بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحج
وصايا للحجاج
ينبغي أن ينتخب لحجه وعمرته نفقة طيبة من مال حلال؛ "إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً"، "إذا خرج الرجل حاجاً بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور. وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك غير مبرور".
وينبغي للحاج الاستغناء عما في أيدي الناس والتعفف عن سؤالهم؛ "ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله"،
ويجب على الحاج أن يقصد بحجه وعمرته وجه الله والدار الآخرة والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال والأعمال في تلك المواضع الشريفة،
وينبغي له أيضاً أن يصحب في حجه الأخيار من أهل الطاعة والتقوى والفقه في الدين، ويحذر من صحبه السفهاء والفساق .
ويجب على المحرم أن يترك الرفث والفسوق والجدال : (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ).- " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه". ، والجدل: المخاصمة في الباطل، أو فيما لا فائدة فيه، أما الجدال بالتي هي أحسن لإظهار الحق ورد الباطل فلا باس به،
وينبغي له أن يتعلم ما يشرع له في حجه وعمرته، ويتفقه في ذلك، ويسأل عما أشكل عليه؛ ليكون على بصيرة،
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحافظة على الصلوات الخمس في الجماعة، كما أمر الله بذلك في كتابه، وعلى لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم - .
اجتناب محارم الله – تعالى – والحذر من ارتكابها؛ كالشرك والكبائر وكذا الصغائر والرضى بذلك، و المعاصي في هذا البلد الأمين إثمهما أشد وعقوبتها أعظم، " ومن يرد فيه بإلحاد نذقه من عذاب أليم "، فكيف تكون عقوبة من فعل؟!"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ".(1/1)
ملازمة ذكر الله وطاعته والعمل الصالح مدة إقامتهم بمكة، ويُكثروا من الصلاة، والطواف بالبيت؛ لأن الحسنات في الحرم مضاعفة، والسيئات فيه عظيمة شديدة، كما يُستحب لهم الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
وجوب الحج وفضله
أوجب الله على عباده حج بيته الحرام، وجعله أحد أركان الإسلام، (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين). " بني الإسلام على خمس وفيه: وصوم رمضان، ". "لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين "،
وروي عن علي – رضي الله عنه – أنه قال: " من قدر على الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً " .
(من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)
ولا يمكن للمسلم أن يكون حجه مبروراً وسعيه مشكوراً وذنبه مغفوراً وأجره عظيماً موفوراً إلا إذا تأس برسول الله-صلى الله عليه وسلم.
وكانت حجة الوداع ؛ 1) لأنها كانت في آخر عمره ؛ 2) ولأن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ودع فيها الأمة فوقف يوم عرفة، وقال-صلوات الله وسلامه عليه-: ( أيها الناس اسمعوا قولي وخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) .
وجاء عن جابر أن الناس أقبلوا من كل حدبٍ وصوب كلهم يسأل ماذا سيفعل رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ؟! ولم ينتظروا أن يجتمعوا به في مكة ولكن تكلف بعضهم وأتى إلى المدينة وتحملوا مشقة الإحرام من أبعد المواقيت عن مكة كل ذلك لكي يصحبوه من أول هذه العبادة ولا يفوتهم شيء من شرف الرؤيا وشرف العلم.
وكان الواحد منهم إذا لبىَّ تغير وجهه تعظيماً لله-جل جلاله- وتعظيماً لشعائره.
حكم الحج
الصواب في الحج أنه فرض في سنة تسع أو سنة عشر، والله أعلم.(1/2)
لا يجب الحج والعمرة في العمر إلا مرة واحدة؛ "الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع".
يسن الإكثار من الحج والعمرة تطوعاً؛ ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة "
لم يثبت في التطوع بالحج تحديد بعدد،
يجب على من لم يحج وهو يستطيع الحج أن يبادر إليه؛ "تعجلوا إلى الحج – يعني: الفريضة – فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له".
أداء الحج واجب على الفور في حق من استطاع السبيل إليه؛ لظاهر قوله (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) وقول النبي – صلى الله عليه وسلم - في خطبته: "أيها الناس، إن الله فرض عليكم الحج فحجوا".
لا يصح حج من كان تاركا للصلاة وكذا من كان يصلى ويدع الصلاة لقول ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ " الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " وقوله ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ " إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاة ".
من حج من مال حرام صح الحج لأن أعمال الحج كلها بدنية ، و عليه التوبة من الكسب الحرام.
كون الحج من مال حرام لا يمنع من صحة الحج، مع الإثم بالنسبة لكسب الحرام، وأنه ينقص أجر الحج، ولا يبطله,
يصح حج الشاب قبل أن يتزوج بغير خلاف نعلمه بين أهل العلم .
إذا حج الشخص بمال من غيره صدقة من ذلك الغير عليه فلا شيء في حجه،
الأفضل لمن حج الفريضة تقديم نفقة الحج ا لنافلة للمجاهدين لأن صلى الله عليه و آله و سلم قدم الجهاد على الحج النفل كما في الحديث الصحيح
من اجتمع عليه حج الفريضة وقضاء صيام واجب كالكفارة وقضاء رمضان أو نحوهما قدم الحج .
الإستطاعة
الاستطاعة بالنسبة للحج:
1) أن يكون صحيح البدن، 2) وأن يملك من المواصلات ما يصل به إلى بيت الله الحرام من طائرة أو سيارة أو دابة أو أجرة، ذلك حسب حاله،(1/3)
3) وأن يملك زاداً يكفيه ذهاباً وإياباً، 4) وأن يكون ذلك زائداً عن نفقات من تلزمه نفقته حتى يرجع من حجه.
الأقرب للصواب أن من وجد راحلة وزاداً يكفيه للذهاب إلى الحج وجب عليه الحج ولا يلزم أن يكون صالحاً لمثله .
لا يلزم الزوج شرعاً بنفقات حج زوجته وإن كان غنياً،
حج المديون
يجب الحج على من كان عليه دين ويستطيع الحج وقضاء الدين .
الأفضل عدم الاقتراض لأداء الحج.
من كان عنده مال إن قضى به الدين لم يتمكن من الحج وإن حج لم يقض به فهذا ليس بقادر إلا بعد قضاء الديون .
إذا كان المدين يقوى على تسديد الدين مع نفقات الحج ولا يعوقه الحج عن السداد، أو كان الحج بإذن الدائن ورضاه مع علمه بحال المدين جاز حجه، وإلا فلا يجوز، لكن لو حج صح حجه.
الأولى للمدين ألا يحج ، ولو أذن له صاحب الدين .
حج الصبي
الصبي المميز الذي لم يبلغ الحلم إذا أراد وليه أن يحج به فإنه يأمره بأن يلبس ملابس الإحرام، ويفعل بنفسه جميع مناسك الحج ابتداءً من الإحرام من الميقات إلى آخر أعمال الحج، ويرمي عنه إن لم يستطع الرمي بنفسه، ويأمره بأن يجتنب المحظورات في الإحرام،
وإذا لم يكن مميزاً فإنه ينوي عنه الإحرام بعمرة أو حج، ويطوف ويسعى به ويحضره معه في بقية المناسك ويرمي عنه .
الأقرب للصواب أنه لا يلزم الصبي الإتمام في الحج أو العمرة فيتحلل ولا شيء عليه ، وهو مذهب الحنفية ومال له صاحب الفروع .
صحة حج الصبي خلافاً للحنيفة الذين لا يقولون بذلك ، وأجرها وثوابها لمن حجج الصبي سواءً كان من الوالدين ، أو كان من إخوانه . وإذا وقعت من الصبي فهي حجة نافلة لا تجزيء عن الفريضة فإذا بلغ وجب عليه أن يعيد الحج .
إذا حج الصبي أو العبد صح منهما ولا يجزئهما عن حجة الإسلام لحديث ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ قال " أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى " .(1/4)
تعتبر العمرة أو الحج من غير البالغ تطوعاً، ولا تكفي عن حجة الإسلام وعمرته.
من كان مسلماً ثم ارتد بارتكابه ما يخرجه من ملة الإسلام ثم تاب وعاد إلى الإسلام أجزأته حجته تلك عن حجة الإسلام؛ لكونه أدى الحج وهو مسلم.
النيابة في الحج
لا تصح الإنابة في الحج عمن كان صحيح البدن، ولو كان فقيراً سواءً كان فرضاً أونفلاً. ولا يكفي حج غيره عنه مادام مستطيعاً أداء الحج بنفسه
العاجز لكبر سن أو مرض لا يرجى برهُ فإنه يلزمه أن ينيب من يؤدى عنه الحج المفروض والعمرة المفروضة ، إذا كان يستطيع ذلك بداله لعموم قول سبحانه (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) .
المسلم الذي لا يستطيع الحج مالياً، لا تصح النيابة عنه في الحج ولا في العمرة؛ لأنه قادر على أداء كل منهما ببدنه لو حضر بنفسه في المشاعر، وإنما تصح النيابة فيهما عن الميت والعاجز عن مباشرة ذلك ببدنه .
لا يجوز للإنسان أن يحج عن غيره قبل حجه عن نفسه،
الأفضل أن يحج عن نفسه؛ لأنه الأصل، ويدعو لنفسه ولغيره من الأقارب وسائر المسلمين، إلا إذا كان أحد والديه أو كلاهما لم يحج الفريضة فله أن يحج عنهما بعد حجه عن نفسه يبدأ بأمه ثم أبيه، وإن كان أحدهما حج الفريضة فليبدأ بمن لم يحج منهما، ثم الأقرب فالأقرب،
يجوز للمسلم الذي قد أدى حج الفريضة عن نفسه أن يحج عن غيره إذا كان ذلك الغير لا يستطيع الحج بنفسه لكبر سنه أو مرض لا يرجى برؤه أو لكونه ميتاً؛
لا يجوز للشخص أن يحج مرة واحدة ويجعلها لشخصين، فالحج لا يجزئ إلا عن واحد، وكذلك العمرة،
يجوز لمن وُكِّل أن يحج عن غيره أن يأخذ ما جعل له من الأجر عن قيامه بذلك الحج، ولو كان أكثر مما أنفقه في المواصلات والطعام والشراب، ونحو ذلك مما يحتاجه مثله لأداء الحج، ويشرع له أن يقصد بذلك المشاركة في الخير وأداء ما ييسر الله له من العبادات في الحرم الشريف، وألا يكون قصده المال فقط.(1/5)
الحج عن الغير يكفي فيه النية عنه، ولا يلزم فيه تسمية المحجوج عنه، لا باسمه فقط ولا باسمه واسم أبيه أو أمه، وإن تلفظ باسمه عند بدء الإحرام أو أثناء التلبية أو عند ذبح دم التمتع إن كان متمتعاً أو قارناً - فحسن؛
من مات ولم يحج وهو يستطيع الحج وجب الحج عنه من اَلتَّرِكَة أوصى بذلك أولم يوص.
العمى ليسر عذرا في الإنابة للحج فرضا كان أو نفلا وعلى الأعمى أن يحج بنفسه إذا كان مستطيعا لعموم الأدلة.
من ترك الصلاة جحداً لوجوبها كفر بالإجماع، ومن تركها تهاوناً وكسلاً كفر على الراجح من قولي العلماء؛ وعلى ذلك لا يجوز الحج ولا التصدق عمَّن مات وهو لا يصلي، كما لا يحج ولا يتصدق عن جميع الكفرة.
لا يشترط أن يكون النائب من بلد المنيب ، بل يصح ولو كان المنيب من أهل مكة .
لا يجوز لمن أهل بالحج أو العمرة عن نفسه أو عن غيره تغير النية عمن أهل عنه إلي شخص آخر .
أنواع النسك
الأنساك [ التمتع ، الإفراد ، القِران ]كلها صحيحة باقية يختلف فضلها بحسب حال الإنسان .
قد أجمع العلماء على صحة الإحرام بأي واحد من لِأَنْسَاك الثلاثة فمن أحرم بآي واحد منهما صح إحرامه والقول بأن الإفراد والقران قد نسخا قول باطل لكن التمتع أفضل في أصح أقوال العلماء في حق من لم يسق الهدى أما من ساق الهدى فالقران له أفضل تَأَسِّيًا بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم
سنن الإحرام
استحب له أن يغتسل ويتطيب؛ لما روي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – تجرد من المخيط عند الإحرام واغتسل، وعن عائشة قالت: "كنت أطيب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت "،
لا تشترط الطهارة الصغرى ولا الكبرى لمن أراد الإحرام ولهذا صح الإحرام من الحائض و النفساء ، و إنما يستحب للجميع الغسل ، و يستحب أن يكون الإحرام بعد صلاة مفروضة أو نافلة في حق غير الحائض و النفساء ، لأن الصلاة لا تصح منهما.(1/6)
يستحب الغُسلُ بالماء ؛ فإن عُدِمَ فلا يتيمم ، لأن الشرع جاء بالتيمم من الحدث فلا يقاس عليه غير الحدث .
حكم الغسل
ويجوز للمحرم أن يغتسل ويغسل رأسه ويحكه إذا احتاج إلى ذلك برفق وسهولة فإن سقط من رأسه شيء بسبب ذلك فلا حرج عليه.
لا بأس بتغير ملابس الإحرام إلى ملابس أخرى جديدة أو مغسولة كما أنه لا بأس أن يغسل ملابس الإحرام التي عليه إذا أصابها وسخ أو نجاسة ولا تأثير لهذا التغيير على إحرامه بالحج أو العمرة ويجب غسلها من النجاسة .
بعضهم يعتقدون أنه لا يجوز الاغتسال للمحرم، والواقع أن المحرم يجوز له أن يغتسل، سواء غسل استحباب، أو غسل نظافة وتبرد. وهذا فيه تنشيط له على هذه العبادة، ويحرص في أثناء الغسل على أنه لا يتساقط شيء من شعره أو بشرته.
من وقع على إحرامه دم كثير وجب عليه غسله، ولا يصلى فيه ، و فيه نجاسة ولا يضر اليسير من الدم عرفاً.
أحكام التطيب
الصحيح أنه يحرم تطييب الثياب قبل وبعد الإحرام لأن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ قال عن المحرم : " لا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ … وَلا ثَوْبًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلا وَرْسٌ … " فنهى أن نلبس الثوب المطيب .
وهذا الطيب يقع قبل الدخول في النسك ، فلو اغتسال ثم تطيب ثم أحرم فلا بأس ، ولو تطيب ثم اغتسل ثم أحرم فلا بأس.
لا يجوز وضع الطيب على ملابس الإحرام، وإنما السنة تطيب البدن عند اَلْإِحْرَام فإن طيبها لم يلبسها حتى يغسلها.
لا حرج إن تطيب المحرم فسال الطيب بنفسه .
يعفى عن الطيب إن لاصق يده بغسل رأسه ولا يجب غسل يديه على الصحيح .
قص الشعر(1/7)
يستحب لمن أراد الإحرام أن يتعاهد شاربه وأظفاره وعانته وإبطيه، فيأخذ ما تدعو الحاجة إلى أخذه؛ لئلا يحتاج إلى أخذ ذلك بعد الإحرام وهو محرم عليه، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – شرع للمسلمين تعاهد هذه الأشياء في كل وقت، – "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الأظفار، ونتف الآباط "، عن أنس قال "وقِّت لنا في قص الشارب، وقلم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة: أن لا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة"،
وأما الرأس فلا يشرع أخذ شيء منه عند الإحرام، لا في حق الرجال ولا في حق النساء.
لا يأخذ المحرم من بشرته ، ولا من أظفاره ، ولا من شعره شيئاً ، حتى يحل التحلل الأول.
لباس الإحرام
يلبس الذكر إزاراً ورداءً، - ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين، - ويستحب أن يحرم في نعلين؛ "وليحرم أحدكم في إزارٍ ورداءٍ ونعلين".
الصحيح أن المحرم لا يجوز له رفض إحرامه ولو رفضه ؛ اللهم إلا أن يكون غير مكلف كالصغير إذا رفض إحرامه حل منه لأنه ليس أهلاً للوجوب ، ولا يسقط عن المحرم الواجب برفضه الإحرام .
ركعتا الإحرام
ذهب شيخ الإسلام ـ يرحمه الله ـ إلى أن ركعتي الإحرام لا أصل لمشروعيتهما ، وأنه ليس للإحرام صلاة تخصه ، لكن إن كان في الضحى فيمكن أن يصلي ركعتي الضحى ويحرم بعدها ، وإن كان وقت الظهر نقول : الأفضل أن تمسك حتى تصلي الظهر ثم تحرم بعد الصلاة ، وكذا غيرها من الصلوات .
بعضهم يعتقدون أن من الواجب أن يصلي ركعتين قبل الإحرام، والواقع أن هذا ليس بواجب، بل وليس بوارد، إلا أن يصلي ركعتين لله تعالى كركعتي الوضوء - مثلاً-، أو يحرم عقب فريضة، فهذا لفعله –صلى الله عليه وسلم – حيث أحرم بعد صلاة الظهر. أما ركعتان للطواف فلم يثبت فيهما شيء .
نية الإحرام
ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج أو عمرة؛ "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".(1/8)
يشرع للمحرم التلفظ بما نوى من حج أو عمرة أو قران ، فيقول اللهم لبيك عمرة إن كان أراد العمرة أو يقول اللهم لبيك حجا إن أراد الحج أو اللهم لبيك عمرة وحجا إذا أراد القران والأفضل لمن قدم في أشهر الحج وليس معه هدي أن يحرم بالعمرة وحده ثم يلبي بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة ، تأسياً بالنبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ وأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ
ولا يشرع له التلفظ بما نوى إلا في الإحرام خاصة؛ لوروده عن النبي – صلى الله عليه وسلم -.
وأما الصلاة والطواف وغيرهما فينبغي له ألا يتلفظ في شيء منها بالنية، فلا يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا، ولا نويت أن أطوف كذا، بل التلفظ بذلك من البدع المحدثة، والجهر بذلك أقبح وأشد إثماً، - ولو كان التلفظ بالنية مشروعاً لبينه الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وأوضحه للأمة بفعله أو قوله، ولسبق إليه السلف الصالح.
التلفظ بالنية والتلبية
والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة أو سيارة أو غيرهما؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما أهل بعدما استوى على راحلته، وانبعثت به من الميقات للسير.
الأولى أن يلبى المحرم إذا ركب ، إلا إن صح حديث ابن عباس فبعد الصلاة ( .. أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالا فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ فَقَالُوا : إِنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَلَمَّا عَلا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَقَالُوا إِنَّمَا أَهَلَّ حِينَ عَلا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلاهُ وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ وَأَهَلَّ حِينَ عَلا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ ) .(1/9)
السنة أن تكون بعد الصلاة وقبل أن يتحول من مكانه.
السنة تجديد هذه التليبة ؛ لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- لبى حينما ركب دابته ، ولبى حينما علا على النشز - وهو البيداء - فأخذ جمهور العلماء من هذا دليلاً على أن السنة في هذه التليبة أن تكون عند تغير الأحوال .
الإهلال بالتوحيد : (( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ))
الأفضل في التلبية الاكتفاء بما صح ، فإن زاد ( لبيك اله الحق ) أو ما ثبت عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فنرجوا أن لا يكون به بأس .
مشروعية التليبة في الحج وهي سنة من سنن الحج التي نص بعض العلماء على وجوبها فمن حج أو اعتمر ولم يلبْ أثناء حجه وعمرته حتى أتم النسك فعليه دم ؛ لأنها واجبة لازمه ولو مرة واحدة .
من هديه-عليه الصلاة والسلام- أنه أمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية قال أنس-رضي الله عنه - فما بلغنا فَجِّ الرَّوْحاء حتى بحت أصواتنا.
يصّوت الرجال بالتلبية ، وتخفيها المرأة في مجامع الرجال .
لا يجوز التلبية الجماعية للحجاج حيث أحدهم يلبي والآخرين يتبعونه.
وبعضهم يلبون جماعة في أصوات جماعية على هيئة النشيد، وهذا ليس بوارد.
اشتراط المحرم وأحكام الإحصار
إن خاف المحرم ألا يتمكن من أداء نسكه لكونه مريضاً أو خائفاً من عدو ونحوه استحب له أن يقول عند إحرامه: "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني "؛ لحديث ضباعة بنت الزبير – رضي الله عنها -، أنها قالت: يا رسول الله، إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال لها النبي – صلى الله عليه وسلم - : "حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني"
فائدة هذا الشرط: أن المحرم إذا عرض له ما يمنعه من تمام نسكه من مرض أو صد عدو جاز له التحلل ولا شيء عليه.
الصحيح أن الاشتراط سنة لمن كان خائفاً ، وتركه سنة لمن لم يخف ، وبذلك تجتمع الأدلة .
من اشترط فمُنِع فلا هدي عليه .(1/10)
من لم يشترط لم يحل إلا إذا أحصر بِعَدُو على رأي كثير من العلماء ،
إن أحصر بمرض أو غيره فإنه يبقى محرماً ولا يحل ، لكن إن فاته الوقوف فله أن يتحلل بعمرة ثم يحج من العام القادم .
الصحيح أن الإحصار يكون بعدو، وغيره من مرض وذهاب نفقة لعموم قوله تعالى"وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ "
الأقرب أن من اشترط بدون احتمال مانع أن الاشتراط لا ينفعه ؛ لأنه غير مشروع وغير المشروع غير متبوع فلا ينفع ، ولا يترتب عليه شيء .
من أحصر فعليه أن يذبح الهدي عند الإحصار في مكانه الذي أحصر فيه ، سواءً كان داخل الحرم أو خارجه ويحلق شعره أو يقصر؛ وبذلك يكون حله من إحرامه. ويعطى للفقراء فإن لم يكن هناك فقراء وجب نقله إليهم.
إن لم يقدر المحصر علي الهدي فلا شيء عليه .
من أحصر في حج فرضٍ أو نفل قضى ، وذبح ، وحلق ، فإن كان قد اشترط فالقضاء فقط في الفرض ، والواجب كنذر مثلاً ؛ دون النفل .
ولا يعجل بالتحلل إذا كان يرجو زوال المانع قَرِيبًا.
محظورات الإحرام :
يحرم على المحرم من الرجال والنساء 1)قتل الصيد البري 2)والمعاونة في ذلك 3)وتنفيره من مكانه، 4)وعقد النكاح، 5)والجماع، 6)وخطبة النساء 7)ومباشرتهن بشهوة؛ :" لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب" .
1) قص الشعر
لا يجوز للمحرم بعد نية الإحرام – سواء كان ذكراً أو أنثى – أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أو يتطيب .
من نمى شعر شاربه فأخذ منه لا يفدي على الصحيح .
لو أن الإنسان تجنب الأخذ من شعوره كشاربه وأبطه وعانته احتياطاً لكان هذا جيد ، لكن أن نؤثمه إذا أخذ مع عدم وجود الدليل الرافع للإباحة فهذا فيه نظر .
العلة من منع الأخذ من شعر الرأس هي أنه إسقاط لنسك مشروع ، وهذا التعليل عند التأمل أقرب من التعليل بالترفه .
إن صح الإجماع في منع تقليم الأظافر فلا يجوز مخالفته وإلا كان مثل شعر الجسد .(1/11)
لا يجوز الأخذ من الشعر أبداً ، فهو مع كونه لا فدية فيه إلا أنه لا يجوز الأخذ منه .
إذا أخذ من شعره ما فيه إماطة الأذى ففيه دم ، أي إذا حلق حلقاً يكاد يكون كاملاً يسلم به الرأس من الأذى ، والدليل ما أخرجه البخاري : ( احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ ) ، والحجامة في الرأس من ضرورتها أن يحلق الشعر من مكان المحاجم ،ولا يمكن سوى ذلك ، ولم ينقل أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ فدى .
لو نبتت شعرة في جفن محرم من الداخل وصارت تؤذي عينه وأزالها فلا شيء عليه ، وكذلك لو انكسر ظفره وصار يؤذيه فقصه فلا شيء عليه لأنه دفعهما لأذاهما .
من سبق له أن قصر من بعض رأسه جاهلاً أو ناسياً وجوب التعميم فلا شئ عليه ( من نسي ولم يصر من شعره يقصر متى ذكر ذلك ، ولو رجع إلى بلاده فمتى ذكر يخلع ثيابه ويلبس الإزار ويقصر وإن قصر وعليه ثيابه جهلا منه فلا حرج .
2- الطيب
للطيب أحكام :
أن يشمه بلا قصد فلا حرج عليه .
أن يقصد شمه ليختبره هل هو جيد أم رديء فهذا جائز .
أن يقصد أن يشمه للتلذذ به فحرام .
الحناء ليست طيب فلا شي فيه في حق المحرم والمحرمة إذا استعملاها .
لا حرج في استمال الصابون المعطر لأنه ليس طيب ، ولا يسمى مستعمله متطيباً ، و إنما فيه رائحة حسنه فلا يضره ـ إن شاء الله ـ و إن تركه تورعاً فهو حسن .
ولا يجوز له لبس شيء من الثياب مسه الزعفران أو الورس؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن ذلك .
3- لبس المخيط
أول من عبر بلبس المخيط هو : إبراهيم النخعي ـ يرحمه الله ـ .
لا يجوز للذكر خاصة أن يلبس مخيطاً على جملته، يعني: على هيئته التي فصل وخيط عليها، كالقميص، أو على بعضه؛ كالفانلة والسراويل، والخفين، والجوربين، إلا إذا لم يجد إزاراً جاز له لبس السراويل.
لا حرج في الإزار الذي خُيطَ وقد يستعمله البعض لستر العورة .(1/12)
إذا أحرم الحاج بملابسه لدعاء الحاجة إلى ذلك بسبب برد ومرض ونحو ذلك فهو مأذون له في ذلك شرعاً، والواجب عليه بالنسبة إلى لبس المخيط صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، أو ذبح شاة تجزئ أضحية، وكذلك الحكم إذا غطى رأسه، ويجزئه الصيام في كل مكان، أما الإطعام والشاة فإن محلها الحرم المكي.
يجوز لرجال الأمن لبس المخيط لحفظ الأمن ، ويفدي احتياطاً .
من خلع الإحرام ولبس المخيط جاهلاً أو ناسياً فعليه المبادرة بخلع المخيط متى علم أو ذكر و لا شيء عليه لعموم قول الله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ، و ثبت عنه صلى الله عليه و آله و سلم أن رجلاً أحرم في جبة و تضمخ بخلوق و استفتاه في ذلك فقال صلى ـ صلى الله عليه و آله و سلم " اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الْخَلُوقِ أَوْ قَالَ أَثَرَ الصُّفْرَةِ وَاخْلَعْ الْجُبَّةَ عَنْكَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا صَنَعْتَ فِي حَجَّتِكَ "ولم يأمره بالفدية من أجل جهله.
من لم يجد نعلين جاز له لبس الخفين من غير قطع؛ " من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل ".
أما ما ورد في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – من الأمر بقطع الخفين إذا احتاج إلى لبسهما لفقد النعلين فهو منسوخ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بذلك في المدينة، لما سئل عما يلبس المحرم من الثياب، ثم لما خطب الناس بعرفات أذن في لبس الخفين عند فقد النعلين، ولم يأمر بقطعهما، وقد حضر هذه الخطبة من لم يسمع جوابه في المدينة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، ، فثبت بذلك نسخ الأمر بالقطع، ولو كان ذلك واجباً لبينه – صلى الله عليه وسلم - .
الذي يظهر لي أنه لا يلبس الخفين والسراويل إلا من كان محتاجاً لها .
ويجوز للمحرم لبس الخفاف التي ساقها دون الكعبين؛ لكونها من جنس النعلين .(1/13)
يلحق ما نهي عنه ما كان في معناه مثل الكوت يلحق بالقميص .
لا يجوز للرجل لبس الشراب وهو محرم بالحج أو العمرة، فإن احتاج إلى لبسها لمرض ونحوه جاز . ووجب عليه فدية،
لا حرج في لبس الهيمان والحزام والمنديل.
الصحيح أنه لو طرح القباء ـ وهو ثوب واسع له أكمام مفتوح الوجه ـ على كتفيه دون أن يدخل كميه لا يعد لبساً .
السنة للمحرم تغطية كتفيه بالرداء ، إلا في طواف القدوم فإنه يضطبع بردائه فإذا انتهى أعاد ردائه على كتفيه .
ويجوز له عقد الإزار وربطه بخيط ونحوه، لعدم الدليل المقتضي للمنع .
لا حرج في عقد الرداء لكن لا يشبكه كله حتى يصير وكأنه قميص .
لبس الساعة لا يلحق بما نهى عنه النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ وكذا الخاتم ، والمرآة في عينيه ، والسماعة في أذنيه ، وتركيبة الأسنان في فمه ، وكذا لو لبس حذاءً مخروزاً وبه خيوط فهو بخرزاته لم يخرج عن كونه نعلاً ، و كذا لو تقلد سيفاً أو فرداً ـ أي مسدس ـ ، وكذا لو ربط بطنه بحزام ، فكل ما سبق جائزٌ ولا يلحق بما نهى عنه النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ لفظاً ولا معنى .
يجوز لمن أحرم بالحج أو العمرة أن يلبس الحزام والحذاء، ولو كانا مخيطين بالماكينة.
4- تغطية الرأس
يحرم على المحرم الذكر تغطية رأسه بملاصق؛ كالطاقية، والغترة، والعمامة أو نحو ذلك، وهكذا وجهه؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في الذي سقط عن راحلته يوم عرفة ومات : " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ووجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً "، .
الراجح أنه يجوز للرجل أن يغطي وجهه لأن لفظة " وَلا تُغَطُّوا وَجْهَهُ " في قصة الذي وقصته الناقة مختلف في صحتها ، وفيها نوع اضطراب ، ولذلك أعرض الفقهاء عنها ، وفي الصحيحين أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ قال : " ولا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ " .(1/14)
وأما استظلاله بسقف السيارة أو الشمسية أو نحوهما فلا باس به، كالاستظلال بالخيمة والشجرة؛ لما ثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ظلل عليه بثوب حين رمى جمرة العقبة، وصح عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه ضربت له قبة بنمرة، فنزل تحتها حتى زالت الشمس يوم عرفة .
ستر الرأس أقسام :
جائز بالنص والإجماع مثل أن يلبد شعره بالعسل أو الصمغ أو الحناء .
أن يغطيه بما لا يقصد به التغطية كحمل العفش فهذا لا بأس به ، لأنه لا يقصد به الستر غالباً .
أن يغطيه بما يلبس عادةً علي الرأس مثل الطاقية والعمامة والشماغ فهذا حرام بالنص
أن يغطيه بما لا يعد لبساً لكنه ملاصق ويقصد به التغطية فلا يجوز .
أن يظلل رأسه بتابع له كالشمسية والسيارة فالصحيح أنه جائز .
أن يستظل بمنفصل عنه غير تابع كالاستظلال بالخيمة أو ثوب يوضع على شجرة فهذا جائز .
5- قتل الصيد
يحرم على المسلم – محرماً كان أو غير محرم ذكراً كان أو أنثى – قتل صيد الحرم.
وتحرم المعاونة في قتله بآلة أو إشارة أو نحو ذلك،
ويحرم تنفيره من مكانه،
يحرم قتل الصيد وفيه الفدية ، وأما غيره فينقسم إلى ثلاثة أقسام :
ما أمر بقتله وهو : الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ، وما كان في معناها كالحية ، والذئب ، والأسد .
ما نهي عن قتله في الحل والحرم وهو: النملة ، والنحلة ، والهدهد ، والصردُ ـ وهو طائر فوق العصفور منقاره أحمر ـ.
ما سُكِت عنه ، فهو إن آذى ألحق بالمأمور بقتله ، وإن لم يؤذِ فالأحسن أنه يكره قتله مثل الصراصير ، والخنفساء ، والجعلان ، فالذباب لك أن تقتله لأن فيه أذية .
لا يحرم قتل حيوان إنسي ، فلو هرب بعير واستوحش ثم لحقه صاحبه وقتله فهو حلال .
لو صال على المحرم صيد كغزال وأبى إلا أن يقاتله فقتله فلا شيء عليه ؛ لأنه دفع لأذاه ( وكل مدفوع لأذاه فلا حرمة له ، ولا قيمة ).(1/15)
إذا صاد المحرم فليس له أن يأكل الصيد لأنه محرم لحق الله ، خلافاً لو اغتصب شاةً فذبحها فلا يحرم أكلها ويضمن مثلها أو القيمة وهو الصحيح
المحرم إذا قتل الصيد فهو حرام عليه وعلى غيره ؛ لأنه بمنزلة الميتة .
إن أعان محرم حلالاً أو دله حرم عليه وجاز لباقي الرفقة .
يجمع بين حديث الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ ( أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلا أَنَّا حُرُمٌ ) ، وحديث أَبِي قَتَادَةَ أنه قَالَ : ( انْطَلَقَتُ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُي وَلَمْ أُحْرِمْ فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِي تَضَحَّكَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ وَاسْتَعَنْتُ بِهِمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ .. وطَلَبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ فَقَالَ لِلْقَوْمِ : " كُلُوا " وَهُمْ مُحْرِمُونَ ) بأن الحلال إن صاد للمحرم حرم على المحرم ، أما إن صاده لنفسه وأطعم غيره جاز.
الصحيح أن الصيد إذا دخل به الإنسان من الحل فهو حلال لأنه ليس صيدا للحرم ، ولا يزيل اليد المشاهدة ، فقد كان الناس يشترون الظباء والأرانب في مكة من غير نكير في خلافة عبدالله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ .
من قتل الصيد وكان جزائه شاة ، فلا يجزئه سبع البدنة أو البقرة .
الصحيح أن صيد البحر يجوز في الحرم إن وجد .
إن كرر الصيد يفدي كلاً على حدة .
الراجح أن الذي يُقَوّم المِثْل لا الصيد ، لأنه هو الواجب أصلاً فإذا كان الواجب فالواجب قيمته .(1/16)
تسقط الفدية عمن صاد ناسياً ، أو مكرهاً أو جاهلاً ؛ لأنه حق لله فلا يستوي فيه العمد وغيره ، وقوله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ " نص في الموضوع .
ليست هناك خصوصية لحمام مكة ولا حمام المدينة، سوى أنه لا يصاد ولا ينفر مادام في حدود الحرم.
6- الخطبة والجماع
تزوج النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ ميمونة وهو حلال ، وميمونة ورافع أعلم من ابن عباس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ ـ بحادثة الزواج لصغر سنه حين إذٍ ، أو يقال إن ابن عباس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ لم يعلم بزواج النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ إلا بعد أن أحرم ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ فظن أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ تزوجها وهو محرم بناءً على علمه ، وهذا الوجه قوي وواضح ولا إشكال فيه .
لا يصح عقد النكاح إن كان الزوج أو الزوجة أو وليها محرماً ؛ ولا فدية فيه ، ولابد من عقد جديد وينسب له الأولاد .
الصحيح أنه يصح عقد النكاح بعد التحلل الأول ، وبه قال شيخ الإسلام .
من جامع قبل التحلل الأول عليه خمسة أمور : الإثم ، وفساد النسك ، والمضي فيه ، وبدنة ـ تذبح في القضاء ـ ، وحج من قابل ، ويجب أن يجتنب كل المحظورات ويأتي بكل الواجبات في إحرامه الفاسد .
إن باشر قبل التحلل الأول فأنزل أثم ؛ وعليه فدية أذى .
من جامع بعد التحلل الأول وقبل الثاني فعليه وعلى زوجه إن كانت مطاوعة شاة أو سبع بدنه أو سبع بقرة ومن عجز منهما صام عشرة أيام .
من جامع قبل طواف الإفاضة أو بعده قبل السعي إذا كان عليه سعى فعليه دم .
لا يفسد حج من أكرهت على الجماع .
تسقط الفدية عمن جامع ناسياً ، أو مكرهاً أو جاهلاً .(1/17)
والقبلة حرام على من أحرم بالحج حتى يتحلل التحلل الكامل، لأنه لا يزال في حكم الإحرام الذي يحرم عليه النساء، ولا يفسد حج من قبل امرأته وأنزل بعد التحلل الأول وعليه أن يستغفر الله ولا يعود لمثل هذا العمل ويجبر ذلك بذبح رأس من الغنم يجزئ في الأضحية يوزعه على فقراء الحرم.
الاحتلام ممن هو متلبس بإحرام حج أو عمرة لا يؤثر على حجه، ولا على عمرته، فلا تبطلان، ومن حصل منه ذلك فإنه يغتسل غسل الجنابة بعد استيقاظه من النوم إن رأى منياً، ولا فدية عليك؛ لأن الاحتلام ليس باختيارك.
من أحتلم وهو محرم فلا شيء عليه سوى الغسل.
7- قطع الشجر
يحرم قطع شجر الحرم ونباته الأخضر ولقطته إلا لمن يعرفها؛ "إن هذا البلد – يعني :مكة – حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يختلي خلاها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشدٍ" والمنشد : هو المعرف، والخلا: هو الحشيش الرطب،
يجوز قطع شجر الإذخر ، ويستعمله أهل مكة في البيوت والقبور والحدادة .
لا حرج في أخذ الفقع فهو ليس بأشجار ولا حشيش .
الحق أن من قطع شيئاً من الأشجار فإنه يأثم ولاشيء عليه ، وما ورد عن بعض الصحابة فهو من باب التعزير .
لو خرج شوك إلى طريق المارة لم يجز قطعه لقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ كما في البخاري : " وَلا يُعْضَدُ شَوْكُهَا " .
لو نبت شجر في الطريق ولم يكن ثمة طريق آخر يمكن العدول به عنه جاز قطع الشجر للضرورة ، وإن لم يكن هناك ضرورة فالواجب عدول الطريق عنها .
لا حرج على من وطئ الحشيش بغير قصد فأتلفه ، وكذا الجراد فقتله .
وإذا أتلف شيئاً من شجر الحرم أو حشائشه مملوكاً لأحد فكذلك عليه قيمته لمالكه، وإن لم يكن مملوكاً لأحد فلا شيء عليه، ولا ينبغي له تعمد ذلك؛ لنهيه عن ذلك.
الدم والفدية
اعلم أن العلماء إذا قالوا في باب المحظورات : ( فيه دم ) ، يعنون أحد ثلاث أمور :
الدم .
إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع .(1/18)
صيام ثلاثة أيام .إلا في الجماع قبل التحلل الأول فإن فيه بدنه . وجزاء الصيد فيه مثله .
مذهبنا في الفطر مذهب أبي سعيد الخدري ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ نصف صاع من كل الأنواع حيث قال أَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ : " كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ مِنْ ثَلاثَةِ أَصْنَافٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَ مُعَاوِيَةُ فَرَأَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ بُرٍّ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : فَأَمَّا أَنَا فَلا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَذَلِكَ ) ولم يفرّق ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في حديث كعب ابن عجرة حيث قال : " أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ" . فعين المقدار نصف صاع وأطلق النوع سواءً أكان برا أو غيره ، وهو الصحيح خلافاً لمن فرّق .
لا يشترط التتابع لا في صيام المتعة ؛ ولا في صيام فدية الأذى ، خلافا لكفارة اليمين فيشترط لها التتابع لقراءة ابن مسعود ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ حيث كان يقرأ ( صيام ثلاثة أيام متتابعة ).
المحظورات أقسام :
ما لا فدية فيه : كعقد نكاح والخطبة .
ما فديته بدنة : وهو الجماع .
ما فديته مثله : وهو الصيد .
ما فديته التخيير : وهو باقي المحظورات .
الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ عد ما يحرم عداً ، فما كان بمعناها ألحقناه به ، وما لم يكن بمعناه لم نلحقه به ، وما شككنا فيه فالأصل الحل .
من كرر محظوراً من نفس الجنس يفدي ، فإن أخر الفدية ليكرر عُمِلَ بنقيض قصده ؛ لئلا يتحايل على إسقاط واجب .
فاعل المحظور لا يخلو من أحد ثلاثة أقسام :
أنه متعمد ولا عذر له فعليه الفدية والإثم كما سبق .(1/19)
أنه متعمد لحاجة ؛كلبس المخيط من شدة البرد فهذا يفدي ولا أثم عليه .
أن يكون جاهلاً أو ناسيا أو مكرهاً فالصحيح أنه لا شيء عليه .
ليس على المحرم شَيْء إن قلم أظافره أو نتف إبطه أو قص شاربه أو حلق عانته أو تطيب نَاسِيًا أو جَاهِلًا لقوله تعالى ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) وقول النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ قال الله : " قد فعلت "ولحديث صاحب الجبة .
وإن لبس المحرم مخيطاً أو غطى رأسه أو تطيب ناسياً أو جاهلاً فلا فدية عليه، - ويزيل ذلك متى ذكر أو علم،
إن لبس المحرم قميصاً أو غيره ناسياً ثم ذكر نزعه على الفور ، وينزعه كما لبسه خلافاً لمن قال يشقه .
من احتاج إلى فعل محظور فعل وفدى ، كما في حديث كعب بن عجرة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ .
تارك الواجب
من ترك واجباً من واجبات الحج والعمرة وجب عليه دم، والدم سبع بدنة، أو سبع بقرة، أو شاة تجزئ أضحية، يذبح بمكة ويقسم بين فقراء الحرم، ولا يجوز إخراج قيمة الدم نقوداً؛ لأن إخراج النقود يخالف ما أمر الله به
من ترك واجباً ذبح نسكاً ، فإن لم يستطع فلا شيء عليه ، ولا دليل لمن قال إنه يجب على من لم يستطع أن يهرق دماً صيام عشرة أيام ، وقياسه على التمتع قياس مع الفارق .
من وجب عليه الدم لترك واجب وهو لا يستطيعه فإنه يصوم عشرة أيام: ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله. ويبدأ وقت ذبح الدم لترك واجب من أول ترك الواجب، سواء كان قبل أيام العيد أو بعده، ولا حد لآخره، ولكن تعجيله بعد وجوبه مع الاستطاعة واجب، ولو أخره حتى وصل إلى بلده لم يجزئ ذبحه في بلاده، بل عليه أن يبعث ذلك إلى الحرم ويشتريه من هناك ويذبحه في الحرم ويوزع على فقراء الحرم، ويجوز أن يُوَكِّل من يقوم بذلك نيابة عنه من الثقات.(1/20)
حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ( مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا ) له حكم الرفع لأنه لا يقال من جهة الرأي ، ولم نعرف مُخَالِفًا له من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فعلى كل من ترك واجباً عمداً ، أو سهواً ، أو جهلاً كرمي الجمار أو المبيت ليالي منى أو طواف الوداع و نحو ذلك دم يذبح في مكة المكرمة ، و يقسم على الفقراء ، و المجزي في ذلك هو المجزي في الأضحية ، و هو رأس من الغنم أو سبع بدنه أو سبع بقرة.
يوم التروية
إذا كان يوم التروية ، وهو الثامن من ذي الحجة استحب للمحلين بمكة ومن أراد الحج من أهلها الإحرام بالحج من مساكنهم؛
والسنة أن يقع إحرامه من مكة لا من مني ؛ لأن أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم- أحرموا من مكة
ولا يجب عليه أن يخرج إلى حدود الحرم فهو يحرم من موضعه بمكة ولا يشترط أن يأتي إلى المسجد نفسه.
من كان مقيما في منى يوم الثامن من ذي الحجة أحرم من مكانه و لا حاجة لدخوله إلى مكة لعموم حديث ابن عباس الوارد في ذلك وهو قوله ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ لما ذكر المواقيت ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة.
ويستحب أن يغتسل ويتنظف ويتطيب عند إحرامه بالحج.
وبعد إحرامهم بالحج يسن التوجه إلى منى قبل الزوال أو بعده من يوم التروية،
وسمي يوم التروية من الرَّيء لأنهم كانوا يحملون الماء فيه إلى عرفات من أجل سقي الحجاج.
والذهاب لمنى يوم التروية سنة وليس بواجب إن تيسر فالحمد الله ، وإن لم يتيسر فلا حرج عليه . والدليل على ذلك : أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال في حديث عروة بن مضرس-رضي الله عنه- لما قال : أقبلت من جبل طي أكللت راحلتي وأتعبت نفسي وما تركت جبلاً إلا وقفت عليه فقال-عليه الصلاة والسلام- : (( من صلى صلاتنا هذه )) يعني يوم النحر في الفجر بمزدلفة (( ووقف موقفنا هذا - بالمشعر - وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه.(1/21)
ويكثروا من التلبية إلى أن يرموا جمرة العقبة،
ويصلوا بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر،
والسنة أن يصلوا كل صلاة في وقتها قصراً بلا جمع، إلا المغرب والفجر فلا يقصران.
ولا فرق بين أهل مكة وغيرهم؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى بالناس من أهل مكة وغيرهم بمنى وعرفة ومزدلفة قصراً، ولم يأمر أهل مكة بالإتمام، ولو كان واجباً عليهم لبينه لهم.
يوم عرفة
يذهب إلى عرفة صبيحة اليوم التاسع بعد صلاة للفجر بمنىٍ بعد طلوع الشمس، لكن من لم يفعل ذلك وذهب إلى عرفة قبل ذلك فإن ذلك لا يؤثر على حجه.
خرج-عليه الصلاة والسلام- إلى عرفات من طريق ضب وهو الطريق الذي بأسفل جمرة العقبة .
وكان من هدي الصحابة -رضي الله عنهم- مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أنهم خرجوا ذاكرين لله قال أنس-رضي الله عنه- : غدونا مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إلى عرفات فمنا الملبي ومنا المهلل ومنا المكبر فلم يعب أحدٌ منا على الآخر.
ويسن أن ينزلوا بنمرة إلى الزوال، إن تيسر ذلك؛ لفعله – صلى الله عليه وسلم .
ونمرة هو : المنْبَسط الفسيح الذي بين حدود الحرم ووادي عرنة وهو يقرب من خمسائه متر نزل فيه-عليه الصلاة والسلام- فلم يدخل إلى عرفات قبل زوال الشمس ولا قبل صلاة الظهر ؛ وإنما نزل قبلها فضربت له القبه-صلوات الله وسلامه عليه- في هذا الموضع فنزل فيه.
إذا زالت الشمس ركب المحرم من نمرة إلى عرفة .
عرنة ليست من عرفة شرعاً ؛ وإن كانت منه تاريخياً .
لا يجوز صوم يوم عرفة في حق الحاج لأن النبي ـ صلى الله عليه و آله وسلم ـ وقف في عرفة في حجة الوداع مفطراً وقال : " لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ " ولأنه ـ صلى الله عليه و آله وسلم ـ نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة .(1/22)
أما غير الحاج فيشرع له صوم اليوم المذكور لقول النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ لما سئل عن صوم يوم عرفة قال : "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " .
ثم إنه-عليه الصلاة والسلام- لما زالت الشمس حرك ناقته القصواء-صلوات الله وسلامه عليه- وأتى وادي عرنة وخطب الناس خطبته المشهورة التي تعرف بخطبة حجة الوداع.
وقد جمع فيها-صلوات الله وسلامه عليه- مقاصد الإسلام وكانت من أعظم المشاهد لأن الله أقر فيها عين رسوله-صلى الله عليه وسلم- فقد اجتمع في هذا اليوم قال بعض العلماء : إنهم كانوا - أي الصحابة - قرابة مائة وعشرين ألف صحابي على القول بأنهم بلغوا هذا المبلغ ، فأحيا ما اندرس من معالم الحنيفية وطمس معالم الشرك والجاهلية ، وأذهب العصيبة ، وبين الحلال والحرام وذَكرَ الناس به مسألة الأُخوة واستشعار المسلم بحق أخيه المسلم قال : (( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد )) وكان يرفع أصبعه-عليه الصلاة والسلام- ثم ينكتها على الصحابة (( اللهم فأشهد )) ثم قال-عليه الصلاة والسلام- : (( ألا فليبلغ الشاهد الغائب )) وبين-عليه الصلاة والسلام- عظيم الحرمات وكان مما بين حرمته حرمة الربا وقال : (( إن الربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا عمي العباس بن عبدالمطلب )).(1/23)
فإذا زالت الشمس سن للإمام أو نائبه أن يخطب الناس خطبة تناسب الحال، يبين فيها ما يشرع للحاج في هذا اليوم وبعده، ويأمرهم فيها بتقوى الله وتوحيده والإخلاص له في كل الأعمال، ويحذرهم من محارمه، 4يوصيهم فيها بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم -، والحكم بهما، والتحاكم إليهما في كل الأمور؛ اقتداءً بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في ذلك كله،
من وقف يوم عرفة قبل الزوال فقط فأكثر أهل العلم على عدم أَجْزَاء الوقوف.
ذهب الأمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ و جماعة إلى أن من وقف في عرفة قبل الزوال يجزئه ذلك لعموم حديث عروة بن مضرس حيث قال النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ ، و قد وقف بعرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فأطلق النهار ، قالوا : فهذا يشمل ما قبل الزوال وما بعده ولكن الجمهور على خلافه ، و أنه لا يجزئ الوقوف يوم عرفة إلا بعد الزوال لأنه ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ وقف بعد الزوال ، و هذا هو الأحوط.
من وقف بعد الزوال أجزئه فإن انصرف قبل المغرب فعليه دم إن لم يعود إلى عرفة ليلاً أعنى ليلة النحر.
من وقف بعرفة ليلاً أجزئه و لو مر بها مروراً.
ثم إن رسول الأمة-صلى الله عليه وسلم- أمر بلالاً فأذن ثم أمره فأقام الصلاة فصلى الظهر ثم صلى بعدها العصر جمع تقديم . في وقت الأولى بأذان واحد وإقامتين؛ لفعله – صلى الله عليه وسلم -،
لم يكن من هديه أن يصلي نفلاً بموقف عرفات، بل اكتفى بصلاة الظهر والعصر في مسجد نمرة، جمعاً وقصراً، ولا اتخذ مصلى بما يسمى جبل الرحمة ليصلي فيه من صعد على هذا الجبل نافلة أو فريضة في يوم عرفات
ثم يقف الناس بعرفة، وعرفة كلها موقف إلا بطن عُرَنَةَ،
بعضهم يقفون خارج عرفة، وهؤلاء لا يصح حجهم؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الحج عرفة.
لا يصح حج من وقف خارج حدود عرفة ولو كان قريباً منها.(1/24)
إن وقف الناس في عرفة خطأً صح ، لأن الهلال اسم لما اشتهر عند الناس ، ولأنهم فعلوا ما أمروا به ، ولأن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ قال :" فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ " وهؤلاء قد غم عليهم فأكملوا عدة ذي القعدة ثلاثين يوماً .
يمتد وقت الوقوف بعرفة من فجر اليوم التاسع إلي آخر ليلة النحر للأحاديث الواردة في ذلك والأفضل و الأحوط أن يكون الوقوف بعرفة بعد الزوال أو في الليل من اليوم التاسع خروجاً من خلاف الجمهور القائلين بعدم أَجْزَاء الوقوف بعرفة قبل الزوال.
ويستحب استقبال القبلة وجبل الرحمة إن تيسر ذلك، 1فإن لم يتيسر استقبالهما استقبل القبلة وإن لم يستقبل الجبل،
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث على صعود جبل عرفات الذي اشتهر عند الناس باسم: جبل الرحمة، ولم يكن من هديه صعود هذا الجبل في حجه ولا اتخذه منسكاً،ولذا قال كثير من العلماء: إن صعود هذا الجبل في الحج على وجه النسك بدعة، منهم الإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ صديق خان،
انشغال الناس بالكلام والحديث مع الآخرين في يوم عرفة، وإهمال الدعاء والذكر، وهذا خلاف حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا اليوم.
المقصود من هذا اليوم التفرغ للدعاء وهو يوم عرفة .
ويستحب للحاج في هذا الموقف أن يجتهد في ذكر الله سبحانه ودعائه والتضرع إليه، ويرفع يديه حال الدعاء، - وإن لبى أو قرأ شيئاً من القرآن فحسن،
هديه حرك دابته القصواء-صلوات الله وسلامه عليه- ودخل إلى عرفات واستقبل القبلة وجعل حبل المشاة بين يديه ثم رفع يديه وما زال يتضرع ويدعو حتى غابت عليه الشمس-صلوات الله وسلامه عليه- صلى وفريضة تقدم على وقتها من أجل أن يتفرغ للدعاء ؛ لأن شرف هذا اليوم في الدعاء (( خير يومٍ طلعت عليه الشمس يوم عرفة )) (( وما من يومٍ أكثر من أن يعتق الله فيه الرقاب من يوم عرفة ))(1/25)
ويسن أن يكثر مماورد " خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير"، :" أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".
فينبغي الإكثار من هذا الذكر وتكراره بخشوع وحضور قلب، واستشعار لعظمة الله-جل جلاله- وما يدريك فلعلك أن تدعو بدعوة تصيب بها سعادة لا تشقى بعدها أبداً ! وما يدريك في هذا اليوم لعلك أن تقول كلمة تكون سبباً في نجاتك من الفتن ما ظهر منها وما بطن فهذا يوم السؤال ويوم الحاجة والتضرع .وأعرف من بعض مشايخنا-رحمة الله عليه- أنه كان إذا جَمَع وصلى تضرع ولايزيد عن هذه الكلمة !! ما يزيد عن قوله لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، من عظمها وفضلها فهي أثقل كلمة ولا يثقل مع اسم الله شيء ولقي الله عبد له تسع وتسعون سجل كل سجل منها مد البصر من الذنوب والخطايا وجاء ببطاقة فيها لا إله إلا الله فطاشت بتلك السجلات كلها ولا يثقل مع اسم الله شيء ،
يقف المحرم راكبا أو قاعداً حسب ما يكون أخشع لقلبه .
الأفضل أن يدعوا كلٌ لوحده ؛ فإن دعوا مجتمعين بأن يدعو أحدهم ويؤمن عليه فلا حرج ، وقد يكون أخشع لبعضهم .
فضل هذا اليوم وأفضل ما فيه آخره لأن الموقف يبدأ من بعد الصلاة لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- ما دخل عرفة إلا بعد صلاة الظهر والعصر.
وينبغي الإكثار أيضاً من الأذكار والأدعية الواردة في الشرع في كل وقت، ولا سيما في هذا الموضع وفي هذا اليوم العظيم ويختار جوامع الذكر والدعاء وما كان في معناها من الذكر والدعاء والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم - ويلح في الدعاء ويسأل ربه من خيري الدنيا والآخرة.وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا دعا كرر الدعاء ثلاثاً.(1/26)
ويكون المسلم في هذا الموقف مخبتاً لربه سبحانه، متواضعاً له، خاضعاً لجنابه، منكسراً بين يديه، يرجو رحمته ومغفرته، ويخاف عذابه ومقته، ويحاسب نفسه، ويجدد توبة نصوحاً؛ لأن هذا يوم عظيم ومجمع كبير، يجود الله فيه على عباده، ويباهي بهم ملائكته، ويكثر فيه العتق من النار، - وما يرى الشيطان في يوم هو فيه أدحر ولا أصغر ولا أحقر منه في يوم عرفة إلا ما رؤى يوم بدر؛ وذلك لما يرى من جود الله على عباده وإحسانه إليهم وكثرة إعتاقه ومغفرته. - " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول : ما أراد هؤلاء ".
قد زعم بعض الناس:أن يوم عرفة إذا صادف يوم جمعة أن حجته تعدل سبعين حجة، أو اثنتين وسبعين حجة، وليس بصحيح .
ولا يزال الحجاج في هذا الموقف مشتغلين بالذكر والدعاء والتضرع إلى أن تغرب الشمس،
إن النبي-صلى الله عليه وسلم- بعد أن فرغ من الدعاء انتظر حتى غابت الشمس وذهبت الصفرة ثم دفع-عليه الصلاة والسلام- إلى مزدلفة كما في حديث جابر، وقال: "خذوا عني مناسككم" .
نص العلماء على أنه لا يدفع قبل ذهاب الصفرة يعني تقريباً بما لا يقل عن درجة فلكية ينتظر حتى تذهب فيها الصفرة التي تلي مغيب الشمس .
لو قيل أن المحرم إذا دفع قبل الغروب فعليه دمٌ مطلقاً إلا جاهل نبه فرجع ولو بعد الغروب لكان له وجه .
مزدلفة
إذا غربت الشمس انصرفوا إلى مزدلفة بسكينة ووقار, يقول جابر في هذا اليوم : وما كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يُدفع أحد بين يديه-صلوات الله وسلامه عليه- ، ويقول : كنت أرى الناس أمامي مد البصر ، وأرى الناس ورائي مد البصر ، وأرى الناس عن يميني وشمالي مد البصر ورسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول : (( أيها الناس السكينة ... السكينة ))(1/27)
إن النبي-صلى الله عليه وسلم- دفع من عرفات, يقول أنس-رضي الله عنه- يصف رسول الأمة وهو يدفع من عرفات : كان يسير العَنَقَ فإذا وجد فجوة نص.
وأكثروا من التلبية .
تبدأ مزدلفة غرباً من وادي محسر، وتنتهي شرقاً بأول المأزمين من جهتها،
فلما أتى الشعب - وهو الذي قبل المشعر - دخل-عليه الصلاة والسلام- فيه وقضى حاجته ثم توضأ قال زيد-رضي الله عنه- يصف وضوئه أنه كان وضوءاً خفيفاً ، وكان رديفه زيد-رضي الله عنه وأرضاه- بن حارثة ،
ثم إنه -عليه الصلاة والسلام- أمر بلالاً فأذن ثم أمره فأقام فصلى بالناس المغرب ثلاث ركعات، ثم انتظر بقدر ما يحط الرحل ثم أمره أن يقيم فصلى بالناس العشاء ركعتين جمعاً بأذان وإقامتين من حين وصولها سواء وصلوا إلى مزدلفة في وقت المغرب أو بعد دخول وقت العشاء .
السنة أن يؤخر الحاج المغرب والعشاء إلى مزدلفة.
يصلي العشائين في مزدلفة فإن صلاها في الطريق أجزأ خلافاً لابن حزم.
أخذ بعض العلماء دليلاً على أن صلاة المغرب لا تصلى في عرفة وإنما ينتظر إلى يبلغ إلى مزدلفة فيصليها تأسياً برسول الله-صلى الله عليه وسلم-
من الأخطاء: استعجال بعضهم بالصلاة من غير تحرٍّ للقبلة.
ولما صلى-عليه الصلاة والسلام- لم يسبح بينهما كما في الصحيحين من حديث ابن عمر ولا على إثرهما ، ومراده لم يسبح يعني لم يصل راتبة المغرب ولم يصل راتبة العشاء لأنه لم يكن يصلي الرواتب في السفر-صلوات الله وسلامه عليه- وهذه هي السنة لأنه إذا مرض العبد أو سافر كُتب له عمله.
المبيت بمزدلفة
ويبيت الحاج في هذه الليلة بمزدلفة،
السنة في ليلة مزدلفة النوم ، وهو أفضل من إحيائها بالذكر .(1/28)
فبات-عليه الصلاة والسلام- بالمشعر وهذا المبيت واجب من واجبات الحج لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- بات وقال : (( خذوا عني مناسككم )) ولأنه يقصد به الموقف ولذلك قال : (( من صلى صلاتنا هذه ووقف موقفنا هذا وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه ))
بعض العلماء عظم المبيت والوقوف بالمشعر وجعله ركن من أركان الحج لهذا الحديث تعظيماً لأمره
من الأخطاء الانشغال بالصلاة والقيام ليلة مزدلفة، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نام في تلك الليلة حتى الصباح)، فإذا أوتر الإنسان فلينم، أو إذا نام قبل أن يوتر، يوتر آخر الليل.
أحسن الأقوال أن الوقوف في مزدلفة واجب يجبر بدم .
يجب على الحاج المبيت في مزدلفة إلي نصف الليل، وإذا كمل وبقى إلي الفجر حتى يسفر كان أفضل
من مر بمزدلفة ولم يبت بها ثم عاد قبل الفجر ومكث بها ولو يسراً فلا شئ عليه.
لا يترك المبيت في مزدلفة أحد من الحجاج ؛ حتى من جاز لهم ترك المبيت في منى ، لأن المبيت في مزدلفة أوكد من المبيت في منى .
أحكام الضعفة
والسنة عنه-عليه الصلاة والسلام- أنه خفف عن الضعفة والعجزة فكبار السن والأطفال إذا كانوا مع الشخص أو معه والده كبير سن ويحتاج إلى الرفق يجوز له أن يدفع به إلى منى بعد مغيب القمر ، أو بعد منتصف ليلة العيد كما في الصحيح من حديث أسماء رضي الله عنها ـ أنها قالت وَهِيَ عِنْدَ دَارِ الْمُزْدَلِفَةِ ( هَلْ غَابَ الْقَمَرُ ؟ قُلْتُ ـ أي مولاها ـ : لا ، فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ : يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَتْ : ارْحَلْ بِي ، فَارْتَحَلْنَا ) وهو نصف الليل على الصحيح . وكما في الحديث الصحيح عن ابن عباس-رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قدم الضعفة من أهله وبات-عليه الصلاة والسلام- . ولحديث عائشة وأم سلمة وغيرهما.(1/29)
وأما غيرهم من الحجاج فيتأكد في حقهم أن يقيموا بها إلى أن يُصلُّوا الفجر،
يجوز للنساء مطلقا الدفع من مزدلفة بعد نصف الليل من ليلة مزدلفة وهي ليلة النحر ولو كن قويات ، و هكذا بقية الضعفاء من كبار السن والمرضى وأتباعهم لأن النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ رخّص في ذلك.
الراجح أنه لا يجب على الأقوياء البقاء في مزدلفة للفجر خاصة مع شدة الزحام ، والأفضل البقاء حتى يسفر جداً .
من رمى جمرة العقبة وطاف للإفاضة وسعى قبل منتصف الليل فإن ذلك لا يجزئه، وعليه أن يعيد الطواف والسعي والرمي، وليس لإعادة الطواف والسعي حد محدود،
يبدأ طواف الإفاضة بعد منتصف الليل من ليلة النحر للضعفة ومن في حكمهم، وليس لنهايته وقت محدد، لكن الأولى أن يبادر الحاج بالطواف للإفاضة قدر استطاعته، مع مراعاة الرفق بنفسه،
الصحيح أن رمي جمرة العقبة في النصف الأخير من ليلة النحر مجزئ للضعفة وغيرهم ولكن يشرع للمسلم القوي أن يجتهد حتى يرمي في النهار إقتداءً بالنبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ لأنه ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس.
الوقوف في مزدلفة
ثم يقفوا عند المشعر الحرام فيستقبلوا القبلة ويكثروا من ذكر الله وتكبيره والدعاء إلى أن يسفروا جداً.
ويستحب رفع اليدين هنا حال الدعاء،
وحيثما وقفوا من مزدلفة أجزأهم ذلك،
ولا يجب عليهم القرب من المشعر ولا صعوده؛ " وقفت هاهنا – يعني : على المشعر – وجمع كلها موقف" وجمع: هي مزدلفة.
الأقرب للصواب أن من فاته الوقوف بمزدلفة مكرهاً لزحام ونحوه وقف ولو شيئاّ قليلاً ؛ ويصح منه ، وحكمه حكم الذين عذروا عن وقت الصلاة حتى خرج وقتها .
- ثم في صبيحة يوم العيد غَلَّسَ-عليه الصلاة والسلام- بصلاة الفجر فصلى صلاة الفجر في أول وقتها وذلك لكي يبقى معه وقت من أجل الدعاء وقد أثر عن بعض السلف وذكر عنهم أنه جرب الدعاء فوجده مستجاباً والله-عز وجل.(1/30)
ومن الأخطاء: أن بعضهم يصلون الفجر قبل دخول وقتها.
وبين الله في كتابه تعظيم الموقف عند المشعر الحرام { فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ }
الوقوف بالمشعر الحرام يكون بعد صلاة الفجر يدعو ويتضرع لله-عز وجل- ومزدلفة كلها موقف ويرتفع عن وادي محسر وإذا قاربت الشمس من الطلوع دفع ؛ فإذا أسفروا جداً انصرفوا إلى منى قبل طلوع الشمس لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- خالف الجاهلية وكانوا يدفعون من مزدلفة بعد طلوع الشمس وكانوا يقولون : أشرق ثبير كي ما نغير .
وأكثروا من التلبية في سيرهم،
مضى-عليه الصلاة والسلام- إلى منىٍ وكان رديفه الفضل فلما بلغ وادي محسر أسرع-صلوات الله وسلامه عليه- وضرب دابته كما هو هديه في مواطن العذاب ، مخالفاً للمشركين حيث كانوا يقفون فيه ويذكرون مجد آبائهم.
التقاط الحصى
من الأخطاء: الانشغال بلقط الحصى بمجرد النزول إلى مزدلفة، حتى ينشغلون بذلك عن تأدية صلاة المغرب والعشاء. يقول الشيخ ابن باز: "والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أن يُلتقط له الحصى إلا بعد انصرافه من المشعر إلى منى، ومن أي موضع لقط الحصى أجزأه سواء من مزدلفة أو من غيرها".
النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يأمر أن يلتقط له الحصى إلا بعد انصرافه من المشعر إلى منى . ومن أي موضع لقط الحصى أجزأه ذلك ولا يتعين لقطه من مزدلفة، بل يجوز لقطه من منى،
الذي يظهر لي من السنة أنه لا يستحب أخذ الحصى من مزدلفة بل من عند الجمرة لحديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه لقط الحصى للنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ من عند الجمرة وهو يقول : " أَمْثَالَ هَؤُلاءِ فَارْمُوا " .
والسُّنَّة التقاط سبع في هذا اليوم يرمي بها جمرة العقبة؛ اقتداءً بالنبي – صلى الله عليه وسلم،(1/31)
أما في الأيام الثلاثة فيلتقط من منى كل يوم إحدى وعشرين حصاة يرمي بها الجمار الثلاث.
يأخذ الحصى كل يوم بيومه ، أكبر من الحمص ودون البندق .
ويكون حصى الجمار مثل حصى الخذف، وهو أكبر من الحُمُّص قليلاً.
ألا يغلو في هذا الحصى ؛ لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- أخذ سبع حصيات أمر الفضل أن يلتقطها بمزدلفة وأخذهن بكفه ثم قال : (( أيها الناس بمثل هذا فارموا وإياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو )) ،
لم يصح الرمي إذا رمى بحجر كبير قالوا : لأنه ليس بالحصى المعتبر لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- رمى بمثل حصى الخذف وهو الحصى الذي يحذف به ويخذف
ولا يستحب غسل الحصى، بل يرمى بها من غير غسيل؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه،
الصحيح أن غسل الحصى بدعة لأن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ لم يفعله .
يجب أن يكون بالحصى وما في حكمه مما هو من الأرض فلا يصح الرمي بالخشب لأنه ليس من جنس الأرض ، وكذلك الورق لا يصح الرمي به ؛ لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- رمى بالحصى .
ولا يرمى بحصى قد رمي به .
الراجح أنه يجزيء الرمي بحجر مستعمل ، وهو الأرفق .
لا يجوز الرمي مما في الحوض أما الذي بجانبه فلا حرج
كسر الأسمنت إذا كان فيها حصى أجزأ الرمي بها .
رمي جمرة العقبة
السنة أن يبتدأ الحاج برمي جمرة العقبة صبيحة يوم النحر, وقال الفضل-رضي الله عنه- : كنت رديف النبي-صلى الله عليه وسلم- فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ،
أخذ جمهور العلماء أن التليبه بالنسبة للحاج يقطعها عند رمي جمرة العقبة,
ثم رموها من حين وصولهم
بسبع حصيات متعاقبات،
أن تكون متفرقة ؛ لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- فرقهن . فلو جمعهن ورماهن رمية واحدة فهن في حكم الحصاة الواحدة .
يرفع يده عند رمي كل حصاة .
ويُكَبِّر،
ويستحب أن يرميها من بطن الوادي،(1/32)
ويجعل الكعبة عن يساره، ومنى عن يمينه؛ لفعل النبي – صلى الله عليه وسلم،
رمى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ الجمرة من بطن الوادي ومكة عن شماله ومنى عن يمينه ، ويرميها المحرم حسب الأيسر له والأخشع لقلبه .
وإن رماها من الجوانب الأخرى أجزأه ذلك إذا وقع الحصى في المرمى،
ينبغي أن يكون وقوع الحصى في داخل الحوض ولا يشترط ضرب الشاخص ؛ لأن العبرة بوقوعها في الحوض وليست العبرة بضرب العمود أو إصابت الشاخص.
ولا يشترط بقاء الحصى في المرمى وإنما المشترط وقوعها فيه،
فلو وقعت الحصاة في المرمى ثم خرجت منه أجزأت في ظاهر كلام أهل العلم،
فلو رمى الشاخص وخرجت عن الحوض وجب عليه قضاءها ؛ لأن العبرة بوقوعها.
ينبغي أن يكون الرمي داخل الحد فهذه الأحواض لا يزاد فيها ولا ينقص منها ؛ لأنها توقيفية تعبديه ويكون الرمي في هذا المكان المحدد شرعاً .
ينبغي أن يكون وقوعها بفعل الرامي لا بفعل شيء آخر فلو أنه رماها بنفسه ووقعت فقد حصلت العبادة لأنه رمى ووقع الرمي منه ،
لا يصح أن يضع الحصى في مرمى الجمرات ، ولا بد من الرمي والتتابع ، فإن رمى السبع حصيات مرة واحدة كانت عن حصى واحدة .
من شك هل وقع الحصى في المرجم أم لا فعليه التكميل حتى يتيقن.
وإذا شك في عدد ما رماه بنى على اليقين إذا شك هل رمى ثلاثاً أو أربعاً بنى على ثلاث ، وإذا شك هل رمى ستاً أو سبعاً بنى على ست ،
إذا رمى في أول النهار وشك فإنه يرجع ويتم.
إذا رمى ست حصيات يجوز له أن يرجع ويقضي ما بقي.
لم يثبت عن النبي-صلى الله عليه وسلم- بعد رميه لجمرة العقبة أنه وقف للدعاء لا في يوم النحر ولا في بقية الأيام فجمرة العقبة لا يوقف عندها للدعاء وإنما اختص الدعاء في الرمي إذا كان بعد الجمرة رمي يختص بالجمرة الأولى الصغرى التي تلي مسجد الخيف والجمرة الوسطى.(1/33)
لم يثبت دليل على منع الرمي ليلاً والأصل جوازه ، والأفضل الرمي نهاراً في يوم العيد كله ، و بعد الزوال في الأيام الثلاثة إذا تيسر ذلك ،
والرمي في الليل إنما يصح عن اليوم الذي غربت شمسه ، ولا يجزئ عن اليوم الذي بعده ، فمن فاته الرمي نهار العيد رمى ليلة إحدى عشر إلى آخر الليل ، ومن فاته الرمي بعد الزوال في اليوم الحادي عشر رمى بعد غروب الشمس في ليلة اليوم الثاني عشر ، ومن فاته الرمي في اليوم الثاني عشر بعد الزوال رمى بعد غروب الشمس في ليلة اليوم الثالث عشر ، ومن فاته الرمي نهاراً في اليوم الثالث عشر حتى كابت الشمس فاته الرمي ، و وجب عليه دم ، لأن وقت الرمي كله يخرج بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر
حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ضعيف لانقطاعه بين الحسن العرني ، وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ و على فرض صحته فهو محمول على الندب جمعاً بين الأحاديث كما نبه على ذلك الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ
بعضهم يعتقدون أنه يرمي الشياطين فتجد أنه يرمي بالحصى الكبار، ويرمي بالحذاء، ويشتم، ويسب، ولا شك أن هذا خطأ مخالف للسنة، وهو مظهر قبيح ومؤذ، ويعطي صورة غير حسنة عن هؤلاء الحجاج بجهلهم، وعدم معرفتهم بهذه الشعيرة التي جاءوا لها.
ومن الأخطاء: الرمي بشدة، وعنف، مع الصراخ - أيضًا-، والسب، والواجب: الخشوع، واستحضار نية العبادة، والتقرب إلى الله تعالى، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في الحديث الصحيح: "إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله - عز وجل -". فأي إقامة لذكر الله تعالى يفعلها أولئك الذين يصرخون، ويجلبون، ويرمون بالأحجار، والأخشاب، والأحذية، وغيرها؟!(1/34)
لا يجوز للحاج تأخير رمي جمرة العقبة إلى اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق بدون عذر؛، ومن أخرها إلى أيام التشريق بلا عذر فقد خالف السنة، وحرم من بعض أجر نسكه، وعليه أن يستغفر الله لما مضى، ويحرص على أداء نسكه على وجهه الشرعي في المستقبل.
وينتهي رمي جمرة العقبة بطلوع الفجر عند بعضهم, وبعضهم يقول : بطلوع الشمس في اليوم الحادي عشر وطلوع الفجر أظهر ،
فلو أن شخصاً جاء من مزدلفة وعنده ظرف أو جاءه شاغل ولم يستطع أن يرمي جمرة العقبة إلا بعد غروب الشمس فيجزيه ، ولذلك حج عبدالله بن عمر-رضي الله عنهما- فنفست امرأته ليلة العيد وضعت ولدها فتأخروا في علاج المرأة الذين هم رفقتها من النساء فبقوا معها ولم يرموا جمرة العقبة إلا بعد مغيب الشمس فأقرهن-رضي الله عنه- على ذلك.
أخذ بعض العلماء من عشية يوم عرفة أن العشي تنسحب فعشية عرفة إلى فجر يوم النحر وعشية العاشر الذي هو يوم النحر يستمر إلى فجر اليوم الحادي عشر ثم اليوم الحادي عشر إلى اليوم الثاني عشر فقالوا : يجوز أن يرمي وفيه حديث المسائل قال : - يا رسول الله - رميت بعدما أمسيت ؟ قال : (( لا حرج )) فقالوا : بعدما أمسيت أي بعد غروب الشمس فلا بأس أن يرمي خاصة إذا وجد العذر ؛ لكن السنة أن يرمي بعد الزوال تأسياً برسول الله-صلى الله عليه وسلم- فيحرص على ذلك ما أمكنه .
الحلق والتقصير
ثم إنه-عليه الصلاة والسلام- حلق رأسه فأعطى الحلاق شقه الأيمن ثم شقه الأيسر-صلوات الله وسلامه عليه.
والحلق أفضل؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – دعا بالرحمة والمغفرة للمحلقين (ثلاث مرات) وللمقصرين واحدة،
ولا يكفي تقصير بعض الرأس، بل لا بد من تقصيره كله كالحلق،
يقصر من جميع شعره بحيث يظهر لمن رآه أنه مقصر ، لا من كل شعرة بعينها .(1/35)
الذي يظهر لي أنه لا يجوز تأخير الحلق عن شهر ذي الحجة لأنه نسك لكن إن كان جاهلاً وجوب الحلق أو التقصير ثم علم فإننا نقول احلق أو قصر ولا شيء عليك فيما فعلت من المحظورات .
من نسي الحلق أو التقصير و تحلل بعد الرمي فإنه ينزع ثيابه إذا ذكر ثم يحلق أو يقصّر ثم يلبسها فإن قصّر وهو عليه ثيابه جهلاً منه أو نسياناً فلا شئ عليه لعموم قوله سبحانه (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) ، وحديث صاحب الجبة.
التحلل
التحلل من الإحرام بالحج للرجل والمرأة يكون بعد رمي جمرة العقبة وحلق الرجل رأسه أو تقصير شعره، وليس للمرأة إلا التقصير، فيحل لكل منهما بذلك كل شيء كان محرماً عليهما بالإحرام إلا الجماع، ويسمى هذا التحلل بـ: التحلل الأول، وهذا التحلل الأصغر يباح به كل شيء إلا النساء.
الصواب أنه لا يحل إلا بعد الرمي والحلق ، ولو قال قائل بأن من ساق الهدي يتوقف إحلاله على نحره أيضاً لكن له وجه
ووقف-عليه الصلاة والسلام- للناس يسألونه فخفف عليهم ويسر-عليه الصلاة والسلام- ،
من أنزل عامداً بعد التحلل الأول ، و قبل الثاني ، من غير جماع فلا شئ عليه ، فإن صام ثلاثة أيام ، أو ذبح شاة ، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع فهو حسن ، خروجاً من خلاف من قال بوجوب الفدية ، و أحوط عملاً لقول النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ " مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ عِرْضَهُ وَدِينَهُ "
طوف الإفاضة
يسن له بعد هذا التحلل: التطيب والتوجه إلى مكة، ليطوف طواف الإفاضة؛
ويسمى هذا الطواف: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، ويسمى طواف الركن وهو الطواف الأعظم في الحج لقوله-تعالى- : { ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } وهو ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به،(1/36)
وطاف على بعيره يوم النحر ؛ لأن الناس ركبوه-عليه الصلاة والسلام- وأحبوا أن يروا ما يفعله-عليه الصلاة والسلام- في مناسكه ، ثم جاء سقاية بني العباس فشرب منها-عليه الصلاة والسلام-.
وليس لدخول المسجد الحرام ذكر يخصه ثابت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما أعلم .
يدخل من الباب ويقول ( بسم الله اللَّهُمَّ صلِّ على محمد اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ) وأما باقي الآثار فضعيفة لا يعمل بها .
لم يأمر النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ بالدخول من باب السلام ، وإنما دخل منه فإن تيسر ودخل منه فهو أفضل ، و إلا فلا حرج .
فإذا وصل إلى الكعبة: 1)قطع التلبية قبل أن يشرع في الطواف إن كان متمتعاً أو معتمراً،
2)ثم قصد الحجر الأسود واستقبله، 3)ثم يستلمه بيمينه، 4)ويقبله إن تيسر ذلك، 5)ولا يؤذي الناس بالمزاحمة، 6)ويقول عند استلامه: "بسم الله والله أكبر "، أو يقول: "الله أكبر"، 7) فإن شق التقبيل استلمه بيده أو بعصاً أو نحوهما، وقبل ما استلمه به، 8)فإن شق استلامه أشار إليه، وقال: "الله أكبر"، 9) ولا يقبل ما يشير به،
البداية قبل الحجر الأسود بدعة وتقدم بين يدي الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ .
بعضهم يشيرون إلى الحجر بكلتا اليدين، والمشروع أن يشير إليه بيد واحدة ويقول عند الإشارة: "الله أكبر".
أنواع الطواف حول الكعبة كثيرة: منها:
1) طواف الإفاضة في الحج ويكون بعد الوقوف بعرفات يوم عيد الأضحى أو بعده، وهو ركن من أركان الحج،
2) ومنها: طواف القدوم للحج، ويكون للمحرم بالحج وللقارن بين الحج والعمرة حينما يصل إلى الكعبة، وهو واجب من واجبات الحج أو سنة من سننه على خلاف بين العلماء، ويبقى هذين الطوافين في ذمة الإنسان ولو إلى آخر عمره،
3) ومنها: طواف العمرة وهو ركن من أركانها، لاتصح بدونه،(1/37)
4) ومنها: طواف الوداع ويكون بعد انتهاء أعمال الحج والعزم على الخروج من مكة المكرمة، وهو واجب على الصحيح من قولي العلماء على كل حاج ماعدا الحائض والنفساء، فمن تركه وجب عليه ذبيحة تجزئ أضحية،
5) ومنها: الطواف وفاء بنذر من نذور الطواف بها، وهو واجب من أجل النذر،
6) ومنها: الطواف تطوعاً. وكل منها: سبعة أشواط، يصلي الطائف بعدها ركعتين خلف مقام إبراهيم إذا تيسر ذلك، فإن لم يتيسر صلاهما في بقية المسجد.
شروط الطواف
ويشترط لصحة الطواف: 1)أن يكون الطائف على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر؛ لأن الطواف مثل الصلاة غير أنه رخص فيه في الكلام،
لا يصح الطواف بغير طهارة لأن النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ لما أراد أن يطوف توضأ وقد قال " لِتَأخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ " و لما صح عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : " الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام "وروى مرفوعاً إلي النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ والموقوف أصح وهو في حكم المرفوع لأن مثله لا يقال من جهة الرأي.
الراجح أنه لا تشترط الطهارة من الحدث الأصغر للطواف ، وهو اختيار شيخ الإسلام يرحمه الله .
الطواف بالبيت العتيق كالصلاة؛ فيشترط له ما يشترط لها، إلا أنه أبيح في الطواف الكلام، فالطهارة شرط لصحة الطواف، فلا يصح من الحائض الطواف حتى تطهر، ثم تغتسل،
الأرجح أن خروج الدم لا يؤثر في الطواف إذا كان يسراً من غير الدبر والقبل كالصلاة.
2) يجعل البيت عن يساره حال الطواف، وهي قبلة الطائف ولذلك قال : (( الطواف بالبيت صلاة.(1/38)
لو عكس الطواف وجعل البيت عن يمنيه لم يصح طوافه ، ولو طاف وجعل البيت وراء ظهره مثل أن يحاول في أثناء طوافه أن يمسك كبيراً في السن أو نحو ذلك بعضهم يطوف ويجعل البيت وراء ظهره ولايصح الطواف إلا إذا جعل البيت عن يساره عبادة توقيفية جاءت عن النبي-صلى الله عليه وسلم- بهذه الصفة لا تصح بدونها ، ولذلك الاستقبال فيها شرط ونص عليه جمهور العلماء-رحمهم الله . وهذا لا يجزئ إلا إذا زوحم، ولم يستطع ذلك.
لايصح الطواف إلا داخل المسجد الحرام قال-تعالى- : { وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ } فلو طاف من خارج المسجد الحرام لم يصح.
أن يطوف في الدور الثاني ويصح أن يطوف في الدور الثالث في السطح ؛ لأن الأصل أن سطح المسجد آخذ حكم أسفله ؛ لأن النبي-صلى الله عليه وسلم قال: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أراضين) فجعل أسفل الأرض آخذاً حكم أعلاها ، وأعلاها آخذاً حكم أسفلها.
ولا بأس بالطواف من وراء زمزم والمقام، ولا سيما عند الزحام، والمسجد كله محل للطواف،
ولو طاف في أروقة المسجد أجزأه ذلك، ولكن طوافه قرب الكعبة أفضل إن تيسر ذلك.
لا يصح الطواف على الشاذوران ، وقال شيخ الإسلام ـ يرحمه الله ـ بجوازه .
3) وإن قال في ابتداء طوافه : "اللهم إيماناً بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد – صلى الله عليه وسلم " فهو حسن؛ لأن ذلك قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم –
مما لا أصل له: أن بعض الناس عندما يستلم الحجر يقول: "اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بوعدك، واتباعًا لسنة رسولك - صلى الله عليه وسلم -". والحديث الوارد في ذلك ليس بصحيح، وقد أنكره الإمام مالك وغيره.(1/39)
وفي حديث الحاكم أن النبي-صلى الله عليه وسلم- استفتح طوافه بالتكبير حينما استلم الحَجَر ثم قال : (( اللهم ايماناً بك ووفاءً بعهدك وتصديقاً لكتابك )) هذا الحديث اختلف في صحته بعض العلماء يقول : إنه لا بأس بذكره في بداية الطواف لكن الصحيح الثابت ما ذكرناه أولاً .
4) يطوف سبعة أشواط، يبتدئ كل شوط بالحجر الأسود ويختم به.
إن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- حرص على تقبيل الحَجَر وهذه سنة إن تيسرت ، وإن لم تتيسر فإنه لا يشرع له أن يؤذي غيره ، أما لو أنه انتظر وصبر حتى يقبل فله في ذلك أصل ولا ينكر عليه إذا تحمل المشقة وكان ابن عمر-رضي الله عنه- كما ثبت عنه وصح ربما أخذ في الشوط الواحد قدر خمسمائة آية من طول انتظاره-رضي الله عنه- لفراغ الحَجَر تأسياً وحرصاً على سنة النبي-صلى الله عليه وسلم- ، - ولا يقال إنه أخطأ إنما أخطأ إذا آذى غيره فينبغي أن يفرق بين الأذيه وبين الحرص على السنة.
5) يشترط أن تكون الأشواط سبعة من الحَجَر إلى الحَجَر يبتدؤها من الحَجَر ، فلو انتقص منها ولو قدماً واحداً لم يتم طوافه لابد وأن يطوف سبعة أشواط بكامل جسمه وجرمه من الحَجَر إلى الحجر.
يشترط أن يكون ساتراً لعورته فلا يصح طواف العريان ولا من مكشوف العورة أو عليه ثياب رقاق؛ لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال حينما أمر أبا بكر-رضي الله عنه- أن ينادي مناديه في الحج التي سبقت حجة الوداع : (( ألا يحج بعد العام مشرك ، وألا يطوف بالبيت عريان ))
إن شك في عدد الأشواط بنى على اليقين، وهو الأقل، فإذا شك طاف ثلاثة أشواط أو أربعة؟ جعلها ثلاثة، وهكذا يفعل في السعي.
من شك في الطواف بنى على غلبة الظن كما في الصلاة .
إن شك بعد الطواف فلا يرجع حتى يتيقن النقص .
ويكون حال الطواف متطهراً من الأحداث والأخباث، خاضعاً لربه، متواضعاً له.
ولا يشرع الرمل والاضطباع في غير طواف القدوم، ولا في السعي، ولا للنساء؛(1/40)
ويستحب له أن يكثر في طوافه من ذكر الله والدعاء، وإن قرأ فيه شيئاً من القرآن فحسن،
أجمع العلماء على أنه لو طاف بالبيت يذكر الله-عز وجل- ويهلله ويعظمه أنه يجزيه ، ولذلك طاف ابن عمر-رضي الله عنه- وهو يقول : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لا يزيد عليها-رضي الله عنه وأرضاه.
ولو طاف يقرأ القرآن أجزأه لأنه من ذكر الله-عز وجل
ولا يجب في هذا الطواف ولا غيره من الأطوفة ولا في السعي ذكر مخصوص، ولا دعاء مخصوص.
وأما ما أحدثه بعض الناس من تخصيص كل شوط من الطواف أوالسعي بأذكار مخصوصة أو أدعية مخصوصة فلا أصل له، بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كفى،
بالنسبة للطواف يشرع فيه الذكر لله-عز وجل- مطلق الذكر ؛ لكن ورد الدعاء المأثور فيستحب له أن يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود : (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)
وكلما حاذى الحجر الأسود استلمه وقبله، وقال: "الله أكبر"،فإن لم يتيسر استلامه وتقبيله أشار إليه كلما حاذاه وكبر.
فإذا حاذى الركن اليماني استلمه بيمينه، وقال :" بسم الله والله أكبر" ولا يقبله، فإن شق عليه استلامه تركه ومضى في طوافه،
ولا يشير إليه ولا يكبر عند محاذاته؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما نعلم،
وبعضهم يشير إلى الركن اليماني، أو يقبِّلونه، أو يكبِّرون عنده، وكل هذا مما لا أصل له، وإنما الثابت استلام الركن اليماني فقط. أما الحجر الأسود فهو الذي يُقَبَّل، ويُستلَم، ويشار إليه.(1/41)
يشرع للطائف استلام الحجر الأسود والركن اليماني في كل شوط كما يستحب له تقبيل الحجر الأسود واستلامه بيده اليمنى إذا يسر ذلك بدون مشقة ، أما مع المشقة والزحام فيكره ، و يشرع أن يشر للحجر الأسود بيده أو بعصا ويكبر أما الركن اليماني فلم يرد فيه فيما نعلم دليل يدل على الإشارة إليه وإن استلم الحجر الأسود بيده أو بعصا قبّله تأسياً بالنبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ إذا لم يتيسر تقبيل الحجر
لا يجوز للطائف بالبيت في حج أو عمرة أو طواف نفل أن يدخل من حجر إسماعيل، ولا يجزئه ذلك لو فعله؛ لأن الطواف بالبيت، والحِجر من البيت؛
والطواف ينبغي أن يكون من وراء الحِجْر -وهو الجدار القصير المدور شمالي الكعبة-، فبعضهم يدخلون من داخل الحجر، ويكون طوافهم بينه وبين الكعبة، ولا يطوفون من وراء الحجر، وهذا الطواف لا يجزئ.
أن تكون هناك موالاه فيقع الشوط الثاني بعد الأول دون فاصل مؤثر ، والثالث بعد الثاني ، والرابع بعد الثالث وهكذا
من كان يطوف بالبيت ثم أقيمت الصلاة، الصحيح أنه لا يلغي الشوط في مثل هذه الحالة، بل يبدأ إتمام هذا الشوط من حيث قطعه من أجل صلاته مع الإمام.
من قطع طوافه للصلاة بدأ من حيث انتهى ولا يلزمه العود إلى أول الشوط في أصح قولي العلماء ( قال الشيخ في مجموع الفتاوى : ( و بعد فراغه من صلاته يكمل ما بقي من طوافه و لكن لا يعتد بالشوط الأخير من الأشواط قبل الصلاة إذا كان هذا الشوط غير كامل و الشوط الكامل ما كان من الحجر الأسود و هذا فيه احتياط من الخلاف ) .
بعضهم يمسحون أجزاء من الكعبة، غير الحجر الأسود، وغير الركن اليماني، مع أنه لا يشرع ذلك، اللهم إلا ما ورد في الملتزَم -وهو ما بين الحجر الأسود والباب-، فإنه لا بأس أن يلتزمه إذا لم يشق عليه ذلك
الالتزام لا بأس به من غير زحمة أو تضييق ، ومكانه بين ما بين الركن الذي فيه الحجر والباب .(1/42)
إذا طاف الحاج طواف الإفاضة ونسي أحد الأشواط، وطال الفصل فإنه يعيد الطواف، وإن كان الفصل قريباً فإنه يأتي بالشوط الذي نسيه.
من الأخطاء في الطواف: المبالغة برفع الصوت في الدعاء والذكر بما يؤذي الناس ويشق عليهم.
المعروف عند أهل العلم أنه يجوز أن يواصل بين طوافين أو أكثر ثم يصلى لكل طواف ركعتين .
الطواف بالكعبة لا يقبل النيابة، فلا يطوف أحد عن غيره إلا إذا كان حاجاً عنه أو معتمراً؛ فينوب عنه فيه تبعاً لجملة الحج أو العمرة.
إن طاف مكلفٌ بطفل ونوى الطفل وحامله صح عنهما ، فان كان لا يعقل النية فإما أن يطوف عن نفسه أولاٌ ثم عن الطفل أو يوكل من يطوف ؛ بالطفل لأنه لا يصح أن يقع طواف بنيتين .
يجوز لحامل الطفل أن ينوى الطواف والسعي عنه وعن الطفل لأن النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ لما سألت المرأة عن الطفل فقالت يا رسول الله ألهذا حج قال : " نعم ولك أجر " ولم يأمرها أن تخصه بطواف أو بسعي فدل ذلك على أن طوافها به وسعيها به مجزي عنها.
وزمن الطواف والسعي لا يفوت بخلاف زمن الرمي .
وبعد فراغه من هذا الطواف يرتدي بردائه فيجعله على كتفيه وطرفيه على صدره قبل أن يصلي ركعتي الطواف.
ركعتي الطواف
فإذا فرغ من الطواف صلى ركعتين وهي سنة لكل طواف خلف المقام إن تيسر ذلك وجعله بينه وبين الكعبة ثم تلا الآية : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى }، وإن لم يتيسر ذلك لزحام ونحوه صلاهما في أي موضع من المسجد، تحصل ركعتا الطواف إن كان قريباً من المقام أو بعيداً.
الركعتان خلف المقام واجبة ، ولا شيء على من تركها .
أتى-عليه الصلاة والسلام- إلى المقام ثم كبر فصلىوقرأ فيهما بعد الفاتحة (قل يا أيها الكافرون) في الركعة الأولى و(قل هو الله أحد) في الركعة الثانية كما عند مسلم، هذا هو الأفضل، وإن قرأ بغيرهما فلا باس،(1/43)
ومن المخالفات: أن بعض الناس يزاحم على الصلاة خلف المقام، ويؤذي نفسه، ويؤذي غيره، مع أن المقصود أن يجعل المقام بينه وبين الكعبة، حتى ولو كان بعيدًا، ولو صلاها في أي مكان من البيت أجزأه ذلك كما سبق.
وبعض الناس يطيلون هاتين الركعتين، مع أن هذا غير مشروع بل السنة تقصيرهما، وفي تقصيرهما أيضًا دفع المشقة عن الناس، وترك الفرصة لغيره.
بعد ركعتي الطواف قام وأتى زمزم فشرب منها ثم رجع وقبل الحجر، يستلم الحجر الأسود إن أراد السعي ولا يقبله ولا يشير إليه . اقتداءً بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في ذلك.
من أتى أعمال الحج ما عدا طواف الإفاضة ثم مات قبل ذلك لا يطاف عنه؛وأن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً؛ لبقائه على إحرامه .
من أخر طواف الإفاضة إلى قرب خروجه من مكة، وطاف طواف الإفاضة وخرج مكتفيا به عن طواف الوداع فلا شيء عليه،
الصواب أن لا يجوز تأخير طواف الإفاضة عن شهر ذي الحجة إلا من عذر ؛ كمرض لا يستطيع معه الطواف لا ماشياً ولا محمولاً ، أو امرأة نفست قبل أن تطوف الإفاضة ، أما إذا كان من غير عذر فإنه لا يحل له أن يؤخره ، بل يجب أن يبادر قبل أن ينتهي شهر ذي الحجة .
- يجاب عن حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إِذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إِلا النِّسَاءَ فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ " أنه شاذ ، وقد تركت الأمة العمل به ، ومن انتهى من إحرامه فقد حل ؛ ولا يعود للإحرام إلا إذا عقد إحراماً جديداً ، أما مجرد عدم المبادرة بطواف الإفاضة فإنه لا يكون سبباً لعود التحريم بلا نية .(1/44)
لا دليل لمن قال بعدم جواز تأخير طواف الإفاضة عن ذي الحجة، والصواب جواز التأخير ، ولكن الأولى المبادرة به.
السعي
السعي ركنٌ من أركان الحج . ولذلك بينت أم المؤمنين عائشة أن الله لا يتم حج من حج وعمرة من اعتمر إذا لم يسع بين الصفا والمروة.
لا حرج على من قدم السعي على الطواف خطأً أو نسيانأً ، وقد ثبت عنه صلى ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ أن النَّاسُ يَأْتُونَهُ فَمَنْ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ أَوْ قَدَّمْتُ شَيْئًا أَوْ أَخَّرْتُ شَيْئًا فَكَانَ يَقُولُ " لا حَرَجَ لا حَرَجَ "، فدل ذلك على أنه إن قدم السعي أجزئه ولكن الأحوط أن لا يفعله عمداً ومتى وقع منه نسياناً أو جهلاً فلا حرج.
يصح تقديم السعي على الطواف في الحج لا العمرة .
السنة أن يكون السعي متصلاً بالطواف بقدر الاستطاعة، فإن أخر السعي كثيراً ثم سعى أجزأه.
انطلق-عليه الصلاة والسلام- إلى الصفا فتلا الآيات قبل أن يرقى جبل الصفا { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } ثم قال : (( أبدا بما بدأ الله به )) فالسنة في هذه الآية أن تقرأ قبل البدأة بالطواف ولا يشرع تكرارها عند كل مرة يريد أن يصعد إلى الصفا لأنها قُرِأتْ لسبب وهو سبب التعليم والتوجيه ، حتى إن بعض العلماء يقول : قصد منها النبي-صلى الله عليه وسلم- تعليم الأمة ، ولذلك قال بعدها : (( أبدا بما بدأ الله به )) وفي لفظ النسائي في السنن : (( أبدؤا )) .
يخرج إلى الصفا من بابه فيرقاه أو يقف عنده، والرقي على الصفا أفضل إن تيسر،(1/45)
ومن الأخطاء: أن بعضهم يشيرون على الصفا والمروة إلى البيت، كما يشير أحدهم في تكبير الصلوات باليدين كلتيهما أو بأحدهما. مع أن المشروع أنه إذا وقف على الصفا - وكذلك على المروة- استقبل القبلة، ورفع يديه كهيئة الداعي، وذكر الله تعالى وكبره وحمده، ودعا بما أحب من خير الدنيا والآخرة.
والسنة عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في سعيه أنه رقى الصفا حتى رأى البيت فاستقبله فكبر الله-عز وجل- ثلاث تكبيرات ثم قال : (( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده نصر عبده وأنجز وعده وهزم الأحزاب وحده )) ثم دعا-عليه الصلاة والسلام- ثم رجع مرة ثانية وكبر ثلاث مرات ثم هلل المرتين ثم دعا ، ثم رجع مرة ثالثة فكبر ثلاثاً وهلل مرتين ودعا ، فأصبحت السنة أن يكبر تسع تكبيرات ، وأن يهلل ست تهليلات ، وأن يدعو ثلاث مرات يدعو بما تيسر، رافعاً يديه،)،
والسنة أن يرقى حتى يرى الكعبة ، وبالنسبة للنساء فالسنة ألاَّ يرقين الجبل وهذا نص عليه جمهرة العلماء ؛ لأن الواجب أن يَطَّوّفَ الإنسان بين الصفا والمروة فلو جاءت لأقل مكان ترقى به طرف الصفا أجزأها ، وهكذا بالنسبة للمروة.
لا يجب الصعود على الصفاء و المروة ، و يكفي الساعي استيعاب ما بينهما ، و لكن الصعود عليهما هو السنة والأفضل ؛ إذا تيسر ذلك.
ثم إن النبي-صلى الله عليه وسلم- بعد أن فرغ من دعائه نزل حتى إذا انصبت قدماه في الوادي خبَّ-عليه الصلاة والسلام- وسعى واشتد سعيه كما في حديث بنت أبي تجرات-رضي الله عنها وأرضاها- أنها كانت في دار بني شيبة ورأته-عليه الصلاة والسلام- يسعى والرداء يدور على ركبته من شدة سعيه وقال وهو يسعى : (( أيها الناس إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا )).(1/46)
ينزل فيمشي إلى المروة حتى يصل إلى العلم الأول فيسرع الرجل في المشي إلى أن يصل إلى العلم الثاني، أما المرأة فلا يشرع لها الإسراع بين العلمين؛ لأنها عورة، وإنما المشروع لها المشي في السعي كله،
والأصل فيه أن هاجر لما جعل الله-عز وجل- تفريج كربها سعت بين الصفا والمروة في القصة المشهورة سبع مرات ، - وكان بعض العلماء يقول : كأن الله-عز وجل- يُذَكِّر كل مكروب ومنكوب وذي حاجة وملهوف أن الله يجيب دعاء المضطر.
سعى-عليه الصلاة والسلام- وخبَّ ثم إنه رقى المروة أو يقف عندها، والرقي عليها أفضل إن تيسر ذلك، وصنع عليها مثل ما صنع على الصفا ما عدا قراءة الآية، وهي (إن الصفا والمروة من شعائر الله) فهذا إنما يشرع عند الصعود إلى الصفا في الشوط الأول فقط؛ تأسياً بالنبي – صلى الله عليه وسلم –.
واحتسب سبعة أشواط ذهابه شوط وإيابه شوط-صلوات الله وسلامه عليه- فابتدأ بالصفا وانتهى بالمروة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ما ذكر، وقال: "خذوا عني مناسككم"،، ،
فلو ابتدأ بالمروة ثم مضى إلى الصفا ألغي شوط المروة واحتسب بشوط الصفا ولا يصح أن يبتدأ بسعيه من المروة فيلغى ذلك الشوط.
ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسرع في موضع الإسراع حتى يصل إلى الصفا،
ومن الأخطاء: أن يسرع في السعي كله من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا، والمشروع الإسراع للرجل بين العلمين كما سبق. وبعضهم لا يسرع بين العلمين.
أن يكون متطهراً من الحدث الأكبر والأصغر، ولو سعى على غير طهارة أجزأه ذلك، لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال لأم المؤمنين عائشة : (( اصنعي مايصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت.
يشترط له الستر من العورة فلا يسعى منكشف العورة ؛ لأنه عبادة.
من انكشفت عورته ، أو كان ثوبه رقيقاً في السعي صح سعيه ؛ لأن الستر فيه سنة .
يستحب أن يكثر في سعيه من الذكر والدعاء بما تيسر،(1/47)
تخصيص كل شوط بدعاء معين، هذا مما لا أصل له، بل يدعو بما أحب. ومما ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -أنه كان يدعو به في السعي: "اللهم اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم". ويدعو بغير ذلك، ويقرأ القرآن.
السعي في الطابق العلوي صحيح كالسعي في الأسفل لأن الهواء يتبع القرار.
إذا عجز المسلم عن السعي ماشياً وشق عليك مشقة خارجة عن المعتاد، جاز له ركوب العربة،
ويجوز في الطواف والسعي أن يؤدي هذا الركن على قدميه ويؤديه راكباً إذا وجدت الحاجة ؛ لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- طاف على بعيره.
ولو كان معه صبي ويريد أن يؤدي العمرة فإنه يحمله من أجل أن يسعى إذا كان لا يستطيع السعي.
وإذا حمل صبياً فإن الطواف والسعي للمحمول لا للحامل فلا يجزيء عن اثنين لابد وأن يكون عن واحد فيسعى أولاً عن نفسه ثم يسعى عن غيره كما هو مذهب جمهور العلماء لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال : (( حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة )) وهذا عام شامل للعبادة كلها ولأجزائها .
الموالاة في السعي شرطٌ ؛ لما ثبت أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ سعى سعيا متوالياً وقال : "خُذُوا عني مَنَاسِكَكُمْ " ؛ فإن فرق لحاجة صح سعيه .
الأرجح أن من ترك شَيْئًا من السعي أو نسيه أكمله إن لم يطل الفصل .
من ترك شوطاً أو أكثر من السعي في العمرة فعليه أن يعود ويأتي بالسعي كاملاً ولو عاد إلى بلده وهو في حكم الإحرام الذي يمنعه من زوجته وكل المحظوران وعليه أن يقصر مرة أخرى بعد السعي والتقصير الأول لا يصح.
من أفرد الحج وبقي على إحرامه إلى يوم النحر ليس عليه إلا سعي واحد،
ترتيب الأعمال
الأفضل للحاج أن يرتب هذه الأمور الأربعة يوم النحر كما ذكر : فيبدأ أولاً برمي جمرة العقبة ، ثم النحر ، ثم الحلق أو التقصير ، ثم الطواف بالبيت والسعي بعده للمتمتع ، وكذلك للمفرد والقارن إذا لم يسعيا مع طواف القدوم ،(1/48)
فإن قدم بعض هذه الأمور على بعض أجزأه ذلك ؛ لثبوت الرخصة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذلك ،
ويدخل في ذلك تقديم السعي على الطواف ؛ لأنه من الأمور التي تُفعل يوم النحر ، فدخل في قول الصحابي : فما سُئل يومئذٍ عن شيء قُدَّمَ ولا أُخَّر إلا قال : " افعل ولا حرج " ولأن ذلك مما يقع فيه النسيان والجهل فوجب دخوله في هذا العموم ؛ لما في ذلك من التيسير والتسهيل ، وقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه سئل عمن سعي قبل أن يطوف ، فقال : "لا حرج" فأتضح بذلك دخوله في العموم من غير شك .
التحلل الأكبر
الأمور التي يحصل للحاج بها التحلل التام ثلاثة وهي : رمي جمرة العقبة ، والحلق أو التقصير ، وطواف الإفاضة مع السعي بعده لمن ذكر آنفاً ،
فإذا فعل هذه الثلاثة حل له كل شيء حرُم عليه بالإحرام من النساء والطيب وغير ذلك ،
ومن فعل اثنين منها حل له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء - ويسمى هذا بـ : التحلل الأول .
التحلل الأكبر يكون بالفراغ من طواف الإفاضة والسعي إذا كان عليه سعي، فيحل لهما كل شيء كان محرماً عليهما بالإحرام حتى الجماع.
طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتم التحلل الأكبر دون الإتيان به،
لا يجب ولا يستحب الحلق أو التقصير بعد التحلل الأكبر بعد أن حلق أو قص شعره في التحلل الأصغر،أي: بعد إنهاء رمي الجمرات؛ لأن ذلك نسك في الحج فهو عبادة، والعبادات مبنية على التوقيف،
ثم جاء -عليه الصلاة والسلام- سقاية بني العباس فشرب منها.
ويستحب للحاج الشرب من ماء زمزم والتضلع منه ، - والدعاء بما تيسر من الدعاء النافع ، وماء زمزم لما شُرب له ، وفي صحيح مسلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال في ماء زمزم: " إنه طعام طُعْمٍ " زاد أبو داود : " وشفاءُ سُقم "
رمي الجمار(1/49)
انطلق إلى منىٍ وصلى بها الظهر-صلوات الله وسلامه عليه- والعصر وبات بها ليلة الحادي عشر ، ثم إنه انتظر حتى إذا زالت الشمس كما في الصحيح من حديث جابر بدأ بالجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف فرماها بسبع حصيرات ، ثم أسهل يعني أخذ جهة الوادي فرفع كفيه ودعا-صلوات الله وسلامه عليه- ، ثم بعد ذلك انطلق فرمى الجمرة الوسطى بسبع حصيات ثم أسهل ودعا-صلوات الله وسلامه عليه- ، ثم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي فأتم الرمي للثلاث الجمرات فلا يصح الرمي في هذا اليوم اليوم الحادي عشر إلا بعد زوال الشمس لأنها عبادة توقيفيه محدده بالزمان ولا يجوز الرمي لهذا اليوم قبل زوال الشمس لا هذا اليوم ولا الأيام التي تليه .
المراد بالأيام المعدودات هي: أيام التشريق الثلاثة: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر،
لقط الحصى من العزيزية أو غيرها من الحرم لا حرج فيه.
لا يجوز الرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر ، والثاني عشر ، والثالث عشر ؛ لمن لم يتعجل لأن النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ إنما رمى بعد الزوال في الأيام الثلاث المذكورة وقال: " لِتَأخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ " ولأن العبادات توقيفية لا يجوز فيها إلا ما أقره الشرع المطهر.
ويجب الترتيب في رمي الجمرات في اليوم الحادي عشر وما بعده، وذلك بأن يبتدأ بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى. فإن أخطأ أعاد في أيام التشريق ، فإن انقضت فلا شيء عليه مع الجهل؛ لعدم وجود دليل بوجوب الترتيب إلا مجرد الفعل وعموم قوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : "خُذُوا عني مَنَاسِكَكُمْ " .
يجب الترتيب في الرمي فإن خالفت وجب عليك الإعادة، فإذا لم تعد في وقت الرمي أيام منى وجب عليك دم يجزئ أضحية يذبح بمكة المكرمة، ويوزع على فقرائها،
1) فيبدأ بالجمرة الأولى : وهي التي تلي مسجد الخيف، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات،
من زاد على السبعة أجزأه الرمي، وقد أساء في الزيادة.(1/50)
يرفع يده عند كل حصاة، ويُسن أن يتقدم عنها ويجعلها عن يساره، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه ويُكثر من الدعاء والتضرع.
2) ثم يرمي الجمرة الثانية كالأولى، ويسن أن يتقدم قليلاً بعد رميها ويجعلها عن يمينه، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه فيدعو كثيراً.
3) ثم يرمي الجمرة الثالثة ولا يقف عندها، ثم يرمي الجمرات في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال، كما رماها في اليوم الأول، ويفعل عند الأولى والثانية كما فعل في اليوم الأول؛ اقتداءً بالنبي – صلى الله عليه وسلم -.
والرمي في اليومين الأولين من أيام التشريق واجب من واجبات الحج،
من أخر رمي الجمار في اليوم الحادي عشر حتى أدركه الليل، وتأخيره لعذر شرعي، ورمى الجمار ليلاً، فليس عليه في ذلك شيء. وهكذا من أخر الرمي في اليوم الثاني عشر فرماه ليلاً أجزأه ذلك ولا شيء عليه، وعليه تلك الليلة المبيت في منى والرمي لليوم الثالث عشر بعد الزوال؛ لكونه لم ينفر في اليوم الثاني عشر قبل غروب الشمس، ولكن الأحوط أن يجتهد في الرمي نهاراً في المستقبل.
لا يصح الرمي قبل الزوال ، و يصح بليل .
القول الصحيح أنه لا يجوز تأخير الرمي إلى آخر أيام التشريق إلا لعذر؛ كمن كانت داره بعيدةً ولا يستطيع القدوم كل يوم للرمي .
إن أخر الرمي بغير عذر أو لعذر عن أيام التشريق ففدية ، على ما مشى عليه صاحب الزاد .
يصح تأخر الرمي كله إلي اليوم الثالث عشر ويرميه مرتباً فيبدأ برمي جمرة العقبة ثم يرمى الصغرى ثم الوسطى ثم العقبة عن اليوم الحادي عشر ثم يرجع لرمى الثلاث في اليوم الثاني عشر، ثم يرجع ويرميهن عن الثالث عشر إن لم يتعجل، لكن السنة إن يرمى الجمار كما رماها النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ(1/51)
من رمى الجمار ثاني يوم عيد الأضحى قبل الزوال فعليه أن يعيد رميها بعد زوال ذلك اليوم، فإن لم يعلم خطأه إلا في اليوم الثالث أو الرابع أعاد رميها بعد الزوال من اليوم الثالث أو الرابع بعد الزوال، قبل أن يرمي لذلك اليوم الذي ذكر فيه، فإن لم يعلم إلا بعد غروب شمس اليوم الرابع لم يرم، وعليه دم يذبح بالحرم ويطعمه الفقراء.
من ترك رمي الجمرات فعليه دمٌ ، فإن لم يستطع فلا شيء عليه .
التوكيل في الرمي
ولا ينبغي للمحرم أن يستنيب من يؤدي عنه رمي الجمار ولو كان حجه نافلة؛ لأن من أحرم بالحج أو العمرة – ولو كانا نفلين – لزمه إتمامهما؛ "وأتموا الحج والعمرة لله"،
من ناب عن غيره بدأ بنفسه عند كل جمرة.
من أراد الرمي عن غيره فله حالتان و هما أن يرمى عن نفسه جميع الجمار ثم عن مستنيبة، و الأخرى أن يرمى عن نفسه وعن مستنيبة عند كل جمرة وهذا هو الصواب دفعاً للحرج و المشقة ولعدم الدليل الذي يوجب خلاف ذلك.
يجوز للنائب أن يرمي عن نفسه ثم عن مستنيبه كل جمرة من الجمار الثلاث ، وهو في موقف واحد ،
لا يجب عليه أن يكمل رمي الجمار الثلاث عن نفسه ثم يرجع فيرمي عن مستنيبه في أصح قولي العلماء لعدم الدليل الموجب لذلك، ولما في ذلك من المشقة والحرج " وما جعل عليكم في الدين من حرج " يسَّروا ولا تُعسروا " ولأن ذلك لم ينقل عن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين رموا عن صبيانهم والعاجز منهم ، ولو فعلوا ذلك لنقل ؛ لأنه مما تتوافر الهمم على نقله .
يجوز لولي الصبي العاجز عن مباشرة الرمي أن يرمي عنه جمرة العقبة وسائر الجمار بعد أن يرمي عن نفسه ، وهكذا البنت الصغيرة العاجزة عن الرمي لحديث جابر – رضي الله عنه -، قال: "حججنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ومعنا النساء والصبيان ، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم".(1/52)
ويجوز للعاجز عن الرمي لمرض أو كبر سن أو حمل أن يوكل من يرمي عنه؛ "فاتقوا الله ما استطعتم"، - وهؤلاء لا يستطيعون مزاحمة الناس عند الجمرات وزمن الرمي يفوت ولا يُشرع قضاؤه فجاز لهم أن يوكلوا بخلاف غيره من المناسك ,
يجوز عند الزحام في رمي الجمرات أن توكل المرأة من يرمي عنها، ولو كانت حجتها حجة الفريضة، وذلك من أجل مرضها أو ضعفها، أو المحافظة على حملها إن كانت حاملاً، وعلى عرضها وحرمتها؛ حتى لا تَنتهك حرمتها شدة الزحام.
من عجز عن الرمي فإنه يوكل من يرمي عنه، وجمرة العقبة وغيرها سواء في ذلك، ويكون التوكيل لشخص ثقة حج في ذلك العام،
من وكلّ غيره في الرمي عنه من غير عذر شرعي فالرمي باق عليه حتى ولو كان حجه نافلة على الصحيح فإن لم يرم فعليه دم يذبح في مكة للفقراء إذا فات الوقت ولم يرم بنفسه.
وأما الوقوف بعرفة ، والمبيت بمزدلفة ومنى ، فلا شك أن زمنها يفوت ، ولكن حصول العاجز في هذه المواضع ممكن ولو مع المشقة ، بخلاف مباشرته للرمي ،
لأن الرمي قد وردت الاستنابة فيه عن السلف الصالح في حق المعذور بخلاف غيره .
والعبادات توقيفية ليس لأحد أن يُشرع منها شيئاً إلا بحجة،
المبيت بمنى
ثم إن النبي-صلى الله عليه وسلم- بات ليلة الحادي عشر أيضاً وليلة الثاني عشر وهذا المبيت واجب بدليل حديث العباس-رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- رخص له كما في الصحيح : " أن يبيت بمكة من أجل السقاية " فقوله : " رخص " وفي رواية : " أذن " يدل على أن الأصل وجوب المبيت.
فالمبيت واجب على أصح قولي العلماء وهو مذهب الجمهور خلافاً للحنفية-رحمهم الله- فلا يجوز أن يتركه الإنسان إلا من عذر ويعتبر مبيت أكثر الليل.
الصحيح أن المبيت بمنى واجب ؛ لأن كلمة " رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للْعَبَّاسَ لِيَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ " تدل على أن الأمر في ذلك سنة .(1/53)
يجب المبيت في مزدلفة ليلة العيد، وفي منى ليلة العيد وأيام التشريق، ومن تركه لغير عذر أثم، ووجب عليه دم شاة، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة، يذبح بمكة، ويطعم لمساكين الحرم، ولا يأكل منه شيئاً، فإن لم يستطع صام عشرة أيام
ليعلم أن المبيت في منى ليس بذلك المؤكد كالرمي مثلاً ؛ والدليل أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ أسقط المبيت عن الرعاة ولم يسقط الرمي عنهم .
المبيت بمنى في الليلة الأولى والثانية واجب إلا على السقاة والرعُاة ونحوهم فلا يجب.
المبيت في منى يسقط عن أصحاب الأعذار كالسقاة والمريض الذي يشق عليه المبيت في منى ، لكن يشرع لهم أن يحرصوا في بقية الأوقات على المكث بمنى مع الحجاج تأسياً بالنبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ و أصحابه ـ رضى الله عنهم ـ إذا تيسر ذلك.
يرخص للسقاة ، و الرعاة ، و العاملين على مصلحة الحجاج أن يتركوا المبيت في منى ، و يؤخروا الرمي لليوم الثالث إلا يوم النحر فالمشروع للجميع الرمي فيه ، و عدم تأخيره
إذا بات أكثر الليل ونام بمنى أجزأه ولو جلس أكثر الليل بمنى فإنه في حكم البائت ولو لم ينم مادام أن أكثر الليل مضى عليه بمنىٍ .
من لم يجد مكاناً في منى سكن عند آخر خيمة ولو خارجها ؛ ولا شيء عليه ، ولا يذهب إلى مكة .
من لم يجد مكاناً في منى وهو حاج، ونزل أيام منى خارج منى لكنه يبيت في الليل في منى، ثم يخرج إلى منزله بعد طلوع الفجر فلا شيء عليه، ولو بات في منزله فلا حرج إذا لم يتيسر له النزول في منى.
ليست العزيزية من منى، بل يفصل بينها وبين منى جبل.
حدود منى من جهة مكة جمرة العقبة، ومن الجهة الشرقية وادي محسر.
لا حرج على من نزل في العزيزية ومزدلفة أو غيرهما من الأراضي الخارجة عن منى إذا لم يجد منزلاً في منى أيام الحج،(1/54)
إذا أجتهد الحاج في التماس مكان في منى ليبيت فيه فلم يجد فلا حرج عيه أن ينزل خارجها، ولا فدية عليه لعموم قول الله سبحانه ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) وقول النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
من ترك ليلة من منى فعليه إطعام مسكين ، وإن ترك ليلتين فعليه إطعام مسكينين ، وإن ترك ثلاث ليال فعليه دم .
من ترك المبيت في منى ليلة إحدى عشرة و ليلة الثاني عشر بلا عذر فعليه دم.
من ترك المبيت في منى جاهلاً حدودها مع القدرة على المبيت فعليه دم لأنه ترك واجباً من غير عذر شرعي ، وكان الواجب عليه أن يسأل حتى يؤدى الواجب.
التعجل
إن النبي-صلى الله عليه وسلم- لم يتعجل وقد رخص الله-عز وجل- لمن رمى الجمرات في اليوم الثاني عشر أن يتعجل بشرط أن يخرج قبل مغيب الشمس.
المدة التي يجب على الحاج أن يمكثها في منى بعد يوم النحر يومان، هي: الحادي عشر، والثاني عشر من ذي الحجة، أما اليوم الثالث عشر من ذي الحجة فلا يجب عليه أن يمكثه في منى، ولا يجب عليه رمي الجمرات فيه، بل يستحب فقط، إلا إذا غربت عليه شمس اليوم الثاني عشر وهو في منى، فيجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر ثم رمي الجمرات الثلاث بعد الزوال.
من سار خارجاً من منى فمنعه الزحام أو غيره من الخروج فأذن المغرب جاز له إكمال طريقه .
إن خرج من حدود منى قبل مغيب الشمس سقط عنه المبيت وسقط عنه الرمي. ولا يلزمه رمي جمرات اليوم الثالث عشر، ولا يشرع في حقه.
إذا لم يخرج من حدودها فإنه يجب عليه المبيت سواءً كان تهيأ أو لم يتهيأ في أصح قولي العلماء-رحمهم الله- وهو مذهب الجمهور أن العبرة بالخروج دون تفصيل بين التهيء وعدمه .(1/55)
من تأخر وبات الليلة الثالثة ورمى الجمرات في اليوم الثالث فهو أفضل وأعظم أجراً، "واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى" ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – رخص للناس في التعجل، ولم يتعجل هو، بل أقام بمنى حتى رمى الجمرات في اليوم الثالث عشر بعد الزوال، ثم ارتحل قبل أن يُصلي الظهر.
هذا التعجل بين الله-عز وجل- أنه خاص بمن اتقى فالشخص الذي يتعجل لا يخرج نفوراً من الحج ولا يخرج مللاً من الحج ؛ لأن الله قيده وبين أنه لمن اتقى ومن تقوى الله-عز وجل- أن يعظم شعائره وألاَّ يمل منها ولا يسأم فهو في عبادة .
نحر الهدي والأضحية
لما رمى-عليه الصلاة والسلام- نحر ثلاثاً وستين بدنة بيده الشريفة-صلوات الله وسلامه عليه- ، ثم وَكَّلَ علياً-رضي الله عنه- أن ينحر ما غبر وبقي منهن وكان هديه-عليه الصلاة والسلام- تمام المائة .
ويجب على الحاج إذا كان متمتعاً أو قارناً – ولم يكن من حاضري المسجد الحرام – دم، وهو: شاة، أو سُبع بدنة، أو سُبع بقرة.
ويجب أن يكون ذلك من مال حلال وكسب طيب؛ لأن الله – تعالى – طيب لا يقبل إلا طيباً.
بعد الرمي ينحر هديه ويستحب:
أن يقول عند نحره أو ذبحه: "بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك".
ويوجهه إلى القبلة،
والسنة: نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، وذبح البقر والغنم على جنبها الأيسر،
ولو ذبح إلى غير القبلة ترك السنة وأجزأته ذبيحته؛ لأن التوجيه إلى القبلة عند الذبح سنة وليس بواجب،
ويستحب أن يأكل من هديه،
ويهدى ويتصدق؛ من هدي التمتع والقران والضحية (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير)،
المشروع في هدي التمتع والقران وما يساق من الحل إلى الحرم أن يتصدق منه، ويهدي ويأكل أثلاثاً، وإن أكل أكثر من الثلث فلا بأس.(1/56)
الدم الواجب غير هدي التمتع والقران، كالفدية من الأذى، ودم جبران النسك، ودم جزاء الصيد، ودم المنذور ونحوها لا يجوز - لمن وجبت عليه - الأكل منها، وإنما يتصدق بها على الفقراء، وما وجب منها في الحرم أو الإحرام فهو لفقراء الحرم. فدي التمتع هدي شكران.
مساكين الحرم داخل مكة أو خارجها في حدود الحرم سواءً كان من أهل الحرم أو الآفقيين .
الإطعام في الفدية وكذا الذبح كلاهما لفقراء الحرم ولا تجزيء على غيرهم .
القانع هو: السائل الذي يطلب العطاء، مأخوذ من: قَنَعَ يَقْنَعُ قُنُوعَاً، والمُعْتَرُّ هو: الذي يتعرض للناس دون سؤال ليعطوه، وقيل القانع: الراضي بما عنده وبما يعطى من غير سؤال، مأخوذ من: قنعت قناعة، المعتر هو: المتعرض للناس مع سؤالهم العطاء.
ومعنى الآية: أن الله تعالى أعطانا الإبل والبقر والغنم وسخرها لنا، وجعل لنا فيها كثيراً من الخير والمنافع وشرع لنا أن نتقرب إليه منها بنحر الهدي في الحج والعمرة، وذبحها ضحية في عيد الأضحى، وأن نأكل منها ونطعم السائل والفقير المتعفف؛ مواساةً لهم، ورجاء الأجر والمثوبة، وشكراً لله على نعمه.
تجوز الاستدانة لشراء الهدى ، و لا يجب ذلك إذا كان عاجزاً عن الثمن ،و يجزئه الصوم.
ويمتد وقت الذبح إلى غروب الشمس اليوم الثالث من أيام التشريق في أصح أقوال أهل العلم، فتكون أيام الذبح يوم النحر وثلاثة أيام بعده.
العبرة في الهدي بطلوع فجر يوم العيد ، فإن وجد الهدي في ذلك اليوم كان مستطيعاً ، وإلا فلا .
الأضحية سنة مؤكدة في أصح قولي أهل العلم إلا إن كانت وصية فيجب تنفيذها و يشرع للإنسان أن يبر ميته بالأضحية و غيرها من الصدقة.
الأضحية واجبة على القادر ، ولا يستدين لها .
تكون الأضحية من الأحياء ويدخل فيها الأموات تبعا .
شروط الهدي والأضحية:(1/57)
تكون من بهيمة الأنعام فإن كانت من الإبل فخمس سنين ، والبقر سنتان ، والمعز سنة ، والضأن ستة أشهر . فما كان أقل من ذلك لا يجزئ هدياً ولا أضحية ولا عقيقة
أن يبلغ السن المعتبر في الهدي وهو الثني من المعز والبقر والإبل ، أو الجذع من الضأن .
أن يكون سليماً من العيوب المانعة من الإجزاء لقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ " لا يُضَحَّى بِالْعَرْجَاءِ بَيِّنٌ ظَلَعُهَا وَلا بِالْعَوْرَاءِ بَيِّنٌ عَوَرُهَا وَلا بِالْمَرِيضَةِ بَيِّنٌ مَرَضُهَا وَلا بِالْعَجْفَاءِ الَّتِي لا تُنْقِي " .
أن يكون في زمن الذبح ؛ والصحيح أنه يوم العيد وثلاثة أيام بعده .
التسمية شرط في الذبيحة والصيد ، ولا يسقط جهلاً ولا نسياناً، وهو اختيار شيخ الإسلام يرحمه الله .
تجزئ البدنة والبقرة عن سبعة في الهدي والأضحية ، أما العقيقة فلا تجزئ لأن العقيقة فداء نفس والفداء لابد فيه من التقابل والتكافؤ فتفدى نفس بنفس .
الأقرب أنه إن ذبح بدنة أو بقرة عن سبعة في العقيقة لم تصح من أي واحد منهم وله بيع لحمها والانتفاع به .
الشاة في العقيقة أفضل لفعله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ .
لا تجزئ العوراء والعجفاء والعرجاء والمريضة، ولا حرج في الهتماء والخصي والجداء، وتكره العضباء .
يجب ذبح هدي التمتع والقران والأضحية في وقته المحدد، أما ما وجب لترك واجب، أو فعل محظور أو كان صدقة، فيذبح بعد وجود سببه، سواء كان في أيام الذبح أو قبلها أو بعدها، مع وجوب المبادرة إلى أداء الواجب، ويجوز تأخيره عن وقت وجود سببه.
من ذبح هديه قبل يوم النحر فإنه لا يجزئه لأن النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ و أصحابه لم يذبحوا إلا أيام النحر ، و لو كانت الذبح جائزاً قبل يوم النحر لبين ذلك النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ ، و لو بينه لنقله أصحابه رضى الله عنهم .(1/58)
محل الهدي الحرم المكي، فيجب ذبح جميع الهدي التمتع والقران في داخل الحرم، ولايجوز الذبح في بلد الحاج غير مكة، إلا إذا عطب الهدي المهدى إلى مكة قبل وصوله إليها، فإنه يذبحه في مكانه، ويجزئ عنه، وكذلك في المحصر عن دخول الحرم، ينحر هديه حيث أحصر.
أن يكون في مكان الذبح ، وهو الحرم ، لكن قال الإمام أحمد ـ يرحمه الله ـ : ( مكة ومنى واحد ) واستدل بقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ "..كُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ " .
الهدي الواجب لفعل محظور غير الصيد يجوز أن يكون في الحرم أو مكان فعل المحظور ، ودليل جوازه أن الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ أمر كعب بن عجرة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أن يفدي بشاة في محل فعل المحظور .
من ذبح هديه خارج الحرم كعرفات وجدة لم يجزئه ، و لو وزعه في الحرم ، و عليه قضاءه سواءً كان عالماً أو جاهلاً .
من ذبح في الحل ووزع في الحرم من غير قصد وكان جاهلاً فالراجح عند النظر أنه لا يجزئه ، ولكن الأقرب أنه صح منه وينهى عن تكرار ذلك ، ومثل هذه الأمور التي ليس فيها نص والأمر قد انقضى فلا يشق على الناس فيها .
الذبح يجزئ في جميع الحرم، ومنه العزيزية.
لا يجوز إخراج قيمة الهدي ودفع الثمن وإنما الواجب ذبحه والقول بجواز إخراج القيمة تشريع جديد ومنكر قال تعالى ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ).
من ترك هديه في مكان لا يستفاد منه لم يجزئه ذلك.
العبرة في الهدي بطلوع فجر يوم العيد ، فإن وجد الهدي في ذلك اليوم كان مستطيعاً ، وإلا فلا .
الصواب أنه لا يكره الذبح بالليل .(1/59)
ويمتد وقت الذبح إلى غروب الشمس اليوم الثالث من أيام التشريق في أصح أقوال أهل العلم، فتكون أيام الذبح أربعة يوم النحر وثلاثة أيام بعده. لأن أيام التشريق كلها أيام أكل وشرب وذبح والأفضل تقديمه يوم العيد.
إن أخر الذبح إلى أن دخل الليل في اليوم الرابع فإن كان تأخيره عن عمد فإنَّ القضاء لا ينفعه ، ولا يؤمر به وأما إن كان عن نسيان أو جهل أو هربت بهيمته ثم وجدها صحت منه .
الذبح أو النحر في اليوم الأول خير و أفضل من الثاني ، و الثاني خير من الثالث ، والثالث خير من الرابع .
تجوز الاستدانة لشراء الهدى ، و لا يجب ذلك إذا كان عاجزاً عن الثمن ،و يجزئه الصوم.
الصيام
إن عجز المتمتع والقارن عن الهدي وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، - وهو مخير في صيام الثلاثة، إن شاء صامها قبل يوم النحر،
نص الآية : " فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ " لا يقيد الرجوع بالرجوع إلى الأهل ولكن المفسرين فسروها بذلك ، وجاءت بذلك الأحاديث كحديث ابن عمر ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ الذي رواه البخاري أنه قال : قال رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : " … فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ .. " ، ولكن مع ذلك قال بعض العلماء لو صام السبعة بعد الفراغ من أعمال الحج فلا بأس ، لأنه جاز له الرجوع إلى الأهل فجاز صومها .
وإن شاء صامها في أيام التشريق الثلاثة "فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة .(1/60)
الذي يظهر من حديث ابن عمر وعائشة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ ـ أن الصحابة كانوا يصومون الأيام الثلاثة في أيام التشريق لقولهما: ( لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ ) ، وصومها في أيام التشريق صوم لها في أيام الحج ، ولو ذهب ذاهب إلى أن الأفضل أن تصام الأيام الثلاثة في أيام التشريق لكان أقرب إلى الصواب .
والأفضل أن يقدم صوم الأيام الثلاثة على يوم عرفة ، ليكون في يوم عرفة مفطراً ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – وقف يوم عرفة مفطراً، ونهى عن صوم يوم عرفة بعرفة ولأن الفطر في هذا اليوم أنشط له على الذكر والدعاء ،
لا يجوز صيام أيام التشريق لا تطوعاً ولا فرض إلا لمن لم يجد الهدى لحديث ابن عمر وعائشة ـ رضي الله عنهما ـ قَالا :( لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ ) رواه البخاري
ويجوز صوم الثلاثة الأيام المذكورة متتابعة ومتفرقة، وكذا صوم السبعة لا يجب عليه التتابع فيها، بل يجوز صومها مجتمعة ومتفرقة؛ لأن الله – سبحانه وتعالى – لم يشترط التتابع فيها، وكذا رسوله – عليه الصلاة والسلام –
والأفضل تأخير صوم السبعة إلى أن يرجع إلى أهله؛ "وسبعة إذا رجعتم". ويجوز أن تصام متتابعة أو متفرقة، وليس على من نسي يوماً من الأيام الثلاثة شيء إذا صامه بعد رجوعه إلى أهله.
الصيام يصح في كل مكان ؛ ولكن لا يؤخره ؛ فإن فعل أثم ويجزيء .
من لم يستطع الهدي صام فإن لم يقدر سقط عنه ؛ لأن الله تعالى لم يذكر إلا الهدي والصيام فقط .
من كان قادراً على هدي التمتع والقران وصام فإنه لا يجزئه صيامه وعليه أن يذبح ولو بعد فوات أيام النحر لأنه دين في ذمته.
والصوم للعاجز عن الهدي أفضل من سؤال الملوك وغيرهم هدياً يذبحه عن نفسه .(1/61)
ومن أُعطي هدياً أو غيره من غير مسألة ولا إشراف نفس فلا بأس به، ولو كان حاجاً عن غيره، أي: إذا لم يشترط عليه أهل النيابة شراء الهدي من المال المدفوع له،
أما ما يفعله بعض الناس من سؤال الحكومة أو غيرها شيئاً من الهدي باسم أشخاص يذكرهم وهو كاذب، فهذا لا شك في تحريمه؛ لأنه من التأكل بالكذب،
وينبغي للمسلم التعفف عن سؤال الناس هدياً أو غيره سواء كانوا ملوكاً أو غيرهم إذا يسَّر الله له من ماله ما يهديه عن نفسه ويغنيه عما في أيدي الناس؛ لما جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذم السؤال وعيبه، ومدح من تركه .
ليس على أهل مكة هدي تمتع ولا قران ، و إن اعتمروا في أشهر الحج وحجوا لقول الله سبحانه لما ذكر وجوب الدم على المتمتع والصيام عند العجز عنه ( ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )
يوم الحج الأكبر هو يوم النحر،وسمي يوم النحر: يوم الحج الأكبر؛ لما في ليلته من الوقوف بعرفة، والمبيت بالمشعر الحرام، والرمي في نهاره، والنحر، والحلق، والطواف، والسعي من أعمال الحج، ويوم الحج هو الزمن، والحج الأكبر هو العمل فيه،
مسائل متفرقة
حدود الحرم توقيفية ليس للرأي فيها مجال .
أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة كله ، وهو مذهب مالك ، وهو الأقرب للصحة .
الراجح أن ظاهر القرآن " الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ "أن الحج لا ينعقد إلا في هذه الأشهر كما في قوله تعالى : " إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا "فمن نوى قبل ذلك تتحول عمرة .
الأرجح أن الأفقي أصح في اللغة من الآفاقي .
حاضروا المسجد الحرام هم : أهل مكة وأهل الحرم .
قاعدة : امتثال الأمر لا يتم إلا بفعل جميعه ، وامتثال النهي لا يتم إلا بترك جميعه .
ليس في الدنيا حرم إلا مكة والمدينة والصحيح أن وادي وج ليس حرماً .(1/62)
الصحيح أن صيد المدينة يحرم ؛ ولا جزاء فيه، إلا إن رأى الحاكم أن يعزره بأخذ سلبه أو تضمينه فلا بأس .
يجوز الرعي بمكة والمدينة ؛ لأن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ كان معه الإبل ، ولم يرد عنه أنه كان يكمم أفواهها .
يختلف حرم المدينة عن حرم مكة بالأتي :
أن حرم مكة ثابت بالنص والإجماع ، وحرم المدينة مختلف فيه .
أن صيد حرم مكة فيه الجزاء والإثم ، وصيد حرم المدينة فيه الإثم ولاجزاء فيه .
أن الإثم المترتب على صيد حرم مكة أعظم من الإثم المترتب على صيد حرم المدينة .
أن حرم مكة يحرم فيه قطع الأشجار بأي حال من الأحوال إلا عند الضرورة ، وأما حرم المدينة فيجوز ما دعت الحاجة إليه .
قاعدة : مراعاة الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من مراعاة الفضيلة المتعلقة بزمانها أو مكانها .
منى وعرفة ومزدلفة كلها مشاعر لا يجوز لأحد إن يبنى فيها بناءً ويؤجره فإن فعل فالناس معذورون في دفع الإيجار والإثم عليه وكذا مكة .
قاعدة : ( من فعل ما أمر به على وجه الأمر به فإنه لا يلزمه قضاء ) ، لأننا لو أمرناه أن يعيد لأوجبنا عليه العبادة مرتين .
يجوز الاتجار في مواسم الحج،
كدي ليست من الحل، بل من الحرم،
أماكن الحج وأزمنته محددة من الشارع، وليس فيها مجال للاجتهاد،
الصعود إلى غار حراء المذكور ليس من شعائر الحج، ولا من سنن الإسلام، بل إنه بدعة، وذريعة من ذرائع الشرك بالله، وعليه ينبغي أن يمنع الناس من الصعود له، ولا يوضع له درج ولا يسهل الصعود له؛
من مات في أثناء أعمال الحج فانه لا يكمل عنه لحديث الذي أوقصته راحلته فمات فلم يأمر النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ بإكمال الحج عنه وقال انه يبعث يوم القيامة ملبياً(1/63)
يستحب للحاج و المعتمر وغيرهما أن يشرب من ماء زمزم إذا تيسر له ذلك ، ويجوز له الوضوء منه ، و يجوز أيضاً الاستنجاء به ، و الغسل من الجنابة إذا دعت الحاجة إلي ذلك ، وقد ثبت عنه ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ أنه نبع الماء من بين أصابعه ثم أخذ الناس حاجتهم من هذا الماء ليشربوا ، و ليتوضئوا ، و ليغسلوا ثِيَابهمْ ، و ليستنجوا كل هذا وقع ، و ماء زمزم إن لم يكن مثل الماء الذي نبع من بين أصابع النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لم يكن فوق ذلك فكلاهما ماء شريف.
لا حرج في بيع ماء زمزم ولا نقله من مكة .
الأدلة الشرعية دلت على أن الحسنات تضاعف الحسنة بعشر أمثالها و تضاعف بكميات كثرة في الزمان الفاضل ، كرمضان ، و عشر ذي الحجة ، والمكان الفاضل كالحرمين ، و أما السيئات فالذي عليه المحققون من أهل العلم أنها تضاعف من حيث الكيفية لا من حيث العدد ، لقول الله سبحانه ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )
من هم بالإحاد في الحرم اَلْمَكِّيّ فهو متوعد بالعذاب الأليم لأن الله تعالى قال (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) فإذا ألحد أي إلحاد وهو الميل عن الحق فإنه موعد هذا الوعيد لهذه الآية الكريمة لأن الوعيد على الهم بالإلحاد يدل على أن الوعيد في نفس الإلحاد أشد وأعظم
من دخل الحرم بعد العصر أو بعد الفجر فليس له أن يصلى غير سنة الطواف وكل سنة ذات سبب كتحية المسجد
لا نعلم أقل حد بين العمرة والعمرة ، أما من كان من أهل مكة فالأفضل له الاشتغال بالطواف والصلاة وسائر القربات ، و عدم الخروج خارج الحرم لأداء عمرة إن كان قد أدى عمرة الإسلام(1/64)
في التفضيل بين كثرة النافلة وكثرة الطواف خلاف ، و الأرجح أن يكثر من هذا وهذا ولو كان غريباً ، وذهب بعض أهل العلم إلى التفضيل فاستحبوا الإكثار من الطواف في حق الغريب ومن الصلاة في حق غيره ، و الأمر في ذلك واسع ولله الحمد
ومنى ومزدلفة من الحرم، وأما عرفة فمن الحل.
تم بحمد الله(1/65)