المنح الفكرية شرح المقدمة الجزرية تأليف ملا علي بن سلطان محمد القاري وبهامشها شرح شيخ الإسلام أبي يحيى زكريا الأنصاري على المقدمة الجزرية لأبي الخير محمد الجزري نفع الله بهم المسلمين آمين @ ( ورتل القرآن ترتيلاً ) ( قرآن كريم ) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أودع جواهر المعاني الضيائية في قوالب زواهر المباني من الحروف الهجائية وأبدع المكونات لظهور حقيقة ذاته العلية في مرآة صفاته الجلية وأنزل القرآن بلسانه عربي مبين مع وساطة الروح الأمين على رسوله خاتم النبيين وسابق الأولين الذي أشار إلى صفاء صدقه سورة صاد وهو أفصح من نطق بالضاد من بين العباد وأظهر المغيبات مما أدغم وأخفى وقلب على قلب أهل العناد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه المقربين إليه والمرضيين لديه التالين على سبيل الترتيل لكتابه والمجودين لأداء آدابه الواقفين على عتبة بابه الواصلين إلى حضرة جنابه المترسمين على وفق خطابه حيث شموا رائحة فاتحة الكتاب وراموا فيما قاموا لائحة لامعة خاتمة الكتاب وراموا فيما قاموا لائحة لامعة خاتمة الكتاب أما بعد : فيقول المتلجي إلى حرم كرم ربه الباري على بن سلطان محمد القاري عاملها الله بلطفه الخفي وكرمه الوفي : إن المقدمة المنسوبة للعلامة شيخ الإسلام والمسلمين وخاتمة الحفاظ والمحدثين سيدنا وسندنا ومولانا وشيخ مشايخنا ممن أولانا الشيخ أبي الخير شمس الدين محمد ابن محمد بن محمد الجزري قدس الله سره السري ما رأيت لها شرحاً كاملاً يبين بياناً شاملاً يكون لتحقيق الحقائق كافلاً فسنح ببالي أن أضع عليها شرحاً معتدلاً لا مختصراً مخلاً ولا مطولاً مملاً فأقول وبالله التوفيق وبيده أزمة التحقيق إن قوله : ( يقول راجي عفو رب سامع ) بإشباع كسرة العين للوزن وفي نسخة بإثبات ياء الإضافة ( محمد بن الجزري الشافعي ) @ يشير إلى أن العبارة المقولة إذا كانت من جنس العلوم المنقولة ينبغي أن تنسب إلى(1/1)
قائلها لتكون سنداً لناقلها وعبر بصيغة المضارع الدال على الاستقبال ليشعر أن الخطبة متقدمة على أصل المقدمة ولو فرض عكس ذلك لوجد له وجه آخر أيضاً هناك بأن خمل على حكاية الحال الماضية ويؤيده تعبير بعضهم بقال في أوائل التصانيف المرضية وأغرب شارح حيث قال وهو أولى من تعبيره في طيبته بقال لأن المقول لم يقع ولا يقال أنه ألف الكتاب ثم بعد فراغه قال هذا القول لأنه خلاف الظاهر أقول بل هو المتبادر بتاء على حسن الظن بالأكابر والراجي اسم فاعل من المعتل اللام الواوي وأبدل واوه ياء لتطرفها وانكسار ما قبلها ثم استثقال الضمة باعث لحذفها وجر عفو لكونه مضافاً إليه بالنسبة إلى سابقه وإن كان مضافاً من جهة لاحقة وتوهم بعضهم فجوز نصبه على أنه مفعول لاسم الفاعل بناء على أنه من قبيل والمقيمي الصلاة حيث قرئ في الشواذ بنصبها وليس كذلك لعدم التوافق هنالك كان الأولى أن يجعله نظيراً لقوله تعالى أنكم لذائقوا العذاب على رواية شاذة في القراءة وفيه ضعف في العربية إلا أن نصف عفو مع تنوين راج لا يصح رواية ولا دراية وكذا لا يجوز تنوين راج ونصب عفو لما ذكر مع مخالفته لما رسم وسطر نعم عمل اسم الفاعل المضاف إذا كان معرفاً فانصب مفعوله تخفيفاً معتبر في العربية وأما عمله كذلك مع كونه نكرة فهو ضعيف كما صرحوا به وإن قرئ قوله إنكم لذائقوا العذاب بالنصب فلا يقاس عليه سيما مع مخالفته الرسم لديه والرب بمعنى المربي على الأظهر من جملة معانيه للمناسبة في مبانيه وأما قول ابن المصنف لا يقال له رب بمعنى الصاحب لأنه ليس من أسمائه ففيه نظر لورود اللهم أنت الصاحب في السفر مع أنه لا يلزمه من عدم كون الصاحب من أسمائه وصفاته تعالى عدم جواز إطلاق الرب بمعنى الصاحب عليه فتأمل فيما يتوجه إليه ثم قول المصنف سامع بإشباع كسر العين على ما في الأصول المحررة والنسخ المعتبرة قال الشيخ لكن سميع ابلغ ففي العبارة مناقشة كما أن في الإطلاق مسامحة(1/2)
فإن أسماء الله تعالى توقيفية ولا يجوز تغيير ما أورد من الصفات الجلية مع اقتضائها وصف الأبلغية حتى قيل في الصفة السلبية قد تأتي بصيغة المبالغة للإشعار بأنه لو كانت ثابتة له لكانت بهذه الصفة الحقيقية كما حقق في قوله تعالى وما ربك بظلام للعبيد وهذا مسلك دقيق ليس عليه مزيد للمريد ثم من المعلوم أن لم يرد سامع في السامع بحسب إطلاقه وإن جاء في بعض الروايات السامع خلقه نعم قد يكون السمع بمعنى القبول والإجابة ومنه قول المصلى سمع الله لمن حمده قال عصام الدين أي ممن حمده وهو بعيد مبني ومعنى أما أو لا فلان اللام بمعنى من غير معروفة وأما ثانياً فلأن تحته ليس إفادة تامة لأن صفة سماعه بمعنى إدراكه عامة فيحمل على معنى القبول والإجابة لتمام الإفادة وأما قول ابن المصنف معناه قبل حمد من حمده وأجاب من حمده إلى من طلب منه فمستقيم من جهة المعنى إلا أنه يحتاج إلى القول بزيادة اللام في المبنى فالأظهر أن يقال إن سمع بمعنى استجاب فإنه يتعدى بنفسه كما في القاموس وباللام كما في الكتاب وأما قول ابن المصنف وهذا المعنى هو المراد به هنا يعني في هذا البيت ففيه نظر ظاهر من جهة حصر الإرادة إذ يمكن حمله على المعنى المشهور من السمع وهو ملائم لقوله يقول نعم الأولى أن يحمل عليه لما سبق من الإشارة إليه وقد جمع الشيخ زكريا بين إرادة الحقيقة والمجاز واستعمل بين المعنيين المشتركين على ما أجازه الشافعي فقال في المسئلتين أي سامع لرجائه وغيره فيجيبه بما رجاه ولا يخفى أن قوله مؤمل صفح مالك تفسير بما هو أخفى فالأولى أن يقال المعنى يقول طامع مغفرة رب عظيم لما في ذكر الرب من الاستعطاف والإيماء إلى عادته سبحانه في الكرم والعطاء وسائر الألطاف المستفاد من قوله سامع أي سماع إجابة وقبول كما قيل في قوله تعالى واسمعوا وحينئذ يكون الإجابة والقبول قيداً في السماع لا أنه معنى مستقل مضموم إليه ولا يبعد أن يكون سامعي بياء الإضافة على(1/3)
الالتفات من الغيبة إلى التكلم وحينئذ إما أن يكون خبراً بتقدير كان @ أو بتقدير هو على أن الجملة معترضة وأخطأ الشارح حيث قال السميع والسامع صفتان مشتقان من السمع بمعنى القبول والإجابة بل السميع صفة مبالغة من السمع والإدراك للمسموعات ومنه قوله تعالى وهو السميع البصير ثم يرفع محمد على أنه بدل أو عطف بيان للراجي ويجوز نصبه بتقدير أعني أو يعني وأبعد من جعله فاعلاً وجعل راجي عفو حالاً والجزري نسبة إلى جزيرة ابن عمر ببلاد المشرق كذاذ كره ابن المصنف وتبعه من بعده في إجماله وفي القاموس بلد شمال الموصل تحيط به دجلة مثل الهلال والله أعلم بالحال والمراد بابن عمر الذي نسب إليه هو عبد العزيز بن عمر وهو رجل من أهل برقعيد من عمل الموصل بناها فنسبت إليه نص على ذلك العلامة أبو الوليد بن الشحنة الحنفي في تاريخه روضة المناظر في علم الأوائل والأواخر فليس بصحابي كما توهمه بعضهم والشافعي نسبة إلى الإمام محمد بن إدريس بن شافع القرشي المطلبي كذا قال الشراح وقال ابن المصنف نسبة إلى مذهب الإمام وهو أقرب إلى المرام وأنسب في هذا المقام وإلا فالتحقيق أن الشافعي نسبة للإمام إلى جده شافع وأن القياس في النسبة إلى مذهب الشافعي تكرير النسبة وأنه اكتفي بواحد منهما تخفيفاً وهنا لطيفة خفية وهي أن نسبة الحنفية حقيقية ونسبة الشافعية مجازية ثم الشافعي صفة لمحمد فهو مرفوع أو للجزري فهو مجرور والثاني أقرب والأول أنسب وسكن الياء وخفضه للضرورة ( الحمد لله صلى الله على نبيه ومصطفاه ) بالإشباع فيهما والجملتان مع ما بعدهما من الأبيات إلى آخر الكتاب مقول القول والجملة الأولى اسمية مفيدة للدوام والثبوت الأزلية والأبدية وهي في المبنى إنشائية والجملة الثانية خبرية وفي المعنى فعلية ماضوية مفيدة للتجدد في كل حالة و قضية وهي خبرية لفظاً ودعائية معنى ثم قيل الحمد والمدح والشكر ألفاظ مترادفة والمحققون على أنها حقائق مختلفة فإن(1/4)
الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التبجيل من نعمة وغيرها ومثله حد للمدح لكن بحذف الاختياري منه فيقال حمدت زيداً على حلمه وكرمه ولا يقال حمدته على حسنه بل مدحته والشكر فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب إنعامه على الشاكر أو غيره قولاً وعملاً واعتقاداً وفعلاً فهو أعم منهما مورداً وأخص مطلقاً وهما بالعكس والمدح أعم من الحمد مطلقاً ثم أل فيه للاستغراق عند أهل السنة خلافاً للمعتزلة بناء على خلافهم في مسئلة خلق الأفعال إذ المعنى كل حمد صدر من حامد فهو ثابت لله تعالى أو مختص به دون من عداه فإن حمد المصنوع راجع إلى حمد الصانع سواء علم بذلك أو جهل فيما هنالك أو للجنس وهو يفيد في هذا المقام ما يستفاد من الاستغراق في عموم المرام فإن لام الله للاختصاص فلا فرد منه لغيره وإلا لم يكن مختصا به أو للعهد يعني الحمد لله الذي حمد الله به نفسه في أزاله وأظهره على لسان أنبيائه وأصفائه مختص به والعبرة بحمد من ذكر فلا فرد لغيره وقد يقال في المعنى إن صفة الحامدية والمحمودية ثابتة له تعالى فهو الحامد وهو المحمود ليس في الدار ديار سوى الله تعالى وما في الوجود إلا الله والله اسم لذات الواجب الوجود المستجمع لصفات الكمال التي من جملتها الكرم والجود والقول الأتم أنه الاسم الأعظم لكن بشرط أن تقول الله وليس في قلبك سواه واختلف هل هو مشتق أولاً وقد ذكرنا بعض ما يتعلق به لغة وإعلالاً في بعض الرسائل بحسب ما ظهر لنا من الوسائل ليكون مقنعاً لكل طالب وسائل وإن لم يكن طائل تحت هذه المسائل وبدأ بالحمد اقتداء بالقرآن المجيد واقتفاء بحديث النبي الحميد صلى الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم أي مقطوع البركة وفي رواية فهو أقطع وفي أخرى @ فهو أبتر والحديث أخرجه أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه وحسنه ابن الصلاح وغيره وورد أيضاً عنه مرفوعاً كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم(1/5)
الله الرحمن الرحيم فهو أقطع وفي رواية عنه أيضاً كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة علي فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة والمراد بذي بال صاحب شأن في حال أو مآل فتحصل من مجموع الأحاديث أنه ينبغي أن يقع الابتداء بكل من الثلاثة وأن الابتدائية يعتبر فيها التوسعة في أجزائها الزمانية المقيدة بما قبل الشروع في المقاصد التصنيفية والترتيب مستفاد من ورود الآيات القرآنية فتعين تأخير الصلاة المحمدية عن الجملة الحمدية لنقصان مرتبة العبودية عن صفة الربوبية وأما تقديم الشاطي رحمه الله الجملة الصلاتية فلعله أراد بأن البسملة بمنزلة الشهادة للوحدة والتصلية بمنزلة الاعتراف بالنبوة وبهما يحصل مقام الإيمان فيناسب أن يقع بعده الحمد لله على ذلك الإحسان ثم إن الشاطي رحمه الله عليه تكلف وأتى بأجزاء البسملة منظومة لكنها متفرقة منفصلة ولم يسع الناظم هنا أن يأتي بتلك الطريقة فاكتفى بالحمدلة كما يدل على حديث كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بذكر الله الجامع الرافع للنزاع في أن الابتداء يكون حقيقة وإضافة والحاصل أن المقصود من الأحاديث النبوية أن الابتداء لا يصدر في حال الغفلة ليفيد الإخلاص لله تعالى والاختصاص به وينفي الرياء والسمعة وليحصل له ببركة الابتداء توفيق الانتهاء وعدم الانقطاع في الأثناء سواء يكون ذكر الله في ضمن البسملة أو الحمدلة أو التصلية أو غيرها ولا يبعد أن المصنف جمع بينهما بأن تلفظ بالبسملة ولم يجعلها جزء أمن الكتابة وأما الشرح للشيخ زكريا فهو يشير إلى أن البسملة في أولها قبل الشروع فيها موجودة بحسب الكتابة لكنه مخالف لما عليه الأصول مع أنها لا تدخل تحت المقول ويؤيد ما ذكرنا قول ابن المصنف بدأ بالحمد تأسياً بالقرآن وبحديث الحمد في كل أمر ذي شأن وأغرب شارح مصري هنا حيث قال الوقف على بسم الله قبيح وعلى الرحمن كذلك وعلى الرحيم تام اهـ وهو كلام ناقص كما سيأتي حله في محله وكذا في قوله يجوز(1/6)
كسر الدال بنقل حركة اللام إلى الدال على الإتباع فإنه لا نقل في ذلك بل اتباع مجرد هنالك كما قرئ شاذاً بالكسر والضم في الحمد لله ثم النبي إما مهموز من النبأ وهو الخبر فعيل بمعنى الفاعل وهو الأظهر لأنه مخبر عن الله تعالى وإما غير مهموز وهو الأكثر فقيل إنه مخفف المهموز فأبدلت همزته ياء وهو المختار كما أشار إليه الشاطي بقوله : وجمعاً وفرداً في النبي وفي النبوءة الهمز كل غير نافع أبدلا وأغرب الشارح بقوله هو مأخوذ من الإنباء وقيل من النبأ اهـ وقيل إنه من النبوة بمعنى الرفعة لأن النبي مرفوع الرتبة على سائر البرية وهو إنسان أوحى إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه والرسول إنسان أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه فالنبي أعم منه مطلقاً وأما قول ابن المصنف والفرق بينه وبين الرسول أن الرسول مأمور بتبليغ ما أنبئ به والنبي هو المخبر ولم يؤمر بالتبليغ فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا فتفريغ غير صحيح على قوله وهو قول جماعة لأنهما حينئذ متباينان بل هو صريح فيما قدمناه من أن الرسول أخص من النبي كالإنسان بالنسبة إلى الحيوان والله المستعان ثم اختياره وصف النبوة لأنها أعم وفي الأحوال أتم ولأنه إذا كان بنعت النبوة يستحق الصلاة وإنزال الرحمة فباعتبار وصف الرسالة أولى لا يخفى أو أراد بقوله ومصطفاه رسوله كما يشير إليه قوله تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس وهو لا ينافي حديث مسلم إن الله اصطفى كنانة من ولد إسمعيل واصطفى من كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم واعترض الشيخ زكريا على المصنف حيث قال وكان ينبغي له ذكر السلام لأن إفراد الصلاة عنه مكروه كعكسه لاقترانهما في قوله تعالى صلوا عليه وسلموا تسليماً ولعله ذكره لفظاً اهـ وهو مبني على ما قاله النووي والمصنف ذهب إلى خلافه @ حيث قال في مفتاح الحصن وأما الجمع بين الصلاة والسلام فيقال صلى الله عليه وسلم فهو الأولى والأفضل والأكمل ولو(1/7)
اقتصر على أحدهما جاز من غير كراهة فقد جرى عليه جماعة من السلف منهم الإمام مسلم في أول صحيحه وهلم جرا الإمام ولى الله أبو القاسم الشاطي في قصيدته اللامية والرائية وهو قول النووي وقد نص العلماء على كراهة الاقتصار على الصلاة من غير تسليم اهـ فليس ذلك بمتأكد فإني لا أعلم أحداً نص على ذلك من العلماء ولا من غيرهم أقول ولا دلالة في الآية للجمع بينهما على وجه المعية وأما قول من قال يكره تركه ولو خطأ فخطأ ثم لا شك أن الإضافة في نبيه ومصطفاه عهدية وهو الفرد الأكمل ممن اتصف بالنبوة والاصطفائية لكن مع هذا أوضحه المصنف بقول ( محمد وآله وصحبه ومقرئ القرآن مع محبه ) بحر محمد على أنه بدل أو عطف بيان من نبيه وهو علم مأخوذ من حمد مبالغة حمد لما اقتضاه من الصيغة التفعيلية ثم نقل من الوصفية إلى الاسمية والمراد بآله أقاربه وأهل بيته أو جميع أتباعه من أمته فعطف صحبه من باب عطف الخاص على العام فلا يحتاج إلى قول ابن المصنف والتقدير وصحبه غير الآل ليقوى العطف معنى إذ الأصل فيه المغايرة لكن نقول يكفي فيه المغايرة والاعتبارية واختيار الآل مختص بذوي الشرف أما على المعنى الأول فبينهما عموم وخصوص من وجه فتأمل فإن الصحب بفتح الصاد وبكسره اسم جمع كركب للراكب وهو اختيار سيبويه وقيل جمع صاحب وهو مختار الأخفش وضعف بأنه لا يجمع فاعل على فعل والصحيح في حد الصحابي أنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإيمان من غير تحلل بالردة وقد حققنا هذا البحث في شرحنا شرح النخبة والمراد بمقرئ القرآن معلم القرآن وهو يشمله صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه وأتباعه ولا يدعي حينئذ توارد التصلية باعتبار الصفات المختلفة فلا يحتاج إلى تخصيص الإقراء بالتابعين وغيرهم ممن بعدهم كما ذكره ابن المصنف والضمير في محبة راجع إلى القرآن وهو صادق بعموم أهل الإيمان فلا يحتاج إلى تقييده بالعالم به كما ذكره الشيخ زكريا أو إلى(1/8)
مقرئه وهو أبلغ في مقام البرهان ثم هو أعم من أني كون قارئاً أو غيره لأن المرء مع من أحبه وقيل الضمير في محبه راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غاية من البعد و كذا قول الشارح الرومي أصله مقرئين سقط النون بالإضافة وفي الجمع بين الآل والصحابة إيماء إلى اعتقاد أهل السنة خلافاً للخوارج والرافضة أبعدهم الله عن مرتبة المحبة ( تنيبه ) وقع اختلاف بين أكابر الأمة في أن النبوة أفضل أم الرسالة ولكل وجهة إذ النبوة المجردة من حيث التوجه إلى الله تعالى وأخذ الفيض منه سبحانه وتعالى أولى من حيث التوجه إلى الخلف وإيصال الفيض إليهم إلا أن الرسول من حيث إنه كامل مكمل أفضل من النبي من حيث إنه كامل مع أن الرسالة لا تنافي الولاية فله المرتبة الجمعية المستفادة من صفة الاصطفائية فإن الكامل الواصل إلى مرتبة جمع الجمع لا يحجبه الكثرة عن الواحد ولا الواحدة عن الكثرة وأما عبارة بعض الصوفية أن الولاية أفضل من النبوة فيعنون بها أن ولاية الرسول أفضل من النبوة كما سبق لا مطلقاً لئلا يلزم منه أن يكون الولي أفضل من النبي إذ لم يقل به أحد من أهل الإسلام وأما قول الحليمي يحصل الإيمان بقول الكافر آمنت بمحمد النبي بخلاف محمد الرسول لأن النبي لا يكون إلا نبيه والرسول قد يكون لغيره فمبني على الاستعمال العرفي إلا أن لفظ الإيمان يمنع من حمله على المعنى العرفي كما لا يخفى على أهل الإيقان وفي البيت إيماء إلى قوله عليه السلام اغد عالماً أو متعلماً أو مستعماً أو محباً ولا تكن الخامسة فتهلك رواه البزار والطبراني عن أبي بكرة ( وبعد فإن هذه مقدمة ) أي بعد ما تقدم من الحمد والصلاة وهي كلمة يؤتي بها للانتقال من @ غرض أو أسلوب إلى آخر ويستحب الإتيان بها في الخطب والمكاتبات اقتداء بالنبي عليه السلام كذا ذكره خالد وفيه الإتيان بأما بعد وهو مستحب بلا شبهة وإنما الكلام في وبعد ولا يبعد أن يقال مالا بدرك كله لا يترك كله(1/9)
خصوصاً في ضرورة الكلام مع احتمال تقدير أما لتحصيل المرام هذا وقد روى عبد القاهر الرهاوي في الأربعين بأسانيد عن أربعين صحابياً أنه عليه السلام كان يأتي بها في خطبه وكتبه قال ابن المصنف وتقدير المضاف إليه محذوف في هذا البيت وفيه أن التقدير مغن عن المحذوف وكذا عكسه والرواية بضم الدال وإن أجاز بن هشام فتحها لكن أنكره النحاس وأما تجويز الفراء رفعه منوناً وكذا نصبه فليس هذا محله وأما ما ذكره شارح عن بعض مشايخه من أن وجه الرفع والتنوين كونه فاعلاً ليكن المقدرة في قولهم مهما يكن من شيء بعد فما أبعده عن التحقيق والله ولي التوفيق وهذا إشارة إلى الرسالة الأرجوزة أو القصيدة وهي إن تأخرت الخطبة عن فراغ المقدمة حسية وإن تقدمت عليه ذهنية ومنه قوله تعالى ذلكم الله و تلك الجنة والمقدمة طائفة من العلم كمقدمة الجيش وهي بكسر الدال من قدم اللازم بمعنى تقدم ومنه قوله تعالى لا تقدموا بين يدي الله ورسوله أي لا تتقدموا وقيل في الآية إن المفعول مقدر أي لا لا تقدموا أمراً وتكلف بعضهم هنا أيضاً وقال المعنى هذه مقدمة نفسها على غيرها ويجوز فتح الدال على لغة قليلة كمقدمة الرحل من قدم المتعدي واقتصر عليه بحرق في شرحه وأما قول جمع من الشراح إن هذه طائفة من علم التجويد فليس على ظاهره لأن التجويد أحد مسائلها كما سيأتي بيانه في محلها اللهم إلا أن يقال تنسب إليه تغليباً لكونه المراد الأصلي منها وقول خالد ويقال مقدمة العلم لما يتوقف عليه الشروع في مسائله ومقدمة الكتاب لطائفة من كلام قدمت أمام المقصود لارتباط له بها وانتفاع فيه بسببها يوهم أن المراد هنا بالمقدمة أحد معني المقدمة وليس كذلك بل المراد بها طائفة من مسائل علم القراءة ينبغي الاهتمام بها والاعتناء بشأنها كما أشار إليه المصنف بقوله ( فيما على قارئه أن يعلمه ) أي بيان ما يجب على كل قارئ من قراء القرآن علمه وأبعد من قدر مضافاً قبل أن يعلمه وقال تعلم أن(1/10)
يعلمه وتجويز شارح كون ما مصدرية في غاية غرابة من القواعد العربية وأما قول ابن المصنف هذه مقدمة مغنية له عن غيرها فليس على إطلاقه واعلم أن هذه المقدمة أرجوزة من بحر الرجز وأجزاؤه مستفعلن ست مرات ( إذ واجب عليهم محتم ) بإشباع ضمة الميمن ( قبل الشروع أولاً أن يعلموا ) إذ تعليل للوجوب المقدر في ضمن قوله فيما على قارئه كما ذكره ابن المصنف وغيره وقال شارح للوجوب المفهوم من على لا من مقدر كما توهمه بعضهم بتصريحهم بأنه قد يراد بها الوجوب قلت لم يذكر صاحب المغني ولا صاحب القاموس من معانيها الوجوب وإنما الوجوب مستفاد منها بقرينة المقام الدال باعتبار متعلقة على المرام ثم الوجوب الشرعي ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه والعرفي ما لابد منه في فعله ولا يستحسن تركه فيجب حمل الكلام المصنف على المعنى الاصطلاحي وهو لا ينافي الوجوب الشرعي في بعض الصور من الفن العرفي ولا يجوز حمله على المعنى الشرعي لأن معرفة جميع ما في هذه المقدمة ليس من هذا القبيل إلا إذا حمل على وجوب الكفاية فقول شارح أراد بالوجوب هنا الوجوب الشرعي وأما ما ذكره بعضهم من أنه يراد به ما لا بد منه مطلقاً وحمل عليه كلام الناظم هنا فمحمول على من أمكنه التجويد بطبعه وسليقته كالعرب الفصحاء وغيرهم ممن رزقه الله تعالى ذلك بالجبلة وطبع عليه فلا شك أنه ليس معناه الواجب عند الفقهاء الذي يعاقب على تركه وأما من لم يتصف بما ذكر فلا بد في حقه من التجويد وعليه يحمل كلام الناظم ويراد به الوجوب الشرعي اهـ فمبني على ما يجوز عند الشافعي من الجمع بين الحقيقة والمجاز في إطلاق واحد كما اختاره الشيخ زكريا بقوله إذ واجب صناعة بمعنى ما لا بد منه مطلقاً وشرعاً بمعنى يأثم تاركه إذا أوهم خلل المعنى أو اقتضى تغيير الإعراب والمبني والتحقيق المرضى @ عند الكل ما قدمناه مع أن هذه المقدمة ليست منحصرة في بيان التجويد فقط كما تقدم والله تعالى أعلم قال ابن المصنف(1/11)
ضمير عليهم راجع إلى كل المقدر في قوله على قارئه وتبعه خالد ولا يحتاج إلى ذلك فإن المراد به جنس قارئ القرآن وأغرب شارح في قوله الضمير إلى القارئ لأن لأمه التي للاستغراق في معنى كل قارئ ونبه على أنه كذا في بعض النسخ اهـ ولا يستقيم له ذلك لعدم إتزان البيت به كما لا يخفى وقوله محتم تأكيد لقوله واجب إذ قد لا يكون الواجب فرضاً لازماً وقوله قبل الشروع ظرف لواجب وأكد بقوله أولاً أي يجب عليهم قبل الشروع في قراءة القرآن وفي ابتداء قصدهم تعلم القرآن أن يعلموا ( مخارج الحروف والصفات ) لا قبل أن يشرع في أدائه على المشايخ كما قال بحرق فإنه حينئذ يأخذ العلم والعمل بالأداء عن أفواههم وأسماعهم ( ليلفظوا بأفصح اللغات ) وفي نسخة صحيحة لنطقوا قيل وهذه النسخة التي ضبطت على لفظ الناظم آخراً والمؤدي منهما واحد إلا أن النطق يشمل الحروف الهجائية بخلاف اللفظ فإنه موضوع للمركب ولو على سبيل الغالبية كما يشير إليه قوله تعالى ما يلفظ من قول والمراد أفصح اللغات مطلقاً أو أفصح من لغات سائر العرب الغرباء فإن المراد به لغة قريش وهم قومه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ولقوله عليه السلام " أحب العرب لثلاث : لأني عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة في الجنة عربي " والحديث أخرجه الطبراني والحاكم والضياء عن ابن عباس رضي الله عنهما وسيأتي تحقيق معنى المخرج والحرف وصفته في محل المقصود به تفصيله فإن هذا مقام إجمال ما في هذه الرسالة بمنزلة فهرس الكتاب ولذا قال في هذا الباب : ( محرري التجويد والمواقف وما الذي رسم في المصاحف ) بإشباع كسرة الفاء إلى جد الياء ورسم بتشديد السين المكسورة وفي نسخة بتخفيفه أي كتب والمعنى حال كون علماء المخارج والصفات طالبي تحرير تجويد القرآن وإتقانه من تحسينه وإمعانه ومر يدي معرفة المواقف والمبادئ من الكلمات القرآنية ومعرفة مرسوم المصاحف العثمانية لأنه أحد(1/12)
أركان القرآن والركنان الآخران التواتر وموافقة العربية وحذف المبادئ من باب الاكتفاء كقوله تعالى: سرابيل تقيكم الحر أي والبرد والمراد بالمواقف المواضع التي يحسن الوقف إليها فهو اسم مكان لا مصدر بمعنى الوقف كما قال خالد ولما لم يستوف المصنف جميع ما يتعلق بالرسم على ما استوعبه الشاطي رحمه الله في قصيدته الرائية بل اكتفي بالمقدار المحتاج إليه في القواعد الوفاقية بين ما رسم بقوله ( من كل مقطوع ) أي ما يكتب مقطوعاً منه الكلمات لا من الحروف كما قاله الرومي ( وموصول بها ) أي فيها والضمير يعود إلى المصاحف ( وتاء أنثى لم تكن تكتب بها ) أي بهاء وقصر كما هو قراءة حمزة في الوقف على الهمزة لا كما قال ابن المصنف وتبعه غيره إنه للضرورة وتكتب في الأصل مرفوع لأنه خبر كان وإنما أدغم على مذهب السوسي في الإدغام الكبير والمعنى تأنيث لم تكتب بتاء مربوطة بل تكتب بتاء مجرورة كما سيجيء تحقيقه وبيان فوائد كل منها في محله وفي الجمع بين المقطوع والموصول صنعة الطباق وهو الجمع بين معنيين متقابلين وفيما بين بها وبهاء صنعة الجناس وهو الجمع بين المتشابهين في اللفظ والخط وأغرب @ شارح في قوله ما استفهامية فإنها إما أن تكون زائدة أو موصولة مؤكدة وعلى كل تقدير عطفت على التجويد لا على مفعول يعلموا كما قال الشارح فإنه في كمال البعد والله أعلم ( مخارج الحروف ) أي العربية الأصول ( سبعة عشر ) أي مخرجاً وهو موضع الخروج في الأصل لكنه هنا عبارة عن الحيز المولد للحرف كذا قال جماعة من الشراح والأظهر أنه موضع ظهوره وتمييزه عن غيره ولذا قالوا في تعريف الحرف : هو صوت معتمد على مقطع محقق وهو أن يكون اعتماده على جزء معين من أجزاء الحلق واللسان و الشفة أو مقطع مقدر وهو الفم إذا الألف لا معتمد له في شيء من أجزاء الفم بحيث إنه ينقطع في ذلك الجزء ولذا يقبل الزيادة والنقصان ثم المراد بالحرف حرف المبني هنا الحروف الهجائية لا حرف(1/13)
المعنى مما هو مذكور في الكتب العربية وأصل الحرف معناه الطرف وإنما سمي حرفاً لأن حرف التهجي طرف الأصوات وبعض منها وحرف المعنى طرف أي جانب مقابل لمعنى الاسم والفعل حيث يقعان عمدة في الكلام وهو لا يقع إلا فضلاً في المرام ومادة الصوت وحده هواء يتموج بتصادم جسمين ومن ثمة عم به ولم يخص بالإنسان بخلاف الحرف فإنه يختص بالإنسان وضعاً والحركة عرض تحله على خلاف في ذلك يطول بحثه ولا طائل تحته ثم الأصول في الحروف العربية تسعة وعشرين حرفاً باتفاق البصريين إلا البرد فإنه جعل الألف والهمزة واحداً محتجاً بأن كل حرف يوجد مسماه في أول اسمه والألف أوله همزة وأجيب بلزوم أن الهمزة تكون هاء لأنها أول اسمها والتحقيق في الفرق بينهما أن الألف لا تكون إلا ساكنة ولا يتصور أن يوجد لها اسم يكون مسماه ساكناً والهمزة إنما تكون متحركة أو مجزومة فكان حقها أن يقال لها أمزة لكنها أبدل منها هاء ولذا قيل دليل تعددهما إبدال أحدهما من الآخر كما حقق في الآل والأهل وأراق وهراق والشيء لا يبدل من نفسه والحاصل أن الألف على نوعين لينة وغيرها فهو أعم لغة واعتباراً وإن كان مغايراً للهمزة اصطلاحاً وأن مخرج الهمزة محقق ومخرج الألف مقدر هذا وقال سيبويه وتبعه الأكثر على ما نقله الجعبري أن مخارج الحروف ستة عشر فجعل الألف من مخرج الهمزة كما اختاره الشاطي والواو والياء الساكنين أعم من مخرج المتحركين وقال الفراء وأتباعه أربعة عشر فجعل مخرج النون واللام والراء واحداً والجمهور على أن لكل واحد مخرجاً كما سيأتي تحقيقه وقال الخليل وهو شيخ سيبويه وأتباعه من المحققين وهو الذي عليه الجمهور إنها سبعة عشر كما أشار إليه المصنف بقوله ( على الذي يختاره من اختبر ) أي بناء على قول من اختار ذلك باختياره الأقوال وتمييزه بين الأحوال واختيار المضارع لحكاية الحال الماضية وأغرب شارح حيث قال أي على القول الذي يختاره منا من بين الأقوال من سبق اختباره(1/14)
للحروف وأعجب من هذا حيث أعجب بكلامه وقال هذا المعنى يغني عن تأويل المضارع بالماضي كما جنح إليه ابن الناظم وغيره ويحصر هذه المخارج الحلق واللسان والشفة وزاد جماعة منهم الشاطي والناظم الجوف والخيشوم هذا وإذا أردت أن تعرف مخرج حرف صريحاً بعد تلفظك به صحيحاً فسكنه أو شدده وهو الأظهر وأدخل عليه همزة وصل بأي حركة واصغ إليه السمع فحيث انقطع الصوت كان مخرجه المحقق وحيث يمكن انقطاع الصوت في الجملة كان مخرجه المقدر فتدبر ثم إذا سئلت عن التلفظ بحرف من كلمة وكان ساكناً حكيته بهمزة وصل وإن كان متحركاً حكيته بهاء السكت لأنه لما سأل الخليل أصحابه كيف تلفظون بالجيم من جعفر فقالوا جيم قال إنما لفظتم بالاسم لا بالمسمى لكن قولوا جه وأغرب شارح هنا حيث اعترض على الجعبري وابن الناظم في قوليهما والصوت هواء يتموج بتصادم جسمين فقال الذي عليه أهل السنة أن الصوت كيفية تحدث بمحض خلق الله تعالى من غير لتموج الهواء والقرع خلافاً للحكماء في زعمهم أن الصوت كيفية @ في الهواء بسبب تموج إلى آخر ما ذكر فإن كلام غير محرر نشأ من غير تأمل وتدبر والتحقيق أن مذهب أهل السنة هو أن لا تأثير لغير الله وأن الأشياء قد توجد بسبب من الأسباب لكن عند خلق الله إياها كما أنه سبحانه يخلق الشبع بسبب الأكل وهو قادر على أن يشبع من غير أكل وأن يجعل الأكل سبباً لزيادة الجوع كما هو مشاهد في المستسقى والمبتلي بجوع البقر ثم أعلم أن الحروف المذكورة هي الأصول الأصلية وثمة حروف فرعية تكون ممتزجة بالأصلية للعلل المقتضية لهاليس هذا محلها وهي الهمزة المسهلة بينها وبين الألف والواو والياء وكذا الألف الممالة واللام المفخمة والصاد المشمة والنون المخفاة وهذه الحروف الخمسة كلها فصيحة جاءت بها القراءة الصحيحة والروايات الصريحة وقول خالد والشين كالجيم في نحو أجدق من الحروف المتفرعة المستحسنة وجدت في القرآن وغيره من فصيح الكلام خطأ ظاهر في مقام(1/15)
المرام وأما الكاف والعجمية وكذا الزاي والباء الفارسية فليست من اللغات القرآنية وإن كانت لغة لبعض العرب المصرية أو اليمانية ثم اعلم أن شارحاً ذكر هنا حديثاً عن مشايخه في حاشيته على الأزهرية مما تلوح لوائح الوضع عليه في المرتبة الأظهرية ثم قال التحقيق أن لكل حرف مخرجاً مخالفاً لمخرج الآخر وإلا لكان إياه فيكون الحكم تقريباً قلت هذا التعليل بعيد من التحقيق فإن الجمهور من أرباب التدقيق جعلوا الحروف متعددة مخرجاً واحداً بناء على أن التمييز حاصل باعتبار اختلاف الصفات وإن كان الاتحاد باعتبار الذوات ولذا قيل أن معرفة المخرج بمنزلة الوزن والمقدار ومعرفة الصفة بمنزلة المحك والمعيار ( فألف الجوف وأختاها وهي حروف مد للهواء تنتهي ) ضبط الجوف بالرفع على تقدير مخرجها قبل الجوف وبعده أو فمخرج ألف الجوف وبالجر على أنه من باب الإضافة إلى الظرف نحو صائم النهار وقائم الليل أو الإَضافة لأدنى ملابسة وفي نسخة للجوف ألف وهو غير متزن ثم قوله وأختاها أي كذلك والمراد شبيهتاها بأن تكونا ساكنتين وحركة ما قبلهما من جنسهما بأن تكون قبل الواو ضمة وقبل الياء كسرة وجعلت الألف أصلاً لأنها لا تختلف عن حالها أصلاً لا وقفاً ولا وصلاً بخلاف غيرها فصح قوله وهي حروف مد أي حروف مدية لا يتحقق وجودها إلا بمدها قدر ألف ويسمى المد الأصلي والذاتي والطبيعي وقد يزاد بسبب من أسباب المد الفرعي كما سيأتي بيانه في مقامه الوضعي ونسمي هذه الحروف أيضاً لينية وإن كان اللينية مختصة بكونها ساكنة ولا تكون حركة ما قبلها من جنسها كخوف وغبر والتحقيق أن هذه الحروف تسمى حرف العلة بالمعنى الأعم سواء تكون متحركة أو ساكنة حركة ما قبلها من جنسها أولاً ثم حروف المد ثم الليل بالوجه الأخص وهو مختص بالواو والياء دون الألف كما سيأتي هذه الحروف تنتهي إلى هواء الفم من غير اعتماد على جزء من أجزائه ولذا يقال لهذه الحروف جوفيه وهوائية وقول ابن المصنف(1/16)
مخرجهن من جوف الفم والحلف يريد أن مبدأها مبدأ الحلق ويمتد ويمر على كل جوف الفم وهو الخلاء الداخل فيه فإنهن لا خير لهن محقق تنتهي إليه بل تنتهي بانتهاء الهواء أعني وهو الصوت ولهذا تقبل الزيادة والنقصان في مراتبها وقول الشارح الرومي كل خال هواء ليس بخال عن قصور بل كل خال محل هواء ثم إنهن بالصوت المجرد أشبه منهن بالحروف ويتميزن عن الصوت المجرد بتصعد الألف وتسفل الياء واعتراض الواو فنسبت إلى @ الجوف لأنه آخر انقطاع مخرجها وحيث لزمت الألف هذه الطريقة المعتادة من كونها ساكنة وحركة ما قبلها من جنسها وهي الفتحة لم يختلف حالها من أنها دائماً تكون هوائية بخلاف أختيها فإنهما إذا فارقاها في صفة المشابهة صار لهما حيز محقق ومن ثمة كان لهما مخرجان مخرج حال كونهما مديتين ومخرج حال كونهما متحركتين ثم كل حرف مساو لمخرجه أي لمقداره لا يتجاوزه ولا يتقاصر عنه إلا حروف المد فإنها دون مخرجها ومن ثم قبلت الزيادة في المد إلى انقطاع الصوت وسميت حروف المد واللين لأنها تخرج بامتداد ولين من غير كلفة على اللسان لاتساع مخرجها فإن المخرج إذا اتسع انتشر الصوت وامتد ولان وإذا ضاق انضغط فيه الصوت وصلب ثم التحقيق أن معنى جعل سيبويه الألف من مخرج الهمزة أن مبدأه مبدأ الحلق ويمتد ويمر على جميع هواء الفم فيرتفع النزاع وهذا أيضاً معنى قول مكي في الرعاية لكن الألف حرف يهوى في الفم حتى ينقطع مخرجه في الحلق فنسب في الخروج إلى الحلق لأنه آخر خروجه إذ لا منافاة بين أن يكون مبدؤه مبدأ الحلق انقطاع مخرجه في الحلق لأن المراد أنه ليس له اعتماد على شيء من أجزاء الفم بل يبتدئ من الحلق وينتهي إلى الصوت الناشئ من الحلق وهذا معنى قول الداني لا معتمد للألف في شيء من أجزاء الفم على هذا وهو أن يكون مبدؤه الحلق ومنقطع مخرجه في الحلق يحمل جعل الشاطي وغيره الألف حلقياً وينزل قوله مع غيرهم في هذه الحروف أعني الواو والياء على غير(1/17)
المدية هذا وقال الناظم في النشر والصواب اختصاص هذه الثلاثة بالجوف دون الهمزة لأنهن أصوات لا يعتمدن على مكان حتى يتصلن بخلاف الهمزة ثم أعلم أنه قدم حروف المد على سائر الحروف لعموم مخرج المدية وكونها بالنسبة إلى مخارج البقية بمنزلة الكل في جنب الجزء فيستدعي التقديم من هذه الحيثية وإن كان المناسب تأخيرها عنها باعتبار أن حيزها وما حيزه مقدر فهو حقيق بأن يؤخر عما حيزه محقق ثم أعلم أن كل مقدار يكون منتصباً وله نهايتان أي طرفان وغايتان أيتهما فرضت أوله وله كان مقابلة آخره ولما كان وضع الإنسان على الانتصاب مخالفاً لباقي الحيوان لزم منه أن يكون رأسه أوله ورجلاه آخره فإذا كان ذلك كان أول المخارج الشفتين وأولهما مما يلي البشرة وثانيها اللسان وأوله مما يلي الأسنان وآخره مما يلي الحلق وثالثها الحلق وأوله مما يلي اللسان وآخره مما يلي الصدر ولو كان وضع الإنسان على التنكيس لانعكس ولما كان مادة الصوت الهواء الخارج من داخل الإنسان كان أوله آخر الحلق وآخره أول الشفتين فرتب الناظم رحمه الله الحروف باعتبار الصوت وفاقاً للجمهور حيث قال فألف الجوف ورتب تسمية المخارج باعتبار وضعها الأصلي حيث جعل الأقصى وهو الأبعد مما يلي الصدر والأدنى وهو الأقرب لمقابلة فقال ( ثم لأقصى الحلق همز هاء ) أي لأبعده من الفم حرفان وهي همز وهاء وحذف العاطف رعاية للوزن ومنهم من ضم الألف إليهما وجعلها بعدهما كالشاطي ونسب هذا القول إلى سيبويه ونقل عنه أيضاً تقدم الألف على الهاء كما يفهم من كلام الجار بردى وقيل الهمزة والهاء في مرتبة واحدة وقيل الهمزة أولى ( ثم لوسطه فعين حاء ) وحقه أن يقال عين فحاء وغير للضرورة ووسط الشيء محركة ما بين طرفيه كأوسطه فإذا سكنت كان ظرفاً أو هماً فيما هو مصمت كالحقة فإذا كانت أجزاؤه متباينة فبالإسكان فقط أو كل موضع صلح فيه بين فهو بالتسكين وإلا فهو بالتحريك كذا في القاموس فقول شارح سين وسطه(1/18)
ساكنة في النظم على لغة ضعيفة وفي نسخة ومن وسطه بالتحريك وفي نسخة وما لوسطه فعين حاء فلا إشكال في الفاء وتقدم العين على الحاء كلام سيبويه وهو قول مكي ونص أبو الحسن بن شريح على أن الحاء قبل العين وهو كلام المهدوي وغيره ( أدناه غين خاؤها والقاف ) أي أقرب الحلق إلى الفم وهو أوله من جانب الفم مخرج غين وخائها وإضافة الخاء إليها لأدنى ملابسة وهي المشاركة وهي المشاركة في الحروف الهجائية أو في صفة @ الحلقية أو في الاتصاف بالمعجمة وتقديم الغين على الخاء هو مختار سيبويه أيضاً وعليه الشاطي وتبعه الناظم ونص مكي على تقديم الخاء على الغين وقال ابن خروف النحوي إن سيبويه لم يقصد ترتيباً فيما هو مخرج واحد فهذه ثلاثة مخارج لستة أحرف وتسمى هذه الحروف حلقية لخروجها من الحلق في الجملة وقوله والقاف بتقدير المضاف أي ومخرجها ( أقصى اللسان فوق ثم الكاف ) بضم قاف فوق على تقدير مضاف أي فوق الكاف لأن ما يلي الحلق من اللسان يعد فوقاً وما يقابله تحتا لما سبق من النكتة في اعتبار مبدأ الصوت في ترتيب المخارج أو المراد به أقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى ثم الكاف أي مخرجها أقصى اللسان ( أسفل والوسط فجيم الشين يا ) أي أسفل من القاف وهو مبني على الضم مثل فوق ظرف للكاف السابق أي في أسفل اللسان بالنسبة إلى القاف أو أريد به ما تحته من الحنك الأعلى وهو أقرب إلى الفم ويقال لهما اللهوية لأنهما يخرجان من آخر اللسان واللهاة اللحمة المشرفة على الحلق وقيل اللهاة أقصى الفم واللسان واللام في الوسط بدل من المضاف إليه أي وسط اللسان أي مع ما يحاذيه من وسط الحنك الأعلى أو وسطهما فمخرج الجيم والشين والياء وفي نسخة الجيم الشين يا فحذف تنوين الجيم وعطف الشين والياء ونكر وعرف بحسب ما استقام له الوزن في هذا المقام وقصر وقفاً لا ضرورة وقال المهدوي إن الشين تلي الكاف ثم الجيم والياء تليان الشين كما حكاه عنه الناظم وتسمى الحروف(1/19)
الثلاث شجرية لأنها تخرج من شجر اللسان وما يقابله والشجر مفتح الفم وقيل مجمع اللحيين والمراد بالياء غير الياء المدية ( والضاد من حافته إذ وليا ) أي ومخرج الضاد من جانب اللسان وطرفه إذا قرب الجانبان أي أحدهما فالتذكير باعتبار معنى الحافة وهو الجانب والطرف أو لاكتسابه التذكير من الإضافة والألف للتثينة والحكم لكل واحد منهما على انفراده وقيل الألف للإطلاق أي إذا قرب جانب اللسان ( الأضراس من أيسر أو يمناها ) أصلها الأضراس فنقلت حركة الهمزة إلى اللام واكتفى بها عن همزة الوصل على أحد الوجهين في أمثاله كما يستفاد من الشاطبية وتبدأ بهمز الوصل في النقل وإن كنت متعداً بعارضه فلا وأبعد شارح حيث قال الرواية في الأضراس هو النصب على أنه مفعول وليا والفاعل مستتر عائد إلى اللسان وبعده من وجهين لفظاً ومعنى لفظاً ومعنى أما أولاً فلأن الضمير يرجع إلى المضاف ون المضاف إليه غالباً وأما معنى فلأنهم اعتبروا الولاء بين الأضراس والحافة لا بين الأضراس وطرف اللسان ثم قال ولو قيل برفعه على الفاعلية فيكون المراد إذ وليه الأضراس لكان ملائماً لعبارتهم أقول لأنهم اعتبروا أيضاً ولاء الأضراس بالحافة دون العكس اهـ ولا يخفى ما في قوله أيضاً وقوله دون العكس من المناقضة مع أن القرب والميل إنما هو من حافة اللسان إلى الأضراس دون العكس لبقائها في محلها وأما ما أسند إليه صلى الله عليه وسلم تبعاً للشيخ زكريا من قوله : أنا أفصح من نطق بالضاد فقد صرح الحفاظ منهم الناظم بأنه موضوع والمعنى تخرج الضاد من طرف اللسان مستطيلة إلى ما يلي الأضراس من الجانب الأيسر وهو الأيسر والأكثر من الأيمن وهو اليسير والعسير والمعتبر أو من الجانبين معاً وهو من مختصات سيدنا عمر رضي الله عنه وهو معنى قول الشاطي وهو لديهما يعزو باليمنى يكون مقللاً وكان حق المصنف أن يقول من أيسر أو يمنى أو يسراها أو يمناها لكن غاير بينهما ضرورة والضمير في يمناها(1/20)
إلى الأضراس أو الحافة وهما متلازمان ثم الحافة مخففة الفاء على ما ذكر في القاموس من مادة الأجوف وتوهم الجعبري كونه من المضاعف فقال خفف للوزن ثم أعلم أن الأسنان على أربعة أقسام منها أربعة تسمى ثنايا @ ثنتان من فوق وثنتان من تحت من مقدمها ثم أربعة مما تليها من كل جانب واحدة تسمى رباعيات ثم أربعة كذلك تسمى أنياباً ثم الباقي تسمى أضراساً منها أربعة تسمى ضواحك ثم تسمى اثنا عشر طواحن ثم أربعة تواجذ ويقال لها ضرس الحلم وضرس العقل وقد لا توجد في بعض أفراد الإنسان وأغرب شارح حيث قال سقطت همزة الوصل في الأضراس والمراد بالأضراس الأسنان وشارح آخر قال أراد بها الطواحن اهـ فالتحقيق أن المراد بها الأضراس العليا من أحد الجانبين متبدئاً مما حاذى أوسط اللسان بقرينة ذكره بعده منتهياً إلى أول مخرج اللام والله أعلم بالمرام ( واللام أدناها لمنتهاها ) أي ومخرج اللام أقرب الحافة وأولها إلى نهايتها أو إلى منتهى طرفها كما قال الشاطي وحرف بأدناها إلى منتهاها قد يلي الحنك الأعلى أي حرف منها بأدنى الحافة واصلاً إلى منتهى اللسان على ما ذكره الجعبري فاللام بمعنى إلى وقيل اللام للاختصاص أي الأقرب المخصوص بمنتهى حافة اللسان ولا يخفى ما فيه من التكلف في البيان ثم المراد من الحنك الأعلى من اللثة في سمت الضاحك لا الثنية خلافاً لسيبويه واللثة بضم فتخفيف مثلثة منبت الأسنان والثنية مقدم الأسنان والضاحك كل سن تبدو من مقدم الأضراس عند الضحك والحاصل أن مخرج اللام ما دون أول إحدى حافتي اللسان وذلك لأن ابتداء مخرج اللام أقرب إلى مقدم الفم من مخرج الضاد وينتهي إلى منتهى طرف اللسان وما يحاذي ذلك من الحنك الأعلى فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية وليس في الحروف أوسع مخرجاً منه وأغرب شارح في قوله أدنى حافة اللسان أي آخرها ( والنون من طرفه تحت اجعلوا ) بنصب النون على أنه مفعول لقوله اجعلوا وتحت مبنى على الضم و طرفه(1/21)
بفتحتين أي واجعلوا مخرج النون من طرف اللسان وهو رأسه وأوله مع ما يليه من اللثة مائلاً إلى ما تحت اللام قليلاً وقيل فوقها وهو أضيق من مخرج اللام وقيل النون مبتدأ بتقدير مخرج ومن طرفه خبره وتحت ظرف اجعلوا ومفعوله محذوف أي اجعلوا النون تحت اللام ( والرايدانيه لظهر أدخل ) بقصر الراء ضرورة بإشباع هاء يداينه لغة أي ومخرج الراء يقارب مخرج النون لكنه إلى ظهر من اللسان أدخل وهذا معنى قول ابن المصنف والراء من ظهر رأس اللسان ومحاذيه من لثة الثنيتين العليتين وقال المصنف في النشر مخرج الراء من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا العليا غير أنها أدخل في ظهر اللسان قليلاً وقال الشاطبي وحرف يداينه إلى الظهر مدخل قال أبو شامة يعني يداني النون وهو الراء يخرج من مخرجها لكنها أدخل في ظهر اللسان قليلاً من مخرج النون لانحرافه إلى اللام وقال ابن المصنف في شرحه أي الراء أكثر انحرافاً إلى ظهر اللسان من النون ثم المراد بالظهر ظهر اللسان لا ظهر طرفه كما اختاره خالد ويمكن أن يكون التقدير والراء يقاربه مائلاً إلى ظهر وهذا القول أدخل وأقرب إلى التحقيق فإنه مذهب الحذاق وأهل التدقيق كسيبويه ومن وافقه وقطرب والجرمي إلى أن اللام والنون والراء من رأس اللسان ومحاذيه ثم هذه الثلاثة تسمى ذلقية وذولقية لأنها من ذلق اللسان وهو طرفه وحده ثم أدخل مفرد يقرأ بإشباع الضمة واواً وفي نسخة أدخلوا بإثبات الواو بصيغة الجمع وهو يحتمل الأمر والمضي وأغرب بحرق في قوله أي مخرج هذه الثلاثة من أدنى حافة اللسان ممتداً إلى منتهاها إلا أن اللام تخرج من أدناها والنون من طرف اللسان والراء يداني مخرج النون داخلاً إلى ظهر رأس اللسان فلا يكون حينئذ مقدماً على مخرج النون ( والطاء والدال وتاً منه ومن علياً الثنايا والصغير مستكن ) بتخفيف النون مراعاة للوزن قال خالد المراد بالثنايا في هذه المواضع الثنيتان وإنما عبر الناظم رحمه الله بلفظ(1/22)
الجمع لأن اللفظ به أخف مع كونه معلوماً اهـ ويمكن أن يحمل على القول بأن أقل الجمع اثنان والتحقيق أن الثنايا أربعة أسنان متقدمة اثنان فوق واثنان تحت فالتقدير عليا الأسنان الثنايا أي @ العليا منها وإنما الأشكال إذا قيل التركيب من إضافة الصفة إلى الموصوف أي مخرج الطاء والدال والتاء من طرف اللسان ومن الثنايا العليا يعني مما بينه وبين أصول الثنايا مصعداً إلى الحنك الأعلى ولا معنى لقول شارح يماني إما من أصولهما أو من وسطهما ويقال لهذه الحروف الثلاثة نطعية لخروجهما من نطع الغار الأعلى أي سقفه والغار داخل الحنك والتحقيق أنها إنما سميت نطعية لمجاورة مخرجها نطع الغار الأعلى وهو سقفه لا لخروجها منه فتأمل يظهر لك وجه الخلل ثم أخبر أن حروف الصفير وهي الصاد والزاي والسين كما سيذكرها الناظم في بيان الصفات مستقر خروجهن ( منه ومن فوق الثنايا السفلى ) أي من طرف اللسان ومن أطراف الثنايا السفلى كذا قال ابن المصنف وفيه بحث لأن الناظم اعتبر فوق الثنايا السفلى الذي هو تحت العليا بعينه ويريد به ما بينهما وهو لم يعتبر ذلك إذ طرف الشيء غير فوقه نعم يمكن التوفيق بحمل الفوق على الطرف لمجاورته إياه مجازاً وقال الشاطبي ومنه ومن بين الثنايا ثلاثة أي وثلاثة منها من رأس اللسان ومن بين الثنايا السفلى قال الجعبري وقال زكريا عبارة الشاطبي رحمه الله ومن بين الثنايا يعني العليا ولا منافاة فهي من طرف اللسان ومن بين الثنايا العليا والسفلى اهـ ويقال لهذه الثلاثة أسلية لخروجهن من أسلة اللسان وهو مستدقه ( والطاء والذال وثا العليا ) أي مخرج هذه الثلاثة خاص للثنايا العليا ( من طرفيهما ) أي من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا ويقال لهذه الثلاثة لثوية لخروجها من اللثة وهي منبت الأسنان وبه ثم مخارج اللسان وهي عشرة وحروفها ثمانية عشر حرفاً وإنما قدم المصنف حروف الصفير على اللثوية تبعاً لسيبويه ولأنها تقارب مخرج الطاء(1/23)
وأختاها لأنها قبل أطراف الثنايا ثم ذكر الناظم مخرج الشفة وحروفها بقوله ( ومن بطن الشفة ) بفتح الشين ويكسر ( فالفامع أطراف الثنايا المشرفة ) بكسر الراء والفاء زائدة في الفاء لأنه مبتدأ والمعنى أن الفاء تخرج من بطن الشفة السفلى مع أطراف الثنايا العليا المعينة بقوله المشرفة وأطلق الناظم الشفة ومراده السفلى كما تقرر لعدم تأتي النطق بالفاء مع العليا ومع ساكنة على لغة ربيعية ثم نقلت حركة الهمزة إليها على لغة الجادة ( للشفتين الواو باء ميم ) أي مخرج هذه الثلاثة خاص للشفتين حيث تخرج من بين الشفة العليا والسفلى إلا أن الواو بانفتاح والباء والميم بانطباق إلا أن انطباقهما مع الباء أقوى من انطباقهما مع الميم فكان ينبغي تأخير الواو عنهما لذلك كما فعل مكى حيث قدم الباء وذكر الميم عقبها وختم بالواو والمراد غير المدية ( وغنة مخرجها الخيشوم ) أي أقصى الأنف وبرهان الغنة في سد الأنف ولهذا لو أمسكت الأنف لم يمكن خروجها بثم الغنة من الصفات لأنها صوت أغن لا عمل للسان فيه فكان اللائق ذكرها مع الصفات لا مع مخارج الذوات قال ابن المصنف والغنة صفة النون ولو تنويناً والميم المدغمتان والمخفاتان وقال الجعبري الغنة صفة النون ولو تنويناً والميم أو سكنتا ظاهرتين أو مخفاتين أو مدغمتين وهذا معنى قول الداني وأما الميم والنون فيجافي بهما اللسان إلى موضع الغنة من غير قيد وهي في الساكن أكمل منها في المتحرك وفي المخفي أكمل منها وفي المدغم أكمل منها في المخفي عند مثبتها وقول الشاطبي : وغنة تنوين ونون وميم إن سكن ولا إظهار في الأنف يجتلا @ أي إذا سكنا أو أخفيا أو أدغما وقول مكي الساكنان قيد لكمال الغنة لا أصلها لما تقدم والله أعلم اهـ ولذا قال بعضهم مخرج حرفها قال ابن المصنف وكان ينبغي أن يذكر هنا عوضاً عنها مخرج النون المخفاة فإن مخرجها من الخيشوم وهي حرف بخلاف الغنة قلت ولهذا قال بعض الشراح أي مخرج محلها من(1/24)
النون والميم وفيه أن مخرج محلها من النون والميم قد سبق وأن النون المخفاة مركبة من مخرج الذات ومن تحقق الصفة في تحصيل الكمالات وقد أغرب الشارح اليماني حيث قال الغنة تارة تكون صفة وتارة تكون حرفاً وهي النون والميم المدغمتان والمخفاتان وهو مذهب المصنف اهـ وغرابته مما لا يخفى وعلى كل تقدير فعد الغنة من مخرج الحروف السبعة عشر لا يخلو عن إشكال فتدبر ثم رأيت المصنف ذكر في النشر أن المخرج السابع عشر الخيشوم وهو الغنة وهي تكون في النون والميم الساكنتين حالة الإخفاء أو ما في حكمه من الإدغام بالغنة فإن مخرج هذين الحرفين بتحول في هذه الحالة عن مخرجهما الأصلي على القول الصحيح كما يتحول مخرج حروف المد من مخرجه إلى الجوف على الصواب وقال سيبويه إن مخرج النون الساكنة من مخرج النون المتحركة إنما يريد به النون المظهرة اهـ وقد نص مكي في الرعاية على أن الغنة نون ساكنة خفية تخرج من الخياشيم وهي تكون تابعة للنون الساكنة الخالصة السكون غير المخفاة وهي التي تتحرك مرة وتسكن مرة وللتنوين والميم الساكنة ثم قال والغنة حرف مجهور شديد لا عمل للسان فيها صرح الجاربردى أن النون الساكنة المخفاة تسمى غنة وأنها من الحروف المتفرعة ثم بين ذلك بقوله فإنك إذا قلت عن كان مخرجها من طرف اللسان وما فوقه وإذا قلت عنك لم يكن لها مخرج من الفم لكنها غنة تخرج من الخيشوم فلو نطق بها الناطق مع هذه الحروف وأمسك أنفه لبان اختلافها فيمكن حمل الغنة هنا على النون المخفاة نفسها من غير تكلف بقرينة أن الكلام في الحروف لا في صفاتها وهذا بخلاف الغنة في قوله وأظهر الغنة وغيره من المواضع الآتية فإن المراد بها الصفة حتماً ومما يؤيده قول أبي شامة نقلاً عن أبي عمرو هذه الغنة المسماة بالنون الخفية ليست النون التي مر ذكرها فإن تلك من الفم وهذه من الخيشوم وشرط هذه أن يكون بعدها حرف من حروف العم ليصح إخفاؤها فإن كان بعدها حرف من حروف الحلق أو(1/25)
كانت آخر الكلام وجب أن تكون الأولى ( صفاتها جهر ورخو مستفل منفتح مصمتة والضد قل ) الصفة ما قام بالشيء من المعاني كالعلم والسواد وقد تطلق الصفة ويراد بها النعت النحوي والمراد بها ههنا عوارض تعرض للأصوات الواقعة في الحروف من الجهر والرخاوة والهمس والشدة وأمثال ذلك فالمخرج للحرف كالميزان يعرف به ما هيته وكميته والصفة كالمحك والناقد يعرف بها هيئته وكيفيته وبهذا يتميز بعض الحروف المشتركة في المخرج عن بعضها حال تأديبه ولولا ذلك لكان الكلام بمنزلة أصوات البهائم التي لها مخرج واحد وصفة واحدة فلا يفهم منها المرام وهذا معنى قول المازني إذا همست وجهرت وأطبقت وفتحت اختلفت أصوات الحروف التي من مخرج واحد وقال الرماني وغيره لولا الإطباق لصارت الطاء دالاً لانة ليس بينهما فرق إلا الإطباق ولصارت الظاء ذالاً ولصارت الصاد سيناً فسبحان من دقت في كل شيء حكمته روى أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى ناظر معتز ليا فقال له بإقفال بألم قال قل خا فقال خا فقال له بين مخرجهما فبينهما فقال إن كنت خالق فعلك فاخرج الباء من مخرج الخاء فبهت المعتزلي وصفات الحروف منها ماله ضد ومنها ما ليس له ضد كما سيأتي بيانها وإنما ذكر الشيخ رحمه الله ههنا صفاتها المشهورة اللائقة لمقدمته المختصرة وإلا فقد ذكر بعضهم أن لها أربعة وأربعين صفة وزاد بعضهم عليها كما في المكتب المبسوطة فذكر المصنف من صفاتها سبعة عشر نوعاً : منها الجهر والرخوة @ والاستفال الانفتاح والاصمات بحسب ما اتفق له من الوزن تارة بلفظ المصدر وأخرى بصيغة الوصف وستأتي ومعانيها مع أضدادها في محلها اللائق بها وقوله والضد قل أي واذكر أضداد هذه الصفات الخمسة بالمقابلة المرتبة كما قال ( مهموسها فحثه شخص سكت ) فإن الأشياء تتبين بأضدادها وبتعداد حروف بعض الأضداد تعرف سائر الأضداد من جهة الأعداد ولما كانت الحروف المهموسة وأمثالها قليلة قابلة لسرعة ضبطها وحفظها بينها(1/26)
وترك بيان أضدادها لما يعرف من مفهوم ما عينها والحاصل أن الحروف المهموسة مجتمعة في كلمات مركبة منها عبر عنها بقوله " فحثه شخص سكت " وهي عشرة الفاء والحاء المهملة والثاء المثلثة والهاء والشين والخاء المعجمتان والصاد والسين والكاف والثاء المثناة من فوق فالحث بمعنى الحض والشخص معروف وسكت فعل ماض من السكوت ثم الهمس في اللغة الخفاء ومنه قوله تعالى " فلا تسمع إلا همساً " والمراد به حس مشي الأقدام إلى المحشر أو حس كلام أهله من هول ذلك النظر ومما يناسب المعنى الأول قول الشاعر : وهن يمشين بنا همياً إن يصدق الطير ننك لميسا وسميت مهموسة لجريان النفس معها لضعفها ولضعف الاعتماد عليها عند خروجها وضدها المجهورة والجهر في اللغة الصوت القوي الشديد وسميت مجهورة لمنع النفس وحصره أن يجري معها لقوتها وقوة الاعتماد عليها عند خروجها والتحقيق أن الهواء الخارج من داخل الإنسان إن خرج ذلك بدفع الطبع يسمى نفساً بفتح الفاء وإن خرج بالإرادة وعرض له تموج بتصادم جسمين يسمى صوتاً وإذا عرض للصوت كيفيات مخصوصة بأسباب معلومة يسمى حروفاً وإذا عرض للصوت كيفيات أخر عارضة بسبب الآلات تسمى تلك الكيفيات صفات ثم إن النفس الخارج الذي هو صفة حرف إن تكيف كله بكيفية الصوت حتى يحصل صوت قوي كان الحرف مجهوراً وإن بقي بعضه بلا صوت يجري مع الحرف كان ذلك الحرف مهموساً وأيضاً إذا انحصر صوت الحرف في مخرجه انحصاراً تاماً فلا يجري جرياناً سهلأ يسمى شديداً فإنك لو وقفت على قولك الحج وجدت صوتك راكداً محضوراً حتى لو رمت مد صوتك لم يمكنك وأما إذا جرى الصوت جرياناً تاماً ولا ينحصر أصلاً يسمى رخوة كما في الطش فإنك إذا وقفت عليها وجدت صوت الشين جارياً بمدة إن شئت وأما إذا لم يتم الانحصار ولا يجري يكون متوسطاً بين الشدة والرخوة كما في الظل فإنك إذا وقفت عليه وجدت الصوت لا يجري مثل ذلك يعني مثل جري الطش ولا ينحصر مثل انحصار الحج بل يخرج(1/27)
على حدا اعتدال بينهما فإذا عرفت ذلك تبين لك أيضاً معنى قوله ( شديدها لفظ أجد قط بكت ) فأجد أمر من الإجادة وقط منون مجرور مخفف بمعنى حسب وبكت مجرد التبكيت يقال بكته إذا غلبه بالحجة والمراد بها هنا أن الحروف المتصفة بالشدة مجموعة في الكلمات الثلاث مركبة منها وهي الهمزة والجيم والدال المهملة والقاف والطاء المهملة والباء الموحدة والكاف والتاء المثناة من فوق فما عداها وما عدا اللينة التي ذكرها في قوله ( وبين رخو والشديد ) أي ما بينهما حروف خمسة يجمعها تركيب ( لن عمر ) كلها حروف رخوة والشدة في اللغة القوة وسميت شديدة لمنعها الصوت أن يجري معها لأنها قويت في مواضعها فلزمته الشدة والرخوة مثلثة الراء والكسر أشهر والرخاوة في اللغة اللين وسميت بذلك لجري النفس والصوت معها حتى لانت عند النطق بها وضعف الاعتماد عليها ثم الحروف التي بين الرخوة والشدة خمسة يجمعها قولك " لن عمر " بكسر اللام أمر من لان يلين وعمر منادي بحذف حرف النداء وهذا التركيب أولى من جمع بعضهم في لم نزع ومما وقع في الشاطبية من قوله عمر نل مع ما فيه من خلوص المبنى وخلاصة المعنى كما لا يخفى وهي اللام والنون والعين المهملة والميم والراء وإنما وصفت بذلك لأن الرخوة إذا نطق بها في نحو اجلس وافرش جرى معها الصوت والنفس @ عند سكونها والشديدة إذا نطق بها في نحو اضرب واقعد انحبس الصوت والنفس معها ولم يجريا والتي بين الرخوة والشدة إذا نطق بها في نحو انعم واعمل لم يجر الصوت والنفس معها جريانهما مع الرخوة ولم ينحبس انحباسهما مع الشدة هذا وقد قال ابن الحاجب في الشافية المجهورة ما ينحصر أي ينقطع جرى النفس مع تحركه والمهموسة بخلافها وخالف بعضهم فجعل الضاد والظاء والذال أي المعجمات والزاي والعين والغين والباء أي الموحدة من المهموسة والنكاف والتاء أي المنقوطة بنقطتين من فوق من المجهورة ورأى أن الشدة تؤكد الجهر والشديدة ما ينحصر جرى صوته عند(1/28)
إسكانه في مخرجه فلا يجري قال شارحها النظامي والجهر انحصار النفس مع تحركه فقد يجري النفس ولا يجري الصوت كالكاف والتاء المنقوطة بنقطتين من فوق وقد يجري الصوت ولا يجري الصوت ولا يجري النفس كالضاد والغين المعجمتين فظهر الفرق بينهما والله أعلم ( وسبع علو ) بضم العين وتكسر ( خص ضغط قظ حصر ) أي حصر سبع علو حروف خص ضغط قظ فقط أمر من قاظ بالمكان إذا قام به في الصيف والخص بضم الخاء المعجمة البيت من القصب والضغط الضيق والمعنى أقم في وقت حرارة الصيف في خص ذي ضغط أي اقنع من الدنيا بمثل ذلك وما قاربه واسلك طريق السلف الصالح وما وافقه فقد جاء عن أبي وائل شقيق بن سلمة وهو من أكابر التابعين من أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نحو من ذلك قال عبد الملك ابن عمير كان لأبي وائل خص من قصب يكون فيه هو ودابته فإذا غز نفضه وإذا رجع بناه كذا ذكره أبو شامة رحمه الله فقول الشارح خص فعل ماض مبني للمفعول بمعنى اختص صحف عليه والمراد هنا أن حروف الاستعلاء سبعة انحصرت في مركبات هذه الكلمات وهي الخاء المعجمة والضاد المهملة والضاد والغين المعجمتان والقاف والظاء وسميت مستعلية لاستعلاء اللسان عند النطق بها إلى الحنك الأعلى وما عداها مستفلة لانخفاض اللسان عن الحنك عند لفظها ( وصاد ضاد طاء ظاء مطبقة ) بفتح الباء ويجوز كسرها ويتزن البيت بتنوين البيت بتنوين الثاني والرابع وإنما لم يركب هذه الحروف الأربعة المطبقة على قياس سائرها لعدم حصول معنى في تركيبها ولثقلها على اللسان بخلاف غيرها والحاصل أن حروف الإطباق أربعة : الصاد والضاد والطاء والظاء وهي من جملة الحروف المستعلية وأخص منها وسميت بها لإطباق ما يحاذي اللسان من الحنك على اللسان عند خروجها وهو أبلغ من الاستعلاء وهو لغة الإلصاق وضدها المنفتحة وسميت بها لانفتاح ما بين اللسان والحنك وخروج الحروف من بينهما عند النطق بها وهو لغة الافتراق ومن الغرائب أن قوله(1/29)
تعالى حصب جهنم قرئ بجميع حروف الطبقة ولم يجتمع في كلمة غيرها ( وفر من لب الحروف المذلقة ) أي والحروف المذلقة مجموع فمر من لب وهو بضم اللام وحذف التنوين للوزن على أن من حرف جر واللب الذي هو العقل بمعنى الفاعل والمعنى هرب الجاهل من العاقل ويمكن أن يكون المعنى فرمن فر من الخلق من عقل به عرف الحق ففيه إيماء إلى قوله تعالى : ففروا إلى الله وقوله سبحانه : وتبتل إليه تبتيلاً والحاصل أن الفاء والراء والميم والنون واللام والباء الموحدة يقال لها المذلقة لخروجها من ذلق اللسان والشفة أي طرفيها والمراد أن خروج بعضها من ذلق اللسان وهي الراء واللام والنون وبعضها من ذلق الشفة وهي الباء والفاء والميم وما عداها مصمتة لأنها من الصمت وهو المنع قال الأخفش لأن من صمت منع نفسه من الكلام والمراد بها هنا أنها ممنوعة @ من انفرادها أصولاً في بنات الأربعة والخمسة بمعنى أن كل كلمة على أربعة أحرف وخمسة أصولاً لا بد أن يكون فيها مع الحروف المصمتة حرف من حروف المذلقة وإنما فعلوا ذلك لحفتها فلذلك عادلوا بها الثقيلة ولأجل ما ذكر حكموا بأن عسجداً اسم للذهب أعجمي لكونه من بنات الأربعة وليس فيه حرف من حروف المذلقة وقال مكي في الرعاية إن الألف ليست من المذلقة ولا من المصمتة لأنها هوائية لا مستقر لها في المخرج وبهذا تمت أضداد الصفات الخمسة المذكورة فشرع في ذكر صفات اختصت ببعض الحروف دون بعضها من غير تحقق وجودها أضدادها فقال ( صفيرها صاد وزاي وسين ) أي حروف الصفير ثلاثة صاد مهملة وزاي وسين ولم يركب كما سبق في المطبق وجعل الرومي ضمير صفيرها إلى الصفات فيحتاج إلى تكلف في صحة الحمل بأن يقال حروف صفيرها والمعنى أن هذه الحروف موصوفة بصفة الصفير وهو صوت زائد يخرج من بين النفس يصحب هذه الحروف عند خروجها وهو لغة صوت بصوت به للبهائم ثم اعلم أن السين حرف مهموس من حروف الصفير ويمتاز عن الصاد بالإطباق وعن الزاي بالهمس كما(1/30)
في القاموس ( لقلقلة قطب جد واللين ) أي حروف القلقة ويقال لها اللقلقة خمسة يجمعها قولك قطب جد وهي القاف والطاء المهملة والباء الموحدة والجيم والدال المهملة وإنما وصفت بذلك لأنها حين سكونها لا سيما إذا وقفت عليها تقلقل المخرج حتى يسمع له نبرة قوية لما فيها من شدة الصوت الصاعد بها مع الضغط دون غيرها وهي في اللغة التحرك والاضطراب والقطب بتثليث القاف والضم أشهر وهو ما يدور عليه الأمر ومنه قطب الرحى والجد البخت والعظمة وخفف للوزن ثم قوله واللين أي حروفه اثنان ( واو وياء سكناً وانفتحا ) بألف الإطلاق أي وقع الفتح ( قبلهما والانحراف صححا ) بصيغة المجهول والألف للإطلاق أي إن سكن الواو والياء وانفتح ما قبلهما يسمى ليناً لقلة المد فيهما بالنسبة إلى حروف المد التي حركة ما قبلها من جنسها وذلك لأن في حرف المد مداً أصلياً وفي حروف اللين مداً يضبط بالمشافهة كل منهما كما ذكره الجعبري ولذا أجرى حرفاً اللين مجرى حروف المد حتى إذا وقع بعدهما ساكن بوقف أو إدغام جاز المد والتوسط والقصر إلا أن هذا الترتيب أولى في المد وعكسه في اللين وقد رجح قصر ورش في نحو شيء وسوء على التوسط والتوسط على الطول بهذا المعنى ووصف الانحراف صحح ثبوته ( في اللام والراء ) مقصوراً ( وبتكرير جعل ) وإنما قيل اللام والراء منحرفان لأن اللام فيه انحراف وميل إلى طرف اللسان والراء فيه انحراف إلى طرف اللسان وميل قليل إلى جهة اللام ولذلك يجعلها الألثغ لاماً والضمير في جعل راجع إلى الراء والمعنى أن الراء يوصف بالتكرار أيضاً كما وصف بالانحراف والتكرار إعادة الشيء وأقله مرة على الصحيح ومعنى قولهم إن الراء مكرر هو أن الراء له قبول التكرار لارتعاد طرف اللسان به عند التلفظ كقولهم لغير الضاحك إنسان ضاحك يعني أنه قابل للضحك وفي الجعل إشارة إلى ذلك ولهذا قال أن الحاجب لما تحسه من شبه ترديد اللسان في مخرجه وأما قوله ولذلك جرى مجرى حرفين في(1/31)
أحكام متعددة فليس كذلك بل تكريره لحن فيجب معرفة التحفظ عنه للتحفظ به وهذا كمعرفة السحر ليجتنب عن تضرره وليعرف وجه رفعه قال الجعبري وطريقة السمة أنه يلصق اللافظ ظهر لسانه بأعلى حنكه لصقاً محكماً مرة واحدة ومتى ارتعد حدث من كل مرة راء وقال مكي لا بد في القراءة من إخفاء التكرير وقال واجب على القارئ أن يخفى تكريره ومتى أظهر فقد جعل من الحرف المشدد حروفاً ومن المخفف حرفين اهـ ثم قول ابن الحاجب في أحكام متعددة بينه أبو شامة @ حيث قال فحسن إسكان ينصركم ويشعركم ولم يحسن إسكان يقتلكم ويسمعكم وحسن إدغام مثل وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم أحسن منه في إن يمسسكم ولم يمل طالب وغانم وأميل طارد وغارم وامتنعوا امن إمالة راشد ولم يمتنعوا من إمالة ناشد وكل هذه الأحكام راجعة في المنع والتسويغ إلى التكرير الذي في الراء ( وللتفشي الشين ضاداً استطل ) التفشي الانبثاث والانتشار والكلام من باب القلب أي صفة التفشي ثابتة للشين والمعنى أن الشين موصوف بانتشار الصوت عند خروجها حتى تتصل بحروف طرف اللسان منها مخرج الظاء المشالة والحال أن مخرجها حافة اللسان من محاذاة وسطه وقوله استطل أمر من الاستطالة وهي لغة أبعد المسافتين والمراد منها هنا الامتداد من أول حافة اللسان إلى آخرها كما قاله الجعبري والمعنى صفة بالاستطالة والحاصل أن الضاد حرف مستطيل وإنما وصف بالاستطالة لأنه يستطيل حتى يتصل بمخرج اللام وللتحير بين المخرجين باعتبار واحد صعب اللفظ بها وقد ألحق المتقدمون الثاء المثلثة بالشين في التفشي وقالوا أنها تفشت حتى اتصلت بمخرج الفاء ولذا تبدل منها فيقال جدف وجدت قال ابن المصنف وسبيل تسهيل النطق بها قطع النظر عن الحيز المقابل وتمكنها في مخرجها وتحصيل صفاتها المميزة لها عن الظاء قال الجعبري والفرق بين المستطيل والممدود أن المستطيل والممدود أن المستطيل جرى في مخرجه والممدود جرى نفسه ثم اعلم أن خمساً من الصفات العشر(1/32)
المتقابلة قوية وخمساً منها ضعيفة فالقوية الجهر والشدة والاستعلاء والإطباق والإصمات والضعيفة الخمس المقابلة وهي الهمس والرخاوة والاستفالة والانفتاح والذلق وأما السبع المفردة فكلها قوية إلا اللين ثم كل حرف من التسعة والعشرين لا بد أن يتصف بخمس من الصفات العشرة فما جمع جميع الصفات القوية كالطاء المهملة فهو أقوى الحروف وما جمع جميع الصفات الضعيفة فهو أضعفها كالهاء والفاء وما اجتمع فيه الأمران فهو متوسط فيها وضعفه وقوته بحسب ما تضمنه منها ( والأخذ بالتجويد حتم لازم ) جمع بينهما تأكيداً للوجوب وجعل الشيخ زكريا الثاني تفسيراً للأول بناء على أنه عطف بيان وقدر بعدهما للقارئ لأن الحكم ليس على إطلاقه والأظهر أن يقال تقديره وأخذ القارئ بتجويد القرآن وهو تحسين ألفاظه بإخراج الحروف من مخارجها وإعطاء حقوقها من صفاتها وما يترتب على مفرداتها ومركباتها فرض لازم وحتم دائم ثم هذا لا خلاف في أنه فرض كفاية والعمل به فرض عين في الجملة على صاحب كل قراءة ورواية ولو كانت القراءة سنة وأما دقائق التجويد على ما سيأتي بيانه فإنما هو من مستحسناته فالأظهر أن المراد هنا بالحتم أيضاً الوجوب الاصطلاحي المشتمل على بعض أفراده من الوجوب الشرعي لا الجمع بني الحقيقة والمجاز أو استعمال المعنيين بالاشتراك كما ذهب إليه الشراح من الشافعية فإن اللحن على نوعين جلي وخفي فالجلي خطأ يعرض للفظ ويخل بالمعنى والإعراب كرفع المجرور ونصبه ونحوهما سواء تغير المعنى به أم لا والخفي خطأ يخل بالحرف كترك الإخفاء والقلب والإظهار والإدغام والغنة وكترقيق المفخم وعكسه ومد القصور وقصر الممدود وأمثال ذلك ولا شك أن هذا النوع مما ليس بفرض عين يترتب عليه العقاب الشديد وإنما فيه خوف العقاب والتهديد وأما تخصيص الوجوب بقراءة القرآن كما ذكره بعض الشراح فليس مما يناسب المرام في هذا المقام ( من لم يجود القرآن آثم ) أي من لم يصحح كما في نسخة صحيحة(1/33)
بأن يقرأ قراءة تخل بالمعنى والإعراب كما صرح به الشيخ زكريا خلافاً لما أخذه بعض الشراح منهم ابن المصنف على وجه العموم الشامل للحن الخفي فإنه لا يصح كما لا يخفى وأغرب من هذا أن الشارح المصري ضعف قول الشيخ زكريا يلمع أنه شيخ الإسلام في مذهبه ثم لفظ القرآن منقول في البيت على قراءتها بن كثير كما قال الشاطبي رحمه الله ونقل قران والقرآن دواؤنا فلا يحمل على ضرورة الوزن هذا ومن موصولة وإن جعلت شرطية فحذف الفاء @ من قبيل من يعمل الحسنات الله يشكرها ( لأنه بدا لا له أنزلا ) بألف الإطلاق والضمير في لأنه للشأن أو للقرآن وفي به للتجويد أي لأنه الله أنزل في القرآن الأمر بالتجويد حيث قال " ورتل القرآن ترتيلاً " مؤكدا بالمصدر مبالغة في الأمر ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مجوداً كما أنزل لكنه خطاب له والمراد أمته ونقل عن علي كرم الله وجهه أنه قال : الترتيل هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف لكن فيه أن معرفة الوقوف ليست من الواجبات لقول الناظم : وليس في القرآن من وقف وجب اللهم إلا أن يقال المراد بمعرفة الوقوف هو أن يعلم كل كلمة إذا وقف عليها كيف يقف عليها فإنه ربما يقف عليها من ليس له وقوف بها على وجه يخل بمعناه وعن مجاهد أي ترسل فيه ترسلاً والمعنى تمهل في المبنى ليتبين لك المعنى كما قال تعالى ولا تعجل بالقرآن ولا تحرك به لسانك لتعجل به وعن الضحاك انبذه حرفاً حرفاً وعن ابن عباس بينه تبيينا وقال بعض العلماء أي تلبث وتثبت في قراءته وافصل الحرف من الحرف الذي بعده ولا تستعجل فيتداخل بعض الحرف في بعض اهـ ولا يخفى أن الآية بهذه المعاني لا دلالة فيها على المدعي وكذا ما ذكره ابن المصنف من قوله سبحانه وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث وغير المكث بالترتيل هو غير مستقيم بحسب التفسير والتأويل وكذا في قوله تعالى ورتلناه ترتيلاً أي أنزلناه بالترتيل أي بالتجويد فإنه أنزله بأفصح اللغات بل(1/34)
معناه بيناه تبييناه وفصلناه تفصيلاً كما دل عليه صدر الآية وأما ما روى عنه صلى الله عليه وسلم رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه فإنه متناول لمن يخل بمبانيه أو معاينه أو بالعمل بما فيه ( وهكذا منه إلينا وصلاً ) بألف الإطلاق أي ووصل القرآن من الإله إلينا على لسان جبريل عليه السلام ببيان متواتر من اللوح المحفوظ وبيان النبي صلى الله عليه وسلم وتعلم التابعين ثم أتباعهم منهم وهلم جرا إلى مشايخنا رحمهم الله متواتراً هكذا بوصف الترتيل المشتمل على التجويد والتحسين وتبيين مخارج الحروف وصفاتها وسائر متعلقاتها التي هي معتبرة في لغة العرب الذي نزل القرآن العظيم بلسانهم لقوله تعالى " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه " فينبغي أن يراعي جميع قواعدهم وجوباً فيما يتغير به المبنى ويفسد المعنى واستحباباً فيما يحسن به اللفظ ويستحسن به النطق حال الأداء وإنما قلنا بالاستحباب في هذا النوع لأن اللحن الخفي الذي لا يعرفه إلا مهرة القراء من تكرير الراآت وتطنين النونات وتغليظ اللامات في غير محلها وترقيق الراآت في غير موضعها كما سيأتي بيانها ولا يتصور أن يكون فرض عين يترتب العقاب على فاعلها لما فيه من حرج عظيم وقد قال تعالى : وما جعل عليكم في الدين من حرج " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " وهو الحق الذي يعض عليه بالنواجذ ولا يعدل إلى غيره إلا الذامذ ( وهو أيضاً حلية التلاوة وزينة الأداء والقراءة ) بالإشباع فيهما لو جاز الوقف عليهما وهو بضم الهاء ولا يجوز إسكانها للوزن وقوله أيضاً أي مع كونه عما وأبعد الشارح الرومي في قوله أيضاً أي مع كونه عما وأبعد الشارح الرومي في قوله أي كمخارج الحروف والصفات لأنهما داخلان في تعريف التجويد ثم الحلية بمعنى الزينة ههنا وإن كان أخص منها عرفا حيث يختص بالصيغة فالمعنى أنه صفة مستحسنة للقراءة كالحلي للنساء والفرق بين التلاوة والأداء أن التلاوة قراءة القرآن متتابعة كالدارسة(1/35)
والأوراد والوظيفة والأداء الأخذ عن الشيوخ والقراءة أعم ذكره ابن المصنف والأخذ عن الشيوخ على نوعين : أحدهما أن يسمع من لسان المشايخ وهو طريقة المتقدمين وثانيهما أن يقرأ في حضرتهم وهم يسمعونها وهذا مسلك المتأخرين واختلف أيهما أولى والأظهر أن الطريقة الثانية بالنسبة إلى أهل زماننا أقرب إلى الحفظ وبهذا تبين بطلان قول الشارح انصري والحق أن الأداء القراءة بحضرة الشيوخ عقيب الأخذ من أفواههم لا الأخذ نفسه ثم التجويد على ثلاث مراتب ترتيل وتدوير وحدر @ فالترتيل هو تؤدة وتأن وهو مختار ورش وعاصم وحمزة والحدر هو الإسراع وهو مختار قالون وابن كثير وأبي عمرو والتدوير هو التوسط بينهما وهو مختار ابن عامر والكسائي وهذا كله إنما يتصور في مراتب الممدود وأما ما ذكره ابن المصنف من أن إسكان المرتل وتحريكه وتشديده ومده أتم وكذلك المتوسط بالنسبة إلى الحادر فهو غير الظاهر وخلاف المتبادر ( وهو إعطاء الحروف حقها من صفة لها ومستحقها ) بفتح الحاء عطفاً على حقها ومن بيانية لما قبلها وهذا تعريف التجويد وما سبق نعت له أي التجويد هو إعطاء الحروف بعد إحسان مخارجها وتمكينها في محايزها حقها من كل صفة من صفاتها المتقدمة وإعطائها مستحقها من تفخيم وترقيق وسائر أوصافها الآتية والفرق بين حق الحروف ومستحقها أن حق الحرف صفته اللازمة له من همس وجهر وشدة ورخاوة وغير ذلك من الصفات الماضية ومستحقها ما ينشأ عن هذه الصفات كترقيق المستفل وتفخيم المستعلى ونحو ذلك من ترقيق الراءات وتفخيم بعضها وكذا حكم اللامات ويدخل في الثاني ما ينشأ من اجتماع بعض الحروف إلى بعض مما حكموا عليه بالإظهار والإدغام الإخفاء والقلب والغنة والمد والقصر وأمثال ذلك فالحق صفة اللزوم والمستحق صفة العروض هذا ولا يخفى أن إخراج الحرف من مخرجه أيضاً داخل في تعريف التجويد كما صرح به الناظم في كتاب التمهيد فكان ينبغي أن يذكر فيه وقد أشرنا إلى جواب لطيف في ضمن(1/36)
تعريفه وهو أن الحروف لا تتحقق إلا باعتبار إخراجها من حيزها لكن يبقى فيه إشكال من جهة أن بعض الصفات أيضاً مميزة لها لا يقال إن المخارج قد تقدم حكمها فأنا نقول الصفات أيضاً قد تبين علمها والأظهر أن المراد بقوله ( ورد كل احد لأصله ) بيان مخرج كل واحد من الحروف فإن معناه أن التجويد هو رد كل واحد من الحروف لأصله أي صرفه إلى أصل من حيزه ومخرجه لكن يرد عليه أنه كان ينبغي أن يقدم بيان المخرج على الصفة لأن الأول بيان الحقيقة والماهية والثاني بيان الصفة والكيفية وغاية ما يتكلف في الجواب عنه أن يقال الواو لمطلق الجمعية لا لإفادة الترتيب بين المتعاطفة ( واللفظ في نظيره كمثله ) المراد بالنظير والمثل هنا واحد وكان الأولى أن يقول واللفظ في شبيهه كمثله والكاف زائد والمعنى أن من التجويد أن يتلفظ في اللفظ الثاني مثل ما يتلفظ بمثله أولا يعني انه إذا أراد أن ينطق بالحرف مرققاً أو مفخماً أو مشدداً أو مقصوراً أو ممدوداً أو مظهراً أو مدغماً أو أمثال ذلك جاء شبيهه مما يقتضي تلك الصفات السابقة فيتلفظ به بلا تفاوت لتكون القراءة على المناسبة والمساواة ولا يبعد أن يكون النظير على بابه ويراد أن مده بألف الرحمن يكون على مقدار مده بياء الرحيم وأمثال ذلك ( مكملاً من غير ما تكلف ) بكسر الميم أ ي حال كون اللافظ مكمل الصفات حقاً استحقاقاً أو بفتح الميم أي حال كون الملفوظ مكمل الأداء مخرجاً وصفة من غير تكلف وارتكاب مشقة قراءته بالزيادة على أداء مخرجه والمبالغة في بيان صفته وما زائدة لتأكيد النفي ( باللطف في النطق بلا تعسف ) أي وأن يتلفظ في نطقه @ بالقراءة بلا خروج عن استقامة جادة الأداء إلى طرفي الإفراط والتفريط والمعنى أنه ينبغي أن يتحفظ في الترتيل عن التمطيط وفي الحذر عن الإدماج والتخليط فإن القراءة بمنزلة البياض إن قل صار سمره وإن كثر صار برصاً وزاد الإمام حمزة وما فوق الجهورة فهو القطط وما كان فوق(1/37)
القراءة فليس بقراءة وأما ما ذكره الشيخ زكريا من قوله وفي نسخة باللفظ في النطق فلا وجه لصحتها فما كان ينبغي له ذكرها إلا مقروناً بالتنبيه على ضعفها ثم اعلم أن كتاب الله تعالى يقرأ بالترتيل والتحقيق وبالحدر والتخفيف والأول أولى لظهور المعنى والثاني أفضل لتكثير المبنى وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال " من أجب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد " يعني عبد الله بن مسعود رضي الله عنه والمراد بالغض الطري فإنه رضي الله عنه كان قد أعطى حظاً عظيماً في تجويد القرآن وتحقيقه وترتيله كما أنزله الله تعالى " وقد أمره صلى الله عليه وسلم أن يسمعه القرآن فقال أقرأ عليك وعليك أنزل فقال نعم أحب أن أسمعه من غيري فقرأ عليه سورة النساء إلى أن وصل إلى قوله فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً فقال حسبك الآن وكانت عيناه تذرفان " وفي الحديث الوارد في الصحيحين إيماء إلى بيان الطريقين في أخذ القراء عن الشيوخ ولما كان عبد الله من أجلاء علماء القراءة من الصحابة خصه صلى الله عليه وسلم بهذه المنقية وتجوز القراءة سراً وعلانية وبأيهما اقترن نية صالحة كان أعلى وأولى وفي الموطأ وسنن النسائي عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " اقرءوا القرآن بلحون العرب وإياكم ولحون أهل الفسق والكتابين " وفي رواية " أهل العشق والكتابين فإنه سيجيء قوم بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم " والمراد بألحان العرب القراءة بالطبائع والأصوات السليقية وبألحان أهل الفسق الأنغام المستفادة من القواعد الموسيقية والأمر محمول على الندب والنهي محمول على الكراهة إن حصل له معه المحافظة على صحة ألفاظ الحروف وإلا فمحمول على التحريم والقوم الذي لا تجاوز حناجرهم قراءتهم الذين لا يتدبرونه ولا يعلمون به ومن جملة العلم به الترتيل(1/38)
والتلاوة حق تلاوته ونقل الزيلعي من الأئمة الحنفية أنه لا يحل التطريب فيه ولا الاستماع إليه لأن فيها تشبهاً بفعل الفسقة في حال فسقهم وهو التغني ولا يعكر عليه قوله صلى الله عليه وسلم " ليس هنا من لم يتغن بالقرآن " لأن المراد بالتغني به الاستغناء على ما اختاره سفيان بن عيينة ونقله عنه شارح المصابيح أو المراد به تحسين الصوت وتزيينه على وفق التجويد وتبيينه لقوله صلى الله عليه وسلم " زينوا القرآن بأصواتكم " ومن القراءة المنهية ما أحدثه الجماعة الأزهرية حيث يجتمعوني فيقرءون بصوت واحد ويقطعون القرآن فيأتي بعضهم ببعض الكلمة والآخر ببعضها ويحذفون حرفاً ويزيدون آخر ويحركون الساكن ويسكنون المتحرك وأمثالها ويمدون تارة ويقصرون أخرى في غير محالها مراعاة للأصوات خاصة دون أحوالها مع أن الغرض الأهم من القراءة إنما هو تصحيح مبانيها لظهور ومعانيها بما فيها كما قال الله تعالى " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب " نعم إذا اجتلبت المباني على أسماع السامع والتالي في أعلى معارضها وأجلى جهات النطق بها كان تلتقى القلوب وإقبال النفوس عليها زائداً في الحلاوة على ما لم يبلغ منها فحينئذ ينتج اكتساب أوامره واجتناب زواجره والرغبة في وعده والرهبة من وعيده وتلك فائدة جسيمة وعائدة عظيمة وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم " زينوا القرآن بأصواتكم " أي أظهروا زينتها بحسن أصواتكم وهذا لا ينافي ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم " زينوا أصواتكم بالقرآن " وبما تحرر وتقرر من البيان تبين حكمة شرع الإنصات لقراءة القرآن وجوباً في الصلاة وندباً في غيرها وحسن أدب الأئمة في السكوت على التمام من الكلام لما في ذلك من سرعة وصول @ المعاني إلى الإفهام هذا ويؤيد الأخير ما رواه الترمذي وصححه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة(1/39)
بعشر أمثالها " ولأن عثمان رضي الله عنه وغيره قرءوا القرآن في ركعة ويقوى الأول ما ورد في حديث من قرأ القرآن أقل من ثلاث لم يفهمه ومال إلى هذا القول ابن مسعود وابن عباس وغيرهم من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم هذا وقال المصنف رحمه الله روينا بسند صحيح عن أبي عثمان النهدي قال صلى بنا ابن مسعود رضي الله عنه بقل هو الله أحد والله لوددت أنه قرأ سورة البقرة من حسن صوته وترتيله وهذه سنة الله تبارك وتعالى فيمن يقرأ القرآن مجوداً مصححاً كما أنزل تلتذ الأسماع بتلاوته وتخشع القلوب عند قراءته حتى يكاد أن يسلب العقل عن حالته قال ولقد أدركنا من شيوخنا من لم يكن له حسن صوت ولا معرفة بالألحان إلا أنه كان جيد الأداء قيماً باللفظ والبناء فكان إذا أفرط أطرب السامع وأخذ القلوب بالمجامع وكان الخلق يزدحمون عليه ويجتمعون للاستماع إليه قال وأخبرني جماعة من شيوخي وغيرهم أخبار بلغت التواتر عن شيخهم الإمام تقى الدين محمد بن أحمد الصائغ المصري رحمة الله تعالى عليه وبركاته وكان أستاذاً في التجويد أنه قرأ يوماً في صلاة الصبح وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد وكرر هذه الآية فنزل طائر على رأس الشيخ ليستمع قراءته حتى أكملها فنظروا إليه فإذا هو هدهد قال وبلغنا عن الأستاذ الإمام أبي على البغدادي المعروف بسبط الخياط صاحب المنهج وغيره في القراءة أنه كان قد أعطى حظاً عظيماً وأنه أسلم على يده جماعة من اليهود والنصارى من سماع قراءته وحسن صوته اهـ وفي الحديث الشريف عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله يحب أن يقرأ القرآن كما أنزل " خرجه ابن خزيمة في صحيحه ويؤيده قوله تعالى " الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته " وفي صحيح البخاري عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كانت مداً أو مداء بسم الله الرحمن الرحيم يمد الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم أما الأولان فمدهما طبيعي قدر(1/40)
ألف وأما الأخير فمده عارض للسكون فيجوز فيه ثلاثة أوجه الطول وهو مقدار ثلاث ألفات والتوسط وهو قدر ألفين والقصر قدر ألف وقال قاضيخان في فتاواه لو قرأ القرآن في صلاته بالألحان إن غير الكلمة تفسد صلاته لما عرف فإن كان ذلك في حرف المد واللين لا يغير المعنى إلا إذا فحش اهـ وفيه بحث إذ فحش امتداد حروف المد لا يغير المعنى أبداً قال وعند الشافعي الخطأ في غير الفاتحة لا يفسد الصلاة لأن الكلام عنده لا يقطع الصلاة إذا لم يكن متعمداً وهذا ليس بمتعمد لأنه يريد قراءة القرآن وإنما تفسد الصلاة بالخطأ في الفاتحة لأنه عنده لا تجوز الصلاة بدون الفاتحة وإن قراءة القرآن بالألحان في غير الصلاة اختلفوا في جوازه وعامة المشايخ على منعه وكرهوا الاستماع أيضاً لأنه تشبه بالفسقة بما يفعلونه في فسقهم وكذا الترجيع في الأذان اهـ ولعل محل اختلاف الجواز ما لم يغير المبنى والمعنى والله سبحانه وتعالى أعلم ثم رأيت في شرح منية المصلى رجل يقرأ ويلحن يجب على السامع أن يرده إلى الصواب إن علم أنه لا يقع بسبب ذلك عداوة وضغن وإلا فهو في سعة من تركه ويكره الترجيع والتحلين بقراءة القرآن عند عامة المشايخ لأنه شبيه بفعل الفسقة وهذا إذا كان لا يغير الحروف أما اللحن المغير فحرام بلا خلاف وهو الغاية في المدعي ( وليس بينه وبين تركه إلا رياضة امرئ بفكه ) اسم ليس قوله بينه فإنه ظرف لمقدر هو اسم حقيقة وهو فرق وإلا بمعنى غير ورياضة خبر ليس وبفكه متعلق برياضة والمعنى ليس بين التجويد وتركه فرق بمعنى فارق إلا مداومة امرئ على التكرار وسماعه من ألفاظ المشايخ الحذاق الأبرار لا مجرد اقتصار على النقل من الكتب المدونة أو اكتفاء بالعقل المختلف الأفكار والفكان ملتقى الشدقين من الجانبين على ما قاله ابن المصنف وغيره وهو بالكسر @ وبفتح وداله مهملة جانب الفم وجمعه الأشداق كما في الصحاح وقال بعض الشراح إن الفك اللحى وهو موافق لما في الصحاح(1/41)
والقاموس والمراد به منبت اللحية قال خالد يريد به فكيه يعني الإضافة للجنس وقال ابن المصنف أي بفمه وهذا من إطلاق الجزء والمراد به الكل اهـ وتبعه غيره ورده تفسير القاموس للفك بمنبت اللحى فإنه ليس من أجزاء الفم أصلاً والأظهر أن المراد به ذكر المحل وإرادة الحال وهو اللسان المعتبر للبيان هذا ولله در الناظم حيث قال ولا أعلم سبباً لبلوغ نهاية الإتقان والتجويد ووصول غاية التصحيح والشديد مثل رياضة الألسن والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن اهـ وإذا عرفت أن التجويد ما ذكره أرباب التوفيق والتأييد ( فرقفن ) بالنون المؤكدة المخففة ( مستقلاً من أحرف ) بالنقل والحذف ويجوز من غير نقل أيضاً ومن بيانية للذات الموصوفة بنعت الاستفالة وهي ما عدا الحروف السبعة المستعلية المجتمعة في " خص ضغط قظ " فلا يجوز تفخيم شيء من الحروف المستفلة إلا اللام من اسم الله الواقعة جد الفتحة أو الضمة وإلا الراء على تفصيل سيأتي بيانه في أثناء هذه المقدمة وأما الحروف المستعلية فمفخمة كلها من غير استثناء شيء منها ( وحاذرن ) بالنون المخففة المؤكدة وفي بعض النسخ المصححة وهو الملائم للمطابقة بين المتعاطفين على أنه لا يحتاج إلى تقدير عامل مع إفادة المبالغة من صيغة الأمر على بناء المفاعلة التي هي موضوعة للمبالغة فالمعنى احذر احذر البتة ( تفخيم لفظ الألف ) وفي نسخة بالتنوين في حاذرا فالتقدير كن حاذراً من تفخيمها خصوصاً الألف من بين الحروف المستفلة إلا أنها مقيدة بما إذا كانت بعد حرف مستمل لأنها إذا كانت بعد حرف مستمل فإنها تكون تابعة له في التفخيم بناء على القاعدة المقررة من أن الألف لازمة للحرف الذي قبلها بدليل وجودها بوجوده وعدمها بعدمه ولذلك لا يكون قبل الألف إلا مفتوح فحيث كانت الألف مع حرف مستعل أو شبههما مما يستحق التفخيم استعلت الألف للزومها له ففخمت وحيث كانت مع حرف مستعل استعلت الألف للزومها له فرققت والمراد(1/42)
بشبه الحرف المستعلى الراء المفتوحة لأنها تخرج من طرف اللسان وما يليه من الحنك الأعلى والحنك الأعلى محل حروف الاستعلاء وبهذا المبنى تحقق الشبة بين الراء وحروف الاستعلاء في المعنى كذا قرره ابن المصنف وغيره ثم قال ولا اعتبار بقول من قال ينبغي المحافظة على ترقيق الألف خصوصاً فإذا جاءت بعد حروف الاستعلاء فإن الذي ذكرناه هو الحق وقول الناظم رحمه الله محمول على ما ذكرناه وبه نأخذ يعني ولو كان لفظه مطلقاً لكنه ينبغي أن يعتبر مقيداً جمعاً بين قوله وقول غيره من المحققين وقد قال المصنف في نشره إن الألف إذا وقعت بعد حرف التفخيم تفخم اتباعاً لما قبلها نحو طال وقال والعصا لأن الألف لا حيز لها حتى توصف بالترقيق والتفخيم فتكون تابعة لما اتصلت به اهـ وبه يعلم ضعف ما مشى عليه المصنف في التمهيد وجزم به شيخه ابن الجندي حيث قال إن تفخيمها بعد حروف الاستعلاء خطأ اهـ فلا ينبغي حمل كلامه هذا على إطلاقه كما جوزه بعض الشراح فإن المصنف صنف التمهيد أو لا في سن البلوغ والعمدة على تصنيفه النشر فإنه وقع آخر وهو الحق كما جزم به القسطلاني وقال الشارح الرومي لما اشتهر عند بعض الأعجام لا سيما الأروام تفخيم الألف حيث يصيرونها كالواو أمر بالتحرز عن مثل هذا التفخيم لا عن تفخيمه مطلقاً لما سبق من أن الألف بعد الحرف المستعلى تفخم اتفاقاً ثم قال وإنما حملنا كلامه على ذلك بناء على أن تقدير كلامه أن يقال يجب ترقيق الألف إذا كان بعد حرف مستقل كما فعله ولد المصنف في شرحه مما لا تساعده العبارة فحمل كلامه على هذا التقييد لا يخلو عن التعقيد قلت وكذا حمل التفخيم الذي ضده الترقيق المعروف عند أهل التحقيق على التفخيم العرفي اللغوي عند العامة بعيد عن اصطلاح الخاصة وأما الإطلاق والتقييد فقد وقع في كلام الفصحاء والبلغاء مما لا ينكره أحد من العقلاء ثم قال وأما السكوت عن التحرز عن @ تفخيمه إذا كان بعد حرف مستعمل فذلك أمر ظاهر لا(1/43)
يحتاج إلى التصريح بذكره إذ يعرف كل من له أدنى دراية أن الحروف إذا فخمت تفخم حركتها وإذا رققت فكذا ما يكون تابعاً لحركتها أعني الألف وهذا من الظهور بحيث لا يساعد اللسان خلافه فلا حاجة إلى التعرض لأمثاله قلت أما قوله إنه أمر ظاهر فليس يقول به الأكابر وعلى تقدير ظهوره عند الخاصة لا بد من تقريره وتحريره في مقام تسليم العامة فالقول قول ابن المصنف عند المنصف دون المتعسف وقد أبعد الشارح حيث قال الظاهر أن مراده بالألف الهمزة مطلقاً مصدرة كانت أو متوسطة أو متأخرة إذا الألف القائمة ملازمة لصحة ما قبلها فتلزم صفته أيضاً من ترقيق وتفخيم لها اهـ ووجه البعد لا يخفى إذ الهمزة حيزها محقق وهي حلقية والألف جوفية هوائية فلا يصح إطلاق أحدهما على الآخر إلا على طريقة مجازية دون إرادة حقيقية مع أنه لا فائدة حينئذ لذكرها مع دخولها في عموم ما قبلها وإنما حذر من تفخيم الألف لانفتاح الفم عند التلفظ بها وذلك يؤدي إلى قسمين الحرف وتفخيمه وقال الشارح المصري وما علل به شيخ الإسلام يعني زكريا تبعاً لابن المصنف بقوله وذلك لأنها لازمة الخ فيه بحث فإننا لا نسلم أن الألف لازمة بفتحة ما قبلها بل هي لازمة للألف لأنها توجد لوجود الألف وتقدم الألف لعدمها ولا عكس بدليل قولهم ضرب ضرباً فظهر أن فتحة ما قبل الألف في ضرباً وهي الباء لا تعدم بعدم الألف ولا توجد الألف بوجودها والإ لم يقولوا ضرب من غير ألف اهـ ولا يخفى أن قوله هذا مبنى على تحريف المبنى وتصحيف المعنى إذ المراد بقولهم إن الألف لازمة للحرف الذي قبلها بدليل وجودها بوجوده أو عدمها بعدمه لأن الألف بذاتها لا يمكن تحقق وجودها إلا بوجود حرف قبلها إذ لا يتصور ألف من غير تقدم حرف عليها وغايته أن حركة ذلك الحرف الذي قبلها لا يكون إلا فتحة دون أختيها فتسقط علته التي ذكرها من أصلها وأما قول الجعبري إياك و تفخيم الألف المصاحبة للام كالصلاة والطلاق وطال فإنه لحن فمحمول(1/44)
على قراءة غير ورش إذ اللام مرققة في هذه الأمثلة عند الجمهور ولا وجه لتفخيم الألف حينئذ بعد ترقيق اللام التي هي من حروف الاستفالة فصحت القاعدة السابقة إذ الألف تتبع ما قبلها في تفخيمها وترقيقها وأما ادخال طال فوهم منه لأنه ليس من الأمثلة التي فيها الألف مصاحبة للام بل هي مصاحبة للطاء وهي من حروف الاستعلاء فتفخم تبعاً للطاء ألبتة وإنما الكلام في لامه على قاعدة ورش من أن الطاء إذا تقدمت على اللام واتصلت بها سواء فتحت أو سكنت تفخم وأما إذا فصل بينهما بالألف كطال وتصالحا فهل تفخم اللام أو ترقق فوجهان مفصل عند الأعيان و أما قول المصري وكذلك لا يجوز تفخيم الألف الواقعة بعد الراء وإن كانت الراء عند الناظم شبه المستعلى لتصريحه في تمهيده بالتحذير من ذلك فمدفوع بما سبق من أن المعتبر ما اختاره في النشر فتدبر وأما قوله وفيه تصريح أيضاً بأنه لا بد من ترقيها إذا كانت بعد اللام المفخمة نحو إن الله والصلاة والطلاق في مذهب ورش قال وبعض الناس يتبعون الألف اللام يعني فيخمونها وليس بجيد فهو الصواب المطابق لما قدمناه في هذا الباب وأما قوله ما ذكره الشيخ زكريا تبعا لا بن المصنف من قوله لأنها تخرج من طرف المطابق لما قدمناه في هذا الباب وأما قوله ما ذكره الشيخ زكريا تبعا لابن المصنف من قوله لأنها تخرج من طرف اللسان الخ لا يصلح تعليلاً لما فهم من كون الراء شبهاً للمستعلى لأنه يستلزم أن تكون النون واللام شبيهين له لوجود العلة المذكورة ولم يقل به أحد لا هو ولا غيره فمردود لأن العلة لا تستلزم أن تكون مطردة مع أن القوم اعتبروا تفخيم الراء في حالة واحدة وهي الواقعة قبل الألف مع إجماعهم على أن النون واللام إذا وقعتا قبل الألف لا تفخمان والحاصل أن الصحيح بل الصواب هو الذي مشي عليه الناظم في النشر حيث قال وأما الألف فالصحيح أنها لا توصف بترقيق ولا تفخيم بل بحسب ما تقدمها فإنها تتبعه ترقيقاً وتفخيماً وما(1/45)
وقع في كلام بعض أئمتنا من إطلاق ترقيقها فإنما يريدون التحذير مما @ يفعله بعض العجم من المبالغة في لفظها إلى أن يصيروها كالواو وأما نص بعض المتأخرين على ترقيقها بعد الحروف المفخمة فهو شيء وهم فيه ولم يسبقه إليه أحد وقد رد عليه الأئمة المحققون من معاصريه وأما قول المصري النون في قوله فرققا أو حاذر نون التأكيد الخفيفة ورسم بالألف وفاقاً لرسم قوله تعالى وليكونا بيوسف ولنسفعاً باقرأ فمدفوع إذ خطان لا يقاسان رسم المصحف والعروض وأما قوله يحتمل أن يكون حاذر اسم فاعل من حاذرت الشيء بمعنى تحذرت فخطأ لن اسم الفاعل من حاذر إنما يكون محاذراً لا حاذر وإنما يصح كونه اسم فاعل من حذر الثلاثي المجرد ( وهمز الحمد أعوذ اهدنا ) بحذف العاطف فيهما على قبيل التعداد في بيان الأمثلة وقطع وصل الحمد ضرورة ورفع الحمد كفاية ويجوز إعرابه لو ثبت رواية ونصب همز على تقدير فرققن همز الحمد ويجوز جره على تقدير وحاذرا تفخيم همز الحمد وأما ما جعله الشارح اليماني من قوله كهمز الحمد أصلاً ثم قال وفي بعض النسخ وهمز بالواو فغير مقبول لأنه مخالف للأصول المصححة والنسخ المعتبرة المشروحة وإن كان بكاف التشبيه وجه في العربية إذ يصح أن يقال التقدير رققن مستفلاً كهمز الحمد وحاذرن تفخيم لفظ الألف كتفخيم همز الحمد وعلى كل تقدير فالكلام تتميم وتخصيص بعد تعميم وإنما حذر من تفخيم الهمزة بخصوصها وأمر بترقيقها بعد دخولها في الحروف المستفلة ومعرفة حكمها في الجملة لئلا تنقلب عيناً بانقلاب صفتها كما هو مسموع عن بعض الجهلة عند قراءتها فالمراد إيجاب ترقيقها مطلقاً سواء جاورها مرقق كالحمد وأعوذ واهدنا أم مفخم كاسم الله أو جاورها رخو كالهاء من اهدنا أم متوسط بين الشدة والرخوة كاللام من الحمد والعين من أعوذ أم جاورها متحد معها في أصل مخرجها كالعين من أعوذ أيضاً أو لا إلا أنه لما كانت هذه الأمثلة مظان التقصير في ترقيقها خص ذكرها حذراً من(1/46)
تفخيمها قال في النشر فإن كان أي الملاقي للهمزة حرفاً مجانسها أو مقاربها كان التحفظ بسهولتها أشد وبترقيقها آكد نحو أعوذ اهدنا وأعطى أحطنا أحق فكثير من الناس ينطق بها في ذلك كالمتهوع اهـ يقال تهوع القيء إذا تكلفه ( لله ثم لام لله لنا ) الله بالجر أي همز الله في الابتداء ووصلاً حالة النداء لمجاورتها اللام المفخمة في الأداء ثم لام فيها الوجهان السابقان في الهمز وأمر بترقيق اللام الأولى من لله بكسرتها الموجبة لترقيق لام الجلالة ولام لنا لمجاورتها النون كما قاله ابن المصنف وغيره ( وليتلطف وعلى الله ولا الض ) أمر بترقيق لامي وليتلطف لمجاورة الأولى الياء ولمجاورة الثانية الطاء المستعلية وأما ما قاله بعضهم من جواز تفخيم اللام الثانية لوقوعها بين تاء وطاء فمردود كما قطع به الجعبري وفاقاً لغيره من المحققين ويرقق اللام الأولى من على الله لمجاورتها الياء وكذا اللام الأولى من قوله ولا الضالين لمجاورتها الضاد المستعلية وإنما قطع المصنف الكلمة للضرورة وإلا فلا يجوز مثل هذا إلا في حالة الاضطرار لا في حالة الاختيار ولا في الاختيار لا قراءة ولا كتابة وأما قول المصري وإنما وقف على الضاد الساكنة من الضالين لأنها بدل عن لام التعريف أي بقلبه ضاداً عندا ردة إدغامه فغير مفيد لوجه الاعتذار عن المصنف لأنه بعد الإدغام يصير ضاداً مشدداً لا يجوز فكه مع أن القلب لا يصح إلا عند اجتماعه مع الضاد دون انفكاكه عنه على أن الوقف على لام التعريف وقطعه عن مدخوله لا يصح لا كتابة ولا قراءة بلا خلاف بين أرباب الدارية والرواية فيتعين أن يكون فعل هذا للضرورة فلا يصح مقابلة قوله هذا بقوله وقيل لضرورة النظم ثم قاعدة ورش في تفخيم اللام محله الشاطبية وغيرها من كتب القراآت الموضوعة للوجوه الخلافية والشيخ إنما التزم في مقدمته الأمور الضرورية الوفاقية ( والميم من مخمصة ومن مرض ) لمجاورة الميمن الأوليين للحرفين المفخمين وكذا(1/47)
الميم الأخيرة هذا وقول خالد أمر بترقيق الهمزة عند مجاورة الهاء في الحمد ثم تعليله بان اللام لما كانت ساكنة صارت كأنها معدومة بعيد جداً ثم قوله تبعاً @ لابن المصنف أمر بالمحافظة على سكون اللام الأولى من قوله وليتلطف أبعد مما قال أولاً لأن الكلام هنا في الترقيق والتفخيم لا في التسكين والتحريك كما لا يخفى على ذوي التحقيق والله ولى التوفيق وقال اليماني أي رقق اللام الثانية لأن اللام مرققة لا محالة قلت وكذا اللام الثانية مرققة لا محالة نعم كون الثانية لمجاورتها الحروف المفخمة يصعب ترقيقها فيتأكد الاهتمام بحالها ( و باء برق باطل بهم بذي ) أي ورقق باء برق لمجاورتها الراء المفخمة لا سيما وبعدها القاف المستعلية من غير اعتبار كون الألف فاصلة فإنها لا يؤمن معها السراية وأما قول الشيخ زكريا وباء باطل لمجاورتها الألف المدية ففيه بحث يشعر بأنه ترقق لمجاورة ما هو مرقق فيلزمه أن يكون ما قبل الألف تابعاً لها في الترقيق مع أنه سبق عن الجمهور في بيان التحقيق أنها هي التابعة له حيث ترقق بعد المستفلة وتفخم بعد المستعلي نعم في التمهيد ما يقتضي أنها متبوعة لا تابعة حيث قال إذا وقع بعد الباء ألف وجب على القارئ أن يرقق بها لا سيما إن وقع بعدها حرف استعلاء أو إطباق نحو قوله تعالى باغ وباسط والأسباط والباطل وبالغ وأما عبارته الصحيحة في النشر فصريحة بترقيق الباء حيث وقع بعدها حرف مفخم نحو باطل والبغي وبصلها ثم فإن حال بينهما ألف كان التحفظ بترقيقها أبلغ نحو باطل وبالغ وباغ والأسباط فكيف إذا وليها حرفان مفخمان نحو البرق والبقرة وكذا رقق باءبهم وبذي وإن كان بعدها الحروف المستعلية لعموم الحكم في المسئلة وأما قول ابن المصنف أي بين باءبهم وبذي لمجاورتها حرفاً خفياً وهو الهاء والذال فمحل بحث إذ ليس الكلام في التبيين بل سوق العبارة في الترقيق وهو لا ينافي ما ذكره من التعليل في التحقيق حتى يقال جعله من باب(1/48)
علفتها تبناً وماء بارداً مع أن أمر البيان لا يختص بحرف ولا حركة كما لا يخفى على الأعيان مع أن الذال ليست من الحروف الخفية المجتمعة للأربعة في تركيب هاوي فالأحسن ما علله الشيخ زكريا بقوله لمجاورتها الرخوة إلا أن فيه بحثاً للمصري حيث قال مجاورة الرخوة لا تقتضي الترقيق وإلا لافتضت مجاورة الشدة ضده قلت قد تكون العلة مطردة لا منعكسة نعم الأولى أن يعلل ترقيق الباء في بهم لمجاورتها حرفاً خفياً وهو الهاء وفي بذي لمجاورتها حرفاً ضعيفاً كما قال المصنف في النشر وليحذر بترقيقها من ذهاب شدتها كما يفعله كثير من المغاربة لا سيما إن كان مجاوراً حرفاً خفياً وهو الهاء نحو بهم و بالغ وباسط أو ضعيفاً نحو بذي وبثلاثة وبساحتهم وإن سكنت كان التحفظ بما فيها من الشدة والجهر أشد وإلى ذلك أشار الناظم بقوله ( واحرص ) وفي نسخة فاحرص ( على الشدة والجهر الذي ) وإنما لم يقل اللذين لوزن المبنى أو لاتحاد مؤداهما في المعنى أو التقدير في المعطوف والأظهر أن يقال التقدير واحرص على كل واحد من الشدة والجهر الذي ( فيها وفي الجيم كحب الصبر ) بالإضافة إما للوزن أو لأدنى الملابسة وهي كونها مثالين للباء الموحدة والظاهر أن كلمة كحب محكية على ما ورد في الآية إما بكمالها أو بإرادة كاف التشبيه فيها لقوله تعالى " يحبونهم كحب الله " وأما الصبر فعطف عليه من غير عاطف وإنما أمر بالحرص على اتيان صفة الشدة والجهر الكائنتين في الباء والجيم لئلا تشتبه الباء بالفاء والجيم بالشين كقوله تعالى " يحبونهم كحب الله وتواصوا بالصبر " ( ربوة اجتثت وحج الفجر ) بالإضافة أيضاً لما سبق ولا يصح فيه الحكاية كما توهم المصري إذ لم يعرف لفظ حج منكرا مجروراً في القرآن والمعنى وكباء ربوة وجيم البقية أو ربوة بفتح الراء لابن عامر وعاصم وهي في الموضعين " كمثل جنة بربوة وإلى ربوة " ويجوز ضم تنوين ربوة وكسرتها كما قرئ بهما في قوله " كشجرة خبيثة اجتثت "(1/49)
والحج جاء معرفاً باللام ومجرداً عنها قال الله تعالى " ولله على الناس حج البيت والحج أشهر معلومات " والمراد هذه الأمثلة وأمثالها من الآيات وخص الجيم بالذكر من بين حروف الجهر والشدة أيضاً لإخراج أهل مصر والشام إياها من دون مخرجها @ فينتشر بها اللسان فيمزجونها بالشين وكذا بعض أهل اليمن يمزجونها بالكاف لارتفاع اللسان في مخرجها سيما إذا أتى بعدها بعض الحروف المهموسة فإن التحفظ على جهرها وشدتها يكون أتم وألزم والله أعلم وأحكم ( وبينن ) بالنون الخفيفة ( مقلقلاً ) بفتح القاف وكسرها ( إن سكنا ) بألف الإطلاق أي بين بياناً تاماً سكون حرف مقلقل من حروف القلقلة المتقدمة المجموعة في قطب جد إن سكن الحرف المقلقل بسكون أصلي لازم لا يختلف حاله أصلاً لا وقفاً ولا وصلاً نحو يقطعون وفطرة وربوة والفجر ويدخلون ( وإن يكن ) أي السكون ( في الوقف كان ) أي المقلقل أو للمتقلقل ( أبينا ) أبينا بألف الإطلاق أي أكثر بياناً وأظهر عياناً من القلقلة عند سكونها لغير الوقف نحو برق و محيط وكسب وحرج والمهاد والظاهر أن المراد بسكونه في الوقف أعم من أن يكون عارضياً في الوقف أم أصلياً ليستقيم تمثيل ابن المصنف في الباء بقوله فارغب وأما قول المصري أو عارضاً لوقف نحو من لم يتب وإن يسرق فغفلة عن قواعد العربية لأنه عارض لجازم لا لوقف فهو في حكم سكون اللازم فلازم العالم وأما قوله وقيد شيخ الإسلام يعني زكريا الصراع الأول بغير الوقف بتاء على أن تبيين القلقلة في الوقف معلوم من المصراع الثاني وما ذكرناه أولى لأن الأصل الإطلاق فليس في محل إذ كلام شيخ الإسلام في مقام النظام لمن يتأمل في المرام لأن الكلام إنما هو في السكون الأصلي مطلقاً والعارض وقفاً ولا يختلف الحكم حينئذ في الأول أن يقف على تلك الكلمة التي فيها سكون أصلي أو يدرجها فتأمل يظهر لك وجه الخلل ثم لا شك أنه إذا تكرر حرف القلقلة مدغماً تكون المبالغة في القلقلة(1/50)
متعيناً نحو الحق وتب والحج وصد ثم اعلم أن الأظهر كون مقلقلاً بالفتح على أنه نعت لحرف مقدر وأما تقديم ابن المصنف الكسر على أنه حال من فاعل بين فيحتاج إلى مفعول مقدر أي بين الحرف حال كونك مقلقلاً ولا يخفى أن الأولى هي الأولى ويلائمه عطف المصنف رحمه الله على مقلقلاً قوله ( و حاء حصحص أحطت الحق ) بإشباع ضمة القاف رعاية للقافية ورفعه بناء على الحكاية ولو في آية مع أنه مجرور بحسب القاعدة العربية من حيث أنه وما قبله معطوفان على حصحص المضاف إليه بحذف العاطف والمعنى وبين ترقيق حاء نحو حصحص الشاملة للأولى والثانية وحاء أحطت وحاء الحق لمجاورتها حروف الاستعلاء المفخمة حذراً من تفخيم الحاء حال المقاربة قال في النشر والحاء تجب العناية بإظهارها إذا وقع بعدها مجانسها أو مقاربها لا سيما إذا سكنت نحو فاصفح عنهم وسبحه فكثيراً ما يقبلونها في الأول عيناً ويدغمونها وكذلك يقلبون الهاء في سبحه حاء لضعف الهاء وقوى الحاء فيتحد بها فينطقون بحاء مشددة وكل ذلك لا يجوزا جماعاً وكذلك يجب الاعتناء بترقيقها إذا جاورها حرف الاستعلاء نحو أحطت والحق فإن اكتنفها حرفان وجب نحوه حصحص اهـ كلامه ( وسين مستقيم ) بكسر الميم بلا تنوين ضرورة ( يسطو يسقو ) بحذف العاطف فيهما أي بين انفتاح السين المهملة واستفالتها لا سيما حال ضعفها بسكونها مع مجيء القاف ولو بواسطة بعدها لئلا تنقلب صاد حال نطقها ثم إيراد مستقيم نكرة لتشتمل المعرفة و جره يصح إعراباً وحكاية لوروده في القرآن إلى صراط مستقيم وأغرب المصري في قوله مستقيم بفتح الميم من غير تنوين على الحكاية لأنه كذلك في سورة الفاتحة اهـ ولا يخفى وجه الغرابة لأنه ليس كذلك في الفاتحة فإن الموجود فيها معرفة باللام كما لا يخفى على من له إلمام بمراتب الكلام وكذلك سين يسطون يسقون من قوله تعالى يكادون يسطون ووجد عليه أمة من الناس يسقون لمجاورتهما الطاء والقاف وهما من الحروف المستعلية(1/51)
والشديدة مع كون السين مستفلة رخوة وكذا مثال هذه الكلمات في الآيات البينات ثم حذف النون من المثالين الأخيرين من باب الضرورة الشعرية وإلا فلا يجوز قطع الكلمة عند القراء لا خال الاختيار ولا الاضطرار وكذا لا يستحسن قطع الكلمة في الكتابة بأن يكتب النون في المثالين @ المذكورين في أول سطر وما قبلها في آخر سطر فاحفظ هذه القاعدة فإنها كثيرة الفائدة ( ورفق الراء ) أي الذي أصلها التفخيم ( إذا ما كسرت ) نحو رزق ( فائدة ) ما بعد إذا زائدة ومفهومه أنها تفخم إذا ضمت أو فتحت نحو رب رؤيا ( كذلك ) أي مثل الراء المكسورة ترقق إذا وقعت ( بعد الكسر حيث سكنت ) أي الراء ومفهومه أنها تفخم إذا كانت ساكنة بعد ضمة أو فتحة والأمثلة قرآن وقرن وقرية ( إن لم تكن ) أي الراء الساكنة الموجودة بعد الكسر واقعة (من قبل حرف استعلا ) بالقصر كوقف حمزة لا للضرورة وجزاء الشرط محذوف دل عليه ما قبله ومفهومه أن حرف الاستعلاء إذا كانت قبله فإنها تفخم كمرصاد و إرصاد وقرطاس وفرقة وليس غيرها في القرآن ( أو كانت الكسرة ) أي كسرة ما قبلها ( ليست أصلاً ) أي أصلية لا عارضية ولا منفصلة لأن الأصل هو الاتصال فأنهما تفخمان كارجعي والذي ارتضى وأم ارتابوا وليس المراد أن الكسرة لا تكون موجودة أصلاً على ما يتوهم قال الرومي أو كانت عطف على الجملة الشرطية السابقة اهـ وهو موافق للقواعد العربية ولكنه غير مطابق للقواعد القرآنية فإن الكسرة إذا لم تكن أصلية توجب تفخيم الراء بعدها لا ترقيقها المفهوم من ظاهر نظم عبارة الجزرية فالوجه أن تكون عاطفة على مدخول لم الجازمة ولما لم تكن تدخل على الصيغة الماضية يقدر لها ما في معناها ليؤدي مؤداها من إفادة النفي فيقال التقدير أو ما كانت على ما أشار إليه الشيخ زكريا وبه تمام نظام مرام الكلام فترقيق الراء التي بعد كسرة مشروط بعدم كون حرف الاستعلاء بعدها وبعدم كون الكسرة عارضية فإنها تفخم فالقيدان عدميان(1/52)
مانعان كما أشار إليه ابن المصنف إلا أن مآل كلام زكريا إلى أن الثاني قيد إثبات لأن نفي النفي يفيد الإثبات فيصير التقدير أو كانت الكسرة أصلية فيؤخذ حينئذ حكم العارضية بالمفهوم من الشرطية وأما قول اليماني أو كانت عطف على مقدر تقديره تفخم الراء إذا كانت من قبل حرف استعلاء أو كانت كسرة ما قبلها ليست أصلاً أي عارضية فهو أقرب إلى المبنى فإنه من باب العطف على المعنى كما لا يخفى وأما ما اختاره المصري من أن ما المقدرة عطف على لم تكن فبعيد جداً حيث لا دلالة على هذا المقدر لشيء أبداً أقول ولو قال المصنف أو لم تكن الكسرة ليست أصلاً لخلص ثم كان الأظهر أن يقول أو كانت الكسرة أصلاً ووصلاً أي أصلية لا عارضية ووصلية لا فصلية فيوافق الشاطبية من جهة القيدين في قوله : وما بعد كسر عارض أو مفصل ففخم فهذا حكمه مبتذلا وكان يفيد بالأصل أن لا يكون عارضاً وبالوصل أن لا يكون منفصلاً فرحم الله من أنصف ولم يتعسف ثم الأولى أن يكون الكلام بالواو الحالية دون أو الترديدية لئلا يتوهم التنويع الموهم بأن الكسرة الأولى يراد بها مطلقاً فتأمله فإنه موضع زلل والعجب من ابن المصنف ومن تبعه من الشراح الكرام حيث لم يتقيدوا بحل هذا المقام من جهة المبنى واكتفوا بما ذكروه من حاصل المعنى والحاصل أن ترقيق الحرف إنحافه أي جعله في المخرج نحيفاً وفي الصفة ضعيفاً وضده التفخيم فإنه بمعنى التسمين والتجسيم فهو والتغليظ واحد إلا أن استعمال الأكثر في الراء أن يكون ضد الترقيق هو التفخيم وفي اللام التغليظ كما في قراءة ورش من طريق الأزرق وقد عبر قوم عن الترقيق في الراء بالإمالة بين اللفظين كما فعله الداني وبعض المغاربة إلا أنه تجوز لأن الإمالة أن ينحو بالفتحة إلى الكسرة و بالألف إلى الياء والترقيق إنحاف صوت الحرف فيمكن التلفظ بالراء مرققة غير ممالة ومفخمة ممالة وإن كان لا يجوز رواية مع الإمالة إلا الترقيق وأيضاً لو كان الترقيق إمالة(1/53)
لم يدخل مع المضموم والساكن وإلا لكانت الراء المكسورة ممالة وذلك خلاف إجماعهم على الفرق بأن الترقيق في الحرف دون الحركة @ والإمالة في الحركة دون الحرف كذا ذكره المصري والتحقيق ما قاله في النشر من أن تغليظ اللام تسمينها لا تسمين حركتها والتفخيم مرادفه إلا أن التغليظ في اللام والتفخيم في الراء والترقيق ضدهما وقد يطلق عليه الإمالة مجاز السكن الصحيح هو الفرق بينهما بأن الترقيق في الحرف دون الحركة والإمالة في الحركة دون الحرف ثم الأصل في الراء التفخيم على ما عليه الجمهور واختاره المكي وقاله جماعة ليس للراء أصل في التفخيم ولا في الترقيق وإنما يعرض ذلك بسبب حركتها فترقق مع الكسرة لتسفلها وتفهم مع الفتحة والضمة لتصعدهما فإذا سكنت جرت على حكم المجاور لها وأيضاً فقد وجدناها ترقق مفتوحة ومضمومة إذا تقدمها كسرة أو ياء ساكنة فلو كانت في نفسها مستحقة للتفخيم لبعد أن يبطل ما تستحقه في نفسها بسبب خارج عنها كما كان ذلك في حروف الاستعلاء إلا أن المعتمد هو الأول ولهذا لم يتعرض الناظم لذكر أسباب تفخيمها وقد صرح الشاطبي رحمه الله بهذا المضمون في قوله وفيما عدا هذا الذي قد ذكرته على الأصل بالتفخيم كن متعملاً فلا ترقق إلا لموجب وذلك إذا كانت مكسورة كسرة لازمة مثل رجال والغارمين والفجر وليال عشر وبالصبر أو عارضة مثل أنذر الناس وانحر أن على قراءة ورش تامة نحو رزقاً واذكر اسم أو مبعضة بالاختلاس نحو أرني أو ممالة أو لا نحو رأي أو وسطاً نحو الذكرى أو طرفاً نحو النار أو وصلاً نحو ذكرى الدار أو منونة نحو ذكراً أو غير منونة نحو البشرى سكن ما قبلها كما تقدم مثالها أو تحرك ما قبلها بأي حركة سواء وقع بعد الراء حرف مستفل كما سبق أو مستعل كما في الرقاب ورزقاً سواء كان في الاسم أو الفعل وكذلك إذا كانت الراء ساكنة بعد الكسر فإنها ترقق إذا كان سكونها لازماً نحو فرعون ومرية أو عارضاً نحو وما يشعركم على قراءة(1/54)
الاسكان تكون الراء متوسطة كما سبق أو متطرفة وصلاً ووقفاً نحو أنذر الناس إن كان قبلها كسرة متصلة حقيقية أو حكماً لازمة كما تقدم وليس بعدها حرف استعلاء متصل احتراز عن نحو أنذر قومك ولا تصعر خدك للناس و فاصبر صبراً جميلاً مباشر بأن لا يكون بين الكسرة والراء حركة أخرى في الفعل نحو استغفر والاسم العربي نحو الإربة والأعجمي نحو فرعون وجملة الكلام وزبدة المرام أن شرط المؤثر أن تكون كسرة متصلة لازمة ووجه اشتراط اللزوم والاتصال في الترقيق هو تقوية السبب ليتمكن من إخراجها عن أصلها فالمتصل اللازم ما كان على حرف أصلي وهو ظاهر أو ينزل منزلة الأصلي كمحراب مرفقاً بكسر الميم الزائدة على أصل الكلمة لأنهما من جملة مفعال ومفعل قال ابن شريح وكثير من القراء يفخم الساكنة بعد الميم الزائدة نحو مرفقاً وأما المتصل العارض فهو ما دخل على كلمة الراء ولم ينزل منزلة الجزء منها وهو الذي لا يخل اسقاطه بها كما في ياء الجر ولامه وكهمزة الوصل نحو اركبوا وارتابوا في الابتداء وأما المنفصلة العارضة فهو ما كانت في كلمة منفصلة إعراباً وعروضها للساكنين وصلاً نحو إن ارتبتم ولمن ارتضى أو للبناء نحو يا بني اركب بكسر التحتية فإن أصله يا بني أو للاتباع نحو رب ارجعون فإن أصله ربي فكسر الباء لمناسبة الياء ومتابعتها في البناء وأما المنفصلة اللازمة قبل راء ساكنة فهو ما كانت في كلمة أخرى لازمة البناء على الكسر نحو الذي ارتضى عند الكل وما كان أبوك امر سوء لورش قال النويري ولا نأني به وقال ابن المصنف وتبعه غيره والمنفصلة اللازمة لم تجيء في القرآن قبل راء ساكنة لكن فيه نظر ظاهر لوجود ما سبق اللهم إلا أن يراد المتفق عليها وأنه جعل كسرة الذي كسرة اتباع ولذا افتح في اللذان لكنه يخالف ما ذكره شراح الشاطبية في قوله : وما بعد كسر عارض أو مفصل ففخم فهذا حكمه متبذلاً أن العارض ما حقه السكون فيكسر ابتداء نحو امرأة أو لالتقاء الساكنين(1/55)
نحو أم ارتابوا أو المنفصل بأن كان الكسر في حرف منفصل من الكلمة نحو الذي ارتضى وأما المفصلة اللازمة قبل راء متحركة @ فإنما جاءت على قواعد ورش نحو برسول ولرسول وهذا كله حكم الراء وصلاً أما وقفاً فلا يستفاد من الجزرية وقد بينتها الشاطبية ومجمل أحكامها في الوقف أنها إن وقفت بالروم فهو كالوصل في جميع الأحوال إلا أن في نحو قدير ترفق لورش وتفخم للجمهور وإن وقفت بالسكون وكان قبلها حرف ممال فمرققة كالنار وكذا إذا كان قبلها كسرة نحو قد قدر ومستقر ولا ناصر أو ياء ساكنة نحو غير وضير وخير ثم الساكن بين الراء وبين الكسرة ليس بمانع من الترقيق نحو الشعر وأهل الذكر وبكر سواء كانت الراء في الوصل مكسورة أو مفتوحة أو مضمومة كما مثلنا فإنها في الوقف بالسكون ولو مع الإشمام تكون مرققة وقد نظمت حكم وقف الراء وقلت : وفخم الراء زمان الوقف أن لم تكن بعد ممال الحرف أو بعد كسر أو سكون الياء رققها عند سائر البناء ولا يخفى أن قولي بعد كسر بإطلاقه يعم ما يكون بفصل وبدونه فيشمل نحو الشعر والذكر ثم اعلم أن الساكن الحاجزين بين الكسرة والراء إذا كان صاداً نحو ادخلوا مصر وطاء نحو عين القطر فقد اختلف في ذلك أهل الأداء فمن اعتد بحرف الاستعلاء فحم كأبي عبد الله بن شريح ومن تبعه وهو قياس مذهب ورش من طريق المصريين ومن لا يعتد به رقق كما نص عليه أبو عمر والداني في كتاب الراءات من جامع البيان وهو الأشبه بمذهب الجماعة ويدل على إطلاق الشاطبي وعدم التفاته إلى الخلاف لكن المصنف اختار في مصر التفخيم وفي عين القطر الترقيق نظراً فيهما للوصل وعملاً بالأصل ( والخلف في فرق لكسر يوجد ) أي والاختلاف ثابت في تفخيم راء قوله تعالى فكا كل فرق وترقيقها لكسر يوجد في قافها فيكون وجه الترقيق أن حرف الاستعلاء قد انكسرت صولته المفخمة لتحركه بالكسر المناسب للترقيق أو لكسر يوجد فيما قبله وما بعده فيكون وجه الترقيق ضعف الراء بوقوعها بين(1/56)
كسرتين ولو سكن وقفاً لعروضه وأما وجه التفخيم فضعفه الكسرة لتقابل المانع القوي وهو حرف الاستعلاء قال الداني الوجهان جيدان الترقيق وبه قطع مكي والصقلي ابن شريح وادعوا فيه الإجماع والتفخيم وبه قطع الداني في التيسير كذا ذكره ابن المصنف وقال الداني في غير التيسير والمأخوذ به فيه الترقيق نقله النويري في شرح الطيبة فهو أولى بالعمل أفراداً وبالتقديم جمعاً وقال المصنف في نشره والقياس وإجراء الوجهين في فرقة حال الوقف لمن أمال هاء التأنيث ولا أعلم فيها نصاً قلت وهو قياس مع الفرق لأن الإمالة فيها مع ضعفها ليست محض كسرة فيضعف تأثيرها لا سيما وهي عارضة حال وقفها ( وأخف تكريراً إذا تشدد ) بالإشباع فيه وفيما قبله فما في بعض النسخ بصيغة الجمع ولا وجه له والمعنى إذا كان الراء مشدداً فأخف تكريرها قال مكي لا بد في القراءة من إخفاء التكرير وواجب على القارئ أن يخفي تكرير الراء فمتى أظهره فقد جعل من الحرف المشدد حروفاً ومن المختص حرفين فقوله إذا تشدد ليس بقيد بل إما على سبيل الاهتمام والاعتناء أو من باب الحذف للاكتفاء والحاصل أنك إذا قلت مثل الرحمن الرحيم فلا تترك لسانك أن تضطرب بالراء بل احفظها من مخرجها لئلا تكون لافظاً في موضع الراء الواحدة براءات متعددة ( باب اللامات ) ( وفخم اللام من اسم الله ) أي لا من غير الله إلا في القاعدة ورش لبعض اللامات المخصوصة ( عن فتح أو ضم ) بالنقل أي بعد أحدهما ( كعبد الله ) بفتح الدال وضمها ليصح مثالاً على وفق العمل القرآني ولا يعد أن يقرأ بالجر على وفق الحل الإعرابي والمراد به أنه تفخم بعد أحدهما ثم اللام أصلها الترقيق عكس الراء عند أهل التحقيق فلا تفخيم إلا لموجب ومن ثمة كان المانع في الراء عن التفخيم أو الترقيق سبباً لأحدهما في اللام فهي من اسم الله تعالى وإن زيد عليه ميم وصار اللهم إذا تقدمها فتحة محضة @ أو ضمة كذلك فإنها تكون مفخمة نحو الله ربنا ابتداء(1/57)
وسيؤتينا الله وصلاً لما قام عبد الله وقال اللهم وقالوا اللهم لمناسبة الفتحة والضم التفخيم المناسب للفظ الله من التعظيم لكونه الاسم الأعظم عند الجمهور المعظم فإن تقدمتها كسرة مباشرة بأن لم تكن بين الكسرة واللام حركة أخرى وهي محضة غير ممالة متصلة اتصالاً صورياً رسمياً نحو لله وبالله فإن الاتصال الحقيقي غير متصور في الحرف الذي يوجد قبل الجلالة أو منفصلة عارضة ولازمة فإنها تكون مرققة نحو لله الأمر وأقسموا بالله وأفي الله شك وبسم الله وما يفتح الله وقل الحق ولم يذكر في المتن حكم ترقيقها إحالة على أصلها أو اكتفاء بمفهوم منطوق حكمها على ما هو المعتبر عندنا في الرواية وعند الشافعي رحمه الله حتى في أدلة الدراية ثم هذه اللام إن وقعت بعد ترقيق خال من ممال الكسرة فهي على تفخيمها نحو يبشر الله في قراءة ورش أو بعد إمالة كبرى أي محضة وذلك في قراءة السوسي فوجهان نحو حتى نرى الله جهرة التفخيم وبه قرأ أبو العباس والترقيق وبه قرأ عبد الباقي وإطلاق المصنف مما يؤيد الأول فتأمل ثم اعلم أن اجتماع اللامين على أربعة أقسام مرفقين نحو على الدين ومفخمتين نحو أضل الله في قراءة ورش عند بعضهم ومرققة مفخمة نحو وأحل الله مفخمة و مرققة نحو وظللنا عليكم الغمام في قراءة ورش فأعط كل ذي حق حقه خصوصاً المختلفين خوف السراية هذا وقيل إنما فخمت اللام من لفظة الجلالة فرقاً بينه وبين سائر اللامات ولعل مراده أن التفخيم إنما هو لمجرد التعظيم وهو لا ينافي ما ذكر من أن وجه تفخيمها فيما ذكر هو نقل الخلف عن السلف وتوازنهم ذلك كابراً عن كابر من غير نكير ناكر ( وحرف الاستعلاء ) بحذف همزة الوصل في الدرج ونصب حرف على أ،ه مفعول مقدم لقوله ( فخم ) ويجوز رفعه على تقدير فخمه نحو قوله تعالى والقمر قدرناه على القراءتين ثم المراد بحرف الاستعلاء أعم من أن يكون مطبقاً أو غير مطبق ولذا قال ( واخصصاً ) بضم الصاد وبالألف المبدلة من النون(1/58)
المخففة ( لا طباق ) بنقل الحركة والاكتفاء بها عن همزة الوصل ونصب على أنه مفعول لما قبله ( أقوى ) صفة لموصوف محذوف والمعنى خصص حروف الإطباق بتفخيم أقوى من تفخيم سائر حروف الاستعلاء ( نحو قال ) بالرفع وجوز نصبه ( والعصا ) بالألف لا بالياء كما في بعض النسخ والحاصل أنه أمر بتفخيم حروف الاستعلاء السبعة المتقدمة المجتمعة في كلمات " خص ضغط قظ " مثل قائماً والظالمين وخالدين وصادقين ولا الضالين والغارمين والطامة وأمر بتخصيص حروف الإطباق الأربعة من جملتها الصاد والطاء مهملتين ومعجمتين وبينهما عموم وخصوص مطلق إذ كل مطبقة مستعلية ولا كل مستعلية مطبقة فأنى بمثالين مثال لحرف الاستعلاء غير المطبق وهو الصاد في العصا قال ابن المصنف وتبعه غيره والألف واللام للعهد أي العصا المذكورة في قوله اضرب بعصاك اهـ وفيه بحث لا يخفى فإن الحكم شامل له ولغيره أيضاً من قوله تعالى حكاية عن موسى قال هي عصاي وقوله تعالى " فالقي عصاه " وأيضاً قوله تعالى وعصى آدم ربه فالصحيح أن اللام للجنس الاستغراقي الشامل لمادي هذا اللفظ من الواوي واليائي وأما صاد غير هذا البناء فيعلم حكمه من قوله نحو العصا إذ هو معطوف على قال بكل حال نعم لو قال مع عصا بالألف أو الياء لطابق ألفاظ التنزيل وهو أوفق في مقام التمثيل وأما قول زكريا لكونه أقوى فلا دلالة على تقديره في المبنى فلا تتعدى على ما قدمناه في المعنى غايته أن الباء في أقوى محذوفة على حد قول : تمرون الديار أي تمرون بها ثم اعلم أن في إتيان المثالين المتقدمين نكتة بديعة وحكمة منيعة وهي أن الصاد المهملة مع قوتها أضعف حروف الإطباق لأنه مهموس والقاف أقوى من باقي حروف الاستعلاء هذا وحروف الاستعلاء بحسب القوة والضعف الناشئتين من اختلاف أحوالها ثلاثة أضرب عند ابن الطحان الأندلسي : الأول ما يتمكن فيه التفخيم وهو ما كان مفتوحاً والثاني ما كان @ دونه وهو المضموم والثالث ما كان دونه(1/59)
أيضاً وهو المكسور عند المصنف على خمسة ما كان بعده ألف ثم ما كان مفتوحاً من غير ألف بعدها وهذان النوعان مندرجان تحت جنس أول الثلاثة ثم ما كان مضموماً ثم ما كان ساكناً ما كان مكسوراً ( وبين الأطباق من أحطت مع بسطت والخلف بنخلقكم وقع ) أمر ببيان صفة اطباق الطاء من قوله تعالى حكاية عن الهدهد بما لم تحط به ومن قوله تعالى لئن بسطت إلي يدك لئلا تشتبه الطاء المطبقة المستعلية الجهرية بالتاء المنفتحة المستفلة المهموسة المدغمة كما هو أصل القاعدة في إدغام الحروف المتقاربة وكذا الحكم في قوله فرطت في جنب الله ثم أخبر أن الاختلاف وقع بين أهل الأداء من المشايخ في إبقاء صفة استعلاء مع الإدغام في قوله تعالى ألم نخلقكم من ماء مهين وفي ذهابها معه مع اتفاقهم على الإدغام قال ابن المصنف وكلاهما جائزان وذهابها أولى وقال الناظم في كتاب التمهيد والأول مذهب المكي وغيره والثاني مذهب الداني ومن والاه ثم قال قلت كلاهما حسن وبالأول أخذ البصريون وبالثاني أخذ الشاميون واختياري الثاني وفاقاً للداني وقال في النشر الإدغام المحض أصح رواية وأوجه قياساً أقول ولذا لم يلتفت الشاطبي لهذا الخلاف أصلاً ولعله أراد بالقياس إجماعهم على إدغام القاف في الكاف للسوسي إدغاماً محضاً مع وجود تحرك القاف وتعدد الكلمتين فمع السكون واتحاد الكلمة بالأولى ثم اعلم أن الإدغام على قسمين تام وهو إدراج الأول في الثاني ذاتاً وصفة مثل قالت طائفة وإدغام ناقص وهو إدراج الأول في الثاني ذاتاً لا صفة وإدغام أحطت ونظائره من قبيل الناقص وأيضا قوة الطاء وضعف التاء يمنع الإدغام الكامل ولو التجانس لم يسع الإدغام أصلاً لأن القوي لا يدرج في الضعيف بخلاف العكس نحو فآمنت طائفة حيث أجمعوا فيه على الإدغام الكامل كما أجمعوا في نحو أحطت على الإدغام الناقص ثم ما وقع في عبارة بعضهم من اظهار القاف في نخلقكم فذلك خطأ محض اللهم إلا أن يحمل على إظهار استعلائها(1/60)
لا على إظهار الحرف ذاته فعلم أن ما ذكره ليس بإدغام محض ولا إظهار بل حالة بينهما فهو بالإخفاء أشبه فيكون نظير ما قال الشاطبي رحمه الله : وإدغام حرف قبله صح ساكن عسير وبالإخفاء طبق مفصلاً وإنما وقع الخلاف في القاف دون الطاء لأن الاطباق أقوى من الاستعلاء فيجب ابقاء الأول دون الثاني وأما ما ذكه الرومي من أنهم فرقوا بين بسطت ونخلقكم بأن إعطاء صفة الاستعلاء في الأول بزيادة الطاء قبل التاء المشددة وفي الثاني بلا زيادة القاف فلم نره في الكتب المنسوبة إليهم ولا سمعنا من المشايخ الذين قرأنا عليهم وحققنا وجوه القراءة لديهم ثم ما ذكره من تلقاء نفسه من وجه الفرق بينهما فما لا يلتفت إليه ولا يعول عليه ثم رأيت منشأ وهمه كلام ابن الحاجب من غير فهمه حيث استشكل الإدغام بأن الإطباق صفة للمطبق ولا يتأتى إلا به فلو بقى الإطباق مع الإدغام للزم اجتلاب طاء أخرى لتدغم في التاء غير الطاء التي قام بها وصف الإطباق وفي ذلك جمع بين ساكنين فإذا نحو فرطت بالإطباق ليس فيه إدغام حقيقة ولكنه لما اشتد التقارب وأمكن النطق بالثاني بعد الأول من غير نقل اللسان أطلقنا عليه الإدغام مجاز السكون ذلك النطق كالنطق بالمثل بعد المثل على ما ذكره الجار بردى وغيره وفرق بين الإطباق والغنة بأن الغنة لا تتوقف على النون لأنها من مخرج غير مخرجه فإن النون من الفم والغنة من الخيشوم بخلاف الإطباق فإنه مع المطبق فإخراجه لا يتأتى إلا به وأماماً ذكره المصري بقوله وأجيب بأن القراء نصوا على أن في نحو فرطت تشديداً ولا يمتنع إبقاء الإطباق في الطاء قائماً بمحض صوت الطاء لأن الطاء لم يستكمل إدغامه في التاء ولا يلزم اجتلاب طاء أخرى ولا جمع بين ساكنين @ وعلى هذا فقياسه على الغنة مستقيم اهـ فلا يخفى ما فيه من المصادرة بل ما في معارضته من المكابرة ثم قوله إذا سكنت الطاء وأتى بعدها تاء وجب إدغامها إدغاماً غير مستكمل بل يبقى معه صفة الإطباق لقوة(1/61)
الطاء وضعف التاء فيتعين على المجود أن يوفيها حقها لا سيما إذا كانت مشددة نحو اطيرنا وأن يطوف ففيه أنا المثالين الأخيرين ليسا مما نحن فيه بل من قبيل ودت طائفة حيث أجمعوا على أنه من الإدغام الكامل وأن أصلهما اتطيرنا ويتطوف فأعلا بإعلال حقق في محلها فهو من باب إدغام الأضعف في الأقوى ليصير مثله في القوة بخلاف نحو أحطت فإنه من باب إدغام الأقوى في الأضعف فيمتنع اندراجه فيه بالكلية وبه يحصل الفرق في هذه القضية على قواعد العربية وقال بعضهم ومن العرب من يبدل التاء طاء ثم يدغم إدغاما مستكملاً فيقول أحطت وفرطت بطاء واحدة مشددة مدغمة قال شريح وهذا مما يجوز في كلام الخلق لا في كلام الخالق عز وجل اهـ لأن كلام الله لا يجوز فيه التصرف على خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطرق المتواترة في القراءات المشتهرة وأما في كلام المخلوقين فيتوسع بكل ما جاء من اللغة وبهذا يتبين أنه لم يرد في لغة إبدال الطاء تاء وإدغامها فيها فيجب الاحتراز عنها ( واحرص ) بكسر الراء ( على السكون في جعلنا ) أي في لام جعلنا إذ كل سكون لا بد من الحرص على بيانه وكذا الحركة إلا أنه خص لام جعلنا لئلا تصير مدغمة ولا متحركة فحينئذ يتغير المعنى باختلاف المبنى كما لا يخفى ونحوه أنزلنا وكذا قلنا مما فيه اللام ساكنة وبعدها نون فيجب التحفظ بإظهارها مع رعاية سكونها قال المصري لا كما يفعله بعض الأعاجم من قصد قلقلتها قلت اللام ليست حروف القلقلة فإن حروفها " قطب جد " لا حروف القلقلة سبعة كما توهم المصري من الذهول والغفلة ( أنعمت والمغضوب مع ضللنا ) أي وكذا كن حريصاً على بيان سكون نون أنعمت وميمها وغين المغضوب ولام الثانية من ضللنا ليتحرز من تحريكها كما يفعله جهلة القراء فإن ذلك من فظيع اللحن عند العلماء وضللنا بالضاد ثابت في القرآن عند قوله وقالوا أئذا ضللنا في الأرض وأما ظللنا بالظاء المشالة فلم يوجد فيه مخففة ولا ضرورة(1/62)
بالاتيان بها والقول بتخفيفها للوزن ولا يغرنك كثرة النسخ عليها وإشارة بعض الشراح إليها واقتصر ابن المصنف على نون أنعمت وتبعه الشراح فالحكم يشمل الميم على حسب التعميم نعم في معنى نون أنعمت كل نون ساكنة بعدها حرف من حروف الحلق كينأون ومن آمن ومنه وإن هو و تسحتون ومن حاد الله وينعق وينغضون وعذاب والمنخنقة ومن خوف ونحو ذلك ثم لا سكت على النون سكتة لطيفة كأنه يريد بها إيضاح إظهارها وأنها لا غنة فيها فإن ذلك خطأ محض لا يفعله إلا الجهلة من القراء في معنى غين المغضوب ضغثاً وبغياً وأفرغ علينا وأغنى ويغشى وعلل المصنف في التمهيد إظهار الغين الساكنة عند الشين من يغشى بقوله لئلا يقرب من لفظ الخاء لاشتراكهما في الهمس والرخاوة ( وخلص انفتاح محذوراً عسى خوف اشتباهه بمحظوراً عصى ) أي بين وميز صفة الانفتاح عن الإطباق في نحو محذوراً وفي نحو عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً لئلا يشتبه الذال بالظاء في قوله وما كان عطاء ربك محظوراً والسين بالصاد في قوله تعالى وعصى آدم ربه فغوى فإن كلاً من الذال والظاء من مخرج واحد وكذلك السين والصاد وإنما يتميز كل من الآخر بتمييز الصفة فالذال والسين منفتحتان والظاء والصاد مطبقان فينبغي أن يخلص كل منهما مع الآخر بانفتاح الفم وانطباقه وما يترتب عليهما من ترقيق الأوليين وتفخيم الأخريين وكذا حكم كل حرف مع غيره إذا كان متحدي المخرج مختلفي الصفة ثم الضمير في اشتباهه راجع إلى الحرف المنفتح بقرينة المقام أو تقديره خوف اشتباه كل واحد من محذوراً و عسى بمحظور أو عصى أو خوف اشتباه المذكور كذا ذكره الشراح على اختلاف اختيار كل منهم والأظهر أن ضميره راجع إلى الانفتاح أي مخافة @ اشتباه انفتاح محذوراً و عسى بإطباق محظوراً وعصى ووجه الأظهرية أن محل الاحتياج في صحة الجمل إلى التقدير وهو الثاني دون الأول فتأمل ( وراع شدة ) أي كائنة ( بكاف ) أي في كاف ( وبتا ) بالقصر على وقف حمزة في(1/63)
الهمزة لا كما قال الرومي إنها للضرورة ( كشرككم وتتوفا فتنتا ) بألف الإطلاق أو بإبدال التنوين ألفاً وقفاً على ما جاء في لغة وراع أمر من المراعاة والمفاعلة إذا لم تكن للمفاعلة فهي للمبالغة وقول الرومي أمر من الرعاية ففيه نوع مساهلة حيث لم يراع فيه القاعدة المميزة بين المجرد والمزيد الفارقة لطالب المزيد فأمر بمراعاة الشدة في الكاف والتاء نحو نكتل ويتلو خصوصاً عند ورود تكرارها نحو قوله تعالى" يكفرون بشرككم وتتوفاهم الملائكة واتقوا فتنة " وذلك لأن الشدة تمنع الصوت أن يجري معهما مع ثباتهما في موضعهما قويين فاحذر أن تتبعها ركاكة والحاصل أن كل حرف ينبغي أن تراعي فيه صفاته المتقدمة من جهر وهمس وشدة ورخوة وغير ذلك بعد تمكينه من مخرجه فاحفظ هذه القاعدة الكلية وقس عليها الأمثلة الجزئية ولم ينص عليها صاحب الجزرية هذا وقال في التمهيد إذا تكررت الكاف من كلمة أو كلمتين فلا بد من بيان كل منهما لئلا نقرب اللفظ من الإدغام لتكلف اللسان بصعوبة التكرير نحو قوله تعالى " مناسككم وإنك كنت " على مذهب المظهر وكذا الحكم في تاء " تتوفاهم الملائكة واتقوا فتنة " وأشباهه فتراعي الشدة التي فيها لئلا تصير رخوة كما ينطق بها بعض الناس وربما جعلت سينا إذا كانت ساكنة نحو فتنة " واتل عليهم " ولذا أدخلها سيبويه في جملة حروف القلقلة وتتأكد المراعاة فيها إذا تكررت نحو " تتبعها الرادفة وتتوفاهم " لصعوبة اللفظ بالمكرر على اللسان وقال مكي في الرعاية هو بمنزلة الماشي يرفع رجليه مرتين أو ثلاث مرات ويردها في كل مرة إلى الموضع الذي رفعها منه وقال المصري وهذا ظاهر ألا ترى أن اللسان إذا تلفظ بالتاء الأولى رجع إلى موضعه ليتلفظ بالثانية وذلك صعب فيه تكلف ولكن لا يخفى أن قوله أو ثلاث مرات زائدة لا أن الكلام في تكرارها ثلاث مرات كما نقل وليس فيه ما هو بمنزلة رفع رجل ثلاث مرات بل مرتين أقول بل هو غير زائدة إذ قال يوجد التكرار(1/64)
ثلاث مرات لا في كلمة بل في كلمات متواليات كما في قوله تعالى " تتوفاهم الملائكة " وصلاً وكذا قوله تعالى " تتبعها الرادفة " ولا يشترط في إثبات تكرار التاء أن لا يكون بينهما فصل ولذا عد في أمثلة التكرار قوله فتنة كما سبق في كلام المصنف إلا أن قوله وربما جعلت سيناً إذا كنت ساكنة نحو نحو فتنة فيه بحث إذ لظاهر المتبادر أنها تصير إلا إذا لم يراع فيها صفة الشدة الهمس لاتحاد مخرجهما والتمييز بينهما باعتبار صفتهما وأما السين والدال فبينهما قرب المخرج والله أعلم مما يجب الاعتناء بالتاء خصوصاً إذا كان بعدها طاء ساكنة أو ظاء " نحو أفتطعمون وتطهيراً ولا تطغوا ولا تظلمون ولا تظلمون " ( وأولى مثل وجنس إن سكن أدغم كقل رب وبل لا وابن ) أمر من الإبانة بمعنى الإظهار ومتعلقه سيأتي في البيت الآتي وموافقة الحركة فيما قبل النون من قبيل التزام ما لا يلزم في شعر العرب وإن التزمه العجم والضمير المستكن في سكن راجع إلى الأول في قوله أولى بالتثنية المضاف إلى مثل وجنس وحذف نونه بالإضافة ونصبه بالياء على أنه مفعول مقدم لقوله أدغم وأما قول الرومي في بيان إعرابه من أن أولى مبتدأ مضاف إلى مثل وجنس عطف على مثل وإن سكن جملة شرطية جزاؤها أدغم والجملة الشرطية مع جزائها خبر المبتدأ فخطأ فاحش لأنه لو كان مبتدأ لرفع بالألف وقيل أولا مثل وجنس وكأنه تصحف عليه كتابة الياء لقراءة الألف والمثالان نشر مشوش لأن بل لا مثال المثلين وقل رب مثال الجنسين وقول زكريا ولو سكوناً عارضاً إنما يتم به في الإدغام الكبير كما قرأ به السوسي والظاهر أراد به الإدغام المتفق عليه من الإدغام الصغير ثم اعلم أن الحرفين إذا @ التقيا بأن لا يكون حاجز بينهما إما أن يكونا مثلين بأن اتفقا مخرجاً وصفة كالباء والتاء والياء والياء وإما أن يكونا متجانسين بان اتفقا مخرجاً واختلفا صفة كالدال والطاء والتاء وكذا الذال والظاء والثاء وإما أن يكونا متقاربين(1/65)
بان تقاربا مخرجاً وصفة كالدال والسين والتاء والثاء والضاد والشين فإذا عرفت ذلك فاعلم أنهم اختلفوا في اللام والراء والنون أنها من مخرج واحد وهو مختار القراء أو لكل واحد منها مخرج على حدة إلا أن بينها قرب المخرج وعليه الجمهور من النحاة وهو مختار سيبويه واختاره المصنف تبعاً للشاطبي رحمه الله لكن كلامه هنا خلاف ما سبق عنه أولا فإنه جعل اللام والراء من قبيل الجنسين فلو قال وقرب موضع جنس لشمل المذهبين كما عبر به الشاطبي في إدغام المتقاربين و أما ما اعتذر عنه المصري بقوله ولعل الناظم إلى أن المتقارب داخل في المجانس بخلاف عكسه فلا يصح للاتفاق على عكسه والحاصل أنه إذا التقى المثلان أو الجنسان وسكن الأول منهما أدغم الأول في الثاني نحو بل لا يخافون وقل لهم وهل لكم وقل رب وبل ران عند من لم يسكت على اللام بلا خلاف وكذا سائر الحروف نحوكم من قرية واذهب بكتابي فما ربحت تجارتهم وأثقلت دعوا الله و أمثالهم ثم اعلم أن ما ذكره المصنف في المثلين فهو على عمومه عند جميع القراء و أما ما أطلقه في المتجانسين فليس على ظاهره مما يتوهم فيه من اتفاق أهل الأداء فإن منهما ما اتفقوا عليه ومنهما ما اختلفوا فيه كما يعرف مما ذكره الولي الشاطبي في باب حروف قربت مخارجها من جملتها الراء عند اللام عكس ما ذكره المصنف رحمه الله من إدغام اللام في الراء فإنهما مع كونهما من المتجانسين أو المتقاربين اختلف حكمها حيث وقع الاختلاف في الثاني دون الأول فتأمل نعم إذا كان الأول من المتماثلين حرف مد فإنه يظهر بلا خلاف عند الياء والواو كما أشار إليه في قوله وابن ( في يوم ) بترك التنوين ضرورة ( مع قالوا وهم ) فإن الياء المدية من نحو في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ونحوه الذي يوسوس والواو المدية من نحو " قالوا وهم فيها يختصمون " ونحو آمنوا وعملوا الصالحات لا تدعمان في مثلها بالمعنى الأعم إذ لا يتصور اجتماع المديين حتى يقال لا(1/66)
يدغم فافهم ولذا قالوا في التعليل محافظة على المد لئلا يذهب بالإدغام بخلاف ما إذا كان الأول من المتماثلين حرف اللين فإنه يدغم كما هو داخل تحت الحكم العام ونحو أووا و نصروا فقوله ابن بحسب المعنى استثناء من القاعدة المتقدمة في المبنى وأما قول الرومي اللهم إلا أن يكون المتماثلان أو المتجانسان حرف مد فغير صحيح ثم قوله ( وقل نعم سبحه لا تزغ قلوب فالتقم ) استثناء من إدغام المتجانسين فيجب اظهارا اللام الساكنة عند النون نحو قل نعم مع أنهما متجانسان أو متقاربان لأن النون لا يدغم فيها شيء مما أدغمت هي فيه من حروف يرملون كذا أطلقوه ومرادهم سوى النون وأما قول الرومي ولم يدغم اللام الساكنة في النون مع تقاربهما أو تجانسهما بناء على أن النون لما لم تدغم فيما لم يدغم في اللام من الحروف كالميم والواو والياء حصل بين اللام والنون وحشة ونفرة بذلك فلم يدغم اللام فيها إلا ما روي عن الكسائي من إدغام هل وبل خاصة في الإدغام الصغير تحويل نتبع وهل ننبئكم اهـ فهل ظاهر لأن النون تدغم في اللام كما تدغم في الميم والواو والياء كما سيأتي في باب أحكام النون الساكنة قال الناظم في التمهيد : فإن قلت لم أدغمت اللام الساكنة نحو النار والناس وأظهرت في قوله قل نعم وكل منهما واحد قلت لأن هذا فعل قد أعل بحذف عينه فلم يعل ثانياً بحذف لامه لئلا يصير في الكلمة إجحاف وأل حرف مبني على السكون لم يحذف منه شيء ولم يعل بشيء فلذلك أدغم ألا ترى أن الكسائي ومن وافقه أدغم اللام من هل وبل في نحو قوله هل تعلم وبل نحن ولم يدغمها في قل نعم وقل تعالوا وكذا يجب بيان الحاء الساكنة عند الهاء في قوله فسبحه لقاعدة أن الحلقي لا يدغم في أدخل منه والهاء أدخل من الحاء بخلاف الهاء في الهاء نحو ماليه هلك وإنما خص @ الناظم بيان فسبح وإظهاره لأن كثيراً من الناس يقع في إدغامه بناء على قرب المخرجين ولا يعلمون أن الحاء أقوى من الهاء والقاعدة أن(1/67)
الأقوى لا يدغم في الأضعف وكذا يجب بيان الغين عند القاف في قوله " ربنا لا تزغ قلوبنا " قال ابن المصنف لتغايرهما فإن الغين حلقية والقاف لهوية وفيه أن بينهما قرب المخرج فلا ينافي تغايرهما فالأولى أن يقال لأن حروف الحلق بعيدة من الإدغام لصعوبتها وقد ذكر المصنف في التمهيد أن الغين إذا لقيت حرفاً حلقياً وجب بيانها نحو ربنا أفرغ علينا وأبلغه وكذا القاف نحو ربنا لا تزغ قلوبنا لأن مخرج الغين قريب من مخرج العين والقاف بعده فيخشى أن يتبادر اللفظ إلى الاختفاء والإدغام اهـ وكذا يجب بيان اللام عند التاء في قوله تعالى فالتقمه لبعد مخرجهما وهو ينافي الإدغام وأما إدغام لام التعريف في التاء فلكثرة استعمالها ولعل هذا وجه استثنائها لئلا تشتبه بها ويجري عليها حكمها وبهذا يفرق أيضاً بين قل نعم وبين النعيم ثم الفرق أيضاً باعتبار أن التقم كلمة واحدة فيحصل بإدغامها إجحاف بالبنية وكذلك في كلمتين من نحو التوبة ثم الحروف من حيث هي قسمان قمرية وشمسية وكل منهما أربعة عشر حرفاً فالقمرية يجمعها قولك " أبغ حجك وخف عقيمه " فيظهر لام التعريف عندها والشمسية ما عداها ويدغم لام التعريف فيها وقد نظم الحروف القمرية بعضهم في أوائل قوله : ( ألا بل وهل يروي خبير حديث من جلا عن فؤادي غمة قد كست هما ) والأمثلة الأحد البر الولي اليقين الخبير الحليم المؤمن الجليل العليم الفتاح الغفار القهار الكبير الهادي وتسميته شمسية من باب تسمية الكل باسم الجزء وهو لام الشمس والقمر وسبب الإظهار في الأول تباعد المخرجين وسبب الإدغام في الثاني تقارب المخرجين وإن تفاوتا في غير اللام للتماثل فيها ثم إن الإدغام عبارة عن خلط الحرفين وإدخال أحدهما في الآخر مأخوذ من إدغام اللجام في فم الفرس فيصير إن حرفاً واحداً مشدداً يرتفع اللسان عنه ارتفاعة واحدة وهو يؤذن بحرفين فصار الشدة الامتزاج في السمع كالحرف الواحد وإلا فماً حرفان في الحقيقة وعوض عنه(1/68)
التشديد وهو حبس الصوت في الحيز بصنف وليس التشديد عوضاً عن الحرف المدغم بل عما فاته من الاستيلاء في التلفظ فإنك إذا أصغيت إلى لفظك سمعت ساكناً مشدداً ينتهي إلى مخفف فقول بعضهم هو أن يرتفع لسانك بالحرفين دفعة واحدة إنما يصح على سبيل التقريب لأن الناطق بالحرف المدغم ناطق بحرفين أولهما ساكن وثانيهما متحرك وفائدته تخفيف اللفظ لثقل عود اللسان إلى المخرج الأول أو مقاربة فاختار العرب الإدغام طلباً للخفة لأن النطق بذلك أسهل من الإظهار كما يشهد به الحس والمشاهدة ولذلك شبه النحاة الإظهار بمشي المقيد لأن الإنسان إذا نطق بحرف وعاد إلى مثله إلى مقاربة يكون كالراجع إلى حيث فارق أو إلى قريب من حيث فارق وشبهه بعضهم بإعادة الحديث مرتين وكيفية ذلك أن يصير الحرف الذي يراد إدغامه من جنس الحرف الذي يدغم فيه إذا لم يكونا مثلين في أصلهما فإذا صار مثله حصل حينئذ مثلان وإذا حصل مثلان وجب الإدغام حكماً إجماعياً فإن جاء نص بإبقاء صفة من صفات الحرف المدغم فليس ذلك الإدغام بإدغام صحيح بل هو إخفاء صريح كما سبق تحقيقه وأما الإظهار فهو عبارة عن ضد الإدغام وهو أن يؤتى بالحرفين المميزين جنساً واحداً منطوقاً بكل واحد منهما على صورته مستوفياً بكل صفة مخلصاً إلى كمال بنيته وليحترز عن إدغام نحو أخرج قومك لبعد مخرج الجيم عن القاف ثم اعلم أن ذالك إذ ودال قد وتاء التأنيث الساكنة ولام هل وبل لا شك في إدغامها عند اجتماعها لأمثالها وأما عند مجانسها ومقاربها ففي أكثرها خلاف بين القراء كما بينه الولي الشاطبي وفي بعضها وقع اتفاق لهم ولا بد من معرفتها فقلت نظماً على منوال كلام الناظم يمكن أن ينظم في سلك نظمه @ وأدغمن ذال في الظاء ودال قد بعينه في التاء وتاء تأنيث بدال وبطاء ولام هل وبل كذا عند الراء والأمثلة إذ ظلموا أنفسهم وقد تبين لكم وأثقلت دعوا الله وقالت طائفة وبل ران وهل رأيتم وهذا التمثيل غير موجود في التنزيل ((1/69)
والضاد باستطالة ومخرج ) بالإشباع والضاد منصوب ويجوز رفعه والعامل فيه قوله ( ميز ) أي ميزها بصفة استطالتها وإخراجها من مخرجها ( من الظاء ) فإن الضاد من حافة اللسان والظاء من رأس اللسان ( وكلها تجى ) بحذف الهمزة على قاعدة حمزة لا كما قال الرومي إنه للضرورة وضميره راجع إلى الكل والتأنيث باعتبار المعنى وهو الجماعة إلى الظااءت ثم الاستطالة هي الامتداد من أول حافة اللسان إلى آخرها كما قال الجعبري وقد انفرد الضاد بالاستطالة حتى تتصل بمخرج اللام لما فيه من قوة الجهر والإطباق والاستعلاء وليس في الحروف ما يعسر على اللسان مثله وألسنة الناس فيه مختلفة فمنهم من يخرجه ظاء ومنهم من يخرجه دالاً مهملة أو معجمة ومنهم من يخرجه طاء مهملة كالمصريين ومنهم من يشمه ذالاً ومنهم من يشير بها بالظاء المعجمة لكن لما كان تمييزه عن الظاء مشكلاً بالنسبة إلى غيره أمر الناظم بتمييزه عنه نطقاً ثم بين ما جاء في القرآن بالظاء لفظاً والمعنى أن جميع مواد الظاءات المشالة وهي تسعة وعشرون ظاء من الكلمات الواردة في القرآن مجموعة باعتبار أصولها في الأبيات الستة الآتية وأما قول زكريا في سبعة أبواب فغير ظاهر وإنما ضبط الظاء لكونها أقل من الضاد فهو أقرب إلى ضبط المراد يتعلق بتجي قوله ( في الظعن ظل ظهر ) فتح الأول وكسر الثاني وضم الثالث ( وعظم الحفظ ) بضم العين ( أيقظ وأنظر ) بفتح الهمزة وكسر الثالث منهما ( عظم ظهر اللفظ ) بفتح العين والظاء الأولى وحذف العاطفة غالباً للضرورة فالظعن منحصر في قوله تعالى يوم ظعنكم وهو بفتح العين لنافع وابن كثير وأبي عمرو ومعناه الراحل من مكان إلى آخر ضد الإقامة وباب الظل جميعه كيفما تصرف منه وأول ما جاء منه في سورة النساء وندخلهم ظلاً ظليلاً ووقع منه في القرآن اثنان وعشرون موضعاً والظاهر أنه أربعة وعشرون منها اثنان في البقرة وهي قوله تعالى وظللنا عليكم الغمام وقوله في ظلل من الغمام وكأن(1/70)
ابن المصنف ومن تبعه في عد اثنين وعشرين غفل عن موضعين في البقرة بدليل قولهم وأولها في سورة النساء وندخلهم ظلاً ظليلاً ومنه الظلة كأنه ظلة في الأعراف ويوم الظلة في الشعراء ومنه قوله تعالى في ظلل على الأرائك بضم الظاء وفتح اللام كما قرأ به حمزة والكسائي ومنه قوله وظللنا عليكم الغمام وباب الظهر وهو وقت انتصاف النهار في سورة النور حين تضعون ثيابكم من الظهيرة وفي سورة الروم حين تظهرون أي تدخلون في الظهيرة وباب العظم بمعنى العظمة كيفما تصرف فيه وأول ما جاء منه في القرآن ولهم عذاب عظيم ووقع منه في القرآن مائة موضع وثلاثة مواضع وباب الحفظ وما تصرف منه وأول ما جاء منه في البقرة حافظوا على الصلوات ووقع في اثنين وأربعين موضعاً وقال المصري في أربع وأربعين وأيقظ من اليقظة ضد النوم ليس في القرآن منه إلا في الكهف وتحسبهم أيقاظاً وهو رقود وباب أنظر وهو من الإنظار بمعنى التأخير والإهمال وقع منه في القرآن اثنان وعشرون موضعاً أولها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون كذا ذكره ابن المصنف وتبعه غيره لكنه يحتمل أن يكون صيغة المجهول من الإنظار وأن يكون من النظر كما فسر بهما فالمثال المتفق عليه قال أنظرني إلى يوم يبعثون ومن المختلف قوله تعالى انظرونا نقتبس من نوركم فقرأ حمزة من الإنظار والباقون من النظر ثم اعلم أن مادة النظر والإنظار والانتظار متحدة في أصل اللغة والاختلاف إنما هو بحسب الأبواب الواردة وإنما غاير المصنف بينها للإيضاح لا سيما وهو قد خفي على بعض الشراح وباب العظم وقع في أربعة عشر موضعاً جمعاً وفرداً وقال المصري خمسة عشر وأوله وانظر إلى العظام في البقرة وباب @ الظهر من الآدامي كقوله تعالى " وراء ظهورهم " أول ما جاء في البقرة ومن غيرها كقوله تعالى " لتستووا على ظهوره " ووقع منه في القرآن أربعة عشر موضعاً وقال المصري ستة عشر وأما قول خالد وقع في القرآن موضع واحد فخطأ فاحش واللفظ لم يجيء(1/71)
منه إلا حرف بقاف ما يلفظ من قول ( ظاهر ) بكسر الهاء وسكون الراء ضرورة أو تنزيلاً للوصل منزلة الوقف وقد يكسر على ارتكاب زحاف ( لظى شواظ ) بالجر غير منون ( كظم ) بالتنوين مجروراً ( ظلماً ) فعل ماض من الظلم وألفه للإطلاق وفي نسخة ظلماً بضم وسكون فألفه مبدل من التنوين وقفاً ونصبه على الحكاية ( أغلظ ) بضم الهمزة واللام ( ظلام ) بفتح الظاء وكسر الميم ( ظفر ) بالتنوين مجروراً ( انتظر ظماً ) بالألف كوقف حمزة لا قصر للوزن كما قيل والمعنى أن كل ما جاء من لفظ ظاهر وهو ضد الباطن وهو ست ويأتي بمعنى العلو وهو ثلاثة " ليظهره على الدين كله " وبمعنى النصر والعون نحو " تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان " فجميعه بالظاء ونحو " وذروا ظاهر الإثم " في الأنعام وهو أول ما جاء ونحو قوله تعالى " وإن تظاهرا عليه " وبمعنى الإطلاع أيضاً " أظهره الله عليه فلا يظهر على غيبه أحداً " كذا ذكره شارح والظاهر أنهما متعدياً ظهر فتدبر وأغرب زكريا بمعنى الظفر وقع منه في القرآن ثلاثة مواضع قوله تعالى في براءة " كيف وإن يظهر عليكم وقوله في الكهف " إنهم إن يظهروا عليكم " وقوله في التحريم " وأظهره الله " اهـ ومن غرابته إدخال ما في التحريم في سلك ما تقدم والفرق أن أظهره هو بمعنى أطلعه لا بمعنى أظفره ولا بمعنى ظفر كما يدل عليه تعدية الأولين بعلى وتعدية الأخير بنفسه في المفعول الأول فتأمل قال ابن المصنف وظاهر مشترك بين هذا المعنى وبين الذي بمعنى الظهار الذي هو الحلف اهـ وتبعه الشراح وأقول الظاهر أن الظهار من مادة الظهر لا من مادة الظاهر لأن الظهار هو أن يقول الرجل لامرأته أنت على كظهر أمي وقد جاء في موضع من الأحزاب وموضعين من المجادلة ومحل بيان اختلاف قراءتها الكتب المبسوطة فيها ثم اعلم أن الظهر والبطن مادتهما متحدة مع الظاهر والباطن في الحقيقة بحسب أصل اللغة على احتمال أن أيهما هو السابق منهما إلا أنه لما غاير الناظم(1/72)
بينهما وباب لظى في سورة المعارج كلا إنها لظى وهو اسم من أسماء جهنم أو طبقة من طبقاتها وفي الليل " فأنذرتكم ناراً تلظى " أي تلهب وتتوقد فهذا يدل على أن أصل هذه المادة بمعنى الاشتعال هو من الصفة اللازمة للنار وأما قول ابن المصنف ومن تبعه من الشراح إنه اللزوم والإلحاح يقال ألظ بكذا إذا ألزمه وألح به ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام " أي ألزموا أنفسكم وألحوا بكثرة الدعاء بهما وسميت جهنم بهما للزومها العذاب على من يدخلها قال تعالى وما هم بخارجين منها أجارنا الله وأبعدنا عنها اهـ فخطأ طاهر لأن مادة لظى وألظ مختلفان إذ الأول معتل اللام والثاني مضاعف بلا كلام وأما قول المصري إلا أن يكون من باب ما أبدل منه أحد حروف التضعيف ياء نحو يتمطى في قول من جعل أصله يتمطط فغير مستقيم إذا الصحيح في القاموس من أن اللظى كالفتى النار أو لهبها أو لظيت كرضي والتظت وتلظت لهبت هذا في المعتل وذكر في الأجوف أن اللظ اللزوم والإلحاح وألظ لازم وداوم اهـ فافترقا في المبنى والمعنى فلا يصح وضع أحدهما مكان الآخر وأما مطه بمعنى مده @ وتمطط تمدد وكذا أمطى بالقوم مدبهم في السير وتمطى النهار وغيره امتد وطال كذا في القاموس أيضاً فاتحدا معنى وإن اختلفا مبنى فيصح إبدال إحدى الطاءين ياء كما في تقتضي بمعنى تقضض بخلاف الأول فتأمل وأما شواظ في سورة الرحمن " يرسل عليكما شواظ من نار " وهو لهب لا دخان معه وقيل معه دخان وقال المكي بكسر شينه وأما باب الكظم وهو اجتراع الغيظ وابتلاع الغضب وعدم إظهاره باحتماله وترك المؤاخذة به فوقع منه ستة ألفاظ أولها في آل عمران " والكاظمين الغيظ " وأما باب الظلم وهو وضع الشيء في غير موضعه والتعدي في ملك غيره أو على نفسه فوقع منه مائتان واثنان وثمانون موضعاً أوله في البقرة " فتكونا من الظالمين " وأما الغلظة ضد الرقة وما تصرف منها فثلاثة عشر موضعاً أولها ما في آل(1/73)
عمران غليظ القلب وأما الظلمة وهي ضد النور فوقعت في مائة موضع كذا ذكره ابن المصنف وتبعه زكريا وفي شرح الرومي والمصري في ستة وعشرين موضعاً وهو الصواب أولها في البقرة " وتركهم في ظلمات لا يبصرون " و أما الظفر بضمتين ويجوز إسكان الفاء لغة وقرئ بها فليس إلا في سورة الأنعام " كل ذي ظفر " وإلا فقد قرئ شاذاً بالسكون وهو لغة كما في القاموس قال ابن المصنف وأتباعه وسكن الناظم الفاء في ظفر ضرورة يعني لأنه وقع في القرآن بضم الفاء وقال الرومي أو لم يقصد ذكرها في القرآن بعينه بل قصد الإشارة إلى ذلك اهـ وبعده لا يخفى وأما باب الانتظار وهو الارتقاب للشيء فأربعة عشر موضعاً أولها في الأنعام " قل انتظروا إنا منتظرون " وأما الظمأ وهو العطش فثلاثة أحرف في آخره براءة " لا يصيبهم ظمأ " في طه " وأنك لا تظمأ فيها " وفي النور " يحسبه الظمآن ماء " ( أظفر ظناً ) بالنصب حكاية ( كيف جا ) بالقصر ضرورة وهو قيد للثاني أو لقوله ( وعظ ) وهو بفتح فسكون وفي أصل خالد وعظ بالواو العاطفة وكسر العين على أنه أمر حاضر وضبطه الرومي بفتحتين على انه فعل ماض سكن آخره ضرورة من العظة والوعظ بمعنى التذكير والنصيحة ( سوى ) بكسر السين ويجوز فتحه مقصوراً أيضاً وفتحه ممدوداً وهو استثناء منقطع أي لكن ( عضين ) بالضاد لما سيأتي من بيان المراد ( ظل النحل ) الكائن فيها ( زخرف ) بحذف العاطف أي وفي زخرف وفي نسخة بالنصب على الحكاية أو على نزع الخافض ( سوا ) بالقصر على لغة وقراءة أي حالة كونهما في السورتين مستويتين وهو قوله تعالى ظل وجهه مسوداً في السورتين وجعل الرومي زخرفاً فانصبا على أنه مفعول سوى بناء على أنه فعل بمعنى ساوى أي لفظ ظل الواقع في سورة النحل سوى ظل الواقع في الزخرف بمعنى ساواه في التلفظ بالظاء ولا يخفى ما فيه من التكلف في المبنى والتعسف في المعنى والغريب أنه أتى بهذا المعنى العجيب وهو أن سوا في الصراع الثاني بمعنى العدل(1/74)
ثم اعترض على ابن المصنف بقوله ولا حاجة إلى حمل الثاني على الفتح ثم العذر عن قصره بما فعله حمزة وهشام في حالة الوقف أما أظفر فمن الظفر بفتحتين بمعنى الفوز والنصر فليس إلا في سورة الفتح من بعد أن أظفركم وأما باب الظن بمعنى ترجيح أحد الأمرين أو الشك ومنه قوله وظننتم ظن السوء وقد يطلق على اليقين ومنه قوله تعالى " فظنوا أنهم مواقعوها " وقد يأتي بمعنى التهمة كما في بظنين فكيف ورد ماضياً أو مضارعاً أو وصفاً أو مصدر فهو بالظاء وأول ما جاء منه في البقرة " الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم " وعبارة ابن المصنف موهمة أنه بمعنى التهمة وليس كذلك فإنه ههنا بمعنى العلم واليقين لا بمعنى الحسبان والتخمين فإنه لا ينفع في أمر الدين ثم اعلم أن اصطلاح الفقهاء أن الظن هو التردد بين أمرين سواء استويا أو رجح أحدهما على الآخر وأما عند المتكلم فالشك تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر والظن تجويز أمرين أحدهما أرجح من الآخر والمرجوح هو الوهم ووقع منه في القرآن سبعة وستون موضعاً وأما باب الوعظ بمعنى التخويف من العذاب والترغيب في الثواب فكله باعتبار جميع ما يتصرف منه بالظاء تسعة مواضع كذا قيل والصواب خمسة وعشرون وأول ما جاء منه @ في البقرة موعظة للمتقين لكن قوله تعالى في سورة الحجر الذين جعلوا القرآن عضين ليس منه فإنه بالضاد بلا خلاف وهو جمع عضة على أن أصلها إما عضهة ثم حذفت الهاء الأصلية كما في شفاه بدليل أنها تجمع على عضاه مثل شفاه وإما عضوة ثم حذفت الواو فعلى الأول معناها الكذب والبهتان وعلى الثاني معناها التفرق أي فرقوا فيه القول وقالوا هو شعر وكهانة وسحر أي متفرقين فيه فآمنوا ببعضه وكفروا بباقيه وقال شارح عضين جمع عضة بمعنى الجزء من الشيء ومنه أعضاء الإنسان وقال زكريا بمعنى فرقة وأما باب ظل إذا كان بمعنى دام أو صار فجاء في تسعة مواضع استوعبها المصنف ففي النحل ظل وجهه مسوداً ومثله في الزخرف قال ابن(1/75)
المصنف وإلى المثلثية أشار بقوله سوا و أصله سواء بالمد ففعل فيه كما فعل حمزة وهشام في حالة الوقف يعني من حذف الهمزة وتجويد المد والقصر قال اليمني أي سواء في كونهما بالظاء وغيرهما بالضاد كقوله تعالى وقالوا أئذا ضللنا بمعنى غبنا ومنه قالوا ضلوا عنا ولا يضل ربي ولا ينسى وكذا الضلالة ضد الهداية بالضاد وكذا الضلال بمعنى الهلاك كقوله تعالى إن المجرمين في ضلال وسعر أو بمعنى البطلان كقوله تعالى " الذين ضل سعيهم وأضل أعمالهم " أو بمعنى التحير ووجدك ضالاً وقال خالد ولكونهما بمعنى أشار إلى ذلك بقوله سوا أقول الصواب أنه لما كان التركيب في الجملتين مستوياً بحسب المبني والمعنى فقال سوا والحاصل أن سوى الأول مقصور من أصله وسواء الثاني ممدود لكن قصر لوزنه وقال الرومي وسوا إذا كان بمعنى غير كما في آخر الصراع الأول أو بمعنى العدل كما في آخر المصراع الثاني يكون فيه ثلاث لغات إن ضممت السين أو كسرت قصرت فيهما جميعاً وإن فتحت مددت ولا بد أن يحمل هنا على الضم أو على الكسر فيهما ليتعادل الكلمتان قلت الصواب أن الأول مكسور أو مضموم والثاني مفتوح سواء أريد به المصدر بمعنى التسوية أو يقصد به الوصف أي مستو كقوله تعالى سواء عليهم أو أريد به الفعل الماضي كما اختاره الرومي على ما سبق يترتب على مختاره أن يكتب سوى بالياء كما لا يخفى على أرباب الرسول بالمبنى ولا يبعد أن يقابل المراد به سواء أريد بظل في الموضعين بمعنى دام أو صار فإنه بالظاء المشالة لا محالة وأما قول ابن المصنف والنحل في البيت مخفوص وزخرفاً منصوب وكلاهما على الحكاية فلعله محمول على ما عنده من الرواية وإلا فيجوز جر النحل على الإضافة مع أنه وجه الحكاية يحتاج إلى تكلف في مقام الدراية رزقنا الله الهداية في البداية والنهاية ( وظلت ظللتم وبروم ظلوا كالحجر ظلت شعراً نظل ) بإشباع اللام وقصر همز شعراً يعني الثالث من ظل بمعنى دام في سورة طه إلى الهك الذي(1/76)
ظلت عليه عاكفاً والرابع في سورة الواقعة فظللتم تفكهون وأصلهما ظللت وظللتم باللامين فحدث الثاني منهما تخفيفاً والخامس في الروم لظلوا من بعده يكفرون والسادس في الحجر فظلوا فيه يعرجون وإليه أشار بقوله كالحجر والسابع في الشعراء فظلت أعناقهم والثامن فيها فنظل لها عاكفين والتاسع في الشورى " فيظللن رواكد على ظهره " وإليه أشار بقوله ( يظللن محظوراً مع المحتظر ) بكسر الظاء ( وكنت فظاً جميع النظر ) يجوز في لفظ جميع أنواع الإعراب والجر أظهر فتدبر وأما باب الحظر بمعنى المنع والحجر فمنه في القرآن حرفان أولهما في سبحان وما كان عطاء ربك محظوراً والثاني في القمر كهيثم المحتظر أي كالنبات اليابس المتكسر والمحتظر صاحب الحظيرة كانوا كهشيم يجمعه صاحب الحظيرة وهي التي تعلم للغنم من أغصان شجر وشوك يمنع البرد والريح وتمنعها من الخروج ودخول غيره عليها وقيل المتخذ حظيرة على زرعه يمنع الداخل وما عداهما من الضاد لأنه من الحضور ضد الغيبة وأما الفظاظة وهي الجفاء والغلاظة ففي القرآن موضع واحد في آل عمران ولو كنت فظاً ولم يذكره ابن المصنف وليس منه قوله لانفضوا من حولك وقوله انفضوا إليها أي تفرقوا وأما باب النظر بجميع @ أنواع تصرفه فستة وثمانون موضعاً أولها قوله تعالى في البقرة وأنتم تنظرون لكن استثنى منه ثلاثة مواضع فلا يتوهم أنها منه في بادئ النظر بقوله ( وإلا بويل هل وأولى ناضرة ) إلا قوله تعالى نضرة النعيم في سورة ويل للمطففين وقوله سبحانه وتعالى ولقاهم نضرة وسرورا في سورة هل أتى على الإنسان وقوله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة في سورة القيامة فإن هذه الثلاثة بالضاد من النضارة وهي الحسن والبهجة ونضر ككرم وفرح ونضر بمعنى نعم والتشديد للتعدية أو للتقوية وروى بهما حديث " نضر الله أمر اسمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها " واحترز بالأولى عن الثانية وهو قوله " إلى ربها ناظرة " فإنها بالظاء ثم النظر بالظاء(1/77)
سواء كان بمعنى الرؤية نحو وأنتم تنظرون وتراهم ينظرون إليك وهذا يتعدى بالى أو بمعنى الفكر لكنه متعد بقي نحو قوله تعالى " أو لم ينظروا في ملكوت السموات " فقول زكريا و جميع النظر بمعنى الرؤية ففيه نظر ( والغيظ لا الرعد وهو قاصره ) أي وجميع مواد الغيط وهو غضب كامن للعجز وأصله فوران حرارة القلب فوقع منه في القرآن أحد عشر موضعاً وأولها في آل عمران عضواً عليكم الأنامل من الغيط ويسبه هذا اللفظ في المبنى لكنه مغاير له في المعنى حرفان : أحدهما في سورة هود وغيض الماء وثانيهما في سورة الرعد وما تغيض الأرحام وما تزداد فكلاهما بالضاد لأن معناهما النقصان وهو لازم ومتعد لا من الغيظ فأشار باستثنائهما منقطعاً بقوله لا الرعد وهو دأي ليس الواقع فيهما من هذا الباب فإن ضادهما قاصرة أو حال كون ضادهما قاصرة لا ظاء مشالة فالمعنى قصر ألف ظائهما فصار أضادا في تلفظهما وذلك لأن الضاد بخط الكوفي لا بد لها من ألف قصيرة دون ألف الظاء فإنها طويلة في الكتابة تفرقة بينهما في الكلمات المركبة وأما بخط غيرهم على حسب العرف فالفرق بينهما بزيادة المركز في الضاد وتركها في الظاء كما لا يخفى على من يعرف تحقيق حروف الهجاء وأما ما ذكره الرومي من أن الناظم عبر عن معنى النقصان بالقصور عن درج المبنى ودرك المعنى وأما قول زكريا قاصرة عليهما فإشارة إلى أن القصر بمعنى الحصر أي النفي منحصر فيهما ومقتصر عليهما ( والحظ لا الحض ) بالجر فيهما ويجوز الرفع خصوصاً في ثانيهما ( على الطعام ) أي و باب الحظ بمعنى النصيب فسبعة ألفاظ أولها في آل عمران يريد الله أن لا يجعل لهم حظاً في الآخرة ويشبه في المعنى ويخالفه في المعنى ثلاثة أحرف لا رابع لها الأول قوله تعالى ولا يحض على طعام المسكين في الحاقة والثاني قوله تعالى ولا تحاضون على طعام المسكين على وجوه قراءته الثلاثة في سورة الفجر والثالث ولا يحض على طعام المسكين في سورة الماعون فإنها من(1/78)
الحض بمعنى التحريض على فعل الشيء واللام في الطعام للجنس إذا أشير إلى ما في القرآن تلويحاً أو للعوض عن المضاف إليه أي على طعام المسكين إذا أريد به ذكر ما في القرآن تصريحاً والأول أظهر فتأمل وتدبر ( وفي ضنين الخلاف سامي ) بإثبات الياء كقراءة ابن كثير في نحو باقي وواقي ولا يبعد أن يكون بإشباع كسرة الميم بعد حذف تنوينها أي وفي قوله تعالى وما هو على الغيب بضنين في سورة التكوير المكتوب في مصحف الإمام بالضاد خلاف القراء باعتبار القراءة مشهور شهرة حال مرتفع ظاهر في القراآت السبع المتواترة فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالظاء على أنه فعيل بمعنى مفعول من ظننت فلانا اتهمته وعليه رسم ابن مسعود رضي الله عنه وقراءته أي وما محمد صلى الله عليه وسلم بمتهم فيما يوحيه الله سبحانه إليه من تحريف أو تصحيف أو تغيير بزيادة أو نقصان وهذا تأكيد لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى والباقون قرءوا بالضاد على أنه فعيل بمعنى فاعل من ضن يضن بكسر ضاده وفتحه بخل وهو رسم الإمام وسائر المصاحف العثمانية وعليه رسم ما في النظم على ما في الأصول المعتمدة وأما قول المصري وفي إيثار الناظم ذكر ظنين بالظاء إيماء @ إلى اختياره الظاء على الضاد في القراءة وهو اختيار المحقق الجعبري على أن نفى المحقق أولى من نفى المقدر فمحل بحث ونظر ظاهر إذ الترجيح في المعنى لا يغير رسم المبنى أي وما محمد صلى الله عليه وسلم ببخيل على الناس في بيان الوحي من الله سبحانه وتعالى إليه هو تحقيق لقوله (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) (باب التحذيرات) (وإن تلاقيا) أي الضاد والظاء (البيان) أي فبيان كل منهما لا أحدهما من الآخر كما قال زكريا لأن المراد بيان مخرج كل منهما وصفتهما لا انفصال أحدهما من الآخر عند نطقهما كما يوهم كلامه حيث علل أيضا بقوله لئلا يختلط أحدهما بالآخر فتبطل صلاته (لازم) أي على القارئ ولا يحتاج إلى تقدير فقل البيان كما قاله(1/79)
زكريا بل الفاء مقدرة بناء على حذفها ضرورة كما في قوله:(من يفعل الحسنات الله يشكرها) أي فالله يجازى بها .والمعنى ألزم بيان مخرجهما وصفتهما ليمتاز كل منهما ولا يجوز الإدغام لبعد مخرجهما قال خالد سواء بينهما فاصل أولا ولعله أراد الفرق بين المثالين في قوله(أنقض ظهرك يعض الظالم) فإن المثال الثاني بحسب الأصل بينهما فصل وهو لام التعريف لا أنه لما أدغم وصار ظاء مشددة فيصدق عليه التلاقي بينهما حقيقة في اللفظ حال الوصل وحكماً في الأصل نظراً إلى الفصل ومثل المثال الثاني يعض الظالم قال اليمني فلو قرأ بالإدغام تفسد الصلاة يعني في أنقض ظهرك وقال ابن المصنف وتبعه الرومي وليحتر زمن عد بيانهما فإنه لو أبدل ضاداً بظاء أبو بالعكس بطلت صلاته لفساد المعنى وقال بحرق فلو أبدل ضاداً بظاء عامداً بطلت صلاته على الأصح لفساد المعنى وقال المصري فلو أبدل ضاداً بظاء في الفاتحة لم تصح قراءته بتلك الكلمة أقول وفيه خلاف طويل الذيل في هذا المبنى وخلاصة المرام ما ذكره ابن الهمام من أن الفصل إن كان بلا مشقة كالطاء مع الصاد فقرأ الصالحات مكان الصالحات تفسد وإن كان بمشقة كالظاء مع الضاد والصاد مع السين والطاء مع التاء قيل تفسد و أكثرهم لا تفسد اهـ وذكر صاحب المنية أنه إذا قرأ الظاء مكان الضاد المعجمتين أو على القلب فتفسد صلاته وعليه أكثر الأئمة وروى عنه محمد بن سلمة لا تفسد لأن العجم لا يميزون بين هذه الأحرف وكان القاضي الإمام الشهيد يقول الأحسن فيه أن يقال إن جرى على لسانه لوم يكن مميزاً وكان في زعمه أنه أدى الكلمة على وجهما لا تفسد صلاته وكذا روى عن محمد بن مقاتل وعن الشيخ الإمام إسماعيل الزاهد قال الشارح وهذا معنى ما ذكر في فتاوي الحجة أنه يفتي في حق الفقهاء بإعادة الصلاة وفي حق العوام بالجواز أقول هذا تفصيل حسن في هذا الباب والله أعلم بالصواب وفي فتاوى قاضيخان إن قرأ غير المغضوب بالظاء أو بالدال تفسد صلاته(1/80)
ولا الضالين بالظاء المعجمة والدال المهملة ولا تفسدوا ولو بالذال المعجمة تفسد ( واضطر مع وعظت مع أفضتم ) بالإشباع ونحوه خضتم أي وبيان الضاد والظاء لازم إذا وقعا قبل طاء أو تاء خوفاً من إدغامهما حيث لا يجوز لاختلاف مخارجهما وأما قول زكريا ويلزم بيان الضاد من الطاء في قوله واضطر مع بيان الطاء من التاء الخ فليس في محله إذ لا اشتباه بين الضاد والطاء المهملة ولا بين الظاء المشالة والتاء الفوقية حتى يسلك في مسلك ما سبق من التمييز والبيان بين الضاد والظاء المعجمتين وقد أصاب الشيخ خالد حيث قال هنا رجع الناظم إلى ما كان بصدده من الأحكام المتعلقة بالتجويد ( وصف ) أمر من التصفية أي خلص ( ها ) بالقصر ضرورة ( جباههم ) بالضم حكاية ( عليهم ) بالإشباع ونحوه إليهم والمعنى بين الهاء من أختها ومن الياء بيانهما وتمييز شأنهما لأن الهاء حرف خفي فينبغي الحرص على بيانه وكذلك الحكم في نحو: إهدنا وإلهكم ( وأظهر الغنة من نون ومن ميم إذا ما شددا وأخفين ) بالنون المخففة لتأكيد الأمر بالإخفاء وما بعد إذا زائدة والمعنى بالغ في إظهار الغنة الصادرة من نون @ وميم مشددتين نحو إن وثم وإنما قدرنا المبالغة لأن الغنة صفة لازمة للنون والميم تحركتا أو سكنتا ظاهرتين أو مخفاتين أو مدغمتين إلا أنها في الساكن أكمل من المتحرك وفي المخفي أزيد من المظهر وفي المدغم أو في المخفي وقد عرفت أن الغنة مخرجها الخيشوم ثم كل من النون والميم المشددتين يشمل المدغمتين الواقعتين في كلمة أو كلمتين وغير المدغمتين الحاصلتين في كلمة والنون المدغمة في كلمة كالجنة والناس وإنا والمدغمة في كلمتين نحو من ناصرين إنه لقول وإنما جعل إنا كلمة وإن كانت في الأصل إن نا فإنهما لكمال امتزاجهما وعدم قابلية انفصالهما لا وصلاً ولا واقفاً عدتا كلمة واحدة وكذا الكلام في الناس والنار وأمثالها وأما النون المشددة بغير المدغم نحو إن الله ثم الميم المدغمة في(1/81)
كلمة نحو تم ميقات وهم قوم والمدغمة في كلمتين نحوكم من فئة ومالهم من الله وأما الميم المشددة بغير الإدغام نحو لما وثم وثم وكذا أما بالكسر ففي بعض المواضع مدغمة نحو فأما يأتينكم إذا أصله إن الشرطية أدغمت في ما المزيدة للتأكيد وفي بعضها مشددة بغير إدغام نحو قوله تعالى " فإما منا بعد وإما فداء " فأعرف التفصيل وإن وقع إجمالاً في كلام ابن المصنف ولعل هذا مراد خالد حيث قال وفيه بحث يعرف بالتأمل ولا يبعد أن مراده ما فهمه المصري حيث قال وفيه بحث إذ التشديد مستلزم الإدغام لكنه غير صحيح إذ الأمر بالعكس فإن الإدغام مستلزم للتشديد بخلاف عكسه وإنما يتبين لك الفرق بينهما بحسب بينة أصولها ( الميم إن تسكن بغنة لدى باء على المختار من أهل الأدا ) بالقصر وقفاً والميم منصوب على أنه مفعول لقوله السابق أخفين ويتعلق به قوله بغنة وعلى المختار وأما قوله لدى باء فظرف لقوله إن تسكن فأمر بإخفاء الميم إذا سكنت وأتت الباء بعدها بناء على القول المختار من أقوال أهل الأداء فالمضاف محذوف لأن المراد معروف وهذا القول هو المعول وعند الجمهور عليه العمل وهو مذهب ابن مجاهد وغيره وبه قال الداني واختاره الناظم كما صرح به في كتاب التمهيد حيث قال وبالإخفاء آخذ ثم قال شيخنا ابن الجندي واختلف في الميم الساكنة إذا لقيت باء والصحيح إخفاؤها مطلقاً وإلى إظهارها ذهب المكي وابن المناوي وابن المناوي وتبعه إياز محمد السمر قندي واشتهر عند العامة أن حروف بوف تظهر عندها الميم أي الأصلية ثم اعلم أن سكون الميم أعم من أن تكون أصلية نحو أم بظاهر أو عارضة السكون كقوله ومن يعتصم بالله ومنه قوله سبحانه وما هم بمؤمنين فاحكم بينهم ونقل زكريا أنه قيل بإدغامهما والله أعلم ( وأظهرنها ) أي أظهر الميم البتة ( عند باقي الحروف ) بالإشباع والمراد منها غير الميم فإن حكمها علم من إدغام المثلين نحو ومنهم من ( واحذر لدى واو وفا ) بالقصر للوزن ( أن(1/82)
تختفي ) بالمصدرية والضمير للميم ومحله النصب على أنه مفعول احذر فتدبر أي أظهر الميم الساكنة عند سائر الأحرف مما عدا الميم والباء الموحدة سواء وقعتا في كلمة نحو أنعمت أو في كلمتين نحو مثلهم كمثل ثم أمر بالحذر عن إخفاء قبل الواو والفاء مع أن حكمها علم مما قبلها في ضمن باقي الأحرف تصريحاً لدفع من توهم أنها تختفي عندهما كما تختفي عند الباء كما يفعله جهلة القراء وإنما نشأ ذلك من اتحاد مخرجها بالواو وقربها من الفاء فيسبق اللسان لذلك إلى الإخفاء وأما قول بحرق لاتحاد المخرج ولذا أظهرها بعضهم عند الباء أيضاً فتعليله غير صحيح لأن ترتيب الإظهار على اتحاد المخرج غير صحيح ثم إذا أظهرت فلتستحفظ من إسكانها ولتحترز عن تحريكها كما يفعله العامة في نحو عليهم ولا هم فيها واجتمعا في قوله " الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم " ثم اعلم أن الإخفاء حال بين الإظهار والإدغام وهو عار عن التشديد بل تسكن الحرف كما في المدغم إلا أنه يفرق بينهما بأن المخفي والمدغم مشدد وإنما يكون إذا لم يكن هنا قرب مخرج حتى يدغم ولا بعد حتى يظهر ثم إن الإخفاء أيضاً مراتب فكل ما هو أقرب يكون الإخفاء أزيد وما في قرب إلى البعد يكون الإخفاء دون ذلك وتظهر @ فائدته في تفاوت التشديد وتفاوت الغنة نعم الإخفاء لا يكون بدون غنة فقوله بغنة للإيضاح بأمرها والاهتمام بإظهارها ولدفع وهم تركها لوقوعها في مقابل نفيضها وأما قول الرومي وبغنة متعلقة بتسكن فوهم وموهم أن يكون قيداً للسكون فالصحيح ما قدمناه وكما أن الإخفاء له مراتب كذلك الإظهار يكون قوياً وغير قوي ولذا قال واحذر لدى واو وفا أن تختفي فالمعنى أنك إذا لم تظهر عندهما كمال إظهارها يخشى إخفاؤها في أدنى مراتبها ثم قال بعضهم إن النون أصل في الغنة من الميم لقربه من الخيشوم وأما قول المصري وإنما لم يذكر التنوين لأنه نون خفية في المخرج والصفة وإنما الفرق بينهما عدم ثبات التنوين في الوقف وفي(1/83)
صورة الخط وأن لا يكون زائداً على هجاء الكلمة فليس في محله إذ الكلام في النون المشددة والمدغم ولا يتصور أنه في نون التنوين مع أن سيبويه وأتباعه لم يذكروا في حروف الغنة إلا النون والميم وسيأتي بعد ذلك حكم التنوين عند الحروف الهجائية على حسب أقسامها فقد قال سيبويه في ذكر الحروف التي بين الشديدة والرخوة ومنها حرف يجري معه الصوت وأن ذلك الصوت غنة من الأنف فإنما تخريجه من أنفك واللسان لازم لموضع لحرف لأنك لو أمسكت بأنفك لم يجر معه صوت وهو النون وكذلك الميم وقال نصر بن على الشيرازي ومنها حرف الغنة وهي النون والميم سميتا بذلك لأن فيهما غنة تخرج من الخياشيم وهي الصوت المحصور فيها كأصوات الحمام والقمارى اهـ وأما تقييد الشاطبي التنوين والميم مع الغنة حيث سكن ولا إظهار فبيان للحالة التي تصحب الغنة فيها لهذه الحروف لا أن هذه الحروف ليست لازمة للغنة إذ لا تنفك عنها فلذلك قال شرطها أن يكون سواكن وأن يكن مخفيات أو مدغمات إلا في موضع نصوا على الإقدام فيه بغير غنة واختلف في ذلك على ما سيأتي بيانه في أحكام النون الساكنة والتنوين فإن كن مظهرات أو متحركات فلا غنة أي ظاهرة لما سبق من أنهما لا يخلوان عنها البتة في كل حالة يجزئه العمل في النون للسان وفي الميم للشفتين على ما تقدم وكان يجزئه أن يشترط عدم الإظهار إذ يلزم ذلك أن يكون سواكن هذا وقال الشيخ أبو عمرو في شرح هذه الغنة المسماة بالنون المخفاة هذه النون ليست التي قد مر ذكرها فإن تلك من الفم وهذه من الخيشوم ثم قال وشرط هذه أن يكون بعدها حرف من حروف الفم ليصح اخفاؤها فإن كان بعدها حرف من حروف الحلق أو كانت آخر الكلام وجب أن تكون الأولى فإذا قلت منك وعنك فمخرج هذه النون من الخيشوم وليست تلك النون في التحقيق فإذا قلت من خلق ومن آمن فهذه هي النون التي مخرجها من الفم وكذلك إذا قلت أمكن وزين مما يكون آخر الكلام وجب أن تكون هي النون الأولى أيضاً(1/84)
فافهم والله أعلم ( باب حكم النون الساكنة والتنوين ) ( وحكم تنوين ونون ) أي ساكن ( يلفى ) بصيغة المجهول من الالفاء أي يوجد أحدهما في الكلام مقروناً بأحد حروف الهجاء ( إظهار إدغام وقلب إخفا ) أخبار معدودة لقوله حكم أتى في بعضها بالعاطف وفي بعضها بغيره إيماء إلى الجواز وإشعاراً إلى الإيجاز فيلفى صفة للنونين ومفعوله الثاني مقدر كما قررنا وأما إعراب الرومي بقوله يلفى خبر المبتدأ ونائب فعله مفعول الأول ضمير راجع إلى الحكم ومفعوله الثاني محذوف أي يوجد حكم التنوين والنون على أربعة أقسام وقوله إظهار خبر مبتدأ محذوف تقديره أي الحكم المذكور إظهار الخ فلا يخفى على أولى النهي أنه تطويل خارج عن تحقيق المبنى وتدقيق المعنى وإن كان مأخذه ظاهر عبارة ابن المصنف لكن مراده بيان حله ومما يراد إعرابه أن حكم تنوين مبتدأ ونكره لأنه مضاف إلى النكرة وكل مضاف إلى النكرة نكرة وإنما سوغ كونه مبتدأ وصفة بالجملة ثم قوله إظهار إدغام إنما يستقيم الوزن بنقل حركة الهمزة إلى التنوين كما في قاعدة ورش @ ثم الفرق بين النونين أو التنوين نون ساكنة زائدة لغير توكيد تلحق آخر الاسم لفظاً في الوصل لا وقفاً ولا خطأ وأن النون الساكنة تثبت لفظاً وخطاً ووصلاً ووقفاً وتكون في الاسم والفعل والحرف متوسطة ومتطرفة ثم أنواع التنوين ثمانية أو عشرة منها أربعة جاءت في التنزيل مختصة بالأسماء وهي تنوين التمكين وهو ما يدل على أمكنية الاسم لكونه منصرفاً من كمال حركات الإعراب فيه لفظاً أو تقديراً نحو اسم الله " وهدى للمتقين " وتنوين المقابلة نحو " مسلمات مؤمنات " فإن التنوين فيهما قابل النون في مسلمين ومؤمنين وتنوين العوض نحو " من فوقهم غواش " فإن التنوين فيه عوض عن الياء المحذوفة ومنه " وأنتم حينئذ " فإن تنوينه عوض عن الجملة المحذوفة أي وأنتم حين إذ بلغت الحلقوم وإنما حركت الذال لالتقاء الساكنين ومنه تنوين كل فإنه عوض عن المضاف إليه(1/85)
أي وكلهم وتنوين التناسب نحو " سلاسلاً وأغلالاً " فإنه صرف سلاسلاً عند بعض القراء لمناسبة أغلالاً قال خالد فإن قلت قد أخل الناظم بقيد السكون في قوله ونون قلت هو معلوم من قرينة قوله وحكم تنوين لأن الاشتراك في الحكم يقتضي التسوية في الوصف غالباً ومن المعلوم أن التنوين واجب السكون اهـ وبقيد قوله غالباً خرج ما يرد على جوابه بدونه وعدم التسوية منهما في كثير من الأوصاف على ما بيناه وإذا عرفت مجملاً أن أحكامها أربعة فاعلمها مفصلة ( فعند حرف الحلق ) بالإضافة الجنسية أي عند الحروف الحلقية ( أظهر ) أي النونين والمعنى فأظهرهما عندها ( وادغم ) بتشديد الدال وهو من باب الافتعال لغة في تخفيضها من باب الأفعال وأما ما ضبط في بعض النسخ بضم همز أظهر وضم الدال فغير ظاهر وإن ذهب إليه ابن المصنف وتبعها الرومي وذكره المصري ووجهه بأن نائب الفاعل ( في اللام والرا ) بخلاف الشيخ زكريا فإنه اقتصر على ما اخترناه ويؤيد عطف قوله وأدغمن بغنة عليه والمعنى وأدغمها في اللام والرا بالقصر للوزن ( لا بغنة لزم ) قال خالد أي إدغاماً لازماً بغير غنة وفي بعض النسخ أتم مكان لزم يعني إدغاماً تاماً مستكملاً للتشديد وبهذا التقرير يندفع ما توهمه ابن الناظم حيث جعل لزم صفة لغنة اهـ والمعنى أنه نعت لمصدر محذوف والأظهر أن التقدير لا تدغم إدغاماً مقروناً بغنة وأن قوله لزم جملة مستأنفة مبينة أنا الحكم السابق من الإدغام فيهما لزم جميع أفرادهما من غير استثناء عنهما بخلاف قوله ( وأدغمن بغنة في يومن إلا بكلمة كدنيا عنونوا ) وفي نسخة صنونوا وهو أولى لورود أصله في التنزيل من قوله صنوان وغير صنوان بخلاف مجيء العنوان على ما سيأتي له من البيان ثم قوله وأدغمن بالنون الخفيفة المؤكدة ومفعوله مقدر أي النونين ويقرأ يومن بإشباع النون ولا يكتب بالواو وفي آخره كما في بعض النسخ ولا يهمز يومن بل يقرأ بالإبدال لتحصيل الواو في أصل الكلمة وسبق(1/86)
حكم الهمزة ولذا قال الشاطبي بينمو ثم الاستثناء من حروف يومن أي إلا الواقع منها بكلمة كدنيا وصنوان ولم يجيء غيرهما منها في كلمة واحدة من الميم والنون وإلا فكان القياس كذلك فيهما لو وجد الاشتراك لعلة بينهما وأما قول ابن الرومي من أن الاستثناء من أدغمن فلا يصح بظاهره إلا بتكلف بل تعسف وأما قول زكريا إلا أن يكون الحرفان بكلمة فصحيح بحسب المعنى إلا أنه غير صحيح في حل المبنى والحاصل أن الناظم رحمه الله أمر بإظهار النونين عند حروف الحلق الستة المتقدمة في المخارج وهي الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء يجب ترتيبها في مخارجها الثلاثة من الأقصى والأوسط والأدنى ويجمعها أوائل قولك أخي هاك علماً حازه غير خاسر @ وهو لمجيئها مرتباً في المبنى مع قطع النظر عن المعنى أحسن موقعاً من قول الشاطبي رحمه الله : ألا هاج حكم عم خاليه غفلاً قال المصر وجمعت في بيت أيضاً وهو قوله : همز وهاء ثم حاء وعينها وخاء وغين يا أخي تأملا قلت : تأملنا فوجدنا أن حق الترتيب أن يقول : فهمز وهاء ثم عين وحاؤها وغين وخاء ثم كن متأملاً والأمثلة : ينأون من آمن عاد إذ وإنما يتأتى المثالان لغير من ينقل وينهون من هاجر إن امرؤ هلك وأنعمت من علم حقيق علي وانحر من حاد نار حامية فسينغضون من غل ماء غير آسن والمنخنقة إن خفتم يومئذ خاشعة ووجه الإظهار رعاية غاية بعد المخرج مع تنوع الحلق من أدناه وأوسطه وأقصاه قال في التمهيد وقد ذكر بعض القراء في كتبهم أن الغنة باقية فيها وذكر شيخ الداني فارس بن أحمد في مصنف له أن الغنة ساقطة منهما إذا أظهرا وهو مذهب النحاة وبه صرحوا في كتبهم وبه قرأت على كل شيوخي ما عدا قراءة يزيد والمسيب اهـ وأقول يمكن أن يكون النزاع لفظياً لأن من قال ببقائها أراد في الجملة لعدم انفكاك أصل الغنة عن النون ومن قال بسقوطها أراد عدم ظهورها ثم اعلم أن القراء السبعة أجمعوا على إظهار النونين عند حروف الحلق جميعها(1/87)
وإنما روى أبو جعفر إخفاءهما عند الخاء والغين من طريق الطيبة إلا في ثلاث كلمات وهي المنخنقة بالمائدة استثناها بعض أهل الأداء وإن يكن غنياً بالنساء أو فسينغضون بالإسراء ثم لا يخفى وجه تقديم الإظهار فإنه الأصل وثنى بالإدغام لأنه ضد الإظهار المتقدم والشيء يحمل على ضده كما يحمل على نقيضه إذ الضد أقرب خطوراً بالبال ولمساواته له أيضاً في عدة الحروف ثم ذكر القلب لأنه نوع من الإدغام وحرفه واحد قريب إلى الضبط ثم ذكر الإخفاء حفظاً للإحصاء ولأنه حالة بين الإظهار والإدغام فيتوقف على تحققهما والله أعلم ثم أمر بإدغام كل من النونين في اللام والراء من غير إظهار غنة نحو من ربهم وبشرا رسولاً وأن لو وهدي للمتقين ووجه إدغامهما فيهما تلاصق مخرجهما عند الجمهور واتحادهما عند جمع ثم نفي الغنة عنهما مبالغة في تخفيفهما لأن في بقائها لقلا ما قال الرومي أو لاتباع الصفة الموصوف ولتنزلهما بشدة المناسبة منزلة المثلين النائب أحدهما مناب الآخر وفيه أن الغنة باقية في حقيقة المثلين من الميمين والنونين فلا وجه لنفيهما فيما ينزل منزلتهما قال ابن المصنف وإلى عدم الغنة أشار بقوله لا بغنة لزم أي لا بغنة لازمة بل منفكة عنها فما سبق لخالد من إسناد الوهم إلى ابن الناظم مبني على عدم الفهم نعم ذكر زكريا أن في نسخة أتم فيفيد جواز إدغامهما في ذلك بغنة وبه قرأ جماعة لكن المشهور الأول وعليه العمل اهـ والأظهر أن لا يجعل أتم صفة لغنة لئلا يتوهم جوازها في قراءة أو رواية لما صرح الشاطبي رحمه الله من الاتفاق بقوله : وكلهم التنوين والنون أدغموا بلا غنة في اللام والرا ليجملا بل يجعل صفة الإدغام مقدر كما سبق في لزم أو خبر لمبتدأ محذوف هو هو وهو أفعل التفضيل أي وذلك الإدغام أتم والحكم أعم وهو الملائم لأن الإدغام إذا لم يكن مقروناً بالغنة فلا شك أنه أكمل وأتم مما توجد فيه الغنة إذ هي كنوع فصل بين الحرفين ثم أمر الناظم بإدغامهما(1/88)
مقروناً بغنة في حروف يومن وهي أربعة أحرف الياء والواو والميم والنون نحو إن يروا من فئة ينصرونه ومن وال إيماناً وعلى وعن من سنبلة مائة حبة وإن نحو ملكاً نقاتل ثم أعلم أن خلفاً راوى حمزة من القراء السبعة يدغمهما في الواو والياء بلا غنة فإطلاق المصنف رحمه الله بناء على قراءة العامة ثم اتفقوا على أن الغنة مع الواو والياء غنة المدغم ومع النون غنة المدغم فيه واختلفوا مع الميم فذهب ابن كيسان النحوي وابن مجاهد المقري ونحوهما إلى أنها غنة النون تغليباً للأصالة وذهب الجمهور إلى أنها غنة الميم كالنون في انه غنة المدغم فيه @ وهو اختيار الداني والمحققين وهو الصحيح لأن الأولى قد ذهبت بالقلب فلا فرق بين من من وبين أم من أقول ولا يبعد أن يقال بغنتهما إلا في الواو والياء فإنه لا غنة فيهما بالأصالة وإنما توجد فيهما عند المقارنة فيفيد أن الغنة في النون والميم أقوى من الغنة في الواو والياء ولذا وقع خلف خلف فيهما وجاء التأكيد بإظهار غنة النون والميم المدغمتين على ما سبق بيانهما ولا بد أن تكون الغنة في النونين أظهر من غيرهما ثم وجه الإدغام في النون هو التماثل وفي الميم التجانس وفي الغنة والجهر والانفتاح والاستفال وبعض الشدة وفي الواو والياء هو التجانس في الانفتاح والاستفال والجهر ومشابهة الغنة المد ومن ثم أعرب بالنون في الأفعال الخمسة كما أعرب بحروف المد في الأسماء الستة أما إذا اجتمعت النون الساكنة مع الواو والياء في كلمة نحو الدنيا وبنيان وقنوان وصنوان ولا خامس لهذه الأربعة أظهرت لئلا يلتبس بالمضاعف إذا أدغمت وهو ما تكرر أحد أصوله نحو صوان ودياً كذا ذكره المصنف وفيه أن المراد بالمضاعف هنا هو المضاعف الثلاثي وهو ما اتحد عين الفعل ولامه من حروف أصوله كمد وعد فيصير وزن صوان فعلان ووزن دياً فعلاً ليكون مضاعف الافتعال فإنه يصير باقياً على كونه أجوف وزن فعلاً ومع هذا فقد يقال إنه لفيف لكن في الجملة(1/89)
لا يخلو عن الشبهة ولذا قال الشاطبي رحمه الله تعالى : مخافة أشباه المضاعف أثقلاً وأما قول الرومي ونحو عنونوا فإنه إذا أدغم يصير عونوا فيصير عموا فخطأ ظاهر إذ عموا لاشك أنه مضاعف وعونوا على حاله أجوف غايته أنه انتقل من باب فعلل إلى باب التفعيل فتأمل في حروف الأصيل ثم اعلم أن حكم اللام والراء إذا كانتا مع النونين في كلمة كذلك إذا كان يجب إظهارهما معهما لئلا يشتبه بمضاعفهما إلا أنه لما يقع شيء منه في القرآن في كلمة لم يحتج إلى استثنائه وأما في كلمتين وهو قوله من راق فالجمهور على إدغامه وإنما سكت حفص حال الوصل على نونه وكذا على لام بل ران خوف اشتباهه بالمضاعف حيث يصير مراق وبران فيتوهم أن يكون الأول مبالغة ما رق والثاني تثنية البر والمراد بالمضاعف هنا معناه اللغوي دون الاصطلاحي فتدبر وسيجيء وجه سكته على غيرهما في باب الوقف إن شاء الله تعالى ثم اعلم أنه لم يتأت للناظم أن يأتي بمثال الواو من القرآن فأتى بلفظ عنونوا من عنوان الكتاب بضم العين وبكسرها وهو ظاهر ختمه الدال على ما في طيه ولذا قيل الظاهر عنوان الباطن وما أحسن ملاءمة هذا المعنى بخصوص هذا المبنى من الانتقال منه إلى المدعي قال ابن المصنف وهو من تعنين الكتاب لختمه وقال الرومي من عنوان الكتاب لختمه والظاهر ما قال صاحب القاموس عن الكتاب وعننه وعنونه وعناه كتب عنوانه اهـ ولا يخفى أن أصل الكلمة مضاعفة ففيه من الفائدة أن في تصويرها إشارة إلى أن الواو أعم من أن تكون أصلية أو زائدة ثم اعلم أن القراء اختلفوا في نون يس والقرآن ون والقلم حال الوصل كما بينه الشاطبي بقوله : ويس أظهر عن فتى حقه بدا ونون وفيه الخلف عن ورشهم خلا وكذا في نون طسم عند الميم فأظهرها حمزة دون غيره ( والقلب عند البا ) بقصرها للوزن ( بغنة كذا ) أي وقلب النونين ميماً عند ملاقاتهما الباء كما قال الشاطبي وقلبهما ميماً لدى الباء حال كونها مقرونة بغنة كما هو شان(1/90)
الميم الساكنة عند الباء من إخفائها لديها مع الغنة كما سبق عن أجلاء أرباب القراءة في نحو قوله وهم بربهم وأنبئهم وأن بورك وعليم بذات الصدور ووجه القلب عسر الإتيان بالغنة في النون والتنوين مع إظهارهما ثم إطباق الشفتين لأجل الباء ولم يدغم لاختلاف نوع المخرج وقلة التناسب فتعيين الإخفاء ويتوصل إليه بالقلب ميماً لتشاركه الباء مخرجاً والنون غنة وقال سيبويه في تعليل ذلك أي في وجه تخصيص فلبهما ميماً من بين سائر الحروف لأنهم يقلبون النون ميماً في قولهم العنبر ومن بذلك فلما وقع مع الباء الحرف الذي يفرون إليه من النون لم يغيره وجعلوه بمنزلة @ النون إذا كانا حرفي غنة ولم يجعلوا النون باء لبعدها في المخرج من الباء ولأنها ليست فيها غنة أي في الباء ولكنهم أبدلوا مكانها من أشبه الحروف بالنون وهي الميم ثم قوله كذا متعلقات الصراع الآتي أي وكذلك بغنة ( الاخفا لدى باقي الحروف أخذا ) بصيغة المجهول وألفه للإطلاق والتقدير أخذ به أي بالإخفاء ولا يبعد أن يقال أخذهما أي بالقلب والإخفاء أو بما ذكر من مجموع ما تقدم أي علم بها والله أعلم ولا يبعد أن يكون الألف للتثنية والضمير راجع إلى الحكمين من القلب والإخفاء في هذا البيت وقد أبعد الرومي حيث قال وأخذ مبنى للمفعول تثنية أخذ ونائب فاعله ضمير راجع إلى النونين ثم قال ويجوز أن يكون مفرداً ويكون الألف للإطلاق ونائب فاعله راجع إلى النون فتكون اللام في القلب عوضاً من النون الساكنة فقط وعدم التعرض بحال التنوين لمشاركته النون في الحكم المذكور اهـ وهو في غاية من التكلف ونهاية في التعسف مع أن الإسناد غير صحيح إلا أن يقدر مضاف ويقال إخفاؤهما فتأمل فإنه موقع ذلك ثم قول الناظم الاخفا بقصر الهمز ضرورة وبنقل حركة الهمزة إلى اللام والاكتفاء بها عن همز الوصل لغة وقراءة كما سبق تحقيقه في الأضراس والتقدير إخفاؤهما لا لإخفاء لهما كما ذكره زكريا والحاصل أن الناظم أخبر أن(1/91)
النون الساكنة والتنوين كما قلبا ميماً عند الباء وأخفيا بغنة كذلك أخذ إخفاؤهما بغنة عند باقي الحروف الخمسة عشر وهي ما عدا الحروف السابقة للأحكام الثلاثة وقد جمعها بعض الفضلاء في أوائل هذه الكلمات : ضحكت زينب فأبدت ثنايا تركتني سكران دون شرابي طوقتني ظلماً قلائد ذل جرعتني جفونها كأس صابي واعلم أن الجيم من جفونها مكررة لإقامة الوزن ولذا لم تميز كغيرها بالأحمر فهو كما قال الشاطبي : ورب مكان كرر الحرف قبلها لما عارض والأمر ليس مهولا والأمثلة منضود من ضعف عذاباً ضعفاً وينزل فإن زللتم نفساً زكية وينفق فإن فاء وأسفر فعدة ومنثوراً فمن ثقلت أزواجاً ثلاثة وكنتم إن تبتم جنات تجري ما ننسخ أن سيكون ورجلاً سلماً لرجل وعنده ومن دخل عملاً دون ذلك وينشيء فمن شهد شهيد وما ينطق فإن طبن صعيداً طيباً وانظر إن ظن ظلاً ظليلاً وينقلب وإن قيل بتابع قبلتهم لينظر من ذا الذي ظل ذي ثلاث وتنجيكم وإن جنحوا ولكل جعلنا وأنكالاً من كان زرعاً كلتا وينصركم و لمن صبر عملاً صالحاً ووجه الإخفاء تراخى باقي حروف الهجاء عن مناسبة حروف الإدغام ومباينتها لحروف الإظهار فأخفيت فإن الإخفاء حال بين الإظهار والإدغام الذي لا تشديد معه وإن إخفاء الحروف نفسه عند غيره لا في غيره بخلاف الإدغام قال اليمني وحقيقة الإخفاء أن يذهب ذات النون من اللفظ مع بقاء صفة الغنة وقال الرومي المراد هنا إخفاء الحروف لا إخفاء الحركة ثم كل ما ذكر من أول هذا الباب إلى هنا أن كانا من كلمة فالحكم عام في الوصل والوقف وإن كانا من كلمتين فالحكم مختص بالوصل فافهم والله أعلم فإن قلت وجود الغنة مع الإدغام في الواو والياء يمنع أن يكون إدغاماً فينبغي أن يكون إخفاء كما صرح به السخاوي حيث قال : واعلم أن حقيقة ذلك إخفاء لا إدغام وإنما يقولون له إدغاماً مجازاً وإلا فهو في الحقيقة إخفاء على مذهب من يبقى الغنة ويمنع تمحض الإدغام لكن لا بد من تشديد يسير فيهما قال(1/92)
وهو قول الأكابر حيث قالوا الإخفاء ما بقيت معه الغنة أجيب بأن الإدغام مع الغنة في الواو والياء غير كامل من أجل الغنة الباقية وهو عند من أذهب الغنة إدغام كامل وتوضيح ذلك ما قاله الناظم في النشر فإن قلت الصحيح من قول الأئمة أنه إدغام ناقص من أجل صوت الغنة الموجودة معه فهو بمنزلة صوت الإطباق الموجود مع الإدغام في أحطت وبسطت @ والدليل على أن ذلك إدغام وجود التشديد فيه إذا التشديد ممتنع مع الإخفاء قلت قال الحافظ أبو عمر وفمن أبقى غنة النون والتنوين مع الإدغام لم يكن ذلك إدغاماً صحيحاً في مذهبه لأن حقيقة باب الإدغام الصحيح أن لا يبقى فيه من الحرف المدغم أثر إذا كان لفظه ينقلب إلى اللفظة المدغم فيه ويصير مخرجه من مخرجه بل هو في الحقيقة كالإخفاء الذي يمتنع فيه الحرف من القلب لظهور صوت المدغم وهو الغنة ألا ترى أن من أدغم النون والتنوين ولم يبق غنتهما قلبهما حرفاً خالصاً من جنس ما يدغمان فيه فعدمت الغنة بذلك رأساً في مذهبه إذ غير ممكن أن تكون منفردة في غير حرف أو مخالطة بحرف لا غنة فيه لأنها مما تختص به النون والميم لا غير اهـ فإن قيل هلا أدغمت النون الساكنة فيهما بغنة إذا كانتا في كلمة ليحصل الفرق بينهما وبين المضاعف أجيب بأنها لما كانت فارقة فرقاً خفياً لم يدركه العامة لم يكن الفرق معتبراً فمنع الإدغام حذراً من اللبس ظاهراً هذا وقد قال بعض المحققين في أحكام النون الساكنة والتنوين التحقيق أنها ثلاثة إظهار وإدغام محض وغيره وسبق بيانه وإخفاء مع قلب ودونه قال المصنف في النشر فلا فرق حينئذ بين أن بورك ومن يعتصم بالله إلا أنه لم يختلف في إخفاء الميم المقلوبة عند ما ذكر ولا في إظهار الغنة في ذلك بخلاف الميم الساكنة كما تقدم ثم قال وما وقع في كتب بعض متاخري المغاربة من حكاية الخلاف في ذلك فوهم ولعله انعكس عليهم من الميم الساكنة عند الباء والعجب أن شارح أرجوزة ابن بري في قراءة نافع حكى ذلك(1/93)
عن الداني وإنما حكى الداني ذلك في الميم الساكنة لا المقلوبة واختار مع ذلك الإخفاء اهـ كلامه ( باب المدات ) ( والمد لازم وواجب أتى ) أي المد ( وجائز وهو ) أي المد ( وقصر ثبتاً ) بألف التثنية أي ثبت كلاهما إذ الكلام في المد الجائز والمد لغة الزيادة واصطلاحاً إطالة الصوت بحرف مدى من حروف العلة والقصر لغة الحبس واصطلاحاً ترك المد وهو الأصل إذ المد لا بدله من وجود سبب يتفرع عليه وقال الجعبري المد طول زمان صوت الحرف واللين أقله والقصر عدمهما وقدم الناظم المد على القصر مع أن القصر هو الأصل لأنه هو المقصود بالذكر لأنه يبحث فيه القراء وأما قول المصري إذ لا فائدة في ذكر حكم القصر فخروج عن الحد إذ فيه الفوائد أيضاً من غير الحصر مع أن الأشياء إنما تتبين بأضدادها ثم اعلم أن حروف المد ثلاثة الألف ولا تكون إلا ساكنة ولا توجد حركة ما قبلها إلا من جنسها وهو الفتحة والياء الساكنة إذا كان قبلها كسرة والواو الساكنة إذا وقع قبلها ضمة أما إذا كان قبل الواو والياء الساكنتين فتحة فتسميا حروف اللين وإذا كانتا متحركتين فاختصا بحرف العلة والحاصل أن العلة أعم من المد واللين والألف دائماً مد بخلاف أخويها ثم قيل بتباين حرفي المد واللين وعدم صدق أحدهما على الآخر في التمكن لكن من المحققين من جعل بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً مع قوله بذلك الفرق السابق قاطعاً بصدق حروف اللين على حروف المد من غير عكس ثم المد نوعان أصلي وهو اللازم لحروف المد الذي لا ينفك عنها بل ليس لها وجود بعدمه لا بتناء بنيتها عليه ويسمى مداً ذاتياً وطبيعياً وامتداده قدر ألف واجتمعت الثلاثة في كلمة أوتينا فالحروف الثلاثة شرط لمطلق المد وفرعي وهو ما يكون فيه سبب للزيادة على مقدار المد الأصلي والمراد بالقصر هو ترك مد تلك الزيادة لا ترك أصل المد لما تقدم فافهم ثم السبب لزيادة المد إما همز أو سكون والهمز إما أن يوجد مع حروف المد في كلمة أو في(1/94)
كلمتين والسكون إما لازم أو عارض فالأقسام أربعة لازم وواجب وجائز وعارض وسيأتي تعريف كل في محله ما يتعلق بحكمه قال ابن المصنف وإلى الأربعة أشار في البيت قلت المصنف ما ذكر سابقاً في مقام الإجمال إلا ثلاثة وأما فيما سيأتي من بيان التفصيل فذكر الأربعة وكأنه أدرج هذا العارض في ضمن @ الجائز لاشتراكهما في حكم جواز المد والقصر في الجملة أو بالنسبة إلى اختلاف أهل القراءة ( فلازم إن جاء بعد حرف مد ) بتشديد الدال يوقف عليه بالسكون كما في قوله تعالى تب وحج ونحوهما ويخفف للوزن ( ساكن حالين وبالطول يمد ) أي يزداد حرف المد والمراد بالطول قدر ثلاث ألفات على خلاف في اعتبار المد الأصلي معهما أو بدونه فلازم خبر لمبتدأ مقدر أي فالمد لازم وقوله ساكن حالين فاعل جاء وهو بالإضافة أي ساكن في حالي الوصل والوقف وقيل هو الذي لا يخلو عن السكون والمؤدي واحد والمعنى متحد وأما العارض الذي يقابله فهو أني يكون سكونه عارضاً لأجل وقف أو إدغام كما سيأتي والحاصل أن الفاء لتفصيل ما أجمل أولا فأخذ يبين كل نوع من أنواع المد مفصلاً فأخبر أن المد اللازم هو الذي جاء بعد أحد حروف المد حرف ساكن لازم سكونه في الحالين لا يختلف حاله باعتبار اختلاف الوصل والوقف فلا يضر كون سكونه عارضاً عند الاعلال نحو دابة فإنها في الأصل كانت داببة على وزن فاعلة فسكنت الباء الأولى وأدغمت في الثانية فلا يسمى سكونه عارضياً عند القراء ثم السكون إما مدغم نحو ولا الضالين وأتحاجوني وهذان واللذان عند من شدد نونهما وآلذكرين في وجه الإبدال دون التسهيل وهذا لازم كلي ويسمى لازماً مشدداً إما غير مدغم كما في فواتح السور من ص وق ونحوهم وهذا لازم حرفي باعتبار أصل كلي ويسمى لازماً مخففاً ويلحق به نحواً لآن في موضعي يونس وكذا والائي ومحياي في قراءة من أسكن ياءهما لأنه اعتبر فيه اللفظ اعتبار أصل كلي ويسمى لازماً مخففاً ويلحق به نحو آلآن في موضعي يونس وكذا(1/95)
والائي ومحياي في قراءة من أسكن ياءهما لأنه اعتبر فيه اللفظ اعتبار بالاعتداد بالعارض واختلف في آلم في فاتحة البقرة وكذا في فاتحة آل عمران وقفاً هل مد اللام لكونه مشدداً أكثر أو مد الميم لأنه في محل الوقف أظهر والجمهور على التساوي على ما صرح به الجعبري ثم أعلم أن القراء أجمعوا على مد اللازم بقسميه مداً مشبعاً قدراً واحداً من غير إفراط فقد قال الناظم في النشر لا أعلم بينهم في ذلك خلافاً سلفاً ولا خلفاً إلا ما ذكره الأستاذ الجاجان في كتاب ( حلية القراء ) اتصالاً عن أبي بكر بن مهران إلا حيث قال والقراء مختلفون في مقداره فالمحققون منهم على أنه الإشباع والأكثرون على إطلاق تمكين المد فيه ثم اختلفوا أيضا في تفاوت بعض ذلك على بعض فذهب كثير إلى أن مد المدغم منه أشبع تمكيناً من المظهر من أجل الإدغام مثل دابة بالنسبة إلى محياي عند من أسكن وينقص عند هؤلاء مد ص والقرآن ذي آلذكرون والقلم عند من أظهر بالنسبة إلى من أدغم وذهب بعضهم إلى عكس ذلك وهو أن مد غير المدغم فوق المدغم وقال لأن المد يتحصل ويتقوى بالحرف المدغم فيه لحركته فكأن الحركة في المدغم فيه حاصلة في المدغم فقوى بتلك الحركة وإن كان الإدغام يخفى الحرف وذهب الجمهور إلى التسوية بين مد المدغم والمظهر في ذلك كله إذ الموجب للمد هو التقاء الساكنين والتقاؤهما موجود في كل فلا حاجة للتفصيل في ذلك كله وهذا هو التحقيق فلا يعدل عنه وبه صرح أبو عمر والداني رحمه الله وأما ما ذكره ابن المصنف وتبعه غيره هنا من نوع الجائز في الإدغام نحو الرحيم ملك وفيه هدى كما هو قراءة أبي عمرو برواية السوسي وكذا لا تيمموا ولا تعاونوا على رواية البزي عن ابنك كثير فليس في محله إذ كلام المصنف على حسب مرامه إنما هو في ساكن حالين والأمثلة المذكورة ليست إذ الإدغام عند الوقف على الكلمة الأولى منهما فحقها أن تذكر في المد الجائز لجواز مدها وقصرها كما اختلف القراء فيها أو(1/96)
في المد العارض لأن العارض كما يكون في الوقف يكون عارضاً في الوصل وكذا الم الله في الوصل عند الكل والم احسب الناس عند الناقل وهو ورش مطلقاً وحمزة وقفاً من المد الجائز أو العارض لأنه إن اعتبر فيه اللفظ اعتباراً بالاعتداد بالعارض جرى فيه وجوه سكون الوقف من الطول والتوسط والقصر لكن صرحوا بان التوسط ضعيف ولعل هذا وجه اقتصار زكريا على ما عداه وأن اعتبار الأصل عدم الاعتداد بالعارض وهو الأكثر فالإشباع وأغرب المصري حيث جعل نحو والصافات صفاً بالإدغام @ عند حمزة ونحو فلا أنساب بينهم ولا تيمموا من المد اللازم وقال خلافاً لبعضهم حيث جعل من القسم الجائز والمعتمد الأول وهذا زلل منه وخطل فإنه ذهب إلى خلاف ما صرحوا به فما ذكرناه فهو المعول ثم اعلم أن أهل الأداء اتفقوا على إشباع المد الساكن اللازم في فواتح السور التي وجد فيها حرف المد والسكون وكذا قال الشاطبي رحمه الله تعالى : وفي نحو طه القصر إذ ليس ساكن وما في ألف من حرف مد فيمطلا واختلفوا في قدر مد غير الفواتح منهم من مد قدر ألفين كالفواتح وهو اختيار الناظم وإليه أشار بقوله وبالطول يمد كذا ذكره المصنف مجملاً وينبغي أن يكون كلامه محمولاً على أن المراد بقدر ألفين زيادة على المد الأصلي ليصح إطلاق الطول عليه فإن اقل الطول ثلاث ألفات والتوسط قدر ألفين ليبقى قدر ألف للقصر ثم قال ومنهم من مد قدر ألف واختاره الأهوازي والسخاوي في قوله : والمد قبل المسكن دون ما قد مد للهمزات باستيقان أقول ومن المعلوم أن أقل مد الهمزات ثلاثة إجماعاً فمراده بقدر ألف غير ما في حرف المد من المد الطبيعي ثم وجه المد اللازم أنه تقرر في علم التصريف أنه لا يجمع في الوصل بين الساكنين فإذا أدى الكلام إليه حرك أو حذف أو زيد في المد ليقدر محركاً وهذا موضع الزيادة ولذا قال الخاقاني : مددت لأن الساكنين تلاقيا فصار كتحريك كذا قال ذو الخبر هذا ويسمى مد العدل أيضاً لأنه يعدل حركته(1/97)
ولتساوي القراء في قدر مده قال ابن المصنف ويسمى مد الحجز لأنه فصل بين الساكنين وجعله خالد في شرحه مد الحجز كقوله أأنذرتهم وأئذا سمى بذلك لدخول الألف بين الهمزتين حاجزة بينهما ومبعدة إحداهما عن الأخرى عند بعض القراء ممن يدخل الألف بين الهمزتين كراهة تواليهما متحركين سواء كانتا متفقتين أو مختلفتين ثم اعلم أن لفظ عين في فاتحتي سورة مريم والشورى لما كان باؤه لينية غير مدية وإن كان سكون النون لازماً اختلف القراء في مقدار مدها فقال ابن المصنف فيه الإشباع والتوسط وتبعه الشيخ زكريا والمحققون من شراح الشاطبية على جواز القصر أيضاً كما أشار إليه الشاطبي بقوله : ومد له عند الفواتح مشبعاً وفي عين الوجهان والطول فضلاً لأن الوجهين وقعاً مبهمين يحتمل القصر والتوسط ويحتمل الطول مع أحدهما فيتحصل جواز الوجوه الثلاثة فوجه الإشباع أنه قياس مذاهبهم في الفصل بين الساكنين وهو أعم من اعتبار حرف اللين والمدمع ما فيه المناسبة لما جاوره من الممدود كصاد في مريم وسين في شورى ووجه التوسط هو التفرقة بين ما يكون حركة ما قبله من جنسه وبين مالا يكون لتوجد مزية لحرف المد على اللين ووجه القصر أن المد من خواص حرف المد فينتفي بانتفائه مع أن القصر هو الأصل وهذه ثلاثة أوجه صرح الناظم بها في طيبته فقال ونحو عين فالثلاثة لهم فثبت الأوجه من الطريقين فلا يعباً بقول مخالفها ثم اعلم أنه حيث قيل بالقصر في كلمة فلا يخرج بها عن المد الأصلي الذي لا يقوم ذات الحرف إلا به ولا يتوقف على وجود سبب مده فالمخرج عنه مخطئ لأنه لا يتوصل إليه إلا بإسقاط حرف من القرآن ( وواجب إن جاء قبل همزة ) بالإشباع ( متصلاً إن جمعاً بكلمة ) المشهور على ما في النسخ المحررة والأصول المعتبرة بكسرة همزة إن على أنها للشرط قال اليمني والأولى أن يكون بفتح الهمزة وتكون الباء مقدرة قلت لم يتجه وجه الأولى مع أن النسخة الأولى مستقيمة في المعنى غير محتاجة إلى(1/98)
تقدير في المبنى قال وفي بعض النسخ إذ جمعاً فيكون تعليلاً للاتصال قلت إن صحت إذ ولم يكون تصحيفاً لأن فحينئذ ينبغي أن يكون للظرفية إذا لم يستحسن تقديم التعليلية أي والمد واجب إن جاء حرف المد قبل الهمزة حال كون حرف المد متصلاً بها @ بأن اجتمعا في كلمة واحدة كما مثله الشاطبي بقوله كجيء وعن سوء وشاء اتصاله ومنه قوله : هاء هؤلاء فتنبه لهذا الأمر اللغوي فإن اعتبار بالاتصال الأصلي لا بالاتصال الكتبي ولا بالانفصال الرسمي ومنه النبي عند من همز ويسمى هذا المد مد المتصل لما ذكر وله محل اتفاق ومحل اختلاف أما الأول فاتفق القراء جميعهم من السبعة والعشرة وغيرهم على اعتبار أثر الهمزة إذا كانت بعد المد بخلافه إذا كان الهمز قبل حرف المد كآمن وأوتمن وإيمان والآخرة فإنه من مختصات رواية ورش ويجوز له فيه المد والتوسط والقصر ويسمى مد البدل وكذا يجوز له الوجهان في نحو شيء وسوء مما يقع الهمز بعد أحد حرفي اللين وصلاً ويجوز فيه الأوجه الثلاثة ولغيره وقفاً ولم يتعرض الناظم لهما لأن غرضه في هذه المقدمة بيان ما اتفق عليها لا ما اختلف فيها لأنها موضوعة للمتبدئين على أن مد البدل اقتصر على قصره ابن مجاهد وعليه العراقيون واختاره بعض المحققين كالجعبري من أن حروف المد الذي وقع بعد همزة متصلة محققة و مخففة بالإبدال أو التسهيل أو النقل الجائز مقصورة لكل القراء وجهاً واحداً إلا أن ورشاً من طريق الأزرق ورد عنه ثلاث طرق : القصر وهو مذهب ابن غلبون والتوسط وهو مذهب أبي عمرو الداني ومكي والطول وهو مذهب الهذلي فيما رواه عن شيخه أبي عمرو وضبطه بالإشباع المفرط وذهب الجمهور إلى الإشباع من غير إفراط وهو قدر ثلاث ألفات وممن روى الثلاثة الصفراوي في إعلانه والشاطبي أنه كان يرى في هذا النوع مرتبتين طولى لورش وحمزة ووسطى للباقين قال ابن المصنف وكان الناظم يأخذ به إذا قرأ من طريق الشاطبي : أقول وفي الطولى خلاف هل هو مقدار خمس(1/99)
ألفات أو أربع وكذا في الوسطى هل ه مقدار أربع أو ثلاث ومنشأ الخلاف إدخال المد الأصلي فيه وتركه فالنزاع لفظي لا تحقيقي قال ابن المصنف : وإذا اعتبرت مراتب القراء في الترتيل والتوسط والحدر تلخص منها أربع مراتب فيكون أطولهم في هذا النوع ورش وحمزة ثم عاصم ثم ابن عامر والكسائي ثم أبو عمرو وابن كثير وقالون أقول وقد جمعها الشيخ عبد الله الجزري في بيتين فقال : وأطولهم مداً بها جود فاضل ودونهما نو ودونه رم كلا وأقصره من هذين حافة بحره بخلفهما والقصر لا تعد مطولاً لكن قوله بخلفهما إنما أراد في المد المنفصل لهما وقد أوضح المراتب بعضهم بقوله نظماً : بمد قدر الخمس جود وفاضل و الأربع نجم وثلاث رضا كلا والاثنان بردارم ثم حامد مراتب مد جاء في ذا مسجلاً ثم تفصيله ما ذكره المصنف في التقريب حيث قال فالمتصل اتفق جمهور القراء على مده قدراً واحداً مشبعاً من غير إفحاش وذهب آخرون إلى تفاضل مراتبه كما تقدم وهذه طريقة صاحب التيسير وغيره وبه قرأت على عامة مشايخي وبعضهم لم يجعل سوى مرتبتين وهو اختيار أبي بكر بن مجاهد وصاحب العنوان والشاطبي وبه كان يقرأ وبه أخذ غالباً وقال أيضاً في التقريب بعد ذكر اختلاف القراء في المد المنفصل على ما سبق بيانه وهذا بناء على ما عليه أكثر أهل الأداء من المشارقة والمغاربة وذهب آخرون إلى أن وراء القصر مرتبتين طولى لحمزة والأزرق ووسطى لمن بقى كما هو اختيار الشاطبي ومن معه في المتصل وبه أخذ اختصاراً وأما المد اللازم نحو دابة فكلهم يقرءون على نهج واحد على المختار هكذا نقل عن الجزري مطلقاً والله أعلم وأما ما نقله أبو شامة من جواز قصر المتصل نقلاً عن الهذلي فمردود بما صرح به الناظم في النشر حيث قال وهذا شيء لم يقله الهذلي ولا ذكره العراقي وإنما ذكر العراقي التفاوت في مده فقط ثم قال الناظم وقد تتبعته فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة بل رأيت النص بمده عن ابن مسعود رضي الله عنه @(1/100)
يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم " أن ابن مسعود كان يقرئ رجلاً فقرأ الرجل : إنما الصدقات للفقراء والمساكين مرسلة فقال ابن مسعود ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن ؟ فقال أقرأنيها : إنما الصدقات للفقراء والمساكين " فمدها قال الناظم وهذا حديث جليل حجة ونص في هذا الباب ورجال إسناده ثقات رواه الطبراني في معجمه الكبير ثم اعلم أن القراء اختلفوا في مقدار هذه المراتب عند من يقول بها فقيل أول الرتب ألف وربع قال زكريا وهذا عند أبي عمرو وقالون وابن كثير ثم ألف ونصف ثم ألف وثلاثة أرباع ثم ألفان وقيل أولها ألف ونصف ثم ألفان ثم ألفان ونصف ثم ثلاث ألفات وهذا هو الذي اختاره الجعبري وقيل أولها ألف ثم ألفان ثم ثلاث ثم أربع قال الرومي وهذا مذهب الجمهور ولا يخفى عليك أن المراد بالألف ما عدا الألف الذي هو المد الأصلي للإجماع على ذلك وأما معرفة مقدار المدات المقدرة بالألفات فأن تقول مرة أو مرتين أو زيادة وتمد صوتك بقدر قولك ألف ألف أو كتابتها أو بقد عقد أصابعك في امتداد صوتها وهذا كله تقريب لا تحديد للشأن إذ لا يضبطه إلا المشافهة والإدمان ثم وجه المد أن حرف المد ضعيف خفي والهمزة حرف قوي صعب فزيد في حرف المد تقوية للضعيف عند مجاورة القوي وقيل ليتمكن من التلفظ بالهمزة على حقها من شدتها وجهرها ثم لا يخفى أن المد ليس حرفاً ولا حركة بل زيادة على كمية حرف المد إلا أنها عارضة لا تقوم إلا بها كالحركة عليها وسيجيء زيادة بيان لها ( وجائز إذا أتى منفصلاً ) أي والمد جائز إذا جاء حرف المد قبل الهمزة حال كون حرف المد منفصلاً عن الهمزة بأن اجتمعا في كلمتين وهو أن يكون حرف المد في آخر الكلمة الماضية والهمزة في أول الكلمة الآتية وقد جمع الشاطبي أمثلته في قوله : و مفصوله في أمها أمره إلى منبهاً على أن المعتبر في حرف المد أن يكون ملفوظياً لا أن يوجد مكتوبياً ومن(1/101)
اللطافة ما أشار في العبارة من أن حصول الجمع بين المثالين يولد مثالاً ثالثاً وهو وقوع حرف الألف قبل الهمزة فتأمل فإنه عليه المعول وإنما سمى هذا المد جائزاً لاختلاف القراء فيه فإن ابن كثير والسوسي يقصر أنه بلا خلاف وقالون والدوري يقصر أنه ويمدانه والباقون يمدونه بلا خلاف وتفاوت هذا المد المنفصل في الزيادة كتفاوتهم فيها كما مر في المد المتصل وقد يقال سمى جائزاً لأنه إنما يجوز مده إذا وصل بين الكلمتين في القراءة وأما إذا وقف على الكلمة الأولى فلا مد أصلاً كما لا يخفى وقيل سمى جائزاً لجواز زوال سببه فيجوز قصره حينئذ كما بيناه وأما وقول المصري فالجائز ما كان مده جائزاً عند جميع القراء مع جواز القصر وقيل ما جاز مده عند جميع القراء والعبارة الأولى أولى فلا يخفى أن كليهما لا يحص عند أرباب المبنى وأصحاب المعنى كما سبق من أن المد المنفصل يجب قصره عند بعض فلا يجوز مده عندهم ويجب مده عند آخرين فلا يجوز قصره عندهم وإنما جاز الوجهان عند بعضهم نعم يجوز حمل الجائز في كلامه على أحد نوعيه وهو المد العارض لكن إطلاقه في مقام الفرق بين الواجب واللازم خطأ مع أن مؤدي العبارتين في كلامه متحد فلله در القائل : عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير فالرجل كحاطب ليل لا يفرق ما وقع في يده من حصول نيل فوجه المد اعتبار اتصالهما لفظاً في الوصل واعتبار العارض كاللازم ولما روى " أنه سئل أنس رضي الله عنه عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يمد صوته مداً " وهذا الخبر عام في المتصل والمنفصل وغيرهما من أنواع المد كذا ذكره ابن المصنف لكن ينبغي أن يفصل ويحمل كل موضع من محال المد على مقداره اللائق به حتى يشمل المد الأصلي والفرعي والاتفاقي والاختلافي وأما وجه القصر فهو إلغاء أثر الهمزة لعدم لزومه باعتبار حال الوقف فإن العارض بمنزلة المعدوم وأما ما نقل أبو علي الأهوازي عن الحلواني والهاشمي كلاهما عن(1/102)
@ القواس عن ابن كثير في جميع ما كان من كلمتين تجويز البتر وهو حذف الألف والواو والياء فقال أبو عمر والداني هذا مكروه قبيح لا يعول عليه ولا يؤخذ به إذ هو لحن لا يجوز بوجه ولا تحل القراءة به قال ولعلهم أرادوا حذف الزيادة لحرف المد وإسقاطها وعبروا عن ذلك بحذف حرف المد وإسقاطه مجازاً ( أو عرض السكون وقفاً مسجلاً ) أو للتنويع لا للترديد عاطفة لما بعدها على قوله أتى أي والمد جائز أيضاً إذا عرض السكون حال كون السكون ذا وقف أو موقوفاً عليه ومعنى مسجلاً مطلقاً بان يكون الوقف بالإسكان سواء يكون معه الإشمام أم لا بخلاف ما إذا الوقف بالروم فإنه حينئذ حكمه حكم الوصل وسيأتي بيان الروم والإشمام في محلها مع اختلاف محالهما وأما عطف الشيخ زكريا وقفاً على قوله أو إدغاماً أي صاحب إدغام فلا دلالة عليه في كلام المصنف أصلاً إلا أنه كالمستدرك عليه أورده فصلاً ويعتذر عن المصنف بأنه إنما حصل هذه المقدمة لما اتفق عليه الأمة وذهب إليه أكثر الأئمة ثم الأمثلة في الوقف العارض نحو : الرحيم ونستعين والصراط فيجوز في كل منها لكل القراء ثلاثة أوجه الطول والتوسط والقصر فوجه الطول حمله على اللازم بجامع اللفظ ووجه التوسط اعتبار كون الوقف العارض ملاحظاً عن سكون اللازم أو التعادل بين الحالين رعاية للجانبين ووجه القصر مع ما ذكر فيما سبق أن الوقف يجوز فيه التقاء الساكنين مطلقاً فاستغنى عن المد أقول وهذه الأوجه الثلاثة تجوز في السكون العارض عند الجميع أيضاً ولو كان بعد حرف اللين نحو لا خوف ولا خير إلا أن الطول أفضل ثم التوسط وهذا في حرف المد وأما في حرف اللين فالقصر أولى ثم التوسط وقال زكريا وفي نحو الرحيم مالك في قراءة أبي عمرو وأي براوية السوسي ونحو ولا تيمموا في قراءة البزى يجوز ثلاثة أوجه أقول فكأنهم قاسوا العارض في الوصل على العارض في الوقف فأعطى له حكمة فالشرط أن لا يقف على الكلمة الأولى سواء وقف على الأخرى أو(1/103)
وصلها بما بعدها فإن قلت إن ما يفهم من قول الناظم وجائز أن المد جائز وكذا قصره بحكم مفهومه أو باعتبار أن أحد الجائزين مد والآخر منهما قصر فالتوسط أمر زائد لا يؤخذ منه ولا يشير إليه ما يدل عليه فالجواب أن المراد بالمد هو المد الزائد على القصر وهو أعلم من أن يكون طولاً ولهذا نص المصنف على الأول في اللازم المتصل بقوله وبالطول يمد لئلا يتوهم مطلقاً المد الشامل له ولغيره أو نأخذ من العموم القصر الذي هو نقيض المد ما يكون قصراً حقيقياً أو إضافياً كما يستفاد من صنيع الشاطبي رحمه الله في قوله بطول وقصر وصل ورش ووقفه فإن الإجماع على أن مراده بقصر هو التوسط لكن لو قال بدله ووسط لكان صريحاً على المقصود ثم اعلم أن ههنا دقيقة وهي أن إدخال الألف بين الهمزتين على ما هو المقدر عند بعض القراء وإن كان حرف مد فليس بموجب لزيادة الامتداد وإن وقع بعده سبب من همز محقق أو مسهل كرواية هشام عن الإمام الشامي في نحو أأنتم بخلاف إبدال الهمزة الثانية ألفاً حيث يتولد منه المد اللازم والفرق أن أصل هذه الألف موجود في بنية الكلمة بخلاف الأولى فإنه ليس له ثبوت في الرسم أصلاً وبهذا يتبين أن صورة الألف إنما هي للهمزة الثانية وأن الأولى هي الساقطة خلافاً لمن خالف في هذه القاعدة ثم اعلم أن الألف مركب من فتحتين والواو مركب من ضمتين والياء مركب من كسرتين فإذا أشبعت الفتحة يتولد منها ألف وإذا أشبعت الضمة يتولد منها الواو وإذا أشبعت الكسرة يتولد منها الياء @ كذا ذكر الشارح اليمني وفيه إيماء إلى أن هذه الحركات هي أصول هذه الحروف ومختار الشاطبي أن القضية منعكسة حيث قال : وأما هما واو ياء يؤيده ما ذكره من أن الحروف ذات والحركة عرض محلها ثم اعلم أن الفرق المذكور بين اللازم والواجب اصطلاحي أما باعتبار المعنى اللغوي وكذا العرفي فلا فرق بينهما فإنه لا يجوز قصر أحدهما عند جميع القراء فلو قرئ بالقصر يكون لحنا جلياً وخطأ(1/104)
فاحشاً مخالفاً لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالطرق المتواترة وكذا إذا زاد في المد الأصلي والطبيعي على مده العرفي من قدر ألف بأن جعله قدر ألفين أو أكثر كما يفعله أكثر الأئمة من الشافعية والحنفية في الحرمين الشريفين في الحرم المحترم فإنه محرم قبيح لا سيما وقد يقتدي بهم بعض الجهلة ويستحسن ما صدر عنهم من القراء وأما إذا قصر المنفصل جاز لكن ينبغي أن لا يقع تركيب و تلفيق في قراءته بأن يمد في موضع ويقصر في موضع فإنه مكروه وأما إذا كان في نفس واحد فهو أشد كراهة ثم اعلم أن الزيادة على مقدار الوارد في حد المد أيضاً ممنوع فمذهب الجمهور أن قدر المد الأولى خمس ألفات وقدر المد الطولى أربع ألفات وقدر مد المتوسط ثلاث ألفات وقدر المد فوق القصر ألفان ومذهب العراقيين أن قدر المدر الطولى أربع ألفات ثم ينقص النصف في كل مرتبة حتى ينتهي إلى مرتبة القصر وهي ألف واحد ومذهب الصقلي أن المد الطولى ألفان ثم ينقص في كل مرتبة ربع ألف لكن الجعبري رد المذهب الأول في المتصل والمنفصل حيث قال و لا تحصيل لمن قال غايتهما خمسة للخروج عن الحد واختار المذهب الثاني حيث قال وهذا أعدل وبه قرأت أقول والأولى أن يكون مراد الجمهور بالخمس بناء على إدخال المد الأصلي ومراد غيرهم بالأربع ما عداه فالخلاف لفظي لا حقيقي والحاصل أنه لا يجوز الزيادة على مقدار خمس ألفات إجماعاً فما يفعله بعض الأئمة وأكثر المؤذنين فمن أقبح البدعة وأشد الكراهة وأما تقدير الهذلي الطولي بست ألفات وذلك في كامله لورش فيما رواه الحداد وابن نفيس وابن سفيان وابن غلبون فنسبوه في ذلك إلى الوهم كما قال المصنف رحمه الله في نشره والله أعلم ثم لما عرفت أن الهمزة والسكون هو السبب لزيادة المد فلا وجه لمن مد معايش وداود إذ ليس بعد ألفهما إلا الياء والواو المتحركان وهما ليسا من أسباب المد وأما ما ذكره خالد من أقسام المد وأما ما ذكر خالد من أقسام المد أربعة(1/105)
عشر وكذا عد غيره تسعة وعشرين فكلها مندرجة فيما ذكر إجمالاً وإنما اختلف باختلاف الأسماء فكل الصيد في جوف الفرا كما ورد عن سيد الورى هذا وقد أطلق الشاطبي في الفرش المد وأراد به حرفه كقوله : وفي حاذرون المد واستعمل القصر فيه أيضاً وأراد به حذفه كقوله : وفي لابثين القصر ثم اعلم أن الشارح المصري ذكر أن الساكن العارض بقسيمه للقراء فيه ثلاثة مذاهب الأول الإشباع كاللازم لاجتماع الساكنين اعتداداً بالعارض وهو اختيار الشاطبي لجميع القراء فهذا قد يتوهم منه أن من طريق الشاطبية ليس لكل القراء إلا المد وليس كذلك لقوله في الشاطبية وعن كلهم بالمد ما قيل ساكن أي من السكون اللازمي لمقابلته بقوله وعند سكون الوقف وجهان أصلاً مع ما فيه من الإشارة إلى أن الوجهين أصلان وهما المد والقصر وهناك وجه فرع يتفرع عليهما مع عدم اعتبارهما هو التوسط فيما بينهما ليعدل الأمر بالحط عن درجة الأولى وبالرفع في درجة الأخرى ثم اعلم أن أسباب المد منها لفظي كما تقدم ومنها معنوي وهو قصد المبالغة في النفي وهو سبب قوي مقصود عند العرب وإن كان أضعف من السبب اللفظي عند القراء ومنه مد التعظيم في نحو لا إله إلا الله ولا إله إلا أنت وهو قد ورد عن أصحاب القصر في المنفصل لهذا المعنى كما نص على ذلك أبو معشر الطبري وأبو القاسم الهزلي وابن مهران وغيرهم ويقال له أيضاً مد المبالغة قال ابن مهران وإنما سمى بمد المبالغة لأنه طلب للمبالغة في نفي @ إلهية سوى الله سبحانه وتعالى قال وهذا مذهب معروف عند العرب لأنها تمد عند الدعاء وعند الاستغاثة وقد استحب العلماء المحققون مد الصوت بلا إله إلا الله إشعارً بما ذكرناه ومما يدل على ذلك ما روى في الحديث عن ابن عمر مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله ومد بها صوته أسكنه الله تعالى دار الجلال سمى بها نفسه فقال ذو الجلال والإكرام ورزقه النظر إلى وجهه وفي الحديث عن أنس من قال(1/106)
لا إله إلا الله ومدها هدمت له أربعة آلاف ذنب قال الناظم في النشر وكلا الحديثين ضعيفان إلا أنه يعمل بهما في فضائل الأعمال : أقول وعلى تقدير صحته وجواز العمل بروايته ليس فيه إلا تقوية لمذهب القائل بمد المنفصل ولا يلزم منه أن يكون مده وجهاً لمن يجوز قصر المنفصل ولهذا ما عرج عليه الشاطبي وجمهور القراء وإنما هو من طريق المصنف وكذا ما جاء من مد المبالغة للنفي في نحو لا ريب التي للتبرئة عن حمزة فإنه لا يصح من طريق الشاطبية وعامة أهل القراءة بل هي رواية شاذة عند أهل الدراية ( وبعد تجويدك للحروف ) بالإشباع أي وبعده معرفة تحسينك للحروف مفردة ومرتبة وموصولة وموقوفة وتعميماً أولى من تخصيص المصري لها بحروف الهجاء واعتراضه على ابن المصنف في تفسيره إياها بالكلمات فإنه عدول عن الظاهر ( لا بد من معرفة الوقوف ) أي لا بد لك من معرفة أماكن الوقوف ( والابتداء وهي تقسم إلى ) بحذف همزة أل وكسر لامه لانتقاله وبسكون هاء وهي الراجعة إلى الوقوف وتقسم بصيغة المجهول مخففاً وفي نسخة ضبط بكسرها وهي سكون يائها وتقسم بتشديد سينها والظاهر أنه غير موزون إلا بقصر الابتداء ( تام وكاف حسن تفضلاً ) بضم الضاد تمييز كما اختاره الرومي وبفتحها جملة مستأنفة كما أشار إليه ابن المصنف بقوله أي تبين تقسيم الوقوف فألفه للإطلاق وخففت ميم تام ضرورة وفي نسخة وهي تقسم اذن ثلاثة تام وكاف وحسن فمعنى اذن أي حينئذ فهو ظرف لتقسم كما صرح به الرومي وقال الشيخ زكريا وتبعه المصري زائدة وفيه أن إذا الزائدة لا تكون منونة ونصب ثلاثة على المفعولية من تقسم وحذف إلى لدلالة الحال عليها وقوله تام مخفف خبر مبتدأ محذوف هو وهي وكاف بكسر الفاء منون وهو مرفوع لكن علامة رفعه مقدرة كإعراب قاض مرفوعاً وحسن بالسكون وقفاً وهذه النسخة هي أصل الشيخ زكريا وخالد الأزهري قال ابن المصنف الوقوف جمع وقف وجمعها باعتبار تنوعها يعني في محل واحد من الاسكان والروم(1/107)
والاشمام ووجد الابتداء لأنه غير متنوع أي كذلك والأظهر أن الوقوف مصدر كالابتداء ففي القاموس وقف يقف وقوفاً دام قائماً الموقف والمبادي أو يراد بهما المعنى المصدري أي معرفة كيفية الوقوف والابتداء ثم قال ابن وفيه المصنف والوقف عن الشيء ترك الاتيان به ولهذا سمى في الاصطلاح وقفاً لأنه وقف عن الحركة أي تركها وفيه أن هذا الحد غير جامع لأنه لم يشمل الكلمة التي يكون آخرها ساكناً من أصلها كلم يلد وإن في ونحوها فالأولى أن يقال لأنه وقف على الكلمة ولم يتعدها ( وهي لما تم فإن لم يوجد ) بالإشباع ( تعلق أو كان معي فابتدى ) أي وهذه المواقف المذكورة إنما تكون لما تم معناه لا لما كمل مبناه والحاصل أن هذه الوقوف للفظ تم الكلام عليه من حصول ركني الجملة من المسند والمسند إليه ثم يقسم ذلك التمام إلى ما فصله في مقام المرام بقوله فإن لم يوجد لما تم من الكلام تعلق بما بعده لا مبنى و لا معنى أو يوجد له تعلق به معنى لا مبنى فابتدئ أنت بما بعده في القسمين المذكورين إذا وقفت على ما قبله في الصنفين المسطورين فقوله ابتدئ عطف على مقدر أي قف حينئذ على ما تم فابتدئ بما بعده قال الرومي هو أمر حذف الهمزة من آخر وأشبع الدال للوزن وفيه أنه لا وجه لحذفها مجاناً فالصواب أنه إبدال الهمزة الساكنة على قاعدة حمزة وهشام وقفاً فينبغي أن يكتب بالياء بعد الدال ليكون دالاً @ على الاعلال ( فالتام فالكافي ولفظاً فامنعن إلا رؤوس الآي جور فالحسن ) الكلام الفاء الأولى للتفصيل أو للتفريع وما بعدها للترتيب في التنويع وفيه لف ونشر مرتب في الصنيع وتقدير الكلام وقل أما الوقف على الأول منهما فالتام سمى به لتمام المبنى وانقطاع ما بعده عنه في المعنى وأما الوقف على الثاني فالكافي وسمى به للاكتفاء في الوقت عليه والابتداء بما بعده كالتام ولفظاً عطف على معنى في البيت السابق أي وإن كان فيه تعلق لما بعده لفظاً ومعنى لأنه يلزم من اللفظ تعلق(1/108)
المعنى بخلاف عكس المبنى كما سيأتي في تحقيق التعلق وقوله فامنعن بالنون الساكنة المخففة دخلت على الأمر للتأكيد والفاء لأنه جواب للشرط المقدر والمعنى فامنع الابتداء حينئذ بما بعده بل ابتدئ بما قبله إلا رؤوس الآي التي فيها التعلق اللفظي يجوز الابتداء بما بعدها لورود الحديث بالوقوف على العالمين والابتداء بالرحمن ولأن رؤوس الآي بمنزلة فواصل السجع في النثر وفي مرتبة القوافي بالشعر من حيث إنها محال التوقف وقوله فالحسن فالفاء بناء على أنه جواب إن المقدرة أي وإن كان التعلق لفظاً فوقفه الحسن أو فاسم وقفه الحسن فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الوقف على ما فيه التعلق اللفظي مطلقاً سمى بالحسن لحسن الوقف عليه وإن كان تفصيل في الابتداء بما بعده فقوله الحمد مثلاً لفظ غير تام فلا يدخل تحت أنواع الوقوف المستحسنة وأما الحمد لله فوقفه حسن لكن لا يحسن الابتداء بما بعده فلا بد أن يعيد ما قبله كله أو بعضه وأما رب العالمين فوقفه حسن أيضاً لكن يحسن الابتداء بما بعده لكونه من رؤوس الآي على خلاف في أن الوقف على مثله أولى أو وصله بما بعده من أصله وسيجيء تحقيقه وكذلك الكلام على الرحيم وأما الوقف على مالك يوم الدين فكان وكذلك على نستعين فلا خلاف أن الوقف الكلام على الرحيم وأما الوقف على مالك يوم الدين فكاف وكذلك على نستعين فلا خلاف أن الوقف عليهما هو الأولى قال ابن المصنف والوقف التام عند تمام القصص وأكثره ما يكون موجوداً في الفواصل ورؤوس الآي كقوله تعالى " وأولئك هم المفلحون " زاد الشيخ زكريا وإياك نستعين وفيه بحث والله هو المعين وقد يوجد قبل انقضاء الفاصلة كقوله تعالى : " وجعلوا أعزة أهلها أذلة " قال ابن المصنف وهذا الوقف تام لأنه انقضاء كلام بلقيس وهو رأس آية اهـ يعني قوله تعالى وكذلك يفعلون ابتداء كلام من الله شهادة على ما ذكرته وفيه أن له تعلقاً معنوياً فلا يكون وقفه تاماً بل كافياً وقال بعض المفسرين إن(1/109)
قوله وكذلك يفعلون أيضاً كلامها تأكيداً لما قبلها فالوقف على أذلة كاف وعلى يفعلون تام وقد يقال أنه كاف أيضاً لأن ما بعده من جملة فله تعلق معنوي بما قبله ثم قال وقد يوجد بعد انقضاء الفاصلة بكلمة كقوله تعالى وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل لأنه معطوف على المعنى أي في الصبح والليل يعني فيهما وفيه البحث السابق إذ من جملة التعلق المعنوي قوله أفلا تعقلون فهو وقف تام وما قبله كاف ثم قال وأما التعلق من جهة المعنى دون اللفظ فنحو قوله حرمت عليكم أمهاتكم والابتداء بما بعد ذلك في الآية كلها وفيه أن الظاهر أن ما بين المعطوف والمعطوف عليه تعلق لفظي فهو من قبيل الوقف الحسن ثم قال وكذلك القطع على الفواصل في سورة الجن والمدثر والتكوير والانفطار والانشقاق وما أشبههن وفيه أن رؤوس آي هذه السور المختلفة الصور فبعضها تام وبعضها كاف وبعضها حسن عند من له إلمام بالمباني العربية والمعاني التفسيرية خصوصاً في فواصل سورة الجن فإن أرباب الوقوف جعلوا الخلاف في جواز وقفها بناء على كسر الهمزة بعد الواو فيها وتعيين الوصل على فتحها ثم قال وكذلك مثل الوقف على لا ريب فيه وفيه أن وقوع اختلاف أرباب الوقوف ينافيه فبعضهم وقف على لا ريب بناء على أن خبر لا محذوف لحذفه كثيراً بلا شك وأن قوله فيه خبر مقدم لقوله " هدى للمتقين " @ أي هداية وباعثة عناية للمؤمنين وبعضهم وقف على فيه بناء على أنه خبر لا وأن هدى خبر مبتدأ محذوف تقديره هو هدى أو ذو هداية وسمى بالمصدر للمبالغة ومثل هذا التركيب يسمى عند أرباب الوقوف معانقة أو مراقبة بمعنى أنه إذا وقف على الأول يصل في الثاني أو بالعكس فلا يجوز وقفهما ولا وصلهما ومثال ذلك في القرآن مواضع جمعها بعضهم ثم اعلم أن الوقف على رؤوس الآي سنة لما ذكره ابن المصنف بروايته عن أبيه بسنده المتصل إلى أم سلمة رضي الله عنها " كان إذا قرأ قطع آية آية يقول بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول(1/110)
الحمد لله رب العالمين ثم يقف ثم يقول الرحمن الرحيم ثم يقف " قال ولهذا الحديث طرق كثيرة وهو أصل في هذا الباب أقول فظاهر هذا الحديث أن رؤوس الآي يستحب الوقوف عليها سواء وجد تعلق لفظي أم لا وهو الذي اختاره البيهقي وقال أبو عمرو هو أحب إلي لكنه خلاف ما ذهب إليه أرباب الوقوف كالسجاوندي وصاحب الخلاصة وغيرهما من أن رؤوس الآي وغيرها وفي حكم واحد من جهة تعلق ما بعده بما قبله وعدم تعلقه ولذا جعلوا رمز لا ونحوه فوق الفواصل كما كتبوها فوق غيرها مع اتفاقهم على جواز الابتداء بعد رؤوس الآي بخلاف ما سواها مما لا يكون علامة الوقوف فوقها وحملوا الحديث الوارد على بيان الجواز وعلى تعليم الفواصل فإن من باب التوقيف لعدم إطلاع غيره صلى الله عليه وسلم بل فرقوا في رؤوس الآي بحسب اختلاف القراء المقتضي لاختلاف الإعراب الموجب للتعلق وعدمه فوقفوا في سورة إبراهيم على قوله تعالى " العزيز الحميد " إذا قرء والنافع والشامي برفع ما بعده ووصلوا على قراءة غيرهما بجره وأمثال ذلك كثيرة في القرآن يعرفها أرباب الوقوف من الأعيان وقد اعتنى قراء العجم بهذا الشأن وأهمل أمره قراء الغرب في هذا الزمان حتى ذكره مولانا نور الدين عبد الرحمن الجامي قدس سره السامي بطريق اللطافة أن قراء مصر والشام تركوا مراعاة وقوف الكلام فكأن قضاتهم لماضية أوقاف كل مكان رفعوا أيضاً وقوف القرآن هذا والتعلق اللفظي هو أن يكون ما بعده متعلقاً بما قبله من جهة الإعراب كأن يكون صفة أو معطوفاً بشرط أن يكون ما قبله كلاماً تاماً وأما التعلق المعنوي فهو أن يكون تعلقه من جهة المعنى فقط دون شيء من تعلقات الإعراب كالإخبار عن حال المؤمنين في اول سورة البقرة مثلاُ فإنه لا يتم إلا إلى قوله المفلحون ثم أحوال الكافرين يتم عند قوله تعالى ولهم عذاب عظيم ثم تمام أحوال المنافقين عند قله وإن الله على كل شيء قدير حيث لم يبق لما بعده تعلق بما قبله لا لفظاً ولا معنى(1/111)
وقد اعتنى أبو عمرو الداني برسالة مستقلة مستوعبة لأنواع الوقف من التام والكافي والحسن في جميع السور وأما قول الأزهري والمختار أن التام والكافي حسن والحسن جائز وكذا حكم الابتداء فخروج عن اصطلاح القراء وتحقيق العلماء ومبنى على عدم التمييز بين مراتب الوقوف والابتداء ( وغير ما تم قبيح وله يوقف مضطراً ويبدأ قبله ) يبدأ بصيغة المجهول وسكن همزته ضرورة ثم أبدل الفا وقال اليمنى الهمزة في يبدأ ساكنة على نية الوقف كما في رواية قنبل بسبأ وضبط الرومي بصيغة الفاعل حيث قال ويبدأ القارئ لكنه خلاف الظاهر للاحتياج إلى القول بحذف الفاعل ولو بقرينة المقام مع ما يفوته من المناسبة بين يبدأ ويوقف على ما فيه من نظام المرام وفي أصل زكريا الوقف مضطراً بفتح همزة أل للابتداء وقال التقدير للقارئ الوقف على ذلك وفي نسخة يوقف أي ولأجل قبح الوقف على ذلك يوقف عليه مضطراً الخ وأنت تعلم أن نسخة المضارع أحسن من المصدر وهو في النسخ باعتبار الأكثر ومعنى البيت مجملاً أي غير ما تم من الكلام قبح عليه عند القراء الفخام حال الاختيار والانتظار والاضطرار فالمراد بالاضطرار أعم من الحقيقي والحكمى في الاعتبار وقوله مضطراً حال من الواقف بتاء على نسخة @ الوقف ومن الوقف على نسخة يوقف ولا يبعد أن يجعل المضطر مصدراً للعلة والأظهر أنه صفة مصدر محذوف أي يوقف وقفاً مضطراً لعي وحصر وغيرهما لكن حينئذ يبدأ بما قبل موضع الوقف من الكلمة التي وقف عليها وبيان تفصيله بحسب تمثيله أن الوقف على الحمد قبيح وكذا على بسم الله كما صرح به ابن المصنف وأما ما سبق من المصري أن الوقف على بسم الله قبيح وعلى الرحمن كذلك وعلى الرحيم تام فخطأ قبيح منه فإن الوقف على كل من الجلالة والرحمن حسن لأنه مع متعلقه من الفعل أو الاسم المقدر كلام تام كما ورد في أحاديثه عليه السلام من الاكتفاء على بسم الله في الابتداء الطعام ونحوه من المواضع الكرام وإنما يقبح الوقف(1/112)
على بسم لأنه لا يعلم لأي شيء أضفته وكذا الوقف على المضاف دون المضاف إليه والصفة دون الموصوف والرافع دون المرفوع والناصب دون المنصوب دون الناصب وكذا الوقف على المعطوف دون ما عطفته عليه وعلى إن وأخواتها دون اسمها واسمها دون خبرها وعلى كان وأخواتها دون اسمها واسمها دون خبرها وعلى ظننت وأخواتها دون منصوباتها وعلى صاحب الحال دونها وعلى المستثنى منه دون الاستثناء وعلى المفسر دون المفسر وعلى الذي وما ومن دون صلاتهن وعلى صلاتهن دون معمولاتهن وعلى الفعل دون مصدره وعلى مصدره دون آلته وعلى حرف الاستفهام دون ما استفهم بها عنه وعلى حروف الشرط دون المشروط دون الجزاء وعلى الأمر دون جوابه إلا أن يكون القارئ مضطراً فإنه يجوز الوقف حال اضطراه كانقطاع نفس ونحوه لكن إذا وقف يبتدئ من الكلمة التى وقف عليها يعني إذا حسن الابتداء بهاذ كذا ذكره المصنف ولعله مبني على أن التمام عنده ما يحسن السكوت عليه من الكلام وأما على الظاهر المتبادر من كلام الناظم وتقسيمه إلى أنواع التعلق فمعنى التام استيفاء الكلام للمسند والمسند إلي ثم يرد على ابن المصنف في إطلاق أمثلته إذا وقع شيء منها في رؤوس الآي فإنه ليس الوقف عليها بقبيح إجماعاً وإنما اختلفوا في الوجه الأولى وكذا يرد على قوله والمعطوف دون ما عطفته عليه ما سبق منه أن الوقف على قوله " حرمت عليكم أمهاتكم " هو الكافي ويمكن دفعه بأنه أراد عطف المفرد كقوله والله ورسول وكذا يرد على قوله وعلى الموصوف دون الصفة ما تقدم من حسن الوقف على بسم الله وكذا على الحمد لله ثم قال واعلم أن من الوقف القبيح الوقف على غير من غير المغضوب عليهم وعلى إله من إله الناس كما يفعله جهلة القراء ويستدلون برقم السجاوندي على ما قبل هذه الكلمات لا أي لا وقف فليت شعري هل نهاك عن الوقف على رؤوس الآي الذي هو سنة وأمرك بالوقف على المضاف دون المضاف إليه من غير إله يعني وتخالف السنة وأئمة الوقوف(1/113)
في القراءة فتقف تارة بعد تمام الآي وتارة قبلها لكون كتابة لا على رؤوس الآي وأما ما نقل بعضهم من الرواية عن بعض من ليس له الدراية أن الوقف على أنعمت عليهم غير جائز بل حرام وكفر وأمثال ذلك فهذا نقل باطل ليس فيه وجه طائل وكذا ما ذكره بعضهم من أن الوقف على والسماء ذات الرجع مبطل للصلاة وكفر في خارجها تعمدا فمن أقبح الروايات لأنه مخالف لإجماع أرباب القراءات وقواعدهم المأخوذة من الأصول العربية لا سيما وقد وردت الأحاديث النبوية بخصوص رؤوس الآي القرآنية ثم قال وأقبح من هذا الوقف على قوله لقد سمع الله قوله الذين قالوا لقد كفر الذين قالوا وقالت اليهود وقالت النصارى فاعبدون وقالوا من إفكهم ليقولون وهم مهتدون ومالي ومن يقل منهم ومن الخاسرين فبعث إلا أن قالوا أبعث والابتداء بقوله تعالى إن الله فقير وإن الله هو المسيح ابن مريم ويد الله مغلولة والمسيح ابن الله واتخذ الله وولد الله ولا أعبد الذي فطرني وإني إله من دون والله غراباً والله بشراً لأن المعنى يختل بل يستحيل بفصل ذلك عما قبله قلت أما الابتداء في المثالين الآخرين فإن يشتبه على العوام حيث لا يميزون بين المنصوب والمرفوع في حكم الكلام ونظام المراد وأما في سائر الأمثلة فالوقف @ ليس بقبيح فضلاً عن أن يكون أقبح وإنما القبيح في غاية القبح هو الابتداء بما بعد لما يتفرع على الابتداء من توهم الإنشاء وسيأتي تحقيق أساس ذلك البناء ومن هذا القبيل الوقف على نحو قل يا أيها الكافرون لا والابتداء بقوله أعبد ما تعبدون ثم قال ومثله في القبح الوقف على قول فبهت الذي كفر والله وللذين لا يؤمنون بالآخرة ممثل السوء ولله وإن الله لا يستحي إن لا يهدي ولا يبعث الله وشبهه لأن المعنى يفسد بفصل ذلك عما بعده أقول وإنما قال ومثله وفصل عما قبله لأن الوقف على هذه المواضع قبيح جداً لما يترتب عليه من قبح العطف أو ترك المفعول وأما الابتداء بما بعده بقبيح بخلاف الأمثلة(1/114)
التي قبله ومن انقطع نفسه على ذلك وجب عليه أن يرجع إلى ما قبله ويصل الكلام بعضه ببعض فإن لم يفعل أثم إنما يستقيم في الأمثلة الأولى وأما في الأمثلة الثانية فينبغي أن يعود فالعود أحمد ثم قال وكان ذلك أي الابتداء في القسم الأول والوقف في الثاني من الخطأ الذي لو تعمده لخرج بذلك عن دين الإسلام لكون اعتقاد ذلك افتراء على الله عز وجل وجهلاً به سبحانه وأقول وأما قول قاضيخان من علمائنا الحنفية في فتاواه وإن غير المعنى تغيراً فاحشاً بأن قرأ إنما يخشى الله من عباده العلماء برفع الهاء ونصب العلماء وقرأ إن الله برئ من المشركين ورسوله بكسر لام الرسول وما أشبه ذلك مما لو تعمده به يكفر وإذا قرأ خطأ فسدت صلاته في قول المتقدمين فسهو صدر عنه من الغفلة عن معرفة القراءة الشاذة ووجوه القواعد العربية إذ نصب العلماء روى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى إمام الفقهاء ووجه بأن يخشى بمعنى يعظم على قاعدة التجريد فإن الخشية خوف مقرون بالتعظيم ووجه كسر رسوله المقروء في الشواذ أيضاً بان واوه للقسم أو جره للجوار كما ذكره صاحب الكشاف ثم قال وإن وصل في غير موضعه فإن لم يتغير تغيراً فاحشاً بان وقف على الشرط وابتدأ بالجزاء فقرأ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ووقف ثم ابتدأ بأولئك هم خير البرية أو فصل بين الصفة والموصوف نحو إن قرأ إنه كان عبداً ووقف ثم ابتدأ بقوله شكوراً فمثل هذا لا يحسن ولا يفسد صلاته لأن مواضع الفصل والوصل لا يعرفها إلا العلماء وإن تغير المعنى تغيراً فاحشاً نحو أن يقرأ الله لا إله ثم يبتدئ بقوله إلا الله أو إلا هو وقرأ قالت اليهود ويقف ثم يبتدئ بقوله عزيز ابن الله ونحو ذلك قال عامة العلماء لا تفسد صلاته وقال بعضهم تفسد اهـ وفي الخلاصة لو وقف على قوله وقالت اليهود ثم ابتدأ بقوله عزيز ابن الله لا تفسد صلاته بالإجماع أقول ولعل وجهه ما روى عن عبد الله بن المبارك و أبي حفص الكبير البخاري ومحمد بن مقاتل(1/115)
وغيرهم من أن عدم فساده لما فيه من ضرورة سبق اللسان ثم قال في الخلاصة ولو لم يقف عند قوله إنهم أصحاب النار بل وصل بقوله " الذين يحملون العرش " لا تفسد لكنه قبيح اهـ ولا يخفى أن أرباب الوقوف جعلوا الميم الذي هو علامة الوقف اللازم على قوله أصحاب النار لأن في وصله إيهام أن يكون ما بعده صفة لما قبله وهو يغير المعنى تغيراً فاحشاً لأن قصد ذلك المعنى يكون كفراً وبهذا التقرير وما سبق به من التحرير تبين معنى قول الناظم التحرير ( وليس في القرآن من وقف وجب ) وفي نسخة يجب ومن زائدة مؤكدة للمبالغة في النفي فيجوز وصل الكلمات من أولها إلى آخرها في القرآن العظيم ولا يكون فاعله تاركاً لواجب عليه بمعنى أنه يأثم بترك الوقف لديه وإنما ينبغي له الوجوب الاصطلاحي ويستحب له باللزوم العرفي مراعاة الوقوف القرآنية لما ورد أن علياً كرم الله وجهه سئل عن قوله تعالى ورتل القرآن ترتيلاً فقال الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف ولما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : لقد عنينا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على النبي صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها قال الناظم ففي كلام على رضي الله عنه دليل على وجوب تعلمه ومعرفته وفي كلام ابن عمر رضي الله عنهما برهان @ على أن تعلمه إجماع من الصحابة رضي الله عنهم وصح بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح قال ومن ثم اشترط كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحداً إلا بعده معرفة الوقف والابتداء وقال الإمام أبو زكريا الوقف في الصدر الأول من الصحابة والتابعين وسائر العلماء مرغوب فيه من مشايخ القراء والأئمة الفضلاء مطلوب فيما سلف من الأعصار واردة به الأخبار الثابتة والآثار الصحيحة ففي الصحيحين أن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته يقول الحمد لله رب(1/116)
العالمين ثم يقف الحديث وروى أن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فتشهد أحدهما وقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما ووقف فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم بئس الخطيب أنت قال بعضهم إنما قال ذلك لقبح لفظ وكان حقه أن يقف على رشد أو على غوى أو يصل الجميع فانظر كيف كره قبح لفظ وإن كان مرادة الخير لا الشر اهـ ولا يخفى أن قوله وما ينبغي أن يوقف عنده منها لا يبعد أن يراد بها الآيات المتشابهة في معناها فليس في الحديث الثاني نص على الوقف المصطلح عليه ( ولا حرام غير ماله سبب ) يجوز رفع حرام على أنه معطوف على محل من وقف لأنه اسم ليس وجره للعطف على لفظه كما قرئ بالوجهين في قوله تعالى هل من خالق غير الله وقوله سبحانه مالكم من إله غيره لكن الجمهور بالرفع وأما غير في البيت فتابع لحرام في إعرابه وجوز نصبه حالاً ويمكن نصبه على الاستثناء أيضاً وحاصل معنى البيت بكماله أنه ليس في القرآن وقف واجب يأثم القارئ بتركه ولا وقف حرام يأثم بوقفه لأنهما لا يدلان على معنى فيختل بذهابهما إلا أن يكون لذلك سبب يستدعي تحريمه وموجب يقتضي تأثيمه كأن يقصد الوقف على ما من إله وإني كفرت ونحوهما كما سبق من غير ضرورة إذ لا يقصد ذلك مسلم واقف على معناه وإذا لم يقصد فلا يحرم عليه لا الوصل ولا الوقف في مبناه وأما غير الواقفين على معناه ففي الأمر سعة عليهم إذ لا يتصور القصد لديهم لكن الأحسن مع عدم القصد أن يتجنب الوقف على مثل ذلك مطلقاً للإبهام على خلاف المرام لا سيما إذا كان مستمعاً في ذلك المقام ثم اعلم أن المتأخرين من علمائنا اتفقوا على أن الخطأ إن كان في الإعراب لا يفسد الصلاة مطلقاً وإن كان مما اعتقاده كفر لأن أكثر الناس لا يميزون بين وجوه الإعراب قال قاضيخان وما قاله المتأخرون أوسع وما قاله المتقدمون أحوط لأنه لو تعمده يكون كفراً وما يكون من القرآن قال ابن الهمام فيكون متكلماً بكلام الناس الكفار وهو مفسد(1/117)
كما لو تكلم بكلام الناس الكفار وهو مفسد كما لو تكلم بكلام الناس ساهياُ مما ليس بكفر فكيف وهو كفر قال شارح المنية ولا يقاس مسئلة زلة القارئ بعضها مما ليس مذكوراً عن الأئمة المتقدمين والمتأخرين على بعض مما هو مذكوراً لا بعلم كامل في اللغة وهو العربية والمعاني ونحو ذلك مما يحتاج إليه التفسير ليعلم ما اعتقاده كفر وما هو متغير فاحشاً أو غير فاحش ثم قال وأما الحكم في قطع بعض الكلمة عن بعض بأن أراد أن يقول الحمد لله فقال أل فانقطع نفسه أو نسى الباقي ثم تذكر فقال حمد الله أولم يتذكر فترك الباقي وانتقل إلى كملة أخرى فقد كان الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني يفتي بالفساد في مثل ذلك وعامة المشايخ قالوا لا تفسد لعموم البلوى في انقطاع النفس والنسيان أقول وفيه بحث لأن المثال المذكور لا يصلح أن يكون لقطع بعض الكلمة عن بعض على وجه الحقيقة فإن لام التعريف كلمة مستقلة لكن لكمال امتزاجها بمدخولها تعد كلمة واحدة ولا يستحسن قطعها عما بعدها وكذا فصل ما بعدها عنها لاتصالها رسماً فالمثال اللائق فيما نحن فيه أن يقول الحمد لله بأن يقف على الميم وابتدأ بالدال فتأمل في تحقيق تصور المثال قال وأما الوقف في غير موضعه والابتداء في غير موضعه فلا يوجب ذلك فساد الصلاة أيضاً لعموم البلوى بإنقطاع النفس وحصول النسيان وعدم معرفة المعنى في حق العوام وانتفاء القصد المذموم بالنسبة إلى الخواص عند عامة علمائنا وعند بعض العلماء تفسد إن تغير المعنى تغيراً فاحشاً نحو أن يقرأ لا إله ووقف @ وابتدأ بقوله إلا الله وهذا مثال الوقف أو قرأ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ووقف وابتدأ بقوله وإياكم أن اتقوا الله أو قرأ يخرجون الرسول وابتدأ بقوله وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم وأمثال ذلك مما تقدم فالصحيح عدم الفساد في ذلك والله أعلم ثم قال ولو وصل حرفاً من آخر كلمة بكلمة أخرى بأن قرأ إياك نعبد وإياك نستعين بوصل كاف إياك بالنون(1/118)
أو قرأ إنا أعطيناك الكوثر وما أشبه ذلك فإن صلاته لا تفسد على قول العامة من العلماء قال قاضيخان وإن تعمد ذلك وفي شرح التهذيب هو الصحيح لأن من ضرورة وصل الكلمة بالكلمة اتصال آخر الأولى بالثانية قال في فتاوي الحجة المصلى إذا وصل في الفاتحة إياك نعبد وإياك نستعين لا ينبغي أن يقف على إياك ثم يقول نعبد الأولى والأصح أن يصل إياك نعبد وإياك نستعين قال صاحب المنية وعلى قول بعض المشايخ تفسد صلاته والظاهر أن مراد هذا القائل إنما هو من عند السكت على إيا ونحوها وإلا فلا ينبغي لعاقل أن يتوهم فيه الفساد فضلاً عن العالم هذا وبعض المشايخ فصلوا وقالوا إن علم القارئ أن القرآن كيف هو أي علم أن الكاف من الكلمة الأولى لا من الثانية إلا انه جرى على لسانه هذا الوصل لا تفسد صلاته وإن كان في اعتقاده أن القرآن كذلك أي إن الكاف مثلاً من الكلمة الثانية تفسد صلاته لأن ما قرأ ليس بقرآن نظراً إلى ما أراده والصحيح قول العامة لأن هذه كلها تكلفات باردة وإذا اتسق اللفظ فلا عبرة بإرادة أقول وما اشتهر على لسان بعض الجهلة من القرآن في سورة الفاتحة للشيطان كذا من الأسماء في مثل هذه التراكيب من البناء فخطأ فاحش وإطلاق قبيح ثم سكتهم عن نحو دال الحمد وكفا إياك وأمثالها غلط صريح ثم اعلم أن الوقف هو قطع الصوت عند آخر الكلمة مقدر زمن التنفس والسكت قطع الصوت زماناً أقصر من زمن التنفس ثم الوقف اختياري وهو أن يقصد لذاته من غير عروض سبب في جهاته واضطراري وهو ما يعرض بسبب حصر وعجز ونسيان لما بعده من كلماته واختياري وهو ما يمتحنه الأستاذ بقوله كيف تقف على هذا اللفظ بعينه ليعلم مهارته في وجوه قراءته وانتظارى وهو أن يقف على كلمة ليعطف عليها غيرها حين جمعه لاختلاف رواياته ثم اعلم أن الوقف قد يكون كافياً على إعراب وتفسير وغير كاف على آخر نحو قوله تعالى وما يعلم تأويله إلا الله فإنه كاف على أن ما بعده مستأنف وهو قول ابن عباس(1/119)
وعائشة وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم ومذهب أبي حنيفة وأكثر أهل العلم وذهب إليه الفراء والأخفش وأبو حاتم وغيرهم قال عروة والراسخون في العلم لا يعلمون التأويل ولكن يقولون آمنا به وعند غيرهم الوقف كاف على الراسخون في العلم فإنه عندهم معطوف عليه وهو رواية عن ابن عباس واختاره ابن الحاجب ومن تبعه والمعتمد الأول وعند أرباب الوقوف هو المعول ولذا رمزوا فوق لفظ الجلالة حرف الميم بالحمرة للإيماء إلى أن الوصل موهم لمعنى فيه خلل من حيث الاعتقاد وأما جعل المصري الوقف على الجلالة تاماً فغير تام لأن ما بعده له تعلق معنوي بما قبله بل عند المحققين من أرباب التفسير إثبات تعلق المعنى في سميع الآيات ولو ما بين القصص وبين الصور من سائر الكلمات والحاصل أن الناظم جعل الوقوف على ثلاثة مراتب تبعاً لأبي عمرو الداني وأما السجاوندي وكذا من تبعه لم يفرق بين التام والكافي لكنه جعلهما على مراتب من وقف مطاق ورمزه الطاء حيث لم يجوز فيه الوصل ومن وقف جائز وهو صلة والأولى وقف ورمزه الجيم ومن وقف مجوز وصله أولى ورمزه الزاي وجعل لطول الكلام وقفاً سماه مرخصاً ورمزه الصاد وجعل بعض أنواع المطلق وقفاً لازماً ورمزه الميم وذلك لما كان في وصله حصول خلل في المعنى نحو قوله تعالى : وما هم بمؤمنين يخادعون الله فإن حال الوصل قد يتوهم أن قوله يخادعون قيد للنفي لكونه وصفاً أو حالاً والصواب أنه استئناف ونحو قوله تعالى : ولا يحزنك قولهم إن العزة لله وإنا نعلم ما يسرون فإن وصله موهم أن القول هو ما بعده وليس كذلك بل القول مقدر أي فينا أو فيك أو في كتابنا ثم الجملة @ استئنافية معللة لنفي الحزن وتسلية له صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم وقد يكون الاختلاف باختلاف القراءة فنحو قوله تعالى : يحاسبكم به الله وقف كاف على قراءة من رفع فيعذب ويفغر ووقف حسن لمن يجزمها لكن لا يستحسن الوقف عليه لعدم حسن الابتداء بما بعده و قس على هذا ما وقع(1/120)
في القرآن مثله وقد جاء في سؤال عن بعض فضلاء اليمن في الفرق بين قوله تعالى : وإلى عاد أخاهم هوداً وبين قوله سبحانه وإلى ثمود أخاهم صالحاً حيث جعل رمز الوقف على الأول مطلقاً وعلى الثاني لازماً مع أن ما بعدهما قال : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره بلا تفاوت في الموضعين فقلت لأن الأول علم جامد لا يصلح أن ما بعده وهو قوله : قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره وصف له بخلاف الثاني فإنه علم مشتق وقع في صورة النكرة فقد يتوهم أن ما بعده نعت له ومن تحقيق أرباب هذا الفن وتدقيق نظرهم في التعبير وكمال حذاقتهم في علم التفسير أن السجاوندي جعل رمز الوقف على قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام قال رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشرق والمغرب وما بينهما مطلقاً وعلى قوله سبحانه وتعالى في الدخان رب السموات والأرض وما بينهما لازماً مع اتحاد ما بعدهما بقوله تعالى إن كنتم موقنين وقد جاد صاحب الخلاصة وجعل رمزهما مطلقاً من غير فرق بينهما بل اعترض على من ميز باختلاف رمزهما وأقول : الصواب هو الأول لأن الوصل في الآية الأولى ليس بموهم لخلل في المعنى بخلاف الآية الثانية لأن ما قبلهما فيه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى : إنا كنا مرسلين رحمة من ربك فلو وصل لربما يتوهم أن الخطاب في كنتم له صلى الله عليه وسلم على طريق التعظيم أوله ولأمته على جهة التغليب وقد عرضت هذه الدقيقة على مشايخي في الحرمين الشريفين أعني شيخ القراء بالمدينة المسكينة مولانا المغفور له أبي الحرم المدني وشيخ القراء بمكة الأمينة أستاذنا المبرور سراج الدين عمر الشوافي اليمني فاستحسنا ما ذكرته غاية التحسين لما تبين الفرق لهما على وجه التبيين وقد اعتنى بعضهم برسالة مختصة في وقف اللازم والعوام يحسبون أنه واجب ووصله حرام ويغفلون أنه مفيد بما ذكره الناظم من سبب قصد المخالف المرام وقد صنفت كتباً في الوقوف القرآنية(1/121)
بعضها مداً ببيان إعراب المباني وإعراب المعاني والمصاحف المصححة المقروءة على قراء العجم مرموزة في مشتبهات المثاني فإن قلت ما وجه أرباب الوقوف أنهم كتبوا لا في بعض المواضع ولم يثتثنوا بعدم كتابة رمز الدال على نفي الوقف في أكثرها قلت لأن تلك المواضع كانت مظنة أنها محل وقف وانقطاع لها عما بعدها فنبهوا على خلاف ما يتوهم من ظواهرها هذا وقد وقع اختلاف بين الكوفي والبصري في بعض رؤوس الآي فجعل رمز آية الكوفي لب وعلامة خمسهم الهاء وعشرهم رأس العين أو حرف الياء ورمز آية البصري تب وخمسهم خب وعشرهم عب فقوله بسم الله الرحمن الرحيم في الفاتحة آية للكوفي وأنعمت عليهم آية للبصري مع الإجماع على أن سورة الفاتحة سبع آيات وأما البسملة في سائلا السور فليست بآية اتفاقاً وكذا الم البقرة آية عند الكوفي خلافاً للبصري وتفصيل ذلك يطول ويضر للملول والعاقل يكفيه الإشارة ثم اعلم أنه قد يقع الوقف كافياً على إعراب وحسناً على آخر نحو قوله تعالى : هدى للمتقين فإنه إن جعلت الموصول بعده نعتاً له فالوقف حسن وإن جعلته مرفوعاً أو منصوباً على القطع أو مبتدأ فوقفه كاف وبمراعاة هذه الملاحظات في إعراب الآيات وسائر الكلمات يحصل الفهم والدراية ويتضح منهاج الهداية ومعراج الرواية فتلذذ في التلاوة على وجه الغاية والنهاية وأما إذا لم يلاحظ الإعراب والمعنى فقد يقع الواقف في خطأ المبنى كما إذا وقف على نحو قوله تعالى وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه وكذا الوقف على لا تقربوا الصلاة وكذا على فويل للمصلين وإن كان رأس آية ولا يقاس هذا على نحو رب العالمين لما بينهما من الفرق الجلي المعنوي وأما قول المصري الوقف على ختم الله قبيح والابتداء بالله أقبح فليس بصحيح لأن الوقف على ختم الله حسن إلا أنه يبدأ بما قبله والابتداء @ بختم أحسن من الابتداء بالجلالة ثم قوله وقد يكون الوقف والابتداء به جيداً نحو قوله تعالى من بعثنا من مرقدنا هذا(1/122)
فإن الوقف على هذا قبيح لفصله بين المبتدأ والخبر ولأنه يوهم أن الإشارة إلى مرقدنا وليس كذلك عند أئمة التفسير ففيه تنيبه حسن إلا أن الأقبح منه وصل مرقدنا فإنه وقفه عند أرباب الوقوف لازم لما سبق وإن وصل هذا بما بعده لحصول توهم ما تقدم واختار حفص عن عاصم السكت على مرقدنا وهو وقفة لطيفة من غير تنفس لحصول هذا المعنى ولدفع توهم ذلك المبنى ولأن هذا وما بعده مع ما قبله داخلان في أجزاء مقولهم فلا يحسن القطع بالكلية بين مقولهم فتأمل فإنه موضع تحقيق ومحل تدقيق كما اختار السكت أيضاً على قوله في سورة الكهف ولم يجعل له عوجاً وغيره جعل وقفه مطلقاً مع أنه من رؤوس الآي ويتبين له وجه سكته وسبب العدول عن وقفه مما حكاه بعضهم منانه سمع شيخاً يعرب لتلميذه قيماً من قوله تعالى ولم يجعل له عوجاً قيماً صفة لعوجاً قال فقلت له يا هذا كيف يكون العوج قيماً وترحمت على من وقف من القراء على ألف التنوين في عوجاً وقفة لطيفة رفعاً لهذا الوهم وإنما قيماً حال إما من اسم محذوف هو وعامله أي أنزله قيماً وإما من الكتاب وجملة النفي معطوفة على الأول ومعترضة على الثاني على ما ذكره المفتي ( واعرف لمقطوع وموصول وتا ) أي كن عارفاً بها وعالماً بمواضع اختلافها وقدم المقطوع لأنه الأصل الموضوع ( في مصحف الإمام فيما قدأتي ) والمراد بالتاء تاء التأنيث التي كتبت بالتاء المجررة وحقها على القياس أن تكتب بالتاء المربوطة فالجمهور يقفون عليها بالتاء متابعة للرسم العثماني وبعضهم يقفون بالهاء كما فصله الشاطبي بناء على قواعد كتابة العربية فخرج بما قررنا نحو قالت والمؤمنات فإنه لا خلاف فيهما رسماً ووقفاً عند جميع القراء والمرد بمصحف الإمام هو مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي اتخذه لنفسه يقرأ فيه كما قال الشيخ زكريا وليس هو بخطه كما توهمه بعضهم على ما ذكره الشيخ ولعله أراد الشارح اليمني حيث قال المراد بمصحف الإمام في(1/123)
البيت ما كتبه أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه لنفسه على الخصوص اهـ وهم اهـ إذا هو أمر زيد بن ثابت كاتب الوحي وغيره بأن يكتبوا المصاحف المتعدد وأرسلها إلى مواضع مختلفة واختار واحداً منها لنفسه ولأهل المدينة وما بقي منها شيء والأظهر أن المراد بمصحف الإمام جنسه الشامل لما اتخذه لنفسه في المدينة ولما أرسله إلى مكة والشام والكوفة والبصرة وغيرها ولام لمقطوع زيد لتأكيد التعدية والتقوية وقصرنا كوتف حمزة وهو مجرور للعطف على مثله فيما قبله وقد أبعد الشيخ زكريا حيث قطعه عما قبله وقال واعرف تاء التأنيث الخ وكذا قول المصري إنه يحتمل أن يكون بمعنى على والتقدير اعرف الوقف على المقطوع والموصول ليس في محله لأن المراد ههنا معرفة المقطوع الموصول رسماً وإنما يترتب عليه علم الوقف والوصل فرعاً وأما قول ابن المصنف ومن تابعه الرومي إنها بمعنى في كقوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فليس في محله ولذا قال المصري ولا معنى لقول القائل واعرف في مقطوع لكني أقول يمكن أن يقال التقدير واعرف المرسوم في مقطوع وموصول وتاء كائنة في مصحف الإمام في ما قد وصل رسمه إلينا من طريق علمائنا الأعلام والحاصل انه لا عبرة بكتابة مصاحف العوام ثم اعلم أن الناظم أتى بجملة من المرسوم وهو كثير صنف فيه كتاب المقنع لأبي عمرو الداني ونظمه الشاطبي في الرائية وهي مشروحة مبسوطة وإنما اختار هذه المواضع المذكورة لما يترتب عليها من المنافع المسطورة أما في المقطوع فإنه يجوز الوقف على الكلمة الأولى وكذا الابتداء بالثانية بخلاف الموصول فإن لا يجوز فيه كلاهما وأما تاء التأنيث فلما تقدم والله أعلم ومما يجب التنبيه عليه أنه سئل مالك رحمه الله هل تكتب المصاحف على ما أحدثه الناس من الهجاء فقال لا ألا هي الكتابة الأولى وقال أبو عمر والداني ولا مخالف في ذلك من علماء الأمة وهذا معنى قول الشاطبي في الرائية : @ وقال مالك القرآن يكتب(1/124)
بالكتاب الأول لا مستحدثاً سطراً ( فاقطع بعشر كلمات أن لا ) ضبط بتنوين كلمات وإضافتها والثاني يحتاج إلى تقدير أي اقطع أن في عشر كلمات أن لا والأول أساس في المبنى وأحسن في المعنى فأن لا مفعول اقطع أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هي أن لا حال كونها مقارنة ( مع ملجأ ولا إله إلا ) فالأول قوله تعالى في التوبة أن لا ملجأ من الله والثاني قوله في هود أن لا إله إلا هو وفتح ملجأ على الحكاية ويجوز جره منوناً على الإعراب أو للضرورة وفي نسخة ملجأ أن لا إله إلا وهي أولى كما لا يخفى قال ابن المصنف اتفقت المصاحف العثمانية على قطع نون أن الناصبة للفعل للاسم عن لا النافية في عشرة مواضع اهـ وتبعه الشيخ زكريا والرومي أيضاً والظاهر أن يقال نون المفتوحة المخففة عن لا النافية الداخلة على الاسم كما تقدم والناصبة الداخلة على الفعل كما في قوله ( وتبعدوا يس ثاني هود لا ) أي وأن لا تعبدوا الشيطان الواقعة في سورة يس فنصب يس على الظرفية وكان حقه أن يقول وثاني هود بالنصب فحذف العاطف وسكن الياء ضرورة والمراد به قوله تعالى: أن لا تعبدوا إلا الله واحترز بثانيها عن أولها فإنه موصول بلا خلاف ثم قوله لا متعلقة بقوله ( يشركن تشرك يدخلن تعلوا علا ) أي على أن لا يشركن بالله شيئاً في الممتحنة وأن لا تشرك بي شيئاً في الحج وأن لا يدخلنها اليوم في ن وخفف نون يدخلن وقطعت عما بعدها من ضمير المتصل بها رسما لضرورة الوزن وأن لاتعلوا على الله في الدخان وبقيد على الألف احترز مما في سورة النمل ألا تعلوا على بتشديد الياء ( أن لا يقولوا لا أقول ) أي أن لا يقولوا على الله إلا الحق في الأعراف وأن لا أقول على الله إلا الحق فيها أيضاً في أول السورة وآخر للضرورة ولا أقول عطف على مالا يقولوا بحذف العاطف لا أن أن حذف ضرورة كما توهم المصري وقال الرومي قوله أن لا يقولوا عطف على ما سبق وكرر أن لا ههنا لطول العهد وقوله لا أقول عطف على أن لا(1/125)
يقولوا بحسب المعنى فتقديره أن لا أقول وإنما ذكر لا وحذف أن الوزن لكن جعل لا أقول منصوباً ليدل على تقديره أن اهـ ولا يخفى أن لا معنى لطول العهد أصلاً في ذكراً أن لا فإنه على أصله وصلاً وفصلاً والصواب ما قدمناه من أن لا أقول عطف على لا يقولوا كما هو صحيح المبني فلا يحتاج عطفه على أن لا يقولوا بحسب المعنى وبهذا تمت العشرة والمفهوم من إفادة الحصر أن كلما جاء أن لا من غيرها تكون موصولة اتفاقاً نحو ألا يرجع إليهم قولا وألا تزر وازرة وزر أخرى إلا في سورة الأنبياء من قوله أن لا إله إلا أنت فإنهم اختلفوا في قطعها ووصلها ويمكن إدراجها تحت عموم قوله سابقاً ولا إله إلا أو يقال لعل مختار الشيخ أنه موصول وقد ذهب الشيخ زكريا إلى ظاهر كلام المصنف رحمه الله حيث قال وما عدا العشرة موصول نعم قال اللبيب والوصل أشهر فالقطع هو الأولى فإنه الأصل من انفصال احدى الكلمتين عن الأخرى ووجه الوصل هو التقوية وقصد الامتزاج وتنزيله منزلة المحذوف لأن النون لما أدغمت بلا غنة فكأنها ذهبت بالكلية لفظاً فسقطت رسما فيجري عليها حكم نون جنة المدغمة من أنها لم ترسم فإنها لكمال اتصالهما عدت كلمة واحدة واعتبرت تلك الحالة ثم المراد بالوصل وصل اعتباري وهو أن يوجد هناك حذف حرف لا وصل صورى لاستحالة اتصال الهمزة بالنون في الكتابة ثم قال ( إن ما بالرعد و المفتوح صل وعن ما ) أي وكذا اتفقوا أيضاً على قطع إن الشرطية عن ما المؤكدة في قوله تعالى: وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم بالرعد واتفقوا على وصل ميم أم بما الاسمية حيث جاءت نحو أما اشتملت عليه بالأنعام وأما يشركون وأما ذا كنتم كلاهما بالنمل لكن عبارة الناظم قاصرة عن ذلك لعدم تقدم أم هنالك وأما قول ابن المصنف في هذه الأمثلة أنهم اتفقوا على وصل أن المفتوحة بما الاسمية فموهم لذكرهم هذه الأمثلة في مقابلة عن المكسورة مع ما جاء في سائر السور من قوله تعالى ك فإما يأتينكم مني هدى في(1/126)
البقرة وإما تخافن فإما ترين وإما نرينك بيونس وغافر فقوله والمفتوح صل أراد به أما @ المفتوح الهمز ولو كان أصله أم لا إن ما وإنما ذكره بعد استطراداً ولما بينهما من نسبة اللفظ اشتباهاً ذكر المصري أنه قال في المقنع وقوله أما اشتملت هي في المصحف حرف واحد ومعناها أم الذي قلت وأطلق الناظم الحكم فيه ولم يقيده بموضع وهو الصواب لاتفاق المصاحف عليه وأفهم كلام المقنع تقييده بما اشتملت وليس كذلك أقول التخطئة خطأ فاحش على إمام الكل في هذا الفن وإنما نشا هذا من قصور فهم القائل لأن قوله أما اشتملت أول ما وقع في القرآن وقد بينه بتعليل الشامل له أو لغيره حيث قال معناه أم شيء فكل الصيد في جوف الفرا فافهم بلا امترا واتقفت المصاحف أيضاً على قطع عن عن ما الموصولة في قوله تعالى " فلما عتوا عن ما نهوا عنه " في الأعراف وإليه أشار بقوله ( نهوا اقطعوا من ما ملك روم النسا ) ففي غير الأعراف تكون موصولة كما في قوله تعالى عما تعملون ولئن لم ينتهوا عما يقولون وسبحانه وتعالى عما يشركون وعما يتساءلون وعما قليل هذا وقد ضبط روم بالرفع وبالنصب وهو الأولى ليكون نصبه على نزع الخافض ويؤيده ما في نسخة صحيحة وهي أصل الشيخ زكريا : نهوا اقطعوا مما بروم والنسا والمعنى أن المصاحف اتفقت على قطع من الجارة عن ما الموصولة نحو ما ملكت أيمانكم من شركاء بالروم فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم بالنساء وقدم الروم لأجل الوزن والخطاب في اقطعوا للقراء ولكتبة المصاحف ومفعوله عن ما نهوا وما بعده معطوف على ما قبله بحذف العاطف ( خلف المنافقين ام من أسساً ) بألف الإطلاق معروفاً ومجهولاً كما قرئ بهما في السبعة والأكثر على الأول أقول خف ضبط بالرفع أي خلف ما في المنافقين ثبت كما ذكره الشيخ زكريا وبالنصب على أنه ظرف لاقطعوا بتقدير مضاف أي من خلف المنافقين والمعنى اختلف المصاحف في قطع وأنفقوا مما رزقناكم في المنافقين بخلاف ما عدا هذه الثلاثة(1/127)
فإنه موصول اتفاقاً مما رزقناهم ينفقون ومما نزلنا على عبدنا وأما قوله من مال الله ومن ماء مهين وشبهه فمقطوع ولعله قيده بقوله ملك لهذا وكذا لا خلاف في نحو ممن منع وممن افترى ونحو ذلك في أن من موصولة بمن الموصولة ثم قوله أم من أسساً معطوف على مفعول اقطعوا بحذف العاطف والجملة بينهما معترضة والمعنى أنهم اتفقوا على قطع أم عن من الاستفهامية في أم من أسس بنيانه في التوبة وأم من يأتي آمناً في فصلت وأم من يكون عليهم وكيلاُ بالنساء وأم من خلقنا في الذبح بكسر الذال وهو الصافات لقوله تعالى فيها " وفديناه بذبح عظيم " كما قال ( فصلت النسا وذبح حيث ما ) وقصر النساء ضرورة وكذا حذف العاطف فيهما وقد أغرب المصري حيث قال أبعد المصنف في الدلالة بقوله وذبح ولو قال فصلت النساء خلقنا حيث ما لكان أقرب كعادته ولعدم نظيره اهـ وغرابة تعبيره لا تخفى وأما قول الرومي إن النساء عطف على فصلت بحسب المعنى فلا معنى له إذ يصح من حيث المبنى واتفقوا على وصل ما عدا الأربعة نحو امن لا يهدي وأمن خلق السموات وأمن يجيب المضطر إذا دعاه فوجه الفصل كونه الأصل التقوية ووجه الخلف الجمع ثم قوله حيث ما معطوف المحل على مفعول اقطعوا والمعنى أنهم اتفقوا على قطع حيث عن ما في موضعي البقرة ولم يأت غنى هما وهما قوله تعالى وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وقوله وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا وقد دل إطلاق النظم على إرادة شمولها وفاقاً للشاطبي في الرائية وقد نص المقنع على موضعي البقرة و( ان لم المفتوح كسران ما ) بنصب المفتوح على أنه مفعول تقديره واقطعوا أن لم المفتوح همزته وهو أن المصدرية عن لم الجازمة أينما وقعت لإطلاق حكمه نحو ذلك أن لم يكن ربك في الأنعام أيحسب أن لم يره أحد في البلد وقيد بالمفتوح احترازاً عن المكسور فإن بعضه مقطوع وبعضه موصول كما سيأتي وكسران ما منصوب أيضاً على المفعولية أي اقطعوا إن المكسورة عن ما الموصولة فقط(1/128)
@ نحو إن ما توعدون لآت ولهذا قال ( الأنعام والمفتوح يدعون معاً ) إعلال الأنعام سبق في الأضراس وهو منصوب على نزع الخافض والمفتوح منصوب أي اقطعوا أن ما المفتوح همزته من قوله تعالى " وأن ما يدعون من دونه هو الباطل " في الحج وأن ما يدعون من دونه الباطل في لقمان على خلاف خطابهما وغيبتهما وهذا معنى قوله معاص أي في الموضعين جميعاً وحذف تنوينه وقفاص ( وخلف الأنفال ) بالنقل ( ونحل وقعاً ) بألف الإطلاق نظراً إلى إفراد الخلف أو بألف التثنية نظراً إلى وقوع الخلف في السورتين والتقدير وخلف ما فيهما وقع في رسوم المصاحف وهو بمنزلة الاستثناء من مفهوم كلامه السابق لفاً ونشراً مشوشاً من أن المكسور والمفتوح مع ما والحاصل أنهم اختلفوا في وصل إن ما المكسورة وقطعه في قوله تعالى " إن ما عند الله هو خير لكم " في النحل والوصل أثبت كما في الرائية والباقي موصول اتفاقاً نحو إنما صنعوا كيد ساحر إنما توعدون لصادق إنما توعدون لواقع إنما الله إله واحد إنما أنت منذر إنما أنا بشر مثلكم وكذا اختلفوا في وصل أنما المفتوح وقطعه في قوله واعلموا أنما غنمتم من شيء بالأنفال والوصل أثبت كما في الرائية واتفقوا على وصل ما عداه نحو يوحي إلى أنما إلهكم إله واحد إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ثما علم أن في كلامه ما لايخفى من الإيهام والإبهام فإنه أوهم أن كلا منهما مفتوحة وأبهم المكسورة مع أن في النحل ثمانية مواضع غير هذه مكسورة قال بحرق وإنما تعيينت لكونها اسمية وما عداها فعلية إنما يبلوكم إنما سلطانه إنما قولنا لشيء اهـ وخطؤه مما لا يخفى لأن كلا من المثالين الآخرين اسمية ولا يفيده وقوع الجمل الفعلية بعدها من قوله إذا أردناه ومن قوله يتولونه إلا بتكلف لا يخلو من تعسف في الجملة لو قال وما عداها عرفية لكان تفرقة منه خفية ( وكل ما سألتموه واختلف ) بكسر كل على الحكاية وإلا فهو منصوب(1/129)
على المفعولية أي اقطعوا لفظ كل عن ما في سألتموه في سورة إبراهيم واختلف أرباب الرسوم في غيره فوقع الاختلاف في كل ( ردوا كذا قل بئسما والوصل صف ) فكل ما ردوا إلى الفتنة بالنساء مختلف في فصله وقطعه وكذا وقع الاختلاف في كل ما دخلت أمة في الأعراف وكل ما جاء أمة بالمؤمنين وكل ما ألقى بالملك كما نص أبو عمرو الداني في المقنع على الخلاف في هذه الثلاثة ففي هذا قصور من الناظم للكلام عن مقام المرام حتى قال ابن المصنف وعبارة الناظم لا تفهم الخلاف إلى هذه الثلاثة وأما قول الرومي ولعله سكت عنها اكتفاء بذكر واحد منها ولاشتهار ما عداه عندهم فعذر بارد وعن خطور الفهم شارد فنظمت فقلت : وجاء أمة وألقى دخلت في وصلها وقطعها واختلفت فما عدا الخمسة اتفقوا على وصله نحو أفكلما جاءكم رسول كلما نضجت كلما أوقدوا ناراً للحرب هذا ومن المعلوم أن خطين لا يقاسان خط العروض وخط المصحف وإنما يتبع الرسم تعبدا وتبركاً واقتداء بالصحابة الكرام كتابة أو قراءة وقد نبه الزجاج على أن كلما إن كانت ظرفاً كتبت موصولة أو شرطاً فمقطوعة فهي إن لم تحتمل الظرفية كقوله تعالى " وآتاكم من كل ما سألتموه " فمقطوعة أي قطعاً وإن احتملها وعدمها كالمواضع المذكورة آنفاً ففيها خلاف وإن تعينت للظرفية فموصولة قلت فكأنه أخذ هذه القاعدة المذكورة من ضمن رسوم كلما المسطورة وأما ما عداها نحو كلما أضاء لهم فموصول ثم قال ( كذا قل بئسما ) أي بئس ما يأمركم به إيمانكم بالبقرة مختلف أيضاً في وصله وقطعه ثم جزم بقوله والوصل صف ( خلفتموني واشتروا في ما اقطعا ) أي صف الوصل في بئسما خلفتموني من بعدي @ بالأعراف وبئسما اشتروا به أنفسهم بالبقرة اتفاقاً ومفهوم كلامه أن ما عدا هذه الثلاثة مقطوع بلا خلاف وهو حيثما وقع بئسما مقروناً باللام وهي خمسة ولبئس ما شروا به أنفسهم البقرة لبئس ما كانوا يعملون لبئس ما كانوا يصنعون لبئس ما كانوا يفعلون لبئس ما قدمت لهم(1/130)
أنفسهم بالمائدة أو مقروناً بالفاء وهو موضعان فبئس ما يشترون في موضعي آل عمران بالمجموع سبعة لا ستة كما توهم المصري ثم قوله في ما قطعا ابتداء كلام وأصله اقطعن ابتداء كلام وأصله اقطعن قلبت النون المخففة ألفاً حال الوقف لا لضرورة الوزن كما ذكره اليمني وفيما مفعول مقدم والمعنى اقطع في عن ما الموصولة في أحد عشر موضعاً كما بينها بقوله ( أوحى أفضتم واشتهت يبلو معاً ثاني فعلن وقعت روم كلا تنزيل شعراً وغيرها صلا ) أي صلن أمر بالوصل مؤكداً بالنون المخففة المبدلة ألفاً حال الوقف أراد قوله تعالى " قل لا أجد فيما أوحى إلي محرماً " بالأنعام وفيما أفضتم فيه بالنور وفي ما اشتهت أنفسهم بالأنبياء ولكن ليبلوكم فيما آتاكم بالمائدة ليبلوكم فيما آتاكم آخر الأنعام وإليهما أشار بقوله معاً ثاني فعلن احترازا من أوله وهو قوله فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف وننشئكم في ما لا تعلمون بالواقعة وهل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم بالروم يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون كلاهما بالزمر وأشار بقوله كلا تنزيل إلى قوله تعالى " أن تتركون في ما ههنا آمنين " بالشعر ثم الضمير في قوله وغيرها صلا راجع إلى سورة الشعراء لكونها أقرب مذكور ولأنه المطابق لكتب الرسم والموافق لما صرح الشاطبي في قوله وفي سوى الشعرا بالوصل بعضهم وفي نسخة : وغير ذي صلا وفي أخرى وغيره صلا بالتذكير فهو راجع إلى لفظ الشعراء فإنه لا خلاف في قطعه وبخلاف ما عدا المذكورات فإنه لا خلاف في وصله سواء كان ما خبرية او استفهامية نحو فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف في أول البقرة كما فهم من قيد ثاني البقرة ونحو فيم كنتم وفيم أنت وقوله تعالى ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون فحصل أن ما في سورة الشعراء هو الحرف المتفق على قطعه كما صرح به المصنف وسائر المذكورات قد اختلفوا في وصلها وقطعها وإنما حكم(1/131)
عليها بالقطع أولا ثم جوز وصلها آخرا إشعاراً بان القطع هو الأولى لأنه هو الأصل في رسم المبنى فقول خالد الأزهري وأما آية كون فيما ههنا آمنين في الشعراء فهو من المختلف فيه فذكره مع المتفق عليه سهو منه خطأ فاحش صدر عنه حيث عكس القضية وأما قول ابن المصنف أي وغير هذه الأحد عشر موضعاً صله بلا خلاف فيفهم منه أن المواضع الأحد عشر كلها ليس فيها خلاف وليس كذلك لما تقدم ولما صرح أيضاً من أن قطع في عن ما الموصولة في عشرة مواضع بخلاف وفي ضع بلا خلاف ولا يفهم الخلاف من عبارة الناظم لأنه لم يذكره صريحا ولا إشارة اهـ فتبين لك أن ضمير غيرها إلى جميع المذكورات خطأ ظاهر ويترتب عليه فساد باهر وقد غفل عنه المصنف أيضاً وأما قول الرومي وقد جزم الناظم في جميعها بالقطع والمشهور الاختلاف في العشرة الأولى منها والجزم الحادي عشر فقط اللهم إلا أن يترجح عنده جانب القطع فيها أيضاً فغلظ منه وكأنه تبع خالداً في نقله وقلد ابن المصنف في مرجع ضمير غيرها وأما الشيخ زكريا فقد استراح في هذا المقام واكتفى بتحصيل المرام حيث قال وهذه الأحد عشر فيها خلاف إلا الأخير فمتفق على قطعه لكن غفل عن موضع حله إذ قال وغير ذي أي المواضع الأحد عشر فتدبر ثم قوله صلاً أي صلها غير صحيح لأن مفعول صل غيرها وقد تبين لك اضطراب كلام الشيخ زكريا في هذا المحل وقد وقع في الوهل من جهة الحل ولهذا اعترض المصري عليه بقوله إنه أجرى الخلاف في التي في الشعراء وجزم بالقطع في العشرة وهو مخالف لما في المقنع اهـ ولا يخفى أنه ليس مخالفاً للمقنع لا باعتبار أول كلامه ولا بالنسبة إلى آخر مرامه فتأمل فإنه موضع زلل والله سبحانه هو اللهم بالصواب وإليه المرجع والمآب @ ( فأينما كالنحل صل ومختلف في الشعر الأحزاب والنساء وصف ) بصيغة المجهول أي صف الاختلاف في السور الثلاثة قال اليمني وفي بعض النسخ تصف والمعنى واحد أقول وفيه أن المبنى مختلف لأن الفعل اللازم لا(1/132)
يبني مجهولاً ثم قوله مختلف اسم فاعل والتقدير مختلف رسمه والرسم مختلف وقوله وصف الجملة استئنافية وأغرب بحرق حيث قال ومختلف حال أي صف لنا مختلفاً وقصر الشعراء والنساء ضرورة وفي نسخة بدل الشعراء الظلة وهي أصل الشيخ زكريا لما جاء في السورة عذاب يوم الظلة أي اتفقت المصاحف على وصل قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله بالبقرة وكذلك أينما يوجهه لآيات بخير بالنحل فالفاء في الآية الأولى من نفسها وقوله كالنحل بالعطف على المعنى أو على أصل المبنى لئلا يلزم التشبيه من جميع الوجوه كما لا يخفى ثم تصرف الأولى للبقرة لأنها في الإطلاق أول سورة وهي أول ما وقع فيها وقال اليمني وعلم كونه في سورة البقرة من الفاء في أينما بالفاء لم يقع في غيرها والمعنى صل بالبقرة كوصلك بالنحل وأما قوله أينما كنتم تعبدون في الشعراء وقوله أينما ثقفوا بالأحزاب وأينما تكونوا يدرككم الموت في النساء فأكثر المصاحف على قطع أين عن ما كذا ذكره الشراح والمفهوم من الرائية ان وصل النساء قليل ويستوي الأمران في الأحزاب والشعراء وأما ما بقى متفق على قطعه نحو قوله فاستبقوا الخيران أينما تكونوا وقوله أينما كنتم تدعون وفي بعض نسخ ابن المصنف أينما كنتم تعبدون وهو وهم سهو قلم وأينما كنتم تشركون وأينما كانوا فوجه القطع الأصلي ووجه الوصل شبهة التركيب للجزم وهو معنى قول ابن قتيبة لأنها أحدثت باتصالها معنى لم يكن مع مناسبة النون الميم بخلاف حيث كما قال الجعبري ( وصل فالم هود ألن نجعلا ) بألف الإطلاق وهو معطوف بالعاطف المقدر على فالم هود وهو منصوب على الإضافة لكونها علم السورة أو على نزع الخافض واعتبار الظرفية والمعنى أن المصاحف اتفقت على وصل إن الشرطية بلم في قوله تعالى فالم يستجيبوا لكم بهود وعلى قطع ما عداه نحوه فإن لم تفعلوا الئن لم ينتهوا فإن لم يستجيبوا لك فوجه انقطع هو الأصل ووجه الوصل اتحاد عمل إن ولم وكذلك اتفقوا على وصل ان(1/133)
المصدرية بلن الناصبة في موضعين قوله تعالى ألن نجعل لكم موعدا بالكهف وألن نجمع عظامه بالقيامة وعلى قطع ما سواهما نحو أن لن ينقلب الرسول وألن تقول الإنس والجن وألن يقدر عليه أحد وأما قوله أن تحصوه فقال بعضهم موصول وقال آخرون مفصول وعلى ما في المقنع ولعل الشيخ اختار الفصل الذي هو الأصل ولهذا لم يتعرض لبيان الخلاف فيه فوجه القطع الأصل مع التنبيه على أن العلم للثاني ووجه الوصل التقوية مع مجانسة الإدغام وهذا معنى قوله ( نجمع كيلا تحزنوا تأسوا على ) نجمع عطف على نجمع وكيلا عطف على فإلم وتأسوا على تحزنوا وعلى يتعلق يتأسوا والمعنى أن المصاحف اتفقت على وصل كي بلا في أربعة مواضع لكيلا يكون عليك حرج وهو الثاني من الأحزاب ولهذا احترز بقوله عليك من أوله لأنه متعلق على المؤمنين واتفقت على قطع ما عداها وهو الأول من الأحزاب لكي لا يكون على المؤمنين حرج وكي لا يكون دولة بالحشر ولكي لا يعلم بعد علم شيئا بالنحل فوجه القطع الأصل ووجه الوصل التقوية مع تحقق عدم الحجر وهذا معنى قوله : ( حج عليك حرج وقطعهم عن من يشاء من تولى يومهم ) أي ثالها موضع حج أي ما وقع في سورة الحج ورابعها الذي بعده عليك حرج كما سبق ثم قوله وقطعهم @ مبتدأ أي مقطوع أرباب الرسوم واتفاقهما على قطع عن من الموصولة في موضعين وهما قوله ويصرفه عن من يشاء بالنور وعن من تولى عن ذكرنا بالنجم وليس ثم غيرهما كما نبه عليه ابن المصنف وتبعه الأزهري وقد قال في المقنع وليس في القرآن غيرهما قال الجعبري أي لا مفصولاً ولا موصولاً وأما قول الشيخ زكريا وتبعه الرومي بأن ما عداهما موصول فوهم منهما وكذا اتفقت المصاحف على قطع يوم عن هم المرفوع المحل وحده في موضعين ويوم هم بارزون بغافر ويوم هم على النار يفتنون في الذاريات واتفقت على وصل يومهم المجرورة المحل نحو " من يومهم الذي يوعدون حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصفعون " فوجه القطع أن هم مرفوع بالابتداء(1/134)
منفصل فيناسبه الفصل مع كونه هو الأصل ووجه الوصل أن المجرور متصل حكماً فيلائمه الوصل وقد أغرب اليمنى حيث قال وقطع لفظ هم الساكن الميم وقفاً ووصلاً ثابت أيضاً في السورتين قال وإنما قيدنا بالساكن الميم احترازاً من يومهم الذي فإنه موصول اهـ ووجه غرابته أن هذا فرق عام لفظي لا حكم خاص حقيقي مع أن ميم الأولين ليس ساكناً في الوصل عند الكل بل فيه خلاف لبعضهم وأما الوقف فلا فرق أصلاً ( ومال هذا والذين هؤلاء ) أي وجب قطعهم أو وكذا قطعهم لام الجر عن مجرورها في أربعة مواضع مال هذا الكتاب في الكهف ومال هذا الرسول في الفرقان فالمراد بهذا جنس هذا الواقع بعد مال فمال اذين كفروا بالمعارج فمال هؤلاء القوم بالنساء وعلى وصل لام الجر بمجرورها فيما عداها نحو فمالكم ومالك لا تأمنا وما لأحد عنده فوجه قطع لام الجر هو التنبيه على أنها كلمة برأسها ووجه وصلها بما بعدها تقويتها لأنها على حرف واحد ولأنها غير مستقلة ولأنها تكتب موصولة بما دخل عليه غالباً كما هو قاعدة كتابة العربية ثم ما في هذه الأربعة للاستفهام فالجمهور يقفون اختيارً واضطراراً لا اختياراً على اللازم اتباعاً للرسم وأبو عمرو يقف في هذه الأربعة على ما والكسائي يقف على ما في رواية وعلى اللام في الأخرى وفي نسخة بعدها ولأنها من تتمة المسئلة السابقة ولا متعلقة بالقضية اللاحقة وهي قوله ( تحين في الإمام صل ووهلا ) بألف الإطلاق وبضم الواو وتشديدها مكسور أي ضعف وغلط قائله وأنسب إلى الوهان والوهم ناقله وفي أكثر النسخ وقيل لا كما نص عليه الرومي واختاره الأزهري أي وقيل لا وصل أو المعنى لا تصل بل اقطع التاء عن حين لكن تعبيره بقيل معشر بتضعيفه وهو خلاف ما عليه الجمهور فالصواب الأول وهو مختار الشيخ زكريا وعليه المعول فتكتب التاء مفصولة من الحاء على هذه الصورة لات حين مناص لا على هذه الكيفية لا تحين واعلم ان أبا عبيدة قال رسم في الإمام يعني مصحف عثمان رضي(1/135)
الله عنه الخاص به لا تحين نص على أن التاء متصلة بحين وفي رسم المصاحف الحجازية والشامية والعراقية التاء منفصلة عن حين خطأ ومتصلة بلا حكماً وذلك لأن في قول الأكثرين هي لا النافية دخلت عليها التاء علامة لتأنيث الكلمة كما دخلت على رب وثم لذلك فقيل ربة وثمة فهي زائدة متعلقة بما قبلها لا بما بعدها والمعنى ليست تلك المدة حين الفرار واختلف القراء فالكسائي يقف بالهاء لأصالتها والباقون يقفون بالتاء تبعاً لرسمها فأجمعوا على أنه لا يجوز الوقف على لا ولا الابتداء بتحين وبهذا يظهر صحة نسخة وهلا وإنما خالفهم أبو عبيد حيث قال الوقف عندي على لا والابتداء بقوله تحين فيكون قراءة شاذة لأنها مخالفة لقواعد العربية في المبنى والمعنى وأن وجه قراءته بقوله لأنى نظرتها في الإمام فوجدتها تحين قال وهذه التاء تزاد في حين فيقال هذا تحين كان كذا وانشد شعراً : العاطفون تحين ما من عاطف والمطعمون زمان أين المطعم قال الناظم في النشر أني رأيتها مكتوبة في المصحف الذي يقال له الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه لا مقطوعة والتاء موصولة ورأيت به أثر الدم وتتبعت فيه ما ذكره أبو عبدي فرأيته كذلك @ وهذا المصحف هو اليوم بالمدرسة الفاضلية بالقاهرة المحروسة اهـ وقال القسطلاني الأكثرون على خلاف ذلك وحملوا ما حكاه أبو عبيد على أنه مما خرج في خط المصاحف عن القياس وأما قول المصري فحيث صح النقل عن أبي عبيد إنه وجد ذلك كذلك في مصحف الإمام فيكون كافياً في حكم المرسوم فيكون حكمه كحكم غيره إذ لا فرق فمدفوع لأن الفرق هو مخالفته للجمهور مع مخالفته لسائر المصاحف فغايته أن وصله شاذ حيث لم يثبت التواتر في نقله ( ووزنوهم ) بالإشباع ( وكالوهم صل ) بالإشباع أي كتب أرباب الرسوم إذا كالوهم أو وزنوهم موصولين أي حكماً لأنهم لم يكتبوا بعد الواو وألفاً بعدم الألف يدل على أن الواو غير منفصلة فتكون موصولة بخلاف قوله تعالى : وإذا ما غضبوا(1/136)
يغفرون في سورة الشورى فإن الألف تكتب بعد الواو فيجوز الوقف على غضبوا وكذا الابتداء بقوله هم قال ابن الأنباري قال أبو عمرو وعاصم وعلى يعني الكسائي والأعمش أي من الأربعة عشر كالوهم حرف واحد أي حكماً والأصل كالوا لهم فحذف اللام على حد كلتك طعاماً فحذفت اللام وأوقع الفعل على هم فصارا حرفاً واحدا لأن الضمير المتصل مع ناصبه كلمة واحدة وكان عيسى بن عمرو يقول كالوهم أو وزنوهم أي كل منهما وكان يقف على كالوا ووزنوا وبيتدئ بهم والمعنى أنه كان يجوز الوقف على الواو والابتداء بقوله هم لا أنه كان يفعل اختياراً بخلاف القراء أجمع لا يجوزون الوقف على الواو أصلاً ولذا قال أبو عبيد والاختيار الأول أي قال مختار الجمهور هو المعول ثم اعلم أن في معنى وزنوهم نحو رزقناهم وأعطيناك وأنزلناه وأنلومكموها وأورثتموها وأمثال ذلك ( كذا من أل وهاوياً لا تفصل ) بالإشباع أي لا تفصل مدخول لام التعريف من أل ولو قمرية لا كتابة ولا قراءة وكذا مدخول هاء التنبيه وياء النداء وإن كانت كلمات مستقلة لقلة الامتزاج بينهما في الصورة نحو الحمد والحق والأرض والآخرة ونحو يا أيها ويا آدم ويا بني ونحوها أنتم وهؤلاء وهذا وأمثال ذلك فلا يوقف على أل وياؤها ولا يبتد أحمد وحق وأرض وآخره وآدم وبني وأنتم وأولاء وذا في الأمثلة المذكورة وأمثالها كما يفعله كثير من جهلة القراء وقفاً عليها وبدأ بما بعدها وقد أخطأ الرومي حيث قال في إعراب البيت وإضافة الياء إلى الضمير العائد إلى أل للمناسبة بينهما في التعريف فإن الصواب أن ها عطف على يا وليس تلك الواو علامة ضمة الهمزة وفي نسخة بالعكس وهو الأولى كما اخترنا لما فيها من دفع التوهم كما لا يخفى وأيضاً من في البيت ليست زائدة كما قررناه خلافاً للرومي ثم قول الناظم كذا محمول على التشبيه المعنوي بين قوله صل ولا تفصل لأن مؤداهما واحد وإن كان بين الأمر والنهي خلاف صورى ومما يجب التنيبه عليه أن نعما(1/137)
ومهما وربما موصولة في جميع المصاحف قال ابن الأنباري حدثنا خلف قال قال الكسائي نعماً حرفان أي كلمتان لأن معناه نعم الشيء وكتب بالوصل أي كلمة واحدة ثم قال ابن الأنباري عن الكسائي ومن قطع لم يخطئ أي في اللفظ بناء على الأصل وإن أخطأ @ من حيث إنه خالف الرسم ثم كل كلمة على حرف واحد متصلة إما أولاً وإما آخراً بخلاف الواو العاطفة نحو بالله وكلمة ربه وحينئذ موصولات وممن كله موصول وأنلزمكموها كذلك وأن يمل هو مفصول وكتبوا ابن أم في سورة الأعراف مفصولاً وصورة ينبؤم بطه حرف النداء موصول بالباء وكتبوا صورة الهمزة واو متصلة بالنون ومن المعلوم ان في المنفصلين يجوز الوقف على آخر كل منهما بخلاف المتصلين فإنه لا وقف إلا في آخر الثانية وويكأن في موضعي القصص يوصل فيهما الباء بالكاف كما قال الداني في مقنعه والشاطبي في عقيلته لكن وقف أبو عمرو على الكاف والكسائي على الياء والجمهور على آخرهما على وفق رسمهما ومعناه تندم وتنبه على الخطأ فأما يا عبادي الذين آمنوا عن أرضى واسعة ويا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم فياء الإضافة ثابتة فيهما اتفاقاً كما اتفقوا على حذفها في يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم في الزمر واختلفوا في قوله سبحانه وتعالى يا عبادي لا خوف عليكم في الزخرف وحذف ياء الإضافة أيضاً بعد نون الوقاية كثي نحو قوله تعالى فارهبون ولا تكفرون وإن يردن الرحمن وكذا من غير نون الوقاية كقوله متاب ومآب ومحل بسطها كتب الرسم ومنها واخشون فهي محذوفة بالمائدة في الأولى وهي التي بعدها اليوم وثابتة في البقرة وهي قوله واخشوني ولأتم اجماعاً فيهما كتابة وقراءة وأما في المائدة وهي التي بعدها ولا تشتروا فمحذوفة رسما ويثبتها أبو عمرو وصلاً ومن المحذوفات ما يكون من أصل الكلمة نحو قوله وسوف يؤت الله المؤمنين ويقض الحق على قراءة الضاد المعجمة وننج المؤمنين بيونس وبالواد المقدس وواد النمل إلا ان الكسائي يقف فيه بالياء(1/138)
وبهاد العمي بالروم إلا أن حمزة والكسائي يقفان بالياء وصال الجحيم فما تغن النذر الجوار المنشئات الجوار الكنس وأما قوله ومن آياته الجوار فمحذوفة الياء أيضاً لكن أثبتها نافع وأبو عمر وصلاً وابن كثير في الحالين ثم قوله ذا الأيد وكذا والسماء بنيناها بأيد فيصح الآخر لأن وزنه فعل فمعنى الأيد القوة بخلاف أولى الأيدي لأنه جمع يد أصلها يدى وأما هادو وال وباق وواق فمحذوف الياء إلا أن ابن كثير يثبتها وقفاً والمهتدي بالأعراف ثابتة وفي غيره محذوفة لكن فيه انحلال كما سب في ومن آياته الجوار وأمثال ذلك كثير محله الشاطبية الصغرى وهي الرائية من جهة الرسم والكبرى من جهة اختلاف القراء وحذفت الواو من لام الفعل من غير جازم في أربعة مواضع يدع الإنسان بالشر ويمح الله الباطل ويوم يدع الداع وسندع الزبانية وليس منه وقل لعبادي يقولوا التي كما في بعض مصاحف العوام فإنه خطأ عظيم في هذا المقام وصالح المؤمنين فالحذف اتفاقاً على خلاف في كونه جمعاً أو مفرداً أريد به الجنس : ثم اعلم أنه كان مكي يقول في نحو يقض الحق بأنه لا ينبغي للقارئ أن يقف عليه لأنه إن وقف على الرسم خالف الأصل وإن وقف على الأصل خالف الرسم قال الحافظ أبو عمرو والداني وكان أبو حاتم سهل بن محمد وغيره من النحويين لا يجيزون الوقف على ذلك إلا برد ما حذف وهو القياس في العربية قال أن الأئمة على خلاف ذلك والقراءة سنة متبعة اهـ وفيه بحث لا يخفى إذ لم يثبت القراءة بالوقف عن الصحابة في مثل تلك الكلمة لا مقطوعة ولا موصولة وإنما ثبت على خلاف القياس رسم الكتابة فالتحقيق ما قاله المكي حيث لا ضرورة في العدول عند الدراية من غير ثبوت الرواية قال المصري فإن قلت كيف يوقف على نحو يحى الأرض قلت يوقف على ذلك برد الياء لأنها حذفت من الكتابة لكراهة الجمع بين صورتين متفقتين واكتفاء بالكسرة التي قبلها وما حذف لذلك لم يحذف في الوقف بل يرد ما حذف والله أعلم قلت يرد(1/139)
عليه أن هذا خلاف ما أجمع عليه القراء وكان اختيار بعض النحاة في هذا الاكتفاء على أن عروض السكون في الوقف لا يرفع حكم كسر ما قبلها ولذا جوز النحاة أيضاً اجتماع الساكنين حينئذ حيث @ ولم يعتبروا بالعارض ( ورحمت الزخرف بالتاز بره ) برفع رحمت ونصبها أي رسم عثمان رضي الله عنه أو كتب أهل الرسم بالتاء المجرورة لفظ رحمت في سورة الزخرف وكذا ( في الأعراف روم هود كاف البقرة ) بحذف العاطف في الكل للوزن وبالنقل والاكتفاء بحركة اللام عن همزة الوصل في الأعراف وضبط هود وكاف بالفتح لأنهما اسما سورتين وأما قول الرومي وإضافة الأعراف إلى الروم والكاف إلى البقرة لفظاً لأدنى ملابسة فمحمول على عدم الملاحظة لما قدمناه من حسن المقابلة ثم اعلم أن هاء التأنيث في المصحف الكريم ينقسم إلى ما رسم بالهاء وهو المسمى بالتاء المربوطة وإلى ما رسم بالتاء وهو المسمى بالتاء المجرورة فأما ما رسم بالهاء فإن الوقف عليها بالهاء مما اتفق عليه القراء وهو الموافق لقاعدة الكتابة العربية وأما ما رسم بالتاء فإنه مما اختلف في الوقف عليه فابن كثير وأبو عمرو والكسائي يقفون بالهاء كسائر الهاءات الداخلة على الأسماء من نحو فاطمة وقائمة إجراء لهاء التأنيث على سنن واحد وهي لغة قريش ويترتب عليه أيضاً إمالة الكسائي وكذا جواز الروم والأشمام وعدمها للكل والباقون يقفون بالتاء تغليباً بالتاء تغليباً لجانب الرسم وهي لغة طيء " فلا بد " للقارئ من معرفة ما رسم بالتاء والهاء ليتحرى في جميعها الصواب في الأداء وقد خص الناظم ما رسم من ذلك بالتاء لقلته ويعرف ما عداها بكثرته ومجموع ما ذكره من رحمت سبعة لأنها في الزخرف موضعان أهم يقسمون رحمت ربك ورحمت ربك خير مما يجمعون والعموم يفهم من إطلاق الناظم ومن الإضافة الجنسية في الأعراف أن رحمت الله قريب من المحسنين وفي الروم فانظر إلى آثار رحمت الله وفي هود رحمت الله وبركاته وفي مريم ذكر رحمت ربك عبده(1/140)
زكريا وفي البقرة يرجون رحمت الله وما عدا هذه السبعة بالهاء نحو قوله تعالى لا تقنطوا من رحمة الله ( نعمتها ثلاث نحل ابرهم )بفتح الراء والهاء بلا ألف لغة في إبراهيم كما صرح به صاحب القاموس فلا يحتاج إلى قول برهان الدين الحلبي في شرحه للمقدمة حذف منه الألف والياء لأنه اسم أعجمي والعرب إذا عربته تخالف بين ألفاظه للخفة وينضم إلى ذلك ضرورة الوزن اهـ وفي جعله معربا نظر لا يخفى والمراد به سورته وثلاث بالرفع عطف على نعمتها بحذف العاطف والمفهوم من كلام الشيخ زكريا أنهما منصوبان حيث قال وزبر بالتاء أيضاً نعمتها ولا يصح قول الرومي أنه نصب على الظرفية إذ ليس في الكلام ما يصلح أن يكون ظرفاً له وجعله ظرفاً لقوله نعمتها مخل بالمعنى لأن ضمير نعمتها راجع إلى البقرة والحاصل أن لفظ نعمت رسم بالتاء في أحد عشر موضعاً في البقرة واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم وفي النحل ثلاث مواضع وبنعمت الله هم يكفرون ويعرفون نعمت الله واشكروا نعمت الله وفي إبراهيم موضعان بدلوا نعمت الله كفراً وأن تعدوا نعمت الله لا تحصوها وإليهما أشار بقوله ( معا أخيرات عقود الثان هم ) ضبط أخيرات بالنصب على الحال من مجموع ثلاث نحل وموضعي إبراهيم احتراز من أوائل النحل وأول إبراهيم وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي وهن أخيرات وقال ابن المصنف أخيرات @ صفة لثلاث النحل وموضعي إبراهيم الأخيرين اهـ ولا يخفى أن الأخيرين في قوله ليس في محله واحترز به عما في أول النحل : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وعما في أول إبراهيم : اذكروا نعمة الله عليكم ثم ضبط قوله عقود الثان بضم الدال وفتحها والضم هو الأتم على أنه عطف على ثلاث والمراد بالعقود سورة المائدة ووقع نعمت فيها في موضعين والمراد هنا الثاني المقرون بهم بتشديد الميم الساكن وقفاً أي بقوله هم يعني في قوله اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم وأما ما في نسخة بدل هم ثم بفتح المثلثة أي هناك(1/141)
كما نقله الشيخ زكريا فهو تصحيف للمبنى وتحريف للمعنى وأغرب من هذا ما ذكره اليمني من أن في بعض النسخ ثم بضم الثاء أي ثم لقمان ( لقمان ثم فاطر كالطور ) برفع لقمان وفاطر وفي نسخة بنصبهما على منوال ما سبق في عقود ولعل وجه النصب على نزع الخافض أو على أنه مفعول زبر كما تقدم وكذا قوله ( عمران لعنت بها والنور ) إلا أن قوله لعنت مبتدأ منقطع عما قبله والنور مجرور عطفاً على ضميره المجرور في بها الراجع إلى عمران أن المراد به سورته من غير تأكيد بالمنفصل على مذهب البعض من الكوفيين وجمع من البصريين وهو مختار المتأخرين من القراء والمفسرين كما حققناه في الحاشية المسماة بالجمالين للجلالين عند قوله تعالى " تساءلون به والأرحام " حيث قرأ حمزة بالجر والحاصل أن في لقمان عند قوله تعالى : في البحر بنعمت الله " وفي فاطر نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله وفي الطور فما أنت بنعمت ربك وفي آل عمران واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء مكتوب بالتاء المجرورة ولم يرتب بين السور للضرورة وما عدا هذه المواضع المذكورة فكل نعمة بالهاء مسطورة نحو قوله وأما بنعمة ربك فحدث ثم أخبر أن لفظ لعنت مرسوم بالتاء في موضعين في آل عمران فنجعل لعنت الله على الكاذبين وفي النور والخامسة أن لعنت الله عليه هذا وعبارة الناظم قاصرة عن المراد بما في سورة آل عمران حيث أطلقها ولم يقيد بما يفهم المقصود منها إذ جاء فيها أيضاً أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله وهو بالتاء المربوطة فليس المراد عموم ما فيها كما سبق في رحمت الزخرف مع أن المتبادر من إطلاقها العموم فرحم الله الشاطبي حيث تفطن لها وقيد في الرائية بقوله فنجعل لعنت الله ابتداراً مع الإشعار بأنه هو الواقع في أولها ثم ما عدا هذين فبالهاء كقوله تعالى " أولئك عليه لعنة الله " ( وامرات يوسف عمران القصص ) بتنوين امرأة على أنه مبتدأ وبنصب يوسف وعمران على الظرفية أي الكائنة فيهما وكذا(1/142)
القصص وسكن بالوقف والمفهوم من شرح الشيخ زكريا أن امرأت منصوبة مضافة حيث قدر وزبر فتدبر وقال اليمني مرفوع بالابتداء وخبره محذوف تقديره ومنها امرأت أي ومن الكلمات المرسومة بالتاء كلمة امرأت وقوله يوسف مبتدأ خبره محذوف أي محلها سورة يوسف وقوله عمران القصص معطوفان علي يوسف وحرف العطف محذوف للوزن وأغرب الرومي حيث جعل امرأت مضافة إلي يوسف وهو مضاف إلي عمران وهو إلي القصص بناء علي ان الإضافة لأدنى ملابسة ووجه الغرابة لايخفى على ذوي النهى ويستفاد عموم موضعى يوسف مما قدمناه في رحمة الزخرف فتدبر (تحريم معصيت بقد سمع يخص) فتحريم منصوب أيضا على الظرفية أو على المفعولية و المراد به سورة التحريم ومعصيت منون لكونها مبتدأ وجوز جره حكاية لأنها وردت في القرآن مجرورة ويخص بصيغة المجهول ويجوز تذكيره باعتبار لفظ قد سمع وتأنيثه باعتبار سورته المعنى أن امرأت مرسومة بالتاء في سبع مواضع امرأت العزيز تراود وامرأت العزيز الآن كلاهما بيوسف وإذا قالت امرأت عمران في آل عمران وقالت امرأت فرعون في القصص وامرأت نوح وامرات لوط وامرأت فرعون في التحريم وما سواها بالهاء القاعدة الكلية أن المرأة المذكورة مع زوجها مرسومة بالتاء وغيرها بخلافها كما في قوله تعالى " وإن امرأة خافت " ثم أخبر أن لفظ معصيت @ مخصوص بموضعي قد سمع ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول ولا ثالث لهما ويستفاد العموم من إطلاقها ( شجرت الدخان سنت فاطر ) بجر الدخان على أنا الإضافة بمعنى في ويجوز نصبه على الظرفية بنزع الخافض وأسكن تاء سنت ضرورة وهي مضافة إلى سورة فاطر ( كلا والأنفال وأخرى غافر ) فقوله كلا حال من سنت الواقعة في فاطر والأنفال بالنقل عطف على فاطر وأخرى أي وسنت أخرى هي في غافر فأخرى في محل جر وغافر بدله وفي بعض الأصول وحرف غافر بالجر مضافاً والمعنى وكذلك قوله إن شجرت الزقوم في سورة الدخان(1/143)
مرسومة بالتاء بخلاف غيرها كقوله تعالى الزقوم إنها شجرة وكذلك سنت في خمسة مواضع مرسومة بالتاء ثلاثة في فاطر إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلاً ولن تجد لسنت الله تحويلاً وإلى هذه الثلاثة أشار بقوله كلا وفي الأنفال مضت سنت الأولين وفي غافر سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون وهي آخر السورة لكن قول ابن المصنف أخرى غافر أي آخرها غير مستقيم للفرق بين الآخر والأخرى كما لا يخفى على ذوي النهي ومع هذا هو بيان لمحله لا احتراز عن أوله أو آخره لعدم تحقق تعدده ثم ما عدا هذه الخمسة بالهاء كقوله تعالى سنة من قد أرسلنا ثم كان حقه أن يذكر سنة أولاً لكونها من الألفاظ المكررة ثم يذكر شجرة الدخان فإنها من الكلمات المفردة والاعتذار عنه ارتكاب الضرورة ( قرت عين جنت في وقعت ) أي وكذلك رسم بالتاء قوله تعالى حكاية عن امرأة فرعون قرت عين لي ولك في القصص وبالإضافة إلى لفظ عين احترز عن المضاف إلى أعين في قوله تعالى قرة عين في الفرقان ومن قرة أعين في السجدة وريحان وجنت نعيم في سورة الواقعة التي أولها إذا وقعت بخلاف غيرها نحو جنة الخلد ( فطرت بقيت ) بسكون التاء فيهما ( وابنت ) بالتنوين ( وكلمت ) ولو قال كلمة كان أكثر سلاسة أي وكذا رسم بالتاء فطرت الله بالروم " وبقيت الله خير لكم " في هود ولعله اكتفى باللفظ عن القيد التنوين أو لوجودها كذلك في هود فخرج ببقيت البقية المنونة في قوله تعالى وبقية مما ترك آل موسى وأولو بقية ومريم ابنت عمران في التحريم ولم يقع غيرها وتمت كلمت ربك الحسنى في الأعراف بقوله ( أوسط الأعراف ) بالنصب على الظرفية وغيرها بالهاء نحو قوله تعالى " وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا " لكن كلمت التي في الأنعام بالتاء أيضا إلا أنه مندرج في ضمن قوله ( وكل ما اختلف جمعاً وفرداً فيه بالتاء عرف ) بصيغة المجهول فيهما فهذه قاعدة كلية تحتها أفراد جزئية وهي كل ما(1/144)
اختلف القراء في إفراده وجمعه قراءة فإنه يكون في رسم القرآن بالتاء كتابة والمراد أن مفرده أيضا بالتاء إذ لا خلاف في ان الجمع المؤنث السالم يكون بالتاء سوا فيه الرسوم القرآنية وقواعد كتابة العربية ولذا أجمع القراء في الوقف عليها بالتاء واختلفوا في مفردها ومجموعها اثنا عشر موضعاً وذلك قوله تعالى وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلاً في الأنعام قرأها بالتوحيد عاصم وحمزة والكسائي وكذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أول يونس قرأهما بالإفراد غير نافع وابن عامر واختلف المصاحف في ثاني يونس إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون وكذلك حقت كلمت @ ربك على الذين كفروا في الطول والقياس فيهما إذ قرأهما غير نافع وابن عامر بالتوحيد وآيات للسائلين في سورة يوسف قرأها ابن كثير بالإفراد وألقوه في غيابت الجب وأن يجعلوه في غيابت كلاهما في يوسف أيضا قرأهما غير نافع بالتوحيد ولولا أنزل عليه آية من ربه في العنكبوت قرأها بالإفراد ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي وهم في الغرفات آمنون في سبأ قرأها بالتوحيد حمزة فهم على بينة منه في فاطر قرأها بالإفراد ابن كثير وأبو عمرو وحفص وحمزة وما تخرج من ثمرات من أكمامها في فصلت قرأها بالتوحيد ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر وحمزة والكسائي وجمالت صفر قرأها بالإفراد أي صورة وإلا فهي جمع حقيقة حفص وحمزة والكسائي ثم اعلم أنهم اختلفوا في التاء الموجودة في الوصل والهاء الموجودة في الوقف أيتهما الأصل للأخرى فذهب سيبويه وجماعة إلى أن التاء هي الأصل مستدلين بجريان الإعراب عليها دون الهاء وبأن الوصل هو الأصل والوقف عارض قالوا وإنما أبدلت هاء في الوقف فرقاً بينهما وبين التاء التي في عفريت وملكوت وقال ابن كيسان بل فرقاً بينهما وبين تاء التأنيث اللاحقة للفعل نحو خرجت وضربت وذهب آخرون إلى أن الهاء هي الأصل ولهذا سميت هاء التأنيث لا تاء التأنيث وإنما جعلوها تاء في الوصل لأنها حينئذ يتعاقبها(1/145)
الحركات والهاء ضعيفة لشبهها حروف العلة لخفائها فقلبوها إلى حرف يناسبها مع كونه أقوى منها وهو التاء ومما يجب التنيبه عليه أن قوله يا أبت مرسوم بالتاء والشامي بفتحها ويقف عليها بالهاء ووافقه ابن كثير وكذلك هيهات مرسوم بالتاء ووقف عليها البزي والكسائي بالهاء وكذا مرضات ولات واللات وذات وقف عليها الكسائي بالهاء وقد نظمتها في بيت وقلت : واللات مع لات كذا مرضات ويا أبت وذات مع هيهات ( وابدأ بهمز الوصل من فعل بضم ) مع ضم الهمزة لكن لا مطلقاً في جميع الأحوال بل كما قال ( إن كان ثالث من الفعل يضم ) بصيغة المجهول خبر كان أي مضموماً اعلم أن الهمزة في أول الكلمة إما همزة قطع وهي التي تثبت وصلاً وبدءاً وإما همزة وصل وهي التي تثبت في الابتداء وتسقط في الدرج قال ابن المصنف ووقوع همزة القطع في الكلام أكثر من وقوع همزة الوصل فلذلك حصر الناظم مواضع همزة الوصل ليعلم بذلك أن ما عداها همزة قطع اهـ وفيه بحث لا يخفى والظاهر أن همزة الوصل أكثر وجوداً من همزة القطع في الكلام إلا أن الضابط في همزة الوصل أقرب وأظهر فلذا اختار بيانها ومن المعلوم أن الابتداء لا يمكن إلا بمتحرك فأول الكلمة إن كان متحركاً فظاهر وإن كان ساكناً فيحتاج إلى همزة الوصل وسميت همزة وصل لأنها يتوصل بها إلى النطق بالساكن ولذا سماها الخليل سلم اللسان ثم همزة الوصل توجد في الأسماء والأفعال والحروف ومن شأنها أنها لا تكون في مضارع مطلقاً ولا في ماض ثلاثي كما مر أو رباعي كأكرم بل في الخماسي كانطلق والسداسي كاستخراج وحكمها في الماضي المعروف الكسر لا غير وأما في المجهول فلا يكون إلا مضموماً وأما الأمر الحاضر ففيه تفصيل كما ذكره الناظم وقدم حكم الأفعال لأن همزة الوصل في الأفعال بالأصالة وأمر بالابتداء بهمزة الوصل مضمومة من فعل الأمر إذا كان ثالثه مضموماً ضماً لازماً لا عارضاً كما سيأتي نحو انظر واعبد وإنما عدل عن الكسرة إلى الضمة مع أن(1/146)
الأولى هي الأولى لكونها الأكثر في همزة الوصل لئلا يلزم الخروج من الكسرة إلى الضمة والحال أن لا عبرة بالساكن بينهما حيث إنه ليس بحاجز ولمناسبة عين الفعل وأما إن كان ثالثه مكسوراً كسراً لازماً أصلياً أو مفتوحاً فابتدئ بها مكسورة على أصلها نحو اضرب واذهب وأشار إلى ذلك بقوله ( واكسره حال الكسر والفتح وفي ) أي واكسر الهمزة حال كسر ثالث الفعل أو فتحه أما وجه كسره في مكسورة فهو لمناسبة بينهما كما في ضمه مع مضمومه وأما وجه كسره في مفتوحه فالحمل له على @ مكسورة كنظيره في إعراب المثنى والجمع كذا ذكره الشيخ زكريا والأظهر لدفع الاشتباه في بعض الصور باعتبار بعض الصيغ ولأن همزة القطع غالباً تكون مفتوحة فلا بد من ظهور المغايرة وأما إذا كان ثالث الفعل مضموماً ضماً غير لازم بأن يكون عارضاً لإعلال كسرته أيضاً نحو مشوا فإن أصله مشيوا نقلت ضمة الياء إلى الشين بعد سلب حركتها فالتقى ساكنان فحذفت الباء فصار مشوا وكذا قوله ائتوني وقد ذهب ابن المصنف وتبعه الشراح إلى أن حصر تصوير الأمثلة مختص بالأوامر من الثاني المجرد ولعلهم غفلوا عن أنه كذلك حكم الأمر مطلقاً والماضي من الثلاثي المزيد ما عدا باب الأفعال فإن همزته مطلقاً قطعية سواء كان ذلك الفعل الماضي معلوماً أو مجهولاً نحو اجتمعت واجتثت واستكبر وأوتمن واشترى واتخذناهم سخرياً لمن قرأ بالإخبار ونحو انطلقوا واستغفروا بعد ذلك التعميم أشار الناظم حيث قال ثالث من الفعل ولم يقل عين الفعل فافهم وقال الشيخ زكريا وابدأ وجوباً ولعله أشار إلى الخلاف الواقع في نحو قل ادعوا حال الوصل كما بينه الشاطبي رحمه الله بقوله : وضمك أولى الساكنين لثالث يضم لزوماً كسره في ندخلا ثم قول الناظم وفي حرف جر مدخولها قوله ( الأسماء غير اللام كسرها وفي ) بتشديد الياء سكن وقفاً أو خفف فهو فعيل بمعنى واف أي تام والمعنى كسر الهمزة فيها تام بخلافها في لام التعريف فإنها تفتح طلباً(1/147)
للخفة فيما يكثر دوره وغير إما مجرور على أنه نعت الأسماء أو منصوب على الاستثناء والمراد باللام لام التعريف وكسرها مرفوع على أن مبتدأ وضميرها راجع إلى الهمزة في أول الأسماء وخبره وفي وفي الأسماء متعلق بكسرها واللام في الأسماء متحركة منقولة إليها من الهمزة بعدها حيث أدرجت الهمزة واكتفى بحركة اللام عن همزة الوصل فالمعنى أن همزة الأسماء كلها مكسورة غير همزة لام التعريف فإنها تكون مفتوحة دائماً طلباً للخفة فيما يكثر دوره واستثناء لام التعريف من الأسماء استثناء منقطع لأنها حرف لا اسم ومن ثمة قال ابن المصنف ليس مستثني منها بل من قوله واكسره يعني من ضميره أي واكسر الهمز فيما ذكر غير همز لام التعريف وفيه بعد من حيث اللفظ كما قال زكريا : ابن مع ابنة امرئ واثنين وامرأة واسم مع اثنتين فقوله ابن بالجر بدل من الأسماء كما ذكره الشيخ زكريا أو عطف بيان وهو الأظهر فالمراد بالأسماء الآتية وأما قول الرومي وفي الأسماء خبر مقدم لقوله كسرها وفي ابن عطف على قوله وفي الأسماء فليس في محله بل خطا من جهة المبنى وكذا من طريقة المعنى أما المبني فلأنه يلزم منه عيب في كلام الناظم وهو الإبطاء بخلاف ما قدمناه في تحقيق المبنى وأما المعنى فلأن الأسماء المكسورة الهمزة محصورة عند المصنف في الأسماء المذكورة فلا يصح التعاطف بينهما على الطريقة المسطورة وأيضا لا يصح حمل الأسماء على العموم ويكون العطف من قبيل التخصيص لأن جميع همزات الأسماء ليست موصولة ولا كلها مكسورة وكأن الشيخ أراد بالأسماء ما فيه الهمزة المكسورة السماعي فلا يرد عليه القياسي وهو كل مصدر بعد ألف فعله أربعة أحرف فصاعدا كالافتعال والانفعال والاستفعال مما ورد في القرآن أو لم يرد أو لأنه اكتفى بما يفهم من كسر همزه في الفعل في مصدره بالقياس وأما تفسير اليمنى الأسماء بالمصادر من نحو ابتغاء الفتنة واختلاف الليل والنهار وانتقام فليس في محله لما سبق من تحقيق(1/148)
المرام وأما سائر الأسماء فمختلفة الأوائل فمنها مفتوحة كآدم أو مكسورة كإبراهيم أو مضمومة كأجاج قد يقال إن هذا كله يندفع بأن الضمير في اكسره إلى همزة الوصل لا إلى الهمز مطلقاً ثم ما اختاره الناظم من أن التعريف باللام وحده والهمز زائدة إذ لو كانت مقصودة لم تحذف كما لا تحذف همزة أم وأن هو مذهب سيبويه وأكثر النحاة خلافاً لما ذهب إليه الخليل من أن أل حرف ثنائي تفيد التعريف لأنها من @ خصائص الأسماء وتفيد معنى فيها وهي بمنزلة قد وهل في الأفعال وذلك ثنائي فكذلك هذه أقول ولعل وجه حذف همزه كثرة الاستعمال والحاصل أن الناظم يريد همزة الوصل في السماعي وهو عشرة أسماء وقد ذكر سبعة منها لورودها في القرآن إلا أنه ترك باقيها لضرورة النظم كما قاله المصري وسبقه الرومي منها ابن وأصله بنو بفتحتين لقولهم في تكسيره أبناء وأفعال في الأصل جمع فعل نحو نبأ وأنباء وخبر وأخبار فأعل بأن استثقل الضمة على الواو وحذف اللام لالتقاء الساكنين وأسكن الأول وأدخلت عليه همز الوصل ومنها ابنة وأصله بنوة كشجرة وهي مؤنثة ابن فحكمها حكمة ومنها امرؤ للمذكر وامرأة للمؤنث وفيهما لغة أخرى مرء ومرأة وإنما أدخلوا الهمزة عليهما وإن كاناتا مين من حيث إن لامهما همزة ويلحقهما التخفيف فيقال مرأة ومرة فجريا مجرى ابن وابنة ومنها اثنان للمذكر اثنتان للمؤنث وأصلهما ثنيان وثنيتان كجملان وشجرتان بدليل قولهم في النسبة ثنوي فحذفت اللام وأسكنت الثاء وجئ بهمزة الوصل ومنها اسم سمو بوزن قنو وصنو فحذفت الواو لاستثقالهم تعاقب الحركات الإعرابية عليها ونقل سكون الميم إلى السين لتعاقب تلك الحركات عليها وأتى بهمزة الوصل وهذا مذهب البصريين وفيه أن العلة المذكورة منقوصة في دلو اللهم إلا أن يقال بان استعمال الاسم أكثر من الدلو واطراد العلة غير لازم وأما مذهب الكوفيين أن أصله وسم أي علامة لأن الاسم علامة للمسمى ويعرف هو به والمختار مذهب البصريين(1/149)
لقلوهم في تكسيره أسماء لا أوسام وفي تصغيره سمي لا وسيم وعند إسناد الضمير المرفوع المتحرك سميت لا وسمت كوعدت قال ابن الناظم ومنها است وأصله سته كجمل لتكسيره على أستاه وأهمله الناظم لأن البيت لم يسعه قلت الصواب في الاعتذار أن يقال لعدم وروده في الكتاب لا سيما وذكره مستهجن عند أولى الألباب وأما قول خالد وينبغي أن يريد أل الموصولة وايم لغة في أيمن فإن قالوا هي أيمن فحذفت اللام قلنا وابنم هو ابن فزيدت الميم وحكمها مع ما ذكرنا الكسر ومع لام التعريف الفتح فالجواب أن لام التعريف يشمل نوعية وايم لم يجيء في القرآن العظيم وكذا ابنم مع أنه علم حكمه من ابن فإن الميم زائدة للتوكيد والمبالغة كما في رزقم بمعنى الأزرق ومراد المصنف بيان ما في الكتاب والله أعلم الصواب وأما قول ابن المصنف وقد تبعه الرومي لو قال الناظم مكان كسرها أيمن وفي لو في فمدفوع كما لا يخفى على أرباب الوفا لعدم وجود الاستيفاء وقال الشيخ زكيا ابن الناظم ههنا فوائد لا يفتقر إليها المشروح قلت وهو كذلك ولذلك أعرضت عما فيه من المغلوق والمفتوح ( وحاذر الوقف بكل الحركة ) الجار متعلق بالوقف وهو مفعول وحاذر أمر بمعنى احذر على المبالغة فإن المفاعلة إذا لم يصح منها المغالبة فهي للمبالغة والمعنى احذر الوقف بتمام الحركة كما يفعله جهال القراء في نحو تب ثم اعلم أن الوقف لغة مصدر وقفت الدابة وقفاً لحبستها فوقفت هي وقفاً لازم ومتعد والفرق بينهما بالمصدر كرجع رجعاً ورجوعاً وصد صداً وصدوداً واصطلاحاً قطع الكلمة عما بعدها إن كان بعدها شيء وإلا فيسمى قطعاً كذا ذكروه ولا يدعى أو يسمى وقفاً أيضاً لأن بعض القرآن يتعلق ببعض ويستحب الحال والمرتحل فيصدق الوقف على أول السور وعلى آخر القرآن غايته أن بسملة الفاتحة حكماً كما عرف في محله ثم أنواع الوقف ثلاث أولها الإسكان المحض وهو الأصل لأن الغرض من الوقف هو الاستراحة وسلب الحركة أبلغ في تحصيل الراحة(1/150)
وثانيها الروم وهو إتيان بعض الحركة بصوت خفي وكأنه يضعف صوتها لقصر زمانها فيسمعها القريب المصغي دون البعيد لأنها غير تامة والمراد بالبعيد أعم من أن يكون حقيقة أو حكماً فيشمل الأصم والقريب إذا لم يكن مصغياً وثالثها بالإشمام وهو أن تضم شفتيك بعد الإسكان إشارة إلى الضم وتترك بينهما بعض انفراج ليخرج النفس فيراهما المخاطب مضمومتين فيعلم أنك أردت @ بضمهما الإشارة إلى حركة آخر الكلمة الموقوف عليها فهو شيء يختص بإدراكه العين دون الأذن لأنه ليس بصوت يسمع وإنما هو تحرك عضو فلا يدركه الأعمى والروم يدركه الأعمى والبصير لأن فيه مع بعض الحركة صوتا ما يكاد الحرف أن يكون به متحركاً واشتقاقه من الشم كأنك أشمعت الحروف رائحة الحركة بأن هيأت العضو للنطق بها والمراد بالإشمام هو الفرق بين ما هو متحرك في الأصل فأسكن للوقف وبين ما هو ساكن في كل حال فإذا عرفت ذلك عرفت أن قول الناظم ( إلا إذا رمت فبعض الحركة ) استثناء مفرغ من أعم الأحوال والبعض مضاف إلى الحركة وهو مفعول لفعل مقدر رأي واحذر الوقف بتمام الحركة في جميع أحوال الوقف وأنواع حركات الكلمات الموقوف عليها من الرفع والنصب والجر والضم والفتح والكسر نحو نستعين وقيل والعالمين والصراط والرحيم وسير إلا إذا رمت وقف الروم فأت ببعض الحركة ولكن محله إذا كانت الكلمة الموقوف عليها مرفوعة أو مضمومة أو مخفوضة أو مكسورة بخلاف ما إذا كانت مفتوحة أو منصوبة ولهذا قال ( ألا بفتح أو بنصب ) وبنسخة وبنصب ( وأشم ) أي قف بالإشمام ( إشارة بالضم في رفع وضم ) أي للإشارة إلى ضمة الحركة من الكلمة الموقوف عليها في رفع وضم أي إذا كانت تلك الكلمة مرفوعة أو مضمومة بخلاف ما إذا كانت منصوبة أو مفتوحة أو محفوظة أو مكسورة والمغايرة بين أنواع الإعراب لإفادة عموم الحكم بين الحركات الإعرابية وبين الحركات البنائية فإن الرفع والنصب والجر من ألقاب الإعراب والضم والفتح والكسر من ألقاب(1/151)
البناء فيستوي في الأحكام المذكورة المنون وغير المنون والمعرب والمبني من الاسم ونحوه ثم اعلم أن الروم والاختلاس يشتركان في التبعيض إلا أن الروم أخص من حيث أنه لا يكون في الفتح والنصب ويكون في الوقف دون الوصل والثابت من الحركة أقل من الذاهب والاختلاس أعم لكونه يتناول الحركات الثلاث كما في لا يهدي ونعماً ويأمركم عند بعض القراء في الأمثلة الثلاثة ولا يخص بالآخر وهو محل الوقف والثابت من الحركة أكثر من الذاهب وذلك أن يأتي بسببها وهذا لا يضبط إلا بالمشافهة بالسماع من أفواه أرباب أداة القراءة ثم اعلم أن الروم والإشمام لا يدخلان في هاء التأنيث لا في ميم الجمع ولا في الحركة العارضة كما بينه الشاطبي رحمه الله في قوله : وفي هاء تأنيث وميم الجمع قل وعارض شكل لم يكونا ليدخلا أما هاء التأنيث فإنها تنقسم إلى ما رسم بالهاء نحو وهدى ورحمة وتلك نعمة وإلى ما رسم بالتاء نحو يرجون رحمت الله واذكروا نعمت الله فما رسم بالهاء لا يوقف عليه إلا بالهاء الساكنة إذ المراد بالروم والإشمام بيان حركة الحرف الموقوف عليه حالة الوصل ولم يكن على الهاء حركة في الأصل إذ هي مبدلة من التاء والتاء معدومة في الوقف وأما ما رسم بالتاء فإن الروم والإشمام يدخلان فيه على مذهب من وقف بالتاء لأنها تاء محضة وهي التي كانت في الوصل ولذا قال الشاطبي وفي هاء تأنيث ولم يقل في تاء تأنيث وأما ميم الجمع نحو عليهم وإليكم فهي تنقسم إلى ما تحرك في الوصل للجمع نحو وأنتم الأعلون ونحوه مما يقع قبل السكون وإلى ما تحرك بالضم أو الكسر موصولاً لبعض القراء ويسكن لبعضهم فأما النوع الأول @ فلا يدخله روم ولا إشمام لأن حركته عارضة كحركة " وأنذر الذين وأنذر الناس ولم يكن الذين كفروا " والغرض من الروم والإشمام إنما هو بيان حركة الموقوف عليه حالة الوصل باعتبار الأصل وأما النوع الثاني فعند من يقرأ بالإسكان فلا يدخلان فيه على قراءته لأنهما إنما(1/152)
يدخلان في المتحرك ومن قرأ بالضم والصلة لم يدخل أيضاً على قراءته روم ولا إشمام عند الحافظ أبي عمر والداني وأبي القاسم الشاطبي رحمهما الله لأن ميم الجمع لا حركة لها في الأصل وإنما حركتها عارضة لأجل واو الصلة والتقاء الساكنين وقال مكي يدخلان عليه لأن حركتهما بنائة كهاء الكناية وفرق الداني بين ميم الجمع وهاء الكناية بأن الهاء محركة قبل الصلة بخلاف الميم يعني بدليل قراءة الجماعة فعوملت حركة الهاء في الوقف معاملة سائر الحركات ولم يكن للميم حركة فعوملت بالسكون فهو كالذي تحرك لالتقاء الساكنين وهنا قول ثالث فيه تفصيل ذكره الشاطبي في قوله وفي الهاء للإضمار قوم أبوهما البيتين وحاصله أنه إن وقع قبلها ضمة أو كسرة أو واو أو ياء نحو لا نخلفه وبمزحزحه وعقلوه ولا ريب فيه فبعض يجوز الروم والاشمام وبعض يمنعها فوجه الجواز إجراؤه على القاعدة ووجه المنع استثقال الخروج من ثقيل إلى مثله والإشارة إليه في موضع الاستراحة وأما إن انضمت الهاء بعد فتحة أو ألف نحو له أو ناداه دخله الروم والاشمام بلا خلاف لعدم العلة المانعة منهما وأما الحركة العارضة وهو ما حرك لساكن بعده متصل أو منفصل نحو ولا تنسوا الفضل وأنذر الناس ويومئذ وحينئذ وقل أوحي وقد أفلح ومن إستبرق فلا يجوز في هذا روم ولا إشمام لأن الحركة إنما عرضت لساكن لقيه حال الوصل وزالت عند الوقف لذهبا المقتضي فلا يعتد بها فلا وجه للروم والإشمام بخلاف نحو ملء ودفء إذا نقلت حركة الهمزة على ما قبلها في قراءة حمزة وهشام حيث قرأ بالروم والإشمام فيهما لأنها حركة الهمزة وهي تدل عليها فكأن الهمزة ملفوظ بها كما صرح به مكي فنظمت هذه الأحكام التي في حكم المستثنى من المرام فقلت : وهاء تأنيث وعارض الكلام ممتنع الروم مع الإشمام ولا يخفى أن العارض من الحركة يشمل حركة ميم الجمع فلا يحتاج إلى الفرق هذا وفي النظم أيضاً تتكرر الحركة وهو عيب فلو قال بعض بركة بعض على ان(1/153)
تنوينه بدل من المضاف إليه أي وبعض من الحركة بركة وكفاية وقد ختم المصنف مباحث علم التجويد بمباحث الوقف إيماء إلى حسن المقطع ولقد أحسن في ذلك وأجاد فيما أفاد والله الهادي إلى الرشاد واللهم إلى السداد ( وقد تقضي نظمى المقدمة ) بفتح ياء الإضافة على لغة لا كما قال المصري إنه للضرورة والنظم مصدر ويحتمل أن يراد به المنى المفعول واللام في المقدمة للعهد الذي تقدم وبينها وبين ما يجيء من لفظه صنعة الجناس نحو قوله تعالى فأقم وجهك للدين القيم على ما هو مقرر ومحرر في صنع البديع ( منى لقارئ القرآن تقدمه ) تقتضي أصله تقضض فأبدلوا من الضاد الأخير ياء لاستثقالهم ثلاث ضادات متواليات مشتق من انقض الحائط سقط والمراد نقضي نظمي المقدمة وفي بعض النسخ وقد انقضى والأول أصح كذا ذكره الرومي لكن كون تقضي مضاعفاً غير صحيح بل هو ناقص الصحاح تقضي وانقضي بمعنى واحد وإن كان بابهما مختلفاً نعم باب التفعل أصله للتكلف فمعناه الانقضاء شيئاً فشيئاً والظاهر أن المراد هنا مجرد الانتهاء أي وقد انتهي نظمي لهذه المقدمة في علم تجويد القراءة وهي منى لقارئ القرآن تحفة متقدمة هدية متصلة فجزاه الله عنه خير الجزاء والمثوبة فتقدمة مبتدأ مؤخر وقال اليمني حال كونها تقدمة قلت فمنى بها متعلق ويجوز أن يكون قارئ القران مفرداً مراداً به الجنس أو جمعاً حذف نونه للإضافة ( والحمد لله لها ختام ) بكسر الخاء وجملة الحمد لله مما يختم به للمقدمة ليكون الشكر أولا وآخراً على جزيل النعمة وجميل المنة وليكون ختامه مسكاً كما قال الله تعالى في حق رحيق الجنة يسقون من رحيق مختوم ختامه @ مسك أي آخر ما يجدون رائحة المسك بعد تمام الشربة في مقام اللذة وأصل الختام الطين الذي يختم به الإناء العصمة أو الحرمة ففيه تلويح إلى تأكيد ختم المقدمة وتلميع إلى ذكر صاحب ختم النبوة ولذا قال ( ثم الصلاة بعد السلام ) أي ثم الصلاة على خاتم الأنبياء بعد حمد الله تعالى(1/154)
ختام وكذا السلام ويحتمل ان يكون السلام معطوفاً على الصلاة وخبرها محذوف لأنه معلم بقرينة المقام ولتعيينه عليه السلام بهذا المرام ولذا جاء في نسخة بعد قوله (على النبي أحمد وآله ) بتنوين أحمد للضرورة وفي نسخة بدل لفظ أحمد المصطفى وهو أولى كما لا يخفى ( و صحبه وتابعي منواله ) بكسر الميم أي طريقه وحاله في أفعاله وأقواله وفي بعض النسخ : على النبي المصطفي المختار وآله وصحبه الأطهار وحاصله أن الصلاة والسلام لها ختام كما أن الحمد لله سبحانه له ختام ولا يبعد أن يقال الصلاة والسلام والحمد ختام ففيه إيماء إلى معنى كلمتي التوحيد المطلوب وجودهما عند الخاتمة لأرباب التأييد ويحتمل أن يكون قوله والسلام كلاماً مبتدأ مآله تمام اكتفاء بالمرام كما هو عادة بعض الكرام من ختم كتابهم بلفظ والسلام كما قيل : وكنت ذخرت أفكاري لوقت فكان الوقت وقتك والسلام وكنت كطالب الدنيا لحر فأنت الحر وانقطع الكلام وسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى ملائكتك المقربين وعلى أهل طاعتك أجمعين والحمد لله رب العالمين ( قال شارحه الملا على بن سلطان القارئ رحمه الله ذاكراً من أخذ هو عنه القراآت من مشايخه الأجلة الثقات ) وأما سندي في تحقيق القراآت وتدقيق الروايات فعلى المشايخ العظام والقراء الكرام من أجلهم في هذا الفن الشريف وأكلمهم شيخ القراء بمكة الغراء وحيد عصره وفريد دهره العالم العامل والصالح الكامل الشيخ سراج الدين عمر اليمني الشوافي بلغه الله سبحانه المقام العالي والوافي وجزاه عني وعن سائر المسلمين الجزاء الكافي وقد قرأ على جماعة قرءوا على الإمام العلامة محمد بن القطان خطيب المدينة المنورة وإمامهم وهو قرأ على الشيخ زين الدين عبد الغني الهيثمي المصري وهو على خاتمة القراء والمحدثين الشيخ شمس الدين محمد بن محمد الجزري قدس سره السري وهو أخذ عن شمس الدين بن الكياني عن اللبان عن التقى الصالح كمال الدين العباسي عن الإمام(1/155)
ولى الله أبي القاسم الشاطبي عن ابن نجاح عن ابن هديل عن أبي عمرو والداني وسنده مذكور في كتابه التيسير منتهياً إلى البشير النذير صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأحبابه وعلى الأئمة المجتهدين في أنواع علوم الدين وعلى إخوانه من النبيين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ( هذه مقامات الإمام أبي القاسم الشاطبي رحمه الله تعالى ) وحيث وفق الله اللطيف لاتمام شرح هذا المتن الشريف فلنختمه بترجمة المصنف المنيف فنقول : هو الإمام بالاتفاق أحد الأئمة في الآفاق أبو القاسم بن فيره بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيصي الشاطبي كان إماماً في القراءة والتفسير وحافظاً في الحديث بصحيح نسخ البخاري ومسلم من حفظه ويملي التكت على المواضع المحتاج إليها من لفظه أستاذاً في العربية عارفاً بعلم الرؤيا له كرامات كثيرة شهيرة ولسنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وأخذ القراءة عن أبي هديل عن أبي داود عن أبي عمر والداني عن @ شيوخه المذكورة في أسانيد قراءتهم في التيسير وغيره وسمع الحديث من السلفى ونحوه وكان ضريرا ومن ذلك لا يظهر منه لذكائه وفطانته ما يظهر من الأعمى في حركاته وكان لا يتكلم إلا بما تدعو الضرورة إليه ويسمع الأذان من غير المؤذن كرامة لديه ويعذل أصحابه عن أشياء أخفوها عليه ولا يجلس للإقراء إلا على طهارة في هيئة حسنة وخضوع واستكانة ويمنع جلساءه من الخوض إلا في العلم والقرآن وكان يعتل العلة الشديدة ولا يشتكي ولا يتأوه وإذا سئل عن حاله قال العافية لا يزيد على ذلك وله غير هذه القصيدة اللامية كالقصيدة الرائية في مرسوم الخط العثماني وقصيدة دالية خمسمائة بيت لخص فيها التمهيد لابن عبد البر وهو اثنا عشر مجلداً وقد تطلفت بهذا الشرح على جنابه رجاء الدخول في زمرة أصحابه وتوفي الشيخ رحمه الله تعالى يوم الأحد بعد صلاة العصر وهو اليوم الثامن من بعد العشرين من جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة ودفن يوم الاثنين في(1/156)
مقبرة النيساني وتعرف تلك الناحية بسارية وقبره بمصر يزار ويتبرك به وأما طريقي إلى المصنف في رواية القصيدة إجازة فيما ذكره شيخ مشايخي خاتمة المجتهدين والحافظ العلامة في علوم الدين جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى أخبرني شيخنا شيخ الإسلام علم الدين البلقيني إجازة أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المقري إجازة أخبرنا العلامة بدر الدين ابن جماعة قال أخبرنا أبو الفضل هبة الله بن محمد الأزرقي قال أخبرنا الإمام أبو القاسم الشاطبي رحمه الله تعالى وقد نقل القرطبي أن الشاطبي رحمه اله لما فرغ من تصنيفها طاف بها حول الكعبة الشريفة اثني عشر ألف أسبوع كلما جاء في أماكن الدعاء قال اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب هذا البيت العظيم انفع بها كل من قرأها وروى عند أيضاً أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقام بين يديه وسلم عليه وقدم القصيدة إليه وقال يا سيدي يا رسول الله انظر هذه القصيدة فتناولها النبي صلى الله عليه وسلم بيده المباركة وقال هي مباركة من حفظها دخل الجنة زاد القرطبي بل من مات وهي في بيته دخل الجنة اهـ والله أعلم بحمد الله تعالى قد تم طبع كتبا " المنح الفكرية على المقدمة الجزرية " مصححاً بمعرفة لجنة في العلماء برئاسة أحمد سعد علي @ الفهرس المنح الفكرية على المقدمة الجزرية صحيفة 2 خطبة الكتاب 7 مطلب بيان وجوب التجويد 8 مطلب بيان مخارج الحروف 9 مطلب بيان أن الألف على نوعين لينة وغيرها 10 مطلب مخرج حروف المد 11 مطلب حروف الحلق وأقسامها 12 مطلب بيان أن الأسنان على أربعة أقسام 16 مطلب بيان أن الحروف المهموسة مجتمعة في كلمات مركبة منها : " فحثه شخص سكت " 19 مطلب بيان تحتم الأخذ بالتجويد 20 مطلب بيان ان كتاب الله يقرأ بالترتيل مع نبذة لطيفة من الأحاديث 24 مطلب بيان أن الألف لا توصف بترقيق ولا تفخيم 28 مطلب حروف القلقة 31 باب اللامات 35 مطلب إدغام المتجانسين 43(1/157)
باب التحذيرات 44 مطلب بيان أن الإخفاء حال بين الإظهار والإدغام 45 باب حكم النون الساكنة والتنوين 47 مطلب بيان أن القراء السبعة أجمعوا على إظهار النونين عند حروف الحلق جميعها سوى أبي جعفر 50 المدود مطلب بيان ان حروف المد ثلاثة 51 مطلب بيان أن أهل الأداء اتفقوا على إشباع المد للساكن 55 مطلب في بيان دقيقة لطيفة 56 مطلب بيان ان أسباب المد منها لفظي ومنها معنوي 57 مطلب بيان الوقوف وتقسيمها إلى تام وكاف وحسن 58 مطلب بيان أن الوقف على رؤوس الآي سنة 63 مطلب بيان أن الوقوف على ثلاث مراتب 65 مطلب بيان المقطوع والموصول 75 مطلب في رسم هاء التاء على ما في المصحف الكريم 82 ذكر سند الشارح في القراآت 82 مقامات لأبي القاسم الشاطبي @(1/158)