظ: "أي الإسلام أفضل؟".
2 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الإيمان، باب إطعام الطعام من الإسلام، 1/ 55/ رقم 12، وباب إفشاء السلام من الإسلام، 1/ 82/ رقم 28"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل، 1/ 65/ رقم 39 بعد 63" عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
3 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، 3/ 335/ رقم 1469"، ومسلم في "الصحيح" "كتاب الزكاة، باب فضل التعفف والصبر، 2/ 729/ رقم 1053" عن أبي سعيد مرفوعًا، وهو جزء في آخر الحديث.(10/37)
ص -31-…وفي الترمذي: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"1.
وفيه: "أفضل العبادة انتظار الفرج"2.
إلى أشياء من هذا النمط جميعها يدل على أن التفضيل ليس بمطلق، ويشعر إشعارًا ظاهرًا بأن القصد إنما هو بالنسبة3 إلى الوقت أو إلى حال السائل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، 9/ 74/ رقم 5027، 5028"، والترمذي في "الجامع" "أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء في تعليم القرآن، 5/ 173/ رقم 2907"، وأبو داود في "كتاب الصلاة، باب في ثواب قراءة القرآن، رقم 1452"، والنسائي في "فضائل القرآن" "رقم 61"، وغيرهم عن عثمان رضي الله عنه.
2 أخرجه الترمذي في "الجامع" "أبواب الدعوات، باب في انتظار الفرج وغير ذلك، 5/ 565/ رقم 3571"، وابن أبي الدنيا في "الفرج بعد الشدة" "رقم 2" و"القناعة والتعفف" رقم 79، والطبراني في الكبير "10/ 124" رقم 188، والدعاء "رقم 22"، والأوسط "2/ ق15/ أ" من طريق حماد بن واقد عن إسرائيل عن إبي إسحاق الهمداني عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رفعه: "سلوا الله من فضله، فإن الله عز وجل يحب أن يُسأَل وأفضل...".
قال الطبراني: "ولم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا إسرائيل، تفرد به حماد بن واقد، ولا يروى عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد"، وقال الترمذي عقبه: "هكذا روى حماد بن واقد في هذا الحديث، وقد خولف في روايته، وحماد بن واقد هذا هو الصفار ليس بالحافظ، وهو عندنا شيخ بصرى، وروى أبو نعيم هذا الحديث عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل"، قال: "وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح".
قلت: وحكيم بن جبير متهم، وإن كان الأصح في حديثه الإرسال: فالحديث ضعيف جدًا.(10/38)
وورد عن ابن عمر وابن عباس وأنس وعلي بلفظ: "انتظار الفرج بالصبر عبادة"، وطرقه كلها معلولة، ومدارها على كذابين ووضاعين؛ إلا حديث علي فهو ضعيف جدًا، انظر: "السلسلة الضعيفة" "رقم 1572، 1573".
3 فهو من تحقيق المناط وتعيين الصورة التي توجد فيها الأفضلية بالنسبة للوقت أو السائل. "د".(10/39)
ص -32-…وقد دعا1 عليه السلام لأنس بكثرة المال فبورك له فيه.
وقال لثعلبة بن حاطب حين سأله2 الدعاء له بكثرة المال: "قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه"3.
وقال لأبي ذر: "يا أبا ذر إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تَأَمَّرنَّ على اثنين ولا تولين مال يتيم"4.
ومعلوم أن كلا العملين5 من أفضل الأعمال لمن قام فيه بحق الله وقد قال في الإمارة والحكم: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن" الحديث6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته" أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الدعوات، باب قول الله تبارك وتعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِم} 11/ 136/ رقم 6334، وباب الدعاء بكثرة المال والوالد مع البركة، 11/ 182/ رقم 6378، 6379، وباب الدعاء بكثرة الولد مع البركة، 11/ 183/ رقم 6380، 6381"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الجماعة في الناقلة.... 1/ 458/ رقم 660، وكتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أنس رضي الله عنه 4/ 1928/ رقم 2480" عن أم سليم رضي الله عنهما.
2 أي: ولم يقبل الإرشاد لما يناسب نفسه، ونزل فيه: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} الآية [التوبة: 75]؛ فكان هذا من معجزات علم الغيب. "د".
قلت: لم يثبت ذلك كما قال المحققون من علماء الحديث.
3 مضي تخريجه "2/ 448"، وهو ضعيف.
4 مضى تخريجه في "2/ 448"، وفي الأصل: "ولا تَلِيَنَّ مال يتيم".
"5" في "ط": "كلًّا من العملين".(10/40)
"6" تتمة الحديث: "وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"، أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل 3/ 1458/ رقم 1827 والنسائي في "المجتبى" "كتاب آداب القضاة، باب فضل الحاكم العادل في حكمه، 8/ 221"، والحميدي في "المسند" "2/ 268/ رقم 588"، وأحمد في "المسند" "2/ 160"، وابن المبارك في "الزهد" "رقم 1484"، والآجري في "الشريعة" "ص322"، وابن زنجويه في "الأموال" "1/ 66" ومن طريقه البغوي في "التفسير" "2/ 93، "وشرح السنة" "10/ 63"، والبيهقي في "السنن الكبرى "10/ 87" والهروي في "الأربعين في دلائل التوحيد" رقم "16"، وأبو نعيم في "فضيلة العادلين" "رقم 13 بتحقيقي" عن عبد الله بن عمرو بن العاص.(10/41)
ص -33-…وقال: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة"، ثم نهاه عنهما لما علم له خصوصا في ذلك من الصلاح.
وفي "أحكام إسماعيل بن إسحاق" عن ابن سيرين؛ قال: كان أبو بكر يخافت، وكان عمر يجهر -يعني: في الصلاة؛ فقيل لأبي بكر: كيف تفعل؟ قال: أناجي ربي وأتضرع إليه، وقيل لعمر: كيف تفعل؟ قال: أوقظ الوسنان، وأخسأ الشيطان، وأرضي الرحمن. فقيل لأبي بكر: "ارفع شيئا" وقيل لعمر: "اخفض شيئا"2 وفسر بأنه عليه الصلاة والسلام قصد3 إخراج كل واحد منهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "3/ 294".
2 أخرجه الترمذي في "الجامع" "أبواب الصلاة، باب ما جاء في قراءة الليل، رقم 447"، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" "4/ 30-31/ رقم 919" والتفسير" "4/ 190"، وأبو داود في "السنن" "كتاب الصلاة، باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، رقم 1329"، وابن خزيمة في "الصحيح" "رقم 1161" ومن طريقه ابن حبان في "الصحيح" "3/ 6-7/ رقم 733 - الإحسان"، والحاكم في "المستدرك" "1/ 310" من طريق يحيى بن إسحاق السليحينى عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة مرفوعًا بنحوه، وإسناده صحيح على شرط مسلم.
قال الترمذي عقبه: "هذا حديث غريب، وإنما أسنده يحيى بن إسحاق عن حماد بن سلمة، وأكثر الناس إنما رووا هذا الحديث عن ثابت عن عبد الله بن رباح مرسلًا".
قلت: يحيى ثقة، وقد وصل الحديث؛ فوصله من باب زيادة الثقة إن شاء الله تعالى؛ فهذه علة لا تضر، ولا سيما أن له شاهدًا عن أبي هريرة، عند أبي داود في "السنن" "رقم 1330" بإسناد حسن، وعن علي عند أحمد في "المسند" "1/ 109"، ورجاله ثقات، وانظر: "التهجد" لعبد الحق الإشبيلي "ص 166".
وفي "د": "وقيل لعمرو"، والصواب: "لعمر".(10/42)
ص -34-…عن اختياره وإن كان قصده صحيحًا.
وفي "الصحيح": أن ناسا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: "وقد وجدتموه؟" قالوا: نعم. قال: "ذلك صريح الإيمان"1.
وفي حديث آخر: "من وجد من ذلك شيئًا، فليقل: آمنت بالله"2.
وعن ابن عباس في مثله؛ قال: "إذا وجدت شيئا من ذلك فقل: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} [الحديد: 3]3. فأجاب4 النبي عليه الصلاة والسلام بأجوبة مختلفة، وأجاب ابن عباس بأمر آخر والعارض من نوع واحد.
وفي "الصحيح": "إني أعطي الرجل وغيره أحب إلي منه، مخافة أن يكبه الله في النار"5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها 1/ 119/ رقم 132" عن أبي هريرة رضي الله عنه.
3 أخرجه أبو داود في "السنن" "كتاب الأدب، باب في رد السنة 4/ 329/ رقم 5110"، واللالكائي -مختصرا- في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" "5/ 920/ رقم 1663"، وإسناده حسن: انظر: "صحيح سنن أبي داود" "3/ 962/ رقم 4262".
4 أقول: وأجاب من سأله عن المباشرة للصائم بالمنع، وأجاب آخر بالجواز، ثم ظهر أن الأول شاب والثاني شيخ. "د".
5 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الإيمان، باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل 1/ 79/ رقم 27، وكتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {لَا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} 3/ 340-341/ رقم 1478"، ومسلم في "الصحيح" "كتاب الإيمان: باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه 1/ 132/ رقم 150" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.(10/43)
ص -35-…وآثر عليه الصلاة والسلام في بعض الغنائم قومًا، ووكل قومًا إلى إيمانهم1 لعلمه بالفريقين، وقبل عليه الصلاة والسلام من أبي بكر ماله كله2، وندب غيره إلى استبقاء بعضه وقال: "أمسك عليك بعض مالك؛ فهو خير لك"3، وجاء آخر بمثل البيضة من الذهب؛ فردها في وجهه4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم" يعطي المؤلفة قلوبهم 6/ 251/ رقم 3150" عن عبد الله بن مسعود؛ قال: "لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسًا في القسمة؛ فأعطى الأقرع بن حابس مئة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسًا من أشراف العرب، فآثرهم يومئذ في القسمة".
وما أخرجه البخاري أيضًا في الكتاب والباب نفسه "رقم 3147" عن أنس أن ناسًا من الأنصار قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من أموال هوازن ما أفاء: "فطفق يعطي قريشًا ويدعنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم". قال أنس: فحدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قبة من أدم، ولم يدع معهم أحدًا غيرهم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما كان حديث بلغنى عنكم؟". فقال له فقهاؤهم: "أما ذوو آرائنا يا رسول الله؛ فلم يقولوا شيئًا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم؛ فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطي قريشًا ويترك الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعطي رجالًا حديث عهدهم بكفر، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعوا إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به؟".
2 مضى تخريجه "3/ 70".(10/44)
3 مضى تخريجه "3/ 70"، وقوله صلى الله عليه وسلم هذا لكعب بن مالك حيث أراد أن ينخلع عن ماله بعد قبول توبته.
4 يشير إلى ما أخرجه أبو داود في "سننه" "كتاب الزكاة، باب الرجل يخرج من ماله، 2 =(10/45)
ص -36-…وقال علي: "حدثوا الناس بما يفهمون، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله؟!"1، فجعل إلقاء العلم مقيدًا، فرب مسألة تصلح لقوم دون قوم2، وقد قالوا في الرباني: إنه الذي يعلم3 بصغار العلم قبل كباره4، فهذا الترتيب من ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= / 128/ رقم 1673 عن جابر بن عبد الله، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهب، فقال: يا رسول الله! أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة، ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من خلفه، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته، أو لعقرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي أحدكم بما يملك، فيقول: هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى".
وأخرجه الدارمي في "سننه" "1/ 391"، وابن خزيمة في "صحيحه" "4/ 98/ رقم 2441"، وأبو يعلى في "المسند" "رقم 2084"، وابن حبان في "الصحيح" "8/ 165-166/ رقم 3372، الإحسان"، والحاكم في "المستدرك" "1/ 413"، والبيهقي في "الكبرى" "4/ 181".
قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي.
قلت: فيه ابن إسحاق: أخرج له مسلم مقرونًا بغيره، وهو مدلس، وقد عنعن، ولم يصرح بالتحديث، فالإسناد ضعيف.
نعم، صح قوله صلى الله عليه وسلم: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى"، لوروده من طريق آخر عند أحمد في "المسند" "3/ 346"، ولوجود شاهد له عن أبي هريرة عند البخاري في "الصحيح" "رقم 1428" وغيره.
1 مضى تخريجه "1/ 124"، وانظر عنه: "مجموع فتاوى ابن تيمية "13/ 260، 261".
2 في "د": "لقوم".
3 في "ط": "الذي يربي".(10/46)
4 ذكره البخاري في "صحيحه" كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل 1/ 160 - فتح" عقب قول ابن عباس: "كونوا ربانيين: حلماء فقهاء"، ثم قال: "ويقال: الرباني: الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره".(10/47)
ص -37-…وروى عن الحارث بن يعقوب، قال: "الفقيه كل الفقيه من فقه في القرآن، وعرف مكيدة الشيطان"1، فقوله: "وعرف مكيدة الشيطان" هو النكتة في المسألة.
وعن أبي رجاء العطاردي، قال: "قلت للزبير بن العوام: ما لي أراكم يا أصحاب محمد من أخف الناس صلاة؟ قال: نبادر الوسواس"2.
هذا مع أن التطويل مستحب، ولكن جاء ما يعارضه، ومثله حديث: "أفتَّان أنت يا معاذ؟"3.
ولو تتبع هذا النوع لكثر جدًّا، ومنه ما جاء عن الصحابة والتابعين وعن الأئمة المتقدمين، وهو كثير.
وتحقيق المناط في الأنواع واتفاق الناس عليه في الجملة مما يشهد له4 كما تقدم، وقد فرع العلماء عليه، كما قالوا في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} الآية [المائدة: 33]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 817/ رقم 1528" بسنده إليه.
2 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" "2/ 366-367، 367/ رقم 3727، 3730"، وابن عساكر وابن النجار، كما في "كنز العمال" "1/ 398/ رقم 1706"، وإسناده صحيح.
3 أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"" ومضى تخريجه "1/ 528، 2/ 248".
وكتب "د": "وكان معاذ يطوِّل بهم في الصلاة؛ فيقرأ بالبقرة، وفيهم أصحاب الحاجات فشكوه، أي: مع أن التطويل مطلوب في الأصل".
قلت: انظر في شرح الحديث: تهذيب سنن أبي داود" "1/ 415-417"، و"زاد المعاد" "1/ 212"، كلاهما لابن القيم.
4 أي: يشهد للنظر الشخصي الخاص، ويفريعهم على مناط الأنواع كما في الأمثلة لا يتم إلا بالنظر الشخصي الخاص، فلذلك كان النوعي شاهدًا للشخصي الخاص الذي هو بصدد إثباته. "د".(10/48)
ص -38-…إن الآية تقتضي مطلق التخيير، ثم رأوا أنه مقيد بالاجتهاد، فالقتل في موضع والصلب في موضع، والقطع في موضع والنفي في موضع، وكذلك التخيير في الأسارى من المن والفداء.
وكذلك جاء في الشريعة الأمر بالنكاح وعدوه من السنن، ولكن قسموه إلى الأحكام الخمسة، ونظروا في ذلك في حق كل مكلف وإن كان نظرا نوعيا؛ فإنه لا يتم إلا بالنظر الشخصي، فالجميع في معنى واحد، والاستدلال على الجميع واحد، ولكن قد يستبعد ببادىء الرأي وبالنظر الأول؛ حتى يتبين مغزاه ومورده من الشريعة، وما تقدم وأمثاله كافٍ مفيد للقطع بصحة هذا الاجتهاد، وإنما وقع التنبيه عليه؛ لأن العلماء قلَّما نبهوا عليه على الخصوص، وبالله التوفيق.
فإن قيل: كيف تصح دعوى التفرقة بين هذا1 الاجتهاد المستدل عليه2 وغيره من أنواع الاجتهاد، مع أنهما في الحكم سواء؟ لأنه إن كان غير منقطع فغيره كذلك، إذ لا يخلو أن يراد بكونه غير منقطع أنه لا يصح ارتفاعه [بالكلية، وإن صح إيقاع بعض جزئياته، أو يراد
أنه لا يصح ارتفاعه] ولا بالجزئية وعلى كل تقدير فسائر أنواع الاجتهاد كذلك.
أما الأول؛ فلأن الوقائع في الوجود لا تنحصر؛ فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره، فلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو تحقيق المناط بالمعنى الأول. "د".
"2: أي: على أنه لا يرتفع من الدنيا ما دام التكليف موجودًا. "د".(10/49)
3 لعل الأصل: "بالكلية أو بالجزئية"، أي: لا يخلو أن يكون هناك بالانقطاع الممنوع هو الارتفاع كليًا بحيث لا يكون له وجود أصلًا، أي: وأما ارتفاعه في بعض الجزئيات مع بقائه في البعض الآخر؛ فليس بممنوع، أو يكون غرضك أنه لا يرتفع أصلًا ولا في جزئية، وقد فرع على الأول ما يفيد استواءهما في عدم الارتفاع كليًا، وعلى الثاني ما يفيد استواءهما في أنه لا ضرر في تعطل بعض الجزئيات في كل من النوعين. "د". وما بين المعقوفتين من "ط" فقط.(10/50)
ص -39-…بد من حدوث وقائع لا تكون منصوصًا على حكمها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد، وعند ذلك؛ فإما أن يترك الناس فيها مع أهوائهم، أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهو أيضًا اتباع للهوى، وذلك كله فساد؛ فلا يكون بد من التوقف لا إلى غاية، وهو معنى تعطيل التكليف لزومًا، وهو مؤدٍّ إلى تكليف ما لا يطاق1؛ فإذًا لا بد من الاجتهاد في كل زمان؛ لأن الوقائع المفروضة لا تختص بزمان دون زمان.
وأما الثاني: فباطل؛ إذ لا يتعطل مطلق التكليف بتعذر الاجتهاد في بعض الجزئيات، فيمكن ارتفاعه في هذا النوع الخاص وفى غيره2، فلم يظهر بين الاجتهادين فرق.
فالجواب: أن الفرق بينهما ظاهر من جهة أن هذا النوع الخاص كلي في كل زمان، عام في جميع الوقائع أو أكثرها، فلو فرض ارتفاعه لارتفع معظم التكليف الشرعي أو جميعه، وذلك غير صحيح؛ لأنه إن فرض في زمان ما ارتفعت الشريعة ضربة لازب3 بخلاف غيره، فإن الوقائع المتجددة التي لا عهد بها في الزمان المتقدم قليلة بالنسبة إلى ما تقدم، لاتساع النظر والاجتهاد من المتقدمين فيمكن تقليده فيه؛ لأنه معظم الشريعة، فلا تتعطل الشريعة بتعطل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: فدليلك بعينه يجري في الأنواع الثلاثة أيضًا؛ فرفع الاجتهاد فيها يؤدي إلى تكليف المحال؛ فلا وجه لهذه التفرفة، بقي أن يقال: إن هذا غير ما أجراه في الدليل هناك قال: "لكان تكليفًا بالمحال، وهو غير ممكن شرعًا، كما أنه غير ممكن عقلًا"، والتزمنا هناك تصحيح كلامه، بجعله من التكليف المحال، ورجعه إلى تكليف الغافل، ولكنه هنا جعله من تكليف ما لا يطاق، وهو التكليف بالمحال، وهو جائز عقلًا، غايته أنه غير واقع في الشرع، والظاهر أن غرضه هنا عين ما تقدم له. "د".
2 لعله: وفي غيره كذلك"؛ أي: في غير الاجتهاد المستدل عليه من أنواع الاجتهاد.
"ف".
3 في "ط": "لازم".(10/51)
ص -40-…بعض الجزئيات، كما لو فرض العجز في تحقيق المناط في بعض الجزئيات دون السائر؛ فإنه لا ضرر على الشريعة في ذلك؛ فوضح أنهما ليسا سواء2، والله أعلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "اجتهاد تحقيق".
2 إذ إنه إذا تعطلت الأنواع الثلاثة؛ فإنما يتعطل قليل من فروع الشريعة، بخلاف تحقيق المناط المستدل على عدم ارتفاعه، فإن تعطله يقتضي تعطل جميع فروع الشريعة، أو على الأقل معظمها. "د".(10/52)
ص -41-…المسألة الثانية:
إنما تحصل1 درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين:
أحدهما: فهم2 مقاصد الشريعة على كمالها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سيأتي في المسألة الخامسة والسادسة ما يفيد أن هذا الحصر ليس تحقيقًا، وأنه بالنسبة لبعض أنواع الاجتهاد فقط، وأن بعضها يحتاج لأكثر من الوصفين، وبعضها لا يتوقف عليهما. "د".
2 لم نر من الأصوليين من ذَكَر هذا الشرط الذي جعله الأول، بل جعله السبب، أما التمكن من الاستنباط؛ فهو الذي اقتصرت عليه كتب الأصول المشتهرة، وجعلوه يتحقق بمعرفة الكتاب والسنة، أي ما يتعلق منهما بالأحكام، ثم بمعرفة مواقع الإجماع، وشرائط القياس، وكيفية النظر، وعلم العربية، والناسخ والمنسوخ، وحال الرواة، وهذه هي المعارف التي أشار إليها المؤلف، ثم رأيت في "إرشاد الفحول" "ص258" للشوكاني نقل الغزالي [في "المنخول" "ص366-367" وهو مأخوذ -كما هو معلوم- عن إمام الحرمين الجويني، والمذكور في كتابه "البرهان" "2/ 927، 338"] عن الشافعي -بعد بيان مفيد ينبغي للمجتهد أن يعمله؛ قال: "ويلاحظ القواعد الكلية أولًا، ويقدمها على الجزيئات، كما في القتل بالمثقل، فتقدم قاعدة الردع على مراعاة الاسم، فإن عدم قاعدة كلية نظر في النصوص ومواقع الإجماع" ا. هـ. وهذا بعينه ما يشير إليه المؤلف هنا، وأوضحه إيضاحًا كافيًا في المسألة الأولى من كتاب الأدلة؛ إلا أنه يبقى الكلام فيما نقله في "التبصرة" "1/ 56 - لابن فرحون" عن القرافي في نقض حكم الحاكم إذا خالف القياس والنص والقواعد، حيث قال: "ما لم يكن هناك معارض لها؛ فلا ينقض الحكم إجماعًا، كما في صحة عقد القراض، والمساقاة والسلم والحوالة ونحوها؛ فإنها على خلاف قواعد الشرع والنصوص والقياس، ولكن الأدلة الخاصة مقدمة على القواعد والنصوص والأقيسة"، ولا يخفى مخالفة هذا لما قرره المؤلف هنا، وما سبطه سابقًا، وما نقله الغزالي عن الشافعي، اللهم إلا إن(10/53)
يقال: معنى تقديم الدليل الخاص على القواعد في كلام القرافي تخصيصه لها، والأخذ به في موضع المعارضة إذا لم تتحقق استقامة الحكم بالكلي فيه؛ كالعرايا وسائر المستثنيات، كما تقدم للمؤلف هناك. "د".
قلت: ذكر ابن السبكي في "جمع الجوامع" "2/ 383" نقلًا عن والده في تعريف "المجتهد": "هو مَن هذه العلوم ملكة له، وأحاط بمعظم قواعد الشرع، ومارسها بحيث اكتسب قوة =(10/54)
ص -42-…والثاني: الممكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها.
أما الأول؛ فقد مر في كتاب المقاصد أن الشريعة مبنية على اعتبار المصالح، وأن المصالح إنما اعتبرت من حيث وضعها الشارع كذلك، لا من حيث إدراك1 المكلَّف؛ إذ المصالح تختلف عند ذلك بالنسب والإضافات2،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= يفهم بها مقصود الشارع". وذكر فيه "2/ 401" في شروط المجتهد "معرفة القواعد الكلية"، ثم ذكر عن الشافعي نحو ما عند الشوكاني، وبين البناني في "حاشيته" عليه أن هذا الاشتراط لا يخرج عن معرفة الآيات والأحاديث المتعلقة بالأحكام، فمن لم يذكر هذا الشرط -وكذا شرط معرفة المقاصد؛ فقد اعتبره مفهومًا من معرفة القرآن والسنة، فلا بد للمجتهد من أن يعرف جزئياتهما وكلياتهما، ويدرك أيضًا العلل والمصالح المنوطة بالأحكام، ومن الأصوليين من أشار إلى ذلك؛ كابن قدامة، فإنه قال في "روضة الناظر" "2/ 406 - مع شرح مختصر الروضة": "ولا بد من إدراك دقائق المقاصد في الكتاب والسنة".
وذكر ذلك علي بن عبد الكافي في السبكي في مقدمة "شرح المنهاج" "1/ 8"؛ حيث علق كمال رتبة الاجتهاد على ثلاثة أشياء، آخرها: "أن يكون له من الممارسة والتتبع لمقاصد الشريعة، ما يكسبه قوة يفهم منها موارد الشرع من ذلك، ومن يناسب أن يكون حكمًا لها في ذلك المحل".
وقال ابنه في "الابتهاج بشرح المنهاج" "3/ 206" أن العالم إذا تحققت له رتبة الاجتهاد جاز تقليده، وذكر من شروط ذلك "الاطلاع على مقاصد الشريعة، والخوض في بحارها".
وانظر: "الاجتهاد" "ص192" للسيد محمد موسى، و"الاجتهاد" "ص96-101" لنادية العمري، و"نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي" "287-290".
1 أي: الإدراك البحث الذي لم يراع فيه الحيثية المذكورة. "د".(10/55)
2 كما تقدم له أنها تكون منافع أو مضار في حال دون حال، ووقت دون وقت، ولشخص دون شخص، وأن الأغراض في الأمر الواحد تختلف، بحيث إذا نفذ غرض بعض تضرر آخر لمخالفة غرضه؛ فوضع الشريعة لا يصح أن يكون تبعًا لما يراه المكلف مصلحة؛ لأنه لا يستتب الأمر مع ذلك، بل بحسب ما رسمه الشرع من إقامة الحياة الدينا للحياة الآخرة، ولو نافت الأهواء والأغراض {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [المؤمنون: 71]، وتقدم الدليل على ذلك، وأن العقلاء في الفترات كانوا يحافظون على اعتبار المصالح بحسب عقولهم، لكن على وجه لم يهتدوا به إلى النصفة والعدل، بل مع الهرج، وكانت المصلحة تفوت مصلحة أخرى، وتهدم قاعدة أو قواعد؛ فجاء الشرع بالميزان الذي يجمع بين المصالح في كل وقت. "د".(10/56)
ص -43-…واستقر بالاستقراء التام أن المصالح على ثلاث1 مراتب، فإذا بلغ الإنسان مبلغًا، فهم عن الشارع فيه قصده في كل مسألة2 من مسائل الشريعة، وفي كل باب من أبوابها فقد حصل له وصف هو السبب3 في تنزله منزلة الخليفة للنبي صلى الله عليه وسلم في التعليم والفتيا والحكم بما أراه الله.
وأما الثاني: فهو كالخادم للأول؛ فإن التمكن من ذلك إنما هو بواسطة معارف محتاج إليها في فهم الشريعة أولا، ومن هنا كان خادما4 للأول، وفي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: لا تعدوها وإن حصل اختلاف في بعض جزئياتها أنها من الضروريات أو من الحاجيات أو مكملات إحداهما مثلًا. "د".
2 هذا على القول المرجوح من عدم القول المرجوح من عدم جواز تجزؤ الاجتهاد، فأما على جواز ذلك وهو الراجح المختار للغزالي، وقال ابن السبكي: "إنه الصحيح؛ فلا يشترط الفهم المذكور لغير المسألة التي يتعلق بها اجتهاده". قال في "المحصول" "6/ 25": "والحق [أنه يجوز] أن [تحصل] صفة الاجتهاد تحصل في فن، بل في مسألة دون مسألة". "د".
قلت: انظر في مسألة تجزئ الاجتهاد: المستصفى" "2/ 353-354"، و"الأحكام" "4/ 164" للآمدي، و"المرآة" "2/ 469" مع "حاشية الإزميري"، و"البحر المحيط" "4/ 473 و6/ 209" للزركشي، و"شرح تنقيح الفصول" "430"، و"المعتمد" "2/ 929"، و"التقرير والتحبير" "3/ 294"، و"مقدمة المجموع" "1/ 71"، و"إرشاد الفحول" "254-255"، وإعلام الوقعين "216-217"، و"جمع الجوامع" "2/ 405-406 - مع حاشية البناني"، و"شرح العضد على ابن الحاجب" "2/ 290-291"، "وفواتح الرحموت" "2/ 364"، و"الاجتهاد في الإسلام" "ص164-173" لنادية العمري.
3 لا ينافي أنه لا بد من الوصف الآخر وهو التمكن؛ لأنه جعله شرطًا، وسمى هذا سببًا. "د".
4 لأنه لا يفهم مقاصد الشريعة إلا بواسطة هذه المعارف، وقد تقدم أنه لا بد من الكليات =(10/57)
ص -44-…استنباط الأحكام ثانيًا، لكن لا تظهر ثمرة الفهم إلا في الاستنباط؛ فلذلك جعل شرطا ثانيًا، وإنما كان الأول هو السبب في بلوغ هذه المرتبة؛ لأنه المقصود والثاني وسيلة.
لكن1 هذه المعارف تارة يكون الإنسان عالمًا بها مجتهدًا فيها، وتارة يكون حافظًا لها متمكنًا من الاطلاع على مقاصدها غير بالغ رتبة الاجتهاد فيها، وتارة يكون غير حافظ ولا عارف؛ إلا أنه عالم بغايتها وأن له افتقارًا2 إليها في مسألته التي يجتهد فيها؛ فهو بحيث إذا عنت له مسألة ينظر فيها زاول أهل المعرفة بتلك المعارف المتعلقة بمسألته؛ فلا يقضي فيها إلا بمشورتهم، وليس بعد هذه المراتب الثلاث مرتبة يعتد بها في نيل المعارف المذكورة.
فإن كان مجتهدا فيها كما كان مالك في علم الحديث، والشافعي في علم الأصول؛ فلا إشكال، وإن كان متمكنا من الاطلاع على مقاصدها كما قالوا في الشافعي3 وأبي حنيفة في علم الحديث؛ فكذلك أيضا لا إشكال في صحة اجتهاده، وإن كان القسم الثالث؛ فإن تهيأ له الاجتهاد في استنباط الأحكام مع كون المجتهد في تلك المعارف كذلك4؛ فكالثاني وإلا؛ فكالعدم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(10/58)
= التي هي ضوابط المصالح والمفاسد مضمومة إلى الجزئيات التي هي الأدلة الخاصة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وما يتعلق بها من المباحث المفصلة في كتب الأصول، وأنه لا يستغنى بالكليات عن الجزئيات، ولا بهذه عن تلك؛ فالجزئيات يفهم بها مقاصد الشريعة أولًا، فهي تخدمها من هذه الجهة، وعند الاستباط لا بد من ضمها معًا، كما تقدم بسطه في أول مسألة فهي تخدمها من هذه الجهة، وعند الاستباط لا بد من ضمها معًا، كما تقدم بسطه في أول مسألة في الأدلة؛ فلذا قال: "وفي استبناط الأحكام ثانيًا" وقد جعل التمكن شرطًا ثانويًا للحصول على درجة الاجتهاد، وفهم المقاصد شرطًا أوليًا، حتى عبر عنه بالسبب الذي هو أقوى من الشرط وعلله بأنه المقصود، ولو جرى على ما سبق له لعلله بأن الكليات هي أهم الجزأين؛ إذ لا بد من اعتبار الجزئيات بها دائمًا، بحيث لا يمكن أن يخرم الجزئي الكلي بخلاف الجزئيات، فإنها وإن كانت تعتبر في الاستنباط؛ إلا أنه لا بد من ردها إلى الكليات. "د".
1 في "ط": "لكون".
2 في "ماء": "افتقار".
3 هذا متعقب، انظر: "ص46".
4 سيأتي له أن يصح أن يسلم المجتهد من القارئ، ومن المحدث، ومن اللغوي، ومن المؤرخ العالم بالناسخ والمنسوخ، ولم يشترط في هؤلاء أن يكونوا متهيئين لاستنباط الأحكام؛ حتى يأخذ عنهم المجتهد ويبني حكمه؛ فما معنى قوله: "كذلك؟" الذي يفيد أن ذلك التهيؤ له قيد لصحة أخذ المجتهد عنه ما يبني عليه استنباطه؟ نعم، في "شرح العضد" "2/ 290-291" لابن الحاجب في مسألة تجزؤ الاجتهاد: "المفروض حصول جميع ما هو أمارة في [تلك] المسألة في ظنه نفيًا أو إثباتًا؛ إما بأخذه من مجتهد، وأما بعد تقرير الأئمة الأمارات".
ولكنه يحتمل أخذها من مجتهد في ذلك العلم الذي أخذ عنه فيه، وإن لم يكن مجتهدًا في الأحكام بأن لم يكن مستوفيًا كل الشرائط له؛ فتأمل. "د".(10/59)
ص -45-…فصل:
وقد حصل من هذه الجملة أنه لا يلزم1 المجتهد في الأحكام الشرعية أن يكون مجتهدا في كل علم يتعلق به الاجتهاد على الجملة، بل الأمر ينقسم: فإن كان ثم علم لا يمكن أن يحصل وصف الاجتهاد بكنهه إلا من طريقه؛ فلا بد أن يكون من أهله حقيقة حتى يكون مجتهدا فيه، وما سوى ذلك من العلوم؛ فلا يلزم ذلك فيه، وإن كان العلم به معينا فيه ولكن لا يخل التقليد فيه بحقيقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذه قضية توجه النفي فيه إلى الكلية؛ فتنحل إلى موجبة وسالبة جزئيتين، وهما ما أشار إليهما بقوله: "بل الأمر ينقسم"؛ فقوله: "فإن كان ثم علم" الجزئية الموجبة، وقوله: "وما سوى ذلك" الجزئية السالبة، ويكن جعلهما كليتين هكذا: "كل علم لا يمكن أن يحصل.. إلخ".
و"وكل علم يحصل وصل الاجتهاد من غير طريقه لا يلزم أن يكون مجتهدًا فيه"؛ فالمطلبان الأخيران ليسا أمرًا زائدا على المطلب الأول، بل هما تفصيله ومآله، كما تقتضيه قوله: "بل الأمر ينقسم"، ولذلك ترى الدليل على الأول يخرج عن كونه استدلالًا على الثالث خاصة، وعندما أراد الاستدلال على الثالث؛ لم يجد شيئًا غير ما ذكره على الأول، والتزم أن يقول: "فقد مر ما يدل عليه"، وحينئذ؛ فهما مطلبان لا ثلاثة عند التحقيق. "د".(10/60)
ص -46-…الاجتهاد؛ فهذه ثلاثة مطالب1 لا بد من بيانها:
أما الأول:
وهو أنه لا يلزم أن يكون مجتهدا في كل علم يتعلق به الاجتهاد على الجملة؛ فالدليل عليه أمور:
أحدها: أنه لو كان كذلك؛ لم يوجد مجتهد إلا في الندرة ممن سوى2
الصحابة، ونحن نمثل بالأئمة الأربعة؛ فالشافعي عندهم مقلِّد في الحديث لم يبلغ درجة الاجتهاد في انتقاده ومعرفته3، وأبو حنيفة كذلك، وإنما عدوا من أهله مالكا وحده، وتراه في الأحكام يحيل على غيره كأهل التجارب والطب والحيض وغير ذلك ويبني الحكم على ذلك والحكم4 لا يستقل دون ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مأخذ الأول قوله: "لا يلزم.. إلخ"، ومأخذ الثاني قوله: "فإن كان ثم علم.. إلخ" ومأخذ الثالث قوله: "وما سوى ذلك... إلخ" "ف".
2 ولماذا نستثني الصحابة وهم كغيرهم لا يتأتى لأحدهم أن يكون عالمًا لكل ما يتوقف عليه الاجتهاد؛ من تجارب، وطب، وغير ذلك، ولا بد من الرجوع إلى غيرهم في كثير مما يتوقف عليه الاجتهاد كما هو الواقع. "د". وفي"ط": "مما سوى".
3 انظر رد ذلك في مسألة الاحتجاج بالشافعي" "ص38 وما بعدها" للخطيب، و"مناقب الشافعي" "2/ 324-325" للبيهقي، "تهذيب الأسماء واللغات" "1/ ق1/ 50".(10/61)
4 أي: والحكم الذي بناه لا يستغني عن ذلك الاجتهاد الذي رجع فيه لغيره من هؤلاء، فلو كان لا بد في المجتهد، أن يكون مجتهدًا في كل ما يتعلق به الاجتهاد؛ لكان هؤلاء الأئمة غير مقبول منهم الاجتهاد، وهو باطل، وقوله: "ولو كان مشترطًا.... إلخ" هذا دليل ثانٍ، محصله: لو كان هذا منهم شرطًا لزم ألا يجلس للقضاء بين الناس إلا مجتهد في كل ما يتوقف عليه حكمه على أحد الخصمين للآخر، وليس كذلك بإجماع؛ فأنت تراه يقيس الاجتهاد على القضاء، مع أن القضاء رتبة أخرى يدور أمرها على تحقيق المناط في الجزئيات غالبًا، ولذلك أجمعوا على اجتهاده صلى الله عليه وسلم في القضاء، مع اختلافهم في كون الاجتهاد في استباط الأحكام في رتبته صلى الله عليه وسلم، فلا يسلم قياس الاجتهاد على القضاء في عدم لزوم العلم بكل ما يتوقف عليه الحكم. "د".(10/62)
ص -47-…الاجتهاد.
ولو كان مشترطًا في المجتهد الاجتهاد في كل ما يفتقر إليه الحكم؛ لم يصح لحاكم أن ينتصب للفصل بين الخصوم حتى يكون مجتهدًا في كل ما يفتقر إليه الحكم الذي يوجهه على المطلوب للطالب1، وليس الأمر كذلك بالإجماع.
والثاني2:
أن الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية علم مستقل3 بنفسه، ولا يلزم في كل علم أن تبرهن مقدماته فيه بحال، بل يقول العلماء:
إن مَن فَعَل ذلك؛ فقد أدخل في علمه علما آخر ينظر فيه بالعرض لا بالذات، فكما يصح للطبيب أن يسلم من العلم الطبيعي أن الأُسطقصات4 أربعة، وأن مزاج الإنسان أعدل الأمزجة فيما يليق أن يكون عليه مزاج الإنسان، وغير ذلك من المقدمات، وكذلك يصح أن يسلم المجتهد من القارئ أن قوله تعالى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "د" وحدها، وفي الأصل و"ف" و"م": "الطالب".
2 هو في الحقيقة دليل ثالث. "د".
3 ليس هناك علم يقال له "علم الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية" له موضوع يميزه عما سواه؛ حتى يعد كل ما خرج عنه نظرًا في عرضي العلم لا في ذاتي له، فإن كان مراده المعارف التي ينبني عليها التمكن في الاجتهاد؛ فذلك ما نحن بسبيل معرفته، وتمييز ما يتوقف عليه مما لا يتوقف عليه؛ فبعد أن يمتاز ما يتوقف عليه يقال: إن ما زاد عنه يكون البحث فيه أشبه شيء فيه بإدخال علم في آخر، وهو في اصطلاحهم غير محمود وبالجملة فهذا الدليل أشبه بالشعريات ما لم يمحص الأمر ويحصر ما يتوقف عليه الاجتهاد توقفًا أصليًا كما أشرنا إليه. "د".
قلت: كلمة "علم" لا وجود لها في الأصل.
4 كلمة يونانية يراد بها العناصر: الماء، والتراب، والهواء، والنار. "ف".
قلت: الضبط الذي رسمناه هو الذي صوبه دوزي في "تكملة المعاجم العربية" "1/ 130".
وقال "ماء": يقال لها: "الاستقصاءات"، ويقال لها: "الأركان".(10/63)
ص -48-…{وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6]، بالخفض مروي1 على الصحة، ومن المحدث أن الحديث الفلاني صحيح أو سقيم، ومن عالم2 الناسخ والمنسوخ أن قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة} منسوخ بآية المواريث، ومن اللغوي أن القرء يطلق3 على الطهر والحيض، وما أشبه ذلك، ثم يبنى عليه الأحكام، بل براهين الهندسة في أعلى مراتب اليقين وهي مبنية على مقدمات4 مسلمة في علم آخر، مأخوذة في علم الهندسة على التقليد، وكذلك العدد وغيره من العلوم اليقينية، ولم يكن ذلك قادحًا في حصول اليقين للمهندس أو الحاسب في مطالب علمه، وقد أجاز5 النظار وقوع الاجتهاد في الشريعة من الكافر المنكر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ليس في هذا اجتهاد حتى يقال: إنه أخذ من المجتهد كما تقدم له في مثال الطبيب، إنما هو مجرد الراوية والتلقي، ويشترك المجتهد في ذلك مع المروي عنه بمجرد الرواية، إلا أن يقال: إنه لا يلزمه في الرواية حينئذ أن يعرف طرقها وطبقات الرواة لها بخلاف عالم القرءات الذي يعد فنيًا أو نسميه خصيصاً، وهذه إذا اشترطنا في الأخذ عنه أن يكون بالغًا هذه المرتبة وإن كانت عبارة هنا لا تفيد ذلك؛ لأنه اكتفي بقوله: "مروي على وجه الصحة", ولا يخفى أن هذا يكفي فيه مجرد تلقي الرواية. "د".
2 في "ط": "علم".
3 ينافي ما سيأتي له أنه لا بد أن يكون مجتهدًا في اللغة، بحيث يساوي العرب في فهمها مفردات وتراكيب، ومن ينقص عن ذلك لا يعد بقوله في فهم الكتاب والسنة كما سيأتي له في الحاصل آخر والمسألة. "د".
4 كوجود الدائرة الذي سيمثل به، وكوجود الزاوية؛ فإنهما يرجعان إلى علم وجود الكم المتصل المبرهن عليه في غير الهندسة، وكذا العدد بالنسبة للكم المنفصل. "د".(10/64)
"5" في "التحرير": و"شرحه" "3/ 291، 343 - مع التقرير والتحبير" و"منهاج البيضاوي"* "ص268" شرطية الإيمان، ثم ما هي ثمرة هذا التجويز؟ هل يقلده المسلمون فيما استنبطه من الأحكام الشرعية، وهو غير معقول، أم يعمل هو بها؟ وهذا لا يعنينا ولا يعد اجتهادًا =
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* لم يصرحا في مبحث "الاجتهاد" بشرطية الإيمان، وإنما أفاده كلامهما.(10/65)
ص -49-…لوجود الصانع والرسالة والشريعة، إذ كان الاجتهاد إنما ينبني1 على مقدمات تفرض صحتها، كانت كذلك في نفس الأمر أولا وهذا أوضح من إطناب فيه.
فلا يقال: إن المجتهد إذا لم يكن عالما بالمقدمات التى يبني عليها لا يحصل له العلم بصحة اجتهاده؛ لأنا نقول: بل يحصل له العلم بذلك؛ لأنه مبني على فرض2 صحة تلك المقدمات، وبرهان الخلف3 مبني على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= في الشريعة، وقوله: "تفرض صحتها" هذا غير كاف، بل لا بد من تأكده صحتها حتى يكون معتقدًا أو ظانًا صحة الحكم، أما مجرد الفرض، فلا يؤدي إلى حكم مظنون فضلًا عن معتقد، وهذا يقر أيضًا على اجتهاد الكافر؛ لأنه لا يعتقد صحة المقدمات التي ينبني عليها اجتهاده في الشريعة؛ لأنها الكتاب والسنة وما يرجع إليهما، قال في "التحرير" و"شرحه": "وأما العدالة، فشرط قبول فتواه، فإنه لا يقبل قول الفاسق في الديانات، لا شرط صحة الاجتهاد، لجواز أن يكون للفاسق قوة الاجتهاد، فله أن يأخذ باجتهاد نفسه" ا. هـ. فليس الكلام في الكافر على ما رأيت، وقال الآمدي: "شرطه أن يعلم وجوب الرب وما يجب له من الصفات مصدقًا بالرسول وما جاء به". "د".
قلت: "وانظر المستصفى" "2/ 350"، "روضة الناظر" "3/ 960"، "إعلام الموقعين" "1/ 11"، و"جمع الجوامع" "2/ 385".
1 في "ماء" "ط": "يُبنى".
2 وهل فرض الصحة يحصل الظن أو العلم بصحة النتيجة، أو أنه يؤول الأمر إلى أن يكون عنده ليس بعلم ولا ظن، بل إن صحت المقدمات وهو لا يعلم بصحتها تكون نتيجة صحيحة؟ فتأمل. "د".(10/66)
3 المتقدمون من المناطقة على تركبه من قياسين: اقتراني شرطي، ثم استثنائي، هكذا: لو لم يكن المطلوب حقًّا لكان نقيضه حقًا، ولو كان نقيضه حقًا لكان المحال ثابتًا، ونيتجة هذا لو ثم يكن المطلوب حقًا لكان المحال ثابتًا توضع في الاستثنائي، ويستثنى نقيض تاليها، هكذا لكن المحال غير ثابت، فالمطلوب حق، وبعض المتأخرين على أنه قياس استثنائي فقط مركب من متصلة مقدمها نقيض المطلوب، وتاليها أمر محال يستثنى فيه نقيضه، وعلى كل حال، فالصدق والكذب في الاقتراني الشرطي وكذا في الاستثنائي المتصل إنما يرجع إلى وجود الارتباط والتلازم وعدمهما، وإنتاجها يتوقف على كون ذلك كليًا ودائمًا؛ فأين تكون المقدمات الباطلة في نفس الأمر التي يبني عليها فتقيد العلم بالمطلوب؟
فكلامه غير واضح. "د".(10/67)
ص -50-…مقدمات باطلة في نفس الأمر، تفرض صحيحة فيينى عليها، فيفيد النباء عليها العلم بالمطلوب؛ فمسألتنا كذلك.
والثالث:
أن نوعًا من الاجتهاد لا يفتقر إلى شيء من تلك العلوم أن يعرفه، فضلًا أن يكون مجتهدًا فيه، وهو الاجتهاد في تفتيح2 المناط، وإنما يفتقر 3 إلى الاطلاع على مقاصد الشريعة خاصة، وإذا ثبت نوع من الاجتهاد دون الاجتهاد4 في تلك المعارف ثبت مطلق الاجتهاد بدونه، وهو المطلوب.
فإن قيل: إن جاز أن يكون مقلِّدا في بعض ما يتعلق بالاجتهاد لم تصف له مسألة معلومة: لأن مسألة يقلد في بعض مقدماتها لا تكون مجتهدًا فيها بإطلاق، فلم يمكن أن يوصف صاحبها بصفة الاجتهاد بإطلاق، وكلامنا إنما هو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل: "ينبني".
2 كيف وهو لا يكون إلا في أوصاف تضمنها نص الشارع، وهو عربي يحتاج فهمه إلى الرتبة العربية المشترطة. "د".
3 قال فيما تقدم: إن التمكن من الاستنباط على معارف وعلوم كثيرة، وإنه خادم للأول وهو فهم مقاصد الشريعة؛ فقوله: "وإنما يفتقر إلى
الاطلاع على مقاصد الشريعة خاصة دون شيء من تلك العلوم" لا يتأتى مع سابق الكلام؛ لأنه على ما تقدم لا بد له من هذه المعارف كوسيلة إلى فهم مقاصد الشريعة على الأقل، وإن لم يحتج إليها عند التخريج، وإنما يصح ذلك إذا صح أن يأخذ مقاصد الشريعة تقليدًا؛
فتأمل. "د".
4 بل دليله ينتج أكثر من ذلك؛ فيقال: وإن ثبت نوع من الاجتهاد دون هذه العلوم، رأسًا فضلًا عن الاجتهاد فيها؛ ثبت مطلق الاجتهاد بدون تلك المعارف وبدون الاجتهاد فيها، ثم لا يخفى أن هذا غير ما أصله أولًا من جعله شرطًا للحصول على صفة الاجتهاد، وهذا يزيد ما أشرنا إليه في الكلام على الحصر في الوصفين بيانًا ووضوحًا. "د".
قلت: كتب "ف" هنا ما نصه: "اسلأولى: "بدون الاجتهاد".(10/68)
ص -51-…في مجتهد يعتمد على اجتهاده بإطلاق، ولا يكون كذلك مع تقليده في بعض المعارف المبني عليها.
فالجواب: إن ذلك شرط في العلم بالمسألة1 المجتهد فيها بإطلاق لا شرطًا في صحة الاجتهاد؛ لأن تلك المعارف ليست جزءًا من ماهية الاجتهاد، وإنما الاجتهاد يتوصل إليها بها، فإذا كانت محصلة بتقليد أو باجتهاد أو بفرض2 محال، بحيث يفرض تسليم صاحب تلك
المعارف المجتهد فيها ما حصل هذا ثم بنى عليه؛ كان بناؤه صحيحًا لأن الاجتهاد هو استفراغ الوسع في تحصيل العلم أو الظن بالحكم، وهو قد وقع، ويبين ذلك ما تقدم في الوجه الثاني، وأن العلماء3 الذين بلغوا درجة الاجتهاد عند عامة الناس؛ كمالك، والشافعي، وأبي حنيفة
كان لهم أتباع أخذوا عنهم وانتفعوا بهم، وصاروا في عداد أهل الاجتهاد، مع أنهم عند الناس مقلدون في الأصول لأئمتهم، ثم اجتهدوا بناءً
على مقدمات مقلد فيها، واعتبرت أقوالهم واتبعت آراؤهم، وعمل على وفقها، مع مخالفتهم لأئمتهم وموافقتهم، فصار قول ابن القاسم أو قول أشهب أو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل وجميع النسخ المطبوعة: "بمسألة" وما أثبتناه من "ط" وهو الذي صوبه "د"، فقال: "لعل الأصل: "المجتهد فيها مجتهد بإطلاق"".
2 مبني على ما سبق له، وقد علمت أن هذه توسعة في الكلام لا محل لها؛ لأنه لا يعد من بذل الوسع الكافي في الاجتهاد أن يفرض المجتهد المحتاج إلى أمارة أن المجتهد في علم هذه الأمارة يسلم بما حصل عليه منها، ثم يبني على هذا الفرض استنباطه حكمًا شرعيًا يجب عليه العمل به ويقلد فيه، بمجرد هذا الفرض الذي ليس من نوع التقليد، ولا نوع الاجتهاد في هذه الأمارة، وما سلم له في الوجه الثاني كان من باب التقليد للعالم المحدث ومن معه، وسيقول بعد: "ثم اجتهدوا على مقدمات مقلد فيها"، ولم يأت بمثال للمقدمات المفروضة التي كرر الكلام فيها. "د".(10/69)
3 هذا المثال أظهر من الأمثلة التي ذكرها في الدليل الثاني من التسليم للقارئ واللغوي... إلخ؛ لأنه لم يقدم دليلًا على صحة هذا التسليم،
بل أرسلها دعوى مجردة، أما هذا المثال، فواضح؛ لأنه لا ينازع أحد في التسليم لمثل ابن القاسم وأبي يوسف في الاجتهاد، والمخالفة في بعض
الفروع لمالك وأبي حنيفة، واعتبار اجتهادهما صحيحًا. "د".(10/70)
ص -52-…غيرهما معتبرًا في الخلاف على إمامهم، كما كان أبو يوسف ومحمد بن الحسن مع أبي حنيفة، والمزني والبويطي مع الشافعي1، فإذًا لا ضرر على الاجتهاد2 مع التقليد في بعض القواعد المتعلقة بالمسألة المجتهد فيها.
وأما الثاني من المطالب: وهو فرض علم تتوقف صحة الاجتهاد عليه، فإن كان ثم علم لا يحصل الاجتهاد في الشريعة إلا بالاجتهاد فيه، فهو لا بد مضطر إليه؛ لأنه إذا فرض كذلك لم يمكن في العادة الوصول إلى درجة الاجتهاد دونه، فلا بد من تحصيله على تمامه، وهو ظاهر، إلا أن هذا العلم مبهم في الجملة فيسأل عن تعيينه.
والأقرب في العلوم إلى أن يكون هكذا علم اللغة العربية، ولا أعني بذلك النحو وحده، ولا التصريف وحده، ولا اللغة، ولا علم المعاني، ولا غير ذلك من أنواع العلوم المتعلقة باللسان، بل المراد جملة علم اللسان ألفاظ أو معاني كيف تصورت، ما عدا الغريب3، والتصريف المسمى بالفعل، وما يتعلق بالشعر من حيث هو الشعر كالعروض والقافية، فإن هذا غير مفتقر إليه هنا، وإن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر طبقات أصحاب الأئمة الأربعة بتفصيل حسن أوعب مما عند المصنف عند ابن القيم في "الفروسية" "ص283-285 - بتحقيقي".
2 الأنسب "على المجتهد". "ف".
قلت: وهكذا "المجتهد" عند "م".
3 أي: علم غريب اللغة، وقد اعتنى به العلماء بحثًا وتدوينًا، لا سيما غريب القرآن والحديث. "ف".
قلت: وكتب "د" ما نصه: "لعله لا يريد الغرابة بالمعنى الأعم الذي يشمل ما لا يخل بالفصاحة وما يخل بها، بل يريد الثاني حتى يكون للاستثناء وجه في عدم الحاجة إليه؛ لأنه لا يوجد في القرآن أصلًا، أما المعنى الأول، فهو موجود قطعًا والاجتهاد يتوقف عليه؛ لأنه تعريف بمعنى المفردات".(10/71)
ص -53-…كان العلم به كمالًا في العلم بالعربية وبيان تعين1 هذا العلم ما تقدم في كتاب المقاصد من أن الشريعة عربية، وإذا كانت عربية؛ فلا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم؛ لأنهما سيان2 في النمط ما عدا وجوه الإعجاز، فإذا فرضنا مبتدئًا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطا؛ فهو متوسط في فهم الشريعة والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة؛ فكان فهمه فيها3 حجة كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حجة، فمن لم يبلغ شأوهم؛ فقد نقصه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم، وكل من قصر فهمه لم يعد حجة، ولا كان قوله فيها مقبولًا.
فلا بد من أن يبلغ في العربية مبلغ الأئمة فيها؛ كالخليل، وسيبويه، والأخفش، والجرمي، والمازني ومن سواهم، وقد قال الجرمي4: "أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس [في الفقه] من كتاب سيبويه"5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "تعلم".
2 أي أن ما ورد في الشريعة من الكتاب والسنة وما ورد من كلام العرب من نمط واحد وطريق واحد، سوى ما اختص به من المزايا التي ترتفع بها درجة الكلام في الحسن والقبول، فالقرآن انفرد عن سائر كلام العرب بمزايا جعلته معجزًا للبشر عن الإتيان بسورة منه، والحديث امتاز بما جعله يفوق غيره من كلامهم وإن لم يبلغ درجة الإعجاز. "د".
3 يعني: فهمه من حيث ما يفيده الكلام العربي، وليس المراد أنه بمجرد ذلك يكون مجتهدًا في الشريعة ويؤخذ بقوله فيها، بل لا بد من ضم
الصفات الأخرى من معرفة مقاصد الشريعة وغير ذلك. "د".
4 هو أبو عمر صالح بن إسحاق البجلي مولى لهم، نزل في جرم، فنسب إليهم، إمام العربية، وكان صادقًا ورعًا خيرًا، إليه انتهى علم النحو في زمنه، توفي سنة خمس وعشرين ومئتين، له ترجمة في "السير" "10/ 561-563".(10/72)
5 أسنده عنه الزبيدي في "طبقات النحويين واللغويين" "ص75"، وقول المصنف الآتي: "وفسروا ذلك..." أورده الزبيدي من مقالة محمد بن يزيد، وهو ممن روى عن الجرمي، وكذا في صدر "كتاب سيبويه" "1/ 5-6" كما سيأتي عند المصنف قريبًا.(10/73)
ص -54-…وفسروا ذلك بعد الاعتراف به بأنه كان صاحب حديث، وكتاب سيبويه يتعلم منه النظر والتفتيش، والمراد بذلك أن سيبويه وإن تكلم في النحو، فقد نبه في كلامه على مقاصد العرب، وأنحاء تصرفاتها في ألفاظها ومعانيها، ولم يقتصر فيه على بيان أن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب ونحو ذلك، بل هو يبين في كل باب ما يليق به، حتى إنه احتوى على علم المعاني والبيان ووجوه تصرفات الألفاظ والمعاني، ومن هنالك كان الجرمي على ما قال، وهو كلام يروى عنه في صدر1 "كتاب سيبويه" من غير إنكار.
ولا يقال: إن الأصوليين قد نفوا هذه المبالغة في فهم العربية؛ فقالوا: ليس على الأصولي أن يبلغ في العربية مبلغ الخليل وسيبويه وأبي عبيدة والأصمعي، الباحثين عن دقائق الإعراب ومشكلات اللغة، وإنما يكفيه أن يحصل منها ما تتيسر به معرفة ما يتعلق بالأحكام بالكتاب2 والسنة.
لأنا نقول: هذا غير ما تقدم3 تقريره، وقد قال الغزالي4 في هذا الشرط: "إنه القدر الذي يفهم به خطاب العرب وعادتهم في الاستعمال، حتى يميز5 بين صريح الكلام وظاهره ومجمله6، وحقيقته ومجازه، وعامه وخاصه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "م": "صدد" بالدال في آخره، وكتب في الهامش: "في المطبوعات: "في صدر".
2 لعل الأصل من الكتاب. "د".
3 من أن من لم يبلغ شأو العرب والصحابة في فهم اللغة لم يكن قوله حجة. "د".
4 في "المستصفى" "2/ 352".
5 في "المستصفى": "إلى حد يميز...".
6 تفردت "م" بزيادة بعد "مجمله": "ومبينه".(10/74)
ص -55-…ومحكمه ومتشابهه، ومطلقه، ونصه وفحواه ولحنه ومفهمومه".
وهذا الذي اشترط لا يحصل إلا لمن بلغ في اللغة العربية درجة الاجتهاد، ثم قال: "والتخفيف1 فيه [أنه]2 لا يشترط أن يبلغ مبلغ3 الخليل والمبرد، وأن يعلم4 جميع اللغة ويتعمق في النحو".
وهذا أيضًا صحيح، فالذي نفي اللزوم فيه5 ليس هو المقصود في الاشتراط، وإنما المقصود تحرير الفهم حتى يضاهي6 العربي في ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هكذا في الأصل و"د"، أما "ف" و"م"، ففيهما "التحقيق لذلك"، وعلق "ف"، فقال: "صوابه التخفيف بالفاء ضد التثقيل، كما يفهم من عبارة الغزالي، حيث جعل لكل علم من العلوم المشروطة في الاجتهاد مرتبتين ثقيلة وخفيفة. راجع "المستصفى" "2/ 352".
2 سقطت من الأصل و"ف" و"د"، وأثبتها من "م" و"ط"، وهي في المستصفى" "2/ 352".
3 بدلها في مطبوع "المستصفى": "درجة".
4 بدلها في مطبوع "المستصفى": "يعرف".
5 أي: وهو علم جميع اللغة لم نشترطه؛ لأننا إنما اشترطنا أن يساوي العربي في فهم اللغة، ولم نشترط أن يعرف الجميع؛ لأن العربي لا
يعرف جميع اللغة، ولا يدقق تدقيقات متعمقة مثل ما للخليل مثلًا، وهذا لا يمنع أن يشترط الاجتهاد في اللغة بناء على الكلام الغزالي نفسه، حيث قال: "القدر الذي يفهم به خطاب العرب... إلخ"؛ لأن هذا لا يكون إلا لمن بلغ درجة الاجتهاد. "د".
قلت: انظر كلام الأصوليين حول الدرجة التي ينبغي للمجتهد أن يصل إليه في معرفة العربية: "الرسالة" "ص51-52" للشافعي، و"الإحكام" "3/ 205" للآمدي، و"جمع الجوامع" "2/ 400 - مع حاشية البناني"، و"البحر المحيط" "6/ 202-203"، و"الإجتهاد" "ص168-172" لسيد موسى، و"الاجتهاد في الإسلام" "ص84-90" لنادية العمري.
6 انظر إذا ما اشتهر عن أبي حنيفة من عدم إجادته اللغة، فهذا يدل على عدم صحة ما اشتهر. "د".(10/75)
قلت: تجد ذلك مفصلًا في "تأنيب الخطيب" "ص44-58"، و"فقه أهل العراق وحديثهم "ص59"، كلاهما للكوثري، و"الروض الباسم" "1/ 160" لابن الوزير.(10/76)
ص -56-…المقدار، وليس من شرط العربي أن يعرف جميع اللغة ولا أن يستعمل الدقائق، فكذلك المجتهد في العربية، فكذلك المجتهد في الشريعة، وربما يفهم بعض الناس أنه لا يشترط أن يبلغ مبلغ الخليل وسيبويه في الاجتهاد في العربية، فيبني في العربية على التقليد المحض، فيأتي في الكلام على مسائل الشرعية بما السكوت أولى به منه، وإن كان ممن1 تعقد عليه الخناصر جلالة في الدين، وعلمًا في الأئمة المهتدين.
وقد أشار الشافعي في "رسالته"2 إلى هذا المعنى3، وأن الله خاطب العرب بكتابه بلسانها على ما تعرف من معانيها4، ثم ذكر5 مما يعرف من معانيها اتساع لسانها وأن تخاطب بالعام مرادًا به ظاهره، وبالعام يراد به العام ويدخله الخصوص، ويستدل على ذلك ببعض ما يدخله في الكلام، وبالعام يراد به الخاص، ويعرف بالسياق، وبالكلام ينبئ أوله عن آخره، وآخره عن أوله، وأن تتكلم بالشيء تعرفه بالمعنى دون اللفظ كما تعرف بالإشارة وتسمي الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة، والمعاني الكثيرة بالاسم الواحد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في "ط"، وفي غيره: "مما"، وكتب "ف": "الأولى "ممن"؛ أي: "وإن كان ذلك المتكلم ممن تعقد عليه الخناصر.... إلخ".
2 انظر منها "الفقرات 173-178".
3 بعد أن ذكر في "الاعتصام" مهم ما قاله الشافعي في هذا المعنى وأمثلته؛ قال "2/ 808 - ط ابن عفان": "وإنما أتى الشافعي بـ [النوع] الأغمض من طرائق العرب؛ لأن سائر تصرفاتها بسطها أهل فنون اللغة من نحو وبيان.. إلخ وأهل الأخبار المنقولة عن العرب لمقتضيات الأحوال". "د". وفي "ط": "خاطب بكتابه العرب...".
4 أي: معاني العرب التي تنساق إليها أفهامهم. "ف".
5 أي: الشافعي في "الرسالة" "الفقرات 77-78".(10/77)
ص -57-…ثم قال1: "فمن جهل هذا من لسانها- وبلسانها نزل الكتاب وجاءت به السنة؛ فتكلف القول في علمها تكلف ما يجهل بعضه، ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته2؛ كانت موافقته للصواب3 وإن وافقه من حيث لا يعرف غير محمودة، وكان بخطئه غير معذور، إذا نطق 4 فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الصواب والخطأ فيه".
هذا قوله، وهو الحق الذي لا محيص عنه، وغالب ما صنف في أصول الفقه من الفنون إنما هو المطالب العربية التي تكفل المجتهد فيها بالجواب عنها، وما سواها من المقدمات؛ فقد يكفي فيه التقليد، كالكلام في الأحكام تصورًا وتصديقًا؛ كأحكام النسخ، وأحكام الحديث، وما أشبه5 ذلك.
فالحصل أنه لا غنى للمجتهد6 في الشريعة عن بلوغ درجة الاجتهاد في كلام العرب، بحيث يصير فهم خطابها له وصفا غير متكلف ولا متوقف فيه في الغلب إلا بمقدار توقف الفطن لكلام اللبيب.
وأما الثالث من المطالب:
وهو أنه لا يلزم في غير العربية من العلوم أن يكون المجتهد عالمًا بها؛ فقد مر ما يدل عليه؛ فإن المجتهد إذا بنى اجتهاده على التقليد في بعض المقدمات السابقة عليه؛ فذلك في كونه مجتهدًا في عين مسألته،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: الشافعي في "الرسالة" "الفقرات 177-178".
2 في النسخ المطبوعة، و"ط": "يثبته معرفة"، وما أثبتناه من "الرسالة".
3 في النسخ المطبوعة، و"ط": "موافقة الصواب"، وما أثبتناه من "الرسالة".
4 كذا في جميع النسخ، وفي مطبوع "الرسالة": "إذا ما نطق...".
5 كأسباب النزول ومواقع الإجماع. "د".
6 كذا في "م"، وفي الأصل و"ف" و"د" و"ط": "بالمجتهد"، وكتب "ف": "المناسب للمجتهد باللام؛ أي: لا بد له من ذلك: يقال: ما لك عنى عنه ولا مغني، أي: ما لك عنه بد".(10/78)
ص -58-…كالمهندس إذا بنى بعض براهينه على صحة وجود الدئراة مثلًا: فلا يضره في صحة برهان تقليده لصاحب ما بعد الطبيعة وهو المبرهن على وجودها، وإن كان المهندس لا يعرف ذلك بالبرهان، وكما قالوا في تقليد الشافعي في علم الحديث ولم يقدح ذلك من صحة اجتهاده، بل كما يبني القاضي في تغريم قيمة المتلف على اجتهاد المقوم للسلع وإن لم يعرف هو ذلك، ولا يخرجه ذلك عن درجة الاجتهاد، وكما بنى مالك أحكام الحيض والنفاس على ما يعرفه النساء من عاداتهن، وإن كان هو غير عارف به، وما أشبه ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "لم" بغير واو.(10/79)
ص -59-…المسألة الثالثة:
الشريعة كلها ترجع1 إلى قول واحد في فروعها وإن كثر الخلاف، كما أنها في أصولها كذلك؛ ولا يصلح فيها غير ذلك، والدليل عليه أمور:
أحدها: أدلة القرآن، من ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا2 كَثِيرًا} [النساء: 82]؛ فنفى أن يقع فيه الأختلاف البتة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: فليس من مقاصد الشرع وضع حكمين متخالفين في موضوع واحد، بل لا يريد إلا طريقًا واحدا في الواقع، ولا ينافي هذا حصول اختلاف من المجتهدين من الطريق الذي يريده الشارع. "د".
قلت: وكتب "ف" ما نصه: "أي: ليس فيها ما يفهم قولين مختلفين يتضاربان في حكم بحيث يفيد أحدهما الوجوب والآخر الحرمة في نفس الأمر، بل أدلتها سالمة من التعارض في ذاتها، بريئة من الاختلاف الواقعي، وهذا لا ينفي وجود التعارض والاختلاف في فهم الناظر وظنه".
2 مبني على أن المراد الاختلاف في الأحكام الشرعية، ومنعه بعضهم بوقوع هذا الاختلاف فعلًا، وقال: المراد به التناقض في المعنى والقصور عن البلاغة؛ فالأول بأن يطابق بعضه الواقع، وبعضه لا يكون كذلك، ويكون العقل موافقًا لبعض أحكامه دون بعض، والثاني بتفاوته في النظم ركَّة وفصاحة، وبلوغًا لحد الإعجاز في البعض دون البعض، وكل ذلك يكون سببه نقصان القوة البشرية وتخاذلها عن الوفاء بمواجب
الصحة الكاملة والإعجاز التام، على أن الآية في وصف القرآن، وهو أخص من مطلق الشريعة؛ فإنها كما تشمله تشمل السنة والإجماع والقياس وسنة الصحابة كما تقدم؛ فالدليل أخص من المدعى، ولكن المانع لا يتأتى له إثبات الاختلاف في الأحكام الشرعية أيضًا بالمعنى الذي يريده المؤلف وهو تعارض أدلتها في نفس الأمر؛ فيرجع إلى المعنى الذي يقرره المؤلف. "د".(10/80)
قلت: قرر ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" "13/ 19" أن الاختلاف في القرآن يراد به التضاد والتعارض، ولا يراد به مجرد عدم التماثل، وانظر في الاختلاف ومعناه المنفي عن القرآن: "تأويل مشكل القرآن" "24، 33"، و"بصائر ذوي التمييز" "2/ 561-562"، و"الاعتصام" "2/ 232-233 - ط رضا، و2/ 818 - ط ابن عفان"، و"المنهاج في ترتيب الحجاج" للباجي- وهو مصنف حول الاختلاف في الاصطلاح، و"الحقيقة الشرعية" "ص33-40".(10/81)
ص -60-…ولو كان فيه ما يقتضي قولين مختلفين لم يصدق عليه هذا الكلام على حال.
وفي القرآن: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية [النساء: 59]، وهذه الآية صريحة في رفع1 التنازع والاختلاف؛ فإنه رد المتنازعين إلى الشريعة، وليس ذلك إلا ليرتفع الاختلاف، ولا يرتفع الاختلاف إلا بالرجوع إلى شيء واحد؛ إذ لو كان فيه ما يقتضي الاختلاف لم يكن في الرجوع إليه رفع تنازع، وهذا باطل2.
وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}3... الآية [آل عمران: 105]، والبينات هي الشريعة، فلولا أنها لا تقتضي الاختلاف ولا تقبله البتة لما قيل لهم: من بعد كذا، ولكان لهم فيها أبلغ العذر، وهذا غير صحيح؛ فالشريعة لا اختلاف فيها.
وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] فبين أن طريق الحق واحد، وذلك عام في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: عن الشريعة وإثبات أنها لا اختلاف فيها، والاستدلال بهذه الآية تام يشمل القرآن والسنة وغيرهما مما يبني عليهما. "د".
2 أي: عبث لا يطلبه الله تعالى، أي: وقد طلب منهم الرجوع إليهما لرفع التنازع، والرجوع إلى ما يقتضي الاختلاف لا يمكن أن يحقق المطلوب فيكون عبثًا؛ إلا أنه مع قوة هذا الدليل على المدعى تبقى شبهة في المقام، وهي أن الأئمة المجتهدين مع رجوعهم للكتاب والسنة قد لا يرتفع النزاع بينهم، وقد يجاب عنها بأنه لم يقل: إن رددتموه ارتفع قطعًا وبطريقة كلية. "د".(10/82)
3 وقد يقال: إن التفرق المنهي عنه التفرق بالعداوة، والاختلاف في أصول الدين، وتكفير بعضهم بعضًا؛ كما هو الواقع في شأن هؤلاء اليهود والنصارى، الذين نعى عليهم هذا التفرق والاختلاف، ولو كان كما يقول؛ لكان المسلمون وأولهم الصحابة قد وقعوا فيما نهوا عنه، ولكان يترتب عليه الجزاء الذي ترتب على تفرق اليهود والنصارى، معاذ الله؛ فقوله: "والبينات هي الشريعة"، نقول: بل أخص، فلا ينتج
المطلوب. "د".(10/83)
ص -61-…جملة الشريعة وتفاصيلها.
وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ} [البقرة: 213]، ولا يكون حاكمًا بينهم ألا مع كونه قولا واحدًا فصلًا بين المختلفين.
وقال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الآية إلى قوله: {وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه} [الشورى: 13]، ثم ذكر بني إسرائيل وحذر الأمة أن يأخذوا بسنتهم؛ فقال: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الشورى: 14].
وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة: 176].
والآيات في ذم الاختلاف والأمر بالرحوع إلى الشريعة كثير كله، قاطع في أنها لا اختلاف فيها، وإنما هي على مأخذ واحد وقول واحد، قال المزني صاحب الشافعي: "ذم الله الاختلاف وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة". [فلو كان الاختلاف من دينه ما ذمه، ولو كان التنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع عنده إلى الكتاب والسنة"].
والثاني: أن عامة 2 أهل الشريعة أُثبتوا في القرآن والسنة الناسخ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أورده ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 910 - ط المحققة".(10/84)
2 لم يخالف إلا أبو مسلم الأصفهاني من المسلمين في وقوعه في شريعة واحدة، والصحيح أن خلافه لفظي؛ لأنه يسميه تخصيصًا، ولم يخالف فيه من الملل الأخرى سوى الشمعونية من اليهود، ذهبوا إلى امتناعه عقلًا وسمعًا، والعنانية منهم إلى امتناعه سمعًا، أما العيسوية منهم أصحاب عيسى* الأصفهاني؛ فيجيزونه عقلًا وسمعًا، واعترفوا بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنهم قالوا للعرب خاصة. "د".
قلت: انظر في مذهب أبي مسلم الأصفهاني: "نهاية السول" "2/ 149"، و"نظرية النسخ في الشرائع السماوية" "ص23" لشعبان محمد
إسماعيل، مطابع الدجوي، مصر، سنة 1977، و"لا نسخ في القرآن" لأحمد السقا "ص17-18"، ط دار الفكر العربي، سنة 1978م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كذا في الشرح، والصواب: "أبو عيسى"، انظر: "الملل والنحل" "1/ 215"، وانظر عنهم وعن "العنانية" و"الشمعونية": "اعتقادات فرق المسلمين" "82-83"، و"الحور العين" "144"، و"أديان العرب في الجاهلية" "199-202".(10/85)
ص -62-…والمنسوخ على الجملة، وحذروا من الجهل والخطأ فيه، ومعلوم أن الناسخ والمنسوخ إنما هو فيما بين دليلين يتعارضان بحيث لا يصح اجتماعهما بحال، وإلا لما كان أحدهما ناسخًا والآخر منسوخًا، والفرض خلافه؛ فلو كان الاختلاف من الدين لما كان لإثبات الناسخ والمنسوخ -من غير نص قاطع فيه- فائدة، ولكان الكلام في ذلك كلامًا فيما لا يجني ثمرة؛ إذ كان يصح العمل بكل واحد منهما ابتداءً ودوامًا، استنادًا إلى أن الاختلاف أصل من أصول الدين، لكن هذا كله باطل بإجماع؛ فدل على أن الاختلاف لا أصل له في الشريعة، وهكذا القول في كل
دليل مع معارضه؛ كالعموم2 والخصوص، والإطلاق والتقييد، وما أشبه3 ذلك؛ فكانت تنخرم هذه الأصول كلها، وذلك فاسد؛ فما
أدى إليه مثله.
والثالث: أنه لو كان في الشريعة مساغ للخلاف لأدى إلى تكليف ما لا يطاق؛ لأن الدليلين إذا فرضنا تعارضهما وفرضناهما مقصودين معًا للشارع؛ فإما أن يقال: إن المكلف مطلوب بمقتضاهما، أو لا، أو مطلوب بأحدهما دون الآخر، والجميع غير صحيح؛ فالأول يقتضي "افعل"، "لا تفعل" لمكلف واحد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: لما كان هناك مقتض للبحث والاجتهاد عن الناسخ والمنسوخ، بل كان يجب الوقوف في ذلك عند ما ثبت بنص قاطع فقط. "د".
2 أي: فكان لا يلزم البحث عن المخصصات للعام مع أنه يمتنع العمل بالعموم قبل البحث عن مخصص إجماعًا. "د".
3 أي: كالترجيح بين الأدلة المتعارضة. "د".(10/86)
ص -63-…من وجه واحد، وهو عين التكليف بما لا يطاق، والثاني باطل؛ لأنه خلاف1 الفرض، وكذلك الثالث؛ إذ كان الفرض2 توجه الطلب بهما؛ فلم يبق إلا الأول فيلزم منه ما تقدم.
لا يقال: إن الدليلين بحسب شخصين أو حالتين؛ لأنه خلاف الفرض، وهو أيضًا قول واحد لا قولان؛ لأنه إذا انصرف كل دليل إلى جهة لم يكن ثم اختلاف، وهو المطلوب.
والرابع: أن الأصوليين اتفقوا على إثبات الترجيح3 بين الأدلة المتعارضة إذا لم يمكن الجمع، وأنه لا يصح إعمال أحد دليلين متعارضين جزافًا4 من غير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لأن محصل الثاني أنه غير مطلوب بمقتضى الدليلين، والفرض توجه الطلب، ولم يقل: أنه يكلف بما لا يطاق لأنه لا يكون كذلك إلا لو كان الحاصل أنه مطلوب بمقتضى الدليلين ومطلوب بضد ذلك مثلًا، وقوله: "وكذا الثالث"؛ أي: يلزمه خلاف الفرض؛ لأن الفرض أنهما مقصودان معًا للشارع، فلا يعقل معه أن يكون التكليف بأحدهما دون الآخر، وقوله: "فلم يبق إلا الأول"؛ أي: لم يبقَ غير مخالف لأصل المفروض إلا الأول، وقد بطل بكونه تكليف ما لا يطاق. "د".
قلت: انظر تفصيل ذلك في "الإبهاج" "3/ 200"، و"حاشية البناني على المحلي" "2/ 358"، و"المستصفى" "2/ 379 وما بعدها"، و"نهاية السول" "3/ 161-169 - بحاشية التقرير والتحبير".
2 لعله: "إذ كان علة" لقوله: "وكذلك الثالث". "ف".
3 في "المسودة في أصول الفقه" "ص306": "لا يجوز أن يوجد في الشرع خبران متعارضان من جميع الوجوه، وليس مع أحدهما ترجيح يقدم به، ذكره الخلال، وهذا قول القاضي".(10/87)
4 لأنه إنما يصح أن يعمد إلى أحد الدليلين المتعارضين جزافًا إذا كان الاختلاف أصلًا في الدين، والحاجة إلى الترجيح لا تكون إلا؛ لأن الحق واحد علينا تعرفه، ولعله لهذه المزية التي انفرد بها الترجيح عن العموم والنسخ وما معهما، أفرده بهذا الدليل الرابع مع إمكان دخوله في قوله: "وما أشبه ذلك"، كما أشرنا إليه، وإن كان بيانه في قوله: "إذ لا فائدة فيه" هو البيان السابق بعينه =(10/88)
ص -64-…نظر في ترجيحه على الآخر، والقول بثبوت الخلاف في الشريعة يرفع باب الترجيح جملة؛ إذ لا فائدة فيه ولا حاجة إليه على فرض ثبوت الخلاف أصلًا شرعيًا لصحة وقوع التعارض في الشريعة لكن1 ذلك فاسد؛ فما أدى إليه مثله.
والخامس: أنه شيء لا يتصور؛ لأن الدليلين المتعارضين إذا قصدهما الشارع مثلًا لم يتحصل مقصوده؛ لأنه إذا قال2 في الشيء الواحد: "افعل" "لا تفعل"؛ فلا يمكن أن يكون المفهوم منه طلب الفعل لقوله: "لا تفعل"، ولا طلب تركه لقوله: "افعل"، فلا يتحصل للمكلف فهم التكليف؛ فلا يتصور توجهه على حال، والأدلة على ذلك كثيرة لا يحتاج فيها إلى التطويل؛ لفساد الاختلاف في الشريعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ولو صور الدليل هكذا: اتفقوا على إثبات الترجيح، وأنه لا يصح إعمال أحد الدليلين متعارضين جزافًا بدون نظر في طرق ترجيحه، والقول بثبوت الخلاف يرفع لزوم النظر في الترجيح، ويصحح أخذ أحد الدليلين جزافًا؛ لكان لإفراد الترجيح بدليل رابع وجه؛ لأن ما تقدم في الثاني مأخذه أن البحث في العموم وما معه لا يجني له ثمرة، والمأخذ في هذا الدليل أن قولهم بلزوم الترجيح يتنافى مع كون الاختلاف أصلًا في
الدين، ولا يخفى أن مثله يقال في العموم والإطلاق كما أشرنا إليه. "د".
قلت: انظر كلامًا حسنًا وجمعًا مستطابًا في تقديم الجمع على الترجيح في "التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية" "1/ 264-301".
1 في "ط": "لكان".(10/89)
2 هذا ليس بعيدًا عن الاحتمال الأول في الدليل الثالث الذي قرره بأنه تكليف بما لا يطاق؛ غايته أنه قرره هنا من جهة فهم المكلف، وأنه لا يتأتى له أن يفهم المكلف به، ويكون حينئذ خللًا في المأمور، وتقدم أن ذلك من التكليف المحال الراجع إلى تكليف الغافل، فعلى فرض أنه يقصد ذلك لا يكون الفرق إلا من جهة التصوير والتقرير لا غير؛ لأنه يمكن تصوير الاحتمال المذكور به؛ فلا تكون هناك حاجة إلى هذا رأسًا، إلا أن يقال: إن نظره هنا من جهة أنه لا يحصل المقصد من التكليف، يعني: فيكون عبثًا، وهذه جهة أخرى لإبطاله غير جهة تكليف
ما لا يطلق في الدليل الثالث، وهذا ما يفيده قوله: "لم يتحصل مقصوده"، وإن كان في استدلاله بعد ذلك نحا نحو لزوم التكليف المحال كما أشرنا إليه. "د".(10/90)
ص -65-…فإن قيل: إن كان ثم ما يدل على رفع الاختلاف فثم ما يقتضي وقوعه في الشريعة، وقد وقع، والدليل عليه أمور:
- منها: إنزال المتشابهات؛ فإنها مجال للاختلاف لتباين الأنظار واختلاف الآراء والمدارك، هذا وإن كان التوقف فيها هو المحمود؛ فإن الاختلاف فيها قد وقع، ووضع الشارع لها مقصود له، وإذا كان مقصودًا له وهو عالم بالمآلات؛ فقد جعل سبيلًا إلى الاختلاف2، فلا يصح أن ينفى عن الشارع رفع3 مجال الاختلاف جملة.
- ومنها: الأمور الاجتهادية التي جعل الشارع فيها للاختلاف مجالًا؛ فكثيرًا ما تتوارد عل المسألة الواحدة أدلة قياسية4 وغير قياسية، بحيث يظهر بينهما التعارض، ومجال5 الاجتهاد مما6 قصده الشارع في وضع الشريعة حين شرع القياس ووضع الظواهر التي تختلف في أمثالها النظار ليجتهدوا فيثابوا على ذلك، ولذلك نبه في الحديث على هذا المقصد بقوله عليه الصلاة والسلام:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المراد بها المتشابهات الحقيقية، وقوله: "ومنها الأمور الاجتهادية" هي المتشابهات الإضافية. "د".
2 أي: وذلك يدل على أن الاختلاف له أصل في الشريعة، وأنها لا ترجع إلى قول واحد, في فروعها ما دام الاختلاف مستندًا إلى وضع من الشارع. "ف".
3 لعل الصواب: "وضع" بالواو والضاد كما يدل عليه السياق والسباق. "د".
4 كما ذكروه في معارضات القياس؛ كقول الحنفي: "مسح الرأس مسح؛ فلا يكرر كمسح الخف"؛ فيقول الشافعي: "مسح الرأس ركن؛ فيكرر كالغسل". "د".
5 أي: فوضعه للشريعة مراعيًا فيها شرعية القياس، ومجيئه بالظواهر التي من شأنها أن تختلف فيها الأنظار، هذا الوضع مقصود ليتأتى الاجتهاد وإثابة المجتهدين، فلما وضع مثار الاختلاف لهذا القصد؛ كان الاختلاف مقصودًا له، فلا يصح نفيه عن الشريعة، ومن هذا البيان يعلم أن جواب لما محذوف، وقد ذكر دليل الجواب بقوله بعد: "فهذا موضع آخر.. إلخ". "د".(10/91)
6 كذا في "ط" وحده، وفي غيره: "لما"، وكتب "ف": "لعله: "مما قصده الشارع".(10/92)
ص -66-…"إذا اجتهد الحاكم فأخطأ؛ فله أجر، وإن أصاب؛ فله أجران"1 فهذا موضع آخر من موضع الخلاف بسبب وضح محاله.
-ومنها: أن العلماء الراسخين [و]2 الأئمة المتقين اختلفوا3: هل كل مجتهد مصيب، أم المصيب واحد؟ والجميع سوغوا هذا الاختلاف، وهو دليل على أن له مساغًا في الشريعة على الجملة.
وأيضًا؛ فالقائلون بالتصويب معنى كلامهم أن كل قول صواب، وأن الاختلاف حق، وأنه غير منكر ولا محظور في الشريعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد، فأصاب أو أخطأ، 3/ 318/ رقم 7352"، ومسلم في "الصحيح"كتاب الأقضية، باب أجر الحاكم إذا اجتهد، 3/ 342/ رقم 716" عن عمرو بن العاص.
2 زيادة من الأصل و"ط".
3 رأي الغزالي والقاضي والمزني والمعتزلة أن الحق يصح تعدده بتعدد اختلاف المجتهدين في المسائل التي لا نص فيها ولا إجماع، وهي محلات الاجتهاد، والمختار أن الحق واحد؛ من أصابه أصاب، ومن أخطأه أخطأ، وهو مأجور أيضًا، وهو رأي الأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأكثر الفقهاء. "د".
قلت: انظر في هذه المسألة: "المحصول" "6/ 29 وما بعدها"، و"البحر المحيط" "6/ 236 وما بعدها"، و"التبصرة" "ص498"، و"المنخول" "ص455"، و"شرح اللمع" "2/ 1044"، و"الإبهاج "3/ 178"، والبرهان" "2/ 316"، و"المستصفى" "2/ 357"، و"الأنجم الزاهرات" "252"، و"شرح الأسنوي" "2/ 202-203 - مع البدخشي"، و"شرح العضد عل ابن الحاجب" "2/ 294"، و"شرح تنقيح الفصول" "ص486"، و"عقد الجيد" "ص34" للدهلوي، و"التمهيد" "4/ 307"، و"شرح الكوكب المنير" "4/ 489"، و"(10/93)
الإحكام" "4/ 183" للآمدي، و"تيسير التحرير" "4/ 202"، و"فواتح الرحموت" "2/ 380"، و"كشف الأسرار" "4/ 16"، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "20/ 9-39"، و"المسودة في أصول الفقه" "ص495"، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" "ص186".(10/94)
ص -67-…وأيضًا؛ فطائفة1 من العلماء جوزوا أن يأتي في الشريعة دليلان متعارضان، ويجويز ذلك عندهم مستند إلى أصل شرعي في الاختلاف.
وطائفة أيضًا رأوا أن قول الصحابي حجة2؛ فكل قول صحابي وإن عارضه قول صحابي آخر؛ كل واحد منهما حجة، وللمكلف في كل واحد منهما متمسك، وقد نقل هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"3، فأجاز جماعة الأخذ بقول من شاء منهم إذا اختلفوا.
وقال القاسم بن محمد: "لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالهم، لا يعلم العامل بعمل رجل منهم إلا رأي أنه في سعة، ورأى أن خيرًا منه قد عمله"4.
وعنه أيضًا: "أي ذلك أخذت به لم يكن في نفسك منه شيء"5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال في "التحرير" "3/ 2-3 مع التقرير والتحبير": "والحق أن التعارض في الأدلة الشرعية إنما هو في الظاهر فقط، لا في نفس الأمر، ولذلك يصح أن يقع بين القطعين، وبهذا يرد على من قال: إنه يشترط فيه الوحدات الثمانية؛ لأن ذلك يصح إذا كان التعارض حقيقيًّا وفي نفس الأمر". قال الشافعي: "لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان صحيحان متضادان ينفي أحدهما ما يثبته الآخر، من غير جهة الخصوص والعموم، والإجمال والتفسير؛ إلا على وجه النسخ، وحكى الماوردي والروياني عن كثيرين أن التعارض على جهة التكافؤ جائز وواقع"، وقال القاضي أبو بكر وجماعة: "إن الترجيح بين الظواهر المتعارضة إنما يصح على القول بأن المصيب في الفروع واحد". "د".
2 انظر ما علقناه على "4/ 456 وما بعد".
3 الحديث منكر، وقد خرجناه فيما مضى "4/ 452".
4 أجرجه بسنده إلى القاسم: ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 900-901/ رقم 1787"، وإسناده صحيح.
"5" أخرجه ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 901/ رقم 1687".(10/95)
ص -68-…ومثل معناه مروي عن عمر بن عبد العزيز، قال: "ما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم"، قال القاسم: "لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز: "ما أحب أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا؛ لأنه لو كان قولا واحدًا كان الناس في ضيق، وإنما أئمة يقتدى بهم؛ فلو أخذ أحد بقول رجل منهم كان في سعة"1.
وقال بمثل ذلك جماعة من العلماء.
و أيضًا؛ فإن أقوال العلماء بالنسبة [إلى العامة كالأدلة بالنسبة إلى]2 المجتهدين، ويجوز لكل واحد على قول جماعة أن يقلد من العلماء من شاء3، وهو من ذلك في سعة، وقد قال ابن الطيب وغيره في الأدلة إذا تعارضت على المجتهد واقتضى كل واحد ضد حكم الآخر ولم يكن4 ثم ترجيح؛ فله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 901، 902/ رقم 1688، 1689"، وإسناده حسن. وفي "ط": "فلو أخذ رجل بقول أحد...".
2 ما بين المعقوفتين من "ط" فقط، وبدله في "ف": "كأقوال"، وقال "ف": "لعل في العبارة سقطًا والأصل؛ فإن أقوال العلماء بالنسبة إلى المقلدين كأقوال المجتهدين".
وتابعه "د" و"م"؛ فأثبتوها في المتن، ولم ينبهوا على ذلك.
3 أي: ولا يلزم البحث عن مرجح، ولا التعرف عن الأفضل، ومقابله أن تعدد أقوالهم يعتبر للعامي كتعدد الأدلة وتعرضها عند المجتهد، وسيأتي له المبحث مستوفى، يعني: وهذا يؤيد إشكاله على المسألة لأنه إنما يصح إذا سلم تعارض الأدلة، وكان ما يترتب عليه من الخلاف مفيدًا في الشريعة. "د".(10/96)
4 بهذا القيد لا ينافي ما تقدم له في الدليل الرابع من الاتفاق على إثبات الترجيح بين الأدلة المتعارضة؛ فهنا موضوع الخلاف وجود التعارض مع عجز المجتهد عن الترجيح بين الإمارتين، وفيه تسعة مذاهب: أحدها هذا التخيير، ونسب أيضًا إلى أبي علي وابنه أبي هاشم والقاضي أبي بكر، وقيل: يتساقطان فيطلب الحكم من موضع آخر. "د". قلت انظر في هذه المسألة: "شرح العبادي على الورقات" "ص150-153"، و"البحر المحيط" و"أدلة التشريع المتعارضة" ص183" لبدران أبو العينين.(10/97)
ص -69-…الخيرة في العمل بأيها شاء، لأنهما صارا بالنسبة إليه كخصال الكفارة، والاختلاف عند العلماء لا يشاء إلا من تعارض الأدلة؛ فقد ثبت إذًا في الشريعة تعارض الأدلة؛ إلا أن ما تقدم من الأدلة على منع الاختلاف يحمل على الاختلاف في أصول الدين لا في فروعه، بدليل وقوعه في الفروع من لدن زمان الصحابة إلى زماننا.
فالجواب: أن هذه القواعد المعترض بها يجب أن يحقق النظر فيها بحسب هذه المسألة؛ فإنها من المواضع المخيلة1.
أما مسألة المتشابهات؛ فلا يصح أن يُدَعَى فيها أنها موضوعة في الشريعة قصد الاختلاف شرعًا2؛ لأن هذا قد تقدم في الأدلة السابقة ما يدل على فساده، وكونها3 قد وضعت؛ {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] لا نظر فيه؛ فقد قال تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بضم فكسر؛ أي: المشكلة من أخال الشيء اشتبه، أو بفتح فكسر، أي: التي هي موضع الخيل، وهو الظن، وفي "ط": "فإنها في المواضع..".
2 الأنسب بقصد الاختلاف: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ}؛ أي: ليموت من يموت عن حجة عاينها، و{وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}، أي: يعيش عن حجة شاهدها، فلا يبقى محل للتعلل بالأعذار لا نظر فيه؛ أي: لا إشكال فيه؛ لأنه يستلزم إرادة الاختلاف كما أشار إليه بقوله: فقد قال..." إلخ.
وقال "د": "أي من حيث التشريع والإرادة الأمرية" ا. هـ.
قلت: وقارن مع حاشية "رقم 3" بعدها.
3 أي: وكونه قد ترتب على وضع الشريعة هلاك البعض ونجاة البعض ليس محل البحث ومجال النظر، بل هو مقام آخر تشير آية: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ}... إلخ لأن هذا وضع قدري ليس تابعًا للأمر والنهي، ولا رابطة بينه وبين التكليف الذي هو محل البحث هنا؛ فلم يطلب منهم أن يختلفوا وإن كان طبق ما جرت به الإرادة القدرية. "د".(10/98)
وكتب "ف": "أي: بقصد الابتلاء كما سيأتي، لا بقصد الاختلاف".(10/99)
ص -70-…رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}1 [هود: 118]؛ ففرق بين الوضع القدري2 الذي لا حجة فيه للعبد -وهو الموضوع على وفق الإرادة التي لا مرد لها- وبين الوضع الشرعي الذي لا يستلزم وفق الإرادة، وقد قال تعالى: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}3 [البقرة: 2].
وقال: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: 26].
ومر بيانه في كتاب الأوامر؛ فمسألة المتشابهات من الثاني4 لا من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 صدر الآية: {ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي: مجتمعين على الدين الحق بحيث لا يقع من أحد منهم كفر، لكنه لم يشأ سبحانه ذلك: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} في العقائد التي هى أصول الدين بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل، {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}؛ أي: ولثمرة الاختلاف من كون فريق في الجنة وفريق في السعير خلقهم؛ فالإشارة للاختلاف كما روي عن الحسن وعطاء، وقيل:
للرحمة والاختلاف، أي لاختلاف الجميع ورحمة بعضهم بعضًا كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، ونظير هذا قوله
تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} "ف".
قلت: انظر شرح المصنف للآية: "الاعتصام" "2/ 675-677 - ط ابن عفان".
2 أي: الراجع إلى إرادة التكوين الذي تشير إليه الآيتان وليس للعبد أن يتعلل به، والوضع الشرعي هو الراجع إلى التشريع للذي يلزمه
الأمر فيما يطلب شرعًا والنهي فيما ينهى عنه شرعًا، بخلاف الأول؛ فلا تلازم فيه بين الإرادة وبين الأمر والنهي، كما تقدم له بسطه في المسألة الأولى من الأمر والنهي. "د".
قلت: مضى هناك الإحالة على مواطن بحث ابن تيمية وابن القيم لهذا الموضوع.(10/100)
3 اجتمع في هذه الآية الوضعان القدري والشرعي معًا، وصدر الآية بعدهما فيه الوضع القدري لا غير؛ لأن المقصود الشرعي من القرآن أن يكون هداية وهو سبب للهداية قطعًا، ولكن الفاسقين لم يتنفعوا به لإعراضهم عنه؛ فكان بطعنهم فيه جهلًا وعنادًا سببًا في زيادة ضلالهم، ولا
أنهم كانوا مهديين فأضلهم. "د".
4 أي: الوضع القدري الذي أشار إليه بقوله: "وقد قال تعالى: {هُدىً لِلْمُتَّقِين}.... إلخ، وقوله: "لا من الأول"؛ أي: الشرعي الذي هو موضوع البحث والجدل. "د".(10/101)
ص -71-…الأول، وإذا كان كذلك؛ لم يدل على وضع الاختلاف شرعًا1، بل وضعها للابتلاء؛ فيعمل الراسخون على وفق ما أخبر الله عنهم، ويقع الزائغون في اتباع أهوائهم، ومعلوم أن الراسخون هم المصيبون، وإنما أخبر عنهم أنهم على مذهب واحد في الإيمان بالمتشابهات علموها أو لم يعلموها، وأن الزائغين هم المخطئون؛ فليس في المسألة إلا أمر2 واحد، لا أمران ولا ثلاثة، فإذا لم يكن [إنزال]3 المتشابه علمًا للاختلاف ولا أصلًا فيه, وأيضًا لو كان كذلك لم ينقسم المختلفون فيه إلى مصيب ومخطئ4، بل كان يكون الجميع مصيبين؛ لأنهم لم يخرجوا عن قصد الواضع للشريعة؛ لأنه قد تقدم أن الإصابة إنما هي بموافقة [قصد]3 الشارع، وإن الخطأ بمخالفته، فلما كانوا منقسمين إلى مصيب ومخطئ دل على أن الموضع ليس بموضع اختلاف شرعًا.
وأما مواضع الاجتهاد5؛ فهي راجعة إلى نمط التشابه لأنها دائرة بين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: حتى يكون دليلًا على قصده الاختلاف من حيث التشريع. "د".
وقال "ف": "أي إن الشارع لم يقصد بإنزال المتشابهات وضع أصل للاختلاف، بحيث يكون حجة دالة عليه بل قصد بإنزالها وضع أصل للابتلاء كما قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} والواجب على الكل هو ذلك الأحسن، وهو هنا عمل المصيبين دون المخطئين؛ فهي لشيء واحد، والتعدد والاختلاف إنما جاء في الزيغ واتباع الهوى؛ فلا مدخل لوضع المتشابه فيه".
2 وهو طلب الإيمان به من الجميع. "د".
3 سقط في "ط".(10/102)
4 أي: راسخ في العلم وزائغ، يعني: وقد قسمهم الله إلى القسمين، وإنما عبر بالإصابة والخطأ ليجري الدليل مرتبًا على سابقه من قوله: "ومعلوم أن الراسخين... إلخ"، وعليه؛ فلا يقال: إن هذا الجواب ضعيف؛ لأنه يؤول إلى أن الاعتراض بنى على مذهب المصوبة، والجواب بني على مذهب المخطئة، ومثله لا يعتد به جوابًا حاسمًا للإشكال؛ فقوله: "فلما كانوا منقسمين إلى مصيب... إلخ"؛ أي: كما تقتضيه الآية الكريمة. "د".
5 وهي المسائل الفقهية التي لا قاطع فيها؛ إذ هي وقع الخلاف في أن المصيب فيها واحد أو متعدد، أما العقليات والشرعيات القطعية؛ فالمصيب فيها واحد، وإنما في إثم المخطئ فيها وتكفيره وفيه تفصيل يرجع إليه في كتب الأصول. "ف".(10/103)
ص -72-…طرفي نفي وإثبات شرعيين؛ فقد يخفى هنالك وجه الصواب من وجه الخطأ.
وعلى كل تقدير إن قيل بأن المصيب واحدًا1؛ فقد شهد أرباب هذا القول بأن الموضع ليس مجال الاختلاف، ولا هو حجة من حجج الاختلاف، بل هو مجال استفراغ الوسع، وإبلاغ الجهد؛ في طلب مقصد الشارع المتحد، فهذه الطائفة على وفق الأدلة المقررة أولًا، وإن قيل: إن الكل مصيبون2؛ فليس على الإطلاق، بل بالنسبة إلى كل مجتهد أو من قلده لاتفاقهم على أن كل مجتهد لا يجوز له الرجوع عما أداه إليه اجتهاده ولا الفتوى إلا به؛ لأن الإصابة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كما ذهب إليه الشافعي رضي الله عنه وكثير من الفقهاء القائلون بأن لله في الواقعة حكمًا واحدًا معينًا موجودًا قبل الاجتهاد، نصب عليه دليلًا وأوجد على المجتهد أصابته بالنظر فيما يوصل عليه، كما أوجب على المكلف معرفته بالنظر والاستدلال، فإذا اجتهد ووضع النظر موضعه؛ فقد أصابه، وإن قصر؛ فقد أخطأه ولو بذل وسعه في تحصيله. "ف".(10/104)
2 كما ذهب إليه جماعة من الفقهاء القائلون بأنه ليس لله قبل الاجتهاد معين في الواقعة، بل حكم الله تابع لظن المجتهد، فما ظنه فيها من الحكم، فهو حكم اله تعالى في حقه، وحق مقلده وإن كان الله يعلم غير ما يظنه المجتهد أزلا، ولكن العلم غير الحكم؛ فالحكم لم يشرع إلا على وجه الإبهام، وهو ما يظنه المجتهد، والكلام في الحكم باعتبار التعلق التنجيزي؛ لأنه المتأخر التابع لظن المجتهد ومعناه أن الشارع عند هذا الفريق اعتبر ظن المجتهد المتعلق بمأخذ الحكم ودليله بمثابة الشرع، أي الكلام اللفظي الذي يظهر الحكم، أي الخطاب النفسي في صورته؛ فنظر المجتهد وظنه المسائل الاجتهادية منضم إلى المأخذ الشرعي في ظهور الحكم وتعلقه بأفعال المكلفين تعلقًا تنجيزيًا وقبل نظره وبيانه لا يوجد الحكم في النازلة شاغلًا لذمة المكلف؛ فهو بمثابة بيان الرسول صلى الله عليه وسلم في مجملات الشريعة، فكما أن حكم المجمل لا يتبين ولا يتعلق بالمكلف إلا بعد بيان الرسول صلى الله عليه وسلم، كذلك الحكم المستنبط في المآخذ الاجتهادية لا يتبين ولا يتعلق بالمجتهد ومن يقلده إلا بعد اجتهاده وبيانه. "ف".(10/105)
ص -73-…عندهم إضافية لا حقيقية1، فلو كان الاختلاف سائغا على الإطلاق2؛ لكان فيه حجة، وليس كذلك.
فالحاصل أنه لا يسوغ على هذا الرأي إلا قول واحد، غير أنه إضافي؛ فلم يثبت به اختلاف مقرر على حال، وإنما الجميع محومون على قول واحد هو قصد الشارع عند المجتهد، لا قولان مقرران؛ فلم يظهر إذًا من قصد الشارع وضع أصل للاختلاف، بل وضع موضع للاجتهاد في التحويم على إصابة قصد الشارع الذي هو واحد، ومن هناك لا تجد مجتهدا يثبت لنفسه قولين معًا3 أصلًا، وإنما يثبت قولا واحدًا وينفي ما عداه.
وقد مر4 جواب مسألة التصويب والتخطئة.
وأما تجويز أن يأتي دليلان متعارضان، فإن أراد الذاهبون إلى ذلك التعارض في الظاهر وفي أنظار المجتهدين لا في نفس الأمر؛ فالأمر على ما قالوه جائز، ولكن لا يقضي ذلك بجواز التعارض في أدلة الشريعة، وإن أرادوا تجويز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: ولو كانت حقيقة لم يكن هناك مانع من ترك المجتهد رأي نفسه إلى رأي غيره. "د".
2 أي: بحيث يجوز لكل واحد من المجتهدين أن يأخذ برأي غيره منهم. "د".
3 كما قرره الأصوليون في مسألة "لا يجوز أن يكون لمجتهد في مسألة قولان متناقضان في وقت واحد بالنسبة إلى شخص واحد"؛ لأنه إن حصل تعارض جمع أو رجح، وإلا وقف. "د".
4 جواب عن قوله: "وأيضًا؛ فالقائلون بالتصويب... إلخ"، وجوابه هو الجواب المذكور آنفًا عن الاعتراض باختلافهم في أن كل مجتهد مصيب، وهو أن الإصابة إضافية لا حقيقة، بدليل أنه ليس للمجتهد أن يترك ما وصل إليه اجتهاده إلى قول غيره. "د".
قلت: وانظر "مجموع فتاوى ابن تيمية" "13/ 124، 20/ 22"، و"فتح الباري" "7/ 409-410"، و"إرشاد الفحول" "ص261-262"، و"الاختلاف وما إليه" "73-78".(10/106)
ص -74-…ذلك في نفس الأمر؛ فهذا لا ينتحله من يفهم الشريعة لورود1 ما تقدم من الأدلة عليه، ولا أظن [أن]2 أن أحدا منهم يقوله3.
وأما مسألة قول الصحابي؛ فلا دليل فيه لأمرين:
أحدهما: أن ذلك من قبيل الظنيات إن سلم صحة الحديث، على أنه مطعون في سنده، ومسألتنا قطعية ولا يعارض الظن القطع4.
والثاني: على تسليم ذلك فالمراد أنه5 حجة على انفراد كل واحد منهم أي أن من استند6 إلى قول أحدهم؛ فمصيب7 من حيث قلد أحد المجتهدين، لا أن كل واحد منهم حجة في نفس الأمر بالنسبة إلى كل8 واحد؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "م": "لو ورد".
2 سقط في "ط".
3 نقل الشوكاني في "إرشاد الفحول" "ص275" أن الماوردي والروياني حكيا عن الأكثرين أن التعارض على جهة التكافؤ في نفس الأمر، بحيث لا يكون أحدهما أرجح من الأخر جائز وواقع، وعليه يحمل قول المصنف: "التعارض في الظاهر وفي أنظار المجتهدين"، وذهب جماعة من الشافعية، منهم البيضاوي والشيرازي إلى جواز التعارض بين الأمارات، وعدم جواز ذلك بين الأدلة القاطعة.
وانظر: "المحلي على جمع الجوامع" "2/ 59"، و"شرح نهاية السول" "3/ 256"، و"مشكاة الأنوار" "2/ 109، 417"، و"التلويح شرح التوضيح" "2/ 103"، و"الإبهاج بشرح المنهاج" "3/ 132، 133، 137، 146، 147" و"شرح تنقيح الفصول" "417، 418" و"كشف الأسرار" "3/ 706"، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "19/ 138"، و"حاشيتا التفتازاني والجرجاني على شرح العضد على ابن الحاجب" "2/ 99"، و"إعلام الموقعين" "1/ 367"، و"زاد المعاد" "3/ 150"، و"أدلة التشريع المتعارضة "ص26-35" لبدران أبو العينين بدران، و"التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية: "1/ 59 وما بعدها" لعبد اللطيف البرزنجي.
4 في الأصل: "القطعي".
5 في "ط": "منهم".
6 في "ف": "أسند".
7 في "م": "مصيب".
8 أي: بل بالنسبة لنفسه ولمن قلده كما سبق في المجتهدين. "د".(10/107)
ص -75-…فإن هذا مناقض لما تقدم.
وأما قول من قال: إن اختلافهم رحمة وسعة؛ فقد روى ابن وهب عن مالك أنه قال: "ليس في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سعة، وإنما الحق في واحد، قيل له: فمن يقول إن كل مجتهد مصيب؟ فقال: هذا لا يكون [هكذا، لا يكون] قولان مختلفين1 صوابين".
ولو سلم؛ فيحتمل أن يكون من جهة فتح باب الاجتهاد، وأن مسائل الاجتهاد قد جعل الله فيها سعة بتوسعة مجال الاجتهاد لا غير ذلك، قال القاضي إسماعيل2: "إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توسعة في اجتهاد الرأي، فأما أن يكون توسعة أن3 يقول الإنسان4 بقول واحد منهم من غير أن يكون الحق عنده فيه فلا، ولكن اختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا، فاختلفوا".
قال ابن عبد البر5: "كلام إسماعيل هذا حسن جدا".
وأيضًا؛ فإن قول من قال: "إن اختلافهم رحمة" يوافق ما تقدم6، وذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "م": "مختلفان"، وينقل المصنف -بتصرف- عن "جامع بيان العلم" "2/ 906، 907"، وفيه: "قولان مختلفان يكونان صوابًا جميعًا، وما الحق والصواب إلا واحد"، وليس عنده: "إن كل مجتهد مصيب"، وهي في "ترتيب المدارك" "1/ 192، 193"، و"إعلام الموقعين" "4/ 211"، و"صفة الفتوى" "41" لابن حمدان، و"آداب المفتي والمستفتي" "125".
2 نقل مقولته ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 906-907".
3 في مطبوع "الجامع": "لأن".
4 في مطبوع "الجامع": "الناس".
5 في "الجامع" "2/ 907".
6 أي: من أن ذلك بسبب فتحهم باب الاجتهاد. "د".
قلت: هذا ما صرح به المصنف في "الاعتصام" "2/ 676-676 - ط ابن عفان".(10/108)
ص -76-…لأنه قد ثبت أن الشريعة لا اختلاف فيها، وإنما جاءت حاكمة بين المختلفين [وقد ذمت المختلفين] فيها وفي غيرها من متعلقات الدين؛ فكان ذلك عندهم عامًّا في الأصول والفروع، حسبما اقتضته الظواهر المتضافرة والأدلة القاطعة، فما جاءتهم1 مواضع الاشتباه وكلوا ما لم يتعلق به عمل إلى عالمه على مقتضى قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِه} [آل عمران: 7]، ولم يكن لهم بد من النظر في متعلقات الأعمال؛ لأن الشريعة قد كملت، فلا يمكن خلو الوقائع عن أحكام الشريعة؛ فتحروا أقرب الوجوه عندهم إلى أنه المقصود الشرعي، والفطر والأنظار تختلف؛ فوقع الاختلاف من هنا لا من جهة أنه من مقصود الشارع، فلو فرض أن الصحابة لم ينظروا في هذه المشتبهات الفرعية ولم يتكلموا فيها -وهم القدوة في فهم الشريعة والجري على مقاصدها- لم يكن لمن بعدهم أن يفتح ذلك الباب للأدلة الدالة على ذم الاختلاف، وأن الشريعة لا اختلاف فيها، ومواضع الاشتباه مظانٌّ الاختلاف في إصابة الحق فيها؛ فكان المجال يضيق على من بعد الصحابة، فلما اجتهدوا ونشأ من اجتهادهم في تحري الصواب الاختلاف؛ سهل على من بعدهم سلوك الطريق، فلذلك والله أعلم قال عمر بن عبد العزيز: "ما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم"2.
وقال: "ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا"3.
وأما اختلاف العلماء بالنسبة إلى المقلدين؛ فكذلك أيضًا، لا فرق بين مصادفة المجتهد الدليل، ومصادفة العامي المفتي؛ فتعارض الفتويين عليه كتعارض الدليلين4 على المجتهد، فكما أن المجتهد لا يجوز في حقه اتباع الدليلين معًا، ولا اتباع أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح، كذلك لا يجوز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "جاءت".
"2 و3" مضى تخريجهما قريبًا.
4 أي: في نظر المجتهد، وأما في نفس الأمر؛ فلا تعارض على الصحيح. "ف".(10/109)
قلت: وما عند المصنف في "المستصفى" "2/ 391" للغزالي.(10/110)
ص -77-…للعامي اتباع المفتيين معًا ولا أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح1.
وقول من قال2: "إذا تعارضا عليه تخير" غير صحيح من وجهين:
أحدهما: أن هذا قول بجواز تعارض الدليلين في نفس الأمر وقد مر فيه آنفًا.
والثاني: ما تقدم من الأصل الشرعي، وهو أن فائدة وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، وتخييره بين القولين نقض لذلك الأصل، وهو غير جائز، فإن الشريعة قد ثبت أنها تشتمل على مصلحة جزئية في كل مسألة، وعلى مصلحة كلية في الجملة، أما الجزئية، فما يعرب عنها دليل كل حكم وحكمته،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا إذا وسعه الترجيح، وإلا؛ فيخير بين أيهما شاء؛ لأن كلا القولين موجود بالفعل، معمول به عند قائله؛ فهو في سعة من الأخذ بأيهما أراد، بخلاف المجتهد إذا تعارض في نظره دليلان ولم يسعه الترجيح؛ فليس هناك قول موجود بالفعل حتى يكون في سعة من العمل به؛ فيلزمه التردد والتوقف كما نقل عن الشافعي في بضعة مسائل، وقد يستأنس لهذا بما قيل من جواز تقليد العامي المفضول من المجتهدين، مع وجود الفاضل، مع أنه لا يجوز للمجتهد الأخذ بالمرجوح من الأدلة مع وجود الراجح. "ف".
قلت: انظر: التقرير والتحبير" "3/ 351"، و"القسطاس المستقيم" "ص76" للغزالي، تحقيق محمد السمان ط دار الثقافة 1381هـ والمدخل للفقه الإسلامي لمحمد سلام مدكور "ص325"، و"عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق" للباني.
2 التخيير في حق العامي هو الذي صححه الرافعي والشيرازي في "اللمع"، واختاره ابن الصباغ فيما إذا تساوى المفتيان في نفسه، واختاره الآمدي مستدلًا بحادثة بني قريظة، وفي هذا الاستدلال نظر، كما قدمناه في التعليق على "3/ 407-409"، وقال الغزالي في "المحصول" "6/ 82": "منهم في خيره، ومنهم من أوجب الأخذ بقول الإعلم"، قال: "وهو الأقرب لمزيته"، وانظر: "البحر المحيط" "6/ 313"، وفيه: "وأغرب الروياني فقال: إنه غلط".(10/111)
قلت: ودليل المصنف على التغليط قوي، وهو موافق للروياني، ونصره الفاسي في "تحفة الأكابر" كما في "رفع العتاب" "ص95".(10/112)
ص -78-…وأما الكلية؛ فهي أن يكون المكلف داخلًا تحت قانون معين من تكاليف الشرع في جميع تصرفاته؛ اعتقادًا، وقولًا، وعملًا؛ فلا يكون متبعًا لهواه كالبهيمة المسيبة حتى يرتاض بلجام الشرع، ومتى خيرنا المقلدين في مذاهب الأئمة؛ لينتقوا منها أطيبها عندهم لم يبقَ لهم مرجع إلا اتباع الشهوات في الاختيار، وهذا مناقض لمقصد وضع الشريعة؛ فلا يصح القول بالتخيير على حال، وانظر في الكتاب "المستظهري" للغزالي؛ فثبت2 أنه لا اختلاف في أصل الشريعة، ولا هى موضوعة على [كون]3 وجود الخلاف فيها أصلا يرجع إليه مقصودًا من الشارع، بل ذلك الخلاف راجع إلى أنظار المكلفين وإلى ما يتعلق بهم من الابتلاء، وصح أن نفي الاختلاف في الشريعة وذمه على الإطلاق والعموم في أصولها وفروعها؛ إذ لو صح فيها وضع فرع واحد على قصد الاختلاف لصح فيها4 وجود الاختلاف على الإطلاق؛ لأنه إذا صح اختلاف ما صح كل الاختلاف وذلك معلوم البطلان؛ فما أدى إليه مثله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر منه آخر "الباب التاسع، في إقامة البراهين الشرعية على أن الإمام القائم بالحق الواجب على الخلق طاعته في عصرنا هذا.... ص120"، وفي النسخ المطبوعة و"ماء": "المستظهر" وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه، كما في "الأصل"، وفي "طبقات السبكي" "4/ 116": "المستظهري في الرد على الباطنية"، وانظر: "مؤلفات الغزالي" "رقم 22".
وقول المصنف السابق: "فإن الشريعة قد ثبتت أنها تشتمل على مصلحة.... إلخ" منه "ص59" مع تصرف وتغيير.(10/113)
2 هذا واقع في مقابلة قوله في آخر الاعتراض على أصل القاعدة "يحمل على الاختلاف في أصل الدين لا في فروعه الذي جعله نتيجة للأدلة لأدلة المسألة، فلما أبطل أدلة المسألة واحدًا واحدًا؛ رتب عليه قوله؛ فثبت أنه لا اختلاف، وصح أن نفي الاختلاف جارٍ على الإطلاق في الأصول والفروع، كما هو أصل المسألة، وكما نبه إليه قوله آنفًا: "فكان ذلك عندهم عامًّا في الأصول والفروع حسبما اقتضته الظواهر... إلخ". "د".
3 ما بين المعقوفتين من الأصل، وسقط من النسخ المطبوعة كلها و"ط".
4 في "ط" و"م": "فيه".(10/114)
ص -79-…فصل:
وعلى هذا الأصل ينبني قواعد، منها1 أنه ليس للمقلد2 أن تتخير3 في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: متى ثبت الأصل المتقدم، وهو أن الشريعة ترجع إلى قول واحد، لزم أنه ليس للمقلد أن يتخير؛ لأنه لا يكون ذلك إلا إذا كانت الشريعة موضوعة على تعدد الحكم واختلاف الرأي في الشيء الواحد، إلا أن هذا الموضع نفسه تقدم له في معارضة المسألة، ثم رده وأقام الدليل على غرضه من عدم تخير المقلد، لكنه بسط الكلام عليه في هذا الفصل؛ فلهذا أعاده.
وقد ذكر الأصوليون في تخيير المقلد مسألة خلافية، وهي أنه هل للعامي أن يسأل من يشاء من المفتين، أم أنه لا بد من ترجيحه في سؤاله وأخذه عن الراجح منهم في نظره ويكفيه الشهرة؟ وهذا هو رأي أحمد بن حنبل وابن سريج والقفال من أصحاب الشافعي وجماعة من الفقهاء والأصوليين، مخالفين لرأي القاضي أبي بكر وجماعة من الفقهاء والأصوليين القائلين بالتخيير، سواء أتساووا أم تفاضلوا، واستدلوا بأن الصحابة كان فيهم الفاضل والمفضول، وكان فيهم العوام، ولم ينقل عن أحد من الصحابة تكليف العوام بالاجتهاد في أعيان المجتهدين، ولو كان التخيير غير جائز؛ لما تطابق الصحابة على عدم إنكاره، قال الآمدي "في "الإحكام" "4/ 318" في نهاية المسألة: "ولولا إجماع الصحابة على ذلك؛ لكان القول بمذهب الخصوم أولى" ا. هـ. والظاهر أن هذا الدليل لا ينهض بإزاء موضوع المؤلف؛ فإن غاية ما أفاده الدليل تخيير العامي في استثناء أي صحابي شاء، أما إذا ذهب إلى صحابيين، فأفتياه بمختلف الأقوال؛ فليس في هذا الدليل ما يدل على التخيير فيه، وهو الذي يتكلم فيه المؤلف ويبرهن على عدم جوازه، وهو غير أصل المسألة المختلف فيها على ما نقلناه؛ فلا يأتي فيه دليل القاضي ومن معه، وليس محل إجماع الصحابة، وحينئذ فيتم فيه قول الآمدي: "إن مذهب الخصوم أولى"، ويتم للمؤلف مطلوبه. "د".(10/115)
قلت: انظر في المسألة: "المحصول" "6/ 81"، و"البحر المحيط" "6/ 311"، و"التمهيد" "4/ 403"، و"المستصفى" "2/ 390"، و"البرهان" "2/ 1342-1344"، و"المنخول" "479"، و"الإحكام" "4/ 317" للآمدي، و"شرح تنقيح الفصول" "432"، و"تيسير التحرير" "4/ 351"، "فواتح الرحموت" "2/ 404"، و"إحكام الفصول" "ص729"، و"إرشاد الفحول" "271"، و"المسودة في أصول الفقه" "462، 518"، و"جمع الجوامع" "2/ 395 مع شرح المحلي"، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "19/ 262 و20/ 202"، =(10/116)
ص -80-….....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 204، 209، 213 و35/ 233"، و"آدب المفتي والمستفتي" لابن الصلاح "ص164-165"، و"روضة الطالبين" "11/ 117".
2 التقليد قبول رأي من ليس رأيه حجة دون أن تعرف حجته، فيخرج عنه العمل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم وبالإجماع ورجوع القاضي إلى الشهود؛ لأن هذه الثلاثة أدلة شرعية يؤخذ بها في الأحكام جماعًا؛ فهي حجة شرعية، فلا يعد الرجوع إليها تقليدًا، والمفتي في اصطلاحهم هو المجتهد، وقد يطلق على من يعرف الأحكام الشرعية ويتصدى لإجابة السائلين عنها وإن لم يكن مجتهدًا. "د".
3 في المسألة ثمانية أقوال، والتخيير لأكثر أصحاب الشافعي والشيرازي والخطيب والبغدادي والقاضي، والاجتهاد في الترجيح الذي اختاره المؤلف وبالغ في إثباته وشدد النكير على خلافه هو لابن السمعاني، كما يؤخذ من "إرشاد الفحول" "ص271" للشوكاني، وعليك بمراجعة الركن الثاني من أركان القضاء في "التبصرة" "1/ 45 وما بعدها"؛ فإن به فصولًا ممتعة جدًا في هذا الموضوع، وهي على الجملة تؤيد ما ذهب إليه المؤلف هنا، وفي "فتاوى الشيخ عليش" "1/ 57 وما بعدها" في باب مسائل أصول الفقه إفاضة واستقصاء في هذا الموضوع. "د".
وكتب "ف" ما نصه: "علمت أن الظاهر تخييره، ومن كان حكمه كذلك؛ فلا يلزم أن يكون أخذه بأحدهما متبعًا هواه، خصوصًا إذا تساويا بالنسبة إلى فرضه".
قلت: انظر ما قدمناه قريبًا في التعليق على "ص79"، و"إحكام الفصول" "ص729-730"، و"البرهان في أصول الفقه" "2/ 1350-1351".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(10/117)
1 نقل عنه هذا الزركشي في "البحر" "6/ 313" وغيره، وفي هذا نظر؛ فإنه قال في "الفقيه والمتفقه" "2/ 204": "فإن قال قائل: فكيف تقول في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا؛ فهل له التقليد؟ قيل: له إن شاء الله، هذا على وجهين:
أحدهما: إن كان العامي يتسع عقله ويكمل فهمه، إذا عقل أن يعقل، وإذا فهم أن يفهم، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم، وعن حججهم؛ فيأخذ بأرجحها عنده، فإن كان عقله يقصر عن هذا، وفهمه لا يكمل له؛ وَسِعَهُ التقليد لأفضلهما عنده".
قلت: وهذا تفصيل حسن، وليس فيه التخيير؛ فتأمل.(10/118)
ص -81-…الخلاف؛ كما إذا اختلف المجتهدون على قولين؛ فوردت كذلك على المقلد؛ فقد يعد بعض الناس القولين بالنسبة إليه مخيرا فيهما كما يخير في خصال الكفارة؛ فيتبع هواه وما يوافق غرضه دون ما يخالفه، وربما استظهر على ذلك بكلام بعض المفتين المتأخرين، وقواه بما روى من قوله عليه الصلاة والسلام: "أصحابي كالنجوم"1، وقد مر الجواب عنه، وإن صح؛ فهو معمول به فيما إذا ذهب المقلد عفوًا فاستفتى صحابيا أو غيره فقلده فيما أفتاه به فيما له أو عليه، وأما إذا تعارض عنده قولا مفتيين؛ فالحق أن يقال: ليس بداخل تحت ظاهر الحديث؛ لأن كل واحد منهما متبع لدليل عنده يقتضي ضد ما يقتضيه دليل صاحبه؛ فهما صاحبا دليلين متضادين، فاتباع أحدهما بالهوى اتباع للهوى، وقد مر ما فيه؛ فليس إلا الترجيح بالأعلمية وغيرها2.
وأيضًا فالمجتهدان بالنسبة إلى العامي كالدليلين بالنسبة إلى المجتهد فكما يجب على المجتهد، الترجيح أو التوقف كذلك المقلد، ولو جاز تحكيم3 التشهي والأغراض في مثل هذا؛ لجاز للحاكم وهو باطل بالإجماع.
وأيضًا؛ فإن في مسائل الخلاف ضابطًا قرآنيًا ينفى اتباع الهوى جملة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "4/ 452"، وهو حديث غير صحيح، وانظر تفصيلًا حول الجواب عن الاستدلال بهذا الحديث بما يؤيد قول المصنف في "رفع العتاب" "ص90-93".
2 مثل الأورعية أو كثرة الأدلة؛ كما تراه في "المحصول" "6/ 81"، و"جمع الجوامع" "2/ 436"، و"رفع العتاب" "ص65-66".(10/119)
3 أي: فلا فرق بين أن يمنع المكلف من الحكم بين الناس بمحض اختياره قولًا من الأقوال المنسوبة للمجتهدين، وبين أن يأخذ لنفسه بمحض هذا الاختيار، فلما كان ممنوعًا من الأول إجماعًا كان ممنوعًا من الثاني، ومن يدعي الفرق عليه البيان، على أن القرافي نقل الإجماع على حرمة اتباع الهوى في الفتيا أيضًا كما نقله عنه ابن فرحون في "التبصرة" "1/ 51" في الركن الثاني من أركان القضاء، ونقل عنه فيه أيضًا أن الحكم والفتيا بالمرجوح خلاف الإجماع. "د".(10/120)
ص -82-…وهو قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول} [النساء: 59]، وهذا المقلد قد تنازع في مسألته مجتهدان؛ فوجب ردها إلى الله والرسول، وهو الرجوع إلى الأدلة1 الشرعية، وهو أبعد من متابعة الهوى والشهوة؛ فاختياره أحد المذهبين بالهوى والشهوة مضاد للرجوع إلى الله والرسول، وهذه الآية2 نزلت على سبب فيمن اتبع هواه بالرجوع إلى حكم الطاغوت، ولذلك أعقبها بقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك} [النساء: 60].
وهذا4 يظهر أن مثل هذه القضية لا تدخل تحت قوله: "أصحابي كالنجوم"5.
وأيضًا؛ فإن ذلك يفضي إلى تتبع رخص المذاهب من غير استناد إلى دليل شرعي، وقد حكى ابن حزم6 الإجماع على أن ذلك فسق لا يحل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي الترجيح هنا. "د".
2، 3 الآتيان نزلت كل منهما على سبب خاص غير سبب نزول الأخرى؛ إلا أنهما مشتركان في نوع السبب، فعليك بالرجوع لكتب التفسير. "د".
قلت: انظر "لباب النقول" "72"، و"الصحيح المسند من أسباب النزول" "ص45".
4 كذا في "ط"، وفي غيره: "وهذا".
5 مضى تخريجه "4/ 452"، وهو حديث منكر.
6 قال في كتابه "مراتب الإجماع" "ص58": "واتفقوا على أنه لا يحل لمفتٍ ولا لقاضٍ أن يحكم بما يشتهي مما ذكرنا في قصة، وبما اشتهى مما يخالف الحكم في أخرى مثلها، وإن كان كلا القولين مما قال به جماعة من العلماء ما لم يكن ذلك الرجوع عن خطأ لاح له إلى صواب؛ بان له، ونقله عنه المحلي في "شرح جمع الجوامع" "2/ 442".
ونقل الإجماع ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 91، 92 - ط القديمة", والباجي كما سيأتي عنه، وابن الصلاح في "آداب المفتي" "ص125"، وحكاه عنهما ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الكبرى الفقهية" "4/ 204"، وانظر: "رفع العتاب" "ص76".(10/121)
ص -83-…وأيضًا؛ فإنه مؤدٍّ إلى إسقاط التكليف في كل مسألة مختلف فيها؛ لأن حاصل الأمر مع القول بالتخيير أن للمكلف أن يفعل إن شاء، ويترك إن شاء وهو عين إسقاط التكليف1، بخلاف ما إذا تقيد بالترجيح2 فإنه متبع للدليل؛ فلا يكون متبعًا للهوى ولا مسقطا للتكليف.
لا يقال: إذا اختلفا، فقلد أحدهما قبل لقاء الآخر جاز3؛ فكذلك بعد لقائه، والاجتماع طردي؛ لأنا نقول: كلًا، بل للاجتماع أثر؛ لأن كل واحد منهما في الافتراق طريق موصل4 كما لو وجد دليلًا ولم يطلع على معارضه بعد البحث عليه جاز له العمل. أما إذا اجتمعا واختلفا عليه؛ فهما كدليلين متعارضين اطلع عليهما المجتهد، ولقد أشكل القول بالتخيير المنسوب إلى القاضي ابن الطيب، واعتذر عنه بأنه مقيَّد لا مطلق؛ فلا يخير إلا بشرط أن يكون في تخييره [في]5 العمل بأحد الدليلين قاصدا لمقتضى الدليل في العمل المذكور، لا قاصدًا لاتباع هواه فيه، ولا لمقتضى التخيير على الجملة؛ فإن التخيير الذى هو معنى الإباحة مفقود ههنا، واتباع الهوى ممنوع؛ فلا بد من هذا القصد.
وفى هذا الاعتذار ما فيه، وهو تناقض؛ لأن اتباع أحد الدليلين من غير ترجيح محال، إذ لا دليل له مع فرض التعارض من غير ترجيح؛ فلا يكون هنالك متبعا إلا هواه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر: "استدراك1".
2 في "ط" و"ف": "للترجيح" وصوب "ف" المثبت في الهامش، وكتب "م": "في "م" و"ت": فالترجيح".
3 أي: بدون حاجة إلى طلب أفضلية المجتهد على غيره، كما هو مذهب القاضي أبي بكر ومن معه للدليل السابق. "د".
4 في "ط": "متصل".
5 ما بين المعقوفتين سقط من "ف" و"ط"، وصوب "ف" وجوده في الهامش، وعند "م": "أن يكون التخيير في العمل..".(10/122)
ص -84-…فصل:
وقد أدى إغفال هذا الأصل إلى أن صار كثير من مقلدة الفقهاء يفتي قريبه أو صديقه بما لا يفتي به غيره من الأقوال؛ اتباعا لغرضه1 وشهوته، أو لغرض ذلك القريب وذلك الصديق.
ولقد وجد هذا في الأزمنة السالفة فضلًا عن زماننا كما وجد فيه تتبع رخص المذاهب اتباعا للغرض والشهوة، وذلك فيما لا يتعلق به فصل قضية وفيما يتعلق به ذلك.
فأما ما لا يتعلق به فصل قضية، بل هو فيما بين الإنسان وبين نفسه في عبادته أو عادته؛ ففيه من المعايب ما تقدم وحكى عياض فى "المدارك"2: "قال موسى بن معاوية: كنت عند البهلول بن راشد إذ أتاه ابن فلان3؛ فقال له بهلول: ما أقدمك؟ قال: نازلة، رجل ظلمه السلطان فأخفيته وحلفت بالطلاق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بل أخرجوا الأمر عن كونه قانونًا شرعيًا، وجعلوه متجرًا، حتى بعض المؤلفين في فقه الشافعية ما نصه: "نحن مع الدراهم كثرة وقلة". "د".
قلت: ومن الطرائف ما حكاه ابن حزم في "الإحكام" "6/ 167" عن بعض الفقهاء في زمانه، قال: "قد يحمل اسم التقدم في الفقه في بلد ما عند العامة من لا خير فيه، ومن لا علم عنده، ومن غيره أعلم منه، وقد شهدنا نحن قومًا فساقًا حملوا اسم التقدم في بلدنا وهم ممن لا يحل لهم أن يفتوا في مسألة من الديانة، ولا يجوز قبول شهادتهم، وقد رأيت أنا بعضهم، وكان لا يقدم عليه في وقتنا هذا أحد في الفتيا، وهو يتغطى الديباج الذي هو الحرير المحض لحافًا، ويتخذ في منزله الصور ذوات الأوراح من النحاس والحديد تقذف الماء أمامه، ويفتي بالهوى للصديق فتيا، وعلى العدو فتيا ضدها، ولا يستحي من اختلاف فتاويه على قدر ميله إلى من أفتى، وانحرافه عليه، شاهدنا نحن هذا منه عيانًا، وعليه جمهور أهل بلدنا، إلى قبائح مستفيضة لا نستجيز ذكرها؛ لأننا لم نشاهدها" انتهى.
2 "1/ 330 - ط بيروت".
3 أبهمه المصنف، وهو عبد الرحيم بن أشرس، على ما حكى القاضي عياض.(10/123)
ص -85-…ثلاثًا ما أخفيته. قال له البهلول: مالكٌ يقول: إنه يحنث1 في زوجته. فقال السائل: وأنا قد سمعته يقول2: وإنما أردت غير هذا. فقال: ما عندي غير ما تسمع. قال: فتردد إليه ثلاثًا، كل ذلك يقول له البهلول قوله الأول، فلما كان في الثالثة أو الرابعة؛ قال: يابن فلان! ما أنصفتم الناس، إذا أتوكم في نوازلهم قلتم: "قال مالك"، "قال مالك"، فإن نزلت بكم النوازل طلبتم لها الرخص، الحسن يقول: لا حنث عليه في يمينه، فقال السائل: الله أكبر قلدها3 الحسن؟!" أو كما قال.
وأما ما يتعلق به فصل قضية بين خصمين؛ فالأمر أشد، وفى "الموازيَّة"4 كتب عمر بن الخطاب: "لا تقضِ بقضاءين في أمر واحد فيختلف عليك أمرك". قال ابن المواز: "لا ينبغي للقاضي أن يجتهد في اختلاف الأقاويل، وقد كره مالك ذلك ولم يجوزه لأحد5، وذلك عندي أن يقضى بقضاء بعض6 من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن الخوف على النفس أو المال إنما يعد إكراهًا يرفع أثر الإيمان إذا كان الضرر عائدًا على الشخص الحالف نفسه أو ولده؛ حتى إن الأب والأخ مثلًا لا يعد الخوف عليهما إكراهًا يرفع أثر الإيمان، ولو تحقق الحالف حصول ما ينزل بغير نفسه وولده من الضرر؛ فلا يعد إكراهًا، وإن كان يطل منه اليمين شرعًا -ندبًا أو وجوبًا على الخلاف- لأجل سلامة ذلك الغير، ومحل الحنث إذا يَكُنْ: "ابن فلان"، هذا حلف اليمين خوفًا على نفسه هو من عقوبته على إخفائه، أما إذا كان كذلك؛ فهو داخل في الإكراه، ولا حنث في اليمين، وهذا رأي مالك وأصحابه جميعًا في الإكراه لا ينعقد به يمين ولا بيع ولا غيرهما من سائر العقود والالتزامات. "د".
2 في "م" و"ط": يقوله.
3 معناه أخذها في عنقه كالقلادة، أي أنه هو المسئول عنها ولست مسئولا؛ فأعمل بقوله والعهدة عليه، وتكبيره سرور منه بانفراج أزمته وحل مشكلته. "د".
قلت: وهو رد على "ف"، وتبعه "م" حيث قال: "أي: قلد الفتيا، وهو استغراب منه".(10/124)
4 انظر عنها "دراسات في مصادر الفقه المالكي" "ص149-153 - ط دار الغريب".
5 انظر: "الذخيرة" "10/ 133"،
6 في "ط": "في بعض".(10/125)
ص -86-…مضى، ثم يقضى في ذلك الوجه بعينه على آخر بخلافه، وهو أيضًا من قول من مضى، وهو في أمر واحد، ولو جاز ذلك لأحد لم يشأ أن يقضي على هذا بفتيا قوم ويقضي في مثله بعينه على قوم بخلافه بفتيا قوم آخرين إلا فعل؛ فهذا ما قد عابه من مضى وكرهه مالك ولم يره صوابًا".
وما قاله صواب، فإن القصد من نصب الحكام رفع التشاجر والخصام على وجه لا يلحق فيه أحد الخصمين ضرر، مع عدم تطرق التهمة للحاكم، وهذا النوع من التخيير في الأقوال مضاد لهذا كله.
وحكى أحمد بن عبد البر1 "أن قاضيا من قضاة قرطبة2 كان كثير الاتباع ليحيى بن يحيى، لا يعدل عن رأيه إذا اختلف عليه الفقهاء، فوقعت قضية تفرد فيها يحيى وخالف جميع أهل الشورى؛ فأرجأ القاضي القضاء فيها حياء من جماعتهم، وردفته قضية أخرى كتب بها إلى يحيى، فصرف يحيى رسوله، وقال له: لا أشير عليه بشيء؛ إذ توقف على القضاء لفلان بما أشرت عليه. فلما انصرف إليه رسوله وعرفه بقوله قلق منه، وركب من فوره إلى يحيى وقال له: لم أظن أن الأمر وقع منك هذا الموقع، وسوف أقضي له غدا إن شاء الله. فقال له يحيى: وتفعل ذلك صدقًا؟ قال: نعم. قال له: فالآن هيجت غيظي؛ فإني ظننت إذ خالفني أصحابي أنك توقفت مستخيرًا لله [متخيرًا]3 في الأقوال، فأما إذ صرت تتبع الهوى وتقضي برضى مخلوق ضعيف؛ فلا خير فيما تجيء به، ولا فيَّ إن رضيته منك، فاستعفِ من ذلك فإنه أستر لك، وإلا رفعت في عزلك". فرفع يستعفي فعُزِل.
وقصة محمد بن يحيى ابن لبابة أخو الشيخ ابن لبابة مشهورة، ذكرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وعنه القاضي عياض في "ترتيب المدارك" "1/ 539 - ط بيروت".
2 سماه أحمد بن عبد البر: "جميل المذهب".
3 سقط من "ط".(10/126)
ص -87-…عياض1، وكانت مما غض من منصبه، وذلك أنه عزل عن قضاء البيرة لرفع أهلها عليه، ثم عزل عن الشورى لأشياء نقمت عليه، وسجل بسخطته القاضي حبيب بن زياد وأمر بإسقاط عدالته وإلزامه2 بيته وأن لا يفتي أحدًا فأقام على ذلك وقتا، ثم إن الناصر احتاج إلى شراء مجشر3 من أحباس المرضى بقرطبة بعدوة النهر، فشكا إلى القاضي ابن بقي أمره وضرورته إليه لمقابلته متنزهه4 وتأذيه برؤيتهم أوان تطلعه من علاليه؛ فقال له ابن بقي: لا حيلة عندي فيه، وهو أولى أن يحاط بحرمة الحبس. فقال له: فتكلم مع الفقهاء فيه، وعرفهم رغبتي وما أجزله من أضعاف القيمة فيه؛ فلعلهم أن يجدوا لي في ذلك رخصة.
فتكلم ابن بقي معهم، فلم يجعلوا إليه سبيلًا؛ فغضب الناصر عليهم، وأمر الوزراء بالتوجه فيهم إلى القصر وتوبيخهم؛ فجرت بينهم وبين الوزراء5 مكالمة ولم يصل الناصر معهم إلى مقصوده، وبلغ ابن لبابة هذا الخبر؛ فرفع إلى الناصر يغض من أصحابه الفقهاء، ويقول: إنهم حجروا عليه واسعًا، ولو كان حاضرا لأفتاه بجواز المعاوضة وتقلدها وناظر أصحابه فيها، فوقع الأمر بنفس الناصر، وأمر بإعادة محمد بن لبابة إلى الشورى على حالته الأولى، ثم أمر القاضي بإعادة المشورة في المسألة؛ فاجتمع القاضي والفقهاء، وجاء ابن لبابة آخرهم، وعرفهم القاضي ابن بقي بالمسألة التي جمعهم لأجلها وغبطة6 المعاوضة فيها،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ترتيب المدارك" "2/ 399 - ط بيروت"، وذكرها المصنف في "الاعتصام" "2/ 684-685 - ط ابن عفان".
2 ف "ط": وألزمه".
3 كمنبر حوض لا يسقى فيه، وبالفتح: اسم مكان من الجشر -بالسكون-، وهو أن يخرجوا بخيلهم فيرعوها أمام بيوتهم، والمراد به مرتفق المرضى كالمستشفى. "ف" وتبعه "م".
4 في الأصل و"ف" و"م": "منزهة"، وكذا في "الاعتصام" "2/ 684"، وفي "ترتيب المدارك" "2/ 399": "منتزهه وباديته فيهم، وأن مطلعه من علاليه..".(10/127)
5 في "ط": "بعض الوزراء".
6 كذا في الأصل و"ف" و"د" و"الترتيب" و"الاعتصام"، وفي "م": "ورغبه".(10/128)
ص -88-…فقال جميعهم بقولهم الأول من المنع من تغيير الحبس عن وجهه، وابن لبابة ساكت؛ فقال له القاضي: ما تقول أنت يا أبا عبد الله؟ قال: أما قول إمامنا مالك بن أنس؛ فالذي قاله أصحابنا الفقهاء، وأما أهل العراق؛ فإنهم لا يجيزون1 الحبس أصلًا، وهم علماء أعلام يهتدي بهم أكثر الأمة، وإذ بأمير المؤمنين من2 الحاجة إلى هذا المجشر ما به فما ينبغي أن يرد عنه، وله في السنة فسحة، وأنا أقول فيه بقول أهل العراق، وأتقلد ذلك رأيا، فقال له الفقهاء: سبحان الله! تترك قول مالك الذى أفتى به أسلافنا ومضوا عليه واعتقدناه بعدهم وأفتينا به لا نحيد عنه بوجه، وهو رأي أمير المؤمنين ورأي الأئمة آبائه؟ فقال له3 محمد بن يحيى: ناشدتكم الله العظيم ألم تنزل بأحد منكم ملمة بلغت بكم أن أخذتهم4 فيها بقول غير مالك في خاصة أنفسكم وأرخصتم لأنفسكم؟5 قالوا: بلى. قال: فأمير المؤمنين؛ أولى بذلك فخذوا به مآخذكم، وتعلقوا بقول من يوافقه من العلماء؛ فكلهم قدوة. فسكتوا، فقال للقاضي: أنه6 إلى أمير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في كتاب "البدائع" "6/ 218" في مذهب الخنفية: إنه ينبني على الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبه في جواز الوقف وعدمه، أنه لو بنى رباطًا أو خاناص للمجتازين أو سقاية للمسلمين لا تزول رقبة العين عن ملكه عند أبي حنيفة، إلا إذا أضاف الوقف إلى ما بعد الموت بأن قال: إذا مت فقد جعلت داري مثلًا وقفا على كذا، ومثله إذا حكم به حاكم، أما عند صاحبيه، فيزول الملك بدون توقف على الإضافة إلى ما بعد الموت وبدون حكم الحاكم. "د".
قلت: انظر في تفصيل المسألة: "المدونة الكبرى" "4/ 342"، و"حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" "4/ 91"، و"التاج والإكليل" "6/ 42"، و"رسالة الحطاب في بيع الأحباس" "مخطوطة في دار الكتب المصرية، ق4، 5"، و"أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية" "2/ 32 وما بعدها".(10/129)
2 في "ف": "في"، وفي "م": "وإذا كان بأمير المؤمنين في...".
3 في "ط": "فقال لهم".
4 في "د": "أخذتهم".
5 بعدها في "ط": "في ذلك".
6 أي: أبلغ.(10/130)
ص -89-…المؤمنين فتياي. فكتب القاضي إلى أمير المؤمنين بصورة المجلس، وبقي مع أصحابه بمكانهم إلى أن أتى الجواب بأن يأخذ له بفتيا محمد بن يحيى بن لبابة، وينفذ ذلك ويعوض المرضى من هذا المجشر بأملاكه بمنية عجب1، وكانت عظيمة القدر جدا تزيد أضعافا على المجشر، ثم جيء من عند أمير المؤمنين بكتاب منه إلى ابن لبابة هذا بولايته خطة الوثائق؛ ليكون هو المتولي لعقد هذه المعاوضة؛ فهنئ بالولاية، وأمضى القاضي الحكم بفتواه، وأشهد عليه وانصرفوا؛ فلم يزل ابن لبابة يتقلد خطة الوثائق والشورى إلى أن مات سنة ست وثلاثين وثلاث مائة.
قال القاضي عياض2: "ذاكرت بعض مشايخنا مرة بهذا الخبر؛ فقال: ينبغي أن يضاف هذا الخبر الذى حل سجل السخطة إلى سجل السخطة؛ فهو أولى وأشد في السخطة مما تضمنه. أو كما قال.
وذكر الباجي3 في كتاب "التبيين لسنن المهتدين" حكاية أخرى فى أثناء كلامه فى معنى هذه المسألة؛ قال: "وربما زعم بعضهم أن النظر والاستدلال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في زيادات "شرح القاموس" في مادة منية ما نصه: "والمنية بالكسر اسم لعدة قرى..." إلى أن قال: "مِنية عجب بالأندلس منها خلف بن سعيد المتوفي بالأندلس سنة 305"؛ فقوله في "الاعتصام" "2/ 686 - ط ابن عفان" في فصل أسباب الخلاف: "ويعوض من هذا المجشر بأملاك ثمنية عجيبة" لا يقتضي أن يكون هنا تحريف، بل قوله: "وكانت عظيمة القدر.... إلخ" يقتضي أنها كانت معروفة بأعيانها كما هو مقتضى كونها اسمًا لهذه البلدة بالأندلس. "د".
قلت: وهو رد على "ف" -وتبعه "م"- حيث قال: "لعله بأملاك ثمنية كما في "الاعتصام"" ا. هـ. قلت: الصواب "بمنية عجب" كما في "ترتيب المدارك" "1/ 402".
2 في "ترتيب المدارك" "1/ 204".
3 نقل عنه المزبور عند المصنف: ابن الصلاح في "آداب المفتي والمستفتي" "ص125"، وابن حمدان في "صفة الفتوى" "40-41".(10/131)
ص -90-…الأخذ من أقاويل مالك وأصحابه بأيها شاء، دون أن يخرج عنها ولا يميل1 إلى ما مال منها لوجه يوجب له ذلك، فيقضى في قضية بقول مالك، وإذا2 تكررت تلك القضية كان له أن يقضي فيها بقول ابن القاسم مخالفا للقول الأول، لا لرأي تجدد له، وإنما ذلك بحسب اختياره".
قال: "ولقد حدثني من أَثِقُهُ3 أنه اكترى جزءا من أرض على الإشاعة، ثم إن رجلا آخر اكترى باقي الأرض، فأراد المكتري الأول أن يأخذ بالشفعة وغاب عن البلد، فأفتي المكتري الثاني بإحدى الروايتين عن مالك أن لا شفعة فى الإجارات، قال لي: فوردت من سفري، فسألت أولئك الفقهاء -وهم أهل حفظ في المسائل وصلاح فى الدين- عن مسألتي؛ فقالوا: ما علمنا أنها لك؛ إذ كانت لك المسألة أخذنا لك برواية أشهب عن مالك بالشفعة فيها. فأفتاني جميعهم بالشفعة، فقضي لي بها".
قال: وأخبرني رجل عن كبير من فقهاء هذا المصنف مشهور بالحفظ والتقدم أنه كان يقول معلنا غير مستتر: إن الذى لصديقي علي إذا وقعت له حكومة أن أفتيه بالرواية التي توافقه".
قال الباجي: "ولو اعتقد هذا القائل أن مثل هذا لا يحل له ما استجازه، ولو استجازه لم يعلن به ولا أخبر به عن نفسه".
قال: "وكثيرًا ما يسألني من تقع له مسألة من الأيمان ونحوها: لعل فيها رواية؟ أم لعل فيها رخصة؟ وهم يرون أن هذا من الأمور الشائعة الجائزة، ولو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: ولا يلزم أن يكون ميله إلى أحد هذه الأقوال بمقتضى وجه ومرجح؛ إلا أنه يبقى الكلام في معنى كون هذا نظرًا واستدلالًا، وأي شبهة ولو ضعيفة لهذا الزعم مع قوله: "لا يميل.... إلخ"؟ "د".
2 في "ط": "فإذا".
3 في "د": "أوثقه"، وما أثبتناه من الأصل و"ف" و"م" و"ط".(10/132)
ص -91-…كان تكرر عليهم إنكار الفقهاء لمثل هذا لما طولبوا به ولا طلبوه مني ولا من سواي، وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يعتد به فى الإجماع أنه لا يجوز ولا يسوغ ولا يحل لأحد أن يفتي فى دين الله إلا بالحق الذى يعتقد أنه حق، رضي بذلك من رضيه، وسخطه من سخطه، وإنما المفتي مخبر عن الله تعالى فى حكمه؛ فكيف يخبر عنه إلا بما يعتقد أنه حكم به وأوجبه، والله تعالى يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُم}... الآية [المائدة: 49]؛ فكيف يجوز لهذا المفتى أن يفتي بما يشتهي، أو يفتي زيدا بما لا يفتي به عمرا لصداقة تكون بينهما أو غير ذلك من الأغراض؟ وإنما يجب للمفتي أن يعلم أن الله أمره أن يحكم بما أنزل الله من الحق، فيجتهد في طلبه، ونهاه أن يخالفه وينحرف عنه، وكيف له بالخلاص مع كونه من أهل العلم والاجتهاد إلا بتوفيق الله وعونه وعصمته؟!".
هذا ما ذكره، وفيه بيان ما تقدم من أن الفقيه1 لا يحل له أن يتخير بعض الأقوال بمجرد التشهي والأغراض من غير اجتهاد، ولا أن يفتي به أحدًا2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المراد به غير المجتهد ممن يعرف أقوال المجتهدين؛ لأنه الذي تقدم الكلام عن الباجي في الإنكار عليه؛ فالمجتهد من باب أولى. "د".
2 قال ابن فرحون في "تبصرة الحكام" "1/ 51-52، 55-56" والقرافي في "الإحكام" "ص250" والنص له: "ولا ينبغي للمفتي إذا كان في المسألة قولان أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تخفيف أن يفتي العامة بالتشديد، والخواص من ولاة الأمور بالتخفيف، وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين، والتلاعب بالمسلمين، ودليل فراغ القلب من تعظيم الله تعالى وإجلاله وتقواه، وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب إلى الخلق دون الخالق! نعوذ بالله تعالى من صفات الغافلين".(10/133)
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في آخر "إعلام الموقعين" "4/ 222" في الفصل الذي عقده لفوائد تتعلق بالفتوى: "الفائدة التاسعة والثلاثون: لا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة، ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه، فإن تتبع ذلك فسق، وحرم استفتاؤه، فإن حسن قصده =(10/134)
ص -92-…والمقلد في اختلاف الأقوال عليه مثل هذا المفتي الذي ذكره؛ فإنه إنما أنكر ذلك على غير مجتهد أن ينقل عن مجتهد بالهوى، وأما المجتهد؛ فهو أحرى بهذا الأمر.
فصل:
وقد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية؛ حتى صار الخلاف في المسائل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= في حيلة جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة، لتخليص المستفتي بها من حرج جاز ذلك، بل استحب، وقد أرشد الله نبيه أيوب عليه السلام إلى التخلص من الحنث بأن يأخذ بيده ضغثًا، فيضرب به المرأة ضربة واحدة.
وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم بلالًا إلى بيع التمر بدراهم، ثم يشتري بالدراهم تمرًا آخر، فيتخلص من الربا.
فأحسن المخارج ما خلص من المآثم، وأقبح الحيل ما أوقع في المحارم، أو أسقط ما أوجبه الله وسوله من الحق اللازم، والله الموفق للصواب" انتهى.
ومن لطيف ما يذكر في جنب الترخص: ما قاله الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى عن نفسه، في كتابه "صيد الخاطر" "2/ 304"، وقد ترخص في بعض الأمور.
"ترخصت في شيء يجوز في بعض المذاهب، فوجدت في قلبي قسوة عظيمة، وتخايل لي نوع طرد عن الباب، وبعد وظلمة تكاثفت.
فقالت نفسي: ما هذا؟ أليس ما خرجت عن إجماع الفقهاء؟ فقلت لها: يا نفس السوء! جوابك من وجهين.
أحدهما: أنك تأولت ما لا تعتقدين، فلو استفتيت لم تفتي بما فعلت. قالت: لو لم أعتقد جواز ذلك ما فعلته. قلت: إلا أن اعتقادك هو ما ترضينه لغيرك في الفتوى.
والثاني: أنه ينبغي لك الفرح بما وجدت من الظلمة عقيب ذلك؛ لأنه لولا نور في قلبك ما أثر مثل هذا عندك: قالت: فلقد استوحشت بهذه الظلمة المتجددة في القلب. قلت: فاعزمي على الترك، وقدري ما تركت جائزًا بالإجماع، وعدي هجره ورعًا، وقد سلمت".(10/135)
ص -93-…معدودا فى حجج الإباحة، ووقع فيما تقدم وتأخر من الزمان الاعتماد فى جواز الفعل على كونه مختلفا فيه بين أهل العلم، لا بمعنى مراعاة الخلاف؛ فإن له نظرا آخر1، بل فى غير ذلك، فربما وقع الإفتاء فى المسألة بالمنع؛ فيقال: لم تمنع والمسألة مختلف فيها، فيجعل الخلاف حجة فى الجواز لمجرد كونها مختلفا فيها، لا لدليل يدل على صحة مذهب الجواز، ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع، وهو عين الخطأ على الشريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد متعمدا2 وما ليس بحجة حجة.
حكى الخطابي3 فى مسألة البتع4 المذكور فى الحديث عن بعض الناس؛ أنه قال: "إن الناس لما اختلفوا فى الأشربة، وأجمعوا على تحريم خمر العنب، واختلفوا فيما سواه؛ حرمنا ما اجتمعوا5 على تحريمه وأبحنا ما سواه".
قال: "وهذا خطأ فاحش، وقد أمر الله تعالى المتنازعين أن يردُّوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول".
قال: "ولو لزم ما ذهب إليه هذا القائل للزم مثله فى الربا والصرف ونكاح المتعة؛ لأن الأمة قد اختلف فيها".
قال: "وليس الاختلاف حجة وبيان السنة حجة6 على المختلفين من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: يأتي في الفصل الثامن وهو أنه يراعي الخلاف بعد الوقوع والنزول؛ لأنه حينئذ يتجدد نظرا واجتهادا آخر. "د".
2 في "د": "متعمدًا".
3 في "إعلام الحديث" "3/ 2091-2092".
4 بكسر فسكون: نبيذ يتخذ من عسل كأنه الخمر صلابة. "ف" وتبعه" "م".
5 عند الخطابي: لزمنا ما أجمعوا..".
6 أي: وقد بينت فيما اختلفوا فيه من مسكر غير العنب، وأنواع الربا ونكاح المتعة، والصرف، وغيرها؛ فلا يمكن الاحتجاج بالخلاف. "د".(10/136)
ص -94-…الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِين}. هذا مختصر ما قال1.
والقائل بهذا راجع إلى أن يتبع ما يشتهيه، ويجعل القول الموافق حجة له ويدرأ بها عن نفسه، فهو قد أخذ القول وسيلة إلى اتباع هواه، لا وسيلة إلى تقواه، وذلك أبعد [له]2 من أن يكون ممتثلًا لأمر الشارع، وأقرب إلى أن يكون ممن اتخذ إلهه هواه.
ومن هذا أيضًا جعل بعض الناس الاختلاف رحمة للتوسع3 فى الأقوال، وعدم التحجير على رأي واحد، ويحتج فى ذلك بما روي عن القاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز وغيرهما مما تقدم ذكره4، ويقول: إن الاختلاف رحمة، وربما صرح صاحب هذا القول بالتشنيع على من لازم القول المشهور أو الموافق للدليل أو الراجح عند أهل النظر والذي5 عليه أكثر المسلمين، ويقول له: لقد حجرت واسعًا، وملت بالناس إلى الحرج، وما فى الدين من حرج، وما أشبه ذلك. وهذا القول خطأ كله، وجهل بما وضعت له الشريعة، والتوفيق بيد الله.
وقد مر من الدليل على خلاف ما قالوه ما فيه كفاية، والحمد لله ولكن تقرر منه ههنا بعضا على وجه لم يتقدم مثله، ذلك أن المتخير بالقولين مثلًا بمجرد موافقة الغرض، إما أن يكون حاكمًا به، أو مفتيًا، أو مقلدًا عاملًا بما أفتاه به المفتي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكر المصنف في "الاعتصام" "2/ 870-871 - ط ابن عفان" نحو المذكور تحت هذا الفصل، وأورد مقولة الخطابي مختصرة، وقال: "وقد تقررت هذه المسألة على وجهها في كتاب "الموافقات"، والحمد لله".
2 ما بين المعقوفتين سقط من "ماء". وفي "ط": "أبعد له عن".
3 في "ماء": "المتوسع".
4 في "ص67، 68".
5 في "د": "والذي".(10/137)
ص -95-…أما الأول، فلا يصح على الإطلاق؛ لأنه إن كان متخيرًا بلا دليل لم يكن أحد الخصمين بالحكم له أولى من الآخر، إذ لا مرجح عنده بالفرض إلا التشهي؛ فلا يمكن إنفاذ حكم على أحدهما إلا مع الحيف على الآخر، ثم إن وقعت له تلك النازلة بالنسبة إلى خصمين آخرين؛ فكذلك، [أو بالنسبة إلى الأول؛ فكذلك]1، أو يحكم لهذا مرة ولهذا مرة، وكل ذلك باطل ومؤدٍّ إلى مفاسد لا تنضبط بحصر، ومن ههنا شرطوا فى الحاكم بلوغ درجة الاجتهاد، وحين فقد؛ لم يكن بد من الانضباط إلى أمر واحد كما فعل ولاة قرطبة حين شرطوا على الحاكم أن لا يحكم [إلا بمذهب فلان2 ما وجده3، ثم بمذهب فلان؛ فانضبطت الأحكام بذلك، وارتفعت المفاسد المتوقعة]4 من غير ذلك الارتباط، وهذا معنى أوضح من إطناب فيه.
وأما الثاني؛ فإنه إذا أفتى بالقولين معًا على التخيير فقد أفتى فى النازلة بالإباحة وإطلاق العنان، وهو قول ثالث5 خارج عن القولين وهذا لا يجوز له
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
2 هو ابن القاسم؛ كما قاله الباجي. "د".
3 في "ط": "وجدوه".
4 ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.(10/138)
5 فإن تخييره للسائل في الأخذ بأي القولين شاء إباحة له أن يعمل بأحدهما، وهو غير نفس القولين الدائرين بين النفي من قائل والإثبات من القائل الآخر، وإنشاء حكم شرعي كهذه الإباحة لا يصح قطعًا إلا من مجتهد بدليل، والفرض خلافه، وهذا أولى من قوله: "وإن بلغها... إلخ"؛ لأنه سلم أن الإباحة قول ثالث غير النفي والإثبات، وعليه لا يكون مانع يمنع المجتهد -إذا وقع له الدليل على الإباحة ومخالفة القولين- من إثباتها وتقريرها حكمًا شرعيًا، فليس الموضوع حينئذ موضوع قولين لمجتهد حتى يتأتى فيه الرد بما بسطه الأصوليون في مسألة أنه لا يصح أن يكون لمجتهد قولان في مسألة واحدة، بل هو حينئذ قول واحد بالإباحة، على أن الإباحة هنا ليست مقعولة؛ لأن الإباحة تخيير بين فعل شيء وتركه، والذي هنا ترديد بين الامتناع من فعل الشيء؛ لأنه حرام، وبين فعله؛ لأنه مباح، فليست تخييرًا بين الفعل والترك. "د".(10/139)
ص -96-…إن لم يبلغ درجة الاجتهاد باتفاق، وإن بلغها لم يصح له القولان فى وقت واحد ونازلة واحدة أيضًا حسبما بسطه أهل الأصول.
وأيضًا، فإن المفتي قد أقامه المستفتي مقام الحاكم على نفسه، إلا أنه لا يلزمه المفتي ما أفتاه به، فكما لا يجوز للحاكم التخيير؛ كذلك هذا.
وأما إن كان عاميًا؛ فهو قد استند فى فتواه إلى شهوته وهواه، واتباع الهوى عين مخالفة الشرع؛ ولأن العامي إنما حكم العلم على نفسه ليخرج عن اتباع هواه، ولهذا بعثت الرسل وأنزلت الكتب؛ فإن العبد فى تقلباته دائر بين لمتين: لمة ملك، ولمة شيطان1؛ فهو مخير بحكم الابتلاء2 فى الميل مع أحد الجانبين، وقد قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7-8]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اللمة؛ بفتح اللام: المهمة والخطرة تقع في القلب، وفي حديث ابن مسعود؛ قال: "لابن آدم لمتان: لمة من الملك، ولمة من الشيطان، فأما لمة الملك، فاتعاد بالخير، وتصديق بالحق، وتطييب بالنفس، وأما لمة الشيطان؛ فاتعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وتخبيث بالنفس"، قال ابن الأثير: "أراد إلمام الملك أو الشيطان به والقرب منه؛ فما كان من خطرات الخير فهو من الملك، وما كان من خطرات الشر فهو من الشيطان". "ف".
قلت: أخرج الترمذي في "الجامع" "أبواب التفسير، باب ومن سورة البقرة، رقم 2991"، والنسائي في "الكبرى" "كتاب التفسير، 1/ 279/ رقم 71"، وأبو يعلى في "المسند" "8/ 418/ رقم 4999"، وعنه ابن حبان في "صحيحه" "40 - موارد و997 - الإحسان"، وابن جرير في "التفسير" "3/ 88" من طريق أبي الأحوص عن عطاء بن السائب عن مرة الهمداني عن ابن مسعود مرفوعًا: "إن للشيطان لمة، وللملك لمة....." وإسناده ضعيف؛ عطاء اختلط، وسماع أبي الأحو(10/140)
ص -واسمه سلام بن سليم- بعد الاختلاط، وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه عبد الرزاق في "التفسير" "1/ 109"، وابن جرير في "التفسير" "3/ 88، 89" من طريق أخرى بإسناد صحيح عن ابن مسعود قوله، وله حكم الرفع؛ إذ لا مجال للاجتهاد فيه، والله أعلم. وفي "ط": "لمة الملك ولمة الشيطان".
2 أي: لا بحكم التشريع، وإلا؛ فهو مطالب بمقتضى الأولى لا غير. "د".(10/141)
ص -97-…{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3].
{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن} [البلد: 10].
وعامة الأقوال الجارية فى مسائل الفقه إنما تدور بين النفي والإثبات1، والهوى لا يعدوهما، فإذا عرض العامي نازلته على المفتي؛ فهو قائل له: "أخرجني عن هواي ودلني على اتباع الحق"؛ فلا يمكن -والحال هذه- أن يقول له: "فى مسألتك قولان؛ فاختر لشهوتك أيهما شئت؟". فإن معنى هذا تحكيم الهوى دون الشرع2، ولا ينجيه من هذا أن يقول: ما فعلت إلا بقول عالم؛ لأنه حيلة من جملة الحيل التى تنصبها النفس، وقاية عن القال والقيل، وشبكة لنيل الأغراض الدنيوية، وتسليط المفتي العامي على تحكيم الهوى بعد أن طلب منه إخراجه عن هواه رمي في عماية، وجهل بالشريعة، وغش فى النصيحة، وهذا المعنى جارٍ فى الحاكم وغيره، والتوفيق بيد الله تعالى.
فصل:
واعترض بعض المتأخرين على من منع من تتبع3 رخص المذاهب، وأنه إنما يجوز الانتقال إلى مذهب بكماله؛ فقال: إن أراد المانع ما هو على خلاف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: طلب الفعل أو الترك. "د".
2 نقله عن المصنف بتصرف محمد بن القاسم القادري "ت1331هـ" في كتابه "رفع العتاب والملام عمن قال العمل بالضعيف اختيارًا حرام" "ص64-65"، وهو مطبوع.
وانظر: في المسألة: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "10/ 472-473".
3 اختلفوا: هل يجب على العامي التزام مذهب معين في كل واقعة؟ فقال به جماعة، وقال الأكثرون: لا يلزمه، وبه قال أحمد، أما إذا التزم مذهبًا معينًا؛ فلهم في ذلك خلاف آخر، وهو: هل يجوز له أن يخالف إمامه ويأخذ بقول آخر في بعض المسائل؟ فمنعه بعضهم مطلقًا، وأجازه بعضهم =(10/142)
ص -98-…الأمور الأربعة التي ينقض فيها قضاء القاضي1؛ فَمُسَلَّم، وإن أراد ما فيه توسعة على المكلف؛ فممنوع إن لم يكن على خلاف ذلك، بل قوله عليه الصلاة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= كذلك، وفصل بعضهم بين أن يكون بعد العمل أو الحكم أو قبلهما، أما لو اختار المقلد من كل مذهب ما هو الأخف والأسهل؛ فقال أحمد والمروزي: "يفسق"، وقال الأوزاعي: "من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام"، وتقدم نقل المؤلف عن ابن حزم الإجماع على تفسيق متتبع الرخص، وبهذا تعلم أنه لا تلازم بين منع تتبع الرخص وعدم الانتقال إلى مذهب إلا بكماله؛ فتتبع الرخص فسق، والأخذ بقول غير إمامه في بعض المسائل عرفت ما فيه من الخلاف، وعلى كل حال متى لم يكن تلاعبًا ولا تتبعًا للرخص لا حجر فيه على الصحيح ما لم يترتب عليه التلفيق، وإلا منع؛ فلا يصح جعل قوله: "وأنه إنما يجوز الانتقال... إلخ" عطف تفسير "من منع"؛ إلا على قول ضعيف، وسيأتي في الفصل بعده ما يقتضي أن تتبع الرخص أعم من الأخذ بغير مذهب إمامه ومن الأخذ بقول مرجوح في المذهب، وعليه؛ فلا يصح جعل قوله: "وإنه إنما يجوز.... إلخ" تفسيرًا؛ لأنه يكون تفسيرًا للشيء بما هو أخص منه. "د".
قلت: ومن الجدير بالذكر هنا ما أورده الذهبي في "السير" "8/ 90" متعقبًا مقولة من قال: "إن الإمام لمن التزم بتقليده: كالنبي مع أمته، لا تحل مخالفته"! قال: "قلت: قوله: "لا تحل مخالفته"! مجرد دعوى، واجتهاد بلا معرفة، بل له مخالفة إمامه إلى إمام آخر، حجته في تلك المسألة أقوى، لا بل عليه اتباع الدليل فيما تبرهن له، لا كمن تمذهب لإمام، فإذا لاح له ما يوافق هواه، عمل به من أي مذهب كان، ومن تتبع رخص العلماء، وزلات المجتهدين؛ فقد رق دينه، كما قال الأوزاعي أو غيره".
ثم قال: "8/ 93-94".(10/143)
"ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقها، وسعة علم، وحسن قصد فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله؛ لأنه قد تبرهن له مذهب الغير في مسائل، ولاح له الدليل، وقامت عليه الحجة، فلا يقلد فيها إمامه، بل يعمل بما تبرهن، ويقلد الإمام الآخر بالبرهان، لا بالتشهي والغرض".
1 أي: إذا وقع على خلافها وهي النص الجلي والإجماع والقياس الجلي وقواعد للشرع، راجع "التبصرة" "1/ 56" لابن فرحون. "ف" ونحوه عند "م".
قلت: انظر أيضًا "الذخيرة" "10/ 134"، و"رفع العتاب" "ص58".(10/144)
ص -99-…والسلام: "بُعِْثتُ بالحَنيفِيَِّة السَّمْحة"1 يقتضي جواز ذلك؛ لأنه نوع من اللطف بالعبد والشريعة لم ترد بقصد مشاقِّ العباد، بل بتحصيل المصالح، وأنت تعلم بما تقدم [ما]2 فى هذا الكلام؛ لأن الحنيفية السمحة إنما أتى فيها السماح مقيدًا بما هو جار على أصولها، وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها؛ فما قاله عين الدعوى.
ثم نقول: تتبع الرخص ميل مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى؛ فهذا مضاد لذلك الأصل المتفق عليه، ومضاد أيضًا لقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، وموضع الخلاف موضع تنازع؛ فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس، وإنما يرد إلى الشريعة، وهي تبين الراجح من القولين فيجب اتباعه لا الموافق للغرض.
فصل:
وربما استجاز هذا بعضهم فى مواطن يدعى فيها الضرورة وإلجاء الحاجة، بناء على أن الضرورات تبيح المحظورات؛ فيأخذ عند ذلك بما يوافق الغرض حتى إذا نزلت المسألة على حالة لا ضرورة فيها، ولا حاجة إلى الأخذ بالقول المرجوح أو الخارج3 عن المذهب، أخذ فيها بالقول المذهبي أو الراجح فى المذهب فهذا أيضًا من ذلك الطراز المتقدم، فإن حاصله الأخذ بما يوافق الهوى الحاضر، ومحال الضرورات معلومة من الشريعة، فإن كانت هذه المسألة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "2/ 211".
2 ما بين المعقوفتين سقط من "ف"، وقال: الأولى: "ما في هذا الكلام"".
3 بناء على ما تقدم له من جعله من باب تتبع الرخص، وهو مبني على وجوب التزام مذهب معين في كل واقعة، وأنه إنما يجوز الانتقال إلى مذهب بكماله، وقد عرفت ما فيه. "د".(10/145)
ص -100-…منها، فصاحب المذهب قد تكفل ببيانها أخذًا عن1 صاحب الشرع فلا حاجة إلى الانتقال عنها، وإن لم تكن2 منها، فزعم الزاعم أنها منها خطأ فاحش، ودعوى غير مقبولة.
وقد وقع فى "نوازل ابن رشد"3 من هذا مسألة نكاح المتعة.
ويذكر عن الإمام المازري4 أنه سئل: ما تقول فيما اضطر الناس إليه في هذا الزمان -والضرورات تبيح المحظورات- من معاملة فقراء أهل البدو فى سني الجدب؛ إذ يحتاجون إلى الطعام فيشترونه بالدين إلى الحصاد أو الجذاذ، فإذا حل الأجل قالوا لغرمائهم: ما عندنا إلا الطعام، فربما صدقوا فى ذلك؛ فيضطر أرباب الديون إلى أخذه منهم، خوفًا أن يذهب حقهم فى أيديهم بأكل أو غيره5 لفقرهم، ولاضطرار من كان من أرباب الديون حضريًا إلى الرجوع إلى حاضرته، ولا حكام بالبادية أيضًا، مع ما في المذهب في ذلك من الرخصة إن لم يكن هنالك شرط ولا عادة، وإباحة كثير من فقهاء الأمصار لذلك وغيره من بيوع الآجال خلافًا للقول بالذرائع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "م": "من".
2 في "م": "يكن".
3 انظر: "فتاويه" المطبوعة "3/ 1537"، وهي النوازل على ما ذكر المحقق في أولها "1/ 39".
4 نقله عنه صاحب "المعيار المعرب" وعنه المسناوي في تآليفه في "الاستنابة"، وعنه صاحب "رفع العتاب والملام" "ص64".
5 هذه المسألة تنتهي في التفريع إلى أربع وخمسين مسألة، على ما فصله ابن رشد في "المقدمات" "2/ 526-536"، و"النوازل" أو "الفتاوى" "1/ 384-401"، وعنه التاودي في "حلي المعاصم" "2/ 322 وما بعدها"، وميارة في "شرح التحفة" "2/ 204"، والمواق في "التاج والإكليل" "5/ 59 وما بعدها"، وغيرهم.(10/146)
ص -101-…فأجاب: إن أردت بما أشرت إليه إباحة أخذ طعام عن ثمن طعام هو جنس مخالف لما اقتضى، فهذا ممنوع1 فى المذهب، ولا رخصة فيه عند أهل المذهب كما توهمت.
قال: ولست ممن يحمل الناس على غير المعروف المشهور من مذهب مالك وأصحابه؛ لأن الورع قل، بل كاد يعدم، والتحفظ على الديانات كذلك، وكثرت الشهوات، وكثر من يدعي العلم ويتجاسر على الفتوى فيه، فلو فتح لهم باب فى مخالفة المذهب؛ لاتسع الخرق على الراقع، وهتكوا حجاب هيبة المذهب2، وهذا من المفسدات3 التى لا خفاء بها، ولكن إذا لم يقدر على أخذ الثمن إلا أن يأخذ طعامًا؛ فليأخذه منهم من يبيعه على ملك منفذه4 إلى الحاضرة، ويقبض البائع الثمن، ويفعل ذلك بإشهاد من غير تحيل على إظهار ما يجوز.
فانظر كيف لم يستجز -وهو المتفق على إمامته- الفتوى بغير مشهور المذهب، ولا بغير ما يعرف منه بناء على قاعدة مصلحية ضرورية؛ إذ قل الورع والديانة من كثير ممن ينتصب لبث العلم والفتوى كما تقدم تمثيله؟ فلو فتح5 لهم هذا الباب لانحلت عرى المذهب، بل جميع المذاهب6؛ لأن ما وجب للشيء وجب لمثله، وظهر أن تلك الضرورة التي ادعيت في السؤال ليست بضرورة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لأنه يؤول الأمر إلا بيع طعام بطعام نسيئة والثمن النقدي المتوسط ملغي، وهذا بناء على التزام يسد الذرائع كما هو المذهب. "د".
2 الأصوب أن يقول: "هيبة الشرع".
3 لأنه يكون تحكيمًا للهوى؛ فلا يسير إلا حيث يكون غرضه وشهوته، ولا يكون داخلًا تحت قانون شرعي يضبط به تصرفاته. "د".
4 في "م": "منقده" بالقاف، وفي الأصل و"ف" و"د" و"ط" بالفاء.
5 في "م": "صح"، وهو خطأ.(10/147)
6 جمع أبو عبد الله محمد بن قاسم القادري الفاسي "ت1331هـ" كتابًا فيه نقل عن علماء المذاهب من الفتوى بغير المشهو في المذهب، وسماه "رفع العتاب والملام عمن قال العمل بالضعيف اختيارًا حرام"، واعتنى بذكر كلام المصنف "الشاطبي"، انظر منه: "ص35، 37، 57، 58، 65، 66، 80 وغيرها"، إذ هذا رأيه كما رأيت، وهو مطبوع عن دار الكتاب العربي بتحقيق محمد القاسم بالله البغدادي سنة 1406هـ.(10/148)
ص -102-…فصل:
وقد أذكر هذا المعنى جملة مما في اتباع1 رخص المذاهب من المفاسد، سوى ما تقدم ذكره في تضاعيف المسألة؛ كالانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل2 إلى اتباع الخلاف، وكالاستهانة بالدين إذ يصير بهذا الاعتبار سيالًا لا ينضبط3، وكترك4 ما هو معلوم إلى ما ليس بمعلوم؛ لأن المذاهب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع "التحرير" لابن الكمال* في الأصول في باب التقليد؛ فقد أجاز تتبع رخص المذاهب، وقال شارحه: "لكن ما نقل عن ابن عبد البر: "لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعًا" إن صح احتاج إلى جواب، ويمكن أن يقال: لا نسلم صحة الإجماع، فقد روي عن أحمد عدم تفسيق متتبع الرخص في رواية أخرى وعن أبي هريرة أنه لا يفسق. "د".
قلت: انظر رسالة: "زجر السفهاء عن تتبع رخص الفقهاء"؛ ففيها جمع مستطاب في المنع من تتبع رخص المذاهب، والمفاسد المترتبة على ذلك.
2 كما يقول الله تعالى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ} الآية [النساء: 59] "د".
3 فلا يحجر النفوس عن هواها ولا يقفها عند حد. "د".
4 هذه المفسدة قاصرة على حالة ما إذا لم تعلم المسألة المقلد فيها بتفاصليها في المذهب الآخر، كما كان الحال في ذلك الزمان، أما الآن؛ فقد ترتفع هذه المفسدة. "د".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كذا في الأصل ولعل صوابه: "لابن الهمام. الكلام....".(10/149)
ص -103-…الخارجة عن مذهب مالك فى هذه الأمصار مجهولة، وكانخرام قانون السياسة الشرعية1، بترك الانضباط إلى أمر معروف، وكإفضائه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق2 إجماعهم، وغير ذلك من المفاسد التى يكثر تعدادها، ولولا خوف الإطالة والخروج عن الغرض لبسطت من ذلك، ولكن فيما تقدم منه كافٍ، والحمد لله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي الطرق العادلة التي تخرج الحق من الظالم وتدفع كثيرًا من المظالم، وإهمالها يضيع الحقوق، ويعطل الحدود، ويجرئ أهل الفساد، ويندرج فيها كل ما شرع لسياسة الناس وزجر المتعدين، وسواء منها ما كان لصيانة النفوس كالقصاص، أو صيانة الأنساب كحد الزنا، أو الأعراض كحد القذف، والتعزيز على السب، أو لصيانة الأموال كحد السرقة والحرابة، أو لحفظ العقل كحد الخمر، أو ما كان من الأحكام للردع والتعزيز؛ كجزاء الصيد للمحرم، وكفارة الظهار واليمين، وهجر المرأة وضربها في النشوز، وقصة الثلاثة الذين تخلفوا في غزوة تبوك، وما يتصل بذلك من الكشف عن أصحاب الجرائم بالتغليظ عليهم بالإرهاب، والضرب، والسجن، وتحليف الشهود، وسؤالهم قبل مرتبة السؤال، وتفريق الشهود عند أداء الشهادة، وتفريق المتهمين، وإيهام البعض بأن غيره أقر ليقر، وهكذا من الأمور التي توصل إلى معرفة الحقيقة بدون اقتصار على سماع البينات وتوجيه الأيمان، ولا يخفى أن القسم الأخير الذي قلنا فيه: "وما يتصل بذلك... إلخ" مختلف فيه، وإنما سبيله المصالح المرسلة أو شبيه بها، ففيه الخلاف باعتباره -وهو الذي ينبغي التعويل عليه- وعدم اعتباره، فإذا ورد هذان القولان فيه أو في شيء من الأنواع السابقة عليه، وحكمنا أو أفتينا كل واحد بما تشتهي، انخرم قانون السياسة الشرعية، ولم يكن هناك ضابط للعدالة بين الناس، وهذا مفسدة أي مفسدة تؤدي إلى الفوضى والمظالم؛ فتضيع الحقوق وتعطل الحدود، ويجترئ أهل الفساد. "د".(10/150)
2 كما إذا قلد مالكًا في عدم نقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة، وأبا حنيفة في عدم النقض بمس الذكر، وصلى؛ فهذه صلاة مجمع منهما على فسادها، , وكما إذا قلد مالكًا في عدم النقض بلمس المرأة خاليًا عن قصد الشهوة ووجودها، والشافعي في الاكتفاء بمسح بعض الرأس؛ فوضوءه باطل، وصلاته كذلك، وكمن تزوج بلا صدق ولا ولي ولا شهود. "د".
قلت: انظر في المسألة الأخيرة وبيان سوء التلفيق فيها: "فتاوى رشيد رضا".(10/151)
ص -104-…فصل:
وقد بنوا أيضً على هذا المعنى مسألة أخرى، وهى:
هل يجب الأخذ بأخف القولين، أم1 بأثقلهما2؟ واستدل لمن قال بالأخف بقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْر} الآية: [البقرة: 185].
وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} [الحج: 78].
وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا ضرر ولا ضرار"3.
وقوله: "بعُثِْتُ بالحنيفيَّةِ السَّمحة"4.
كل ذلك ينافى شرع الشاق5 الثقيل، ومن جهة القياس أن الله غني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ف" و"م": "أو".
2 حكاه أبو منصور عن أهل الظاهر، وهذا القول ومقابله لا يصحان؛ لأن الواجب -كما قال المؤلف- الرجوع للدليل الشرعي لا غير، وسواء أقضى بالأخف أم بالأثقل، ثم في القول بالأخذ بالأخف مطلقًا ما تقدم من المفاسد التي أشيير إليها في الفصل السابق. "د".
قلت: والقائلون بالأخذ بأثقل القولين ذهبوا إليه للاحتياط!! ويرد عليهم بأن الاحتياط هو "الاستقصاء والمبالغة في اتباع السنة، وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، من غير غلو ومجاوزة، ولا تقصير، ولا تفريط، فهذا هو الاحتياط الذي يرضاه الله ورسوله" قاله ابن القيم في كتابه "الروح" "ص346". انظر في المسألة: "البحر المحيط" "6/ 322-323، 325-326"، و"البرهان" "2/ 1344"، و"شرح الكوكب المنير" "4/ 581"، و"المستصفى" "2/ 391"، و"روضة الناظر" "3/ 1026"، و"المسودة" "463-464"، و"تسير التحرير" "4/ 255"، و"إرشاد الفحول" "271"، و"جمع الجوامع" "2/ 392 - مع شرح المحلي"، و"إغاثة اللهفان" "1/ 162-163"، و"الاختلاف وما إليه" "103-104".
3 مضى تخريجه "2/ 72".
4 مضى تخريجه "2/ 211".
"5" في "ماء": "المشاق".(10/152)
ص -105-…كريم، والعبد محتاج فقير، وإذا وقع التعارض بين الجانبين كان الحمل على جانب الغني أولى.
والجواب عن هذا ما تقدم1، وهو أيضًا مؤدٍ إلى إيجاب إسقاط التكليف جملة؛ فإن التكاليف كلها شاقة ثقيلة، ولذلك سميت تكليفًا من الكلفة، وهي المشقة، فإذا كانت المشقة حيث لحقت فى التكليف تقتضي الرفع بهذه الدلائل؛ لزم2 ذلك فى الطهارات والصلوات والزكوات والحج والجهاد وغير ذلك، ولا يقف عند حد إلا إذا لم يبق على العبد تكليف، وهذا محال، فما أدى إليه مثله؛ فإن رفع الشريعة مع فرض وضعها محال، ثم قال المنتصر لهذا الرأي3: إنه يرجع حاصله إلى أن الأصل فى الملاذ الإذن، وفى المضار الحرمة، وهو أصل قرره فى موضع آخر، وقد تقدم التنبيه على ما فيه فى كتاب المقاصد4.
وإذا حكمنا ذلك الأصل هنا؛ لزم منه أن الأصل رفع التكليف بعد وضعه على المكلف، وهذا كله إنما جره عدم الالتفات إلى ما تقدم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو أن سماحة الشريعة إنما جاءت مقيدة بما هو جار على أصولها، واتباع هوى النفوس وعدم الرجوع إلى الدليل ينافي أصولها. "د".
2 في الأصل: "فليزم".
3 المصنف ينقل عن "المحصول" "6/ 159-160" والعبارات السابقة مع الأدلة منه، ومراده بكلامه هذا صاحبه الرازي، ويؤكده بقوله: "وهو أصل قرره في موضوع آخر". وتجد ذلك في "المحصول" "6/ 107-108" أيضًا، وسيأتي كلام المصنف في المسألة الرابعة من الطرف الثاني من كتاب الاجتهاد أن الذي ينبغي للمفتي اختيار التوسط.
4 وتقدم في المسألة الثالثة عشر من كتاب الأدلة حيث قال هناك: "إنه تحكيم للهوى على الأدلة حتى تكون الأدلة تابعة لا متبوعة". "د".(10/153)
ص -106-…فصل:
فإن قيل1: فما معنى مراعاة الخلاف2 المذكورة فى المذهب المالكي؟ فإن الظاهر فيها أنها اعتبار للخلاف؛ فلذلك نجد المسائل المتفق عليها لا يراعى فيها غير دليلها، فإن كانت مختلفًا فيها؛ روعي فيها قول المخالف، وإن كان على خلاف الدليل الراجح عند المالكي، فلم يعامل المسائل المختلف فيها معاملة المتفق عليها، ألا تراهم يقولون: كل نكاح فاسد اختلف فيه فإنه يثبت به3 الميراث، ويفتقر فى فسخه إلى الطلاق، وإذا دخل مع الإمام فى الركوع وكبر للركوع ناسيًا تكبيرة الإحرام؛ فإنه يتمادى مع الإمام مراعاة4 لقول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رجوع إلى معارضة أصل المسألة، ولكن بشيء لم يتقدم له في أدلة المعارضة السابقة، وأفرده هنا لاحتياجه إلى مزيد بيان وتحقيق. "د".
2 انظر حوله: "تهذيب السنن" "1/ 60"، و"بدائع الفوائد" "3/ 257-259"، و"إغاثة اللهفان" "1/ 129-130 - ط الفقي" كلها لابن القيم، و"المعلم بفوائد مسلم" "1/ 71-72"، و"إيضاح السالك" "160" للونشريسي، و"ملء العيبة" "3/ 248" لابن رشيد و"المنثور في القواعد" للزركشي "2/ 127-134"، و"الأشباه والنظائر" "ص94-95" للسيوطي، وبهامشه "المواهب السنية على الفوائد البهية" "ص206-212" للجوهري، و"فتح الباري" "1/ 127"، و"الدين الخالص" "4/ 176، 182" لصديق حسن خان، و"الفواكه العديدة" "2/ 136"، و"تمام المنة" "159"، وما مضى عند المصنف "1/ 161 وما بعدها"، و"الاعتصام" "1/ 214 و2/ 146 - ط رضا، و2/ 647 - ط ابن عفان"، و"الاختلاف وما إليه" "ص79"، وما سيأتي "ص188-189".
3 لأنه بعد الوقوع تعلق به حق كل من الزوجين والأولاد ويتعلق به من المصلحة وأدلتها ما يرجع قول المخالف. "د".
قلت: انظر: الذخيرة" "4/ 446-447 - ط دار الغرب" للقرافي.(10/154)
4 بعد الوقوع تعلق به دليل عدم جواز إبطال الأعمال، وهو يرجع دليل المخالف ويقويه في هذه الحالة. "د". قلت: انظر في المسألة: "قواعد ابن رجب" "ق18 - بتحقيقي"، و"الذخيرة" =(10/155)
ص -107-…من قال: إن تكبيرة الركوع تجزئ عن تكبيرة الإحرام، وكذلك من قام إلى ثالثة فى النافلة وعقدها يضيف إليها رابعة مراعاة لقول من يجيز1 التنفل بأربع بخلاف المسائل المتفق عليها؛ فإنه لا يراعي فيها غير دلائلها، ومثله جار فى عقود البيع وغيرها؛ فلا يعاملون الفاسد المختلف فى فساده معاملة2 المتفق على فساده، ويعللون التفرقة بالخلاف؛ فأنت تراهم يعتبرون الخلاف، وهو مضاد لما تقرر فى المسألة.
فاعلم أن المسألة قد أشكلت على طائفة، منهم ابن عبد البر؛ فإنه قال: "الخلاف لا يكون حجة فى الشريعة"3، وما قاله ظاهر؛ فإن دليلي القولين لا بد أن يكونا متعارضين، كل واحد منهما يقتضي ضد ما يقتضيه4 الآخر، وإعطاء كل واحد منهما ما يقتضيه الآخر أو بعض ما يقتضيه هو معنى مراعاة الخلاف، وهو جمع بين متنافيين كما تقدم5.
وقد سألت عنها جماعة من الشيوخ6 الذين أدركتهم؛ فمنهم من تأول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= "2/ 169 - ط دار الغرب" و"فتح الباري" "2/ 217-218"، وكتابنا "القول المبين" "ص266 - ط الأولى".
1 في "ط": "قال: يجيز".
2 البيع بيعًا فاسدًا مجمعًا على فساده يجب رده إن لم يفت؛ فإن فات مضى بقيمته إن كان مقومًا ومثله إن كان مثليًا، أما المختلف في فساده، فيجب رده إن لم يفت أيضًا بفسخ الحاكم أو من يقوم مقامه، فإن فات مضى بالثمن؛ فمحل الفرق بينهما عند الفوات؛ لأنه إذ ذاك يتعلق به حق لكل من المتبايعين، وهو يقوي النظر في اعتبار دليل مصحح
البيع المختلف فيه والبناء عليه، فيمضي بالثمن نفسه. "د".
3 جامع بيان العلم" "2/ 922 - ط دار ابن الجوزي".
4 في "د": "يقضيه"!!
5 أي: في أدلة أصل المسألة. "د".
6 انظر عنهم ما قدمناه في التعليق على "1/ 159-160".(10/156)
ص -108-…العبارة ولم يحملها على ظاهرها، بل أنكر مقتضاها بناء على أنها لا أصل لها، وذلك بأن يكون دليل المسألة يقتضي المنع ابتداءً، ويكون هو الراجح، ثم بعد الوقوع يصير الراجح مرجوحًا لمعارضة دليل آخر يقتضي رجحان دليل المخالف؛ فيكون القول بأحدهما فى غير الوجه الذى يقول فيه بالقول الآخر؛ فالأول1 فيما بعد الوقوع، والآخر فيما قبله، وهما مسألتان مختلفتان2؛ فليس جمعًا بين متنافيين ولا قولًا بهما معًا، هذا حاصل ما أجاب به من سألته عن المسألة من أهل فاس وتونس، وحكى لي بعضهم أنه قول بعض من لقي من الأشياخ، وأنه قد أشار إليه أبو عمران الفاسي، وبه يندفع سؤال اعتبار الخلاف، وسيأتي3 للمسألة تقرير آخر بعد، إن شاء الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعل مراده بالأول تأويلها وحملها على غير ظاهرها، وبالآخر إنكار مقتضاها، وإلا؛ فحق العبارة العكس. "د".
قلت: وهو كلام مبني على كلام "ف"؛ حيث قال: "لعل صحته، فالأول فيما قبل الوقوع، والآخر فيما بعده، ولا يخفى ما في هذا التأويل من الضعف، وأنه ليس عامًا لصور مراعاة الخلاف المذكورة في كتب الفروع".(10/157)
2 فحالة ما بعد الوقوع ليست كحالة ما قبله؛ لأنه بعده تنشأ أمور جددة تستدعي نظرًا جديدًا، وتجد إشكالات لا يتفصى عنها إلا بالبناء على الأمر الواقع بالفعل، واعتباره شرعيًا بالنظر لقول المخالف وإن كان ضعيفًا في أصل النظر، لكن لما وقع الأمر على مقتضاه، روعيت المصحلة، وتجدد الاجتهاد في المسألة من جديد بنظر وأدلة أخرى، وعليه؛ فبعد الوقوع تكون مسألة أخرى غيرها باعتباره ما قبله، وهو تأويل قوي جدًا كما ترى، وعليك باختيار مسائله، ولعلك لا تجد صورة يصعب فيها التطبيق كما أشرنا إليه في المسائل التي ذكرها؛ إلا في الشاذ؛ كما في ندب التسمية للمالكي في قراءة الفاتحة خروجًا من خلاف الشافعي، وسيأتي في هذا توقف المؤلف واعتراضه في تقريره الآتي، نعم، يوجد في مذهب مالك عبارة "هذا مشهور مبني على ضعيف"، ولكنه ليس من موضوع مراعاة الخلاف بعد الوقوع، الذي هو موضوع الكلام، بل هذا طريق آخر، يرشدك إلى هذا أنه ليس كل مشهور قويًا ومعتمدًا، فكثيرًا ما يقابل المشهور بالراجح. "د".
3 في فصل المسألة العاشرة من كتاب الاجتهاد، والواقع أن ما هنا يجب ألا يؤخذ على إجماله كما فعل المؤلف؛ لأنه لا يتوجه ويكون مقبولًا إلا إذا قرر على الطريقة الآتية، كما قررنا به أمثلته هنا، وعليه؛ فلا يظهر جعله ما يأتي تقريرًا يغاير هذا. "د".(10/158)
ص -109-…على أن الباجي1 حكى خلافًا2 فى اعتبار الخلاف فى الأحكام3، وذكر اعتباره عن الشيرازي، واستدل على ذلك بأن "ما جاز أن يكون علة بالنطق جاز أن يكون علة بالاستنباط، ولو قال الشارع4: إن كل ما لم تجتمع5 أمتي على تحريمه واختلفوا فى جواز أكله فإن جلده يطهر بالدباغ، لكان ذلك صحيحًا، فكذلك إذا6 علق هذا الحكم عليه بالاستنباط".
وما قاله غير ظاهر لأمرين:
أحدهما: أن هذا الدليل مشترك الإلزام، ومنقلب على المستدل7 به؛ إذ لقائل أن يسلم أن ما جاز أن يكون علة بالنطق جاز أن يكون علة بالاستنباط ثم يقول: لو قال الشارع: إن كل ما لم تجتمع أمتي على تحليله واختلفوا فى جواز أكله، فإن جلده لا يطهر بالدباغ، لكان ذلك صحيحًا، فكذلك إذا علق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في كتابه "أحكام الفصول" "ص645-646/ رقم 6871".
2 أي: وهذا الخلاف يضعف من شأن المعارضة في أصل المسألة بمراعاة الحلاف. "د".
3 أي: بحيث يستند إليه [أي الخلاف] الحكم كما يستند إلى الدليل". "ف".
قلت: وسقط من "م": "في الإحكام".
4 في "الأحكام": "صاحب الشرع".
وكتب "ف" ما نصه: "بأن قيل الحمار أو البغل مثلًا يطهر جلده بالدباغ، أي: لكونه مما اختلف في جواز أكله".
5 في "الأحكام": "تجمع".
6 إشارة لمثال تكون فيه العلة في هذا الموضوع بالاستنباط وما قبله مثال لما تكون العلة فيه بالنص لو فرض حصوله من الشارع. "د".
7 فالاستناد إليه كما ينتج مدعاه نقيضه، وما كان كذلك لا يصلح دليلًا. "ف".(10/159)
ص -110-…الحكم [عليه] بالاستنباط، ويكون هذا القلب أرجح؛ لأنه مائل إلى جانب الاحتياط، وهكذا كل1 مسألة تفرض على هذا الوجه.
والثاني2: أنه ليس كل جائز واقعًا، بل الوقوع محتاج إلى دليل، ألا ترى أنا نقول: يجوز أن ينص الشارع على أن مس الحائط ينقض الوضوء، وأن شرب الماء السخن يفسد الحج، وأن المشي من غير نعل يفرق بين الزوجين، وما أشبه ذلك، ولا يكون هذا التجويز سببًا فى وضع الأشياء المذكورة عللا شرعية بالاستنباط؛ فلما لم يصح ذلك دل على أن نفس التجويز ليس بمسوغ لما قال.
فإن قال: إنما أعني ما3 يصح أن يكون علة لمعنى فيه من مناسبة أو شبه، والأمثلة المذكورة لا معنى فيها يستند إليه فى التعليل.
قيل: لم تفصل أنت هذا التفصيل، وأيضًا؛ فمن طرق4 الاستنباط ما لا يلزم فيه ظهور معنى يستند إليه؛ كالاطراد والانعكاس ونحوه، ويمكن أن يكون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: سواء أكانت فيما فرضه هو من الطهارة بالدباغ أم في غيرها. "د".
2 منع للتقريب، أي: مع تسليم أن ما جاز أن يكون علة بالنطق جاز أن يكون علة بالاستنباط؛ فمجرد الجواز المذكور لا يفيد اعتبار الخلاف علة في الحكم، وإنما يفيده لو وقع كذلك، ألا ترى الأمثلة المذكورة؟ "ف".
3 بيان لتقريب الدليل بتقييد قوله: "ما جاز أن يكون علة.... إلخ"؛ أي: مما اشتمل على معنى فيه مناسبة أو شبه، والأمثلة المذكورة ليست كذلك. "ف".(10/160)
4 أي: من مسالك العلة الطرد والعكس، وهو المسمى بالدوران، وقوله: "ونحوه"؛ أي: كالطرد الذي هو عبارة عن وجود الحكم في جميع الصور المغايرة لمحل النزاع، والفرق بينهما أن الدوران يكون في صورة واحدة يوجد الحكم عند الوصف ويرتفع عند ارتفاعه، كالحرمة مع السكر في العصير، فإنه لما لم يكن مسكرًا حل، فلما حدث السكر حرم، فلما زال بالخلية حل، ولا تظهر فيهما المناسبة، أي المعنى الذي يتلقاه العقلاء بالقبول في ترتيب الحكم عليه، فما فرقت به غير تام. "د".(10/161)
ص -111-…الباجي أشار فى الجواز إلى ما فى الخلاف من المعنى المتقدم1، ولا يكون بين القولين خلاف فى المعنى.
واحتج المانعون بأن الخلاف2 متأخر عن تقرير3، والحكم لا يجوز أن يتقدم على علته قال الباجي4: "ذلك غير ممتنع، كالإجماع، فإن الحكم يثبت به وإن حدث فى عصرنا".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو التأويل السابق الذي أجاب به من لقيه من علماء فاس وتونس، وإذا كان كذلك لا يكون بين القولين خلاف؛ فإن المانع يمنعه باعتبار ما قبل الوقوع، والمصحح يراعيه باعتباره ما بعد الوقوع؛ لأنه بعد الوقوع صالح للعلية بخلاف قبل الوقوع لما ذكرناه قبل هذا، وحمل كلامه على هذا أولى مما حمله عليه بعضهم من التقييد السابق بقوله: "لمعنى فيه"؛ لأنه لم يرض هذا الفرق ونقضه بالطرد ونحوه، أما الجواب السابق، فإنه سلمه، وقلنا: إنه سيقرره في المسألة العاشرة مع شرحه وتوجيهه، وضرب أمثلة كثيرة له هناك. "د".
قلت: يرد "د" في كلامه هذا على "ف"، حيث قال: "وهو التقييد المشار إليه بقوله لمعنى فيه.... إلخ، وحينئذ لا يكون بين القول باعتبار الخلاف علة والقول بعدم اعتباره خلاف في المعنى؛ لأن اعتباره إذا كان صالحًا للعلية وعدم اعتباره إذا لم يكن كذلك".
2 أي: الذي جعل علة للحكم. "د".
3 أي: بمتقتضى الأدلة المتلقاة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. "د".
4 في كتابه "إحكام الفصول" "ص646/ رقم 688"، والمذكور فيه تصرف من المصنف، ومنه تظهر مقدرته رحمه الله على تلخيص كلام العلماء بعبارات مختصرة ليس فيها حشو ولا زيادة، قارن ما ذكره بنص الباجي، وهذا لفظه: "أما هم -المانعون-؛ فاحتج من نص قولهم بأن الاختلاف حدث بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحكم ثبت في زمانه، والحكم لا يجوز أن يتقدم على علته.(10/162)
والجواب: أنه لا يمتنع أن يكون الاختلاف متأخرًا عن زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وثبتت به الأحكام، ألا ترى أن الإجماع حدث بعده صلى الله عليه وسلم، ويصح أن يحدث في عصرنا ويثبت به الحكم؟
وجواب آخر: وهو أن معنى قولنا "إنه مختلف فيه".... حاله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ثبت له هذا الحكم، فلم يتقدم على علته".(10/163)
ص -112-…وأيضًا: "فمعنى قولنا: "إنه مختلف فيه"1 أنه يسوغ فيه الاجتهاد، وهذا كان حاله فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يتقدم على علته".
والجواب عن كلام الباجي أن الإجماع ليس بعلة للحكم، بل هو أصل2 الحكم، وقوله: "إن معنى قولنا مختلف فيه كذا" هى عين3 الدعوى.
فصل:
ومن القواعد4 المبنية على هذه المسألة أن يقال: هل للمجتهد أن يجمع بين الدليلين بوجه من وجوه الجمع، حتى يعمل بمقتضى كل واحد منهما فعلا أو تركًا5 كما يفعله المتورعون فى التروك6، أم لا؟ أما فى ترك العمل7 بهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: فإذا وقع التعليل بكون الشيء مختلفًا فيه؛ فمعناه ما ذكر، وحينئذ لا يكون متأخرًا عن الحكم. "ف".
2 أي أن الحكم الذي استند إلى الإجماع هو عين الحكم الذي تقرر من كل مجتهد أخذًا من الأدلة؛ فليس هناك علة ومعلول، بخلاف الحكم المستند إلى الخلاف، فإنه غير الحكم المتقدم، والخلاف علة في هذا الحكم الطارئ، فمثلًا التكبير للركوع ناسيًا تكبيرة الإحرام اختلف فيه بالإجزاء وعدمه؛ فبعد الوقوع يقول الثاني بالتمادي مراعاة للقول بالإجزاء؛ فالحكم المترتب على الخلاف مغاير للحكم المختلف فيه. "د".
قلت: انظر "مجموع فتاوى ابن تيمية" "19/ 138-139".
3 لعل صوابه: "غير الدعوى"؛ لأن الدعوى أن الحكم الذي نقرره إنما جاء بسبب الخلاف، وقد بني عليه، وهذا غير المعنى الذي يدعيه من أنه لم يراع فيه إلا مجرد كونه محلًا للاجتهاد. "د".
4 في "ماء": "الفوائد".
5 بأن يصرف أحدهما إلى الآخر؛ فيرجع مقتضاهما إما إلى الفعل، أو إلى الترك، وقد يحمل أحدهما على الفعل في حال والآخر على الترك في حال. "ف".(10/164)
6 أي عند ترجيح دليل الجواز على دليل المنع، فيراعون القول بالتحريم تنزهًا عن الشبهات، كما قال ابن العربي؛ القضاء بالراجح لا يقطع حكم المرجوح بالكلية، بل يجيب* العطف على المرجوح بحسب مرتبته؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "واحتجبي منه يا سودة"، وهذا مستند مالك فيما كره أكله؛ فإنه حكم بالحل عند ظهور الدليل، وأعطى المعارض شيئًا من أثره؛ فحكم بالكراهة. "د".
7 محل البيان قوله: "وأما في العمل... إلخ"، وهذا زائد على المبين. "ف".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كذا في الأصل، ولعلها: "يجب".(10/165)
ص -113-…معًا مجتمعين أو متفرقين1؛ فهو التوقف عن القول بمقتضى أحدهما، وهو الواجب إذا لم يقع ترجيح. وأما فى العمل، فإن أمكن الجمع بدليله؛ فلا تعارض، وإن فرض التعارض2؛ فالجمع بينهما فى العمل جمع بين متنافيين، ورجوع إلى إثبات الاختلاف فى الشريعة، وقد مر إبطاله، وهكذا يجري الحكم فى المقلد بالنسبة إلى تعارض المجتهدين عليه، ولهذا الفصل تقرير فى كتاب التعارض والترجيح إن شاء الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "أو متفردين".
2 في "م": "التعاون"!!(10/166)
ص -114-…المسألة الرابعة:
محال الاجتهاد المعتبر هي ما ترددت بين طرفين وضح فى كل واحد منهما قصد الشارع فى الإثبات فى أحدهما والنفي فى الآخر؛ فلم تنصرف البتة إلى طرف النفي ولا إلى طرف الإثبات.
وبيانه أن نقول: لا تخلو أفعال1 المكلف أو تروكه؛ إما أن يأتي فيها خطاب2 من الشارع، أو لا، فإن لم يأت فيها خطاب؛ فإما أن يكون على البراءة الأصلية أو يكون فرضًا غير موجود، والبراءة الأصلية فى الحقيقة راجعة3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سواء أكانت أفعال القلوب أم الجوارح ليشمل المعتقدات؛ فصح ذكره بعد للمشابهات الحقيقية التي لم يظهر للشارع فيها قصد ألبتة؛ فإنها إنما تظهر في المعتقدات. "د".
2 بأحد الأدلة الشرعية من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس أو غيرها من الأدلة المختلف فيها كلاستدلال؛ فليس بلازم أن يكون الخطاب في نص، بدليل أنه جعل ما لم يرد فيه خطاب، إما فرضًا صرفًا لا وجود له، وإما أن يكون من مرتبة العفو، وهذا وذاك لا يكون إلا عند عدم الأدلة رأسًا منصوصة وغير منصوصة؛ فلا ينافي ما يجيء في المسألة الخامسة من التفصيل بين الاستنباط من النصوص والاستتنباط من غيرها؛ فالتردد بين الطرفين عام في مسائل الاجتهاد. "د".(10/167)
3 قال في "التحرير" و"شرحه": "نفي كل مدرك خاص للدليل الخاص حكمه الإباحة الأصلية؛ فلا تخلو وقائع عن حكم الشرع". وقال في "المنهاج" [ص246 - مع تخريجه الابتهاج]: "من الأدلة المقبولة فقد الدليل بعد التفحص البليغ، فيغلب ظن عدمه، وعدمه يستلزم عدم الحكم لامتناع تكليف الغافل"، وقال العضد شارح ابن الحاجب: "ولا نسلم بطلان خلو وقائع من حكم وإن التزم فالأقيسة والعمومات تأخذه؛ أي: فتكفي في جميع ما يحتاج فيه إلى المصالح المرسلة، وإن سلم أنها لا تكفي، فالحكم عند انتفاء المدرك هو نفي الوجوب والحرمة، وهو معنى التخيير، وتقدم للمؤلف إدراجه في مرتبة العفو التي أشير إليها في حديث سلمان الفارسي في الترمذي وابن ماجه: "وما سكت عنه؛ فهو مما عفا عنه" [مضى تخريجه "1/ 255"]، وبالجملة؛ فكل ما لم يرد فيه دليل شرعي يخصه أو يخص نوعه فيه الخلاف بالإباحة أو المنع أو الوقف، ولكل دليله وحجته، تراجع مسألة العفو السابقة في كتاب الأحكام وينزل على الخلاف ترديد المؤلف هنا. "د".(10/168)
ص -115-…إلى خطاب الشارع بالعفو أو غيره، وإن أتى فيها خطاب؛ فإما أن يظهر فيه للشارع قصد في النفي أو في الإثبات، أو لا فإن لم يظهر له قصد البتة؛ فهو قسم المتشابهات، وإن ظهر؛ فتارة يكون قطعيًّا، وتارة يكون غير قطعي، فأما القطعي؛ فلا مجال للنظر فيه بعد وضوح الحق في النفي أو في الإثبات، وليس محلا للاجتهاد، وهو قسم الواضحات؛ لأنه واضح الحكم حقيقة، والخارج عنه مخطئ قطعًا، وأما غير القطعي؛ فلا يكون كذلك1 إلا مع دخول احتمال فيه أن2 يقصد الشارع معارضه أو لا؛ فليس من الواضحات بإطلاق، بل بالإضافة إلى ما هو أخفى منه، كما أنه يعد غير واضح بالنسبة إلى ما هو أوضح منه؛ لأن مراتب الظنون في النفي والإثبات تختلف بالأشد والأضعف حتى تنتهي3؛ إما إلى العلم، وإما إلى الشك إلا أن هذا الاحتمال تارة يقوى في إحدى الجهتين، وتارة لا يقوى فإن لم يقو4 رجع إلى قسم المتشابهات، والمقدم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: لا يكون غير قطعي إلا إذا دخل فيه احتمال أن الشارع قصد معارضة أو لم يقصده؛ فقوله أن يقصد معمول احتمال ولو حذف قوله أولًا لكان أولى. "ف".
2 هذه العبارة بدل من لفظ: "احتمال"، والاحتمال بمعنى التردد حينئذ لا بمعنى أحد الأمرين؛ فإذا جعل معمولا لاحتمال كان بمعنى أحد الأمرين تعين حذف كلمة "أولًا". "د".
3 أي: إلى المرتبة التي يليها العلم أو إلى المرتبة الضعيفة التي يليها الشك مباشرة، وليس المراد أن العلم أو الشك يكون من المراتب الظنون، وهو واضح ما دامت في انتهائها لم تخرج عن الموضوع، وأنها من الظنون، فإذا كان معنى انتهائها خروجها عنه؛ صح إجراء كلامه على ظاهره، ولكنه بعيد عن الفرض. "د".(10/169)
4 قد فرض أنه واضح نسبي، وأنه من مراتب الظنون، وأن قصد الشارع فيه ظاهر؛ إلا أنه غير قطعي، فلا يظهر بعد ذلك فرض أنه لا يقوى في إحدى الجهتين، الذي معناه أن النفي والإثبات على حد سواء ليس قصد الشارع لأحدهما أظهر من قصده لمعارضة حتى يعد من المتشابهات، وما الفرق بينه حينئذ وبين الفرض الذي قال فيه: "فإن لم يظهر له قصد البتة في النفي والإثبات؛ فهو قسم المتشابهات"، لا فارق؛ لأن القطع بأنه لم يظهر قصده في النفي والإثبات يساوي قوله هنا: "لم =(10/170)
ص -116-…عليه حائم حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وإن قوي في إحدى الجهتين؛ فهو قسم المجتهدات، وهو الواضح الإضافي بالنسبة إليه في نفسه وبالنسبة إلى أنظار المجتهدين، فإن كان المقدم عليه من أهل الاجتهاد؛ فواضح في حقه في النفي أو [في]1 الإثبات إن قلنا: إن كل مجتهد مصيب، وإما على قول المخطئة؛ فالمقدم عليه إن كان مصيبًا في نفس الأمر فواضح، وإلا فمعذور.
وقد تقرر من هذا الأصل أن قسم المتشابهات مركب من تعارض النفي والإثبات؛ إذ لو لم يتعارضا لكان من قسم الواضحات، وأن الواضح بإطلاق لم يتعارض فيه نفي مع إثبات، بل هو إما منفيٌّ قطعًا وإما مثبت قطعًا، وأن الإضافي إنما صار إضافيا؛ لأنه مذبذب بين الطرفين الواضحين؛ فيقرب عند بعض من أحد الطرفين، وعند بعض من الطرف الآخر، وربما جعله بعض2 الناس من قسم المتشابهات، فهو غير مستقر في نفسه؛ فلذلك صار إضافيًّا لتفاوت3 مراتب الظنون في القوة والضعف، ويجري مجرى النفي في أحد الطرفين إثبات ضد الآخر فيه؛ فثبوت العلم مع نفيه نقيضان؛ كوقوع التكليف وعدمه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= يقو في إحدى الجهتين"؛ أي: فهما سواء في عدم ظهور قصد أحدهما، وقد يقال: الفرق أن الأول هو المتشابه الحقيقي الذي لم يجعل سبيل إلى فهم معناه، ومهما نظر المجتهد في الشريعة لا يجد ما يدل له على مقصوده، والثاني الإضافي، وهو ما كان التشابه فيه ليس من جهة الدليل، بل من جهة المناط، ويساعد عليه قوله في مقابله: "هو الواضح الإضافي في نفسه، وبالنسبة إلى أنظار المجتهدين"، الذي يفيد أن هذا المتشابه عدم وضوحه بالنسبة إلى نظر المجتهدين فقط؛ فينزل الكلام على ما قلنا حتى يندفع التنافي. "د".
1 ما بين المعقوفتين سقط من "م".
2 أي: وهو من لم يظهر له قربه من أحد الطرفي. "د".(10/171)
3 تعليل كونه واضحًا إضافيًا بتفاوت مراتب الظنون تعليل واضح، وكذا بناء التشابه عليه؛ لأنه إذا كانت الظنون مختلفة؛ فمنها ما يقف عند حد أنه لا فرق بين الطرفين في نظره؛ فيجيء التشابه. "د". وفي "ط": "ولتفاوت" بزيادة واو.(10/172)
ص -117-…وكالوجوب وعدمه، وما أشبه ذلك، وثبوت العلم مع ثبوت الظن أو الشك ضدان؛ كالوجوب مع الندب، أو الإباحة، أو التحريم، وما أشبه ذلك1.
وهذا الأصل واضح في نفسه، غير محتاج إلى إثباته بدليل، ولكن لا بد من التأنيس فيه بأمثلة يستعان بها على فهمه وتنزيله والتمرن فيه إن شاء الله.
فمن ذلك أنه "نهى عن بيع الغرر"2، ورأينا العلماء أجمعوا على منع بيع الأجنة والطير في الهواء، والسمك في الماء3، وعلى جواز بيع الجبة التى حشوها مغيب عن الأبصار، ولو بيع حشوها بانفراده لامتنع، وعلى جواز كراء الدار مشاهرة مع احتمال أن يكون الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين، وعلى دخول الحمام مع اختلاف عادة الناس في استعمال الماء وطول اللبث، وعلى شرب الماء من السقاء مع اختلاف العادات في مقدار الري؛ فهذان طرفان في اعتبار الغرر وعدم اعتباره لكثرته4 في الأول وقلته مع عدم5 الانفكاك عنه في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كالأمر والنهي، والصحة والفساد، والشرط والمانع، وهكذا من المتقابلات المتضادة، يجري التقابل بينها كما يجري بين المتناقضات في طرفي النفي والإثبات. "د".
2 مضى تخريجه "2/ 522".
3 في حكاية الإجماع نظر؛ فذهب ابن حزم في "المحلى" "8/ 388" إلى جواز بيع الطير في الهواء إذا صحَّ الملك عليه قبل ذلك، وذهب عمر بن عبد العزيز -كما في "الخراج" "87" لأبي يوسف- وابن أبي ليلى -كما في "المبسوط" "13/ 11، 12"- إلى جواز بيع السمك في بِرْكة عظيمة، وإن احتيج في أخذه إلى مؤنة كثيرة.
وانظر في المسألة: "المغني" "4/ 152"، و"العناية شرح الهداية" "5/ 192"، و"البحر الرائق" "6/ 80"، و"المجموع" "9/ 311"، و"كشاف القناع" "3/ 162"، و"الفواكه الدواني" "2/ 137"، و"المعاملات" "259" لأحمد إبراهيم، و"نظرية الغرر في الشريعة الإسلامية" "1/ 438-447" لأستاذنا ياسين درادكة.
4 أي: مع إمكان الانفكاك عنه. "د".(10/173)
5 أي: أنه لا يتأتى التحرز عنه؛ فهو ضرورة عمت بها البلوى، مع تفاهة التضرر من أحد المتعاملين في ذلك فيما لو ظهر على خلاف مصلحته، والأول جمع وصفين: الكثرة وإمكان التحرز منه، وما بينهما ما فقد أحد الوصفين؛ فأشبه بذلك كلًّا من الطرفين في وصف فجاء الاختلاف. "د".(10/174)
ص -118-…الثاني؛ فكل مسألة وقع الخلاف فيها في باب الغرر فهى متوسطة بين الطرفين، آخذة بشبه من كل واحد منهما؛ فمن أجاز مال إلى جانب اليسارة1، ومن منع مالَ إلى جانب الآخر.
ومن ذلك مسألة زكاة الحلي، وذلك أنهم أجمعوا على عدم الزكاة في العروض وعلى الزكاة في النقدين2، فصار الحلي المباح الاستعمال دائرًا بين الطرفين؛ فذلك3 وقع الخلاف فيها.
واتفقوا على قبول رواية العدل وشهادته، وعلى عدم قبول ذلك من الفاسق، وصار المجهول الحال دائرًا بينهما؛ فوقع الخلاف فيه.
واتفقوا على أن الحر يملك وأن البهيمة لا تملك، ولما أخذ العبد بطرف من كل جانب اختلفوا فيه: هل يملك، أم لا؟ بناء على تغليب حكم أحد الطرفين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ولم يقل: "عدم الانفكاك"؛ لأن اليسارة هي التي يتأتى فيها اختلاف الانظار بخلاف الانفكاك وعدمه، فإنه إلى الوضوح أقرب. "د".
2 لأنهما اجتمع فيهما كونهما معدين للتعامل والثمنية بخلقتهما، والعروض فقدت المعنيين؛ فاتفق على حكم كلٍّ، أما الحلي؛ فأخذ وصفًا واحدًا من النقدين، وهو أنه من الذهب والفضة، وباستعماله للزينة لا للثمنية فقد الوصف الآخر وشارك العروض في عدم قصده بالثمنية؛ فجاء فيه الخلاف. "د".
3 مع أسباب أخرى مذكورة في مظانها، والراجح وجوب الزكاة فيها، انظر في المسألة: "أحكام القرآن" "3/ 106، 107" للجصاص، و"المحلي" "6/ 76، 77"، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "25/ 16-17"، و"إعلام الموقعين" "2/ 100، 110" -ولم ير ابن تيمية وتلميذه وجوب الزكاة في الحلي- و"فقه زكاة الحلي"، و"أقوى القولين في زكاة الحلي من النقدين"، و"القول الجلي في زكاة الحلي".(10/175)
ص -119-…واتفقوا على أن الواجد للماء قبل الشروع في الصلاة يتوضأ ولا يصلي بتيممه، وبعد إتمامها وخروج الوقت لا يلزمه الوضوء وإعادة الصلاة، وما بين ذلك1 دائر بين الطرفين؛ فاختلفوا فيه.
واتفقوا على أن ثمرة الشجرة إذا لم تظهر تابعة للأصل في البيع، وعلى أنها غير تابعة لها إذا جذت، واختلفوا فيها إذا كانت ظاهرة، وإذا أفتى واحد وعرفه أهل الإجماع، وأقروا بالقبول فإجماع باتفاق، أو أنكروا ذلك؛ فغير إجماع باتفاق، فإن سكتوا2 من غير ظهور إنكار؛ فدائر بين الطرفين، فلذلك اختلفوا فيه، والمبتدع بما يتضمن3 كفرًا من غير إقرار بالكفر دائر بين طرفين؛ فإن المبتدع بما لا يتضمن4 كفرًا من الأمة، وبما اقتضى كفرا مصرحًا به5 ليس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: من صلى بالتيمم صلاة صحيحة ثم بعد تمامها وقبل خروج الوقت؛ وجد الماء. "د".
قلت: وتدخل في عبارة المصنف "وما بين ذلك" أيضًا رؤية الماء في الصلاة بتيمم، هل يبطلها بإبطال التيمم أم لا؟ قال أبو حنيفة: "يبطله"، وهذا مذهب أحمد، وقال الشافعي: "لا يبطله"، وهذا مذهب مالك، انظر بسط المسألة مع الأدلة في "الخلافيات" "2/ 449، 459/ رقم 26 مع تعليقي عليه"، والله الموفق.
ومنه تعلم دقة المصنف في عباراته.
2 أي: وكان ذلك قبل استقرار المذاهب، أي كان في العصر الذي فيه البحث عن المذاهب، أما إن كان بعد استقرارها؛ فالسكوت لا يدل على الموافقة قطعًا؛ إذ لا عادة بإنكاره حينئذ، فلم يكن إجماعًا ولا حجة قطعًا، أما قبل ذلك؛ فالعادة الإنكار عند عدم الموافقة، فجاء الخلاف، فالشافعي يقول: "لا هو إجماع ولا هو حجة"، والجمهور إجماع أو حجة وليس بإجماع قطعي، والجبائي إجماع انقراض العصر. "د".
3 في "د" و"ط": "بما لا يتضمن"!! والصواب حذف "لا".
4 كالابتداع في الفروع التي ليست قطعية ولا معلومة من الدين بالضرورة؛ فهذا باتفاق ليس بكفر. "د".(10/176)
5 كغلاة الخوارج والروافض؛ كالخطابية من هؤلاء الذين يقولون: إن عليًا الإله الأكبر، والحسنان ابنا الله، وجعفر إله، لكن أبو الخطاب رئيسهم أفضل منه ومن عليٍّ؛ فهذا كفر باتفاق "د".
قلت: انظر عن الخطابية: "الفرق بين الفرق" "215"، و"الحور العين" "169"، و"البرهان" "38" للسكسكي، و"الغلو والفرق الغالية" "99".(10/177)
ص -120-…من الأمة؛ فالوسط1 مختلف فيه: هل هو من الأمة، أم لا؟
وأرباب النِّحَل والمِلَل اتفقوا على أن الباري تعالى موصوف بأوصاف الكمال بإطلاق، وعلى أنه منزه عن النقائص بإطلاق، واختلفوا في إضافة أمور2 إليه بناء على أنها كمال، وعدم إضافتها إليه بناء على أنها نقائص، وفي عدم إضافة أمور إليه بناء على أن عدم الإضافة كمال، أو إضافتها بناء [على]3 أن الإضافة إليه هى الكمال، وكذلك ما أشبهها.
فكل هذه المسائل إنما وقع الخلاف فيها؛ لأنها دائرة بين طرفين واضحين؛ فحصل الإشكال والتردد، ولعلك لا تجد خلافًا واقعًا بين العقلاء معتدًّا4 به في العقليات أو في النقليات، لا مبنيًا على الظن ولا على القطع؛ إلا دائر بين طرفين [و] لا يختلف فيهما أصحاب الاختلاف [في الواسطة المترددة بينهما، فاعتَبِرْه تجده كذلك -إن شاء الله].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو المبتدع بما يتضمن كفرًا بغير تصريح؛ كالمجسمة، ومنكري الشفاعة، فهذا يختلف فيه بالتكفير وعدمه. "د".
2 أي من الصفات؛ كالقدرة والعلم.. إلخ على أنها صفات زائدة على الذات، وقوله: "وفي عدم إضافة أمور... إلخ"؛ أي: كالأفعال التي تعتبر شرورًا؛ فبعضهم يضيفها إليه؛ لأنه لا فاعل إلا هو، ولا تعتبر شرورًا إلا بنسبتها للعبد، والبعض لا يضيفها ويرى أن الكمال في ذلك؛ فلا تكرار في العبارة، ولا يمكن الاستغناء عن الثانية مع إفادة المعنى المقصود. "د".
3 ما بين المعقوفتين سقط من "م".
4 في نسخة "م": "معتمدًا".(10/178)
ص -121-…فصل:
وبإحكام النظر في هذا المعنى يترشح للناظر1 أن يبلغ درجة الاجتهاد؛ لأنه يصير بصيرًا بمواضع الاختلاف، جديرًا بأن يتبين له الحق في كل نازلة تعرض له، ولأجل ذلك جاء في حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يا عبد الله ابن مسعود". قلت: لبيك يا رسول الله. قال: "أتدرى أي الناس أعلم؟". قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس، وإن كان مقصرا في العمل، وإن كان يزحف في استِه"2؛ فهذا تنبيه3 على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المناسب: يترشح الناظر أن يبلغ؛ أي: يستعد لبلاغ درجة الاجتهاد. "ف".
2 أخرجه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" "3/ 402-403" - ومن طريقه ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 807/ رقم 1500" - والطيالسي في "المسند" "25"، وابن جرير في "التفسير "27/ 138-139"وابن أبي عاصم في "السنة" "70"، والمروزي في "السنة" "ص16"، والحاكم في "المستدرك" "2/ 480"، والطبراني في "الصغير" "1/ 223-224" و"الأوسط" "رقم 11، 21 - مجمع البحرين" و"الكبير" "رقم 10531"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" "2/ 60-61"، وابن عبد البر في "الجامع" "رقم 1502، 1503" من طرق عن الصعق بن حزن عن عُقيل الجَعْديّ عن أبي إسحاق الهمداني عن سويد بن غفلة عن ابن مسعود.
قال الطبراني: "ولم يروه عن أبي إسحاق إلا عقيل، تفرد به الصعق"، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه عقيل الجعدي، منكر الحديث، وانظر: "مجمع الزوائد" "1/ 90، 163".
وأخرجه الطبراني في "الكبير" "10/ 211/ رقم 10357"، وابن أبي حاتم -كما في "تفسير ابن كثير" "4/ 315"-، وابن أبي عاصم في "السنة" "رقم 71"-، وابن عبد البر في "الجامع" "رقم 1501"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" "2/ 61" من طريق آخر عن ابن مسعود بنحوه.(10/179)
وإسناده ضعيف، وفيه انقطاع؛ فالحديث ضعيف، وساقه المصنف في "الاعتصام" "2/ 745-746" بأطول من هذا، وفي "د": "في استه"، والصواب ما أثبتناه.
3 لأن هذه الدرجة الفضلى إنما تتحقق عند وجود الاختلاف ومعرفة الحق فيه، ولا يكون إلا بمعرفة مواقع الاختلاف؛ فصح أنه تحريض على هذه المعرفة. "د".
قلت: انظر في ضرورة معروفة الخلاف: "شرح تنقيح الفصول" "ص194"، و"أسباب اختلاف الفقهاء" "ص3-9، 104" لعلي الخفيف، وكثير من الأصوليين لم يذكروا هذا الشرط، واكتفوا بضرورة معرفة الإجماع؛ لأنه مقابل له، والأشياء تعرف بأضدادها.(10/180)
ص -122-…المعرفة بمواقع الخلاف.
ولذلك جعل الناس العلم معرفة الاختلاف.
فعن قتادة: "من لم يعرف الاختلاف لم يشمَّ أنفُه الفقه"1.
وعن هشام بن عبيد الله الرازي: "من لم يعرف اختلاف القراءة فليس بقارئ، ومن لم يعرف اختلاف2 الفقهاء فليس بفقيه"3.
وعن عطاء: "لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حتى يكون عالما باختلاف الناس؛ فإنه إن لم يكن كذلك رد4 من العلم ما هو أوثق من الذي في يديه"5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 814، 815/ رقم 1520، 1522".
2 أي: المبني على اختلاف أدلتهم؛ لأنه بدون ذلك لا يمكن ترجيح جانب الحق في المسألة ما لم يقف على دليل كل. "د".
3 أخرجه ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 815-816/ رقم 1523".
4 يظهر هذا فيمن له القدرة على الترجيح، فإنه إذا لم يعلم اختلافهم وأدلة كل ربما كان ما في يده أضعف مدركًا مما لم يقف عليه، فإذا عرف الخلاف ومدرك كل أمكنه الترجيح، فلا يأخذ ضعيفًا ويترك قويًا، أما شبه العامي؛ فسيان عنده أن يعرف الخلاف وألا يعرف إن كان مثله يصح له أن يفتي؟! وفيه الخلاف المشهور. "د".
5 أخرجه ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 816/ رقم 1524" بسنده إلى ضمرة بن ربيعة عن عثمان بن عطاء عن أبيه.
قلت: أبوه هو عطاء بن أبي مسلم الخراساني، وعثمان فيه كلام، انظر: "تهذيب الكمال" "19/ 441".(10/181)
ص -123-…وعن أيوب السختياني وابن عيينة: "أَجْسَرُ1 الناس على الفتيا أقلهم علمًا باختلاف العلماء". زاد أيوب: "وأمسكُ الناسِ عن الفتيا أعلمهم باختلاف العلماء"2.
وعن مالك: "لا تجوز الفتيا إلا لمن علم ما اختلف الناس فيه، قيل له: اختلاف أهل الرَّأي؟ قال: لا، اختلاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وعلم الناسخ والمنسوخ من القرآن ومن حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم"3.
وقال يحيى بن سلام: "لا ينبغي لمن لا يعرف الاختلاف أن يفتي، ولا يجوز لمن لا يعلم الأقاويل أن يقول هذا أحب إليَّ"4.
وعن سعيد بن أبي عروبة: "من لم يسمع الاختلاف، فلا تعده عالمًا"5.
وعن قبيصة بن عقبه: "لا يفلح من لا يعرف اختلاف الناس"6.
وكلام الناس هنا كثير، وحاصلة معرفة مواقع الخلاف، لا حفظ مجرد الخلاف، ومعرفة ذلك إنما تحصل بما تقدم من النظر؛ فلا بد منه لكل مجتهد، وكثيرًا ما تجد هذا للمحققين في النظر كالمازري وغيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يوضح ما قبله. "د".
2 أخرجه ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 816، 817، 1124/ رقم 1525، 1527، 2209"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" "2/ 166".
3 أخرجه ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 818/ رقم 1529".
4 ذكره ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 819/ رقم 1534".
5 أخرجه عباس الدوري عنه في "تاريخه" "4/ 271"، وابن عبد البر في "الجامع" "2/ 815، 819/ رقم 1521، 1536".
6 أخرجه ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 820/ رقم 1537".(10/182)
ص -124-…المسألة الخامسة:1
الاجتهاد إن تعلق بالاستنباط من النصوص، فلا بد من اشتراط العلم بالعربية، وإن تعلق بالمعاني من المصالح والمفاسد مجردة عن2 اقتضاء النصوص لها أو مسلَّمة من صاحب الاجتهاد في النصوص؛ فلا يلزم في ذلك العلم بالعربية، وإنما يلزم العلم بمقاصد الشرع3 من الشريعة جملة وتفصيلا4 خاصة.
والدليل على5 عدم الاشتراط في علم العربية أن علم العربية إنما يفيد مقتضيات الألفاظ بحسب ما يفهم من الألفاظ الشرعية، وألفاظ الشارع المؤدية لمقتضياتها عربية، فلا يمكن من ليس بعربي أن يفهم لسان العرب، كما لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذه المسألة والتي بعدها تكميل للمسألة الثانية، يقيد بهما اشتراط الوصفين السابقين في الاجتهاد، ويبين أنهما قد يرتفعان معًا وقد يرتفع أحدهما ويبقى نوع من الاجتهاد، وأن اشتراطهما إنما هو في بعض أنواعه، ولو ذكرتا عقبها، لكان أجود صنعًا حتى لا يتوهم معارضتهما لها. "د".
قلت: قارن بما عند ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" "7/ 286".
2 سيأتي تمثيله لذلك بالاجتهاد القياسي وبتوقيع المجتهدين الأحكام على النوازل، وسيأتي البحث معه فيها. "د".
3 في "ط": "الشارع".
4 أي: في الباب الذي فيه الاجتهاد إن قلنا: إن الاجتهاد يتجزأ، أو في سائر الأبواب إن قلنا: إنه لا يتجزأ. "د".
5 للمؤلف دعويان اشتراط العربية في الاجتهاد من النصوص، وعدم اشتراطها في الاجتهاد الراجخ للمعاني من النظر في المصالح والمفاسد، وقد أقام الدليل عليهما حسب ترتيبهما في سياقه، ففي العبارة سقط، والأصل هكذا: "والدليل على الاشتراط وعدم الاشتراط... إلخ" "د".
قلت: وكتب "ف" ما نصّه: "الأنسب: "على عدم اشتراط علم العربية فيه"، أي: في الاجتهاد المتعلق بالمعاني".
قلت: أثبتها "م": "عدم اشتراط علم...".(10/183)
ص -125-…يمكن التفاهم [فيما] بين العربي والبربري أو الرومي أو العبراني حتى يعرف كل واحد مقتضى لسان صاحبه.
وأما المعاني مجرَّدة1؛ فالعقلاء مشتركون في فهمها، فلا يختص بذلك لسان دون غيره، فإذن2 من فهم مقاصد الشرع من وضع الأحكام، وبلغ فيها رتبة العلم بها، ولو كان فهمه لها من طريق الترجمة باللسان الأعجمي؛ فلا فرق3 بينه وبين من فهمها من طريق اللسان العربي، ولذلك يوقع المجتهدون الأحكام الشرعية على الوقائع القولية التي ليست بعربية، ويعتبرون4 [المعاني، ولا يتعبرون] الألفاظ في كثير من النوازل.
وأيضًا، فإن الاجتهاد القياسي غير5 محتاج فيه إلى مقتضيات الألفاظ إلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مرتبط بقوله: "وإنما يلزم العلم... إلخ"؛ لتضمنه دعوى اشتراط العلم بمقاصد الشرع وعدم اشتراط العلم بالعربية، ولذلك شمله البيان وإن سبق دليله. "ف" و"م".
2 أي: فالفهم هو اللازم المعمول عليه، فهو المشترط في الاجتهاد المتعلق بالمعاني دون العلم بالعربية؛ إذ لا فرق بين أسلوبها وأسلوب غيرها بالنسبة لفهم تلك المعاني. "ف".
3 تأمل في وجه التوفيق بين هذا وبين ما سبق له، حيث قال: "يتوقف فهم الشريعة حتى الفهم على فهم اللغة العربية حق الفهم"، وقال فيما سبق أيضًا: "إن الاجتهاد يتوقف على وصفين: العلم بمقاصد الشريعة، والتمكن من الاستنباط، وهذا إنما يكون بواسطة معارف خاصة، وإن هذه المعارف وسيلة إلى معرفة المقاصد"، ثم قال: "إن أوجب الوسائط اللغة العربية... إلخ". "د".
4 أي: فيسألون عما تدل عليه في مجاري عرف أهلها مع أنه غير عربية، وبعد، فهل هذا عير تحقيق المناط؟ وسيأتي له في المسألة الثانية أنه لا يحتاج إلى واحد من الأمرين، لا فهم مقاصد الشريعة ولا اللغة العربية. "د". قلت: قوله مبني على سقط لاحق أثبتناه فقط من "ط".(10/184)
5 إذا كان ثبوت العلة بالسبر والتقسيم أو المناسبة المسمى بتخريج المناط، فربما يسلم في بادئ الرأي، أما إذا كان ثبوتها في الأصل بالنص أو الإيماء في مراتبهما الكثيرة، فلا يظهر؛ لأنه لا بد من الرجوع إلى النص الذي أفاد ذلك، والتسليم في هذا ليس بكاف، وعلى فرض كفايته لا بد له من استقراء النصوص حتى يتمكن من دفع فساد الاعتبار وفساد الوضع، وهما أهم اعتراضات القياس، والرجوع للنص مستوجب لشرط العربية؛ لأنه لا يتم له إجراء القياس والمحافظة على نتيجة إلا بعدم مصادمته للنصوص مطلقًا في أي قياس كان، وهذا ما يعود على الأولين أيضًا بالتوقف كما أشرنا إليه. "د".(10/185)
ص -126-…فيما يتعلق بالمقيس عليه وهو الأصل، وقد يؤخذ مسلمًا أو بالعلة1 المنصوص عليها أو التي أومئ إليها2، ويؤخذ ذلك مسلمًا، وما سواه فراجع إلى النظر العقلي.
وإلى هذا النوع3 يرجع الاجتهاد المنسوب إلى أصحاب الأئمة المجتهدين، كابن القاسم وأشهب في مذهب مالك، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن في مذهب أبي حنيفة، والمزني والبويطي في مذهب الشافعي، فإنهم على ما حكي عنهم يأخذون أصول إمامهم وما بنى عليه في فهم ألفاظ الشريعة، ويفرعون المسائل، ويصدرون الفتاوي على مقتضى ذلك.
وقد قبل الناس أنظارهم وفتاويهم، وعملوا على مقتضاها، خالفت مذهب إمامهم أو وافقته، وإنما كان كذلك؛ لأنهم فهموا مقاصد الشرع في وضع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد أنه إنما يحتاج الاجتهاد القياسي إلى اللغة العربية في شيئين: معرفة الأصل المقيس عليه، ومعرفة العلة إذا كانت منصوصة أو مومًا إليها، أما باقي أعمال القائس، فلا تحتاج إلى اللغة، والأصل والعلة إذا كانت كذلك يمكن أن يؤخذا مسلمين، وإذ ذاك؛ فلا يحتاج إلى اللغة أصلًا. "د".
2 في "ط": "لها".
3 أي: الثاني، وهو المتعلق بالمعاني والمصالح... إلخ، وقوله: "يأخذون أصول إمامهم"، أي: مسلمة لا بحث لهم فيها، إنما يبحثون في تفاريعها حتى فيما فرعه نفس الإمام صاحب هذه الأصول، وقد يخالفونه في تفريعه، بقي أنه يقتضي أنهم لا يرجعون إلى النصوص التفصيلية، وأن اجتهادهم منحصر في التفريع على تلك الأصول المسلمة؛ لأنهم لو رجعوا إلى النصوص لكان الواجب توافر شرط العربية؛ فهل الواقع كذلك، وأنهم لا يتعلقون بالنصوص مطلقًا في اجتهادهم؟ هذا يحتاج إلى استقراء، وقلما يثبته الاستقراء. "د".(10/186)
ص -127-…الأحكام، ولولا ذلك، لم يحل لهم الإقدام على الاجتهاد والفتوى، ولا حل لمن في زمانهم أو من بعدهم من العلماء أن يقَّرهم على ذلك، ولا يسكت عن الإنكار عليهم على الخصوص، فلمًّا لم يكن شيء من ذلك؛ دل على أن ما أقدموا عليه من ذلك كانوا خلقاء1 بالإقدام فيه، فالاجتهاد منهم وممن كان مثلهم وبلغ في فهم مقاصد الشريعة مبالغهم صحيح، لا إشكال فيه، هذا على فرض أنهم لم يبلغوا في كلام العرب مبلغ المجتهدين، فأما إذا بلغوا تلك الرتبة فلا إشكال أيضًا في صحة اجتهادهم على الإطلاق2 والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "م" و"ط" و"ف" بالفاء، وعلق "ف": "لعله بالقاف جمع خليق".
قلت: وهو كذلك في الأصل و"د".
2 ظاهره أن اجتهادهم في هذه الحالة مطلق؛ كالأئمة الأربعة، ولك أن تقول مطلق، أي شامل للاجتهادين وإن كانوا منتسبين إلى أئمتهم متقيدين بقواعدهم لعدم بلوغهم درجة تأسيس الأصول. "ف".(10/187)
ص -128-…المسألة السادسة:
قد يتعلق الاجتهاد بتحقيق المناط، فلا يفتقر في ذلك إلى العلم بمقاصد الشارع، كما أنه لا يفتقر فيه إلى معرفة علم العربية؛ لأن المقصود من هذا الاجتهاد إنما هو العلم بالموضوع1 على ما هو عليه، وإنما يفتقر فيه إلى العلم بما لا يعرف ذلك الموضوع إلا به2، من حيث قصدت المعرفة به، فلا بد أن يكون المجتهد عارفًا ومجتهدًا من تلك الجهة التى ينظر فيها ليتنزل الحكم الشرعي على وفق ذلك المقتضى، كالمحدث العارف بأحوال الأسانيد وطرقها، وصحيحها من سقيمها، وما يحتج به من متونها مما لا يحتج به، فهذا يعتبر اجتهاده فيما هو عارف به، كان عالما بالعربية أم لا3، وعارفًا بمقاصد الشارع أم لا4، وكذلك القارئ في تأدية5 وجوه القرءات، والصانع في معرفة عيوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: موضع الحكم على ما هو عليه، ومتى علمه كذلك، علم المناط في الجزئيات؛ لأنه منصوص شرعًا، وإنما النظر في تحقيقه ووجوده في جزئيات قد يخفى تحققه فيها على الوجه المطلوب. "ف".
2 خذ هذا المثال لزيادة الإيضاح: الحكم الشرعي أن من يعتريه المرض أو يتأخر برؤه بسبب استعمال الماء يرخص له في التيمم، فإذا أردنا معرفة الحكم الشرعي بالنسبة لمريض ليرخص له أو لا يرخص؛ فإننا لا نحتاج إلى اللغة العربية، ولا إلى معرفة مقاصد الشرع في باب التيمم فضلًا عن سائر الأبواب، إنما يلزم أن نعرف بالطرق الموصل: هل يحصل ضرر فيتحقق المناط، أم لا فلا يتحقق؟ ولا شأن لهذا بواحد من الأمرين، وإنما يعرف بالتجارب في الشخص نفسه، أو في أمثاله، أو بتقرير طبيب عارف. "د".
3 كيف هذا مع أن الترجيح بالمتن يكون بالمرجحات الراجعة إلى الألفاظ ككون ما دل بالحقيقة يحتج به ولا يحتج بما عارضه الدال بالمجاز، وهكذا؛ فلا بد في هذا النوع من علم العربية، أما الترجيح بالإسناد، فقد يسلم فيه عدم التوقف على شرط العربية. "د".(10/188)
4 قد لا يسلم في بعض صور الترجيح بالحكم، كما يعلم من مراجعتها في مثل "المنهاج" للبيضاوي. "د".
5 لأنها ترجع للرواية الصرفة، أو إلى ضوابط تعين كيفية النطق بالكلمات مثلًا. "د".(10/189)
ص -129-…الصناعات، والطبيب في العلم بالأدواء والعيوب، وعرفاء الأسواق1 في معرفة قيم السلع ومداخل العيوب فيها، والعاد2 في صحة القسمة، والماسح في تقدير الأرضين ونحوها، كل هذا وما أشبهه مما يعرف به مناط الحكم الشرعي غير مضطر إلى العلم بالعربية، ولا العلم بمقاصد الشريعة، وإن كان اجتماع ذلك كمالًا في المجتهد.
والدليل على ذلك3 ما تقدم من أنه لو كان لازمًا4 لم يوجد مجتهد إلا في الندرة، بل هو محال عادة، وإن وجد ذلك، فعلى جهة خرق العادة، كآدم عليه السلام حين علمه الله الأسماء كلها، ولا كلام فيه.
وأيضًا، إن لزم5 في هذا الاجتهاد العلم بمقاصد الشارع6 لزم في كل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ماء": "العرفاء بالأسواق".
2 في "ماء": "العادي".
3 أي: على عدم الافتقار إلى العلم بالأمرين. "د".
4 أي: لمن يجتهد في الأحكام الشرعية بأي نوع من أنواع الاجتهاد، سواء أكان تحقيق مناط أم غيره، لو كان لازمًا له أن يكون مجتهدًا في كل علم يتعلق به الاجتهاد أي تعلق كان، لم يوجد مجتهد... إلخ، هذا ما تقدم للمؤلف استدلالًا على غير هذا الموضع، ولا يخفى أن الكلام ها هنا ليس فيما يتوقف عليه مطلق الاجتهاد، بل في خصوص توقف تحقيق المناط على الوصفين، وقد تقدم له في تحقيق المناط العام أن ارتفاعه تتعطل بسببه التكاليف كلها أو أكثرها، فلو لزم الشرطان في تحقيق المناط، لتعطلت أكثر التكاليف، وهو باطل، فلو نحا هذا النحو في الدليل لكان ظاهرًا، ولا يتأتى أن يقال: إذا توقف الاجتهاد بأي نوع منه عليهما لم يوجد مجتهد، كيف وهما الركنان في أكثر أنواع الاجتهاد؟ "د".
5 في "ط": "لو لزم".
6 أي: والعربية بدليل قوله بعد: "ووجدت من الجهال بالشريعة والعربية"، أي: فضلًا عن مقاصد الشريعة، فقد أدرج العربية في الاستدلال، وهذا الدليل صالح لإقامته على الدعويين. "د".(10/190)
ص -130-…علم وصناعة أن لا تعرف إلا بعد المعرفة بذلك، إذ1 فرض من لزوم العلم2 بها العلم بمقاصد الشارع، وذلك باطل؛ فما أدى إليه مثله، فقد حصلت العلوم ووجدت من الجهال بالشريعة والعربية، ومن الكفار المنكرين للشريعة.
ووجه ثالث أن العلماء3 لم يزالوا يقلدون في هذه الأمور من ليس من الفقهاء، وإنما اعتبروا أهل المعرفة بما قلدوا فيه خاصة، وهو التقليد في تحقيق المناط.
فالحاصل أنه إنما يلزم في هذا الاجتهاد المعرفة بمقاصد المجتهد فيه، كما أنه في الأولين4 كذلك، فالاجتهاد في الاستنباط من الألفاظ الشرعية يلزم فيه المعرفة بمقاصد [العربية، والاجتهاد في المعاني الشرعية يلزم فيه المعرفة بمقاصد الشريعة، والاجتهاد في مناط الأحكام يلزم فيه المعرفة بمقاصد]5 ذلك المناط، من الوجه الذي يتعلق به الحكم لا من وجه غيره، وهو ظاهر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "م": "إذا".
2 أي: وهو الذي قلنا: إنه يتوقف عليه تحقيق المناط. "د".
أما "ف"، فقال: "لعله من لازم العلم".
3 أي: مطلقًا مجتهدين ومقلدين. "د".
4 وهما الاجتهاد من النصوص ومن المعاني، واقتصر في تفريعه على الأول. "د".
5 سقط من جميع النسخ إلا من "ط".(10/191)
ص -131-…المسألة السابعة:
الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان:
أحدهما: الاجتهاد المعتبر شرعًا، وهو الصادر عن أهله الذين اضطلعوا1 بمعرفة ما يفتقر إليه الاجتهاد، وهذا هو الذى تقدم الكلام فيه. والثانى: غير المعتبر وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه؛ لأن حقيقته أنه رأي بمجرد التشهي والأغراض، وخبط في عماية، واتباع للهوى، فكل رأي صدر على هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره؛ لأنه ضد الحق الذى أنزل الله كما قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُم} [المائدة: 49].
وقال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} الآية [ص: 26].
وهذا على الجملة لا إشكال فيه، ولكن قد ينشأ في كل واحد من القسمين قسم آخر فأما القسم الأول، وهي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: تقووا واهتموا بمعرفة... إلخ، "وأصلها مأخوذ" من الضلاعة وهي القوة، يقال: أضلع بحلمه، أي: قوي عليه ونهض به. "ف" و"م".(10/192)
ص -132-…المسألة الثامنة:
فيعرض فيه الخطأ في الاجتهاد، إما بخفاء1 بعض الأدلة حتى يتوهم فيه ما لم يقصد منه، وإما بعدم2 الإطلاع عليه جملة.
وحكم هذا القسم معلوم من كلام الأصوليين إن كان في [أمر] جزئي3، وأما إن كان [الخطأ] في أمر كلي4، فهو أشد وفي هذا الموطن حذر من زلة العالم، فإنه جاء في بعض الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير منها؛ فروي عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال: "إني لأخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة". قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: "أخاف عليهم من زلة العالم، ومن حكم جائرٍِ، ومن هوىً متَّبع"5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 2 وقد يكون هذان من عدم بذل الوسع، ومن التقصير فيما هو واجب على المجتهد، وسيأتي الإشارة إليه بقوله: "وأكثر ما يكون ذلك عند الغفلة... إلخ". "د".
3 فينتقض حكم الحاكم فيه إذا صادم إجماعًا، أو نصًا قاطعًا، أو قياسًا جليًا، أو قواعد الشريعة، ويبطل أثر الفتوى أيضًا إن لم يكن حكم حاكم بل إفتاء. "د".
قلت: وما بين المعقوفتين ساقط في الأصل.
4 كتحريم الحلال وتحليل الحرام مصادمة لقاطع أيضًا، كحل المتعة والربا، وكتحريم الطيبات من الرزق، وهكذا. "د".
5 أي: فأما اتقاء زلة العالم، فطريقه أنكم إن ظننتم به الخير وأنه موفق، فلا تستسلموا له، فربما جره الاستسلام إلى الزيغ واتباع الهوى، وإن ظننتم به الخطأ والزيغ، فلا تظهروا له تمام الجفوة وشدة الغلظة؛ فربما جره هذا إلى التمادي في العناد، وخلع ربقة الحق في غير ما ظهر خطؤه فيه أيضًا، وشواهد هذا حاصلة الآن فيمن زل من المنسوبين للعلماء في زماننا هذا، فإنهم لما قرروا حذف اسمه من عدادهم أعانوا عليه إبليس، فصار ضد الإسلام ونبي الإسلام يهرف بفحش القول ولا رادع له، أعاذنا الله من زيغ القلوب بعد الهداية. "د".
قلت: ومضى تخريج الحديث "4/ 89".(10/193)
ص -133-…وعن عمر: "ثلاث يهدمن الدين: زلَّة العالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون"1.
وعن أبي الدرداء: "إن مما أخشى عليكم زلة العالم، أو جدال المنافق بالقرآن، والقرآن حقٌّ، وعلى القرآن منارٌ كمنار الطريق"2.
وكان معاذ بن جبل يقول في خطبته كثيرًا: "وإياكم وزَيْغةَ الحكيم، فإن الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة، وقد يقولُ المنافقُ الحقَّ، فتلقَّوا عمن جاء به، فإن على الحق نورًا". قالوا: وكيف زيغة3 الحكيم؟ قال: "هي كلمة تروعكم وتنكرونها، وتقولون ما هذه؟ فاحذروا زيغته، ولا تَصُدَّنكم عنه؛ فإنه يوشك أن يفيء وأن يراجع الحق"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "4/ 89".
2 مضى تخريجه "4/ 89". وفي "ط": "زلة عالم... منافق".
3 بفتح الزاي؛ أي: زلته وميله، يقال: زاغ فلان عن الشيء زيغًا "وزيغانًا" وزيوغًا "وذلك إذا" مال عنه. "ف" و"م".
4 أخرجه أبو داود في "السنن" "كتاب السنة، باب لزوم السنة، 4/ 203/ رقم 4611"، ومعمر في "الجامع" "11/ 363-364/ رقم 20750"، والدارمي في "السنن" "1/ 67"، وابن وضاح في "البدع" "ص25، 26"، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" "2/ 222، 320-322، 719"، والآجري في "الشريعة" "ص47، 48"، والفريابي في "صفة النفاق" "ص18-19، 19-20"، وابن بطة في "الإبانة" "1/ 22/ 2"، والبيهقي في "المدخل إلى السنن" "رقم 834"، وابن عبد البر في "الجامع" "2/ 981/ رقم 1781"، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" "1/ 88-89، 89"، والذهبي في "السير" "1438" من طرق، وبألفاظ متقاربة، منها المذكور وسنده صحيح.
وذكره ابن القيم في "إعلام الموقعين" "3/ 297"، وأبو شامة في "الباعث" "ص11"، والسيوطي في "الأمر بالاتباع" "ص57-58".
ووقع في "م": "أن يراجع الخلق".(10/194)
ص -134-…وقال سلمان الفارسي: "كيف أنتم عند ثلاث: زَلَّة عالم، وجدال منافق بالقرآن، ودنيا تقطع أعناقكم، فأما زلة العالم، فإن اهتدى؛ فلا تُقلَّدوهُ دينكم، تقولون: نصنع مثل ما يصنع فلان، وننتهي عما ينتهي عنه فلان، وإن أخطأ، فلا تقطعوا إياسكم منه، فتُعينوا عليه الشيطان"1 الحديث.
وعن ابن عباس: "ويلٌ للأتباع من عَثرات العالم. قيل: كيف ذلك؟ قال: يقول العالم شيئًا برأيه، ثم يجدُ من هو أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فيترك قوله ثم يمضي الأتباع"2.
وعن ابن المبارك: "أخبرني المعتمر بن سليمان، قال: رآني أبي وأنا أنشد الشعر، فقال لي: يا بُنّي! لا تنشد الشعر. فقلت له: يا أبت! كان الحسن ينشد، وكان ابن سيرين ينشد. فقال لي: أي بُني! إن أخذت بَشرٍّ ما في الحسن وبشرٍّ ما في ابن سيرين اجتمع فيك الشرُّ كله"3.
وقال مجاهد والحكم بن عُتيبة4 ومالك: "ليس أحدٌ مِن خلق الله إلا يُؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي صلى الله عليه وسلم"5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "4/ 90".
2 مضى تخريجه "4/ 90".
3 سيأتي قريبًا وسليمان هو التيمي.
4 كذا في الأصل، وهو الصواب، وفي النسخ المطبوعة كلها: "عيينة"!! وهو خطأ، وانظر ترجمته في "طبقات الفقهاء" "ص82، 83" للشيرازي.
5 أسنده عن مجاهد أبو نعيم في "الحلية" "3/ 300"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" "1/ 176"، وابن حزم في "الإحكام" "6/ 857"، وابن عبد البر في "الجامع" "2/ 925، 926/ رقم 1762، 1763، 1764، 1765"، وإسناده صحيح.
وأسنده عن الحكم ابن عبد البر في "الإحكام" "2/ 925/ رقم 1761"، وابن حزم في "الإحكام" "6/ 883"، وإسناده صحيح.(10/195)
ص -135-…وقال سليمان التيمي1: "إن أخذتَ برخصة كل عالم اجتمع فيك الشَّر كله"2.
قال3 ابن عبد البر: "هذا إجماع لا أعلم فيه خلافًا".
وهذا كله وما أشبهه دليل على طلب4 الحذر من زلة العالم، وأكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار5 مقاصد الشارع في ذلك المعنى الذى اجتهد فيه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وذكر الغزالي في "الإحياء" "1/ 78" أنه من قول ابن عباس عند الطبراني، وكذا السبكي في "الفتاوى" "1/ 148"، وقال: "وأخذ هذه الكلمة من ابن عباس مجاهد، وأخذ منهما مالك رضي الله عنه واشتهرت عنه".
قلت: وأخذها أيضًا الشعبي، كما في "مختصر المؤمل" "رقم 185"، و"معنى قول الإمام المطلبي" "ص127 - ط دار البشائر".
ومقولة مالك صححها ابن عبد الهادي في "إرشاد السالك" "ق227/ أ"، وذكرها أحمد كما في "مسائل أبي داود" "ص276".
وانظر: مقدمة "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" "ص49 - ط المعارف وص24-25 - ط الرابعة عشر، المكتب الإسلامي"، و"الإيقاظ" "ص72" للفلاَّني.
1 في "م": "التميمي"، وهو خطأ.
2 أخرجه ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 927/ رقم 1766، 1767" بإسنادٍ صحيح.
3 قاله في كتابه "بيان العلم" "2/ 827"، وفيه أن سليمان المذكور خاطب بهذا خالد بن الحارث، وكأن المؤلف يجعل هذه الرخص في المذاهب من زلات العلماء، ولولا أنها كذلك ما كانت شرورًا. "د".
4 ورد في الأصل -وهو خطأ-: "عدم الحذر".
5 أي: في غير تحقيق المناط؛ لأنه لا يحتاج إلى هذين كما سبق، وهو الموافق لقوله أيضًا أول المسألة: "وفي هذا الموطن -يشير إلى الأمر الكلي- حذر من زلة العلم"، وتحقيق المناط من الجزئي، وكأنه لم يعتد به زله -مع أنه كذلك-؛ لأن الذي يترتب على خلل تطبيق الأحكام الشرعية على مناطاتها من الفساد وضياع الحقوق أخف من الخطأ في الكليات؛ لأنها تعم وذلك يخص. "د".(10/196)
ص -136-…والوقوف دون أقصى المبالغة في البحث عن النصوص فيها، وهو وإن كان على غير قصد ولا تعمد وصاحبه معذور ومأجور، لكن مما ينبني عليه في الاتباع لقوله فيه خطر عظيم، وقد قال الغزالي: "إن زلة العالم بالذنب قد تصير كبيرة وهي في نفسها صغيرة"، وذكر منها أمثلة، ثم قال: "فهذه ذنوب يتبع1 العالم عليها، فيموت العالم ويبقى شره مستطيرًا في العالم آماد2 متطاولة، فطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه"3، وهكذا الحكم مستمر في زلته في الفتيا من باب أولى، فإنه ربما خفي على العالم بعض السنة أو بعض المقاصد العامة في خصوص مسألته، فيفضي ذلك إلى أن يصير قوله شرعًا يتقلد، وقولًا يعتبر في مسائل الخلاف، فربما رجع عنه وتبين له الحق فيفوته4 تدارك ما سار في البلاد عنه [ويضل عنه]5 تلافيه، فمن هنا قالوا: زلة العالم مضروب بها الطبل6.
فصل:
إذا ثبت هذا، فلا بد من النظر في أمور تنبني على هذا الأصل:
-منها: أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة7 ولا الأخذ بها تقليدًا له وذلك؛ لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتدًّا بها؛ لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها، كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير8، ولا أن يشنع عليه بها، ولا ينتقص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "م": "يتّسع".
2 كذا في "الإحياء"، وفي جميع النسخ بدلها: "أيامًا"!!
3 "إحياء علوم الدين" "4/ 33".
4 ولذلك كره مالك كتابة الفقه عنه. "د".
5 سقط من "م".
6 أسندها المعافي في "الجليس الصالح" "3/ 177" عن الخليل بن أحمد، وانظر في هذا: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "20/ 274".
7 في "ط": "جهته".(10/197)
8 كيف هذا وقد جعل من أكثر أسباب هذا الخطأ الوقوف دون أقصى المبالغة في البحث عن النصوص، يعني: بحيث يصح أن يقال: إنه لم يبذل غاية الوسع والاجتهاد يتوقف عليه، فإذا لم يقم ببذل أقصى الوسع، ووقف عند حد كان يمكنه تجاوزه في البحث، يكون مقصرًا وغير آت بحقيقة الاجتهاد، فيكون ملومًا قطعًا، ويؤيد هذا قوله أول الفصل التالي: "لأنها لم تصدر في الحقيقة عن اجتهاد"، أما عدم التشنيع وعدم الانتقاض، فمسلمان للأدلة السابقة. "د".(10/198)
ص -137-…من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة [بحتا]1، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي2 رتبته في الدين، وقد تقدم من كلام معاذ بن جبل وغيره ما يرشد3 إلى هذا المعنى.
وقد روي4 عن ابن المبارك؛ أنه قال: "كنا في الكوفة فناظَرُوني في ذلك -يعني: [في]5 النبيذ المختلف فيه-، فقلت لهم: تعالوا فليحتج المحتج6 منكم عمن شاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالرخصة، فإن لم نبين الرد عليه عن ذلك الرجل بشدة7 صحت عنه فاحتجوا. فما جاءوا عن واحد برخصة إلا جئناهم بشدة، فلما لم يبق في يد أحد منهم إلا عبد الله بن مسعود8 وليس احتجاجهم عنه في رخصة9 النبيذ بشيء يصح عنه. قال ابن المبارك: فقلت للمحتج عنه في الرخصة: يا أحمق! عُدَّ10 أن ابن مسعود لو كان ههنا جالسًا فقال: هو لك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين المقعوفتين ساقط من الأصل، وشرحها "ماء": أي: خالصًا".
2 في "م": "تقتضي"، وفي "ماء": "تقتضيه".
3 وهو أن ذلك يكون إعانة للشيطان عليه، وذلك لا يجوز. "د".
قلت: ومضى كلام معاذ وتخريجه "ص133".
4 تأييد للبناء الأول "د".
5 سقطت من "ط".
6 أي: بالراوية والنقل عمن شاء من أصحابه صلى الله عليه وسلم النبيذ بأن يحكي عنه قولًا بإباحة شربه، فإن لم نبين الرد على ذلك المحتج برواية أخرى صحيحة عن ذلك الرجل تفيد القول بحرمته، فقد تم لكم ما أردتم. "ف".
7 مقابل للرخصة في كلامه. "د".
"8" انظر ما ورد عنه في "الأشربة" لابن قتيبة "ص21-22".
9 في "ط": "شدّة".
10 بضم أوله, وتشديد ثانيه، أي: هب أن ابن مسعود... إلخ. "ف" و"م".(10/199)
ص -138-…حلال، وما وصفنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الشدة، كان ينبغي لك أن تحذر أو تحير أو تخشى. فقال قائلهم: يا أبا عبد الرحمن! فالنخعي والشعبي وسمى عدة معهما كانوا يشربون الحرام؟ فقلت1 لهم: دعوا عند الاحتجاج تسمية الرجال؛ فرب رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا وعسى أن يكون منه زلة، أفلأحد أن يحتج بها؟ فإن أبيتم؛ فما قولكم في عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة؟ قالوا: كانوا خيارًا. قال: فقلت: فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدًا بيد؟ فقالوا: حرام. فقال ابن المبارك: إن هؤلاء رأوه حلالًا فماتوا وهم يأكلون الحرام، فبقوا وانقطعت حجتهم". هذا ما حكي2.
والحق ما قال ابن المبارك، فإن الله تعالى يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول} الآية [النساء: 59].
فإذا كان بينًا ظاهرًا أن قول القائل مخالف للقرآن أو للسنة، لم يصح الاعتدادُ به ولا البناءُ عليه، ولأجل هذا ينقض قضاء القاضي إذا خالف النص أو الإجماع، مع أن حكمه مبنيٌّ على الظواهر مع إمكان خلاف الظاهر، ولا ينقض مع الخطأ في الاجتهاد وإن تبين؛ لأن مصلحة نصب الحاكم تناقض3 نقض حكمه، ولكن ينقض مع مخالفة الأدلة؛ لأنه حكم بغير ما أنزل الله.
فصل:
-ومنها: أنه لا يصح اعتمادها خلافًا في المسائل الشرعية؛ لأنها لم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 استفهام إنكاري، أي: يلزم على رأيك أنهم كانوا يشربون المحرم. "د".
2 ذكر مناظرة ابن المبارك هذه للكوفيين مختصرة بسنده البيهقي في "السنن الكبرى" "8/ 289-299".
3 وإلا، لصح النظر في النقض أيضًا، وفي نقض النقض ويتسلسل، فلا ينفذ حكم، فتتعطل المصالح. "د".(10/200)
ص -139-…تصدر في الحقيقة عن اجتهاده، ولا هي من مسائل1 الاجتهاد، وإن حصل من صاحبها اجتهاد، فهو لم يصادف فيها محلاّ، فصارت في نسبتها إلى الشرع كأقوال غير المجتهد، وإنما يعد في الخلاف الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة، كانت مما يقوي أو يضعف، وأما إذا صدرت عن مجرد خفاء2 الدليل أو عدم مصادفته فلا، فلذلك قيل: إنه لا يصح أن يعتد بها في الخلاف، كما لم يعتد السلف الصالح بالخلاف في مسألة ربا الفضل، والمتعة، ومحاشي النساء3، وأشباهها من المسائل التى خفيت فيها الأدلة على من خالف فيها.
فإن قيل: فماذا يعرف من الأقوال ما هو كذلك مما ليس كذلك؟
فالجواب: إنه من وظائف المجتهدين، فهم العارفون بما وافق أو خالف، وأما غيرهم، فلا تمييز لهم في هذا المقام، ويعضد هذا أن المخالفة للأدلة الشرعية على مراتب، فمن الأقوال ما يكون خلافًا لدليل قطعي من نص متواتر أو إجماع قطعي في حكم كلي ومنها ما يكون خلافًا لدليل ظني والأدلة الظنية متفاوتة، كأخبار الآحاد والقياس الجزئية، فأما المخالف للقطعي؛ فلا إشكال في اطراحه4، ولكن العلماء ربما ذكروه للتنبيه عليه وعلى ما فيه، لا للاعتداد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لأنها ليست ظنية، بل من القطعيات التي لم تتردد طرفي النفي والإثبات. "د".
2 في "ماء": "خطأ".
3 جمع محشاة، وهي "في الأصل" مبعر الدواب أراد بها هنا أدبار النساء، وفي الحديث محاشي النساء حرام. "ف" و"م".
وقال "ماء": "أي: إتيانهن في أدبارهن".(10/201)
4 قال الشافعي في "الرسالة" "ص560": "فإني أجد أهل العلم قديمًا وحديثًا مختلفين في بعض أمورهم، فهل يسعهم ذلك؟ قال: "الشافعي": فقلت له: الاختلاف من وجهين: أحدهما محرم، لا أقول ذلك في الآخر. قال: فما الاختلاف المحرم؟ قلت: كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصًا بينًا، لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه. وما كان من ذلك يحتمل التأويل ويدرك قياسًا، فذهب المتأول أو القياس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس، وإن خالفه فيه غيره، لم أقل: إنه يضيق عليه الخلاف في المنصوص".
قلت: وحدّه أدق مما ذكره المصنف، والله أعلم.(10/202)
ص -140-…به، وأما المخالف للظني؛ ففيه الاجتهاد1 بناء على التوازن بينه وبين ما اعتمده صاحبه من القياس أو غيره.
فإن قيل: فهل لغير المجتهد من المتفقهين في ذلك ضابط يعتمده أم لا؟
فالجواب: إن له ضابطا تقريبيًا، وهو أن ما كان معدودًا في الأقوال غلطًا وزللًا قليل جدًّا في الشريعة، وغالب الأمر أن أصحابها منفردون بها، قلما يساعدهم عليها مجتهد آخر، فإذا انفرد صاحب قول عن عامة الأمة، فليكن اعتقادك أن الحق [في المسألة] مع السواد الأعظم من المجتهدين2، لا من المقلدين.
فصل:
وقد عد ابن السيد3 هذا المكان من أسباب الخلاف، حين عدّ جهة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: فطرحه رأسًا أو الاعتداد به خلافًا محتاج لاجتهاد المجتهد والموازنة... إلخ؛ فالمرجع في مثل ذلك للمجتهد. "د".
2 نعم، مخالفة الجماهير من العلماء المجتهدين مظنة الخطأ والزلل، ولكن لا يستلزم ذلك دائمًا، والعبرة بالحجة والدليل.
3 وهذا نص كلامه في كتابه "التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين" "ص165-166": "اعلم أن الحديث المأثور عن رسول الله وعن أصحابه والتابعين لهم رضي الله عنهم تعرض له ثماني علل: أولها: فساد الإسناد: والثانية: من جهل نقل الحديث على معناه دون لفظه، والثالثة: من جهة الجهل بالإعراب، والرابعة: من جهة التصحيف، والخامسة: أن ينقل المحدث بعض الحديث ويغفل نقل السبب الموجب له، أو بساط الأمر الذي جر ذكره، والسابعة: أن يسمع المحدث بعض الحديث ويفوته سماع بعضه، والثامنة: نقل الحديث من الصحف دون لقاء الشيوخ".(10/203)
ص -141-…الرواية وأن لها ثماني علل: فساد الإسناد، ونقل الحديث على المعنى أو من الصحف1، والجهل بالإعراب، والتصحيف2، وإسقاط جزء3 الحديث، أو سببه، وسماع بعض الحديث وفوت بعضه، وهذه الأشياء ترجع إلى4 معنى ما تقدم إذا صح أنها في المواضع المختلف فيها علل حقيقة، فإنه5 قد يقع الخلاف بسبب الاجتهاد في كونها موجودة في محل الخلاف، وإذا كان على هذا الوجه، فالخلاف معتد به بخلاف الوجه الأول.
وأما القسم الثاني وهي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في النسخ المطبوعة كلها: "المصحف"، وكتب "م" معلًَّقا": "أي: النقل من كتاب اشتهر بالتصحف".
قلت: الصواب ما أثبته، ووقع على الجادة في الأصل وفي "التنبيه" لابن السيد البطليوسي، انظر الهامش السابق.
2 التصحيف من الراوي غير النقل عن كتاب عرف فيه التصحيف، فهو علة أخرى. "د".
قلت: انظر الهامش السابق. وكتب "م": "المراد هنا الأخذ عن راوٍ يصحف فيما يرويه".
3 أي: أن الراوي مع علمه بباقي الحديث أو سببه لغرض صحيح في نظره، كأن يكون شاهده لما يدعيه يكفي فيه ما اقتصر عليه، وقد يكون في إسقاط السبب أو جزء الحديث ما يكون سببًا في خفاء المعنى المراد وتبادر خلافه، وهذا غير سماع بعض الحديث وفوات بعضه، فعذره في هذا أنه لم يسمع كل الحديث. "د".
4 أي: لأن الدليل الذي يوجد فيه شيء من هذه العلل لا يعد دليلًا معتبرًا، هذا إذا سلم وجودها في المحل، وقد لا يسلم فلا ترجع إلى ما تقدم، فيكون الخلاف الحاصل من اعتبار هذه الأدلة وعدم اعتبارها بناء على الخلاف في وجود هذه العلل فيها وعدم وجودها معتدًا به خلافًا، وهذا وجه كلام ابن السيد في عده هذا الموضع من أسبابه. "د".
5 بيان لعد ذلك من أسباب الخلاف. "د".(10/204)
ص -142-…المسألة التاسعة:
فيعرض فيه أن يعتقد في صاحبه أو يعتقد هو في نفسه أنه من أهل الاجتهاد وأن قوله معتد به، وتكون مخالفته تارة في جزئي وهو أخف، وتارة في كلي من كليات الشريعة وأصولها العامة، كانت من أصول الاعتقادات أو الأعمال؛ فتراه آخذًا ببعض1 جزئياتها في هدم كلياتها حتى يصير منها إلى ما ظهر له ببادئ رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا راجع رجوع2 الافتقار إليها، ولا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: وقد عرفت في كتاب الأدلة أنه يجب اعتبار الجزئيات بكلياتها، فلا ينقض جزئي قاعدة كلية، فمسألة العسل الذي لم يوافق الصفراوي الذي شربه لا ينقض مع قوله تعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} القاعدة الكلية، وهي أن الشارع لا يخبر خبرًا يغاير المخبر عنه، ولا بد من رجوع* الدليل الجزئي إلى كلي آخر بأن يقيد هذه المطلق، ويقال فيه ما لم يكن صفراويًّا مثلًا أو يوكل فهمه إلى الله العالم بما أراد بهذه الجزئيات، مع أن الآية ليس فيها تعميم نفعه لجميع الناس، ومن الشاهد للمؤلف ما قاله بعض من يدعي لنفسه الفهم والاستنباط في الشريعة في هذا الزمان أنه لا يوجد حكم شرعي في غير العبادات إلا وهو قابل للتغيير، ويستدل على ذلك بأمور ككون الأحكام تتغير بتغير الزمان، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بشيء من أمور دنياكم، فإنما أنا بشر"**، وقولهم: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وهكذا أخذ بهذه الأمور على غير وجهتها، ولم يرجع إلى أهل العلم بها ليفهم معناها، فهدم بهذا الشريعة كلها، ولم يبق بيده من كلياتها سوى أن الشريعة وضعت للمصحة، وطبعًا المصلحة هي ما يوافق هواه، وما يظهر له ببادئ الرأي؛ لأنه لا يفهم مقاصد الشريعة إلا ما يزعمه هو مقصدًا ومصلحة. "د".
قلت: انظر في المعنى الذي ذكره المصنف هنا كتابه "الاعتصام" "2/ 712 - ط ابن عفان".(10/205)
2 بل يرجع إليها رجوع الاستظهار بها على صحة غرضه في النازلة؛ فالمقصود إنما هو تنزيل الدليل على وفق غرضه، وتحكيم هواه في الدليل، فيكون الدليل تبعًا لهواه كما تقدم في المسألة الثالثة عشرة من كتاب الأدلة. "د".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في الأصل: "رجع".
** مضى تخريجه.(10/206)
ص -143-…مسلم لما روي عنهم في فهمها، ولا راجع إلى الله ورسوله في أمرها كما قال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية [النساء: 59].
ويكون الحامل على ذلك بعض الأهواء الكامنة في النفوس، الحاملة على ترك الاهتداء بالدليل الواضح واطراح النصفة والاعتراف بالعجز فيما لم يصل إليه علم الناظر ويعين على هذا الجهل بمقاصد الشريعة وتوهم بلوغ درجة الاجتهاد باستعجال نتيجة الطلب1، فإن2 العاقل قلما يخاطر بنفسه في اقتحام المهالك مع العلم بأنه مخاطر.
وأصل هذا القسم مذكور في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} الآية [آل عمران: 7].
وفى "الصحيح" أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية، ثم قال: "فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم"3.
والتشابه4 في القرآن4 لا يختص بما نص عليه العلماء من الأمور الإلهية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: طلب العلم. "د".
2 أي: فهذا التوهم يجعله يفهم أنه لا يخاطر بعمله، ولو كان يفهم أنه يخاطر ما خاطر؛ لأن العاقل... إلخ. "د".
3 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب التفسير، باب {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ}، 8/ 209/ رقم 4547" عن عائشة رضي الله عنها.
4 أي: الأعم من الحقيقي والإضافي، وقوله: "بل هو من جملة... إلخ، أي: أن ما نصوا عليه من جملة... إلخ، ولذلك قال: "وأصل هذه المسألة مذكور في قوله تعالى"، أي: فالآية أصل عام شامل لما ذكر وما لم يذكر. "د".
قلت: انظر "الاعتصام" "1/ 71 و2/ 586، 737 - ط ابن عفان".(10/207)
ص -144-…الموهمة للتشبيه، ولا العبارات المجملة ولا ما يتعلق بالناسخ والمنسوخ، ولا غير ذلك مما يذكرون، بل هو من جملة ما يدخل تحت مقتضى الآية؛ إذ لا دليل على الحصر، وإنما يذكرون من ذلك ما يذكرون على عادتهم في القصد إلى مجرد التمثيل ببعض الأمثلة الداخلة تحت النصوص الشرعية، فإن الشريعة إذا كان فيها أصل مطرد في أكثرها مقرر واضح في معظمها، ثم جاء بعض1 المواضع فيها مما يقتضي ظاهره مخالفة ما اطرد، فذلك من المعدود في المتشابهات التى يتقى اتباعها؛ لأن اتباعها مفض إلى ظهور معارضة بينها وبين الأصول المقررة والقواعد المطردة، فإذا اعتمد على الأصول وأرجئ أمر النوادر، ووكلت إلى عالمها2 أو ردت إلى أصولها؛ فلا ضرر على المكلف المجتهد ولا تعارض في حقه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فمثلًا تنزيه الله عن متشابهة الخلق في الجسمية ولواحقها كالحركة أصل مطرد مقرر واضح، وجاء في الحديث قوله: "ينزل ربنا إلى سماء الدنيا... إلخ"، فهذا يتقى اتباعه، وإلا لأفضى إلى معارضة السابق المقرر، فإما أن نكل هذا إلى العالم سبحانه بمراده فنفوض، أو نؤوله ونرده إلى أصل آخر ثابت بتقدير مضاف أو غيره، وهذا في الأعمال كثير، فترى أحاديث ظاهرها مخالفة ما تقرر من أصول الأعمال، فيجرى فيها مثل هذا، لكن المغتر بما وصل إليه يستعمل هذه الجزئيات في نقض الكليات توصلًا إلى غرضه، وستأتي أمثلة كثيرة في الفصل التالي. "د".
قلت: قرر الشارح مذهب الخلف من التأويل أو التفويض، وهو ليس بصواب، على ما بيناه في التعليق على "4/ 11، 137".
2 إشارة إلى ما ذكره المؤلف في "الاعتصام" "2/ 587 - ط ابن عفان" عنه صلى الله عليه وسلم: "إن القرآن يصدق بعضه بعضًا، "فلا تكذبوا بعضه ببعض"، ما علمتم منه فاقبلوه، وما لم تعلموا منه فكلوه إلى عالمه". "د".(10/208)
قلت: أخرجه أحمد "2/ 181، 185"، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" "4/ 192"، وابن الضريس في "فضائله"، وابن مردويه -كما في "الدار المنثور" "2/ 6"- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وإسناده حسن.(10/209)
ص -145-…ودل على ذلك قوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب} [آل عمران: 7]؛ فجعل المحكم -وهو الواضح المعنى الذي لا إشكال فيه ولا اشتباه- هو الأمُّ والأصلَ المرجوع إليه، ثم قال: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]، يريد: وليست بأم ولا معظم، فهى إذا قلائل، ثم أخبر أن اتباع المتشابه منها شأن أهل الزيغ والضلال عن الحق والميل عن الجادة، وأما الراسخون في العلم، فليسوا كذلك، وما ذاك إلا باتباعهم أم الكتاب وتركهم الاتباع للمتشابه1.
وأم الكتاب يعم ما هو من الأصول الاعتقادية أو العملية2؛ إذ لم يخص الكتاب ذلك ولا السنة، بل ثبت في "الصحيح" عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افترقتِ اليهودُ على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنين3 وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "لاتباع المتشابه".
2 هذا المقام وهو إثبات أن المتشابه لا يخص ما كان في قواعد الدين، بل يشمل الأعمال استوفاه "المصنف في" "الاعتصام" في المسألة الرابعة "2/ 709-712 - ط ابن عفان"، وقال هناك: "وقد تقررت هذه المسألة في كتاب "الموافقات" بنوع آخر من التقرير". "د".
3 على الشك، قال في "الاعتصام" في المسألة التاسعة "2/ 742 - ط ابن عفان": "الرواية الصحيحة في الحديث: إن افتراق اليهود كافتراق النصارى على إحدى وسبعين فرقة". "د".(10/210)
4 أخرجه الترمذي في "الجامع" "أبواب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، 4/ 25/ رقم 2640" -وقال: "حديث حسن صحيح"، وأبو داود في "السنن" "كتاب السنة، باب شرح السنة، 4/ 197-198/ رقم 4596"-وهذا لفظه-، وابن ماجه في "السنن" "كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، 2/ 1321/ رقم 3991"، وأحمد في "المسند" "2/ 332"، وأبو يعلى "10/ 317، 381-382، 502/ رقم 5910، 5978، 6117"، والآجرى في "الشريعة" "25"، والحاكم في "المستدرك" "1/ 86، 128"، وابن حبان "14/ 140/ رقم 6247 - الإحسان و15/ 125/ رقم 6731 - الإحسان"، وابن أبي عاصم في "السنة" "رقم 66"، والمروزي في "السنة" "ص17"، وابن بطة في "الإبانة" "رقم 252"، وغيرهم عن أبي هريرة، وإسناده حسن.(10/211)
ص -146-…وفي الترمذي تفسير هذا1 بإسناد غريب عن غير أبي هريرة، فقال في حديثه: "وأن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة". قالوا: من هي2 يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي"3.
والذي عليه النبي وأصحابه ظاهر في الأصول الاعتقادية والعملية على الجملة، لم يخص من ذلك شيء دون شيء.
وفي أبي داود: "وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون، في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة"4، وهي بمعنى الرواية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ففيه تفسير الفرقة بالملة، وهي المناسبة للمقام. "د".
2 في "ط": "وما هي".
3 أخرجه الترمذي في "الجامع" "أبواب الإيمان، باب ما جاء في افترق هذه الأمة، 5/ 26/ رقم 2641" -وقال: "هذا حديث مفسر غريب، لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه"-، والآجرِّي في "الشريعة" "ص15، 16"، والمروزي في "السنة" "ص18"، والحاكم في "المستدرك" "1/ 128"، وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" "ص85"، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" "2/ 262"، والأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة" "رقم 16، 17"، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" "رقم 145-147" من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا.
وإسناده ضعيف، من أجل عبد الرحمن بن زياد الإفريقي؛ إلا أن للحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن. انظر: "السلسة الصحيحة" "رقم 1348".(10/212)
واستغرب المصنف في "الاعتصام" أيضًا "2/ 698 - ط ابن عفان" هذا الحديث، ولعل ذلك من أجل: "كلها في النار إلا واحدة"، كما حصل لابن الوزير في "العواصم والقواصم" "1/ 186 و3/ 172"، والصنعاني في "حديث افتراق الأمة" "ص95-97"، وللشوكاني في "فتح القدير" "2/ 56"، وغيره، ورد على ذلك بتفصيل حسن وعلى وجه قوي الشيخ صالح المقبلي في "العلم الشامخ" "ص414"، ونقل كلامه وأيده شيخنا الألباني في "السلسلة الصحيحة" "رقم 204".
4 أخرجه أبو داود في "السنن" "كتاب السنة، باب شرح السنة، 4/ 198/ رقم =(10/213)
ص -147-…التي قبلها1.
وقد روى ما يبين هذا المعنى، ذكره ابن عبد البر بسند لم يَرضه2، وإن كان غيره قد هوَّن الأمر فيه، أنه قال: "ستفترقُ أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها3 فتنة الذين يقيسون الأمورَ برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال" فهذا نص على دخول الأصول العملية تحت قوله: "ما أنا عليه وأصحابي"، وهو ظاهر؛ فإن المخالف في أصل من أصول الشريعة العملية لا يقصر عن المخالف في أصل من الأصول الاعتقادية في هدم القواعد الشرعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 4597"، وأحمد في "المسند" "4/ 102"، والدارمي في "السنن" "2/ 158/ رقم 2521 "، والآجرى في "الشريعة" "ص18"، والمروزي في "السنة" "ص14، 15"، وابن أبي عاصم في "السنة" "رقم 1، 2، 65"، والطبراني في "الكبير" "19/ 376"، والحاكم في "المستدرك" "1/ 128"، وابن بطة في "الإبانة" "رقم 245، 247"، والأصبهاني في "الحجة" "رقم 107"، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" "رقم 150"، وأبو العلاء الهمذاني في "فتيا وجوابها في ذكر الاعتقاد وذم الاختلاف" "رقم 12" من طريق صفوان بن عمرو عن أزهر بن عبد الله الحرازي عن أبي عامر الهوزني عن معاوية مرفاعًا بألفاظ، والمذكور لفظ أبي داود، وهو قطعة من الحديث.
وإسناده حسن على أقل أحواله، وللحديث شواهد يصل بها إلى درجة الصحة، وحسنه ابن حجر في "الكافي" الشاف" "ص63"، وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" "1/ 118": "هذا حديث محفوظ"، وقال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء "3/ 230": "ولأبي داود من حديث معاوية، وابن ماجه من حديث حسن، وعوف بن مالك، "وهي الجماعة"، وأسانيدها جياد".
1 لأن التي تستحق اسم الجماعة هي التي اتبعت سبيله وسبيل أصحابه صلى الله عليه وسلم، وانظر تفسير كلمة "الجماعة" في المسألة السادسة عشر من "الاعتصام" "2/ 767-776". "د".(10/214)
2 في "الاعتصام" "2/ 699-700/ ط ابن عفاف" أنه قدح فيه ابن عبد البر بهذه الرواية؛ لأن ابن معين قال: "إنه باطل لا أصل له"، قال بعض المتأخرين: روي عن جماعة من الثقات، وقد أشبع المؤلف الكلام على الحديث ورواياته في "الاعتصام" "2/ 699". "د".
قلت: الحديث منكر، وقد خرجناه وتكملنا عليه فيما مضى "1/ 98"، فانظره غير مأمور.
3 راجع المسألة الخامسة والعشرين من "الاعتصام" "2/ 795 - ط ابن عفان" لتبيين معنى القياس المذموم في الحديث. "د".(10/215)
ص -148-…فصل:
وقد وجدنا في الشريعة ما يدلنا على بعض الفرق التى يظن أن الحديث شامل لها، وأنها مقصودة الدخول تحته، فإنه جاء في القرآن أشياء1 تشير إلى أوصاف يتعرف منها أن من اتصف بها، فهو آخذ في بدعة، خارج عن مقتضى الشريعة، وكذلك في الأحاديث الصحيحة، فمن تتبع مواضعها ربما اهتدى إلى جملة منها، وربما ورد التعيين في بعضها، كما قال عليه الصلاة والسلام في الخوارج: "إن من ضئضئ2 هذا قومًا يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية"3.
وفي رواية: "دعه -يعني: ذا الخويصرة-، فإن له أصحابًا َيحقُر أحدُكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ستأتي له في العلامات التفصيلية في الفصل التالي لهذا الفصل. "د".
2 الضئضئ؛ بكسر الضادين، وضمهما: الأصل والمعدن، وفي الحديث ان رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الغنائم، فقال له: اعدل؛ فإنك لم تعدل. فقال: "يخرج من ضئضئ هذا..." الحديث؛ أي: يخرج من أصله ونسله، والرمية: الصيد الذي ترميه، فتقصده وينفذ فيه سهمك، وقيل: كل دابة مرمية. "ف" و"م".
وقال "ماء": "ضئضئ، أي: خالص".
3 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب التوحيد، باب قول الله {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه}، 13/ 415-416/ رقم 7432" -بنحوه-، والمذكور لفظ مسلم في "صحيحه" "كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، 2/ 741-742/ رقم 1064 بعد 143" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.(10/216)
ص -149-…يمَرقوُن من الإسلام...." الحديث إلى أن قال: "آيتُهم رجل أسودُ، إحدى عضُديه مثلُ ثَدْيِ المرأة أو مثل البَضْعةِ1 تَدَرْدَر2"..... إلخ3.
فقد عرَّف عليه الصلاة والسلام بهؤلاء، وذكر لهم علامة في صاحبهم، وبين من مذهبهم في معاندة الشريعة أمرين كُلِّيَّيْنِ:
أحدهما: اتبَّاع ظواهر القرآن على غير تدبر ولا نظر في مقاصده ومعاقده، والقطع بالحكم به ببادئ الرأي والنظر الأول، وهو الذي نبه عليه قوله في الحديث: "يقَرءونَ القرآن لا يجُاوزُ حناجرهم"، ومعلوم أن هذا الرأي يصد عن اتباع الحق المحض، ويضاد المشي على الصراط المستقيم، ومن هنا ذم4 بعض العلماء رأي داود الظاهري، وقال: إنها بدعة ظهرت بعد المائتين، ألا ترى أن من جرى على مجرد الظاهر تناقضت5 عليه السور6 والآيات، وتعارضت في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البضعة، بالفتح، ومثلها الهبرة: القطعة من اللحم. "ف" و"م".
2 تددر، بفتح التاء، وسكون الراء، أي: ترجرج، وأصله تتدردر، فحذفت منه إحدى التائين. "ف" و"م".
3 أخرجه البخاري في "صحيحه" بنحوه "كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، 6/ 617-618/ رقم 3610، وكتاب الأدب ما جاء في الرجل "ويلك"، 10/ 552/ رقم 6163، وكتاب استتابة المرتدين، باب من ترك قتال الخوارج، 12/ 290/ رقم 6933"، ومسلم -والمذكور لفظه- في "صحيحه" "كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، 2/ 744/ رقم 1064 بعد 148" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
4 في "الاعتصام" "2/ 784 - ط ابن عفان": "ومن البدع التي تتجارى بصاحبها كالكلب ما ذهب إليه الظاهرية، على رأي من عدها من البدع". "د".
قلت: انظر لزامًا ما قدمناه في التعليق على 3/ 420" عنهم، والله الموفق، لا رب سواه.
5 أي: فلا بد للناظر من التدبر والنظر في المقاصد حتى لا تتناقص السور والآيات عنده، والأخذ بالظاهر مؤد إلى هذا، فينطبق عليه الحديث. "د".
6 في "د": "الصور".(10/217)
ص -150-…يديه الأدلة على الإطلاق والعموم.
وتأمل ما ذكره القتبي في صدر كتابه في "مشكل القرآن"1، وكتابه في "مشكل الحديث"2 يبين لك صحة هذا الإلزام، فإن ما ذكره هنالك آخذ ببادئ الرأي في مجرد الظواهر.
والثاني قتل أهل الإسلام وترك أهل الأوثان على ضد ما دلت عليه جملة الشريعة وتفصيلها، فإن القرآن والسنة إنما جاءت للحكم بأن أهل الإسلام في الدنيا والآخرة ناجون، وأن أهل الأوثان هالكون، ولتعصم هؤلاء وتريق دم هؤلاء على الإطلاق فيهما والعموم، فإذا كان النظر في الشريعة مؤديا إلى مضادة هذا القصد، صار صاحبه هادمًا لقواعدها، وصادا عن سبيلها، ومن تأمل كلامهم في مسألة التحكيم مع علي بن أبي طالب وابن عباس3 وفى غيرها، ظهر له خروجهم عن القصد، وعدولهم عن الصواب، وهدمهم للقواعد، وكذلك مناظرتهم عمر بن عبد العزيز4، وأشباه ذلك.
فهذان وجهان ذكرا في الحديث من مخالفتهم لقواعد الشريعة الكلية اتباعًا للمتشابهات.
وقد ذكر الناس من آرائهم غير ذلك من جنسه، كتكفيرهم لأكثر الصحابة ولغيرهم ومنه سرى قتلهم لأهل الإسلام وأن الفاعل للفعل إذا لم يعلم أنه حلال أو حرام فليس بمؤمن، وأن لا حرام إلى ما في قوله: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر منه: "ص103-106".
2 انظر منه: "ص5-11 - ط الكتاب العربي"، ونقل كلامه المصنف في "الاعتصام" "2/ 760-764 - ط ابن عفان".
3 انظر تفصيل المناظرة عند المصنف في "الاعتصام" "2/ 696-698 - ط ابن عفان"، ومضى تخريجها "4/ 221-223".
4 انظر: "سيرة عمر بن عبد العزيز" "ص112-115، 147" لا بن عبد الحكم.(10/218)
ص -151-…إِلَيَّ} الآية [الأنعام: 145]، وما سوى ذلك فحلال، وأن الإمام إذا كفر كفرت رعيته كلهم شاهدهم وغائبهم، وأن التقية لا تجوز في قول ولا فعل على الإطلاق والعموم، وأن الزاني لا يرجم بإطلاق، والقاذف للرجال لا يحد وإنما يحد قاذف النساء خاصة، وأن الجاهل معذور1 في أحكام الفروع بإطلاق، وأن الله سيبعث نبيا من العجم بكتاب ينزله الله عليه جملة واحدة ويترك شريعة محمد2، وأن المكلف قد يكون مطيعًا بفعل الطاعة غير قاصد بها وجه الله، وإنكارهم سورة يوسف من القرآن وأشباه ذلك3 وكلها مخالفة لكليات شرعية أصلية أو عملية.
ولكن الغالب في هذه الفرق أن يشار إلى أوصافهم ليحذر منها، ويبقى الأمر في تعيينهم مرجى كما فهمنا من الشريعة، ولعل عدم تعيينهم هو الأولى الذى ينبغي أن يلتزم ليكون سترًا على الأمة، كما سترت عليهم قبائحهم، فلم يفضحوا في الدنيا بها في الحكم الغالب العام، وأمرنا بالستر على المذنبين ما لم يبد لنا صفحة الخلاف، ليس كما ذكر عن بني إسرائيل أنهم كانوا إذا أذنب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يناقض قولهم سابقًا: إن الفاعل للفعل إذا لم يعلم أنه حلال أو حرام فليس بمؤمن، فلا يعذر بالجهل حتى ولا في الحكم بخروجه عن الإسلام، ولا يخفى أن ما سبق لهم في الفروع. "د".
قلت: العذر بالجهل في الفروع هو مذهب النجدات منهم، قاله البغدادي في "أصول الدين" "ص332".
2 هذا زعم اليزيدية، وإنكار سورة يوسف مذهب الميمونية منهم، أفاده البغدادي في "أصول الدين" "ص332-333"، وقال: "فهذه الفرقة منهم -أي: اليزيدية- مع الميمونية في أعداد المرتدين".
3 انظر: "أصول الدين" "ص332-333"، و"الملل والنحل" "1/ 114-138"، و"اعتقادات فرق المشركين" "51"، و"الفصل في الملل" "3/ 189"، و"التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع" "ص51".(10/219)
ص -152-…أحدهم ليلًا1 أصبح وعلى بابه معصيته مكتوبة، وكذلك في شأن قرابينهم فإنهم كانوا إذا قربوها أكلت النار المقبول، منها وتركت غير المقبول وفي ذلك افتضاح المذنب، إلى ما أشبه ذلك، فكثير من هذه الأشياء خصت بها2 هذه الأمة، وقد قالت طائفة: إن من الحكمة في تأخير هذه الأمة عن سائر الأمم أن تكون ذنوبهم مستورة عن غيرهم، فلا يطلع عليها كما اطلعوا هم على ذنوب غيرهم ممن سلف.
وللستر حكمة أيضًا، وهي أنها لو أظهرت -مع أن أصحابها من الأمة-، لكان في ذلك داع إلى الفرقة والوحشة، وعدم الألفة التى أمر الله بها ورسوله حيث قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم} [الأنفال: 1].
"وقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَات}3" [آل عمران: 105].
وقال: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم: 31-32].
وفي الحديث: "لا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في "الاعتصام" "2/ 724" و"ط" فقط، وفي غيره: "أحدهم ذنبًا".
2 أي: بالستر فيها كما في "الاعتصام" "2/ 724 - ط ابن عفان". "د".
قلت: وفيه أيضًا: "وهذا الفصل مبسوط في كتاب "الموافقات" والحمد لله".
3 ما بين المعقوفتين سقط في "د". وهو مثبت في الأصل و"ف" و"م" و"ط"، وكذا في "الاعتصام" "2/ 725 - ط ابن عفان"، وما قبله وبعده فيه بحرفه ونصره.
4 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الأدب، باب ما ينهي عن التحاسد والتدابر 10/ 481/ رقم 6065، وباب الهجرة، 10/ 492/ رقم 6076"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب البر والصلة، باب تحريم التحاسد والبتاغض والتدابر، 4/ 1983/ رقم 2559" عن أنس رضي الله عنه.(10/220)
ص -153-…وأمر عليه الصلاة والسلام بإصلاح ذات البين، وأخبر أن فساد ذات البين هي الحالقة، وأنها تحلق الدين1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ورد ذلك في أحاديث عديدة، منها:
ما أخرجه هناد في "الزهد" "رقم 1310" -ومن طريقه الترمذي في "الجامع" "أبواب صفة القيامة، 4/ 663/ رقم 2509"-، وأحمد في "المسند" "6/ 444-445"، والبخاري في "الأدب المفرد" "106"، وأبو داود في "السنن" "كتاب الأدب، باب في إصلاح ذات البين، 4/ 280/ رقم 4919"، والبيهقي في "الآداب" "رقم 130" عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصوم والصلاة والصدقة؟". قالوا: بلى. قال: "صلاح ذات البين، وإن فساد ذات البين هي الحالقة".
قال الترمذي: "هذا حديث صحيح، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين".
ثم أخرج برقم "2510"، وأحمد في "المسند" "1/ 165، 167"، والبزار في "المسند" "رقم 2002 - الزوائد"، وأبو يعلى في "المسند" "2/ 32/ رقم 669" عن الزبير مرفوعًا: "دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، وهي الحالقة، لا أقول حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين، والذي نفس محمد بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم؟ أفشوا السلام". لفظ أبي يعلى.
وإسناده ضعيف، ولكنه حسن بشواهد، ولآخره: "والذي نفسي بيده..." شاهد عن أبي هريرة، أخرجه مسلم في "صحيحه" "رقم 54"، وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" "رقم 260"، وزاد في آخره: "وإياكم والبغضة، فإنها هي الحالقة، لا أقول لكم: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين"، ولفظ الترمذي "رقم 2508" عنه مرفوعًا: "إياكم وسوء ذات البين، فإنها الحالقة".
وانظر: "غاية المرام" "414"، و"الإرواء" "2/ 239"، و"صحيح الأدب المفرد" "رقم 197".(10/221)
ص -154-…والشريعة طافحة بهذا المعنى، ويكفي فيه ما ذكره المحدثون في كتاب "البر والصلة"، وقد جاء في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء} الآية [الأنعام: 159]، أنه روي عن عائشة وأبي هريرة -وهذا حديث عائشة-، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة! إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا، من هم؟". قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "هم أصحاب الأهواء وأصحاب البدع، وأصحاب الضلالة من هذه الأمة، يا عائشة! إن لكل ذنب توبة؛ ما خلا أصحاب الأهواء والبدع، ليس لهم توبة، وأنا منهم بريء، وهم مني برءاء"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الطبراني في "الصغير" "1/ 203"، وأبو الشيخ -ومن طريقه الواحدي في "الوسيط" "2/ 342"-، وابن مردويه -كما في "تفسير ابن كثير" "2/ 204"-؛ وابن أبي عاصم في "السنة" "رقم 4"، وابن أبي حاتم في "العلل" "2/ 77/ رقم 2724"، الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" "ص209"، والبيهقي في "الشعب" "5/ 449-450/ رقم 7239 و7240"، وأبو نعيم في "الحلية" "4/ 137-138"، وابن الجوزي في "الواهيات" "1/ 144/ رقم 209" من طريق بقية ثنا شعبة أو غيره من مجالد عن الشعبي عن شريح عن عمر رفعه.
قال الطبراني: "لم يروه عن شعبة إلا بقية، تفرد به ابن مصفى"، وقال أبو نعيم: "هذا حديث غريب من حديث شعبة، تفرد به بقية".(10/222)
قلت: إسناده ضعيف، فيه مجالد، ليس بالقوي، والحديث لم ينفرد به ابن المصفى كما قال الطبراني، وإنما تابعه جحدر بن الحارث كما قال الدارقطني في "العلل" "2/ 163"، وخالفهما وهب بن حفص الحراني -وكان ضعيفًا-، فرواه عن عبد الملك الجدي عن شعبة عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عمر، أخرجه ابن عدي في "الكامل" "7/ 5232" -وسقط متن الحديث من هذه الطبعة-، وقال: "رواه بقية عن شعبة عن مجالد عن الشعبي عن شريح عن عمر"، قال: "وجميعًا غير محفوظين".
وقال الدارقطني في "العلل" "2/ 164": "ولا يثبت عن شعبة ولا عن مجالد، والله أعلم"، ونقله ابن الجوزي وزاد: "أما بقية فكان يدلس، والظاهر أنه سمع من ضعيف فأسقط ذكره، فلا يوثق بما يروي"، وقال ابن كثير في "التفسير" "2/ 204": "وهو غريب أيضًا، ولا يصح رفعه"، وقال =(10/223)
ص -155-…فإذا كان من مقتضى العادة أن التعريف بهم على التعيين يورث العداوة والفرقة وترك الموالفة، لزم من ذلك أن يكون منهيًا عنه، إلا أن تكون البدعة فاحشة جدًّا كبدعة الخوارج، فلا إشكال في جواز إبدائها وتعيين أهلها، كما عين رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج وذكرهم بعلامتهم، حتى يعرفون ويحذر منهم. ويلحق بذلك ما هو مثله في الشناعة أو قريب منه بحسب نظر المجتهد، وما سوى ذلك، فالسكوت عن تعيينه أولى1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الهيثمي في "المجمع" "1/ 188": "وفيه بقية ومجالد عن سعيد، وكلاهما ضعيف"، وهذا هو الصواب، فبقية مدلس، ولكنه قال "7/ 22": "وإسناده جيد"، وعاد في "10/ 189"، فقال: "وفيه بقية، وهو ضعيف"، وعزاه في المواطن كلها للطبراني في "الصغير"، وانظر: "مجمع البحرين" "1/ رقم 275 و6/ رقم 3320 ورقم 4712"، والحديث كما رأيت حديث عمر وليس حديث عائشة كما قال المصنف رحمه الله تعالى.
أما حديث أبي هريرة، فأخرجه ابن جرير في "التفسير" "8/ 105" من طريق بقية عن عباد ابن كثير عن ليث، والطبراني في "الأوسط" "1/ 384/ رقم 668" من طريق معلل عن موسى بن أعين عن سفيان الثوري عن ابن طاووس، كلاهما عن طاووس عن أبي هريرة به، ولفظه: "هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة"، وزاد عباد بن كثير: "وأهل الشبهات"، قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن سفيان إلا موسى، تفرد به معلل".(10/224)
قال الهيثمي في "المجمع" "7/ 23": "ورجاله رجال الصحيح، غير معلل بن نفيل، وهو ثقة"، وقال ابن كثير في "التفسير" "2/ 203-204" عقب إسناد الطبراني: "هذا إسناد لا يصح، فإن عباد بن كثير متروك الحديث، ولم يختلق هذا الحديث، ولكنه وهم في رفعه، فإن سفيان الثوري عن ليث -وهو ابن أبي سليم- عن طاووس عن أبي هريرة في الآية، أنه قال: "نزلت في هذه الأمة"، وعزى الآلوسي في "روح المعاني" "8/ 68" حديث أبي هريرة أيضًا للحكيم الترمذي والشيرازي في "الألقاب" وابن مردويه".
1 قال في "الاعتصام" "2/ 726، 730": "إن التعيين يكون في موطنين: الأول ما أشار إليه هنا، والثاني: حيث تكون تلك الفرقة تدعو إلى ضلالتها وتزيينها في قلوب العوام، "ومن لا علم عنده"، فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس، "وهم من شياطين الإنس"، فلا بد من التصريح بأنهم من أهل البدعة والضلالة".
ولا يخفى عليك أن بدعة طائفة من أهل الأهواء في زماننا هذا كبعض محرري الصحف الأسبوعية قد جمعت الخستين: بدعة غاية في الشناعة والكفر، ثم الدعوة إليها بنشرها في الصحف وتزيينها بكل أنواع البهتان والزخرف، فلا حول ولا قوة إلا بالله. "د".(10/225)
ص -156-…وخروج أبو داود عن عمرو1 بن أبي قرة، قال: "كان حذيفة بالمدائن، فكان يذكر أشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأناس من أصحابه في الغضب، فينطلق ناس ممن سمع ذلك من حذيفة، فيأتون سلمان فيذكرون له قول حذيفة، فيقول سلمان: حذيفة أعلم بما يقول. فيرجعون إلى حذيفة، فيقولون له: قد ذكرنا قولك لسلمان، فما صدقك ولا كذبك. فأتى حذيفة سلمان وهو في مبقلة2، فقال: يا سلمان! ما يمنعك أن تصدقني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب فيقول [في الغضب]3 لناس من أصحابه، ويرضى فيقول في الرضى لناس من أصحابه، أما تنتهي حتى تورث رجالًا حب رجال، ورجالًا بغض رجال، وحتى توقع اختلافًا وفرقة؟ ولقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب، فقال: "أيما رجل من أمتي سببته سبة أو لعنته [لعنة]4 في غضبي، فإنما أن من ولد آدم أغضب5 كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعاملين، فأجعلها عليهم صلاة يوم القيامة"6، فوالله لتنتهين أو لأكتبن إلى عمر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في جميع النسخ المطبوعة: "عمر"، بضم العين، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه، وكذا في "الاعتصام" "2/ 225 - ط رضا، و2/ 725 - ط ابن عفان" وفيهما: "ابن أبي مرة"، بالميم بدل القاف، وهو خطأ ثان، فليصحح.
2 أي: موضع البقل، وهو من النبات ما ليس بشجر. "ف" و"م".
3 ما بين المعقوفتين سقط من "د".
4 ما بين المعقوفتين سقط من "م".
5 في "ط": "وأغضب".(10/226)
6 أخرجه أبو داود في "السنن" "كتاب السنة، باب في النهي عن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، 4/ 214-215/ رقم 4658"، وأحمد في "المسند" "5/ 437" عن عمرو بن أبي قرة، وإسناده صحيح. وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أذيته فاجعله له زكاة ورحمة"، 11/ 171"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب البر والصلة، باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه، وليس هو أهلًا لذلك، كان له زكاةً وأجرًا ورحمة، 4/ 2008/ 2601" "91". وأخرجه مسلم من حديث عائشة وجابر وأم سلمة رضي الله عنهم.(10/227)
ص -157-…فهذا من سلمان حسن من النظر، فهو جار في مسألتنا.
فإن قيل: فالبدع مأمور باجتنابها واجتناب أهلها والتحذير منهم والتشريد1 بهم وتقبيح ما هم عليه، فكيف يكون ذكر ذلك والتنبيه عليه غير جائز؟
فالجواب: إن النبي صلى الله عليه وسلم نبه في الجملة2 عليهم إلا القليل منهم كالخوارج، ونبه على البدع من غير تفصيل، وأن الأمة ستفترق على تلك العدة المذكورة، وأشار إلى خواص عامة فيهم وخاصة، ولم يصرح بالتعيين غالبًا تصريحًا يقطع العذر3، ولا ذكر فيهم علامة قاطعة لا تلتبس4، فنحن أولى بذلك معشر الأمة.
وما ذكره المتقدمون5 من ذلك فبحسب فحش تلك البدع، وأنها لاحقة في جواز ذكرها بالخوارج ونحوهم، مع أن التعيين إذا كان بحسب الاجتهاد، فهو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "د": "والتشديد" بدالين!!
2 أي: تنبهًا إجماليًا لا تفصيليًا. "د".
3 حتى لا يسد عليهم باب التوبة بسبب العناد واليأس من رحمة الله. "د". وفي "د": "لقطع العذر".
4 أي: في غالبهم كما نبه عليه، أما مثل الخوارج، فقد تقدم له ذكر العلامة القاطعة "د".
5 من عد أهل البدع وتعيينهم بأسمائهم وإيصال هذه الفرق إلى اثنتين وسبعين فرقة، وقوله: "إذا كان بحسب الاجتهاد"، أي: كما هو الشأن في تعيين المتقدمين لهذه الفرق، أي فليس هذا التعيين جاريًا مجرى الحكم الفصل، وقد عقد في "الاعتصام" "2/ 718-720 - ط ابن عفان" مسألة خاصة لتعيين هذه الفرق الاثنتين والسبعين. "د".(10/228)
ص -158-…ممكن أن يكون هو المراد في نفس الأمر أو بعضه، فمن بلغ رتبة الاجتهاد اجتهد والأصل ما تقدم من الستر، حتى يظهر أمر فيكون له حكمه، ويبقى النظر: هل هذ الظاهر من جملة ما يدخل1 تحت الحديث، أم لا؟ فهو موضع اجتهاد.
وأيضًا، فإن البدع المحدثة تختلف، فليست كلها في مرتبة واحدة في الضلال، ألا ترى أن بدعة الخوارج مباينة غاية المباينة لبدعة التثويب بالصلاة التي قال فيها مالك: "التثويب2 ضلال"؟
وقد قسم المتقدمون3 البدع إلى ما هو مكروه، وإلى ما هو محرم، ولو كانت عندهم على سواء، لكانت قسمًا واحدًا، وإذا كان كذلك، فالبدع التي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: فيكون صاحبه في النار، وهل دوامًا أم كبقية عصاة المؤمنين؟ ويرجع ذلك إلى درجة البدعة وكونها مكفرة أو لا، وكونها صغيرة أو كبيرة. "د".
2 قال المؤلف في "الاعتصام" "2/ 556": "وقد فسر التثويب الذي أشار إليه مالك بأن المؤذن كان إذا أذن فأبطأ الناس، قال بين الأذان والإقامة: قد قامت الصلاة، حي على الفلاح! وهذا نظير قولهم عندنا: الصلاة رحمكم الله، وقيل: إنما عني بذلك قول المؤذن في أذانه: حي على خير العمل؛ لأنها كلمة زادها في الأذان من خالف السنة من الشيعة" اهـ. يعني: وأما جملة "الصلاة خير من النوم" في أذان الصبح، فهي مطلوبة داخلة في جمل الأذان المشروعة. "د".
وكتب "ف" -وتبعه "م"- في تفسير "التثويب" ما نصه: "أي: ترجيع المؤذن بالصلاة، وفي حديث بلال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أثوب في شيء من الصلاة إلا صلاة الفجر، وهو قوله: "الصلاة خير من النوم" مرتين من ثاب يثوب إذا رجع".
قلت: انظر بدع الأذان عن المصنف: "فتاوى الشاطبي" "ص217"، و"الاعتصام" "2/ 102-103/ ط رضا".(10/229)
3 قال المصنف في "الاعتصام" "1/ 241": "وبسط ذلك القرافي "في الفروق" "4/ 202-205"، وأصل ما أتى به من ذلك شيخه عز الدين عبد السلام "في قواعد الأحكام" "2/ 172-174"، و"الفتاوى" "116"، وها أنا آتي به على نصه... وساقه".
انظر: "القواعد" للمقري" "2/ 438، القاعدة الرابعة والتسعون بعد المئة".(10/230)
ص -159-…تفترق بها الأمة مختلفة الرتب في القبح، وبسب ذلك يظهر أنها كثيرة جدًا.
وما في الحديث محصور، فيمكن أن يكون بعضها غير داخل في الحديث، أو يكون بعضها جزءًا من بدعة فوقها أعظم منها، أو لا تكون داخلة من حيث هي عند العلماء من قبيل المكروه1، فصار القطع على خصوصياتها فيه نظر واشتباه، فلا يقدم على ذلك إلا ببرهان قاطع، وهذا كالمعدوم فيها، فمن هذه الجهات صار الأولى ترك التعيين فيها.
فإن قيل2: فالعلماء يقولون خلاف هذا، وإن الواجب هو التشريد3 بهم والزجر لهم، والقتل ومناصبة القتال إن امتنعوا، وإلا أدى ذلك إلى فساد الدين.
فالجواب: إن ذلك حكم فيهم [كما هو في سائر من تظاهر بمعصية صغيرة أو كبيرة أو دعا إليها أن يؤدب أو يزجر أو يقتل إن امتنع] من فعل واجب أو ترك محرم، كما يقتل تارك الصلاة، وإن كان مقرًا إلى ما دون ذلك، وإنما الكلام في تعيين أصحاب البدع من حيث هي بدع يشملها الحديث، فتوجه4 الأحكام شيء والتعيين للدخول تحت الحديث شيء آخر5.
فصل:
ولهؤلاء الفرق خواص وعلامات في الجملة، وعلامات أيضًا في التفصيل6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: فلا تدخل في الحديث الذي يجعل صاحب البدعة في النار. "د".
2 ترق في السؤال ووصول به فوق التعيين إلى القتل ومناصبة القتال، وجوابه فيما سبق يمنع التعيين، وكذلك هنا حيث يقول: إن دخولهم تحت الأحكام شيء ودعوى دخولهم تحت الحديث شيء آخر. "د".
3 كذا في "ط"، وفي غيره: "التشديد".
4 في الأصل و"ط": "فتوجيه".
5 أي: فهما مقامان لا يشكل أحدهما على الآخر. "د"، وما بين المعقوفتين سقط من "ط".
6 انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "19/ 114-116".(10/231)
ص -160-…فأما علامات الجملة فثلاث:
إحداها: الفرقة التى نبه عليها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159].
وقوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران: 105].
وغير ذلك من الأدلة.
قال بعض المفسرين1: "صاروا فرقا لاتباع أهوائهم، وبمفارقة الدين تشتت أهواؤهم فافترقوا، وهو قوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الأنعام: 159]، ثم برأه الله منهم بقوله: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]، وهم أصحاب البدع [وأصحاب الضلالات] والكلام فيما لم يأذن الله فيه ولا رسوله".
قال: "ووجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين، ولم يفترقوا ولم يصيروا2 شيعًا؛ لأنهم لم يفارقوا الدين، وإنما اختلفوا فما أذن لهم من اجتهاد الرأي، والاستنباط من الكتاب والسنة فيما لم يجدوا فيه نصًّا، واختلفت في ذلك أقوالهم، فصاروا محمودين؛ لأنهم اجتهدوا فيما أمروا به، كاختلاف أبي بكر وعمر [وعلي] وزيد في الجد مع الأم3، وقول عمر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "الاعتصام" "2/ 733 - ط ابن عفان": "قال بعض العلماء..." وساقه بنصه، وما بين المعقوفتين منه، وسقط من الأصل و"ط" في الأصل و"ط" وجميع النسخ المطبوعة.
وانظر في تفسير الآية: "الكشاف" "2/ 50"، و"تفسير القرطبي، "7/ 149-150"، و"نظم الدرر" "7/ 344-335"، و"روح المعاني" "8/ 68".
2 في "الاعتصام": "ولم يتفرقوا، ولا صاروا....".
3 وكذا في "الاعتصام" "2/ 734 - ط ابن عفان"، وفي هامش الأصل: "لعله "مع الإخوة""، وكذا أثبته "د"، وفصل "ف"، فقال: "لعله في الأخوة مع الجد إذ لا نعلم خلافًا بين =(10/232)
ص -161-…................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= العلماء في إرث الجد مع الأم، وقد أجمعوا على أن الجد عاصب مع ذوي الفرائض يأخذ ما أبقته الفروض، فإذا انفرد مع الأم يرث الباقي بعد فرض الثلث لها، ولا يحجبه إلا الأب، واختلفوا في حجبه الأخوة أشقاء أو لأب، فذهب ابن عباس وأبو بكر رضي الله تعالى عنهما وجماعة من الفقهاء إلى أنه يحجبهم كالأب، وذهب آخرون ومنهم زيد وعلي وعمر رضي الله عنهم إلى إرثهم معه".
قلت: يتأكد هذا التصويب بأمور:
أولًا: هذا هو المثبت في كتب الأصول، انظر على سبيل المثال: "مختصر المنتهى" "ص199".
ثانيًا: وهذا هو المثبت في كتب التخريج، انظر على سبيل المثال: "تحفة الطالب" "ص437"، و"موافقة الخبر الخبر" "1/ 158-160".
ثالثًا: وهذا هو المثب أيضًا في كتب الحديث والرواية، وإليك ما يدل عليه: أخرج البيهقي في "الكبرى" "6/ 248" عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه كتب إلى معاوية في شأن الجد، قال: "وجرى بيني وبين عمر كلام في الجد مع الأخوة، وكنت أرى يومئذ أن الأخوة أقرب حقًا إلى أخيهم من الجد، وكان هو يرى أن الجد أقرب".
وحسنه ابن حجر في "موافقة الخبر الخبر" "1/ 160"، وأخرج الدارمي "رقم 2910، 2911" مذهب أبي بكر، وقال ابن حجر عنه: "هذا موقوف صحيح، وثبت عن أبي بكر من طريق أخرى من رواية ابن عباس وابن الزبير وأبي سعيد الخدري وغيرهم، وبعضها في البخاري".(10/233)
قلت: قال البخاري في "صحيحه" "كتاب الفرائض، باب ميراث الجد مع الأب والإخوة 8/ 18 - مع الفتح": "وقال أبو بكر وابن عباس وابن الزبير: الجد أب، وقرأ ابن عباس: {يَا بَنِي آدَم} و{اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} ولم يذكر أن أحدًا خالف أبا بكر في زمانه وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون، وقال ابن عباس: يرثني ابن ابني دون إخوتي ولا أرث أنا ابن ابني". قال: "ويذكر عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أقاويل مختلفة".
قلت: انظرها مع الكلام عليها في "تغليق التعليق" "5/ 214-222"، وخلاصة ما في هذا الباب أن المال للجد ثابت عن أبي بكر، وتابعه عمر وعثمان وابن عباس وابن الزبير وغيرهم، ثم رجع بعضهم إلى القول بالمقاسمة، وهو قول الأكثر، وأما القول بحرمان الجد، فجاء عن زيد وعلي وعبد الرحمن بن غنم، ثم رجع علي وزيد إلى المقاسمة. =(10/234)
ص -162-…وعلي في أمهات1 الأولاد، وخلافهم في الفريضة المشتركة2، وخلافهم في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وانظر في المسألة: "سنن سعيد بن منصور" "1/ 62-72 - ط الأعظمي"، و"المحلي"، "10/ 364-376"، و"إعلام الموقعين" "1/ 212"، و"المبسوط" "29/ 144، 180-181"، و"شرح الرحبية" "44"، و"تحفة الطالب" "ص438-440" لابن كثير، و"أحكام التركات والمواريث" "ص158 وما بعدها"، و"الميراث في الشريعة الإسلامية" "ص175-187"، و"عدة الباحث في أحكام التوارث" "32".
1 أي: في جواز بيعهن كما رأى بعض من كبار الصحابة، أو عدم جوازه كما هو رأي الجمهور. "د".
وكتب "ف" ما نصه: "هل يجوز بيعهن أولًا؟ فإن العلماء اختلفوا في أم الولد، فالثابت عن عمر رضي الله عنه أنه قضى بأنها لا تباع"، وأنها حرة من رأس مال سيدها إذا مات، وهو قول أكثر التابعين وجمهور فقهاء الأمصار، والثابت عن أبي بكر وعلي وابن عباس وابن الزبير أنهم يجيزون بيعها، وبه قال الظاهرية".
قلت: أخرج اختلاف عمر وعلي في ذلك: عبد الرزاق في "المصنف" "7/ 291-292/ رقم 13224" بإسناد صحيح، ومضى تخريج ذلك.
2 أي: التي ورد فيها: "هب أبانا كان حجرًا في اليم". "د".
وكتب "ف" ما نصه: "وهي امرأة توفيت عن زوج وأم وأخوة لأم وأخوة أشقاء، فكان عمر وعثمان وزيد بن ثابت رضى الله عنهم يعطون للزوج النصف وللأم السدس وللإخوة لأم الثلث فلا يبقى للإخوة الأشقاء شيء، فكانوا يشركونهم مع الإخوة للأم في الثلث: يقسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، وبه قال مالك والشافعي وجماعة من الفقهاء، وكان علي رضي الله عنه وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري لا يشركون الأشقاء مع الأخوة للأم في هذه الفريضة ولا يوجبون لهم شيئًا فيها، وبه قال أبو حنيفة وأبو ليلى وأحمد رضي الله عنهم".(10/235)
قلت: أخرج سعيد بن منصور في "السنن" "رقم 20، 21 - ط الأعظمي"، وسفيان الثوري في "الفرائض" "رقم 22"، وابن أبي شيبة في "المصنف" "11/ 255" -وهذا لفظه-، وعبد الرزاق في "المصنف" "10/ 251"، والدارمي في "السنن" "2/ 251"، والبيهقي في "السنن الكبرى" "6/ 256" بإسناد صحيح من طرق عن إبراهيم، قال: إن عمر وزيدًا وابن مسعود كانوا يشركون في زوج وأم وإخوة لأم وأب وأخوات لأم، يشركون بين الإخوة من الأب والأم مع الأخوة للأم في سهم، وكانوا يقولون: لم يزدهم الأب إلا قربًا، ويجعلون ذكورهم وإناثهم فيه سواء"، وعدم مشاركة علي في "سنن سعيد" "رقم 26" وفيه "برقم 28 و29" مذهب أبي موسى.(10/236)
ص -163-…الطلاق1 قبل النكاح، وفي البيوع... وغير ذلك مما اختلفوا فيه، وكانوا مع هذا أهل مودة وتناصح [و] أخوة الإسلام فيما بينهم قائمة، فلما حدثت [الأهواء]2 المردية3 التى حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهرت العداوات، وتحزب أهلها فصاروا شيعًا، دل على أنه إنما حدث ذلك من المسائل المحدثة التى ألقاها الشيطان على أفواه أوليائه".
قال: "فكل مسألة حدثت في الإسلام فاختلف الناس فيها، ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة، علمنا أنها من مسائل الإسلام، وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابز4 والقطيعة، علمنا أنها ليست
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: تعليق الطلاق على النكاح، كأن يقول: إن تزوجت فلانه فهي طالق، وفيها الأقوال الثلاثة لمالك وأبي حنيفة والشافعي. "د".
وكتب "ف" ما نصه: "أي: العقد مثل أن يقول: إن نكحت فلانه فهي طالق، فإن للعلماء في ذلك ثلاثة مذاهب: قول أن الطلاق لا يتعلق بأجنبية أصلًا عم المطلق أو خص، وهو قول الشافعي وأحمد وجماعة، وقول أنه يتعلق بشرط التزويج عمم المطلق جميع النساء أو خصص، وهو قول أبي حنيفة وجماعة، وقول أنه إن عم جميع النساء لم يلزمه وإن خص لزمه، وهو قول مالك وأصحابه، مثل أن يقول: كل امرأة أتزوجها من بني فلان أو من بلد كذا فهي طالق، فإن هؤلاء يطلقن عند مالك إذا زوجن.
2 ما بين المعقوفتين سقط من "د" و"ماء".
3 في "د": "المرذية"، بالذال المعجمة، وكتب "د": "الذي في "الاعتصام" "2/ 734" بالدال المهملة، وكل له وجه، فإن الأهواء موقعة في الهلاك والردى، كما أنها مرذية جالبة للأرذاء والمضعفات، وفي الأصل: "حظر"، ولكن عليها علامة التوقف والشك".
قلت: وفي الأصل و"م" و"ف" و"ط" بالدال.
4 هو التعاير، فكل فرقة تعير غيرها بالمروق، وتسمى غيرها باسم ولقب تكرهه. "د".(10/237)
وفي "ط": "التدابر"، وقال "ف": "لعله": "والتدابر" كما في "الاعتصام"". قلت: في "الاعتصام" "2/ 734": "... الاختلاف بينهم العداوة والبغضاء والتدابر والقطيعة".(10/238)
ص -164-…من أمر الدين في شيء، وأنها التى عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير الآية، وهى قوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الأنعام: 159]، وقد تقدمت، فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]، فإذا اختلفوا وتقاطعوا، كان ذلك لحدث أحدثوه من اتباع الهوى".
هذا ما قاله1، وهو ظاهر في أن الإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف، فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك، فخارج عن الدين.
وهذه الخاصية موجودة في كل فرقة من تلك الفرق2، ألا ترى كيف كانت ظاهرة في الخوارج الذين أخبر بهم النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان"3، وأي فرقة توازي هذا إلا الفرقة التى4 بين أهل الإسلام وأهل الكفر! وهكذا تجد الأمر في سائر من عرف من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل و"الاعتصام" "2/ 735": "قاله"، وفي جميع النسخ المطبوعة و"ماء": "قالوه".
2 أي: المضمنة في الحديث كما في "الاعتصام" "2/ 735". "د".
3 مضى تخريجه "ص148"، وهو في "الصحيحين".
4 أي: هم وإن كانوا ينطقون، بكلمة التوحيد، ويصلون، ويزعمون أنهم مسلمون، إلا أن خاصيتهم التي ذكرها الحديث تجعل فرقتهم عن المسلمين لا يوازيها إلا فرقة الكفار عن المسلمين، فلا فرق بينهم وبين الكفار في الواقع، فكلمة "إلا" لازمة وإن كانت عبارة "الاعتصام" بدونها، ولكني ما رأيت كتابًا في مثل تحريف طبعة "الاعتصام" "الحالية". "د".
قلت: قال "ف": "لعله كما في "الاعتصام": "توازي هذه الفرقة التي..."، والمذكور آنفًا رد عليه".(10/239)
ص -165-…الفرق أو من ادعى ذلك فيهم1.
والخاصية الثانية: هي التى نبه عليها قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَة} الآية [آل عمران: 7]، فجعل أهل الزيغ والميل عن الحق ممن شأنهم اتباع المتشابهات، وقد تبين معناه.
وقال عليه الصلاة والسلام: "فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم"2.
والخاصية الثالثة3: اتباع الهوى، وهي التى نبه عليها قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7]، وهو الميل عن الحق اتباعًا للهوى. وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّه} [القصص: 50].
وقوله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْم} الآية [الجاثية: 23].
إلا أن هذه الخاصية راجعة إلى كل أحد في خاصة نفسه؛ لأنها أمر باطن، فلا يعرفها غير صاحبها، إلا أن يكون عليها دليل في الظاهر، والتي قبلها راجعة إلى العلماء الراسخين في العلم؛ لأن بيان المحكم والمتشابه راجع إليهم، فهم يعرفونها ويعرفون أهلها بمعرفتهم لها، والتي قبلها تعم جميع العقلاء من أهل الإسلام؛ لأن التواصل أو التقاطع معروف للناس كلهم، وبمعرفته يعرف أهله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زاد في "الاعتصام" "2/ 735": "إلا أن الفرقة لا تعتبر على أي وجه كانت؛ لأنها تختلف بالقوة والضعف، وحيث ثبت أن مخالفة هذه الفرق في الفروع الجزئية، فإن الفرقة بلا بد أضعف، فيجب النظر في هذا كله".
2 مضى تخريجه "ص143"، وهو في "صحيح البخاري" وغيره.
3 يراجع الكلام في الخواص الثلاث في "الاعتصام" "2/ 732-742" في المسألة الثامنة من الجزء الثاني ليزيد اتضاحًا. "د".(10/240)
ص -166-…وأما العلامات التفصيلية في [كل]1 فرقة، فقد نبه عليها وأشير إليها2، كما في قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}... إلى قوله: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء: 59-60].
وقوله: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ} الآية [الأنعام: 116-117].
وقوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: 115] إلى آخرها.
وقوله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} الآية [التوبة: 37].
وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَه} الآية [يس: 47].
وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْف} [الحج: 11] إلى آخر الآيتين.
وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاء}... إلى قوله: {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم} [المائدة: 101-105].
وقوله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا} الآية [الأنعام: 140].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سقطت من "د".(10/241)
2 قال المصنف في "الاعتصام" "2/ 742 - ط ابن عفان" "... فقد نبه عليها، وأشير إلى جملة منها في الكتاب والسنة، وفي ظني أن من تأملها في كتاب الله وجدها منبها عليها ومشارًا إليها، ولولا أنا فهمنا من الشرع الستر عليها، لكان في الكلام في تعيينها مجال متسع مدلول عليه بالدليل الشرعي، وقد كنا هممنا بذلك في ماضي الزمن، فغلبنا عليه، ما دلنا على أن الأولى خلاف ذلك".
قلت: يشير بقوله: "في ماضي الزمن" إلى صنيعه هنا.(10/242)
ص -167-…وقوله: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْن}... إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 143-144].
إلى غير ذلك مما نبه عليه القرآن الحكيم.
وكذلك في الحديث، كقوله: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالمًا اتخذ الناس رؤساء جهالًا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا"1.
وكذلك ما تقدم ذكره في قسم زلة العالم وغيره مما في الأحاديث المختصة بهذا المعنى، وإنما نبه عليها لتنبيه الشرع عليها ولم يصرح بها على الإطلاق2 لما تقدم ذكره، فمن تهدى3 إليها فذاك، وإلا، فلا عليه أن لا يعلمها، والله الموفق للصواب.
فصل:
ومن هذا4 يعلم أنه ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره وإن كان من علم الشريعة ومما يفيد علمًا بالأحكام، بل ذلك ينقسم، فمنه ما هو مطلوب النشر، وهو غالب علم الشريعة، ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق، أو لا يطلب نشره بالنسبة إلى حال أو وقت أو شخص.
ومن ذلك تعيين هذه الفرق، فإنه وإن كان حقًّا فقد يثير فتنة، كما تبين تقريره فيكون من تلك الجهة ممنوعًا بثه.
ومن ذلك علم المتشابهات والكلام فيها، فإن الله ذم من اتبعها، فإذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "1/ 97"، وهو في "الصحيحين".
2 تصريحًا يعين أصحابها تعيينًا تامًا بالأسماء والألقاب. "د".
3 في الأصل: "اهتدوا".
4 في "ط": "ومن هنا يعلم...".(10/243)
ص -168-…ذكرت وعرضت للكلام فيها، فربما أدى ذلك إلى ما هو مستغنى عنه، وقد جاء في الحديث عن علي: "حدثوا الناس بما يفهمون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟"1.
وفى "الصحيح" عن معاذ أنه عليه الصلاة والسلام قال: "يا معاذ! تدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله..." الحديث إلى أن قال: قلت: يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: "لا تبشرهم فيتكلوا"2.
وفى حديث آخر عن معاذ في مثله قال: "يا رسول الله! أفلا أخبر بها فيستبشروا؟ فقال: "إذن يتكلوا"3. قال أنس: فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الديلمي في "الفردوس" "2/ 129/ رقم 2656" عن الحسين بن علي مرفوعًا، وهو في "ضعيف الجامع" "رقم 2701"، وقال العزيزي في "السراج المنير" "2/ 223": "وهو في البخاري موقوف على علي، وإسناد المرفوع واهٍ، بل قيل: موضوع".
قلت: أخرجه موقوفًا على علي رضي الله عنه البخاري في "صحيحه" "كتاب العلم، باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا، رقم "127"، وانظر في معناه: "فتح الباري" "1/ 225"، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "13/ 260، 261"، ومضى موقوفًا "1/ 124".
2 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب اللباس، باب إرداف الرجل خلف الرجل، 10/ 397-398/ رقم 5967"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، 1/ 58-59/ رقم 30 بعد 49".
3 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب العلم، باب من خص العلم قومًا دون قوم...، 1/ 226/ رقم 128 و129"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، 1/ 61/ رقم 32 بعد 53" عن أنس رضي الله عنه.(10/244)
4 كان معاذ بين عاملين: النهي عن كتمان العلم بإطلاق، والنهي عن تبليغ هذه المسألة من الرسول صلى الله عليه وسلم فلعله فهم عند موته أن النهي لم يكن تحتيمًا أو النهي في حال أو أن العلة غير محققة بل متوهمة، ويدل عليه حديث عمر بعده، فإن قوله فيه: "فخلهم" بعد الإذن لأبي هريرة وتبشيره بالفعل دليل على أن في الأمر فسحة بين الفعل والترك، وأن المصلحة الشرعية لا تتنافى =(10/245)
ص -169-…ونحو من هذا عن عمر بن الخطاب مع أبى هريرة، انظره في كتاب مسلم والبخاري، فإنه قال فيه عمر: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا هريرة بنعليك: "من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه بشره بالجنة؟" قال: "نعم". قال: فلا تفعل؛ فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فخلهم"1.
وحديث ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف، قال: "لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل، فقال: إن فلانًا يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانًا. فقال عمر: لأقومن العشية فأحذر هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= معهما، على أنه يمكن أن ينازع في إفادة قوله صلى الله عليه وسلم: "فخلهم" للنهي المطلق عن تبليغ هذه المسألة "د".
وكتب في "ف" ما نصه: "قوله "تأثمًا"، أي: تاجنبًا للإثم، يقال: تأثم فلان إذا فعل فعلًا يخرج به عن الإثم، ومعنى تأثم معاذ أنه كان يحفظ علمًا يخاف ذهابه بموته، فخشي أن يكون ممن كتم علمًا ولم يبلغ سنة فيأثم، فاحتاط وأخبر بهذه السنة خشية الإثم".
وقال "ماء": "أي: تخريجًا من الإثم".
1 أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، 1/ 59-61/ رقم 31 بعد 52" عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وعزو المصنف الحديث للبخاري خطأ، ولم يعزه إلا لمسلم المزي في "تهذيب الكمال" "10/ 442/ رقم 14843"، والنووي في "رياض الصالحين" "ص306-307"، تحقيق شيخنا الألباني.
وكتب "د" في الهامش: "لفظ مسلم: "مستعينًا بها"".
قلت: في "صحيح مسلم": "مستيقنًا بها"، وفي النسخ المطبوعة من كتابنا "مستيقنًا به"، فلعل خطأ مطبعيًا وقع في تعليق "د"، ومراده تصويب "به"، والله أعلم.(10/246)
2 كذا في الأصل و"ف" و"ط": "يريدون يغصبونهم"، وفي "د" و"م": "يريدون يغصبونهم"، وقال: "ف" وتبعه "م": "لعله" "يعصبونهم"، أي: يسودونهم ويملكونهم من التعصيب ويراجع". =(10/247)
ص -170-…قلت: لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس ويغلبون1 على مجلسك، فأخاف أن لا ينزلوها2 على وجهها، فيطيروا بها كل مطير وأمهل3 حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السنة، فتخلص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، ويحفظوا4 مقالتك وينزلوها على وجهها. فقال: والله لأقومن [به]5 في أول مقام أقومه بالمدينة"6 الحديث.
ومنه حديث سلمان مع حذيفة، وقد تقدم7.
ومنه أن لا يذكر للمبتدئ من العلم ما هو حظ المنتهي، بل يربي بصغار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= قلت: الصواب ما أثبتناه، وهي رواية البخاري كما سيأتي، قال ابن حجر في "الفتح" "12/ 147": "وكذا في رواية الجميع بغين معجمة وصاد مهملة، وفي رواية مالك: "يغتصبوهم" بزيادة مثناة بعد الغين المعجمة، وحكى ابن التين أنه روي بالعين المهملة وضم أوله من "أعضب"، أي: صار لا ناصر له، والمعضوب: الضعيف، وهو من عضب الشاة: إذا انكسر أحد قرنيها أو قرنها الداخل وهو المشاشي، والمعنى، أنهم يغلبون على الأمر فيضعف لضعفهم، والأول أولى، والمراد أنهم يثبون على الأمر بغير عهد ولا مشاورة، وقد وقع ذلك بعد علي، على وفق ما حذره عمر رضي الله عنه.
1 في "صحيح البخاري": "يغلبون" من غير واو.
2 في "د": "ينزلها".
3 في "صحيح البخاري": "فأمهل".
4 في "صحيح البخاري": "فيحفظوا".
5 سقط من جميع النسخ، وأثبتها من "صحيح البخاري".
6 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم وما اجتمع، 13/ 303/ رقم 7323"، وهذا لفظه.
وأخرجه البخاري بنحوه في "صحيحه" "كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، 7/ 264/ رقم 3928"، وكتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، 12/ 144/ رقم 6830"، وأحمد في "المسند" "1/ 55".
7 انظره وتخريجه: "ص156".(10/248)
ص -171-…العلم قبل كباره، وقد فرض العلماء مسائل مما لا يجوز الفتيا بها وإن كانت صحيحة في نظر الفقه، كما ذكر عز الدين بن عبد السلام في مسألة1 الدور في الطلاق، لما يؤدي إليه من رفع حكم الطلاق، بإطلاق وهو مفسدة.
من ذلك سؤال العوام عن علل مسائل الفقه وحكم التشريعات، وإن كان لها علل صحيحة وحكم مستقيمة، ولذلك أنكرت عائشة على من قالت: لم تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة؟ وقالت لها: أحروية أنت2؟ وقد ضرب عمر بن الخطاب صبيغًا وشرد به لما كان كثير السؤال عن أشياء من علوم القرآن لا يتعلق بها عمل3، وربما أوقع خيالًا وفتنة وإن كان صحيحًا، وتلا قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31]. فقال: هذه الفاكهة، فما الأب؟ ثم قال: ما أمرنا بهذا4.
إلى غير ذلك مما يدل على أنه ليس كل علم يبث وينشر5 وإن كان حقًا وقد أخبر مالك عن نفسه أن عنده أحاديث وعلمًا ما تكلم فيها ولا حدث بها، وكان يكره الكلام فيما ليس تحته عمل، وأخبر عمن تقدمه أنهم كانوا يكرهون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 صورتها أن يقول لزوجته: إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثًا. نص الشافعية على الخلاف فيها على ثلاثة أقوال:
1 لا يقع شيء للدور وهو منسوب لابن سريج عندهم، وتنبه كتبهم على ضعفه.
2 يقع الثلاث.
3 يقع المعلق عليه وهو المفتي به. "د".
2 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الحيض، باب لا تفضي الحائض الصلاة، 1/ 421/ رقم 321"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الحيض، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، 1/ 265/ رقم 335"، وسمى مسلم السائلة معاذة، وانظر: "تنبيه المعلم" "رقم 200 - بتحقيقي"، و"المستفادة" "16"، و"فتح الباري" "1/ 422".
3 مضى لفظه وتخريجه "1/ 51".
4 مضى لفظه وتخريجه "1/ 49".
5 في "ط": "ولا ينشر".(10/249)
ص -172-…ذلك1، فتنبه لهذا المعنى.
وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحت في ميزانها، فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة، فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها، فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ، فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية.
فصل:
هذه الفرق وإن كانت على ما هي عليه من الضلال، فلم تخرج من الأمة، ودل على ذلك قوله: "تفترق أمتي"1، فإنه لو كانت ببدعتها تخرج من الأمة لم يضفها إليها.
وقد جاء في الخوارج: "فى هذه الأمة كذا"2، فأتى بـ"في"3 المقتضية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما مضى عند المصنف "2/ 142-143".
2 مضى ذلك في أحاديث عديدة، منها المتقدم "ص145 وما بعدها".
3 انظر الهامش الآتي، وفي "ط": "يخرج في...".
4 مجرد ذكر "في" أو "من" كما في بعض الأحاديث لا يقتضي بقاءهم في أمة الإجابة، ألا ترى ما ورد في حديث مسلم: "سيكون في أمتي ثلاثون كذابًا، كلهم يدعى أنه نبي وأنه خاتم النبيين"*، فهذه الظرفية في الحديث وما ماثلها فيما هو صريح في الكفر لا يصح أن يستدل بها. =
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أخرجه بنحوه البخاري في صحيحه كتاب المناقب باب علامات النبوة في الإسلام 7/ 616/ رقم 3606، وكتاب الفتن، باب منه 13/ 81/ رقم 1721، ومسلم في صحيحه كتاب الإمارة باب الناس تبع لقريش 3/ 1454/ رقم 1822، وكتاب الفتن باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة 4/ 2240/ رقم 157.(10/250)
ص -173-…أنها فيها وفي جملتها.
وقال في الحديث: "وتتمارى في الفوق"1، ولو كانوا خارجين من الأمة لم يقع تمار2 في كفرهم، ولقال: إنهم كفروا بعد إسلامهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وأيضًا، فإن أبا سعيد الخدري في روايته يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرج في هذه الأمة -ولم يقل منها-: قوم تحقرون صلاتكم...." إلخ "أخرجه البخاري في "صحيحه" "رقم 6931" وغيره"، قال ابن حجر "في "فتح الباري" "12/ 289": "لم تختلف الطرق "الصحيحة" على أبي سعيد في ذلك... قال النووي: وفيه دلالة على فقه الصحابة وتحريرهم الألفاظ، وفيه إشارة من أبي سعيد إلى تكفير الخوارج، وأنهم من غير هذه الأمة"، ولكن المؤلف رآه دليلًا لكونهم منها، والفرق جسيم، إلا أن يقال: "أمة الدعوة لا أمة الإجابة، ولكن هذا بعيد عن غرضه، ولا تترتب عليه فائدة. "د".
1 أي: حديث البخاري "في "صحيحه" "كتاب استتابة المرتدين، باب منه، 12/ 283/ رقم 6931": "فيتمارى في الفوقة"، قال ابن حجر "في "الفتح" "12/ 1290": "الفوقة: "موضع الوتر من السهم، قال ابن الأنباري": تذكر وتؤنث، أي: يتشكك هل بقي فيها من الدم شيء؟"، "وقال 12/ 300-301": "قال ابن بطال: ذهب جمهور العلماء إلى أنهم غير خارجين عن جملة المسلمين، لقوله: "يتمارى في الفوق"؛ لأن التماري في الشك، وإذا وقع الشك -يعني: في التمثيل- لم يقطع عليهم بالخروج من الإسلام؛ لأن من ثبت له عقد الإسلام بيقين لم يخرج عنه إلا بيقين... ورد هذا برواية "سبق الفرث والدم"، والجمع بينهما أنه شك أولًا، ثم تحقق أنه لم يعلق بالسهم شيء. "د".
وكتب "ف" ما نصه: "صحته في الفوق بالضم، وهو موضوع الوتر من السهم والتماري في الفوق هو شك الرامي، هل فيه شيء من أثر الصيد، يعني نفذ السهم المرمي بحيث لم يتعلق به شيء ولم يظهر أثره فيه؟ فكذلك قراءتهم للقرآن لا يحصل لهم منها فائدة".(10/251)
قلت: وجاء عنده وفي الأصل و"م" و"ماء": "الفرق بالراء، وهو خطأ.
2 أي: التماري في الكفر الممثل له في الحديث بالتماري في الفوق: هل علق به أثر من الفرث والدم؟ "د".(10/252)
ص -174-…فإن قيل: فقد اختلف العلماء في تكفير أهل البدع، كالخوارج1، والقدرية2 وغيرهما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال الخطابي*: "أجمع المسلمون على عد الخوارج -مع ضلالتهم- فرقة إسلامية أجازوا شهادتها وأكل ذبيحتها ومناكحتها" اهـ، لكن المؤلف نقل عنهم في هذه المسألة ما لا شك في كفرهم به، من إنكار سورة يوسف، وبعث نبي بعد محمد، وغير ذلك، فالذي ينبغي التعويل عليه في هذا الرجوع إلى مقالات هذه الفرق السبع من الخوارج التي ذكرت في "الاعتصام" "2/ 719 - ط ابن عفان"، وتعليقاته، فمن وصل منهم إلى إنكار مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة، كمن يقول ببعث نبي أو ينكر سورة يوسف، وغير ذلك من الشناعات المنقولة عنهم، فهؤلاء كفار يقينًا**، ومن كان منهم باغيًا قاتل عليًّا وأنكر عليه التحكيم، وقاتل عمر بن عبد العزيز، وعمل من المعاصي والكبائر ما لم يصل إلى خروجه عن عقائد الدين الضرورية، فهذا لا نكفره، ونأكل ذبيحته، أما نقل الخطابي الإجماع، فلا يصح أن يحمل على الإطلاق، وإلا لم يكن هناك محل لباب الردة كله ولا إلى تشريع أحكام الكفار، ثم رأيت في "فتح الباري على البخاري" "12/ 283-302" في باب قتل الخوارج تلخيصًا حسنًا جدًّا في شأنهم، ورأيت فيه ما يوافق ما رأيناه من عدم إطلاق الكفر أو عدم الكفر عليهم، فإنهم طوائف: غلاة، وغيرهم. "د".
2 هم الذين يقولون: الخير من الله والشر من الإنسان، وأن الله لا يريد أفعال العصاة، سماهم الرسول صلوات الله عليه: "مجوس هذه الأمة"، ونهى عن عيادة مرضاهم وشهود جنازتهم"***. "د".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* النقل بتصرف من "الفتح" "12/ 300".
** وهذا ما صرح به البغدادي في "أصول الدين" "ص332-333".(10/253)
*** ورد ذلك في حديث ابن عمر، أخرجه أبو داود "رقم 4691"، والآجري في "الشريعة" "190"، وابن عدي في "الكامل" "3/ 1068"، وابن أبي عاصم في "السنة" "رقم 338"، وابن حبان في "المجروحين" "1/ 314"، والحاكم في "المستدرك" "1/ 85"، والبيهقي في "الاعتقاد" "ص236"، وابن الجوزي في "الواهيات" "225"، وإسناده منقطع، لم يسمع أبو حازم من ابن عمر، وبهذا أعله المنذري في "مختصر سنن أبي داود" "7/ 58"، والعلائي -كما في "اللآلئ المصنوعة" "1/ 258"-، والذهبي في "الكبائر" ص128 - بتحقيقي"، وله طرق أخرى حسنه من أجلها ابن حجر في "أجوبته على مشكاة المصابيح" "3/ 1779، 1790"، وأنكره الإمام أحمد في "مسائل أبي داود" له "ص299".(10/254)
ص -175-…فالجواب: أنه ليس في النصوص الشرعية ما يدل دلالة قطعية على خروجهم عن الإسلام، والأصل بقاؤه حتى يدل دليل على خلافه، وإذا قلنا بتكفيرهم فليسوا إذن من تلك الفرق، بل الفرق من1 لم تؤدهم بدعتهم إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من أين هذا وقد وقال: "كلهم في النار"؟ والحديث يحتمل التأبيد والتوقيت، ولم يقطع المؤلف بأحدهما في "الاعتصام" في المسألة الثامنة من الجزء الثاني. "د".
قلت: أخطأ الشارح في الإحالة، فالذي يصدق على كلامه هنا ما ذكره في "الاعتصام" "2/ 752-753 - ط ابن عفان، في المسألة الثانية عشر لا في المسألة الثامنة، 2/ 732 - ط ابن عفان"، وهي: "في خواص وعلامات أهل البدع".
والمتمعن في كلام المصنف يجزم بأنه لا يرى تكفير هذه الفرق على الجملة، وقد صرح بذلك في "المسألة السادسة، 2/ 714 - ط ابن عفان"، وكذا في "2/ 694"، وأيده وأكده بأنه عمل السلف قال: "وقد اختلفت الأمة في تكفير هؤلاء الفرق أصحاب البدع العظمى، ولكن الذي يقوى في النظر وبحسب الأثر عدم القطع بتكفيرهم، والدليل عليه علم السلف الصالح فيهم"، ثم ذكر صنع علي في الخوارج، وكونه عاملهم في قتالهم معاملة أهل الإسلام، وكذا هجر السلف لمعبد القدري، ولم يقيموا عليه حد الردة، وصنيع عمر بن عبد العزيز مع الحرورية".(10/255)
ثم قال "2/ 695 - ط ابن عفان": "ومن جهة المعنى: إنا وإن قلنا: إنهم متبعون للهوى ولما تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، فإنهم ليسوا بمتبعين للهوى بإطلاق، ولا متبعين لما تشابه من الكتاب من كل وجه، ولو فرضنا أنهم كذلك لكانوا كفارًا؛ إذ لا يتأتى ذلك من أحد في الشريعة إلا مع رد محكماتها عنادًا، وهو كفر، وأما من صدق بالشريعة ومن جاء بها وبلغ فيها مبلغًا يظن به أنه متبع للدليل بمثله، لا يقال فيه: إنه صاحب هوى إطلاق، بل هو متبع للشرع في نظره، لكن بحيث يمازجه الهوى في مطالبه من جهة إدخال الشبه في المحكمات بسبب اعتبار المتشابهات، فشارك أهل الهوى في دخول الهوى في نحتله، وشارك أهل الحق في أنه لا يقبل إلا ما دل عليه الدليل على الجملة.
وأيضًا، فقد ظهر منهم اتحاد القصد مع أهل السنة على الجملة في مطلب واحد، وهو =(10/256)
ص -176-…الكفر، وإنما أبقت عليهم من أوصاف الإسلام ما دخلوا به في أهله، والأمر بالقتل في حديث الخوارج1 لا يدل على الكفر؛ إذ للقتل أسباب غير الكفر، كقتل المحارب والفئة الباغية بغير تأويل، وما أشبه ذلك، فالحق أن لا يحكم بكفر من هذا سبيله، وبهذا كله يتبين أن التعيين في دخولهم تحت مقتضى الحديث صعب، وأنه أمر اجتهادي لا قطع فيه، إلا ما دل عليه الدليل القاطع للعذر وما أعز وجود مثله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الانتساب إلى الشريعة، ومن أشد مسائل الخلاف مثلًا مسألة إثبات الصفات، حيث نفاها من نفاها، فإنا إذا نظرنا إلى مقاصد الفريقين وجدنا كل واحد منهما حائمًا حول حمى التنزيه ونفي النقائض وسمات الحدوث، وهو مطلوب الأدلة، وإنما وقع اختلافهم في الطريق، وذلك لا يخل بهذا القصد في الطرفين معًا، فحصل في هذا الخلاف أشبه الواقع بينه وبين الخلاف الواقع في الفروع.
وأيضًا، فقد يعرض الدليل على المخالف منهم، فيرجع إلى الوفاق لظهوره عنده، كما رجع من الحرورية الخارجين على علي رضي الله عنه ألفان، وإن كان الغالب عدم الرجوع، كما تقدم في أن المتبدع ليس له توبه".
وقرر شيخ الإسلام ابن تيمية نحو هذا في "منهاج السنة النبوية" "3/ 19-70"، وفي "الرد على البكري" "ص256-260"، و"مجموعة الرسائل والمسائل" "5/ 199-204"، فانظر كلامه فإنه من النفائس، وقلما تعثر على مثله -بالاستطراط والتأصيل والتقعيد- في غيره.
وهذا -أعني: عدم التكفير- ما نحى إليه جماهير العلماء والباحثين، كما تراه في "الاقتصاد في الاعتقاد" "الباب الرابع: بيان من يجب تكفيره من الفرق" للغزالي، و"شرح مشكاة المصابيح" "1/ 147-148" للشيخ علي القاري، و"حديث افتراق الأمة" للصنعاني، وهو مطبوع عن دار العاصمة -الرياض، بتحقيق الشيخ سعد بن عبد الله السعدان.(10/257)
1 يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب استتابه المرتدين، باب قتل الخوارج، 12/ 283/ رقم 6930" عن علي رضي الله عنه مرفوعًا: "سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان..."، وفيه: "فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة".(10/258)
ص -177-…المسألة العاشرة:
النظر في مآلات1 الأفعال معتبر مقصود شرعًا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل2، مشروعًا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة3 فيه إلى المفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذه المسألة لها ارتباط تام بالمسألة الرابعة في الأسباب، حيث يقول: "وضع الأسباب يستلزم قصد الواضع إلى المسببات"، أي: فالشارع إنما شرع الأسباب لأجل المسببات، أي: لتحصل المصلحة المسببة أو تدرأ المفسدة المسببة، وقوله: "موافقه أو مخالفة"، أي: مأذونًا فيها أو منهيًا عنها، وهذا غير ما سبق في المسألة الثالثة في الأسباب، حيث يقول: "يلزم من تعاطي الأسباب من جهة المكلف الالتفات إلى المسببات والقصد إليها، بل المقصود الجريان تحت الأحكام الموضوعة"، فلكل منها مقام، وهو ما يشير إليه هنا بقوله بعد: "ومر الجميع بين المطلبين"، إلا أنه زاد هنا تعارض المصلحة والمفسدة في العمل الواحد، ورتب عليه قوله: "وهو مجال للمجتهد"، وقال بعد: "وهذا مما فيه اعتبار المآل على الجملة، وأما في المسألة على الخصوص، فكثير"، ويؤخذ منه أن هذا الخصوص هو مقصود المسألة، فاستدل على الإجمال واعتبار المآل في ذاته، ثم انتقل لفرضه من اعتبار الراجح عند التعارض بالأدلة الآتية. "د".
وقال "ماء": "مآل: مرجع".
2 هنا سقط لا يستقيم الكلام بدونه يعلم من مقابله الآتي بعده، وأصله: "فقد يكون". "د".
قلت: سبقه إلى ذلك "ف"، فكتب: "لعله: "فقد يكون مشروعًا لمصلحة...".(10/259)
3 أي: أو درء المفسدة به، ومثله يقال فيما بعده، حسبما يناسب كلًّا منهما لتكميل المقام. "د".(10/260)
ص -178-…هذا مانعًا من إطلاق القول بالمشروعية1 وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم مشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذب المذاق محمود الغب2، جار على مقاصد الشريعة.
والدليل على صحته أمور:
أحدها3: أن التكاليف -كما تقدم- مشروعة لمصالح العباد، ومصالح العباد إما دنيوية وإما أخروية، أما الأخروية، فراجعة إلى مآل المكلف في الآخرة ليكون من أهل النعيم لا من أهل الجحيم، وأما الدنيوية، فإن الأعمال -إذا تأملتها- مقدمات لنتائج المصالح، فإنها أسباب لمسببات هى مقصودة للشارع والمسببات هي مآلات الأسباب، فاعتبارها في جريان الأسباب مطلوب، وهو معنى النظر في المآلات.
لا يقال: إنه قد مر في كتاب الأحكام أن المسببات لا يلزم الالتفات إليها عند الدخول في الأسباب؛ لأنا نقول: وتقدم أيضًا أنه لا بد من اعتبار المسببات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا الأصل من أبين الأدلة على استجابة الشريعة لما يقتضيه تطور الحياة بالناس، بما يلابس أوجه نشاطهم الحيوي فيها من ظروف، الأمر الذي يدعم صدق قضية عموم الشريعة وخلودها، بلا مراء. انظر: "بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله" "1/ 23".
2 أي: العاقبة، وفيه "غب الصباح يحمد القوم السرى". "ف".
3 هذا يرجع إلى الدليل الثاني من أدلة المسألة الرابعة في الأسباب التي تتفق في المآل مع هذه المسألة، غايته أن الكلام هناك كان في وضع الشارع، وهنا في لزوم اعتبار المجتهد وملاحظته لذلك، وأيضًا هنا زيادة الخصوص الذي قرره بعد، وأشرنا إليه وإلى أنه هو المهم عنده الذي سيفرع عليه قواعد الفصل الآتي، ولم يتوصل للدليل هنا إلا توسيطه الأسباب والمسببات، وجعل المآلات هنا هي المسببات التي تقدمت هناك، وقوله: "هي مقصودة للشارع"، أي: بدليل ما سبق في المسألة الرابعة. "د".(10/261)
ص -179-…فى الأسباب، ومر الكلام في ذلك والجمع بين المطلبين ومسألتنا من الثاني لا من الأول؛ لأنها راجعة إلى المجتهد الناظر في حكم غيره على البراءة من الحظوظ، فإن المجتهد نائب عن الشارع في الحكم على أفعال المكلفين وقد تقدم أن الشارع قاصد للمسببات في الأسباب، وإذا ثبت ذلك لم يكن للمجتهد بد من اعتبار المسبب، وهو مآل السبب.
والثانى: أن مآلات الأعمال إنما1 أن تكون معتبرة شرعًا أو غير معتبرة، فإن اعتبرت فهو المطلوب، وإن لم تعتبر أمكن أن يكون للأعمال مآلات مضادة لمقصود2 تلك الأعمال، وذلك غير صحيح، لما تقدم من أن التكاليف لمصالح العباد، ولا مصلحة تتوقع3 مطلقًا مع إمكان وقوع مفسدة توازيها أو تزيد.
وأيضًا4، فإن ذلك يؤدي إلى أن لا نتطلب مصلحة بفعل مشروع، ولا نتوقع مفسدة بفعل ممنوع، وهو خلاف وضع الشريعة كما سبق.
والثالث5: الأدلة الشرعية والاستقراء التام أن المآلات معتبرة في أصل المشروعية، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "د": "إنما"، والمثبت من الأصل و"ف" و"م" و"ط".
2 في "ط": "المقصد".
3 أي: يعتد بها ويلتفت إليها باعتبار مصلحة. "د".
4 مفرع على ما قبله، وقوله: "ألا نتطلب"، أي: لا يلزم أن نطلب من فعل شرعه الشارع مصلحة، بل قد تحصل مصحلة اتفاقًا، وقد لا تحصل، فإن هذا الذي يتفرع على قوله: "أمكن أن يكون... إلخ". "د".
5 وهذا بعينه هو الدليل الذي عول عليه في كون الشريعة وضعت لمصالح العباد في أول كتاب المقاصد، وساق هناك ضعف هذه الآيات، وقال: "المقصود هو التنبيه، ونحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة". "د".(10/262)
ص -180-…وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة: 183].
وقوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} الآية [البقرة: 188].
وقوله: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية [الأنعام: 108].
وقوله: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} الآية [النساء: 165].
وقوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} الآية: [الأحزاب: 37].
وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} الآية [البقرة: 216].
وقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179].
وهذا مما فيه اعتبار المآل على الجملة1.
وأما في المسألة على الخصوص، فكثير، فقد قال في الحديث حين أشير عليه بقتل من ظهر نفاقه: "أخاف2 أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: بقطع النظر عن كونه فيه للعمل مآلان متعارضان يحتاجان إلى كد من المجتهدين ليترجح الطلب أو النهي الذي يتطلبه أحد المآلين، وقوله: "وهذا مما فيه... إلخ"، يصح توجهه للأدلة الثلاثة السابقة، وربما فهم من كلامه أنه ليس في الآيات من الدليل الثالث دليل الخصوص، مع أن آية: {وَلا تَسُبُّوا} إلخ فيها هذا الخصوص؛ لأن سب الأوثان سبب في تخذيل المشركين، وتوهين أمر الشرك وإذلال أهله، ولكن لما وجد له مآل آخر مراعاته أرجح وهو سبهم لله -ملء ما بين السماوات والأرض سبًا في الأوثان لا يزن انحرافهم بكلمة واحدة في شأن الرب سبحانه- نهى عن هذا العمل المؤدي إليه مع كونه سببًا في مصلحة ومأذونًا فيه لولا هذا المآل. "د".(10/263)
2 فموجب القتل حاصل، وهو الكفر بعد النطق بالشهادتين، والسعي في إفساد حال المسلمين كافة بما كان يصنعه المنافقون، بل كانوا أضر على الإسلام من المشركين، فقتلهم درء =(10/264)
ص -181-…أصحابه"1.
وقوله: "لولا قومك حديث عدهم بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم"2. بمقتضى3 هذا أفتى مالك الأمير حين أراد أن يرد البيت على قواعد إبراهيم، فقال له: لا تفعل لئلا يتلاعب الناس ببيت الله. هذا معنى الكلام دون لفظه4.
وفى حديث الأعرابي الذي بال في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتركه حتى يتم بوله وقال: "لا تُزرِموه"5.
وحديث النهي عن التشديد على النفس في العبادة خوفًا من الانقطاع6.
وجميع ما مر في تحقيق المناط الخاص مما فيه هذا المعنى حيث يكون العمل في الأصل مشروعًا، لكن ينهى عنه لما يؤول إليه من المفسدة أو ممنوعًا،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= لمفسدة حياتهم، ولكن المآل الآخر -وهو هذه التهمة التي تبعد الطمأنينة عن مريدي الإسلام- أشد ضررًا على الإسلام من بقائهم، وعليك بالنظر في باقي الأمثلة. "د".
1 مضى تخريجه "2/ 467".
2 مضى تخريجه "4/ 428".
3 أي: من مراعاة القاعدة هنا، وإن كان المآل أمرًا آخر غير ما في الحديث لا أنه بالقياس على ما فيه من الامتناع عن ردة للقواعد -مع كونه مصلحة- خشية المفسدة، ولا يخفى أن المصلحة المتروكة فيهما محققة والمفسدة المتروكة من أجلها مظنونة، مع ذلك رجحت. "د".
4 مضى لفظه في "4/ 113".
5 أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، 10/ 449/ رقم/ 6025"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول...، 1/ 236/ رقم 284" عن أنس، قال إن أعرابيا بال في المسجد، فقاموا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم... وذكره، وقال: "ثم دعا بدلوٍ من ماء فصب عليه"، وكتب "ف" و"م" في تفسير "تزرموه" ما نصه: "بضم التاء، أي: لا تقطعوه يقال للرجل إذا قطع بوله "مخاطبًا إياه": قد أزرمت بذلك وأزرمه غيره قطعه".
6 انظر النصوص الواردة في ذلك في التعليق على "1/ 525 وما بعد".(10/265)
ص -182-…لكن يترك النهي عنه لما في ذلك من المصلحة، وكذلك الأدلة الدالة على سد الذرائع كلها، فإن غالبها تذرع بفعل جائز، إلى عمل غير جائز فالأصل على المشروعية، لكن مآله غير مشروع، والأدلة الدالة على التوسعة ورفع الحرج كلها، فإن غالبها سماح في عمل غير مشروع في الأصل لما يؤول إليه من الرفق المشروع، ولا معنى للإطناب بذكرها لكثرتها واشتهارها.
قال ابن العربي [حين]1 أخذ في تقرير هذه المسألة: "اختلف الناس بزعمهم فيها، وهي متفق عليها بين العلماء، فافهموها وادخروها".
فصل:
وهذا الأصل ينبني عليه قواعد:
- منها: قاعدة الذرائع التى حكمها مالك في أكثر2 أبواب الفقه؛ لأن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقطت من نسخة "ماء".
2 مثل لها في "إعلام الموقعين" "3/ 147-171" بتسعة وتسعين مثالًا، وقال: "إن سد الذرائع ربع التكليف؛ لأنه إما أمر، أو نهي، والأول مقصود لنفسه أو وسيلة إليه، والمنهي عنه مفسدة لنفسه أو وسيلة إليه، فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام ربع الدين"، وجعل صورة البيع المذكورة هنا من أمثلة الذرائع، ثم ذكرها في مسألة الحيل بعد ذلك، وقال: "إن تجويز الحيل يناقض سد الذرائع مناقضة ظاهرة، فالشارع يسد الطريق إليها بكل ممكن، والمحتال يفتح الطريق إليها بكل حيلة، فأين من يمنع الجائز خشية الوقوع في المحرم ممن يعمل الحيلة في التوصل إليه؟"، ثم قال بعد ذلك: "ومن يبطل الحيلة كبيع العينة -يعني: كصورة البيع المذكورة هنا- يبطل العقد الأول بلا تردد، وبعضهم يجعل الخلاف في العقد الثاني يصحح الأول، وعلى هذا تكون من مسائل الذريعة لا من باب الحيل" اهـ.(10/266)
ولعل ذلك؛ لأن الحيلة تكونت من مجموع العقدين، ولكن الذريعة إنما جاءت بالعقد الثاني، فأنت ترى المقام محتاجًا إلى قول فصل يتضح به الفرق بين حد الحيلة وحد الذريعة، وإن كان يظهر في الفرق أيضًا أن الذريعة لا يلزم فيها أن تكون مقصودة، والحيلة لا بد من قصدها =(10/267)
ص -183-…حقيقتها التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة1 فإن عاقد البيع2 أولًا على سلعة بعشرة إلى أجل ظاهر الجواز، من جهة ما يتسبب عن البيع من المصالح على الجملة، فإذا جعل مآل ذلك البيع مؤديا إلى بيع خمسة نقدًا بعشرة إلى أجل، بأن يشتري البائع سلعته من مشتريها [منه]3 بخمسة نقدًا، فقد صار مآل هذا العمل إلى أن باع صاحب السلعة من مشتريها منه خمسة نقدًا بعشرة إلى أجل، والسلعة لغو لا معنى لها في هذا العمل؛ لأن المصالح التى لأجلها شرع البيع لم يوجد منها شيء، ولكن هذا بشرط4 أن يظهر لذلك قصد ويكثر5 في الناس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= للتخلص من المحرم، والحيلة تجري في العقود خاصة، والذريعة أعم، وتعريف المؤلف للذريعة يجعلها شاملة للحيل بتعريفها الآتي له، فيكون كل ما ذكرناه فارقًا بينهما، وقد أشبع الكلام في وجوب سد الذريعة ومنع الحيل ابن القيم في هذا الكتاب رحمه الله. "د".
قلت: انظر في سد الذرائع: "الذخيرة" "1/ 152-153 - ط دار الغرب"، و"شرح تنقيح الفصول" "ص448-449"، و"القبس في شرح موطأ مالك بن أنس" "2/ 786"، و"أحكام القرآن" "2/ 798" كلاهما لابن العربي، و"مجموع فتاوي ابن تيمية" "23/ 186-187"، و"إعلام الموقعين" "2/ 142 و3/ 147-171"، و"روضة المحبين" "ص93"، و"زاد المعاد" "3/ 88"، و"إغاثة اللهفان" "1/ 361-376"، و"تهذيب السنن" "5/ 102"، كلها لابن القيم، و"إحكام الفصول" "ص689-694" للباجي، و"البحر المحيط" "6/ 82-86"، و"تبصرة الحكام" "2/ 376-377"، و"تفسير القرطبي" "2/ 57 و3/ 252 و359-360 و7/ 61"، و"أصول الفقه وابن تيمية" "1/ 200 و2/ 479-507"، و"القواعد" للمقري "2/ 471-474، القاعدة الثامنة والعشرين والتاسعة والعشرين والثلاثون والحادية والثلاثون بعد المئتين"، و"الفروق" "2/ 32"، و"الإمام مالك" "ص405" لأبي زهرة، و"سد الذرائع" لمحمد هشام البرهاني، رسالة ماجستير.(10/268)
1 في "ط": "التوسل إلى ما هو مفسدة بفعل ما هو مصلحة".
2 لعله: "عقد البيع" "ف". قلت: كذا أثبتها "م"، وفيه قبلها: "... التوسل إلى ما هو مصلحة، فإن عقد...".
3 سقطت من "د".
4 والصورة المذكورة من بيوع الآجال التي قد يظهر فيها قصد المتبايعين لهذا الممنوع، =(10/269)
ص -184-…بمقتضى العادة.
ومن أسقط حكم الذرائع كالشافعي1، فإنه اعتبر المآل2 أيضًا؛ لأن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وقد لا يظهر، ولكنه كثر قصد الناس له بمقتضى العادة، فلذلك قالوا: إن السلف الذي يؤدي إلى منفعة المسلف ممنوع، ولو لم يقصد منفعة المسلف؛ لأنه كثير القصد من الناس عادة، فلا تنافي بين شرطيته للقصد وقول المالكية: إنه ممنوع، ولو لم يقصد بالفعل، فالمظنة كافية عندهم، بخلاف ما قل قصده لضعف التهمة كضمان يجعل كأن يبيعه ثوبين بدينار لشهر ثم يشتري منه عند الأجل أو دونه أحدهما بدينار، فيجوز، ولا ينظر لكونه آل الأمر لضمان أحد الثوبين له عند الأجل في مقابلة الثوب الآخر -مع أن الضمان لا يكون إلا لله- لقلة قصد الناس لمثله. "د".
قلت: انظر: في هذا: "الموطأ" "2/ 673"، و"المغني" "4/ 133-134" لابن قدامة.
5 عبارة المالكية: "يمنع ما أدى لممنوع يكثر قصده للمتبايعين، ولو لم يقصد بالفعل"1، وبالتطبيق عليها يكون عطف قوله: "ويكثر" على قوله: "يظهر لذلك قصد" عطف تفسير، وكأنه قال تصويرًا لذلك: بأن يكثر... إلخ، فهذه الكثرة هي الضباط والمظنة، ومقابلة ما لا يكثر، فلا يمنع كما تقدم مثال الضمان بالجعل. "د".
وكتب "ف" ما نصه: "لعله: أو يكثر في الناس تنزيلًا للكثرة منزلة القصد إشارة إلى أن القصد أعم من أن يكون حقيقة أو حكمًا؛ إذ مجرد القصد في المنع كثر أو لم يكثر؛ لأن البيع المتحيل به على دفع عين في أكثر منها سلف جر نفعًا، وهو غير جائز".
قلت: وأثبتها "م": "أو يكثر".(10/270)
1 قال في "الإعلام" "3/ 200 - ط محمد عبد الحميد": "وأبو حنيفة وإن قال بالحيلة، إلا أن له مأخذًا آخر في منع العينة، وهي الصورة المذكورة هنا؛ لأن الثمن إذا لم يستوف لم يتم البيع الأول، فيصير الثاني مبنيًا عليه". اهـ. يعني: فليس للبائع الأول أن يشتري شيئًا ممن لم يتملكه، فالثاني فاسد، ورجع إلى خمسة في عشر لأجل، وهو ربا فضل ونساء معًا. "د".
2 يعبر عنه فقهاء الشافعية أحيانًا بـ"سلامة العاقبة"، وانظر: "المنثور في القواعد" "2/ 217-218" للزركشي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذه عبارة الدردير في "شرحه الصغير" "3/ 117".(10/271)
ص -185-…البيع إذا كان مصلحة جاز، وما فعل من البيع الثاني فتحصيل لمصلحة أخرى منفردة عن الأولى، فكل عقدة منهما لها مآلها، ومآلها في ظاهر أحكام الإسلام مصلحة، فلا مانع على هذا؛ إذ ليس ثم مآل هو مفسدة على هذا التقدير، ولكن هذا بشرط أن لا يظهر قصد1 إلى المآل الممنوع.
ولأجل ذلك يتفق الفريقان على أنه لا يجوز التعاون على الإثم والعدوان بإطلاق، واتفقوا في خصوص المسألة2 على أنه لا يجوز سب الأصنام حيث يكون سببًا في سب الله، عملًا بمقتضى قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، وأشباه ذلك من المسائل التى اتفق مالك مع الشافعي على منع التوسل فيها.
وأيضًا، فلا يصح أن يقول الشافعي: إنه يجوز التذرع إلى الربا بحال، إلا أنه لا يتهم من لم يظهر منه قصد إلى الممنوع ومالك يتَّهم بسبب ظهور فعل اللغو3، وهو دال على القصد إلى الممنوع، فقد ظهر أن قاعدة الذرائع متفق على اعتبارها في الجملة، وإنما الخلاف في أمر آخر4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظهور القصد بوجود قرينة تحتف بالحادثة تدل على قصد المآل الفاسد الذي أدى إليه مجموع العقدين، أو بكثرة وقوع هذه العقود بين الناس. "ف" ونحوه عند "م".
2 أي: مسألة سد الذرائع؛ لأن إسقاط الشافعي لحكم الذرائع لا ينافي اعتبار بعض جزئياتها الخاصة التي ورد النص فيها، وسيأتي بين أن إسقاط حكم الذرائع [عند] ما لم يظهر القصد إلى الممنوع بقرينة خارجة عن العقدين، وإلا، فيتفق مع مالك على اعتباره. "ف" و"م".(10/272)
3 لعل المراد باللغو هنا: العقد الصوري الذي يتخذ وسيلة إلى تحليل المحرم، كأن يبيعه شيئًا بمئة إلى أجل، ثم يشتريه منه بثمانين حالًا مثلًا، فيكون أقرضه ثمانين ليرد له مئة، وجعلا عقد البيع ذريعة لتحليل ذلك، أفاده مصطفى البغا في "أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي "ص575".
4 هو في الحقيقة اختلاف في المناط الذي يتحقق فيه التذرع، وهو من تحقيق المناط في الأنواع كما سبقت أمثلته، فمالك يجعل وجود اللغو في البيعة دليلًا على قصد التوسل =(10/273)
ص -186-….........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الممنوع، والشافعي يزيد في المناط دليلًا أخص من هذا، فلو صورت المسألة بأنه باع له حيوانًا بعشرة لأجل، ثم بعد شهر خرج إلى السوق ليشتري بدل الحيوان، فوجد المبيع معروضًا في السوق وقد حالت الأسواق مثلًا أو تغير، فاشتراه بخمسة نقدًا، فهذا ظاهر فيه أنه لم يقصد الممنوع، ولكنه بيع فاسد عند مالك ولو لم يقصد، كما قال الدردير في "شرحه الصغير" "3/ 117"، وقال ابن رشد: "إنه لا إثم على فاعله فيما بينه وبين الله، حيث لم يقصد الممنوع، يعني: وإنما ذلك الفساد لاطراد حكم الحاكم فقط. "د".
قلت: سبق المصنف إلى القول بنحو هذا القرافي في "الذخيرة" "1/ 152-153 - ط دار الغرب"، و"شرح تنقيح الفصول" "ص448-449"، ورجحه الأستاذ أبو زهرة، فقال في كتابه "الإمام مالك" "ص216": "ونحن نميل إلى أن العلماء جميعًا يأخذون بأصل الذرائع، وإن لم يسموه بذلك الاسم".
قلت: أسهب الإمام الشافعي في كتابيه: "الأم" "3/ 34 و4/ 41"، و"إبطال الاستحسان" "7/ 267-270" في بيان موقفه من الذرائع، وأنكر القول به، وهذا مخالف لقول القرافي والمصنف، وقد حقق ذلك العطار في "حاشيته على شرح المحلي لجمع الجوامع" "2/ 364"، فقال: "وأما قاعدة سد الزرائع، فقد اشتهرت عند المالكية، وزعم القرافي أن كل أحد يقول بها، ولا خصوصية للمالكية، إلا من حيث زيادتهم فيها، قال: فإن من الذرائع ما يعتبر إجماعًا، كحفر الآبار في طريق المسلمين، وإلقاء السم في طعامهم، وسبب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله عند سبها، وتلغى إجماعًا، كزراعة، العنب، فإنها لا تمنع خشية الخمر، وما يختلف فيه كبيوع الآجال.(10/274)
قال العطار: "قال المصنف -أي: ابن السبكي-: وقد أطلق هذه القاعدة على أعم منها، ثم زعم أن كل أحد يقول ببعضها، وسنوضح لك أن الشافعي لا يقول بشيء منها، وأن ما ذكر أن الأمة أجمعت عليه ليس من مسمى الذرائع من شيء، نعم، حاول ابن الرفعة تخريج قول الشافعي رضي الله عنه في باب إحياء الموات من الأم عند النهي عن منع الماء ليمنع به الكلأ: إن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل، وكذا ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله، فقال: في هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحرام والحلال تشبه معاني الحلال والحرام.
قال ابن السبكي: ونازعه الشيخ الإمام الوالد، وقال: إنما أراد الشافعي رحمه الله تعالى =(10/275)
ص -187-…- ومنها: قاعدة الحيل، فإن حقيقتها المشهورة تقديم عمل ظاهر1 الجواز لإبطال حكم شرعي وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر، فمآل العمل فيها خرم2 قواعد الشريعة في الواقع، كالواهب ماله عند رأس3 الحول فرارًا من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= تحريم الوسائل لا سد الذرائع، والوسائل تستلزم المتوسل إليه، ومن هذا منع الماء، فإنه يستلزم منع الكلأ الذي هو حرام، ونحن لا ننازع فيما يستلزم من الوسائل، ولذلك نقول: من حبس شخصًا ومنعه من الطعام والشراب، فهو قاتل له، وما هذا من سد الذرائع في شيء.
قال الشيخ الإمام: وكلام الشافعي في نفس الذرائع لا في سدها، وأصل النزاع بيننا وبين المالكية إنما هو في سدها" اهـ.
وهذا التحقيق سديد ووجيه، فالقول بتحريم الوسائل التي تستلزم المحرم المتوسل إليه قائم على أساس يقرب من اليقين، بينما القول بسد الذرائع قائم -في أغلب صوره- على الظن والتوهم والتخمين، وشتان ما بينهما، ولذلك كان مسلك الشافعي رحمه الله تعالى في عدم أخذ الناس بالتهم وإفساد تصرفاتهم بالظن مسلكًا سليمًا وصحيحًا، يتفق مع ما دلت عليه نصوص الشريعة السمحة من أخذ المكلفين بظواهرهم، وترك سرائرهم إلى الله تعالى كما أثبت الشافعي فيما أشرنا إليه، وذلك كي تستقر للناس أحوالهم، ويطمئنوا إلى تصرفاتهم، طالما أنها لا تصادم الشريعة في ظاهرها، والله أعلم.
انظر: "اثر الألدلة المختلف فيها" "578-579".
1 في "ماء": "ظاهره".
2 جعل المفسدة في الحيل خرم قواعد الشريعة، خاصة كإبطال الزكاة وهدمها بالكلية، ولا يخفى أنه ممنوع، والهبة ذريعة إليه، فتكون الحيل أخص من الذريعة على ما يؤخذ من تعريفه لهما. "د".(10/276)
3 المراد به قرب نهاية الحول، أما بعد تمام الحول، فقد وجبت الزكاة، ولا تفيد الحيلة وقبل تمامه اختلف محمد وأبو يوسف في استهلاك النصاب تحليلًا لدفع الوجوب، كأن أخرجه عن ملكه، فقال الثاني: لا يكره ذلك؛ لأنه امتناع عن الوجوب لا إبطال لحق الغير، وقال الأول: يكره؛ لأن فيه إضرارًا بالفقراء وإبطالًا، فكلام المؤلف مبني على رأي محمد، وأنه إذا قصدت الحيلة بإبطال الحكم صريحًا يكون ممنوعًا. "د".
وقال: "ف": "أي: ولو لم يتفق مع الموهوب له على رده بعد الحول أو قبله". وانظر لطيفة في هروب الفقهاء "ممن تخرج من مدرسة الكرخي والجصاص والخصاف"، وتحيله والرد عليه في "أحكام القرآن" "3/ 110" لابن العربي.(10/277)
ص -188-…الزكاة، فإن أصل الهبة على الجواز، ولو منع الزكاة من غير هبة لكان ممنوعًا، فإن كل واحد منهما ظاهر أمره في المصلحة أو المفسدة، فإذا جمع بينهما على هذا القصد، صار مآل الهبة المنع من أداء الزكاة، وهو مفسدة، ولكن هذا بشرط القصد إلى إبطال الأحكام الشرعية.
ومن أجاز الحيل كأبي حنيفة، فإنه اعتبر المآل أيضًا، لكن على حكم الانفراد، فإن الهبة على أي قصد كانت مبطلة لإيجاب الزكاة، كإنفاق المال عند رأس الحول، وأداء الدين منه، وشراء العروض به، وغيرها مما لا تجب فيه زكاة، وهذا الإبطال صحيح جائز؛ لأنه مصلحة عائدة على الواهب والمنفق، لكن هذا بشرط أن لا يقصد إبطال الحكم، فإن هذا القصد بخصوصه ممنوع؛ لأنه عناد للشارع كما إذا امتنع من أداء الزكاة، فلا يخالف أبو حنيفة في أن قصد إبطال الأحكام صراحًا ممنوع، وأما إبطالها ضمنًا، فلا، وإلا امتنعت الهبة عند رأس الحول مطلقًا، ولا يقول بهذا واحد منهم.
ولذلك اتفقوا على تحريم القصد بالإيمان والصلاة وغيرهما إلى مجرد إحراز النفس والمال، كالمنافقين، والمرائين وما أشبه ذلك وبهذا يظهر أن التحيل على الأحكام الشرعية باطل على الجملة نظرًا إلى المآل، والخلاف إنما وقع في أمر آخر1.
- ومنها: قاعدة مراعاة2 الخلاف، وذلك أن الممنوعات في الشرع إذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو تحقيق المناط كما سبق في سد الذرائع. "د".
2 مثاله استحقاق المرأة المهر، وكذا الميراث مثلًا عند مالك فيما إذا تزوجت بغير ولي، فمالك -مع كونه يقول بفساد النكاح بدون ولي- يراع في ذلك الخلاف عندما ينظر فيما ترتب بعد =(10/278)
ص -189-…وقعت، فلا يكون إيقاعها من المكلف سببًا في الحيف عليه بزائد على ما شرع له من الزواجر أو غيرها، كالغصب مثلًا إذا وقع، فإن المغصوب منه لا بد أن يوفى حقه، لكن على وجه لا يؤدي إلى إضرار الغاصب فوق ما يليق به في العدل والإنصاف، فإذا طولب الغاصب بأداء ما غصب1 أو قيمته أو مثله، وكان ذلك من غير زيادة، صح، فلو قصد فيه حمل على الغاصب، لم يلزم؛ لأن العدل هو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الوقوع، فيقول: إن المكلف واقع دليلًا على الجملة وإن كان مرجوحًا، إلا أن التفريغ على البطلان الراجح في نظره يؤدي إلى ضرر ومفسدة أقوى من مقتضى النهي على ذلك القول، وهذا منه مبني على مراعاة المآل في نظر الشارع، فالمراد مراعاة الخلاف الواقع بين المجتهدين، والتعويل بعد وقوع الفعل من المكلف على قول وإن كان مرجوحًا عند المجتهد، ليقر فعلًا حصل منهيًا عنه على القول الراجح عنده، وأن له بعد الوقوع حكمًا لم يكن له قبله، وذلك نظر إلى المآل، وأنه لو فرع على القول الراجح بعد الوقوع، لكان فيه مفسدة تساوي أو تزيد على مفسدة النهي، فينظر المجتهد في هذا المآل، ويفرع على القول الآخر المرجوح باجتهاد ونظر جديد، لولا المآل الطارئ بعد الوقوع بالفعل ما كان له أن يفرع عليه وهو يعتقد ضعفه، ويدل على أن هذا غرضه لاحق الكلام، أما تمثيله بالغضب والزنا، فمن باب التمهيد والتوطئة لغرضه، ولا يتعلق به مقصوده. "د".
وكتب "ف" ما نصه: "أي: خلاف ما شرع له الحكم مما يعود عليه بالنقض، ومراعاته بالاحتراز عما يوجبه، كما في مثالي الغصب والزنا، فلا يحمل على الغاصب والزاني بالزيادة في استيفاء الحق والحد على القدر المشروع في حقهما لئلا يؤدي إلى مفسدة تساوي أو تزيد عن مفسدة الفعل المنهي عنه".(10/279)
قلت: انظر في المسألة: "الاعتصام" "2/ 146 وما بعدها -ط رضا و2/ 645 وما بعدها -ط ابن عفان" للمصنف، و"البحر المحيط" "4/ 478 و6/ 324" للزركشي، و"إيضاح السالك" "ص160-161" للونشريسي، وما مضى "ص106".
1 إن كان بقي على حاله لم يتغير، وقوله: "أو قيمته"، أي: إن تغير في غير المثلي، وقوله: "أو مثله"، أي: إن تغير وهو مثلي، وقوله: "من غير زيادة" مفهومة أن الحمل عليه بالزيادة لا يصح، بأن كان غزلًا فنسجه الغاصب أو سبيكة فصكها نقودًا: فليس للغاصب أخذه، بل له القيمة فقط. "د".(10/280)
ص -190-…المطلوب، ويصح إقامة العدل مع عدم الزيادة1، وكذلك الزاني إذا حد لا يزاد2 عليه بسبب جنايته؛ لأنه ظلم له، وكونه جانيًا لا يجني عليه زائدًا على الحد الموازي لجنايته، إلى غير ذلك من الأمثلة الدالة على منع التعدي3 [على المتعدي] أخذًا من قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194].
وقوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45].
ونحو ذلك.
وإذا4 ثبت هذا، فمن واقع منهيا عنه، فقد يكون فيما يترتب عليه من الأحكام زائد على ما ينبغي بحكم التبعية لا بحكم الأصالة، أو مؤد إلى أمر أشد عليه من مقتضى النهي، فيترك5 وما فعل من ذلك، أو نجيز6 ما وقع من الفساد على وجه يليق بالعدل، نظرًا إلى أن ذلك الواقع وافق7 المكلف فيه دليلًا على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهذا أصل للمحامين في مشروعية خصوماتهم عن موكليهم إن كانوا ظالمين، على أن تكون العقوبة الملحقة بهم أكثر من المقررة في الشرع.
2 أي: فلا يلزم بسكنى المزني بها مدة الاستبراء، ولا بنفقتها كذلك، ولا بإرضاع ولدها من الزنا ونفقته وهذا... لأن هذه زيادة عن الحد الذي رآه الشارع. "د".
3 المراد به الزيادة عن الحد المشروع في جزاء العدوان لا نفس العدوان. "د".
4 من هذا يفهم أن الكلام في الغصب والزنا تمهيد ليقاس عليه الكلام في مراعاة الخلاف، فكأنه يقول: إذا كان ما وقع ممنوعًا باتفاق لا يصح أن يكون سببًا للحيف، فما وقع ممنوعا عند المجتهد مخالفًا لغيره في منعه من باب أولى أن يراعي دليل صحته، وإن كان مرجوحًا عند هذا المجتهد، فلا يكون سببًا للحيف، بل ينظر للأمر الواقع وللمآل. "د".
5 أي: كما في مثال البائل الآتي. "د".
6 أي: كما يأتي في الأنكحة الفاسدة قبل الدخول، والمصححة بعد الدخول. "د".(10/281)
قلت: في "الأصل" و"ف": "يحيز"، بالياء آخر الحروف في أوله. وقال "ف": "لعله" "أو نجيز" كما يدل عليه البيان بعد"، ونحوه عند "م"، وفي "ط": "يجبر".
7 كذا في "ط" فقط، وفي غيره: "واقع".(10/282)
ص -191-…الجملة، وإن كان مرجوحًا، فهو راجح بالنسبة إلى إبقاء الحالة على ما وقعت عليه؛ لأن ذلك أولى من إزالتها مع دخول ضرر على الفاعل أشد من مقتضى النهي، فيرجع الأمر إلى أن النهي كان دليله أقوى قبل الوقوع، ودليل الجواز أقوى بعد الوقوع، لما اقترن [به] من القرائن المرجحة، كما وقع التنبيه عليه1 في حديث2 تأسيس البيت على قواعد إبراهيم، وحديث3 [ترك] قتل المنافقين، وحديث4 البائل في المسجد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتركه حتى يتم بوله؛ لأنه لو قطع بوله لنجست ثيابه، ولحدث عليه من ذلك داء في بدنه، فترجح جانب تركه على ما فعل من المنهي عنه على قطعه بما يدخل عليه من الضرر، وبأنه ينجس موضعين وإذا ترك، فالذي ينجسه موضع واحد.
وفي الحديث: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل باطل باطل"، ثم قال: "فإن دخل بها، فلها المهر بما استحل منها"5. وهذا تصحيح للمنهي عنه من وجه، ولذلك يقع فيه الميراث ويثبت النسب للولد، وإجراؤهم النكاح الفاسد مجرى الصحيح في هذه الأحكام وفي حرمة المصاهرة وغير ذلك دليل على الحكم بصحته على الجملة، وإلا كان في حكم الزنى، وليس في حكمه باتفاق فالنكاح المختلف فيه قد يراعى فيه الخلاف فلا تقع فيه الفرقة إذا عثر عليه بعد6 الدخول، مراعاة لما يقترن بالدخول من الأمور التي ترجح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: على الترك أو التصحيح وإن لم يكن مما نحن فيه مما فيه مراعاة الخلاف؛ لأن المواضع الثلاثة ليست منه، وإنما هي مما وقع مخالفًا للمطلوب وترك كما في بناء البيت على غير قواعد إبراهيم، أو وقع منهيا عنه قطعًا، كمسألة البائل في المسجد، وكترك قتل الكافر المنافق المؤذي للمسلمين، وقد تركه الجميع خشية حصول ضرر أشد من إزالة هذه الثلاثة. "د".
2 و3 مضى تخريجهما "4/ 428".
4 مضى تخريجه "ص181".
5 صحيح بمجموع طرقه، كما بيناه بتفصيل فيما مضى "3/ 48".(10/283)
6 أي: كما في الأنكحة الفاسدة للصداق، كأن نقص عن ربع دينار، أو جعل الصداق خمرًا أو إنسانًا حرًا، أو وقع العقد على إسقاط رأسًا، فإنه إن عثر عليه قبل الدخول فسخ إن لم يتمه في الصورة الأولى وفي غيرها مطلقًا، وأما إن لم يعثر عليه إلا بعد الدخول، فلا فسخ بناء على الخلاف في الصداق داخل المذهب وخارجه. "د".(10/284)
ص -192-…جانب التصحيح.
وهذا كله نظر إلى ما يؤول إليه ترتب الحكم بالنقض والإبطال من إفضائه إلى مفسدة توازي مفسدة [مقتضى] النهي أو تزيد.
ولما بعد الوقوع دليل عام مرجح تقدم الكلام على أصله في كتاب المقاصد، وهو أن العامل بالجهل مخطئًا في عمله له نظران:
نظر من جهة مخالفته للأمر والنهي، وهذا يقتضي الإبطال.
ونظر من جهة قصده إلى الموافقة في الجملة؛ لأنه داخل مداخل أهل الإسلام ومحكوم له بأحكامهم، وخطؤه أو جهله لا يجني عليه أن يخرج به عن حكم أهل الإسلام، بل يتلافى له حكم يصحح له به ما أفسده بخطئه وجهله وهكذا لو تعمد الإفساد لم يخرج بذلك عن الحكم له بأحكام الإسلام؛ لأنه مسلم لم يعاند1 الشارع، بل اتبع شهوته غافلًا عما عليه في ذلك، ولذلك قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَة} الآية [النساء: 17].
وقالوا: إن المسلم لا يعصي إلا وهو جاهل، فجرى عليه حكم الجاهل، إلا أن يترجح جانب الإبطال بالأمر الواضح، فيكون إذ ذاك جانب التصحيح ليس له مآل يساوي أو يزيد، فإذ ذاك لا نظر في المسألة، مع2 أنه لم يترجح جانب الإبطال إلا بعد النظر في المآل وهو المطلوب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "لا يعاند".
2 أي: فلم يخالف القاعدة حينئذ. "د".(10/285)
ص -193-…ومما ينبني على هذا الأصل قاعدة الاستحسان1، وهو -في مذهب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لهم في الاستحسان عبارات: منهم أنه العدول عن قياس إلى قياس أقوى، ومنها تخصيص قياس بأقوى منه، وعلى هذين لا يخالف فيه أحد، إلا انه ليس دليلًا شرعيًا زائدًا، ومنها دليل ينقدح في ذهن المجتهد يعسر عليه التعبير عنه، فإن كان بمعنى أنه مؤد إلى الشك فيه، فباطل أن يكون دليلًا، وإن كان على أنه ثابت متحقق، فليس بزائد عن الأدلة، ومنها العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة الناس، كدخول الحمام، والشرب من السقاء، مما لا يحدد فيه زمان الانتفاع ولا مقدار المأخوذ من الماء، فقيل عليه: إن كانت العادة ثابتة في زمنه عليه السلام، فقد ثبت الحكم بالسنة لا بالاستحسان، وإن كانت في عصر الصحابة من غير إنكار منهم فإجماع، وإن كانت غيره عادة، فإن كان نصا أو قياسًا مما ثبتت حجيته، فقد ثبت بذلك كالأمثلة التي ذكرها المؤلف من القرض والعرية وجمع الصلاتين، وكذا سائر الترخصات التي وردت أدلتها بالنص أو القياس، وبه تعلم ما في قوله: "هذا نمط من الأدلة... إلخ"، وقوله: "وله في الشرع أمثلة... إلخ" الذي يفيد ظاهره أن هذه المواضع مما فيه تقديم الاستدلال المرسل على القياس، وليس كذلك إذ هي ثابتة بالنص، وأما إن كان شيئًا آخر لم يثبت حجيته، فهو مردود، قال الباجي1: "الاستحسان الذي ذهب إليه أصحاب مالك هو العدول إلى أقول الدليلين، كتخصيص بيع رطب العرايا من بيع2 الرطب بالتمر"، قال: "وهذا هو الدليل، فإن سموه استحسانًا، فلا مشاحة في التسمية"3، قال ابن الأنباري: "الذي يظهر من مذهب مالك القول بالاستحسان لا على المعنى السابق، بل هو استعمال مصلحة جزئية في قياس كلي، فهو يقدم الاستدلال المرسل على القياس، ومثاله لو اشترى سلعة بالخيار ثم مات فاختلفت ورثته في الإمضاء والرد، قال أشهب: القياس الفسخ، ولكنا نستحسن إذا قبل البعض(10/286)
الممضي نصيب الراد إذا امتنع البائع من قبوله أن نمضيه"، قال ابن الحاجب: "لا يتحقق استحسان مختلف فيه"، وتبعه على ذلك من بعده. "د".
قلت: انظر عن الاستحسان: "الاعتصام" "2/ 136-146 - ط رشيد رضا"، و"الإحكام" =
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "إحكام الفصول" "ص687" وقبله: "ذكر محمد بن خويز منداد من أصحابنا"، وفيه: "... القول بأقوى... مثل تخصيص..".
2 في الأصل: "منع"، والتصويب من "الإحكام" للباجي.
3 عبارته: "وإن كان يسميه استحسانًا على سبيل المواضعة".(10/287)
ص -194-…مالك- الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلي، ومقتضاه الرجوع إلى تقديم الاستدلال المرسل على القياس، فإن من استحسن لم يرجع إلى مجرد ذوقه وتشهيه، وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في الجملة في أمثال تلك الأشياء المفروضة، كالمسائل التي يقتضي القياس فيها أمرًا، إلا أن ذلك الأمر يؤدي إلى فوت مصلحة من جهة أخرى، أو جلب مفسدة كذلك، وكثير ما يتفق هذا في الأصل الضروري مع الحاجي والحاجي مع التكميلي، فيكون إجراء القياس مطلقًا في الضروري يؤدي إلى حرج ومشقة في بعض موارده، فيستثنى موضع الحرج1، وكذلك في الحاجي مع التكميلي، أو الضروري مع التكميلي وهو ظاهر.
وله في الشرع أمثلة كثيرة كالقرض مثلًا، فإنه ربا في الأصل؛ لأنه الدرهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= "4/ 137" للآمدي، و"الرسالة" للشافعي "505-507"، و"المحصول" "6/ 123"، و"البحر المحيط" "6/ 87 وما بعدها"، و"شرح اللمع" "2/ 973"، و"المسودة" "451 وما بعدها"، و"شرح تنقيح الفصول" "ص451"، و"الذخيرة" "1/ 155-156 - ط دار الغرب"، و"الحدود" "ص65" للباجي، و"شرح المحلي على جمع الجوامع" "2/ 353"، و"فتح الغفار شرح المنار" "3/ 30"، و"بدائع الفوائد" "4/ 32، 124-126" لابن القيم، و"المنخول" "ص374"، و"المستصفى" "1/ 137"، و"العضد على ابن الحاجب" "2/ 228"، و"شروح المنار" "811"، "والتمهيد" "4/ 93"، و"المعتمد" "2/ 840"، و"التبصرة" "494"، و"أصول السرخسي" "2/ 204"، و"كشف الأسرار" "4/ 3"، و"فتح الرحموت" "2/ 32"، و"تيسير التحرير" "4/ 78"، و"تفسير القرطبي" "4/ 106، 119".(10/288)
1 هذا الاستثناء الذي فيه ترك القياس هو الأخذ بالاستحسان، وقد نص جمال الدين الحصيري في كتابه "التحرير" "1/ ق34" على قاعدة "إن ترك القياس في موضع الحاجة والضرورة جائز؛ لأن الحرج منفي، ومواضع الضرورات مستثناه عن قضيات الأصول" بواسطة "القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير" "ص205"، وانظر غير مأمور: "رد المحتار" "1/ 219" لابن عابدين، ففيه ربط هذه القاعدة بالاستحسان. وبعده في "ط" زيادة: "لرفع ذلك الحرج".(10/289)
ص -195-…بالدرهم إلى أجل، ولكنه أبيح لما فيه من المرفقة والتوسعة على المحتاجين، بحيث لو بقي على أصل المنع لكان في ذلك ضيق على المكلفين، ومثله بيع العرية1 بخرصها تمرًا، فإنه بيع الرطب باليابس، لكنه أبيح لما فيه من الرفق ورفع الحرج بالنسبة إلى المعري والمعرى، ولو امتنع مطلقًا، لكان وسيلة لمنع الإعراء، كما أن ربا النسيئة لو امتنع في القرض لامتنع أصل الرفق من هذا الوجه.
ومثله الجمع بين المغرب والعشاء للمطر2 وجمع المسافر، وقصر الصلاة والفطر في السفر الطويل، وصلاة الخوف، وسائر الترخصات التي3 على هذا السبيل، فإن حقيقتها ترجع إلى اعتبار المآل في تحصيل المصالح أو درء المفاسد على الخصوص، حيث كان الدليل العام يقتضي منع ذلك؛ لأنا لو بقينا مع أصل الدليل العام لأدى إلى رفع ما اقتضاه ذلك الدليل من المصلحة، فكان من الواجب رعي ذلك المآل إلى أقصاه، ومثله الإطلاع على العورات في التداوي، والقراض، والمساقاة، وإن كان الدليل العام يقتضي المنع، وأشياء من هذا القبيل كثيرة.
هذا نمط من الأدلة الدالة على صحة القول بهذه القاعدة، وعليها بنى4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العرية عند المالكية: ثمر نخل أو غيره، ييبس ويدخر، يهبه مالكه ثم ثشتريه من الموهوب له بثمر يابس إلى الجذاذ المعروف أو دفع الضرر، وتجوز عندهم بشروط مبنية في كتب الفروع. "ف" و"م".
2 من لطيف استدلال ابن القيم على وجوب صلاة الجماعة بالجمع بين الصلاتين؛ إذ شرع في المطر لأجل تحصيل الجماعة،- مع أن إحدى الصلاتين وقد وقعت خارج الوقت، والوقت واجب، فلو لم تكن الجماعة واجبة، لما ترك لها الوقت الواجب، انظر ذلك مبسوطًا في: "بدائع الفوائد" "3/ 159-161"، وكتاب "الصلاة وحكم تاركها" "ص133-134".
3 في "م": "الترخيصات التي هي على...".(10/290)
4 أي: فهذه المسائل فيها تخصيص الدليل على المنع بالمصلحة الجزئية، فبنى عليها مالك وأصحابه صحة ما يكون مثلها، وسموه بالاستحسان، فهذه المسائل ليست من باب الاستحسان؛ لأنها كلها منصوصة الأدلة. "د".(10/291)
ص -196-…مالك وأصحابه.
وقد قال ابن العربي في تفسير الاستحسان بأنه إيثار1 ترك مقتضى الدليل على طريق الاستثاء والترخص، لمعارضة ما يعارض به في بعض مقتضياته، ثم جعله أقسامًا، فمنه ترك الدليل للعرف كرد الأيمان إلى العرف، وتركه إلى المصلحة كتضمين الأجير المشترك، أو تركه للإجماع كإيجاب الغرم على من قط ذنب بغلة القاضي2، وتركه في اليسير لتفاهته لرفع المشقة وإيثار التوسعة على الخلق، كإجازة التفاضل اليسير في المراطلة الكثيرة، وإجازة بيع وصرف في اليسير.
وقال في "أحكام القرآن": "الاستحسان عندنا وعند الحنفية هو العمل3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يجيء فيه ما تقدم من أن التخصيص بالعرف والعادة إن كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم، فالدليل السنة، وإن كانت في عهد الصحابة... إلخ. "د".
قلت: وكلام ابن العربي في كتابه "المحصول في علم الأصول".
2 قال المصنف في "الاعتصام" "2/ 642 - ط ابن عفان": "يريدون غرم قيمة الداية، لا قيمة النقص الحاصل فيها، ووجه ذلك ظاهر، فإن بغلة القاضي لا يحتاج إليها إلا للركوب، وقد امتنع ركوبه لها بسبب فحش ذلك العيب، حتى صارت بالنسبة إلى ركوب مثله في حكم العدم، فألزموا الفاعل غرم قيمة الجميع، وهو متجه بحسب الغرض الخاص، وكان الأصل أن لا يغرم إلا قيمة ما نقصها القطع خاصة، لكن استحسنوا ما تقدم"، ثم قال: "وهذا الإجماع مما ينظر فيه، فإن المسألة ذات قولين في المذهب وغيره، ولكن الأشهر في المذهب المالكي ما تقدم حسبمًا نص عليه القاضي عبد الوهاب".
3 إن كان المراد ظاهر العبارة، فالعمل بأقوى الدليلين لا يخص هذين المذهبين، وإن كان المراد تخصيص النص العام والقياس بأي دليل كان، فيصح أن يدخله الخلاف الذي أشار إليه بعد، فمالك يخصص بالمصلحة -أي: بدليل المصالح المرسلة الذي يقول هو به، ويخالفه فيه =(10/292)
ص -197-…بأقوى الدليلين، فالعلموم إذا استمر والقياس إذا اطرد، فإن مالكًا وأبا حنيفة يريان تخصيص العموم بأي دليل كان، من ظاهر أو معنى، ويستحسن مالك أن يخص بالمصلحة، ويستحسن أبو حنيفة أن يخص بقول الواحد من الصحابة الوارد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= أكثر الأصوليين-، وأبو حنيفة يخصص العام والقياس بخبر الواحد، وكل منهما يرى صحة القياس الذي نقضت علته ونقضها هو إبداء الوصف المدعى عليته في المحل بدون وجود الحكم فيه، ويعبر عنه بتخصيص الوصف، كقول الشافعي فيمن لم يبيت النية: "الصوم تعرى أوله عنها فلا يصح"، فجعل العلة للبطلان عرو أوله عنها، فيقول الحنفي: تنتقض العلة بصوم التطوع، فوجدت فيه العلة مع عدم الحكم وهو البطلان، قال الأصوليون: إن النقض إذا كان ورادًا على سبيل الاستثناء لا يقدح في القياس، وذلك بأن كان ناقضًا لجميع العلل، مخالفًا للقياس في جميع المذاهب، كبيع الرطب في العرية، فإنه ناقض لعلة حرمة الربا، التي هي الطعم أو القوت أو الكيل أو المال، ولا زائد على هذه الأربعة، وكل منها(10/293)
موجود في بيع العرايا المذكور، ولم يحرم هذا البيع فيها، والإجماع على أن العلة لا تخرج عنها، فدلالته على العلية أقوى من دلالة النقض على عدم العلية، وأما إن لم يكن واردًا على طريق الاستثناء، ففيه أربعة أقوال: أولها يقدح في العلة، ويبطل القياس مطلقًا منصوصة أو مستنبطة، كان التخلف لمانع أو لغير مانع، وعليه أكثر أصحاب الشافعي والشافعي نفسه في أظهر قوليه، ولذلك قال بعض الحنفية: إن قياس الشافعي أقوى الأقيسة لسلامة علله من الانتقاض، وثانيها لا يقدح مطلقًا، وعليه مالك وأحمد وأبو حنيفة، وثالثها يقدح في المستنبطة دون المنصوصة، ورابعها لا يقدح إذا وجد مانع من تعميم القياس، واختار ابن الحاجب أنه لا يصح تخصيص المستنبطة إلا إذا وجد مانع، وإن كانت منصوصة، صح تخصيصها بالنص المنافي لحكمها، فيقدر المانع في صورة التخلف، ووجهه قياس تخصيص العلة على تخصيص العام جمعًا بين الدليلين، فإن احتجت للأمثلة، فعليك بكتب الأصول وبما حررناه على قاعدة الاستحسان أولًا وآخرًا يتضح المقام. "د".
قلت: اختلاف الأصوليين في كون النقض قادحًا في الوصف المدعي عليته أوسع مما ذكره الشارح، وأوصله الزركشي في "البحر المحيط" "3/ 271" إلى ثلاثة عشر قولًا، وانظر: "المعتمد" "2/ 1041"، و"المسودة" "412-415"، و"البرهان" "2/ 999-1001"، و"الإحكام" "3/ 208" للآمدي، و"نشر البنود" "2/ 210-211"، و"مسلم الثبوت" "2/ 277"، و"مباحث العلة في القياس عند الأصوليين" "555-573".(10/294)
ص -198-…بخلاف القياس، ويريان معًا تخصيص القياس ونقض العلة، ولا يرى الشافعي لعلة الشرع إذا ثبتت تخصيصًا، وهذا الذي قال هو نظر1 في مآلات الأحكام، من غير اقتصار على مقتضى الدليل العام والقياس العام".
وفي المذهب المالكي من هذا المعنى كثير جدًا.
وفي "العتبية"2 من سماع أصبغ في الشريكين يطآن الأمة في طهر واحد فتأتي بولد، فينكر أحدهما الولد دون الآخر، أنه يكشف منكر الولد عن وطئه الذي أقر به، فإن كان في صفته ما يمكن فيه الإنزال، لم يلتفت إلى إنكاره، وكان كما لو اشتركا فيه، وإن كان يدعي العزل من الوطء الذي أقر به، فقال أصبغ: إني أستحسن هنا أن ألحقه بالآخر، والقياس أن يكونا سواء، فلعله غلب ولا يدري، وقد قال عمرو بن العاص في نحو هذا: "إن الوكاء قد يتفلت"3.
قال: "والاستحسان في العلم قد يكون أغلب من القياس، قال: وقد سمعت ابن القاسم يقول ويروي عن مالك أنه قال: تسعة أعشار العلم الاستحسان"4.
فهذا كله يوضح لك أن الاستحسان غير خارج عن مقتضى الأدلة، إلا أنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا ظاهر بالنسبة لاستحسان مالك في التخصيص بالمصلحة، أما استحسان أبي حنيفة الذي يخصص بقول الواحد من الصحابة، فالتخصيص ليس فيه نظر للمآل، وإنما هو بالنص الجزئي في مقابلة القياس الكلي أو في مقابلة العام. "د".
2 "4/ 154-155/ مع "الشرح".
3 انظر المسألة في: "البيان والتحصيل" "4/ 155"، و"الاعتصام" "2/ 943 - ط ابن عفان"، ومذاهب الصحابة والتابعين في "مصنف عبد الرزاق" "7/ 359-361"، و"السنن الكبرى" "10/ 263-364" للبيهقي، و"نصب الراية" "3/ 291-292".
4 انظره وتعليق المصنف في "الاعتصام" "2/ 138 - ط رشيد رضا".(10/295)
ص -199-…نظر إلى لوازم الأدلة ومآلاتها؛ إذ لو استمر على القياس هنا كان الشريكان بمنزلة ما لو كانا يعزلان أو ينزلان؛ لأن العزل لا حكم له إذ أقر بالوطء، ولا فرق بين العزل وعدمه في إلحاق الولد، لكن الاستحسان ما قال؛ لأن الغالب أن الولد يكون مع الإنزال ولا يكون مع العزل إلا نادرًا، فأجرى الحكم على الغالب1، وهو مقتضى ما تقدم فلو لم يعتبر2 المآل في جريان الدليل لم يفرق بين العزل والإنزال، وقد بالغ أصبغ في الاستحسان حتى قال: "إن المغرق في القياس يكاد يفارق السنة3 وإن الاستحسان عماد العلم"، والأدلة المذكورة تعضد4 ما قال.
ومن هذا الأصل أيضًا تستمد قاعدة أخرى، وهي أن الأمور الضرورية أو غيرها من الحاجية أو التكميلية إذا اكتنفتها من خارج أمور لا ترضى شرعًا، فإن الإقدام على جلب المصالح صحيح على شرط التحفظ بحسب الاستطاعة من غير حرج5، كالنكاح الذي يلزمه طلب قوت العيال مع ضيق طرق الحلال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال: وهل مع وجود الغالب يصح أن يكون القياس التسوية، حتى يدعى أن هذا تخصيص للقياس بالمصلحة المبينة على النظر للمآل؟ أم الأحكام تبنى على العادة المستمرة أو الغالبة في مجرى عادة الله في خلقه، ولا محل لأصل التسوية هنا حتى تحتاج إلى الاستحسان؟ وبالجملة، فإنك تجد عند التأمل أن المؤلف تارة يبني كلامه على فهم أن الاستحسان تقديم الاستدلال المرسل على القياس، وتارة يجعله عامًا كما يعلم بتتبع عباراته من أول كلامه في الاستحسان إلى آخره. "د".
2 في "ط": "فلم يعتبر".
3 عزاه في "الاعتصام" "2/ 138 - ط رضا" لمالك، وفيه: "إن المفرق..." بالفاء، وكذا أيضًا في طبعة عفان "2/ 638".
4 عرفت ما فيه. "د".
5 الأمثلة المذكورة مختلطة، منها ما هو ضروري، ومنها ما هو حاجي، ومنها ما هو دون ذلك كشهود الجنائز، وكان قد فصل بين هذه المراتب في "1/ 181، 3/ 232-233". وانظر ما علقناه هناك.(10/296)
ص -200-…واتساع أوجه الحرام والشبهات، وكثيرًا ما يلجئ إلى الدخول في الاكتساب لهم بما لا يجوز، ولكنه1 غير مانع لما يؤول إليه التحرز من المفسدة المربية2 على توقع مفسدة التعرض، ولو اعتبر مثل هذا في النكاح في مثل زماننا، لأدى إلى إبطال أصله وذلك غير صحيح.
وكذلك طلب العلم إذا كان في طريقه مناكر يسمعها ويراها، وشهود الجنائز وإقامة وظائف شرعية إذا لم يقدر على إقامتها إلا بمشاهدة ما لا يرتضى، فلا يخرج هذا العارض تلك الأمور عن أصولها؛ لأنها أصول الدين وقواعد المصالح وهو المفهوم من مقاصد الشارع فيجب فهمهما3 حق الفهم، فإنها مثار اختلاف وتنازع، وما ينقل4 عن السلف الصالح مما يخالف ذلك قضايا أعيان لا حجة في مجردها حتى يعقل معناها، فتصير إلى موافقة ما تقرر إن شاء الله والحاصل أنه مبني على اعتبار مآلات الأعمال، فاعتبارها لازم في كل حكم على الإطلاق، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: هذا اللازم غير مانع من النكاح، وقوله: "لما يؤول" تعليل لكونه غير مانع، وقوله "من المفسدة" بيان لما يؤول، وقوله: "ولو اعتبر" شرح للمفسدة التي يؤول إليها التحرز. "د".
2 أي: الزائدة على المفسدة التي تتوقع من التعرض، وذلك أنه يتوقع من نكاحه مفسدة هي التعرض للكسب الحرام، لكنا لا نمنعه من النكاح نظرًا لما يؤول إليه التحرز من تلك المفسدة، فإن التحرز منها يؤول إلى الوقوع في مفسدة أشد، وهي خشية الزنا، بل وإبطال أصل النكاح، وهو ضروري أو حاجي، فاغتفر الأول خشية الوقوع في هذا المآل الذي هو أشد ضررًا من التعرض. "د".
3 في "ط": "ها هنا فهمهما".(10/297)
4 من أنهم كانوا يتركون الجنائز وأمثالها من فروض الكفاية، وبعضهم كان يترك الجماعات خشية المناكر التي تعترض في طريق القيام بها، كما يروى عن مالك أنه ترك الجماعات وغيرها للمناكر، ولكنه عند التحقيق ظهر أن تركها لسلس أصابه خشي منه على طهارة المسجد، فصارت بهذا قضيته العينية موافقة لما تقرر. "د".(10/298)
ص -201-…المسألة الحادية عشرة:
تقدم الكلام على محال الخلاف في الجملة، ولم يقع هنالك تفصيل، وقد ألف ابن السيد كتابًا1 في أسباب الخلاف الواقع بين حملة الشريعة، وحصرها في ثمانية أسباب:
أحدها: الاشتراك الواقع في الألفاظ، واحتمالها للتأويلات، وجعله ثلاثة أقسام:
اشتراك في موضوع اللفظ المفرد2 كالقرء وأو3 في آية الحرابة.
واشتراك في أحواله العارضة في التصريف، نحو: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ}4 [البقرة: 282].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بعنوان: "التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم ومذاهبهم واعتقاداتهم"، وهو مطبوع.
2 وهذا القسم نوعان: اشتراك يجمع معاني مختلفة متضادة، واشتراك يجمع معاني مختلفة غير متضادة: انظر: "التنبيه" "ص12".
3 وهي قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}؛ فإنه اختلف في حرف "أو" فيها: هل هو للتخيير، أو للتفصيل على حسب جناياتهم، أو "هي" للتخيير في البعض والتفصيل في البعض "الآخر". "ف" و"م".
وكتب "د" هنا ما نصه: "قال البناني محشي "جمع الجوامع": التحقيق أنها لأحد الشيئين أو الأشياء، وهذه المعاني إنما تأتي من السياق والقرائن، وعليه فلا اشتراك".
4 فإن الإدغام جعل الكلمة محتملة لأن يقع الإضرار من الكتاب بالنقص والزيادة بناء على أن الأصل "يضارر" بالكسر، وبه قرأ عمر، فنهوا عن ذلك، ويحتمل الفتح أي: لا يجوز أن يقع الإضرار عليهما بمنعهما عن أعمالهما وتعطيل مصالحهما، وبه قرأ ابن مسعود، أي: بالفك والفتح وما أجمل موقع هذا الإدغام الذي كان غاية الإيجاز بتضمنه المعنيين معًا، فلا محل لأن يكون الخلاف حقيقًا. "د".(10/299)
قلت: انظر: "التنبيه" "ص32"، و"المحتسب" "1/ 148" لابن جني، و"مختصر الشواذ" "ص15" خالويه.(10/300)
ص -202-…واشتراك من قبل التركيب، نحو: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه}1 [فاطر: 10].
{وَمَا قَتَلُوهُ2 يَقِينًا} [النساء: 157].
والثاني دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز، وجعله ثلاثة أقسام:
ما يرجع إلى اللفظ المفرد، نحو حديث النزول3، {اللَّهُ نُورُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: فإنه لولا وقوع الضميرين في يرفعه قوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وقوله: {وَالْعَمَل الصَّاْلِحُ} ما جاء الاختلاف في فاعل يرفع: هل هو الكلم، أم العمل؟ وكذلك ضميره البارز المفعول، هل هو الكلم، أم العمل؟ والكلم الطيب هو التوحيد على رأي الأكثر، والأعمال الصالحة الأقوال، والأفعال غير الإيمان، فأيهما يرفع الآخر ويقويه ويزكيه أو يجعله مقبولًا؟ وانظر في تسمية مثل هذا اشتراكًا مع أنه لا بد فيه من الوضع للمعنيين أو المعاني، فهل مجرد الاحتمال في الضميرين لوجود ما يقتضيهما في التركيب يسمى اشتراكًا؟ "د".
قلت: انظر "التنبيه" "38-39".
2 مثل سابقه، فقد تقدم قوله: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ}، وتقدم لفظ: "عِيْسَىْ"، فهل الضمير في قتلوه لعيسى كما هو الظاهر، أم للعلم؟ أي: ما قتلوا العلم يقينًا، من قولهم: قتلت العلم والرأي إذا بالغت فيه وهو مجاز كما في "الأساس" "ص355"، وأيضًا فلفظ "يقِينًا" قيد وقع بعد نفي ومنفي، فهل يرجع للنفي، أي النفي متيقن به، أم للمنفي؟ أي: القتل المتيقن ليس حاصلًا عندهم، بل هو ظن فقط، فيكون مؤكدًا لقوله: {إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنّ}، وما جاء هذا إلا من التركيب وكون القيد وقع فيه بعد أمرين صالحين لعوده إليهما. "د".
قلت: الجمهور يرون أن الضمير في "قَتَلُوهُ" عائد إلى المسيح عليه السلام، وقال الفراء وابن قتيبة: "الضمير عائد على العلم"، وانظر: "التنبيه" "ص49"، و"البحر المحيط" لأبي حيان "3/ 391"، و"الكشاف" "1/ 588".(10/301)
3 مضى لفظه وتخريجه والتعليق عليه في "2/ 445"، وأنكر ابن السيد في "التنبيه" "ص =(10/302)
ص -203-…السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}1 [النور: 35].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 66" هذه الصفة لله عز وجل، ونسب إلى مالك أنه قال في الحديث: "ينزل أمره في كل سحره"، وهذا تأويل مكذوب على الإمام مالك، والمحفوظ عنه خلافه، وانظر في تفصيل ذلك: "شرح حديث النزول" "182"، و"التمهيد" "7/ 143" لابن عبد البر، و"السير" "8/ 105"، و"مختصر الصواعق المرسلة" "2/ 261"، و"الردود والتعقبات" "93-97"، وصنيع المصنف عفى الله عنا وعنه في تلخيص كلام ابن السيد، وذكره هذا المثال والذي يليه على وجه الخصوص في التمثيل على دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز ينبئ على أشعريته في الصفات، وتقدم أمثلة كثيرة تدلل على ذلك أيضًا، وهذا يخالف ما كتبه أخونا الشيخ سليم الهلالي في تعليقه على "الاعتصام" "1/ 305" من أن "من تتبع عقيدة المصنف رحمه الله من سياق كتابه وجد ما يثلج صدره"!!
1 قال ابن السيد في "التنبيه" "ص74-75": "وما غلطت فيه المجسمة أيضًا قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، فتوهموا أن ربهم نور -تعالى الله عن قول الجاهلين-، وإنما المعنى: الله هادي أهل السموات والأرض، والعرب تسمي كل ما جلى الشبهات، وأزال الالتباس، أوضح الحق: نورًا".(10/303)
قلت: كلام ابن السيد في تأويل هذه الآية شبيه بما قاله المازري في "المعلم بفوائد مسلم" "1/ 304"، والقاضي عياض في "إكمال المعلم" "806"، والنووي في "شرح صحيح مسلم" "3/ 12-13 و6/ 54"، وهذا التأويل قائم على أن النور من فعله سبحانه وتعالى، وإلا، فالنور الذي هو من أوصافه قائم به أيضًا، وحمل الآية عليه من باب أولى، وفي هذا يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "اجتماع الجيوش الإسلامية" "ص10": "سمى الله سبحانه وتعالى نفسه نورًا، وجعل كتابه نورًا، ودينه نورًا، واحتجب عن خلقه بالنور، وجعل دار أوليائه: نورًا يتلألأ، قال الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} "النور: 35"، وقد فسر بكونه منور السماوات والأرض، وهادي أهل السموات والأرض، فبنوره اهتدى أهل السماوات والأرض، وهذا إنما هو فعله، وإلا، فالنور الذي هو من أوصافه، قائم به، ومنه اشتق له اسم النور، الذي هو أحد أسمائه الحسنى، والنور يضاف إليه سبحانه على وجهين:
- إضافة صفة إلى موصوفها.
- وإضافة مفعول إلى فاعله.
فالأول كقوله عز وجل: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} "الزمر: 69"، فهذا إشراقها يوم =(10/304)
ص -204-…وما يرجع إلى أحواله، نحو: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}1 [سبأ: 33] ولم يبين وجه الخلاف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القيامة بنوره تعالى إذا جاء لفصل القضاء، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور: "أعوذ بنور وجهك الكريم أن تضلني لا إله إلا أنت"، "أخرجه ابن جرير في "التاريخ" "2/ 345"، والطبراني في "الكبير" بإسناد رجاله ثقات، لكن فيه عنعنة ابن إسحاق، ومن أجلها وللإعضال الذي فيه ضعفه شيخنا الألباني في تخريجه لـ"فقه السيرة" "ص132"، وفي "معجم الطبراني" و"السنة" له، و"كتاب عثمان بن سعيد الدارمي" وغيرها عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه"، "أخرجه ابن منده في "الرد على الجهمية" "99".
وهذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله عنه أقرب إلى تفسير الآية من قول من فسرها بأنه هادي السماوات والأرض، وأما من فسرها بأنها منور السماوات والأرض، فلا تتنافى بينه وبين قول ابن مسعود، والحق أنه نور السماوات والأرض بهذه الاعتبارات كلها" انتهى.
فقول ابن السيد رحمه الله وغيره: "ولا يصح أن يكون النور صفة ذات الله تعالى، وإنما هو صفة فعل" غير صحيح، والصواب ما ذكره ابن القيم آنفًا، من صحة إضافة "النور" إلى ذات الله عز وجل، دل على هذا القرآن في قوله سبحانه: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} "الزمر: 69".(10/305)
وقد أحسن العلامة عبد الرحمن السعدي عندما قال في "تفسيره" "5/ 419" عند تفسير قوله: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ما نصه: "الله نور السماوات والأرض، الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه نور، الذي لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، وبه استنار العرش والكرسي، والشمس والقمر والنور، وبه استنارت الجنة، وكذلك المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور".
ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه أسهب في إثبات هذه الصفة لله عز وجل، وبين أنها متعلقة بذاته عز وجل، فضلًا عن أفعاله، وأورد شبه المخالفين وفندها بما لا مزيد عليه في مواطن من "مجموع الفتاوى" له، انظر منها: "5/ 73-74، 6/ 374-379، 382-396، 20/ 468-469"، وكذا تلميذه ابن قيم الجوزية في كتابه البديع: "الصواعق المرسلة" "2/ 191 وما بعدها-مختصره"، و"التفسير القيم" "374".
1 أي: أن ما تقدم يظهر فيه كونه سببًا للخلاف، وهذا لم يبين فيه، وليس بظاهر سببيته =(10/306)
ص -205-…وما يرجع إلى جهة التركيب، كإيراد الممتنع بصورة الممكن1، ومنه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= للخلاف في مثل الآية، فسواء أكان من الإضافة للظرف أم للفاعل، فالمعنى لا يختلف إلا من جهة أنه حقيقة أو مجاز، فإن كان الأصل مكركم بناء في الليل والنهار، فحذف المضاف إليه وحل محله الظرف اتساعًا كان حقيقة، وإن كان الإسناد إلى الظرف، كان مجازًا علقيًّا، ولم يوجب الدوران اختلافًا في المعنى. "د".
قلت: انظر: "التنبيه" "ص80".
1 لعله سقط هنا لفظ: "وعكسه"، ويكون قوله: "ومنه"، أي: من العكس؛ لأنه إيراد للممكن في صورة الممتنع، أو أن قوله: "كإيراد... إلخ" مقدم من تأخير، وموضعه بعد قوله: "وعكسها" الراجع لسائر ما ذكره من أنواع ما يرجع إلى جهة التركيب، فيكون مثالًا لأول نوع من العكس، وهذا كله على حمل كلمة "قدر" على أنه من القدرة، فيكون مما استعمل فيه إن في مقام الجزم تجاهلًا للحيرة أو الخوف، أو مما نزل فيه المخاطب منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم، أما إن حملت على أنها بمعنى ضيق كما في قوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} "الأنبياء: 87"، أو أنه قدر المضاعف، فلا يكون مما نحن فيه. "د".
قلت: كلام ابن السيد في "التنبيه" "ص91 وما بعدها"، يدل على صحة السياق المذكور وعلى عدم وجود سقط فيه، فإنه قال "ص89": "وأما ورود الممتنع بصورة الممكن...". وذكر أمثلة، ثم قال: "ومن هذا قول الرجل المحرق لبنيه: "إذا أنا مت، فأحرقوني، ثم اذروا رمادي في اليم، فلعلي أضل الله، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً"، قال: "ألا ترى أنه قد أخرج ما قد تحقق أنه لا يكون مجرج ما يرجي أن يكون، تقللاً بذلك، واستراحة إليه".(10/307)
ثم قال شارحًا الحديث: "فمعناه: فوالله لئن ضيق الله علي طرق الخلاص ليعذبني، وليس يشك في قدرة الله، ولو شك في قدرته لكان كافرًا، وإنما هو كقوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} "الأنبياء: 87"، وقوله: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} "الطلاق: 7"، أي: ضيق"، ثم قال: "ويجوز أن يكون من "القدر" الذي هو القضاء، فيكون معناه: فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني العذاب، فحذف المفعول اختصارًا"، ثم قال: "... وقد يجوز أن يكون قوله: "فوالله لئن قدر الله علي، من القدرة على الشيء...، فمعناه على هذا: فوالله إذا قدر الله علي ليعذبني عذابًا شديدًا"، وإنما جاز وقوع إن التي للشرط موقع إذا الزمانية؛ لأن كل واحدة منهما تحتاج إلى جواب".
قلت: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" "11/ 409-410": "... =(10/308)
ص -206-…"لئن قدر الله علي" الحديث1، وأشباه ذلك مما2 يورد من أنواع الكلام بصورة غيره، كالأمر بصورة الخبر والمدح بصورة الذم، والتكثير بصورة التقليل، وعكسها.
والثالث: دوران الدليل بين الاستقلال بالحكم وعدمه كحديث3 الليث بن سعد مع أبي حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة في مسألة البيع والشرط4،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ومن تأول قوله: "لئن قدر الله علي" بمعنى: قضى، أو بمعنى: ضيق، فقد أبعد النجعة، وحرف الكلم عن مواضعه، فإنه إنما أمر بتحريقه وتفريقه لئلا يجمع ويعاد، وقال: "إذا أنا مت، فأحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا. فذكر هذه الجملة الثانية بحرف الفاء عقيب الأولى، يدل على أنه سبب لها، وأنه فعل ذلك، لئلا يقدر الله عليه إذا فعل ذلك، فلو كان مقرًا بقدرة الله عليه إذا فعل ذلك كقدرته عليه إذا لم يفعل، لم يكن في ذلك فائدة به؛ ولأن التقدير عليه والتضييق موافقات للتعذيب، وهو قد جعل تفريقه مغايرًا لأن يقدر الرب".
والمقصود أن هذا الرجل دخل الجنة مع صدور الكفر منه، ولكنه عذر بالجهل، ومن تتبع الأحاديث الصحيحة، وجد فيها من هذا الجنس الكثير مما يوافقه، ولتفصيل هذا موطن آخر، وهو كتب العقيدة، وانظر: "من قصص الماضيين" "ص246-247".
1 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب أحاديث الأنبياء، باب منه، رقم 3481، وكتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ}، رقم 7506"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى، رقم 2756"، ومالك في "الموطأ" "1/ 240" وغيرهم عن أبي هريرة.
وفي الباب عن أبي سعيد وحذيفة ومعاوية بن حيدة وأبي بكر الصديق وأبي مسعود الأنصاري وسلمان الفارسي، خرجتها في كتابي "من قصص الماضين" "ص239-243".
2 في "م": "بما".(10/309)
3 سيأتي في المسألة الثالثة عشرة "ص231"، فإن كلا منهم أخذ بحديث لم يتبين فيه أنه مستقل بإنتاج حكم المسألة، أو محتاج إلى ضم غيره إليه حتى ينتج، فكان ذلك سببًا لاختلافهم. "د".
4 فقد وردت فيها أحاديث متعارضة، كحديث جابر: "ابتاع مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرًا، =(10/310)
ص -207-…وكمسألة1 الجبر والقدر والاكتساب.
والرابع: دورانه بين العموم والخصوص، نحو: {لا إِكْرَاهَ فِي2 الدِّين} [البقرة: 256].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وشرط ظهره إلى المدينة"، وحديث بريرة: "كل شرط ليس في كتاب الله تعالى، فهو باطل"، وحديث جابر في النهي عن بعض البيوع والترخيص في العرايا، وحديث النهي عن بيع وشرط، ولتعارضها اختلف العلماء في بيع وشرط، فأبو حنيفة والشافعي ذهبا إلى فساد البيع والشرط، وابن شبرمة ذهب إلى جوازهما، وابن أبي ليلى ذهب إلى جواز البيع وفساد الشرط، وفصل مالك في الشروط، فمنهما ما يوجب بطلان البيع والشرط، ومنها ما يصح معه البيع والشرط، ومنها ما يصح معه البيع دون الشرط، فكل دليل من هذه الأدلة أصبح محتملًا للاستقلال بالحكم وعدمه. "ف" و"م".
قلت: مضى تخريج بعض الأحاديث المشار إليها، وانظر حديث جابر: "ابتاع مني..." في "صحيح البخاري" "رقم 2097"، وحديث بريرة في "1/ 427"، وحديث جابر في الترخيص في العرايا في "صحيح البخاري" "رقم 2192"، وحديث النهي عن بيع وشرط في "1/ 469".
1 فكل قائل لشيء منها استند إلى دليل لم يلاحظ فيه دليل غيره، وهو ظاهر في دليل الجبريين والقدريين، أما الاكتساب، فقد لاحظ صاحبه سائر الأدلة. "د".
قلت: انظر "التنبيه" "ص134"، والكسب هو مذهب الأشاعرة، ومداره عندهم على الإرادة التى تحصل عند الفعل، وهو الاقتران العادي بين القدرة الحادثة والفعل، وأن الله سبحانه أجرى عادته بخلق أفعاله عند إرادة العبد، انظر: "شرح جوهرة التوحيد" "104"، و"أصول الدين "133-134" للبغدادي، و"روضة الطالبين وعمدة السالكين" "ص31-32، 34-35" للغزالي، وانظر رده في "مجموع فتاوى ابن تيمية" "30/ 139"، و"ابن حزم وموقفه من الإلهيات" "421-423".(10/311)
2 هل هو خبر حقيقي؟ أي: لا يتصور الإكراه فيه بعد دلائل التوحيد، وما يظهر إكراهًا، فليس في الحقيقة بإكراه، أم هو خبر بمعنى النهي؟ أي: لا تكرهوا في الدين وتجبروا عليه، وعليه فهو عام منسوخ بآية: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} "التوبة: 73"، أو مخصوص بأهل الكتاب الذين قبلوا الجزية، والآية على الوجه الثاني صالحة للتمثيل بها للقسم الثالث مما يدور اللفظ فيه بين الحقيقة والمجاز، ولدورانه بين العموم والخصوص، ولدعوى النسخ وعدمه. "د".
قلت: انظر: "التنبيه" "ص155-156".(10/312)
ص -208-…{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}1 [البقرة: 31].
والخامس: اختلاف الرواية، وله ثماني علل قد تقدم التنبيه عليها2.
والسادس: جهات3 الاجتهاد والقياس.
والسابع: دعوى النسخ وعدمه4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هل هي أسماء ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، أم اللغات، أم أسماء الله، أم أسماء الأشياء علوية وسفلية؛ لأنه الذي يقتضيه مقام الخلافة؟ فاللفظ صالح للعموم والخصوص، ولا يلزم أن يكون مجازًا عند الخصوص في هذا. "د".
قلت: كلام ابن السيد في "التنبيه" "ص156-157" له وجه آخر غير الذي ذكره المصنف والمعلق، قال رحمه الله: "ومن هذا الباب قوله تعالى: {عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} "العلق: 5"، ذهب قوم إلى أنه خصوص، واختلفوا في حقيقة ذلك، فقال بعضهم: أراد آدم عليه السلام، واحتجوا بقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} "البقرة: 31"، وقال بعضهم: أراد محمدًا صلى الله عليه وسلم، واحتجوا بقوله عز وجل: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} "النساء: 113"، وقال آخرون: هي عموم في جميع الناس، وهو صحيح".
قلت: ومنه تعلم ما في صنيع المصنف من اجتزائه الآية المذكورة على وجه مخل من السياق المذكورة فيه، وكذا تكلف المعلق، والله الموفق.
2 انظر: "ص140-141".
3 الاختلاف في أصل القياس وشروطه وما يجري فيه الاجتهاد وما لا يجري فيه الاجتهاد، وما لا يجري فيه شهير، وينبني عليه الاختلاف في نفس الأحكام المستنبطة. "د".
قلت: لا يخرج ما عند ابن السيد في "التنبيه" "ص213" على المذكور هنا.
4 قال ابن السيد في "التنبيه" "ص217-218": "الخلاف العارض من هذا الموضع يتنوع أولًا نوعين:(10/313)
أحدهما: خلاف عارض بين من أنكر النسخ ومن أثبته، وإثباته هو الصحيح، وجميع أهل السنة مثبتون له، وإنما خالف في ذلك من لا يلتفت إلى خلافه؛ لأنه بمنزلة دفع الضرورات وإنكار العيان. والنوع الثاني: خلاف عارض بين القائلين بالنسخ، وهذا النوع الثاني ينقسم ثلاثة أقسام:
أحدهما: اختلافهم في الأخبار، هل يجوز فيها النسخ كما يجوز في الأمر والنهي، أم لا؟
والثاني: اختلافهم، هل يجوز أن تنسخ السنة والقرآن، أم لا.
والثالث: اختلافهم في أشياء من القرآن والحديث، يذهب بعضهم إلى أنها نسخت، وبعضهم إلى أنها لم تنسخ".(10/314)
ص -209-…والثامن: ورود الأدلة على وجوه تحتمل الإباحة وغيرها كالاختلاف في الأذان والتكبير على الجنائز ووجوه القراءات1.
هذه تراجم ما أورد ابن السيد في كتابه، ومن أراد التفصيل فعليه به، ولكن إذا عرض جميع ما ذكر على ما تقدم تبين به تحقيق القول فيها، وبالله التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال ابن السيد في "التنبيه" "ص221": "هذا النوع من الخلاف يعرض من قبل أشياء وسع الله فيها -عز وجل- على عباده، وأباحها لهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، كاختلاف الناس في الأذان...".
قلت: وهذا يطلق عليه ابن قتيبة في "تأويل القرآن" "24، 33" وكذا ابن تيمية في "رفع الملام" و"مقدمة في أصول التفسير": "اختلاف تنوع"، وانظر ما قدمناه في التعليق على "ص59".(10/315)
ص -210-…المسألة الثانية عشرة:
من الخلاف ما لا يعتد به في الخلاف، وهو ضربان:
أحدهما: ما كان من الأقوال خطأ مخالفًا لمقطوع به في الشريعة، وقد تقدم التنبيه عليه.
والثاني: ما كان ظاهره الخلاف وليس في الحقيقة كذلك، وأكثر ما يقع ذلك في تفسير الكتاب والسنة، فتجد المفسرين ينقلون عن السلف في معاني ألفاظ الكتاب أقوالًا مختلفة في الظاهر، فإذا اعتبرتها وجدتها تتلاقى1 على العبارة كالمعنى الواحد، والأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل، فلا يصح نقل الخلاف فيها عنه، وهكذا يتفق في شرح السنة، وكذلك في فتاوي الأئمة وكلامهم في مسائل العلم، وهذا الموضع مما يجب تحقيقه، فإن نقل الخلاف في مسألة لا خلاف فيها في الحقيقة خطأ، كما أن نقل الوفاق في موضع الخلاف لا يصح.
فإذا ثبت هذا، فلنقل الخلاف هنا2 أسباب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: يمكن التعبير عنها بعبارة واحدة كما هو شأن المعنى الواحد. "د".
قلت: انظر في هذا: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "6/ 58، 390-391 و13/ 333، 340، 381-383 و19/ 139-140"، و"توجيه النظر" "1/ 44 - ط المحققة"، وفيه تفصيل لفائدة مثل هذا الاختلاف من رسوخ المسألة في النفس ووضوح أمرها ما لا يكون في العبارة الواحدة، على أن بعض العبارات ربما كان فيها شيء من الإبهام أو الإيهام، فيزول ذلك بغيرها، وقد يكون بعضها أقرب إلى فهم بعض الناظرين، فكثيرًا ما تعرض عبارتان متحدتان المعنى لاثنين، تكون إحداهما أقرب إلى فهم أحدهما، والأخرى أقرب إلى فهم الآخر، وهذا مشاهد بالعيان.
2 أي: لنقل الخلاف في الضرب الثاني الذي ليس في الحقيقة بخلاف أسباب أوقعت الناقلين في نقله خلافًا، فالعبارة جيدة لا تحتاج إلى زيادة لفظ كما قيل. "د".
قلت: وهو ما رد على ما قاله "ف": "لعله له أسباب".(10/316)
ص -211-…أحدها: أن يذكر في التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء أو عن أحد من أصحابه أو غيرهم، ويكون ذلك المنقول بعض ما يشمله اللفظ، ثم يذكر غير ذلك القائل أشياء أخر مما يشمله اللفظ أيضا، فينصهما المفسرون على نصهما، فيظن أنه خلاف، كما نقلوا في المن أنه خبز رقاق، وقيل: زنجبيل، وقيل: الترنجبين وقيل: شراب مزجوه بالماء، فهذا كله يشمله1 اللفظ؛ لأن الله من به عليهم، ولذلك جاء في الحديث: "الكمأة من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل"2، فيكون المن جملة نعم، ذكر الناس منها آحادًا.
والثاني: أن يذكر في النقل أشياء تتفق في المعنى بحيث ترجع إلى معنى واحد، فيكون التفسير فيها على قول واحد، ويوهم نقلها على اختلاف اللفظ أنه خلاف محقق، كما قالوا في السلوى إنه طير يشبه السماني وقيل: طير أحمر صفته كذا، وقيل: طير بالهند أكبر من العصفور، وكذلك قالوا في المن: شيء يسقط على الشجر فيؤكل وقيل صمغة حلوة، وقيل: الترنجبين وقيل: مثل رب غليظ وقيل: عسل جامد، فمثل هذا يصح حمله على الموافقة وهو الظاهر فيها3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: وإن كان أنواعًا متغايرة في المعنى، بخلاف ما قيل في المن في السبب الثاني، فإنه اختلاف في مجرد العبارة، والمعنى واحد. "د".
قلت: انظر "مجموع فتاوى ابن تيمية" "13/ 343".
2 أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الأشربة، باب فضل الكمأة ومداواة العين بها، 3/ 1620/ رقم 2049 بعد 159" عن سعيد بن زيد رضي الله عنه، وتتمته: "وماؤها شفاء للعين".
وأخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب التفسير، باب {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}... 8/ 163/ رقم 4478، وباب {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا...} / 303/ رقم 4639، وكتاب الطب، باب المن شفاء العين 10/ 163/ رقم 5708" عنه مختصرًا بلفظ: "الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين".(10/317)
3 انظر في هذا: "مجموع الفتاوى" "13/ 341-342 و19/ 139-140".(10/318)
ص -212-…والثالث: أن يذكر أحد الأقوال على تفسير اللغة، ويذكر الآخر على التفسير المعنوي، وفرق بين تقرير الإعراب1 وتفسير المعنى، وهما معًا يرجعان إلى حكم واحد؛ لأن النظر اللغوي راجع إلى تقرير أصل الوضع، والآخر2 راجع إلى تقرير المعنى في الاستعمال، كما قالوا في قوله تعالى: {وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِين} [الواقعة: 73]، أي: المسافرين، وقيل: النازلين بالأرض القواء وهي القفر، وكذلك قوله: {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} [الرعد: 31]، أي: داهية تفجؤهم3، وقيل: سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشباه ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وانظر لم أطلق على بيان المعنى الوضعي إعرابًا؟ "د".
قال: "ف": "لعله: "تقرير الإعراب"، وكذا ما بعده".
قلت: لأنه ورد في الأصل، وفيه وفي "ماء" و"ط": "تقدير".(10/319)
2 هذا الآخر مبني على الأول، ففي المثال الأول المسافرون لازم عرفًا للنازلين بالأرض القفر ألجأتهم الضرورة إلى النزول فيها، فيكون بهذا الاعتبار مجازًا، وسيأتي في السبب الثامن، فإن كان على اعتبار معنى المسافرين تحقيق فيه الكلي، فيكون حقيقة، لكنه يكون من السبب الأول، وكذا المثال الثاني، فإن كان باعتبار أنه يلزم من وصول السرية إليهم قرعهم ورميهم بالأمر العظيم، فمجاز، وإن كان باعتبار أن السرية جزئي من القارعة تحققت فيه، فحقيقة، ويلزمهما ما، لزم سابقهما، فلم يأت بمثال يحقق أن هذا سبب ثالث مستقل عن الأسباب الأخرى، إلا أن يقال: إنه يقصد المعنى الاستعمالي الذي تقدم له في المسألة الثالثة من العموم والخصوص، وأن المعنى الاستعمالي الذي يفهم بواسطة القرائن والمقامات ومقتضيات الحال يكون حقيقة أشبه بالحقيقة الشرعية، وعليه يكون تقرير الكلام على أصل الوضع حقيقة، وتقريره بحسب المقاصد الاستعمالية حقيقة أيضًا، فيكون هذا السبب الثالث مغايرًا للأول وللثامن، راجع المسألة المشار إليه ليتضح غرضه ويستقيم كلامه. "د".
3 القارعة من القرع، وهو ضرب الشيء بالشيء، استعملت مجازًا في الداهية المهلكة، كما في قوله تعالى: {الْقَارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ} "القارعة: " 1-2"، وفي "البيضاوي" "أي: داهية تقرعهم وتقلعهم"، فاللفظ محرف على كل حال!! "د".
قلت: وقع عنده وفي "ط" "تفجوهم" من غير همز، فقال: "محرف"، فتنبه.(10/320)
ص -213-…والرابع: أن لا يتوارد الخلاف على محل واحد، كاختلافهم1 في أن المفهوم له عموم أولا، وذلك أنهم قالوا: لا يختلف القائلون بالمفهوم2 أنه عام فيما سوى المنطوق به، والذين نفوا العموم أرادوا أنه لا يثبت بالمنطوق به، وهو مما لا يختلفون فيه أيضًا، وكثير من المسائل، على هذا السبيل فلا يكون في المسألة خلاف، وينقل فيها الأقوال [على]3 على أنها خلاف.
والخامس: يختص بالآحاد في خاصة أنفسهم، كاختلاف الأقوال بالنسبة إلى الإمام الواحد، بناء على تغير الاجتهاد والرجوع عما أفتى به إلى خلافه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 على رأي بعض الكاتبين هنا يكون خلافًا حقيقيا مبينًا على خلاف حقيقي، فمن يعتبر المفهوم دليلًا شرعيًا يقول: يعم، ومن قال: ليس بدليل شرعي، يقول: لا عموم ولا خصوص؛ لأن المفهوم غير معتد به، حتى يقال: إنه يعم أو لا يعم، ولكن كلام المؤلف ليس في الخلاف بين القائلين بجعل المفهوم دليلًا شرعيًا وبين غيرهم، بل الخلاف بين فريق القائلين باعتبار المفهوم دليلًا شرعيًا أنفسهم، كما قال العضد في "شرح ابن الحاجب" "2/ 120"، وعبارته هكذا: "الذين قالوا بالمفهوم اختلفوا في أن له عمومًا أم لا، فقال الأكثر: له عموم، ونفاه الغزالي، وإذا حرر محل النزاع لم يتحقق خلاف" اهـ. فقول المؤلف: "والذين نفوا العموم وأرادوا... إلخ"، أي: الذين نفوه ممن قالوا بالمفهوم كالغزالي، ووجه كون ذلك لا يتحقق به خلاف مبسوط في "شرح العضد" و"حواشيه"، فليرجع إليه. "د".
قلت: انظر الهامش الآتي والتعليق عليه.(10/321)
2 أي: المتمسكون به في الاستدلال متفقون على عمومه فيما سوى المنطوق، بناء على أن العموم لا يختص بالألفاظ كما في قوله عليه السلام: "في سائمة الغنم زكاة"، فلا زكاة عندهم في كل معلوفة، والنافون لعمومه يقولون بعدم اعتبار المفهوم في الاستدلال رأسًا، فالخلاف في عمومه، وعدمه لم يتوارد على محل واحد، وهو المفهوم المعتبر في الاستدلال نعم، الخلاف في كون المفهوم معتبرًا أو لا خلاف حقيقي. "ف".
قلت: انظر في هذا: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "31/ 105-110"، و"المحصول" "2/ 401"، و"البحر المحيط" "3/ 163" للزركشي.
3 ما بين المعقوفتين سقط "من "م".(10/322)
ص -214-…فمثل هذا لا يصح أن يعتد به خلافًا في المسألة؛ لأن رجوع الإمام عن القول الأول إلى القول الثاني اطراح منه للأول ونسخ له بالثاني، وفي هذا من بعض المتأخرين تنازع، والحق فيه ما ذكر أولًا1، ويدل عليه ما تقدم في مسألة أن الشريعة على قول واحد، ولا يصح فيها غير ذلك، وقد يكون هذا الوجه على أعم مما ذكر كأن يختلف العلماء على قولين ثم يرجع أحد الفريقين إلى الآخر، كما ذكر عن ابن عباس2 في المتعة وربا الفضل، وكرجوع3 الأنصار إلى المهاجرين في مسألة الغسل من التقاء الختانين، فلا ينبغي أن يحكى مثل هذا في مسائل الخلاف.
والسادس: أن يقع الاختلاف في العمل لا في الحكم، كاختلاف القراء في وجوه القراءات، فإنهم لم يقرؤوا به على إنكار غيره، بل على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 على تفصيل تراه في: "إعلام الموقعين" "4/ 223"، و"البحر المحيط" "6/ 266" للزركشي، و"الفتيا ومناهج الإفتاء" "ص137-142 - ط الدار السلفية" للشيخ محمد الأشقر، و"الاجتهاد في الإسلام" "ص215-216" لنادية العمري.
2 أنه رجع عن حلهما الذي كان مخالفًا فيه للجمهور إلى تحريمهما. "د".
قلت: انظر في رجوع ابن عباس عن ربا الفضل في: "المعرفة والتاريخ" "3/ 27"، و"مصنف عبد الرزاق" "8/ 118-119"، و"التاريخ الكبير" "1/ 2/ 487"، و"المطالب العالية" "1/ 388-389"، "شرح معاني الآثار" "4/ 64-65"، و"الكفاية" "ص28"، و"الفقيه" والمتفقه" "1/ 140-143"، كلاهما للخطيب، و"ذكر أخبار أصبهان" "1/ 230"، و"المعجم الأوسط" "رقم 1561" للطبراني، و"الاعتبار" "ص248، 250" للحازمي، و"التمهيد" "4/ 74"، و"تاريخ واسط" "ص93"، و"فتح الباري" "4/ 381-382"، و"المغني" "4/ 1-3"، و"تحفة الأحوذي" "4/ 442".
3 تقدم له في المسألة الثانية عشرة من كتاب الأدلة في فتوى زيد بن ثابت ورفاعة بن رافع وكلام عمر معهما. "د".
قلت: انظر تخريجها هناك "3/ 275".(10/323)
ص -215-…إجازته والإقرار بصحته، وإنما وقع الخلاف بينهم في الاختيارات، وليس في الحقيقة باختلاف، فإن المرويات على الصحة منها لا يختلفون1 فيها.
والسابع: أن يقع تفسير الآية أو الحديث من المفسر الواحد على أوجه من الاحتمالات، ويبني على كل احتمال ما يليق به من غير أن يذكر خلافًا في الترجيح، بل على توسيع المعاني خاصة، فهذا ليس بمستقر خلافً؛ إذ الخلاف مبني على التزام كل قائل احتمالًا يعضده بدليل يرجحه على غيره من الاحتمالات حتى يبني عليه [دون غيره]، وليس الكلام في مثل هذا.
والثامن: أن يقع الخلاف في تنزيل المعنى الواحد، فيحمله قوم على المجاز مثلًا وقوم على الحقيقة، والمطلوب أمر واحد2، كما يقع لأرباب التفسير كثيرًا في نحو قوله: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَي} [يونس: 31]، فمنهم من يحمل الحيات والموت على حقائقهما، ومنهم من يحملهما على المجاز، ولا فرق في تحصيل المعنى بينهما، ونظير هذا قول ذي الرمة:
وظاهر لها من يابس الشخت
وبائس الشخت وقد مر بيانه 3، وقول ذي الرمة4 فيه: إن "بائس" و"يابس" واحد، ومثل ذلك قوله: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيم} [القلم: 20]،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فلا يتأتى الاختلاف بينهم في المتواتر. "د".
2 أي: نحصل عليه على محمل، كما سيقول: "فلا فرق... إلخ". "د".
3 أي: في المسألة الرابعة من النوع الثاني في بيان قصد الشارع في وضع الشريعة للأفهام. "ف" و"م".
قلت: انظره والتعليق عليه "2/ 133".
4 أي: حيث سائل أنشدت البيت أولًا بلفظ: "يائس"، ثم بلفظ: "بائس". "ف" و"م".(10/324)
ص -216-…فقيل: كالنهار بيضاء لا شيء فيها، وقيل: كالليل سوداء لا شيء فيها، فالمقصود شيء واحد وإن شبه بالمتضادين اللذين لا يتلاقيان.
والتاسع: أن يقع الخلاف في التأويل1 وصرف الظاهر عن مقتضاه إلى ما دل عليه الدليل الخارجي، فإن مقصود كل متأول الصرف عن ظاهر اللفظ إلى وجه يتلاقى مع الدليل الموجب للتأويل2، وجميع التأويلات في ذلك سواء، فلا خلاف في المعنى المراد، وكثيرًا ما يقع هذا في الظواهر الموهمة للتشبيه، وتقع في غيرها كثيرًا أيضًا، كتأويلاتهم3 في حديث4 خيار المجلس بناء على رأي5 مالك فيه، وأشباه ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: في تعين المراد، وإن اتفقوا على صرف اللفظ عن ظاهره إلى ما يساعد عليه الدليل، فالتأويل في كلامه بمعنى المآل كما في قوله تعالى: {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} "النساء: 59" "د".
2 هذا معنى التأويل عند المتأخرين بخلاف معناه عند السلف، انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "5/ 35-36 و13/ 278-291"، وكتاب محمد السيد الجليند "الإمام ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل".
3 وكيف لا يكون اختلاف الفهم الموجب لاختلاف الحكم الشرعي من مواضع الاختلاف الحقيقي؟ بل الوجه التاسع كله غير ظاهر في غرضه؛ لأنهم وإن اتفقوا على لزوم التأويل، إلا أنهم اختلفوا اختلافًا حقيقيًّا في المعنى المراد، ومجرد اتفاقهم على أصل التأويل لا يجعل نقل الخلاف خطأ كما يقول. "د".(10/325)
4 وهو كم في "صحيح البخاري" "رقم 2107، 2109" عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا، إلا بيع الخيار"، فالشافعية حملوه على التفرق بالأبدان، واعتمدوا عليه في إثبات خيار المجلس، والمالكية حملوه على التفرق بالأقوال، وهو الفراغ من العقد، فإذا تعاقدا، صح البيع، ولا خيار لهما إلا أن يشترطًا، وتسميتهما بالمتبايعين بمعنى المتساومين مجازًا، فلم يثبتوا خيار المجلس. "ف" و"م".
قلت: انظر تخريجه "1/ 425، 3/ 197".
5 لم يأخذ مالك بظاهر الحديث، مع أنه راو له في بعض طرقه ورفعه، وأخذ بإجماع أهل المدينة على ترك العمل به، ومثل مالك في ترك العمل به أبو حنيفة وأصحابهما، وقد توسع الزرقاني على "الموطأ" "3/ 420-423" في نقل أدلة الطرفين وأبحاثها فيه. "د".
قلت: وانظر ما مضى أيضًا حول هذه المسألة: "3/ 197".(10/326)
ص -217-…والعاشر: الخلاف في مجرد التعبير عن المعنى المقصود وهو متحد1 كما اختلفوا في الخبر: هل هو منقسم إلى صدق وكذب خاصة، أم ثم قسم ثالث ليس بصدق ولا كذب؟
فهذا خلاف في عبارة2، والمعنى متفق عليه3، وكذلك الفرض والواجب يتعلق النظر فيهما مع الحنفية بناء على مرادهم فيهما.
قال القاضي عبد الوهاب4 في مسألة "الوتر أواجب هو؟": "إن أرادوا به أن تركه حرام يجرح فاعله به، فالخلاف بيننا وبينهم في معنى يصح أن تتناوله الأدلة، وإن لم يريدوا ذلك5، وقالوا: لا يحرم6 تركه ولا يجرح فاعله، فوصفه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر: في هذا: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "13/ 341-342".
2 يقولون في مثله: إنه خلاف في حال، وهو قسم ثالث غير الخلاف في العبارة المسمى خلافًا لفظيًا، فلعله أيضًا اصطلاح، والواقع أنه ليس خلافًا حقيقيًا على كل حال؛ لأنه لو نظر كل إلى ما نظر إليه الآخر لم يختلفا. "د".
3 إذ من جعل القسمة ثنائية أراد بالكذب ما قابل الصدق، ومن جعلها ثلاثية أراد به هو أخص من ذلك. "ف".
4 ونحوه له في "الإشراف" "1/ 106-107"، و"المعونة" "1/ 244"، و"التلقين" "1/ 79".
5 قلت: هكذا في الأصل و"د"، و"ف" و"م" و"ط": "لم يرد ذلك"، وكتب "ف": "لعله: "وإن لم يريدوا ذلك، وقالوا: لا يحرم..." إلخ، وعلى هذا، فلا فرق بين الواجب عندهم والمسنون عند غيرهم في المعنى، ويكون تقسيم المطلوب فعله أكيدًا إلى فرض وواجب كتقسيم غيرهم إله إلى فرض وسنة".
6 وعلى هذا الوجه يصح كونه مثالًا لا على الوجه الأول الذي هو المعروف عند الحنفية في الوتر؛ لأن الوتر عندهم واجب يأثم المكلف بتركه، بل هو فرض عملي يفوت الجواز -أي =(10/327)
ص -218-…بأنه واجب خلاف في عبارة لا يصح الاحتجاج عليه".
وما قاله حق، فإن العبارات لا مشاحة فيها، ولا ينبني على الخلاف فيها حكم، فلا اعتبار بالخلاف فيها.
هذه عشرة أسباب لعدم الاعتداد بالخلاف، يجب أن تكون على بال من المجتهد، ليقيس عليها ما سواها، فلا يتساهل فيؤدي ذلك إلى مخالفة1 الإجماع.
فصل:
وقد يقال: إن ما يعتد به من الخلاف في ظاهر الأمر يرجع في الحقيقة إلى الوفاق1 أيضًا.
وبيان ذلك أن الشريعة راجعة إلى قول واحد كما تبين قبل هذا، والاختلاف في مسائلها راجع إلى دورانها بين طرفين واضحين أيضًا يتعارضان في أنظار المجتهدين، وإلى خفاء بعض الأدلة وعدم الإطلاع عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الصحة- بفوته، فلو شرع في الفجر ثم تذكر أن عليه الوتر، فسد الفجر، ووجب قضاء الوتر أولًا كما هو شأن الفرائض من حيث وجوب الترتيب للفوائت مع الحاضرة إذا كانت الفوائت ستًّا فأقل، والواجب الصرف عندهم هو ما ثبت بدليل ظني فيه شبهة، كقراءة السورة، وقنوت الوتر، وتكبيرات العيد، وهذه وأمثالها لا يفوت الجواز بفوتها، ولكن تركها عمدًا مؤثم، وسهوا مقتض لسجود السهو، فالخلاف بين المالكية وبينهم في الوتر خلاف حقيقي يصح أن تتناوله الأدلة. "د".
قلت: انظر تفويت الجواز بفوت الوتر عند الحنفية في: "المبسوط" "2/ 87"، و"حاشية ابن عابدين" "1/ 95"، و"المطالب المنيفة" "ص46-47 - بتحقيقي".
1 أي: بإثباته الخلاف في محل الإجماع. "د".
2 أي: في التحري عن مقصد الشارع وإن كان الحكم الذي قرره كل منهما يخالف الآخر. "د".(10/328)
ص -219-…أما هذا الثاني، فليس في الحقيقة خلافًا؛ إذ لو فرضنا اطلاع المجتهد على ما خفي عليه لرجع1 عن قوله، فلذلك ينقض لأجله قضاء القاضي.
أما الأول، فالتردد بين الطرفين تحر2 لقصد الشارع المستبهم بينهما من كل واحد من المجتهدين، واتباع للدليل المرشد إلى تعرف قصده، وقد توافقوا في هذين القصدين توافقًا لو ظهر معه لكل واحد منهم خلاف ما رآه لرجع إليه، ولوافق صاحبه فيه، فقد صار هذا القسم في المعنى راجعًا إلى القسم الثاني3، فليس الاختلاف في الحقيقة إلا في الطريق المؤدي إلى مقصود الشارع الذي هو واحد، إلا أنه لا يمكن رجوع المجتهد عما أداه إليه اجتهاده بغير بيان اتفاقًا، وسواء علينا أقلنا بالتخطئة أم قلنا بالتصويب، إذا لا يصح للمجتهد أن يعمل على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وقد وقع ذلك من مالك وغيره من المجتهدين، فكل مجتهد منهم لقي مجتهدًا آخر، واطلع على أدلة لم تكن عنده رجع عن رأيه، كما في مسألة تخليل أصابع الرجلين كان مالك يقول: "إنه تعمق في الوضوء"، فلما بلغه أنه عليه الصلاة والسلام كان يفعله رجع إلى استحبابه1، وكما اتفق لأبي يوسف مع مالك في المد والصاع حتى رجع لموافقة مالك، وكما سبق قريبًا عن ابن عباس وعن الأنصار أيضًا. "د".
2 لا يخفى أن التردد بين الطرفين وصف للفعل نفسه وليس من عمل المجتهد، والذي للمجتهد هو الرد على أحدهما، بتحريه الدليل المرشد إلى أخذ الفعل حكم أحد الطرفين دون الآخر، فالعبارة -كما ترى- فيها ركة ونبو عن هذا المقصود، ولو قال: "فالرد إلى أحد الطرفين تحر... إلخ"، لكان جيدًا، وقوله: "هذين القصدين" هما في الحقيقة قصد واحد، وهو الوصول إلى قصد الشارع باتباع الدليل المرشد إلى تعرفه. "د".
3 فإن مخالفة أحدهما لقصد الشارع في الواقع -بناء على اتحاد الحكم، وأن من أصابه، ومن أخطأه أخطأ- إنما ترتبت على استبهام الدليل وخفائه عليه. "د".(10/329)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ذلك في: "مقدمة الجرح والتعديل" "ص31-32"، و"السنن الكبرى" "1/ 81" للبيهقي.(10/330)
ص -220-…قول غيره وإن كان مصيبًا أيضًا، كما لا يجوز له ذلك إن كان عنده مخطئًا، فالإصابة على قول المصوبة إضافية1، فرجع القولان إلى قول واحد بهذا الاعتبار، فإذا كان كذلك، فهم في الحقيقة متفقون لا مختلفون.
ومن هنا يظهر وجه الموالاة والتحاب والتعاطف فيما بين المختلفين في مسائل الاجتهاد2، حتى لم يصيروا شيعًا ولا تفرقوا فرقًا؛ لأنهم مجتمعون على طلب قصد الشارع، فاختلاف الطرق غير مؤثر، كما لا اختلاف بين المتعبدين لله بالعبادات المختلفة، كرجل تقربه الصلاة، وآخر تقربه الصيام، وآخر تقربه الصدقة إلى غير ذلك من العبادات، فهم متفقون في أصل التوجه لله المعبود وإن اختلفوا في أصناف التوجه، فكذلك المجتهدون لما كان قصدهم إصابة مقصد الشارع صارت كلمتهم واحدة وقولهم واحدًا، ولأجل ذلك لا يصح لهم ولا لمن قلدهم التعبد بالأقوال المختلفة كما تقدم3؛ لأن التعبد بها راجع إلى اتباع الهوى، لا إلى تحري مقصد الشارع، والأقوال ليست بمقصودة لأنفسها، بل ليتعرف منها المقصد المتحد، فلا بد أن يكون التعبد متحد الوجهة، وإلا، لم يصح، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: بالنسبة للمجتهد نفسه ولمن قلده من غير المجتهدين، لا للواقع، وإلا لما تعدد الصواب، وقوله: "إلى قول واحد"، أي: في هذا المقام، وهو أنه لا يجوز له أن يرجع عن اجتهاده مطلقًا إلا ببينة، لا لمجرد أن غيره مصيب على قول التصويب. "د".
2 ومن أحسن ما حكاه يونس الصدفي قال: "ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يومًا في مسألة ثم افترقنا، ولقيني، وأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى! ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق، في مسألة؟". حكاه الذهبي في ترجمته في "السير".
3 في المسألة الثالثة، وهو أنه ليس للمقلد أن يتخير في الخلاف، ولا بد من الترجيح وتحري مقصد الشارع بأي طريق كان، كما أن المجتهد ليس له أن يأخذ بأحد دليلين بدون ترجيح "د".(10/331)
ص -221-…فصل:
وبهذا يظهر أن الخلاف -الذى هو في الحقيقة خلاف1 - ناشئ عن الهوى المضل2، لا عن تحري قصد الشارع باتباع الأدلة على الجملة والتفصيل، وهو الصادر عن أهل الأهواء، وإذا دخل الهوى أدى إلى اتباع المتشابه حرصًا على الغلبة والظهور بإقامة العذر في الخلاف، وأدى إلى الفرقة والتقاطع والعداوة والبغضاء، لاختلاف الأهواء وعدم اتفاقها، وإنما جاء الشرع بحسم مادة الهوى بإطلاق3، وإذا صار الهوى بعض مقدمات الدليل لم ينتج إلا ما فيه اتباع الهوى، وذلك مخالفة الشرع، ومخالفة الشرع ليست من الشرع في شيء، فاتباع الهوى من حيث يظن أنه اتباع للشرع، ضلال في الشرع ولذلك سميت البدع ضلالات، وجاء: "إن كل بدعة ضلالة"4؛ لأن صاحبها مخطئ من حيث توهم أنه مصيب، ودخول الأهواء في الأعمال خفي5، فأقوال أهل الأهواء غير معتد بها في الخلاف المقرر في الشرع، فلا خلاف6 حينئذ في مسائل الشرع من هذه الجهة.
فإن قيل: هذا مشكل، فإن العلماء قد اعتدوا بها في الخلاف الشرعي، ونقلوا أقوالهم في علمي الأصول، وفرعوا عليها الفروع، واعتبروهم في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "استدراك2".
2 ذكر نحوه في "الاعتصام"، في "الباب التاسع: في السبب الذي لأجله افترقت فرق المبتدعة عن جماعة المسلمين، 2/ 683 وما بعدها -ط ابن عفان"، وكذا في المسألة الثامنة من الجزء الثاني "2/ 737".
3 بعدها في "ط": "فاتباعه مخالفة للشرع بإطلاق".
4 مضى تخريجه.
5 قد لا يشعر به صاحبه، فيتوهم أنه مصيب في اجتهاده الذي بعض مقدماته مبني على الهوى. "د".
6 أي: يلزم أن نخرج من الشريعة جميع الأقوال التي دخلها الهوى باتباع المتشابه، فلا تحسب منها، ولا يقال بالنسبة لها: إن هناك خلافًا. "د".(10/332)
ص -222-…الإجماع [والاختلاف]، وهذا هو الاعتداد بأقوالهم.
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أنا لا نسلم أنهم اعتدوا بها، بل إنما أتوا بها ليردوها ويبينوا فسادها، كما أتوا بأقوال اليهود والنصارى وغيرهم ليوضحوا ما فيها، وذلك في علمي الأصول معًا بين، وما يتفرع عنها1 مبني عليها.
والثاني: إذا سلم اعتدادهم بها، فمن جهة أنهم غير متبعين للهوى بإطلاق، وإنما المتبع للهوى على الإطلاق من لم يصدق بالشريعة رأسًا، وأما من صدق بها وبلغ فيها مبلغًا يظن به أنه غير متبع إلا مقتضى الدليل يصير إلى حيث أصاره، فمثله لا يقال فيه: إنه متبع للهوى مطلقًا، بل هو متبع للشرع، ولكن بحيث يزاحمه الهوى في مطالبه من جهة اتباع المتشابه، فشارك أهل الهوى في دخول الهوى في نحلته، وشارك أهل الحق في أنه لا يقبل إلا ما عليه دليل على الجملة.
وأيضًا، فقد ظهر منهم اتحاد القصد على الجملة مع أهل الحق في مطلب واحد، وهو اتباع الشريعة، وأشد مسائل الخلاف مثلًا مسألة إثبات الصفات حيث نفاها من نفاها، فإنا إذا نظرنا إلى الفريقين وجدنا كل فريق حائمًا حول حمى التنزيه ونفي النقائص وسمات الحدوث، وهو مطلوب الأدلة، فاختلافهم في الطريق قد لا يخل بهذا القصد في الطرفين معًا2، وهكذا إذا اعتبرت سائر المسائل الأصولية.
وإلى هذا3، فإن منها ما يشكل وروده ويعظم خطب الخوض فيه، ولهذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "د": "عنها".
2 نحوه في "الاعتصام" "2/ 695" مبرهنًا به على عدم كفر أصحاب البدع والأهواء.
2 أي: يضاف إلى أنهم طالبون للحق في تنزيه الله تعالى -وإن لم يصادفوا صميم الحق في كثير من المسائل التي خالفوا فيها- أن هناك من مسائل خلافهم ما هو مشكل في ذاته، ويصعب الخوض في الكشف عن اليقين فيه، فربما كان لهم وجه في جانب هذه المشكلات، ولذلك لم يصرح الشارع بخروجهم... إلخ. "د".(10/333)
ص -223-…لم يظهر من الشارع خروجهم عن الإسلام بسبب بدعهم.
وأيضًا، فإنهم لما دخلوا في غمار المسلمين، وارتسموا في مراسم المجتهدين منهم بحسب ظاهر الحال، وكان الشارع في غالب الأمر قد أشار إلى عدم تعيينهم، ولم يتميزوا إلا بحسب الاجتهاد في بعضهم، ومدارك الاجتهاد تختلف، لم يمكن1 والحال هذه إلا حكاية أقوالهم، والاعتداد بتسطيرها والنظر فيها، واعتبارهم في الوفاق والخلاف ليستمر النظر فيه، وإلا أدى إلى عدم الضبط2، ولهذا تقرير3 في كتاب الاجماع، فلما اجتمعت هذه الأمور، نقل خلافهم.
وفى الحقيقة، فمن جهة ما اتفقوا فيه مع أهل الحق حصل التآلف، ومن جهة ما اختلفوا حصلت الفرقة، وإذا كان كذلك، فجهة الائتلاف لا خلاف فيها في الحقيقة لصحتها واتحاد حكمها، وجهة الاختلاف هم4 مخطئون فيها قطعًا، فصارت أقوالهم زلات لا اعتبار بها في الخلاف، فالاتفاق حاصل إذن على كل تقدير.
فالحاصل من مجموع هذه المسألة أن كلمة الإسلام متحدة على الجملة في كل مسألة شرعية، ولولا الإطالة لبسط هذا الموضع بأدلته التفصيلية وأمثلته الشافية، ولكن ما ذكر فيها كافٍ، والله الموفق للصواب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل: "يكن".
2 أي: وعدم تميز حقهم من باطلهم، فيرد كل ما ينسب إليهم ولو كان حقًا، وذلك لا يصح. "د".
3 فقد اختلفوا: هل يشترط عدالة المجمعين، أم لا؟ والحنفية تشترط، وعليه يبتنى شرط عدم البدعة، إذا لم يكفر بها كالخوارج، والحنفية قالوا: يشترط عدم بدعته إذا دعا إليها، فإن لم يدع إليها، كان قوله في غير بدعته معتبرًا في انعقاد الإجماع. "د". قلت: انظر "ص275 والتعليق عليها".
4 كذا في "ط"، وفي غيره: "فهم".(10/334)
ص -224-…المسألة الثالثة عشرة:
مر الكلام فيما يفتقر إليه المجتهد من العلوم، وأنه إذا حصلها، فله الاجتهاد بالإطلاق.
وبقي النظر في المقدار الذى إذا وصل إليه فيها توجه عليه الخطاب بالاجتهاد بما أراه الله، وذلك أن طالب العلم إذا استمر في طلبه مرت عليه أحوال ثلاثة: أحدها: أن يتنبه عقله إلى النظر فيما حفظ والبحث عن أسبابه، وإنما ينشأ هذا عن شعور بمعنى1 ما حصل، لكنه مجمل بعد، وربما ظهر2 له في بعض أطراف المسائل جزئيا لا كليا، وربما لم يظهر بعد، فهو ينهي البحث نهايته ومعلمه عند ذلك يعينه بما يليق به في تلك الرتبة، ويرفع عنه أوهامًا وإشكالات تعرض له في طريقه، يهديه إلى مواقع إزالتها [ويطارحه] في الجريان على مجراه، مثبتًا قدمه، ورافعًا وحشته، ومؤدبًا له حتى يتسنى له النظر والبحث على الصراط المستقيم.
فهذا الطالب3 حين بقائه هنا، ينازع الموارد الشرعية وتنازعه، ويعارضها وتعارضه، طمعًا في إدراك أصولها والاتصال بحكمها ومقاصدها، ولم تتلخص له بعد، لا يصح4 منه الاجتهاد فيما هو ناظر فيه؛ لأنه لم يتخلص له مسند4 الاجتهاد، ولا هو منه على بينة بحيث ينشرح صدره بما يجتهد فيه، فاللازم له الكف والتقليد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: بسره وحكمته. "د".
2 أي: مفصلًا. "د".
3 وضع ناسخ الأصل فوق كلمة الطالب: "مبتدأ"، وفوق كلمة لا يصح. "خبر".
4 كذا في "ط"، وفي غيره: "مسند".(10/335)
ص -225-…والثاني: أن ينتهي بالنظر إلى تحقيق1 معنى ما حصل على حسب ما أداه إليه البرهان الشرعي، بحيث يحصل له اليقين ولا يعارضه شك، بل تصير الشكوك -إذا أوردت عليه- كالبراهين2 الدالة على صحة ما في يديه، فهو يتعجب3 من المتشكك في محصوله كما يتعجب من ذي عينين لا يرى ضوء النهار لكنه استمر به4 الحال إلى أن زل محفوظه5 عن حفظه حكمًا، وإن كان موجودا عنده، فلا يبالي في القطع على المسائل، أنص عليها أو على خلافها أم لا.
فإذا حصل الطالب على هذه المرتبة6، فهل يصح منه الاجتهاد في الأحكام الشرعية أم لا؟ هذا محل نظر والتباس، ومما يقع فيه الخلاف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ويكون ذلك بتمام علمه بالمراتب الثلاث: الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات، ومكملاتها، واستقصاء انبثاثها في أبواب الشريعة، بحيث تكون ميزانًا يزن به كل ما يرد عليه من قواعد الشريعة وتفاصيلها المنصوص على أدلتها من كتاب وسنة... إلخ. "د".
2 لأن دفع الشكوك عن العقيدة بسهولة مما يزيد صاحب العقيدة ثباتًا ورسوخًا في اعتقاده، حيث إن ما يورد عليه فيها لا يجد صعوبة في دفعه. "د".
3 في "ط": "يعجب".
4 في الترقي لإدراك مقاصد الشريعة وأصولها، حتى صار تعلقه بتلك الكليات وكأن محفوظاته من النصوص الجزئية والقواعد الشرعية غابت عن حافظته، وإن كانت في الواقع لا تزال عنده، إلا أن همته منصرفة إلى التعويل على كليات المقاصد وأصول الشريعة، حتى إنه لا يبالي في استنباطه الحكم: أنص على دليله الخاص أم لا؟ بل لو نص على دليل خلافه، لكان حكمه عنده مقتضى الكليات ولو خالفت النص؛ لأنه لم يصل بعد إلى ملاحظة الخصوصيات مع الكليات، فهذه مرتبة متوسطة بين المرتبة الأولى والثالثة الآتية، ومثاله يأتي في إعمال ذي الرأي رأيه مطلقًا، حتى إذا خالفه نص جزئي رده إلى الكلي الذي اعتمده. "د".(10/336)
5 أي: من الأدلة التفصيلية ومن القواعد الشرعية التي سماها سبابقًا جزئيًا إضافيًا. "د".
6 وليكن على البال أن الفرض أنه وصل لهذه المرتبة باستقصائه بنفسه موارد الشريعة، حتى صار مجتهدًا في الأصول، فمن عرف الأصول تقليدًا لغيره مهما قتلها خبرة، فليس من أهل هذه المرتبة. "د".(10/337)
ص -226-…وللمحتج للجواز أن يقول: إن المقصود الشرعي إذا كان هذا الطالب قد صار له أوضح من الشمس، وتبينت له معاني النصوص الشرعية حتى التأمت وصار1 بعضها عاضدًا للبعض، ولم يبق عليه في العلم بحقائقها مطلب2، فالذي حصل عنده هو كلية الشريعة، وعمدة النحلة، ومنبع التكليف، فلا عليه أنظر في خصوصياتها المنصوصة3 أو مسائلها الجزئية أم لا؛ إذ لا يزيده النظر في ذلك زيادة؛ إذ لو كان كذلك، لم يكن واصلًا بعد إلى هذه المرتبة، وقد فرضناه واصلًا، هذا خلف.
ووجه ثان، وهو أن النظر في الجزئيات والمنصوصات إنما مقصوده التوصل إلى ذلك4 المطلوب الكلي الشرعي، حتى يبني عليه فتياه ويرد إليه حكم اجتهاده، فإذا كان حاصلًا، فالتنزل إلى الجزئيات طلب لتحصيل الحاصل، وهو محال.
ووجه ثالث5، وهو أن كلي المقصود الشرعي إنما انتظم له من التفقه في الجزئيات والخصوصيات وبمعانيها ترقى إلى ما ترقى إليه، فإن تكن في الحال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل و"ماء": "صارت".
2 فقد عرف الضروري والحاجي والتحسيني ومكملاتها في سائر الأبواب، وصار لا يخفى عليه من ذلك شيء، فصارت مقاصد الشارع في سائر الأبواب متميزة عنده كل التميز. "د".
3 أي: الوارد فيها الأدلة التفصيلية، وقوله: "أو مسائلها الجزئية"، أي: الإضافية، وهي القواعد المتعلقة بالأبواب الفقهية. "د".
4 تقدم بيانه بتوسع في المسألة الأولى من كتاب الأدلة في قوله: "فإن قيل: الكلي لا يثبت كليًا إلا من استقراء الجزئيات كليًا أو أكثرها، فالنظر بعد ذلك إلى الجزيئات عناء... إلخ". "د".
5 هذا الوجه لا يسلم أنه قطع النظر عن الجزئي، بل يقول: إنه منظور إليه وحاكم في الواقع، وما قبله يقول: لا مقتضى للنظر إليه بعد أن تكون الكلي من جزئياته، فالنظر فيه تحصيل حاصل. "د". وسقطت "وهو" من"ط".(10/338)
ص -227-…غير حاكمة عنده لاستيلاء المعنى الكلي، فهي حاكمة في الحقيقة؛ لأن المعنى الكلي منها انتظم، ولأجل ذلك لا تجد صاحب هذه المرتبة يقطع بالحكم بأمر إلا وقامت1 له الأدلة الجزئية عاضدة وناصرة، ولو لم يكن كذلك لم تعضده ولا نصرته، فلما كان كذلك، ثبت أن صاحب هذه المرتبة2 متمكن جدًّا من الاستنباط والاجتهاد، وهو المطلوب.
وللمانع أن يحتج على المنع من أوجه:
- منها: أن صاحب هذه المرتبة إذا فاجأته حقائقها، وتعاضدت مراميها، واتصل له بالبرهان ما كان منها عنده مقطوعًا حتى صارت الشريعة في حقه أمرًا متحدًا ومسلكًا منتظمًا، لا يزل عنه من مواردها فرد، ولا يشذ له عن الاعتبار منها خاص إلا3 وهو مأخوذ بطرف لا بد من اعتباره عن طرف آخر لا بد أيضًا من اعتباره؛ إذ قد تبين في كتاب الأدلة أن اعتبار الكلي مع اطراح الجزئي خطأ كما في العكس، وإذا كان4 كذلك، لم يستحق من هذا حاله أن يترقي إلى درجة الاجتهاد حتى يكمل ما يحتاج إلى تكميله.
- ومنها: أن للخصوصيات5 خواص يليق بكل محل منها ما لا يليق بمحل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: وإن لم يتنبه إليها عند الاستنباط، وسيأتي للمانع أن ينازعه في اطراد هذا بالحجة الثانية والثالثة. "د".
2 في "ط": "الرتبة".
3 لعل هنا سقطًا حاصله: "لا يترك النظر إلى الجزئي"، وهو جواب إذا، أي إن صاحب هذه الرتبة متحقق بركن من أركان الاجتهاد، غير حاصل على الركن الآخر، وهو اعتبار الجزئي. "د".
4 هذه هي القضية الكبرى في الدليل، فهي بمنزلة قوله: "وكل من كان كذلك، لم يستحق درجة الاجتهاد. "د".
وكتب "ف": "إعادة للشرط قبله، وجوابه قوله: "لم نستحق... إلخ"".
5 في "ط": "للخصوصية".(10/339)
ص -228-…آخر كما في النكاح مثلًا، فإنه لا يسوغ أن يجري مجرى المعاوضات1 من كل وجه، كما أنه لا يسوغ أن يجري مجرى الهبات والنحل من كل وجه، وكما في مال العبد2، وثمرة الشجرة، والقرض، والعرايا، وضرب الدية على العاقلة، والقراض، والمساقاة، بل لكل باب ما يليق به، ولكل خاص خاصية تليق به لا تليق بغيره، وكما في الترخصات3 في العبادات والعادات وسائر الأحكام.
وإذا4 كان كذلك -وقد علمنا أن الجميع يرجع مثلًا إلى حفظ الضروريات والحاجيات والتكميليات-، فتنزيل5 حفظها في كل محل على وجه واحد لا يمكن، بل لا بد من اعتبار خصوصيات الأحوال والأبواب، وغير ذلك من الخصوصيات الجزئية فمن كانت عنده الخصوصيات في حكم التبع الحكمي، لا في حكم المقصود العيني بحسب كل نازلة، فكيف يستقيم له جريان ذلك الكلي، وأنه هو مقصود الشارع؟ هذا لا يستمر مع الحفظ على مقصود الشارع.
- ومنها: أن هذه المرتبة يلزمها إذا6 لم يعتبر الخصوصيات ألا يعتبر محالها7 وهي أفعال المكلفين، بل كما يجري الكليات في كل جزئية على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: مع أنهما من مرتبة واحدة، وهي مرتبة الحاجيات. "د".
2 هو وما بعده من المستثنيات من القواعد المانعة، وتقدو له أننا لو طردنا الباب في كل الضروريات لأجل ذلك بالحاجيات أو الضروريات، أما إذا اعتبرنا في كل رتبة ما يليق بها، فإن ذلك يكون محافظة على تلك الرتبة وعلى غيرها من الرتب، فلا بد إذن من اعتبار الجزئيات. "د".
3 وتقدم له أن الترخصات الهادمة للعزائم إعمال لقاعدة الحاجيات في الضروريات؛ لأن هذه الرتب يخدم بعضها بعضًا ويقيد بعضها بعضًا. "د".
4 في "د": "وإن".
5 في "ط": "فتنزل".
6 أي: يلزمها ما ذكر، فاللازم مضمون هذه الجملة الشرطية. "ف". وفي "ط": "أن صاحب هذه... يلزمه إذا...".
7 في "ط": "محلها".(10/340)
ص -229-…الإطلاق يلزمه أن يجريها في كل مكلف على الإطلاق من غير اعتبار بخصوصياتهم، وهذا لا يصح كذلك على ما استمر عليه الفهم في مقاصد الشارع، فلا يصح مع هذا1 إلا اعتبار خصوصيات الأدلة، فصاحب هذه المرتبة لا يمكنه التنزل إلى ما2 تقتضيه رتبة المجتهد، فلا يستقيم مع هذا أن يكون من أهل الاجتهاد.
وإذا تقرر أن لكل احتمال مأخذًا، كانت المسألة بحسب النظر الحقيقي فيها باقية الإشكال3.
ومن أمثلة هذه المرتبة مذهب من نفى القياس جملة وأخذ بالنصوص على الإطلاق، ومذهب من أعمل القياس على الإطلاق ولم يعتبر ما خالفه من الأخبار جملة، فإن كل واحد من الفريقين غاص به الفكر في منحى شرعي مطلق عام اطرد له4 في جملة الشريعة اطرادًا لا يتوهم معه في الشريعة نقص5 ولا تقصير، بل على مقتضى قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم} [المائدة: 3].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: اعتبار خصوصيات المكلفين لا يصح معه إلا اعتبار خصوصيات الأدلة. "د".
2 وهو النظر في الجزئيات والخصوصيات وتفاصيل الأدلة. "د".
3 أي: فلا يمكن الحكم لصاحب هذه المرتبة أو عليه بأهليته للاجتهاد أو عدمها والمؤلف هنا تردد، ولكنه في المسألة الأولى من كتاب الأدلة جزم بالمنع، وقال "3/ 180": "فالحاصل أنه لا بد من اعتبار خصوص الجزئيات مع اعتبار كلياتها"، وضرب مثلًا بمسألة العسل الذي شربه الصفراوي مع الآية الكريمة، إلى أن قال "3/ 183": "فلا يصح إهمال النظر في هذه الأطراف، فإن فيها جملة الفقه، ومن عدم الالتفات إليها أخطأ من أخطأ "، وبالجملة إنما تتضح هذه المسألة تمام الاتضاح بمراجعة تلك المسألة، فراجعها. "د".
قلت: انظرها في "3/ 171 وما بعد".
4 أي: حتى وصل إلى كلية أصولية هي اعتبار القياس عند أحدهما وعند الثاني اعتبار الأدلة التفصيلية لا غير. "د".
5 في ماء: "نقض"، بالضاد المعجمة.(10/341)
ص -230-…فصاحب الرأي يقول: الشريعة كلها ترجع إلى حفظ مصالح العباد ودرء مفاسدهم، وعلى ذلك دلت أدلتها عمومًا وخصوصًا، دل على ذلك الاستقراء، فكل فرد جاء مخالفًا فليس بمعتبر شرعًا؛ إذ قد شهد الاستقراء بما يعتبر1 مما لا يعتبر، لكن على وجه كلي عام، فهذا الخاص المخالف يجب رده وإعمال مقتضى الكلي العام؛ لأن دليله قطعي، ودليل الخاص ظني فلا يتعارضان.
والظاهري يقول: الشريعة إنما جاءت لابتلاء المكلفين أيهم أحسن عملًا، ومصالحهم تجري على حسب ما أجراها الشارع، لا على حسب أنظارهم2، فنحن من اتباع مقتضى النصوص على يقين في الإصابة، من حيث إن الشارع إنما تعبدنا بذلك وإتباع المعاني رأي، فكل ما خالف النصوص منه غير معتبر؛ لأنه أمر خاص مخالف لعام الشريعة، والخاص الظني لا يعارض العام القطعي.
فأصحاب الرأي جردوا المعاني3، فنظروا في الشريعة بها، واطرحوا خصوصيات الألفاظ، والظاهرية جردوا مقتضيات الألفاظ، فنظروا في الشريعة بها، واطرحوا خصوصيات المعاني القياسية، ولم تتنزل واحدة من الفرقتين4 إلى النظر فيما نظرت فيه الأخرى بناء على كلي ما اعتمدته في فهم الشريعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو ما كان من مقاصد الشارع في المراتب الثلاثة. "د".
2 أي: التي من شأنها أن تختلف في الحكم على الشيء الواحد بأنه مصلحة أو مفسدة. "د".
3 أي: الأسرار والحكم والمصالح والمفاسد التي فهموها مقصدًا للشارع من استقرائهم لموارد الشريعة، أما الظاهرية، فلم يلتفتوا إلى الحكم والأسرار والتفتوا إلى مدلولات التراكيب، ووقفوا عندها ولو كانت في نظرها مخالفة لما يفهمونه مصلحة. "د".
4 في "ماء": "الفريقين".(10/342)
ص -231-…ويمكن أن يرجع إلى هذا القبيل1 ما خرج ثابت في "الدلائل" عن عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: "وجدت في كتاب جدي: "أتيت مكة، فأصبت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة، فأتيت أبا حنفية فقلت له: ما تقول في رجل باع بيعًا واشترط شرطًا قال: البيع باطل، والشرط باطل. وأتيت ابن أبي ليلى، فقال: البيع جائز والشرط باطل. وأتيت ابن شبرمة، فقال: البيع جائز. والشرط جائز، فقلت: سبحان الله! ثلاثة من فقهاء الكوفة يختلفون علينا في مسألة! فأتيت أبا حنيفة فأخبرته بقولهما، فقال: لا أدري ما قالا، حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط2، فأتيت ابن أبي ليلى فأخبرته بقولهما، فقال: لا أدري ما قالا، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اشتري بريرة واشترطي3 لهم الولاء، فإن الولاء لمن أعتق"4، فأجاز البيع وأبطل الشرط. فأتيت ابن شبرمة فأخبرته بقولهما، فقال: ما أدري ما قالاه5، حدثني مسعود بن حكيم، عن محارب بن دثار، عن جابر بن عبد الله، قال: "اشترى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة6 فشرطت حملاني، فأجاز البيع والشرط"7 اهـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو مطلق الاعتماد على الكليات واطراح الجزئيات، وليس المراد أن هؤلاء الأئمة الثلاثة منهم من نظر إلى المعاني واطرح خصوصيات الألفاظ كأصحاب الرأي، ومنهم من نظر إلى مقتضيات الألفاظ كالظاهرية، كلا، بل جميعهم تمسك بدليل اللفظي في الأحاديث الثلاثة. "د".
2 مضى تخريجه "1/ 427".
3 في الأصل: "فاشترطت"، وكتب "ف": "أي: اقبلي منهم هذا الشرط والتزميه".
4 مضى تخريجه "1/ 427".
5 في "م" و"ط": "قالا" من غير ماء.
6 المعروف في قصة جابر: "جمل" لا ناقة. "د".(10/343)
7 مضى تخريجه "ص206"، وأورد القصة المذكورة ابن السيد في "التنبيه" "ص115-117"، ومثال آخر على وزانه تجد الإشارة إليه في هامش "بذل المجهود" "12/ 297".(10/344)
ص -232-…فيجوز أن يكون كل واحد منهم اعتمد1 في فتياه على كلية ما استفاد من حديثه، ولم ير غيره من الجزئيات معارضًا، فاطرح الاعتماد عليه، والله أعلم.
و[الحال] الثالث: أن يخوض فيما خاض فيه الطرفان ويتحقق بالمعاني الشرعية منزلة على الخصوصيات الفرعية، بحيث لا يصده التبحر في الاستبصار بطرف عن التبحر في الاستبصار بالطرف الآخر، فلا هو يجري على عموم واحد منهما دون2 أن يعرضه على الآخر، ثم يلتفت مع ذلك إلى تنزل3 ما تلخص له على ما يليق في أفعال المكلفين، فهو في الحقيقة راجع إلى الرتبة التي ترقى منها، لكن بعلم المقصود الشرعي في كل جزئي فيها عمومًا وخصوصًا.
وهذه الرتبة لا خلاف في صحة الاجتهاد من صاحبها، وحاصله أنه متمكن فيها، حاكم لها، غير مقهور فيها، بخلاف ما قبلها، فإن صاحبها محكوم عليه فيها، ولذلك قد تستفزه معانيها4 الكلية عن الالتفات إلى الخصوصيات، وكل رتبة حكمت على صاحبها دلت على عدم رسوخه فيها، وإن كانت محكومًا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 على رأيه يكونون مصححين للفتيا من رأس الكلية، وقائلين بأن النظر إلى الجزئي ليس بلازم، وهل يصح أن يأخذ كل منهم كليته من حديث واحد؟ إن هذا بعيد، والقريب أن يكون كل منهم استند إلى الحديث الذي رواه، ولم يعتمد على ما رواه غيره، إما لعدم روايته له، أو لعدم صحة الحديث عنده، أو لمرجع آخر من المرجحات الكثيرة عند تعارض الأحاديث في السند أو في المتن أو بخارج عنهما، وربما أيد الاحتمال الأول قول كل "لا أدري ما قالاه"، فالتمثيل بهذه القصة للمقام الذي هو بصدده غير ظاهر. "د".
قلت: قال ابن السيد قبل هذه القصة: "ومما اختلفت فيه أقوال الفقهاء لأخذ كل واحد منهم بحديث مفرد اتصل به، ولم يتصل به سواه".
2 كما سبق أن المرتب يخدم بعضها بعضًا، ويقيد بعضها بعضًا. "د".(10/345)
3 أي: فلا بد في النظر في محال الخصوصيات، وأهي أفعال المكلفين، فلا يكونون عنده سواء، بل كل وما يليق به كما أشار إليه آنفًا في حجج المانع. "د".
4 أي: تخرجه تلك المعاني الكلية عن الالتفات إلى الخصوصيات. "ف".(10/346)
ص -233-…عليها تحت نظره وقهره، فهو صاحب التمكين والرسوخ، فهو الذى يستحق الانتصاب للاجتهاد، والتعرض للاستنباط، وكثيرًا ما يختلط أهل الرتبة، الوسطى بأهل هذه الرتبة، فيقع النزاع في الاستحقاق أو عدمه، والله أعلم.
ويسمى صاحب هذه المرتبة: الرباني، والحكيم، والراسخ في العلم والعالم، والفقيه، والعاقل؛ لأنه يربي بصغار العلم قبل كباره، ويوفي كل أحد حقه حسبما يليق به، وقد تحقق بالعلم وصار له كالوصف المجبول عليه، وفهم عن الله مراده [من شريعته].
ومن خاصيته1 أمران:
أحدهما: أنه يجيب السائل على ما يليق [به]2 في حالته على الخصوص إن كان له في المسألة حكم خاص، بخلاف صاحب الرتبة الثانية، فإنه إنما يجيب من رأس الكلية من غير اعتبار بخاص.
والثاني: أنه ناظر في المآلات قبل الجواب عن السؤالات، وصاحب الثانية لا ينظر في ذلك، ولا يبالي بالمآل إذا ورد عليه أمر أو نهي أو غيرهما، وكان في مساقه كليًا، ولهذا الموضع أمثلة كثيرة تقدم منها جملة من مسألة الاستحسان ومسألة اعتبار المآل، وفي مذهب مالك من ذلك كثير3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "د": "خاصته"، وفي "ماء" بالحاء: "حاصيته".
2 سقط من "ط".
3 لما تقدم أنه يقول بالمصالح المرسلة التي يكون النظر فيها إلى جزئي في مقابلة الكلي. "د".(10/347)
ص -234-…المسألة الرابعة عشرة:
تقدم التنبيه على طرف من الاجتهاد الخاص بالعلماء والعام لجميع المكلفين، ولكن لا بد من إعادة شيء من ذلك على وجه يوضح النوعين، ويبين جهة المأخذ في الطريقين.
وبيان ذلك أن المشروعات المكية وهي الأولية كانت في غالب الأحوال مطلقة غير مقيدة، وجارية على ما تقتضيه مجاري العادات عند أرباب العقول، وعلى ما تحكمه1 قضايا مكارم الأخلاق، من التلبس بكل2 ما هو معروف في محاسن العادات، والتباعد عن كل ما هو منكر في محاسن العادات، فيما سوى ما العقل معزول عن تقريره جملة من حدود الصلوات وما أشبهها3، فكان أكثر ذلك موكولًا إلى أنظار المكلفين في تلك العادات، ومصروفًا إلى اجتهادهم ليأخذ كل بما لاق به وما قدر عليه من تلك المحاسن الكليات، وما استطاع من تلك المكارم في التوجه بها للواحد المعبود، من إقامة الصلوات فرضها ونفلها حسبما بينه الكتاب والسنة، وإنفاق الأموال في إعانة المحتاجين، ومؤاساة الفقراء والمساكين من غير تقدير مقرر في الشريعة، وصلة الأرحام قربت أو بعدت، على حسب ما تستحسنه العقول السليمة في ذلك الترتيب، ومراعاة حقوق الجوار وحقوق الملة الجامعة بين الأقارب والأجانب، وإصلاح ذات البين بالنسبة إلى جميع الخلق، والدفع بالتي هي أحسن، وما أشبه ذلك من المشروعات المطلقة التي لم ينص على تقييدها بعد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لا يخفى موقع كلمة "تحكمه" التي تفيد أنه ليس المراد من المكارم ما يختلف فيها العرف والأزمان، فتكون مكرمة في زمن ثم تنسخ، فيكون ضدها مكرمة في زمن آخر، ويلوح إلى ذلك قوله بعد: "أو من كان عادة في الجاهلية... إلخ". "د".
2 كذا في "ط"، وفي غيره: "من كل"، وكتب "ف": "لعله: بكل، يقال: تلبس بالأمر، خالطه".
3 أي: من تفاصيل التعبدات. "د".(10/348)
ص -235-…وكذلك الأمر فيما نهي عنه من المنكرات والفواحش، على مراتبها في القبح، فإنهم كانوا مثابرين على مجانبتها مثابرتهم على التلبس بالمحاسن.
فكان المسلمون في تلك الأحيان آخذين فيها بأقصى مجهودهم، وعاملين على مقتضاها بغاية موجودهم1، وهكذا بعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وبعد وفاته وفى زمان التابعين. إلا أن خطة الإسلام لما اتسعت، ودخل الناس في دين الله أفواجًا ربما وقعت بينهم مشاحات في المعاملات، ومطالبات بأقصى ما يحق لهم في مقطع الحق، أو عرضت لهم خصوصيات ضروريات2 تقتضي أحكامًا خاصة، أو بدرت3 من بعضهم فلتات في مخالفة المشروعات، وارتكاب الممنوعات، فاحتاجوا عند ذلك إلى حدود تقتضيها تلك العوارض الطارئة، ومشروعات تكمل لهم تلك المقدمات، وتقييدات تفصل لهم بين الواجبات والمندوبات والمحرمات والمكروهات؛ إذ كان أكثرها جزئيات4 لا تستقل بإدراكها العقول السليمة، فضلًا عن غيرها، كما لم تستقل بأصول العبادات وتفاصيل التقربات، ولا سيما حين دخل في الإسلام من لم يكن لعقله ذلك5 النفوذ من عربي أو غيره، أو من كان على عادة في الجاهلية وضري6 على استحسانها فريقه ومال إليها طبعه وهي في نفسها على غير ذلك، وكذلك الأمور التي كانت لها في عادات الجاهلية جريان لمصالح رأوها وقد شابها مفاسد مثلها أو أكثر، هذا إلى7 ما أمر الله به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: مقدورهم. "ف".
2 كذا في "ط"، وفي غيره: "ضرورات".
3 كذا في "ط"، وفي غيره: "بدت".
4 أي: إضافية. "د".
5 في الأصل: "تلك".
6 بفتح فكسر: اعتاد، والفريق طائفة من الناس، أي: اعتاد قومه اسحسانها. "ف".
7 أي: فالجهاد تشريع مدني جديد، وليس تفصيلًا وتكميلًا لما سبق في مكة؛ لأنه لم يكن سببه قد تم في مكة وهو ظاهر وإن كان قد يتنافى مع ما سبق له في المسألة الثامنة1 من كتاب =
1 في الأصل: "الثانية"، وهو خطأ.(10/349)
ص -236-….................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الأدلة حيث قال هناك "3/ 240": "والجهاد شرع بالمدينة فرع من فروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو مقرر بمكة، كقوله: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَر} "لقمان: 17"، وهو توجيه منه لتلك المسألة التي تقول "3/ 236": "كلما وجدت في المدنيات كلياً، فإنه جزئي بالنسبة إلى ما هو أتم منه أو تكميل لأصل كلي"، وقد يقال: لامنافاة؛ لأن ما قبل الجهاد في كلامه من أنواع المشروعات المكية كان مذكوراً بنفسه ومقرراً نوعه، إلا أنه قيد مثلاً، وبين وفصل بالمدينة أما الجهاد، فهو وإن كان مندرجاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أنه اندراج أشبه بالاندراج الذهني المحض، الذي لم يتحقق في الخارج على أي وجه كان في مكة، بخلاف الأنواع السابقة، فإنها بنفسها شرعت مطلقة، فاحتاجت إلى التقليد والبيان... إلخ، فلذلك عد تشريع الجهاد في المدينة تشريعا جديدا، بخلافها، ولكن يبقى قوله: "وإلى الأمر بالمعروف... إلخ"، وعطفه على قوله: "إلى أمر الله" الذي يقتضي أنه شرع بالمدينة، وقد عرفت فيما نقلناه عنه آنفاً أنه مقرر في مكة كما ورد في سورة لقمان، إلا أن يقال: "إنه ليس عطفا مغايرا حتي يلزم منه أن يكون مطلق الأمر بالمعروف نوعا آخر تشريعه بالمدينة جديد، بل غرضه عطف التفسير وبيان منزلة الجهاد، وأنه أعلى مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكأنه قال: "الذي هو أعلى مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ليجتمع كلامه هنا وهناك.(10/350)
ولنوسع الكلام بمقدار ما يتضح المقام: جاء في سورة العنكبوت: {مَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} [العنكبوت: 6]، قال بعض المفسرين: جاهد جهاد النفس، وقال بعضهم: بل الأعم من جهاد الغزو، وجاء في آخر السورة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]، قالوا: أطلق الجهاد ليعم الأمرين، ولم يشذ عن هذا إلا من قال: الجهاد في الآية الثبات على الإيمان، ومن قال: خاص بجهاد الغزو والسورة كلها مكية لم يشذ عن القول بمكيتها؛ إلا من قال: ما عدا الآيات العشر الأول، ومن قال: بل كلها مدنية، وينبني على هذا أن السورة إذا كانت كلها مكية أو إلا العشر الآيات التي منها {وَمَنْ جَاهَد}، وكان إطلاق الجهاد في آخرها ليعم الامرين؛ يكون تشريع الجهاد مكياً بالنص عليه بخصوصه لا بمجرد دخوله في آية الأمر بالمعروف غايته أنه مجمل من جهة الوقت، ولا يتمشى كلامه هنا وفيما سبق إلا على أحد وجهين: إما أن تكون السورة كلها مدنية، أو يكون معنى الجهاد لا يشمل الغزو، ولا يخفى ما في الوجهين من الضعف ومخالفة الجمهور. =(10/351)
ص -237-…من فرض الجهاد حين قووا على عدوهم وطلبوا1 بدعائهم الخلق إلى الملة الحنيفية، وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فأنزل الله تعالى ما يبين لهم كل ما احتاجوا إليه بغاية البيان: تارة القرآن، وتارة بالنسبة؛ فتفصلت تلك المجملات المكية، وتبينت تلك المحتملات، وقيدت تلك المطلقات، وخصصت بالنسخ أو غيره تلك العمومات ليكون ذلك الباقي المحكم قانونا مطردا وأصلا مستنا2، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وليكون ذلك تماماً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(10/352)
= نعم، قال المفسرون: إن أول آية نزلت في الأمر بالجهاد آية: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39]، وسورة الحج قيل: مدينة، وقيل: مكية، والأصح أنها مركبة من مدني ومكي، ولم يحققوا تمييز المكي من المدني فيها*، وقال بعضهم: أول آية نزلت في الأمر به: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190] في سورة البقرة المدنية قطعاً؛ فكيف يجمع بين ما قالوه في الآيتين مع ما قولوه في آيات العنكبوت؟ فما قالوه في آيات البقرة يؤيد ما بنى عليه المؤلف كلامه هنا وفيما سبق، ويخالف ما قالوه في العنكبوت؛ فنقول: إن الجهاد قرر في مكة فضله؛ وأثنى عليه الثناء الذي يستلزم مشروعيته، ولوح ألى أنه سيكون نافذاً إذا جاء وقته، وكمل الاستعداد له، فلما جاء وقته رخص فيه بأية: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39]، وقد كانموا يجيئونه صلى الله عليه وسلم بمكة هذا مشجوج الرأس، وهذا مجروح، وهذا مهان؛ فيقول لهم: "لم يؤذن لي**، بل جاء النهي عنه في جملة آيات، ثم جاءت آيات البقرة بالطلب الأكيد بالقتال وتفاصيل أحواله، فلما كان الإذن والطلب الأكيد بالقيام به إنما جاء بالمدينة؛ قال المفسرون: إنه تشريع مدني، إلا انه كان الأولى للمؤلف هنا وفيما سبق أن يجعله من الكليات المشروعة في مكة بنفسه لا بمجرد دخوله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كنت عرفت وجه صنيعه. "د".
1 كذا في "ط"، وفي غيره: "وطلبوا".
2 في "ط": "مستثنياً".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* انظر تحقيق ذلك وتفصيله عند الداني في: "البيان في عد آي القرآن" "ص189".(10/353)
** قال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" 2/ 388": "غريب جداً، وعزاه الواحدي في "الوسيط" "3/ 273"، للمفسرين، وقال ابن حجر في الكافر الشاف" "ص113": "لم أجده هكذا"، ثم قال: "وهو منتزع من أحاديث...". وبينها وهي مقطوعات، وانظر: "البداية والنهاية" "3/ 64".(10/354)
ص -238-…لتلك الكليات المقدمة، وبناء على تلك الأصول المحكمة، فضلًا من الله ونعمة. فالأصول الأول باقية لم تتبدل ولم تنسخ؛ لأنها في عامة الأمر كليات ضروريات وما لحق بها، وإنما وقع النسخ أو البيان على وجهه1 عند الأمور المتنازع فيها من الجزئيات لا الكليات.
وهذا كله ظاهر لمن نظر في الأحكام المكية مع الأحكام المدنية، فإن الأحكام المكية مبنية على الإنصاف من النفس، وبذل المجهود في الامتثال بالنسبة إلى حقوق الله أو حقوق الآدميين.
وأما الأحكام المدنية، فمنزلة في الغالب على وقائع لم تكن فيما تقدم من بعض المنازعات والمشاحات، والرخص والتخفيفات وتقرير العقوبات -في الجزئيات لا الكليات، فإن الكليات كانت مقررة محكمة2 بمكة-، وما أشبه ذلك، مع بقاء الكليات المكية على حالها، وذلك3 يؤتى بها في السور المدنيات تقريرًا وتأكيدًا، فكملت جملة الشريعة والحمد لله بالأمرين وتمت واسطتها بالطرفين، فقال الله تعالى عند ذلك: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3].
وإنما عنى الفقهاء بتقرير الحدود والأحكام الجزئيات التي هي مظان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "د": "وجوهه".
2 كما في قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ}... إلخ "الأنعام: 160"، وكما في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ}... إلى قوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا}... إلخ "هود: 106"، وكما في آيات: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} "الإسراء: 23"، والتذيلات التي جاءت عقبها، وقوله: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}... إلخ "النازعات: 37"، ومثله كثير في تقرير الجزاءات الكلية. "د".(10/355)
3 كذا في "ط" -وفيه أيضًا: "... السور المدنية"- وفي غيره: "وذلك"، وكتب "د": "لعله: "ولذلك".(10/356)
ص -239-…التنازع والمشاحة والأخذ بالحظوظ الخاصة، والعمل بمقتضى الطوارئ العارضة، وكأنهم واقفون للناس في اجتهادهم على خط الفصل بين ما أحل الله وما حرم، حتى لا يتجاوزوا ما أحل الله إلى ما حرم، فهم يحققون للناس مناط هذه الأحكام بحسب الوقائع الخاصة، حين صار التشاح ربما أدى إلى مقاربة الحد الفاصل، فهم يزعونهم عن [مقاربته ويمنعونهم عن] مداخلة الحمى، وإذا زل أحدهم يبين له الطريق1 الموصل إلى الخروج عن ذلك في كل جزئية آخذين بحجزهم2 تارة بالشدة3، وتارة باللين4 فهذا النمط هو كان مجال اجتهاد الفقهاء، وإياه تحروا.
وأما سوى ذلك مما هو من أصول مكارم الأخلاق فعلًا وتركًا، فلم يفصلوا القول فيه لأنه غير محتاج إلى التفصيل، بل الإنسان في أكثر الأمر يستقل بإدراك العمل فيه؛ فوكلوه إلى اختيار المكلف واجتهاده؛ إذ كيف ما فعل فهو جار على موافقة أمر الشارع ونهيه، وقد تشتبه فيه أمور ولكن بحسب قربها من الحد الفاصل؛ فتكلم الفقهاء عليها من تلك الجهة فهو من القسم الأول، فعلى هذا كل من كان بعده من ذلك الحد أكثر كان اعراقه في مقتضى الأصول الكلية أكثر.
وإذا نظرت إلى أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله تبين لك فرق ما بين القسمين، وبون ما بين المنزلتين، وكذلك ما يؤثر من شيم الصحابة واتصافهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من الكفارات وغيرها. "د".
2 الحجز؛ بضم، ففتح: جمع حجزة؛ بضم، فسكون، وهي موضع شد الإزارة، والمراد هنا التمسك والتعلق. "ف".
"3 و4" يحتاج إلى بيان؛ فإن ذلك إنما يظهر في مواطن الوعظ بالترغيب والترهيب، لا في الاجتهاد؛ إلا أن يقال: إن ذلك يظهر في الاجتهاد بمعنى تحقيق المناط الخاص لما سبق أنه يختلف باختلاف الأشخاص وما يناسبهم. "د".(10/357)
ص -240-…بمقتضى تلك الأصول، وعلى هذا القسم عول من شهر من أهل التصوف، وبذلك سادوا غيرهم ممن لم يبلغ مبالغهم في الاتصاف بأوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأما غيرهم ممن حاز من الدنيا نصيبا فافتقر إلى النظر في هذه الجزئيات والوقائع الدائرة بين الناس في المعاملات والمناكحات؛ فأجروها بالأصول الأولى على حسب ما استطاعوا، وأجروها بالفروع الثواني حين اضطروا إلى ذلك؛ فعاملوا ربهم في الجميع، ولا يقدر على هذا1 إلا الموفق الفذ، وهو كان شأن معاملات الصحابة كما نص عليه أصحاب السير.
ولم تزل الأصول يندرس العمل بمقتضاها لكثرة الاشتغال بالدنيا والتفريع فيها؛ حتى صارت كالنسي المنسي، وصار طالب العمل بها كالغريب المقصى عن أهله، وهو داخل تحت معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "بدأ هذا الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء"2.
فالحاصل من هذه الجملة أن النظر في الكليات يشارك الجمهور فيه العلماء على الجملة، وأما النظر في الجزئيات فيختص بالعلماء واستقراء ما تقدم من الشريعة يبينه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "د": "ذلك".
2 مضى تخريجه "1/ 151"، وهو صحيح، وفي "ف": "بدا" من غير همز، وكتب "روي مهمزًا وغير مهموز*، أي أنه كان في أول مره كالغريب الوحيد لقلة المسلمين، وسيعود غريبًا كان، أي: يقل المسلمون في آخر الزمان لفساد الناس، وظهور الفتن؛ فطوبى للغرباء أولًا وآخرًا؛ لصبرهم على أذى الكفار، ولزومهم دين الإسلام، وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغرباء؛ فقال: "الذين يحيون ما أمات الناس من سنتى"**، وطوبى لهم؛ أي: قرة عين وخير لهم"، وفي "ط": "بدأ الإسلام".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* انظر في هذا: "شرح النووي" على صحيح مسلم" "2/ 176"، و"التدوين في تاريخ قزوين" "1/ 139".(10/358)
** ورد هذا التفسير في حديث عمرو بن عوف، أخرجه البزار "رقم 3287 - زوائده"، والقضاعي في "مسند الشهاب" "رقم 1052، 1053"، والبيهقي في "الزهد" "رقم 207"، والخطيب في "شرف أصحاب الحديث" "ص23"، وابن عبد البر في "الجامع" "2/ 120"، وعياض في "الإلماع" "ص18-19" بإسناد واه، وقد صح تفسير الغرباء بـ"النزاع" من القبائل، كما مضى تخريجه"1/ 151".(10/359)
ص -241-…فصل:
كان المسلمون قبل الهجرة آخذين بمقتضى التنزيل المكي على ما أداهم إليه اجتهادهم وإحتياطهم؛ فسبقوا غاية السبق حتى سموا "السابقين" بإطلاق، ثم لما هاجروا إلى المدينة ولحقهم في ذلك السبق من شاء الله من الأنصار، وكملت لهم بها شعب الإيمان ومكارم الأخلاق، وصادفوا ذلك وقد رسخت في أصولها أقدامهم فكانت المتمات أسهل عليهم؛ فصاروا بذلك نورا حتى نزل مدحهم والثناء عليهم في مواضع من كتاب الله، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقدارهم، وجعلهم في الدين أئمة؛ فكانوا هم القدوة العظمى في أهل الشريعة، ولم يتركوا بعد الهجرة ما كانوا عليه، بل زادوا في الاجتهاد وأمعنوا في الانقياد لما حد لهم في المكي والمدني معًا.
لم تزحزحهم الرخص المدنيات عن الأخذ بالعزائم المكيات، ولا صدهم عن بذل المجهود في طاعة الله ما متعوا به من الأخذ بحظوظهم وهم منها في سعة {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 105].
فعلى1 تقرير2 هذا الأصل من أخذ بالأصل الأول واستقام فيه كما استقاموا فطوبى له، ومن أخذ بالأصل الثاني فبها ونعمت، وعلى الأول جرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا كالتلخيص لما سبق يبنى عليه مقصده في تفريع طريقة الصوفية عليه بقوله: "فعلى تقرير هذا الأصل من أخذ الأصل الأول... إلخ". "د".
2 في الأصل و"ف": "تقدير".(10/360)
ص -242-…الصوفية الأول1، وعلى الثاني جرى من عداهم ممن لم يلتزم ما التزموه، ومن ههنا يفهم شأن المنقطعين إلى الله فيما امتازوا به من نحلتهم المعروفة؛ فإن الذى يظهر لبادئ الرأي منهم أنهم التزموا أمورا لا توجد عند العامة، ولا هي مما يلزمهم شرعًا؛ فيظن الظان أنهم شددوا على أنفسهم، وتكلفوا ما لم يكلفوا، ودخلوا على غير مدخل أهل الشريعة.
وحاش لله! ما كانوا ليفعلوا ذلك وقد بنوا نحلتهم على اتباع السنة وهم باتفاق أهل السنة صفوة الله من الخليقة، لكن إذا فهمت حالة المسلمين في التكليف أول الإسلام، ونصوص التنزيل المكي [المحكم] الذى لم ينسخ، وتنزيل أعمالهم عليه؛ تبين لك أن تلك الطريق2 سلك هؤلاء، وباتباعها عنوا3 على وجه لا يضاد المدني المفسر.
فإذا سمعت مثلا أن بعضهم سئل عما يجب من الزكاة في مائتي درهم، فقال: "أما على مذهبنا؛ فالكل لله، وأما على مذهبكم؛ فخمسة دراهم"، وما أشبه ذلك؛ علمت أن هذا يستمد مما تقدم؛ فإن التنزيل المكي أمر فيه بمطلق إنفاق المال في طاعة الله، ولم يبين فيه الواجب من غيره، بل وكل إلى اجتهاد المنفق، ولا شك أن منه ما هو واجب، ومنه ما ليس بواجب والاحتياط في مثل هذا4 المبالغة في الإنفاق في سد الخلات وضروب الحاجات، إلى غاية تسكن إليها نفس المنفق؛ فأخذ هذا المسئول في خاصة نفسه بما أفتى به، والتزمه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: "الأول" تقييد لما عليه من ذمه منهم من المتأخرين؛ كما مضى "1/ 358"، والفرق بين الطائفتين العلم الشرعي المصفى؛ فالأوائل ممن لهم انقطاع إلى الله لم يفعلوا ذلك إلا بعد تحري الحق والصواب بالأدلة والبراهين.
2 لعله: "إن في تلك الطريق". "ف".
3 في ماء": "عللوا".
4 في "د": "في مثل هذه".(10/361)
ص -243-…مذهبًا في تعبده، وفاء بحق الخدمة، وشكر النعمة وإسقاطا لحظوظ نفسه، وقياما على قدم العبودية المحضة حتى لم يبق لنفسه حظا وإن أثبته له الشارع اعتمادا على أن لله خزائن السموات والأرض، وأنه قال: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه: 132].
وقال: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذريات: 57].
وقال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22].
ونحو ذلك؛ فهذا نحو من التعبد لمن قدر على الوفاء به، ومثله لا يقال في ملتزمه: إنه خارج عن الطريقة، ولا متكلَّف في التعبد، لكن لما كان هذا الميدان لا يسرح فيه كل الناس قيد في التنزيل المدني حين فرضت الزكوات؛ فصارت هي الواجبة انحتامًا، مقدرة لا تتعدى إلى ما دونها، وبقي ما سواها على حكم الخيرة؛ فاتسع على المكلف مجال الإبقاء جوازًا، والإنفاق ندبًا؛ فمن مقل في إنفاقه ومن مكثر؛ والجميع محمودون؛ لأنهم لم يتعدوا حدود الله، فلما كان الأمر على هذا استفسر المسئول السائل ليجيبه عن مقتضى سؤاله.
ومنهم من لا ينتهي في الإنفاق إلى إنفاذ الجميع، بل يبقى بيده ما تجب في مثله الزكاة حتى تجب عليه، وهو مع ذلك موافق في القصد لمن لم يبقِ شيئا، علما بـ"أن في المال حقا سوى الزكاة"1، وهو يتعين تحقيقًا، وإنما فيه الاجتهاد؛ فلا يزال ناظرا في ذلك مجتهدا فيه ما بقي بيده منه شيء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ورد هذا اللفظ في حديث أخرجه الترمذي في "الجامع" "أبواب الزكاة، باب ما جاء أن في المال حقًا سوى الزكاة" 3/ 48/ رقم 659، 660"، والدارمي في "السنن" "1/ 385" عن فاطمة بنت قيس بإسناد ضعيف، قال الترمذي: "هذا حديث إسناده ليس بذاك، وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف، وروى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي هذا الحديث قوله، وهو أصح"، انظر ما مضى "3/ 64".(10/362)
ص -244-…متحملا1 منه أمانة لا ينفك عنها إلا بنفاذه، أو كالوكيل فيه لخلق الله، سواء عليه أعد نفسه منهم2 أم لا.
وهذا كان غالب أحوال الصحابة، ولم يكن إمساكهم مضادًا لاعتمادهم على مسبب الأسباب سبحانه وتعالى إلا أن هذا الرأي أجرى على اعتبار سنة الله تعالى في العاديات، والأول ليس للعاديات عنده مزية في جريان الأحكام على العباد.
وأما من أبقى لنفسه حظا فلا حرج عليه، وقد أثبت له حظه من التوسع في المباحات على شرط عدم الإخلال بالواجبات، وهكذا يجب أن ينظر في كل خصلة من الخصال المكية حتى يعلم أن الأمر كما ذكر؛ فالصواب والله أعلم أن أهل هذا القسم3 معاملون حكما بما قصدوا من استيفاء الحظوظ؛ فيجوز لهم ذلك، بخلاف القسمين الأولين، وهما من لا يأخذ بتسببه أو يأخذ به ولكن على نسبة القسمة ونحوها.
فإن قيل: فلم لا تقع الفتيا بمقتضى هذا الأصل عند الفقهاء؟
فاعلم أن النظر فيه خاص لا عام، بمعنى أنه مبني على حالة يكون المستفتي عليها، وهو كونه يعمل لله ويترك لله في جميع تصاريفه؛ فسقط له طلب الحظ لنفسه، فساغ أن يفتي على حسب حاله؛ لأنه يقول: هذه حالتي، فاحملني على مقتضاها، فلا بد أن يحمله على ما تقضيه4، كما لو قال أحد للمفتي: إني عاهدت الله على أن لا أمس فرجي بيميني، أو عزمت على ألا أسأل أحدا شيئًا، وأن لا تمس يدي يد مشرك، وما أشبه هذا؛ فإنه عقد [عقدًا]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ماء": "محتملًا".
2 في "د": "أمد نفسه منه".
3 في "د": "أهل هذا البلد".
4 في "د": "يحمله... تقضيه".(10/363)
ص -245-…لله على فعل فضل، وقد قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91].
ومدح الله في كتابه الموفين بعهدهم إذا عاهدوا، وهكذا كان شأن المتجردين لعبادة الله؛ فهو مما يطلب الوفاء به ما لم يمنع مانع، وفي الحديث: "إن خيرا لأحدكم أن لا يسأل من أحد شيئا"1؛ فكان أحدهم يقع له سوطه من يده فلا يسأل أحدًا أن يناوله إياه2.
وقال عثمان: ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم3. وقصة حَمِيِّ الدبر4 ظاهرة في هذا المعنى؛ إذ عاهد الله أن لا يمس مشركًا، فحمته الدبر حين استشهد أن يمسه مشرك، الحديث كما وقع5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "1/ 501".
2 مضى تخريجه "2/ 500".
3 أخرج الفسوي في "المعرفة والتاريخ" "2/ 488"، وابن قتيبة في "غريب الحديث" "2/ 72"، والطبراني في "الكبير" "1/ 85/ رقم 124"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" ص23، 24" من طرق عن ابن لهيعة، عن يزيد بن عمرو، عن أبي ثور الفهمي، عن عثمان؛ قال: "لقد اختبأت عند ربي عشرًا...."، وذكر منها: "ولا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت بها حبي صلى الله عليه وسلم"، وذكره ابن جرير" في "التاريخ" "4/ 390"، والذهبي في "تاريخ الإسلام" "ص469 – عهد الخلفاء الراشدين"، وابن كثير في "البداية والنهاية" "7/ 210"، وغيرهم.
وأخرجه من طريق آخر بنحوه أبو يعلى في "مسنده" "7/ 45"، والخطيب في "تاريخه" "9/ 339"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" "142-143 – ترجمة عمر بن الخطاب".(10/364)
4 بفتح الحاء، وكسر الميم، وياء مشدده؛ أي: محميه، والدبر؛ بفتح الدال، وكسرها وسكون الباء: النحل والزنابير، وحمي الدبر هو عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري، من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، أصيب يوم أحد؛ فمنعت النحل الكفار منه، وقصته أن المشركين لما قتلوه أرادا أن يمثلوا به؛ فسلط الله عز وجل عليهم الزنابير الكبار تأبر الدارع، فارتدعوا عنه؛ حتى أخذه المسلمون، فدفنوه، وتأبر؛ بكسر الباء: تدفع بإبرتها. "ف".
5 أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب المغازي، باب منه 7/ 308-309/ رقم =(10/365)
ص -246-…غير أن الفتيا بمثل هذا اختصت بشيوخ الصوفية؛ لأنهم المباشرون لأرباب هذه الأحوال، وأما الفقهاء؛ فإنما يتكلمون في الغالب مع من كان طالبًا لحظه من حيث أثبته له الشارع، فلا بد أن يفتيه بمقتضاه، وحدود الحظوظ معلومة في فن الفقه، فلو فرضنا أحدا جاء سائلا وحاله ما تقدم؛ لكان على الفقيه أن يفتيه بمقتضاه، ولا يقال: إن هذا خلاف ما صرح به الشارع؛ لأن الشارع قد صرح بالجميع، لكن جعل إحدى الحالتين وهى المتكلم فيها من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، ولم يلزمها أحدا؛ لأنها اختيارية في الأصل بخلاف الأخرى العامة؛ فإنها لازمة، فاقتضى ذلك الفتيا بها عموما كسائر ما يتكلم الفقهاء فيه.
فإن قيل: فإذا كانت غير لازمة؛ فلم تقع الفتيا بها على مقتضى اللزوم؟
قيل: لم يفت بها [على]1 مقتضى اللزوم الذى لا ينفك عنه السائل من حيث القضاء عليه بذلك، وإنما يفتي لها وهو طالب أن يلزم نفسه ذلك حسبما استدعاه حاله، وأصل الإلزام معمول به شرعًا؛ أصله النظر والوفاء بالوعد2 في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 3989، وباب غزوة الرجيع 7/ 378-379/ رقم 4086" عن أبي هريرة؛ قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عينًا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت، فانطلقوا..." وفيه أنه قتل و"بعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيمًا من عظمائهم يوم بدر؛ فبعث الله عليه مثل الضُّلَّة من الدبر، فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء".
وأخرجه أبو داود في "السنن" "كتاب الجهاد، باب في الرجل يستأسر 3/ 51/ رقم 2260" مختصرًا، وأحمد في "المسند" "2/ 294، 310-311"، وفي رواية ابن إسحاق: "كان عاصم بن ثابت أعطى الله عهدًا أن لا يمسه مشرك، ولا يمس مشركًا أبدًا".
انظر: "فتح الباري" "7/ 384"، وعزاه في "الإصابة" "2/ 245" لـ"الصحيحين" بلفظ ابن إسحاق، وفي هذا نظر، وهو ليس في مسلم، وقول "ف": "يوم أحد" ليس بصحيح.(10/366)
1 ما بين المعقوفتين سقط من "د".
2 كذا في "ط"، وفي غيره: "أصله النظر والوفاء بالعهد".(10/367)
ص -247-…التبرعات، ومن مكارم الأخلاق ما هو لازم1؛ كالمتعة في الطلاق، وحديث: "لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره"2.
وكان عليه الصلاة والسلام يعامل أصحابه بتلك الطريقة ويميل بهم إليها؛ كحديث الأشعريين إذا أرملوا3.
وقوله: "من كان له فضل ظهر؛ فليعد به4 على من لا ظهر له" الحديث بطوله5. وقوله: "من ذا الذى تألى6 على الله لا يفعل الخير؟"7.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ألف محمد بن محمد الحطاب المالكي "ت954هـ" كتابًا بعنوان: "تحرير الكلام في مسائل الالتزام"، وهو مطبوع، وفيه كلام تفصيلي على الفروع المذكورة عند المصنف.
2 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب المظالم، باب لا يمنع جاره أن يغرز خشبة في جداره، 5/ 110/ رقم 2643"، وكتاب الأشربة، باب الشرب من فم السقاء 9/ 60/ رقم 5627"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب المساقاة، باب غرز الخشب في جدار الجار 3/ 1230/ رقم 1609" عن أبي هريرة رضي الله عنه.
3 مضى لفظه وتخريجه "2/ 324"، و"أرملوا" أي: تقدمت أزوادهم، يقال: أرمل الرجل والقوم إذا ذهب زادهم. "ف" و"م".
4 "فليعد" –بالدال "المهملة": من عاد يعود، إذا رجع. "ف" و"م".
5 مضى تخريجه "3/ 63".
6 أي: حلف، يقال: تألَّى، يتألَّى، تألِّيًا، وائتلى يأتلي ائتلاء: "إذا" حَلِف. "ف" و"م".
7 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الصلح، باب هل يشير الإمام بالصلح 5/ 307/ رقم 2705"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدين 3/ 1191-1192/ رقم 1557" عن عائشة؛ قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب، عالية أصواتهم، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء، وهو يقول: "والله لا أفعل". فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقال: "أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟" وأبهم مسلم شيخه فيه، انظر له: "غرر الفوائد المجموعة" "ص678-680 - بتحقيقي" لرشد الدين العطار.(10/368)
ص -248-…وإشارته إلى بعض أصحابه أن يحط عن غريمه الشطر من دينه1.
وقد أنزل الله2 في شأن أبي بكر الصديق حين ائتلى أن لا ينفق على مسطح: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} الآية [النور: 22]، وبذلك عمل عمر بن الخطاب في حكمه على محمد بن مسلمة بإجراء الماء على أرضه وقال: "والله؛ ليمرَّنَّ به ولو على بطنك"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب الصلاة، باب التقاضي والملازمة في المسجد 1/ 551-552/ رقم 457، وكتاب الخصومات، باب كلام الخصوم بعضهم في بعض 5/ 73/ رقم 2418، وكتاب الصلح، باب هل يشير الإمام بالصلح 5/ 307/ رقم 2706، وباب الصلح بالدين والعين 5/ 300/ رقم 2710"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدين 3/ 1192/ رقم 1558" عن كعب بن مالك؛ أنه تقاضى ابنَ أبي حدرد دينا كان له عليه، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد؛ فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سجف –أي: ستر- حجرته، ونادى كعب بن مالك؛ فقال: "يا كعب!". فقال: لبيك يا رسول الله. فأشار إليه بيده أن ضع الشطر من دينك. قال كعب: قد فعلت يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم فاقضِهِ".
2 أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، 4/ 2129-2137/ رقم 2770" عن عائشة -ضمن حديث الإفك الطويل- وفيه: ".... قال أبو بكر -وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزل الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ}".(10/369)
3 أخرجه مالك في "الموطأ" "746 – رواية يحيى، ورقم 2897 - رواية أبي مصعب، و358 – رواية محمد بن الحسن" -ومن طريقه الشافعي في "المسند" "2/ 135"، والبيهقي في "السنن الكبرى" "6/ 157" و"معرفة السنن والآثار" "9/ رقم 12264"- ويحيى بن آدم في "الخراج" "رقم 353" من طريق عمرو بن يحيى المازني عن أبيه، وشط فيه يحيى؛ فقال: "أظنه عن أبيه، ولعله رواه من حفظه"، وإسناد رجاله ثقات؛ إلا أنه مرسل، كما قال البيهقي.
وله طريق أخرى أشار إليها البيهقي وابن عبد البر في "الاستذكار" "22/ 229/ رقم 32544"، ثم ظفرت بها في "الخراج" ليحيى بن آدم "رقم 348، 349، 350"، وهو مرسل أيضًا، أفاده البيهقي.(10/370)
ص -249-…إلى كثير من هذا الباب.
وأخص1 من هذا فتيا أهل الورع إذا علمت درجة الورع في مراتبه؛ فإنه يفتى بما تقتضيه مرتبته، كما يحكى عن أحمد بن حنبل أن امرأة سألته عن الغزل بضوء مشاعل السلطان؛ فسألها: "من أنت؟ فقالت: أخت بشر الحافي. فأجابها بترك الغزل بضوئها"2.
هذا معنى الحكاية دون لفظها.
وقد حكى مطرف3 عن مالك في هذا المعنى؛ أنه قال: "كان مالك يستعمل في نفسه ما لا يُفتي به الناس"4، يعني: العوام، ويقول: "لا يكون العالم عالما حتى يكون كذلك وحتى يحتاط لنفسه بما5 لو تركه لم يكن عليه فيه6 إثم". هذا كلامه.
وفي هذا من كلام الناس والحكايات عنهم كثير والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "وأرخص".
2 ذكره القشيري في "الرسالة" "ص54".
3 نقله عن القاضي عياض في "ترتيب المدارك" "1/ 180 - ط بيروت"، وأسنده الخطيب البغدادي إلي في "الفقيه والمتفقه" "2/ 161".
4 في "تريب المدارك": "ما لا يلتزمه الناس".
5 أي: بفعل ما لو تركه لم يكن آثمًا، ولكن إنصاف من النفس، وإسقاط للحظ. "د".
6 سقطت "فيه" من "م"، وفي "ترتيب المدارك" "..... لو تركه لا يكون عليه فيه إثم".(10/371)
ص -253-…المسألة الأولى:
المفتي قائم1 في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم.
والدليل على ذلك أمور:
أحدها: النقل الشرعي في الحديث: "إن العلماء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم"2.
وفي "الصحيح": "بينا أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت؛ حتى إني لأرى الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب". قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: "العلم"3. وهو في معنى الميراث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القيام مقامه صلى الله عليه وسلم بجملة أمور، منها: الوراثة في علم الشريعة بوجه عام، ومنها إبلاغها الناس، وتعليمها للجاهل بها، والإنذار بها كذلك، ومنها بذل الوسع في استنباط الأحكام في مواطن الاستنباط المعروفة، فكل مرتبة من هذه المراتب أعلى مما قبلها، فالمرتبة الأولى استدل عليها بحديثين وبمجموع الآيتين؛ فصدر الآية الثانية يفيد وراثة العلم، وعجز الثانية مع الأولى يفيدان الوراثة بوجه عام، والوراثة في النذارة بوجه خاص ولو أخرهما إلى الرتبة الثانية؛ ليستدل بهما عليها كان أجود، والرتبة الثانية استدل عليها بالأحاديث الثلاثة، والثالثة أدلتها هي عين أدلة الاجتهاد، ومطالبة من بلغ ربتبته بالقيام به مضافة إلى دليل أنه صلى الله عليه وسلم له الاجتهاد، وهذه الرتبة للمفتي أهم الرتب الثلاثة في القيام مقامه والخلافة عنه صلى الله عليه وسلم كما سيقول المؤلف، وبهذا التقرير يتضح كلامه؛ فليست الأمور الثلاثة دليلًا على نوع واحد، بل المستدل عليه أنواع ثلاثة كلها داخلة تحت الخلافة عنه، وأدلتها أيضًا مختلفة بحسبها. "د".(10/372)
قلت: أسهب ابن القيم في بيان أن المفتي في الأمة قائم مقام النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في "إعلام الموقعين"، ونقل القاسمي في "الفتوى في الإسلام" ص49-54" كلام المصنف هذا، وانظر: "المعتمد" "1/ 338"، و"أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم" "1/ 94"، و"الفتيا ومناهج الإفتاء" "ص119"، وكلاهما للشيخ محمد الأشقر.
2 مضى تخريجه "4/ 76".
3 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب التعبير، باب اللبن 12/ 393/ رقم 7006، وباب إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافره 12/ 394/ رقم 7007، وباب إذا أعطى فضله غيره في النوم 12/ 417/ رقم 7027، وباب القدح في النوم 12/ 420/ رقم 7032، ومسلم في "صحيحه" "كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه" "4/ 1859-1860/ رقم 2391" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.(10/373)
ص -254-…وبُعث النبي صلى الله عليه وسلم نذيرا؛ لقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} [هود: 12].
وقال في العلماء: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} الآية [التوبة: 122]، وأشباه ذلك.
والثاني: أنه نائب عنه في تبليغ الأحكام؛ لقوله: "ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب"1.
وقال: "بلغوا عني ولو آية"2.
وقال: "تسمعون ويُسمَع منكم، ويُسمَع ممن يَسمَع منكم"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في صحيحه "كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب" "1/ 199/ رقم 105"، "وكتاب المغازي، باب حجة الوداع 8/ 108/ رقم 4406"، "وكتاب الأضاحي، باب من قال: الأضحى يوم النحر 10/ 7-8/ رقم 5550"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال 3/ 1305-1306/ رقم 1679" عن أبي بكرة رضي الله عنه.
2 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل 6/ 496/ رقم 3461" وغيره عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
3 أخرجه أبو داود في "السنن" "كتاب العلم، باب فضل نشر العلم 3/ 321-322/ رقم 3659" ومن طريقه البيهقي في "الدلائل" "6/ 539"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "1/ 292/ رقم 203" ومن طريقه ابن خير في "الفهرست" "10، 12-13" وأحمد في "المسند" "1/ 321"، وابن حبان في "الصحيح" "1/ 263/ رقم 62 - الإحسان، ورقم 77 - =(10/374)
ص -255-…وإذا كان كذلك؛ فهو معنى كونه قائما مقام النبي.
والثالث: أن المفتي شارع من وجه؛ لأن ما يبلغه من الشريعة؛ إما منقول عن صاحبها، وإما مستنبط من المنقول؛ فالأول يكون فيه مبلغًا، والثاني يكون فيه قائما مقامه في إنشاء الأحكام، وإنشاءُ الأحكام إنما هو للشارع1، فإذا كان للمجتهد إنشاء الأحكام بحسب نظره واجتهاده؛ فهو من هذا الوجه شارع، واجب اتباعه2 والعمل على وفق ما قاله، وهذه هي الخلافة على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= موراد"، والحاكم في "المستدرك" "1/ 95"، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" "92"، والرازي في "مشيخته" "رقم 5"، والخطيب في "شرف أصحاب الحديث" "70"، والبيهقي في "السنن الكبرى" "10/ 250"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1012-1013/ رقم 1932" عن ابن عباس، وإسناده حسن.
قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، ليس له علة".
"قلت: فيه أبو جعفر الرازي عبد الله بن عبد الله، لم يخرج له الشيخان، قال النسائي: "ليس به بأس"، ووثقه ابن حبان؛ فقال عقب حديثه: "ثقة كوفي"، ولم يضعفه أحد، قاله العلائي في "جامع التحصيل" "ص50-51"، وزاد: "والحديث حسن، وقد صححه الحاكم في "المستدرك"، وفي كلام إسحاق بن راهويه ما يقتضي تصحيحه أيضًا".
وللحديث شاهد عن ثابت بن قيس أخرجه البزار في "مسنده" "146 - زوائده"، والطبراني في "الكبير" "2/ 71/ رقم 1321"، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" "ص91"، والخطيب في "شرف أصحاب الحديث" "ص37-38"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1012/ رقم 1931".
ورجاله ثقات؛ إلا أن انقطاعًا فيه؛ عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من ثابت، أفاده الهيثمي في "مجمع الزوائد" "1/ 137".
1 أي: بالوحي أو الاجتهاد على القول به له صلى الله عليه وسلم. "د".(10/375)
2 في هذا نظر؛ فالمفتي ليس شارعًا، وليس واجب الاتباع؛ لأنه مفتٍ، وإلا للزم الناس فتاوى المجتهدين جميعًا على اختلافها وتناقضها، ويتأيد ذلك بما أخرجه مسلم في "صحيحه" "رقم 654" بعد "257" وغيره عن ابن مسعود قوله: "إن الله شرع لنبيكم سنن الهدى"، وقال تعالى: =(10/376)
ص -256-…التحقيق1، بل القسم الذى هو فيه مبلغ لا بد من نظره فيه من جهة فهم المعاني من الألفاظ الشرعية، ومن جهة تحقيق مناطها وتنزيلها على الأحكام، وكلا الأمرين راجع إليه فيها؛ فقد قام مقام الشارع أيضا في هذا المعنى، وقد2 جاء في الحديث: "أن من قرأ القرآن؛ فقد أدرجت النبوة بين جنبيه"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}، وترى في لفظ "المشروع" بحثًا مطولًا في كتاب "التطور التشريعي في المملكة العربية السعودية" "ص32-36"، ولكل من الشيخ عبد العال عطوة والشيخ عبدا لستار فتح الله سعيد في كتابه "المنهاج القرآني في التشريع" "ص300-302" اعتراضات على مؤلف الكتاب في تجويزه هذا الإطلاق.
وانظر: الفروق" "4/ 53-54"، و"نظرات في اللغة" "ص106" للغلاييني، و"معجم المناهي اللفظية" "ص303-305 - ط الأولى" للشيخ بكر أبو يزيد، والتعليق على "الفتوى في الإسلام" "ص53" للقاسمي، و"تغيُّر الفتوى" "ص57-58" لبازمول.
1 أفاد الشيخ القاسمي في كتابه "الفتوى في الإسلام" "ص53 - الهامش" أن المصنف يشير إلى حديث: "اللهم ارحم خلفائي".
قلت: الحديث ضعيف باطل، ومضى تخريج نحوه بإسهاب.
2 يصلح أن يكون دليلًا للرتب الثلاثة. "د".
3 أخرجه محمد بن نصر المروزي في "قيام الليل" "ص159"، وأبو عبيد "ص53"، وابن الضريس "65"، وأبو الفضل الرازي "51"، كلهم في "فضائل القرآن"، والشجري في "الأمالي" "1/ 92"، والبيهقي في "الشعب" "5/ 531"، والخطيب في "تاريخه" "9/ 396" من طريق إسماعيل بن رافع عن إسماعيل بن عبيد الله، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا.
وإسناده ضعيف جدًّا؛ إسماعيل بن رافع متروك.(10/377)
وأخرجه ابن الانباري في "إيضاح الوقف والابتداء" "1/ 11-12"، وابن حبان في "المجروحين" "1/ 187-188"، وابن عدي في "الكامل" "2/ 440-441"، وأبو الفضل الرازي في "فضائل القرآن" "رقم 50"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "13/ 446"، والشجري في "الأمالي" "1/ 85"، والبيهقي في "الشعب" "4/ 557-558" و"5/ 530"، وابن الجوزي في "الموضوعات" "1/ 252-253"، و"الحدائق" "1/ 501" من طريق بشر بن نمير عن القاسم =(10/378)
ص -257-…وعلى الجملة؛ فالمفتي مخبِرٌ عن الله كالنبي، ومُوقع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره كالنبي، ونافذ أمره في الأمة بمنشور1 الخلافة كالنبي، ولذلك سُمُّوا أولى الأمر، وقُرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].
والأدلة على هذا المعنى كثيرة.
فإذا ثبت هذا انبنى عليه معنى آخر وهو:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ابن عبد الرحمن عن أبي أمامة مرفوعًا: "من قرأ ثلث القرآن أعطى ثلث النبوة.... ومن قرأ القرآن كله أعطي النبوة كلها".
وإسناده هالك، بشر بن نمير مُتهم.
وأخرجه الأجُرِّي في "أخلاق حملة القرآن" "رقم 14"، ومن طريقه أبو الفضل الرازي في "فضائل القرآن" "رقم 49"، من طريق مسلمة بن علي الخشني عن زيد بن واقد عن مكحول عن أبي أمامة رفعه: "من قرأ ربع القرآن؛ فقد أوتي ربع النبوة..... ومن قرأ القرآن؛ فقد أوتي النبوة؛ غير أنه لا يوحى له"، وإسناده ضعيف جدًّا؛ مسلمة بن على متروك الحديث، ومكحول لم يسمع من أبي أمامة.
وقد صح موقوفا بنحو اللفظ الذي أورده المصنف عن عبد الله بن عمرو قوله، ومضى تخريجه "4/ 189".
1 أقرب معاني "المنشور" هنا ما كان غير مختوم من كتب السلطان، وذلك هو ما أشار إليه سابقًا من الآيات والأحاديث الدالة على خلافة العلماء عنه صلى الله عليه وسلم. "د".(10/379)
ص -258-…المسألة الثانية:
وذلك أن الفتوى من المفتي تحصل من جهة القول، والفعل والإقرار؛ فأما الفتوى بالقول؛ فهو الأمر المشهور ولا كلام فيه.
وأما بالفعل؛ فمن وجهين:
أحدهما: ما يقصد به الإفهام في معهود1 الاستعمال؛ فهو قائم مقام القول المصرح به كقوله عليه الصلاة والسلام: "الشهر هكذا وهكذا وهكذا"2 وأشار بيديه.
وسئل عليه الصلاة والسلام في حجته؛ فقال3: "ذبحتُ قبل أن أرمي" فأومأ بيده؛ قال: "ولا حرج"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: في عرف المفتي والمستفتي؛ فرب إشارات يختلف استعمالها عند الأمم والطوائف. "د".
2 أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب الطلاق، باب اللعان 9/ 439/ رقم 5302" عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "الشهر هكذا وهكذا " يعني ثلاثين"، ثم قال: "وهكذا وهكذا "يعنى تسعًا وعشرين". يقول مرة ثلاثين، ومرة تسعًا وعشرين.
أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال 2/ 761/ رقم 1080 بعد 15" عن ابن عمر، وفيه: "الشهر هكذا وهكذا وهكذا" -وعقد الإبهام في الثالثة- "والشهر هكذا وهكذا وهكذا" -يعني: تمام الثلاثين.
وأخرجه بألفاظ كثيرة، وكذا أخرجه البخاري بنحوه في "صحيحه" "كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا" 4/ 119/ رقم 1908، وباب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكتب ولا نحسب" 4/ 126/ رقم 1913"، وأوله في بعض طرقه: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب".
3 أي: فقال السائل في سؤاله. "م".
4 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب العلم، باب من أجاب الفتيا بإشارة(10/380)
ص -259-…وقال: "يقبض العلم، ويظهر الجهل والفتن، ويكثر الهرج". قيل: يا رسول الله! وما الهرج؟ فقال هكذا بيده؛ فحرفها؛ كأنه يريد القتل1.
وحديث عائشة في صلاة الكسوف حين أشارت إلى السماء، قلت: آية؟ فأشارت برأسها أي نعم2.
وحين سُئِلَ عليه الصلاة والسلام عن أوقات الصلوات قال للسائل: "صل معنا3 هذين اليومين". ثم صلى، ثم قال له: "الوقت ما بين هذين"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= والرأس 1/ 181/ رقم 84".
ومضى تخريجه "4/ 100" دون لفظة الإيماء باليد وهو في ستة مواطن أخرى من "صحيح البخاري" "الأرقام: 1721، 1722، 1723، 1734، 6666"، و"صحيح مسلم" "رقم 1306" دونها والمثبت: "ولا حرج" من "صحيح البخاري"، وفي الأصول: "لا" من غير واو.
1 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب العلم، باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس 1/ 182/ رقم 85"، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال ابن حجر في "الفتح" "1/ 182" معلقًا على: "فحرفها، كأنه يريد القتل": "كأن ذلك فهم من تحريف اليد وحركتها كالضارب، لكن هذه الزيادة لم أرها في معظم الروايات؛ وكأنها من تفسير الراوي عن حنظلة؛ فإن أبا عوانة رواه عن عباس الدروي عن أبي عاصم عن حنظلة، وقال في آخره: "وأرانا أبو عاصم كأنه يضرب عنق الإنسان".
2 أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب الكسوف، باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف 2/ 543/ رقم 1053" عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها؛ قالت: أتيت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم-حين خسفت الشمس- فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي قائمة تصلي؛ فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها إلى السماء، وقالت: سبحان الله! فقلت: آية. فأشارت؛ أي نعم...".
وأخرجه أيضًا مسلم في "صحيحه" "كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار 2/ 624/ رقم 905"، ومالك في الموطأ" "1/ 188-189".(10/381)
3 لو اكتفى صلى الله عليه وسلم بصلاته معهم هذين اليومين، وفهم الصحابي منها الغرض؛ لكان مما نحن فيه، أما وقد قال له: "الوقت..... إلخ"، والإفتاء بهذا القول لا بمجرد الفعل الذي إنما حصل مساعدًا على إيجاز الإفتاء القولي، نعم، له دخل في قوة البيان، ولكن الفتوى قولية، انبنى على الفعل وضوحها وإيجازها، وقد يقال: إنها مركبة من الفعل والقول. "د".
4 مضى تخريجه "3/ 156".(10/382)
ص -260-…أو كما قال، وهو كثير جدًا.
والثاني: ما يقتضيه كونه أسوة يقتدى به، ومبعوثا لذلك قصدًا، وأصله2 قول الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} الآية [الأحزاب: 37].
وقال قبل ذلك: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَة} الآية [الأحزاب: 21].
وقال في إبراهيم: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيم} [الممتحنة: 4] إلى آخر القصة3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كحديث الأنصاري الذي شكا عدم الحفظ؛ فقال له: "استعن بيمينك"* وأومأ بيده إلى الخط، وقد يقال أيضًا: إنها مركبة منهما، وسيأتي في المسألة بعد هذه أنه لما سأله الرجل عن أمر؛ قال: "إني أفعله...". "د".
2 أي: الدليل القولي العام للاقتداء بأفعاله صلى الله عليه وسلم. "د".
3 والكلام وإن كان في الفعل وباقي القصة قول؛ إلا أن قول إبراهيم والذين معه لقومهم.... إلخ يعد فعلًا في هذا المقام، كما سبق في القول التكليفي، وهو الذي لا يؤتى به أمرًا ولا نهيًا ولا أخبارًا عن حكم شرعي، بل يؤتى به كما يؤتى بالأفعال، وبيانه في المسألة السادسة من السنة. "د".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أخرجه الترمذي في "الجامع" "أبواب العلم، باب ما جاء في الرخصة فيه" "أي: كتابة العلم" 5/ 39/ رقم 2666" عن أبي هريرة، والحديث ضعيف؛ قال الترمذي عقبه: "هذا حديث إسناده ليس بذلك القائم، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: الخليل بن مرة منكر الحديث".(10/383)
ص -261-…والتأسي: إيقاع الفعل على الوجه الذى فعله، وشَرْعُ مَن قبلَنا شَرْعٌ لنا1.
وقال عليه الصلاة والسلام لأم سلمة: "ألا أخبرتيه أني أُقَبِّل وأنا صائم"2.
وقال: "صلوا كما رأيتموني أُصَلِّي"3، و: "خذوا عني مناسككم"4.
وحديث5 ابن عمر وغيره في الإقتداء بأفعاله أشهر من أن يخفى، ولذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الآية فيها التصريح بطلب القدوة بإبراهيم؛ فلا يحتاج للبناء على هذه القاعدة. "د".
2 رواية مالك: "ألا أخبرتها"، والضمير يعود على السائلة، وقد تقدمت هذه الرواية، ورواية مسلم وإن لم يكن فيها جملة: "ألا أخبرتيه"؛ إلا أن الضمير عائد إلى عمر بن أبي سلمة ابنها، فيصح لو وجدت جملة: "ألا أخبرتيه"... إلخ أن يكون الضمير مذكرًا؛ لأنه يعود إلى عمر ابنها. "د".
قلت: مضى تخريجه "4/ 74".
3 مضى تخريجه "3/ 245".
4 مضى تخريجه "3/ 246".
5 ورد ذلك في أحاديث كثيرة، أقتصِر على واحد منها جُمع فيه أربع خصال:(10/384)
أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب الوضوء، باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين 1/ 267-268/ رقم 166"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الحج، باب الإهلال من حيث تنبعث الراحلة 2/ 844-845/ رقم 1187" عن عبيد بن جريج قال لعبد الله بن عمر: "يا أبا عبد الرحمن! رأيتك تصنع أربعًا لم أر أحدًا من أصحابك يصنعها. قال: وما هي يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمين، ورأيتك تلبس النعال السبتية، ورأيتك تصبغ بالصفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى كان يوم التروية، قال عبد الله: أما الأركان؛ فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس إلا اليمانيين، وأما النعال السبتية؛ فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعل التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها؛ فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة؛ فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها؛ فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما الإهلال؛ فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته". لفظ البخاري، وانظر: "تحفة الأشراف" "6/ 6/ رقم 7316".(10/385)
ص -262-…جعل الأصوليون أفعاله في بيان الأحكام كأقواله.
وإذا كان كذلك، وثبت للمفتي أنه قائم مقام النبي ونائب منابه؛ لزم من ذلك أن أفعاله محل للاقتداء أيضًا، فما قصد بها البيان والإعلام؛ فظاهر، وما لم يقصد به ذلك؛ فالحكم فيه كذلك أيضا من وجهين:
أحدهما: أنه وارث، وقد كان المورث [قدوة]1 بقوله وفعله مطلقًا2؛ فكذلك3 الوارث، وإلا لم يكن وارثًا على الحقيقة؛ فلا بد من أن تنتصب أفعاله مقتدى بها كما انتصبت أقواله.
والثاني: أن التأسي بالأفعال -بالنسبة إلى من يُعظَّم في الناس- سر مبثوث في طباع4 البشر، لا يقدرون على الانفكاك عنه بوجه ولا بحال، لا سيما عند الاعتياد والتكرار، وإذا صادف محبة وميلا إلى المتأسى به، ومتى وجدت5 التأسي بمن هذا شأنه مفقودا في بعض الناس؛ فاعلم أنه إنما ترك لتأسٍ آخر، وقد ظهر ذلك6 في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم في محلين:
أحدهما: حين دعاهم عليه الصلاة والسلام [إلى الخروج] من الكفر إلى الإيمان، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الله؛ فكان من آكد متمسكاتهم التأسي بالآباء7؛ كقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين المعقوفتين سقط في "ف" و"م".
وفي "ماء": "الموروث مقتدى"، وفي "ط": "الموروث يقتدى".
2 أي: سواء أقصد به البيان أم لم يقصد. "د".
3 ولعل أصل العبارة: مطلقًا كذلك فكذلك. إلخ. "ف".
4 وهل يكفي هذا لأن يكون دليلًا شرعيًا على شرعية التأسي بالمفتي ولو لم يقصد البيان؟ "د".
5 في "م": "وجد".
6 أي: ترك التأسي لتأسٍ آخر. "د".
7 فصل المصنف الكلام على هذا في كتابه "الاعتصام" "2/ 688-690 - ط ابن =(10/386)
ص -263-…[لقمان: 21] وما أشبهه من الآيات.
وقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب} [ص: 5].
ثم كرر عليهم التحذير من ذلك؛ فكانوا عاكفين على ما عليه آباؤهم، إلى أن نوصبوا بالحرب1 وهم راضون بذلك؛ حتى كان من جملة ما دُعوا به التأسي بأبيهم إبراهيم، وأضيفت الملة المحمدية إليه؛ فقال تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيم} [الحج: 78]؛ فكان ذلك بابا للدعاء إلى التأسي بأكبر آبائهم عندهم، وبيَّن لهم مع ذلك ما في الإسلام من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم التي كانت آباؤهم تستحسنها وتعمل بكثير منها؛ فكان التأسي داعيا إلى الخروج عن التأسي، وهو من أبلغ ما دعوا به من2 جهة التلطف بالرفق ومقتضى الحكمة، وبذلك جاء في القرآن بعد قوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123].
وقوله3: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة} [النحل: 125].
فكان هذا الوجه من التلطف في الدعاء إلى الله نوعا من الحكمة التي كان عليه الصلاة والسلام يدعو بها.
وأيضًا؛ فإن ما ذكر في القرآن من مكارم الأخلاق كان خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصدق الفعلُ القولَ بالنسبة إليهم، فكان ذلك مما دعا إلى اتِّباعه والتأسي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= عفان في السبب الثالث من أسباب الخلاف "التصحيح على اتباع العوائد وإن فسدت أو كانت مخالفة للحق"، من الباب التاسع "في السبب الذي لأجله افترقت فرق المبتدعة عن جماعة المسلمين". وانظر: "الأمر بالمعروف" لابن تيمية "ص46-47 - ط المكتبة القيمة".
1 في "م": "الحرب"، وفي "ط": "نصبوا الحرب".
2 في "ط": "في".
3 في "ط" بدون "واو" على أنها فاعل "جاء"، وقال "د": "لعل الواو زائدة".(10/387)
ص -264-…به1؛ فانقادوا ورجعوا إلى الحق.
والمحل الثاني: حين دخلوا في الإسلام وعرفوا الحق، وتسابقوا إلى الانقياد لأوامر النبي عليه الصلاة والسلام ونواهيه، فربما أمرهم بالأمر وأرشدهم إلى ما فيه صلاح دينهم؛ فتوجهوا إلى ما يفعل ترجيحا له على ما يقول، وقضيته عليه الصلاة والسلام معهم في توقفهم عن الإحلال بعد ما أمرهم؛ حتى قال لأم سلمة: "أما ترين أن قومك أمرتهم فلا يأتمرون؟". فقالت: اذبح واحلق. ففعل النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعوه2. ونهاهم عن الوصال؛ فلم ينتهوا واحتجوا بأنه يواصل؛ فقال: "إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني"3، ولما تابعوا في الوصال واصل بهم حتى يعجزوا، وقال: "لو مد لنا في الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم"4.
وسافر بهم في رمضان وأمرهم بالإفطار وكان هو صائما؛ فتوقفوا أو توقف بعضهم حتى أفطر هو فأفطروا5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهل هذا المحل خالٍ من قصد البيان حتى يكون دليلًا على قوله: "وما لم يقصد.... إلخ"؟ نعم، في المحل الثاني الذي فيه أنه كان يفعل من التشديد على نفسه في العبادة غير ما يطلبه منهم؛ كمسألة الوصال وغيرها، لم يكن يقصد بالفعل البيان؛ لأنه خاص به. "د".
2 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد 5/ 329-333/ رقم 2731، 2732"، وأحمد في "المسند" "4/ 326"، والبيهقي في "الدلائل" "4/ 150" عن المسور بن مخرمة، وهو جزء من حديث طويل في عمرة الحديبية، وانظر: "مرويات غزوة الحديبية" "ص225-234"، و"المحقق عن علم الأصول" "ص147" و"4/ 87".
3 مضى تخريجه "2/ 239".
4 مضى تخريجه "1/ 526"، وفي "ط": "لا يدع"، والصواب حذف "لا".
5 مضى لفظه وتخريجه "4/ 87-88".(10/388)
ص -265-…وكانوا يبحثون عن أفعاله1 كما يبحثون عن أقواله، وهذا من أشد المواضع على العالم المنتصب، وقد تقدم له بيان آخر في باب البيان؛ لكن على وجه آخر، والمعنى في الموضعين واحد.
ولعل قائلا يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان معصومًا، فكان عمله للاقتداء محلا بلا إشكال بخلاف غيره؛ فإنه محل للخطأ والنسيان والمعصية والكفر فضلا عن الإيمان، فأفعاله لا يوثق بها؛ فلا تكون مقتدى بها.
فالجواب: أنه إن اعتبر هذا الاحتمال في نصب أفعاله حجة للمستفتي؛ فليعتبر مثله في نصب أقواله، فإنه يمكن فيها الخطأ والنسيان والكذب عمدا وسهوا؛ لأنه ليس بمعصوم، ولما لم يكن ذلك معتبرا في الأقوال؛ لم يكن2 معتبرًا في الأفعال، ولأجل هذا تستعظم شرعا زلة العالم كما تبين في هذا الكتاب وفي باب البيان؛ فحق3 على المفتي أن ينتصب للفتوى بفعله وقوله، بمعنى أنه لا بد له من المحافظة على أفعاله حتى تجري على قانون الشرع؛ ليتخذ فيها أسوة.
وأما الإقرار؛ فراجع [في المعنى] إلى الفعل؛ لأن الكف فعل، وكف المفتي عن الإنكار إذا رأى فعلا من الأفعال كتصريحه بجوازه، وقد أثبت الأصوليون ذلك دليلا شرعيا بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكذلك يكون بالنسبة إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وصنفوا في حجيتها وأحكامها كتبًا ورسائل، منها: "المحقق من علم الأصول" لأبي شامة "ت665هـ"، و"تفصيل الإجمال" للعلائي، و"أفعال الرسول ودلالتها على الأحكام" لمحمد العروسي عبد القادر، و"أفعال الرسول" لمحمد الاشقر، وهو أوعبها وأحسنها.
2 الفرق واضح بين الأقوال والأفعال بالوجدان والمشاهدة؛ فكثير من المنتصبين يزنون الفتوى القولية وزنًا تامًا، مع أن أفعالهم يكون فيها كثير من مخالفة ما يفتون الناس به؛ ترخصًا لأنفسهم، لا سيما في باب المكارم والمطلوبات على غير الوجوب، والمنهيات على غير الحرمة. "د".(10/389)
3 الحق والمطالبة به شيء، واتخاذ حجة شرعية شيء آخر. "د".(10/390)
ص -266-…المنتصب بالفتوى، وما تقدم من الأدلة في الفتوى الفعلية جارٍ هنا بلا إشكال، ومن هنا ثابر1 السلف على القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر2، ولم يبالوا في ذلك بما ينشأ عنه من عود المضرات عليهم بالقتل فما دونه، ومن أخذ بالرخصة3 في ترك الإنكار فر بدينه واستخفى بنفسه، ما لم يكن ذلك سببا للإخلال بما هو أعظم من ترك الإنكار؛ فإن ارتكاب خير الشرين أولى من ارتكاب شرهما4، وهو راجع في الحقيقة إلى إعمال القاعدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمراتب الثلاث في هذا الوجه مذكورة شواهدها في مواضعها من الكتب المصنفة فيه5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فلم يكفوا عن الإنكار، حتى لا يكونوا كالمصرحين بجواز المنكر. "د".
2 انظر قصتين ماتعتين للسلف في الأمر بالمعروف في "الطبقات الكبرى" "5/ 137" لابن سعد، و"الإحكام" "4/ 163-164" لابن حزم. وفي "ط": "السلف الصالح".
3 أي: فاعتزل الخلق حتى لا يترتب على إنكاره أذى شديد يصيبه، وقوله: "المراتب الثلاث"؛ أي: التغيير باليد واللسان والقلب. "د".
4 انظر عنها: "الأمر بالمعروف" "ص22 - ط المكتبة القيمة" لابن يتيمة، و"إعلام الموقعين" "2/ 7" و"3/ 291"، و"مفتاح دار السعادة" "ص341، 348"، و"روضة المحبين" "ص132"، و"الداء والدواء" "ص225-226، 309-310"، و"قواعد ابن رجب" "ق112 - بتحقيقي"، و"القواعد الكلية والضوابط الفقهية" "ص10" ليوسف بن عبد الهادي، و"الأمر بالمعروف" "ص178" للعمري.
5 انظر: "الإحياء" "2/ 289-292"، و"الأمر بالمعروف" "169 وما بعدها" للعمري.(10/391)
ص -267-…المسألة الثالثة:
تنبني على ما قبلها، وهى أن الفتيا لا تصح من مخالف1 لمقتضى العلم، وهذا وإن كان الأصوليون قد نبهوا عليه وبينوه؛ فهو في كلامهم مجمل يحتمل البيان بالتفصيل المقرر في أقسام الفتيا.
فأما فتياه بالقول؛ فإذا جرت أقواله على غير المشروع، [فلا يوثق بما يفتي به؛ لإمكان جريانها كسائر أقواله على غير المشروع]، وهذا من جملة أقواله، فيمكن2 جريانها على غير المشروع؛ فلا يوثق بها.
وأما أفعاله، فإذا جرت على خلاف أفعال أهل الدين والعلم؛ لم يصح الاقتداء بها ولا جعلها أسوة في جملة أعمال السلف الصالح.
وكذلك إقراره؛ لأنه من جملة أفعاله.
وأيضًا؛ فإن كل واحد من هذه الوجوه الثلاثة عائد3 على صاحبيه بالتأثير، فإن المخالف بجوارحه يدل على مخالفته في قوله، والمخالف بقوله يدل على مخالفته بجوارحه؛ لأن الجميع يستمد من أمر واحد4 قلبي.
هذا بيان عدم صحة الفتيا منه على الجملة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سيأتي له تفسير الصحة بالانتفاع والوقوع لا الصحة في الحكم الشرعي ما لم يحط إلى رتبة الفسق بالمخالفة. "د".
وكتب في "ف" -وتبعه "م"- ما نصه: "أي: لا تعد صحيحة منتفعًا بها موثوقًا بحكمها إذا صدرت ممن يخالف قوله فعله؛ لأن للمفتي وراثة وخلافة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وله منصب التأسي والاقتداء به؛ فمن هذه الجهة إذا خالف قوله عمله كان كالمكذب نفسه، ولا شك أن من أخبر بشيء وكذب نفسه فيه، يهدر قوله، ويطرح رأيه، ولا يوثق به".
2 أي: فيحتمل احتمالًا قريبًا أن يكون فتياه بالقول غير صحيحة كأقواله الأخرى. "د".
3 في الأصل: ".... الوجوه الثلاثة دالٌّ على...".
4 وهو كمال الإيمان أو عدمه. "د".(10/392)
ص -268-…وأما على التفصيل؛ فإن المفتي إذا أمر مثلا بالصمت عما لا يعني؛ فإن كان صامتًا عما لا يعني ففتواه صادقة، وإن كان من الخائضين فيما لا يعني فهي غير صادقة1، وإذا دلَّك على الزهد في الدنيا وهو زاهد فيها صدقت فتياه، وإن كان راغبا في الدنيا فهي كاذبة، وإن دلَّك على المحافظة على الصلاة وكان محافظا عليها صدقت فتياه، وإلا فلا.
وعلى هذا الترتيب سائر أحكام الشريعة في الأوامر، ومثلها النواهي؛ فإذا نهي عن النظر إلى الأجنبيات من النساء، وكان في نفسه منتهيا عنها صدقت فتياه، أو نهي عن الكذب وهو صادق اللسان، أو عن الزنى وهو لا يزني، أو عن التفحش وهو لا يتفحش، أو عن مخالطة الأشرار وهو لا يخالطهم، وما أشبه ذلك؛ فهو الصادق الفتيا والذي2 يقتدى بقوله ويقتدى بفعله؛ وإلا فلا؛ لأن علامة صدق القول مطابقة الفعل، بل هو الصدق في الحقيقة عند العلماء، ولذلك قال تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه}3 [الأحزاب: 23].
وقال في ضده: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَن} إلى قوله: {وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُون} [التوبة: 75-77].
فاعتبر في الصدق مطابقة القول الفعل، وفي الكذب مخالفته.
وقال تعالى في الثلاثة الذين خلفوا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين}4 [التوبة: 119].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أراد به غير ظاهرة الصدق؛ لعدم وجود العلاقة الدالة على صدق قوله، وهي مطابقة الفعل للقول، أو المراد: غير صادقة بمعنى عدم مطابقتها لفعله وإن كان الصدق عند الجمهور مطابقة الواقع. "ف".
2 في "ط": "الذي" بدون واو.
3 أي: فعلوا ووفوا بما عاهدوا الله تعالى. "ف".(10/393)
4 أي: اتقوا الله وكونوا مثلهم في الصدق وخلوص النية، كما هو أحد التفاسير، وقال الآلوسي "في تفسيره" "11/ 45": "أنه المناسب" أي: فهؤلاء قد طابق قولهم فعلهم؛ فلم ينتحلوا أعذارًا كغيرهم، وقال يقال: إن السبب وإن كان خاصًا وهو مطابقة لفعلهم؛ إلا أن لفظ الصدق بمعناه الأعم عند الجمهور وهو مطابقة نسبة الخبر الواقع يدل على خصوص الغرض وهو مطابقة قول الشخص لفعله، وهو المعنى الخاص عند العلماء. "د".(10/394)
ص -269-…وهكذا إذا أخبر العالم عن الحكم أو أمر أو نهى؛ فإنما ذلك مشترك بينه وبين سائر المكلفين في الحقيقة؛ فإن وافق صدق وإن خالف كذب؛ فالفتيا لا تصح مع المخالفة وإنما تصح مع الموافقة.
وحسب الناظر من ذلك1 سيد البشر صلى الله عليه وسلم، حيث كانت أفعاله مع أقواله على الوفاق2 والتمام؛ حتى أنكر على من قال: يحل الله لرسوله ما شاء3.
وحين سأله الرجل عن أمر؛ فقال: "إني أفعله". فقال له: إنك لست مثلنا، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. غضب صلى الله عليه وسلم وقال: "والله؛ إني لأرجو أن أكون4 أخشاكم لله، وأعلمكم بما اتقي"5.
وفي القرآن عن شعيب عليه السلام: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} [الأعراف: 89].
وقوله: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْه} [هود: 88].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "في ذلك".
2 كذا في الأصل و"ط"، وفيه "الوفاق التمام"، ,في جميع النسخ المطبوعة "الوفاء -بالهمزة- والتمام".
3 مضى تخريجه "2/ 503".
4 في الأصل: "تكون".
5 مضى تخريجه "2/ 503".
6 لأنه يدعو الناس إلى توحيد الله بلسانه، فإذا عاد إلى شركهم؛ كان كاذبًا، لم يصدق قوله فعله. "د".
7 يقال: "خالفني فلان إلى كذا" إذا قصده وأنت مُوَلٍّ عنه، "وخالفني عنه" بالعكس؛ أي: إذا سمعتم نصحي، وتجنبتم التطفيف والبخس وعبادة الأوثان وسائر المعاصي؛ فإني لا أفعله،= واستبد به دونكم لأن الأنبياء لا ينهون عن شيء ويخالف فعلهم قولهم؛ وقد يقال: إن الآية ليس فيها أن هذا يعد كذبًا، بخلاف ما قبلها، إلا أن يقال: إنها تفيده بضميمتها إليها؛ لأن المخالف إليه فيها هو ما سماه كذبًا في قوله: {إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم}. "د".(10/395)
ص -270-…فبينت الآية أن مخالفة القول الفعل تقتضي كذب القول، وهو مقتضى ما تقدم في المسألة قبل هذا، وقد قالوا في عصمة1 الأنبياء قبل النبوة من الجهل بالله وعبادة غير الله: إن ذلك؛ لأن القلوب تنفر عمن كانت هذه سبيله، وهذا المعنى جار من باب أولى فيما بعد النبوة، بالنسبة إلى فروع الملة فضلا عن أصولها؛ فإنهم لو كانوا آمرين بالمعروف [ولا يفعلونه] وناهين عن المنكر ويأتونه -عياذا بالله من ذلك- لكان ذلك أولى2 منفِّر وأقرب صادٍّ عن الاتباع؛ فمن كان في رتبة الوارثة لهم؛ فمن حقيقة نيله الرتبة ظهور الفعل على مصداق القول.
ولما نهى3 عن الربا قال: "وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب"4.
وحين وضع الدماء التي كانت في الجاهلية؛ قال: "وأول دم أضعه دمنا: دم ربيعة بن الحارث"5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: في دليلها. "د".
2 في "م": "أوَّل".
3 في خطبة حجة الوداع المشهورة. "د".
4 مضى تخريجه "4/ 380".
5 أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 886-892/ رقم 1218" ضمن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه الطويل، ولفظه: "وإن أول دم أضع من دمائنا دمُ ابن ربيعة بن الحارث".
وأخرجه أحمد في "المسند" "5/ 73" عنه بلفظ: "وأول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث"، وأبو داود في "السنن" "كتاب المناسك، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 182-186/ رقم 1905". بلفظ: "ودماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أضعه دماؤنا"؛ -قال عثمان: "قلت: هو ابن أبي شيبة، =(10/396)
ص -271-…وقال حين شفع له في حد السرقة: "والذي نفسي بيده؛ لو سرقت فاطمة بنت رسول الله لقطعت يدها"1.
وكله ظاهر في المحافظة على مطابقة القول الفعل بالنسبة إليه وإلى قرابته، وأن الناس في أحكام الله سواء.
والأدلة في هذا المعنى أكثر من أن تحصى.
وقد ذم الشرع الفاعل بخلاف ما يقول؛ فقال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُم} الآية [البقرة: 44].
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُون} [الصف: 2-3].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= شيخ أبي داود": "دم ابن ربيعة"، وقال سليمان -"قلت: هو ابن عبد الرحمن الدمشقي، شيخ آخر لأبي داود في الحديث"-: "دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب"، وقال بعض هؤلاء -"أي: المذكورين، وعبد الله بن محمد النفيلي وهشام بن عمار؛ فمجموع شيوخه في هذا الحديث أربعة"- "كان مسترضعا في بني سعد، فقتلته هذيل".
وأخرجه أبو داود في "السنن" أيضًا "كتاب البيوع، باب في وضع الربا 3/ 244-245/ رقم 3334"، بلفظ: "ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضع منها دم الحارث ابن عبد المطب، وكان مسترضعًا في بني ليث، فقتلته هذيل".
قال الخطابي في "معالم السنن" "3/ 59-60": "دم الحارث بن عبد المطلب"؛ فإن أبا داود هكذا روى، وإنما هو في سائر الروايات: "دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب"، وأسند إلى ابن الكلبي قوله: "إن ربيعة بن الحارث لم يقتل، وقد عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمن عمر، وإنما قتل له ابن صغير في الجاهلية؛ فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم فيما أهدر، ونسب الدم إليه؛ لأنه ولي الدم".(10/397)
1 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب المغازي، باب منه 8/ 24-25/ رقم 4304"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود 34/ 1315/ رقم 1688" عن عائشة رضي الله عنها.(10/398)
ص -272-…عن جعفر بن برقان؛ قال: سمعت ميمون ابن مهران يقول: "إن القاص1 المتكلم ينتظر المقت2، والمستمع ينتظر الرحمة. قلت: أرأيت قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُون} الآية [الصف: 2]، هو الرجل يقرظ نفسه فيقول: فعلت كذا وكذا من الخير؟ أو هو الرجل يأمر بالمعروف وينهى3 عن المنكر وإن كان فيه تقصير؟ فقال: كلاهما"4.
فإن قيل: إن كان كما قلت تعذر القيام بالفتوى وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد قال العلماء: إنه لا يلزم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون صاحبه مؤتمرا أو منتهيا، وإلا أدى ذلك إلى خرم الأصل، وقد مر أن كل تكملة أدت إلى انخرام الأصل المكمل غير معتبرة؛ فكذلك هنا5، ومثله الانتصاب للفتوى، ومن الذى يوجد لا يزلُّ ولا يضلُّ ولا يخالف قوله فعله، ولا سيما في الأزمنة المتأخرة البعيدة عن زمان النبوة؟
نعم، لا إشكال في أن من طابق قوله فعله على الإطلاق هو المستحق للتقدم في هذه المراتب، وأما أن يقال: إذا عدم ذلك لم يصح الانتصاب؛ هذا مشكل جدا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في القا(10/399)
ص -بالقاف "وآخره صاد مهملة مشددة: هو" الذي يقص [الحديث و] الأخبار، ويعظ الناس. "ف" و"م".
2 لأنه يخشى عليه ألا يطابق فعله ما يعظ؛ فيمقت من الله ومن العباد، أما المستمع؛ فيرجى له أن يعمل بما سمع؛ فيرحم. "د".
3 في "ط": "أو ينهى".
4 أخرجه ابن المبارك في "الزهد" "رقم 49 - ط الأعظمي، ورقم 41 - ط المحققة"، وإسناده حسن، وصححه السيوطي في "تحذير الخواص" "ص240". "استدراك 3".
5 أي: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنه أصل كلي في الدين، ومكمله الائتمار والانتهاء، حتى يكون قدوة وينتفع به، ولكنه إذا جعل هذا المكمل شرطًا مطردًا حتى عند عدم وجود المؤتمر؛ انخرم الأمر بالمعروف، وضاع هذا الأصل؛ فيهمل هذا المكمل. "د".(10/400)
ص -273-…فالجواب: أن هذا السؤال غير وارد على القصد المقرر؛ لأنا إنما1 تكلمنا على صحة الانتصاب والانتفاع في الوقوع لا في الحكم الشرعي؛ فنحن نقول: واجب على العالم المجتهد الانتصاب والفتوى على الإطلاق، طابق قوله فعله أم لا، لكن الانتفاع بفتواه لا يحصل ولا يطرد2 إن حصل؛ وذلك أنه إن كان موافقا3 قوله لفعله حصل الانتفاع والاقتداء به في القول والفعل معا أو كان مظنة للحصول؛ لأن الفعل يصدق القول أو يكذبه، وإن خالف فعله قوله؛ فإما أن تؤديه المخالفة إلى الانحطاط عن رتبة العدالة إلى الفسق، أو لا؛ فإن كان الأول؛ فلا إشكال في عدم صحة الاقتداء وعدم صحة الانتصاب شرعا وعادة، ومن اقتدى به كان مخالفا مثله؛ فلا فتوى في الحقيقة ولا حكم، وإن كان الثاني؛ صح الاقتداء به واستفتاؤه وفتواه فيما وافق4 دون ما خالف، فمن المعلوم كما تقدم أنه إذا أفتاك بترك الزنا والخمر وبالمحافظة على الواجبات وهو في فعله على حسب فتواه [لك]؛ حصل تصديق قوله بفعله، وإذا أفتاك بالزهد في الدنيا أو ترك مخالطة المترفين أو نحو ذلك مما لا يقدح في أصل العدالة ثم رأيته يحرص على الدنيا ويخالط من نهاك عن مخالطتهم؛ فلم يصدق القول الفعل.
هذا وإن كان الشرع قد أمرك بمتابعة قوله؛ فقد نصبه الشارع أيضا ليؤخذ بقوله وفعله؛ لأنه وارث النبي، فإذا خالف فقد خالف مقتضى المرتبة، وكذب الفعل القول لما في الجبلات من جواذب التأسي بالأفعال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل: "إذا".
2 أي: بل يقع الانتفاع به نادرًا، بخلاف الصادق؛ فالانتفاع به مطرد أي غالب، كما سيقول: "أو كان مظنة للحصول". "د".
3 في "ط": "بقوله".(10/401)
4 أي: فيما وافق فيه قوله فعله؛ أما كل ما خالف فيه قوله فعله؛ فلا يعتد بقوله المخالف لفعله فيه، وسيأتي أنه يحمل ذلك على كمال الصحة لا على البطلان؛ لأن الشرع نصبه للمتابعة في القول وإن خالف مرتبته في الفعل، وسيأتي مزيد البيان في الفصل الآتي. "د".(10/402)
ص -274-…فعلى كل تقدير لا يصح الاقتداء ولا الفتوى على كمالها في الصحة إلا مع مطابقة القول الفعل على الإطلاق، وقد قال أبو الأسود الدؤلي1:
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها…فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يسمع ما تقول ويقتدى…بالرأي منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتىَ مثله…عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
[وهو معنى موافق للنقل والعقل، لا خلاف فيه بين العقلاء]2.
فصل:
فإن قيل: فما حكم المستفتي مع هذا المفتي الذي لم يطابق قوله فعله؛ هل يصح تقليده في باب التكليف، أم لا؟ بمعنى أنه يؤخذ بقوله ويعمل عليه أو لا.
فالجواب: أن هذه المسألة مبنية على ما تقدم، فإن أخذت من جهة الصحة في الوقوع فلا تصح؛ لأنها إذا لم تصح بالنسبة إلى المفتي، فكذلك يقال بالنسبة إلى المستفتي؛ هذا هو المطَّرِد والغالب، وما سواه كالمحفوظ النادر الذى لا يقوم منه أصل كُلِّيٌّ بحال، وأما إن أخذت من جهة الإلزام الشرعي؛ فالفقه فيها ظاهر، فإن كانت مخالفته ظاهرة قادحة في عدالته؛ فلا يصح إلزامه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأبيات من قصيدة لأبي الأسود الدؤلي في "شرح شواهد المغني" "194"، ومنها:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
وفي "البيان والتبين" "1/ 198" للجاحظ عدا الثالث، وعزاهما للأفوه الأودي، وفيه:
فهناك تُعذَر إن وَعَظت ويُقتَدَى
بالقول منك ويُقبَل التعليم
ويروى بعضها للمتوكل الليثي. انظر: "حماسة البحتري" "173".
2 انظر: "الاجتهاد في الإسلام" لنادية العمري "ص113-115"، وما بين المعقوفتين سقط من "م".(10/403)
ص -275-…إذ من شرط قبول القول والعمل به صدقه، وغير العدل لا يوثق به، وإن كانت فتواه جارية على مقتضى الأدلة في نفس الأمر؛ إذ لا يمكن علم ذلك إلا من جهته، وجهته غير موثوق بها؛ فيسقط الإلزام عن المستفتي، وإذا سقط الإلزام عن المستفتي؛ فهل يبقى إلزام1 المفتي متوجها أم لا؟ يجرى2 ذلك على خلاف في مسألة حصول الشرط الشرعي: هل هو شرط3 في التكليف أم لا؟ وذلك مقرر في كتب الأصول4، وإن لم تكن مخالفته قادحة في عدالته؛ فقبول قوله صحيح، والعمل عليه مبرئ للذمة والإلزام الشرعي متوجه عليهما معا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: هل يبقى مكلفًا بالإفتاء مع فقد الشرط الشرعي وهو العدالة أو لا؟. "د".
2 قد يقال: وهل العدالة شرط في تكليفه بالإبلاغ، أم هي شرط شرعي لإلزام المستفتي الأخذ بأقواله؟ "د".
3 نسبوا للحنفية القول بشرطية ذلك في التكليف، وتبرأ الحنفية من كون ذلك عامًا، وقالوا: إنه لا يقول به عاقل؛ بل النزاع بينهم وبين الشافعية في خصوص تكليف الكفار بفروع الشريعة لا غير، وعليه لا محل لإجراء هذا الخلاف هنا حتى يعد تسليم أن العدالة شرط في وجوب الإبلاغ. "د".
4 انظر منها على سبيل المثال: "البحر المحيط" "6/ 204" للزركشي، و"المستفتي" "2/ 350"، و"إعلام الموقعين" "1/ 11 و4/ 220"، و"جمع الجوامع" "2/ 385 - مع حاشية البناني"، و"المجموع" "1/ 76"، و"روضة الناظر" "3/ 960 - ط المحققة"، و"أدب المفتي والمستفتي" "ص107"، لابن الصلاح، و"صفة الفتوى" "ص13" لابن حمدان، و"الفتيا ومناهج الإفتاء" "ص40" للأشقر، و"الفتوى في الإسلام" "ص62-63" للقاسمي، و"إرشاد الفحول" "ص296".(10/404)
ص -276-…المسألة الرابعة:
المفتي البالغ ذروة2 الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور؛ فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال.
والدليل على صحة هذا أنه الصراط المستقيم الذى جاءت به الشريعة؛ فإنه قد مر أن مقصد الشارع من المكلف الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين؛ خرج عن قصد الشارع، ولذلك كان ما خرج عن المذهب الوسط مذموما عند العلماء الراسخين3.
وأيضًا4؛ فإن هذا المذهب كان المفهوم من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأكرمين، وقد رد5 عليه الصلاة والسلام التبتل6. وقال لمعاذ لما أطال بالناس في الصلاة: "أفتان أنت يا معاذ"7.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نقل جل هذه المسألة عن المصنف القاسمي في "الفتوى" "ص56-60".
2 قال "الماء": "جمعها" "ذري"، وهي من الدرجات".
3 انظر أدلة هذا من الكتاب والسنة وآثار السلف في: رسالة السخاوي "الجواب الذي انضبط عن: "لا تكن حلوا فتُستَرَط" بتحقيقي، و"العزلة" "ص207، 236 - ط المحققة" للخطابي، و"الموشى" "ص83-84" لابن الوشاء -وهو مطبوع بعنوان "الظرف والظرفاء" تصرفًا من المحقق، وهو غير جيد، والله الموافق- و"الغلو في الدين".
4 دليل ثانٍ غير استدلاله بالقاعدة الأصولية التي تقدمت له في كتاب المقاصد في المسألة الثانية عشرة من النوع الثالث. "د".
5 أي: على جماعة من أصحابه طلبوا منه ذلك. "د".
6 مضى تخريجه "1/ 522"، وهو صحيح.
7 مضى تخريجه "1/ 528"، وهو صحيح.(10/405)
ص -277-…وقال: "إن منكم منفرين"1.
وقال: "سددوا، وقاربوا، واغدُوا ورُوحُوا وشيء من الدلجة، والقصدَ القصدَ تبلُغُوا"2.
وقال: "عليكم من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا"3.
وقال: "أحب العمل إلى الله ما دام عليه صاحبه وإن قَلَّ"4.
ورد عليهم الوصال5، وكثير من هذا.
وأيضا؛ فإن الخروج إلى الأطراف خارج عن العدل، ولا تقوم به مصلحة الخلق، أما في طرف التشديد؛ فإنه مهلكة، وأما في طرف الانحلال؛ فكذلك أيضا؛ لأن المستفتي إذا ذُهِبَ به مذهب العنت والحرج بُغِّضَ إليه الدين، وأدى إلى الانقطاع عن سلوك طريق الآخرة، وهو مشاهد؛ وأما إذا ذُهِب به مذهب الانحلال كان مظنة للمشي مع الهوى والشهوة، والشرع إنما جاء بالنهي عن الهوى، واتباع الهوى مهلك، والأدلة كثيرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "1/ 528"، وهو صحيح.
2 مضى تخريجه "2/ 208" وهو في "الصحيحين"، وكتب "ف" -وتبعه "م"- ما نصه: "أي: اطلبوا السداد أي الصواب والقصد في القول والعمل، وأصل السداد: إغلاق الخلل وردم الثلم، والمقاربة قريبة من هذا المعنى؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا" مراد به اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة، وهو القصد في الأمر والعدل فيه فلا تميلوا بها* إلى الأطراف، ولمغايرة الثاني للأول في المعنى اللغوي عطف عليه "واغدوا" أي: بكروا بأعمالكم، والغدوة نقيض الرواح؛ والدلجة؛ بالضم، سير الحر**، وبالفتح: سير الليل كله".
3 مضى تخريجه "1/ 525".
4 مضى تخريجه "2/ 404"، وفي "د" و"ف": "ما دام".
5 مضى ذلك في أحاديث عديدة، انظر منها: "2/ 239".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في "م": "فلا تميلوا بأنفسكم..".
** في "م": "السير في وقت الحر".(10/406)
ص -278-…فصل:
فعلى هذا يكون الميل إلى الرخص في الفتيا بإطلاق مضادًا1 للمشي على التوسط؛ كما أن الميل إلى التشديد مضاد له أيضا [أيضًا]2.
وربما فهم بعض الناس أن ترك الترخص تشديد؛ فلا يجعل بينهما وسطًا، وهذا غلط، والوسط هو معظم الشريعة وأم الكتاب، ومن تأمل موارد الأحكام بالاستقراء التام عرف ذلك، وأكثر من هذا شأنه من أهل [الانتماء إلى]3 العلم يتعلق بالخلاف الوارد في المسائل العلمية، بحيث يتحرى4 الفتوى بالقول الذى يوافق هوى المستفتي، بناء منه على أن الفتوى بالقول المخالف لهواه تشديد عليه وحرج في حقه، وأن الخلاف إنما كان رحمة لهذا المعنى، وليس بين التشديد والتخفيف واسطة، وهذا قلب للمعنى المقصود في الشريعة، وقد تقدم أن اتباع الهوى ليس من المشقات التي يترخص بسببها، وأن الخلاف إنما هو رحمة من جهة أخرى، وأن الشريعة حمل على التوسط لا على مطلق التخفيف، وإلا؛ لزم ارتفاع مطلق التكليف من حيث هو حرج ومخالف للهوى، ولا على مطلق التشديد؛ فليأخذ الموفق في هذا الموضوع حذره؛ فإنه مزلة قدم على وضوح الأمر فيه5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل: "مضاد".
2 سقط من "ط".
3 ما بين المعقوفتين سقط من "م".
4 تقدم الكلام على هذا بأوفى بيان في المسألة الثالثة ولواحقها من كتاب الاجتهاد.
5 تكلم بعض الأصوليين على هذه المسألة على هذا النحو: "هل يجب الأخذ بأخف القولين أو الأثقل؟"، وذكر ذلك المصنف في آخر المسألة من الطرف الأول من كتاب =(10/407)
ص -279-…فصل:
قد يسوغ للمجتهد أن يحمل نفسه من التكليف ما هو فوق الوسط؛ بناء على ما تقدم في أحكام الرخص، ولما كان مفتيا بقوله وفعله كان له أن يخفي ما لعله يُقتدَى1 به فيه فربما اقتدى به فيه من لا طاقة له بذلك العمل، فينقطع وإن اتفق ظهوره للناس نبه عليه، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل؛ إذ كان قد فاق الناس عبادة وخلقًا، وكان عليه الصلاة والسلام قدوة؛ فربما اتبع لظهور عمله؛ فكان ينهى عنه في مواضع؛ كنهيه عن الوصال، ومراجعته لعمرو بن العاص2 في سرد الصوم3.
وقد قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّم} [الحجرات: 7].
وأمر بحل4 الحبل الممدود بين الساريتين5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الاجتهاد مع الأدلة معتمدًا على الرازي، واختار المصنف قولًا آخر، وهو صحيح من حيث الجملة وعلى وجه العموم، وإلا يلزم في كثير من المسائل القول إما بالأخف أو الأثقل، والمرجح النص والدليل؛ نعم، يظهر أهمية كلام المصنف في مجمل ما يفتي به؛ المطلوب ما قرر، على الرغم من صبغ فقه ابن عباس بالترخص في كثير من المسائل، وصبغ فقه ابن عمر بالتشدد في كثير من المسائل، وقصة المنصور مع مالك، وذكره هذا أمر مشهور، ولكن في صحتها نظر كبير، ولتحقيق ذلك موطن آخر.
وانظر في المسألة: "المحصول" "6/ 159-160"، و"شرح المحلي على جمع الجوامع" "2/ 352".
1 في "ط": "أن يقتدى".
2 كان المراجعة لعبد الله بن عمرو بن العاص لا لعمرو نفسه. "د".
3 مضى تخريجه ذلك "2/ 240"، وهو صحيح.
4 حبل وضعته زينب أم المؤمنين رضي الله عنها حتى إذا فترت تعلقت به. "د".
قلت: مضى تخريج ذلك "1/ 528"، وهو صحيح.
5 أي: ليتعلقوا به خشية النوم. "ف" و"م".(10/408)
ص -280-…وأنكر على الحولاء بنت تويت قيامها الليل1.
وربما ترك العمل2 خوفا أن يعمل به الناس فيفرض عليهم.
ولهذا -والله أعلم- أخفى السلف الصالح أعمالهم؛ لئلا يتخذوا قدوة، مع ما كانوا يخافون عليه أيضًا من رياء أو غيره، وإذا كان الإظهار عرضة للاقتداء؛ لم يظهر منه إلا ما صح للجمهور أن يحتملوه.
فصل:
إذا ثبت أن الحمل على التوسط هو الموافق لقصد الشارع، وهو الذي كان عليه السلف الصالح؛ فلينظر المقلد أي مذهب كان أجرى على هذا الطريق فهو أخلق بالاتِّباع وأولى بالاعتبار، وإن كانت المذاهب كلها طرقا إلى الله، ولكن الترجيح فيها لا بد منه؛ لأنه أبعد من اتباع الهوى كما تقدم، وأقرب إلى تحري قصد الشارع في مسائل الاجتهاد؛ فقد قالوا3 في مذهب داود لما وقف مع الظاهر مطلقًا: إنه بدعة حدثت بعد المائتين، وقالوا في مذهب أصحاب الرأي4: لا يكاد المعرق5 في القياس إلا يفارق السنة؛ فإن كان ثم رأي بين هذين؛ فهو الأولى بالاتباع، والتعيين في هذا المذهب موكول إلى أهله، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "1/ 527".
2 كقيام رمضان جماعة في المسجد. "د" قلت: تقدم مع تخريجه "4/ 423".
3 المذكور قول القاضي عياض كما قدمناه "2/ 320"، وانظر -لزامًا- تعليقنا عليه.
4 المذكور قول مالك على ما في "الاعتصام" "2/ 638 - ط ابن عفان" أو قول أصبغ، على ما مضى عند المصنف "ص199".
5 كذا في "ط": وفي النسخ المطبوعة: "المعرق" بعين مهملة، وتصحف في "الاعتصام" إلى "المفرق" بالفاء، والصواب ما اثبتناه، وكتب "ف" -وتبعه "م"- ما نصه: "أي": المناضل فيه، المتوغل في مناحيه".(10/409)
ص -283-…المسألة الأولى:
إن المقلد إذا عرضت له مسألة دينية؛ فلا يسعه في الدين إلا السؤال عنها على الجملة1؛ لأن الله لم يتعبد الخلق بالجهل، وإنما تعبدهم على متضى قوله سبحانه: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّه} [البقرة: 282] لا على ما يفهمه2 كثير من الناس، بل على ما قرره الأئمة في صناعة النحو، أي: إن الله يعلمكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: سواء أَسَأَل عنها وطلب الوقوف على دليلها حتى يقتنع، كما في العقائد وكما في الفروع إن كان من أهل الاستقلال، أم سأل بمقدار ما يصحح به عمله فقط، وأيضًا؛ سواء أكان سؤاله لمن هو أَهْلٌ أم لا.. إلخ ما سيبينه في المسألة الثانية. "د".
2 يفهمونها على حد: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29]؛ إلا أن فهمهم لا تساعده قواعد اللغة الفصحى؛ لأنه مبني على أن جملة {وَيُعَلِّمُكُم} حال مقدرة، أو بمعنى مضمونًا لكم التعليم، وكلاهما يفيد أن التعليم مرتب على التقوى، ولكن الجملة المضارعية المثبتة وقوعها حالًا بالواو قليل؛ حتى قالوا: لا بد له من التأويل، والوجه الثاني أن هذه الجمل الثلاث مستقلة بعضها عن بعض؛ فالأولى طلب تقوى الله، والثانية وعد بالإنعام، والثالثة غاية التعظيم، ولذا ساغ فيها تكرار كلمة الجلالة مع أنهم كرهوا تكرار اللفظ الواحد في الجمل المتعاقبة. "د".(10/410)
قلت: نبه شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" "18/ 177" على خطأ فهم الآية، قال رحمه الله تعالى بعد كلام: "وقد شاع في لسان العامة أن قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} من الباب الأول، حيث يستدلون بذلك على أن التقوى سبب تعليم الله، وأكثر الفضلاء يطعنون في هذه الدلالة؛ لأنه لم يربط الفعل الثاني بالأول ربط الجزاء بالشرط، فلم يقل: "وَاتَّقُوا الله وَيُعَلِّمكم"، ولا قال: "فيعلمكم"، وإنما أتى بواو العطف، وليس من العطف ما يقتضي أن الأول سبب الثاني"، ثم قال "18/ 177-178": "وقد يقال: العطف قد يتضمن معنى الاقتران والتلازم، كما يقال: "زرني وأزورك"، و"سَلِّمْ علينا ونسلِّمُ عليك"، ونحو ذلك مما يقتضي اقتران الفعلين، والتعاوض من الطرفين"، قال: "فقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} قد يكون من هذا الباب؛ فكلٌّ من تعليم الرب وتقوى العبد يقارب الآخر ويلازمه ويقتضيه، فمتى علمه الله العلم النافع اقترن به التقوى بحسب ذلك، ومتى اتقاه زاده من العلم... وهلم جرا".(10/411)
ص -284-…على كل حال فاتقوه؛ فكأن الثاني سبب في الأول1؛ فترتب الأمر بالتقوى على حصول التعليم ترتبا معنويًا، وهو يقتضي تقدم العلم على العمل، والأدلة على هذا المعنى كثيرة2، وهي قضية لا نزاع فيها؛ [فلا فائدة في التطويل فيها]3، لكنها كالمقدمة لمعنى آخر وهى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ماء": "فكان الثاني سببًا في الأول".
2 انظر بعضها في "صحيح البخاري" "كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل 1/ 159"، و"روضة الطالبين" "ص92" للغزالي.
3 ما بين المعقوفتين سقط من "ط".(10/412)
ص -285-…المسألة الثانية:
وذلك أن السائل لا يصح له أن يسأل من لا يعتبر في الشريعة جوابه؛ لأنه إسناد أمر إلى غير أهله؛ والإجماع على عدم صحة مثل هذا1، بل لا يمكن2 في الواقع؛ لأن السائل يقول لمن ليس بأهل لما سئل عنه: أخبرني عما لا تدري، وأنا أسند أمري لك فيما نحن بالجهل3 به على سواء، ومثل هذا لا يدخل في زمرة العقلاء؛ إذ لو قال له: دلني في هذه المفازة على الطريق إلى الموضع الفلاني، وقد علم أنهما في الجهل بالطريق سواء؛ لعدَّ من زمرة المجانين؛ فالطريق الشرعي أولى؛ لأنه هلاك أخروي، وذلك هلاك دنيوي خاصة، والإطناب في هذا أيضا غير محتاج إليه؛ غير أنا نقول بعده:
إذا تعين عليه السؤال؛ فحق عليه أن لا يسأل إلا من هو من أهل ذلك المعنى الذى يسأل عنه؛ فلا يخلو أن يتحد في ذلك النظر4 أو يتعدد، فإن اتحد؛ فلا إشكال، وإن تعدد؛ فالنظر في التخيير وفى الترجيح قد تكفل به أهل الأصول، وذلك إذا لم يعرف أقوالهم في المسألة قبل السؤال، أما إذا كان [قد] اطلع على فتاويهم قبل ذلك، وأراد أن يأخذ بأحدها؛ فقد تقدم قبل هذا أنه لا يصح له إلا الترجيح؛ لأن من مقصود الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدًا لله، وتخييره يفتح له باب اتباع الهوى؛ فلا سبيل إليه البتة، وقد5 مر في ذلك تقرير حسن في هذا الكتاب؛ فلا نعيده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حكى الإجماعَ الرازيُّ في "المحصول" "6/ 81" وغيره.
2 أي: حصوله من العقلاء. "د". وفي "ط" بعده: "في الوقائع".
3 كذا في "ط"، وفي غيره: "بالجهل".
4 هكذا في الأصل، وفي "د" و"ط" و"ماء": "القطر".
5 في المسألة الثالثة من كتاب الاجتهاد ولواحقها. "د".(10/413)
ص -286-…المسألة الثالثة:
حيث يتعين1 الترجيح؛ فله طريقان: أحدهما عام، والآخر خاص.
فأما العام؛ فهو المذكور في كتب الأصول؛ إلا أن فيه موضعا يجب أن يُتَأمل ويُحترز منه، وذلك أن كثيرا من الناس تجاوزوا الترجيح بالوجوه الخالصة إلى الترجيح ببعض الطعن على المذاهب المرجوحة عندهم، أو على أهلها القائلين بها، مع أنهم يثبتون مذاهبهم ويعتدون بها ويراعونها، ويفتون بصحة الاستناد إليهم في الفتوى، وهو غير لائق بمناصب المرجحين، وأكثر ما وقع ذلك في الترجيح بين المذاهب الأربعة وما يليها من مذهب داود ونحوه2؛ فلنذكر هنا أمورا يجب التنبه لها:
أحدها: أن الترجيح بين الأمرين إنما يقع في الحقيقة بعد الاشتراك3 في الوصف الذى تفاوتا فيه، وإلا؛ فهو إبطال لأحدهما، وإهمال لجانبه رأسًا، ومثل4 هذا لا يسمى ترجيحًا، وإذا كان كذلك؛ فالخروج في [ترجيح] بعض المذاهب على بعض إلى القدح في أصل الوصف بالنسبة إلى أحد المتصفين خروج عن نمط5 إلى نمط آخر مخالف له، وهذا ليس من شأن العلماء، وإنما الذى يليق بذلك الطعن والقدح في حصول ذلك الوصف لمن تعاطاه وليس من أهله، والأئمة المذكورون برآء6 من ذلك؛ [فهذا]7 النمط لا يليق بهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "تعين".
2 انظر في هذا: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "20/ 291-293"، و"بدعة التعصب المذهبي" للشيخ محمد عيد عباسي.
3 في "ف" و"م": "بين الاشتراك"، وقالا: "لعله: "بعد الاشتراك"، وفي "ط": "مع الاشتراك".
4 في "د": "مثله".
5 لعل فيه سقط كلمة "الترجيح". "د".
6 إذ الموضوع أنهم يثبتون مذاهبهم.. إلخ ما تقدم. "د".
7 ما بين المعقوفتين سقط من "د".(10/414)
ص -287-…والثاني: أن الطعن في مساق الترجيح يبين1 العناد من أهل المذهب2 المطعون عليه، ويزيد في دواعي التمادي والإصرار على ما هم عليه؛ لأن الذى غُضَّ من جانبه مع اعتقاده خلاف ذلك حقيق بأن يتعصب لما هو عليه ويظهر محاسنه؛ فلا يكون للترجيح المسوق هذا المساق فائدة زائدة على الإغراء بالتزام [المذهب]3، وإن كان مرجوحًا؛ فكأن4 الترجيح لم يحصل.
والثالث: أن هذا الترجيح مغرٍ بانتصاب المخالف للترجيح بالمثل أيضًا؛ فبينا نحن نتتبع المحاسن5 صرنا نتتبع القبائح [من المجانبين]؛ فإن النفوس مجبولة على الانتصار لأنفسها ومذاهبها وسائر ما يتعلق بها؛ فمن غَضَّ من جانب صاحبه غَضَّ صاحبه من جانبه؛ فكأن المرجح لمذهبه على هذا الوجه غاضٌّ من جانب مذهبه؛ فإنه تسبب في ذلك كما في الحديث: "إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه". قالوا: وهل يسب الرجل والديه؟ قال: "يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه"6؛ فهذا من ذلك.
وقد منع الله أشياء من الجائزات7 لإفضائها إلى الممنوع؛ كقوله: {لا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: 104].
وقوله: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّه} الآية [الأنعام: 108].
وأشباه ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: يثيره. "د". قلت: في "ط": "يثير".
2 في الأصل: "المذاهب".
3 سقط من "د"، وفي الأصل: "المذاهب".
4 كذا في "ط"، وفي غيره: "فإن".
5 أي: لترجُّحٍ بها صار كل منا يبحث عن القبائح عند الآخر، يزعم أن ذلك يرجح مذهبه. "د".
6 مضى تخريجه "3/ 76".
7 أي: فما بالك بالممنوعات؟ "د".(10/415)
ص -288-…والرابع: أن هذا العمل مورث للتدابر والتقاطع بين أرباب المذاهب، وربما نشأ الصغير منهم على ذلك حتى يرسخ في قلوب أهل المذاهب بغض من خالفهم فيتفرقوا شيعًا، وقد نهى الله تعالى عن ذلك وقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} الآية [آل عمران: 105].
وقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء} [الانعام: 159].
وقد مر تقرير هذا المعنى قبلُ؛ فكل ما أدى إلى هذا ممنوع؛ فالترجيح بما يؤدي إلى افتراق الكلمة وحدوث العداوة والبغضاء ممنوع.
ونقل الطبري1 عن عمر بن الخطاب -وإن لم يصحح سنده2 - أنه لما أرسل الحطيئة من الحبس في هجائه3 الزبرقان بن بدر؛ قال له: "إياك والشعر. قال: لا أقدر يا أمير المؤمنين على تركه، مأكلة عيالي ونملة على لساني4. قال: فشبب بأهلك، وإياك وكل مدحة مجحفة. قال: وما هى؟ قال: تقول بنو فلان خير من بنى فلان، امدح ولا تفضل. قال: أنت يا أمير المؤمنين أشعر مني".
فإن صح هذا الخبر وإلا فمعناه صحيح؛ فإن المدح إذا أدى إلى ذم الغير كان مجحفًا، والعوائد شاهدة بذلك.
والخامس: أن الطعن والتقبيح في مساق الرد أو الترجيح ربما أدى إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في كتابه "تهذيب الآثار" "2/ 2/ 20/ رقم 2718"؛ قال: ثنا الزبير بن بكار: ثني محمد بن الضحاك بن عثمان، عن أبيه؛ قال: "لما أرسل عمر...."، والخبر مرسل، بل معضل؛ فإسناده ضعيف.
2 الصواب أنه سكت عليه، ولم يضعفه.
3 في الأصل والنسخ المطبوعة كلها: "هجاء"، والتصويب من "تهذيب الآثار" و"ط".
4 أي: قرحة فيه لا تنفك عنه. "ف" و"م".(10/416)
ص -289-…التغالي والانحراف في المذاهب، زائدا إلى ما تقدم؛ فيكون ذلك سبب إثارة1 الأحقاد الناشئة عن التقبيح الصادر بين المختلفين في معارض2 الترجيح والمحاجة.
قال الغزالي في بعض كتبه: "أكثر الجهالة3 إنما رسخت في قلوب العوام بتعصب جماعة من جهال أهل الحق أظهروا الحق، في معرض التحدي والإدلاء4، ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التحقير والازدراء؛ فثارت من بواطنهم دواعي المعاندة والمخالفة، ورسخت في قلوبهم الاعتقادات الباطلة، وتعذر على العلماء المتلطفين محوها مع ظهور فسادها، حتى انتهى التعصب بطائفة إلى أن اعتقدوا أن الحروف التي نطقوا بها في الحال بعد السكوت عنها طول العمر قديمة، ولولا استيلاء الشيطان بواسطة العناد والتعصب للأهواء؛ لما وجد مثل هذا الاعتقاد مستقرا5 في قلب مجنون فضلا عن قلب عاقل".
هذا ما قال؛ وهو الحق الذى تشهد له العوائد الجارية6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعله "بسبب" كما يدل عليه لاحق الكلام؛ فالزائد على ما تقدم إنما هو الانحراف الشديد والتغالي في مجافاة الحق؛ بسبب الأحقاد الناشئة عن مر التشنيع في معرض المحاجة كما سيمثل له في كلام الغزالي. "د".
2 في "ط": "معرض".
3 في "ط" و"الاعتصام" "2/ 230 - ط رشيد رضا؛ و2/ 732 - ط ابن عفان": "الجهالات".
4 من قولهم: "أدلى فلان في فلان"؛ أي: قال قبيحًا، وليس المراد الإدلاء بالحجة؛ لأنه لا يناسب ما قبله وما بعده. "د".
قلت: تصحفَت في "الاعتصام" "ط رضا" إلى: "والإدلال"، وفي طبعة ابن عفان: "والإذلال".
5 في "الاعتصام" "2/ 230 - ط رضا": "مستفزًا"، وفيه "2/ 732 - ط ابن عفان": "مستنفرًا"؛ وكلاهما خطأ.
6 زاد في "الاعتصام" عليه: "فالواجب تسكين الثائرة ما قدر على ذلك، والله أعلم".(10/417)
ص -290-…وقد جاء في حديث الذى لطم وجه اليهودي القائل: "والذى اصطفى موسى على البشر" أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب وقال: "لا تفضلوا بين الأنبياء"1، أو: "لا تفضلوني على موسى"2، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بالتفضيل3 أيضًا؛ فذكر المازري4 في تأويله عن بعض شيوخه أنه يحتمل أن يريد: لا تفضلوا بين أنبياء الله تفضيلا يؤدي إلى نقص بعضهم، قال:
"وقد خرج الحديث على سبب، وهو لطم الأنصاري وجه اليهودي؛ فقد يكون عليه الصلاة والسلام خاف أن يفهم من هذه الفعلة انتقاص [حق]5 موسى [عليه السلام]5؛ فنهى عن التفضيل المؤدي إلى نقص الحقوق".
قال عياض6: "وقد يحتمل أن يقول هذا وإن علم بفضله عليهم وأعلم به أمته، لكن نهاه عن الخوض فيه والمجادلة به؛ إذ قد يكون ذلك ذريعة إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِين} 6/ 450-451/ رقم 3414"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم 4/ 1844 رقم 2373 بعد 159" عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا تفضلوا بين أنبياء الله؛ فإنه ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله قال: ثم ينفخ فيه أخرى؛ فأكون أول من بُعث -أو: في أول من بُعث- فإذا موسى عليه السلام آخذ بالعرش.." لفظ مسلم.
ولفظ البخاري: "لا تفضلوا بين أولياء الله".
2 أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم 4/ 1844/ رقم 2373 بعد 160"، وابن أبي شيبة في "المصنف" في "11/ 509"، وأحمد في "المسند" "3/ 31، 33" عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "لا تخيروني على موسى؛ فإن الناس....".
3 أي: التفضيل بين الأنبياء وتفضيله على موسى؛ فهو راجع للروايتين. "د".
4 في كتابه: "المعلِم بفوائد مسلم" "3/ 134".(10/418)
5 زيادة من "المعلم"، وما بين المعقوفتين الأخريين من "المعلم" و"ط".
6 ونقله عنه الأبي في "إكمال إكمال العلم" "6/ 166".(10/419)
ص -291-…ذكر ما لا يُحَبُّ منهم عند الجدال، أو ما يحدث1 في النفس لهم بحكم الضجر والمراء؛ فكان نهيه عن المماراة في ذلك كما نهي عنه في القرآن2 وغير ذلك". هذا ما قال، وهو حق3، فيجب أن يعمل به فيما بين العلماء؛ فإنهم ورثة الأنبياء.
فصل:
وأما1 إذا وقع الترجيح بذكر الفضائل والخواص والمزايا الظاهرة التي يشهد بها الكافة؛ فلا حرج فيه؛ بل هو مما لا بد منه في هذه المواطن، أعني: عند الحاجة إليه، وأصله من الكتاب قول الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض} الآية [البقرة: 253]؛ بيَّن أصل التفضيل، ثم ذكر بعض الخواص والمزايا المخصوص بها بعض الرسل.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [الإسراء: 55].
وفى الحديث من هذا كثير: [كقوله] لما سئل: من أكرم الناس؟ فقال: "أتقاهم". فقالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: "فيوسف، نبي الله ابن نبي الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 معطوف على "ذكر"؛ أي: ذريعة إلى أن يحدث في نفوسهم شيء لا يليق بمقامهم بسبب ضجرها من المراء والجدل، وإن لم يتكلم به. "د".
2 ولا تجادلوا أهل الكتاب. "د".
3 ذهب الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" "3/ 57 - ط المحققة" إلى قول آخر، وهو حسن؛ فقال رحمه الله تعالى: "... وكان هذا عندنا والله أعلم على التفضيل بينهم، وعلى التخيير بينهم بآرائنا، وربما لم يوقفنا عليه، ولم يُبَيِّنْه لنا، فأما ما بينه لنا وأعلمنا؛ فقد أطلقه لنا، وعاد ما نهى عنه في هذا الباب ما سوى ذلك مما لم يبينه لنا، ولم يطلق لنا القول فيه بما قد تولاه عز وجل ومنعنا منه، واللهَ نسأله التوفيق".
4 سقط من "ط".(10/420)
ص -292-…نبي الله ابن خليل الله". قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: "فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"1. وقال عليه الصلاة والسلام: "بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل جاءه رجل، فقال: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: لا. فأوحى الله إليه: بلى، عبدنا خضر"2.
وفى رواية: "أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل؛ فسئل: أي الناس أعلم؟ قال: أنا. فعتب الله عليه إذ3 لم يَرُدَّ العلم إليه. قال له: بلى لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك" الحديث4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} 6/ 387/ رقم 2353، وباب {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} 6/ 414/ رقم 3374، وباب قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِين} 6/ 417/ رقم 3383، وكتاب المناقب، باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم} 6/ 525/ رقم 3490، وكتاب التفسير، باب {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِين}، 8/ 362/ رقم 4689"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف عليه السلام 4/ 1846-1847/ رقم 2378" عن أبي هريرة رضي الله عنه.
2 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب العلم، باب ما ذُكر في ذهاب موسى عليه السلام في البحر إلى الخضر، رقم 74، وباب الخروج في طلب العلم، رقم 78، وكتاب الأنبياء، باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام، رقم 3400، وكتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْء} رقم 7478"، وأحمد "5/ 116"، وابن جرير في "التفسير" "15/ 282" عن أبي بن كعب رضي الله عنه.
3 في "د": "إذا".(10/421)
4 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب العلم، باب ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم، رقم 122، وكتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، رقم 3278، وكتاب أحاديث الأنبياء، باب منه، رقم 3401، وكتاب التفسير، باب {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ}... رقم 4725، وباب {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} رقم 4727، وكتاب الإيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيًا في الأيمان، رقم 6672"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الفضائل، باب في فضائل الخضر عليه السلام 4/ 1847/ رقم 2380" عن أبي بن كعب رضي الله عنه.(10/422)
ص -293-…واستب رجل من المسلمين ورجل من اليهود؛ فقال المسلم: "والذى اصطفى محمدا على العالمين -في قسم يقسم به- فقال اليهودي: والذى اصطفى موسى على العالمين..........." إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: "لا تخيروني على موسى؛ فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق؛ فإذا موسى آخذ بجانب العرش؛ فلا أدرى أكان فيمن صَعق فأفاق، أو كان ممن استثنى اللهُ"1.
وفى رواية: "لا تفضلوا بين الأنبياء؛ فإنه ينفخ في الصور..." الحديث2.
فهذا3 نفي للتفضيل مستند إلى دليل، وهو دليل على صحة التفضيل في الجملة إذا كان ثم مرجح، وقال: "كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء؛ إلا آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وإنَّ فَضْلَ عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه قريبًا، في "ط": "فإذا موسى باطش".
2 مضى تخريجه قريبًا.
3 أي: فهذا النوع في حديثي موسى نهى عن التفضيل إذا لم يكن له مرجح، فإذا كان له مرجح ومستند؛ فلا مانع منه كما في الأحاديث الأخرى، ومنه يعلم أن الأصل هكذا: "نفي للتفضيل إذا كان غير مستند إلى دليل" كما يرشد إليه ما بعده. "د".
4 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْن} 6/ 448/ رقم 3411، وباب قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَم} 6/ 471-472/ رقم 3433، وكتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة رضي الله عنها 7/ 106/ رقم 3769، وكتاب الأطعمة، باب الثريد 9/ 551/ رقم 5418، وكتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين 4/ 1886-1887/ رقم 2431" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.(10/423)
ص -294-…وقال للذى قال له: يا خير البرية: "ذاك إبراهيم"1.
وقال في الحديث الآخر: "أنا سيد ولد آدم"2.
وأشباهه مما يدل على تفضيله على سائر الخلق، وليس النظر هنا في وجه التعارض بين الحديثين3 وإنما النظر في صحة التفضيل ومساغ الترجيح على الجملة، وهو ثابت4 من الحديثين، وقال: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"5.
وقال [ابن]6 عمر: "كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان"7.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم، 4/ 1839/ رقم 2369" عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
2 أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، 4/ 1782/ رقم 2278" عن أبي هريرة رضي الله عنه.
3 "استدراك 4".
4 أي: في كل منهما صراحة، وإن كان الأول يفيد تفضيل إبراهيم على جيمع الخلق، والثاني يفيد تفضيل خاتم الأنبياء على أولاد آدم؛ فلذا كان بينهما تعارض كما قال المؤلف. "د".
5 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، 5/ 258-259/ رقم 2651"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، 4/ 1964/ رقم 2535" عن عمران بن حصين رضي الله عنه.
ولفظ البخاري: "خيركم قرني...."، ولفظ مسلم: "إن خيركم قرني..."، و"خير هذه الأمة القرن الذي بعثت فيه..".
6 ما بين المعقوفتين سقط في الأصل ومن النسخ المطبوعة كلها، واستدركته من مصادر التخريج.(10/424)
7 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، 7/ 16/ رقم 3655 -والمذكور لفظه- وباب مناقب عثمان رضي الله عنه 7/53-54/ رقم 3697"، والترمذي في "الجامع" "أبواب المناقب، باب في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه، 5/ 629-630/ رقم 3707"، وأبو داود في "السنن" "كتاب السنة، باب في التفضيل، 4/ 206/ رقم 4627، 4628".(10/425)
ص -295-…وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة، وهم عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام: "إذا اختلفتم أنت وزيد بن ثابت في شيء من القرآن1؛ فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم"2. ففعلوا ذلك.
وقال "صلى الله عليه وسلم": "خير دور الأنصار [بنو النجار ثم]3 بنو عبد الله الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفى كل دور الأنصار خير"4.
وقال: "أرحم أمتى بأمتي أبو بكر، وأشدهم في الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: من جهة الإملاء الذي ينبني على النطق لا في أصل الألفاظ، حاشا لله أن يكون ذلك في المتواترة ألفاظه لفظًا لفظًا. "د".
2 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب المناقب، باب نزل القرآن بلسان قريش، 6/ 537/ رقم 3506، وكتاب فضائل القرآن، باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب، 9/ 8-9/ رقم 4984، وباب جمع القرآن، 9/ 10-11/ رقم 4987".
3 ما بين المعقوفتين سقط من "م".
4 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب مناقب الأنصار، باب منقبة سعد بن عبادة، 7/ 126/ رقم 2807"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب فضائل الصحابة، باب في خير دور الأنصار رضي الله عنهم، 4/ 1949/ رقم 2511" عن أبي أسيد رضي الله عنه.
5 أخرجه بهذا اللفظ الخطيب البغدادي في "الفصل للوصل" "ق102/ ب-103/ أ" من طريق إسماعيل بن علية ثنا خالد عن أبي قلابة؛ قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم.... وذكره =(10/426)
ص -296-…وقال عبد الرحمن بن يزيد: "سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدي من النبي صلى الله عليه وسلم حتى نأخذ عنه؛ فقال: ما أعرف أحدًا أقرب سمتًا وهديًا ودلا بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= مرسلًا، ثم قال: "وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل أمة أمين....".
وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" "7/ 472" عن ابن علية به مختصرًا مرسلًا مقتصرًا على: "أرحم أمتى بأمتي....".
وأخرجه ابن الأعرابي في "معجمه" "رقم 537" عن ابن علية به مختصرًا مرسلًا مقتصرًا على: "أصدق أمتي حياء عثمان".
وأخرجه أيضًا "7/ 531" -ومن طريقه مسلم في "صحيحه" "كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبي عبيدة بن الجراح، 4/ 1881/ رقم 2419" عن ابن علية به مرفوعًا موصولًا مقتصرًا على: "إن لكل أمة أمينًا..."، والمتتبع لطرق هذا الحديث يجزم بيقين أن الحديث من مرسل أبي قلابة عد ذكر أبي عبيدة، وقد ظفرت بكلام جماعة من الحفاظ فيه نحو هذا؛ منهم البيهقي في "السنن الكبرى" "6/ 210"، والحاكم في "معرفة علوم الحديث" "ذكر النوع السابع والعشرين، ص114"، والخطيب في "الفصل للوصل" "ق102/ أ"، والدارقطني في "الأفراد" "ق96/ أ- مع ترتيبه"، وأبو نعيم الأصبهاني في "الرد على الرافضي" أو "تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة" "ص112-113" - وأطلق التضعيف وأيده بكلام قوي- وابن عبد البر في "الاستعاب" "1/ 50 - مع الإصابة"، وابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" "7/ 512-513"، و"مجموعه الفتاوى" "4/ 10، 408-409 و31/ 343"، و"الفتاوى المصرية" "1/ 369 - ط دار الفكر"، ومحمد بن عبد الهادي في "جزء طرق حديث "أفرضكم زيد" "ق10/ أ- 10/ ب"- وقد فرغت من تحقيقه- وابن حجر في "فتح الباري" "7/ 93".(10/427)
وللحديث طرقا أخرى وشواهد جمعتها وخرجتها وتكلمت عليها في دراسة مستقلة، وأثبت فيها ما قررته آنفًا من أن الحديث مرسل بسياقه عد ذكر أبي عبيدة، وهي مطبوعة بعنوان: "دراسة حديث: "أرحم أمتي بأمتي...".
1: أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، 7/ 102/ رقم 3762" -وهذا لفظه- وكتاب الأدب، باب الهدي الصالح، 10/ 509/ رقم 6097".
وكتب "د" معرفًا بابن أم عبد: "وهو عبد الله بن مسعود".(10/428)
ص -297-…ولما حضر معاذا الوفاة، قيل له: "يا أبا عبد الرحمن! أوصنا. قال: أجلسوني. قال: إن العلم والإيمان مكانهما؛ من ابتغاهما وجدهما" يقول ذلك ثلاث مرات، والتمسوا العلم عند أربعة رهط، عند عويمر1 أبي الدرداء وعند سلمان2 الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام... "3 الحديث.
وقال عليه الصلاة والسلام: "اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر، وعمر"4.
وما جاء في الترجيح والتفضيل كثير لأجل ما ينبني عليه من شعائر الدين، وجميعه ليس فيه إشارة إلى تنقيص المرجوح، وإذا كان كذلك؛ فهو القانون اللازم والحكم المنبرم الذى لا يتعدى إلى سواه، وكذلك فعل السلف الصالح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل بياض.
2 في الأصل سليمان.
3 أخرجه البخاري في "التاريخ الصغير" "1/ 73" -وهو "الاوسط" على التحقيق- والترمذي في "الجامع" "أبواب المناقب، باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه، 5/ 671/ رقم 3804" -واللفظ له- والنسائي في "فضائل الصحابة" "149"، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" "4/ 86"، والفسوي في "المعروفة والتاريخ" "1/ 467-468" - ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" "7/ ق417" - والحاكم في "المستدرك" "3/ 416" من طريقين عن زيد ابن عميرة؛ قال: لما حضر... به، وتمته: "الذي كان يهوديًا فأسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه عاشر عشرة في الجنة".
وإسناده حسن، وقال الترمذي عقبه: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، وقال: قال الحاكم: "صحيح الإسناد".
وأخرجه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" "2/ 550"، والخطيب البغدادي في "تالي التلخيص" "رقم 298 - بتحقيقنا", وابن عساكر في "تاريخ دمشق" "7/ ق417" من طرق ضعيفة عن معاذ به.
4 مضى تخريجه في التعليق على "4/ 456".(10/429)
ص -298-…فصل:
وربما انتهت الغفلة أو التغافل بقوم ممن يشار إليهم في أهل العلم أن صيروا الترجيح بالتنقيص تصريحا أو تعريضا دأبهم، وعمروا بذلك دواوينهم، وسودوا به قراطيسهم؛ حتى صار هذا النوع ترجمة من تراجم الكتب المصنفة في أصول الفقه أو كالترجمة، وفيه ما فيه مما أشير إلى بعضه، بل تطرق الأمر إلى السلف الصالح من الصحابة فمن دونهم؛ فرأيت بعض التآليف المؤلفة في تفضيل بعض الصحابة على بعض على منحى التنقيص بمن جعله مرجوحا وتنزيه1 الراجح عنده مما نسب إلى المرجوح عنده، بل أتى الوادي فطم على القرى؛ فصار هذا النحو مستعملا فيما بين الأنبياء، وتطرق ذلك إلى شرذمة من الجهال؛ فنظموا فيه ونثروا، وأخذوا في ترفيع محمد عليه الصلاة والسلام وتعظيم شأنه بالتخفيض من شأن سائر الأنبياء، ولكن2 مستندين إلى منقولات أخذوها على غير وجهها، وهو خروج عن الحق، وقد علمت السبب في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تفضلوا بين الأنبياء"3، وما قال الناس فيه؛ فإياك والدخول في هذه المضايق؛ ففيها الخروج عن الصراط المستقيم4.
وأما الترجيح الخاص؛ فلنفرد له مسألة [على حدة]، وهى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": و"ترجيح".
2 في "ط": "لكن" بإسقاط الواو، ويشير المصنف في كلامه السابق إلى ما أثير في عصره -واستمر إلى القرن العاشر- من المفاضلة بين محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام؛ وذكر نحوه ابن القيم في "جلاء الأفهام". وانظر: "الإشارات" "رقم 820 - بقلمي".
3 مضى تخريجه "ص290".
4 انظر كلام المصنف المتقدم في آخر المسألة السادسة من النوع الأول من المقاصد.(10/430)
ص -299-…المسألة الرابعة:
وذلك أن من اجتمعت فيه شروط الانتصاب للفتوى على قسمين:
أحدهما: من كان منهم في أفعاله وأقواله وأحواله عند1 مقتضى فتواه؛ فهو متصف بأوصاف العلم، قائم معه مقام الامتثال التام؛ حتى إذا أحببت الاقتداء به من غير سؤال أغناك عن السؤال في كثير من الأعمال، كما كان رسول الله عليه وسلم يؤخذ العلم من قوله وفعله وإقراره.
فهذا القسم إذا وجد؛ فهو أولى ممن ليس كذلك، وهو القسم الثاني وإن كان في أهل العدالة مبرزًا؛ لوجهين:
أحدهما: ما تقدم في موضعه من أن من هذا حاله؛ فوعظه أبلغ، وقوله أنفع، وفتواه أوقع2 في القلوب ممن ليس كذلك؛ لأنه الذى ظهرت ينابيع العلم عليه، واستنارت كليته به، وصار كلامه خارجا من صميم القلب3، والكلام إذا خرج من القلب وقع في القلب، ومن كان بهذه الصفة؛ فهو من الذين قال الله فيهم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، بخلاف من لم يكن كذلك؛ فإنه وإن كان عدلا وصادقا وفاضلا لا يبلغ كلامه من القلوب هذه المبالغ، حسبما حققته التجربة العادية.
والثاني4: أن مطابقة الفعل القول شاهد لصدق ذلك القول، كما تقدم بيانه أيضًا؛ فمن طابق فعله قوله صدقته القلوب، وانقادت له بالطواعية النفوس، بخلاف من لم يبلغ ذلك المقام وإن كان فضله ودينه معلومًا، ولكن التفاوت الحاصل في هذه المراتب مفيد زيادة؛ الفائدة أو عدم زيادتها فمن زهد الناس في الفضول التى لا تقدح في العدالة وهو زاهد فيها وتارك لطلبها؛ فتزهيده أنفع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في "ط"، وفي غيره: "على".
2 في "ط"ك "أرفع".
3 في "ط": "قلبه".
4 يحتاج إلى الفرق بين هذا الوجه وسابقه. "د".(10/431)
ص -300-…من تزهيد من زهد فيها وليس بتارك لها، فإن ذلك مخالفة وإن كانت جائزة، وفي مخالفة القول الفعل هنا ما يمنع من بلوغ مرتبة من طابق قوله فعله.
فإذا اختلف مراتب المفتين في هذه المطابقة؛ فالراجح للمقلد اتباع من غلبت مطابقة قوله بفعله.
والمطابقة أو عدمها ينظر فيها بالنسبة إلى الأوامر والنواهي، فإذا طابق فيهما؛ [فهو الكمال، فإن تفاوت الأمر فيهما]1 -أعني فيما عدا شروط العدالة- فالأرجح المطابقة في النواهي، فإذا وجد مجتهدان أحدهما مثابر على أن لا يرتكب منهيا عنه، لكنه في الأوامر ليس كذلك، والآخر مثابر على أن لا يخالف2 مأمورا به، لكنه في النواهي على غير ذلك؛ فالأول أرجح في الاتباع من الثاني؛ لأن الأوامر والنواهي فيما عدا شروط العدالة إنما مطابقتها من المكملات ومحاسن العادات واجتناب النواهي آكد وأبلغ في القصد الشرعي من أوجه:
أحدها: أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، وهو معنى يعتمد عليه أهل العلم.
والثاني: أن المناهي تمتثل3 بفعل واحد وهو الكف؛ فللإنسان قدرة عليها في الجملة من غير مشقة، وأما الأوامر؛ فلا قدرة للبشر على فعل جميعها، وإنما تتوارد على المكلف على البدل بحسب ما اقتضاه الترجيح؛ فترك بعض الأوامر ليس بمخالفة على الإطلاق، بخلاف [فعل] بعض النواهي، فإنه مخالفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين المعقوفتين سقط من "د".
2 أي: بقدر ما في قدرته كما تقدم له، وكما يأتي في قوله بعد: "فلا قدرة للبشر على فعل جميعها... إلخ. "د".
3 في "م": "تمثل".(10/432)
ص -301-…في الجملة؛ فترك النواهي أبلغ في تحقيق1 الموافقة.
الثالث: النقل؛ فقد جاء في الحديث: "فإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا، وإذا أمرتكم بأمر؛ فأتوا منه ما استطعتم"2، فجعل المناهي آكد في الاعتبار من الأوامر، حيث حتم في المناهي من غير مثنوية، ولم يحتم ذلك في الأوامر إلا مع التقييد بالاستطاعة، وذلك إشعار بما نحن فيه من ترجيح مطابقة المناهي على مطابقة الأوامر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "تحقق".
2 مضى تخريجه "1/ 256".(10/433)
ص -302-…المسألة الخامسة:
الاقتداء بالأفعال الصادرة من1 أهل الاقتداء يقع على وجهين:
أحدهما: أن يكون المقتدى به بالأفعال2 ممن دل الدليل على عصمته كالاقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، أو فعل أهل الإجماع أو ما يعلم3 بالعادة أو بالشرع أنهم لا يتواطئون على الخطأ؛ كعمل4 أهل المدينة على رأي مالك.
والثاني: ما كان بخلاف ذلك.
فأما الثاني؛ فعلى ضربين:
أحدهما: أن ينتصب بفعله ذلك؛ لأن يقتدي به قصدًا؛ كأوامر الحكام ونواهيهم، وأعمالهم في مقطع الحكم، من أخذ وإعطاء ورد وإمضاء، ونحو ذلك أو5 يتعين بالقرائن قصده إليه تعبدًا به واهتماما بشأنه دينا وأمانة.
والآخر: أن لا يتعين فيه شيء من ذلك.
فهذه أقسام ثلاثة، لا بد من الكلام عليها بالنسبة إلى الاقتداء.
فالقسم الأول لا يخلو أن يقصد المقتدي إيقاع الفعل على الوجه الذى أوقعه6 عليه المقتدي به، لا يقصد به إلا ذلك سواء عليه أفهم مغزاه أم لا،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل و"ط": "عن".
2 كذا في "ط"، وفي غيره: "بالأفعال".
3 واقعة موقع "من"؛ فهو داخل فيمن الدليل على عصمته. "د".
4 في الأصل و"ف" و"م" و"ط": "وعمل"، وكتب "ف": "لعله: "كعمل أهل المدينة"، والمثبت من "د".
5 صنف آخر من أحد الضربين، وقوله: "والآخر.. إلخ" هو الضرب الثاني؛ فلا هو ممن دل الدليل على عصمته، ولا هو ممن انتصب للاقتداء أو تعيين قصده؛ فلذا كانت الأقسام ثلاثة فقط. "د". وفي "ط": "ويتعين".
6 كذا في "ط" و"ماء"، وفي "م": دلة"، وفي "م" و"ف": وقعه".(10/434)
ص -303-…من غير زيادة، أو يزيد عليه تنوية1 المقتدى به في الفعل أحسن2 المحامل مع احتماله في نفسه؛ فيبني في اقتدائه على المحمل الأحسن، ويجعله أصلا يرتب عليه الأحكام ويفرع عليه المسائل.
فأما الأول؛ فلا إشكال في صحة الاقتداء به على حسب ما قرره الأصوليون، كما اقتدى3 الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم في أشياء كثيرة؛ كنزع الخاتم الذهبي4، وخلع النعلين في الصلاة5، والإفطار في السفر6، والإحلال من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ف" و"م": "تنويه" بهاء في آخره، وفي "د" و"ط": "تنوية" بتاء مربوطة، وكتب "ف" هنا ما نصه: "من نواه بالتشديد: جعله ينوي، والمراد هنا حمله على أن المقتدي به قصد بفعله أحسن الوجوه، أو لعله الميم، بالميم؛ أي: كون المقتدي به مصيبًا بفعله أحسن المحامل، يقال: رجل منوي؛ بفتح الميم، وسكون النون: إذا كان يصيب النجعة المحمودة".
2 وهو أن يكون فعله تعبدًا، مع احتماله أن يكون دنيويًا، وقد يقال: إنه في صورة فهم مغزاه وسره الشرعي، يتعين فيه أن يكون فاهمًا فيه التعبد من المعصوم لعدم التنوية المذكورة إنما يظهر فيما لم يفهم مغزاه. "د".
3 فإن قيل: وهل اقتداؤهم به صلى الله عليه وسلم في مثل الإفطار في السفر والإحلال من العمرة كان مجردًا من تنويتهم له صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك تعبدًا، وإنما فعلوه لمجرد أنه فعله من غير زيادة حتى يصح عده من القسم الأول؟ قلنا: إن محل الفرق بين القسمين قوله: "مع احتماله في نفسه" في الثاني، وهذه الأمثلة ليست مما يحتمل في نفسه لأنها متعينة للتعبد؛ فاتضح كلامه. "د".(10/435)
4 يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب اللباس، باب خواتيم الذهب، 10/ 315/ رقم 5865، وباب ختم الفضة 10/ 318/ رقم 5866، 5867" عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال بألفاظ أحدها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس خاتمًا من ذهب؛ فنبذه فقال: "لا ألبسه أبدًا". فنبذ الناس خواتيمهم.
5 يشير المصنف إلى ما أخرجه أبو دواد في "سننه" "كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل 1/ 175/ رقم 650" -وهذا لفظه، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" "2/ 431"- والدارمي في "السنن" "1/ 320"، وأحمد في "المسند" "3/ 20، 92"، والطيالسي في "المسند" "رقم 2154"، والحاكم في "المستدرك" "1/ 260"، والبيهقي في "الكبرى" "2/ =(10/436)
ص -304-…العمرة عام الحديبية1، وكذلك أفعال الصحابة التى أجمعوا عليها2، وما أشبه ذلك.
وأما الثاني3؛ فقد يحتمل أن يكون فيه خلاف إذا أمكن4 انضباط المقصد، ولكن الصواب أنه غير معتدٍّ به شرعًا في الاقتداء؛ لأمور:
أحدها: أن تحسين الظن إلغاء لاحتمال5 قصد المقتدى به دون ما نواه المقتدي من غير دليل.
فالاحتمال الذى عينه المقتدي لا يتعين، وإذا لم يتعين لم [يكن ترجيحه]6 إلا بالتشهي، وذلك مهمل في الأمور الشرعية؛ إذ لا ترجيح إلا بمرجِّح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 402، 431" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته؛ قال: @"ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟". قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن جبريل صلى الله عليه وسلم أتاني، فأخبرني أن فيها قذرًا"، وقال: "إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى؛ فليمسحه، وليصلِّ فيهما".
وإسناده صحيح، صححه النووي في "المجموع" "2/ 179، 3/ 132، 156"، وشيخنا الألباني في "الإرواء" "رقم 284".
6 مضى لفظه وتخريجه "4/ 87-88".
1 مضى لفظه وتخريجه "ص264".
2 كصلاة التراويح جماعة في المسجد. "د".
قلت: مضى تخريج ذلك "4/ 423".
3 وهو زيادة نية التعبد. "د".
4 فإذا لم يمكن؛ فلا وجه للاختلاف فيه، بل يتعين إلغاؤه. "د".
5 أي: وهو احتمال قوي لا يصح إهماله بمجرد تحسين المقتدي الظن بأن المقتدى به فعله على الوجه الأفضل وهو التعبد، وإلغاؤه بدون دليل ترجيح الاحتمالين بمجرد التشهي. "د".
6 كذا في "ط"، وبدله في جميع النسخ: "يترجح".(10/437)
ص -305-…ولا يقال: إن تحسين الظن مطلوب على العموم؛ فأولى أن يكون مطلوبا بالنسبة إلى من1 ثبتت عصمته؛ لأنا نقول: تحسين الظن بالمسلم -وإن ظهرت مخايل2 احتمال إساءة الظن فيه- مطلوب3 بلا شك؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّن} الآية [الحجرات: 12].
وقوله: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} الآية [النور: 12].
بل أمر الإنسان في هذا المعنى أن يقول ما لا يعلم كما أمر4 باعتقاد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: كما هو الفرض في هذا القسم. "د".
2 بالياء: جمع مخلية؛ كمعايش، ومعيشة. "ف".
3 في الأصل: "مطلوبه".(10/438)
4 أداة الطلب الموجه إلى القول في الآيتين واحدة، وهي: "لولا"، كما أنها موجهة إلى ظن الخير بالمؤمنين والمؤمنات في الأولى؛ فالمطلوب في الأولى أن يظنوا الخير بأهل الإيمان، وأن يقولوا: {هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}، وفي الثاني أن يُكَذِّبوا ما سمعوا، ويهولوا عليه ويقولوا: "سبحان الله!"؛ أي: تنزه عن أن يَصِمَ نبيه ويشينَه؛ لأن فجور الزوجة ينفر القلوب من زوجها، وأن يقولوا: {هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16]، وعليه؛ فلا يظهر وجه لما قيل*: "إن موضع الأمر قوله: لولا إذ سمتعتموه، وذكر الأول؛ لتعلقه به"، ويبقى الكلام في أن طلب الجزم في قولهم: {هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: 12]، و{هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيم} [النور: 16] من باب طلب القول والاعتقاد لما يعلم أو ما لا يعلم، قال بالأول الفخر، والعلامة الثاني؛ لأن الأنبياء معصومون من كل منفر، وهذا منه كما أشرنا إليه، واستشكل بأن هذا لو كان شرطًا عقليًا في النبوة؛ لما خفي عليه صلى الله عليه وسلم ولما سألها؛ فقال: "إن كنتِ ألممت بذنب؛ فاستغفري الله، وتوبي إليه..." إلخ**، وأجيب بأجوبة، واختار الآلوسي*** أن هذا من مجرد الظن بخيرة المؤمنين؛ فراجعه. "د".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المذكور قول "ف".
** قطعة من حديث الإفك الطويل، ومضى تخريجه "2/ 422".
*** في "تفسيره" "18/ 120-121".(10/439)
ص -306-…ما لا يعلم في قوله: {وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: 12].
وقوله: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16].
إلى غير ذلك مما في هذا المعنى.
ومع ذلك؛ فلم يبْن عليه حكم شرعي، ولا اعتبر في عدالة شاهد ولا في غير ذلك [بـ] مجرد هذا التحسين؛ حتى تدل الأدلة الظاهرة المحصلة للعلم أو الظن الغالب.
فإذا كان المكلف مأمورا بتحسين الظن بكل مسلم، ولم يكن كل مسلم عدلًا [عند المحسِّن] بمجرد هذا التحسين حتى تحصل الخبرة أو التزكية1؛ دل على أن مجرد تحسين الظن بأمر لا يثبت ذلك الأمر، وإذا لم يثبته لم ينبنِ عليه حكم، وتحسين الظن بالأفعال من ذلك؛ فلا ينبني عليها حكم.
ومثاله كما إذا فعل المقتدى به فعلًا يُحتمل أن يكون دينيًا تعبديًا، ويُحتمل أن يكون دنيويًا راجعا إلى مصالح الدنيا، ولا قرينة تدل على تعين أحد الاحتمالين؛ فيحمله هذا المقتدي على أن المقتدى به إنما قصد الوجه الديني [لا الدنيوي] بناء على تحسينه الظن به.
والثاني: أن تحسين الظن عمل قلبي من أعمال المكلف بالنسبة إلى المقتدى به مثلًا، وهو مأمور به مطلقا وافق ما في نفس الآمر أو خالف؛ إذ لو كان يستلزم2 المطابقة علما أو ظنا لما أمر به مطلقًا، بل بقيد الأدلة المفيدة لحصول الظن بما في نفس الآمر، وليس كذلك باتفاق فلا يستلزم المطابقة، وإذا ثبت هذا؛ فالاقتداء بناء على هذا التحسين بناء على عمل من أعمال نفسه لا على أمر3 حصل لذلك المقتدى به، لكنه قصد الاقتداء بناء على ما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "والتزكية".
2 في "ط": "ويلتزم".
3 وهو قصده في الواقع بهذا الفعل التعبد، وقوله: "على ما عند المقتدى به"؛ أي: كما يقتضيه معنى الاقتداء. "د".(10/440)
ص -307-…عند المقتدى به؛ فأدَّى إلى بناء الاقتداء على غير شيء، وذلك باطل، بخلاف الاقتداء بناء على ظهور علاماته؛ فإنه إنما انبنى على أمر حصل للمقتدى به علما أو ظنا1، وإياه قَصَد المقتدي باقتدائه فصار كالاقتداء به في الأمور المتعينة2.
والثالث3: أن هذا الاقتداء يلزم منه التناقض؛ لأنه إنما يُقتدَى به بناء على أنه كذلك في نفس الأمر ظنًّا مثلًا، ومجرد تحسين الظن لا يقتضي أنه كذلك في نفس الأمر لا علما ولا ظنًا، وإذا لم يقتضه لم يكن الاقتداء به بناء على أنه كذلك في نفس الأمر، وقد فرضنا أنه كذلك، هذا خلف متناقض.
وإنما يشتبه هذا الموضع من جهة اختلاط تحسين الظن بنفس الظن، والفرق بينهما ظاهر؛ لأمرين:
أحدهما: أن الظن نفسه يتعلق بالمقتدى به مثلا بقيد كونه في نفس الأمر كذلك، حسبما دلت عليه الأدلة الظنية، بخلاف تحسين الظن؛ فإنه يتعلق به كان في الخارج على حسب ذلك الظن أو لا.
والثاني: أن الظن ناشئ عن الأدلة الموجبة له ضرورة4 لا انفكاك للمكلف5 عنه وتحسين الظن أمر اختياري للمكلف غير ناشئ عن دليل يوجبه وهو يرجع إلى نفي بعض الخواطر المضطربة الدائرة بين النفي والإثبات في كل واحد من الاحتمالين المتعلقين بالمقتدى به، فإذا جاءه خاطر الاحتمال الأحسن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": و"ظنًّا".
2 أي: للتعبد كما في الصنف الأول من هذا القسم. "د".
3 هذا الوجه لازم لما قبله، ولو قال عقب قوله: "فأدى إلى بناء الاقتداء على غير شيء"، ويلزمه أيضًا التناقض؛ لصَحَّ؛ لأن مقدمات هذا الوجه هي محصل مقدمات الوجه الثاني. "د".
4 كما قالوه في لزوم النتيجة للدليل. "د".
5 في "ط": "لانفكاك المكلف".(10/441)
ص -308-…قوَّاه وثبتَهُ بتكراره في فكره ووعظ النفس في اعتقاده، وإذا أتاه خاطر الاحتمال الآخر ضعفه ونفاه، وكرر نفيه على فكره، ومحاه عن ذكره.
فإن قيل: إذا كان المقتدى به ظاهره والغالب من أمره الميلُ إلى الأمور الأخروية، والتزود للمعاد، والانقطاع إلى الله، ومراقبة أحواله فيما بينه وبين الله؛ فالظاهر منه أن هذا الفرد المحتمل ملحق بذلك الأعم الأغلب، شأن الأحكام الواردة على هذا الوزان.
فالجواب: أن هذا الفرد إذا تعين هكذا على هذا الفرض فقد يقوى الظن بقصده إلى الاحتمال الأخروي؛ فيكون مجال الاجتهاد كما سيذكر بحول الله، ولكن ليس هذا الفرض بناء على مجرد تحسين الظن، بل على نفس الظن المستند إلى دليل يثيره، والظن الذى يكون هكذا قد ينتهض في الشرع سببا لبناء الأحكام عليه، وفرض مسألتنا ليس هكذا، بل على جهة أن لا يكون لأحد الاحتمالين ترجيح يثير مثله غلبة الظن بأحد الاحتمالين ويضعف الاحتمال الآخر كرجل1 متق لله محافظ على امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ليس [له]2 في الدنيا شغل إلا بما كلف من أمر دينه بالنسبة إلى دنياه وآخرته؛ فمثل هذا له في هذه الدار حالان:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(10/442)
1 لتكن على ذكر من أصل الموضوع، وهو أن المتقدى به ممن دل الدليل على عصمته كالنبي صلى الله عليه وسلم أو فعل أهل الإجماع، لا فعل واحد منهم، بل فعل صدر من جمع يتحقق منهم الإجماع الشرعي، أو صدر من جماعة يقوم الدليل على أنهم لا يتواطئون على الخطأ؛ كعمل أهل المدينة، فالفعل المقتدى فيه فيما عدا النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون عمل فرد ولا جماعة لا يتحقق فيهم ما ذكر؛ فتمثيله برجل... إلخ هنا وفيما يفهم من أصل السؤال بعيد عن أصل الفرض، ومحتاج تطبيقه على أصل الموضوع إلى تكلفات، وإنما يتضح التمثيل فيما يأتي له بعد بالأفعال الجبلية بالنسبة له صلى الله عليه وسلم من حيث تحسين الظن بأن أفعاله مصروفة إلى الآخرة. "د".
2 ما بين المعقوفتين سقط من "م".(10/443)
ص -309-…- حال دنيوي، به يقيم معاشه ويتناول ما مَنَّ الله به عليه من حظوظ نفسه.
- وحال أخروي، به يقيم أمر آخرته.
فأما هذا الثاني؛ فلا كلام فيه، وهو متعين في نفسه، وغير محتمل إلا في القليل، ولا اعتبار بالنوادر.
وأما الأول؛ فهو مثار الاحتمال، فالمباح مثلا يمكن أن يأخذه من حيث حظ نفسه، ويمكن أن يأخذه من حيث حق ربه عليه في نفسه، فإذا عمله ولم يُدرَ وجه أخذه؛ فالمقتدي به بناء على تحسين ظنه به وأنه إنما عمله متقربا إلى الله ومتعبدا له به؛ فيعمل به على قصد التقرب ولا مستند له إلا تحسين ظنه بالمقتدى به، ليس له أصل يبني عليه؛ إذ يحتمل احتمالا قويا أن يقصد المقتدى به نيل ما أبيح له من حظه؛ فلا يصادف قصد المقتدي محلا، بل إن صادف صادف أمرا مباحا صيره متقربا به، والمباح لا يصح التقرب به كما تقدم تقريره في كتاب الأحكام.
بل نقول: إذا وقف المقتدى به وقفة، أو تناول ثوبه على وجه، أو قبض [على] لحيته في وقت ما، أو ما أشبه ذلك؛ فأخذ هذا المقتدي يفعل مثل فعله بناء على أنه قصد به العبادة مع احتمال أن يفعل ذلك لمعنى دنيوي أو غافلًا؛ كان هذا المقتدي معدودا من الحمقى والمغفلين؛ فمثل هذا هو المراد بالمسألة.
وكذلك إذا كان له درهم مثًلا، فأعطاه صديقًا له؛ لصداقته1، وقد كان يمكن أن ينفقه على نفسه ويصنع به مباحا أو يتصدق به؛ فيقول المقتدي: حسن الظن به يقتضى أنه [كان] يتصدق به، لكن آثر به على نفسه في هذا الأمر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: لا لفقر مثلًا. "د".(10/444)
ص -310-…الأخروي؛ فيجيء1 منه جواز الإيثار في الأمور الأخروية.
وهذا المعنى لحظ بعض العلماء في حديث: "واختبأت دعوتى شفاعة لأمتي يوم القيامة"2، فاستنبط منه صحة الإيثار في أمور الآخرة؛ إذ كان إنما يدعو3 بدعوته التي أعطيها في أمر من أمور الآخرة لا في أمور الدنيا.
فإذا بنينا على ما تقدم4؛ فلقائل أن يقول: إن ما قاله غير متعين؛ لأنه كان يمكنه أن يدعو بها في أمر من أمور دنياه لأنه لا حجر عليه ولا قدح فيه ينسب إليه؛ فقد كان عليه الصلاة والسلام يحب من الدنيا أشياء، وينال مما أعطاه الله من الدنيا ما أبيح له، ويتعين ذلك في أمور؛ كحبه للنساء، والطيب5،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: يفرع عليه جواز ذلك، ولا بد له أن يجعل في طي حسن ظنه أنه إنما أعطاه لصديقه ليتصدق به؛ حتى يتم له الاستنباط. "د".
2 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الدعوات، باب لكل نبي دعوة مستجابة 11/ 96/ رقم 3604، وكتاب التوحيد، باب في المشيئة والإرادة 13/ 447/ رقم 7474"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته 1/ 188-190/ رقم 198" عن أبي هريرة مرفوعًا: "لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي؛ شفاعة لأمتي في الآخرة". لفظ البخاري.
وأخرجه البخاري في "صحيحه" "رقم 6305"، ومسلم في "صحيحه" "رقم 210" عن أنس نحوه.
وأخرجه مسلم في "صحيحه" "رقم 201" عن جابر مرفوعًا، وفي آخره: "وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".
3 أي: فحسن الظن به صلى الله عليه وسلم أنه يدعو بها لأمر أخروي؛ فآثر أمته عن نفسه في أمر أخروي. "د".
4 وهو أن الصواب أنه غير معتدٍّ به شرعًا للأدلة السابقة، فلنا أن نردَّ ما لحظه هذا البعض؛ فنقول: إن ما قاله... إلخ. "د".
5 مضى بيان ذلك وتخريجه في "2/ 240".(10/445)
ص -311-…والحلواء، والعسل، والدباء1، وكراهيته للضب2، وأشباه ذلك، وكان يترخص في بعض الأشياء مما أباح الله له3، وهو منقول كثيرًا.
ووجه ثانٍ4 وهو أنه قد دعا عليه الصلاة والسلام بأمور كثيرة دنيوية؛ كاستعاذته من الفقر، والدين، وغلبة الرجال، وشماتة الأعداء، والهم وأن يرد إلى أرذل العمر5، وكان يمكنه أن يعوض من ذلك أمور الآخرة فلم يفعل، ويدل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى بيان حبه صلى الله عليه وسلم للحلواء والعسل وتخريجه في "1/ 185"، وأما حبه صلى الله عليه وسلم للدباء؛ فأخرجه البخاري في "صحيحه" "رقم 5379، 5420، 5535، 5437" عن أنس رضي الله عنه.
2 مضى بيان ذلك وتخريجه في "4/ 115".
3 مضى بيان ذلك وتخريجه في عدة أحاديث. انظر "1/ 469-470، 523".
4 مغايرة هذا الوجه لما قبله من حيث إنه في هذا وقع الدعاء فعلًا بأمور دنيوية، وفيما قبله أنه بحيث لو وقع؛ لكان مقبولًا؛ لما ثبت أنه كان يميل إلى بعض أمور دنيوية ولا حجر عليه في طلبها. "د".
5 ورد ذلك في أحاديث عديدة، منها:
ما أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الجهاد، باب من غزا بصبي للخدمة 6/ 86/ رقم 2893" -وهذا لفظه- ومسلم في "صحيحه" "كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من العجز والكسل وغيره 4/ 2079/ رقم 2706" عن أنس؛ قال: كنت قال: كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل، والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال".(10/446)
وما أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الجهاد، باب ما يتعوذ من الجبن 6/ 36-37/ رقم 2822" عن ميمون الأودي: قال: كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منهن دبر الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر". فحدثت به مصعبًا؛ فصدقه.
وما أخرجه النسائي في "المجتبى" كتاب السهو، باب التعوذ في دبر الصلاة 3/ 73-74" -وهذا لفظه- وأحمد في "المسند" "5/ 36، 39، 44"، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" "رقم 110" بسند صحيح على شرط مسلم عن مسلم بن أبي بكرة؛ قال: كان أبي يقول =(10/447)
ص -312-…عليه في نفس المسألة أن جملة من الأنبياء دعوا الدعوة المضمونة الإجابة لهم المذكورة في قوله: "لكل نبى دعوة مستجابة في أمته"1 على وجه مخصوص بالدنيا جائز لهم، وهو الدعاء عليهم؛ كقوله: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]، حسبما نقله المفسرون2، وكان من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= في دبر الصلاة، "اللهم إني أعوذ بك من الكفر، والفقر، وعذاب القبر". فكنت أقولهن، فقال أبي: أي بني! عمن أخذت هذا؟ قلت: عنك. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولهن في دبر الصلاة.
وما أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب القدر، باب من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء 11/ 513/ رقم 6616" عن أبي هريرة مرفوعًا: "تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء".
وأخرجه البخاري في "صحيحه" "أيضًا في "كتاب الدعوات، باب التعوذ من جهد البلاء 11/ 148/ رقم 6347" عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الاعداء".
وأخرجه بنحوه مسلم في "صحيحه" "كتاب الذكر والدعاء، باب من التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره 4/ 2080/ رقم 2707".
1 هو صدر الحديث السابق، وسيأتي الكلام على قوله في "أمته" من جهة الرواية ومن جهة المعنى. "د".(10/448)
2 ذهب ابن العربي في "أحكامه" "4/ 1861" -وتبعه القرطبي في "تفسيره" "18/ 313"- إلى أن دعاء نوح عليه السلام على قومه كان "غضبًا بغير نص ولا إذن صريح في ذلك"، ولم يبين هنا هل استجيب لنوح أم لا، وبينه في مواضع أخر، منها قوله: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَه} وكذلك في قوله تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ}، بقى الدليل الذي يعين أن دعوت عليه السلام المستجابة هي المذكورة، لم أظفر بأحد من المفسرين تعرض لذلك، وذلك على خلاف قول المصنف، وقد نظرت في تفسير الآية عند الزمخشري، والآلوسي، والبقاعي، وابن كثير، والجلالين، وحواشيه، وابن عطية، وابن الجوزي، والقرطبي، والقاسمي، والشنقيطي، ولكن سيأتي أن في رواية مسلم: "دعاها لأمته"، و"مستجابة في أمته"، وهذا يرجح ما ذكره المصنف هنا.(10/449)
ص -313-…الممكن أن يدعو بغير ذلك مما فيه صلاح لهم في الآخرة؛ فكونهم فعلوا ذلك وهم صفوة الله من خلقه دليل على أنه لا يتعين في حقهم أن تكون جميع أعمالهم وأقوالهم مصروفة إلى الآخرة فقط، فكذلك دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعين فيها أمر الآخرة البتة؛ فلا دليل في الحديث على ما قال هذا العالم.
أمر ثالث1: وهو أنا لو بنينا على هذا الأصل2؛ لكنا نقول ذلك القول في كل فعل من أفعاله عليه الصلاة والسلام، كان من أفعال الجبلة الآدمية أو لا؛ إذ يمكن أن يقال: إنه قصد بها أمورا أخروية وتعبدا مخصوصًا، وليس كذلك عند العلماء، بل كان يلزم منه أن لا يكون له فعل من الأفعال مختصًا3 بالدنيا إلا ما بين أنه راجع إلى الدنيا؛ لأنه لا يتبين إذ ذاك كونه دنيويا لخفاء قصده فيه حتى يصرح به4، وكذلك إذا لم يبين جهته لأنه محتمل أيضًا؛ فلا يحصل من بيان أمور الدنيا إلا القليل، وذلك خلاف ما يدل عليه معظم الشريعة، فإذا ثبت صح أن الاقتداء على هذا الوجه غير ثابت5، وأن الحديث لا دليل فيه من هذا الوجه.
مع أن الحديث كما تقدم يقتضي أن الدعوة مخصوصة بالأمة؛ لقوله فيه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا يصلح دليلًا لأصل الموضوع، وهو أن الصواب عدم الاعتداد بالمحتمل في الاقتداء؛ فيكون رابع الأدلة الثلاثة المتقدمة. "د".
2 أي: المجيز للاقتداء تحسين الظن الذي بني عليه الإيثار في أمور الآخرة. "د".
3 أي: متعينًا لها غير محتمل. "د".
4 لعله قد سقطت هنا جملة المشبه به، والأصل: "فما بين رجوعه إلى الآخرة؛ فهو أخروي، وكذلك.... إلخ"، وقوله: "فلا يحصل... إلخ" مبني على تمهيد مطوي، حاصله أن ما لم يبين جهته هو الغالب والكثير، وقوله: "وذلك خلاف... إلخ" في قوة الاستثنائية القائلة: وذلك باطل. "د".
5 طبق قوله سابقًا: "الصواب أنه غير معتدٍّ به شرعًا". "د".(10/450)
ص -314-…"لكل نبي دعوة مستجابة في أمته"1؛ فليست مخصوصة به، فلا يحصل فيها معنى الإيثار الذى ذكره؛ لأن الإيثار ثانٍ عن قبول الانتفاع في2 جهة المؤثر، وهنا ليس كذلك.
والقسم الثاني إن كان مثل انتصاب الحاكم ونحوه؛ فلا شك في3 صحة الاقتداء؛ إذ لا فرق بين تصريحه4 بالانتصاب للناس وتصريحه بحكم ذلك الفعل المفعول أو المتروك، وإن كان مما تعين فيه قصد العالم إلى التعبد بالفعل أو الترك، بالقرائن الدالة على ذلك؛ فهو موضع احتمال:
فللمانع أن يقول: إنه إذا لم يكن معصوما تطرق إلى أفعاله الخطأ والنسيان والمعصية5 قصدا، وإذا لم يتعين وجه فعله6؛ فكيف يصح الاقتداء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه في "ص310"، وأفاد "د" أنه في "صحيح مسلم" بروايات منها روايتان قريبتان في المعنى مما يرويها المؤلف، إحداهما: "لكل نبي دعوة دعا بها في أمته"، والأخرى: "دعاها لأمته"، وعلى هاتين يتمشى كلام المؤلف؛ أما على رواية البخاري وروايات مسلم الأولى؛ فيمكن استنباط الإيثار الذي قاله بعضهم، لولا الاحتمال الذي ذكره المؤلف سابقًا من أنه لا مانع أن يدعو بها في أمور ديناه؛ فلا يكون في أمور الآخرة متعينًا حتى يستدل به على الإيثار المذكور، وإلى ما فصلناه أشار المؤلف بقوله: "كما تقدم"، أي أنه بالرواية المتقدمة لا معنى للاستدلال به على الإيثار رأسًا، يعني: وما قررناه أولًا مقطوع فيه النظر عن هذه الرواية، ومصروف إلى الروايات الأخرى التي لم تصرح بما يقتضي أن الدعوة مختصة بأمته.
2 في "ط": "مَن".
3 في "ط": "إشكال".
4 أي: لا فرق بين ما بعد كالتصريح القولي بسبب الانتصاب المذكور، وهو فعله في مقطع الحكم من أخذ ورد... إلخ، وبين تصريحه اللفظي بحكم الفعل من إذن ومنع مثلًا، وإنما أولنا كلمة "التصريح" بهذا؛ لأن موضوع المسألة الاقتداء بفعله. "د".
قلت: انظر صحة الاقتداء بالحاكم في "مجموع فتاوى ابن تيمية" "30/ 407".(10/451)
5 هذا في الحقيقة لا داعي إليه في الدليل، ويكر بالإبطال على الأقوال نفسها وعلى أفعال المنتصب اللذين سلمنا فيها بصحة الاقتداء، ويرشح ما قلناه قوله بعد: "ولعله فعله ساهيًا"، ولم يقل: أو عاصيًا. "د".
6 إلا بقرائن قد لا تصدق؛ كما هو موضوع كلامه. "د".(10/452)
ص -315-…قصدا في العبادات أو في العادات؟ ولذلك حكي عن بعض السلف1 أنه قال: "أضعف العلم الرؤية، يعنى: أن يقول رأيت فلانا يعمل كذا، ولعله فعله ساهيًا".
وعن إياس ابن معاوية: "لا تنظر إلى عمل الفقيه، ولكن سَلْهُ يصدقْك"2.
وقد ذم الله تعالى الذين قالوا3: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} الآية [الزخرف: 22].
وفى الحديث من قول المرتاب: "سمعت الناس يقولون شيئا فقلته"4. فالاقتداء بمثل هذا المفروض كالاقتداء بسائر الناس أو هو قريب منه.
وللمجيز أن يقول: إن غلبة الظن معمول بها في الأحكام5، وإذا تعين بالقرائن قصده إلى الفعل أو الترك -ولا سيما في العبادات، ومع التكرار أيضًا،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو عطاء، وأورد نحوه عنه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 778/ رقم 1448"، ونصه: "وأضعف العلم: علم النظر، أن يقول الرجل: رأيت فلانًا".
2 أخرجه وكيع في "أخبار القضاة" "1/ 350"، وابن شبة كما في "تهذيب الكمال" "3/ 433".
3 أي: الذين قلدوا من ليس أهلًا، وفي الحديث لفظ: "الناس"؛ أي: مطلق الناس الذين لا يقلدون، فتقليد من ليس أهلًا المنفي عليه في الآية، والحديث يشبهه تقليد العالم في الفرض المذكور، وليس التقليد بعمومه مذمومًا كما تدل عليه تلك المسائل الأصولية. "د".
4 قطعة من حديث طويل أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الكسوف، باب الصلاة النساء مع الرجال في الكسوف 2/ 543/ رقم 1053"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار 2/ 624/ رقم 905"، ومالك في "الموطأ" "1/ 188-189" عن أسماء رضي الله عنها".
5 انظر في هذا: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "3/ 312-313 و13/ 310-326"، و"المسودة في أصول الفقه" "ص518"، و"البحر المحيط" للزركشي "1/ 76، 82 و5/ 276 و6/ 285".(10/453)
ص -316-…وهو من أهل الاقتداء بقوله؛ فالاقتداء بفعله كذلك.
وقد قال مالك في إفراد يوم الجمعة بالصوم: "إنه جائز"1، واستدل على ذلك بأنه رأى بعض أهل العلم يصومه، قال2: "وأراه كان يتحراه"؛ فقد استند
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وذهب الجمهور إلى كراهته، وقال عياض: "لعل قول مالك يرجع إليه؛ لأن مذهبه كراهة تخصيص يوم معين بالصيام" وأشار الباجي في "المنتقى" "2/ 76" إلى احتمال أنه قول آخر له، وقال الداودي: "لم يبلغه الحديث، ولو بلغه ما خالفه"، قال الأبي: "فالحاصل أن المازري والداودي فهما من "الموطأ" الجواز، وعياض رده إلى ما علم من مذهبه من كراهته تخصيص يوم معين بالصوم، وعضده بما أشار إليه الباجي؛ هذا وأكثر الشيوخ يحكي عن مالك الجواز، ولكن بناؤه على ما قال المؤلف بعيد، فإنه روي عن ابن مسعود أنه "كان صلى الله عليه وسلم، يصوم من كل شهر ثلاثة ايام، وقلما رأيته يفطر يوم الجمعة"*، وعن ابن عمر: "ما رأيته [صلى الله عليه وسلم] مفطرًا يوم الجمعة قط"**، ويكون قوله: "لم أسمع أحدًا من أهل العلم ينهى عنه"، وقوله: "وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه... إلخ" من باب الترشيح والتقوية لهذه الأحاديث؛ لا أن عمل بعض أهل العلم هو الدليل المسقط لحكم الحديث الصحيح كما يقول المؤلف، يراجع: "الزرقاني على الموطأ" "2/ 203". "د".
قلت: انظر أيضًا: "الاستذكار" "10/ 260-264"، و"مصنف ابن أبي شيبة" "3/ 46"، و"الشرح الصغير" "1/ 694" للدردير.
2 عبارته في "الموطأ" "كتاب الصيام، باب جامع الصيام 1/ 311 - رواية يحيى" هذا =
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(10/454)
* أخرجه الترمذي في "الجامع" "رقم 742 "، وأبو دواد في "السنن" "رقم 2450" -دون: "وقلما..."، والنسائي في "المجتبى" "4/ 204"، وأحمد في "المسند" "1/ 406"، وابن خزيمة في "الصحيح" "3/ 3129"، وإسناده صحيح، وصححه ابن عبد البر في "الاستذكار" "10/ 260".
** أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" "3/ 46" بإسنادٍ ضعيف، فيه ليث بن أبي سليم.(10/455)
ص -317-…إلى فعل بعض الناس عند ظنه أنه كان يتحراه، وضم إليه أنه لم يسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيامه، وجعل ذلك عمدة مسقطة لحكم الحديث الصحيح من نهيه عليه الصلاة والسلام عن إفراد يوم الجمعة بالصوم.
فقد يلوح من هنا أن مالكا يعتمد هذا العمل الذى يفهم من صاحبه القصد إليه إذا كان من أهل العلم والدين، وغلب على الظن أنه لا يفعله جهلا ولا سهوا ولا غفلة؛ فإن كونه من أهل العلم المقتدى بهم يقتضي عمله به، وتحريه إياه دليل2 على عدم السهو والغفلة، وعلى هذا يجري ما اعتمد عليه من أفعال السلف، إذا تأملتها وجدتها قد انضمت إليها قرائن عينت قصد المقتدى به، وجهة فعله، فصَحَّ الاقتداء.
والقسم الثالث: هو3 أن لا يتعين فعل المقتدى به لقصد دنيوي ولا أخروي، ولا دلت قرينة على جهة ذلك الفعل، فإن قلنا في القسم الثاني بعدم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= نصها: لم اسمع أحدًا من أهل العلم والفقه، ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحراه".
قال ابن عبد البر في "الاستذكار" "10/ 261" في تحديد "بعض أهل العلم": "وأما الذي ذكره مالك؛ فيقولون: إنه محمد بن المنكدر، وقيل: إنه صفوان بن سليم".
1 ورد ذلك في أحاديث كثيرة منها:
- ما أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة 4/ 232"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الصيام، باب كراهية صيام يوم الجمعة منفردًا 2/ 801/ رقم 1143" عن محمد بن عباد؛ قال: "سألت جابرًا رضي الله عنه: أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم". زاد بعض الرواة: "يعنى: أن ينفرد بصومه". لفظ البخاري.
- وأخرجه البخاري في "صحيحه" "رقم 1985"، ومسلم في "صحيحه" "رقم 1144" عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا يصم أحدكم يوم الجمعة؛ إلا أن يصوم قبله، أو يصوم بعده".
2 خبر قوله: "وتحرِّيه". "د".(10/456)
3 في "ط": "وهو".(10/457)
ص -318-…صحة الاقتداء؛ فههنا أولى، وإن قلنا بالصحة؛ فقد ينقدح فيه احتمال، فإن قرائن التحري للفعل [هنالك]1 موجودة؛ فهي دليل يتمسك به في الصحة2.
وأما ههنا، فلما فقدت قوى احتمال الخطأ والغفلة وغيرهما، هذا مع اقتران الاحتياط على الدين؛ فالصواب والحالة هذه منع الاقتداء إلا بعد الاستبراء بالسؤال عن حكم النازلة المقلد فيها، ويتمكن قول من قال3: "لا تنظر إلى عمل الفقيه، ولكن سله يصدقْك" ونحوه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين المعقوفتين زيادة من الأصل و"ماء" و"ط".
2 أي: في القسم الثاني. "د".
3 هو إياس بن معاوية كما تقدم قريبًا "ص315".(10/458)
ص -319-…المسألة السادسة:
قد تقدم1 أن لطالب العلم في طلبه أحوالا ثلاثة:
أما الحال الأول؛ فلا يسوغ الاقتداء بأفعال صاحبه كما لا يقتدى بأقواله؛ لأنه لم يبلغ درجة الاجتهاد بعد، فإذا كان اجتهاده غير معتبر؛ فالاقتداء به كذلك لأن أعماله إن كانت باجتهاد منه فهي ساقطة، وإن كانت بتقليد فالواجب الرجوع في الاقتداء إلى مقلده أو إلى مجتهد آخر، ولأنه عرضة لدخول العوارض2 عليه من حيث لا يعلم بها فيصير عمله مخالفا فلا يوثق بأن عمله صحيح فلا يمكن الاعتماد عليه.
وأما الحال الثالث؛ فلا إشكال في صحة استفتائه، ويجري الاقتداء بأفعاله، على ما تقدم في المسألة قبلها.
وأما الحال الثاني؛ فهو موضع إشكال بالنسبة إلى استفتائه3، وبالنسبة إلى الاقتداء بأفعاله؛ فاستفتاؤه3 جارٍ على النظر المتقدم في صحة اجتهاده أو عدم صحته.
وأما الاقتداء بأفعاله؛ فإن قلنا بعدم صحة اجتهاده فلا يصح الاقتداء كصاحب الحال الأول، وإن قلنا بصحة اجتهاده جرى الاقتداء بأفعاله على ما تقدم من التفصيل والنظر.
هذا إذا لم يكن في أعماله صاحب حال، فإن كان صاحب4 حال وهو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في المسألة الثالثة عشرة من الطرف الأول في الاجتهاد.
2 أي: من شأنها أن تدخل النقص والخلل في أعماله، وذلك كدواعي الهوى والانحراف عن قصد الدليل وغير ذلك. "د".
3 في "ط": "استيفائه.. فاستيفاؤه".
4 ليس خاصًا بالحالة الثانية، بل عام لكل من صح اجتهاده، واستفتاؤه كان من ذوي الحالة الثانية أو الثالثة. "د".(10/459)
ص -320-…ممن يستفتى؛ فهل يصح الاقتداء به بناء على التفصيل المذكور أم لا، وهل يصح استفتاؤه في كل شيء أم لا؟
كل هذا مما ينظر فيه، فأما الاقتداء بأفعاله حيث يصح الاقتداء بمن ليس بصاحب حال؛ فإنه لا يليق إلا بمن هو ذو حال مثله، وبيان ذلك أن أرباب الأحوال عاملون في أحوالهم على إسقاط الحظوظ، بالغون غاية الجهد في أداء الحقوق؛ إما لسائق الخوف، أو لحادي الرجاء، أو لحامل المحبة؛ فحظوظهم العاجلة قد سقطت من أيديهم بأمر شاغل عن غير ما هم فيه؛ فليس لهم عن الأعمال فترة، ولا عن جد السير راحة، فمن كان بهذا الوصف؛ فكيف يقدر على الاقتداء به من هو طالب لحظوظه مشاح في استقصاء مباحاته؟!
وأيضًا؛ فإن الله تعالى سهل عليهم ما عسر على غيرهم، وأيدهم بقوة منه على ما تحملوه من القيام بخدمته، حتى صار الشاق على الناس غير شاق عليهم، والثقيل على غيرهم خفيفا عليهم؛ فكيف يقدر على الاقتداء بهم ضعيف المنة1 عن حمل تلك الأعباء، أو مريض العزم في
قطع مسافات النفس، أو خامد الطلب لتلك المراتب العلية، أو راض بالأوائل عن الغايات؟!
فكل هؤلاء لا طاقة لهم باتباع أرباب الأحوال، وإن تطوقوا ذلك زمانًا؛ فعما قريب ينقطعون2، والمطلوب الدوام، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: "خذوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لن يمل حتى تملوا"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: القوة، وتقدمت. أما "ماء"؛ ففيها: "الهمة".
2 كما في حديث الترمذي الصحيح: @"إن لكل شيء شرة، ولكل شرة فترة"، والشرة: النشاط والرغبة. "د".
قلت: مضى تخريجه الحديث "3/ 522".
3 مضى تخريجه "1/ 525"، وهو صحيح.(10/460)
ص -321-…وقال: "أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل"1.
وأمر2 بالقصد في العمل وأنه مبلغ، وقال: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله"3.
وكره العنف والتعمق والتكلف والتشديد4 خوفا من الانقطاع، وقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات: 7].
ورفع عنا الإصر الذى كان على الذين من قبلنا، فإذا كان الاقتداء بأرباب الأحوال آيلا إلى مثل هذا الحال؛ لم يَلِقْ أن ينتصبوا منصب الاقتداء وهم كذلك، ولا أن يتخذهم غيرهم أئمة فيه، اللهم إلا أن يكون صاحب حال مثلهم وغير مخوف عليه الانقطاع؛ فإذ ذاك يسوغ الاقتداء بهم على ما ذكر من التفصيل، وهذا المقام قد عرفه أهله، وظهر لهم برهانه على أتم وجوهه.
وأما الاقتداء بأقواله إذا استفتي في المسائل؛ فيحتمل تفصيلًا، وهو أنه لا يخلو إما أن يستفتى في شيء هو فيه صاحب حال، أو لا؛ فإن كان الأول جرى حكمه مجرى الاقتداء بأفعاله، فإن نطقه في أحكام أحواله من جملة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "1/ 525"، وهو بقية الحديث السابق.
2 كما في حديث: "سددوا وقاربوا"، وهو صحيح، ومضى تخريجه "2/ 208".
3 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، 10/ 449/ رقم 6024، وكتاب الدعوات، باب الدعاء على المشركين، 11/ 194/ رقم 6395"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب البر والصلة، باب فضل الرفق، 4/ 2003-2004/ رقم 2593" عن عائشة رضي الله عنها.
والمذكور لفظ البخاري، ولفظ مسلم: "يا عائشة! إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه".
4 ورد ذلك في أحاديث عديدة، تقدم منها ما يفي بالغرض، وانظر غير مأمور: "1/ 522".(10/461)
ص -322-…أعماله، والغالب فليه أنه يفتي بما يقتضيه حاله، لا بما يقتضيه حال السائل، وإن كان الثاني ساغ ذلك لأنه إذ ذاك كأنما يتكلم من أصل العلم لا من رأس الحال؛ إذ ليس مأخوذًا فيه.(10/462)
ص -323-…المسألة السابعة:
يذكر فيها بعض الأوصاف التي تشهد للعامي بصحة اتباع من اتصف بها في فتواه.
قال مالك بن أنس1: "ربما وردت علي المسألة تمنعني من الطعام والشراب والنوم. فقيل له: يا أبا عبد الله! والله ما كلامك عند الناس إلا نقر في حجر، ما تقول شيئا إلا تلقوه منك. قال: فمن أحق أن يكون هكذا إلا من كان هكذا؟ قال الراوي: فرأيت في النوم قائلا يقول: مالك معصوم".
وقال2: "إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة، فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن".
وقال3: "ربما وردت علي المسألة فأفكر فيها ليالي".
وكان4 إذا سئل عن المسألة قال للسائل: "انصرف حتى أنظر فيها". فينصرف ويردد فيها، فقيل له في ذلك؛ فبكى وقال: "إني أخاف أن يكون لي من المسائل يوم وأي يوم".
وكان إذا جلس؛ نكس رأسه، وحرك شفتيه يذكر الله ولم يلتفت يمينًا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال القاضي عياض في "ترتيب المدارك" "1/ 144 - ط بيروت": "قال عبد الرحمن العمري: قال لي مالك... "وذكره"، وفيه: "كنقش في الحجر"، و"أن يكون كذا"، وفي "ط": "نقش".
2 في "ترتيب المدارك" "1/ 144": قال: ابن القاسم: سمعت مالكًا يقول... "وذكره".
3 في "ترتيب المدارك" "1/ 144": "قال ابن مهدي: سمعت مالكًا يقول... "وذكره"، وفيه: "... المسألة فأسهر فيها عامة ليلي".
4 في "ترتيب المدارك" "1/ 144": قال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا... وذكره"، وفيه: ".... ويتردد فيها؛ فقلنا... شفتيه بذكر... وكان أحمر فيصفر".(10/463)
ص -324-…ولا شمالا، فإذا سئل عن مسألة؛ تغير لونه -وكان أحمر- فيصفر، وينكس رأسه ويحرك شفتيه، ثم يقول: "ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله"، فربما سئل عن خمسين مسألة؛ فلا يجيب منها في واحدة، وكان يقول: من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه قبل أن يجيب على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب.
وقال بعضهم1: "لكأنما مالك والله إذا سئل عن مسألة؛ واقف بين الجنة والنار".
وقال2: "ما شيء أشد علي من أن أسأل عن مسألة من الحلال والحرام؛ لأن هذا هو القطع في حكم الله ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه، ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام فيه والفتيا، ولو وقفوا على ما يصيرون إليه غدا لقللوا من هذا، وإن عمر بن الخطاب وعليا وعامة خيار الصحابة كانت ترد عليهم المسائل وهم خير القرن الذى بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يجمعون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويسألون، ثم حينئذ يفتون فيها، وأهل زماننا هذا قد صار فخرهم الفتيا؛ فبقدر ذلك يفتح لهم من العلم".
قال3: "ولم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا الذين يُقتدى بهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وكذا في "ترتيب المدارك" "1/ 144"، وفي "د": "مسألة والله".
2 وكذا في "ترتيب المدارك" "1/ 144-145"، وفيه: ".... كأن هذا هو.. وعلقمة -وهو خطأ- خيار الصحابة..... تتردد عليهم المسائل. ويسألون حينئذ ثم.......".
3 نقله عياض في "ترتيب المدارك" "1/ 145"، وفيه: "مضى ولا من سلفنا... ويعول... أكره كذا وأحب...".
وذكره ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1075/ رقم 2091"؛ قال: "وذكر ابن وهب وعتيق بن يعقوب أنهما سمعا مالك بن أنس يقول.... "وذكر نحوه".(10/464)
ص -325-…ومعول الإسلام عليهم أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، ولكن يقول: أنا أكره كذا، وأرى كذا وأما حلال وحرام؛ فهذا الافتراء على الله، أما سمعت قول الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ} الآية [يونس: 59]؛ لأن الحلال ما حلله الله ورسوله، والحرام ما حرماه".
قال موسى بن داود1: "ما رأيت أحدا من العلماء أكثر أن يقول: "لا أحسن" من مالك، وربما سمعته يقول: "ليس نبتلى بهذا الأمر، ليس هذا ببلدنا"، وكان2 يقول للرجل يسأله، اذهب حتى أنظر في أمرك، قال الراوي: فقلت: إن الفقه من باله3 وما رفعه الله إلا بالتقوى.
وسأل4 رجل مالكا عن مسألة -وذكر أنه أرسل فيها من مسيرة ستة أشهر من المغرب- فقال له: أخبر الذى أرسلك أنه لا علم لي بها. قال: ومن يعلمها؟ قال: من علمه الله. وسأله رجل عن مسألة استودعه إياها أهل المغرب؛ فقال: ما أدري ما ابتلينا بهذه المسألة ببلدنا، ولا سمعنا أحدا من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نقله عنه عياض في "ترتيب المدارك" "1/ 145"، وليس فيه: "ليس نبتلى بهذا الأمر".
2 في "ترتيب المدارك" "1/ 145": "قال مروان بن محمد: كنت أرى مالكًا يقول للرجل... "وذكره"، وفيه: "من بابه".
3 أي معروف عنده، ولكنه لورعه يريد التثبت، وهذا نوع من التقوى الموجبة لرضى الله عن عبده ورفعه في أعين خلقه. "د".
4 في "ترتيب المدراك" "1/ 145-146": "قال ابن مهدي: سأل رجل مالكًا"... و"ذكره"، وفيه: "تكلم بها ولكن... جاءه.... بغلة يقودها...".
وأسنده إلى ابن مهدي ابنُ أبي حاتم في "مقدمة الجرح والتعديل" "ص18"، والآجري في "أخلاق العلماء" "ص134"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" "2/ 174"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 838/ رقم 1573":، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" "رقم 816"، وأبو نعيم في "الحلية" "6/ 323" بألفاظ متقاربة.(10/465)
ص -326-…أشياخنا تكلم فيها، ولكن تعود فلما كان من الغد جاء وقد حمل ثقله على بغله يقوده، فقال: مسألتي! فقال: ما أدري ما هي؟ فقال الرجل: يا أبا عبد الله! تركت خلفي من يقول: ليس على وجه الأرض أعلم منك. فقال مالك غير مستوحش: إذا رجعت فأخبرهم أني لا أحسن". وسأله آخر1 فلم يجبه، فقال له: "يا أبا عبد الله أجبني. فقال: ويحك، تريد أن تجعلني حجة بينك وبين الله؟ فأحتاج أنا أولا أن أنظر كيف خلاصي ثم أخلصك".
وسئل2 عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها" "لا أدري".
وسئل3 من العراق عن أربعين مسألة؛ فما أجاب منها إلا في خمس.
وقد4 قال ابن عجلان: "إذا أخطأ العالم "لا أدري"؛ أصيبت مقاتله".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وكذا في "ترتيب المدارك" "1/ 146"، وفيه: "أتريد أن..." ونحوه في "المعرفة والتاريخ" "1/ 556"، و"الفقيه والمتفقه" "2/ 169"، و"المدخل إلى السنن الكبرى" "رقم 823".
2 في ترتيب المدارك" "1/ 146": قال الهيثم بن جبيل: "شهدتُ مالكًا سئل عن...".
3 في ترتيب المدارك" "1/ 146": "وقال خالد بن خراش: قدمت من العراق على مالك بأربعين..."، وفيه: "... فما أجابني...".
4 في "د" و"ف" و"ط": "وقال: قال....."، وسقطت "قال" من "م"، والتصويب من "ترتيب المدارك" "1/ 146"، والأصل.
وأسند مقولة ابن عجلان ابنُ أبي حاتم في "مناقب الشافعي" "ص107"، والآجري في "أخلاق العلماء" "ص134"، والحازمي في "سلسلة الذهب" -ومن طريقه ابن حجر في "موافقة الخبر للخبر" "1/ 22-23"- والخطيب في "الفقيه والمتفقه" "2/ 172-173"، والبيقهي في "المدخل إلى السنن الكبرى" "رقم 812"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 840، 840 841/ رقم 1852، 1853"، وإسناده صحيح.
ونحوها عن ابن عجلان عند أبي الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" "3/ 142"، وأبي نعيم في "أخبار أصبهان" "1/ 349".(10/466)
ص -327-…ويروى هذا الكلام عن ابن عباس1، وقال2: "سمعت ابن هرمز يقول: ينبغي أن يورث العالم جلساءه قول لا أدري"، وكان3 يقول في أكثر ما يسأل عنه: "لا أدري". قال عمر بن يزيد: "فقلت لمالك في ذلك؛ فقال: يرجع أهل الشام إلى شامهم، وأهل العراق إلى عراقهم، وأهل مصر إلى مصرهم، ثم لعلي أرجع عما أفتيهم4 به. قال: فأخبرت الليث بذلك؛ فبكى وقال: مالك والله أقوى من الليث "أو نحو هذا".
وسئل5 مرة عن نيف وعشرين مسألة؛ فما أجاب منها إلا في واحدة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه عنه الآجري في "أخلاق العلماء" "ص133"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" "2/ 172"، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" "رقم 813"، وابن عبد البر في "الجامع" "2/ 839، 840/ رقم 1580، 1581" بأسانيد منقطعة.
والمذكور من "ترتيب المدارك" "1/ 146".
2 في "ترتيب المدارك" "1/ 146": "وقال مالك: "سمعت ابن هرمز."، وأسنده إلى ابن هرمز: الفسوي في "المعرفة والتاريخ" "1/ 655"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" "2/ 173"، والبيهقي في "مدخل إلى السنن الكبرى" "رقم 809"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 835/ رقم 1564".
3 في "ترتيب المدارك" "1/ 146": "وقال ابن وهب: كان مالك يقول: "وذكره بتمامه".
وأسند الحميدي في "جذوة المقتبس" "2/ 485" إلى الفضل بن دكين؛ قال: "ما رأيت أحدًا أكثر قولا "لا أدري" من مالك بن أنس"، وفي "د": "لعلي أرجع عما أرجع..." والصواب حذف "أرجع" الثانية.
4 في "ط": "أفتيتهم".
5 في "ترتيب المدارك" "1/ 147": قال ابن أبي أويس: سئل مالك مرة عن نيف... "وذكره".(10/467)
ص -328-…وربما سئل عن مائة مسألة فيجيب منها في خمس أو عشر، ويقول في الباقي: "لا أدري".
قال أبو مصعب1: "قال لنا المغيرة: تعالوا نجتمع [ونستذكر] كل ما بقي علينا ما نريد أن نسأل عنه مالكا. فمكثنا نجمع ذلك، وكتبناه في قنداق2 ووجه به المغيرة إليه، وسأله الجواب؛ فأجابه في بعضه وكتب في الكثير منه: لا أدري، فقال المغيرة: يا قوم! لا والله ما رفع الله هذا الرجل إلا بالتقوى من كان منكم يسأل عن هذا فيرضى أن يقول: لا أدري؟".
[والروايات عنه في لا أدري"]3 و"لا أحسن" كثيرة؛ حتى قيل لو شاء رجل أن يملأ صحيفته من قول مالك "لا أدري" لفعل قبل أن يجيب في مسألة4.
وقيل5: "إذا قلت أنت يا أبا عبد الله لا أدري؛ فمن يدري؟ قال: ويحك أعرفتني، ومن أنا، وإيش منزلتي حتى أدري ما لا تدرون؟ ثم أخذ يحتج بحديث ابن عمر6، وقال: هذا ابن عمر يقول "لا أدري"؛ فمن أنا؟ وإنما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وكذا في "ترتيب المدارك" "14/ 147" و"ط"، وما بين المعقوفتين منه، وفي الأصول: "نجمع"، و"ما نريد"، والتصويب منه ومن "ط".
2 بضم القاف: صحيفة الحساب. "ف" و"م".
قلت: تصحفت في "ترتيب المدراك" إلى "قنوان"!!
3 سقط من "ط".
4 أخرجه الحميدي في "جذوة المقتبس" "2/ 485" بسنده إلى وهب؛ قال: "ولو شئت أن أنصرف كل يوم عن مالك وألواحي مملوءة من "لا أدري" لفعلت"، وذكره الذهبي في "السير" "8/ 108".
5 في "ترتيب المدراك" "1/ 147": "وقال بعضهم: إذا قلت... "وذكره"، وفيه: "ما عرفتني؟ وما أنا"، وفي "ط": "وقيل له...".(10/468)
6 يشير إلا سؤال الأعرابي لابن عمر: "أترث العمة؟ قال: لا أدري. قال: أنت ابن عمر ولا تدري؟ قال: نعم، اذهب إلى العلماء؛ فسلهم"، وأخرجه الدرامي في "السنن" "1/ 63"، وأبو داود في "الناسخ والمنسوخ"، والذهلي في "جزئه"، وابن مردويه في "التفسير المسند" -كما في "فتح الباري" "3/ 273"، و"موافقة الخبر والخبر" "1/ 81"- والآجري في "أخلاق العلماء" "ص131-132"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" "2/ 171-172"، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" "رقم 796"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 834-835، 835-836/ رقم 1563، 1566"، بألفاظ وأسانيد بعضها صحيح على شرط البخاري.(10/469)
ص -329-…أهلك الناسَ العُجْبُ وطَلَبُ الرياسةِ، وهذا يضمحِلُّ عن قليل".
وقال مرة أخرى1: "قد ابتلي عمر بن الخطاب بهذه الأشياء؛ فلم يجب فيها2، وقال ابن الزبير: لا أدري، وابن عمر: لا أدري".
وسئل3 مالك عن مسألة فقال: "لا أدري. فقال له السائل: إنها مسألة خفيفة سهلة، وإنما أردت أن أعلم بها الأمير، وكان السائل ذا قَدر؛ فغضب مالك وقال: مسألة خفيفة سهلة! ليس في العلم شيء خفيف، أما سمعت قول الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]؛ فالعلم كله ثقيل، وبخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة".
قال بعضهم4: ما سمعت قط أكثر قولا من مالك: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، ولو نشاء أن ننصرف بألواحنا مملوءة بقوله: "لا أدري {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32]؛ لفعلنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وكذا في "ترتيب المدارك" "1/ 147".
2 وكان رضي الله عنه يجمع الشباب فيستشيرهم تارة، وأهل بدر تارة أخرى، وأخرج الأول عنه الرامهرمزي في "المحدث الفاصل" "193" والخليلي في "الإرشاد" "1/ 309"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "1/ 106 - ط القديمة"، وذكره عنه الذهبي في "السير" "8/ 372-373" وأخرج الثاني والبيهقي في "المدخل" "رقم 803".
3 في "ترتيب المدارك" "1/ 147-148": "وقال مصعب: سئل مالك..... "وذكره"، وانظر: "الإمام مالك مفسرًا" "ص399" لحميد الحمر، ط دار الفكر، 1415هـ.
4 وكذا في "ترتيب المدارك" "1/ 148".(10/470)
ص -330-…وقال1 له ابن القاسم: "ليس بعد أهل المدينة أعلم بالبيوع من أهل مصر. فقال مالك: ومن أين علموها؟ قال: منك. فقال2 مالك: ما أعلمها [أنا]؛ فكيف يعلمونها؟!".
وقال ابن وهب3: "قال مالك: سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة ما حدثت بها قط ولا أحدث بها قال الفروي: فقلت له: لم؟ قال: ليس عليها العمل".
وقال4 رجل لمالك: إن الثوري حدثنا عنك في كذا. فقال: "إني لأحدث في كذا وكذا حديثا ما أظهرتها بالمدينة".
وقيل5 له: عند ابن عيينة أحاديث ليست عندك. فقال: "أنا أحدث الناس بكل ما سمعت؟! إني إذن أحمق!"، وفي رواية6: "إني أريد أن أضلهم إذن! ولقد خرجت مني أحاديث لوددت أني ضربت بكل حديث منها سوطا ولم أحدث بها، وإن كنت أجزع الناس من السياط!".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وكذا في "ترتيب المدارك" "1/ 148"، وما بين المعقوفتين منه، وفي الأصول: "يعلمونها بي"، والتصويب منه.
2 كذا في الأصل و"د" و"ف" و"ط"، وفي "الترتيب"و"م": "قال".
3 وكذا في "ترتيب المدارك" "1/ 148"، و"ما رواه الأكابر" "43"، و"الحلية" "6/ 322، و"السير" "8/ 62".
4 وكذا في "ترتيب المدارك" "1/ 148-149"، وفيه: "إني لأحدثك....".
5 في "ترتيب المدارك" "1/ 149": "قال الشافعي: قيل لمالك: عند ابن عيينة..." وفيه: "إذا أحدث..".
6 وكذا في "ترتيب المدارك" "1/ 149-150"، وفيه: "أفزع الناس"، وأسنده بنحوه من طريق القعنبي عن مالك الحميدي في "جذوة المقتبس" "2/ 552-553" والضبي في "البغية" "ص464"، وانظر: "نوادر ابن حزم" "1/ 56".(10/471)
ص -331-…ولما مات؛ وجد في تركته حديث كثير جدا لم يحدث بشيء منه في حياته1.
وكان إذا قيل له: "ليس هذا الحديث عند غيرك" تركه، وإن قيل له: "هذا مما2 يحتج به أهل البدع" تركه، وقيل له: إن فلانا يحدث3 بغرائب. فقال: "من الغريب نفرّ". وكان4 إذا شك في الحديث طرحه كله، وقال5: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب؛ فانظروا [في] رأيي؛ فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وكل ما لم يوافق ذلك فاتركوه".
وقال6: "ليس كل ما قال الرجل وإن كان فاضلا يتبع ويجعل سنة ويذهب به إلى الأمصار، قال الله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} الآية [الزمر: 17-18].
وسئل عن مسألة أجاب فيها ثم قال مكانه: "لا أدري، إنما هو الرأي وأنا أخطئ وأرجع، وكل ما أقول يكتب"7.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر تفصيل ذلك في "ترتيب المدارك" "1/ 148، 149".
2 في "د" "ما"، وما أثبتناه من "ترتيب المدارك" "1/ 150" والأصل و"ف" و"م" و"ط".
3 في "ترتيب المدارك" "1/ 150": "تحدثنا".
4 في "ترتيب المدراك" "1/ 150": "قال الشافعي: كان مالك إذا شك..".
5 في ترتيب المدارك" "1/ 146-147": قال معن: سمعت مالكًا يقول: إنما أنا بشر...."، وما بين المعقوفتين منه.
6 قال المؤلف في "الاعتصام" "2/ 362": "ذكر ابن معين عن عيسى بن دينار عن ابن القاسم عن مالك... "وذكره"، ونحوه في "المقدمات" لابن رشد "3/ 424 - ط دار الغرب"، وانظر: "الإمام مالك مفسرًا" "ص341".
7 نحوه في "ترتيب المدارك" "1/ 150".(10/472)
ص -332-…وقال أشهب1: "ورآني أكتب جوابه في مسألة فقال: لا تكتبها؛ فإني لا أدري أثبت عليها أم لا".
قال ابن وهب2: "سمعته يعيب كثرة الجواب من العالم حين يُسأل، قال: وسمعته عندما يكثر عليه من السؤال يكف، ويقول: حسبكم! من أكثر أخطأ، وكان يعيب كثرة ذلك، وقال: يتكلم كأنه جمل مغتلم3 يقول: هو كذا هو كذا يهدر في كل شيء. وسأله رجل عراقي عن رجل وطئ دجاجة ميتة فخرجت منها بيضة، فأفقست البيضة عنده عن فرخ: أيأكله؟ فقال مالك: سَلْ عما يكون، ودع ما لا يكون. وسأله آخر عن نحو هذا فلم يجبه؛ فقال له: لم لا تجيبني يا أبا عبد الله! فقال4: لو سألت عما تنتفع به أجبتك".
وقيل له5: إن قريشا تقول: إنك لا تذكر في مجلسك آباءها وفضائلها. فقال: "إنما نتكلم فيما نرجو بركته".
قال ابن القاسم6: "كان مالك لا يكاد يجيب، وكان أصحابه يحتالون أن يجيء رجل بالمسألة التي يحبون أن يعلموها كأنها مسألة بلوى، فيجيب فيها".
وقال7 لابن وهب: "اتق هذا الإكثار وهذا السماع الذى لا يستقيم أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مثله في "ترتيب المدارك" "1/ 150".
2 أخرجه الدوري "فيما رواه الأكابر" "36، 53"، بنحون، ومثله في "ترتيب المدارك" "1/ 150"/ وزاد: "يعني: الرجل الذي يجلس لهذا".
3 [أي]: هائج. "ف" و"م".
4 في "ترتيب المدارك" "1/ 150" زيادة "له".
5 في "ترتيب المدارك" "1/ 151": "قال ابن المعدل: قيل لمالك: إن قريشًا...".
6 مثله في "ترتيب المدراك" "1/ 151". وفي "ط": "أن يتعلموها".
7 مثله في "ترتيب المدارك" "1/ 151"، وفيه: "اتق هذه الآثار، وهذا السماع... فقال [له]... لأعرفه لأحَدِّث. فقال: ما سمع... إلا تحد َّث به، وعلى ذكر القدر وسعت".(10/473)
ص -333-…يحدث به. فقال: إنما أسمعه لأعرفه، لا لأحدث به. فقال له: ما يسمع إنسان شيئا إلا يحدث به، وعلى ذلك لقد سمعت من ابن شهاب أشياء ما تحدثت بها، وأرجو أن لا أفعل ما عشت، وقد1 ندمت أن لا أكون طرحت من الحديث أكثر مما طرحت".
قال أشهب2: "رأيت في النوم قائلا يقول: لقد لزم مالك كلمة عند فتواه لو وردت على الجبال لقلعتها، وذلك قوله: "ما شاء الله، لا قوة إلا بالله"".
هذه جملة تدل الإنسان على من يكون من العلماء أولى بالفتيا والتقليد له، ويتبين بالتفاوت في هذه الأوصاف الراجح من المرجوح، ولم آتِ بها على ترجيح تقليد مالك، وإن كان أرجح3 بسبب شدة اتصافه بها، ولكن لتتخذ قانونا في سائر العلماء؛ فإنها موجودة في سائر هداة الإسلام، غير أن بعضهم أشد اتصافا بها من بعض4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ترتيب المدارك" "1/ 151": "وروى البياضي عنه أنه قال: لقد ندمت أن لا أكون طرحت أكثر مما طرحت من الحديث". وفي "ط": "وقال: لقد...".
2 مثله في "ترتيب المدارك" "1/ 151"، وفيه: "لو ورد عليه الجبال"، وفي "ط" و"ف" و"م": "وردت عليه"، وعلَّقا: "لعل "أصل" هذه العبارة: "لو وردت على الجبال لقلعتها"".
3 انظر رجحان مذهب أهل المدينة في "مجموع الفتاوى" "10/ 260 و20/ 294-320 و333-396"، وانظر منه: "20/ 320-348" تعظيم الناس لمالك.
4 في "ط": "من البعض".(10/474)
ص -334-…المسألة الثامنة:
يسقط عن المستفتي1 التكليف بالعمل عند فقد المفتي، إذا لم يكن له به علم لا من جهة اجتهاد معتبر، ولا من تقليد، والدليل على ذلك أمور:
أحدها: أنه إذا كان المجتهد يسقط عنه التكليف عند تعارض الأدلة عليه على الصحيح -حسبما تبين في موضعه من الأصول- فالمقلد عند فقد العلم بالعمل رأسا أحق وأولى.
والثاني: أن حقيقة هذه المسألة راجعة إلى العمل قبل تعلق الخطاب، والأصل في الأعمال قبل ورود الشرائع سقوط التكليف؛ إذ لا حكم عليه قبل العلم بالحكم؛ إذ شرط التكليف عند الأصوليين العلم بالمكلف به، وهذا غير عالم [به] بالفرض؛ فلا ينتهض سببه على حال.
والثالث: أنه لو كان مكلفا بالعمل؛ لكان من تكليف ما لا يطاق؛ إذ هو مكلف بما لا يعلم، ولا سبيل له إلى الوصول إليه، فلو كلف به لكلف بما لا يقدر على الامتثال فيه، وهو عين المحال؛ إما عقلًا وإما شرعًا، والمسألة بيِّنَة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: من هو بصدد الاستفتاء، وهو من عرضت له مسألة دينية وليس من أهل الاجتهاد. "د".
قلت: قال إمام الحرمين في "الغياثي" "ص431" في مثل اختيار المصنف: "وهذا زَلَل ظاهر"، ثم أسهب في بيان أن هذه المسألة "تنزل منزلة التباس الأحوال في الطهارة والنجاسة مع وجود العلماء"، ثم قال "ص442": "فقصارى القول فيه اعتبار شك بشك، وبناء على الأمر على تغليب ما قضى الشارع بتغليبه"، ثم قال "ص481": "ويتحصل من مجموع ما نفينا وأثبتنا أن الناس يأخذون ما لو تركوه لتضرروا في الحال أو في المآل، والضرار الذي ذكرناه في أدراج الكلام عنينا به ما يُتوقع منه فساد البنية، أو ضعف يصد عن التصرف، والتقلب في أمور المعاش"، ثم فصل ذلك في سائر الأبواب، وقرر أشياء نفيسة وقواعد كلية مليحة، وصرح في "ص521" أنه ألف الكتاب عند تخليه انحلال الشريعة، وانقراض حملتها، ورغبة الناس عن طلبها.(10/475)
ص -335-…فصل:
ويتصور في هذا العمل أمران:
أحدهما: فقد1 العلم به أصلًا؛ فهو كمن لم يرد عليه تكليف البتة.
والثاني: فقد العلم لوصفه دون أصله كالعالم بالطهارة أو الصلاة2 أو الزكاة على الجملة، لكنه لا يعلم كثيرا من تفاصيلها وتقييداتها وأحكام العوارض فيها، كالسهو وشبهه؛ فيطرأ عليه فيها ما لا علم له بوجه العمل به، وكلا الوجهين يتعلق به أحكام بحسب الوقائع لا يمكن استيفاء الكلام فيها، وكتب الفروع أخص3 بها من هذا الموضع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كمن يسمع أن التهجد مطلوب ولكن لا يدري ما هو، أو يسمع أن العمرة مطلوبة ولا يعرفها؛ من أي نوع من العبادات؟ لا أنه لم يُروَ إليه حتى اسم العمل المطلوب؛ لأنه حينئذ لا يتحقق فيه أنه مستفتٍ هذا، ومغايرته لما بعده ظاهرة، وما يسقط عنه في أصل العلم، وما يسقط عنه في الثاني الوصف الذي لم يتيسر له طريق معرفته. "د".
2 في "ط": "أو بالصلاة".
3 فمنها يُعلم ما رتب على هذه ا لمسألة مما يسقط عنه وما لا يسقط بعد حصول العلم به. "د".(10/476)
ص -336-…المسألة التاسعة:
فتاوى المجتهدين بالنسبة إلى العوام كالأدلة1 الشرعية بالنسبة إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: قائمة مقامها، فكما أن المجتهدين ملزمون باتباع الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة... إلخ، فكذلك المقلدون ليس لهم أهلية الاجتهاد يلزمهم اتباع قول المجتهدين والأخذ بفتواهم؛ كما قال الآمدي في "الأحكام" "4/ 306 وما بعد" واستدل عليه بالنص والإجماع والمعقول؛ فالنص الآية التي استدل بها المؤلف والإجماع السكوتي على ذلك المعقول، وهو أن من لم يكن عنده أهلية الاجتهاد إذا حدثت به حادثة فرعية؛ فإما ألا يكون متعبدًا بشيء أصلًا، وهو خلاف الإجماع، وإن كان متعبدًا بشيء؛ فإما بالنظر في الدليل المثبت للحكم، أو بالتقليد، والأول ممتنع؛ لأن ذلك مما يفضي في حقه وحق الخلق أو أجمع إلى النظر في أدلة الحوادث والاشتغال عن المعايش، وتعطيل الحرف والصناعات، وخراب الدنيا بتعطيل الحرث والنسل، ورفع التقليد رأسًا، وهو منتهى الحرج والإضرار المطلوب رفعهما؛ فلم يبقَ إلا التقليد، وأنه هو المتعبد به عند ذلك الفرض، هذا هو ما يريد المؤلف تقريره، وهو بعينه الذي يوافق المسألة قبله من سقوط التكليف عن المستفتي والمقلد إذا لم يجد المفتي، فهذا لا يكون إلا إذا كانت أقوال المجتهدين كأقوال الرسل، من جهة وجوب اتباعها والتزام العمل بها، وأنها كخطاب الله الوارد على لسان الرسل بالنسبة للعوام، ولا معنى لكونها حجة على الناس إلا ذلك، وسبق للآمدي في تعريف التقليد ما صرح فيه بوجوب أخذ العامي بقول المفتي، حتى قال: "إنه حجة ملزمة كالأخذ بالإجماع وبقول الرسول عليه السلام"، وأما كون ذلك حجة لذاته، أو ليس لذاته، وكذا كون الأدلة الشرعية للمجتهدين حجة لذاتها أو للمعجزة؛ فهذا أمر آخر وبحث آخر، لا يخص موضوع المسألة. "د".(10/477)
وكتب "ف" -وتبعه "م"- ما نصه: "لا لأن أقوالهم حجة على الناس في ذاتها كأقوال الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ فإن ذلك لا يقول به أحد، بل لأنه -لعدالتهم، وسعة اضطلاعهم، واستقامة أفهامهم، وعنايتهم بضبط الشرعية وحفظ نصوصها- لا بد أن تستند أقوالهم إلى مأخذ شرعي عام أو خاص وإن يذكروه لمن يستفتيهم في النوازل، فإن ذلك غير لازم؛ فقد كان المجتهدون من الصحابة والتابعين يفتون العامة من غير إبداء المستند، ويُتَّبَعون* في ذلك من غير نكير، وشاع ذلك بينهم حتى تَوَاتَر".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في "م": "والناس يتبعونهم في ذلك".(10/478)
ص -337-…المجتهدين.
والدليل عليه أن وجود الأدلة بالنسبة إلى المقلدين وعدمها سواء؛ إذ كانوا لا يستفيدون منها شيئا؛ فليس النظر في الأدلة والاستنباط من شأنهم، ولا يجوز ذلك لهم البتة وقد قال تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
والمقلد غير عالم؛ فلا يصح له إلا سؤال أهل الذكر، وإليهم مرجعه في أحكام الدين على الإطلاق، فهم إذن القائمون له مقام الشارع، وأقوالهم قائمة مقام [أقوال] الشارع.
وأيضًا؛ فإنه إذا كان فقد المفتي1 يسقط2 التكليف فذلك مساوٍ لعدم الدليل؛ إذ لا تكليف إلا بدليل، فإذا لم يوجد دليل على العمل سقط التكليف به؛ فكذلك إذا لم يوجد مفتٍ في العمل؛ فهو غير مكلف به، فثبت أن قول المجتهد دليل العامي، والله أعلم.
ويتعلق3 بكتاب الاجتهاد نظران:
أحدهما: في تعارض الأدلة على المجتهد، وترجيح بعضها على بعض.
والآخر: في أحكام السؤال والجواب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل و"ط: "عدم المفتي".
2 في "ط": "بسقوط".
3 لعل هنا كلمة "فصل" محذوفة. "ف".(10/479)
ص -341-…النظر الأول:
وفيه مسائل:
بعد أن نقدم مقدمة لا بد من ذكرها، وهى أن كل من تحقق بأصول الشريعة؛ فأدلتها عنده لا تكاد1 تتعارض، كما أن كل من حقق2 مناط المسائل؛ فلا يكاد يقف في متشابه؛ لأن الشريعة لا تعارض فيها البتة، فالمتحقق بها متحقق بما في [نفس] الأمر؛ فيلزم أن لا يكون عنده تعارض، ولذلك لا تجد البتة دليلين أجمع المسلمون على تعارضهما بحيث وجب عليهم الوقوف؛ لكن لما كان أفراد المجتهدين غير معصومين من الخطأ؛ أمكن التعارض بين الأدلة عندهم، فإذا ثبت هذا فنقول:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وقد أوضح ذلك في الفصل اللاحق للمسألة الثالثة من التشابه. "د".
قلت: انظر بسط المسألة على عدم التعارض مع الأدلة العقلية: "كشف الأسرار" "3/ 76"، و"التقرير والتحبير" "3/ 2"، و"شرح منار الأنوار" لابن مالك "ص226 - ط التركية"، وما مضى في المسألة الثالثة من الطرف الأول في الاجتهاد.
2 في "ط": "تحقق".(10/480)
ص -342-…المسألة الأولى:
التعارض إما أن يعتبر من جهة ما في نفس الأمر، وإما من جهة نظر المجتهد، أما من جهة ما في نفس الأمر؛ فغير ممكن بإطلاق، وقد مر آنفا في كتاب الاجتهاد من ذلك -في مسألة أن الشريعة على قول واحد- ما فيه كفاية، وأما من جهة نظر المجتهد؛ فممكن بلا خلاف، إلا أنهم إنما نظروا فيه بالنسبة إلى كل موضع لا يمكن فيه الجمع بين الدليلين، وهو صواب؛ فإنه إن أمكن الجمع فلا تعارض1؛ كالعام مع الخاص، والمطلق مع المقيد وأشباه ذلك2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ولا داعي إلى الترجيح، قالوا: من شروط الترجيح التي لا بد من اعتبارها ألا يمكن الجمع بين الدليلين بوجه مقبول، فإن أمكن تعين المصير إليه، قال في "المحصول" "5/ 406": "العمل بكل منهما أولى من إهمال أحدهما"، وبه الفقهاء جميعًا. ا. هـ شوكاني في "الإرشاد" "ص273". "د".
قلت: انظر في ذلك: "المحلى" "1/ 121-122"، و"الخلافيات" "1/ 329" وتعليقنا عليه "1/ 235، 236، 237، 244، 245"، و"الأوسط" "2/ 306-309" لابن المنذر، و"الإبهاج" "3/ 139-144"، و"شرح تنقيح الفصول" "ص417-419، 421"، و"شرح مشكاة الأنوار على المنار" "2/ 109"، و"جمع الجوامع" "2/ 359-361 - مع شرح المحلي"، و"الاعتبار" "ص4-5"، للحازمي، و"توجيه النظر" "ص224-226"، و"أدلة التشريع المتعارضة" "ص36-38" لبدران أبو العنين بدران، و"التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية" "1/ 265-299"، وأفاد أن خلافًا وقع في المسألة.(10/481)
2 ومثلوا له أيضًا بقوله عليه السلام "فيما أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الأقضية، باب بيان خير الشهود 3/ 1344/ رقم 1719" عن زيد بن خالد الجهني رفعه": "ألا أخبركم بخير الشهود؟" فقيل: نعم. فقال: أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد" مع قوله "فيما أخرجه الترمذي في "الجامع" "أبواب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، 4/ 465، رقم 2165"، وابن ماجه في "السنن" "كتاب الأحكام، باب كراهية الشهادة لمن لم يستشهد 2/ 791/ رقم 2363" =(10/482)
ص -343-…لكنا نتكلم هنا بحول الله تعالى فيما لم يذكروه من الضرب الذى لا يمكن فيه الجمع ونستجر من الضرب الممكن فيه الجمع أنواعا مهمة، وبمجموع النظر في الضربين يسهل إن شاء الله على المجتهد في هذا الباب ما عسر على كثير ممن زاول الاجتهاد، وبالله التوفيق1.
فأما ما لا يمكن فيه الجمع، وهى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وأحمد في "المسند" "1/ 18"، وغيرهم عن عمر مرفوعًا، وهو صحيح، والمذكور جزء من آخر الحديث، وأوله: "أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم...."، وفيه": "ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد"؛ فحملوا الأول على ما فيه حق لله، والثاني على ما فيه حق الآدمي؛ فكل عمل به في وجه؛ فلا تعارض ولا ترجيح، وسيأتي له كثير منه في المسألة الثالثة. "د".
1 في "م": "والله ولي التوفيق".(10/483)
ص -344-…المسألة الثانية:
فإنه قد مر في كتاب الاجتهاد أن محال الخلاف دائرة بين طرفي نفي وإثبات ظهر قصد الشارع في كل واحد منهما؛ فإن الواسطة آخذة من الطرفين بسبب، هو متعلق الدليل الشرعي؛ فصارت الواسطة يتجاذبها الدليلان معًا: دليل النفي ودليل الإثبات، فتعارض عليها الدليلان؛ فاحتيج إلى الترجيح، وإلا؛ فالتوقف وتصير من المتشابهات، ولما كان قد تبين في ذلك الأصل هذا المعنى؛ لم يحتج إلى مزيد.
إلا أن الأدلة كما يصح تعارضها على ذلك الترتيب كذلك يصح تعارض ما في معناها1 كما في تعارض القولين على المقلد؛ لأن نسبتهما إليه نسبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عرفوا التعارض بأنه تقابل الدليلين على سبيل الممانعة، بأن يثبت أحدهما ما ينفيه الأخر؛ فالتعارض الذي يتكلم فيه الأصولين واقع بين الدليلين أنفسهما، فيجيء الترجيح بينهما من جهة المتن أو السند أو المعنى أو أمر خارج؛ أما أنواع التعارض التي ذكرها المؤلف من هذه المسألة أولًا وآخرًا -إذا استثنينا تعارض القولين على المقلد- فأنها ليست في شيء من تعارض الدليلين الذي أفاض فيه الأصوليون؛ إذ الأدلة في هذه الأنواع لا تعارض فيها باعتبارها في أنفسها، وإنما التعارض فيها باعتبار التطبيق وتحقيق المناط في محل الحكم، وقد قال المؤلف في المسألة الثالثة من التشابه في الأدلة "3/ 318" ما حصله أن التشابه الراجح إلى المناط ليس راجعًا إلى الأدلة؛ فالنهي عن أكل الميتة واضح، والإذن في أكل المذكية واضح، والاشتباه عند اختلاطهما في المأكول لا في الدليل. ا. هـ.(10/484)
وسبق له في المسألة الرابعة من الاجتهاد "ص144 وما بعد" ذِكْر أكثر هذه الأنواع أمثلة لموضوع القاعدة التي أشار إليها في صدر هذه المسألة، وهو الواسطة تقع بين طرفين مختلفي الحكم، وفيها شبه من كل منهما، وحيث كانت كل هذه الأنواع راجعة إلى اختلاف المناط في الواسطة، وكان اختلاف المناط ليس من التعارض في الأدلة؛ فلا يصح جعل بعضها من التعارض الحقيقي في الأدلة وبعضها شبيهًا به وفي معناه، فإن كان المؤلف يريد أن ما قبل قوله: "كذلك يصح... إلخ" من باب تعارض الأدلة حقيقة وما بعده من الملحق به، فغير صحيح كما عرفت =(10/485)
ص -345-…الدليلين إلى المجتهد، ومنه تعارض العلامات1 الدالة على الأحكام المختلفة، كما إذا انتهب نوع من المتاع يندر وجود مثله من غير الانتهاب؛ فيرى مثله في يد رجل ورع؛ فيدل صلاح ذي اليد على أنه حلال، ويدل ندور مثله من غير النهب على أنه حرام؛ فيتعارضان، ومنه تعارض الأشباه الجارَّة إلى الأحكام المختلفة؛ كالعبد؛ فإنه آدمي، فيجري مجرى الأحرار في الملك، ومال فيجري مجرى سائر الأموال في سلب الملك، ومنه تعارض الأسباب؛ كاختلاط الميتة بالذكية، والزوجة بالأجنبية؛ إذ كل واحدة منهما تطرق إليها احتمال وجود السبب المحلل والمحرم، ومنه تعارض الشروط؛ كتعارض البينتين؛ إذ قلنا: إن الشهادة شرط في إنفاذ الحكم؛ فإحداهما تقتضي إثبات أمر، والأخرى تقتضي نفيه، وكذلك ما جرى مجرى [هذه]2 الأمور داخل في حكمها.
ووجه الترجيح في هذا الضرب غير3 منحصر؛ إذ الوقائع الجزئية النوعية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(10/486)
= وإن كان يعني أنه يتكلم من أول الأمر على تعارض آخر غير ما ذكره الأصوليون وهو تعارض ليس باعتبار الأدلة في أنفسها، بل باعتبار المناط، وهو ما يشير إليه قوله: "تعارض -عليها- الدليلان"، وقوله: "كما يصح تعارضها -على ذلك الترتيب"؛ فهو صحيح، لكن يرد عليه أن تعارض الدليلين بهذا المعنى موجود بعينه في تعارض العلامات وما معه، كما يرشد إليه قوله بعد: "وحقيقة النظر الالتفات إلى كل طرف من الطرفين... إلخ"، وصنيعه هنا يوهم خلاف ذلك، وأن تعارض العلامات وما معها ليس من جنس ما قبله، وقد يجاب بأن هذه الأنواع وإن اشتركت في أن الكل من باب التعارض الواقع على واسطة بين الطرفين، لكن المنظور إليه في النوع الأول حصول التعارض بين دليلي الطرفين، وفي الأنواع حصل التعارض أولًا وبالذات بين علامتي الطرفين أو سببيهما... إلخ"، وهو إن كان يلزم منه تعارض دليليهما على تلك الواسطة؛ لكن ليس هو نفس تعارض الدليلين؛ فلذلك جعله في معنى تعارض الدليلين؛ لأنه يَئُول إليه. "د".
1 في نسخة "ماء": "المعاملات".
2 ما بين المعقوفتين سقط من "د".
3 أي: بخلاف وجوه الترجيح في التعارض الواقع بين نفس الدليلين؛ فقد حصرها =(10/487)
ص -346-…أو الشخصية لا تنحصر، ومجاري العادات تقضي بعدم الاتفاق بين الجزئيات بحيث يحكم على كل جزئي بحكم جزئي واحد؛ بل لا بد من ضمائم تحتفّ، وقرائن تقترن، مما يمكن تأثيره في الحكم المقرر؛ فيمتنع إجراؤه في جميع الجزئيات، وهذا أمر مشاهد معلوم، وإذا كان كذلك؛ فوجوه1 الترجيح جارية مجرى الأدلة الواردة على محل التعارض؛ فلا يمكن في هذه الحال [إلا]2 الإحالة على نظر المجتهد فيه، وقد تقدم لهذا المعنى تقرير في أول3 كتاب الاجتهاد، وحقيقة النظر الالتفات إلى كل طرف من الطرفين أيهما أسعد4 وأغلب5 أو أقرب بالنسبة إلى تلك الواسطة؛ فيبنى على6 إلحاقها به من غير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الأصوليون في الأنواع الأربعة التي أشرنا إليها، وأضافوا إليها ترجيح الأقيسة وما معها؛ فصارت ستة أنواع. "د".
قلت: فَصَّل الكلام على وجوه الترجيح على وجه مستوعب: الشيخ عبد اللطيف البرزنجي في رسالته العالِمية "الدكتوراة": "التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية"، وهو مطبوع في مجلدين سنة 1397هـ، عن مطبعة العاني، والعراق.
1 هل وجوه الترجيح هي الجارية مجرى الأدلة المذكورة، أم أن العلامات والأشباه والأسباب المتعارضة هي الجارية هذا المجرى؟ فتحتاج إلى نظر المجتهدين فيها من أهل الذكر والخبرة في كل نوع منها؛ إلا أن يقال: إنه يعني بوجوه الترجيح هذه الأسباب والعلامات.... إلخ، ولا ينافيه قوله بعدُ: "أيهما أسعد أو أغلب.. إلخ".
2 ما بين المعقوفتين سقط من "د".
3 في المسألة الأولى منه، حيث بسط الكلام في الاجتهاد في تحقيق المناط. "د"، وهذا يؤيد ما قررناه في هذا المقام، وأن الكلام كله مسوق في تحقيق المناط، لا في التعارض الذي فصله الأصوليون ولا في نوع منه، إنما هو نوع آخر شبيه به. "د".
4 أي: أقوى وأنسب. "د".
5 كذا في "ط" و"د"، وفي غيرهما: "أو أغلب".(10/488)
6 لعل الصواب: "فيبنى عليها إلحاقها"، وهو راجع لكل واحد من الثلاثة منفردة أو مجتمعة. "د".(10/489)
ص -347-…مراعاة للطرف الآخر أو مع مراعاته1 كمسألة2 العبد في مذهب مالك3 ومن خالفه وأشباهها.
فصل:
هذا وجه النظر في الضرب الأول على ظاهر كلام4 الأصوليين، وإذا تأملنا المعنى فيه؛ وجدناه راجعًا5 إلى الضرب الثاني، وأن الترجيح راجع إلى وجه من الجمع6، أو إبطال7 أحد المتعارضين، حسبما يذكر على أثر هذا بحول الله تعالى.
وأما ما يمكن فيه الجمع، وهي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عند مراعاة الطرفين كيف يكون من الضرب الأول الذي لا يمكن فيه الجمع، مع أنه في هذه الحالة يكون أعمل الطرفين المتعارضين إعمالًا جزئيًا في كل منهما؛ فلم يلغ أحدهما، ولم يعمل الآخر إعمالًا كليًّا، فوضعه هذه المسألة للضرب الذي لا يمكن فيه الجمع إنما هو باعتبار الغالب، وسيأتي له كلام في المسألة الثالثة. "د".
2 في "د": "مسألة".
3 فعنده أن يملك ملكًا غير تام، وعند غيره لا يملك رأسًا، ولكل تفريعه. "د".
4 أي: حيث اشتغلوا بترجيح أحد الدليلين بالمرجحات التي تقتضي اعتماد أحد الدليلين وإهمال الآخر، وهذا لا يكون إلا إذا كان مما لا يمكن فيه الجمع، ولكن قد سبق لنا ذكر شيء من أمثلة ما اعتبروا فيه الجمع بإعمال الدليلين. "د".(10/490)
5 ظاهره أن كل ما حكم عليه الأصوليون بعدم إمكان الجمع فيه يرجع إلى الضرب الثاني الذي فيه؛ إما الجمع، أو الأبطال لأحدهما؛ فلا تبقى معارضة مطلقًا، فإن كان هذا مراده حقيقة يريد به القضاء على باب التعادل والترجيح؛ فإنه لم يصل إليه، وذلك لأن الصور التي ذكرها في المسألة الثالثة على فرض أنها حاصرة للصور المعقولة في التعارض، فإن الأحكام لم تُستوفَ في الصورة الثانية؛ فما بين الجزئيتين الداخلتين تحت كلية واحدة لا ينحصر حكمه في الإبطال بالطرق التي أشار إليها أو الإعمال الذي ذكره، بل هناك شيء كثير، بل أكثر ما ذكر في باب التعادل، والترجيح ليس فيه إبطال أحد الدليلين بالنسخ وما معه، ولا إعمال الدليلين معًا؛ فبقي ما قالوه كما هو ولم يرجع الضرب الأول إلى الثاني. "د".
6 كذا في "ط" وفي غيره "وإبطال"، وكتب "د": الصواب: "أو"؛ ليتفق مع المسألة الثالثة.
7 هذا إنما يظهر فيما سيذكره في المسألة الثالثة في الصورة الثانية في الأمر الأول منها؛ فإنه هو الذي فيه إبطال الدليلين إبطالًا حقيقيًّا، أما ما رجحوا فيه دليلًا على آخر بالمرجحات المتعلقة بالمتن أو السند أو المعنى أو بخارج -مع اعترافهم بأنه لا يزال الدليل قابلًا لأن يكون صحيحًا غايته أنه وجد لمقابله ما يقتضي الظن بأرجحيته- فلا يكون فيه أبطال أحدهما إبطالًا حقيقيًّا، وتسمية ما ذكره من نسخ أحدهما وما معه جمعًا بين الدليلين بعيد من جهة المعنى، وقد اعترف بذلك حيث يقول: "لم يمكن فرض اجتماع دليلين فيتعارضا"، وعليه؛ فإدخال هذا النوع في التعارض ثم دعوى أنه مما أمكن فيه الجمع لا محصل له. "د".(10/491)
ص -349-…المسألة الثالثة:
فنقول: لتعارض الأدلة في هذا الضرب صور:
إحداها: أن يكون في جهة كلية مع جهة جزئية [تحتها]1؛ كالكذب المحرم مع الكذب للإصلاح بين الزوجين، وقتل المسلم المحرم مع القتل قصاصا أو بالزنى؛ فهو إما أن يكون الجزئي رخصة في ذلك الكلي، أو لا.
وعلى كل تقدير؛ فقد مر في هذا الكتاب ما يقتبس منه الحكم2 تعارضًا وترجيحا، وذلك في كتاب الأحكام وكتاب الأدلة؛ فلا فائدة في التكرار.
والثانية: أن يقع في جهتين جزئيتين، كلتاهما داخلة تحت كلية واحدة؛ كتعارض حديثين3، أو قياسين، أو علامتين4 على جزئية واحدة، وكثيرًا ما يذكره الأصوليون في الضرب الأول الذى لا يمكن5 فيه الجمع، ولكن وجه النظر فيه أن التعارض إذا ظهر؛ فلا بد من أحد أمرين: "إما الحكم على أحد الدليلين بالإهمال"؛ فيبقى الآخر هو المعمل لا غير؛ وذلك لا يصح إلا مع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين المعقوفتين سقط من "م".
2 ومحصله إعمال الدليلين، كما سبق في مسألة شرب العسل لصاحب الصفراء في كتاب الأدلة. "د".
3 وانظر لِمَ لم يذكر تعارض آيتين؟ ولعله لا يقول بتعارضهما لأنهما قطعيتان، ولكن التعارض واقع باعتبار الدلالة الظنية، وللحديثين المتواترين حكم الآيتين، وقد أطلق في الحديثين، وقد عرفت أن الكلام في التعارض صورة فقط لا في التعارض الحقيقي؛ لأنه لا يقع في الشريعة مطلقًا؛ فلا فرق بين القطعي وغيره. "د".
4 أي: كما صنع هو في تعارض العلامتين، وقد توسع هنا في العلامة؛ فجعلها شاملة للسببين والشبهين، إلى غير ذلك مما يكون فيه تحقيق المناط. "د".
5 أي: مع أن هذه الصورة قد تكون مما يمكن فيه ذلك؛ كما يذكره في الأمر الثاني. "د".(10/492)
ص -350-…فرض1 إبطاله بكونه منسوخًا، أو تطريق غلط أو وهم في السند أو في المتن إن كان خبر آحاد، أو كونه مظنونا يعارض مقطوعا به2، إلى غير ذلك من الوجوه القادحة في اعتبار ذلك الدليل، وإذا فرض أحد هذه الأشياء؛ لم يمكن فرض اجتماع الدليلين3 فيتعارضا، وقد سلموا أن أحدهما [إذا كان] منسوخًا لا يعد معارضًا، فكذلك ما في معناه4؛ فالحكم إذن للدليل الثابت عند المجتهد كما لو انفرد عن معارض من أصل، "والأمر الثاني الحكم عليهما معا بالإعمال"5، ويلزم من هذا أن لا يتوارد الدليلان على محل التعارض من وجه واحد؛ لأنه محال مع فرض إعمالهما فيه، فإنما يتواردان من وجهين، وإذ ذاك يرتفع التعارض البتة؛ إلا أن هذا الإعمال تارة يرد على محل التعارض كما في مسألة العبد في رأي مالك، فإنه أعمل حكم الملك له من وجه، وأهمل ذلك من وجه، وتارة يخص6 أحد الدليلين؛ فلا يتواردان على محل التعارض معًا، بل يعمل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كلامه -كما عرفت- قاصر على ما يتأتى فيه القدح في اعتبار الدليل، ولا يشمل ما إذا ترجح فقط أحد الدليلين المتعارضين بالمرجحات المشهورة مع بقاء الاعتراف بصحة الدليل المهمل، مع أن هذا النوع هو الذي عليه معظم باب التعادل والترجيح عندهم. "د".
2 هذا على رأي؛ والتحقيق ما عرفته من أنه يتأتى التعارض بين الكتاب والسنة لأنه ليس المراد به التناقض والتعارض الحقيقي، بل التعارض في الشرعيات صوري فقط، وبذلك نسخت السنة الكتاب وخصصته.. إلخ، ولا يعد كون السنة مظنونة المتن قدحًا فيها في مقابلة قطعي الكتاب الظني الدلالة؛ إلا أن يكون مراده به الدليل المقطوع به من جميع الوجوه إذا قابله ظني. "د".
3 كذا في "ط"، وفي غيره: "دليلين".
4 أي: من طريق الغلط والوهم..... إلخ، ما أشار إليه. "د".
5 راجع كتب الأصول، ففيها من هذا النوع كثير من الأمثلة. "د".(10/493)
6 أي: فيُعْمِل الدليلين، لكن يخص كل واحد منهما ببعض الجزئيات، بضم قيود أو رفع بعضها؛ كما تقدم في تحقيق المناط الخاص، وكما تقدم لنا في حديث "خير الشهود"، حيث حمل كل على محل خاص به من حق الله وحق الآدمي، وسيأتي له تمثيل في التيمم. "د". =(10/494)
ص -351-…في غيره ويهمل بالنسبة إليه لمعنى اقتضى ذلك. ويدخل تحت هذا الوجه كل ما يستثنيه المجتهد صاحب النظر في تحقيق المناط الخاص المذكور في أول كتاب الاجتهاد، وكذلك في فرض الكفاية المذكور في كتاب الأحكام1.
والصورة الثالثة: أن يقع التعارض في جهتين جزئيتين لا تدخل2 إحداهما تحت الأخرى، ولا ترجعان إلى كلية واحدة، كالمكلف لا يجد ماء ولا تيممًا؛ فهو بين أن يترك مقتضى {أَقِيمُوا الصَّلاة} [البقرة: 43] لمقتضى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] إلى آخرها، أو يعكس؛ فإن الصلاة راجعة إلى كلية من الضروريات، والطهارة راجعة إلى كلية من التحسينيات على قول3 من قال بذلك، أو معارضة {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} لقوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150] بالنسبة إلى من التبست عليه القبلة؛ فالأصل أن الجزئي راجع في الترجيح إلى أصله الكلي، فإن رجح الكلي؛ فكذلك4 جزئيه، أو لم يرجح فجزئيه مثله؛ لأن الجزئي معتبر بكليه، وقد ثبت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= قلت: تجد أمثلة كثيرة من هذا الباب في "شرح معاني الآثار" و"مشكل الآثار"، كلاهما للطحاوي.
1 قال هناك: إن فرض الجهاد كفاية يجب أن يخص بمن فيه غناء ونجدة؛ فلا إثم على من ليس كذلك إذا لم تقم به الأمة، وكذا مثل الولاية العامة.. إلخ ما قال؛ فهذا فيه تخصيص لأحد الدليلين بقيد يراعى فيه، حتى لا يتعارض دليل طلب الجهاد كفاية مع دليل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] إذا تسلط الدليلان على محل واحد. "د".
2 احتاج له لأن المراد بالجزئي النوعي، وقد حقق بهذا القيد مخالفة هذه الصورة للصورة الأولى، وحقق بقوله: "ولا ترجعان" مخالفتها للصورة الثانية. "د".(10/495)
3 أما إذا قلنا: إنها من المكملات لنفس الصلاة؛ فيقال فيها ما سيقال في القبلة، والظاهر أنه لا فرق بين القبلة والطهارة؛ فكل شرط سابق على الدخول في الصلاة ومتسصحب فيها. "د".
4 أي: فيصلي بلا وضوء ولا تيمم كما هو بعض الأقوال في مذهب مالك، وقد يقال: كيف يكون استقبال القبلة ليس من كلية الصلاة مع أنه شرط؟ إلا أن يقال: إنه شرط خارج عنها؛ =(10/496)
ص -352-…ترجيحه؛ فكذلك يترجح جزئيه.
وأيضا؛ فقد تقدم أن الجزئي خادم لكليه، وليس الكلي بموجود في الخارج إلا في الجزئي؛ فهو الحامل1 له، حتى إذا انخرم؛ فقد ينخرم الكلي؛ فهذا إذا متضمن له، فلو رجح غيره من الجزئيات غير الداخلة معه في كليه؛ للزم ترجيح ذلك الغير على الكلي، وقد فرضنا أن الكلي المفروض هو المقدم على الآخر؛ فلا بد من تقديم جزئيه كذلك، وقد انجر في هذه الصورة حكم الكليات2 الشاملة لهذه الجزئيات؛ فلا حاجة إلى الكلام فيها مع أن أحكامها مقتبسة من كتاب المقاصد من هذا الكتاب، والحمد لله.
والصورة الرابعة3: أن يقع التعارض في كليين من نوع واحد، وهذا في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= فهو مكمل، والمكمل إذا عاد بسببه إهمال المكمل ألغي. "د". وفي "ط": "فذلك".
قلت: انظر تفصيل المسألة وأدلتها مع سبب الخلاف في: "عقد الجواهر الثمينة" "1/ 81-82"، و"الذخيرة" "1/ 350-351"، و"منح الجليل" "1/ 161".
1 أي: الذي يتحقق فيه كالعرض مع المعروض. "د".
2 أي أنه وإن كان التعارض المفروض بين جزئيتين؛ إلا انه انجر معه الكلام في تعارض الكليين اللذين ليسا من نوع واحد، وحكمه قد علم من بيان حكم الجزئيين الداخلين في هذين الكليين؛ فيرجح كلي الضرويات على كل الحاجيات مثلًا، وهكذا. "د".
3 بقي أنهم ذكروا من صور التعارض ما كان بين الدليلين عموم وخصوص وجهي، كما في حديث: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"* مع حديث: "قراءة الإمام قراءة المأموم"**؛ فالأول =
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، 2/ 236-237/ رقم 756"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، 1/ 295/ رقم 394" عن عبادة بن الصامت مرفوعًا، ولفظه: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".(10/497)
** روي عن جماعة من الصحابة بألفاظ متقاربة؛ منهم: جابر، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعلي، وأبو الدرداء، وجميعها لا تخلو من مقال، وحسنه شيخنا الألباني في "الإرواء" "رقم 500" بتعدد طرقه، بينما قال ابن حجر في "الفتح" "2/ 242": "حديث ضعيف عند الحفاظ، وقد استوعب طرقه وعلله الدراقطني وغيره".(10/498)
ص -353-…ظاهره شنيع، ولكنه في التحصيل صحيح.
ووجه شناعته أن الكليات الشرعية قد مر أنها قطعية لا مدخل فيها للظن، وتعارض القطعيات محال.
وأما وجه الصحة؛ فعلى ترتيب يمكن الجمع بينهما فيه إذا كان الموضوع له اعتباران؛ فلا يكون تعارضا في الحقيقة، وكذلك الجزئيان1 إذا دخلا تحت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= يقتضى أن الفاتحة واجبة على المأموم، والثاني يقتضي أن المأموم يكفيه عنها قراءة إمامه لها، فعموم كل منهما يقابله خصوص الآخر ويعارضه، وكذا ما بين حديث: "من نام عن صلاة أو نسيها؛ فليصلها إذا ذكرها"*، وحديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها**، ولا يخفى أنهما جزئيتان كلتاهما داخلة تحت كلية الصلاة، وقد أعملوا كلًا من الدليلين على خلاف في طريق الإعمال، ويمكن إدخال ذلك في الصورة الثانية في الأمر الثاني، أما مالك؛ فقد التمس إزالة المعارضة في مسألة الفاتحة من خارج عنهما، وهو حديث جابر: قال صلى الله عليه وسلم: "من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصلِّ؛ إلا أن يكون وراء الإمام"***، وعلى كل حال؛ فقد أعملهما معًا. "د".
1 أعاده ومثل له مع دخوله في الأمر الثاني من الصورة الثانية ليرتب عليه بيان الكليين إذا تعارضا وكان لهما اعتباران؛ لأنهما مثلهما في ذلك كما قال: "وأما التعارض في الكليين على ذلك الاعتبار... إلخ. "د".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أخرجه البخاري في "صحيحه" "رقم 597"، ومسلم في "صحيحه" "رقم 684" عن أنس رضي الله عنه بنحوه.
** مضى تخريجه "2/ 516"، "وهو صحيح".
*** أخرجه الخلعي في "فوائده" "ق47/ أ" عن يحيى بن سلام عن مالك عن وهب بن كيسان عن جابر مرفوعًا، وإسناده ضعيف، يحيى بن سلام ضعفه الدراقطني، وقال الزيلعي في "نصب الراية" "1/ 10": "هذا باطل لا يصح عن مالك"، والصواب أنه موقوف على جابر؛ كما عند البيهقي" "2/ 160".(10/499)
ص -354-…كلي واحد وكان موضوعهما واحدًا؛ إلا أن له اعتبارين.
فالجزئيان أمثلتهما كثيرة، وقد مر منها1 ومن الأمثلة الميل ونحوه في تحديد طلب الماء للطهور؛ فقد يكون فيه مشقة بالنسبة إلى شخص فيباح له التيمم، ولا يشق بالنسبة إلى آخر فيمنع من التيمم؛ فقد تعارض على الميل دليلان، لكن بالنسبة إلى شخصين، وهكذا ركوب البحر2 يمنع منه بعض ويباح لبعض، والزمان واحد، لكن بالنسبة إلى ظن السلامة والغرق، وأشباه ذلك.
وأما التعارض في الكليين على ذلك الاعتبار؛ فلنذكر له مثالا عاما يقاس عليه ما سواه إن شاء الله.
وذلك أن الله تعالى وصف الدنيا بوصفين كالمتضادين3:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: كما في المسائل التي أشار إليها فيما يستثنيه المجتهد في تحقيق المناط الخاص وما ذكر معه. "د".
2 انظر تفصيل ذلك مع الأدلة في: "مصنف ابن أبي شيبة" "4/ 135 و5/ 336"، و"مصنف عبد الرزاق" "11/ 149"، و"سنن سعيد بن منصور" "2/ 185-187"، و"السنن الكبرى" "4/ 334-335" للبيهقي، و"مجمع الزوائد" "4/ 64"، و"فتح الباري" "4/ 229"، و"القرى لقاصد أم القري" "67-68"، و"تفسير القرطبي" "2/ 190 و7/ 341"، و"أحكام القرآن" "1/ 131" للجصاص، و"إتحاف السادة المتقين" "4/ 513"، وكتابنا "المروءة" "ص108 - ط الأولى"، وغيرهما كثير، وانظر ما مضى "1/ 331".(10/500)
3 وإنما كان هذان الوصفان كليين لأنهما في معنى "كل ما اشتملت عليه الحياة الدنيا مذموم"، "وكل ما اشتملت عليه الحياة الدنيا ممدوح ونافع"، وإنما لم يجعلهما متضادين حقيقة لوجود الاعتبارين المشار إليهما أيضًا؛ فإن ما ذكر من الآيات والأحاديث ليس صريحًا في الوصفين المذكورين، ولكنه يفهم منه ذلك، ولذا قال: "يقتضي"، ووسط الوجهين المذكورين في كل منهما كمقدمة ينتقل الذهن منها إلى وصف الذم، ثم بين التضاد بين الوجوه المقتضية للوصفين، وسيأتي له بعد تمام البيان أن يقول: "فالوصفان إذن متضادان". "د".(11/1)
ص -355-…وصف يقتضي ذمها وعدم الالتفات إليها وترك اعتبارها.
ووصف يقتضي مدحها والالتفات إليها وأخذ ما فيها بيد القبول؛ لأنه1 شيء عظيم مهدىً من ملك عظيم.
فالأول له وجهان:
أحدهما: أنها لا جدوى لها ولا محصول عندها، ومن ذلك قوله تعالى:
{أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} الآية2 [الحديد: 20].
فأخبر أنها مثل اللعب واللهو الذي لا يوجد في شيء ولا نفع فيه إلا مجرد الحركات والسكنات التي لا طائل تحتها ولا فائدة وراءها3.
وقوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20].
فحصر فائدتها في الغرور المذموم العاقبة.
وقوله تعالى: {وَمَا هَذِهِ4 الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64].
وقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} إلى قوله: {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران: 14].
وقال: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46].
إلى غير ذلك من الآيات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "د": "على لأنها"، والصواب حذف "على".
2 أي: إلى قوله: {وَالْأَوْلَادِ}، وأما قوله: {كَمَثَلِ غَيْثٍ}... إلخ؛ فظاهر دخوله في الوجه الثاني. "د".
3 في "ط": "طائل وراءها، ولا فائدة تحتها".
4 سقطت من "د": و"ط".(11/2)
ص -356-…وكذلك الأحاديث في هذا المعنى؛ كقوله: "لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الترمذي في "الجامع" "أبواب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل، 4/ 560/ رقم 2320"، وابن ماجه في "السنن" "كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، 2/ 1376-1377/ رقم 4110"، والحاكم في "المستدرك" "4/ 306"، وابن أبي عاصم في "الزهد" "رقم 128"، وابن عدي في "الكامل" "5/ 1956"، والعقلي في "الضعفاء الكبير" "3/ 46"، وأبو نعيم في "الحلية" "3/ 253"، والطبراني والضياء في "المختارة" -كما في "المقاصد" "346" -من طريقين ضعيفين؛ في أحدهما: عبد الحميد بن سليمان، وفي الأخرى زكريا بن منظور، وكلاهما ضعيف- عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعًا.
إلا أن الحديث صحيح بشواهده، قال الترمذي: "وفي الباب عن أبي هريرة"، وقال: "هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه".
قلت: حديث أبي هريرة أخرجه البزار في "مسنده" "4/ رقم 3693 - زوائده"، وابن أبي عاصم في "الزهد" "رقم 130"، وابن عدي في "الكامل" "6/ 2235"، والقضاعي في "الشهاب" "رقم 1440"، وفيه محمد بن عمار بن حفص المديني، وهو ضعيف.
وأخرجه ابن أبي عاصم في "الزهد" "رقم 129" من طريق آخر عن أبي هريرة، وفيه أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن، وهو ضعيف.
وفي الباب عن ابن عمر، أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" "4/ 92"، والقضاعي في "الشهاب" "رقم 1439" من طريق علي بن عيسى الماليني عن محمد بن أحمد بن أبي عون عن أبي مصعب عن مالك عن نافع به.
قال الخطيب: "هذا غريب جدًّا من حديث مالك، لا أعلم رواه غير أبي جعفر بن أبي عون عن أبي مصعب، وعنه علي بن عيسى الماليني، وكان ثقة".
وأبو جعفر ثقة؛ كما قال الخطيب "1/ 311"؛ فالسند مع غرابته صحيح.
وعن ابن عباس أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "3/ 304 و8/ 290"، وفيه الحسن بن عمارة، وهو متروك.(11/3)
وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" "620" من مرسل الحسن، وإسناده حسن، وبرقم "509" بسند فيه ضعف من طريق إسماعيل بن عياش عن عثمان بن عبد الله بن رافع أن رجالًا =(11/4)
ص -357-…وهى كثيرة جدًّا، وعلى هذا المنوال نسج الزهاد ما نقل عنهم1 من ذم الدنيا وأنها لا شيء.
والثاني: أنها كالظل الزائل والحلم المنقطع، ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ} إلى قوله: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس: 24].
وقوله: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} [غافر: 39].
وقوله: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ} الآية: [آل عمران: 196-197].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدَّثوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.. "وذكره"؛ وإسماعيل ضعيف في المدنيين، وعثمان مدني، مترجم في "الجرح والتعديل"، "3/ 1/ 156"، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وأخرجه هناد في "الزهد" "رقم 800" عن عمرو بن مرة مرسلًا و"رقم 578" ثنا عبدة عن محمد بن عمرو؛ قال: سمعت أشياخنا يذكرون عن النبي صلى الله عليه وسلم... "وذكره".
والحديث إن شاء الله تعالى صحيح بمجموع هذه الطرق.
1 جعل الغزالي شئون الحياة الدنيا ثلاثة أقسام:
الأول: ما يصحبك منها إلى الآخرة وتبقى معك ثمرته بعد الموت، وهو العلم بالله والعمل، أي العبادة الخالصة؛ فهذه هي الدنيا الممدوحة.
والثاني: المقابل له على الطرف الأقصى، وهو كل ما فيه حظ عاجل ولا ثمرة له في الآخرة؛ كالتلذذ بالمعاصي، والتنعم بالمباحات الزائدة عن الحاجة؛ حتى يعد داخلًا في جملة الرفاهية والرعونات؛ كالتنعم بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة، والأنعام، والحرث، والخدم من الغلمان والجواري، والمواشي، والقصور، ورفيع الثياب، وما إلى ذلك، فحظ العبد من هذا كله من الدنيا المذمومة.(11/5)
والقسم الثالث: متوسط بين الطرفين، وهو الحظ العاجل المعين على أعمال الآخرة؛ كقدر القوت من الطعام، وما يحتاج إليه من اللباس، وكل ما لا بد منه للإنسان في بقائه وصحته التي يتوصل بها إلى العلم والعمل. "د".(11/6)
ص -358-…وقوله: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف: 45].
وغير ذلك من الآيات المفهمة معنى الانقطاع والزوال وبذلك تصير كأن لم تكن، والأحاديث في هذا أيضًا كثيرة؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: "ما لي وللدنيا؟! ما أنا في الدنيا إلا كراكب [قال]1 تحت شجرة ثم راح وتركها"2،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زيادة ما بين المعقوفتين من الأصل، وهو من القيلولة، وفي "ماء" و"ط: "استظل".(11/7)
2 أخرجه وكيع في "الزهد" "رقم 64" -ومن طريقه ابن أبي شيبة في "المصنف" "13/ 217"، وأحمد في "المسند" "1/ 7-8، 441" و"الزهد" "8"، وابن أبي عاصم في "الزهد" "رقم 183"، وأبو يعلى في المسند" "8/ 416/ رقم 4998 و9/ 148/ رقم 5229"، وأبو الشيخ في "الأمثال" "رقم 297" و"أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" "ص295 أو 272 - ط أخرى"، وابن أبي الدنيا في "قصر الأمل" "رقم 126" وفي "ذم الدنيا" "رقم 133"، وتمام في "الفوائد" "رقم 912 أو رقم 1619 - مع ترتيبه الروض البسام" - والطيالسي في المسند" "277 أو 2/ 120 - مع منحه المعبود"، والترمذي في "الجامع" "أبواب الزهد، باب منه، 4/ 588-589/ رقم 2377"، وابن ماجه في "السنن" "كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، 2/ 1376/ رقم 4109"، والرامهرمزي في "الأمثال" "20"، ونعيم بن حماد في "زيادات زهد ابن المبارك" "رقم 195"، ويونس بن بكير في "زيادات السيرة" "ص195"، وهناد في "الزهد" "رقم 744"، وأحمد في "المسند" "1/ 391" و"الزهد" ص12"، وأبو يعلى في "المسند" "9/ 195-196/ رقم 5292"، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" "ص165"، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" "1/ 467"، والحاكم في "المستدرك" "4/ 310"، والطبراني في "الأوسط" "2/ ق297/ ب"، والأصبهاني في "الترغيب والترهيب" "رقم 1407"، والبيهقي في "دلائل النبوة" "1/ 337-338" و"الشعب" "7/ 311"، وأبو نعيم في "الحلية" "2/ 102 و4/ 234"، والقضاعي في "مسند الشهاب" "رقم 1384"، والبغوي في "شرح السنة" "14/ 235-236/ رقم 4034"، جميعهم من طريق المسعودي عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود مرفوعًا. =(11/8)
ص -359-…..........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وإسناده حسن، المسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله اختلط قبل موته، وسماع وكيع منه قديم؛ قبل الاختلاط كما قال الإمام أحمد.
وله عن ابن مسعود طريقان آخران:
الأول: أخرجه ابن أبي عاصم في "الزهد" "رقم 181"- وعنه أبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" "ص272"- الطبراني في "الكبير" "10/ 200-201/ رقم 10327"، والبيهقي في "الشعب" "7/ 311" من طريق عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي عبد الرحمن السلمي عنه به رفعه.
قال الهيثمي في "المجمع" "10/ 326": "وفيه عبيد الله بن سعيد، قائد الأعمش، وقد وثقه ابن حبان وضعفه جماعة".
قلت: وفيه أيضًا حبيب، وهو مدلس وقد عنعن؛ فإسناده ضعيف.
والآخر: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 332"، وابن حبان في "المجروحين" "1/ 238"، وأبو نعيم في "الحلية" "4/ 234" من طريق الحسن بن الحسين العرني عن جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عنه رفعه.
وإسناده ضعيف أيضًا، الحسن بن الحسين العرني يروي المقلوبات؛ كما قال ابن حبان، وقال أبو حاتم: "لم يكن بصدوق عندهم"، وقال ابن عدي: "لا يشبه حديثه حديث الثقات"، قال أبو نعيم عقبه: "وهو غريب"، وقال ابن حبان: "هذا خبر ما رواه عن إبراهيم إلا المسعودي؛ فإنه روي عن عمرو مرة عن إبراهيم، والمسعودي لا تقوم الحجة بروايته".
قلت: ولحديث ابن مسعود شاهدان يصح بأحدهما، هما:(11/9)
الأول: حديث ابن عباس، أخرجه أحمد في "المسند" "1/ 301" و"الزهد" "ص13"، وعبد بن حميد في "المنتخب" "رقم 599"، وابن أبي الدنيا في "ذم الدنيا" "رقم 134" و"قصر الأمل" "رقم 127"- ومن طريقه البيهقي في "الشعب" "7/ 312"- وابن أبي عاصم في "الزهد" "رقم 182"وأبو الشيخ في "الأمثال" "رقم 298"، وابن حبان في "الصحيح" "رقم 2526 - موارد، و14/ 265/ رقم 6352 - الإحسان"، ,الطبراني في "الكبير" "11/ 327/ رقم 11898"، والحاكم في "المستدرك" "4/ 310"، وأبو نعيم في "الحلية" "3/ 343"، والخطيب في "الموضع" "2/ 366-367"، كلهم من طريق هلال بن خباب عن عكرمة عنه مرفوعًا. =(11/10)
ص -360-…وهو حادي1 الزهاد إلى الدار الباقية.
وأما الثاني من الوصفين؛ فله وجهان أيضًا:
أحدهما: ما فيها من الدلالة على وجود الصانع ووحدانيته وصفاته العلى، وعلى الدار الآخرة؛ كقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} إلى {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: 6-11].
وقوله: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا} الآية [النمل: 61].
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} الآية [إلى قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}] [الحج: 5-7].
وقوله: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّه} [إلى قوله: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}] [المؤمنون: 84-91].
إلى غير ذلك من الآيات التي هي دلائل على العقائد وبراهين على التوحيد.
والثاني: أنها مننٌ ونعم امتن الله بها على عباده، وتعرف إليهم بها في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وإسناده قوي في الشواهد، هلال ثقة؛ إلا أنه تغير كما قال الثوري ويحيى القطان، وهما أعلم بشيخهما من ابن معين عندما قال: "لا ما اختلط ولا تغير"، والمثبِت مقدم على النافي، قال الهيثمي في "المجمع" "10/ 326": "رجال أحمد رجال الصحيح؛ غير هلال بن خباب، وهو ثقة".
والآخر: حديث عائشة، أخرجه أبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" "ص268"، وإسناده واهٍ، فيه الوازع بن نافع، متروك، له ترجمته في اللسان" "6/ 213"، والخلاصة الحديث صحيح بمجموع هذه الطرق.
1 في "ماء": "حال".(11/11)
ص -361-…أثناء ذلك، واعتبرها ودعا إليها بنصبها لهم1 وبثها فيهم؛ كقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} إلى قوله: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}2 [إبراهيم: 32-34].
وقوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ]} الآية [البقرة: 22].
وقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ} إلى قوله: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 10-18].
وفيها: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} الآية [النحل: 81].
وفي أول السورة: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5].
ثم قال: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} ثم قال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة} [النحل: 6-8].
فامتن تعالى ههنا وعرف بنعم من جملتها الجمال والزينة، وهو الذى ذم به الدنيا في قوله: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ} [الحديد: 20].
إلى غير ذلك، بل حين عرف بنعيم الآخرة امتن بأمثاله في الدنيا؛ كقوله: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 28-30].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: وبمثل قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ} [النحل: 14]. "د".
2 في سورة إبراهيم. "د".(11/12)
ص -362-…وهو قوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا} [النحل: 81].
وقال: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25].
وقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72].
وهو كثير؛ حتى إنه قال في الجنة: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: 15] إلى آخر أنواع الأنهار الأربعة.
وقال: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} إلى أن قال: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} إلى قوله: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 65-69].
وهو كثير أيضا؛ [وأيضًا] فأنزل الأحكام وشرع الحلال والحرام تخليصًا لهذه النعم التي خلقها لنا من شوائب الكدرات الدنيويات والأخرويات1.
وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة} [النحل: 97] يعني في الدنيا1 {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم} [النحل: 97] يعني في الآخرة.
وقال حين امتن بالنعم: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} [الأنعام: 99].
{كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ: 15].
وقال في بعضها: {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [النحل: 14].
فعد طلب الدنيا فضلا, كما عد حب الإيمان وبغض الكفر فضلًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "الكدرات الدنيوية والأخروية".
2 هو رأي بعض المفسرين، وأولى ماقيل بناء على هذا التفسير أنها الحياة التي تصحبها القناعة، لأنه لا يطيب عيش في الدنيا لغير القانع، وذلك مشاهد معروف، وقيل: حياة طيبة يعنى في الجنة؛ لأنها حياة بلا موت، وغنى بلا فقر، وصحة بلا سقم، وملك بلا هلك، وسعادة بلا شقاوة. "د".(11/13)
ص -363-…والدلائل أكثر من الاستقصاء.
فاقتضى الوصف الأول المضادة للثاني؛ فالوجه الأول من الوصف الأول يضاد هذا الوجه الأخير من الوصف الثاني، وهو ظاهر؛ لأن عدم اعتبارها وأنها مجرد لعب لا محصول له مضاد لكونها نعما وفضلا، والوجه الثاني من الوصف الأول مضاد للأول من الوصف الثاني؛ لأن كونها زائلة وظلا يتقلص عما قريب مضاد لكونها براهين على وجود الباري ووحدانيته واتصافه بصفات الكمال، وعلى أن الآخرة حق؛ فهي مرآة يرى فيها الحق، في كل ما هو حق، وهذا لا تنفصل الدنيا فيه من الآخرة، بل هو في الدنيا لا يفنى؛ لأنها إذا كانت موضوعة لأمر وهو العلم الذى تعطيه؛ فذلك الأمر موجود فيها تحقيقه وهو لا يفنى، وإن فني منها ما يظهر للحس، وذلك المعنى ينتقل إلى1 الآخرة؛ فتكون هنالك نعيما
فالحاصل أن ما بث فيها من النعم التي وضعت2 عنوانا عليه -كجعل اللفظ دليلا على المعنى- [فالمعنى]3 باق وإن فني العنوان، وذلك ضد كونها منقضية بإطلاق؛ فالوصفان إذن متضادان، والشريعة منزهة عن التضاد، مبرأة عن الاختلاف؛ فلزم4 من ذلك أن5 توارد الوصفين على جهتين مختلفتين، أو حالتين متنافيتين، بيانه أن لها نظرين:
أحدهما: نظر مجرد من الحكمة التي وضعت لها الدنيا من كونها متعرفا للحق، ومستحقا لشكر الواضع لها، بل إنما يعتبر فيها كونها عيشا ومقتنصا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كما سبق آنفًا في كلام الغزالي في القسم الأول. "د".
2 أي: هذه النعم وضعت عنوانًا على العلم الذي تعطيه، وهو العقائد المتعلقة بوحدانية الله وصفاته العلى، وتمجيده وتقديسه. "د". وفي "ط": "بث فيها من العلم".
3 زيادة في الأصل.
4 في "ط": "فيلزم".
5 أي: فوجب بسبب هذا التعارض أن يحمل كل من الدليلين على حال واعتبار غير ما يحمل عليه الآخر. "د".(11/14)
ص -364-…للذات، ومآلا للشهوات، انتظاما في سلك البهائم؛ فظاهر أنها من هذه الجهة قشر بلا لب، ولعب بلا جد، وباطل بلا حق؛ لأن صاحب هذا النظر لم ينل منها إلا مأكولا ومشروبا، وملبوسا ومنكوحا ومركوبا، من غير زائد، ثم يزول عن قريب؛ فلا يبقى منه شيء؛ فذلك كأضغاث الأحلام، فكل ما وصفته الشريعة فيها على هذا الوجه حق، وهو نظر الكفار الذين لم يبصروا منها إلا ما قال تعالى من أنها لعب ولهو وزينة وغير ذلك مما وصفها به، ولذلك صارت أعمالهم {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور: 39].
وفى الآية الأخرى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].
والثاني: نظر غير مجرد من الحكمة التي وضعت لها الدنيا؛ فظاهر أنها ملأى من المعارف والحكم، مبثوث فيها من كل شيء خطير مما لا يقدر على تأدية شكر بعضه؛ فإذا نظر إليها العاقل وجد كل [شيء فيها نعمة]1 يجب شكرها، فانتدب إلى ذلك حسب قدرته وتهيئته، وصار ذلك القشر محشوا لبا، بل صار القشر نفسه لبا؛ لأن الجميع نعم طالبة للعبد أن ينالها فيشكر لله بها وعليها، والبرهان2 مشتمل على النتيجة بالقوة أو بالفعل؛ فلا دق ولا جل في هذه الوجوه إلا والعقل عاجز عن بلوغ أدنى ما فيه من الحكم والنعم، ومن ههنا أخبر تعالى عن الدنيا بأنها جد وأنها حق؛ كقوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115].
وقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} [ص: 27].
وقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِين، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَق} [الدخان: 38].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في "ط" فقط، وبدلها في سائر النسخ: "نعمة فيها".
2 تشبيه للتقريب. "د".(11/15)
ص -365-…{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الروم: 8].
إلى غير ذلك.
ولأجل هذا صارت أعمال أهل [هذا]1 النظر معتبرة مثبتة؛ حتى قيل: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون} [التين: 6].
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة} [النحل: 97]3.
فالدنيا من جهة النظر الأول مذمومة، وليست بمذمومة من جهة النظر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من "ط" فقط، وكتب "د": "لعل الأصل: "أهل هذا النظر"، وفي "ط" بعدها "معتبرة منبنية".
2 أي: غير مقطوع، كما أن أعمالهم غير مقطوعة ولا فانية، ويظهر أن غرضه أن أجرهم في الآخرة غير مقطوع عن عملهم في الدنيا، بل متصل به حتى يظهر ارتباط الكلام في سياق الاستدلال. "د".
3 إذا اقتصر على ما ذكره في الآية، وكان المراد الحياة في الدنيا كما سبق له في معناها؛ فلا يظهر وجه ارتباطه بما يستدل عليه من استقرار الأعمال الصالحة واتصالها بالآخرة، وإن كان المراد الحياة في الآخرة كما هو رأي بعض المفسرين صح؛ وعلى الأول كان المناسب إثبات بقية الآية: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} إلخ. "د".(11/16)
قلت: قال ابن عطية في "المحرر الوجيز" "3/ 419" معلقًا على قول الحسن البصري: "هي حياة الآخرة ونعيم الجنة"، قال: "وهناك هو الطبيب على الإطلاق، ولكن ظاهر هذا الوعد أنه في الدنيا، والذي أقول: "إن طيب الحياة اللازم للصالحين إنما هو بنشاط نفوسهم، ونيلها وقوة رجائهم، والرجاء للنفس أمر ملذٌّ؛ فبهذا تطيب حياتهم، وأنهم احتقروا الدنيا، فزالت همومهم عنهم؛ فإن انضاف إلى هذا مال حلال وصحة أو قناعة؛ فذلك كمال، وإلا؛ فالطيب فيما ذكرنا راتب"، وقال الزمخشري في الكشاف" "2/ 343": {حَيَاةً طَيِّبَة} يعني في الدنيا، وهو الظاهر لقوله: {وَلَنَجْزِيَنَّهُم}، وعده الله ثواب الدنيا والآخرة". وانظر: "تفسير ابن كثير" "2/ 607".(11/17)
ص -366-…الثاني، بل هي محمودة؛ فذمها بإطلاق لا يستقيم، كما أن مدحها بإطلاق لا يستقيم، والأخذ لها من الجهة الأولى مذموم يسمى أخذه رغبة في الدنيا وحبا في العاجلة، وضده هو الزهد فيها، وهو تركها من تلك الجهة، ولا شك أن تركها من تلك الجهة مطلوب، والأخذ لها من الجهة الثانية غير مذموم، ولا يسمى أخذه رغبة فيها، ولا الزهد فيها من هذه الجهة محمود، بل يسمى سفها وكسلا وتبذيرا.
ومن هنا وجب الحجر على صاحب هذه الحالة1 شرعا، ولأجله كان الصحابة طالبين لها، مشتغلين بها، عاملين فيها؛ لأنها من هذه الجهة عون على شكر الله عليها، وعلى اتخاذها مركبا للآخرة، وهم كانوا أزهد الناس فيها، وأورع الناس في كسبها؛ فربما سمع أخبارهم في طلبها من يتوهم أنهم طالبون لها من الجهة الأولى لجهله بهذا الاعتبار، وحاش لله من ذلك، إنما طلبوها من الجهة الثانية؛ فصار طلبهم لها من جملة عباداتهم، كما أنهم تركوا طلبها من الجهة الأولى؛ فكان ذلك أيضا من جملة عباداتهم، رضى الله عنهم، وألحقنا بهم، وحشرنا معهم، ووفقنا لما وفقهم له بمنه وكرمه.
فتأمل هذا الفصل؛ فإن فيه رفع شُبَهٍ كثيرة تَرِدُ على الناظر في الشريعة وفى أحوال أهلها، وفيه رفع مغالط تعترض للسالكين لطريق الآخرة؛ فيفهمون الزهد وترك الدنيا على غير وجهه؛ كما يفهمون طلبها على غير وجهه؛ فيمدحون ما لا يمدح شرعا، ويذمون ما لا يذم شرعا.
وفيه أيضا من الفوائد فصل القضية بين المختلفين في مسألة الفقر والغنى، وأن ليس الفقر أفضل من الغنى بإطلاق، ولا الغنى أفضل بإطلاق، بل الأمر في ذلك يتفصل؛ فإن الغنى إذا أمال إلى إيثار العاجلة كان بالنسبة إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: حالة التبذير بوضعها في غير موضعها. "د".(11/18)
ص -367-…صاحبه مذموما، وكان الفقر أفضل منه، وإن أمال إلى إيثار الآجلة؛ فإنفاقه1 في وجهه، والاستعانة به على التزود للمعاد؛ فهو أفضل من الفقر2، والله الموفق بفضله.
فصل:
واعلم أن أكثر أحكام هذا النظر مذكور في أثناء3 الكتاب؛ فلذلك اختصر القول فيه.
وأيضًا؛ فإن ثم أحكاما أخر تتعلق به، قلما يذكرها الأصوليون، ولكنها بالنسبة إلى أصول هذا الكتاب كالفروع؛ فلم نتعرض لها؛ لأن المضطلع بها يدرك الحكم فيها بأيسر النظر، والله المستعان، وإنما ذكر هنا ما هو كالضابط الحاصر، والأصل العتيد، لمن تشوف إلى ضوابط التعارض والترجيح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في "ط"، وفي غيره: "فإنفاقه"، وكتب "د": "لعله: بإنفاقه".
2 انظر في المفاضلة بين الفقر والغنى": "تفسير القرطبي" "3/ 329 و5/ 343 و14/ 306 و15/ 216 و19/ 213"، و"عدة الصابرين" "ص193-195، 284، 203-204، 208-209، 217، 313-314، 317-322"، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "11/ 21، 69، 119-121، 195 و14/ 305-306"، ورسالة محمد البيركلي "ت981هـ" "المفاضلة بين الغني الشاكر والفقير الصابر"، وهي مطبوعة عن دار ابن حزم -بيروت، سنة 1414هـ، في "64" صفحة، وما مضى "1/ 187-188" مع التعليق.
3 ولذا تراه اتبع فيه طريقة الإحالة على ما سبق خمس مرات، يعين في كل منها الموضوع
المحال عليه مما يؤخذ منه حكم المسألة التي هو بصدد بيانها. "د".(11/19)
ص -369-…النظر الثاني: في أحكام السؤال والجواب وهو علم الجدل:
وقد صنف الناس فيه من متقدم ومتأخر1، والذي يليق منه بغرض هذا الكتاب فرض مسائل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من أشهر الكتب المطبوعة في هذا الباب: "الكافية في الجدل" للجويني، و"كتاب الجدل على طريقة الفقهاء" لابن عقيل الحنبلي، و"المنهاج في ترتيب الحجاج" للباجي، و"المعونة في الجدل" للشيرازي، و"علم الجذل على علم الجدل" للطوفي.
وانظر: "كشف الظنون" "1/ 579"، و"مفتاح دار السعادة" "1/ 304 و2/ 599"، و"مقدمة ابن خلدون" ص457".(11/20)
ص -371-…المسألة الأولى:
إن السؤال إما أن يقع من عالم أو غير عالم، وأعني بالعالم المجتهد، وغير العالم المقلد، وعلى كلا التقديرين؛ إما أن يكون المسئول عالما أو غير عالم؛ فهذه أربعة أقسام:
الأول: سؤال العالم [للعالم]1، وذلك في المشروع2 يقع على وجوه؛ كتحقيق ما حصل، أو رفع إشكال عن له، وتذكر ما خشي عليه النسيان، أو تنبيه المسئول3 على خطأ يورده مورد الاستفادة، أو نيابة منه عن الحاضرين من المتعلمين، أو تحصيل ما عسى أن يكون فاته من العلم4.
والثاني: سؤال المتعلم لمثله؛ وذلك أيضا يكون على وجوه كمذاكرته له بما سمع، أو طلبه منه ما لم يسمع مما سمعه المسئول، أو تمرنه معه في المسائل قبل لقاء العالم، أو التهدي بعقله إلى فهم ما ألقاه العالم.
والثالث: سؤال العالم للمتعلم، وهو على وجوه كذلك؛ كتنبيهه على موضع إشكال يطلب رفعه، أو اختبار عقله أين بلغ، والاستعانة بفهمه إن كان لفهمه فضل، أو تنبيهه5 على ما علم؛ ليستدل به على ما لم يعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين المعقوفتين سقط من "د".
2 أي: وأما غير المشروع: فهو أن يسأله عن حكم حادثة نزلت به مثلًا مما يجب عليه أن يرجع فيه إلى اجتهاد نفسه؛ بحيث لا يجوز له أن يقلد مجتهدًا آخر، والوجوه الستة التي ذكرها خارجة عن موضوع التقليد الممنوع. "د".
3 في "ط": "للمسئول".
4 أي: مما لم يكن عن اجتهاد، بل كتلقي حديث أو بحث في رواية وما أشبه ذلك. "د".
5 وهذه الكلمة القصيرة تضمنت أهم أركان فن التربية العملية المسمى بالبيداجوجيا، وهو بناء المعلم تعليم تلميذه شيئًا جديدًا على ما تعلمه قبل؛ فقد كان نتيجة لمقدمات، ثم يصير بعد علمه به مقدمة لمسألة جديدة، وهكذا. "د".(11/21)
ص -372-…والرابع: وهو الأصل الأول: سؤال المتعلم للعالم، وهو يرجع إلى طلب علم1 ما لم يعلم.
فأما الأول والثاني والثالث؛ فالجواب عنه مستحق2 إن علم، ما لم يمنع من ذلك عارض3 معتبر شرعا، وإلا؛ فالاعتراف بالعجز.
وأما الرابع؛ فليس الجواب [عنه] بمستحق بإطلاق، بل فيه تفصيل؛ فيلزم الجواب إذا كان عالما بما سئل عنه متعينا4 عليه في نازلة واقعة5 أو في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ويشترك معه فيه بعض وجوه القسم الأول والثاني. "د".
2 عبر بذلك دون مطلوب شرعا؛ لأنه قد لا يكون كذلك؛ كما يعلم من مراجعة التفاصيل التي ذكرها لهذه الأقسام الثلاثة، أما قوله في الرابع: "فليس بمستحق"؛ فإنه أراد به لازمًا شرعًا كما يقتضيه قوله: "فيلزم الجواب... إلخ". "د".
3 أي: كما أشار إليه بعد بقوله: "وقد لا يجوز" وكما يأتي تفصيله في الفصل الآتي. "د".
4 قالوا: إن للمفتي رد الفتوى إذا كان في البلد غيره أهلًا لها شرعًا، خلافًا للحليمي. "د".
قلت: انظر في ذلك: "البحر الرائق" "6/ 260"، و"المجموع" "1/ 45" للنووي، و"منتهى الإرادات" "4/ 57 - بذيل كشاف القناع"، و"مباحث في أحكام الفتوى" "ص40"، و"الفتيا ومناهج الإفتاء" "ص24". "د".
5 لأن الأجتهاد إنما يباح عند الضرورة، كذا قال البيهقي، ثم روى عن معاذ: "أيها الناس! لا تعجلوا بالبلاء قبل وقوعه". "د".
قلت: أخرج أثر معاذ الدارمي في "السنن" "1/ 56"، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" "رقم 296"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" "2/ 12"، وابن بطة في "الإبانة" "رقم 293"، وإسحاق في "مسنده"؛ كما في "المطالب العالية" "3009"، وقال ابن حجر فيه: "إسناده حسن".
قلت: وفيه جهالة أصحاب طاوس.(11/22)
ص -373-…أمر فيه نص1 شرعي بالنسبة إلى المتعلم، لا مطلقا، ويكون السائل ممن يحتمل عقله الجواب، ولا يؤدي السؤال إلى تعمق ولا تكلف، وهو مما يبنى عليه عمل شرعي، وأشباه ذلك، وقد لا يلزم الجواب في مواضع، كما إذا لم يتعين عليه، أو المسألة اجتهادية2 لا نص فيها للشارع، وقد لا يجوز، كما إذا لم يحتمل3 عقله الجواب، أو كان فيه تعمق، أو أكثر من السؤالات التي هي من جنس الأغاليط، وفيه4 نوع اعتراض، ولا بد من ذكر جملة يتبين بها هذا المعنى بحول الله في أثناء المسائل الآتية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: وإن لم يقع بالفعل. "د".
2 ينظر: هل يجب عليه بذل الوسع عند استيفاء الشروط المذكورة وإن لم يصل كما كان مالك يفعل؟ وهو المنقول عن أبي الخطاب وابن عقيل وغيرهما؛ فيحمل عليه كلامه بأن الذي لا يلزمه إنما هو جواب المسألة؛ لأنه قد لا يصل إليه اجتهاده. "د".
قلت: سئل سحنون "المتوفى 240هـ" رحمه الله، أيسع العالم أن يقول: "لا أدري" فيما يدري؟ قال: "أما ما فيه كتاب أو سنة ثابتة، فلا، وأما ما كان من هذا الرأي؛ فإنه يسعه ذلك؛ لأنه لا يدري أمصيب هو أم مخطئ". ذكره الذهبي في "السير" "12/ 65".
3 قال ابن عقيل: "في هذا تحرم الإجابة، ولعله المراد بقول ابن الجوزي: لا ينبغي" ا. هـ. "شرح التحرير"، وسيأتي أن بعض الأسئلة يشتد فيه النهي، وبعضها يخفف، والإجابة بحسبه، كما يأتي أيضًا أن السؤال المتضمن للاعتراض ومعارضة الكتاب والسنة بالرأي مستقل بسببية النهي بقطع النظر عن كونه من الأغاليط، وعليه؛ فقوله: "وفيه نوع اعتراض" ليس قيدًا لما قبله؛ فحقه "أو" كالسببين قبله. "د".
4 كذا في "ط"، وفي غيره: "وفيه".(11/23)
ص -374-…المسألة الثانية:
الإكثار من الأسئلة مذموم، والدليل عليه النقل المستفيض من الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح؛ من ذلك قوله تعالى: {يا أيها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ1 إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية: [المائدة: 101].
وفى الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قرأ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} الآية [آل عمران: 97]. فقال رجل: يا رسول الله! أكُلَّ عام؟ فأعرض ثم قال: يا رسول الله! أكل عام "ثلاثا"؟ وفى كل ذلك يعرض، وقال في الرابعة: "والذى نفسي بيده؛ لو قلتُها لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، ولو لم تقوموا بها لكفرتم؛ فذروني ما تركتكم"2.
وفى مثل هذا3 نزلت: {لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاء} الآية [المائدة: 101].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 والمراد بالأشياء ما لاخير لهم فيه من التكاليف الشاقة عليهم، والأسرار الخفية التي قد يُفتضحون بها، وكل يسوء؛ أما الثاني؛ فظاهر؛ أما الأول؛ فلأن السؤال عما لم كلفوا به ربما كان سببًا في التكليف؛ عقوبة لخروجهم عن الأدب، وتركهم بما يليق بهم من التسليم لله من غير تعرض للكميات والكيفيات؛ كما يشير إليه حديث الحج، وإن لم يقع هذا النوع من العقوبة من هذه الشريعة السمحة، وإذا كان كذلك؛ ظهر أن الاستدلال بالآية فيه قصور عن المدعى؛ لأنه إنما يظهر ذلك في مدة الوحي، والمدعى أوسع من هذا. "د".
قلت: قال ابن العربي في "أحكام القرآن" "2/ 700" في "المسألة السادسة" من المسائل تحت الآية المذكورة: "اعتقد قوم من الغافلين تحريم أسئلة النوازل حتى تقع؛ تعلقًا بهذه الآية، وهو جهل؛ لأن هذه الآية قد صرحت بأن السؤال المنهي عنه إنما كان فيما تقع المساءة في جوابه، ولا مساءة في جواب نوازل الوقت".(11/24)
2 مضى تخريجه "1/ 256"، والرجل هو الأقرع بن حابس كما صرح به النسائي "5/ 83"، والدارقطني "2/ 279"، وابن ماجه "رقم 1886"، وانظر: "تنبيه المعلم" "رقم 512" وتعليقنا عليه.
3 قيل: نزلت لهذا السبب نفسه، وهو السؤال عن فرضية الحج في كل عام، وقالوا: إنه =(11/25)
ص -375-…وكره عليه الصلاة والسلام المسائل وعابها، ونهى عن كثرة السؤال، وكان عليه الصلاة والسلام يكره السؤال فيما لم ينزل1 فيه حكم، وقال:
"إن الله فرض فرائض؛ فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء؛ فلا تنتهكوها، وحد حدودا؛ فلا تعتدوها، وعفا عن أشياء رحمة بكم؛ لا عن نسيان؛ فلا تبحثوا عنها"2.
وقال ابن عباس: "ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة3 مسألة حتى قبض صلى الله عليه وسلم، كلهن في القرآن: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيض} [البقرة: 222].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الأقرب، وقيل: نزلت حيثما ألحفوا في السؤال وهو يخطب عليه السلام على المنبر؛ حتى غضب، وقال: "من أحب أن يَسأل عن شيء فليسأل..." إلى آخر الحديث الآتي، ولذلك قال: "وفي مثله"، أي: "وهو الإلحاف في السؤال، سواء أكان في خصوص مادة الحديث السابق أم في غيرها. "د".
قلت: مضى تخريج سبب نزول الآية في "1/ 45، 258"؛ فانظره هناك.
1 هذا أيضًا مما يقتضي تقييد ذم كثرة السؤال، ومثله ما يأتي عن الربيع، وسيأتي قيد آخر في كلام ابن عمر، ولذلك عُقد الفصل بعدُ، وبه تتبين القيود التي يلزم أن تراعى في أصل المسألة. "د".
2 مضى تخريجه "1/ 253".
3 ينظر في توجيه العدد مع أن المتتبع لأسئلتهم يجد ما فوق المئات، وتوجيهه بأن المراد أن ما ذكر في القرآن من هذا العدد فقط لا يفيد المؤلف في غرضه. "د".
قلت: التوجيه المذكور نص عليه في الأثر، وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" "1/ 77": "قلت: ومراد ابن عباس بقوله: "ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة": المسائل التي حكاها الله في القرآن عنهم: وإلا؛ فالمسائل التي سألوه عنها وبين لهم أحكامها بالسنة لا تكاد تحصى"، وذكر في آخر "الجزء الرابع، ص266-414"، جملة كثيرة من أسئلة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وفتاواه فيها.(11/26)
بقي تحرير عدد الأسئلة التي في القرآن، تتابعت مصادر التخريج على إيراد الأثر بلفظ: "ثلاث عشر مسألة"، وعند البزار: "عن اثنتي عشرة مسألة"، كلها في "القرآن"، قال السيوطي في "الإتقان" "2/ 315" عقبه: "وأورده الإمام الرازي بلفظ: "أربعة عشر حرفًا"، ثم ذكرها عنها =(11/27)
ص -376-…{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [البقرة: 220].
{يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَام} [البقرة: 217].
ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم"1.
يعني أن هذا كان الغالب2 عليهم.
وفى الحديث: "إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم عليه؛ فحرم عليهم من أجل مسألته"3.
وقال: "ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= تعدادًا، ثم بيَّن أن اثنين منها -وهما السؤال عن الروح، والسؤال عن ذي القرنين- سألهما غير الصحابة، ثم قال: "فالخالص اثنا عشر؛ كما صحت به الرواية".
قلت: رواية الطبراني فيها ستة من الأسئلة، وبعضها ليس في القرآن.
1 أخرجه الدرامي في "السنن" "1/ 51"، والطبراني في "الكبير" "11/ 454/ رقم 12288"، وابن بطة في "الإبانة" "رقم 296" "رقم 296" من طريق محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به، بألفاظ متقاربة.
وقال ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1062/ رقم 2053": "وروى جرير بن عبد الحميد ومحمد بن فضيل عن عطاء... "وذكره".
قلت: وجرير، وابن فضيل ممن رويا عن عطاء بعد الاختلاط؛ فالإسناد ضعيف؛ قال الهيثمي في "المجمع" "1/ 159": "فيه عطاء بن السائب، وهو ثقة، ولكنه اختلط، وبقية رجاله ثقات"، وحكمه هذا أدق من قول ابن مفلح في "الآداب الشرعية" "2/ 77": "إسناده حسن"؛ إلا أنه فاته العزو للبزار، وهو عنده باللفظ الذي أوردناه آنفًا؛ كما أفاده السيوطي في "الإتقان" "في النوع الثاني والأربعين 2/ 315"، وصححه.
2 فلا ينافي سؤال بعضهم: "ما بال الهلال... إلخ؟"، وسؤال حذافة: "من أبي؟". "د".
قلت: تخريجها -على الترتيب- "3/ 149-150، 1/ 45".
3 مضى تخريجه "1/ 48/ 256"، وفي "ط": @"لم يحرم عليهم".(11/28)
ص -377-…على أنبيائهم"1.
وقام يوما وهو يعرف في وجهه الغضب؛ فذكر الساعة وذكر قبلها أمورا عظاما، ثم قال: "من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه؛ فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا". قال: فأكثر الناس من البكاء حين سمعوا ذلك، وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: "سَلُوني". فقام عبد الله ابن حذافة السهمي؛ فقال: من أبي؟ فقال: "أبوك حذافة". فلما أكثر أن يقول: "سَلُوني"؛ برك عمر بن الخطاب على ركبتيه فقال: يا رسول الله! رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبينا. قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك، وقال أولًا: "والذي نفسي بيده؛ لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أُصلي؛ فلم أر كاليوم في الخير والشر"2!!.
وظاهر هذا المساق يقتضي أنه إنما قال: "سلوني" في معرض الغضب، تنكيلا بهم في السؤال حتى يروا عاقبة ذلك؛ ولأجل ذلك3 ورد في الآية قوله: {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُم} [المائدة: 101].
ومثل ذلك قصة أصحاب البقرة؛ فقد روي عن ابن عباس أنه قال: "لو ذبحوا بقرة ما أجزأتهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم حتى ذبحوها وما كادوا يفعلون"4.
وقال الربيع بن خثيم5: "يا عبد الله! ما علمك الله في كتابه من علم؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "1/ 256".
2 مضى تخريجه "1/ 45، 258"، وهو في "الصحيحين".
3 أي: بناء على أن الآية نزلت في تلك القصة. "د".
4 مضى تخريجه "1/ 49".
5 كذا في الأصل و"ط"، وهو الصواب، وفي النسخ المطبوعة: "خيثم" بتقديم التحتية على الثاء المثلث, وهو خطأ.(11/29)
ص -378-…فاحمد الله، وما استأثر عليك به من علم؛ فكِلْهُ إلى عالمه ولا تتكلف؛ فإن الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]1 إلخ.
وعن ابن عمر؛ قال: "لا تسألوا عما لم يكن؛ فإني سمعت عمر يلعن من سأل عما لم يكن"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو ذر الهروي في "ذم الكلام" "ص138"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1044/ رقم 2011" من طرق عنه بألفاظ متقاربة، وهو حسن.
2 أخرجه الدارمي في "السنن" "1/ 47" من طريق حماد بن زيد عن أبيه؛ قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن شيء لا أدري ما هو؛ فقال له ابن عمر... "وذكره".
ورجاله ثقات؛ إلا أنه ضعيف؛ زيد بن درهم والد حماد لم يلق ابن عمر؛ فهو منقطع.
وأخرجه ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 1054-1055/ رقم 2036" من طريق شريك عن ليث "وهو ابن أبي سليم" عن طاوس عن ابن عمر مثله.
وإسناده ضعيف أيضًا.
وأخرجه الدارمي في "السنن" "1/ 47" -ومن طريقه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" "رقم 293"- وابن بطة في "الإبانة" "317"، وابن عبد البر في "الجامع" "2051، 2052" من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن طاوس؛ قال: قال عمر وهو على المنبر: "أحرّج بالله على كل امرئ مسلم سأل عن شيء لم يكن؛ فإن الله قد بين ما هو كائن".
ورجاله ثقات؛ إلا أنه ضعيف لانقطاعه، فإن طاوس لم يلقَ عمر.
وأخرجه أبو خيثمة في "العلم" "رقم 125"، وابن عبد البر في "الجامع" "رقم 2056" من طريق حبيب بن الشهيد، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" "رقم 292" من طريق سفيان، كلاهما: ابن طاوس عن طاوس؛ قال: قال عمر: "لا يحل أن تسألوا عما لم يكن...".
وإسناده منقطع كالذي قبله.(11/30)
وأخرجه الخطيب في "الفقيه والمتفقه" "712" من طريق يعلى بن عبيد، عن أبي سنان، عن عمرو بن مرة؛ قال: خرج عمر على الناس؛ فقال: "أحرج عليكم أن تسألونا عما لم يكن...".
وإسناده ثقات؛ إلا أنه منطقع أيضًا، عمرو بن مرة لم يلقَ عمر. =(11/31)
ص -379-…وفي الحديث؛ أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الأغلوطات"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= والأثر بمجموع هذه الطرق يدل على أن له أصلًا.
وهناك شواهد كثيرة عن السلف تدل على كراهيتهم السؤال عن الحوادث قبل وقوعها، تراها في مقدمة "سنن الدارمي" "باب كراهة الفتيا"، "الفقيه والمتفقه" "2/ 7، باب القول في السؤال عن الحادثة والكلام فيها قبل وقوعها"، و"جامع بيان العلم" "2/ 1037 وما بعده -ط ابن الجوزي، باب ما جاء في ذم القول في دين الله تعالى وبالرأي والظن والقياس على غير أصل، وعيب الإكثار من المسائل دون اعتبار"، و"المدخل إلى السنن الكبرى" "للبيهقي "ص218 ومما بعدها، باب من كره المسألة عما لم يكن ولم ينزل به وحي"، و"الآداب الشرعية" "2/ 76-79" لابن مفلح.
وانظر في الكلام على هذا المسلك في الفقه وتأريخه والمقدار المحمود منه في "أحكام القرآن" لابن العربي "2/ 700"، و"أحكام القرآن" للجصاص "2/ 483، و"جامع العلوم والحكم" "شرح الحديث التاسع 1/ 243"، و"الفقيه والمتفقه" "2/ 9-12"، و"إعلام الموقعين" "4/ 221"، الفائدة 38 في آخر الكتاب"، و"الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي" "2/ 117-122"، و"منهج السلف في السؤال عن العلم وفي تعلم ما يقع وما لم يقع".(11/32)
1 أخرجه أبو داود في "السنن" "كتاب العلم، باب التوقف في الفتيا 3/ 321/ رقم 3656"، وأحمد في "المسند" "5/ 435"، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" "1/ 305"، والطبراني في "الكبير" "19/ 380/ رقم 982"، والآجري في "أخلاق العلماء" "183"، وتمام في "الفوائد" "رقم 114، 115، 116 - مع ترتيبه الروض البسام"، وابن بطة في "الإبانة" "300، 302"، والدارقطني في "الأفراد" "ق246/ أ – ب - مع أطراف الغرائب"، والخطابي في "غريب الحديث" "1/ 354"، والهروي في "ذم الكلام" "ص135"، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" "رقم 303، 305"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" "2/ 10-11"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1055-1056/ رقم 2037، 2038"، والمزي في "تهذيب الكمال" "ق687" من طريقين عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصنابحي عن معاوية مرفوعًا، وفي إحدى الطرقين أبهم اسم الصحابي.
وإسناده ضعيف من أجل عبد الله بن سعد بن فروة؛ فإنه مجهول كما قال أبو حاتم في "الجرح والتعديل" "2/ 2/ 64"، وترجمه ابن حبان في "الثقات" "7/ 39"، وقال: "يخطئ"، =(11/33)
ص -380-…فسره الأوزاعي؛ فقال: "يعني: صعاب المسائل"1.
وذكرت المسائل عند معاوية فقال: "أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وبه أعله المنذري في "مختصر سنن أبي داود" "5/ 250"، ولذا قال فيه ابن حجر في "التقريب": "مقبول"؛ أي: إذا توبع، ولم يتابع. وانظر ترجمته في "ميزان الاعتدال" "2/ 428".
نعم، له شواهد، ولكن لا يفرح بها.
أخرجه الطبراني في "الكبير" "19/ 913"، وفي "مسند الشاميين" "رقم 2130" من طريق سليمان بن داود الشاذكوني عن عبد الملك بن عبد الله عن إبراهيم بن أبي عبلة عن رجاء بن حيوة عن معاوية مرفوعًا، والشاذكوني متهم.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" "19/ رقم 865"، وفي "مسند الشاميين" "رقم 2257"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1056/ رقم 2039" من طريق سليمان بن أحمد الواسطي عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الله بن سعد عن عبادة بن نُسَيّ، عن الصنابحي عن معاوية مرفوعًا بلفظ: "نهى عن عضل المسائل".
وهذا إسناده واهٍ، فيه علل كثيرة:
الأولى: مخالفة الوليد بن مسلم لكل من عيسى بن يونس وروح بن عبادة؛ إذ روياه عن الأوزاعي عن عبد الله بن سعد عن الصنابحي، قال الأول: عن معاوية، وقال الآخر: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمه.
الثانية: الوليد بن مسلم مدلس، ولم يصرح بالسماع.
الثالثة: جهالة عبد الله بن سعد كما تقدم.
الرابعة: سليمان بن أحمد الواسطي، متروك، بل اتهمه ابن معين.
قال الدراقطني في "العلل" "7/ 67/ رقم 1219": "والصحيح حديث عيسى بن يونس"، وأفاد أن عبد الملك بن محمد الصنعاني رواه فوهم فيه؛ فقال: "عن الأوزاعي عن عمرو "!!" بن سعد عن عبادة بن نسي عن معاوية"!.
وعلى أي حال الحديث ضعيف، لا يجوز الاحتجاج به.(11/34)
وفسر "ف" -وتبعه "م"- الأغلوطات؛ فقال: "أي: التي يغالط بها العلماء؛ ليزلوا؛ فيهيج بذلك شر وفتنةٌ، وإنما نهى عنها؛ لأنها مع إيذائها غير نافعة في الدين، ومثله قول ابن مسعود: "أنذرتكم صعاب المنطق"؛ يريد المسائل الدقيقة الغامضة.
1 ووقع تفسيره مسندا عقب طرقه السابقة، ولا سيما عند الحربي.(11/35)
ص -381-…عن عضل المسائل؟".
وعن عبدة بن أبي لبابة قال: "وددت أن حظي من أهل هذا الزمان أن لا أسألهم عن شيء، ولا يسألوني [عن شيء]، يتكاثرون بالمسائل كما يتكاثرون أهل الدراهم بالدراهم"2.
وورد في الحديث: "إياكم وكثرة السؤال"3.
وسئل مالك عن حديث: "نهاكم عن قيل وقال، وكثرة السؤال"4؛ قال: "أما كثرة السؤال؛ فلا أدري أهو ما أنتم فيه مما أنهاكم عنه من كثرة المسائل، فقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها، وقال الله تعالى: {لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]؛ فلا أدري أهو هذا، أم السؤال في [مسألة الناس في] الاستعطاء؟" 5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه بهذا اللفظ في الحديث الذي قبله، وكتب "ف" -وتبعه "م"- موضحًا "عضل المسائل" ما نصه: "جمع عضلة كغرفة وغرف، والمعضلة هي الأمر المعيي الذي لا يهتدى لوجهه، وفي حديث عمر: "أعوذ بالله من كل معضلة ليس لها أبو حسن -يريد عليًّا كرم الله وجهه-". ثم استعمل استعمال النكرات؛ فقيل في كل مشكلة معضلة ولا أبا حسن لها ".
2 أخرجه الدارمي "207"، أبو ذر الهروي في "ذم الكلام" "ص91"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1058-1059/ رقم 2045" -والمذكور لفظه، وما بين المعقوفتين منه- وإسناده حسن.
3 أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1059" من طريق إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن الحجاج بن عامر الثمالي مرفوعًا.
وشرحبيل صدوق، فيه لين وهو شامي، وإسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده، ومخلط في غيرهم. وفي "ط": "وروي في الحديث...".
4 مضى تخريجه، وهو في "الصحيحين".
5 قال ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1059/ رقم 2047": "وفي سماع أشهب: سئل مالك عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم... "وذكره".(11/36)
وأخرج زهير بن حرب أبو خيثمة في "العلم" "رقم 77" -ومن طريقه أبو ذر الهروي في "ذم =(11/37)
ص -382-…وعن عمر بن الخطاب؛ أنه قال على المنبر: "أحرج بالله على كل امرئ سأل عن شيء لم يكن1؛ فإن الله [قد]2 بين ما هو كائن"3.
وقال ابن وهب: "قال لي مالك وهو ينكر كثرة الجواب للمسائل: يا عبد الله! ما علمته فقل به ودل عليه وما لم تعلم فاسكت عنه وإياك أن تتقلد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الكلام" "ص132"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1057/ رقم 2042"-عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا مالك عن الزهري عن سهل بن سعد قال: "كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها".
وهكذا ذكره زهير بن حرب، ورواه عنه ابنه أحمد -كما عند ابن عبد البر- فقال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها"، وهذا خلاف لفظ "الموطأ"، وكذا خلاف لفظ غير واحد ممن رواه عن مالك على الجادة بلفظ: "كره "كما عند مالك في "الموطأ" "2/ 566 - رواية يحيى"- ومن طريقه البخاري في "الصحيح" "كتاب الطلاق، باب من جوز الطلاق الثلاث...، 9/ 361/ رقم 5259"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب اللعان، باب منه، 2/ 1129/ رقم 1492"، وأحمد في "المسند" "5/ 334"، وأبو داود في "السنن" "كتاب الطلاق، باب في اللعان، 2/ 273/ رقم 2245"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "رقم 2043، 2044" -عن الزهري به، وفيه قصة طويلة.
وأخرجه من طرق عن الزهري به البخاري في "صحيحه" "كتاب التفسير، باب {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ}، 8/ 448/ رقم 4745، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع، 13/ 276/ رقم 7304"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب اللعان، باب منه، 2/ 1130/ رقم 1492 بعد 2، 3"، والنسائي في "المجتبى" "كتاب الطلاق، باب بدء اللعان، 6/ 170/ رقم 3466"، وابن ماجه في "السنن" "كتاب الطلاق، باب اللعان، 2/ 667/ رقم 2066"، وأحمد في "المسند" "5/ 336، 337".(11/38)
1 يريد الافتراضات الصرفة، أما ما يقع في العادة؛ فإن الشريعة تكفلت به لا ينقصها منه شيء، وهذا معنى قوله: "فإن الله قد بين ما هو كائن". "د".
2 ما بين المعقوفتين سقط من "د".
3 مضى تخريجه بهذا اللفظ "ص378 - الهامش".(11/39)
ص -383-…للناس قلادة سوء"1.
وقال الأوزاعي: "إذا أراد الله أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه الأغاليط"2.
وعن الحسن؛ قال: "إن شرار عباد الله الذين يجيئون بشرار المسائل، يعنتون بها عباد الله"3.
وقال الشعبي: "والله؛ لقد بغض هؤلاء القوم إليَّ المسجد حتى لهو أبغض إلى من كناسة داري. قلت: من هم يا أبا عمرو4؟ قال: الأرَأَيْتِيُّون"5.
وقال: "ما كلمة أبغض إلى من "أَرَأَيْتَ"6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" "رقم 822"، والخطب في "الفقيه والمتفقه" "1/ 170"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1071/ رقم 2080"، والدوري "فيما رواه الأكابر عن مالك" "رقم 39" بإسناد صحيح إلى ابن وهب به.
2 أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1073/ رقم 2083" بإسناد صحيح.
3 أخرجه ابن بطة في "الإبانة" "304، 305"، وعلقه ابن عبد البر في "الجامع" "رقم 2084"، وهو صحيح.
4 كذا في الأصل و"ط"، وفي جميع النسخ المطبوعة: "عمر"، وهو خطأ، انظر: "تهذيب الكمال" "14/ 28".
5 أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" "6/ 251"، وابن بطة في "الإبانة" "رقم 600، 601، 602، 603"، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" "رقم 215"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "رقم 2089"، وأبو ذر الهروي في "ذم الكلام" "ص105"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" "1/ 184"، وهو صحيح عنه.
وكتب "ف" -وتبعه "م"- تعليقًا على "الأرأيتيون": "بهمزة قبل التاء؛ أي: الذين يكثرون من قول أرأيت".
6 أخرجه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" "رقم 226"، وابن عبد البر في الجامع" "رقم 2095"، وابن بطة في "الإبانة" "رقم 605"، وهو صحيح عنه.(11/40)
ص -384-…وقال أيضا لداود الأودي1: "احفظ عنى ثلاثا [لها شأن]2: إذا سئلت عن مسألة فأجبت فيها؛ فلا تتبع مسألتك3 أرأيت، فإن الله قال في كتابه: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43]؛ حتى فرغ من الآية، والثانية إذا سئلت عن مسألة؛ فلا تقس4 شيئا بشيء، فربما حرمت حلالا أو حللت حراما والثالثة إذا سئلت عما لا تعلم؛ فقل لا أعلم وأنا شريكك"5.
وقال يحيى بن أيوب: "بلغني أن أهل العلم كانوا يقولون: إذا أراد الله أن لا يعلم عبده [خيرًا] أشغله بالأغاليط"6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل وجميع النسخ المطبوعة: "ألا"، وهو خطأ؛ إذ هو جزء من كلمة "الأودي"، وعلق "ف"- وتبعه "م"- بقوله: "في الأصل بياض، ولعل محله: "ألا تريد أن تعلم أو أن تسلم، احفظ عني ثلاثًا، الأولى: إذا سألت.. إلخ".
قلت: الصواب ما ذكرناه، وهو كذا في "ط" ومصادر التخريج الآتية.
2 ما بين المعقوفتين سقط من النسخ المطبوعة، وأثبتناه من الأصل و"ط" ومصادر التخريج.
3 أي: فلا تعقب جوابك بتأييده ببحث عقلي وتأييد نظري؛ حتى لا تكون مبتعًا للهوى، هذا ما يفيده الاستدلال بالآية ويشير إليه قوله بعد: "ومتابعة المسائل.. إلخ"، وإن كان كلامه الآتي عاما في السائل والمجيب، ثم هل هذا يستقيم في أيامنا هذه، أم أن المصلحة تقتضي التأييد بالعقليات؟ وعلى كل حال يلزم تقييده بغير ما يفيد وجهة نظر الشرع في الحكم، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقولها في هذه المواطن؛ كقوله: "أرأيت لو كان على أبيك دين؟"، وسيأتي في الفصل بعده ما يؤيده، حيث قيد في النوع الخامس في الأسئلة المذمومة كراهة السؤال عن علة الحكم بأن يكون في أمر تعبدي أو يكون السائل غير أهل لذلك. "د".
4 إذا لم يكن الشعبي ممن يمنعون القياس يلزم حمل كلامه على غير إطلاقه. "د".(11/41)
5 أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1076-1077/ رقم 2096"، والإسناد فيه ضعف، داود بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي فيه ضعف.
6 أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 1077-1078/ رقم 2099" عن يحيى بن أيوب به، وإسناده صحيح.(11/42)
ص -385-…والآثار كثيرة.
والحاصل [منها] أن كثرة السؤال ومتابعة المسائل بالأبحاث العقلية والاحتمالات النظرية مذموم، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وعظوا في كثرة السؤال حتى امتنعوا منه، وكانوا يحبون أن يجيء الأعراب فيسألوه1 حتى يسمعوا كلامه، ويحفظوا منه العلم، ألا ترى ما في "الصحيح" عن أنس؛ قال: "نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع"2.
ولقد أمسكوا عن السؤال حتى جاء جبريل، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأمارتها، ثم أخبرهم عليه الصلاة والسلام أنه جبريل، وقال: "أراد أن تعلموا3 إذ لم تسألوا"4.
وهكذا كان مالك بن أنس لا يقدم عليه في السؤال كثيرا، وكان أصحابه يهابون ذلك، قال أسد بن الفرات -وقد قدم على مالك: "وكان ابن القاسم وغيره من أصحابه يجعلونني أسأله عن المسألة، فإذا أجاب يقولون: قل له فإن كان كذا؛ فأقول له: فضاق علي يوما فقال لي: هذه سليسلة بنت سليسلة، إن أردت هذا فعليك بالعراق"5، وإنما كان مالك يكره فقه العراقيين وأحوالهم لإيغالهم في المسائل وكثرة تفريعهم في الرأي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في "ط"، وفي غيره: "فيسألون".
2 أخرجه مسلم في "الصحيح" "كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام، 1/ 41/ رقم 12 بعد 10" عن أنس رضي الله عنه".
3 "تعلموا" ضبطناه على وجهين: "تعلَّمُوا"؛ أي: تتعلموا، والثاني: "تعلَموا"، أفاده النووي.
4 أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب بيان العلم والإسلام والإحسان 1/ 40/ رقم 10" عن أبي هريرة مرفوعًا".
5 ذكره القاضي عياض في "ترتيب المدارك" "1/ 466".(11/43)
ص -386-…وقد جاء عن عائشة أن امرأة سألتها عن قضاء الحائض الصوم دون الصلاة؛ فقالت لها: "أحرورية أنت؟" إنكارا عليها السؤال عن مثل هذا. وقضى النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة؛ فقال الذى قضى عليه: كيف أغرم ما لا شرب2 ولا أكل، ولا شهق ولا استهل، ومثل ذلك يُطَلُّ3 فقال عليه الصلاة والسلام: "إنما هذا من إخوان الكهان"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "2/ 526".
2 في النسخ المطبوعة و"ط": "ما لا شرب" والمذكور من الأصل، وكذا في "صحيح البخاري"، قال ابن حجر في "الفتح" "10/ 218": "ووقع في رواية مالك: "ما لا" بدل "من لا"، وهذا هو الذي في "الموطأ"، وقال أبو عثمان بن جني: معنى قوله: "لا أكل"؛ أي: لم يأكل، أقام الفعل الماضي مقام المضارع"، وفي "ط": "ولا أكل ولا نطق".
3 كذا في الأصل، وفي نسخة "م": "ومثل هذا يطل"، وفي "ف": "ومثل ذلك باطل"، وفي "د" و"ط": "ومثل ذلك بطل".
قال ابن حجر في "الفتح" "10/ 218": "يطل: للأكثر بضم المثناة التحتانية، وفتح الطاء المهملة، وتشديد اللام؛ أي: يهدر، يقال: دم فلان هدر، إذا ترك الطلب بثأره، وطل الدم بضم الطاء وفتحها أيضًا وحكي: أطل، ولم يعرفه الأصمعي، ووقع للكشميهني في رواية ابن مسافر "بطل"؛ بفتح الموحدة، ,التخفيف: من البطلان، كذا رأيته في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر، وزعم عياض أنه وقع هنا للجميع بالموحدة، قال: "بالوجهين في "الموطأ"، وقد رجح الخطابي أنه من البطلان، وأنكره ابن بطال؛ فقال: كذا يقوله أهل الحديث: وإنما هو "طل الدم"؛ إذا هدر.
قلت: وليس لإنكار معنى بعد ثبوت الرواية، وهو موجه، راجع إلى معنى الرواية الأخرى" انتهى.(11/44)
وعبارة القاضي عياض في "مشارق الأنوار" "1/ 88" هذا نصها: "ورأيت في بعض الأصول من "الموطأ" عن ابن بكير بالوجهين، قرأناها على مالك في "موطئه"، ورجح الخطابي رواية الياء باثنتين على رواية الباء بواحدة فيه". قلت: ونقل عياض عن الخطابي مخالف لما ذكره ابن حجر عنه؛ فتنبه، وكلام الخطابي في "إعلام الحديث" "3/ 2138" يؤيد رواية الباء، ونص كلامه في "الغريب" "3/ 251": "عامة المحدثين يقولون: بطل من البطلان، ورواه بعضهم: يطل؛ أي: يهدر وهو جيد في هذا الموضع".
4 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الطب، باب الكهانة، 10/ 216/ رقم =(11/45)
ص -387-…وقال1 ربيعة لسعيد في مسألة عقل الأصابع حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها: "نقص عقلها؟ فقال سعيد: أعراقي أنت؟ فقلت: بل عالم متثبت أو جاهل متعلم. فقال: هي السنة يا ابن أخي"2.
وهذا كاف في كراهية كثرة السؤال في الجملة.
فصل:
ويتبين من هذا أن لكراهية السؤال مواضع، نذكر منها عشرة مواضع3:
أحدها: السؤال عما لا ينفع في الدين؛ كسؤال عبد الله بن حذافة: من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 5758، 5759، 5760، وكتاب الفرائض، باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره، 12/ 24/ 6740، وكتاب الديات، باب جنين المرأة، 12/ 246/ رقم 6904، وباب جنين المرأة وأن العقل على الوالد وعصبة الوالد لا على الولد، 12/ 252/ رقم 6909، 6910" -وليس فيه الموطن الشاهد إلا في باب الكهانة؛ إذ ورد في سواه مختصرًا- ومسلم في "صحيحه" "كتاب القسامة، باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ وشبه العمد على عاقلة الجاني، 3/ 1309-1310/ رقم 1681 بعد 36" عن أبي هريرة رضي الله عنه.
1 من نوع أسئلة الاعتراض مع التنكيت في شدة المصيبة ونقصان العقل بالتورية، وسيشير إليه بعد. "د".
2 مضى "2/ 526"، وانظر -غير مأمور- تعليقنا عليه.
3 انظر في هذا: "إعلام الموقعين" "4/ 157"، و"الفروق" "1/ 34"، و"الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام" "ص264-366" - وفي التعليق عليه ما نصه: "وقد عقد الإمام الشاطبي في "الموافقات" فصلًا حسنًا، ساق فيه عشرة نماذج مختلفة للأمور التي يكره السؤال فيها، ثم قال: "ويقاس عليها ما سواها"، وكأنه قعد فيها ما رسمه القرافي هنا، رحمة الله عليهما، فعد إليها، فإنها مما يسافر إلى تحصليه"- و"فيض القدير" "6/ 355" للمناوي، و"مباحث في أحكام الفتوى" "ص41-44"، و"صفة المفتي والمستفتي" "ص44، 47، 49، 51"، و"الفتوى في الإسلام" "ص100" للقاسمي، و"الفقيه والمتفقة" "2/ 197"، و"إرشاد الفحول" "ص266".(11/46)
ص -388-…أبي1"، وروي في التفسير أنه عليه الصلاة والسلام سئل: ما بال الهلال يبدو رقيقا كالخيط، ثم لا يزال ينمو حتى يصير بدرا، ثم ينقص إلى أن يصير كما كان؟ فأنزل الله: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}2 الآية [إلى قوله: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} [البقرة: 189]؛ فأنما أجيب3 بما فيه من منافع الدين.
والثاني: أن يسأل بعد ما بلغ من العلم حاجته؛ كما سأل الرجل عن الحج: أكل عام4؟ مع أن قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] قاض بظاهره أنه للأبد لإطلاقه، ومثله سؤال بني إسرائيل5 بعد قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67].
والثالث: السؤال من غير احتياج إليه في الوقت، وكان هذا والله أعلم خاص6 بما لم ينزل فيه حكم، وعليه يدل قوله: "ذروني ما تركتكم"7، وقوله: "وسكت عن أشياء رحمة لكم لا عن نسيان؛ فلا تبحثوا عنها"8.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "1/ 45، 258".
2 إذا كان السؤال عن العلة والسبب تم التقريب، وكان الجواب في الآية الشريعة والخبر من الأسلوب الحكيم، ويسمى القول بالموجب، وهو تلقي السائل بغير ما يتطلب تنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيها على أنه الأولى بحاله، وإن كان عن الغاية والحكمة، أي ما شأن الهلال وحكمة اختلاف تشكلاته النورية بدءًا وعودا؛ كان الجواب مطابقًا للحكمة الظاهرة اللائقة بشأن التبليغ العام المذكرة لنعمة الله تعالى ومزيد رأفته سبحانه، ولم يكن مما نحن فيه. "ف".
قلت: ومضى تخريج سبب النزول بالتفصيل في "3/ 149".
3 راجع: "روح المعاني" "2/ 72" في تفسير الآية يتضح المقام. "د".
4 يشير إلى الحديث المتقدم لفظه وتخريجه في "1/ 256".
5 انظر أثر ابن عباس في ذلك وتخريجه في "1/ 45".(11/47)
6 هذا متعين، وإلا لمنع من تعلم العلم الزائد عما يحتاج إليه الشخص في الوقت، ولا يقول بهذا أحد. "1/ 256".
8 مضى تخريجه "1/ 253".(11/48)
ص -389-…والرابع1: أن يسأل عن صعاب المسائل وشرارها؛ كما جاء في النهي عن الأغلوطات2.
والخامس: أن يسأل عن علة الحكم، وهو من قبيل التعبدات التي لا يعقل لها معنى، أو السائل ممن لا يليق به ذلك السؤال كما في حديث قضاء الصوم دون الصلاة3.
والسادس: أن يبلغ بالسؤال إلى حد التكلف والتعمق4، وعلى ذلك يدل قوله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]، ولما سأل الرجل5: "يا صاحب الحوض! هل ترد حوضك السباع؟ قال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض! لا تخبرنا؛ فإنا نرد على السباع وترد علينا"6. الحديث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ينطبق عليه أيضًا الأول والثالث؛ فالأغلوطات لا تنفع في الدين، وأيضًا لا حاجة لها في العلم. "د".
2 مضت الأحاديث الواردة في ذلك مع تخريجها قريبًا.
3 انظر ما مضى عند المصنف "2/ 526"، والحديث مضى تخريجه "2/ 526".
4 أي: التعمق في الدين، كما في السؤال عن ورود السباع الحوض، وكما سيأتي في الاعتراض على الظواهر بتحميلها ما يبعد عنها. "د".
5 هو عمرو بن العاص، كان في ركب عمر. "د".
قلت: وقع التصريح به في مصادر التخريج الآتية.
6 أخرجه مالك في "الموطأ" "1/ 23-24/ رقم 14 - رواية يحيى، و1/ 26/ رقم 55 - رواية أبي مصعب، و42 - رواية محمد بن الحسن" - ومن طريقه عبد الرزاق في "المصنف" "رقم 250"، والبيهقي في "السنن الكبرى" "1/ 250" و"الخلافيات" "3/ رقم 927"- عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن عمر به.
وأخرجه الدراقطني في "السنن" "1/ 32"، وابن المنذر في "الأوسط" "1/ 310" من طريق حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد به.(11/49)
ص -390-…والسابع: أن يظهر من السؤال معارضة الكتاب والسنة بالرأي، ولذلك قال سعيد: "أعراقي أنت؟"1 وقيل لمالك بن أنس: "الرجل يكون عالما بالسنة؛ أيجادل عنها؟ قال: "لا2، ولكن يخبر بالسنة، فإن قبلت منه وإلا سكت"3.
والثامن: السؤال عن المتشابهات، وعلى ذلك يدل قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ} الآية [آل عمران: 7].
وعن عمر بن عبد العزيز: "من جعل دينه غرضًا4 للخصومات؛ أسرع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ورجاله ثقات؛ إلا أنه منقطع؛ لأن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب لم يدرك عمر، فإنه ولد في خلافة عثمان؛ فالإسناد ضعيف، وبه أعله النووي في "المجموع" "1/ 174"؛ إذ قال: "مرسل منطقع"، وكذا قال محمد بن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" "1/ 246"، وزاد النووي: "إلا أن هذا المرسل له شواهد تقويه".
قلت: له شاهد من حديث ابن عمر وآخر من حديث جابر، كلاهما مرفوعًا، إلا أنهما ضعيفان، انظر تفصيل ذلك في "تمام المنة" "ص47، 48"، و"الخلافيات" "3/ مسألة 39".
1 مضى تخريجه "2/ 526"، ومضى بتمامه قريبًا "ص387".
2 فيه النظر السابق، وهو أن هذا لا يصلح لزماننا الذي لا بد فيه من المجادلة لتأييد الحق، وإلا لم يسمع من كثير من الناس، وفي "إعلام الموقعين" "4/ 259": "عاب بعض الناس ذكر الدليل في الفتوى، قال ابن تيمية: بل جمال الفتوى وروحها هو الدليل". "د".
قلت: انظر في ضرورة ذكر الدليل مع الفتوى: "إعلام الموقعين" "4/ 161، و"الفقيه والمتفقه" "1/ 321-322"، و"صفة الفتوى والمستفتي" "66"، و"الفتوى في الإسلام" "98-99" للقاسمي، و"الفتيا ومناهج الإفتاء" "ص118-119" للأشقر.(11/50)
3 ذكر السجزي في "رسالته" إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف" "ص235"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 936/ رقم 1784"، والقاضي عياض في "ترتيب المدارك" "1/ 170" هكذا: "وقال الهيثم بن جميل: قلت: لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله! الرجل يكون... إلخ".
4 هكذا في الأصل، وفي النسخ المطبوعة: "عرضنا" -بالعين المهملة- وفي "ط": "عرضا"، وقال "د": "لعل الأصل "غرضًا" من الغين المعجمة؛ أي: هدفًا ومرمى، أما بالعين؛ فالذي يوافق المعنى "عرضة"؛ بالتاء، وضم العين".
قلت: والصواب بالغين المعجمة كما في مصادر التخريج.(11/51)
ص -391-…التنقل"1.
ومن ذلك سؤال من سأل مالكا عن الاستواء، فقال: "الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عنه بدعة"2.
والتاسع: السؤال عما شجر3 بين السلف الصالح، وقد سئل عمر بن عبد العزيز عن قتال أهل صفين؛ فقال: "تلك دماء كف الله عنها يدي؛ فلا أحب أن يطلخ بها لساني"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الدارمي في "السنن" "رقم 310"، والآجري في "التشريعة" "1/ 56، 57"، وابن بطة في "الإبانة" "رقم 566، 568، 577، 578، 579، 580"، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" "1/ 128/ رقم 216"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 391/ رقم 1770" من طرق عنه، وهو حرف غامق.
2 أخرجه عثمان بن سعيد الدرامي، في "الرد على الجهمية" "رقم 104"، وأبو عثمان الصابوني في "عقيدة السلف" "رقم 24، 25، 26"، و"اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" "664"، وأبو نعيم في "الحلية" "6/ 325-326"، والبيهقي في "الأسماء والصفات" "2/ 304-305، 305-306/ رقم 866، 867 - ط المحققة"، وابن عبد البر في "التمهيد" "7-151" من طرق عنه.
وجود إسناده ابن حجر في "الفتح" "13/ 406، 407"، وقال الذهبي في "العلو" "ص141 - مختصره": "وهذا ثابت عن مالك، وتقدم عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول السنة قاطبة".
3 أي: وقع. "ماء".
4 أخرجه الخطابي في "العزلة" "ص136 - ط دار ابن كثير" بسنده إلى الشافعي، ذكره عن عمر بن عبد العزيز.
وأخرجه بسند لا بأس به عن عمر بن عبد العزيز: ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 934/ رقم 1778"، وابن الجوزي في "سيرة عمر بن عبد العزيز" "ص165".(11/52)
ص -392-…والعاشر: سؤال التعنت1 والإفحام وطلب الغلبة في الخصام، وفى القرآن في ذم نحو هذا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: 204].
وقال: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58].
وفى الحديث: "أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم"2.
هذه جملة من المواضع التي يُكره السؤال فيها، يقاس عليها ما سواها، وليس النهي فيها واحدا، بل فيها ما تشتد كراهيته، ومنها ما يخف، ومنها ما يحرم، ومنها ما يكون محل اجتهاد، وعلى جملة3 منها يقع النهي عن الجدال في الدين؛ كما جاء "إن المراء في القرآن كفر"4.
وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} الآية [الأنعام: 68].
وأشباه ذلك من الآي أو الأحاديث؛ فالسؤال في مثل ذلك منهي عنه، والجواب بحسبه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: يسأل ليعنت المسؤول ويقهره، لا يعلم، يعني: وإن لم تكن المسألة من الأغلوطات، وبذلك يغاير الرابع. "د".
2 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب التفسير، باب {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}، 8/ 188/ رقم 4523"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب العلم، باب في الآلد الخصم، 4/ 2054/ رقم 2668" عن عائشة رضي الله عنها.
3 يقع على خمسة منها. "د".
4 مضى تخريجه "3/ 40".(11/53)
ص -393-…المسألة الثالثة:
ترك الاعتراض على الكبراء محمود، كان المعترض فيه مما يفهم أولا يفهم.
والدليل على ذلك أمور:
أحدها: ما جاء في القرآن الكريم؛ كقصة موسى مع الخضر1، واشتراطه عليه أن لا يسأله عن شيء حتى يحدث له منه ذكرا؛ فكان ما قصه الله تعالى من قوله: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78]، وقول2 محمد عليه الصلاة والسلام: "يرحم الله موسى، لو صبر حتى يقص علينا من أخبارهما"3، وإن كان إنما تكلم بلسان العلم؛ فإن الخروج عن الشرط يوجب4 الخروج عن المشروط.
وروى في الأخبار5 أن الملائكة لما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجها "1/ 456"، وهي في "الصحيحين".
2 أي: فالاعتراض كان سببًا من للحرمان من التوسع في العلم الخاص. "د".
3 مضى تخريجه "1/ 546".
4 وقد يقال: حينئذ: إن ذلك بسبب الخروج عن الشرط لا بسبب أصل الاعتراض. "د".
5 هذا الخبر متكلم فيه، وعلى فرض صحته إنما يظهر على القول بعد عصمة الملائكة الأرضية كما حكي عن بعضهم على ما فيه؛ ولذلك وقع إبليس فيما وقع إذ كان من الملائكة الأرضيين، وعلى أن سؤال الملائكة في الآية سؤال إنكار واعتراض على الله تعالى وطعن على آدم وبنيه، وكلاهما غير صحيح، وحاشا عباد الله المكرمين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون أن يسألوا ربهم كذلك، بل سؤالهم إنما وقع لاستكشاف الحكمة، وإزالة الشبهة التي أثارها في نفوسهم ما فهموه من اسم الخليفة، وما يقتضيه اختلاف طبائعه وتركيب أمزجته، وليس المقصود منه التعجب والتفاخر والاعتراض حتى يضر بعصمتهم كما قيل، ولو كان كذلك؛ لما كان الجواب بهذا التلطف والإقناع المفيد، قال تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}؛ فقد أقرهم على ما فهموه من الاسم الشريف، وأرشدهم بقصور علمهم إلى ما انطوى تحت سره المنيف، وأظهر لهم من شأنه =(11/54)
ص -394-…وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} الآية [البقرة: 30]؛ فرد الله عليهم بقوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} أرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم.
وجاء في أشد من هذا اعتراض إبليس بقوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]؛ فهو الذى كتب له به الشقاء إلى يوم الدين لاعتراضه على الحكيم الخبير، وهو دليل في مسألتنا، وقصة1 أصحاب البقرة من هذا القبيل أيضًا، حين تعنتوا في السؤال فشدد الله عليهم.
والثاني: ما جاء في الأخبار؛ كحديث: "تعالوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= بتعليم آدم ما لم يعلموه ولن يعلموه؛ فازدادوا بذلك علمًا ويقينًا، وفهموا أنه الصالح للخلافة دونهم؛ فإن خليفة الله في عمارة أرضه وسياسة خلقه وتكميل نفوسهم وتنفيذ أمره فيهم يجب أن يكون جامعًا بين التجرد والتعلق، وحافظًا للنسبتين، وذلك لا يكون ملكًا وإنما يكون بشرًا، وآدم عليه السلام هو المجلي له سبحانه والجامع لصفتي جماله وجلاله، ومن هنا قال الخليفة الأعظم صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى خلق آدم على صورته" أو "على صورة الرحمن"، وبه جمعت الأضداد، وكملت النشأة، وظهر الحق، وفائدة هذه المقالة تعظيم شأن المجعول، وإظهار فضله، وتعريفه للملائكة؛ ليعرفوا قدره؛ لأنه باطن من الصورة الكونية بما عنده من الصورة الإلهية، وما يعرفه لبطونه من الملأ الأعلى إلا اللوح والقلم، والله أعلم. "ف".(11/55)
قلت: قول المعلق: "وآدم عليه والسلام هو المجلي له... إلخ"، فيه نفس صوفي، ومتعلق للقائلين بوحدة الوجود، وهي عقيدة فاسدة؛ فافهم واحذر، وظفرت به عند الآلوسي في "روح المعاني" "1/ 220"، نقلًا عن ابن عربي الصوفي، وذكر الآلوسي ما أورده المصنف فيما سيأتي قريبًا "أرسل عليهم نارًا فأحرقتهم"، وزاد: "ورد في بعض الأخبار أن القائلين كانوا عشرة آلاف". وقال: "وعندي أن ذلك غير صحيح".
قلت: ومن مظان ذلك "عرائس المجالس" للثعالبي، ونظرت فيه؛ فلم أعثر على شيء وانظر عنه لزومًا: كتابنا "كتب حذر منها العلماء" "2/ 20".
1 أي: قولهم: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} [البقرة: 67] فإنه استبعاد لما قاله وإنكار، أي: أين ما سألنا عنه بيان القاتل من الأمر بذبح البقر؟ فهو اعتراض على الكبراء.(11/56)
ص -395-…بعده"1. فاعترض في ذلك بعض2 الصحابة حتى أمرهم عليه الصلاة والسلام بالخروج ولم يكتب3 لهم شيئًا.
وقصة أم إسماعيل حين نبع لها ماء زمزم، فحوضته ومنعت الماء من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، 8/ 132/ رقم 4431 و4432، وكتاب المرضى، باب قول المريض: قوموا عني، 10/ 126/ رقم 5669" ومسلم في "الصحيح" "كتاب الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه 3/ 1259/ رقم 1637" عن ابن عباس رضي الله عنهما بألفاظ منها: "ائتوني أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعدي"، ومنها: "هلم أكتب لكم كتابًا لا تضلون بعدي"، ومنها: "هلموا أكتب لكم...".
2 هو عمر رضي الله عنه، حيث قال: "إن رسول الله قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن..." إلى آخر الحديث. "د".
قلت: وقع التصريح بأن قائل المذكور عمر في "صحيح البخاري" "رقم 5669"، و"صحيح مسلم" "رقم 1637 بعد 22"، ووقع في الحديث: "وقالوا: ما شأنه، أهجر؟ استفهموه".
قال أبو ذر ولد سبط ابن العجمي في "تنبيه المعلم" "رقم 635 - بتحقيقي": "من القائلين: عمر رضي الله عنه".
قلت: لم يذكر مستنده، ولا يوجد ما يدل عليه، وأفاد صاحب "تكملة فتح الملهم" "2/ 136، 145" بهذا؛ فقال: "لم أجد في شيء من الروايات الصحيحة أن قائل هذا الكلام -أي: "ما شأنه؛ أهجر؟"- هو سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه".(11/57)
قلت: وأفاد الدهلوي في "التحفة الاثنا عشرية" "ص453" أن قائلي ذلك أهل البيت، أو صدر منهم على سبيل الاستفهام الاستنكاري، وفي "مسند أحمد" "1/ 90" ما يشعر أن موقف علي رضي الله عنه كموقف عمر رضي الله عنه؛ وانظر في معنى "هجر" وتوجيهها: "فتاوى ابن رشد" "2/ 1054-1058"، ووقع في آخر رواية عند البخاري "رقم 4432، 5669"، ومسلم "رقم 1637 بعد 22": "فكان يقول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم".
3 فحرموا بسبب ذلك من البيان الذي كان يفيدهم، لا سيما على القول بأنه كان في شأن الخلافة!! "د".(11/58)
ص -396-…السيلان؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "لو تركت لكانت زمزم عينا معينا"1.
وفى الحديث أنه طبخ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدر فيها لحم؛ فقال: "ناولني ذراعًا". قال الراوي: فناولته ذراعًا؛ فقال: "ناولني ذراعًا". فناولته ذراعًا؛ فقال: "ناولني ذراعًا". فقلت: يا رسول الله! كم للشاة من ذراع؟ فقال: "والذي نفسي بيده؛ لو سكت لأعطيت أذرعًا ما دعوت"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يظهر أن هذا حرص لا اعتراض، ولا يخفى شؤم الحرص في غير أمور الآخرة. "د".
قلت: وأخرج قصتها بطولها، والمذكور جزء منها: البخاري في "صحيحه" "كتاب الأنبياء باب يزفون: النسلان في المشي، رقم 3362، 3364، وكتاب المساقاة، باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه، رقم 2368"، وأحمد في "المسند" "1/ 347، 360"، وابنه عبد الله في "زوائد المسند" "5/ 121"، وعبد الرزاق في "المصنف" "5/ 105/ رقم 9107"، والنسائي في "فضائل الصحابة" "رقم 271، 272، 273" وغيرهم، وقد خرجته بتفصيل في كتابي"من قصص الماضيين" "ص97-106".
2 في الأصل و"ط" والنسخ المطبوعة: "ذراعًا ما دعوت" والتصحيح من مصادر التخريج أخرجه بهذا اللفظ الدارمي في "سننه" "1/ 22 أو1/ 27/ رقم 45 - ط دار إحياء السنة "، وأحمد في "المسند" "3/ 484-485"، وابن أبي شيبة في "مسنده" "3/ ق214/ أ- مع "إتحاف الخيرة"، والترمذي في "الشمائل" "رقم 60"، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" "1/ 350/ رقم 472"، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" "7/ 95"، والطبراني في "الكبير" "22/ 335/ رقم 842"، ودعلج في "مسند المقلين" "4 - المنتقى"، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" "2/ ق275/ ب- 276/ أ"، والبغوي في "الشمائل" "2/ 618/ رقم 949"، وقوّام السنة الأصبهاني في "دلائل البنوة" "3/ 883-884/ رقم 136"، جميعهم من طريق أبان عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أبي عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم به.(11/59)
وإسناده ضعيف، قتادة مدلس، وقد عنعن، وشهر بن حوشب فيه كلام مشهور، وإن كان لا يننزل عن درجة الحسن؛ كما حققته في تعليقي على "الخلافيات" للبيهقي.
ولكن الحديث صحيح؛ فله شواهد، منها حديث أبي رافع رضي الله عنه، أخرجه أحمد في "المسند" "6/ 392" من طريق خلف بن الوليد عن أبي جعفر الرازي عن شرحبيل بن سعد =(11/60)
ص -397-….........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= عن أبي رافع به.
وإسناده ضعيف، صالح في المتابعات وخالف خلفًا سلمة بن الفضل؛ فرواه عن أبي جعفر الرازي عن داود بن أبي هند عن شرحبيل به، وراية خلف عن أبي جعفر عن شرحبيل، لم يذكر بينهما أحدًان هو أشبه بالصواب، قاله الدراقطني في "العلل" "7/ 20/ رقم 1180".
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المسند" -ومن طريقه أبو يعلى في "المسند" كما في "إتحاف الخيرة" "3/ ق214/ أ"- عن زيد بن الحباب عن فائد مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن مولاة عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن أبي رافع به.
وإسناده ضعيف، عبيد الله بن علي لين الحديث؛ كما في "التقريب"، وحديثه عن جده مرسل؛ كما في "تهذيب الكمال" "19/ 120".
وخولف ابن أبي شيبة؛ فأخرجه المحاملي في "أماليه" "رقم 257 - رواية ابن البيع" ثنا أحمد بن محمد ثنا زيد بن الحباب حدثني فائد حدثني مولاي عبيد الله بن علي بن أبي رافع -مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله سماه عُلَيًّا- قال: ثني أبو رافع به نحوه.
وأحمد بن محمد هو حفيد يحيى بن سعيد القطان، وثقه ابن حبان في "الثقات" "8/ 38-39"، وقال: "وكان متقنًا"، وابن أبي شيبة أحفظ منه وأتقن.
وخولف زيد بن الحباب؛ فأخرجه أبو يعلى في "المسند" "3/ ق216 - مع إتحاف الخيرة"، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" "6/ 203-204/ رقم 3434"، والطبراني في "الكبير" "24/ 300/ رقم 763" من طريق الفضيل بن سليمان عن فائد عن عبيد الله أن جدته سلمى أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي رافع... وذكر نحوه.
وزيد أثبت من الفضيل، ولعل الوجهين محفوظان!!(11/61)
ولكن أخرجه أحمد في "المسند" "6/ 8"، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" "1/ 393"، والطبراني في "الكبير" "1/ 305/ رقم 970"، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" "2/ 562/ رقم 346" من طريق حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع به نحوه.
وإسناده حسن في الشواهد، وعبد الرحمن لم يرو عنه غير حماد بن سلمة؛ كما في "الوحدان" "ص33 - ط الهندية" لمسلم، و"الكاشف" "2/ 145/ رقم 3231" للذهبي.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" "1/ 303/ رقم 964" من طريق ابن وهب عن عمرو بن =(11/62)
ص -398-…وحديث علي قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فاطمة من الليل؛ فأيقظنا للصلاة، قال: فجلست وأنا أعرك عيني وأقول: إنا والله ما نصلي إلا ما كُتِبَ لنا، إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثها. بعثها، فولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الحارث؛ أن بكيرًا حدثه أن الحسن بن علي بن أبي رافع حدثه عن أبي رافع به نحوه، وبرقم "965" من طريق بكر بن سهل عن عبد الله بن يوسف عن ابن لهيعة عن بكير بن عبد الله به، وجعله من مسند "رافع"، وهو في "الأوسط" "1/ ق187/ ب" من طريق بكر بن سهل به، وفيه: "عن الحسن بن علي بن أبي رافع؛ أنه حدثه أن أبا رافع حدثه به"؛ فالخطأ من الناسخ أو المحقق أو الطابع!!
وللحديث شاهد عن أبي هريرة أخرجه أحمد في "المسند" "2/ 517"، وابن حبان في "صحيحه" "8/ 139/ رقم 6450 - الإحسان" من طريق محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة.
وإسناده حسن، إن كان ابن عجلان سمعه من أبيه.
وأخرجه الحسين بن محمد بن خسرو في "مسنده"، ومحمد بن الحسن في "الآثار" "1/ 27-28"، وأبو نعيم في "مسند أبي حنيفة" "ص102"، كلهم من طريق أبي حنيفة عن شيخ له مجهول سماه عبد الرحمن بن داود، وقيل: داود بن عبد الرحمن العطار، وقيل: "عبد الرحمن بن زاذان عن شرحبيل، وأسنده عن أبي سعيد الخدري، قال الدراقطني في "العلل" "7/ 21": "ووهم فيه؛ وإنما هو حديث أبي رافع".
والحديث صحيح بمجموع هذه الطرق إن شاء الله تعالى، ورجح الزرقاني في "شرحه على المواهب" أن القصة تكررت.(11/63)
1 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب التهجد، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب، وطرق النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وعليًّا عليهما السلام ليلة للصلاة، 3/ 10/ رقم 1127، وكتاب التفسير، باب سورة الكهف، 8/ 407-408/ رقم 4724 - مختصرًا وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}، 13/ 313/ رقم 7347، وكتاب التوحيد، باب في المشيئة والإرادة، 13/ 446/ رقم 7465"، ومسلم في =(11/64)
ص -399-…وحديث: "يا أيها الناس! اتهموا1 الرأي؛ فإنا كنا يوم أبي جندل ولو نستطيع2 أن نرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددناه"3.
ولما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنٌ جد سعيد بن المسيب فقال له: "ما اسمك؟". قال: حزن. قال: "بل أنت سهل". قال: لا أغير اسما سماني به أبي. قال سعيد: فما زالت الحزونة [فينا]4 حتى اليوم"5.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
والثالث: ما عهد بالتجربة من أن الاعتراض على الكبراء قاض بامتناع الفائدة مبعد بين الشيخ والتلميذ، ولا سيما عند الصوفية؛ فإنه عندهم الداء الأكبر حتى زعم القشيري6 عنهم أن التوبة منه لا تقبل والزلة لا تقال، ومن ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= "صحيحه" كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح، 1/ 537-538/ رقم 775"، والنسائي في "الكبرى" "كتاب التفسير، 2/ 7/ رقم 325" و"المجتبى" "كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب الترغيب في قيام الليل، 3/ 205-206/ رقم 1611، 1612"، وأحمد في "المسند" "1/ 112" عن علي رضي الله عنه بألفاظ متقاربة، والمذكور عند المصنف لفظ النسائي في "المجتبى" "رقم 1612"، وانظر: "تحفة الأشراف" "رقم 10070".
1 أي: فلا تجلعوه في مقابلة الشريعة فتعترضوها به. "د".
2 أي: وقد ظهر خطؤنا وتعين المصحلة فيما أنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم في رده إلى الكفار تنفيذًا للشرط. "د".
3 مضى تخريجه "1/ 143" وهو أثر عن سهل بن حنيف في "صحيح البخاري" وغيره.
4 ما بين المعقوفتين سقط من "د".
5 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الأدب، باب اسم الحزن، 10/ 574/ رقم 6190، وباب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه، 10/ 575/ رقم 6193" عن حزن بن أبي وهب رضي الله عنه.
6 في "رسالته" المشهورة "ص150".(11/65)
ص -400-…حكاية الشاب الخديم لأبي يزيد البسطامي؛ إذ كان صائمًا؛ فقال له أبو تراب النخشبي وشقيق البلخي: "كل معنا يا فتى. فقال: أنا صائم. فقال أبو تراب: كل ولك أجر شهر فأبى فقال شقيق: كل ولك أجر صوم سنة. فأبى؛ فقال أبو يزيد: دعوا من سقط من عين الله". فأخذ ذلك الشاب في السرقة وقطعت يده1.
وقد قال مالك بن أنس لأسد حين تابع سؤاله: "هذه سليسلة بنت سليسلة، إن أردت هذا؛ فعليك بالعراق"2. فهدده بحرمان الفائدة منه بسبب اعتراضه3 في جوابه، ومثله أيضا كثير لمن بحث عنه.
فالذى تلخص من هذا أن العالم المعلوم بالأمانة والصدق والجري على سنن أهل الفضل والدين والورع إذا سئل عن نازلة فأجاب، أو عرضت له حالة يبعد العهد بمثلها، أو لا تقع من فهم السامع موقعها أن لا يواجه بالاعتراض والنقد، فإن عرض إشكال فالتوقف أولى بالنجاح، وأحرى بإدراك البغية إن شاء الله تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضت في "2/ 497"، وهي في "رسالة القشيري" "151"، وانظر ما علقناه هناك.
2 مضى قريبا "ص385"، وتخريجه هناك.
3 لا يؤخذ من الرواية السابقة في المسألة الثانية أنه كان يعترض، بل كان يتابع السؤال ويكثر منه فقط؛ فيقول: "فإن كان كذا...." بإيعاز أصحاب مالك لتهيبهم سؤاله بأنفسهم. "د".(11/66)
ص -401-…المسألة الرابعة:
الاعتراض على الظواهر غير مسموع1.
والدليل عليه أن لسان العرب هو المترجم عن مقاصد الشارع، ولسان العرب يعدم فيه النص2 أو ينذر إذ قد تقدم أن النص إنما يكون نصا إذا سلم عن احتمالات عشرة3، وهذا نادر أو معدوم، فإذا ورد دليل منصوص وهو بلسان العرب؛ فالاحتمالات دائرة به، وما فيه احتمالات لا يكون نصا على اصطلاح المتأخرين؛ فلم يبق إلا الظاهر والمجمل، فالمجمل الشأن فيه طلب المبين أو التوقف؛ فالظاهر هو المعتمد إذن، فلا يصح الاعتراض عليه؛ لأنه من التعمق والتكلف.
وأيضًا؛ فلو جاز الاعتراض على المحتملات لم يبق للشريعة دليل يُعتمد، لورود الاحتمالات وإن ضعفت، والاعتراض المسموع مثله يضعف الدليل؛ فيؤدي إلى القول بضعف جميع4 أدلة الشرع أو أكثرها، وليس كذلك باتفاق.
ووجه ثالث: لو اعتبر مجرد الاحتمال في القول لم يكن لإنزال الكتب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ماء": "غير مقبول".
2 يطلق النص على الدليل السمعي مطلقًا، ومنه قوله هنا: "دليل منصوص"، ويطلق على ما لا يحتمل غير ما قصد به؛ فيكون قطعيًا في دلالته على معناه وهو ما سلم عن الاحتمالات العشرة، وهو ما أجرى المؤلف أدلته في الكتاب على مقتضاه، ويطلق على ما دل باعتبار وضعه واعتبار سوقه أيضًا على المعنى، وعلى هذا يقبل النص التأويل والتخصيص "د".
3 تقدم في المسألة التاسعة من كتاب المقاصد. "د".
4 أي: حيث قلنا بعدم النص، ومعلوم أن الإجماع والقياس مبنيان على أدلة الكتاب والسنة التي هي من قسم الظاهر الذي بقي من الأقسام كما سبق له، وقوله: "أو أكثرها"؛ أي: حيث قلنا بوجود قليل من النصوص. "د".(11/67)
ص -402-…ولا لإرسال النبي عليه الصلاة والسلام بذلك فائدة؛ إذ يلزم أن لا تقوم الحجة على الخلق بالأوامر والنواهي والإخبارات؛ إذ ليست في الأكثر نصوصًا لا تحتمل غير ما قصد بها، لكن ذلك باطل بالإجماع والمعقول، فما يلزم عنه كذلك.
ووجه رابع1: وهو أن مجرد الاحتمال إذا اعتبر أدى إلى انخرام العادات والثقة بها، وفتح باب السفسطة وجحد العلوم، ويبين هذا المعنى في الجملة ما ذكره الغزالي [عن نفسه] في كتابه "المنقذ من الضلال"2، بل ما ذكره السوفسطائية في جحد العلوم فبه3 يتبين لك أن منشأها طريق الاحتمال في الحقائق العادية أو العقلية؛ فما بالك4 بالأمور الوضعية؟
ولأجل اعتبار الاحتمال المجرد شدد على أصحاب البقرة إذ تعمقوا في السؤال عما لم يكن لهم إليه حاجة مع ظهور المعنى، وكذلك ما جاء في الحديث في قوله: "أحجنا هذا لعامنا أو للأبد؟"5 وأشباه ذلك، بل هو أصل في الميل عن الصراط المستقيم؛ ألا ترى أن المتبعين لما تشابه من الكتاب إنما اتبعوا فيها مجرد الاحتمال، فاعتبروه وقالوا فيه6، وقطعوا فيه على الغيب بغير دليل؛ فذموا بذلك وأمر النبي7 عليه الصلاة والسلام بالحذر منهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأوجه الثلاثة السابقة ترجع إلى عدم إبطال الأدلة القولية بالاحتمالات، وهذا الوجه كالترقي عليها، وكأنه يقول: بل إذا اعتبرت الاحتمالات المجردة عن الأدلة؛ بطلت العلوم الأخرى المرتبة على العادات، أي: الأسباب والمسببات العادية المبثوثة في الكون؛ فالتجربيات والمشاهدات تلحقها الاحتمالات، فإذا اعتبرت ضاعت العلوم اليقينية، أي: فقبول الاحتمالات مطلقًا يفسد سائر العلوم عقلية ونقلية؛ فهو باطل. "د".
2 انظر منه: "ص26 وما بعد".
3 كذا في "ط":، وفي غيره: "منه".
4 في "ط": "فما ظنك".
5 مضى تخريجه "1/ 256".
6 في "م": "وقالوا فيه على"، والصواب حذف "على". وفي "ط": "عن الغيب".(11/68)
7 أي: بقوله في الحديث المشهور: "فأولئك الذين سمى الله؛ فاحذروهم". "د".
قلت: مضى تخريجه "ص143".(11/69)
ص -403-…ووجه خامس: وهو أن القرآن قد احتج على الكفار بالعمومات العقلية والعمومات1 المتفق عليها؛ كقوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} إلى أن قال {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ] قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}2 [المؤمنون: 84-89]؛ فاحتج عليهم بإقرارهم بأن ذلك لله على العموم، وجعلهم إذ أقروا بالربوبية لله في الكل ثم دعواهم الخصوص مسحورين لا عقلاء.
وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61]، يعني: كيف يصرفون عن الإقرار بأن الرب هو الله بعد ما أقروا3؛ فيدعون لله شريكًا.
وقال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَار} إلى قوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر: 5-6]، وأشباه ذلك مما ألزموا أنفسهم فيه الإقرار بعمومه، وجعل خلاف ظاهره على خلاف المعقول، ولو لم يكن عند العرب الظاهر حجة غير معترض عليها لم يكن في إقرارهم بمقتضى العموم حجة عليهم لكن الأمر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: فمع كونها عقلية وثابتة في الواقع بالعقل كما سيقول: "وجعل خلاف ظاهره على خلاف المعقول" هي متفق عليها بين المتناظرين، وهذا الثاني هو محل الاستدلال هنا باعتبار الظواهر؛ لأن العموم المسلم بين الطرفين هو من باب الظاهر في هذه التراكيب. "د".
2 أي: تخدعون وتصرفون عن الحق. "ماء".(11/70)
3 ليكن على ذكر منك أنهم كانوا يعترفون بأن الله هو الرب الخالق لكل شيء، المالك المتصرف في السماوات والأرض، ولكنهم مع هذا يؤلهون معه شيئًا من مخلوقاته؛ نجومًا، أو حجارة، أو غيرها، يعبدونها؛ فكان الرد عليهم موجهًا إلى أن مستحق العبادة هو المتصرف في الكون وحده، وأنهم يكونون مجانين إذا جمعوا بين الاعتراف بعموم التصرف له وحده وبين تأليه غيره وعبادته، ولذا جعل ختام الآيات الذي هو كالنتيجة قوله: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [المؤمنون: 116]؛ فجعل المعنى بالحصر، ومحط الرد عليهم هو نفس الشريك في الألوهية والعبادة؛ فقوله: "فيدعون لله شريكًا"؛ أي: في استحقاق العبادة. "د".(11/71)
ص -404-…على خلاف ذلك؛ فدل على أنه ليس مما يعترض عليه.
وإلى هذا1؛ فأنت ترى ما ينشأ بين الخصوم وأرباب المذاهب من تشعب الاستدلالات، وإيراد الإشكالات عليها بتطريق2 الاحتمالات؛ حتى لا تجد عندهم بسبب ذلك دليل يعتمد لا قرآنيا ولا سنيا، بل انجر هذا الأمر إلى المسائل الاعتقادية؛ فاطَّرحوا فيها الأدلة القرآنية والسنية لبناء كثير منها على أمور عادية؛ كقوله [تعالى]3: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ} الآية [الروم: 28].
وقوله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ} [الأعراف: 195].
وأشباه ذلك.
واعتمدوا على مقدمات عقلية غير بديهة4 ولا قريبة من البديهيَّة5، هربا من احتمال يتطرق في العقل للأمور العادية؛ فدخلوا في أشد مما منه فرُّوا، ونشأت مباحث لا عهد للعرب بها وهم المخاطبون أولا بالشريعة؛ فخالطوا الفلاسفة في أنظارهم، وباحثوهم في مطالبهم التي لا يعود الجهل بها على الدين بفساد، ولا يزيد البحث فيها إلا خبالا، وأصل ذلك كله الإعراض عن مجاري العادات في العبارات ومعانيها الجارية في الوجود.
وقد مر فيما تقدم أن مجاري العادات قطعية في الجملة وإن طرق العقل إليها احتمالا؛ فكذلك العبارات؛ لأنها في الوضع6 الخطابي تماثلها أو تقاربها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: ويضم إلى هذه الوجوه الخمسة على سماع الاعتراض على الظاهر تلك المفاسد. "د".
2 في "ماء": "لتطريق".
3 زيادة من "م" و"ط".
4 في "د": "بديهة".
5 في "د": "البديهة".
6 في "ط": "الموضع".(11/72)
ص -405-…ومر أيضًا بيان كيفية اقتناص القطع من الظنيات، وهى خاصة1 هذا الكتاب لمن تأمله والحمد لله؛ فإذن لا يصح في الظواهر الاعتراض عليها بوجوه الاحتمالات المرجوحة؛ إلا أن يدل دليل على الخروج2 عنها، فيكون ذلك داخلا في باب التعارض والترجيح، أو في باب البيان، والله المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تتبع الظنيات في الدلالة أو في المتن أو فيهما، والوجوه العقلية كذلك، ويضم قوة منها إلى قوة، ولا يزال يستقري حتى يصل إلى ما يعد قاطعًا في الموضوع كالتواتر المعنوي، ولا يبالي أن يكون بعض الأدلة ضعيفًا؛ لأنه لا يستند إلى دليل خاص؛ كما أن رواة التواتر المعنوي لا يلزم في جميعهم أن يكون محل الثقة، ولكن المجموع يلزم أن يكون كذلك؛ فهذه خاصية هذا الكتاب في استدلالاته، وهي طريقة ناجحة أدت إلى وصوله إلى المقصود، اللهم إلا في النادر، رحمه الله رحمة واسعة. "د".
2 فتكون حينئذ هي المؤول بعينه. "د".(11/73)
ص -406-…المسألة الخامسة:
الناظر1 في المسائل الشرعية إما ناظر1 في قواعدها الأصلية أو في جزئياتها الفرعية، وعلى كلا الوجهين؛ فهو إما مجتهد أو مناظر، فأما المجتهد الناظر لنفسه؛ فما أداه إليه اجتهاده فهو الحكم في حقه؛ إلا أن الأصول والقواعد إنما ثبتت بالقطعيات2؛ ضرورية كانت أو نظرية؛ عقلية أو سمعية، وأما الفروع؛ فيكفي فيها مجرد الظن على شرطه المعلوم في موضعه، فما أوصله إليه الدليل؛ فهو الحكم في حقه أيضًا، ولا يفتقر إلى مناظرة؛ لأن نظره في مطلبه إما نظر في جزئي، وهو ثانٍ عن نظره في الكلي الذى ينبني عليه، وإما نظر في كلي ابتداء، والنظر في الكليات ثانٍ عن3 الاستقراء، وهو محتاج إلى تأمل واستبصار وفسحة زمان يسع ذلك.
وهكذا إن كان عقليا؛ ففرض المناظرة هنا لا يفيد؛ لأن المجتهد قبل الوصول متطلب من الأدلة الحاضرة عنده؛ فلا يحتاج إلى غيره فيها، وبعد الوصول هو على بينة من مطلبه في نفسه؛ فالمناظرة عليه بعد ذلك زيادة.
وأيضًا؛ فالمجتهد أمين على نفسه، فإذا كان مقبول القول قبله المقلد، ووكله المجتهد الآخر إلى أمانته؛ إذ هو عنده مجتهد مقبول القول؛ فلا يفتقر إذا اتضح له مسلك المسألة إلى مناظرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "النظر.... إما نظر...".
2 ولا يقال: إذا كانت القواعد الأصولية التي تفرع عنها الجزئيات لا بد أن تكون قطعية؛ فكيف يتأتى الخلاف بين الأصوليين في تلك القواعد؛ لأن المراد أنها قطعية هذا المجتهد بعد استقرائه أدلتها حتى يقطع بها؟ وهذا لا ينافي أن غيره يقطع ويجزم بما يخالفها حسبما أدت إليه الأدلة تالتي ارتضاها، ويكون الفرق بين الأصول والفروع أن الأولى لا يعمل ولا يفرع عليها، إلا إذا جزم بخلاف الفروع؛ فإنها يكفي فيها الظن القوي بأن هذا هو حكم الله فيها. "د". وفي "ط": "تثبت بالقطعيات".
3 في الأصل: "على".(11/74)
ص -407-…وهنا أمثلة كثيرة كمشاورة1 رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين2 في مصالحة الأحزاب على نصف تمر المدينة، فلما تبين له من أمرهما عزيمة المصابرة والقتال؛ لم يبغ به بدلا ولم يستشر غيرهما، وهكذا مشاورته3 وعرضه الأمر في شأن عائشة، فلما أنزل الله الحكم؛ لم يلق على أحد بعد وضوح القضية، ولما منعت العرب الزكاة عزم أبو بكر على قتالهم، فكلمه4 عمر في ذلك؛ فلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وإن كانت الأمثلة ما عدا الثاني في مصلحة عامة المسلمين، وليست خاصة بالمجتهد صلى الله عليه وسلم في قتال الأحزاب، ولا بأبي بكر في مثاليه؛ إلا أن المجتهد في الموضوعين لما كان هو المسئول عن الأمر وتنفيذه عُدَ كأنه يجتهد لنفسه، وعليه؛ فلا تكون الأمثلة خارجة عن أصل فرضه. "د".
2 سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وفي رواية لما سألوه أن يناصفهم تمر المدينة؛ قال: "حتى أستأمر السعود هذين، وسعد بن الربيع، وسعد بن خيثمة، وسعد بن مسعود". فقالوا: "لا والله ما أعطينا في أنفسنا الدنية في الجاهلية؛ فكيف وقد جاء الله بالإسلام وأعزنا بك، ما لهم عندنا إلا السيف. "د".
قلت: مضى تخريج ذلك في "1/ 499".
3 فقد دعا عليًا وأسامة بن زيد، فأما أسامة؛ فقال: "أهلك، ولا نعلم إلا خيرًا"، وأما علي؛ فقال: "لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك، وسأل بربرة أيضًا"، أما كلمات سيدنا علي؛ فكانت مخبأة للإسلام بعد، فكان بسببها ما كان. "د".
قلت: مشاورته صلى الله عليه سلم لأسامة وعلي واردة ضمن حديث الإفك الطويل، وقد مضى تخريجه "2/ 422"، وقول الشارح: "أما كلمات سيدنا علي... إلخ" ليس في بصحيح البتة ولا ارتباط بين مشورته رضي الله عنه وما وقع فيما بعد، وتفصيل ذلك يطول.(11/75)
4 حيث قال: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" الحديث؛ فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال.
فإن قلت: أفلا يعد ما وقع من عمر والصحابة في احتجاجهم بالحديث مناظرة على أبي بكر؟
فالجواب: إن هذا داخل في مناظرة المستعين الآتية، وكلامنا الآن في المجتهد الذي =(11/76)
ص -408-…يلتفت إلى وجه المصلحة في ترك القتال؛ إذ وجد النص الشرعي المقتضي لخلافه، وسألوه1 في رد أسامة ليستعين به وبمن معه على قتال أهل الردة فأبى لصحة الدليل عنده بمنع رد ما أنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم2.
وإذا تقرر وجود هذا في الشريعة وأهلها3 لم يحتج بعد ذلك إلى مناظرة ولا إلى مراجعة؛ إلا من باب الاحتياط، وإذا فرض محتاطًا؛ فذلك إنما يقع إذا بنى عليه بعض التردد فيما هو ناظر فيه، وعند ذلك يلزمه أحد أمرين:
إما السكوت اقتصارا على بحث نفسه إلى التبين؛ إذ لا تكليف عليه قبل بيان الطريق.
وإما الاستعانة بمن يثق به، وهو المناظر المستعين؛ فلا يخلو أن يكون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وضحت له القضية؛ فلا يحتاج إلى المناظرة، وأبو بكر من هذا القبيل وإن احتاج غيره إلى مناظرته. "د".
قلت: ومناظرة أبي بكر وعمر مضى تخريجها "1/ 500"، وانظر: "مسند الفاورق" "2/ 672-673" لابن كثير.
1 أي: بلسان عمر؛ فشدد النكير عليهم؛ كما في كتب السير، وفي "السيرة الحلبية" توسع وبسط في الموضع. "د".
2 يشير إلى من أخرج البخاري في "الصحيح" "كتاب المغازي، باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنهما في مرضة الذي توفي فيه، 8/ 152/ رقم 4468، 4469" عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثًا توأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمارته؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: "إن تطعنوا في إمارته؛ فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله؛ إن كان لخليقًا بالإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده".(11/77)
3 أي: الصحابة العارفين بها والمجتهدين في أحكامها، وقوله: "لم يحتج بعد ذلك إلى مناظرة"؛ أي: في إثبات المسألة، أو معناه: لم يحتج في مثله، أي: في الجزئيات التي من قبيله إلى مناظرة وربما ساعد هذا الفهم قوله: "ولا إلى مراجعة إلا من باب الاحتياط". "د".(11/78)
ص -409-…موافقا له في الكليات التي يرجع إليها ما تناظرا1 فيه، أولا.
فإن كان موافقا له صح إسناده2 إليه واستعانته به لأنه إنما يبقى له تحقيق3 مناط المسألة المناظر فيها، والأمر سهل فيها؛ فإن اتفقا فحسن، وإلا فلا حرج لأن الأمر في ذلك راجع إلى أمر ظني مجتهد فيه، ولا مفسدة في وقوع الخلاف هنا حسبما تبين في موضعه.
وأمثلة هذا الأصل كثيرة، يدخل فيها أسئلة الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسائل المشكلة عليهم، كما في سؤالهم4 عند نزول قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم} [الانعام: 82].
وعند نزول5 قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّه} الآية [البقرة: 284].
وسؤال ابن أم كتوم حين نزل: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين} الآية [النساء: 95]، حتى نزل6 {غَيْرُ أُولِي الضَّرَر} [النساء: 95].
وسؤال عائشة عند قوله عليه الصلاة والسلام: "من نوقش الحساب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط" و"م": "تناظر".
2 في "ط": "استناده".
3 بل وتحقيق الأدلة الجزئية من كتاب وسنة أو قياس.. إلخ.
4 مضى لفظه وتخريجه في "3/ 402".
5 مضى لفظه وتخريجه في "4/ 37".
6 يشير المصنف إلى ما أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب الجهاد، باب قول الله عز وجل {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، 6/ 45/ رقم 2831" عن البراء؛ قال: "لما نزلت: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا؛ فجاءه بكتف فكتبها، وشكا ابن أم مكتوبة ضرارته؛ فنزلت: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَر}.
وأخرجه البخاري في "صحيحه" "رقم 2832، وبرقم 4592" عن زيد بن ثابت بنحوه.(11/79)
ص -410-…عذِّب"1، واستشكالها مع الحديث قول الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8].
وأشباه ذلك.
وإنما قلنا: إن هذا الجنس من السؤالات داخل في قسم المناظر المستعين؛ لأنهم إنما سألوا بعد ما نظروا في الأدلة، فلما نظروا أشكل عليهم الأمر، بخلاف السائل عن الحكم ابتداءً، فإن هذا من قبيل المتعلمين؛ فلا يحتاج إلى غير تقرير الحكم، ولا عليك من إطلاق3 لفظ "المناظر" فإنه مجرد اصطلاح لا ينبني عليه حكم، كما أنه يدخل تحت هذا الأصل ما إذا أجرى الخصم المحتج نفسه مجرى السائل المستفيد؛ حتى ينقطع الخصم بأقرب الطرق4 كما جاء في شأن حاجة إبراهيم عليه السلام [قومه]5 بالكوكب والقمر والشمس؛ فإنه فرض نفسه بحضرتهم مسترشدًا حتى يبين لهم من نفسه البرهان أنها ليست بآلهة، وكذلك قوله في الآية الأخرى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الشعراء: 70-71].
فلما سأل عن المعبود سأل عن المعنى الخاص بالمعبود بقوله: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّون} [الشعراء: 72-73]؛ فحادوا عن الجواب إلى الإقرار بمجرد الاتباع للآباء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "33/ 293".
2 حتى قال لها: "ذلك العرض". "د".
3 الذي قد تظهر منافاته لإدخاله هذا الجنس في قسم المناظر المستعين؛ لأن الصحابة لا يعدون مناظرين للنبي صلى الله عليه وسلم إذا روعي معنى المناظرة اصطلاحًا، يعني؛ لأن هذا اصطلاح آخر. "د".
4 لأنه يأخذ من مناظره الموافقة على مقدمات الدليل أولًا فأولًا؛ حتى لا يبقى إلا الاعتراف بالنتيجة. "د".
5 سقطت من "ط".(11/80)
ص -411-…ومثله قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} [الأنبياء: 63].
وقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْء} [الروم: 40].
وقوله: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} [يونس: 35].
وقوله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا} [الأعراف: 195] إلى آخرها.
فهذه الآي وما أشبهها إشارات إلى التنزل منزلة الاستفادة والاستعانة في النظر، وإن كان مقتض ى الحقيقة فيها تبكيت الخصم؛ إذ كان مجيئًا بالبرهان في معرض الاستشارة في صحته؛ فكان أبلغ1 في المقصود في المواجهة بالتبكيت، ولما اخترموا من التشريعات أمورًا كثيرة أدهاها الشرك طولبوا2 بالدليل؛ كقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [الأنبياء: 24].
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس 59].
{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِه} الآية [المؤمنون: 117].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لأن مواجهة الخصم بالتبكيت تنفره من استماع سائر الدليل، وتثير فيه حمية العناد، وقد استعمل القرآن الطريقين في مقامين. "د".
2 الفرق بين هذا النوع وما قبله في محاجة إبراهيم وما بعدها، أن تلك فيها الأسئلة تفصيلية تؤخذ منها مقدمات الدَّليل الخاص الذي يقوم حجة على الخصم، أما هذه؛ فالسؤال فيها بطلب البرهان إجمالًا على دعواهم، يعني: وهم عاجزون عنه؛ فلم يبق إلا تسليمهم ببطلانها. "د".(11/81)
ص -412-…وهو من جملة المجادلة بالتي هي أحسن.
وإن كان المناظر مخالفًا له في الكليات التي ينبني عليها النظر في المسألة؛ فلا يستقيم له الاستعانة به، ولا ينتفع به في مناظرته؛ إذ ما من وجه جزئي في مسألته إلا وهو مبني على كلي، وإذا خ الف في الكلي؛ ففي الجزئي المبني عليه أولى؛ فتقع مخالفته في الجزئي من جهتين، ولا يمكن رجوعها إلى معنى متفق1 عليه؛ فالاستعانة مفقودة.
ومثاله في الفقهيات مسألة الربا في غير المنصوص عليه؛ كالأرز، والدخن، والذرة، والحلبة، وأشباه ذلك؛ فلا يمكن الاستعانة هنا بالظاهريّ النافي للقياس لأنه بانٍ على نفي القياس جملة، وكذلك كل مسألة قياسية لا يمكن أن يناظر فيها مناظشرة المستعين؛ إذ هو مخالف في الأصل الذي يرجعان إليه، وكذلك مسألة الحلبة والذرة أو غيرهما بالنسبة إلى المالكي إذا استعان بالشافعي أو الحنفي وإن قالوا بصحة القياس؛ لبنائهما المسألة على خلاف2 ما يبني عليه المالكي، وهذا القسم شائع في سائر الأبواب؛ فإن المنكر للإجماع لا يمكن الاستعانة به في مسألة تنبني على صحة الإجماع، والمنكر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: فتضيع فائدة المناظرة التي يقصد منها رجوع المتناظرين إلى الحق. "د".(11/82)
2 القياس يتوقف على العلة؛ فبعد الاتفاق عليها تمكن الاستعانة في مثل هذا الموضوع؛ أما إذا اختلف فيها كما هنا؛ فلا يتأتى الاتفاق في نتيجة القياس؛ فامالكية يقولون: إن العلة في ربا النسيئة مجرد الطعم لا على وجه التداوي، فيدخل فيه الخضر والفواكه والبقول؛ فيمنع فيها النسيئة ولو متساوية، ومن ذلك الحلبة ولو جافة، وربا الفضل علته الاقتيات والادخار، أي مجموع الأمرين، فالطعام الربوي ما يقتات ويدخر، فهذا يمنع فيه الفضل في الجنس الواحدج، والنسيئة مطلقًا، ومنه الأرز والدخن والذرة، ويلحق به المصطلح، والشافعية يقولون: كل مطعوم ولو خضرًا أو دواء أو مصلحًا يدخله ربا الفضل وربا النسيئة، والحنفية يقولون: العلة الاتفاق في الجنس والتقدير بالكيل والوزن؛ كما ذكره في "البحر". "د".(11/83)
ص -413-…لإجماع أهل المدينة لا يمكن أن يستعان به في مسألة تنبني عليه من حيث هو منكر، والقائل بأن صيغة الأمر للندب أنو اللإباحة أو بالوقف لا يمكن الاستعانة بهم لمن كان فائلًا بأنها للوجوب ألبتة.
فإن فرض المخالف مساعدًا صحت الاستعانة، كما إذا كان مساعدًا حقيقة، وهذا لا يخفى.
فصل:
وإذا فرض المناظر مستقلًا بنظره غير طالب للاستعانة ولا مفتقرًا إليها، ولكنه طالب لرد الخصم إلى رأيه أو ما هو منزل منزلته؛ فقد تكفل العلماء بهذه الوظيفة1، غير أن فيها أصلًا يرجع إليه، وقد مر التنبيه عليه في أول كتاب الأدلة2، وهنا تمامه بحول الله، وهي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وقد توسعوا في ذيك، وأطالوا في باب القياس الأصولي واعتراضاته، كما دون أهل المنطق فنًّا خاصًا في طرق الاعتراض على الحدود والأقيسة. "د".
2 في المسألة السادسة، وقد أحال بقية البيان هناك على المسألة السادسة هنا. "د".(11/84)
ص -414-…المسألة السادسة:
فنقول: لما انبنى الدليل على مقدمتين: إحداهما تحقق المناط، والأخرى تحكم عليه، ومر أن محل النظر هو تحقق المناط ظهر انحصار الكلام بين المتناظرين هنالك، بدليل الاستقراء، وأما المقدمة الحاكمة، فلا بد من فرضها مسلمة.
وربما وقع الشك في هذه الدعوى، فقد يقال: إن النزاع قد يقع في المقدمة الثانية، وذلك أنك إذا قلت: "هذا مسكر" وكل [مسكر]1 خمر أو وكل مسكر حرام"؛ فقد يوافق الخصم على أن هذا مسكر وهي مقدمة تحقيق المناط، كما أنه قد يخالف فيها أيضًا، وإذا خالف فيها فلا نكير على الجملة لأنها محل الاختلاف، وقد يخالف فثي أن كل مسكر خمر؛ فإن الخمر إنما يطلق على النيىء من عصير العنب، فلا يكون3 هذا المشار إليه خمرًا وإن أسكر، وإذ ذالك لا يسلم أن كل مسكر مر، ويخالف أيضًا في أن كل مسكر حرام؛ فإن الكلية لهذه المقدمة لا تثبت لأنها مخصوصة أخرج منها النبيذ بدليل دل عليه، وإذا لم تصح كليتها؛ لم يكن فيها دليل، فإذًا [قد]4 صارت منازعًا فيها؛ فكيف يقال بانحصار النزاع في إحدى المقدمتين دون الأخرى؟ بل كل واحدة منهما قابلة النزاع، وهو خلاف ما تأصّل.
والجواب: أن تقدم صحيح، وهذا الإشكال غير وارد، وبيانه أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقطت من "د" و"ف"، وكتب "د" ما نصه: "لعله سقط هنا كلمة "مسكر" كما يدل عليه لاحق الكلام".
2 أي: فلا بدع في ذلك، ولا ضرر في طريق المناظرة. "د".
3 أي: فلا يلزم إلا بعد تحقق أنه نيء من عصير العنب. "د".
4 ما بين المعقوفتين سقط من "د".(11/85)
ص -415-…الخصمين إملاا أن يتفقا على أصل يرجعان إليه أم لا، فإن لم يتفقا على شيء1؛ لم يقع بمناظرتهما فائدة بحال، وقد مر هذا، وإذا كانت الدعوى لا بد لها من دليل، وكان الدليل عند الخصم متنازعًا فيه، فليس عنده بدليل؛ فصار الإتيان به عبثًا لا يفيد فائدة ولا يحصل [مقصودًا، و]2 مقصود الماظرة رد الخصم إلى الصواب بطريق يعرفه؛ لأن رده بغير ما يعرفه من باب تكليف ما لا يطاق؛ فلا بد من رجوعهما إلى دليل يعرفه الخصم السائل معرفة الخصم المستدل.
وعلى ذلك دل قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية [النساء: 59]؛ لأن الكتاب والسنة لا خلاف فيهما عند أهل الإسلام، وهما الدليل والأصل المرجوع إليه في مسائل التنازع، وبهذا [المعنى] وقع الاحتجاج على الكفار؛ فإن الله تعالى قال: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون} إلى قوله: {قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 84-89].
فقررهم بما به أقروا، واحتج [عليهم] بما عرفوا؛ حتى قيل لهم: {فَأَنَّى تُسْحَرُون} [المؤمنون: 89]، أي: فكيف تخدعون عن الحق بعد ما أقررتم به، فادعيتم مع الله إلهًا غيره؟
وقال تعالى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42].
وهذا من المعروف عندهم؛ إذ كانوا ينحتون بأيديهم ما يعبدون.
وفي موضع آخر: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95].
وقال تعالى: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة: 258].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "م": يتفقا على [كل] شيء.
2 سقطت من "ط".(11/86)
ص -416-…قال له ذلك بعد ما ذكر له قوله: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258]؛ فوجد الخصم مدفعًا، فانتقل إلى ما لا يمكنه فيه المدفع [لا] بالمجاز ولا بالحقيقية، وهو من أوضح الأدلة فيما نحن فيه.
وقال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} الآية [آل عمران: 59]؛ فأراهم البرهان بما لم يختلفوا فيه، وهو آدم.
وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران: 65]، وهذا قاطع في عواهم أن إبراهيم يهودي أو نصراني.
وعلى هذا النحو تجد احتجاجات القرآن؛ فلا يؤتى فيه إلا بدليل يقر الخصم بصحته شاء أم أبى.
وعلى هذا النحو تجد احتجاجات القرآن؛ فلا يؤتي فيه إلا بدليل يقر الخصم بصحته شاء أم أبى.
وعلى هذا النحو جاء الرد على من قال: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 91]؛ قال تعالى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} الآية [الأنعام: 91]؛ فحصل إفحامه بما هو به عالم.
وتأمل حديث صلح الحديبية؛ ففيه إشارة إلى هذا المعنى، فإنه لما أمر عليًا أن يكتب "بسم الله الرحمن الرحيم". قالوا: ما نعرف "بسم الله الرحمن الرحيم"، ولكن اكتب ما نعرف: "باسمك اللهم". فقال: "اكتب: من محمد رسول الله"، قالوا: لو علمنا أنك رسول الله لاتبعناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك؛ فعذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان قولهم1 من حمية الجاهلية، وكتب على ما قالوا2، ولم يحتشم من ذلك حين أظهروا [له] النَّصَفة من عدم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "د": "وإن كان هذا من حمية..."، وفي "ط": "وإن كان قولهم ذلك من...".
2 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب المغازي، باب عمرة القضاء، 8/ 499/ رقم 4251" عن البراء بن عازب بنحوه.(11/87)
ص -417-…العلم وأنهم إنما يعرفون كذا.
وإذا ثبت هذا؛ فالأصل المرجوع إليه هو الدليل الدال على صحة الدعوى، وهو ماتقرر في المقدمة الحاكمة؛ فلزم1 أن تكون مسلمة عند الخصم من حيث جعلت حاكمة في المسألة؛ لأنها إن لم مسلمة لم يفد الإتيان بها، وليس فائدة التحام إلى الدليل إلا قطع النزاع ورفع الشغب2، وإذا كان كذلك؛ فقول القائل: "هذا مسكر وكل مسكر خمر" إن فرض تسليم الخصم فيه للمقدمة الثانية؛ صح الاستدلال من حيث أتى بدليل مسلم، وإن فرض نزاع الخصم فيها لم يصح الاستدلال بها ألبتة، بل تكون مقدمة تحقيق المناط في قياس آخر، وهي التي لا يقع النزاع إلا فيها؛ فيبين أن كل مسكر خمر بدليل استقراء أو نص أو غيرهما، فإذا بين3 ذلك حكم عليه بأنه حرام مثلُا إن كان مسلمًا أيضًا عند الخصم، كما جاء في النص: "إن كل خمر حرام"4، وإن نازع في أن كل خمر حرام؛ صارت مقدمة تحقيق المناط، ولا بد إذ ذاك من مقدمة أخرى تحكم عليها، وفي كل مرتبة من هذه المراتب لا بد من مخالفة الدعوى للدعوى الأخرى التي في المرتبة الأخرى؛ فإن سؤال السائل: هل كل خمر حرام؟ مخالف لسؤاله إذا سأل: هل كل مسكر خمر؟
وهكذا سائر مراتب الكلام في هذا النمط؛ فمن هنا لا ينبغي أن يؤتى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وليس فيه ذكر للبسملة، ووردت في حديث المِسْوَر بن مخرمة، أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، 5/ 329-330/ رقم 2731، 2732"، وهو ضمن حديث طويل.
3 النَّصَفة؛ بالتحريك: اسم الإنصاف، وتفسيره أن تعطيهمن نفسك النَّصف، أي تعطيه من الحق كالذي تستحق لنفسك، قاله في "لسان العرب". "ماء".
1 في "ط": "فيلزم".
2 أي: تهييج الشر. "ماء".
3 في "ط": "تبين".
4 مضى تخريجه "4/ 360".(11/88)
ص -418-…بالدليل على حكم المناط منازعًا فيه، ولا مظنة للنزاع فيه؛ إذ يلزم فيه الانتقال من مسألة إلى أخرى لأنا إن فعلنا ذلك لم تتخلص لنا مسألة، وبطلبت فائدة المناظرة.
فصل:
واعلم أن المراد بالمقدمتين ها هنا ليس ما رسمه أهل المنطق على وفق الأشكال المعروفة، ولا على اعتبار التناقض والعكس، وغير ذلك وإن جرى الأمر على وفقها في الحقيقة؛ فلا يستتب جريانه على ذلك الاصطلاح؛ لأن المراد تقريب الطريق الموصل إلى المطلوب على أقرب ما يكون، وعلى وفق ما جاء في الشريعة، وأقرب الأشكال إلى هذا التقرير1 ما كان بديهيًا في الإنتاج أو ما أشبهه من اقتراني أو استثنائي، إلا أن المتحرى فيه إجراؤه على عادة العرب في مخاطباتها ومعهود كلامها، إذ هو أقرب إلى حصول المطلوب على أقرب ما يكون، ولأن التزام الاصطلاحات المنطقية والطرائق المستعملة فيها مبعد عن الوصول إلى المطلوب في الأكثر؛ لأن الشريعة لم توضع إلا على شرط الأمية، ومراعاة علم المنطق في القضايا الشرعية مُنافٍ لذلك؛ فإطلاق لفظ المقدمتين لا يستلزم ذلك الاصطلاح.
ومن هنا يعلم منى ما قاله المازري في قوله عليه الصلاة والسلام: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام"2؛ قال: "فنتيجة3 هاتين المقدمتين أن كل مسكر حرام"، قال: "وقد أراد بعض أهل الأصول أن يمزج هذا بشيء من علم أصحاب المنطق؛ فيقول: إن أهل المنطق يقولون: لا يكون القياس ولا تصح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ماء": "التقريب".
2 مضى تخريجه "4/ 360".
3 في مطبوع "العلم" "3/ 63، فقرة قم 937": "فإن نتيجة...".(11/89)
ص -419-…النتيجة إلا بمقدتين، فقوله: "كل مسكر خمر" مقدمة لا تنتج بانفرادها شيئًا...1.
وهذا وإنت اتفق لهذا الأصولي ها هنا2 وفي موضع أو موضعين في الشريعة؛ فإنه لا يستمر في سائر أقيستها، ومعظم طرق الأقيسة الفقهية لا يسلك فيها هذا المسلك، ولا يعرف من هذه الجهة، وذلك أنا [مثلُا]3 لو عللنا تحريمه عليه الصلاة والسلام التفاضل في البُرّ بأنه مطعوم كما قال الشافعي؛ لم نقدر أن نعرف هذه العلة إلا ببحث4 وتقسيم، فإذا5 عرفناها؛ فللشافعي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في مطبوع "المعلم" "3/ 64" بعد كلمة "شيئًا" ما نصه: وهم يسمون اللفظة الأولى من المقدمة موضوعًا، واللفظة الثانية محمولًا، بمعنى أن اللفظة الأولى وضعت لأن تحمل الثانية عليها؛ فيكون المحمول في المقدمة الأولى هو الموضوع في المقدمة الثانية، وتكون النتيجة موضوع المقدمة الأولى ومحمول الثاني، فيصير كل مسكر حرام، ويجعل أصحاب المنطق هذا أصلًا يسهلون به معرفة النتائج والقياس، وهذا وإن اتفق...".
2 أي: في نظم هذا الحديث الذي جاء على رسم المنطق مصادفة. "د".
3 سقطت من النسخ المطبوع، وهي في الأصل و"ط"، وعند المازري في "المعلم" "3/ 64".(11/90)
4 أي: عن الصفات اللاحقة للبُرِّ، وتقسيم لها بين ما يصلح علة وإمارة شرعية على حرمة التفاضل وما يصلح، وهذا هو المعبر عنه بالسبر والتقسيم عندهم، وبعد معرفتها بهذا الطريق يستوي أن تجعلها حدًا أوسط، ونصوغ الدليل على طريقة أهل المنطق، وألا نجعلها كذلك؛ فنعبر بأي عبارة، فنقول مثلُا: السفرجل ربوي لأنه من المطعومات، والموضع يستمد من تعريف الدليل عند كل من الأصوليين والمنطقيين ومعرفلة النسبة بينهما باعتبار التحقق والوجود، والرد ا لمشار إليه ممكن كما بسطوه في شرح قول ابن الحاج: "ولا بد من مستلزم للمطلوب حاصل للمحكوم عليه، فمن ثم وجبت المقدمتان". فقالوا: إن هذا ظاهر على الاصطلاح المنطقي، أما على الأصولي الذي يقول: إن الدليل هو المفرد كالعالم مثلُا، فإنما تجبان فيه من حيث يتعلق به النظر بالفعل، ويكون معنى الاستلزام حينئذ المناسبة المصححة للانتقال. "د".
5 في "د": "فإذ"، وفي الأصل و"ف" و"م" و"ط" و"ماء" ما أثبتناه، وكذا في "المعلم" "1/ 64"(11/91)
ص -420-…أن يقول حينئذ: كل سفرجل مطعوم، وكل مطعوم ربوي؛ فيكون النتيجة السفرجل ربوي"1.
قال: "ولكن هذا لا يفيد الشافعي فائدة؛ لأنه إنما عرف هذا وصحة هذه النتيجة بطريقة أخرى، فلما عرفها من تلك الطريقة أراد أن يضع عبارة يعبر بها مذهبه؛ فجاء بها على هذه الصيغة"3.
قال: ولو جاء بها على أي صيغة أراد مما يؤدي منه مراده4؛ لم يكن لهذه الصيغة مزية عليها"5.
قال: وإنما6 نبهنا على ذلك لما ألفينا بعض المتأخرين صنف كتابًا أراد أن يرد فيها أصول الفقه لأصول علم المنطق"7.
هذا ما قاله المازري، وهو صحيح في الجملة، وفيه من8 التنبيه ما ذكرناه من عدم التزام طريقة أهل المنطق في تقرير القضايا الشرعية، وفيه9 أيضًا إشارة إلى ما تقدم من أن المقدمة الحاكمة على المناط إن لم يكن متفقًا عليها مسلمة عند الخصم؛ فلا يفيد وضعها دليلًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "المعلم بفوائد مسلم" "3/ 64".
2 في مطبوع "المعلم" "3/ 64" "ما يفيد...".
3 "المعلم بفوائد مسلم" "3/ 64".
4 في مطبوع "المعلم": "مما تؤدي عنه مراده".
5 "المعلم بفوائد مسلم" "3/ 64".
6 في "م": "وإنا"
7 "المعلم بفوائد مسلم" "3/ 64".
8 أي: حيث قال "فالشافعي... إلخ". "د".
9 أي: حيث قال "ولكن هذا لا يفيد الشافعي شيئًٍا". "د".(11/92)
ص -421-…ولما كان قوله عليه الصلاة نالسلام: "وكل خمر حرام"1 مسلمًا؛ لأنه نص النبي؛ لم يعترض فيه المخالف، بل قابله بالتسليم، واعترض القاعدة بعدم2 الطراد، وذلك مما يدل على أنه من كلامه عليه الصلاة والسلام أمر اتفاقي، لا أنه قصد قصد المنطقيين.
وهكذا يقال في القياس الشرطي في نحو قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]؛ لأن "لُو" لما سيقع3 لوقوع غيره؛ فلا استثناء لها4 في كلام العرب قصدًا، وهو معنى تفسير سيبويه5، ونظيرها6 "إنْ"؛ لأنها تفيد ارتباط الثاني بالأول في التسبب، والاستثناء لا تعلق له بها في صريح كلام العرب؛ فلا احتياج إلى ضوابط المنطق في تحصيل المراد في المطالب الشرعية.
وإلى هذا المعنى- والله أعلم- أشار الباجي في "أحكام الفصول"7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مضى تخريجه "4/ 360".
2 أي: القائلة: لا تصح النتيجة... إلخ. "د".
3 عبارة سيبويه: "لما كان سيقع لوقوع غيره". "د".
4 أي: فلا يؤتى بعدها بقضية استثنائية لنقيض التالي حتى يرفع المقدم، ولا لعين المقدم ليثبت التالي. "د".
5 في كتابه "الكتاب" "2/ 332".
6 أما المناطقة؛ ففرقوا بينهما بأن استعمال "لو" لما يستثنى فيه نقيض التالي؛ لأنها وضعت لتعليق العدم بالعدم، واستعمال "إن" لما يستثنى فيه عين المقدم؛ لأنها وضعت لتعليق الوجدود بالوجود، والله أعلم. "د".
7 ففيه "ص529-531، فقرة رقم 567، 568" ما نصه: "وقد زعمت الفلاسفة أن القياس لا يصح ولا يتم من مقدمة واحدة، لا يكون عنها نتيجة، وإنما ينبني القياس من مقدمتين فصاعدًا؛ إحداهما قول القائل: "كل حي قادر" والثانية: "كل قادر فاعل"، والمقدمة عندهم مقال موجب شيئًا لشيء أو سالب شيئًا عن شيء؛ فالموجب كقولنا: "كل حي قادر"، والسالب كقولنا: =(11/93)
ص -422-…حين رد على الفلاسفة في زعمهم أن لا نتيجة إلا من مقدمتين، ورأى أن المقدمة الواحدة قد تنتج، وهو كلام مشكل الظاهر؛ إلا إذا طولع به هذا الموضع فربما استقام في النظر1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= "كل حي ليس بميت"، وهذا ليس من القياس بسبيل ولا له به تعلق.
وذلك أننا قد بينا أن القياس عند أهل النظر وفي مقتضى اللغة إنما هو حمل أمر على أمر بوجه يجمع بينهما فيه ويسوي بينهما في الحكم لأجله، وقد دللنا على ذلك، وإذا كان ذلك وجب أن يكون ما قالوه ليس من القياس بشيء، وإنما هو ضم قول إلى قول يقتضي أمرًا من الأمور، وهو موجب ضم القولين ومقتضاه من غير حمل شيء على شيء ولا قياسه عليه، وما سموه نتيجة، فإنما هو موجب ضم أحد القولين إلى الآخر.
وما يبين ذلك اتفاقنا نحن وهم على أن قولنا: "زيد حي" يقتضي أنه ليس بميت، وينتج منه سلب الموت عنه، ومع ذلك؛ فليس بقياس، وكذلك قولنا: "زيد عالم" ينتج منه نفي الجهل عنه، وليس بقياس.
ومما يدل على ذلك أنه قد تنتج لنا القسمة الصحيحة للأمر العام شيئًا معلومًا من غير أن تكون القسمة المنتجة من مقدماتهم ولا معدودة في مقاييسهم، وذلك أننا إذا قلنا: "الموجود قسمان: قديم..."؛ علم كل سامع أن القسم الآخر ليس بقديم، وتنتج هذا من جهة القسمة وتحديد أحد القسمين، وهذا بين في فساد ما ذهبوا إليه.(11/94)
ولولا من يعتني بجهالاتهم من الأغمار والأحداث؛ لنزهنا كتابنا عن ذكر الفلاسفة، ولكن قد نشأ أغمار وأحداث جهال عدلوا عن قراءة الشرائع وأحكام الكتاب والسنن إلى قراءة الجهالات من المنطق، واعتقدوا صحتها، وعولوا على متضمنها دون أن يقرؤوا أقوال خصومهم من أهل الشرائع ا لذين أحكموا هذا الباب وحققوا معانيه، وعدتهم الملحدة مثل الكندي والرازي وغيرهما الذين يترجمون كتبهم بأقوال تغر من لا علم له بكتبهم وأقوالهم ومذاهبهم؛ فيقولون: "إنا نثبت صانعًا يفعل الطبائع في الأجسام، ثم الطبائع بعد ذلك تفعل العل والأغراض والأمراض"؛ فسهلوا على الأغمار باب الكفر، وجعلوا لهم سترًا وجنة عن عوام الناس، ومن لا خبر له بما تؤول إليه أقوالهم، ولو أن هؤلاء الممتحنين بهذه الطريقة تصفحوا كتاب الله وسنة رسوله وأقوال المتكلمين من المسلمين والفقهاء وذوي الأفهام؛ لبان لهم بأدنى نظر الحق، وتبين لهم الصدق، والله المستعان".
1 في "ط": "فيه هذا النظر".(11/95)
ص -423-…وقد تم والحمد لله الغرض المقصود، وحصل بفضل الله إنجاز ذلك الموعود على أنه قد بقيت أشياء لم يسع إيرادها؛ إذ لم يسهل على كثير من السالكين مرادها، وقل على كثرة التعطش إليها ورادها فخشيت أن لا يردوا مواردها وأن لا ينظموا في سلك التحقيق شواردها؛ فثنيت من جماح بيانها العنان، وأرحت من رسمها القلم والبنان، على أن في أثناء الكتاب رموزًا مشيرة، وأشعة توضح من شمسها المنيرة، فمن تهدي إليها رجا بحول الله الوصول، ومن لا؛ فلا عليه إذا اقتصر التحصيل على المحصول؛ ففيه إن شاء الله مع تحقيق علم الأصول علم يذهب به مذاهب السلف، ويقِفُه1 على الواضحة إذا اضطرب النظر واختلف.
فنسأل الله الذي بيده ملكوت كل شيء أن يعيننا على القيام بحقه، وأن يعاملنا بفضله ورفقه، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل و"ف": "ويفقه".
2 من الأصل وحده.
قال "د": "والحمد لله الذي أنعم بالتوفيق لهذه الصبابة في خدمة أصول الدين، والصلاة والسلام على الرسول الأكرم وكافة الآل والصحابة وسائر التابعين، والتوجه إلى الله في القبول؛ فإنه غاية المأمول، ونهاية المسؤول، تم بتوفيقه تعالى الجزء الرابع والأخير من كتاب "الموافقات" نفع الله به المسلمين، وأثاب مؤلفه وشارحه وطابعه وناشره، وكل من أدى فيه خدمة للعلم والدين، وأعان على تيسيره للطالبين، آمين، والحمد لله رب العالمين".(11/96)
ص -424-…......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وجاء في نهاية الأصل: "تم جميع الثاني من كتاب "الموافقات"".
وفي "ف" ما نصه: "تم هذا التعليق بعون الله وتوفيقه مع العناية بتصحيح الأصل من الجزء الثالث إلى هنا حسبما أشرنا إليه الفهم على يد أفقر العباد وأحوجهم إلى مولاه الرؤوف: محمد بن حسنين بن محمد مخلوف العدوي المالكي عفي عنه، وذلك بمصر، يوم الخميس 8 شوال، سنة 1341هـ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".
وتعليقات "ف" عبارة عن تتمة لما كتبه "خ"، والموجود في آخر طبعته ما نصه: "قد تم بعون الله وقوته طبع الجزء الثاني من "الموافقات"، يليه إن شاء الله الجزء الثالث مفتتحًا بالأدلة الشرعية".
وفي نهاية "م" ما رسمه: "وقد تم – والحمد الله- الغرض المقصود، وحصل -بفضل الله- إنجاز ذلك الموعود، وعلى أنه قد بقيت أشياء لم يسع إيرادها؛ إذ لم يسهل على كثير من السالكين مرادها، وقل على كثرة التعطش إليها ورادها، فخشيت أن لا يردوا مواردها، وأن لا ينظموا في سلك التحقيق شواردها؛ فثنيت من جماح بيانها العنان، وأرحت من رسمها القلم والبنان، على أن في أثناء الكتاب رموزًا مشيرة، وأشعة توضح من شمسها المنيرة، فمن تهدي إليها رجا بحول الله الوصول، ومن لا؛ فلا عليه إذا اقتصر التحصيل على المحصول، ففيه –إن شاء الله- مع تحقيق علم الأصول، علم يذهب به مذاهب السلف، ويقفه على الواضحة إذا اضطرب النظر واختلف؛ فنسأل الله الذي بيده ملكوت كل شيء أن يعيننا على القيام بحقه، وأن يعاملنا بفضله ورفقه، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى".(11/97)
قال أبو عبيدة عفى الله عنه: فرغت من التعليق على هذا السفر العظيم –بعون الله وكرمه- وضبط نصه، وتخريج أحاديثه وآثاره، وتوثيق ما استطعت من نصوصه، ومراجعة مادته، في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1417هـ، وكان البدء فيه في أوائل شعبان سنة 1415هـ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وجزى الله مؤلفه وكل من خدمه، وأعان على نشره، خير الجزاء.(11/98)
ص -425-…تقريظ الموافقات:
جاء في آخر طبعة "ف" ما نصه:
الحمد الله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، أما بعد؛ فيقول مدير إدارة الطباعة المنيرية بمصر المحمية الفقيرة إلى مولاه الغني: محمد منير عبده آغا الدمشقي الأزهري: قد تم بعون الله وحسن توفيقه طبع كتاب "الموافقات في أصول الفقه" للعالم الإمام المجتهد الأصولي النظار أبي أسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، المتوفى سنة "790" هجرية.
وقد بذلت الوسع في تصحيحه؛ فكم من ليالٍ سهرتها، وأسفار راجعتها، وفكر أجلته، وجهد بذلته؛ حتى بدا كالعروس جللها الوقار، أو الشمس ساطعة في رابعة النهار، ومع ذلك لا أبرىء نفسي؛ فالذكي من حسبت غلطاته، والعاقل من عدت سقطاته، والعصمة بيد الله، ومن الله أرجو الثواب، وإليه المرجع والمآب.
وقد قرظه صديقنا الفاضل صاحب الإمضاء؛ قال:
بموافقات الشاطبي علم الأصول…أضحى على طلابه سهل الحصول
ما حاولوا وصلًا بها إلا وقد…فتحت لهم في الحال أبواب الوصول
جادت بها أفكار عالم مغرب…فغدت كمثل السحر تأخذ بالعقول(11/99)
ص -426-…جمعت لباب العلم من أبوابه…وأراحت الألباب من كل الفضول
لم ينح نحو الشاطبي مؤلف…فيما رأينا من تآليف الفحول
منهم مخل بالمراد ومسهب…والشاطبي أتى بما يشفي الغليل
كم ألف العلما وفند قولهم…والشاطبي مصدق فيما يقول
نقد المسائل غثها وسمينها…فجنا السمين ورد ما يحكمى بقيل
آثاره في الكون مشرقة وهل…يحتاج ضوء الزبرقان إلى دليل
ذاك ابن أندلس وخدن2 علومها…في كل مسألة له باع طويل
غرناطة الغراء ما أنفكت عليْـ…ـه حزينة والغرب من ذاك القبيل
إن غاب قطب زمانه فعلومه…منبثة في الناس جيلًا بعد جيل
ورد المناهل صفوها حتى ارتوى…فغدا يؤلف في الفروع وفي الأصول
لا سيما هذا الكتاب المقتنى…في طيه غرر المسائل والفصول
بمقدمات زان حلية صدره…وبنى مقاصده على أصل أصيل
يغنى اللبيب بعلمه عن غيره…وبما تمس إليه حاجته كفيل
قد سد أبواب اعتراض بالتحر…ي في كتابته فمن أين الدخول
فعلامَ يعترض الممتنع طرفه…أعلى كلامٍ أم على شيخ جليل
فالوصف والموصوف كل منهما…في ذاته فرد فليس له مثيل
هذا كتاب لا محالة يقتنى…فخذوه بالثمن الكثير أو القليل
فعدولكم عن مثل هذا آفة…ولمثلكم لا ينبغى عنه العدول
سمح الزمان به ولم يبخل على…من ظن أن وجود هذا يستحيل
لم يأت إلا ناسخًا فكأنه…وحي أتى يومًا بواسطة الرسول
أجدى بطبع فائق نفعًا فما…لذوي النهي إلا التلقي بالقبول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القمر.
2 أي: سرها.(11/100)
ص -427-…هذا وإن العلم يشكر سعي من…طبع الكتاب وخصه باسم السليل1
ذاك الهمام محمد أعني منيرًا…من أنار بعزمه هذا السبيل
في طبعه لم يأل جهدًا ذلك الـ…ـعلامة السلفي ذو المجد الأثيل
وسليله للطبع أكرم من دعا…بلسان حال عابد الهادي2 النبيل
يا حبذا العمل الذي يبقي لصا…حبه جميل الذكر والأجر الجزيل
متعت طرفي في محاسن طبعه…فكأنه في روضةٍ غنَّا يجول
وبه انتهى أدبي إلى تاريخه…سفر جميل خص بالطبع الجميل
1341 هجرية
340 83 690 114 114
الحسن أحمد البوزيدي الحسني الجزائري
من علماء الأزهر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: نجل ناشر هذا الكتاب.
2 زيادة الألف في عبد بعد العين للضرورة.(11/101)
ص -429-…الاستدراكات:
"استدراك 1":
ومن لطيف قول أبي إسحاق الإسفراييني "ت 418هـ": "القول بأن كل مجتهد مصيب أوله سفسطة، وآخره زندقة". كذا في "السير" "17/ 355".
وانظر: "الاختلاف وما إليه" "ص40 وما بعدها".
"استدراك 2":
ألمح المصنف إلى الفرق بين الخلاف والاختلاف، والأول ما كان عن هوى… والآخر ما صدر عن المجتهدين، وهذه التفرقة محض اصطلاح للمصنف، لم يلتزمه العلماء في مدوناتهم، فهم يذكرونهما على سواء. انظر مبحثًا مبسوطًا في بيان ذلك "مجموعة بحوث فقهية" لعبد الكريم زيدان "ص273-303".
"استدراك 3":
وري مرفوعًا، عند الطبراني في "الكبير" "12/ رقم 13567" - ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" "2/ 242-243" - والقضاعي في "الشهاب" رقم "311"، وابن طولون في "الأربعين في فضل الرحمة والراحمين" "رقم 29" وهو موضوع، كما في "الدر الملتقط" "22" و"الأسرار المرفوعة" "رقم 130".
"استدراك 4":
انظر الجمع بينهما في: "غاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم" لابن الملقن "ص268-270"، و"شرح النووي على صحيح مسلم" "1/ 121-122"، و"العقيدة الطحاوية" "ص169-174".(11/102)
ص -431-…الموضوعات والمحتويات:
الموضوع الصفحة
القسم الخامس من الموافقات 5
كتاب الاجتهاد 7
أطراف النظر في كتاب الاجتهاد الثلاثة 7
الأول: يتعلق بالمجتهد من جهة الاجتهاد 7
الثاني: يتعلق بفتوى المجتهد 7
الثالث: يتعلق بإعمال قوله والاقتداء به 7
الأول: المجتهد والاجتهاد 9
المسألة الأولى:
الاجتهاد ضربان: ما يمكن أن ينقطع قبل فناء الدنيا والثاني ما لا يمكن أن ينقطع حتى
ينقطع أصل التكليف 11
تعريف الاجتهاد 11
هل تخلو العصور من المجتهدين 11
الاجتهاد الذي لا ينقطع هو المتعلق بتحقيق المناط 12
تحقيق المناط وتعريفه مع توضيح له 12
تعريف العدالة الشرعية المطلوبة في الراوة والعلماء 13
أقسام العدالة 13
الشهادات والوصايا للفقراء 13-14
الفقر: تعريفه عند المالكية 13-14(11/103)
ص -432-…النفقات 14
التقليد أو الاجتهاد في تحقيق المناط 14
عمومية الشريعة 14
من أحكام القضاء 15-16
علم القضاء وكلمة جامعة 16
احتياج كل مكلف إلى نوع اجتهاد يخصه 16
السهو في الصلاة 16
جزاء الصيد للمحرم 17
اعتبار المثل في الأنعام وتوضيح بالأمثلة 17
يدخل في الاجتهاد ما ليس منه في عرف الفقهاء -أمثلة 17
وذكر اختلاف العلماء والفقهاء في عده منه أو لا 18
الامتثال في التكليف 18
الضرب الثاني وهو الاجتهاد الذي يمكن أن ينقطع
أماكن وقوع الاجتهاد -أنواعه 19
الأول: تنقيح المناط 19
تعريفه أصوليًا ولغويًا وتوضيح له 19
تقسيم تنقيح المناط باعتبار طرق الحذف أربعة أقسام 21-22
إنكار إبي حنيفة للقياس في الكفارات 21
الثاني: تخريج المناط 21
توضيح ذلك بالأمثلة 21
تعريفه المناط؛ لغويًا وأصوليًا 21-22
الثالث: نوع من تحقيق المناط المتقدم الذكر 22
وهو ضربان: أحدهما ما يرجع إلى الأنواع لا إلى الأشخاص 23
والثاني: ما يرجع إلى تحقيق مناط فيما تحقق مناط حكمه 23
تحقيق المناط وتقسيم آخر له؛ تحقيق عام، وتحقيق خاص من العام 23
توضيح القسمين 23-24
التقوى والعلم والحكمة من القسم الثاني 24-25(11/104)
ص -433-…النظر فيما يصلح بكل مكلف في نفسه بحسب وقت دون وقت.... 25
صحة هذا الاجتهاد ودخوله تحت عموم تحقيق المناط 26
مثال عن سؤال الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أجوبة مختلفة والمثال عن أفضل الأعمال أو بدء النبي صلى الله عليه وسلم بذكر أفضل الأعمال 26-31
ومثال آخر عن تولي الأمور المالية والحكم وغيرها 32-35
الوسوسة 34
ذكر جملة من كلام السلف، الصحابة ومن بعدهم في تبيان هذا الأصل وهو فقه
أحوال المكلفين 36
نقل اتفاق الناس على هذا الأصل -أيضًا 37-38
دعوى التفريق بين الاجتهاد والسابق وغيره من أنواع الاجتهاد 38-41
المسألة الثانية:
أوصاف من تحصل له درجة الاجتهاد 41
الأولى: فهم مقاصد الشريعة على كمالها 41
ذكر أن أكثر الأصوليين على عده الوصف الأول سببًا لا شرطًا 41
تعريف السبكي للمجتهد 41-42
الثانية: التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها 42
الشريعة مبنية على اعتبار المصالح 42
جواز تجزئ الاجتهاد 43
الثاني كالخادم للأول 43
حفظ علوم الاجتهاد وأدواته أو معرفتها والتمكن من الإطلاع عليها 44
فصل: لا يلزم المجتهد في الأحكام الشرعية أن يكون مجتهدًا في كل علم يتعلق به
الاجتهاد على الجملة وتفصيل ذلك 45
التفريق بين العلم الذي يكتمل به وصف الاجتهاد وما سوى ذلك 45
العلم الذي لا يخل بوصف الاجتهاد أن يكون مقلدًا 45-46
دليل عدم لزوم الاجتهاد في كل العلوم التي تتعلق بالوصف المكتمل 46
الأول: لزوم ذلك عدم وجود مجتهد إلا في الندرة ممن سوى الصحابة 46
التمثيل بالأئمة الأربعة 46(11/105)
ص -434-…التمثيل بحكم الحاكم 47
الثاني: أن الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية علم مستقل بذاته، ولا يلزم
في كل علم أن تبرهن مقدماته. 47
مناقشة المصنف في الدعوى الأولى في هذا الدليل 47
توضيح المصنف لما يقول بالأمثلة من الشرع وغيره 47-49
البناء على التقليد 48
اجتهاد الكافر في الشرع، واشتراط العدالة والإيمان 48-49
مقدمات الاجتهاد والتقليد فيها 48-50
برهان "الخُلْف" 49-50
الثالث: أن نوعًا من الاجتهاد لا يفتقر إلى شيء من تلك العلوم أن يعرفه فضلًا
أن يكون مجتهدًا فيه، وهو "تنقيح المناط" 50
مناقشة المصنف بكلامه 50
وتأييد له وتقوية في جانب آخر 50
شرطية العلم بالمسألة المجتهد فيها بإطلاق لا شرط في صحة الاجتهاد 51-50
المطلب الثاني في هذا الفصل:
فرض علم تتوقف صحة الاجتهاد عليه 52
اللغة العربية وعلومها وما المطلوب منها وحدوده وغير المطلوب وفوائد أخرى 52-57
المطلب الثالث:
لا يلزم في غير العربية من العلوم أن يكون المجتهد عالمًا بها 57
المسألة الثالثة:
الشريعة في أصولها وفروعها ترجع إلى قول واحد وإن كثر الخلاف 59
تفسير هذا القول بأنه وضع حكمين متخالفين في موضع واحد 59
أدلة ذلك
الأول: أدلة القرآن ونصوصه نفي أن يقع فيه الاختلاف البتة 59
توضيح معنى الاختلاف في الشرع وعلى أي صورة يقع 59
شرح لمجموعة من الأدلة القرآنية على ذلك المعنى 60-ب61
الثاني: أن عامة أهل الشريعة أثبتوا في القرآن والسنة الناسخ والمنسوخ على الجملة(11/106)
ص -435-…وتوضيح علاقة ذلك بالاختلاف 61-62
الثالث: لو كان في الشريعة مساغ للخلاف لأدي إلى تكليف ما لا يطاق 62
الرابع: أن الأصوليين اتفقوا على إثبات الترجيح بين الأدلة المتعارضة إذا لم يمكن
الجمع؛ وأنه لا يصح إعمال أحد دليلين متعارضين جزافًا من غير نظر في ترجيحه
على الآخر 63-64
الخامس: أنه شيء لا يتصور، لأن الدليلين المتعارضين إذا قصدهما الشارع مثلًا
لم يتحصل مقصوده 64
معارضة: أدلة وقوع الاختلاف في الأمة 65
أولًا: وجود المتشابهات الحقيقية لا الإضافية الاجتهادية 65
ثانيًا: الأمور الاجتهادية التي جعل الشارع فيها للاختلاف مجالًا 65
ثالثًا: اختلاف العلماء الراسخين والأئمة المتقين: هل كل مجتهد مصيب 66
تفصيل هذا القول 66-69
الجواب على الاعتراضات الثلاثة واحدًا واحدًا 69
هل المصيب في الاجتهاد واحد 72
حجية قول الصحابي وتقليده 74
هل الاختلاف رحمة 75
اختلاف العلماء بالنسبة إلى المقلدين 76
تخير المقلد لأقوال المجتهدين 77
فصل: قواعد وفوائد هذا المبحث وهو رجوع الشريعة إلى قول واحد 79
منها: أنه ليس للمقلد أن يتخير في الخلاف 79-81
توضيح معنى تخيير المقلد هنا وتفريقه عن معاني أخرى عند غير المصنف 79
تعريف التقليد 80
مساوئ تخير المكلف في الخلاف 80-82
التحذير من اتباع الهوى وأنه حكم بالطاغوت 82
تتبع رخص المذاهب 82
إسقاط التكليف 83
اتباع أحد الدليلين من غير ترجيح 83(11/107)
ص -436-…فصل: ومن مساوئ هذا الأصل ما وقع من كثير من مقلدة الفقهاء بإفتاء قريبه أو
صديقه، بما لا يفتي به غيره من الأقوال 84
ذكر مجموعة من الأمثلة وتوضيحها 84-91
بيان أن الفقيه لا يحل له أن يتخير بعض الأقوال بمجرد التشهي والأغراض 91
فصل: ازدياد الأمر وشدته، حتى صار الخلاف في المسائل معدودًا في حجج الإباحة 93
أمثلة على فحش هذا القول مع تبيان مساوئه مدرجة 93
تقسيم الشخص المتخير بالقولين بمجرد موافقة الغرض: 94
إما أن يكون مفتيًا: فإن أفتى بالتخيير فقد أفتى بقول ثالث اي لم يسبق إليه وهو قائم
مقام الحاكم 95-96
وإن كان عاميًا فقد اتبع الهوى 96
فصل: تتبع رخص المذاهب 97
شبهات ونقضها 98-9
فصل: استجازة تتبع الرخص في مواطن الضرورة أو إلجاء الحاجة 99
شبهات واستفتاءات وردها من المصنف مع ملاحظة رد المصنف المبني على المذهب 100-101
فصل: مفاسد تتبع رخص المذاهب 102
ذكر جملة منها والتأكيد على انخرام قانون السياسة الشرعية في شرح لكلام
المصنف 103
فصل: ومما ينبني على أصل مسألة الشريعة قول واحد 104
الأخذ بأخف القولين أو أثقلهما 104
استدلال من قال الواجب الأخذ بالأخف 104
والجواب عن الاستدلالات السابقة 105
فصل: شرح معنى مراعاة الخلاف في المذهب المالكي 106
وأنه شبهة لتتبع الرخص بذكر أمثلة قوية في المذهب 106-107
تفنيد هذه الشبهة بكلام متين 107-108
ودليل أن المسألة مختلف فيها أيضًا وتفصيل الرد في ذلك من وجهين على شبهة
للباجي 109-112(11/108)
ص -437-…فصل: وينبني على المسألة: هل للمجتهد أن يجمع بين دليلين بوجه من وجوه الجمع
حتى يعمل لمقتضى كل واحد منهما فضلًا أو تركًا 112
المسألة الرابعة:
محال الاجتهاد المعتبر هي ما ترددت بين طرفين وضح كل واحد منهما قصد
الشارع في الإثبات في أحدهما والنفي في الآخر 114
بداية التدليل على صحة المسألة 114
خلو الوقائع من الأحكام 114
المتشابهات 114-116
مراتب الظنون 115
أمثلة على هذه المسألة 117
بيع الغرر وصوره وما لا يعتبر منه في البيوع 117-118
الزكاة في الحلي 118
الشهادات 118
العبد والملكية 118
التيمم ووجود الماء أثناء الصلاة 119
الثمر وبيع الشجر 119
الإجماع وصوره 119
البدع المكفرة وغير المكفرة 119-120
صفات الكمال لله 121
فصل: إتقان هذا الفن "علم مواقع الخلاف" مدخل للاجتهاد والتبحر فيه 121
أهمية علم الخلاف في الترجيح والآثار الواردة في ذلك وتخريجها 122
المسألة الخامسة:
شرط الاجتهاد بالاستنباط من النصوص فهم اللغة العربية وأما المصالح والمفاسد فلا
تشترط 124
الاجتهاد القياسي وتخريج المناط 125
المذاهب المعروفة والتفريع على فتاوى أئمتها 126
الاجتهاد القياسي واللغة العربية 126(11/109)
ص -438-…المسألة السادسة:
الاجتهاد بتحقيق المناط لا يحتاج إلى العلم بمقاصد الشارع عمومًا وإنما يلزم المعرفة
بمقاصد ذلك المناط 128
لوازم اشتراط ذلك من مفاسد 129
المسألة السابعة: 131
الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان: 131
الأول: الصادر عن أهله وهو المعتبر 131
الثاني: الصادر عن غير أهله وهو غير معتبر 131
المسألة الثامنة:
الاجتهاد الصادر عن أهله، يعرض فيه الخطأ 132
أسباب الخطأ العارض 132
زلة العالم والتحذير منها والأخبار الواردة في ذلك وتخريجها 133
زلة العالم في الكليات وفي تحقيق المناط 135
الغفلة عن اعتبار مقاصد الشارع 135
فصل:
أمور تنبني على ما سبق 136
زلة العلم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليدًا له 136
احترام قدر العلماء مع خطئهم 136-137
مناظرة عبد الله بن المبارك أهل الكوفة في النبيذ وفيها العبرة من المسألة 137-138
نقض قضاء القاضي إذا خالف النص أو الإجماع 138
فصل:
ومنها: أنه لا يصح اعتمادها خلافًا في المسائل الشرعية 138
الأقوال المعتبرة في الخلاف وغير المعتبرة 139
فصل: أسباب علمية لاختلاف العلماء 140-141
المسألة التاسعة: 142
الاجتهاد الصادر ممن يعتد بصاحبه وفيه مخالفة 142
تكون المخالفة في الجزئيات وكذلك في الكليات 142(11/110)
ص -439-…الاحتجاج بتغير الأحكام الشرعية على أن كل الأحكام عدا العبادات قابلة للتغير 142
محامل هذا الانحراف الخطير والتصدر المتهور 143
ذكر التشابه في الصفات 144-145
مناقشة المصنف وأحد شراح الكتاب فيما ذهبا إليه من نفي الصفات 145
ذكر افتراق الأمم، وافتراق هذه الأمة 145
فصل: نصوص قرآنية وأحاديث نبوية في وصف بعض أهل البدع: 148
ذكر الخوارج في الحديث النبوي 148-149
الأول: اتباع ظواهر القرآن على غير تدبر ولا نظر في مقاصده 149
الثاني: قتل أهل الإسلام وترك أهل الأوثان 150
ذكر أن هذين سببهما اتباع المتشابهات 150
تكفيرهم للصحابة وبدع أخرى لهم 150-151
سبب عدم الإكثار من نصوص تعيين أهل البدع 151
ستر الأمة، وفضح الأمم السابقة 152
اختلاف الأمة وأهل البدع 154
كشف فضائح أهل البدع 155-156
الجمع بين أحوال الكشف وأحوال الستر على أهل البدع 157
اختلاف مراتب البدع 158
تنزيل الأحكام على أهل البدع، وتعيين دخول بدع تحت معاني النصوص 159
فصل: علامات وخواص أهل البدع: 159
الأول: الفرقة والتحول إلى شيع 160
الصحابة اختلفوا ولم يتفرقوا 160
خلاف الصحابة في إرث الجد مع الإخوة وتخريج ذلك 160-161
وبيع أمهات الأولاد وتخريج ذلك 162
والفريضة المشركة -مع تبيانها وتخريجها 162
وأشياء أخرى 162-163
دعوة الإسلام إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف ومخالفة أهل البدع لذلك 164
الخاصية الثانية: اتباع المتشابهات 165(11/111)
ص -440-…الخاصية الثالثة: اتباع الهوى 165
ولا يعرفها غير صاحبها 165
سرد مجموعة من الآيات على علامات أهل البدع التفصيلية 166
والأحاديث 167
فصل: هل كل حق مطلوب نشره 167
العلوم التي لا يجب نشرها 167
تعيين فرق المبتدعة 167
المتشابهات 167-168
عدم تعليم المبتدئ حظ المنتهي 170
مثل طلاق الدور 171
سؤال العوام عن علل الفقه 171
ضابط المسألة 172
فصل: عدم خروج الفرق عن حمى الأمة 172
المسألة العاشرة: 177
النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة 177
ربط المسألة هنا بما سبق في مسأئل الأسباب والمسببات 177
- ترسيم المسألة بأنه لو كان العمل غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصحلة
تندفع به، ولكنه له مآل على خلاف ذلك ويقال ذلك بعكس المسألة إذا كان
العمل مشروعًا لمصلحة تُسجلب أو مفسدة تُدفع والمآل على خلاف ذلك 177
هل يصح إطلاق القول بعدم المشروعية؟! 178
الدليل على صحة أصل المسألة: 178
أولًا: أن التكاليف مشروعة لمصلحة العباد الدنيوية والأخروية 178
ثانيًا: أن مآلات الأعمال إما أن تكون معتبرة شرعًا أو غير معتبرة، فإن لم
تعتبر أمكن أن يكون للأعمال مآلات مضادة لمقصود تلك الأعمال، وهو غير صحيح 179
الثالث: الأدلة الشرعية، والاستقراء التام أن المآلات معتبرة في أصل المشروعية 179
سرد لمجموعة من الآيات والأحاديث وشرحها وتخريجها 179-181
الاستدلال بتحقيق المناط الخاص حيث يكون العمل في الأصل مشروعًا لكن(11/112)
ص -441-…ينهى عنه لما يؤول إليه من المفسدة الممنوعة 181
فصل: هذا الأصل ينبني عليه قواعد: 182
منها: قاعدة الذرائع، التي حقيقتها التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة 183
الحيل والبيوع في القاعدة 183-184
التعاون على الإثم والعدوان 185
الربا 183-185
تحقيق المناط وسد الذرائع 185-186
اختلاف الشافعي ومالك في سد الذرائع وحكم الوسائل 184-186
ومنها: الحيل، وتعريفها 187
الحيل في الزكاة 187
الحيل من المنافق 188
ومنها: قاعدة مراعاة الخلاف 188-189
مراعاة الخلاف في النكاح الفاسد 188-189
مراعاة الخلاف في مسائل الغصب 189
مراعاة الخلاف في مسائل الزنا 190
أمثلة أخرى مع توضيح آخر 190-192
ومنها الاستحسان 193-194
توضيح الاستحسان 193-194
القرض
الجمع بين الصلاتين في المطر وسائر الترخصات 194-195
أقسام الاستحسان 195
عودة إلى تعريف الاستحسان و العمل بأقوى الدليلين ومناقشة ذلك مع ربط ذلك
بمسألة القياس والعلل 196-197
الشريكان يطآن الأمة في طهر واحد 198
- ومنها الأمور الضرورية أو الحاجية أو التكلميلية إذا اكتنفتها من الخارج أمور لا
ترضى شرعًا، فإن الإقدام على جلب المصالح صحيح على شرط التحفظ بحسب(11/113)
ص -442-…الاستطاعة من غير حرج 199
السعي لطلب الرزق مع وجود الشبهة 199-200
طلب العلم وإقامة العبادات إذا كان في طريقه مناكر 200
المسألة الحادية عشرة: 201
أسباب الخلاف بين العلماء مقتبسة من كتاب "لابن السيد":
أولها: الاشتراك الواقع في الألفاظ واحتمالها للتأويلات وأقسامها ثلاثة: 201
اشتراك في موضوع اللفظ المفرد أو في أحواله العارضة في التصرف 201
واشتراك من قبل التركيب 202
الثاني: دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز 202
وأقسامه ثلاثة:
أحدهما: ما يرجع إلى اللفظ المفرد 202
صفة النور لله 203-204
ثانيهما: ما يرجع إلى إحواله 204
ثالثهما: ما يرجع إلى جهة التركيب 205
كإيراد الممتنع بصورة الممكن 205
إيراد نوع من الكلام بصورة غيره 206
الثالث: دوران الدليل بين الاستقلال بالحكم وعدمه 206
الرابع: دورانه بين العموم والخصوص 207
أهمية مراجعة الكتب الأصلية للوصول إلى الصواب 208
الخامس: اختلاف الرواية ولها ثمان علل تقدمت 208
السادس: جهات، الاجتهاد والقياس 208
السابع: دعوى النسخ وعدمه 208
تفصيل من كتاب "ابن السيد ذاته" 208-209
الثامن: ورود الأدلة على وجوه تحتمل الإباحة وغيرها 209
المسألة الثانية عشرة:
الخلاف الذي لا يعتد به وهو ضربان:
الأول: ما كان خطأ مخالفًا لمقطوع به في الشريعة 210(11/114)
ص -443-…الثاني: ما كان ظاهره الخلاف وليس في الحقيقة كذلك 210
وسببه الخطأ في نقل التفسير المتعدد المجتمع حول معنى واحد 210
فوائد تعدد عبارات المفسرين 210
أسباب نقل الخلاف:
الأول: أن يذكر في التفسير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك شيء أو عن
أحد من الصحابة أو غيرهم، ويكون ذلك المنقول بعض ما يشلمه اللفظ، ثم يذكر
غير ذلك القائل أشياء أخر مما يشمله اللفظ 211
الثاني: أن يذكر في النقل أشياء تنفق في المعنى بحيث ترجع إلى معنى واحد، فيكون
التفسير فيها على قول واحد ويوهم نقلها بألفاظ مختلفة خلاف محقق 211
الثالث: أن يذكر أحد الأقوال على تفسير اللغة، ويذكر الآخر على التفسير المعنوي 212
مناقشة المصنف فيما جاء به من أمثلة 212
الرابع: أن لا يتوارد الخلاف على محل واحد 212
الخامس: يختص بالآحاد في خاصة أنفسهم، كاختلاف الأقوال بالنسبة للإمام
الواحد، بناء على تغير الاجتهادوالرجوع عما أفتى به إلى خلافه 213
السادس: أن يقع الاختلاف في العمل لا في الحكم 214-215
السابع: أن يقع تفسير الآية أو الحديث من المفسر الواحد على أوجه من الاحتمالات،
ويبني على كل احتمال ما يليق به من غير أن يذكر خلافًا في الترجيح، بل على توسع
المعاني خاصة 215
الثامن: أن يقع الخلاف في تنزيل المعنى الواحد، فيحمله قوم على المجاز مثلًا، وقوم
على الحقيقة والمطلوب أمر واحد، وأمثلة على ذلك 215
التاسع: أن يقع الخلاف في التأويل وصرف الظاهر عن مقتضاه إلى ما دل عليه
الدليل الخارجي 216
العاشر: الخلاف في مجرد التعبير عن المعنى المقصود وهو متحد 217
مثال الفرض والواجب عند الحنفية 217
فصل: ما يعتد به من الخلاف يرجع في الحقيقة إلى الوفاق 218
رجوع الشريعة إلى قول واحد 218
الاختلاف راجع إلى الدوران بين طرفين واضحين يتعارضان في أنظار المجتهدين 218-219(11/115)
ص -444-…أو إلى خفاء بعض الأدلة وعدم الاطلاع عليها، وهو ليس خلافًا حقيقًا 218-219
التردد بين الطرفين وتحري الرد إلى أحد الطرفين وعم المجتهد 219
وجوب الموالاة والحب في الخلاف وعدم التفرق بين العلماء 220
فصل: الخلاف الحقيقي ناشء عن الهوى المضل وهو عدم تحري قصد الشارع
باتباع الأدلة على الجمل والتفصيل 221
مساوئ اتباع الهوى -وكذلك الخلاف 221
ذم البدع 221
هل نقل أقوال البدع اعتداد بخلافهم؟ 221
مجئ العلماء بها للرد عليها 222
إذا سلم أنها معتد بها في الخلاف، فلأن أصحابها غير متبعين لأهوائهم بإطلاق
كلام جامع حول أهل البدع وتفصيل واقعهم 222-223
المسألة الثالثة عشرة: 224
مقدار العلم الذي إذا حصلة المجتهد توجه عليه خطاب الاجتهاد بما اراه الله 224
أحوال طالب العلم المستمر على ذلك وهي ثلاثة: 224
الأولى: أن ينبه عقله إلى النظر فيما حفظ والبحث عن أسبابه 224
الثانية: أن ينتهي إلى تحقيق معنى مما حصل على حسب ما أداه إليه البرهان
الشرعي ليحصل له اليقين 225
هل يجوز الاجتهاد لمن في هذه المرحلة؟ 225-226
أدلة المجيزين له الاجتهاد 226
أدلة المانعين 227
القياس والرأي 229-230
البيع والشرط وشبه مناظرة مفيدة 231
الثالثة: أن يخوض فيما خاض فيه الطرفان ويتحقق بالمعاني الشرعية منزلة على
الخصوصيات الفرعية 232
صحة الاجتهاد لصاحب المرحلة هذه 232
ما يطلق عليه من أوصاف 233
خواصه في هذه المرحلة 233(11/116)
ص -445-…المسألة الرابعة عشرة: 234
طرف الاجتهاد الخاص بالعلماء والعام بالمكلفين 234
التكلم عن أحوال التشريع والبدء المكي وتوضيح أصوله العامة بذكر أمثلة
من خصوصيات التشريع 234
الحديث عن الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 235-237
الحديث عن الأحوال التشريعية في المدينة مربوطة بالمكي والفرق بينهما 238
التصوف والأحوال المكية 240
فصل: التشريعات المكية 241
التصوف والعزائم 242
الورع 249
الطرف الثاني: فيما يتعلق بالمجتهد من جهة فتواه 251
المسألة الأولى:
المفتي قائم مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأمة 253
معنى هذا القيام مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- وجملة الأمور التي يقوم بها
المفتي مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- 253
دليل القيام بذلك:
الأول: النقل الشرعي في الحديث وتخريج النصوص 253
الثاني: أن المفتي نائب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تبليغ الأحكام 254
الثالث: أن المفتي شارع من وجه، لأنه إما ناقل أو مستنبط 255
مناقشة المصنف دعواه هذه، وهل يطلق على المفتى "شارع"؟ 255-256
المسألة الثانية: 258
حصول الفتوى بالقول وهو معروف وبالفعل وبالأقرار 258
الفتوى بالفعل؛ ويكون بذلك من وجهين:
الأول: ما يقصد به الأفهام في معهود الاستعمالن فهو قائم مقام القول المصرح به 258
أمثلة على ذلك، مع تخريجها 258-260
مناقشة المصنف لمثال أوقات الصلاة 259-260
الثاني: ما يقتضيه كونه أسوة يقتدى به، ومبعوثًا لذلك قصدًا 260(11/117)
ص -446-…توضيح معنى التأسي في الآيات 261
هل الفعل غير المقصود بفعله طلب التأسي داخل في هذا الباب؟ رأي المصنف،
ومناقشته في ذلك 262
ذكر متمسك الكفار بالتأسي بالآباء 262-263
اتباع الصحابة لأفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- 264
هل كون النبي -صلى الله عليه وسلم- معصومًا، يجعل فعل المجتهد في غير
باب الائتساء به؟ 265
وأما الإقرار؛ فراجع إلى الفعل؛ لأن الكف فعل 265-266
قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند السلف 266
المسألة الثالثة:
الفتيا لا تصح "أي لا ينتفع بها" من مخالف لمقتضى علمه "وهي مخالفة الفعل القول
أو العلم" 267
عصمة الأنبياء قبل النبوة 270
هل يشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الالتزام الكامل ومن أحق الناس
بهذه المرتبة 272
أثر موافقة الفعل القول 273
فصل: تقليد المفتي المخالف قول فعله 274
المسألة الرابعة:
المفتي عليه بحمل الناس على المعهود والوسط فيما يليق بالجمهور 276
الميل إلى التشديد عند الجمهور مهلكة 277
والميل إلى الترخيص مشي مع الهوى والشهوة 278
الخلاف هل هو رحمة؟ 278
"الأخذ بأخف القولين أو بأشدهما" 278-279
فصل: المجتهد غير المستفتي، فإن المجتهد يسوع له حمل نفسه من التكليف ما هو
فوق الوسط مع تنبيه للناس أنه يعمل بالأشد أو يخفي، لعله يقتدي به فيه 279
من فقه إخفاء السلف للأعمال
فصل: اتباع المذهب الجاري على الاعتدال 280(11/118)
ص -447-…الرأي والقياس بين النفي والغلو في الإثبات 280
الطرف الثالث: فيما يتعلق بإعمال قول المجتهد المقتدي به، وحكم الاقتداء به 281
المسألة الأولى:
وجوب سؤال المقلد لعالم في ما يعرض له من مسائل دينية 283
التقوى والعلم 283
حكم سؤال المقلد من لا يعتبر في الشريعة جوابه؟
المسألة الثالثة: 285
الترجيح عام وخاص
العام المذكور في كتب الأصول مع التنبه لعدم الترجيح بالطعن في المذاهب الأخرى 286
تنبيهات أصولية أخرى: 286
الأول: أن الترجيح بين الأمرين إنما يقع في الحقيقة بعد الاشتراك في الوصف
الذي تفاوتا، وإلا سميى إبطالًا 286
الثاني: أن الطعن في مساق الترجيح يثير العناد بين أهل المذهب المطعون عليه 287
الثالث: أن الترجيح هذا، مغر بانتصاب المخالف للترجيح بالمثل أيضًا فيصير الكل
يتبع القبائح 287
الرابع: أن هذا العمل مورث للتدابر والتقاطع بين أرباب المذاهب ويصح التفرق
والتحزب غذاء الصغير في المذهب 288
الخامس: أن الطعن والتقبيح في مساق الرد أو الترجيح ربما أدى إلى التغالي
تفضيل في المذاهب 288-289
فصل: الترجيح بذكر الفضائل والخواص والمزايا الظاهرة 291
فصل: غفلة بعض أهل العلم ف الترجيح بين أصحاب المذاهب بذكر فضائل
المذاهب والقدح في المذهب المخالف وكذلك الترجيح بالتفضيل بين الأنبياء 298(11/119)
ص -448-…المسألة الرابعة: 299
الترجيح الخاص
من انتصب للفتوى فهو في أحد قسمين:
الأول: من كان في أفعاله وأقواله على مقتضى فتواه، فهو متصف بأوصاف العلم 299
الثاني: من لم يكن كذلك، وإن كان في العدالة مبرزًا 299
وجها ترجيح القسم الأول:
أولًا: لأن وعظه أبلع، وقوله أنفع، وفتواه في القلوب أوقع 299
ثانثًا: أن مطابقة الفعل شاهد لصدق ذلك القول 299
ترجيح تقليد لمن غلبت مطابقة قوله بفعله 300
المطابقة ميزانها الأوامر والنواهي
300
الترجيح بين الالتزام بالأوامر واجتناب النواهي بالنسبة للأشخاص 300
المسألة الخامسة:
الاقتداء بالأفعال الصادرة عن معصوم كالنبي -صلى الله عليه وسلم- أو الإجماع
ونحوه 302
ما كان ليس بصادر عن معصوم فهو ضربان: 302
أحدهما: أن ينتصب بفعله ذلك؛ ليقتدى به قصدًا، كالحكام 302
ثانيهما: أن لا يتعين فيه شيء من ذلك 302
شرح للأقسام كلها 302
الأفعال الصادرة عن المعصوم 302
الأفعال الصادرة عمن لم يقم ليقتدى به بفعله 304
أسباب عدم الاعتداد به
الأول: أن تحسين الظن إلغاء لاحتمال قصد المقتدى به دون ما نواه المقتدي من
غير دليل 305
قاعدة تحسين الظن 305
عصمة الأنبياء 305
الثاني: تحسين الظن عمل قلبي من أعمال المكلف بالنسبة إلى المقتدى به مثلًا 306(11/120)
ص -449-…الثالث: لزوم التناقض في هذا الاقتداء 307
اختلاط الظن مع تحسين الظن 307
الاقتداء بالأمور الدنيوية، وتوضيح خروج الاقتداء فيها 309
الإيثار في أمور الآخرة 310
مناقشة ما سبق من دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمور الشفاعة وتركه لأمور
الدنيا 310
القسم الثاني: فيمن كان مثل انتصاب الحاكم ونحوه 314
القسم الثالث: أن لا يتعين فعل المقتدى به لقصد دنيوي ولا أخروي 317
المسألة السادسة:
أحوال طالب العلم
الحال الأول: لا يسوغ الاقتداء بأفعاله 319
الحال الثالث: فلا إشكال في صحة استفتائه 319
أما الحال الثاني فهوموضع الإشكال بالنسبة إلى استفتائه 319
ربط صحة اجتهاده مع الاقتداء بأفعاله 319
أرباب الأحوال 320
الاستفتاء والاقتداء بهم وتفصيل ذلك 321
المسألة السابعة:
ذكر بعض الأوصاف التي تشهد للعامي بصحة من اتباع من اتصف بها في فتواه 323
الخوف والتقوى من التسرع في الفتوى ونُقُولٌ عن مالك 323
قوله لا أدري 326
عدم الجزم بالصواب 329
تحديث الناس بما يفهمون 330
تركه الغرائب والمتفردات وحجج أهل البدع 331
السؤال عن أحوال الحدث 332
المسألة الثامنة: دليل سقوط التكليف بالعمل عند فقد المفتي 334
فصل: صور هذه المسألة:
الأولى: عند فقد العلم أصلًا: 335(11/121)
ص -450-…الثانية: فقد العلم بوصفه دون أصله 335
المسألة التاسعة:
فتاوى المجتهدين بالنسبة للعوام كالأدلة الشرعية بالنسبة إلى المجتهدين 336
مساوئ ترك العامي لسؤال العلماء 336
كتاب لو احق الاجتهاد 339
النظر الأول: في التعارض والترجيح 341
مقدمة: أدلة الشريعة لا تتعارض في ذاتها بل في نظر المجتهد ولا يوجد إجماع على
تعارض دليلين: 341
وهي المسألة الأولى 342
من شروط الترجيح 342
المسألة الثانية: التعارض الذي لا يمكن فيه الجمع 344
تعريف التعارض 344
عندما لا يمكن الترجيح فالتوقف وتصير من المتشابهات 344
تعارض القولين على المقلد 344-345
التعارض بين الأدلة وما في معناها 344
تعارض العلامات الدالة على الأحكام ومثال عليه 345
تعارض الأشباه الجارة إلى الأحكام ومثال عليه 345
تعارض الشروط 345
فصل: هذا النظر راجع إلى الترجيح الراجح إلى وجه من الجمع 347
المسألة الثالثة: الترجيح الذي يمكن معه الجمع بين الأدلة 349
صورة: الصورة الأولى: أن يكون في جهة كلية مع جهة جزئية تحتها 349
الصورة الثانية: أن يقع في جهتين جزئيتين كلتاهما داخلة تحت كلية واحدة 349
الصورة الثالثة: أن يقع التعارض في جهتين جزئيتين لا تدخل إحداهما تحت الأخرى،
ولا يرجعان إلى كلية واحدة 351
الصورة الرابعة: أن يقع التعارض في كليين من نوع واحد 352-353
مثال تعارض الكليين: ما جاء في مدح الدنيا وما جاء في ذمها 354
وصف الدنيا بالذم: 355(11/122)
ص -451-…الأول: أنها لا جدوى لها ولا محصول عندها 355
أقسام شئون الدنيا عند الغزالي 357
الثاني: أنها كالظل الزائل والحلم المنقطع 357
أما مدح الدنيا:
أولًا: بما فيها من الدلالة على وجود الصانع ووحدانيته وصفاته العلى وعلى الدار الآخرة
ثانيا: أنها منن ونعم امتن الله بها على عباده 360
الجمع بين الأدلة بما يخرج الشريعة عن التعارض بأنها عن صورة في حالات مختلفة 363
أنظار بيان ذلك:
الأول: نظر مجرد من الحكمة التي وضعت لها الدنيا من كونها متعرفًا للحق ومستحقًا
لتشكر الواضع لها 363
الثاني: نظر غير مجرد من الحكمة التي وضعت لها الدنيا 364
الحجر للسفيه والمبذر 366
تفضيل الفقر أو الغنى 366
فصل: هو كالتتمة في البيان 367
النظر الثاني في أحكام السؤال أو الجواب وهو علم الجدل 369
من صنف فيه من العلماء 369
المسألة الأولى:
أقسام السؤال بالنسبة للسائل والمسئول 371
الأول: سؤال العالم للعالم على وجه مشروع؛ لتحقيق ما حصل أو رفع إشكال عن
له، أو تذكر ما خشي نسيانه 371
الثاني: سؤال المتعلم لمثله، كالمذاكرة وغيرها 371
الثالث: سؤال العالم للمتعلم؛ كالتنبه على موضع إشكال يطلب رفعه أو غير ذلك 371
أركان فن التربية العلمية 372
الرابع: سؤال المتعلم للعالم وهو الأصل 372
أحوال السؤال من المتعلم للعالم 372-373
فقه الإجابات 373(11/123)
ص -452-…المسألة الثانية:
ذم الإكثار من الأسئلة والإجابة بعلم 374
ذكر مجموعة من الأدلة من القرآن والسنة وحياة السلف في ذلك 374-378
فصل: مواضع كراهية السؤال: 387
الأول: السؤال عما لا ينفع في الدين 387
الثاني: أن يسأل بعد ما بلغ السائل من العلم حاجته 388
الثالث: السؤال من غير احتياج إليه في الوقت 388
الرابع: أن يسأل عن صعاب المسائل وشرارها 389
الخامس: أن يسأل عن علة الحكم؛ لأسباب لا تليق 389
السادس: أن يبلغ بالسؤال إلى حد التكلف والتعمق 389
السابع: أن يظهر من السؤال معارضة الكتاب والسنة بالرأي 390
الثامن: السؤال عن المتشابهات 391
التاسع: السؤال عما شجر بين الصحابة 391
العاشر: سؤال التعنت والإفحام وطلب الغلبة في الخصام 392
المسألة الثالثة:
دليل أن ترك الاعتراض على الكبراء محمود 393
الدليل الأول: ما جاء في القرآن في ذلك 393
تضعيف إسناد قصة "آدم والملائكة" 393
الدليل الثاني: الأحاديث وتخريجها 394
الدليل الثالث: ما عهد بالتجربة من أن الاعتراض على الكبراء قاضٍ بامتناع الفائدة 339
الصوفية والاعتراض 399-400
المسألة الرابعة:
الاعتراض على الظواهر غير مسموع 401
الوجه الأول: لأن لسان العرب يعدم فيه النص أو يندر 401
الوجة الثاني: وهو مكمل للأول: لو جاز الاعتراض على المحتملات، لم يبق للشريعة
دليل يعتمد 401
الوجه الثالث: لو اعتبر مجرد الاحتمال في القول لم يكن لإنزال الكتب ولا لإرسال(11/124)
ص -453-…الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- فائدة 402
الوجه الرابع: لأنه يؤدي إلى انخرام العادات والثقة بها 402
الوجة الخامس: احتجاج القرآن على الكفار بالعمومات العقلية والعمومات المتفق
عليها 403
التوحيد في الربوبية والألوهية 403
مفاسد سماع الاعتراض على العقيدة والخلافات المذهبية 404
تتبع الظنيات واقتناص القطعيات منها "خاصة هذا الكتاب" 405
المسألة الخامسة:
الناظر في المسائل الشرعية، إما ناظر في قواعدها الأصلية أو في جزئياتها الفرعية،
والناظر إما مجتهد وإما مناطر 406
جواز الاستعانة من المجتهد أو المناطر بغيره، وصور ذلك 408
عدم فائدة الاستعانة بمن يختلف معه في الأصول 412
المسألة السادسة:
انبناء الدليل على مقدمتين إحداهما تحقيق المناط والأخرى تحكم عليه 414
فرضًا أن المقدمة مسلمة أو وجوب أن يكون مسلمة عند الخصم والنظر في تحقيق
المناط 414-415
مقصود المناظرة 514
احتجاجات القرآن والإتيان بأدلة يقر بها الخصم 416
فصل: التفريق بين اصطلاح أهل المنطق واصطلاح الكتاب وإن تقاربا 418
آخر الكتاب، ونهايات الطبع في النسخ المطبوعة والمخطوط 422-424
تقريظات الكتاب 425
الاستدراكات 429
الموضوعات والمحتويات 431(11/125)
عنوان الكتاب:
الموافقات – الجزء السادس
تأليف:
إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
دراسة وتحقيق:
أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان
الناشر:
دار ابن عفان
الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م(12/1)
ص -57-…التعريف بالشراح والمعلقين والمحقق:
ترجمة الشيخ عبد الله دراز1:
ولد الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن حسنين دراز بمحلة دياي "من أعمال مركز دسوق على الفرع الغربي للنيل" في 12 يناير سنة 1874، وبعد أن حفظ القرآن لازم دروس اللغة العربية وعلوم الشريعة التي كان يلقيها بالمسجد العمري في البلدة نفسها، والده الشيخ محمد، وعمه الشيخ أحمد، وجده الشيخ حسنين دراز، وغيرهم، والتي كان يؤمها الطلاب من البلدة ومن أطراف البلاد المجاورة على طبقات متفاوتة بين مبتدئين ومتوسطين ومنتهين، وكانوا يتلقونها في مواعيد منظمة تتخللها أجازات دورية، وكانت تعار لهم بعض الكتب العلمية التي وقفها جده الشيخ حسنين على أولاده وذريته.
وكان رحمه الله أكثر انتفاعًا بدروس جده وأطول ملازمة له؛ لأن والده وعمه توفيا في حياة والدهما. فلما توفى جده؛ قصد إلى القاهرة فأكمل دراسته في الأزهر، وكان من شيوخه الأزهريين في التفسير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ترجمته مأخوذة من "الفتح المبين في طبقات الأصوليين: 3/ 173 وما بعدها"، بتصرف.(12/2)
ص -58-…الشيخ محمد عبده، وفي الحديث الشيخ سليم البشري، وفي التوحيد الشيخ محمد بخيت، وفي الفقه الشيخ أحمد الرخامي، وفي أصول الفقه الشيخ محمد أبو الفضل، وفي المنطق والحكمة والحساب والجبر الشيخ محمد البحيري، وكان ممن اقتبس عنهم الإنشاء والأدب الشيخ أحمد مفتاح الأديب المشهور، من أساتذة دار العلوم إذ ذاك، وكان من أساتذته في الرياضة محمد بك إدريس، وفي تقويم البلدان "الجغرافيا" إسماعيل بك علي وحسن صبري باشا، وفي ذلك العهد لم تكن قد وضعت بعد خرائط جغرافية باللغة العربية فتعلم رحمه الله اللغة الانجليزية ليدرس بها المصورات الجغرافية ويطبق عليها معلوماته بدقة.
وقد ظهر نبوغه بصفة ممتازة في هذا العلم، فما إن حصل على شهادته العالمية في صيف سنة 1900م وعلى شهادة الرياضة عقبها حتى أسند إليه تدريس مادة الجغرافيا في الأزهر في أول سنة 1901 إلى جانب دروسه في المواد الأزهرية الأساسية التي كان يؤمها الجم الغفير من الطلاب في مسجد محمد بك أبي الذهب حتى كان يغص المسجد بطلابه الحريصين على الاستفادة من علمه وأدبه ومنهجه التعليمي المبتكر.
وكان له منذ نشأته شغف بالشعر والأدب، وله مساجلات معروفة في الأندية الأدبية، وله شعر جيد يجمع إلى رقة الخيال وسلاسة الأسلوب وجزالة اللفظ وغزارة المادة اللغوية، من ذلك قصيدته التي أنشدها بين يدي أستاذه البحيري عند ختم كتاب "السعد" في البلاغة سنة 1898 أي قبل تخرجه بعامين ومطلعها:(12/3)
ص -59-…يهيم وحراس الخدود تدافعه…ويخفي وقد نمت عليه مدامعه
وما كان يهوى بل يعنف ذا الهوى…نعم كان يهواه الوغى ومعامعه
ومنها:
وعهدي به ثبت الجنان شموسه…يبيت ومصقول السيوف يضاجعه
فما باله حتى استكان مذلة…وأمسى وغيداء الظباء تصارعه
ومنها:
خذوا أيها الغزلان عني جانبا…برئت من التشبيب من ذا يطاوعه
وبوأت نفسي للمكرام والعلا…وكلفتها مرقى تعز مطالعه
ومنها:
وقد سألتني ذات يوم فما الذي…تريد وما القصد الذي أنت تابعه
فقلت لها شيخا تفرد في العلا…وفي العلم حتى عز في الناس شافعه
ومنها:
لأنت فؤادي بل أعز وكيف لا…وطالع سعدي في يديك أطالعه
ولما أنشئ معهد الإسكندرية الديني النظامي في يناير سنة 1905 وعين الشيخ محمد شاكر الجرجاوي شيخًا له، اختير الشيخ عبد الله دراز في أربعة من أفاضل العلماء، وهم المشايخ عبد المجيد الشاذلي، وعبد الهادي مخلوف، وإبراهيم الجبالي، ليكونوا النواة الأولى في هذا المعهد الناشئ، وكان يوم فراق الشيخ دراز لأبنائه الأزهريين عند عزمه على السفر إلى الإسكندرية يومًا مشهودًا سكبت فيه دموع الوداع الحارة(12/4)
ص -60-…غزارا. ولم يكن نصيبه منها بأقل من نصيب أبنائه مما يدل على عمق الصلة الروحية المتبادلة بين الشيخ وتلاميذه. وحين استقر به المقام في المعهد الجديد توسم فيه الشيخ شاكر مواهب إدارية بارزة إلى جانب كفايته العلمية فأتخذه عضده الأيمن في إرساء مناهج الدراسة واختيار الكتب والإشراف على سير التعليم ووضع أسئلة الامتحان وفي 20 يناير سنة 1907 عينه مفتشًا للمعهد إلى جانب دروسه الأزهرية والرياضية التي كان يلقيها للفرقة العليا في المعهد إذ ذاك، "وهي طبقة التصريح والسعد" والي جانب اشتغاله بتأليف الكتب النافعة للطلاب في السيرة النبوية وتقويم البلدان وغير ذلك.
ثم اتجهت رغبة أولي الأمر إلى إعادة هذه التجربة الناجحة، ونقل صورة من هذا النظام الذي جرب في معهد الإسكندرية إلى الجامع الأحمدي بطنطا، ورأى الخديوي عباس الثاني أن يقوم الشيخ عبد الله دراز بهذا العبء. فعينه وكيلًا لمشيخة الجامع الأحمدي في 26 مارس سنة 1908، وقد حقق الشيخ ما علق عليه من الآمال فما لبث أن عادل بين العلوم الأزهرية والعلوم المدرسية حتى لا يبغي بعضها على بعض، وقد اغتبط الجانب العالي الخديوي بهذا الفتح المبين الذي تم على يد الشيخ دراز، فقلده الوسام العثماني تقديرًا لجهوده الصادقة الموفقة، والذي يلفت النظر بوجه خاص أنه على الرغم من اتساع مجال الإصلاح أمامه وثقل العبء الإداري في معهد لا عهد له بالنظام؛ لم ينصرف عن مزاولة العلم والتعليم بنفسه، فكان يشتغل بتفسير القرآن الكريم لطلبة القسم العالي، وفي الوقت نفسه يضع المؤلفات المبتكرة في العلوم الجديدة؛ كـ "تاريخ أدب اللغة العربية"، وغيره.(12/5)
ص -61-…وفي 10 سبتمبر سنة 1912 عين وكيلًا لمعهد الإسكندرية عودًا على بدء. وهنا أيضا لم يشغله توجيه دفة الأعمال الإدارية والإشراف الجدي على سير التعليم عن الإفادة العلمية الحقيقية.
وقد اتخذت إفادته العلمية هنا صورة أرقى من سابقتها، فكان يجمع العلماء المدرسين ومحبي العلم من غيرهم فأفاضل الأطباء لمدارسة القرآن الكريم والسنة النبوية، ووقع اختياره من كتب السنة على "الشفاء" للقاضي عياض، وكتاب "مشكاة المصابيح"، وكتاب "تيسير الوصول"؛ فأتمها كلها في عدة سنين.
وفي 26 أغسطس 1924 عين شيخًا لمعهد دمياط، فوضع في تنظيمه طرفًا مما وضعه في تنظيم الجامع الأحمدي، وهناك أيضا تابع السير على هذه السنة الحميدة الجامعة بين الإدارة الحازمة والإفادة العلمية، فكان تجمع العلماء لدراسة السنة النبوية والكتب الدينية وقد وجه عناية خاصة لكتاب "الموافقات في أصول الفقه" للشاطبي، وبعد أن قرأه مرارًا وضع عليه مقدمة وشرحًا، وأخرجه للناس في هذه الحلة الجديدة التي نراها اليوم. وهذه بعض آثار الفقيد من الوجهة العلمية، أما ثمرات قلمه في إصلاح التعليم وإدارة المعاهد؛ فلا تتسع لبيانها العجالة ونكتفي بأن نحيل القارئ على قماطر إدارات المعاهد، فهي تنوء بتقاريره وتعليماته في كل مرحلة من مراحل عمله.
وبالجملة فقد صرف أوقاته في خدمة العلم إفادة واستفادة، وكانت أيامه كلها خيرًا وبركة على العلم ومعاهده حتى إنه بعد أن اعتزل الأعمال الإدارية في 13 يونيو 1913 لم يفتر عزمه عن متابعة الإفادة العلمية من طريق الكتابة والتعقيب على المؤلفات الدينية(12/6)
ص -62-…الحديثة. وكان لكتاب "الفقه على المذاهب الأربعة" الذي عملته وزارة الأوقاف وكتاب "محمد المثل الكامل" لجاد المولي بك حظ من هذا الجهد المبارك، فأعيد طبعهما مصححين منقحين وفقا لإرشاداته الحكيمة كما تدل عليه مقدمة الطبعة الثانية لهذين الكتابين.
والناظر في كتابات الشيخ قديمها وحديثها يروقه منها دائما ديباجة أسلوبه الأدبي الذي نشأ عليه والذي يبدو طابعه في كل ما خطه قلمه في العلم أو الأدب أو الاجتماع أو السياسة أو غيرها، كما أن الذين كان لهم الحظوة بمجالسته ومعاشرته يذكرون دائمًا ما كان لأسلوبه الوضعي والقصصي من جاذبية روحية عجيبة تتعانق فيها طلاوة اللغة بحسن الأداء في صوت ندي هادئ لا تصنع فيه ولا ترفع، وقد كان رحمه الله كثير الاطلاع على التاريخ وأحوال العصر، جيد الحافظة، قلما يغيب عن ذاكرته حادث عالمي أو محلي مر به مهما طال عهده، فإذا سرده على السامعين؛ سرده في ترتيل يسترعي الأسماع والقلوب.
كان رحمه الله وئيد المشية في رزانة تحوطها المهابة، باسم الوجه، في جد ووقار، أسمر اللون، ربعة متوسط السمن، حسن البزة، نفيس الثياب، وكان يحب التروض ساعة في كل يوم سيرًا على القدم.
وكان قليل السهر ينام مبكرًا ويستيقظ سحرًا، فيقوم من آخر الليل ما تيسر ثم يضطجع قليلًا بعد صلاة الصبح.
وكان في فترة اشتغاله بشئون المعاهد يختم القرآن في كل شهر مرة على الأقل، فلما اعتزل الخدمة؛ كان يملأ به كل أوقات فراغه، كما كان يفعل في رمضان دائمًا، وكان يحب في كل مناسبة أن يجمع(12/7)
ص -63-…إخوانه على طعام ولا سيما طعام الغذاء؛ لأنه كان لا يتعشى إلا نادرًا خفيفًا ولم يتعود منبهًا ولا مسكنًا ولا ملهاة قط.
وكان أصحابه وزواره يعرفون ميعاد نومه المبكر، فيستأذنون في الانصراف من المجلس أحب ما يكون السمر إليهم، فلا يلح عليهم في المكث؛ لأنه -رحمه الله- كان لا يعرف المواربة ولا الملق قط، وكانت صرامته في الحق مع فرط دماثة خلقه وغلبة صمته من الأسباب التي مكنت له في قلوب الخلق مزيجًا من المهابة والمحبة.
ثم كانت خاتمة أعماله أداء فريضة الحج المبرور، في أوائل سنة 1932، ولم يلبث إلا قليلًا عقب عودته من الحجاز حتى ألم به المرض الأخير، وهو أتم ما يكون صحة وقوة، فمات -رحمه الله- في ليلة الخميس 23 يونيو سنة 1932، وصلي عليه في الجامع الأزهر، ودفن بمدافن الأسرة بقرافة العفيفي بقرب العباسية، ورثاه الشعراء وبكاه كل من اغترف من علمه أو ذاق حلاوة عشرته أو لمس صلابة دينه وصفاء سريرته وأكبر فيه عزة نفسه وعلو كرامته أو ناله بره من قريب أو بعيد.
طيب الله ثراه وأسكنه مع النبيين والصديقين والشهداء و الصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.(12/8)
ص -65-…ترجمة الشيخ محمد عبد الله دراز1:
ولد الشيخ محمد في بيت علم وخلق وورع، سنة 1894م، وسرعان ما تفتحت عيناه على زملاء أبيه يغشون منزله لدراسة كتب العلم، والحديث في مسائل الإصلاح الديني، وكان والده يأخذ منزله بآداب التقوى، يؤم أهله في صلاتي الفجر والعشاء، ويقرأ "صحيح البخاري" في ليالي رمضان، ويسهر على تثقيف أبنائه ويعودهم على سنن الخير، وطبيعي أن يلتحق محمد بالأزهر بعد أن حفظ كتاب الله، واستظهر بعض المتون العلمية الذائعة في وقته، وظهرت دلائل نبوغه، إذ كان متقدمًا في امتحاناته السنوية حتى نال الشهادة العالمية سنة 1916م وعين مدرسًا بالأزهر، ولم تشغله أعباء التدريس عن تعلم اللغة الفرنسية، حيث حذقها في ثلاث سنوات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ترجمته في الأعلام: 6/ 246"، و "النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين: 2/ 239-256".(12/9)
ص -66-…وكان يكتب في جريدة "الفان" الفرنسية، ملخصًا ما يدور بالجامع الأزهر من خطب السياسة، كما أشار عليه ابن عمه الشيخ محمد عبد اللطيف دراز، وهو يومئذ من رجال الثورة البارزين في القاهرة.
ثم لما هدأت الثورة؛ استأنف التدريس بالأزهر، وحينها أشرف على طبع كتاب "الموافقات" للعلامة الشاطبي بشرح والده رحمه الله، واختير أستاذا في كليات الأزهر بكلية أصول الدين، وشاع فضله وعلمه، فرشحته مواهبه لعضوية البعثة الأزهرية إلى فرنسا سنة 1936م بجامعة السوربون، وانتدب الشيخ محمد ممثلًا للأزهر في سنة 1939م إذ عقد مؤتمر الأديان بباريس، وحين ألقى كلمته؛ أجمع المعقبون أن كلية مندوب الأزهر تعد الكلية الرئيسة في المؤتمر، وشاء الله أن تكون أخر محاضرة له في مؤتمر مماثل، هو "المؤتمر الإسلامي الدولي" المنعقد بلاهور في يناير سنة 1957م، حيث أعد بحثا قيما بعنوان "موقف الإسلام من الأديان الأخرى وعلاقته بها"، وهو بحث شاء الله أن يلقيه سواه، إذ مات الشيخ محمد -رحمه الله- أثناء انعقاد المؤتمر سنة 1957.
مؤلفاته:
للشيخ محمد عبد الله دراز كتب قليلة، وكلنها منهجية متفردة، فكان -رحمه الله- لا يكتب غير الجديد الطريف، وكان لا يؤلف في غير المجهول الذي تتطلع الأنظار إلى كل كلمة من كلماته، فمن كتبه:
- "دستور الأخلاق في الإسلام".
- "المدخل إلى القرآن الكريم".(12/10)
ص -67-…- "الدين: دراسة تمهيدية لتاريخ الإسلام".
- "النبأ العظيم".
وجمعت بعض محاضرات الشيخ ومقالاته في كتاب مطبوع بعنوان "دراسات إسلامية"، وفيه بحوث شافية عن القرآن الكريم، والإسلام والرق، وكرامة الفرد في الإسلام، والمسئولية في الإسلام، ومبادئ الأخلاق نظرية وعملية، ومبادئ القانون الدولي في الإسلام، والربا في نظر القانون الإسلامي، وإصلاحات الشيخ محمد عبده، وهذه البحوث نشرت في أمهات المجلات الإسلامية بمصر، وفي "مجلة الأزهر" له بحوث ماتعة لم تجمع بعد، من أهمها: بحثه الرائع عن تاريخ الأزهر، ونقده لاقتراح ترتيب المصحف حسب النزول، وغيرهما.(12/11)
ص -69-…ترجمة الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوي المالكي1:
نبت في أرومة عريقة في الحسب والنسب ببني عدي إحدى قرى مركز منفلوط بمديرية أسيوط، فقد ولد في منتصف شهر رمضان سنة 1277هـ، وكان والده العلامة الشيخ حسنين محمد علي مخلوف من كبار علماء الأزهر، أقام به سنين ثم عاد إلى بلده يعلم أهلها الفقه والدين وعلوم القرآن، وجده لأمه العلامة التقي الشيخ محمد خضاري أحد أعلام الأزهر في مستهل القرن الثالث عشر.
أتم المترجم حفظ القرآن الكريم بعد وفاة والده، وحفظ المتون وتلقى مبادئ العلوم على الأستاذ الجليل الشيخ حسن الهواري، ثم رحل إلى الأزهر فجد واجتهد في تلقي العلوم الأزهرية المعروفة، وسمت همته إلى كثير من العلوم غير المقررة بالأزهر؛ كالحساب والجبر والمساحة والهيئة والفلسفة، فتلقى أكثرها على شيخيه الجليلين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ترجمته في "الفتح المبين في طبقات الأصوليين 3/ 188-191"، ومجلة "الفتح" "عدد17/ المحرم/ 1355هـ"، و "معجم الشيوخ: 1/ 94"، و "الأعلام الشرقية: 1/ 376"، و "جامع التصانيف الحديثة: 2/ 36"، و "معجم المطبوعات الغربية: 1648"، و "الأعلام" 6/ 96".(12/12)
ص -70-…الشيخ حسن الطويل والشيخ أحمد أبي خطوة، وقرأها لإخوانه وتلاميذه بالأزهر ومسجد محمد بك أبي الذهب، ومما قرأه فيها "رسالة بهاء الدين العاملي" التي كتب عليها "حاشية" طبعت إذ ذاك، واستفاد منها الطلاب، وكتاب "الجغميني في الهيئة"، و "رسائل الربع المقنطر والمجيب والاسطرلاب"، و "الطوالع" للبيضاوي، و "المواقف" للعضد و "الإرشادات" لابن سينا، وكان كثير الشغف بهذه العلوم وله فيها دروس وتلاميذ عديدون منهم: الأعلام الشيخ محمد مصطفي المراغي، والسيد محمد عاشور الصدفي، والشيخ عبد الفتاح المكاوي، والشيخ عبد الله دراز، والشيخ فرغلي الريدي، والشيخ عبد الهادي مخلوف، والشيخ على إدريس العدوي، والشيخ إبراهيم الجبالي، والشيخ محمد زيد بك الأبياني، والشيخ عبد الرازق القاضي بك، والشيخ محمد عز العرب بك، وكثير غيرهم ممن لا نحصيهم عدًّا.
ومن أجل شيوخه بالأزهر: المشايخ الطيول، وأبو خطوة، وأحمد الرفاعي الفيومي المالكي، ومحمد خاطر العدوي، وحسن داود العدوي، ومحمد عنتر المطيعي، وعرفة، والبحيري، والمغربي رحمهم الله أجمعين.
وفي ساحته بدير السعادة من أعمال فرشوط ألف المترجم كثيرًا من رسائله في التوحيد والتصوف والفلسفة، وقد نال شهادة العالمية من الدرجة الأولى في 5 شعبان سنة 1305 في أول امتحان أجراه الشمس الأنبابي شيخ الجامع الأزهر إثر توليه المشيخة.
وفي أول فبراير سنة 1897 تقرر إنشاء مكتبة أزهرية فعين أمينًا لها، وعني بأمرها كثيرًا حتى تم إنشاؤها على نظام بديع، وكانت الصلة(12/13)
ص -71-…وثيقة بينه وبين الأستاذ الشيخ محمد عبده، فكان عضده الأقوى من الأزهريين في مشروعاته وإصلاحاته الأزهرية.
ولما اتجهت العناية إلى إصلاح الأزهر وتعديل قوانينه القديمة عين المترجم عضوًا بمجلس إدارة الأزهر، وكان العضو العامل الخبير في اللجان التي ألفتها الحكومة لوضع قانون الأزهر رقم 1 لسنة 1908، ثم القانون رقم 10 لسنة 1911، وكان -رحمه الله- أول من اختير عضوًا في هيئة كبار العلماء بعد صدور هذا القانون، وعين مفتشًا أول للأزهر والمعاهد الدينية، ولم يكن للأزهر عهد بهذه الوظيفة من قبل، فأخذ ينفذ الإصلاحات والنظم التي سنها القانون الحديث في الأزهر ومعاهد طنطا ودسوق ودمياط، ثم عين شيخًا للجامع الأحمدي، فاقترح إنشاء معهد على النظام الحديث، وتم ذلك، فوضع أساسه في 11 فبراير سنة 1911، وهو أول معهد عرفته المعاهد الدينية في 15 سبتمبر سنة 1913، ولم يكن لهذه الوظيفة وجود في الأزهر من قبل، فقام بتنفيذ قانون المعاهد وبالإصلاح الهام فيها، واتجه في ذلك إلى ترقية التعليم بالوسائل الصحيحة، فلقي من الأزهريين مقاومة عنيفة، ودس له ذوو الأغراض كثيرًا من الدسائس، فاعتزل الوظائف الإدارية في عهد السلطان حسين كامل في سنة 1916.
عاد بعد اعتزاله المناصب سيرته الأولى في الدراسة والتأليف فعكف عليهما عكوفًا منقطع النظير، وكانت دروسه بعد الغروب غاصة(12/14)
ص -72-…بالعلماء ومتقدمي الطلاب، وقد عني كثيرًا بتدريس أصول الفقه، فقرأ "جمع الجوامع" مرتين في أربعة عشر عامًا، وكتب عليه حاشية كبيرة قيمة تبلغ مجلدين، وألف كتابًا قيمًا سماه "بلوغ السول في مدخل علم الأصول" اشتمل على عدة مباحث هامة، وأهمها مباحث الاجتهاد والتقليد وحجية القياس والاستحسان والمصالح المرسلة، وأوضح فيه المنهج الأصولي والفقهي والخلافي في استنباط الأحكام الشرعية، وكان تفسير البيضاوي آخر كتاب يدرسه للطلاب.
كان طوال عهده معروفًا بعلو النفس وبعد الهمة والجود والسخاء وصدق الوفاء ومساعدة البائسين والفقراء، وكان أبيًّا لا يعرف الضراعة والخنوع، وقورًا حسن الحديث يترفع عن الغيبة وذكر المثالب والتسمع إليها، ويدعو إلى الفضائل ومكارم الأخلاق، وكان كثير التعبد وتلاوة القرآن الكريم تلاوة تدبر وإمعان.
ومن مؤلفاته "حاشية على رسالة بهاء الدين العاملي في الحساب" مطبوعة، وحاشية كبيرة قيمة على جمع الجوامع في الأصول في جزأين مطبوعة، وكتاب "بلوغ السول في مدخل علم الأصول" اشتمل على عدة مباحث أهمها: مباحث الاجتهاد والتقليد وحجية القياس والاستحسان والمصالح المرسلة، وأوضح فيه المنهج الأصولي في استنباط الأحكام الشرعية مطبوع، و "المدخل المنير في مقدمة علم التفسير" مطبوع، و "القول الوثيق في الرد على أدعياء الطريق" مطبوع، و "رسالة في حكم ترجمة القرآن الكريم وقراءته وكتابته بغير اللغة العربية" مطبوعة، و "عنوان البيان في علوم التبيان" مطبوعة، وغيرها كثير كما تراه في "الأعلام الشرقية 1/ 377-379".(12/15)
ص -73-…ترجمة الشيخ محمد الخضر حسين1:
هو العالم الشيخ محمد الخضر حسين بن علي بن عمر الفقيه المالكي الأصولي اللغوي الأديب الكاتب، ولد ببلاد تونس وحفظ القرآن في سن مبكرة، وأحاط بالمتون في صغره على عادة نوابغ أهل المغرب، وطلب العلم بجامع الزيتونة وتخرج سنة 1316هـ، حيث حصل على شهادة العالمية، ثم عين قاضيًا شرعيًّا مالكيًّا بتونس، ثم مدرسًا بجامع الزيتونة، ورأى في سنة 1912م أن يهاجر إلى الشام، فهاجر إليها لخدمة الإسلام، وعين مدرسًا بالمدرسة السلطانية، ثم رحل إلى القسطنطينية سنة 1917م فعين محررًا بالقلم العربي بوزارة الدفاع العثمانية، وبعد انتهاء الحرب العظمى جاء إلى مصر سنة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مترجم في "الفتح المبين: 3/ 213"، ومجلة "الفتح" 17/ ذو القعدة/ سنة 1350هـ، ومجلة "الهداية الإسلامية" "جمادى الآخرة، سنة 1355هـ"، ومجلة "الأزهر" "شعبان سنة 1337هـ"، ومجلة "المجمع العلمي العربي: 18/ 81"، و "معجم المطبوعات العربية: 1652"، و "الأزهر في ألف عام: 1/ 165، 195"، و "الأعلام: 6/ 113/ 114"، و "النهضة الإسلامية في سر أعلامها المعاصرين" 1/ 51/ 66".(12/16)
ص -74-…1919م فعين بدار الكتب الملكية مصححًا بالقسم الأدبي، وكان في كل ما وليه من أعمال مثال الكفاءة النادرة والنبوغ الفذ والمقدرة الفائقة حتى تسامع به أولياء الأمور في الأزهر الشريف وملأ حديثه مجالس العلماء والطلبة، فرأت مشيخة الأزهر أن تفيد منه طلاب التخصص، فندبته للتدريس بقسم التخصص بعد أن نال شهادة العالمية الأزهرية في سنة 1926م تقديرًا لفضله وعرفانًا لقدره.
ثم اختير رئيسًا لتحرير مجلة "نور الإسلام" وكانت لسان حال الأزهر يومئذ، فاضطلع بهذا العبء بضع سنين بمقدرة وجدارة، ثم عين مدرسًا بكلية أصول الدين سنة 1931م، فتخرج به كثير من العلماء الذين لا يحصون كثرة، وقد عرفت وزارة المعارف مكانته العلمية، فعينته عضوًا بمجمع فؤاد الأول للغة العربية، وإذا كان قد اعتزل مجلة "نور الإسلام" التي صارت بعد ذلك مجلة "الأزهر" واعتزل التدريس بكلية أصول الدين لبلوغه سن التقاعد، وأنشأ بعد ذلك "جمعية الهداية الإسلامية" وتولى رئاستها ومدير مجلتها، كما تولى رئاسة تحرير مجلة "لواء الإسلام".
ثم كان من هيئة كبار العلماء، وعين شيخًا للأزهر أواخر سنة 1371هـ، واستقال سنة 1373هـ، وتوفي بالقاهرة في 13 رجب سنة 1377هـ، ودفن بوصية منه في تربة صديقه أحمد تيمور باشا، وكان هادئ الطبع وقورًا، خص قسمًا كبيرًا من وقته لمقاومة الاستعمار، وانتخب رئيسًا لجبهة الدفاع عن شمال إفريقيا.
المترجم له مؤلفات تدل على طول باعه ورسوخ قدمه في علم الدين والاجتماع واللغة، منها:(12/17)
ص -75-…- "الدعوة إلى الإصلاح" عالج فيه كثيرا من الشئون الاجتماعية والخلقية، وهو مطبوع.
- "القياس في اللغة العربية" وهو موضوع من الموضوعات التي عني بها مجمع فؤاد الأول للغة العربية.
- "نقد كتاب الشعر الجاهلي" وهو مؤلف قيم رد فيه على طه حسين في كتاب "الشعر الجاهلي"، وقد كان لهذا النقد وقع عظيم في الأوساط العلمية والدينية، وهو مطبوع.
- "حياة اللغة العربية"، مطبوع.
- "الخيال في الشعر العربي"، مطبوع.
- "مناهج الشرف"، مطبوع.
- "طائفة القاديانية"، مطبوع.
- "مدارك الشريعة الإسلامية"، مطبوع.
- "الحرية الإسلامية"، مطبوع، وهو عبارة عن محاضرة له.
- "خواطر الحياة"، مطبوع.
- "بلاغة القرآن"، مطبوع.
- "محمد رسول الله"، مطبوع.
- "السعادة العظمي"، مطبوع".
- "من أدب الرحلات"، مطبوع.(12/18)
ص -76-…- "تونس وجامع الزيتونة"، مطبوع.
- "نقد كتاب الإسلام وأصول الحكم"، الذي ألفه علي عبد الرازق، وهو مطبوع.
- "تعليقات على كتاب الموافقات" للشاطبي في الأصول، وهي مطبوعة.
- "تعليقات على شرح الإبريزي للقصائد العشر"، وهذه التعليقات تدل على تبحره في اللغة العربية، وهو مطبوع.(12/19)
ص -77-…ترجمة الشيخ ماء العينين1:
أبو محمد مصطفي بن محمد فاضل بن محمد مامين الشنقيطي القلقمي، أبو الأنوار، الملقب بماء العينين، من قبيلة القلاقمة، من عرب شنقيط.
مولده ببلدة الحوض سنة 1246هـ الموافق 1830م، ووفاته في تزنيت من مدن السوس الأقصى. وفد على ملوك المغرب في رحلته إلى الحج وحظي عندهم.
وكان مع اشتغاله بالحديث واللغة والسير، له معرفة بما يسمي "علم خواص الأسماء والجداول والدوائر والأوقاف وسر الحرف"، وقصده الناس لهذا!
قال صاحب "معجم الشيوخ": "وأخباره في العلم والطريق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ترجمته في "الوسيط في أخبار شنقيط: 360"، و "معجم الشيوخ: 2/ 37"، و "المعسول: 4/ 83-101"، و "معجم المطبوعات العربية: 1601"، و "الأعلام: 7/ 243-244"، و مجلة "صحراء المغرب" "عدد 24 محرم / سنة 1378هـ"، وفيها بحث مستفيض في نسبة وطريقته وأبنائه وسيرته.(12/20)
ص -78-…والسياسة واسعة تحتاج إلى مؤلف خاص".
يستفاد مما كتب عنه؛ أنه كانت له مواقف ووقائع في مقاومة الاستعمارين الفرنسي والأسباني في المغرب، وأن الشعب المغربي أسند إليه في العام الأخير من حياته قيادة الجهاد، واجتمع لديه جيش من تلاميذه ومن رجاله ومن قبائل الرقيبات وأولاد دليم وأولاد أبي السباع والنكنة والشلوح وسائر قبائل السوس، وزحف نحو فاس "العاصمة يومئذ" لإنقاذها، وكادت ثورته تعم المغرب كله لولا أن حشد له الفرنسيون قواهم، وتغلبوا عليه، ومرض فعاد إلى مدينة تزنيت الواقعة على 95 كيلو مترا من جنوب أغادير، و60 من إفنى، فتوفي ودفن بها، وذلك في سنة 1328هـ، الموافق 1910م.
قال في "المعسول": "لما تمكن المولى عبد الحفيظ، ودخل فاسًا، سافر الشيخ ماء العينين، من تزنيت إلى فاس، محاذيًا سفح الأطلس، لأنه لا يأمن في السهول، فأرسل الفرنسيون المحتلون للدار البيضاء وما يليها إلى الملك بفاس، ينذرونه بأنهم يعدون كل من مد يده "بالمعونة" إلى ماء العينين عدوًّا لهم، فأوعز الملك إلى عبد الله بن يعيش بأن يتلقى الشيخ في الطريق، برسالة من الملك، ليرجع عن فاس، ثم لما وصل الشيخ إلى تادلة، أراد الفرنسيون أن يتسربوا إليه ليلًا، ليستحوذ عليه وحفظه الله منهم، فنشأت عن ذلك حرب بين أهل تادلة والفرنسيين، اصطلى فيها هؤلاء بنار مستعرة في يوم مذكور ورجع الشيخ متوغلًا الأطلس، فطلع من آيت عتاب إلى أن نزل على رأس الوادي في سوس، فحط رحاله في تزنيت، حيث لفظ نفسه الأخير وشيكًا".(12/21)
ص -79-…له كتب كثيرة منها:
- "شرح راموز الحديث"، مطبوع.
- "نعت البدايات وتوصيف النهايات"، مطبوع.
- "تبيين الغموض على النظم المسمى بنعت العروض"، مطبوع
- "مغري الناظر والسامع على تعلم العلم النافع"، مطبوع.
- "مبصر المتشوف"، مطبوع، في التصوف.
- "دليل الرفاق على شمس الاتفاق"، مطبوع ثلاثة أجزاء قديمًا، وفي جزأين حديثًا، في الفقه المالكي.
- "مذهب المخوف على دعوات الحروف"، مطبوع.
- "المرافق على الموافق"، مطبوع قديمًا، وهو نظم لـ "الموافقات" مع شرح له.
- "مفيد الحاضرة والبادية"، مطبوع.
- "مجموع"، مطبوع، مشتمل على رسائل منها: "قرة العينين في الكلام على الرؤية في الدارين".
- الإيضاح لبعض الاصطلاح".
- "ما يتعلق بمسائل التيمم".
- "سهل المرتقى في الحث على التقى".
- "فاتق الرتق على راتق الفتق"، وهو شرح قصيدة من نظمه غريبة المباني "كما وصفها في مقدمة الشرح"، منها نسخة خطية في الخزانة.(12/22)
ص -80-…العامة بالرباط "د 384"، واسمه على هذه النسخة "محمد مصطفي الشريف الحسني الإدريسي الملقب ماء العينين".(12/23)
ص -81-…ترجمة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد1:
هو الشيخ العلامة المحقق محمد محيي الدين بن عبد الحميد، مدرس مصري، ولد سنة 1318هـ-1900م بقرب "كفر الحمام" بمحافظة الشرقية، كان محيي الدين نزاعا للعلم مشغوفًا به منذ نشأته الأولى، إذ تربى في بيت فقه وقضاء؛ لأن والده الشيخ عبد الحميد إبراهيم كان من رجال القضاء والفتيا، وله صلات قوية بزملائه، والصفوة من علماء بيئته، فكانوا يجتمعن لديه في منزله، وقد ترعرع الطفل الناشئ ليسمع آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسائل العلم في نقاش الزائرين، ويلحظ لوالده من الهيبة والمكانة ما دفع به إلى محاكاته، حتى إذا بلغ دور الصبا دفع به والده إلى معهد دمياط الديني ليرتشف من معينه، إذ كان والده قاضيًا بمحكمة فارسكور، ثم انتقل إلى القاهرة مفتيًا دينيًّا لوزارة الأوقاف فانتقل معه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 له ترجمة في "الأعلام: 7/ 92"، و "الأزهر في ألف عام: 3/ 112"، ومجلة "الأديب" "عدد مارس/ سنة 1973م"، و "النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين: 2/ 152-142"، ومجلة "مجمع اللغة العربية" "جزء 20، ص92، سنة 1966م، وجزء 32، ص186، سنة 1973م.(12/24)
ص -82-…إلى الجامع الأزهر، وحصل محمد محيي الدين على العالمية النظامية بالقاهرة سنة 1925م، وعمل في التدريس بمصر والسودان، ثم كان رئيس لجنة الفتوي بالأزهر، ثم عميدًا لكلية اللغة العربية، وضمه مجمع اللغة العربية في القاهرة، إلى أعضائه سنة 1964، واشتهر بتصحيح المطبوعات "أو تحقيقها"، فأشرف على طبع عشرات منها، وكان من بينها كتابنا هذا "الموافقات"، ومدح صنيعه في ضبط الكتب وتحقيقها غير واحد من الأعلام، فها هو الأستاذ العلامة الشيخ محمد علي النجار في حفلة استقبال الشيخ محيي الدين بمجمع اللغة العربية، حين اختير عضوا به؛ يقول:
"لقد قيل في الطبري: إنه كان كالقارئ الذي لا يعرف إلا القرآن، وكالمحدث الذي لا يعرف إلا الحديث، وكالفقيه الذي لا يعرف إلا الفقه، وكالنحوي الذي لا يعرف إلا النحو، وكالحاسب الذي لا يعرف إلا الحساب، وكذلك يقال في الشيخ محيي الدين، إنه كالنحوي الذي لا يعرف إلا النحو، وكالفقيه الذي لا يعرف إلا الفقه، وكالمحدث الذي لا يعرف إلا الحديث، وكالمتكلم الذي لا يعرف إلا الكلام، وآية ذلك ما ألفه أو أخرجه من الكتب في هذه الفنون". قال ذلك الشيخ النجار بعد أن قال: "ولقد أتى على الأزهر حين من الدهر، وجل ما يدرس في معاهده من تأليفه أو إخراجه"1.
وتعدد المعارف العلمية كان من سمات علماء الأزهر، قبل أن تنشأ الكليات، لأن الطالب في القسم العالي كان يدرس العلوم الرئيسية لكليات اللغة العربية وأصول الدين والشريعة الإسلامية جميعها، فإذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مجلة "مجمع اللغة العربية" "ج20،ص192، سنة 1966م".(12/25)
ص -83-…كان نابغة كالشيخ النجار أو الشيخ محيي الدين؛ فإن علوم الإسلام شريعة ولسانًا لا تعجزه، وكان الشيخ إبراهيم الجبالي والشيخ إبراهيم حمروش والشيخ عبد المجيد سليم يرأسون لجان الامتحانات في التخصص القديم، ويسألون عن دقائق العلوم المختلفة، وكأنهم ذوو اختصاص في كل علم على حدة! وقد زاد عليهم الأستاذ محيي الدين بما بذل من جهد في النشر والتأليف، على حين اكتفى هؤلاء بمجالس الدرس المستوعب لكبار الطلاب، وليتهم صحبوا القلم كما صحبوا اللسان.
ومدحه الأستاذ المحقق الكبير عبد السلام هارون -رحمه الله تعالى- فقال:
"ومما يخرج عن نطاق الحصر ما صنعه الأستاذ محيي الدين من العناية بنشر "شرح ابن يعيش على المفصل" في عشرة أجزاء لم يرقم عليها اسمه، ولم يدخلها في حساب ما قام على نشره من أمهات الأصول، ويكفيه فخرًا في النحو ويكفي النحو فخرًا به أنه عالج معظم كتبه المتداولة، لتيسير دراستها وتذليل القراءة، والبحث فيها بدءًا بـ "الأجرومية" وانتهاء "بشرح الأشموني للألفية"، و "شرح ابن يعيش للمفصل"، ولا يزال كثير منا نحن أعضاء المجمع الموقر يرجع إلى كتاباته وتعليقاته، وإلى هذا المدد الزاخر، من المكتبة النحوية التي نقلها من ظلام القدم إلى نور الجدة والشباب"1.
وللأستاذ محمد محيي الدين مقدمات علمية رائعة تدل على أنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مجلة "مجمع اللغة العربية" "ج32، ص186، سنة 1966م".(12/26)
ص -84-…باحث جيد، لو تفرغ للتأليف الخالص لأبدع الكثير، وأشير إلى مقدمتين رائعتين هما مقدمته لكتاب "مقالات الإسلاميين" للأشعري، ومقدمته لكتاب "تهذيب السعد"، حيث ألمّ في الأولى بتاريخ دقيق لعلم الكلام منذ بدت أصوله حتى اكتمل وتشعب وتعددت فرقة بعد الأشعري، في وضوح خالص يدل على صحة الفهم، وصدق الاستنباط، كما ألم في المقدمة الثانية بتاريخ علم البلاغة في دقة حصيفة، وقد كتب هذا التاريخ المستوعب قبل أن تظهر الكتب المستقلة بتاريخ هذا الفن، فكان ذا سبق جلي، وله في مقدمة "نهج البلاغة" استيعاب جيد، واستشفاف بصير.
ومع هذا، فله مؤلفات عدة، منها:
- "الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية"، مطبوع.
- "أحكام المواريث على المذاهب الأربعة"، مطبوع.
- "التحفة السنية بشرح المقدمة الأجرومية"، مطبوع، ثلاثة أجزاء.
- "تصريف الأفعال" طبع الأول منه.
توفي الشيخ محمد محيي الدين سنة 1393هـ- 1973م، رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.(12/27)
ص -85-…ترجمة محقق الكتاب مشهور بن حسن آل سلمان:
بقلم تلميذه: أبي العباس الأثري
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.. وبعد:
فها أنا ذا أقيد معالم هذه الترجمة، واللسان "اليراع" رضابه يكاد يجف حياء؛ فإن المترجم في ذا الأمر كان شرع -وهي جادة مطروقة، وسكيكة مألوفة، كما لا يخبل على عريب من الناس ذي نهية- ثم آل الأمر إلي بإشارة من إشارته حكم، وطاعته غنم. ولا يدرك الطالع شأو الضليع، ولا الخوار سبيل الشجيع، ولكنه أمر كان، والله المستعان، وعليه التكلان.
قال أبو العباس: هو الشيخ السلفي المتفنن، صاحب التصانيف الماتعة الفريدة، والتواليف المليحة المفيدة، والتحقيقات العزيزة الفاردة، مشهور بن حسن بن محمود آل سلمان، المكني بأبي عبيدة -حفظه الله أُخرى المنون، ما توالت الأيام، وتتابعت السنون.
ولد في فلسطين سنة ثمانين وثلاثمائة وألف، ونشأ في بيت حفاظ ودين، ونجار كريم، ثم ظعن وأهل بيته إلى الأردن ذات العويم، سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وألف -وهي سنة هياط ومياط- عقيب النازلة التي حلت بأهلها. ثم عمن في "عمان" الأردن، وكانت دراسته الثانوية فيها، وإنه(12/28)
ص -86-…التحق بكلية الشريعة، سنة أربعمائة وألف، في قسم "الفقه وأصوله".
رزقه الله مقة للعلم الشرعي مذ كان في جن النشاط وربان الحداثة، وآتاه الله من كل شيء سببًا، فأتبع سببًا ومشربًا، وانكب على علوم الشريعة الغراء، درسًا، وقراءة، وتحصيلًا والتقاطًا لشتيتها وأثيثها، واصلًا الآساد بالتأويب، ومراوحًا بين الإهذاب والتقريب فقرأ شطرًا عظيمًا من "المجموع" النواوي، و "المغني" لابن قدامة، و "تفسير أبي الفداء"، و "تفسير القرطبي"، و "صحيح البخاري" بشرح الحافظ العسقلاني، و "صحيح مسلم" بشرح النواوي، وغيرها جمع عظيم، وجم غفير، لا يأتي عليه حيسوب.
وكان الشيخ -لا تبلى مودته- مستهتِرا1 بالكتب الشرعية كلفًا بها. بدأ بالفتش والتنقير عنها قبل ظهور سباله، ونبات عثنونه. فاجتمع له منها الشيء الكثير، والعدد الوفير.
ثم أتبع سببًا، فتأثر بطائفة من فحولة العلماء ومحققيهم، وقفا أثرهم، وعرف أخراتهم، ومنهم:
شيخ الإسلام، أبو العباس أحمد بن تيمية النميري "م سنة 728هـ"، والشيخ ولوع به يقدمه.
وتلميذه البار، العالم الرباني وشيخ الإسلام الثاني، أبو عبد الله ابن قيم الجوزية "م سنة 751هـ"، والبيهقي، والنواوي، والذهبي، والقرطبي، وابن حجر، وابن عبد البر، والشاطبي -رحم الله الجميع-.
وإنه استراح -بعد- من النظر إلى التحقيق، ومن التحقيق إلى التعليق، وإنها -لعمري- الطريقة المثلى، في التحصيل والطلب، ونيل القدح المعلى، وبلوغ الأرب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: ولوعًا.(12/29)
ص -87-…تأثر بجماعة من أساتيذه تأثرا عظيمًا، سواء ممن أخذ عنه على مقاعد الدراسة النظامية، أو في المجالس العلمية، ومنهم:
فضيلة شيخنا العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني، وشيخ أشياخنا العلامة الفقيه مصطفي الزرقاء -زاد الله في أنفاسهما-.
قال أبو العباس: أما شمايله وتوسه، فإن رائيه يخاله قطعة من نفسه.
وإني -علم الله- ما رأيت مثله، زماتة وركانة، وفطنة وزكانة، إلى حلم، وأناة، وإسجاح ولين جنب، ولكنه في الحق شديد الخنزوانة.
قال أبو العباس: وهو من هو في العناية بآثار الإسلام وميراثهم، طول باع، وحسن تفهم، وجلدًا على البحث، وتحصيلًا لكتبهم، وتفانيا في خدمتها، وانخراطًا في سلكها، كيف لا، وهو جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب.
تواليفه كلها ترنو بعين أبيها إذا لحظت، وتمضي في جادة مستقيمة، وفج رغيب، ونهج لاحب، لا عوج فيها ولا أمت، فهو أبو بجدتها، ورب نجدتها.
وبعضها وضع له القبول في الأرض، ودرس في أصقاع شتى، كـ "القول المبين في أخطاء المصلين".
أول كتبه تصنيفًا كتاب: "الجمع بين الصلاتين في الحضر بعذر المطر"، وله -الآن- عليه زيادات مهمات تخرج -قريبًا إن شاء الله تعالى-.
وأول تصانيفه طبعا كتاب: "المحاماة تاريخها في النظم، وموقف الشريعة الإسلامية منها"، قرأ جزءًا منه على شيخه العلامة مصطفي الزرقا.
وهو أول كتاب مفرد في بابه، نهل منه وعب كل من كتب في هذه البابة.
ثم كتب "موقف الشريعة الإسلامية من خلو الرجل أو الفروغية"، وهو كالذي قبله، حيازة لفضل السبق، وفضل فتق الرتق، فسد به ثغرة، وأزال(12/30)
ص -88-…حجر عثرة.
وله من الكتب أيضا: "من قصص الماضين في حديث سيد المرسلين"، و "إعلام العابد في حكم تكرار الجماعة في المسجد الواحد"1، و "دراسة حديث أرحم أمتي بأمتي أبو بكر.." تعقب فيه تصحيح شيخه العلامة الألباني للحديث، و "المروءة وخوارمها"2، و "الهجر في الكتاب والسنة"، و "الغول في الحديث النبوي"، و "كتب حذر منها العلماء"، طبع منه المجموعة الأولى3 في جَلَدين، وهو في مجموعات خمس "لكل مجموعة جلدان"، قدم له، وقرأه شيخنا العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد.
وله أيضا: "الإمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح وأثره في علم الحديث" وهو مطبوع في جلدين، ونشر منه كتاب مختصر، استله ناشره من الكتاب الأصل، فظهر ضعيفًا، لا يسد خلة، ولا جدة فيه.
وله أيضا: "عناية النساء بالحديث النبوي"، و "معجم المصنفات الواردة في فتح الباري"4، و "الردود والتعقبات على الإمام النووي في الصفات وغيرها من المسائل المهمات5 تتبع فيه تأويلات الإمام النوواي في "شرح صحيح مسلم" وبين مذهب السلف فيهن وأنحى باللائمة على من غمط النواوي حقه، وأجرى لسانه فيه بالثلب، وأفتى بحرق كتبه ومدوناته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 طبع طبعتين في الثانية فوائد زوائد وتجمع عنده زيادات مهمات لعلها تظهر -إن شاء الله- في طبعة ثالثة.
2 طبع ثلاث طبعات، الثالثة تزيد على الأولتين قرابة "مائة صفحة".
3 طبع أكثر من مرة، ولاقى قبولًا، فلله الحمد والمنة.
4 استله وجرده من "الفتح" تلميذه الأخ رائد صبري، وعلق الشيخ عليه وراجعه وعرف بالكتب وطبع باسميهما.
5 طبع أكثر من مرة.(12/31)
ص -89-…وله دراسة جمع فيه أسماء الرسائل التراثية الموجودة برمتها في بطون "المجلات" أو "المجلدات" وسمها بـ "الإشارات"، تكون -إن شاء الله تعالى- في خمسة أجلاد، طبع منها الأول حسب.
وله عناية بما لا يصح من القصص، نبوية كانت أو تاريخية، يجمعها في سلسلة تنشر متتابعة بعنوان "قصص لا تثبت"، الرابع منها قيد الإعداد.
وله عناية بالقرطبي وتراثه، فكتب عنه دراسة جادة بعنوان "الإمام القرطبي شيخ أئمة التفسير" وصنع كشافًا فقهيًّا لـ "تفسيره"، جعله على أبواب الفقه، وعنده عزم على تخريج أحاديثه، إذ جمعها في بطاقات منذ زمن، وخرج قسمًا يسيرًا منها، وحقق له "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" "لم يطبع بعد"، وجمع كلامه في "التفسير" على الصوفية، وطبعه بعنوان "القرطبي والصوفية"، وطبع أيضا "شكوى القرطبي من أهل زمانه"، وهما رسالتان صغيرتان، وله سلسلة بعنوان "تنبيهات على محذورات" طبع منها "حكم الشرع في لعب الورق"، و "أضرار كرة القدم"، كتبت لأسباب تخص مواضيعها مع بعض أقاربه ومحبيه، وهي رسائل صغيرة، وكذا له "ألفاظ كفرية" جمعها من مجالس العامة على اختلاف طبقاتهم، و "تراجعات ابن حجر العسقلاني في فتح الباري" "قيد الطبع"، وكذا له "نصيحة ذهبية إلى الجماعات الإسلامية"، ضمنها في التقديم والتعليق على فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية في الطاعة والبيعة، كتبها وأرسلها إلى المشايخ والعلماء ليبدوا رأيهم فيها، فظهرت مطبوعة دون علمه، ووقع فيها ما لا يرتضي.
ويعمل الآن على جمع الأحاديث النبوية الشريفة، المبثوثة في بطون كتب التاريخ، والأدب، واللغة، والقراءات، والرقاق، وما ليس تحت يد المشتغل بصناعة الحديث، وإنه يطبعها -إن شاء الله تعالى- في جمهرة عظيمة.(12/32)
ص -90-…وكذا بدأ بجمع الآثار المسندة لتكون -بعد- في معلمه كاملة شاملة -إن شاء الله تعالى-.
وله جهود في التحقيق عظيمة، فعمل على نشر كثير من كتب التراث مما لم تر النور إلا بجهده، فهو أول من حقق كتاب "الطهور" لأبي عبيد القاسم بن سلام، و "الطبقات" للإمام مسلم بن الحجاج، و "الخلافيات" للبيهقي "طبع منه مجلدان، والثالث والرابع و الخامس قيد الإعداد"، وإنه يربو -إن شاء الله تعالى- على مجلدات عشرة، وحقق "المجالس الخمسة التي أملاها الحافظ أبو طاهر السلفي بسلماس" للحافظ السلفي "ت576هـ"، و "أحاديث منتخبة من مغازي موسى بن عقبة" لابن قاضي شهبة "ت789هـ"، وأحكام النظر إلى المحرمات وما فيه من الخطر والآفات" لابن حبيب العامري "ت530هـ"، و "جزء فيه من عاش مئة وعشرين سنة من الصحابة" لأبي زكريا يحي بن منده "ت 511هـ"، و "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" للحافظ أبي بكر الخلال "ت311هـ"، و "الرد على من ذهب إلى تصحيح علم الغيب من جهة الخط لما روي في ذلك من أحاديث ووجه تأويلها" لأبي الوليد بن رشد "520هـ"، و "الجامع للآداب" لابن عبد البر "ت463هـ" "ولم يكتب اسمه عليها"، و "درة الضرع لحديث أم زرع" لمحمد بن عبد الكريم القزويني "ت580هـ"، و "تالي تلخيص المتشابه" للخطيب البغدادي "وهو قيد الطبع"، و "تحفة الطالبين في تر جمة الإمام محيي الدين "النواوي" لابن العطار "ت724هـ"، و "الكبائر" للإمام الذهبي، وبين فيه زيف الطبعة المشهورة وأن الذهبي بريء منها، و "تشبه الخسيس بأهل الخميس" للذهبي أيضا" ظهر في مجلة الحكمة"، و "ذكر ابن أبي الدنيا وما وقع عاليًا من حديثه" لأبي موسى المديني، و "فنون العجائب" للنقاش، و "جزء القاضي الأشناني"، و "فضائل الرمي في سبيل الله" للحافظ القراب "ت429"، و "فضيلة العادلين"، و "جزء فيه طرق حديث إن لله تسعة(12/33)
ص -91-…وتسعين اسمًا" كلاهما لأبي نعيم "ت430هـ"، و "الوجل والتوثق بالعمل" لابن أبي الدنيا، و "أدب النفوس" للآجري، و "مسألة سبحان" لنفطويه، و "حديث الجويباري" للبيهقي، وكلها ستظهر -إن شاء الله تعالى- في مجموعة قريبًا، وقد فرغ من تنضيدها. وحقق "العزلة" لابن أبي الدنيا، وهو "قيد الطبع"، وله حواش ومراجعات وتعليقات على تحقيق "الغيلانيات" لأبي بكر الشافعي "قيد الطبع"، وكذا على كتاب شيخه الألباني "المنتخب من فهرس مخطوطات الظاهرية".
وحقق مجموعة من كتب ابن القيم، مثل "الفروسية"، و "جلاء الأفهام" "قيد الطبع "، و "الطرق الحكمية" "قيد التنضيد والصف"، و "الفوائد الحديثية" لم يطبع قبل، و "إعلان الموقعين"، "قيد التنضيد" و "زاد المعاد" "قيد الإعداد".
وحقق أيضا: "جزء في طرق حديث أفرضكم زيد" لمحمد بن عبد الهادي "لم يطبع بعد"، و "تذكرة الطالب المعلم فيمن قيل إنه مخضرم" لسبط بن العجمي.
وحقق أيضا: "تنبيه المعلم بمبهمات صحيح مسلم" لولد سبط ابن العجمي، و "غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة" لرشيد الدين العطار، وهو في ذيل "الإمام مسلم ومنهجه في الصحيح"، و "من وافقت كنيته كنية زوجه من الصحابة" لابن حيويه "ت366هـ" "تلميذ النسائي"، و "الباعث على إنكار البدع والحوادث" لأبي شامة المقدسي "شيخ النواوي" و "مجموعة رسائل حديثية" للإمام النسائي، و "المتوارون"، و "الأوهام التي في مدخل أبي عبد الله الحاكم النيسابوري" كلاهما للحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي "ت409هـ"، و "الفوائد الزينية في مذهب الحنفية" لابن نجيم "ت 970هـ".
وحقق مجموعة من رسائل الأسيوطي "ت911هـ"، هي: "الأمر(12/34)
ص -92-…بالاتباع والنهي عن الابتداع"، و "تمهيد الفرش في الخصائل الموجبة لظل العرش"، و "بزوغ الهلال في الخصال الموجبة للظلال"، و "بشرى الكئيب بلقاء الحبيب"، و "التعليل والإطفا لنار لا تطفى"، و "كتاب في صفة صاحب الذوق السليم ومسلوب الذوق اللئيم" "وهو عبارة عن مقامة، ولم يكتب اسمه عليها"، و "المسارعة إلى المصارعة".
وحقق أيضا مجموعة من رسائل السخاوي، وهي: "رجحان الكفة في بيان نبذة من أهل الصفة"، و "الجواب الذي انضبط عن لا تكن حلوًا فتسترط"، و "تخريج أحاديث العادلين"، و "الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي صلى الله عليه وسلم من الخدم والموالي"، و "تحرير الجواب عن ضرب الدواب" ظهر في مجلة "الحكمة"، و "القول المنبي في ترجمة ابن عربي"، و "الأجوبة العلية عن الأسئلة الدمياطية"، و "المسلسلات"، و "البلدانيات" و "القول البديع"، "كلها قيد الإعداد والتحقيق".
وجمع مؤلفات السخاوي في كتاب فرد "لم يطبع".
وحقق أيضا مجموعة من رسائل الشوكاني "م سنة 1250هـ" مثل: "در السحابة في فضائل الصحابة" "قيد الطبع"، و "تنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصانه من الدلائل"، و "بلوغ المنى في حكم الاستمنى"، و "إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي صلى الله عليه وسلم".
وحقق أيضا "برد الأكباد في فضل فقد الأولاد" لابن ناصر الدين "لم يطبع بعد".
وحقق مجموعة رسائل الحافظ ابن حجر العسقلاني "ت 852هـ"، مثل: "تخريج حديث الأسماء الحسني"، و "ذكر الآثار الواردة في الأذكار التي تحرس قالها من كيد الجن" "وطبع خطأ منسوبًا لابن حجر الهيتمي! وهو قطعة من "بذل الماعون"، و "جزء في طرق حديث لا تسبوا أصحابي".
وحقق مجموعة من رسائل الشيخ مرعي الكرمي الحنبلي، مثل:(12/35)
ص -93-…"تحقيق البرهان في شأن الدخان"، وله بذيله "التعليقات الحسان"، و "إرشاد ذوي العرفان لما للعمر من الزيادة والنقصان"، و "تحقيق البرهان في إثبات حقيقة الميزان"، و "تحقيق الخلاف في أصحاب الأعراف".
وحقق أيضا مجموعة من رسائل الشيخ على القاري "م سنة 1014هـ"، مثل: شم العوار في ذم الروافض "لم يطبع بعد"، و "أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام"، و "الذخيرة الكثيرة في رجاء المغفرة للكبيرة"، و "سلالة الرسالة في ذم الروافض ضمن أهل الضلالة"، و "تطهير الطوية في تحسين النية"، و "المقدمة السالمة في خوف الخاتمة"، و "فصول مهمة في حصول المتمة"، و "فرائد القلائد على أحاديث شرح العقائد"، و "الاستدعاء في الاستسقاء"، و "الأدب في رجب"، و "معرفة النساك في معرفة السواك"، و "التجريد في إعراب كلمة التوحيد"، و "رفع الجناح وخفض الجناح بأربعين حديثًا في النكاح"، و "شفاء السالك في إرسال مالك" "وجميعها مطبوعة"، و "الأربعين القدسية"، و "البينات في بيان بعض الآيات"، و "إعراب القاري على أول باب البخاري"، و "صنعة الله في صيغة صبغة الله"، و "أنوار الحجج في أسرار الحجج"، و "تزيين العبارة لتحسين الإشارة" وذيلها "التدهين للتزيين على وجه التبيين"، و "فتح السماع في شرح السماع"، والاعتناء بالغَنا في الغِنا"، و "رسالة ما يتعلق في ليلة النصف من شعبان" "فرغ من تحقيقها كلها، وهي منضدة ومعدة للطبع من سنوات عديدة".
وفرغ من تحقيق "القواعد الفقهية" "قيد التنضيد" لابن رجب الحنبلي، وهو منشغل الأن بتحقيق "المجالسة" لأبي بكر الدينوري.
وحقق أيضا مجموعة من الرسائل الصغيرة في الفقه، والآداب، واللغة، مثل: الدرر الثمينة في حكم الصلاة في السفينة" للحموي "ت 1098"، و "مفيدة الحسنى لدفع ظن الخلو بالسكنى" للشرنبلالي(12/36)
ص -94-…"ت 1096هـ"، و "المطالب المنيفة في الذب عن الإمام أبي حنيفة" لمصطفي الحسيني، و "آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة" للغزي "ت 984هـ"، و "القول المسموع في الفرق بين الكوع والكرسوع" للزبيدي "ت 1205هـ" -رحم الله الجميع-.
قال أبو العباس: فمجموع ما طبع له، حتى كتابة هذه السطور، قرابة مائة رسالة وكتاب، تحقيقًا أو تصنيفًا، وأتم نحو العشرين مما لم يطبع، عدا عما في جعبته ومسوداته من نسخ لأجزاء ومخطوطات مهمة، أو أعمال علمية متممة وغير متممة، نسأل الله أن يعينه على إتمامها وإخراجها إلى عالم النور.
وبعد: فإني لو رمت البسط، ويممت شطره، لخرجت ترجمتي المعتصرة هذه في أجلاد وأجلاد، ولكن حال الجريض دون القريض وخشية الإلظاظ دون الغريض.
وليعلم الناظر أني كتبت ما كتبت عاصيًا لما يرضيه، مطيعًا لما يرضيني، وإلا فله العتبى حتى يرضى.
أسأل الله أن يوفق شيخنا ويعينه، وأن يعظم له أجرًا، ويخلد له ذكرًا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
وكتب
أبو العباس الأثري
يوسف بن عطاء السليمان
-عفا الله عنه-
في 28/ جمادي الآخرة/ 1417هـ(12/37)
ص -97-…فهرس الآيات القرآنية الكريمة:
الآية رقمها الجزء والصفحة
الفاتحة:
الحمد لله رب العالمين 2-4 2/ 165
مالك يوم الدين 4 2/ 132
إياك نعبد 5 2/ 165
إياك نعبد وإياك نستعين 5-6 4/ 203
اهدنا الصراط المستقيم 6-7 4/ 167
البقرة:
ذلك الكتب لا ريب فيه 2 1/ 74
هدى للمتقين 2 3/ 308، 512-4/ 135، 167- 5/ 70
ويقيمون الصلاة 3 2/ 404
إن الذين كفروا سواء عليهم 6 4/ 167-215
ومن الناس من يقول آمنا 8 3/ 109
يخادعون الله والذين آمنوا 9 1/ 537-3/ 109
وما يخدعون إلا أنفسهم 9 2/ 132
إنما نحن مستهزئون 14 3/ 109
الله يستهزئ بهم 15 1/ 537-2/ 257(12/38)
ص -98-…يا أيها الناس اعبد و ربكم 21 2/ 290-5/ 179
لعلكم تتقون 21 2/ 168
الذي جعل لكم الأرض فراشا 22 2/ 374، 280-5/ 361
فلا تجعلوا لله أندادا 22 4/ 242، 245، 248
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبد نا 23 4/ 217
فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا 24 4/ 167
ولهم فيها أزواج مطهرة 25 5/ 362
إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا 26 4/ 167، 201، 212
فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق 26 4/ 212
ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا 26 3/ 514
يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا 26 3/ 512-5/ 70
وما يضل به إلا الفاسقين 26 3/ 515
أولئك هم الخاسرون 27 4/ 404
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا 29 1/ 477-2/ 76
إني جاعل في الأرض خليفة 30 3/ 25
أتجعل فيها من يفسد فيها 30 5/ 393
إني أعلم ما لا تعلمون 30 5/ 394
وعلم آدم الأسماء كلها 31 5/ 208
وكلا منها رغدا حيث شئتما 35 1/ 277، 493
ولا تقربا هذه الشجرة 35 4/ 245
ولا تلبسوا الحق بالباطل 42 4/ 77
وأقيموا الصلاة 43 5/ 351
أتأمرون الناس بالبر وتنسون 44 1/ 76، 95-4/ 86-5/ 271
واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها 45 2/ 232، 405-406-3/ 154(12/39)
ص -99-…الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم 46 2/ 406
واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا 48 2/ 382
وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها 58 1/ 228
وادخلوا الباب سجدا 58 4/ 406
وقولوا حطة 58 4/ 397
فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي 59 4/ 397، 406
إن الذين آمنوا والذين هادو والنصارى 62-81 4/ 168
ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت 65 3/ 110-4/ 65
إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة 67 5/ 388
وما كادوا يفعلون 71 1/ 258
وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله 75 4/ 160
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة 83 2/ 404
ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق 102 1/ 64
ولبئس ما شروا به أنفسهم 102 4/ 168
ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله 103 4/ 168
يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا 104 1/ 465-2/ 163-3/ 509-4/ 60، 111
لا تقولوا راعنا 104 3/ 76-5/ 287
والله يختص برحمته من يشاء 105 5/ 241
ود كثير من أهل الكتاب 109 1/ 96
وأقيموا الصلاة 110 1/ 29، 31
بلى من أسلم وجهه لله 112 4/ 168(12/40)
ص -100-…ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه 114 4/ 249
وقالوا اتخذ الله ولدا 116 4/ 159
بل له ما في السماوات والأرض 116 4/ 159
الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق 121 4/ 168
واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى 125 2/ 420-4/ 398
رب اجعل هذا بلدا آمنا 126 4/ 386
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت 127 4/ 203
ربنا تقبل 127 4/ 202
فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون 132 2/ 172، 178
ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده 140 4/ 77
وكذلك جعلناكم أمة وسطا 143 2/ 427-4/ 406، 407، 447
وما كان الله ليضيع إيمانكم 143 4/ 260
قد نرى تقلب وجهك في السماء 144 2/ 420
الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه 146 1/ 84، 94
وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره 150 5/ 351
فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون 150 2/ 12
فاذكروني اذكركم 152 2/ 544
ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع 155 1/ 507
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة 157 2/ 417
إن الصفا والمروة من شعائر الله 158 1/ 231، 478، 481-4/ 398
إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى 159 1/ 95-4/ 77، 125
إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا 160 2/ 361
يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا 168 1/ 197(12/41)
ص -101-…يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات 172 1/ 198
كلوا من طيبات ما رزقناكم 172 2/ 306
فمن اضطر 173 1/ 468
إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب 174 1/ 88
ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق 176 5/ 61
ليس البر أن تولوا وجوكم 177 2/ 290
كتب عليكم القصاص في القتلى 178 3/ 248
الحر بالحر والعبد بالعبد 178 4/ 403
ولكم في القصاص حياة 179 2/ 493، 520-5/ 180
ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب 179 2/ 13
كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت 180 5/ 48
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام 183-187 4/ 268
كتب عليكم الصيام 183 3/ 248، 422
كتب عليكم الصيام كما كتب 183 5/ 180
كما كتب على الذين من قبلكم 183 2/ 12-3/ 366
فمن كان منكم مريضا أو على سفر 184 1/ 490، 506
ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة 185 1/ 476
يريد الله بكم اليسر 185 1/ 480، 484، 518، 520، 522، 540-2/ 433-3/ 372
يريد الله بكم اليسر ولا يريد 185 2/ 210، 230-5/ 104
وإذا سألك عبادي عني 186 2/ 164
أحل لكم ليلة الصيام الرفث 187 3/ 248
علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم 187 1/ 465-3/ 296(12/42)
ص -102-…فالآن باشروهن 187 2/ 154
وابتغوا ما كتب الله لكم 187 2/ 493
حتى يتبين لكم الخيط الأبيض 187 2/ 143-4/ 398
من الفجر 187 3/ 299
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل 188 2/ 520-3/ 102، 185، 460-4/ 268-5/ 180
يسألونك عن الأهلة 189 1/ 43-2/ 113-4/ 269
يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج 189 3/ 150
وليس البر بأن تأتوا البيوت 189 1/ 44
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه 194 2/ 257، 321-5/ 190
وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا 195 1/ 248، 329، 331
ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة 195 3/ 561
واتموا الحج والعمرة لله 196 4/ 154
فلا رفث ولا فسوق 197 4/ 95
وتزودوا 197 3/ 561
ليس عليكم جناح أن تبتغوا 198 1/ 465، 475، 479-2/ 306، 366، 493
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه 203 1/ 465، 478
ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا 204 5/ 392
كان الناس أمة واحدة 213 5/ 61
يسئلونك ماذا ينفقون 215 2/ 279
كتب عليكم القتال 216 2/ 217، 375-5/ 180(12/43)
ص -103-…وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم 216 2/ 167، 375
والله يعلم وأنتم لا تعلمون 216 2/ 303
يسئلونك عن الشهر الحرام 217 1/ 254-5/ 376
إن الذين آمنوا والذين هاجروا 218 4/ 178
يسئلونك عن الخمر والميسر 219 1/ 276-2/ 124، 279
ويسئلونك عن اليتامى 220 1/ 254-5/ 376
ويسئلونك عن المحيض 222 1/ 254-5/ 375
إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين 222 2/ 191
نساؤكم حرث لكم 223 1/ 227، 493
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء 228 3/ 358
وبعولتهن أحق بردههن في ذلك إن 228-229 3/ 111
الطلاق مرتان 229 3/ 111
الطلاق مرتان 229-230 1/ 201
ولا يحل لكم أن تأخذوا مما 229 1/ 428، 466-3/ 111
فإن خفتم ألا يقيما حدود الله 229 4/ 221
فإن طلقها فلا تحل له من بعد 230 1/ 428-3/ 125
وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن 231 3/ 110
فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف 231 3/ 9
ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا 231 3/ 9، 185
ولا تتخذوا آيات الله هزوا 231 1/ 446-3/ 31
والوالدات يرضعن أولادهن 233 1/ 157-3/ 422
لا تضار والدة بولدها 233 3/ 185
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا 234 4/ 397
ولا جناح عليكم فيما عرضتم به 235 1/ 475، 479(12/44)
ص -104-…لا جناح عليكم إن طلقتم النساء 236 1/ 475
وقوموا لله قانتين 238 3/ 341، 294-4/ 150
ولكن أكثر الناس لا يشكرون 243 3/ 508
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا 245 4/ 281
تلك الرسل فضلنا 253 2/ 60-3/ 546/ -5/ 291
ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم 253 3/ 372
وسع كرسيه السماوات والأرض 255 4/ 229
ربي الذي يحيي ويميت 258 5/ 416
قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس 258 3/ 247-5/ 415
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتي 260 4/ 173
رب أرني كيف تحيي الموتى 260 1/ 546-3/ 150-4/ 162، 176، 203
يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم 264 1/ 456-3/ 90
كالذي ينفق ماله رئاء الناس 264 3/ 109
يؤتي الحكمة من يشاء 269 5/ 24
إنما البيع مثل الربا 275 4/ 380
وأحل الله البيع 275 1/ 208-2/ 275-3/ 185
وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم 279 4/ 380
وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة 280 3/ 103
واستشهدوا شهيدين من رجالكم 282 4/ 389
ولا يضار كاتب ولا شهيد 282 5/ 201
ممن ترضون من الشهداء 282 1/ 540
واتقوا الله ويعلمكم الله 282 5/ 283
والله بكل شيء عليم 282 3/ 309-4/ 20، 48(12/45)
ص -105-…وإن تبدوا ما في أنفسكم 284 1/ 93، 503-2/ 282-3/ 351، 353-4-4/ 36-5/ 409
والله على كل شيء قدير 284 1/ 131، 133
آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه 285-286 4/ 37
آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه 285 1/ 504
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها 286 2/ 210، 215، 282-3/ 51، 352
ربا لا تؤاخذنا 286 1/ 235-2/ 164-3/ 51-4/ 154، 202
ربنا ولا تحمل علينا إصرا 286 1/ 471-2/ 410-4/ 37
آل عمران:
هو الذي أنزل عليك الكتاب 7 3/ 305، 307، 315، 339-5/ 143
منه آيات محكمات 7 3/ 278، 320، 327-5/ 145
وأخر متشابهات 7 4/ 137
فأما الذين في قلوبهم زيغ 7 3/ 212، 290، 329-4/ 138، 139-5/ 390
والراسخون في العلم 7 3/ 329-5/ 76
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا 8 2/ 164-3/ 291
زين للناس حب الشهوات 14 5/ 355
ربنا إننا آمنا 16 4/ 203
شهد الله أنه لا إله إلا هو 18 1/ 92
قل اللهم مالك الملك 26 2/ 166
لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء 28 3/ 9(12/46)
ص -106-…رب إني نذرت لك ما في بطني 35 4/ 203
ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك 44 2/ 118
ربنا آمنا بما أنزلت 53 4/ 203
ومكروا ومكر الله 54 1/ 536-2/ 260
والله لا يحب الظالمين 57 2/ 191
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم 59 5/ 416
فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون 64 3/ 416
يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم 65 5/ 416
ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا 67 2/ 125
إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه 68 2/ 149
إن الذين يشترون بعهد الله 77 1/ 428-4/ 390
إن أول بيت وضع للناس 96 4/ 247
ولله على الناس حج البيت 97 1/ 257-3/ 549-4/ 154-5/ 374، 388
اتقوا الله حق تقاته 102 3/ 357، 358
واعتصموا بحبل الله جميعا 103 5/ 152
واذكروا نعمت الله عليكم 103 5/ 164
ولتكن منكم أمة يدعون إلى 104 1/ 278، 283
ولا تكونوا كالذين تفرقوا 105 5/ 60، 152، 160، 288
كنتم خير أمة أخرجت للناس 110 2/ 426-4/ 227، 407، 426، 447
ليس لك من الأمر شيء 128 1/ 355
والله يحب المحسنين 134 2/ 191، 134-3/ 423
والذين إذا فعلوا فاحشة 135 4/ 173، 177(12/47)
ص -107-…هذا بيان للناس 138 3/ 308-4/ 135، 325
وتلك الأيام نداولها بين الناس 140 1/ 225
وليمحص الله الذين آمنوا 141 1/ 507
والله يحب الصابرين 146 2/ 191
ثم صرفكم عنهم ليبتليكم 152 1/ 325-2/ 428
وليبتلي الله ما في صدوركم 154 1/ 325
بل أحياء عند ربهم يرزقون 169 4/ 408
الذين قال لهم الناس 173 1/ 498
وما كان الله ليطلعكم على الغيب 179 4/ 471
قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء 181 4/ 218
فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز 185 4/ 400
لتبلون في اموالكم وأنفسكم 186 1/ 503، 507
وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب 187-188 4/ 150
وإذا أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب 187 4/ 32
يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا 188 4/ 32
ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك 191 4/ 203
ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان 193 4/ 186
لا يغرنك تقلب الذين كفروا 196-197 5/ 357
النساء:
يا أيها الناس اتقوا ربكم 1 1/ 74
وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى 3 3/ 297
فانكحوا ما طاب لكم من النساء 3 4/ 227
ذلك أدنى ألا تعولوا 3 3/ 82(12/48)
ص -108-…فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا 4 4/ 221
ولا تؤتوا السفهاء أموالكم 5 1/ 534
ومن كان غنيا فليستعفف 6 2/ 313
ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف 6 4/ 390
ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا 6 3/ 111
وإذا حضر القسمة أولو القربى 8 3/ 349
إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما 10 3/ 460
يوصيكم الله في أولادكم 11 1/ 294
فإن كن نساء فوق اثنتين 11 4/ 377
فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه 11 4/ 384
من بعد وصية يوصي بها أو دين 12 1/ 449-3/ 9
من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار 12 3/ 111
تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله 12 2/ 401
ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات 13 3/ 423
ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده 14 2/ 401-3/ 423
إنما التوبة على الله 17 1/ 96-3/ 389-5/ 192
ثم يتوبون من قريب 17 3/ 489
ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن 19 1/ 466-3/ 111
حرمت عليكم أمهاتكم 23 3/ 460
وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم 23 3/ 250-4/ 385
وأحل لكم ما وراء ذلكم 24 3/ 355-4/ 310، 383
ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح 25 1/ 200-3/ 364(12/49)
ص -109-…ذلك لمن خشي العنت منكم 25 3/ 364
وأن تصبروا خير لكم 25 1/ 518-2/ 271
يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم 26-28 3/ 372
يريد الله أن يخفف عنكم 28 1/ 518، 520-2/ 210، 433
يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم 29 1/ 428
ولا تقتلوا أنفسكم 29 1/ 428-2/ 246، 433-3/ 102
إن الله كان بكم رحيما 29 2/ 246
إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه 31 4/ 401-174
الرجال قوامون على النساء 34 3/ 87
فابعثوا حكما من أهله 35 3/ 313-4/ 223
واعبد وا الله ولا تشركوا به شيئا 36 2/ 290
والجار ذي القربى 36 4/ 248
الذين يبخلون 37 4/ 177
والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس 38 3/ 109
إن الله لا يظلم مثقال ذرة 40 4/ 174، 177
يومئذ يود الذين كفروا وعصوا 42 4/ 177
يود الذين كفروا وعصوا الرسول 42 3/ 216
ولا يكتمون الله حديثا 42 3/ 215
يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى 43 3/ 250
لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى 43 1/ 238-2/ 231
أو لامستم النساء 43 4/ 201
من الذين هادوا يحرفون الكلم 46 4/ 161(12/50)
ص -110-…إن الله لا يغفر أن يشرك به 48 3/ 361-4/ 38، 174، 178
يؤمنون بالجبت والطاغوت 51 4/ 247
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله 59 2/ 432-3/ 229-4/ 321، 342-5/ 257
فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول 59-60 5/ 166
فإن تنازعتم في شيء 59 4/ 136، 191-5/ 60، 82، 99، 138، 143، 415
ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا 60 5/ 82
ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم 64 4/ 174، 178
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم 65 2/ 285-4/ 320
هذه من عند الله 78 4/ 209
فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقون حديثا 78 4/ 208
ما أصابك من حسنة فمن الله 79 4/ 209
من يطع الرسول فقد أطاع الله 80 2/ 430-4/ 322
أفلا يتدبرون القرآن 82 4/ 209
ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه 82 3/ 177، 188، 216-5/ 59
لعلمه الذين يستنبطونه منهم 83 2/ 416
فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة 92 4/ 374
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم 93 3/ 361
لا يستوي القاعدون من المؤمنين 95 3/ 293-5/ 409
غير أولي الضرر 95 3/ 559
إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم 97 4/ 36، 41(12/51)
ص -111-…وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح 101 1/ 474، 490
وإذا كنتم فيهم فأقمت لهم الصلاة 102 1/ 279
لتحكم بين الناس بما أراك الله 105 2/ 416-4/ 182
ولا تكن للخائنين خصيما 105 4/ 177
ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم 107-109 4/ 177
ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه 110 4/ 173، 174، 177
ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى 115 3/ 29-4/ 38، 340-5/ 166
ويتبع غير سبيل المؤمنين 115 4/ 41، 182
واتخذ الله إبراهيم خليلا 125 3/ 332-4/ 230
فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما 128 4/ 116
وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا 140 3/ 348
ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا 141 1/ 156-3/ 422-4/ 403
يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا 142 3/ 109
لا يحب الله الجهر بالسوء 148 2/ 190
وما قتلوه يقينا 157 5/ 202
إنا أوحينا إليك 163 2/ 419
رسلا مبشرين ومنذرين 165 2/ 12، 519-5/ 180
وهو يرثها إن لم يكن لها ولد 176 4/ 384
المائدة :
أحلت لكم بهيمة الأنعام 1 1/ 208
يحكم ما يريد 1 2/ 70
وإذا حللتم فاصطادوا 2 1/ 288-3/ 414
وتعاونوا على البر والتقوى 3 3/ 154
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير 3 4/ 288(12/52)
ص -112-…فمن اضطر في مخمصة 3 1/ 474، 475
اليوم أكملت لكم دينكم 3 1/ 22، 153-3/ 172، 240-4/ 135، 181، 184، 211، 319-5/ 229، 238
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي 3 2/ 91
فإن الله غفور رحيم 3 1/ 490
فكلوا مما أمسكن عليكم 4 3/ 201
وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم 5 1/ 274-3/ 354
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا 6 5/ 351
وامسحوا برءوسكم وأرجلكم 6 5/ 48
أو لامستم النساء 6 4/ 201، 263
وإن كنتم جنبا فاطهروا 6 4/ 128
ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج 6 2/ 12، 211، 418، 433-3/ 372
وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله 18 4/ 196
إني أريد أن تبوأ بإثمي وأثمك 29 3/ 60
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل 32 1/ 336
فكأنما قتل الناس جميعا 32 4/ 54
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا 32 1/ 360
إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله 33 5/ 37
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما 38 4/ 311
يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون 41 1/ 254(12/53)
ص -113-…يحرفون الكلم من بعد مواضعه 41 4/ 160
وكيف يحكمونك وعندهم التوراة 43 1/ 94-3/ 365
بما استحفظوا من كتب الله 44 2/ 92
ومن لم يحكم بما أنزل الله 44 4/ 39
وكتبنا عليهم فيها أن النفس 45 3/ 366-4/ 374
والجروح قصاص 45 5/ 190
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا 48 3/ 367
وأن احكم بينهم بما أنزل الله 49 4/ 55-5/ 91، 131
فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده 52 2/ 167
فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه 54 2/ 189، 426
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك 67 3/ 230
والله يعصمك من الناس 67 2/ 506
كانا يأكلان الطعام 75 2/ 165-4/ 201، 263
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم 83 1/ 91-4/ 337
يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات 87 1/ 339، 524-2/ 544
فكفارته إطعام عشرة مساكين 89 3/ 422
يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر 90 1/ 276-4/ 151
إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام 90 2/ 123
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم 91 2/ 522-3/ 238
وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول 92 1/ 74-4/ 321
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات 93 1/ 157، 158، 159، 272، 276-4/ 150، 260
فجزاء مثل ما قتل من النعم 95 5/ 17
يحكم به ذوا عدل منكم 95 3/ 313-4/ 223(12/54)
ص -114-…أحل لكم صيد البحر وطعامه 96 1/ 208
يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء 101 1/ 45، 257، 258-5/ 374
يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء 101-105 5/ 166
لا تسئلوا عن أشياء 101 5/ 374، 381
إن تبد لكم تسؤكم 101 5/ 377
ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة 103 2/ 545
أولو كان أباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون 104 2/ 167
قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا 114 2/ 165
رضي الله عنهم ورضوا عنه 119 2/ 417
الأنعام:
الحمد لله الذين خلق السماوات والأرض 1 1/ 74-4/ 169
كتب على نفسه الرحمة 12 4/ 169
إني أخاف إن عصيت ربي 15 4/ 169
من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه 16 4/ 169
وإن يمسسك الله بضر 17 4/ 169
وإن يمسسك بخير فهو 17 3/ 552
الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه 20 1/ 84
ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا 21 4/ 27
ربنا ما كنا مشركين 23 3/ 215
ما كنا مشركين 23 3/ 215
وللدار الأجرة خير للذين يتقون 32 4/ 169
قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون 33-35 1/ 354
إنما يستجيب الذين يسمعون 36 4/ 169(12/55)
ص -115-…ما فرطنا في الكتاب من شيء 38 2/ 129-3/ 172، 4/ 184، 319
والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم 39 4/ 169
وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين 48 4/ 169
ولا تطرد الذين يدعون ربهم 52 2/ 382-3/ 283
وإذا جاءك الذين يؤمنون بأياتنا 54 2/ 431
إن الحكم إلا لله 57 4/ 222، 223
وعنده مفاتح الغيب 59 4/ 471
وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا 68 5/ 392
وما على الذين يتقون من حسابهم 69 3/ 348
الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم 82 1/ 93-2/ 282-3/ 401-4/ 24، 27، 28-5/ 409
واجتبيناهم وهديناهم 87 2/ 430
أولئك الذين هدى الله 90 3/ 465
فبهداهم اقتده 90 3/ 466
إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء 91 1/ 60-4/ 158
ما أنزل الله على بشر من شيء 91 5/ 416
قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى 91 4/ 158-5/ 416
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها 97 2/ 113
انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه 99 5/ 362
وهو على كل شيء وكيل 102 1/ 131
لا تدركه الأبصار 103 3/ 191
ولا تسبوا 108 4/ 65
ولا تسبوا الذين يدعون 108 5/ 180، 185، 287(12/56)
ص -116-…ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله 108 1/ 465-3/ 75، 509-4/ 60، 112
إن يتبعون إلا الظن وإن هم 116-117 5/ 166
وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم 119 3/ 236
ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه 121 3/ 354
أومن كان ميتا فأحييناه 122 3/ 249
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام 125 3/ 372
يجعل صدره ضيقا حرجا 125 4/ 214
وجعلوا لله ما ذرأ من الحرث 136 4/ 158
وقالوا هذه أنعم وحرث حجر 138 2/ 545-4/ 158
سيجزيهم بما كانوا يفترون 138 4/ 158
وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة 139 4/ 158
سيجزيهم وصفهم 139 4/ 159
قد خسر الذين قتلوا 140 5/ 166
ثمانية أزواج من الضأن 143 5/ 167
قل لا أجد في ما أوحي إلي 145 4/ 355-5/ 150
فلله الحجة البالغة 149 2/ 137، 354
قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم 151 2/ 123
ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا 151 3/ 236
لعلكم تذكرون 152 2/ 168
وإن هذا صراطي مستقيما 153 3/ 38-5/ 60
لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن 158 4/ 409
إن الذين فرقوا دينهم 159 3/ 38-5/ 154، 160،(12/57)
ص -117-…16 4-5/ 288
ولا تزر وازرة وزر أخرى 164 2/ 381-4/ 69
و هو الذي جعلكم خلائف الأرض 165 3/ 25
الأعراف:
فلا يكن في صدرك حرج منه 2 2/ 433
فلنسئلن الذين أرسل إليهم 6 1/ 181، 184
أنا خير منه خلقتني من نار 12 5/ 394
قل إن الله لا يأمر بالفحشاء 28 4/ 54
وكلوا واشربوا ولا تسرفوا 31 2/ 120
إنه لا يحب المسرفين 31 3/ 423
قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده 32 1/ 183، 477، 480-2/ 76، 123، 281، 306، 544-3/ 517، 523
قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا 32 2/ 547
قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن 33 2/ 123
ادعوا ربكم تضرعا وخفية 55 3/ 283
بل أنتم قوم مسرفون 81 3/ 423
قد افترينا على الله 89 5/ 269
ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون 129 3/ 25
فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه 131 4/ 216
ولما جاء موسى لميقاتنا 143 4/ 196
ويضع عنهم إصرهم 157 1/ 471، 521، 522-2/ 210
قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم 158 2/ 163، 407-3/ 242(12/58)
ص -118-…فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي 158 2/ 109، 427
كلوا من طيبات ما رزقناكم 160 1/ 228
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم 172 4/ 409
ألست بربكم قالوا بلى شهدنا 172 2/ 13
ولقد ذرأنا لجهنم 179 4/ 230
أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض 185 1/ 55، 65-3/ 151
وجعل منها زوجها ليسكن إليها 189 1/ 540
ألهم أرجل يمشون بها 195 5/ 404، 411
إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف 201 1/ 97-4/ 216
الأنفال:
قل الأنفال لله والرسول 1 3/ 348
فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم 1 5/ 152
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله 2 4/ 336
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله 2-4 1/ 92
ومن يولهم يومئذ دبره 16 3/ 355
استجيبوا لله وللرسول 24 3/ 298، 405
إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا 29 5/ 24
وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق 32 2/ 165
واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن 41 3/ 348
ليهلك من هلك عن بينة 42 5/ 68
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة 60 3/ 561
إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا 65 3/ 355
والله مع الصابرين 66 1/ 509
لولا كتاب من الله سبق 68 1/ 256، 260، 514(12/59)
ص -119-…وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر 72 4/ 403
التوبة:
فاقتلوا المشركين 5 1/ 446-4/ 220
فإن تابوا وأقاموا الصلاة 5 4/ 220
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم 31 3/ 299-4/ 224
والذين يكنزون الذهب والفضة 34 3/ 357
إنما النسيء زيادة في الكفر 37 5/ 166
إلا تنفروا يعذبكم 39 1/ 515-2/ 272
انفروا خفاقا وثقالا 41 1/ 515-2/ 272-3/ 347
عفا الله عنك لم أذنت لهم 43 1/ 255، 260-2/ 428
ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم 46 2/ 190
ومنهم من يقول ائذن لي 49 1/ 515
قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا 51 3/ 558
ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى 54 3/ 9
والعاملين عليها 60 4/ 390
ومنهم الذين يؤذون النبي 61 4/ 164، 165
أبالله وآيته ورسوله كنتم 65 3/ 31
ومنهم من عاهد الله لئن 75-77 5/ 268
لئن آتانا من فضله لنصدقن 75-77 4/ 86
ومنهم من عاهد الله لئن 75-78 3/ 403
استغفر لهم أو لا تستغفر 80 2/ 390
وقالوا لا تنفروا في الحر 81 1/ 515
جزءا بما كانوا يكسبون 82، 95 3/ 313
ولا تصل على أحد منهم مات أبدا 84 2/ 390(12/60)
ص -120-…ليس على الضعفاء 91 1/ 515
الأعراب أشد كفرا ونفاقا 97 3/ 359
ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما 98 3/ 359
ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر 99 3/ 359
خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا 102 3/ 221، 223
خذ من أموالهم صدقة 103 3/ 357
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم 111 2/ 217
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين 113 2/ 388
حتى إذا ضاقت عليهم الأرض 118 2/ 271
يا أيها الذين آمنوا 119 5/ 268
ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ 120 2/ 216
وما كان المؤمنون لينفروا كافة 122 1/ 278-3/ 348
فلولا نفر من كل فرقة 122 5/ 254
صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون 127 4/ 214
عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم 128 1/ 355
يونس:
تلك آيات الكتاب الحكيم 1 3/ 308
هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا 5 2/ 113
ثم جعلناكم خلائف في الأرض 14 1/ 324
لننظر كيف تعملون 14 3/ 421
حتى إذا كنتم في الفلك 22 2/ 165
إنما مثل الحياة الدنيا 24 2/ 281-5/ 357(12/61)
ص -121-…يخرج الحي من الميت 31 3/ 249-5/ 215
أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع 35 5/ 411
هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون 52 2/ 480
قل أرأيتم ما أنزل الله 59 3/ 524-5/ 325، 411
هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه 67 2/ 374
سبحانه هو الغني 68 4/ 159
ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة 88 4/ 203
وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له 107 3/ 552
هود:
كتاب أحكمت آياته 1 2/ 91-3/ 308
الر كتاب أحكمت آيته ثم فصلت 1-2 1/ 74
إلا أنهم يثنون صدورهم 5 4/ 38
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها 6 1/ 302
وهو الذي خلق السماوات والأرض 7 1/ 324-2/ 12-3/ 510
فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك 12 1/ 354
وضائق به صدرك 12 4/ 214
إنما أنت نذير 12 5/ 254
أم يقولون افتراه قل فأتوا 13 4/ 217
فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن 14 1/ 75
من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها 15 1/ 176-4/ 36
أولئك الذين ليس لهم في الآخرة 16 4/ 36
ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن 34 3/ 372
قل إن افتريته فعلي إجرامي 35 2/ 167
لن يؤمن من قومك إلا من 36 4/ 431، 432(12/62)
ص -122-…تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك 49 2/ 118
فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون 55 2/ 500
فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون 55-56 3/ 559
قالوا سلاما 69 4/ 416
قال سلام 69 4/ 216
لو أن لي بكم قوة 80 4/ 410
وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه 88 5/ 269
خالدين فيها ما دامت السماوات 107 2/ 158
وأقم الصلاة طرفي النهار 114 3/ 245-4/ 171
ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك 118 5/ 69
يوسف:
إنا أنزلنه قرآنا عربيا 2 2/ 102
ولكن أكثر الناس لا يشكرون 38 3/ 508
إن الحكم إلا لله 40 3/ 313-4/ 222
أنا راودته عن نفسه 51 3/ 70
إن الحكم إلا لله 67 4/ 222
وإنه لذو علم لما علمناه 68 1/ 75
ولمن جاء به حمل بعير 72 4/ 390
فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي 80 3/ 317
وسئل القرية التي كنا فيها 82 2/ 158
الرعد:
إنما أنت منذر 7 1/ 354
هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا 12-13 4/ 114
خالق كل شيء 16 1/ 131(12/63)
ص -123-…أنزل من السماء ماء فسالت أودية 17 1/ 60
أفمن يعلم إنما أنزل اليك 19 1/ 92
الذين يوفون بعهد الله 20 1/ 92
والذين ينقضون عهد الله من بعد 25 4/ 404
تصيبهم بما صنعوا قارعة 31 5/ 212
إبراهيم:
كتاب أ نزلناه إليك لتخرج الناس من 1 1/ 74
لئن شكرتم لأزيدنكم 7 2/ 544
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت 27 2/ 432
ويفعل الله ما يشاء 27 2/ 70
الله الذي خلق السماوات والأرض 32-34 2/ 280-3/ 541-5/ 361
الحجر:
إنا نحن نزلنا الذكر 9 1/ 22، 107-2/ 91
وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا 22 2/ 117
إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها 45-48 2/ 56
النحل:
ولكم فيها جمال حين تريحون 6 3/ 518
ولكم فيها جمال حين تريحون 6-8 5/ 361
لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس 7 2/ 207
والخيل والبغال والحمير لتركبوها 8 3/ 517-518
هو الذي أنزل من السماء ماء 10 2/ 280-3/ 512
هو الذي أنزل من السماء ماء 10-18 5/ 361
وهو الذي سخر البحر لتأكلوا 14 1/ 183-3/ 508
ولتبتغوا من فضله 14 5/ 362(12/64)
ص -124-…وبالنجم هم يهتدون 16 2/ 113
فخر عليهم السقف 26 4/ 155
ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون 32 2/ 402
فسئلوا أهل الذكر 43 5/ 337
وأنزلنا إليك الذكر لتبين 44 3/ 184، 230، 242، 308-4/ 73، 127، 135، 180، 314، 343
لتبين للناس ما نزل إليهم 44 4/ 192، 311
أو يأخذهم على تخوف 47 1/ 58
يخافون ربهم من فوقهم 50 4/ 155
والله أنزل من السماء ماء فأحيا به 65-69 5/ 362
ومن ثمرات النخيل والأعناب 67 3/ 518، 524
والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا 72 4/ 404-5/ 362
أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم 72 3/ 508
والله أخرجكم من بطون أمهاتكم 78 1/ 284-2/ 543-4/ 195
وجعل لكم السمع والأبصار 78 4/ 220
والله جعل لكم مما خلق ظلالا 81 5/ 361-362
ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل 89 2/ 129-3/ 230-4/ 184
إن الله يأمر بالعدل والإحسان 90 2/ 123-3/ 396، 400-4/ 54
وأوفوا بعهد الله 91 5/ 245
ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها 91 1/ 449
ما عندكم ينفد وما عند الله باق 96 1/ 458
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى 97 1/ 349-2/ 403-5/ 362، 365
ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه 103 4/ 224
إنما يعلمه بشر 103 2/ 112(12/65)
ص -125-…لسان الذين يلحدون إليه أعجمي 103 2/ 102، 112-3/ 247-4/ 224
إلا من أكره وقلبه مطمئن 106 1/ 231، 475، 491، 501-3/ 9
فكلوا مما رزقكم الله 114 2/ 554
ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب 116 3/ 401
ثم أوحينا إليك أن اتبع 123 2/ 149-5/ 263
أدع إلى سبيل ربك بالحكمة 125 2/ 126-5/ 263
ولا تحزن عليهم ولا تك في 127 1/ 354
الإسراء:
وجعلنا الليل والنهار آيتين 12 2/ 113
ولا تزر وازرة وزر أخرى 15 2/ 383
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا 15 1/ 4-2/ 519-4/ 200
من كان يريد العاجلة عجلنا له 18 3/ 345
ولا تمش في الأرض مرحا 37 1/ 205
وتعالى عما يقولون علوا كبيرا 43 3/ 289
ولقد فضلنا بعض النبيين 55 2/ 61-3/ 546-5/ 291
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى 57 4/ 179
ولقد كرمنا بني آدم 70 2/ 75
ولولا أن ثبتناك 74 2/ 431
ومن الليل فتهجد به نافلة لك 79 3/ 143
عسى أن يبعثك ربك مقاما 79 2/ 167-2/ 423
وننزل من القرآن ما هو شفاء 82 4/ 186
ويسئلونك عن الروح 85 1/ 49
قل لئن اجتمعت الإنس والجن 88 2/ 121(12/66)
ص -126-…ولقد آتينا موسى تسع آيات 101 4/ 412
وقرآنا فرقناه لتقرأه 106 4/ 201
الكهف:
لينذر بأسا شديدا من 2 1/ 74
إنا جعلنا ما على الأرض 7 1/ 324
ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى 1 2
ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة 22 4/ 161
فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر 29 3/ 313، 359-4/ 200
واضرب لهم مثل الحياة الدنيا 45 5/ 358
المال والبنون زينة الحياة الدنيا 46 5/ 355
هذا فراق بيني و بينك 78 5/ 393
وما فعلته عن أمري 82 2/ 507
وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا 104 4/ 263
فمن كان يرجو لقاء ربه 110 1/ 325-2/ 355-3/ 10
مريم:
إذا قال لأبيه يا أبت لم 42 5/ 415
وما كان ربك نسيا 64 2/ 106
وإن منكم إلا واردها 71 3/ 362
تكاد السماوات يتفطرن منه 90 4/ 160
فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به 97 4/ 145
طه:
طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى 1-2 2/ 433
الرحمن على العرش استوى 5 4/ 139
فاخلع نعليك 12 3/ 250-4/ 250(12/67)
ص -127-…وأقم الصلاة لذكري 14 3/ 142
إنني أنا الله لا إله إلا أنا 14 3/ 366
وألقيت عليك محبة مني 39 2/ 361
ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا 45 3/ 559
لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى 46 3/ 559
إن هذان لساحران 63 1/ 120
قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى 68 1/ 57
إنما صنعوا كيد ساحر 69 1/ 57
لا يموت فيها ولا يحيا 74 2/ 55
وعصى آدم ربه فغوى 121 3/ 332-4/ 229
وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها 132 1/ 5، 302، 333، 472-2/ 290، 310-3/ 143، 145، 551
لا نسئلك رزقا نحن نرزقك 132 5/ 243
الأنبياء:
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا 22 1/ 70-3/ 247-5/ 421
لا يسئل عما يفعل وهم 23 2/ 260
أم اتخذوا من دونه آلهة 24 5/ 411
وما أرسلنا من قبلك من 25 1/ 74
وقالوا اتخذ الرحمن ولدا 26 2/ 154-4/ 195
بل عباد مكرمون 26 4/ 159
ونبلوكم بالشر والخير فتنة 35 2/ 45
خلق الإنسان من عجل 37 2/ 176، 189
بل فعله كبيرهم 63 5/ 411(12/68)
ص -128-…وداود وسليمان إذ يحكمان 78 4/ 165
ففهمناها سليمان 79 4/ 165، 166
إنكم وما تعبد ون من دون الله 98 3/ 361
إن الذين سبقت لهم منا الحسنى 101 3/ 362-4/ 24، 31
كما بدأنا أول خلق نعيده 104 4/ 415
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين 108 2/ 12، 246
الحج:
إن زلزلة الساعة شيء عظيم 1 4/ 415
يا أيها الناس إن كنتم 5 5/ 360
وأن الله يبعث من في القبور 7 5/ 360
ومن الناس من يعبد الله 11 3/ 140، 147-5/ 166
فليمدد بسبب إلى السماء 15 3/ 376
فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من 19 2/ 55
إن الذين كفروا ويصدون عن 25 4/ 388
وأطعموا القانع والمعتر 36 1/ 248
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا 39 2/ 13
وما أرسلنا من قبلك من 52 2/ 91
ليدخلنهم مدخلا يرضونه 59 2/ 417
هو اجتباكم و ما جعل 78 2/ 430
وما جعل عليكم في الدين من حرج 78 1/ 68، 288، 520، 540، 541-2/ 72، 210، 216، 272-4/ 37، 5/ 104
ملة أبيكم إبراهيم 78 2/ 125، 129-366(12/69)
ص -129-…المؤمنون:
قد أفلح المؤمنون 1-11 4/ 271
الذين هم في صلاتهم خاشعون 2 3/ 342
فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما 24 4/ 271، 273
وقال الملأ من قومه الذين كفروا 33 4/ 273
ما هذا إلا بشر مثلكم 33 4/ 271
ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون 34 4/ 271
إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا 38 4/ 271
ثم أرسلنا رسلنا تترا 44 4/ 271
أنؤمن لبشرين مثلنا 47 4/ 272، 273
وجعلنا ابن مريم وأمه آية 50 4/ 272
يا أيها الرسل كلوا من الطيبات 51 1/ 198-2/ 281-4/ 272
وإن هذه أمتكم أمة واحدة 52 4/ 272
فذرهم في غمرتهم 54-56 4/ 273
إن الذين هم من خشية ربهم 57 4/ 273
إن الذين هم من خشية ربهم 57-60 4/ 178، 272
ولو اتبع الحق أهواءهم 71 2/ 64، 291، 293
قل لمن الأرض ومن فيها 84-89 5/ 415
قل لمن الأرض ومن فيها 84 5/ 360، 403
سبحان الله عما يصفون 91 5/ 361
فلا أنساب بينهم يومئذ 101 3/ 214، 215
فسئل العادين 113 1/ 60
أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا 115 2/ 293، 5/ 364
ومن يدع مع الله إلها آخر 117 5/ 411(12/70)
ص -130-…النور:
ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا 4 3/ 360
إلا الذين تابوا من بعد ذلك 5 3/ 361
والذين يرمون أزواجهم 6 2/ 423
وقالوا هذا إفك مبين 12 5/ 306
لولا إذ سمعتموه ظن 12 5/ 305
إذ تلقونه بألسنتكم 15 4/ 263
ولولا إذ سمعتموه قلتم 16 5/ 306
ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة 22 4/ 172-5/ 249
ألا تحبون أن يغفر الله لكم 22 4/ 176
لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم 27 3/ 347
ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا 29 3/ 347
ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها 31 3/ 354
وتوبوا إلى الله جميعا 31 3/ 544
الله نور السماوات والأرض 35 5/ 202
كسراب بقيعة 39 5/ 364
والقواعد من النساء 60 3/ 354
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج 61 1/ 479
ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم 61 1/ 479
فليحذر الذين يخالفون عن أمره 63 3/ 229-4/ 322
الفرقان:
وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك 4 4/ 159
فقد جاءوا ظلما وزورا 4 4/ 159
وقالوا أساطير الأولين 5 4/ 159
فلا يكن في صدرك حرج منه 2 2/ 433(12/71)
ص -131-…قل أنزله الذي يعلم السر 6 4/ 159
وقال الظالمون إن تتبعون إلا 8 4/ 159
وقدمنا إلى ما عملوا من عمل 23 5/ 364
أنظر كيف ضربوا لك الأمثال 9 4/ 159
لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة 32 4/ 201
كذلك لنثبت به فؤادك 32 4/ 201
وكان الله غفورا رحيما 70 3/ 215
والذين يقولون ربنا هب لنا 74 1/ 86
واجعلنا للمتقين إماما 74 3/ 146
الشعراء:
لعلك باخع نفسك ألا يكونوا 3 1/ 354
ففرت منكم لما خفتكم 21 2/ 366
إذ قال لأبيه وقومه 70-71 5/ 410
هل يسمعونكم إذ تدعون 72-73 5/ 410
الذي خلقني فهو يهدين 78 2/ 167
واجعل لي لسان صدق 84 2/ 361
فكبكبوا فيها هم والغاوون 94 1/ 76
وما أسئلكم عليه من أجر 109 3/ 91
ما أنت إلا بشر مثلنا 154 4/ 215
قال إني لعملكم من القالين 168 4/ 263
وما أنت إلا بشر مثلنا 186 4/ 215
بلسان عربي مبين 195 2/ 102-4/ 145، 224
والشعراء يتبعهم الغاوون 224-226 2/ 122
والشعراء يتبعهم الغاوون 224-227 2/ 346(12/72)
ص -132-…النمل:
وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم 14 1/ 84، 94، 96
وورث سليمان داود 16 4/ 232
صرح ممرد من قوارير 44 4/ 249
فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا 52 4/ 249
قل الحمد لله وسلام على عباده 59 2/ 431
أمن جعل الأرض قرارا 61 5/ 360
قل لا يعلم من في السماوات والأرض 65 4/ 471
القصص:
ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى 50 1/ 97-5/ 165
وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم 55 2/ 382
ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار 73 2/ 374
العنكبوت:
الم أحسب الناس أن يتركوا 1-3 1/ 507
أحسب الناس أن يتركوا 2 2/ 270
ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه 6 2/ 358
ومن الناس من يقول آمنا بالله 10 2/ 270
وقال الذين كفرو للذين آمنوا 12 2/ 382
أئنكم لتأتون الرجال 29 3/ 366
مثل الذين اتخذوا من دون الله 41 4/ 212
وتلك الأمثال نضربها للناس 43 1/ 92
إن الصلاة تنهى عن الفحشاء 45 2/ 12-3/ 142
و ما كنت تتلو من قبله من كتاب 48 2/ 110
يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي 56 2/ 163(12/73)
ص -133-…لنبوئنهم من الجنة غرفا 58 2/ 133
ولئن سألتهم من خلق السماوات 61 5/ 403
وما هذه الحياة الدنيا إلا 64 2/ 281-5/ 355
أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا 67 4/ 387
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم 69 2/ 216
الروم:
أولم يتفكروا في أنفسهم 8 5/ 365
ومن آياته أن خلق لكم من 21 1/ 540-2/ 374
ومن آياته منامكم بالليل والنهار 23 1/ 33
ضرب لكم مثلا من أنفسكم 28 5/ 404
ولا تكونوا من المشركين 31 5/ 152
وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا 36 4/ 217
الله الذي خلقكم ثم رزقكم 40 1/ 70-3/ 247-5/ 411
ظهر الفساد في البر والبحر 41 4/ 249
فانظر إلى أثر رحمة الله كيف 50 4/ 249
ولقد ضربنا للناس في هذا 58 2/ 122
لقمان:
هدى ورحمة للمحسنين 3 3/ 512-4/ 135
ومن الناس من يشتري لهو الحديث 6 3/ 516-4/ 213، 215
إن الشرك لظلم عظيم 13 2/ 282-3/ 401، 402-4/ 24
وفصاله في عامين 14 2/ 154-4/ 193
يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف 17 3/ 240
إن الله لا يحب كل مختال فخور 18 2/ 191
وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله 21 5/ 263(12/74)
ص -134-…واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده 33 2/ 382
إن الله عنده علم الساعة 34 4/ 471
السجدة:
يوم كان مقداره ألف سنة 5 4/ 281
قليلا ما تشكرون 9 4/ 220
جزاء بما كانوا يعملون 17 2/ 284
الأحزاب:
وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به 5 2/ 235-3/ 51
إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم 10-23 1/ 499
وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر 10-11 2/ 270
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة 21 3/ 243-4/ 82، 93-5/ 260
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه 23 2/ 270-4/ 86-5/ 269
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس 33 3/ 373
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى 36 4/ 191، 342
فلما قضى زيد منها وطرا 37 2/ 410، 411-3/ 242-4/ 93-5/ 260
زوجناكها لكي لا يكون 37 4/ 75
ما كان على النبي من حرج فيما 38 1/ 520
وكان أمر الله قدرا مقدورا 38 3/ 559
الذين يبلغون رسالات الله 39 3/ 558
هو الذي يصلي عليكم 43 2/ 416
ولا تطع الكافرين والمنافقين 48 3/ 558
فما لكم عليهن من عدة 49 3/ 358(12/75)
ص -135-…وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي 50 2/ 408
خالصة لك من دون المؤمنين 50 3/ 241
ترجي من تشاء منهن 51 2/ 409، 420-4/ 426
والله لا يستحيي من الحق 53 4/ 201
إن الله وملائكته يصلون على النبي 56 2/ 416
إن الذين يؤذون الله ورسوله 57 2/ 429-4/ 179
إن الذين يؤذون الله ورسوله 57-58 4/ 172، 176
إنا عرضنا الأمانة على 72 3/ 403
سبأ:
كلوا من رزق الله واشكروا له 15 5/ 362
وإنا أو إياكم لعلى هدى 24 2/ 167
وما أرسلناك إلا كافة للناس 28 2/ 407-3/ 242
بل مكر الليل والنهار 33 5/ 204
قل ما سألتكم من أجر فهو لكم 47 3/ 91
فاطر:
والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا 9 2/ 117
والعمل الصالح يرفعه 10 5/ 202
ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه 18 2/ 382
ون تدع مثقلة إلى حملها 18 2/ 382
إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ 28 1/ 75، 91-5/ 299
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا 32 2/ 431
يس:
ونكتب ما قدموا وآثارهم 12 1/ 361
والقمر قدرناه منازل 39-40 2/ 113(12/76)
ص -136-…وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله 47 4/ 165-5/ 166
إن أنتم إلا في ضلال مبين 47 4/ 165
وما علمنه الشعر وما ينبغي له 69 2/ 122
وما ينبغي له 69 4/ 441
مما عملت أيدينا 71 4/ 223
قل يحييها الذي أنشأها 79 1/ 70
أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر 81 3/ 247
الصافات:
وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون 27 3/ 215
إئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون 36 2/ 122
إلا عباد الله المخلصين 40-43 2/ 358
فنظر نظرة في النجوم 88-89 4/ 432
فقال إني سقيم 89 4/ 414
أتعبد ون ما تنحتون 95 5/ 415
والله خلقكم وما تعملون 96 1/ 306، 314، 321-3/ 313، 508
إني ذاهب إلى ربي 99 2/ 366
يا أبت أفعل ما تؤمر 102 2/ 481
ص:
وقال الكافرون هذا ساحر كذاب 4-8 4/ 159
أجعل الآلهة إلها واحدا 5 5/ 263
بل هم في شك من ذكري 8 4/ 159
يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض 26 2/ 290، 308-5/ 131
وما خلقنا السماء والأرض وما 27 2/ 294-5/ 364(12/77)
ص -137-…كتاب أنزلنه إليك مبارك 29 4/ 145
ليدبروا آيته 29 1/ 58
وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي 35 2/ 441
فطفق مسحا بالسوق والأعناق 33 4/ 196
لأغوينهم أجمعين 82 2/ 437
قل ما أسئلكم عليه من أجر 86 1/ 522-3/ 91-5/ 378، 389
الزمر:
إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق 2 1/ 74
فاعبد الله مخلصا له 2-3 1/ 325
ألا لله الدين الخالص 3 2/ 355، 309
خلق السماوات والأرض بالحق 5-6 5/ 403
وإن تشكروا يرضه لكم 7 3/ 423
ولا يرضى لعباده الكفر 7 3/ 423
أمن هو قانت آناء الليل 9 1/ 76، 91
إنما يوفى الصابرون أجرهم 10 1/ 503
فبشر عباد الذين 17-18 5/ 331
أفمن شرح الله صدره للإسلام 22 2/ 425
الله نزل أحسن الحديث 23 1/ 50، 91، 228-3/ 308، 520
مثاني تقشعر منه جلود 23 4/ 336
قل أولو كانوا لا يملكون شيئا 43 2/ 167
قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم 53 2/ 163، 283-4/ 170، 172
يا عبادي الذين أسرفوا 53 4/ 179
لا تقنطوا من رحمة الله 53 4/ 176، 177(12/78)
ص -138-…إن الله يغفر الذنوب جميعا 53 3/ 361
وأنيبوا إلى ربكم 54 4/ 176
الله خالق كل شيء 62 1/ 306، 314
خالق كل شيء 62 4/ 20
لئن اشركت ليحبطن عملك 65 1/ 456
وما قدروا الله حق قدره 67 4/ 163، 164
والأرض جميعا قبضته يوم القيامة 67 4/ 223
فصعق من في السماوات ومن 68 3/ 215
سلام عليكم طبتم فادخلوها 73 2/ 56
غافر:
ويستغفرون للذين آمنوا 7 3/ 356
إنما هذه الحياة الدنيا متاع 39 5/ 357
وقال ربكم ادعوني أستجب لكم 60 4/ 398
هو الحي لا إله إلا هو 65 1/ 75
فصلت:
قرآنا عربيا لقوم يعلمون 3 4/ 145
أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض 9-11 3/ 215
اعملوا ما شئتم 40 2/ 157-3/ 313، 358، 376
ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا 44 2/ 102، 112-3/ 247-4/ 224
من عمل صالحا فلنفسه 46 1/ 357، 537-2/ 320
الشورى:
ويستغفرون لمن في الأرض 5 3/ 356، 357
ليس كمثله شيء 11 2/ 141-4/ 223
وهو السميع البصير 11 4/ 223(12/79)
ص -139-…شرع لكم من الدين ما وصى به 13 3/ 365-5/ 61
وما تفرقوا إلا من بعد ما 14 5/ 64
من كان يريد حرث الآخرة نزد له 20 1/ 458-3/ 345
وما أصابكم من مصيبة 30 1/ 514-2/ 321
فمن عفا وأصلح فأجره على الله 40 3/ 103
ولمن انتصر بعد ظلمه 41 1/ 503
إنما السبيل على الذين يظلمون 42 3/ 59
ولمن صبر وغفر إن ذلك 43 1/ 503-3/ 103
الزخرف:
إنا وجدنا آباءنا على أمة 22 5/ 315
بل هم قوم خصمون 58 4/ 223-5/ 392
لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون 75 2/ 55، 57
قل إن كان للرحمن ولد 81 2/ 167
وهو الذي في السماء إله 84 4/ 20
الدخان:
يوم تأتي السماء بدخان مبين 10 4/ 152
وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين 38 2/ 294-3/ 513-5/ 364
ذق إنك أنت العزيز الكريم 49 2/ 157
فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون 58 4/ 145"ت"1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ليس من شرطنا في هذا الفهرس ذكر الآيات التي في الشرح أو التعليق، ولكن هذه الآية انفردت بها بعض النسخ، وأشرنا إليه في الهامش، فأثبتناه، فاقتضى التنويه.(12/80)
ص -140-…الجاثية:
الله الذي سخر لكم البحر 12 1/ 317
وسخر لكم ما في السماوات 13 1/ 183-2/ 76-3/ 541
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه 23 2/ 291، 264-5/ 165
إن نظن إلا ظنا 32 5/ 329
الأحقاف:
أو أثارة من علم 4 1-60
جزاء بما كانوا يعملون 14 2/ 401
وحمله وفصله ثلاثون شهرا 15 2/ 154-4/ 193
أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا 20 1/ 176، 458-4/ 34، 244، 245
تدمر كل شيء بأمر ربها 25 4/ 21
فاصبر كما صبر أولو العزم 35 1/ 503-3/ 365
محمد:
أفمن كان على بينة من ربه 14 2/ 264، 291
فيها أنهار من ماء غير آسن 15 5/ 362
الذين طبع الله على قلوبهم 16 2/ 291
فاعلم أنه لا إله إلا الله 19 1/ 75
أفلا يتدبرون القرآن 24 4/ 209
ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين 31 1/ 507-2/ 282-3/ 511
إنما الحياة الدنيا لعب ولهو 36 3/ 516
الفتح:
ليغفر لك الله ما تقدم 2 2/ 417
ويتم نعمته عليك ويهديك 2 2/ 418(12/81)
ص -141-…ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات 5 2/ 417
فمن نكث فإنما ينكث على نفسه 10 1/ 537-2/ 321
الحجرات:
واعلموا أن فيكم رسول الله 7 1/ 524-2/ 233-5/ 279، 321
يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا 12 5/ 305
قالت الأعراب آمنا 14 4/ 162
قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا 14 4/ 163
يمنون عليك أن أسلموا 17 2/ 284
أن هداكم للإيمان إن 17 2/ 285
ق:
أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم 6 1/ 55، 69-3/ 151-4/ 198
أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم 6-11 5/ 360
ونحن أقرب إليه من حبل 16 2/ 164
الذاريات:
والذاريات ذروا 1-2 1/ 52
وفي السماء رزقكم 22 1/ 302-5/ 243
ما تذر من شيء أتت عليه إلا 42 4/ 21
وما خلقت الجن والإنس إلا 56 2/ 12-3/ 422، 542-4/ 204
وما خلقت الجن والإنس إلا 56-57 2/ 290-3/ 551
وما خلقت الجن والإنس إلا 56-58 1/ 5، 472
ما أريد منهم من رزق 57 5/ 243
الطور:
إنما تجزون ما كنتم تعملون 16 2/ 480
والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم 21 2/ 386، 397(12/82)
ص -142-…وما ألتناهم من عملهم من شيء 21 2/ 397
وإن يروا كسفا من السماء ساقطا 44 4/ 225
واصبر لحكم ربك فإنك 48 2/ 433
النجم:
وما ينطق عن الهوى 3-4 2/ 291
إن يتبعون إلا الظن وما تهوى 23 2/ 264
ويجزي الذين احسنوا بالحسنى 31 1/ 271
ألا تز وازرة وز أخرى 38-39 3/ 191، 198
وأن ليس للإنسان إلا ما سعى 39 2/ 382، 399
وأن إلى ربك المنتهى 42 3/ 230
وأنه هو رب الشعرى 49 4/ 155
القمر:
تجري بأعيننا 14 4/ 223
ولقد يسرنا القرءان للذكر 17 2/ 432
ولقد يسرنا القرءان للذكر 17، 22 4/ 145
الرحمن:
الشمس والقمر بحسبان 5 1/ 60
والأرض وضعها للأنام 10-22 1/ 182
والأرض وضعها للأنام 10-22 3/ 517
رب المشرقين ورب المغربين 17 4/ 20
الواقعة:
وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين 27-30 2/ 125
في سدر مخضود وطلح منضود 28-30 5/ 361
أفرأيتم ما تمنون 58-59 1/ 70، 305(12/83)
ص -143-…أفرأيتم ما تحرثون 63 1/ 305
أفرأيتم الماء الذي تشربون 68-69 1/ 305-2/ 114
أفرأيتم النار التي تورون 71 1/ 305
ومتاعا للمقوين 73 5/ 212
وتجعلون رزقكم أنكم 82 2/ 114
فأما إن كان من المقربين 88-89 3/ 544
الحديد:
هو الأول والآخر 3 5/ 34
آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا 7 3/ 25
والذين آمنوا بالله ورسله 19 3/ 423
إنما الحياة الدنيا لعب ولهو 20 5/ 355، 361
إنما الحياة الدنيا لعب ولهو 20 2/ 281
وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور 20 2/ 281-5/ 355
فما رعوها حق رعايتها 27 2/ 405
المجادلة:
قد سمع الله قول التي تجادلك 1 2/ 421
ما يكون من نجوى ثلاثة إلا 7 2/ 164
يرفع الله الذين آمنوا منكم 11 4/ 26
رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك 22 4/ 463
الحشر:
وما آتاكم الرسول فخذوه 7 3/ 229-4/ 182، 183، 322، 340، 341
للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من 8-9 4/ 449
ويؤثرون علي أنفسهم 9 2/ 322-3/ 68(12/84)
ص -144-…والذين جاءوا من بعدهم يقولون 10 4/ 194
لأنتم أشد رهبة في صدورهم 13 4/ 213
ذلك بأنهم قوم لا يفقهون 13 4/ 214
لا يستوي أصحاب النار و أصحاب 20 4/ 403
الممتحنة:
قد كانت لكم أسوة حسنة 4 5/ 260
الصف:
يا أيها الذين آمنوا لم تقولون 2 4/ 86-5/ 272
يا أيها الذين آمنوا لم تقولون 2-3 5/ 271
ومبشرا برسول يأتي من بعدي 6 2/ 427
الجمعة:
هو الذين بعث في الأميين 2 2/ 109، 427
فاسعوا إلى ذكر الله 9 3/ 134، 404، 409، 413-3/ 131
وذروا البيع 9 2/ 156، 162-3/ 424
فإذ قضيت الصلاة فانتشروا 10 1/ 228، 317-2/ 306-3/ 414
فانتشروا في الأرض وابتغوا من 10 3/ 467
وابتغوا من فضل الله 10 3/ 493
وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا 11 1/ 228-3/ 515
المنافقون:
إذا جاءك المنافقون قالوا 1 3/ 402-4/ 163
لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون 5 4/ 196
يقولون لئن رجعنا إلى المدينة 8 4/ 213
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين 8 4/ 213(12/85)
ص -145-…وأنفقوا من ما رزقناكم 10 3/ 298
التغابن:
إنما أموالكم وأولادكم فتنة 15 2/ 284
فاتقوا الله ما استطعتم 16 3/ 357، 358
الطلاق:
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء 1 4/ 395
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء 1-2 1/ 201
إذا طلقتم النساء فطلقوهن 1-2 1/ 535
ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة 1 4/ 396
ومن يتعد حدود الله فقد ظلم 1 1/ 537
وأشهدوا ذوي عدل منكم 2 1/ 539-4/ 55-5/ 12
ومن يتق الله يجعل له مخرجا 2-3 1/ 532، 533-2/ 310-3/ 522
ومن يتق الله يجعل له مخرجا 2 1/ 302
ومن يتوكل على الله فهو حسبه 3 2/ 500-3/ 552
واللائي يئسن من المحيض من نسائكم 4 3/ 358
ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن 6 3/ 185
ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله 11 1/ 318
التحريم:
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك 1 4/ 439
عسى ربه إن طلقكن 5 2/ 421
ومريم بنة عمران التي 12 4/ 201
الملك:
الذي خلق الموت والحياة 2 1/ 324، 507-2/ 12-3/ 511
ليبلوكم أيكم أحسن عملا 2 2/ 45-3/ 421(12/86)
ص -146-…ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح 5 2/ 113
أأمنتم من في السماء 16 4/ 155
هو الذي أنشأكم وجعل لكم 23 2/ 543
القلم:
وإن لك لأجرا غير ممنون 3 2/ 432
وإنك لعلى خلق عظيم 4 4/ 186، 317
إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب 17 1/ 446-3/ 366
إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة 7-20 3/ 110
فأصبحت كالصريم 20 5/ 215
المعارج:
يوم كان مقداره خمسين ألف سنة 4 4/ 281
إلا المصلين الذين هم على 22-23 2/ 404
نوح:
رب إنهم عصوني واتبعوا من 21-28 4/ 203
وقال نوح رب لا تذر 26 4/ 432-5/ 321
إنك إن تذرهم يضلوا عبادك 27 4/ 432
الجن:
عالم الغيب فلا يظهر 26-27 4/ 471
المزمل:
إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا 5 2/ 331-5/ 329
وتبتل إليه تبتيلا 8 3/ 422-4/ 101
المدثر:
عليها تسعة عشر 30 4/ 212(12/87)
ص -147-…وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة 31 4/ 213
قالوا لم نك من المصلين 43-44 4/ 161
القيامة:
ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم 13 1/ 361
إن علينا جمعه وقرآنه 17-19 2/ 432
الإنسان:
إنا هدينه السبيل 3 5/ 97
ويطعمون الطعام على حبه 8 3/ 68
إنما نطعمكم لوجه الله 9 2/ 350
إنا نخاف من ربنا يوما 10 2/ 351
المرسلات:
والمرسلات عرفا 1 2/ 139
والمرسلات عرفا 1-3 1/ 59
فالعاصفات عصفا 2 2/ 139
النبأ:
ألم نجعل الأرض مهادا 6-7 3/ 512
وجعلنا الليل لباسا 10-11 2/ 374
وأنزلنا من المعصرات ماء 14 2/ 114
النازعات:
بناها رفع سمكها فسواها 28-30 3/ 215
متاعا لكم ولأنعامكم 33 1/ 477
فأما من طغى 37-39 2/ 491
فأما من خاف مقام ربه 40-41 2/ 291
فيم أنت من ذكراها 43 1/ 45(12/88)
ص -148-…عبس:
عبس وتولى أن جاءه الأعمى 1-2 2/ 166
كلا إنها تذكرة 11 2/ 166
وفاكهة وأبا 31 1/ 49، 55، 57-2/ 139-4/ 281
التكوير:
وإذا الموءودة سئلت 8 3/ 236
لمن شاء منكم أن يستقيم 28 3/ 359
وما تشاءون إلا أن يشاء الله 29 3/ 313
الانفطار:
في أي صورة ما شاء 8 3/ 282
يوم لا تملك نفس لنفس شيئا 19 2/ 382
المطففين:
كلا بل ران على قلوبهم 14 3/ 540
الانشقاق:
فأما من أوتي كتابه بيمينه 7-8 1/ 183
فسوف يحاسب حسابا يسيرا 8 3/ 294-5/ 410
الطارق:
إنهم يكيدون كيدا 15-16 2/ 260
الأعلى:
سبح اسم ربك الأعلى 1 2/ 248
بل تؤثرون الحياة الدنيا 16 2/ 60
الغاشية:
وجوه يومئذ خاشعة 2-4 2/ 334(12/89)
ص -149-…أفلا ينظرون إلى الإبل كيف 17-18 3/ 151
البلد:
وهديناه النجدين 10 5/ 97
الشمس:
والشمس وضحاها 1 2/ 248
ونفس وما سواها 7 5/ 96
ونفس وما سواها 7-8 1/ 314
الليل:
والليل إذا يغشى 1 2/ 248
فأما من أ عطى واتقى 5 1/ 334
الضحى:
والضحى والليل إذا سجى 1-10 4/ 172
ولسوف يعطيك ربك فترضى 5 1/ 334
الشرح:
ألم نشرح لك صدرك 1 2/ 425-4/ 176
ألم نشرح لك صدرك 1-8 4/ 172
ورفعنا لك ذكرك 4 2/ 428
التين:
لقد خلقنا الإنسان في أحسن 4 2/ 75
فلهم أجر غير ممنون 6 2/ 284، 432-5/ 365
العلق:
خلق الإنسان من علق 2 4/ 195(12/90)
ص -150-…علم الإنسان ما لم يعلم 5 4/ 269
كلا إن الإنسان ليطغى 6-19 4/ 172
إن الإنسان ليطغى 6-7 4/ 176
البينة:
وما أمرو إلا ليعبد وا الله 5 2/ 355-3/ 9
الزلزلة:
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا 7 3/ 420
التكاثر:
ألهاكم التكاثر 1 1/ 114
الهمزة:
ويل لكل همزة لمزة 1 4/ 175
ويل لكل همزة لمزة 1-9 4/ 172
الفيل:
ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب 1-5 4/ 172
الكوثر:
إنا أعطيناك الكوثر 1 4/ 269
النصر:
إذا جاء نصر الله والفتح 1 1/ 152-4/ 210، 227
ورأيت الناس يدخلون في 2 4/ 227
المسد:
ما أغنى عنه ماله وما كسب 2 2/ 397(12/91)
ص -151-…فهرس الأحاديث النبوية الشريفة:
الحديث الرواي الجزء والصفحة
ائتوني اكتب لكم كتابا ابن عباس 5/ 395ت
آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء ابو جحيفة 2/ 247
ائذن لي في التخلف عن الغزو الجد بن قيس 1/ 515
أأكذب على امرأتي 4/ 438
أئمتكم شفعاؤكم 2/ 424
آية المنافق ثلاث أبو هريرة 2/ 282، 3/ 402، 4/ 74
ابتاع مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا جابر 5/ 206ت
ابدأ بنفسك ثم بمن تعول 2/ 325، 329
ابدأ بنفسك فتصدق عليها جابر 2/ 326
أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين ابن عباس 2/ 470ت
أبغض الحلال إلى الله 1/ 200، 2/ 190
أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم عائشة 5/ 392
أبوك حذافة 1/ 45، 5/ 376 "ت"
أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو هريرة 2/ 431ت
أتاني آت من ربي فقال صل في عمر 2/ 226ت(12/92)
ص -152-…أتدري أي الناس أعلم ابن مسعود 5/ 121
أتدرون ما المفلس أبو هريرة 2/ 391ت
أتريدون إن تقولوا كما قال أهل الكتابين أبو هريرة 1/ 93ت
أتستطيع إن تعتق رقبة أبو هريرة 5/ 20ت
أتصلي عليها وقد زنت عمر 1/ 461ت
أتقاهم أبو هريرة 5/ 291
أتيت النبي صلى الله عليه و سلم وفي عنقي صليب من ذهب عدي بن حاتم 3/ 299ت
أتي النبي صلى الله عليه وسلم بروث ــــــــــــ 4/ 355
أثبت وأبشر فوالله إنه لملك ما هذا بشيطان خديجة 2/ 476
اجتنبوا كل مسكر ــــــــــــ 4/ 359ت
اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها ابن عمر 3/ 488ت
اجعلوا ائمتكم خياركم ابن عمر 2/ 424ت
أحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ــــــــــــ 1/ 526ت
أحب العمل إلى الله ما دام عليه ــــــــــــ 5/ 277
أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه ــــــــــــ 1/ 526ت، 2/ 404، 5/ 321
أحبوا الله لما أسدى إليكم من نعمه ــــــــــــ 2/ 178، 179، 184
أحبوا الله لما غذاكم به من نعمه ــــــــــــ 2/ 189
أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ابن عباس 2/ 179ت
احتجبي منه يا سودة عبد الله بن زمعة 4/ 366، 5/ 113ت
احتجم النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاني الدم الزبير 4/ 437ت
أحجنا هذا لعامنا أم للأبد جابر بن عبد الله 1/ 46
أحجنا هذا لعامنا أم للأبد جابر بن عبد الله 1/ 275، 5/ 402(12/93)
ص -153-…احفظ الله ـــــــــــــ 2/ 434ت 437، 3/ 553
أحلت لنا ميتتان الحيتان والجراد ابن عمر 4/ 372
أخاف أن يتحدث الناس أن محمدا ـــــــــــــ 5/ 180، 191
أخاف عليهم من زلة العالم عمرو بن عوف 4/ 89، 5/ 132
اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي أبو هريرة 5/ 310
اختصاص أبي بردة بن نيار بالتضحية بالعناق ـــــــــــــ 2/ 409
اختلاف أمتي رحمة ـــــــــــــ 3/ 408ت
أخذ العهد على الذرية وأعجب آدم ابن عباس 4/ 409ت
أخي يشتكي بطنه أبو سعيد الخدري 2/ 121
ادخروا ثلاثا ثم تصد قوا بما بقى عائشة 2/ 275ت
ادرءوا الحدود بالشبهات ـــــــــــــ 1/ 272ت
ادع الله أن يعافيني عثمان بن حنيف 2/ 503ت
ادع الله أن يوسع على أمتك عمر 3/ 522ت
إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة جرير بن عبد الله 4/ 405
إذا اجتهد الحاكم فأخطأ عمرو بن العاص 5/ 66
إذا أحب الله قوما ابتلاهم ـــــــــــــ 2/ 201ت
إذا أرسلت كلابك المعلمة عدي بن حاتم 4/ 362
إذا ارسلت كلبك المعلم أبو ثعلبة 4/ 363ت
إذا أرسلت كلبك و ذكرت اسم الله أبو ثعلبة 4/ 362
إذا استيقظ أحدكم من النوم فليغرف على يديه ـــــــــــــ 3/ 193ت
إذا استيقظ أحدكم من نومه أبو هريرة 2/ 153، 153ت
إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة أبو هريرة 3/ 256ت
إذا أقبل الليل من ههنا عمر بن الخطاب 2/ 143، 3/ 262ت
إذا أقرض احدكم قرضا فأهدي إليه أنس بن مالك 3/ 117(12/94)
ص -154-…إذا أمرتكم بشيء من أمور دنياكم ـــــــــــــــ 5/ 142ت
إذا أنا مت فأحرقوني ـــــــــــــــ 5/ 205ت
إذا أنشأت بحرية ثم استحالت شامية إسحاق بن عبد الله 2/ 116ت
إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت ـــــــــــــــ 2/ 116
إذا أنعم الله عز وجل على عبد ه يحب أن ـــــــــــــــ 1/ 207، 3/ 524ت
إذا أوسع الله عليكم عمر بن الخطاب 1/ 207
إذا أوسع الله عليكم أبو هريرة 1/ 207
إذا تبايعتم بالعينة ـــــــــــــــ 3/ 116ت
إذا توضأت فأسبغ الوضوء لقيط بن صبرة 1/ 268ت
إذا تواجه المسلمان بسيفيهما أبو بكرة 2/ 394ت
إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان عائشة 4/ 84
إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه أبوهريرة 4/ 337
إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة ـــــــــــــــ 1/ 494
إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب أبو هريرة 2/ 87ت
إذا دبغ فقد طهر ابن عباس 4/ 22ت
إذا ذكرت النجوم فأمسكوا ـــــــــــــــ 4/ 283ت
إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته ـــــــــــــــ 2/ 252
إذا رأيتم الهلال فصوموا ابن عمر 2/ 144ت، 4/ 130ت، 5/ 258ت
إذا روي لكم حديث فاعرضوه على كتاب الله ـــــــــــــــ 3/ 189
إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه عبد الرحمن بن عوف 1/ 449، 3/ 195ت
إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم أبو أسيد 4/ 335
إذا ضن الناس بالدينار والدرهم ابن عمر 3/ 114
إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم أبو هريرة 3/ 468(12/95)
ص -155-…إذا قام أحدكم من النوم فليفرغ على يديه من وضوئه أبو هريرة 3/ 193ت
إذا قتله ولم يأكل منه شيئا عدي بن حاتم 4/ 362
إذا كان لك كلاب مكلبة فكل أبو ثعلبة 4/ 363ت
إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا ـــــــــــــــ 5/ 301
إذا وسع الله فأوسعوا أبو هريرة 1/ 207ت
إذا ولغ الكلب في الإناء غسل سبع مرات أبو هريرة 3/ 196ت
إذا مرض العبد أو سافر أبو موسى 2/ 392ت
إذن تجعلها مثل هذه أبو هريرة 3/ 80ت
إذن تكفي همك ـــــــــــــــ 2/ 367ت
اذهب فاصبر جابر 1/ 533
أراد أن تعلموا إذا لم تسألوا ـــــــــــــــ
أرى رؤياكم قد توطأت ابن عمر 4/ 466
أرأيت لو كان على أبيك دين 2/ 386، 399ت، 3/ 198
أريتم إن وضعها في حرام ـــــــــــــــ 1/ 463ت
أرأيتم إن وضعها في حرام 1/ 461، 462ت
أربع جائزات إذا تكلم بهن عمر 3/ 15
ارتبط فرسا في سبيل الله 2/ 392
أرحم أمتي بأمتي أبو بكر أبو قلابة 5/ 295، 296ت
أرحنا بها يا بلال ـــــــــــــــ 2/ 240، 367ت
أرخص في السلم ابن عباس 1/ 470
أرفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة أبو هريرة 2/ 461
الأرواح جنود مجندة عائشة 2/ 187(12/96)
ص -156-…أرواحكم كطير خضر تسرح في الجنة ابن مسعود 4/ 408ت
أريت ليلة القدر ثم أيقظني أبو هريرة 4/ 446
أسأل لربي أن تؤمنوا به عقبة بن عمرو 2/ 352ت
إسباغ الوضوء على المكاره ــــــــــــ 2/ 217
استأذن حسان بن ثابت النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين عائشة 4/ 440ت
استاذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في قتل ابن صياد ــــــــــــ 2/ 464ت
استعن بيمينك ــــــــــــ 5/ 260ت
استعينوا في الصناعات بأهلها ــــــــــــ 3/ 289ت
استفت قلبك وإن أفتاك المفتون ــــــــــــ 2/ 465ت
أسفروا بالفجر رافع بن خديج 3/ 257
اسقه عسلا أبو سعيد الخدري 2/ 121ت
اسق يا زبير وأرسل الماء إلى جارك عبد الله بن الزبير 4/ 320
اسق يا زبير-فأمره بالمعروف- وأرسل الماء عبد الله بن الزبير 2/ 285
اشترى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة جابر بن عبد الله 5/ 206، 231
اشتري بريرة واشترطي لهم الولاء عائشة 5/ 231
اشربوا فإني راكب وإني أيسركم أبو سعيد الخدري 4/ 88ت
اشربوا في الظروف ولا تسكروا ــــــــــــ 4/ 359ت
اشربوا ولا تسكروا عائشة 4/ 359ت
أشد الناس عذابا يوم القيامة ابن عباس 1/ 79ت
أشهد غيري ــــــــــــ 4/ 439
أصبح من عبادي مؤمن بي خالد الجهني 1/ 321، 2/ 115ت
أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ابن عباس 2/ 115ت
أصحابي كالنجوم ــــــــــــ 1/ 163ت، 4/ 452، 5/ 67، 81، 82(12/97)
ص -157-…أصحابي مثل الملح لا يصلح الطعام إلا به ـــــــــــــ 4/ 450
اصرف بصرك جرير بن عبد الله 2/ 180ت
أعتق رقبة ـــــــــــــ 5/ 19ت
أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ـــــــــــــ 4/ 400ت
اعرضوا علي رقاكم عوف بن مالك 2/ 121ت
أعط ابنتي سعد الثلثين وأعط أمهما الثمن جابر 4/ 378ت
أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ـــــــــــــ 2/ 407ت
أعظم الناس أجرا في الصلاة أبو موسى 2/ 217ت
اعقلها وتوكل ـــــــــــــ 1/ 304، 304ت، 3/ 522ت
أعلم الناس أبصرهم بالحق ابن مسعود 5/ 121
أعلنوا هذا النكاح عائشة 1/ 229
الأعمال بالنيات عمر 2/ 340، 4/ 156
اعملوا فكل ميسر لما خلق له علي بن أبي طالب 1/ 334
اعملوا فكل ميسر لما خلق له ـــــــــــــ 3/ 556ت
أعوذ بنور وجهك الكريم أن تضلني ـــــــــــــ 5/ 204ت
أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها أبو ذر الغفاري 3/ 381
أفتان أنت يا معاذ معاذ 1/ 528، 2/ 235، 248، 5/ 37، 276
افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة عوف بن مالك 1/ 99
افترقت اليهود والنصارى أبو هريرة 5/ 145
أفرأيت لو كان على أبيك دين ابن عباس 2/ 386
أفضل الصدقة عن ظهر غنى حكيم بن حزام 2/ 325ت
أفضل العبادة انتظار الفرج عبد الله بن مسعود 5/ 31(12/98)
ص -158-…أفضل الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها جابر بن عبد الله 3/ 498
أفطر صلى الله عليه وسلم في السفر ـــــــــــــ 1/ 511
أفلا أكون عبدا شكورا عائشة 2/ 241، 3/ 556ت
أفي شك أنت يا ابن الخطاب عمر 3/ 552ت
اقتدوا بالذين من بعدي حذيفة 4/ 456ت، 5/ 297
اقدروا له قدره ـــــــــــــ 2/ 479ت
اقرأ عليها السلام من ربها ومني أبو هريرة 2/ 431
اقسم بيننا وبينهم النخيل أبو هريرة 2/ 325ت
أقيلوا ذوي الهيئة زلاتهم ابن مسعود 1/ 270ت
أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم ـــــــــــــ 1/ 270 "ت"
أقيلوا ذوي الهيئة عثراتهم عائشة 1/ 269، 269 "ت"، 270
اكتب من محمد رسول البراء 5/ 416
اكسوا العاري ـــــــــــــ 1/ 248
اكسوهم ولا تعروهم ـــــــــــــ 1/ 248
أكلت مع رسول الله لحم سفينة 4/ 357ت
اكلفوا من العمل ما لكم به طاقة أبو هريرة 3/ 404، 413
أكل عام يا رسول الله؟ ـــــــــــــ 1/ 255ت
اكل ولدك نحلته مثل هذا؟ النعمان بن بشير 4/ 422
ألحقوا الفرائض بأهلها ابن عباس 4/ 385
الذين يحيون ما أمات الناس من سنتي عمرو بن عوف 5/ 240ت
الله الله في أصحابي! عبد الله بن المغفل 2/ 430ت، 462،
الله أجعلني من أمة أحمد ـــــــــــــ 2/ 429(12/99)
ص -159-…اللهم ارحمم خلفائي ـــــــــــــ 5/ 256ت
اللهم اغفر لقومي! فإنهم لا يعلمون ابن مسعود 2/ 390
اللهم أكثر ماله وولده أم سليم 5/ 32ت
اللهم املأ قلوبهم وبيوتهم نارا علي 4/ 399
اللهم إني أبرأ إليك ما صنع خالد ـــــــــــــ 4/ 55ت
اللهم إني أحرم ما بين جبليها ـــــــــــــ 4/ 387ت
اللهم إني أعوذ بك من الجبن سعد 5/ 311ت
اللهم إني اعوذ بك من علم لا ينفع زيد بن أرقم 1/ 80ت
اللهم إني أعوذ بك من الكفر أبو بكرة 5/ 312
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن أنس 5/ 311ت
اللهم كثر ماله وولده ام سليم 2/ 449
اللهم هذا عملي فيما أملك عائشة 4/ 430
اللهم لا مانع لما أعطيت المغيرة 3/ 554
أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم أبو سعيد 2/ 152-153ت
أليس هذا أحسن عطاء بن يسار 1/ 207
اليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم عطاء 1/ 207ت
أما إنه لو جاءني لاستغفرت له ـــــــــــــ 3/ 299ت
أما إنه لم يكونوا يعبد ونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا عدي بن حاتم 3/ 273
أما تحتسبون خطاكم ـــــــــــــ 2/ 226
أما ترين أن قومك أمرتهم فلا يأتمرون ـــــــــــــ 5/ 264
أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن عضل المسائل عمر 5/ 380
أما كان معكم لهو عائشة 1/ 229
أما وجد هذا ما ينقي ثوبه جابر 1/ 208
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ـــــــــــــ 5/ 407ت
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق عمر 3/ 70ت، 71(12/100)
ص -160-…أمره ا ن يتم ما كان لله طاعة ــــــــــــــ 2/ 230
أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لا اثوب بلال 5/ 185ت
اسمك عليك بعض مالك ــــــــــــــ 3/ 70، 71ت، 5/ 35
أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس ابن عمر 5/ 261
اما أنا فأكثر ما ررأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف ــــــــــــــ 3/ 501ت
أما إنك ستلي أمر أمتي من بعدي معاوية 2/ 453ت
أما بعد فإنه لم يخف على شأنكم عائشة 2/ 234
أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات ــــــــــــــ 3/ 83، 83ت
أمني جبريل جابر 3/ 256ت
الأمير راع والرجل راع على أهل بيته ابن عمر 3/ 25
أن تعبد الله وكأنك تراه عمر 1/ 310
أنا أصبح جنبا وأنا أريد الصيام عائشة 4/ 93
أنا أغني الشركاء عن الشرك ــــــــــــــ 2/ 355ت، 3/ 10، 395ت
الإناء من الله والعجلة من الشيطان سهل بن سعد 3/ 394ت
أناخذ عنك في الغضب والرضي عبد الله بن عمرو 2/ 241
أنا سيد ولد آدم أبو هريرة 5/ 294
أنا طيبت رسول الله ثم طاف في نسائه عائشة 1/ 186ت
أنا العاقب وأنا النبي المصطفي ــــــــــــــ 2/ 430ت
أنا النذير العريان أبو موسى 1/ 7
أنا وكافل اليتيم كهاتين سهل بن سعد 3/ 294، 295ت
أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ــــــــــــــ 5/ 33
إن استطعت إن تكون عبد الله المقتول ــــــــــــــ 2/ 173ت(12/101)
ص -161-…إن أكل فلا تأكل عدي بن حاتم 4/ 363ت
أن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في ابن عمر 5/ 408ت
أنت مع من أحببت ــــــــــــــــ 2/ 2002/ 450ت
أنتم اليوم خير منكم يومئذ ــــــــــــــــ 2/ 450
إن انتظار الفرج بالصبر عبادة ابن عمر، ابن عباس، على، أنس 5/ 31ت
أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا عليهم زمانا ابن مسعود 3/ 520ت
أنزل القرآن على سبعة أحرف ابن مسعود 4/ 408
إن سركم إن تقبل صلاتكم مرثد بن أبي مرثد 2/ 425ت
أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى سعيد بن جبير 2/ 192ت
انفجنا أرنبا ونحن بمر الظهران انس 4/ 358
إن جاءت به على صفة ابن عباس 2/ 475/ 305ت
إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ــــــــــــــــ 5/ 342ت
أن يشهد الرجل قبل إن يستشهد زيد بن خالد 3/ 554ت
أن يكن الذي ترى فلن تستطيع قتله ابن مسعود 2/ 464ت
إن يكنه فلن تسلط عليه، وأن لم ــــــــــــــــ 2/ 464ت
إن يكنه فلا تطيقه ــــــــــــــــ 3/ 554، 554ت
انتبذ في سقائك أوكه واشربه حلوا أبو هريرة 5/ 31ت
إن أبا أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعرسه سهل بن سعد 1/ 186ت
إن أبا طلحة ترس على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ــــــــــــــــ 3/ 69
إن إبليس لما رأي آدم أجوف ــــــــــــــــ 2/ 176
إن أحب الأعمال أدومها ــــــــــــــــ 2/ 404ت
إن أحدكم إذا صلى يناجي ربه أنس 3/ 142ت(12/102)
ص -162-…إن أخت الربيع ام حارثة جرحت إنسانا ــــــــــــــــ 2/ 504ت
إن أخوف ما أخاف على امتي عقبة بن عامر 4/ 326ت
إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله بكم أبو سعيد الخدري 3/ 508، 534
إن أخوف ما أخاف عليكم عمرو بن عوف 1/ 176
إن أرواحهم في حواصل طير خضر ابن مسعود 4/ 408
إن الإسلام بدأ غريبا أبو هريرة 1/ 151، 153ت، 4/ 211ت
إن أشد الناس عذابا يوم القيامة أبو الدرداء 1/ 95
إن الأشعرين إذا أرملوا في الغزو أبو موسى 2/ 324، 3/ 62، 63
إن أعرابيا بال في المسجد أنس 5/ 181ت، 191
إن أعرابيا جاء يلطم وجهه وينتف شعره أبو هريرة 5/ 20ت
إن أعظم المسلمين جرما ــــــــــــــــ 1/ 275
إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما ــــــــــــــــ 1/ 256، 5/ 376
إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبو موسى 2/ 217ت
إن أعظم الناس جرما سعد بن أبي وقاص 1/ 48
إن أفضل الضحايا أغلاها ثمنا ــــــــــــــــ 3/ 382ت
إن أكثر ما أخاف عليكم أبو سعيد 2/ 281ت
إن الأكثرين هم الأقلون أبو ذر 3/ 535ت
إن الذي حرم شربها حرم بيعها ابن عباس 3/ 461
إن الله أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة أنس 2/ 434ت
إن الله أجاركم من ثلاث خلال أبو مالك الأشعري 2/ 435
إن الله أختار أصحابي على جميع العالمين جابر بن عبد الله 4/ 451
إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ابن عباس 3/ 461
إن الله اصطفي كنانة من ولد إسماعيل واثلة بن الأسقع 2/ 430ت(12/103)
ص -163-…إن الله تجاوز عن أمتي ــــــــــــــــ 1/ 236ت
إن الله تجاوز لي عن أمتي ابن عباس 1/ 236ت
إن الله تعال اتخذني خليلا ــــــــــــــــ 4/ 231ت
إن الله جميل يحب الجمال ابن مسعود 1/ 207، 3/ 524
إن الله حرم من الرضاعة عائشة 4/ 386
إن الله خلق آدم على صورته ــــــــــــــــ 5/ 394ت
إن الله رفيق يحب الرفق عائشة 2/ 150ت، 5/ 321
إن الله عز وجل إذا أحب عبد ا أبو هريرة 2/ 199ت
إن الله عز وجل كريم يحب الكرم سهل بن سعد 2/ 188ت
إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني ــــــــــــــــ 1/ 173ت
إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها أبو ثعلبة 1/ 253، 275، 5/ 375
إن الله قيض أرواحنا لتكون سنة لمن بعدكم ــــــــــــــــ 3/ 245ت
إن الله قد صدقك يا زيد زيد بن أرقم 4/ 213ت
إن الله كتب الإحسان على كل شيء شداد 1/ 217، 217ت، 3/ 396ت
إن الله كتب الإحسان على كل شيء شداد 2/ 338
إن الله كتب الحسنات والسيئات ابن عباس 3/ 173ت
إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزني ــــــــــــــــ 3/ 555
إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ــــــــــــــــ 4/ 314ت
إن الله و رسوله ينهاينكم عن لحوم الأهلية أنس 4/ 355ت
إن الله و رسوله ينهيناكم عن لحوم الحمر أبوطلحة 4/ 192
إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض أبو أمامة 1/ 363ت(12/104)
ص -164-…إن الله لا يجمع أمتي عمر 2/ 435ت
إن الله لا يبض العلم انتزاعا عبد الله بن عمر 1/ 97، 140، 4/ 328، 5/ 11ت، 167
إن الله يبغض أهل البيت كعب 2/ 192ت
إن الله يبغض الحبر السمين 2/ 191
إن الله يحب أن تؤتى رخصه ابن عمر 1/ 199، 472، 477ت، 480، 483، 506، 507
إن الله يحب إن يرى أثر نعمته عبد الله بن عمرو 1/ 207، 3/ 524
إن الله يحب الرفق في الأمر كله عائشة 5/ 321
إن الله يحب السخاء ولو بفلقة تمرة الزبير 2/ 186
إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية الزبير بن العوام 2/ 186
إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سهل بن سعد 2/ 188
إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عائشة 3/ 191ت
إن الله يستخرج به من البخيل ــــــــــــــــ 2/ 235
إن إمام هذه الأمة منها أبو هريرة 2/ 437
إن امتي لا تجتمع على ضلالة سمرة 2/ 435ت
إن امتي لا تجتمع على ضلالة أنس 2/ 434،
إن الأمير إذا ابتغي الريبة أبو أمامه 2/ 453ت
إن إناسا بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يسألوا أحدا عوف بن مالك 2/ 500، 245
إنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا أنس 2/ 351ت
إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف أبو سعيد الخدري 3/ 546ت
إن أول دم أضع من دمائنا جابر 5/ 270ت(12/105)
ص -165-…إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه أبو هريرة 4/ 35ت
إن البقعة التي يجتمع فيها الناس ـــــــــــــــ 1/ 362
إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا جابر 2/ 393ت
إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين فرقة عبد الله بن عمرو 5/ 146ت
إن جبريل صلى الله عليه وسلم أتاني فأخبرني أن فيها قذرا أبو سعيد الخدري 5/ 304ت
إن الحلال بين وإن الحرام بين النعمان بن بشير 2/ 38ت
إن حلالها حساب وحرامها عذاب ابن عباس 1/ 171
إن خيرا لأحدكم أن لا يسأل عمر 501- 5/ 245
إن الخير لا يأتي إلا بخير أبو سعيد 3/ 153، 153ت
إن الدين يسر أبو هريرة 1/ 165 ت
إن رجلا أصاب من أمرأة قبلة ابن مسعود 2/ 251ت
إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله عائشة 3/ 244ت، 4/ 83
إن رجلا ضرير البصر أتي النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن حنيف 2/ 503ت1/ 173
إن رجلا نذر أن يصوم ابن عباس 1/ 173
إن رجلين خرجا من عند أنس 2/ 439ت
إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ـــــــــــــــ 1/ 360، 360،
إن رسول الله صلى الله عليم وسلم بعث بعثا وأمر ابن عمر 5/ 408ت
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح في رمضان ابن عباس 4/ 88ت
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على مسرورا عائشة 4/ 76(12/106)
ص -166-…إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب ـــــــــــــ 2/ 56ت
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا أنس 1/ 523ت
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحي بكبش اقرن أبو سعيد الخدري 3/ 382ت
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع عمر 5/ 359ت
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي م سلمة أم سلمة 3/ 117ت
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي إن يخلط التمر والزهور جابر بن عبد الله 3/ 69ت، 3/ 470، 470ت، 471ت
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب أبو ثعلبة 4/ 192ت، 355ت
إن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهي عن بيع حبل الحبلة ابن عمرو 3/ 417ت
إن رسول الله صلى اله عليه وسلم نهي عن صيام يومين أبو سعيد الخدري 3/ 496، 470ت
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن لبن الجلالة ابن عباس 4/ 356
إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة عائشة 4/ 386ت
إن الرضاعة يحرم منها ما يحرم من الولادة ـــــــــــــ 4/ 386ت
إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ـــــــــــــ 2/ 150ت
إن روح القدس نفث في روعي ـــــــــــــ 4/ 465
أن الصلاة لا تقبل منه أربعين يوما ـــــــــــــ 2/ 201
إن العالم يستغفر له كل أبو أمامة 1/ 363
إن عبد الله برجل صالح لو كان يكثر الصلات ـــــــــــــ 2/ 447ت، 488
إن العبد إذا أخطأ خطيئة أبو هريرة 3/ 540ت(12/107)
ص -167-…إن عفريتا من الجن تفت على البارحة أبو هريرة 2/ 441ت
إن العلماء همتهم الرعاية معاذ بن جبل 1/ 81، 81ت
إن العلماء ورثة الأنبياء ـــــــــــــــ 5/ 253
إن العلم والإيمان مكانهما معاذ 5/ 297
إن فريضة الله أدركت أبي ابن عباس 2/ 386
إن في الجنة بابا يقال له الريان ـــــــــــــــ 3/ 144، 144ت
إن في الجنة مئة درجة أعدها الله أبو هريرة 3/ 546ت
إن في جهنم أرحاء تدور بعلماء السوء أبو هريرة 1/ 76
إن في المال حقا سوى الزكاة فاطمة بنت قيس 3/ 64، 5/ 243
إن في النفس الدية مئة من الإبل عمرو بن حزم 5/ 144ت
إن فيك لخصلتين يحبهما الله أبو سعيد الخدري 2/ 184-185
إن القرآن يصدق ب عضها بعضا عبد الله بن عمرو 5/ 144ت
إن كل بدعة ضلالة ـــــــــــــــ 5/ 221
إن كل خمر حرام ـــــــــــــــ 5/ 417
إن للشيطان لمة وللملك لمة ابن مسعود 5/ 96
إن لك ما احتسبت أبي بن كعب 2/ 225
إن لكل أمة أمينا ـــــــــــــــ 5/ 296ت
إن لكل شيء إقبالا وإدبارا أبو أمامة 1/ 100
إن لكل شيء شره، ولكل شرة فتره ـــــــــــــــ 5/ 320
إن لكل عابدشره، ولكل شرة فتره عبد الله بن عمرو 3/ 522
إن لكم بكل خطوة درجة جابر 2/ 223
إن لنفسك عليك حقا ـــــــــــــــ 1/ 182-2/ 239، 255
إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ـــــــــــــــ 4/ 333ت
إن مثلي ومثل ما بعثني الله به أبو موسى 1/ 7ت
إن المرء يكتب له قيام الليل والجها أبو موسى 2/ 392(12/108)
ص -168-…إن المراء في القرآن كفر ــــــــــــــ 5/ 392
إن المصلي يناجي ربه ــــــــــــــ 3/ 142
إن المقسطين عند الله على منابر من نور عبد الله بن عمرو 5/ 32
إن الملائكة تنزل في العنان عائشة 2/ 92ت
إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ــــــــــــــ 3/ 190ت
إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ــــــــــــــ 4/ 313ت
إن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل بن عباس علي 2/ 180ت
أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل عليه السلام فقال جابر بن عبد الله 3/ 255
إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه شيء يسره أبو بكرة 3/ 161ت
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس ــــــــــــــ 3/ 258
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر عائشة 1/ 76ت
إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قد م مكة أتي رسم قبر بريدة 2/ 388ت
إن النبي صلى الله عليه وسلم نهي إن يخلط الزبيب والتمر ــــــــــــــ 3/ 79ت
إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتبارين عكرمة 2/ 349ت
إن الولد لوالديه ستر من النار ــــــــــــــ 1/ 337
إن مما أخاف عليكم ما يفتح لكم سمرة 2/ 55ت
إن مما ينبت الربيع أبو سعيد الخدري 1/ 176
إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة أبو هريرة 1/ 79
إن من أكبر الكبائر ــــــــــــــ 3، 76-5/ 287
إن من ضئضئ هذا قوما يقرءون القرآن أبو سعيد الخدري 5/ 148
إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ــــــــــــــ 2/ 505
إن من غرس غرسا أنس 1/ 337
إن من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة عبد الله بن عمر 5/ 256
إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم جندب بن عبد الله 3/ 81ت(12/109)
ص -169-…إن منكم منفرين أبو مسعود الأنصاري 1/ 528-5/ 277
إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه سمرة 2/ 55ت
إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل أبي بن كعب 5/ 292
إن موضع سوط في الجنة لخير من الدنيا و ما فيها أبو هريرة 4/ 400
إن ملائكة السماء تستحي منه عثمان أبو موسى 2/ 439
إن إناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم أم الفضل بنت الحارث 2/ 253ت
إن نفسا تقتل ظلما أبن مسعود 1/ 222
إن هذا الدين متين أنس 2/ 238ت
إن هذا الدين متين عبد الله بن عمرو 2/ 237ت
إن هذا الدين متين جابر 2/ 236ت
إن هذا الدين متين عائشة 2/ 236ت
إن هذا الدين متين ــــــــــــــ 2/ 406
إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف عمر 3/ 40، 40ت
إن هذا القرآن حبل الله وهو النور المبين ابن مسعود 4/ 184
إن هذا المال خضرة حلوة حكيم بن حزام 3/ 534
إن هذه الأقدام بعضها من بعض ــــــــــــــ 4/ 434ت
إن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين معاوية 5/ 146
إن هذه لرؤيا حق عبد الله بن زيد 4/ 467
إن وسادتك لعريض، إنا هو سواد الليل وبياض عدي بن حاتم 3/ 299ت
أنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب أبو هريرة 5/ 258ت
إنا نحد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ــــــــــــــ 5/ 34
إنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا أنس 2/ 351ت
إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا أبو موسى 1/ 309ت
إنك إن اتبعت عورات الناس معاوية 2/ 453ت
إنك تحمل الكل وتكسب المعدوم خديجة 3/ 66(12/110)
ص -170-…إنك لا تهدي من أحببت ــــــــــــ 2/ 390ت
إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم أبو هريرة 3/ 82
إنكم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها ــــــــــــ 4/ 407
إنكم تتمون تختصمون ا لي، ولعل بعضكم أن أم سلمة 2/ 458
إنكم توشكون أن تكونوا في الناس كالملح سمرة 4/ 451ت
إنكم ستلقون بعدي أثره أسيد بن حضير 2/ 454ت
إنكم قد استقبلتك عدوكم أبو سعيد 2/ 254
إنكم محشورون إلى الله عراة ابن عباس 4/ 415
إنما أجلكم في أجل من خلال من الأمم ابن عمر 2/ 351ت
إنما الأعمال بالنيات عمر 1/ 13، 17ت، 459-3/ 10، 44-4/ 156
إنما الماء من الماء ــــــــــــ 3/ 276
إنما الولاء لمن أعتق عائشة 1/ 340
إنما أنا بشر، أنسى كما تنسون ــــــــــــ 3/ 245ت
إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق أبو هريرة 1/ 41ت
إنما جعل الإمام ليؤتم به عائشة 1/ 467، 523ت-3/ 294ت
إنما ذاك أن تسأل وما عمر 1/ 501ت
إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل عدي بن حاتم 4/ 399
إنما ذلك العرض عائشة 4/ 74
إنما سمي البيت العتيق؛ لأنه لم يظهر عليه جبار عبد الله بن الزبير 4/ 416
إنما قولي لمئة امرأة كقولي لأمرأة واحدة ــــــــــــ 3/ 243ت
إنما كان الذي أوتيته وحيا أبو هريرة 3/ 299
إنما نهيتكم لأجل الدافة عائشة 2/ 275ت-3/ 273(12/111)
ص -171-…إنما نهيتكم من اجل الدافة عبد الله بن واقد 4/ 156
إنما هذا من أخوان الكهان أبو هريرة 5/ 386
إنما هو جبريل لم أره على صورته ــــــــــــــــ 3/ 191ت
إنما هي أعمالكم أحصيها لكم أبو ذر 1/ 357-2/ 480
إنه باع جاري وولدها، ففرق بينهما ــــــــــــــــ 3/ 472ت
إنه بلغني أنكم تريدوان أن تنتقلوا جابر 2/ 223
إنه ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة ابن مسعود 2/ 454ت
إنه صلى الله عليه وسلم استأذن في الاستغفار لأمه أبو هريرة 2/ 389ت
إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يجد قوتا ــــــــــــــــ 3/ 557ت
إنه صلى الله عليه وسلم كان ينتظرك في صلاته ابن أبي أوفى 2/ 268ت
إنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى رجل سمين جعدة الجشمي 2/ 192ت
أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله ابن عمر 3/ 300ت
إنه عاشر عشرة في الجنة معاذ 5/ 297ت
أنه عليه الصلاة و السلام خرج على أبي وهو يصلي ــــــــــــــــ 3/ 405
إنه كان إذا قام إلى الصلاة قال على 2/ 167ت
إنه من يأخذه بغير حقه أبو هريرة 1/ 310
إنه يكون بها "البصرة" خسف وقذف أنس 3/ 113ت
إنه لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه خالد بن الوليد 4/ 357ت، 423
إنه ليس بدواء، ولكنه داء طارق بن سويد 2/ 121ت
إنه ليس بذا كن ألا تسمع إلى قول لقمان أبن مسعود 4/ 24
إنه ليغان على قلبي الأغر المزني 3/ 544، 544ت
إنها ألهتني نفا عن صلاتي عائشة 1/ 189ت
إنها تكون بعدي رواة يروون عني الحديث علي 3/ 189ت(12/112)
ص -172-…إنها ركس أنس 4/ 355
إنها صدقة تصدق الله بها عليك عمر، ابن عمر 1/ 199
إنهما خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة أنس 2/ 439
إن أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ــــــــــــــ 3/ 246، 266
إني أحب الصلاة عليك ــــــــــــــ 2/ 367
إني أحب العقيق سلمة بن الأكوع 2/ 225ت
إني أحدث نفسي بالشئ لأن أكون ــــــــــــــ 4/ 173ت
إني أحرم ما بين لابتي المدينة سعد 4/ 387
إني اخاف على امتي من بعدي من أعمال ثلاثة عمرو بن عوف 4/ 89
إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ــــــــــــــ 2/ 448
إني أرسلت بحنيفة سمحة عائشة 2/ 211ت
إني استأذنت ربي في زيارة أمي بريدة 2/ 389ت
إني افعله ــــــــــــــ 5/ 269
إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان عمر 3/ 39ت
إني كانت لي دعوة دعوت بها على قومي ــــــــــــــ 4/ 433
إني كنت نهيتكم عن الشرب في الأوعية أبو بردة بن نيار الأنصاري 4/ 359ت
إني كنت نهيتكم عن نبيذ الأوعية ابن مسعود 4/ 360ت
إني لأخاف على أمتي من بعدي ــــــــــــــ 5/ 132
إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها ــــــــــــــ 2/ 370ت
إني أركم من وراء ظهري أبو هريرة 2/ 472، 472ت، 473ت
إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله أنس 2/ 503، 5/ 269
إني لأسمع بكاء الصبي أنس 2/ 248، 370(12/113)
ص -173-…إني لأعطي رجالا حديث عهدهم بكفر أنس -3/ 94
إني أعطي الرجل وغيره حب إلي منه سعد بن أبي وقاص 5/ 35ت 5/ 34
إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل عائشة 3/ 245ت-4/ 83ت
إني لأنس أو أنسي لأسن ـــــــــــــ 3/ 245
إني لست كهيئتكم أبو هريرة 1/ 486ت
إني لست كهيئتكم، إني أبيت عائشة 2/ 239
إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية أبو أمامة 2/ 211ت
إني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا عقبة بن عامر 2/ 437
أهج المشركين؟ فإن جبريل معك ـــــــــــــ 4/ 441ت
اهجهم وجبريل معك ـــــــــــــ 4/ 441
أوتيت القرآن ومثله معه ـــــــــــــ 4/ 333ت
أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم عمر بن الخطاب 5/ 343ت
أو في شك أنت يا ابن الخطاب ابن عباس 4/ 35
أو في شك أنت يا ابن الخطاب عمر بن الخطاب 4/ 44ت
أول الوقت رضوان الله أبو بكر الصديق 1/ 241
أول دم اضعه دمنا جابر 5/ 270
أول دم يوضع دم ربيعة جابر 5/ 270
أول دينكم نبوة ورحمة حذيفة 1/ 149
أول ربا اضعه ربا العباس 5/ 270
أول من تقربهم النار أبو هريرة 1/ 87
أو ليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار أبو حميد الساعدي 3/ 547
ألا أخبرته أني أفعل ذلك ـــــــــــــ 4/ 74
ألا اخبرتيه أني أقبل وأنا صائم ـــــــــــــ 5/ 261
ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك أم سلمة 4/ 94، 117
ألا أخبركم بأفضل من درجة الصوم أبو الدرداء 5/ 153(12/114)
ص -174-…ألا أخبركم بخير الشهود زيد بن خالد 5/ 342ت
الا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا أبو هريرة 2/ 217ت
ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة عائشة 2/ 439ت
ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ـــــــــــــ 4/ 137ت
ألا تحتسبون أثاركم انس 2/ 226ت
إلا رجل يضفه الليلة يرحمه الله ـــــــــــــ 3/ 68ت
ألا فلا تتخذوا القبور مساجد جندب بن عبد الله 3/ 81ت
ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ابو بكرة 4/ 77-5/ 254
ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع ـــــــــــــ 5/ 271ت
ألا و إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ـــــــــــــ 4/ 402
أي ابن عم! اتستطيع إن تخبرني بصاحبك ـــــــــــــ 2/ 476
أي عم! قل: لا إله إلا الله ـــــــــــــ 2/ 390ت
أيأتي أ؛دنا شهوته وله فيه أجر ـــــــــــــ 1/ 462ت
أيقضي شهوته، ثم يؤجر ـــــــــــــ 1/ 461
إيمان بالله. قال: ثم ماذا؟ ابو هريرة 5/ 26
أين الله معاوية بن الحكم ـــــــــــــ 1/ 60ت
أين المتألي على الله لا يفعل المعروف عائشة 5/ 247ت
أينقص التمر إذ يبس سعد 3/ 202
أي الأعمال أفضل أبو هريرة 5/ 26
أي الأعمال أفضل درجة عند الله يوم القيامة أبو سعيد 5/ 27
أي العبادة أفضل؟ قال: دعاء المرء نفسه عائشة 5/ 28
أي المسلمين خير؟ قال: من سلم المسلمون عبد الله بن عمرو 5/ 30
إياكم والبغضة! فإنها هي الحالقة أبو هريرة 5/ 153ت
إياكم وكثرة السؤال الحجاج بن عامر 5/ 381
إياكم والوصال 1/ 486ت
إيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها عائشة 3/ 47(12/115)
ص -175-…إيما امرأة نكحت بغير أذن وليها ــــــــــــــ 3/ 47-4/ 371-5/ 191
إيما امرئ ترك مالا فليرثه ابو هريرة 4/ 385ت
إيما أهاب دبغ فقد طهر أبن عباس 4/ 22، 22ت، 40ت
إيما رجل أدخل فرسه أبو هريرة 1/ 426ت
إيما رجل مسلم قد لله عمرو بن عبسة 1/ 337
إيما رجل من أمتي سببته سبه سلمان 5/ 156
إيما عبد أبق من مواليه جرير بن عبد الله 4/ 404
بدأ الإسلام غريبا ــــــــــــــ 5/ 240
بدأ هذا الدين غريبا ــــــــــــــ 5/ 240
البر ما سكنت إليه ا لنفس أبو ثعلبة الخشني 2/ 466ت
بشرني بأن من مات لا يشرك بالله شيئا أبو ذر 4/ 295ت
بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عينا وأمر أبو هريرة 5/ 246ت
بعث عليه الصلاة و السلام رجلا ليكون رصدا ــــــــــــــ 2/ 368
بعثت إلى الأحمر والأسود ــــــــــــــ 2/ 407
بعثت إلى أمة أمية ــــــــــــــ 2/ 110
بعثت بالحنيفية السمحة جابر 2/ 211-5/ 99
بعثت بجوامع الكلم أبو هريرة 4/ 48
بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ــــــــــــــ 2/ 41، 124
بعثت إلى الأحمر والأسود جابر بن عبد الله 3/ 242
بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم أبو هريرة 3/ 130
بعهما جميعا أو امسكهما جميعا على 2/ 472، 472ت
بل أنت سهل حزن بن أبي وهب 5/ 399
بل للناس عامة ــــــــــــــ 3/ 244
بل هي للأبد سراقة بن مالك 1/ 47ت(12/116)
ص -176-…بلغوا عني ولو أية عبد الله بن عمرو 1/ 65ت -2/ 130ت-5/ 254
بما أ؛رم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــ 2/ 342
بم تحكم؟ قال: بكتاب الله؟ قال: فإن لم تجد؟ معاذ 4/ 298، 325
بني سلمة ديار كم تكتب جابر 2/ 223
بهذا أمرت ـــــــــــــ 3/ 67، 258ت، 259
يؤمن ابن سمية تقتلك الفئة الباغية أبو سعيد 2/ 453ت
بينا أنا نائم أتيت بقدح من لبت فشربت عبد الله بن عمر 5/ 253
بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم ابن عباس 2/ 229ت
بينا رسلو الله صلى الله عليه وسلم يصلى بأصحابه أبو سعيد الخدري 5/ 304ت
بينما موسي في ملأ من بني إسرائيل جاءه رجل أبي بن كعب 5/ 292
بينما نحن في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو سعيد 3/ 63
البر ما سكنت إليه النفس ابو ثعلبة الخشني 2/ 466ت
البينة على المدعي ـــــــــــــ 2/ 468-5/ 15
البيع والمبتاع بالخيار عبد الله بن عمر 1/ 425
تتماري في الفوق ـــــــــــــ 5/ 173
تجافوا عن عقوبة ذوي ابن عمر 1/ 269، 269ت
تحاجت الجنة والنار ـــــــــــــ 2/ 56ت
تداووا اسامة بن شريك 1/ 217، 217ت
تداووا؟ فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء أسامة بن شريك 2/ 262-3/ 250
تركت فيكم أثنين لن تضلوا ما تمسكتم بهما ـــــــــــــ 4/ 135(12/117)
ص -177-…تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها العرباض بن سارية 4/ 135
تركتكم على الجادة على ابن أبي طالب 3/ 173
تزوجوا الولود الودود ــــــــــــ 1/ 383ت
تحسرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة ــــــــــــ 3/ 84ت
تسمعون ويسمع منكم ابن عباس 5/ 255
تضحية أبي بردة بالعناق الجذعة ــــــــــــ 2/ 274
تطعم الطعام وتقرأ السلام عبد الله بن عمرو 5/ 30
تعال يا ابن مسعود ابن مسعود 1/ 264
تعال يا عبد الله ــــــــــــ 3/ 405
تعالوا اكتب لك كتابا لن تضلوا بعده ابن عباس 5/ 394
تعلموا ما شئتم أن تعلموا، فلن بعض الصحابة 1/ 81
تعوذوا بالله من جهد البلاء ابو هريرة 3/ 312ت
تغدوا خماصا وتروح بطانا ــــــــــــ 1/ 304ت
تفترق امتي ــــــــــــ 5/ 172
تفترق امتي على ثلاثة وسبعين فرقة ابو هريرة 4/ 449
تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا عائشة 4/ 309ت
تلك صلاة المنافقين ــــــــــــ 1/ 244، 245ت
تمكث إحدكن شطر دهرها لا تصلي ــــــــــــ 2/ 152-152ت
تمكث الليالي ما تصلي ابن عمر 2/ 153ت
تمكث شطر دهرها لا تصلي ــــــــــــ 4/ 193ت
تنكح المرأة لأربع ــــــــــــ 1/ 383ت
تهادوا تحابوا أبو هريرة 2/ 178
ثلاث إذا خرجن أبو هريرة 4/ 409
ثلاث جدهن وهزلهن جد أبو هريرة 36/ 14
ثلاث من اصول الإيمان أنس 2/ 28ت(12/118)
ص -178-…ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أنس 2/ 198-199
ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم أبو هريرة 3/ 389، 389ت
ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم أبو موسى 1/ 534ت
ثم ملو ملة فقالوا عون بن عبد الله "مرسلا" ـــــــــــــ 1/ 50
جاء ابن مسعود يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب جابر 3/ 405
جاء الحارث الغطفاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو هريرة 1/ 499ت
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عطاء بن يسار 1/ 491ت
جاء رجل من أشجع إلى النبي صلى الله عليه و سلم جابر بن عبد الله 1/ 533
جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف سعيد بن جبير 2/ 192ت
جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة جابر 4/ 382
جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد! أبن مسعود 4/ 163
جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم عائشة 1/ 431ت
جبلت القلوب على حب من أحسن إليها ـــــــــــــ 2/ 176
جعل شهادة خزيمة بن ثابت بشهادتين ـــــــــــــ 2/ 409ت
جعلت امتي خير الأمم على بن أبي طالب 4/ 408ت
جعلت قرة عينه صلى الله عليه وسلم في الصلاة ـــــــــــــ 2/ 366
جعلت قرة عيني في الصلاة ـــــــــــــ 2/ 232ت، 240-3/ 143
جف القلم بما أنت لاق ـــــــــــــ 3/ 554
جف القلم بما هو كائن ابن عباس 1/ 315، 330
الجهاد واجب عليكم مع كل أمير ـــــــــــــ 2/ 528(12/119)
ص -179-…جهز النبي صلى الله عليه وسلم اسامة في جيش 1/ 504
حبب إلي 1/ 187ت
حبب إلى من دنياكم 3/ 143ت
حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء 2/ 332ت
حبب إلي من دنياكم ثلاث 2/ 333، 240، 241ت
حتى استأمر ا لسعود ابو هريرة 1/ 499ت-5/ 407ت
حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك 3/ 125
حدثوا الناس بما يع رفون على 5/ 168
حديث ابي هريرة في المفلس 2/ 391
حديث إذن النبي صلى الله عليه وسلم بلبس الحرير للحكة 4/ 12ت
حديث استبشار النبي صلى الله عليه وسلم بقول المدلجي 4/ 434ت
حديث إعراضه عن سماع غناء الجاريتين عائشة 4/ 424
حديث الأبرص والأقرع والأعمي ابو هريرة 4/ 417
حديث الإحلال من العمرة 4/ 78، 126-5/ 264، 304
حديث الأشعرين إذا أرملوا 5/ 247
حديث الاغتسال من التقاء الختانين عائشة 4/ 117
حديث الإفطار في السفر 4/ 87، 126
حديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم جابر بن عبد الله 3/ 255، 259
حديث امرأة رفاعة 1/ 430، 3/ 163
حديث امرة صلى الله عليه وسلم لحسان بإنشاد الشعر 4/ 440
حديث عن الدنيا مخلقوة ليظهر فيها أثر القبضتين 2/ 543
حديث أن سودة بنت زمعة خشيت أن يطلقها النبي(12/120)
ص -180-…صلى الله عليه وسلم ابن عباس 4/ 116
حديث تأخير السحور 3/ 485ت
حديث تتريس أبي طلحة الني صلي الله عليه وسلم 3/ 92، 93
حديث تحريم صيام يوم العيد 4/ 100
حديث تحريم النبي لصلي الله عليه وسلم للعسل علي نفسه 4/ 438، 438ت
حديث التحلل من لعمرة 4/ 87، 126-5/ 264، 304
حديث تركه صلي الله عليه وسلم للقيام في المسجد في رمضان عائشة 4/ 423-5/ 280
حديث التصرية في شراء الشاة 1/ 429
حديث تصريح النبي صلي الله عليه وسلم بلفظ الوطء 4/ 420
حديث تعذيب المرأ في هرة ربطتها 2/ 338
حديث الثلاثة الذي خلفوا 2/ 499
حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار ابو هريرة 4/ 35
حديث الخميصة ذات العلم عائشة 1/ 189
حديث جابر بن عبد الله في تزوجه 1/ 383ت
حديث جبريل حين صلي بالنبي صلي الله عليه وسلم 4/ 80
حديث جريج العابد ابو هريرة 4/ 417
حديث خيار المجلس ابن عمر 3/ 196
حديث دية الأطراف 4/ 275، 384ت
حديث الذي وقصته الدابة 2/ 515ت
حدث رجل أشجع 3/ 552ت
حديث الرجل الذي أراد أن يفتك به صلى الله عليه(12/121)
ص -181-…وسلم 4/ 427
حديث رمي التراب في وجوه الكفار 2/ 479ت
حديث الرؤيا الصالحة 4/ 391
حديث سبيعة الأسلمية 4/ 396، 397ت
حديث سجود الشكر 3/ 161ت
حديث سلمان وأبي الدرداء 1/ 182
حديث الشاة المسمومة أبو هريرة 2/ 461ت
حديث شراج الحرة عبد الله بن الزبير 2/ 285
حديث صلح الحديبية البراء بن عازب 5/ 416
حديث عائشة في صيام يوم عاشوراء عائشة 3/ 240
حديث العرايا جابر 3/ 201
حديث عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم 3/ 39
حديث غناء الجاريتين 4/ 443ت
حديث فاطمة بنت قيس 4/ 395
حديث فزع أهل المدينة 3/ 69
حديث القرعة 3/ 200
حديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير بالسقى عبد الله بن الزبير 4/ 320
حديث قيافة المدلجي وقصته مع أسامة وأبيه زيد 4/ 434، 437ت
حديث المتلاعنين ابن عباس 2/ 470
حديث المرأة التي سمت الشاه 4/ 327
حديث المرأة السوداء التي كانت تصرع 2/ 262، 503ت
حديث المرأتين المتظاهرتين عند النبي صلى الله عليه وسلم 4/ 35(12/122)
ص -182-…حديث مسح النبي صلى الله عليه وسلم على عمامته 4/ 8ت
حديث المصراة 1/ 429، 3/ 163
حديث معاذ في الاحتجاج بالسنة 4/ 405
حديث معاذ لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن 2/ 514ت
حديث معاهدة النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنات المهاجرات 4/ 22ت
حديث منع بيع الرطب بالتمر 3/ 202
حديث من قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أعدل 4/ 426
حديث المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار 2/ 325
حديث موسى مع الخضر 4/ 414
حديث الناذرللصيام قائما في الشمس 2/ 229
حديث نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم 2/ 479ت
حديث النخلة 3/ 146
حديث نوم على مكان النبي صلى الله عليه وسلم 3/ 69
حديث وفاة موسى عليه السلام 4/ 417
حديث اليهودي الذي قتل الجارية 3/ 178
حسنات الأبرار سيئات المقربين 3/ 548، 548ت
حفت الجنة با لمكاره وحفت النار بالشهوات أبو هريرة 1/ 164-2/ 45
حق الله على العباد أن يعبد وه معاذ 2/ 544
حق الله تعالى على العباد أن يعبد وه معاذ 2/ 538ت
حق العباد على الله إذا عبد وه معاذ 2/ 538
حق عل كل من سمعه أن يشمته 1/ 252
حكمي على الواحد حكمي على الجماعة 3/ 241
حمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسعون ألف درهم 3/ 67(12/123)
ص -183-…الحمد لله أم القرآن 4/ 411
الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة أبو هريرة 4/ 173ت
حلوه، ليصل أحدكم نشاطه أنس 1/ 528، 2/ 235
الحلال بين والحرام بين النعمان بن بشير 3/ 306، 540-4/ 138، 366
خبأت دعوتي شفاعة لأمتي جابر 5/ 310ت
خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين أنس 4/ 441ت
خذل عنا إن استطعت 4/ 441ت
خذوا القرآن من أربعة عبد الله بن عمرو 4/ 152
خذوا عني مناسككم 3/ 246-4/ 75، 80ت، 82، 136، 5/ 216
خذوا من الأعمال ما تطيقون 2/ 280
خذوا من العمل ما تطيقون عائشة 1/ 525-2/ 40 4-4/ 101-5/ 320
خذي فرصة ممسكة 4/ 444
خذي ما يكفيك هند بنت عتبة 1/ 251-2/ 490ت
الخراج بالضمان عائشة 3/ 204، 427، 430، 455
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلي ابن عمر 2/ 371ت
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في رمضان 1/ 532ت-3/ 279ت
خلق الله الماء طهورا أبو سعيد الخدري 4/ 40ت،(12/124)
ص -184-…الخوارج مجوس هذه الأمة ابن عمر 5/ 174ت
خوفا إن يقول الناس: إن محمدا يقتل أصحابه 2/ 467
خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام أبو هريرة 5/ 292
خير دور الأنصار بنو النجار أبو أسيد الساعدي 2/ 59، 60-5/ 295
الخير عادة معاوية 1/ 512-2/ 150
خير القرون قرني عمران بن حصين 5/ 294
خير القرون قرني ابن مسعود 1/ 149
خيركم من تعلم القرآن وعلمه عثمان 5/ 31
الخيل لرجل أجر ولرجل ستر أبو هريرة 2/ 340
الخيل معقود في نواصيها الخير إلى اليوم القيامة عروة البارقي 2/ 28ت
خيرني ربي عز وجل أن أكون نبيا 1/ 544، 544ت
دب إليكم داء الأمم قبلكم الزبير 5/ 153ت
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود أنس 2/ 234
دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي فاطمة على 5/ 398
دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان عائشة 4/ 424ت
دخلت امراة النار في هرة ربطتها 3/ 397ت
دخلوا يزحفون على أستاهم أبو هريرة 4/ 397
دخلوا يزحفون على أوراكهم أبو هريرة 4/ 406
دعاء المرء لنفسه عائشة 5/ 28
الدعاء هو العبادة النعمان بن بشير 4/ 398
دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته أبو سعيد الخدري 2/ 335-(12/125)
ص -185-… 5/ 148
دف أهل أبيات من أهل البادية عائشة 2/ 275ت
دماء الجاهلية موضوعة جابر 5/ 270ت
الدين النصيحة 3/ 317
ذاك إبراهيم أنس بن مالك 5/ 294
ذبحت قبل أن أرمي 5/ 258ت
الذاكرون الله كثيرا والذاكرات أبو سعيد 5/ 27
ذروني ما تركتكم أبو هريرة 1/ 47ت، 256، 275-5/ 376، 388
ذكاة الجنين ذكاة أمه أبو سعيد الخدري 4/ 376
ذلك فضل الله أبو هريرة 1/ 180
ذلك الوأد الخفي 3/ 155ت
ذلك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار أبو سعيد الخدري 4/ 415
ذهب أهل الدثور بالأجور أبو هريرة 1/ 179
الذهب بالذهب والفضة بالفضة عبادة بن الصامت 4/ 380
رأي صلى الله عليه وسلم رجلا وسخة ثيابه جابر 1/ 280ت
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب 3/ 419ت
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص عن نفسه عمر 4/ 127ت
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب 3/ 419ت
رأيت شابا وشابة فلم آمن على 2/ 180ت
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه عمرو بن أمية الضمري 3/ 272ت
ربا الجاهلية موضوع جابر بن عبد الله 4/ 380
رب اغفر لقومي ابن مسعود 2/ 390ت(12/126)
ص -186-…الرجل إذا مات انقطع عمله أبو هريرة 2/ 386
رحم الله قسا إني لأرجو 2/ 126ت
الراحمون يرحمهم الرحمن عبد الله بن عمرو 1/ 112
رد النبي صلى الله عليه وسلم على من نذر أن يصوم قائما 2/ 228
رد النبي صلى الله عليه وسلم التبتل على سعد بن أبي وقاص 2/ 228
الرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن عبد الله بن عمرو 1/ 353، 353ت
رفع الله ع وجل عن هذه الأ مة أبو بكرة 1/ 236
رفع الله عن أمتي ابن عباس 1/ 236
رفع عن أمتي الخطأ والنسيان أبو بكرة 1/ 236
رفع عن أمتي الخطأ والنسيان 1/ 268ت، 3/ 15
رفع القلم عن ثلاث عائشة 1/ 237
ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا 1/ 523ت
رؤيا المؤمن جزء أنس 4/ 391
الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين عبادة بن الصامت 2/ 419ت
الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء أنس 4/ 391ت
الرؤيا ثلاثة 4/ 391ت
الرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن عبد الله بن عمرو 1/ 353، 353ت
زادك الله طاعة عبد الله بن رواحة 3/ 406
الهد في الدنيا يريح القلب والبدن أبو هريرة 1/ 352
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع؟ فقال عائشة 2/ 522ت
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهوة الخفية 1/ 88
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر؟ فنهاه طارق بن سويد الجعفي 2/ 121ت(12/127)
ص -187-…سألة الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اليوم الذي كسنة 2/ 479ت
سألت جابرا – رضي اله عنه: أنهي النبي صلى اله عليه وسلم محمد بن عباد 5/ 317ت
سالت ربي عز وجل أربعا فأعطاني ثلاثا أبو بصرة الغفاري 2/ 436ت
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بيتي عبد الله بن سعد 3/ 264ت
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة جرير بن عبد الله البجلي 2/ 180ت
سبب نزول {إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا}1 ابن عباس 3/ 514ت-4/ 212
سبب نزول {يا أيها الذين آمنوالا تقولوا راعنا} سعد بن عبادة 4/ 111
سبب نزول {ولله المشرق والمغرب} 4/ 147ت
سبب نزول {واتخذامن مقام إبراهيم مصلى} 2/ 420
سبب نزول {قد نرى تقلب وجهك في السماء} 2/ 420
سبب نزول {إن الصفا والمروة من شعائر الله} عائشة 1/ 478ت
سبب نزول {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} عدي بن حاتم 2/ 143، 3/ 299ت، 4/ 398ت
سبب نزول: {من الفجر} عدي بن حاتم 3/ 299ت، 4/ 398ت
سبب نزول: {يسألونك عن الأهلة قل} 3/ 149، 149ت، 150،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الآيات مرتبة على حسب ورودها في القرآن الكريم(12/128)
ص -188-… 5/ 376ت، 388
سبب نزول: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} البراء 1/ 44
سبب نزول: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} ابن عباس 1/ 475ت
سبب نزول: {وقوموا لله قانتين} زيد ابن أرقم 3/ 341ت، 342ت
سبب نزول: {لله ما في السماوات وما في الأرض} ابو هريرة 1/ 93ت
سبب نزول: {وإن تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه} ابو هريرة 1/ 93ت-4/ 36، 5/ 409
سبب نزول: {أمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} ابو هريرة 1/ 504-4/ 37
سبب نزول: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} ابو هريرة 3/ 352ت
سبب نزول: {وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب} ابن عباس 4/ 32، 149
سبب نزول: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك} عبد الله بن الزبير 2/ 285-4/ 320
سبب نزول: {غير أولي الضرر} البراء 5/ 409ت
سبب نزول: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} ابن عباس 4/ 36
سبب نزول: {فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما} ابن عباس 4/ 116
سبب نزول: {اليوم أكملت لكم دينكم} عنترة بن عبد الرحمن "مرسلا" 4/ 211
سبب نزول: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات} ابن عباس 1/ 524، 525ت
سبب نزول: {يا أيها الذين أممنوا وعلموا الصالحات جناح فيما} أنس 1/ 158ت، 276
سبب نزول: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء}(12/129)
ص -189-…إن} أنس 1/ 45، 46، 257
سبب نزول: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} 3/ 348ت
سبب نزول: {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء} 3/ 349ت
سبب نزول: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} ابن مسعود 1/ 93ت-2/ 282-3/ 401، 4/ 24، 5/ 409
سبب نزول: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله} قتادة "مرسلا" 3/ 75-76
سبب نزول: {الآن خفف الله عنكم} ابن عباس 1/ 510
سبب نزول: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} ابن عباس 1/ 515
سبب نزول: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} 2/ 390
سبب نزول: {خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} ابن عباس 3/ 223
سبب نزول: {وما كان للنبي والذين آمنوا أن} 2/ 388، 390ت
سبب نزول: {حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} 2/ 270
سبب نزول: {وأقم الصلاة طرفي النهار} ابن مسعود 3/ 244ت-4/ 171
سبب نزول: سورة يوسف سعد 1/ 50، 50ت
سبب نزول: {الر. تلك آيات الكتاب المبين..} سعد 3/ 520ت
سبب نزول: {الذين هم في صلاتهم خاشعون} ابو هريرة 3/ 342، 342ت
سبب نزول: {والذين يرمون أزواجهم} 2/ 423
سبب نزول: {ولولا إذ سمعتموه قلتم} 2/ 442ت
سبب نزول: {ولا يأتل أول الفضل منكم} عائشة 5/ 248(12/130)
ص -190-…سبب نزول: {إنكم وما تعبد ون من دون الله حصب جنهم} ابن عباس 3/ 362ت، 4/ 24، 30
سبب نزول: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} ابن عباس 3/ 362ت، 4/ 24، 31
سبب نزول: {إن الشرك لظلم عظيم} ابن مسعود 1/ 93ت، 3/ 401-4/ 24
سبب نزول: {ترجي من تشاء منهن} 2/ 420
سبب نزول: آية الحجاب 2/ 421
سبب نزول: {ونكتب ما قدموا وآثارهم} 1/ 361
سبب نزول: {الله نزل أحس الحديث} ابن عباس 1/ 50، 50ت-3/ 520ت
سبب نزول: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على} ابن عباس 2/ 283، 283ت-4/ 170
سبب نزول: {وما قدروا الله حق قدره} ابن عباس 4/ 163
سبب نزول: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان} ابن مسعود 4/ 152
سبب نزول: {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات} 2/ 417ت
سبب نزول: {إذ يبايعونك تحت الشجرة} 1/ 143
سبب نزول: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم} سعد 1/ 51ت-3/ 520ت
سبب نزول: {قد سمع الله قول التي تجادلك} 2/ 421
سبب نزول: {ويؤثرون على أنفسهم ولو} أبو هريرة 3/ 68ت
سبب نزول: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} 4/ 22ت
سبب نزول: {ومن يتق الله} جابر 1/ 533
سبب نزول: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} عائشة 4/ 439(12/131)
ص -191-…سبب نزول: {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة} ابن عباس 4/ 213
سبب نزول: {سبق المفردون} ابو هريرة 5/ 27ت
سبب نزول: {ستفترق امتي على بضع وسبعين فرقة} 5/ 147
سبب نزول: {ستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة} عوف بن مالك الأشجعي 1/ 98
سددوا وقاربوا 5/ 277، 277ت
سل هذه -لأم سلمة- عمر بن أبي سلمة 4/ 75ت
سلوا الله من فضله ابن مسعود 5/ 31ت
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عائشة 5/ 247ت
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول عمر 2/ 226ت
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الرطب بالتمر سعد 3/ 202ت
سمعت كلامكم وعجبكم إن الله اتخذ إبراهيم 2/ 425
سمعت الناس يقولون شيئا، فقلته اسماء 5/ 315
سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان عمر 3/ 39ت
سمعتك تقول: اجلسوا عبد الله بن رواحة 3/ 406
سها، فسجد عمران بن حصين 2/ 516
سؤال الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التجارة في الحج 1/ 475ت
سيأتي على أمتي زمان يكثر القراء أبو هريرة 1/ 100
سيأتيك عني أحاديث مختلفة أبو هريرة 3/ 189ت
سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان على 5/ 176
سيكون بعدي فتن كقطع الليل 2/ 172ت
سيكون في أمتي ثلاثون كذابا 5/ 172ت(12/132)
ص -192-…سيكون من أمتي رجل يقال له أويس ابن عباس 2/ 424ت
شر ما في المرء شح هالع وجبن خالع أبو هريرة 3/ 394ت
شغلونا عن الصلاة الوسطي: صلاة العصر على 3، 409ت
شكركم تقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا على 2/ 115
شهادة خزيمة 2/ 58، 274، 409ت، 469-3/ 342
شهادة القوم المؤمنون شهداء الله في الأرض أنس 2/ 346ت
الشجاعة والجبن غرائز أبو هريرة 2/ 176، 185، 185ت
الشرك باله وعقوق الوالدين وقول الزور أبو بكرة 4/ 401
شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخ لي أحدا 3/ 560
الشهر هكذا وهكذا وهكذا ابن عمر 5/ 258، 258ت
الشؤم في ثلاث: في الفرس والمرأة والدار ابن عمر 3/ 194ت
صدق سلمان ابو جحيفة 2/ 248
صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته زيد بن ثابت 3/ 265ت
الصلاة لأول وقتها 1/ 244
الصلاة لوقتها. قال ثم أي ابن مسعود 5/ 26
صلاة الوسطي صلاة العصر سمرة بن جندب 4/ 399
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أنس 1/ 523
صلى عليه الصلاة والسلام بابن عباس في بيت خالته 3/ 265
صلى عليه الصلاة والسلام بابن عباس في بيت مليكة ركعتين في جماعة 3/ 265
صل معنا هذين اليومين بريدة 3/ 256، 5/ 259ت
صلوا كما رأيتموني أصلي 3/ 245،(12/133)
ص -193-… 382ت، 4/ 75، 82، 296ت، 5/ 261
صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فرخص فيه 1/ 471، 471 ت
الصيام جنة ابو هريرة 3/ 144
صيد البر حلال لكم جابر 3/ 10ت
ضخ بالجذع من المعز 2/ 410ت
الطهور ماؤه الحل مييتته 4/ 383
الطيرة في الفرس والدار والمرأة ابو هريرة 3/ 194ت
عرض على ربي ليجعل لي 1544، 544ت
على رسلك حتى تنزل بساحتهم على 1/ 212ت
العلماء ورثة الأنبياء 4/ 77ت
عليك بالصوم فإنه لا مثل له أبو أمامة 5/ 27
عليكم بسنتني وسنة الخلفاء الراشدين العرباض بن سارية 4/ 133، 293، 449، 456ت
عليكم من الأعمال ما تطيقون 2/ 234
عليك من العمل ما تطيقون 5/ 277
عناق أبي بردة 2/ 58، 410، 3/ 242
غرس غرسا أو زرع زرعا انس 2/ 391
الغني اليأس عما في أيدي الناس ابن مسعود 3/ 489ت
فأخاف أن تفتني عائشة 1/ 189ت
فإذا اختلط بكلابك كلب عدي بن حاتم 4/ 367(12/134)
ص -194-…فإذا أعجلت أو أقحطت فلا غسل عليك 3/ 276ت
فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه عائشة 5/ 143، 165
فإذا غم عليكم فاقدروا ثلاثين 1/ 144ت، 2/ 144ت
فإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا 5/ 301
فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها أبو هريرة 2/ 431ت
فأشار إليه بيده أن ضع الشطر من دينك كعب بن مالك 5/ 248ت
فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح جنبا عائشة 4/ 94
فأقرئها من بها السلام 2/ 431ت
فأقضي له على نحو ما أسمع 2/ 459ت
فأكملوا العدة ثلاثين 2/ 144ت
فأما المؤمن فيقول له ربه: ألم تفعل كذا 3/ 353ت
فإن أكل فلا تأكل عدي بن حاتم 4/ 362
فانتبذوا في كل وعاء بريدة 4/ 360ت
فإن أحداهن تقعد ما شاء الله ابن مسعود 2/ 153ت
فإن الله لا يجمع امة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة أبو مسعود 2/ 436ت
فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم أبو هريرة 4/ 383
فإنه لم يخف على شأنكم عائشة 4/ 423ت
فأولئك ا لذي سمي الله فاحذروهم 5/ 402ت
فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا قد سبقهم إلى الصوت 3/ 69
فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء 4/ 73
فحرفها كأنه يريد القتل أبو هريرة 5/ 259، 259ت
فذروني ما تركتكم 1/ 47، 5/ 374(12/135)
ص -195-… 367، 388
فر من المجذوم فرارك من الأسد 1/ 323، 3/ 195ت
فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت 3/ 69
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ابن مسعود 4/ 164
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين العرباض بن سارية 4/ 449
فعن معادن العرب تسالوني ابوهريرة 5/ 292
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: ماذا قلت جابر 2/ 342
فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود 2/ 54ت
فكن عبد الله المقتول خباب 2/ 173ت
فلما كبرت رددت أني كنت قبلت عبد الله بن عمرو 2/ 240ت
فليأت أهله فإن معها الذي معها جابر 2/ 253ت
فمن أحدث فيها حدثا أو آوي محدثا انس 4/ 388
فمن أعدي الأول 1/ 314، 323
فمن قضيت له من حق أخيه شيئا 3/ 107ت
فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله عمر 2/ 355، 3/ 297
فمن وافق علمه علم 1/ 62ت
فهما في الأجر سواء 2/ 393
فهما في الوزر سواء 2/ 393
فوالله لئن قدر الله على ليعذبني 5/ 205ت، 206
فولي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يقول: وكان الإنسان على 5/ 398
في أربعين شاة شاة 3/ 411، 411ت
فيعرفونهم في النار فيعرفونهم بأثر السجود أبو هريرة 2/ 54ت(12/136)
ص -196-…في كل دور الأنصار خير أبو أسيد الساعدي 3/ 547
في كل ذنب كبد رطبة أجر 2/ 338
فيما سقت السماء العشر ابن عمر 2/ 155
فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر 3/ 162
فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابو هريرة 5/ 291
قالت الله اليهود حرمت عليهم جابر بن عبد الله 1/ 447، 3/ 112
قاتل الهل اليهود حرمت عليهم الشحوم ابن عباس 3/ 461
القاتل لا يرث 1/ 405، 2/ 521، 3/ 118، 186ت، 3/ 206ت، 207
قال الله تبارك وتعال للجنة: أنت رحمتي أبو هريرة 2/ 56ت
قال الله تعالى: قد فعلت أبن عباس 2/ 210، 4/ 37
قالت الأنصار: اقسم بيننا وبينهم النخيل أبو هريرة 2/ 325ت
قال تعالى: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم أبو ذر 1/ 357،
قال صلى الله عليه وسلم: أئمتكم شفعاؤكم عند الله 2/ 480
قال: قد فعلت ابن عباس 3/ 51، 4/ 37
قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهر من ماء السماء أبو سعيد 4/ 88ت
قالا: حبة في شعره أبو هريرة 4/ 406
قالوا: يا رسول الله لو حدثتنا أبن عباس 1/ 50ت
قد ترى ما أقرب بيتي من المسجد ولأن أصلي في بيتي عبد الله بن سعد 3/ 264ت
قد حرمت عليه 2/ 421(12/137)
ص -197-…قد فضلكم على كثير أبو أسيد 3/ 847
قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع 1/ 164ت
قدم عبد الرحمن بن عوف فآخي النبي صلى الله عليه وسلم أنس 2/ 325ت
قد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة بعد العصر ابن عباس 4/ 341
قراءة الإمام قراءة المأموم جمع من الصحابة1 5/ 352ت
قصة ابن عمر في طلاق زوجته ابن عمر 3/ 300
قصة الخضر 2/ 461، 463، 463ت، 464ت، 507
قصة كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم 2/ 271
قصة اليهودي الذي قتل ا لجارية على أوضحا لها 2/ 178ت
القصد القصد تبلغوا أبو هريرة 2/ 208
قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد 4/ 389، 389ت
قل ربي الله ثم استقم سفيان بن عبد الله الثقفي 3/ 295
قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه 2/ 448، 3/ 534، 5/ 32
قولوا سمعنا وأطعنا أبن عباس 4/ 37
قوموا إلى سيدكم أبو سعيد الخدري 3/ 268ت
قوموا لسيدكم أبو سعيد الخدري 3/ 268
قوموا فانحروا ثم احلقوا 4/ 87ت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 منهم: جابر وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وعلي وأبو الدرداء رضي الله عنهم جميعا.(12/138)
ص -198-…قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في المسجد 3/ 259
قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في المسجد 3/ 259
قيل لبين إسرائيل: {ا دخلوا الباب سجدا} أبوهريرة 4/ 397ت
قيل من الغرباء يا رسول الله أبوهريرة 1/ 151
قيدها وتوكل 1/ 334، 2/ 507
كان أبو بكر يخافت و كان عمر يجهر أبو قتادة 5/ 33
كان أبوطلحة يتترس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بترس واحد أنس 2/ 174ت
كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة 2/ 404ت
كان إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين 3/ 256ت
كان إذا اضطر أهله إلى فضل الله ورزقه 3/ 146
كان إذا صلى صلاة دوام عليها عائشة 2/ 405ت
كان إذا عمل أثبته 4/ 122
كان خلقه القرآن عائشة 2/ 332، 4/ 186، 318
كان رجل من الأنصار يبرد 1/ 186
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ابن عباس 3/ 66
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أنس 3/ 256ت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصابه ثابت البناني 1/ 333ت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى رفع رأسه 3/ 342
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلت عبد الله بن سلام 1/ 333ت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض عائشة 4/ 431(12/139)
ص -199-…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يا:ل البطيخ بالرطب 3/ 419ت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء عائشة 1/ 185-2/ 332، 5/ 331
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى في الظلمة عائشة 2/ 443ت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى في الظلمة ابن عباس 2/ 443ت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشفي به وبدعائه 2/ 503
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم 4/ 74ت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ابو قلابة 4/ 430
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس خاتما من ذهب فنبذه ابن عمر 5/ 303ت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبذ له الزبيب في السقاء ابن عمر 3/ 79ت
كان الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فأدركتهم الصلاة 4/ 147ت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ي غير على قوم حتى يصبح 1/ 211
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه ويأتيه "وداي العقيق" 2/ 225
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من علم لا ينفع زيد بن أرقم 1/ 80
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ابن مسعود 5/ 316ت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تفطرت قدماه 2/ 246
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الضب خالد بن الوليد 4/ 115
كان عاصم بن ثابت أعطي الله عهدا 5/ 246ت
كان عندي غلامان أخوان على 3/ 472، 472ت
كان في غزوة أقرب الناس إلى العدو 3/ 69(12/140)
ص -200-…كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هموا بالخصاء 1/ 525ت
كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ابن عباس 3/ 66، 66ت
كان النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع جابر 2/ 268ت
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد أنس 3/ 67
كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية عائشة 2/ 504، 504ت
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخر لأهله قوت سنتهم 3/ 68
كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره كثرة 1/ 256، 258ت
كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهي عن قيل وقال المغيرة بن شعبة 1/ 47ت
كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤخر السحور 3/ 485ت
كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة 2/ 463ت
كان نبي يخط في الرمل معاوية 1/ 60
كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح جابر بن سمرة 4/ 444ت
كان يأكل اللحم ويختص بالذراع أبو هريرة 1/ 185
كان يأمر أهله بالصلاة إذا لم عبد الله بن سلام 1/ 333
كان يتحصن بالدرع والمغفر 2/ 506
كان يتطيب بأطيب ما يجد 1/ 186ت
كان يحب الحلواء والعسل 1/ 185-2/ 332-5/ 311
كان يحب الدباء 5/ 311
كان يحب الذراع 2/ 322، 1/ 185
كان يحب الطيب والنساء 2/ 332-5/ 310(12/141)
ص -201-…كان يستعذب له الماء انس 1/ 185، 185ت-2/ 332
كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ابن مسعود 5/ 316ت
كان يصوم يوما ويفطر يوما 2/ 249، 249ت
كان يقوم بالركعة الأولى 2/ 370ت
من كان ينقع له الزبيب عائشة 1/ 186، 186ت
كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش عائشة 3/ 240ت
الكبر بطر الحق وغمط الناس ابن مسعود 1/ 67
كتاب الله القصاص أنس 2/ 504
كثرة الخطا إلى المساجد 2/ 216
كذبت بقولك الأول 1/ 431ت
كالراتع حول الحمي يوشك إن يقع فيه النعمان بن بشير 2/ 38
كالراتع حول الحمي يوشك إن يقع فيه النعمان بن بشير 3/ 541
كره إن تعري المدينة قبل ذلك 2/ 225
كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها سهل بن سعد 5/ 382ت
كل فإني أناجي من لا تناجي 4/ 423ت
كل ما أصميت ودع ما أنميت 4/ 369
كل بدعة ضلالة جابر بن عبد الله 3/ 38
كل داء أصله البردة أنس، أبن عباس، أبو سعيد الخدري 3/ 505ت
كل شراب أسكر فهو حرام عائشة 2/ 522ت
كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل بريدة 5/ 207
كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد 3/ 45
كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد 3/ 44(12/142)
ص -202-…كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته 3/ 25
كل لهو باطل ابو هريرة 1/ 228
كل لهو باطل إلا ثلاثة ابو هريرة 1/ 202، 202ت، 205، 3/ 516، 519
كل مسكر حرام جابر 2/ 522، 522ت، 4/ 360، 360ت5/ 22ت
كل مسكر خمر ابن عمر 1/ 71ت، 4/ 360ت، 5/ 418
كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ابن عمر 2/ 522ت، 4/ 360ت
كلوا فإن ليست كأحدكم أم أيوب 4/ 115
الكمأة من المن سعيد بن زيد 5/ 211، 211ت
كمل من الرجال كثير أبو موسى 5/ 293
كنت أصلي فمر بي رسول الله صل الله عليه وسلم فدعاني ابو سعيد بن المعلي 3/ 298ت
كنت أطيب النبي صلى اله عليه وسلم قبل أن يحرم عائشة 1/ 186ت
كنت في المسجد فدخل رجل يصلي أبي بن كعب 3/ 40ت
كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر 3/ 382ت
كنت نهيتكم عن الانتباذ فانتبذا ابو بردة بن نيار 4/ 358
كن عبد الله المقتول 2/ 172(12/143)
ص -203-…كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة من تهامة رافع بن خديج 3/ 198ت
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سير فنفدت أزواد القوم أبو هريرة 2/ 325ت
كنا ندع ما لا بأس به عطية السعدي 1/ 179، 190
كنا نرقي في الجاهلية عوف بن مالك 2/ 121ت
كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة عائشة 2/ 526
كنا والله إذا احمر البأس نتقي به البراء 3/ 93ت
كيف أغرم من لا شرب ولا أكل أبو هريرة 5/ 386
أبو هريرة 2/ 437ت
كيف بأصحابنا وقد ماتوا يشربون الخمر 1/ 158ت
كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما ذ عقبة بن الحارث 4/ 369
كيف تقضي إذا عرض لك قضاء 2/ 514ت
كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله ا لسماوات على ذه ابن عباس 4/ 163
لابن آدم لمتان: لمة من الملك ابن مسعود 5/ 96ت
لاستغفرن لك ما لم أنه عنك 2/ 390، 390ت
لأعطين الراية غدا رجلا سهل بن سعد 2/ 449
لئن قدر الله على أبو هريرة 5/ 205ت، 206
ليس النبي صلى الله عليه وسلم خميصة ذات عائشة 1/ 189
لتأخذوا مناسككم فإني لا ادري لعلي 3/ 246ت
لست من دد ولا دد مني أنس 4/ 425، 433ت
لعل الله أن يقمصك قميصا عائشة 2/ 449
لعلك شربته 4/ 437ت
لعلنا أعجلناك 3/ 276ت(12/144)
ص -204-…لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة أبو سعيد 2/ 56ت
لعن الله الراشي والمرتشي عبد الله بن عمرو 3/ 116
لعن الله السارق أبو هريرة 2/ 39
عن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده 3/ 539ت
لعن الله المحلل والمحلل له ابن مسعود 1/ 398ت، 429ت، 3/ 116
لعن الله الواشمات والمستوشمات ابن مسعود 4/ 182، 340
لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم جابر 3/ 460، 4/ 65
لعنة الله على اليهود والنصارى 3/ 82ت
لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم السمائل وعابها سهل بن سعد 5/ 382ت
لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرق بين الوالدة وولدها 3/ 471، 471ت
لقد اختبأت عند ربي عشرا عثمان 5/ 245ت
لقد تابت توبة لو قسمت عمر 1/ 461ت
لقد رأيتنا وما يختلف عن الصلاة ابن مسعود 4/ 156، 156ت
لعد عجب الله عز وجل أو ضحك من فلان وفلانة أبو هريرة 3/ 68ت
لقد هممت أن آمر أصحابي أن يجمعوا حطبا أبو هريرة 4/ 110
لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس أبو هريرة 1/ 211، 211ت
لكل أمة أمين أنس 5/ 296ت
لكل نبي دعوة دعا دعا بها في أمته 5/ 314
لكل نبي دعوة دعاها لأمته 5/ 314
لكل نبي دعوة مستجابة أبو هريرة 5/ 310، 312، 314(12/145)
ص -205-…لكني أكرهه من أجل ريحه أم أيوب 4/ 115
للأبد ولو قلت نعم لوجبت 1/ 46
لما حضرت أبا طالب الوفاة المسيب بن حزن 2/ 389ت
لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره ابن عباس 4/ 409
لما صور الله آدم في الجنة أنس 2/ 176ت
لما كان يوم حنين أثر النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود 5/ 35ت
لما نزلت: {لا يستوي القاعدون} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء 5/ 409ت
لم ترع نعم الجر أنت لو تكثر الصلاة 2/ 447ت
لم يؤذن لي 5/ 237ت
لم يبق من النبوة إلا المبشرات أبو هريرة 4/ 391ت
لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة يتمها إلى الصباح عائشة 2/ 250ت
لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات أبو هريرة 4/ 11، 431، 433
لم يكذب إبراهيم في شيء قط أبو هريرة 4/ 414
لم يكن بأرض قومي خالد بن الوليد 4/ 115
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى كعب بن مالك 4/ 442ت
لم يكن النبي صلى اله عليه وسلم سبابا ولا فحاشا أنس 4/ 441ت
لن تجزئ عن أحد بعدك البراء بن عازب 2/ 410، 410، 410ت
لن تراعوا انس 3/ 69
لن يبرح الناس يتساءلون 2/ 142
لن ينجي أحد منكم عمله 2/ 208ت
لو أنكم تكونون كما تكونون عندي حنظلة الأسيدي 1/ 146
لو تأخر الشهر لزدتكم أبو هريرة 1/ 526(12/146)
ص -206-…لو تركته لكانت زمزم عينا معينا 5/ 396
لو توكلتم على الله حق توكله عمر 1/ 303، 3/ 552، 3/ 552ت
لو رخصت في هذه لأوشك أن تجعلوها 3/ 80
لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة سهل بن سعد 5/ 356
لو كان هذا في غير هذا جعدة الجشمي 2/ 192ت
لو كنت متخذا خليلا غير ربي ابن مسعود 4/ 231
لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك 4/ 424
لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة ابن عباس 4/ 424
لولا أن قومك حديث عهدهم الجاهلية عائشة 4/ 428
لولا أن قومك حديث عهدهم بكفر عائشة 5/ 181
لولا الإيمان لكان لي ولها شأن ابن عباس 2/ 470
لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ابن عباس 2/ 470ت
لو مد لنا في الشهر لواصلت وصالا أنس 1/ 527، 3/ 415ت، 5/ 264
لو يعطي الناس بدعواهم لادعي رجال ابن عباس 2/ 468ت، 5/ 15
ليتني أري النبي صلى اله عليه وسلم حين ينزل عليه يعلي 3/ 83ت
ليخرجن من النار بشفاعة رجل 2/ 424ت
ليدخلكم الجنة ابو الدحداح 4/ 218
ليدخلن الجنة بشفاعة رجل عبد الله بن أبي الجدعاء 2/ 423ت
ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين أبو إمامة 2/ 423ت
ليس أحد أحب إليه المدح من الله 2/ 190
ليس بالكذاب الذي يصلح بين أثنين 4/ 441
ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر 3/ 294ت(12/147)
ص -207-…ليس شيء أكرم على الله من الدعاء أبو هريرة 5/ 28
ليس في شيء من الثمر قطع 4/ 310ت
ليس لقاتل ميراث 1/ 403ت
ليس للقاتل شيء وأن لم يكن له وارث 2/ 521ت
لي للقاتل من الميراث شيئ 2/ 521ت
ليس من البر الصيام في السفر جابر 1/ 494، 514ت، 517، 529، 2/ 230، 3/ 510
ليس من عمل اليوم إلا وهو يختم عليه عقبة بن عامر 2/ 393ت
ليشربن ناس من أمتي الخمر ابو مالك الاشعري 1/ 447، 447ت، 3/ 113
ليكونن أقوام من أمتي أبو عامر 1/ 448
ليكونن أقوام من أمتي أبو مالك الأشعري 1/ 448
ما أبقيت لأهلك عمر 3/ 71ت
ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله أبو هريرة 4/ 329
ما اجتمع قوم يتلون كتاب الله ويتدارسونه أبو هريرة 3/ 282، 282ت، 283
ما أجهلك بلغة قومك 4/ 30، 31
ما أحل الله شيئا أبغض إليه معاذ 1/ 201ت
ما أحل الله في كتابه فهو حلال 1/ 229ت
ما أخاف عليكم أن تشركوا 2/ 434ت
ما أسكر كثيره فقليله حرام جابر 4/ 361
ما أعددت لها أنس بن مالك 1/ 45، 2/ 200ت(12/148)
ص -208-…ما أنزل الله آية إلا ولها ظهر وبطن الحسن البصري مرسلا 4/ 208
ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء أبو هريرة 2/ 263ت
ما أنزل الله في التوراة والأنجيل أبو هريرة 4/ 412
ما بال أقوام يتنزهون عن عائشة 1/ 471ت
ما بال الهلال يبدو رقيبا كالخيط 3/ 149، 5/ 376، 5/ 388
ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة ابوسعيد الخدري 3/ 555ت
ما ترددت في شيء أنا فاعله أبو هريرة 2/ 256
ما تركت شيئا مما أمركم اله به إلا وقد أمرتكم به المطلب بن حنطب 4/ 136
ما تقرب إلى عبد ي بشيء ابو هريرة 3/ 540، 3/ 541ت
ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف له عمر بن الخطاب 1/ 309، 4/ 352ت
ما خير بين شيئين 2/ 211
ما خير عليه الصلاة والسلام بين أمرين عائشة 1/ 526
ما رآه المسلمون حسن فهو عند الله 3/ 39
ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحي قط عائشة 3/ 260
ما رأيت من ناقصات عقل ودين ابن عمر 4/ 389
ما رأيته صلى الله عليه وسلم مفطرا يوم الجمعة ابن عمر 5/ 316ت
ما سبح النبي صلى الله عليه وسلم سبحة الضحي قط عائشة 4/ 101
ما سكت عنه فهو مما عفا عنه سلمان 5/ 114ت
ما سلكت فجا إلا سلك الشيطان فجا سعد بن أبي وقاص 2/ 439
ما شانك... زادك الله طاعة عبد الله بن رواحة 1/ 265
ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا قط ابن عباس 3/ 414ت(12/149)
ص -209-…ما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل 2/ 433ت
ما عندي شيء ولكن ابتع على فإذا جاءنا شيء 3/ 67
ما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح عائشة 2/ 250ت
ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون الله عز وجل ابو هريرة 3/ 545ت
ما كان حديث بلغني عنكم أنس 56/ 35
ما كلفك الله مالا تقدر عليه عمر 3/ 67
ما لكم ولهن إنما خصصت بهن المنافقين 3/ 402
مالي وللدنيا ابن مسعود 5/ 358
ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط 2/ 504ت
ما المسؤول عنها بأعلم من السائل أبو هريرة 1/ 47
ما من أحد يشهد إن لا إله إلا الله عبادة بن الصامت 4/ 258
ما من أحد يموت إلا ندم أبو هريرة 3/ 545ت
ما من امرئ تكون له صلاة بليل عائشة 2/ 393ت
ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله 4/ 199
ما من بقعة يذكر الله عليها أنس 1/ 363ت
ما من شيء أفضل في ميزان العبد ابو الدرداء 5/ 29
ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم 3/ 397ت
ما من عبد يسترعيه الله رعية معقل بن يسار 2/ 308ت
ما منعك إن تجيبني إذا دعوتك ابو سعيد بن المعلي 3/ 298
ما من غازية تعزو في سبيل الله 2/ 372ت
ما منكم من نفس على ابن أبي طالب 1/ 334
ما من مسلم يغرس غرسا أنس 1/ 337، 2/ 392ت
ما من نبي من الأنبياء إلا أعطي من الآيات أبو هريرة 4/ 180
ما من نفس تقتل ظلما ابن مسعود 1/ 336، 2/ 386
ما نقض قوم العهد قط إلا كانوا بريدة 1/ 370ت(12/150)
ص -210-…ما وجد هذا ما يسكن 1/ 208
ما يبكيك عمر بن الخطاب 1/ 153
ما يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة معاذ بن جبل 3/ 545
ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب عائشة 2/ 220
ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم ابو سعيد الخدري 1/ 509
متى بايعت فقل لا خلابة حبان بن منقذ 1/ 430ت
المتباريان لا يجابان ولا يؤكل طعامهما أبو هريرة 2/ 349ت
المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ابن عمر 5/ 216ت
المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا 3/ 197ت
مثل أصحابي كمثل النجوم في السماء 4/ 455
مثلكم ومثل أهل الكتابين ابن عمر 2/ 351ت
مثلكم ومثل اليهود والنصاري كمثل رجل استأجر ابن عمر 2/ 351
مثلكم المسلمين اليهود والنصاري كمثل رجل أبو موسى 2/ 351ت
مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر أبو كبشة الأنصاري 2/ 393ت
مجوس هذه الأمة 5/ 174ت
محاش النساء عليكم حرام ابن مسعود 1/ 164ت
مخافة أن تفتن أمة 2/ 369ت
مررت برسول الله صلى الله عليه وسم فجبذ عمامتي بيده الزبير بن العوام 2/ 186ت
مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنوا عليها انس 2/ 436ت
مرة فليتكلم وليستظل وليقعد ابن عباس 2/ 229ت
مرة فيراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ابن عمر 3/ 300ت، 4/ 395
مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي:
حدثنا يا يهودي ابن عباس 4/ 163
مسح بناصيته وعلي العمامة المغيرة 3/ 272ت
المسلمون تتكافأ دماؤهم 1/ 401ت(12/151)
ص -211-…مشاورة النبي صلى الله عليه و سلم السعدين في مصالحة الاحزاب 5/ 407
مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم في امر عائشة 5/ 407
مطرنا بنوء كذا وكذا 4/ 283ت
المعصوم من عصم الله أبو سعيد الخدري 3/ 555
المكثرون هم الأقلون يوم القيامة أبو ذر 3/ 535
مل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ملة 1/ 50
من آذي لي وليا فقد بارزني بالمحاربة 1/ 117، 2/ 311، 2/ 430
من آذاني فقد آذني الله 2/ 429
من ابتاع عبد ا فماله للذي باعه 3/ 438ت
من باع عبد ا وله مال فماله للذي باعه 3/ 439ت
من ابتلي منكم من هذه القاذورات بشئ من أبي؟ ابن عمر 3/ 488
من أبي؟ حذافة 5/ 376ت، 377، 5/ 387
من أتي عرفا فسأله عن شيء 2/ 201ت
من اثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة أنس 2/ 436ت
من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه 1/ 257، 5/ 377
من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه عبادة بن الصامت 3/ 294
من أحدث في أمرنا هذا 3/ 45ت
من أخلص لله أربعين صباحا 3/ 148
من أدخل فرسا بين فرسين أبو هريرة 3/ 112، 1/ 425
من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس أبو هريرة 3/ 257
من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة أبو هريرة 5/ 157ت(12/152)
ص -212-…من ارتبط فرسا في سبيل الله 2/ 392
من استطاع منكم الباءة فليتزوج 3/ 143
من اسلف فليسلف في كيل ابن عباس 1/ 470ت
من اشترى مصراه فهو بالخيار 1/ 429ت
من اشترط شرطا ليس في كتاب الله عائشة 1/ 340، 1/ 427
من أشراط الساعة إن يرفع العلم ويظهر الجهل أنس 4/ 78
من أطاع اميري فقد أطاعني 2/ 433
من اعتق شركا له في عبد وكان له مال ابن عمر 2/ 156، 156ت
من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى أبو قتادة 3/ 482ت
من اقتطع مال امرئ مسلم 1/ 428
من اقتطع مال امرئ مسلم 1/ 428ت
من أكبر الكبائر إن يسب الرجل والديه 4/ 60
من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ابو هريرة 4/ 98ت
من أكرم الناس ابو هريرة 5/ 291
من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا 4/ 429
من أمرك إن تشرب الدم الزبير 4/ 437ت
من انفق زوجين في سبيل الله 3/ 144ت
من الإيمان الحب في الله والبغض في الله 2/ 189
من باع بيعتين فله أوكسهما أو الربا 3/ 128
من باع عبد ا وله مال فماله لسيده ابن عمر 3/ 438، 438، 439ت
من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع ابن عمر 3/ 438
المنبت لا أرضا قطع ولا عائشة 2/ 236ت
من بدل دينه فاقتلوه 2/ 236ت(12/153)
ص -213-…من بين لله مسجدا ولو لمفحص قطاة 2/ 39ت
من ترك الجمعة ثلاث مرات أبو الجعد الضمري 1/ 213
من ترك ثلاث جمع تهاونا أبو الجعد 1/ 213ت
من تركها استخفافا بحقها 1/ 214
من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله 1/ 88
من توضأ نحو وضوئي هذا ثم ركع 4/ 80ت
من جعل همه هما واحدا كفاه الله 1/ 351
من جعل الهموم همه هما واحدا كفاه الله ابن مسعود 1/ 351ت
من حوسب يوم القيامة عذب عائشة 1/ 184ت
من ذا الذي تآلي على الله عائشة 5/ 247
من رغب عن سنتي فليس مني أنس 1/ 522، 2/ 228، 284، 544
من زهد في الدنيا أربعين يوما وأخلص أبو موسي الأشعري 3/ 148ت
من سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين عبد الله بن عمرو 4/ 310ت
من سلم المسلمون من لسانه ويده عبد الله بن عمرو 5/ 30
من سن سنة حسنة جرير 1/ 222، 222ت، 336، 360، 361، 2/ 385، 4/ 70
من سن سنة سيئة جرير 2/ 343
من سن في الإسلام سنة حسنة جرير 1/ 222ت
من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتم منها ابن عمر 2/ 57ت
من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال 4/ 106ت
من صام رمضان أتبعه ستا من شوال 3/ 199ت
من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم الكتاب جابر بن عبد الله 5/ 353ت
من صلى الصبح لم يزل في ذمة الله جندب بن عبد الله 3/ 143(12/154)
ص -214-…من طلب العلم تكفل الله برزقه زياد بن الحارث 2/ 310
من طلق أو نكح لاعبا فقد أجاز 3/ 15ت
من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز أبو ذر 3/ 15ت
من عمل عملا ليس عليه أمرنا 3/ 45ت
من غرس غرسا أو زرع زرعا 2/ 391
من غشنا فليس منا أبن مسعود 1/ 429ت
من غصب قيد شبر طوقه الله من سبع أرضين 3/ 390ت
من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج 4/ 98
من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ابو موسى الأشعري 3/ 10
من قال حين يصبح وحين يمسي أبو هريرة 5/ 28ت
من قال في القرآن برأيه فاصاب فقد أخطأ جندب بن عبد الله 4/ 252
من قال في القرآن بغير علم ابن عباس 4/ 252
من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له أبو هريرة 5/ 28ت
من قتل عصفورا عبثا 2/ 238ت
من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها أبو هريرة 3/ 387ت
من قتل نفسه بشيء ثابت بن الضحاك 3/ 387ت
من قرأ ثلث القرآن أعطي ثلث النبوة أبو أمامة 5/ 257ت
من قرآ ربع القرآن فقد أوتي ربع النبوة أبو أمامة 5/ 257ت
من قرأ القرآن فقد أوتي النبوية غير أنه لا وحي أبو أمامة 5/ 257ت
من قرأ القرآن كله أعطي النبوة كلها أبو أمامة 5/ 257ت
من كانت الدنيا همه زيد بن ثابت 1/ 351ت
من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها عمر 4/ 157ت
من كان له فضل ظهر فليع به على من لا ظهر له 5/ 247
من كان معه فضل ظهر أبو سعيد الخدري 3/ 63
من كره لقاء الله كره الله لقاءه عبادة بن الصامت 3/ 298
من ماء 4/ 414ت
من مات مسلما دخل الجنة 4/ 70(12/155)
ص -215-…من مات وعليه صوم 2/ 398، 3/ 198
من مات وعليه صوم نذر 3/ 227ت
من مات وهو يعلم إن لا إله إلا الله عثمان بن عفان 4/ 258
من مات لا يشرك بالله شيئا جابر 1/ 17ت، 4/ 70ت
من مات يشرك بالله شيئا دخل ابن مسعود 4/ 70ت
من مس ذكره فليتوضأ 2/ 534ت
من مشي منكمز إلى ط مع فليمش رويدا 3/ 489، 489ت
من نام عن صلاة أو نسيها 5/ 353ت
من نام ونيته أن يقوم أبو الدرداء 2/ 392ت
من نذر أن يطيع الله فليطعه عائشة 1/ 173
من نكح لاعبا أو طلق لاعبا 3/ 15
من نوقش الحساب عذب عائشة 1/ 183، 3/ 293، 297، 5/ 409
من هم بحسنة فلم يعملها ابن عباس 2/ 394
من وجد من ذلك شيئا فليقل ابو هريرة 5/ 34
من لا يرحم لا يرحم ابو هريرة 1/ 113
من لا يرح م الناس لا يرحمه الله جرير 1/ 113
من يأخذ مالا بحقه يبارك له فيه حكيم بن حزام 1/ 309
من يشاد هذا الدين يغلبه ابو هريرة 2/ 251، 406
من يشهد لي؟ فشهد له خزيمة 2/ 469
من يصبر يصبره الله أبو سعيد 1/ 509
من يطع الرسول فقد أطاع الله 2/ 433
مهلا يا خالد فقد تابت توبة 1/ 460ت(12/156)
ص -216-…المؤمن القوي خير وأحب إلى الله أبو هريرة 2/ 61
المؤمن القوي خير وأحب إلى الله أبو هريرة 1/ 356، 2/ 187-188
المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص أبو موسي 3/ 65
الممنون كالجسد الواحد النعمان بن بشير 3/ 65
المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه أنس 3/ 65
الميت يعذب ببكاء الحي عليه 2/ 385
ناولني ذراعا أبو عبيد 5/ 396
نبدأ بما بدأ الله به جابر 4/ 398
نجوا جمعيا 3/ 57
النجوم أمنة السماء فإذا ذهبت النجوم ابو موسى 4/ 455ت
نحري دون نحرك أبو طلحة 3/ 92
نحن أحق بالشك من إبراهيم أبو هريرة 4/ 410ت
نحن أمة أمية عمر 1/ 56-2/ 109ت
نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب ابن عمر 2/ 110، 144، 428-5/ 258ت
نحن من ماء 4/ 442
نزل بمكة: ",إذا رأيت الذين يخوضون.." فشكا المسلمون 3/ 348ت
نضر الله أمرا سمع منا 1/ 351-
نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة 2/ 447
نعم صاحب المسلم هو من أعطى أبو سعيد 1/ 310
نعم ليدخلكم الجنة أبو الدحداح 4/ 218
نعم المال الصالح للرجل الصالح 1/ 179
نلتفت هكذا وهكذا ونفعل ما 3/ 501(12/157)
ص -217-…نهي إن يذبح للجن 2/ 346
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن تتلقي الركبان ابن عباس 3/ 567ت
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اكل لحم الجلالة ابن عمر 4/ 356
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال 3/ 102
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاغلوطات 5/ 379
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اكل لحوم الضحايا عبد الله بن واقد 2/ 275ت
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يتقدم رمضان 4/ 100
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدوا صلاحها 3/ 417ت
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة ابو هريرة 2/ 522ت
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر 3/ 417ت
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن بيع الغرر 5/ 117
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن بيع الغرر وشرط 5/ 231
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبتل 4/ 101
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخليطين أنس 3/ 97
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والنقير 4/ 358ت
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طعام المتبارين ابن عباس 2/ 348
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل ابن عباس 1/ 218ت
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال المغيرة بن شعبة 1/ 47
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذي ناب ابن عباس 4/ 355ت
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الأضاحي عبد الله بن واقد 3/ 272
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال 4/ 101(12/158)
ص -218-…نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وفد عبد القيس حين قدموا ابو هريرة 3/ 80
نهي عن الانتباذ في الأوعية التي 3/ 80
هي عن بناء المساجد على القبور 3/ 81
نهي عن بيع الغرر ابو هريرة 2/ 522-5/ 117
نهي عن بيع ما ليس عندك عبد الله بن عمرو 1/ 469، 469ت
نهي عن بيع وسلف 1/ 427
نهي عن البيع والسلف 3/ 84
نهي عن بيع وشرط 3/ 427
نهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أبو هريرة 3/ 82، 355، 4/ 383
نهي عن الخديعة 1/ 430
نهي عن الخلابة 1/ 430
نهي عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت بريدة 4/ 359ت
نهي عن سرد الصيام 3/ 510
نهي عن سلف وبيع 1/ 469
نهي عن شرب النبيذ بعد ثلاث ابن عباس 3/ 79
نهي عن شرطين في بيع 1/ 427
نهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ابو هريرة 2/ 516، 516ت
نهي عن صوم يوم عيد الفطر 3/ 84
نهي عن الغش 1/ 429
نهي عن معاقرة الأعراب 2/ 347
نهي عن ميراث القاتل 3/ 84
نهي عن هدية المديان 3/ 84، 117(12/159)
ص -219-…نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختصاء ابن مسعود 1/ 525ت
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث ابو سعيد 1/ 219
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب أبو ثعلبة 4/ 355
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بحضرة 1/ 494
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طعام المباهاة ابن عباس 2/ 349ت
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة والمحاقلة 3/ 201ت
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش 1/ 430
نهاكم عن قيل وقال وكثرة السؤال 5/ 381
نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال لحمة لهم عائشة 2/ 239
نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء أنس 5/ 385
نهينا عن التكلف عمر 1/ 49، 49ت
نهيتكم عن زيارة القبور بريدة 4/ 359ت
هدايا الأمراء غلول 3/ 118ت2/ 308ت
هذا المال خضرة حلوة 1/ 310ت
هذه الحولاء بنت تويت زعموا أنها عائشة 2/ 234
هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ابن عباس 2/ 262ت
هكذا أنزلت عمر 3/ 40
هل تدرون ما أنقعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم 1/ 186ت
هل رأى أحد منكم رؤيا 4/ 391
هل على غيرهن قال: لا طلحة بن عبيد الله 4/ 100
هلك المتنطعون 1/ 522، 2/ 228
هلم اكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي ابن عباس 5/ 295ت
هلموا إلى 4/ 466ت
هل يسب الرجل والديه 4/ 60
هم أصحاب الأهواء وأصحاب البدع عائشة 5/ 154(12/160)
ص -220-…هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة أبو هريرة 5/ 155ت
هو خبيثة من الخبائث أبو هريرة 4/ 355
هو الطهور ماؤه الحل ميتته 4/ 371
هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ابو الدرداء 5/ 153ت
هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن حمزة بن عمرو الاسلمي 4/ 99ت
واجتنبوا كل مسكر 4/ 359ت5/ 113ت،
واحتجبي منه يا سودة عبد الله بن زمعة 4/ 366
واعجبا لك يا أبن العاص لئن كنت تجد ثيابا 4/ 109
والذي اصطفي محمدا على العالمين 5/ 293
والذي بعثك بالحق إني لصادق هلال بن أمية 2/ 442
والذين نفسي بيده لقد عرضت على الجنة والنار 1/ 258، 5/ 377
والذين نفسي بيده لو تدومون على حنظلة الأسيدي 1/ 146ت
والذين نفسي بيده لو سرقت فاطمة عائشة 5/ 271
والذين نفسي بيده لو سكت لأع طين أضرعا ابو عبيد 5/ 396
والذين نفسي بيده لو قلتها لوجبت 1/ 257ت، 5/ 374
والذين نفسي بيده ليخرجن أبو هريرة 1/ 152
والذين نفسي بيده ما لقيك سالكا فجا سعد 4/ 473ت
والذين نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سعد بن أبي وقاص 2/ 439ت
والله إني لأرجوا أن أكون أخشاكم لله 5/ 269
والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه أبو هريرة 3/ 543
والله ما صليتها 3/ 408ت
وما أعطي احد عطاء أبو سعيد الخدري 5/ 30
وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف له 4/ 352ت(12/161)
ص -221-…وأنا أصبح جناب وأنا أريد الصيام عائشة 4/ 93
وأنا حينئذ أعمل أني بريئة عائشة 2/ 422
وأنا العاقب وأنا النبي المصطفي 2/ 422ت
وإن أكل فلا تأكل عدي بن حاتم 4/ 363ت
وأنتم اليوم خير منكم ويومئذ 2/ 450
وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل
وهو يحب إن يعمله عائشة 3/ 260
وإن أحب الأعمال إلى أدومها 2/ 404ت
وإن أول دم أضع من دمائنا جابر بن عبد الله 5/ 270ت
وإن بين إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة عبد الله بن عمرو 5/ 146
وإن في النفس الدية مئة من الأبل عمرو بن حزم 4/ 384ت
وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله 4/ 333ت
وإنما قولي لمئة امرأة كقولي لأمرأة واحدة 3/ 243ت
وغنما كان الذي أوتيته وحيا أبو هريرة 3/ 229
وإ ن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد جندب بن عبد الله 3/ 81ت
وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين معاوية 5/ 146
وإن من يأخذه بغير حقه أبو هريرة 1/ 310
وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا عقبة بن عامر 2/ 437
وأول د م أضعه دمنا جابر 5/ 270
وأول دم يوضع دم ربيعة جابر 5/ 270ت
وأول ربا أضعه ربا العباس 5/ 270
وإياكم والبغضة فإنها هي الحالقة أبو هريرة 5/ 531
وإيما رجل مسلم قدم لله عمرو بن عبسة السلمي 1/ 337
وتتماري في الفوق 5/ 173
وجبت محبتي للمتحابين في معاذ 2/ 187
وجعلت قرة عيني في الصلاة 3/ 143(12/162)
ص -222-… 2/232، 2/240ت
وجعل شهادة خزينة بن ثابت بشاهدتين جابر 2/409ت
وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي أبو هريرة 5/310ت
وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي 5/310
والخير في يديك والشر ليس إليك 2/166
وددت أني أقتل في سبيل سبيل الله ثم أحيا أبو هريرة 3/60
ودماء الجاهلية موضوعة جابر 5/270ت
وربا الجاهلية موضوع جابر بن عبدالله 4/380
ورد صلى الله عليه وسلم على من نذر أن يصوم قائما ابن عباس 2/228
ورد النبي صلى الله عليه وسلم التبتل على سعد بن أبي وقاص 2/228
والرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن عبدالله بن عمرو 1/353
والرؤيا ثلاثة فرؤيا الصالحة بشرى 4/392ت
وسكت عن أشياء رحمه لكم 5/388
وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أ صل العقبة عقبة بن عمرو 2/352ت
وعن حب أهل البيت ابو برزة 1/77ت
الوقت ما بين هذين 5/259
وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء 2/437
وكره أن تعرى المدينة قبل ذلك 2/225
وكل خمر حرام 5/421
وكن شجاعات فإن الله تعالى يحب الشجاع على 2/186ت
ولقد رأيتنا ما يختلف عنها إلا منافق ابن مسعود 4/156ت
ولكن أناس أصابتهم النار بذنوبهم أبو سعيد 2/55ت
ولكن ينتزعه مع قبض العلماء 1/151
ولم تحل لأحد قبلي 2/21ت
ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به أبو هريرة 5/27
ولم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة يتمها إلى(12/163)
ص -223-…الصباح عائشة 2/250ت
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ير يد غزوة إلا ورى كعب بن مالك 4/442ت
ولن تجزئ عن أحد بعدك 2/410
وليس في شيء من التمر قطع 4/310ت
وليكن عبدالله المقتول ولا يكن 2/172ت
وما تقرب إلى عبدي بشيء أبو هريرة 3/541
وما خير بين شيئين إلا اختار ايسرهما 2/211
وما سبح النبي صلى الله عليه وسلم بسبحة الضحى قط عائشة 4/101
وما سكت عنه فهو مما عفا عنه سلمان 5/114ت
وما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح عائشة 2/250ت
والمتجالسين في والمتازورين في معاذ 2/187ت
ومسح بناصيته وعلي العمامة وعلي خفيه المغيرة 3/272ت
والمسلمان يلتقيان بسيفيهما ابو بكرة 2/394
ومن سن سنة سيئة 2/343
ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به يوم القيامة ثابت بن الضحاك 3/387ت
ومنا رجال يخطون قال 1/61ت
ومن يشاد هذا الذين غلبه ابو هريرة 1/165
وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين على 3/472ت
وهل يسب الرجل والديه؟ قال: نعم 4/60
ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ابن عمر 2/517ت
ولا عليكم أن تفع لوا فإنه ليست نسبة ابو سعيد الخدري 3/555
ولا يحل له أن يفارقه خشية 1/433
ولا يريد أحد أهل الم دينة سعد 4/388
ولا يكتوون وعلي ربهم يتوكلون ابن عباس 2/262
ويحب الشجاعة ولو على قتل حية عمران بن حصين 2/186(12/164)
ص -224-…ويح عمار تقتله الفئة الباغية أبو سعيد الخد ري 2/453ت
ويل للأعقاب من النار 3/297
واليمن على المدعي عليه 5/15ت
لا أقدروزا له قدره 2/479ت
لا ألفين احدكم متكئا على أريكته ابن المنكدر مرسلا 4/323
لا ألفين احدكم متكئا على أريكته المقدام بن معدي كرب 4/190
لا تبشرهم فيتكلوا معاذ بن جبل 5/168
لا تبع ما ليس عندك 1/469
لا تجتمع أمتي على ضلالة 3/41، 3/227ت، 2/433، 434، 437
لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة عبدالله بن عمرو 4/65
لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين طلحة بن عبدالله 4/65
لا تحاسد ولا تدابروا انس 5/152
لا تحد امراة على ميت فوق ثلاث 3/83، 3/83ت
لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ابن عمر 2/517ت
لا تخصوا ليلة الجمع بقيام من بين الليالي أبو هريرة 4/98ت
لا تخيروني على موسى أبو هريرة 5/290ت، 5/293
لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة أبو طلحة الأنصاري 4/255
لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود والنصاري 3/112
لا تزال أمتي بخير ما عجلوا أبو ذر 3/84ت
لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق جابر 2/438ت
لا تزرموه أنس 5/181
لا تزول قدما العبد يوم القيامة أبن مسعود 1/77
لا تسأل الإمارة فإنك أن عبدالله بن سمرة 1/281،(12/165)
ص -225-… 281ت
لا تسال المراة طلاق اختها لتستفرغ صفحتها ابو هريرة 3/55
لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم انس بن مالك 1/45
لا تسبوا الدهر فإن الله 1/350
لا تستبطؤا الرزق جابر 4/466ت
لا تشرف يا رسول الله لا يصيبوك أبو طلحة 2/173-174
لا تشرف يا رسول الله يصيبك سهم من سهام القوم 3/69
لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا صفوان بن عسار 4/413ت
لا تصروا الإبل والغنم للبيع 1/429ت
لا تصروا الإبل والغنم من اتباعها ابو هريرة 3/204ت
لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها أبو مرثد 3/82ت
لا تصوموا حتى تروا الهلال 2/144، 4/130
لا تصوموا الدهر 3/414
لا تصوموا يوم الفطر ولا يوم الأضحي أبو سعيد 3/405ت
لا تصوموا يوم النحر 3/413
لا تصوموا يومين: يوم الفطر ويوم النحر أبو سعيد 3/405ت
لا تطلب الإمارة فإنك إن طلبتها عبدالرحمن بن سمرة 2/308
لا تعلموا العمل لتباهوا به العلماء جابر بن عبدالله 1/87
لا تغضب 3/295، 3/296ت
لا تفضلوا بين الأنبياء أبو هريرة 5/290، 5/293، 5/298
لا تفضلوا بين أنبياء الله أبو هريرة 5/290ت
لا تفضلوا بين أولياء الله أبو هريرة 5/290ت
لا تفضلوا على موسى 5/290(12/166)
ص -226-…لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين أبن عباس 3/84، 3/84، 3/469ت
لا تقروه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا 2/515ت
لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا عائشة 4/309ت
لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان 3/186ت
لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود 3/186ت
لا تكذبوا على فإنه من كذب على 3/397ت
لا تمراوا في القرآن فإن المراء فيه كفر 3/40
لا تمت وأنت ظالم 2/172-173
لا تمنعوا إماء الله مساجد الله عبدالله بن عمر 4/105
لا تنام الليل؟ خذوا من العمل ما تطيقون عائشة 1/275 2/234،
لا تنبذوا في الدباء ولا في المزفت أنس 3/80
لا تواصلوا 3/413
لا تولين مال يتيم أبو ذر 3/295
لا حتى تذوقي عسيلته 1/431ت
لا حرج عبدالله بن عمرو 4/ 100، 5/258ت
لا حسد إلا في اثنتن: رجل أتاه الله مالا ابن مسعود 4/77
لا خير في الكذب عطاء بن يسار 1/491
لا شخص أغير من الله 2/190-191ت
لا شهادة لخصم ولا ظنين طلحة بن عبدالله 4/65ت
لا صام من صام الأبد 3/414ت
لا صلاة إلا بفتحة الكتاب عبادة بن الصامت 5/352ت
لا صلاة لمن لم يقرأ عبادة بن الصامت 5/352ت(12/167)
ص -227-…لا صلاة بحضرة الطعام عائشة 1/489ت
لا ضرر ولا ضرار 2/72، 73ت، 520، 3/55، 61، 185، 207، 4/70، 393، 5/104
لا ضرر ولا ضرار في الإسلام 3/55، 56ت، 61
لا ضرر ولا ضرار من ضار ضره الله أبو سعيد الخدري 2/74ت
لا ضرر ولا ضرار وللرجل أن يجعل ابن عباس 2/73ت
لا فلا يحب الله الكذب 1/491ت
لا عدوي ولا طيرة ولا هامة 3/195ت
لا عدوي ولا طيرة ولا هامة 1/314ت
لا عقر في الإسلام أنس 2/347
لا نكاح إلا بولي 3/49ت
لا نكتب ولا نحسب 5/258ت
لا ولكني أكرهه من أجل ريحه ام أيوب 4/115
لا ياتي الخير إلا بالخير ابو سعيد الخدري 3/534
لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه أنس 1/150
لا يبلغ الرجل درجة المتقين حتى عطية السعدي 1/189
لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين 1/190ت
لا يبولن أحدكم في الماء الدائم 3/411ت
لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه جابر 2/2/468، 2/505، 4/428
لا يجعل أحدكم للشيطان حظا في صلاته ابن مسعود 3/500، 4/95
لا يجمع الله أمتي على الضلالة أبدا ابن عباس 2/435(12/168)
ص -228-…لا يجمع بين متفرق انس 3/112
لا يجمع بين متفرق انس 1/443
لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع عبدالله بن عمرو بن العاص 1/428ت، 1/469ت، 1/469، 3/118ت، 3/128، 3/468، 468ت، 478
لا يحل له أن يفارقه خشية 1/433
لا يخلون رجل بأمرأة إلا ومعها محرم ابن عباس 3/81ت، 3/81
لا يدخل النار إن شاء الله تعالمن أصحاب الشجرة أحد 3/363ت
لا يرث المسلم الكافر اسامة بن زيد 1/294
لا يريد أحد من أهل المدينة سعد 4/388
لا يزال الدين ظاهرا ما جعل الناس الفطر أبو هريرة 4/130ت
لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر سهل بن سعد 3/84ت3/84ت، 4/129
لا يشرب الخمر رجل من أمتى عبدالله بن عمرو 2/202ت
يصبر على لولاء المدينة وشدتها 4/387ت
لا يصل أحد العصر إلا في بني قريظة ابن عمر 1/266، 1/266ت، 3/407-5/77
لا يصم أحدكم يوم الجمعة أبو هريرة 5/317ت
لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم 3/469، 469ت(12/169)
ص -229-…لا يصم احدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله 3/469ت، 3/469ت
لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث أبو هريرة 2/516
لا يقض القاضي وهو غ ضبان ابو بكرة 1/132، 1/411، 2/239، 2/245، 2/242، 2/231، 2/520، 1/320
لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز أبو هريرة 5/247
لا يمنع فضل الماء لايمنع به الكلأ أبو هريرة 1-409
لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب عثمان بن عفان 3/83، 3/83ت
لا يهلك على الله إلا هالك 3/173
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أنس 3/65ت
يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين أنس 5/29
يا أبا ذر إن أراك ضعيفا أبا ذر 1/280، 5/32
يا أبا عبدالرحمن رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا عبيد بن جريح 5/261ت
يا ابن آدم ما تصنع الدنيا أبن عباس 1/177
يا ابن الخطاب إني رسول الله عمر بن الخطاب 1/242
يا أبي أرسل إلى أن أقرأ القرآن على حرف أبي بن كعب 3/40ت
يا أبي ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك 3/405
يا أهلاه يا أهلاه! صلوا 1/333ت
يا أيها الناس توبوا إلى الله أبو هريرة 3/543
يا أيها الناس توبوا إلى الله ابن عمر 3/543
يا أيها الناس خذوا مناسككم 3/346ت(12/170)
ص -230-…يا بني سلمة ألا تحتسبون خطا كم أنس 2/226ت
يا بني فلان إني لا أملك لك م 2/383
يا بني ن قدرت أن تصبح وتمسي انس 4/108
يا بني وذاك من سنتي ومن أحيا سنتي انس 4/108
يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة جابر بن عبدالله 5/36ت
يأتي الشيطان أحكم فيقول من خلق كذا ابو هريرة 2/142ت
يأتي على الناس زمان يستحل فيه الأوزاعي 1/448
يأتي على الناس زمان يستحل فيه خمس أشياء ابن عباس 3/113
يا جبريل إني بعثت إلى أمية أميين ابي بن كعب 2/138
يا خالد إنها ستكون أحداث واختلاف وفتن خالد بن عرفطة 2/173ت
يا رسول الله أجد بين قوة على الصيام في السفر حمزة بن عمرو الأسلمي 4/99ت
يا رسول الله أصابني الجهد أبو هريرة 3/68ت
يا رسول الله أليس قد قلت لي عمر 1/501ت
يا رسول الله أنا كنا بشر فجاء الله بخير حذيفة 2/172ت
يا رسول الله إن أمي باتت وعليها 2/387ت
يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي 3/71ت
يا رسول الله أني أجعل تحت وسادتي عقالين عدي بن حاتم 3/299ت
يا رسول الله إني رجل شاب وأنا أخاف على نفسي العنت أبو هريرة 3/554ت
يا رسول الله أيأتي الخير بالشر أبو سعيد الخدري 3/153ت
يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة عمر 5/169
يا رسول الله حدثنا فأنزل الله عزل وجل 1/50، 3/520ت
يا رسول الله ذكرنا 1/51ت
يا رسول الله رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا 5/337
يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه سفيان بن عبدالله(12/171)
ص -231-… الثقفي 3/295
يا رسول الله لم خلقت الأهلة 3/149ت
يا رسول الله لو حدثتنا ابن عباس 1/50ت
يا رسول اللهما كدت أصلي العصر حتى كادت عمر 3/408ت
يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع جابر 4/378ت
يا زبير إن باب الرزق مفتوح الزبير بن العوام 2/186ت
يا عائشة إ ن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا عائشة 5/154
يا عبادي إنما هي أعمالكم أبو ذر 2/321
يا عدي أطرح عنك هذا الوثن عدي بن حاتم 3/299ت
يا عمرو نعم المال الصالح 1/179ت
يا غلام ألا أعلمك شيئ ينفعك ابن عباس 1/315ت
يا غلام ألا تحسن صلاتك 4/468
يا كعب فقال: لبيك يا رسول الله كعب بن مالك 5/248ت
يا معاذ تدري ما حق الله على العباد معاذ بن جبل 5/168
يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله وأعدل سعيد بن عمرو بن العاص 2/452ت
يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ابن مسعود 2/267، 3/143
يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن ابن عمر 1/369ت
يا موسى إني على علم من علم الله علمينه الله 2/463ت
يا يهودي حدثنا ابن عباس 4/163
يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة أبو هريرة 2/446ت
يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقي في النار أسامة بن زيد 1/76ت
يجزيك من ذلك الثلث 3/71ت
يحل الله نبيه ما شاء 2/503
يخرج في هذه الأمة قوم تحقرون صلاتكم أبو سعيد الخدري 5/173ت
يدخل الجنة بشفاعة أويس عمر 2/424(12/172)
ص -232-…يدعي نوح فيقال: هل بلغت أبو سعيد الخدري 4/406
يدفع حر هذا برد هذا 3/419ت
يرحم الله أخي موسى ابن عباس 1/546
يرحم الله موسى لو صبر حتى يقص علينا من أخبارهما 5/393
يرحم الله لوطا كان يأوي إلى ركن شديد أبو هريرة 4/410
يسب أبا الرجل فيسب أباه 4/60
يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: قد دعوت ربي أبو هريرة 3/394ت
يسروا ولا تعسروا 1/526ت، 2/211ت
يشفع في مثل ربيعة ومضر 2/423
يصلون لكم فإن أصابوا فلكم أبو هريرة 2/29ت
يقبض العلم ويظهر الجهل
يعذب في جهنم بما قتل به نفسه 3/386
يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان 5/164
يقول الله: يا أدم فيقول لبيك وسعديك أبو سعيد 2/166ت
يكون بين يدي الساعة فتن 1/48ت
يمرقون من الدين كما يمرق السهم على 2/335
اليمين على المدعي عليه 5/15ت
اليمين على نية المستحلف أبو هريرة 1/428
ينزل ربنا إلى سماء الدنيا أبو هريرة 4/10ت، 4/139، 5/144ت
ينزل ربنا تبارك وتعالي كل ليلة أبو هريرة 2/445ت
ينهي عن صيامين وبيعتين أبو هريرة 3/404ت
يوسف نبي الله ابن نبي الله أبو هريرة 5/291
يوشك إن يكون خير مال المسلم غنما ابو سعيد الخدري 3/530
يوشك بأحدكم إن يقول هذا كتاب الله جابر 4/322(12/173)
ص -233-…يوشك رجل منكم متكئا على أريكته يحدث المقدام بن معدي كرب 4/323، 4/402
يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى 2/253ت
يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله أبو مسعود الأنصاري 4/187
ويل للناس منك الزبير 4/437ت(12/174)
ص -235-…فهرس الآثار:
إبراهيم بن أدهم
لو علم الملوك ما نحن عليه 1/352، 2/298
إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع
كنا نستعين على طلب الحديث بالصوم 1/102ت
إبراهيم بن إسماعيل بن إسماعيل
لو أهرقت عليها دما 2/346
إبراهيم النخعي
إن عمر وزيدا وابن مسعود كانوا 5/162ت
كانا أصحابنا يتقون التفسير 4/282
لم يدخر لكم شيئ في خبئ على القوم 4/459
أبن أبي ذئب
فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى 2/438ت
ابن جريح
يا أ/ير المؤمنين ما زلت أصليها 4/103ت
ابن جني
فقلت: أنشدتني: "من بائس " 2/133
ابن خلدون
إن الإمارة ليست بمذهب 3/309ت
ابن سيرين
اتق الله و عليك بالسداد 4/282
سألت عبيدة عن شيئ من 4/153
ابن شهاب
أعيا الفقهاء وأعجزهم 3/278(12/175)
ص -236-…إن إبراهيم بن هشام أجري عينا 2/346
إن عمر بن عبدالعزيز أخر 3/259ت
ابن عبدالبر
هذ اجماع لا أعلم فيه خلافا 5/135
ابن عجلان
إذ أخطأ العالم 5/326
ابن العربي
إنه كان يحكم بالفراسة 2/460
فهذا يرجل عاهد الله 2/500
كان قاضي القضاة الشاشي ابن عطاء 2/460
العيش مع الله والإعراض 1/350
ابن عيينة
أجسر الناس على الفتيا 5/123
ابن القاسم
كان مالك لا يكاد يجيب 5/332
ليس بعد أهل المدينة اعلم 5/330
ابن الكواء
سأل أبو الكواء على بن أبي طالب 1/52
ابن مجاهد
أينفي العلم إفساد ما 4/196
هؤلاء قوم كفرة 3/97
ابن النحاس
هذا لا يقع فيه ناسخ ولا 3/256
ابن هرموز
ينبغي أن يورث العالم جلساءه 5/327(12/176)
ص -237-…ابن وهب
سمعته يع يسب كثرة الجواب 35/332
فكان الناس ينتظرون الرحمة 2/250
قال لي مالك: أدركت أهل هذه البلاد 1/83ت
قل لي مالك وهو ينكر كثرة الجواب 5/382
وقال لي مالك: إنما كان 1/83ت
أبو إدريس الخولاني
إن للإسلام عرى 1/152
ابوب الأنصاري
كنا نضحي عن النساء 4/104
أبو بكر بن سليمان
إن عمر بن الخطاب فقد سليمان بن أبي 2/250ت
أبو بكر بن محمد
بينما عبدالله بن عباس جالس 3/312ت
أبو بكر الصديق
أراها جارية 4/472
أقول فيه برأيي فإن كان صوابا 4/276
ألم تر أنه نزلت آية 3/398
إن أبا بكر رضي الله عنه أنفد وصية رجل 2/458
إنما هما أخواك وأختاك 2/454
أي سماء تظلني وأي 5/161ت
الجد أب 4/250، 276، 281
رضوان الله أحب إلينا 1/242
فتوى أبي بكر "أن الجد يحجب الأخوة" 5/161ت
قضي أبو بكر ببيع أم الولد 5/162ت
قضية أبي بكر مع ابنته 4/469
لو لعبت الكلام بخلاخيل 1/504(12/177)
ص -238-…نهي أبو بكر عن تولي الإمارة 1/281
والله لا أنفق عل مسطح شيئا 5/248
والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة 5/407ت
والله لأقاتلنهم حتى 1/500
وإنما هما أخواك وأختاك 4/469
أبو ترات النخشبي
كل معنا يا فتي 5/400
أبو جحيفة
فزار سلمان أبا الدرداء فرأي 2/347
أبو جعفر بن تركان
كنت أ جالس الفقراء 2/473
أبو الحسن المنتاب
كنت يوما عند القاضي أبي أسحاق 2/91
لم جاز التبديل على أهل التوراة 2/91-92
أبو الحسين النوري
أوثر أصحابي بحياة ساعة 3/93
أبو حفص
المعاصي بريد الكفر 3/539
أبو حمزة الخراساني
حججت سنة من السنين 2/497ت
رب إن هؤلاء عاهدوا 2/500
قصة أبي حمزة حين وقع في البئر 2/497
أبو الخير البصري
كان بعبادان رجل أسود 1/548
أبو الدحداح
إن الله كريم استقرض منا 4/218(12/178)
ص -239-…يا أم الدحداح! قالت: لبيك 4/218ت
أبو الدرداء
إن مما أخشى عليكم: زلة عالم 4/327
إنما أخاف أن يقال لي يوم القيامة 1/78، 1/78ت
قول أبي الدرداء وعبادة بن الصامت في الآية: {وطعام الذين أوتوا الكتاب..} 3/354
كل ما تسال عنه تعمل به؟ 1/82
لا تكون تقيا حتى تكون عالما 1/101
أبو رجاء العطاردي
مالي أراكم يا اصحاب محمد من أخف الناس صلاة 5/37
أبو سفيان
لا ترد على من قبلك فيرد عليك 1/266ت
ابو سليمان الداراني
تعرض على النكتة من 1/536ت
أبو سعيد الخدري
إن الصحابة أنكروا أنفسهم 1/145
وكيف لا ننكر أنفسنا 1/146ت
أبو طلحة الأنصاري
إن أبا طلحة الأنصاري أكل بردا 3/274
إنما هو برد ن زل من السماء 3/274
أبو العالية
يا رسول الله! لم خلقت الأهلة 1/44
أبو العباس بن البناء
سئل أبو العباس عن الباء 1/120
ابو العباس الإبياني
أتيتك زائرا ومودعا 1/332(12/179)
ص -240-… أبو العباس الشرفي
كنا مع أبي تراب النخشبي 1/549
أبو عبيد
قول أبي عبيد في قوله طولا تقبلوا 3/360
أبو عبيدة
أفرارا من قدر الله 3/194-3/195ت
أبو على الجوزجاني
كن طالبا للاستقامة 1/480ت
أبو على الدقاق
لما سعي غلام الخليل بالصوفية 3/93ت
ابو مسعود الأنصاري
أليس قد علمت أن جبريل 3/259ت
إنكار أبي مسعود الأنصاري على المغيرة 3/258
إني لأ تأخر عن صلاة الغداة 1/528
إني لأدع الأضحي 4/59
أبو منصور الشيرازي الصوفي
أظهروا أفعالهم للناس بالصلاح 2/362
أبو موسي
دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم 1/308ت
كان أبو موسى لا يشرك الأشقاء مع الأخوة 5/162ت
لقضاء قضاء الله على نفسه 2/223
لا يجب الغسل إلا من الدفن 1/268
يا أهل السفينة قفوا 2/223
ابو ميسرة المالكي
تملأ من وجهي يا أبا ميسرة لأنا ربك الأعلى 2/475
أبو هريرة
بعثت قريش إلى عاصم 5/247ت(12/180)
ص -241-…ذهب أهل الدثور بالأجور 1/179
ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه 3/68ت
كان عاصم بن ثابت أعطي 5/246ت
لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/93ت
نزلت في هذه الأمة 5/155ت
والذي اصطفي موسى على البشر 5/290
لا يضرب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمثال 3/193
أبو الوليد الطيالسي
سمعت ابن عيينة منذ 1/104
أبو يزيد البسطامي
حكاية أبي زيد البسطامي في 1/536
لو نظرتم إلى رجل أعطي 1/536
أبو يزيد النخشبي
قصة أبي يزيد مع خديمة 2/497/2/505
ابو يوسف
سأل أبو يوسف عن الأذان 3/271
أبي بن كعب
أي هؤلاء! ما حديث 4/336
كان أبي بن كعب لا يترك الأشقاء مع الأخوة 2/162ت
كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة 2/224
كنت في المسجد، فدخل رجل 3/40ت
أحمد بن حنبل
كان يرى من خلقه كما يرى 2/472ت
ما أجسر على هذا أن أقوله 4/345
من أنت؟ فقال: أخت 5/249
أحمد بن عبدالبر
إن قاضيا من قضاة قرطبة كان كثير 5/86(12/181)
ص -242-…أحمد بن يحيى
ليس هكذا أنشدتنا، وإنما 2/134
أسامة بن زيد
أهلك، ولا نعلم إلا خيرا 5/407ت
اسد بن الفرات
كان أبو القاسم وغيره من 5/385
اسماء بنت أبي بكر
أتيت عائشة -0 رضي الله عنها – زوج 5/259ت
إسماعيل القاضي
إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 5/75
شرف نفر من أهل الشام الخمر 14/151
الأسود بن يزيد
كان يجهد نفسه في الصوم والعبادة 2/244
أشهب
إن أبا بكر الصديق ت فيما يذكرون 3/158
رأيت في النوم قائلا يقول 5/333
كان مالك يكثر من قول 5/333
ورآني أكتب جوابه في 5/332
الأصمعي
وجدت شعره كله جيدا 2/135
أم يعقوب
ما حديث بلغ ني عنك أنك 4/183
أنس بن مالك
إن بني سلمة أرادوا أن 2/226ت
{إنا فتحنا لك فتحا مبينا} قال: الحديبية 2/417ت
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة 1/45
قالوا: حبل لزينب تصلي 1/528(12/182)
ص -243-…كان أبو طلحة أكثر أنصاري 1/185ت
كان أنس ينفتل عن يمنه 3/501ت
كنا عند عمر، فقال 1/49ت-2/142ت
الأوزاعي
إذا أراد الله أن يحرم عبده 5/383
الكتاب أحوج إلى السنة من 4/345
أويس القرني
بلغني أن لله عبادا سجودا أبدا 2/243
كان اويس القرني يقوم ليلة حتى يصبح 2/243
إياس بن معاوية
لا تنظر إلى عمل الفقيه 5/315، 318
أيوب السختياني
أجلس الناس على الفتيا 5/123
البراء بن مالك
نزلت هذه الآية فينا 1/44
بعجة بن عبدالله الجهني
أتي عثمان بن عفان بأمرأة 4/193ت
بكير
كيف كان رأي عمر في الحرورية 4/149-149ت
بلال
لا أبالي أن أضحي بكبش أو بديك 4/103
بلال بن عبدالله بن عمر
إنا نكون في السفر فيكون 1/199ت
تميم الداري
استأذن تميم الداري عمر بن الخطاب 1/281
الثوري
العلم يهتف بالعمل 1/102(12/183)
ص -244-…العلماء إذا علموا عملوا 1/201
إنما يطلب الحديث ليتقي به الله 1/82
إنما يتعلم العلم ليتقي الله 1/77
كنت أغيظ الرجل يجتمع 1/104
كنا نطل بالعلم للدنيا 1/104
جابر
خلت البقاع حول المسجد، فأراد 2/223
كانت ديارنا نائية عن المسجد 2/223
جابر بن سمرة
كم من عزق معلق أو مدلي 4/220ت
الجارود
إن قدامه شرب، فسكر 4/150
الجد بن قيس
إئذن لي في التخلف عن الغزو 1/515
جعفر بن محمد
هي المعرفة بالله وصدق المقام 1/350
جندع بن ضمرة
إني لا حيلة فلا أعذر 3/559
"الإمام" الجنيد
مذهبنا مقيد بالكتاب والسنة 1/536ت
الحارث بن يعقوب
الفقيه كل الفقيه: من فقه القرآن 5/37
الحارث المحاسبي
2/461
حامد بن العباس
حكى أن حامد بن العباس سأل 3/288ت(12/184)
ص -245-…حبيب بن أبي ثابت
طلبنا هذا الأمر وليس لنا 1/103
حزن بن أبي وهب
لا ا غير اسما سماني به أبي 5/399
حسان بن عطية
كان الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم 4/344
الحسن البصري
اعتبروا الناس بأعمالهم 1/82
إن شرار عباد الله الذين يجيئون 5/383
إنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا 4/459
أهلكتهم العجمة 3/321ت
الذين يفوق الناس في العلم 1/102
العام الذي وافق علمه عمله 1/101
علمتم، فعلمتم، ولم تعملوا 1/102
كنا نطلب العلم للدنيا 1/103
لقد طلب أقوام العلم 1/104
ما أنزل الله آية إلا وهو 4/153
منسوخ بالزكاة 3/350، 2/247
هي حياة الآخرة ونعيم الجنة 5/365ت
والله! لولا ذكر الله من 4/166، 1/330
وكانوا يرونه أنه عثمان 2/424ت
الحسن بن عرفة
رأيت يزيد بن هارون بواسط 2/247
الحسن بن نصر السوسي
يا أبت اشتر طعاما 1/330
حصين
رأيت ابن عباس وهو يسوق راحلته 4/94(12/185)
ص -246-…يا ابن عباس أتتكلم بالرفث 4/94
حذيفة بن اليمان
اتبعوا آثارنا ولا تبتدعوا 4/461
اتقوا الله يا معشر القراء 4/459
حذيفة بن أسيد "أبو سريحة الغفاري"
رأيت أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما 4/59ت
شهدت أبا بكر وعمر، وكانا 4/103
ما أدركت أبا بكر 4/59ت
الحكم بن عتبة
ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ 5/134
حمزة بن محمد الكناني
خرجت حديثا واحدا عن النبي 1/114
حماد بن ابي أيوب
إني أتكلم، فترفع عني التوبة 3/60
حميد بن عبدالرحمن
إن تميما الداري استأذن عمرا 1/282ت
حنضلة الأسيدي
شكا حنظلة إلى رسول الله 1/145
خالد بن أسلم
خرجنا مع عبدالله بن عمر 3/357ت
خالد بن خراش
قدمنا من العراق على مالك 5/327
الخليل بن أحمد
زلة العالم مضروب بها الطبل 5/136
داود الأودي
أحفظ عني ثلاثا لها شأن 5/384(12/186)
ص -247-…ربعي بن خراش
قصة ربعي بن خراش حين طلب الحجاج ابنه ليقتله 2/469، 499
الربيع بن خثيم
من كل شيء ضاق على الناس 1/533
يا عبدالله ما علمت الله في 5/37
ربيعة
بل عالم متثبت أو جاهل متعلم 5/387
نقص عقلاه 5/387
الروذباري
في استقصاء في امر الطهارة 2/474
كان ليس استقصاء في امر الطهارة 2/474ت
الزبرقان بن بدر
أنت يا أمير المؤمنين أشعر مني 5/288
زبيد اليامي
اسكتني كلمة ابن مسعود 1/82ت
الزبير بن عدي
أتينا أنس بن مالك، فشكونا 1/150ت
الزبير بن العوام
تبادر الوسواس 5/37
الزهري
جاء القرآن بالجزاء على العامد 4/365
زياد
لست آمن أن يطول الزمان 4/112
زيد بن أرقم
كنا نتكلم في الصلاة؛ يكلم الرجل 3/341ت
كنت في غزاة فسمعت عبدالله 4/213ت(12/187)
ص -248-…زيد بن ثابت
فتوى زيد في إرث الأخوة مع الجد 5/161ت
كان زيد يعطي الزوج النصف 5/162ت
والله! يا أمير المؤمنين ما أفتيت 3/275
وجري بيني وبين عمر كلام 5/161ت
زيد بن عمرو بن نفيل
الشاة خلقها الله تعالى 3/43ت
سحنون
أما ما في كتاب أو سنة 5/373ت
سرقة بن مالك
أرأيت متعتنا هذه 1/47ت
السدي
سألت أنسا: كيف أنصرف 3/501ت
سعد
أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم 3/501ت
يا رسول الله ذكرنا 3/501ت
سعد بن أبي وقاص
يطبع المؤمن على كل خلق 2/177، 189
سعد بن عبادة
لا والله ما أعطينا في أنفسنا الدنية 5/407ت
يا أعداء الله! عليكم لعنة الله 4/111ت
سعد بن معاذ
لا والله ما أعطينا في أنفسنا 5/407ت
سعيد بن ابي عروبة
من لم يسمع الاختلاف فلا 5/123
سعيد بن المسيب
أربع جائزات، إذا تكلم بهن 3/15(12/188)
ص -249-…أعراقي أنت؟ 5/387، 390
أنا لا أقول في القرآن شيئا 4/281
لن يزالوا – أهل الشام –ما عجلوا الفطر 4/129ت
من أدخل فرسا 1/426ت
نسخة الميراث والوصية 3/350
هي السنة يا ابن أخي 2/526و5/387، 390
لا تسألني عن القرآن وسل 4/282
سعيد بن جبير
ما لم يعرف البدريون فليس من 4/458
سعيد بن يحيى البصري
أتيت عبدالرحمن بن زيد 1/548
سفيان1
سمعت رجلا يسأل جابر الجعفي 3/317
سلمان الفارسي
إن لربك عليك حقا 2/248
حذيفة أعلم بما يقول 5/156
كيف أنتم عند ثلاث: زلة عالم 4/90، 5/134
سلمة بن الأكوع
غزونا فزارة وعلينا أبو بكر 3/471ت
سليمان الأحول
ما ذكر الله الهوى في كتابه إلا ذمه 2/291ت
سليمان التيمي
إن أخذت برخصة كل عالم 5/135
سهل بن حنيف
أيها الناس! اتهموا رأيكم 1/143
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وانظر: "الثوري"(12/189)
ص -250-…جاء يرسف في قيوده 1/143ت
يا أيها الناس! اتهموا الرأي 5/399
سهل بن عبدالله
أكان شاكا حين سأل ربه 162
الشافعي
ذم الله الاختلاف، و أمر عنده بالرجوع 5/61
كيف اترك الحديث لقول من 4/458
وما سن رسول الله فيما ليس 4/394ت
الشبلي
قصة الشبلي حين اعتقد أن لا يأكل 2/460
شريح
وليت القضاء وعندي أني لا أعجز 5/16
الشعبي
غشي على مسروق في 2/244
كنا نستعين على حفظ 1/102
ما أشبه تفسير الروافض للقرآن 4/234
ما كلمة أبغض إلى من 5/383
والله! لقد بغض هؤلاء 5/383
الضحاك بن عثمان
إياك والشعر! 5/288
طاوس
كان يصلي ركعتين بعد العصر 4/341
ما ذكر الله الهوى في كتابه إلا ذمه 2/291ت
عائشة
أبلغني زيد بن أرقم أنه قد أ بطل جهاده 1/456، 3/118
أحروريه أنت 2/526، 526ت-5/171، 386(12/190)
ص -251-…أخبري زيد بن أرقم أنه قد 4/66ت
أطعموا عنها 3/277
أنا طيب رسول الله 1/186ت
أن ابن الزبير بعث لها 2/322
إن مسكينا سال عائشة وهي صائمة 2/322
أنها قسمت سبعين ألفا 2/323
إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث 3/194
بئس ما قلت يا ابن أختي 1/478ت، 4/282ت
بئس والله ما اشتريت 4/66ت
ثلاث من تكلم بواحدة منهن 3/191ت
حديث ام ولد زيد بن أرقم 4/66
فرضت الصلاة ركعتين ركعتين 1/483
فكيف يصنع بالمهراس 3/192، 193ت
كان فيما أنزل من القرآن 3/200ت
كانت عائشة تتصدق بمالها 1/188
كنا نسافر مع رسول الله 1/476
كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم 1/186ت
لو نشر لي أبواي ما تركتها "سبحة الضحي" 3/261
ليتني كنت حيضة ملقاه 4/367ت
ما أرى الله إلا 1/545
من قرأ القرآن فليس فوقه أحد 4/187
وأنا حينئذ أعلم أني 2/422
ومن زعم أن محمد يعلم 4/471
ومن زعم أنه يخبر بما يكون 4/471ت
لا تعنيني 1/188، 191
يا أم المؤمنين 1/456ت
يا عبدالرحمن أترغب عما 4/93(12/191)
ص -252-…يرحم الله عمر 3/191ت
عاصم بن ثابت
قصة حمي الدبر 5/245
العالية بنت أيفع
يا أم المؤمنين! كانت لي جارية 4/66ت
عبدالعزيز بن المهتدي
قصة عباس بن المهتدي حين تزوج المرأة 2/460
عبدالله بن أبي قتادة
دخل على أبي وأنا أغتسل 3/482ت
عبدالله بن الزبير
الجد أب 5/161ت
إنما سمي البيت العتيق لأنه لم يظهر عليه جبار 4/417
لا أدري 5/329
عبدالله بن أم مكتوم
إني أعمي لا استطيع 3/559
عبدالله بن عباس
أتركها، فقال: إنما نهي عنهما 4/341
أتي رجل النبي صلى الله عليه وسلم لقال 1/525
أرأيت إن كان حوضا 3/193ت
أرأيتم حين ذكر الله الذباب والعنكبوت 3/514ت
الجد أب 5/161ت
أنت لم تتق الله، فلم أجد لك 1/535
أنا من ذلك القليل 4/162
إلى سبع مئة اقرب منها 1/510ت
إن كنت تعلم منهم ما علمه الخضر من الغلام 2/464ت
إن آلف الله ولام جبريل 4/235
إن الرزية كل الرزية ما حال بين 5/395ت(12/192)
ص -253-…إن عمي طلق امرأته ثلاثا 1/533
إن عمك عصى الله 1/533
إن قوما ما يحسبون أبا جاد 4/239ت
إن ناسا من أهل الشرك كانوا 4/170
إن ناسا يزعمون أن هذه الآية 3/350ت
إنما الرفث ما روجه به النساء 4/94
إنما ذلك سعة الإسلام 2/272
إنها في أناس كانوا يستحيون 4/38
أولستم العرب؟ ثم قال: أدع لي 2/272
أي آية أرجى في كتاب الله 4/172
تفسير ابن عباس للآية {لا يكلف الله..} 3/532
الجد أب 5/161ت
سئل ابن عباس: عن الشيء 5/255
سئل ابن عباس: كم الكبائر؟ 1/210ت
فتوى ابن عبسا "إن الجد يحجب الأخوة" 5/161ت
فكيف يصنع بالمهراس 3/192، 193ت
فلما خفف الله عنهم من العدة 1/510ت
فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله 3/61ت
فهذا لما يعترض في الصدور 4/173
قصة بقرة بين إسرائيل 2/461
كان ابن عباس يشترى لحما 4/103
كان ابن عباس إذا سئل عن شيء 4/308
كان عمر يدخلني مع أ صحاب النبي صلى الله عليه وسلم 4/210
كان هذا، ثم نسخ بعد مادة طويلة 3/355ت
كونوا ربانيين حلماء فقهاء 5/36
لما نزلت {إنكم وما تعبدون} 3/362
لما نزلت {وإن تبدوا ما} 3/352ت(12/193)
ص -254-…لما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة 3/191
لو أخذوا أدني بقرة 1/46ت
لو ذبحت ب قرة ما لأجزأتهم 5/377
لو ذبحوا بقرة ما لأجزأتهم 1/45، 522
ليس في القرآن عام إلا مخصص 4/48
ما ذكر الله في كتابه الهوى إلا ذمه 2/291
ما رأيت قوما خير من 1/254-5/375
ما ظهر الغلول في قوم قط 1/369
ما لكم ولهذه الآية، إنما 4/32، 149
ما لم يذكر في القرآن فهو 1/255
من يتق الله ينجه 1/534
نزلت في كتمان الشهادة 3/353ت
نقص من الصبر بمقدار ما نقص 1/509
هذا لك، وهذا لرسولك 3/559
هما يومان ذكرهما الله 4/281
هو نبت الأرض مما يأكله الدواب 1/49ت
ويل للأتباع من عثرات العالم 4/90-5/134
لا عام إلا مخصص 3/309، 312
لا يصم أحد عن أحد 3/277
يا أمير المؤمنين! إنا أنزل علينا 4/148
يرثني ابن ابني دون أخوتي 5/161ت
عبدالله بن عمر
أذهب إلى العلماء وسلهم 5/328ت
أرأيت لو تصدقت بصدقة 1/199
أما الأركان فإني لم 5/261ت
أنظر ما يقول هؤلاء 4/113
إنها بدعة "أي: صلاة الضحى" 4/104(12/194)
ص -255-…إني لأجعل بيني وبين الحرام 2/39
إني لأدع بيني وبين الحرام 1/189، 189ت
سئل ابن عمر عن القنفذ 4/355
في مالك حق سوى الزكاة 3/64ت
كنا نخير بين الناس 5/294
لما نزلت هذه الآية 1/503
لا أدري "ميراث العمة" 5/328
لا تسألوا عما لم يكن 5/378
وقع في نفسي أنها النخلة 2/361
عبدالله بن عمرو
من جمع القرآن فقد حمل أ مرا 4/188
لأن أكون قبلت الثلاثة أيام 2/240ت
ليتني قبل رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم! 2/240
من قرأ القرآن فقد اضطربت 4/189
يا ليتني قبل رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/527، 3/266
عبدالله بن المبارك
كنا في الكوفة، فناظرني في 5/137
عبدالله بن محيريز
تذهب السنة: سنة سنة 1/152
عبدالله بن مسعود
اتبعوا آثارنا ولا تبتدعوا 4/461
أتدرون كيف ينقص الإسلام 1/152
إذا أردتم العلم 4/178
أنذرتكم صعاب المنطق 5/380ت
إن الله شرع لنبيكم سنن الهدى 5/255ت
إن الله يبغض القارئ السمين 2/192-193ت
إن الرجل يحب أن يكون 1/208
إن الناس أحسنوا القول 1/82(12/195)
ص -256-…إن رجلا أصاب من امرأة قبلة 4/171ت
إن في النساء خمس آيات 4/171
إن كل مؤدب يحب إن يؤتي 4/186
إنك في زمان كثر فقهاؤه، قليل قراؤه 2/295
إنكم لأهدي من أصحاب محمد أو أضل 4/461
إن للشيطان لمة وللملك 5/96ت
إنه يشغلني عن قراءة القرآن 2/249
إن طلقت امرأتي ثماني تطليقات 1/535
إني لأترك أضحيتي وإني 4/104
إينا لم يلبس إيمانه بظلم 3/402
جاء رجل إلى ابن مسعود، فقال: 4/152
جاء رجل إلى ابن مسعود يوم الجمعة 1/264
ستجدون أقوما يدعونكم إلى كتاب الله 4/280، 328
في القرآن آيتان ما قرأهما عبد مسلم 4/173
قد نيهنا عن التجسس 1/219
كل داء أصله البردة 5/505ت
كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/525ت
كونوا للعلم رعاة 1/101
لقد رأيتنا ومما يتخلف عن الصلاة إلا 4/156، 156ت
لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/504ت
لما نزلت {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} 1/93ت
ليس العلم عن كثرة الحديث 1/102
ليس عام إلا الذين بعده شر منه 1/150
ليس عند ربكم ليل ولا نهار 5/204ت
ما رآه المسلمون حسنا فهو 3/39، 41
ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها 4/178
من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم 4/152(12/196)
ص -257-…من عرض له منكم قضاء، فليقض 4/307
من كان منكم متأسيا 4/459
من مات لا يشرك بالله شيئا 4/70ت
والله الذي لا إ له إلا هو ما نزلت سورة 2/353ت
والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم 4/153
والذي لا إله غيره ما أنزل سورة 4/153
وأينا لم يظلم، فنزلت {إن الشرك} 3/401
ولقد رأيتنا وما يختلف عنها إلا منافق 3/156
وما لا لا ألعن من لعنة الله! وهو 4/341
لا نبالي أبدأنا بأيماننا أم أم بأيسارنا 4/475 ستدراك
لا يجعل أحكم للشيطان شيئا من صلاتة 3/501ت
عبد الله بن مغفل
أصبت جرابا من شحم يوم خيبر 4/437
عبدة بن أبي لبابة
وددت أن حظي من أهل هذا الزمان! 5/381
عبدالرحمن بن حرملة
إن الناس رأوا هلال الفطر حين 4/131ت
عبدالرحمن بن زيد
ربي اعلم بمصالح عباده 4/548
لا خير في الدنيا إلا للآخرة 1/548ت، 549
عبدالرحمن بن زيد
سألنا حذيفة عن رجل قريب 5/296
عبدالرحمن بن عوف
أرى أن تجعلها كأخف الحدود 4/461ت
لو شهدت أمير المؤمنين أتها رجل 5/169
عبدالصمد بن عبدالوارث
وجدت في كتاب جدي: أتيت مكة 5/6، 231(12/197)
ص -258-…عبدالعزيز بن عبدالله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب
استأدي على مولي لي جرحته 1/269
عبدالعزيز بن عبيدالله
استأدي على مولي لي 1/269
عبدالقادر الكيلاني
يا فلان أنا ربك قد أحللت لك المحرمات 2/473
يحكي أنه عطش عطشا شديدا فإذا سحابة 2/475
عبدالملك بن حبيب
قول عبدالملك بن حبيب فيق قوله: "أعملوا ما شئتم" 3/358
عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز
مالك لا تنفذ الأمور 2/148
عبيد الله بن عدي بن خيار
إنك إمام عامة، ونزل بك ما ترى 2/29ت
عبيد الله بن عمير
أحل الله حلالا وحرم حراما 1/255
عثمان بن عفان
إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت 5/295
إن القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه 4/103
إني إمام الناس، فينظر إلى الأعراب 4/102
الصلاة أحسن ما يعمل الناس 2/29ت
كان إذا صلى العشاء أوتر بركعة 2/242
كان عثمان يعطي للزوج النصف 5/162ت
كان عمر بن الخطاب وعثمان يصليان المغرب قبل 4/129
ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها 5/245
عثمان بن مظعون
قصة عثمان بن مظعون بعد رجوعه من الحبشة 1/503، 503ت(12/198)
ص -259-…عروة بن الزبير
إنكار عروة بن الزبير على عمر بن عبدالعزيز 3/258
إن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة 3/259ت
سألت عائشة – رضي الله عنها- 1/478ت
تأولت ما تأول عثمان 1/476ت
عطاء
أضعف العلم: الرؤية 5/315
أضعف العلم: علم النظر 5/315ت
قول عطاء في قوله تعالى: {ومن يولهم دبره} 3/355
لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حتى 5/122
عكرمة
أخبرني ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا 4/36
ما أحل لكم من النساء 2/272
من سألك، فقل: هذه أضحية ابن عباس 4/104
هن أحرار 4/342
علقمة
ويحك! لم تعذب هذا الجسد 2/344
على بن أبي طالب
إذا شرب سكر، وإذا سكر هذي 4/349ت
أرأيت لو اشترك جماعة في سرقة 3/178ت
إلا فهما يعطاه الرجل في كتاب الله 2/130ت
أما إذا أوسع الله فأوسعوا 1/207ت
إن أقل الحمل ستة أشهر 4/193
إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن 5/398
إياكم والاستنان بالرجال، فإن 4/460-5/36
حدثوا الناس بما يفهمون 1/123-5/168
حلال حساب وحرامها النار 1/187ت(12/199)
ص -260-…سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان 5/176ت
فتوي على في إرث الأخوة من الجد 5/161ت
قضى على ببيع أم الولد 5/162ت
كان علي لا يشرك الأشقاء مع الأخوة 5/162ت
لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير 5/407ت
ما عندنا إلا كتاب الله 4/324، 403
نرى أن تجلده ثمانين؛ لأنه 4/291ت
هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا 4/192، 208
والله ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله 4/324
وإن لا أطور به ما سمر سمير 4/473ت
ويلك! سل تفقها، ولا تسأل تعنتا 1/52
لا نبالي أبدأن بأيماننا أم بأيسارنا 4/120ت، 475 استدراك
لا يصلح الناس إلا هذا 4/291ت
يا حملة العلم، اعملوا به 1/101
عمران بن حصين
إنك امرؤ أحمق! أتجد في كتاب 4/344
وقد كان يسلم على حتى أكتويت 2/328
عمر بن الخطاب
أحرج بالله على كل امرئ مسلم سأل 5/378-، 382
أحرج عليكم أن تسألونا عما 5/378ت
أخاف أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا 4/34
أخشى أن تعجل طيباتي 2/455
ادع الله أن يوسع على أمتك 4/35
إذا أتاك أمر فاقض بما في كتاب الله 4/306
إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله 1/158-4/150
إذا وجدت شيئا في كتاب الله 4/307
أعزلوا عني حسابها 1/177، 178ت(12/200)
ص -261-…أعوذ بالله من كل معضلة 5/381ت
اللهم! بين لنا في الخمر 2/67ت
أنزلت نفسي من مال الله منزلة 2/324ت
أنظر ما تبين لك في كتاب الله 4/307
إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء 4/119
إن رسول الله قد غلبه الوجع 5/395ت
إن الزكاة حق المال 1/500ت
إنما أخاف عليكم رجلين 4/280
إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين 4/364ت
إني لأجهز جيشا وأنا في الصلاة 3/94ت
إني وإياكم في حال الله 2/324ت
إياك والشعر! 5/288
أين تذهب بكم هذه الآية {أذهبتم طيباتكم} 4/244
أيها الناس تمسكوا بديوان شعركم 2/240
بل أغسل ما رأيت، وأنضح ما لم أر 4/89
بلغ من أمرك إن تفتي الناس بالغسل من الجنابة 3/275
تأديب عمر لصبيغ 1/56-5/171
تقول بنو فلان خير من 5/288
تمعددوا واخشوشنوا 4/115
ثلاث يهدمن الدين 4/89، 328-5/133
خلا عمر ذات يوم، فجعل يحدث نفسه، كيف تختلف 4/148
سأل عمر بن الخطاب ابن عباس عن الأب 1/49ت
سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ 3/39ت
سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات 4/327
الشجاعة والجبن غرائز 2/185
ضر بعمر بن الخطاب صبيغا، وشرد به 5/171
فتوى عمر في إرث الأخوة مع الجد 5/161ت
قضي عمر بعدم بيع أم الولد 5/162ت(12/201)
ص -262-…قضية عمر بن الخطاب في ندائه سارية 4/469
كان- رضي الله عنه –يجمع الشباب، فيستشيرهم 5/329ت
كان عمر بن الخطاب وعثمان يصليان المغرب قبل 4/129
كان عمر يعطي للزوج النصف 5/162ت
كان عمر يكره الكتابة 1/147
كم بقي من نوء الثريا 2/117
كنت مع الآية الممحوة 2/455
كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله 5/407ت
لأقومن العيشة، فأحذر هؤلاء الرهط 5/169
لئن أخبرت بأحد يفعله ثم لا يغتسل لأنهكنه عقوبة 3/276
لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة 2/250ت
لن تكون قتلها أحب إلي 1/68، 3/146
لقد تركنا تسعة أعشار الحلال 2/39ت
لما اجتمعنا للهجرة 2/283ت
لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم 3/178ت
لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم جميعا 3/178ت
لو فعلتها لكانت سنة، بل 4/120
ما أخاف على هذه الأمة من مؤمن 4/280
ما أرى إلا أنه على ما ينتقصون من 1/58ت
ما الأب؟ 1/79-2/139-5/171
ما بعد الكمال إلا النقصان 4/210
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا آية الربا 4/134
ما رأيت كاليوم إناء أحسن 1/178ت
مشاورته للشباب وأهل بدر 5/329ت
نعم، نفر من قدر إلى قدر الله 1/450ت-3/194، 195ت
نكاح عمر لأم كلثوم 3/139(12/202)
ص -263-…نهينا عن التعمق والتكلف 1/49، 49ت-2/139
هذه الفاكهة، فما الأب 1/49
هل تقرأ سورة المائدة 4/364ت
واعجبا لك يا ابن العاص لئن كنت تجد 3/502، 502ت
وافقت بربي في ثلاث 1/146-2/420
وإن الله ليبغض الحبر السمين 2/192ت
والله! ليمرن به ولو على بطنك 5/248
والله! ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها 1/145ت
لا تقض بقضاءين في أمر واحد 5/85
لا حكرة في سوقنا 3/564ت
لا نبالي أبدنا بأيماننا أم بأيسارنا 4/120
لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة 4/396ت
لا يحل لكم أن تسألوا عما لم يكن 5/378ت
يا أيها الناس! تمسكوا بديون شعركم 1/58
يا رسول الله! ألسنا على حق، وهم على باطل؟ 1/242
يا رسول الله! إنا كنا في زيادة 1/152
يا سارية! الجبل 2/454-4/479، 472
يا صاحب الحوض لا تخبرنا 5/389
يا قدامة إني جالدك 4/150
عمر بن عبدالعزيز
أخرن الصلاة شيئا 4/100
إذا رأيتموني فلا تقوموا 3/268ت
أن تقوموا نقم 3/267
إن ثيابي غسلت 4/10
إن عمر بن عبدالعزيز أخر الصلاة يوما 3/259ت
تلك دماء كف الله عنها يدي 5/391
توقف عمر بن عبدالعزيز عن إكراه من منع الزكاة 2/496، 499(12/203)
ص -264-…خرج علينا عمر بن عبدالعزيز ونحن ننتظره يوم الجمعة 3/268ت
سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده 3/29-4/460
لما تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة قاموا له 3/267
ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 5/76
ما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم 5/68، 76
من جعل دينه عرضا للخصومات 5/391
هذه غرتني بك، ولولا أني 4/111
لا تعجل يا بني؛ فإن الله ذم الخمر 2/148
عمر بن يزيد
كان يقول في أكثر ما يسأل عنه: لا أدري 5/327
عمرو بن أبي قرة
حديث سلمان مع حذيفة 5/170
كان حذيفة بالمدائن، فكان يذكر أشياء 5/156
عمرو بن العاص
إن الوكاء قد يتفلت 5/198
عياض
إن أبا عبدالله- يعني: نفسه- لا يغسل يده 4/114
بعث عضد الدولة فناخسر والديلمي إلى أبي بكر 3/96
قصة محمد بن يحيى بن لبابة 5/86
كان الفقيه أبو ميسرة المالكي ليلة بمحرابه يصلي 2/475
العز بن عبدالسلام
ورب شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا 2/63
فاطمة بن قيس
طلقني زوجي ثلاثا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم 4/396ت
الفخر الرازي
مر بعض العلماء بيهودي 1/55(12/204)
ص -265-…الفراء النحوي
من برع في علم واد سهل عليه كل علم 1/117
الفضيل بين دكين
ما رأيت احد أكثر قولا لـ "لا أدري" من مالك! 5/327ت
الفضيل بن عياض
جعل الشر كله في بيت 1/192
القاسم بن محمد
أدركت الناس وما يعجبهم القول 1/82
أي ذلك أخذت به لم يكن في نفسك منه شيء 5/67
لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم 5/67
قبيصة بن عقبة
لا يفلح من لا يعرف اختلاف الناس 5/123
قتادة
قول قتادة في قوله تعالى: {اتقوا الله حق تقاته} 3/357
قول قتادة في قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن} 3/358
لماذا ذكر العنكبوت والذباب 3/514ت
من لم يعرف الاختلاف لم يشم 5/122
قدامة بن مظغون
إن كنت شربتها فليس لك أن تجلدني 1/272
القشيري
لا تنتهي الكرامة إلى خلق 1/542ت
قيس بن أبي حازم
رأيت يد طلحة التي وقر بها النبي صلى الله عليه وسلم 3/69ت
الكتاني الصوفي
الشيء الذي لم يخالف فيه 1/192
كعب بن مالك
إنه تقاضي ابن أبي حدرد دينا كان له عليه 5/248ت(12/205)
ص -266-…الكلبي
إن ربيعة بن الحارث لم يقتل 5/271ت
الليث بن سعد
مالك- والله – أقوى من الليث 5/326
مالك بن أنس1
أتق هذا الإكثار وهذا السماع 5/332
أحب الأحاديث إلى ما اجتمع الناس عليه 3/270ت، 278
أخبر الذي أرسلك أنه لا علم لي بها 5/325
الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة 5/391
أما كان أحد يعرف التشهد؟! 4/271
أما كثرة السؤال 5/281
أنا أحدث الناس بكل ما سمعت؟ 5/330
أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن لا تجعل هذا البيت 4/113، 5/181
إن الحكمة مسحة ملك على قلب العبد 5/24
إن الحكمة مسحة ملك على قلب العبد 5/24
إنما أنا بشر أخطئ وأصيب 5/331
إنما أهلك الناس العجب وطلب الرياسة 5/329
إنما نتكلم فيم نرجو بركته 5/332
إنه "تخليل الأصابع" تعمق في الوضوء 5/219ت
إنه كان أولا نازلا بالعقيق، ثم نزل إلى المدينة 2/225
إني لأحدث في كذا وكذا حديثا 5/330
إني لأفكر في مسألة منذ بضعة عشرة سنة 5/323
أيحب أن يذبح 4/119
بلغني أن الهلال رؤي في زمان عثمان 4/131ت
تسعة أعشار العمل الاستحسان 2/523-5/198
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أنظر "مطرف بن عبدالله" فذكر أقوالا وأحوالا عن مالك، رحم الله الجميع(12/206)
ص -267-…تحفظون وتفهمون حتى تستنير قلوبكم 1/47
الحكمة نور يقذفه الله في قلب العبد 5/24
الحكم والعلم نور يهدي به 1/105
الحلال ما حلله الله ورسوله، والحرام ما حرماه 5/325
ربما وردت على المسألة تمنعني من الطعام 5/323
ربما ودرت على المسألة فأفكر فيها ليالي 5/323
سئل عن ثمان وأربعين مسالة 5/326
سئل عن سجود القرآن الذي في المفصل 3/278
سئل مالك عن قوم يقال لهم الصوفية يأكلون 2/413ت
سئل مرة عن نيف وعشرين مسألة 5/327، 327ت
سئل من العراق عن أربعين مسألة 5/326
سأله آخر، فلم يجبه فقال له 5/326
سأله رجل عن مسالة استودعه إياها أهل المغرب 5/325
سل عما يكون، ودع ما لا يكون 5/332
سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة 5/330
قد ابتلي عمر بن الخطاب بهذه الأشياء 5/329
قد فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي المسلمين بعده 3/158، 273
قصة مالك مع سفيان في المعانقة 3/269
قصة مع أبي يوسف في المد والصاع 5/219ت
كان إذا جلس نكس رأسه وحرك شفتيه يذكر الله 5/323
كان إذا سئل عن المسألة قال للسائل 5/323
كان عمر إذا أكل مسح يده بباطن يديه 4/114
كان مالك يكره ذلك "الكتابة" 1/147
كان يكثر من قول "لا حول ولا قوة إلا بالله" 5/329
الكلام في الدين أكره... 2/143
ليس العلم بكثرة الرواية، ولكنه نور 1/140
ما أدري ما أذان يوم، وما صلاة يوم 3/271
ما أعلمها أنا، فكيف يعلمونها!؟ 5/330(12/207)
ص -268-…ما حاجتك إلى ذلك؟ فعجبا من 3/271
ما سمعت ذلك، وأري أن كذبوا على ابي بكر 3/272
ما شيء أشد على من أن أسأل عن 5/324
مسألة سجود الشكر 3/158، 273
من أحب أن يجيب عن مسالة، فيعرض نفسه 5/524
من شأن ابن آدم أن لا يعلم ثم يعلم 5/24
من قعد إليه فعلم أنه يريد قراءة سجدة قام عنه 3/499
لا أحب ذلك إلا للعالم بالوضوء 4/121
لا تجوز الفتيا إلا لمن علم ما 5/123
لا تكتبها، فإني لا أدري 5/332
لا تكتبوا "يعني: ما يفتيهم به" 1/147ت
لا أردي إنما هو الرأي 5/331
لا يكون العالم عالما حتى يكون كذلك 5/249
لا ينبغي لأحد أن يجاوز 2/226ت
ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من 5/134
ليس كل ما قال الرجل، وإن كان فاضلا يتبع 5/331
ليس في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سعة 5/75
ليس في العلم شيء خفيف 5/329
ليس نبتلي بهذا الأمر، ليس هذا ببلدنا 5/325
لكأنما مالك- والله!- إذا سئل عن مسألة 5/324
من شأن ابن آدم إن لا يعلم ثم يعلم 5/24
هذه سليسلة بنت سليسلة 5/385، 400
وكان إذا شك في الحديث طرحه كله 5/331
ولكن يخبر بالسنة، فإن قبلت 5/390
ولم أسمع أن أحدا من أصحاب رسول الله 3/277
الوضوء: مرتان مرتان، أو 4/120
ولم يكن في أمر الناس ولا من مضى من سلفنا 5/324(12/208)
ص -269-…ومن قعد إليه فعلم أ نه يريد قراءة سجدة 3/499
ويحك!! أعرفتني ومن أنا! وأيش منزلتي 5/328
يا عبدالله! ما علمته فقل به 5/382
يرجع أهل الشام إلى شامهم، وأهل العراق إلى 5/327
يقع بقلبي أن الحكمة: الفقه في دين الله 5/24
مالك بن دينار
قرأت في الحكمة: إن الله يبغض كل حبر سمين 2/192
مجاهد
دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد 4/104ت
ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من المحاسبي
إن المأمون فاسق لا يح ضر مجلسه 5/134
محمد بن صالح
أنه دخل صوامع المنقطعين ومواضع المتع بدين 4/97
محمد بن عبدالرحمن
قطع على أهل المدينة بعث فاكتب 2/249
محمد بن كعب القرظي
هو القرآن ليس كلهم رأي النبي صلى الله عليه وسلم 4/186
المدلجي
إن هذه الأقدام بعضها من بعض 4/434
مروان
أذهب يا رافع إلى ابن عباس 4/32
قل له: لئن كان كل امرئ فرح بما 4/194
مسروق
اتقوا التفسير؛ فإنما هو الرواية عن الله 4/282
فمن اضطر إلى شيء مما حرم الله 1/328
كان يصلي حتى تورمت قدماه 2/344(12/209)
ص -270-…كنت متكئا عند عائشة فقالت 3/191
ومن اضطر إلى شيء مما حرم الله 1/328
يا بنية! إنما طلبت الرفق لنفسي في يوم كان مقداره 2/244
مسلم بن أبي بكرة
كان أبي يقول في دبر الصلاة 5/311ت
المسيب بن حزن
لما حضرت أبا طالب الوفاة 2/289ت
مطرف بن عبدالله بن الشخير
سمعت مالكا إذا ذكر عنده فلان من أهل الزيغ 3/30
كان مالك يستعمل في نفسه ما لا يفتي به الناس 5/249
كان مالك إذا حدث بها ارتج سرورا 3/30
لا تحدثونا إلا بالقرآن 4/344
معاذ بن جبل
اعلموا ما شئتم إن تعلموا 1/80
إياكم وزيغة الحكيم 5/133
أيها الناس! لا تعجلوا بالبلاء قبل وقوعه 5/372ت
هي كلمة تروعكم وتنكرونها 5/133
وإياكم وزيغة الحكيم 5/133
يا معشر العرب! كيف تصنعون بثلاث 4/89
معاذة
لم تقض الحائض الصوم، ولا تقضي الصلاة 5/171
معاوية بن الحكم
لما رجعت من الحبشة 1/64ت
المعتمر بن سليمان
رآني أبي وأنا أنشد الشعر 5/134
معمر
كان يقال: من طلب العلم 1/103(12/210)
ص -271-… المغيرة بن حكيم
إن أربعة قتلوا صبيا 3/178ت
مكحول
من أخلص لله أربعين صباحا 1/347ت
موسى بن داود
ما رأيت أحد من العلماء أكثر أن يقول 5/325
موسى بن معاوية
كنت عند البهلول بن راشد إذا أتاه 5/84
ميمون بن مهران
إن القاص المتكلم ينتظر المقت 5/272
دخل نافع بن الأزرق المسجد 3/214ت
الرد إلى الله، الرد إلى كتابه 4/191
المرزباني
دخل أبويوسف على الرشيد والكسائي 1/118
المغيرة
تعالوا نجتمع ونستذكر كل ما بقى علينا 5/328
نائلة زوج عثمان
إن تدعوه أو تقتلوه فهو كان 2/243ت
نافع
ما كان ابن عمر يبالي على أي ذلك انصرف 3/501ت
وكان ابن عمر يراهم شرار الخلق 4/149ت
يراهم شرار خلق الله 4/149
نافع بن الأزرق
إنا نريد أن نسألك عن أشياء في كتاب الله 3/213ت
إني أجد في القرآن اشياء تختلف على 3/214
قم بنا إلى هذا الذي يجترئ 3/213ت(12/211)
ص -272-… النوري
خرج النوري ليلة إلى شاطئ دجلة 1/548
هشام بن عروة
ما سمعت أبي تأول آية من كتاب الله 4/882
الهيثم بن جميل
الرجل يكون عالما بالسنة 5/390، 390ت
واسع بن حبان
انصرفت من قبل شقي الأيسر 4/98
كنت أصلي وابن عمر يسند ظهره إلى جدار القبلة 3/501ت
وهب بن منبه
قول وهب بن منبه في قوله تعالى: {ويستغفرون لمن في الأرض} 3/356
يحيى بن أبي إسحاق الهنائي
الرج لمنا يقرض أخاه المال، فيهدي له 3/117ت
يحيى بن أيوب
بلغني أن أهل العلم كانوا يقولون إذا أراد الله 5/384
يحيى بن سلام
لا ينبغي لمن لا يع رف الاختلاف أن يفتي 5/123
يونس الصدفي
ما رأيت أعقل من الشاف عي 5/220ت
المبهمون من الصحابة
احبس أسامة بجيشه نستعين به 1/504
رضيه رسول الله لديننا أفلا نرضاه لدنيانا 2/81ت
شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخ لي أحدا 3/560
المبهمون من السلف
اللهم أجعلني من أئمة المتقين 1/86
ترك المعاصي "دواء الحفظ" 3/153
كان السلف رضي الله عنهم يثابرون على إحضار النيات 2/537(12/212)
ص -273-… المبهمون
إن العلم في صدور الرجال 1/140، 147
حب الرياسة أخر ما يخرج 2/334
حسنات الأبرار سيئات المقربين 3/548، 548ت-4/246، 430
عليك بالصدق حيث تخاف أنه يضرك 2/499
قصة أصحاب الجنة 3/110ت
قصة أصحاب السبت 3/110ت
كان العلم في صدور الرجال 1/140، 147
كنا ندع ما لا بأس به 1/179، 191/800
من حجب الله عنه العلم عذبه به على الجهل 1/80
من طلب العلم لله فالقليل من العلم يكفيه 1/352
من يتق الله والمعصية 1/534
هذا أخلص للحكمة، ولم يخلص لله 3/149(12/213)
ص -275-…فهرس الأعلام
الأسم الجزء والصفحة
أدم – عليه السلام 2/425-4/168، 409، 415، 245-5/294
إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي 2/245
إبراهيم التيمي 4/148
إبراهيم- عليه السلام - 1/87، 274، 277، 546-2/524، 481، 167، 146، 118، 125، 361، 366، 425-3/239-4/11، 27، 113، 162، 168، 23، 233، 256، 386، 387، 391، 414، 428، 431، 432، 433
إبراهيم النخعي 4/282، 459، 5/138
إبليس- عليه لعنة الله- 2/476
ابن أبي ليلى 5/206، 231
ابن أبي 2/390
ابن إسحاق 3/316
إبن الأعرابي 2/134
ابن بشكوال 2/367
ابن بقي "القاضي" 5/87
ابن جني 2/133(12/214)
ص -276-…ابن الجويني 1/21-3/311
ابن حبيب 1/184، 214، 2/345-3/50
ابن حزم الظاهري 1/244-4/189-5/82
ابن خروف 4/20
ابن رشد 2/457-4/110-4/198
ابن الزبعري 4/30
ابن زيد 3/357
ابن سريج 3/420
ابن السيد 5/140، 201، 209
ابن سيرين 4/153، 282-5/33، 134
ابن شبرمة 5/206، 231
ابن شعبان 3/429
ابن شهاب 2/345، 346-3/279، 357-5/330، 333
ابن الطيب "القاضي" 1/20، 23-3/96، 97-5/68
ابن عبدالبر 3/203-4/345-5/75، 86، 135
ابن عبدالسلام 2/87، 90
ابن عتاب 2/349
ابن عجلان 5/326
ابن عربي 1/121، 288، 388-2/273، 276، 361، 362، 363، 366، 398، 415، 460، 500-3/71، 146، 199، 201، 340، 527، 4/195-5/182، 196
ابن عطاء 1/350-4/250
ابن عيينة 5/123، 330
ابن الفخار القرطبي 4/195
ابن القاسم 1/11، 387، 397-3/431، 499-276(12/215)
ص -277-… 5/123، 189، 330، 332، 385
ابن قتيبة 2/170-4/266، 231، 234-5/150
ابن الكواء 1/52
ابن الماجشون 1/214
ابن مجاهد 4/196
ابن المواز 5/85
ابن نافع 3/158
ابن النحاس 3/340، 356
ابن هرمز 5/337
ابن وهب 2/250-3/429-4/149-5/75، 330، 382
أبو إدريس الخولاني 1/152
أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق 2/91
أبو الأسود الدؤلي 5/274
ابو اسيد 4/335
أبو أمامة 5/27
أبو أيوب الأنصاري 4/104، 115
أبو بردة بن دينار 2/58، 274، 409-3/242
أبو بكر بن داود الأصهاني 3/420
أبو بكر بن زرب 2/367
أبو بكر بن عبدالرحمن 2/242-4/93
أبو بكر بن مجاهد 3/96، 97
أبو بكر الشبلي 4/196، 250
أبو بكر 2/458
أبو بكر الصديق 1/241، 243، 246، 281، 374، 499، 504-3/70، 71، 260، 271، 272، 398-4/103، 176، 250، 276، 281، 277(12/216)
ص -278-… 451، 456، 469، 471-5/13، 33، 160، 294، 295، 297، 407
أبو تراب النخشبي 1/549-2/497-5/400
أبو جحيفة 2/247
أبو جعفر بن تركان 2/473
أبو جعفر محمد بن على 1/76
أبو جعفر المنصور 4/112، 113
أبو جهل 4/212
ابو الحسن بن المنتاب 2/91
أبو الحسين النوري 548-3/93
أبو حمزة الخراساني 1/502-2/497، 499، 500
أبو حميد 4/335
أبو حنيفة 1/11، 386، 417-2/400-3/20، 200، 201، 202، 203-4/68، 105-5/44، 52، 162، 188، 197، 206، 231
أبو الخير البصري 1/548
أبو داود 1/264-2/348-3/405-4/356-5/146، 156
أبو الدحداح- رضي الله عنه 4/218
أبو الدرداء 1/78، 82، 101، 182-2/247، 248-3/354-4/89، 357-2/448-3/295-5/29، 32
أبو رجاء العطاردي 5/37
أبو زيد 1/273
أبو سعيد 3/63(12/217)
ص -279-…أبو سعيد بن المعلي 3/405
ابو طلحة 2/173-3، 96، 92، 93، 274، 275
أبو العباس 2/133
أبو العباس بن البناء 1/120
أبو العباس الإبياني 1/332
أبو العباس الشرفي 1/549
أبو عبدالرحمن السلمي 2/242
أبو عبدالله ا لمحاملي 2/92
أبو عبيد 1/51-3/360-4-172
أبو عبيدة 3/194-4/264، 374-5/54
أبو عبيدة بن الجراح 1/184-5/295
أبو على الحداد 2/367
أبو عمران الفاسي 5/108
أبو عمرو بن عبدالبر 1/114
ابو عمرو الداني 2/91
أبو كبشة 4/155
أبو لبابة 3/70
أبو مسعود الأنصاري 3/258، 259
ابو المعالي 1/22، 23
أبو منصور 4/226
أبو منصور الشيرازي الصوفي 2/361
أبو الوليد الطيالسي 1/104
أبو موسى 1/534
أبو موسى الأشعري 2/223، 227، 242، 324
أبو ميسرة المالكي 2/475
أبو ها شم 1/364، 366، 374
أبو هريرة 1/76، 78، 152-2/391-3/192(12/218)
ص -280-… 4/150، 355، 397، 400-5/145، 146، 154، 169
ابو يزيد 2/497
ابو يزيد البسطامي 1/536، 549-5/400
أبو يعزي 2/505
ابو يوسف "القاضي" 1/118، 119، 268-3، 271-4/154-5/52، 126
ابي بن كعب 2/138، 224-3/40، 275، 405-4/173، 336، 5/295
أحمد بن حنبل 1/449-2/398-3/97، 431-4/345-5/249
أحمد بن عبدالبر 5/86
أحمد بن محمد 3/357
أحمد بن يحيى 2/134
الأخفش 5/53
اسامة بن زيد 1/504-4/437-5/408
إسحاق –عليه السلام 4/233
أسد بن الفقرات 5/385، 400
إسماعيل –عليه السلام 2/118
إسماعيل "القاضي" 1/272، 533-4/94، 151، 378-5/75
الأسود بن يزيد 2/242، 244
أسيد بن حضير 2/439، 442
أشج "عبدالقيس" 2/184
أشهب "المالكي" 3/429، 158-5/126، 332
أصبغ 3/432
الأصمعي 2/135-4/283-5-54
أم سلمة 4/94(12/219)
ص -281-…أم قيس 4/157
أم كلثوم بنت على بن أبي طالب 3/139
أم يعقوب "أمرأة من بني أسد" 4/182
أنس بن سيرين 2/244
أنس بن مالك 1/81-2/449-3/67-4/108، 400-5/32، 385
الأوزاعي 4/344، 345-5/380، 383
أويس 2/423، 242
أويس القرني 2/243
أياس بن معاوية 2/460-5/315
أيوب السختياني 5/123
الباجي 4/109-5/89، 90، 109، 111، 112، 421
البخاري 2/397-3/407، 405-4/36
بريرة 1/427، 455
البشر 4/224
بشر بن البزار 4/461
بشر الحافي 5/249
بكير 4/149
بلال 3/271، 143-4/103
البهلول بن راشد 5/84
البويطي 5/52، 126
بيان بن سمعان 3/333-4/225، 226
الترجيلي 2/367
الترمذي 2/138، 3/36، 67-4/163، 171-5/37، 29، 31، 146
تميم الداري 1/281، 282(12/220)
ص -282-…ثعلبة بن حاطب 2/448-3/534-5/32
جابر 2/223-4/398
جابر بن زيد 5/138
جابر بن عبدالله 5/231
جابر بن يزيد الجعفي 3/317
الجارود 4/150
جبريل عليه السلم - 1/47، 48-2/138، 431-3/66، 255، 259-4/80، 235-5/385
الجد بن قيس 1/515
الجرمي 4/53، 55
جريج العابد 4/417
جعفر 3/268
جعفر بن برقان 5/272
جعفر الصادق 1/350/
جندع بن ضمرة 3/559
الجويني1 2/90
حاتم 2/81
حاتم الطائي 1/29
الحارث بن الخزرج 2/59
الحارث بن يعقوب 5/37
الحارث المحاسبي 2/461
حبيب بن أبي ثابت 103
حبيب بن زياد 5/87
الحجاج 2/496، 499
حذافة 1/47
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أنظر "أبو المعالي".(12/221)
ص -283-…حذيفة 4/459، 461-5/156، 170، 296
حذيفة بن أسيد 4/103
الحريري 3/288
حزن "جد سعيد بن المسيب" 5/399
حسان بن عطية 4/344
الحسن 3/47، 350، 351، 5/134-383
الحسن البصري 1/82، 101، 102، 103، 104-4/153، 166، 208، 209، 459-5/85
الحسن بن عرفة 2/247
الحسن بن نصر السوسي 1/330
الحطيئة 2/135-5/288
الحكم بن أبان 4/342
الحكم بن عتيبة 5/134
حكيم بن حزام 3/39، 534
حماد بن أبي أيوب 3/605
حماد بن أبي سليمان 3/600
حمزة بن محمد الكناني 1/114، 115
الحميدي 3/317
حنظلة الاسيدي 1/145
الحولاء بنت تويت 1/527-2/234-5/280
خديجة 3/66
خديجة بنت خويلد 2/430، 476
خزيمة 2/58، 274، 409-3/242
خزيمة بن ثابت 2/469
الخضر- عليه السلام 1/546-2/461، 463، 467، 507-4/161، 414-5/393
الخطأبي 5/93(12/222)
ص -284-…الخليل 5/53، 54، 56
داود الأودي 5/384
داود- عليه السلام 2/249-4/165
داود الظاهري 3/420-5/280، 286
الداودي 1/184-3/59
ذو الخويصرة 2/335
و الرمة 2/133
الرازي 1/41، 55-2/9، 12، 66، 72، 486-4/198
رافع "بواب مروان" 4/32
ربعي بن خراش 2/486، 499
الربيع 2/504
الربيع بن أنس 3/357
الربيع بن خيثم 1/377-2/242-5/377
ربيعة 2/361، 423-5/387
الرشيد 1/118، 119
رفاعة 3/163
رفاعة بن رافع 3/275
رفاعة بن القرظي 1/430
الروذباري 2/474
الزبقان بن بدر 5/288
الزبير 2/285-4/320
الزبير بن العوام 5/37
زور بن حبيش 2/242
الزهري 4/365
زهير 4/230
زياد بن حصين 4/94(12/223)
ص -285-…زيد بن أرقم 1/456-378، 118-4/66
زيد بن ثابت 3/275-5/295
زيد بن حارثة 4/437
زينب 1/528-2/235
سارية 4/469، 472
سالم بن أبي الجعد 1/533
سبيعة الأسلمية 4/396
سحنون 1/283-3/59
السدي 3/350، 357
سعد بن عبادة 2/60-3/547
سعيد 5/387، 390
سعيد بن أبي عروة 5/123
سعيد بن جبير 4/458-5/138
سعيد بن العاص 5/295
سعيد بن عامر 2/242
سعيد بن المسيب 2/242، 536-3/350-4/281-5/399
سعيد بن يحيى البصري 1/548
سفيان 3/269، 317
سفيان الثوري 1/77، 82، 102، 104-5/330
سلام البربري 1/269
سلمان الفارسي 1/182، 184-2/247، 248-5/134، 156، 157، 170، 297-4/90، 224
سليمان التيمي 5/135
سليمان – عليه السلام 2/441-4/233
سمرة بن جندب 4/399
سهل بن حنيف 1/243
سهل بن عبدالله 4/162، 242، 245(12/224)
ص -286-…سودة بنت زمعة 4/116، 366
سيبويه 4/28، 43-5/53، 54، 56
الشاشي المالكي القاضي 2/460
الشافعي 1/33، 245، 417-2/104، 153، 161، 245، 273، 274، 277، 398-3/77، 162، 201، 321-4/66، 106-5/44، 46، 52، 58، 61، 184، 185، 126، 198، 419، 420
الشبلي 2/460
شريح 4/306
الشعبي 1/102-2/244-5/138، 383
شعيب – عليه السلام 4/274
شقيق البلخي 2/497-5/400
الشيرازي 5/109
صالح- عليه السلام 4/274
صبيغ 5/171
الضحاك 3/350
طاوس 4/341-5/138
الطبري 3/340
الطحاوي 1/534-3/274-4/335، 336، 337
عائشة 1/191، 270، 478، 483، 545-2/422، 234، 236، 239، 322، 323، 398، 526، 260، 262، 264، 276، 277، 294-4/74، 93، 101، 117، 176، 186، 187، 428، 469، 471-5/154، 159، 171، 231، 386، 407،(12/225)
ص -287-… 409
عامر بن قيس 2/242
عباد بن بشر 2/329، 442
عبادة بن الصامت 3/354
العباس 2/117
عباس بن سهل 4/336
العباس بن عبدالمطلب 4/380
عباس بن المهتدي 2/460
عبد الأشهل 2/59
عبدالله 3/146
عبدالله بن أم مكتوم 3/559
عبدالله بن حذافة 5/337، 387
عبدالله بن رواحة 1/265-3/406
عبدالله بن الزبير 2/322، 113-5/295
عبدالله بن زمعة 4/366
عبدالله بن زيد 4/367
عبدالله بن سلام 5/297
عبدالله بن عباس 1/45، 254، 255، 522، 533، 534، 535-2/272، 398-3/113، 192، 213، 215، 265، 276، 277، 309، 312، 345، 346، 352، 361، 402، 4/32، 36، 38، 48، 49، 90، 94، 103، 131، 148، 149، 150، 162، 163، 172، 173، 210223، 235، 281، 308، 341-5/34، 134، 150، 169، 214، 327، 375، 377
عبدالله بن عمر 1/199-2/243، 261، 447، 448(12/226)
ص -288-… 3/146، 194، 198، 300402-4/98، 104، 113، 131، 149، 172، 355، 395-5/261، 294، 378
عبدالله بن عمرو بن العاص 1/527-2/240-4/188
عبدالله بن المبارك 5/134، 137، 138
عبدالله بن مسعود 1/82، 101، 102، 104، 150، 153، 264، 535، 2/249، 295-3/40، 405، 351-4/152، 156، 173، 174، 178، 182، 186، 280، 307، 328، 340، 459، 461-5/137، 297، 121
عبدالله بن مغفل 4/437
عبده بن أبي لبابة 5/381
عبدالرحمن بن الحارث بن هشام 5/295
عبدالرحمن بن الزبير 1/430
عبدالرحمن بن زيد 1/548
عبدالرحمن بن عوف 4/210-5/169
عبدالرحمن بن غنم 1/81
عبدالرحمن بن مهدي 4/331
عبدالرحمن بن يزيد 4/341-5/296
عبدالصمد بن عبدالوارث 5/231
عبدالعزيز بن عبدالله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب 1/269
عبدالغني 3/60
عبدالقادر الكيلاني 2/475
أشج عبدالقيس 2/184
عبدالملك 3/429
عبدالملك بن حبيب 3/358(12/227)
ص -289-…اختلاف التعدد: 5/ 209
الاعتداد بخلاف أصحاب الأهواء: 5/ 221، 222
اتفاق أهل الأهواء مع أهل الحق: 5/ 223
لا تجتمع الأمة على خطأ: 4/ 45
عمل أهل المدينة: 3/ 227، 271
القياس: 1/ 24، 29، 33، 131، 133-2517، 531-3/ 75، 242-4/ 98، 99379، 391، 392، 393-5/ 193، 194، 197، 512
معنى القياس عند أهل النظر: 5/ 422
القياس عند الشافعي: 5/ 196
معنى حديث معاذ: "بم تحكم" قال: بكتاب الله...": 4/ 305
معنى حديث معاذ "بم تحكم؟ قال: بكتاب الله..." عند الشيخ عبد الغني عبد الخالق، والرد على من فهمه على غير معناه: 4/ 308
كلام طويل على حديث معاذ هذا، رواية ودراية: 4/ 298-306
القياس نفيا وإثباتا: 5/ 229
مذهب من نفى القياس مطلقا: 5/ 229
الظاهرية والقياس: 2/ 81
الاقتصار على محال النصوص ظاهرية: 1/ 263
القياس وحجيته: 4/ 15، 62، 64
إثبات القياس بعموم الرسالة: 2/ 412
من أدلة إثبات القياس الدقيقة: 1/ 319
القياس الجلي: 2/ 156، 162
الأصول والفروع: 1/ 32
الأصل الاستعمالي والأصل القياسي: 4/ 19
المقدمات العلمية: 5/ 47
الفرع مبني على أصله: 3/ 322
التبع يجوز فيه ما يجوز بالأصل: 2/ 318(12/228)
ص -290-…عمران بن حصين 2/328-4/344
عمر بن الخطاب 1/48، 49، 50، 55، 57، 58، 59، 86، 146، 147، 153، 158، 184، 188، 199، 242، 243، 269، 272، 281، 314، 505-2/117، 139، 140، 242، 361، 420، 439، 442، 454-3/45، 39، 47، 67، 70، 71، 94، 139، 146، 194، 259، 260، 275، 398، 399، 502، 554-4/34، 35، 103، 109، 110، 114، 115، 119، 120، 129، 131/134، 148، 150، 210، 244، 280، 206، 327، 328، 342، 395، 451، 456، 367، 369-5/33، 85، 133، 156، 160، 169، 171، 248، 253، 288، 294، 295، 297، 324، 377، 378، 382، 289، 407، 389
عمر بن عبدالعزيز 2/148، 496-3/29، 258، 278، 267، 357-4/110، 111، 460-5/68، 76، 150، 391
عمر بن يزيد 5/327
عمرة 1/269
عمرو بن أبي قرة 5/156
عمرو بن شعيب 5/231
عمرو بين العاص 1/314-3/502-4/109، 120-5/198
عمار 2/452
عمار بن ياسر 1/184(12/229)
ص -291-…عيسي بن عمر 2/133
عيسي- عليه السلام 2/165، 425، 437-3/316-4/231
عياض 1/330، 332-2/250، 475-3/96، 420-4/114-5/87، 89، 290
الغزالي 1/121، 194، 2092/212، 220، 328، 361، 452-2/30، 254، 362، 363، 355، 359، 501-4/22، 206، 252-3/329، 542، 527-5/54، 136، 289
فاطمة 5/398
فاطمة بن قيس 4/395
فخر الإسلام أبو بكر الشاشي 2/460
الفخر الرازي 1/41، 55
الفراء النحوي 1/117، 118
فرعون 4/272
الفضيل بن عياض 1/192
فناخرو الديلمي 3/96
القاسم بن محمد 1/82-5/67، 68
قبيصة بن عقبة 5/123
قتادة 1/75-3/357، 358-5/112
قدامة بن مظعون 1/272-4/150
القرافي 1/390، 395-2/68، 70، 86، 444-4/65، 106
قس بن ساعدة 2/126
القشيري 1/193، 502، 548، 549-5/399
الكتاني الصوفي 1/192
الكسائي 1/118، 119
كعب بن مالك 2/270-3/70، 270(12/230)
ص -292-…الكعبي 1/175-3/220، 424
اللخمي 1/243، 379، 388، 437-4/121
لقمان 3/402
لوط – عليه السلام 4/274، 410
الليث بن سعد 5/206
المازري 1/21-3/476، 464-5/100، 420
المازني 5/53
مالك 1/32، 53، 82104، 147، 173، 242، 245، 246، 164، 268، 273، 282، 346، 379، 386، 387، 388، 397، 416، 417، 439، 454، 496، 535-2/27، 142، 225، 226، 230، 243، 245، 250، 254، 274، 322، 361، 369، 398، 400، 459، 519، 523، 527، 541-3/16، 50، 59، 77، 126، 147، 158، 159، 161، 162، 174، 195، 197، 198، 201، 204، 205، 138، 260، 265، 269، 270، 271، 277، 285، 288، 321، 387، 428، 429، 430، 431، 444، 445، 376، 480، 482، 497، 499، 529-4/65، 68، 95، 105، 107، 109، 112، 113، 114، 118، 119، 121، 131، 194، 311، 461، 463-5/24، 46، 75، 85، 88، 90، 101، 103، 126، 134، 158، 185، 194، 196، 197، 198، 216، 316، 317، 323، 325، 326(12/231)
ص -293-… 330، 332، 333، 347، 381، 382، 385، 390، 391، 400
المأمون 3/97
الماوردي 4/110
مجاهد 5/134
مجزر المدلجي 4/75، 437
محارب بن دثار 5/321
المحاسبي 3/97
محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزام 1/269
محمد بن الحسن 5/52، 162
محمد بن الحسن القاضي 1/118
محمد بن صالح 2/249
محمد بن عبدالحكم 1/212
محمد بن عبدالرحمن 4/36
محمد بن كعب القرظي 4/486
محمد بن مسلمة 5/248
محمد بن يحيى بن لبابة 5/86
المدلجي 4/75، 437
مروان 4/32، 149
مريم- عليها السلام 3/316
المزني 5/52، 61، 126
مسروق 1/328-2/242، 244-4، 282
مسعود بن حكيم 5/231
مسلم 2/397، 3/63، 317، 4/402-5/30
مطرف بن عبدالله 1/214-4/344-5/249
معاذ 2/235، 248-5/37، 168، 276
معاذ بن جبل 1/80، 528-4/89، 298، 311، 325،(12/232)