المَنْهَجُ العِلْمِيُّ
لطُلابِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ
وبَعْضُ الفَوَائِد والنِّكَاتِ العِلْمِيَّةِ
قَرَأهُ وقرَّظَهُ
فَضِيْلَةُ الشَّيْخِ العَلامَةِ
عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجِبْرِيْنَ
تَألِيْفُ
ذِيابِ بنِ سَعْدٍ آلِ حَمْدَانَ الغَامِدِيِّ
شبكة نور الإسلام
islamlight
تَقْرِيْظٌ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحَمْدُ للهِ وَحْدَه، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عَلَى مَنْ لا نَبِيَّ بَعْدَه مُحَمَّدٍ وآلَهِ وصَحْبِه.
وبَعْدُ؛ فَقَدْ قَرَأتُ هَذِه الرِّسَالَةَ الَّتِي ألَّفَها أخُوْنا : ذِيَابُ بنُ سَعْدٍ الغَامِدِيُّ حَفِظَه اللهُ تَعَالَى ووَفَّقَه!
والَّتِي نَصَحَ فِيْها طََلَبَةَ العِلْمِ الصَّحِيْحِ، وبَيَّنَ طُرُقَ التَّعَلُّمِ، وفَصَّلَ العِلْمَ، ووَسَائِلَه، وأسْبَابَ تَحْصِيْلِه، وذَكَرَ بَعْضَ الكُتُبِ الَّتِي يَهِمُّ الطَّالِبُ أنْ يَقْرَأها، وحَذَّرَ الطَّالِبَ مِنَ العَوَائِقِ الَّتِي تَشْغُلُه عَنِ التَّحْصِيْلِ، وفَصَّلَ فِي ذَلِكَ .
فَجَزَاهُ اللهُ أحْسَنَ الجَزَاءِ، وأكْثَرَ فِي الأمَّةِ مِنْ حَمَلَةِ العِلْمِ الَّذِيْنَ يَهْتَمُّوْنَ بالطَّلَبِ، ويَحْرِصُوْنَ عَلَى التَّعَلُّمِ والتَّعْلِيْمِ والتَّطْبِيْقِ، واللهُ أعْلَمُ .
وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِه وسَلَّمَ
( 26/5/1425 هـ )
عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجِبْرِيْنَ(1/1)
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيْرًا، طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيْه، القَائِلِ : "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُوْنَ والَّذِيْنَ لا يَعْلَمُوْنَ إنَّما يَتَذَكَّرُ ألٌوا الألْبَابِ"[الزمر9]، والقَائِلِ : "يَرْفَعِ اللهُ الَّذِيْنَ أمَنُوا مِنْكُم والَّذِيْنَ أُتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ"[المجادلة11]، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى عَبْدِه ورَسُوْلِه المَبْعُوْثِ رَحْمَةً للعَالَمِيْن، القَائِلِ : "طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ"(1)، والقَائِلِ : "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِه خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّيْنِ"(2)!
أمَّا بَعْدُ : فإنَّ أوْلَى مَا يَتَنَافَسُ فِيْه المُتَنافِسُوْنَ، وأحْرَى مَا يَتَسابَقُ فِي حَلَبَتِهِ المُتَسابِقُوْنَ : العِلْمُ الشَّرْعِيُّ، فَهُوَ الكَفِيْلُ الضَّامِنُ بالِسَّعَادَةِ البَاطِنَةِ والظَّاهِرَةِ، والدَّلِيْلُ الآمِنُ إلى خَيْرَيْ الدُّنْيا والآخِرَةِ .
وأدَلُّ شَيْءٍ عَلَى ذَلِكَ؛ أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قَدِ اخْتَصَّ مِنْ خَلْقِهِ مَنْ أحَبَّ، فَهَدَاهُم للإيْمَانِ، ثُمَّ اخْتَصَّ مِنْ سَائِرِ المُؤْمِنِيْنَ مَنْ أحَبَّ؛ فَتَفَضَّلَ عَلَيْهِم فَعَلَّمَهُم الكِتَابَ والحِكْمَةَ، وفَقَّهَهُم فِي الدِّيْنِ، وعَلَّمَهُم التَّأوِيْلَ، وفَضَّلَهُم عَلَى سَائِرِ المُؤْمِنِيْنَ، وذَلِكَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وأوَانٍ؛ رَفَعَهُم بالعِلْمِ، وزَيَّنَهُم بالحِلْمِ، بِهِمْ يُعْرَفُ الحَلالُ مِنَ الحَرَامِ، والحَقُّ مِنَ البَاطِلِ، والضَّارُ مِنَ النَّافِعِ، والحَسَنُ مِنَ القَبِيْحِ(3).
* * *
__________
(1) أخْرَجَهُ ابنُ عَدِيٍّ في "الكَامِلِ" (3/1107)، والبَيْهَقِيُّ في "المَدْخَلِ" (324) وغَيْرُهُما، وهُوَ حَسَنٌ بشَوَاهِدِه .
(2) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1/27)، ومُسْلِمٌ (3/95) .
(3) انْظُرْ "أخْلاقَ العُلَمَاءِ" للآجُرِّي (14) بتَصَرُّفٍ .(1/2)
إنَّه العِلْمُ النَّافِعُ والعَمَلُ الصَّالِحُ اللَّذَانِ لا سَعَادَةَ للعَبْدِ إلاَّ بِهِما، ولا نَجَاةَ لَهُ إلاَّ بسَبَبِهِما، فَمَنْ رُزِقْهُما فَقَدْ فَازَ وغَنِمَ، ومَنْ حُرِمْهُما فَقَدْ خَسِرَ وغَرِمَ، وهُمَا مَوْرِدُ انْقِسَامِ العِبَادِ إلى مَرْحُوْمٍ ومَحْرُوْمٍ، وبِهِما يَتَمَيَّزُ البَرُّ مِنَ الفَاجِرِ، والتَّقِيُّ مِنَ الغَوِيِّ، والمُؤْمِنُ مِنَ المُنَافِقِ، والظَّالِمُ مِنَ المَظْلُوْمِ، وهَاكَ حَقًّا : "خَصْلَتَانِ لا تَجْتَمِعَانِ فِي مُنَافِقٍ : حُسْنُ سَمْتٍ، ولا فِقْهٌ فِي الدِّيْنِ"(1)!
نَاهِيْكَ؛ أنَّ السَّمَوَاتِ والأرْضَ ما قَامَتَا إلاَّ بالعِلْمِ، بَلْ مَا بُعِثَ الرُّسُلُ، وما أُنْزِلَتِ الكُتُبُ، ومَا فُضِّلَ الإسْلامُ عَلَى غَيْرِه إلاَّ بِهِ، وفَوْقَ ذَلِكَ؛ ما عُبِدَ اللهُ، ولا عُرِفَ الإيْمَانُ مِنَ الكُفْرِ إلاَّ بِهِ!
* * *
فَشَمِّرْ يا طَالِبَ العِلْمِ، سَائِلاً اللهَ تَعَالَى : الإرَادَةَ الصَّادِقَةَ، والعِلْمَ النَّافِعَ، واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ رَبَّهُم بالعِلْمِ والإيْمَانِ .
فإنَّه لا يُسْتَطَاعُ العِلْمُ بِرَاحَةِ الجَسَدِ، ولا يُطْلَبُ بالتَّمَنِّي والتَّحَلِّي، وقَدْ قِيْلَ: مَنْ طَلَبَ الرَّاحَةَ تَرَكَ الرَّاحَةَ؛ إنَّها العَزِيْمَةُ الصَّادِقَةُ، والهِمَّةُ العَالِيَةُ، ولا يَحْزُنْكَ فَاتِرُ العَزِيْمَةِ، ودَعِيُّ العِلْمِ، فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَيْهِم أسَفًا؟!
__________
(1) أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (2684)، وهُوَ صَحِيْحٌ .(1/3)
فَقَدْ رَأيْنا كَثِيْرًا مِنْ طُلابِ زَمَانِنا قَدِ اسْتَطَابُوا الدَّعَةَ، واسْتَوْطَؤُوا مَرْكَبَ العَجْزِ، وأعْفَوْا أنْفُسَهُم مِنْ كَدِّ النَّظَرِ، وقُلُوْبَهُم مِنْ تَعَبِ الفِكْر ... فلَعَمْرِي أيْنَ مَنَالُ الدَّرَكِ بغَيْرِ سَبَبٍ، وأيْنَ نَوَالُ البِغْيَةِ بغَيْرِ آلَةٍ ؟ فإنَّ دُوْنَ مَا يَشْتَهُوْنَ خَرْطُ القَتَادِ، وبَيْنَ مَا يَتَمَنَّوْنَ بَرْكُ الغِمَادِ!
* * *(1/4)
فاعْلَمْ رَعَاكَ الله؛ إنَّ جَمْهرةً مِنْ أهْلِ العِلْمِ قَدْ حَازُوا قَصَبَ السَّبْقِ فِي خِدْمَةِ هَذِه الجادَّةِ العَليَّةِ، ورَسْمِ بَصَائِرِها لشَادِي العِلْمِ مِنْ خِلالِ تَوَالِيْفَ عِلْمِيَّةٍ، ومُصَنَّفَاتٍ مُسْتَقِلَّةٍ ... غَيْرَ أنَّنِي لَمَّا رَأيْتُ شَأنَهَا بَيْنَ أهْلِ زَمَانِنا فِي نُقْصَانٍ، ومُدَارَسَتَها فِي نِسْيَانٍ، وكَادَ يَذْهَبُ رَسْمُها، ويَعْفُو أثَرُها؛ عِنْدها أحْبَبْتُ أنَّ أرْمِيَ بِسَهْمٍ في رِيَاضِ العِلْمِ، مُسَاهَمَةً مِنِّي فِي رَسْمِ ( المَنْهجِ العِلْمِيِّ ) لِطُلابِ العلمِ؛ يَوْمَ نَادَى كَثِيْرٌ مِمَّنْ تَجِبْ عَلَيْنا إجَابَتُهُم فِي إحْيَاءِ هَذِه الجَادَّةِ، وتَبْصِيْرِ مَنَارَاتِها...فعَسَانِي آخُذُ بَيَدِ مَنْ رَامَ إرْثَ الأنْبِيَاءِ إلى بَابِ العِلْمِ، بِسَبِيْلٍ قَرِيْبٍ، ونَظَرٍ أرِيْبٍ، مِمَّا سَيُقرِّبُ الطَّرِيْقَ للمُبْتَدِي، ويُبَصِّرُ السَّبِيْلَ للمُنْتَهِي، والعَاقِبَةُ للتَّقْوَى(1).
* * *
__________
(1) هُنَاكَ كَثِيْرٌ مِنَ التَّوَالِيْفِ العِلْمِيَّةِ الآخِذَةِ بيَدِ طَالِبِ العِلْمِ إلى بَيَانِ مَنْهَجِ العِلْمِ والتَّعَلُّمِ، وفَضَائِلِه، وغَوَائِلِه، وطَرَائِقِه، وشَرَائِطِهِ، وآدَابِهِ، فَمِنْ جِيَادِها وحِسَانِها : "جَامِعُ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابنِ عَبْدِ البرِّ، و"الجامِعُ لآدَابِ الرَّاوي" و"الفَقِيْهُ والمُتَفَقِّهُ" كِلاهُمَا للخَطِيْبِ البَغْدَادِيِّ، و"تَعْلِيْمُ المُتَعَلِّمِ طَرِيْقَ التَّعَلُّمِ" للزَّرْنُوْجِيِّ، و"أخْلاقُ العُلَماءِ" للآجُرِّي، و"تَذْكِرَةُ السَّامِعِ والمُتَكَلِّمِ" لابنِ جَمَاعَةَ، و"مِنْ أخْلاقِ العُلَمَاءِ" لمُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ، و"مَنَاهِجُ العُلَمَاءِ" لفارُوقٍ السَّامُرَّائِيِّ، و"حِلْيَةُ طَالِبِ العِلْمِ" لبكرٍ أبو زَيْدٍ، وهُنَاكَ غَيْرُ مَا ذُكِرَ .(1/5)
وذَلِكَ مِنْ خِلالِ ثَلاثَةِ مَدَاخِلَ، وأرْبَعَةِ أبْوَابٍ مُخْتَصَرَةٍ، كَمَا يَلَي :
المَدْخَلُ الأوَّلُ : أهَمِيَّةُ طَلَبِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ .
المَدْخَلُ الثَّانِي : فَضْلُ عُلُوْمِ الغَايَةِ عَلَى عُلُوْمِ الآلَةِ .
المَدْخَلُ الثَّالثُ : وفِيْه أرْبَعُ طَلائِعَ .
البَابُ الأوَّلُ : وفِيْهِ أرْبَعُ مَرَاحِلَ عِلْمِيَّةٍ .
البَابُ الثَّانِي : وفِيْهِ خَمْسُ تَنَابِيْه .
البَابُ الثَّالِثُ : وفِيْهِ ثَلاثُ عَزَائِمَ .
البَابُ الرَّابِعُ : وفِيْهِ خَمْسةُ عَوَائِقَ .
والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى عَبْدِه ورَسُوْلِه الأمِيْنِ
وكَتَبَهُ
ذِيَابُ بنُ سَعَدٍ آلِ حَمْدَانَ الغَامِدِيُّ
فِي لَيْلَةِ الأحَدِ لعَشْرٍ بَقِيْنَ مِنْ شَهْرِ صَفَرٍ لِعَامِ ألْفٍ وأرْبَعْمَائَةٍ وخَمْسَةٍ وعِشْرِيْنَ مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ
حُرِّرَ فِي (20/2/1425)
المَدَاخِلُ العِلْمِيَّةُ
وفِيْهِ ثَلاثَةُ مَدَاخِلَ
المَدْخَلُ الأوَّلُ : أهَمِيَّةُ طَلَبِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ
المَدْخَلُ الثَّانِي : فَضْلُ عُلُوْمِ الغَايَةِ عَلَى عُلُوْمِ الآلَةِ
المَدْخَلُ الثَّالثِ : وفِيْه أرْبَعُ طَلائِعَ
المَدْخَلُ الأوَّلُ
أهَمِّيَةُ طَلَبِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ
نَعَمْ؛ فإنَّ النَّاسَ أحْوَجُ إلى العِلْمِ مِنْهُم إلى الطَّعَامِ والشَّرَابِ، لاسِيَّمَا هَذِه الأيَّامَ الَّتِي نَطَقَ فِيْها الرُّوَيْبِضَةُ، ونَعَقَ بَيْنَها غُرَابُ الصَّحَافَةِ، مَعَ نَفَثَاتِ المُرْجِفِيْنَ، وتَخْذِيْلِ المُتَعَالِمِيْنَ!
قَالَ اللهُ تَعَالَى :"قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُوْنَ والَّذِيْنَ لا يَعْلَمُوْنَ إنَّما يَتَذَكَّرُ ألٌوا الألْبَابِ"[الزمر9]، وقَالَ تَعَالَى : "يَرْفَعِ اللهُ الَّذِيْنَ أمَنُوا مِنْكُم والَّذِيْنَ أُتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ"[المجادلة11] .(1/6)
وعَنْ أبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ يَقُوْلُ : "مَنْ سَلَكَ طَرِيْقًا يَلْتَمِسُ فِيْه عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَه طَرِيْقًا إلى الجَنَّةِ، وإنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَها لطَالِبِ العِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ، وإنَّ العَالِمَ ليَسْتَغْفِرُ لَه مَنْ فِي السَّمَواتِ ومَنْ فِي الأرْضِ حَتَّى الحِيْتَانَ فِي المَاءِ، وفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وإنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، إنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِيْنَارًا ولا دِرْهَمًا إنَّمَا ورَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أخَذَهُ أخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ"(1)، وقَالَ أيْضًا : "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِه خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّيْنِ"(2)!
قَالَ عَلَيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ رَضِي اللهُ عَنْه(3):
النَّاسُ فِي جِهَةِ التَّمْثِيْلِ أكْفَاءُ أبُوْهُمُ آدَمُ والأُمُّ حَوَّاءُ
__________
(1) أخْرَجَهُ أحْمَدُ (5/196)، وابنُ مَاجَه (225)، وأبُو دَاوُدَ (3641)، وهُوَ حَسَنٌ بشَوَاهِدِه.
تَنْبِيْهٌ : انْظُرْ لِزَامًا شَرْحَ هَذَا الحَدِيْثِ لابنِ رَجَبٍ الحَنْبَلِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، فِي رِسَالَتِه "شَرْحِ حَدِيْثِ أبِي الدَّرْدَاءِ"، فَفِيْه مِنَ الدُّرَرِ والجَوَاهِرِ ما يُعْقَدُ عَلَيْها الخَنَاصِرُ، وهُوَ كَذَلِكَ!
(2) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1/27)، ومُسْلِمٌ (3/95).
(3) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/218 )، وبَعْضُ المُحَقِّقِيْنَ يَنْسِبُ هَذِه الأبْيَاتِ إلى عَلِيِّ بنِ أبِي طَالِبٍ القَيْرَوَانِيِّ .
تَنْبِيْهٌ : العَامَّةُ تَقُوْلُ :"قِيْمَةُ كُلِّ امْرئٍ مَا يُحْسِنُ"، والخَاصَّةُ تَقُوْلُ : "قِيْمَةُ كُلِّ امْرئٍ مَا يَطْلُبُ"!(1/7)
نَفْسٌ كَنَفْسٍ وأرْوَاحٌ مُشَاكِلَةٌ وأعْظُمٌ خُلِقَتْ فِيْهِم وأعْضَاءُ
فإنْ يَكُنْ لَهُم مِنْ أصْلِهِم حَسَبٌ يُفَاخِرُوْنَ بِه فالطِّيْنُ والمَاءُ
مَا الفَضْلُ إلاَّ لأهْلِ العِلْمِ إنَّهُم عَلَى الهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أدِلاءُ
وقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُه وللرِّجَالِ عَلَى الأفْعَالِ أسْمَاءُ
قَالَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : "العِلْمُ ذَكَرٌ يُحِبُّهُ ذُكُوْرَةُ الرِّجَالِ، ويَكْرَهُهُ مُؤنَّثُوْهُم"(1).
أرَادَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : أنَّ العِلْمَ أرْفَعُ المَطَالِبِ وأجَلُّهَا، كَمَا أنَّ الذُّكُوْرَ أفْضَلُ مِنَ الإنَاثِ ، فألِبَّاءُ الرِّجَالِ وأهْلُ التَّمْيِيْزِ مِنْهُم يُحِبُّوْنَ العِلْمَ، ولَيْسَ كالرَّأيِّ السَّخِيْفِ الَّذِي يُحِبُّه سُخَفَاءُ الرِّجَالِ، فَضَرَبَ التَّذْكِيْرَ والتَّأنِيْثَ مَثَلاً (2).
فَعِنْدَها عَلَيْكَ يا هَذَا : بِمُرَافَقَةِ الأمْوَاتِ الَّذِيْنَ هُم فِي العَالَمِ أحْيَاءٌ؛ فإنَّهُم يَدُلُّوْكَ السَّبِيْلَ، واحْذَرْ مِنْ مُرَافَقَةِ الأحْيَاءِ الَّذِيْنَ هُمْ فِي النَّاسِ أمْوَاتٌ؛ فإنَّهُم يُضِلُّوْكَ الطَّرِيْقَ!
ولا تَنْسَ قَوْلَ ابنِ مَسْعُوْدٍ رَحِمَهُ اللهُ : "مَنْ كَانَ مُسَّتَنًّا؛ فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فإنَّ الحَيَّ لا تُؤْمَنُ عَلَيْه الفِتْنَةُ"!
* * *
__________
(1) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/251)، و"الحِلْيَةَ" لأبِي نُعَيْمٍ (3/365)، و"شَرَفَ أصْحَابِ أهْلِ الحَدِيْثِ" للخَطِيْبِ البَغْدَادِيِّ (70-71)، وبَعْضُهم يَنْسِبُها لعَلِيِّ بنِ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، انْظُرْ "المَجْمُوْعَ" للنَّوَوِيِّ (1/41) .
(2) انْظُرْ "المُجَالَسَةَ" لأبِي بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيِّ (3/426-427) بنَحْوِه .(1/8)
ومِنْ مُسْتَجَادِ مَا قِيْلِ فِي فَضْلِ أهْلِ العِلْمِ، مَا خَطَّهُ يَرَاعُ الآجُرِّيِّ رَحِمَهُ اللهُ؛ إذْ يَقُوْلُ عَنْهُم : "فَضْلُهُم عَظِيْمٌ، وخَطَرُهُم جَزِيْلٌ، وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، وقُرَّةُ عَيْنِ الأوْلِيَاءِ، الحِيْتَانُ فِي البِحَارِ لَهُم تَسْتَغْفِرُ، والمَلائِكَةُ بأجْنِحَتِها لَهُم تَخْضَعُ، والعُلَمَاءُ فِي القِيَامَةِ بَعْدَ الأنْبِيَاءِ تَشْفَعُ، مَجَالِسُهُم تُفِيْدُ الحِكْمَةَ، وبأعْمَالِهِم يَنْزَجِرُ أهْلُ الغَفْلَةِ .
هُمْ أفْضَلُ مِنَ العُبَّادِ، وأعْلَى دَرَجَةً مِنَ الزُّهَّادِ، حَيَاتُهُم غَنِيْمَةٌ، ومَوْتُهُم مُصِيْبَةٌ، يُذَكِّرُوْنَ الغَافِلَ، ويُعَلِّمُوْنَ الجَاهِلَ، لا يُتَوَقَّعُ لَهُم بائِقَةٌ، ولا يُخَافُ مِنْهُم غَائِلَةٌ، بِحُسْنِ تَأدِيْبِهِم يَتَنَازَعُ المُطِيْعُوْنَ، وبِجَمِيْلِ مَوْعِظَتِهِم يَرْجِعُ المُقَصِّرُوْنَ ... !
فَهُم سِرَاجُ العِبَادِ، ومَنَارُ البِلادِ، وقِوَامُ الأمَّةِ، ويَنَابِيْعُ الحِكْمَةِ، هُمْ غَيْظُ الشَّيْطَانِ، بِهِم تَحْيَا قُلُوْبُ أهْلِ الحَقِّ، وتَمُوْتُ قُلُوْبُ أهْلِ الزَّيْغِ، مَثَلُهُم فِي الأرْضِ كَمَثَلِ النُّجُوْمِ فِي السَّمَاءِ، يُهْتَدَى بِها فِي ظُلُمْاتِ البَرِّ والبَحْرِ، إذا انْطْمَسَتِ النُّجُوْمُ تَحَيَّرُوا، وإذا أسْفَرَ عَنْها الظَّلامُ أبْصَرُوا"(1) انْتَهَى .
__________
(1) انْظُرْ "أخْلاقَ العُلَمَاءِ" للآجُرِّي (14- 15) .(1/9)
ومَهْمَا يَكُنْ؛ فَلا تَحْزَنْ يا طَالِبَ العِلْمِ !، عَلَى ظُهُوْرِ الجَهْلِ، وقِلَّةِ العِلْمِ، وقَبْضِ العُلَمَاءِ، واتِّخَاذِ النَّاسِ رُؤوْسًا جُهَّالاً فَضَلُّوا وأضَلُّوا ... فَيَا هَذَا عَلَيْكَ بِزَادِ الأنْبِيَاءِ، وغِذَاءِ العُقَلاءِ : عِلْمٌ يَنْفَعٌ، وعَمَلٌ يُرْفَعُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى "إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِيْنَ"[المائدة27]. وكَذَا : "إلَيْه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه" [فاطر10] ، واعْلَمْ :"إنَّ اللهَ لا يُضِيْعُ أجْرَ المُحْسِنِيْنَ" [التوبة12] .
* * *
وبَعْدُ؛ فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لَكَ يا طَالِبَ العِلْمِ مَخْرَجًا؛ فَكُنْ رَابَعَ أرْبَعَةٍ : عَالِمًا، أو مُتَعَلَّمًا، أو مُسْتَمِعًا، أو مُحِبًّا، وأُعِيْذُكَ باللهِ أنْ تَكُنَ الخَامِسَ فَتَهْلَكَ !، وهُوَ مُعَادَاةُ أهْلِ العِلْمِ، أو بُغْضُهُم!
وهَاكَ مِنْ شَذَاتِ العِلْمِ وفَضَائِلِه، مَا قَالَهُ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :"تَعَلَّمُوا العِلْمَ فإنَّ تَعَلُّمَه للهِ خَشْيَةٌ، وطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، ومُدَارَسَتَهُ تَسْبِيْحٌ، والبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وتَعْلِيْمَه لِمَنْ لا يَعْلَمُ صَدَقَةٌ، وبَذْلَهُ لأهْلِهِ قُرْبَةٌ!
لأنَّه مَعَالِمُ الحَلالِ والحَرَامِ، والأنِيْسُ فِي الوَحْشَةِ، والصَّاحِبُ فِي الخَلْوَةِ، والدَّلِيْلُ عَلَى السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، والزَّيْنُ عِنْدَ الأخِلاَّءِ، والقُرْبُ عِنْدَ الغُرَبَاءِ .(1/10)
يَرْفَعُ اللهُ بِه أقْوَامًا فَيَجْعَلَهُم فِي الخَلْقِ قُدَاةً يُقْتَدَى بِهِم، وأئِمَّةً فِي الخَلْقِ تُقْتَصُّ آثَارُهُم، ويُنْتَهَى إلى رَأيِهِم، وتَرْغَبُ المَلائِكَةُ فِي حُبِّهِم؛ بأجْنِحَتِهِم تَمْسَحُهُم، حَتَّى كُلُّ رَطِبٍ ويَابِسٍ لَهُم مُسْتَغْفِرٌ، حَتَّى حِيْتَانُ البَحْرِ وهَوَامُه، وسِبَاعُ البَرِّ وأنْعَامُه، والسَّمَاءُ ونُجُوْمُها؛ لأنَّ العِلْمَ حَيَاةُ القُلُوْبِ مِنَ العَمَى، ونُوْرُ الأبْصَارِ مِنَ الظُّلَمِ، وقُوَّةُ الأبْدَانِ مِنَ الضَّعْفِ .
يَبْلُغُ بِه العَبْدُ مَنَازِلَ الأحْرَارِ ومُجَالَسَةَ المُلُوْكِ، والدَّرَجَاتِ العُلَى فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، والفِكْرُ بِه يُعْدَلُ بالصِّيَامِ، ومُدَارَسَتُه بالقِيَامِ!
بِه يُطَاعُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ، وبِه يُعْبَدُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ، وبِه تُوْصَلُ الأرْحَامُ، وبِه يُعْرَفُ الحَلالُ مِنَ الحَرَامِ، إمَامُ العَمَلِ، والعَمَلُ تَابِعُه، يُلْهَمُهُ السُّعَدَاءُ، ويُحْرَمُهُ الأشْقِيَاءُ"(1) انْتَهَى .
* * *
__________
(1) انْظُرْ "أخْلاقَ العُلَمَاءِ" للآجُرِّي (37)، و"جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابنِ عَبْدِ البَرِّ (1/55)، و"تَذْكِرَةَ السَّامِعِ والمُتَكَلِّمِ" لابنِ جَمَاعَةَ (11)، و"شَرْحَ حَدِيْثِ أبِي الدَّرْدَاءِ" لابنِ رَجَبٍ (38) وفِيْهِ ضَعْفٌ .(1/11)
فَلأجْلِ هَذَا؛ أحْبَبْتُ أنْ أطْرُقَ هَذِه الجَادَّةَ العِلْمِيَّةَ؛ عَسَانِي أدُلُّ السَّالِكَ، وأحُثُّ الهِمَمَ إلى طَرْقِ بَابِ العِلْمِ، دُوْنَمَا إعْيَاءٍ وكِلالٍ، وطُوْلٍ ومِلالٍ، قَدْ لا يُحَصِّلُ شَادِي العِلْمِ فِيْه كَبِيْرَ فَائِدَةٍ، أو عَظِيْمَ عَائِدَةٍ، أو غَيْرَه مِنْ مَبَاغِي العِلْمِ ومَنَارَاتِه؛ مِمَّا نَدَّتْ عَنْهُ أكْثَرُ أطَارِيْحِ أهْلِ زَمانِنَا؛ لِجَهْلِهِم بطَرَائِقِ الطَّلَبِ ومَدَارِجِهِ الآخِذَةِ برِقَابِ العِلْمِ؛ فَنًّا بَعْدَ فَنٍّ، وبَابًا قَبْلَ بَابٍ، وهَكَذا دَوَالَيْكَ مِمَّا هُوَ طَوْعُ يَدَيْكَ!
وهَذَا مَا ذَكَرَه ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ بِقَوْلِه : "الجَهْلُ بالطَّرِيْقِ وآفَاتِهِا والمَقْصُوْدِ : يُوْجِبُ التَّعَبَ الكَثِيْرَ مَعَ الفَائِدَةِ القَلِيْلَةِ"(1)، وقَدْ قِيْلَ : مَنْ لَمْ يُتْقِنْ الأُصُوْلَ؛ حُرِمَ الوُصُوْلَ"، و"مَنْ حُرِمَ الدَّلِيْلَ، ضَلَّ السَّبِيْلَ" !
وعَنْ يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدٍ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ شِهَابٍ : " يا يُوْنُسُ! لا تُكَابِرَ العِلْمَ، فإنَّمَا هُوَ أوْدِيَةٌ، فأيُّها أخَذَتْ فِيْه قَبْلَ أنْ تَبْلُغَهُ قُطِعَ بِكَ، ولَكِنْ خُذْهُ مَعَ اللَّيَالِي والأيَّامِ"(2) .
__________
(1) "الفَوَائِدُ" لابنِ القَيِّمِ (304) .
(2) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/431 ) .(1/12)
ورَحِمَ اللهُ الزَّرْنُوجِيَّ حَيْثُ قَطَعَ عَنِّي حَبَائِلَ الرَّهْبَةِ، ورَفَعَ عِنْدِي آمَالَ الرَّغْبةِ، بقَوْلِه : "فلَمَّا رَأيْتُ كَثِيْرًا مِنْ طُلابِ العِلْمِ فِي زَمَانِنا يَجِدُّوْنَ إلى العِلْمِ ولا يَصِلُوْنَ، ومِنْ مَنَافِعِه وثَمَرَاتِهِ يُحْرَمُوْنَ، لِمَا أنَّهُم أخْطَئُوا طَرَائِقَه، وتَرَكُوا شَرَائِطَه، وكُلُّ مَنْ أخْطأ الطَّرِيْقَ ضَلَّ، ولا يَنَالُ المَقْصُوْدَ قَلَّ أو جَلَّ"(1) انْتَهَى .
وكَذَا مَا هُنَاكَ مِنْ تَنَابِيْهَ تَدْفَعُ بِمِثْلِي، فِي صُنْعِ هَذَا المَنْهَجِ، وهُوَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الحَنَابِلَةِ في عَصْرِه ابنُ بَدْرَانَ رَحِمَهُ اللهُ بقَوْلِه : " اعْلَمْ أنَّ كَثِيْرًا مِنَ النَّاسِ يَقْضُوْنَ السِّنِيْنَ الطِّوَالَ في تَعَلُّمِ العِلْمَ، بَلْ في عِلْمٍ وَاحِدٍ، ولا يُحَصِّلُوْنَ مِنْه عَلَى طَائِلٍ، ورُبَّمَا قَضَوْا أعْمَارَهُم فِيْه، ولَمْ يَرْتَقُوا عَنْ دَرَجَةِ المُبْتَدِئِيْنَ، وإنَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ لأحَدِ أمْرَيْنِ :
أحَدَهُما : عَدَمُ الذَّكَاءِ الفِطْرِيِّ، وانْتِفَاءُ الإدْرَاكِ التَّصَوُّرِي، وهَذَا لا كَلامَ لَنَا فِيْه، ولا فِي عِلاجِه، والثَّانِي : الجَهْلُ بِطُرُقِ التَّعْلِيْمِ"(2).
قَالَ ابْنُ أغْنَسَ(3) :
مَا أكْثَرَ العِلْمَ ومَا أوْسَعَه مَنَ الَّذِي يَقْدِرُ أنْ يَجْمَعَه
إنْ كُنْتَ لا بُدَّ لَهُ طَالِبًا مُحَاوِلاً فالْتَمِسْ أنْفَعَه
* * *
__________
(1) "تَعْلِيْمُ المُتَعَلِّمِ" للزَّرْنُوجي (53) .
(2) "المَدْخَلُ" لابنِ بَدْرَانَ (485) .
(3) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/437) .(1/13)
ومَعَ هَذَا؛ فإنّّنا لَمْ نَزَلْ ( للأسَفِ ! )، نَرَى كَثِيْرًا مِنْ أهْلِ زَمَانِنَا مِمَّنْ تَصَدَّرَ للعِلْمِ والتَّعْلِيْمِ؛ لا يَسْتَأخِرُوْنَ سَاعَةً فِي تَعْسِيْرِ العِلْمِ عَلَى المُبْتَدِئِيْنَ، وتَنْفِيْرِ المُقْبِلِيْنَ عَلَيْه، وذَلِكَ بتَفْرِيْعِ أُصُوْلِه، وتَشْقِيْقِ فُرُوْعِه، مَا يَقْضِي بِقَطْعِ الطَّرِيْقِ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ، وحِرْمَانِ الكَثِيْرِ مِنْ دُرُوْسِ العِلْمِ ... فَتَارَةً نَجِدُهُم يَتَوَسَّعُوْنَ لَهُم فِي المُخْتَصَرَاتِ، وتَارَةً يَتَكَلَّفُوْنَ لَهُم فِي الكَلِمَاتِ، فلَكُمُ اللهُ يا طُلابَ العِلْمِ مِنْ زَبَدِ المُدَرِّسِيْنَ، وسَوَالِبِ المُتَفَيْقِهِيْنَ!
يَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى : "ومَا جَعَلَ عَلَيْكُم فِي الدِّيْنِ مِنْ حَرَجٍ"[الحج78]، وقَالَ أيْضًا عَنْ نَبِيِّهِ عَلَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ : "قُلْ مَا أسْألُكُم عَلَيْه مِنْ أجْرٍ ومَا أنا مِنَ المُتَكَلِّفِيْنَ"[ص86] .
وقَالَ عَلَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ : "إنَّ الدِّيْنَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّيْنَ أحَدٌ إلاَّ غَلَبَهُ، فسَدِّدُوا وقَارِبُوا وأبْشِرُوا واسْتَعِيْنُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ"(1)!
وقَالَ الإمَامُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَه اللهُ : " إنَّمَا العِلْمُ عِنْدَنا الرُّخْصَةُ مِنْ ثِقَةٍ، فأمَّا التَّشْدِيْدُ فَيُحْسِنُه كُلُّ أحَدٍ"(2) .
* * *
__________
(1) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (39) .
(2) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/784) .(1/14)
وهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْه ابنُ بَدْرَانَ عِنْدَ قَوْلِهِ : " وهَذَا (الجَهْلُ بِطُرُقِ التَّعْلِيْمِ) وَقَعَ فِيْه غَالِبُ المُعَلِّمِيْنَ، فَتَرَاهُم يَأتِي إلَيْهِم الطَّالِبُ المُبْتَدِئ ليَتَعَلَّمَ النَّحْوَ مَثَلاً فيُشْغِلُوْنَه بالكَلامِ عَلَى البَسْمَلَةِ، ثُمَّ عَلَى الحَمْدَلَةِ أيَّامًا بَلْ شُهُوْرًا، لِيُوْهِمُوْهُ سِعَةَ مَدَارِكِهِم، وغَزَارَةَ عِلْمِهِم، ثُمَّ إذا قُدِّرَ لَهُ الخَلاصُ مِنْ ذَلِكَ، أخَذُوا يُلَقِّنُوْهُ مَتْنًا أو شَرْحًا بِحَوَاشِيْهِ وحَوَاشِي حَوَاشِيْه، ويَحْشُرُوْنَ لَه خِلافَ العُلَمَاءِ، ويُشْغِلُوْنَه بكَلامِ مَنْ رَدَّ عَلَى القَائِلِ، ومَا أُجُيْبَ بِه عَنِ الرَّدِّ، ولا يَزَالُوْنَ يَضْرِبُوْنَ لَه عَلَى ذَلِكَ الوَتَرِ، حَتَّى يَرْتَكِزَ فِي ذِهْنِه أنَّ نَوَالَ هَذَا الفَنِّ مِنْ قَبِيْلَ الصَّعْبِ الَّذِي لا يَصِلُ عَلَيْه إلاَّ مَنْ أُوْتِي الوَلايَةَ، وحَضَرَ مَجْلِسَ القُرَبِ والاخْتِصَاصِ، هَذَا إذَا كَانَ المُلَقِّنُ يَفْهَمُ ظَاهِرًا مِنْ عِبَارَاتِ المُصَنِّفِيْنَ !" (1) انْتَهَى .
فَلا يَضِيْقُ صَدْرَكُ يا طَالِبَ العِلْمِ بِمَا هُنَا؛ فَكُلُّ مَا رَسَمْنَاهُ في ( المَنْهَجِ العِلْمِي )، لَمْ يَكُنْ زَبَدًا يَقْذِفُه طَيْشُ الفِكْرِ، أو رَذَاذَاتٍ يَلْفِظُها رَأسُ القَلَمِ... بَلْ إنَّها مَعَالِمُ سَلَفِيَّةٌ، وتَجَارُبُ عِلْمِيَّةٌ، قَدَ فَرَضَتْها الأمَانَةُ العِلْمِيَّةُ والنَّصِيْحَةُ الأخَوِيَّةُ، كَمَا قَالَه ابنُ بَدْرَانَ رَحِمَه اللهُ : " طُرُقُ التَّعْلِيْمِ أمْرٌ ذَوْقِيٌّ، وأمَانَةٌ مُوْدَعَةٌ عِنْدَ الأسَاتِذَةِ، فَمَنْ أدَّاهَا أُثِيْبَ عَلَى أدَائِها، ومَنْ جَحَدَها كَانَ مُطَالَبًا بِهَا"(2) انْتَهَى.
__________
(1) "المَدْخَلُ" لابْنِ بَدْرَانَ (485) .
(2) السَّابِقُ (491) .(1/15)
قَالَ ابنُ القَيَّمِ رَحِمَهُ اللهُ : "وفِيْهِ تَنْبِيْهٌ للعُلَماءِ عَلى سُلُوْكِ هَدْي الأنْبِيَاءِ وطَرِيْقَتِهِم في التَّبْلِيْغِ؛ مِنَ الصَّبْرِ والاحْتِمَالِ، ومُقَابَلَةِ إسَاءةِ النَّاسِ بالإحْسَانِ، والرِّفْقِ بِهِم، واسْتِجْلابِهِم إلى اللهِ بأحْسَنِ الطُّرُقِ، وبَذْلِ مَا يُمْكِنُ مِنَ النَّصِيْحَةِ لَهُم؛ فإنَّهُ بذَلِكَ يَحْصُلُ لَهْم نَصِيْبُهُم مِنَ هَذا المِيْرَاثِ العَظِيْمِ قَدْرُهُ، الجَلِيْلِ خَطَرُهُ"(1) انْتَهَى .
* * *
ومَا أحْسَنَ مَا قَالَهُ الزَّرْنُوجِيَّ رَحِمَه اللهُ تَعَالَى : "ويَنْبَغِي لطَالِبِ العِلْمِ أنْ لا يَخْتَارَ نَوْعَ العِلْمِ بنَفْسِهِ؛ بَلْ يفوِّضُ أمْرَه عَلى الأُسْتَاذِ، فإنَّ الأُسْتَاذَ قَدْ حَصَلَ لَهُ التَّجَارُبُ فِي ذَلِكَ فَكَانَ أعْرَفَ بِمَا يَنْبَغِي لِكُلِّ أحَدٍ ومَا يَلِيْقُ بِطَبِيْعَتِه، وكَانَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّيْنِ يَقُوْلُ رَحِمَهُ اللهُ : كَانَ طَلَبَةُ العِلْمِ فِي الزَّمَنِ الأوَّلِ يُفَوِّضُوْنَ أمْرَهُم فِي التَّعَلُّمِ إلى أُسْتَاذِهِم، وكَانُوا يَصِلُوْنَ إلى مَقْصُوْدِهِم ومُرَادِهِم، والآنَ يَخْتَارُوْنَ بأنْفُسِهِم، فَلا يَحْصُلُ مَقْصُوْدُهُم مِنَ العِلْمِ والفِقْهِ"(2) انْتَهَى .
نَعَم؛ فإنَّه لا يَهْتَزُّ للعِلْمِ إلاَّ نُفُوْسٌ أبِيَّةٌ، قَدِ ارْتَاضَتْ عَلَى الأنَفَةِ والعِزِّةِ، وعُلُوِّ الهِمَّةِ والقَدْرِ، وأنِفَتْ مِنْ مَعَرَّةِ الجَهْلِ، ومَرَاتِعِ الذُّلِّ والهَوَانِ، وسَئِمْتْ تِيْهَ الحَيْرَةِ والتَّبَعِيَّةِ المَقِيْتَةِ!
المَدْخَلُ الثَّانِي
__________
(1) "مِفْتَاحُ دَارِ السَّعَادَةِ" (1/262).
(2) "تَعْلِيْمُ المُتَعَلِّمِ" للزَّرْنُوجي (79) .(1/16)
فَضْلُ عُلُوْمِ الغَايَةِ عَلَى عُلُوْمِ الآلَةِ(1)
اعْلَمْ ( رَحِمَنِي اللهُ وإيَّاكَ! )، إنَّ َبَعْضَ المُتَصَدِّرِيْنَ للتَّعْلِيْمِ والتَّصْنِيْفِ، قَدْ تَوَسَّعُوا كَثِيْرًا فِي دُرُوْسِهِم العِلْمِيَّةِ مِنَ العُلُوْمِ الآليَّةِ تَوَسُّعًا مَشِيْنًا؛ مِمَّا كَانَ لَهُ أثَرٌ وتَأثِيْرٌ بَالِغَانِ عَلَى عُلُوْمِ الغَايَةِ، مَا جَعَلَ بَعْضَ طُلابِ العِلْمِ يَقِفُوْنَ فِي مُنْتَصَفِ الطَّرِيْقِ، لا عِلْمًا حَصَّلُوا، ولا فَنًّا أصَّلُوا ... !
لأجْلِ هَذَا؛ فاعْلَمْ يَا طَالِبَ العِلْمِ أنَّني لَمْ أفْتَحْ عَلَيْكَ بَابًا وَاسِعًا مِنَ العِلْمِ، بِحَسْبِكَ مِنْه البُلْغَةُ، ولَمْ أُضَيِّقْ عَلَيْكَ وَاسِعًا بِحَسْبِكَ مِنه الغَايَةُ، وذَلِكَ عِنْدَ اقْتِصَارِنا : عَلَى بَعْضِ عُلُوْمِ الآلَةِ الَّتِي فِيْها الكِفَايَةُ والمَقْنَعُ، أمَّا عُلُوْمُ الغَايَةِ فَلا حَدَّ فِيْها ولا نِهَايِةً!
* * *
__________
(1) عُلُوْمُ الغَايَةِ مِثْلُ : العَقِيْدَةِ، والحَدِيْثِ، والفِقْهِ، والتَّفْسِيْرِ...، وعُلُوْمُ الآلَةِ مِثْلُ : النَّحْوِ، واللُّغَةِ، وأُصُوْلِ الفِقْهِ، ومُصْطَلَحِ الحَدِيْثِ، والمَنْطِقِ ... إلَخْ .(1/17)
ومَا أحْسَنَ مَا ذَكَرَهُ العَلامَةُ ابنُ خُلْدُونٍ رَحِمَهُ اللهُ فِيْما نَحْنُ بِصَدَدِهِ؛ إذْ يَقُوْلُ : "فأمَّا العُلُوْمُ الَّتِي هِيَ مَقَاصِدُ فَلا حَرَجَ فِي تَوَسُّعِهِ الكلامَ فِيْها، وتَفْرِيْعِ المَسَائِلِ، واسْتِكْشَافِ الأدِلَّةِ والأنْظَارِ، فإنَّ ذَلِكَ يَزِيْدُ طَالِبَها تَمَكُّنًا فِي مَلَكَتِه وإيْضَاحًا لِمَعانِيْها المَقْصُوْدَةِ، وأمَّا العُلُوْمُ الَّتِي هِيَ آلَةٌ لِغَيْرِها : مِثْلُ العَرَبِيَّةِ والمَنْطِقِ وأمْثَالِهِما؛ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُنْظَرَ فِيْها إلاَّ مِنْ حَيْثُ هِي آلَةٌ لِذَلِكَ الغَيْرِ فَقَطُ، ولا يُوَسَّعُ فِيْها الكَلامُ، ولا تُفَرَّعُ المَسَائِلُ؛ لأنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ بها عَنِ المَقْصُوْدِ، إذِ المَقْصُوْدُ مِنْها مَا هِي آلةٌ لَهُ لا غَيْرُ، فكُلَّمَا خَرَجَتْ عَنْ ذَلِكَ؛ خَرَجَتْ عَنِ المَقْصُوْدِ، وصَارَ الاشْتِغَالُ بِهَا لَغْوًا، مَعَ مَا فِيْه مِنْ صُعُوْبَةِ الحُصُوْلِ عَلَى مَلَكَتِها بِطُوْلِها وكَثْرَةِ فُرُوْعِها، ورُبَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ عَائِقًا عَنْ تَحْصِيْلِ العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ لِطُوْلِ وَسَائِلِها؛ مَعَ أنَّ شَأنَها أهَمُّ، والعُمُرُ يَقْصُرُ عَنْ تَحْصِيْلِ الجَمِيْعِ عَلَى هَذِه الصُّوْرَةِ، فَيَكُوْنُ الاشْتِغَالُ بِهَذِه العُلُوْمِ الآلِيَّةِ تَضْيِيْعًا للعُمُرِ وشُغُلاً بِمَا لا يُغْنِي!(1/18)
وهَذَا كَمَا فَعَلَهُ المُتَأخِّرُوْنَ فِي صِنَاعَةِ النَّحْوِ، وصِنَاعَةِ المَنْطِقِ، لا بَلْ وأُصُوْلِ الفِقْهِ؛ لأنَّهُم أوْسَعُوا دَائِرَةَ الكَلامِ فِيْها نَقْلاً واسْتِدْلالاً، وأكْثَرُوا مِنَ التَّفَارِيْعِ والمَسَائِلِ بِمَا أخْرَجَها عَنْ كُوْنِها آلَةً، وصَيَّرَها مَقْصُوْدَةً بذَاتِها، ورُبَّما يَقَعُ فِيْها لذَلِكَ أنْظَارٌ ومَسَائِلُ لا حَاجَةَ بِها فِي العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ، فتَكُوْنَ لأجْلِ ذَلِكَ مِنْ نَوْعِ اللَّغْوِ، وهِيَ أيْضًا مُضِرَّةٌ بالمُتَعَلِّمِيْنَ عَلَى الإطْلاقِ، لأنَّ المُتَعَلِّمِيْنَ اهْتِمَامَهُم بالعُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ أكْثَرُ مِنِ اهْتِمَامِهِم بِهَذِه الآلاتِ والوَسَائِلِ؛ فإذَا قَطَعُوا العُمُرَ فِي تَحْصِيْلِ الوَسَائِلِ فَمَتَى يَظْفَرُوْنََ بالمَقَاصِدِ ؟، فلِهَذَا يَجِبُ عَلَى المُعَلِّمِيْنَ لِهَذِه العُلُوْمِ الآلِيَّةِ أنْ لا يَسْتَبْحِرُوا فِي شَأنِهَا، ولا يَسْتَكْثِرُوا مِنْ مَسَائِلِها، ويُنَبِّهُ المُتَعَلِّمَ عَلَى الغَرَضِ مِنْها، ويَقِفُ بِهِ عِنْدَهُ، فَمَنْ نَزَعَتْ بِهِ هِمَّتُه بَعْدَ ذَلِكَ إلى شَيْءٍ مِنْ التَّوَغُّلِ ورَأى مِنْ نَفْسِه قِيَامًا بِذَلِكَ وكِفَايَةً بِه؛ فلْيَخْتَرْ لنَفْسِهِ مَا شَاءَ مِنَ المَرَاقِي، صَعْبًا أو سَهْلاً، وكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ"(1) انْتَهَى .
* * *
__________
(1) "المُقَدِّمةُ" لابنِ خُلْدُون (1/622) .(1/19)
وبَعْدَ هَذَا؛ فيُرْجَى مِنْ طُلابِ العِلْمِ الأفَاضِلِ العِنَايَةُ بِهَذا البَرْنَامِجِ عِنَايَةً كَبِيْرَةً؛ لأنَّ العُمُرَ قَصِيْرٌ، والعِلْمَ كَثِيْرٌ، والزَّمنَ يَسِيْرٌ؛ وأنْ يَتَقيَّدُوا به لِحُصُولِ الفَائِدَةِ المرْجُوَّةِ؛ كَمَا أنَّنا وَضَعْنَا بَرْنَامِجْنَا ( المَنْهَجَ العِلْمِيَّ ) عَلَى مَرَاحلَ أرْبَعٍ مُوَافِقَةً للقُدُراتِ العِلْمِيَّةِ إنْ شَاءَ اللهُ، مَعَ بَعْضِ الأضَامِيْمِ العِلْمِيَّةِ، وقَدْ قِيْلَ : ازْدِحَامُ العُلُوْمِ مَضَلَّةُ الفُهُوْمِ؛ لِذَا لَزِمَ الاعْتِكَافُ عَلَيْه مَا أمْكَنَ إلى ذَلِكَ سَبِيْلاً .
يَقُوْلُ ابنُ عَبْدِ البَرِّ رَحِمَهُ اللهُ : "طَلَبُ العِلْمِ دَرَجَاتٌ ومَنَاقِلُ ورُتَبٌ، لا يَنْبَغِي تَعَدِّيْها، ومَنْ تَعَدَّاها جُمْلَةً؛ فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيْلَ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللهُ، ومَنْ تَعَدَّى سَبِيْلَهُم عَامِدًا ضَلَّ، ومَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتَهِدًا زَلَّ !" (1) .
وبمِثْلِه يَقُوْلُ الإمَامُ الزَّبِيْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : "يَجِبُ أنْ لا يَخُوْضَ (طَالِبُ العِلْمِ) فِي فَنٍّ حَتَّى يَتَنَاوَلَ مِنَ الفَنِّ الَّذِي قَبْلَه عَلَى التَّرْتِيْبِ بُلْغَتَه، ويَقْضِي مِنْهُ حَاجَتَه، فازْدِحَامُ العِلْمِ فِي السَّمْعِ مَضَلَّةُ الفَهْمِ .
قَالَ تَعَالَى : "الَّذِيَن آتَيْنَاهُم الكِتَابَ يَتْلُوْنَه حَقَّ تِلاوَتِه"[البقرة121]، أيْ: لا يَتَجَاوَزَوْن فَنًّا حَتَّى يُحْكِمُوْهُ عِلْمًا وعَمَلاً، فَيَجِبُ أنْ يُقَدِّمَ الأهَمَّ فالأهَمَّ مِنْ غَيْرِ إخْلالٍ فِي التَّرْتِيْبِ .
__________
(1) "جَامِعُ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابنِ عَبْدِ البَرِّ (2/166) .(1/20)
وكَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ مُنِعُوْا الوُصُوْلَ لَتَرْكِهِم الأُصُوْلَ؛ وحَقُّهُ أنْ يَكُوْنَ قَصْدُه مِنْ كُلِّ عِلْمٍ يَتَحَرَّاهُ التَّبَلُّغَ بِهِ إلِى مَا فَوْقَه حَتَّى يَبْلُغَ النِّهَايَةَ"(1) انْتَهَى.
قَالَ ابنُ القَيَّمِ رَحِمَهُ اللهُ : "وفِيْهِ أيْضًا تَنْبِيْهٌ لأهْلِ العِلْمِ عَلى تَرْبِيَةِ الأمَّةِ كَما يُرَبِّي الوَالِدُ وَلَدَه؛ فَيُرَبُّوْنَهم بالتَّدْرِيْجِ والتَّرَقِي مِنْ صِغَارِ العِلْمِ إلى كِبَارِهِ، وتَحْمِيْلِهم مِنْه مَا يُطِيْقُوْنَ، كَما يَفْعَلُ الأبُ بوَلَدِهِ الطِّفْلِ في إيْصَالِه الغِذَاءَ إلَيْه؛ فَإنَّ أرْوَاحَ البَشَرِ إلى الأنْبِيَاءِ والرُّسُلِ كالأطْفَالِ بالنِّسْبَةِ إلى آبائِهِم، بَلْ دُوْنَ هَذِه النِّسْبَةِ بكَثِيْرٍ"(2) انْتَهَى .
وقَالَ الزَّرْنُوْجِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : "ويَنْبَغِي أنْ يَبْتَدِئ بِشَيءٍ يَكُوْنُ أقْرَبَ إلى فَهْمِهِ، وكَانَ الشَّيْخُ الأُسْتَاذُ شَرَفُ الدِّيْنِ العُقَيْلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ يَقُوْلُ : الصَّوَابُ عِنْدِي فِي هَذا مَا فَعَلَه مَشَايُخُنا رَحِمَهُمُ اللهُ، فإنَّهم كَانُوا يَخْتَارُوْنَ للمُبْتَدِئ صِغَارَاتِ المَبْسُوْطِ؛ لأنَّه أقْرَبُ إلى الفَهْمِ والضَّبْطِ، وأبْعَدُ مِنَ المَلالَةِ، وأكْثَرُ وُقُوْعًا بَيْنَ النَّاسِ"(3) انْتَهَى .
وقَدْ قِيْلَ : حِفْظُ حَرْفَيْنِ خَيْرٌ مِنْ سَمَاعِ وِقْرَيْنِ ، وفَهْمُ حَرْفَيْنِ خَيْرٌ مِنْ حِفْظِ وِقْرَيْنِ!
__________
(1) "شَرْحُ الإحْيَاءِ" للزَّبِيْدِيِّ (1/334) .
(2) "مِفْتَاحُ دَارِ السَّعَادَةِ" (1/262)، ولي كِتَابٌ وَاسِعٌ بَيَّنْتُ فِيْه حَقِيْقَةَ التَّرْبِيَةِ لُغَةً وشَرْعًا، وخَطَرَها وآثَارَها اليَوْمَ، تَحْتَ عِنْوَانِ : "ظَاهِرَةِ الفِكْرِ التَّربَوْيِّ" .
(3) "تَعْلِيْمُ المُتَعَلِّمِ" للزَّرْنُوجي (79) .(1/21)
والوِقْرُ : : الحِمْلُ الثَّقِيْلُ .
المَدْخَلُ الثَّالِثُ
طَلائِعُ ( المَنْهَجِ العِلْمِيِّ )
هُنَاكَ بَعْضُ الطَّلائِعِ العِلْمِيَّةِ، نَسُوْقُها بَيْنَ يَدَيْ كُلِّ مَنْ رَامَ السَّعْيَ حَثِيْثًا وَرَاءَ (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ)، وحَسْبُكَ أنَّها مُقَدِّمَاتٌ وتَنَابِيْهُ سَابِقَةٌ، وبَصَائِرُ سَائِقَةٌ للطَّالِبِ قَبْلَ الشُّرُوْعِ فِي مُتَابَعَةِ ما هُنَا مِنْ تَرَاتِيْبَ تَنْظِيْمِيَّةٍ، ومَسَالِكَ تَوْضِيْحِيَّةٍ.
لِذَا؛ يُسْتَحْسَنُ بطَالِبِ العِلْمِ أنْ يَعِيْرَها اهْتِمَامًا، وأنْ يَجْعَلَها لِـ(المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) إمَامًا، كُلُّ ذَلِكَ كَيْ يَسْهُلَ عَلَيْه السَّيْرُ، ويَقْرُبَ مِنْه الخَيْرُ، واللهُ مِنْ وَرَاءِ القَصْدِ!
ألا لَنْ تَنَالَ العِلْمَ إلاَّ بسِتَّةٍ سَأُنَبِّئُكَ عَنْ مَجْمُوْعِها ببَيَانِ
ذَكَاءٌ وحِرْصٌ وبُلْغَةٌ وإرْشَادُ أُسْتَاذٍ وطُوْلُ زَمَانِ(1)
* * *
* الطَّلِيْعَةُ الأوْلَى : عَلَى طَالِبِ العِلْمِ؛ أنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ هَذِه المَرَاحِلِ : سِتَّةَ أشْهُرٍ؛ رَجَاءَ أنْ يُتِمَّ (المَنْهَجَ العِلْمِيَّ ) كَامِلاً فِي سَنَتَيْنِ إنْ شَاءَ اللهُ!، ولَهُ أنْ يُتِمَّهُ في أقَلِّ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ أُتِيَ هِمَّةً عَالِيَةً، وعَزِيْمَةً صَادِقَةً، ومِنْ قَبْلُ قَطْعُ العَوَائِقِ، ومَنْعُ الصَّوَارِفِ!، وقَدْ قِيْلَ :
عَلَى قَدْرِ أهْلِ العَزْمِ تَأتِي العَزَائِمُ وتَأتِي عَلَى قَدْرِ الكِرَامِ المَكَارِمُ
__________
(1) انْظُرْ "تَعْلِيْمَ المُتَعَلِّمِ" للزَّرْنُوجي (70)، وقَدْ عَزَاه لعَلِيِّ بنِ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وقِيْلَ إنَّه مَنْسُوبٌ للشَّافِعِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، مَعَ اخْتِلافٍ فِي اللَّفْظِ، انْظُرْ "دِيْوَانَه" (163) .(1/22)
وتَعْظُمُ فِي عَيْنِ الصَّغِيْرِ صِغَارُها وتَصْغُرُ فِي عَيْنِ العَظِيْمِ العَظَائِمُ(1)
ومَنْ ضَاقَ بِه الزَّمَنُ، فَلَه أنْ يَمْدَّ حَبْلاً مِنَ الوَقْتِ مَا يُحِيْطُ بِه ( المَنْهَجَ العِلْمِيَّ)، "فاتَّقُوا اللهَ ما اسْتَطَعْتُم" [ التغابن16]، "ومَا أمَرْتُكُم بِشَيْءٍ؛ فَأْتُوا مِنْه ما اسْتَطَعْتُم"(2)!
* * *
* الطَّلِيْعَةُ الثَّانِيَةُ : كَمَا عَلَيْه؛ مُرَاعَاةُ تَرْتِيْبِ مُطالَعَةِ ودَرْسِ هَذِه الفُنُوْنِ بِحَسَبِ الرُّقُوْمَاتِ التَّسَلْسُلِيَّةِ ... اللَّهُمَّ إذَا كَانَتْ ثَمَّتُ مَصْلَحَةٌ يَرَاهَا طَالِبُ العِلْمِ، مِمَّا تَعُوْدُ عَلَيْه بِفَائِدَةٍ مَرْجُوَّةٍ، أو تَنْشِيْطِ هِمَّةٍ؛ فَلَهُ أنْ يُقَدِّمَ مَا يَشَاءُ، ويُؤَخِّرَ مَا يَشَاءُ .
* * *
* الطَّلِيْعَةُ الثَّالِثَةُ : كَمَا عَلَيْه؛ أنْ يَعْلَمَ أنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا حَوْلَ الكُتُبِ الَّتِي فِي (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) مِنْ أسْمَاءِ المُحُقِّقِيْنَ، وأسْمَاءِ دُوْرِ النَّشْرِ والمَطَابِعِ؛ لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الإلْزَامِ والالْتِزَامِ؛ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الاخْتِيَارِ والانْتِقَاءِ، بَعْدَ عِلْمِنا أنَّها مِنْ أحْسَنِ وأجْوَدِ مَا هُوَ مَوْجُوْدٌ ومُتَدَاوَلٌ بَيْنَ طُلابِ العِلْمِ الآنَ، وهَذَا مَا تَقْتَضِيْهِ النَّصِيْحَةُ الإيْمَانِيَّةُ، والمَحَبَّةُ الأُخَوِيَّةُ .
ومَا لَمْ نَذْكُرْ لَهُ تَحْقِيْقًا أو دَارًا؛ فَحَسْبُنا أنَّه لَمْ تَنَلْهُ يَدُ تَحْقِيْقٍ مِمَّا هِيَ عَلَى شَرْطِ النَّصِيْحَةِ .
لِذَا؛ فَأنْتَ يَا طَالِبَ العِلْمِ فِي حِلٍّ فِيْما تَخْتَارُه وتَرْضَاه مِنْ مُحَقِّقِيْنَ وطَبَعَاتٍ، واللهُ المُوِفِّقُ والهَادِي إلِى سَوَاءِ السَّبِيْلِ .
* * *
__________
(1) انْظُرْ "دِيْوَانَ المُتَنَبِّي" (385) .
(2) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (13/351)، ومُسْلِمٌ (1337) .(1/23)
* الطَّلِيْعَةُ الرَّابِعَةُ : كَمَا عَلَيْه؛ أنْ يَسْتَعِيْنَ باللهِ تَعَالَى فِي شَرْحِ كُتُبِ (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) مِنْ خِلالِ إحْدَى الطُّرُقِ الأرْبَعِ عَلَى وَجْهِ التَّرْتِيْبِ :
الأوْلَى : أنْ يَأخُذَ شَرْحَهَا عَلَى أيْدِي أهْلِ العِلْمِ السَّلَفِيِّيْنَ .
الثَّانِيَةُ : فإنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَلْيَأخُذْ شَرْحَهَا عَلَى أيْدِي طُلابِ العِلْمِ النَّابِغِيْنَ.
الثَّالِثَةُ : فإنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَلْيَأخُذْ شَرْحَهَا مِنْ خِلالِ تَفْرِيْغِ الأشْرِطَةِ الشَّارِحَةِ لَهَا إنْ وُجِدَ، وأخُصُّ مِنْها شُرُوْحَاتِ شَيْخِنا العَلامَةِ مُحَمَّدٍ العُثَيْمِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ .
الرَّابِعَةُ : فإنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَلْيَأخُذْ شَرْحَهَا عَنْ طَرِيْقِ القِرَاءةِ المُتَأنِيَّةِ، وسُؤالِ أهْلِ العِلْمِ عَمَّا يُشْكِلُ عَلَيْه، لاسِيَّما أنَّ بَعْضَ البِلادِ قَدْ عَزَّ فِيْها الشَّيْخُ الرَّبَّانِيُّ، واللهُ المُسْتَعَانُ!
ولا تَنْسَ عِلْمَ السَّلَفِ إذْ كَانَ : بقَلْبٍ عَقُوْلٍ، ولِسَانٍ سَؤُوْلٍ!
* * *
وأخِيْرًا؛ فَهَاكَ يَا طَالِبَ العِلْمِ ( المَنْهَجَ العِلْمِيَّ ) مَعَ مَا كَتَبْنَاهُ لَكَ مِنْ مُقَدِّمَةٍ عِلْمِيَّةٍ، تُبَصِّرُكَ عَلَى سَوَاءٍ في خِطَّةٍ تَوْضِيْحِيَّةٍ؛ عَسَاهَا تَجِدُ لَدَيْكَ قَلْبًا وَاعِيًا، وأُذُنًا صَاغِيَةً، ومِنْ قَبْلُ هِمَّةً عَاليَةً، وما التَّوْفِيْقُ إلاَّ باللهِ تَعَالَى .
البَابُ الأوَّلُ
المَرَاحِلُ العِلْمِيَّةُ
وفِيْه أرْبَعُ مَرَاحِلَ عِلْمِيَّةٍ
المَرْحَلَةُ الأُوْلَى
1ـ حِفْظُ جُزْأيْنِ "عَمَّ وتَبَارَكَ" مِنَ القُرْآنِ الكَرِيْمِ(1) .
2ـ حِفْظُ "الأرْبَعِيْنَ النَّوَوِيَّةِ"، مَعَ زِيَادَاتِ ابنْ رَجَبٍ الحَنْبَلِي .
__________
(1) قِرَاءةُ وحِفْظُ القُرْآنِ الكَرِيْمِ لا يَكُوْنُ إلاَّ عَنْ طَرِيْقِ التَّلْقِيْنِ مُبَاشَرَةً!(1/24)
3ـ قِرَاءةُ "حَاشِيَةِ ثَلاثَةِ الأُصُوْلِ" للشِّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَاسِمِ.
4ـ قِرَاءةُ "شَرْحِ كَشْفِ الشُّبُهَاتِ" لشَيْخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيْمِينَ .
5ـ قِرَاءةُ "قُرَّةُ عُيُوْنِ المُوَحِّدِيْنَ" شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيْدِ للشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَنَ آلِ الشَّيْخِ .
6ـ قِرَاءةُ "العُبُوْدِيَّةِ" لابْنِ تَيْمِيَةَ، تَحْقِيْقُ عَلَيِّ بنِ حَسَنَ الحَلَبِيِّ.
7ـ قِرَاءةُ "المُقَدِّمَةِ الآجُرُّوْمِيَّةِ" مِنْ خِلالِ شَرْحِ شَيْخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيْمِينَ عَبْرَ الأشْرِطَةِ(1)، مَعَ مَلْحُوظةِ تَفْرِيْغِ مَا يَحْتَاجُه طَالِبُ العِلْمِ(2) .
8ـ قِرَاءةُ "الأُصُوْلِ مِنْ عِلْمِ الأُصُوْلِ" مِنْ خِلالِ شَرْحِ شَيْخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيْمِينَ عَبْرَ الأشْرِطَةِ، مَعَ مَلْحُوظةِ : حِفْظِ التَّعْرِيْفَاتِ حِفْظًا تَامًا، وتَفْرِيْغِ مَا يَحْتَاجُه طَالِبُ العِلْمِ .
__________
(1) لَقَدْ خَرَجَ "شَرْحُ المُقَدِّمَةِ الآجُرُّوْمِيَّةِ" لشَيْخِنا العُثَيْمِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ في طَبْعَةٍ جَيِّدَةٍ، بإشْرَافِ مُؤسَّسَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بنِ صَالِحٍ العُثَيْمِيْنَ الخَيْرِيَّةِ .
(2) ومَنْ بَعُدَتْ عَلَيْه أشْرِطَةُ شَيْخِنا العُثَيْمِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ؛ فَلَهُ والحَالَةُ هَذِه أنْ يَقْتَصِرَ عَلى شَرْحِ "التُّحْفَةِ السَّنِيَّةِ بشَرْحِ المُقَدِّمَةِ الآجُرُّوْمِيَّةِ" للشَّيْخِ مُحَمَّدٍ مُحي الدِّيْنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ رَحِمَهُ اللهُ على أيْدِي أهْلِ العِلْمِ .(1/25)
9ـ قِرَاءةُ "مُصْطَلَحِ الحَدِيْثِ" لشَيْخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيْمِينَ مَعَ مَلْحُوظةِ: حِفْظِ التَّعْرِيْفَاتِ حِفْظًا تَامًا(1) .
10ـ قِرَاءةُ "أُصُوْلِ التَّفْسِيْرِ" لشَيْخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيْمِينَ مَعَ مَلْحُوظةِ: حِفْظِ التَّعْرِيْفَاتِ حِفْظًا تَامًا .
__________
(1) لاشَكَّ أنَّ كِتَابَ "نُخْبَةِ الفِكَرِ في مُصْطَلَحِ أهْلِ الأثَرِ" لابنِ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ مُتُوْنِ الحَدِيْثِ ذَاتِ الشُّهْرَةِ والذِّكْرِ بَيْنَ أهْلِ العِلْمِ، وقَلَّمَا يَبْتَدِئ طَالِبٌ للعِلْمِ إلاَّ بِها؛ إلاَّ أنَّني تَجَاوَزْتُ تَضْمِيْنَها في كِتَابِ (المَنْهَجِ العِلْمِي) هُنَا، لأمُوْرٍ، مِنْها :
أوَّلاً : أنَّ كِتَابَ "نُخْبَةِ الفِكَرِ" اخْتُصِرَ اخْتِصَارًا مُخِلاًّ، هُوَ أقْرَبُ مِنْه إلى الألْغَازِ والغُمُوْضِ عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنَ المُبْتَدِئيْنَ في الطَّلَبِ .
ثَانيًا : أنَّ فَهْمَ الكِتَابِ قَدْ أُغْلِقَ عَلى كَثِيرٍ مِنَ المُبْتَدِئيْنَ؛ ممَّا يُحْتَاجُ إلى كَشْفِ غَامِضِه، وفَكِّ ألْغَازِه، وبَيَانِ غَرِيبِه ...!
ثَالثًا : لَقَدْ انْتَهَجَ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ في تَألِيْفِه مَنْهَجَ أهْلِ الكَلامِ؛ لاسِيَّما في تَقْسِيْمَاتِه، وتَفْرِيْعَاتِه، مِمَّا يُبْعِدُ بطَالِبِ العِلْمِ عَنْ مَنْهَجِ أهَلِ الأثَرِ، وهَذَا مَا ذَكَرَهُ ابنُ حَجَرٍ نَفْسُه بقوله : "فَلَخَّصْتُه في أوْرَاقٍ لَطِيْفَةٍ ... عَلَى تَرْتِيْبٍ ابْتَكَرْتُه، وسَبِيْلٍ انْتَهَجْتُه، مَعَ مَاضَمَمْتُه إلِيْه مِنْ شَوَارِدِ الفَرَائِدِ، وزَوَائِدِ الفَوَائِدِ، فَرَغِبَ إليَّ جَمَاعَةٌ ثَانيًا أنْ أضَعَ عَلَيْها شَرْحًا يَحُلُّ رُمُوْزَها، ويَفْتَحُ كُنُوْزَها، ويُوَضَّحُ مَا خَفِي عَلى المُبْتَدِئ مِنْ ذَلِكَ"، انظر "نزهة النظر" ص (51-52) .(1/26)
11ـ قِرَاءةُ المُجَلَّدِيْنِ الأوَّلِ والثَّانِي مِنْ كِتَابِ "الشَّرْحِ المُخْتَصَرِ عَلَى مَتْنِ زَادِ المُسْتَقْنِعِ" للشِّيْخِ صَالِحِ الفَوْزَانِ، وهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ رُبْعِ العِبَادَاتِ، طَبْعَةُ دَارِ العَاصِمَةِ .
12ـ قِرَاءةُ "تَيْسِيْرِ الكَرِيْمِ الرَّحْمَنِ" للشَّيخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيِّ .
13ـ قِرَاءةُ "حِلْيَةِ طَالِبِ العِلْمِ" لبَكْرٍ أبُو زَيْدٍ .
المَرْحَلَةُ الثَّانِيَةُ
1ـ حِفْظُ خَمْسَةِ أجْزَاءٍ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيْمِ .
2ـ قِرَاءةُ "الصَّحِيْحَيْنِ" للبُخَارِيِّ ومُسْلِمٍ، مِنْ خِلالِ كِتَابِ "التَّوْشِيْحِ شَرْحِ الجَامِعِ الصَّحِيْحِ" للسِّيُوْطِيِّ، تَحْقِيْقُ رِضْوَانَ بنِ جَامِعٍ، و"الدِّيْبَاجِ عَلَى صَحِيْحِ مُسْلِمِ بنِ الحَجَّاجِ" تَحْقِيْقُ أبِي إسْحَاقِ الحُوَيْنِيِّ .
3ـ حِفْظُ "عُمْدَةِ الأحْكَامِ" للحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ المَقْدَسِيِّ الحَنْبَلِيِّ، تَحْقِيْقُ مَحْمُوْدِ الأرْنَاؤُوْطِ، أو تِكْرَارُ قِرَاءتِه مِرَارًا .
4ـ قِرَاءةُ "فَتْحِ المَجِيْدِ"، للشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَنَ آلِ الشَّيْخِ، تَحْقِيْقُ الوَلِيْدِ آلِ فُرَيَّانَ .
5ـ قِرَاءةُ "شَرْحِ العَقِيْدَةِ الوَاسِطِيَّةِ" للشَّيْخِ مُحَمَّدِ بنِ خَلِيْلٍ الهَرَّاسِ، تَحْقِيْقُ عَلَوِي السَقَّاف .
6ـ قِرَاءةُ "القَوَاعِدِ المُثْلَى" تَحْقِيْقُ أشْرَفِ بنِ عَبْدِ المَقْصُوْدِ، مِنْ خِلالِ شَرْحِ شَيْخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيْمِينَ عَبْرَ الأشْرِطَةِ، مَعَ مَلْحُوظةِ : حِفْظِ القَوَاعِدِ حِفْظًا تَامًا، وتَفْرِيْغِ مَا يَحْتَاجُه طَالِبُ العِلْمِ .
7ـ قِرَاءةُ "الفُرْقَانِ بَيْنَ أوْلِياءِ الرَّحْمَنِ وأوْلِياءِ الشَّيْطَانِ" لابنِ تَيْمِيَّةَ، تَحْقِيْقُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اليَحْيَ .(1/27)
8ـ قِرَاءةُ "مُتمِّمَةِ الآجُرُّوْمِيَّةِ" للحَطَّابِ، مَعَ شَرْحِها "الدُّرَرُ البهيَّةُ تَهْذِيْبُ الكَوَاكِبِ الدُّريَّةِ"(1) لرَاقِمِه .
9ـ قِرَاءةُ "دُرُوْسِ البَلاغَةِ" لحَفْنِي نَاصِفَ وآخَرِيْنَ، مِنْ خِلالِ شَرْحِ شَيْخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيْمِينَ عَبْرَ الأشْرِطَةِ، مَعَ مَلْحُوظةِ تَفْرِيْغِ مَا يَحْتَاجُه طَالِبُ العِلْمِ(2).
10ـ قِرَاءةُ "القَوَاعِدِ والأُصُوْلِ الجَامِعَةِ" للشَّيخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيِّ، تَحْقِيْقُ الشَّيْخِ خَالِدِ بنِ عَليٍّ المُشَيْقِحِ .
11ـ قِرَاءةُ " قَوَاعِدِ الأُصُوْلِ ومَعَاقِدِ الفُصُوْلِ" لصَفِيِّ الدِّيْنِ عَبْدِ المُؤْمِنِ الحَنْبَلِيِّ، مَعَ شَرْحِهِ "تَيْسِيْرِ الوُصُوْلِ إلى قَوَاعِدِ الأُصُوْلِ" للشَّيْخِ عَبْدِ اللهِ الفُوْزَانِ .
12ـ قِرَاءةُ "تَيْسِيْرِ مُصْطَلَحِ الحَدِيْثِ" للشِّيْخِ مَحْمُوْدٍ الطَّحَّانِ .
13ـ قِرَاءةُ "حَاشِيَةِ مُقَدِّمَةِ التَّفْسِيْرِ" للشِّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ القَاسِمِ .
14ـ قِرَاءةُ المُجَلَّدِيْنِ الثَّالِثِ والرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ "الشَّرْحِ المُخْتَصَرِ عَلَى مَتْنِ زَادِ المُسْتَقْنِعِ" للشِّيْخِ صَالِحِ الفَوْزَانِ، وهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ رُبْعِ المُعَامَلاتِ، ورُبْعِ الجِنَايَاتِ، ورُبْعِ الشَّهَادَاتِ، طَبْعَةُ دَارِ العَاصِمَةِ .
__________
(1) انْظُرْهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللهُ فِي مَوْقِعِ : (www.thiab.com) .
(2) لَقَدْ طُبِعَ كِتَابُ " شَرْحِ دُرُوْسِ البَلاغَةِ" لشَيْخِنا العُثَيْمِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ، بعِنَايَةِ وتَحْقِيْقِ الأخِ مُحَمَّدٍ المُطَيْرِيِّ .(1/28)
15ـ قِرَاءةُ "مَعَالِمِ التَّنْزِيْلِ" للإمَامِ البَغَوِيِّ، تَحْقِيْقُ عُثْمَانَ ضُمِيْرِيَّةِ، وآخَرِيْنَ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ : عَدَمِ الوُقُوْفِ مَعَ الإسْرَائِيْلِيَّاتِ، واخْتِلافِ القِرَاءاتِ، والمَسَائِلِ النَّحَوِيَّةِ .
16ـ قِرَاءةُ "الكَلِمِ الطَّيِّبِ" لابنِ تَيْمِيَّةَ، تَحْقِيْقُ نَاصِرِ الدِّيْنِ الألْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، مَعَ مَلْحُوظةِ : حِفْظِ مَا يُمْكِنُ حِفْظُه مِنَ الأحَادِيْثِ لاسِيَّمَا أذْكَارُ اليَوْمِ واللَّيْلَةِ.
17ـ قِرَاءةُ "الفُصُوْلِ فِي سِيْرَةِ الرَّسُوْلِ" لابنِ كَثِيْرٍ، تَحْقِيْقُ مَحَمَّدٍ الخَطْرَاوِيِّ، ومُحْي الدِّيْنِ مُسْتُو .
18 ـ قِرَاءةُ "بَيَانِ فَضْلِ عِلْمِ السَّلَفِ عَلَى عِلْمِ الخَلَفِ" لابنِ رَجَبٍ، تَحْقِيْقُ أخِيْنا الشَّيْخِ مُحمَّدٍ العَجْمِيِّ .
19ـ قِرَاءةُ "تَصْنِيْفِ النَّاسِ بَيْنَ الظَّنِّ واليَقِيْنِ" لبَكْرٍ أبُو زَيْدٍ .
المَرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ
1ـ حِفْظُ عَشَرَةِ أجْزَاءٍ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيْمِ .
2ـ حِفْظُ رُبْعِ العِبَادَاتِ مِنْ "بُلُوْغِ المَرَامِ" للحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ العَسْقَلانِيِّ، تَحْقِيْقُ سَمِيْرِ بنِ أمِيْنٍ الزُّهَيْرِيِّ، أو تِكْرَارُ قِرَاءتِه مِرَارًا، وهُوَ المُجَلَّدُ الأوَّلُ .(1/29)
3ـ قِرَاءةُ "السُّنَنِ الأرْبَعَةِ"، تَحْقِيْقُ العَلامَةِ المُحَدِّثِ نَاصِرِ الدِّيْنِ الألْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، طَبْعَةُ مَكْتَبَةِ المَعَارِفِ، بِعِنَايَةِ الشَّيْخِ مَشْهُوْرِ بنِ حَسَن آلِ سَلْمَانَ(1) .
4ـ قِرَاءةُ "الفَتْوَى الحَمَوِيَّةِ" لابنِ تَيْمِيَّةَ، تَحْقِيْقُ حَمَدَ التُّوَيْجِرِيِّ .
5ـ قِرَاءةُ "شَرْحِ العَقِيْدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ" لابنِ أبِي العِزِّ، تَحْقِيْقِ التُّرْكِيِّ والأرَناؤوطِ .
6ـ قِرَاءةُ "سَبِيْلِ الهُدَى بتَحْقِيْقِ شَرْحِ قَطْرِ النَّدَى وبَلِّ الصَّدَى" لمُحَمَّدِ مُحْي الدِّيْنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ .
7ـ قِرَاءةُ "البَلاغَةِ الوَاضِحَةِ" لعَليٍّ الجَارِمِ، ومُصْطَفَى أمِيْنَ .
__________
(1) وهَذِه الطَّبَعَةُ خَرَجَتْ بَعْدَ وَفَاةِ الشَّيْخِ الألْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ؛ حَيْثُ كَانَتْ أُمْنِيَةً لَه قَبْلَ وَفَاتِه، فَشَاءَ اللهُ تَعَالى أنْ تَخْرُجَ هَذِه الطَّبْعَةُ بعِنَايَةِ الشَّيْخِ مَشْهُوْرِ بنِ حَسَن؛ حَيْثُ خَرَجَ كُلُّ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ السُّنَنِ الأرْبَعَةِ في مُجَلَّدٍ وَاحِدٍ حَاوٍ جَمِيْعَ الأحَادِيْثِ بأسَانِيْدِها، مَعَ الحُكْمِ عَلَيْها صِحَّةً وضَعْفًا، وكَذا ذِكْرِ بَعْضِ الإحَالاتِ الخَاصَّةِ بالألبَانيِّ رَحِمَهُ اللهُ في كُتُبِهِ الأخْرَى، وهِي بِهَذا الإخْرَاجِ تُعْتَبرُ قَاضِيةً ونَاسِخَةً على مَا سِوَاهَا مِنْ طَبَعَاتِ السُّنَنِ الأرْبَعَةِ للألْبَانِيِّ، لاسِيَّما الَّتي فَرَّقَتْ بَيْنَ صَحِيْحِ السُّنَنِ وضَعِيْفِها دُوْنَ سَنَدٍ أو إحَالَةٍ، أقْصِدُ : طَبْعَةَ مَكْتَبِ التَّربِيَةِ العَربيِّ لدُوَلِ الخَلِيْجِ، هَذا إذَا عَلِمْنا أنَّ الألْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ لم يَرْضَ هَذِه الطَّبْعَةَ حَالَ حَيَاتِه، فَكَانَ اللهُ لَه آمِيْنَ!(1/30)
8ـ قِرَاءةُ "تَدْرِيْبِ الرَّاوِيِّ" للسِّيُوْطِيِّ، تَحْقِيْقُ طَارِقِ بنِ عَوَضٍ .
9ـ قِرَاءةُ "التَّأسِيْسِ فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ" للشَّيْخِ مُصْطَفَى سَلامَةَ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ : عَدَمِ قِرَاءةِ المُقَدِّمَةِ المَنْطِقِيَّةِ .
10ـ قِرَاءةُ "مَعَالِمِ أصُوْلِ الفِقْهِ" للشَّيْخِ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنَ الجَيْزَانِيِّ .
11ـ قِرَاءةُ "الوَجِيْزِ في إيْضَاحِ قَوَاعِدِ الفِقْهِ الكُلِّيَّةِ" للشَّيْخِ مُحمَّدٍ صِدْقِي البَوْرُنُو .
12ـ قِرَاءةُ "فُصُوْلٍ فِي أُصُوْلِ التَّفْسِيْرِ" للشِّيْخِ مُسَاعِدِ بنِ سُلَيْمَانَ الطَّيَّارِ .
13ـ قِرَاءةُ "تَفْسِيْرِ القُرْآنِ العَظِيْمِ" لابنِ كَثِيْرٍ، تَحْقِيْقُ سَامِي السَّلامَةِ .
14ـ قِرَاءةُ "شَرْحِ مُنْتَهَى الإرَادَاتِ" للإمَامِ البُهُوْتِيِّ، تَحْقِيْقُ الشَّيْخِ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ : تَضْمِيْنِ قِرَاءةِ "الشَّرْحِ المُمْتِعِ" لشَيْخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيْمِينَ، نَشْرُ دَارِ ابنِ الجَوْزِيِّ، ، بَابًا بِبَابٍ، جَنْبًا بِجَنْبٍ .
15ـ قِرَاءةُ "الوَابِلِ الصَّيِّبِ ورَافِعِ الكَلِمِ الطَّيِّبِ" لابنِ القَيِّمِ، تَحْقِيْقُ الأخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابنِ قَائِدٍ، دَارُ عَالَمِ الفَوَائِدِ، مَعَ مَلْحُوظةِ : حِفْظِ مَا يُمْكِنُ حِفْظُه مِنَ الأحَادِيْثِ لاسِيَّمَا أذْكَارُ اليَوْمِ واللَّيْلَةِ .
16ـ قِرَاءةُ "جَامِعِ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" للحَافِظِ ابنِ عَبْدِ البَرِّ النَّمَرِيِّ الأنْدَلُسِيِّ، تَحْقِيْقُ أبِي الأشْبَالِ الزُّهَيْرِيِّ .
17ـ قِرَاءةُ "مُخْتَصَرِ مِنْهَاجِ القَاصِدِيْنَ" للإمَامِ أحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَقْدَسِيِّ، تَحْقِيْقُ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ الأرْناؤُوْطِ .
المَرْحَلَةُ الرَّابِعَةُ
1ـ حِفْظُ مَا بَقِيَ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيْمِ إذا أمْكَنَ .(1/31)
2ـ حِفْظُ أرْبَاعِ المُعَامَلاتِ، والجِنَايَاتِ، والشَّهَادَاتِ مِنْ "بُلُوْغِ المَرَامِ" للحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ العَسْقَلانِيِّ، تَحْقِيْقُ سَمِيْرِ بنِ أمِيْنٍ الزُّهَيْرِيِّ، أو تِكْرَارُ قِرَاءتِه مِرَارًا، وهُوَ المُجَلَّدُ الثَّانِي .
3ـ قِرَاءةُ "الشَّرِيْعَةِ" للإمَامِ الآجُرِّي، تَحْقِيْقُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ الدُّمَيْجِيِّ .
4ـ قِرَاءةُ "التَّدْمُرِيَّةِ" لابنِ تَيْمِيَّةَ، مَعَ شَرْحِها "التَّوْضِيْحَاتِ الأثَرِيَّةِ" لفَخْرِ الدِّيْنِ بنِ الزُّبِيْرِ .
5ـ قِرَاءةُ "شَرْحِ الأصْفَهانِيَّةِ" لابنِ تَيْمِيَّةَ، تَحْقِيْقُ مُحَمَّدِ بنِ عَوْدَةٍ السَّعَوِيِّ .
6ـ قِرَاءةُ الاثْنَيْ عَشَرَ مُجَلَّدًا الأُوْلَى مِنْ "مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى" لابنِ تَيْمِيَّةَ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ : تَجَاوُزِ مَا قَرَأهُ طَالِبُ العِلْمِ سَالِفًا مِمَّا هُو ضِمْنُ الفَتَاوَى.(1/32)
7ـ قَرِاءةُ "مِنْهَاجِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ"(1) لابنِ تَيْمِيَّةَ، تَحْقِيْقُ مُحَمَّدِ بنِ رَشَادِ بنِ سَالِمٍ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ : عَدَمِ الوُقُوْفِ كَثِيْرًا عِنْدَ المَسَائِلِ المَنْطِقِيَّةِ لاسِيَّما الَّتِي في أوَّلِ الكِتَابِ .
8ـ قَرِاءةُ "بَيَانِ تَلْبِيْسِ الجَهَمِيَّةِ" لابنِ تَيْمِيَّةَ، تَحْقِيْقُ مَجْمُوْعَةٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ، طَبْعَةُ مَجْمَعِ الملِكِ فَهْدٍ لطِبَاعَةِ المُصْحَفِ الشَّرِيْفِ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ : عَدَمِ الوُقُوْفِ كَثِيْرًا عِنْدَ المَسَائِلِ المَنْطِقِيَّةِ .
9ـ قِرَاءةُ "النَّحْوِ الوَافِي"(2)
__________
(1) أمَّا "مِنْهَاجُ السُّنةِ النَّبوِيَّةِ" فهُوَ بِحَاجَةٍ إلى تَقْرِيْبٍ لطُلابِ العِلْمِ تَقْرِيبًا عِلْمِيًّا وتِهْذِيْبًا مُحَرَّرًا مَعَ فَهَارِسَ دَقِيْقَةٍ لمِسَائِلِهِ وفَوَائِدِه، كُلُّ هَذا لأنَّ الكِتَابَ بِحَجْمِه هَذا أضْحَى للأسَفِ في زَمانِنا (حِجْرًا مَحْجُورًا) عَلى طُلابِ العِلْمِ المُعْتَنِيْنَ بالعَقِيْدَةِ، فالكِتَابُ يَضُمُّ بَيْنَ دَفَّتَيْهِ أصُوْلاً وفُرُوعًا، وفَوَائِدَ وفَرَائدَ ... تَحْتَاجُ إلى تَقْرِيْبٍ وتَرْتِيْبٍ؛ لاسِيَّما أنَّ أكْثَرَ مَسَائِلِه لَهَا تَعَلُّقٌ بالشِّيْعَةِ الَّذِيْنَ يَزْدَادُوْنَ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، فَحَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوَكِيْلُ! اللَّهُمَّ لا تَذَرْ مِنْهُم على الأرْضِ دَيَّارًا؛ إنَّكَ إنْ تَذَرْهُم يُضِلُّوا عِبَادَكَ ويُؤذُوْا صَحَابَةَ نَبِيِّكَ ... اللَّهُمَّ آمِيْن!
(2) أمَّا "النَّحْوَ الوَافي" فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ بَعْضِ المَلْحُوظاتِ؛ أُجْمِلُها فِيْما يَلي :
أوَّلاً : أنَّه لم يَسْلَمْ مِنَ القَوْمِيَّةِ العَرَبِيَّةِ .
ثَانِيًا : أنَّه لَمْ يَسْلَمْ مِنَ التَّأوِيْلاتِ الأشْعَريَّةِ .
ثَالِثًا : أنَّه قَلِيْلُ الاسْتِشْهَادِ بالحَدِيْثِ النَّبَويِّ، وهَذَا المَنْهَجُ مَرْجُوحٌ مَرْفوضٌ جُمْلةً وتَفْصِيْلاً (وإنْ كَانَ عَلَيْه أكْثَرُ النُّحَاةِ!)، ولَيْسَ هَذَا مَحلُّ بَسْطِ المسْألَةِ هُنَا، ومَعَ هَذا فَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ كُتُبِ النَّحْوِ وزِيْنَتِها؛ بَلْ مِنْ أجْمَعِها وأنْفَعِها وأسْهَلِها، ومَا ذَاكَ إلاَّ لأسْلُوْبِه الآخَّاذِ، وأمْثِلَتِه الوَاقِعِيَّةِ، وشُمُولِهِ لِمبَاحِثِ النَّحْوِ والصَّرْفِ، وتَحْرِيراتِه العِلْميَّةِ، وتَرْجِيْحَاتِهِ القَوِيَّةِ، وطَرْحِهِ للخِلافَاتِ المَنْطِقيَّةِ الَّتي حُشِرَتْ بِها أكْثَرُ مَبْسُوْطَاتِ النَّحْوِ ... فَهُوَ بحَقٍّ كَافٍّ وَافٍّ، ولَهُ مِنِ اسْمِهِ حَظٌ وَافِرٌ؛ حَيْثُ وَافَقَ الخُبْرُ الخَبَرَ؛ ولَيْسَ الخَبَرُ كالمُعَايَنَةِ، وإنْ كَانَ قَدْ سُبِقَ إلاَّ أنَّه لَحِقَ، واللهُ المُوَفِّقُ!(1/33)
لعَبَّاسِ بنِ حَسَنَ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ : عَدَمِ قِرَاءةِ التَّفْصِيْلِ والزِّيَادَةِ مِنْ كُلِّ صَفْحَةٍ مِنْه إلاَّ للحَاجَّةِ العِلْمِيَّةِ .
10ـ قِرَاءةُ "رَوْضَةِ النَّاظِرِ وجُنَّةِ المُنَاظِرِ" لابنِ قُدَامَةِ المَقْدَسِيِّ الحَنْبَلِيِّ، تَحْقِيْقُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ عَلِيٍّ النَّمْلَةِ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ : عَدَمِ قِرَاءةِ المُقَدِّمَةِ المَنْطِقِيَّةِ، ومَعَ تَضْمِيْنِ قِرَاءةِ "مُذَكِّرَةِ أُصُوْلِ الفِقْهِ" لمُحَمَّدٍ الأمِيْنِ الشِّنْقِيْطِيِّ، طَبْعَةُ دَارِ عَالَمِ الفَوَائِدِ، بَابًا بِبَابٍ، جَنْبًا بِجَنْبٍ .
11ـ قِرَاءةُ "الإتْقَانِ فِي عُلُوْمِ القُرْآنِ" للسِّيُوْطِيِّ، تَحْقِيْقُ مُصْطَفَى البُغَا.
12ـ قِرَاءةُ "الرَّائِدِ في عِلْمِ الفَرَائِضِ" للشَّيْخِ مُحَمَّدِ العِيْدِ الخَطْرَاوِيِّ.
13ـ قِرَاءةُ "المُغْنِي" للفَقِيْهِ الحَنْبَلِيِّ أبِي مُحَمَّدٍ ابنِ قُدَامَةَ المَقْدَسِيِّ، تَحْقِيْقُ الشِّيْخِ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ، والشَّيْخِ عَبْدِ الفَتَّاحِ الحُلْوِ رَحِمَهُ اللهُ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ : تَضْمِيْنِ قِرَاءةِ "مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى" لابنِ تَيْمِيَّةَ، بَابًا بِبَابٍ، جَنْبًا بِجَنْبٍ، ابْتِدَاءً مِنَ المُجَلَّدِ الحَادِي والعِشْرِيْنَ إلى النِّهَايَةِ .
14ـ قِرَاءةُ "فَتْحِ القَدِيْرِ" للشَّوْكَانِيِّ، تَحْقِيْقُ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُمَيْرَةَ .
15ـ قِرَاءةُ "الآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ" للفَقِيْهِ الحَنْبَلِيِّ مُحَمَّدِ بنِ مُفْلِحٍ المَقْدَسِيِّ، تَحْقِيْقُ الشَّيْخِ شُعَيْبٍ الأرْناؤُوْطِ، وعُمَرَ القَيَّامِ .
البَابُ الثَّانِي
الفَوَائِدُ والتَّنْبِيْهَاتُ
وفِيْهِ خَمْسُ تَنَابِيْه
فوَائِدُ وتَنْبِيْهَاتٌ(1/34)
هُنَاكَ بَعْضُ الفَوَائِدِ والتَّنَابِيْهِ؛ كَانَ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ أنْ يَأخُذَها بِعَيْنِ الاعْتِبَارِ؛ حَتَّى يَتَسَنَّى لَهُ الطَّرِيْقُ، ويَسْتَبِيْنَ لَهُ ( المَنْهَجُ العِلْمِيُّ ) حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ إنْ شَاءَ اللهُ!
* التَّنْبِيْهُ الأوَّلُ : أنَّ طَالِبَ العِلْمِ هُوَ صَاحِبُ القَرَارِ لاخْتِيَارِ مَا يُوَافِقُ قُدُرَاتِه العِلْمِيَّةَ مِنْ إحْدَى المَرَاحِلِ الأرْبَعِ، كَمَا لَهُ حَقُّ التَّنقُّلِ، واخْتِيَارُ مَا يَرَاهُ مُنَاسِبًا مِنْ مَجْمُوْعِ هَذِه المَرَاحِلِ، شَرِيْطَةَ أنْ يَكُوْنَ قَدْ أتْقَنَ المَرْحَلَةَ الأُوْلَى والثَّانِيَةَ، أو مَا يُقَارِبُها مِنَ المُتُوْنِ المُخْتَصَرَةِ .
وأضِفْ هُنَا أمْرًا مِنَ الأهَمِيَّةِ بِمَكَانٍ : وهُوَ أنْ يَعْلَمَ طَالِبُ العِلْمِ بأنَّ المَرْحَلَتَيْنِ الأُوْلَتَيْنِ هُنَا؛ لَهِي مِنْ أهَمِّ المَرَاحِلِ العِلْمِيَّةِ فِي "البَرْنَامِجِ العِلْمِيِّ" فَعَلَيْهُما المُعْتَمَدُ ( بَعْدَ اللهِ ) لِفَهْمِ مَا سِوَاهُمَا، وهُمَا الوِرْدُ الصَّافِي الَّذِي يَصْدُرُ الطَّالِبُ مِنْهُمَا، فلا تَعْجَلَنَّ اجْتِيَازَهُمَا، ولا تَسْتَثْقِلَنَّ مُدَارَسَتَمُها!
* * *(1/35)
* التَّنْبِيْهُ الثَّانِي : أنَّ طَالِبَ العِلْمِ إذَا تَجَاوَزَ مَرَاحِلَ (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) الأرْبَعِ، فإنِّنَا نَدْفَعُ بِهِ ( وبِمَنْ هَذِه حَالُه ) أنْ يَحْمَدَ اللهَ تَعَالَى، وأنْ يَلْزَمَ الجَادَّةَ فِي الاسْتِقَامَةِ عَلَى مَنْهَجِ السَّلَفِ عَقِيْدَةً ومَنْهَجًا، وأنْ يَأخُذَ بآدَابِ الطَّلَبِ، وسَنَنِ العِلْمِ والحِلْمِ، وخَفْضِ الجَنَاحِ، ودَمَاثَةِ الأخْلاقِ، وأنْ يَتَدَثَّرَ بِثِيَابِ التَّوَاضُعِ، وسِمَةِ أهْلِ العِلْمِ، فَذَلِكَ المُتَنَاهِي فِي الفَضْلِ، العَالِي فِي ذُرَى المَجْدِ، الحَاوِي قَصَبَ السَّبْقِ، الفَائِزُ بِخَيْرِ الدَّارَيْنِ، إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى!
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "يَنْبَغِي للفَقِيْهِ أنْ يَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأسِهِ تَوَاضُعًا للهِ، وشُكْرًا لَهُ"(1) .
* * *
* التَّنْبِيْهُ الثَّالِثُ : أنْ يَرْفَعَ طَالِبُ العِلْمِ رَأسًا بعَمَلِ مَا عَلِم، وأنْ يَصْبِرَ عَلَى الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تَعَالَى، إذِ الصَّبْرُ شَرْطٌ فِي نَيْلِ كُلِّ عَزِيْزٍ وغَالٍ .
ومِنْ مَحَاسِنِ الشِّعْرِ فِي الصَّبْرِ، مَا قَالَهُ ابنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:
ومَنْ يَصْطَبِرْ للعِلْمِ يَظْفَرْ بنَيْلِهِ ومَنْ يَخْطُبِ الحَسْنَاءَ يَصْبِرْ عَلَى البَذْلِ
ومَنْ لَمْ يُذِلَّ النَّفْسَ فِي طَلَبِ العُلا يَسِيْرًا يَعِشْ دَهْرًا طَوِيْلاً أخَا ذُلِّ(2)
__________
(1) انْظُرْ "سِيَرَ أعْلامِ النُّبَلاءِ" للذَّهَبِيِّ (10/53) .
(2) انْظُرْ "صَفَحَاتٍ مِنْ صَبْرِ العُلَمَاءِ" لأبِي غُدَّةٍ (153) .(1/36)
فَلا يَرَاكَ اللهُ يَا طَالِبَ العِلْمِ إلاَّ : مُتَعَلِّمًا أو عَامِلاً، مُجَاهِدًا أو مُجْتَهِدًا، كَمَا قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : " فإذَا اسْتَكْمَلَ (العَبْدُ) هَذِه المَرَاتِبَ الأرْبَعَ (العِلْمَ، والعَمَلَ بِهِ، والدَّعْوَةَ إلَيْه، والصَّبْرَ عَلَيْه)؛ صَارَ مِنَ الرَّبَّانِيِّيْنَ؛ فإنَّ السَّلَفَ مُجْمِعُوْنَ عَلَى أنَّ العَالِمَ لا يَسْتَحِقُّ أنْ يُسمَّى رَبَّانِيًّا؛ حَتَّى يَعْرِفَ الحَقَّ، ويَعْمَلَ بِهِ، ويُعَلِّمَهُ، فَمَنْ عَلِمَ وعَمِلَ وعَلَّمَ؛ فَذَاكَ يُدْعَى عَظِيْمًا فِي مَلَكُوْتِ السَّمَوَاتِ"(1) انْتَهَى .
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : "العِلْمُ يَهْتِفُ بالعَمَلِ، فإنْ أجَابَهُ وإلاَّ ارْتَحَلَ"(2).
وعَنْ أيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ : قَالَ لِي أبُو قِلابةَ : "إذَا أحْدَثَ اللهُ لَكَ عِلْمًا فأحْدِثْ لَهُ عِبَادَةً، ولا يَكُنْ هَمُّكَ أنْ تُحَدِّثَ بِهِ"(3) .
وقَالَ الشَّعْبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : "كُنَّا نَسْتَعِيْنُ عَلَى حِفْظِ الحَدِيْثِ بالعَمَلِ بِهِ"(4).
__________
(1) "زَادُ المَعَادِ" لابنِ القَيِّمِ (3/10) .
(2) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/707) .
(3) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/653-654) .
(4) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/709 ) .(1/37)
وأُعِيْذُكَ باللهِ يَا طَالِبَ العِلْمِ مِنْ عِلْمِ المُنَافِقِ!، وقَدْ قِيْلَ : "عِلْمُ المُنَافِقِ فِي قَوْلِه، وعِلْمُ المُؤْمِنِ فِي عَمَلِه"(1)، فاللهَ اللهَ :"زَيِّنُوا العِلْمَ، ولا تَتَزَيَّنُوا بِه"(2).
* * *
* التَّنْبِيْهُ الرَّابِعُ : اعْلَمْ إنَّ العِلْمَ نِصْفَانِ .
* نِصْفٌ : مَا حَوَتْهُ قَمَاطِرُ العِلْمِ؛ ابْتِدَاءً بالوَحْيَيْنِ (الكِتَابِ والسُّنَّةِ) ومَا تَخَرَّجَ مِنْهُما، أو حَامَ حَوْلَهُما، وانْتِهَاءً بِمَا تَضَمَّنَه "المَنْهَجُ العِلْمِيُّ" مِنْ تَنَابِيْهَ وعَزَائِمَ ... إلخ .
* ونِصْفٌ : هُوَ قَوْلُكَ فِيْمَا لا تَعْلَمُ : لا أعْلَمُ، لا أدْرِي!
يَقُوْلُ أبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللهُ : "قَوْلُ الرَّجُلِ فِيْما لا يَعْلَمُ : لا أعْلَمُ، نِصْفُ العِلْمِ"(3) .
فَقَدِ اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ أهْلِ العِلْمِ أنَّ العَالِمَ إذَا أخْطَأ : ( لا أدْرِي ) فَقَدْ أُصِيْبَتْ مَقَاتِلُهُ، فَحَذَارَ حَذَارَ يَا طَالِبَ العِلْمِ مِنْ تَنَكُّبِ سَنَنِ أهْلِ العِلْمِ السَّالِفِيْنَ فِيْما لا عِلْمَ لَكَ فِيْه، بأنْ تَقُوْلَ : لا أدْرِي، فَمَا أبْرَدَها الَيْوَمَ عَلَى الكَبِدِ، ومَا أحَرَّهَا يَوْمَ المَرَدِّ!
فإنْ كَانَ العِلْمُ ( بِلا أدْرِي ) نِصْفَ العِلْمِ، فَهِي واللهِ الجَهْلُ كُلُّهُ إذَا جُهِلَتْ!
* * *
قَالَ الرَّاجِزُ(4) :
فإنْ جَهِلْتَ مَا سُئِلْتَ عَنْهُ ولَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ عِلْمٌ مِنْهُ
__________
(1) انْظُرْ "اقْتِضَاءَ العِلْمِ العَمَلَ" للخَطِيْبِ البَغْدَادِيِّ (38) .
(2) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/665)، و"الحِلْيَةَ" لأبِي نُعَيْمٍ (6/399) .
(3) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (2/842) .
(4) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (2/842) .(1/38)
فَلا تَقُلْ فِيْه بِغَيْرِ فَهْمِ إنَّ الخَطَأ مُزْرٍ بأهْلِ العِلْمِ
وقُلْ إذَا أعْيَاكَ ذَاكَ الأمْرُ: مَالِي بِمَا تَسْأَلُ عَنْهُ خَبَرُ
فَذَاكَ شَطْرُ العِلْمِ عَنِ العْلَمآ كَذَاكَ مَا زَالَتْ تَقُوْلُ الحُكَمآ
قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ : "كَانَ ابنُ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ : إذَا أخْطَأ العَالِمُ لا أدْرِي أُصِيْبَتْ مَقَاتِلُهُ"، وبِمِثْلِهِ قَالَ كَثِيْرٌ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ(1) .
* * *
فلا تَكُنْ كَمَنْ قِيْلَ لَهُ(2) :
جَهِلْتَ فَعَادَيْتَ العُلُوْمَ وأهْلَهَا كَذَاكَ يُعَادِي العِلْمَ مَنْ هُوَ جَاهِلُه
ومَنْ كَانَ يَهْوَى أنْ يُرَى مُتَصَدِّرًا ويَكْرَهُ "لا أدْرِي" أُصِيْبَتْ مَقَاتِلُه
* * *
قَالَ ابنُ وَهْبٍ رَحِمَهُ اللهُ : "لَوْ كَتَبْنا عَنْ مَالِكٍ : لا أدْرِي، لَمَلأنا الألْوَاحَ"(3).
وعَنْ أبِي الذَّيَّالِ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ : "تَعَلَّمْ لا أدْرِي، فإنَّكَ إنْ قُلْتَ : لا أدْرِي، عَلَّمُوْكَ حَتَّى تَدْرِي، وإنْ قُلْتَ : أدْرِي، سَألُوْكَ حَتَّى لا تَدْرِي!" (4) .
__________
(1) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (2/839)، و"تَذْكِرَةَ السَّامِعِ والمُتَكَلِّمِ" لابْنِ جَمَاعَةَ (42)، و"الفَقِيْهَ والمُتَفَقِّهَ" للخَطِيْبِ البَغْدَادِيِّ (2/172) .
(2) انْظُرْ "أدَبَ الدُّنْيا والدِّيْنِ" للمَرْدَاوِيِّ (42) .
(3) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (2/839) .
(4) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (2/842) .(1/39)
وهَذا الإمامُ الآجُرِّيُّ رَحِمَهُ اللهُ نَرَاهُ يُحَذِّرُ أهْلَ العِلْمِ مِنْ تَرْكِ "لا أدْرِي" فِيْما لا عِلَمَ لَهُم بِه، بِقَوْلِه : "وأمَّا الحُجَّةُ للعَالِمِ يُسْألُ عَنِ الشَّيْءِ لا يَعْلَمُه فَلا يَسْتَنْكِفُ أنْ يَقُوْلَ : لا أعْلَمُ، إذا كَانَ لا يَعْلَمُ، وهَذَا طَرَيِقُ أئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ مِنَ الصَّحَابَةِ ومَنْ بَعْدَهُم مِنَ أئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ . اتَّبَعُوا فِي ذَلِكَ نَبِيَّهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ؛ لأنَّه إذا كَانَ سُئِلَ عَنِ الشَّيْءِ مِمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيْه عِلْمُ الوَحْي مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ فَيَقُوْلُ : "لا أدْرِي" .
وهَكَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيْه عِلْمٌ أنْ يَقُوْلَ : اللهُ أعْلَمُ، ولا عِلْمَ لِي بِه، ولا يَتَكَلَّفْ مَا لا يَعْلَمُه، فَهُوَ أعْذَرُ لَهُ عِنْدَ اللهِ، وعِنْدَ ذَوِي الألْبَابِ"(1) انْتَهَى .
* * *
* التَّنْبِيْهُ الخَامِسُ : فإنَّني أهْمِسُ وأُهَمْهِمُ فِي أُذُنِ طَالَبِ العِلْمِ (إسْرَارًا لا جِهَارًا) : أنَّ طَالِبَ العِلْمِ إذا أتْقَنَ مَرَاحِلَ ( المَنْهَجِ العِلْمِيِّ ) الأرْبَعِ، مَعَ مَا هُنَالِكَ مِنْ التَّنَابِيْهِ، والفَوَائِدِ، والعَزَائِمِ المَرْقُوْمَةِ فِي مَثَانِي ( المَنْهَجِ العِلْمِيِّ )؛ فَهُو أهْلٌ للفَتْوَى، والتَّصَدُّرِ للدَّرْسِ والتَّعْلِيْمِ، وإنَّي عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِيْنِ، واللهُ خَيْرُ شَاهِدًا وحَافِظًا!
البَابُ الثَّالِثُ
العَزَائِمُ العِلْمِيَّةُ
وفِيْهِ ثَلاثُ عَزَائِمَ
العَزَائِمُ العِلْمِيَّةُ
__________
(1) انْظُرْ "أخْلاقَ العُلَمَاءِ" للآجُرِّيِّ (108) .(1/40)
فإنَّنا نُوْصِي كُلَّ مَنِ ائْتَمَّ بِمَا رَسَمْنَاهُ فِي ( المَنْهَجِ العِلْمِيِّ ) بأنْ لا يَنْسَ نَصِيْبَهُ مِنْ هَذِه العَزَائِمِ العِلْمِيَّةِ الَّتِي جَادَتْ بِهَا النَّصِيْحَةُ الإيْمَانِيَّةُ، لأنَّ العِلْمَ رَحِمٌ بَيْنَ أهْلِهِ، وذَلِكَ مِنْ خِلالِ ثَلاثِ عَزَائِمَ :
* العَزِيْمَةُ الأوْلَى : فإنَّنَا نُوْصِي مَنْ تَجَاوَزَتْ قُدُرَاتُه العِلْمِيَّةُ المَرَاحِلَ الأرْبَعَ كَمَا هِي فِي ثَوْبِ ( المَنْهَجِ العِلْمِيِّ ) بأنْ يَقْرَأ هَذِه الكُتُبَ لعُمُوْمِ الفَائِدَةِ، وعَظِيْمِ العَائِدَةِ، وهُوَ مَا وَقَعَ عَلَيْها اخْتِيَارُنا بَعْدَ النَّظَرِ والتَّمْحِيْصِ،؛ لأنَّهُ "لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيْهِ ما يُحِبُّ لنَفْسِه"(1) :
1ـ قَرِاءةُ "فَتْحِ البَارِي" لابنِ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيْقُ أبي قُتَيْبَةَ نَظْرٍ الفَارِيَابيِّ.
2ـ قَرِاءةُ "شَرْحِ مُسْلِمٍ" للنَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللهُ .
3ـ قَرِاءةُ "اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيْمِ" لابنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيْقُ الشَّيْخِ نَاصِرِ العَقْلِ .
4ـ قَرِاءةُ "إعْلامِ المُوَقِّعِيْنَ" لابنِ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيْقُ الشَّيْخِ مَشْهُوْرِ بنِ حَسَن .
5ـ قَرِاءةُ "إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ مِنْ مَصَائِدِ الشَّيْطَانِ" لابنِ القيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيْقُ الشَّيْخِ الألْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ .
6ـ قَرِاءةُ "مَدَارِجِ السَّالِكِيْنَ" لابنِ القيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيْقُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجِلَيِّلِ .
7ـ قَرِاءةُ "الاعْتِصَامِ" للشَّاطِبِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيْقُ الشَّيْخِ مَشْهُوْرِ بنِ حَسَن.
__________
(1) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1/56)، ومُسْلِمٌ (45) .(1/41)
8ـ قَرِاءةُ "أضْوَاءِ البَيَانِ" للعَلامَةِ الأمِيْنِ الشّنْقِيْطِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، طَبْعَةُ دَارِ عَالَمِ الفَوَائِدِ .
9ـ قَرِاءةُ "رَسَائِلَ ودِرَاسَاتٍ فِي الأهْوَاءِ والافْتِرَاقِ والبِدَعِ ومَوْقِفِ السَّلَفِ مِنْها" للشَّيْخِ نَاصِرِ العَقْلِ .
10ـ قِرَاءةُ "ظَاهِرَةِ الإرْجَاءِ" لشَيْخِنَا العَلامَةِ سَفَرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَوَالِيِّ.
11ـ قِرَاءةُ "مَوْقِفِ ابنِ تَيْمِيَّةَ مِنْ الأشَاعِرَةِ"، و"القَضَاءِ والقَدَرِ" و"الحُكْمِ بغَيْرِ مَا أنْزَلَ اللهُ" كُلُّها لشَيْخِنَا المُحَرِّرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَحْمُوْدِ، مَعَ مُرَاعَاةِ قِرَاءةِ الجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ "مَوْقِفِ ابنِ تَيْمِيَّةَ" بتَدَبُّرٍ وتَأمُّلٍ .
12ـ قِرَاءةُ "المُوَالاةِ والمُعَادَاةِ" للشَّيْخِ مِحْمَاسٍ الجُلْعُوْدِ .
13ـ قِرَاءةُ "مَشَارِعِ الأشْوَاقِ" للحَافِظِ الدِّمْيَاطِيِّ المشْهُوْرِ بابنِ النَّحَّاسِ، تَحْقِيْقُ الشَّيْخَيْنِ إدْرِيْسَ بنِ مُحَمَّدٍ، ومُحَمَّدٍ إسْطَنْبُوْلِي .
14ـ قِرَاءةُ "الجِهَادِ والقِتَالِ"(1) للشَّيْخِ مُحَمَّدِ بنِ خَيْرِ هَيْكَلٍ .
15ـ قِرَاءةُ "البِدَايَةِ والنِّهَايَةِ" لابنِ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيْقُ الشِّيْخِ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ .
__________
(1) عَلَى طَالِبِ العِلْمِ أنْ يَتَحَقَّقَ مِنْ بَعْضِ تَرْجِيْحَاتِ مُحَمَّدٍ هَيْكَلٍ في كِتَابِه هَذَا، مَعَ مُرَاعَاةِ التَّدْقِيْقِ في تَحْرِيْرِ أقْوَالِ أهْلِ العِلْمِ، ومَعْرِفَةِ الرَّاجِحِ مِنْها، ومَعَ هَذا فَكِتَابُه مِنْ نَفَائِسِ كُتُبِ الجِهَادِ؛ حَيْثُ جَمَعَ بَيْنَ التَّأصِيْلِ الشَّرْعِيِّ وفِقْهِ الوَاقِعِ في صُوَرِه النَّازِلَةِ بسَاحَةِ المُسْلِمِيْنَ اليَوْمَ!(1/42)
16ـ قِرَاءةُ "الدُّرَرِ السَّنِيَّةِ" لأئِمَّةِ الدَّعْوَةِ، جَمْعُ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَاسِمِ رَحِمَهُ اللهُ .
17ـ قِرَاءةُ "مُقَدِّمَةِ ابنِ خُلْدُوْنٍ" لعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خُلْدُوْنٍ رَحِمَهُ اللهُ .
18ـ قِرَاءةُ "عَوْدَةِ الحِجَابِ" للشَّيْخِ مُحَمَّدِ ابنِ إسْمَاعِيْلِ المُقَدَّمِ .
19ـ قِرَاءةُ "الاتِّجَاهَاتِ الوَطَنِيَّةِ" للشَّيْخِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ .
20ـ قِرَاءةُ "أبَاطِيْلَ وأسْمَارٍ" لشَيْخِ العَرَبِيَّةِ مَحْمُوْدِ شَاكِرٍ رَحِمَهُ اللهُ.
21ـ قِرَاءةُ "حَاضِرِ العَالَمِ الإسْلامِيِّ" للشَّيْخِ جَمِيْلِ المِصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ .
22ـ قِرَاءةُ "صَفَحَاتٍ مِنْ صَبْرِ العُلَمَاءِ"(1) للشِّيْخِ عَبْدِ الفَتَّاحِ أبو غُدَّةَ رَحِمَهُ اللهُ .
23ـ قِرَاءةُ "جَوَاهِرِ الأدَبِ فِي أدَبِيَّاتِ وإنْشَاءِ لُغَةِ العَرَبِ" لسَيِّدِ أحْمَدَ الهَاشِمِيِّ، مَنْشُوْرَاتُ مُؤسَّسَةِ المَعَارِفِ .
24ـ قَرِاءةُ "النِّهَايَةِ فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ" لابنِ الأثِيْرِ رَحِمَهُ اللهُ .
25ـ قَرِاءةُ "المِصْبَاحِ المُنِيْرِ" للفَيُّوْمِيِّ رَحِمَهُ اللهُ .
26ـ قَرِاءةُ "مُعْجَمِ المنَاهِي اللَّفْظِيَّةِ" للشَّيْخِ بَكْرٍ أبُو زَيْدٍ .
27ـ قَرِاءةُ "الحِطَّةِ في ذِكْرِ الصِّحَاحِ السِّتَّةِ" لأبي الطَّيِّبِ القِنَّوْجِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيْقُ عَلَيِّ بنِ حَسَنَ الحَلَبِيِّ .
* * *
__________
(1) تَنْبِيْهٌ : أمَّا مَا ذَكَرَهُ أبُو غُدَّةَ فِي (الجَانِبِ السَّابِعِ) مِنْ كِتَابِه هَذَا، وهُوَ التَّبَتُّلُ وتَرْكُ الزَّوَاجِ رَغْبَةً فِي العِلْمِ والتَّفَرَّغُ لأجْلِه، فَلَيْس مِنْ جَادَّةِ السُّنَّةِ؛ بَلْ هُوَ خِلافُ السُّنَّةِ وفِعْلِ السَّلَفِ والفِطْرَةِ، فهو مُسْتَدْرَكٌ!(1/43)
كَمَا أوْصِي نَفْسِي وإيِّاكَ يَا طَالِبَ العِلْمِ؛ بألاَّ تَنْسَ نَصِيْبَكَ العِلْمِيَّ، وزَادَكَ الإيْمَانِيَّ مِنْ قِرَاءةِ وجَرْدِ كُتُبِ أئِمَّةِ السَّلَفِ؛ فَهِي واللهِ السَّمْعُ والبَصَرُ، فَهِي قِبْلَةُ العِلْمِ النَّافِعِ، والعَمَلِ الصَّالِحِ ... فَحَرَامٌ عَلَى شَادِي العِلْمِ أنْ يَتَبَصَّرَّ عِلْمًا دُوْنَها، أو يَتَسَنَّنَ عَمَلاً غَيْرَها!
ومَهْمَا يَكُنْ؛ فَهَذِه شَذَرَاتٌ سَلَفِيَّةٌ تُنَبِّؤُكَ بِمَا وَرَاءها، فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ، واشْدُدْ عَلَيْها المِئْزَرَ؛ فإنَّ مِثْلَها تُعْقَدُ عَلَيْها الأنَامِلُ، واللهُ حَسْبِيَ وهُوَ نِعْمُ الوَكِيْلِ!
* ومِنْ هَذِه الكُتُبِ ( لا كُلِّها ) :
1ـ كُتُبُ حَافِظِ المَغْرِبِ ابنِ عَبْدِ البَرِّ (463) رَحِمَهُ اللهُ، لاسِيَّمَا كِتَابُه "التَّمْهِيْدُ"، تَحْقِيْقُ مَجْمُوْعَةٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ، وبإشْرَافِ وتَحْقِيْقِ الشِّيْخِ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ، و"الاسْتِيْعَابُ فِي مَعْرِفَةِ الأصْحَابِ" تَحْقِيْقُ عَادِلِ مُرْشِدٍ .
2ـ كُتُبُ حَافِظِ المَشْرِقِ الخَطِيْبِ البَغْدَادِيِّ (463) رَحِمَهُ اللهُ، لاسِيَّمَا كِتَابُه "الكِفَايةُ في مَعْرِفَةِ أُصُوْلِ عِلْمِ الرِّوَايَةِ"، تَحْقِيْقُ إبْرَاهِيْمَ الدِّمْيَاطِيِّ، و"تَارِيْخُ دَارِ السَّلامِ" تَحْقِيْقُ بَشَّار مَعْرُوْفٍ .
3ـ كُتُبُ الحَافِظِ الفَقِيْه ابنِ قُدَامَةَ (620) رَحِمَهُ اللهُ، لاسِيَّمَا كِتَابُه "المُغْنِي" تَحْقِيْقُ الشِّيْخِ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ، والشَّيْخِ عَبْدِ الفَتَّاحِ الحُلْوِ رَحِمَهُ اللهُ، و"الكَافِي"، تَحْقِيْقُ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ، و"رَوْضَةُ النَّاظِرِ" تَحْقِيْقُ عَبْدِ الكَرِيْمِ النَّمْلَةِ .(1/44)
4ـ كُتُبُ الحَافِظِ الفَقِيْه النَّوَوِيِّ (676) رحِمَهُ اللهُ، لاسِيَّمَا كِتَابُه "المَجْمُوْعُ"، و"شَرْحُ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ"، و"رِيَاضُ الصَّالحِيْنَ" تَحْقِيْقُ عَلَيِّ بنِ حَسَنَ الحَلَبِيِّ .
5ـ كُتُبُ الحَافِظِ الذَّهَبِيِّ (748) رَحِمَهُ اللهُ، لاسِيَّمَا كِتَابُه "سِيَرُ أعْلامِ النُّبَلاءِ" تَحْقِيْقُ شُعَيْبٍ الأرْنَاؤُوطِ وجَمَاعَةٍ، و"تَارِيْخُ الإسْلامِ" تَحْقِيْقُ بَشَّار مَعْرُوْفٍ .
6ـ كُتُبُ الحَافِظِ ابنِ كثيرٍ (774) رَحِمَهُ اللهُ، لاسِيَّمَا كِتَابُه "التَّفْسِيْرُ" تَحْقِيْقُ سَامِي السَّلامَةَ، و"البِدَايَةُ والنِّهَايَةُ" تَحْقِيْقُ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ.
7ـ كُتُبُ الحَافِظِ ابنِ رجبٍ (795) رَحِمَهُ اللهُ، لاسِيَّمَا كِتَابُه "فَتْحُ البَارِي شَرْحُ صَحِيْحِ البُخَارِي" تَحْقِيْقُ طَارِقِ بنِ عوضٍ، و"ذِيْلُ الطَّبَقَاتِ" تَحْقِيْقُ شَيْخِنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ العُثَيْمِيْنَ، و"جَامِعُ العُلُوْمِ والحِكَمِ" تَحْقِيْقُ شُعَيْبٍ الأرْنَاؤُوطِ، وعَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ .
8ـ كُتُبُ الحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ (852) رَحِمَهُ اللهُ لاسِيَّمَا كِتَابُه "فَتْحُ البَارِي شَرْحُ صَحِيْحِ البُخَارِي"، تَحْقِيْقُ أبي قُتَيْبَةَ نَظْرٍ الفَارِيَابيِّ، و"التَّلْخِيْصُ الحَبِيْرُ" تَحْقِيْقُ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ الثَّانِي بنِ عُمَرَ، و"تَهْذِيْبُ التَّهْذِيْبِ".
9ـ كُتُبُ الحَافِظِ الشَّوْكَانِيِّ (1250) رَحِمَهُ اللهُ، لاسِيَّمَا كِتَابُه "فَتْحُ القَدِيْرِ" تَحْقِيْقُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُمَيْرَةَ، و"نَيْلُ الأوْطَارِ" تَحْقِيْقُ طَارِقِ بنِ عَوَضٍ .
10ـ كُتُبُ الإمَامِ الصَّنْعَانِيِّ (1182) رَحِمَهُ اللهُ، لاسِيَّمَا كِتَابُه "سُبُلُ السَّلامِ" تَحْقِيْقُ طَارِقِ بنِ عوضٍ .(1/45)
11ـ كُتُبُ العَلامَةِ الحَافِظِ الأصُوْلِي الشِّنْقِيْطِيِّ (1393) رَحِمَهُ اللهُ، لاسِيَّمَا كِتَابُه "أضْوَاءُ البَيَانِ" طَبْعَةُ دَارِ عَالَمِ الفَوَائِدِ(1) .
* * *
ومِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ؛ فَعَلَيْكَ يَا طَالِبَ العِلْمِ باقْتِنَاءِ وقِرَاءةِ جَمِيْعِ كُتُبِ شَيْخِ الإسْلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ (728)، والإمَامِ الحَافِظِ ابنِ القَيِّمِ(2) (751)، والإمَامِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ (1206) رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى جَمِيْعًا .
* وكَذا كُتُبُ شَيْخِنا العَلامَةِ عَبْدِ العَزِيْزِ ابنِ بازٍ، وشَيْخِنا العَلامَةِ مُحَمَّدٍ الصَّالِحِ العُثَيْمِيْنَ، وشَيْخِنا العَلامَةِ عَبْدِ اللهِ البَسَّامِ، ومُحَدِّثِ الشَّامِ العَلامَةِ مُحَمَّدِ بنِ نَاصِرِ الدِّيْنِ الألْبَانِيِّ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى .
__________
(1) تَنْبِيْهٌ : لَقَدْ خَرَجَتْ آثَارُ الشَّيْخِ العَلامَةِ مُحَمَّدِ الأمِيْنِ الشِّنْقِيْطِيِّ كَامِلَةً وللهِ الحَمْدُ، مَعَ تَحْقِيْقٍ عِلْمِيٍّ لأكْثَرِها، تَحْتَ إشْرَافِ الشَّيْخِ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ أبُو زَيْدٍ، إصْدَارُ وطِبَاعَةُ دَارِ عَالَمِ الفَوَائِدِ، حَيْثُ خَرَجَتْ في تِسْعَةَ عَشَرَ مُجَلَّدٍ، فَدُوْنَكَ اقْتِنَائَهَا!
(2) تَنْبِيْهٌ : لَقَدْ خَرَجَتْ بَعْضُ آثَارِ الإمَامِ ابنِ قيِّمِ الجَوزِيَّةِ ومَا لحِقَهَا مِنْ أعْمَالٍ في مَجْمُوعَاتٍ، وسَتَخْرُجُ تِبَاعًا كَامِلَةً إنْ شَاءَ اللهُ، مَعَ تَحْقِيْقٍ عِلْمِيٍّ لأكْثَرِها، تَحْتَ إشْرَافِ الشَّيْخِ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ أبُو زَيْدٍ، إصْدَارُ وطِبَاعَةُ دَارِ عَالَمِ الفَوَائِدِ، وللهِ الحَمْدُ، فَدُوْنَكَ اقْتِنَائَهَا!(1/46)
* وكَذَا كُتُبُ شَيْخِنا العَلامَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَقِيْلٍ، وشَيْخِنا العَلامَةِ عَبْدِ اللهِ الجِبْرِيْنِ، ، وشَيْخِنا العَلامَةِ بَكْرٍ أبُو زَيْدٍ، حَفِظَهُمُ اللهُ تَعَالَى في غَيْرِهِم مِنْ أهْلِ العِلْمِ الكِبَارِ مِمَّنْ لا يَسَعُهُم هَذا المَقَامُ .
* * *
* العَزِيْمَةُ الثَّانِيَةُ : إنَّنَا نُوْصِي طَالِبَ العِلْمِ المُبْتَدِئ والمُنْتَهِي عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؛ بأنْ يَكُوْنَ لَهُ ( وِرْدٌ عِلْمِيٌّ ) فِي كُلِّ سَنَةٍ أو سَنَتَيْنِ عَلَى أقَلِّ تَقْدِيْرٍ وأضْعَفِ حَالٍ، وذَلِكَ بِدَوَامِ النَّظَرِ والقِرَاءةِ لبَعْضِ الكُتُبِ العِلْمِيَّةِ الَّتِي لا يَسَعُ طَالِبُ العِلْمِ أنْ يَجْهَلَها أو يَتَجَاهَلَها، لاسِيَّما مِمَّنْ تَصَدَّرَ للفَتْوَى والتَّعْلِيْمِ، ورَامَ التَّألِيْفَ والتَّحْقِيْقَ ... !
فَدُونَكَهَا؛ كُتُبًا عِلْمِيَّةً، وكُنُوْزًا عَلَيَّةً، فاصْبِرْ نَفَسَكَ عَلَيْها، ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْها، فمِنْها المُبْتَدَى وإلَيْها المُنْتَهَى بَعْدَ الكِتَابِ والسُّنَّةِ، وكُتُبِ سَلَفِ الأمَّةِ المُحَقِّقِيْنَ :
* قِرَاءةُ "القُرْآنِ الكَرِيْمِ"، أو مُرَاجَعَةُ حِفْظِهِ ( مِرَارًا ) .
* قِرَاءةُ ( الصَّحِيْحَيْنِ ) أو مُرَاجَعَةُ حِفْظِهِما .
* قِرَاءةُ "بُلُوْغِ المَرَامِ" لابنِ حَجَرٍ، تَحْقِيْقُ الزُّهَيْرِيِّ، أو مُرَاجَعَةُ حِفْظِهِ.
* قِرَاءةُ "مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى" لابنِ تَيْمِيَّةَ .
* قِرَاءةُ "فَتْحِ المَجِيْدِ"، لعَبْدِ الرَّحْمَنِ آلِ الشَّيْخِ، تَحْقِيْقُ الوَلِيْدِ آلِ فُرَيَّانَ .
* قِرَاءةُ "شَرْحِ العَقِيْدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ" لابنِ أبِي العِزِّ، تَحْقِيْقِ التُّرْكِيِّ والأرَناؤوطِ .
* قِرَاءةُ "تَفْسِيْرِ القُرْآنِ العَظِيْمِ" لابنِ كَثِيْرٍ، تَحْقِيْقُ سَامِي السَّلامَةِ.(1/47)
* قِرَاءةُ "المُغْنِي" لابنِ قُدَامَةَ المَقْدِسِيِّ، تَحْقِيْقُ الشِّيْخِ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ، والشَّيْخِ عَبْدِ الفَتَّاحِ الحُلْوِ رَحِمَهُ اللهُ .
* قِرَاءةُ "زَادِ المَعَادِ فِي هَدْيِ خَيْرِ العِبَادِ" لابنِ القَيِّمِ، تَحْقِيْقُ عَبْدِ القَادِرِ الأرْنَاؤُوْطِ، وشُعَيْبٍ الأرْنَاؤُوْطِ .
* قِرَاءةُ "رَوْضَةِ النَّاظِرِ وجُنَّةِ المُنَاظِرِ" لابنِ قُدَامَةِ المَقْدَسِيِّ الحَنْبَلِيِّ، تَحْقِيْقُ عَبْدِ الكَرِيْمِ النَّمْلَةِ، و"مَعَالِمِ أصُوْلِ الفِقْهِ" للشَّيْخِ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنَ الجَيْزَانِيِّ .
* قِرَاءةُ "تَدْرِيْبِ الرَّاوِيِّ" للسِّيُوْطِيِّ، تَحْقِيْقُ طَارِقِ بنِ عَوَضٍ .
* قِرَاءةُ "سَبِيْلِ الهُدَى بتَحْقِيْقِ شَرْحِ قَطْرِ النَّدَى وبَلِّ الصَّدَى" لمُحَمَّدِ مُحْي الدِّيْنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ أو "الدُّرَرِ البهيَّةِ تَهْذِيْبِ الكَوَاكِبِ الدُّريَّةِ"(1) لرَاقِمِه.
* * *
__________
(1) نَعَمْ؛ إنَّ اشْتِهارَ كِتَابِ "قَطْرِ النَّدَى"، وعُلُوِّ كَعْبِ صَاحِبِه لا يَشْفَعُ لَهُ مِنْ بعضِ المُؤاخَذَاتِ العِلْمِيَّةِ؛ لاسِيَّما في التَّقْسِيْماتِ العَقْليةِ؛ حَيْثُ أخَذَتْ مِنَ المؤَلِّفِ طَرِيقًا وَاسِعًا في تَرْتِيْبَاتِ مَسَائِلِ النَّحْوِ وتفْرِيعَاتِه، وكذا قلَّةُ أمْثِلتِه، وهَجْرِهِ للشَّوَاهِدِ النَّبويَّةِ، وعُمْقِ اخْتِصَارِه؛ ممَّا كَانَ سَببًا في إغْلاقِه عَلَى كَثِيرٍ مِنْ طَلَبةِ العِلْمِ في غَيْرِها مِنَ المؤَاخَذَاتِ، واللهُ أعْلَمُ .(1/48)
* العَزِيْمَةُ الثَّالِثَةُ : فإنَّنَا نُوْصِي عَامَّةَ المُسْلِمِيْنَ مِنْ غَيْرِ طُلابِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ مِمَّنْ لا يَعْلَمُوْنَ كَثِيْرًا مِنْ مَعَالِمِ وحَقَائِقِ الدِّيْنِ(1)، بأنْ يَأخُذُوا بِهَذِه العَزِيْمَةِ الأخَوِيَّةِ، ومَا ذَاكَ إلاَّ أنَّ أعْدَاءَ الدِّيْنِ لَمْ يَزَالُوا يَنْفِثُوْنَ سُمُوْمَ أفْكَارِهِم، ويَبْسُطُوُنَ ألْسِنَتَهُم فِي عَقِيْدَةِ وأخْلاقِ المُسْلِمِيْنَ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ.
لاسِيَّما أنَّنا نَعْيِشُ أيَّامًا حَالِكَةً مُهْلِكَةً؛ حَيْثُ ظَهَرَ فِيْها الجَهْلُ، وقَلَّ العِلْمُ، ونَدَّ الحَقُّ، وعَلا البَاطِلُ، وكَثُرَ الخَبَثُ ...!
لأجْلِ هَذا وغَيْرِه؛ فَقَدْ حَقَّتِ النَّصِيْحَةُ الإيْمَانِيَّةُ بأنْ تَشْمَلَ العَامَّةَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وذَلِكَ بِرَسْمِ قَاعِدَةٍ عِلْمِيَّةٍ عَامَّةٍ يَشْتَرِكُ فِيْها الجَمِيْعُ، مِمَّا سَتَكُوْنُ إنْ شَاءَ اللهُ عَوْنًا لعُمْوُمْ المُسْلِمِيْنَ لَفَهْمِ دِيْنِهِم، وحِصْنًا مَنِيْعًا مِنْ عَادِيَةِ الأفْكَارِ المَشْبُوْهَةِ، والثَّقَافَاتِ الدَّخِيْلَةِ السَّائِمَةِ فِي قَنَوَاتِ الإعْلامِ هُنَا وهُنَاكَ.
وذَلِكَ مِنْ خِلالِ بَعْضِ الكُتُبِ الإسْلامِيَّةِ، الَّتِي نَرَى مِنَ الأهَمِيَّةِ بِمَكَانٍ قِرَاءتَها، واقْتِنَاءهَا لَدَى جَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ لاسِيَّما هَذِه الأيَّامَ العَصِيْبَةَ .
فَمِنْ تِلْكَ الكُتُبِ مَا يَلَي :
__________
(1) أقْصِدُ بالعَامَّةِ هُنا : مَنْ يُحْسِنُ القِرَاءةَ والكِتَابَةَ مَعْ فَهْمٍ صَحِيْحٍ : كالمُشْتَغِلِيْنَ بالعُلُوْمِ الطَّبِيْعِيَّةِ، والرِّياضِيَّةِ، والفَلَكِيَّةِ، كالطبِّ، والهَنْدَسَةِ وغَيْرِها، وكَذَا أهْلُ المِهَنِ والحِرَفِ والصِّنَاعَاتِ .(1/49)
1ـ قِرَاءةُ "القَوْلِ السَّدِيْدِ فِي مَقَاصِدِ التَّوْحِيْدِ" للشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيِّ، تَحْقِيْقُ صَبْرِي شَاهِيْنَ .
2ـ قِرَاءةُ "عَقِيْدَةِ التَّوْحِيْدِ" للشَّيْخِ صَالِحٍ الفَوْزَانِ، طَبْعةُ دَارِ العَاصِمَةِ.
3ـ قِرَاءةُ تَفْسِيْرِ "زُبْدَةِ التَّفْسِيْرِ" للشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الأشْقَرَ، طَبْعةُ دَارِ النَّفَائِسِ، أو "تَيْسِيْرِ الكَرِيْمِ الرَّحْمَنِ" للشَّيخِ العَلامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيِّ
4ـ قِرَاءةُ "الرَّحِيْقِ المُخْتُوْمِ" للشِّيْخِ صَفِيِّ الرَّحْمَنِ المُبَارَكْفُوْرِيِّ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ : أنْ تَكُوْنَ القِرَاءةُ مِنْ نَسَبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وأسْرَتِه.
5ـ قِرَاءةُ المُجَلَّدِ الأوَّلِ مِنْ كِتَابِ "المُلَخَّصِ الفِقْهِيِّ" للشِّيْخِ صَالِحِ الفَوْزَانِ، وهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ رُبْعِ العِبَادَاتِ، طَبْعَةُ دَارِ العَاصِمَةِ .
6ـ قَرِاءةُ "رِيَاضِ الصَّالِحِيْنَ" للإمَامِ النَّوَوِيِّ، تَحْقِيْقُ عَلَيِّ بنِ حَسَنَ الحَلَبِيِّ.
7ـ قَرِاءةُ "تَزْكِيَةِ النُّفُوْسِ" لأحْمَدَ فَرِيْدٍ، وآخَرِيْنَ .
8ـ قَرِاءةُ "حِصْنِ المُسْلِمِ" للشَّيْخِ سَعِيْدِ بنِ وَهْفٍ القَحْطَانِيِّ، مَعَ مَلْحُوظةِ: حِفْظِ مَا يُمْكِنُ حِفْظُه مِنَ الأحَادِيْثِ لاسِيَّمَا أذْكَارُ الصَّبَاحِ والمَسَاءِ.
* * *
لَطِيْفَةٌ : لَقَدْ اقْتَصَرْنا فِي هَذِه العَزِيْمَةِ الأخَوِيَّةِ الشَّامِلَةِ للعَامَّةِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ : بثَمَانِيَةِ كُتُبٍ عِلْمِيَّةٍ؛ عَسَاهَا تَكُوْنَ ( إنْ شَاءَ اللهُ ) سَبَبًا لِدُخُوْلِنا جَمِيْعًا مِنْ أيِّ أبْوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ، اللَّهُمَّ أمِيْنَ!
البَابُ الرَّابِعُ
العَوَائِقُ والعَلائِقُ
وفِيْهِ خَمْسُ عَوَائِقَ وعَلائِقَ
عَوَائِقُ وعَلائِقُ(1/50)
إنَّ العِلْمَ الشَّرْعِيَّ، لا يَكُوْنُ شَرْعِيًّا مَقْبُوْلاً إلاَّ إذا خَلُصَ مِنَ العَوَائِقِ والعَلائِقِ، وسَلِمَ مِنْ الدَّسَائِسِ والحَوَائِلِ(1) .
فَعِنْدَ ذَلِكَ؛ فلْيَعْلَمِ الجَمِيْعُ : بأنَّ العِلْمَ الشَّرْعِيَّ لَهُ عَوَائِقُ كَثِيْرَةٌ تَقْطَعُ السَّيْرَ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ، وتُفْسِدُ عَلَيْه الطَّلَبَ والقَصْدَ، كَمَا أنَّها مُحْبِطَةٌ لصَالِحِ الأعْمَالِ، ومُجْلِبَةٌ للحِرْمَانِ والخُسْرَانِ؛ ومَنْ أحَاطَتْ بِهِ فَقَدْ أوْبَقَتْ دِيْنَهُ ودُنْيَاهُ؛ فَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، ومِنْ عَمَلٍ لا يُرْفَعُ.
ومَهْمَا قِيْلَ؛ فإنَّ العَوَائِقَ كَثِيْرَةٌ لا تَنْتَهِي إلى حَدٍّ ولا عَدٍّ، فمِنْها :
__________
(1) لَقَدْ أجْمَعْتُ أمْرِي عَلَى إخْرَاجِ رِسَالَةٍ صَغِيْرَةٍ فِي بَيَانِ غَوَائِلِ العِلْمِ والتَّعَلُّمِ، وكَشْفِ أغْلُوْطَاتِ أدْعِيَاءِ العِلْمِ، واللهَ أسْألُ أنْ يُيَسِّرَ إخْرَاجَها!(1/51)
الكِبْرُ، بَطَرُ الحَقِّ، غَمْطُ النَّاسَ، حَسَدُ الأقْرَانِ، الرِّياءُ، العُجْبُ، تَزْكِيَةُ النَّفْسِ، سُوْءُ الخُلُقِ، العِلْمُ بِلا عَمَلٍ، التَّرَفُ، العَجْزُ والكَسَلُ، سُوْءُ الظَّنِّ، تَصْنِيْفُ النَّاسَ بالظَّنِّ والتَّشَهِّي، غَيْرَةُ الأقْرَانِ، تَلَقِّي العِلْمَ عَنِ المُبْتَدِعَةُ، أخْذُهِ عَنِ الأصَاغِرِ، تَتَبُّعُ الرُّخَصِ والشُّذُوْذَاتِ العِلْمِيَّةِ، نَشْرُ أُغْلُوْطَاتِ المَسَائِلِ، حُبُّ الشُّهْرَةِ، التَّعَالُمُ، التَّصَدُّرُ قَبْلَ التَّأهُّلِ، التَّنَمُّرُ بالعِلْمِ، تَعْظِيْمُ عُلُوْمِ الدُّنْيَا وألْقَابِها، التَّخَصُّصُ (الجَامِعِيُّ)، التَّقْلِيْدُ المَذْهَبِيُّ، التَّعَصُّبُ العِلْمِيُّ، التَّحَزُّبُ المقِيْتُ، الانْهِزَامُ العِلْمِيُّ (الدَّعَوِيُّ)، رِقُّ الوَظَائِفِ، كَثْرَةُ المِزَاحِ، فُضُوْلُ المُبَاحَاتِ، خَوَارِمُ المُرُوْءةِ، الإصْرَارُ عَلَى الصَّغَائِرِ، ارْتِكَابُ الكَبَائِرِ، المُجَاهَرَةُ بالمَعَاصِي، حُبُّ الدُّنْيَا، الدُّخُوْلُ عَلَى السَّلاطِيْنِ ... إلخ .
* * *
فأمَّا إنْ سَألْتَ يَا طَالِبَ العِلْمِ عَنْ جَامِعِ الغَوَائِلِ وأصْلِها، فَهُمَا أمْرَانِ (مُرَّانِ)، مَا ابْتُلِي بِهِمَا أحَدٌ إلاَّ هُتِكَ سِتْرُه، وافْتُضِحَ أمْرُه، ورَقَّ دِيْنُه، وحُرِمَ خَيْرُه، ( نُعُوْذُ باللهِ مِنْ كُلِّ سُوْءٍ )!(1/52)
الأوَّلُ : حُبُّ الدُّنْيا، والثَّانِي : الدُّخُوْلُ عَلَى السَّلاطِيْنِ، وهُمَا عَائِقَانِ مُهْلِكَانِ(1) .
يَقُوْلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ : "مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بأَفْسَدَ لَهَا : مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ، والشَّرَفِ لدِيْنِهِ"(2)، فأصْلُ مَحَبَّةِ المَالِ والشَّرَفِ حُبُّ الدُّنْيا، وأصْلُ حُبِّ الدُّنْيا بَلاطُ السَّلاطِيْنِ، وفِيْها اسْتِحْكَامُ الهُلْكَةِ؛ فَنَعُوْذُ باللهِ مِنَ الهَوَى والدُّنْيَا!
يَقُوْلُ ابنُ وَهْبٍ رَحِمَهُ اللهُ : "إنَّ جَمْعَ المَالِ وغِشْيَانَ السُّّّّّلْطَانِ، لا يُبْقِيَانِ مِنْ حَسَنَاتِ المَرْءِ إلاَّ كَمَا يُبْقِي ذِئْبَانِ جَائِعَانِ سَقَطَا فِي حَظَارٍ فِيْه غَنَمٌ؛ فَبَاتا يَجُوْسَانِ حَتَّى أصْبَحَا"(3) .
* * *
* فأمَّا العَائِقُ الأوَّلُ : فَهُوَ حُبُّ الدُّنْيا وزِيْنَتِها، فَهَذَا ( واللهِ ! ) بَيْتُ الدَّاءِ، ونَامُوْسُ السِّفْلَةِ والرَّعَاعِ، ومَبْلَغُ رَأسِ عِلْمِ الخَالِفِيْنَ، وسُوْقُ المُتَعَالِمِيْنَ، فَعَيَاذًا باللهِ مِنْها!
__________
(1) لَقَدْ ذَكَرْتُ بَعْضَ العَوَائِقِ (حُبِّ الدُّنْيا، والدُّخُوْلِ عَلَى السَّلاطِيْنِ، وتَعْظِيْمِ العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ وألْقَابِها، والتَّخَصُّصِ الجَامِعِيِّ، وفُضُوْلِ المُبَاحَاتِ) بشَيْءٍ مِنَ البَسْطِ دُوْنَ سِوَاها؛ وما ذَاكَ إلاَّ أنَّ كَثِيْرًا مِنْ المُنْتَسِبِيْنَ إلى العِلْمِ مِنْ أهْلِ زَمَانِنَا قَدْ تَوَسَّعُوا فِيْهِا ( فَيَا أسَفَاه )!
(2) أخْرَجَهُ أحمد(3/456)، والترمذي (2376)، وهُوَ حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ .
(3) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/639) .(1/53)
فيَا طَالِبَ العِلْمِ؛ الحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ حُبِّ الدُّنْيا، " اللَّهُمَّ لا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أكْبَرَ هَمِّنا، ولا مَبْلَغَ عِلْمِنا"(1) آمِيْنَ!
فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : "اعْلَمُوا أنَّما الحَيَاةُ الدُّنْيا لَعِبٌ ولَهْوٌ وزِيْنَةٌ وتَفَاخُرٌ بَيْنَكم وتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ والأوْلادِ"[الحديد20].
وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ : "إنَّ الدُّنْيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُم فِيْها؛ فيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُوْنَ ؟ فاتَّقُوا الدُّنْيا واتَّقُوا النِّسَاءَ، فإنَّ أوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إسْرَائِيْلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ"(2) .
وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ : "مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِه وَجْهَ اللهِ لا يَتَعَلَّمَهُ إلاَّ لِيُصِيْبَ بِه عَرَضًا مِنَ الدُّنْيا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ"(3) يَعْنِي رِيْحَهَا.
قَالَ الإمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ " لا عَيْبَ فِي العُلَمَاءِ أقْبَحُ مِنْ رَغْبَتِهم فِيْمَا زَهَّدَهُم اللهُ فِيْه !" (4)، أيْ : حُبَّ الدُّنْيَا .
* * *
__________
(1) أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (3502) وهُوَ صَحِيْحٌ .
(2) أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (2742) .
(3) أخْرَجَهُ أحْمَدُ(2/338)، وأبُو دَاوُدَ (3664)، وابنُ مَاجَه (252) وهُوَ حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ .
(4) انْظُرْ "بَيَانَ العِلْمِ الأصِيْلِ" لعَبْدِ الكَرِيْمِ الحُمَيْدِ (26).(1/54)
قِيْلَ للإمَامِ أحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ : إنَّ ابنَ المُبَارَكِ قِيْلَ لَهُ : كَيْفَ يُعْرَفُ العَالِمُ الصَّادِقُ ؟ فَقَالَ : الَّذِي يَزْهَد فِي الدُّنْيا، ويُقْبِلُ عَلَى أمْرِ الآخِرَةِ، فَقَالَ أحْمَدُ : هَكَذَا يَنْبَغِي أنْ يَكُوْنَ، وكَانَ أحْمَدُ يُنْكِرُ عَلَى أهْلِ العِلْمِ حُبَّ الدُّنْيا، والحِرَصَ عَلَيْها!"(1).
قَالَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ : "لَكَثِيْرٌ مِنْ عُلَمَائِكِم زِيُّهُ، أشْبَهُ بِزِيِّ كِسْرَى وقَيْصَرَ مِنْهُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ، إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ لَمْ يَضَعْ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ، ولا قَصَبَةً عَلَى قَصَبَةٍ، ولَكِنْ رُفِعَ لَه عِلْمٌ فَشَمَّرَ إلَيْه"(2) .
وقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ " إذَا فَسَدَ العُلَمَاءُ؛ فَمَنْ يُصْلِحُهُم؟ وفَسَادُهُم مَيْلُُهم عَلَى الدُّنْيا، وإذَا جَرَّ الطَّبِيْبُ الدَّاءَ إلى نَفْسِه فَكَيْفَ يُدَاوِي غَيْرَه؟!"(3).
__________
(1) انْظُرْ "شَرْحَ حَدِيْثِ أبِي الدَّرْدَاءِ فِي طَلَبِ العِلْمِ" لابنِ رَجَبٍ، وهُوَ ضِمْنُ "مَجْمُوْعِ رَسَائِلِ ابنِ رَجَبٍ" جَمْعُ أبي مُصْعَبٍ الحَلْوَانِيُّ (1/56) .
(2) انْظُرْ "أخْلاقَ العُلَمَاءِ" للآجُرِّيِّ (86)، و"الحِلْيَةَ" لأبِي نُعِيْمٍ الأصْبَهَانِيِّ (8/92)، و"سِيْرَ أعْلامِ النُّبَلاءِ" للذَّهَبِيِّ (8/434) .
(3) انْظُرْ "الحِلْيَةَ" لأبِي نُعِيْمٍ الأصْبَهَانِيِّ (6/339)، و"جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/643،711) بِنَحْوِه .(1/55)
وقَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ : "إذَا رَأيْتُم العَالِمَ مُحِبًا لدُنْيَاه؛ فاتَّهِمُوْهُ عَلَى دِيْنِكِم، فإنَّ كُلَّ مُحِبٍّ لشَيْءٍ يَحُوْطُ ما أحَبَّ"(1)، أمَّا قَوْلُه : "فاتَّهِمُوْهُ عَلَى دِيْنِكِم"، أيْ : لا تَأخُذُوا مِنْه شَيْئًا مِنْ أمُوْرِ الدِّيْنِ، سَوَاءٌ كَانَتْ فَتْوَى أو عِلمًا، لأنَّه مُتَّهَمٌ في دِيْنِه، وقَدْ قِيْلَ : العِلْمُ دِيْنٌ، فانْظُرُوا عَمَّنْ تَأخُذُوْنَ دِيْنَكُم، واللهُ أعْلَمُ .
وقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ " مِنْ شَرْطِ العَالِمِ أنْ لا تَخْطُرَ مَحَبَّةُ الدُّنْيا عَلَى بَالِه !، وقِيْلَ لَهُ : مَنْ سِفْلَةُ النَّاسِ ؟ قَالَ : الَّذِيْنَ يَتَعَيَّشُوْنَ بِدِيْنِهِم!" (2).
كَانَ يُقَالُ : "أشْرَفُ العُلَمَاءِ مَنْ هَرَبَ بدِيْنِهِ عَنِ الدُّنْيا، واسْتَصْعَبَ قِيَادُهُ عَلَى الهَوَى"(3).
نَعَمْ؛ فإنَّ طَلَبَ العِلْمِ يَدُلُّ عَلَى الهَرَبِ مِنَ الدُّنْيا، لا عَلَى حُبِّها، أمَّا أهْلُ زَمَانِنا فَشَيْءٌ آخَرُ، فإلى اللهِ المُشْتَكَى، وعَلَيْه التُّكْلانُ!
وقَالَ حَسَنُ بنُ صَالِحٍ رَحِمَهُ اللهُ : "إنَّكَ لا تَفْقَهُ حَتَّى لا تُبَالِي فِي يَدَيْ مَنْ كَانَتِ الدُّنْيا"(4).
__________
(1) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/670) .
(2) انْظُرْ "الحِلْيَةَ" لأبِي نُعَيْمٍ الأصْبَهَانِيِّ (8/178) بنَحْوِه .
(3) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/656) .
(4) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/660) .(1/56)
ومَا أبْلَغَ مَا هُنَا!؛ إذْ يَقُوْلُ الآجُرِّيُّ رَحِمَهُ اللهُ : "فإذَا كَانَ يُخَافُ عَلَى العُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أنْ تَفْتِنَهُم الدُّنْيا!، فَمَا ظَنُّكَ بِه فِي زَمَانِنَا هَذَا؟ اللهُ المُسْتَعَانُ . مَا أعْظَمَ مَا قَدْ حَلَّ بالعُلَمَاءِ مِنَ الفِتَنِ وَهُم عَنْهُ فِي غَفْلَةِ!" (1) انْتَهَى.
قُلْتُ : وَكَأنِّي بالآجُرِّيِّ رَحِمَهُ اللهُ يَصِفُ أكْثَرَ عُلَمَاءِ زَمَانِنا، وهُمْ حَتَّى سَاعَتِي هَذِه مَا بَيْنَ غَفْلَةٍ أو تَغَافُلٍ، وجَهْلٍ أو تَجَاهُلٍ بالفِتَنِ العَاصِفَةِ بالعِبَادِ والبِلادِ، فاللهُ المُسْتَعَانُ!
* * *
* وأمَّا العَائِقُ الثَّانِي : فَهُوَ الدُّخُوْلُ عَلَى السَّلاطِيْنِ، وأهْلِ الدُّنْيا، فَهَذَا (واللهِ!) المَوْتُ الأسْوَدُ، والحَوْرُ بَعْدَ الكَوْرِ، إلاَّ مَنْ سَلَّمَهُ اللهُ، وقَلِيْلٌ مَا هُم، فعِيَاذًا باللهِ مِنْه!
فيَا طَالِبَ العِلْمِ؛ الحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ الدُّخُوْلِ عَلَى السَّلاطِيْنِ، وأهْلِ الدُّنْيا!
فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ : " مَنْ بَدَا جَفَا، ومَنْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، ومَنْ أتَى أبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتَتَنْ، ومَا زَادَ أحَدٌ مِنَ السُّلْطَانِ قُرْبًا إلاَّ ازْدَادَ مِنَ اللهِ بُعْدًا"(2) .
وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ : " إيَّاكُم وأبْوَابَ السُّلْطَانِ؛ فإنَّه قَدْ أصْبَحَ صَعْبًا هَبُوْطًا"(3)، ( هَبُوْطًا : ذُلاً ) .
* * *
__________
(1) "أخْلاقُ العُلَمَاءِ" للآجُرِّيِّ (89) .
(2) أخْرَجَهُ أحمد (2/371)، انْظُرْ "السِّلْسِلَةَ الصَّحِيْحَةَ" (1272) .
(3) أخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ (1/2/345)، وابنُ عساكر (13/232)، وقَد صَحَّحَ إسْنادَه الألْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي "السِّلْسِلَةِ الصَّحِيْحَةِ" (1253) .(1/57)
قَالَ أبُو حَازِمٍ رَحِمَهُ اللهُ "لَقَدْ أتَتْ عَلَيْنا بُرْهَةٌ مِنْ دَهْرِنا ومَا عَالِمٌ يَطْلُبُ أمَيْرًا، وكَانَ الرَّجُلُ إذا عَلِمَ اكْتَفَى بالعِلْمِ عَمَّا سِوَاه، فَكَانَ فِي ذَلِكَ صَلاحٌ للفَرِيْقَيْنِ ( للوَالِي والمَوَلَّى عَلَيه )، فَلَمَّا رَأتِ الأمَرَاءُ أنَّ العُلَمَاءَ قَدْ غَشَوْهُم وجَالَسُوْهُم وسَألُوْهُم مَا فِي أيْدِيْهِم هَانُوا عَلَيْهم وتَرَكُوا الأخْذَ عَنَهُم والاقْتِبَاسَ مِنْهُم، فَكَانَ ذَلِكَ هَلاكٌ للفَرِيْقَيْنِ"(1) انْتَهَى .
واجْتَازَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ يَوْمًا ببَعْضِ القُرَّاءِ عَلَى أبْوَابِ السَّلاطِيْنِ فَقَالَ : "أقْرَحْتُمْ جِبَاهَكُم، وفَرْطَحْتُمْ نِعَالَكَمُ، وجِئْتُمْ بالعِلْمِ تَحْمِلُوْنَه عَلَى رِقَابِكِم إلى أبْوَابِهِم؟ فَزَهِدُوا فِيْكُم، أمَا إنَّكُم لَوْ جَلَسْتُم فِي بِيُوْتِكِم حَتَّى يَكُوْنُوا هُمُ الَّذِيْنَ يُرْسِلُوْنَ إلَيْكُم؛ لَكَانَ أعْظَمَ لَكُمْ فِي أعْيُنِهِمْ، تَفَرَّقُوا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَ أضْلاعِكِمُ!"(2) انْتَهَى .
__________
(1) انْظُرْ "الحِلْيَةَ" لأبِي نُعَيْمٍ (3/243) و"شَرْحَ حَدِيْثِ أبِي الدَّرْدَاءِ" لابنِ رَجَبٍ، وهُوَ ضِمْنُ "مَجْمُوْعِ رَسَائِلِ ابنِ رَجَبٍ" جَمْعُ أبي مُصْعَبٍ الحَلْوَانِيُّ (1/57) .
(2) انْظُرْ "شَرْحَ حَدِيْثِ أبِي الدَّرْدَاءِ فِي طَلَبِ العِلْمِ" لابنِ رَجَبٍ، وهُوَ ضِمْنُ "مَجْمُوْعِ رَسَائِلِ ابنِ رَجَبٍ" جَمْعُ أبي مُصْعَبٍ الحَلْوَانِيُّ (1/57-58) .(1/58)
وقَالَ كَعْبُ الأحْبَارِ رَحِمَهُ اللهُ "يُوْشِكُ أنْ تَرَوْا جُهَّالَ النَّاسِ يَتَبَاهَوْنَ بالعِلْمِ، ويَتَغَايَرُوْنَ عَلَى التَّقَدُّمِ بِه عِنْدَ الأمَرَاءِ، كَمَا يَتَغَايَرُ النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ، فَذَلِكَ حَظَّهُم مِنْ عِلْمِهِم"(1) .
قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ " إذَا رَأيْتُم العَالِمَ ( القارئ ) يَلُوْذُ ببَابِ السَّلاطِيْنِ فاعْلَمُوا أنَّه لِصٌّ، وإذا رَأيْتُمُوْهُ يَلُوْذُ ببَابِ الأغْنِيَاءِ فاعْلَمُوا أنَّه مُرَاءٍ"(2)، وبِمِثْلِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ(3) .
وقِيْلَ لسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ : " ألاَ تَدْخُلُ عَلَى الأمَرَاءِ فَتَتَحَفَّظُ وتَعِظَهُم وتَنْهَاهُم؟ فَقَالَ : تَأمُرُوْنِي أنْ أسْبَحَ فِي البَحْرِ ولا تَبْتَلَّ قَدَمَاي؟ إنَّي أخَافُ أنْ يُرَحِّبُوا بِي فأمِيْلُ إليْهِم فَيَحْبَطَ عَمَلِي!"(4) انْتَهَى.
ومِنْ دَقِيْقِ الخَوْفِ؛ مَا ذَكَرَهُ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ اللهُ بقَوْلِهِ : "كُنْتُ قَدْ أُوْتِيْتُ فَهْمَ القَرْآنِ، فلَمَّا قَبِلْتُ الصُّرَّةَ مِنْ أبِي جَعْفَرٍ؛ سُلِبْتُه، فنَسْألُ اللهَ تَعَالَى المُسَامَحَةَ!"(5) .
__________
(1) انْظُرْ "الحِلْيَةَ" لأبِي نُعَيْمٍ الأصْبَهَانِيِّ (5/412) .
(2) انْظُرْ "الآدَابَ الشَّرْعِيَّةَ" لابنِ مُفْلِحٍ (2/155) .
(3) انْظُرْ "الحِلْيَةَ" لأبِي نُعَيْمٍ الأصْبَهَانِيِّ (6/428) .
(4) انْظُرْ "الحِلْيَةَ" لأبِي نُعَيْمٍ الأصْبَهَانِيِّ (7/44) .
(5) انْظُرْ "تَذْكِرَةَ السَّامِعِ والمُتَكَلِّمِ" لابنِ جَمَاعَةَ (48) .(1/59)
ومَا أجْمَلَ مَا هُنَا؛ وذَلِكَ عِنْدَمَا كَتَبَ إمَامُ أهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إلِى سِعِيْدِ بنِ يَعْقُوْبَ : " أمَّا بَعْدُ : فإنَّ الدُّنْيا دَاءٌ، والسُّلْطَانَ دَاءٌ، والعَالِمَ طَبِيْبٌ، فإذَا رَأيْتَ الطَّبِيْبَ يَجُرُّ الدَّاءَ إلى نَفْسِه فاحْذَرْهُ، والسَّلامُ عَلَيْكَ!"(1) انْتَهَى.
وقَدْ قِيْلَ: "إنَّ خَيْرَ الأمَرَاءِ مَنْ أحَبَّ العُلَمَاءَ، وإنَّ شَرَّ العُلَمَاءِ مَنْ أحَبَّ الأمَرَاءَ!"(2)، وحَسْبُكَ أنَّ هَذَا هُوَ القَانُوْنُ الَّذِي يُوْزَنُ بِه العُلَمَاءُ والأمَرَاءُ : خَيْرًا وشَرًّا!
ورَحِمَ اللهُ أبَا الحَسَنِ عَلَيَّ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ الجُرْجَانِيَّ إذْ يَقُوْلُ(3):
ولَوْ أنَّ أهْلَ العِلْمِ صَانُوْهُ صَانَهُم ولَوْ عَظَّمُوْهُ فِي النُّفُوْسِ لَعُظِّمَا
ولَكِنْ أهَانُوْهُ فَهَانُوا، ودَنَّسُوْا مُحَيَّاهُ بالأطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا
* * *
__________
(1) انْظُرْ "بَيَانَ العِلْمِ الأصِيْلِ" لعَبْدِ الكَرِيْمِ الحُمَيْدِ (26).
(2) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/644) .
(3) لَقَدْ أدْرَكْنا مَشَايِخَنا وهُمْ يَحْفَظُوْنَ قَصِيْدَةَ الجُرْجَانِيِّ كَامِلَةً، ولَمْ يَزَلِ العَهْدُ مُتَّصِلاً فالحَمْدُ للهِ، فاشْدُدْ يا طَالِبَ العِلْمِ بِحَبْلِ حِفْظِها؛ ففِيْها صِفَاتُ العَالِمِ الرَّبَّانِيِّ، وفِيْها حِكَمٌ ومَوَاعِظُ عَزِيْزَةٌ؛ لاسِيَّمَا هَذِه الأيَّامِ !، انْظُرْها "أدَبُ الدُّنْيا والدِّيْنِ" للمَاوَرْدِيِّ (132)، و"طَبَقَاتُ الشَّافِعِيَّةِ" للسُّبْكِيِّ (3/460) وانْظُرْها كَامِلَةً فِي "صَفَحَاتٍ مِنْ صَبْرِ العُلَمَاءِ" لأبِي غُدَّةَ (352) .(1/60)
ومَهْمَا يَكُنْ، فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ يا طَالِبَ العِلْمِ عَلَيْهِم حَسَرَاتٍ؛ فإنَّه لَمَّا مَاتَ شَيْخُ الإسْلامِ وقُدْوَةُ العُلَمَاءِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ : "مَعْشَرَ أهْلِ الَهَوى كُلُوا الدُّنْيا بالدِّيْنِ، فَقَدْ مَاتَ سُفْيَانُ!"(1)، يَعْنِي : مَا بَقِي بَعْدَهُ أحَدٌ يُسْتَحْيَا مِنْه !، قُلْتُ : فإنْ لَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ، فاللهُُ أحقُّ أنْ يُسْتَحْيَ مِنْه!
* * *
ولا يَهُوْلنَّكَ يا طَالِبَ العِلْمِ مَا هُنَالِكَ مِنْ نَوَابِتَ نَكِدَةٍ لَمْ تَزَلْ تَسْعَى جَاهِدَةً فِي إحْيَاءِ مُخَالَفَةِ مَسَالِكِ عُلَمَاءِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي الدُّخُوْلِ عَلَى السَّلاطِيْنِ والأمَرَاءِ، وذَلِكَ بدَفْعِ طُلابِ العِلْمِ إلى مَرَاتِعِ الشَّهَوَاتِ، ومَهَالِكِ الشُّبُهَاتِ؛ ليَهِيْمُوا فِي "وَادِي تُضُلِّلَ"، مِمَّا قَدْ تَعْصِفُ بِمَا بَقِيَ مِنْ عِزَّةِ أهْلِ العِلْمِ !
وذَلِكَ مِنْ خِلالِ دَعَوَاتٍ عَرِيْضَةٍ (مَرِيْضَةٍ!)، وتَصَانِيْفَ بَتْرَاءَ دَاعِيَةً مَضَامِيْنُها وعَنَاوِيْنُها إلى الدُّخُوْلِ عَلَى الأمَرَاءِ والسَّلاطِيْنِ، ولَوْ بِشَرْطِ : الأمْرِ بالمَعْرُوْفِ، والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ !، فاحْذَرْ يا طَالِبَ العِلْمِ، وانْجُ بِعِلْمِكَ، وفِرَّ بدِيْنِكَ فإنَّه رَأسُ مَالِكَ، واعْلَمْ إنَّ هَذَا الشَّرْطَ كَانَ عِنْدَ السَّلَفِ عَزِيْزًا عَسِيْرًا، أمَّا اليَوْمَ فأدْعِيَاءُ الشَّرْطِ كَثِيْرٌ، والعَامِلُوْنَ بِه نَزْرٌ يَسِيْرٌ، لا يَتَجَاوَزُوْنَ أصَابِعَ اليَدِ الوَاحِدَةِ!
__________
(1) انْظُرْ "شَرْحَ حَدِيْثِ أبِي الدَّرْدَاءِ فِي طَلَبِ العِلْمِ" لابنِ رَجَبٍ، وهُوَ ضِمْنُ "مَجْمُوْعِ رَسَائِلِ ابنِ رَجَبٍ" جَمْعُ أبي مُصْعَبٍ الحَلْوَانِيُّ (1/55) .(1/61)
ويَكْفِي هُنَا مَا ذَكَرَه ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ : "فَقَدْ كَانَ كَثِيْرٌ مِنَ السَّلَفِ يَنْهَوْنَ عَنِ الدُّخُوْلِ عَلَى المُلُوْكِ لِمَنْ أرَادَ أمْرَهُم بالمَعْرُوْفِ ونَهْيَهُم عَنِ المُنْكَرِ أيْضًا، ومِمَّنْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ : عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وابنُ المُبَارَكِ، والثَّوْرِيُّ، وغَيْرُهُم مِنَ الأئِمَّةِ .
وقَالَ ابنُ المُبَارَكِ : لَيْسَ الآمِرُ النَّاهِي عِنْدَنا مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِم (السَّلاطِيْنِ) فأمَرَهُم ونَهَاهُم، إنَّمَا الآمِرُ النَّاهِي مَنِ اعْتَزَلَهُم!
وسَبَبُ مَا يُخْشَى مِنْ فِتْنَةِ الدُّخُوْلِ عَلَيْهِم، فإنَّ النَّفْسَ قَدْ تُخَيِّلُ للإنْسَانِ إذَا كَانَ بَعِيْدًا أنَّه يَأمُرُهُم ويَنْهاهُم ويُغْلِظُ عَلَيْهِم، فإذَا شَاهَدَهُم قَرِيْبًا مَالَتْ النَّفْسُ إلَيْهِم، لأنَّ مَحَبَّةَ الشَّرَفِ كَامِنَةٌ فِي النَّفْسِ لَهُ، ولِذَلِكَ يُدَاهِنُهُم ويُلاطِفُهُم، ورُبَّمَا مَالَ إلَيْهِم وأحَبَّهُم، ولاسِيَّمَا إنْ لاطَفُوْه وأكْرَمُوْه، وقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُم، وقَدَ جَرَى ذَلِكَ لعَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ مَعَ بَعْضِ الأمَرَاءِ بِحَضْرَةِ أبِيْه طَاوُوْسَ فَوَبَّخَهُ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ .
وكَتَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إلى عَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ، وكَانَ فِي كِتَابِهِ : "إيَّاكَ والأُمَراءَ أنْ تَدْنُو مِنْهُم، أو تُخَالِطَهُم فِي شَيْءٍ مِنَ الأشْيَاءِ .(1/62)
وإيَّاكَ أنْ تُخْدَعَ ويُقَالُ لَكَ : لتَشْفَعَ وتَدْرَأ عَنْ مَظْلُوْمٍ أو تَرُدَّ مَظْلَمَةً، فإنَّ ذَلِكَ خَدِيْعَةُ إبْلِيْسَ، وإنَّمَا اتَّخَذَها فُجَّارُ القُرَّاءِ سُلَّمًا، ومَا كُفِيْتَ عَنِ المَسْألَةِ والفُتْيا فاغْتَنِمْ ذَلِكَ، ولا تُنَافِسْهُم"(1) انْتَهَى .
وقَالَ سُفْيَانُ أيْضًا : "مَا أخَافُ مِنْ عُقُوْبَتِهِم، إنَّما أخَافُ مِنْ كَرَامَتِهِم!"(2).
ولِهَذَا قَالَ الإمَامُ أحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ : " فِتْنَتِي بالمُتَوَكِّلِ أعْظَمُ مِنْ فِتْنَتِي بالمُعْتَصِمِ!" يُشِيْرُ إلى الإكْرَامِ(3).
ورَحِمَ اللهُ ابنَ عَبْدِ البَرِّ إذْ يَقُوْلُ عَنْ مَجَالِسِ أمَرَاءِ العَدْلِ والفَضْلِ: "الفِتْنَةُ فِيْها أغْلَبُ، والسَّلامَةُ مِنْها تَرْكُ مَا فِيْها"(4) .
* * *
ومَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا؛ مِنْ عَدَمِ الدُّخُوْلِ عَلى السُّلْطَانِ فَلَيْسَ بِدَعًا مِنَ القَوْلِ ولا هُجْرًا، ومَا كَانَ حَدِيْثًا يُفْتَرى؛ بَلْ هُوَ مِنْ جَادَّةِ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ وأئِمَّةِ الدِّيْنِ، وإنْ كَانَ للدُّخُوْلِ عَلَيْهِم مِنْ حَتْمٍ أو مَنْدُوْحَةٍ عَلى بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ؛ فكَما يَلي :
أوَّلاً : أنْ يَكُوْنَ الدُّخُوْلُ عَلَى السُّلْطَانِ مِنْ بَابِ أمْرِهِ بالمَعْرُوْفِ ونَهيِهِ عَنِ المُنْكَرِ، وإلاَّ .
ثَانِيًا : أنْ يَكُوْنَ الدُّخُوْلُ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ التَّذْكِيْرِ والموْعِظَةِ، وإلاَّ .
__________
(1) انْظُرْ "شَرْحَ حَدِيْثِ أبِي الدَّرْدَاءِ فِي طَلَبِ العِلْمِ" لابنِ رَجَبٍ، وهُوَ ضِمْنُ "مَجْمُوْعِ رَسَائِلِ ابنِ رَجَبٍ" جَمْعُ أبي مُصْعَبٍ الحَلْوَانِيُّ (1/86-87) .
(2) انْظُرْ "الجَلِيْسَ الصَّالِحَ" لسِبْطِ ابنِ الجَوْزِيِّ (201) .
(3) انْظُرْ السَّابِقَ .
(4) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/644) .(1/63)
ثالثًا : أنْ يَكُوْنَ الدُّخُوْلُ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ إجَابَةِ دَعْوَةِ السُّلْطَانِ، وذَلِكَ فِيْما لَوْ أمَرَهُ وَليُّ الأمْرِ بالدُّخُوْلِ والمَجِيءِ، وإلاَّ .
فإنَّا وإيَّاكَ؛ لَنْ نَنْسَ "ومَنْ أتَى أبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتَتَنْ"، و" إيَّاكُم وأبْوَابَ السُّلْطَانِ؛ فإنَّه قَدْ أصْبَحَ صَعْبًا هَبُوْطًا"، "وإيَّاكَ أنْ تُخْدَعَ فإنَّ ذَلِكَ خَدِيْعَةُ إبْلِيْسِ، و"السُّلْطَانُ دَاءٌ، والعَالِمُ طَبِيْبٌ، فإذَا رَأيْتَ الطَّبِيْبَ يَجُرُّ الدَّاءَ إلى نَفْسِه فاحْذَرْهُ"، فاحْذَرَ أنْ يُرَحِّبُوا بِكَ فَتَمِيْلَ إليْهِم مَيْلاً عَظِيْمًا، والسَّلامُ عَلَيْكَ يا طَالِبَ العِلْمِ والعزَّةِ!
* * *
* أمَّا العَائِقُ الثَّالِثُ : أنْ تَحْذَرَ يَا طَالِبَ العِلْمِ مِنَ الاشْتِغَالِ والنَّظَرِ فِي دَرَكَاتِ الهُوْنِ والدُّوْنِ، مِنْ عُلُوْمِ أهْلِ زَمَانِنَا، ومَا هُمْ فِيْه مِنْ شَارَاتٍ وضْعِيَّةٍ(1)، وألْقَابٍ جَوْفَاءَ، مَا أنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ أو بُرْهَانٍ، اللَّهُمَّ هَوَىً وظُنُوْنًا يَتَغَشَّوْنَ بِهَا مَجَالِسَ العِلْمِ، ليَسْتَبِيْحُوا بِهَا زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيا، إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي!
واعْلَمْ يَا رَعَاكَ اللهُ : إنَّ العِلْمَ مَا جَاءَ عَنِ الكِتَابِ، والسُّنَّةِ، وأصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وهَذَا مَا أجْمَعَ عَلَيْه سَلَفُ الأمَّةِ .
__________
(1) أي : بَعْضُ الأسْمَاءِ العِلْمِيَّةِ الوَافِدَةِ عَلَيْنا : كـ(الدَّكْتُوْرَاه)، و(الماجِسْتِيْر)، و(البَكَلَرْيُوس)، وغَيْرِها .(1/64)
قَالَ الإمَامُ الأوْزَاعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : "العِلْمُ مَا جَاءَ عَنْ أصْحَابِ مُحَمَّدٍ، ومَا لَمْ يَجِيء عَنْهُم فَلَيْسَ بِعِلْمٍ"(1) .
وهَاكَ يا طَالِبَ العِلْمِ هَذِه القَاعِدَةَ السَّلَفِيَّةَ فِي وِزَانِ عُلُوْمِ السَّلَفِ وعُلُوْمِ الخَلَفِ، وهُوَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ بِقَوْلِهِ : "العِلْمُ المَوْرُوْثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ؛ فإنَّه هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أنْ يُسَمَّى عِلْمًا، وما سِوَاهُ إمَّا أنْ يَكُوْنَ عِلْمًا فَلا يَكُوْنُ نَافِعًا.
وإمَّا أنْ لا يَكُوْنَ عِلْمًا وإنْ سُمِّيَ بِه، ولئِنْ كَانَ عِلْمًا نَافِعًا فَلابُدَّ أنْ يَكُوْنَ فِي مِيْرَاثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ مَا يُغْنِي عَنْه مِمَّا هُوَ مِثْلُه وخَيْرٌ مِنْه!" (2).
وقَالَ أيْضًا رَحِمَهُ اللهُ فِي أهَمِيَّةِ مُخَالَفَةِ أعْمَالِ الكُفَّارِ؛ ولَوْ كَانَ فِيْه إتْقَانٌ : "فإذًا المُخَالَفَةُ لَهُم (أيْ : مُخَالَفةُ الكُفَّارِ) فِيْها مَنْفَعَةٌ وصَلاحٌ لَنا فِي كُلِّ أمُوْرِنا؛ حَتَّى مَا هُم عَلَيْه مِنْ اتْقَانِ بَعْضِ أمُوْرِ دُنْيَاهُم؛ قَدْ يَكُوْنُ مُضِرًا بأمْرِ الآخِرَةِ، أو بِمَا هُوَ أهَمُّ مِنْهُ مِنْ أمْرِ الدُّنْيَا، فالمُخَالَفَةُ فِيْه صَلاحٌ لَنَا"(3) .
* * *
__________
(1) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ " لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/644)، و"البِدَايَةَ والنِّهَايَةَ" لابنِ كَثِيْرٍ (10/117) .
(2) "مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى" لابنِ تَيْمِيَّةَ (10/664) .
(3) "اقْتِضَاءُ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيْمِ" لابنِ تَيْمِيَّةَ (1/172) .(1/65)
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، ويَنْقُصُ العِلْمُ، وتَظْهَرُ الفِتَنُ، ويَكْثُرُ الهَرْجُ، قِيْلَ يَا رَسُوْلَ اللهِ : أيْمُ هُوَ؟ قَالَ : القَتْلُ القَتْلُ"(1) .
وفِي هَذَا الحَدِيْثِ نُكْتَةٌ عِلْمِيَّةٌ نَفِيْسَةٌ ذَكَرَها الإمِامُ الحَافِظُ أبُو حَاتِمٍ رَحِمَهُ اللهُ بِقَوْلِه : "فِي هَذَا الخَبَرِ دَلِيْلٌ عَلَى أنَّ مَا لَمْ يَنْقُصْ مِنَ العِلْمِ لَيْسَ بعِلْمِ الدِّيْنِ فِي الحَقِيْقَةِ، وفِيْه دَلِيْلٌ عَلَى أنَّ ضِدَّ العِلْمِ يَزِيْدُ، وكُلُّ شَيْءٍ زَادَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَرْجِعُه إلى الكِتَابِ والسُّنَّةِ فَهُوَ ضِدُّ العِلْمِ"(2) انْتَهَى .
وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ : "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِه خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّيْنِ"(3)!
ومِنْه نَعْلَمُ قَطْعًا؛ أنَّ كُلَّ عِلْمٍ لَمْ يَكُنْ مِنَ الدِّيْنِ فَلَيْسَ بفِقْهٍ، ومَنِ اشْتَغَلَ بغَيْرِه فَلَيْسَ مِمَّنْ أرَادَ اللهُ بِه خَيْرًا أصَالَةً لا حِوالَةً(4)!
* * *
__________
(1) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (5690) وغَيْرُه .
(2) انْظُرْ "مُقَدِّمَةَ المَجْرُوْحِيْنِ" لابنِ حِبَّانَ (12) .
(3) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1/27)، ومُسْلِمٌ (3/95) .
(4) لأنَّ الخَيْرَ يَكُوْنُ فِي العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ أصَالَةً، وفِي غَيْرِه مِنَ عُلُوْمِ الدُّنْيا يَكُوْنُ تِبَاعًا!(1/66)
وعَلَيْه؛ فاعْلَمْ إنَّ هَذِه العُلُوْمَ الطَّبِيْعِيَّةَ وغَيْرَها مِمَّا هِيَ مِنْ عُلُوْمِ الدُّنْيا (الطَّبِيْعَيَّةَ، الهَيْئَةَ، الرِّياضِيَّةَ، الهَنْدَسَةَ، الطِّبَّ وغَيْرَها)(1) الَّتِي لَمْ تَزَلْ تَزْدَادُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ؛ بأنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ بِشَيْءٍ، كَمَا أنَّه لا يَضُرُّ الجَهْلُ بِها، ولا يَنْفَعُ العِلْمُ بِها، بَلْ هِي عُلُوْمٌ دِنْيَوِيَّةٌ؛ المَقْصُوْدُ مِنْهَا عِمَارَةُ الدُّنْيَا!
يَقُوْلُ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ :" لَكِنَّ المَقْصُوْدَ أنْ يُعْرَفَ أنَّ الصَّحَابَةَ خَيْرُ القُرُوْنِ، وأفْضَلُ الخَلْقِ بَعْدَ الأنْبِيَاءِ .
فَمَا ظَهَرَ (مِنَ العُلُوْمِ) فِيْمَنْ بَعْدَهُم مِمَّنْ يَظُنُّ أنَّها فَضِيْلَةٌ للمُتَأخِّرِيْنَ، ولَمْ تَكُنْ فِيْهِم فإنَّها مِنْ الشَّيْطَانِ، وهِي نَقِيْصَةٌ لا فَضِيْلَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ العُلُوْمِ، أو مِنْ جِنْسِ العِبَادَاتِ، أو مِنْ جِنْسِ الخَوَارِقِ والآيَاتِ، أو مِنْ جِنْسِ السِّيَاسَةِ والمُلْكِ؛ بَلْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَهُم أتْبَعَهُم لَهُم"(2) انْتَهى .
__________
(1) لَقَدْ تَكَلَّمْتُ عَنْ : "عِلْمِ الطِّبِّ، وعِلْمِ الاجْتِماعِ، والإعْجَازِ العِلْمِيِّ"، بشَيءٍ مِنَ البَسْطِ والتَّحْرِيْرِ، وبَيَّنْتُ كَثِيرًا مِنْ أخَطَائِها العِلْمِيَّةِ، وآثَارِها العِمَلِيَّةِ، وحَذَّرْتُ مِنَ الجَرِي ورَاءهَا والانْبِهَارِ بِها إلى غَيْرِ ذَلِكَ ممَّا ذَكْرَتُه هُنَاكَ، وأسْألُ اللهَ أنْ يُيَسِّرَ إخْرَاجَها قَرِيْبًا!
(2) "مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى" لابْنِ تَيْمِيَّةَ (27/394) .(1/67)
وقَالَ أيْضًا رَحِمَهُ اللهُ فِي مَعْرَضِ رَدِّه عَلَى أرْبَابِ العُلُوْمِ الدِّنْيِوَيَّةِ، لاسِيَّما أرْبَابُ الفَلْسَفَةِ مِنْهُم :" فإنَّ عِلْمَ الحِسَابِ الَّذِي هُوَ عِلْمٌ بالكَمِّ المُنْفَصِلِ، والهَنْدَسَةِ الَّتِي هِيَ عِلْمٌ بالكَمِّ المُتَّصِلِ عِلْمٌ يَقِيْنِيٌّ لا يَحْتَمِلُ النَّقِيْضَ البَتَّةَ : مِثْلُ جَمْعِ الأعْدَادِ وقِسْمَتِها وضَرْبِها، ونِسْبَةِ بَعْضِها إلى بَعْضٍ ... والمَقْصُوْدُ أنَّ هَذا العِلْمَ الَّذِي تَقُوْمُ عَلَيْه بَرَاهِيْنُ صَادِقَةٌ لَكِنْ لا تَكْمُلُ بِذَلِكَ نَفْسٌ، ولا تَنْجُو مِنْ عَذَابٍ، ولا تُنَالُ بِه سَعَادَةٌ"(1) .
* * *
يَقُوْلُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ فِي بَيَانِ أنواعِ العُلُوْمِ : " نَوْعٌ تَكْمُلُ النَّفْسُ بإدْرَاكِهِ والعِلْمِ بِه، وهُوَ العِلْمُ باللهِ وأسْمَائِه وصِفَاتِه وأفْعَالِه وكُتُبِه وأمْرِه ونَهْيِه.
ونَوْعٌ لا يَحْصُلُ للنَّفْسِ بِه كَمَالٌ : وهُوَ كُلُّ عِلْمٍ لا يَضُرُّ الجَهْلُ بِه، فإنَّه لا يَنْفَعُ العِلْمُ بِها في الآخِرَةِ .
وكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ يَسْتَعِيْذُ باللهِ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وهَذَا حَالُ أكْثَرِ العُلُوْمِ الصَّحِيْحَةِ المُطَابِقَةِ الَّتِي لا يَضُرُّ الجَهْلُ بِها شَيْئًا: كالعِلْمِ بالفَلَكِ ودَقَائِقِه ودَرَجَاتِه، وعَدَدِ الكَوَاكِبِ ومَقَادِيْرِها، والعِلْمِ بعَدَدِ الجِبَالِ وألْوَانِها ومَسَاحَتِها، ونَحْوِ ذَلِكَ، فَشَرَفُ العِلْمِ بِحَسَبِ شَرَفِ مَعْلُوْمِه، وشِدَّةِ الحَاجَةِ إلَيْه، ولَيْسَ ذَاكَ إلاَّ العِلْمُ باللهِ وتَوَابِعِ ذَلِكَ"(2) انْتَهَى.
__________
(1) السَّابِقُ (9/126) .
(2) "الفَوَائِدُ"لابْنِ القَيِّمِ (160) .(1/68)
وقَالَ أيْضًا فِي مَعْرَضِ الرَّدِّ عَلَى عُلَمَاءِ الفَلْسَفَةِ : "وإمَّا عِلْمٌ طَبِيْعِيٌّ صَحِيْحٌ غَايِتُه مَعْرِفَةُ العَنَاصِرِ، وبَعْضِ خَوَاصِهَا وطَبَائِعَها، ومَعْرِفَةُ بَعْضِ مَا يَتَرَكَّبُ مِنْها، ومَا يَسْتَحِيْلُ مِنَ المُوْجِبَاتِ إلَيْها، وبَعْضِ مَا يَقَعُ فِي العَالَمِ مِنَ الآثارِ بامْتِزَاجِها واخْتِلاطِها ... وأيُّ كَمَالٍ للنَّفْسِ فِي هَذِا؟ وأيُّ سَعَادَةٍ لَهَا فِيْه؟!"(1) انْتَهَى .
وقَالَ أيْضًا فِي مَعْرَضِ الرَّدِّ عَلَى أهْلِ الطِّبِّ : "وحَاجَةُ النَّاسِ إلى الشَّرِيْعَةِ ضَرُوْرَةٌ فَوْقَ حَاجَتِهم إلى أيِّ شَيءٍ، ولا نِسْبَةَ لحاجَتِهِم إلى عِلْمِ الطِّبِّ إلَيْها، ألاَ تَرَى أكْثَرَ العَالمِ، يَعِيْشُوْنَ بغَيْرِ طَبِيْبٍ؟ ولا يَكُوْنُ الطَّبِيْبُ إلاَّ في المُدُنِ الجَامِعَةِ، وأمَّا أهْلُ البَدْوِ كُلُّهُم، وأهْلُ الكَفُوْرِ (القَرْيَةِ الصَّغِيْرَةِ) كُلُّهُم، وعَامَّةُ بَنِي آدَمَ، فَلا يَحْتَاجُوْنَ إلى طَبِيْبٍ، وهُمْ أصَحُّ أبْدَانًا وأقْوَى طَبِيْعَةً ممَّنْ هُوَ مُتَقَيِّدٌ بالطَّبِيْبِ، ولَعَلَّ أعْمَارَهُم مُتَقَارِبَةٌ ... إلخ .
وأمَّا مَا يُقَدَّرُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرِيْعَةِ ففَسَادُ الرُّوْحِ والقَلْبِ جُمْلَةً، وهَلاكُ الأبَدِ، وشَتَّانَ بَيْنَ هَذَا وهَلاكِ البَدَنِ بالموتِ : فَلَيْسَ النَّاسُ قَطُّ إلى شَيءٍ أحْوَجَ مِنْهُم إلى مَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بهِ الرَّسُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ، والقِيَامِ بِه، والدَّعْوَةِ إلَيْه، والصَّبْرِ عَلَيْه، وجِهَادِ مَنْ خَرَجَ عَنْه حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ، ولَيْسَ للعَالَمِ صَلاحٌ بِدُوْنَ ذَلِكَ البَتَّةَ"(2) انْتَهَى .
__________
(1) "مِفْتَاحُ دَارِ السَّعَادَةِ" لابْنِ القَيِّمِ (2/122) .
(2) "مِفْتَاحُ دَارِ السَّعَادَةِ" (2/318-319) .(1/69)
وعَلَيْكَ أخِي طَالِبِ العِلْمِ بمَا قَالَه ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي بَيَانِ فَضْلِ عِلْمِ السَّلَفِ عَلى عِلْمِ الخَلَفِ : "وفي كَلامِهِم (السَّلَفِ) كِفَايَةٌ وزِيَادَةٌ، فَلا يُوْجَدُ في كَلامِ مَنْ بَعْدِهِم مِنْ حَقٍّ إلاَّ وهُوَ في كَلامِهِم مَوْجُوْدٌ بأوْجَزِ لَفْظٍ، وأخْصَرِ عِبَارَةٍ، ولا يُوْجَدُ في كَلامِ مَنْ بَعْدِهِم مِنْ بَاطِلٍ إلاَّ وفي كَلامِهِم مَا يُبَيِّنُ بُطْلانَه لمَنْ فَهِمَهُ وتَأمَّلَهُ، ويُوْجَدُ في كَلامِهِم مِنَ المعَاني البَدِيْعَةِ والمآخِذِ الدَّقِيْقَةِ مَا لا يَهْتَدِي إلَيْه مَنْ بَعْدَهُم ولا يَلِمُّ بِهِ، فَمَنْ لم يَأخُذْ العِلْمَ مِنْ كَلامِهِم فَاتَهُ ذَلِكَ الخَيْرُ كُلُّه مَعَ مَا يَقَعُ في كَثِيْرٍ مِنَ البَاطِلِ مُتَابَعَةً لمَنْ تَأخَّرَ عَنْهُم"(1) انْتَهَى .
* * *
واعْلَمْ يا رَعَاكَ اللهُ، أنَّ العِلْمَ إذا أُطْلِقَ، فإنَّه لا يَصْدُقُ إلاَّ عَلَى العِلْمِ الشَّرْعِيِّ فَضْلاً وكَمَالاً، أجْرًا ومَآلاً، عِزًّا وحَالاً ... !
ومَا سِوَاهُ مِنْ عُلُوْمِ الدُّنْيا؛ فَهِي عُلُوْمٌ مُقَيَّدَةٌ بِمَا تُضَافُ إلَيْه مِنْ : حِرَفٍ ومِهَنٍ وفِكْرٍ ... كعُلُوْمِ الطَّبِيْعَةِ، والفَلَكِ، والهَيْئَةِ، والحِسَابِ، والصِّنَاعَاتِ، والرِّيَاضِيَّاتِ، والهَنْدَسَةِ، والأحْيَاءِ، و(الكِيْمِيَاءِ)، و(الفِيْزِيَاءِ)، و(الجُغْرَافِيَا)، وعِلْمِ الأرْضِ (الجُيُوْلُوْجِيا)، وعِلْمِ التِّجَارَةِ، وعِلْمِ السِّيَاسَةِ، وكَذَا حِرَفِ النِّجَارَةِ، والفِلاحَةِ، والصِّنَاعَةِ، والحِيَاكَةِ ... إلخ .
__________
(1) "بَيَانُ فَضْلِ عِلْمِ السَّلَفِ" (68) تَحْقِيْقُ أخِيْنا الشَّيْخِ مُحمَّدٍ العَجْمِيِّ .(1/70)
فَعِنْدَ ذَلِكَ؛ كَانَ مِنَ الخَطأ البَيِّنِ رَصْفُ تِلْكَ العَنَاوِيْنِ الرَّابِضَةِ فَوْقَ بَعْضِ الكُتُبِ العِلْمِيَّةِ، والأطَارِيْحِ الجَامِعِيَّةِ كَقَوْلِهِم : العِلْمُ والإيْمَانُ، العِلْمُ والإسْلامُ، الإيْمَانُ مِحْرَابُ الطِّبِّ، الدِّيْنُ والعِلْمُ التَّجْرِيْبِيُّ، القُرْآنُ والإعْجَازُ العِلْمِيُّ ... وغَيْرُها مِمَّا هُوَ مِنْ زَبَدِ العُلُوْمِ الدَّخِيْلَةِ، والانْهِزَامِ الجَاثِمِ عَلَى عُقُوْلِ وأقْلامِ كَثِيْرٍ مِنَ كُتَّابِ المُسْلِمِيْنَ هَذِه الأيَّامَ!
ومَا ذَاكَ الخَطَأُ الدَّارِجُ هُنَا وهُنَاكَ إلاَّ لِكَوْنِ القَوْمِ قَدْ ظَنُّوا بأنَّ العِلْمَ شَيْءٌ، والدِّيْنَ شَيْءٌ آخَرَ!
لِذَا نَجِدُهُم يُفَرِّقُوْنَ بَيْنَ الدِّيْنِ والعِلْمِ، ومَا عَلِمُوا أنَّ الدِّيْنَ الإسْلامِيَّ هُوَ العِلْمُ، والعِلْمَ دِيْنٌ؛ فانْظُرُوا عَمَّنْ تَأخُذُوْنَ دِيْنَكُم!
فإنَّ حَالَ هَذِه العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ؛ بَلْ أكْثَرِ العُلُوْمِ الصَّحِيْحَةِ المُطَابِقَةِ للعَقْلِ والتَّجْرُبَةِ؛ فإنَّه لا يَضُرُّ الجَهْلُ بِها شَيْئًا، كَمَا أنَّه لا يَنْفَعُ العِلْمُ بِها!
لِذَا؛ فلا يَهُوْلَنَّكَ يَا طَالِبَ العِلْمِ مَا يَتَجَارَى بِهِ أهْلُ زَمَانِنَا فِي تَسْوِيْقِ هَذِه العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ، مَعَ زُخْرُفٍ مِنَ الشَّارَاتِ والألْقَابِ فِي صُرُوْحِ الجَامِعَاتِ، ومَا يَقْذِفُه الإعْلامُ العَائِمُ فَوْقَ بَرَاكِيْنَ مِنَ الثَّقَافَاتِ الغَرْبِيَّةِ، كُلُّ ذَلِكَ مُحَاكَاتٌ ومُشَابَهَةٌ لِمُخَلَّفَاتِ الاسْتِعْمَارِ (الدَّمَارِ) الغَرْبِيِّ!
* * *(1/71)
ومَهْمَا قِيْلَ؛ فَلَنْ يَتَعَدَّ أصْحَابُ هَذِه العُلُوْمِ الطَّبِيْعِيَّةِ وغَيْرِها (مِمَّا هِيَ مِنْ عُلُوْمِ الدُّنْيا) مَكَانَهُم مِنَ العِلْمِ؛ فَهُم لا يَعْلَمُوْنَ إلاَّ ظَاهِرًا مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيا؛ بَلْ هَذَا مَبْلَغُهُم مِنَ العِلْمِ، كَمَا أنَّها عُلُوْمٌ يَشْتَرِكُ فِيْها كُلُّ إنْسَانٍ وجَانٍّ (المُؤْمِنُ مِنْهُم والكَافِرُ)، ومَعَ هَذَا فَلَيْسَ لَهُم فِيْها مِنْ الأجْرِ شَيْءٌ، اللَّهُمَّ إلاَّ إذا جَعَلُوا مِنْ هَذِه العُلُوْمِ والصِّنَاعَاتِ قُرُباتٍ، بَعْدَ اسْتِحْضَارِ قَصْدٍ ونِيَّاتٍ!
كَنِيَّةِ : التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ، كَمَا يَنْوِيْهِ النَّجَّارُ والفَلاحُ وغَيْرُهُما مِنْ أهْلِ الحِرَفِ والمِهَنِ، و"إنَّمَا الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"(1) .
ومَهْمَا يَكُنْ؛ فالأجْرُ والخَيْرُ : فِي العِلْمِ الشَّرْعِيِّ أصْلٌ وغَايَةٌ، وفِي غَيْرِه مِنَ عُلُوْمِ الدُّنْيا طَارِئٌ ووَسَيْلَةٌ!
__________
(1) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1)، ومُسْلِمٌ (1907) .(1/72)
وهَذَا الذَّهَبِيُّ رَحِمَه اللهُ أيْضًا نَجِدُه يُعِيْبُ عِلْمَ النَّحْوِ الَّذِي هُوَ أفْضَلُ وأكْمَلُ مِنْ عُلُوْمِ (القَوْمِ!) لاسِيَّمَا إذَا خَرَجَ عَنْ حَدِّه المَقْصُوْدِ، وذَلِكَ بِقَوْلِه : "النَّحْوِيُّوْنَ لا بَأسَ بِهِم، وعِلْمُهُم حَسَنٌ مُحْتَاجٌ إلَيْه، لَكِنَّ النَّحْوِيَّ إذا أمْعَنَ فِي العَرَبِيَّةِ، وعَرِيَ عَنْ عِلْمِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ بَقِيَ فَارِغًا بَطَّالاً لَعَّابًا، ولا يَسْألُه اللهُ والحَالَةُ هَذِه عَنْ عِلْمِه فِي الآخِرَةِ؛ بَلْ هُوَ كَصِنْعَةٍ مِنَ الصَّنَائِعِ : كالطَّبِّ والحِسَابِ، والهَنْدَسَةِ لا يُثَابُ عَلَيْها، ولا يُعَاقَبُ إذَا لَمْ يَتَكَبَّرْ عَلَى النَّاسِ، ولا يتَحَامَقْ عَلَيْهم، واتَّقَى اللهَ تَعَالَى، وتَوَاضَعْ وَصَانَ نَفْسَهُ"(1) انْتَهَى .
* * *
ومِنْ آخِرِ نَحِسَاتِ أدْعِيَاءِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ هَذِه الأيَّام، أنَّ نَابِتَةً مِنْهُم لَمْ تَزَلْ تَنْفُخُ فِي رَوْعِ شَبَابِ المُسْلِمِيْنَ بَعْضَ العُلُوْمِ التَّجْرِيْبِيَّةِ، الوَافِدَةِ مِنْ مُسْتَنْقَعَاتِ الفِكْرِ الغَرْبِي ( الكَافِرِ )، ضَارِبِيْنَ بِعُلُوْمِ وكُتُبِ السَّلَفِ الصَّالِحِ عُرْضَ الحَائِطِ، مُزَاحِمِيْنَ مَا كَانَ عَلَيه المُسْلِمُوْنَ مِنْ الأمْرِ الأوَّلِ : إنَّها العُلُوْمُ الإدَارِيَّةُ، والنَّفْسِيَّةُ (البَرْمَجَةُ العَصَبِيَّةُ اللُّغَوِيَّةُ)، وغَيْرُها!
__________
(1) "زَغَلُ العِلْمِ" للذَّهَبِيِّ (39) .(1/73)
فَلَيْتَ شِعْرِي؛ هَلْ نَسِيَ هُؤلاءِ ( المُنْهَزِمُوْنَ ) أنَّ الأمَّةَ الإسْلامِيَّةَ هَذِه الأيَّامَ فِي حَالٍ لا يُنَادَى وَلِيْدُها ؟ مِنْ جَهْلٍ بِدِيْنِهِم، وتَفَرُّقٍ بَيْنَهُم، وضَعْفٍ لَدَيْهِم...؟!، فإنْ كَانُوا عَلَى عِلْمٍ بِهَذا؛ فلِمَاذا هَذِه العُلُوْمُ الدَّخِيْلَةُ الَّتِي تُرَوَّجُ وتُسَوَّقُ بَيْنَ شَبَابِ المُسْلِمِيْنَ؛ حتَّى أخَذَتْ (للأسَفِ!) أخَادِيْدَ فِي قُلُوْبِ بَعْضِ طُلابِ العِلْمِ؟!
* * *
قَالَ اللهُ تَعَالَى : "قُلْ أتَسْتَبْدِلُوْنَ الَّذِي هُو أدْنَى بالَّذِي هُوَ خَيْرٌ"[البقرة61]، وقَالَ تَعَالَى : "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخْسَرِيْنَ أعْمَالاً، الَّذِيْنَ ضَلَّ سَعْيُهُم فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا وهُمْ يَحْسَبُوْنَ أنَّهُم يُحْسِنُوْنَ صُنْعًا"[الكهف103-104].
وقَالَ عَبْدُ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ رَضِي اللهُ عَنْه : "كَيْفَ أنْتُم إذا لَبِسَتْكُم فِتْنَةٌ يَهْرَمُ فِيْها الكَبِيْرُ، ويَرْبُو فِيْها الصَّغِيْرُ، ويَتَّخِذُها النَّاسُ سُنَّةً، فإذا غُيِّرَتْ قَالُوا : غُيِّرَتِ السُّنَّةُ!
قَالُوا : ومَتَى ذَلِكَ يا أبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ قَالَ : إذا كَثُرَتْ قُرَّاؤكُم، وقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُم، وكَثُرَتْ أمَرَاؤُكُم، وقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُم، والْتُمِسَتِ الدُّنْيا بعَمَلِ الآخِرَةِ"(1)!
* * *
فإنِّي أُعِيْذُكَ باللهِ يا مَنْ تَسْعَى فِي نَشْرِ هَذِه العُلُوْمِ الدَّخِيْلَةِ الهَجِيْنَةِ فِي بِلادِ المُسْلِمِيْنَ، مِمَّا يَلِي :
__________
(1) أخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ فِي "مُسْنَدِه" (191)، والحَاكِمُ فِي "المُسْتَدْرَكِ" (4/514)، وهُوَ صَحِيْحٌ .(1/74)
1ـ أنْ يَنَالَكَ نَصْيِبٌ مِنْ قَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ : " ... ومَنْ سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعَلِيْه وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ يَعْمَلُ بِها مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهِم شَيْئًا"(1).
وبَعْدَئِذٍ؛ فَلا تَنْسَ يَا رَعَاكَ اللهُ!، مَا فَعَلَه المَأمُوْنُ يَوْمَ عُرِّبَتْ فِي عَهْدِه عُلُوْمُ اليُوْنانِ، والفَلاسِفَةِ مِنَ اليَهُوْدِ والنَّصَارَى والهِنْدِ : مِثْلُ الطِّبِّ، والحِسَابِ، والطَّبِيْعَةِ، والهَيْئَةِ، والمَنْطِقِ ... فَلَمَّا دَرَسَها النَّاسُ، وتَنَاقَلُوْها فِيْمَا بَيْنَهُم؛ ظَهَرَتْ بِسَبَبِها البِدَعُ والأهْوَاءُ، وضَلَّ وابْتَعَدَ النَّاسُ عَنْ عِلْمِ النُّبُوَّةِ ... فعِنْدَها كَانَ الضَّلالُ والانْحِرَافُ، والشَّرُّ الكَبِيْرُ، والفَسَادُ العَرِيْضُ !
لأجْلِ هَذا؛ كَانَ عَلَيْكَ أنْ تَقِفَ بِخَوْفِكَ عِنْدَ هَذَا العِلْمِ، لاسِيَّما إذَا عَلِمْتَ أنَّ الَّذِيْنَ ضَلُّوا وأضَلُّوا بِهَذِه العُلُوْمِ الوَافِدَةِ وَقْتَئِذٍ : هُمُ مِنَ العُلَمَاءِ !، فَكَيْفَ والحَالَةُ هَذِه إذا عَلِمَ الجَمِيْعُ أنَّ مُعْظَمَ الَّذِيْنَ يَتَجَارَوْنَ وَرَاء هَذِه العُلُوْمِ النَّكِدَةِ، ويَتَقَاطَرُوْنَ عَلَى دَوْرَاتِها : هُمُ الشَّبَابُ مِنْ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ؛ فاللهَ اللهَ فِيْهِم !
2ـ لا يَخْفَاكَ يَا رَعَاكَ اللهُ؛ أنَّ الأُمَّةَ بعَامَّةٍ تَعِيْشُ هَذِه الأيَّامَ جَهْلاً بدِيْنِها، لِذَا كَانَ الأوْلَى بِنا أنْ نَسْعَى حَثِيْثًا فِي عَوْدَةِ الأُمَّةِ إلى دِيْنِها أوَّلاً، ثُمَّ إذا كَانَ فِي الأمْرِ مُتَّسَعٌ فَعِنْدَئِذٍ يَكُوْنُ للكَلامِ فِي مِثْلِ هَذِه العُلُوْمِ الوَافِدَةِ شَيْءٌ مِنَ البَسْطِ والتَّحْرِيْرِ!
__________
(1) أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1017) .(1/75)
فَكُلُّ يَدٍّ مُدَّتْ إلَى هَذِه العُلُوْمِ الوَافِدَةِ لِتَنْبُشَها بَعْدَ أنْ أُقْبِرَتْ، وأصْبَحَتْ عِظَامًا نَخِرَةً، فَلَيْسَ لَها أنْ تُرَوِّجَها بَيْنَ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ، ظنًّا مِنْها أنَّ الأسْمَاعَ فِي صَمَمٍ، وأنَّ العُيُوْنَ فِي سُبَاتٍ، وأنَّ الأقْلامَ والأنَامِلَ لا تَجْتَمِعَانِ(1)؟!
3ـ ألَمْ يَأْنِ لَنا أنْ تَخْشَعَ قُلُوْبُنا لِمَا يَذْكُرُه أهْلُ هَذِه العُلُوْمِ التَّجْرِيْبِيَّةِ مِنَ الغَرْبِ والشَّرْقِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ ؟ فَلَمْ يَزَلْ عُقَلاؤُهُم حتَّى سَاعَتِي هَذِه وهُم يَصِيْحُونَ بِخُطُوْرَةِ هَذِه العُلُوْمِ فِي غَيْرِ نَدْوَةٍ، أو لِقَاءٍ، أو دَوْرَةٍ تَدْرِيْبِيَّةِ!
* * *
__________
(1) هُنَاكَ كَثِيْرٌ مِنَ الكُتُبِ العِلْمِيَّةِ الرَّادَةِ عَلَى "البَرْمَجَةِ اللُّغََوِيَّةِ العَصَبِيَّةِ"، فَمِنْها : "البَرْمَجَةُ اللُّغَوِيَّةُ العَصَبِيَّةُ" فِي طَبْعَتِه الثَّانِيَةِ للأخِ أحْمَدَ الزَّهْرَانِيِّ، وهُو مِنْ أنْفَسِها وأجْوَدِها، وكَذَا "الفِكْرُ العَقَدِيُّ الوَافِدُ ومَنْهَجِيَّةُ التَّعَامُلِ مَعَه" للأخْتِ فُوْزَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّطِيْفِ كُرْدِيٍّ، وهُو عِبَارَةٌ عَنْ مُذَكِّرَةٍ، كما أنَّه بَحْثٌ نَفِيْسٌ جَيِّدٌ فِي بَابِه .(1/76)
* أمَّا العَائِقُ الرَّابِعُ : فَهُوَ التَّخَصُّصُ (الجَامِعِيُّ!)، ومَا أدْرَاكَ مَا هُوَ؟ إنَّه مِنْ التَّشَبُّهِ المَقِيْتِ والمَوْرُوْثِ العِلْمِيِّ الوَافِدِ، يَوْمَ قَضَتِ الأقْضِيَةُ فِي زَمَانِنا؛ بنُبُوْغِ نَوَابِتَ فِي صُفُوْفِ أهْلِ العِلْمِ قَدْ ألْبَسُوْهُم ثِيَابَ التَّخَصُّصِ، وتَوَّجُوْهُم ألْقَابًا وشَارَاتٍ مُهَلِّلَةً؛ فانْتَفَخُوا فِي العِلْمِ وهُم خَوَاءٌ، ونَابَذُوا التَّعَالَمُ وهُم سَوَاءٌ، يَوْمَ قَصُرَتْ هِمَمُهُم وبَلَغَتْ عُلُوْمُهُم مِنَ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ جَوَانِبَ ونُتَفًا عِلْمِيَّةً، حَامِلِيْنَ فِي شَهَادَاتِهِمُ الجَامِعِيَّةِ تَجْزِئَةً وتَقْطِيْعًا لعُلُوْمِ الشَّرِيْعَةِ، وتَغْيِيْبًا لطَائِفَةٍ مِنْها عَنْ أحْكَامِ فِقْهِ الوَاقِعِ، وقَضَايَا الأمَّةِ المَصِيْرِيَّةِ؛ فَلا عِلْمَ بَلَغُوْه، ولا عَمَلَ نَالُوْه، ولا وَاقِعَ فَهِمُوْه!
وإمَّا يَنْزِغَنَّكَ يا طَالِبَ العِلْمِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الوَافِدِ الغَرْبِيِّ، فاسْتَعِذْ باللهِ السَّمِيْعِ العَلِيْمِ مِنْه، ولا تَطْرُقَنَّ لَه بَابًا فإنَّه مِنْ أبَوْابِ الجُمُوْدِ العِلْمِيِّ!
حَيْثُ جَاءَ بتَدَسُّسٍ إلى أمَّتِي بثِيَابِ التَّشْوِيْه العِلْمِيِّ ليَلْتَبِطَ بِخُطَاهُ فِي مَسَارِحِ الجَامِعَاتِ الإسْلامِيَّةِ؛ ليُفْسِدَ حَرْثَ مَا بَقِيَ مِنَ العِلْمِ الشَّامِلِ، ويَهْلِكَ نَسْلَ مَا بَقِيَ مِنَ العَمَلِ الكَامِلِ .
* * *
واعْلَمْ يَا رَعَاكَ اللهُ أنَّ التَّخَصُّصَ العِلْمِيَّ ( الجَامِعِيَّ ) قِسْمَانِ : مَحْمُوْدٌ، ومَذْمُوْمٌ .(1/77)
* فأمَّا التَّخَصُّصُ المَحْمُوْدُ : فَهُو مَنْ جَمَعَ صَاحِبُه بَيْنَ القَدْرِ الوَاجِبِ مِنَ العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ (الغَائِي مِنْها والآلِي)(1)، وبَيْنَ التَّوَسُّعِ والتَّفَنُّنِ فِي عِلْمٍ مَّا.
وهَذَا؛ هُوَ الَّذِي أُتِيَ صَاحِبُه مِنَ العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ نَصِيْبٌ وَافِرٌ تَبْرَأ بِه الذِّمَّةُ ويَسْقُطُ بِه الطَّلَبُ، مَعَ تَخَصُّصٍ وتَفَنُّنٍ فِي أحَدِ العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ .
فَتَرَاهُ إذا كَانَ فَقِيْهًا ( مَثَلاً ) : قَدْ أخَذَ مِنْ عُلُوْمِ الغَايَةِ والآلَةِ : القَدْرَ الوَاجِبَ الَّذِي يُسَاعِدُه عَلَى فَهْمِ دِيْنِه بعَامَّةٍ، وبالفِقْهِ بِخَاصَّةٍ، إلاَّ أنَّه مَعَ هَذَا قَدْ اجْتَهَدَ فِي فَنِّ الفِقْهِ، وبَرَّزَ فِيْه؛ حَتَّى عُرِفَ بِهِ ولُقِّبَ باسْمِه .
......................... فَقِسْ عَلَى قَوْلِي تَكُنْ عَلامةً!
ومِنْه تَعْلَمُ قَوْلَ المُتَقَدِّمِيْنَ : فُلانٌ أُصُوْلِيٌّ، فَقِيْهٌ، نَحْوِيٌّ، لُغَوِيٌّ، مٌفَسِّرٌ، مُحَدِّثٌ، قَارِئٌ، مُشَارِكٌ (2)... إلَخْ.
* * *
__________
(1) عُلُوْمُ الغَايَةِ مِثْلُ : العَقِيْدَةِ، والحَدِيْثِ، والفِقْهِ، والتَّفْسِيْرِ . وعُلُوْمُ الآلَةِ مِثْلُ : النَّحْوِ، واللُّغَةِ، وأُصُوْلِ الفِقْهِ، ومُصْطَلَحِ الحَدِيْثِ، والمَنْطِقِ ... إلخ .
(2) أيْ : أنَّه قَدْ أخَذَ مِنَ العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ الحَدَّ الأدْنَى ممَّا يَسْقُطُ به وَاجِبُ العِلْمِ؛ بحَيْثُ أصْبَحَ عِنْدَه شُمُوْلِيَّةٌ في العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ، ومَعَ هَذا تَجِدُه قَدْ بَرَّزَ وظَهَرَ واشْتَهَرَ في فَنٍّ أو أكْثَرَ، فَعِنْدَئِذٍ يُلَقَّبُ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ بأشْهَرِها مِنْ فُنُوْنِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ : كالفَقِيْهِ، أو الأُصُوْلِي، أو النَّحْوِي، أو المفَسِّرِ، أو المُحَدِّثِ، وهَكَذَا .(1/78)
* وأمَّا التَّخَصُّصُ المَذْمُوْمُ : فَهُوَ مَنْ لَمْ يَجْمَعْ صَاحِبُه بَيْنَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، اللَّهُمَّ إنَّه تَوَسَّعَ وتَفَنَّنَ فِي عِلْمِ مَّا (الغَائِي مِنْها أو الآلِي)، دُوْنَ غَيْرِه مِنَ العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ .
فَتَرَاهُ إذا كَانَ فَقِيْهًا ( مَثَلاً ) : لَمْ يَأْخُذْ مِنْ عُلُوْمِ الآلَةِ، وعُلُوْمِ الغَايَةِ : القَدْرَ الوَاجِبَ الَّذِي يُسَاعِدُه عَلَى فَهْمِ دِيْنِه بِعَامَّةٍ، وبالفِقْهِ بِخَاصَّةٍ؛ بَلْ غَايَةُ مَا عِنْدَه أنَّه يُحْسِنُ مَسَائِلَ الفِقْهِ!
ومِنْه تَعْلَمُ قَوْلَ المُتَأخِّرِيْنَ : فُلانٌ أُصُوْلِيٌّ، فَقِيْهٌ، مُحَدِّثٌ، نَحْوِيٌّ، مٌفَسِّرٌ، قَارِئٌ، دَعَوِيٌّ، وَاعِظٌ ... إلخ، فَعِنْدَ ذَلِكَ كَانَ كَلامِي هُنَا عَنْ أصْحَابِ هَذَا التَّخَصُّصِ، فَكُنْ عَلَى ذُكْرٍ!
* * *
ومِنْ بَعْدُ؛ فإنَّ أصْحَابَ التَّخَصُّصِ العِلْمِيِّ (المَذْمُوْمِ) لَمْ يَنْفَكُّوا عَنْ أخْطَاءَ شَرْعِيَّةٍ وآثَارٍ سَيِّئَةٍ؛ قَدْ دَفَعَتِ الأمَّةَ الإسْلامِيَّةَ (لاسِيَّمَا هَذِه الأيَّامَ) إلى مَفَاوِزَ مُهْلِكَةٍ، ومَزَالِقَ عِلْمِيَّةٍ، يَكْفِي بَعْضُها لِمَسْخِ مَا بَقِيَ مِنْ تُرَاثِ أمَّتِنا الإسْلامِيَّةِ، فمِنْ ذَلِكَ :
أوَّلاً : أنَّ التَّخَصُّصَ العِلْمِيَّ الحَادِثَ بِقِسْمَيْهِ ( الغَائِي والآلِي )، كَمَا هُوَ جَارٍ فِي خِطَّةِ تَعْلِيْمِ بِلادِ المُسْلِمِيْنَ الآنَ؛ قَدْ أخَذَ مُنْحىً خَطِيْرًا فِي تَقْطِيْعِ أوَاصِرِ التَّرَابُطِ بَيْنَ عُلُوْمِ الشَّرِيْعَةِ، وتَقْسِيْمِها إلى أجْزَاءَ عِلْمِيَّةٍ ومُتَفَرِّقَاتٍ مُتَنَاثِرَةٍ هُنَا وهُنَاكَ؛ لا يَجْمَعُها جَامِعٌ بَتَّةً؛ فَعِنْدَها كَانَ الأثَرُ السَّيِّئُ عَلَى الحَيَاةِ العِلْمِيَّةِ والأحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَدَى طُلابِ العِلْمِ هَذِه الأيَّامَ .(1/79)
يُوَضِّحُهُ؛ أنَّه لمَّا أزِفَتِ الآزِفَةُ، وأقْبَلَتِ الفِتَنُ فِي مَسَارِبَ مُهْلِكَةٍ، مُنْقَادَةً لتُعِيْدَها حَرْبًا صَلِيْبِيَّةً يَهُوْدِيَّةً عَلَى الإسْلامِ والمُسْلِمِيْنَ فِي بِلادِ فِلِسْطِيْنَ وأفْغَانِسْتَانَ والعِرَاقِ وغَيْرِها، وكَذَا مَا هُنَاكَ مِنْ هُجُوْمٍ سَافِرٍ عَلَى أخْلاقِ المُسْلِمِيْنَ، ومَنَاهِجِهِم الشَّرْعِيَّةِ، إلِى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَضَايا الأمَّةِ العَصْرِيَّةِ ... ونَحْنُ مَعَ هَذَا كُلِّهِ لَمْ نَزَلْ نَرَى كَثِيْرًا مِنْ أرْبَابِ التَّخَصُّصِ يَعْتَذِرُوْنَ عَنْ تَخَاذُلِهِم وتَرَاجُعِهِم عَنْ عَدَمِ المُشَارَكَةِ فِي الذَّبِّ عَنْ قضايا أمَّتِهِم بِحُجَّةِ النَّزْعَةِ البَائِسَةِ الَّتِي رَاجَتْ فِي سُوْقِ أهْلِ العِلْمِ باسْمِ : التَّخَصُّصِ العِلْمِيِّ!
يُوَضِّحُه : أنَّ الفَقِيْه مِنْهُم (مَثَلاً) مِمَّنْ لَهُ مُجْمُوْعَةٌ مِنَ التَّآلِيْفِ الفِقْهِيَّةِ، والتَّحْقِيْقَاتِ الجَامِعِيَّةِ الَّتِي نَالَتْ مَرْتَبَةَ الشَّرَفِ ... مَا زَالَ يَعْتَذِرُ عَنِ المُشَارَكَةِ فِي قَضَايا أمَّتِه الإسْلامِيَّة : بأنَّ مَا يَدُوْرُ هُنَا لَيْسَ مِنْ تَخَصُّصِه، وهَذَا مَا نَجِدُه فِي الأعَمِّ الأغْلَبِ مِنْهُم!
هَذَا إذَا عَلِمْتَ (للأسَفِ) إنَّ أمْثَالَ هَذَا الفَقِيْهِ مِنْ أهْلِ زَمَانِنا قَدْ تَجَاوَزَتْ أعْدَادُهُم المِئَاتِ، وقِسْ عَلَى هَذَا : صَاحِبَ العَقِيْدَةِ والتَّفْسِيْرِ والحَدِيْثِ، واللُّغَةِ وغَيْرِهِم .
ومَهْمَا يَكُنْ؛ فَلا تَعْجَبْ يَا طَالِبَ العِلْمِ إذَا عَلِمْتَ أنَّ القَوْمَ كَانُوا صَرْعَى التَّخَصُّصَاتِ العِلْمِيَّةِ، ونَتَاجَ الوَافِدِ الغَرْبِيِّ، واللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا يَصِفُوْنَ!
* * *(1/80)
كَمَا كَانَ مِنْ آخِرِ سَوَالِبِ التَّخَصُّصِ الجَامِعِيِّ هَذِه الشَّارَاتُ والألْقَابُ (الجَامِعِيَّةُ!)(1)؛ الَّتِي دَفَعَتْ طَائِفَةً مِنَ المُنْتَسِبِيْنَ إلِى قَبِيْلِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ، مِمَّنْ تَشَاغَلُوا بِهَذِه الأسْمَاءِ، وانْسَاقُوا جَرْيًا وَرَاءها السِّنِيْنَ الخَوَالِيا، إلى دُخُوْلاتِ العَطَالَةِ المُغَلَّفَةِ باسْمِ : (الحَصَانَةِ الجَامِعِيَّةِ)، فَماذَا كَانَ؟!
وَيَكْأَنَّ القَوْمَ؛ لَمْ يَنْصُرُوا حَقًّا، ولَمْ يَكْسِرُوْا بَاطِلاً : فَلا أمْرًا بِمَعْرُوْفٍ ولا نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ، ولا جِهَادًا ولا اجْتِهَادًا؛ بَلْ رَأيْنا مِنْ بَعْضِهِم مَنْ كَانَ مُجِدًّا فِي الطَّلَبِ والطَّاعَةِ؛ حَتَّى إذا أوْحَى إلَيْه شَيَاطِيْنُ الإنْسِ والجِنِّ بأهَمِّيَةِ هَذِه الشَّارَاتِ والألْقَابِ ... إذا بِهِ يُصْبِحُ فَاتِرَ العَزِيْمَةِ، ذَابِلَ الطَّاعَةِ، قَلِيْلَ الاجْتِهَادِ والمُجَاهَدَةِ؛ أمَّا إذا سَألْتَ عَنْ الزهد وجَلَدِ الطَّاعَةِ، وهَيْبَةِ أهْلِ العِلْمِ ووَرَعِهِم : فَلا تَسْأَلْ ؟، فتِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ، إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي، وقَلِيْلٌ مَا هُم!
وهَكَذَا حَتَّى أصْبَحَ أهْلُ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ فِي هَامِشِ الذَّاكِرَةِ الإعْلامِيَّةِ، وفِي زَوَايا الجَامِعَاتِ العِلْمِيَّةِ، وذَلِكَ (للأسَفِ) باسْمِ : التَّخَصُّصِ الجَامِعِيِّ!
* * *
ثَانيًا : اعْلَمْ أنَّ فَهْمَ عُلُوْمِ الآلَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ :
__________
(1) كـ(الدَّكْتُوْرَاه)، و(الماجِسْتِيْر)، و(البَكَلَرْيُوس)، وغَيْرِها .(1/81)
القِسْمُ الأوَّلُ : فَهْمٌ وَاجِبٌ، وهُوَ مَا يَسْقُطُ بِه الطَّلَبُ وتَبْرَأُ بِه الذِّمَّةُ، وهُوَ القَدْرُ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيْهِ عَامَّةُ أهْلِ العِلْمِ، وهَذَا القِسْمُ لا يَجُوْزُ لطَالِبِ العِلْمِ القُصُوْرُ فِيْه ... كما أنَّه سِلاحُ طُلابِ العِلْمِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ كُتُبِ أهْلِ العِلْمِ الفِقْهِيَّةِ مِنْهَا والعَقِيْدَةِ والحَدِيْثِ والتَّفْسِيْرِ وغَيْرِها؛ فبِهَذا القَدْرِ مِنْها يَسْتَطِيْعُ مَعْرِفَةَ لُغَةِ واصْطِلاحِ القَوْمِ فِي فُنُوْنِهِم، ومَا زَادَ عَلَى هَذا الحَدِّ فَهُو فُضْلَةٌ لا يَحْتَاجُه إلاَّ مَنْ رَامَ مَرَاتِبَ الاجْتِهَادِ!
القِسْمُ الثَّانِي : فَهْمٌ مُسْتَحَبٌّ، وهُو الإحَاطَةُ بَغَالِبِ عُلُوْمِ الآلَةِ المُخْتَصَرَاتِ مِنْها والمُطَوَّلاتِ؛ بِحَيْثُ لا يَتْرُكُ مِنْها شَارِدَةً ولا وَارِدَةً إلاَّ وَقَدْ أحَاطَ بِها فِي الجُمْلَةِ، وهَذا القِسْمُ فِي حَقِيْقَتِه هُوَ مِنْ مَسَالِكِ طُلابِ مَنَازِلِ الاجْتِهَادِ، مِمَّنْ عَلَتْ هِمَّتُهُم وتَاقَتْ نُفُوْسُهُم لِيَقِفُوا فِي مَصَافِ أئِمَّةِ الاجْتِهَادِ، كالأئِمَّةِ الأرْبَعَةِ وغَيْرِهِم .
يَقُوْلُ ابنُ القَيَّمِ رَحِمَه اللهُ فِيْمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ والكَلامِ عَنْه : ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُوْلُ : إنَّ عُلُوْمَ العَرَبِيَّةِ مِنَ التَّصْرِيْفِ، والنَّحْوِ، واللُّغَةِ، والمَعَاني، والبَيَانِ، ونَحْوِها تَعَلُّمُها فَرْضُ كِفَايَةٍ لِتَوَقُّفِ فَهْمِ كَلامِ اللهِ ورَسُوْلِه عَلَيْها؟!
ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُوْلُ : تَعَلُّمُ أصُوْلِ الفِقْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لأنَّه العِلْمُ الَّذِي يُعْرَفُ به الدَّلِيْلُ ومَرْتَبَتُه، وكَيْفِيَّةُ الاسْتِدَلالِ؟!(1/82)
ثُمَّ قَالَ رَحِمَه اللهُ : إنَّ الفَرْضَ الَّذِي يَعُمُّ وُجُوْبُه كُلَّ أحَدٍ : هُوَ عِلْمُ الإيْمانِ وشَرَائِعِ الإسْلامِ، فَهَذا هُوَ الوَاجِبُ، وأمَّا مَا عَدَاهُ فإنْ تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَتُه عَلَيْه فَهُو مِنْ بَابِ مَا لا يَتِمُّ الوَاجِبُ إلاَّ بِه، ويَكُوْنُ الوَاجِبُ مِنْه القَدْرَ المُوْصِلَ إلَيْه دُوْنَ المسَائِلِ الَّتِي هِيَ فَضْلَةٌ لا يَفْتَقِرُ مَعْرِفَةُ الخِطَابِ وفَهْمُه إلَيْها .
فَلا يُطْلَقُ القَوْلُ بأنَّ عِلْمَ العَرَبِيَّةِ وَاجِبٌ عَلى الإطْلاقِ؛ إذْ الكَثِيْرُ مِنْه، ومِنْ مَسَائِلِه وبُحُوْثِه لا يَتَوَقَّفُ فَهْمُ كَلامِ اللهِ ورَسُوْلِه عَلَيْها، وكَذا أُصُوْلُ الفِقْهِ؛ القَدْرُ الَّذِي يَتَوَقَّفُ فَهْمُ الخِطَابِ عَلَيْهِ مِنْه تَجِبُ مَعْرِفَتُه دُوْنَ المسَائِلِ المُقَرَّرَةِ والأبْحَاثِ الَّتِي هِيَ فَضْلَةٌ؛ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ تَعَلُّمَها وَاجِبٌ؟!
وبالجُمْلَةِ؛ فالمطْلُوْبُ الوَاجِبُ مِنَ العَبْدِ مِنَ العُلُوْمِ والأعْمالِ مَا إذا تَوَقَّفَ عَلى شَيءٍ مِنْهَا؛ كَانَ ذَلِكَ الشَّيءُ وَاجِبًا وُجُوْبَ الوَسَائِلِ، ومَعْلُوْمٌ أنَّ ذَلِكَ التَّوَقُّفَ يَخْتَلِفُ باخْتِلافِ الأشْخَاصِ والأزْمَانِ والألْسِنَةِ والأذْهَانِ، فَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ مُقَدَّرٌ، واللهُ أعْلَمُ"(1) انْتَهَى .
ويَقُوْلُ الإمَامُ الذَّهَبِيُّ رَحِمَه اللهُ فِيْمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ والكَلامِ عَنْه : "أُصُوْلُ الفِقْهِ لا حَاجَةَ لَكَ بِه يَا مُقَلِّدُ، ويَا مَنْ يَزْعُمُ أنَّ الاجْتِهَادَ قَدْ انْقَطَعَ!
__________
(1) "مِفْتَاحُ دَارِ السَّعَادَةِ" (1/48-486) .(1/83)
ومَا بَقِيَ مُجْتَهِدٌ ولا فَائِدَةَ فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ، إلاَّ أنْ يَصِيْرَ مُحَصِّلُهُ مُجْتَهِدًا بِه، فإذَا عَرَفَه ولَمْ يَفُكَّ تَقْلِيْدَ إمَامِهِ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا؛ بَلْ أتْعَبَ نَفْسَه ورَكَّبَ عَلَى نَفْسِه الحُجَّةَ فِي مَسَائِلَ، وإنْ كَانَ يَقْرَأُ لِتَحْصِيْلِ الوَظَائِفِ ولِيُقَالَ، فَهَذَا مِنَ الوَبَالِ، وهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الخَبَالِ"(1) انْتَهَى .
فانْظُرْ يَا رَعَاكَ اللهُ إلى قَوْلِه :"ومَا بَقِيَ مُجْتَهِدٌ ولا فَائِدَةَ فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ، إلاَّ أنْ يَصِيْرَ مُحَصِّلُهُ مُجْتَهِدًا بِه"، لتَعْلَمَ أنَّ كَثِيْرًا مِنْ أهْلِ التَّخَصُّصِ فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ قَدْ غَالَوْا وكَابَرُوا هَذَا العِلْمَ، وهَمْ مَعَ هَذَا لا يَتَجَاوَزُنَ فِي قِرَاءاتِهِم كُتُبَ الفِقْهِ المُدَوَّنَةِ، هَذَا إذَا عَلِمْنا أنَّ الاجْتِهَادَ المُطْلَقَ فِي زَمَانِنا مُنْدَثِرٌ بَيْنَ أهْلِه مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيْدٍ؛ فَلا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ تَعَالَى!
ومِنْ خِلالِ مَا مَضَى؛ نَسْتَطِيْعُ أنْ نَقِفَ عَلَى بَعْضِ الأخْطَاءِ العِلْمِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ حَصِيْلَةَ المُتَخَصِّصِيْنَ فِي عُلُوْمِ الآلَةِ باخْتِصَارِ :
1ـ أنَّ التَّخَصُّصَ والتَّفَنُّنَ فِي عُلُوْمِ الآلَةِ لا يَكُوْنُ إلاَّ لِمَنْ رَامَ دَرَجَةَ الاجْتِهَادِ، وإلاَّ وَقَعْنَا فِي حَيْصَ بَيْصَ، وهَذَا لا نَجِدُه عِنْدَ أهْلِ التَّخَصُّصِ مِنْ أهْلِ زَمَانِنا!
__________
(1) "زَغَلُ العِلْمِ" للذَّهَبِيِّ (41) .(1/84)
2ـ أنَّ كَثِيْرًا مِنَ المُتَخَصِّصِيْنَ فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ ( مَثَلاً ) مِنْ أهْلِ مِصْرِنا فِي هَذِه البِلادِ ( حَفِظَها اللهُ مِنْ كُلِّ سُوْءٍ ) نَرَاهُم لا يَقْرَؤُوْنَ مِنْ كُتُبِ الفِقْهِ غَالِبًا إلاَّ كُتُبَ الفِقْهِ الحَنْبَلِيَّةِ ابْتِدَاءً مِنْ "زَادِ المُسْتَقْنِعِ"، وانْتِهَاءً بـ"المُغْنِي"، ومَهْمَا اتَّسَعَتْ قِرَاءتُهُم لكُتُبِ الفِقْهِ الأُخْرَى، فإنَّهم أبْعَدُ مَا يَكُوْنُوْنَ عَنْ مَرَاتِبِ الاجْتِهَادِ.
وهَذَا فِي حَدِّ ذَاتِه يُعْتَبَرُ تَضْيِيْعًا للأوْقَاتِ، وتَبْدِيْدًا للطَّاقَاتِ لَدَى طُلابِ التَّخَصُّصِ؛ حَيْثُ نَجِدُهُم يَسْتَكْثِرُوْنَ مِنْ قِرَاءةِ كُتُبِ "أُصُوْلِ الفِقْهِ" سَوَاءٌ عِنْدَ الأحْنَافِ، أو المَالِكِيَّةِ، أو الشَّافِعِيَّةِ، أو الحَنَابِلَةِ، ورُبَّما جَمَعُوْا بَيْنَها، كُلُّ هَذَا (للأسَفِ) عَلَى حِسَابِ الفِقْهِ الشَّرْعِيِّ العَامِّ، والخِلافِ العَالِي!
* * *
ثَالثًا : إذَا عَلِمْنا أنَّ عُلُوْمَ الغَايَةِ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيْعَةِ، وأنَّ عُلُوْمَ الآلَةِ مِنْ الوَسَائِلِ، والحَالَةُ هَذِه كَانَ مِنَ الخَطأ البَيِّنِ، والفَسَادِ الوَاضِحِ أنْ نُغَلِّبَ جَانِبَ الوَسَائِلِ عَلَى المَقَاصِدِ، وإلاَّ كنَّا مُغَالِيْنَ مُتَكَلِّفِيْنَ!(1/85)
ومَا أحْسَنَ مَا ذَكَرَهُ العَلامَةُ ابنُ خُلْدُونٍ رَحِمَهُ اللهُ : "وأمَّا العُلُوْمُ الَّتِي هِيَ آلَةٌ لِغَيْرِها : مِثْلُ العَرَبِيَّةِ والمَنْطِقِ وأمْثَالِهِما؛ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُنْظَرَ فِيْها إلاَّ مِنْ حَيْثُ هِي آلَةٌ لِذَلِكَ الغَيْرِ فَقَطُ، ولا يُوَسَّعُ فِيْها الكَلامُ، ولا تُفَرَّعُ المَسَائِلُ؛ لأنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ بها عَنِ المَقْصُوْدِ، فكُلَّمَا خَرَجَتْ عَنِ المَقْصُوْدِ، صَارَ الاشْتِغَالُ بِهَا لَغْوًا، ورُبَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ عَائِقًا عَنْ تَحْصِيْلِ العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ لِطُوْلِ وَسَائِلِها؛ مَعَ أنَّ شَأنَها أهَمُّ، والعُمُرُ يَقْصُرُ عَنْ تَحْصِيْلِ الجَمِيْعِ عَلَى هَذِه الصُّوْرَةِ، فَيَكُوْنُ الاشْتِغَالُ بِهَذِه العُلُوْمِ الآلِيَّةِ تَضْيِيْعًا للعُمُرِ وشُغُلاً بِمَا لا يُغْنِي!
وهَذَا كَمَا فَعَلَهُ المُتَأخِّرُوْنَ فِي صِنَاعَةِ النَّحْوِ، وصِنَاعَةِ المَنْطِقِ، لا بَلْ وأُصُوْلِ الفِقْهِ؛ لأنَّهُم أوْسَعُوا دَائِرَةَ الكَلامِ فِيْها نَقْلاً واسْتِدْلالاً، وأكْثَرُوا مِنَ التَّفَارِيْعِ والمَسَائِلِ بِمَا أخْرَجَها عَنْ كُوْنِها آلَةً، ورُبَّما ذَكَرُوا مَسَائِلَ لا حَاجَةَ بِها فِي العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ، فإذَا قَطَعُوا العُمُرَ فِي تَحْصِيْلِ الوَسَائِلِ فَمَتَى يَظْفَرُوْنََ بالمَقَاصِدِ؟، فلِهَذَا يَجِبُ عَلَى المُعَلِّمِيْنَ لِهَذِه العُلُوْمِ الآلِيَّةِ أنْ لا يَسْتَبْحِرُوا فِي شَأنِهَا، ولا يَسْتَكْثِرُوا مِنْ مَسَائِلِها، ويُنَبِّهُ المُتَعَلِّمَ عَلَى الغَرَضِ مِنْها"(1) .
* * *
__________
(1) "المُقَدِّمةُ" لابنِ خُلْدُون (1/622) بتَصَرُّفٍ واخْتِصَارٍ .(1/86)
رَابعًا : أنَّ العُلاقَةَ بَيْنَ عُلُوْمِ الغَايَةِ والآلَةِ عُلاقَةٌ طَرْدِيَّةٌ، لاسِيَّمَا مِنْ جِهَةِ الوَسَائِلِ، فعِنْدَئِذٍ كُلَّمَا ازْدَادَ طَالِبُ العِلْمِ مِنْ عُلُوْمِ الآلَةِ، كَانَ عَلَيْه أنْ يَزْدَادَ مِنْ عُلُوْمِ الغَايَةِ ضَرُوْرَةً، وإلاَّ كَانَ هَذَا تَنَاقُضًا بَيِّنًا، وخَلَلاً وَاضِحًا فِي الطَّلَبِ والقَصْدِ.
ومِنْه نَعْرِفُ حِيْنَئِذٍ : الحِنْثَ العَظِيْمَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يَتَنَاقَلْهُ أهْلُ التَّخَصُّصِ العِلْمِيِّ هَذِه الأيَّامِ، يَوْمَ نَرَاهُم لا يَتَقَيَّدُوْنَ بِهَذِه القَاعِدَةِ الطَّرْدِيَّةِ بَيْنَ عُلُوْمِ الغَايَةِ والآلَةِ، فَتَجِدُ أحَدَهُم قَدْ طَالَ بِهِ العُمُرُ فِي تَحْصِيْلِ : أُصُوْلِ الفِقْهِ (مَثَلاً) وهُوَ لا يُحْسِنُ مِنَ الفِقْهِ إلاَّ مَا يُحْسِنُه طُلابُ العِلْمِ المُبْتَدِئِيْنَ، أو مُقَلِّدُو المَذْهَبِ، وهَذَا الصَّنِيْعُ مِنْهُم مِمَّا يَزِيْدُنا يَقِيْنًا بأنَّ التَّخَصُّصَ العِلْمِيَّ : زَغَلٌ فِي العِلْمِ، ودَسِيْسَةٌ فِي الطَّلَبِ، واللهُ المُوَفِّقُ والهَادِي إلى سَوَاءِ السَّبِيْلِ!
* * *
* أمَّا العَائِقُ الخَامِسُ : فَهُوَ فُضُوْلُ المُبَاحَاتِ، ومَا أدْرَاكَ مَا فُضُوْلُ المُبَاحَاتِ؟ إنَّهَا المُهْلِكَاتُ، فإذَا كَانَ المَاءُ لا يَجْتَمِعُ مَعَ النَّارِ، فَكَذِلَكَ طَلَبُ العِلْمِ لا يَجْتَمِعُ مَعَ فُضُوْلِ المُبَاحَاتِ .
وحَسْبُكَ مِنْها : فُضُوْلُ النَّظَرِ، والكَلامِ، والطَّعامِ، والنَّوْمِ، ومُخَالَطَةِ النَّاسِ، فإنَّ التَّوَسُّعَ فِي هَذِه المُبَاحَاتِ بَرِيْدُكَ يَا طَالِبَ العِلْمِ إلى الانْقِطَاعِ أو الفُتُوْرِ، كَما أنَّها مُجْلِبَةٌ للمَعَاصِي!(1/87)
فَيَا للأَسَفِ!؛ لَقَدْ تَوَسَّعَ كَثِيْرٌ مِنْ طُلابِ العِلْمِ مِنْ أهْلِ زَمَانِنا فِي فُضُوْلِ المُبَاحَاتِ؛ مِمَّا أبْعَدَهُم عَنِ التَّحْصِيْلِ، ورُبَّمَا انْقَطَعَ بِهِم الطَّلَبُ، وهُم بَعْدُ لَمْ يَتَغَرْغَرُوا بالعِلْمِ!
فالحَذَرَ الحَذَرَ يَا طَالِبَ العِلْمِ مِنْ فُضُوْلِ المُبَاحَاتِ، يَقُوْلُ ابنُ الجَوْزِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : "واعْلَمْ أنَّ فَتْحَ بَابِ المُبَاحَاتِ رُبَّمَا جَرَّ أذَىً كَثِيْرًا فِي الدِّيْنِ!"(1).
ويَقُوْلُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : "إمْسَاكُ فُضُوْلِ النَّظَرِ، والكَلامِ، والطَّعامِ، ومُخَالَطَةِ النَّاسِ؛ فإنَّ الشَّيْطَانَ إنَّمَا يَتَسَلَّطُ عَلَى ابنِ آدَمَ، ويَنَالُ غَرَضَه مِنْه مِنْ هَذِه الأبْوَابِ الأرْبَعَةِ!"(2) .
وقَالَ أيضًا رَحِمَهُ اللهُ : "قَسْوَةُ القَلْبِ فِي أرْبَعَةِ أشْيَاءٍ إذَا جَاوَزَتْ قَدْرَ الحَاجَةِ : الأكْلُ، والنَّوْمُ، والكَلامُ، والمُخَالَطَةُ!"(3) .
* * *
ومَا أحْسَنَ هَذِه النَّصِيْحَةَ السَّنِيَّةَ إذْ يَقُوْلُ فِيْهَا ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : "قَالَ لِي شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ ـ قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ ـ فِي شَيْءٍ مِنَ المُبَاحِ : هَذَا يُنَافِي المَرَاتِبَ العَالِيَةَ، وإنْ لَمْ يَكُنْ تَرْكُه شَرْطًا فِي النَّجَاةِ"(4) .
__________
(1) "صَيْدُ الخَاطِرِ" لابنِ الجَوْزِيِّ (214) .
(2) "بَدَائِعُ الفَوَائِدِ" لابنِ القَيِّمِ (2/229) .
(3) "الفَوَائِدُ" لابنِ القَيِّمِ (146) .
(4) "مَدَارِجُ السَّالِكِيْنَ" لابنِ القَيِّمِ (2/202) .(1/88)
وأخْتِمُ بِهَذِه النَّصِيْحَةِ مِنْ قَوْلِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ : "كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَبَ العِلْمَ؛ لَمْ يَلْبَثْ أنْ يُرَى ذَلِكَ فِي تَخَشُّعِهِ، وبَصَرِه، ويَدِه، وصَلاتِه، وزُهْدِه، وإنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُصِيْبَ البَابَ مِنْ أبْوَابِ العِلْمِ فَيَعْمَلَ بِه؛ فَيَكُوْنَ خَيْرًا لَه مِنَ الدُّنْيا ومَا فِيْها"(1) .
* * *
كَما أضِفْ هُنَا أنَّ بَرْنامَجَنا فِي ( المَنْهَجِ العِلْمِيِّ )، كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى طَرِيْقَةٍ خَاصَّةٍ مَعَ طُلابِنا (لَيْسَ إلاَّ !)، لِذَا لمَّا لَمَسْنا ثَمَرَتَه عَلَى طُلابِنَا، وتَنَافُسَهُم فِيْه، أرْتَأيْنا نَشْرَهَا لعُمُوْمِ الفَائِدَةِ لَدَى أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ؛ عَلَّهَا تَنْشُرُ مَوَاتَ أفْئِدَةٍ أُخْرَى رَانَ عَلَيْها الجَهْلُ، واسْتَعْبَدَتْهَا لُعَاعَةٌ مِنْ دُنْيا زَائِلَةٍ، واللهُ المُوفِّقُ والهادِي إلى سَوَاءِ السَّبِيْلِ .
وخِتَامًا؛ فَقَدْ ألْقَى القَلَمُ عَصَاهُ، واسْتَقَرَّ بِه النَّوَى، فَمَا أجَادَ بِه فَمِنْ فَضْلِ رَبِّي، ومَا أخَطأ فِيْه فَمِنِّي والشَّيْطَانِ، واللهُ ورَسُوْلُه مِنْه بَرِيْئانِ!
والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى عَبْدِهِ ورَسُوْلِهِ الأمِيْنِ
الإجَازَاتُ العِلْمِيَّةُ
__________
(1) "الزُّهْدُ" للحَسَنِ البَصْرِيِّ (92)، و"أخْلاقُ العُلَمَاءِ" للآجُرِّيِّ (89) .(1/89)
الحَمْدُ للِه الَّذِي حَمَا حِمَى هَذِه الشَّرِيْعَةِ الغَرَّاءِ، بِأئِمَّةٍ أمْجَادٍ، قيَّدُوا شَوَارِدَهَا وجَمَعُوا أوَابِدَهَا بِسَلاسِلِ الإِسْنَادِ؛ فَتَمَّتْ الهِدَايَةُ بِاتِّصَالِ الرِّوَايَةِ، وكَمُلَتْ العِنَايةُ بِبِلُوْغِ الغَايَةِ مِنَ الدِّرَايَةِ، وصَارَتْ الأسَانِيْدُ المُتَّصِلَةُ لِمَعَاهِدِ العُلُوْمِ كَالأنْوَارِ، ولِمَعَالِمِ المَعَارِفِ كَالسِّوَارِ، يَرْوِيْهَا الأكَابِرُ عَنِ الأَكَابِرِ، ومِنْهُ أضْحَى الإِسْنَادُ مِنَ الدِّيْنِ .
والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى عَبْدِهِ ورَسُوْلِهِ الأمِيْنِ، وخَاتِمِ الأنْبِيَاءِ والمُرْسَلِيْنَ، وعَلَى آلِهِ، وصَحْبِهِ الغُرِّ المَيَامِيْنَ، ومَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ إِلى يَوْمِ الدِّيْنِ، أمَّا بَعْدُ :
فَاعْلَم رَحِمَكَ اللهُ أنَّ الإجَازَةَ جَائِزَةٌ عَنْدَ فُقَهَاءِ الشَّرْعِ المُتَصَرِّفِيْنَ فِي الأصْلِ والفَرْعِ، وعُلَمِاءِ الحَدِيْثِ ِفي القَدِيْمِ والحَدِيْثِ؛ قَرْنًا فَقَرْنًا، وعَصْرًا فَعَصْرًا إلى زَمَانِنَا هَذَا، وفِي الإجَازَةِ كَمَا لا يَخْفَى عَلَى كُلِّ ذِي بَصِيْرَةٍ وبَصَرٍ : دَوَامُ مَا قَدْ رُويَ أَو كُتِبَ مِنْ عِلْمٍ أَو أَثَرٍ؛ فَهِيَ أنْسَابُ الكُتُبِ، ولَوْلاهَا لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ، لِذَا كَانَ يَنْبَغِي التَّعْوِيْلُ عَلَيْهَا، والسُّكَوْنُ إِلَيْهَا، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِي صِحَّتِهَا، أَوْ رَيْبٍ فِي فُسْحَتِهَا .
فَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَقَدْ مَنَّ اللهُ تَعَالَى عَليَّ بلِقَاءِ عَدَدٍ كَثِيْرٍ مِنَ المَشَايِخِ الأعْلامِ؛ حَيْثُ أخَذْتُ عَنْهُم باللِّقَاءِ والدَّرْسِ والمُلازَمَةِ والإجَازَةِ الخَاصَّةِ والعَامَّةِ لِكُتُبِ ومُصَنَّفَاتِ أهْلِ الإِسْلامِ؛ ووَجَدْتُ رِوَايَاتِهِم قَدْ اتَّصَلَتْ بِالمُصَنِّفِيْنَ، وسُلْسِلَتْ بِعُلَمَاءِ الدِّيْنِ المُحَقِّقِيْنَ .(1/90)
1ـ كالشَّيْخِ المُعَمَّرِ، شَيْخِ الحَنَابِلَةِ الفَقِيْهِ القَاضِي حَسَنَةِ الوَقْتِ : عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ العَقِيْلِ، حَيْثُ أجَازَنِي إِجَازَةً عَامَّةً وخَاصَّةً فِي ثَبَتِهِ "فَتْحِ الجَلِيْلِ فِي تَرْجَمَةِ وثَبَتِ شَيْخِ الحَنَابِلَةِ ابنِ عَقِيْلٍ" .
2ـ والشَّيْخُ المُحَدِّثُ السَّلَفِيُّ، والمُسْنِدُ الكَبِيْرُ أبُو خَالِدٍ عَبْدُ الوَكِيْلِ بنِ الشَّيْخِ المُحَدِّثِ والمُسْنِدِ الكَبِيْرِ عَبْدِ الحَقِّ الهَاشِميِّ، حَيْثُ أجَازَنِي إِجَازَةً عَامَّةً وخَاصَّةً فِي جَمِيْعِ مَرْوِيَّاتِهِ، وأَسَانِيْدِهِ، ومُؤلَّفَاتِه .
3ـ والشَّيْخِ المُعَمَّرِ : عَبْدِ الفَتْاحِ بنِ حُسَيْنٍ رَاوَه المَكِّي، حَيْثُ أجَازَنِي إِجَازَةً عَامَّةً وخَاصَّةً فِي ثَبَتِهِ "المَصَاعِدِ الرَّاويَةِ" .
4ـ والشَّيْخِ المُفَسِّرِ الهُمَامِ : مُحَمَّدِ الأَمِيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ الهرَرِي الأَرْمِي الأُثْيُوْبِي نَزِيْلِ مَكَّةَ، المَوْلُودِ سَنَةَ (1348) فِي مِنْطَقَةِ الهَرَرِ فِي قَرْيَةِ بُويْطَه، وقَدْ أَجَازَنِي حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى إِجَازَةً عَامَّةً وخَاصَّةً فِي ثَبَتِهِ "مَجْمَعِ الأَسَانِيْدِ ومُظْفَّرِ المَقَاصِيْدِ".
5ـ والشَّيْخِ المُحَدِثِ اللُغَوِي الإِمِامِ السَّلَفِيِّ : مُحَمَّدِ بنِ الشَّيْخِ عَلِي بنِ آدَمَ بنِ مُوْسَى الأُتْيُوْبِي الوَلَّوِيِّ نَزِيْلِ مَكَّةَ، وقَدْ أَجَازَنِي حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى إِجَازَةً عَامَّةً وخَاصَّةً فِي ثَبَتِهِ "مَوَاهِبُ الصَّمَدِ لِعَبْدِهِ مُحَمَّدَ فِي أَسَانِيْدِ كُتُبِ العِلْمِ المُمَجْدِ" .(1/91)
6ـ والشَّيْخِ المُحَدِثِ الهِنْدِي السَّلَفِيِّ : عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الفِرْيُوَائِي، نَزِيْلِ الرِّيَاضِ، حَيْثُ أَجَازَنِي فِي جَمِيْعِ مَرْوِيَّاتِهِ، وأَسَانِيْدِهِ، وأَثْبَاتِهِ، ومُؤَلَّفَاتِهِ؛ الَّتَي يَرْويْهَا عَنْ مَشَائِخِهِ الأَثْبَاتِ، كَمَا هُوَ مَذْكُوْرٌ فِي ثَبْتِهِ.
7ـ وكَذَا المُسْنِدِ الكَبِيْرِ، وجَامِعِ الإِجَازَاتِ الشَّهِيْرِ الشَّيْخِ : صَالِحِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَرْكَانِي المَكَّي ثمَُّ الرَّابِغِي الأَثَرِي السَّلَفِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى المُتَوَفَّى سَنَةَ (1418)؛ حَيْثُ أَجَازَنِي إِجَازَةً خَاصَةً، وعَامَّةً فِي جَمِيْعِ مَرْوِيَّاتِهِ، وأَسَانِيْدِهِ، وأَثْبَاتِهِ، ومُؤَلَّفَاتِهِ؛ الَّتَي يَرْوِيْهَا عَنْ أَكْثَرِ مِنْ مِائَتَي شَيْخِ مِنْ شَتَّى الدَّوَلِ والبُلْدَانِ .
8ـ وكَذَا الشَّيْخِ العَلامَةِ السَّلَفِيِّ المُسْنِدِ المُحَدِّثِ : يَحْيَ بنِ عُثْمَانَ عَظِيْم آبَادِي المَكِّيُّ، حَيْثُ أَجَازَنِي إِجَازَةً خَطِّيَّةً وشَفَهِيَّةً فِي كِتَابِهِ "النَّجْمِ البَادِي" .
9ـ وكَذَا الشَّيْخُ المُعَمَّرُ الكَبِيْرُ عَبْدُ اللهِ بنِ أحْمَدَ بنِ مُحْسِنٍ اليَافِعِي النَّاخِبِيِّ، نَزِيْلُ جُدَّةَ، وهُوَ مِنْ أكْبَرِ مَنْ أدْرَكْنَاه وجَالَسْنَاه، وقَدْ بَلَغَ النَّاخِبِيُّ حَفِظَهُ اللهُ مِنَ العُمُرِ مِئَةً وسِتَّةَ عَشَرَ سَنَةً، حَيْثُ أَجَازَنِي إِجَازَةً خَاصَةً، وعَامَّةً فِي ثَبَتِهِ »إجَازَةٌ عَامَّةٌ في الأسَانِيْدِ والمَرْوِيَّاتِ«، كَما أنَّني تَدَبَّجْتُ مَعَه في الرِّوَايَةِ والإجَازَةِ .(1/92)
10ـ وكَذَا الشَّيْخُ المُسْنِدُ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْعَشْلي؛ حَيْثُ أجَازَني إِجَازَةً عَامَّةً، وخَاصَّةً فِي ثَبَتِهِ الكَبِيْرِ »مُعْجَمِ المَعَاجِمِ والمَشْيَخَاتِ«، كَما أنَّني تَدَبَّجْتُ مَعَه في الرِّوَايَةِ والإجَازَةِ .
11ـ وكَذَا الشَّيْخُ السَّلَفِيُّ المُحَدِّثُ عَبْدُ العَزِيْزِ الزَّهْرَاني حَفِظَهُ اللهُ .
12ـ وكَذَا الشَّيْخُ السَّلَفِيُّ المُحَدِّثُ أبُو الأشْبالِ أحْمَدُ صَغير حَفِظَهُ اللهُ .
13ـ وكَذَا الشَّيْخِ السَّلَفِيِّ المُحَدِّثِ : عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ آلِ سَعَدٍ المُطَيْرِيِّ، حَيْثُ أجَازَنِي إجَازَةً عَامَّةً فِي كُلِّ مَا تَصِحُّ لَهُ رِوَايِتُه فِي ثَبَتِهِ "العُجَالَةِ ببَعْضِ أسَانِيْدِ إلى كُتُبِ الإسْنَادِ والرِّوَايَةِ" .
14ـ وكَذَا الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ بَخِيْت حَفِظَهُ اللهُ .
15ـ وكَذَا الشَّيْخُ النَّحْوِيُّ : حَمَدُّو الشِنْقِيْطِي المَدَنِي؛ حَيْثُ أجَازَني إِجَازَةً خَاصَّةً فِي »نَظْمَ الآجْرُّوْمِيَّةِ«، وذَلِكَ بَعْدَ أخَذْها عَلَيْهِ حِفْظًا وشَرْحًا.
16ـ وكَذَا الشَّيْخُ المُحَقِّقُ الحَنْبَليُّ المُسْنِدُ مُحَمَّدُ بنُ نَاصِرٍ العَجْمِيُّ، حَيْثُ أجَازَ شَيْخَنا إِجَازَةً عَامَّةً وخَاصَّةً فِي كُلِّ مَرْويَّاتِه ومَسْمُوعَاتِه ومُؤلَّفاتِه، كَما أنَّني تَدَبَّجْتُ مَعَه في الرِّوَايَةِ والإجَازَةِ .
17ـ وكَذَا الشَّيْخُ المُفَسِّرُ النَّحْوِيُّ : أبُو مُسْلِمٍ مُوْسَى بنُ سُلَيْمَانَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ النَّوَاجِي؛ حَيْثُ قَرَأتُ عَلَيْه حَفِظَه اللهُ القُرْآنَ كَامِلاً بِقِرَاءَتَيْ : حَفْصٍ، وقَالُوْنَ .
وغَيْرُهُم آخَرُوْنَ كَثِيرُونَ ذَكَرْتُهم في ثَبْتِنا الجَدِيْدِ إنْ شَاءَ اللهُ تَحْتَ عُنْوَانِ : "الوَجَازَةُ في الأثْبَاتِ والإجَازَةِ"، وهُو قَيْدُ الطَّبْعِ إن شَاءَ الله .
* * *(1/93)
فَأقُوْلُ وباللهِ التَّوفِيْقُ : وبَمَا أنَّ اللهَ تَعَالى قَدْ مَنَّ عليَّ بإجَازَاتٍ عَامَّةٍ في جَمِيْعِ فُنُونِ عُلُومِ الشَّرِيْعَةِ الإسْلامِيَّةِ ابْتِدَاءً بكُتُبِ السُّنةِ والحَدِيْثِ والفِقْهِ والتَّفْسِيرِ ... وانْتِهَاءً بكُتُبِ عُلُوْمِ الآلَةِ مِنْ نَحْوٍ وبَلاغَةٍ ولُغَةٍ وغَيْرِ مَا ذُكِر، فإنِّي لم أتأخَّرْ وللهِ الحَمْدُ طَرْفةَ عَيْنٍ عَنْ إجَازَةِ طَلَبَةِ العِلْمِ في شَيءٍ مِنْ عُلُوْمِ الشَّرِيْعَةِ؛ لاسِيَّما الَّذِيْنَ أخَذُوْا طَرِيْقًا إلى ( المَنْهَجِ العِلْمِيِّ ) قِرَاءةً وشَرْحًا، وذَلِكَ بالشَّرْطِ المُعْتَبَرِ عِنْدَ أهْلِ الحَدِيْثِ والأثَرِ، وذَلِكَ باتِّبَاعِ السَّلَفِ عَقِيْدَةً ومَنْهَجًا.
ـ وهُنَالِكَ شُرُوْطٌ تَأتي في حِيْنِها، مِنْها : أنَّ المُجَازَ إذَا قَرأ أحَدَ الصَّحِيْحَيْنِ (البُخَارِيَّ ومُسْلِمًا)؛ فَيُجاز فِيْهِمَا، ومَنْ قَرَأهما مَعَ أحَدِ السُّنَنِ الأرْبَعَةِ؛ فَيُجَاز في الكُتُبِ الثَّمَانِيَةِ (البُخَارِيِّ، ومُسْلِمٍ، والسُّنَنِ الأرْبَعَةِ، ومُسْنَدِ الإمَامِ أحْمَدَ، والمُوَطَّأ)، وهَكَذَا مَنْ قَرَأ مَتْنًا مُعْتَبرًا في أحَدِ المَذَاهِبِ الفِقْهِيَّةِ المُعْتَمَدَةِ؛ فَيُجَاز في جَمِيْعِ كُتُبِ المَذْهَبِ، أو مَتْنًا مُعْتَبرًا في النَّحْوِ فَيُجَاز في أكثَرِ كُتُبِ النَّحْوِ ... وكَذَا التَّفْسِيْرِ وغَيْرِه مِنْ فُنُوْنِ العِلْمِ الشَّرعيَّةِ .(1/94)
كَمَا أنَّ مَنْ قَرَأ "العَقِيْدَةَ الوَاسِطِيَّةَ" لابنِ تَيْمِيَّةَ، فَيُجَازُ فِيْها، وكَذَا في كِتَابِ الحَمَوِيَّةِ، ومَنْ قَرَأهُما مَعَ "الرِّسَالَةِ التَّدْمُرِيَّةِ" فيُجُازُ في كُتُبِ شَيْخِ الإسْلامِ إجَازَةً عَامَّةً، وهَكَذا غَيْر مَا ذَكَرْنَا مِنْ كُتُبِ أهْلِ العِلْمِ(1) .
* * *
ومَعَ كُلِّ هَذَا؛ فإَنَّي لَسْتُ مِنْ فُرْسَانِ هَذَا المَيْدَانِ، ولا مِمَّنْ لَهُ فِي السِّبَاحَةِ يَدَانِ، لَكِنْ تَحْقِيْقًا لِظَنِّ طُلابِ العِلْمِ، كَمَا اشَّتَرَطَهُ عَلَيْنا شُيُوْخُنا؛ لاسِيَّما شَيْخُنا الأرْكَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ الَّذِي طَلَبَ منَّا وهُو في مَرَضِ المَوْتِ أنْ نُسَهِّلَ في الإجَازَةِ ولا نُعَسِّرَ، فَرَحِمَهُ اللهُ، وطَيَّبَ بالرَّحْمَةِ ثَرَاه؛ آمِيْن!
فِي حِيْنَ أنَّنا إذَا نَظَرْنا إلى الإجَازَاتِ هَذِه الأيَّامِ نَجِدُ أكْثَرَ مُرِيْدِيْها وطُلابِهَا مِنْ أهْلِ الأهْوَاءِ والبِدَعِ، فَكَانَ لِزَامًا عَلَيْنا أنْ نَأخُذَها مِنْهُم كَرْهًا، وأنْ تُعْطَى لأهْلِ السُّنَّةِ؛ فَهِي مِنْهُم بَدَأتْ وإلَيْهِم تَعُوْدُ .
وإِذَا أَجَزْتُ مَعَ القُصُوْرِ فَإِنَّنَي أَرْجَو التَّشَبُّهَ بِالذِيْنَ أَجَازَوا
السَّالِكِيْنِ إِلى الشَّرِيْعِةِ مَنْهَجًا سَبِقُوا إِلى غُرَفِ الجِنَانِ فَفَازُوا
واللهَ أَسْألُ لَنَا ولَكُمُ الإِخْلاصَ فِي القَوْلِ والعَمَلِ آمِيْنَ
وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عَلى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ، وعَلى آلِهِ، وصَحْبِهِ أجْمَعِيْنَ
وكَتَبَه
ذِيَابُ بنُ سَعْدٍ آلِ حَمْدَانَ الغَامِدِيُّ
الخَاتِمَةُ
__________
(1) مَلْحُوظةٌ : أيُّ اسْتِفْسَارٍ عَنِ الإجَازَاتِ مِنَ الشَّيْخِ، فَعَنْ طَرِيْقِ مَوْقِعِ : (www.thiab.com)، نَافِذَةِ المُرَاسَلَةِ، وشُكْرًا (المُشْرِفُ عَلى المَوْقِعِ) .(1/95)
وقَبْلَ أنْ أطْوِيَ بِسَاطَ ( المَنْهَجِ العِلْمِيِّ )، وقَبْلَ أنْ أرْفَعَ القَلَمَ عَنْ تَرْسِيْمِ مَنَارَاتِه؛ كَانَ حَقًّا أنْ نَجُرَّ ذَيْلَ التَّوَاصُلِ بَيْنَنا فِي ثَوْبِ النَّصِيْحَةِ؛ عَسَانا نَضَعُ عَنَّا بَعْضَ مَا هُنَالِكَ مِنْ آثَامٍ تَرَكَتْها الأمَّةُ فِي مَنَاقِعَ وَحْلَةٍ، وأنْقَابٍ مُنْسَرِبَةٍ؛ يَوْمَ تَمَطَّى البَاطِلُ بكَلْكَلِهِ، واسْتَأسَدَ الكَافِرُ بِصَلْصَلِهِ؛ لِيَقْضِيَ أمْرًا كَانَ مَفْعُوْلاً، فَعِنْدَها اسْتَوْسَعَ الوَهْيُ، واسْتَنْهَرَ الفَتْقُ، كُلُّ ذَلِكَ ليَأْخُذَ فِي دَرْسِ مَا بَقِيَ مِنْ رُسُوْمِ العِلْمِ، وتَحْرِيْفِ هُوِيَّةِ الإسْلامِ العَالِقَةِ فِي ذَاكِرَةِ التَّارِيْخِ!
* * *
لأجْلِ هَذا؛ حُمِّلْتُ أمَانَةَ القَلَمِ مَا دُمْتُ قَدْ نَصَّبْتُ نَفْسِي للدِّفَاعِ عَنْ أُمَّتِي دِفَاعًا لا أتَلَجْلَجُ فِيْه ولا أُحْجِمُ مَا اجْتَمَعَ قَلَمِي بالأنَامِلِ، وجَرَى مِدَادِي بالكَاغَدِ.
* * *
فَظَنِّي وظَنُّكَ بأنَّه زَمَنُ الإنْكِسَارَاتِ، وقَرْنُ العَشَاوَاتِ والشَّارَاتِ ... لِذَا فَقَدْ حَصْحَصَ للنَّصِيْحَةِ وَقْتُها، واسْتَوْجَبَ فِي هَذَا ( المَنْهَجِ العِلْمِيِّ ) بَثُّها، بأنْ أصْدَعَ بالحَقِّ جِهارًا فِي غَيْرِ جَمْجَمَةٍ ولا إدْهَانٍ، ولأصْرِفَ عَنْ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ دُخُوْلاتِ العِلْمِ وأُغْلُوْطَاتِه، وذَلِكَ فِي كَشْفِ حَقَائِقَ مِنَ الدِّيْنِ مَعْلُوْمَةً، ومِنَ العِلْمِ مَعَالِمَ مَوْسُوْمَةً!
* * *(1/96)
وهُوَ أنَّ مُقْتَضَى العِلْمِ العَمَلَ، فَهُما مُتَلازِمَانِ مُتَآلِفَانِ، وإلاَّ عَادَ العِلْمُ عَلَى صَاحِبِه وَبَالاً ونَكَالاً ( عَوْذًا باللهِ )، وبِمَا أنَّ طَالِبَ العِلْمِ مُسْتَوْدَعُ العِلْمِ، ومَرْجِعُ الفَهْمِ؛ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْه أنْ يَمُدَّ للْعِلْمِ حِبَالَ العَمَلِ، مَا اسْتَوْثَقَ الحَقُّ بأهْلِه .
* * *
أمَّا إنْ سَألْتَ أخِي طَالِبَ العِلْمِ عَنْ فَرْضِ الوَقْتِ، ومَبَاغِي العِلْمِ ومُقْتَضَيَاتِه الآنَ : فَهُو دَفْعُ العَدُوِّ الصَّائِلِ عَنِ الحُرْمَةِ والدِّيْنِ، لأنَّه وَاجِبٌ إجْمَاعًا، فالعَدُوُّ الصَّائِلُ الَّذِي يُفْسِدُ الدِّيْنَ والدُّنْيا لا شَيْءَ أوْجَبَ بَعْدَ الإيْمَانِ مِنْ دَفْعِه!
وهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْه ابنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ بقَوْلِه : "وأمَّا قِتَالُ الدَّفْعِ فَهُو أشَدُّ أنْوَاعِ دَفْعِ الصَّائِلِ، ودَفْعُ الصَّائِلِ عَنِ الحُرْمَةِ والدِّيْنِ، وَاجِبٌ إجْمَاعًا، فالعَدُوُّ الصَّائِلُ الَّذِي يُفْسِدُ الدِّيْنَ والدُّنْيا لا شَيْءَ أوْجَبَ بَعْدَ الإيْمَانِ مِنْ دَفْعِه، فَلا يُشْتَرَطُ لَه شَرْطٌ؛ بَلْ يُدْفَعُ بِحَسَبِ الإمْكَانِ، وقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ العُلَمَاءُ، أصْحَابُنا وغَيْرُهُم، فَيَجِبُ التَّفْرِيْقُ بَيْنَ دَفْعِ الصَّائِلِ الظَّالِمِ الكَافِرِ، وبَيْنَ طَلَبِه فِي بِلادِه"(1) .
ويَقْصِدُ رَحِمَهُ اللهُ بِقَوْلِه : "دَفْعِ الصَّائِلِ الظَّالِمِ الكَافِرِ" : جِهَادَ الدَّفْعِ، و"بَيْنَ طَلَبِه فِي بِلادِه" : جِهَادَ الطَّلَبِ، فَتَأمَّلْ!
* * *
__________
(1) "الاخْتِيَارَاتُ" للبَعْلِيِّ (447) .(1/97)
فإذَا عُلِمَ أنَّ الأعْدَاءَ هَذِه الأيَّامَ قَدْ سَامُوْنا خِطَّةَ خَسْفٍ؛ كَانَ مِنَ الوَاجِبِ عَلَى المُسْلِمِيْنَ لاسِيَّمَا العُلَمَاءُ مِنْهُم وطُلابُ العِلْمِ أنْ يَنْفِرُوا خِفَافًا وثِقَالاً لِجِهَادِ عَدُوِّهِم الصَّائِلِ وإخْرَاجِهِ مِنْ بِلادِ المُسْلِمِيْنَ؛ لاسِيَّما فِلِسْطِيْنَ وغَيْرِها مِمَّنْ سَلَبَتْها أيْدِي الأعَادِي، وكُلٌّ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِه، واللهُ المُسْتَعَانُ!
فَيَا طَالِبَ العِلْمِ : لا يَرَاكَ اللهُ (هَذِه الأيَّامَ) إلاَّ سَائِرًا فِي نُخَبِ المُجَاهِدِيْنَ، الَّذِيْنَ هُمْ أُبَاةُ ذُلٍّ، ولِيُوْثُ غَابَةٍ، فَكُنْ مَعَهُم ببَدَنِكَ، أو مَالِكَ، أو لِسَانِكَ، أو قَلَمِكَ، وإلاَّ بقَلْبِكَ؛ وذَلِكَ أضْعَفُ الإيْمَانِ .
فَهُم؛ أشْيَاعُ الحَقِّ وذَادَتُه، وسُيُوْفُ العِزِّ وحُمَاتُه ... فَهُم حَضَنَةُ الإسْلامِ وأعْضَادُ المِلَّةِ، فَسِيُوْفُهُم لا تَنْبُوْ عَنْ مَضَارِبِها، ولا تَكِلُّ غَوَارِبُها!
* * *
فَهَيَّا؛ إلى سَاحَاتِ الوَغَى، ومَوَاقِفِ التَّخَاصُمِ، ومَنَازِلِ التَّحَاكُمِ، فَفِيْها العِزُّ والإبَاءُ، فإنْ لَمْ يَكُ فَفِي الجَنَّةِ اللِّقَاءُ؛ حَيْثُ انْفَجَرَتِ الهَيْجَاءُ، وقَصُرَتِ الأعِنَّةُ، واسْتَجْرَتِ الأسِنَّةُ، وتَصَادَمَتِ الأبْطَالُ، وتَبَارَزَتِ الرِّجَالُ، وأقْبَلَتِ الآجَالُ تَفْتَرِسُ الآمَالَ، وبَلَغَتِ القُلُوْبُ الحَنَاجِرَ!
فأمَّا؛ وإنْ أحَاطَ بالمُسْلِمِ مَا يَمْنَعُه الجِهَادَ هَذِه الأيَّامَ، أو حَالَ دُوْنَ ما يَتَمَنَّى كَيْدُ الكائِدِيْنَ؛ فَلَهُ والحَالَةُ هَذِه أنْ يَتَسَلَّى بِهَذا ( المَنْهَجِ العِلْمِيِّ ) عَسَاهُ يَكُوْنُ الفَرَجُ قَرِيْبًا إنْ شَاءَ اللهُ!
والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، ولا عُدْوَانَ إلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ
اللَّطَائِفُ العِلْمِيَّةُ(1/98)
إذَا أحْدَثَ اللهُ لَكَ عِلْمًا فأحْدِثْ لَهُ عِبَادَةً، ولا يَكُنْ هَمُّكَ أنْ تُحَدِّثَ بِهِ.
( )
إذَا أخْطَأ العالم "لا أدْرِي" فَقَدْ أُصِيْبَتْ مَقَاتِلُهُ . ... ... ... ( )
إذَا رَأيْتُم العَالِمَ مُحِبًا لدُنْيَاه؛ فاتَّهِمُوْهُ عَلَى دِيْنِكِم، فإنَّ كُلَّ مُحِبٍّ لشَيْءٍ يَحُوْطُ ما أحَبَّ. ... ... ... ... ... ... ... ( )
إذَا رَأيْتُم العَالِمَ يَلُوْذُ ببَابِ السَّلاطِيْنِ فاعْلَمُوا أنَّه لِصٌّ، وإذا رَأيْتُمُوْهُ يَلُوْذُ ببَابِ الأغْنِيَاءِ فاعْلَمُوا أنَّه مُرَاءٍ . ... ... ... ... ... ( )
ازْدِحَامُ العُلُوْمِ مَضَلَّةُ الفُهُوْمِ . ... ... ... ... ... ( )
إنَّ خَيْرَ الأمَرَاءِ مَنْ أحَبَّ العُلَمَاءَ، وإنَّ شَرَّ العُلَمَاءِ مَنْ أحَبَّ الأمَرَاءَ.( )
إنَّكَ لا تَفْقَهُ حَتَّى لا تُبَالِي فِي يَدَيْ مَنْ كَانَتِ الدُّنْيا . ... ... ( )
تَعَلَّمْ لا أدْرِي، فإنَّكَ إنْ قُلْتَ : لا أدْرِي، عَلَّمُوْكَ حَتَّى تَدْرِي، وإنْ قُلْتَ : أدْرِي، سَألُوْكَ حَتَّى لا تَدْرِي . ... ... ... ... ... ( )
الجَهْلُ "بلا أدْرِي" الجَهْلُ كُلُّهُ . ... ... ... ... ... ( )
حِفْظُ حَرْفَيْنِ خَيْرٌ مِنْ سَمَاعِ وِقْرَيْنِ، وفَهْمُ حَرْفَيْنِ خَيْرٌ مِنْ حِفْظِ وِقْرَيْنِ .
( )
زَيِّنُوا العِلْمَ، ولا تَتَزَيَّنُوا بِه . ... ... ... ... ... ... ( )
عِلْمُ المُنَافِقِ فِي قَوْلِه، وعِلْمُ المُؤْمِنِ فِي عَمَلِه . ... ... ... ... ( )
العِلْمُ دِيْنٌ فانْظُرُوا عَمَّنْ تَأخُذُوْنَ دِيْنَكُم . ... ... ... ... ( )
العِلْمُ ذَكَرٌ يُحِبُّهُ ذُكُوْرَةُ الرِّجَالِ، ويَكْرَهُهُ مُؤنَّثُوْهُم . ... ... ( )
العِلْمَ رَحِمٌ بَيْنَ أهْلِهِ . ... ... ... ... ... ... ... ( )
العِلْمُ يَهْتِفُ بالعَمَلِ، فإنْ أجَابَهُ وإلاَّ ارْتَحَلَ . ... ... ... ... ( )
قِيْمَةُ كُلِّ امْرئٍ مَا يُحْسِنُ . ... ... ... ... ... ... ( )
قِيْمَةُ كُلِّ امْرئٍ مَا يَطْلُبُ . ... ... ... ... ... ... ( )(1/99)
كُتُبِ السَّلَفِ : هِي السَّمُعُ والبَصَرُ؛ فَحَرَامٌ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ أنْ يَتَبَصَّرَّ عِلْمًا دُوْنَها، أو يَتَسَمَّعَ عَمَلاً غَيْرَها . ... ... ... ... ... ( )
كُنْ رَابَعَ أرْبَعَةٍ : عَالِمًا، أو مُتَعَلَّمًا، أو مُسْتَمِعًا، أو مُحِبًّا، ولا تَكُنْ الخَامِسَ فَتَهْلَكَ. ... ... ... ... ... ... ... ... ( )
لا أدْرِي : نِصْفُ العِلْمِ . ... ... ... ... ... ... ( )
لا تُكَابِرَ العِلْمَ، فإنَّمَا هُوَ أوْدِيَةٌ، فأيُّها أخَذَتْ فِيْه قَبْلَ أنْ تَبْلُغَهُ قُطِعَ بِكَ، ولَكِنْ خُذْهُ مَعَ اللَّيَالِيَ والأيَّامِ . ... ... ... ... ... ( )
لا يُسْتَطَاعُ العِلْمُ بِرَاحَةِ الجَسَدِ . ... ... ... ... ... ( )
مَنْ حُرِمَ الدَّلِيْلَ، ضَلَّ السَّبِيْلَ . ... ... ... ... ... ( )
مَنْ طَلَبَ الرَّاحَةَ تَرَكَ الرَّاحَةَ . ... ... ... ... ... ( )
مَنْ كَانَ مُسَّتَنًّا؛ فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فإنَّ الحَيَّ لا تُؤْمَنُ عَلَيْه الفِتْنَةُ.( )
مَنْ لَمْ يُتْقِنْ الأُصُوْلَ؛ حُرِمَ الوُصُوْلَ . ... ... ... ... ... ( )
ثَبَتُ المَرَاجِعِ
فِهْرِسُ الآيَاتِ
فِهْرِسُ الأحَادِيْثِ
فِهْرِسُ الآثَارِ
الفَهَارِسُ المَوْضُوْعِيَّةُ
ثَبَتُ المَرَاجِعِ
1. "أخْلاقُ العُلَمَاءِ" للآجُرِّي .
2. " الزُّهْدُ" لأحْمَدَ .
3. "أدَبُ الدُّنْيا والدِّيْنِ" للمَاوَرْدِيِّ .
4. "اقْتِضَاءُ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيْمِ" لابنِ تَيْمِيَّةَ .
5. "اقْتِضَاءُ العِلْمِ العَمَلَ" للخَطِيْبِ البَغْدَادِيِّ .
6. "الآدَابُ الشَّرْعِيَّةُ" لابنِ مُفْلِحٍ .
7. "البِدَايَةُ والنِّهَايَةُ" لابنِ كَثِيْرٍ .
8. "البَرْمَجَةُ اللُّغََوِيَّةُ العَصَبِيَّةُ" لأحْمَدَ الزَّهْرَانِيِّ .
9. "الجامِعُ لآدَابِ الرَّاوي" للخَطِيْبِ البَغْدَادِيِّ .
10. "الجَلِيْسُ الصَّالِحُ" لسِبْطِ ابنِ الجَوْزِيِّ .
11. "الحِلْيَةُ" لآبِي نُعَيْمٍ .
12. "الزُّهْدُ" للحَسَنِ البَصْرِيِّ .
13. "السِّلْسِلَةُ الصَّحِيْحَةُ" للألْبَانِيِّ .(1/100)
14. "السِّلْسِلَةُ الضَّعِيفَةُُ" للألْبَانِيِّ .
15. "الفَقِيْهُ والمُتَفَقِّهُ" للخَطِيْبِ البَغْدَادِيِّ .
16. "الفِكْرُ العَقَدِيُّ الوَافِدُ ومَنْهَجِيَّةُ التَّعَامُلِ مَعَه" لفُوْزِ كُرْدِيٍّ .
17. "الفَوَائِدُ" لابنِ القَيِّمِ .
18. "القُرْآنُ الكَرِيْمِ" .
19. "الكَامِلُ" لابنِ عَدِيٍّ .
20. "المُجَالَسَةُ" لأبِي بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيِّ .
21. "المَجْمُوْعُ" للنَّوَوِيِّ .
22. "المَدْخَلُ" لابنِ بَدْرَانَ .
23. "المَدْخَلُ" للبَيْهَقِيِّ .
24. "المُقَدِّمةُ" لابنِ خُلْدُون .
25. "بَدَائِعُ الفَوَائِدِ" لابنِ القَيِّمِ .
26. "بَيَانُ العِلْمِ الأصِيْلِ" لعَبْدِ الكَرِيْمِ الحُمَيْدِ .
27. "تارِيْخُ دَارِ السَّلامِ" للخَطِيْبِ البَغْدَادِيِّ .
28. "تارِيْخُ دِمِشْقٍ" لابنِ عَسَاكرٍ .
29. "تَذْكِرَةُ السَّامِعِ والمُتَكَلِّمِ" لابنِ جَمَاعَةَ .
30. "تَعْلِيْمُ المُتَعَلِّمِ طَرِيْقَ التَّعَلُّمِ" للزَّرْنُوْجِيِّ .
31. "جَامِعُ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابنِ عَبْدِ البرِّ .
32. "حِلْيَةُ طَالِبِ العِلْمِ" لبكرٍ أبو زَيْدٍ .
33. "دِيْوَانُ الشَّافِعِيِّ" .
34. "دِيْوَانُ المُتَنَبِّي" .
35. "زَادُ المَعَادِ" لابنِ القَيِّمِ .
36. "زَغَلُ العِلْمِ" للذَّهَبِيِّ .
37. "سُنَنُ ابنِ ماجَه" .
38. "سُنَنُ أبي دَاوُدَ" .
39. "سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ" .
40. "سُنَنُ النَّسائيِّ" .
41. "سِيَرُ أعْلامِ النُّبَلاءِ" للذَّهَبِيِّ .
42. "شَرْحُ الإحْيَاءِ" للزَّبِيْدِيِّ .
43. "شَرْحُ حَدِيْثِ أبِي الدَّرْدَاءِ" لابنِ رَجَبٍ الحنْبِليِّ .
44. "شَرْحُ حَدِيْثِ مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ" لابنِ رَجَبٍ الحَنْبَليِّ .
45. "صَحِيْحُ البُخَارِيِّ" .
46. "صَحِيْحُ مُسْلِمٍ" .
47. " صَحِيْحُ وضَعِيْفُ السُّنَنِ" للألبانيِّ .
48. "صَفَحَاتٍ مِنْ صَبْرِ العُلَمَاءِ" لأبِي غُدَّةَ .(1/101)
49. "صَيْدُ الخَاطِرِ" لابنِ الجَوْزِيِّ .
50. "طَبَقَاتُ الشَّافِعِيَّةِ" للسُّبْكِيِّ .
51. "مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى" لابنِ تَيْمِيَّةَ .
52. "مَجْمُوْعُ رَسَائِلِ ابنِ رَجَبٍ" جَمْعُ أبي مُصْعَبٍ الحَلْوَانِيُّ .
53. "مَدَارِجُ السَّالِكِيْنَ" لابنِ القَيِّمِ .
54. "مُسْتَدْرَكُ الحَاكِمِ" .
55. "مُسْنَدُ أحْمَدُ" .
56. "مُسْنَدُ الدَّيْلَمِيِّ" .
57. "مِفْتَاحُ دَارِ السَّعَادَةِ" لابْنِ القَيِّمِ .
58. "مُقَدِّمَةُ المَجْرُوْحِيْنِ" لابنِ حِبَّانَ .
59. "مِنْ أخْلاقِ العُلَمَاءِ" لمُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ .
60. "مَنَاهِجُ العُلَمَاءِ" لفارُوقٍ السَّامُرَّائِيِّ .
فِهْرِسُ الآيَاتِ
"اعْلَمُوا أنَّما الحَيَاةُ الدُّنْيا لَعِبٌ "[الحديد20]. ... ... ... ( )
"الَّذِيَن آتَيْنَاهُم الكِتَابَ يَتْلُوْنَه حَقَّ تِلاوَتِه"[البقرة121] . ... ... ( )
"إلَيْه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه"[فاطر10]. ... ( )
"إنَّ اللهَ لا يُضِيْعُ أجْرَ المُحْسِنِيْنَ"[التوبة12] . ... ... ... ( )
"إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِيْنَ"[المائدة27]. ... ... ... ... ( )
"فاتَّقُوا اللهَ ما اسْتَطَعْتُم" [ التغابن16] . ... ... ... ... ( )
"قُلْ أتَسْتَبْدِلُوْنَ الَّذِي هُو أدْنَى بالَّذِي هُوَ خَيْرٌ"[البقرة61] . ... ( )
"قُلْ مَا أسْألُكُم عَلَيْه مِنْ أجْرٍ "[ص86] . ... ... ... ... ( )
"قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخْسَرِيْنَ أعْمَالاً"[الكهف103-104]. ... ( )
"قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُوْنَ"[الزمر9]. ... ... ... ... ( )
"ومَا جَعَلَ عَلَيْكُم فِي الدِّيْنِ مِنْ حَرَجٍ"[الحج78] . ... ... ... ( )
"يَرْفَعِ اللهُ الَّذِيْنَ أمَنُوا مِنْكُم والَّذِيْنَ أُتُوا العِلْمَ"[المجادلة11]. ... ( )
فِهْرِسُ الأحَادِيْثِ
"إنَّ الدُّنْيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ...". ... ... ... ... ... ... ( )
"إنَّ الدِّيْنَ يُسْرٌ..." . ... ... ... ... ... ... ... ( )
"إنَّمَا الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ..." . ... ... ... ... ... ... ( )(1/102)
"إيَّاكُم وأبْوَابَ السُّلْطَانِ..." . ... ... ... ... ... ( )
"خَصْلَتَانِ لا تَجْتَمِعَانِ فِي مُنَافِقٍ..." . ... ... ... ... ( )
"طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ" . ... ... ... ... ( )
"لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيْهِ " . ... ... ... ... ( )
"مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بأَفْسَدَ لَهَا ..." . ... ... ... ( )
"مَنْ بَدَا جَفَا، ومَنْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ ...". ... ... ... ... ( )
"مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِه وَجْهَ اللهِ..." . ... ... ... ... ( )
"مَنْ سَلَكَ طَرِيْقًا يَلْتَمِسُ فِيْه عِلْمًا..." . ... ... ... ... ( )
"مَنْ يُرِدِ اللهُ بِه خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّيْنِ" . ... ... ... ... ( )
"مَنْ يُرِدِ اللهُ بِه خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّيْنِ" . ... ... ... ... ( )
"ومَا أمَرْتُكُم بِشَيْءٍ؛ فَأْتُوا مِنْه ما اسْتَطَعْتُم" . ... ... ... ... ( )
"ومَنْ سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً..." . ... ... ... ... ( )
"يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، ويَنْقُصُ العِلْمُ..." . ... ... ... ... ... ( )
فِهْرِسُ الآثَارِ
" ألا تَدْخُلُ عَلَى الأمَرَاءِ فَتَتَحَفَّظُ..." الثَّوْرِيُّ . ... ... ... ( )
"إذَا أحْدَثَ اللهُ لَكَ عِلْمًا..." أبُو قِلابةَ . ... ... ... ... ( )
"إذَا أخْطَأ العَالِمُ لا أدْرِي..." ابنُ عَبَّاسٍ . ... ... ... ... ( )
"إذَا رَأيْتُم القارئ يَلُوْذُ..." ابنُ الخَطَّابِ . ... ... ... ... ( )
"إذَا رَأيْتُم العَالِمَ مُحِبًا لدُنْيَاه..." جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ. ... ... ... ( )
"إذَا فَسَدَ العُلَمَاءُ فَمَنْ يُصْلِحُهُم..." الثَّوْرِيُّ . ... ... ... ( )
"أشْرَفُ العُلَمَاءِ مَنْ هَرَبَ بدِيْنِهِ عَنِ الدُّنْيا..." أثَرٌ. ... ... ... ( )
"أقْرَحْتُمْ جِبَاهَكُم..." الحَسَنُ البَصْرِيُّ . ... ... ... ... ( )
"العِلْمُ ذَكَرٌ يُحِبُّهُ ذُكُوْرَةُ الرِّجَالِ..." الزُّهْرِيُّ . ... ... ... ( )
"العِلْمُ مَا جَاءَ عَنْ أصْحَابِ مُحَمَّدٍ..." الأوْزَاعِيُّ . ... ... ... ( )
"الَّذِي يَزْهَد فِي الدُّنْيا..." ابنُ المُبَارَكِ . ... ... ... ... ( )(1/103)
"أمَّا بَعْدُ : فإنَّ الدُّنْيا دَاءٌ، والسُّلْطَانَ دَاءٌ..." أحْمَدُ . ... ... ( )
"إنَّ جَمْعَ المَالِ وغِشْيَانَ السُّّّّّلْطَانِ..." ابنُ وَهْبٍ . ... ... ... ( )
"إنَّ خَيْرَ الأمَرَاءِ مَنْ أحَبَّ العُلَمَاءَ..."الأعْمَشُ . ... ... ... ( )
"إنَّكَ لا تَفْقَهُ حَتَّى لا تُبَالِي..." حَسَنُ بنُ صَالِحٍ. ... ... ... ( )
"إنَّمَا العِلْمُ عِنْدَنا الرُّخْصَةُ مِنْ ثِقَةٍ..." الثَّوْرِيُّ . ... ... ... ( )
"إيَّاكَ والأُمَراءَ أنْ تَدْنُو مِنْهُم..." الثَّوْرِيُّ . ... ... ... ... ( )
"تَعَلَّمْ لا أدْرِي، فإنَّكَ إنْ قُلْتَ..." أبُو الذَّيَّالِ . ... ... ... ( )
"زَيِّنُوا العِلْمَ، ولا تَتَزَيَّنُوا بِه" الثَّوْرِيُّ . ... ... ... ... ( )
"عِلْمُ المُنَافِقِ فِي قَوْلِه، وعِلْمُ المُؤْمِنِ فِي عَمَلِه" أثَرٌ. ... ... ... ( )
"فِتْنَتِي بالمُتَوَكِّلِ أعْظَمُ مِنْ فِتْنَتِي بالمُعْتَصِمِ" أحْمَدُ . ... ... ... ( )
"قَوْلُ الرَّجُلِ فِيْما لا يَعْلَمُ..." أبُو دَاوُدَ . ... ... ... ... ( )
"كَانَ أحْمَدُ يُنْكِرُ عَلَى أهْلِ العِلْمِ..." أحْمَدُ . ... ... ... ( )
"كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَبَ العِلْمَ..." الحَسَنُ البَصْرِيِّ . ... ... ... ( )
"كُنْتُ قَدْ أُوْتِيْتُ فَهْمَ القَرْآنِ..." ابنُ عُيَيْنَةَ . ... ... ... ... ( )
"كُنَّا نَسْتَعِيْنُ عَلَى حِفْظِ الحَدِيْثِ..." الشَّعْبِيُّ . ... ... ... ( )
"كَيْفَ أنْتُم إذا لَبِسَتْكُم فِتْنَةٌ..." ابنُ مَسْعُوْدٍ . ... ... ... ( )
"لا عَيْبَ فِي العُلَمَاءِ أقْبَحُ..." الشَّافِعِيُّ. ... ... ... ... ( )
"لَقَدْ أتَتْ عَلَيْنا بُرْهَةٌ مِنْ دَهْرِنا..." أبُو حَازِمٍ . ... ... ... ( )
"لَكَثِيْرٌ مِنْ عُلَمَائِكِم زِيُّهُ..." الفُضَيْلُ . ... ... ... ... ( )
"لَوْ كَتَبْنا عَنْ مَالِكٍ : لا أدْرِي..." ابنُ وَهْبٍ . ... ... ... ( )
"لَيْسَ الآمِرُ النَّاهِي عِنْدَنا..." ابنُ المُبَارَكِ . ... ... ... ... ( )
"مَا أخَافُ مِنْ عُقُوْبَتِهِم..." الثَّوْرِيُّ . ... ... ... ... ... ( )
"مِنْ شَرْطِ العَالِمِ أنْ لا تَخْطُرَ..." ابنُ المُبَارَكِ . ... ... ... ( )(1/104)
"مَنْ كَانَ مُسَّتَنًّا؛ فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ ..." ابنُ مَسْعُوْدٍ . ... ... ( )
"يا يُوْنُسُ! لا تُكَابِرَ العِلْمَ..." ابْنُ شِهَابٍ . ... ... ... ... ( )
"يَنْبَغِي للفَقِيْهِ أنْ يَضَعَ التُّرَابَ..." الثَّوْرِيُّ . ... ... ... ... ( )
"يُوْشِكُ أنْ تَرَوْا جُهَّالَ النَّاسِ..." كَعْبُ الأحْبَارِ . ... ... ... ( )
الفَهَارِسُ المَوْضُوْعِيَّةُ(1)
تَقْرِيْظُ الشَّيْخِ الجِبْرِيْنَ . ... ... ... ... ( )
المُقَدِّمَةُ : ... ... ... ... ( )
المَدْخَلُ الأوَّلُ : أهَمِيَّةُ طَلَبِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ . ... ... ... ( )
خَطَأ العَامَّةِ في قَوْلهِم : قِيْمَةُ كُلِّ امْرِئ مَا يُحْسِنُ / ح . ... ... ( )
أسْبَابُ عَدَمِ ارْتِقَاءِ طَالِبِ العِلْمِ . ... ... ... ... ( )
المَدْخَلُ الثَّانِي : فَضْلُ عُلُوْمِ الغَايَةِ عَلَى عُلُوْمِ الآلَةِ . ... ... ( )
المَدْخَلُ الثَّالثِ : وفِيْه أرْبَعُ طَلائِعَ . ... ... ... ... ( )
الطَّلِيْعَةُ الأوْلَى : الوَقْتُ المُقَدَّرُ لقِرَاءةِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ . ... ... ( )
الطَّلِيْعَةُ الثَّانِيَةُ : مُرَاعَاةُ تَرْتِيْبِ قِرَاءةِ كُتُبِ المَرَاحِلِ بحَسَبِ التَّسَلْسُلِ .
( )
الطَّلِيْعَةُ الثَّالِثَةُ : أهَمِيَّةُ اخْتِيَارِ طَبَعَاتِ الكُتُبِ . ... ... ... ( )
الطَّلِيْعَةُ الرَّابِعَةُ : طُرُقُ قِرَاءةِ مَرَاحِلِ (المنْهَجِ العِلْمِيِّ) . ... ... ( )
البَابُ الأوَّلُ : وفِيْهِ أرْبَعُ مَرَاحِلَ عِلْمِيَّةٍ . ... ... ... ( )
المَرْحَلَةُ الأوْلى : وفِيْها ثَلاثَةَ عَشَرَ كِتَابًا . ... ... ... ( )
طَرِيْقَةُ قِرَاءةِ القُرْآنِ الكَرِيْمِ /ح . ... ... ... ... ( )
المَرْحَلَةُ الثَّانِيَةُ : وفِيْها تِسْعَةَ عَشَرَ كِتَابًا . ... ... ... ( )
المَرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ : وفِيْها سَبْعَةَ عَشَرَ كِتَابًا . ... ... ... ( )
__________
(1) كُلُّ مَا كَانَ مِنِ اسْتِدْرَاكٍ أو فَائِدَةٍ أو غَيْرِهِما في الحاشِيةِ، فَقَدْ رَمَزْنا لَهُ بِحَرْفِ الحاءِ المُهْمَلةِ (ح) تَمْيِيزًا لَها عَنْ أصْلِ الكِتَابِ .(1/105)
وقْفَةٌ عِلْمِيَّةٌ مَعَ تَحْقِيْقِ الألْبَانِيِّ لكُتُبِ "السُّنَنِ الأرْبَعَةِ" /ح . ... ( )
المَرْحَلَةُ الرَّابِعَةُ : وفِيْها خَمْسَةَ عَشَرَ كِتَابًا . ... ... ... ( )
وقْفَةٌ عِلْمِيَّةٌ مَعَ أهمية تَقْرِيْبِ كِتَابِ "مِنْهَاجِ السُّنةِ النَّبوِيَّةِ" /ح. ... ( )
اسْتِدْرَاكٌ عَلَى كِتَابِ "النَّحْوَ الوَافي" لعَبَّاس حَسَنَ /ح . ... ( )
البَابُ الثَّانِي : وفِيْهِ خَمْسُ تَنَابِيْه . ... ... ... ... ( )
التَّنْبِيْهُ الأوَّلُ : لطَالِبِ العِلْمِ حَقُّ الاخْتِيَارِ في قِرَاءةِ إحدى المَرَاحِلِ.
( )
أهَمِيَّةُ قِرَاءةِ وتَدَبُّرِ المَرْحَلَتَيْنِ الأُوْلَتَيْنِ . ... ... ... ... ( )
التَّنْبِيْهُ الثَّانِي : لُزُوْمُ جَادَّةِ السَّلَفِ لمَنْ تَجَاوَزَ قِرَاءةِ المَرَاحِلِ . ... ( )
التَّنْبِيْهُ الثَّالِثُ : اقْتِضَاءُ العِلْمِ العَمَلُ . ... ... ... ... ( )
التَّنْبِيْهُ الرَّابِعُ : العِلْمُ نِصْفَانِ . ... ... ... ... ... ( )
التَّنْبِيْهُ الخَّامِسُ : أهْلِيَّةُ مَنْ أتْقَنَ المَرَاحِلَ للفَتْوَى والتَّدْرِيْسِ . ... ( )
البَابُ الثَّالِثُ : وفِيْهِ ثَلاثُ عَزَائِمَ . ... ... ... ... ( )
العَزِيْمَةُ الأُوْلى : الوِصَايَةُ بِقِرَاءةِ بَعْضِ كُتُبِ السَّلَفِ العِلْمِيَّةِ . ... ( )
اسْتِدْرَاكٌ عَلَى كِتَابِ "الجِهَادِ والقِتَالِ" لمُحَمَّدٍ هَيْكَلٍ /ح . ... ( )
اسْتِدْرَاكٌ عَلَى كِتَابِ "صَفَحَاتٍ مِنْ صَبْرِ العُلَمَاءِ" لأبي غُدَّةَ /ح.( )
إلمَاحَةٌ عَنْ إصْدَارِ كُتُبِ مُحَمَّدِ الأمِيْنِ الشِّنْقِيْطِيِّ /ح. ... ... ( )
إلمَاحَةٌ عَنْ إصْدَارِ كُتُبِ ابنِ قيِّمِ الجَوزِيَّةِ /ح . ... ... ... ( )
العَزِيْمَةُ الثَّانِيَةُ : الوِصَايَةُ لطَالِبِ العِلْمِ بالْتِزَامِ ( وِرْدٍ عِلْمِيٍّ ). ... ( )
اسْتِدْرَاكٌ عَلَى كِتَابِ "قَطْرِ النَّدَى وبَلِّ الصَّدَى" لابنِ هِشَامٍ /ح .( )
العَزِيْمَةُ الثَّالِثَةُ : الوِصَايَةُ للعَامَّةِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ بِقِرَاءةِ بَعْضِ الكُتُبِ.( )(1/106)
بَيَانُ مَعْنَى العَامَّةِ : ... ... ... ... ... ... ( )
لَطِيْفَةٌ : مُنَاسَبَةُ اقْتِصَارِ الكُتُبِ الثَّمانِيَةِ بأبْوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ . ... ( )
البَابُ الرَّابِعُ : وفِيْهِ خَمْسَةُ عَوَائِقَ . ... ... ... ... ( )
ذِكْرُ وسَرْدُ ثَمَانِيَةٍ وثَلاثَيْنَ عَائِقًا مِنْ عَوَائِقِ العِلْمِ . ... ... ( )
ذِكْرُ جَامِعِ الغَوَائِلِ : (حُبُّ الدُّنْيا، والدُّخُوْلُ عَلَى السَّلاطِيْنِ). ... ( )
العَائِقُ الأوَّلُ : حُبُّ الدُّنْيا وزِيْنَتِها . ... ... ... ... ( )
العَائِقُ الثَّانِي : الدُّخُوْلُ عَلَى السَّلاطِيْنِ . ... ... ... ( )
أهَمِيَّةُ قَصِيْدَةِ أبَي الحَسَنِ عَلَيَّ الجُرْجَانِيَّ . ... ... ... ( )
الحَالاتُ الَّتِي يَجُوْزُ فِيْها الدُّخُوْلُ عَلى السُّلْطَانِ . ... ... ( )
العَائِقُ الثَّالِثُ : تَعْظِيْمُ عُلُوْمِ الدُّنْيَا، والاشْتِغَالِ بها . ... ... ( )
إجْمَاعُ السَّلَفِ أنَّ العِلْمَ مَا جَاء عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّم .( )
مُخَالَفةُ الكُفَّارِ مَنْفَعَةٌ وصَلاحٌ لَنا؛ ولَوْ كَانَ فِيْه إتْقَانٌ . ... ( )
نُكْتَةٌ عِلْمِيَّةٌ ذَكَرَها الحَافِظُ أبُو حَاتِمٍ رَحِمَهُ اللهُ في العِلْمِ . ... ( )
بَيَانُ أنواعِ العُلُوْمِ : نَوْعٌ تَكْمُلُ به النَّفْسُ، ونَوْعٌ لا تَكْمُلُ به . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ( )
مَعَاني العِلْمِ : مُطْلَقٌ (الشَّرْعِيُّ)، ومُقَيَّدٌ (الدِّنْيَوِيُّ). ... ... ( )
بَيَانُ خَطأ التَّفْرِيْقِ بَيْنَ الدِّيْنِ والعِلْمِ . ... ... ... ... ( )
بَيَانُ أخْطَاء العُلُوْمِ الإدَارِيَّةِ، والنَّفْسِيَّةِ (البَرْمَجَةِ العَصَبِيَّةِ اللُّغَوِيَّةِ).( )
أضْرَارُ نَشْرِ العُلُوْمِ الإدَارِيَّةِ، والنَّفْسِيَّةِ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ . ... ... ( )
العَائِقُ الرَّابِعُ : التَّخَصُّصُ (الجَامِعِيُّ!) . ... ... ... ... ( )
التَّخَصُّصَ العِلْمِيَّ ( الجَامِعِيَّ ) قِسْمَانِ : مَحْمُوْدٌ، ومَذْمُوْمٌ . ... ( )(1/107)
التَّخَصُّصُ المَحْمُوْدُ : مَنْ جَمَعَ بَيْنَ القَدْرِ الوَاجِبِ وغَيْرِه . ... ( )
مَعْنَى قَوْلِ المُتَقَدِّمِيْنَ : أُصُوْلِيٌّ، فَقِيْهٌ، مٌفَسِّرٌ، مُحَدِّثٌ وغَيْرُه . ... ( )
مَعْنَى قَوْلِ المُتَأخِّرِيْنَ: أُصُوْلِيٌّ، فَقِيْهٌ، مٌفَسِّرٌ، مُحَدِّثٌ وغَيْرُه . ... ( )
التَّخَصُّصُ المَذْمُوْمُ : مَنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ القَدْرِ الوَاجِبِ وغَيْرِه . ... ( )
تَعْرِيْفُ عُلُوْمِ الغَايَةِ، وعُلُوْمِ الآلَةِ /ح . ... ... ... ... ( )
المَزَالِقُ الأرْبَعَةُ في التَّخَصُّصِ (الجَامِعِيِّ) : ... ... ... ( )
المَزْلَقُ الأوَّلُ : تَقْطِيْعُ أوَاصِرِ التَّرَابُطِ بَيْنَ عُلُوْمِ الشَّرِيْعَةِ . ... ( )
المَزْلَقُ الثَّاني : الخَلْطُ بَيْنَ فَهْمِ عُلُوْمِ الآلَةِ، وهُوَ قِسْمَانِ : ... ( )
القِسْمُ الأوَّلُ : فَهْمٌ وَاجِبٌ . ... ... ... ... ... ( )
القِسْمُ الثَّانِي : فَهْمٌ مُسْتَحَبٌّ . ... ... ... ... ... ( )
الأخْطَاءُ العِلْمِيَّةُ في تَخَصُّصِ عُلُوْمِ الآلَةِ، وهُمَا خَطَاءانِ : ... ( )
الخَطَأ الأوَّلُ : ادِّعَاءُ مَرَاتِبِ الاجْتِهَادِ . ... ... ... ( )
الخَطَأ الثَّاني : تَضْيِيْعُ الأوْقَاتِ، وتَبْدِيْدُ الجُهُوْدِ . ... ... ( )
المَزْلَقُ الثَّالِثُ : تَغْلِيْبُ جَانِبَ الوَسَائِلِ عَلَى المَقَاصِدِ . ... ... ( )
المَزْلَقُ الرَّابِعُ : التَّنَاقُضُ في العُلاقَةِ بَيْنَ عُلُوْمِ الغَايَةِ والآلَةِ . ... ( )
العَائِقُ الخَامِسُ : فُضُوْلُ المُبَاحَاتِ . ... ... ... ... ( )
النَّصِيْحَةُ السَّنِيَّةُ من ابنِ تَيْمِيَّةَ لابنِ القَيِّمِ . ... ... ... ( )
الإجَازَاتُ العِلْمِيَّةُ : ... ... ... ... ( )
أهَمِيَّةُ الإجَازَاتِ العِلْمِيَّةِ : ... ... ... ... ( )
شُرُوْطُ الإجَازَةِ، والمُجَازِ : ... ... ... ... ( )
أوْلَوِيَّةُ أهْلِ السُّنَّةِ بالإجَازَاتِ العِلْمِيَّةِ مِنْ أهْلِ الأهْوَاءِ والبِدَعِ .( )
عُنْوَانُ مَوْقِعِ الشَّيْخِ في الإنْتَرْنِتْ . (المُشْرِفُ عَلى المَوْقِعِ) /ح . ... ( )
الخَاتِمَةُ : ... ... ... ... ... ... ... ( )(1/108)
فَرْضُ الوَقْتِ الآنَ : دَفْعُ العَدُوِّ الصَّائِلِ . ... ... ... ( )
شُرُوْطُ جِهَادِ الدَّفْعِ : ... ... ... ... ... ... ( )
التَّفْرِيْقُ بَيْنَ جِهَادِ الدَّفْعِ والطَّلَبِ . ... ... ... ... ( )
فَضْلُ المُجَاهِدِيْنَ : ... ... ... ... ... ... ( )
اللَّطَائِفُ العِلْمِيَّةُ : ... ... ... ... ... ... ( )
ثَبَتُ المَراجِعِ : ... ... ... ... ( )
فِهْرِسُ الآيَاتِ : ... ... ... ... ( )
فِهْرِسُ الأحَادِيْثِ : ... ... ... ... ( )
فِهْرِسُ الآثَارِ : ... ... ... ... ( )
الفَهَارِسُ المَوْضُوْعِيَّةُ : ... ... ... ... ( )
سِلْسِلَةُ إصْدَارَاتِ المُؤَلِّفِ
1ـ "الرِّيْحُ القَاصِفُ عَلَى أهْلِ الغِنَاءِ والمَعَازِفِ" مُجَلَّدٌ .
2ـ "كَفُّ المُخْطئ عَنِ الدَّعْوةِ إلى الشِّعرِ النَّبطي" مُجَلَّدٌ .
3ـ "أحْكامُ المُجاهِرِيْنَ بالكَبَائِرِ" مُجَلَّدٌ .
4ـ "قِيادَةُ المَرأةِ للسيَّارةِ بَيْنَ الحقِّ والبَاطِلِ" غِلافٌ .
5ـ "تَسْدِيْدُ الإصَابَةِ فِيْما شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابةِ" غِلافٌ .
6ـ "فِلِسْطِيْنُ والحَلُّ الإسْلامِي" غِلافٌ .
7ـ "فِقْهُ الإنْكَارِ باليدِّ ـ دِرَاسَةٌ ونَقْدٌ" غِلافٌ .
8ـ "كُسُوْفُ الشَّمْسِ بَيْنَ التَّخْوِيْفِ والتَّزْيِيْفِ" غِلافٌ .
9ـ "النَّكْسَةُ التَّارِيْخِيَّةُ" غِلافٌ .
10ـ "حَقِيْقَةُ كُرَةِ القَدَمِ" مُجَلَّدٌ . دِرَاسَةٌ شَرْعِيَّةٌ مِنْ خِلالِ فِقْهِ الوَاقِعِ.
11ـ سِيْرَةُ "شَيْخِ الإسْلامِ ابنِ عُثَيْمِيْنَ" غِلافٌ .
12ـ سِيْرَةُ "شَيْخِ الطَّبَقَةِ حُمُوْدِ العُقْلاءِ" غِلافٌ .
13ـ "المَنْهَجُ العِلْمِيُّ لطُلابِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ" غِلافٌ .
14ـ "تَحْرِيْرُ المَقَالِ فِي عُشَّاقِ طَلالٍ" غِلافٌ .
15ـ "ظَاهِرَةُ الفِكْرِ التَّربَويِّ" مُجَلَّدٌ .
16ـ"التَّعْلِيْقَاتُ العِلْمِيَّةُ عَلَى العَقِيْدَةِ الوَاسِطِيَّةِِ" غِلافٌ .
سَيَصْدُرُ للمؤلَّفِ إنْ شَاءَ الله
1ـ "مَسَالِكُ التَّحْدِيْثِ شَرْحُ اخْتِصَارِ عُلُوْمِ الحَدِيْثِ" شَرْحٌ كَبِيْرٌ .(1/109)
2ـ "المَرْجِعُ شَرْحُ الرَّوْضِ المُرْبِعِ" شَرْحٌ كَبِيْرٌ .
3ـ "الأضْوَاءُ الأثَرِيَّةُ عَلَى الرِّسَالَةِ التَّدْمُرِيَّةِ" شَرْحٌ كَبِيْرٌ .
4ـ "الدُّررُ البَهيَّةُ تَهْذِيْبُ الكَوَاكِبِ الدُّريَّةِ" .
5ـ "مُتمَّمةُ الآجُرُّميَّة" للحَطَّابِ . تَحْقِيْقٌ .
6ـ"أدَبُ الكِتَابِ الإسْلاميِّ" .
7ـ"الوَجَازَةُ في الأثْبَاتِ والإجَازَةِ"
وغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الكُتُبِ المُفِيْدَةِ إنْ شَاءَ الله(1/110)